فإن قيل: المقاتلة لخلل يقع في صلاة المصلي أو هو من أجل ا"رّ؟ قلت: الظاهر أنه من أجل ا"ر؛ يدل عليه قوله عليه السلام: " لأن يقف أربعين خير له من أن يمرّ بين يديْه " (1) . وقال في حق المصلي- أي الصلاة -: " لا يقْطعها شيء " ثم المقاتلة إنما تكون بعد الدفع، لاحتمال أن يكون ا"ر ساهياً، أو لم ير المصلي، أو لم يتبين له أنه يُصلي، أو فعله عامداً، فإن رجع حصل المقصود، فإن لم يرجع قُوتل. وحكى السفاقسي عن أبي حنيفة بطلان الصلاة بالدفع، وهو قول الشافعي في " القديم ". وقال ابن المنذر: يدفع في نحره أول مرة ويُقاتله في الثانية، وقيل: يُؤاخذه على ذلك بعد إتمام الصلاة ويُؤنّبه، وقيل: يدفعه دفعاً أشد من الردّ منكراً عليه، وهذا كله ما لم يكثر، فإن كثر فسدت صلاته. وضمّن عمر بن عبد العزيز رجلاً دفع آخر وهو يُصلي فكسر أنفه دية ما جنى على أنفه. والحديث: أخرجه مسلم، والنسائي، وابن ماجه. 679- ص- نا محمد بن العلاء: نا أبو خالد، عن ابن عجلان، عن زيد بن أسلم، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري، عن أبيه قال: رسولُ الله- عليه السلام -: " إذا صلّى أحدكم فليصل إلى سترة وليدن منها ثم ساق معناه (2) .
ش- أبو خالد: الأحمر، ومحمد: ابن عجلان.
قوله: " وليدن منها " أي: ليقرب من السترة.
قوله: " ثم ساق معناه " أي: بمعنى الحديث المذكور. ورواه ابن حبان في " صحيحه " من حديث زيد بن أسلم، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد، عن أبيه قال: قال رسول الله- عليه السلام-: " إذا صلى
__________
(1) يأتي بعد ثلاثة أحاديث.
(2) مسلم: كتاب الصلاة، باب: منع ا"ر بين يدي المصلي (258 / 505) ، النسائي: كتاب القبلة، باب: التشديد في المرور بين يدي المصلي وبين سترته (2 / 66) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ادرأ ما استطعت (954) .(3/260)
أحدكم إلى سترة فليدن منها، فإن الشيطان يمرّ بينه وبينها، ولا يدع أحداً
يمر بين يديْه ". انتهى.
قلت: وإسناد أبي داود صحيح- أيضاً- وكذا قال الشيخ محي الدين
في " الخلاصة ".
680- ص- نا أحمد بن أبي سُريج الرازي: أنا أبو أحمد الزبيري: أنا
مَسَرَّةُ بن مَعْبد اللخمي- لقِيتُه بالكوفة- / قال: حدثني أبو عبيد حاجب [1 / 233- ب] سليمان قال: رأيتُ عطاء بن يزيد الليثي قائماً يُصلّي فذهبتُ أمُرُّ بين يدَيْه فَردّني ثم قال: حدثنى أبو سعيد الخدريّ أن رسول الله قال: " من استطَاع منكم أن لا يحول بَيْنه وبين قِبْلته أحد فليَفْعَل " (1) .
ش- أحمد بن أبي سُريج: هو أحمد بن الصباح النهشلي، وأبو أحمد
الزبيري [] (2) .
ومَسرة بن معبد اللخمي: من بني أبي الحرام الفلسطيني، كان يسكُن
كورة بيْت جبرين، وهي على فراسخ من بيت المقدس. سمع: أبا عبيد
حاجب سليمَان بن عبد الملك، والزهري، ونافعاً، وغيرهم. روى
عنه: أبو أحمد الزبيري، وضمرة بن ربيعة الرملي، والوليد بن النضر الرملي، وغيرهم. قال أبو حاتم: شيخ ما به بأس. روى له:
أبو داود (3) .
وأبو عُبيد: اسمه: حُيى، ويقال: حُوَي حاجب سليمان ومولاه.
روى له: البخاري، وأبو داود (4) .
قوله: " أن لا يحول " أي: أن لا يفصل بينه وبين قبْلته أحد فليفعل
ذلك. وفي " المصنف ": حدَثنا أبو معاوية، عن عَاصم، عن ابن
سيرين قال: كان أبو سعيد قائماً يُصلي، فجاء عبد الرحمن بن الحارث
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) بياض قدر كلمة.
(3) انظر ترجمته في تهذيب الكمال (27 / 5900) .
(4) المصدر السابق (34 / 7492) .(3/261)
ابن هشام يمر بين يديْه فمنعه وأبى إلا أن يجيء، فدفعه أبو سعيد فطرحه، فقيل له: تصنع هذا بعبد الرحمن؟ ! فقال: والله لو أبى إلا أن آخذ بشعره لأخذتُ.
681- ص- نا موسى بن إسماعيل: نا سليمان- يعني: ابن المغيرة -، عن حميد- يعني: ابن هلال- قال: قال أبو صالح: أحدثك عما رأيتُ من أبى سعيد وسمعتُه منه، دخل أبو سعيد على مروان فقال: سمعت رسولَ الله- عليه السلام- يَقُول: " إذا صلى أحدُكم إلى شيء يَسْتُره من الناسِ فأراد أحد أن يجتاز بن يدَيْه فليَدْفعه (1) في نَحره، فإن أبى فليُقاتله، فإنما هو شيطان " (2) .
ش- حُميد: ابن هلال بن هُبيرة البصري، أبو نصر العَدوي- عدي تميم-، روى عن: عتبة بن غزوان، وعبد الله بن مغفل. وسمع: أنس بن مالك، وأبا قتادة العدوي، وعبد الله بن الصلت، وأبا صالح السمان، وغيرهم. روى عنه: قتادة، وأيوب السختياني، وشعبة، وسليمان بن المغيرة، وغيرهم. قال ابن معين: ثقة. روى له الجماعة (3) .
وأبو سعيد الخدري، ومروان بن الحكم بن أبي العاص، وقد ذكرناه. والحديث: أخرجه البخاري، ومسلم بمعناه أتم منه، فقال البخاري:
نا أبو معمر: نا عبد الوارث: نا يونس، عن حميد بن هلال، عن أبي صالح، أن أبا سعيد قال: قال النبي- عليه السلام-[ح] ، ونا آدم: نا سليمان بن المغيرة: نا حُميد بن هلال: نا أبو صالح قال: رأيت أبا سعيد الخدري في يوم جمعة يصلي إلى شيء يَستره من الناسِ، فأراد شاب من بني أبي مُعَيط أن يجتاز بين يديه، فدفع أبو سعيد في
__________
(1) في سنن أبي داود: " فليدفع"
(2) البخاري: كتاب الصلاة، باب: إثم ا"ر بين يدي المصلي (501) ، مسلم: كتاب الصلاة، باب: منع ا"ر بين يدي المصلي (259 / 505) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (7 /1542) .(3/262)
صدره، فنظر الشاب فلم يجد مساغاً إلا بين يديْه فعاد ليجتاز فدفعه أبو سعيد أشد من الأولى، فنال من أبي سعيد ثم دخل على مروان فشكى إليه ما لقي من أبي سعيد، ودخل أبو سعيد خلفه على مروان فقال: مالك ولابن أخيك يا أبا سعيد؟ فقال: سمعتُ رسولَ الله يقول: " إذا صلى أحدكم إلى شيء يَستره من الناس، فأراد أحد أن يجتاز بين يديْه فليدفعه، فإن أبى فليقاتله فإنما هو شيطان ".
وعند مسلم: " فليدفع في نحره، وَلْيدرأه ما اسْتطاع ". وعند ابن ماجه: " إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة وليدن منها، ولا يدع أحداً يمر بين يديه، فإن جاء أحد يمر فليُقاتله فإنه شيطان ". وفي " صحيح ابن حبان ": " فليدن منها " - يعني. السترة - " فإن الشيطان يَمر بينه وبَيْنها ".
ص- قال أبو داود: قال سُفيان الثوريّ: يَمر الرجلُ يتبَخْترُ بَيْنَ يدي وأنا أصلي فأمْنعُه، ويَمرّ الضعِيفُ فلا أمْنعه.
ش- هذا ليس بمَوْجُود في النسخ الصحيحة.
قوله: " يَتبخْترُ، حَال من الرجل، التبختر في المشي: هو مشْية المتكبر المُعْجب بنفسه. وفهم من كلام سفيان أن منعه لم يكن لأجلَ كونه مارا بين يديه مطلَقا. وقد ورد ترك التعرض إلى ا"ر على ما روى أبو بكر بن أبي شيبة: نا أبو خالد الأحمر، وابن فضيل، عن داود بن أبي هند /، [1/234- أ] عن الشعبي قال: إن مرّ بين يديك فلا ترده. وقد قلنا: إن الأمر بالدفع ندب، فذا ترك الندب لا يُلام عليه، والله أعْلم.
* * *
104- باب: مَا يُنهى عنه منَ المُرور ِبين يَدَي المُصلي
أي: هذا باب في بيان ما نُهِي عنه من الجواز بين يدي المُصلي، وفي بعض النسخ: " باب النهي عن المرور بين يدي المصلي ".
682- ص- نا القعنبي، عن مالك، عن أبي النضر مولى عُمر بن(3/263)
عُبيد الله، عن بُسْر بن سعيد، أن زيد بن خالد الجُهني أرسله إلى أبي جُهَيْم يَسْأله ماذا سمع من النبي صلى الله عليه وسلم في ا"رّ بين يدي المُصلي، فقال أبو جُهيم: قال رسولُ الله: " لو يَعلمُ ا"رُّ بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يَقفَ أربعين خيرٌ له من أن يَمرّ بين يديه " (1) .
قال أبو النضر: لا أدْري قال: أربعين يوماً أو شهرا أو سنةً.
ش- مالك: ابن أنس، وأبو النضر: اسمه سالم بن أميّة المدني القرشي. وبُسْر بن سعيد: بالسين المهملة، المدني، مولى ابن الحضرمي. سمع: عثمان بن عفان، وسعد بن أبي وقاص، وزيد بن ثابت، وأبا هريرة، وغيرهم. روى عنه: أبو النَّضْر سالم، وبكير بن عبد الله الأشج، ويعقوب بن عبد الله الأشج، وغيرهم. قال ابن معين: ثقة. وقال ابن سَعْد: وكان من العُباد المنقطعين، وأهل الزهد في الدنيا، وكان ثقة كثير الحديث ورعاً. مات بالمدينة سنة مائة. روى له الجماعة (2) . وزَيْد بن خالد الجهني: الصحابي قد ذكر مرةً.
وأبو جُهَيْم: هو ابن الحارث بن الصمّة بن عمرو بن عتيك بن عمرو ابن مبذول- وهو عامر- بن مالك بن النجار الأنصاري، قيل: اسمه: عبد الله، اتفقا له على حديثين. روى عنه: بُسْر بن سعيد، وعُمير مولى ابن عباس. روى له الجماعة (3) .
__________
(1) البخاري: كتاب الصلاة، باب: إثم ا"ر بين يدي المصلي (510) ، مسلم: كتاب الصلاة، باب: منع ا"ر بين يدي المصلي (261 / 507) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في كراهية المرور بين يدي المصلي (336) ، النسائي: كتاب القبْلة، باب: التشديد في المرور بين يدي المصلي وبين سترته (2 / 65) ، ابن ماَجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: المرور بين يدي المصلي (945)
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (4/688) .
انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (4 / 36) ، وأسد الغابة (6 / 59) والإصابة (4 / 36) .(3/264)
قوله: " ماذا عليه " محله نصبٌ على أنه مفعول لقوله: " لو يعلم " أي: ماذا عليه من الإثم والخطيئة.
قوله: " لكان" جوابُ " لو".
قوله: " أن يقف " أن مصدرية، والتقدير: لكان وقوفه، وهو في محل الرفع على أنه اسم كان وخبره: قوله: " خيراً " في رواية نصب " خيراً " وأما في رواية رفع " خيرٌ " فيكون ارتفاعه على أنه اسم " كان "، ويكون " أن يقف " في محل النصب خبره، والتقدير: لكان خيرٌ وقوفَه.
قوله: " من أن يمر " أن مصدرية - أيضا ً- مجرور بمنْ، والتقدير: منْ مروره. ومعنى الحديث: النهي الأكيد والوعيد الشديد.
قوله: " لا أدري قال: أربعين يوماً " أي: لا أدري قال أبو الجهيم عن الرسول: أربعين يوماً أو أربعين شهرا أو أربعين سنة، وذلك لأنه لا بد من مميّز للعدد المذكور ولايح (1) ذلك عن هذه الأشياء.
والحديث: أخرجه الستة في كتبهم، وعند ابن ماجه: نا هشام بن عمار: نا ابن عيينة، عن أبي النضر، عن بُسْر قال: أرسلوني إلى زيد ابن خالد أسأله عن المرور بين يدي المصلي، فأخبرني عن النبي- عليه السلام- قال: " لأن يقوم أربعين خير له من أن يمرّ بين يديه " قال سفيان: فلا أدري: أربعين سنة أو شهرا أو صباحا أو ساعةً؟
، وفي (2) " مسند البزار ": أخبرنا أحمد بن عَبْدة: حدثنا سفيان، عن سالم أبي النضر، عن بُسْر بن سعيد قال: أرسلني أبو جَهيم إلى زيد ابن خالد أسأله عن ا"ر بين يدي المُصلي ماذا عليه؟ فقال: سمعت رسول الله يَقولُ: " لو يعلم ا"ر بين يدي المصلي ماذا عليه من الإثم لكان أن يقفَ أربعين خريفاً خير له من أن يقوم بين يدَيه ". انتهى.
__________
(1) كذا، ولعلها بمعنى: " لا يخرج ".
(2) انظر: نصب الراية (2 / 79) .(3/265)
قلت: وفيه شيئان، أحدهما: قوله: " أربعين خريف"، الثاني: أن مَتْنه عكس متن " الصحيحين "، فالمسئول في لفظ " الصحيحين " هو أبو الجهيم، وهو الراوي عن النبي- عليه السلام-، وعند البزار: المسئول: زيد بن خالد. ونسب ابن القطان، وابن عبد البر الوهم فيه إلى ابن عيينة، وقال ابن القطان في كتابه بعد أن ذكره من جهة البزار: وقد خطأ الناسُ ابن عُيينة في ذلك لمخالفته رواية مالك، وليس خطؤه بمتعين، لاحتمال أن يكون أبو جهيم بعث بُسر بن سعيد إلى زيد بن خالد، وزيد ابن خالد بعثه إلى أبي جُهيم بعد أن أخبره بما عنده ليَستثبته فيما عنده، [1/234-ب] فأخبر كل واحد منهما بمحفوظه، وشك أحدهما وجزم الأخر بأربعين / خريفاً، واجتمع ذلك كله عند أبي النضر وحدث به. وقال ابن عبد البر في " التمهيد ": روى ابن عُيينة هذا الحديث مقلوبا، فجعل في موضع زيد بن خالد أبا جهيم، وفي موضع أبي جهيم زيد بن خالد، والقول عندنا قول مالك ومن تابعه، وقد تابعه الثوري وغيرُه. وروى ابن حبان في " صحيحه " من حديث أبي هريرة مرفوعا: " لو يعلمُ أحدكم ما له في أن يمر بين يدي أخيه معترضا في الصلاة كان لأنْ يُقيم مائة عام خير له من الخطوة التي خطى " (1) .
وقال الطحاوي: وهذا عندنا متأخر عن حديث أبي جهيم. وروى الطبراني في " الأوسط " عن عبد الله بن عمرو مرفوعا: " إن الذي يمر بين يدي المصلي عمدا يتمنى يوم القيامة أنه شجرة يابسة ".
وفي " المصنف " عن عبد الحميد عامل عمر بن عبد العزيز قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لو يعلم ا"ر بين يدي المُصلي ما عليه لأحب أن ينكسر فخذه ولا يمر بين يديه ". وقال عمر: لكان يقوم حولا خير له من مروره. وقال كعب الأحبار: لكان أن يخسف به خير له من أن يمر بين يديْه.
* * *
__________
(1) إلى هنا انتهى النقل من نصب الراية.(3/266)
105- باب: مَا يَقْطعُ الصّلاةَ
أي: هذا باب في بيان ما يقطع الصلاة.
683- ص- نا حفص بن عمر: نا شعبة. ح ونا عبد السلام بن مُطهّر، وابن كثير المعنى، أن سليمان بن المغيرة أخبرهم عن حُميد بن هلال، عن عبد الله بن الصامت، عن أبي ذر. قال حفص: قال: قال رسول الله- عليه السلام- (1) ، وقالا: عن سليمان قال: قال أبو ذر: " يقطعُ صلاةَ الرجل إذا لم يكن بين يديه قِيدُ آخرة الرحْل: الحمارُ، والكلبُ الأسْودُ، والمرأةُ " فقلت: ما بالُ الأسْود من اَلأحمر من الأصفر من الأبيض؟ فقال: نا ابن أخي، سألتُ رسولَ الله عما (2) سألتني فقال:، الكلبُ الأسودُ شيطان " (3) .
ش- عبد السلام بن مطهر: ابن حسام أبو ظفر الأزدي البصري. روى عن: شعبة، وسليمان بن المغيرة، وجعفر بن سُليمان، وغيرهم. روى عنه: البخاري، وأبو داود، وأحمد بن أبي خيثمة، وأبو زُرعة، وأبو حاتم وقال: صدوق. مات في رجب سنة أربع وعشرين ومائتي (4) . وابن كثير: هو محمد بن كثير البصري، وعبد الله بن الصامت: هو ابن أخي أبي ذر الغفاري، وحَفْص: هو ابن عمر البصري المذكور
__________
(1) في سنن أبي داود: " يقطع صلاة الرجل، وقالا ... "
(2) في سنن أبي داود:" كما ".
(3) مسلم: كتاب الصلاة، باب: قدر ما يستر المصلي (265 / 510) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء أنه لا يقطع الا الكلب والحمار والمرأة
(338) ، النسائي: كتاب القبلة، باب: ذكر ما يقطع الصلاة وما لا يقطع إذا لم يكن بين المصلي سترة (2 / 63) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما يقطع الصلاة (952) ، كتاب الصيد، باب: صيد كلب المجوس والكلب الأسود البهيم (3210) .
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (18 / 3426) .(3/267)
قوله:"وقالا" يعنى: عبد السلام بن مطهر، ومحمد بن كثير " عن سليمان " وهو: ابن المغيرة.
قوله: " قِيدُ آخِرة الرحل " أي: قدر مؤخر الرحل، واعلم أن قِيد وقادَ وقاسَ وقِيسِ وقدى وقَاب كلها بمعنى القدر، وقد قيل في قوله تعالى: " قابَ قَوْسيْنِ " (1) إن القوس: الذراع بلغة أزْد شَنُوءَةَ، وقيل: القابُ: ظفر القوس، وهو ما وراء معْقد الوتر. وارتفاع " قِيدُ " على أنه اسم " لم يكن ".
قوله: " الحمارُ " مرفوع على أنه فاعل قوله: " يقطعُ " وصلاة الرجل: مفعوله.
واختلف العلماء في هذا الحديث، فقال بظاهره غير واحد من الصحابة والتابعين، وهو قول ابن عمر، والحسن البصري. وقالت طائفة: يقطع الصلاة: الكلبُ الأسودُ، والمرأة الحائض، رُوِيَ ذلك عن ابن عباس، وعطاء بن أبي رباح. وقالت طائفة: لا يقطع الصلاة إلا الكلب الأسود رُوِيَ ذلك عن عائشة، وهو قول أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه. وقال أحمد: في قلبي من المرأة والحمار شيء. وقالت طائفة: لا يقطع الصلاة شيء، رُوِيَ هذا القول عن عليّ، وعثمان، وكذلك قال ابن المسيّب، وعَبيدة، والشعبي، وعروة بن الزبير، وإليه ذهب مالك بن أنس، وسفيان الثوري، والشافعي، وهو قول أصحابنا وقول أبي ثور. وقال بعض أصحابنا: الصلاة لا يقطعها ما يمرّ بين يدي المُصلي بوجه من الوجوه ولو كان خنزيرا، وإنما يقطعها ما يُفسدها من الحدث وغيره مما جاءت به الشريعة.
والجواب عن الحديث: أن المراد بالقطع: المبالغة في الخوف على فسادها بالشَّغْل بهم، كما يُقالُ: قطعت عنق أخيك أي: فعلت به فعلا يخاف علي هلاكه منه كمن قطع عنقه. وذهب بعضهم إلى أن حديث
__________
(1) سورة النجم: (9) .(3/268)
أبي ذر وما في معناه منسوخ، وقيل: فيه نظر، لأن الجمع ممكن / ولا (1/235-أ) يتحقق التاريخ. والحديث: أخرجه مسلم، والترمذي، والنسائي،
وابن ماجه بنحوه مختصرا ومطولا.
4 ملا- ص- نا مسدّد: نا يحيى، عن شعبة: نا قتادة قال: سمعت جابر
ابن زيد يُحدّث عن ابن عباس- رفعَه شعبة- قال: " يقطع الصلاة: المرأة
" لحائضُ، والكلبُ " (1) .
ش- أي: رفعه شعبة بن الحجاج إلى النبي- عليه السلام-.
وأخرجه النسائي، وابن ماجه، وفي حديث ابن ماجه: " والكلب
الأسود ". وقال الطحاوي: أجمعوا أن مرور بني آدم بعضهم ببعض لا
يقطع الصلاة، رُوِيَ ذلك عن النبي- عليه السلام- من غير وجه من
حديث عائشة وأم كلمة ومَيْمونة أنه كان يُصلي وكل واحدة منهن معترضة
بيْنه وبن القِبْلة، وكلها ثابتة. وقد رُوِيَ عن الرسول- عليه السلام- رد
المصلي مَنْ مرّ بين يديه، فدل ذلك على ثبوت النسخ عنه- عليه السلام-
أو أنه على وجه الكراهَة.
ص- أوقفه (2) سَعيد، وهشام، وهمام، عن قتادة، عن جابر بن زيد
على ابن عباس.
ش- أي، أوقف الحديث المذكور: سعيد بن أبي عروبة، وهشام الدستوائي، وهمام بن يحيي، عن قتادة بن دعامة، عن جابر بن زيد.
قوله: " على ابن عباس " متعلق بقوله: " أوقفه ".
وأما جابر بن زيد: فهو أبو الشعثاء اليَحْمدي الجَوفي- بالجيم - من
ناحية عمان، وقيل: موضع بالبصرة يقال له: درب الجَوْف البصري.
__________
(1) النسائي: كتاب القِبْلة، باب: ذكر ما يقطع الصلاة وما لا يقطع إذا لم يكن بين يدي المصلي سترة (2 / 63) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما يقطع الصلاة (949) .
(2) في سنن أبي داود:" قال أبو داود: وقفه ".(3/269)
سمع: عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، والحكم بن عمرو الغفاري. روى عنه: عمرو بن دينار، وقتادة، وغيرهم. قال ابن معين: ثقة. مات سنة ثلاث ومائة. روى له الجماعة (1) .
685- ص- نا محمد بن إسماعيل البصري: نا معاذ: نا هشام، عن يحيى، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: أحْسبُه عن رسول الله قال: " إذا " صلى أحدُكم إلى غير السترة فإنه يقطع صلاتَه: الكلبُ، والحمارُ، والخنزيرُ، واليهوديُّ، والمَجُوسي، والمرأةُ، ويُجزئ عنه إذا مَروا بَيْن يديه على قذفة بحجر " (2) .
ش- محمد بن إسماعيل: ابن أبي سَمينة أبو جعفر البصري، روى البخاري حديثاً عن محمد بن أبي غالب، عنه، وروى عنه: أبو داود، وأبو يعلى الموصلي. قال البخاري: كان قد قدم بغداد ثم خرج إلى الثغر، فمات به سنة ثلاثين ومائتين (3) .
ومعاذ: ابن فَضالة البَصْري الزهراني، ويُقال: القرشي مولاهم، ويقال: الطفاوي. سمع: الاستوائي، والثوري، وابن لهيعة، وغيرهم. روى عنه: ابن وهب، والبخاري، وأبو حاتم وقال: ثقة صدوق (4) .
وهشام: الدستوائي، ويحيى: ابن أبي كثير.
قوله:" ويُجزئ عنه " أي: عن الذي صلى إلى غير السترة " إذا مروا " أي: هؤلاء المذكورون.
قوله: " على قذفة " أي: رَمْية بحجرٍ.
وقال أبو داود: في نفسي من هذا الحديث شيء، كنتُ أذاكر به إبراهيم وغيره فلم أرَ أحداً جاء به عن هشام ولا يَعْرفه، ولم أر أحداً يحدث به (5)
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (4 / 866) .
(2) تفرد به أبو داود. (3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (24 / 5065) . (4) المصدر السابق له (28/ 34 0 6) . (5) في سنن أبي داود: وجاء به".(3/270)
عن هشامِ، وأحْسبُ الوهم من ابن أبى سمينة (1) ، والمنكر فيه: ذكر المجوسي، وفيه:" على قذفة بحجر "، وذكرَ الخنزير، وفيه نكارة. قال:
ولم أسْمع هذا الحديث إلا من ابن أَبي سمينة (2) ، وأحْسبه وهم لأنه كان
يُحدثنا من حفظه.
وقال ابن القطان: ليس في سنده متكلم فيه، غير أن علته بادية، وهي
الشك في رفعه، فلا يجوز أن يُقال: إنه مرفوع، وفي " العِلل " لابن
أبي حاتم: سئل أبو زرعة عن حديث رواه عُبَيس بن ميمون، عن ابن
أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة يَرفعه: " يقطع الصلاة:
" لكلبُ، والحمارُ، والمرأةُ، واليهوديُ، والنصراني، والمجوسي،
والخنزيرُ "، فقال: هذا حديث منكر. وهو عند مسلم: " يقطع
الصلاة: المرأة، والكلب، والحمار ". وكذا رواه ابن مغفل عند ابن
ماجه بسند صحيح.
686- ص- نا محمد بن سليمان الأنباري: نا وكيع، من سعيد بن
عبد العزيز، عن مولى ليزيد بن نمران، عن يزيد بن نمران فال: رأيت رجلاً
بتبُوكَ مُقعدا فقالَ: مررتُ بين يدي النبي- عليه السلام- وأنا على حمار
وهو يُصلي فقال: " اللهم اقطعْ أثرَه " فما مَشيتُ عليها بَعدُ (3) .
ش- يزيد بن نمران: ابن يزيد بن عبد الله المذْحجي الذماري، ويقال:
يزيد بن غزوان. روى عن: عمر بن الخطابَ، وأبي الدرداء، وعن:
مُقْعَد المذكور. روى عنه: مولى له اسمه: سعيد، وإسماعيل بن عبيد الله
ابن أَبي المهاجر. روى له: أبو داود (4) .
/ قوله: (بتبوك " أي: في تبوك، وهي بفتح التاء المثناة من فوق، وضم
(1/235-ب)
(1) جاء في سنن أبي داود بعد هذا: " ويعني: محمد بن إسماعيل البصري مولى بني هاشم ".
(2) في سنن أبي داود: " محمد بن إسماعيل بن سمينة "
(3) تفرد به أبو داود.
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (32 / 0 6 0 7) .(3/271)
الباء الموحدة، بُليدة بين الحجْر والشام، وبها عين ونخيل، وقيل: كان أصحاب الأيكة بها، وهي لا تنصرف للعلمية والتأنيث.
قوله: " مُقْعدا "- بضم الميم وسكون القاف - وهو الذي لا يقدر على القيام لزَمَانة به، كأنه قد ألْزم القُعودَ، وقيل: هو منَ القُعَاد، وهو داء يأخذ الإبل في أوراكها، فيُميلها إلى الأرض. وقال الشيخ زكي الدين في " مختصره ": ومولى يزيد مجهول.
قلت: قد ذكره عبد الغني في " الكمال " وقال: اسمه سعيد- كما ذكرناه-، ولكنه كأنه أشار به إلى ضَعف الحديث. وقال ابن القطان: هذا الحديث في غاية الضعْف ونكارة المتن وزعم الحازمي أنه على تقدير الصحة يكون منسوخا بحديث ابن عباس؟ لأن حجة الوداع بعد تبوك فافهم.
678- ص- نا كثير بن عُبيد: نا أبو حَيْوة، عن سعيد بإسناده ومعناه، زاد: فقال: " قطع صلاتَنا قطعَ الله أثرَه " (1) .
ش- كثير بن عُبَيْد: ابن نمير الحمْصي، إمام جامع حمص. سمع: أيوب بن سُويد الرمْلي، وابن عُيينة، ووكيعاً، وأبا حَيْوة، وغيرهم. روى عنه: أبو زرعة، وأبو حاتم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، وغيرهم. وقال أبو حاتم: ثقة. توفي سنة سبع وأربعين ومائتْين (2) . وأبو حيوة: شريح بن يزيد الحَضرمي الحمْصي المقرئ. روى عن، شعيب بن أبي حمزة، وصفوان بن عَمرو، وأرطاة بن المنذر، وغيرهم. روى عنه: ابنه: حَيْوة، ويحيى بن عثمان، والوليد بن عتبة، وغيرهم. روى له: أبو داود، والنسائي (3) .
وسعيد: ابن عبد العزيز المذكور.
قوله: " قطع صلاتنا " أي: فعل فعلا يخاف منه القطع، لا أنه قطع
__________
(1) تفرد به أبو داود. (2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (24 / 4949) . (3) المصدر السابق (12 / ص455)(3/272)
حقيقة، و" قطع " الثاني إنشاء في صورة الإخبار بمعنى: اللهم اقطع أثره، ويستفاد منه: أن المصلي إذا دعى على من يمرّ بين يدَيْه فلا بأس علي. ص- قال أبو داود: رواه أبو مُسْهِرٍ، عن سَعيدٍ قال (1) : " قطع صلاَتنا " ش- أبو مسهر: عبد الأعلى بن مسْهر. وأشار بهذا أن في رواية أبي مُسْهر، عن سعيد بن عبد العزيز: " قطع صلاتنا " كرواية أبي حيوة عنه.
688 - ص- نا أحمد بن سعيد الهمْداني ح، ونا سليمان بن دَاوُد: أنا ابن وهب قال: أخبرني معاوية، عن سعيد بن غزوان، عن أبيه أنه نزل بتبوك وهو حاج، فإذا برجل (2) مُقْعد فسأله عن أَمْره فقال: سأحدثك بحديث (3) فلا تُحدِّثْ به ما سمعْت أنيً حب: إنّ رسول الله " شَي " نزلَ بتبوِك إلى نخلة فقال: " هذه قبْلتُنا "، ثم صلّى إليها قالَ: فأقبلتُ وأنا غلام أسْعى حتىِ مَررًتُ بَيْنه وبَيْنها فَقال: " قطعَ صلاتنا قطع الله أثره " فما قمتُ عليها إلى يوْمي هذا (4) .
ش- مُعاوية: ابن صالح الحمصي قاضي الأندلس. وسَعيد بن غزْوان. روى عنه: أبيه، وصالح بن يحيى بن المقدام. روى عنه: معاوية بن صالح، والحارث بن عبيدة الكلاعي. روى له: أبو داود (5) . وفي " الكمال " (6) : غزوان روى عن رجل مقعد بتبوك، روى عنه: ابنه: سعيد بن غزوان، روى له: أبو داود (7) .
قوله: " وهو حاج " أي: قاصد الحج.
__________
(1) في سنن أبي داود:، " قال فيه ".
(2) في سنن أبي داود: (فإذا هو برجل ".
(3) في سنن أبي داود:، فقال له: سأحدثك حديثا ". (4) تفرد به أبو داود.
(5) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (28/6058) .
(6) كذا انتقل إلى ترجمة أبيه مباشرة.
(7) المصدر السابق (23 / 4687) .
18. شرح سنن أبى داود 3(3/273)
قوله: " أني حي " بفتح الهَمْزة في محل المفعولية، والتقدير: ما سمعْت حياتي في الدنيا.
قوله: " إن رسول الله " بكسر الهمزة، لأنه ابتداء كلام.
قوله: " عليها " أي: على رجْلي، وليس ب " ضمار قبل الذكر لوجود
"القرينة.
* * *
106- باب: سترة الإِمَام سترة لِمَنْ خَلفَه
أي: هذا باب في بيان أن سترة الإمام سترة لمن خلفه.
689- ص- نا مسدد: نا عيسى بن يونس: نا هشام بن الغاز، عن عمرو ابن شعيب، عن أبيه، عن جده قال: هبطنا مع النبي- عليه السلام- من ثَنية أذَاخِرَ، فحضرتِ الصلاةُ فصَلى إلى جَدْرٍ فاتخذه قبلةً ونحن خَلفه فجاءت بَهْمة تمر بين يدَيْه، فما زال يُدارئُها حتى لصق بَطنُهَ بالجدر، ومرّت من ورائه، أو كما قال مُسدد (1) .
ش- عيسى بن يونس: ابن أبي إسحاق السبيعي.
وهشام بن الغار: ابن ربيعة الجرشي، أبو عبد الله الشامي الدمشقي، نزل بغداد. سمع: نافعا، وعطاء، وعمرو بن شعيب، وغيرهم. روى عنه: ابن المبارك، وعيسى بن يونس، والوليد بن مسلم، وغيرهم. قال أحمد: صالح الحديث. وقال ابن معين: ليس به بأس. مات سنة ثلاث وخمسين ومائة. روى له: البخاريّ، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه (2) .
قوله: " من ثنية " الثنية: اسم لكل فج في جبلِ يخرجك إلى فضاء؟ وقيل: لا تسمى ثنيةَ حتى تكون مَسلوكةَ، وقال ابن الأثير: الثنية في
__________
(1) تفرد به أبو داود. (2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (30 /6588)(3/274)
الجبل كالعقبة فيه، وقيل: هو الطريق العالي فيه، وقيل: أعلى المسيل في رأسه.
قوله: " أذاخر " - بفتح الهمزة، وبعدها ذال معجمة مفتوحة، وخاء معجمة مكسورة وراء-: موضع بين مكة والمدينة، وكأنها مسماة بجمع " الإِذخِر.
قوله: (فصلى إلى جَدْر " - بفتح الجيم، وسكون الدال المهملة -
/ الجَدْر، والجدار: "الحائطُ. (1/236-أ)
قوله: " بَهْمة " البَهْمة: اسم للذكر والأنثى من أولاد بقر الوحش والغنم والمعْز، وقيل: البهمة: السَخْلة. وقيل: البهمة اسم للأنثى، لقوله- عليه السلام- للراعي: ما ولدتَ؟ قال: " بهمة. قال: " اذبح مكانها شاةً " (1) ، فلولا أن البهمة اسم لجنس خاص " كان في سؤاله صلى الله عليه وسلم الراعيَ وإجابته عنه بهمة كثير فائدة، إذْ يُعْرف أن ما تلد الشاة: إما يكون ذكرا أو أنثى، ف" أجاب ببهمة فقال: " اذبح مكانها شاة، دَل على أنه اسم للأنثى دون الذكر، أي: دع هذه الأنثى في الغنم واذبح مكانها شاةً.
وفيه فوائد، الأولى: أن سترة الإمام هي سترة للقوم، حيث صلى رسول الله- عليه السلام- إلى جَدْرٍ والناس خلفه، وفيه التبويبُ. الثانية: أن مرور الحيوان بين يدي المُصلي لا يقطع الصلاة، لأن البهمة وإن كانت مرت من خلف النبي- عليه السلام-، ولكنها من بين يَدي القوم وسترته سترتهم.
والثالثة: المدارأةُ بالمار مهما أمكن حتى لا يمر من بين يدَيْه.
690- ص- نا سليمان بن حرب، وحفص بن عمر قالا: نا شعبة، عن
__________
(1) تقدم برقم (131) باب في الاستتار.(3/275)
عمرو بن مرة، عن يحيى بن الجزار، عن ابن عباس أن النبي- عليه السلام- كان يُصلي فذهب جَدْي يمرّ بين يدَيْه فجعلَ يتّقِيه (1) .
ش- عمرو بن مُرة: ابن عبد الله المرادي الكوفي.
ويحيى بن الجزار- بالجيم والزاي المعجمة وآخره راء- العرني (2) الكوفي، يلقب " زَبّان "- بالزاي والباء الموحدة-. سمع: عليا، وابنه: الحُسن بن علي، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وغيرهم. روى عنه: الحكم بن عتيبة، وعمرو بن مرة، والحسن العرني (2) . قال أبو حاتم وأبو زرعة: هو ثقة. روى له: الجماعة إلا البخاري (3) . قوله: " فذهب جَديٌ " الجدي- بفتح الجيم وسكون الدال المهملة-: الصغير من ولد المعز، وجمعه في الكثرة: جداء، وثلاثة أجْد، ولا تقل في الكثرة: الجَدايا ولا الجِدْ- بكسر الجيم.
قوله: " فجعل يتقي" أي: جعل رسول الله يحترز من مروره من بَيْن يديْه، ويدارئه حتى لا يمرّ من بين يديه.
* * *
107- باب: مَنْ قال: المرأةُ لا تَقْطعُ الصَّلاةَ
أي: هذا باب في بيان من قال: إن المرأة إذا مرت من بين يدي المصلي
لا تقطع صلاته. وفي بعض النسخ: " باب ما جاء في أن المرأة لا تقطع الصلاة ".
691- ص- نا مسلم بن إبراهيم: نا شعبة، عن سَعْد بن إبراهيم، عن عروة،عن عائشة قالت: كنتُ بين النبي- عليه السلام- وبَيْن القِبْلة. قال شعبة: وأحسبها قالت: وأنا حائض (4) .
__________
(1) تفرد به أبو داود. (2) في الأصل:" الغرني " خطأ. (3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (31 /6800) .
(4) تفرد به أبو داود.(3/276)
ش- سَعْد بن إبراهيم: ابن عبد الرحمن بن عَوْف قاضي المدينة.
قوله: " وأحسبها قالت " أي: وأحسب عائشة قالت: والحال أنا حائض في ذلك الوقت. والحديث دَلّ على أن مرور المرأة من بين يدي المصلي لا يقطع صلاته، لأن المعترضة الحائض بَيْنه وبن القِبْلة إذا لم تقطع فا"رة بطريق الأولى، وهو وأمثاله حجة على من يرى أن المرأة تقطع الصلاة.
ص- قال أبو داود: رواه الزهري، وعطاء، وأبو بكر بن حفص، وهشام ابن عروة، وعراك بن مالك، وأبو الأسْود، وتميم بن سلمة- كلهم-، عن عروة، عن عائشة (1) ، وأبو الضحى، عن مسروق، عن عائشة، والقاسم ابن محمد، وأبو سلمي، عن عائشة، ولم يذكر واحد منهم (2) : "وأنا حائض ".
ش- أي: روى هذا الحديث: الزهريّ، وعطاء بن أبي رباح، وأبو بكر: عبد الله بن حفص بن عمر بن سَعْد بن أبي وقاص، وعراك ابن مالك: المدني، وأبو الأسود: محمد بن عبد الرحمن بن الأسود الأسدي المدني.
وتميم بن سلمة: السُّلَمي الكوفي، وهو رأى عبد الله بن الزبير، وسمع أخاه: عروة بن الزبير، وشريحا (3) القاضي، وعبد الرحمن بن هلال. روى عنه: طلحة بن مصرف، والأعمش، ومنصور بن المعتمر. قال ابن معين: ثقة. مات سنة مائة. روى له الجماعة، البخاري " استشهادا (4) .
قوله: " كلهم " أي: كل هؤلاء المذكورون رووا الحديث المذكور عن عروة بن الزبير بن العوام، عن عائشة أم المؤمنين.
__________
(1) جاء في سنن أبي داود بعد هذا: " وإبراهيم عن الأسود، عن عائشة ". (2) في سنن أبي داود: " ولم يذكروا ". (3) في الأصل: " شريح ". (4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (4/ 803) .(3/277)
قوله: " وأبو الضحى " أي: رواه أبو الضحى / مُسلم بن صُبيح- بضم الصاد وفتح الباء الموحدة- العطار الكوفي الهَمْداني مولى يل سعيد بن العاص. سمع: ابن عباس، وابن عمر، والنعمان بن بشير، ومَسْروق ابن الأجدع، وغيرهم. روى عنه: الأعمش، ومنصور بن المعتمر، ومغيرة بن مقسم، وغيرهم. قال ابن معين: ثقة. مات في خلافة عمر ابن عبد العزيز. روى له الجماعة (1) .
والقاسم بن محمد: ابن أبي بكر الصديق، وأبو سلمة: عبد الله بن عبد الرحمن.
قوله:" ولم يذكر واحد منهم " أي: من هؤلاء المذكورين في روايتهم عن عائشة:" وأنا حائض ".
692- ص- نا أحمد بن يونس: نا زهير، نا هشام بن عروة، عن عروة، عن عائشة أن رسول اله كان يُصلي صلاةَ (2) من الليل وهي معترضة بَيْنه وبين القِبْلة راقدة على الفراش الذي يرقد عليه حتى إذا أراد أن يُوتر أيْقظها فأوترتْ (3) .
ش- زهير: ابن معاوية.
قوله: " وهي معترضة، جملة اسمية وقعت حالا "
وقوله: " راقدة " خبر بعد خبرِ.
قوله: وعلى الفراش الذي يرقد عليه " أي: الفراش الذي ينام عليه رسول الله- عليه السلام -. والحديث: أخرجه البخاري، ومسلم، وابن ماجه من حديث الزهري، عن عروة. ويستفاد من الحديث فوائد؛
__________
(1) المصدر السابق (27 / 5931) . (2) في سنن أبي داود:" صلاته ".
(3) البخاري: كتاب الصلاة، باب: من قال: لا يقطع الصلاة شيء (515) ، مسلم: كتاب الصلاة، باب: الاعتراض بين يدي المصلي (267 / 512) ،
ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة والسُنة فيها، باب: من صلى وبينه وبين القبلة شيء (956) .(3/278)
الأولى: استدلت به عائشة والعلماء بعدها على أن المرأة لا تقطع صلاة الرجل.
الثانية: فيه جواز صلاة الرجل إليها، وكرهه البعض لغير النبي- عليه السلام- لخوف الفتنة بها، وتذكرها واشتغال القلب بها بالنظر إليها، والنبي- عليه السلام- منزّه عن هذا كله، مع أنه كان في الليل والبيوت يومئذ ليس فيها مَصابيح.
الثالثة: استحباب تأخير الوتر إلى آخر الليل لمن يثق بالانتباه.
الرابعة: استحباب إيقاظ النائم للصلاة في وقتها.
693- ص- نا مسدد: نا يحيى، عن عبيد الله قال: سمعت القاسم يُحدث عن عائشة قالت: بئسَ ما عدَلتمونا بالحمار والكلب، لقد رأيت رسولَ الله يُصلي وأنا معترضة بين يدَيْه، فإذا أراد أن يَسْجد غمز رجلي فضممتها إلى ثم سجَد (1) ، (2) .
ش- يحيى: القطان، وَعُبَيْد الله: ابن عمر بن حفص، والقاسم:
ابن محمد بن أبي بكر الصديق- رضي الله عنه-.
قوله: " بئس ما عدَلتمونا " اعلم أن " بئس " من أفعال الذم كما أن " نعم، من أفعال المدح، وشرطهما: أن يكون الفاعل المظهر فيهما معرّفا باللام، أو مضافا إلى المعرف بها، أو مُضمرا مميزا بنكرة منصوبة، وقد ذكرناه مستوفى في " نعم ".
وأما بيان هذا الكلام فقوله مَا يجوز أن يكون بمعنى،" الذي " ويكون فاعلاَ لبئِس والجملة- أعنى " عدلتمونا "- صلة له، ويكون المخصوص بالذم محذوفا، والتقدير: بئس الذي عدلتمونا بالحمار ذلك الفعلُ، ويجور أن يكون فاعل بئس مُضمرا مميزا، وتكون الجملة بعده صفة له،
__________
(1) في سنن أبي داود:" يسجد ".
(2) البخاري: كتاب الصلاة، باب: هل يغمز الرجل امرأته عند السجود لكي يسجد (519) ، النسائي: كتاب الطهارة، باب: ترك الوضوء من مس الرجلِ امرأتَه من غير شهوة (1 / 102) .(3/279)
والمخصوص- أيضاً- محذوفا، والتقدير: بئس شيئاً ما عدلتمونا بالحمار شيء، وفي الوجهين المخصوص بالذم مبتدأ، وخبره يكون الجملة التي قبله، ومعنى " عدلتمونا بالحمار ": جعلتمونا مثله، ونظيره من قولك: عدلتُه بهذا إذا سوّيت بينهما وكذلك عادلتُ.
قوله: " غمز رجلي " قال الجوهري: غمزت الشيء بيدي، وقال:
وكنتُ إذا غمزتُ قناةَ قوم كسرتُ كعوبَها أو تَسْتقيما
وغمزته بعَيْني، قال تعالى: " وإذا مروا بهم يتغامزون " (1) والمراد هاهنا: الغمز باليد. وفيه حجة لأصحابنا، لأن الأصل فني الرجل أن يكون بغير حائل عرفا، وكذلك اليد، كذا قاله ابن بطال وقال: وقول الشافعيّ: " كان غمزه إياها على ثوب " فيه بعدٌ. انتهى. وأيضا- من الجائز أن يمسّ منها عضوا بغير حائل، لأن المكان إذا كان بغير مصباح لا يتأتي فيه الاحتراز كما إذا كان فيه مصباح، والنبي- عليه السلام- في هذا المقام في مقام التشريع لا الخصوصية، إذ من المعلوم أن الله تعالى عصمه في جميع أفعاله وأقواله.
والحديث: أخرجه البخاري، والنسائي، وفي رواية البخاري- أيضاً-
عن عائشة أنها قالت: لا كنت أنامُ بين يدي رسول الله ورجْلاي في قبلته، فإذا سجد غمزني فقبضت برجلي، وإذا قام بَسطتهما. قالت: والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح ".
(1/237-أ) ومن حديث الزهري، عن عروة، عنها: كان يُصلِّي وهي بَيْنهُ وبين القِبْلة على فراش أهله اعتراض الجنازة.
ومن حديث عراك، عن عروة، أن النبي- عليه السلام- كان يُصلي وعائشة معترضة بَيْنه وبن القِبْلة على الفراش الذي ينامان عليه.
وعند مسلم: كان يصلي صلاته من الليل كلها وأنا معترضة بينه وبين
__________
(1) سورة المطففين: (30) .(3/280)
القبْلة على فراش أهله اعتراض الجنازة. وفي لفظ: يصلي وسط السرير وأَنا مضطجعة بينه وبين القبْلة، تكون لي الحاجة فأكره أن أقوم فأستقبله، فأنسل انسلالا من قبل رجلَيْه. وفي لفظ: وأنا حذاءه وأنا حائض، وربما قالت: أصابني ثوبه إذا سجد. وفي لفظ: عليّ مرْط وعليه بعضُه.
694- ص- نا عاصم بن النضر: ثنا المعتمر: نا عبيد الله، عن أبي النضر، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عائشة أنها قالت: كنت أكون نائمةً ورجْلاي بَيْن يدي رسول الله وهو يُصلي من الليل، فإذا أرادَ أن يَسْجد ضربَ رجْلي فقبضتها (1) ، فسَجد (2) .
ش- عاصم بن النضر: ابن المنتشر الأحول التيمي البصري. روى عن: معتمر بن سليمان، وخالد بن الحارث. روى عنه: موسى بن إسحاق الأنصاري، ومُسلم، وأبو داود، وروى النسائي، عن رجل، عنه (3) .
وعُبيد الله، ابن عمر العمري، وأبو النَّضْر: سالم بن أبي أميّة.
قوله: " وهو يُصلي " جملة حاليّة. والحديث يدلّ على أمور، منها: جواز الصلاة إلى المرأة، ومنها: جواز الصلاة إلى نائم، ومنها: أن المرأة لا تقطع الصلاة، ومنها: أن مس المرأة لا ينقض الوضوء، ومنها: أن الصلاة في الظلام غير مكروهة، ومنها: استحباب صلاة الليل، ومنها: أن العمل اليسير لا يقطع الصلاة. والحديث: أخرجه البخاري، ومسلم، والنسائي بنحوه أتم منه.
695- ص- نا عثمان بن أبي شيبة: نا محمد بن بشرح، ونا القعنبي:
__________
(1) في سنن لبي داود: " فقبضتهما ".
(2) البخاري: كتاب الصلاة، باب: هل يغمز الرجل امرأته عند السجود لكي يسجد (519) ، مسلم: كتاب الصلاة، باب: الاعتراض بين يدي المصلي (512 / 272) ، النسائي: كتاب الطهارة، باب: ترك الوضوء من مس الرجل امرأته من غير شهوة (1 / 101) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (13 / 3029) .(3/281)
نا عبد العزيز- يعني: ابن محمد، وهذا لفظه -، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن عائشة أنها قالت: كنتُ " أنام " وأنا مُعترضة في قِبْلة رسول الله صلى الله عليه وسلم " فيصلى، رَسولُ الله وأنا أمامه إذا أرادَ يُوترُ. زاد عثمان: غمزني، ثم اتفقا فقال:" تَنَحيْ " (1) .
ش- عبد العزيز: الدراوردي، ومحمد بن عمرو: ابن علقمة بن وقاص.
قو له: " وأنا أمامه " أي: قدامه.
قوله: " زاد عثمان " أي: ابن أبي شيبة، وهذه الجملة معترضة بين قوله: " يوتر"، وبين قوله: " غمزني ".
قوله: " ثم اتفقا " أي: عثمان والقعنبي.
قوله: " فقال: تَنَحيْ " أي: قال النبي- عليه السلام-:" تنحي" أي: تحولي، وهو أمر من تَنَحى يتنحى، فللمذكر: تَنَح وللمؤنث: تنحَيْ- بفتح الحاء وإسكان الياء.
* * *
108- باب: مَنْ قال: الحمارُ لا يقطعُ الصلاةَ
أي: هذا باب في بيان مَنْ قال: الحمار لا يقطع الصلاة إذا مر بين يدي المصلي.
696- ص- نا عثمان بن أبى شيبة: نا سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن عُبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس قال: جئتُ على حمار ح، ونا القعنبي، عن مالك، عن ابن شهاب، عن عُبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس أنه قال: أقبلتُ راكبا على أتانِ وأنا يومئذ قد ناهزتُ الاحتلامَ ورسول الله يُصلي بالناسِ بمِنىَ، فمررتُ بين يدي بعض
__________
(1) تفرد به أبو داود.(3/282)
الصف فنزلت، فأرسلت الأتان ترتع ودخلت الصف (1) فلم ينكر ذلك
أحد (2) .
ش- الأتان- بالفتح- الحمارة، والجمع: " أتُن وأتُن وأتْن، ويقال:
بالكسر لغة- أيضاً-، ذكره ابن عُدَيس في " المثنى "، وفي " المحكم ":
الأتان: الحمارة، والمأتونا اسم للجمع، واستأتن الحمارُ صار أتانا،
وفي " الصحاح ": ولا تقل أتانة، وقال ابن قرقول: جاء في بعض الحديث: أتانة، وضبط الأصيلي حمار أتان على النعت أو البدل مُنونين
وجاء على حمار وجاء على أتان، فالأولى الجمع بينهما. وقال سراج بن
عبد الملك: أتان وصف للحمار، ومعناه: صلب قوي مأخوذ من الأتان
وهي الحجارة الصلبة، قال: وقد يكون بدل غلط، قال: وقد يكون / (1/ 237 - ب) ، البعض من الكل، لأن الحمار يشمل الذكر والأنثى كالبعير. وقال ابن
سراج: وقد يكون على حمار أتان على الإضافة أي: على حمار أنثى،
وكذا وجلله مضبوطا في بعض الأصول.
قوله:" وقد ناهزت الاحتلام " ذكر في " الموعب " إذا دنى الصَبي
للفطام قيل: ناهز، وقد نهز، والجارية: ناهزة، ومعنى كلامه: قارنتُ
البلوغ. وقد اختلف في سنه يوم وفاة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقيل: خمس عشرة، وصوبه أحمد بن حنبل. وقيل: ثلاث عشرة، وقيل:
عشر سنين، وفيه بُعد، وقيل غير ذلك.
قوله: " بمنى " قد مر الكلام فيه، سمي به " يُمْنى فيها من الدماء
أي: يراق، َ وقيل: لأن آدم تمنى بها الجنة، وقيل: لأن الأقدار وقعت
__________
(1) في سنن أبي داود: " في الصف ".
(2) البخاري: كتاب العلم، باب: متى يصح سماع الصغير؟ (76) ، مسلم: كتاب الصلاة، باب: سترة المصلى (256 / 504) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء لا يقطع الصلاة شيء (337) ، النسائي: كتاب القِبلة، باب:
ذكر ما يقطع الصلاة وما لا يقطع إذا لم يكن بين يدي المصلي سترة (2 / 64) ،
ابن ما-: كتاب أقامة الصلاة، باب: ما يقطع الصلاة (947) .(3/283)
على الضحايا بها فذبحت، من قولهم: منى الله عليك خيراً أي: قدره. وقيل: لأن جبريل- عليه السلام- " أتى آدم بمنى قال له: تمنّ.
قوله: " ترتع " أي: تأكل وتَنْبسط وتتسع في رَعْيها مُرْسلة. والحديث: أخرجه الأئمة الستة، ولفظ النسائي، وابن ماجه: " بعرفة ". وأخرج مسلم اللفظين، والمشهور أن هذه القضية كانت في حجة الوداع. وقد ذكر مسلم حديث معمر، عن الزهري وفيه: وقال في حجة الوداع أو يوم الفتح، فلعلها كانت مرّتين. وعند البزار بسند صحيح، عن ابن عباس: أتيتُ أنا والفضل على أتان، فمررنا بين يدي رسول الله- عليه السلام- بعرفة وهو يصلي المكتوبة، ليس شيء يَسْتره يحول بيننا وبيْنه. وعند أبي بكر بن خزيمة (1) : جئت أنا وغلام من بني عبد المطلب على حمار، وفيه: وجاءت جاريتان من بني عبد المطلب اقتتلتا فأخذهما فنزع إحديهما من الأخرى فما بالا ذلك.
وعند النسائي: فأخذتا بركبَتَي النبي- عليه السلام- ففرع بينهما ولم ينصرف (2) .
وعند الطبراني: كان الفضل أكبر مني، فكان يُرْدفُني فأكون بين يدَيْه، فارتدفت أنا وأخي حمارة. وفي لفظ: ربما رأيتُه صلى الله عليه وسلم يُصلي والحمرُ تعترك بين يدَيْه.
وهذا الحديث دل على أن الحمار لا يقطع الصلاة. ودعم ابن القصار
أن من قال: إن الحمار يقطع الصلاة قال: إن مرور حمار عبد الله كان خلف الإمام بين يدي بعض الصف.
قلت: هذا كلام جيّد، لولا رواية البزار من أن ذلك كان بين يدي النبي- عليه السلام-، ولا يُعارِضه حديث المُقْعد بتبوك الذي مضى ذكره، لأنه ضعيف أو منسوخ- كما ذكرناه.
__________
(1) في الأصل: وأبو بكر بن أبي خزيمة " خطأ. (2) يأتي بعد الحديث الآتي.(3/284)
ص- هذا لفظ القعنبي، وهو أتم. قال مالك: وأنا أرى ذلك واسعا إذا قامت الصلاة.
ش- أي: هذا الذي رويناه لفظ عبد الله بن مسلمة القعنبي، وهو أتم من رواية عثمان بن أبي شيبة.
قوله: " وأنما أرى ذلك واسعا " أي: مرور الحمار بين يدي المصلَي، والمقصود أشار به إلى أن الحمار لا يقطع الصلاة، خلافاً لمن رأى ذلك. 697- ص- نا مسدد: نا أبو عوانة، عن منصور، عن الحكم، عن يحيى بن الجزار، عن أبي الصهباء قالَ: تَذاكرنا ما يَقطع الصلاةَ عند ابن عباس فقال: جئتُ أنا وغلام من بني عبد المطلب على حمار ورَسُولُ الله بُصلِي، فنزلَ ونزلتُ فتركنا (1) الحمارَ أمامَ الصف فما بالاه، وجاءت جاريتان من بني عبد المطلب فدخلتا بين الصف فما بالا ذلك (2) .
ش- أبو عوانة: الوضاح، ومنصور: ابن المعتمر، والحكم: ابن عتيبة، ويحيى بن الجزار: مر عن قريب.
وأبو الصهباء: اسمه: صهيب مولى عبد الله بن عباس، وقيل: إنه بصري. وقال في " الكمال ": أبو الصهباء الكوفي. روى عن: سعيد ابن جبير. روى عنه: حماد وسعيد ابنا زيْد، وعمارة بن زاذان، والحسن بن أبي جعفر. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي. وفي " مختصر السنن ": وسئل عنه أبو زمعة فقال: مديني ثقة (3) . قوله: " أمام الصف " أي: قدامه.
قوله: " فما بالاه " أي: فما اكترث له وهو من بَالى يبالي مُبالاةً. واستفيد من الحديث: أن الحمار والمرأة لا يقطعان الصلاة. والحديث أخرجه ابن خزيمة (4) - كما ذكرناه آنفا.
__________
(1) في حق أبي داود: " وتركنا ".
(2) النسائي: كتاب القبْلة، باب: ذكر ما يقطع وما لا يقطع إذا لم يكن بين يدي المصلي سترة (2 / 65) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (33 / 7446) .
(4) في الأصل:" ابن أبي خزيمة " خطأ.(3/285)
(1 / 238 -أ)
/ 698- ص- نا عثمان بن أي شيبة، وداود بن مخراق الفريابي: نا جرير، عن منصور بهذا الحديث بإسناده قال: فجاءت جاريتان من بني (عبد) المطلب اقتتلتا فأخذهما. قال عثمان: فَفَرَعَ بينهما، وقال داود: فنزع إحديهما من الأخرى فما بالا ذلك (1) .
ش- داود بن مخراق الفريابي: سمع: سفيان بن عيينة، وعيسى بن يونس، ووكيع بن الجراح، ومحمد بن موسى الفِطْري. روى عنه: أبو داود، وجعفر بن محمد الفريابي، ومحمد بن أشرس. مات سنة تسع وثلاثين ومائتين (2) .
وجرير: ابن عبد الحميد، ومَنْصور: ابن المعتمر.
قْوله: " بهذا الحديث " أي: الحديث المذكور.
قوله: " قال عثمان " يعني: ابن أبي شيبة ما ففرع بينهما " أي: حجَز وفرق. قال الجوهري: فرَعتُ بينهما: حجزتُ وكففتُ. انتهى، وهو بالفاء والراء والعين المهملتين، من باب فتح يفتح، ويقال: فرغ بالتشديد يُفرع تفريعا أي: فرق تفريقا.
ْقوله: " وقال داود " أي: داود بن مخراق " فنزع إحديهما " أي: إحدى الجاريتين من الأخرى. والحديث: أخرجه النسائي، وابن خزيمة (3) .
* * *
109- باب: من قال: الكلبُ لا يَقْطعُ الصلاة
أي: هذا باب في بيان من قال: إن مرور الكلب بين يدي المصلي لا يقطع صلاته. وفي بعض النسخ: " باب فيمن رأى الكلب لا يقطع الصلاة"
__________
(1) انظر تخريج الحديث المتقدم.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (8/ 1785) . (3) في الأصل: " ابن أبي خزيمة " خطأ.(3/286)
699- ص- نا عبد الملك بن شعيب بن الليث قال: حَدثني أبي، عن جدي، عن يحيى بن أيوب، عن محمد بن عمر بن على، عن عباس بن عبيد الله بن عباس، في الفَضْل بن عباس قال: أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم " ونحن في بادية (1) ومعه عباس فصلى في صحراء ليْس بين يديه سُترة وحمارة لنا وكلبًة تعْبثان بين يديه فما بالَى ذلك (2) .
ش- يحمى بن أيوب: الغافقي المصري.
ومحمد بن عمر بن علي: ابن أبي طالب - كرم الله وجهه (3) -، كنيته: أبو عبد الله، وأمه: أسماء بنت عقيل بن أبي طالب، يروى عن: علي بن أبي طالب، وكثر روايته عن أبيه، وعلي بن الحُسين. روى عنه: يحيى بن سعيد الأنصاري، والثوري، ويحيى بن أيوب، وغير هم (4) .
وعباس0 بن عبيد الله بن العباس: ابن عبد المطلب القرشي الهاشمي. روى عن: الفضل بن عباس. روى عنه: محمد بن عمر بن علي. روى له: أبو داود، والنسائي (5) .
والفضل بن عباس: ابن عبد المطلب الهاشمي القرشي ابن عم رسول الله، أبو عبد الله أو أبو محمد أو أبو العباس، رُوِيَ له عن رسول الله أربعة وعشرون حديثا، اتفقا على حديثين. روى عنه: أخوه: عبد الله ابن عباس، وأبو هريرة، وعباس بن عبيد الله بن عباس، وخلق سواهم. مات بالشام في طاعون عَمْواس سنة ثمان عشرة وهو الأظهر، وقيل: قتل يوم أجنادين سنة ثلاث عشرة، وقيل: قتل يوم اليرموك سنة
__________
(1) في سنن أبي داود: " بادية لنا "
(2) النسائي: كتاب القِبلة، باب: ذكر ما يقطع الصلاة وما لا يقطع إذا لم يكن بين يدي المصلي سترة (2 / 65) .
(3) تقدم التعليق على خطأ هذه الكلمة في (1 / 182) .
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (26 / 5496) .
(5) المصدر السابق (14 / 3130) .(3/287)
أربع عشرة أو خمس عشرة، وقيل: قتل يوم مَرْج الصّفْر سنة ثلاث عشرة. روى له الجماعة (1) .
قوله: " وحمارةٌ لنا " مبتدأ خضت بالصفة، و" كلبةٌ " عطف عليها، وخبره: " تعْبثان " أي: تلعبان، والعبَث: الإفْساد، وفي نسخة: "تَعِيثان " من عَاث الذئب في الغنم يعيث عَيْثا إذا أفسد، ويجوز أن يكون من عِثي يعثى عثيا إذا أفسَدَ من باب علم يعلم، ويقال: عثا يَعْثو من باب نصر ينصر، ويكون التثنية: تعثيان - بتقديم الثاء المثلثة -.
ويفهمُ من الحديث مسألتان، الأولى: إذا صلى في الصحراء بلا سترة
لا بأس علي. قال الأبهري: لا خلاد أن السترة مشروعة إذا كان في موضع لا يأمن من المرور بين يديه، واختلفوا في موضع يأمن، فعن مالك قولان، وهي عند الشافعي مشروعة مطلقا لعموم الأحاديث، فإن كان في الفضاء هل يصلي إلى غير سترة؟ فأجازه ابن القاسم لهذا الحديث ولحديث عبد الله. وقال مطرف وابن الماجشون: لا بد من السترة. وذكر عن عروة، وعطاء، وسالم، والقاسم، والشعبي، والحسن أنهم كانوا يصلون في الفضاء إلى غير سترةِ.
الثانية: أن الحمار والكلب لا يقطعان / الصلاة، وقال بعضهم: لم يذكر فيه نعت الكلب، وقد يجوز أن يكون الكلب ليْس بأسْود، وقد ذكرنا عن أحمد أنه قال: لا يقطع الصلاة إلا الكلب الأسود.
وفي كتاب أبي نعيم الدكيني بسند صحيح متصل قال: نا يونس، عن مجاهد، عن عائشة قالت: " لا يقطع صلاة المسلم إلا الهرّ الأسود، والكلب البهيم ". قال: وحدَّثنا ابن عجينة، عن ليث، عن طاوس، عن ابن عباس قال: ادرءوا ما استطعتم عن صلاتكم، وأشد ما يتقى عليها الكلاب. وحدَّثنا ابن عيينة، عن ابن أبي نجاح، عن مجاهد قال:
__________
(1) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (3/208) ، وأسد الغابة (4 / 366) ، والإصابة (3 / 8 0 2) .(3/288)
الكلب الأسود البهيم شيطان، وهو يقطع الصلاة. وعن ابن طاوس قال: كان أبي يشدد في الكلاب. وحدَثنا ابن عيينة، عن أيوب، عن بكر المزني أن ابن عمر أعاد ركعة من جرو مر بين يدَيْه. وقد ذكرنا أن عند الجمهور: لا يقطع الصلاة شيء، رُوِيَ ذلك عن عثمان، وعلي، وحذيفة، وعروة، والشعبي، وغير هم. والحديث: أخرجه النسائي بنحوه، وذكر بعضهم أن في إسناده مقالا.
* * *
110- باب: مَنْ قال: لا يقطعُ الصّلاةَ شيءٌ
أي: هذا باب في بيان من قال: لا يقطع الصلاة شيء من الحيوان إذا
مر بين يدي المصلي، وفي بعض النسخ: " باب ما جاء فيمن قال: لا يقطع الصلاة شيء ".
700- ص- نا محمد بن العلاء: أنا أبو أسامة، عن مجالد، عن أبي الوداك، عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يقطع الصلاة شي " وادرءوا ما استطعتم، فإنما هو شيطان " (1) .
ش- أبو أسامة: القرشي الكوفي اسمه: حماد بن أسامة بن زيد، روى له الجماعة، وقد مر مرة. ومجالد: ابن سعيد الكوفي، قد ذكرناه وفيه مقال.
وأبو الوداك- بتشديد الدال- جَبْر بن نوْف البِكاليُّ. روى عن: أبي سعيد الخدري، وشريح القاضي. روى عنه: أبو إسحاق السبيعي، ومجالد بن سعيد، ويونس بن أبي إسحاق، وغيرهم. قال ابن معين: ثقة. روى له: مسلم، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه (2) . وجبر: بفتح الجيم وسكون الباء الموحدة، ونوف: بفتح النون وسكون الواو، وفي آخره فاء.
__________
(1) تفرد به أبو داود. (2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (4 / 895) .
19. شرح سنن أبي داوود 3(3/289)
قوله: " شيء " يعني: من بني آدم وغيرهم من الحيوان.
قوله: " وادرأوا " أي: ادفعوا ما قدرتم.
قوله: " فإنما هو شيطان " أي: فإن الذي يمر بين يدي المصلي شيطان، وقد ذكرنا أن هذا تشبيه بليغ. والحديث: أخرجه الدارقطني ثم البيهقي. وقال محيى الدين: وحديث " لا يقطع الصلاة شيء " حديث ضعيف.
" (1) وأخرج الدارقطني- أيضاً-، عن إبراهيم بن يزيد: ثنا سالم ابن عبد الله، عن أبيه أن رسول الله وأبا بكر وعمر قالوا: لا يقطع صلاة المسلم شيء، وادرءوا ما استطعتم. انتهى. ووقفه مالك في " المُوطأ ": حدَّثنا الزهري، عن سالم، عن أبيه قال: لا يقطع الصلاة شيء، ووقفه البخاري في " صحيحه " على الزهري، فأخرجه عن محمد بن عبد الله ابن أخي الزهري أنه سأل عمّه ابن شهاب الزهري عن الصلاة أيقطعها شيء؟ فقال: لا يقطعها شيء.
وروى الدارقطني- أيضاً- عن عفير بن معدان، عن سليم بن عامر، عن أبي ثمامة، عن النبي- عليه السلام - قال: " لا يقطع الصلاة شيء ". وروى - أيضا ً- عن صخر بن عبد الله بن حرملة أنه سمع عمر بن عبد العزيز يقول عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " صلى بالناس، فمرّ بين أيديهم حمار، فقال عياش بن أبي ربيعة: سبحان الله، سبحان الله، ف"
سلم رسول الله قال: " من المُسبّح آنفا؟ قال: أنا يا رسول الله، إني سمعت أن الحمار يقطع الصلاة، فقال النبي- عليه السلام -: " لا يقطع الصلاة شيء ". وروى ابن الجوزي في " العلل المتناهية " هذه الأحاديث الثلاثة من طريق الدارقطني وقال: لا يصح منها شيء، قال في " التحقيق ": أما حديث ابن عمر، ففيه إبراهيم بن يزيد الخوزي، قال أحمد، والنسائي: هو متروك. وقال ابن معين: ليس بشيء، وأما حديث أبي أسامة، ففيه عُفير بن معدان. قال أحمد: ضعيف منكر
__________
(1) انظر: نصب الراية (2 / 76- 78) .(3/290)
الحديث. وقال يحيى: ليس بثقة. وقال أبو حاتم الرازي: ليس بثقة،
وأما حديث أنس، ففيه صخر بن عبد الله /. قال ابن عدي: يُحدّث (1/ 239 -أ) ،عن الثقات بالأباطيل عامّة ما يَرْويه منكر، أو من موضوعاته. وقال ابن حبان: لا تحل الرواية عنه. وقال صاحب " التنقيح ": إنه وهم في صخر هذا، فإن صخر بن عبد الله بن حرملة الراوي، عن عمر بن
عبد العزيز لم يتكلم فيه ابن عبدي ولا ابن حبان، بل ذكره ابن حبّان في
"الثقات ". وقال النسائي: هو صالح، وإنما ضعّف ابن عدي صخر بن
عبد الله الكوفي المعروف بالحاجبي وهو متأخر عن ابن حرملة. روى عن:
مالك، والليث، وغيرهما.
وروى الطبراني في " معجمه الوسط " (1) عن عيسى بن ميمون، عن
جرير بن حازم، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله الأنصاري
قال: كان رسول الله- عليه السلام- قائماً يُصلي، فذهبت شاة تمر بين
يديه فساعاها حتى ألزقها بالحائط، ثم قال: " لا يقطع الصلاة شيء،
وادرءوا ما استطعتم "، وقال: تفرّد به: عيسى بن ميمون. وقال ابن
حبان في كتابه في " الضعفاء ": عيسى بن ميمون أبو سلمة الخواص
الواسطي يروي العجائب، لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد (2) .
701- ص - نا مسدّد: نا عبد الواحد بن زياد: نا مجالد: نا أبو الودّاك
قال: مرّ شاب من قريش بين يديْ أبي سعيد الخدري وهو يُصلى فدفعه، ثم
عاد فدفعه ثلاث مرات، ف" انصرف قال: إن الصلاة لا يقطعها شيء،
ولكن قال رسولُ الله: " وادرءوا ما استطعتم فإنه شيطان " (3) .
ش- عبد الواحد بن زياد: أبو عبيدة البصري، ومجالد: ابن سعيد.
قوله: " وهو يصلى " جملة حالية. وفيه: ابن ا"ر إذا تقوى على المرور
فللمصلي أن يدفعه إلى ثلاث مراتٍ، ولا تفسد صلاته، لأن هذا
__________
(1) (7 / 7774) . (3) تفرد به أبو داود.
(2) إلى هنا انتهى النقل من نصب الراية.(3/291)
يمكن بيد واحدة، والعمل الكثير الذي يفسد الصلاة هو ما لا يوجد إلا باليدين.
ص- وقال أبو داود: إذا تنازع الخبران عن النبي- عليه السلام - نُظِر (1) ما عمل به أصحابُه من بعده.
ش- من عادته أن يذكر الحديث في بابه، ويذكر الذي يُعارضُه في باب آخر على إثره، و" ذكر الأبواب التي فيها انقطاع الصلاة بالشيء ثم أعقبها بهذا الباب، فكأنه أشار به إلى أن العمل اليوم على أن الصلاة لا يقطعها شيء، وهو مذهب الجمهور- كما بيناه مُفصلاً مُستوفًى، والله أعلم.
* * *
أَبْوابُ: استفْتاح الصّلاة
أي: هذه أبواب استفتاح الصلاة، وهذه إشارة إلى بيان الأحاديث المتعلقة بأفعال الصلاة وفي بعض النسخ: " تفريع استفتاح الصلاة " (2) . والاستفتاح: طلب الفتح، والمراد منه: الافتتاح وهو الشروع فيها. وقد سمعت بعضهم يُفحم أئمة المساجد بقوله: ما مفتاح الصلاة؟ وما افتتاحها؟ وما استفتاحها؟ فالذي عنده قصور يَبْهَتُ في الفرق بَيْنها، فمراده من المفتاح: الطهور، ومن الافتتاح: تكبيرة الإحرام، ومن الاستفتاح: قراءة " سبحانك اللَّهُم وبحمدك " إلى آخره.
* * *
111- باب: في رَفع اليدين (3)
أي: هذا باب في بيان رفع اليدين في أول الصلاة، وفي بعض النسخ: " باب رفع اليدين " بدون (في) .
__________
(1) في سنن أبي داود:" نظر إلى ماء ". (2) كما في سنن أبي داود. (3) كما في سنن أبي داود: " باب رفع اليدين في الصلاة ".(3/292)
702- ص- نا أحمد بن حنبل: نا سفيان، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا استفتح الصلاة رفع يدَيْه حتى يحاذي منكبَيْه، وإذا أراد أن يركع وبعدما يرفع رأسه من الركوع. وقال سفيان. مرة: وإذا رفع رأسه، وكثر ما كان يقول: وبعدما يرفع رأسه من الركوع، ولا يرفعُ بين السجدتين (1) .
ش- الحديث: أخرجه الأئمة الستةُ. الكلام فيه من وجوه، الأول: في نفس رفع اليدين. قال ابن المنذر: لم يختلفوا أن رسول الله- عليه السلام- كان يرفع يدَيْه إذا افتتح الصلاة. وفي " شرح المهذب،: أجمعت الأمة على استحباب رفع اليدين في تكبيرة الافتتاح. وقال ابن المنذر: ونقل العبدري عن الزيدية أنه، لا يرفع يديه عند الإحرام، ولا يعتد بهم. وفي " فتاوى القفال " أن أبا الحسن أحمد بن سيار المروزي قال: إذا لم يرفع لم تصح صلاته، لأنها واجبة، فوجب الرفع لها بخلاف باقي التكبيرات لا يجب الرفع لها، لأنها غير واجبة. وقال النووي: وهذا مردود بإجماع من قبله. وقال ابن حزم: رفع اليدين في أول الصلاة فرض لا تجزئ الصلاة إلا به، وقد رُوِيَ ذلك عن / الأوزاعي. (1/239-ب)
الثاني: في كيفية الرفع، فقال الطحاوي: يرفع ناشرا أصابعه مستقبلاً بباطن كفيه القِبْلة، كأنه لمح ما في " الأوْسط " (2) للطبراني من حديثه عن محمد بن حرب: نا عمير (3) بن عمران، عن ابن جرير، عن
__________
(1) البخاري: كتاب الأذان، باب: رفع اليدين في التكبيرة الأولى مع الافتتاح سواء (735) ، مسلم: كتاب الصلاة، باب: استحباب رفع اليدين حذو المنكبين مع تكبيرة الإحرام والركوع وفي الرفع من الركوع وأنه لا يفعله إذا رفع
من السجود (21 / 390) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في رفع اليدين عند الركوع (255) ، النسائي: كتاب الافتتاح، باب: رفع اليدين للركوع حذاء المنكبين (2 / 182) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب:
رفع اليدين إذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع (858)
(2) (8 / 1 0 78) . (3) في الأصل: " محمد " خطأ.(3/293)
نافع، عن ابن عمر مرفوعا: " إذا استفتح أحدكم فليرفع يديه، وليستقبل بباطنهما القِبْلة، فإن الله عَز وجَلَّ أمامه ".
وفي " المحيط ": ولا يفرج بين الأصابع تفريجا كأنه يشيرُ إلى ما رواه الترمذي من حديث سعيد بن سمعان: دخل علينا أبو هريرة مسجد بني زريق فقال: ثلاث كان يعمل بهن تركهن الناسُ: كان عليه السلام إذا قام إلى الصلاة قال هكذا، وأشار أبو عامر العقدي بيده ولم يفرج بين أصابعه ولم يضمها، وضعفه.
وقال ا"وردي: يجعل بطن كل كف إلى الأخرى. وعن سحنون: ظهورهما إلى السماء وبطونهما إلى الأرض. وعن القابسي: يُقيمهما محنيين شيئاً يسيراً. ونقل المحاملي عن أصحابهم: يستحب تفريق الأصابع. وقال الغزالي: لا يتكلف ضما ولا تفريقا، بل يتركهما على هيْئتهما. وقال الرافعي: يفرق تفريقا وسطا. وفي ما المغني " لابن قدامة: يستحب أن يمد أصابعه ويضم بعضها إلى بعض.
الثالث: إلَى أيْن يَرْفع؟ ففي " المحيطة: حذاء أذنيه حتى يحاذي بإبهاميه شحمتيهما، وبرءوس أصابعه فروع أذنيه، وذلك لحديث عبد الجبار ابن وائل، ونذكره عن قريب في موضعه، ولحديث مسلم، عن مالك ابن الحويرث: " كان النبي- عليه السلام- إذا كبر رفع يدَيْه حتى يحاذي بهما أذنيه ". وفي لفظ: " حتى يجاوز بهما فروع أذنيه ". وعن أنس مثله من عند الدارقطني، وسنده صحيح، وعن البراء من عند الطحاوي: رفع يدَيه حتى يكون إبهامه قريبا من شحمتي أذنيه. وقال الشافعي وأحمد ومالك وإسحاق: حذْو منكبَيْه، مستدلا بحديث سالم، عن أبيه. وقال القرطبي: هذا أصح قولي مالك، ورواية عنه: إلى صدره. وذهب ابن حبيب إلى رفعهما إلى حذو أذنيه، ورواية: فوق رأسه وقال ابن عبد البر: رُوِيَ عن النبي- عليه السلام- الرفع مدا فوق الأذنين مع الرأس. ورُوِيَ أنه كان يرفعهما حذاء أذنيه، ورُوِيَ: حذو منكبيه، وروي: إلى صدره، وكلها آثار محفوظة مشهورة دالة على(3/294)
التَوْسعة. والجواب عن حديث رفع اليدين إلى المنكبين: أنه محمول على
حالة العذر. وقال الطحاوي في " شرح الآثار ": إنما كان رفعهم الأيدي
إلى المناكب لعلة البُرْد، بدليل أن وائل ابن حُجر " روى الرفع إلى
الأذنين قال في حديثه: ثم أتيته من العام المقبل وعليهم الأكسية والبرانس،
فكانوا يرفعون أيديهم إلى المناكب، قال: وتحمل أحاديث المناكب على
حالة العذر، وتتفق الاَثار بذلك.
الرابع: في حكمة الرفع، قال ابن بطّال: ورفعهما تعتدٌ، وقيل:
إشارة إلى التوحيد، وقيل: حكمته: أن يراه الأصم فيَعلم دخوله في الصلاة، والتكبير لإسماع الأعمى فيعلم بدخوله في الصلاة، وقيل:
انقياد، وقيل: إشارةٌ إلى طرح أمور الدنيا والإقبال بالكلية إلى الصلاة،
وقيل: استكانة واستسلام، وكان الأسير إذا غلب مد يدَيْه علامة لاستسلامه، وقيل: هو إشارة إلى استعظام ما دخل فيه.
الخامس: الرفع مقارن بالتكبير أم لا؟ فقال في " المبْسوط ": يرفع ثم
يكبر، وقال: وعليه كثر مشايخنا، وقال خواهر زاده: يرفع مقارنا للتكبير، وبه قال أحمد، وهو المشهور من مذهب مالك. وفي " شرح
المهذب ": الصحيح: أن يكون ابتداء الرفع مع ابتداء التكبير وانتهاؤه مع
انتهائه، وهو المنصوص، وقيل: يرفع بلا تكبير ثم يبتدئ التكبير مع
إرسال اليدين، وقيل: يرفع بلا تكبير ثم يُرسلهما بعد فراغ " التكبير،
وهو مصحح عند البغوي، وقيل: يبتدئ بهما معا، ويبتدئ التكبير مع
انتهاء الإرسال، وقيل: يبتدئ الرفع مع ابتداء التكبير ولا استحباب في الانتهاء. وهذا مصحح عند الرافعي. وفي ما شرح المجمع ما: قال
أبو يوسف /: يُقارن رفع اليدين مع التكبير، وبه قال الطحاوي وبعض (1/240-أ)
، الشافعية، وقال أبو حنيفة ومحمد: يقوم الرفع على التكبير، وهو الذي
ذكره صاحب " المبسوط "، لأن الرفع إشارة إلى نفي الكبرياء عن غير
الله، والتكبيرَ إثباتها له، والنفي مقدم على الإثبات.
السادس: في رفعهما إذا أراد الركوع وبعدما يرفع رأسه منه،(3/295)
الشافعي وأحمد إسحاق: يستحب رفعهما- أيضاً- عند الركوع وعند الرفع منه؛ وهو رواية عن مالك، واستدلوا بالحديث المذكور وبأمثاله، قال الخطابي: وهو قول أبي بكر الصدَّيق، وعلي بن أبي طالب، وابن، صره
عمر، وأبي سعيد الخدري، وابن عباس، وأنس، وابن الزبير، وإليه ذهب الحسن البصري، وابن سيرين، وعطاء، وطاوس، ومجاهد، والقاسم بن محمد، وسالم، وقتادة، ومكحول، وبه قال الأوزاعي، ومالك في آخر أمره، وقال البخاري: رُوي عن تسعة عشر نفرا من الصحابة أنهم كانوا يرفعون أيديهم عند الركوع، منهم: أبو قتادة، وأبو أسيد، ومحمد بن مسلمة، وسهل بن سَعْد، وعبد الله بن عمر، وابن عباس، وأنس، وأبو هريرة، وعبد الله بن عَمرو، وعبد الله بن الزُّبير، ووائل بن حُجر، ومالك بن الحويرث، وأبو موسى الأشعري، وأبو حُميد الساعدي، قال: وكان الحميدي، وعلي بن عبد الله، ويحيى بن معين وأحمد، وإسحاق يثبتون عاقة هذه الأحاديث عن رسول الله- عليه السلام- ويرونها حقا، وهؤلاء أهل العلم من أهل زمانهم، ولم يثبت عند أحد منهم في ترك رفع الأيدي عن النبي- عليه السلام- ولا عن أحد من أصحابه أنه لم يرفع يدَيْه. وزاد البيهقي: أبا بكر الصدِّيق، وعمر، وعلى، وجابراً، وعقبة بن عامر، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن جابر أبياضي، وأبا سعيد، وأبا عبيدة، وابن مسعود، وأبيّ بن كعب، وسَعْد بن أبي وقاص، وسعيد بن زيد، وعبد الرحمن بن عوف، والحسن بن علي، وسلمان الفارسي، وبُريدة، وعمارا، وأبا ثمامة، وعُمير بن قتادة الليثي، وأبا مَسْعود، وعائشة، وأعرابيا له صحبة. زاد ابن حزم: أم الدرداء، والنعمان بن عياش، قال: ورويناه- أيضاً عن عبد الرحمن بن سابط، والحسن، وسالم، والقاسم، وعطاء، ومجاهد، وابن سيرين، ونافع، وقتادة، والحسن ابن مسلم، وابن أبي نجيح، وعمرو بن دينار، ومكحول، والمعتمر، ويحيى القطان، وابن مهدي، وابن علية، وابن المبارك، وابن وهب،(3/296)
ومحمد بن نصر المروزي، وابن جرير الطبري، وابن المنذر، والربيع،
ومحمد بن عبد الحكم، وابن نُمير، وابن المديني، وابن معين، وابن
هارون في آخرين، وهو رواية أشهب، وابن وهب، وأبي المصعب
وغيرهم عن مالك، أنهُ كان يفعله ويُفتي به. وفي " تاريخ ابن عساكر "
بسند لا يحضرني الآن، عن أبي سلمة الأعرج القاص قال " أدركت ألفا
منَ الصحابة كلهم يرفع يدَيْه عند كل خفض ورفع. وقال أبو حنيفة
وأبو يوسف ومحمد وزفر ومالك في رواية ابن القاسم وهي المعمول بها
في المذهب: لا يرفع يدَيْه إلا في تكبيرة الإحرام خاصةً، وهو قول الثوري، وابن أبي ليلى، والنخعي، والشعبي، وغيرهم، واستدلوا
على ذلك بأحاديث وآثار، منها: ما رواه مسلم من حديث تميم بن
طرفة، عن جابر بن سمرة قال: خرج علينا رسول الله " " فقال: لا ما
لي أراكم رافعي أيديكم كأنها أذناب خيل شمس؟ اسكنوا في الصلاة ".
واعترض علي البخاري في كتابه الذي وضعه في رفع اليدين بأن هذا كان
في التشهد لا في القيام، يُفسره رواية عبد الله ابن القبطية قال: سمعت
جابر بن سمرة يقول: كنا إذا صلينا خلف النبي- عليه السلام- قلنا:
السلام عليكم، السلام عليكم- وأشار بيده إلى الجانبين- فقال: " ما
بال هؤلاء يومئون بأيديهم كأنها أذناب خيل شُمُسِ؟ إنما يكفي أحدكم أن
يضع يده على فخذه، ثم يسلم على أخيه من عن يمينه ومن عن شماله ".
وهذا قول معروف لا اختلاف فيه ولو كان كما ذهبوا إليه / لكان الرفع في (1 / 240 - ب) ، تكبيرات العيد - أيضاً منهيا عنه، لأنه لم يَسْتثنِ رفعا دون رفع، بل
أطلق.
والجواب عن هذا: أن هذان حديثان لا يُفسرُ أحدهما بالآخر كما جاء
في الحديث الأول: " دخل علينا رسول الله وإذا الناسُ رافعي أيديهم في
الصلاة فقال: " ما لي أراكم رافعي أيديكم كأنها أذناب خيل شمس؟
اسكنوا في الصلاة "، والذي يرفع يديه في أثناء الصلاة وهو حالة
الركوع والسجود ونحو ذلك، هذا هر الظاهر، والراوي روى هذا في(3/297)
وقت كما شاهده، وروى الآخر في وقت آخر كما شاهده وليس في ذلك بعد.
ومنها: ما أخرجه أبو داود (1) ، والترمذي، عن وكيع، عن سفيان الثوري، عن عاصم بن كليب، عن عبد الرحمن بن الأسْود، عن علقمة قال: قال عبد الله بن مسعود: ألا أصلي بكم صلاة رسول الله؟ فصلى ولم يرفع يدَيْه إلا في أول مرة. وفي لفظ: فكان يرفع يده في أول مرة ثم لا يَعودُ. وقال الترمذي: حديث حسن. وأخرجه النسائي، عن ابن المبارك، عن سفيان. وقد اعترض علي وسنبينه مع جوابه في موضعه إن شاء الله تعالى.
ومنها: ما رواه أبو (2) داود من حديث البراء بن عازب قال: كان النبي- عليه السلام- إذا افتتح الصلاة رفع يدَيْه إلى قريب من أذنيه ثم لا يعود، وسيجيء بيانه مع اعتراضه إن شاء الله تعالى (3) .
ومنها: ما أخرجه البيهقي في " الخلافيات " عن عبد الله بن عون الخَراز: ثنا مالك، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر أن النبي - عليه السلام- كان يرفع يديْه إذا افتتح الصلاة ثم لا يَعُود. والخراز: بالخاء المعجمة، بعدها راء ثم زاي. وقال البيهقي: قال الحاكم: هذا باطل موضوع، ولا يجوز أن يذكر إلا على سبيل القدح، فقد روينا بالأسانيد الصحيحة، عن مالك بخلاف هذا، ولم يذكر الدارقطني هذا في غرائب حديث مالك.
ومنها: ما رواه البيهقي- أيضاً في "الخلافيات ": أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، عن أبي العباس محمد بن يعقوب، عن محمد بن إسحاق، عن الحسن بن الربيع، عن حفص بن غياث، عن محمد بن يحيى، عن عباد بن الزبير أن رسول الله كان إذا افتتح الصلاة رفع يدَيْه في أول
__________
(1) يأتي برقم (729) .
(2) في الأصل: " ابن "
(3) يأتي برقم (732) .(3/298)
الصلاة، ثم لم يرفعهما في شيء حتى يفرغ. انتهى. قال الشيخ في
" الإمام ": وعبّاد هذا تابعي، فهو مُرْسل. ومنها: ما رواه الطبراني في
" معجمه ": نا محمد بن عثمان بن أبي شيبة: نا محمد بن عمران:
حدّثني أبي، عن ابن أبي ليلى، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن
عباس، عن النبي- عليه السلام- قال: " لا ترفع الأيْدي إلا في سَبْع مَواطن: حين يفتتح الصلاة، وحين يدخل المسجد الحرام فينظر إلى أبيت، حين يقوم على الصفا، ويقوم على المروة، وحين يقف مع الناس عشية عرفة، وبجمع، والمقامين حين يرمي الجمرة ". ورواه البخاري- مُعلّقا - في كتابه المفرد في " رفع اليدين "، ثم قال: قال
شعبة: لم يَسْمع الحكم من مقسم إلا أربعة أحاديث، ليْس هذا منها،
فهو مرسلْ وغير محفوظ، لأن أصحاب نافع خالفوا، وأيضا - فهم قد
خالفوا هذا الحديث، ولم يعتمدوا علي في تكبيرات العيدين وتكبير القنوت. والجواب: أن قول شعبة مجرد دعوى، ولئن سلمنا فمرسلُ
الثقات مقبول يحتج به، وكونهم لم يَعتمدوا علي في تكبيرات العيدين
وتكبير" القنوت لا يُوجب المخالفة، لأن الحديث لا يدل على الحصْر ( ... ) (1)
ورواه" البزار في " مسنده " أيضاً وقال: حدَّثنا أبو كريب محمد بن
العلاء: ما عبد الرحمن بن محمد المحاربي: ثني ابن أبي ليلى، عن
الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس، وعن نافع، عن ابن عمر، عن
النبي- عليه السلام- قال:" ترفع الأيدي في سبع مواطن: افتتاح
الصلاة، واستقبال أبيت، والصفا، والمروة، والموقفين، وعند الحَجر"
ثم قال: وهذا حديث قد رواه غير واحد موقوفاً وابن أبي ليلى لم يكن بالحافظ، وإنما قال: " ترفع الأيدي / ولم يقل: " لا ترفع الأيدي إلا (1/241 / -أ) في هذه المواضع) . انتهى.
__________
(1) بياض في الأصل قدر سطر وثلث السطر.(3/299)
قلت: رواه موقوفا ابن أبي شيبة في " مصنفه " فقال: حدثنا ابن فضيل، عن عطاء، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: " تُرْفَعُ الأيدي في سبع مواطن، إذا قام إلى الصلاة، وإذا رأى أبيت، وعلى الصفا والمروة، وفي جمع، وفي عرفات، وعند الجمار ". قال الشيخ في " الإمام ": ورواه الحاكم ثم البيهقي بإسناده عن المحاربي، عن ابن أبي ليلى، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس، وعن نافع، عن ابن عمر قالا: قال رسول الله- عليه السلام-:" ترفع الأيدي في سبع مواطن: عند افتتاح الصلاة، واستقبال أبيت، والصفا والمروة، و " الموقفين، والجمرتين ".
ومن الآثار: ما رواه الطحاوي ثم البيهقي من حديث الحسن بن عياش، عن عبد الملك بن أبجر، عن الزبير بن عدي، عن إبراهيم، عن الأسود قال: رأيت عمر بن الخطاب يرفع يديه في أول تكبيرة، ثم لا يعود. قال: ورأيت إبراهيم، والشعبي يفعلان ذلك. قال الطحاوي: فهذا عمر- رضي الله عنه- لم يكن يرفع يديه أيضاً إلا في التكبيرة الأولى، والحديث صحيح، فإن مداره على الحسن بن عياش، وهو ثقة حجة، ذكر ذلك يحيى بن معين عنه. واعترضه الحاكم بأن هذه رواية شاذة لا تقوم بها الحجة، ولا تعَارضُ بها الأخبارُ الصحيحة عن طاوس، عن كيسان، عن ابن عمر (1) : أن عمر كان يرفع يديه قي الركوع، وعند الرفع منه.
__________
(1) قال محقق نصب الراية (1 / 405 / هامش 2) : هذه المعارضة ذكرها الحافظ أيضاً في الدراية (ص 85) ، وذكر ابن عمر فقط، ولم يذكر عمر. وقال الشيخ المحمى ظهير أحسن النيموي الهندي في كتابه " آثار السنن" (1 / 106) : راجعت (كذا) إلى نسخة صحيحة مكتوبة من " نصب الراية " في الخزانة المعروفة بـ " أيشياتك سوسائتي - كلكتة " فوجدته فيها هكذا: عن ابن عمر
أنه كان يرفع يديه في الركوع، وعند الرفع منه 10 هـ. وفي " فتح القدير " (1 / 319) : وعارضه الحاكم برواية طاوس بن كيسان، عن ابن عمر- رضي
الله عنه-: كان يرفع يديه في الركوع، وعند الرفع منه ".1هـ(3/300)
قلت: قال الإمام: ما ذكره الحاكم فهو من باب ترجيح رواية على رواية، لا من باب التضعيف.
ومنها: ما أخرجه الطحاوي (1) عن أبي بكر النهشلي، نا عاصم بن كليب، عن أبيه: أن على- رضي الله عنه- كان يرفع يديه في أول تكبيرة من الصلاة، ثم لا يعود يرفع ". انتهى. وهو أثر صحيح. ومنها: ما أخرجه البيهقي عن سوار بن مصعب، عن عطية العوفي:
"أن أبا سعيد الخدري وابن عمر كانا يرفعان أيديهما أول ما يكبران، ثم لا يعودان "، ثم قال البيهقي: قال الحاكم: وعطية سيء الحال، وسوار أسوأ حالا منه. وأسند البيهقي عن البخاري أنه قال: سوار بن مصعب منكر الحديث. وعن ابن معين: أنه غير محتج به.
قلت: قال يحمى بن سعيد: عطية صالح، كذا في الكمال.
ومنها: ما أخرجه الطحاوي في " شرح الآثار " (2) عن إبراهيم النخعي قال: " كان عبد الله بن مسعود لا يرفع يديه في شيء من الصلوات إلا في الافتتاح ". قال الطحاوي: فإن قالوا: إن إبراهيم عن عبد الله غير متصل، قيل لهم: كان إبراهيم لا يرسل عن عبد الله إلا ما صح عنده، وتواترت به الرواية عنه، كما أخبرنا، وأسند عن الأعمش أنه قال لإبراهيم: إذا حدثتني عن إبراهيم فأسند. قال: إذا قلت لك: قال عبد الله، فاعلم أني لم أقله حتى حدثنيه جماعة عنه، وإذا قلت لك: حدثني فلان، عن عبد الله، فهو الذي حدثني وحده عنه.
ومنها: ما رواه ابن أبي شيبة: ثنا وكيع، عن سفيان، عن عاصم بن كليب، عن عبد الله بن الأسود، عن علقمة، عن عبد الله قال: ألا أريكم صلاة النبي- عليه السلام- فلم يرفع يديه إلا مرة.
ومنها: ما رواه أيضاً: حدَّثنا وكيع، عن أبي بكر بن عبد الله بن
__________
(1) (1/132) . (2) (1/313) .(3/301)
قطاف النهشلي، عن عاصم بن كليب،عن أبيه: أن عليا كان يرفع يديه
إذا افتتح الصلاة ثم لا يعود.
ومنها: ما رواه أيضاً: نا ابن مبارك، عن أشعث، عن الشعبي: أنه
كان يرفع يديه في أول التكبيرة، ثم لا يرفعهما.
ومنها: ما رواه أيضاً: نا وكيع وأبو أسامة، عن شعبة، عن
أبي إسحاق قال: كان أصحاب عبد الله، وأصحاب علي لا يرفعون
أيديهم إلا في افتتاح (1) الصلاة. قال وكيع: ثم لا يعودون.
ومنها: ما رواه أيضاً: ما أبو بكر بن عياش، عن حصين ومغيرة،
عن إبراهيم قال: لا ترفع يديك في شيء من الصلاة إلا في الافتتاحية
" لأولى.
ومنها: ما رواه أيضاً: نا أبو بكر، عن الحجاج، عن طلحة، عن
خيثمة وإبراهيم قال: كانا لا يرفعان أيديهما إلا في بدوء الصلاة.
ومنها: ما رواه أيضاً: نا يحيى بن سعيد، عن إسماعيل قال: كان
قيس يرفع يديه أول ما يدخل في الصلاة، ثم لا يرفعهما. (1/241 -ب) ومنها: ما رواه أيضاً: نا معاوية بن هشام / عن سفيان، عن مسلم الجهني قال: كان ابن أبي ليلى يرفع يديه أول شيء إذا كبَّر.
ومنها: ما رواه: لا وكيع، عن شريك، عن جابر، عن الأسود
وعلقمة: أنهما كانا يرفعان أيديهما إذا افتتحا، ثم لا يعودان.
ومنها: ما رواه: لا ابن آدم، عن حسن بن عياش، عن عبد الملك
ابن أبشر، عن الزبير بن عدي، عن إبراهيم، عن الأسود قال: صليت
مع عمر فلم يرفع يديه في شيء من صلاته إلا حين افتتح الصلاة. قال
عبد الملك: ورأيت الشعبي، وإبراهيم، وأبا إسحاق لا يرفعون أيديهم
إلا حين يفتتحون الصلاة.
__________
(1) في الأصل: " الافتتَاح "، وما أثبتناه من مصنف ابن أبي شيبة (1 / 236) .(3/302)
وقال الطحاوي: ومذهبنا أيضاً قوي من جهة النظر، فإنهم أجمعوا أن التكبيرة الأولى معها رفع، وأن التكبيرة بين السجدتين لا رفع بينهما، واختلفوا في تكبيرة الركوع، وتكبيرة الرفع منه، فخالفهما قوم بالتكبيرة الأولى، وألحقهما قوم بتكبيرة السجدتين، ثم إنا رأينا تكبيرة الافتتاح من صلب الصلاة لا تصح بدونها الصلاة، والتكبيرة بين السجدتين ليست بذلك، ورأينا تكبيرة الركوع والنهوض ليستا من صلب الصلاة فألحقناهما بتكبيرة السجدتين " (1) .
وقال أشرف الدين بن نجيب الكاساني في " البدائع ": وروي عن ابن عباس أنه قال: إن العشرة الذين شهد لهم رسول الله بالجنة ما كانوا يرفعون أيديهم إلا لافتتاح الصلاة.
قلت: فعلى هذا مذهب أبي حنيفة مذهب جماعة من الصحابة والتابعين ومَن بعدهم، أما من الصحابة: فأبو بكر الصديق، وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقاص، وسعيد بن زيد، وعبد الرحمن بن عوف، وأبو عبيدة عامر ابن عبد الله بن الجراح، فهؤلاء العشرة، وعبد الله بن مسعود، وجابر ابن سمرة، والبراء بن عازب، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وأبو سعيد الخدري، ومن التابعين ومَن بعدهم: مذهب إبراهيم النخعي، وابن أبي ليلى، وعلقمة، والأسود، والشعبي، وأبي إسحاق، وخيثمة، وقيس، والثوري، ومالك، وا بن القاسم، والمغير، ووكيع، وعاصم بن كليب، وجماعة آخرين.
والجواب عن أحاديث الرفع أنها منسوخة بدليل ما روي عن ابن مسعود أنه قال: " رفع رسول الله فرفعنا، وترك فتركنا، على أن ترك الرفع عند تعارض الأخبار أولى، لأنه لو ثبت الرفع لأنزلوا درجته على السنة،
__________
(1) إلى هنا انتهى النقل من نصب الراية عدا بعض آثار أوردها الشارح من مصنف ابن أبي شيبة.(3/303)
ولأن ترك الرفع مع ثبوته لا يوجب الفساد- أعني: فساد الصلاة- والتحصيل مع عدم الثبوت يوجب فساد الصلاة لأنه اشتغال بعمل اليدين جميعا، وهو تفسير العمل الكثير.
السابع: هل يرفع بين السجدتين؟ فقال ابن المنذر، وأبو علي الطبري من الشافعية: يرفع، وهو قول جماعة من أهل الحديث، وعند الجمهور: لا يرفع لقوله: " ولا يرفع بين السجدتين ".
703- ص- نا محمد بن المصلى الحمصي، نا بقية، نا الزبيدي، عن الزهري، عن سالم، عن عبد الله بن عمر قال: كان رسولُ الله- عليه السلام- إذا قامَ إلى الصلاة رَفَعَ يَدَيه حتى يكُونا (1) حَذوَ مَنكِبَيه، ثم كَبر وهما كذلك، فيركَعُ، ثمَ إذا أرادَ أَن يَرفعِ صُلبَه رِفَعَهُما حتى يَكونا (1) حَذوَ مَنكبَيه، ثم قال: " سَمعَ اللهُ لمن حَمده "، ولا يرفعُ يديه في السجود، ويرفَعُهُماَ فيَ كل تكبيرَة يكبرهَا قبلَ الركوَع حتى تنقضِي صلاتُه (2) .
ش- محمد بن المصلى بن بهلول الحمصي أبو عبد الله القرشي الشامي روى عن: على بن عباس، ومحمد بن حرب، وبقية بن الوليد بن مسلم، وغيرهم. روى عنه: أبو حاتم الرازي، وابنه عبد الرحمن، وأبو داود، والنسائي وقال: صدوق، وابن ماجه، وغيرهم. مات سنة أربعين ومائتين بمكة (3) .
والزبيدي: هو محمد بن الوليد.
قوله: " حذو، بفتح الحاء، وسكون الذال، بمعنى حذاء.
قوله: " وهما كذلك " يعني: يداه كذلك حذو منكبيه.
قوله: " صُلبه " بضم الصاد، أي: ظهره، وجمعه أصلاب.
قوله: أولا يرفع يديه في السجود " وبهذا أخذ الجمهور، وقد ذهبت
__________
(1) في سنن أبي داود: " تكون ". (2) انظر التخريج المتقدم. (3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (26 / 5613) .(3/304)
طائفة إلى الرفع في السجود أيضاً، " روى أبو بكر بن أبي شيبة، نا
عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي، عن حميد، عن أنس: أن النبي
- عليه السلام- كان يرفع يديه في الركوع والسجود.
واعترض الطحاوي في " شرح الآثار " حديث ابن عمر فقال: وقد
روي / عن ابن عمر خلاد هذا، ثم أسند عن أبي بكر بن عياش، عن 242 / 11 صا، حصين، عن مجاهد قال: صليت خلف ابن عمر، فلم يكن يرفع يديه
إلا في التكبيرة الأولى من الصلاة. قال: فلا يكون هذا من ابن عمر إلا
وقد ثبت عنده نسخ ما رأى النبي- عليه السلام- يفعله. قال: فإن قيل
فقد روى طاوس، عن ابن عمر خلاد ما رواه مجاهد. قلنا: كان هذا
قبل ظهور الناسخ. وقال الحاكم: كان أبو بكر بن عياش من الحفاظ
المتقنين، ثم اختلط حتى ساء حفظه، فروى ما خولف فيه، فكيف تجوز
دعوى نسخ حديث ابن عمر بمثل هذا الحديث الضعيف؟ أو نقول: إنه
تركه مرة للجوار، إذ لا نقول بوجوبه، ففعله يدل على أنه سُنَة، وتركه
يدل على أنه غير واجب.
قلت: لا نسلم أن ذلك الحديث ضعيف، لأن إسناده صحيح، فيجوز
به النسخ. ولقائل أن يقول لهم- ولا سيما للشافعية-: أنتم تثبتون
سنية الرفع في الحالتين بحديث ابن عمر، وتنكرون النسخ، فلم لا
تعملون بالزيادة التي فيه، وهي الرفع عند القيام من الركعتين؟ وهي زيادة مقبولة، فإذا ألزمتمونا بالقول بزيادة الرفع عند الركوع والرفع منه،
ألزمناكم بالقول بزيادة الرفع عند القيام من الركعتين.
704- ص- نا عبيد الله بن عمر بن مَيْسرة، ما عبد الوارث بن سعيد، نا
محمد بن جُحادة قال: حدثنيِ عبد الجبار بن وائل بن حجر قال: كنتُ
فغلاماً لا أعْقلُ صَلاةَ أبي، فحدثني وائلُ بنُ علقمةَ، عن أبي: وائل بن حُجر
قال: صليتُ مع رسول الله- عليه السلام- فكانَ إذا كَبرَ رَفَعَ يَديه. قال:
ثم التَحَفَ، ثم أخَذَ شمَالَهَ بيمينه، وأدخلَ يديه في ثوبه. قال: فإذاَ أرادَ أن
يركعَ أخرجَ يديهِ ثم رفًعَهُمَا، وَإَذا أرادَ أن يرفَعَ رأسَه مًن الركوع رَفعَ يديه
2. شرح سنن ني داود
ُ(3/305)
ثم سَجَدَ، ووضعَ وجهَهُ بين كَفيه، وإذا رفعَ رأسَه من السجود أيضاً رفعَ يديه حتى فرغ من صلاته. قال محمَد: فذكرتُ ذلك للحسن بن أَبي الحسن، فقال: هي صلاةُ رسولِ اَللهِ صلى الله عليه وسلم " فعلَهُ مَن فعلَهُ، وتركَهُ مَن تركَه (1) .
ش- محمد بن جحادة الكوفي الأودي، ويقال: الأيامي. روى عن: أنس بن مالك. وسمع: الحسن البصري، وطلحة بن مصرف، وغيرهم. روى عنه: الثوري، وشعبة، وابن عيينة، وعبد الوارث بن سعيد، وغيرهم. وعن أحمد: هو من الثقات. وقال أبو حاتم: صدوق ثقة. روى له الجماعة (2) .
وعبد الجبار بن وائل بن حجر الحضرمي كوفي. روى عن أبيه وأمه ولم يصح له عنهما شيء، وروى عن أخيه علقمة. روى عنه: ابنه سعيد، وأبو إسحاق السبيعي، ومحمد بن جحادة، وغيرهم. قال يحيى بن معين: هو ثبت، ولم يسمع من أبيه شيئاً، وفي رواية: ثقة. وقيل: إنه ولد بعد موت أبيه بستة أشهر. روى له الجماعة إلا البخاري (3) . ووائل بن علقمة روى عن وائل بن حجر. روى عنه: عبد الجبار بن وائل. روى له: أبو داود (4) .
ووائل بن حجر بن سعيد بن مسروق بن وائل بن النعمان أبو هند أو أبو هنيدة. روى عنه: ابناه: علقمة وعبد الجبار، وعبد الرحمن اليحصبي، وغيرهم. رُوي له عن رسول الله أحد وسبعون حديثاً روى له مسلم ستة أحاديث. روى له الجماعة إلا البخاري (ْ (5) .
__________
(1) مسلم: كتاب الصلاة، باب: وضع يده اليمنى على اليسرى بعد تكبيرة الإحرام تحت صدره فوق سرته ووضعهما في السجود على الأرض حذو منكبيه
(2) انظرْ ترجمته في: تهذيب الكمال (24 / 5114) .
(3) المصدر السابق (16 / 3697) .
(4) المصدر السابق (0 3 / ص 422) . (5) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (3 / 642) ، وأسد الغابة (5 / 435) ، والإصابة (3 / 628) .(3/306)
قوله: " عن أبي: وائل بن حُجْر " فقوله:" وائل" عطف بيان لقوله:
" أبي"، وليس هذا بكنية، فافهم.
قوله: "ثم التحف " من قولهم: التحف بالثوب، تغطى به.
قوله: " قال محمد " أي: محمد بن جحادة.
قوله: " للحسن " وهو الحسن البصري. والحديث أخرجه مسلم من حديث عبد الجبار بن وائل، عن علقمة بن وائل، ومولى لهم، عن أبيه وائل بن حجر بنحوه، وليس فيه ذكر الرفع مع الرفع من السجود. وقال الطحاوي في " شرح الآثار": وحديث وائل هذا مُعارض بحديث ابن مسعود: أنه- عليه السلام- كان يرفع يديه في تكبيرة الافتتاح، ثم لا يعود. وابن مسعود أقدم صحبة وأفهم بأفعال النبي- عليه السلام- من وائل. ثم أسند عن أنس قال: كان رسول الله يحب أن يليه المهاجرون والأنصار ليحفظوا عنه. وابن مسعود كان من أولئك الذين يقربون من النبي- عليه السلام- فهو أولى مما جاء به من هو أبعد منه.
ص- قال أبو داود: روى الحديث (1) همام، عن ابن جُحادة لم يذكر الرفع مع الرفع من السجود.
/ ش- أي: همام بن يحيى بن دينار العوذي. [1/242-ب]
قوله: " لم يذكر الرفع " أي: رفع اليدين مع رفع الرأس من السجود، وهو رواية مسلم كما نبهنا علي.
705- ص- نا عثمان بن أبي شيبة، نا عبد الرحيم بن سليمان، عنِ الحسن بن عبيد الله النخعي، عن عبد الجبار بن وائل، عن أبيه: أنه أَبصر النبي- عليه السلام- حين قامَ إلى الصلاة رَفعَ يديه، حتى كانَتَا بحيال مَنكبيهِ، وحاذى إبْهاميهِ (2) أذنيهِ، ثم كبر (3) .
__________
(1) في سنن أبي داود:" روى هذا الحديث".
(2) في سنن أبي داود:" بإبهاميه ".
(3) تفرد به أبو داود.(3/307)
ش- عبد الرحيم بن سليمان أبو علي الأشل الكناني، ويقال: الطائي الرازي، سكن الكوفة. روى عن: عبيد الله بن عمر العمري، ويحيى ابن سعيد الأنصاري، والأعمش، وغيرهم. روى عنه: أبو بكر بن أبي شيبة، وأبو الهمام الوليد بن شجاع، وأبو سعيد الأشل، وغيرهم. وقال ابن معين: ثقة. روى له الجماعة (1) .
والحسن بن عبيد الله بن عروة النخعي أبو عروة الكوفي. روى عن: الشعبي، وإبراهيم النخعي، وإبراهيم بن سويد، وغيرهم. روى عنه: الثوري، وشعبة، وحفص بن غياث، وغيرهم. قال ابن معين وأبو حاتم: ثقة. روى له الجماعة إلا البخاري (2) .
قوله: " بحيال منكبيه " أي: بإزاء منكبيه.
قوله: " وحاذى " أي: ساوى من المحاذاة. وقد قلنا: إن عبد الجبار لم يصح له شيء من أبيه، وكذا قال في " مختصر السنن " وقال: وأهل بيته مجهولون.
706- ص- نا مسدد، نا يزيد بن زريع، نا المَسْعُودي، نا عبد الجبارِ بن وائل قال: حدَثني أهلُ بيتي، عن أبى، أنه حدثهم، أنه رأى رسولَ الله يرفعُ يديهِ معَ التكبيرَةِ (3) .
ش- يعني: مقارنا بالتكبيرة، وبه قال أحمد، ومالك في المشهور، وهو رواية عن أصحابنا، وقد مر الكلام فيه مستوفى.
707- ص- نا مسدد، نا بشر بن المفضل، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن وائل بن حجر قال: قلتُ: لأنظُرَن إلى صلاة رسول الله- عليه السلام- كيفَ يصلي؟ قال: فقامَ رسولُ الله فاستقبَلَ اَلقبْلَةَ، فَكَبرَ فَرفعَ يديه حتى حَافَتَا أذُنَيه، ثم أخذَ شمَالَهُ بيمينه، فَ" أرادَ أن يرَكَعَ رفَعَهُمَا مثلَ ذلكَ، ثم وَضعَ يديها على رُكبتَيهِ، ف" رَفعَ رأسَه من الركوع رفَعَهُمَا مثلَ
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (18/3407) .
(2) المصدر السابق (6 / 1242) .
(3) تفرد به أبو داود.(3/308)
ذلك، ف" سَجدَ وضعَ رأسَه بذلكَ المنزلِ من يديه، ثم جَلسَ فافترشَ رِجلَهُ اليُسْرَى، ووضعَ يده اليُسْرَى على فَخذه اليُسْرَى، وحَد مِرْفَقِهِ الأيمنِ على فخذه اليُمْنَى، وقبضَ ثِنتينِ، وحَلقَ حَلقةً- ورأيتُه يقولُ هكذا، وحلقَ بشر الإِبهامَ والوُسْطَى- وأشار بالسبابةِ (1) .
ش- عاصم بن كليب بن شهاب الجرمي الكوفي. سمع: أباه، وعبد الرحمن بن الأسود، وأبا الجويرية، وأبا بردة بن أبي موسى. روى عنه: الثوري، وشعبة، وابن عيينة، وبشر بن المفضل، وغيرهم. قال ابن معين: ثقة. روى له الجماعة إلا البخاري (2) .
وأبوه كليب بن شهاب الجرمي الكوفي. سمع: أباه، وعمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، ووائل بن حجر. روى عنه: ابنه عاصم، وإبراهيم بن مهاجر. قال ابن سعد: كان ثقة. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (3) .
قوله: " بذلك المنزل من يديه " يريد به أنه وضع رأسه بين يديه، بحيث أنهما حاذتا أذنيه.
قوله: " وحَد مرفقِه " أي: جعل مرفقه الأيمن على فخذه اليمنى حدا عليها، لأن فيه يكون توجيه أصابع يديه إلى القِبْلة.
قوله: " وقبض ثنتين " وهو أن يعقد الخنصر والبنصر.
قوله: ما وحلق حلقة " وهو أن يحلق الوسطى مع الإبهام، و" حَلقَ" بالتشديد، و"حَلْقةً " بفتح الحاء وسكون اللام مثل حلقة الدرع، وحَلْقة الباب، وحَلْقة القرط، وأما حَلْقة القوم فيجور فيها الفتح والسكون.
__________
(1) يأتي برقم (933) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (13 / 3024) .
(3) المصدر السابق (24 / 4991) .(3/309)
وقال أبو عمرو الشيباني: ليس في الكلام " حلَقة " بالتحريك إلا في
قولهم: هؤلاء قوم حَلَقَة، للذين يحلقون الشعر، جمع حَالقٍ، وأما
انتصاب " حلقة " هاهنا فعلى المفعولية.
قوله: " " رأيته يقول هكذا " من كلام بشر.
وقوله: ما وأشار بالسبابة " من كلام وائل، فيكون قوله: " ورأيته " إلى
قوله: " وأشار" معترضا بينهما، فافهم.
ويستفاد من هذا الحديث فوائد، الأولى: استقبال القِبْلة.
الثانية: تكبيرة الافتتاح.
الثالثة: رفع اليدين في أول الصلاة.
الرابعة: محاذاة اليدين بالأذنين عند الرفع، وهو قول أصحابنا.
(1/243-أ) الخامسة: أخذ الشمال باليمن /، ولم يبين فيه كيفية الأخذ، ولا محل الوضع.
السادسة: رفع اليدين عند الركوع، وبه أخذ الشافعي، والجواب عنه
ما ذكرناه.
السابعة: وضع اليدين على الركبتين في الركوع، ولم يبين كيفية
الوضع.
الثامنة: رفع اليدين عند رفع رأسه من الركوع.
التاسعة: وضع الرأس في السجدة بين اليدين محاذيا أذنيه بهما، وبه
قال أصحابنا، وقال صاحب " الهداية ": ووضع وجهه بين كفيه ويديه
حذاء أذنيه، " روي أنه- عليه السلام- فعل كذلك. وقال صاحب
"المحيط ": ويضع يده في السجود حذاء أذنيه.
العاشرة: افتراش رجله اليسرى، وبه أخذ أصحابنا أنه يفترش رجله
اليسرى ويجلس عليها، ولم يبين فيه حكم اليمنى.(3/310)
الحادية عشر: وضع اليدين على الفخذين في التشهد.
الثانية عشر: أن يعقد الخنصر والبنصر، ويحلق الوسطى مع الإبهام. وهكذا رُوي عن الفقيه أبي جعفر من أصحابنا، وقال صاحب " الهداية ": ويبسط أصابعه. وقال في " المحيط ": وعن محمد أنه يضع يديه على فخذيه، لأن فيه توجه الأصابع إلى القِبْلة كثر، وعن بعضهم أنه يفرق أصابعه.
الثالثة عشر: يشير بالسبابة، وبه قال أبو يوسف من أصحابنا، وذكره في " الإملاء "، وقال: ويروى الإشارة عن النبي- عليه السلام- وبينه مثل ما رُوي عن الفقيه أبي جعفر، وعن بعض أصحابنا: ويكره الإشارة. وهو غير صحيح، لأن أبا يوسف نص عليها في " الإملاء "، وكذلك نص عليها محمد في كتابه، وقال في " المحيط ": والإشارة قول أبي حنيفة.
708- ص- نا الحسن بن علي، نا أبو الوليد، نا زائدة، عن عاصم بن كليب، بإسناده ومعناه قال فيه: ثم وضَعَ يدهَ اليُمْنى على ظهرِ كَفِّهِ اليُسْرَى، والرصغْ (1) والساعد. قال فيه: ثمِ جئتُ بعدَ ذلك في زمان فيه بَرْد شَديد فرأيتُ الناسَ عليهم جُلُّ الثيابِ، تَحرك أيديهم تحتَ الثيابِ (2) .
ش- الحسن بن علي الخلال، وأبو الوليد الطيالسي، وزائدة بن قدامة. قوله: ما بإسناده ومعناه " أي: بإسناد الحديث المذكور ومعناه.
قوله: " قال فيه " أي: قال وائل في الحديث في هذه الرواية: " ثم وضع يده اليمنى على ظهر كفه اليسرى، والرصغ بضم الراء وسكون الصاد المهملة وبغين معجمة، وهو مفصل ما بين الكف والساعد، ويقال: " رسغ، أيضاً بالسن المهملة، ويقال لمجمع الساق مع القدم:" رسغ " أيضاً ويقال: رُسغ ورسُغ، مثل: عُسْر وعُسُر.
__________
(1) في سنن أبي داود:" والرسغ " وهي لغة. (2) انظر تخريج الحديث المتقدم.(3/311)
قوله: " جل الثياب " جل الشيء معظمة، والمعنى أنهم لبسوا معظم الثياب لأجل البرد. والحديث أخرجه النسائي، وابن ماجه.
ويستفاد من الحديث في هذا الطريق فائدتان غير ما ذكرناه:
الأولى: بين فيه كيفية وضع اليمن على الشمال، وقال صاحب
" المحيط ": ويقبض بكفه اليمنى على رسغه اليسرى كما (1) فرغ من التكبير. وقال أبو يوسف: يقبض بيده اليمنى رسغ اليسرى، ويكون الرسغ وسط الكف. وقال ابن قدامة: يضعهما على كوعه. وقال القفال: يقبض بكفه اليمنى كوع اليسرى وبعض رسغها وساعدها، وهو مخير بين بسط أصابع اليمنى في عرض المفصل، وبين نشرها في صوب الساعد، وإذا بزغ من التكبير يضعهما.
الثانية: ترك الوضع عند البرد الشديد، وعند مالك الوضع غير مستحب وإنما هو مباح، فعنده البرد وغيره سواء، كما سنبينه إن شاء الله تعالى.
709- ص- نا عثمان بن أبي شيبة، نا شريك، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن وائل بن حجر قال: رأيتُ النبي- عليه السلام- حين افْتَتَح الصلاةَ رَفعَ يَديه حيَالَ أذُنيه. قال: ثم أَتيتُهُم فرأيتُهم يرفَعُون أيديهم إلى صدُورِهم في افتتَاحَ الصلاةِ، وعليهم بَرَانِسُ، وأكسية (2) .
ش- شريك بن عبد الله النخعي.
قوله: " برانس " جمع بُرنس- بضم الباء الموحدة، وبعد الراء الساكنة نون مضمومة، وسن مهملة- وهو كل ثوب له رأس / ملتزق به، دراعةً (3) كانت أو جبة أو غير ذلك، كان يلبسه العُباد وأهل الخير، وهو
__________
(1) كذا.
(2) النسائي: كتاب التطبيق، باب: موضع اليدين عند الجلوس للتشهد الأول (2 / 235) .
(3) ثوب من صوف.(3/312)
عربي، اشتق من البِرْس- بكسر الباء وسكون الراء- وهو القطن، والنون زائدة، وقيل: إنه غير عربي. وقال الجوهري: " البرنس ": قلنسوة طويلة وكان النّسّاك في صدر الإسلام يلبسونها.
قوله: " وأكْسِية " جمع كساء. والحديث أخرجه النسائي.
وبهذا الحديث قال أصحابنا: إن أحاديث المناكب محمولة على العذر، وقد مر الكلام فيه مستوفى.
* * *
112- باب: افتتاح الصلاة
أي: هذا باب في بيان افتتاح الصلاة، وليس في بعض النسخ " باب ". 710- ص- نا محمد بن سليمان الأنباري، نا وكيع، عن شريك، عن عاصم بن كليب، عن علقمة بن وائل، عن وائلِ بن حُجرِ قال: أتيتُ النبي - عليه السلام- في الشتاء، فرأيتُ أصحابَه يرفعُونَ أيديهُم في ثيابِهِم في الصلاةِ (1) .
ش- دل الحديث على أن رفع اليدين من غير أن يخرجهما من كمّيه غير مكروه إذا كان للبرد، وأما لغير البرد فجعله بعض أصحابنا من ترك السُّنَة، وجعله البعض من ترك الأدب.
711- ص- ما أحمد بن حنبل، نا أبو عاصم الضحاك بن مخلد ح، ونا مسدد، لا يحيى- وهذا حديث أحمد- أنا عبد الحميد - يعني: ابن جعفر- قال: أخبرني محمد بن عمرو بن عطاء قال: سمعت أبا حميد الساعدي في عشرة من أصحابِ النبيّ- عليه السلام- منهم أبو قتادةَ. قال أبو حميد: أنا أعلَمكُم بصَلاة رسول الله- عليه السلام- قالوا: فَلِم َ؟ ! فوالله ما كنتَ بأكثَرنَا له تَبعَةً، ولا أَقدمنَاَ له صُحبةً. قال: بلى. قالوا: فاعْرضْ. َ قال: كان رسوَلُ اللهِ هَذا قامَ إلى الصَلاةِ يرفعُ يديْهِ حتى يُحَاذِي بهما مَنكِبيهِ، ثم كَبَّرَ (2)
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) في سنن أبي داود: " يكبر ".(3/313)
حتى يَقَر كلُّ عَظمِ في مَوضِعِه معتدلاً، ثم يَقرأ، ثم يُكبرُ ويرفعُ (1) يديه حتى يُحَاذِي بهما مَنكِبيهِ، ثم يَركعُ ويَضعُ راحتَيْهِ على رُكبتَيه، ثم يَعتدِلُ فلا يَصُبُّ رأسَه ولا يُقْنِعُ، ثم يرفعُ رأسَه، فيقول: " سَمِعَ اللهُ لمَن حَمدَه "، ثم يَرفعُ يديه حتى تُحاذِي (2) مَنكبيهِ معتدلاً، ثم يقولُ: " اللهُ كبر "، ثم يَهْوِي إلى الأرضِ فيُجَافِي يديه عن جنبَيهِ، ثم يَرفعُ رأسَه، ويَثْني رِجلَهُ اليُسْرَى فيَقْعُدُ عليها، وبَفْتَحُ أصَابِعَ رِجلَيهِ إذا سَجَدَ، ثم يَسْجُدُ (3) ، ثم يقولُ: "الله كبر" ويرفعُ (4) ، ويثنِي رجْلَه اليُسْرَى فيقعدُ عليها حتى يَرْجِعَ كلُّ عظمِ إلى مَوضِعِه، ثم يَصنعُ في الأخرَى مثلَ ذلك، ثم إِذا قامَ من الركعتينِ كَبَّرَ " رَفعَ يديهِ حتى يُحَاذِي بهما مَنكبيه، كما كَبَّر عندَ افتتاح الصلاة، ثم يَصنعُ ذلكَ في بقيةِ صَلاتهِ، حتى إذا كانت السجدةُ التي فيها التسليمُ أخًّرَ رجلَهُ اليُسْرَى وقَعدَ مُتَوَركّاً على شِقِّهِ الأيسرِ. قالوا: صَدَقْتَ، هكذا كان يُصَلًّي (5) .
ش- الضحاك: ابن مخلد أبو عاصم النبيل، ويحيى القطان.
وعبد الحميد بن جعفر بن عبد الله بن الحكم بن رافع بن سنان الأنصاري أبو الفضل. سمع: أباه، ومحمد بن عمرو بن عطاء، وسعيداً (6) المقبرة، وغيرهم. روى عنه: يحيى القطان، وعيسى بن يونس، وأبو نعيم، وجماعة آخرون. قال أحمد: ليس به بأس. وقال يحمى بن سعيد: كان سفيان يضعفه من أجل القدر. وقال ابن معين وابن سعد: ثقة. مات سنة ثلاث وخمسين ومائة بالمدينة. روى له الجماعة إلا البخاري (7) .
__________
(1) في سنن أبي داود: " فيرفع" (2) في سنن أبي داود:" يحاذي بهما ". (3) في سنن أبي داود:" ويسجد ". (4) في سنن أبي داود:" ويرفع رأسه ". (5) يأتي برقم (934) . (6) في الأصل:" سعيد"
(7) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (16/3709) .(3/314)
ومحمد بن عمرو بن عطاء بن عباس (1) بن علقمة بن عبد الله القرشي المدني أبو عبد الله. سمع: أبا قتادة السلمي، وأبا حميد الساعدي، وابن عباس. روى عنه: وهب بن كيسان (2) ، وموسى بن عقبة، وعبد الحميد بن جعفر، وغيرهم.
وقال ابن سعد: وكان ثقة، له أحاديث. توفي في خلافة الوليد بن يزيد بن عبد الملك. روى له الجماعة (3) .
وأبو حميد عبد الرحمن، وقيل: المنذر بن عمرو الساعدي.
قوله: " في عشرة من أصحاب النبي- عليه السلام- " محلها النصب على الحال، وكلمة " في " للمصاحبة نحو: " فَخَرَجَ عَلَى قَوْمه فِي زينَته " (4) ، والتقدير: سمعت أبا حميد حال كونه مصاحبا لعشرَةَ من أصًحَاب النبي- عليه السلام- والمعنى: كان جالسا بين عشرة أنفس من الصحابة، منهم أبو قتادة الحارث بن ربعي.
قوله: " تبعةً " نصب على التمييز، وكذلك قوله: " صحبةً " / (1/244-أ) والتبعة - بفتح التاء المثناة من فوق، وكسر الباء- اسم للاتباع، وكذلك التبعة- بضم التاء وسكون الباء- والتباعة بالفتح.
قوله: " حتى يقر " من القراءة، من باب ضرب يضرب، والمعنى: حتى يستقر كل عظم في موضعه ويثبت.
قوله: " معتدلاً " حال من الضمير الذي في " يرفع يديه ".
قوله: " ثم يكبر فيرفع يديه " يعني: بعد الفراغ " من القراءة يكبر فيرفع يديه، أشار بالفاء إلى أنه يرفع يديه عقيب التكبير.
__________
(1) كذا في الأصل، وفي تهذيب الكمال: " عياش "، وعلق محققه قائلاً " "جود ابن المهندس تقييده " ووقع في كثير من المصادر " عباس "، وهو كما قيدناه في باقي النسخ، وهو الصواب إن شاء الله.
(2) في الأصل: " غسان " خطأ. (3) المصدر السابق (26 / 5512) .
(4) سورة القصص: (79) .(3/315)
قوله: " فلا يَصُب رأسه " يعني: فلا يميلها إلى أسفل، وفي بعض الرواية: " فلا ينصب " من الانصباب، ورواه ابن المبارك عن فليح بن سليمان (1) ، عن عيسى، عن عباس، عن أبي حميد فقال فيه: " فلا يُصبي " يقال: صبى الرجل رأسه تصبيةً إذا خفضه جدا.
قوله: " ولا يُقنِع " من الإقناع، يعني: لا يرفع رأسه حتى تكون أعلى من ظهره. قال الله تعالى: " مقْنعِي رءوسهِمْ " (2) أي: رافعي رءوسهم. وقال ابن عرفة: يقال: أقنع رأسه، إذا نصبه لا يلتفت يمينا ولا شمالاً، وجعل طرفه موازياً " بين يديه.
قوله: " ثم يهوي " أي: ينزل.
قو له: " فيجافي " أي: يباعد.
قوله: " ويثني رجله اليسرى " من ثنيت الشيء ثنيا، إذا عطفته.
قوله: " ويفتخ أصابع رجليه " بالخاء المعجمة، أي: ينصبها ويغمز موضع المفاصل منها، ويثنيها إلى باطن الرجل، فيوجهها نحو القبْلة. وقال الأصمعي: أصل الفتخ اللين، ومنه قيل للعُقَابِ (3) فتحاً،َ لأنها إذا انحطت كسَرَتْ جناحَها. قال أبو العباس: فتخ أصابعه، أي: ثناها. قوله: " متوركا "ً حال من الضمير الذي في قعد، والتورك أن يجلس على أليتيه وينصب رجله اليمنى، ويخرج اليسرى من تحتها.
واستفيد من هذا الحديث أحكام كثيرة، الأول: رفع اليدين إلى المنكبين، وقد قلنا: إنه كان للعذر.
الثاني: أن التكبير بعد رفع اليدين، لأنه قال: إثم كبر "، وكلمة
" ثم، تقتضي التراخي، وقد ذكرنا الخلاف فيه.
__________
(1) في الأصل:" سليم " خطأ. (2) سورة إبراهيم: (43) .
(3) طائر من كواسير الطير، قوي المخالب، مسروَلْ، له منقار قصير أعقف، حاد البصر.(3/316)
الثالث: رفع اليدين أيضاً للركوع، وقد قلنا: إنه منسوخ.
الرابع: سُنَة الهيئة في الركوع أن لا يرفع رأسه إلى فوق ولا ينكسه، ومن هذا قال صاحب " الهداية ": ويبسط ظهره، لأن النبي- عليه السلام- كان إذا ركع بسط ظهره، ولا يرفع رأسه ولا ينكسه، لأن النبي - عليه السلام - كان إذا ركع لا يصوب رأسه ولا يقنعه.
الخامس: سُنَة الإمام أن يقول:" سمع الله لمن حمده "، ويكتفي به، وهو قول أبي حنيفة.
السادس: رفع اليدين للهَوِي، وهو أيضاً منسوخ.
السابع: السُنَة أن يجافي بطنه عن فَخِذيه، ويديه عن جنبيه.
الثامن: هيئة الجلوس في القعدة الأولى من ذوات الأربع، أن يجلس على رجله اليسرى، ولم يبين فيه كيف يفعل باليمنى، فعند أبي حنيفة ينصبها نصبا، وهذه هيئة الجلوس في القعدتين عند أصحابنا، وهو قول الثوري " في " صحيح مسلم " (1) عن عائشة: " كان رسول الله يفرش رجله اليسرى وينصب رجله اليمنى "، وفي رواية أبي داود (2) أيضاً كما يجيء الآن: " فإذا قعد في الركعتين قعد على بطن قلله اليسرى، ونصب اليمنى ". وقال مالك: يجلس فيهما متوركا. وقال الشافعي: إن كانت الصلاة ركعتين يجلس متوركا، وإن كانت أربعا افترش في الأولى، وتورك في الثانية. وقال أحمد: إن كانت ركعتين افترش، وإن كانت أربعا فكقول الشافعي.
التاسع: التكبير ورفع اليدين إلى المنكبين عند النهوض من التشهد، وهو منسوخ عندنا أيضاً وقال أبو حامد: انعقد الإجماع على أنه لا رفع في هذا الموضع، فاستدللنا بالإجماع على نسخ الحديث. وقال في " شرح المهذب ": هذا كلام مردود غير مقبول، ولم ينعقد الإجماع على ذلك؛
__________
(1) كتاب الصلاة، باب: ما يجمع صفة الصلاة ... يعه (498/ 240) .
(2) يأتي في الحديث الآتي.(3/317)
بل قد ثبت الرفع في القيام من الركعتين عن خلائق من السلف والخلف
منهم: علي، وابن عمر، وأبو حميد مع أصحابه العشرة، وهو قول البخاري. وقال الخطابي: وبه قال جماعة من أصحاب الحديث. ولم
(11 / 244-ب) يذكره الشافعي، والقول به لازم على أصله / في قبول الزيادات. وقال البيهقي: مذهب الشافعي متابعة السُّنَّة إذا ثبتت. وقال صاحب " التهذيب: لم يذكر الشافعي رفع اليدين إذا قام من الركعتين، ومذهبه
اتباع السنة، وقد ثبت ذلك. وقال الشيخ محمى الدين: يتعين القول باستحباب رفع اليدين إذا قام من الركعتين، وأنه مذهب الشافعي لثبوت
هذه الأحاديث.
قلت: قد صرح صاحب " التهذيب " أن الشافعي لم يذكر هذا،
وادعى أبو حامد الإجماع على تركه ونسخ الحديث، وهؤلاء كيف
يجعلون هذا مذهبا للشافعي بصورة الإلزام؟ فربما ثبت عند الشافعي
انتساخ الحديث، فلذلك لم يذكر رفع اليدين، لأن الغفلة منه في مثل هذا
بعيدة، وقولهم مذهب الشافعي اتباع السُنَّة ليس على الإطلاق، فإنه لا
يتبع السنن المنسوخة، فافهم.
العاشر: توجيه أصابع رجليه إلى القِبْلة في السجود.
الحادي عشر: التورك في القعدة الأخيرة، وقد ذكرنا الخلاف فيه،
وعندنا هذا محمول على العذر، إما لكبرِ أو لعلة أخرى، فافهم.
والحديث: أخرجه البخاري، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه
مختصراً ومطولاً.
" (1) واعترضه الطحاوي في " شرح الآثار" (2) فقال: هذا الحديث
لم يسمعه محمد بن عمرو بن عطاء من أبي حميد، ولا من أحد ذكر مع
أبي حميد، وبينهما رجل مجهول، ومحمد بن عمرو ذكر في الحديث أنه
حضر أبا قتادة وسنه لا يحتمل ذلك، فإن أبا قتادة قتل قبل ذلك بدهر
__________
(1) انظر: نصب الراية (1 / 410- 412) . (2) (1/153،154)(3/318)
طويل، لأنه قتل مع علي- رضي الله عنه-، وصلى علي علي، وقد رواه عطاف بن خالد، عن محمد بن عمرو، فجعل بينهما رجلاً، ثم أخرجه عن يحمى بن سعيد بن أبي مريم، ثنا عطاف بن خالد، حدثني محمد بن عمرو بن عطاء، حدثني رجل: أنه وجد عشرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم جلسوا ... فذكر نحو حديث أبي عاصم سواء. قال: فإن ذكروا ضعف عطاف قيل لهم: وأنتم تضعفون عبد الحميد بن جعفر كثر من تضعيفكم لعطاف، مع أنكم لا تطرحون حديث عطاف كله، إنما تصححون قديمه وتتركون حديثه، هكذا ذكره ابن معين في كتابه. وابن أبي مريم سماعه من عطاف قديم جدا، وليس أحد يجعل هذا الحديث سماعاً لمحمد بن عمرو من أبي حميد إلا عبد الحميد، وهو عندكم أضعف، ثم أخرج عن عيسى بن عبد الله (1) بن مالك، عن محمد بن عمرو بن عطاء، حدثني مالك، عن عباس بن سهل الساعدي، وكان في مجلس فيه أبوه سهل بن سعد الساعدي، وأبو حميد، وأبو هريرة، وأبو أسيد، فتذاكروا الصلاة، فقال أبو حميد: أنا أعلمكم بصلاة رسول الله ... الحديث. وليس فيه: " فقالوا: صدقت " قال: وقوله فيه: " فقالوا جميعاً صدقت " ليس أحد يقولها إلا أبو عاصم. انتهى.
وأجاب البيهقي في كتاب " المعرفة " فقال: أما تضعيفه لعبد الحميد بن جعفر فمردود، لأن يحيى بن معين وثقه في جميع الروايات عنه، وكذلك أحمد بن حنبل، واحتج به مسلم في" صحيحه "، وأما ما ذكر من انقطاعه فليس كذلك؟ فقد حكم البخاري في " تاريخه " بأنه سمع أبا حميد، وأبا قتادة، وابن عباس. وقوله: إن أبا قتادة قتل مع علي رواية شاذة رواها الشعبي، والصحيح الذي أجمع علي أهل التاريخ أنه بقي إلى سنة أربع وخمسين، ونقله عن الترمذي والواقدي والليث، وابن منده، ثم قال: وإنما اعتمد الشافعي في حديث أبي حميد برواية إسحاق ابن عبد الله، عن عباس بن سهل، عن أبي حميد ومن سماه من الصحابة،
__________
(1) في الأصل: " عبد الرحمن " خطأ.(3/319)
وكده برواية فليح بن سليمان، عن عباس بن سهل، عنهم، فالإعراض عن هذا والاشتغال بغيره ليس من شأن من يريد متابعة السُنَة " (1) . والجواب عما قاله البيهقي: أما قوله: " أما تضعيفه لعبد الحميد بن جعفر فمردود " مردود، لأن مثل يحيى بن سعيد طعن في حديثه، وهو (1/245-أ) إمام الناس / في هذا الباب، وذكره ابن الجوزي في كتاب " الضعفاء والمتروكين " فقال: كان يحيى بن سعيد القطان يضعفه، وكان الثوري يحمل عليه ويضعفه. وفي " الكمال ": وقال يحيى بن سعيد: كان سفيان يضعفه من أجل القدر. على أن الطحاوي نسب تضعيفه إليهم. وأما قوله: " وأما ما ذكر من انقطاعه فليس كذلك؛ فقد حكم البخاري في " تاريخه " بأنه سمع أبا حميد (2) ، وأبا قتادة، وابن عباس، فمجرد تشنيع وتعصب، لأن الطحاوي ما قال هذا من عنده، بل إنما حكم بأن محمد بن عمرو بن عطاء لم يسمع من أبي حميد، ولم ير أبا قتادة، لعدم احتمال سِنه ذلك، لأنه قتل مع علي، وصلى عليه علي، وهو قول مثل الشعبي الإمام في هذا الفن، وكذا قال الهيثم بن عدي، وقال ابن عبد البر: هو الصحيح. وفي " الكمال ": قيل: توفي سنة ثمان وثلاثين، فكيف يقول البيهقي: هذه رواية شاذة؟ فيجعل رواية البخاري في " تاريخه " صحيحة، ويجعل كلام مثل هؤلاء الأجلة شاذا؟ على أن ابن الحزم قال: ولعله وهم فيه، يعني: عبد الحميد، وأيضا قد اضطرب سند هذا الحديث ومتنه، فرواه العطاف بن خالد فأدخل بين
__________
(1) إلى هنا انتهى النقل من نصب الراية. وقد قال الحافظ الزيلعي في نصب الراية (1 / 424) :" قلت: قد تقدم في حديث رفع اليدين تضعيف الطحاوي لحديث أبي حميد، وكلام البيهقي معه، وانتصار الشيخ تقي الدين للطحاوي مستوفى، ولله الحمد، 10هـ. قلت: ولم أر هذا الانتصار في النسخة المطبوعة، فلعل ما سيذكره الشارح في جوابه على البيهقي، هو انتصار تقي الدين، وكأنه كان موجودا في نسخته من نصب الراية، والله أعلم.
(2) في الأصل: " أبا قتادة " خطأ.(3/320)
محمد بن عمرو وبين النفر من الصحابة رجلاً مجهولاً، والعطاف وثَّقه ابن معين، وفي رواية قال: صالح. وفي رواية: ليس به بأس. وقال أحمد: من أهل مكة، ثقة صحيح الحديث. ويدل على أن بينهما واسطة، أن أبا حاتم ابن حبان أخرج هذا الحديث في " صحيحه " من طريق عيسى بن عبد الله، عن محمد بن عمرو، عن عباس بن سهل الساعدي، أنه كان في مجلس فيه أبوه، وأبو هريرة، وأبو أسيد، وأبو حميد الساعدي ... الحديث، وذكر المزي، ومحمد بن طاهر المقدسي في " أطرافهما " أن أبا داود أخرجه من هذا الطريق، وأخرجه البيهقي في " باب السجود على اليدين والركبتين " من طريق الحسن بن الحر، حدَثني عيسى بن عبد الله بن مالك، عن محمد بن عمرو بن عطاء، عن مالك، عن عياش أو عباس بن سهل ... الحديث، ثم قال: وروى عتبة بن أبي حكيم، عن عبد الله بن عيسى، عن العباس ابن سهل، عن أبي حميد، لم يذكر محمداً في إسناده. وقال البيهقي في " باب القعود على الرجل اليسرى بين السجدتين ": وقد قيل في إسناده عن عيسى بن عبد الله، سمعه عباس بن سهل، أنه خص أبا حميد، ثم في رواية عبد الحميد أيضاً أنه رفع عند القيام من الركعتين، وقد تقدم أنه يلزم الشافعي، وفيها أيضاً التورك في الجلسة الثانية، وفي رواية عباس بن سهل التي ذكرها البيهقي بعد هذه الرواية خلاد هذه ولفظها: " حتى فرغ، ثم جلس فافترش رجله اليسرى، وأقبل بصدر اليمنى على قبْلته "، وظهر بهذا أن الحديث مضطرب الإسناد والمتن، وظهر أن قولهَ: " والاشتغال بغيره ليس من شأن من يريد متابعة السنة " كلام واقع عليه.
712- ص- نا قتيبة بن سعيد، نا ابن لهيعة، عن يزيد، عن محمد بن عمرو بن حلحلة، عن محمد بن عمرو العامري قال: كنتُ في مجلسٍ من أصحاب رسول الله فتذاكَرُوا صَلاتَه، فقال أبو حميد- فذكرَ بعض هذا الحديثَ وقال- إذا رَكَعَ أمكَنَ كَفيه من رُكْبَتَيْه، وفَرج بين أصابعه، ثم هَصَر ظًهْرَه غيرَ مُقْنِعٍ رأسه ولا صَافحٍ بخدهِّ، وقَال: فإذا قَعَد في اَلرَكَعتينِ
2. شرح سنن أبى داود 3(3/321)
قَعدَ على بَطنِ قَلله اليُسرى ونَصَبَ اليُمْنَى، فإذا كان في الرابعَة أفضَى بِوَرِكِهِ اليُسْرَى إلى اَلَأرضِ، وأخرجَ قَدميهِ من ناحيةٍ واحدةٍ (1) .َ
ش- ابن لهيعة: هو عبد الله بن لهيعة، وفيه مقال كما ذكرناه، ويزيد بن أبي حبيب: سويد المصري.
قوله: " فقال أبو حميد: فذكر بعض " هذا الحديث " من كلام محمد بن عمرو، والإشارة إلى الحديث المذكور.
قوله: " ثم هصر ظهره " بتخفيف الصاد المهملة، أي: ثناه وعطفه للركوع، وأصل الهصر: أن تأخذ رأس العود فتثنيه إليك وتعطفه، وفي "الصحاح ": الهصر: الكسر، وقد هصره، واهتصره بمعنىً، وهصرت الغُصْن بالغصن إذا أخذت برأسه وأملته، والأسد هيصر وهَصار.
(1/245-ب) / قوله: " غير مقنع " حال من الضمير الذي في " هصر " من الإقناع وقد ذكرناه قريبا. و " رأسه " منصوب لكونه مفعول اسم الفاعل.
قوله: " ولا صافح بخده " عطف على قوله: " غير مقنع " أي: غير مُبرز صفحة خده، ولا مائل في أحد الشقين.
قوله: " أفضى بوركه اليسرى إلى الأرض " يعني: مس الأرض بوركه اليسرى، والورك- بفتح الواو وكسر الراء- وهو ما فوق الفخذ، وقد يخفف مثل: فَخِد وفَخْد، وهي مؤنثة.
713- ص- نا عيسى بن إبراهيم المصري، نا ابن وهب، عن الليث بن سعد، عن يزيد بن محمد القرشي، وبزيد بن أبي حبيب، عن محمد بن عمرو بن الحلة، عن محمد بن عمرو بن عطاء، نحو هذا، قال: فإذا سَجَد وضعَ يديه غيرَ مُفْتَرش، ولا قَابضهما، واستقبلَ بأطراف أصابعه القِبْلةَ (2) .ًًً ش- يزيد بن محمد بن قيس بن مخرمة بن المطلب بن عبد مناف
__________
(1) انظر التخريج المتقدم.
(2) السابق.(3/322)
القرشي المصري. روى عن: عبد الله بن واقد، ومحمد بن عمرو بن حلحلة، وسعد بن إسحاق، وغيرهم. روى عنه: يزيد بن أبي حبيب، ويزيد بن عبد العزيز، وعبد الرحيم بن ميمون، وغيرهم. روى له البخاري مقرونا بالليث بن سعد، وأبو داود (1) .
قوله: " نحو هذا " أي: نحو الحديث المذكور في الرواية المذكورة. وفيه من الفقه: أن لا يفترش المصلي يديه في السجدة، ولا يقبضهما، ويستقبل بأطراف أصابع يديه ورجليه نحو القِبْلة.
714- ص- نا علي بن الحسين بن إبراهيم، نا أبو بدر، نا زهير أبو خيثمة، نا الحسن بن حر قال: حدثني عيسى بن عبد الله بن مالك، عن محمد بن عمرو بن عطاء أحد بني مالك، عن عباس أو عياش بن سهل الساعدي: أنه كان في مَجْلِس فيه أبوه- وكان من أصحاب رسولِ الله- وفي المَجْلسِ أبو هُريرةَ، وأبو أشَيدٍ، وأبو حميد الساعدي. بهَذا الخبر يَزيدُ ويَنقصُ (2) قال فيه: ثم رَفَع رأسَه- يعني: منً الركوع- فقال: " سَمِعَ الله لمن حَمدَهُ، اللَهُم ربنا لك الحمد "، ورفعَ يديهِ، ثم قال: " اللهُ أكبر " فسجًَد فانتصبَ على كَفيه ورُكْبتيهِ، وصدُور قَدَمَيهِ وهو سَاجِد، ثم كَبرَ فجلسَ فَتَوَركَ، ونصبَ قَلله الأخْرى، ثم كَبرَ فسجَدَ، ثم كَبرَ فَقَامَ، ولم يَتَوَركْ، ثم ساقَ الحديث. قال: ثم جَلسَ بعدَ الركعتينِ حتى إذا هو أرادَ أن يَنهضَ للقيام قامَ بتكبيرة، ثم رَكَع الركعتينِ الأخريين، ولم يذكر التوركَ في التشهدِ (3) .ً
ش- على بن الحسين بن إبراهيم بن الحارث يقال له إشكاب أخو محمد وِهو الأكبر. سمع: ابن علية، ومحمد بن ربيعة، وحجاج بن محمد الأعور، وأبا بدر، وغيرهم. روى عنه: أبو داود، والنسائي وقال: ثقة، وابن ماجه، وغيرهم. توفي سنة إحدى وستين ومائتين (1) .
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (32 / 46 70) .
(2) في حق أبي داود: " أو ينقص" (3) انظر الحديث السابق.
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (20 / 4049) .(3/323)
وأبو بدر: شجاع بن الوليد الكوفي، وزهير بن حرب النسائي:
أبو خيثمة.
والحسن بن حر النخعي أبو محمد الكوفي. سمع: الشعبي، وخاله عبدة، ونافعا مولى ابن عمر، وغيرهم. روى عنه: ابن عجلان، وزهير، وحسين بن على الجعفي، وغيرهم. قال ابن سعد: كان ثقة قليل الحديث. توفي بمكة سنة ثلاث وثلاثين ومائة. روى له: أبو داود، والنسائي (1) .
وعيسى بن عبد الله بن مالك الدار مولى عمر بن الخطاب. روى عن: زيد بن وهب، ومحمد بن عمرو بن عطاء، وعطية بن سفيان. روى عنه: محمد بنِ إسحاق، وابن لهيعة، والحسن بن حر. قال ابن المديني: هو مجهول، لم يرو عنه غير محمد بن إسحاق. روى له: أبو داود، وابن ماجه (2) .
وعباس بن سهل بن سعد الساعدي الأنصاري المدني، أدرك زمن عثمان ابن عفان وهو ابن خمس عشرة سنة. سمع: أباه، وسعيد بن زيد، وأبا هريرة، وأبا حميد، وأبا أسيد الساعديين، وأبا قتادة، وعبد الله بن الزبير. روى عنه: محمد بن عمرو بن عطاء، وعمر (و) ، بن يحيى ا"رني، وفليح بن سليمان، وابناه: أبَي وعبد المهيمن ابنا عباس، وغيرهم. قال ابن سعد: كان ثقة قليل الحديث. توفي رمن الوليد بن عبد الملك بالمدينة. روى له الجماعة إلا النسائي (3) .
قوله: " أو عياش " بالياء آخر الحروف المشددة، وبالشن المعجمة.
وأبو أسيد- بضم الهمزة وفتح السن- مالك بن ربيعة الساعدي
الأنصاري، وقد ذكرناه.
قوله: " بهذا الخبر " أي: الخبر المذكور.
__________
(1) المصدر السابق (6 / 1213) . (2) المصدر السابق (22 / 4635) .
(3) المصدر السابق (14 / 3122) .(3/324)
/ قوله: " يزيد وينقص " حال، يجوز أن يكون من عباس، ويجوز أن (1/246-أ) يكون من محمد بن عمرو، أو ممن روى منه، يظهر بالتأمل.
قوله: " فانتصب على كفيه وركبتيه وصدور قدميه " من نصبته فانتصب،
والمراد من الصدور صدران، ذكر الجمع وأراد التثنية.
قوله: "وهو ساجدا " جملة وقعت حالا من الضمير الذي في " انتصب"
وفيه من الأحكام: أن الإمام يجمع بين التسميع والتحميد، وهو قول
أبي يوسف، ومحمد، والشافعي، ورفع اليدين للركوع وهو منسوخ.
وفيه: أن يضع أولا كفيه، ثم ركبتيه، ثم قدميه، وهو قول
الشافعي، ومالك. وعندنا السُّنَّة أن يضع أولا ركبتيه، ثم يديه " نذكره
بدليله إن شاء الله تعالى.
وفيه: أنه تورك في القعدة الأولى، وهو مذهب مالك، وعندنا مثل
هذا محمول على العذر.
715- ص- نا أحمد بن حنبل، نا عبد الملك بن عمرو قال: أخبرني
فُليح قال: حدثني عباس بن سهل قال: اجتمع أبو حُميدِ، وأبو أسيد،
وسهل بن سعد، ومحمد بن مَسلمة فذكروا صلاةَ رسول الله- علي
السلام- فقال أبو حُميدِ: أنا أعلمُكُم بصلاة رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم "، فذكَر بعضَ هذا، قال: ثم ركَعَ فوضَعَ يديه على رُكبتيه كَأنه قَابَض عليها" (1) ، وَوَتَر يَديهِ فتجافَى عن جنبيه، وقال: ثم سَجدَ فأمَكَنَ أنفَه وجَبهَتَهُ، ونَحى يديه عن جَنبيهِ، ووضعَ كَفيَهِ حَنْوَ مَنكبِيهِ، ثم رَفَع رأسَهُ حتى رَجَعَ كُلُّ عَظمِ في مَوضعه حتى فَرِغِ، ثم جَلَسَ فافترشَ رِجْلَهُ اليُسْرَى وأَقبلَ بصدْرِ اليُمْنَى على قِبَلَته، ووضعَ كَفهُ اليُمْنَى على رُكبته اليُمْنَى، وَكَفهُ اليُسْرَى على رُكبته اليُسْرَ ى، َ وأَشَار َبإصْبَعِهِ (2) .ً
__________
(1) في سنن أبي داود: " عليهما ".
(2) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في أنه يجافي يديه عن جنبيه في=(3/325)
ش- عبد الملك بن عمرو بن قيس أبو عامر العقدي البصري.
وفليح بن سليمان بن أبي المغيرة بن حنين أبو يحيى المدني، ويقال: اسمه: عبد الملك، وفليح لقب غلب عليه. روى عن: عثمان بن عبد الرحمن، وعامر بن عبد الله، ونافع مولى ابن عمر، والزهري، وغيرهم. روى عنه: زياد بن سعد، وابن وهب، وأبو الربيع الزهراني، وغيرهم. قال ابن معين: هو ضعيف. وفي رواية: ليس بقوي، ولا يحتج بحديثه. وقال ابن عدي: هو عندي لا بأس به. مات سنة ثمان وستين ومائة. روى له: البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي (1) . ومحمد بن مَسلمة بن " حريش بن "، خالد الحارثي الأنصاري أبو عبد الله، أو أبو عبد الرحمن، أو أبو سعيد، شهد بدرا والمشاهد كلها. روى عنه: جابر بن عبد الله، والمغيرة بن شعبة، والمسور بن مخرمة، والحسن البصري، وعبد الرحمن الأعرج، وغيرهم. اعتزل الفتنة، وأقام بالربذة، ومات بالمدينة في صفر سنة ثلاث وأربعين، وهو ابن سبع وسبعين، وصلى علي. مروان بن الحكم، وهو يومئذ أمير المدينة. روى له: " النسائي، وابن ماجه، وأبو داود، والترمذي (2) .
قوله: " ووتَّر يديه " بتشديد التاء، معناه: وضعهما على ركبتيه ممدود تين.
قوله: " فتجافى عن جنبيه " أي: أبعد يديه عن جنبيه.
قوله: " ونحى " أي: أبعد يديه عن جنبيه.
قوله: " بصدر اليمنى " أي: الرجل اليمنى. والأحكام التي فيه ظاهرة، وقد مر ذكرها غير مرة.
__________
= الركوع (260) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: رفع اليدين إذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع (863) .
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (23 / 4775) .
(2) المصدر السابق (26 / 5610) .(3/326)
ص- قال أبو داود: روى هذا الحديثَ عتبةُ بنُ أبي حكيمٍ، عن عبد الله ابن عيسى، عن العباس بن سهل، لم يذكر التوركَ نحو فُليحٍ (1) ، وذكر الحسنُ بنُ حُر نحو جِلسَة حديثِ فُليحٍ وعتبةَ.
ش- عُتْبة بن أبي حكَيم أبو العباس الشامي الطبراني الأردني. سمع: عمرو بن حارثة، وطلحة بن نافع، ومكحولا، وعيسى بن عبد الله، وغيرهم. روى عنه: ابن المبارك، وبقية بن الوليد، وصدقة بن خالد، وجماعة آخرون. قال يحيى: ثقة. وقال أبو حاتم: صالح لا بأس به، وكان أحمد يوهنه قليلا. وقال النسائي: ضعيف. وقال الطبراني: هو من ثقات المسلمين. مات بصُور سنة سبع وأربعين ومائة. روى له: أبو داود، والترمذي، وابن ماجه (2) .
وعبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري الكوفي. قوله: " لم يذكر التورك " يعني: لم يذكر في روايته التورك في القعدة
/ كرواية فليح. (1/246-ب)
716- ص- نا عمرو بن عثمان، خبَّرنا بقية قال: حدثني عتبة قال: حدثني عبد الله بن عيسى، عن العباسِ بن سهل الساعدي، عن أبي حُميد فيِ هذا الحديث قال: وإذا سَجدَ فَرج بين فَخذيه، غيرَ حامل بطنَهُ علىً شيء من فَخِذَيهَِ (3) .ً
ش- عمرو بن عثمان بن سعيد الحمصي، وبقية بن الوليد الحمصي. قوله: " غير حامل " حال من الضمير الذي في " فرَّج ".
ص- قال أبو داود: رواه ابن المبارك قال: أنا فليح قال: سمعت عباس ابن سهل يحدثُ فلم أحفظهُ فحدثنيه، أرَاهُ ذكرَ عيسى بن عبد الله، أنه سمعه من عباسِ بنِ سهلٍ قال: حضرتُ أبا (4) حميد الساعدي (5) .
__________
(1) في سنن أبي داود: " لم يذكر التورك، وذكر نحو حديث فلاح ".
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (19/3771) . (3) تفرد به أبو داود.
(4) في الأصل: " حضرت أنا وحميد " خطأ.
(5) في سنن أبي داود:" بهذا الحديث ".(3/327)
ش- أي: عبد الله بن المبارك.
قوله: " فحدثنيه " من كلام فليح، فافهم.
717- ص- نا محمد بن معمر، نا حجاج بن المنهال، نا همام، نا محمد بن جُحَادةَ، عن عبد الجبار بن وائل، عن أبيه، عن النبيّ- عليه السلام- في هذا الحديث قال: ف" سَجَدَ وقَعَتَا رُكبتَاهُ إلى الأرض قبلَ أن تَقَعَا كَفَّاهُ (1) ، ف" سَجَدً وضَعَ جَبهتَهُ بين كَفيهِ، وجَافَى عن إِبْطَيْهِ (2) . ش- محمد بن معمر بن ربعي القيسي البصري أبو عبد الله، يعرف بالبحراني. سمع: مؤمل بن إسماعيل، وحميد بن حماد، وأبا عاصم النبيل، وغيرهم. روى عنه: الجماعة، وأبو حاتم الرازي، وغيرهم. قال أبو بكر البزار، كان من خيار عباد الله. وقال الخطيب: كان ثقة (3) . وهمام بن يحيى العَوْذي.
قوله: " وقعتا ركبتاه " من باب أكلوني البراغيث، وكذلك قوله: " قبل أن تقعا كفاه "، ويجوز أن يكون " ركبتاه " بدلا من الضمير الذي في "وقعتا "، و " كفاه " بدلا من الضمير الذي في " يقعا "، والمُعْرِب يُعْرِب بطريقه.
وفيه كلام، لأن عبد الجبار لم يسمع من أبيه كما ذكرناه.
ص- قال حجاج: قال همام: ونا شقيق قال: حدثني عاصم بن كليب، عن أبيه، عن النبي- عليه السلام- بمثل هذا.
ش- أي: قال حجاج بن المنهال: قال همام بن يحيى: حدثنا محمد ابن جُحادة، وحدثنا شقيق بن سلمة الأسدي قال: حدَثني عاصم بن كليب، عن أبيه كليب بن شهاب (4) الجرمي الكوفي. روى عن النبي - عليه السلام- مرسلا ولم يدركه، وقد مر مرة.
__________
(1) في سنن أبي داود: " قبل أن تقع كفاه قال: ... "
(2) تفرد به أبو داود. (3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (26 / 5621) .
(4) في الأصل: " شهاب ".(3/328)
ص- وفي حديث أحدهما- وكبر علمي أنه حديث محمد بن جُحادة-: وإذا نَهَض نَهَضَ على رُكبتَيهِ، واعتمدَ على فَخِنَيهِ.
ش- أي: في حديث أحدهما من شقيق ومحمد بن جحادة- يعني شك فيهما- ثم قال: " وكبر علمي " أي: ظني- والعلم يأتي بمعنى الظن- أن الحديث حديث محمد بن جحادة، وليس حديث شقيق، وفيه: " إذا نهض ... " إلى آخره.
718- ص- نا مسدد، نا عبد الله بنِ داود، عنِ فطر، عن عبد الجبار بنِ وائل، عن أبيه قال: رأيتُ رسولَ اللهِ يرفعُ إِبهَاميْهِ في الصلاةِ إلى شَحْمةِ أذُنَيهِ (1) .
ش- عبد الله بن داود الخريبي، وفِطر بن خليفة.
وفيه حجة للحنفية. والحديث: أخرجه النسائي، وهو مرسل. وقد ذُكر أن من هنا إلى الحديث الذي رواه النضر بن علي سقطت لابن داسة (2) وثبتت لأبي عيسى منها ما هو للخولاني عن ابن الأعرابي، ومنها ما هو للؤلؤي.
719- ص- نا (3) عثمان بن أبي شيبة، ومحمد بن عبيد المحاربي قالا:
نا محمد بن فضيل، عن عاصم بن كليب، عن محارب، عن ابن عمر قال: كان النبط- عليه السلام- إذا قَامَ من الركعتينِ كَبرَ ورَفَعَ يديهِ (4) .
ش- محمد بن عبيد بن محمد النحاس المحاربي أبو جعفر الكوفي. روى عن أبيه، ومحمد بن فضيل، ويحيى بن زكرياء بن أبي زائدة،
__________
(1) النسائي: كتاب الافتتاح، باب: موضع الإبهامين عند الرفع (2 / 123) . (2) في الأصل: " لابن راشة " خطأ.
(3) حدث هنا تقديم وتأخير في الأحاديث بين نسخة المصنف وسنن أبي داود، فذكر هذا الحديث تحت " باب من ذكر أنه يرفع يديه إذا قام من الثنتين " ولم يذكر هذا التبويب في نسخة المصنف.
(4) تفرد به أبو داود.(3/329)
وغيرهم. روى عنه: أبو داود، والنسائي، والترمذي، ولو حاتم، وأبو زرعة (1)
ومحمد بن فضيل بن غزوان الكوفي. وهذا الحديث من جملة ما يحتج
به الشافعية، وقد ذكرنا أن أحاديث الرفع في غير تكبيرة الإحرام منسوخة. 720- ص- نا الحسن بن عليّ، نا سليمان بن داود الهاشمي، ما عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن موسى بن عقبة، عن عبد الله بن الفضل بن عبد الرحمن (2) بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، عن عبد الرحمن الأعرج عن عُبيد الله بن أبي رافع، عن على بن أبي طالب، عن رسول الله - عليه السلام-: أنه كانَ إذا قامَ إلى الصلاة المكتوبة كَبرَ، " رَفَعَ يَديهِ حَذوَ مَنكبَيه ويَصنعُ مثلَ ذلك إذا قَضَى قراءَتَه، وَإذا أرادَ (3) أن يركَع، / ويصنَعُهُ إذا فًرِغَ (4) من الركوع، ولا يَرفَعُ يَديه في شيء من صلاته وهو قَاعد، وإذا قامَ من السَّجدَتينِ يرفعُ (5) يديهِ كذلكَ وكَبَّرَ (6) .
ش- سليمان بن داود بن داود (7) بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم القرشي الهاشمي أبو أيوب، سكن بغداد. سمع:
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (26 / 5446) .
(2) " ابن عبد الرحمن " غير موجودة في سنن أبي داود، وذكر محقق تهذيب الكمال (15/ 432 / 433) أنه جاء في حواشي النسخ تعليق يتعقب صاحب " التهذيب " صاحب " الكمال " نصه: " كان فيه عبد الله بن الفضل بن عبد الرحمان بن العباس، وعبد الرحمان زيادة لا حاجة إليها ".
(3) في سنن أبي داود: " وأراد ". (4) في سنن أبي داود: " رفع ".
(5) في سنن أبي داود:" رفع"
(6) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما يقول الرجل إذا رفع رأسه من الركوع (226) ، النسائي: كتاب الافتتاح، باب: نوع آخر من الذكر والدعاء (2/129) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: سجود القرآن (1045)
(7) " صح ".(3/330)
إبراهيم بن سعد، وعبد الرحمن بن أبي الزناد، ومحمد بن إدريس الشافعي، وغيرهم. روى عنه: أحمد بن حنبل، وأبو يحيى صاعقة، والحسن بن علي الحلواني، وغيرهم. وقال ابن سعد: كان ثقة. توفي ببغداد سنة سبع عشرة ومائتين. روى له: أبو داود، والنسائي (1) . وموسى بن عقبة المطرفي المدني الأسدي.
وعبيد الله بن أبي رافع، واسم أبي رافع: أسلم، ويقال: إبراهيم، مولى النبي- عليه السلام- كاتب على بن أبي طالب. سمع: عليا، وأباه، وأبا هريرة. روى عنه: الحسن بن محمد ابن الحنفية، وعبد الرحمن الأعرج، وعطاء بن يسار. وقال أبو حاتم: هو ثقة. روى له الجماعة (2) .
قوله: " إذا قضى قراءته " أي: إذا فرغ من قراءته.
قوله: " ويصنعه " أي: يصنع رفع اليدين.
قوله: " وهو قاعد " جملة حالية. والحديث: أخرجه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه، " (3) وقال الترمذي: حسن صحيح. وفي (علل الخلال" قال: سئل أحمد عن حديث علي هذا فقال: صحيح. وقال الشيخ في " الإمام": وقوله فيه: " وإذا قام من السجدتين" يعني: الركعتين. وقال النووي في " الخلاصة": وقع في لفظ أبي داود: " السجدتين"، وفي لفظ الترمذي:" الركعتين"، والمراد بالسجدتين: الركعتان. وقال الخطابي: وأما ما روي في حديث علي أنه كان يرفع يديه عند القيام من السجدتين، فلست أعلم أحداً من الفقهاء ذهب إليه، وإن صح الحديث فالقول به واجب. انتهى.
قلت: قد غلط الخطابي في هذا لكونه لم يقف على طرق الحديث، فافهم. وقال الطحاوي في " شرح الآثار": وقد روي عن علي خلاد
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (11 / 2509) .
(2) المصدر السابق (9 1 / 3632) .
(3) انظر: نصب الراية (1 / 2 1 4- 13 4) .(3/331)
هذا. ثم أخرج عن أبي بكر النهشلي، ثنا عاصم بن كليب، عن أبيه: أن عليا كان يرفع يديه في أول تكبيرة من الصلاة، ثم لا يرفع بعده. قال الطحاوي: فلم يكن علي- رضي الله عنه- ليرى النبي- عليه السلام- يرفع ثم يتركه إلا وقد ثبت عنده نسخه. قال: ويضعف هذه الرواية أيضاً أنه روي من وجه آخر وليس فيه الرفع، ثم أخرجه عن عبد العزيز بن أبي سلمة، عن عبد الله بن الفضل (1) ، عن الأعرج به، ولم يذكر فيه: " الر فع " (2) .
ص- قال أبو داود: في حديث أبي حميد الساعدي حين وصفَ صلاةَ النبي- عليه السلام- إذا قامَ من الركعتين رَفَعَ (3) يديه حتى يُحَاذي يهما مَنكِبَيهِ كما كبرَ عندَ افتتاح الصلاةِ (4) .
ش- إنما ذكر هذا تفسيرا لقول علي- رضي الله عنه- في الحديث السابق: " وإذا قام من السجدتين " لنعلم أن المراد من السجدتين الركعتان كما ذكرناه، وهو الموضع الذي اشتبه على الخطابي.
721- ص- نا حفص بن عمر، ثنا شعبة، عن قتادة، عنِ نصر بن عاصم، عن مالك بن الحُويرث قال: رأيتُ النبي- عليه السلام- يرفعُ يَديه إذا كَبَّرَ، وإذا رَكَعَ، واذا رفَعَ رأسَهُ من الركوع حتى يَبْلُغَ بهما فُرُوعً أفُنَيهِ (5) .
__________
(1) في الأصل: " عن عبد الله، عن عبد الله بن الفضل" كذا.
(2) إلى هنا انتهى النقل من نصب الراية.
(3) في سنن أبي داود: " كبر ورفع"
(4) تفرد به أبو داود.
(5) مسلم: كتاب الصلاة، باب: استحباب رفع اليدين حذو المنكبين مع تكبيرة الإحرام والركوع وفي الرفع من الركوع، وأنه لا يفعله إذا رفع من السجود (25 / 391) ، النسائي: كتاب الافتتاح، باب: رفع اليدين للركوع حذاء
فروع الأذنين (2 / 122) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: رفع اليدين
إذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع (859)(3/332)
ش- نصر بن عاصم الليثي البصري. روى عن: عمر بن الخطاب،
ومالك بن الحويرث، وابن معاوية الليثي. روى عنه: قتادة، وعمران بن
حدير، وأبو سلمة. روى له: مسلم، وأبو داود، والنسائي (1) .ْ
والحديث: أخرجه مسلم، والنسائي، وابن ماجه. وقد أخرج
البخاري ومسلم بنحوه من حديث أبي قلابة، عن مالك بن الحويرث.
وأخرجه الدارقطني عن أنس مثله.
722- ص- نا ابن معاذ، نا أبي ح ونا موسى بن مروان، نا شعيب
- يعني: ابن إسحاق- المعنى، عن عمران، عن لاحق، عن بَشير بن نَهيك
قال: قال أبو هُريرةَ: لو كنتُ قُدامَ النبيِّ- عليه السلام- لرأيتُ إبطَه (2) .
زاد ابنُ معاذ: يقولُ لاحق: ألا تَرى أنه في صَلاة (3) ، ولا يَستطيع أن يكونَ
قُدامَ رسول الله؟ وزاد موسى: يعني: إذا كَبرَ رَفعً يَديهِ (4) .
ش- ابن معاذ عبيد الله بن معاذ بن معاذ البصري، وموسى بن مروان
الرقي، وشعيب بن إسحاق الدمشقي.
/ وعمران بن حدير أبو عُبيدة (5) السدوسي البصري. روى عن: [1/247-ب] عكرمة مولى ابن عباس، وقسامة بن زهير، ولاحق بن حميد. روى
عنه: شعبة، وحماد بن زيد، ووكيع، ويزيد بن هارون، وغيرهم.
قال أحمد: بخ بخ، كان ثقة. وقال ابن معين: ثقة. روى له: البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي (6) .
ولاحق بن حميد بن سعيد بن خالد بن كثير أبو مجلز السدوسي الأعور
البصري. سمع: عبد الله بن عمرو، وابن عباس، وبَشير بن نَهيك،
وجماعة آخرين. روى عنه: أيوب السختياني، وقتادة، وعمرانَ بن
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (29 / 6399) .
(2) في سنن أبي داود: " إبطيه".
(3) في سنن أبي داود: " الصلاة".
(4) النسائي: كتاب الصلاة، باب: صفة السجود (2 / 212) .
(5) فيه الأصل: "عَبدة " خطأ.
(6) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (22 / 4484) .(3/333)
حدير، وغيرهم. قال أبو زرعة: بصري ثقة، وكذلك قال ابن معين. مات في ولاية ابن هبيرة سنة ست ومائة. روى له الجماعة (1) .
وبشير بن نَهيكِ السدوسي، ويقال: السلولي، أبو الشعثاء البصري. سمع: أبا هريرة، وبشير بن الخصاصية. روى عنه: النضر بن أنس، وأبو مجلز لاحق، وخالد بن سُمير. وقال أبو حاتم: تركه يحيى القطان. وقال أبو حاتم: لا يحتج بحديثه. وقال أحمد بن عبد الله: ثقة. روى له الجماعة (2) .
قوله: " وزاد موسى " يعني: ابن مروان.
والحديث أخرجه النسائي، وهذا حجة للحنفية أيضاً، لأن من رفع يديه إلى منكبيه لا يرى إبطه، ولا يرى الإبط إلا ممن يرفع يديه إلى أذنيه.
723- ص- نا مسدد، نا يحيى، عن ابن أبي ذئب، عن سعيد بن سمعان، عن أبي هريرة قال: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا دَخَلَ في الصلاة رَفَع يَديهِ مدا (3) .
ش- يحيى القطان، وابن أبي ذئب محمد بن عبد الرحمن.
وسعيد بن سمعان الأنصاري الزرقي مولاهم المدني. سمع: أبا هريرة. روى عنه: ابن أبي ذئب. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي (4) .
قوله: " مدا " نصب على أنه صفة لمصدر محذوف، أي: رفعا مدا. ويجوز أن يكون " مدا" بمعنى " مادا "، ويكون حالا من الضمير الذي في " رفع "، والتقدير: حال كونه مادا يديه.
724- ص- ما عبد الملك بن شعيب بن الليث قال: حدثني أبي، عن
__________
(1) المصدر السابق (1 3 / 6772) .
(2) المصدر السابق (4 / 0 73) .
(3) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في نشر الأصابع عند التكبير (239) ، النسائي: كتاب الافتتاح، باب: رفع اليدين مدا (2 / 124) .
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (0 1 / 2293) .(3/334)
جدي، عن يحيى بن أيوب، عن عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، عن ابن شهاب، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، عن أبي هريرةَ أنه قال: كان رسولُ الله إذا كَبَرَ للصلاة جَعَل يَديه حَذاءَ (1) مَنكبيه، وإذا ركَعَ فَعلَ مثلَ ذَلكَ، وَإذا رَفعَ للسجُوَد فَعلَ مثلَ فَلك، وإذا قَامَ مَنَ الركعتينِ فعلَ مثلً فلك (2) .
ش- يحيى بن أيوب الغافقي المصري.
وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي، اسمه كنيته، وكان من سادات قريش، وكان فقيها عابدا يصوم الدهر كله، وكان يُعرف براهب قريش. روى عن جماعة من أصحاب النبي- عليه السلام-. روى عنه: أهل المدينة، والشعبي، والزهري، ومجاهد، وجماعة آخرون. وقال في " الكمال": قيل: اسمه: محمد، وقيل: اسمه: أبو بكر، وكنيته: أبو عبد الرحمن. والصحيح أن اسمه كنيته، وكان مكفوفا. مات بالمدينة سنة أربع وتسعين. روى له الجماعة (3) .
725- ص- نا قتيبة بن سعيد، نا ابن لهيعة، عن ابن هُبيرة، عن ميمون المكي، أنه رَأى عبدَ اللهِ بنَ الزبيرِ وصلى بهم يُشيرُ بكفيه حينَ يَقُومُ، وحين يَركعُ وحين يَسجدُ، وحين يَنهَضُ للقيام، فيقوم فيُشيرُ بيَديه، فانطلقتُ إلى ابنِ عباس فقلت: إِني رأيتُ ابنَ الزبير ِصلى صَلاَةَ لم أرً أحداً يُصَليهَا، ووصفت (4) له هذه الإشارةَ، فقال: إنْ أحْبَبتَ أن تَنظُرَ إلى صلاةِ رسولِ اللهِ فاقتدِ بصلاةِ ابنِ الزبيرِ (5) .
ش- ابن هُبيرةَ هو عبد الله بن كبيرة بن أسعد بن كهلان السبئي الحضرمي أبو هبيرة المصري. روى عن: مسلمة بن مخلد، وميمون
__________
(1) في سنن أبي داود: "حذو".
(2) مسلم: كتاب الصلاة، باب: إثبات التكبير في كل خفض ورفع في الصلاة إلا رفعه من الركوع 000 (28) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (33 / 43 72) .
(4) في سنن أبي داود: "فوصفت".
(5) تفرد به أبو داود.(3/335)
المكي، وأبي تميم الجيشاني. روى عنه: حيوة بن شريح، ويحيى الأنصاري، وعبد الله بن لهيعة، وغيرهم. قال أحمد: ثقة. مات سنة ست وعشرون ومائة. روى له: مسلم، وأبو داود، والنسائي (1) . وميمون المكي روى عن: عبد الله بن الزبير، روى عنه: ابن هبيرة، روى له: أبو داود (2) .
وفيه ابن لهيعة وهو معروف.
726- ص- نا قتيبة بن سعيد، ومحمد بن أبان- المعنى- قالا: نا
[1/248-أ] النضر بن كثير- يعني: السعدي- قال: / صلى إلى جَنبي عبدُ الله بنُ طاوس فِي مَسْجد الخيف، فكانَ إذا سَجَدَ السجدةَ الأولَى فَرفَعَ رأسَهُ منَها، رَفَعَ يَديه تِلقَاءَ وَجههَ، فَأنكَرتُ ذلك، فقلتُ لوهيبِ بن خالد، فقال (3) وهيب: تَصنعُ شيئاً لًم أرَ أحداً يصنَعُهُ؟ فقال ابنُ طاوس: رأيتُ أي يصنَعُهُ وقال أبي: رأيتُ ابنُ عباس يَصنَعَهُ، ولا أعلم إلا أنه قال: كان (4) النبي - عليه السلام- يصنَعُهُ (5) .
ش- محمد بن أبان: [ابن] وزير البلخي أبو إبراهيم، يعرف بحمدويه، مستملي وكيع. سمع: وكيعا، وعبدة بن سليمان، وابن عيينة، ويحيى بن سعيد، وغيرهم. روى عنه الجماعة إلا مس". وقال النسائي: هو ثقة. مات سنة أربع وأربعين ومائتين (6) .
والنضر بن كثير السعدي أبو سهل البصري. رأى عبد الله بن طاوس، وروى عنه، وعن سعيد بن أبي عروبة، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وغيرهم. روى عنه: نصر بن علي، وإبراهيم الدورقي، وموسى بن
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (16 / 3628) .
(2) المصدر السابق (29 / 6343) .
(3) في سنن أبي داود:" فقال له ".
(4) كلمة" كان " غير موجودة في " سنن أبي داود"
(5) النسائي: كتاب التطبيق، باب: رفع اليدين بين السجدتين تلقاء الوجه (2 / 232) .
(6) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (24 / 5021) .(3/336)
عبد الله البصري، وغيرهم. قال أبو حاتم: هو شيخ، فيه نظر. وقال أحمد: هو ضعيف الحديث.. وقال الدارقطني: فيه نظر. روى له: أبو داود، والنسائي (1) .
ووهيب بن خالد بن عجلان الباهلي البصري.
وقال الحافظ أبو أحمد النيسابوري: هذا حديث منكر من حديث ابن
طاوس.
727- ص- نا نصر بن عليّ، أنا عبد الأعلىِ، نا عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، أنه كان إذا دَخلَ في الصلاة كَبرَ ورفَعَ يديهِ، وإذا رَكَعَ، وإذا قال: " سَمِعَ الله لمن حَمِدَهُ "، وإذا قامَ منَ الركعتين رفَعَ يديهِ، وبرفعُ ذلك إلى رسولِ اللهِ (2) .
ش- نصر بن عليّ بن نصر البصري، وعبد الأعلى بن عبد الأعلى، وعبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه-.
قوله: " وير فع ذلك " أي: الحديث. وأخرجه البخاري، وقال: ورواه حماد بن سلمة، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي - عليه السلام-.
ص- قال أبو داود: الصحيحُ قولُ ابنِ عُمَر، وليس (3) بمرفوعِ.
ش- أي: الصحيح أن هذا قول ابن عمر، وليس بمرفوع إلى النبي
- عليه السلام-.
ص- قال أبو داود: روى بقيةُ أولَه عن عبيدِ اللهِ وأسنده.
ش- أي: روى بقية بن الوليد أول الحديث عن عبيد الله بن عمر
__________
(1) المصدر السابق (29 / 6433) .
(2) البخاري: كتاب الأذان، باب: رفع اليدين إذا قام من الركعتين (739) . (3) في سنن أبي داود: " ليس"
22. شرح سنن في داود 3(3/337)
العمري. وقال الدارقطني: رواه بقية، عن عبيد الله، عن نافع بلفظ: " أن النبي- عليه السلام- كان إذا افتتح رفع يديه " لم يزد على هذا. ص- ور " ى هذا الحديثَ الثقفي، عن عبيدِ الله أوقفه (1) على ابن عُمَر، وقال فيه: إذا قامَ من الركعتينِ يرفَعهُما إلى ثَديَيْهِ، وهذا (2) الصحيح. ش- الثقفي هو عبد الوهاب بن عبد المجيد بن الصلت بن عبد الله بن الحكم بن أبي العاص أبو محمد البصري الثقفي. سمع: يحيى بن سعيد الأنصاري، وأيوب السختياني، وعبيد الله بن عمر العمري، وغيرهم. روى عنه: هاشم بن القاسم، وقتيبة، والشافعي، وأحمد بن حنبل، ومسدد، وابن معين، وإسحاق بن راهويه، وجماعة آخرون. وقال ابن معين: ثقة. وقال ابن سعد: كان ثقة، وفيه ضعف. توفي سنة أربع وتسعين ومائة، ومولده سنة ثمان ومائة. روى له الجماعة (3) .
قوله: " وهذا الصحيح " أي: كونه موقوفا على ابن عمر هو الصحيح. وقد قلنا: أنه روي بأسانيدَ صحيحة عن ابن عمر خلاد هذا، فلا يكون هذا إلا وقد ثبت عنده نسخ.
ص- ورواه الليث بن سعد، ومالك، وأيوب، وابن جريج موقوفا.
ش- أي: روى هذا الحديثَ الليثُ بن سعد، ومالكُ بن أنس، وأيوب السختياني، وعبد الملك بن جريج موقوفا على ابن عمر- رضي الله عنه-. وقال الدارقطني: ورواه حماد بن زيد، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر موقوفا. ورواه أبو صخرة، عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر موقوفا، وقال: رواه إسماعيل بن أمية، والليث كذلك.
ص- وأسنده حماد بن كلمة وحلَه عن أيوب.
__________
(1) في سنن أبي داود:" وأوقفه"
(2) في سنن أبي داود: " وهذا هو ".
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال له " / 3604) .(3/338)
ش- أيوب السختياني. وقال البيهقي: نا أبو عبد الله الحافظ، نا
محمد بن يعقوب، نا محمد بن إسحاق الصغاني، نا عفان، نا حماد
ابن سلمة، نا أيوب، عن نافع، عن ابن عمر: أن رسول الله كان إذا دخل
في الصلاة رفع يديه حَذو منكبيه، وإذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع.
ص- لم يذكر أيوب ومالك الرفع إذا قام من السجدتينِ.
ش- أما رواية أيوب فقد قال أبو الحسن محمد بن الحسين العُلوي: أنا
أحمد بن (1) / محمد بن الحسن الحافظ، نا أحمد بن يوسف السلَمي، [1/248-ب]
نا عمر بن عبد الله بن رزين أبو العباس السلمي، نا إبراهيم بن طهمان،
عن أيوب، وموسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر: أنه كان يرفع
يديه حين يفتتح الصلاة، وإذا ركع، وإذا استوى قائماً من ركوعه حَذَو
منكبيه ويقول: كان رسول الله يفعل ذلك.
وأما رواية مالك فعن عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن ابن
شهاب، عن سالم، عن أبيه: أن رسول الله كان يرفع يديه حذو منكبيه
إذا افتتح الصلاة، وإذا كبر للركوع، وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما
كذلك، وقال: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، وكان لا يفعل
ذلك في السجود.
ص- وذكره الليث في حديثه.
ش- أي: ذكر الرفع إذا قام من السجدتين الليثُ بن سعد في حديثه.
ص- قال ابنُ جريج فيه: قلت لنافعِ: كان ابنُ عُمَر يجعلُ الأولَى
أرفَعَهُن؟ قال: لا، سواء. قلت: أشِرْ لي، فأشَارَ إلى الثديينِ أو أسفلَ من
ذلك.
ش- أي: في هذا الحديث، والهمزة في " كان " للاستفهام.
قوله: " يجعل الأولى أرفعهن " أي: يجعل الحالة الأولى- وهي حالة
الافتتاح- أرفع الحالات.
__________
(1) مكررة في الأصل.(3/339)
قوله: " لا " أي: لا يجعل الأولى أرفعهن.
قوله:" سواء " بالرفع " على أنه، (1) خبر مبتدأ محذوف، أي: الكل سواء، ويجوز أن ينصب على معنى: يجعلها سواء.
728- ص- نا القعنبي، عن مالك، عن نافع: أن عبدَ الله بنَ عُمَر كان
إذا ابتدأ الصلاةَ يَرفعُ يَديهِ حَذوَ مَنكبَيه، وإذا رَفَعَ رأسَهُ من الرَكوع رَفَعَهُمَا دُون ذلك.
ولم يذكر " رفَعَهُما دون ذلك " أحد غير مالك فيما علمت (2) .
ش-" إذا ابتدأ" أي: إذا افتتح الصلاة.
قوله: " دون ذلك " أي: دون المنكبين.
قوله: " ولم يذكر رفعهما " إلى آخره من كلام أبي داود.
" (3) واعلم أن حديث ابن عمر هذا رواه مالك في " موطئه" (4) عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر: أن النبي- عليه السلام- كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه حَذو منكبيه، وإذا رفع رأسه من الركوع، وكان لا يفعل ذلك في السجود. انتهى. لم يذكر فيه الرفع في الركوع، هكذا وقع في رواية يحيى بن يحيى، وتابعه على ذلك جماعة من رواة " الموطأ" منهم: يحيى بن بكير، والقعنبي، وأبو مصعب، وابن أبي مريم، وسعيد بن عفير، ورواه ابن وهب، وابن القاسم، ومعن بن عيسى، وابن أبي أويس، عن مالك، فذكروا فيه " الرفع من الركوع"، وكذلك رواه جماعة من أصحاب الزهري، عن الزهري، وهو الصواب. ذكر ذلك أبو عمر بن عبد البر في كتاب " التقصي". وقال في" التمهيد": وذكر جماعة من أهل العلم أن الوهم في إسقاط الرفع من الركوع، إنما وقع من جهة مالك، فإن جماعة حفاظا رووا عنه الوجهين جميعا. انتهى. وكذلك قال الدارقطني في " غرائب مالك" أن مالكا لم يذكر في
__________
(1) في الأصل: " وابنه" كذا.
(2) تفرد به أبو داود. (3) انظر: نصب الراية (1 / 408- 409) .
(4) كتاب الصلاة، باب: افتتاح الصلاة (17) .(3/340)
" الموطأ " الرفع عند الركوع، وذكره في غير " الموطأ "، حدث به عشرون نفرا من الثقات الحفاظ، منهم: محمد بن الحسن الشيباني، ويحيى بن سعيد القطان، وعبد الله بن المبارك، وعبد الرحمن بن مهدي، وابن وهب، وغيرهم. قال: وخالفهم جماعة من رواة " الموطأ" فرووه عن مالك وليس فيه الرفع من الركوع، منهم: الإمام الشافعي، والقعنبي، ويحيى بن يحيى، ويحيى بن بكير، وسعيد بن أبي مريم، وإسحاق الحُنيني، وغيرهم " (1) . وقد ذكرنا اعتراض الطحاوي واعتراض البيهقي علي والجواب عنه مستوفى.
***
113- باب: مَن لم يذكر الرفع عند الركوع
أي: هذا باب في بيان أقوال من لم يذكر رفع اليدين عند الركوع،
وفي بعض النسخ" باب فيما جاء فيمن لم يذكر ".
729- ص- نا عثمان بن أبي شيبة، نا وكيع، عن سفيان، عن عاصم
- يعني: ابن كليب- عن عبد الرحمن بن الأسود، عن علقمة قال: قال عبد الله بن مسعود: ألا أصلى بكم صلاةَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ قال: فَصلى، فلم يَرفعْ يديه إِلا مرةً (2) .
ش- علقمة بن قيس / النخعي. والحديث: أخرجه الترمذي، [1/249-أ] وقال: حديث حسن صحيح، وأخرجه النسائي عن ابن المبارك، عن سفيان. واعترض على هذا الحديث بأمور، منها: ما رواه الترمذي (3) بسنده عن ابن المبارك قال: لم يثبت عندي حديث ابن مسعود أنه
__________
(1) إلى هنا انتهى النقل من نصب الراية.
(2) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرفع إلا في أول مرة (257) ، النسائي: كتاب التطبيق، باب: مواضع أصابع اليدين في الركوع (2 / 186) .
(3) جامعه (2 / 38) .(3/341)
- عليه السلام- لم يرفع يديه إلا في أول مرة، وثبت حديث ابن عمر أنه رفع عند الركوع، وعند الرفع من الركوع، وعند القيام من الركعتين، ورواه الدارقطني ثم البيهقي في " سننهما "، وذكره المنذري في " مختصر السنن".
ومنها: ما قال المنذري. وقال غير ابن مبارك: إن عبد الرحمن لم يسمع من علقمة.
ومنها: تضعيف عاصم بن كليب، نقل البيهقي في " سننه" عن
أبي عبد الله الحاكم أنه قال: عاصم بن كليب لم يخرج حديثه في " الصحيح" وكان يختصر الأخبار فيؤديها بالمعنى، وأن لفظه: " ثم لا يعود " في الرواية الأخرى غير محفوظ في الخبر. والجواب عن الأول: أن عدم ثبوت الخبر عند ابن المبارك لا يمنع من النظر فيه، وهو يدور على عاصم بن كليب، وقد وثقه ابن معين، وأخرج له مسلم، فلا يسأل عنه للاتفاق على الاحتجاج به.
وعن الثاني: أن قول المنذري غير قادح، فإنه عن رجل مجهول.
وقال الشيخ في الإمام: وقد تتبعت هذا القائل فلم أجده، ولا ذكره ابن أبي حاتم في " مراسيله "، وإنما ذكره في كتاب " الجرح والتعديل " فقال: وعبد الرحمن بن الأسود أدخل على عائشة وهو صغير ولم يسمع منها، وروى عن أبيه وعلقمة ولم يقل: إنه مرسل، وذكره ابن حبان في كتاب
" الثقات، وقال: إنه مات فيِ سنة تسع وتسعين، فكان سِنُه سِنَّ إبراهيم النخعي، فإذا كان سنُّه سِنّ إبراهيم فما ا"نع من سماعه من القمة مع الاتفاق على سماع النَخعي منه؟ ومع هذا كله فقد صرح الحافظ أبو بكر الخطيب في كتابا المتفق والمفترق " في ترجمة عبد الرحمن هذا أنه سمع أباه وعلقمة.
قلت: وكذا قال في " الكمال "، سمع عائشة زوج النبي- عليه السلام- وأباه وعلقمة بن قيس.
وعن الثالث وهو تضعيف عاصم فقد قلنا: إن ابن معين قال فيه: ثقة(3/342)
وأنه من رجال الصحيح، وقول الحاكم أن حديثه لم يخرج في " الصحيح " غير صحيح، فقد أخرج له مسلم حديثه عن أبي بردة، عن علي في الهدي، وحديثه عنه عن علي: " نهاني رسول الله- عليه السلام- أن أجعل خاتمي في هذه والتي تليها "، وغير ذلك، وأيضا فليس من شرط الصحيح التخريج عن كل عدل، وقد أخرج هو في " المستدرك " عن جماعة لم يخرج لهم في " الصحيح"، وقال: هو على شرط الشيخين، وإن أراد بقوله: " لم يخرج حديثه في الصحيح " أي: هذا الحديث فليس ذلك بعلة، وإلا لفسد علي مقصوده كله من كتابه " المستدرك ".
730- ص- نا (1) الحسن بن علي، نا معاوية وخالد بن عمرو بن سعيد وأبو حذيفة قالوا: نا سفيان لإسناده بهذا قال: " فَرَفَعَ يَديْهِ في أؤَلِ مَرةِ، وقال بعضُهُم: مَرةَ وَاحدةَ (2) .
ش- معاوية 000 (3) .
وخالد بن عمرو بن سعيد القرشي الأموي، أبو سعيد (4) الكوفي. سمع: الثوري، وهشاما الدستوائي، وشعبة، وغيرهم. روى عنه: الحسن بن علي، ويوسف بن عدي، وإبراهيم بن موسى الفراء، وغيرهم. روى له: أبو داود، وابن ماجه (5) .
وأبو حذيفة النهدي اسمه: موسى بن مسعود.
قوله: "بهذا " أي: بهذا الحديث، قال في روايته: " فرفع يديه في أول مرة"
731- ص- نا (6) عثمان بن أبي شيبة، نا ابن إدريس، عن عاصم بن
__________
(1) جاء هذا الحديث في سنن أبي داود بعد الحديثين الآتيين.
(2) تفرد به أبو داود.
(3) بياض في الأصل قدر ثلاث كلمات.
(4) في الأصل: " سعد" خطأ.
(5) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (1638 / 8) .
(6) ذكر هذا الحديث في سنن أبي داود تحت الباب السابق.(3/343)
كليب، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن علقمة قال: قال عبد الله: عَلمَنا
رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الصَّلاةَ فكبرَ فرَفَعَ يَديْهِ، ف" رَكَعَ طبقَ يَديه بين رُكْبَتَيْه قال:
فَبَلَغ ذَلكَ سَعْداً فقال: صَدَقَ أخي، كُنَّا (1) نفعلُ هذا، ثم أمرْنًا بهذا
- يعني: الإمساكَ على الركبتينِ- (2) .
ش- ابن إدريس: هو عبد الله بن إدريس بن يزيد بن عبد الرحمن بن
الأسود الكوفي.
قوله: " طبَّقَ يديه " من التطبيق، وهو أن يجعل بطن كل واحدة لبطن
الأخرى، ويجعلهما بين فخذيه في الركوع، وهو مذهب ابن مسعود وهو [1/249-ب] / منسوخ، كان في أول الإسلام. وقال الترمذي: التطبيق منسوخ عند أهل العلم مستدلا بما رواه الجماعة عن مصعب بن سعد يقول: صليت
إلى جنب أبيَ فطبقت بين كفي، ثم وضعتهما بين فخذي فنهاني أبي
وقال: كنا نفعله فنُهينا عنه، وأمرنا أن نضع أيدينا على الركب (3) .
واستدل البيهقي بحديث رواه عمرو بن مرة، عن خيثمة بن عبد الرحمن،
عن أبي سبرة الجُعفي، قال: قدمت المدينة فجعلت أطبق كما يُطبق
أصحاب عبد الله، فقال رجل من المهاجرين: ما يحملك على هذا؟
قلت: كان عبد الله يفعله، ويذكر أن رسول الله كان يفعله، فقال:
صدق عبد الله، ولكن رسول الله ربما صنع الأمر ثم يُحدث الله له أمرأ
آخر، فانظر ما اجتمع علي المسلمون فاصنعه، فكان بعد لا يُطبق. قال البيهقي: وهذا الذي صار إليه موجود في وصف (4) أبي حُميد ركوع
النبي- عليه السلام- (5) .
وعند الحاكم على شرط مسلم: " " بلغ سعد بن أبي وقاص التطبيق
__________
(1) في سنن أبي داود: " قد كنا ".
(2) النسائي: كتاب الافتتاح، باب: التطبيق (2 / 184) .
(3) جامع الترمذي (2 / 44) .
(4) في السنن الكبرى: "حديث أبي حميد وغيره في صفة ركوع النبي صلى الله عليه وسلم ".
(5) السنن الكبرى (2 / 84) .(3/344)
عن عبد الله قال: صدق عبد الله، كنا نفعل هذا ثم أمرنا بهذا، ووضع يديه على ركبتيه ". وفي " الأوسط ": " كان النبي- عليه السلام- إذا ركع وضع راحتيه على ركبتيه، وفرج بين أصابعه ".
وقال ابن عمر في حديث غريب قاله الحازمي: إنما فعله النبي- عليه
السلام- مر ة.
وفي كتاب " الفتوح " لسيف عن عمرو بن محمد، عن الشعبي، عن مسروق سألت عائشة عن إطباق ابن مسعود يديه بين ركبتيه إذا ركع؟ فقالت: إن النبي- عليه السلام- كان يرى من خلفه كما يرى من بين يديه، زيادة من الله زاده إياها في حجته، فرأى أناسا يصنعون كما كان يصنع الرهبان، فحولهم من ذلك إلى ما علي الناس اليوم من إطباق الركب بالأكف وتفريج الأصابع.
وفي "علل الخلال" عن يحيى بن معين: هذان ليسا بشيء- يعني: حديث ابن عمر هذا وحديث محمد بن سيرين: أنه- عليه السلام- ركع يطبق.
قوله: " فبلغ ذلك سعداً" يعني: سعد بن أبي وقاص- رضي الله عنه- فإن قيل: ما مناسبة هذا الحديث في هذا الباب؟ قلت: كأنه أشار بهذا إلى ما قال بعضهم من القائلين بالرفع، يجور أن يكون ابن مسعود نسي الرفع في غير التكبيرة الأولى كما نسي في التطبيق، فخفي علي كما خفي علي نسخ التطبيق، ويكون ذلك كان في الابتداء قبل أن يشرع رفع اليدين في الركوع، ثم صار التطبيق منسوخا، وصار الأمر في السُّنة إلى رفع اليدين عند الركوع، ورفع الرأس منه.
والجواب عن هذا: أن هذا مستبعد من مثل ابن مسعود، والدليل علي: ما أخرجه الدارقطني في " سننه "، والطحاوي في " شرح الآثار " عن حصين بن عبد الرحمن قال: دخلنا على إبراهيم النخعي فحدثه عمرو ابن مرة قال: صلينا في مسجد الحضرميين فحدثني القمة بن وائل عن أبيه، أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه حين يفتتح، وإذا ركع، وإذا(3/345)
سجد، فقال إبراهيم: ما أرى أباه رأى رسول الله إلا ذلك اليوم الواحد فحفظ عنه ذلك، وعبد الله بن مسعود لم يحفظه، إنما رفع اليدين عند افتتاح الصلاة. انتهى.
ورواه أبو يعلى الموصلي في " مسنده " ولفظه: أحَفِظَ وائلٌ ونسي ابن مسعود؟
ورواه الطحاوي في" شرح الآثار " وزاد فيه: فإن كان رآه مرة يرفع،
فقد رآه خمسين مرة لا يرفع. وقال صاحب " التنقيح ": قال الفقيه أبو بكر بن إسحاق: هذه علة لا تسوي سماعها، لأن رفع اليدين قد صح عن النبي- عليه السلام- ثم الخلفاء الراشدين، ثم الصحابة والتابعين، وليس في نسيان ابن مسعود لذلك ما يستغرب، قد نسي ابن مسعود من القراَن ما لم يختلف فيه المسلمون بعدُ وهي المعوذتان، ونسي ما اتفق العلماء على نسخه كالتطبيق، ونسي كيفية قيام الاثنين خلف
[1/250-أ] الإمام، ونسي ما لم يختلف العلماء فيه أن النبي- عليه السلام- / صلى الصُبح يوم النحر في وقتها، ونسي كيفية جمع النبي- عليه السلام- بعرفة، ونسي ما لم يختلف العلماء فيه من وضع المرفق والساعد على الأرض في السجود، ونسي كيف كان يقرأ النبي- عليه السلام- (وَمَا خَلَقَ الذكر وَالأنثَى) (1) ، وإذا جاز على ابن مسعود أن ينسى مثل هذا في الصلاة كيف لا يجوز مثله في رفع اليدين؟ انتهى.
والجواب عن ذلك، أما قوله: " لأن رفع اليدين قد صح عن النبي
- عليه السلام- " فنقول: قد صح تركه أيضاً كما في رواية الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
وأما قوله:" ثم الخلفاء الراشدين " فممنوع، إذ قد صح عن عمر وعلي- رضي الله عنهما- خلاد ذلك كما ذكرناه، والذي رُوي عن عمر في الرفع في الركوع، والرفع منه. ذكر البيهقي سنده، وفيه مَن هو
__________
(1) سورة الليل: (3) .(3/346)
مستضعف. ولهذا قال: ورويناه عن أبي بكر وعمر وذكر جماعة، ولم يذكره بلفظ الصحة كما فعل ابن إسحاق المذكور. وقال علاء الدين ا"رديني في " الجوهر النقي في الرد على البيهقي": ولم أجد أحداً ذكر عثمان- رضي الله عنه- في جملة من كان يرفع يديه في الركوع والرفع
وأما قوله: " ثم الصحابة والتابعين " فغير صحيح أيضاً، فإن في الصحابة مَن قصر الرفع على تكبيرة الافتتاح، وهم الذين ذكرناهم سالفا، وكذا جماعة من التابعين منهم: الأسود، وعلقمة، وإبراهيم، وخيثمة، وقيس بن أبي حازم، والشعبي، وأبو إسحاق، وغيرهم. روى ذلك كله ابن أبي شيبة في " مصنفه " بأسانيد جيدة. وروى ذلك أيضاً بسند صحيح عن أصحاب علي وعبد الله، وناهيك بهم.
وأما قوله: " وليس في نسيان عبد الله " إلى آخره، فدعوى لا دليل عليها، ولا طريق إلى معرفة أن ابن مسعود علم ذلك ثم نسيه، والأدب في هذه الصور التي نسبه فيها إلى النسيان أن يقال: لم يبلغه، كما فعل غيره من العلماء.
وقوله: " ونسي كيفية قيام الاثنين خلف الإمام " أراد به ما رُوي أنه صلى بالأسود وعلقمة، فجعلهما عن يمينه ويساره، وقد اعتذر ابن سيرين عن ذلك بأن المسجد كان ضيقا. ذكره البيهقي في باب ا"موم يخالف السنَة في الموقف (1) .
وقوله: " ونَسي أنه- عليه السلام- صلى الصبح في يوم النحر في وقتها " ليس بجيد، إذ في " صحيح البخاري" وغيره عن ابن مسعود: " انه- عليه السلام- صلى الصبح يومئذ بغلس "، فما نسي أنه صلاها في وقتها، بل أراد أنه صلاها في غير وقتها المعتاد، وهو الإسفار، وقد يُبين ذلك بما في " صحيح البخاري" من حديثه: "ف" كان حين يطلع
__________
(1) السنن الكبرى: كتاب الصلاة (3 /98) .(3/347)
الفجر قال: إن النبي- عليه السلام- كان لا يصلي هذه الساعة إلا هذه الصلاة في هذا المكان في هذا اليوم ". قال عبد الله: هما صلاتان تحولان عن وقتهما: صلاة المغرب بعد ما يأتي الناس، والفجر حين يبزغ الفجر.
وقوله: " ونسي ما لم يختلف العلماء فيه من وضع المرفق والساعد "
إلى آخره. أراد بذلك ما رُوي عن ابن مسعود: " أنه قال: هُيئت عظام ابن آدم للسجود، فاسجدوا حتى بالمرافق "، إلا أن عبارة ابن إسحاق ركيكة، والصواب أن يقال: من كراهية وضع المرفق والساعد. وفي "المحتسب " لابن جني قرأ: (والذكًرَ وَالأنثَى) بغير " ما "، النبي - عليه السلام-، وعلي، وابن مسعود، وابن عباس، وفي " الصحيحين":
" أن أبا الدرداء قال: والله لقد أقرأنيها رسول الله" يثبت أن ابن مسعود لم ينفرد بذلك، ولا نسلم أنه نسي كيف كان النبي- عليه السلام- يقرؤها، وإنما سمعها على وجه آخر فأدى كما سمع. قلت: قوله، " في أول كلامه " لا تسوي " لفظة عامية، والصواب أن يقال: لا تساوي، وفي " الصحاح " [قال] الفراء: هذا الشيء لا يساوي- كذا ولم يعرف يُسوي كذا، وهذا لا يساويه أي لا يعادله.
732- ص- نا محمد بن الصباح البزاز قال: نا شريك، عن يزيد بن
أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء، أن رسولَ الله- عليه السلام- كان إذا افْتَتَح الصلاة رَفَعَ يديه إلى قريب مِن أذنيهِ، ثم لا يَعُوَد " (1) . [1/250-ب] /ش- أي: لا يعود بعد ذلك إلى رفعَ اليدين، وفيه مسألتان، الأولى: أن رفع اليدين إلى قريب الأذنين.
والثانية: أنه في تكبيرة الافتتاح ليس إلا، وما رُوي غير ذلك فمنسوخ
كما ذكرناه غير مرة.
__________
(1) تفرد به أبو داود.(3/348)
ص- قال (1) أبو داود: روى هذا الحديث هشيم وخالد، وابنُ إدريس،
عن يزيدَ بن أبي زياد، لم يذكروا: " ثم لا يعودُ ".
ش- أي: هشيم بن بشير الواسطي، وخالد بن مهران الحذاء، وعبد الله بن إدريس، وأشار أبو داود بهذا الكلام إلى انفراد شريك برواية هذه الزيادة، ولهذا قال الخطابي: لم يقل أحد في هذا: "ثم لا يعود " غير شريك، وأشار أيضاً إلى تضعيف الحديث، ولهذا قال الشافعي: ذهب سفيان أي تغليظ يزيد، وفي " تاريخ ابن عساكر " عن الأوزاعي: هو مخالف السّنَة. وقال أبو عمر في " التمهيد ": تفرد به يزيد، ورواه عنه الحُفاظ فلم يذكر واحد منهم قوله: " ثم لا يعود ". وقال البزار: لا يصح حديث يزيد في رفع اليدين: " ثم لا يعود ". وقال الدوري عن يحيى: ليس هو بصحيح الإسناد. وقال البيهقي عن أحمد: هذا حديث واه، قد كان يزيد يحدث به لا يذكر: "ثم لا يعود " ف" لقن أخذه، فكاًن يذكره فيه. وقال البخاري: إنما حدث ابن أبي ليلى هذا من حفظه. وقالت جماعة: إن يزيد (2) كان تغير بآخره، وصار يتلقن، واحتجوا على ذلك بأنه أنكر الزيادة كما أخرجه الدارقطني عن علي بن عاصم: ثنا محمد بن أبي ليلى، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء بن عازب قال: " رأيت النبي- عليه السلام- حين قام إلى الصلاة كبر ورفع يديه حتى ساوى بهما أذنيه. فقلت: أخبرني ابن أبي ليلى أنك قلت: ثم لم يعد. قال: لا أحفظ هذا، ثم عاود به فقال: لا أحفظه. وقال البيهقي: سمعت الحاكم أبا عبد الله يقول، يزيد بن أبي زياد كان يذكر بالحفظ، ف" كبر ساء حفظه، وكان يقلب الأسانيد، ويزيد في المتون، ولا يميز، وادعوا المعارضة أيضاً برواية إبراهيم بن بشار، عن سفيان، ثنا يزيد بن أبي زياد بمكة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء بن عازب قال: رأيت رسول الله
__________
(1) جاء هذا النص في سنن أبي داود عقب الحديث الآتي.
(2) في الأصل: " يزيدا ".(3/349)
- عليه السلام- إذا افتتح الصلاة رفع يديه، وإذا أراد أن يركع، وإذا رفع
رأسه من الركوع. قال سفيان: ف" قدمت الكوفة سمعته يقول: " يرفع
يديه إذا افتتح الصلاة ثم لا يعود " فظننتهم لقنوه. رواه الحاكم ثم البيهقي
عنه. قال الحاكم: لا أعلم ساق هذا المتن بهذه الزيادة عن سفيان بن
عيينة غير إبراهيم بن بشار الرمادي، وهو ثقة من الطبقة الأولى من
أصحاب ابن عيينة جالس ابن عيينة نيفا وأربعين سنة. ورواه البخاري في
كتابه في " رفع اليدين": حدثنا الحميدي، ثنا سفيان، عن يزيد بن
أبي زياد بمثل لفظ الحاكم. قال البخاري: وكذلك رواه الحُفَّاظ ممن سمع
يزيد قديما منهم: شعبة، والثوري، وزهير، وليس فيه " ثم لم يعد "
انتهى.
وقال ابن حبان في كتاب " الضعفاء": يزيد بن أبي زياد كان صدوقا
إلا ابنه " كبر تغير، فكان يلقن فيتلقن، فسماع من سمع منه قبل دخوله
الكوفة في أول عمره سماع صحيح، وسماع من سمع منه في آخر قدومه
الكوفة ليس بشيء. قلت: يعارض قول أبي داود قول ابن عدي في
"الكامل ": رواه هشيم وشريك وجماعة معهما عن يزيد لإسناده وقالوا
فيه: " ثم لم يعد ". وأما قول الخطابي: " لم يقل أحد في هذا ثم لا
يعود غير شريك"، فغير صحيح، لأن شريكا قد توبع عليها كما أخرجه
الدارقطني عن إسماعيل بن زكرياء، ثني يزيد بن أبي زياد به نحوه.
وأخرجه البيهقي في " الخلافيات " من طريق النضر بن شميل، عن
إسرائيل- هو ابن يونس بن أبي إسحاق-، عن يزيد بلفظ:" رفع يديه
حذو أذنيه ثم لم يعد ". وأخرجه الطبراني في " الأوسط " من حديث
حفص بن عمر، أنا حمزة الزيات كذلك. وقال: لم يروه عنه إلا
حفص. تفرد به محمد بن حرب، ثم إنا نظرنا في حال يزيد فوجدنا
[1/251-أ] العجلي / قال فيه: جائز الحديث. وقال يعقوب بن سفيان الفسوي: يزيد وإن كان قد تكلم فيه لتغيره فهو على العدالة والثقة، وإن لم يكن
مثل الحكم ومنصور والأعمش، فهو مقبول القول عدل ثقة. وقال(3/350)
أبو داود: ثبت، لا أعلم أحداً ترك حديثه، وغيره أحب أي منه. وقال ابن سعد: كان ثقة في نفسه إلا أنه في آخر عمره اختلط. و" ذكره ابن شاهين في كتاب " الثقات" قال: قال أحمد بن صالح: يزيد ثقة، ولا يعجبني قول من تكلم فيه، وخرّج ابن خزيمة حديثه في " صحيحه "، وقال الساجي: صدوق. وكذا قاله ابن حبان، وذكره مسلم فيمن شمله اسم الستر والصدق وتعاطي العلم، وخرج حديثه في " صحيحه "، واستشهد به البخاري، فلما كانت حاله بهذه المثابة جاز أن يُحمل أمره على أنه حدّث ببعض الحديث تارة وبجملته أخرى، أو يكون قد نسي أو، ثم تذكر، وأما دعوى المعارضة برواية إبراهيم بن بشار الرمادي فلا تتجه، لأنه لم يرو هذا المتن بهذه الزيادة غير إبراهيم بن بشار، كذا حكاه الشيخ في " الإمام" عن الحاكم، وابن بشار قال فيه النسائي ليس بالقوي، وذمه أحمد ذما شديدا. وقال ابن معين: ليس بشيء لم يكن يكتب عند سفيان، وما رأيت في يده ق" قط، وكان يُملي على الناس ما لم يقله سفيان. ورماه البخاري وابن الجارود بالوهم، فجائز أن يكون قد وهم في هذا، والله أعلم.
733- ص- نا عبد الله بن محمد الزهري، نا سفيان، عن يزيد نحو شريك لم يقل: " ثم لا يعود ". وقال سفيان: قال لنا بالكوفة بعدُ: "ثم لا يعودُ " (1) .
ش- سفيان بن عيينة، قد ذكرنا هذه الرواية آنفا من [طريق] إبراهيم
ابن بشار، ودعواهم المعارضة بهذه الرواية وذكرنا جوابها.
قوله: " قال لنا بالكوفة " أي: قال لنا يزيد بن أبي زياد بالكوفة بعد أن
قال لنا بمكة من غير هذه الزيادة:" ثم لا يعود،، وقد عرفنا حال يزيد ابن أبي زياد الهاشمي مولاهم الكوفي أبي عبد الله، وذكر أبو الحارث الفردي: قال أبو الحسن: يزيد بن أبي زياد جيد الحديث.
__________
(1) تفرد به أبو داود.(3/351)
734- ص- نا حسين بن عبد الرحمن، أنا وكيع، عن ابن أبي ليلى،
عن أخيه عيسى، عن الحكم، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء بن عازب قال: رأيتُ رسول الله- عليه السلام- رَفَعَ يَديه حين افْتتحَ الصلاة ثم لم يَرفَعْهُمَا حتى انصَرفَ (1) .
ش- حسين بن عبد الرحمن الجرجرائي. روى عن طلق بن غنام، وعبد الله بن نمير، والوليد بن مسلم. روى عنه: أبو داود، والنسائي، وابن ماجه، وغيرهم. مات سنة ثلاث وخمسين ومائتين.
وابن أبي ليلى هو: محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، أبو عبد الرحمن الأنصاري الفقيه، الكوفي، قاضيها. أبوه من كبار التابعين ولجده صحبة. سمع: عطاء بن أبي رباح، والشعبي، ونافعا مولى ابن عمر، وغيرهم. روى عنه: الثوري، وشعبة، وابن جريج، وشريك، وغير هم. قال أحمد: كان يحيى بن سعيد يضعفه. وقال أحمد: هو سيئ الحفظ، مضطرب الحديث، وكان فقهه أحب إلي من حديثه، حديثه فيه اضطراب. وقال يحيى: ليس بذاك. وقال النسائي: ليس بالقوي. وقال أحمد بن عبد الله: كان فقيها صاحب سُنة، صدوقا، جائز الحديث. مات سنة ثمان وأربعين ومائة. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
وعيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري الكوفي. روى عن: أبيه، وعبد الله بن حكيم. روى عنه: أخوه محمد. قال ابن معين: ثقة. روى له: الترمذي، وأبو داود، وابن ماجه.
والحكم بن عتيبة.
قوله: "حتى انصرف" أي: خرج من الصلاة بالسلام.
ص- قال أبو داود: هذا الحديث ليس بصحيحٍ.
__________
(1) تفرد به أبو داود.(3/352)
ش- كأنه ضعفه بمحمد بن أبي ليلى، وذكره البخاري في كتابه في
"رفع اليدين " معلقا لم يصل سنده به، ثم قال: وإنما روى ابن أبي ليلى
هذا من حفظه. فأما من روى عن ابن أبي ليلى في كتابه فإنما حدث عنه
عن يزيد بن أبي زياد، فرجع الحديث إلى تلقين يزيد والمحفوظ ما رُوي
عن الثوري، وشعبة وابن عيينة قديما ليس فيه: " ثم لم يرفع ".
قلت: وإن سلمنا أن حديث محمد بن أبي ليلى / ضعيف، أليس هو [1/251-ب] متابع ليزيد بن أبي زياد؟ ويؤكده أيضاً حديث ذكره في " التمهيد " عن
أبي هريرة: " أنه كان يصلي بهم، وكان لا يرفع اليدين إلا حين يفتتح الصلاة، ويقول: أنا أشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم".
***
114- باب: وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة
أي: هذا باب في بيان وضع اليد اليمنى على اليد اليسرى في الصلاة،
وفي بعض النسخ: "باب فيما جاء في وضع اليمين على اليسار في الصلاة"
735- ص- نا نصر بن عليّ، نا أبو أحمد، عن العلاء بن صالح، عن
زرعة بن عبد الرحمن قال: سمعت ابن الزبير يقول: صف القدمين،
وَوَضع اليدِ على اليدِ من السنة (1) .
ش- نصر بن علي بن نصر البصري، وأبو أحمد الزبيري.
والعلاء بن صالح التيمي. روى عن: عدي بن ثابت، والمنهال بن
عمرو، وأبي سليمان المؤذن، وغيرهم. روى عنه: عبد الله بن نمير،
وأبو أحمد، وأبو نعيم. قال ابن معين: ثقة. وفي رواية: لا بأس به.
روى له: أبو داود، والترمذي، وابن ماجه.
وزعة بن عبد الرحمن الكوفي. روى عن ابن عباس، وعبد الله
__________
(1) تفرد به أبو داود.
*. شرح سنن أبي داوود 3(3/353)
ابن الزبير. روى عنه: مالك بن مغول. روى له: أبو داود، وابن ماجه.
وفيه مسألتان، الأولى: صف القدمين في القيام، وعن هذا قال أصحابنا: يستحب للمصلي أن يكون بين قدميه في القيام [قدر] أربع أصابع يديه، لأن هذا أقرب للخشوع.
والثانية: وضع اليد على اليد في القيام أيضاً، وقد ذكرنا الكيفية فيه
عن قريب. وقال ابن حزم: وروينا فعل ذلك عن النخعي، وأبي مجلز، وسعيد بن جبير، وعمرو بن ميمون، وابن سيرين، وأيوب، وحماد بن سلمة، وهو قول أبي حنيفة والشافعي وأصحابهما، والثوري، لإسحاق، وأبي ثور، وأبي عبيد، ومحمد بن جرير، وداود. وقال ابن الجوزي: هو مستحب عندنا. و"لك روايتان، إحداهما: كقولنا، والثانية: إنه غير مستحب إنما هو مباح، وفي " المدونة ": يكره فعله في الفرض، ولا بأس به في النافلة إذا طال القيام. قال أبو عمر: رواية ابن القاسم عنه إرسال اليدين، وهو قول الليث بن سعد. وروى ابن نافع، وعبد الملك ومطرف عن مالك: توضع اليمنى على اليسرى في الفريضة والنافلة، وهو قول المديني من أصحابه: أشهب، وابن وهب، وابن عبد الحكم.
736- ص- نا محمد بن بكار بن الريان، عن هشيم بن بشير، عن الحجاجِ بن أبي زينب، عن أي عثمان النهدي، عن ابن مسعود أنه كان يُصَفي فوضعَ يده اليُسْرى على اليُمنى، فَراَهُ النبي- عليه السلام-، فَوضعً يدَه اليُمنى على اليُسرى (1) .
ش- محمد بن بكار بن الريان الهاشمي مولاهم البغدادي الرصافي،
__________
(1) النسائي: كتاب الافتتاح، باب: في الإمام "ذا رأى الرجل قد وضع شماله على يمينه (2 / 126) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: وضع اليمن على الشمال في الصلاة (811) .(3/354)
أبو عبد الله. سمع: قيس بن الربيع، وهشيما، وأبا عاصم النبيل، وغيرهم. روى عنه: مسلم، وأبو داود، وأبو زرعة، وأبو حاتم، وغيرهم. قال صالح بن محمد البغدادي: هو صدوق يحدث عن الضعفاء. وقال ابن معين: ثقة. مات سنة ثمان وثلاثين ومائتين في ربيع
الآخر.
والحجاج بن أبي زينب الواسطي، أبو يوسف السُّلمي الصيقل. روى
عن: أبي عثمان النهدي، وأبي سفيان طلحة بن نافع. روى عنه:
هشيم، وابن مهدي، ويزيد بن هارون، وغيرهم. قال ابن معين:
ليس به بأس. روى له: مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
وأبو عثمان النهدي: اسمه: عبد الرحمن بن قُل من قضاعة.
والحديث: أخرجه النسائي، وابن ماجه. وفي أفراد البخاري عن
سهل بن سعد قال: " كان الناس يُؤمرون أن يضع الرجل اليد اليمنى على
ذراعه اليسرى في الصلاة". وعند مسلم عن وائل بن حجر: " رأيت
النبي- عليه السلام- وضع يده اليمنى على اليسرى ". وعند ابن خزيمة:
" وضع كفه اليمنى على ظهر كفه والرصغ والساعد ". وفي لفظ: ثم
ضرب بيمينه على شماله فأمسكها. وفي لفظ: وضعها على صدره.
وعند البيهقي: قبض على شماله بيمينه. وعند البزار: عند صدره.
وذكر البيهقي من حديث عمرو بن مالك النكري عن أبي الجوزاء عن
أبي العباس عبد الله بن عباس: (فَصَل لربكَ وَانْحَرْ) قال: وضع
اليمين على الشمال في الصلاة.
737- ص- نا محمد بن محبوب، نا حفص بن غياث، عن
عبد الرحمن بن إسحاق، عبن زياد بن زيد، عن أبي جحيفة، أن عليا
رضي الله عنه- قال /: السنةُ (1) وضع الكَف على الكَف في الصلاة [1/252-أ] تحت السرة (2) .
__________
(1) في سنن أبي داود:" من السنة".
(2) تفرد به أبو داود.(3/355)
ش- محمد بن محبوب، وقيل: إن محبوبا لقب، وهو ابن الحسن البناني، أبو عبد الله البصري. روى عن: حماد بن سلمة، وأبي عوانة وحماد بن زيد، وغيرهم. روى عنه: مسدد، وأبو داود، والبخاري، وكان ابن معين يثني عليه ويقول: هو كثير الحديث، وكان مسدد خيرا منه. توفي سنة ثمان وعشرين ومائتين. روى له النسائي.
وعبد الرحمن بن إسحاق الكوفي أبو شيبة. روى عن: أبيه، والشعبي، والنعمان بن سعد، وغيرهم. روى عنه: عبد الواحد بن زياد، ومحمد بن فضيل، وأبو معاوية، وغيرهم. قال أحمد: ليس بشيء، منكر الحديث. وقال ابن معين: ضعيف ليس بشيء. وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث، منكر الحديث، يكتب حديثه ولا يحتج به. وقال أبو زرعة: ِ ليس بقوي. وقال البخاري: فيه نظر. روى له: الترمذي، وأبو داود.
وزياد بن زيد السوائي الأعسم. روى عن: أبي جحيفة، وروى عنه: عبد الرحمن بن إسحاق. قال الذهبي: لا يعرف. وقال أبو حاتم: مجهول. روى له أبو داود.
وأبو جحيفة: وهب بن عبد الله السوائي الصحابي.
وهذا الحديث ليس بموجود في غالب نسخ أبي داود، وإنما هو موجود في النسخة التي هي من رواية [ابن] داسة، ولذلك لم يعزه ابن عساكر في " الأطراف" إليه، ولا ذكره المنذري في " مختصره"، ولم يعزه ابن تيمية في " المنتقى، إلا لمسند أحمد، والشيخ محيى الدين لم يعزه إلا للدارقطني. والبيهقي في "سننه" لم يروه إلا من جهة الدارقطني، وما عزاه لأبي داود إلا عبد الحق في " أحكامه".
واستدل به أصحابنا: أن سُنَة الوضع تحت السرة، ويؤيد هذا الحديث
ما رواه ابن حزم عن (1) حديث أنس- رضي الله عنه- " من أخلاق النبوة وضع اليمين على الشمال تحت السرة". وروى الطبراني في "معجمه
__________
(1) كذا.(3/356)
الكبير " من حديث إبراهيم بن أبي معاوية، عن أبيه، عن الأعمش، عن مجاهد، عن مورق، عن أبي الدرداء: " من أخلاق النبيين صلى الله عليهم أجمعين وضع اليمين على الشمال في الصلاة ". وقال الترمذي: نا قتيبة، نا أبو الأحوص، عن سماك بن حرب، عن قبيصة ابن هُلب، عن أبيه قال: كان رسول الله يؤمنا، فيأخذ شماله بيمينه. قال: وفي الباب عن وائل بن حجر وغطيف بن الحارث، وابن عباس، وابن مسعود، وسهل بن سعد. قال أبو عيسى: حديث هلب حديث حسن، والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي- عليه السلام- والتابعين ومَن بعدهم، يرون أن يضع الرجل يمينه على شماله في الصلاة، ورأى بعضهم أن يضعها فوق السرة. ورأى بعضهم أن يضعها تحت السرة، وكل ذلك واسع عندهم.
***
115- باب: ما يستفتح به الصلاة من الدعاء
أي: هذا باب في بيان ما يستفتح به الصلاة من الدعاء، وفي بعض النسخ: " باب فيما يستفتح به ".
738- ص- نا عُبيد الله بن معاذ، نا أبي، نا عبد العزيز بن أبي سلمة، عن عمه الماجشون بن أبي سلمة، عن عبد الرحمن الأعرج، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن على بن أبي طالب قال: " كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا قَامَ إلى الصلاة كبرَ ثم قال: وَجهتُ وَجْهِي للذي فَطَرَ السمواتِ واَلأرض حنيفا (1) ومَا أنَاَ من المشركينَ، إن صَلاتي ونُسُكِي ومَحيايَ ومماتي لله رب العالمَينَ، لا شريكَ له، وبذلك أمرتُ وأنا أولُ المسلمينَ، اللهم أنت الملكُ لا إلهَ إلا أنتَ ربي (2) ، وأنا عبدُكَ، ظلمتُ نَفْسِي فاعْترفْتُ بذنبِي، فاغفر لي ذُنُوبي
__________
(1) في سنن أبي داود: "حنيفا مسلماً ".
(2) في سنن أبي داود: " لا إله لي إلا أنت، أنت ربي"(3/357)
جميعا، لا (1) يَغفرُ الذنوبَ إلا أنتَ، واهدني لأحسن الأخلاقِ، لا يَهْدِي (2) لأحسنِهَا إلا أنتَ، واصرف عنَّي سَيئَها، لا يصرف سَيئَها إلا أنت لبيكَ وسعْديْكَ، والخيرُ كله في يديكَ (3) ، أنا بكَ وإليكَ، تباركتَ وتَعاليتَ، أَستغْفِرُكَ وأتوبُ إليكَ، وإذا ركعِ قال: اللهم لكَ رَكَعْتُ، وبكَ آمنت، ولك أسلمتُ خشعَ لك سَمعِي وبَصرِي ومُخَّي وعظامِي وعَصَبِي، وإذا رفعَ قال: سَمِعَ اللهُ لمن حَمدَهُ، رَبّنا ولكَ الحمدُ مِلءَ السموات والأرضِ وما بينهما (4) ، ومِلءَ مَا شئتَ من شيء بعدُ، وإذا سَجَدَ قال. اللهم لك سجدتُ، وبك آمنت، ولك أسلمتُ، سُجَدَ وَجْهِي للذي خَلَقَهُ فَصَوَّرَهُ (5) فأحسنَ صُورتَه، فَشَق (6) سَمْعَهُ وبَصَرَهُ، وتباركَ اللهُ أحسنُ الخالقينَ، وإذا سَلَمَ من الصلاة قال: اللهم اغفر لي ما قدمتُ وما أخرتُ وما أسررتُ وما أعلنتُ، وما أَسرفتُ، وما أنتَ أعلمُ به مني، أنتَ المقدمُ والمؤخرُ لا إله إلا أنتَ " (7) .
ش- عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة ميمون الماجشون، قد ذكرناه، وعمه الماجشون اسمه: يعقوب بن أبي سلمة، أبو يوسف، المدني القرشي التيمي، أخو عبد الله بن أبي سلمة. روى عن: عبد الله بن،
[1/252-ب] عمر /، وقيل: سمع منه، وسمع من عمر بن عبد العزيز، وعبد الرحمن الأعرجْ، وغيرهم. قال ابن سعد: كان ثقة، وهؤلاء كلهم يعرفون
(1) في سنن أبي داود:" إنه لا".
(2) في سنن أبي داود: " لا يهد ني".
(3) في سنن أبي داود بعد هذا: " والشر ليس إليك".
(4) في سنن أبي داود: " وملء ما بينهما".
(5) في سنن أبي داود: " وصوره".
(6) في سنن أبي داود:" وشق".
(7) مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: الدعاء في صلاة الليل وقيامه (1 77 / 1 0 2، 2 0 2) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع (266) ، النسائي: كتاب الافتتاح، باب: نوع آخر من الذكر والدعاء بين التكبير والقراءة (2 / 129) ، وباب: نوع آخر منه (2/292) ، وباب: نوع آخر (2 / 0 22- 221) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: رفع اليدين إذا ركع 00. (864) ، وباب: سجود القرآن (1054) .(3/358)
الماجشون، مات سنة أربع وستين ومائة، روى له: مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي.
وعبيد الله بن أبي رافع أسلم أو إبراهيم، مولى النبي- عليه السلام-. قوله: " وجهت وجهي " أي: قصدت بعبادتي "للذي فطر السموات " والأرض، أي: ابتدأ خلقهما، وقيل: معناه: أخلصت ديني وعملي. قوله: " حنيفا " أي: مستقيما مخلصا. وقال أبو عبيد: الحنيف عند العرب من كان على دين إبراهيم- عليه السلام-، ويقال: معناه مائلاً إلى الدين الحق وهو الإسلام، وأصل الحنَف: الميل، ويكون في الخير والشر، ومنه يصرف إلى ما تقتضيه القرينة، والنسبة إليه حنيفي، وأما الحنفي بلا ياء فهو الذي ينسب إلى أبي حنيفة في مذهبه، حذف هاهنا الياء ليكون فرقأ بينهما، وانتصاب " حنيفا " على أنه حال من الضمير الذي في " وجهت " أي: حال كوني في الحنيفية.
قوله: ما وما أنا من المشركين " بيان للحنيف بإيضاح لمعناه، والمشرك يطلق على كل كافرِ من عابد وثن وصنم ويهودي، ونصراني ومجوسي، ومرتد وزنديق، وغيرهم.
قوله: " إن صلاتي " يعني: عبادتي" ونسكي " يعني: تقربي كله، وقيل: وذبحي، وجمع بين الصلاة والذبح كما في قوله تعالى: (فَصَل لرَبّكَ وَانْحَرْ) وقيل: صلاتي وحجي، وأصل النسك: العبادة من الَنسيكة، وهي الفضة المذابة المصفاة من كل خلط، والنسيكة أيضاً: كل ما يتقرب به إلى الله عَز وجَل.
قوله: " ومحياي ومماتي " أي: وما آتيه في حياتي وأموت علي من الإيمان والعمل الصالح، خالصة لوجهه لا شريك له، وبذلك من الإخلاص أمرت في الكتاب " وأنا أول المسلمين "، ويقال: ومحياي ومماتي، أي: حياتي وموتي، ويجور فتح الياء فيهما وإسكانها، والأكثرون على فتح ياء محياي وإسكان ياء مماتي، واللام في " لله " لام الإضافة، ولها معنيان: الملك والاختصاص، وكلاهما مراد هاهنا، والرب ا"لك، والسيد، والمدبر، والمربي، والمصلح، فإن وصف الله(3/359)
برب لأنه مالك، أو سيد فهو من صفات الذات، وإن وصف بأنه [المدبر] ، لأنه مدبر خلقه ومربيهم، ومصلح لأحوالهم فهو من صفات فعله، ومتى دخلته الألف واللام اختص بالله تعالى، وإذا حذفنا جار إطلاقه على غيره فيقال: رب ا"ل ورب الدار ونحو ذلك، والعالَمون جمع عالَم، وليس للعالَم واحد من لفظه، والعالَم اسم " سوى الله تعالى، ويقال: الملائكة والجن والإنس، وزاد أبو عبيدة: والشياطين. وقيل: بنو آدم خاصة. وقيل: الدنيا وما فيها، ثم هو مشتق من العَلامة لأن كل مخلوق علامة على وجود صانعه، وقيل: من العِلم، فعلى هذا يختص بالعقلاء. وذكر ابن مالك أن العالمين اسم جمع لمن يعقل، وليس جمع عالم، لأن العالَم عام، والعالَمين خاص، ولهذا منع أن يكون الأعراب جمع عرب، لأن العرب للحاضرين والبادين، والأعراب خاص بالبادين. وقال الزمخشري: إنما جمع ليشمل كل جنس مما سُمي به.
فإن قلت: فهو اسم غير صفة، وإنما يجمع بالواو والنون صفات العقلاء، أو ما في حكمها من الأعلام. قلت: ساغ ذلك لمعنى الوصفية فيه، وهي الدلالة على معنى العلم فيه.
قوله: " وأنا أول المسلمين" من هذه الأمة، قاله قتادة، أو في هذا الزمان، قاله الكلبي، أو بروحي مذ كنتُ، كقوله- عليه السلام-: " كنت نبيا وآدم بين الماء والطين"، وفي رواية: " وأنا من المسلمين" بلا " أول".
قوله: " اللهم أنت الملك " قد ذكرنا معنى " اللهم" مستوفى، ومعنى أنت الملك، أي: ا"لك الحقيقي لجميع المخلوقات.
فإن قلت: ما الفرق بين الملك وا"لك؟ قلت: الملك أمدح، " إذ كل ملك مالك، وليس كل مالك ملك". قال أبو عبيدة: لأن الملك ينفد على ا"لك دون عكسه. وقال أبو حاتم: ا"لك أمدح، لأنه في صفة الله يجمع المُلك والملك، لأن مالك الشيء ملكُه ومَلكه قد لا يملكه وهما
[1/253-أ] جميعا من الملكَ وهو الشد والربط، ومنه مَلْكَ العجين /. وقال(3/360)
الزمخشري: المُلك يعم، أراد بضم الميم، والمِلك يخص، أراد بكسرها. قلت: ليس مراده العموم والخصوص المنطقيان فإنهما على العكس، بل المراد بالعموم كثرة الشمول، والتوابع والتعلقات، فإن الملك كثر بسطة وسلطة من ا"لك ويقال: المُلك بالضم عبارة عن القدرة الحَسية العامة، فإذا قلت: هذا مُلك فلان يدخل فيه ما يملكه، وما لا يملكه، وإذا قلت: هذا مِلك فلان- بالكسر- لا يدخل فيه ما لا يملكه فافهم.
قوله: " وأنا عبدك " أي: معترف بأنك مالكي ومدبري، وحكمك نافذ في.
قوله: " ظلمت نفسي " اعتراف بالتقصير، قلله على سؤال المغفرة أدبا كما قال آدم وحواء- عليهما السلام-: (ربّنا ظَلَمْنَا أنفُسَنَا ... ) الآية (1) ، ومعنى ظلمت نفسي: أوردتها موارد المعاصي.
قوله: " واعترفت بذنبي " يعني: رجعت عن ذنبي، لأن الاعتراف بالذنب بمنزلة الرجوع منه.
قوله: "فاغفر لي " أمر صورةْ، وسؤال وطلب معنى.
قوله: " جميعا " حال من الذنوب.
قوله:" لا يغفر الذنوب إلا أنت " بمنزلة التعليل، يعني: لأن مغفرة الذنوب بيدك، وليس هي إلا إليك، ولا يتولاها غيرك، ولا يقدر عليها أحد غيرك.
قوله: " واهدني لأحسن الأخلاق " أي: أرشدني لصوابها ووفقني للتخلق به.
قوله:" واصرف عني سيئها " أي: قبيحها.
__________
(1) سورة الأعراف: (23) .(3/361)
قوله: " لبيك " أصله: لبين تثنية لبَّ، فحذفت النون للإضافة. وقد
مر الكلام فيه مستوفى.
قوله: " وسعديك" معناه: مساعدة لأمرك بعد مساعدة، ومتابعة لديك بعد متابعة، أو إسعادا بعد إسعاد، ونصبه على المصدر والمعنى: ساعدت طاعتك يا رب مساعدة بعد مساعدة.
قوله: " والخير كله في يديك " أي: في تصرف قدرتك الباسطة.
قوله: " أنا بك" مبتدأ وخبر، والمعنى: أنا مستجير بك، أو أنا موفق بك، أو نحو ذلك، فعلى جميع التقدير " بك " متعلق بمحذوف في محل الرفع على الخبرية.
قوله: " وإليك " عطف على قوله: " بك " أي: أنا إليك، والمعنى:
أنا ملتجئ إليك، أو متوجه إليك ونحو ذلك.
قوله: " تباركت" أي: استحققت الثناء عليك. وقيل: ثبت الخير عندك. وقال ابن الأنباري: تبارك العباد بتوحيدك.
قوله: " وتعاليت" أي: تعاظمتَ عن متوهم الأوهام، ومتصور الأفهام.
قوله: " اللهم لك ركعت " تأخير الفعل للاختصاص، والركوع: الميلان والخرور، يقال: ركعت النخلة إذا مالت، وقد يذكر ويراد به الصلاة من إطلاق اسم الجزء على الكل.
قوله: " وبك آمنت " أي: صدقت.
قوله: " ولك أسلمت " أي: انقدت وأطعت.
قوله: " خشع لك سمعي " أي: خشي وخضع، وخشوع السمع والبصر والمخ والعظم والعصب كالخضوع في البدن. فإن قلت: كيف يتصور الخشوع من هذه الأشياء؟ قلت: ذكر الخشوع وأراد به الانقياد والطاعة، فيكون هذا من قبيل ذكر اللازم وإرادة الملزوم.(3/362)
فإن قلت: ما وجه تخصيص السمع والبصر من بين الحواس،
وتخصيص المخ والعظم والعصب من بين سائر أجزاء البدن؟ قلت: أما تخصيص السمع والبصر فلأنهما أعظم الحواس، وكثرها فعلاً، وأقواها
عملاً، وأمسها حاجة، ولأن كثر الآفات للمصلي بهما فإذا خشعت قَلَّت الوساوس الشيطانية، وأما تخصيص المخ والعظم والعصب فلأن ما في
أقصى قعر البدن المخ، ثم العظم، ثم العصب، لأن المخ يمسكه العظم،
والعظم يمسكه العصب، وسائر أجزاء البدن مركبة عليها، فهذه عمد بنية
الحيوان وأطنابها، وأيضا العصب خزانة الأرواح النفسانية واللحم والشحم
غاد ورائح، فإذا حصل الانقياد والطاعة من هذه فمما الذي يتركب عليها
بالطًريق الأولى.
فإن قلت: ما معنى انقياد هذه الأشياء؟ قلت: أما انقياد السمع،
فالمراد به قبول سماع الحق، والإعراض عن سماع الباطل، وأما انقياد
البصر فالمراد / به صرف نظره إلى كل ما ليس فيه حرمة، والاعتبار به في [1/253-أ] المشاهدات العلوية والسفلية، وأما انقياد المخ، والعظم، والعصب،
فالمراد به انقياد باطنه كانقياد ظاهره، لأن الباطن إذا لم يوافق الظاهر لا
يكون انقياد الظاهر مفيدا معتبرا، وانقياد الباطن عبارة عن تصفيته عن دنس
الشرك والنفاق، وتزيينه بالإخلاص والعلم والحكمة، وترك الغل والغش
والحقد والحسد والظنون والأوهام الفاسدة، ونحو ذلك من الأشياء التي
تخبث الباطن، وانقياد الظاهر عبارة عن استعمال الجوارح بالعبادات،
كل جارحة بما يخصها من العبادة التي وضعت لها.
فإن قلت: ما وجه ارتباط قوله: " خشع لك سمعي " بما قبله؟ وما
وجه ترك العاطف بين الجملتين؟ قلت: كأن هذا وقع بيانا لقوله: "ولك أسلمت "، ولذلك ترك العاطف، لأن معنى: " لك أسلمت ": انقدت وأطعت، ومعنى " خشع سمعي " إلى آخره: الانقياد والإطاعة كما
قررناه، فكأنه- عليه السلام- بريق نوعي الانقياد والإطاعة بقوله:
" خشع سمعي" إلى آخره. بعد الإجمال. فقوله: " خشع سمعي(3/363)
وبصري " بيان الانقياد الظاهر. وقوله: ما ومخي وعظمي وعصبي " بيان الانقياد الباطن، فهذه الأسئلة والأجوبة قد لاحت لي في هذا المقام من الأنوار الربانية، من نتيجة الأفكار الرحمانية.
قوله: " سمع الله لمن حمده " أي: تقبل الله منه حمده وأجَابَه، تقول: اسمع دعائي، أي: أجب، وَضَعَ السمع موضع القبول والإجابة للاشتراك بين القبول والسمع، والغرض من الدعاء القبول والإجابة، والهاء في " لمن حمده " هاء السكتة لا هاء الكتابة، فلذلك لا يجوز تحريكه فيسكن دائما.
قوله: " ربنا ولك الحمد " بالواو، وفي رواية بلا واو، والأكثر على أنه بالواو وكلاهما حسن، ثم قيل: هذه الواو زائدة. وقيل: عاطفة تقديره: ربنا حمدناك ولك الحمد.
قوله: " ملء السموات وملء الأرض وما بينهما " إشارة إلى الاعتراف بالعجز عن أداء حق الحمد بعد استفراغ المجهود فيه، فإنه- عليه السلام- حمده ملء السموات والأرض، وهذه نهاية أقدام السابقين، وهذا تمثيل وتقريب. والكلام لا يقدر بالمكاييل، ولا تسعه الأوعية، وإنما المراد منه تكثير العدد، حتى لو قدر أن تكون تلك الكلمات أجساما تملأ الأماكن، ولبلغت من كثرتها ما يملأ السموات والأرض، المِلء- بكسر الميم-: ما يأخذه الإناء إذا امتلأ، والمَلء- بالفتح- مصدر ملأت الإناء فهو مملوء، ودلو ملأى على فعلى، وكوز ملآن ماء. والعامة تقول: ملأى ماءً. وهاهنا بكسر الميم، وأما انتصابه على أنه صفة لمصدر محذوف، أي: حمداً ملء السموات والأرض، ويجوز الرفع على أنه خبر مبتدإ محذوف، أي: هو ملء السموات والأرض.
قوله: " وملء ما شئت من شيء بعد " إشارة إلى أن حمد الله أعز من أن يعتوره الحسبان، أو يكتنفه الزمان والمكان، فأحال الأمر فيه على المشيئة،(3/364)
وليس وراء ذلك الحمد منتهى، ولم ينته أحد من خلق الله في الحمد مبلغه ومنتهاه، وبهذه الرتبة استحق أن يُسمى أحمد لأنه كان أحمد من سواه.
وقوله: "بعدُ" مبني على الضم، لأنه قطع عن الإضافة فبني على
الضم كما قد عرف في موضعه.
قوله: " وشق سمعه وبصره" من الشَق- بفتح الشن- أي: فلق
وفتح، والشق- بكسر الشين- نصف الشيء. واستدل الزهري بقوله:
" سجد وجهي للذي خلقه وصوره، وشق سمعه وبصره " على أن الأذنين
من الوجه. وعند أبي حنيفة هما من الرأس، لقوله- عليه السلام-:
" الأذنان من الرأس "، والمراد به: بيان الحكم لا الخلقة. قال جماعة:
أعلاهما من الرأس وأوسطهما من الوجه. وقال آخرون: ما أقبل على
الوجه فمن الوجه، وما أدبر فمن الرأس. وقال الشافعي: هما عضوان
مستقلان لا من الرأس ولا من الوجه.
والجواب للجمهور عن احتجاج الزهري: أن المراد بالوجه جملة
الذات، / كقوله تعالى: (كل شَيْء هَالك إلا وَجْهَه) (1) ، ويؤيد هذا [1/254-أ] أن السجود يقع بأعضاء أخر مع الوجه، والثاني: أن الشيء يضاف إلى ما يجاوره، كما يقال: بساتين البلد.
قوله: " تبارك الله أحسن الخالقين " أي: المقدرين والمصورين، ومعنى
تبارك: تعالى وتعاظم، وقد مر الكلام فيه مستوفى.
قوله: " ما قدمت" أي: من الذنوب.
قوله: " وما أخرت " أي: من الأعمال، قال الله تعالى: (ينَبأ
الإِنسَانُ يَوْمَئِذ بِمَا قَدمَ وأخرَ) (2) .
قوله: " وما أسررت " أي: وما أخفيت من الأعمال، و " ما أعلنت "
بها أي: جهرت بها.
__________
(1) سورة القصص: (88) .
(2) سورة القيامة: (13) .(3/365)
قوله: " وما أسرفتُ " أي: وما بذرت من الأوقات والساعات التي في غير الطاعة.
قوله: " وما أنت أعلم به مني" من الذنوب التي نسيتها وأغفلتها.
فإن قيل: النبي- عليه السلام- مغفور له ومعصوم عن الذنوب، فما وجه هذا القول؟ قلت: هذا تواضع منه- عليه السلام- وهضم النفس، أو هو عد على نفسه فوات الكمال من الذنوب، فكل ما وقع في أدعية الرسول من هذا القول، فالجواب فيه هكذا، ويجوز أن يكون هذا تعليما لأمته وإرشاداً إلى طريق الدعاء، لأنهم غير معصومين وهم مبتلون بالذنوب والتقصير في الطاعات.
قوله: " أنت المقدم وأنت المؤخر " بكسر الدال والخاء، والمعنى: تقدم من شئت بطاعتك وغيرها، وتؤخر من شئت عن ذلك كما تقتضيه حكمتك، وتعز من تشاء وتذل من تشاء، ثم هذا الدعاء وأمثاله محمولة عندنا على صلاة الليل النافلة. وقال ابن الجوزي: كان ذلك في أول الأمر أو في النافلة. وقال أبو محمد ابن قدامة: العمل به متروك، فإنا لا نعلم أحدا استفتح بالحديث كله، وإنما يستفتحون بأوله.
وفي " شرح المسند ": الذي ذهب إليه الشافعي في " الأم " أنه يأتي بهذه الأذكار جميعها من أولها إلى آخرها في الفريضة والنافلة. والمنقول عن المزني أنه يقول: " وجهت وجهي " إلى قوله: " من المسلمين". وقال الشيخ محيى الدين: وفي هذا الحديث استحباب دعاء الافتتاح في كل الصلوات حتى في النافلة، وهو مذهبنا ومذهب الأكثرين إلا أن يكون إماما لقوم لا يؤثرون التطويل. وفيه استحباب الذكر في الركوع والسجود. والحديث أخرجه مسلم والترمذي والنسائي مطولا. وأخرجه ابن ماجه مختصرا.
739- ص- نا الحسن بن علي، نا سليمان بن داود، ما عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن موسى بن عقبة، عن عبد الله بن الفضل بن ربيعة بن(3/366)
عبد المطلب، عن الأعرج، عن عبيد الله بن أي رافع، عن عليّ بن أبي طالب، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه كان إذا قامَ إلى الصلاة المكتوبة كَبر ورفعَ يديه حَذوَ مَنكبيه، يَصنعُ (1) مثلَ ذلك إذا قَضَى قراءتَه، وإذا أرَادَ أن يركعَ، ويصنعُهُ إذا رفعً من الركوع، ولا يرفعُ يديه في شيء من صلاِتهِ وهو قاعا، وإذا قَامَ من السجدتين رفعَ يديه كذلك وكَبر ودَعَى نحو حديث عبد العزيز في الدعاء، يزيدُ وينقصُ الشيء لم (2) يذكر: " والخير (3) في يديك، والشر ليس إلَيك"، وزاد فيه: " وبقولُ عندَ انصرافه من الصلاة: " اللهم اغفر لي ما قدمتُ وأخرتُ وأسررتُ وأعلنتُ، أنت إلَهَي، لا إله إَلا أنت " (4) . ش- سليمان بن داود بن داود أبو أيوب القرشي الهاشمي، وموسى ابن عقبة، أبو محمد الأسدي.
قوله: " إذا قضى قراءته " أي: إذا فرغ منها.
قوله: " وهو قاعد " حال من الضمير الذي في " ولا يرفع".
قوله: " وإذا قام من السجدتين " أي: الركعتين.
قوله: " نحو حديث عبد العزيز " أي: الحديث الذي رواه عبد العزيز ابن أبي سلمة الذي مر آنفاً
قوله: " يزيد وينقص " حال من " عبد العزيزة ".
__________
(1) في سنن أبي داود:" ويصنع".
(2) في سنن أبي داود:" ولم ".
(3) في سنن أبي داود: "والخير كله ".
(4) مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: الدعاء في صلاة الليل وقيامه (201 / 771) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع (266) ، النسائي: كتاب الافتتاح، باب: نوع آخر من الذكر والدعاء بين التكبيرة والقراءة (2 / 129) ، وباب: نوع آخر منه (2 / 292) ، وباب: نوع آخر (2 / 220) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: رفع
اليدين إذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع (864) ، وباب: سجود القرآن (1054)(3/367)
قوله: " لم يذكر " أي: لم يذكر الحسن بن علي في روايته، أو لم
يذكر عبد العزيز في هذه الرواية: " والخير في يديك، والشر ليس
إليك "، ولكن راد في هذا الحديث: " ويقول عند انصرافه " أي: خروجه
من الصلاة:" اللهم اغفر لي " إلى آخره. وأخرجه الدارقطني هكذا.
وفي رواية لمسلم عن عبد العزيز بعد قوله: " والخير كله في يديك، والشر
ليس إليك "، وكذا في رواية أحمد في " مسنده "، ولم أجد في غالب
نسخ أبي داود المصححة: " والشر ليس إليك ".
واعلم أن مذهب أهل الحق من المحدثين والفقهاء والمتكلمين من
الصحابة والتابعين ومَن بعدهم من علماء المسلمين: أن جميع الكائنات
خيرها وشرها، نفعها وضرها كلها من الله سبحانه وتعالى، وبإرادته [1/254-ب]
وتقديره، وإذا ثبت هذا فلابد من تأويل هذه اللفظة /، فذكر العلماء فيه أجوبة، أحدها: وهو الأشهر قاله النضر بن شميل والأئمة بعده
معناه: والشر لا يتقرب به إليك. والثاني: لا يصعد إليك إنما يصعد
الكلم الطيب. والثالث: لا يضاف إليك أدبا فلا يقال: نا خالق الشر،
وإن كان خالقه، كما لا يقال: يا خالق الخنازير وإن كان خالقها.
والرابع: ليس شرا بالنسبة إلى حكمتك، فإنك لا تخلق شيئاً عبثا.
740- ص- نا عمرو بن عثمان، نا شريح بن يزيد قال: حدثني شعيب
ابن أبي حمزة: فقال لي ابن المنكدر وابن أبي فروة وغيرهما من فقهاء أهل
المدينة: فإذا قُلتَ أنتَ ذاكَ فقل: وأنا من المسلمينَ- يعني: قوله: " وأنا
أولُ المسلمينَ " (1) .
ش- عمرو بن عثمان القرشي الحمصي، وشريح بن يزيد الحضرمي
أبو حيوة الحمصي، وابن المنكدر هو محمد بن المنكدر القرشي التيمي.
وابن أبي فروة إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة، أبو سليمان المدني
الأموي، مولى عثمان بن عفان أخو عبد الحكيم، وعبد الأعلى،
__________
(1) تفرد به أبو داود.(3/368)
ومحمد. أدرك معاوية. روى عن: ابن المنكدر، ونافع مولى ابن عمر، الزهري، وغيرهم روى عنه: الليث بن سعد، وعبد السلام بن حرب وشعيب بن أبي حمزة، وغيرهم. قال الترمذي: تركه بعض أهل العلم منهم: أحمد بن حنبل. قال أبو حاتم والنسائي متروك متروك. وقال أبو زراعة ذاهب الحديث. وقال ابن معين: ليس بشيء، لا يكتب حديثه. مات بالمدينة سنة أربعة وأربعين ومائة. وروى له: الترمذي، وابن ماجة
741- ص -نا موسى ابن إسماعيل نا حماد عن قتادة وثابت وحميد، عن أنس ابن مالك، أن رجلا جاء إلى الصلاة وقد حفزه النفس فقال: الله أكبر، والحمد لله (1) كثيرا طيبا مباركا فيه، ف" قضى رسول الله صلاته قال: " أيكم المتكلم بالك"ت، فإنه لم بقل بأسا؟ "، فقال: أنا يا رسول الله جئت وقد حفزني النفس فقالتها. قال: " لقد رأيت اثنى عشر ملكا يبتدرونها أيهم يرفعها "
ش - حماد بن سلمة وقتادة بن دعامة وثابت البناني وحميد الطويل
قوله: " وقد حفزه " جملة وقعت حالا من الضمير الذي في " جاء " وهو بالحاء المهملة المفتوحة والفاء، والزاي، أي: جهده النفس من شدة السعي إلى الصلاة، وأصل الحفز الدفع: الدفع العنيف.
قوله: " كثيرا " نصب على انه صفة لمصدر محذوف، أي: حمداً كثيراً، وكذلك انتصاب " طيبا مباركا فيه "، ومعنى طيبا خالصا صالحا أو نظيفا من الرياء.
ــــــــــــــــــــ
(1) في سنن أبي داود: " الحمد لله حمدا ... "
(2) مسلم كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب: ما يقال بين تكبيرة الإحرام والقراءة (600) ، والنسائي: كتاب الافتتاح، باب: نوع آخر من الذكر بين افتتاح وبين القراءة (2/ 131)
42 هـ شرح سنن أبي داوود 3(3/369)
قوله: " يبتدرونها " من الابتدار وهو الاستباق، ومعناه: يستبقونها أيهم يرفعها ويكتبها في ديوانه، أو يرفع إلى الله سبحانه وتعالى، ووجه تخصيص العدد في الملائكة بالمقدار المذكور مفوض إلى علم الله تعالى وعلم رسوله وقد وقع في خاطري هاهنا من الأنوار الإلهية في تعيين العدد " اثني عشر " أن كلمات " الحمد لله كثيرا طيبا مباركا فيه " ست كلمات فبعث الله لكل كلمة منها ملكين تعظيما لشأنها وتكثيرا لثواب قائلها وإنما لم نعتبر كلمتي " الله أكبر " لأن هذا المعني الذي في زاده الرجل من عنده وهو لم يزد إلا هذه الكلمات الست، وكان يمكن أن يقال: إن حروف هذه الكلمات جميعها بإسقاط المكرر منها اثني عشر حرفا إذا جعلنا " كبيرا " بالباء الموحدة، فأنزل الله لكل حرف من حروفها ملكها ولكن الرواية بالثناء المثلثة.
والحديث: أخرجه مسلم، والنسائي، وقد مر أن مثل هذا كان في أول الأمر. ويستفاد من هذا الحديث فوائد، الأولى: أن الرجل إذا قال هذا في صلاته عند الشروع لا باس عليه
والثانية: أن الحسنات تضاعف بأمثالها.
الثالثة: أن هذا يدل على كثرة الملائكة، وأنه لا يجوز أن يكون هؤلاء الملائكة من الكرام الكاتبين، لأنه ورد أن مع كل مؤمن ملكان، وقيل: ستون وقيل مائة وستون ويحتمل أن يكون من غيرهم
الرابعة: أن الملائكة يرون كما يرى يرى بنو آدم، لأنه - عليه السلام - قال: " لقد رأيت "، ولكنه مخصوصة بالنبي - عليه السلام - حيث رآهم رسول الله ولم يرهم غيره كما في قضية بدر.
[1/ 255 - أ] / الخامسة: فيه دليل أن الكلام في الصلاة حرام، حيث سأل رسول الله - عليه السلام - عن هذا المتكلم بعد انصرافه من الصلاة، ولم يسأل وهو في الصلاة.(3/370)
ص - وزاد حميد فيه:" وإذا جاء أحدكم فليمش نحو ما كان يمشي، فليصل ما أدرك (1) ، وليقض ما سبقه.
ش - أي زاد: حميد الطويل في الحديث في روايته، والراد: أن يأتي الصلاة بسكينة ووقار، ولا يأتها سعيا كما جاء: " إذا أقمت الصلاة فلا تأتوها تسعون، وأتوها تمشون عليكم السكينة، ف" أدركتم فصلوها وما فاتكم فاقضوا " وقد مر هذا في بابه
742 - ص - نا عمرو بن مرزوق، أنا شعبة، عن عمرو بن مرة عن عاصم العنزي، عن ابن جبير بن مطعم عن أبيه أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الصلاة - قال عمرو: لا أدري أي صلاة هي - قال (3) : الله أكبر كبيرا، الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، والحمد لله كثيرا، والحمد لله كثيرا، والحمد لله كثيرا (4) ، سبحان الله بكرة وأصيلا ثلاثا أعوذ بالله من الشيطان من نفخه ونفثه وهمزه " (5)
ش- عاصم بن عمير العنزي. روى عن.انس بن مالك ونافع بن جبير بن مطعم. وروى عنه: عمرو بن مرة، ومحمد بن أبي إسماعيل، وشعبة. وروى له: الترمذي، وأبو داود، وابن ماجة.
ابن جبير هو نافع ابن جبير.
قوله: " قال عمرو " أي: عمرو بن مرزوق: " لا أدري أي صلاة هي " فرضا أو نفلا وهو معترض بين قوله: " صلاة " وبين قوله " الله أكبر كبيرا " يعني: كان يقول بعد الشروع قبل القراءة، وانتصاب " كبيرا " بالباء الموحدة بإضمار فعل كأنه قال: أكبر كبيرا، وقيل: منصوب على
ـــــــــــــــــ
(1) في سنن أبي داود: " ما أدركه "
(2) انظر الحديث السابق.
(3) في سنن أبي داود " فقال "
(4) في سنن أبي داود ذكر قوله: " والحمد لله كثيرا "
(5) ابن ماجة: كتاب إقامة الصلاة، باب: الاستعاذة في الصلاة (807، 808)(3/371)
القطع من اسم الله تعالى، وانتصاب " كثيرا " بالثناء المثلثة على أنه صفة لمصدر محذوف، وأي: حمدا كثيرا
قوله: " سبحان الله " أي: أسبح الله تسبيحا، وانتصاب " بكرة " أي: غدوة، و " أصيلا " أي: عشيا على الظرفية،والعامل فيهما " سبحان " وخص هذين الوقتين لاجتماع ملائكة الليل والنهار فيهما.
قوله: " ثلاثا " من الراوي، أي: قالها ثلاث مرات.
قوله: " أعوذ بالله " أي: ألتجئ به من شر الشيطان.
قوله: " من نفخه " بدل اشتمال من الشيطان.
ص - قال: نفثه: الشعر، ونفخه: الكبر، وهمزه: الموتة
ش- أي نفث الشيطان الشعر،إنما سمي النفث شعرا لأنه كالشيء ينفثه الإنسان من فيه كالرقية، قيل: إن كان هذا التفسير من متن الحديث فلا معدل عنه، وإن من قول بعض الرواة فلعله يراد منه السحر، فإنه أشبه " شهد له التنزيل قال الله تعالى {ومن شر النفاثات في العقد} (1)
قوله: " ونفخه " بالخاء المعجمة: الكبر، ونفخه كناية عما يسوله للإنسان من الاستكبار والخيلاء فيتعاظم في نفسه كالذي نفخ فيه ولهذا قال عليه السلام للذي رآه قد استطار غضبا " نفخ فيه الشيطان ".
قوله: " وهمزه الموتة " بضم الميم، وسكون الواو، وفتح التاء المثناة من فوق: وهي الجنون، وسماه همزا لأنه جعل من النخس والغمز، ومعدل عنه وإلا فالأشبه أن همزه ما يوسوس به قال الله تعالى: {وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين} (2) ، وهمزاته خطراته التي يخطرها بقلب الإنسان، وهي جمع المرة من الهمز.
ــــــــــــــــ
(1) سورة الفلق: (4)
(2) سورة المؤمنين: (97)(3/372)
734 - ص - نا مسدد، نا يحيى، عن مسعر، عن عمرو بن مرة عن رجل عن ابن جبير، عن أبيه قال: سمعت النبي - عليه السلام - يقول في التطوع ذكر نحوه
ش يحيى القطان، ومسعر بن كدام
قوله: " نحوه " أي: نحو الحديث المذكور، ولكنه عين في هذه الرواية أن هذه كان في صلاة التطوع دون الفرض والرواية الأخرى محمولة على هذا المعنى، وهذه الرواية أخرجها ابن ماجة، وفيها رجل مجهول
744 - ص - نا محمد بن رافع نا زيد بن حباب قال: أخبرني معاوية ابن صالح قال: أخبرني أزهر بن سعيد الحرازي، عن عاصم بن حميد قال: سألت عائشة: بأي شيء كان يفتتح رسول الله قيام الليل؟ فقالت: لقد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد قبلك، كان إذا قام كبر عشرا وحمد الله عشرا، وسبح عشراً وهلل عشراً واستغفر عشراً، وقال: اللهم اغفر لي واهدني وارزقني وعافني، ويتعوذ / من ضيق (2) المقام يوم القيامة " (3) [1/ 255- ب]
ش- أزهر بن سعيد الحرازي - بفتح الحاء المهملة والراء المخففة، وكسر الزاي -: نسبة إلى حراز بن عوف بن عدي بن مالك الحميري. سمع: أبا أمامة الباهلي، وعاصم بن حميد السكوني. روى عنه: معاوية بن صالح. قال ابن سعد: كان قليل الحديث، مات سنة تسع وعشرين ومائة. وروى له: أبو داود، والنسائي، وابن ماجة.
قوله: " قيام الليل " أي: صلاة الليل، أطلق القيام عليها من باب إطلاق الجزء على الكل.
ــــــــــــــــــــ
(1) انظر التخريج المتقدم.
(2) قوله: " من ضيق " مكررة في الأصل.
(3) النسائي: كتاب قيام الليل، باب: ذكر ما يستفتح به القيام (2/ 208) ، ابن ماجة: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في الدعاء إذا قام الرجل من الليل (1356)(3/373)
قوله: " عشراً " أي: عشر مرات سأل فيه الغفران لذنوبه، والهداية في طريقه، والرزق في معاشه، والعافية في بدنه، ثم تعوذ من ضيق المقام يوم القيامة، وهذا كله تعليم وإرشاد للأمة، والحديث أخرجه النسائي، وابن ماجه.
ص- قال أبو داود: رواه خالد بن معدان عن ربيعة الجُرَشي عن عائشةَ نحوه.
ش- أي: روى هذا الحديث خالد بن معدان الحمصي، عن ربيعة بن عمر، ويقال: ابن الغاز القرشي الشامي، ويقال: إن له صحبة. روى عن: أبي هريرة، وعائشة. روى عنه: ابنه الغاز، وبشير بن كعب، ويحيي بن ميمون، وغيرهم. وكان يقضي في زمن معاوية. وروى عن النبي حديثاً وقال الدارقطني: في صحبته نظر. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي.
745- ص- نا ابن المثنى، نا عمر بن يونس، نا عكرمة قال: حدثني يحيى بن أبي كثير قال: حدَّثني أبو سلمي بن عبد الرحمن بن عوف قال: سألتُ عائشةَ بأيِّ شيء كان نَبي الله- عليه السلام- يَفتتحُ صَلاتَهُ إذا قامَ من الليلِ؟ قالت (1) : كانت إذا قَامَ من الليلِ كان (2) يَفتتحُ صَلاته: اللَّهُمَّ رَب جبريلَ ووميكائيل ووإسرافيل، فَاطِرَ السمَوَات وَالأرْضِ، عَالمَ الغَيب وَالشهادة، أنتَ تحكُم بينه عبادٍكَ فيما كانوا فيه يَخَتلفُونَ، اهدنِي " اختلَفُواَ فيه من الَحقّ بإِذنِكَ، إنك (3) تهْدِي من تَشَاءُ إلى صَراطِ مُستقيمِ " (4) .
ــــــــــــــــــــ
(1) في الأصل:" قال".
(2) كلمة " كان " غير موجودة في سنن أبي داود.
(3) في سنن أبي داود: " إنك أنت ".
(4) مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: الدعاء في صلاة الليل وقيامه (770) ، الترمذي: كتاب الدعوات، باب: ما جاء في الدعاء عند افتتاح الصلاة بالليل (3420) ، النسائي: كتاب قيام الليل، باب: بأي شيء يستفتح صلاة الليل (2 / 212) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما
جاء في الدعاء إذا قام الرجل من الليل (1357) .(3/374)
ش- عمر بن يونس بن القاسم الحنفي اليمامي، أبو حفص. سمع: أباه، وعكرمة بن عمار. روى عنه: إسحاق بن وهب، وزهير بن حرب، ومحمد بن المثنى، وغيرهم.
قوله: " رب جبريل " رب " منصوب على النداء، وحرف النداء محذوف، والتقدير: يا رب جبريل، إنما خص هؤلاء الملائكة بالذكر من بين سائر المخلوقات كما جاء في القرآن والسُّنَة من نظائره من الإضافة إلى كل عظيم المرتبة، وكبير الشأن، دون ما يستحقر ويستصغر، فيقال له: رب السموات والأرض، ورب الملائكة والروح، ورب المشرقين، ورب المغربين ورب الناس، ورب كل شيء. وكل ذلك وشبهه وصف له سبحانه وتعالى بدلائل العظمة وعظم القدرة والملك، ولم يستعمل ذلك فيما يحتقر ويستصغر، فلا يقال: رب الحشرات، خالق القردة والخنازير، وشبه ذلك على الانفراد، وأنما يقال: خالق المخلوقات، وخالق كل شيء، فيدخل فيه كل ما قل وجل، وصغر وكبر، ومعنى جبريل: عبد الله، لأن "جبر" معرب "كبر "، وهو العبد و" إيل" هو الله، وهو ملك متوسط بين الله ورسوله، وهو أمين الوحي، وكذلك ميكائيل معناه: عبد الله. وقيل: إنما خص هؤلاء الملائكة تشريفا لهم، إذ بهم تنتظم أمور العباد، أما جبريل فإنه- عليه السلام- كان هو الذي أنزل الكتب السماوية على أنبياء الله- عليهم السلام-، وعلمهم الشرائع وأحكام الدين. وأما ميكائيل فإنه- عليه السلام- موكل على جمع القطر والنبات وأرزاق بني آدم، وغيرهم. وأما إسرافيل فإنه- عليه السلام- على اللوح المحفوظ، الذي فيه ما كان وما يكون إلى يوم القيامة، وهو صاحب الصور الذي ينفخ فيه.
قوله: " فاطر السموات" أي: خالقها.
قوله: " عالم الغيب والشهادة " أي: ما غاب عن العباد وما شاهدوه.
- قوله: " اهدني " بكسر الهمزة معناه: ثبتني على الحق، كقوله تعالى:
(اهْدنَا الصرَاطَ المُسْتَقِيمَ) .(3/375)
قوله: " من الحق" بيان " في قوله: " " اختلف ".
قوله: " بإذنك" أي: بتيسيرك وفضلك.
قوله: " إلى صراط مستقيم " أي: طريق الحق والصواب. والحديث أخرجه مسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
746- ص- نا محمد بن رِافع أنا أبو نوح قراد، نا عكرمة بإسناده بلا [1/256-أ] إخبار، / ومعناه: قال: " إذا قَام كبر وبقولُ " (1) .
ش- أبو نوح قراد اسمه: عبد الرحمن بن غزوان المعروف بقراد
أبو نوح، مولى عبد الله بن مالك الخزاعي، سكن بغداد. سمع: الليث بن سعد، وشعبة، وعكرمة بن عمار، وغيرهم. روى عنه: أحمد بن حنبل، وأبو خيثمة، وحجاج بن الشاعر، وغيرهم. قال ابن معين: ليس به بأس صالح. وقال ابن سعد: كان ثقة. مات سنة سبع ومائتين. روى له: البخاري، وأبو دا ود، والترمذي، والنسائي.
قوله: " ومعناه "عطف على قوله: " بإسناده " أي: قال قراد: حدثنا عكرمة بن عمار بهذا الحديث بإسناده بلا إخبار، وفي بعض النسخ: " بالإخبار ومعناه" قال: إذا قام، أي: رسول الله من الليل كبّر ويقول: " اللهم رب جبريل ... " إلى آخره.
747- ص- نا القعنبي قال مالك: لا بأس بالدعاء في الصلاة في أوله، وفي (2) أوسطِه، وفي آخره في الفريضَةِ وغيرِها (3) .
ش- حدَث عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك بن أنس أنه قال: لا بأس بأن يدعو هذه الأدعية في الصلوات كلها، سواء كان في أولها، أو في أوسطها، أو في آخرها. وكذا رُوي عن الشافعي، وقال البغوي: وبأي دعاء من هذه الأدعية استفتح حصل سُنَن الاستفتاح، وقال أصحابنا:
__________
(1) انظر الحديث السابق.
(2) كلمة " في" غير موجودة في سنن أبي داود.
(3) تفرد به أبو داود.(3/376)
لا يستفتح إلا بقوله: " سبحانك اللَهُمَّ" إلى آخره. " نذكره إن شاء الله تعالى عن قريب. وأما هذه الأدعية فإن (1) أراد يدعو بها في آخره صلاته بعد الفراغ من التشهد في الفرض، وأما باب النفل فواسع، وكل ما جاء في هذه الأدعية فمحمول على صلاة الليل.
748- ص- نا القعنبي، عن مالك، عن نعيم بن عبد الله المجمر، عن علي بن يحيى الشرقي، عن أبيه، عن رفاعة بن رافع الشرقي قال: كنا يوماً نُصَلي وراءَ رسول الله، ف" رفع رسولُ الله من الركوع (2) قال: " سَمِعَ اللهُ لمن حَمدَهُ ". قالَ رجل وراءَ رسولِ الله: ربنا (3) ولكَ الحمدُ حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، ف" انصرفَ رسولُ الله قال: " مَنِ المتكلمُ بها (4) ؟ " قال (5) الرجلُ: أنا يا رسولَ الله، فقالَ رسولُ الله: " لقدْ رأيتُ بضعا وثلاثينَ ملكا يَبتَدِرُونَها، أيُّهُم يكتُبُهَا أولُ " (6) .
ش- نعيم بن عبد الله أبو عبد الله المجمر العدوي المدني، مولى
آل عمر بن الخطاب، سُمي المجمر لأنه كان يجمر المسجد. سمع: أبا هريرة، وابن عمر، وأنس بن مالك، وعلي بن يحيى، وسالماً مولى شداد، وغيرهم. روى عنه: مالك بن أنس، وعمارة بن غزير، وابن عجلان، وغيرهم. روى له الجماعة.
وعلي بن يحيى بن خلاد بن رافع بن مالك بن العجلان الشرقي الأنصاري المدني. روى عن: أبيه. روى عنه: شريك بن عبد الله بن
__________
(1) كذا، ولعلها:" فإنه"
(2) في سنن أبي داود: "رأسه من الركوع".
(3) في سنن أبي داود: " اللهم ربنا".
(4) في سنن أبي داود: "بها آنفاً".
(5) في سنن أبي داود: " فقال ".
(6) البخاري: كتاب الأذان، باب: حدثنا معاذ بن فضالة (799) ، النسائي: كتاب التطبيق، باب: ما يقول ا"موم (2 / 196) .(3/377)
أبي نمر، وبكير بن عبد الله بن الأشج، وابنه يحيى بن علي، ونعيم بن عبد الله المجمر، وغيرهم. قال ابن معين: ثقة. روى له: البخاري، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
ويحيى بن خلاد الزرقي الأنصاري المدني، قيل: إنه ولد في عهد النبي- عليه السلام- فحنَّكه وسماه يحيى. روى عن: عمر بن الخطاب وعمه رفاعة بن رافع. روى عنه: ابنه علي بن يحيى. توفي سنة تسع وعشرين ومائة. روى له الجماعة إلا مس"
ورفاعة بن رافع بن مالك بن العجلان الشرقي أبو معاذ، شهد بدرا هو وأبوه، وكان أبوه نقيباً رُوي له عن رسول الله أربعة وعشرون حديثاً روى له البخاري ثلاثة أحاديث. روى عنه: ابنه معاذ، ويحيى بن خلاد الزرقي، وعبد الله بن الشداد بن الهاد، مات في أول خلافة معاوية. روى له الجماعة إلا مس"
قوله: " ف" رفع رسول الله " أي: رأسه من الركوع.
قوله: " بضعة وثلاثين " البضعة- بكسر الباء- في العدد- وقد يفتح-
ما بين الثلاث إلى التسع، َ وقيل: ما بين الواحد إلى العشرة. وقال الجوهري: تقول: بضع سنين، وبضعة عشر رجلاً، وبضع عشرة امرأة، وإذا جاوزت لفظ العشر ذهب البضع، لا نقول: بضع وعشرون. انتهى. وهذا الحديث الصحيح يدفع ما قاله، فإن قيل: ما الحكمة في تخصيص هذا العدد بهذا المقدار؟ قلت: قد استُفتح علي هاهنا أيضاً من الفيض الإلهي، أن حروف هذه الكلمات أربعة وثلاثون حرفاً وبالمكرر ستة وثلاثون حرفاً فأنزل الله بعدد حروف هذه الكلمات ملائكة. وقد
[1/256-ب] عرفت أن / البضعة ما بين الواحد إلى العشرة، فتكون الملائكة أيضاً ما بين الثلاثة والأربعة عدد حروف هذه الكلمات، لأن عددها ما بين الثلاثة والأربعة، وذلك تعظيما لهذه الكلمات، حيث أنزل في مقابلة كل حرف منها ملك من الملائكة.
قوله: " أول " بالضم من الظروف كما تقول: أبدأ بهذا الفعل أول كل(3/378)
شيء، ثم تحذف المضاف إليه، ويبنى " أول" على الضم. وفيه من الفوائد ما ذكرناه في حديث حميد، عن أنس عن قريب. وفيه: أن وظيفة الإمام التسميع، ووظيفة المقتدي التحميد، حيث استحسن رسول الله فعل الرجل، وأخبر بثوابه. والحديث: أخرجه البخاري، ومسلم.
749- ص- نا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن أبي الزبير، عن طاوس، عن ابن عباس، أن رسولَ الله كان إذا قامَ إلى الصلاة من جوف الليلِ يقولُ: اللهمَ لكَ الحمدُ، أنتَ نُور السمواتِ والأرضِ، وَلك الحمدُ، أنتَ قَيامُ السموات والأرض، ولك الحمدُ، أنتَ رافع السموات والأرض ومَن فيهن، أنتَ الحق، وقَولكَ الحق، وَوَعْدُكَ الحق، ولقاؤُكَ حق، والجنة حق والنارُ حَق، والسَاعَةُ حَق، اللهم لكَ أسلمتُ، وبَكَ آمَنتُ، وعليكَ تَوكلتُ، وإليكَ أنبتُ، وبكَ خَاصَمْتُ، وإليكَ حَاكَمْتُ، فاكفر لي ما قدمتُ وأخرتُ، وأسررتُ وأعلنتُ، أنتَ إِلهِي، لا إله إلا أنتَ " (1) .
ش- أبو الزبير محمد بن مسلم بن تدرس، وطاوس بن كيسان اليماني. قوله: " أنت نور السموات " معناه: أن كل شيء استنار فيها واستضاء وتقدر بك، والأجرام النيرة بدائع فطرتك، والحواس والعقل خلقك وعطيتك، وأضاف النور إلى السموات والأرض للدلالة علي سعة إشراقه، وفشل إضاعته، وعلى هذا فسر قوله تعالى: (اللهُ نُورُ السمَوَات وَالأرْضِ) (2) ، وقد فسر كثير من العلماء النور في أسمائه تعالى بمعنىَ المنور، وجدوا في الهرب عن إطلاق هذا الاسم على الله إلا من هذا الوجه، وقالوا: إن النور يضاده الظلمة ويعاقبه، فتعالى الله أن يكون له ضد ونِد، وقال بعضهم: معنى النور الهادي.
__________
(1) البخاري: كتاب التهجد، باب: التهجد بالليل (1120) ، مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: الدعاء في صلاة الليل وقيامه (769) ، النسائي: كتاب قيام الليل وتطوع النهار، باب: ذكر ما يستفتح به القيام (3 /209) ، ابن ماجه: كتاب أقامة الصلاة والسنة فيها، باب: ما جاء في
الدعاء إذا قام الرجل من الليل (1355) .
(2) سورة النور: (35) .(3/379)
قلت: قد ثبت أن الله تعالى سمى نفسه النور بالكتاب والسُّنَة، وقد
ورد في الكتاب على صفة الإضافة، وفي الحديث الصحيح الذي رواه أبو ذر من غير إضافة، وذلك قوله: " نور أنى أراه " حين سأله أبو ذر: "هل رأيت ربك؟ "، وقد أحصى أهل الإسلام النور في جملة الأسماء الحسنى، وقد عرفنا في أصول الدين أن حقيقة ذلك ومعناه يختص بالله سبحانه، ولا يجوز أن يفسر بالمعاني المشتركة، وصح لنا إطلاقه على الله بالتوقيف، ونقول في بيان ما أشير إليه: إن الله سبحانه سمى القمر نوراً وسمى النبي- عليه السلام- نورا وهما مخلوقان، وبينهما مباينة ظاهرة في المعنى، فتسمية القمر نورا للضوء المنتشر منه في الأبصار، وتسمية النبي- عليه السلام- به للدلالات الواضحة التي لاحت منه للبصائر، وسمى القرآن لمعانيه التي تخرج الناس من ظلمات الكفر والجهالة، وسمى نفسه نورا " اختص به من إشراق الجلال وسبحات العظمة، التي تضمحل الأنوار دونها، وهذا الاسم على هذا المعنى لا استحقاق فيه لغيره بل هو المستحق له المدعو به، (وللهِ الأسْمَاءُ الحُسْنَى فَادْعُوه ُبِهَا) (1) . قوله: " قيام السموات "، وفي رواية:" قيم السموات" قالت العلماء: من صفاته القيَام والقيم كما صرح به الحديث، والقيوم بنص القرآن وقائم، ومنه قوله تعالى: (أفَمَنْ هُوَ قَائم عَلَى كُلِّ نَفْس بمَا كَسَبَتْ) (2) . قال الهروي: ويقال: قوام. قالَ ابن عباس، القيَوم الذي لا يزول. وقال غيره: هو القائم على كل شيء ومعناه: مدبر أمر خلقه. وقال الجوهري: القيوم اسم من أسماء الله. وقرأ عُمر: الحي القيام، وهو لغة، وفي" المطالع ": أنت قيام السموات والأرض، كذا للجماعة وهو القائم بأمرهما. وعند أبي عتاب: قيام. والقَيام والقَيوم والقوام والقيم والقائم سواء.
[1/257-أ] قوله: " أنت رب السموات والأرض " أي: أنت مالك / السموات والأرض ومن فيهن، وقد مر الكلام في معنى" الرب ".
__________
(1) سورة الأعراف: (180) .
(2) سورة الرعد: (33) .(3/380)
قوله: " أنت الحق " الحق: اسم من أسماء الله تعالى، ومعناه: الوجود حقيقة، المتحقق وجوده وإلاهيته.
قوله: " وقولك الحق " أي: غير كذب، بل هو صدق حقا وجزمت. قوله: " ووعدك الحق " أي: الثابت غير الباطل، قال الله تعالى: (إِن اللهَ لا يُخْلِفُ المِيعَادَ) (1) .
قوله: " ولقاؤك حق " أي: واقع كائن لا محالة، والمراد من لقاء الله تعالى: المصير إلى الدار الآخرة، وقيل: المراد به الموت. وقال الشيخ محيى الدين: " وهذا القول باطل في هذا الموضع، إنما نبهت علي لئلا يغتر به، والصواب البعث، فهو الذي يقتضيه سياق الكلام وما بعده، وهو الذي يرد به على الملحد، لا بالموت. قلت: يمكن أن يفسر اللقاء بالموت، ويرد على الملحد بقوله: " والساعة حق ".
قوله: " والجنة حق " أي: موجود معد للمؤمنين.
قوله: " والنار حق " أي: موجود معد للكافرين.
قوله: " والساعة حق " أي: واقع كائن لا محالة، والمراد من الساعة يوم القيامة.
قوله: " اللَّهمَّ لك أسلمت " أي: انقدت، وأطعت.
قوله: " وبك آمنت " أي: صدقت بك، وبكل ما أخبرت، وأمرت، ونهيت. قال الشيخ محيى الدين:" فيه الإشارة إلى الفرق بين الإيمان، وا لا سلام ".
قلت: المراد من الإسلام والإيمان هاهنا: معناهما اللغوي، لا الشرعي، ولا نزاع لأحد أن بينهما فرقا من حيث اللغة، ولكن الخلاف هل بينهما فرق من حيث اَلشرع أم لا؟ وقد ذكرناه.
قوله: " وعليك توكلت " أي: فوضت أمري إليك في كل شيءِ.
__________
(1) سو رة آل عمران: (9) .(3/381)
قوله: " واليك أنبت" أي: أقبلت بهمتي وطاعتي، وأعرضت عضا سواك.
قوله: " وبك خاصمت " أي: بك أحتج وأدافع وأقاتل من عاند فيك وكفر بك، وقمعته بالحجة والسيف.
قوله: " واليك حاكمت " أي: رفعت محاكمتي إليك في كل من جحد الحق، وجعلتك الحكم بيني وبينه لا غيرك، مما كانت تحاكم إليه الجاهلية وغيرهم من صنم ونارٍ وكاهنٍ وشيطان وغيرها، فلا الرضى إلا بحكمك، ولا أعتمد على غيره.
قوله: " فاغفر لي ما قدمت " أي: من الذنوب، " وما أخرت" أي:
من الأعمال، " وما أسررت " أخفيت من الأعمال، " وما أعلنتُ " بها أي: جهرت بها، وقد مَر قبلُ هذا عن قريب، والحديث: أخرجه مسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وأخرجه البخاري، ومسلم من رواية سليمان الأحول، عن طاوس.
750- ص- نا أبو كامل، نا خالد- يعني: ابن الحارث- نا عمران بن مسلم، أن قيس بن سعد، حَدَّثه قال: لا طاوس، عن ابن عباس: " أن رسول الله- عليه السلام- كان في التهجد يقول بعد ما يقول الله أكبر"، ثم ذكر معناه (1) .
ش- أبو كامل الجحدري، وخالد بن الحارث البصري.
وعمران بن مسلم: أبو بكر القصير المقرئ البصري. سمع: أبا رجاء العطاردي، والحسن البصري، وابن سيرين، وأنس بن سيرين، وقيْس ابن سعد. روى عنه: الثوري، ويحيى القطان، ومهْدي بن ميمون، وغيرهم. قال أحمد، وابن معين. ثقة. وقال يحيى بن سعيد: كان مستقيم الحديث. روى له: البخاريّ، ومسلم، وأبو داود (2) .
__________
(1) انظر التخريج المتقدم.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (22 / 4502) .(3/382)
وقيس بن سعد أبو عبد الملك المكي، مولى نافع بن علقمة. روى عن: عطاء بن أبي رباح، وطاوس بن كيسان، ومجاهد بن جبر، وعمرو بن دينار. روى عنه: هشام بن حسَان، والحمادان، وغيرهم. قال أحمد، وأبو زرعة: ثقة. وقال ابن معين: ليس به بأس. مات سنة تسع عشرة ومائة. روى له: مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه (1) .
قوله: " في التهجد " والتهجد: صلاة الليل، وهجد يهجد، أي:
نام (2) ليلاً، وهجد وتهجد، أي: سهر، وهو من الأضداد.
قوله: " ثم ذكر معناه " أي: معنى الحديث.
751- ص- نا عتيبة بن سعيد، وسعيد بن عبد الجبار نحوه.
ش- أي: نحو ما روى سعيد بن عبد الجبار.
ص- قال قتيبة: نا رفاعة بن يحيى بن عبد الله بن رفاعة بن رافع، عن عم أبيه معاذ بن رفاعة بن رافع (3) ، عن أبيه قال: " صليتُ خلفَ رسول الله، فعَطَسَ رفاعةُ " لم يقل قتيبة:" رفاعة "، فقلت: الحمدُ لله حمداً كثيراً طَيبا، مباركا عليه (4) ، كما يُحبُّ ربنا ويرضَى، ف" صَلَّى رسولُ الله انصرفَ، فقالَ: مَنِ المتكلمُ في الصَلاةِ؟ "، ثم ذكر نحو حديث مالك، وأَتم منه (5) . ش- رفاعة بن يحيى بن عبد الله بن رفاعة بن رافع بن مالك بن العجلان بن عمرو بن عامر (6) بن زُريق بن عبد حارثه بن غصب بن
__________
(1) المصدر السابق (24 / 4907) .
(2) مكررة في الأصل.
(3) في الأصل: " عن معاذ بن رفاعة بن رافع، عن عم أبيه معاذ بن رفاعة بن رافع " كذا بالتكرار.
(4) في سنن أبي داود:" فيه"
(5) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في الرجل يعطس في الصلاة (404) النسائي: كتاب الافتتاح، باب: قول ا"موم إذا عطس خلف الإمام (2 / 145) .
(6) في الأصل: " عاصم " خطأ.(3/383)
[1/257-ب] جشم بن الخزرج / الأنصاري الشرقي، إمام مسجد بني زريق. روى عن: عم أبيه معاذ بن رفاعة. روى عنه: عتيبة بن سعيد، وسعيد ابن عبد الجبار. روى عنه: أبو داود، والترمذي، والنسائي (1) .
ومعاذ بن رفاعة بن رافع بن مالك بن العجلان بن عمرو الشرقي الأنصاري المدني، أبو عبيد. سمع: أباه، وجابر بن عبد الله، وخولة بنت حكيم. روى عنه: يحيى بن سعيد الأنصاري، وعبد الله بن محمد ابن عقيل. روى له: البخاري، وأبو داود، والترمذي، والنسائي (2) . ورفاعة بن رافع بن مالك بن عجلان الصحابي الشرقي، أبو معاذ،
وقد ذكرناه.
قوله: " ثم ذكر نحو حديث مالك" أي: الحديث الذي رواه القعنبي،
عن مالك بن أنس، الذي سلف الآن، وأخرجه أيضاً الترمذي، والنسائي، وتمامه بعد قوله: " من المتكلم في الصلاة؟ فقال رفاعة بن رافع: أنا يا رسول الله. قال: كيف قلت؟ قال: قلت: الحمد لله حمدا كثيرا طيباً مباركا فيه، مباركا عليه، كما يحب ربنا ويرضى، فقال النبي- عليه السلام-: والذي نفسي بيده لقد ابتدروها بضعة وثلاثون ملكاً أيهم يصعد بها". قال: وقيل: الحديث مطلق، ويقال: وكان هذا الحديث في التطوع. وقال صاحب" الهداية": ومن عطس، فقال
له آخر: يرحمك الله وهو في الصلاة فسدت صلاته، لأنه يجري في مخاطبات الناس، فكان من كلامهم بخلاف ما إذا قال العاطس، أو السامع: الحمد لله، على ما قالوا، لأنه لم يتعارف جواباً
قلت: فعلى هذا لا يحتاج أن يحمل حديث قتيبة على التطوع، لأنه
إذا عطس، وقال:" الحمد لله" فقط، أو قال:" الحمد لله حمدا كثيرا " إلى آخره كما في الحديث، ينبغي أن لا تفسد صلاته، سواء كان
__________
(1) انظر ترجمته في، تهذيب الكمال (9/1919) .
(2) المصدر السابق (28 / 25 0 6) .(3/384)
في الفرض، أو النفل، لأن مثل هذا لم يتعارف جواباً ورُوي عن أبي حنيفة أنه يحمد الله في نفسه، ولا يحرك لسانه، ولو حرك تفسد صلاته، كذا في " المحيط "، والصحيح ما قاله برهان الدين صاحب " الهداية ". وقال الترمذي: " وكأن هذا الحديث عند بعض أهل العلم أنه في التطوع، لأن غير واحد من التابعين قالوا: إذا عطس الرجل في الصلاة المكتوبة إنما يَحمدُ الله في نفسه، ولم يوسعوا في أكثر من ذلك. وفي والمصنف،: نا إسماعيل ابن علية، عن سعيد بن أبي صدقة، قال: قلت لابن سيرين:" إذا عطست في الصلاة ما أقول؟ قال: قل: الحمد لله رب العالمين.
نا وكيع، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم: " في الرجل يعطس في الصلاة، قال: يحمد الله في المكتوبة وغيرها ".
752- ص- نا العباس بن عبد العظيم، نا يزيد بن هارون، أنا شريك، عن عاصم بن عبيد الله، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة، عن أبيه، قال: "عَطسَ شاب من الأنصار خلفَ رسول الله- عليه السلام- وهو في الصلاة فقال: " الحمدُ لله [حمداً] (1) كثيرا طيبا مباركا فيه، حتى يرضى ربنا، وَبعدَ ما يرضَى من أَمرِ الدنيا والآخرة، ع" انصرفَ رسولُ الله عمليه السلام- قال: مَنِ القائلُ الكلمةَ؟ قال: فسكتَ الشاب، ثم قالَ: مَنِ القائلُ الكلمةَ؟ فإنه لم يقلْ بأساً فقال: يا رسولَ الله، [أنا] (1) قلتُها، لم أرِدْ بها إلا خيراً، قال: ما تَناهَتْ دونَ عرشِ الرحمنِ جَل ذكره (2) " (3) .
ش- شريك بن عبد الله، وعاصم بن عبيد الله بن عاصم بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي المدني. روى عن: أبيه عبيد الله، وجابر بن عبد الله، وابن عمر، وجماعة آخرين. روى عنه: الثوري، وشعبة،
__________
(1) زيادة من سنن أبي داود.
(2) في سنن أبي داود: " تبارك وتعالى ".
(3) تفرد به أبو داود.
*2. شرح سنن أبي، داود 3(3/385)
وشريك، وابن عجلان، ويحيى القطان، وغيرهم. قال البخاري: هو
منكر الحديث. وقال ابن معين: ضعيف. وقال ابن سعد: كان كثير الحديث، ولا يحتج به. ومات في أول خلافة بني العباس. روى له:
أبو داود، والترمذي، وابن ماجه (1) .
وعبد الله بن عامر بن ربيعة بن عامر بن مالك بن ربيعة. روى عن:
أبيه، وعن: عائشة. روى عنه: يحيى بن سعيد الأنصاري، وعاصم
ابن عبيد الله (2) .
وعامر بن ربيعة بن عامر بن مالك بن ربيعة العنزي، أسلم قبل عمر
ابن الخطاب، وهاجر إلى أرض الحبشة، ثم هاجر إلى المدينة، وشهد
بدراً وسائر المشاهد، روي له عن رسول الله اثنان وعشرون حديثاً
اتفقا على حديثين، وقد روى عن أبي بكر، وعمر. روى عنه: ابنه:
عبد الله بن عامر، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، وعيسى الحكمي. توفي سنة ثلاث وثلاثين. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (3) .
قوله: " من القائل الكلمة " انتصاب " الكلمة " بقوله: " القائل"،
وأطلق الكلمة على الكلام مجارا كما في قوله: (وكَلمَةُ الله هيَ
العُليَا) (4) .ً
قوله: " ما تناهت دون عرش الرحمن " كناية عن قبولها، وكونها عملاً [1/258-أ] ، صالحاً. قال تعالى: / (إلَيْه يَصْعَدُ الكلمُ الطيب وَالعَمَلُ الصَالِحُ يَرْفَعه (ْ (5) ، والحديث معلول بعاَصم، وشريك.
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (13 / 3014) .
(2) المصدر السابق (15 / 3352) .
(3) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (3 / 4) ، وأسد الغابة (3 / 121) ، وا لإصابة (2 / 249) .
(4) سورة التوبة: (40) .
(5) سورة فاطر: (10) .(3/386)
116- باب: من رأى الاستفتاح بـ " سبحانك " (1)
أي: هذا باب في بيان من رأى استفتاح الصلاة بقوله: " سبحانك اللَّهُمَّ وبحمدك " إلى آخره.
753- ص- نا عبد السلام بن مطهر، نا جعفر، عن علي بن علي الرفاعي، عن أبي المتوكل الناجي، عن أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه- قال: " كان رسولُ الله إذا قامَ منذ الليلِ كَبَّرَ، ثم يقولُ: سبحانَكَ اللهمَ وبحمدكَ، تبارَكَ اسمُكَ، وتعالىَ جَمدُك، ولا إله غيرُك، ثم يقولُ: لا إلَه إلا اللهُ ثلاَثا، ثم يقولُ: الله أكبر كبيرا ثلاثاً أعوذُ بالله السميع العليم من الشيطانِ الرجيم، من: هَمْزِه، ونفْخِهِ، ونفْثِهِ، ثم يقرأ " (2) .
ش- جعفر بن سليمان الضبعي، وعليه بن علي بن نجاد بن رفاعة الرفاعي المصري أبو إسماعيل. سمع: أبا المتوكل الناجي، والحسن البصري، وأخاه سعيداً (3) . روى عنه: جعفر بن سليمان، ووكيع، وأبو نعيم، وغيرهم. قال أحمد بن حنبل: هو صالح، قيل له: كان يُشَبه بالنبي- عليه السلام- قال: كذا كان يقال. وقال ابن معين: ثقة. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (4) .
وأبو المتوكل: علي بن داود الناجي بالنون والجيم.
قوله: " سبحانك اللهم " أي: أنزهك يا الله، وقد مر غير مرة.
قوله: " وبحمدك " عطف على محذوف، أي: أسبحكُ بتسبيحك، وأحمدك بحمدك.
__________
(1) في سنن أبي داود: " بسبحانك اللهم وبحمدك ".
(2) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما يقول عند افتتاح الصلاة (842) ، النسائي: كتاب الافتتاح، باب: نوع آخر من الذكر بين افتتاح الصلاة وبين القراءة (2 / 132) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: افتتاح الصلاة (806) عن عائشة.
(3) في الأصل: " سعدا " خطأ.
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (21 / 4110) .(3/387)
قوله: " تبارك " تفاعل من البركة، وهي الكثرة والاتساع، ومعناه: تعالى وتعظم، وكثرت بركته في السموات والأرض، إذ به تقوم، وبه تستنزل الخيرات، ونُهي أن يتأول في وصفه معنى الزيادة، لأنه ينبئ عن النقصان.
قوله: " وتعالى" أي: علا وارتفع.
قوله: " جدك " أي: عظمتك.
قوله: "ثلاثا " أي: ثلاث مرات، والباقي قد فسرناه عن قريب. والحديث أخرجه: الترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
ص- قال أبو داود: هذا الحديث يقولون: هو عن علي بن علي، عن الحسن (1) ، الوهم من جعفر.
ش- أي: الحسن البصري، ولكن الوهم من جعفر بن سليمان. وقال الترمذي: وحديث أبي سعيد الشهر حديث في هذا الباب، وقد تكلم في إسناد حديث أبي سعيد، كان يحيى بن سعيد يتكلم في علي بن علي. وقال أحمد: لا يصح هذا الحديث.
قلت: قد تقدم أن ابن معين وثق علي بن علي، وكذا وثقه وكيع، ومحمد بن عبد الله بن عمار.
754- ص- نا حسين بن عيسى، نا طلق بن غنام، نا عبد السلام بن حرب المُلائي، عن بديل بن ميسرة، عن أبي الجوزاء، عن عائشة، قالت: "كان رسولُ الله- عليه السلام- إذا اسْتَفتحَ الصلاةَ، قال: سبحانكَ اللهم وبحمدِكَ، وتبارَكَ اسمُكَ، وتعالى جَدك، ولا إله غيرُك " (2) .
ش- حسين بن عيسى البسطامي.
__________
(1) في سنن أبي داود: " عن الحسن مرسلا ".
(2) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما يقول عند افتتاح الصلاة (243) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة والسمعة فيها، باب: افتتاح الصلاة (806) .(3/388)
وطلق بن غنام بن طلق بن معاوية، وهو ابن [عم] حفص بن غياث، وكاتب شريك بن عبد الله. روى عن: عبد السلام بن حرب، وشريك ابن عبد الله، وزائدة بن قدامة، وغيرهم. روى عنه: محمد بن العلاء، والحسن بن عيسى، وأحمد بن عثمان، وغيرهم. مات في رجب سنة إحدى عشرة ومائتين. روى له: البخاري، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه، والنسائي (1) .
وأبو الجوزاء- بالجيم، والزاي- هو أوس بن عبد الله الربعي البصري، من رَبَعة الأزد، والطبعة هو ابن الغطريف الأصغر بن عبد الله ابن الغطريف الأكبر. سمع: عبد الله بن عباَس، وعبد الله بن عمر، وعائشة الصديقة. روى عنه: بديل بن ميسرة، وعمرو بن مالك، وأبو الأشهب، وغالب القطان، وغيرهم. قال أبو زرعة، وأبو حاتم: ثقة. قتل في الجماجم سنة ثلاث وثمانين. روى له: البخاري، ومسلم، وأبو داود (2) .
والحديث أخرجه: الترمذي، وابن ماجه، من حديث حارثه بن أبي الرجال، عن عمرة، عن عائشة، وبه استدل أبو حنيفة أن المصلي بعد التكبير يستفتح به الصلاةَ، وهو قول محمد بن الحسن، والثوري، وأحمد، وإسحاق، وجماعة آخرون (3) . وقال الشافعي: يستفتح بما روى عبيد الله بن رافع، عن عليّ، وقد ذكرناه. وقال مالك: إذا كبر وفرغ من التكبير يقرأ (الحمد لله رب العالمين) . وقال أبو يوسف: أن يجمع بينه وبين " وجهت وجهي " إلى آخره، وقال: لأن الرواية جاءت بهذا وبهذا، واستحسنت أن / يقولهما (4) المصلي جميعاً. [1/258-ب]
ص- قال أبو داود: هذا الحديث ليس بالمشهور عن عبد السلام بن حرب، لم يروه إلا طلق بن غنام، وقد روى قصة الصلاة جماعة غير واحد، عن بديل، لم يذكروا فيه شيئاً من هذا.
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (13 / 2991) .
(2) المصدر السابق (3 / 580) .
(3) كذا.
(4) قوله: " أن يقولهما " مكررة في الأصل.(3/389)
ش- أشار به إلى أن الحديث غير قوي، وكذا قال الترمذي: هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وحارثة قد تكلم فيه.
قلت: " (1) قد أخرجه الحاكم في ما المستدرك " (2) بالإسنادين، أعني إسناد أبي داود، وإسناد الترمذي. وقال: صحيح الإسناد، ولم يخرجاه ولا أحفظ في قوله: " سبحانك اللهم وبحمدك " في الصلاة أصح من هذا الحديث، وقد صح عن عمر بن خطاب أنه كان يقوله، ثم أخرجه عن الأعمش، عن الأسود، عن عمر، قال: وقد أسنده بعضهم عن عمر، ولا يصح، وأخرجه مسلم في " صحيحه " (3) عن عبدة، وهو ابن أبي لبابة، أن عمر بن الخطاب كان يجهر بهؤلاء الكلمات، يقول: " سبحانك اللهم وبحمدك، تبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك". وقال المنذري: وعبدة لا يعرف له سماع من عمر، وإنما سمع من ابنه عبد الله، ويقال: إنه راعى عمر رؤية. وقال صاحب " التنقيح ": وإنما أخرجه مسلم فيه صحيحه،، لأنه سمعه مع غيره. وقال الدارقطني في كتابه " العلل ": وقد رواه إسماعيل بن عياش، عن عبد الملك بن حميد ابن أبي غنية، عن أبي إسحاق الطبيعي، عن الأسود، عن عمر، عن النبي- عليه السلام- وخالفه إبراهيم النخعي فرواه عن الأسود، عن عمر قوله، وهو الصحيح.
وروى الطبراني في " معجمه ": نا محمد بن عبد الله الحضرمي، نا أبو كريب، نا فردوس الأشعري، نا مسعود بن سليمان قال: سمعت الحكم يحدث، عن أبي الأحوص، عن عبد الله، قال: وكان رسولُ الله إذا استفتح الصلاة، قال: سبحانك اللهم وبحمدك " إلى آخره.
وروى الطبراني أيضاً: حدَّثنا محمد بن إدريس المصيصي، والحسين بن إسحاق التستري، قالا: ثنا محمد بن النعمان الفراء المصيصي، نا يحيى
__________
(1) انظر: نصب الراية (1 / 0 32- 323)
(2) (1 / 235) .
(3) كتاب الصلاة، باب: حجة من قال: لا يجهر بالبسملة (399 / 52) .(3/390)
ابن يعلى الأسلمي، عن موسى بن أبي حبيب، عن الحكم بن عمير الشمالي، قال: " كان رسول الله يعلمنا: إذا قمتم إلى الصلاة فارفعوا أيديكم، ولا تخالف آذانكم ثم قولوا: الله أكبر، سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك، وإن لم تزيدوا على التكبير أجزأكم ".
وروى الطبراني أيضاً (1) ، عن مكحول، عن واثلة: " أن رسول الله
- عليه السلام- كان يقول إذا استفتح الصلاة" نحوه سواء.
وروى الدارقطني في " سننه " (2) : نا أبو محمد بن صاعد، نا الحسين بن عليّ بن الأسود، نا محمد بن الصلت، نا أبو خالد الأحمر، عن حميد، عن أنس، قال: " كان رسول الله إذا افتتح الصلاة كبر، ثم رفع يديه حتى يحاذي بإبهاميه أذنيه، ثم يقول: سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك "، ثم قال: إسناده كلهم ثقات.
وروى الطبراني أيضاً في كتابه المفرد في " الدعاء "، فقال: نا أبو عقيل أنس بن سلم الخولاني، نا أبو الأصبغ عبد العزيز بن يحيى، نا مخلد بن يزيد، عن عائذ بن شريح، عن أنس بن مالك: " أن النبي - عليه السلام- كان إذا استفتح الصلاة يكبر، ثم يقول: سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك ".
وروى أيضاً من طريق آخر بإسناده إلى حميد الطويل، عن أنس بن مالك، قال: " كان رسول الله إذا استفتح الصلاة قال: سبحانك اللهم " إلى آخره (3) .
وفي " المصنف ": نا هشيم، أنا حصين، عن أبي وائل، عن الأسود
__________
(1) (22 / رقم 155) : وقال في المجمع (2/106) : فيه عمرو بن الحصين وهو ضعيف.
(2) (1 / 300) .
(3) إلى هنا انتهى النقل من نصب الراية.(3/391)
ابن يزيد، قال: " رأيت عمر بن الخطاب افتتح الصلاة فكبر، ثم قال: سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك". ونا عبد السلام، عن خصيف، عن أبي عبيدة، عن عبد الله: " أنه كان إذا افتتح الصلاة، قال: سبحانك اللهم 100 " إلى آخره.
نا أبو خالد الأحمر، عن ابن عجلان، قال: " بلغني أن أبا بكر كان يقول مثل ذلك ".
[1/259-أ] نا هشيم، / أنا جويبر، عن الضحوك في قوله تعالى: (وسبحْ بحَمْد ربِّكَ حين تَقُومُ) (1) قال: حين تقوم إلى الصلاة تقول هؤلاء اَلكلمات: سبَحانك اللهم وبحمدك " إلى آخره.
نا ابن فضيل، وأبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم التيمي، عن الحارث بن سويد، قال: قال ابن مسعود: ومن أحب الكلام إلى الله أن يقول الرجل: سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك، رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت".
***
117- باب: السكتة عند الاستفتاح
أي: هذا باب في بيان السكتة عند استفتاح الصلاة، وفي بعض النسخ: " باب التكبير عند الافتتاح "، وفي بعضها: " باب فيما جاء في التكبير عند الافتتاح ".
755- ص- نا يعقوب بن إبراهيم، نا إسماعيل، عن يونس، عن الحسن، قال: قال سمرة: " حَفظتُ سكتتين في الصلاةِ، سكتةً إذا كَبرَ الإمامُ حين (2) يقرأ، وسكتةً إذا فًرغً من فاتحةِ اَلكتابِ وسورةٍ عند الركوع "
__________
(1) سورة الطور: (48) .
(2) في سنن أبي داود: " حتى ".(3/392)
قال: فأنكر ذلك علي عمران بن حصين، قال: فكتبوا في ذلك إلى المدينة إلى أبَي، فصدق سمرة (1) .
ش- يعقوب بن إبراهيم الدورقي، وإسماعيل ابن علية، ويونس بن عبيد البصري، والحسن البصري، وسمرة بن جندل، وأبي بن كعب. قوله: " سكتة " أي: إحديهما سكتة إذا كبر الإمام، حين يقرأ، وفيه دليل لأبي حنيفة، والشافعي، وأحمد، والجمهور أنه يستحب دعاء الافتتاح، ولأحاديث أخرى جاءت في هذا الباب. وقال مالك: لا يستحب دعاء الافتتاح بعد تكبيرة الافتتاح، ودليل الجمهور ظاهر.
قوله: " وسكتة إذا فرغ " أي: الأخرى سكتة إذا فرغ من فاتحة الكتاب، وسورة، وقوله: " عند الركوع " متعلق بقوله: " وسكتة ". وقال الخطابي: " وهذه السكتة ليقرأ مَنْ خلف الإمام، ولا ينازعه في القراءة، وهو مذهب" الشافعي " (2) ، وعند أصحابنا: لا يقرأ المقتدي خلف الإمام فتحمل هذه السكتة عندنا على الفصل بحق القراءة والركوع بالتأني، وترك الاستعجال بالركوع بعد الفراغ من القراءة، ولكن حد هذه السكتة قدر ما يقع به الفصل بحق القراءة والركوع، حتى إذا طال جدا، فإن كان عمدا يكره، وإن كان سهوا يجب عليه سجدة السهو، لأن فيه تأخير الركن.
عن- قال أبو داود: وكذا قال حميد: " وسكتة إذا فرغ من القراءة ". ش- أي: حميد الطويل، والحديث أخرجه ابن ماجه أيضاً وقد حمل البعض هذه السكتة على ترك رفع الصوت بالقراءة دون السكوت عن القراءة.
__________
(1) ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: في سكتتي الإمام (845) .
(2) معالم السنن (1 / 171) .(3/393)
756- ص- نا أبو بكر بن خلاد، نا خالد بن الحارث، عن أشعث، عن الحسن، عن سمرة بن جندب، عن النبي- عليه السلام-: " أنه كان يسكتُ سكتتينِ إذا استفتحَ، وإذا فَرغَ من القراءةِ كلها "، ثم ذكر معنى [حديث] يونس (1) .
ش- أبو بكر بن خلاد، اسمه: محمد بن خلاد الباهلي البصري، والد أبي عمر محمد بن محمد بن خلاد ثقة. روى عن: ابن عيينة، ويحيى القطان، وآخرين. روى عنه: أبو داود، وغيره (2) .
وأشعث بالثاء المثلثة، هو: ابن عبد الملك الحمراني، أبو هانئ البصري. روى [عن] : الحسن البصري، ومحمد بن سيرين. روى عنه: ابن أبي عدي، ويحيى بن سعيد، ومعاذ بن معاذ، وغيرهم. وقال يحيى بن سعيد: هو عندي ثقة مأمون. وقال ابن معين: ثقة. توفي سنة ست وأربعين ومائة. روى له: أبو داود، والترمذي، وا لنسائي (3) .
قوله: " إذا استفتح " أي: إذا استفتح الصلاة.
قوله: " ثم ذكر معنى [حديث] يونس " أي: يونس بن عبيد المذكور. وفي " المصنف": نا حفص، عن عمرو، عن الحسن، قال: وكان لرسول الله- صلى الله عليه وسلم - ثلاث سكتات: سكتة إذا افتتح التكبير حتى يقرأ الحمد، وإذا فرغ من الحمد حتى يقرأ السورة، وإذا فرغ من السورة حتى يركع ".
قلت: أما السكتة الأولى فلأجل دعاء الافتتاح، وفيه دليل للجمهور، وإما السكتة الثانية فلأن يقول: آمين، بعد الفراغ من الفاتحة، وفيه دليل لأصحابنا، وأما السكتة الثالثة فليقع الفصل والتمييز بين الركنين.
757- ص- نا مسدد، نا يزيد، نا سعيد، نا قتادة، عن الحسن، أن
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (25 / 5199) .
(3) المصدر السابق (3 / 531) .(3/394)
سمرة بن جندب، وعمران بن حصين تذاكرا، فحدث سمرة بن جندب:
" أنه حفظَ من رسول اللهِ / سكتتين: سكتة إذا كبرَ، وسكتة إذا فرغَ من [1/259-ب] ، قراءة: (غيْرِ المَغْضُوب عَلَيْهِمْ وَلا الضالّيِنَ) فحفظَ ذلك سمرةُ، وأنكرَ
عليه عمرانُ بنُ حصين، فَكتبا في ذلك إلى أبيِّ بن كعب، وكان في كتابِه
إليهما، أو في ردِهِ عليهَما: إن سمرةَ قد حَفِظَ " (1) .
ش- يزيد بن زريع، وسعيد بن أبي عروبة.
قوله: " وسكتة إذا فرغ من قراءة: (غيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا
الضّالِّينَ) هذه السكتة كانت لأجل أن يقول: " آمين "، وفيه حجة
للحنفية في إخفاء " آمين "، كما ذكرنا الآن في حديث أبي بكر بن
أبي شيبة.
758- ص- نا ابن المثنى، نا عبد الأعلى، نا سعيد بهذا، قال: عن
قتادة عن الحسن، عن سمرة، قال: " سكتتانِ حفظتهما عن رسول الله
- عليه السلام- قال فيه سعيد: قلنا لقتادةَ: ما هاتانِ السكتتان؟ قال: إذاَ
دخل في صلاته، وإذا فرغ من القراءة، ثم قال بعدُ: وإذا قَال: (غيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيهِمْ وَلا الضالِّينَ) " (2) .
ش- عبد الأعلى بن عبد الأعلى السامي، وسعيد بن أبي عروبة.
قوله: "ثم قال بعدُ " أي: بعد أن قال: " وإذا فرغ من القراءة " قال:
" وإذا قال: (غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضالينَ) يعني: بعد قراءة
الفاتحة كانت السكتة الثانية. والحديث أخرجه: الترمذي، وابن ماجه
بنحوه. وقال الترمذي: حديث سمرة حديث حسن، وهو قول غير
__________
(1) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في السكتتين في الصلاة (251) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب: في سكتتي الإمام (844) .
(2) انظر الحديث السابق.(3/395)
واحد من أهل العلم، يستحبون للإمام أن يسكت بعد ما يفتتح الصلاة، وبعد الفراغ من القراءة، وبه يقول أحمد، وإسحاق، وأصحابنا.
759- ص- نا أحمد بن أبي شعيب، نا محمد بن الفضيل، عن عمارة ح، ونا أبو كامل، عن عبد الواحد، المعنى، عن عمارة (1) ، عن أي زرعة، عن أبي هريرة، قال: " كان رسولُ الله- صلى الله عليه وسلم - إذا كبرَ في الصلاة سكتَ بين التكبير والقراءةِ، فقلتُ له: بأبي أنتم وأمي، ورأيت سكوتًَك التكبيرة والقراءة؟ أخبرني ما تقولُ، قالَ: اللهم باعدْ بيني وبن خطايايَ كما باعدْت بين المشرق والمغرب، اللهم أنقنِي من خطايايَ كالثوب الأبيضِ من الدنسِ، اللهم اغسِلَني بالثلجَ، والماءِ، وَالبَرَدِ " (2) .
ش- أحمد بن عبد الله بن أبي شعيب الحراني.
وعمارة بن القعقاع بن شبرمة، ابن أخي عبد الله بن شبرمة الضبي الكوفي. سمع: أبا زرعة، وعبد الرحمن بن أبي نعم (3) . روى عنه: الأعمش، والثوري، وشريك، ومحمد بن فضيل، وغيرهم. قال ابن معين: ثقة. وقال أبو حاتم: صالح الحديث. روى له الجماعة (4) . وأبو كامل الجحدري، وعبد الواحد بن زياد البصري، وأبو زرعة هو ابن عمرو بن جرير البجلي.
قوله: " بأبي أنت وأمي " أنت مُفَدى بأبي وأمي، وقد ذكر هذا غير مرة. قوله: " أرأيت " بمعنى: أخبرني سكوتك.
__________
(1) في سنن أبي داود:"عن عمارة المعني ".
(2) البخاري: كتاب الأذان، باب: ما يقول بعد التكبير (744) ، مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: ما يقول بعد الإحرام والقراءة (147 / 598) ، النسائي: كتاب الطهارة، باب: الوضوء بالثلج (1 / 50) ، وكتاب المياه
، باب: الوضوء بماء الثلج والبرد (1 / 176) ، وكتاب الافتتاح، باب: سكوت الإمام بعد افتتاحه التكبير (2 / 128) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: افتتاح الصلاة (805) .
(3) في الأصل: " نعيم " خطأ.
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (21 / 4196) .(3/396)
قوله: " وبين خطاياي " الخطايا جمع خطية، كالعطايا جمع عطية.
قوله: " اللهم أنقني " وفي رواية: " نقني " من التنقية.
قوله: " كالثوب الأبيض " وجه التشبيه أن الثوب الأبيض إذا نظف من
الدنس والوسخ لم يبق فيه أثر ما من آثار الدنس، ويبقى مثل ما كان
أولاً فكذلك البدن إذا نقي من الذنوب، بأن غفرت له ذنوبه، وتطهر
من آثارها عاد إلى حالته الأولى، وهي أنه كان مثل الثوب الأبيض في
عدم تلبسه بالآَثام والأوزار، وإنما شبه ذلك بالثوب الأبيض دون غيره من
الألوان، لأن ظهور النقاوة في الأبيض أشد وكمل، لصفاء أبياض،
بخلاف غيره من الألوان.
قوله: " اللهم اغسلني بالثلج " ذكر أنواع المطهرات المنزلة من السماء
التي لا يمكن حصول الطهارة الكاملة، والنظافة في شيء إلا بأحدها،
تبيانا لأنواع المغفرة التي لا يخلص من الذنوب إلا بها، والمعنى: طهرني
من الخطايا بأنواع مغفرتك التي هي في تمحيص الذنوب بمثابة هذه الأصول
الثلاثة في (1) إزالة الأرجاس، ورفع الجنابة والأحداث، ويحتمل ابنه
سأل الله أن يغسل خطاياه بهذه الأصول التي يستعملها المتطهرون لرفع الأحداث، والمعنى: كما جعلتها سبباً لحصول الطهارة، فاجعلها سبباً
لحصول المغفرة، وبيان ذلك في حديث أبي هريرة، عن النبي- عليه السلام-: " إذا توضأ العبد المسلم، أو المؤمن فغسل وجهه / خرج من [1/260-أ] وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء، أو مع آخر قطر الماء "
الحديث (2) . وقال بعضهم: معنى قوله:" بالثلج، والماء، والبرد "
أنها أمثال، ولم يرد أعيان هذه المسميات، وإنما أراد التقيد في التطهير،
ويقال: هذه استعارة للمبالغة في الطهارة من الذنوب، والحديث محمول
على صلاة الليل كما ذكرناه، وأخرجه البخاري، ومسلم، والنسائي،
وابن ماجه.
__________
(1) مكررة في الأصل.
(2) مسلم: كتاب الطهارة، باب: خروج الخطايا مع ماء الوضوء (244 / 32) .
-(3/397)
وعند البزار بسند جيد من حديث خبيب بن سليمان بن سمرة، عن أبيه، عن جده، أن رسول الله- عليه السلام- قال: فإذا صلى أحدكم فليقل: اللهم باعد بيني وبن خطيئتي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم إني أعوذ بك أن تصد عني بوجهك يوم القيامة، اللهم نقني من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم أحيني مس" وأمتني مس" ".
وخبيب وثقه ابن حبان، وكذلك أبوه، وابن القطان رد حديثه بجهل حالهما.
***
118- باب: من لم ير الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم
أي: هذا باب في بيان أقوال من لم ير الجهر بالتسمية في الصلاة، وفي بعض النسخ:" باب فيما جاء فيمن لم ير الجهر".
760- ص- نا مسلم بن إبراهيم، نا هشام، عن قتادة، عن أنس: " أن النبي- عليه السلام- وأبا بكر، وعمرَ، وعثمانَ كانوا يفتتحونَ القراءةَ ب (الحمدُ للهِ رَب العَالَميِنَ) (1) ".
ش- مسلم بن إبراهيم القصاب، وهشام الدَستوائي. والحديث أخرجه: البخاري، ومسلم، عن شعبة، عن قتادة، عن أنس قال: " صليت خلف رسول الله، وخلف أبي بكر، وعمرَ، وعثمانَ، فلم أسمع أحداً منهم يقرأ: (بسم الله الرحمن الرحيم) "، وفي لفظ لمسلم: " فكانوا يستفتحون القراءة ب (الحمد لله رب العالمين) لا يذكرون (بسم الله الرحمن الرحيم) في أول قراءة ولا في آخرها".
__________
(1) تفرد به أبو داود.(3/398)
ورواه النسائي في " سننه "، وأحمد في " مسنده " (1) ، وابن حبان في" صحيحه " في النوع الرابع من القسم الخامس، والدارقطني في " سننه " (2) ، وقالوا فيه: " فكانوا لا يجهرون ب (بسم الله الرحمن الرحيم) "، وزاد ابن حبان:" ويجهرون ب (الحمد لله رب العالمين) " وفي لفظ للنسائي، وابن حبان أيضاً أفلم أسمع أحداً منهم يجهر به ب (بسم الله الرحمن الرحيم) ، وفي لفظ لأبي يعلى الموصلي في " مسنده": "فكانوا يفتتحون القراءة فيما يجهر به ب (الحمدُ للهِ رَبَّ العَالَمينَ) "، وفي لفظ للطبراني في "معجمه "، وأبي نعيم في "الحلية "، وابن خزيمة في " مختصر المختصر " (3) :" فكانوا يسرون ب (بسم الله الرحمن الرحيم) "، ورجال هذه الروايات كلهم ثقات، مخرج لهم في" الصحيح "، وفي" المصنف": نا ابن علية، عن الحريري، عن قيس بن عبادة، قال: حدَثني ابن عبد الله بن مغفل، عن أبيه قال:" ولم أر رجلاً من أصحاب النبي- عليه السلام- كان أشد علي حدث في الإسلام منه، قال: سمعني وأنا أقرأ: (بسم الله الرحمن الرحيم) ، قال: يا بني، إياك والحدث، فإني قد صليت خلف رسول الله، وأبي بكر، وعمرَ، وعثمانَ، فلم أسمع أحداً منهم يقول ذلك، إذا قرأت فقل: (الحمدُ لله ربَّ العَالمينَ) ". ورواه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه (4) .
ثم اعلم أن الكلام في التسمية على وجوه، الأول (5) : في كونها من
__________
(1) (3 / 264) .
(2) (1 / 315) .
(3) (1 / 249) كتاب الصلاة.
(4) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في ترك الجهر ب (بسم الله الرحمن الرحيم) (244) ، النسائي: كتاب الافتتاح، باب: ترك الجهر ب (بسم الله الرحمن الرحيم) (2 / 135) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: افتتاح القراءة (815) ، وكذلك أحمد (4 / 85) .
(5) انظر: نصب الراية (1 / 327- 1 36) .(3/399)
القرآن أم لا؟ ، الثاني: في أنها من الفاتحة أم لا؟ ، والثالث: أنها من أول كل سورة أم لا؟ ، والرابع: تجهر بها أم لا؟ .
أما الأول: فالصحيح من مذهب أصحابنا أنها من القرآن، لأن الأمة أجمعت على أن ما كان مكتوبا بين الدفتين نقله الوحي، فهو من القرآن والتسمية كذلك، وكذلك روى الأعلى، عن محمد، فقال:" قلت لمحمد: التسمية آية من القرآن أم لا؟ فقال: ما بين الدفتين كله قرآن "، وكذا روى الجصاص، عن محمد أنه قال:" التسمية آية من القرآن، أنزلت للفصل بين السور، وللبداية بها تبركاً وليست باقية في كل واحَدة منها ".
ويبتني على هذا أن فرض القرآن في الصلاة يتأدى بها عند أبي حنيفة،
إذا قرأها على قصد القراءة، دون الثناء عند بعض مشايخنا، لأنها آية من القرآن. وقال بعضهم: لا يتأدى، لأن في كونها آية تامة احتمال، فإنه رُوي عن الأوزاعي، أنه قال: "ما أنزل الله في القرآن (بسم الله الرحمن الرحيم) إلا في سورة النمل وحدها، ليست بآية تامة، وإنما الآية في قوله: (وإنهُ مِن سلَيْمَانَ وَإنهُ بِسْم اللهِ الرحمَنِ الرحيم) (1) " فوقع الشك في كونها / آية تامة، فلا يجور بالشك، وكذا يحرم على الجنب، والحائض، والنفساء قراءتها على قصد القرآن، أما على قياس رواية الكرخي فظاهر، لأن ما دون الآية يحرم عليهم، وكذا على رواية الطحاوي لاحتمال أنها آية تامة، فيحرم عليهم قراءتها احتياطي، وهذا القول قول المحققين من أصحاب أبي حنيفة، وهو قول ابن المبارك، وداود، وأتباعه، وهو المنصوص عن أحمد بن حنبل، وقالت طائفة: إنها ليست من القرآن إلا في سورة النمل، وهو قول مالك، وبعض الحنفية، وبعض الحنابلة، وقالت طائفة: إنها آية من كل سورة، أو بعض آية كما هو المشهور عن الشافعي، ومن وافقه، وقد نقل عن
__________
(1) سورة النمل: (30) .(3/400)
الشافعي أنها ليست من الفاتحة عند أبي حنيفة وأصحابه، ولا من رأس كل سورة. وقال الشافعي: إنها من الفاتحة قولا واحدة، وله في كونها من رأس كل سورة قولان، وعن أحمد روايتان، إحداهما: إنها من الفاتحة دون غيرها، تجب قراءتها حيث تجب قراءة الفاتحة، والثانية وهي الأصح: إنه لا فرق بين الفاتحة وغيرها في ذلك، وإن قراءتها في أول الفاتحة كقراءتها في أول السور.
والرابع: أنه يجهر بها عند الشافعي حيث يجهر بالفاتحة. وقال أبو حنيفة: لا يجهر بها، وهو قول جمهور أهل الحديث، وفقهاء الأمصار، وجماعة من أصحاب الشافعي، وقيل: يخير بينهما، وهو قول إسحاق بن راهويه، وابن حزم، ثم الحديث الذي رواه أبو داود وغيره يدل على أن البسملة ليست من الفاتحة، وهو حجة على من يجعلها من الفاتحة، وهذا الحديث أيضاً من أقوى الحجج لمنع الجهر بالبسملة، والحديث أخرجه جماعة من أصحاب الصحاح، والحسان.
ومنها: ما رواه النسائي في " سننه "، وأحمد في " مسنده "، وابن حبان في " صحيحه "، والدارقطني في " سننه "، وقالوا فيه: " فكانوا لا يجهرون ب (بسم الله الرحمن الرحيم) " كما ذكرناه. وفي لفظ للطبراني في " معجمه "، وأبي نعيم في " الحلية "، وابن خزيمة في "مختصر المختصر "، والطحاوي في " شرح الآثار ": " فكانوا يسرون ب (بسم الله الرحمن الرحيم) ".
ولحديث أنس طرق أخرى دون ذلك في الصحة، ومنها ما لا يحتج به، وكل ألفاظه ترجع إلى معنى واحد يصدق بعضها بعضاً، وهي سبعة ألفاظ، فالأول: " كانوا لا يستفتحون القراءة ب (بسم الله الرحمن الرحيم) ".
والثاني: " فلم أسمع أحداً يقول، أو يقرأ: (بسم الله الرحمن
الرحيم) ".
26. شرح سنن أبي داوود 3(3/401)
والثالث: " فلم يكونوا يقرءون (بسم الله الرحمن الرحيم) ".
والرابع: " فلم أسمع أحداً منهم يجهر ب (بسم الله الرحمن الرحيم) ". والخامس: " فكانوا لا يجهرون ب (بسم الله الرحمن الرحيم) ".
والسادس: " فكانوا يسرون ب (بسم الله الرحمن الرحيم) ".
والسابع: " فكانوا يستفتحون القراءة ب (الحمد للْه رب العالمين) ".
وهذا اللفظ هو الذي صححه الخطيب، وضعف ما سواه، لرواية الحفاظ له عن قتادة، ولمتابعة غير قتادة له عن أنس فيه، وجعل اللفظ المحكم عن أنس، وجعل غيره متشابها، وحمله على الافتتاح بالسورة، لا بالآية، وهو غير مخالف للألفاظ الباقية بوجه، فكيف يجعل مناقضا لها؟ ! فإن حقيقة هذا اللفظ الافتتاح بالآية من غير ذكر التسمية جهراً، أو سرا، فكيف يجوز العدول عنه بغير موجب؟ ويؤكده قوله في رواية مسلم: " لا يذكرون (بسم اللْه الرحمن الرحيم) في أول قراءة ولا في آخرها "، لكنه محمول على نفي الجهر، لأن أنسأ إنما ينفي ما يمكنه العلم بانتفائه، فانه إذا لم يسمع مع القرب علم أنهم لم يجهروا، وأما كون الإمام لم يقرأها فهذا لا يمكن إدراكه إلا إذا لم يكن بين التكبير والقراءة سكوت يمكن فيها القراءة سرا، ولهذا استدل بحديث أنس هذا على عدم قراءتها من لم يرَ هاهنا سكوتا كمالك وغيره، لكن ثبت في " الصحيحين "، عن أبي هريرة، أنه قال: " يا رسول الله، أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول؟ قال: أقول ... " كذا وكذا إلى [1/261-أ] آخره، على ما ذكرنا، وإذا كان له سكوت لم يمكن / لأنس أن ينفي قراءتها في ذلك السكوت، فيكون نفيه للذكر، والاستفتاح، والسماع، مرادا به الجهر بذلك، يدل علي قوله: " فكانوا لا يجهرون "، وقوله: " فلم أسمع أحداً منهم يجهر "، ولا تعرض فيه للقراءة سرا ولا على نفيها، إذ لا علم لأنس بها حتى يثبتها، أو ينفيها، ولذلك قال لمن سأله: " إنك لتسألني عن شيء ما أحفظه "، فإن العلم بالقراءة السرية إنما(3/402)
يحصل بإخبار، أو سماع عن قرب، وليس في الحديث شيء منهما، ورواية من روى: " فكانوا يسرون " كأنها مروية بالمعنى من لفظ: " لا يجهرون "، وأيضا فحمل الافتتاح ب (الحمدُ لله رَب العَالَمينَ) على السورة لا الآية مما تستبعده القريحة، وتمجه الأفهامَ الصحيحةَ، لأن هذا من العلم الظاهر الذي يعرفه العام والخاص، كما يعلمون أن الفجر ركعتان، وأن الظهر أربع، وأن الركوع قبل السجود، والتشهد بعد الجلوس إلى غير ذلك، فليس في نقل مثل هذا فائدة، فكيف يجوز أن نظن أن أنسأ قصد تعريفهم بهذا، وأنهم سألوه عنه؟ وإنما مثل هذا مثل من يقول: فكانوا يركعون قبل السجود، أو فكانوا يجهرون في العشاءين والفجر، ويخافتون في صلاة الظهر والعصر، وأيضا فلو أريد الافتتاح بالسورة لقيل: كانوا يفتتحون القراءة بأم القرآن، أو بفاتحة الكتاب، أو سورة الحمد، هذا هو المعروف في تسميتها عندهم، وأما تسميتها (الحمدُ لله رَب العَالمينَ) فلم ينقل عن النبي- عليه السلام- ولا عن الصحابة وَالتابعين، ولا عن أحد يحتج بقوله، وأما تسميتها بالحمد فقط فعُرْف متأخر، يقولون: فلان قرأ الحمد، وأين هذا من قوله: " فكانوا يفتتحون القراءة ب (الحمدُ للهِ رَب العَالمينَ) ؟ فإن هذا لا يجوز أن يراد به السورة إلا بدليل صحيح.
فإن قيل: فقد روى الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس الاستفتاح بأم القرآن، وهذا يدل على إرادة السورة. قلنا: هذا مروي بالمعنى، والصحيح عن الأوزاعي ما رواه مسلم عن الوليد بن مسلم،- عنه، عن قتادة، عن أنس، قال (1) : " صليتُ خلف أبي بكر، وعمرَ، وعثمانَ، فكانوا يستفتحون ب (الحمدُ لله رب العَالمينَ) ، لا يذكرون (بسم الله الرحمنِ الرحيم) في أول قرَاءة، ولا في آخرها ".
__________
(1) مكررة في الأصل.(3/403)
ثم أخرجه مسلم، عن الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي، أخبرني إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، أنه سمع أنس بن مالك يذكر ذلك، هكذا رواه مسلم في " صحيحه " عاطفا له على حديث قتادة، وهذا اللفظ المخرج في " الصحيح " هو الثابت عن الأوزاعي، واللفظ الآخر إن كان محفوظا فهو مَروي بالمعنى، فيجب حمله على (1) الافتتاح بأم القرآن.
ورواه الطبراني في" معجمه " بهذا الإسناد: " أن النبي- عليه السلام- وأبا بكر، وعمر، وعثمان، كانوا لا يجهرون ب (بسم اللهِ الرحمنِ الرحيم) ".
ومن الأحاديث التي فيها منع الجهر حديث قيس بن عباية الذي ذكرناه عن قريب. قال الترمذي فيه: حديث حسن، والعمل علي عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي- عليه السلام- منهم أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وغيرهم، ومَن بعدهم من التابعين، وبه يقول سفيان الثوري، وابن المبارك، وأحمد، وإسحاق: لا يرون الجهر ب (بسم الله الرحمنِ الرحيم) في الصلاة، ويقولها في نفسه.
وقال النووي في " الخلاصة ": وقد ضعف الحفاظ هذا الحديث، وأنكروا على الترمذي تحسينه، كابن خزيمة، وابن عبد البر، والخطيب، وقالوا: إن مداره على ابن عبد الله بن مغفل، وهو مجهول.
قلت: رواه أحمد في " مسنده " من حديث أبي نعامة، والطبراني في
" معجمه " من طريقين: طريق من عبد الله بن شريدة، وطريق من أبي سفيان، فالطرق الثلاثة عن ابن عبد الله بن مغفل، وكذلك رواه أبو بكر بن أبي شيبة كما ذكرناه، وقد رواه من طريق ابن عبد الله. وقال الخطيب: عبد الله بن بريشة أشهر من أن يثنى عليه، وأبو سفيان السعدي
__________
(1) مكررة في الأصل.(3/404)
وإن تكلم فيه، ولكنه يعتبر به ما تابعه علي غيره من الثقات، وهو الذي
يسمى ابن عبد الله بن مغفل.
قلت: فقد ارتفعت الجهالة عن ابن عبد الله بن مغفل برواية هؤلاء
الثلاثة الأجلاء عنه، وبالجملة فهذا حديث صريح في عدم الجهر بالبسملة، وهو وإن لم يكن / من أقسام الصحيح فلا ينزل عن درجة [1/261-ب] الحسن، وقد حسَنه الترمذي، والحديث الحسن يحتج به لا سيما إذا
تعددت شواهده، وكثرت متابعاته، والذين تكلموا فيه، وتركوا الاحتجاج به لجهالة ابن عبد الله بن مغفل، واحتجوا في هذه المسألة بما
هو أضعف منه، بل احتج الخطيب بما يعلم هو أنه موضوع، ولم يُحْسِن
البيهقي في تضعيف هذا الحديث إذ قال بعد أن رواه في كتاب " المعرفة "
من حديث أبي نعامة: تفرد به أبو نعامة قيس بن عبادة، وأبو نعامة،
وابن عبد الله بن مغفل، لم يحتج بهما صاحبا الصحيح.
قلت: قوله: " تفرد به أبو نعامة " ليس بصحيح، فقد تابعه عبد الله
ابن بريدة، وأبو سفيان السعدي.
وقوله:، وأبو نعامة، وابن عبد الله بن مغفل لم يحتج بهما صاحبا
الصحيح " ليس بلازم في صحة الإسناد، ولئن سلمنا فقد قلنا: إنه
حسن، والحسن يحتج به، وهذا الحديث مما يدل على أن ترك الجهر
عندهم كان ميراثا عن نبيهم- عليه السلام- يتوارثونه خلفُهم عن
سلفهم، وهذا وجه كان في المسألة، لأن الصواب الجهرية دائمة صباحا
ومَساء، فلو كان- عليه السلام- يجهر بها دائما " وقع فيه اختلاف ولا
اشتباه، ولكان معلوما بالاضطرار، و" قال أنس: " لم يجهر بها- عليه
السلام- ولا خلفاؤه الراشدون "، ولا قال عبد الله بن مغفل ذلك أيضا،ً
وسماه حَدَثاً، و" استمر عمل أهل المدينة في محراب النبي- عليه
السلام- ومقامه على ترك الجهر، فتوارثه آخرُهم عن أولهم، وذلك جار
عندهم مجرى الصاع والمد، بل أبلغ من ذلك، لاشتراك جميع المسلمين
في الصلاة، ولأن الصلاة تتكرر كل يوم وليلة، وكم من إنسان لا يحتاج(3/405)
إلى صاع ولا مد، ومن يحتاجه يمكث مدة لا يحتاج إليه، ولا يظن عاقل أن أكابر الصحابة والتابعين، وأكثر أهل العلم كانوا يواظبون على خلاف ما كان رسول الله- عليه السلام- يفعله.
ومنها: ما أخرجه مسلم في " صحيحه " (1) ، عن بديل بن ميسرة،
عن أبي الجوزاء، عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: " كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم - يستفتح الصلاة بالتكبير والقراءة ب " الحمدُ لله رَبّ العَالمينَ " انتهى. َ
وهذا ظاهر في عدم الجهر بالبسملة، وتأويله على إرادة اسم السورة يتوقف على أن السورة كانت تسمى عندهم بهذه الجملة، فلا يعدل عن حقيقة اللفظ وظاهره إلى مجازه إلا بدليل.
فإن قيل: هذا الحديث معلول بأمرين. الأول: أن أبا الجوزاء لا يعرف
له سماع من عائشة.
والثاني: أنه يروى عن عائشة: " أنه- عليه السلام- كان يجهر ". قلنا: يكفينا ابنه حديث أودعه مسلم في " صحيحه "، وأبو الجوزاء اسمه: أوس بن عبد الله الربعي، ثقة كبير، لا ينكر سماعه من عائشة، وقد احتج به الجماعة.
وبديل بن ميسرة تابعي، مُجمع على عدالته وثقته، وقد حدث بهذا الحديث عنه الأئمة الكبار، وتلقاه العلماء بالقبول ولم يتكلم فيه أحد منهم، وما رُوي عن عائشة من الجهر فكذب بلا شك، فيه الحكم بن عبد الله بن سعد، وهو كذاب دجال، لا يحل الاحتجاج به، ومن العجب القدح في الحديث الصحيح والاحتجاج بالباطل.
ومنها: ما رواه الإمام أبو بكر الرازي في " أحكام القرآن ": أخبرنا
أبو الحسن الكرخي، ثنا الحضرمي، أنا محمد بن العلاء، ثني معاوية بن هشام، عن محمد بن جابر، عن حماد، عن إبراهيم، عن عبد الله،
__________
(1) كتاب الصلاة، باب: ما يجمع صفة الصلاة ... (489/240) .(3/406)
قال:، ما جهر رسولُ الله في صلاة مكتوبة ب " بسم اللهِ الرحمنِ
الرحيم "، ولا أبو بكر، ولاَ عمرُ ". انتهى.
قلت: هذا الحديث وإن لم يقم به حجة، ولكنه شاهد لغيره من
الأحاديث، فإن محمد بن جابر تكلم فيه غيرُ واحد من الأئمة، وإبراهيم
لم يلق عبد الله بن مسعود، فهو ضعيف ومنقطع، والحضرمي هو:
محمد بن عبد الله الحافظ المعروف بمطين، وشيخه محمد بن العلاء
أبو كريب الحافظ، روى عنه الأئمة الستة بلا واسطة، وللقائلين بالجهر أحاديث، أجودها حديث نعيم المجمر، قال: " صليت وراء أبي هريرة
فقرأ " بسم الله الرحمن الرحيم " ثم قرأ بأم القرآن، حتى قال: (غير المَغْضُوب عليهم ولا الضَّالين " قال: آمين /، وفي آخره: " ف" سلم [1/262-أ] قال: إنيَ لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم رواه النسائي في " سننه "،
وابن خزيمة وابن حبان في " صحيحيهما "، والحاكم في " مستدركه "،
وقال: إنه على شرط الشيخين ولم يخرجاه، والدارقطني في " سننه "،
وقال: حديث صحيح، ورواته كلهم ثقات، والبيهقي في (سننه "،
وقال: إسناد صحيح، وله شواهد (1) .
وقال في " الخلافيات ": رواته كلهم ثقات، مجمع على عدالتهم،
محتج بهم في الصحيح، والجواب عنه من وجوه، الأول: أنه معلول،
فإن ذكر البسملة فيه مما تفرد به نعيم المجمع من بين أصحاب أبي هريرة،
وهم ثمانمائة ما بين صاحب، وتابع، ولا يثبت عن ثقة من أصحاب
أبي هريرة أنه حدث عن أبي هريرة، أنه- عليه السلام- كان يجهر
بالبسملة في الصلاة، ألا ترى كيف أعرض صاحبا الصحيح عن ذكر
البسملة في حديث أبي هريرة: " كان يكبر في كل صلاة من المكتوبة
وغيرها " الحديث؟
__________
(1) النسائي: كتاب الافتتاح، باب: قراءة " بسم الله الرحمن الرحيم " (2 / 134) ، وابن خزيمة (1 /251) : كتاب الصلاة، وابن حبان (5 /1797) ،
والحاكم (1 /232) ، والدارقطني (1/305-306) ، والبيهقي (2 /46) .(3/407)
فإن قيل: قد رواها نعيم المجمر وهو ثقة، والزيادة من الثقة مقبولة. قلنا: ليس ذلك مجمعا عليه، بل فيه خلاف مشهور، فمنهم من يقبلها مطلقا، ومنهم من لا يقبلها، والصحيح التفصيل وهو أنها تقبل في موضع دون موضع، فتقبل إذا كان الراوي الذي رواها ثقة، حافظا، ثبتا، والذي لم يذكرها مثله، أو دونه في الثقة، كما قبل الناس زيادة مالك بن أنس قوله: " من المسلمين " في صدقة الفطر، واحتج بها أكثر العلماء، ومن حكم في ذلك حكما عاما فقد غلط، بل كل (1) زيادة لها حكم يخصها، ففي موضع يجزم بصحتها كزيادة مالك، وفي موضع يغلب على الظن صحتها كزيادة سعد بن طارق في حديث: " جُعلت لي الأرض مسجدا، وجعلت تربتها لنا طهورا ". وفي موضع يجزم بخطإ الزيادة كزيادة معمر ومن وافقه قوله:" وإن كان مائعا فلا تقربوه "، وكزيادة عبد الله بن زياد ذكر البسملة في حديث:" قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين "، وإن كان معمر ثقة، وعبد الله بن زياد ضعيفا، فإن الثقة قد يغلط، وفي موضع يغلب على الظن خطؤها كزيادة معمر في حديث ماعز: " الصلاة عليه "، رواه البخاري في " صحيحه "، وسئل هل رواها غير معمر؟ فقال: لا، وقد رواه أصحاب السنن الأربعة عن معمر، وقال فيه:" ولم يصل علي " فقد اختلف على معمر في ذلك، والراوي عن معمر هو: عبد الرزاق، وقد اختلف علي أيضاً، والصواب أنه قال:" ولم يصل عليه ".
وفي موضع يتوقف في الزيادة كما في أحاديث كثيرة، وزيادة نعيم المجمر التسمية في هذا الحديث مما يتوقف فيه، بل يغلب على الظن ضعفه، وعلى تقدير صحتها فلا حجة فيها لمن قال بالجهر، لأنه قال: " فقرأ " أو" فقال: (بسم الله الرحمن الرحيم) ، وذلك أعم من قراءتها سرا أو جهرا، وإنما هو حجة على من لا يرى قراءتها.
فإن قيل: لو كان أبو هريرة أسر بالبسملة، ثم جهر بالفاتحة لم يعبر
__________
(1) في الأصل: وكان " خطأ، وما أثبتناه من نصب الراية (1 / 336) .(3/408)
عن ذلك نعيم بعبارة واحدة متناولة للفاتحة والبسملة تناولا واحدا، ولقال:
" فأسر بالبسملة، ثم جهر بالفاتحة "، والصلاة كانت جهرية بدليل تأمينه،
وتأمين المأمومين. قلنا: ليس الجهر فيه بصريح ولا ظاهر يوجب الحجة،
ومثل هذا لا يقدم على النص الصريح المقتضي للإسرار، ولو أخذ الجهر
من هذا الإطلاق لأخذ منه أنها ليست من أم القرآن، فإنه قال: " فقرأ
(بسم الله الرحمن الرحيم) ثم قرأ أم القرآن"، والعطف يقتضي المغايرة.
الوجه الثاني: أن قوله:" فقرأ " أو" قال " ليس بصريح أنه سمعها
منه إذ يجوز أن يكون أبو هريرة أخبر نعيما بأنه قرأها سرا، ويجوز أن
يكون سمعها منه في مخافتته لقربه منه، كما روي عنه من أنواع الاستفتاح
وألفاظ الذكر في: قيامه، وقعوده، وركوعه، وسجوده، ولم يكن
ذلك منه دليلاً على الجهر.
الوجه الثالث: أن التشبيه لا يقتضي أن يكون مثله من كل وجه، بل
يكفي في غالب الأفعال، وذلك متحقق في التكبير وغيره دون البسملة،
فإن التكبير وغيره / من أفعال الصلاة ثابت صحيح عن أبي هريرة، وكان [1/262-ب] مقصوده الرد على من تركه، وأما التسمية ففي صحتها عنه نظر فينصرف
إلى الصحيح الثابت دون غيره، ومما يلزمهم على القول بالتشبيه من كل
وجه أن يقولوا بالجهر بالتعوذ، لأن الشافعي روى: أخبرنا ابن محمد الأسلمي، عن ربيعة بن عثمان، عن صالح بن أبي صالح، أنه سمع
أبا هريرة:" وهو يؤم الناس، رافعا صوته في المكتوبة، إذا فرخ من
أم القرآن: ربنا إنا نعوذ بك من الشيطان الرجيم".
فهلا أخذوا بهذا كما أخذوا بجهر البسملة مستدلين بما في "الصحيحين"
عنه " فما أسمعنا- عليه السلام- أسمعناكم وما أخفانا أخفيناكم" (1) ،
وكيف يظن بأبي هريرة أنه يريد التشبيه في الجهر بالبسملة وهو الراوي عن
النبي- عليه السلام- قال: يقول الله تعالى:" قسمت الصلاة بيني وبين
__________
(1) يأتي برقم (774) ، وعندهم: " وما أخفى علينا أخفينا عليكم ".(3/409)
عبدي نصفين، فنصفها لي ونصفها لعبدي، ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: (الحمد لله رب العالمين) قال الله: حمدني عبدي، وإذا قال: (الرحمن الرحيم) قال الله: أثنى عليّ عبدي، وإذا قال: ومالك يوم الدين " قال الله: مجدني عبدي، وإذا قال: (إياكَ نعبدُ وإياكَ نَستعينُ) قال الله: هذا بيني وبن عبدي، ولعبدي ما سأل، فإذا قال: (اهْدنَا الصراطَ المستقيمَ أو صِراطَ الذينَ أنعمت عليهم غير المغضوبِ عليهم ولا الضالينَ) قال الله: هذا لعبدي، ولعبدي ما سألَ " أخرجه مسلم في " صحيحه "، عن سفيان بن عيينة، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة، فذكره (1) .
وعن مالك بن أنس، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبي السائب (2) ، عن أبي هريرة (3) ، وعن ابن جريج، عن العلاء بن عبد الرحمن [به] (4) ، وهذا الحديث ظاهر في أن البسملة ليست من الفاتحة وإلا لابتدأ بها، لأن هذا محل بيان واستقصاء لآيات السورة، حتى إنه لم يخل منها بحرف، والحاجة إلى قراءة البسملة أمَس ليرتفع الإشكال. قال ابن عبد البر: حديث العلاء هذا قاطعُ تعلق المتنازعين، وهو نص لا يحتمل التأويل، ولا أعلم حديثا في سقوط البسملة أبين منه، واعترض بعض المتأخرين على هذا الحديث بأمرين، أحدهما: لا يعتبر بكون هذا الحديث في مسلم، فإن العلاء بن عبد الرحمن تكلم فيه ابن معين، فقال: ليس حديثه بحجة، مضطرب الحديث ليس بذاك، هو ضعيف، رُوي عنه هذه الألفاظ جميعها. وقال ابن عدي: ليس بالقوي، وقد انفرد بهذا الحديث فلا يحتج به.
__________
(1) مسلم: كتاب الصلاة، باب: وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة ... (395 / 38) .
(2) في الأصل: " عن أبيه"، وما أثبتناه من صحيح مسلم.
(3) مسلم (395 / 39) .
(4) زيادة من نصب الراية (1 / 339) ، وانظره في صحيح مسلم (395 / 0 4) .(3/410)
الثاني: قال: وعلى تقدير صحته فقد جاء في بعض الروايات عنه ذكر
التسمية، كما أخرجه الدارقطني، عن عبد الله بن زياد بن سمعان، عن
العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة، سمعت رسول الله
- عليه السلام- يقول: " قسمتُ الصلاةَ بيني وبين عبدي نصفين،
فنصفها له، يقول عبدي إذا افتتح الصلاة: (بسم الله الرحمن الرحيم)
فيذكرني عبدي، ثم يقول: (الحمد لله رب العالمين) فأقول: حمدني عبدي ... " إلى آخره (1) ، وهذه الرواية وإن كان فيها ضعف، ولكنها
مفسرة لحديث مسلم أنه أراد السورة لا الآية.
قلت: هذا القائل حمله الجهل، وفرط التعصب، ورداءة الرأي
والفكر، على أنه ترك الحديث الصحيح، وضعفه لكونه غير موافق لمذهبه
وقال: لا يعتبر بكونه في مسلم، مع أنه قد رواه عن العلاء الأئمةُ الثقات
الأثبات: كمالك، وسفيان بن عيينة، وابن جريج، وشعيب،
وعبد العزيز الدراوردي، وإسماعيل بن جعفر، ومحمد بن إسحاق،
والوليد بن كثير، وغيرهم، والعلاء نفسه ثقة صدوق، وهذه الرواية مما
انفرد بها عنه ابن سمعان وهو كذاب، ولم يخرجها أحد من أصحاب
الكتب الستة، ولا في المصنفات المشهورة، ولا المسانيد المعروفة، وإنما
رواه الدارقطني في " سننه " التي يروي فيها غرائب الحديث. وقال عمر
ابن عبد الواحد: سألت مالكا عنه، أي: عن ابن سمعان، فقال:
كان كذابا. وقال يحيى بن بكير: قال هشام بن عروة / فيه: لقد كذب [1/263-أ] علي، وحدث عني بأحاديث لم أحدثه بها، وعن أحمد بن حنبل:
متروك الحديث، وسئل ابن معين عنه؟ فقال: كان كذابا، وقيل لابن
إسحاق: إن ابن سمعان يقول: سمعت مجاهدا، فقال: لا إله إلا الله،
أنا والله أكبر منه، ما رأيت مجاهداً ولا سمعت منه. وقال ابن حبان:
كان يروي عمن لم يره، ويحدث بما لم يسمع. وقال أبو داود: متروك
الحديث، كان من الكذابين. وقال النسائي: متروك.
__________
(1) سنن الدارقطني (1 / 312) .(3/411)
وكيف يعل الحديث الصحيح الذي رواه مسلم في " صحيحه " بالحديث الضعيف الذي رواه الدارقطني عن كذاب متروك لا شيء؟ ! وهلا جعلوا الحديث الصحيح علة للضعيف ومخالفة أصحاب أبي هريرة الثقات الأثبات لنعيم موجبا لرده؟ إذ مقتضى العلم أن يعلل الحديث الضعيف بالحديث الصحيح، كما فعلنا نحن.
ومنها: ما أخرجه الخطيب، عن أبي أويس، واسمه: عبد الله بن أويس، قال: أخبرني العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة
" أن النبي- عليه السلام- كان إذا أم الناس جهر ب (بسم الله الرحمن الرحيم) ".
ورواه الدارقطني في " سننه " (1) ، وابن عدي في " الكامل " (2) فقالا فيه: " قرأ " عوض " جهر "، وكأنه رواه بالمعنى، والجواب: أن هذا غير محتج به، لأن أبا أويس لا يحتج بما انفرد به، وكيف إذا انفرد بشيء وخالفه فيه من هو أوثق منه؟ ! مع أنه متكلم فيه، فوثقه جماعة، وضعفهْ آخرون، وممن ضعفه: أحمد بن حنبل، وابن معين، وأبو حاتم الرازي، وممن وثقه: الدارقطني، وأبو زرعة. وقال ابن عدي: يكتب حديثه.
فإن قيل: أبو أويس قد أخرج له مسلم في " صحيحه ". قلت: صاحبا الصحيح إذا أخرجا لمن تكلم فيه إنما يخرجان بعد انتقائهما من حديثه ما توبع علي، وظهرت شواهده، وعلم أن له أصلا، ولا يخرجان ما تفرد به سيما إذا خالفه الثقات، وهذه العلة راجت على كثير ممن استدرك على " الصحيحين"، فتساهلوا في استدراكهم، وفي أكثرهم تساهلا الحاكم أبو عبد الله في كتابه " المستدرك " فإنه يقول: هذا على شرط الشيخين، أو أحدهما، وفيه هذه العلة، إذ لا يلزم من كون
__________
(1) (1/306)
(2) (5 / 301) ترجمة عبد الله بن عبد الله بن أبي عامر أبي أويس.(3/412)
الراوي محتجا به في الصحيح أنه إذا وجد في أي حديث كان يكون ذلك
الحديث على شرطه، ولهذا قال ابن دحية في كتابه " العلم المشهور ":
ويجب على أهل الحديث أن يتحفظوا من قول الحاكم أبي عبد الله، فإنه
كثير الغلط، ظاهر السقط، وقد غفل عن ذلك كثير ممن جاء بعده،
وقلده في ذلك، والمقصود أن حديث أبي أويس هذا لم يترك لكلام الناس
فيه، بل لتفرده به، ومخالفة الثقات له، وعدم إخراج أصحاب المسانيد،
والكتب المشهورة، والسنن المعروفة، ولرواية مسلم الحديث في " صحيحه "
من طريقه، وليس فيه ذكر البسملة.
فإن قيل: قد جاء من طريق آخر، أخرجه الدارقطني (1) ، عن خالد
ابن إلياس، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة، قال: قال
رسول الله: " علمني جبريل الصلاة، فقام فكبر لنا، ثم قرأ: (بسم الله
الرحمن الرحيم) فيما يجهر به في كل ركعة ".
قلت: هذا إسناد ساقط، فإن خالد بن إلياس مجمع على ضعفه.
قال البخاري، عن أحمد: إنه منكر الحديث. وقال ابن معين: ليس
بشيء، ولا يكتب حديثه. وقال ابن أبي حاتم، عن أبيه: منكر الحديث
وقال النسائي: متروك الحديث. وقال البخاري: ليس بشيء. وقال ابن
حبان: يروي الموضوعات عن الثقات. وقال الحاكم: روى عن المقبري،
ومحمد بن المنكدر، وهشام بن عروة أحاديث موضوعة.
فإن قيل: قد جاء آخر رواه الدارقطني (2) أيضاً، عن جعفر بن مكرم،
نا أبو بكر الحنفي، نا عبد الحميد بن جعفر، أخبرني نوح بن أبي بلال،
عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله- عليه السلام-: " إذا قرأتم الحمد، فاقرءوا (بسم الله الرحمن الرحيم) إنها
أم القرآن، وأم الكتاب، والسبع المثاني، و (بسم الله الرحمن الرحيم)
أحد آياتها ". قلت: قال أبو بكر الحنفي: ثم لقيت نوحا / فحدثني [1/263-ب] " عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة مثله، ولم يرفعه.
__________
(1) (1 / 307) .
(2) (1 / 312) .(3/413)
فإن قيل: قال عبد الحق في " أحكامه الكبرى ": رفع هذا الحديث
عبد الحميد بن جعفر، وهو ثقة، وثقه ابن معين. قلت: كان سفيان الثوري يضعفه، ويحمل عليه، ولئن سلمنا رفعه فليس فيه دلالة على الجهر، ولئن سلم، فالصواب فيه الوقف كما قال الدارقطني: اختلف فيه على نوح بن أبي بلال، فرواه عبد الحميد عنه، واختلف عنه، فرواه المعافى بن عمران، عن عبد الحميد، عن نوح، عن المقبري، عن أبي هريرة مرفوعا، ورواه أسامة بن زيد، وأبو بكر الحنفي، عن نوح، عن المقبري، عن أبي هريرة موقوفا، وهو الصواب.
فإن قيل: هذا موقوف، في حكم المرفوع، إذ لا يقول الصحابي:
إن البسملة إحدى آيات الفاتحة إلا عن توقيف، أو دليل قوي ظهر له، وح (1) يكون له حكم سائر آيات الفاتحة من الجهر، والإسرار. قلت: لعل أبا هريرة سمع النبي- عليه السلام- يقرأها فظنها من الفاتحة، فقال: إنها إحدى آياتها، ونحن لا ننكر أنها من القراَن، ولكن النزاع في موضعين، أحدهما: أنها آية من الفاتحة، والثانية: أن لها حكم سائر آيات الفاتحة جهراً وسرا، ونحن نقول: إنها آية مستقلة قبل السورة، وليست منها، جمعا بين الأدلة، وأبو هريرة لم يخبر عن النبي- عليه السلام- أنه قال: هي إحدى آياتها، وقراءتها قبل الفاتحة لا يدل على ذلك، وإذا جاز أن يكون مستند أبي هريرة قراءة النبي- عليه السلام- لها وقد ظهر أن ذلك ليس بدليل على محل النزاع، فلا يعارض به أدلتنا الصحيحة الثابتة، وأيضا فالمحفوظ الثابت عن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة في هذا الحديث عدم ذكر البسملة كما رواه البخاري في "صحيحه " من حديث ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله: " والحمد لله " هي أم القرآن، وهي السبع المثاني، والقرآن العظيم "، ورواه أبو داود، والترمذي، وقال: حسن صحيح (2) على أن عبد الحميد بن جعفر ممن تكلم فيه، ولكن وثَّقه أكثر
__________
(1) أي: " وحينئذ ".
(2) يأتي برقم (1427) .(3/414)
العلماء، واحتج به مسلم في " صحيحه "، وليس تضعيف مَن ضعفه مما يوجب رد حديثه، ولكن الثقة قد يغلط، والظاهر أنه قد غلط في هذا الحديث، والله أعلم.
ومنها: ما رواه الحاكم في " مستدركه " (1) : عن سعيد بن عثمان الخراز
ثنا عبد الرحمن بن سعد المؤذن، ثنا فطر بن خليفة، عن أبي الطفيل، عن علي، وعمار: " أن النبي- عليه السلام- كان يجهر في المكتوبات ب (بسم الله الرحمن الرحيم) "، وقال: صحيح الإسناد، لا أعلم في راويه منسوبا إلى الجرح، والجواب: قال الذهبي في " مختصره ": هذا خبر واهي، كأنه موضوع، لابن عبد الرحمن صاحب مناكير، ضعفه ابن معين، وسعيد إن كان الكريزي فهو ضعيف، وإلا فهو مجهول.
وعن الحاكم رواه البيهقي في " المعرفة " بسنده ومتنه، وقال: إسناده ضعيف، إلا أنه أمثل من حديث جابر الجعفي. قلت: وفطر بن خليفة قال السعدي: غير ثقة، روى له البخاري مقرونا بغيره والأربعة، وتصحيح الحاكم لا يعتد به سيما في هذا الموضع، فقد عرف تساهله في ذلك. قال ابن عبد الهادي: هذا حديث باطل، ولعله أدخل علي. وروى الدارقطني هذا الحديث في " سننه " (2) ، عن أسيد بن زيد،
عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي الطفيل، عن علي وعمار نحوه، وعمرو بن شمر، وجابر الجعفيان كلاهما لا يجوز الاحتجاج به، لكن عمرا أضعف من جابر. قال الحاكم: عمرو بن شمر كثير الموضوعات عن جابر وغيره. وقال الجُوزجاني: عمرو بن شمر زائغ كذاب. وقال البخاري: منكر الحديث. وقال النسائي، والدارقطني، والأزدي: متروك الحديث. وقال ابن حبان: كان رافضيا يسب الصحابة، وكان يروي الموضوعات عن الثقات، لا يحل كتب حديثه إلا على جهة التعجب. وأما جابر الجعفي فقال فيه الإمام أبو حنيفة: ما رأيت أكذب
__________
(1) (1 / 439) كتاب العيدين.
(2) (1 / 302) .(3/415)
من جابر الجعفي، ما أتيته بشيء من رأي إلا أتاني فيه بأثر، وكذبه أيضاً: أيوب، وزائدة، وليث بن أبي سليم، والجُوزجاني، وغيرهم. ورواه الدارقطني [1/264-أ] (1) أيضاً / عن عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي ابن أبي طالب، حدَثني أبي، عن أبيه، عن جده، عن علي، قال: قال: " كان- عليه السلام- يجهر ب (بسم الله الرحمن الرحيم) في السورتين جميعا الفاتحة ".
والجواب: أن عيسى هذا والد أحمد بن عيسى المتهم بوضع حديث ابن عمر. قال ابن حبان، والحاكم: روى عن آبائه أحاديث موضوعة، لا يحل الاحتجاج به.
ومنها: ما رواه الحاكم في " المستدرك " (2) ، عن عبد الله بن عمرو ابن حسان، َ ثنا شريك، عن سالم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: كان رسول الله يجهر ب (بسم الله الرحمن الرحيم) . قال الحاكم: إسناده صحيح وليس له علة.
والجواب: أن هذا الحديث غير صريح ولا صحيح، أما كونه غير صريح فإنه ليس فيه أنه في الصلاة، وأما غير صحيح فإن عبد الله بن عمرو بن حسان كان يضع الحديث، قاله إمام الصنعة علي بن المديني. وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم: سألت أبي عنه فقال: ليس بشيء، كان يكذب. وقال ابن عدي: أحاديثه مقلوبات. ورواه الدارقطني (3) عن أبي الصلت الهروي، واسمه: عبد السلام بن صالح، ثنا عباد بن العوام، ثنا شريك، عن سالم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال:" كان النبي- عليه السلام- يجهر في الصلاة ب (بسم الله الرحمن
__________
(1) (1 / 302) .
(2) (1 / 208) ، وقال الذهبي في " مختصره ": صحيح وليس له علة! كذا قال المصنفة وابن حسان كذبه غير واحد، ومثل هذا لا يخفى على المصنف.
(3) سنن الدارقطني (1 / 303) .(3/416)
الرحيم) ، وهذا أضعف من الأول، فإن أبا الصلت متروك. قال أبو حاتم: ليس عندي بصدوق. وقال الدارقطني: رافضي خبيث. ومنها: ما رواه البزار في " مسنده " عن المعتمر بن سليمان، ثنا إسماعيل، عن أبي خالد، عن ابن عباس: " أن النبي- عليه السلام- كان يجهر ب (بسم الله الرحمن الرحيم) في الصلاة. قال البزار: وإسماعيل لم يكن بالقوي في الحديث.
قلت: هذا الحديث رواه أبو داود في " سننه " (1) ، والترمذي في " جامعه " بهذا السند (2) ، والدارقطني في
"سننه " (3) ، وكلهم قالوا فيه: " كان يفتتح صلاته ب (بسم الله الرحمن الرحيم) قال الترمذي: ليس إسناده بذاك. وقال أبو داود: حديث ضعيف. ورواه العقيلي في " كتابه " (4) ، وأعله بإسماعيل هذا، وقال: حديثه غير محفوظ، ويرويه عن مجهول، ولا يصح في الجهر بالبسملة حديث مسند. انتهى.
ورواه ابن عدي، وقال: حديث غير محفوظ، وأبو خالد مجهول (5) وله طريق آخر عند الدارقطني (6) ، عن عمر بن حفص المكي، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس: " أن النبي- عليه السلام- لم يزل يجهر في السورتين ب (بسم الله الرحمن الرحيم) حتى قبض " انتهى. وهذا لا يجوز الاحتجاج به، فإن عمر بن حفص " ضعيف. قال ابن الجوزي في " التحقيق": أجمعوا على ترك حديثه.
ومنها: ما رواه الدارقطني (7) : ثنا عمر بن الحسن بن عليّ الشيباني، ثنا جعفر بن محمد بن مروان، لنا أبو طاهر أحمد بن عيسى، ثنا ابن
__________
(1) ذكره الحافظ المزي في التحفة (5 / 6537) ، وعزاه إلى أبي داود، وقال: حديث" د " في رواية أبي الطيب بن الأشناني، ولم يذكره أبو القاسم. اه.
(2) كتاب الصلاة، باب: من رأى الجهر ب (بسم الله الرحمن الرحيم) (245) .
(3) (1 / 304) .
(4) (1/ 80-81) .
(5) الكامل (1 / 505- ترجمة إسماعيل بن حماد بن أبي سليمان) .
(6) (304 / 1)
(7) (1 / 305) .
27. شرح. سنن أبي داوود3(3/417)
أبي فديك، عن ابن أبي ذئب، عن نافع، عن ابن عمر، قال: " صليت خلف النبي- عليه السلام- وأبي بكر، وعمر، فكانوا يجهرون ب (بسم الله الرحمن الرحيم) ".
والجواب: إن هذا باطل من هذا الوجه، لم يحدث به ابن أبي فديك قط، والمتهم به أحمد بن عيسى بن عبد الله بن محمد أبو طاهر الهاشمي، وقد كذبه الدارقطني، فيكون كاذبا في روايته عن مثل هذا الثقة، وعمر ابن الحسن شيخ الدارقطني، تكلم فيه الدارقطني أيضاً، وقال: هو ضعيف، وقال الخطيب: سألت الحسن بن محمد الخلال عنه، فقال: ضعيف، وجعفر بن محمد بن مروان ليس بمشهور بالعدالة، وقد تكلم فيه الدارقطني أيضاً، وقال: لا يحتج به، وله طريق آخر عند الخطيب، عن عَبادة بن زياد الأسدي، ثنا يونس بن أبي يعفور العبدي، عن المعتمر ابن سليمان، عن ابن أبي عبيدة، عن مسلم بن حبان، قال:، صليت خلف ابن عمر، فجهر ب (بسم الله الرحمن الرحيم) في السورتين، فقيل له، فقال: صليت خلف رسول الله حتى قبض، وخلف أبي بكر، حتى قبض، وخلف عمر حتى قبض، فكانوا يجهرون بها في السورتين، فلا أدع الجهر بها حتى أموت" انتهى.
وهذا أيضاً باطل، وعَبادة بن زياد بفتح العين. قال أبو حاتم: كان
[1/264-ب] من رؤساء الشيعة. / وقال الحافظ محمد النيسابوري: هو مجمع على كذبه، وشيخه يونس بن أبي يعفور فيه مقال، ضعفه النسائي، وابن معين. وقال ابن حبان: يروي عن الثقات ما لا يشبه حديث الأثبات، لا يجور الاحتجاج عندي بما انفرد به، ومسلم بن حبان غير معروف. ومنها: ما رواه الدارقطني في " سننه " (1) ، عن يعقوب بن يوسف
ابن زياد الضبي، ثني أحمد بن حماد الهمداني، عن فَطر بن خليفة، عن أبي الضحى، عن النعمان بن بشير، قال: قال رسول الله- عليه
__________
(1) (1 / 309) .(3/418)
السلام-: " أمني جبريل- عليه السلام- عند الكعبة، فجهر ب (بسم الله الرحمن الرحيم) ".
والجواب: إن هذا حديث منكر، بل موضوع. وقال الشيخ جمال الدين الزيلعي: يعقوب بن يوسف الضبي ليس بمشهور، وقد فتشت علي في عدة كتب من الجرح والتعديل فلم أر له ذكرا أصلاً، وأحمد بن حماد ضعفه الدارقطني، وسكوت الدارقطني، والخطيب، وغيرهما من الحفاظ عن مثل هذا الحديث بعد روايتهم له قبيح جدا.
ومنها: ما رواه الدارقطني (1) : ثنا أبو القاسم الحسن (3) بن محمد ابن بشر الكوفي، ثنا أحمد بن موسى بن إسحاق الحمار، ثنا إبراهيم ابن حبيب، ثنا موسى بن أبي حبيب الطائفي، عن الحكم بن عمير، وكان بدريا، قال: " صليت خلف النبي- عليه السلام- فجهر ب (بسم الله الرحمن الرحيم) في صلاة الليل، وصلاة الغداة، وصلاة الجمعه. والجواب: إن هذا من الأحاديث الغريبة المنكرة، بل هو حديث باطل لوجوه، الأول: أن الحكم بن عمير ليس بدريا، ولا في البدريين أحد اسمه الحكم بن عمير، بل لا يعرف له صحبة، فإن موسى بن [أبي] حبيب الراوي عنه لم يلق صحابيا، بل هو مجهول لا يحتج بحديثه. وقال ابن أبي حاتم في كتاب " الجرح والتعديل "، الحكم بن عمير روى عن النبي - عليه السلام- أحاديث منكرة، لا يذكر سماعا ولا لقاء. روى عنه: ابن أخيه موسى بن أبي حبيب، وهو ضعيف الحديث، سمعت أبي يذكر ذلك، وقد ذكر الطبراني في " معجمه الكبير " الحكم بن عمير، وقال في نسبته الثمالي، ثم روى له بضعة عشر حديثا منكرا، وكلها من رواية موسى بن أبي حبيب عنه. وروى له ابن عدي في، الكاملة قريبا من عشرين حديثاً ولم يذكرا فيها هذا الحديث، والراوي عن موسى هو: إبراهيم بن إسحاق الصيني الكوفي. قال الدارقطني: متروك الحديث،
__________
(1) (1 / 310) .
(2) في الأصل: " الحسن " خطأ.(3/419)
ويحتمل أن يكون هذا الحديث صنعته، فإن الذين رووا نسخة موسى عن الحكم، لم يذكروا هذا الحديث فيها، كبقي بن مخلد، وابن عدي، والطبراني، وإنما رواه فيما علمنا الدارقطني، ثم الخطيب، ووهم الدارقطني، فقال: إبراهيم بن حبيب، وإنما هو إبراهيم بن إسحاق، وتبعه الخطيب، وراد وهما ثانيا، فقال الضبي- بالضاد المعجمة والباء الموحدة وإنما هو الصيني- بالصاد المهملة والنون-.
ومنها: ما رواه الدارقطني (1) : ثنا أحمد بن محمد بن سعيد،
ثنا أحمد بن رشد بن خثيم، ثنا عمي سعيد بن خثيم، ثنا حنظلة بن أبي سفيان، عن سالم، عن ابن عمر: " أنه كان يجهر ب (بسم الله الرحمن الرحيم) ، وذكر أن رسول الله كان يجهر بها "
والجواب: إن هذا لا يصح، وسعيد بن خثيم تكلم فيه ابن عدي وغيره، والحمل فيه على ابن أخيه أحمد بن رشد بن خثيم، فإنه متهم، وله أحاديث بواطيل، ذكرها الطبراني وغيره، والراوي عنه هو: ابن عبدة الحافظ، وهو كثير الغرائب والمناكير، روى في الجهر أحاديث كثيرة عن ضعفاء، وكذابين، ومجاهيل، والحمل فيها عليهم لا عليه، وروى له الخطيب في أول " تاريخه " حديثا موضوعا، هو الذي صنعه بسنده إلى العباس، أنه- عليه السلام- قال له:" أنت عمي، وصنو أبي، وابنك هذا أبو الخلفاء من بعدي، منهم السفاح، ومنهم المنصور، ومنهم المهدي"
ومنها: ما رواه الحاكم في" المستدرك " (2) ، عن عمر بن هارون، عن ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، عن أم سلمة أن رسول الله- عليه السلام- قرأ في الصلاة: (بسم الله الرحمن الرحيم) فعدها آية [1/265-أ] / (الحمد لله رب العالمين) آيتين، (الرحمن الرحيم) ثلاث آيات " إلى آخره.
__________
(1) (1/304 -305) .
(2) (1 / 232) ، والدارقطني في وسننه، (1 / 7 0 3) .(3/420)
والجواب: إن هذا ليس بحجة لوجوه، الأول: إنه ليس بصريح في الجهر، ويمكن أنها سمعته سرا في بيتها، لقربها منه.
الثاني: إن مقصودها الإخبار بأنه كان يرتل قراءته، ولا يسردها. الثالث: إن المحفوظ فيه والمشهور أنه ليس في الصلاة، وإنما قوله: "في الصلاة " زيادة من عمر بن هارون، وهو مجروح تكلم فيه غير واحد من الأئمة. قال أحمد بن حنبل: لا أروي عنه شيئاً. وقال ابن معين: ليس بشيء، وكذبه ابن المبارك. وقال النسائي: متروك الحديث. وسئل عنه ابن المديني فضعفه جدا.
ومنها: ما رواه الحاكم في " مستدركه " (1) ، والدارقطني في
" سننه " (2) من حديث محمد بن المتوكل (3) بن أبي السرى، قال: " صليت خلف المعتمر بن سليمان من الصلوات ما لا أحصيها: الصبح، والمغرب، فكان يجهر ب (بسم الله الرحمن الرحيم) قبل فاتحة الكتاب، وبعدها، وقال المعتمر: ما آلو أن أقتدي بصلاة أبي، وقال أبي: ما آلو أن أقتدي بصلاة أنس، وقال أنس: ما لو أن أقتدي بصلاة رسول الله - عليه السلام- ". قال الحاكم: رواته كلهم ثقات.
والجواب: إن هذا معارض بما رواه ابن خزيمة في " مختصره " (4) ، والطبراني في " معجمه "، عن معتمر بن سليمان، عن أبيه، عن أنس: " أن رسول الله كان يسرب (بسم الله الرحمن الرحيم) في الصلاة، وأبو بكر، وعمر "، " وفي الصلاة "، زادها ابن خزيمة.
ومنها: ما رواه الحاكم (5) من طريق آخر عن محمد بن أبي السري:
__________
(1) (1 / 233- 234)
(2) (1 / 8 0 3) .
(3) في الأصل: " محمد بن أبي المتوكل " خطأ، وانظر: تهذيب الكمال (26 / 5578) .
(4) (1 / 250) كتاب الصلاة، من طريق عمران القصير، عن الحسن، عن أنس به.
(5) (1 / 234) .(3/421)
ثنا إسماعيل بن أبي أويس، ثنا مالك، عن حميد، عن أنس، قال: "صليت خلف النبي، وأبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، فكلهم كانوا يجهرون ب (بسم الله الرحمن الرحيم) ".
قال الحاكم: وإنما ذكرته شاهداً. وقال الذهبي في " مختصره ": أمَا استحَى الحاكمُ؟ ! يورد في كتابه مثل هذا الحديث الموضوع! فأنا أشهد بالله والله إنه لكذب. وقال ابن عبد الهادي: سقط منه " لا"
ومنها: ما رواه الخطيب، عن ابن أبي داود، عن ابن أخي ابن وهب، عن عمه، عن العمري، ومالك، وابن عيينة، عن حميد، عن أنس " أن رسول الله كان يجهر ب (بسم الله الرحمن الرحيم) في الفريضة ".
والجواب: ما قاله ابن عبد الهادي: سقط منه " لا " كما رواه الباغندي، وغيره، عن ابن أخي ابن وهب، هذا هو الصحيح، وأما الجهر فلم يحدث به ابن وهب قط، ويوضحه أن مالكا رواه في "الموطأ" (1) : عن حميد، عن أنس، قال: " قمت وراء أبي بكر الصديق، وعمر، وعثمان، فكلهم لا يقرأ (بسم الله الرحمن الرحيم) إذا افتتحوا الصلاة ".
قال ابن عبد البر في " التقصي ": هكذا رواه جماعة موقوفا، ورواه ابن أخي ابن وهب، عن مالك، وابن عيينة، والعمري، عن حميد، عن أنس مرفوعا، فقال: " إن النبي- عليه السلام- وأبا بكر، وعمر، وعثمان لم يكونوا يقرءون "، قال: وهذا خطأ من ابن أخي ابن وهب في رفعه ذلك، عن عمه، عن مالك، فصار هذا الذي رواه الخطيب خطأ على خطإ، والصواب فيه عدم الرفع وعدم الجهر.
__________
(1) كتاب الصلاة، باب: العمل في القراءة (31) ، وأخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب: حجة من قال لا يجهر بالبسملة (399 / 50) من طريق قتادة
عن أنس به.(3/422)
ومنها: ما رواه الحاكم في " المستدرك " (1) : عن عبد الله بن عثمان بن
خثيم، أن أبا بكر بن حفص بن عمر أخبره، أن أنس بن مالك قال:
، صلى معاوية بالمدينة صلاة، فجهر فيها بالقراءة، فبدأب (بسم الله
الرحمن الرحيم) لأم القراَن ولم يقرأ بها للسورة التي بعدها حتى قضى
تلك الصلاة، ولم يكبر حين يهوي حتى قضى تلك الصلاة، ف" سلم
ناداه من سمع ذاك من المهاجرين، والأنصار، ومن كان على مكان:
يا معاوية، أسرقت الصلاة، أم نسيت؟ أين (بسم الله الرحمن
الرحيم) ؟ وأين التكبير إذا خفضت، وإذا رفعت؟ ف" صلى بعد ذلك
قرأ (بسم الله الرحمن الرحيم) للسورة التي بعد أم القرآن، وكبر حين
يهوي ساجد ". قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم.
ورواه الدارقطني (2) ، وقال: رواته / كلهم ثقات، وقد اعتمد [1/265-ب] ، الشافعي على حديث معاوية هذا في إثبات الجهر. وقال الخطيب: هو
أجود ما يعتمد علي في هذا الباب. والجواب عنه من وجوه، الأول: أن
مداره على عبد الله بن عثمان بن خثيم، وهو وإن كان من رجال مسلم،
لكنه متكلم فيه، أسند ابن عدي إلى ابن معين أنه قال: أحاديثه غير قوية.
وقال النسائي: لين الحديث، ليس بالقوي فيه. وقال الدارقطني: لَينوه.
وقال ابن المديني: منكر الحديث. وبالجملة فهو مختلف فيه، فلا يقبل ما
تفرَّد به، مع أنه قد اضطرب في إسناده ومتنه، وهو أيضاً من أسباب الضعف، أما في إسناده فإن ابن خثيم تارة يرويه عن أبي بكر بن حفص،
عن أنس، وتارة يرويه عن إسماعيل بن عبيد بن رفاعة، عن أبيه، وقد
رجح البيهقي الأولى في " المعرفة "، لجلالة رواتها، وهو ابن جريج،
ومال الشافعي إلى ترجيح الثانية.
ورواه ابن خثيم أيضاً عن إسماعيل بن عبيد بن رفاعة، عن أبيه، عن
جده، فزاد ذكر الجد، كذلك رواه عن إسماعيل بن عياش،
__________
(1) (1 / 233) .
(2) (1 / 311) .(3/423)
وهي عند الدارقطني، والأولى عنده، وعند الحاكم، والثانية عند الشافعي.
وأما الاضطراب في متنه فتارة يقول: " صلى فبدأب (بسم الله الرحمن الرحيم) لأم القرآن، ولم يقرأ بها للسورة التي بعدها " كما تقدم عند الحاكم، وتارة يقول: " فلم يقرأ ب (بسم الله الرحمن الرحيم) حين افتتح القرآن، وقرأ بأم الكتاب "، كما هو عند الدارقطني في رواية إسماعيل بن عياش، وتارة يقول: " فلم يقرأ (بسم الله الرحمن الرحيم) لأم القرآن ولا للسورة التي بعدها " كما هو عند الدارقطني في رواية ابن جريج، ومثل هذا الاضطراب في السند، والمتن مما يوجب ضعف الحديث، لأنه مشعر بعدم ضبطه.
الوجه الثاني: إن شرط الحديث الثابت أن لا يكون شاذا، ولا معللاً، وهذا شاذ ومعلل، فإنه مخالف " رواه الثقات الأثبات، عن أنس، وكيف يروي أنس مثل حديث معاوية هذا محتجا به وهو مخالف " رواه، عن النبي- عليه السلام- وعن خلفائه الراشدين؟ ولم يعرف أحد من أصحاب أنس المعروفين بصحبته أنه نقل عنه مثل ذلك، ومما يرد حديث معاوية هذا أن أنسأ كان مقيما بالبصرة، ومعاوية " قدم المدينة لم يذكر أحد علمناه أن أنسأ كان معه، بل الظاهر أنه لم يكن معه.
الوجه الثالث: إن مذهب أهل المدينة قديما وحديثا ترك الجهر بها، ومنهم من لا يرى قراءتها أصلاً. قال عروة بن الزبير- أحد الفقهاء السبعة-: " أدركت الأئمة، وما يستفتحون القراءة إلا ب (الحمد لله رب العالمين) ".
وقال عبد الرحمن بن القاسم: ما سمعت القاسم يقرأ بها. وقال
عبد الرحمن الأعرج: أدركت الأئمة، وما يستفتحون القراءة إلا ب (الحمد لله رب العالمين) ، ولا يحفظ عن أحد من أهل المدينة بإسناد صحيح أنه كان يجهر بها إلا شيء يسير وله محمل، وهذا عملهم يتوارثه آخرهم عن أولهم، فكيف ينكرون على معاوية ما هو سنتهم؟ هذا باطل.(3/424)
الرابع: إن معاوية لو رجع إلى الجهر بالبسملة، كما نقلوه لكان هذا
معروفا من أمره عند أهل الشام الذين صحبوه، ولم ينقل ذلك عنهم،
بل الشاميون كلهم: خلفاؤهم، وعلماؤهم كان مذهبهم ترك الجهر بها،
وما روي عن عمر بن عبد العزيز من الجهر بها فباطل، لا أصل له، والأوزاعي إمام الشام، ومذهبه في ذلك مذهب مالك: لا يقرأها سرا
ولا جهرا، ومن المستبعد أن يكون هذا حال معاوية، ومعلوم أن معاوية قد
صلى مع النبي- عليه السلام- فلو سمع النبي- عليه السلام- يجهر
بالبسملة " تركها حين يُنكر علي رعيتُه أنه لا يحسن يصلي، وهذه الوجوه
من تدبرها علم أن حديث معاوية باطل، ومغير عن وجهه، وقد يتمحل
فيه، ويقال: إن كان هذا الإنكار على معاوية محفوظا فإنما هو إنكار لترك
إتمام التكبير / لا لترك الجهر بالبسملة، ومعلوم أن ترك إتمام التكبير كان [1/266-أ] مذهب الخلفاء من بني أمية وأمرائهم على البلاد، حتى أنه كان مذهب
عمر بن عبد العزيز وهو: عدم التكبير حين يهوي ساجدا بعد الركوع،
وحين يسجد بعد القعود، وإلا فلا وجه لإنكارهم علي ترك الجهر بالبسملة، وهو مذهب الخلفاء الراشدين، وغيرهم من أكابر الصحابة،
ومذهب أهل المدينة أيضاً، وبالجملة فهذه الأحاديث كلها ليس فيها صريح صحيح، بل فيها عَدمهما، أو عدم أحدهما وكيف تكون صحيحة
وليست مخرجة في الصحيح، ولا المسانيد، ولا السنن المشهورة، وفي
رواتها: الكذابون، والضعفاء، والمجاهيل الذين لا يوجدون في
التواريخ، ولا في كتب الجرح والتعديل كعمرو بن شمر، وجابر الجعفي،
وحصين بن مخارق، وعمر بن حفص المكي، وعبد الله بن عمرو بن
حسان الواقعي، وأبي الصلت الهروي الملقب " بجراب الكذاب "،
وعمر بن هارون البلخي، وعيسى بن ميمون المدني، وآخرون وكيف
يجوز أن يعارض برواية هؤلاء ما رواه البخاري، ومسلم في " صحيحيهما "
من حديث أنس الذي رواه عنه غير واحد من الأئمة الأثبات، ومنهم:
قتادة الذي كان أحفظ أهل زمانه، ويرويه عنه شعبة الملقب بأمير المؤمنين في(3/425)
الحديث، وتلقاه الأئمة بالقبول، ولم يضعفه أحد بحجة إلا ركب هواه، وحمله فرط التعصب على أن علله، ورده باختلاف ألفاظه، مع أنها ليست مختلفة، بل يصدق بعضها بعضا- كما بيناه- وعارضه بمثل حديث ابن عمر الموضوع، أو بمثل حديث عليّ الضعيف، ومتى وصل الأمر إلى مثل هذا، فجعل الصحيح ضعيفاً، والضعيف صحيحا، والمعلل سالماً من التعليل، والسالم من التعليل معللاً سقط الكلام، وهذا ليس بعدل، والله أمر بالعدل، ولكن كل هذا من التعصب الفاسد، والغرض الكاسد، وهذا تَمْشِية للباطل، والله يحق الحق ويبطل الباطل، ويكفينا في تضعيف أحاديث الجهر إعراض أصحاب الجوامع الصحيحة، والسنن المعروفة، والمسانيد المشهورة المعتمد عليها في حجج العلم، ومسائْل الدين، فالبخاري مع شدة تعصبه، وفرط تحمله على مذهب أبي حنيفة لم يودع صحيحه منها حديثا واحدة، والله تعالى يدري، ويعلم ما جهد وتعب في تحصيل حديث صحيح في الجهر، حتى يخرجه في " صحيحه " فما ظفر به، ولو ظفر به ما تركه أصلاً، وكذلك مسلم - رحمه الله- لم يذكر شيئاً من ذلك، ولم يذكرا في هذا الباب إلا حديث أنس الدال على الإخفاء.
فإن قيل: إنهما لم يلتزما أن يودعا في " صحيحيهما " كل حديث صحيح، فيكونان قد تركا أحاديث الجهر في جملة ما تركاه من الأحاديث الصحيحة. قلت: هذا لا يقوله إلا كل سخيف، أو مكابر، فإن مسألة الجهر بالبسملة من أعلام المسائل، ومعضلات الفقه، ومن أثرها دورانا في المناظرة، وجولانا في المصنفات، والبخاري كثيرا ما يتتبع " يرد على أبي حنيفة من السُّنَّة، فيذكر الحديث، ثم يعرض بذكره فيقول: قال رسول الله كذا وكذا، ثم يقول: وقال بعض الناس كذا وكذا، يشير به إليه، وشنع به علي، وكيف يخلي كتابه من أحاديث الجهر بالبسملة وهو يقول في أول كتابه: " باب الصلاة من الإيمان "، ثم يسوق أحاديث الباب، ويقصد الرد على أبي حنيفة قوله: " إن الأعمال ليست من(3/426)
الإيمان، مع غموض ذلك على كثير من الفقهاء؟ ومسألة الجهر يعرفها
عوام الناس، ورعاعهم، ولو حلف الشخص بالله أيمانا مؤكدة أنه لو
اطلع على حديث منها موافق لشرطه، أو قريب من شرطه لم يخل منه
كتابه، ولا كذلك مسلم، ولئن سلمنا فهذا أبو داود، والترمذي، وابن
ماجه مع اشتمال كتبهم على الأحاديث السقيمة، والأسانيد الضعيفة لم يخرجوا / منها شيئاً، فلولا أنها عندهم واهية بالكلية " تركوها، وقد [1/266-ب] تفرد النسائي منها بحديث أبي هريرة، وهو أقوى ما فيها عندهم، وقد
بينا ضعفه من وجوه، وأخرج الحاكم منها حديث عليّ، ومعاوية، وقد
عرف تساهله، وباقيها عند الدارقطني في" سننه " التي هي مجمع الأحاديث المعلولة، ومنبع الأحاديث الغريبة، وقد بيناها حديثا حديثا.
* الآثار في ذلك:
منها: ما رواه البيهقي في " الخلافيات "، والطحاوي في كتابه من
حديث عمر بن ذر، عن أبيه، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى،
عن أبيه، قال:" صليت خلف عمر- رضي الله عنه- فجهر ب (بسم
الله الرحمن الرحيم) ، وكان أبي يجهر بها".
والجواب عنه: إن هذا الأثر مخالف للصحيح الثابت، عن عمر أنه
كان لا يجهر، كما رواه أنس، فإن ثبت هذا عن عمر فيحمل على أنه
فعله مرة، أو بعض أحيان، لأحد الأسباب المتقدمة.
ومنها: ما أخرجه الخطيب من طريق الدارقطني بسنده، عن عثمان بن
عبد الرحمن، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب:" إن أبا بكر،
وعمر، وعثمان، وعلى، كانوا يجهرون ب (بسم الله الرحمن الرحيم) ". والجواب: إن هذا باطل، وعثمان بن عبد الرحمن، هو: الوقاصي
أجمعوا على ترك الاحتجاج به. وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي عنه؟
فقال: كذاب، ذاهب الحديث. وقال ابن حبان: يروي عن الثقات
الأشياء الموضوعات، لا يحل الاحتجاج به. وقال النسائي: متروك الحديث.(3/427)
ومنها: ما أخرجه الخطيب أيضاً، عن يعقوب بن عطاء بن أبي رباح، عن أبيه، قال، " صليت خلف علي بن أبي طالب، وعدة من أصحاب رسول الله، كلهم يجهرون ب (بسم الله الرحمن الرحيم) ". والجواب: إن هذا لا يثبت، وعطاء بن أبي رباح لم يلحق عليا، ولا صلى خلفه قط، والحمل فيه على ابنه يعقوب، فقد ضعفه غير واحد من الأئمة. قال أحمد: منكر الحديث. وقال أبو زرعة، وابن معين: ضعيف. وأما شيخ الخطيب فيه فهو أبو الحسن محمد بن [الحسن بن] أحمد الأصبهاني الأهوازي، ويعرف بابن أبي علي، فقد تكلموا فيه، وذكروا أنه كان يُركبُ الأسانيد، ونقل الخطيب عن أحمد بن علي الجصاص، قال: كنا نسمي ابن أبي علي الأصفهاني: " جراب الكذب ". ومنها: ما أخرجه الخطيب أيضاً من طريق الدارقطني عن الحسن بن [محمد بن] عبد الواحد، ثنا الحسن بن الحسين، ثنا إبراهيم بن أبي يحيى، عن صالح بن نبهان، قال: " صليت خلف أبي سعيد الخدري، وابن عباس، وأبي قتادة، وأبي هريرة، فكانوا يجهرون ب (بسم الله الرحمن الرحيم) ".
والجواب: إن هذا لا يثبت، والحسن بن الحسين هو: العرني إن شاء الله، وهو شيعي ضعيف، أو هو: حسين بن الحسن الأشقر، وانقلب اسمه، وهو أيضاً شيعي، ضعيف مجهول، وإبراهيم بن أبي يحيى قد رمي بالرفض والكذب، وصالح بن نبهان مولى التوأمة قد تكلم فيه مالك، وغيره من الأئمة، وفي إدراكه للصلاة خلف أبي قتادة نظر، وهذا الإسناد لا يجوز الاحتجاج به، وإنما كثر الكذب في أحاديث الجهر على النبي- عليه السلام- وأصحابه، لأن الشيعة ترى الجهر، وهم أكذب الطوائف، فوضعوا في الجهر بها ما صار من شعار الروافض، وغالب أحاديث الجهر تجد في روادها من هو منسوب إلى التشيع.(3/428)
ومنها: ما أخرجه الخطيب أيضاً، عن محمد بن أبي السرى، ثنا
المعتمر، عن حميد الطويل، عن بكر بن عبد الله المزني، قال: " صليت
خلف عبد الله بن الزبير فكان يجهر ب (بسم الله الرحمن الرحيم) وقال:
ما يمنع أمراءكم أن يجهروا بها إلا الكبر ".
قال ابن عبد الهادي: إسناده صحيح، لكنه يحمل على الإعلام بأن
قراءتها سُنَة، فإن الخلفاء الراشدين كانوا (1) يسرونها، فظن كثير من
الناس أن قراءتها بدعة، فجهر بها من جهر بالصحابة ليُعْلموا الناس أن
قراءتها سُنَة، لا أنه فعدها دائما، وقد ذكر ابن المنذر، لن ابن الزبير
ترك الجهر، والله تعالى أعلم /، وأما أقوال التابعين في ذلك فليست [1/267-أ] بحجة، مع أنها اختلفت، فروي عن غير واحد منهم الجهر، وروي عن
غير واحد منهم تركه، وفي بعض الأسانيد إليهم الضعف والاضطراب،
ويمكن حمل جهر من جهر منهم على أحد الوجوه المتقدمة، والواجب في
مثل هذا الرجوع إلى الدليل لا إلى الأقوال، وقد نقل الجهر عن غير
واحد من الصحابة، والتابعين، والمشهور عنهم غيره، كما نقل الخطيب
الجهر عن الخلفاء الراشدين الأربعة، ونقله البيهقي، وابن عبد البر، عن
عمر، وعلي، والمشهور عنهم تركه، كما ثبت ذلك عنهم. قال
الترمذي في ترك الجهر: والعمل على هذا عند أهل العلم من الصحابة، منهم: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وغيرهم ومَن
بعدهم من التابعين، وبه يقول سفيان الثوري، وابن المبارك، وأحمد،
وكذلك قال ابن عبد البر: لم يختلف في الجهر بها عن ابن عمر، وهو الصحيح عن ابن عباس، قال: ولا أعلم أنه اختلف في الجهر بها
عن ابن عمر، وشداد بن أوس، وابن الزبير، وقد ذكر الدارقطني، والخطيب، عن ابن عمر عدم الجهر، وكذلك روى الطحاوي، والخطيب، وغيرهما، عن ابن عباس عدم الجهر، وكذلك ذكر ابن
__________
(1) في الأصل: " كان ".(3/429)
المنذر، عن ابن الزبير عدم الجهر، وذكر ابن عبد البر، والخطيب، عن عمار بن ياسر الجهر، وذكر ابن المنذر عنه عدمه، وذكر البيهقي، وابن عبد البر، والخطيب، عن عكرمة الجهر، وذكر الأثرم عنه عدمه، وذكر الخطيب وغيره عن ابن المبارك وإسحاق: الجهر، وذكر الترمذي عنهما تركه كما ذكرناه، وذكر الأثرم، عن إبراهيم النخعي، أنه قال: " ما أدركت أحداً يجهر ب (بسم الله الرحمن الرحيم) والجهر بها بدعة "، وذكر الطحاوي، عن عروة قال: " أدركت الأئمة وما يستفتحون القراءة إلا ب (الحمد لله رب العالمين) . قال وكيع: كان الأعمش، وابن أبي خالد، وابن أبي ليلى، وسفيان، والحسن بن صالح، وعلي بن صالح، ومن أدركنا من مشايخنا: " لا يجهرون ب (بسم الله الرحمن الرحيم) ". وروى سعيد بن منصور في " سننه ": حدَّثنا خالد، عن حصين،
عن أبي وائل، قال: " كانوا يسرون البسملة، والتعوذ في الصلاة ". حدَّثنا حماد بن زيد، عن كثير بن شنظير، أن الحسن سئل عن الجهر بالبسملة؟ فقال: " إنما يفعل ذلك الأعراب ".
حدَّثنا عتاب بن بشير، أنا حصين، عن سعيد بن جبير، قال: " إذا صليت فلا تجهر ب (بسم الله الرحمن الرحيم) ، واجهر ب (الحمد لله رب العالمين) ".
فإن قيل: أحاديث الجهر تُقدمُ على أحاديث الإخفاء بأشياء، منها: كثرة الرواة، فان أحاديث الإخفاء رواها اثنان من الصحابة: أنس بن مالك، وعبد الله بن مغفل، وأحاديث الجهر رواها أربعة عشر صحابيا. ومنها: أن أحاديث الإخفاء شهادة على نفي، وأحاديث الجهر شهادة على إثبات، والإثبات مقدم على النفي.
ومنها: أن أنسأ قد روي عنه إنكار ذلك في الجملة، فروى أحمد، والدارقطني من حديث سعيد بن يزيد (1) أبي مسلمة، قال: سألت أنساً
__________
(1) في الأصل: " سعيد بن زيد " خطأ، وانظر: تهذيب الكمال (11 / 2381) .(3/430)
" أكان رسول الله يقرأ: (بسم الله الرحمن الرحيم) أو (الحمد لله رب
العالمين) ؟ قال: إنك لتسألني عن شيء ما أحفظه، أو ما سألني أحد قبلك ". قال الدارقطني: إسناده صحيح (1) .
قلنا: الجواب عن الأول: إن الاعتماد على كثرة الرواة إنما يكون بعد
صحة الدليلين، وأحاديث الجهر ليس فيها صحيح صريح، بخلاف
حديث الإخفاء، فإنه صحيح صريح، ثابت، مخرج في الصحيح،
والمسانيد المعروفة، والسنن المشهورة، مع أن جماعة من الحنفية لا يرون
الترجيح بكثرة الرواة، وأحاديث الجهر- دان كثرت رواتها- لكنها كلها ضعيفة، وكم من حديث كثرت رواته، وتعددت طرقه وهو ضعيف؟
كحديث " الطير "، وحديث " الحاجم، والمحجوم "، وحديث:" من
كنت مولاه فعلي مولاه "، بل قد لا يزيد الحديث كثرة الطرق إلا ضعفا، وأحاديث الجهر لم يروها إلا الحاكم، والدارقطني، فالحاكم عرف
تساهله، وتصحيحه للأحاديث الضعيفة، بل الموضوعة، والدارقطني قد
ملأ كتابه من الأحاديث الضعيفة، والغريبة، والشاذة، / والمعللة، وكم [1/267-ب] فيه من حديث لا يوجد في غيره، وقد حكي: أن الدارقطني " دخل
مصر سأله بعض أهلها تصنيف شيء في الجهر بالبسملة، فصنف فيه جزءا
فأتاه بعض ا"لكية، فأقسم علي أن يخبره بالصحيح من ذلك، فقال:
" كل ما روي عن النبي- عليه السلام- في الجهر فليس بصحيح، وأما
عن الصحابة فمنه صحيح ومنه ضعيف ".
وعن الثاني: إن هذه الشهادة- وإن ظهرت في صورة النفي- فمعناها
الإثبات، على أن هذا مختلف فيه، فالأكثرون على تقديم الإثبات،
وعند البعض هما سواء، وعند البعض النافي مقدم على المثبِت، وإليه
ذهب الآمدي، وغيره.
وعن الثالث: إن ما روي من إنكار أنس لا يقاوم ما ثبت عنه خلافه
__________
(1) أحمد (3 / 66 1، 0 9 1) ، والدارقطني (1 / 6 31) ، وأخرجه كذلك أحمد (3 / 273) من طريق قتادة، عن أنس به.
-(3/431)
في الصحيح، ويحتمل أن يكون أنس نسي في تلك الحال لكبره، وقد وقع مثل ذلك كثيرا، كما سئل يوماً عن مسألة، فقال: عليكم بالحسن فاسألوه، فإنه حفظ ونسينا، وكم ممن حدث ونسي، ويحتمل أنه إنما سأله عن ذكرها في الصلاة أصلاَ، لا عن الجهر بها وإخفائها.
فإن قيل: يجمع بين الأحاديث بأن يكون أنس لم يسمعه لبعده، وأنه كان صبيا يومئذ. قلت: هذا مردود، لأنه- عليه السلام- هاجر إلى المدينة، ولأنس يومئذ عشر سنين، ومات وله عشرون سنة، فكيف يتصور أن يصلي خلفه عشر سنين فلا يسمعه يوماً من الدهر يجهر؟ هذا بعيد، بل مستحيل، ثم قد روي هذا في زمن رسول الله، فكيف وهو رجل في زمن أبي بكر، وعمر، وكهل في زمن عثمان مع تقدمه في زمانهم، وروايته للحديث؟ وقد روى أنس، قال: " كان رسول الله يحب أن يليه المهاجرون، والأنصار، ليأخذوا عنه".
ورواه النسائْي، وابن ماجه (1) . وقال النووي في " الخلاصة ": إسناده على شرط البخاري، ومسلم " (2) . وقد ذهب البعض إلى أن أحاديث الجهر منسوخة " نبينه عن قريب، إن شاء الله تعالى.
761- ص- نا مسدد، نا عبد الوارث بن سعيد، عن حسين المعلم، عن بديل بن ميسرة، عن أبي الجوزاء، عن عائشة، قالت: " كان رسول الله يفتتحُ الصلاةَ بالتكبيرِ، والقراءةَ ب (الحمدُ لله ربَّ العَالمينَ) ، وكان إذاَ ركعَ لم يُشخصْ رأسَه، ولم يُصوِبْهُ، ولكن بين ذلك، وكان إذا رفعَ رأسَه من الركوع لم يسجدْ حتى يستوي قائماً وكان إذا رفِعَ رأسَه من السجودِ لم يسجدْ حتى يستويَ قاعداً، وكان (3) إذا جَلَسَ يفرِشُ رِجلَه اليُسرَى،
__________
(1) النسائي في الكبرى، كتاب المناقب، باب: مناقب المهاجرين والأنصار (5 / 8311) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: من يستحب أن يلي
" لإمام (977) .
(2) إلى هنا انتهى النقل من نصب الراية.
(3) في سنن أبي داود أتى قوله:" وكان إذا جلس ... اليمنى، بعد قوله: " وكان يقول في كل ركعتين: " التحيات ".(3/432)
ويَنصبُ رجلَه اليُمْنى، وكان يقولُ في كُلِّ رَكعتينِ: " التحياتُ "، وكان يَنهَى عنَ عَقب الشيطانِ، وعن فرشة السبع، وكان يختمُ الصلاةَ بالتسليم " (1) .
ش " - أبو الجوزاء بالجيم والزاي: أوس بن عبد الله البصري، وقد ذكر ناه.
قوله: " كان يفتتح الصلاة بالتكبير والقراءة ب (الحمد لله رب العالمين)
فيه حجة لأبي حنيفة، ومالك أن البسملة ليست من الفاتحة، وفيه حجة لأبي حنيفة أن البسملة لا يجهر بها، لأنه صرح أنه- عليه السلام- كان يفتتح الصلاة بالتكبير، ثم بفاتحة الكتاب، وقد ثبت أنه- عليه السلام- كان له سكتتان: سكتة بعد التكبير، وكان فيها البسملة، ودعاء الاستفتاح على ما ذكرناه مفصلاً، وفيه إثبات التكبير في أول الصلاة. وقال الشيخ محيي الدين (2) : " وفيه إثبات التكبير، وأنه يتعين لفظ التكبير، لأنه ثبت أنه- عليه السلام- كان يفعله، وأنه- عليه السلام- قال: " صلوا كما رأيتموني أصلي " (3) ، وهذا الذي ذكرناه من تعيين التكبير هو قول مالك، والشافعي، وأحمد، وجمهور العلماء من السلف والخلف ". قلت: اشتراط التعيين أمر زائد، لأن المراد من التكبير التعظيم، وبكل لفظ حصل التعظيم يجوز الافتتاح به، وقد مر الخلاف في قوله- عليه السلام-: " تحريمها التكبير "، ثم إن تكبيرة الافتتاح من أركان الصلاة، أو من شروطها؟ فيه خلاف، فقال أصحابنا: هي من الشروط. وقال مالك، والشافعي، وأحمد: من الأركان، وثمرة الاختلاف تظهر في
__________
(1) مسلم: كتاب الصلاة، باب: ما يجمع صفة الصلاة (240 / 98 4) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: افتتاح القراءة (812) ، وباب: الركوع
في الصلاة (862) .
(2) شرح صحيح مسلم (4 / 214) .
(3) البخاري: كتاب الأذان، باب: الأذان للمسافرين إذا كانوا جماعة والإقامة ... (631) من حديث مالك بن الحويرث.
28. شرح سنن أبي داوود 3(3/433)
جواز بناء النفل على تحريمة الفرض، فعندنا يجوز خلافا لهم، وكذا على
[1/268-أ] الخلاف لو بنى التطوع بلا تحريمة جديدة يصير / شارعا في الثاني، وكذا على الخلاف إذا كبر مقاربا لزوال الشمس. وقال ابن المنذر: قال
الزهري: تنعقد الصلاة بمجرد النية بلا تكبير. قال أبو بكر: ولم يقل به
غيره. وقال ابن بطال: ذهب جمهور العلماء إلى وجوب تكبيرة الإحرام، وذهبت طائفة إلى أنها سُنَّة، رُوي ذلك عن سعيد بن المسيب، والحسن، والحكم، والزهري، والأوزاعي، وقالوا: إن تكبير الركوع
يجزئه من تكبير الإحرام، ورُوي عن مالك في ا"موم ما يدل على أنه
سُنَّة، ولم يختلف قوله في المنفرد والإمام أنها واجبة على كل واحد
منهما، وأن من نسيها يستأنف الصلاة، وفي " المغني " لابن قدامة:
التكبير ركن لا تنعقد الصلاة إلا به، سواء تركه سهوا، أو عمدا، قال:
وهذا قول ربيعة، والثوري، ومالك، والشافعي، وإسحاق، وأبي ثور
وحكى أبو الحسن الكرخي الحنفي، عن ابن علية والأصم كقول الزهري
في انعقاد الصلاة بمجرد النية بغير تكبير. وقال عبد العزيز بن إبراهيم بن
بزيزة: قالت طائفة بوجوب تكبير الصلاة كله، وعكس آخرون فقالوا:
كل تكبيرة في الصلاة ليست بواجبة مطلقا، منهم: ابن شهاب وابن المسيب، وغيرهما، ثم تكبيرة الافتتاح مرة واحدة عند جمهور العلماء،
وعند الرافضة ثلاث مرات، وقد ورد ذلك في بعض الأحاديث، من
حديث أبي أمامة: " كان- عليه السلام- إذا قام إلى الصلاة كبر ثلاث
مرات " رواه أبو نعيم الدكيني، عن شريك، عن يعلى بن عطاء، عن
رجل، عنه، وفي " العلل " لابن أبي حاتم: قال أبي: هذا حديث
كذب، لا أصل له.
قوله: " بالحمدُ لله " برفع الدال على الحكاية، والحكاية أن تجيء بالقول
بعد نقله على استبقاء صورته الأولى، كقولك: " دعني من تمرتان " في
جواب من قال: " تكفيك تمرتان "، وبدأت " بالحمدُ لله " وبدأت
ب " سورة أنزلناها "، ويقول أهل الحجاز في استعلام من يقول: رأيت
زيدا: من زيدا؟(3/434)
قوله: " وكان إذا ركع لم يشخص رأسه " من أشخص رأسه إذا رفعها، وأشخص الرامي إذا جاوز سهمه الغرض من أعلاه.
قوله: " ولم يصوبه " أي: لم يخفضه، مِن " صوَب " بالتشديد، وفيه من السُنَة للراكع أن يسوي ظهره، بحيث يستوي رأسه مع مؤخره. قوله: " ولكن بين ذلك " أي: بين الإشخاص والتصويب، والمعنى: استواء رأسه مع ظهره- كما ذكرنا-.
قوله: " حتى يستوي قائماً " أي: حال كونه قائماً، وفيه سُنَة الاعتدال في الانتصاب، وكذلك سُنَّة الاعتدال في ما إذا رفع رأسه من السجدة يعتدل قاعدا، ثم يسجد، ومن هذا أخذ الشافعي وجوب الطمأنينة في الركوع والسجود، وهو قول مالك، وأحمد، وأبي يوسف، وهو خلاف مشهور، وفيه وجوب الجلوس بين السجدتين.
قوله: " وكان إذا جلس يفرش رجله اليسرى، وينصب رجله اليمنى "
فيه حجة لأبي حنيفة، سواء كان في القعدة الأولى، أو الثانية، وهو حجة على مالك في رؤيته التورك سُنَة فيهما، وعلى الشافعي في روْيته التورك في القعدة الثانية.
قوله: " وكان يقول في كل ركعتين التحيات " فيه: أن قراءة التشهد في كل ركعتين سُنة. وقال أحمد: هما واجبان. وقال الشافعي: الأول سُنة، والثاني: واجب، وقول مالك كقول أبي حنيفة. وقال الشيخ محيى الدين: فيه حجة لأحمد بن حنبل، ومَن وافقه مِن فقهاء أصحاب الحديث أن التشهد الأول والأخير واجبان.
قلت: الوجوب لا يستفاد من هذا الحديث، فافهم.
قوله: " وكان ينهى عن عقب الشيطان " بفتح العين، وكسر القاف، وفي رواية:" عن عقبة الشيطَان "، وهو أن يضع أليتيه على عقبيه بين السجدتين، وهو الذي يجعله بعض الناس الإقعاء، وقيل: هو أن يترك عقبيه غير مغسولين في الوضوء.(3/435)
قوله: " وعن فرشة السبُع " وهو أن يبسط ذراعيه في السجود، ولا يرفعهما عن الأرض، كما يبسط السبع، والكلب، والذئب ذراعيه. قوله:" وكان يختم الصلاة بالتسليم " فيه دليل على أن السلام سنة. وقال الخطابي (1) : " وفي قولها: " كان يفتتح الصلاة بالتكبير،
[1/268-ب] ويختمها بالتسليم " دليل على / أنهما ركنان من أركان الصلاة، ولا تجزئ إلا بهما".
قلت: لا نسلم ذلك، لأن ما فيه شيء يدل على الفرضية، وفرضية التكبير في أول الصلاة ليس بهذا الحديث، بل بقوله: (ورَبكَ فكَبِّرْ) (2) ولئن سلمنا ذلك، فلا يلزم من كون التكبير فرضاً أن يكون التسليم فرضاً مثله، بدليل حديث الأعرابي، حيث لم يعلمه- عليه السلام- حين علمه الواجبات، غاية ما في الباب يكون إصابة لفظ السلام واجبا، وقد مر ما يشابهه في قوله- عليه السلام-: " تحريمها التكبير، وتحليلها التسليم "، والحديث أخرجه: مسلم، وابن ماجه بنحوه.
762- ص- نا هناد بن السري، نا ابن فضيل، عن المختار بن فُلفُل، قال: سمعت أنس بن مالك، يقول: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم " أنزِلَتْ علي آنفا سُورةٌ فقرأ: (بسم الله الرحمنِ الرحيم إنا أعْطَيْنَاكً الكَوْثَرَ) حتى خَتمَهَاَ، قال: هل تدرُونَ ما الَكوثرُ؟ قالوا: الله ورسولُه أعلمُ، قال: فإنه نَهرٌ وَعَدَنِيهِ ربي في الجنةِ " (3) .
ش- ابن فضيل هو: محمد بن فضيل الكوفي.
قوله: " آنفا " أي: قريبا، وهو بالمد، ويجوز القصر، وهو لغة قليلة وأصله من الائتناف، وهو الاستئناف، ومعناه: الابتداء. وقال ابن
__________
(1) معالم السنن (1 / 172) .
(2) سورة المدثر: (3) .
(3) مسلم: كتاب الصلاة، باب: حجة من قال: البسملة آية من أول كل سورة سوى براءة (0 0 4 / 53) ، وكتاب الفضائل (4 0 23 / 0 4) ، النسائي: كتاب الافتتاح، باب: قراءة بسم الله الرحمن الرحيم (2 / 133) .(3/436)
الأثير (1) :" وفعلت الشيء آنفا، أي: في أول وقت يقرب مني ". وقال في " الصحاح ": وقلت كذا آنفا، وسالفا.
قلت: انتصابه على الظرفية، لأنه بمعنى: الآن، وهو من الظروف
الزمانية.
قوله: " الكوثر" وزنه فوعل من الكثرة، كنوفل من النفل، وجوهر من الجهر بمعنى: الخير الكثير، وقد فسره- عليه السلام- بقوله: " فإنه نهر وعدنيه ربي في الجنة ". وقد اختلف المفسرون في تفسيره، فقال أبو بكر بن عياش: كثرة الأمة. وقال الحسن: القرآن. وقال عكرمة: النبوة. وقال المغيرة مرفوعا: الإسلام. وقال ابن عمر، وأنس مرفوعا: نهر في الجنة، ترده طير خضر، قيل: ما أنعم هذا الطائر! قال- عليه السلام-: " الا أخبركم بأنعم منه؟ من أكل الطائر، وشرب الماء، وفاز برضوان الله ".
وعن عائشة: من أراد أن يسمع خريره فليدخل إصبعيه في أذنيه. وقال عطاء: هو حوضه لكثرة وارديه. وقال الفضل: الشفاعة في أكثر الأمة. وقيل: الصلاة وكثر المصلين، وقيل: الذكر وكثرة الذاكرين، وقيل: معجزاته- عليه السلام- وقيل: الفقه، وكثرة الفقهاء، وقيل: نور في قلبك قطعك عما سوى ربك، وقيل: قول: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، فَصَل الفجر والمزدلفة، وانحر الهدي. وقال عطاء: صَل العيد وانحر الأضحية. وعن ابن عباس: ضع يمينك على شمالك عند نحرك في الصلاة. وقال سليمان التيمي: ارفع يديك بالدعاء لا تحرك. وقال ذو النون: اذبح هواك في قلبك، إن شانئك مبغضك. قال ابن عباس: عدوك الأبتر الحقير الذليل، ويقال: المنقطع عن بلوغ أمله فيك. واستدل به بعض من يقول بالجهر بالبسملة، واستدلاله غير صحيح، لأنه
__________
(1) النهاية (1 / 76) .(3/437)
ليس فيه ذكر الصلاة، واستدل به أيضاً من يقول: إن البسملة [آية] من أول كل سورة سوى براءة.
والجواب: إن قراءته- عليه السلام- تدل على أنها آية مفردة بذاتها، ولا يدل على أنها من أول كل سورة، والدليل على ذلك ما ورد في حديث بدء الوحي: فجاءه الملك، فقال له: اقرأ، فقال: ما أنا بقارئ ثلاث مرات، ثم قال له: (اقْرَأ باسْم ربكَ الذي خَلَقَ) (1) ، فلو كانت البسملة من أول كل سورة لقالَ: اقرأ (بسمَ الله الرحمن الرحيم) (اقرأ باسم ربك) ويدل على ذلك أيضاً ما رواه أصحاب السنن الأربعة، عن شعبة، عن قتادة، عن عباس الجشمي (2) ، عن أبي هريرة، عن النبي- عليه السلام- قال: " إن سورة من القرآن شفعت لرجل حتى غفر له، وهي (تَبَارَكَ الَذي بيَده المُلكُ) . وقال الترمذي: حديث حسن، ورواه أحمد في " مسَندهَ " (3) ، وابن حبان في "صحيحه " والحاكم في " مستدركه " (4) وصححه، وعباس الجشمي (2) ، يقال: إنه عباس (5) بن عبد الله، ذكره ابن حبان في " الثقات "، ولم يتكلم فيه أحد- فيما علمنا- ولو كانت البسملة في أول كل سورة لافتتحها- عليه [1/269-أ] السلام- بها، وقد قلنا: إن مذهب المحققين / أنها من القرآن حيث كتبت، وأنها مع ذلك ليست من السور، بل كتبت آية في كل سورة، وكذلك تتلى آية مفردة في أول كل سورة كما تلاها النبي- عليه السلام- حين أنزلت عليه: (إنا أعْطَيْنَاكَ الكَوْثَرَ) ، وهذا قول ابن
__________
(1) البخاري: كتاب بدء الوحي، باب: كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (3) ،مسلم: كتاب الإيمان، باب: بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (160/252)
(2) في الأصل: " عياش الجهني " خطأ.
(3) (2 / 299، 321) .
(4) (2 / 497- 98 4) .
(5) في الأصل: " عياش " خطأ.(3/438)
ابن المبارك، وداود، وهو المنصوص عن أحمد، وبه قالت جماعة من الحنفية، وذكر أبو بكر الرازي أنه مقتضى مذهب أبي حنيفة.
قلت: ولذلك قال الشيخ حافظ الدين النسفي: وهي آية من القرآن، أنزلت للفصل بين السور، وهذا القول فيه الجمع بين الأدلة، وعن ابن عباس: " كان النبي- عليه السلام- لا يعرف فصل السورة حتى نزل عليه: (بسم الله الرحمن الرحيم) ، وفي رواية: " لا يعرف انقضاء السورة " رواه أبو داود، والحاكم، وقال: إنه على شرط الشيخين (1) ، وحديث أنس: أخرجه مسلم، والنسائي.
763- ص- نا قَطَنُ بنُ نُسَيرٍ، نا جعفر، ثنا حميد الأعرج المكي، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة، وذكر الإفك، قالت:" جَلسَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وكشفَ عن وجهِهِ، وقال: أعوذُ بالسميع العليم من الشيطانِ الرجيم: (إِن الذين جَاءُوا بِالإِفْكِ) الآية (2) " (3) .
ش- قَطَن- بالقاف والنون-: ابن نُسَير- بالنون في أوله- الغُبَري- بالغين المعجمة، والباء الموحدة- أبو عباد البصري، يعرف بالذارع. روى عن بشر بن منصور، وعدي بن أبي عمارة، وجعفر. روى عنه: مسلم، وأبو داود، والبغوي. وروى الترمذي عن رجل عنه (4) . وجعفر ابن سليمان الضبعي.
وحميد بن قيس الأعرج أبو صفوان الأسدي، مولاهم المكي. سمع: عطاء بن أبي رباح، ومجاهدا، والزهري، وغيرهم. روى عنه: جعفر ابن سليمان، وجعفر الصادق، ومالك، والثوري، وابن عيينة،
__________
(1) يأتي بعد ثلاثة أحاديث.
(2) سورة النور: (11) .
(3) تفرد به أبو داود.
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (23 / 6 88 4) .(3/439)
وغيرهم. وقال أحمد: ثقة، وكذا قال يحيى بن معين. روى له الجماعة (1) .
قوله: " وذكر الإفك " أي: قضية الإفك، والإفك: الكذب، والافتراء، والمراد به: ما أفك به على عائشة- رضي الله عنها- حين استصحبها- عليه السلام- في بعض الغزوات وهي قصة مشهورة، فأنزل الله تعالى ثماني عشرة آية في براءتها، وتعظيم شأنها، وتهويل الوعيد لمن تكلم فيها، والثناء على من ظن بها خيرا، وقد اختلف العلماء كيف التعوذ قبل القراءة، فعند الجمهور: " أعوذ بالله من الشيطان الرجيم " دون غيره، وذلك لموافقته الكتاب والسنة. أما الكتاب: فقوله- عَز وجل-: (فَإِذَا، قَرَأتَ القُرآنَ فَاسْتَعِدْ بِالله مِنَ الشَّيْطَانِ الرجيم) (2) . وأما السُّنَّة: فما رواه نافع بن جبير بن مَطعم، عن أبيه، عن النبي - عليه السلام- أنه استعاذ قبل القراءة بهذا اللفظ بعينه (3) ، وهو قول عاصم وأبي عمرو ويعقوب، وعند أهل المدينة والشام يقول: " أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، إن الله هو السميع العليم "، وهو قول علي، وعند أهل مكة: " أعوذ بالله العظيم من الشيطان الرجيم،، وعند حمزة: " استعيذ بالله من الشيطان الرجيم، إن الله هو السميع العليم "، وعند سهل:" أعوذ بالسميع العليم من الشيطان الرجيم "، وعن الصديق:" استعذت بالله من الشيطان الرجيم "، وعند ابن الحنفية:
__________
(1) المصدر السابق (7 / 1535) .
(2) سورة النحل: (8 9) .
(3) قال الشيخ الألباني في " الإرواء" (2 / 53) : صحيح لكن بزيادتين، وأما بدونهما فلا أعلم له أصلاَ ... وقد ورد بلفظ: " أعوذ بالله السميع العليم
من الشيطان الرجيم، من همزه، ونفخه، ونفثه،، وقد روي من حديث جبير ابن مطعم، وأبي سعيد الخدري، وابن مسعود، وعمر بن الخطاب، وأبي أسامة: فأما حديث جبير فرواه أبو داود (947) ، وابن ماجه (764) ، وغيرهما" 10 هـ بتصرف. وانظر: الإرواء لباقي التخريجات.(3/440)
" أعوذ بالله القوي من الشيطان الغوي ". وقال صاحب " التيسير": ولا أعلم خلافا بين أهل الأداء في الجهر بها عند افتتاح القرآن وعند الإبتداء برءوس الأجزاء، وغيرها في مذهب الجماعة اتباعا للنص، واقتداء بالسُّنَة. وروى إسحاق المسيبي، عن نافع أنه كان يخفيها في جميع القرآن. وروى سليم، عن حمزة أنه كان يجهر بها في أول أم القرآن خاصة، ويخفيها بعد ذلك في سائر القراَن، كذلك قال خلف عنه، وقال خلاد عنه: إنه كان يجيز الجهر والإخفاء جميعا، ولا ينكر على من جهر، ولا على من أخفى، والباقون لم يأت عنهم في ذلك شيء منصوص، ثم حكم الاستعاذة في الصلاة فهي سُنَة عند عامة العلماء خلافا "لك، وأما وقته بعد الفراغ من الثناء قبل القراءة عند الجمهور. وقالت الظاهرية: وقته بعد الفراغ من القراءة، وأما من يسن في حقه التعوذ: الإمام، والمنفرد، دون المقتدي عند أبي حنيفة، ومحمد، وعند أبي يوسف هو سُنَة أيضاً في حقه، وهو قول الشافعي، وأحمد، وقد عرف / بتفصيله في الفروع. [1/269-ب]
ص- قال أبو داود: هذا الحديث منكر، قد روى هذا الحديث، عن الزهري جماعة لم يذكروا هذا الكلام على هذا الشرح، وأخاف أن يكون أمر الاستعاذة منه (1) كلامَ حميد.
ش- أشار به إلى أن حميدا اَلأعرج انفرد به مخالفا " رواه الثقات عن الزهري، أو يكون ذلك وهما منه.
قوله: " أمر الاستعاذة منه " أي: من الشيطان، وفي بعض النسخ:
" فيه " أي: أمر الاستعاذة في هذا الحديث.
قوله: " كلام حميد " منصوب على أنه خبر " أن يكون"، وهذا الحديث ليس له مناسبة في هذا الباب أصلاً، وإنما وقع هذا هاهنا اتفاقا.
***
__________
(1) في سنن أبي داود: " من ".(3/441)
119- باب: من جهر بها
أي: هذا باب في بيان قول من جهر بالبسملة، وفي بعض النسخ: " باب: ما جاء فيمن جهر بها ".
764- ص- نا عمرو بن عون، أنا هشيم، عنِ عوف، عن يزيد الفارسي، قال: سمعت ابن عباس، قال: " قلتُ لعثمان بنِ عفانَ: ما حَمَلَكُم أن عَمَدتُم إلى" بَراءةَ "، وهي من المئين، وإلى " الأنفال " وهي من المَثَاني، فجعلتموها (1) في السَّبعْ الطوَالَ، ولم تكتُبُوا بينهَمَا سَطرَ (بسمَ الله الرحمنِ الرحيم) ؟ قال عثمانُ: كَان النبيُّ- عليه السلام- مما تنزلُ علي الآياتُ، فيدعو بعضَ من كان يَكتبُ له، ويقولُ: ضَعْ هذه الآية في السورة التي يُذكَرُ فيها كَذا وكَذا، وتَنزل علي الآية والآيتان، فيقولُ مثلَ ذلكَ، وِكانت " الأنفالُ " من أول ما نَزلَ علي بالمدينة، وكانت " براءة " من آخر ما نزلَ منَ القراَن، وكانت قصَتها شَبيهةً بقصَّتهَا، فظننتُ أنها منها، فمن هناك وضعتُها (2) فَي السبعْ الطّوَالِ، ولَم أكتبَْ بينهما سَطرَ: (بسم الله الرحمن الرحيم) (3) .
ش- هشيم بن بشير الواسطي.
وعوف هذا هو ابن أبي جميلة، واسم أبي جميلة: بندوية، ويقال: رزينة العبدي الهجري، البصري، يعرف بالأعرابي، ولم يكن أعرابيا. روى عن: أبي عثمان النهدي، وأبي العالية، والحسن، وابن سيرين، وغيرهم. روى عنه: الثوري، وشعبة، ويحيى القطان، وابن المبارك، وغيرهم. قال أحمد: ثقة صالح. وقال ابن معين: ثقة. وقيل: كان يتشيع. مات سنة ست وأربعين ومائة. روى له الجماعة (4) .
__________
(1) في سنن أبي داود: " فجعلتموهما ".
(2) في سنن أبى داود:" وضعتهما ".
(3) الترمذي: كتاب التفسير، ومن سورة التوبة (6 308) ، النسائي في الكبرى: كتاب فضائل القرآن، باب: كتابة القرآن.
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (22 / 4545) .(3/442)
ويزيد الفارسي هو ابن هرمز، أبو عبد الله الليثي مولاهم المدني،
وهو والد عبد الله بن يزيد، أحد الفقهاء بالمدينة، وهو معلم مالك بن أنس. روى عن: ابن عباس، وأبي هريرة. روى عنه: سعيد المقبري، وعوف الأعرابي، وقيس بن سعد المكي، وغيرهم. قال محمد بن سعد: كان ثقة- إن شاء الله- روى له: مسلم، وأبو داود، والترمذي، وا لنسائي (1) .
قوله: " أن عمدتم " أي: أن قصدتم، و" أن " في محل الرفع على أنه فاعل قوله: "حملكم ".
قوله: " وهي من المئين " أي: من السور التي تشتمل على أكثر من مائة آية. لأن البراءة مائة وتسع وعشرون آية عند الكوفيين، وعند البصريين مائة وثلاثون آية، والشئون بكسر الميم جمع مائة، وبعضهم يقول: شؤون بالضم، وأصل مائة، مأى، نحو معاً والهاء عوض عن الياء.
قوله: " وهو من المثاني " المثاني: السور التي تنقص عن المئين، وتزيد على المفصل، والأنفال خمس وسبعون آية عند الكوفيين، وسبع وسبعون عند الشاميين، وست وسبعون عند الباقين، وإنما سأل هذا السؤال، لأن المئين جعلت مبادئ، والتي تليها مثاني.
قوله: " فجعلتموها " أي: الأنفال، أي: سورة الأنفال في السبع الطوال، وهني: البقرة، وآل عمر أن، والنساء، والمائدة، وا لأنعام، والأعراف، والتوبة، والطول- بضم الطاء وفتح الواو- جمع الطولى، تأنيث الأطول، مثل: الكبر في الكبرى، وهذا البناء تلزمه الألف واللام أو الإضافة.
قوله: " بينهما " أي: بين الأنفال والتوبة.
قوله: " وكانت الأنفال من أول ما نزل عليه بالمدينة " يعني من السنة
__________
(1) المصدر السابق (32 / 62 0 7) .(3/443)
الأولى من الهجرة، " وكانت براءة من آخر ما نزل من القرآن "، نزلت في سنة تسع من الهجرة.
قوله:" وكانت قصتها" أي: قصة براءة " شبيهة بقصة الأنفال "، لأن في، الأنفال " ذكر العهود، وفي " براءة " نبذها.
[1/270-أ] قوله: " فظننت أنها منها" / أي: أن سورة براءة من سورة الأنفال، فلأجل ذلك وضعها في السبع الطُّوَلِ، ولم يكتب بينهما سطر (بسم الله الرحمن الرحيم) ، ويقال: تركت البسملة بينهما، لأنها نزلت لرفع الأمان، و" بسم الله " أمان، وقيل: " اختلفت الصحابة في أنهما سورة واحدة هي سابعة السبع الطُوَلِ، أو سورتان تركت بينهما فرجة، ولم يكتب (بسم الله الرحمن الرحيم) ، وقيل: لم تكتب البسملة لأنها رحمة، والسورٍ، في المنافقين.
والحديث أخرجه الترمذي، وفي روايته زيادة، وهي " فقبض رسول الله ولم يبين أنها منها" (1) وقال: هذا حديث حسن، لا نعرفه إلا من حديث عوف، عن يزيد الفارسي، عن ابن عباس، ويزيد الفارسي قد روى عن ابن عباس غير حديث، ويقال: هو يزيد بن هرمز، ويزيد الرقاشي هو: يزيد بن أبان الرقاشي، ولم يدرك ابن عباس، إنما روى عن أنس بن مالك، وكلاهما من أهل البصرة، ويزيد الفارسي أقدم من يزيد الرقاشي، وأخرج الترمذي هذا الحديث في أبواب تفسير القرآن، وليس في الحديث شيء مما يتعلق بالجهر والإخفاء، وليس له مناسبة للباب أيضاً ولذلك غالب النسخ ليس فيه باب من جهر بها، وهذا هو الأجدر المناسب.
ص- قال أبو داود: قال الشعبي، وأبو مالك، وقتادة، وثابت بن عُمارة:
__________
(1) هذه الزيادة ذكرت في سنن أبي داود في حديث مستقل، فقال: حدثنا زياد بن أيوب، حدثنا مروان- يعني: ابن معاوية- أخبرنا عوف الأعرابي، عن
يزيد الفارسي، حدثنا ابن عباس بمعناه، قال فيه: " فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبين لنا أنها منها"(3/444)
" إن النبي- عليه السلام- لم يكتبْ (بسم الله الرحمنِ الرحيم) حتى نَزلتْ سورةُ النملِ " هذا معناه (1) .
ش- هذا مرسل، وسورة النمل مكية بلا خلاف، وأبو مالك سعد ابن طارق، وثابت بن عُمارة الحنفي أبو مالك البصري. سمع: غنيم ابن قيس ا"زني، وخالد بن الأحدب، وربيعة بن شيبان. روى عنه: شعبة، ووكيع، ويحيى القطان، وغيرهم. وقال ابن معين: ثقة. وقال أحمد: لا بأس به. وقال أبو حاتم: ليس عندي بالمتن. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي (2) .
765- ص- نا قتيبة بن سعيد، وأحمد بن محمد المروزي، وابن السرح، قالوا: ثنا سفيان، عن عمرو، عن سعيد بن جبير، قال قتيبة: عن ابن عباس قال: " كان النبي- عليه السلام- لا يَعرفُ فَصْلَ السور (3) حتى تَنزِلَ علي: (بسم الله الرحمنِ الرحيم) (4) .
ش- أحمد بن محمد بن موسى المروزي، أبو العباس السمسار، المعروف بمردويه. سمع: ابن المبارك، وإسحاق بن يوسف، وغيرهما. روى عنه: البخاري، وأبو داود، والترمذي، والنسائي وقال: لا بأس به (5) وسفيان الثوري.
وعمرو بن دينار، أبو محمد المكي الجمحي. سمع: عبد الله بن عباس، وابن عمر، وابن عمرو، وجابر بن عبد الله، وغيرهم من الصحابة، ومن التابعين: ابن المسيح، وأبا سلمة، ونافع بن جبير، ومجاهداً وسعيد بن جبير، وغيرهم. روى عنه: جعفر الصادق،
__________
(1) في سنن أبي داود:" وهذا مرسل ".
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (4 / 24 8) .
(3) في سنن أبي داود: " السورة ".
(4) تفرد به أبو داود.
(5) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (1 / 100) .(3/445)
وأيوب، وقتادة، والثوري، وشعبة، وابن عيينة، وهو أثبت الناس فيه، والحمادان، وابن جريج، وغيرهم. قال ابن عيينة: كان ثقة ثقة ثقة. مات سنة ست وعشرين ومائة. روى له الجماعة (1) .
واستدل بالحديث أصحابنا الذين قالوا: إن البسملة آية من القرآن أنزلت للفصل بين السور. والحديث أخرجه: الحاكم، وقال: إنه صحيح على شرط الشيخين (2) .
ص- وهذا لفظ ابن السرح.
ش- أي: لفظ أحمد بن عمرو بن عبد الله بن عمرو بن السرح، وهو أحد شيوخ أبي داود، ولفظ غيره: " لا يعرف انقضاء السورة حتى تنزل علي: (بسم الله الرحمن الرحيم) .
***
120- باب: تخفيف الصلاة (3)
أي: هذا باب في بيان تخفيف الصلاة.
766- ص- نا أحمد بن حنبل، نا سفيان، عن عمرو سمعه من جابر:
" كان معاذ يُصلي مع النبي- عليه السلام- ثم يَرجِعُ فيؤُمنا، وقال مرة: ثم يَرجعِ فَيُصَلي بقومه، فأخرَ النبي- عليه السلام- ليلة الصَّلاةَ، وقال مَرة: العشاءَ، فصلى معاَذ مع النبيِّ- عليه السلام- ثمِ جَاءَ يَؤمُ قومَهُ فَقرأ البقَرةَ، فاعتزلَ رجل من القَوم، فصلَّى، فقيلَ: نَافقت يا فلانُ، قال: ما نَافقتُ، فأتى النبيَّ- عليه السلام- فقالَ: إن معاذا يُصلي، ثم يرجعُ فيؤُمنا يا رسولَ الله، إِنا (4) نحنُ أصحابُ نَوَاضحَ، ونَعملُ بأيدينَا، وإنه جاءَ يؤُمّنا فقرأ بسَورةِ البقرةِ، فقال: نا معاذُ، أفَتان أنتَ (5) ؟ ! اقَرأ بكذا. فقال أبو الزبير:
__________
(1) المصدر السابق (22 / 0 436) .
(2) المستدرك (1 / 1 23- 232) .
(3) هذا الباب متأخر في سنن أبي داود عن باب:" تخفيف الصلاة للأمر يحدث ".
(4) في سنن أبي داود: "إنما ".
(5) ذكر " أفتان أنت " في سنن أبي داود مرتين(3/446)
(سبِّح اسْمَ ربِّكَ الأعْلَى) ، (واللَيْلِ إِذا يَغْشَى) فذكرنا لعمرو، فقال: أراه قد ذكرَه " (1) .
/ ش- عمرو بن دينار [1/270-ب]
قوله: " فاعتزل رجل من القوم " قيل: هو: حزم بن أبي كعب،
وقيل: حرام بن ملحان، وقيل: حازم، وقيل: سليم.
قوله: " أصحاب نواضح " النواضح جمع ناضح، وهو: البعير الذي
يستقى عليه، والأنثى ناضحة، سميت بذلك لنضحها الماء باستقائها،
والنضح، الرش، وأراد: إنا أصحاب عمل وتعب فلا نستطيع تطويل الصلاة.
قوله: " فقرأ سورة البقرة " فيه دليل على جواز قول من جوز أن يقال:
سورة البقرة، وسورة النساء، وسورة المائدة، ونحوها، ومنعه بعض السلف، وزعم أنه لا يقال إلا السورة التي يذكر فيها البقرة، ونحو هذا،
والحديث الصحيح حجة عليه.
قوله: " أفتان أنت؟ ! " أي: منفر عن الدين، وصاد عنه، ففيه
الإنكار على من ارتكب ما يُنهى عنه، وإن كان مكروها غير محرم، وفيه
جواز الاكتفاء في التعزير بالكلام، وفيه الأمر بتخفيف الصلاة، والتعزير
على إطالتها، إذا لم يرض الجماعة.
قوله: " فقال أبو الزبير " محمد بن مسلم بن تدرس المكي: (سبح
اسْمَ ربكَ الأعْلَى) أي: اقرأ سورة (سبح اسْمَ ربِّكَ الأعْلَى) في
الركعة الأولى، واقرأ في الثانية: (واللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى) ، وفي " مسند
__________
(1) البخاري: كتاب الأذان، باب: من شكا إمامَه إذا طول (705) ، مسلم:
كتاب الصلاة، باب: أمر الأئمة بتخفيف الصلاة في تمام (465) ، النسائي:
كتاب الافتتاح، باب: القراءة في العشاء الآخرة ب (الشمس وضحاها)
(2 / 2 0 1) ، وانظر: (2 / 97، 68 1، 172) .(3/447)
السراج، (1) : فقال النبي- عليه السلام-: " أما يكفيك أن تقرأ ب (السمَاء وَالطَّارق) ، (والشَّمْس وَضُحَاهَا) ، وعند السفاقسي: (إذا السَمَاءُ انفًطَرَتْ) ، و (اقْرَأ بِاسْم ربكَ)
قوله: " فذكرنا (2) لعمرو " أي: عمرو بن دينار، وقد استدل الشافعي بهذا الحديث في جواز اقتداء المفترض بالمتنفل، ولم يجوزه أبو حنيفة، ومالك، وربيعة، والزهري، وابن المسيب، والنخعي، وأبو قلابة، ويحيى بن سعيد الأنصاري، والحسن البصري، ومجاهد، وآخرون، وأجبنا عن الحديث: إما أنه منسوخ، أو كان معاذ يصلي مع النبي- عليه السلام- متنفلاً، ومع قومه فرضاً، واستوفينا الكلام فيه في باب 00. (3) والحديث أخرجه: البخاري، ومسلم، والنسائي، وابن حبان، وغيرهم.
767- ص- نا موسى بن إسماعيل، ثنا طالب بن حبيب، قال: سمعت عبد الرحمن بن جابر، يحدث عن حزم بن أبي كعب (4) " أنه أتى مُعاذا وهو يُصلي بقومٍ صَلاةَ المغرب- في هذا الخبر- قال: فقالت رسولُ الله: يا معاذُ، لا تكنْ فَتَّانا، فإنه يُصَلى وراءَكَ: الكبيرُ، والضعيفُ، وذو الحَاجَة والمُسافرُ " (5) .
ش- طالب بن حبيب بن عمرو بن سهل بن قيس الأنصاري المدني الضجيعِي، ويقال: طالب ابن ضَجِيع، لأن جَده ضجيعُ حمزةَ بن عبد الَمطلب. سمع: عبد الرحمن ومحمدا ابني جابر بن عبد الله. روى عنه: موسى بن إسماعيل، وأبو داود الطيالسي، ويونس بن محمد
__________
(1) عزاه الشيخ الألباني في " الإرواء " (1 / 330) إلى " مسند السراج " (ق 33 / 1) ، و (ق 33 / 2) ، و (ق 35 / 1) ، وقال: سنده صحيح.
(2) في الأصل: " فيذكرنا ".
(3) بياض في الأصل، وقد تقدم الكلام علي في " باب إمامة من يصلي بقوم وقد صلى تلك الصلاة"
(4) في سنن أبي داود: " حزم بن أبي بن كعب " خطأ.
(5) تفرد به أبو داود.(3/448)
المؤدب. قال البخاري: فيه نظر. وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس
به. روى له أبو داود (1) .
وعبد الرحمن بن جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري
السلمي المدني أخو محمد. سمع: أباه، وأبا بردة بن نيار، وحزم بن
أبي كعب. روى عنه: سليمان بن يسار، وعاصم بن عمرو بن قتادة،
وطالب بن حبيب، وغيرهم. وقال ابن سعد: في روايته، ورواية أخيه ضعف، وليس يحتج بهما. وقال أحمد بن عبد الله: عبد الرحمن بن
جابر ثقة. روى له الجماعة (2) .
وحزم بن أبي كعب الأنصاري الصحابي، روى عنه: عبد الرحمن بن
جابر، روى له أبو داود (3) .
قوله: " في هذا الخبر " أي: الخبر المذكور الذي رواه عمرو بن دينار،
عن جابر، وقال أبو حاتم: فيه دلالة أن المغرب ليس له وقت واحد،
ورد البيهقي رواية المغرب، وقال: إن رواية العشاء أصح.
قوله: " الكبير " أي: الكبير في السن، والضعيف أعم من أن يكون
سقيما في بدنه، أو في عضو من أعضائه، وفيه من الفقه: أن الإمام لا
ينبغي أن يطول بالصلاة على الجماعة، ولا سيما إذا كان في مسجد
الشوارع والطرقات، ومسجد الأسواق، أو إمام قوم كسالى، فإذا رضي
القوم به لا يكره التطويل.
768- ص- نا عثمان بن أبي شيبة، نا حسين بن علي، عن زائدة، عن
سليمان، عن أبي صالح، عن بعض أصحاب النبي- عليه السلام- قال:
قال النبي- عليه السلام- / لرجل: " كيفَ تقولُ في الصلاة ِ؟ قال: [1/271-أ]
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (13 / 2956) .
(2) المصدر السابق (17 / 0 378) .
(3) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (1 / 88 3) ، وأسد الغابة (2 / 4) ،والإصابة (1 / 325) .
29. شرح سنن أبي داوود 3(3/449)
أَتشهدُ، وأقولُ: اللهُمَ إني أسألُكَ الجنةَ، وأَعوذُ بك من النار، أمَا إني لا أحْسِنُ دندَنَتَكَ، ولا دَنْدَنَةَ مُعاذ، فقال- عليه السلام-:َ حَوْلَهُمًا (1) نُدَنْدِنُ " (2) .
ش- حسين بن علي الجعفي الكوفي، وزائدة بن قدامة، وسليمان بن مهران الأعمش، وأبو صالح ذكوان الزيات.
قوله: " دندنتك " الدندنة: قراءة مبهمة- غير مفهومة، والهينمة مثلها، أو نحوها.
قوله: " حولهما " أي: حول الجنة والنار، " ندندن " أي: في طلبهما من دندن الرجل إذا اختلف في مكان واحد مجيئا وذهابا. وقال ابن الأثير (3) : " وفي رواية عنهما: " ندندن " معناه: أن دندنتنا صادرة عنهما وكائنة بسببيهما ". والحديث أخرجه: ابن ماجه من حديث أبي صالح، عن أبي هريرة، وذكر الخطيب أن هذا الرجل الذي قال له النبي: " كيف تقول " هو سليم الأنصاري السلمي. وفيه من الفقه: أن التخفيف في الأدعية من الصلاة مطلوب، ولذلك حسن النبي- عليه السلام- كلام الرجل بقوله: " حولهما ندندن "، ولا سيما إذا كان إماما، حتى قال البعض: إذا عرف الإمام ملل القوم يترك الأدعية بالكلية.
769- ص- نا يحيى بن حبيب، نا خالد بن الحارث، نا محمد بن عجلان، عن عبيد الله بن مقسم، عن جابر، ذكر قصة معاذ، قال: وقال- يعني: النبي- عليه السلام- للفتى: " كَيفَ تَصنعُ نا ابنَ أخي إذا صَلَّيتَ؟ قال: أَقرأ بفاتحة الكتاب، وأَسألُ الله الجنةَ، وأعوذُ به من النار، وإني لا أَدرِي ما دندنَتُكً وَدنْدًنَةُ (4) مُعاذ، فقال رسول الله: إني ومُعاذاً حولَ هاتين، أو نحوَ هذا " (5) .
__________
(1) في سنن أبي داود: " حولها "
(2) ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب: ما يقال في التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم (910) .
(3) النهاية (2 / 137) .
(4) في سنن أبي داود:" ولا دندنة ".
(5) تفرد به أبو داود.(3/450)
ش- الفتى: هو سليم الأنصاري.
قوله:" ومعاذا " بالنصب، عطف على اسم " إن " في قوله: " إني " وخبره محذوف، والتقدير: إني ومعاذا ندندن حول هاتين أي: الجنة، والنار، و " حول " منصوب على الظرفية، والعامل فيه الخبر المقدر. قوله: " أو نحو هذا " شك من الراوي، والحديث أخرجه: ابن خزيمة في " صحيحه " (1) .
770- ص- نا القعنبي، عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبى هريرة، أن النبي- عليه السلام- قال: " إذا صلى أحدُكم للناسِ فَليخَففْ، فإن فيهم الضعيفَ، والسقيمَ، والكَبيرَ، وإذَا صَلَّى لنفسه فليُطَولْ مَا شَاءَ" (2) .ً
ش- الحديث أخرجه: البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وفي لفظ لمسلم: " والمريض "، وفي لفظ له: " الصغير، والكبير، والضعيف، والمريض، وذا الحاجة "، والفرق بين الضعيف والسقيم: أن الضعيف أعم من السقيم، لأن السقيم من استقام وهو المرض، والضعيف من الضعف، وهو خلاف القوة، فلا يلزم أن يكون ضعيف القوة سقيما كالشيخ الصحيح، فإنه ضعيف القوة غير سقيم.
قوله: " وإذا صلى لنفسه " معناه: إذا صلى منفردا فليطول ما شاء، وفي رواية عبد الرزاق: " وإذا قام وحده فليطل صلاته
"، وفي " مسند السراج ": " وإذا صلى وحده فليطول إن شاء "، وفي رواية لمسلم: " وإذا صلى وحده فليصل كيف شاء ".
__________
(1) (1 / 358- 359) كتاب الصلاة.
(2) البخاري: كتاب الأذان، باب: من شكا إمامه إذا طال (704) ، مسلم: كتاب الصلاة، باب: أمر الأئمة بتخفيف الصلاة (467) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاه إذا أم أحدكم بالناس فليخفف (236) ، النسائي: كتاب الإمامة، باب: ما على الإمام من التخفيف (2 / 94) .(3/451)
وفيه من الفقه: أن الإمام ينبغي أن لا يطول بالصلاة على الجماعة، بل يخففها، بحيث لا يخل بسننها ومقاصدها، وأنه إذا صلى لنفسه طول ما شاء في الأركان التي تحتمل التطويل كالقيام، والركوع، والسجود، دون الاعتدال، والجلوس بين السجدتين.
771- ص- نا الحسن بن علي، نا عبد الرزاق، أنا معمر، عن الزهري، عن ابن المسيب وأبي سلمة (1) ، عن أبي هريرة، أن النبي- عليه السلام- قال: " إذَا صلى أحدُكُم للناسِ فليخفف،، فإن فيهمُ السقيمَ، والشيخَ الكَبِيرَ، وذا الحَاجَةِ " (2) .
ش - عبد الرزاق بن همام، ومعمر بن راشد، وأبو سلمة عبد الله بن عبد الرحمن.
فإن قيل: ما حكم الأمر المذكور في هذه الأحاديث؟ قلت: أمر ندب واستحباب، وقيل: أمر وجوب، حتى أوجب على الإمام تخفيف الصلاة بمطلق الأمر، قلنا: القرينة الدالة على ما ذكرنا تنفى الوجوب، والله أعلم.
***
[1/271-ب] / 121- باب: تخفيف الصلاة للأمر يحدث
أي: هذا باب في بيان تخفيف الصلاة لأجل أمر يحدث.
772- ص- نا عبد الرحمن بن إبراهيم، نا عمر بن عبد الواحد، وبشر
ابن بكر، عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن عبد الله بن أبي قتادة
عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إني لأقُومُ إلى الصلاة وأنا أريدُ أنْ
أطَولَ فيها، فأسْمَعُ بُكَاءَ الصبي، فأتَجَوزَ كَرَاهِيَة أنْ أشُق على أمهِ " (3) .
__________
(1) في الأصل:" عن ابن المسيب، عن أبي سلمة " خطأ، وانظر: التحفة (10 / 13304) ، و (11 / 15288) .
(2) انظر الحديث السابق.
(3) البخاري: كتاب الأذان، باب: من أخف الصلاة عند بكاء الصبي (707) ، =(3/452)
ش- عبد الرحمن بن إبراهيم القرشي الدمشقي، وعمر بن عبد الواحد
الدمشقي.
وبشر بن بكر التنيسي الدمشقي أبو عبد الله البجلي. سمع: الأوزاعي، وحريز بن عثمان، وعبد الرحمن بن زيد، وغيرهم. روى عنه: الإمام الشافعي، وابن وهب، وهما أقدم وفاة منه، وعبد الله بن الزبير الحميدي، وغيرهم. قال أبو زرعة: ثقة. وقال أبو حاتم: ما به بأس. مات سنة خمس ومائتين. روى له: البخاري، وأبو داود، وابن ماجه (1) .
قوله: " فأتجوز " من التجوز، والمراد به: تقليل القراء ة كما ذكره ابن سابط وغيره، كما جاء في رواية مسلم: " فيقرأ السورة الخفيفة "، واستدل بعض الشافعية بهذا على ابن الإمام إذا كان راكعا فأحس بداخل يريد الصلاة معه، ينتظره ليدرك معه فضيلة الركعة في جماعة، وذلك لأنه إذا كان له ابن يحذف من طول الصلاة لحاجة الإنسان في بعض أمور الدنيا، كان له أن يزيد فيها لعبادة الله تعالى، بل هذا أحق وأَوْلى. وقال القرطبي: ولا دلالة فيه، لأن هذا زيادة عمل في الصلاة، بخلاف الحذف. وقال ابن بلال: وممن أجاز ذلك الشعبي، والحسن، وعبد الرحمن بن أبي ليلى. وقال آخرون: ينتظر ما لم يشق على أصحابه، وهو قول أحمد، وإسحاق، وأبي ثور. وقال مالك: لا ينتظر، لأنه يضر مَن خلفه، وهو قول الأوزاعي، وأبي حنيفة، والشافعي. وقال السفاقسي، عن سحنون: إن صلاتهم باطلة.
قلت: هذه رواية عن بعض أصحابنا، حتى قال بعضهم: يخشى عليه
__________
= مسلم: كتاب الصلاة، باب: أمر الأئمة بتخفيف الصلاة في تمام (191- 470) ، النسائي: كتاب الإمامة، باب: ما على الإمام من التخفيف (824) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: الإمام يخفف الصلاة إذا حدث أمر (911) .
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (4 / 679) .(3/453)
الكفر، وقيل: إذا لم يعرف الداخل لا يكره، وقيل: إن كان الداخل غنيا يكره، وإن كان فقيرا لا يكره.
قوله: " كراهية " نصب على التعليل، أي: لأجل كراهية أن أشق، ومحل " أن " الجر بالإضافة، وهي مصدرية، والتقدير: كراهية الشق. وفيه من الفقه: الدلالة على الرفق بالقوم، وسائر الأتباع، ومراعاة مصلحتهم، وأن لا يدخل عليهم ما يشق عليهم، دان كان يسيراً، من غير ضرورة، وفيه جواز صلاة النساء مع الرجال في المسجد، وأن الصبي يجوز إدخاله في المسجد، دان كان الأولى تبرئة المسجد عمن لا يؤمن منه الحدث، والحديث أخرجه: البخاري، ومسلم من حديث قتادة، عن أنس بن مالك، وأخرجه النسائي، وابن ماجه أيضاً.
773- ص- نا (1) قتيبة بن سعيد، عن بكر بن مضر، عن ابن عجلان، عن سعيد المقبري، عن عمر بن الحكم، عن عبد الله بن عَنمةَ المزني، عن عمار بن ياسر، قال: سمعت رسول الله- عليه السلام- يقول: " إن الرجُلَ لَيَنْصَرفُ وما كُتبَ له إلا عُشرُ صلاة (2) ، تُسعُها، ثُمُنُها، سُبُعُها، سُدسُها، خُمسُها، رُبُعُها، ثُلُثُها، نِصْفُها " (3) .
ش- بكر بن مضر بن محمد المصري.
وعمر بن الحكم بن ثوبان الحجازي المدني. روى عن: عبد الله بن عمرو بن العاص، وأبي سعيد الخدري، وأبي هريرة، وأبي سلمة بن عبد الرحمن. روى عنه: سعيد المقبري، ويحيى بن سعيد الأنصاري، ويحيى بن أبي كثير، ومحمد بن عمرو بن علقمة. روى له الجماعة (4) . وعبد الله بن عنمة- بفتح العن المهملة، وفتح النون- ويقال: بسكون النون، ويقال: عثمة- بالثاء المثلثة الساكنة- المدني. روى عن:
__________
(1) جاء هذا الحديث في سنن أبي داود تحت: " باب ما جاء في نقصان الصلاة ".
(2) في سنن أبي داود:" صلاته ".
(3) النسائي في الكبرى، كتاب الصلاة.
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (21 / 4219) .(3/454)
عمار بن ياسر- رضي الله عنه- روى عنه: عمر بن الحكم بن ثوبان. روى له: أبو داود (1) .
قوله: " وما كتب له " الواو فيه للحال، والمعنى: أن الناس تختلف أحوالهم في ثواب صلواتهم على حسب حالاتهم في إقامتها، فمنهم من يحصل له ثواب عشر صلاة، ومنهم تسعها، ومنهم ثمنها إلى نصفها، فالرجل السعيد أن يحصل له ثواب كلها.
***
/ 122- باب: القراءة في الظهر [1/272-أ]
أي: هذا باب في بيان حكم القراءة في صلاة الظهر.
774- ص- نا موسى بن إسماعيل، نا حماد، عن قيس بن سعد، وعمارة بن ميمون، وحبيب، عن عطاء بن أبي رباح، أن أبا هريرة قال: " في كُل صَلاة يُقرأُ (2) ، فما أسمعَنَا النبيُّ- عليه السلام- أسمعنَاكُم، وما أَخفَى عَلَينَا أخفينا عَليكُم " (3) .
ش- حماد بن سلمة، وقيس بن سعد المكي.
وعمارة بن ميمون، روى عن: عطاء، روى عنه: حماد بن سلمة، روى له: أبو داود (4) .
وحبيب بن أبي قُريبة المعلم البصري، روى له: مسلم.
قوله: " في كل صلاة يقرأ " يعني: في كل صلاة لا بد من قراءة
القرآن.
__________
(1) المصدر السابق (15 / 3468) .
(2) في الأصل: " تُقرأ " كذا، فلعله أراد أنها بالتاء والياء.
(3) البخاري: كتاب الأذان، باب: القراءة في الفجر (772) ، مسلم: كتاب الصلاة، باب: وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة ... (396 / 42، 44) ، النسائي: كتاب الافتتاح، باب: قراءة النهار (2 / 163) .
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (21 / 98 41) .(3/455)
وقوله: " يقرأ " على صيغة المجهول، أي: يقرأ القرآن، وروي:" نقرأ " بالنون، أي: في كل صلاة نقرأ نحن القرآن.
قوله: " فما أسمعنا النبي " يعني: الذي أسمعنا النبي إياه، أراد بالذي جهر فيه بالقراءة كالمغرب، والعشاء، والصبح أسمعناكم إياه، والذي أخفاه علينا كالظهر، والعصر أخفينا عليكم، وقد أجمعت الأمة على الجهر بالقراءة في الصبح، والأولين في المغرب، والعشاء، وفي الجمعة، وعلى الإسرار في الظهر، والعصر، وثالثة المغرب والأخريين من العشاء، واختلفوا في العيد، والاستسقاء، أما العيد فإنه يجهر فيه عندنا، وعند الشافعي، وأما الاستسقاء فليس فيه صلاة عند أبي حنيفة، وإنما هو دعاء واستغفار. وقال أبو يوسف، ومحمد: يصلي الإمام بالناس ركعتن، ويجهر فيهما بالقراءة، وبه قال الشافعي، ومالك، وأحمد، وأما صلاة الكسوف والخسوف، فلا جهر فيها عند أبي حنيفة، ومحمد. وقال أبو يوسف: فيها الجهر، وبه قال أحمد. وقال الشافعي: يسر بها نهارا، ويجهر ليلاً، وأما باقية النوافل ففي النهار لا جهر فيها، وفي الليل يتخير. وقال الشيخ محيى الدين: وفي نوافل الليل قيل: يجهر فيها، وقيل: بين الجهر، والإسرار. والحديث أخرجه: البخاري، ومسلم، وا لنسائي.
775- ص- نا مسدد، نا يحيى، عن هشام بن أبي عبد الله ح، ونا ابن المثنى، نا ابن أبى عدي، عن الحجاج- وهذا لفظه- عن يحيى، عن عبد الله ابن أبي قتادة، قال ابن المثنى: وأبي سلمة، ثم اتفقا على أبي قتادة، قال: "كان النبي- عليه السلام- يُصفي بنا، فَقَرأ في الظهر، والعَصرِ في الركعتين الأولَين بفاتحة الكتابِ وسورتينِ، ويُسْمعُنَا الآيةَ أحيانا، وكان يُطَولُ الرَكعةَ الأولَى منَ الظهَرِ، ويُقصرُ الثانيةَ، وكذَلك في الصبح ".
لم يذكر مسدد فاتحة الكتاب وسورة (1) .
__________
(1) البخاري: كتاب الأذان، باب: القراءة في الظهر (759) ، مسلم: كتابة(3/456)
ش- يحيى القطان، وهشام بن أبي عبد الله الدَستوائي البصري،
وابن المثنى هو: محمد بن المثنى، وابن أبي عدي هو: محمد بن أبي عدي، والحجاج هو: ابن أبي عثمان الصواف، ويحمص الثاني هو: يحيى بن أبي كثير، وأبو سلمة هو: عبد الله بن عبد الرحمن.
قوله، " وهذا لفظه " أي: لفظ الحجاج الصواف، عن يحيى بن
أبي كثير.
قوله: " قال ابن المثنى: وأبي سلمة " أي: قال محمد بن المثنى: يحمى عن عبد الله بن أبي قتادة، وعن أبي سلمة أيضاً، ثم اتفق كلاهما على أبي قتادة الحارث بن ربعي.
قوله: " في الركعتين الأولين بفاتحة الكتاب " فيه دليل على وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة من الأولين من ذوات الأربع، والثلاث، وكذلك جمع السورة إلى الفاتحة، وفيه استحباب قراءة سورة قصيرة بكمالها، وأنها أفضل من قراءة بقدرها من طويلة، وفي " شرح الهداية ": إن قراءة بعض سورة في ركعة، وبعضها في الثانية الصحيح أنه لا يكره، وقيل: يكره، ولا ينبغي أن يقرأ في الركعتين من وسط السورة، ومن آخرها، ولو فعل لا بأس به، وفي النسائي: " قرأ رسول الله من سورة المؤمنين إلى ذكر موسى وهارون، ثم أخذته سعلة فركع " (1) ، وقال في " المغني ": لا يكره قراءة آخر السورة، وأوساطها في إحدى الروايتين عن أحمد، والرواية الثانية مكروهة.
قوله: " ويسمعنا الآية أحيانا " أي: في بعض الأحيان، أي: الأوقات، هذا محمول على أنه أراد بأن جواز الجهر في القراءة السرية، وأن الإسرار
__________
الصلاة، باب: ما جاء في القراءة في الظهر والعصر (451) ، النسائي: كتاب الافتتاح، باب: تطويل القيام في الركعة الأولى من صلاة الظهر (2 / 164) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: الجهر بالآية أحيانا في صلاة الظهر والعصر (829) .
(1) النسائي: كتاب الافتتاح، باب: قراءة بعض السورة (2 / 176) .(3/457)
ليس بشرط لصحة الصلاة، بل هو سُنة، ويحتمل أن الجهر بالاَ ية كان
يحصل بسبق اللسان للاستغراق في التدبر.
[1/272-ب] قوله: " وكان يطول الركعة الأولى من الظهر / ويقصر الثانية " أي: الركعة الثانية، وبه استدل محمد بن الحسن في أن تطويل الركعة الأولى
على الثانية في جميع الصلوات، وبه قال بعض الشافعية، وعند
أبي حنيفة، وأبي يوسف: يسوي بين الركعتين إلا في الفجر، فإنه يطول
الأولى على الثانية، وبه قال بعض الشافعية، والجواب عن الحديث: إنه
كان يطول الأولى بدعاء الاستفتاح، والتعوذ، أو استماع دخول داخل في
الصلاة ونحوه، لا في القراءة.
قوله: " وكذلك في الصبح " أي: وكذلك كان يطول الركعة الأولى في
صلاة الصبح، وهذا بالإجماع، لأنه وقت نوم وغفلة. والحديث
أخرجه: البخاري، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه.
776- ص- نا الحسن بن علي، نا يزيد بن هارون أنا همام، وأبان بن
يزيد العطار، عن يحيى، عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه بعض هذا،
وزاد: " وفي الأخْرَيَين بفاتحة الكتاب "، وزاد عن همام، قال: " وكانَ
يُطَولُ في الركعة الأولَى مَا لا يُطَولُ في الثانية، وهكذا في صَلاة العصر،
وهكذا في صلاةَِ الغَدَاةِ " (1) .
ش- همام بن يحيى العوذي.
قوله: " ببعض هذا " أي: الحديث المذكور، وزاد فيه: " وفي
الأخريين " يعني: قرأ في الأخريين بفاتحة الكتاب. وقال الشيخ محيي
الدين (2) : " وفي هذه الأحاديث دليل على أنه لا بد من قراءة الفاتحة في
جميع الركعات، ولم يوجب أبو حنيفة في الأخريين قراءة، بل خيره بين
القراءة والتسبيح، والسكوت، والجمهور على وجوب القراءة، وهو
الصواب الموافق للسنن الصحيحة ".
__________
(1) انظر التخريج المتقدم.
(2) شرح صحيح مسلم (4/ 175) .(3/458)
قلت: إنما لم يوجب أبو حنيفة القراءة في الأخريين " روى أبو بكر، قال: نا شريك، عن أبي إسحاق، عن عليّ، وعبد الله، أنهما قالا: " اقرأ في الأولين، وسبح في الأخريين ".
ونا أبو الأحوص، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي، أنه قال: " يقرأ في الأوليين، ويسبح في الأخريين ".
حدثنا جرير، عن منصور، قال: قلت لإبراهيم: ما نفعل في الركعتين الأخريين من الصلاة؟ قال: " سبح، واحمد الله، وكبر ". حدثنا حفص بن غياث، عن حجاج، عن ابن الأسود، قال: "يقرأ في الركعتين الأولين بفاتحة الكتاب، وسورة، وفي الأخريين يسبح، ويكبر ".
وكفى أبا حنيفة علي- رضي الله عنه- قدوة في الباب، على أن الحسن روى عن أبي حنيفة: إن القراءة في الأخريين واجبة، حتى لو تركها ساهيا يلزمه سجدة السهو، واتفق أصحابنا كلهم على أن القراءة أفضل في الأخريين، وكل حديث ورد بالقراءة في الأخريين محمول على الفضيلة.
قوله: " وزاد: عن همام " أي: زاد يزيد بن هارون: عن همام بن يحيى، وقد أجبنا عن وجه هذه الزيادة.
777- ص- نا الحسن بن عليّ، نا عبد الرزاق، أنا معمر، عن يحيى، عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه، قال: " فَظَننا أنه يُريدُ بذلكَ أن يُدْركَ الناسُ الركعةَ الأولى " (1) .
ش- عبد الرزاق بن همام، ومعمر بن راشد، ويحيى بن أبي كثير. قوله: " يريد بذلك " بتطويله الأولى على الثانية، وقد ذكرنا هل يجور ليمام أن يطول لأجل إدراك داخل أم لا.
__________
(1) انظر الحديث قبل السابق.(3/459)
778- ص- نا مسدد، نا عبد الواحد بن زياد، عن الأعمش، عن
عمارة بن عمير، عن أبي معمر، قال: " قُلنا لخَباب: هلْ كانَ رسولُ الله
- عليه السلام- يَقرأ في الظهر، والعصر؟ قال: نعَم، قال (1) : بم كُنتمَ
تَعرفونَ (2) ؟ قال: باضطرابِ لَحيتِهِ " (3) .
ش- أبو معمر: عبد الله بن سخبرة.
وخباب بن الأرت بن جندلة بن سعد بن خزيمة بن كعب بن سعد
أبو عبد الله، شهد بدرا مع رسول الله، روي له عن رسول الله اثنان
وثلاثون حديثا، اتفقا على ثلاثة أحاديث، وانفرد البخاري بحديثين،
ومسلم بواحد. روى عنه: قيس بن أبي حازم، ومسروق، وأبو معمر.
نزل الكوفة، ومات بها سنة سبع وثلاثين، وهو ابن ثلاث وسبعينَ سنة،
وصلى عليه علي بن أبي طالب. روى له الجماعة (4) .
قوله: " باضطراب لحيته " أي: بحركتها، وفي بعض النسخ: " لحييه "
بفتح اللام، وبالياءين، أوليهما مفتوحة، والأخرى ساكنة، وهي تثنية
" لحي " بفتح اللام، وسكون الحاء، وهي: منبت اللحية من الإنسان
وغيره. ويستفاد من الحديث مسألتان، الأولى: وجوب القراءة في الصلاة، والثانية: وجوب الإخفاء في الظهر، والعصر. والحديث
أخرجه: البخاري، والنسائي، وابن ماجه.
ثم إن الرجل إن جهر فيما يخافت فيه، أو خافت فيما يجهر فيه،
فعند أبي حنيفة يسجد للسهو، وعن أبي يوسف: إن جهر بحرف يسجد،
[1/273-أ] وفي رواية عنه: إن زاد في المخافتة / على ما سمع أذنيه تجب سجدتا السهو، والصحيح إذا جهر مقدار ما تجور به الصلاة، وقال بعض
__________
(1) في سنن أبي داود: " قلنا ".
(2) في سنن أبي داود: " تعرفون ذاك".
(3) البخاري: كتاب الأذان، باب: رفع البصر إلى الإمام في الصلاة (746) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: القراءة في الظهر والعصر (826) .
(4) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (1 / 423) ، وأسد الغابة (2 / 114) ، والإصابة (1 / 416) .(3/460)
أصحابنا: الإسرار سنة، وليس بواجب، وفي " المصنف ": وممن كان يجهر بالقراءة في الظهر، والعصر: خباب بن الأرت، وسعيد بن جبير، والأسود، وعلقمة، وعن جابر، قال: " سألت الشعبي، وسالماً، وقاسما، والحكم، ومجاهدا، وعطاء عن الرجل يجهر في الظهر، والعصر، فقالوا: ليس علي سهو ". وعن قتادة: أن أنسا جهر بهما فلم يسجد، وكذا فعله سعيد بن العاص إذ كان أميراً بالمدينة، ويستدل من رأى الإسرار واجبا بما في " المصنف ": عن يحيى بن أبي كثير، قالوا: " يا رسول الله، إن هنا قوماً يجهرون بالقراءة بالنهار، فقال: ارموهم بالبعر"، وعن الحسن، وأبي عبيدة: صلاة النهار عجماء، وقد قيل: إن هذا حديث، وليس بصحيح، وسمع ابن عمر رجلاً يجهر بالقراءة نهارا، فقال له: " إن صلاة النهار لا يجهر فيها بالقرآن، فأسر قراءتك ".
779- ص- نا عثمان بن أبي شيبة، نا عفان، نا همام، نا محمد بن جُحادةَ، عن رجل، عن عبد الله بن أبي أوفى: " أن النبي- عليه السلام- كان يَقومُ في الركعةِ الأولى مِن صَلاةِ الظُّهرِ حتى لا يَسْمَعَ وَقع القَدمَ " (1) . ش- عفان بن مسلم البصري، وهمام بن يحيى.
وعبد الله بن أبي أوفى: علقمة بن خالد بن الحارث بن أبي أسيد
- بفتح الهمزة- بن رفاعة بن ثعلبة أبو إبراهيم، أو أبو محمد، أو أبو معاوية الأسلمي، أخو زيد، شهد بيعة الرضوان، روي له عن رسول الله- عليه السلام- خمسة وتسعون حديثا، اتفقا على عشرة، وانفرد البخاري بخمسة، ومسلم بحديث. روى عنه، طلحة بن مصرف، وإسماعيل بن أبي خالد، وعمرو بن مرة، وغيرهم، نزل الكوفة، ومات بها سنة ست وثمانين، وهو آخر من مات من الصحابة بالكوفة. روى له الجماعة (2) .
__________
-
(1) تفرد به أبو داود.
(2) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (2 / 264) ، وأسد الغابة (3 / 182) ، والإصابة (2 / 279) .(3/461)
والحديث معلول برجل مجهول.
قوله:" وقع القدم " بسكون القاف، وهو سقوطه، والمراد منه: حسه، وفي رواية: " وقع قدم " بدون التعريف، وروى أبو بكر بن أبي شيبة بهذا الإسناد بعينه، عن ابن أبي أوفى، أن النبي- عليه السلام- كان ينتظر ما سمع وقع نصل علي.
***
123- باب: تخفيف الأخريين
أي: هذا باب في بيان التخفيف في الركعتين الأخريين، وفي بعض النسخ: " باب ما جاء في تخفيف الأخريين ".
780- ص- نا حفص بن عمر، نا شعبة، عن محمد بن عبيد الله أبي عون، عن جابر بن سمرة، قال: قال عمرُ لسعد: قد شَكَاكَ الناسُ في كلِّ شيء حتى في الصلاةِ! قال: " إذا أنَا فأمدُّ في الأولَيَينِ، أو كما قال، وأحذفُ في الأخْرَيين، وما آلو ما اقتديتُ (1) من صلاة رسول الله، قال: ذاك الظنُّ بكَ " (2) .ً
ش- أي: قال عمر بن الخطاب لسعد بن أبي وقاص- رضي الله عنهما-.
قوله: " أما أنا فأمد في الأوليين " أي: أطول.
قوله: " أو كما قال " شك من الراوي، وفي رواية البخاري ومسلم:
" إني لأر كد بهم في الأوليين ".
قوله:" وأحذف في الأخريين " يعني: أقصرهما عن الأولين لا أنه
__________
(1) في سنن أبي داود:" ولا آلو ما اقتديت به ".
(2) البخاري: كتاب الأذان، باب: وجوب القراءة للأمام وا"موم في الصلوات كلها في الحضر والسفر، وما يجهر فيها وما يخافت (755) ، مسلم: كتاب الصلاة، باب: القراءة في الظهر والعصر (159- 453) ، النسائي: كتاب الافتتاح، باب: الركود في الركعتين الأوليين (2 / 174) .(3/462)
يُخلهما بالكلية، وقد استدل به البعض لأبي حنيفة في أن لا قراءة في
الأخريين، لأن ظاهر العبارة يدل على أنه كان يحذف القراءة، أي:
يتركها في الأخريين.
قوله: " وما آلو " بالمد في أوله، وضم اللام، أي: ما أقصر فيما
اقتديت به من صلاة رسول الله، ومنه قوله تعالى: (لا يَألُونَكُمْ
خَبالا) (1) من آل يألو، فهو آل، وهي آلية، وجمعها أوال، وتمام
الحديث في " الصحيحين " عن جابر بن سمرة: " شكى أهل الكوفة
سعداً إلى عمر، فعزله، واستعمل عليهم عمارا، فشكوا حتى ذكروا أنه
لا يحسن يصلي، فأرسل إليه، فقال: يا أبا إسحاق، إن هؤلاء
يزعمون أنك لا تحسن تصلي! قال: أما أنا، والله فإني كنت أصلي بهم
صلاة رسول الله ما أخرم عنها، أصلي صلاة العشاء، فأركد في الأوليين،
وأحذف في الأخريين، قال: ذاك الظن بك نا أبا إسحاق، فأرسل معه
رجلاً، أو رجالا إلى الكوفة، يسأل عنه أهل الكوفة، ولم يدع مسجدا
إلا سأل عنه، ويثنون معروفا، حتى دخل مسجدا لبني عبس، فقام رجل
منهم يقال له: أسامة بن قتادة- يكنى أبا سعدة- قال: أما إذا نشدتنا،
فإن سعدا كان لا يسير بالسرية، ولا يقسم بالسوية، ولا يعدل في
القضية، قال سعد: أما والله لأدعون / بثلاث، اللهم إن كان عبدك هذا [1/273-ب] كاذبا، قام رياء وسمعة: فأطل عمره، وأطل فقره، وعرضه للفتن،
فكان بعد إذا سئل يقول: شيخ كبير مفتون، أصابتني دعوة سعد، قال
عبد الملك: فأنا رأيته بعد قد سقط حاجباه على عينيه من الكبر، وإنه
ليتعرض للجواري في الطريق يغمزهن"
ويستفاد من الحديث فوائد، الأولى: أن الإمام إذا شكي إليه نائبه ينبغي
أن يبعث إليه، ويستفسر عن ذلك، ولا يسكت، فإن خاف من ذلك فتنة
أو مفسدة عزله، ويولي غيره، وإن لم يكن فيه خلل، ألا ترى كيف
__________
(1) سورة آل عمران: (118) .(3/463)
عزل عمر- رضي الله [عنه]- سعدا مع أنه لم يكن فيه خلل، ولا ثبت عنده ما يقدح في ولايته، وأهليته، وقد ثبت في " صحيح البخاري " في حديث مقتل عمر، والشورى، أن عمر قال: " إن أصابت الإمارة سعدا فذاك، وإلا فليستعن به أيكم ما أمر، فإني لم أعزله من عجز، ولا خيانة " (1) .
الثانية: جواز المدح للرجل الجليل في وجهه إذا لم يخف علي فتنة
الخليل
بإعجاب نفسه.
الثالثة: جواز خطاب الرجل الخليل/ الجليل بكنيته دون اسمه.
الرابعة: جواز ترك القراءة في الأخريين من ذوات الأربع.
الخامسة: فيه نفوذ دعوة الرجل الصالح.
السادسة: الاحتراز عن دعوة المظلوم.
781- ص- نا عبد الله بن محمد، نا هشيم، أنا منصور، عن الوليد بن مسلِم الهجيمي، عن أي الصديق الناجي، عن أبى سعيد الخدري، قال: "حَزرْنَا قيَامَ رسول الله- عليه السلام- في الظهر، والعصر، فَحَزَرْنَا (2) في الركَعتينِ الأولًيَينَ من الظهرِ قَدْرَ ثَلاثينَ آية قَدرَ: (الم تنزيل) السجدة، وحَزَرْنَا قيامَه في الأخْرَيين على النصف من ذلك، وَحزَرْنَا قِيامه في الأولَين من العَصرِ على قدرِ الأخْرَيين من الَظهرِ، وحَزَزنَا قيامَه في الأخْرَيينِ منَ العصرِ على النِّصفِ من ذلك " (3) .
ش- منصور بن المعتمر.
والوليد بن مسلم بن شهاب العنبري أبو بشر، يعد في البصريين.
__________
(1) البخاري: كتاب فضائل الصحابة، باب: قصة البيعة 000 (3700) .
(2) في سنن أبي داود:" فحزرنا قيامه ".
(3) مسلم: كتاب الصلاة، باب: القراءة في الظهر والعصر (452) ، النسائي: كتاب الصلاة، باب: عدد صلاة العصر في الحضر (1 / 237) .(3/464)
روى عن: طلحة بن نافع، وحِمران بن أبان، وأبي الصديق الناجي روى له مسلم، وأبو داود (1) .
قلت: قد يلتبس كثيراً لوليد بن مسلم هذا بالوليد بن مسلم الدمشقي على كثير من الناس، فلذلك أوضحته، والهُجَيمي- بضم الهاء، وفتح الجيم- نسبة إلى هجيم، والهجيم، والعنبر أخوان، وهما ابنا عمرو بن تميم.
وأبو الصديق الناجي اسمه: بكر بن عمرو، وقيل: ابن قيس البصري سمع: عبد الله بن عمر، وأبا سعيد الخدري. روى عنه: مطرف بن عبد الله، وقتادة، وعاصم الأحول، والوليد بن مسلم العنبري، وغيرهم. قال ابن معين، وأبو زرعة: ثقة. روى له الجماعة (2) . والناجي بالنون والجيم، نسبة إلى ناجية قبيلة.
قوله: " حزرنا " من حزرت الشيء أحزُره أحزِره بالضم والكسر حَزْراً، والحزر التقدير، والخرص.
قوله:" قدر (الم تنزيل) ، بدل من قوله: " قدر ثلاثين ".
قوله: " السجدة " يجوز فيه الجر على البدل، والنصب على تقدير: أعني، والرفع على أنها خبر مبتدأ محذوف، أي: هي السجدة، وسورة السجدة مكية، ثلاثون آية عند أهل الكوفة والمدينة، وتسع وعشرون عند أهل البصرة، وثلاثمائة وثمانون كلمة، وألف وخمسمائة وثماني عشر حرفا، واستدل به بعض أصحابنا أن يقرأ في الظهر في الركعتين الأوليين (3) منه ثلاثين آية، وكذا في الصبح، لاستوائهما في سَعة الوقت، وفي العصر يقرأ بخمسة عثر آية، وذلك من قوله: " وحزرنا قيامه في الأوليين من العصر على قدر الأخريين من الظهر "، وكان قدر الأخريين من الظهر قدر خمسة عشر آية، لأنه على النصف من قدر الأوليين،
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (1 3 / 6736) .
(2) المصدر السابق (4 / 751) .
(3) كذا.
.3. شرح سنن أبي داوود 3(3/465)
وقدر الأوليين كان قدر ثلاثين آية، وقال صاحب " الهداية ": ويقرأ في
الحضر في الفجر في ركعتن بأربعين آية، أو خمسين آية سوى فاتحة الكتاب، ويروى من أربعين إلى ستين، ومن ستين إلى مائة، وبكل ذلك
ورد الأثر، وجه التوفيق أنه يقرأ بالراغبين مائة، وبالكسالى أربعين، وبالأوسط ما بين خمسين إلى ستين، وقيل: ينظر إلى طول الليالي وقصرها، وإلى كثرة الاشتغال وقلتها، قال: وفي الظهر مثل ذلك،
أي: مثل الفجر، وقال في الأصل: أو دونه، لأنه وقت الاشتغال
[1/274-أ] / فينقص عنه، محرزا عن الملال، والعصر، والعشاء سواء، يقرأ فيهما بأوساط المفصل، وفي المغرب دون ذلك، يقرأ فيها بقصار المفصل،
والأصل فيه كتاب، عمر إلى أبي موسى الأشعري أن اقرأ في الفجر،
والظهر بطوال المفصل، وفي العصر، والعشاء بأوساط المفصل، وفي
المغرب بقصار المفصل ".
قلت: " (1) هذا بهذا اللفظ غريب، ولكن روى عبد الرزاق في
"مصنفه ": أخبرنا سفيان الثوري، عن عليّ بن زيد بن جدعان، عن
الحسن، وغيره قال: " كتب عمر إلى أبي موسى- رضي الله عنهما-
أن اقرأ في المغرب بقصار المفصل، وفي العشاء بوسط المفصل، وفي
الصبح بطوال المفصل ".
وروى البيهقي في " المعرفة " من طريق مالك، عن عمه أبي سهيل بن
مالك، عن أبيه: " أن عمر بن الخطاب كتب إلى أبي موسى: أن اقرأ
في ركعتي الفجر سورتين طويلتين من المفصل ".
وقال الترمذي في باب القراءة في الصبح: ورُوي عن عمر، أنه كتب
إلى أبي موسى: بأن اقرأ في الصبح بطوال المفصل " ثم قال في الباب
الذي يليه: ورُوي عن عمر أنه كتب إلى أبي موسى: " أن اقرأ في الظهر
__________
(1) انظر: نصب الراية (2 / 5) .
(2) قال الحافظ في " الدراية " (ص / 92) : " إسناده ضعيف منقطع ".(3/466)
بأوساط المفصل "، ثم قال في الباب الذي يليه: ورُوي عن عمر، أنه كتب إلى أبي موسى: " أن اقرأ في المغرب بقصار المفصل " (1) .
***
124- باب: قدر القراءة في صلاة الظهر والعصر
أي: هذا باب في بيان قدر القراءة في صلاة الظهر، وصلاة العصر، وفي بعض النسخ: " باب في قدر القراءة في الظهر ".
782- ص- نا موسى بن إسماعيل، نا حماد، عن سماك بن حرب، عن جابر بن سمرة: " أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الظهرِ، والعصر ب (السمَاءِ وَالطارِقِ) ، (والسماء ذاتَ البُرُوج) ونحوهما من السورِ" (2) .
ش- (والسماء والطارق) مكية، وهي سبع عشرة آية وإحدى وستون كلمة، ومائتان وتسع وثلاثون حرفا، (والسماء ذات البروج) مكية، وهي اثنتان وعشرون آية، ومائة وتسع كلمات، وأربعمائة وثمان وخمسون حرفا، وبهذا الحديث قال صاحب " المبسوط ": يقرأ في الظهر دون ما يقرأ في الفجر، وكان ذكر في الفجر خمسين آية، وفي رواية ستين، وفي رواية أربعين آية وما دون ذلك قدر سورة البروج. والحديث أخرجه: الترمذي، وفي روايته: " كان يقرأ في الظهر والعصر ب (السمَاء ذات البُرُوج) ، (والسمَاء وَالطارِقِ) وشبههما " قدم "البروج " عَلى "َ الطارق "- كما ترى- وفيَ رواية أبي داود على العكس، ولا يفهم من رواية أبي داود أنه كان يقرأ في الركعة الأولى (الطارق) ، وفي الثانية: (البروج) لأن الواو لا يدل على الترتيب، بل كان يقرأ أولا " البروج "، وثانيا " الطارق "، لأن " البروج " أطول من
__________
(1) إلى هنا انتهى النقل من نصب الراية.
(2) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في القراءة في الظهر والعصر (307) ، النسائي: كتاب الافتتاح، باب: القراءة في الركعتين الأوليين من صلاة العصر (2 / 166) .(3/467)
" الطارق " - كما ذكرنا- فمتى قلنا بقراءة: " الطارق " أولا، يلزم تطويل الثانية على الركعة الأولى، وهو مكروه، ثم قال الترمذي: حديث جابر بن سمرة حديث حسن صحيح، وقد روي عن النبي- عليه السلام-:" أنه قرأ في الظهر قدر (تنزيل) السجدة "، وروي عنه: " أنه كان يقرأ في الركعة الأولى من الظهر قدر ثلاثين آية، وفي الركعة الثانية قدر خمس عشرة آية "، والنسائي أيضاً أخرج حديث جابر بن سمرة هذا.
783- ص- نا عبيد الله بن معاذ، نا أبي، نا شعبة، عن سماك، سمع جابر بن سمرة، قال: " كان رسولُ الله- عليه السلام- إذا دَحَضَت الشمسُ صلى الظهرَ، وقَرأَ بنحو من (وَالليْل إذَا يَغْشَى) والعَصرَ كذلك، والصلوَات إلا الصبحَ، فإنه كَان يُطِيلُها (1) " (2) .
ش- معنى " دحضت ": زالت، وسورة الليل مكية، وهي إحدى وعشرون آية، وإحدى وسبعون كلمة، وثلاثمائة وعشرة أحرف، وسورة العصر مكية، وهي ثلاث آيات، وأربع عشرة كلمة، وثمان وستون حرفا، وقالت العلماء: كانت صلاته- عليه السلام- تختلف في الإطالة والتخفيف باختلاف الأحوال، فإذا كان القوم يؤثرون التطويل، ولا شغل هناك له ولا لهم طول، وإذا لم يكن كذلك خفف، وقد يريد الإطالة ثم يعرض ما يقتضي التخفيف كبكاء الصبي ونحوه، ويضم إلى [1/274-ب] هذا أنه قد يدخل في الصلاة في أثناء الوقت / فيخفف، وقيل: إنما طوّل في بعض الأوقات وهو الأقل، وخفف في معظمها، فالإطالة لبيان الجوار، والتخفيف لأنه الأفضل، وقد أمر النبي- عليه السلام-
__________
(1) في الأصل: " فإنه كان لا يطيلها " خطأ.
(2) مسلم: كتاب الصلاة، باب: القراءة، في الصبح (460) ، وكتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: استحباب تقديم الظهر في أول الوقت في غير شدة الحر (188/ 618) ، النسائي: كتاب الافتتاح، باب: القراءة في الركعتين الأوليين من صلاة العصر (2 / 166) .
-(3/468)
بالتخفيف- كما مضى- في حديث معاذ وغيره، وقيل: طول في وقت، وخفف في وقت ليتبين أن القراءة فيما زاد على الفاتحة، لا تقدير فيها من حيث الاشتراط، بل يجوز قليلها وكثيرها، والحديث أخرجه مسلم مختصرا، وأخرجه النسائي.
784- ص- نا محمد بن عيسى، نا معتمر بن سليمان، ويزيد بن هارون، وهشيم، عن سليمان التيمي، عن أمية، عن أبي مجلز، عن ابن عمر: " أن النبيَّ- عليه السلام- سَجَدَ في صَلاة الظهرِ ثم قام َ، فَركَعَ، فَرَأوْا (1) أنه قَرأ: (تنزيل) السجدة " (2) .
ش- سليمان التيمي هو: أبو المعتمر سليمان بن طرخان، وأمية. روى عن: أبي مجلز. روى عنه: سليمان التيمي. روى له: أبو داود. وأبو مجلز لاحق بن حميد الأعور البصري.
قوله: " فرأوا أنه " أي: علموا أنه- عليه السلام- قرأ في صلاته (الم تنزيل) السجدة، وهي ثلاثون آية- كما ذكرناه-.
ص- قال ابن عيسى: لم يذكر أمية أحد إلا معتمر.
ش- أي: قال محمد بن عيسى، أحد شيوخ أبي داود: لم يذكر أمية في هذه الرواية أحد غير معتمر بن سليمان، ولم يذكر في " الكمال " لأمية نسبا ولا نسبة، ولا تعرض إلى حاله بشيء.
785- ص- نا مسدد، نا عبد الوارث، عن موسى بن سالم، نا عبد الله ابن عبيد الله، قال: " دَخلتُ على ابنِ عباس في شباب من بني هاشمٍ، فقلنا لشاب" منا: سَلِ ابنَ عباسٍ: كانَ رسولًُ الله يَقرأ فيه الظهر، والعصرِ؟ فقالَ: لا، لا، فقيلَ له: فلعله كان يقرأ في نفسِهِ؟ فقال: خَمَشا! هذه شَر من الأولَى، كان عبداً مَأموراً، بَلَغَ ما أرسِلَ بهِ، وما اخْتَصنا دونَ الناسِ
__________
(1) في سنن أبي داود: " فرأينا".
(2) تفرد به أبو داود.(3/469)
بشيء إلا بثلاث خصال: أمرنَا أن نُسبِغَ الوُضوءَ، وأنْ لا نأَكلَ الصدَقَةَ، وأَنْ لاً نُنزِي الحِمًارً علىً الفَرَسِ " (1) .
ش- عبد الوارث بن سعيد البصري.
وموسى بن سالم أبو جهضم الهاشمي، مولى آل العباس بن عبد المطلب. سمع: عبيد الله بن عبد الله، وسلمة بن كهيل. روى عنه: عبد الوارث بن سعيد، ويحيى بن آدم، وحماد بن زيد، والثوري، وإسماعيل ابن علية. قال ابن معين: ثقة. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (2) .
وعبد الله بن عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب الهاشمي القرشي المدني، والد حسين. سمع عمه: عبد الله بن عباس، روى عنه: يحيى بن سعيد الأنصاري (3) .
وأبو جهضم موسى بن سالم، سئل عنه أبو زرعة، فقال: مديني ثقة. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
قوله: " في شباب " الشباب جمع شاب، وكذلك الشبان، وكلمة "في " هاهنا للمصاحبة بمعنى مع شباب كما في قوله تعالى: (ادْخُلُوا في أمَم) (4) .
قوله: "أكان " الهمزة فيه للاستفهام.
قوله: " خمشا " دعاء علي بأن يخمش وجهه، أو جلده، كما يقال: جدعا، وصلباً وطعناً وقطعاً ونحو ذلك من الدعاء بالسوء، وهو
__________
(1) الترمذي: كتاب الجهاد، باب: في كراهية أن تنزي الحمر على الخيل (1701) ، النسائي: كتاب الطهارة، باب: الأمر بإسباغ الوضوء (1 / 88) مختصراً، ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في إسباغ الوضوء
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (29 / 6254) .
(3) المصدر السابق (15 / 03 34) .
(4) سورة الأعراف: (8 3) .(3/470)
منصوب بفعل لا يظهر، والخمش في الوجه، والخدش في غيره، وقيل: هما بمعنى.
قوله: " هذه شر من الأولى " أي: هذه المسألة شر من المسألة الأولى،
أو هذه الحالة، وشر بمعنى أشر، لأنه قد علم أن خيرا وشرا يستعملان
للتفضيل على صيغتهما.
قوله: " كان " أي: رسول الله، عبدا مأمورا من الله.
قوله: " وأن لا نأكل الصدقة " المراد بها الزكاة، لأنها حرام على بني
هاشم.
قوله: " وأن لا ننزي " من أنزى ينزي إنزاء، وثلاثيه نزا الذكر على
الأنثى ينزو نزاء، بالكسر، قال في " الصحاح ": " يقال ذلك في
الحافر، والظلْف، والسباع ".
ثم اعلم أن حديث ابن عباس هذا سنده صحيح رواه مسدد بن مسرهد
في " مسنده الكبير " بسند صحيح، وأبو داود أخذه منه، وهو يدل على
مسألتين، الأولى: أن لا قراءة في الظهر، والعصر أصلاً، وبه قالت
طائفة، وقال بعضهم: إذا تركها ناسيا في الظهر، والعصر تمت صلاته
/ واستدلوا على ذلك بما رواه أبو بكر بن أبي شيبة (1) : حدثنا [1/275-أ] عبد الوهاب، عن هشام، عن الحسن، وعن ابن أبي عروبة، عن قتادة
في رجل نسي القراءة في الظهر، والعصر حتى فرغ من صلاته قالا:
" أجزأت عنه إذا أتم الركوع، والسجود "، وقالت طائفة: إذا تركها في
سائر الصلوات ناسيا تمت صلاته، واستدلوا بما رواه أبو بكر بن
أبي شيبة (2) : حدثنا ابن أبي غنية، عن أبيه، عن الحكم، قال: فإذا
صلى الرجل فنسي أن يقرأ حتى فرغ من صلاته؟ قال: يجزئه، ما كل
الناس يقرأ ".
__________
(1) 1لمصنف (1 / 396) .
(2) 1لمصنف (1 / 397) .(3/471)
وروى أيضاً قال: ثنا عبد الله (1) بن نمير، عن عبيد الله بن عمر،
عن محمد بن إبراهيم، عن أبي سلمة، قال: " صلى عمر المغرب، فلم يقرأ، ف" انصرف قال له الناس: إنك لم تقرأ! قال: فكيف كان الركوع والسجود، تام هو؟ قالوا: نعم، فقال: لا بأس، إني حدثت نفسي بعيرٍ، جهزتها بأقتابها وحقائبها ". وقالت طائفة: القراءة في الصلواتً مستحبة غير واجبة، وإليه ذهب: الأصم، وابن علية، والحسن بن صالح، وابن عيينة، حتى لو لم يقرأ مع القدرة عليها تجزئه صلاته. وقال الشافعي: فرض في الكل. وقال مالك: فرض في ثلاث ركعات. وقال الحسن: فرض في واحدة. وقال أصحابنا: فرض في الركعتين من غير تعيين، ولهم حجج عرفت في موضعها.
والمسألة الثانية: ظاهر الحديث يدل على أن بني هاشم مخصوصون بثلاثة أشياء: إسباغ الوضوء، وترك الأكل من الزكاة، وترك إنزاء الحمير على الخيل، فإن كان المراد من الإسباغ كونه فرضاً فوجه التخصيص ظاهر، وإلا فكل الناس مشتركون في استحباب إسباغ الوضوء.
وأما الأكل من الصدقة " (2) فقد ورد في " صحيح مسلم " (3) في حديث طويل من رواية عبد المطلب بن ربيعة مرفوعا: " إن هذه الصدقات إنما هي أوساخ الناس، وإنها لا تحل لمحمد، ولا لآل محمد "، وفي رواية الطبراني (4) : " إنه لا يحل لكم أهل أبيت من الصدقات شيء، إنما هي غسالة الأيدي، وإن لكم في خمس الخمس ما يغنيكم "، وفي " المصنف " (5ْ) : ثني وكيع، هنا شريك، عن خصيف، عن مجاهد،
__________
(1) في الأصل: " أبو عبد الله " خطأ.
(2) انظر: نصب الراية (2 / 404) .
(3) كتاب الزكاة، باب: ترك استعمال النبي صلى الله عليه وسلم على الصدقة (1072/167،168) .
(4) قال الهيثمي في " المجمع " (3 /91) : " فيه حسين بن قيس الملقب بحنش، وفيه كلام كثير، وقد وثقه أبو محصن ".
(5) مصنف ابن أبي شيبة (3 / 61) ، وأخرجه ابن جرير في تفسيره (10 / 5) عن ابن وكيع به.(3/472)
قال: " كان آل محمد صلى الله عليه وسلم لا تحل لهم الصدقة، فجعل لهم خمس الخمس " (1) 0 انتهى.
وبنو هاشم: آل علي، وآل عباس، وآل جعفر، وآل عقيل، وآل الحارث بن عبد المطلب، ومواليهم، وفي " شرح الاَثار " للطحاوي، عن أبي حنيفة: لا بأس بالصدقات كلها على بني هاشم، والحرمة في عهد رسول الله للعوض، وهو خمس الخمس، ف" سقط ذلك بموته - عليه السلام- حلت لهم الصدقة. قال الطحاوي: وبالجواز نأخذ. وأما إنزاء الحمير على الخيل فإنه جوزه العلماء، لأنه ثبت أنه- عليه السلام- ركب البغلة واقتناه، ولو لم يجز " فعله، لأن فيه فتح بابه، ثم الجواب عن قول ابن عباس- رضي الله عنه- فقال الخطابي (2) : " هذا وهم من ابن عباس، قد ثبت عن النبي- عليه السلام- أنه كان يقرأ في الظهر، والعصر من طرق كثيرة، منها: حديث أبي قتادة، ومنها: حديث خباب بن الأرت "، وقد ذكرناهما.
قلت: عندي جواب أحسن من هذا، مع رعاية الأدب في حق ابن عباس- رضي الله عنهما- فنقول: أولا: إسناد ابن عباس في قوله هذا قوله تعالى: (أقيمُوا الصلاة) (3) ، وهو مجمل بيَّنه- عليه السلام- بفعله، ثم قال: َ " صلوا كما رأيتموني أصلي " (4) والمرعي هو الأفعال دون الأقوال، فكانت الصلاة اسما للفعل في حق الظهر والعصر، وللفعل والقول في حق غيرهما، ولم يبلغ ابن عباس قراءته- عليه السلام- في الظهر والعصر، فلذلك قال في جواب عبد الله بن عبيد الله في الحديث المذكور: " لا، لا "، ف" بلغه خبر قراءته- عليه السلام- في الظهر والعصر، وثبت عنده، رجع من ذلك القول،
__________
(1) إلى هنا انتهى النقل من نصب الراية.
(2) معالم الحق (1 / 174) .
(3) سورة البقرة: (43) .
(4) البخاري: كتاب الأذان، باب: الأذان للمسافرين إذا كانوا جماعة والإقامة ... (631) من حديث مالك بن الحويرث.(3/473)
والدليل علي ما رواه أبو بكر بن أبي شيبة، فقال: نا سفيان، عن سلمة ابن كهيل، عن الحسن العُرَني، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ّ: " يُقرأُ في الظهر والعصر "، وإسناده صحيح، قال يحيى بن [1/275-ب] معين: الحسن / بن عبد الله العُرني الكوفي ليس به بأس، صدوق، إنما يقال: إنه لم يسمع من ابن عباس. وقال أبو زرعة: كوفي، ثقة. ورُوي عن ابن عباس أيضاً، أن رجلا سأله: " أقرأ خلف إمامي؟ فقال: أما في صلاة الظهر، والعصر، فنعم ".
786- ص- ثنا زياد بن أيوب، ثنا هشيم، أنا حصين، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: " لا أدري، كان رسولُ الله يَقرأ في الظهر، والعصر، أم لا؟ " (1) .ًَ
ش- حصين بن عبد الرحمن الكوفي، والجواب عن هذا الحديث ما ذكرناه في الحديث قبله.
***
125- باب: قدر القراءة في المغرب
أي: هذا باب في بيان قدر القراءة في صلاة المغرب.
787- ص- نا القعنبي، عن مالك، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس: " أن أمَ الفضلِ ابنةَ الحارثِ سمعتْهُ وهو يقرأ: (والمُرْسَلاتِ عُرْفا) ، فقالتْ: يا بُني، لقد ذَكَرتْني قراءَتُكَ هذه السورةَ (2) ، إنها لآخر ما سمعتُ رسولَ الله يَقرأ بها في المَغرَبَِ " (3) .
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) في سنن أبي داود: " لقد ذكرتني بقراءة هذه السورة ".
(3) البخاري، كتاب الأذان، باب: القراءة في المغرب (763) ، مسلم: كتاب الصلاة، باب: القراءة في الصبح (462) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب:
ما جاء في القراءة في المغرب (308) ، النسائي: كتاب الافتتاح، باب: القراءة في المغرب بالمرسلات (2 / 168) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: القراءة في صلاة المغرب (831) .(3/474)
ش- " سمعته " أي: سمعت ابن عباس، والحال أنه يقرأ سورة (والمُرْسَلات عُرْفا) وهي مكية، إلا قوله عَزَّ وجَل: (وإِذَا قيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكًعُونَ) وهي خمسون آية، ومائة وإحدى وثمانون كَلمة، وثمانمائة وستة عشر حرفا. والحديث أخرجه الستة، وفي الترمذي (1) : " خرج إلينا رسول الله، وهو عاصب رأسه في مرضه، فصلى المغرب ب (المرسلات) فما صلى بعدها حتى لقي الله- عَزَّ وجَل "، وفي النسائي (2) : " صلى بنا في بيته المغرب، فقرأ (المرسلات) وما صلى بعدها صلاة حتى قبض- عليه السلام "، وفي " الأوسط " (3) للطبراني: " ثم لم يصل لنا عشاء حتى قبض- عليه السلام- ".
88 7- ص- نا القعنبي، عن مالك، عن ابن شهاب، عن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه، أنه قال: " سمعتُ رسولَ الله- عليه السلام- قَرأ ب (الطورِ) في المغربِ " (4) .
ش- محمد بن جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف بن قصي القرشي النوفلي المدني أبو سعيد، أبوه من كبار أصحاب النبي- عليه السلام- روى عن: عمر بن الخطاب، وسمع: أباه، ومعاوية بن أبي سفيان. روى عنه: بنوه سعيد، وجبير، وعمر، والزهري،
__________
(1) كتاب الصلاة، باب: ما جاء في القراءة في المغرب (308) ، من حديث أم الفضل.
(2) كتاب الافتتاح، باب: القراءة في المغرب بالمرسلات (2 / 168) من حديث أم الفضل.
(3) (6 / 6280) .
(4) البخاري: كتاب الأذان، باب: الجهر في المغرب (765) ، مسلم: كتاب الصلاة، باب: القراءة في الصبح (463) ، النسائي: كتاب الافتتاح، باب: القراءة في المغرب بالطور (2 / 168) ، ابن ماجه: كتاب " قامة الصلاة، باب: القراءة في صلاة المغرب (832) .(3/475)
وغيرهم. قال أحمد بن عبد الله: مدني، تابعي، ثقة. مات في خلافة عمر بن عبد العزيز. روى له الجماعة (1) .
قوله: " قرأ ب (الطور) ، أي: سورة (والطورِ * وَكتَاب فَسْطُور) وهي مكية، وهي تسع وأربعون آية عند أهل الكوفة، وثماَن وأربعون عند أهل البصرة، وسبع وأربعون عند أهل المدينة، وثلاثمائة واثنا عشر كلمة، وألف وخمسمائة أحرف، والحديث أخرجه: البخاري، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه.
789- ص- نا الحسن بن علي، نا عبد الرزاق، عن ابن جريج، قال: حدَثني ابن أبي مليكة، عن عروة بن الزبير، عن مروان بن الحكم، قال: " قال لي زيدُ بنُ ثابت: مالكَ تَقرأ في المغرب بقصار المُفَصَلِ، وقد رأيتُ رسولَ الله- عليه السلام- يَقرأ في المغرب بطُولى الطوليين، قال: قلتُ: ما طُولَى الطَولَيين؟ قال: الأعرافُ " (2) قالَ: وسألتُ أنا ابَنَ أبي مليكة فقال لي مِن قِبَلِ نفسِهِ: المائدةُ والأعرافُ " (3) .
ش- ابن أبي مليكة هو: عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة، واسم أبي مليكة: زهير بن عبد الله، وقد ذكر مرة.
قوله: " بقصار المفصل " المفصل: السبع السابع، سمي به لكثرة فصوله، وهو من " سورة محمد "، وقيل: من " الفتح "، وقيل: من " قاف " (4) ، إلى آخر القرآن، وقصار المفصل من (لَمْ يَكُنِ) إلى آخر القرآن، وأوساطه من (والسَمَاء ذَاتِ البُرُوج) إلى (لَمْ يَكُنِ) ، وطواله من " سورة محمد " أو مَن " الفتح " إلى (وَالسمَاء ذَات البُرُ وج) .
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (24 / 5113) .
(2) في سنن أبي داود: " الأعراف والأنعام ".
(3) البخاري: كتاب الأذان، باب: القراءة في المغرب (764) ، النسائي: كتاب الافتتاح، باب: القراءة في المغرب ب (المص) (2 / 170) .
(4) كذا(3/476)
قوله: " بطولى الطوليين " طولى فعلى بالضم، تأنيث أطول، ككبرى
تأنيث أكبر.
وقوله: " الطوليين " تثنية الطولى، وأراد بهما الأعراف والأنعام،
والأعراف أطول من أختها الأنعام، لأن الأعراف مائتان وخمس آيات عند
أهل البصرة، وست عند أهل الكوفة، وثلاثة آلاف، وثلاثمائة وخمس وعشرون كلمة /، وأربعة عشر ألف حرف، وعشرة أحرف، وأما [1/276-أ] الأنعام فهي مائة وست وستون آية، وثلاثة آلاف واثنتان وخمسون كلمة،
واثنا عشر ألف حرف وأربعمائة واثنان وعشرون حرفا، فإن قيل: طولى
الطوليين هي البقرة، لأنها أطول السبع الطول.
قلت: لو أرادها لقال: بطولى الطول، ف" لم يقل دل على أنه أراد
الأعراف، وهي أطول السور بعد البقرة، ويعضده أنها جاءت مذكورة في
بعض الطرق أنها الأعراف، وإنما قلنا: إن الأعراف أطول السور بعد
البقرة، لأن البقرة مائتان وثمانون وست آيات، وهي ستة آلاف ومائة وإحدى وعشرون كلمة، وخمسة وعشرون ألف حرف، وخمسمائة حرف،
وسورة آل عمران مائتا آية، وثلاثة آلاف وأربعمائة وإحدى وثمانون كلمة،
وأربعة عشر ألفا وخمسمائة وخمسة وعشرون حرفا، وسورة النساء مائة
وخمس وسبعون آية، وثلاثة آلاف وسبعمائة وخمسة وأربعون كلمة،
وستة عشر ألفا وثلاثون حرفا، وسورة المائدة مائة واثنان وعشرون آية،
وألف وثمانمائة كلمة وأربع كلمات، وأحد عشر ألفا وسبعمائة وثلاثة
وثلاثون حرفا. والحديث أخرجه: البخاري مختصراً، والنسائي،
وفي لفظ النسائي: عن زيد بن ثابت، أنه قال لمروان بن الحكم:
" أبا عبد الملك، أتقرأ في المغرب (قلْ هُوَ الله أحَد) و (إنا أعْطَيْنَاكَ الكَوْثرَ) ، وفي " صحيح ابن حبان ": قال زيد: "فحلفت له بالله،
لقد رأيت النبي- عليه السلام- يقرأ " الحديث، وفي " الأطراف " لابن
عساكر: قيل لعروة: " ما طولى الطوليين؟ قال: الأعراف، ويونس ".
***(3/477)
126- باب: من رأى التخفيف فيها
أي: هذا باب من رأى التخفيف في القراءة، وفي بعض النسخ: " باب ما جاء فيمن رأى التخفيف ".
790- ص- نا موسى بن إسماعيل، نا حماد، أنا هشام بن عروة، " أن أباه كان يَقْرأ في صَلاة المغرب بنحو ما تَقرَءُونَ، (والعَاديات) ونحوها من السُورِ) (1) .ًً
ش- أن أباه أي: عروة بن الزبير بن العوام، وسورة " العَاديات " مكية عند ابن مسعود، ومدنية عند ابن عباس، وهي أحد عشرَة آيةَ، وأربعون كلمة، ومائة وستون حرفا.
ص- قال أبو داود: هذا يدل على أن ذاك منسوخ.
ش- أي: هذا الذي رواه هشام بن عروة من قراءة أبيه في صلاة المغرب من قصار المفصل، يدل على أن الذي رواه عروة من حديث مروان ابن الحكم منسوخ، لأن الراوي إذا روى شيئاً ثم فعل هو غيره، يدل على انتساخ ذلك الشيء، ودعوى أبي داود النسخ صحيحة، وفي بعض النسخ: " وهذا أصح " بعد قوله: " منسوخ ".
791- ص- نا أحمد بن سعيد السرخسي، نا وهب بن جرير، نا أبي قال: سمعت محمد بن إسحاق، يحدث عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أنه قال: " مَا مِن المُفَضَلِ سورة صَغيرة، ولا كَبِيرة إلا قَدْ (2) سَمعتُ رسولَ الله يَؤم بها الناسَ في الصلاةِ المَكتُوَبةِ" (3) .
ش- أحمد بن سعيد بن صخر بن عُليم بن قيس الدارمي، النيسابوري السرخسي، ولد بسرخس، ونشأ بنيسابور. سمع: النضر بن شميل، وجعفر بن عون، ووهب بن جرير، وغيرهم. روى عنه: البخاري،
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) في سنن أبي داود: توقد ".
(3) تفرد به أبو داود.(3/478)
ومسلم، وأبو داود، وابن ماجه، وجماعة آخرون، وكان من الحُفاظ
المتقنين الأثبات. توفي بنيسابور سنة ثلاث وخمسين ومائتين (1) .
ووالد وهب هو: جرير بن حازم البصري، ومحمد بن إسحاق بن
يسار صاحب " المغازي ".
قوله: " ما من المفصل " قد ذكرنا أن المفصل هو: السُبع السابع من
القرآن، وهي من " سورة محمد " إلى آخر القراَن، وفي " سنن ابن
ماجه " (2) بسند صحيح: " كان رسول الله يقرأ في المغرب: (قل يا أيها الكافرون) و (قل هوِ الله أحد) ، وعند الطبراني بسند صحيح: " أمهم
في المغرب ب (الذِين كَفَرُوا وَصَموا عَن سَبيلِ الله (3)) "، وخرجه ابن
حبان / في " صحيحه " مثله، وروى أبو بكَر أحَمد بن موسى في " كتابه " [1/276-ب] بسند حسن: " انه- عليه السلام- كان يقرأ في صلاة المغرب ليلة الجمعة: (قل يا أيها الكافرون) و (قل هو الله أحد) "، وعن الشعبي:" انه- عليه السلام- قرأ في المغرب: (والتين والزيتون) " ذكره ابن بطال، وذكر ابن حبان: " أنه- عليه السلام- كان يقرأ في صلاة العشاء
الأخيرة ليلة الجمعة: سورة الجمعة، والمنافقين "، وذكر أيضاً:، أنه كان
يقرأ في صلاة المغرب ليلة الجمعة ب (قل يا أيها الكافرون) و (قل هو الله أحد) "، وعن بريدة: " كان النبي- عليه السلام- يقرأ في المغرب، والعشاء: (واللَيْلِ إذا يَغْشَى) ، (والضحَى) ، وكان يقرأ في الظهر، والعصر: (سبح اسْمَ ربكَ الأعْلَى) و (هَلْ أتَاكَ) " رواه البزار بسند
صحيح.
وفي " الموطأ " (4) عن الصنابحي، قال: " صليت وراء أبي بكر
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (1 / 39) .
(2) كتاب إقامة الصلاة، باب: القراءة في صلاة المغرب (833) من حديث ابن عمر.
(3) في الأصل: " رسول الله "، والتلاوة كما أثبتناه.
(4) كتاب الصلاة، باب: القراءة في المغرب والعشاء (26) .(3/479)
الصديق- رضي الله عنه- فقرأ في الركعتين الأوليين من المغرب بأم القرآن وسورة، سورة من قصار المفصل، ثم قام في الركعة الثالثة فسمعته قرأ بأم القًرآن، وهًذه الآية: (ربنا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا) ". وقال ابن الحفار: هذا المقروء في الثالثة كان قنوتا، والله أعلم.
792- ص- نا عبيد الله بن معاذ، نا أبى، أنا قرة، عن النزال بن عمار، عن أبي عثمان النهدي:" أنه صلى خلفَ ابن مسعود المغربَ، فَقرأَ: (قلْ (1) هُوَ الله أَحَد) " (2) .
ش- والدُ عبيد الله: معاذُ بن معاذ بن نصر البصري، وقرة بن خالد البصري، والنزال بن عمار، روى عن: أبي عثمان النهدي، روى له: أبو داود. وأبو عثمان عبد الرحمن بن مل النهدي، وقد ذكر مرة.
***
127- باب: القراءة في الفجر (3)
أي: هذا باب في بيان القراءة في صلاة الفجر.
793- ص- نا إبراهيم بن موسى، أنا عيسى، عن إسماعيل، عن أصبغَ مولى عمرو بن حريث، عن عمرو بن حريث، قال:" كَأني أسمعُ صوت النبي- عليه السلام- يَقرأ في صَلاة الغَداة: (فَلا أقْسمُ بالخنسِ* الجَوَار الكنَّسِ) " (4) .ًً
ش- عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، وإسماعيل بن أبي خالد الكوفي.
__________
(1) في سنن أبي داود:" ب (قل000) ".
(2) تفرد به أبو داود.
(3) جاء هذا الباب في سنن أبي داود بعد الباب الآتي، وهوا باب الرجل يعيد سورة واحدة في الركعتين"
(4) مسلم: كتاب الصلاة، باب: القراءة في الصبح (456) ، النسائي: كتاب الافتتاح، باب: القراءة في الصبح:" إذا الشمس كورت " (2 / 157) ،
ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: القراءة في صلاة الفجر (817) .(3/480)
وأصبغ المخزومي القرشي مولى عمرو بن الحارث، روى عنه: إسماعيل المذكور. قال ابن معين: ثقة. وقال أبو حاتم: شيخ. روى له: أبو داود.
قوله: " (فَلا اقْسِمُ بالخُنَّسِ) " أراد به أنه كان يقرأ سورة: (إذا الشمْسُ كُوّرَتْ) وهيَ مكية، وتسع وعشرون آية. زاد أبو جعفر: (فَأينَ تَذهبونَ) ومائة وأربعون كلمة، وخمسمائة وثلاث وثلاثون حرفا، والخنس: النجوم التي تخنس بالنهار فلا ترى، وتكنس بالليل إلى مجاريها، أي: تستتر، كما تكنس الظباء في المغار، وهي الكنائس، ويقال: سميت خنسا لتأخرها، لأنها الكواكب المتحيزة التي ترجع، وتستقيم. وقال الفراء: إنها النجوم الخمسة: زحل، والمشترى، والمريخ، والزهرة، وعطارد. وفي " تفسير السجاوندي ": وقيل: هي الأنجم الخمسة: بهرام، وزحل، وزهرة، وبرجيس، وعطارد، وهو مثل قول الفراء، ولكن الأسماء تختلف لفظا. والحديث أخرجه: ابن ماجه، وأخرجه مسلم من حديث الوليد بن سَرِيع، مولى عمرو بن حريث، عن عمرو بن حريث، بنحوه أتم منه، وعند مسلم (1) أيضاً عن قطبة بن مالك، سمع النبي- عليه السلام- يقرأ في الصبح: (والنخْلَ بَاسقات لَّهَا طَلع نضيدٌ) . وعند ابن حبان: " قرأ النبي- عديه السلام- في صلاَة الصبح: َ (قلْ أعوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ) و (قُلْ أعوذُ برَبِّ النَّاسِ) "، وصححه أبو زرعة في " تاريخه الكبير ". وقال الحاكم (2) : صحيح على شرط الشيخين، وفي " الأوسط " (3) : " كان يقرأ في الصبح بياسين "، وفيه أيضاً (4) : " كان يقرأ بالواقعة ونحوها من السور "
__________
(1) كتاب الصلاة، باب: القراءة في الصبح (457 / 166) .
(2) المستدرك (1 / 240) من حديث عقبة بن عمرو.
(3) (4 /3 0 39) من حديث جابر بن سمرة.
(4) (4 / 36 0 4) من حديث جابر بن سمرة بلفظ: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الصبح بالواقعة ... ".
" 3. شرح سنن لأبي داوود3(3/481)
وفي " علل ابن أبي حاتم " بسند ضعيف: " صلى النبي- عليه السلام-
بالناس في سفر، فقرأ: (قلْ يا أيُّهَا الكافِرُونَ) و (قلْ هُوَ الله أحَدٌ) ،
ثم قال: قرأت لكم ثلث القرآن، وربعه "، وفي " مسند السراج " بسند صحيح، عن البراء: " صلى بنا النبي- عليه السلام- صلاة الصبح، [1/277-أ] فقرأ بأقصر / سورتين في القرآن ". وعن ابن سابط: لا قرأ النبي- عليه السلام- في الفجر في أول ركعة بستين آية، ف" قام، سمع صوت
صبي، فقرأ ثلاث آيات " رواه عن سفيان، عن أبي السوداء النهدي،
عنه. وفي " الأوسط " (1) بسند صحيح، عن أنس، قال: " صلى بنا
رسول الله الفجر بأخصر سورتين من القرآن، وقال: إنما أسرعت لتفرغ
الأم إلى صبيها، وسمع صوت صبي ". وفي " سنن البيهقي " (2) :
" صلى أبو بكر في صلاة الصبح بسورة البقرة في الركعتين كلتيهما ". وقال
الفُرافصة بن عمير: " ما أخذت سورة يوسف إلا من قراءة عثمان إياها في
الصبح من كثرة ما كان يرددها " (3) . وفي " الموطأ " (4) : قال عامر بن
ربيعة: " قرأ عمر في الصبح بسورة الحج، وسورة يوسف قراءة بطيئة ".
وقال أبو هريرة: " لما قدمت المدينة مهاجرا صليت خلف سباع بن عرفطة الصبح، فقرأ في الأولى سورة مريم، وفي الأخرى سورة (ويل للمطففين) ذكره ابن حبان في " صحيحه "، ولم يسم سباعا. وعن
عمرو بن ميمون: " لما طُعن عمرُ- رضي الله عنه- صلى بهم ابنُ عوف
الفجر، فقرأ: (إذَا جَاءَ نَصْر الله) و (الكوثر) . وقال ابن بطال:
ذكر أن عمر قرأ في الصبح بيونس، وبهود، وقرأ عثمان بيوسف، والكهف، وقرأ علي بالأنبياء، وقرأ عبد الله بسورتي، إحديهما بنو إسرائيل، وقرأ معاذ بالنساء، وقرأ عبيدة بالرحمن، وقرأ إبراهيم بياسين،
__________
(1) (8 / 8889) .
(2) السنن الكبرى (2 / 389) بسنده إلى مالك في " الموطأ ": كتاب الصلاة، باب: القراءة في الصبح (35) عن هشام بن عروة، عن أبيه به.
(3) الموطأ رقم (37) .
(4) رقم (36) .(3/482)
وقرأ عمر بن عبد العزيز بسورتين من طوال المفصل، وفي "كتاب الصلاة " لأبي نعيم، عن الحارث بن فضيل، قال: " أقمت عند ابن شهاب عشراً، فكان يقرأ في صلاة الفجر: (تبارك) و (قل هو الله أحد) ". وقال أبو داود الأودي: " كنت أصلي وراء علي الغداة، فكان يقرأ (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) و (إذَا السَّمَاءُ انفَطَرَتْ) ، ونحو ذلك من السور".
***
128- باب: الرجل يعيد سورة واحدة في الركعتين
أي: هذا باب في بيان شأن الرجل الذي يقرأ في صلاته في الركعة الأولى سورة، ثم يقرأها بعينها في الركعة الثانية، وفي غالب النسخ الحديث الذي في هذا الباب بحذاء الحديث الذي في الباب الماضي من غير ذكر باب، ولا فصل، ولكني وجدته في " مختصر السنن " لعبد العظيم، فلذلك ذكرته اتباعا له.
794- ص- نا أحمد بن صالح، أنا ابن وهب، قال: أخبرني عمرو، عن ابن أبي هلال، عن معاذ بن عبد الله الجهني، أن رجلاً من جهينة أخبره: " أنه سَمعَ النبي- عليه السلام- يَقرأ في الصبح (إذَا زُلزِلَت) في الركْعتينِ كِلتَيْهِمَا، فلا أَدرِي، أنسيَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أم قَرَأ ذَلك عَمْدا؟ " (1) . ش- ابن وهب: عبد الله بن وهب، وعمرو بن الحارث، وابن أبي هلال هو سعيد بن أبي هلال الليثي المصري.
وبهذا الحديث قال بعض مشايخنا: إنه إذا كرر سورة في ركعتين لا يكره، وقيل: يكره، وفي " الأصل ": إذا قرأ سورة واحدة في ركعتين اختلف المشايخ فيه، والأصح أنه لا يكره، ولكن ينبغي أن لا يفعل، ولو فعل لا بأس به، وكذا لو قرأ وسط السورة، أو آخر سورة أخرى، والأفضل ابن يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب، وسورة كاملة في المكتوبة،
__________
(1) تفرد به أبو داود.(3/483)
وإن جمع بين السورتين في ركعة واحدة لا ينبغي أن يفعل، ولو فعل لا بأس به.
وذكر في " الخلاصة ": وإن قرأ في ركعة سورة، وفي ركعة أخرى سورة فوق تلك السورة، أو فعل ذلك في ركعة مكروه، وهذه كلها في الفرائض، أما في النوافل لا يكره شيء.
***
129- باب: من ترك القراءة في صلاته (1)
أي: هذا باب في بيان من ترك القراءة في صلاته، وفي بعض النسخ:
" باب ما جاء فيمن ترك القراءة في صلاته "، وفي بعضها: " باب القراءة بفاتحة الكتاب ".
[1/277-ب] 795- ص- نا أبو الوليد الطيالسي، نا همام، عن قتادة، / عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، قال: " أمِرْنَا أنْ نَقْرَأَ بفاتِحَةِ الكِتابِ، وما تَيَسَّرَ " (2) . ش- أبو الوليد: هشام بن عبد الملك الطيالسي، وهمام: ابن يحيى، وأبو نضرة: المنذر بن مالك البصري.
" 2) والحديث رواه ابن حبان في " صحيحه " في النوع السادس والأربعين من القسم الأول، ولفظه: " أمرنا رسول الله أن نقرأ بفاتحة الكتاب، وما تيسر "، ورواه أحمد، وأبو يعلى الموصلي في "مسنديهما " وراه البزار في " سننه "، وقال: لا نعلم رواه عن قتادة، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد إلا همام في الصلاة. وقال الدارقطني في " علله ": هذا يرويه قتادة، وأبو سفيان السعدي، عن أبي نضرة مرفوعا، ووقفه أبو مسلمة، عن أبي نضرة، هكذا قال أصحاب شعبة عنه، ورواه ربيعة، عن عثمان، عن عمر، عن شعبة، عن أبي سلمة مرفوعا، ولا يصح رفعه عن شعبة ".
__________
(1) في سنن أبي داود: " باب من ترك القراءة في صلاته بفاتحة الكتاب ". (2) تفرد به أبو داود.
(3) انظر: نصب الراية (1 / 364) .(3/484)
ويستفاد من هذا الحديث مسألتان، الأولى: وجوب قراءة الفاتحة، لأن مطلق الأمر للوجوب، ومن أثبت الفرضية فقد زاد على مطلق النص، وهو قوله تعالى: (فَاقْرَءُوا مَا تَيَسرَ مِنَ القُرآنِ) (1) بخبر الواحد، وذا لا يجوز، لأنه نسخ.
الثانية: وجوب ضم شيء من القرآن إلى الفاتحة، لقوله: " وما تيسر " وهو يطلق على سورة، أي سورة كانت، وعلى آية، أي آية كانت طويلة، أو قصيرة.
796- ص- نا إبراهيم بن موسى، أنا عيسى، عن جعفر بن ميمون البصري، نا أبو عثمان النهدي، قال: حدَثني أبو هريرة، قال: قال (2) رسول الله- عليه السلام-: " اخْرجُ فناد في المدينة: إنه لا صَلاةَ إلا بقرآن ولو بفاتِحَةِ الكِتَابِ، فما زَادَ " (3) .ً
ش- عيسى بن يونس.
وجعفر بن ميمون الأنماطي، بياع الأنماط أبو علي، ويقال: أبو العوام البصري. سمع: أبا عثمان النهدي، وأبا تميمة الهجيمي، وخليفة بن كعب. روى عنه: الثوري، ويحيى بن سعيد، وعيسى بن يونس، وغيرهم. قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سئل أبي عنه؟ فقال: ليس بالقوي في الحديث. وقال ابن معين: ليس بذاك. وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به، ويكتب حديثه في الضعفاء. وقال النسائي: ليس بثقة. روى له: أبو داود، والترمذي، وابن ماجه (4) .
وأبو عثمان عبد الرحمن بن مل النهدي.
ْ" (5) والحديث رواه الطبراني في" معجمه الوسط " (6) من حديث
__________
(1) سورة المزمل: (20) .
(2) في سنن أبي داود: " قال لي ".
(3) تفرد به أبو داود.
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (5 / 959) .
(5) انظر: نصب الراية (1 / 367) .
(6) (9 / 9415) .(3/485)
إبراهيم بن طهمان، عن الحجاج بن أرطاة، عن عبد الكريم، عن أبي عثمان، عن أبي هريرة، قال: " أمرني رسول الله أن أنادي في أهل المدينة: أن لا صلاة إلا بقراءة، ولو بفاتحة الكتاب ". انتهى. وقال: لم يروه عن الحجاج بن أرطاة إلا ابن طهمان.
طريق آخر أخرجه أبو محمد الحارثي في " مسنده "، وابن عدي، عن أحمد بن عبد الله بن محمد الكوفي، المعروف باللجلاج، ثنا نعيم بن حماد، ثنا ابن المبارك، أنا أبو حنيفة، عن عطاء بن أبي رباح، عن أبي هريرة، قال:
" نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا صلاة إلا بقراءة، ولو بفاتحة الكتاب "
وحديث آخر أخرجه أيضاً عن اللجلاج: ثنا إبراهيم بن الجراح الكوفي، ثنا أبو يوسف، عن أبي حنيفة، عن أبي سفيان، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي- عليه السلام- أنه قال: "لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب، أو غيرها ". انتهى. وكلاهما ضعيف باللجلاج. قال ابن عدي: حدث بمناكير لأبي حنيفة، وهي بواطيل. وذكر النووي في لا الخلاصة، هذين الحديثين، وضعفهما. وعند أبي محمد ابن الجارود في " المنتقى "، عن أبي هريرة، قال: " أمرني رسول الله أن أنادي أنه لا صلاة إلا بقراءة فاتحة الكتاب، فما زاد ".
وقال البزار في كتاب " السنن ": هذا إسناد مستقيم، ولفظه: " أمر مناديا فنادى "، وفي كتاب " الصلاة " لأبي الحسن أحمد بن محمد الخفاف: " لا صلاة إلا بقراءة، ولو بفاتحة الكتاب، فما زاد ". وفي " الصلاة " للفريابي: " أنادي بالمدينة: أن لا صلاة إلا بقراءة أو بفاتحة الكتاب، فما زاد "، وفي لفظ: " فناديت أن لا صلاة إلا بقراءة فاتحة الكتاب،، وعند البيهقي (1) : " الا بقراءة فاتحة الكتاب، فما زاد"،
__________
(1) السنن الكبرى (2 / 37) .
-(3/486)
وفي " الأوسط " (1) : " في كل صلاة قراءة، ولو بفاتحة الكتاب ".
/ وهذه الأحاديث كلها لا تدل على فرضية قراءة الفاتحة بل غالبها ينفي [1/278-أ] الفرضية، فا فهم.
797- ص- نا ابن بشار، نا يحيى، نا جعفر، عن أبي عثمان، عن
أبي هريرة قال: " أمرني النبيُّ- عليه السلام- أن أنَادي: إنه لا صَلاةَ إلا
بِقِراءَةِ فَاتحةِ الكِتابِ، فما زادَ " (2) .
ش- ابن بشار هو: محمد بن بشار، ويحيى القطان، وجعفر بن
ميمون، وأبو عثمان: عبد الرحمن النهدي.
قوله: " إنه " أي: الشأن، وقد ذكرنا أن هذا الحديث قد روي: " لا
صلاة إلا بقراءة، أو بفاتحة الكتاب؟ فما زاد "، فإن دلت إحدى
الروايتين على عدم جواز الصلاة إلا بالفاتحة، دلت الأخرى على جوازها
بلا فاتحة، فنعمل بالحديثين، ولا نهمل أحدهما، بأن نقول بفرضية مطلق القراءة، وبوجوب قراءة الفاتحة، وهذا هو العدل في باب إعمال
الأخبار، وأيضا في هذا الحديث أمران، أحدهما: أن جعفرا هذا هو ابن
ميمون فيه كلام- كما ذكرناه- حتى صرح النسائي أنه ليس بثقة.
والثاني: أنه يقتضي فرضية ما زاد على الفاتحة، لأن معنى قوله: فما
زاد " الذي زاد على الفاتحة، أو بقراءة الزيادة على الفاتحة، وليس ذاك
مذهب الشافعي.
798- ص- نا القعنبي، عن مالك، عن العلاء بن عبد الرحمن، أنه
سمع أبا السائب مولى هشام بن زهرة، يقول: سمعت أبا هريرة يقول: قال
رسول الله: " مَن صَلَّى صَلاة دم يقرأ فيها بأمّ القُراَن فهي خدَاج، فهي
خداج، فهي خداج، غيرُ تمامِ، قال: فقدتُ: يا أبا هريرَةَ، إني كَونُ أحيانا
وَرَاءَ الإمام؟ قَال: فَغَمَزَ ذراعيِ، وقال: اقرأ بها في نفسِكَ نا فارسي (3) ،
__________
(1) (2 / 6 0 13) من حديث أبي سعيد، و (8 / 66 80) من حديث أبي هريرة.
(2) انظر التخريج المتقدم.
(3) في سنن أبي داود: " يا فارسي في نفسك ".(3/487)
فإنيِ سمعتُ رسولَ الله يقولُ: قال الله- عَزَّ وجل-: قَسمتُ الصلاةَ بيني وبن عبدي نصفينِ، فنَصفُها لي، ونصفُها لعبدي، ولعبدي ما سألَ، قال رسولُ الله: اقرءُوا، يقولُ العبدُ: (الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمَينَ) يقولُ الله: حَمِدنَي عَبدي، يقولُ: (الرحمن الرحيم) يقولُ الله: أَثنَى علي عبدي، يقولَ العبدَُ: (مالكِ يوم الدينِ) يقولُ الله: مَجَّدَنِي عبدي، فهذه اَلآيةُ بيني (1) وبن عبدي، ولعبدي ما سألَ، يقولُ العبدُ: (اهدنا الصِّرَاطَ المستقيم * صرَاَطَ الَّذينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهمْ غَيْر المَغْضُوب عًلَيْهمْ وَلا الضَّالِّينَ) فهؤلاءِ (2) لعبدي، ولعبدي ما سَألَ" (3) .
ش- أبو السائب لا يعرف اسمه، وهو مدني فارسي، كان جليسا لأبي هريرة، وفي " الكمال ": أبو السائب الأنصاري المدني مولى هشام ابن زهرة، ويقال: مولى عبد الله بن هشام بن زهرة، ويقال: مولى بني زهرة. روى عن: أبي هريرة، وأبي سعيد الخدري، والمغيرة بن شعبة. روى عنه: صيفي مولى أفلح، وشريك بن عبد الله، والعلاء ابن عبد الرحمن، وبكير بن عبد الله بن الأشج، وغيرهم. روى له الجماعة إلا البخاري. وقال الشيخ محيى الدين في " شرح مسلم " (4) : وهو ثقة (5) .
قوله: " بأم القرآن " أم القرآن اسم للفاتحة، سميت به لأنها فاتحته،
__________
(1) في سنن أبي داود: (هذه بيني 100) .
(2) في سنن أبي داود: " يقول الله: فهؤلاء".
(3) مسلم: كتاب الصلاة، باب: وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة وإنه إذا لم يحسن الفاتحة ولا أمكنه تعلمها قرأ ما تيسر له من غيرها (395) ، الترمذي: كتاب تفسير القرآن، باب: ومن سورة فاتحة الكتاب (2953) ، النسائي: كتاب الافتتاح، باب: ترك قراءة بسم الله الرحمن الرحيم (2 / 135) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: القراءة خلف الإمام (838) .
ْ (5) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (33 / 0 738) .(3/488)
كما سميت مكة أم القرى لأنها أصلها، أو سميت به لأنها علامته، قال
الشاعر:
على رأسه أم لنا يقتدى بها ... جماعُ أمور لا تعاصِي له أمراً
وقيل: لأنها مقدمه، والأم العمر الماضي لتقدمه، قال الشاعر:
إذا كانت الخمسون أمك لم يكن ... لدائك إلا أن تموت طبيب
وقيل: لتمامها في الفصل، ومن أسمائها: السبع المثاني، والوافية،
والكافية، والأساس، والشافية، والكنز، والصلاة، وسورة تعليم
المسألة، وسورة الواقية، وسورة الحمد، والشكر، والدعاء، والفاتحة،
وأول القرآن، وهي مكية، وقيل: مكية ومدنية، لأنها نزلت بمكة مرة،
وبالمدينة أخرى، وهي سبع آيات بالاتفاق، إلا أن منهم من عد (أنعمتَ عَليهم) دون التسمية، ومنهم من مذهبه على العكس، وسبع وعشرون
كلمة، ومائة واثنان وأربعون حرفا.
قوله:" فهي خداج " بكسر الخاء: النقصان، يقال: خدجت الناقة،
إذا ألقت ولدها قبل أوان النتاج، وإن كان تام الخلق، وأخدجته إذا ولدته
ناقصا، وإن كان لتمام الولادة، ومنه قيل لذي الثُّدَية: مخدج اليد أي: ناقصها، ومعنى قوله:" فهي خداج " أي: ذاتَ خداج، أو يكون
وصفها بالمصدر مبالغة.
قوله: " غير تمام " تفسير لقوله: " خداج ".
/ قوله: " اقرأ بها في نفسك " قال محيى الدين: " ومما يؤيد وجوب [1/278-ب] قراءة الفاتحة على المأموم قول أبي هريرة هذا، ومعناه: اقرأها سرا بحيث
تسمع نفسك".
قلت: هذا لا يدل على الوجوب، لأن المأموم مأمور بالإنصات،
لقوله تعالى: (وأنصِتُوا) والإنصات: الإصغاء، والقراءة سرا بحيث
__________
(1) . شرح صحيح مسلم (4 / 103) .
32. شرح سنن أبي داوود 3(3/489)
يسمع (1) نفسه يخل بالإنصات فح (2) يحمل هذا على أن المراد تدبر ذلك وتذكره، ولئن سلمنا القراءة حقيقة، فلا يدل ذلك على الوجوب، على أن بعض أصحابنا استحسنوا ذلك على سبيل الاحتياط في جميع الصلوات، ومنهم من استحسنها في غير الجهرية، ومنهم من رأى ذلك إذا كان الإمام لحانا.
قوله: " يا فارسي " خطاب لأبي السائب.
قوله: " قسمت الصلاة " المراد بها الفاتحة، وقد ذكرنا أن من جملة أسماء الفاتحة الصلاة، سميت بها، لأنها تقرأ دائما في سائر الصلوات. وقال الشيخ محيي الدين (3) : " ففيه دليل على وجوبها بعينها في الصلاة، سميت بذلك لأنها لا تصح الصلاة إلا بها، كقوله- عليه السلام-: " الحج عرفة ".
قلت: لا نسلم ابن يلزم من تسميتها صلاة وجوبها بعينها، لأن تسميتها بذلك باعتبار أنها تقرأ في سائر الصلوات، لا باعتبار أنها فرض بعينها، ولا يلزم من قراءتها في سائر الصلوات فرضيتها، كالتسميع والتحميد، ونحوهما، فإن صلاة لا تخ (4) عن شيء من ذلك، وليس ذاك بفرض، وقياسه على قوله: " الحج عرفة" ليس بصحيح، لأن معنى هذا الكلام معظم أركان الحج الوقوف بعرفة، وليست العرفة بعينها عبارة عن الحج، لأن العرفة لا تخ (4) إما أن تكون اسمه لليوم المعهود، أو للموضع المعهود، وكل منهما ليس بحج ولا داخل في أركان الحج فافهم، ثم معنى قوله: " قسمت" قسمتها من جهة المعنى، لأن نصفها الأول: تحميد الله تعالى وتمجيده، وثناء عليه، وتفويض إليه، والنصف الثاني: سؤال، وتضرع، وافتقار، وهذا من جملة ما احتج به أصحابنا على أن البسملة ليست من الفاتحة، لأنها سبع آيات بالإجماع، فثلاث في أولها
__________
(1) في الأصل: " تسمع ".
(2) أي: " فحينئذ ".
(3) شرح صحيح مسلم (4/ 103) .
(4) كذا، ولعلها بمعنى: " لا تخرج ".(3/490)
ثناء، أولها: (الحمد) وثلاث دعاء، أولها: (اهدنا الصراط) ، والسابعة متوسطة، وهي: (إياكَ نعبدُ وإياكَ نستعين) ولأنه قال: يقول: (الحمد لله رب العالمين) فلم يذكر البسملة، ولو كانت منها لذكرها، وقد مر الكلام في هذا الباب مستوفى.
قوله: " مجدني عبدي " أي: عظمني.
قوله: " فهؤلاء لعبدي " فيه دليل على أن (اهدنا) وما بعده إلى آخر السورة ثلاث آيات، لا آيتان، لأن لفظة " هؤلاء " إشارة إلى الجمع، فإذا كان هذا ثلاث آيات فلا خلاف أن من قوله: (الحمد لله) إلى (نستعين) أربع آيات، فصارت الجملة سبع آيات، ولا خلاف في ذلك، فلم تكن البسملة منها، وفي رواية مسلم: " فهذا لعبدي "، وهو إشارة إلى المذكور في " اهدنا " إلى آخره. ذكر الضمير باعتبار المذكور، والمذكور ثلاث آيات.
والحديث أخرجه: مسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه. وذكر ابن عدي بسند ضعيف: " كل صلاة لا يقرأ [فيها] ، بفاتحة الكتاب وآيتين فهي خداج " (1) .
وفي سنن (2) الطبراني: " كل صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي مخدجة مخدجة مخدجة ".
وعند الدارقطني مضعفاً من رواية محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير، عن عمرو: " من صلى صلاة مكتوبة أو تطوعاً فليقرأ فيها بأم الكتاب وسورة معها، فإن انتهى إلى أم الكتاب فقد أجزأه، ومن صلى صلاة مع إمام يجهر فليقرأ بفاتحة الكتاب في بعض سكتاته، فإن لم يفعل فصلاته خداج غير تمام " (3) .
__________
(1) الكامل (5 / 50، ترجمة شبيب بن شيبة) من حديث عائشة.
(2) كذا.
(3) سنن الدارقطني (1 / 321) من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه، عن جده، وقال الدارقطني: " محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير ضعيف "(3/491)
وروى ابن عدي (1) بإسناده إلى ابن عمر قال: قال رسول الله- عليه السلام-: " لا تجزئ المكتوبة إلا بفاتحة الكتاب وثلاث آيات فصاعداً "، وقال: هذا حديث غير محفوظ.
وهذه الأحاديث كلها لا تدل على فرضية الفاتحة، لأنه فسر في الحديث بقوله: " غير تمام "، وهذا يدل على أن الصلاة بدونها صحيحة، ولكنها ناقصة، لأن معنى قوله: " غير تمام " ناقصة، ونحن نقول أيضاً: إذا ترك الفاتحة تكون صلاته ناقصة.
[1/279-أ] / 799- ص- نا قتيبة بن سعيد، وابن السرح، قالا: نا سفيان، عن الزهري، عن محمود بن الربيع، عند عبادة بن الصامت، يبلغ به النبي " عليه السلام- قال: " لا صَلاةَ لمن لمْ يقْرَأ بفاتحَة الكتَابِ فَصَاعِداً " (2) . قال سفيان: لمن يُصَلي وحده. ً
ش- محمود بن الربيع بن سراقة بن " عمرو بن، زيد بن عبدة بن عامر ابن عدي بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج الخزرجي الأنصاري، يُكنى: أبا نعيم، ويقال: أبو محمد، عقل عن النبي- عليه السلام- مَجة مَجهَا في وجههِ من دلوٍ، من بئر في دارِهم، وهو ابن خمس " سنين، وهو ختن عبادة بن الصامت، نزل بيت المقدس. روى عن: النبي- عليه السلام-، وعن عتبان بن مالك، وعبادة بن الصامت، وغيرهم. روى عنه: أنس بن ماَلك، وابنه أبو بكر بن أنس،
__________
(1) الكامل (6/55، ترجمة عمر بن يزيد) .
(2) البخاري: كتاب الأذان، باب: وجوب القراءة للإمام والمأموم في الصلوات كلها في الحضر والسفر وما يجهر، فيها وما يخافت (756) ، مسلم: كتاب الصلاة، باب: وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة وإنه إذا لم يحسن الفاتحة
ولا أمكنه تعلمها قرأ ما تيسر له من غيرها (34/394) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء أنه لا صلاة الا بفاتحة الكتاب (247) ، النسائي: كتاب الافتتاح، باب: إيجاب قراءة فاتحة الكتاب في الصلاة (2 / 135، 136) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: القراءة خلف الإمام (837) .(3/492)
ورجاء بن حيوة، والزهري، ومكحول، مات سنة تسع وتسعين، وهو ابن ثلاث وتسعين. روى له الجماعة (1) .
والحديث أخرجه: الأئمة الستة، وليس في حديث بعضهم: "فصاعدا ". " (2) ورواه الدارقطني (3) بلفظ: " لا تُجزئ صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب "، وقال: إسناده صحيح. وصححه ابن القطان أيضاً. وقال صاحب " التنقيح ": انفرد زياد بن أيوب بلفظ: " لا تجزئ " ورواه جماعة: " لا صلاة لمن لم يقرأ " وهو الصحيح، قال: وكأنَّ زياداً رواه بالمعنى. انتهى. والحديث في " صحيح ابن حِبَّان " بهذا اللفظ، بغير هذا الإسناد، قال ابن حبَّان: أخبرنا محمد بن إسحاق بن خزيمة، ثني محمد بن يحيى الذهلي، هنا وهب بن جرير، ثنا شعبة، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب، قلت: وإن كنتُ خلف الإمام قال: فأخذني بيدي، وقال: اقرأ في نفسك ". قال ابن حبان: لم يقل في خبر العلاء هذا: " لا تجزئ صلاة " إلا شعبة، ولا عنه إلا وهب بن جرير. انتهى. ورواه ابن خزيمة في " صحيحه " كما تر " (4) .
واستدل الشافعي، ومن تبعه بهذا الحديث على فرضية الفاتحة في الصلاة، ولأنه- عليه السلام- واظب عليها في كل صلاة، فيدل على الفرضية، ولنا قوله تعالى: (فَاقْرَءُوا مَا تَيَسرَ منَ القُرآن " أمر بمطلق القراءة من غير تعيينٍ، فتعيين الفاتحة فرضاً نَسْخ الإطلاق، والنسخ بالخبر المتواتر لا يجوز عند الشافعي، فكيف يجوز بخبر الواحد؟ " فقلنا: الحديث في حق الوجوب عملاً حتى تكون الصلاة ناقصة بتركها،
__________
(1) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (3 /421) ، وأسد الغابة (5 /116) ، والإصابة (3 / 386) .
(2) انظر: نصب الراية (1 / 365- 366) . (3) سنن الدارقطني (1 / 318) . (4) إلى هنا انتهى النقل من نصب الراية. (5) سورة المزمل: (20) .(3/493)
ومواظبته- عليه السلام- لا تدل على الفرضية، فإنه كان يواظب على
سائر الواجبات. وقال الشيخ محي الدين (1) : ودليل الجمهور قوله-
عليه السلام-: " لا صلاة إلا بأم القرآن "، فإن قالوا: المراد: لا
صلاة كاملة، قلنا: هذا خلاف ظاهر اللفظ. ومما يؤيده حديث أبي
هريرة، قال: قال رسول الله: " لا تجزىْ صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة
الكتاب " رواه أبو بكر بن خزيمة في " صحيحه " بإسناد صحيح، وأما حديث: " اقرأ ما تيسر ... ، محمول على الفاتحة فإنها مُتَيسرة، أو
على ما زاد على الفاتحة بعدها، أو على من عجز عن الفاتحة.
قلت: كل هذا فيه نظر، فقوله: (هذا خلاف ظاهر اللفظ،،
يعارضه قوله: " وأما حديث: " اقرأ ما تيسر " فمحمول على الفاتحة،
لأن هذا أيضاً خلاف ظاهر اللفظ؟ لأن " ما تيسر " وقع مفعولا لقوله:
لا اقرأ،، وهو عام يتناول قراءة الفاتحة، وغيرها، فقوله: " محمول على الفاتحة تخصيص بلا مخصص، وهو باطل، فليت شعري، كيف
جوزوا الحمل هاهنا على خلاف ظاهر اللفظ، ولم يُجَوزوا في قوله:
"لا صلاة إلا بأم القرآن "؟.
وقوله: " أو على ما زاد على الفاتحة بعدها غير صحيح أيضاً، لأنه
لا يمشي على مقتضى مذهبهم، لأن قراءة ما زاد على الفاتحة، غير فرض عندهم.
وأما دعواه التأييد بحديث ابن خزيمة لا تُفيدهم، لأن هذا ليس له من
القوة ما يُعارِض ما أخرجه الأئمة الستة، على أن ابن حبان قد ذكر أنه لم
يقل في خبر العلاء: " لا تجزىْ صلاة ... " إلا شعبة، ولا عنه إلا
وهب كما ذكرناه، وأيضا فلفظ: (فصاعداً " في حديث عبادة يشير
بفرضية قراءة ما زاد على الفاتحة، على مقتضى دعواهم، والحال أن هذا
[1/279- ب] ، ليس مذهبهم، فظهر من هذا التقرير أن الذي يفهم من / الأحاديث
__________
(1) شرح صحيح مسلم (4/102) .(3/494)
الواردة في هذا الباب وجوب الفاتحة ليس إلا، والفرضية لا تثبت بمثل هذا، على أنه قد رُوي عن جماعة من الصحابة وغيرهم سُنَّيةُ مطلق القراءة في الصلوات، " ذكرنا من حديث عمر وغيره في " باب قدر القراءة في صلاة الظهر والعصر ".
قوله: " فصاعدا " نصبْ على الحال، والمعنى: لا صلاة كاملةً لمن لم
يقرأ بفاتحة الكتاب، فزاد القراءة صاعدا على الفاتحة، كما نقول: أخذت هذا بدرهم فصاعدا، أي: فزاد الثمنَ صاعدا على الدرهم، ولكن تذكير " صاعدا باعتبار المذكور، وإلا فالقياس يقتضي أن يقال: فصاعدةً أو نقول: فصاعدا في مثل هذا الموضع مثل الاسم الجامد، فاستوى فيه التذكير والتأنيث، والفاء فيه زائدة لازمة. وقال البخاري في كتاب
" القراءة خلف الإمام ": وقال معمر عن الزهري:" فصاعدا "، وعامة الثقات لم يتابع معمرا في قوله: " فصاعدا ".
قلت: هذا سفيان قد تابع معمرا في هذه اللفظة، وكذلك تابعه فيها صالح والأوزاعي، وعبد الرحمن بن إسحاق، وغيرهم، كلهم عن
" الزهري.
قوله: " قال سفيان: لمن يُصَلى وحده " المراد به سفيان بن عيينة، يعني:
عدم جوار الصلاة لعدم قراءة فاتحة الكتاب في حق من يصلي وحده، وأما المقتدي فإن قراءة إمامه قراءة له، وكذا قال الإسماعيلي إذا كان وحده. فعلى هذا يكون الحديث مخصوصا في حق المنفرد، فلم يبق للشافعية بعد هذا دعوى العموم.
800- ص- نا عبد الله بن محمد النفيلي، نا محمد بن كلمة، عن محمد بن إسحاق، عن مكحول، عن محمود بن الربيع، عن عبادة بن الصامت قال: كنا خَلفَ النبيذ- علي السلة "- في صلاة الفَجْرِ، فَقرأَ رسولُ الله فَثَقُلَتْ علي القِراءة فلما فَرِغَ قال: " لَعَلكُم تًقْرَءُونَ خَلفَ(3/495)
إِمَامكُمْ "؟ " قلنا: نعم، هَذا نا رسولَ الله، قال:، لا تَفْعَلُوا إلا بفَاتحةِ الكِتاَبِ، فإنه لا صَلاةَ لمن لم يَقْرَأ بِهَا " (1) .
ش- محمد بن سلمة الباهِلي الحراني، ومحمد بن إسحاق بن يَسَار، ومكحول بن زبر الشامي.
والحديث أخرجه الترمذي عن هَنَاد، عن عبدة، عن ابن إسحاق،
إلى آخره، وقال: حديث حسن. وفي كتاب الدارقطني (2) : " لا تقرأ بشيءِ من القرآن إذا جهر إلا بأم القرآن "، وفي المصنَف (3) : نا ابن نمير، نا محمد بن إسحاق، عن مكحول، عن محمود بن الربيع، عن عبادة ابن الصامت، قال: صلى بنا رسول الله- عليه السلام- صلاة العشاء، فثقلت علي القراءة "، فانصرف قال: " لعلكم تقرءون خلف إمامكم؟ قال: قلنا: أجل يا رسول الله إنا لنفعل، قال: فلا تفعلوا إلا بأم القرآن، فإنه لا صلاة إلا بها.
قوله: " هَذا " الهَذ: الزرعة، أراد: نَهُذ القرآن هَذا، فنُسْرِعُ فيه من
غير تَفكُرِ، ولا ترتيلِ، كما في قراءة الشعر، ونصبه على المصدر، وقيل: أراد بالهذ الجهرَ بالقراءة، وكانوا يُلبسُون عليه- عليه السلام- قراءته بالجهر.
قوله: " لا تفعلوا " يحتمل أن يكون أراد بالنهي ما راد من القراءة على الفاتحة، ويحتمل أن يكون نهاهم عن الْهَذ، كذا قاله الخطابي، بناءَ على مذهبه، وسنجيب عنه إن شاء الله تعالى، ولنا أحاديث تدل على أن
__________
(1) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء أنه لا صلاة إلا " بفاتحة الكتاب (247) .
(2) (1 / 319) وفيه: أفلا تقرءوا بشيء من القرآن إذا جهرتُ إلا بأم القرآن" (3) (1 / 373- 374) .(3/496)
المقتدي لا يقرأ خلف الإمام، " (1) منها ما أخرجه ابن ماجه في" سننه " (2) عن جابر الجُعْفِي، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله: " من كان له إمام، فإن قراءة الإمام له قراءة ".
والحديث، وإن كان معلولا بجابر الجُعْفي، ولكن له طرق أخرى وهي وإن كانت مدخولة، ولكن يَشُدّ بعضها بعضا، منها ما رواه محمد بن الحسن في " موطئه " (3) : أخبرنا الإمام أبو حنيفة، ثنا أبو الحسن موسى ابن أبي عائشة، عن عبد الله بن شَدَاد، عن جابر، عن النبي- عليه السلام-، قال: " من صَلَّى خلف الإمام، فإن قراءة الإمام له قراءة" ورواه الدارقُطْني في " سننه " (4) ، وأخرجه هو، ثم البيهقي (ْ) ، عن أبي حنيفة مقرونا بالحسن بن عمارة، وعن الحسن بن عمارة وحده بالإسناد المذكور. قال الدارقطني: وهذا الحديث لم يسنده عن جابر بن عبد الله، غيرُ أبي حنيفة، والحسنُ بن عمارة، وهما ضعيفان، وقد رواه سفيان الثوري، وأبو " الأحوص، وشعبة، وإسرائيل، وشريك، وأبو خالد الدالاني، وسفيان بن عيينة، / 1 [وجرير] ، بن عبد الحميد، وغيرهم، عن موسى بن أبي عائشة، عن عبد الله بن شداد، عن النبي مرسلاً، وهو الصواب (6) .
قلتُ: قد ظهر لك تحامل الدارقطني على أبي حنيفة، وتعصُبُهُ الفاسد، فمن أين للدارقطني تضعيف مثل أبي حنيفة؟ والحال أنه بهذا يستحق التضعيف، ثم هو يُضَعف حديث أبي حنيفة، وقد روى هو في " سننه" أحاديث سقيمة معلولة، وأحاديث غريبة منكرة، وأحاديث موضوعا، وكيف يُضَعفُهُ، وقد قال يحيى بن معين حين سئل عنه: ثقةٌ،
__________
(1) انظر: نصب الراية (2 / 7- 9) .
(2) كتاب " إقامة الصلاة، باب: إذا قرأ الإمام فأنصتوا (850) ، ووقع في سنده اختلاف انظره في " الإرواء " (2 / 268) .
(3) كتاب الصلاة، باب: القراءة في الصلاة خلف الإمام " رقم 117".
(4) (1 / 323: 325) . (5) السنن الكبرى (2 / 59 1) .
(6) إلى هنا انتهى النقل من نصب الراية.(3/497)
ما سمعت أحداً ضَعَّفَهُ. هذا شعبة بن الحجاج يكتب إليه أن يُحَدث، ويأمرُه، وشعبةُ شعبةُ (1) ذكره الحافظ أحمد بن الحسن، عن عبد الله بن أحمد بن إبراهيم الدورقي. وقال ابن كثير في " تاريخه ": قال يحيى بن معين: كان أبو حنيفة ثقةً، وكان من أهل الصدق، ولم يتهم بالكذب، ولقد ضربه ابن هبيرة على القضاء فأبى أن يكون قاضيا، وسئل يحيى بن معين: هل حدَّث سفيان عن أبي حنيفة؟ قال: نعم، كان أبو حنيفة ثقة صدوقا في الحديث والفقه، مأمونا على دين الله تعالى، وأثنى علي ابن المبارك، وأبو مطيع الحكم بن عبد الله، وسفيان بن عيينة، وحمَّادُ ابن أبي سليمان، ومسعر بن كدام، وأيوب السختياني، والأعمش، ويقال: إنه خرج إلىَ الحج، فلما صار بالحيرة، قال لعلي بن مسهر: اذهب إلى أبي حنيفة حتى يكتب لنا المناسك، وأثنى علي شعبة بن الحجاج، وسفيان الثوري، والحسن بن صالح، وعبد الرزاق، وسعيدُ ابن أبي عروبة، وحمَّاد بن زيد، وابن جرير، وشريك القاضي، وابن شُبْرُمَة، ووكيع، وكان يفتي برأي أبي حنيفة، ويحيى بن سعيد القطان، والإمام الشافعي، والإمام مالك، والإمام أحمد، وخالد الواسطي، وعيسى بن يونس، وأبو عاصم النبيل، وعبد الله بن داود، وأبو نعيم الفضل بن دكن، وعبد العزيز بن أبي رواد، وعبد العزيز الماجشون، وأبو معاوية، وابن أبي ليلى وياسين بن الزيات، وابن السماك، ويحيى بن اليمان، وقيس بن الربيع، وخلف بن أيوب، ويحيى بن آدم، ويوسف بن خالد السَّمْتي، والنضر بن شميل، ويحيى بن كثم، ومقاتل ابن حَيَّان، ومقاتل بن سليمان، ومكي بن إبراهيم، وجماعة آخرون كثيرة، وروى عنه: ابن المبارك، ووكيع، ويزيد بن هارون، وعليه بن عاصم، والقاضي أبو يوسف، ومحمد بن الحسن الشيباني، وعبد الرزاق، وأبو نعيم، وهشيم، وجعفر الصادق، وسفيان الثوري، وشعبةُ، وعبد الكريم الجاري، إمام أهل الجزيرة، وكان يفتي بقوله،
__________
(1) كذا بالتكرار.(3/498)
والأحوص بن حكيم، والحكم بن هشام، ومعمر بن راشد، وشريك النخعي، والمغيرة بن موسى، ومقاتل بن حيان، وجماعة آخرون،
ذكرتهم في " تاريخي "، مقدار سبعمائة وثلاثين رجلاً، من العلماء الأجلاء، والثقات الأثبات، وأما عُدَّة مشائخه الذين روى عنهم تبلغ
أربعَة آلاف نفس، ف " ذا كان الرجل بهذه المثابة، كيف لا يستحيي الدارقطني، وأمثاله، مثل البخاري، وابن الجوزي، والبيهقي، حتى
يحطون على مثل هذا الإمام، ويتكلمون في عِرْضِهِ، لأجل حظ الأنفس،
وارتكاب الهَوى الباطل، ولقد صدق الشاعر في قوله:
حسدوا الفتى إذ لم ينالوا شأوَه والقوم أعداء له وخصوم
وفي المثل السائر: البحر لا يكدره وقع الذباب، ولا ينجسه ولوغ
الكلاب.
وأما محمد بن الحسن فإنه أخذ العلم عن أبي حنيفة، وأبي يوسف،
وسمع منهما (1) ، وكذلك سمع من مِسْعر، والثوري، ومالك، والأوزاعي، وغيرهم، وأثنى عليه غير واحد من أهل العلم، وأكثرهم
ثناء الشافعي، وكتب عنه الشافعي ببغداد، وبالغ الشافعي في الثناء علي.
وقال محمد: ترك لي أبي ثلاثين ألف درهم، فأنفقت خمسة عشرة ألفا
على النحو، والشعر، وخمسة عشر ألفا على الحديث والفقه، وقال:
أقمت على باب مالك ثلاث سنين وكسْرا.
وأما موسى بن أبي عائشة أبو الحسن الكوفي، فإنه من الثقات
الأثبات. روى عنه: أبو حنيفة، والثوري، وغيرهما. وقال ابن عيينة:
كان من الثقات. وقال ابن معين: ثقة. وروى له الجماعة.
/ وإما عبد الله بن شَدَاد فهو من كبار التابعين، وثقاتهم، كما ذكرناه [1/280-ب] في ترجمته، فإذا كان الأمر كذلك، يكون ما رواه محمد بن الحسن في
" موطئه " عن أبي حنيفة، عن موسى بن أبي عائشة، عن عبد الله بن
__________
(1) غير واضحة في الأصل.(3/499)
شَدَاد، عن جابر- رضي الله عنه- حديثا صحيحا، بإسنادِ صحيح، مسلسلٍ بسلسلة الذهَب، فبطل بهذا قول الدارقطني، ومن تبعه.
ومنها: ما رواه الدارقطني في " سننه "، والطبراني في " معجمه الوسط، (1) ، عن سهل بن عباس المروزي، ثنا إسماعيل ابن عُلَية، عن أيوب، عن أبي الزبير، عن جابر، قال: قال رسول الله: " من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة ". قال الدارقطني: هذا حديث منكر، وسهل بن عباس متروك، وليس بثقةٍ. وقال الطبراني: لم يرفعه أحد عن ابن عُلَية إلا سهل بن عباس، ورواه غيره (2) موقوفا.
ومنها: ما رواه أحمد، في " مسنده " (3) عن جابر بن عبد الله، " عن النبي- عليه السلام: " من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة ". وفي " المصنف ": ثنا مالك بن إسماعيل، عن حسن بن صالح، عن أبي الزبير، عن جابر، عن النبي- عليه السلام- قال: " كل من كان له إمام فقراءته له قراءة هذا سند صحيح، وكذا رواه أبو نعيم، عن الحسن بن صالح عن أبي الزبير، ولم يذكر جابرا، كذا في أطراف المزي ".
ومنها: ما رواه الدارقطني في " سننه " (4) ، عن محمد بن الفضل بن عطية، عن أبيه، عن سالم بن عبد الله، عن أبيه عبد الله بق عمر، عن النبي- عليه السلام-، قال:" من كان له إمام فقراءته له قراءة، قال الدارقطني: محمد بن الفضل متروك، ثم أخرجه عن حارثة، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر مرفوعا، أنه قال في القراءة خلف الإمام: يكفيك قراءة الإمام، قال: وهو الصواب.
__________
(1) (8 / 7903) بلفظ:" من صلى خلف إمام فإن قراءة الإمام له قراءة ". (2) في الأصل:" غير، خطأ. (3) (3 / 339) .
(4) (1 / 325- 326) .(3/500)
قلت: وكذلك " (1) رواه مالك في " الموطأ " (2) ، عن نافع، عن ابن عمر قال: إذا صَلّى أحدكم خلف الإمام فحسبه قراءة الإمام، وإذا صلى وحده فليقرأ، قال: وكان عبد الله بن عمر لا يقرأ خلف الإمام. ومنها: ما رواه الطبراني في " معجمه الوسط " (3) : نا محمد بن إبراهيم بن عامر بن إبراهيم الأصبهاني، حدثني أبي عن جدي، عن النضر بن عبد الله، ثنا الحسن بن صالح، عن أبي هارون العبدي، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ": من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة "، وأخرجه ابن عدي في " الكامل " (4) ، عن إسماعيل ابن عمرو بن نجيح أبي إسحاق البجلي، عن الحسن بن صالح به سندا ومتنا. قال ابن عدي: هذا لا يتابع عليه إسماعيل، وهو ضعيف. قلت: قد تابعه النضر بن عبد الله كما تقدم، عند الطبراني.
ومنها: ما أخرجه الدارقُطْني في " سننه " (6) عن محمد بن عباد الرازي، ثنا إسماعيل بن إبراهيم التيمي، عن سهيل بن أبي صالح؟ عن أبيه، عن أبي هريرة مرفوعا نحوه سواء. وقال الدارقطني: لا يصح هذا عن سهل، تفرد به محمد بن عَباد الرازي، وهو ضعيف.
ومنها: ما رواه الدارقطني في "سننه" (6) من حديث عاصم بن عبد العزيز المدني، عن أبي سهيل، عن عون بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس، عن النبي- عليه السلام- قال:، يكفيك قراءة الإمام خافتَ، أو جَهر (7) ". قال الدارقطني: قال أبو موسى: قلت لأحمد ابن حنبل في حديث ابن عباس هذا فقال: حديث منكر. ثم أعاده
__________
(1) انظر: نصب الراية (2 / 11- 13) .
(2) كتاب الصلاة، باب: ترك القراءة خلف الإمام فيما جهر فيه (45) . (3) (7 / 7579) . (4) (1 / 524، ترجمة إسماعيل) .
(5) (333 / 1) ، وفيه:" أبو يحيى التيمم ومحمد بن عبد الله ضعيفان ". (6) نفسه. (7) في سنن الدارقطني: " أو قرأ".(3/501)
الدارقطني في موضع آخر، قريبِ منه. وقال: عاصم بن عبد العزيز ليس بالقوي، ورفعه وهم (1) .
ومنها: ما رواه ابن حبان في كتاب " الضعفاء "، عن غنيم بن سالم،
عن أنس بن مالك، قالَ: قال رسول الله: " من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة،، وأعله بغنيم، وقال: إنه يخالف الثقات في الروايات، لا تعجبني الرواية عنه، فكيف الاحتجاج به؟ "
ومن الاَثار: ما روى ابن أبي شيبة في " مصنفه " قال: نا محمد بن سليمان الأصبهاني، عن عبد الرحمن الأصبهاني- هو ابن عبد الله- عن ابن أبي ليلى، عن علي قال: من قرأ خلف الإمام فقد أخطأ الفطرة. ومحمد الأصبهاني قال الذهبي: صدوق، وقال في " الكاشف ": أخرج له الترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وقَوَّاه ابن حبَّان، وباقي السند على شرط الصحيح.
وروى عبد الرزاق في " مصنفه " عن داود بن قيس، عن محمد بن عجلان، قال: قال علي: من قرأ مع الإمام فليس على الفطرة، قال: وقال ابن مسعود: مُلئَ فوه ترابا، قال: َ وقال عمر بن الخطاب: وددتُ أن الذي يقرأ خلف الإمام في فيه حجر.
وقال صاحب " التمهيد ": ثبت عن علي، وسعْد، وزيد بن ثابت
أنه لا قراءة مع الإمام لا فيما أسرَّ، ولا فيما جهر.
وروى / عبد الرزاق، عن الثوري، عن الأعمش، عن إبراهيم،
عن الأسود، قال: وددتُ أن الذي يقرأ خلف الإمام مُلِئَ فوه ترابا.
وعن معمر، عن أبي إسحاق، أن علقمة قال: وددت أن الذي يقرأ خلف الإمام ملئَ فوه- أحسبه، قال: ترابا أو رضيفا. وقال ابن أبي شيبة، ثني الأحمر، عن الأعمش، عن إبراهيم قال: أول ما أحدثوا القراءَة خلف الإمام، وكانوا يقرءون.
__________
(1) سنن الدارقطني (1 / 331) .(3/502)
وأخرج الطحاوي في " شرح الآثار "، عن حمّاد بن سلمة، عن أبي جمرة، قال: قلت لابن عباس: أقرأ والإِمام بين يدي؟ فقال: لا. وأخرج ابن أبي شيبة أيضاً عن جابر، قال: لا يُقرأ خلف الإمام، إن جهر، ولا إن خافت " (1) .َْ
وإذا تأملت ما ذكرناه كله عرفت بطلان ما حمله البيهقي في كتاب " المعرفة " من أحاديث: " من كان له إمامٌ فقراءة الإمام له قراءة " على ترك الجهر بالقراءة خلف الإمام وعلى قراءة الفاتحة دون السورة، وكيف يصح هذا؟ "
وقد رو " ابن أبي شيبة: نا وكيع، عن عمر بن محمد، عن موسى ابن سعد، عن زيد بن ثابت قال: من قرأ خلف الإمام فلا صلاة له. ونا هشيم، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، قال: سألته عن القراءة خلف الإمام، قال: ليس وراء الإمام قراءة.
ونا وكيع، عن هشام الدستوائي، عن قتادة، عن ابن المسيب، قال:
3 نصت للإمام.
وهذه الأسانيد كلها صحاح، وذكر أصحابنا أن منع المقتدى " عن القراءة مأثور عن ثمانين من كبار الصحابة، منهم علي، والعبادلة رضي الله عنهم-.
والجواب عن حديث الكتاب: فقوله:" لا تفعلوا إِلا بأم القرآن " يحتمل أن يكون ذلك قبل أن يؤمروا بالإنصات عند قراءة القرآن، ف" نزل قوله تعالى: " وإِذَا قُرِئَ القُرآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأنصتُوا " (2) ، بطلت القراءة خلف الإمام، وقد وردت أخبار في أن هذه اَلآية نزلت في القرآن خلف الإمام، والدليل على ما قلنا: ما أخرجه البيهقي (3) ، عن
__________
(1) إلى هنا انتهى النقل من نصب الراية. (2) سورة الأعراف 9204)
(3) السنن الكبرى (2 / 155) .(3/503)
مجاهد قال: " كان رسول الله- عليه السلام- يقرأ في الصلاة، فسمع قراءة فتىً من الأنصار، فنزلت: وإذَا قُرِئَ القُرآنُ فَاسْتَمعُوا لَهُ وأنصتُوا "، وأخرج عن الإمام أحمد قالَ: أجمع الناسُ على أَن هذه الآية فَي الصلاة.
ويحتمل أن يكون ذلك بطريق تحصيل الفضيلة والكمال، لا الوجوب للأحاديث التي ذكرناها، وقوله: " فإنه لا صلاة لمن " لم، يقرأ بها " معناه: لا صلاة كاملة لمن " لم، يقرأ بها، ونحن نقول أيضاً بذلك، ولكن هذا في حق الإمام والمنفرد، وأما المقتدي فليس علي ذلك أصلاً، فإن قالوا المقتدي مصل وكل مصل تجب علي القراءة، فالمقتدي تجب علي القراءة، قلنا: المقتدي أيضاً قارئ، لأن قراءة إمامه قراءته، وليست صلاة المقتدي صلاةً بلا قراءة، بل صلاته صلاة بقراءة، فافهم.
وقال الخطابي: هذا الحديث يصرح بأن قراءة فاتحة الكتاب واجبة على
من صلى خلف الإمام، سواء جهر الإمام بالقراءةَِ، أو خافت بها، " إسنادهُ جيد لا طعن فيه.
قلت: قد حصل للخطابي ولغيره جوابهُ بما ذكرناه، ولو كان هذا الحديث مما يستدل به أصحابنا لقال الخَطابي أو غيرهُ منهم: هذا الحديث معلولٌ بمحمد بن إسحاق، لأن عادة غالبهم إذا كان الحديث لهم يجعلونه من أعالي الأحاديث وأثبتها، وإن كان في نفس الأمر معلولا، وإذا كان عليهم يجعلونه معلولا وإن كان صحيحا، يتحققُ ذلك من يتأمل في وجوه الاستدلالات في كتبهم.
801- ص- نا الربيع بن سليمان الأزْدي، ثني عبد الله بن يوسف، هنا الهيثم بن حميد، قال: أخبرني زيد بن وأقد، عن مكحول، عن نافع بن محمود بن الربيع الأنصاري، قال نافع: أبطَأ عُبادةُ عن صَلاة الصبْح، فأقامَ أبو نُعيم المُؤَذنُ الصلاة، فَصلى أبو نعيبه بالناسِ، وأقْبَلَ عُبادَ" بنُ الصامت، وأنا معه حتى صَفَفْنَا خَلفَ أبي نُعيد، فَجَهَرَ بالقِراءَةِ (1) ، فَجَعَلَ عُبادة
__________
(1) في سنن أبي داود: " وأبو نعيم يجهر بالقراءة"(3/504)
يَقْرَأ بأمِّ (1) القُراَنِ، ف" انصرفَ قلتُ لعُبادة: سَمعتُكَ تَقرأ بأمِّ القُرَان
وأبو نُعيمٍ يَجْهَرُ؟ قال: أَجَلْ، صَلَّى بنا رسولُ الله- عليه السلام- بعضَ الصلَوات التي يُجْهَرُ فيها بالقِراءَة، فالتبسَتْ (2) / علي القِراءةُ، ولما (3) [1/ 281- ب] ، انصرفَ أَقبلَ علينا بوجْهِهِ، وقالَ: " هَلْ تَقْرءُونَ إذا جَهَرْت بالقِرَاءَة "؟
فقال بَعضُنَا: إنَا نَصنعُ ذلك، قال: " فلا، وأنا أَقولُ: مالي يُنازِعُنِي القُرآنُ،
فلا تَقرءُوا بشيءٍ من القُرآنِ إذا جَهَرْتُ، إلا بأمِّ القُرآنِ " (4) .
ش- الربيع بن سليمان بن داود الجيزي المصري الأعرج الأزدي
مولاهم. روى عن: عبد الله بن وهب، وأبي زرعة وهب " الله "، بن
راشد، (والشافعي (ْ، وغيرهم. روى عنه: أبو داود، والنسائي،
وأبو جعفر الطحاوي. وقال الخطيب: كان ثقة. مات في ذي الحجة سنة
" ست وخمسين ومائتين (6) .
وعبد الله بن يوسف التِّنِّيسِيُّ أبو محمد المصري الدمشقي، أصله
دمشقي، نزل تنيس 10 روى عن: عيسى بن يونس) (5) والليث بن
سعد، والهيثم بن حميد، وغيرهم. روى عنه: ابن معين، والربيع بن سليمان، وبكر بن سهل الدمياطي، وغيرهم. وقال أبو حاتم: ثقةٌ.
توفي بمصر سنة ثماني عشرة ومائتين. روى له: أبو داود، والترمذي،
والنسائي (7) .
والهيثم بن حميد أبو الحارث الدمشقي.
وزيد بن واقد الشامي أبو عُمر، ويقال: أبو عَمْرو الدمشقي. روى
__________
(1) في سنن أبي داود: " أم ".
(2) في سنن أبي داود: " قال: فالتبست ".
(3) في سنن أبي داود: " ف"أ.
(4) النسائي: كتاب الافتتاح، باب: قراءة أم القرآن خلف الإمام فيما جهر به
" الإمام (2 / 141) .
(5) غير واضح في الأصل.
(6) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (9 / 1863) .
(7) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (6 1 / 3673) .
33 شرح سنن أبي داوود 3(3/505)
عن: جبير بن نفير، ومكحول، وعبد الملك بن مَرْوان، وغيرهم. روى عنه: يحيى بن حمزة، والهيثم بن حميد، وعمرو بن واقد، وغيرهم. قال ابن معين: ثقةٌ. روى له الجماعة، إلا الترمذي (1) . ونافع بن محمود بن الربيع، ويقال: ربيعة، روى عن: عبادة بن الصامت، روى عنه: حرام بن حكيم الدمشقي، روى له: أبو داود، والنسائي (2) .
قوله: " أجل " أي: نعم.
قوله: " فلا " أي: لا تصنعوا ذلك.
قوله: " مالي ينازعني القراَن " أي: يجاذبني، من المنازعة، وهي المجاذبة في الأعيان والمعاني، كأنهم إذا جهروا بالقراءة خلفه شغلوهُ، و " القرآن " مرفوع بالفاعلية.
وقد استدلوا به في فرضية قراءة الفاتحة، وأنها لا تترك أصلا سواء منفردا أو إماما، أو مقتديا، وسواء كان الإمام في الصلاة الجهرية، أو غيرها " [ويغني] (3) عن هذا ما ذكرناه مستوفى عن قريب، ويلزمُهم في ذلك مسألة: وهو أن الرجل إذا أتى الإمام وهو راكع فيكبر ويركع معه، ويعتد ذلك من الركعة بالإجماع، وإن لم يقرأ فيها شيئاً، فَذلك أن القراءة ليست واجبة " في حقه، (3) ، وأن قراءة الإمام كقراءته. والحديث أخرجه النسائي.
802- ص- نا على بن سَهْل الرملي، نا الوليد، عن ابن جابر وسعيد ابن عبد العزيز وعبد الله بن العلاء، عن مكحول، عن عبادة نحو حديث الربيع بن سليمان قالوا: فكان مَكْحُول يقولُ: اقْرَءُوا في المغربِ (4) ،
__________
(1) المصدر السابق (0 1 / 0 13 2) . (2) المصدر السابق (29 / 6369) . (3) غير واضحة في الأصل.
(4) في سنن أبي داود: " فكان مكحول يقرأ في المغرب ".(3/506)
والعشاءٍ، والصبح بفاتحة الكتاب في كُل رَكعة سرا، قال مَكحول: اقرأ بها فيماَ جَهرَ به الإِمَامِ إَذا قَرَأ بفاَتحة اَلكتاب، وسَكتَ سرا، فإن لم يَسكُتْ اقْرَأ بها قَبْلَهُ، ومَعَهُ، وبعْدهُ، ولا تَتْركْهَاَ علىَ حَالٍ (1) ،َ (2) .
ش- عليُّ بن سهل بن قادم الرملي، قد مَرَّ مَرَّة.
والوليد بن مسلم " القرشي، (3) مولاهم أبو العباس الدمشقي.
وابن جابر هو عبد الرحمن بن يزيد بن جابر (4) أبو عُتْبَةَ الشامي ْ (5) الدمشقي الداراني. روى عن: الزهري، ومكحول، ومحمد بن واسع، وغيرهم. روى عنه: ابنه عبد الله، وابن المبارك، والوليد بن مسلم، وغيرهم. قال ابن معين: ثقة. مات سنة ثلاث وخمسين ومائة. روى له الجماعة (6) .
وسعيد بن عبد العزيز التنوخي الدمشقي، وعبد الله بن العلاء الدمشقي.
وهذا منقطع لأن مكحول، لم يدرك عبادة بن الصامت، وقد ذكرنا أخبارا من الصحابة والتابعين في ترك القراءة خلف الإمام سواء جهر، أو خافت.
والحمد لله وحده، وصلى الله على سيدنا محمد، وآله.
يَتْلُوه الجزء الثاني، أوله:
" باب من رأى القراءة إذا لم يجهرْ ".
__________
(1) في سنن أبي داود: " على كل حال".
(2) انظر التخريج المتقدم. (3) غير واضحة في الأصل.
(4) في الأصل: " ... ابن جابر وغيرهم روى عنه الأزدي ... " وهو سبق فلم.
(5) كذا، ولعله يقصدا " السلمي " كما في تهذيب الكمال.
(6) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (18 / 3992) .(3/507)
وقد فرغتْ يَمِينُ مؤلفه من هذا الجزء يوم الأحد الثالث من ربيع الأول عام خمس وقت ما تم، وكان الابتداء فيه غُرة محرم من هذه السنة، وكان مكثي فيه تسويدا وتبييضا وإصلاحا، وغير ذلك مدة شهرين ليس إلا مع تَخَللات الحوادث في الأيام، ووقوع الفترات بين الأيام، وهجوم العوارض، والعوائق، وعدم السلامة من الموانع واللواحق، ولكن الله يَسَرَهُ بفَضْله، وهَوَنه بلطفه (1) .
* * *
__________
(1) جاء بهامش الأصل بخط مغاير لخط المصنف: " وهو الأول من شرح سنن أبي داود للإمام العيني ".(3/508)
/ (1) 1 بِسْم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيم، (2) وبه نستعين [2/ 1- أ]
130- باب: من رأى القراءة إذا لم يجهر (3)
[أي: هذا باب في بيان] (4) القراءة خلف الإمام إذا لم يجهر الإمام بالقراءة.
803- ص- نا القعنبي، عن مالك، عن ابن شهاب، عن ابن أكيمة اللـ[يثي عن] (5) أبي هريرة- رضى الله عنه- أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم انصرف من صلاة جَهر فيها بالقراءة فقال: هل قَرَأ معي أحاسنكم آنفاً فقال رجل: نعم يا رسًول الله، قال: إِني أقولُ مَالي أنازعَ القرآنَ؟ قال: فانتهى الناسُ عن القراءة، (5) مع رسوِل الله - صلى الله عليه وسلم - فيما جهَرَ فيه النبي- عليه السلام- بالقراءة من الصلوات حين سًمعُوا ذلك من رسول الله، (5) عليه السلام (6) -.
ش- ابن أكيمة الليثي اسمه عمارة، ويقال: عمرو بن أكيمة، وذكر غير الترمذي أن أسـ[مه من عامر. وقـ[، (4) ـيل جل: عمار، وقيل يزيد، وقيل عباد، وأن كنيته أبو الوليد الحجازي. روى عن: أبي هريرة، روى عنه: الزهري، [ومالك بن] ، (7) أنس، ومحمد بن عمرو.
(1) بداية الجزء الثاني من تجزئة الأصل. (2) بياض في الأصل.
(3) في سن أبي داود: " باب من كره القراءة بفاتحة الكتاب إذا جهر الإمام "، وانظر تعليق المصنف عليه بعد حديثين.
(4) بياض في الأصل، وأثبتناه على غرار شرح المصنف.
(5) بياض في الأصل، وأثبتناه من سوق أبي داود.
(6) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في ترك القراءة خلف الإمام إذا جهر الإمام بالقراءة (312) ، النسائي: كتاب الافتتاح، باب: ترك القراءة خلف الإمام فيما جهر به (2/ 140) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب: إذا قرأ الإمام فأنصتوا (848) .
(7) بياض في الأصل.(4/5)
توفي سنة إحدى ومائة، وهو ابن تسع وسبعين سنة، وفي الكمال: ومنهم من لا يُحتج بحديثه. يقول: هو شيخ مجهول. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (1) .
وقوله: " مالي أنازع القرآن؟ " بصيغة المجهول، ونَصْب " القرآن "، ومعناه: أداخل في القراءة، وأغالب عليها، وقد تكون المنازعة بمعنى المشاركة، والمداولة، ومنه منازعة الكأس في المدام. والحديث رواه الطحاوي، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وقال الترمذي: حديث حسن. وهذا الحديث ينافي فرضية قراءة الفاتحة مطلقا، لأنها لو كانت فرضا، لما انتهى الناس عن القراءة مع رسول الله فيما جهر فيه بالقراءة، ولم يقل أحد: إن قراءة الفاتحة فرض في حالة دون حالة، لعدم القائل بالفصل، فتبين أنها ليست بفرض.
ثم القراءة خلف الإمام إذا كان فيما يخافت فقد رآها بعض أصحابنا، ومنعها الكثير منهم، وقد مر بيانه مستوفى،
ص - قال أبو داود: روى حديث ابن أكيمة هذا معمر، ويونسُ، وأسامةُ بنُ زيدِ على معنى مالك (2) .
ش- أي: معمر بن راشد، ويونس بن يزيد الأيلي، وأسامة بن زيد الليثي المدني. ورواه أبو بكر بن أبي شيبة فقال: نا ابن علية، عن الزهري، عن ابن أكيمة قال: سمعت أبا هريرة يقول: " صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - - نظن أنها الصبح- فلما قضاها قال: هل قرأ منكم أحد؟ قال رجل: أنا. قال: إني أقول؟ مالي أنازع القرآن؟ ".
804- ص-: نا مسدد وأحمد بن محمد المروزي ومحمد بن أحمد بن أبي خلف وعبد الله بن محمد الزهري، وابن السرح قالوا: نا سفيان، عن الزهري قال: سمعتُ ابن أكيمةَ يحدث [عن،] سعيد بن المسيب قال:
-----------------------
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (21/ 4175) .
(2) في سنن أبي داود: ".. وأسامة بن زيد عن الزهري، على ... ،.(4/6)
سمعت أبا هريرة يقول: صلى بنا رسولُ اللهِ صلاة- نَظُن أنها الصبحُ- بمعناه، إلى قوله: (مالي أنَازعُ القُرآنَ) (1) .
ش- أي: بمعنى الحديث المذكور. ورواه ابن أبى شيبة عن ابن علية كما ذكرناه الآن.
ص- قال أبو داود: قال مسدد في حديثه قال معمر: فانتهى الناسُ عن القراءةِ فيما جَهَرَ به رسولُ اللهِ.
ش- أي: قال مسدد بن مسرهد في روايته: " قال معمر بن راشدا إلى آخره، وقوله:" فانتهى الناسُ عن القراءة " عام يتناول الفاتحة وغير ها.
ص- وقال ابن السرح في حديثه: قول معمر: عن الزهري: قال أبو هريرة: فانتهى الناسُ.
ش- أي: قال أحمد بن عمرو بن عبد الله بن عمرو بن السرح في روايته: قال معمر: عن محمد بن مسلم الزهري. إلى آخره.
ص- وقال عبد الله بن محمد الزهري من بينهم: قال سفيان: وتكلم الزهري بكلمة لم أسمعها. وقال معمر: إنه قال: " فانتهى الناسُ ".
ش- أي: قال عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن البصري الزهري من بين الجماعة المذكورين: قال سفيان بن عيينة؟ وتكلم الزهري بكلمة لم أسمعها.
قوله: " فقال معمرة تفسير لقوله: " بكلمة لم أسمعها " فلذلك ذكره بالفاء، إنه قال ": أي: أن الزهري قال: " فانتهى الناس ".
ص- قال أبو داود: ورواه عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري، وانتهى حديثه إلى قوله: " مالي أنازعُ القرآنَ ".
=------------------
(1) الترمذي: كتاب الصلاة، باب ما جاء في ترك القراءة خلف الإمام إذا جهر الإمام بالقراءة (312) " النسائي: كتاب الافتتاح، باب: ترك القراءة خلف الإمام فيما جهر به (2/ 140، 141) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: إذا قرأ الإمام فأنصتوا (848) .(4/7)
1/21- ب
ش- أي: روى هذا الحديث عبد الرحمن بن إسحاق بن الحارث [2/ 1- ب] القرشي العامري المدني. روى عن أبيه، والزهري/ وسعيد المقبري وغيرهم.
روى عنه ابن عيينة وحماد بن سلمة [] ، (ا) . وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يُحتج به، وهو قريب من محمد بن إسحاق صاحب المغازي، وهو حسن الحديث، ليس بثبت، (2) ولا قوي. وقال ابن عدي: في حديثه بعض ما يُنكر ولا يُتابع عليه.
والأكثر منه صحاح، وهو صالح الحديث. روي له الجماعة إلا
البخاري (3) .ص - وروى الأوزاعي عن الزهري قال فيه: قال الزهري: فاتَعَظَ المسلمون بللك، فلم يكونوا يقرءون معه فيما يَجهرُ به.
ش- أي: في هذا الحديث قال الزهري: فاتعظ المسلمون بذلك ". أي: بقوله- عليه السلام-: مالي أنازع القرآن.
ص- قال أبو داود: سمعت محمد بن يحيي بن فارس، قال: قوله: (فانتهى الناسخ من كلام الزهري.
ش- محمد بن يحيي النيسابوري الإمام، من جملة شيوخ أبي داود، وقد ذكر غير مرة، قال: " فانتهى الناس " إلى آخره من كلام الزهري. وكذا روى ابن أبي شيبة من غير قوله: " فانتهى الناس " كما ذكرنا. وفي بعض النسخ عقيب هذا الكلام " باب من رأى القراءة إذا لم "يجهر " أعني: الباب الذي ذكرناه قريبا، مذكور في بعض النسخ هاهنا.
805- ص - نا أبو الوليد الطيالسي، نا شعبة ح ونا محمد بن كثير العبدي، نا شعبة- المعنى- عن قتادة، عن زرارة، عن عمران بن حصين،
---------------
(1) طمس في الأصل قدر نصف سطر.
(2) طمس في الأصل، وأثبتناه من الجرح والتعديل (5/ ترجمة 1000) . (3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (16/ 3755) .(4/8)
أن النبي- عليه السلام- صلي الظهرَ فجاءَ رجل فقرأ خَلفَهُ بـ {سبح اسْمَ ربكَ الأعْلَى} فلما فَرغَ قال " أيكُم قَرَأ؟ قالوا: رجل، قال: قد عرفتُ أن بعَضَكُم خالجنيها " (1،.
ش- وزرارة بن أوفى (2) العامري.
قوله: " رجلا أي: قرأ رجل.
قوله:" خالجنيها " أي: نازعني قراءتها.
وقال الخطابي (3) : " جاذبنيها "، والخلف: الجذب، وهذا وقوله: "نازعنيها" سواء، وإنما أنكر عليه تجاذبته إياه في قراءة السورة حيث تداخلت القراءتان، وتجاذبتا".
قلت: وإنما ذكر من باب المفاضلة، ليَدل على المشاركة، لأن الخلل الجذب بسرعة فنفل إلى المخالجة ليدل على المشاركة، ومنه: الخليج، وهو نهر يُساق من النهر الأعظم إلى موضع، لأنه اختُلِجَ منه. أي: جذب وقال الخطابي (4) : (وأما قراءة الفاتحة، فإنه مأمور بها على كل حال، إن أمكنه أن يقرأ في السكتتين فعل، وإلا قرأ معه لا محالة،. قلت: يَرد قوله: إطلاق الأحاديث المذكورة، وقوله- عليه السلام-:
أمن كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة، (5) .
----------------------
(1) مسلم: كتاب الصلاة، باب: نهي المأموم عن جهره بالقراءة خلف إمامه لها، النسائي: كتاب الافتتاح، باب: ترك القراءة خلف الإمام فيما لم يجهر فيه (2/ 140، وكتاب قيام الليل (3/ 247) .
(2) في الأصل: اابن أبي أوفوا خطأ.
(3) معالم السنن (1/ 178) . (4) المصدر السابق.
(5) رُوي عن جماعة من الصحابة، منهم جابر بن عبد الله، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن مسعود، وأبو هريرة، وعبد الله بن عباس. فأما حديث جابر فأخرجه ابن ماجه (580) وغيره، وأما حديث ابن عمر فأخرجه الدارقطني (1/ 326) والخطيب في "تاريخه" (1/ 237) . وأما حديث ابن مسعود فأخرجه الخطيب في تاريخه، (11/ 426) . وأما حديث أبي هريرة فأخرجه الدارقطني (1/ 326 - 331) . وأما حديث ابن عباس فأخرجه أيضا الدارقطني (1/ 333) ، والحديث حسنه الشيخ الألباني في الإرواء (500) .(4/9)
ص- قال أبو (1) الوليد في حديثه: قال شعبة " فقلت وقتادة: أليسَ قولُ سعيدِ أنصت للقرآن؟ قال: ذاك إذا جهر به.
ش- أي: قال أبو الوليد الطيالسي في حديثه: قال شعبة بن الحجاج: فقلت ولقتادة بن دعامة: قول سعيد بن المسبب: " أنصت للقرآن" فقوله: " قول سعيدة اسم " ليس"، وخبره قوله: وأنصت للقرآن، قوله: وقال ذاك، أي: قال قتادة، قول سعيد: أنصت للقرآن إذا جهر بها أي: بالقرآن. وروى ابن أبي شيبة قال: نا وكيع، عن هشام الدستوائي، عن قتادة، عن ابن المسيب قال: " أنصت للإمام "
قلت: قول سعيد هذا مطلق، ولكن قتادة قيده بما إذا جوهر بالقرآن، وقد روى ابن أبي شيبة فقال: نا وكيع، عن للضحاك بن عثمان، عن عبد الله بن يزيد، عن ابن ثوبان، عن زيد بن ثابت قال: " لا تقرأ خلف الإمام إذا جهر، ولا إن خافت "
قلت: وهذا يؤيد أيضا إطلاق قول ابن مسعود ولأن قتادة أيضا هو الذي روى عن سعيد قوله: وأنصت للقرآن، ولم يقيده بالجهر، ولكن شعبة هو الذي ذكر التقييد به.
ص- قال ابن كثير في حديثه: قال: قلت لقتادة: كأنه كرهه قال: لو كرهه نهى عنه.
ش- أي: قال محمد بن كثير في حديثه: قال شعبة: قلت وقتادة: وكأنه كرهه، أي: كأن رسول الله كره القرآن، أي: القراءة خلفه. قال: لو كرهه نهى عنه، وقد قيل: إن هذا نهي دلالة، وهو أبلغ من الصريح، لأنه لو لم يكن نهيا وإنكارَا على من فعل ذلك، لما سأل: هذا السؤال بعد فراغه من الصلاة، ولما قال: لقد عرفت أن بعضكم خالجنيها، وألا لم يكن في هذا الكلام فائدة.
806- ص- نا ابن المثنى، نا ابن أبي عدي، عن سعيد (2) ، عن قتادة [2/ 2- أ] عن / [زرارة، عن عمران بن حصني، أن النبي " (3) الله- عليه السلام-
------------------
(1) سقط " أبو" من سنن أبي داود. (2) في الأصل: " شعبة "، خطأ. (3) طمس في الأصل، وأثبتناه من سنن أبي داود.(4/10)
صَلى بهم الظهر، فلما انفَتَل قال: أيكُم قَرأ، {سبحِ اسْمَ ربكَ الأعْلَى} ؟ فقال رجل أنا فقال: علمتُ، (1) أن بعضَكُم خَالجَنِيهَا " (2) .
ش- ابن المثنى: محمد بن المثنى، وابن أبي عدي: محمد بن أبي عدي. قوله: وفلما أنفتـ[ل " أي (3) نصرف من صلاته.
وهذا الكلام أيضا الإنكار عليه بالقراءة، والذي يرى بالقراءة خلف الإمام يقول [] (4) في جهره بالقراءة، أو رفع صوته بحيث أسمع غيره، لا عن أصل القراءة
والحديث أخرجه مسلم والنسائي.
***
131- باب: ما يجزئ الأمي والأعجمي من القراءة
أي: هذا باب في بيان ما يجزئ الأمي والأعجمي [] ، (5) وفي بعض النسخ باب: " ما جاء فيما يجزئ الأمي"، والأمي الذي لا يكتب، وهو نسبة إلى الأمة، وهي: العامة، أكثرهم لا يكتبون، أو إلى أمه كأنه على أصل الولادة، والأعجمي غير المفصح، وأن كان من العرب، والعجمي من كان من العجم، وإن كان فصيحاً والعجم غير العرب. 807- ص- نا وهب بن بقية، أنا خالد، عن حميد الأعرج، عن محمد ابن المنكدر، عن جابر بن عبد الله قال: خَرَج علينا رسولُ الله ونحنُ نقرأ القرآنَ وفينَا الأعرابي والعجمي، فقال: "اقرَؤوا فكل حَسن، وسيجِيءُ أقوام يُقِيمونَه كما يُقامُ القدح، يتعَجلونَهُ ولا يتأجلُونَه " (6) .
-------------------
(1) طمس في الأصل، وأثبتناه من سنن أبي داود.
(2) مسلم: كتاب الصلاة، باب: نهى المأموم عن جهره بالقراءة خلف أمامه يعد 398، النسائي: كتاب الافتتاح، باب: ترك القراءة خلف الإمام فيما لم يجهر به (2/ 140) ، وكتاب قيام الليل (2/247) .
(3) غير واضح في الأصل. (4) طمس في الأصل قدر كلمتين. (5) طمس في الأصل قدر كلمتين، ولعل فيها من القراءة ".
(6) تفرد به أبو داود.(4/11)
ش- وهب بن بقية بن عثمان الواسطي، وخالد بن عبد الله الواسطي. قوله: " وفينا الأعرابي " الأعرابي بفتح الهمزة الذي يُنسب إلى الأعراب، سكان البوادي، وقد مر الكلام فيه مرةَ، و " العجمي " من كان من العجم، وقد ذكرناه آنفَا، وفي بعض النسخ و " الأعجمي بالهمزة المفتوحة.
قوله: " فكل حسن " أي: كل واحد من قرائكم حسن.
قوله: " يقيمونه " أي: يقيمون القرآن كمال يقام القِدح، القِدم
- بكسر القاف وسكون الدال- السهم إذا قوم واستوى قبل أن ينصل ويراش، فإذا رُكب فيه النصل والريش فهو سهم.
قوله: " يتعجلونه " يقال: أعجله وتعجله وعجله تعجيلاَ، إذا استحثه، والمراد يتعجلون أجره في الدنيا، ويطلبون على قراءتهم أجرة من الأعراض الدنياوية، ولا يصبرون إلى الأجر والثواب الذي يحصل لهم في دار الآخرة، وقد وقع مثل ما قال- عليه السلام-.
808- ص- نا أحمد بن صالح، نا عبد الله بن وهب قال: أخبرني عمرو وابن لهيعة (1) ، عن بكر بن سوِادة، عن وفاء بن شريح الصدفي، عن سهل بنِ سعد الساعدي قال: خَرجَ علينا رسولُ الله- عليه السلام- يومًا ونحنُ نقْتَرئُ، فقال: الحمدُ لله كتابُ اللهِ واحد، وفيكمُ الأحمرُ، وفيكمُ الأبيضَُ، وفيكمُ الأسودُ، اقَرؤوه قبلَ أن يَقْرَأهُ أقوام يُقيمُونَه كما يُقومُ السهمُ، يَتَعَجلُ أجرَهُ ولا يتأجُله " (2) .
ش- عمرو بن الحارث، ووفاء- بالفاء- وشريح- بالشن المعجمة- ورواه أحمد بن حزم، عن ابن الأعرابي وابن رحيم، عن أبي عيسى الرقلي بالقاف.
ووفاء بن شريح الصدفي المصري. روى عن سهل بن سعد، ورويفع
-------------
(1) في سنن أبي داود: وعمرو بن لهيعة، خطأ. (2) تفرد به أبو داود.(4/12)
ابن ثابت الأنصاري. روى عنه: بكر بن سوادة، وزياد بن نعيم. روى له أبو داود (1) .
قوله:" ونحن " نقترئ" جملة حالية. " ونقترئ " بمعنى نقرأ.
قوله:" وفيكم الأحمر " المراد من الأحمر: العجم، لأن الغالب على ألوانهم الحمرة، والمراد من الأبيض أهل فارس، لأن الغالب على ألوانهم البياض. والمراد من الأسود العرب، لأن الغالب عي ألوانهم الأدمة والسمرة، والمقصود: أن فيكم طوائف مختلفة، "اقرءوا هذا القرآن قبل أن يقرأه أقواما كذا وكذا.
809- ص- نا عثمان بن أبي شيبة، نا وكيع بن الجراح نا سفيان الثوري عن أبي خالد الدالاني عن إبراهيم السكسكي عن عبد الله بن أبي أوفى قال: جَاءَ رجل إلى النبي- عليه السلام- وقال: إِني لا أسْتَطيعُ أن اَخذَ من القُراَن شيئًا فعلمني ما يُجْزئني منه. فقال (2) قلْ: سبحان الله، والحمد لله، ولا إلهَ إلا الله، والله كبر، َ ولا حولَ ولا قوةَ إلا بالله (3) . قال: يا رسولَ الله هذا لله فما لي؟ قال: قلْ: اللهم ارحَمْني وعَافني واهدني وارزقني (4) . فلما قامَ قال هكذا بيدهِ. قال رسولُ اللهِ: أَما هذا فَقدَ ملأ يده من الخير" (5) .
/ ش- أبو خالد هو يزيد بن عبد الرحمن الأزدي الدالاني.
وإبراهيم بن عبد الرحمن بن إسماعيل [السكسكي أبو إسماعيل الكوفي، (6) . سمع عبد الله بن أبي أوفى، وأبا بردة بن أبي موسى. روى عنه مسعر، والعوام بن حوشب، وأبو خالد الدالاني، وغيرهم.
------------------------
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (30/ 6691) .
(2) في سنن أبي داود: فقالا.
(3) في سنن أبي داود: زيادة " العلي العظيم ".
(4) في سنن أبي داود: جاء قوله " وارزقني بعد وارحمني ".
(5) النسائي: كتاب الافتتاح، باب: ما يجزئ من القراءة لمن لا يحسن القرآن (2/ 143) .
(6) طمس في الأصل، وأثبتناه من تهذيب الكمال.(4/13)
2/21- ب،
قال يحيى بن سعيد: كان شعبة يضعف إبراهيم السكسكي. وقال أحمد ابن حنبل: هو ضعيف. وقال النسائي: ليس بذاك القوي، يكتب حديثه. روى له البخاري، وأبو داود، والنسائي (1) .
قوله: ما يجزئني منه " أي: ما يكفيني من القرآن.
قوله: " هذا لله " معناه: هذا تنزيه الله تعالى، والحمد له، وتوحيده وتكبيره، والأصل في هذا أن قراءة القرآن من أركان الصلاة، ولا تصح الصلاة إلا به، ولو فرضنا أن شخصَا عجز عن تعلم القرآن إما لعجز معنوي في طبيعته، أو سوء حفظه، اهو عجمة لسانه أو آفة تعرض له، كان أولى الذكر بَعْد القرآن ما علمه النبي- عليه السلام- من التسبيح، والتحميد، والتهليل، والتكبير، وقد رُوي عنه- عليه السلام- أنه قال: " أفضل الذكر بعد كلام الله- عز وجل- سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر ويُبتَنى على هذا الأصل أن العاجز عن العربية إذا قرأ القرآن بالفارسية جاز بلا خلاف بين أصحابنا. وقال الشافعي: لا يجور سواء عجز عن العربية أو لم يعجز، فإذا عجز يُسبح ويُهلل، وعند أبي حنيفة في قوله المرجوع عنه: يجوز بالفارسية. وإن لم يعجز عن العربية، وقد بين هذا في الفروع.
ولو قرأ شيئا من التوراة أو الإنجيل أو الزبور في الصلاة، إن تيقن أنه غير محرف يجوز عند أبي حنيفة مطلقَا، وإن لم يتيقن لا يجور ويُبتنَى على هذا الأصل مسألة اللحان أيضا، فإذا قرأ في صلاته " الحمد الله بالهاء، أو الرحمن الرحيم بالهاء، أو غير المغضوب عليهم " بالدال، أو قل أعوذ " بالدال المهملة، أو الله الصمد بالسين، ونحو ذلك، إن كان يجتهد آناء الليل والنهار في تصحيحه، ولا يقدر عليه، فصلاته جائزة، لأنه عاجز، وإن ترك جهده فصلاته فاسدة، لأنه قادر، وإن ترك جهده في بعض عُمُره فلا يسعه أن يترك شيئا في باقي عمره، فإن ترك فصلاته فاسدة، إلا أن يكون الدهر في تصحيحه.
-----------
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (2/ 201) .(4/14)
وأما الألثغ، والفأفأ، والذي لا يقدر على إتيان بعض الحروف لعجز طبيعي، ونحو ذلك، فهم أصحاب عجز شرعي، فصلاتهم في حق أنفسهم جائزة، ولا يقتدي بهم غيرُهم إلا من كان مثلهم، كمسألة الأمي العاجز عن قراءة القرآن أصلان. والحديث أخرجه النسائي.
810- ص- نا أبو توبة الربيع بن نافع، نا أبو إسحاق- يعني: الفزاري- عن حميد، عن الحسن، عن جابر بن عبد الله. قال: (كُنا نصلي التطوعَ، نَدعُو قِياما وقُعُودا، سجودا (1) وسجوده، (2) .
ش- أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الفزاري الكوفي، وحميد الطويل، والحسن البصري.
قوله: " قياما": حال بمعنى قائمين. وكذلك " قعودا بمعنى قاعدين."
" وركوعها " بمعنى راكعين " وسجوداً": بمعنى ساجدين. وذكر ابن المديني وغيره أن الحسن البصري لم يسمع من جابر بن عبد الله.
وبهذا الحديث استدل من يقول إن القراءة سيئة في التطوع، حتى لو سبح أو هلل أو دعي بما شاء من الأدعية المأثورة يجوز عندهم، ومنهم من يرى جواز الصلاة بدون القراءة، سواء كانت فرضَا أو نفلا، وهي رواية شاذة عن مالك، وعند جمهور العلماء لا تجوز الصلاة- أي صلاة كانت- ألا بمطلق القراءة، وقد ذكرنا الكلام فيه مستوفى، وحديث جابر وأمثاله منسوخة.
811- ص- نا موسى بن إسماعيل نا حماد عن حميد، مثله " لم يذكر التطوع (2) .
ش- حماد بن سلمي.
قوله: " عن حميد مثله: أي: روى حماد عن حميد الطويل مثل ما روى أبو إسحاق الفزاري، ولكنه لم يذكر في روايته التطوع، وروايته:
---------------
(1) في سنن أبي داود: " ونسبح ركوعا وسجودا ".
(2) تفرد به أبو داود.(4/15)
" كنا نصلي ندعو قيامَا " إلى آخره، وبهذه الرواية يستدل من لا يرى
القراءة فرضَا في الصلاة مطلقَا كما ذكرناه.
ص- قال: كان الحسن يقرأ في الظهر والعَصر إمامًا، (1) وخلف إمام
بفاتحة الكتاب، وبُسبحُ ويكبرُ ويهللُ قدر (ق) و" الذاريات " (2) .
[2/3 - أ] ، ش- أي: قال حميد: كان الحسن البصري [] ، (3) . وقوله: " وخلف إمام " عطف عليه. وفي بعض النسخ أو خلف إمام) .
قوله: (بفاتحة الكتابة متعلق بقوله (يقرأ (4) .
قوله: " قدر" ق أي: قدر سورة ق، وقدر سورة (الذاريات) ،
وسورة ق مكية، وخمس وأربعون آية، وثلاثمائة وخمس وتسعون كلمة،
وألف وأربعمائة وتسعون حرفا، وسورة الذاريات مكية أيضا، وستون
أية، وثلاثمائة وستون كلمة. وألف ومائتان وسبع وثمانون حرفَا.،،،
132- باب: تمام التكبير
أي: هذا باب في بيان تمام التكبير.
812- ص- نا سليمان بن حرب، نا حماد عن غيلان بن جرير، عن
مطرف قال: صليتُ أنا وعمرانُ بنُ حصين خلفَ علي بنِ أبي طالب
- رضي الله عنه -، فكان إذا سَجَدَ كبر، وإذا ركع كبر، وإذا نَهَضَ منذ الركعتين كبر، فلما انصرفْنَا، أخذ عمرانُ بيدي، وقال: لقد صَلى هذا
قِبَل أو لقد صَلى بنا هذا قِبَلُ صلاة محمدٍ - عليه السلام- (5) .
------------------------
(1) في سنن أبي داود: اأو، وسيذكر المصنف أنها نسخة.
(2) انظر: الحديث السابق. (3) طمس في الأصل قدر أربع كلمات.
(4) غير واضح في الأصل.
(5) البخاري: كتاب الأذان، باب: إتمام التكبير في السجود (786) ، مسلم:
كتاب الصلاة، باب: إثبات التكبير في كل خفض ورفع في الصلاة ألا رفعه
من الركوع فيقول فيه سمع الله لمن حمده (393) ، النسائي: كتاب الافتتاح،
باب: التكبير للسجود (2/ 204) ، وكتاب السهو (3/ 2) .(4/16)
ش- سليمان بن حرب قاضي مكة، وحماد بن زيد، ومطرف بن عبد الله ابن الشخير.
قوله:" وإذا نهض " أي: إذا قام.
قوله: وهذا " إشارة إلى علي بن أبي طالب- رضى الله عنه -.
قوله: " قبَلُ صلاة محمداً بكسر القاف وفتح الباء، بمعنى عيان صلاة محمد- عليه السلامَ-، كما في قولك، رأيته قِبَلاَ. أي: عيانًا. قال تعالى: {أوْ يَأتيَهُمُ العَذَابُ قُبُلا} (1) ، وفي بعض الرواية: " لقد صلى بنا هذا مثلَ صلاة محمد- عليه السلام -، ثم اختلف العلماء في تكبيرات الانتقالات، فقال قوم: هي سُنَة، قال ابن المنذر: وبه قال أبو بكر الصديق، وعمر، وجابر، وقيس بن عبادة، والشعبي، والأوزاعي، وسعيد بن عبد العزيز، ومالك، والشافعي، وأبو حنيفة، ونقله ابن بطال أيضا عن عثمانَ، وعليه، وابن مسعود، وابن عمر، وأبي هريرة، وابن الزبير، والنخعي، ومكحول، وأبي ثور، وقال أهل الظاهر وأحمد في رواية: كلها واجب. قال: وممن كان ينقص التكبير فيما ذكر الطبري: أن أبا هريرة سئل: من أول من ترك التكبير إذا رفع رأسه، وإذا وضعه؟ قال: معاوية. وعن عمر بن عبد العزيز، وابن سيرين، والقاسم، وسالم، وابن جبير مثله. وقال ابن بطال: كان ابن عمر ينقص التكبير، وقال مسعر: إذا انحط بعد الركوع للسجود لم يكبر، وإذا أراد أن يسجد الثانية من كل ركعة لم يكبر. وقال سعيد ابن جبير: إنما هو شيء يزينُ به الرجل صلاته. وقال قوم: إنما هو إذن بحركة الإمام، وليس سُنة إلا في الجماعة، فأما من صلى وحده فلا بأس عليه أن لا يكبر، مستدلين بأن ابن عمر فيما ذكره أحمد بن حنبل كان إذا صلى وحده لا يكبر، واستدل من يقول بنقص التكبير بما رواه أحمد من حديث عبد الرحمن بن أبزي عن أبيه، أنه صلى مع النبي- عليه
------------------------------
(1) سورة الكهف: (55) .
2. شرح سنن أبي داوود 4(4/17)
3/21- ب
السلام-، فكان لا يتم التكبير- يعني إذا خفض وإذا رفع- قال البخاري في وتاريخه، عن أبي داود الطيالسي: هذا عندنا باطل. وقال أبو جعفر: راويه الحسن بن عمران وهو مجهول، لا يجوز الاحتجاج به. وقال البيهقي، وقد يكون كبر، ولم يسمع الراوي، أو يكون تركه
مرة لبيان الجواز، وتتولى الكرخي على حذفه، وذلك نقصان صفة لا نقصان عدد، وفي لا المصنف، عن إبراهيم: أول من نقصه: زياد.
وفي " شرح الهداية،: سئل أبو حنيفة عن التكبير. فقال: احذفه واجزمه. ومثله عن صاحبيه.
وقال السفاقسي: واختلفوا فيمن ترك التكبير في الصلاة، فقال
ابن القاسم: من أسقط ثلاث تكبيرات فأكثر، أو التكبير كله سوى تكبيرة الإحرام سجد قبل السلام، وإن لم يسجد قبل السلام، سجد بعده، وإن لم يسجد حتى طال بطلت صلاته.
وفي " الموضحة ": وإن نسي تكبيرين سجد قبل أن يسلم، فإن لم يسجد لم تبطل صلاته. وإن ترك تكبيرة واحدة اختُلِف، هل عليه سجود أم لا؟ وقال ابن عبد الحكم وأصبغ: ليس على من ترك التكبير سوى السجود، فإن لم يفعل متى تباعد، فلا شيء عليه. وقال أصحابنا: لا [2/ 3 - ب] يجب السجود بترك الأذكار/ كالثناء والتعوذ وتكبيرات الركوع والسجود، وتسبيحاتها.
وفي " شرح المهذب " 0: لو ترك التكبير عمدا، (1) أو سهواً حتى
ركع لم يأت به لفوات محله. والحديث أخرجه البخاري، ومسلم، والنسائي بنحوه.
وفي " سنن البزار" هذا الحديث رواه غير واحد عن مطرف، عن عمر أن.
-----------------
(1) غير واضح في الأصل وأثبتناه. من شرح المهذب، (4/ 51) .(4/18)
813- ص- نا عمرو بن عثمان، نا أَبِي (1) وبقية، عن شعيب، عن الزهري، قال: أخبرني أبو بكر بن عبد الرحمن وأبو سومة: " أَن أبا هُريرةَ كان يكبرُ في كُل صلاة من المكتُوبَة وغيرها، فيكبرُ (2) حينَ يَقُومُ، ثم يكبرُ حين يَركعُ، ثم يقولُ: سمع اللهُ لمنَ حَمِدهَ، ثم يقولُ: ربنا ولكَ الحمدُ قبلَ أن يَسجُدَ، ثم يقولُ: اللهُ أكبر حينَ يَهْوِي سَاجدا، ثم يكبرُ حينَ يَرفعُ رأسَه ثم يكبرُ حين يسْجدُ، ثم يكبرُ حين يَرفَعُ رأسَهُ، ثم يكبر حينَ يقومُ من الجُلُوسِ في اثنتين، فَيفعلُ ذلكَ في كل رَكعة حتى يفْرغُ من الصلاةِ، ثم يقولُ حينَ يَنصَرِف: والذي نفسي بيده. إني لأقْرَبكُم شَبَها بصلاة رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، إِنْ كانت هذه لَصَلاَتهُ حتى فَارقَ الدنيا " (3) .
ش- عمرو بن عثمان الحمصي.
وأبوه: عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار القرشي الحمصي، أبو عمرو. سمع شعيب (4) بن أبي حمزة، ومحمد بن عبد الرحمن بن عوت، وحريز بن عثمان وغيرهم. روى عنه ابناه عمرو ويحيى، ونعيم بن حماد، وغيرهم. روى له أبو داود، والنسائي، وابن ماجه
وبقية بن الوليد الحمصي، وشعيب بن أبي حمزة الحمصي، وأبو بكر ابن عبد الرحمن بن الحارث المدني وقد ذكرناه وكنيته اسمه على الصحيح. وأبو سلمة عبد الله بن عبد الرحمن.
قوله: فيكبر حين يقوم تفسير لقوله: " كان يكبر في كل صلاة "
(1) في سنن أبي داود: " أبي " كذا، وهو خطأ.
(2) في سنن أبي داود: " يكبر "، وسيذكر المصنف أنها نسخة.
(3) البخاري: كتاب الأذان، باب: إتمام التكبير في الركوع (785) ، مسلم: كتاب الصلاة، باب: إثبات التكبير في كل خفض ورفع في الصلاة (392) ، النسائي: كتاب الافتتاح، باب: القنوت في صلاة الصبح (2/ 201) ، وباب: التكبير للنهوض (2/ 235) ..
(4) في الأصل: " سعيد " خطأ.
(5) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (19/ 3815) .(4/19)
ولذلك ذكره "بالفاء" وفي بعض النسخة يكبر بدون الفاء فوجهه أن تكون بدلا عن "يكبر" الأولى. قوله: وإن كانت هذه " كلمة وإن " مخففة عن المثقلة، وأصلها " إنه " أي: إن الشأن كانت هذه الصلاة على هذه الهيئة، كصلاة النبي- عليه السلام- إلى أن فارق الدنيا، وفيه إثبات التكبير في كل خفض ورفع إلا في رفعه من الركوع، فإنه يقول: " سمع الله لمن حمده " وهذا مجمع عليه اليوم، وقد كان فيه خلاف ذكرناه، ففي كل صلاة ثنائية أحد عشرة تكبيرة، وهي: تكبيرة الإحرام، وخمس في كل ركعة، وفي الثلاثية سبع عشرة، وهي تكبيرة الإحرام، وتكبيرة القيام من التشهد الأول، وخمس في كل ركعة، وفي الرباعية ثنتان وعشرون، ففي المكتوبات الخمس: أربع وتسعون تكبيرة، وفي قوله: " ثم يكبر حين يركع " إلى آخره، دليل على مقارنة التكبير لهذه الحركات، وبسطه عليها، فيبدأ بالتكبير حين يشرع في الانتقال إلى الركوع، ويمده حتى يصل حد الراكعين، ثم يشرع في تسبيح الركوع، ويبدأ بالتكبير حين يشرع في الهَوي إلى السجود، ويمده حتى يضع جبهته على الأرض، ثم يشرع في تسبيح السجود، ويبدأ في قوله: " سمع الله لمن حمده " إن كان إمامَا، أو ربنا لك الحمد إن كان مقتديَا، حين يشرع في الرفع من الركوع، ويمده حتى ينتصب قائمَا، ويشرع في التكبير للقيام من التشهد الأول، ويمده حتى ينتصب قائمَا، هذا مذهب العلماء كافةَ إلا ما روي عن عمر بن عبد العزيز، وبه قال مالك: إنه لا يكبر للقيام من الركعتين حتى يستوي قائمَا. والحديث أخرجه البخاري، ومسلم، بنحوه، من حديث الزهري عن أبي سلمي وحده، ومن حديث أبي بكر بن عبد الرحمن وحده.
ص- قال أبو داود: هذا الكلام الأخيرُ يجعله مالك والزبيديُ وغيرُهما عن الزهري، عن علي بن الحسين، ووافق عبد الأعلى عن معمر شعيبُ بن أبي حمزة، عن الزهري.
ش- أشار بقوله: وهذا الكلام الأخير، إلى قوله: وإن كانت هذه(4/20)
لصلاته حتى فارق الدنيا وقوله: " هذا مبتدأ و " الكلام " مبتدأ ثاني،
وخبره قوله: " يجعله مالك، والجملة خبر المبتدأ الأول، ومالك "
فاعل قوله: " يجعله "، و " الزبيدي " عطف عليه، وهذا الذي ذكره
قسم من أنزل المدرج.
قوله: أشعيب " فاعل "وافقأ، و " عبدَ الأعلى" منصوب، لأنه
مفعوله.
وعلي بن حسين بن علي بن أبي طالب القرشي الهاشمي، أبو الحسين،
أو أبو الحسن، أو أبو محمد المدني، وهو زين العابدين./ سمع أباه [2/4 - أ] [] (1) والمسور بن مخرمة، وأبا رافع مولى النبي- عليه السلام-
وعائشة، وأم سلمة، وصفية زوجات النبي- عليه السلام- وغيرهم.
روي عنه أبو سلمة، ويحيى بن سعيد الأنصاري، والزهري وجماعة
آخرون. وقال أبو بكر بن أبي شيبة: أصح الأسانيد كلها: الزهري،
عن علي بن الحسين، عن أبيه، عن علي.
وقال أحمد بن عبد الله: علي بن الحسن تابعي ثقة. توفي بالمدينة سنة
أربع وتسعين. روى له الجماعة (2) .
قوله (3) : " ووافق عبد الأعلى عن معمر شعيب، ارتفاع وشعيب
على أنه فاعلا وافقأ و" عبد الأعلى " منصوب على المفعولية،
وعبد الأعلى بن عبد الأعلى السامي القرشي، ومعمر بن راشد.
814- ص- نا محمد بن بشار وابن المثنى قالا: نا أبو داود، نا شعبة،
عن الحسن بن عمران. قال ابن بشار (4) : قال أبو داود: أبو عبد الله العسقلاني. في ابن عبد الرحمن بن أبزي، عن أبيه أنه صلى مع رسول الله
- صلى الله عليه وسلم - فكان لا يُتِم التكبيرَ (5) .
-------------------------
(1) كلمتان غير واضحتين.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (20/ 4050) .
(3) كذا، وهو مكرر لما قبله ببعض الأسطر.
(4) في سنن أبي داود: قال ابن بشار: الشامي. (5) تفرد به أبو داود.(4/21)
ش- أبو داود الطيالسي.
والحسن بن عمران أبو عبد الله العسقلاني. سمع عمر بن عبد العزيز، وعبد الله بن عبد الرحمن بن أبزي. وقيل: سعيد بن عبد الرحمن بن أبزي. قال أبو داود الطيالسي: هذا أصح. روى عنه: شعبه. قال عبد الرحمن: سألته عنه- يعني أباه- فقال: شيخ روى له أبو داود (1) . قوله:" قال أبو داود: أبو عبد الله " أي: قال أبو داود الطيالسي: الحسن بن عمران هو أبو عبد الله العسقلاني. وفي بعض النسخ: " قال أبو داود: هو أبو عبد الله العسقلاني ".
وأما ابن عبد الرحمن بن أبزي فهو إما عبد الله، وإما سعيد كما ذكرناه، وكلاهما ذُكر في الكتاب.
قوله: أفكان لا يتم التكبيرة.
أو، قال أبو داود: ومعناه إذا رفع رأسه من الركوع، وأراد أن يسجد لم يكبر، وإذا قام من السجود لم يكبر.
وذكر في ومختصر السنن يُريدُ لا يريد بالتكبير في الانتقالات كلها، إنما يأتي به في بعضها، والأحاديث الثابتة على خلافه، وقد ذكرنا عن أبي داود الطيالسي أنه قال: هذا عندنا باطل.
****************
133- باب: كيف يضع ركبتيه قبل يديه؟
أي: هذا باب في بيان كيف يضع ركبتيه قبل يديه. وفي بعض النسخ باب في وضع ركبتيه قبل يديه.
815- ص- نا الحسن بن علي وحسين بن عيسى قالا: نا يزيد بن هارون نا شريك، عن عاصمِ بن كليب، عن أبيه، عن وائل بن حُجر قال: " رأيتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سَجدَ، وَضعَ رُكْبتيه قبلَ يَديه، وإذا نَهَضَ رَفعَ يَديه قبلَ رُكبتيهِ، (2)
---------------------------------
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (6/ 1261) .
(2) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في وضع الركبتين قبل اليدين فيه(4/22)
ش- الحسن بن علي الخلال، وحسين بن عيسى القُومسي البسطامي، وشريك بن عبد الله القاضي. وقد ذكرنا عاصمًا وأباه كليب بن شهاب الكوفي.
وقد اختلف الناس في هذا، فذهب أصحابنا وكثر العلماء إلى وضع الركبتين قبل اليدين، وهذا أرفق بالمصلي، وأحسن في الشكل، وفي رأي العين. وقال مالك: يضع يديه قبل ركبتيه، وكذا قال الأوزاعي، واستدلا بحديث الأعرج، عن أبي هريرة: " وليضع يديه قبل ركبتيه، كما نذكره الآن.
وقال الخطابي: لا حديث وائل بن حجر أثبت من هذا. وزعم بعض العلماء أن هذا منسوخ، ونقل أصحابنا عن مالك أنه مخير في البداية بيديه أو ركبتيه والحديث أخرجه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وقال الترمذي هذا حديث حسن غريب، لا نعرف أحدًا رواه غير شريك. وروي همام عن عاصم هذا مرسلاً، ولم يذكر فيه عن وائل بن حجر. وقال النسائي: لم يقل هذا عن شريك غير يزيد بن هارون. وقال الدارقطني: تفرد به يزيد عن شريك، ولم يحدث به عن عاصم بن كليب غير شريك، وشريك ليس بالقوي فيما ينفرد به.
وقال البيهقي: هذا حديث يعد من أفراد شريك القاضي، وإنما تابعه همام مرسلاً، هكذا ذكر البخاري وغيره من الحفاظ المتقدمين.
816- عن- نا محمد بن معمر نا حجاج بن منهال نا همام نا محمد بن جحادة عن عبد الجبار بن وائل، عن أبيه: أن النبي- عليه السلام- فذكر حديث الصلاة، قال: فلما سجد وقعتا ركبتاه إلى الأرضِ قبلَ أن يَقَعَا (2) كفاه" (3) .
--------------------
السجود (268) ، النسائي: كتاب التطبيق، باب: أول ما يصل إلى الأرض من الإنسان معه (1088) ، ابن ماجه: كتاب أقامة الصلاة، باب: السجود (882) .
(1) في سنن أي داود: " تقع ". (2) تفرد به أبو داود.(4/23)
ش- محمد بن معمر البصري، وهمام بن يحيي، وعبد الجبار بن وائل
ابن حُجر الحضرمي.
[2/ 4 - ب] ، قوله: " وقعتا/ ركبتاه " من قبيل أكلوني البراغيث، وكذلك قوله: وقبل أن يقعا كفاه.
ص- قال همام: ولا شقيق قال: حدثني عاصم بن كليب عن أبيه عن
النبي- عليه السلام- بمثل هذا، وفي حديث أحدهما:- وأكبرُ علمي أنه
في حديث محمد بن جحادة- وإذا نهضَ نهضَ على ركبتيه، واعتَمدَ على
فخذيه.
ش- هذا إشارة إلى أن همام بن يحيي روى هذا الحديث من طريقين:
طريق محمد بن جحادة، وطريق شقيق. هذا مرسل.
قوله: " مثل هذا " أي: بمثل الحديث المذكور، والضمير في "احدهما
يرجع إلى محمد بن جحادة وشقيق.
قوله: " وأكبر علمي " أي: ظني.
قوله: وعلى فخذيه " وفي رواية صحيحة وعلى فخذه،.
817- ص- نا سعيد بن منصور نا عبد العزيز بن محمد حدثني محمد
ابن عبد الله بن حسن، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة قال: قال
رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إذا سَجدَ أحدكُم فلا يبرُك كما يبرُكُ البَعيرُ، وَليَضَعْ يديه قبلَ رُكبتيه"، (1) .
ش- سعيد بن منصور الخراساني، وعبد العزيز الدراوردي. ومحمد (2)
ابن عبد الله بن حسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب الهاشمي المدني.
قال ابن أبي حاتم: قتل سنة خمسِ وأربعين بالمدينة،. هو ابن خمس
-----------------
(1) الترمذي: كتاب الصلاة، باب آخر منه (269) ، النسائي: كتاب الافتتاح، باب: أول ما يصل إلى الأرض من الإنسان في سجوده (2/ 207) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (25/ 5338) .(4/24)
وأربعين، وقد لقي نافعَا وغيره، وحدثَ عنه الدراوردي وغيره. سمعتُ أبي يقول ذلك.
روى له أبو داود والنسائي، وقال البخاري: محمد بن عبد الله بن حسن، لا يتابع عليه، وقال: ولا أدري سمع من أبي الزناد أم لا؟ " قلت: وثقه النسائي، وقولُ البخاري: " لا يتابع على حديثه " ليس بصريح في الجرح فلا يعارض توثيق النسائي. وبهذا الحديث استدل مالك والأوزاعي- كما ذكرناه- في وضع اليدين أولاً وقد قلنا: إنه منسوخ عند البعض. وروى الطحاوي، وقال: نا ربيع المؤذن، نا أسد بن موسى، نا ابن فضيل، عن عبد الله بن سعد، عن جده، عن أبي هريرة، أن النبي- عليه السلام- قال: فإذا سجد أحدكم فليبدأ بركبتيه قبل يديه، ولا يبرك كما يبرك البعير على يديه ".
ثم قال: إن وائلاَ لم يُختلف عنه، وإنما الاختلاف عن أبي هريرة، فكان ينبغي أن يكون ما روي عن وائل أثبت.
818- ص-نا عتيبة بن سعيد نا عبد الله بن نافع، عن محمد بن عبد الله ابن حسن، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: " يَعْمدُ أحدُكُم في صلاته فيبرُكُ كما يَبْرُكُ الجَمَلُ؟ " (1) .ً
ش- " يعمدُ بكسر الميم، أي: يقصد وفي بعض النسخ ويعتمد،. والحديث أخرجَه الترمذي، والنسائي، وقال الترمذي: حديث غريب، لا نعرفه من حديث أبي الزناد إلا من هذا الوجه.
وقال أبو بكر بن أبي داود السجستاني: وهذه سُنة تفرد بها أهل المدينة. قال البيهقي: (وللدراوردي في إسناد آخر، ولا أراه إلا وهمَا ". ثم أخرجه من حديثه عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر: وكان
-----------------------
(1) الترمذي، كتاب الصلاة، باب آخر منه (269) ، النسائي: كتاب الافتتاح، باب: أول ما يصل إلى الأرض من الإنسان في سجوده (2/ 206) .(4/25)
5/21- أ،
يضع يديه قبل ركبتيه، قال: وكان- عليه السلام- يفعلها ثم علله بأن المشهور عن ابن عمر أنه قال: ما إذا سجد أحدكم فليضع يديه، فإذا رفع فليرفعهما إلى آخره.
قلت: حديث ابن عمر المذكور أولا أخرجه ابن خزيمة في صحيحه وما علله به البيهقي من حديثه المذكور ثانيا فيه نظر، لأن كلا منهما بمعناه منفصلٌ عن الأخر، وحديث أبي هريرة المذكور دلالته قولية، وقد تأيد بحديث ابن عمر، فيمكن أن ترجيحه (1) على حديث وائل، لأن دلالته فعلية على ما هو الأرجح عند الأصوليين ولهذا قال النووي في شرح المهذب ": لا يظهر لي الآن ترجيح أحد المذهبين من حيث السنة،، وحديث ابن عمر المذكور أخرجه الدارقطني أيضا في سننه بإسنادٍ حسن.
*******************
134- باب: النهوض في الفرد
أي: هذا بابٌ في بيان النهوض في الركعة الفرد.
819- ص- نا مسدد، نا إسماعيل، عن أيوب، عن أبي قلابة، قال: جَاءَنا أبو سليمانَ مالكُ بنُ الحُويْرث في مسجدنَا فقال: أني لأصلي بكم، ولا (2) أريدُ الصلاةَ، ولكني أريدُ أَن أريكُم كيفَ رأيت رسولَ الله- عليه السلام- يُصَلي؟ قال: قلتُ لأبي قلابة: كيفَ صَلَّى؟ قال: مثْلً صَلاة [2 / 5 - أ] شيخنَا/ هذا- يعني: عمرو بن سَلمًة إمَامَهُم. وذكر أنه كان إذا رَفعَ رأسَهَ من السجدة الأخرة في الرَّكْعة الأولىَ َقعَدَ، ثم قَامَ " (3) .
ش- إسَماعيلَ ابن عُلية، َ وأيوب السختياني، وأبو قلابة عبد الله بن زيد. قوله: " قال، قلت لأي قلابة أي: قال أيوب. قلت لأبي قلابة:
، كيف صلى مالك بن الحويرث.
قوله:" عمرو بن سَلِمة بفتح السين، وكسر اللام، أبو بريد (4)
------------------------
(1) كذا، ولعل " لن " مقحمة ". (2) في سنن أبي داود: " وما ". (3) البخاري: كتاب: الأذان، باب: من صلى بالناس وهو لا يريد إلا أن يعلمَهم صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - وسنته (677) ، النسائي: كتاب التطبيق، باب: الاعتماد على الأرض عند النهوض (2/ 234) .
(4) في الأصل: بريدة " خطأ، إنما المحكي في اسمه بريد - مصغرا- أو يزيد على وزن عظيم، كما في مصادر ترجمته.(4/26)
الجرمي الصحابي واستدل به الشافعي في أن السُنة أن يقعد بعد السجدة الثانية جِلْسة خفيفة ثم ينهض، معتمدها على يديه.
والجواب عن هذا وأمثاله أنها محمولة على حالة العذر يسبب الكبر،
أو غيره ولأن هذه الجلسة للاستراحة، والصلاة غير موضوعة لتلك، وبقولنا قال مالك، وأحمد. والحديث أخرجه البخاري، والنسائي. 820- ص- نا زياد بن أيوب، نا إسماعيل، عن أيوب، عن أبي قلابة، قال: جَاءَنا أبو سليمانَ- مالكُ بنُ الحويرث - إلى مسجدنَا، فقال: والله إني لأصلي، وما أريدُ الصلاةَ، ولكني أريدُ أنه أريَكُم كيفَ رَأيتُ رسولَ اللهَ يُصَلي؟ قال: فَقعدَ في الركعةِ الأولى حينَ رَفَعَ رأسَهُ من السجْدةَ الآخرة " (1) .
ش- قد مَر أنه كان جلس لعذرِ به، كما روي أنه- عليه السلام- قال: لا تبادروني، إني بدنت. وكما تَربع ابن عمر لكون رِجْلَيْه لا تحملانه حتى لا يقع التضاد بينه، وبين ما روي عن أبي هريرة قال: وكان رسول الله ينهض في الصلاة على صدور قدميه " رواه الترمذي، وقال: حديث أبي هريرة هذا عليه العمل عند أهل العلم.
وأخرج ابن أبي شيبة في (مصنفه عن عبد الله بن مسعود بأنه كان ينهض في الصلاة على صدور قدميه، ولم يجلس ".
وأخرج نحوه عن علي، وعن ابن عمر، وعن ابن الزبير، وعن عمر أيضا، وأخرج عن الشعبي قال: كان عمر، وعلي، وأصحاب رسول الله ينهضون في الصلاة على صدور أقدامهم.
وأخرج عن النعمان: وكان إذا رفع أحدهم رأسه من السجدة الثانية من الركعة الأولي والثالثة نهض كما هو، ولم يجلس،، وأخرجه عبد الرزاق في مصنفه " عن ابن مسعود، وعن ابن عباس، وعن ابن عمر، وأخرجه البيهقي، عن عبد الرحمن بن يزيد، أنه رأى عبد الله بن مسعود
------------------
(1) انظر الحديث السابق.(4/27)
يقوم على صدور قدميه في الصلاة، ولا يجلس إذا صَلى في أول ركعة حتى يقضي السجود.
وفي التمهيد: اختلف الفقهاء في النهوض من السجود إلى القيام، فقال مالك، والأوزاعي، والثوري، وأبو حنيفة، وان أصحابه: ينهض على صدور قدميه، ولا يجلس، وروى ذلك، عن ابن مسعود، وابن عمر، وابن عباس، وقال النعمان بن أبي عياش: أدركت غير واحد من أصحاب النبي- عليه السلام- يفعل ذلك، وقال أبو الزناد: ذلك السنَُة. وبه قال أحمد بن حنبل، وابن راهويه، وقال أحمد: وأكثر الأحاديث على هذا.
قال الأثرم: ورأيت أحمد ينهض بعد السجود على صدور قدميه، ولا يجلس قبل أن ينهض.
821- ص- نا مسدد، نا هشيم، عن خالد، عن أبي قلابة، عن مالك اِبنِ الحويرث، أنه رأى النبي- عليه السلام- إذا كان في وِتْرٍ من صلاته لم ينْهضْ حتى يستوي قَاعدا (1) .
ش- هشيم بن بشير، وخالد الحذاَء.
قوله: " إذا كان في وتر من صلاته " والوتر من الصلاة الركعة الأولى والركعة الثالثة ". والحديث أخر له البخاري، والترمذي، والنسائي.
*************
135- باب: الإقعاء بين السجدتين
أي: هذا باب في بيان الإقعاء بين السجدتين في الصلاة، وفي بعض النسخ " باب: ما جاء في الإقعاء " وهو أن يلصق أليتيه بالأرض وينصب ساقيه، ويضع يديه بالأرض، كما يدعي الكلاب، والسباعُ، وقيل: هو أن يضع أليتيه على عقبيه بين السجدتين.
-----------------------
(1) البخاري: كتاب الأذان، باب: من استوى قاعدا في وتر من صلاته ثم نهض (823) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء كيف النهوض من السجود
(287) النسائي: كتاب الافتتاح، باب: الاعتماد على الأرض عند النهوض (2/ 234)(4/28)
822- ص- نا يحيي بن معين، نا حجاج بن محمد، عن ابن جرير،
قال: أخبرني أبو الزبير، أنه سمع طاوسا (1) يقول: قلنا لابن عباس في
الإقْعَاء على القَدَمين في السجودِ، فقال: هي السنة. قال: قلنا: إِنا لَنَرَاهُ
جَفَاء باَلرجلِ، فقال ابن عباسٍ: هي سُنة نَبِيك (2) .
ش- حَجاج بن محمد الأعور، وأبو الزبير محمد بن مسلم بن تدرس
المكي.
/ قوله: " إنا لنراه جفاء بالرجل " بفتح الراء، وضم الجيم، أي: [2/ 5 - ب] بالإنسان، وكذا نقل القاضي عياض عن جميع " رواة مسلم "، (3) في هذا الحديث، وضبطه أبو عمر بن عبد البر، بكسر الراء، وإسكان الجيم،
يريد جلوسه على رجله في الصلاة، وقال أبو عمر: من ضم الجيم فقط
غلط، وقال الشيخ محيي الدين (4) : " وَرَد الجمهور على ابن عبد البر،
وقالوا: الصواب الضم، وهو الذي يليق إضافة الجفاء إليها.
قلت: كلاهما له وجه، وشاهد يشهد له، فقد وقع في " مسند
أحمد ": " إنا لنراه جفاء بالقدم ". وهو شاهد لرواية أبي عمر، ووقع
في كتاب ابن أبي خيثمة " إنا لنراه جفاء بالمرء" وهو شاهد لما رواه
القاضي عياض.
وقال الشيخ محى الدين (4) : اعلم أن الإقعاء ورد فيه حديثان. ففي
هذا الحديث أنه سُنة، وفي حديث آخر النهي عنه، رواه الترمذي،
وغيره من رواية عليه، وابن ماجه من رواية أنس، وأحمد بن حنبل من
رواية سمرة، وأبي هريرة، والبيهقي من رواية سمرة، وأنس،
----------
(1) في الأصل: " طاوس."
(2) مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: جواز الإقعاء على العقبين (536) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في الرخصة في الإقعاء (283) .-
(3) غير واضح في الأصل، وأثبتناه من شرح صحيح مسلم (5 / 19) .
(4) المصدر السابق.(4/29)
وأسانيدها كلها ضعيفة وقد اختلف العلماء في حكم الإقعاء، وفي تفسيره اختلافا كثيرًا، لهذه الأحاديث والصواب الذي لا معدل عنه، أن الإِقعاء نوعان، أحدهما: أن يلصق أليته بالأرض، وينصب ساقيه، ويضع يديه على الأرض كإقعاء الكلب، هكذا فَسرَهُ أبو عبيدة معمر بن المثنى، وصاحبه أبو عبيد القاسم بن سلام، وآخرون من أهل اللغة، وهذا النوع هو المكروه الذي ورد فيه النهي.
والنوع الثاني: أن يجعل أليته على عقبيه بين السجدتين، وهذا هو مُرَادُ ابن عباس بقوله: (سنَة نبيكم- عليه السلام)
وقد نَص الشافعي في "البويطي) و "الإملاء، على استحبابه في الجلوس بين السجدتين، وحمل حديث ابن عباس عليه جماعات من المحققة منهم البيهقي، والقاضي عياض، وآخرون، قال القاضي: وقد روي عن جماعة من الصحابة والسلف أنهم كانوا يفعلونه، قال: وكذا جاء مفسرًا عن ابن عباس: من السنة أن تمس عقبيك إليتك. فهذا هو الصواب في تفسير حديث ابن عباس، وقد ذكرنا أن الشافعي نص على استحبابه في الجلوس بين السجدتين، وله نصا آخر، وهو الأشهر: أن السنة فيه الافتراش، وحاصله أنهم سنتان، وأيهما أفضل؟ فيه قولان". وقال الخطَابي (1) : أكثر الأحاديث على النهي عن الإقعاء في الصلاة. ورُوي أنه عقب الشيطان، وقد ثبت من حديث وائل بن حجر، وحديث أبي حميد الساعدي أن النبي- عليه السلام- قعد بين السجدتين مفترشًا قدمه اليسرى". ورويت الكراهة في الإقعاء عن جماعة من الصحابة، وكرهه النوعي، ومالك، والشافعي، وأحمد بن حنبل، لإسحاق بن راهويه، وهو قول أصحاب الرأي، وعَامة أهل العلم، ويشبه أن يكون حديث ابن عباس منسوخًا، والعمل على الأحاديث الثابتة في صفة صلاة رسول الله- عليه السلام-) .
------------------
(1) معالم السنن (1/ 180) .(4/30)
وقال النووي في الخلاصة ": ليس في الإقعاء حديث صحيح إلا
حديث عائشة قالت:" كان رسول الله يستفتح الصلاة بالتكبير "- إلى أن قالت:" وكان ينهى عن عقبة الشيطان " الحديث أخرجه مسلم، ولكن
أخرج مسلم حديث طاوس هذا أيضا. وروى البيهقي عن ابن عمر،
وابن الزبير، وابن عباس أنهم كانوا يقعوون، ثم قال: والجواب عن
ذلك: أن الإقعاء على نوعين: مستحب، ومنهي عنه. فذكره كما ذكرنا
عنه الآن.
ثم قال: وقد بسطناه في شرح المهذبَ، وهو من المهمات، وقد
غلط فيه جماعة لتوهمهم أن الإقعاء نوع واحد، وأن الأحاديث فيه متعارضة، حتى ادعى بعضهم أن حديث ابن عباس منسوخة، وهذا غلط
فاحش، فإن لم يتعذر الجمع، ولا تاريخ فكيف يصح النسخ.
قلت: قد روى ابن ماجه من حديث الحارث، عن علي يرفعه: " لا
تقع بين السجدتين " (1) وفي لفظ: " لا تقعْ إقصاء الكلب " (2) .
وعنده أيضا- بسند ضعيف- عن أنس قال لي النبي- عليه السلام-:
" إذا رفعت رأسك منذ الركوع فلا تقع كما يُقعي الكلب، ضع أليتيك
بين قدميك، وألزق ظاهر قدميك/ بالأرض " [وروى كذلك بسند [2/6 - أ] صحيح] ، (4) عند البيهقي:" نهى رسول الله عن الإقعاء" ورواه الحاكم
في المستدرك، وقال: حديثه صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه،
وصحح الحاكم سماع الحسن من سمرة- رضى الله عنه-، وبَوب
الترمذي فيه بابَا فقال:" باب ما جاء في كراهية الإقعاء في السجود ":
حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن، نا عبيد الله، نا إسرائيل، عن
أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي قال: قال لي رسول الله- عليه السلام-: نا علي أحب لك ما أحب لنفسي، وكره لك ما كره
لنفسي لا تقع بين السجدتين " (5) .
----------------------
(1) كتاب أقامة الصلاة، باب: الجلوس بين السجدتين (894) .
(2) (895)
(3) 896
(4) غير واضح في الأصل. (5) كتاب الصلاة (282) .(4/31)
قال أبو عيسى: هذا حديث لا نعرفه من حديث علي إلا من حديث أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي، وقد ضَعف بعض أهل العلم الحارث الأعور، والعمل على هذا الحديث عند أكثر أهل العلم: يكرهون الإقعاء، قال: وفي الباب عن عائشة، وأنس، وأبي هريرة.
************
136- باب: ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع
أي: هذا باب في بيان ما يقول المصلي إذا رفع رأسه من الركوع، وفي بعض النسخ "باب: ما جاء فيما يقول..... "
823- ص- نا محمد بن عيسى، نا عبد الله بن نمير، وأبو معاوية، ووكيع، ومحمد بن عبيد كلهم عن الأعمش، عن عُبَيْد بن الحسن، قال: سمعت عبد الله بن أبي أوفى يقول: كان النبي- عليه السلام- إذا رفعَ رأسَه من الرُكوع يقول: "سَمِعَ اللهُ لمن حَمده، اللهم ربنا لك الحَمدُ مِلءَ السمواتِ، ومِلءَ الأرضِ، ومِلءَ ما شِئتَ من شَيء بعد" (1) .
ش- محمد بن عيسى الطباع، وعبد الله بن نمَير أبو هاشم الكوفي، وأبو معاوية الضرير.
ومحمد بن عبيد بن أبي أمية أبو عبد الله الطنافسي الأيادي الأحدب الكوفي. سمع هشام بن عروة، والعوام بن حوشب، والأعمش، وغيرهم. روى عنه أحمد، وإسحاق بن راهويه، وأحمد بن سنان القطان، وغيرهم، وقال أحمد بن عبد الله: كوفي ثقة، توفي في سنة أربع ومائتان في خلافة المأمون. روى له الجماعة إلا أبا داود (2) .
وعبيد بن الحسن المزني (3) الكوفي. سمع عبد الله بن أبي أوفى.
------------
(1) مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: الدعاء في صلاة الليل وقيامه (771) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما يقول إذا رفع رأسه من
الركوع (878) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (26/ 5440) .
(3) في الأصل المدني(4/32)
روى عنه منصور بن المعتمر، والأعمش، ومسعر، وشعبة، قال ابن معين: هو ثقة. روى له مسلم، وأبو داود، وابن ماجه (1) .
قوله: "سمع الله لمن حمده" "سمع " هاهنا بمعنى أجاب، وقد فسَرْناه غير مرة.
قوله: "ملء السماوات" بنصب الهمزة، ورفعها، والنصب أشهرُ، وهو الذي اختاره ابن خالويه، وروحه، وأطنب في الاستدلال له، وجَوز الرفع على أنه مرجوح، وحكي عن الزجاج أنه يتعين الرفع، ولا يجوز غيره، وبالغ في إنكار النصب، وقد مَر الكلام فيه أيضا، ومعنى " ملء السماوات " لو كان أجسامًا لملا السموات، والأرض.
قوله: " بعدُ " مبني على الضم، أي: بعد ذلك، فلما قطع عن الإضافة بني على الضم.
ويستفاد من الحديث فوائد: الأولى: استحباب هذا الذكر عند رفع الرأس من الركوع، ولكن الزيادة على التسميع والتحميد عند أصحابنا محمولة على النوافل.
الثانية: استحباب الجمع بين التسميع والتحميد سواء كان إمامًا، أو منفردة، وهو مذهب أبي يوسف، ومحمد، والشافعي وهو قول ابن سيرين وعطاء، وعند أبي حنيفة: يقتصر الإمام على التسميع، والمأموم على التحميد، وأما المنفرد فيجمع بينهما بلا خلاف.
قال ابن المنذر: وهو قول ابن مسعود، وأبي هريرة، والشعبي،
ومالك، والشافعي، وأحمد، والثوري، والأوزاعي. ثم مذهب أبي حنيفة حذف الواو من قوله: " لك الحمد " كما وقع في هذه الرواية، وهي رواية مسلم أيضا، وفي "المحيط": اللهم ربنا لك الحمد أفضل لزيادة الثناء، فكأنه استدل بهذه الرواية.
وعن أبي حفص لا فرق بين قوله " لك" وبين قوله: و "لك" وعند
--------------
(1) المصدر السابق (19/ 3711) .
(3) ، (4) شرح سنن أبي داود 4(4/33)
الشافعي يأتي بالواو؛ ولو أسقطها جاز، وقال الأصمعي: سألت أبا عمرِو بن العلاء عن هذه الواو، فقال: هي زائدة، ويقال: هي عاطفة على محذوف، أي: أطعنا ربنا، أو حمدناك ربنا، ولك الحمد، فلو قال: لك الحمد، أو ولك الحمد، أو اللهم ربنا لك الحمد، أو ولك الحمد كان ذلك كله جائزا.
الثالثة: يفهم منه استجابة الاعتدال، والطمأنينة في الركوع، أو [2/ 6-ب] وجوبهما / على الاختلاف، والحديث أخرجه مسلم، وابن ماجه، وأخرج الطبراني، عن ابن عباس مرفوعًا: " كان إذا رفع رأسه من الركوع، قال: اللهم ربنا لك الحمد ملء السموات، وملء الأرض، وملء ما شئت من [شيء] بعد".
وأخرج الدارقطني عن بريدة- بسند ضعيف- قال لي النبي- عليه السلام-: " يا بريدة، إذا رفعت رأسك من الركوع فقل: سمع الله لمن حمده.. اللهم ربنا لك الحمد ملء السماوات والأرض، وملء ما شئت من شيء بعد".
ص- قال أبو داود، قال سفيان الثوري، وشعبة بن الحجاج، عن عبيد ابن (1) الحسن: هذا الحديث ليس فيه " بعد الركوع".
قال سفيان: لقينا الشيخ عبيد بن (2) الحسن بَعْدُ، فلم يقل فيه " بعد الركوع.
ش- " هذا الحديث " أي: الحديث المذكور فيه عبيد بن الحسن، وفي بعض النسخ " عبيد أبا الحسن، وأبو الحسن كنية الشيخ ".
ص- قال أبو داود: ورواه شعبة، عن أبي عصمة، عن الأعمش، عن عبيد، قال: "بعد الركوع".
ش- أي: روى هذا الحديث شعبة بن الحجاج، عن أبي عصمة: نوح ابن أبي مريم الخراساني روى له الترمذي، وابن ماجه في " التفسير ".
__________
(1) في سنن أبي داود: " أبي الحسن "، وانظر: تعليق المصنف بعدُ.
(2) في سنن أي داود: " أبا ".(4/34)
824- ص- نا مؤمل بن الفضل الحراني، نا الوليدة ونا محمود بن خالد، نا أبو مسهر ح نا ابن السرح، نا بشر بن بكر ح ونا محمد بن محمد ابن مصعب، نا عبد الله بن يوسف كلهم عن سعيد بن عبد العزيز، عن عطية، عن قزعة بن يحيى، عن أبى سعيد الخدري، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول حين يقول "سَمِعَ اللهُ لمن حَمدَهُ، اللهم ربنا لك الحمدُ مِلءَ" (1) قال مؤمل: مِلءَ السموات، ومِلءَ الأرَض، ومِلءَ ما شئْتَ مِن شَيء بعدُ، أهلَ الثناءِ والمجد، أحق ما قَالَ العبدُ، وكُلنَا لك عبد لا مَانعَ لما أعطيتَ"، زَاد مَحمودْ: "وَلا مُعطِي لما مَنعتَ" ثم اتفقا: "لا ينفعُ ذا الجَد منكَ الجَد، قال بشر: "ربنا لك الحمدُ، لم يقل محمود (2) : " اللهم قال: " ربنا ولك الحمدُ" (3) .
ش- الوليد بن مسلم، ومحمود بن خالد الدمشقي، وأبو مسهر عبد الأعلى بن مسهر، وابن الطرح أحمد بن عمرو، وبشر بن بكر التنيسي الدمشقي.
ومحمد بن محمد بن مصعب أبو عبد الله الصوري، المعروف بِوحشِي. روى عن خالد بن عبد الرحمن، ومؤمل بن إسماعيل، ومحمد بن المبارك الصيرفي. روى عنه أبو داود، والنسائي، قال ابن أبي حاتم: سمعت منه بمكة، وهو صدوق (4) .
وعبد الله بن يوسف التنيسي أبو محمد المصري الدمشقي، وسعيد بن عبد العزيز الدمشقي فقيه أهل الشام.
__________
(1) في سنن أبي داود: " ملء السماوات ".
(2) في سنن أبي داود: "لم يقل "اللهم" لم يقل محمود ... ".
(3) مسلم: كتاب الصلاة، باب: ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع، (477) ، النسائي: كتاب التطبيق، باب: ما يقول الإمام إذا رفع رأسه من الركوع (4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (26/ 5587) .(4/35)
وعطية بن قيس الكلابي، وقيل الكلاعي أبو يحيي الجهضمي، المعروف بالمذبوح (1) ، وقيل: إنه دمشقي، قال أبو مسهر: ولد في حياة النبي - عليه السلام- روى عن عبد الله بن عُمر، وابن عمرو، ومعاوية بن أبي سفيان، وعبد الرحمن بن غنم، وغيرهم. روى عنه ابنه سعد، وربيعة بن يزيد، وسعيد بن عبد العزيز وغيرهم، مات سنة إحدى وعشرين ومائة، وهو ابن أربع ومائة. روى له الجماعة إلا مسلما (2) . وقَزعة- بفتح القاف، وسكون الزاي، وقيل: بفتحها، وفتح العين المهملة- بن يحيي أبو الغادية، مولى زياد بن أبي سفيان، ويقال: مولى عبد الملك بن مروان. سمع عبد الله بن عُمر، وعبد الله بن عَمرو، وأبا سعيد، وأبا هريرة. روى عنه: مجاهد وعبد الملك بن عُمَير، وقتادة، وعطية بن قيس، وغيرهم. دور له الجماعة (3) .
قوله: "قال مؤمل " أي: مؤمل بن الفضل، أحد شيوخ أبي داود. قوله: " أهل الثناء والمجد" انتصاب "أهل" على النداء، وهو المشهور، ويجوز الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي: أنت أهل الثناء. و" الثناء" الوصف الجميل، والمدح، و" المجدد العظمة، ونهاية الشرف هذا هو المشهور من الرواية هنا، وفي مسلم أيضا، وقال القاضي عياض: ووقع في رواية ابن ماهان "أهل الثناء والحمد" وله وجه، ولكن الصحيح المشهور الأول.
قوله: " أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد " هكذا هو هاهنا وفي "صحيح مسلم": "أحق" بالألف، "كلنا" بالواو، " (4) وأما ما
__________
(1) قال محقق تهذيب الكمال (153/20) : " جاء في فراشي النص تعقيب للمصنف على صاحب " الكمال، نصه: كان فيه المعروف بالمذبوح وهو وهم، أنما ذاك أبو عطية".
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (0 2/ 1 396) .
(3) المصدر السابق (23/ 4877) .
(4) انظر: شرح صحيح مسلم (194/ 196) .(4/36)
وقع، في كتب الفقه "حق ما قال العبد، كلنا ... " بحذف الألف، والواو، فغير معروف من حيث الرواية، وإن كان كلامًا صحيحًا، وعلى الرواية المعروفة تقديره: أحق قول العبد لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، فيكون ارتفاع "أحق " على الابتداء، وخبره قوله/ [" لا مانع [2/7- أ] لما أعطيت" و "كلنا لك عبد "، (1) معترض بينهما تقديره أحق قول
العبد لا مانع لما أعطيت، وكلنا لك عبد فيجب أن نقوله، وفائدة الاعتراض الاهتمام به، وارتباطه بالكلام السابق، ونظيره في القرآن {فسُبْحَانَ الله حين تُمْسُونَ} الآية (2) فإن قوله: {وَلَهُ الحَمْدُ}
اعتراض بين قَولهَ: {وَحينَ تُصْبِحُونَ} {وعَشِيا} والجملة المعترضة،
لا محل لها من الإعراب، وقد عُرف في موضعه.
فإن قيل: ما وجه كون هذا أحق ما يقوله العبد؟ قلت: لأن فيه
التفويض إلى الله تعالى، والإذعان له، والاعتراف بوحدانيته والتصريح
بأنه لا حول ولا قوة إلا به، وأن الخير والشر منه " (3) .
قوله: زاد محمود، أي: محمود بن خالد.
قوله: ثم اتفقا لا أي: مؤمل ومحمود.
قوله: " ولا ينفع ذا الجد منك الجد " " (4) أي: لا ينفع ذا الغنى منك
غناه، وإنما ينفعه العملُ بطاعتك، أو معناه: لا يُسْلمُهُ من عذابك غناه،
والجَد في اللغة: الحظ والسعادة، والغنى، ومنه "تَعالى جدك " أي علا
جلالك وعظمتك، والمشهور فيه فتح الجيم، هكذا ضبطه العلماء المتقدمون والمتأخرون.
قال ابن عبد البر: ومنهم من رواه بالكسر. وقال أبو جعفر الطبري:
__________
(1) غير واضح في الأصل.
(2) سورة الروم: (17، 18) .
(3) إلى هنا انتهى النقل من شرح صحيح مسلم. (4) المصدر السابق.(4/37)
هو بالفتح قال: وقاله الشيباني بالكسر، قال: وهذا خلاف ما عرفه أهل النقل، قال: ولا نعلم من قاله غيره، وضعف الطبري ومَن بعده الكسْر، قالوا: ومعناه على ضَعْفه الاجتهاد، أي: لا ينفع ذا الاجتهاد منك اجتهاده، إنما ينفعه ويُنْجيه رحمتك. وقيل: المراد ذا الجد والسَعْي التام في الحرص على الدنيا، وقيل معناه: الإسراع في الهرب. أي: لا ينفع ذا الإسراع في الهرب منك هَرَبه، فإنه في قبضتك وسلطانك".
فإن قلت: بأن لي إعراب هذا الكلام، قلت: "ذا الجدد" منصوب على أنه مفعول " لا ينفع" وكلمة "مِن" في " منك" للبدل، والمعنى لا ينفع ذا الحظ حَظُه من الدنيا بدلك، أي: بدل طاعتك، أو بدل حظك، أو بدل حَظهُ منك، كما في قوله تعالى: (لَن تُغْني عَنْهُمْ أمْوَالُهُمْ فَلاَ أوْلاَدهم من اللهِ شَيْئا، (1) أي: بدل طاعة الله، أو بدل رحمة الله، وكما في قوله تعالى: "أرَضيتُم بالحَيَاة الدُّنْيَا من الآخِرَة" (2) وقوله: (لَجَعَلنَا منكُم ملائكَة فِي اَلأرْضِ يَخْلفُونَ" (3) أي: بدَلكم، لأن الملائكة لا تكون من الإَنس، وقال أبو حيران: إثبات البداية لـ "من " فيه خلاف وأصحابنا ينكرونه، وغيرهم قد أثبته، وزعم أنها تأتي لمعنى البدل، واستدل بالآيات التي تلونا، وبقول الشاعر:
(أ) خذوا المخاض من الفصيل غلبة ... وظلما وتكتب للأمير إفيلا
أي: بدل الفصيل، ويجوز أن تكون "من " في الحديث بمعني "عِنْد"، والمعنى لا ينفع ذا الغنى عندك غناه.
قلت: يجوز أن تكون "من" على حالها للابتداء، ويكون المعنى لا ينفع ذا الغنى من ابتداء نعمتك، أو من ابتداء عذابك غناه، ويقال: ضمَّن "ينفع " معنى " يمنع "، ومتى علقت " مِن " بالجد انعكست المعنى، وأما ارتفاع " الجد" فعلى أنه فاعل قوله: "لا ينفع".
__________
(1) سورة آل عمران: (1) .
(2) سورة التوبة (38)
(3) سورة الزخرف: (60) .(4/38)
قوله:" قال بشر " أي: بشر بن بكر.
قوله: ما لم يقل محمود " أي: محمود بن خالد لم يقل "اللهم "،
بل قال: "ربنا ولك الحمد".
والحديث أخرجه مسلم، والنسائي.
825-ص- نا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن سُمَي، عن أبي صالح السَّمان، عن أبي هريرة، أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال: " إذا قالَ الإِمَامُ سَمِعَ الله لمن حَمدَه، فقولوا: ربنا لك الحمدُ، فإنه مَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قولَ الملائكةِ غُفِر لهُ ما تقدم مِن ذَنبِهِ " (1) .
ش- مالك بن أنس، وسُمَي القرشي المخزومي المدني، وأبو صالح ذكوان.
قوله:" من وافق قوله قول الملائكة" يعني في قوله "آمين " في زمن واحد وقيل: الموافقة بالصفة من الإخلاص والخشوع، وقيل: موافقته إياهم دعاؤه للمؤمنين كدعاء الملائكة لهم، وقيل: الموافقة الإجابة، أي: ممن استجيب له كما يستجاب لهم، وهو بعيد.
وقيل: هي إشارة إلى الحفظة، وشهودها الصلاة مع المؤمنين، فَتُؤمنُ إذا أمن الإمام، فمن فعل فعلهم، وحضر حضورهم الصلاة، وقال قولهم غفر له، والقول الأول/ أولى.
وقال الخطابي (2) : وفيه دلالة على أن الملائكة يقولون مع المصلي هذا القول، ويستغفرون ويحضرون بالدعاء والذكر.
واستدل أبو حنيفة بهذا الحديث أن وظيفة الإمام أن يأتي بالتسميع،
__________
(1) البخاري: كتاب الأذان، باب: فضل اللهم ربنا ولك الحمد (796) ، مسلم: كتاب الصلاة، باب: التسميع والتحميد والتأمين (409/ 71) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: (267) ، النسائي: كتاب الافتتاح، باب: قوله وربنا ولك الحمد " (2/ 196) .
(2) معالم السنن (1/ 181) .(4/39)
والمقتدي بالتحميد، لأنه- عليه السلام- قَسَمَ، والقسمة تنافي الشركة، وهو حجة على صاحبيه والشافعي.
والحديث أخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي. وأخرج مسلم أيضا، والنسائي، وابن ماجه، وأحمد عن حسان بن عبد الله الرقابي، عن أبي موسى الأشعري أن رسول الله- عليه السلام- قال: " إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده، فقولوا ربنا لك الحمد، يسمع الله لكم ".
وأخرج الحاكم في " المستدرك " عن سعيد بن المسيب، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله: ده إذا قال الإمام الله كبر فقولوا: الله أكبر، "إذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا لك الحمد" وقال: حديث صحيح على شرط البخاري، ومسلم ولم يخرجاه.
826 - ص -: نا بشْر بن عمار، نا أسباط، عن مُطرف، عن عامر، قال:
لا يَقُولُ القَومُ خَالفَ الإمام سَمِعَ اللهُ لمن حَمدَهُ، ولكن يقولُ (1) : ربنا لك الحمدُ" (2) .َ
ش- بشر بن عمار. روى عن أسباط بن محمد بن عبد الرحمن القرشي، الكوفي. روى عنه: أبو داود.
ومتطرف بن طريف أبو بكر، ويقال: أبو عبد الرحمن الحارثي الكوفي. روى عن الشعبي، والحكم بن عتيبة، وأبي الجهم، وغيرهم. روى عنه: الثوري، وابن عيينة، وأسباط بن محمد، قال سفيان، وأحمد بن حنبل: كان ثقة، توفي سنة إحدى وأربعين ومائة. روى له الجماعة (3) .
وعامر هو ابن شراحيل الشعبي الكوفي.
وقول الشعبي هذا هو قول أبي حنيفة، وأصحابه، أن المقتدي لا يقول
__________
(1) في سنن أبي داود. ويقولون،. (2) تفرد به أبو داود. (3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (28/ 6000) .(4/40)
إلا "ربنا لك الحمد " وقال الشافعي، ومالك: يجمع بين التسميع، والتحميد.
137- باب: الدعاء بين السجدتين
أي: هذا ثالث في بيان الدعاء بين السجدتين.
827- ص- نا محمد بن مسعود، ما زيد بن الحبيب، نا كامل أبو العلاء. قال: حدثنا حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، أن النبي- عليه السلام- كان يقولُ بين السجدتينِ: " اللهم اغفرْ لي، وارْحَمْنِي، واهدني، وعافني، وارزقنِي " (1) .
ش- محمد بن مسعود بن يوسف بن جعفر النيسابوري نزيل طرسوس، يعرف بابن العجمي. روى عن زيد بن الحباب، وعبد الصمد بن عبد الوارث، وعبد الرزاق بن هَمام، وأبي عاصم النبيل. روى عنه: أبو داود، ويحي بن محمد بن صاعد، وأبو عبد الله المحاملي القاضي، قال الخطيب: وكان ثقة، وقال أبو القاسم الآبندوني: لا بأس به (2) . وكامل بن العلاء أبو العلاء، ويقال أبو عبد الله التميمي السعدي، الحِماني. روى عن حبيب بن أبي ثابت، وأبي صالح السمان، ومنصور ابن المعتمر، وغيرهم. روى عنه زيد بن الحبيب، ومحمد بن يوسف الفريابي، ووكيع، وغيرهم، قال ابن معين: ثقة. روى له أبو داود، والترمذي، وابن ماجه (3) .
والحديث أخرجه الترمذي، وابن ماجه، وقال الترمذي: هذا حديث غريمه هكذا رُوِيَ عن عليه، وبه يقول الشافعي، وأحمد، وإسحاق،
__________
(1) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما يقول بين السجدتين (284) ، ابن ماجه: كتاب أقامة الصلاة، باب: ما يقول بين السجدتين (898) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (26/ 5600) .
(3) للصدر السابق (24/ 4934) .(4/41)
يرون هذا جائزا في المكتوبة والتطوع. وروى بعضهم هذا الحديث عن كامل أبي العلاء مرسلا، وعند أصحابنا مثل هذا محمول على النوافل.
138- باب: رفع النساء إذا كُن مع الرجال رءوسهن من السجدة
أي: هذا ثالث في بيان رفع النساء إذا كن مصليات مع الإمام رءوسهن من السجدة، وقوله " من السجدة".. متعلق بقوله: " رَفْع ".
828- ص- نا محمد بن المتوكل العسقلاني، نا عبد الرزاق، نا معمر، عن عبد الله بن مسلم- أخي الزهري- عن مولىً لأسماء أبنت (1) أبي بكر، عن أسماء ابنة أبو بكر، قالت: سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: {منِ كانَ منكُنَّ يُؤْمِنُ بالله واليوم الآخر، فلا تَرفع رَأسَهَا حتى يَرْفَعَ الرجالُ رُؤُوسهم، كَرَاهِيةَ أن يريْنَ من عَوْرَات الرجال " (2) .
ش- محمد بن المتوكلَ العَسْقَلاني أبو عبد الله. سمع الفضيل بن عياش، وعبد الرزاق بن هَمام، ومروان بن معاوية الفزاري وغيرهم. روى عنه:/ أبو داود، وأبو زرعة، وأبو حاتم وغيرهم. توفي بعسقلان سنة ثمانٍ وثلاثين ومائتين (3) ، ومعمر بن راشد.
وعبد الله بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري القرشي،
أبو محمد المدني- أخو محمد بن مسلم الزهري- وكان كبر من الزهري. سمع عبد الله بن عمر بن الخطاب، وأنس بن مالك، وحمزة ابن عبد الله، وغيرهم. روى عنه: أخوه محمد بن مسلم، وابنه محمد ابن عبد الله، ومعمر بن راشد، وغيرهم (4) .
قوله: "عن مولى لأسماء" مجهول.
قوله: "فلا ترفع رأسها" أي: من السجدة، حتى يرفع الرجال رءوسهم منها.
__________
(1) في سنن أبي داود: وابنة،. (2) تفرد به أبو داود. (3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (26/ 5578) .
(4) المصدر السابق (16/ 3566) .(4/42)
قوله: " كراهية أن يَرين" انتصاب " كراهية " على التعليل. أي: لأجل كراهية أن ترى النساء من عورات الرجال إذا رفعن رءوسَهُن قبلهم، وذلك لأنهم كان عليهم أزر قصيرة، فإذا سجدوا ربما ينكشف موضع من عوراتهم.
* * *
139- باب: طول القيام من الركوع وبين السجدتين
أي: هذا ثالث في بيان طول القيام من الركوع، وبين السجدتين.
829- ص- نا حرص بن عمر، نا شعبة، عن الحكم، عن ابن أي ليلى، عن البراء، أن رسولَ الله يكن كان سُجُود ورُكُوعُهُ (1) ، ومَا بينَ السجدتين قريبًا من السَواء " (2) .
ش- "قريبا" نصب على أنه خبر "كان "، ومعنى " من السواء ": من السوية، والحديث أخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وأحمد في " مسنده "، ولفظ البخاري: "كان ركوع رسول الله، وسجوده، وبين السجدتين، وإذا رفع رأسه من الركوع ما خلا القيام والقعود قريبَا من السواء"، ولفظ الترمذي: وكانت صلاة رسول الله إذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع، وإذا سجد، وإذا رفع رأسه من السجود قريبَا من السواء"، ولفظ أحمد: " كانت صلاة رسول الله إذا صلى فركع، وإذا رفع رأسه من السجود، وبين السجدتين قريبَا من السواء" وفي قولهم قريبَا من السواء " دلالة على أن بعضها كان فيه طولٌ يسير عن بعض، وذلك في القيام. ولعله أيضا في التشهد، وهذا الحديث محمول على بعض الأحوال، وإلا فقد ثبتت أحاديث بتطويل
__________
(1) في سنن أبي داود زيادة "وقعوده".
(2) البخاري: كتاب الأذان، باب: حد إتمام الركوع والاعتدال فيه (792) ، مسلم: كتاب الصلاة، باب: اعتدال أركان الصلاة وتخفيفها في تمام
(93/471 1، 94 1) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في إقامة الصلب إذا رفع رأسه من السجود والركوع (279) ، النسائي: كتاب الافتتاح، باب: قدر القيام بين الرفع من الركوع والسجود (2/ 97 1) و (2/ 232) و (3/ 66) .(4/43)
القيام، وأنه- عليه السلام- كان يقرأ في الصبح بالستين إلى المائة، وفي الظهر "الم تنزيل " السجدة، وأنه قرأ في المغرب بالطور، والمرسلات، وفي البخاري بالأعراف، وأشباه هذا، فكله يدل على أنه- عليه السلام- كانت له في إطالة القيام أحوال بحسب الأوقات، وهذا الحديث الذي نحن فيه جرى في بعض الأوقات، وقد ذكره مسلم في رواية أخرى، ولم يذكر فيه القيام، وكذا ذكره البخاري في رواية، وفي أخرى: " ما خلا القيام والقعود" كما ذكرناه، وهذا يُفَسر الرواية الأخرى، وقال القشيري: نسب بعضهم ذكر القيام إلى الوهم، قال: وهو بعيد عندنا، لأن توهين الراوي الثقة على خلاف الأصل، لا سيما إذا لم يدل دليل قومي لا يمكن الجمع بينه، وبين الزيادة، وليس هذا من باب العموم والخصوص، حتى يحمل العام على الخاص فيما عدا القيام، فإنه قد صَرح في حديث البراء بذكر القيام، ويمكن الجمع بينهِما، وذلك أن يكون فِعْلهُ- عليه السلام- في ذلك كان مختلفَا، فتارة يستوي الجميع، وتارة يستوي ما عدا القيام والقعود، وتكلم الفقهاء في الأركان الطويلة والقصيرة، واختلفوا في الرفع من الركوع، هل هو ركن طويل أو قصير؟ وراح أصحاب الشافعي أنه ركن قصير، وفائدة الخلاف فيه أن تطويله يقطع الموالاة الواجبة في الصلاة، ومن هذا قال بعض الشافعية: إنه إذا طَولهُ بطلت صلاته، وقال بعضهم: لا تبطل حتى ينقل إليه ركنَا كقراءة الفاتحة، والتشهد، وذهب بعضهم إلى أن الفعل المتأخر بعد ذلك التطويل، قد ورد في بعض الأحاديث- يعني: عن جابر بن سمرة- "وكانت صلاته بعد ذلك تخفيفَا".
830- ص- نا موسى بن إسماعيل، نا حداد، أنا ثابت وحميد، عن [2/8-ب] ، أنس بن مالك، قال: ما صَليْتُ/ خَلفَ رجل أوْجَزَ صَلاةً من رسول الله عليه السلام-[في تمام. وكان رسولُ الرأي إذا قالَ سمع اللهُ لمن حًمِده قام حتى نَقُولَ، (1) قد وَهمِ (2) ، ثم يمرر، ويَسْجدُ وكان يَقْعُدُ بين السجدتينِ حتى نَقولَ: قد وَهِم (2) (3) .
__________
(1) غير واضح في الأصل، وأثبتناه من سنن أبي داود.
(2) في سنن أبي داود: "أوهم "، وسيذكر المصنع أنها نسخة.
(3) تفرد به أبو داود.(4/44)
ش- حماد بن سلمي، وثابت البُنَاني، وحميد الطويل.
قوله: أوجز صلاة " أي: أقصر صلاةَ في تمام " من الأقوال والأفعال.
قوله: " قد وهم" وفي بعض النسخ "قد أوهم"، ويقال الوهم في صلاته ركعة إذا أسَقطها، ووهم وهمَا إذا سهَى، ووهم إذا غلط، ووهم بالفتح إذا ذهب وهمهُ إلى شيءٍ، وقد ذكرنا أن فِعْلَهُ- عليه الإسلام- في ذلك كان مختلفًا بحسب اختلاف الأحوال.
831- ص- نا مسدد وأبو كامل- دخل حديث أحدهما في الآخر- قالا: نا أبو عوانة عن هلال بن أبي حميد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء بن عازب قال: رَمَقْت محمدا- عليه السلام- قال أبو كامل: رسولَ الله- عليه السلام- في الصلاة، فوجدتُ قيامَه كركْعتِهِ، وسَجْدتُه، واعْتدَالَهَُ في الركعة كَسجْدَته، وجالَسَتَهُ بين السجدتين، وسجدته ما بين التسلَيم والانصرافَ قريبًا منه اَلسواءِ (1) .
ش- أبو كامل: فُضَيْل بن حسين الجَحدري، وأبو عوانة: الوضاح، وهلال بن أبي حُمَيد، ويقال: ابن حميد، ويقال: ابن عبد الله الجهني مولاهم، ويقال: ابن مقلاص أبو عَمرو، ويقال: أبو أمية، ويقال: أبو الجهم، الجهبذ الصيرفي الوزان. سمع عبد الله بن عكيم، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وعروة بن الزبير. روى عنه مسْعَر، وشعبة، وابن عيينة، وأبو عوانة، وغيرهم، قال ابن معين: ثقة. روى له الجماعة (2) .
قوله: " رمقت محمدا " من رَمَقْتُه أرْمُقُهُ رَمْقًا نظرت إليه.
__________
(1) انظر الحديث السابق.
(2) انظر ترجمته في تهذيب الكمال (30/ 6615) .(4/45)
قوله: " قال أبو كامل: رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أي: قال أبو كامل في روايته: (رمقت رسول الله" موضع "محمداً".
قوله: " واعتداله " بالنصب عطفَا على قوله: "قيامه " وكذاب "جلْستَه" عطف عليه، وكذا قوله: "وسجدتَهُ" فيه دليل على تخفيف القراءة، والتشهد، وإطالة الطمأنينة في الركوع، والسجود، وفي الاعتدال عن الركوع وعن السجود.
ص- قال أبو داود: قال مسدد: فركعتَه، فاعتداله (1) بين الركعتين، فسجدته، فجلسَتَه بين السجدتين، فسجدته، فجلستَه بين التسليم والانصراف قريَبًا من السَّواءِ.
ش- رواية مسدد هذه هي رواية البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، أي: قال مسدد: نا أبو عوانة، عن هلال بن أبي حميد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء بن عازب قال: رَمَقْتُ الصلاة مع محمد، فوجدت قيامه فركعتَه " إلى آخره، وفي بعض النسخ.. (فقعدتَهُ بين التسليم والانصراف " بدل " فجلسته ".
* * *
140- باب: صلاة مَن لا يقيم صلبه في الركوع والسجود (2)
أي: هذا باب في بيان صلاة من لا يقيم صلبه، وفي بعض النسخ "باب: ما جاء في صلاة من لا يقيم ... " إلى آخره.
832- ص- نا حفص بن عمر النمري، نا شعبة، عن سليمان، عن عُمارة بن عُمير، عن أبي معْمَر، عن أبي مسعود البدريِّ، قال: قال رسول الله يكن: "لا تُجْزِئُ صلاةُ الرجُلِ حتى يُقِيمَ ظَهْرَهُ في الركُوع والسجُودِ، (3) .
__________
(1) في سنن أبي داود: "واعتداله ".
(2) في سنن أبي داود: ".. في الركوع والسجود، حديث المسيء صلاته".
(3) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: فيمن لا يقيم صلبه من الركوع والسجود (265) ، النسائي: كتاب الافتتاح، باب: إقامة الصلب في الركوع
(2/ 82 1) ، باب: إقامة الصلب في السجود (2/ 4 1 2) ، ابن ماجه: كتاب
إقامة الصلاة، باب: الركوع في الصلاة (870) .(4/46)
ش- سليمان بن طرخان أبو المعتمر التيمي، وعُمارة بن عُمير التيمي الكوفي، وأبو معمر عبد الله بن سخبرة، وأبو مسعود البدري- عقبة بن عَمرو الأنصاري.
والحديث أخرجه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، وأخرجه ابن خزيمة في " صحيحه "، وكذا ابن حبان، والبيهقي وقال: إسناده صحيح. وكذا قال الدارقطني: هذا إسنادَْ ثابتْ صحيح، وفي رواية بعضهما حتى يقيم صُلْبَه "، وعن طلحة السحيمي، أن النبي- عليه السلام- قال: "لا ينظر الله تعالى إلى صلاة عبد لا يقيم صلبه في ركوعه، وسجوده " ذكره أبو حاتم الرازي في كتاب "العلل".
وعن أبي هريرة يرفعه "لا ينظر الله إلى صلاة رجل لا يقيم صلبه بين ركوعه وسجوده ". ذكره أحمد فيه مسندها بسند لا بأس به.
وعن أبي قتادة يرفعه ( ... أسوأ الناس سرقةَ الذي يسرق من صلاته، قالوا: وكيف يسرق من صلاته؟ قال: لا يُتِم ركوعها ولا سجودها" ذكره الطبراني في "معجمه الأوسط " (1) .
/0001، (2) عن النبي- عليه السلام- أنه قال: أما من مصل إلا [2/9-أ] وملك عن يمينه وملك عن يساره، فإن أتمها عرجا بها، وإن لم يتمها ضربا بها وجهه " ذكره ابن الجوفي في كتابه "الحدائق ".
وبهذه الأحاديث استدل الشافعي، ومالك، وأحمد أن الطمأنينة في الركوع والسجود فرض، حتى تبطل الصلاة بتركها، وهو قول أبي يوسف، والثوري، والأوزاعي، وإسحاق، وابن وهب، وداود، وقال أبو حنيفة، ومحمد: الطمأنينة فيهما واجبة وليست بفرض، وذكر في "الخلاصة" أنها سنة عندهما.
قلت: في تخريج الجرجاني هي سيئة عندهما، وفي تخريج الكرخي
__________
(1) (8/ 8179) . (2) طمس في الأصل قرر خمس كلمات.(4/47)
واجبة يجب سجود السهو بتركها، وذلك لأن الركوع هو الانحناء، والسجود هو الانخفاض لغة، فتتعلق الركنية بالأدنى فيهما، وأيضا فإنه - عليه السلام- أطلق اسم الصلاة على التي ليس فيها الطمأنينة حتى قال في آخر حديث أبي هريرة الذي يجيء الآن: " وما انتقصت من هذا فإنما انتقصته من صلاتك، ولو كانت باطلة لما سماها صلاة، لأن الباطلة ليست بصلاة، وأيضا وصفها بالنقص، فدل أنها صحيحة، ولكنها ناقصة وكذا نقول. ويكون المراد من الأحاديث المذكورة وأمثالها نفي الكمال، لا نفي ذات الصلاة.
833- ص- نا القعنبي، نا أنس- يعني: ابن عياض- ح ونا ابن المثنى قال: حدثني يحيي بن سعيد، عن عبيد الله- وهذا لفظ ابن المثنى- قال: حدثنا سعيد بن أبي سعيد، عن أبيه، عن أبي هريرة، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دَخلَ المسجدَ، فدخلَ رجل فصلَّى، ثم جَاءَ فَسَلَّم على رسول الله، فَر رسولُ الله عليه السلام وقال: " ارجِعْ فَصَل فإنكَ لم تُصَل ". فرجَعً الرجلُ فصلَّى كمَا كان صلى، ثم جَاءَ إلى النبي- عليه السلام- فسلَّم عليه، فقال له رسولُ الله: " وعليكَ السلامُ " ثم قال: ارجع فصل فإنك لم تُصَل " حتى فَعَل ذلكَ ثلاثَ مرَار، فقال الرجل: والذي بَعَثَكَ بالحق ما أحْسِنُ غيرَ هذا، علمني (1) . قالَ: "إذا قُمتَ إلى الصلاة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركعْ حتَى تطمئنَّ راكعًا، ثم اَرفع حتى تعتَدلَ قائمًا، ثم اسجدْ حتى تَطمئن ساجدا، ثم اجلسْ حتى تطمئن جالسًا، ثم افعلْ فلك في صَلاِتكَ ككل" (2) .
__________
(1) في سنن لبي داود: "فعلمني ".
(2) البخاري: كتاب الأذان، باب: وجوب القراءة للإمام (757) ، مسلم: كتاب الصلاة، باب: وجوب قرار الفاتحة في كل ركعة.. (397) ، الترمذي: كتاب الاستئذان، باب ما جاء في رد السلام (2692) ، النسائي: كتاب السهو، باب: أقل ما يجزئ من عمل الصلاة (3/ 59) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: إتمام الصلاة (1060) .(4/48)
ش- أنس بن عياض بن ضمرة الليثي المدني، ويحيي بن سعيد القطان، وعبيد الله بن عمر العمري، وسعيد المقبري.
قوله: " ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن " تنافي فرضية قراءة فاتحة الكتاب، إذ لو كانت فرضا لأمره النبي- عليه السلام- بذلك، بل هو صريح في الدلالة على أن الفرض مطلق القراءة كما هو مذهب أبي حنيفة - رضى الله عنه-، وقال الخطابي (1) : " قوله: ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن " ظاهره الإطلاق والتخيير، والمراد منه فاتحة الكتاب لمن أحسنها لا يجزئه غيرها، بدليل قوله: " لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب " وهذا فيه الإطلاق كقوله تعالى: "فَمَن تَمَتعَ بِالعُمْرَةِ إِلى الحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ من الهَدْي " (2) ثم كان أقل ما يُجزئ من الهدي معينا معدومَ المقدار، ببيَان السنة وهو الشاة".
قلت: يريد الخطابي أن يتخذ لمذهبه دليلا على حسب اختياره بكلام ينقض ادخره أوله، حيث اعترف أولا أن ظاهر هذا الكلام الإطلاق والتخيير، وحكم المطلق أن يجزئ على إطلاقه، وكيف يكون المراد منه فاتحة الكتاب وليس فيه الإجمال، وقوله: " وهذا في الإطلاق كقوله تعالى" إلى آخره فاسد، لأن الهدي اسم " يُهدَى إلى الحرم، وهو يتناول الإبل والبقر والغنم، وأقل ما يجزئ شاة، فيكون مرادا بالسُّنَة بخلاف قوله: "ما تيسر معك من القرآن"، فإنه ليس كذلك، فإنه يتناول كل ما يطلق عليه اسم القرائن، فيتناول الفاتحة وغيرها، ثم تخصيصه بالفاتحة من غير مخصص ترجيح بلا مرجح وهو باطل، ولا يجور أن يكون قوله: " لا صلاة إلا بفاتحة الكتابة مخصصها لأنه ينافي معنى التيسير، فينقلب إلى تعسير، وهذا باطل، ولأن هذا المقام مقام التعليم، ولو كانت الفاتحة فرضا، أو مرادة هاهنا، لعلمه النبي- عليه السلام- فافهم.
__________
(1) معالم السنن (1/ 182) . (2) سورة البقرة: (196) .
4. شرح سنن أبي داود 4(4/49)
[2/9 -ب]
قوله: " ثم افعل ذلك " أي: ما ذكرنا من الهيئات/ في صلاتك كلها. وقال الخطابي (1) : "وفيه دلالة على أن يقرأ في كل ركعة كما كان [عليه أن يركع ويسجد في كل ركعة] (2) . وقال أصحاب الرأي: إن شاء أن يقرأ في الركعتين الأخريين قرأ، لان شاء أن يسبح سبح، لان لم يقرأ فيهما شيئا أجزأته، ورووا فيه عن علي بن أبي طالب أنه قال: يقرأ في الأوليين، ويسبح في الأخريين، من طريق الحارث عنه، وقد تكلم الناس في الحارث قديما، وممن طعن فيه الشعبي، ورماه بالكذب، وتركه أصحاب (الصحيح) ، ولو صح ذلك عن علي لم يكن حجة، لأن جماعة من الصحابة قد خالفوه في ذلك، منهم أبو بكر، وعمر، وابن مسعود، وعائشة، وغيرهم، وسنة رسول الله أولى ما اتبع، بل قد ثبت عن علي من طريق عبيد الله بن أبي رافع أنه كان يأمر أن يُقرأ في الأول مِن في الظهر والعصر بفاتحة الكتاب وسورة، وفي الأخريين بفاتحة الكتاب".
قلت: وإن دل قوله ذلك على أن يقرأ في كل ركعة، فقد دل غيره أن القراءة في الأولين قراءة في الأخريين، بدليل ما رُوي عن جابر بن سمرة قال: "شكى أهل الكوفة سعدَا" الحديث. وفيه " وأحذف في الأخريين". أي: أحذف القراءة في الأخريين، وتفسيره بقولهم: أقصرُ القراءة ولا أحذفها كلها خلاف الظاهر.
وقوله: "لأن الجماعة من الصحابة قد خالفوه" غير مُسَلم؛ لأنه رُوي عن ابن مسعود مثله، على ما روى أبو بكر بن أبي شيبة قال: نا شريك، عن أبي إسحاق، عن علي، وعبد الله أنهما قالا: "قرأ في الأولين، وسبح في الأخريين" وكذا رُوي عن عائشة، وكذا رُوي عن إبراهيم وابن الأسود.
وروى عبد الرزاق في (مصنفه) عن معمر، عن الزهري، عن
__________
(1) المصدر السابق.
(2) غير واضح في الأصل، وأثبتناه من معالم السنن.(4/50)
عبيد الله بن أبي رافع قال: "كان- يعني: عليا- يقرأ في الأوليين من الظهر والعصر بأم القرآن وسورة، ولا يقرأ في الأخريين"، وهذا إسناد صحيح، وينافي قول الخطابي: "بل قد ثبت عن علي من طريق عبيد الله " إلى آخره. وفي "التهذيب " لابن جرير الطبري: وقال حماد: عن إبراهيم، عن ابن مسعود، أنه كان لا يقرأ في الركعتين الأخيرتين من الظهر والعصر شيئا. وقال هلال بن سنان: صليت إلى جنب عبد الله بن يزيد فسمعته يسبح. وروى منصور، عن جرير، عن إبراهيم قال: ليس في الركعتين الأخيرين من المكتوبة قناعة، سبح الله، واذكر الله. وقال سفيان الثوري: اقرأ في الركعتين الأولين بفاتحة الكتاب وسورة، وفي الأخيرتين بفاتحة الكتاب. أو سبح فيهما بقدر الفاتحة. أفي ذلك فعلتَ أجزأك، وإن سبح في الأخيرتين أحب إليكَ.
ثم اعلم أنه- عليه السلام- بين في هذا الحديث بعض الواجبات ولم يبين بعضها، مثل النية، والقَعدة الأخيرة، وترتيب الأركان، وكذا بعض الأفعال المختلف في وجوبها كالتشهد في الأخير، والصلاة على النبي. - عليه السلام- وإصابة لفظة " السلام "، فلعل كانت هذه الأشياء معلومة عند السائل، فلذلك لم يبينها.
وفيه دليل على أن التعوذ، والثناء، والبسملة، ورفع اليدين عند تكبيرة الإحرام، ووضع اليمنى على اليسرى، وتكبيرات الانتقالات، وتسبيحات الركوع والسجود، وهيئات الجلوس ونحو ذلك مما لم يذكره في الحديث ليس بواجب.
وقال الشيخ محيي الدين (1) : (وفيه دليل على وجوب الطمأنينة في الركوع والسجود، والجلوس بين السجدتين، وهذا مذهبنا، ومذهب الجمهور، ولم يُوجِبهَا أبو حنيفة وطائفة يسيرة. وهذا الحديث حجة عليهم وليس عنه جواب صحيح ".
__________
(1) شرح صحيح مسلم (4/ 108) .(4/51)
قلت: ليس الأمر كما زعمه الشيخ، بل فيه دليل على أن الطمأنينة ليست بفرض، إذ لو كانت فرضا لما أطلق عليه الصلاة بقوله في آخر الحديث: "وما انتقصت من هذا فإنما انتقصت من صلاتك "، وقد ذكرناه مستوفى عن قريب، فصار الحديث حجة عليهم، وأيضا قوله لتعالى: "ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا" (1) أمر/ [بالركوع والسجود، وهما لفظان] (2) خاصان يراد بهما الانحناء والانخفاض فيتأدى ذلك بأدنى ما ينطلق عليه من ذلك، [وافتراض] (2) الطمأنينة فيهما بخبر الواحد زيادة على مطلق النص وهو نسخ، وذا لا يجوز، نعم، نقول: إما بوجوبها أو بسُنيتها، حتى إذا تركها تكون صلاته ناقصة لا باطلة، كما هو صريح الحديث، فإذن صار لنا عن هذا جوابا صحيحا، ولم يبق لهم جواب صحيح.
" (3) وفي الحديث من الفقه: أن المفتي إذا سئل عن شيء وكان هناك شيء آخر يحتاج إليه السائل، ولم يسأله عنه، يستحب له أن يذكره له، ليكون ذلك من باب النصيحة، لا من الكلام فيما لا يَعْنِي. وفيه الرفق بالمتعلم والجاهل وملاطفته وفيه استحباب السلام عند اللقاء ووجوب رده، وأنه يستحب تكرَاره إذا تكرر اللقاء، وإن قرب العهد، وأنه يجب رده في كل مرة، وأن صيغة الجواب وعليكم السلام أو وعليك بالواو، وهذه الواو مستحبة عند الجمهور، وأوجبها بعض الشافعية وليس بشيء، بل الصواب أنها سُنة. قال الله تعالى: "قَالُوا سَلامَا قالَ سَلاَم" (4) . والحديث أخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي بنحوه. وأخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي، وابن ماجه من حديث سعيد المقبري عن أبي هريرة.
ص- قال أبو داود: قال القعنبي: عن سعيد بن أي سعيد المقبري، عن
__________
(1) سورة الحج: (77) .
(2) غير واضح في الأصل، وأثبتناه من عمدة القاري (5/ 70) .
(3) انظر شرح صحيح مسلم (108/4) .
(4) سورة هود: (69) .(4/52)
أبي هريرة، وقال في آخره: " وإذا (1) فَعلتَ هذا فقد تَمَّتْ صَلاتُكَ، وما انتقَصْتَ من هذا (2) فإنما انتقصتَ من صلاِتكَ". وقال فيه: " إذا قمتَ إلى الصلاة فأسبغْ الوضوءَ ".
ش- لما بين أولا رواية ابن المثنى بقوله: وهذا لفظ ابن المثنى قال: "حدثني سعيد" إلى آخره، بين ثانيا رواية القعنبي وفيها هذه الزيادة، وهي قوله: " وإذا فعلت هذا" إلى آخره. وكذا رواه الترمذي، والنسائي، وأما الترمذي فقد قال: حدثنا علي بن حجر، نا إسماعيل ابن جعفر، عن يحيي بن علي بن يحيى بن خلاد بن رافع الزرقي، أعن أبيه،، عن جده، عن رفاعة بن رافع، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينما هو جالس في المسجد يوما قال رفاعة: ونحن معه إذ جامح" رجل كالبدوي، فصلى فأخف صلاته، ثم انصرف فسلم على النبي- عليه السلام-، فقال له: "وعليك، ارجع فصل فإنك لم تصل" فرجع فصلى، ثم جاء فسلم عليه فقال: وعليك، ارجع فصل فإن لم تصل". فعل ذلك مرتين أو ثلاثا (3) ، فقال الرجل في آخر ذلك: فأرني وعلمني، وإنما أنا بشر أصيب وأخطئ. فقال: " أجل، إذا قمت إلى الصلاة فتوضأ كما أمرك الله، ثم تشهد فأقم أيضا، فإن كان معك قرآن فاقرأ وإلا فاحمد الله، وكبره وهلله، ثم اركع فاطمئن راكعًا، ثم اعتدل قائما، ثم اسجد فاعتدل ساجدا، ثم اجلس فاطمئن (4) جالسا، ثم قم، فإذا فعلت ذلك فقد تمت صلاتك، وإن انتقصت منه شيئا انتقصت من صلاتك". وقال: حديث حسن وقد رُوي عن رفاعة من غير وجه.
__________
(1) في سنن لبي داود: " فإذا ".
(2) في سنن لبي داود: " من هذا شيئا فقد انتقصته.
(3) في جامع الترمذي بعد قوله: " أو ثلاثا "، كل ذلك يأتي النبي - صلى الله عليه وسلم -، فيسلم على النبي - صلى الله عليه وسلم -، فيقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: وعليك، فارجع فصل فإنك لم تصل، فخاف الناس وكَبُرَ عليهم أن يكون مَن أخذ صلاته لم يصل، فقال
الرجل ... "
(4) في الأول: " فاظهر " وما أثبتناه من جامع الترمذي.(4/53)
وأما النسائي فقال: أخبرنا سويد بن نصر، نا عبد الله بن المبارك، عن داود بن قيس، حدثني علي بن يحيى بن خلاد بن رافع بن مالك الأنصاري، حدثني أبي، عن عم له بدري قال: كنت مع رسول الله جالسًا في المسجد، فدخل رجل فصلى ركعتين، ثم جاء فسلم على النبي - عليه السلام- وقد كان- عليه السلام- يرمقه في صلاته، فرد عليه السلامَ ثم قال: "ارجع فصل فإنك لم تصل "، فرجع فصلى، ثم جاء فسلم على النبي فرد عليه السلامَ، ثم قال له: " ارجع فصل فإنك لم تصل " حتى كان عند الثالثة أو الرابعة فقال: والذي أنزل عليك الكتاب لقد جهدت فأرني وعلمني. قال: " إذا أردت أن تصلي فتوضأ وأحسن وضوءك، ثم استقبل القبلة فكبر، ثم اقرأ ثم اركع حتى تطمئن راكعا، ثم ارفع حتى تعتدل قائما، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم ارفع حتى تطمئن قاعدا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم ارفع، فإذا [2/10 - ب] أتممت/ صلاتك على هذا فقد تمت، وما انتقصت من هذا فإنما تنقصه من صلاتك.
قوله: "وقال فيه: [. . . .] (1) في الحديث: " إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء" وأخرج مسلم هذه الرواية ولفظه: " إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة فكبر" وفي رواية النسائي: " إذا أردت أن تصلي فتوضأ" كما مَر. وفي رواية الترمذي: " إذا قمت إلى الصلاة فتوضأ" إلى آخره كما بينا الآن.
834- ص- نا موسى بن إسماعيل، نا حماد، عن إسحاق بن عبد الله، ابن أبي طلحة، عن علي بن يحيي بن خلاف، عن عمه، أن رجلاً دخلَ المسجدَ- فذكر نحوه- قال فيه: فقال النبي- عليه السلام-: "إنه لا تتم صلاةٌ لأحد من الناس حتى يَتوضأ فيضع الوُضُوءَ- يعني: مَواضعَه- ثَم يكبرُ، ويَحمدُ الله، ويثني عليه، ويقرأ بما شَاءَ (2) من القراَنِ، ثم يقَولُ: الله
__________
(1) كلمتان غير واضحتين.
(2) في سنن أبي داود: " بما تيسر ".(4/54)
أكبر، ثم يَركعُ حتَى تَطمَئن مَفاصلُهُ، ثم يقولُ: سَمِعَ اللهُ لمن حَمدهُ حتى يَستويَ قائما، ثم يقولُ: الله أكبر، ثَم يَسجدُ حتى تَطمَئن مفاصلُهُ، ثَم يقول: الله أكبر، ويَرفعُ رأَسَهُ حتى يَستوي قاعدًا، ثم يقولُ: الله أكبَر، ثم يَسجِدُ حتى تَطمئن مَفاصِلُهُ، ثم يرفع رأسَه فيكبرُ، فإذا فعلَ ذلك فقد تمتْ صلاَتهُ " (1) .
ش- حماد بن سلمة، وإسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة: زيد بن سهل الأنصاري، وعلي بن يحيى بن خلاد بن رافع الزرقي الأنصاري المدني، وعمه رفاعة بن رافع الأنصاري الصحابي.
وفي "مختصر السنن ": " والمحفوظ فيه: علي بن يحيي بن خلاد، عن أبيه، عن عمه رفاعة بن رافع " كما سيأتي.
قوله: "فذكر نحوه " أي: نحو الحديث المذكور.
قوله: "قال فيه " أي: في هذا الحديث.
قوله: " إنه لا تتم " أي: إن الشأن.
قوله: "ويقرأ بما شاء من القرآن "، صريح ينادي بأعلى صوته أن قراءة الفاتحة ليست بفرض في الصلاة.
قوله: " فإذا فعل ذلك " إشارة إلى ما ذكر من الأقوال والأفعال.
835- ص- نا الحسن بن علي، نا هشام بن عبد الملك والحجاج بن المنهال قالا: نا همام، نا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن علي بن يحيي بن خلاد، عن أبيه، عن عمه رفاعة بن رافع بمعناه قال: فقال رسول الله: "إنها لا تَتمِ صَلاةُ أَحَدكُم حتىَ يُسبغِ الوضُوءَ كما أَمَرَ (2) اللهُ عز وجل، فَيغسلُ وجوهه ويديه إلاَ المرْفقين، ويمْسَحُ برأسه ورِجلَيْه إلى الكَعْبينِ، ثم يكبرُ اللهَ ويَحمَدُه، ثم يقرأ القَرآنِ ما أذِنَ له فيَهَ وتَيَسَر".
__________
(1) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في وصف الصلاة (302) ، النسائي: كتاب الأذان، باب: الإقامة لمن يصلي وحده (2/ 0 2) و (2/ 93 1، 225) ، و (3/59، 0 6) ، ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في الوضوء على ما أمر الله تعالى (460) .
(2) في سنن أبي داود: "أمره".(4/55)
فذكر نحو حماد (1) ، قال: " ثم يكبرُ فيسجدُ فيمكنُ وجهَه ". قال همام: وربما قال: " جبهَتَهُ من الأرضِ حتىِ تَطمئن مَفاصلُهُ وتَسترخي، ثم يكبرُ فَيستوي قاعدا على مَقْعَده، ويُقيم صُلبَهَ، فَوصفَ الصلاة هكذا أربعَ ركعاتِ حتى فَرغً، لا تَتمُ صًلاةُ أحَدِكم حتى يفعلَ ذلك " (2) .
ش- هشام بن عبد الملك أبو الوليد الطيالسي، وهمام بن يحيى.
قوله: " بمعناه " أي: بمعنى الحديث المذكور.
قوله: " قال: فقال رسول الله" إلى آخره بيان هذا الحديث الذي بمعنى الحديث المذكور.
قوله: " إنها " أي: إن القضية أو القصة.
قوله: "ورجليه إلى الكعبين" أي: يمسح برجليه إلى الكعبين، فهذا أو أمثاله من الاثار الدالة على مسح الرجلين في الوضوء من غير خف منسوخة بالأحاديث الواردة بغسلهما، وقال الطحاوي: فذكر عبد الله بن عَمْرو أنهم كانوا يمسحون حتى أمرهم رسول الله- عليه السلام- وإسباغ الوضوء وخوفهم فقال:" ويل للأعقاب من النار " فدل ذلك على أن حكم المسح الذي قد كانوا يفعلونه قد نسخه ما تأخر عنه مما ذكرنا، يعني: من الأحاديث التي وردت بالغسل.
قوله: " ما أذن له " على صيغة المجهول.
قوله: " فذكر نحو حماد ". أي: نحو حديث حماد بن سلمي.
قوله: "وربما قال جبهته". قال الخطابي (3) : " فيه دليل على أن السجود لا يجزئ على غير الجبهة، وأن من سجد على كور العمامة ولم يسجد معها على شيء من جبهته لم تجزئ صلاته ".
__________
(1) في سنن أبي داود: "نحو حديث حماد".
(2) انظر الحديث السابق.
(3) معالم السنن (1/ 183) .(4/56)
قلت: لا نسلم ذلك، لأنه قال: " فيمكن وجهه "، والوجه مشتمل على الأنف والجبهة، فإذا سجد على أحدهما حصل القصد، وأما الذي يسجد على كور العمامة فإنه ساجد على الجبهة أيضا، على أن السجدة على كور العمامة" (1) رويت من حديث أبي هريرة، وحديث ابن عباس، وحديث عبد الله بن أبي أوفى، وحديث جابر، وحديث أنس، وحديث
ابن عمر- رضي الله عنهم-.
أما حديث أبي هريرة فرواه عبد الرزاق في "مصنفه ": أخبرنا عبد الله
ابن محرر، أخبرني/ [يزيد بن الأصم] (2) ، أنه سمع أبا هريرة يقول: [2/11- أ] كان رسول الله يسجد على كور عمامته. قال ابن محرر: وأخبرني سليمان بن موسى، عن مكحول، عن النبي- عليه السلام- مثله. وأما حديث ابن عباس فرواه أبو نعيم في " الحلية" في ترجمة" إبراهيم ابن أدهم ": ثنا أبو يعلى الحسن بن محمد الزبيري، ثنا أبو الحسن عبد الله بن موسى الحافظ الصوفي البغدادي، نا لاحق بن الهيثم، نا الحسن بن عيسى الدمشقي، نا محمد بن فيروز المصري، نا بقية بن الوليد، نا إبراهيم بن أدهم، عن أبيه أدهم بن منصور العجلي، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، أن النبي- عليه السلام- كان يسجد على كور عمامته.
وأما حديث ابن أبي أوفى فرواه الطبراني في "معجمه الوسط " (3)
بإسناده إلى عبد الله بن أبي أوفى قال: رأيت رسول الله يسجد على كور عمامته.
وأما حديث جابر فرواه ابن عدي في" الكامل (4) " من حديث عمرو ابن شمر، عن جابر الجعفي، عن عبد الرحمن بن سابط، عن جابر ابن عبد الله قال: رأيت رسول الله يسجد على كور العمامة.
__________
(1) انظر: نصب الراية (1/ 384-385) .
(2) غير واضح في الأصل.
(3) (7/ 7184) .
(4) (228/6) ، ترجمة عمرو بن شمر.(4/57)
وأما حديث أنس- رضي الله عنه- فرواه ابن أبي حاتم في كتابه "العلل": ثنا أبي نا عبد الرحمن بن بكر (1) بن الربيع بن مسلم، حدثني حسان بن سياه (2) ، نا ثابت البناني، عن أنس بن مالك، أن النبي- عليه السلام- سجد على كور العمامة. ثم قال: قال أبي: هذا حديث منكر.
وأما حديث ابن عمر فرواه الحافظ أبو القاسم تمام بن محمد الرازي في "فوائده": أخبرنا محمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن، نا أبو بكر أحمد ابن عبد الرحمن بن أبي حسين بطرسوس (3) ، ثنا كثير بن عبيد، ثنا سويد، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر- رضي الله عنه-، أن النبي- عليه السلام- كان يسجد على كور العمامة. وأخرج البيهقي في "سننه" (4) عن هشام، عن الحسن قال: كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسجدون وأيديهم في ثيابهم، ويسجد الرجل منهم على عمامته. وذكره البخاري في "صحيحه" تعليقَا فقال: وقال الحسن: كان القوم يسجدون على العمامة والقلنسوة ويداه في كمه" (5) .
قلت: ذكر هذا التعليق ابن أبي شيبة بسند صحيح عن أبي أسامة، عن هشام، عن الحسن قال: إن أصحاب النبي- عليه السلام- كانوا يسجدون وأيديهم في ثيابهم، ويسجد الرجل منهم على قلنسوته وعمامته، وكان عبد الرحمن بن زيد يسجد على كور عمامته، وكذلك الحسن، وسعيد بن المسيب، وبكر بن عبد الله، ومكحول، والزهري، وعبد الله ابن أبي أوفى، وعبد الرحمن بن يزيد.
فإن قيل: قد قال البيهقي في قول الحسن وكان أصحاب رسول الله
__________
(1) في الأصل: وابن أبي بكر، خطأ، وتصحف كذلك في نصب الراية إلى "ابن بكير ".
(2) في الأصل: أسنان " خطأ.
(3) في نصب الراية: "الطرسوسي".
(4) (106/2) .
(5) إلى هنا انتهى النقل من نصب الراية.(4/58)
يسجدون " إلى آخره: يحتمل أن يكون أراد يسجد على عمامته وجبهته.
قلت: هذه زيادة من غير دليل، إذ لا ذكر للجبهة أصلا.
فإن قيل: ما تقول في الحديث المرسل الذي أخرجه أبو داود (1) عن ابن لهيعة وعمرو بن الحارث، عن بكر بن سوادة، عن صالح بن حيوان السبئي، أن رسول الله رأى رجلاَ يسجد إلى جنبه وقد اعتم على جبهته، فحسر رسول الله عن جبهته. قلت: قال عبد الحق: صالح بن حيوان لا يحتج به وهو بالحاء المهملة ومن قال: بالخاء المنقوطة فقد أخطأ. ذكره أبو داود وليس في هذا المرسل حجة.
قوله: "وتسترخي" بالنصب عطف على قوله: "حتى تطمئن ".
قوله: "ثم يكبر" بالرفع عطف على "يكبر " الأول.
والحديث أخرجه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه بنحوه، وحديث ابن ماجه مختصر، وقال الترمذي: حديث حسن.
836- ص- نا وهب بن بقية، عن خالد، عن محمد- يعني:
ابن عمرو- عن علي بن يحيي بن خلاف، [عن أبيه] ، عن رفاعة بن رافع بهذه القصة فقال: إذا قُمتَ فتوجهت إلى القبلة فكبر، ثم اقرأ بأم القرآن، وبما شَاءَ اللهُ أن تَقرأ، وإذا رَكعت فَضعْ راحًتيكَ على رُكبتيكَ، وامدد ظَهرَك. وقال: "إذا سَجدت فمكنْ لِسُجودكَ، فإذا رَفعتَ فاقعد على فَخِذكَ اليسرى" (2) .
ش- وهب بن بقية الواسطي، وخالد بن عبد الله الواسطي، ومحمد ابن عمرو بن علقمة بن وقاص المدني.
قوله: "بهذه القصة" أي: القصة المذكورة.
/ قوله: "ثم اقرأ بأم القرآن" أي: فاتحة الكتاب، ولا تعلق لهم [2 /11 - ب]
__________
(1) انظره والرد عليه في: نصب الراية (1/ 385- 386) .
(2) انظر التخريج السابق.(4/59)
بذلك في فرضية الفاتحة، لأنه- عليه السلام- أمر [بقراءة] (1) الفاتحة وقراءة ما شاء الله من القرآن، ولا خلاف أن القراءة بهذه الحيثية ليست بفرض، فتعين أن القراءة بكل واحد منهما ليس بفرض، وتعين أن مطلق القراءة فرض، وتعين أن قراءة الفاتحة واجبة، وكذا ضم شيء إليها من القرآن للأمر الدال على الوجوب.
قوله: أفضع راحتيك ". أي: كفيك على ركبتيك.
ومن جملة تعاليق البخاري: قال أبو حميد في أصحابه: أمكن رسول الله يديه من ركبتيه.
وعند النسائي من حديث أبي مسعود بن عمرو، أنه ركع فوضع يديه على ركبتيه، وفرج بين أصابعه من وراء ركبتيه. وقال: هكذا رأيت رسول الله يصلي.
وعند الحاكم على شرط مسلم: "لما بلغ سعد بن أبي وقاص التطبيق عن عبد الله قال: صدق عبد الله، كنا نفعل هذا ثم أمرنا بهذا، ووضع يديه على ركبتيه.
وروى الطبراني في "معجمه الأوسط" (2) : كان النبي- عليه السلام- إذا ركع وضع راحتيه على ركبتيه، وفرج بين أصابعه.
قوله: " وامدد ظهرك " أي: ابسطه.
قوله: "فإذا رفعت". أي: رأسك من السجدة فاقعد على فخذك اليسرى، وفيه حجة للحنفية.
837- ص- نا مؤمل بن هشام، نا إسماعيل، عن محمد بن إسحاق قال: حدثنا علي بن يحيى بن خلاف بن رافع، عن أبيه، عن عمه رفاعة بن رافع، عن النبي- عليه السلام- بهذه القصة قال: "إذا أنتَ قُمتَ في صَلاِتكَ فكبرِ الله، ثم اقرأ ما تَيَسرَ عليكَ من القرآنِ". وقال فيه: "فإذا جَلَستَ في
__________
(1) غير واضحة في الأصل.
(2) (2/ 2050) من حديث سعد بن أبي وقاص.(4/60)
وَسَط الصلاةِ فاطمئنَّ، وافترِضْ فَخذكَ اليُسرى، ثم تَشهدْ، ثم إذا قُمتَ فمثل ًذلك، حتى تَفرغَ من صلاِتكَ " (1) .
ش- إسماعيل ابن علية.
قوله: " في وسط الصلاة " بفتح السين، وقد ذكرنا الفرق بين وسط ووسَط مرة.
قوله: " فاطمئنَّ " بتشديد النون المفتوحة لأنه من مشعبه الرباعي، وأصله من طَمْأنَ يَطمئنُّ كدحرج يدحرج فنقل إلى باب الافتعللال فصار اطمأنَنَ يطمأنِن، فنقلَت حركة النون الأولى إلى الهمزة، فأدغمت النون في النون، فصار اطمأن كاقشَعَر يَقشعرُّ اقْشعر، وأصله قَشْعَرَ، فأحواله مثل أحوال اطمأن.
قوله: " فمثل ذلك " بالنصب. أي: فافعل مثل ذلك إلى أن تفرغ من صلاتك.
838- ص- نا عباد بن موسى الختلي، نا إسماعيل- يعني: ابن جعفر- قال: أخبرني يحيى بن علي بن يحيى بن خلاد بن رافع الزرقي، عن أبيه، عن جده، عن رفاعة بن رافع، أن رسول الله. فقصَّ هذا الحديثَ قال فيه: "فَتوضأ كما أمركَ الله، ثم تَشهد فأَقمْ، ثم كبر، فإن كان معك قُرآنٌ فاقرأ به" وإلا فاحْمَد الله وكبرْه وهللهُ ". قال فيه: " وإن انتقَصَت منه شيئًا انتقصتَ من صلاتك " (2) .
ش- الختلي- بضم الخاء المعجمة، والتاء المثناة من فوق المشددة- نسبة إلى ختلان- بضم الخاء، وضم التاء المشددة ثم لام ألف ونون- قال في " اللباب": هي بلاد مجتمعة وراء بلخ، والنسبة إليها خُتُلي.
ش- وإسماعيل بن جعفر بن أبي كثير الأنصاري. ووقع في رواية ابن داسة: نا إسماعيل بن جعفر قال: أخبرني علي بن يحيي بن خلاف بن رافع الشرقي، عن أبيه، عن جده، وصوابه: إسماعيل بن جعفر عن يحيى بن علي بن يحيى بن خلاف. وكذلك ثبت لأبي سعيد بن
__________
(1) انظر التخريج السابق.
(2) تفرد به أبو داود.(4/61)
الأعرابي، ويحي بن علي بن يحيي بن خلاد الأنصاري الزرقي المدني. روى عن أبيه، عن جده. روى عنه إسماعيل بن جعفر. روى له: أبو داود والنسائي.
قوله: " قال فيه" أي: في الحديث في هذه الرواية.
قوله: " فإن كان معك قرآن " مطلق تناول الفاتحة وغيرها.
قوله: "وإلا". أي: وإن لم يكن معك قرآن فاحمد الله، وقد مر أن العاجز عن القرآن إما لمعنى في طبيعته، أو لعذر آخر يجور له أن يصلي بالأدعية ونحوها.
839- ص- نا أبو الوليد الطيالسي، نا الليث، عن يزيد بن أبى حبيب، عن جعفر بن الحكم ح ونا قتيبة، نا الليث، عن جعفر بن عبد الله الأنصاري،، عن تميم بن المحمود عن عبد الرحمن بن شبل قال:/ نَهَى رسولُ الله- عليه السلام- عن نَقْرَة الغُراب، وافترَاشِ السبع، وأن يُوطَّنَ الرجلُ (1) ، المكانَ في المسجدِ كما يُوطنُ البعِيَرُ (2) .
ش- جعفر بن الحكم هو جعفر بن عبد الله بن الحكم بن سنان بن رافع الأنصاري الأوسي المدني، والد عبد الحميد. سمع عقبة بن عامر، وأنس بن مالك، وتميم بن محمود وغيرهم. روى عنه: ابنه عبد الحميد، ويزيد بن أبي حبيب، والليث بن سعد وغيرهم. روى له: الجماعة إلا البخاري (3) .
وتميم بن محمود. روى عن عبد الرحمن بن شبل. روى عنه: جعفر ابن عبد الله المذكور، قال ابن عدي: ليس له في الحديث إلا عن
__________
(1) مكررة في الأصل.
(2) النسائي: كتاب الافتتاح، باب: النهي عن نقرة الغراب (2/ 214) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في توطين المكان في المسجد يصلي فيه (1429)
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (5/ 945) .(4/62)
عبد الرحمن بن شبل، وعبد الرحمن له صحبة، وله حديثان أو ثلاثة. روى له أبو داود، والنسائي، وابن ماجه (1) .
وعبد الرحمن بن شبل بن عمرو بن زيد بن نجدة بن مالك بن لوذان بن عمرو بن عوف، وبنو مالك بن لوذان يقال لهم: بنو السَمِيعة (2) كان يقال لهم في الجاهلية بنو الصماء، وهي امرأة من مزينة أرضعت أباهم (3) مالك بن لوذان، فسماهم رسول الله بني السميعة (2) ، سكن الشام. روى عنه ابن له غير مسمى، وتميم بن محمودَ، وأبو راشد الحبراني، وأبو سلام الأسود. روى له: أبو داود، والنسائي، وابن ماجه (4) . قوله: "نقرة الغراب " كناية عن تخفيف السجود يعني: لا يمكث فيه إلا قدر وضع الغراب منقاره في لَقْطِ الحَب.
قوله: " وافتراش السبع " وهو أن يمد ذراعيه على الأرض، لا يرفعهما ولا يجافي مرفقيه عن جنبيه.
قوله: "وأن يوطن الرجل " من إيطانه البعير، فيه وجهان، أحدهما:
أن يألف الرجل مكانا معلوما من المسجد لا يصلي إلا فيه، كالبعير لا يأوي من عطنه إلا إلى مبرك دمث قد أوطنه، واتخذه مناخَا، لا يبرك إلا فيه، والوجه الآخر: أن يبرك على ركبتيه قبل يديه إذا أراد السجود، بروك البعير على المكان الذي أوطنه، وأن لا يهوي في سجوده فيثني ركبتيه حتى يضعهما بالأرض على سكون ومَهَلِ، وَذَكرهما الخطابي.
ولا دلالة في الحديث على الوجه الثاني فافهم.
والحديث أخرجه النسائي وابن ماجه. وفي "مسند " أحمد عن أبي هريرة قال: نهاني رسول الله- عليه السلام- عن ثلاثة، عن نقرة
__________
(1) المصدر السابق (4/ 806) .
(2) في الأصل: "السمعية" خطأ.
(3) في الأصل: 5 إياهم " خطأ.
(4) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (2/ 419) ، أسد الغابة (3/ 459) ، الإصابة (2/ 403) .(4/63)
كنقرة الديك، وإقعاء كإقعاء الكلب، والتفات كالتفات الثعلب ". وفي " معجم الطبراني" عن أبي هريرة: "نهاني خليلي- عليه السلام- أن أقعي إقعاء القرد، وأنقر نقرة الغراب، وألتفت التفات الثعلب ".
ص- هذا لفظ قتيبة.
ش- أي: الحديث المذكور هو لفظ قتيبة بن سعيد، أحد شيوخ أبي داود.
840- ص- نا زهير بن حرب، نا جرير، عن عطاء بن السائب، عن سالم البراد قال (1) : أتينا عقبةَ بنَ عمرِو الأنصاري أبا مسعود فقلنا له: حدثنا عن صلاة رسولِ الله، فقام بين أيدينا في مسجدِ (2) ، فكَبَّرَ، فلما رَكَعَ وضعَ يديه عَلي رُكبتيَه، وجعلَ أصابعَه أسفَلَ من ذلك، وجَافَى بين مِرفقَيه حتى استقر كلُّ شيء منه، ثم قالَ: سَمِعَ اللهُ لمن حمده. فقام حتى استقرَ كل شيء منه، ثم كَبّر وَسَجَدَ، فوضعَ (3) كفيه على الأرضِ، ثم جافى بمرفقيه حَتى استقرَّ كل شيء منه، ثم رفع رأسَه فجلس حتى استقرَّ كل شيء منه، ففعلَ مثلَ ذلك أيضا، ثم صَلَّى أربعَ ركعات مثلَ هذه الركعة، فًصلَّى صلاتَه، ثم قال: هكذا رأيتُ رسولَ الله- عليهً السلام- يُصَلي (4) .
ش- جرير بن عبد الحميد.
وسالم البراد هو سالم بن عبد الله أبو عبد الله المصري- بالنون- المدني مولى شداد بن الهاد، وقيل: مولى مالك بن أوس بن الحَدَثان. وقيل مولى دوس وهو سالم سَبَلان- بفتح السين- وهو سالم البراد، وهو سالم مولى النصريين، وإنما سمي برادا لأنه كان يبرد الماء في الكيزان وفي الجرار. وفي الرواية الأخرى نسبه إلى بيع البرود. روى عن عثمان
__________
(1) مكررة في الأصل.
(2) في سنن أبي داود: "المسجد".
(3) في سنن أبي داود: " ووضع".
(4) النسائي: كتاب الافتتاح، باب: مواضع الراحتين في الركوع (2/ 186) .(4/64)
ابن عفان، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، وابن عمر، وأبي هريرة، وأبي سعيد الخدري، وأبي مسعود البدري، وعائشة زوج النبي- عليه السلام-/. روى عنه سعيد المقبري، ويحيى [2/21 - ب] اسم ابن أبي كثير، ومحمد بن عمرو بن علقمة، ومحمد بن إسحاق بن يسار وغيرهم. قال ابن معين: [ثقة. روى له مسلم] (1) والنسائي وابن ماجه (2) .
وفي الحديث من الفقه: استحباب وضع اليدين على الركبتين، واستحباب المجافاة بين المرفقين، واستحباب قوله: "سمع الله لمن حمده" للإمام، واستحباب الطمأنينة في الركوع والسجود، وغير ذلك. والحديث أخرجه النسائي.
* * *
__________
(1) غير واضح في الأصل.
قد فرق صاحب تهذيب الكمال بين سالم البراد، وسالم بن عبد الله النصري، فترجم للأول (10/ 2159) ، وللثاني (10/ 2150) ، وذكر محقق التهذيب في ترجمة الأول أنه جاء في حاشية النسخة من تعقبات المؤلف على صاحب الكمال قوله: "خلط في الأصل هذه الترجمة بسالم بن عبد الله المصري، وذلك وهم، والصواب: ما ذكرنا، والله أعلم".
وذكر في ترجمة الثاني أنه جاء كذلك في حاشية النسخة من تعقبات المؤلف على صاحب الكمال قوله: كان فيه: وهو سالم البراد. وكان فيه: روى عن أبي مسعود البدري، وعبد الله بن عمر. وكان فيه الكلام على سالم البراد وتوثيقه، وذلك وهم، وإنما سالم البراد شيخ آخر كوفي، وهو الذي يروي عن أبي مسعود وأبي هريرة. ويروي عنه عطاء بن السائب كما سيأتي في موضعه، وممن فرق بينهما: البخاري، وأبو حاتم، وعبد الغني بن سعيد فيه أوهام الحاكم "، ومما ذكر فيه الحاكم أنه سالم بن أبي سالم الجيشاني، وهو مما استدركه عليه عبد الغني بن سعيد أيضا في هذه الترجمة. وكان فيه حكاية كلام عبد الغني بن سعيد، وهو سالم مولى شداد بن أوس، وإنما هو مولى شداد بن الهاد " اهـ.
5. شرح سنن أبي داود 4(4/65)
141- باب: قول النبي- عليه السلام-: " كل صلاة لا يتمها صاحبها يتم (1) من تطوعه"
أي: هذا باب في بيان قول النبي- عليه السلام-، وفي بعض النسخ: " باب ما جاء في قول النبي- عليه السلام-"، إلى آخره.
841- ص- نا يعقوب بن إبراهيمِ، نا إسماعيل، نا يونس، عن الحسن، عن أنس بن حكيم الضبي قال: خَاف من زياد أو ابن زياد فأتى المدينة فلقي أبا هريرة- رضي الله عنه- قال: فَنَسبَني فانتسبًتُ له قال: يا فتى ألا أحَدثك حديثا؟ قال: قلتُ: بلى يرحمُكَ (2) الله. قال يونس: وأحسبُه ذكره عن النبي- عليه السلام- قال: " إن أولَ ما يُحاسَبُ الناسُ به يوم القيامة من أعمالهم الصلاةُ. قال: يقولُ ربُّنا عز وجل لملائكته- وهو أعلَمٍ -: انظرُوا في صلاة عبدي أتَمَّهَا أم نَقَصَها؟ فإن كانت تَامةً كُتبتْ له تامة، وإن كان انتقَصَ منَها شَيئًا قال: انظُرُوا هل لعبدي من تَطوع؟ فَإن كان له تطوع قال: أتموا لعبدِي فريضتَه من تطوعه، ثم تُؤخَذُ الأعمال على ذاكم (3) .
ش- إسماعيل ابن علية، ويونس بن عبيد، والحسن البصري.
وأنس بن حكيم الضبي البصري. سمع أبا هريرة. روى عنه الحسن البصري. روى له: أبو داود، وابن ماجه (4) .
قوله: " من زياد أو ابن زياد" وزياد هذا يقال له: زياد بن أبيه، وزياد ابن أمه، وزياد بن سمية، وزياد بن عبيد، كل هذا قبل ابن يستلحقه معاوية، وليست له صحبة ولا رواية، وولاه معاوية العراقيين جميعا، وابنه عبيد الله بن زياد، ولاه معاوية البصرة، وأقره يزيد بعد البيه، وضمَّ إليه الكوفة.
__________
(1) في سنن أبي داود:"تُتَمُ".
(2) في سنن أبي داود: "رحمك ".
(3) ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في أول ما يحاسب به العبد الصلاة والسنة فيها (1425) .
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (3/ 565) .(4/66)
قلت: قد ذكرت في كتابي "التاريخ البدري" أن زياد بن أبي سفيان، ويقال له: زياد ابن أبيه، وزياد ابن سمية وهي أمه، مات في رمضان سنة ثلاث وخمسين، وكان كتب إلى معاوية يقول له: إني قد ضبطت لك العراق بشمالي، ويميني فارغة، وهو يعرض له أن يستنيبه على بلاد الحجاز أيضا، فلما بلغ أهل الحجاز جاءوا إلى عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- فشكوا إليه ذلك، وخافوا أن يلي عليهم زياد فيعسفَهم كما عسفَ أهل العراق، فقام ابن عمر فاستقبل القبلة، فدعا عَلى زياد والناس يؤمنون، فطعن زياد بالعراق في يده، فضاق ذرعا بذلك، واستشار شريحَا القاضي في قطع يده، فقال له شريح: إني لا أرى لك ذلك، فإن لم يكن في الأجل فسحة لقيت الله أجذم، قد قطعت يدك
خوفا من لقائه، وإن كان لك أجل بقيت في الناس أجذم فيغترَ ولدُك بذلك، فصرفه ذلك. فلما خرج شريح من عنده عاتبه بعض الناس، وقالوا: هلا تركته يقطع يده؟ فقال: قال رسول الله: " المستشار مؤتمن" ويقال: إن زياد جعل يقول: أأنَامُ أنا والطاعون في فراش واحد؟ فعزم على قطع يده، فلما جيئ بالمكاوي والحديد، خاف من ذلك فترك ذلك،
ويذكر أنه جمع مائة وخمسين طبيبَا ليداووه مما يجد من الحر في باطنه، منهم ثلاثة ممن كان يطب كسرى بن هرمز، فعجزوا عن رد القدر المحتوم، فمات في ثالث شهر رمضان من سنة ثلاث وخمسين، وقد أقام في إمرة العراق خمس سنين ودفن بالنوبة خارج الكوفة، وكان قد برز منها خارجَا إلى الحجار أميرَا عليها، فلم بلغ خبرُ موته عبد الله بن عمر قال: أذهب إليك يا ابن سمية؟ فلا الدنيا بقيت لك، ولا الآخرة أدركت. وكان مولده عام الهجرة، وكان استلحاق معاوية زيادا في مدة أربع وأربعين، وذلك أن رجلا شهد على إقرار أبي سفيان أنه عاهر بسمية أم زياد في الجاهلية، فإنها حملت بزياد هذا منه، فاستلحقه معاوية بأبيه أبي سفيان،/ [. . .] ، (1) قيل له: زياد بن أبي سفيان، وقد قيل: إن سمية كانت [2/ 13 -أ]
__________
(1) كلمتان غير واضحتين.(4/67)
جارية للحارث بن كلدة الثقفي، فزوجها بعبد له رومي يقال له: عبيد، فولدت سمية زيادا على فراشه، فهو ولد عبيد شرعًا، وكان أبو سفيان قد سار في الجاهلية إلى الطائف، فنزل على إنسان يبيع الخمر يقال له: أبو مريم، ثم أسلم بعد ذلك، وكانت له صحبة، فقال له أبو سفيان: قد اشتهيت النساء، فقال له أبو مريم: هل لك في سمية؟ فقال أبو سفيان: هاتها على طول ثدييها ودفر بطنها، فأتاه بها فوقع عليها، فيقال: إنه علقت منه بزياد، ثم وضعته في السنة التي هاجر فيها رسول الله- عليه السلام-، ونشأ زياد فصيحَا وحضر يومَا بمحضر من جماعة الصحابة في خلافة عمر- رضي الله عنه-، فقال عمرو بن العاص: لو كان أبو هذا الغلام من قريش لساق العرب بعصاه. فقال أبو سفيان لعلي ابن أبي طالب: إني لأعرف من وضعه في رحم أمه. فقال علي: فما يمنعك من استلحاقه؟ قال: أخاف الأصلع- يعني: عمر- أن يقطع إهابي بالدرة.
وأما ابنه عبيد الله بن زياد أبو جعفر، فكان مولده سنة تسع وثلاثين. قال ابن العساكر: وروى الحديث عن معاوية، وسعد بن أبي وقاص، ومعقل بن يسار. وحدث عنه الحسن البصري، وأبو المليح بن أسامة، وقتل يوم عاشوراء سنة ست وستين. وقيل: سبعة وستة وهو الأشهر، قتله إبراهيم بن الأشقر، وبعث برأسه إلى المختار بن أبي عبيد إلى الكوفة، وأحرقت جثته، وكان ذلك بأرض الموصل.
قوله: "فنسبني" من نسبت الرجل أنسبه بالضم نِسبة إذا ذكرت نسبه. قوله: "يا فتي" مكبر، وفي بعض النسخ: "فتي" مصغر.
قوله: (الصلاة) مرفوع على أنه خبر "إن" في قوله: "إن أول ". قوله: " أتمها" وفي بعض النسخ فيه بهمزة الاستفهام.
قوله: "على ذاكم" ذاكم من أسماء الإشارة، يقال: ذاك ذاكما ذاكم، ويزاد فيه اللام فيقال: ذلك، ذلكما، ذلكم، وتتصرف مع المخاطب في أحواله من التذكير، والتأنيث، والنية، والجمع، وحاصل(4/68)
الكلام أن الكاف للخطاب، وما قبلها إشارة إلى غائب، ويتصرف هذا بحسب تصرف ما قبل كاف الخطاب، وبحسب كاف الخطاب، ففي قوله: " على ذاكم " المشار إليه واحد مذكر، وهو قول الله تعالي: "انظروا"، والمخاطب جمع وهو الناس، ومثل هذا: "ذلِكُم اللهُ رَبكُمْ " (1) ففيه المشار إليه واحد مذكر، والمخاطب جمع، أي: الذي تقدم ذكر قدرته هو الله ربكم: أي: الناس، فافهم.
والحديث أخرجه ابن ماجه. وفي "المصنف" نا وكيع، عن أبي الأشهب، عن الحسن، أن أبا هريرة لقي رجلا فقال: كأنك لست من أهل البلد؟ قال: أجل. قال: ألا أحدثك حديثًا سمعته من رسول الله- عليه السلام- لعلك أن تنتفع به؟ سمعت رسول الله يقول: "أول ما يحاسب به العبد الصلاة، فإن كان أتمها وإلا قيل للملائكة: كملوا صلاته من تطوعه " قال الحسن: وسائر الأعمال على ذلك.
[نا] جرير، عن منصور، عن نمير بن سلمة قال " أول ما يسأل عنه العبد يسأل عن صلاته، فإن تقبلت منه تقبل منه سائر عمله، وإن ردت عليه رد عليه سائر عمله ".
842- ص- نا موسى بن إسماعيل، نا حماد، عن حميد، عن الحسن، عن رجل من بني سُليط، عن أبي هريرة، عن النبي- عليه السلام- نحوه (2) .
ش- حماد بن سلمي، وحميد الطويل، والحسن البصري، وفيه رجل مجهول.
قوله: "نحوه" أي: نحو الحديث المذكور.
843- ص- نا موسى بن إسماعيل، نا حماد، عن داود بن أبي هند، عن زرارة بن أوفى، عن تميم الداري، عن النبي- عليه السلام- بهذا المعنى، قال: ثم الزكاةُ مثلُ ذلك، ثم تُؤخذُ العمال على حَسَبِ ذلك (3) .
__________
(1) سورة الزمر: (6) .
(2) ابن ماجه: كتاب: إقامة الصلاة والسُنة، باب: ما جاء في أول ما يحاسب به العبد الصلاة (1426) .
(3) انظر الحديث السابق.(4/69)
ش- تميم بن أوس بن خارجة بن سود بن جَذيمة (1) بن ذراع بن عدي ابن عبد الدار الداري، يكنى أبا رقية، وكان بالمَدينة ثم انتقل إلى الشام، ونزل بيت المقدس بعد قتل عثمان بن عفان، وكان إسلامه في سنة تسع لمن الهجرة. رُوي له عن رسول الله/ ثمانية عشر حديثا. روى له مسلم حديثًا واحدًا من رواية عطاء بن يزيد الليثي، وقد روى عنه عن رسول الله قصة الجساسة، وهذه منقبة شريفة له، وتدخل في رواية الأكابر عن الأصاغر. روى عنه: ابن عباس، وأنى بن مالك، وأبو هريرة، وجماعة آخرون. روى له الجماعة إلا البخاري (2) .
قوله: " بهذا المعنى" إشارة إلى معنى الحديث المذكور.
قوله: " ثم الزكاة كذلك " أي: مثل الصلاة، "وكذلك " سائر الأعمال على حسب ما ذكر في الصلاة. وأخرجه ابن ماجه أيضا.
* * *
142- باب: تفريع أبواب الركوع والسجود
ووضع اليدين على الركبتين
أي: هذا باب في " تفريع أبواب الركوع " إلى آخره، وفي بعض النسخ " باب ما جاء في تفريع أبواب الركوع " إلى (3) آخره، وفي بعضها " أبواب الركوع والسجود" بلا قوله: " باب تفريع ".
844- ص- نا حفص بن عمر، نا شعبة، عن أبي يعفور (4) ، عن مصعب بن سعد، فال: صليتُ إلى جَنبِ أبي، فجعلتُ يَديَّ بين رُكبتي
__________
(1) كذا في الأول وفي الإصابة وتهذيب الكمال، وفي الجمهرة والاستيعاب وأسد الغابة- عن ابن منبه وأبي نعيم- " خزيمة ".
(2) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (1/ 184) ، أسد الغابة (1/ 256) ، الإصابة (1/ 183) .
(3) مكررة في الأول.
(4) في سنن أبي داود: " قال أبو داود: اسمه فقدان ".(4/70)
فنهاني عن ذلك، فعدتُ فقال: لا تصنعْ هذا، فإنا كُنا نفعلُهُ فنُهِينَا عن ذلك، وأمِرْنَا أن نَضَعَ أَيدينا على الرُّكَبِ (1) .
ش- أبو يعفور: وقدان ويقال: واقد. والأول أشهر، أبو يعفور الكبير العبدي الكوفي. رأى عبد الله بن عمر، وأدرك المغيرة بن شعبة. وسمع أنس بن مالك، وعبد الله بن أبي أوفى، وعرفجة (2) بن شريح، ومصعب بن سعد، وعبد الله بن أأبي، سعيد، ولم يرو أبو يعفور الصغير عن هؤلاء، واسمه عبد الرحمن بن عبيد بن نِسطاس. روى عنه ابنه يونس، والثوري، وابن عيينة، وشعبة وغيرهم. قال أحمد، وابن معين: ثقة. روى له الجماعة إلا ابن ماجه (3) .
ومصعب بن سعد بن أبي وقاص ألا زرارة القرشي الزهري المدني. سمع أباه، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن عمر، ورأى طلحة بن عبيد الله، وصهيبَا. روى عنه مجاهد، وأبو إسحاق السبيعي، وأبو يعفور وغيرهم. قال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث، توفى سنة ثلاث ومائة. روى له الجماعة (4) .
والحديث أخرجه الستة، وقال الترمذي: التطبيق منسوخ بهذا الحديث عند أهل العلم، إلا ما رُوي عن ابن مسعود وبعض أصحابه، أنهم كانوا يطبقون، وقد ذكرنا الكلام فيه مستوفى.
__________
(1) البخاري: كتاب الأذان، باب: وضع الأكف على الركب في الركوع (790) ، مسلم: كتاب المساجد، باب: الندب في وضع الأيدي على الركب
في الركوع (535) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في وضع اليدين على الركبتين (259) ، النسائي: كتاب الافتتاح، باب: نسخ ذلك (2/ 185) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: وضع اليدين على الركبان (873) .
(2) في الأصل: معرفة، خطأ.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (30/ 6694) .
(4) المصدر السابق له (28/ 5982) .(4/71)
845- ص- نا محمد بن عبد الله ابن نمير، نا أبو معاوية، نا الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة والأسود، عن عبد الله قال: إذا رَكَعَ أحدُكُم فليفرشْ ذراعيه [على] ، فَخذيه، وليُطبقْ بين كَفيه، فكأني أنظُرُ إلى اختلاف أصابع رسولِ الله- عليه السَلامَ- (1) .
ش- قد ذكرنا غير مرة أن حديث التطبيق منسوخ، وكان ينبغي لأبي داود أن يذكر هذا الحديث أولا، ثم يذكر ناسخه بعد ذلك كما هو عادته، والحديث رواه مسلم والنسائي.
ورواه الطحاوي وقال: حدثنا علي قال: نا عبيد الله، قال: نا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عبد/ الرحمن بن الأسود عن ابن حفص قال: نا أبي قال: نا الأعمش قال: حدثني إبراهيم عن الأسود قال: دخلت أنا وعلقمة على عبد الله فقال: أصلى هؤلاء خلفكم؟ فقلنا: نعم. قال: فصلى بنا، فلم يأمرنا بأذان ولا إقامة، فقمنا خلفه فقدمنا، فقام أخدُنا عن/ يمينه والآخر عن شماله، فلما ركع وضع يديه بين رجليه وحنا قال: وضربت يدي على ركبتي، وقال هكذا وأشار بيده، فلما صلى قال: إذا كنتم ثلاثة فصلوا جميعاً، وإذا كنتم كثر من ذلك فقدموا أحدكم، فإذا ركع أحدكم فليقل هكذا- وطبق يديه- ثم ليفرش ذراعيه بين فخذيه. فكأني أنظر إلى أصابع رسول الله.
قال أبو جعفر: فذهب قوم إلى هذا واحتجوا بهذا الحديث، وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا: ينبغي له أن يضع يديه على ركبتيه شِبه القابض عليهما، ويفرق بين أصابعه، واحتجوا فيا ذلك: بما حدثنا يزيد بن سنان. قال: نا بشر بن عمر وحبان بن هلال قالا: نا شعبة قال:
__________
(1) مسلم: كتاب المساجد، باب: الندب في وضع الأيدي على الركب في الركوع (534) النسائي: كتاب المساجد، باب: تشبيك الأصابع في المسجد (2/ 9 4) ، وكتاب الافتتاح، باب: التطبيق (2/ 183) .(4/72)
أخبرني أبو حصين، عن أبي عبد الرحمن قال: قال عمر: أمسُّوا، فقد سنت لكم الركب (1) .
وذكر أحاديث أخر كلها حجة للجمهور، وأن التطبيق منسوخ، ثم قال:/ فقد ثبت بما ذكرنا نسخ التطبيق وأنه كان متقدماً لما فعله رسول الله [2/ 14- أ] من وضع اليدين على الركبتين.
قوله: " أصلى هؤلاء خلفكم "؟ يعني الأمير والتابعين له، وفيه إشارة إلى إنكار تأخيرهم الصلاة.
قوله: " وصلوا " فيه جواز إقامة الجماعة في البيوت، لكن لا يسقط بها فرض الكفاية إذا قلنا أنها فرض كفاية، بل لابد من إظهارها، وإنما اقتصر عبد الله بن مسعود على فعلها في البيت لأن الفرض كان سقط بفعل الأمير وعامة الناس، وإن أخروها إلى آخر الوقت.
قوله: " فلم يأمرنا بأذان ولا إقامة " هذا مذهب ابن مسعود، وبعض السلف من أصحابه، أنه لا يشرع الأذان ولا الإقامة لمن يصلي وحده في البلد الذي يؤذن فيه، وتقام الصلاة بالجماعة العظمى، بل يكفي أذانهم وإقامتهم.
قوله: " فقام أحدنا عن يمينه والآخر عن شماله " هذا مذهب ابن مسعود وصاحبيه، وخالفهم جميع العلماء من الصحابة فمن بعدهم إلى الآن، فقالوا: إذا كان مع الإمام رجلان وقفا وراءه صفا وأجمعوا إذا كان ثلاثة أنهم يقفون وراعه، وأما الواحد فإنه يقف عن يمين الإمام عند العلماء كافة، ونقل جماعة الإجماع فيه، ونقل القاضي عياش عن ابن المسيب، أنه يقف عن يساره، ولا أظن أنه يصح عنه، صان صح فلعله لم يبلغه
حديثُ ابن عباس، وكيف كان فَهُمُ اليوم يجمعون على أنه يقف عن يمينه.
* * *
143- باب: ما يقول الرجل في ركوعه وسجوده
أي: هذا باب في بيان ما يقول الرجل في ركوعه وسجوده من الأدعية، وفي بعض النسخ "باب ما جاء فيما يقول!! ".
__________
(1) انظر شرح معاني الآثار (1/ 229) .(4/73)
846- ص- نا الربيع بن نافع أبو توبة، وموسى بن إسماعيل- المعنى- قالا: نا ابن المبارك، عن موسى. قال أبو سلمة: موسى بن أيوب، عن عمه عن عقبة بن عامر قال: لما أنزِلَتْ (1) "فَسبِّحْ بِاسْ" ربكَ العَظيم " قال رسولُ الله: " اجْعلوها في رُكُوعكُم " فلما نَزَلَتْ "سبخ اَسْمَ ربِّكَ الأعْلَى" قَال: " اجعَلُوها في سُجُودِكُم " (2) .
ش- عبد الله بن المبارك.
وموسى بن أيوب بن عامر الغافقي المصري. روى عن عقبة بن عامر الجهني، وسهل بن رافع بن خديج. وسمع عمه. روى عنه: الليث ابن سعد، وابن لهيعة، وابن المبارك. قال ابن معين: ثقة. روى له أبو داود وابن ماجه (3) .
وعمه إياس بن عامر الغافقي المَنَارِي. ومنارة بطن من غافق. سمع علي بن أبي طالب، وعقبة بن عامر. روى عنه ابن أخيه موسى بن أيوب. قال ابن يونس: كان من شيعة علي بن أبي طالب والوافدين عليه من مصر، وشهد معه مشاهده. روى له: أبو داود، وابن ماجه (4) . قوله: " لما أنزلت " وفي بعض النسخ: " لما نزلت " وبهذا الحديث استدل أبو حنيفة وأصحابه في أن السُّنَّة للمصلي أن يقول في ركوعه: "سبحان ربي العظيم وبحمده"، وفي سجوده: "سبحان ربي الأعلى وبحمده".
واختلف العلماء في سائر الأذكار في الركوع والسجود، فقال أبو حنيفة، ومالك، والشافعي: هو سُنَّة، فلو تركه لم يأثم، وصلاته صحيحة سواء تركه سهوًا أو عمدًا، لكن يكره عمدًا. وقال إسحاق،
__________
(1) في سنن أبي داود: " نزلت"، وسيذكر المصنف أنها نسخة.
(2) ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: التسبيح في الركوع والسجود (887) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (29/ 6238) .
(4) المصدر السابق (3/ 591) .(4/74)
وأحمد: هو واجب، فإن تركه عمدا بطلت صلاته، وإن نسيه لم
تبطل. زاد أحمد: ويسجد للسهو. وفي رواية عنه: هو سُنَة. وقال
ابن حزم: هو فرض، فإن نسيه سجد للسهو، وفي " شرح الطحاوي ":
يسبح الإمام ثلاثا. وقيل: أربعا ليتمكن المقتدي من الثلاث، وعند
الماوردي أدنى الكمال ثلاث، والكمال إحدى عشرة أو تسع، وأوسطه
خمس. وفي "شرح الهداية": إن زاد على الثلاث حتى ينتهي إلى اثنتى
عشر فهو أفضل عند الإمام، وعندهما إلى سبع وعن بعض الحنابلة
الكمال أن يسبح مثل قيامه، وعند الشافعي عشرة، وهو منقول عن عمر
ابن الخطاب- رصْي الله عنه-.
والحديث رواه ابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه" والحاكم في
"المستدرك " قال: وقد اتفقا على الاحتجاج برواية غير إياس بن عامر،
وهو صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ورواه الطحاوي.
/847- ص- نا أحمد بن يونس، نا الليث- يعني: ابن سعد- عن [2/14 - ب] أيوب بن موسى أو موسى بن أيوب، عن رجل من قومه، عن عقبة بن عامر
بمعناه، زاد قال: فكان رسولُ الله إذا ركع قال: " سبحانَ ربي العظيم وبحمده" ثلاثا، وإذا سَجَد قال: " سَبحان ربي الأعلى وبحمده " ثلاثا (1) .
ش- شك أحمد بن يونس في موسى بن أيوب، أن أيوبَ ابن أو أب.
وقال أبو داود: الصواب موسى بن أيوب.
قوله: " بمعناه" أي: بمعنى الحديث المذكور، وبهذا أخذ أصحابنا أن
أدنى الكمال فيه أن يقول ثلاث مرات.
ص- قال أبو داود: وهذه الزيادة أخاف (2) أن لا نكون محفوظة.
__________
(1) ابن ماجه: كتاب أقامة الصلاة، باب: التسبيح في الركوع والسجود (887) .
(2) في سنن أبي داود: نخاف "، وجاء في سنن أبي داود بعد هذا النص: قال أبو داود: انفرد أهل مصر بإسناد هذين الحديثين: حديث الربيع، وحديث أحمد بن يونس.(4/75)
ش- أشار فيه إلى قوله: " قال: فكان رسول الله، إلى آخره. وهذه الزيادة رواها الطبراني في " معجمه ". ورُوي عن أبي بكر أنه- عليه السلام- كان يقول في ركوعه: " سبحان ربي العظيم ثلاثا، وفي سجوده: سبحان ربي الأعلى ثلاثاً" رواه بكار بن عبد العزيز، عن أبيه، عن أبي بكر- رضي الله عنه-.
وفي "المصنف " نا أبو خالد الأحمر، عن ابن عجلان، عن عون، عن ابن مسعود قال: " ثلاث تسبيحات في الركوع والسجود".
ونا ابن مبارك، عن محمد بن مسلم، عن إبراهيم بن ميسرة قال: بلغني أن عمر كان يقول في الركوع والسجود قدر خمس تسبيحات سبحان الله وبحمده.
ونا حفص، عن ليث، عن مجاهد قال: صليت خلف عمر بن عبد العزيز فعددت له في الركوع أربعا أو خمس تسبيحات، وفي السجود خمسًا أو ست تسبيحات.
ونا هشيم، عن يونس، عن الحسن، أنه كان يقول وسطا من الركوع والسجود، أن يقول الرجل في ركوعه وسجوده: سبحان الله وبحمده ثلاثا.
ونا وكيع، عن سفيان، عن عاصم، عن أبي الضحى قال: كان علي- رضي الله عنه- يقول في ركوعه: سبحان ربي العظيم ثلاثا، وفي سجوده سبحان ربي الأعلى ثلاثا.
848- ص- نا حفص بن عمر، نا شعبة قال: قلت لسليمان: أدعو في الصلاة إذا مَررتُ بآيةِ تَخَوف؟ فحدثني عن سعد بن عبيدة، عن مستورد، عن صلة بن زفر، عن حذيفًة، أنه صلَّى مع رسولِ اللهِ- عليه السلام- فكان يقولُ في رُكُوعِهِ: سبحانَ ربي العظيم، وفي سجوده: سبحان ربى(4/76)
الأعلى، وما مر بآية رحمة إلا وقف عندها فسأل، ولا بآيةِ عَذاب إلا وقف عندها فتعوذَ (1) .
ش- سليمان الأعمش.
وسعد بن عبيدة السلمي أبو حمزة الكوفي، ختن عبد الرحمن السلمي. سمع عبد الله بن عمر، والبراء بن عازب، والمستورد وغيرهم. روى عنه الأعمش، ومنصور بن المعتمر، وعلقمة بن مرثد، وجماعة آخرون. قال ابن معين: ثقة. وقال أبو حاتم: يكتب حديثه، كان يرى رأي الخوارج ثم تركه. روى له الجماعة (2) .
ومستورد بن الأحنف. روى عن عبد الله بن مسعود، وحذيفة بن اليمان، ومعبد بن عامر (3) ، وصلة بن زفر. روى عنه: عفان ابن عاصم، وسلمة بن كهيل، وسعد بن عبيدة. ثقة، روى له الجماعة (4) .
وصله بن زفر العبسي أبو العلاء، ويقال: أبو بكر الكوفي. سمع حذيفة بن اليمان، وعمار بن ياسر، وعبد الله بن مسعود. روى عنه أبو وائل، والشعبي، وإبراهيم النخعي، والمستورد بن الأحنف، وأبو إسحاق الطبيعي، وأيوب السختياني. قال الخطيب: كان ثقة، مات في ولاية مصعب. روى له الجماعة (5) .
(1) مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: استحباب تطويل القراءة في صلاة الليل (772) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في التسبيح في الركوع، والسجود (262) و (263) ، النسائي: كتاب الافتتاح، باب: تعوذ القارئ إذا مر بآية عذاب (2/ 176) ، ابن ماجه: كتاب أقامة الصلاة، باب: ما جاء في القراءة في صلاة الليل (1351) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (10/ 2220) .
(3) في تهذيب الكمال "معقل بن عامر، وذكر محققه أنه جاء في حاشية نسخة المؤلف التي بخطه من تعقباته على صاحب الكمال: قوله: " كان فيه معبد ابن عامر، وهو خطأ".
(4) المصدر السابق (27/ 5896) .
(5) المصدر السابق (13/ 2 0 29) .(4/77)
قوله: (بآية رحمة) وهي الآية التي يذكر فيها الجنة، أو الوعد ونحوهما، "وآية عذاب" هي الآية التي يذكر فيها النار، أو الوعيد ونحوهما، ثم حكم هذا الحديث أنه محمول عندنا على التطوع. وقال صاحب "المحيط": صلى منفردَا تطوعَا، فمر بذكر النار استعاذ، أو بذكر الجنة فسأل جاز، ويستحب لما روى حذيفة الحديث. وإن كان إمامَا يكره له ولمن خلفه، أما الإمام فلأنه يؤدي إلى تطويل الصلاة، والتثقيل على القوم، وأما المؤتم فلأنه مأمور بالسكوت والاستماع، وإن كان منفردَا فصلى المكتوبة يكره أيضا خلافا للشافعي، لأن الاشتغال بالدعاء يقطع دوام القراءة، وأنه مكروه لكن تركنا هذا في التطوع بالنص [2/15 - أ] والحديث رواه مسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، بنحوه مختصرا ومطولا.
849- ص- نا مسلم بن إبراهيم، نا هشام، نا قتادة، عن مطرف، عن عائشة- رضي الله عنها-، أن النبي- عليه السلام- كان يقولُ في رُكُوعِهِ وسُجُوده: "سبوح قُدوس رب الملائكةِ والروح " (1) .
ش-َ مسلم بن إبراهيم القصاب، وهشام بن أبي عبد الله الدستوائي، ومطرف بن عبد الله بن الشخير.
قوله: "سبوح قدوس " يرويان بالضم والفتح، والفتح أقيس، والضم أكثر استعمالا. وقال الخطابي: لم يأت من الأسماء على فعُول بضم الفاء إلا "سبوح وقدوس" وقد يفتحان كسَفود وتلوب. وقال ثعلب: كل اسم على فعول فهو مفتوح الأول إلا السبوح والقدوس، فإن الضم فيهما أكثر، وكذلك الذروح. وقال أبو الحسن الهنائي: ومعنى سبوح قدوس. أي: تسبيح وتقديس وتعظيم، ويقال: القدوس: الطاهر من العيب. وقال ابن فارس وغيره: معنى السبوح المسبح، أي: المبرأ من النقائص والشريك، وكل ما لا يليق بالإلهية، ومعنى القدوس المقدس، أي: المطهر من كل مالا يليق بالخالق. وقال القروي: قيل: القدوس المبارك.
__________
(1) مسلم كتاب الصلاة، باب: ما يقال في الركوع والسجود (487) ، النسائي: كتاب الافتتاح، باب: نوع آخر منه (2/ 191) ، باب: نوع آخر (2/ 224) .(4/78)
قوله: "رب الملائكة والروح" قيل: الروح ملك عظيم، وقيل: خلق لا تراهم الملائكة كما لا نرى نحن الملائكة. وقيل: يحتمل أن يكون جبريل- عليه السلام-. وقيل: الروح صنف من الملائكة. وقيل: يحتمل أن يراد به الروح الذي به قوام كل حي. أي: رب الملائكة ورب الروح. فإن قيل: ما وقع قوله: "سبوح قدوس" من الإعراب؟ قلت: هما خبرا مبتدأ محذوفٍ، تقديره ركوعي وسجودي لمن هو سبوح قدوس. وقال القاضي عياض: وقيل فيه: سبوحا قدوسا على تقدير أسبح سبوحاً، أو أذكر، أو أعظم، أو أعبد ونحو ذلك. والحديث أخرجه مسلم، والنسائي.
850- ص- نا أحمد بن صالح، نا ابن وهب قال: حدثني معاوية بن صالح، عن عمرو بن قيس، عن عاصم بن حميد، عن عوت بن مالك الأشجعي قال: قمتُ معَ رسول الله ليلةً، فقامَ فقرأ سورةَ البقرة، لا يمر بآية رحمة ألا وَقفَ فسأَلَ، ولا يَمر بآيةَ عَذاب الا وقفَ فتعوذَ. قالَ: ثم رَكَعً بقدرً قيامه يقولُ في رُكُوعه: "سبَحان ذيً الجبروت والملكوت والكبرياء والعَظًمَة" ثم سجدَ بقدر قيَامه، ثم قال في سُجُوده مثَلَ ذلك، ثَم قامً فقرأَ بال عِمرَانَ، ثم قَرأ سُورةً سورة (1) .
ش- عمرو بن قيس بن ثور بن مازن بن خيثمة السكوني الكندي أبو ثور الحمصي، وفد مع أبيه على معاوية. وسمع معاوية، وعبد الله ابن قرط الثمالي، وواثقة بن الأسقع، وجده مارن بن خيثمة وله صحبه، وعبد الله بن عمرو، وعاصم بن حميد السكوني وغيرهم. روى عنه الأوزاعي، ومعاوية بن صالح، وحسان بن نوح، وغيرهم. وقال ابن سعد: كان صالح الحديث. توفى سنة خمس وعشرين ومائة. روى له أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (2) .
__________
(1) المساير: كتاب الافتتاح، باب: نوع آخر (2/ 191، 223) ، والترمذي في " الشمائل".
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (22/ 4435) .(4/79)
وعاصم بن حميد السكوني الحمصي.
وعوف بن مالك بن أبي عوف الأشجعي الغطفاني أبو عبد الرحمن، أو
أبو محمد، أو أبو حماد، أو أبو عمرو. شهد فتح مكة مع رسول الله
- عليه السلام-، نزل الشام وسكن دمشق، وكانت داره بها عند سوق
الغزل العتيق. رُوي له عن رسول الله سبعة وستون حديثًا. روى له البخاري حديثا واحدَا، ومسلم خمسة. روى عنه أبو هريرة،
وأبو مسلم، وأبو إدريس الخولاني، وجبير بن نفير، وخلق سواهم.
مات سنة ثلاث وسبعين بحمص. روى له الترمذي، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه (1) .
قوله: " فقرأ سورة البقرة" فيه دليل على جواز القول بسورة البقرة
ونحوها، خلافَا لمن كره ذلك.
قوله: " ذي الجبروت " الجبروت فعلوت من الجبر والقهر، وكذلك
الملكوت فعلوت من الملك. وقال في "الصحاح": الملكوت من الملك كالرهبوت من الرهبة، ويقال: إن زيادة الواو والتاء لأجل المبالغة في التعظيم، والكبرياء عبارة عن كمال الذات، وكمال الوجود، ولا يوصف بها إلا الله. ويقال: الكبرياء العظمة والملك. وقال في "الصحاح": الكبر- بالكسر- العظمة، وكذلك الكبرياء.
[2/15 - ب] قلت: فعلى هذا/ قوله: "والعظمة" وقع تفسيرا لقوله: "والكبرياء".
قوله: " ثم قرأ سورة سورة" أي: ثم قرأ القرآن سورة سورة،
وانتصاب سورة على الحال وقد مر نظيره في قوله: (حرفا حرفا) ، وقد
قلنا: إن الحال يقع من غير المشتقات إذا دل على الترتيب كما في قولك:
ادخلوا رجلان رجلاً والحديث أخرجه الترمذي، والنسائي.
__________
(1) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (3/ 131) ، أسد الغابة (5/ 2 31) ، 1 الإصابة (3/ 43) .(4/80)
851- ص- نا أبو الوليد الطيالسي وعلي بن الجعد قالا: نا شعبة، عن عمرو، عن أبي حمزة مولى الأنصار، عن رجل من بني عبس، عن حذيفة، أنه رأى رسولَ الله يصلي من الليلِ فكان يقولُ: " الله أكبر" ثلاثا " ذو المَلكُوت والجبَروتَ والكبرياء والعَظَمة، ثم استفتح فقرأ البقرة، ثم رَكَع فكان رُكوعُه نحوا من قَيامهَ، فكان (1) يقولُ في رُكوعه: سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العَظيَمَ، ثم رفعَ رأسه من الركوع، َ فَكان قيامِه نحوا من قيامهِ (2) ، يقول: لربي الحمد. ثم سجدَ فكانَ سجود نحوا من قَيامه، فكان يقَولُ في سجوده: سبحان ربي الأعلى، ثم رفعَ رأسه من السجوَدَ، وكان يقعدُ فيما بين السجدتين نحوِا من سجوده، وكان يقولُ: رب اغفَرْ لي، رب اغفر لي. فصلَّى أربع رَكعات فقرأ فيهنَّ البقرةَ وآلَ عِمرانَ والنساءَ والمائدةَ أو الأنعامَ. شك شعبة (3) .
ش"- علي بن الجعد بن عبيد الجوهري أبو الحسن البغدادي الهاشمي مولاهم. سمع الثوري، ومالك بن أنس، وشعبة، وشريكًا وغيرهم. روى عنه: أحمد بن حنبل، ويحيي بن معين، وأبو بكر بن أبي شيبة، وأبو زرعة، وأبو حاتم، والبخاري، وأبو داود، وأبو القاسم البغوي وغيرهم. وقال ابن معين: ما روى عن شعبة من البغداديين أثبت منه. وقال أبو زرعة: كان صدوقا في الحديث. وقال أبو حاتم: كان متقنا صدوقا لم أر من المحدثين من يحفظ، ويأتي بالحديث على لفظ واحد لا يغيره سوى قبيصة، وأبي نعيم في حديث الثوري، ويحيي الحماني في شريك، وعلي بن الجعد في حديثه، توفي في سنة ثلاثين ومائتين ببغداد، ودفن بمقبرة باب حرب، وله يوم توفي ستة وتسعون سنة وأشهر (4) .
__________
(1) في سنن أبي داود: "وكان ".
(2) كذا.
(3) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في التسبيح في الركوع والسجود (262) النسائي: كتاب التطبيق، باب: ما يقول في قيامه ذلك (2/ 197) ، باب: الدعاء بين السجدتين (2/ 231) .
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (0 2/ 34 0 4) .(4/81)
وعمرو بن مرة الكوفي.
وأبو حمزة اسمه طلحة بن زيد كذا قال الترمذي. وقال النسائي: أبو حمزة عندنا طلحة بن يزيد. وقد سقط ذكره في الكمال فلعله سها عنه، وهو طلحة بن زيد مولى قرظة بن كعب الأنصاري أبو حمزة الكوفي، احتج به البخاري، وذكره ابن حبان في "الثقات" وقال طلحة ابن يزيد الأنصاري. روى عن: زيد بن أرقم. روى عنه: عمرو بن مرة (1) .
قوله: "شك شعبة" أي: شك بين المائدة والأنعام. والحديث أخرجه
الترمذي، والنسائي.
واعلم أن كل ما جاء من مثل هذه الأدعية فهو محمول على صلاة الليل النافلة.
* * *
144- باب: في الدعاء في الركوع والسجود
أي: هذا باب في بيان الدعاء في الركوع والسجود.
852- ص- نا أحمد بن صالح، وأحمد بن عمرو بن السرح، ومحمد ابن سلمة. قالوا: نا ابن وهب قال: أخبرني عمرو بن الحارث، عن عمارة ابن غزية، عن سمى مولى أبي بكر (2) ، أنه سمع أبا صالح ذكوان يحدث عن أبي هريرة، أن رسول الله- عليه السلام- قال: "اقربُ ما يكونُ العبدُ من ربه عز وجل وهو ساجد فأكثِرُوا (3) الدعاءَ (4) .
ش- معناه أقرب ما يكون من رحمة ربه وفضله (5) .
__________
(1) المصدر السابق (13/ 2986) .
(2) سقط "بكر" من سنن أبي داود.
(3) في سنن أبي داود: "فأكثروا من الدعاء".
(4) مسلم: كتاب الصلاة، باب: ما يقال في الركوع والسجود (482) ، النسائي: كتاب التطبيق، باب: أقرب ما يكون العبد من الله عز وجل (226/2) .
(5) بل المراد منه قربا حقيقيا يليق به سبحانه، وهو كنزوله في الثلث الأخير من-(4/82)
وقوله: "أقرب ما يكون" مبتدأ حذف خبره لسد الحال وهو قوله:
"وهو ساجد" مسده، فهو مثل قولهم: أخطب ما يكون الأمير قائما،
إلا أن الحال ثمة مفرد، وهنا جملة مقرونة بالواو، وعلم من ذلك خطأ
من زعم أن الواو في قوله: " وهو ساجد" زائدة، لأنه خبر قوله:
"أقرب " وتحقيق الكلام هاهنا أن " ما" في " ما يكون" مصدرية،
والفعل الذي بعدها بمعنى المصدر، وهو بمعنى الجمع هنا، لأن أفعل
التفضيل يجب أن يكون بعض ما أضيف هو إليه فتقديره أقرب أكوان العبد
من ربه حاصل إذا كان وهو ساجد، ثم حذف الخبر- أعني: " حاصل"
- لأن حذف متعلقات الظروف شائع كثير، ثم حذف الظرف- أعني:
"إذا كان " لدلالة الحال عليه، لأن الحال يدل على الوقت والزمان،
فالحال يدل على الظرف، والظرف على الخبر، فالحال على الخبر، لأن
الدال على الدال على الشيء دال على ذلك الشيء.
/ فإن قيل: ما معنى كون العبد أقرب إلى الله حالة السجود من بين [2/16- أ] سائر أحواله؟ قلت: لأنه حالة تدل على غاية تذلل، واعتراف بعبودية
نفسه وربوبية ربه، فكانت مظنة الإجابة، فلذلك أمر- عليه السلام-
بإكثار الدعاء في السجود بقوله: " فأكثروا الدعاء" أي: في حالة السجود، واستدل بعض العلماء بهذا الحديث أن السجود أفضل من القيام، ومذهب أبي حنيفة أن طول القيام أفضل من كثرة الركوع والسجود، قال الشافعي لقوله- عليه السلام-: " أفضل الصلاة طول
القنوت " رواه مسلم (1) ، ومعناه القيام، وقال الشيخ محيي الدين (2) : (وفي
__________
= الليل، وكتقربه من عباده المتقربين إليه ذراعا بشبر، وباعا بذراع. . .،
{ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} اعتقاد أهل السنة والجماعة، وانظر الرسالة الدموية لشيخ الإسلام ابن تنمية، ومجموع الفتاوى (5/ 124: 134)
و (226/5: 244) و (5/6: 32) .
(1) مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: أفضل الصلاة طول القنوت (756/ 164) من حديث جابر بن عبد الله.
(2) انظر: شرح صحيح مسلم (36/6- 37) .(4/83)
هذه المسألة ثلاثة مذاهب، أحدها: أن تطويل السجود، وتكثير الركوع والسجود أفضل، حكاه الترمذي، والبغوي عن جماعة، وممن قال بتفضيل تطويل السجود ابن عمر- رضي الله عنهما-، والمذهب الثاني: مذهب الشافعي وجماعة أن تطويل القيام أفضل لما ذكرنا، والمذهب الثالث: أنهما سواء. وتوقف أحمد بن حنبل في المسألة، ولم يقض فيها بشيء، وقال إسحاق ابن راهويه: أما في النهار فتكثير الركوع والسجود أفضل، وأما بالليل فتطويل القيام، إلا أن يكون للرجل جزء بالليل يأتي عليه، فتكثير الركوع والسجود أفضل ". والحديث أخرجه مسلم، والنسائي. 853- ص- نا مسدد، نا سفيان، عن سليمان بن سُحيم، عن إبراهيم ابن عبد الله بن معبد، عن أبيه، عن ابن عباس، أن النبي- عليه السلام- كَشَفَ الستَارة والناسُ صفوف خلفَ أي بكر فقال: "يا أيها الناسُ" إنه لم يبقَ من مُبَشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة يرَاها المسلمُ أو تُرَي له، وإنى نُهِيتُ أن أقرأ راكعَا أَو ساجدا، فأما الركوعُ فعظمُوا الرب فيه، وأما السجودُ فاجتهدوا في الدعاءِ، فَقمنُ أن يُستجاب لكم " (1) .
ش- إبراهيم بن عبد الله بن معبد بن العباس بن عبد المطلب القرشي الهاشمي. سمع أباه، وميمونة بنت الحارث زوج النبي- عليه السلام-. روى عنه نافع مولى ابن عمر، وسليمان بن سُحيم، وابن جريج. روى له مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه (2) ، وعبد الله بن معبد بن عباس القرشي الهاشمي المدني. روى عن: عمه عبد الله بن العباس. روى عنه: ابنه إبراهيم، وابن أبي مليكة، ومحمد بن عباد بن جعفر.
__________
(1) مسلم: كتاب الصلاة، باب: النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود (279) ، النسائي: كتاب التطبيق، باب: تعظيم الرب في الركوع (2/ 189) ، ابن ماجه: كتاب تعبير الرؤيا، باب: الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له (3899) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (2/ 198) .(4/84)
قال أبو زرعة: مديني ثقة. روى له: مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه (1) .
قوله: "كشف الستارة " هي بكسر السين الستر الذي يكون على باب البيت والدار.
قوله: "والناس صفوف " جملة اسمية وقعت حالا، وكذلك قوله:
"خلف أبي بكر" حال.
قوله: "إنه " أي: إن الشأن.
قوله: " من مبشرات النبوة " المبشرات جمع مبشرة، وهي الأمور المبشرة، ثم صار بغلبة الاستعمال كالاسم واشتقاقها من البشارة، والبشارة المطلقة لا تكون إلا بالخير من بشرت الرجل أبشره- بالضم- بشرَا وبشورَا من البشرى، وكذلك الإبشار والتبشير ثلاث لغات، والاسم البشارة، والبشارة- بالكسر والضم- والنبوة من النبأ وهو الخبر، تقول: نبأ ونبّأ وأنبأ، أي: أخبر، ومنه أصل النبي، لأنه أنبأ عن الله، وهو فعيل بمعنى فاعل.
قوله: " إلا الرؤيا الصالحة " الرؤيا مقصورة مهموزة، ويجوز ترك همزها كنظائرها من رأى في منامه رؤيا على وزن فُعلى، والمراد بالصالحة صحتها أو حسن ظاهرها.
قوله: " راكعَا أو ساجدا " حالان من الضمير الذي في "أقرأ".
فإن قيل: ما الحكمة من النهي عن القراءة في حالتي الركوع والسجود، قلت: الذي يلوح لنا في هذا المقام، هو أن النبي- عليه السلام- الخبر الأمة عن انقطاع الوحي بوفاته، وعزاهم عن مبشرات النبوة، ثم نبههم على جلالة قدرها ما هو تارك فيهم من الوحي المنزل- وهو الكتاب العزيز، الذي لم يؤت نبي مثله- بقرينة مستكنة في صيغة النهي، وذلك
__________
(1) المصدر السابق (16/ 3584) .(4/85)
أن الركوع والسجود من باب الخضوع، وأمارات التذلل من العباد لجلال
وجه الله الكريم، فنهى أن يقرأ الكتاب الكريم الذي عظم شأنه، وارتفع
محله عند هيئة موضوعة للخضوع والتذلل، ليتبين لأولي العلم معنى
الكتاب العزيز، وينكشف لذوي البصائر حقيقة القرآن الكريم. [2/16- ب] فإن قيل/ لم تأخر هذا النهي إلى آخر الرسالة؟ قلت: ليكون مورده على تمام النعمة بمواقع النجوم [واستيفاء أنصبة القرب] (1) باطلاعه على
مطالع الوحي ومقاطعه. فإن قيل: إذا قرأ المصلي القرآن في ركوعه أو
سجوده هل تبطل صلاته أم لا؟ قلت: لا تبطل عند أبي حنيفة مطلقَا،
سواء قرأ عامدَا أو ناسيَا، ولكن في الناسي يجب سجدتا السهو.
وقال الشيخ محيي الدين (2) : "فلو قرأ في الركوع أو السجود غير
الفاتحة كره ولم تبطل صلاته، وإن قرأ الفاتحة ففيه وجهان لأصحابنا،
أصحهما أنه كغير الفاتحة فيكره ولا تبطل صلاته، والثاني: يحرم وتبطل
صلاته، هذا إذا كان عمدَا، فإن قرأ سهوَا لم يكره، وسواء قرأ عمدا أو
سهوَا يسجد للسهو عند الشافعي.
وقال الخطابي (3) : " قوله نهيت عن القراءة راكعَا أو ساجدَا " يَشدّ
قول إسحاق ومذهبه في إيجاب الذكر في الركوع والسجود، وذلك أنه
إنما أخلى موضعهما من القراءة ليكون محلا للذكر والدعاء ".
قلت: لا نسلم أن إخلاءهما من القراءة ليكون محلا للذكر والدعاء،
بل لحكمة ذكرناها الآن، ولو قال يشد قول إسحاق الأمر بتعظيم الرب
في الركوع والاجتهاد في الدعاء في السجود، كان له وجه، فافهم.
قوله: "فأما الركوع فعظموا الرب فيه". أي: سبحوه ونزهوه ومجدوه،
فاستحب أصحابنا وغيرهم من العلماء أن يقول في ركوعه: سبحان ربي
__________
(1) غير واضح في الأصل، وأثبته من "العلم الهيب في شرح الكلم الطيب " للمصنف (ص/ 285) ، فالنص فيه بلفظه.
(2) شرح صحيح مسلم (6/ 197) . (3) معالم السنن (1/185) .(4/86)
العظيم وبحمده " وفي سجوده: سبحان ربي الأعلى وبحمده، ويكرر كل واحد منهما ثلاث مرات، ويقتصر على هذا عندنا في الفرائض سواء كان إمامَا أو مقتديا أو منفردا، فإن ضم إليه ما جاء من الأدعية التي ذكرناها في التطوع فلا بأس به.
قوله: " فقمن أن يستجاب لكم" بفتح القاف، وفتح الميم وكسرها لغتان مشهورتان، فمن فتح فهو عنده مصدر لا يثنى ولا يجمع، ومن كسر فهو وصف يثنى ويجمع، وفيه لغة ثالثة "قمين" بزيادة ياء، وفتح القاف، وكسر الميم، ومعناه حقيق وجدير، وإعراب هذا الكلام أن "أن" مصدرية، والتقدير الاستجابة لكم في محل الرفع مبتدأ. وقوله: "قمن " خبره أي: الاستجابة لكم في هذه الحالة حقيق وجدير، ويجوز أن يكون ارتفاع "أن يستجاب" على الفاعلية، لكونه مستندَا إلى الصفة، وهو "قمن" بكسر الميم. والحديث أخرجه مسلم، والنسائي، وابن ماجه.
854 - ص- نا عثمان بن أبى شيبة، نا جرير، عن منصور، عن أبي الضحى، عن مسروق، عن عائشة قالت: كان رسولُ الله- عليه السلام- يُكثر أن يقولَ في ركُوعهِ وسجُوده: "سبحانك اللهم ربنا وَبحمدك، اللهم اغفرْ لي" يتأولُ القرآنَ " (1) .
ش- جرير بن عبد الحميد، ومنصور بن المعتمر، وأبو الضحى مسلم ابن صبيح، ومسروق بن الأجدع.
قوله: " يتأول القرآن " يعني: يعمل ما أمر به في قول الله تعالى: فَسبحْ بحَمْد ربكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنهُ كَانَ تَوابا " (2) وفيه حجة لمن أجاز الدعاء فيه الركَوع، إذ فيه "اللهم اغفر لي".
__________
(1) البخاري: كتاب الأذان، باب: الدعاء في الركوع (794) ، مسلم: كتاب الصلاة، باب: ما يقال في الركوع والسجود (484) ، النسائي: كتاب التطبيق، باب: نوع آخر من الذكر في الركوع (2/ 190) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: التسبيح في الركوع والسجود (889) .
(2) سورة النصر: (3) .(4/87)
والحديث أخرجه البخاري، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه، وعند
مسلم: كان رسول الله يكثر أن يقول قبل أن يموت: سبحانك اللهم وبحمدك، أستغفرك وأتوب إليك. قالت: قلت: يا رسول الله ما هذه
الكلمات التي أراك أحدثتها تقولها؟ قال: " جعلت لي علامة في أمتي
إذا رأيتها قلتها "إذَا جَاءَ نَصْرُ الله وَالفَتْحُ " (1) إلى آخر السورة. وفي
لفظ: " ما رأيت النبي- عليه السَلام- منذ نزلت عليه: "إذا جاءَ نَصْرُ
الله والفَتْحُ " يصلي صلاة إلا دعا أو قال: "سبحانك ربي وبحمدك،
اللَهم اغفر لي " وفي لفظ: " كان يكثر من قول: سبحان الله وبحمده،
أستغفر الله وأتوب إليه " قالت: فقلت: يا رسول الله إنك تكثر من
قول: سبحان الله وبحمده؟ فقال: " إنه أخبرني ربي عز وجل أني سأرى
علامة في أمتي فإذا رأيتها كثرت من قول: سبحان الله وبحمده، أستغفر
الله وأتوب إليه فقد رأيتها "إذا جاءَ نَصْرُ الله والفَتْحُ " فتح مكة وَرَأيْتَ
النَاسَ إلي أفواجَا. وفي لفظ: رأيته يقول وهو راكع أو ساجد:
[2/17 - أ] سبحانك وبحمدك لا إله إلا أنت،/ وفي تفسير [. . . .] ، (2) عاش - صلى الله عليه وسلم - بعد نزولها ستين يومَا. وذكر القرطبي وغيره أنها نزلت بمنى أيام التشريق، في حجة الوداع.
855- ص- نا أحمد بن صالح، ونا ابن السرحِ، نا ابن وهب قال:
أخبرني يحيي بن أيوب، عن عمار" بن غَزية، عن سُمي مولى أبي بكر، عن
أبي صالح، عن أبي هريرة، أن النبيَّ- عليه السلام- كان يقولُ في سُجُوده:
"اللهم اغفر لي ذنبي كله، دقه وجله، وأوله وآخِرَه ". زاد ابن السرح:
" عَلانِيَته وسِره " (3) .
ش- " دقه " بكسر الدال. أي: قليله، وفي الأصل هو مصدر من دق
الشَّيء إذا لَطف، و" جله" بكسر الجيم، أي: كثيره. وهو أيضا في
الأصل مصدر من جل الشيء إذا عظم.
__________
(1) سورة النصر: (1) .
(2) كلمة غير واضحة.
(3) مسلم: كتاب الصلاة، باب: ما يقال في الركوع والسجود (483) .(4/88)
وقوله: "دقه وجله " إلى آخره تفصيل بعد إجمال، لأنه لما قال: "اغفر لي ذنبي كله" فقد تناول جميع ذنوبه مجملاَ، ثم فصله بقوله: كذا وكذا، وفائدته أن التفصيل بعد الإجمال أوقع وآكد. وانتصاب "دقه" على أنه بدل من قوله "ذنبي" و "جله" إلى آخره عطف عليه. قوله: "زاد ابن السرح " أي: زاد أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن السرح في روايته "علانيته " أي: علانية الذنب وسره.
والحديث أخرجه مسلم.
856- ص- نا محمد بن سليمان الأنباري، نا عبدة، عن عبيد الله، عن محمد بن يحيى بن حبان، عن عبد الرحمن الأعرج، عن أبي هريرة، عن عائشة قالت: فَقدتُ النبي- عليه السلام- ذاتَ لَيلة فَلَمستُ المسجدَ فإذا هو سَاجد وقَدَمَاه مَنصوبتان، ويقولُ: أعوذُ برضَاكً من سَخَطكَ، وأعوذُ بمُعَافَاتِكَ من عُقُوبَتكَ، وأعَوذُ بك منكَ، لاَ أحصِي ثَنَاءَ عليكً أنتَ كما أثنيتَ على نَفْسِكَ " (1) .
ش- عَبْدة بن سليمان الكوفي، وعبيد الله بن عمر العمري.
قوله: "فقدت النبي " - صلى الله عليه وسلم - وفي رواية مسلم "افتقدت " وفي أخرى له "فقدت " وهما لغتان بمعنى.
قوله: "فإذا هو" أي: رسول الله "ساجد".
قوله: " وقدماه منصوبتان " جملة حالية، وفيه أن السنة نصبهما في السجود. قوله: "ويقول" جملة حالية أيضا.
قوله: " أعوذ برضاك " إلى آخره. قال الخطابي (2) : "فيه معنى
__________
(1) مسلم: كتاب الصلاة، باب: ما يقال في الركوع والسجود (486) ، النسائي: كتاب الطهارة، وباب: ترك الوضوء من مس الرجل امرأته من غير شهوة (1/ 103) ، ابن ماجه: كتاب الدعاء، باب: ما تعوذ به رسول الله (3841) .
(2) معالم السنن (1/ 185) .(4/89)
لطيف وذلك أنه استعاذ بالله، وسأله أن يجيره برضاه من سخطه، وبمعافاته من عقوبته، والرضا والسخط ضدان متقابلان، وكذلك المعافاة والمعاقبة، فلما صار إلى ذكر ما لا ضد له- وهو الله سبحانه وتعالى- استعاذ به منه لا غير. ومعناه: الاستغفار من التقصير في بلوغ الواجب في سنن عبادته والثناء عليه".
قوله: "لا أحصي ثناءً عليك " أي: لا أطيقه ولا آتي عليه. وقيل: لا أحيط به. وقال مالك: معناه لا أحصي نعمتك وإحسانك والثناء عليك بها، وإن اجتهدتُ في الثناء عليك.
قوله: " أنت كما أثنيتَ على نفسك" اعتراف بالعجز عن تفصيل الثناء، وأنه لا يقدر على بلوغ حقيقته، ورد ثناءه إلى الجملة دون التفصيل والإحصاء والتعيين، فوكل ذلك إلى الله تعالى، المحيط بكل شيء جملةً وتفصيلاً، وكما أنه لا نهاية لصفاته، لا نهاية للثناء عليه، لأن الثناء نافع للمُثني عليه، فكل ثناء أثني عليه به، وإن كثر، وإن طال، وبولغ فيه، فقدر الله أعظم، وسلطانه أعز، وصفاته كبر وكثر، وفضله وإحسانه أوسع وأسبغ.
وفي هذا الحديث دليل لأهل السنة في جواز إضافة الشر إلى الله تعالى، كما يضاف إليه الخير لقوله: "أعوذ من سخطك ومن عقوبتك ". والحديث أخرجه مسلم، وابن ماجه، والنسائي.
* * *
145- باب: الدعاء في الصلاة
أي: هذا باب في بيان الدعاء في الصلاة، وفي بعض النسخ "باب ما جاء في الدعاء في الصلاة".
857- ع- نا عمرو بن عثمان نا بقية نا شعيب عن الزهري عن عروة أن عائشة أخبرته أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يدعو في صلاته: "اللهم إني أعوذُ بك مِن عَذَابِ القَبْرِ، وأعوذُ بك من فِتنةِ المسيح الدجالِ، وأعوذُ بك من(4/90)
فتنة المحْيا والمَمَاتِ. اللهم أني أَعوذُ بك من المَأثَم" والمَغْرَم" فقال له قائل: ما
كًثرَ ما تَستعيذُ/ من المغرم؟ فقال: كان الرجلَ إذا غرمَ حَدثَ فكَذَبَ، [2/17 - ب] ووَعدَ فأخْلَفَ " (1) .
ش- بقية بن الوليد، وشعيب بن أبي حمزة.
قوله: " كان يدعو في صلاته " يعني بعد التشهد الأخير قبل السلام. ولهذا قال البخاري: "باب الدعاء قبل السلام"، ثم روى هذا الحديث وغيره.
قوله: "من عذاب القبر" فيه إثبات عذاب القبر وفتنته، وهو مذهب أهل الحق خلافا للمعتزلة.
قوله: " المسيح الدجال " أما تسميته بالمسيح " (2) فلان الخير مُسحَ منه فهو مسيح الضلالة وقيل سمي به لأن عينه الواحدة ممسوحة، ويقال: رجل ممسوح الوجه ومسيح، وهو أن لا يبقى على أحد شقي وجهه عين ولا حاجب إلا استوى. وقيل: لأنه يمسح الأرض، أي: يقطعها، وقال أبو الهيثم: إن مِسيحَ على وزن سكيت، وأنه الذي مُسح خلقه، أي: شوه، فكأنه هرب من الالتباس بالَمسيح ابن مريم- عليهما السلام- ولا التباس، لأن عيسى- عليه السلام- إنما سمي مسيحا لأنه كان لا يمسح بيده المباركة ذا عاهةٍ إلا برأ، وقيل: لأنه كان أمسح الرجل لا أخمص له، وقيل: لأنه خرج من بطن أمه ممسوحة بدهن. وقيل المسيح: الصديق، وقيل: هو بالعبرانية: مشيحَا فعرًب، وأما تسميته بالدجال، فلأنه بدل متلبس من الدجل وهو الخلط، ويقال: الطلي والتغطية، ومنه البعير المدجل أي: المهنوء بالقطران، ودجلة: نهر ببغداد، سُميت
__________
(1) البخاري: كتاب الأذان، باب: الدعاء قبل السلام (832) ، مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: ما يستعاذ منه في الصلاة (589) ، النسائي: كتاب السهو، باب: نوع آخر (3/ 57) .
(2) انظر: النهاية (4/ 326- 327) .(4/91)
بذلك لأنها تغطي الأرض بمائها، وهذا المعنى أيضا في الدجال، لأنه يغطي الأرض بكثرة أتباعه، أو يغطي الحق بباطله، وقيل: لأنه مطموس العين من قولهم، دجل الأثر إذا عفي ودرِسَ. وقيل من دجل؛ أي: كذب، والدجال: الكذاب".
قوله: "من فتنة المحيا والممات " كلاهما مصدران ميميان بمعنى الحياة والموت ويحتمل زمان ذلك لأن ما كان معتل العين من الثلاثي فقد يأتي منه المصدر والزمان والمكان بلفظ واحد، أما فتنة الحياة فهي: التي تعرض لإنسان مدة حياته من الافَتتان بالدنيا والشهوات والجهالات، وأشدها وأعظمها- والعياذ بالله- أمر الخاتمة عند الموت، وأما فتنة الموت فاختلفوا فيها، فقيل: فتنة القبر، وقيل: يحتمل أن يراد به الفتنة عند الاحتضار، أضيفت إلى الموت لقربها منه.
فإن قيل: إذا كان المراد من قوله: "وفتنة الممات" وفتنة القبر، يكون هذا مكررَا، لأن قوله: "من عذاب القبر" يدل على هذا، قلت: لا تكرَار، لأن العذاب يزيد على الفتنة، والفتنة سبب له، والسبب غير المسبب. قوله: "من المأثم " أي: الإثم الذي يجر إلى الذم والعقوبة.
قوله: "والمغرم " الدين، يقال: غَرِمَ الرجل- بالكسر- إذا ادان، وقيل الغُرم والمغرم: ما ينوبُ الإنسان في ماله من ضرر لغير جنايةِ منه، وكذلك ما يلزمه أداؤه، ومنه الغرامة، والغريم الذي عليه الدين، والأصل فيه الغَرام وهو الشر الدائم والعذاب.
قوله: "فقال له: قائل " أي: قال للنبي- عليه السلام- قائل، سائلا عن وجه الحكمة في كثرة استعاذته من المغرم فقال- عليه السلام-: "إن الرجل إذا اغَرِم" يعني: إذا لحقه دين حدثَ فكذب، بأن يحتج بشيء في وفاء ما عليه، ولم يقم به فيصير كاذبَا، ووعد وأخلف، بأن قال لصاحب الدين أوفيك دينك في يوم كذا، أوفي شهر كذا، أو في وقت كذا، ولم يوف فيه فيصير مخالفَا لوعده، والكذب وخلف الوعد من(4/92)
صفات المنافقين، كما ورد في الحديث المشهور، فلولا هذا الدين عليه لما
ارتكب هذا الإثم العظيم، ولما اتصف بصفات المنافقين
وكلمة " ما" في قوله: " ما أكثر ما تستعيذُ" للتعجب، و " ما "
الثانية: مصدرية، يعني: ما أكثر استعاذتك من المغرم.
فإن قيل: قوله: "فتنة المحيا والممات " يشمل جميع ما ذكر فلأي فائدة
خصص هذه الأشياء بالذكر؟ قلت: لعظم شأنها، وكثرة شرها. ولا
شك/ أن تخصيص معنى ما يشمله الَعام من باب الاعتناء بأمره لشدة [2/18- أ] حكمه، وفي هذا الكلام عطف العام على الخاص أيضا، وذلك لفخامة
أمر المعطوف عليه، وعظمة شأنه، فافهم.
فإن قيل: ما فائدة تعوذه- عليه السلام- من فتنة المسيح الدجال، مع
علمه- عليه السلام- بأنه متأخر عن ذلك الزمان بكثير؟ قلت: فائدته
أن ينتشر خبره بين الأمة من جيل إلى جيل، وجماعة إلى جماعة، بأنه
كذاب مبطل مفترى، ساع على وجه الأرض بالفساد، مموه ساحر،
حتى لا يلتبس على المؤمنين أمره عند خروجه- عليه اللعنة- ويتحققوا
أمره، ويعرفوا أن جميع دعاويه باطلة، كما أخبر به رسول الله- عليه السلام-، ويجوز أن يكون هذا تعليمَا منه لأمته، أو تعوذاً منه لأمته.
فإن قيل: يُعارض التعوذ بالله عن المغرم ما رواه جعفر بن محمد، عن
أبيه، عن عبد الله بن جعفر يرفعه: "إن الله مع الدائن حتى يقضي دينه،
ما لم يكن فيما يكره الله عز وجل " وكان ابن جعفر يقول لخادمه: فاذهب
فخذ لي بدينِ فإني أكره أن أبيت الليلة إلا والله معي"، قال الطبري:
"وكلا الحديثين صحيح ". قلنا: الغرم الذي استعاذ منه، إما أن يكون
في مباح ولكن لا وجه عنده لقضائه، فهو متعرض لهلاك مال أخيه، أو
يستدين وله إلى القضاء سبيل غير أنه يَرى ترك القضاء. وهذا لا يصح إلا
إذا نُزعت كلامه- عليه السلام- على التعليم لأمته، أو يستدين من غير
حاجة طمعا في مال أخيه ونحو ذلك، وحديث جعفر "فيمن كان محتاجا
إليه احتياجا شرعيا، فيستدين ونيته القضاء. وإن لم يكن له سبيل إلى(4/93)
القضاء في ذلك الوقت، لأن "الأعمال بالنيات "، و" نية المؤمن خير من عمله "، ثم اختلف العلماء في الأدعية التي يدعى بها قبل السلام، فالجمهور على أنها مستحبة. وقال ابن حزم بفرضية التعوذ الذي في حديث عائشة، وذكر مسلم أن طاوسَا أمر ابنه بإعادة صلاته التي لم يدع به فيها، وظاهر هذا: أنه حَمل هذا على الوجوب، فأوجب إعادة الصلاة لفواته.
وقال الشيخ محيي الدين (1) : "ولعل طاوسَا أراد- تأديب ولده، وتأكيد هذا الدعاء عنده، لا أنه يعتقد وجوبه " والله أعلم.
واختلفوا أيضا فيما يدعو به الإنسان في صلاته، فعند أبي حنيفة، وأحمد لا يجور الدعاء فيها إلا بالأدعية المأثورة، أو الموافقة للقرآن العظيم. وإليه ذهب إبراهيم، وطاوس، وابن سيرين. وقال الشافعي ومالك، يجوز أن يدعو فيها بكل ما يجوز به الدعاء خارج الصلاة، من أمور الدنيا والدين، مما يشبه كلام الناس، ولا تبطل صلاته بشيء من ذلك عندهما.
والحديث أخرجه البخاري، ومسلم، والنسائي.
858- ص- نا مسدد، نا عبد الله بن داود، عن ابن أبي ليلى، عن ثابت البناني، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أبيه قال: صليتُ إلى جَنْب رَسول الله في صلاة تَطَوع فسمعته يقولُ: أعوذُ بالله من النار، ويَل لأهلِ النارِ" (2) .
ش- عبد الله بن داود الخُرَيبْي البصري، وابن أبي ليلى اسمه محمد بن عبد الرحمن وهو: ضعيف الحديث وقد ذكرناه، وأبو ليلى له صحبة لقبه االأيسر " واختُلف في اسمه فقيل: "يسار، وقيل: داود وقيل: أوس،
__________
(1) شرح صحيح مسلم (5/89) .
(2) ا"بن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في القراءة في صلاة الليل (1352)(4/94)
وقيل: بلال، وقيل بلال أخوه. وفي الكمال: يسار؛ أبو ليلى الأنصاري والد عبد الرحمن بن أبي ليلى، وقال مسلم وابن نُمير: اسمه
يَسار، وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم: اسم أبي ليلى داود بن بلال بن
بليل بن أحيحة بن الجُلاح بن جحجبي بن كَلْفة الأنصاري، من الأوس.
روى عنه: ابنه عبد الرحمن، قُتل بصفين مع علي بن أبي طالب. روى
له: الترمذي، وابن ماجه، وأبو داود (1) .
قوله:" ويل لأهل النار " أي: شدة عذاب، قاله ابن عباس، وقال
الأصمعي: تقبيح، وقال الفضل: حزن، وقال أبو سعيد الخدري: واد
في جهنم، وقال ابن بريدة: جبل فيها، وقال ابن كيسان: كلمة كل مكروب، وقال الزجاج: كل واقع في الهلكة، ويقال/ معناه: خزي [2/ 18- ب] لأهل النار، ويقال: عويلْ وصياح. ويقال: دعاء بالثبور، وارتفاعه
على الابتداء، وخبره [" لأهل النار"] ، (2) وأخرجه ابن ماجه.
859- ص- نا أحمد بن صالح، نا عبد الله بن وهب قال: أخبرني
يونس، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، أن أبا هريرة قال:
"قَامَ رسولُ اللهِ إلى الصلاةِ وقُمْنَا معه، فقال أعرابي في الصَّلاة "اللهم
ارْحَمْنِي ومُحمدا ولا تَرْحَمْ معنا أحدَا. فلما سَلَّمَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال للأعرابي: "لقد تَحَجَّرْتَ وَاسِعَا"- يُريدُ رحمةَ اللهِ- (3) .
ش- يونس بن يزيد.
قوله: "لقد تحجرتَ واسعا" أي: ضيقتَ ما وسعه الله، وخصصت
__________
(1) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (4/ 170) ، أسد الغابة (6/ 269) ، الإصابة (4/ 169) .
(2) غير واضح في الأصل.
(3) البخاري: كتاب الوضوء، باب الأعرابي الذي بال في المسجد، النسائي: كتاب الطهارة، باب التوقيت في الماء (1/ 47) ، وكتاب: السهو، باب: الكلام في الصلاة (3/ 14) .(4/95)
به نفسك دون غيرك، وفيه أن تخصيص الرجل نفسه بالدعاء مكروه، بل يُعمم الدعاء فإنه أقربُ إلى القبول، لأن رحمة الله واسعة، والحديث أخرجه البخاري، والنسائي.
860- ص- نا زهير بن حرب، نا وكيع، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن مسلم البطين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، أن النبي- عليه السلام- كَانَ إذا قَرَأ (سبح اسْمَ ربكَ الأعْلَى " (1) قال: "سبحانَ ربي الأعْلى " (2) .
ش- إسرائيل بن أبي إسحاق، وأبو إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي الكوفي، ومسلم بن عمران، ويقال: ابن أبي عمران، ويقال: ابن أبي عبد الله البطين، أبو عبد الله الكوفي. روى عن سعيد [بن جبير] ، (3) ، وإبراهيم التيمي، ومجاهد وغيرهم. روى عنه الأعمش 0001، (3) والمسعودي، وغيرهم. قال أحمد وابن معين: ثقة. روى له [الجماعة] (3) إلا النسائي (4) . وإنما كان يقول- عليه السلام- سبحان ربي الأعلى لأنه أمر به، حيث قال له ربه "سبح اسْمَ ربكَ الأعْلَى" والخطاب للنبي- عليه السلام. وقد روي هذا موقوفاً
ص- قال (5) أحمد: يعجبني في الفريضةِ أن يَدْعُو بما في القرآن.
ش- أي: قال أحمد بن حنبل، وأشار به إلى أن المصلي يدعو في الفرض بقوله: فسبحان ربي الأعلى في السجود (6) وسبحان ربي العظيم في الركوع.
ص- قال أبو داود: خُولفَ وكيع في هذا الحديث. رواه أبو وكيع وشعبةُ عن أبي إسحاق، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس موقوفَا.
__________
(1) سورة الأعلى: (1) .
(2) تفرد به أبو داود.
(3) غير واضح في الإلحاق.
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (27/ 936 5) .
(5) هذا القول ذكر في سنن أبي داود عقب الحديث الآتي.
(6) في الأصل: " الركوع ".(4/96)
ش- أشار أبو داود بهذا إلى أن الحديث المذكور. رواه غير وكيع موقوفَا على ابن عباس، وهو أبو وكيع الجراح بن مليح بن عدي بن فرس ابن جمحة بن سفيان بن الحارث بن عمرو بن عبيد بن رُؤَاس واسمه الحارث بن كلاب بن عامر بن صعصعة بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان بن مضر بن نزار الرُّؤَاسي الكوفي، والد وكيع ولي بيت المال ببغداد في زمن هارون الرشيد، وكان على دار الضرب بالري، وأصله من قرية من قرى نيسابور، يقال لها أُسْتُوا، يقال كنيته أبو وكيع. روى عن أبي إسحاق السبيعي، والأعمش، وعاصم الأحول وغيرهم. روى عنه: ابنه وكيع، وأبو الوليد الطيالسي، ومسدد وغيرهم. قال أبو حاتم: يكتبُ حديثه، ولا يحتج به. وقال ابن معين: ضعيف، وقال في رواية عباس: ثقة، وفي رواية عثمان: ليس به بأس، وقال أبو الوليد الطيالسي: هو ثقة، وقال أبو داود: ثقة، وقال الدارقطني: ليس بشيء، لا يُعتبر به، وقال ابن عدي: له أحاديث صالحة، وروايات مستقيمة، وحديثه لا بأس به. وهو صدوق، ولم أجد في حديثه منكرَا، وعامة ما رواه عنه ابنه وكيع، وقد حدَّث عنه غير وكيع. والثقات من الناس، مات سنة ست وسبعين ومائة. روى له مسلم، والترمذي (1) .
861- ص- نا محمد بن المثنى قال: حدثني محمد بن جعفر، نا شعبة عن مُوسى بن أبي عائشة قال: كان رجلٌ يُصلِّي فوق بيته، فكانَ إذا قَرَأ، "أليس ذَلكَ بقَادر عَلَى أن يحيي المَوْتَى" (2) . قالَ. س"بحَانَكَ فَبَلَى، فَسَألُوهُ عن ذلكَ فقَاَل: سمعتُه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (3) .
ش- محمد بن جعفر البصري المعروف بغُندر، وموسى بن أبي عائشة أبو الحسن الكوفي الهمداني.
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (4/ 910) .
(2) سورة القيامة: (40) .
(3) تفرد به أبو داود.
7. شرح سنن أبي داوود 4(4/97)
وبه استحب بعض العلماء أن القارئ إذا ختم سورة القيامة يقول عُقيب قوله: "ألَيْسَ ذلكَ بقَادر عَلَى أَن يحيي المَوتَى" "سبحانك اللهم بلى" وكذلك إذا ختم سورةَ التَين. وفي " تفسير السجاوندي " في سورة القيامة وفي الحديث، أن رسول الله لما ختم السورة قال: "سبحانك اللهم ربي" وذكر في سورة التين قال قتادة/ [. . . .] ، (1) بسورة وأنا على ذلك من الشاهدين" يعني: في الصلاة، وسيذكره أبو داود من حديث إسماعيل ابن أمية، عن عروة، عن أبي هريرة (2) .
* * *
146- باب: مقدار الركوع والسجود
أي: هذا باب في بيان مقدار الركوع والسجود، وفي بعض النسخ هذا الباب مؤخر عن الباب الذي يتلوه، ويقال إنه في رواية اللؤلؤي كذا.
862- ص- نا مُسدد، نا خالد بن عبد الله، نا سعيد الجريري، عن السعدي، عن أبيه أو عمه قال: رَمَقتُ النبي- عليه السلام- في صلاة فكانَ يَتَمكنُ في رُكُوعِهِ وسُجُوده قدرَ ما يقولُ سبحانَ الله وبحمده ثلاثا (3) . ش- خالد بن عبد الله الطحان الواسطي، وسعيد بن إياس أبو مسعود الجريري البصري، والسعدي مجهول كذا قال في " مختصر السنن". وقال ابن حبان، وابن أبي عاصم في كتابه " الصحابة" اسمه عبد الله. قوله: " فكان يتمكن في ركوعه" إلى آخره، المراد منه الطمأنينة في الركوع والسجود، وإلا فنفس الركوع يتأدى بالانحناء، ونفس السجود يتأدى بوضع الجبهة على الأرض. "روى أبو بكر بن أبي شيبة في "مصنفه" نا هشيم عن جرير، عن الضحاك، عن ابن مسعود قال: لا إذا أمكن الرجل يديه من ركبتيه، والأرض جبهته فقد أجزأه".
__________
(1) طمس في الأصل قدر أربع كلمات.
(2) يأتي برقم (864) .
(3) تفرد به أبو داود. والسعدي، قال عنه ابن حجر في التقريب (8499) وذكر الحديث: لا يعرف ولم يسم.(4/98)
ونا وكيع، عن الأعمش، عمن سمع محمد بن علي يقول: يجزئه من الركوع إذا وضع يديه على ركبتيه، ومن السجود إذا وضع جبهته على الأرض ".
ونا أبو معاوية، عن أبي مالك، عن سَعد بن عبيدة، عن ابن عمر قال: "إذا وضع الرجل جبهته بالأرض أجزأه". ونا ابن علية، عن ابن عون، عن ابن سيرين قال: "يجزئ من الركوع إذا أمكن يديه من ركبتيه، ومن السجود إذا أمكن جبهته الأرض".
فظهر بجميع ما ذكرنا أن لبثه- عليه السلام- في ركوعه وسجوده قدر
ما يقول سبحان الله وبحمده ثلاثا سنة، وأن الفرض يتأدى بمجرد الانحناء، ووضع الجبهة على الأرض.
863- ص- نا عبد الملك بن مروان الأهوازي، نا أبو عامر وأبو داود، عن ابن ذئب، عن إسحاق بن يزيد الهذلي، عن عون بن عبد الله، عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا رَكَعَ أحدُكُم فليقلْ ثلاثَ مَرات: سُبحانَ ربي العَظيم، وذلك أدناهُ، وإذا سَجَدَ فليقلْ: سبحان ربي الأعْلَىً ثلاثا وذلك أدناهُ " (1) .
ش- عبد الملك بن مروان الأهوازي. روى عن أبي عامر عبد الملك بن عمرو العَقدي، وأبي داود الطيالسي. روى عنه: أبو داود (2) ، وابن أبي ذئب هو محمد بن أبي عبد الرحمن بن المغيرة العامري المدني، وإسحاق بن يزيد الهذلي المدني. روى عن عون بن عبد الله. روى له: أبو داود، والترمذي، وابن ماجه (3) .
__________
(1) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في التسبيح في الركوع والسجود (261) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب التسبيح في الركوع والسجود (890) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (18/ 3560) .
(3) المصدر السابق (2/ 392) .(4/99)
وعون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي الكوفي أخو عبيد الله الفقيه. سمع: عبد الله بن عمرو، وأبا هريرة وعائشة زوج النبي- عليه السلام-، ويوسف بن عبد الله بن سلام وغيرهم. روى عنه: الزهري، وأبو الزبير محمد بن مسلم، وأبو إسحاق الشيباني، وغيرهم. قال ابن معين: ثقة. روى له الجماعة إلا البخاري (1) .
وبهذا الحديث استدل أصحابنا أن المصلي يقول في ركوعه سبحان ربي العظيم، وفي سجوده سبحان ربي الأعلى، كل منهما ثلاث مرات، وذلك أدناه، وقد فسر صاحب "الهداية" قوله: "وذلك أدناه" أي: أدنى كمال الجمع وقال بعض أصحابنا: أي أدنى كمال السنة. ونقل عن الشافعي أنه قال وذلك أدناه أي: أدنى الكمال. وروى الطحاوي أحاديث في هذا الباب منها ما قال: حدثنا فهد بن سليمان قال: نا سحيم الحراني. قال: نا حمْص بن غياث، عن مجالد عن الشعبي عن صلة، عن حذيفة قال: كان رسول الله يقول في ركوعه: سبحان ربي العظيم ثلاثا، وفي سجوده سبحان ربي الأعلى ثلاثا". ثم قال فهذا أيضا قد دل على ما ذكرنا من وقوفه على دعاء بعينه في الركوع والسجود. والحديث أخرجه الترمذي، وابن ماجه.
ص- قال أبو داود: هذا مرسل، عون لم يدركْ عبدَ اللهِ.
ش- أي: هذا الحديث مرسل، لان عون بن عبد الله لم يدرك عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه-، وكذا قال البخاري في "تاريخه الكبير" وأحمد فيما حكاه الخلال، والطوسي في "أحكامه" وقال،/ الترمذي: ليس إسناده بمتصل، عون بن عبد الله لم يلق ابن مسعود. ورواه البزار فيه "سننه " مرفوعا: " إذا ركع أحدكم فليقل في ركوعه سبحان ربي العظيم ثلاثا، وذلك أدناه، وإذا سجد فليقل في سجوده سبحان ربي الأعلى ثلاثا؛ وذلك أدناه". ثم قال إسحاق بن يزيد عن
__________
(1) المصدر السابق (22/ 4553) .(4/100)
عون: لا نعلم روى عنه إلا ابن أبي ذئب وعون لم يسمع من ابن مسعود، وذكره الدارقطني من حديث مسروق عن عبد الله قال: "من السنة أن يقول الرجل في ركوعه سبحان ربي العظيم وبحمده، وفي سجوده سبحان ربي الأعلى وبحمده".
وعن جبير بن مطعم وعبد الله بن أقرم " كان رسول الله يقول في ركوعه: سبحان ربي العظيم ثلاثا". قال البزار في" سننه": حديث جبير لم يصح.
وعن أبي هريرة يرفعه: "إذا ركع أحدكم فسبح لله ثلاث مرات، فإنه يُسبح من جسده ثلاثة وثلاثون وثلاثمائة عظم، وثلاثة وثلاثون وثلاثمائة عرق".
864-ص- نا عبد الله بن محمد الزهري، نا سفيان. قال: حدثني إسماعيل بن أمية قال: سمعت أعرابيا يقول: سمعت أبا هريرة قال: قال رسول الله- عليه السلام-:" مَنْ قَرأ منكُم بـ "التين (1) والزيتون " فانتهى إلى آخرها ألَيْسَ اللهُ بأحكَم الحَاكمينَ " فليقل (2) : وأنا عَلى ذلك من الشاهدينَ، ومًنْ قَرأ "لا أقْسمُ بيَوم القيَامَةِ" فانتهى إلى "ألَيْسَ ذلكَ بقَادرِ بقادر على أن يُحْيىَ المَوْتَى" فليَقلْ: بَلَى، وَمَنْ قَرأ "والمُرسَلاَتِ " فَبَلغَ "فَبِأي حديث بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ " فليقلْ: "آمَنَا باللهِ " (3) . ش- سفيان الثوري.
قوله: "التين" أي: سورة "والتين والزيتون " والحديث أخرجه النسائي (4) أيضا وقال: إنما يُروى بهذا الإسناد عن الأعرابي ولا يُسمى. ثم إن المصلي إذا قرأ هذه السور هل يقول هذه الألفاظ في الصلاة؟ فقال جماعة من أصحابنا: يقولها خارج الصلاة، ولا يقولها في
__________
(1) في سنن أبي داود: و "التين".
(2) في سنن أبي داود: "فليقل: بلى".
(3) الترمذي كتاب: تفسير القرائن، باب: ومن سورة التين (3347) .
(4) كذبا، وهو سبق قلم، والصواب "الترمذي" وانظر: تحفة الأشراف (11/ 15500)(4/101)
الصلاة، فإن قالها لا تفسد صلاته سواء كان عامدا أو ناسيا. وقد قيل: يقولها مطلقا لإطلاق الأمر، ثم لا خلاف أن هذا الأمر أمر استحباب لا وجوب، فافهم.
ص- قال إسماعيل: ذهبتُ أعيدُ على الرجلٍ الأعرابي وأنظرُ لعلَّهُ؟ " فقال: يا ابنَ أخِي، أتظنُّ أني لمِ أحْفظهُ؟ لقد حجَجْتُ ستينَ حَجةً ما منها حَجة إلا وأنا أعْرِفُ البَعيرَ الذي حججْتُ عليه.
ش- أي: قال إسماعيل بن أمية، وأراد بهذا الكلام أن هذا الخبر صحيح، والأعرابي متثبت فيه، لا يشك ولا يتمارى، لأن الذي يعرف ويتحقق البُعران التي حج عليها ستين حجة، لا يتمارى في مثل هذا الخبر الذي سمعه من النبي- عليه السلام-.
قوله: " وأنظر لعله " جواب لعل محذوف، أي: لعل الأعرابي وهم فيه، أو سمع من غير النبي- عليه السلام-.
قوله: " فقال" أي: الأعرابي إلى آخره.
865-ص- نا أحمد بن صالح وابن رافع قالا: نا عبد الله بن إبراهيم ابن عمر بن كيسان قال: حدثني أبي، عن وهب بن مأنوس قال: سمعت سعيد بن جُبير يقول: سمعتُ أنسِ بن مالك يقول: ما صلَّيتُ صَلاة أحد بعدَ رسول الله- عليه السلام- أشْبَه صلاةً برسولِ الله من هذا الفَتَى- يعني: عمرِ بن عَبد اَلعزيز- قال: فَحَزَرْنَا ركُوعَه عَشْرَ تسبيحَات، وفي سُجُوده عَشْر تَسبيحَات (1) .
ش- ابن رًا فع؛ محمد بن رافع النيسابوري.
وعبد الله بن إبراهيم بن عُمر بن كيسان الصنعاني أبو يزيد. روى عن: أبيه، وعبد الرحمن بن عمر بن بوذويه. روى عنه: أحمد بن صالح المصري، ومحمد بن رافع، وعلي بن المدينة وغيرهم، قال أبو حاتم: صالح الحديث. روى له أبو داود، والنسائي (2) .
__________
(1) النسائي: كتاب الافتتاح، باب: عدد التسبيح في السجود (2/ 224) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (14/ 3151) .(4/102)
وأبوه إبراهيم بن عمر. سمع وهب بن مأنوس، ووهب بن منبه.
روى عنه ابنه عبد الله، وأبو عاصم النبيل، وهشام بن يوسف،
وغيرهم. وقال ابن معين: هو يماني ثقة. روى له: أبو داود،
والنسائي (1) . والحديث أخرجه النسائي. ويقال في إسناد هذا الحديث
مقال.
قلت: لعله كان من جهة وهب بن مأنوس.
ص- قال أبو داود: قال أحمد بن صالح: قلت له: مأنوس أو مأبوس؟
قال: أما عبد الرزاق فيقول: مأبوس، وأما حفظي فمأنوس.
ش- يعني مأنوس بالنون أو بالباء الموحدة.
قال أحمد بن صالح: أما عبد الرزاق ابن همام فيقول: مأبوس بالباء،
وأما حفظي فمأنوس بالنون، وذكر البخاري في "تاريخه"/ بأنوس؛ [2/20- أ] بالباء الموحدة في أوله والنون، وقال ابن أبي حاتم، مأهنوس بزيادة الهاء
قبل النون، ويقال ميناس، كان من عدن. وقال بعضهم كان من أهل
البصرة سمع سَعيد بن جبير. روى عنه: إبراهيم بن عمر بن كيسان،
وإبراهيم بن نافع. روى له: أبو داود، والنسائي (2) .
ص- وهذا لفظ ابن رافع، قال أحمد: عن سعيد بن جبير، عن أنس بن
مالك.
ش- أي: هذا الذي ذكره لفظ محمد بن رافع. قال أحمد بن صالح
المصري: عن سعيد بن جبير عن أنس بن مالك بدون لفظ "سمعت"
في الموضعين.
* * *
147-باب: الرجل يدرك الإمام ساجدا كيف يصنع؟ (3)
أي: هذا باب في بيان الرجل الذي يدرك الإمام حال كونه ساجدا كيف يصنع.
__________
(1) المصدر السابق (2/ 217) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (31/ 6766) .
(3) ذكر هذا الباب في سنن أبي داود بعد الباب الآتي.(4/103)
866- ص- نا محمد بن يحيى بن فارس، أن سعيد بن الحكم حدثهم قال: نا نافع بن يزيد قال: حدثني يحيى بن أبي سليمان، عن زيد بن أبي العتاب، وابن المقبري، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله: "إذا جئتُم إلى الصلاة ونَحْنُ سُجُود فاسْجُدُوا ولا تَعُدوَها شَيْئًا، ومن أدرَكَ الركَعة فقد أدْركَ الَصَلاةَ " (1) .
ش- سعيد بن الحكم بن محمد المصري، ونافع بن يزيد أبو يزيد المصري.
ويحيى بن أبي سليمان المديني. روى عن: عطاء بن أبي رباح، وسعيد المقبري، وسعد بن إبراهيم، وغيرهم. روى عنه: نافع بن يزيد، وأبو الوليد الطيالسي. قال أبو حاتم: مضطرب، يكتب حديثه. روى له: أبو داود، والترمذي (2) .
وريد بن أبي العتاب مولى أم حبيبة زوج النبي- عليه السلام-، ويقال: مولى أخيها معاوية. روى عن: سعد بن أبي وقاص، ومعاوية ابن أبي سفيان، وأبي سلمة وغيرهم. روى عنه: موسى بن يعقوب الزمعي، وزياد بن سعد، ونوح بن أبي بلال، وغيرهم. قال ابن معين: ثقة. روى له: مسلم، وأبو داود (3) .
قوله: " ونحن سجود " جملة حالية، و "السجود" جمع ساجدِ.
قوله: "ولا تعدوها " أي: لا تعدوا تلك السجدةَ شيئا، والمعنى أنها
لا تحسب بركعة، بخلاف ما إذا أدرك الإمام وهو في الركوع، فإن ذلك الركوع يعد من تلك الركعة، لأن للركوع حكم القيام بخلاف السجدة. قوله: أومن أدرك الركعة فقد أدرك الصلاة"، أجمعت العلماء أن هذا ليس على ظاهره، وأنه لا يكون بالركعة مدركا لكل الصلاة، وتقديره
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (6843/31) .
(3) المصدر السابق (10/ 2116) .(4/104)
أدرك حكم الصلاة أو وجوبها، أو فضلها، وقال القرطبي: هذا ظاهره
لا يصح لقوله- عليه السلام-: " ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا".
وروى جابر: " من أدرك من الصلاة ركعة، فقد أدرك فضل الجماعة،
ومن أدرك الإمام قبل أن يُسلم فقد أدرك فضل الجماعة ". رده أبو أحمد
بكثير بن شنظيرِ، وقال القرطبي: والصحيح أنه أدرك فضل الجماعة.
وقيل: أدرَكَ حكم الصلاة. أي: يلزمه من أحكامها ما لزم الإمام من
الفساد وغيره.
ثم إذا قلنا إنه أدرك فضل الجماعة، فهل يكون ذلك مُضاعفاً كما يكون
لمن حضرها من أولها؟ أو يكون غير مضاعف؟ اختُلف فيه على قولين،
وإلى التضعيف ذهب أبو هريرة وغيره من السلف، وكذلك إن وجدهم قد
سلموا عند هؤلاء، كما جاء في ظاهر حديث أبي داود عن أبي هريرة:
"من توضأ فأحسن وضوءه، ثم راح فوجد الناس قد صلوا، أعطاه الله
من الأجر مثل أجر من حضرها وصلاها " (1) وإلى عدم التضعيف ذهبت
طائفة أخرى. والى هذا يشير قول أبي هريرة: " ومن فاتته قراءة أم القرآن فقد فاته خيرْ كثير،، واختلفوا هل يكون مدركا للحكم أو للفضل أو للوقت، بأقل من ركعة، فذهب مالك وجمهور الأمة- وهو
أحد قولي الشافعي- إلى أنه لا يكون مدركاً شيئا من ذلك بأقل من
ركعة، متمسكين بلفظ الركعة، وذهب أبو حنيفة، وأبو يوسف والشافعي- في أحد قوليه- إلى أنه يكون مدركا لحكم الصلاة. قال القرطبي: واتفق هؤلاء على إدراكه العصر بتكبيرة قبل الغروب، واختلفوا
في الظهر، فعند الشافعي في قول هو مدرك بالتكبيرة لها لاشتراكهما في
الوقت، وعنه أنه بتمام القيام للظهر يكون قاضياً لها بعدُ، ثم هذه الركعة
التي يدرك بها الوقت هي/ بقدر ما يكبر فيها للإحرام، ويقرأ أم القرآن [2/20 - ب] قراءة معتدلة، ويركع ويرفع، ويسجد سجدتين يفصل بينهما، ويطمئن
في كل ذلك على قول من أوجب الطمأنينة، وعلى قول من لا يوجب
__________
(1) تقدم برقم (546) .(4/105)
قراءة أم القرآن في كل ركعة تكفيه تكبيرة الإحرام والوقوف لها. وأشهبُ لا يراعي إدراك السجدة بعد الركعة. وسبب الخلاف: هل المفهوم من اسم الركعة الشرعية أو اللغوية؟ وأما التي يدرك بها فضيلة الجماعة وحكمها، بأن يكبر لإحرامها، ثم يركع، ويمكن يديه من ركبتيه قبل رفع الإمام رأسه وهذا مذهب الجمهور. ويروى عن أبي هريرة أنه لا يعتد بالركعة ما لم يدرك الإمام قائمًا قبل أن يركع. ورُوي عن جماعة من السلف أنه متى أحرم والإمام راكع أجزأه، وان لم يدرك الركوع وركع بعد الإمام، وقيل: يجزئه لان رفع الإمام ما لم يرفع الناس، ونقل هذا عن الشعبي، قال: وإذا انتهى إلى الصف الآَخر ولم يرفعوا رءوسهم، أو بقي منهم واحد لم يرفع رأسه، وقد رفع الإمام رأسه، فإنه يركع وقد أدرك الصلاة لأن الصف الذي هو فيه إمامه. وقال ابن أبي ليلى، وزفر، والثوري: إذا كبر قبل أن يرفع الإمام رأسه فقد أدرك الصلاة.
وقال قتادة وحميد: إذا وضع يديه على ركبتيه قبل أن يرفع الإمام رأسه فقد أدرك، وإن رفع الإمام قبل أن يضع يدَيْه على ركبتيه فإنه لا يعتد بها. وقال ابن سيرين: إذا أدرك تكبيرةً يدخل بها في الصلاة وتكبيرة للركوع، فقد أدرك تلك الركعةَ.
قال القرطبي: وقيل: يجزئه إن أحرم قبل سجود الإمام. وقال أبو العالية: إذا جاء وهم سجود سجد معهم، فهذا سلم الإمام قام، فركع ركعة ولا يَسجدُ، ويعتد بتلك الركعة، وعن ابن عمر: أنه إذا جاء والقوم سجود سجد معهم، فإذا رفعوا رءوسهم سجد أخرى ولا يعتد بها. وقال ابن مسعود: إذا ركع ثم مشى فدخل في الصف قبل أن يرفعوا رءوسهم، اعتد بها، وإن رفعوا رءوسهم قبل أن يصل إلى الصف، فلا يعتد بها.
والحديث: أخرجه ابن حبان في "صحيحه" وعند الدارقطني: "من أدرك ركعةً قبل أن يقيم الإمام صلبه فقد أدركها،. وعند الطحاوي في " المشكل": "من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة وفضلها".(4/106)
قال: وكثر الرواة لا يذكرون: "وفضلها" قال: وهو الأظهر؛ لأن معنى قوله:" فقد أدرك الصلاة" أي: أدرك فضلها ولو أدركها بإدراك ركعة منها لما وجب عليه قضاء بقيتها، وقد جعل بعض العلماء هذا المقدار مدركا لها في الجمعة، والمغمى عليه يُفيق، والحائض تطهر، والكافر يُسلم، فهؤلاء يدركون الوجوب. وعند النسائي- أيضا-: " من أدرك من صلاة ركعةً فقد أدركها"، وعنده- أيضا-: " فقد أدرك الفضيلة ويُتم ما بَقي" وضعفه. وفي "سنن الكجي ": " من أدرك من صلاة ركعة فقد أدركها".
وعند مسلم: " من أدرك [ركعة] من الصلاة مع الإمام، فقد أدرك الصلاة،. وفي لفظ: " فقد أدرك الصلاة كلها". ورواه النسائي بسند صحيح: "من أدرك ركعةً من الصلاة فقد أدرك الصلاة كلها إلا أنه يقضي ما فاته". وروى أبو علي الحنفي، عن مالك، عن الزهري، عن أبي سلمة: من أدرك ركعةً من الصلاة فقد أدرك الفَضْل.
قال أبو عمر: لا أعلم أحدا يَرْويه عن مالك غيرُه. وفي رواية عمار ابن مطر، عن مالك، وتفرد به: فقد أدرك الصلاة ووقتها". وعند النسائي من حديث سالم مُرسَلاً: "فقد أدرك الصلاة إلا أنه يقضي ما فاته".
* * *
148- بَاب: أعْضَاء السجُود
أي: هذا باب في بيان أعضاء السجود في الصلاة. وفي بعض النسخ:
" باب في أعضاء السجود".
867- ص- نا مُسدد، وسليمان بن حرب قالا: نا حماد بن زيد (1) ، عن عمرو بن دينار، عن طاوس، عن ابن عباس، عن النبي- عليه السلام- قال: " أمرتُ ". قال حماد: أمِرَ نَبيكم أن يَسْجدَ على سَبْعة، ولا يَكفُّ شعرا، ولاَ ثَوبا (2) .
__________
(1) في الأصل: "حماد بن سلمة" خطأ، وانظر: التحفة (5/ 5734) .
(2) البخاري: كتاب الأذان، باب: السجود على سبعة أعظم (809) ، مسلم: =(4/107)
ش- قال البخاري: نا قبيصةُ: نا سفيان، عن عمرو بن دينار، عن
طاوس، عن ابن عباس قال: أمِر النبي- عليه السلام- أن يسجد على
[2/21 - أ] سبعة أعضاء، ولا يكف شعرا ولا ثوبا: الجبهة، واليدين/ والركبتين والرجلين،. وفي حديث شعبة، عن عمرو: "أُمرنا أن نسجد على
سَبعة أعظم،. وفي حديث عبد الله بن طاوس، عن أبيه قال النبي
- عليه السلام-: "أمرت أن أسجد على سبعة أعظم، على الجبهة،
- وأشار بيده إلى أنفه- والرجلين، وأطراف القدمين، ولا يكفتُ الثياب،
ولا الشعر". وعند ابن ماجه: قال ابن طاوس: فكان أبي يقول:
اليدين، والركبتين، والقدمين، وكان يعد الجبهة والأنف واحدَا. وعند
مسلم: "أمرت أن أسجد على سبعة: الجبهة، والأنف، واليدين، والركبتين والقدمين".
وقال ابن بطال: اختلف العلماء فيما يجزئ السجود عليه من الآراب
السَبْعة بعد إجماعهم على أن السجود على الأرض فريضة.
وقال الشيخ محيي الدين (1) : أعضاء السجود سبعة وينبغي للساجد أن
يسجد عليها كلها، وأن يسجد على الجبهة والأنف جميعاً وأما الجبهة:
فيجب وضعها مكشوفة على الأرض ويكفي بعضها، والأنف مستحب،
فلو تركه جاز، ولو اقتصر عليه وترك الجبهة لم يجز. هذا مذهب الشافعي، ومالك، والأكثرين. وقال أبو حنيفة، وابن القاسم من أصحاب مالك: له أن يقتصر على أيهما شاء. وقال أحمد، وابن حبيب
من أصحاب مالك: يجب أن يسجد على الجبهة والأنف جميعاً لظاهر
__________
= كتاب الصلاة، باب: أعضاء السجود والنهي عن كف الشعر والثوب (490) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في السجود على سبعة أعضاء (273) ، النسائي: كتاب التطبيق، باب: على كم السجود (2/ 7 0 2) ، ابن ماجه: كتاب أقامة الصلاة، باب: السجود (883) .
(1) شرح صحيح مسلم (4/208) .(4/108)
الحديث. وقال الأكثرون: بل ظاهر الحديث أنهما في حكم عضو واحد؛ لأنه قال في الحديث: " سبعة " فإن جعلا (1) عضوين صارت ثمانيةً، وذكر الأنف استحبابا.
وقال ابن بطال: وقالت طائفة: إذا سجد على جبهته دون أنفه أجزأه. رُوي ذلك عن: ابن عمر، وعطاء، وطاوس، والحسن، وابن سيرين، والقاسم، وسالم، والشعبي، والزهري، قال: وهو قول مالك، ومحمد، وأبي يوسف، والشافعي في أحد قوليه، وأبي ثور، والمستحب عندهم: أن يسجد على أنفه مع جبهته. ورُوي عن أبي حنيفة: إن اقتصر على أحدهما- الأنف أو الجبهة- جاز، هذا هو الصحيح من مذهبه. وروى أسد بن عَمرو عنه: لا يجوز الاقتصار على الأنف إلا من عذر، وهو قول تلميذيه.
وفيا شرح الهداية لما عنه: إن وضع الجبهة وحدها من غير عذر جاز بلا كراهة، وفي الأنف وحده يجوز مع الكراهة، والمستحب الجمع بينهما. وفي " الأسرار " للدبوسي: يُجزئه. وقد أشار أبو حرص في "المنظومة": إنه يجوز بلا عذر، وحكى ابن شاس في " الجواهر " أنه قول مالك.
وقال ابن جرير في "تهذيب الآثار": حكم الجبهة والأنف سواء فواضع الأنف دون الجبهة كواضع راحتَيْه دون الأصابع، أو الأصابع دونهما للفرق بين ذلك، قال: وبنحو هذا الذي قلناه قال جماعة من السلف. وقال ابن بلال: وبه قال طاوس، وابن سيرين، وهو قول ابن القاسم.
وفي " المبسوط": ونقل عن ابن عمر مثل قول: إمامنا النعمان، وذكر أصحاب التشريح أن عَظْمتي الأنف تبتدآن من قرية الحاجب وتنتهيان إلى الموضع الذي فوق الثنايا والرباعيات، فعلى هذا يكون الأنف والجبهة
__________
(1) في الأصل: " جعل" وما أثبتناه من شرح مسلم، وهو الجادة.(4/109)
- التي هي أعلى الخد- واحداً، وهو المعنى المشار إليه في الحديث على الجبهة: " وأشار بيده إلى أنفه"، فقد سوى بينهما ولأن أعضاء السجود سبعة إجماعا، ولا يكون سبعة إلا إذا كانت الجبهة والأنف عضواً واحداً. وذكر ابن بطال أن في بعض طرق حديث ابن عباس.: " أُمرتُ أن أسجد على سبْعة، منها: الوجْه ". انتهى. يُؤيده قوله- عليه السلام-:- "وهو ساجدٌ"- فيما رواه مسلم: " سجَد وجهي للذي خلقه " الحديث. وفي " العارضة" لابن العربي: في بعض طرقه: " الجبهة أو الأنف ".
وأما اليدان والركبتان والقدمان: فهل يجب السجود عليها؟ فقال الشيخ محيي الدين (1) : فيه قولان للشافعي: أحدهما: لا يجب لكن يستحب استحبابا متأكداً، والثاني: يجبُ وهو الأصح، وهو الذي رجحه الشافعي، فلو أخل بعضو منها لم تصح صلاته، وإذا أوجبنا لم يجب كشف القدمين والركبتين. وفي الكفين/ قولان للشافعي، أحدهما: يجب كشفهما كالجبهة، وأصحهما لا يجبُ.
وفي "شرح الهداية": السجود على اليدين والركبتين والقدمين غير واجب. وفي " الواقعات": لو لم يضع ركبتيه على الأرض عند السجود لا يُجزئه. وقال أبو الطيب: مذهب الشافعي: أنه لا يجب وضع هذه الأعضاء، وهو قول عامة الفقهاء، وعند زفر وأحمد بن حنبل: يجبُ، وعن أحمد في الأنف روايتان.
قوله:" ولا نكُف (2) شعرا ولا ثوبا"، وعند مسلم: " ولا نكفت الثياب ولا الشعر"؛ وهما بمعنى واحد، وهو الجمع والضم، والكفْت: الجمع والضم ومنه قوله تعالى: "ألمْ نَجْعَلِ الأرْضَ كفاتاً" (3) أي: نجمع الناس في حياتهم وموتهم، وهو بمعنى الكل.
__________
(1) شرح صحيح مسلم (208/4) .
(2) كذا، وفي من الحديث: " يكف ".
(3) سورة المرسلات: (25) .(4/110)
" (1) واتفق العلماء على النهي عن الصلاة وثوبه مشمرا، أو كمه أو نحوه، أو رأسه معقوص، أو مردود شعره تحت عمامته أو نحو ذلك وهو كراهة تنزيه، فلو صلى كذلك فقد أساء وصحت صلاته. واحتج الطبري في ذلك بالإجماع، وحكى ابن المنذر الإعادة فيه عن الحسن البصري، ثم مذهب الجمهور أن النهي مطلقاً لمن صلي كذلك، سواء تعقده للصلاة أم كان كذلك قبلها، لا لها بل لمعنى آخر. وقال الداودي: يختص النهي بمن فعل ذلك للصلاة، والمختار الصحيح: هو الأول. قال العلماء: والحكمة في النهي: أن الشعر يَسْجد معه، ولهذا مَثلَهُ بالذي يُصلي وهو مكتوف.
868- ص- نا محمد بن كثير: أنا شعبة، عن عَمرو بن دينار، عن طاوس، عن ابن عباس، عن النبي- عليه السلام- قال: " أمِرتُ "- "وربما قال-: " أمِرَ نبيكُم أن يَسْجدَ على سبعْةِ آرَاب " (2) .
ش- الآرابُ: جمع إِرْب- بكسر الهمزة، وسكون الراء- وهو العُضو، أي: أمر أن يَسْجد على سبْعة أعضاء: الجبهة، واليدَيْن، والركبتين، والقدمَين. والحديث: رواه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه. ورواه البزار في (سننه) بلفظ: "أمر العبد أن يَسْجد على سَبْعة آراب "، وقال: وقد روى هذا الحديث سَعْد، وابن عباس، وأبو هريرة، وغيرهم لا نعلم أحدا قال: (آراب) إلا العباسُ.
قلت: قد قالها ابن العباس- أيضا- كما أخرجه أبو داود عنه مرفوعا، وقالها سَعْد- أيضا- كما رواه أبو يَعْلى الموصلي في " مُسنده" والطحاوي في "شرح الآثار" من حديث عبد الله بن جعفر، عن إسماعيل بن محمد، عن عامر بن سعد، عَن أبيه: سَعْد بن أبي وقاص، عن النبي- عليه السلام- قال: "أُمِر العبدُ أن يَسْجد على سبْعة
__________
(1) انظر: شرح صحيح مسلم (209/4) .
(2) انظر التخريج المتقدم.(4/111)
آراب "، وأخطأ المنذري إذ عَزَى في " مختصره " هذا الحديث للبخاري ومسلم؟ إذ ليس فيهما لفظ "الآراب " أصلا.
869- ص- نا قتيبة بن سعيد: نا بكر- يعني: ابن مضر-، عن ابن الهادي، عن محمد بن إبراهيم، عن عامر بن سَعْد، عن العبّاس بن عبد المطلب أنه سمعَ رسولَ اللهِ- عليه السلام- يقولُ: " إذا سَجَدَ العَبْدُ سَجَدَ معه سَبْعةُ آرَابٍ: وجهُهُ، وكَفاهُ، ورُكبتَاه، وقدَمَاهُ " (1) .
ش- بكر: ابن مضر المصري، وابن الهاد: هو يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد، ومحمد بن إبراهيم: ابن الحارث التيمي، وعامر بن سَعْد: ابن أبي وقاص.
والعباس بن عبد المطلب: ابن هاشم بن عبد مناف الهاشمي القرشي، يكنى أبو (2) الفضل، عم رسول الله، وكان أسن من رسول الله- عليه السلام- بسنتَيْن أو ثلاثة، شهد بدرا مع المشركين وأسر يومئذ فأسلم بعد ذلك، وقيل: أسلم قبل بدْر، وكان يكتم إسلامه، وأراد القدوم إلى المدينة فأمره النبي- عليه السلام- بالمقام بمكة وقال له: إن مقامك بمكة خير، وكان يكتب إلى النبي- عليه السلام- بأخبار المشركين وكان المسلمون يتقون به، ولذلك أمره- عليه السلام- بالمقام بمكة، رُوِيَ له عن رسول الله- عليه السلام- خمسة (3) وثلاثون حديثا، اتفقا على حديث واحد، وللبخاري حديث ولمسلم ثلاثة أحاديث. روى عنه: ابناه: عبد الله وكثير، وجابر بن عبد الله، والأحنف بن قيس، وعامر
__________
(1) مسلم: كتاب الصلاة، باب: أعضاء السجود والنهي عن كف الشعر والثوب (491) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في السجود على سبعة أعظم (272) ، النسائي: كتاب التطبيق، باب: تفسير ذلك (2/ 8 0 2) ،
ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة والسمعة فيها، باب: السجود (5 ول) .
(2) كذا.
(3) في الأصل: "خمسون" خطأ.(4/112)
ابن سَعْد، وغيرهم. مات بالمدينة سنة اثنتين وثلاثين، وهو/ ابن ثمان [2/22- أ] وثمانين. روى له الجماعة (1) .
والحديث: رواه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وابن حبّان في "صحيحه" والحاكم في " مستدركه " وسكت عنه. ورواه الطحاوي - أيضا- ثم قال: فكانت هذه الأعضاء هي التي عليها السجود، فنظرنا كيف حكمُ ما اتُفِقَ عليه منها، ليُعلمَ كيف حكمُ ما اختَلَفوا فيه منها؟ فرأينا الرجل إذا سجد يَبْدأُ بوضع أحد هذين: إما ركبتَيْه وإما يدَيْه، ثم رأسه بعدهما، ورأيناه إذا رفع بدأ برأسه، فكان الرأس مُقدماً في الرفع، مُؤخراً في الوضع، ثم يُثني بعد رفع رأسه برفع يَديْه ثم ركبتيه، وهذا اتفاق منهم جميعاً، فكان النظر على ما وصَفنا في حكم الرأس إذا كان مؤخرا في الوضع لما كان مقدما في الرفع، أن تكون اليدان كذلك، لما كانتا مقدّمتين على الركبتين في الرفع أن يكونا مؤخرين عنهما في الوضع، فثبت بذلك ما روى وائل. أرادَ به ما روى وائلُ بن حجر قال: كان رسول الله- عليه السلام- إذا سجد بدأ بوضع ركبتيه قبل يدَيْه، ثم قال: فإذا هو النظر وبه نأخذ، وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد، وقد روي ذلك- أيضا- عن عمر، وعبد الله بن عمر، وغيرهما. واعلم أن حديث العباس هذا عَزاهُ جماعةٌ إلى مُسلم، منهم: أصحاب الأطراف، والحُميدي في " الجمع بين الصحيحين "، والبَيْهقي في "سننه" وابن الجوري في " جامع المسانيد" وفي " التحقيق "، ولم يذكره عبد الحق في " الجمع بين الصحيحين "، ولم يذكر القاضي عياش لفظ "الآراب" في " مشارق الأنوار" الذي وضعه على ألفاظ البخاري ومسلم و "الموطأ"، وقال القاضي: وهذه اللفظة لم تقع عند شيوخنا في مسلم، ولا في النسخ التي رأينا، والتي في كتاب مسلم: " سَبْعة أعظم ".
__________
(1) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (3/ 94) ، وأسد الغابة (3/ 164) ، والإصابة (2/ 271) .
8. شرح سنن لكي داوود 4(4/113)
انتهى. والذي يظهر- والله أعلم- أن أحدهم سبق بالوهم وتبعه الباقون، وهو محل اشتباه، فإن العباس يَشتبه بابن عباس، و"سبْعة آراب" قريب من "سَبْعة أعظُم ".
870- ص- نا أحمدُ بن حَنْبل: نا إسماعيل- يعني: ابن إبراهيم-، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر رفعَه قال: "إِن اليَدينِ تَسْجُدَانِ كما يَسْجُد الوَجْهُ، فإذا وَضعَ أحدُكُم وَجْهَه فليَضعْ يدَيْه، "إذا رَفعَه فليَرْفَعْهُمَا" (1) .
ش- إسماعيل: ابن إبراهيم، أبو بشْر البصري، وأيوب: السختياني. قوله: " كما يَسجد الوجهُ " أراد به الجبهة، من باب إطلاق الكل على الجُزء، حتى لو سجد على خديه أو ذقنه لا يجور لأن المراد من السجود تعظيم الله تعالى، والسجود عليها لم يُعرف تعظيما في الشاهد، فلم يَصيرا محلاً للسُجود بالإجماع، والأصل في السجود: وضع الوَجْه ولكنه متعذر لأن الجَبْهة والأنف عظمان ناتئان يمنعان وضع الكل، فكان المرادُ من قوله:" فإذا وضع أحدكم وجهه" بعْض الوجه وهو الجبْهة. وقد استدل مَنْ يرى وضع اليَدْين واجبا بقوله:" فليَضَع يدَيْه"، وقد ذكرنا الخلاف فيه، وأنه عند أصحابنا ليس بواجب لتحقق السجدة بدونه، وكذلك وضع الركبة؛ لأن السجدة تتحقق بدونها. وأما وضع القدمين: فقد ذكر القدوري في " شرح مختصر الكرخي" أنه فريضة في السجود لأنه لا يتحقق بدون وضع القدمين.
والجواب عن الحديث: أن الأمر فيه محمول على النَّدْب، ولهذا تصح صلاة المكتوف بالإجماع. وقد ذكر أصحابنا أن من السُنَّة أن يضع أولا ما كان أقرب إلى الأرض: الركبة، ثم اليد، ثم الوجْه، وعند الرفع يرفع
__________
(1) النسائي: كتاب التطبيق، باب: وضع اليدين مع الوجه في السجود (207/2) .(4/114)
أولا ما كان أبْعد من الأرض، فيَرفع وجهه، ثم يديْه، ثم ركبتيه. والحديث: أخرجه النسائي.
149- بَاب: السجُود على الأنف والجبهَةِ
أي: هذا باب في بيان السجود على الأنف والجَبهة وليْس في غالب
النسخ لفظ الباب.
871- ص- نا محمد بن المثنى: نا صفوان بن عيسى: نا معمر، عن
يحيي بنِ أبي كثير، عن أي سلمة، عن أي سعيد الخدري، أن رسولَ الله
" رُؤي على جبهَتِه وعلى أرْنبتِهِ أثَر طينٍ من صَلاةِ صَلاهَا بالناس" (1) .
ش- صفوان بن عيسى: أبو محمد البصري، ومعمر: ابن/ راشد [2/22- ب] قوله: "رؤِيَ" على صيغة المجهول.
قوله: "وعلى أرْنبته" الأرْنبةُ: طرف الأنْف.
وبهذا الحديث استدل من قال: لابد من السجدة على الجبهة والأنف
جميعاً، ولا يقتصر على إحديهما، وبما روى الترمذي من حديث
أبي حميد الساعدي أن النبي- عليه السلام- كان إذا سجدَ أمكن أنفه
وجبهته الأرض، ونحى يدَيْه عن جَنْبيه، ووضع كفيه حذو منكبَيه، ثم
قال: حديث أبي حُميد حديث حسن صحيح والعمل عليه عند أهل
العلم: أن يَسجد الرجل على جبهته وأنفه، فإن سجد على جبهته دون أنفه
فقد قال قوم من أهل العلم: يُجزئه، وقال غيرهم: لا يُجزئه حتى
يَسْجد على الجبهة والأنف.
__________
(1) البخاري: كتاب الأذان، باب: هل يصلي الإمام بمن حضر؟ وهل يخطب يوم الجمعة في المطر؟ (66) ، مسلم: كتاب الصيام، باب: فضل ليلة القدر والحث على طلبها وبيان محلها وأرجى أوقات طلبها (1167) ، النسائي: كتاب التطبيق، باب: السجود على الجبن (208/2) ، ابن ماجه: كتاب "الصيام" باب: في ليلة القدير (1766) ، ويأتي برقم (1352) .(4/115)
وروى أبو بكر بن أبي شيبة: نا ابن فضيل، عن عاصم، عن عكرمة قال: مرّ رسول الله على إنسان ساجد لا يَضع أنفَه في الأرض فقال: "مَنْ صلى صلاة لا يُصيبُ الأنفُ ما يُصيب الجبينُ لم تُقبل صلاتُه ". قلت: هذا مُرسل.
وقال- أيضا-: نا ابن فضيل، عن وِقاء، عن سعيد بن جبير قال: سمعته يقولُ: ما تمت صلاة رجل حتى يُلْزق أنفه كما يُلزق جبهته. واستدل من يرى الاقتصار على الجبهة بما رواه أبو بكر بن أبي شيبة
- أيضا- من طريق جابر بن عبد الله يقول: رأيت رسول الله يَسْجد في أعلى جبهته على قصاص الشعر.
ونا هشيم، عن منصور، عن الحسن قال: إن شئت فاسجد على أنفك، وإن شئت فلا تفعل.
ونا معن، عن خالد بن أبي بكر قال: رأيت القاسمَ وسالما يسجدان على جباههما، ولا تمس الأرض أنوفهما.
نا وكيع، عن إسرائيل، عن جابر، عن عامر في رجل لم يَسجد على أنفه قال: تجزئه.
نا وكيع، عن سفيان، عن جابر، عن عامر قال: لا يضره.
وحديث الخدري: أخرجه البخاري ومسلم بنحوه أتم منه. وأخرجه أحمد- أيضا- في " مسنده" في حديث طويل، وفي آخره: "فرأيتُ رسول الله وإن على أنفه وجبهته أثر الماء والطين". وطريق آخر:" وإن جبهته وأرنبة أنفه لفي الماء والطين،.
872- ص- نا محمد بن يحيى: نا عبد الرزاق، عن معمر نحوه (1) . ش- أشار به إلى طريق آخر، وهو عن محمد بن يحيي بن فارس، عن عبد الرزاق بن همام، عن معمر بن راشد نحو الحديث المذكور.
__________
(1) انظر الحديث السابق.(4/116)
150- بَاب: صِفَة السُّجُودِ
أي: هذا باب في بيان صفة السجود، وفي بعض النسخ: " باب كيف السجود؟ ".
873- ص- نا الربيع بن نافعِ أبو توبة: نا شريك، عن أبي إسحاق قال: وَصَفَ لنا البراءُ بنُ عازب فوضعَ يدَيْهِ واعتمدَ على رُكبتَيهِ، ورفعَ عَجِيزَتَه وقال: هكذا كان رسولُ اللهِ يَسْجدُ (1) .
ش- شريك: ابن عبد الله، وأبو إسحاق: السبِيعي.
قوله: " ورفع عجِيزته " العجِيزَة: العجزُ وهي للمرأة خاصة، فاستعارها للرجل.
واستفيد من الحديث ثلاث فوائد؛ الأولى: وضع اليدين، والثانية: الاعتماد على الركبتين، والثالثة: رفع العجيزة، والمرادُ منه: التجافي. والحديث: أخرجه النسائي، وابن أبي شَيْبة.
874-ص- نا مسلم بن إبراهيم: نا شعبة، عن قتادة، عن أنس أن النبي- عليه السلام- قال: " اعتَدلُوا في السجود، ولا يَفترشْ أحدُكُم ذرَاعَيْهِ افْتراشَ الكلبِ " (2) .
ش- اعتدال السجود: استقامته وتثقيفه. والحديث: أخرجه الأئمةُ الستة. وعند ابن خزيمة عن أبي هريرة يرفعه: " إذا سجد أحدكم فلا يفترش يدَيْه افتراش الكلب، وليضم فخذيه ". وروى أبو بكر بن أبي
__________
(1) النسائي: كتاب التطبيق، باب: صفة السجود (2/ 212) .
(2) البخاري: كتاب المواقيت، باب: المصلي يناجي ربه عبر وبَئَ (532) ، مسلم: كتاب الصلاة، باب: الاعتدال في السجود ووضع الكفن على الأرض (493) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في الاعتدال في السجود (275) ، النسائي: كتاب التطبيق، باب: الاعتدال في الركوع (2/ 187) ،
ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب: الاعتدال في السجود (892) .(4/117)
شيبة: نا حفص بن غياث وأبو معاوية وأبو خالد الأحمر، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر قال: قال النبي- عليه السلام-: " إذا سجد أحدكم فليعتدل، ولا يفترش ذراعيه افتراش الكلب".
والحكمة في هذا: أنه أشبه بالتواضع، وأبلغ في تمكين الجبهة والأنف من الأرض، وأبْعد من هيئات الكسالى، فإن المنبسط يشبه الكلب، ويشعر حاله بالتهاون بالصلاة، وقلة الاعتناء بها والإقبال عليها، فلو تركه كان مُسيئاً، مرتكباً لنهي التنزيه، وصلاته صحيحة.
875- ص- نا قتيبة بن سعيد: نا سفيان، عن عُبيد الله بن عبد الله، عن عمّه: يزيد بن الأصم، عنِ ميمونةَ، أن النبي- عليه السلام- كانَ إذا سَجَدَ جَافَى بين يديْهِ حَتى لو أن بهْمة أرَادَتْ أن تمر تحتَ يديْه مَرت" (1) .
[2/23 - أ] / ش- عُبَيد الله بن عَبْد الله: ابن الأصم أخو عَبْد الله وهو أصغرهما. سمع: عمه: يزيد بن الأصم. روى عنه: مروان بن معاوية الفزاري، وعبد الواحد بن زياد. روى له: مسلم، والنسائي، وأبو داود، وابن ماجه (2) .
ويزيد بن الأصم: واسم الأصم: عَمرو، وهو ابن أخت ميمونة زوج النبي- عليه السلام- وابن خالة ابن عباس، وقد ذكرناه.
قو له: " جافى" أي: باعد.
قوله: "أن بَهْمة" قال أبو عُبيد وغيره من أهل اللغة: البَهْمة واحد البَهْم وهي الولاد الغنم من الذكور والإناث، وجمع البَهْم: بِهام - بكسر الباء- ت وقال الجوهري: البهمة من أولاد الضأن خاصةً، وتطلق على الذكر والأنثى، قال: والسؤال: أولاد المعزى.
__________
(1) مسلم: كتاب الصلاة، باب: ما يجمع صفة الصلاة وما يفتتح به ويختتم به وصفة الركوع والاعتدال منه والسجود والاعتدال منه (496) ، النسائي: كتاب التطبيق، باب: التجافي في السجود له 110) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: السجود (. من) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (19/ 3647) .(4/118)
والحديث: أخرجه مسلم، والنسائي، وابن ماجه. " وفي مسند أبي يَعْلى المَوْصلي ": أن تَمرَّ تحت يديْه" مثل رواية أبي داود. وعند غيرهما: "أن تمرّ بين يدَيْه،. ورواه الحاكم في "مستدركه"، والطبراني في " مُعجمه " وقالا فيه: " بُهَيْمة " بتَصْغير "بهمة".
وقال الشيخ جمال الدين الزيلعي (1) : ورأيت على الباء ضمة بخط بعض الحُفاظ تصغير بهمة، وهو الصواب وفتح الباء فيه خطأ. ورواه البيهقي في " المعرفة " عن الحاكم بسنده، وفي آخره. وقال فيه " بُهَيمة" يعني أن الحاكم رواه بلفظ "بُهيمة"، وسكت الحاكم عنْه.
والحديث رواه مسلم بطريقين: الأول: عن ابن عيينة، عن عبيد الله ابن عبد الله بن الأصم، عن عمه: يزيد بن الأصمّ، والثاني: عن مروان الفِزاري، عن عبيد الله بن عبد الله بن الأصم، عن يزيد بن الأصم.
قال الشيخ محيي الدين (2) : هكذا وقع في بعض الأصول: عُبَيد الله ابن عبد الله بتصغير الأول في الروايتين، وفي بعضها: عبد الله مكبرا في الموضعين وفي كثرها بالتكبير في الرواية الأولى والتصغير في الثانية، وكله صحيح فعَبْد الله وعُبيد الله أخوان وهما ابنا عبد الله بن الأصم، وعبد الله بالتكبير أكبر من عبيد الله، وكلاهما روى عن عمّه: يزيد بن الأصم، وهذا مشهور في كتب أسماء الرجال، والذي ذكره خلف الواسطي في كتابه "أطراف الصحيحين " في هذا الحديث عبد الله بالتكبير في الروايتَيْن، وكذا ذكره أبو داود وابن ماجه في "سننهما " من رواية ابن عيينة بالتكبير، ولم يَذكرا رواية الفزاري، ووقع في "سنن النسائي " اختلاف في الرواة عن النسائي، بعضهم رواه بالتكبير وبعضهم بالتصغير، ورواه البيهقي في " السنن الكبير" من رواية ابن عيينة بالتصغير، ومن رواية الوزاري بالتكبير.
__________
(1) انظر: نصب الراية (387/1) . (2) شرح صحيح مسلم (4/ 1 1 2- 2 1 2) .(4/119)
قلتُ: النُّسخ المضبوطة المصححة لأبي داود: عُبيد الله بن عبد الله بالتصغير من رواية سفيان ولكنَّ الذي ظهر لي صحة كلام الشيخ محيي الدين أنه بالتكبير من رواية سفيان، وأما الذي بالتصغير فهو من رواية مروان الفزاري، وأبو داود لم يخرج من روايته.
وأما ترجمة عَبْد (1) الله بن عَبْد الله بالتكبير فهو ابن الأصم أخو عُبيد الله وهو كبر من أخيه، واسم الأصم: عمرو بن عرْس بن معاوية ابن معاوية بن عبادة بن البكاء بن ربيعة بن عامر بن صعصعة العامري، رأى الحسن والحسين، وسمع عمّه: يزيد بن الأصم. روى عنه: سفيان الثوري، وابن عيينة، وعبد الواحد بن زياد، وعبدة بن سليمان، ومروان بن معاوية. قال ابن معين: ثقة. وقال أبو حاتم: شيخ. روى له: مُسلم كذا قال صاحب " الكمال " واقتصر على مسلم، وهذا يدل على أن أبا داود لم يَرْو لعبد الله بن عبد الله بالتكبير، وأن الذي روى له هو عبيد الله بالتصغير: ابن عبد الله، كما هو في النسخ المضبوطة؛ فافهم.
876- ص- نا عبد الله بن محمد النفيلي: نا زهير: نا أبو إسحاق، عن التميمي الذي يُحدث التفسيرِ عن ابن عباس " قال: أتيتُ النبيَّ- عليه السلَام- مِن خلفِهِ فرأيتُ بَيَاض إِبْطيِه وهو مُجَخ قد فَرَّجَ يديه (2) .
ش- زُهَيْر: ابن معاوية، وأبو إسحاق: السبيعي.
والتميميّ جماعة؟ ولكن المراد هاهنا: التميمي الذي يُحدث عن ابن عباس بالتفسير، روى عنه: أبو إسحاق الطبيعي، ولم يَرو عنه غيره، واسمه: أرْبدُ، وقيل: أربدَةُ- بالهاء- وكان يُجالس ابن عباس. روى له: أبو داوود (3) .
قوله: " وهو مُجخ"- بضم الميم، وبعدها جيم مفتوحة، وخاء معجمة مشدّدة-، وروي: " كان إذا صلى جخ"- بفتح الجيم،
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (15/ 3360) .
(2) تفرد به أبو داود.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (2/ 297) .(4/120)
[2/ 23 - ب] / وبعدها خاء معجمة مُشددة- أي: فتح عضديه عن جَنْبيْه وجَافَاهما عنهما، ويروى: "جَخى"- بالياء- وهو أشهَرُ وهو مثل جَخَّ، وقال بَعضُهم: كان إذا صلى جَخَّ أي: تحوَّل من مكان إلى مكان. وروَى
البزار: كان النبي- عليه السلام- إذا صلى جَخَّا، قال: وقال النضر
ابن شميل: جخا: لا يتمددُ في ركوعه ولا سجوده. وقال الحاكم:
صحيح على شَرْط الشيخين ولم يُخْرجاه، وهو مَعْدود في أفْراد النضر بن
شميل.
877- ص- نا مسلم بن إبراهيم: نا عبّاد بن راشد: ثنا الحسن: نا أحمرُ
ابن جَرِي صاحبُ رسول اللهِ- عليه السلام- أنَّ رسولَ الله- عليه السلام-
كان إذا سَجَدَ جَافَى عَضُديهِ عن جَنْبَيهِ حَتى نَأوِيَ له (1) .
ش- عباد بن راشد: التميمي مولى بني كُليب بن يربوع البصري.
سمع: الحسن البصري. وروى عن: سعيد بن أبي خيرة (2) . روى
عنه: عبد الرحمن بن مهدي، وأبو عامر العقدي، ووكيع، وغيرهم.
قال أحمد: ثقة صدوق صالح. وقال ابن معين: صالح. وقال
أبو حاتم: صالح الحديث. وأنكر على البخاريّ إدخال اسمه في كتاب "الضعفاء" وقال: يحول من هناك. روى له: البخاري، ومسلم،
وأبو داود، وابن ماجه (3) .
وأحمرُ بن جَرِفي بن ثعلبة بن زيد بن مالك بن سنان، عداده في البصريين. روى عنه: الحسن البصري، ولم يرو عنه غيرُه، روى عن النبي- عليه السلام- حديثا واحدا. روى له: أبو داود، وابن ماجه (4) وأحمرُ بالحاء والراء المهملتين، وجَري: بفتح الجيم، وكسر الراء، وقيل
__________
(1) ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: السجود (886) .
(2) في الأصل: " حمزة عنه" خطأ.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (4 1/ 77 0 3) .
(4) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (1/ 94) ، وأسد الغابة (1/ 66) ، والإصابة (1/ 22) .(4/121)
بالتصغير، وقيل: حري- بالحاء المهملة، وقيل: جزء- بفتح الجيم وسكون الزاي، وفي آخره همزة (1) .
قوله: "نأوي له " أي: نرِق له ونُرْثي؛ يقال: أوَيْتُ للرجل آوِي له إذا أصابه شيء، فرثيت له. والحديث: أخرجه ابن ماجه.
وقال أبو بكر بن أبي شيبة: نا وكيع، عن عباد بن راشد، عن الحسن قال: حدَّثني أحْمرُ صاحب رسول الله قال: إن كُنا لنَأوِي لرسول الله - عليه السلام- فما يُجافي بفخذيه عن جَنْبيه إذا سَجد.
878-ص- نا عبد الملك بن شعيب بن الليث: نا ابن وهب قال: أخبرني الليث، عن دراج، عن ابن حُجَيْرة، عن أبي هريرةَ، عن النبيِّ عليه السلام- قال: "إذا سَجدَ أحدُكُم فلا يَفْترِشْ يدَيْه افْتِرَاشَ الكَلب، وليضم فَخِذيه " (2) .َ
ش- دراج: ابن سَمْعان أبو السَمْح القرشي السَهْمي، مولى عبد الله ابن عَمْرو بن العاص، قال يحيي بن بكير: هو ابن عم عبد الرحمن، رأى عبد الله بن عمرو. وسمع: عبد الله بن الحارث بن جَزء، وأبا الهيثم سليمان بن عمرو، وابن حُجَيرة. ورَوَى عن: السائب مولى أم سلمة زوج النبي- عليه السلام-. وروى عنه: الليث بن سَعْد، وعمرو بن الحارث، وابن لهيعة، وغيرهم. قال أحمد: حديثه منكر. وقال ابن معين: ثقة. وقال الدارقطني: مصري متروك. وقال النسائي: مصري ليس بالقوي. توفي سنة ست وعشرين ومائة. روى له: أبو داود، والترمذي (3) .
وابن حُجيرة: اسمُه: عبد الرحمن بن حُجَيرة أبو عبد الله الخولاني المصري قاضي مصْر. سمع: عبد الله بن عَمرٍ و، وأبا هريرة، وعقبة بن عامر. روى عنه: ابنه: عبد الله، والحارث بن يزيد، ودراج،
__________
(1) وحكى الذهبي في "المشتبه": " جَزِي " بفتح الميم وكسر الزاي.
(2) تفرد به أبو داود.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (8/ 1797) .(4/122)
وغيرهم. توفي في المحرم سنة ثلاث وثمانين. روى له: الجماعة إلا البخاري (1) .
قوله: "افتراش الكلب " منصوب بنزع الخافض، أي: كافتراش الكلب.
* * *
151- بَابُ: الرخصَة في ذلك (2)
أي: هذا باب في بيان الرخصة في افتراش اليدين عند الضرورة.
879- ص- نا قتيبة بن سعيد: نا الليث، عن ابن عجلان، عن سُمَيّ،
عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: اشتَكَى أصحابُ النبي- عليه السلام-
إلى النبي- عليه السلام- مَشقةَ السجود عليهم إذا انفرَجُوا، فقال:
" اسْتَعِينُوا بالركَبِ " (3) .
ش- سُمَي: القرشي المدني، مولى أبي بكر بن عبد الرحمن،
وأبو صالح: ذكوان الزيات.
قوله: " استعينوا بالركب" قال ابن عجلان: وذلك أن يضع مرفقيه على
ركبتيه إذا طال السجود وأعي. والحديث: أخرجه ابن خزيمة في "صحيحه"، والحاكم في "مستدركه" وقال: صحيح على شرط مسلم.
وفي لفظ: " قالوا: يا رسول الله، إن تفريج الأيدي في الصلاة يشق
علينا فأمرهم أن يستعينوا بالركب ". ورواه الترمذي- أيضا- وقال: هذا
حديث لا نعرفه/ من حديث أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي [2/24 - أ]- عليه السلام- إلا من هذا الوجه من حديث الليث، عن ابن عجلان،
وقد روى هذا الحديث سفيانُ بن عيينة وغير واحد، عن سمي، عن
النعمان بن أبي عياش، عن النبي- عليه السلام- نحو هذا وكأن رواية
هؤلاء أصح، وكذا قاله أبو حاتم في كتاب " العلل".
__________
(1) المصدر السابق (17/ 3794) .
(2) في سنن أبي داود: " ... في ذلك للضرورة".
(3) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في الاعتماد في السجود (286) .(4/123)
وفي " المصنف " قال أبو بكر: نا يزيد بن هارون، عن ابن عون، قال: قلت لمحمد: الرجل يَسْجدُ يعتمد بمرفقيه على ركبتيه؟ قال: ما أعلم به بأسا.
نا [أبو] عاصم، عن ابن جريج، عن نافع قال: كان ابن عمر يضم يديه إلى جَنْبَيْه إذا سجَد.
نا وكيع، عن أبيه، عن أشعث بن أبي الشعثاء، عن قيس بن سكن قال: كل ذلك قد كانوا يفعلون، وينضمون ويتجافون، كان بعضهم ينضم وبَعضهم يجافي.
ونا ابن نمير: نا الأعمش، عن حبيب قال: سأل رجل ابنَ عمر: أضَع مرْفقي على فخذي إذا سجدتُ؟ فقال: اسجد كيف يتيسر عليك.
152- بَابُ: التَخصُّر والإِقعاء
أي: هذا باب في بيان التخصّر والإقعاء. والتخصّر: وضع اليد على الخاصرة، والإقعاء: فسّرناه غير مرة.
880 - ص- نا هناد بن السري، عن وكيع، عن سعيد بن زياد، عن زياد ابن صُبَيح الحنفي قال: صَلَّيتُ إلى جَنب ابنِ عُمر فَوَضعتُ يَدَيَّ على خَاصرَتي، فلما صَلَّى قال: هذا الصَّلبُ فيَ الصلاة، وكان رسولُ الله- عليه السلاَم- يَنْهَى عنه (1) .
ش- سعيد بن زياد: ابن صُبيح الحنفي، روى عن: ابن عمر، روى عنه: وكيع، روى له: أبو داود، والنسائي (2) .
__________
(1) النسائي: كتاب الافتتاح، باب: النهي عن التخصص في الصلاة (2/ 127) .
(2) قال الحافظ المضي في تهذيب الكمال (10/ 439) : (ومن الأوهام: سعيد بن زياد بن تسبيح الحنفي، وهو وهم قبيح، وخطأ فاحش- يعني: مِن صاحب
"الكمال "- إنما هو سعيد بن زياد الشيباني، عن زياد بن صبيح الحنفي،
وقد كتبنا حديثه في ترجمة زياد بن صبيح ". اهـ. يعني: حديث الباب.(4/124)
وزياد بن صُبَيح- بضم الصاد المهملة- وقال ابن أبي حاتم: بفتح الصاد، الحنفي المكي ويقال: البصري. سمع: عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عُمر. روى عنه: سعيد بن زياد. وقال ابن معين: صالح ثقة بصري، وليس بأخي عبد الله بن صُبَيْح. روى له: أبو داود، والنسائي (1) .
قوله: "هذا الصلبُ " أي: شبه الصَّلْب لأن المصلوب يمد باعه على الجذع، وهيئة الصَّلْب في الصلاة: أن يضع يدَيْه على خاصرته ويجافي بين عضدَيه في القيام، وستجيء أحاديث تتعلّق بهذا الباب في " باب الرجل يصلي مختصرا".
* * *
153- بَابُ: البُكاء في الصَّلاةِ
أي: هذا باب في بيان البكاء في الصلاة.
881- ص- نا عبد الرحمن بن محمد بن سَلام: نا يزيد- يعني: ابن هارون-: نا حماد- يعني: ابن سلمه-، عن ثابت، عن مُطرف، عن أبيه قال: رأيتُ النبي- عليه السلام- يُصَلي وفي صَوْته (2) أزيز كأزيز الرحَى منذ البُكَاءِ (3) .ً
ش- عبد الرحمن بن محمد بن سلام: أبو القاسم البغدادي، نزيل طَرسوس. روى عن: يزيد بن هارون، وريحان بن سعيد. روى عنه: أبو داود، والنسائي، ومحمد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي (4) . وثابت: البُناني، ومتطرف: ابن عبد الله بن الشِخير.
__________
0
(1) المصدر السابق (9/ 2051) .
(2) في سنن أبي داود: أصدرها، وسيذكر المصنف أنها نسخة.
(3) النسائي: كتاب السهو، باب: البكاء في الصلاة (3/ 12) . (4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (17/ 3950) .(4/125)
قوله: " أزيز"- بفتح الهمزة وكسر الزاي الأولى- أي: حنين من الخَوف- بالخَاء المعجمة- وهو صوت البكاء، وقيل: هو أن تجيش جَوْفه وتعلى بالبكاء. وفي "الصحاح": الأزيز: صوت غليان القِدر، وقد أزت القدرُ تؤز أزيزا: غلت، والأز الذي في قوله تعالى: "تَؤُزهُمْ أزا " (1) فهو التهييج والإِغْراء. وفي بعض النسخ: (وفي صَدْره " موضع "وفي صوته".
قوله: " كأزيز الرحى" وهو صوتها وجرجرتها، ويُرْوَى: "كأزِيز المِرْجل" والمِرجل- بكسر الميم-: القدْر، وأزيز المِرجل: صوت غليانه وقد سُئلَ بعضُ الجهلة ممن يدعي الفقَه والفضيلة، في مجلس كبير من أكابر مصْر عن معنى (كأزيز المرجلَ) فقال: كصَوْت فرخ الحمام، فضحك كل من هناك على سخافة عقله، وقبح جوابه بجهْله.
واستدل صاحب "المحيط" من أصحابنا بهذا الحديث، أن المصلي ينبغي أن يخشع، ويكون قلبه فيها على الخوف من عدله، والرجاء في فضله، ومن لازم الخوف الشديد في القلب: البكاء عادةً، فإذا بكى في صلاته من ذلك الوجه من غير أن يعلو بصوته فلا بأس، أو بكى من اشتياقه إلى الجنة، أو خوفه من النار، ويكره أن يَبكِي لمُصيبة لحقته، أو لذِكر موتاه، ونحو ذلك. والحديث: أخرجه الترمذي، والنَّسائي.
154- بَابُ: كراهة (2) الوسوسة وحديث النفس في الصلاة
أي: هذا باب في بيان كراهة الوسوسة، وحديث النفس بالأمور الدنياوية في الصلاة.
882- ص- نا أحمد بن محمد بن حنبل: نا عبد الملك بن عَمرو: نا هشام- يعني: ابن سعد-، عن زيد، عن عطاء بن يَسار، عن زيد بن خالد
__________
(1) سورة مريم: (83) .
(2) في سنن أبي داود: "كراهية".(4/126)
الجهني أن النبي- عليه السلام- قال: "من تَوَضأ فأحسنَ وُضوءهُ ثم صَلَّى رَكعتينِ لا يَسْهو فيهما غفِرَ له ما تَقَدَّمَ من ذنبه " (1) .
ش- عبد الملك بن عمرو: أبو عامر العقدي، وهشام: ابن سَعْد أبو سَعيد (2) المدني، وزيد: ابن أسلم أبو أسامة القرشي المدني مولى عمر بن الخطاب.
قوله: "فأحسن وضوءه " إحسان الوضوء: تكميل شروطه وسننه وآدابه.
قوله: " لا يَسْهُو" أعم من أن يكون السَهْو في الأركان أو الأقوال أو الأفعال؛ والسهو لا يكون إلا من اشتغال القلب بأمور الدنيا، فإذا انقطع عن تعلقات الدنيا، وتوجه بكليته إلى الله، غفر له ما تقدم من ذنبه ما خلا الكبائر وحقوق العباد.
883 - ص- نا عثمان بن أبي شيبة: نا زيد بن الحُباب: نا معاوية بن صالح، عن ربيعة بن يزيد، عن أبي إدريس الخولاني، عن جُبَير بن نُفَيْر الحَضْرمي، عن عقبةَ بن عامر الجهني أن رسولَ الله- عليه السلام- قال: "مَا من أَحد يَتوضأ فيُحسِنُ الوُضُوء، ويُصلي رَكعتين مُقْبل (3) بقلبه وَوَجْهِهِ عليهَما ألا وَجَبتْ له الجنةُ " (4) .
ش- أبو إدريس: اسمه: عائذُ الله بن عبْد الله، وقد ذكرناه. والحديث قد تقدم مطولا في كتاب الطهارة، في "باب ما يقول الرجل إذا توضأ" (5) .
* * *
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) في الأصل: " أبو سعد " خطأ.
(3) في سنن أبي داود: " يقبل ".
(4) تفرد به أبو داود.
(5) تقدم برقم (157) .(4/127)
155- بَابُ: الفتح على الإمَام فِي الصَّلاة
أي: هذا باب في بيان فتح المصلي علىَ إمامه في الصلَاة إذا استَطْعَمَ ذلك.
884 - ص- نا محمد بن العلاء، وسليمانُ بن عبد الرحمن الدمشقي قالا: أنا مروانُ بن معاوية، عن يحيى الكاهلي، عن المُسَورٍ بن يزيد المالكي أن رسولَ الله- عليه السلام-. قال يحيى: "ربما قال: شهدتُ رسولَ الله يَقْرأ في الصلَاة فَتركَ شَيئا لم يَقرأهُ فقال له رجل: يا رسول الله، تَرَكْتَ آيةً كَنَا وكَذا؟ فقاَلَ له رسولُ الله: " فَهلا أذكَرْتَنِيهَا"؟ (1) .
ش- سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي: ابن بنت شرحبيل.
ويحيي: ابن كثير الكاهلي الأسدي الكوفي. سمع: المُسور بن يزيد. روى عنه: مروان بن معاوية. قال أبو حاتم: هو شيخ. روى له: أبو داود (2) .
والمُسورُ- بضم الميم، وفتح السين المهملة، وتشديد الواو وفتحها- ابن يزيد الأسدي المالكي. قال أبو بكر الخطيب: يروى عنه عن النبي - عليه السلام- حديث واحد. انتهى. وروى له: أبو داود.
والمالكي هذا نسْبة إلى بطن من بني أسد بن خزيمة. وفي الرواة: المالكي نسبة إلى قبائل عدة، والمالكي إلى الجد، والمالكي إلى المذهب، والمالكي إلى القرية المشهورة على القراءة، يُقال لها: المالكية. وذكره ابن أبي حاتم وأبو عُمر النمْري وغيرهما في باب من اسمه: مِسْور - بكسر الميم وسكون السين- والذي قيده الحُفاظ فيه ما ذكرناه (3) . قوله: " قال يحيى" أي: يحيي الجاهلي المذكور، ثم حكم هذا
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (31/ 6905) .
(3) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (418/3) ، وأسد الغابة (5/ 176) ، والإصابة (3/ 0 42) .(4/128)
الحديث أن العلماء " (1) اختلفوا فيه؛ فروي عن عثمان بن عفان، وابن
عمر أنهما (2) كانا لا يَريان بتلقين الإمام بأساً؛ وهو قول عطاء
والحسن (3) ، وبه قال مالك والشافعي وأحمد وإسحاق. وروي عن ابن
مَسعود الكراهة في ذلك، وإليه ذهب الشعبي والثوري".
وقال أصحابنا: إذا فتح على غير إمامه فسدت صلاته؛ لأنه تعليم
وتعلم، فكان من كلام الناس، وفي الأصل: شرط التكرار- أي: في
الفتح- لأنه ليس من أعمال الصلاة فيُعفى القليل منه، ولم يشترطه (4)
في " الجامع الصغير" لأن الكلام نفسه قاطع وإن قل، وإن فتح على
إمامه " يكن كلاما استحسانا، سواء قرأ ما تجوز به الصلاة أو لم يقرأ
هذا هو الصحيح لجواز أن يجري على لسانه ما يكون مفسدا للصلاة،
فيكون المقتدي مضطرا إلى الفتح. وقيل: إذا قرأ ما تجوز به الصلاة ففتح
عليه، فسدت صلاته لأنه " لا يحتاج ح (5) إلى الإصلاح، ثم إنه ينوي
الفتح على إمامه دون القراءة هو الصحيح لأنه مرخص فيه، وقراءته
ممنوع عنه، ولو كان الإمام انتقل إلى آية أخرى تفسد صلاة الفاتح،
وتفسد صلاة الإمام لو أخذ بقوله، لوجود التلقين والتلقي من غير
ضرورة، وينبغي للمقتدي أن لا يعجل بالفتح، وللإمام أن لا يُلجئهم إليه
بل يركع/ إذا جاء أوانه، أو ينتقلُ إلى آية أخرى، وتفسير الإلجاء: أن [2/25 - أ] يُردد الآية، أو يقف ساكتاً.
ص- قال سليمان في حديثه: قال: كُنتُ أرَاها نُسِخَت.
ش- أي: قال سُليمان بن عبد الرحمن: كنتُ أظنها نُسخت،
والضمير راجع إلى قصة فتح المصلي على الإمام ولهذا قال إبراهيم النخعي: الفتح كلام، على ما روى أبو بكر بن أبي شيبة قال: نا
__________
(1) انظر: معالم السنن (1/ 187) .
(2) في الأصل: " أنها " خطأ.
(3) في المعالم زيادة: "وابن سيرين".
(4) في الأصل: "يشترط".
(5) أي: "حينئذ".
9. شرح سنن أبي داوود 4(4/129)
شريك، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي، وعن مغيرة، عن إبراهيم قالا: هو كلام- يعني: الفتح على الإمام.
حدَثنا ابن علية، عن ميمون أبي حمزة، عن إبراهيم، عن ابن
مسعود في تلقين الإمام: إنما هو كلام يلقنه إليه.
ونا حفص، عن محمد بن قيس، عن مسلم بن عطية أن رجلاً فتح
على إمام شريح وهو في الصلاة، فلما انصرف قال له: اقض صلاتك.
ص- وقال سليمان: حدثنا يحيي بن كثير (1) .
ش- أشار بهذا أن سليمان روى هذا الحديث من طريقين: طريق مروان
ابن معاوية، وطريق يحيي بن كثير بإسقاط مروان من البين. ورَواه أحمدَُ في "مسنده" عن سريج (2) بن يونس، عن مروان بن معاوية، عن يحيي بن كثير، عن مسور بن يزيد.
ص- نا يَزيد بن محمد الدمشقي: نا هشام بن إسماعيل: نا محمد بن شعيب: نا عبد الله بن العلاء بن زبر، عن سالم بن عبد الله، عن عبد الله بن عمرَ، أن النبي- عليه السلام- صلي صَلاةً فقرأ فيها فلُبسَ (3) عليه، فلفا انصرف قال لأبيّ: " أصليتَ مَعنا؟ " قال: نعم، قال: "فما مَنَعَكَ؟ ". ش- يزيد بن محمد: ابن عبد الصمد بن عبد الله بن يزيد بن ذكوان القرشي الهاشمي مولاهم الدمشقي أبو القاسم، روى عن: هشام بن إسماعيل العطار، وأبي مسْهر، ويحي بن صالح، وغيرهم. روى عنه: أبو داود، والنسائي، وأبو زرعة الدمشقي، وأبو عوانة الإسفرائيني وغيرهم. توفي بدمشق سنة- سبع وسبعين ومائتين، وكان ثقة. وقال النسائي والدارقطني وابن أبي حاتم: هو ثقة (4) .
__________
(1) في سنن أبي داود: "حدثنا يحيى بن كثير الأزدي قال: حدثنا المسور بن يزيد الأسدي المالكي".
(2) في الأصل: "شريح" خطأ.
(3) سبب فوقها المصنف.
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (32/ 44 70) .(4/130)
وهشام بن إسماعيل: ابن يحيى بن سليمان بن عبد الرحمن العطار
أبو عبد الملك الحنفي، وقيل: الخزاعي الدمشقي. سمع: إسماعيل بن عياش، ومحمد بن شعيب، ومروان بن محمد الطاطري، وغيرهم. روى عنه: أبو زرعة، والعباس بن الوليد، وأحمد بن عبد الواحد الدمشقيون، وغيرهم. وقال النسائي: ثقة. وقال أبو حاتم: كان شيخا صالحا. مات سنة عشر ومائتين. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي (1) .
ومحمد بن شعيب: ابن شابور الدمشقي، وعبد الله بن العلاء بن زَبْر: الدمشقي أبو زبر الربًعي.
قوله: "فلُبسَ عليه"- بضم اللام وكسر الباء المخففة- من اللَبْس- بفتح اللام- وَهو الخَلْط.
قوله: "فلما انصرف " أي: فلما خرج من الصلاة.
قوله: "قال لأي " أي: قال النبي- عليه السلام- لأبي بن كعب: "أصليتَ معنا؟ " الهمزة فيه للاستفهام، وفي بعض الرواية: " كُنتَ معنا؟ "، وإنما قال له من بين سائر الأصحاب لأنه كان أقرأهم.
قوله: " فما يَمنعك" أي: من الفَتْح؛ وهذا فيه تصريح على جواز الفتح على إمامه، وتقييد بأن الفتح إنما يجوز إذا كان ممنْ هو في صلاته.
156-بَابُ: النهي عَن التَّلقين
أي: هذا باب في بيان النهي عن تلقين المصلي الَإمامَ في الصلاة.
885 - ص- نا عبد الوهاب بن نجدة: نا محمد بن يوسف الفريابي، عن يُونس بن أبي إسحاق، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي قال: قال رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: " يا علي، لا تَفتحْ على الإِمَام في الصلاةِ" (2) .
__________
(1) المصدر السابق (30/ 6568) .
(2) تفرد به أبو داود.(4/131)
ش- يونس بن أبي إسحاق: عَمرو بن عبد الله السبِيعي.
والحارث: ابن عبد الله الأعور، أبو زهير الهمداني الخارفي الكوفي.
سمع: علي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود. روى عنه: عبد الله
ابن مرة الخارفي، وأبو إسحاق السبيعي، والشعبي، وغيرهم. قال ابن
أبي خيثمة: سمعت أبي يقولَ: الحارث الأعور كذاب. وقال
أبو إسحاق السبيعي: زعم الحارث الأعور وكان كذابا. وقال أبو زرعة:
لا يحتج بحديثه. وقال أبو حاتم: ليس بقوي ولا ممن يحتج بحديثه.
وقال علي بن المديني: الحارث كذاب، وكان ابن سيرين يَرى أن عامة ما
يروي عن علي باطل. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي،
وابن ماجه (1) .
وهذا الحديث فيه تصريح على عدم جواز الفتح؛ ولكن فيه مقال من
جهة الحارث.
ص- قال أبو داود: أبو إسحاق لم يسمعْ من الحارثِ إلا أربعةَ أحاديثَ
ليْس هذا منها.
[2/ 25 - ب] ش- أي: ابو إسحاق السبيعي/ لم يسمع من الحارث الأعور إلا أربعة أحاديث ليْس هذا الحديث منها.
والحاصل: أن هذا الحديث ضعيف؛ بل هو قريب من البطلان؛ لأن
أبا إسحاق وإن كان سمع هذا الحديث من الحارث فحال الحارث معلوم.
وفي بعض النسخ عقيب هذا الباب: باب السجود على الأنف: لا مؤمل
ابن الفضل: لا عيسى، عن معمر، عن يحيي بن أبي كثير، عن
أبي سلمة، عن أبي سعيد الخدري: أن رسول الله رُؤِي على جبهته وعلى
أرنبته أثر طين من صلاة صلاها للناس. قال أبو علي اللؤلؤي: لم يَقرأه
أبو داود في العَرْضة الرابعة.
* * *
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (5/ 1025) .(4/132)
157- بَابُ: الالتِفات فِي الصَّلاةِ
أي: هذا باب في بيان حكم الالتفات في الصلاة.
886- ص - نا أحمد بن صالح: نا ابن وهب قال: أخبرني يونس، عن ابن شهاب قال: سمعت أبا الأحوص يُحدثنا في مجلس سعيد بن المسيب قال: قال أبو ذر: قال رسولُ الله: "لا يَزَالُ الله عز وجل مُقبلاَ على العبد وهو في صلاِتهِ ما لم يَلتفت، فإذا التَفتَ انصرفَ عنه" (1) .
ش- يونس: ابن يزيد.
وأبو الأحوص هذا: لا يُعرفُ له اسم، وهو مَولى بني ليث، وقيل: مولى بني غفار، ولم يَرو عنه غير الزهري. قال ابن معين: ليس بشيء. وقال أبو أحمد الكرابيسي: ليس بالمتين عندهم. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (2) .
قوله: "مقبلا " نصب على أنه خبر "لا يزال"، ومعنى إقبال الله على العَبْد: نظره إليه بالرحمة، ومعنى انصرافه عنه: ترك ذلك (3) . والحديث: أخرجه النسائي، ورواه الحاكم في "مُسْتدركه" وقال: صحيح الإسناد، ولم يخرجاه. وقال النووي في "الخلاصة": أبو الأحوص فيه جهالة؛ ولكن الحديث لم يُضعفه أبو داود؛ فهو حسَن عنده.
887- ص- نا مسدد: نا أبو الأحوص، عن الأشعث- يعني: ابن سليم-، عن أبيه، عن مسروق، عن عائشةَ قالت: سألتُ رسولَ اللهِ عن
__________
(1) النسائي: كتاب السهو، باب: التشديد في الالتفات في الصلاة (1195) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (33/ 96 1 7) .
(3) بل المراد من الإقبال إقبالا حقيقيا يليق به سبحانه، وكذا انصرافه عن العبد: "ليس كمثله شيء وهو السميع البصير" اعتقاد أهل السنة والجماعة، وانظر: مجموع الفتاوى (5/ 593 وما بعدها) .(4/133)
التفات الرجل في صَلاته فقال: " هو (1) اخْتلاس يختلسُهُ الشيطانُ من صَلاةِ اَلعَبْدِ" (2) ،، (3) .
ش- أبو الأحوص: سلام بن سُليم الحنفي الجشمي مولاهم الكُوفي. وأشعث: ابن أبي الشعثاء- سليم- بن أسود المحاربي الكوفي. سمع: أباه، وسعيد بن جبير، والأسود بن يزيد النخعي، وغيرهم. روى [عنه] : الثوري، وشعبة، وأبو الأحوص، وغير هم. قال أحمد وابن معين وأبو حاتم: ثقة. مات سنة خمس وعشرين ومائة. روى له الجماعة (4) .
وأبوه: سُليم بن أسود، ذكرناه.
قوله: " اختلاس" لما من خلستُ الشيءَ واختلستُه إذا سلبته، والمعنى: أن المُصلي إذا التفت يمينا أو شمالا يظفرُ به الشيطان في ذلك الوقت، ويُشْغله عن العبادة، فربما يَسْهو أو يَغلط لعدم حضور قلبه باشتغاله بغير المقصود، ولما كان هذا الفعل غير مَرضي منه نُسب إلى الشيطان. وعن هذا قالت العلماء بكراهة الالتفات في الصلاة. َ وروى أبو بكر بن أبي شيبة، عن وكيع، عن حطان العصفري، عن الحكم قال: إن من تمام الصلاة: أن لا تعرف مَنْ عن يمينك ولا مَن عن شمالك.
__________
(1) في سنن أبي داود: "إنما هو ".
(2) البخاري: كتاب الأذان، باب: الالتفات في الصلاة (751) ، النسائي: كتاب السهو، باب: التشديد في الالتفات في الصلاة (3/ 8) .
(3) جَاء في سنن أبي داود بعد هذا الحديث: باب السجود على الأنف: حدثنا مؤمل بن الفضل: حدثنا عيسى، عن معمر، عن يحيي بن أبي كثير، عن أبي سلمي، عن أبي سعيد الخدري، أن رسول الله يكن رُوي على جبهته وعلى أرنبته أثر طيب من صلاة صلاها بالناس ".
قال أبو علي: "هذا الحديث لم يقرأه أبو داود في العرضة الرابعة ". اهـ. وقد تقدم عندنا هذا الحديث برقم (1 87) ، وعند أبي داود برقم (894) ، ولم يتكرر هذا الحديث في نسخة المصنف، وقد نبه الشارح على هذا معى/ 132) . انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (3/ 526) .(4/134)
وقال: لا غندر، عن ابن جريج، عن عطاء قال: سمعت أبا هريرة يقولُ: إذا صليت فإن ربك أمامك وأنت مُناجيه، فلا تلتفت. قال عطاء: وبلغني أن الرب يقول: "يا ابن آدم، إلى من تلتفتُ؟ أنا خير لك ممن تلتفت إليه".
وحديث عائشة: أخرجه البخاري، والنسائي، وابن أبي شيبة.
* * *
158-بَابُ: النَّظَر في الصلاة
أي: هذا باب في بيان النظر في الصلاة.
888- ص- نا مسدد: نا أبو معاوية ح، ونا عثمان بن أبي شيبة: نا جرير- وهذا حديثه، وهو أتم-، عن الأعمش، عن المُسيب بن رافع، عن تميم بن طرفة الطائي، عن جابر بن سمرةَ. قال عثمانُ: قال: دخلَ رسولُ الله- عليه السلام- المسجدَ فَرَأى فيه نَاساً يُصلونَ رافعي أيديَهُم إلى السَّماء-َ ثم اتفقا- فقال: لينتهِيَن رِجَال يَشخصُون أبصارَهمَ إلى السَماءِ في الصلاةَ أو لا يرجعُ (1) إليهم أبصارُهم " (2) .
ش- أبو معاوية: الضرير، وجرير: ابن عبد الحميد.
قوله: "وهذا حديثه" أي: حديث عثمان، والحال أنه أتم من حديث مسدد.
قوله: "عن الأعمش" يرجع إلى كل واحد من جرير/ وأبي معاوية؛ [2/26 - أ] لأن كلا منهما روى عن الأعمش.
قوله: "ثم اتفقا" أي: مُسدد وعثمان.
__________
(1) في سنن أبي داود: " إلى السماء. قال مسدد: في الصلاة، أو لا ترجع".
(2) مسلم: كتاب الصلاة، باب: النهي عن رفع البصر إلى السماء في الصلاة رقم4 له 42) ، ابن ماجه: كتاب أقامة الصلاة، باب: الخشوع في الصلاة رقم (1045)(4/135)
قوله: " يَشْخصُون أبصارهم " من شخص بصرَه فهو شاخص إذا فتح عَيْنيْه وجعل لا يطرف، وهو بفتح العين، وشخُص- بالضم- فهو شخيص أي: جسيم، وهذه الجملة في محل الرفع لأنها وقعت صفةً للرجال.
قوله: " أو لا يرجع إليهم أبصارُهم " والمعنى: إن لم ينتهوا، وأحد الأمرين واقع: إما الانتهاء، أو عدم رجوع أبصارهم إليهم، وفيه النهي الأكيد، والوعيد الشديد، وقد نقل الإجماع في النهي عن ذلك. وقال القاضي عياض: واختلفوا في كراهة رفع البصر إلى السماء في الدعاء في غير الصلاة، فكرهه شريح وآخرون، وجوزه الأكثرون، قالوا: لأن السماء قبلة الدعاء كما أن الكعبة قبلة الصلاة، فلا ينكر رفع الأبصار إليها، كما لا يكره رفع اليد، قال الله تعالى: وَفي السمَاء رزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُون " (1) . والحديث: أخرجه مسلم، والَنسائي، َ وَأخرج ابن ماجه طرفا منه.
ص- نا مسدد: نا يحيي، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة أن أنس بن مالك حدثهم قال: قال رسول الله- عليه السلام-: " ما بَالُ أقوامٍ يَرفَعُونَ أبصارَهم في صلاِتهِم؟ " فاشْتَد قولُه في ذلك فقال: "لينتَهِيَن عن ذلك أو لتُخْطَفَن أبصارُهم " (2) .
ش- أي: ما شأن أقوام؟ وذكر الجوهري "البَالَ " في الأجْوف
الواوي، وقال: البال: الحالُ.
قوله: "فاشتد قولُه في ذلك" أي: قول النبي- عليه السلام- في رفع البصر إلى السماء في الصلاة.
(1) سورة الذاريات: (22)
(2) البخاري كتاب الأذان، باب: رفع البصر إلى السماء في الصلاة (750) ، النسائي: كتاب السهو، باب: النهي عن رفع البصر إلى السماء (3/ 7) ،
ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: الخشوع في الصلاة (1044) .(4/136)
قوله: " أو لتخطفن " على صيغة المجهول، والمعنى مثل ما ذكرنا إن لم ينتهوا عن ذلك فأحدُ الأمرين واقع. والحديث: أخرجه البخاري، والنسائي، وابن ماجه. وذكر الواحدي في " أسباب النزول " من حديث ابن علية، عن أيوب، عن محمد، عن أبي هريرة، أن فلانا كان إذا صلى رفع بصرَه إلى السماء فنزلت: "الَّذينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشعُونَ " (1) . وروي عن ابن عباس: كان النبيَ- عليه السلام- إذا استفتَح الصلاة لم ينظر إلا إلى موضع سجوده.
وروى أبو بكر قال: نا هشيم، عن ابن عون، عن ابن سيرين قال: كان رسول الله مما يَنظر إلى الشيء في الصلاة، فيرفعِ بصرَه حتى نزلت آية، إنِ لم تكن هذه فلا أدري ما هي "الَّذِين هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُون " قال: فوضع النبي- عليه السلام- رأسه.
ونا هشيم، عن حصين، عن إبراهيم، عن عبد الله، أنه رأى رجلاً رافعا بصره إلى السماء، فقال عبد الله: ما يدري هذا لعل بصره سيَلتمع قبل أن يرجع إليه.
فإن قيل: إذا غمض عَيْنيه في الصلاة ما حكمه؟ قلت: قال الطحاوي: كرهه أصحابنا. وقال مالك: لا بأس به في الفريضة والنافلة. وقال النووي: والمختار: أنه لا يكره إذا لم يخف ضررا، لأنه يجمع الخشوع، ويمنع مِن إرسال البصر وتفريق الذهن.
890- ص- نا عثمان بن أمر شيبة: نا سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: صَلّى رسولُ الله- عليه السلام- في خَميصة لها أعْلام فقال: " شَغَلَتْنِي أعلامُ هذه، اذهبوا بها إلى أَبي جَهْم بنِ حذيفةَ وائتُوني بأنبجَانيّةٍ " (2) .
(1) سورة المؤمنون: (2) .
(2) البخاري: كتاب الأذان، باب: الالتفات في الصلاة (752) ، مسلم: كتاب المساجد، باب: كراهية الصلاة في ثوب له أعلام (61/ 556) ، النسائي:=(4/137)
ش- " الخميصة": كساء مُرتع من صوف، وقال ابن حبيب في "شرح الموطأ": الخميصة: كساء صوف أو مِرْعِزي مُعْلم الصَنِفة.
قوله: "شغلتني أعلام هذه " يعني: عن كمال الحضور في الصلاة وتدبر أذكارها وتلاوتها ومقاصدها من الانقياد والخضوع، ففيه الحث على الحضور والتدبر، ومنع النظر من الامتداد إلى ما يُشْغِل، وإزالة ما يخاف اشتغال القلب به، وكراهة تزْويق المحراب وحائط المسجد ونقشه، وغير ذلك من الشاغلات؛ لأنه- عليه السلام- جعل العلة في إزالة الخميصة هذا المعنى، وفيه: أن الصلاة تصح وإن حصل فيها فكر، وفيه: صحة الصلاة في ثوب له أعلام، وأن غيره أوْلى.
قوله: " إلى أبي جَهْم" واسمه: عامر بن حذيفة بن غانم القرشي العدوي المدني الصحابي، ويقال: عُبيد بن حذيفة، أسلم عام الفتح، وكان مُعظما في قريش وعالما بالنسب، شهد بنيان الكعبة مَرتين، وهو غير أبي جُهيم بالتصغير. وأما بَعثه- عليه السلام- بالخميصة إلى أبي جهم وطلب أنبجانيه فهو من باب الإدلال عليه، لعلمه بأنه يؤثر هذا [2/26 - ب] ويفرح به./ ويقال: َ إنما خصه بذلك لأنه كان بعث إلى النبي- عليه السلام- خميصة لها أعلام، فلما شغلته في الصلاة قال: ردوها عليه وائتوني بأنبجانية، لئلا يؤثر رَد الهدية في قلبه.
وقال ابن الأثير: اختلفوا في هذه الخميصة؛ فمنهم من قال: إن رسول الله- عليه السلام- أتِي بخميصتَيْن سوداوَيْن فلبس إحديهما وبعث بالأخرى إلى أبي جَهْم، فلما ألهتَه بعثها إلى أبي جَهْم، وطلب التي كانت عند أبي جهْم بعد أن لبسها لبْساتِ.
قوله: " وائتوني بأنبجانية" قال القاضي عياض: رويناه بفتح الهمزة وكسرها، وبفتح الباء وكسْرها في غيرْ مسلم بالوجهين ذكرها ثعلب،
__________
= كتاب القبْلة، باب: الرخصة في الصلاة في خميصة لها أعلام (770) ، ابن ماجه: ككتاب اللباس، باب: لباس رسول الله- عليه السلام- (3550) .(4/138)
قال: ورويناه بتشديد الياء في آخره وبتخفيفها معا في غير مسلم؛ إذ هو في رواية مسلم: "بأنبجانية" مشدد مكسور على الإضافة إلى أبي جهم، وعلى التذكير كما قال في الرواية الأخرى كساء له أنبجانيا. وفي "مختصر السنن": الأنبجانية- بفتح الهمزة، وسكون النون، وكسر الباء الموحدة، وبعد الألف نون مكسورة، وياء آخر الحروف مشددة، وتاء تأنيث-: هو ما كثُف والتف، وقيل: إذا كان الكساء ذا علَمين فهو الخميصة، وإن لم يكن له علم فهو الأنبجانية، وقيل: هو منسوب إلى "منبِج " المدينة المشهورة؛ وهي بكسر الباء كما قالوا في النسبة إلى سلمة: سلمي وغير ذلك.
وقال في " الصحاح": إذا نسبت إلى " منبج" فتحت الباء، قلت: كساء منبجاني، أخرجوه مخرج مخبراني ومنظراني، قلت: يكون منسوبا على غير قياس، وقيل: نسبة إلى موضع يُقال له: أنبجان، وقال ثعلب: يقال: كبش أنبجاني- بكسر الباء وفتحها- إذا كان ملتفا كثير الصوف، وكساء أنبجاني كذلك. قال ابن القصار في "تعريب المدارك": من زعم أنه منسوب إلى منبج فقد وهم.
وفي " شرح الموطأ": هي كساء غليظ يُشبه الشملة، يكون سداه: قطنا غليظا، أو كتانا غليظا، ولحمته: صوف ليس بالمُبرم في فتله لين غليظ، يلتحف بها في الفراش، وقد يُشتمل بها في شدة البرد.
وفي كتاب " المغيث": المحفوظ: كسر باء الإنبجانية. وعند السفاقسي: رأيت هذا الحرف في بعض الكتب بالخاء المعجمة، قال: وسماعي بالجيم. وقال الأصمعي: هو كساء من صوف أو خز مُعلم بسُودٍ. وقال غيرُه: كساء رقيق أصفر أو أحمر أو أسود، ويجمع على خمائص؛ وسُميت خميصة للينها ورقتها وصغر حجمها إذا طُوِيت. والحديث: أخرجه البخاري، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه، ومالك في " الموطأ"، والطحاوي- أيضا- بسند صحيح، عن المزني، عن الشافعي: حدثنا مالك، عن القمة بن أبي القمة، عن أمه، عن(4/139)
عائشة قالت: أهدى أبو جَهْم إلى النبي- عليه السلام- خميصة شامية لها علَم يشهد فيها النبي- عليه السلام- الصلاة، فلما انصرف قال: "ردي هذه الخميصة إلى أبي جَهْم، فإنها كانت تَفْتِنُني ".
891- ص- نا عبيد الله بن معاذ: نا أبي: نا عبد الرحمن- يعني: ابن أبي الزناد- قال: سمعتُ هشاما يُحدثُ عن أبيه، عن عائشةَ- رضي الله عنها- بهذا الخبرِ قالَ: وأخذَ كَرْدي (1) كان لأبي جهْمِ، فقيل: يا رسولَ الله، الخَمِيصَةُ كانتْ خيرا مِنَ الكَردي (2) .
ش- هشام: ابن عروة بن الزبير.
قوله: " بهذا الخبر": أي: الخبر المذكور.
قوله: " وأخذ كردكن " على صيغة المجهول، وفي بعض الرواية وهي الصحيحة: "وَأخذ كرديا" أي: أخذ رسول الله كرديا كان لأبي جهم، والكَردي- بفتح الكاف- كساء ساذج ليس لها أعْلام ولا حَرِير.
قوله: "فقيل: يا رسول الله، الخميصة كانت خيراً من الكردي " يعني: من حيث النفاسة والقماش، ألا ترى أن هذه الخميصة كانت لها أعلام من حرير، ولأجل هذا قال بعضهم: إنما كرهها لما فيها من الحرير.
فإن قيل: كيف يَبْعث- عليه السلام- إلى غيره بشيء يكرهُه؟ قلت: هذا كما أرْسل إلى عمر- رضي الله عنه- بالحلة ليبيعها، وينتفع بها، لا ليَلْبسها.
* * *
159- بَابُ: الرخصَةِ في ذلك
أي: هذا باب في بيان الرخصة في النظر والالتفات لضرورة.
892- ص- نا الربيع بن نافع: نا معاوية (3) - يعني: ابن سلام-، عن [2/27 -أ] زيد أنه سمع أبا سلام قال:/ حدثنا السلُولي، عن سَهْل ابن الحنظلية قال:
__________
(1) في سنن أبي داود: "وأخَذَ كرديا "، وسيشير المصنف إلى أنها نسخة.
(2) تفرد به أبو داود.
(3) في الأصل: "أبو معاوية " خطأ.(4/140)
ثُوّب بالصلاة- يعني: صَلاةَ الصُبحِ- فجعلَ رسولُ الله يُصلّي وهو يَلتَفتُ إلى الشّعْبِ (1) .
ش- زيد: ابن سلام بن أبي سلام الحبشي الدمشقي وقع. إلى اليمامة، أخو مُعاوية، روى عن: جده: أبي سلام ممطور الحبشي، وعبد الله بن زيد الأزرق، وعدي بن أرطاة. روى عنه: أخوه: معاوية، ويحيي بن أبي كثير. قال الدارقطني: زيد بن سلام، عن جده ثقتان. وقال يعقوب بن شيْبة: ثقة صدوق. روى له: الجماعة إلا البخاريّ (2) . وأبو سلام: ممطور بن الأعرج الباهلي الحبشي- نُسِب إلى حيّ من حمْير من اليمن لا إلى الحبشة- الدمشقيّ. روى عن: عليّ بن أبي طالب، وثوبان مولى النبي- عليه السلام-، وأبي سلمه راعي النبي- عليه السلام-، وغيرهم. روى عنه: ابنا ابنه: معاوية وزيد ابنا سلام، ومكحول، والأوزاعي، وغيرهم. قال أحمد بن عبد الله: تابعي ثقة. وقال البرقاني: زيد وجده ثقتان. روى له: الجماعة إلا البخاري (3) .
والسَّلُولي: أبو كبيشة، روى عن: عبد الله بن عَمْرو، وسهل ابن الحنظلية، وثوبان مَوْلى رسول الله. روى عنه: أبو سلام المذكور، وحسان بن عطية. وقال أحمد بن عبد الله: تابعيّ شامي ثقة. وقال عبد الغني بن سعيد في " الأوهام " التي أخذها على الحاكم أبي عبد الله: قال: قال أبو كبشة السَّلُولي: اسمه: البراء بن قيس؛ وهذا وهم؛ لأن أبا كبوة السلولي يُعد في الشاميين، وهو من هوازن، وهوازن ترجع إلى مضر، والبراء بن قيس كوفي من السكون، والسكون من اليمن، والبراء ابن قيس يكنى أبا كيسة مثلها في الخط إلا أنه بالياء باثنتين من تحتها والسين المهملة. روى له: البخاريّ، وأبو داود، والترمذي (4) .
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (10/ 2111) .
(3) المصدر السابق (28/ 172 6) .
(4) المصدر السابق (34/ 7583) .(4/141)
وسهل: ابن الربيع بن عَمرو بن عدي بن زيد بن جشم بن حارثة، وهو سهل ابن الحنظلية؛ وهي أمه، شهد بَيْعة الرضوان مع رسول الله - عليه السلام-، وروى عن النبي- عليه السلام-، وكان متعبدا متوحدا لا يُخالط الناس، سكن دمشق وكانت داره بها في حَجَرِ الذهب. روى عنه: أبو كبشة السلولي، وقَيْس بن بشر التغلبي، والقاسم بن عبد الرحمن. مات بدمشق في أول خلافة معاوية، ولا عقب له. روى له: أبو داود، والنسائي (1) .
قوله: " ثُوب بالصلاة " أي: أقيم لها.
قوله: " وهو يَلتفتُ " جملة حالية.
قوله: لا إلى الشِّعْب،- بكسر الشين المعجمة، وسكون العين المهملة- وهي الطريق في الجبل، وجمعها: شِعاب. وبهذا قالت العلماء: إذا التفت المصلي في صلاته لأجل ضرورة أو حاجة شديدة، لا بأس به، ولا يضر ذلك صلاته، وبغير الضرورة يكره- لما قلنا- ولو نظر بمؤخر عيْنه يمنةً أو يسرةً من غير أن يَلْوي عنقه لا يكره؛ " (2) لما روى الترمذي، والنسائي بإسنادهما إلى ابن عباس قال: " كان رسول الله يلحظ في الصلاة يمينا وشمالا، ولا يَلْوي عنقه خلف ظهره ". قال الترمذي: حديث غريب. ورواه ابن حبان في 9 صحيحه " في النوع الأول من القسم الرابع مرفوعا، والحاكم في "المستدرك " (3) وقال: صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه. ورواه الدارقطني في " سننه ".
وقال ابن القطان في كتابه: هذا حديث صحيح؛ دان كان غريبا. وروى البزار في "مُسنده" بإسناده إلى ابن عباس أن النبي- عليه السلام- كان إذا صلى يُلاحظ أصحابه في الصلاة يمينا وشمالا ولا يلتفت. ورواه
__________
(1) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (2/ 95) ، وأسد الغابة (3/ 469) ، والإصابة (2/ 86) .
(2) انظر: نصب الراية (2/ 89- 90)
(3) (1/ 226، 256) .(4/142)
ابن عدي في "الكامل ". وقال أبو بكر بن أبي شيبة: حدَّثنا وكيع، عن عبد الله بن سعيد، عن رجل من أصحاب عكرمة أن رسول الله كان يلحظ في الصلاة من غير أن يثني عنقه.
قلت: فيه مجهول وانقطاع.
وحدَّثنا هشيم قال: نا خالد، عن أنس بن سيرين قال: رأيتَ أنسَ ابن مالك يَتشرفُ إلى الشيء، يَنظرُ إليه في الصلاة.
وحدَّثنا وكيع، عن الوليد بن عبد الله بن جميع قال: رأيتُ إبراهيم يَلحظُ يمينا وشمالا.
ص- قال أبو داود: يعني: وكان أرسلَ فارسا إلى الشعْبِ مِن الليلِ يحرس.
ش- أي: كان رسولُ الله- عليه السلام- أرْسلَ فارسا إلى الشعْب من الليْل يَحْرسُ [....] ، (1) /.
* * *
160- بَابُ: العَمَل فِي الصَّلاة
أي: هذا باب في بيان حكم العمل في الصلاة.
893- ص- نا القعنبي: نا مالك، عن عامر بن عبد الله بن الزبَير، عن عَمرِو بن سُليم، عن أبي قتادةَ أن رسولَ الله كان يُصلي وهو حَامل أمَامةَ بنت زينبَ ابنةَ (2) رسولِ الله، فهذا سجَدَ وضًعَها وافق قَامَ حَملَها (3) . ش- أبو قتاده: الحارث بن رِبْعي، وقد ذكرناه. وأمامه- بضم
__________
(1) بيض له المصنف قدر ثلاثة أرباع سطر.
(2) في سنن أبي داود: "بنت".
(3) البخاري: كتاب الصلاة، باب: إذا حمل جارية صغيرة على عنقه في الصلاة (516) ، مسلم: كتاب المساجد، باب: جواز حمل الصبيان في الصلاة (543) ، النسائي: كتاب السهو، باب: حمل الصبايا في الصلاة ووضعهن في الصلاة (3/ 10) .(4/143)
الهمزة- بنت زيْنب- رضي الله عنها-، وكانت زينب أكبر بنات رسول الله- عليه السلام-، وكانت فاطمة أصغرَهن وأحبهنّ إلى رسول الله- عليه السلام-، وكان أولاد النبي- عليه السلام- كلها من خديجة سوى إبراهيم، فإنه من مارية القبطية، وتزوج النبي- عليه السلام- خديجة بنت خويلد بن أسد بن عَبد العزى بن قصَيّ بن كلاب القرشية قبل البعثة. وقال الزهري: وكان عمر رسول الله- عليه السلام- يومئذ إحدى وعشرين سنة، وقيل: خمسا وعشرين سنة زمان بُنيت الكعبة، قاله الواقدي، وزاد: ولها من العمر خمس وأربعون سنة، وقيل: كان عمره- عليه السلام- ثلاثين سنة وعمرها أربعين سنةً، وقال ابن جريج: كان- عليه السلام- ابن سبع وثلاثين سنة، فولدت له القاسمِ- وبه كان يكنى- والطاهر- وزينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة، وتزوج بزينب أبو العاص بن الربيع فولدَت منه عليا وأمامة، وهي التي كان رسول الله يحملها في الصلاة، ولعل ذلك كان بعد موت أمها سنة ثمان من الهجرة على ما ذكره الواقدي وقتادة، وكأنها كانت طفلا صغيرةً، وقد تزوجها علي بن أبي طالب بعد موت فاطمة، فولدت منه محمداً، وكانت وفاة زينب في سنة ثمان، قاله الواقدي، وقال قلادة عن ابن حزم: في أول سنة ثمان.
قوله: " وهو حامل " جملة اسمية وقعت حالا من الضمير الذي في "يُصلي "، ثم تكلم الناسُ في حكم هذا الحديث، فقال الشيخ محيي الدين (1) : هذا يدل لمذهب الشافعي ومن وافقه أنه يجوز حمل الصبي والصبيّة وغيرهما من الحيوان في صلاة الفرض وصلاة النفل، ويجوز ذلك للإمام والمأموم والمنفرد.
قلت: أما مذهب أبي حنيفة في هذه المسألة فقد قال صاحب "البدائع" في بيان العمل الكثير الذي يفسد الصلاة والقليل الذي لا يفسد: فالكثير
__________
(1) شرح صحيح مسلم (32/5) .(4/144)
ما يحتاج فيه إلى استعمال اليدين، والقليل ما لا يحتاج فيه إلى ذلك،
حتى قالوا: إذا زَرّر قميصه في الصلاة فسدت صلاته، وإذا حل إزراره لا
تفسد، وقال بعضهم: كلُّ عمل لو نظر إليه الناظرُ من بعيد لا يَشك أنه
في غير الصلاة فهو كثير، وكل عمل لو نظر إليه الناظرُ بما يَشتبه عليه أنه
في الصلاة فهو قليل، وهذا أصح، وعلى هذا الأصل يخرجُ ما إذا قاتل
في صلاته في غير حالة الخوف أنه تفسدُ صلاته؛ لأنه عمل كثير ليس من
أعمال الصلاة، وكذا إذا أخذ قوساً ورمى فسدت صلاته، وكذا لو دَهَن
أو سرح رأسه، أو حملت امرأة صبيها فأرضعته لوجود العمل الكثير على العبارتين، فأما حملُ الصبي بدون الإرضاع فلا يُوجب الفساد؛ لما روي
أن النبي- عليه السلام- كان يُصلي في بيْته وقد حمل أمامة بنت
أبي العاص على عاتقه، فكان إذا سجد وضعها، وإذا قام رفعها، ثم
هذا الصنيع لم يكره منه- عليه السلام- لأنه كان محتاجا إلى ذلك لعدم
من يحفظها، أو لبيانه الشرع بالفعل، وهذا غيرُ موجب فسادَ الصلاةِ،
ومثل هذا- أيضا- في رماننا لا يكره لواحد منا لوً فعل ذلك عند
الحاجة، أما بدون الحاجة فمكروه. انتهى.
وذكر أشهب عن مالك أن ذلك كان من رسول الله- عليه السلام- في
صلاة النافلة، وأن مثل هذا الفعل غير جائز في الفريضة. قال أبو عُمر:
حَسْبك بتفسير مالك، ومن الدليل على صحة ما قاله في ذلك أني لا أعلم
خلافا أن مثل هذا العمل في الصلاة مكروه.
وقال الشيخ محيي الدين (1) : هذا التأويل فاسد؛ لأن قوله: "يؤم
الناسَ" صريح أو كالصريح في أنه كان في الفريضة.
قلت: هو ما رواه سفيان بن عيينة يُسنِدهُ إلى أبي قلادة الأنصاري قال:
رأيت النبي- عليه السلام- يؤم الناسَ/ وأمامة بنت أبي العاص وهي [2/28 - أ]
__________
(1) المصدر السابق.
10- شرح سنن أبي داوود 4(4/145)
بنت زينب ابنة رسول الله- عليه السلام- على عاتقه؛ ولأن الغالب في إمامة رسول الله- عليه السلام- كانت في الفرائض دون النوافل.
وقال الشيخ محيي الدين (1) : وادعى بعض المالكية أنه منسوخ.
وقال الشيخ تقي الدين: وهو مروي عن مالك- أيضا.
وقال أبو عمر: ولعل هذا نسخ بتحريم العمل والاشتغال بالصلاة. وقد رد هذا بأن قوله- عليه السلام-: " إن في الصلاة لشغلا" كان قبل بدر عند قدوم عبد الله بن مسعود من الحبشة، وأن قدوم زينب وابنتها إلى المدينة كان بعد ذلك؛ ولو لم يكن الأمر كذلك لكان فيه إثبات النسخ بمجرد الاجتهاد. وروى أشهب، وابن نافع، عن مالك: أن هذا كان للضرورة. وادعى بعض المالكية أنه خاص بالنبي- عليه السلام-، ذكره القاضي عياض.
وقال الشيخ محيي الدين (2) : وكل هذه الدعاوى باطلة ومردودة؛ فإنه
لا دليل عليها ولا ضرورة إليها؛ بل الحديث صحيح صريح في جواز ذلك وليس فيه ما يخالف قواعد الشرع؛ لأن الآدمي طاهر وما في جوفه من النجاسة معفو عنه لكونه في معدته، وثياب الأطفال وأجسادهم على الطهارة ودلائل الشرع متظاهرة على أن هذه الأفعال في الصلاة لا تبطلها إذا قلت أو تفرقت، وفعل النبي- عليه السلام- هذا بيانا للجواز وتنبيها به عليه.
قلت: وقد قال بعض أهل العلم: إن فاعلاً لو فعل مثل ذلك لم أر عليه إعادة من أجل هذا الحديث، لان كنت لا أُحب لأحد فعله. وقد كان أحمد بن حنبل يُجيز هذا. قال الأثرم: سئل أحمدُ: َ أيأخذ الرجلُ ولده وهو يُصلي؟ قال: نعم، واحتج بحديث أبي قتادة.
وقال الخطابي (3) : يُشبه أن يكون هذا الصنيع من رسول الله- عليه السلام- لا عن قصدِ وتعمد له في الصلاة ولعل الصبية لطول ما ألفته واعتادته من ملابسته في غير الصلاة، كانت تتعلق به، حتى تلابسه وهو
__________
(1) المصدر السابق
(2) نفسه.
(3) معالم السنن (1/188) .(4/146)
في الصلاة فلا يدفعها عن نَفسه ولا يُبْعدها، فإذا أراد أن يَسْجد وهي على عاتقه وضعها بأن يَحُطها أو يُرسلها إلىَ الأرض حتى يَفرغ من سجوده، فإذا أراد القيامَ وقد عادت الصبيةُ إلى مثل الحالة الأولى لم يدافعها ولم يَمْنعها، حتى إذا قام بقيت محمولةً معه. هذا عندي وجه الحديث، ولا يكاد يتوهم عليه- عليه السلام- أنه كان يتعمد لحملها عليه ووضعها وإمساكها في الصلاة تارةً بعد أخرى؛ لأن العمل في ذلك قد يكثر فيتكرّر، والمصلي يشتغل بذلك عن صلاته، ثم ليس في شيء كثر من قضائها وطرا من لعبٍ لا طائل له، ولا فائدة فيه، وإذا كان علم الخميصة يُشْغلهُ عن صلاته حتى يستبدل بها الأنبجانية، فكيف لا يشتغل عنها بما هذا صفته من الأمْر؟ وفي ذلك بيان ما تأولناه، والله أعلم.
وقال الشيخ محيي الدين (1) : بعد أن نقل ملخّص كلام الخطابي:
هذا الذي ذكرناه وهو باطل ودعوى مجردة، ومما يَرُد قولَه في "صحيح مسلم": " فإذا قام حملها"، وقوله: " فإذا رفع من السجود أعادَها "، وقوله في غير رواية مسلم: " خرج علينا حاملاً أمامة فصلّى،، وذكر الحديث. وأما قضية الخميصة: فلأنها تشغل القلب بلا فائدة، وحمل أمامة لا نسلم أنه يُشغلُ القلبَ، وإن شغله فيترتبُ عليه فوائد وبيان قواعد مما ذكرناه وغيره، فاحتمل ذلك الشَّغْل لهذه الفوائد بخلاف الخميصة؛ فالصواب الذي لا معدل عنه: أن الحديث كان لبيان الجواز والتنبيه على هذه الفوائد، فهو جائز لنا وشرع مستمر للمسلمين إلى يوم الدين.
قلت: الصواب مع الشيخ محيي الدين؛ لأن الحديث صحيح، والنسخ والخصوصية والتقييدُ بالفعل وغير ذلك لم يثبت، فوجب العمل به، ولا حاجة إلى تكثير الكلام الذي ليْس تحته طائل ولا منفعة. والحديث: أخرجه البخاري، ومسلم، والنسائي.
894- ص- لا قتيبةُ: لا الليث، عن سعيد بن أبي سعيد، عن عمرو بن
__________
(1) شرح صحيح مسلم (5/32 - 33) .(4/147)
سُليم الزرقي سمع أبا قتادةَ يقولُ: بينا نحنُ في المسجد إذ خَرجَ علينا [2/ 28 - ب] ، رسولُ الله يَحملُ أمَامة بنتَ أبي العاصِ بنِ الربيع، وأمُهاَ زينبُ بنتُ/ رسول اللهَ- عليه السلام- وهي صَبية يَحملُها على عاتِقه، فَصلي رسولُ الله
وهي عَلَىَ عَاتقه يَضَعُها إذَا رَكعَ وَيُعيدُها إذا قَامَ حتى قضَى صَلاتَه، يَفْعلُ
ذلك بها (1) .َ
ش- "بينا" أصله "بَيْن " زيدت فيه الألف للإشباع؛ وقد مر الكلام فيه غير مرة.
قوله: " بنت أبي العاص بن الربيع " " (2) هو الصحيح المشهور في كتب أسماء الصحابة وكتب الأنساب وغيرهما، أنه أبو العاص بن الربيع، ورواه كثر رواة "الموطأ" عن مالك فقالوا: ابن ربيعة، وكذا رواه البخاري من رواية مالك. قال القاضي عياض: وقال الأصيلي: هو ابن ربيع بن ربيعة. فنسبه مالك إلى جَدته. قال القاضي: وهذا الذي قاله غير معروف، ونسبُه عند أهل الأخبار والأنساب باتفاقهم: أبو العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف، واسمُ أبي العاص: لقيط، وقيل: هشيم، وقيل: مهشم". وقال الزبير، عن محمد بن الضحاك، عن أبيه: اسمُه: القاسم. وقال أبو عُمر: وا"ثر: لقيط ويُعرفُ بجرْو البطحاء، وربيعة عَمّه، وأم أبي العاص: هالة، وقيل: هنْد بنت خويلد، أخت خديجة- رضي الله عنها- لأبيها وأمها. وفال ابن إسحاق: وكان أبو العاص من رجال مكة المعدودين مالا وأمانةً وتجارةً وكانت خديجة هي التي سألت رسول الله أن يُزوجه بابنتها زينب، وكان لا يخالفها، وذلك قبل الوحي، وكان عليه السلام قد زَوج ابنته رُقية من عُتبة بن أبي لهب، فلما جاءه الوَحيُ قال أبو لهب: اشغلوا محمداً بنفسه، وأمَر ابنه عُتْبة فطلق ابنة رسول الله قبل الدخول، فتزوَجها عثمان
__________
(1) البخاري: كتاب الصلاة، باب: إذا حمل جارية صغيرة على عنقه في الصلاة (516) ، مسلم: كتاب المساجد، باب: جواز حمل الصبيان في الصلاة (543) ، النسائي: كتاب المساجد، باب: إدخال الصبيان المساجد (2/ 45) ، وكتاب الإمامة، باب: ما يجوز للإمام من العمل في الصلاة (2/ 95) و (3/ 10) .
(2) انظر: شرح صحيح مسلم (33/5) .(4/148)
ابن عفان- رضي الله عنه- ومَشوا إلى أبي العاص فقالوا له: فارِقْ صاحبتك ونحنُ نُزوجك بأي امرأة من قريش شئتَ. قال: لا والله، إذا لا أفارق صاحبتي، وما أحب أن لي بامرأتي امرأةً من قريش، َ وكان رسول الله يثني عليه في صهْره، وكان رسول الله لا يُحِل بمكة ولا يحرّم مغلوباً على أمره، وكان الإسلام قد فرق بين زينب وبين أبي العاص، فكان لا يقدرُ على أن يُفرق بينهما.
وقال ابن كثير: إنما حرم الله المسلمات على المشركين عام الحديبية سنة ست من الهجرة. انتهى. وكان أبو العاص في غزِوة بدر مع المشركين ووقع في الأسرى. قال ابن هشام: وكان الذي أسره خراش بن الصمة أحد بني حَرَام.
وقال ابن إسحاق، عن عائشة- رضي الله عنها-: لما بعث أهل مكة
في فداء أسْراهم بعثت زيْنب بنت رسول الله في فداء أبي العاص بمالٍ، وبعثت فيه بقلادة لها كانت خديجة أدخلتها بها على أبي العاص حين بنى عليها، قالت: فلما رآها رسول الله رق لها رقةً شديدةً وقال: " إن رأيتم أن تُطلقوا لها أسيرَها، وترقوا عليها الذي لها فافعلوا، قالوا: نعم يا رسول الله، فأطلقوه، ووفوا عليها الذي لها. قال ابن إسحاق: وقد كان رسول الله قد أخذ عليه أن يخلي سبيل زينب- يعني: أن تهاجر إلى المدينة- فوفى أبو العاص بذلك. وقال ابن إسحاق: ولما رجع أبو العاص إلى مكة أمَرها باللحوق إلى أبيها فخرجت ولحقت بأبيها - عليه السلام-، وأقام أبو العاص بمكة على كفره، واستمرت زينب عند أبيها بالمدينة، حتى إذا كان قبيل الفتح خرج أبو العاص في تجارة لقريش، فلما قفل من الشام لقيته سرية فأخذوا ما معه وأعجزهم هربا، وجاء تحت الليل إلى زوجته زينب، فاستجار بها فأجارته فلما خرج رسول الله لصلاة الصبح وكبر وكبّر الناسُ خرجت من صُفة النساء: أيها الناسُ، إني قد أجرتُ أبا العاص بن الربيع، فلما سلم رسول الله أقبل على الناس فقال: " أيها الناسُ، هل سمعتم الذي سمعتُ؟ " قالوا: نعم، قال: "أما والذي نفس محمد بيده ما علمت بشيء حتى سمعتُ ما سمعتم، وإنه يجيرُ على المسلمين أدناهم "، ثم انصرف رسول الله(4/149)
فدخل على ابنته زينب، فقال: " أيْ بُنية، أكرمي مثواه ولا يخلصُ إليك؛ فإنك لا تحلين له" قال: وبعث رسول الله فحثهم على رد ما كان معه، فردوه بأسْره لا يفقد منه شيئا، فأخذه أبو العاص ورجع به إلى مكة، فأعطى كل إنسان ماله ثم قال: يا معشر قريش، هل بقي لأحد معكم عندي مال لم يأخذه؟ قالوا: لا، فجزاك الله خيرا/ فقد وجدناك وفيا كريما، قال: فإني أشهد أنْ لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، والله ما منعني عن الإسلام عنده إلا تخوف أن تظنوا أني إنما أردتُ أن آكل أموالكم، فلما أدى الله إليكم، وفرغت منها أسلمتُ، ثم خرج حتى قدم على رسول الله.
قال ابن إسحاق: فحدثني داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: ورد عليه رسول الله ابنته زينب على النكاح الأول، لم يُحدث شيئاً وسنذكر حقيقة هذا الكلام في موضعه إن شاء الله تعالى. قوله: " يضعها إدْا ركع " إلى آخره أي: يَضع أمامة إذا أراد الركوع.
فإن قيل: أليْس هذا بعمل كثير؟ والعمل الكثير يُفسد الصلاة؟ قلت: هذه الأفعال وإن تعددت ولكنها غير متوالية في كل ركن من أركان الصلاة، فلا يضر ذلك، فصار ذلك الفعل منه- عليه السلام- بيانا للتشريع والجوار في حمل الحيوان الطاهر، وأن ثياب الأطفال وأجْسادهم طاهرة حتى تتحقق نجاستها، وأن دخولهم المساجد جائز.
وقال الخطابية (1) : وفي الحديث دلالة على أن لَمْس ذوات المحارم لا ينقض الطهارة؛ وذلك لأنها لا تلابسُه هذه الملابسة إلا وقد تمسكه ببعض أعضائها.
قلت: قال الشيخ تقي الدين: أجيب عنه بأنه يحتمل أن يكون من وراء حائل، وهذا يُستمد من أن حكايات الأحوال لا عموم لها. وقال القرطبي: حكم من لا تُشتَهي منهن بخلاف حكم من تُشتَهى.
__________
(1) معالم السنن (1/188) .(4/150)
قلت: ويُستفادُ من هذا الحديث فائدة أخرى وهي عظيمة؛ وهي أن حمل الجارية على العُنق إذا لم تضر الصلاة، فمُرورُها بَيْن يدي المُصلي أوْلى وأجدر أن لا تقطعَ صلاته، فافهم.
895- ص- نا محمد بن سلمة المرادي: نا ابن وهب، عن مخرمة،
عن أبيه، عن عمرو بن سُليم الزرقي قال: سمعتُ أبا قتادةَ الأنصاريَّ يَقول رَأيتُ رسولَ الله يُصلي للناس وأمَامةُ بنتُ أي العاص على عُنُقه، فإذا سَجَدَ وَضَعَهَا (1) .ًً
ش- مخرمة: ابن بكير بن عبد الله بن الأشج المخزومي مولاهم
أبو المسور المدني. روى عن: أبيه. روى عنه: مالك بن أنس، وعبد الله بن المبارك، وعبد الله بن وهب، والقعنبي، وغيرهم. وقال أحمد بن صالح: كان مخرمة من ثقات الناس. وقال أحمد: ثقة. وقال عباس (2) ، عن ابن معين: هو ضعيف، وحديثه عن أبيه كتاب. وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به. روى له: البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه (3) .
وأبوه: بكير بن عبد الله، قد ذكرناه.
قوله: "فإذا سجد" أي: إذا أراد أن يَسْجد وضع أمامة.
ص- قال أبو داود: مخرمةُ لم يَسْمعْ (4) من أبيه ألا حديثا واحدا.
ش- أشار بهذا الكلام إلى أن مخرمة لم يسمع هذا الحديث من أبيه:
بكير بن عبد الله، ويُناقض هلما: ما روي عن مالك: قلتُ لمخرمة: ما حدثتَ عن أبيك سمعتَه منه؟ فحلَف بالله لقد سمعتُه. وما قال أبو حاتم: صالح الحديث إن كان سمع من أبيه، فكل حديث عن أبيه إلا
__________
(1) انظر التخريج المتقدم.
(2) في الأصل: " ابن عباس " خطأ، وأنما هو عباس الدوري.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (27/ 5829) .
(4) في سنن أبي داود: " لم يسمع مخرمة ".(4/151)
حديث يُحدثُ به عن عامر بن عبد الله بن الزبير، وما قال مَعْنُ بن
عيسى: مخرمةُ سمع من أبيه.
قلتُ: ومما يؤيدُ كلامَ أبي داود: ما رُوي أن أحمد بن حنبل سئل عنه
فقال: ثقة، ولم يسمع من أبيه شيئا؛ إنما يَرْوي من كتاب أبيه. ومَا قال
ابن أبي خيثمة ويحيي بن معين: وقع إليه كتابُ أبيه ولم يَسْمعْه منه. وما
قال ابن المديني: ولم أجد أحدا بالمدينة يخبرني عن مخرمة، أنه كان
يقول في شيء من حديثه: سمعتُ أبي.
896- ص- نا يحيى بن خلف: نا عبد الأعلى: نا محمد بن إسحاق،
عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن عَمرو بن سُليم الزرقي، عن أبي قتادةَ
صاحب رسول الله- عليه السلام- قال: بينما نحن نَنتظرُ رسول الله للصلاة
في الظهَرِ أو الَعَصرِ وقد دَعاهُ بلال للصلاة إذ خَرجَ إلينا وأمًامةُ بنتُ
أبي العاصِ بنتُ ابنتَهِ على عُنُقه، فَقَامَ رسولُ الله في مُصَلاه وقُمْنَا خَلفَه وهي
في مَكَانهَا الذي هي فيه، قال: فَكَبر فَكَبرنَا قال: حتى إذا أرَادَ رسولُ اللهِ أن
يَرْكَعَ أخذها فوضَعَها، ثم رَكَعَ وسجدَ، حتىِ إذا فَرغَ من سُجُوده ثم قَامَ
أخذها فَرَدها في مَكَانهَا، فما زالَ رسولُ الله يصْنعُ بها ذلك في كُلَّ رَكعةِ
حتى فَرغَ من صَلاِتهِ (1) .
ش- يحيي بن خلف: أبو سلمه الباهلي البصري، يُعرف بالجُوبَاري [2/ 29 - ب] روى عن: معتمر بن سليمان، وبشر بن المفضل، وعبد الأعلى بن عبد الأعلى السامي، وغيرهم. روى عنه: مسلم، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه، وغيرهم. مات بالبصرة سنة اثنتين وأربعين ومائتين (2) .
قوله: "في الظهر أو العَصْر" صريح أنه- عليه السلام- صلى الفرض
وهو حامل أمامة؟ وهذا يرد قول من يقول: إنه كان في النفل، وقد
ذكرناه.
__________
(1) انظر الحديث السابق.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (31/ 6819) .(4/152)
قوله: "على عنقه" وفي رواية: "على عاتقه"، وقد مر الكلام فيه مستوفى.
897- ص- نا مسلم بن إبراهيم: نا علي بن المبارك: نا يحيي بن أبي كثير، عن ضمضم بن جَوْسٍ، عن أبي هريرةَ قال: قال رسولُ [اللهِ]- عليه السلام-: "اقْتُلُوا الأسْودينِ في الصلاةِ: الحَيةَ، والعَقْربَ " (1) . ش- علي بن المبارك: الهنائي البصري.
وضمضم بن جَوْس: الهِفاني اليماني. سمع: أبا هريرة، وعبد الله ابن حنظلة بن الراهب. روى عنه: يحيي بن أبي كثير، وعكرمة بن عمار اليمانيان. قال ابن معين: هو ثقة. وقال أحمد: ليس به بأس. روى له: أبو داود، والنسائي، وابن ماجه، والترمذي (2) .
قوله: "اقتلوا الأسْودين، الأسود: أخبث الحيات وأعظمها، وهي من الصفة الغالبة حتى استعمل استعمال الأسماء، وجُمع جمعها، فيُقال: أسَاودُ، ولو استُعمل استعمالَ الصفة لقيل: سُود، ويُقال: أسَود سالخ غيرُ مضاف لأنه ينسلخُ جلده كل عامَ، والأنثى: أسْوَدة ولا تُوصَفُ بسَالخة، وإطلاق الأسود على العقرب- أيضا من باب التغليب كالعُمرَيْن والقمرين ونحوهما. وبهذا اتخذ علماؤنا أن المصلي إذا قتل الحية والعقرب لا بأس به؛ لأن فيه إزالة الشغْل، فأشْبه درْء المال، وقد قيل: هذا إذا قتله بضربة، والأظهر أن الضرب والضربات سواء؛ لأن القليل والكثير فيما ثبت رخصةَ سواء كالمشي بعد الحدث والاستقاء من البئر والتوضؤ بِه.
وقال الخطابية (3) : وفي معنى الحية والعقرب كل ضرار مباح القَتْل، كالزنابير والشبثان ونحوها.
__________
(1) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في قتل الحية والعقرب (390) ، النسائي: كتاب السهو، باب: قتل الحية والعقرب في الصلاة (1201) ،
ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في قتل الحية والعقرب في الصلاة (1245) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (13/ 2941) .
(3) معالم السنن (1/ 189) .(4/153)
قلت: الشبثان جمع شَبَث، وهي دُوَيبة تكون في الرمْل، كثيرة الأرجل، من أحناش الأرض؛ وهو بفتح الشين المعجمة والباء الموحدة، وفي آخره: ثاء مثلثة- والشِبْثان- بكسر الشين. وقال: ورخص عامة أهل العلم في قتل الأسودين في الصلاة، إلا إبراهيم النخعي.
قلت: روى أبو بكر بن أبي شيبة وقال: حدَّثنا هشيم، عن مغيرة، عن إبراهيم أنه سئل عن قتل العقرب في الصلاة فقال: إن في الصلاة لشغلا. قلت: لعل السُّنَّة المتبعة لم تبلغه فلذلك منع من ذلك. والحديث: أخرجه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه. وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي- عليه السلام-، وغيرهم، وبه يقولُ أحمد، وإسحاق. وكره بعض أهلُ العلم قَتلَ الحية والعقرب في الصلاة. وقال إبراهيم: إن في الصلاة لشُغْلا، والقولُ الأول أصحّ. والحديث: رواه ابن حبان في " صحيحه لما في النوع السبعين من القسم الأول، وفي النوع السبعين من القسم الرابع، وأحمد في "مسنده"، والحاكم في " مستدركه". وقال: حديث صحيح ولم يُخرجاه. ورواه أبو بكر بن أبي شيبة في " مصنفه "، وقال: وحدَّثنا معمر، عن برد، عن سليمان بن موسى قال: رأى نبي الله - عليه السلام- رجلا يُصلي جالسا، فقال النبي- عليه السلام-: "لِمَ تُصلي جالسا؟ "، فقال: إن عقربا لسَعَتْني، قال: (فإذا رأى أحدكم عقربا وإن كان في الصلاة، فيأخذ نعله اليُسْرى فليقتلها بها".
حدَّثنا ابن عيينة، عن عبد الله بن دينار: رأى ابن عمر ريشة وهو يصلي، فحسب أنها عقرب فضرَبها بنعله.
898- ص- نا أحمد بن حنبل، ومُسدّد- وهذا لفظه- قال: نا بشر
- يعني: ابن المفضل- نا بُرْد، عن الزهري، عن عروة بن الزبير، عن عائشةَ- رضي الله عنها- قالت: كان رسولُ اللهِ- عليه السلام- قال أحمدُ:(4/154)
يُصليِ وِالبَابُ عليه مُغلَق فجئتُ فاسْتفتَحتُ. قال أحمدُ: فَمشَى ففتَحَ لي، ثم رَجع إلى مُصَلاهُ، وذكر أَن البابَ كان في القِبلةِ (1) .
ش- بُرْد: ابن سنان الشامي أبو العلاء.
قوله: "قال أحمد" أي: أحمد بن حنبل. والحديث: أخرجه النسائي، وفي حديثه: " يُصلي تَطوُّعا". وقد قال الترمذي: " باب ما يجوز من المشي والعمل في صلاة التطوع "، ثم قال: حدثنا أبو سلمة يحيى بن خلف: نا بشْرُ بن المفضل، عن بُرد بن سنان، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: جئتُ ورسول الله- عليه السلام- يُصلي في البيْت والباب عليه مغلق، فمشى حتى فتح لي، ثم رجع إلى مكانه، ووصفت الباب في القِبْلة. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب. قوله: "ومشى" محمول على أنه مشى أقل من ثلاث خطوات لقُربه من الباب، وفتحه الباب- أيضا- محمول على أنه فتحه بيده الواحدة، وذلك لأن الفتح باليدين عمل كثير، فتفسد به الصلاة. وعن هذا قال أصحابنا: لو غلق المصلي الباب لا تفسد صلاته، ولو فتحه (2) فسدت؛ لأن الفتح يحتاج غالبا إلى المعالجة باليدين بخلاف الغلق، حتى لو فتحه (2) بيده لا تفسد.
/ 161- بَابُ: رَد السَّلام فِي الصلاة
أي: هذا باب في بيان حكم رَد السلام في الصلاة، وفي بعض النسخ: (باب رد السلام) .
899-ص- نا محمد بن عبد الله بن نُمير: نا ابن فضيل، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله قال: كنا نُسلم على النبي- عليه
__________
(1) أخرجه النسائي: كتاب الافتتاح، باب: المشي أمام القِبلة (3/ 11) .
(2) في الأصل: "فتحها".(4/155)
السلام- وهو في الصلاة فيَرُدُ علينا، فلما رَجَعْنَا من عند النجاشيِّ سَلَّمنا عليه فلم يرَدَّ علينا وقال: " إن في الصلاةِ لشُغْلاً " (1) .
ش- محمد بن عبد الله بن نُمير: أبُو عبد الرحمن الكوفي الهَمْداني الخارفي، وخارف بَطن من همدان. سمع: أباه، وأبا معاوية، وابن فضيل، وغيرهم. روى عنه: أبو زرعة، وأبو حاتم، والبخاري، ومسلم، وأبو داود، وابن ماجه، وأبو يعلى الموصلي، وغيرهم. وقال أحمد بن عبد الله: كوفي ثقة. مات سنة أربع وثلاثين ومائتين في شعبان أو رمضان.
وابن فضيل: هو محمد بن فضيل بن غزوان الكوفي (2) .
قوله: "فلما رجعنا من عند النجاشي" ذكر الواقدي أن خروج الصحابة إلى الحبشة كان في رجب سنة خمس، وأن أول من هاجر منهم أحد عشر رجلاً وأربع نسوة، وأنهم انتهوا إلى البَحْر ما بين ماشٍ وراكبٍ، فاستأجروا سفينةً بنصف دينار إلى الحبشة، وهم: عثمان بن عفان، وامرأته: رقية بنت رسول الله، وأبو حذيفة بن عتبة، وامرأته: سهْلة بنت سُهيل، والزبير بن العوام، ومُصْعب بن عمير، وعبد الرحمن بن عوف، وأبو سلمه بن عبد الأسد، وامرأته: أم سلمي بنت أبي أمية، وعثمان بن مظعون، وعامر بن ربيعة العنزي، وامرأته: ليلى بنت أبي حَثْمَة، وأبو سَبْرة بنُ أبي رُهْم، وحاطب بن عَمرو، وسُهَيْل ابن بَيْضاء، وعبد الله بن مَسْعود. وقال آخرون: بل كانوا اثنين وثمانين رجلاً سوى نسائهم وأبنائهم، ثم بعد ذلك خرج جَعْفر بن أبي طالب ومعه: امرأته: أسماء بنْت عُميْس، وولدت له بها عبد الله بن جَعْفر، وتتابع
__________
(1) البخاري: كتاب التهجد، باب: ما ينهى من الكلام في الصلاة (1199) ، مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: تحريم الكلام في الصلاة ونسخ ما كان من مباحة له (538) ، النسائي: كتاب السهو، باب: الكلام في الصلاة (3/ 19) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (25/ 5379) .(4/156)
المسلمون حتى اجتمعوا بأرض الحبشة. وعد ابن إسحاق من خَرج صحبة جَعْفر فبلغ ثلاثة وثمانين رجلاَ، ثم إن عبد الله بن مسعود تعجل في الرجوع حتى أدرك بدراً وشهدها، وأما جَعْفر: فإنه قدم مع من كان بقي هُناك على رَسُول الله وهو مخيم بخيْبر سنة سبع من الهجرة. وأما النجاشي: فهو اسم كل مَن ملك الحَبشة، كما أن كل من ملك الشام مع الجزيرة مع بلاد الروم يُسمى "قيصر"، وكل من ملك الفُرْس سمي "كسْرى"، وكل من ملك مصْر كافرا سمي" فرعون"، وقد ذكرناه مرةَ. قوله: "إن في الصلاة لشُغْلا " أي: لشغلا للمُصلي، معناه: وظيفته أن يشتغل بصلاته فيتدبر ما يقوله ولا يعرج على غيرها فلا يرد سلاما ولا غيره. واختلف العلماء في هذه المسألة؟ فقالت جماعة: يَرد السَّلام فيها نُطقا؛ منهم: أبو هريرة، وجابر، والحسن، وسَعيد بن المسيب، وقتادة، وإسحاق. وقيل: يرد في نفسه. وقال عطاء، والنخعي، والثوري: يرد بعد السلام من الصلاة. وقال الشافعي، ومالك: يرد إشارةَ ولا يَرد نطقا. وقال أبو حنيفة وأصحابُه: لا يرد لا نطقا ولا إشارةً بكل حال. أما رده بلسانه؛ فلأنه كلام، وأما بيده؛ فلأنه سلام معنَى حتى لو صًافح بنية التسليم تفسد صلاته. والحديث: أخرجه البخاري، ومسلم، والنسائي.
900- ص- نا مُوسى بن إسماعيل: لا أبان: نا عاصم، عن أي وائل، عن عبد الله قال: كُنَّا نُسلم في الصلاة ونَأمُرُ بحاجَتنَا، فقدمتُ على رَسُولِ الله- عليه السلام- وهو يُصلي فسَلمْتُ عليه فلمَ يرد عَلي السلامَ، فأخذني مَا قَدُمَ وحَدُث (1) ، فلما قضَى رسولُ الله الصلاةَ قال: "إن اللهَ تَعالى يُحْدِثُ من أمْرِه ما يَشاءُ، وإن الله قد أحْدَثً (2) أن لا تكَلَمُوا في الصلاةِ" فردَّ عَلَيَّ السلَامَ (3) .
__________
(1) في سنن أبي داود: "وما حدث".
(2) في سنن أبي داود: "قد أحدث من أمره أن لا. . . "
(3) النسائي: كتاب السهو، باب: الكلام في الصلاة (3/ 19) .(4/157)
ش- أبان: ابن يزيد العطار، وعاصم: ابن بهدلة الأسدي الكوفي، وأبو وائل: شقيق بن سلمة.
قوله: "فأخذني ما قدُم وحَدُث " بضم الدال فيهما. قال ابن الأثير: يعني: همومُه وأفكارُه القديمةُ والحديثةُ، يقال: حدث الشيء بالفتح يحدُث حدوثا، فإذا قرن بقَدُم ضم للازدواج بقَدُم.
قوله: "أن لا تكَلمُوا " أصله: تتكلموا، فحذفت إحدى التائين للتخفيف كما في "نَارا تَلظي" (1) أصله: تتلظى.
ويُستفاد من الحديث مسائل؛ الأولى: عدم جواز رد السلام في الصلاة. الثانية: عدم جواز الكلام فيها أيضا.
الثالثة: ينبغي أن يَرُد السلام بعد الفراغ من الصلاة.
[2/ 30 - ب] ثم استدل/ أصحابنا بهذا الحديث أن من تكلم في صلاته بطلت صلاته سواء كان عامدا أو ساهيا لإطلاق قوله: "وإن الله أحْدث أن لا تكلموا في الصلاة"، وهو حُجة على الشافعي حَيْث قال: لا تفسد في الخطأ والنسيان.
وقال الشيخ محيي الدين (2) : وقالت طائفة منهم الأوزاعي: يجوز الكلام لمصلحة الصلاة؛ لحديث ذي اليدين، وأما الناسي: فلا تبطل صلاته بالكلام القليل عندنا، وبه قال مالك وأحمد والجمهورُ. وقال أبو حنيفة والكوفيون: تبطلُ دليلنا حديث ذي اليدين. فإن كثر كلام الناسي ففيه وجهان مشهوران لأصحابنا أصحهما: تبطل صلاته؛ لأنه نادر. وأما كلام الجاهل إذا كان قريب عهد بالإسلام فهو ككلام الناسي فلا تبطل صلاته بقليله.
وأجابَ بعضُ أصحابنا أن حديث قصة ذي اليدين منسوخ بحديث ابن مسعود وزيد بن أرقم؛ لأن ذا اليدين قُتِلَ يوم بَدرٍ؛ كذا رُوي عن
__________
(1) سورة الليل: (14) .
(2) شرح صحيح مسلم (21/5) .(4/158)
الزهري، وأن قصته في الصلاة كانت قبل بدر، ولا يمنع من هذا كون أبي هريرة رواه وهو متأخِرُ الإسْلام عن بدر؛ لأن الصحابي قد يَرْوي ما لا يَحضره بأن يَسْمعه من النبي- عليه السلام- أو صحابي آخر.
وقال البيهقي: "باب ما يستدل به على أنه لا يجور أن يكون حديث ابن مسعود في تحريم الكلام ناسخا لحديث أبي هريرة وغيره في كلام الناسي" وذلك تقدم حديث عبد الله وتأخر حديث أبي هريرة وغيره. قال ابن مسعود فيما روينا عنه في تحريم الكلام: "فلما رجعنا من أرض الحبشة، ورجوعه من أرض الحبشة كان قبل هجرة النبي- عليه السلام-، ثم هاجر إلى المدينة وشهد مع النبي- عليه السلام- بدرا، فقصة التسليم كانت قبل الهجرة. والجواب عن هذا: أن أبا عُمر ذكر في "التمهيد " أن الصحيح في حديث ابن مسعود أنه لم يكن الا بالمدينة، وبها نُهي عن الكلام في الصلاة، وقد روي حديث ابن مسعود بما يوافق حديث زيد بن أرقم قال: "كنا نتكلمُ في الصلاة: يكلمُ الرجل صاحبه وهو إلى جنبه في الصلاة حتى نزلت: "وَقُومُوا لله قانتين " (1) ، فأُمرنا بالسكوت، ونهينا عن الكلام "، وهو حديث صحيح صريح في أن تحريم الكلام كان بالمدينة؛ لأن صحبة زيد لرسول الله إنما كانت بالمدينة، وسورة البقرة مدنية، ثم ذكر حديث ابن مسعود من جهة شعبة، ولم يقل: إنه كان حين انصرافه من الحبشة، ثم ذكره من وجه آخر بمعنى حديث زيد سواء؛ ولفظه: "إن الله أحدث أن لا تكلموا الا بذكر الله، وأن تقوموا لله قانتين، ثم ذكر حديثا ثم قال: ففيه وفي حديث ابن مسعود دليل على أن المنع من الكلام كان بعد إباحته. فإن قيل: حديث ابن مسعود في سنده: عاصم ابن بهدلة. قال البيهقي في كتاب "المعرفة": صاحبا الصحيح توقيا روايته لسُوء حفظه. وقال أبو عمر في "لتمهيد ": مَن ذكر في حديث ابن مسعود: "إن الله أحدث أن لا تكلموا في الصلاة " فقد وهم، ولم يقل ذلك غير عاصم، وهو عندهم سيء الحفظ كثير الخطأ. قلت:
__________
(1) سورة البقرة: له 23) .(4/159)
الحديث رواه ابن حبان في " صحيحه"، والنَّسائي في " سننه" (1) . وقال البيهقي: ورواه جماعة من الأئمة عن عاصم بن أبي النجود، وتداوله الفقهاء إلا أن صاحبي الصحيح يتوقيان روايته لسُوء حفظه؟ فأخرجاه منْ طريق آخر ببَعْض مَعْناه. وقال أبو عمر: وقد رُوي حديث ابن مسعود بما يوافق حديث زيد بن أرقم- كما ذكرناه. وهذا القدر كاف في صحة الاستدلال.
ثم إن حديث عاصم ليس فيه: " فلما رجعنا من أرض الحبشة إلى مكة" بل يحتمل أن يُريد: "فلما رجعنا من أرض الحبشة إلى المدينة" ليتفق حديث ابن مسعود وحديث ابن أرقم. وقد ذكر ابن الجوزي أن ابن مسعود " عاد من الحبشة إلى مكة، رجع في الهجرة الثانية إلى النجاشي، ثم قدم على رسول الله بالمدينة وهو يتجهزُ لبدرٍ. وذكر البيهقي فيما بعد في هذا الباب من كلام الحميدي، أن إتيان ابن مسعود من الحبشة كان قبل بدر، وظاهر هذا يؤيد ما قلناه، وكذا قول صاحب" الكمال" وغيره: هاجر ابن مسعود إلى الحبشة، ثم هاجر إلى المدينة. ولهذا قال الخطابي (2) : إنما نسخ الكلام بعد الهجرة بمدة/ يسيرة، وهذا يدل على اتفاق حديث ابن مسعود وابن أرقم على أن التحريم كان بالمدينة كما تقدم من كلام صاحب "التمهيد".
وقد أخرج النسائي في "سننه" (3) من حديث ابن مسعود قال: كنت آتي النبي- عليه السلام- وهو يُصلي فأسلم عليه فيرد علي، فأتيتُه فسلمت عليه فلم يرد علي، فلما سلم أشار إلى القوم فقال: "إن الله عَز وجَل أحدث في الصلاة أن لا تتكلموا ألا بذكر الله، وما ينبغي لكم، وأن تقوموا لله قانتين". وظاهر قوله: "وأن تقوموا لله قانتين" يدل على
__________
(1) كتاب السهر، باب: الكلام في الصلاة (3/ 19) .
(2) معالم السنن (1/ 203) .
(3) كتاب السهو، باب: الكلام في الصلاة (3/ 19) .(4/160)
أن ذلك كان بالمدينة بعد نزول قوله تعالى: "وَقُومُوا (1) لله قانتين " مُوافقا لحديث زيد بن أرقم؛ فظهر بهذا كله أن قصة التسليم كَانت بعد الهجرة بخلاف ما ذكره البيْهقي، ثم إنه استدل على ما ذكره بحديث أخرجه عن ابن مسعود قال: بَعثنا رسول الله- عليه السلام- إلى النجاشي ونحن ثمانون رجلاً؛ وفي آخره قال: فجاء ابن مسعود فبادر فشهد بدرا. والجواب: ليس فيه أنه جاء إلى مكة كما زعمه؛ بل ظاهره أنه جاء من الحبشة إلي المدينة؛ لأنه جعل مجيئه وشهوده بدرا قريب هجرته إلى الحبشة بلا تراخ.
ثم خرفي عن مُوسى بن عقبة أنه قال: وممن يذكر أنه قدم على النبي
- عليه السلام- بمكة من مهاجرة أرض الحبشة الأولى، ثم هاجر إلى المدينة، فذكرهم وذكر فيهم ابن مَسْعود قال: وكان ممن شهد بدرا مع رسول الله، وهكذا ذكره سائر أهل المغازي بلا خلافٍ.
والجواب: أما قول ابن عقبة: " قدم على النبي- عليه السلام- بمكة
من مهاجرة الحبشة" أراد به الهجرة الأولى؛ فانه- عليه السلام- كان بمكة حينئذ، ولم يُرد هجرة ابن مسعود الثانية؛ فإنه- عليه السلام- لم يكن بمكة حينئذ. بل بالمدينة فلم يُرد ابن عقبة بقوله: " ثم هاجر إلى المدينة" أنه هاجر إليها من مكة؛ بل من الحبشة في المرة الثانية.
وأما قول البيهقي: " وهكذا ذكره سائر أهل المغازي" إن أراد به شهود
ابن مسعود بدرا فهو مسلم؛ ولكن لا يثبت به ما ادعاه أولا وإن أراد به
ما فهمه من كلام ابن عقبة أن رجوعه في المرة الثانية كان إلى مكة، وأنه هاجر منها إلى المدينة، ليستدل بذلك على أن تحريم الكلام كان بمكة، يُقال له: كلام ابن عقبة يدل على خلاف ذلك- كما قررناه- ولئن أراد ابن عقبة ذلك فليس هو مما اتفق عليه أهل المغازي كما تقدّم عن ابن الجوزي وغيره.
__________
(1) في الأصل: "فقوموا ".
11* شرح سنن أبي داود 4(4/161)
فإن قيل: فقد ذكر في كتاب "المعرفة " عن الشافعي أن في حديث ابن
مسعود، أنه مر على النبي- عليه السلام- بمكة، قال: فوجدته يُصلي
في فناء الكعبة، الحديث. قلنا: لم يذكر ذلك أحد من أهل الحديث غير الشافعي، ولم يذكر سنده ليُنظر فيه، ولم يجد له البيهقي سندا مع كثرة
تتبعه وانتصاره لمذهب الشافعي.
وذكر الطحاوي في "أحكام القرآن " أن مهاجرة الحبشة لم يرجعوا إلا
إلى المدينة، وأنكر رجوعهم إلى دار قد هاجروا منها؛ لأنهم منعوا من
ذلك، واستدل على ذلك بقوله- عليه السلام- في حديث سَعْد: " ولا
تردهم على أعقابهم ".
ثم ذكر البيهقي عن الحميدي أنه حَمَل حديث ابن مسعود على العَمْد
وإن كان ظاهره يَتناولُ العمد والنسيان، واستدل على ذلك فقال: كان
إتيان ابن مسعود من أرض الحبشة قبل بدر ثم شهد بدرا بعد هذا القول،
فلما وجدنا إسلام أبي هريرة والنبي- عًليه السلام- بخيبر قبل وفاته
بثلاث سنين، وقد حضر صلاة رسول الله، وقولَ ذي اليدين، ووجدنا
عمران بن حصين شهد صلاة رسول الله مَرةً أخرى، وقولَ الخرباق،
وكان إسلام عمران بعد بدرٍ، ووجدنا معاوية بن حُدَيج حضَر صلاةَ
رسول الله، وقولَ طلحة بن عبيد الله، وكان إسلامِ معاوية قبل وفاة
النبي- عليه السلام- بشهرين، ووجدنا ابن عباس يُصوبُ ابن الزبير في
ذلك، ويذكر أنها سُنَة رسول الله، وكان ابن عباس ابن عشر سنين حين [2/31 - ب] قبض النبي- عليه السلام-،/ ووجدنا ابن عمر روى ذلك، وكان أجازه (1) النبي- عليه السلام- ابنَ عمر يوم الخندق بعد بدر، علمنا أن
حديث ابن مسعود خُص به العمدُ دون النسيان، ولو كان ذاك الحديث في
النسيان والعمد يومئذ لكانت صلاة رسول الله هذه ناسخةً له لا بعده.
والجواب: أنه ليس للحميدي دليل على أن ابن مسعود شهد بدرا بعد
__________
(1) كذا.(4/162)
هذا القول، وعلى تقدير صحة ذلك نَقول: هذا القول كان بالمدينة قبل بدر، وقضية ذي اليدين- أيضا- كانت قبل بدر؛ لكن قضية ذي اليدين كانت متقدمة على حديث ابن مسعود وابن أرقم، فنسخت بهما؛ يدل على ذلك: ما رواه البيهقي في آخر " باب من قال: يسجدهما قبل السلام في الزيادة والنقصان " بسند جيد من حديث معمر، عن الزهري، عن أبي سلمة وأبي بكر بن سليمان، عن أبي هريرة، فذكر صلاة النبي - عليه السلام- وسَهوَه، ثم قال الزهري: وكان ذلك قبل بدر ثم استحكمت الأمور بعدُ، فهذا يدل على أن أبا هريرة لم يحضر تلك الصلاة لتأخر إسلامه عن هذا الوقت، وأيضا- فإن ذا اليدين قُتِل ببدرٍ. وروى الطحاوي عن ابن عمر قال: كان إسلام أبي هريرة بعد ما قتل ذو اليدين.
وذكر ذلك ابن عبد البر، وابن بطال، وذكر عن ابن وهب أنه قال:
إنما كان حديث ذي اليدين في بَدء الإسلام، ولا أرى لأحد أن يَفْعله اليوم، وقولُ أبي هريرة: صلى بنا رسول الله- يعني: بالمسلمين- وهذا جائز في اللغة. روى عن النزال بن سَبرة قال: قال لنا رسول الله: " أنا وإياكم كنا ندعى بني عبد مناف" الحديث. والنزالُ لم يرَ رسول الله، وإنما أراد بذلك: قال لقومنا. وروى طاوس قال: قدم علينا معاذ بن جبل فلم يأخذ من الخضروات شيئا، وإنما أراد: قدم بلدنا؛ لأن معاذا إنما قدم في عهد رسول الله قبل أن يُولد طاوس، ذكر ذلك الطحاوي، ومثله هذا ذكره البيهقي في " باب البيان أن هذا النهي مخصوص ببعض الأمكنة " (1) عن مجاهد قال: جاءنا أبو ذر إلى آخره، ثم قال البيهقي: مجاهد لا يثبت له سماع من أبي ذر؛ وقوله: " جاءنا " يعني: جاء بلدنا.
قال الطحاوي: ومما يدل على أن نسخ الكلام في الصلاة كان بالمدينة:
__________
(1) السنن الكبرى: كتاب الصلاة (2/ 461) .(4/163)
أن أبا سعيد الخدري روي عنه أنه قال: كنا نرد السلامَ في الصلاة حتى نُهينا عن ذلك، فأخبر أنه أدرك إباحة الكلام في الصلاة؛ وهو في السن دون ابن أرقم بدهر طويل.
فإن قيل: قد ورد في بعض روايات مسلم في قصة ذي اليدين أن
أبا هريرة قال: "بينما أنا أصلي مع النبي- عليه السلام- "، وهذا تصريح منه أنه حضر تلك الصلاة، فانتفى بذلك تأويل الطحاوي. قلنا: يحتملُ أن بعض رواة هذا الحديث فهم من قول أبي هريرة: (صلى بنا) أنه كان حاضرا، فروى الحديث بالمعنى على زعمه قال: "بينما أنا أصلي" هذا لان كان فيه بعد إلا أنه يُقر به ما ذكرنا من الدليل على أن ذلك كان قبل بدر، ويدل عليه- أيضا- أن في حديث أبي هريرة: "ثم قام إلى خشبة في مقدم المسجد فوضع يديه عليها" وفي حديث عمران بن حصين: "ثم دخل منزله"، ولا يجوز لأحد اليوم أن ينصرف عن القِبلة ويمشي، وقد بَقي عليه شيء من صلاته، فلا يخرجه ذلك عنها.
فإن قيل: فعل ذلك وهو لا يرى أنه في الصلاة. قلنا: فيلزمُ على هذا: أنه لو كل أو شرب أو باع أو اشترى وهو لا يرى أنه في الصلاة، أنه لا يخرجه ذلك منها، وأيضا فقد أخبر النبي- عليه السلام- ذو اليدين، وخبر الواحد يجب العمل به، ومع ذلك تكلم- عليه السلام- وتكلم الناسُ معه مع إمكان الإيماء، فدل على أن ذلك كان والكلام في الصلاة مُباح ثم نسخ كما تقدم.
فإن قيل: قد جاء في رواية حماد بن زيد: "أنهم أومأوا". قلنا: قد اختلف على حماد في هذه اللفظة؛ قال البيهقي في كتاب (المعرفة) : هذه اللفظة ليست في رواية مسلم، عن أبي الربيع، عن حماد؛ وإنما هي في رواية أبي داود، عن محمد بن عُبيد. وروى/ الطحاوي أن عمر - رضي الله عنه- كان مع النبي- عليه السلام- يوم ذي اليدين، ثم حدثت به تلك الحادثة بعد النبي- عليه السلام-، فعمل فيها بخلاف ما عمل- عليه السلام- يومئذ، ولم ينكر عليه أحد ممن حضر فعله من(4/164)
الصحابة، وذلك لا يصح أن يكون منه ومنهم إلا بعد وقوفهم على نسخ
ما كان منه- عليه السلام- يوم ذي اليدين، ويدل على ذلك- أيضا- أن الأمة أجمعت على أن السنة من الإمام إذا نابه شيء في صلاته أن يسبح به، ولم يُسبح ذو اليدين برسول الله، ولا أنكره- عليه السلام- عليه، فدل على أن ما أمر به- عليه السلام- من التسبيح للنائبة في الصلاة متأخر عما كان في حديث ذي اليدين.
فإن قيل: قد سجد النبي- عليه السلام- سجدتي السهو في حديث
ذي اليدين، ولو كان الكلام حينئذ مباحا كما قلتم لما سجدهما. قلنا:
لم تتفق الرواةُ على أنه- عليه السلام- سجدهما؛ بل اختلفوا في ذلك. قال البيهقي: لم يحفظهما الزهري لا عن أبي سلمة، ولا عن جماعة حدثوه بهذه القصة عن أبي هريرة. وخرج الطحاوي، عن الزهري قال: سألت أهل العلم بالمدينة فما أخبرني أحد منهم أنه صلاها- يعني: سجدتي السهو- يوم ذي اليدين؛ فإن ثبت أنه لم يسجدهما فلا إشكال، وإن ثبت أنه سجدهما نقول: الكلام في الصلاة- "أن كان مباحا حينئذ- لكن الخروج منها بالتسليم قبل تمامها لم يكن مباحا، فلما فعل- عليه السلام- ذلك ساهيا كان عليه السجود لذلك.
وقال الشيخ علاء الدين المارديني في "الجوهر النقي في الرد على البيهقي": ثم إني نظرتُ فيما بأيدينا من كتب الحديث، فلم أجد في شيء منها أن عمران بن الحصين حضر تلك الصلاة، ولم يذكر البيهقي ذلك مع كثرة سَوْقه للطُرق؛ بل في كتاب النسائي، عن عمران أنه- عليه السلام- صلي بهم وسهى، فسجد ثم سلم، وكذا في "صحيح مسلم " وغيره بمعناه؛ والأظهر: أن ذلك مختصر من حديث ذي اليدين؛ فظاهر قوله: مصلى بهم " أنه لم يحضر تلك الصلاة، وإذا حُمل حديث أبي هريرة على الإرْسال بما ذكرنا من الأدلة، فَحمْلُ حديث عمران على ذلك أوْلى، وحديث مُعاوية بن حُدَيْج رواه عنه سُويدُ بن قَيْس المِصْري التُجِيبي. قال الذهبي في كتابه " الميزان" و "الضعفاء": مجهول(4/165)
تفرد عنه: يزيد بن أبي حبيب. وفي حديث معاوية هذا مخالفة لحديث
ذي اليدين من وجوه تظهر لمن ينظر فيه، وفيه: أنه- عليه السلام- أمر
بلالا فأقام الصلاة، ثم أتم تلك الركعة، وأجمعوا على العمل بخلاف
ذلك، وقالوا: إن فعلَ الإقامة ونحوها يقطع الصلاة، وتَصويبُ ابن
عباس لابن الزبير في ذَلك ذكره البيهقي من طريقي، في أحدهما: حماد
ابن سلمي، عن عسل بن سفيان، وقال في " باب منْ مر بحائط إنسان":
ليس بالقوي، وعسْل: ضعفه ابن معين وأبو حاتم والبخاري وغيرهم.
وفي الطريق الثانيَ: الحارث بن عُبيد أبو قدامة. قال النسائي: ليس
بالقوي. وقال أحمد: مضطرب الحديث، وعنه قال: لا أعرفه. وقال
البيهقي في "باب سجود القرآن إحدى عشرة": ضعفه ابن معين.
وأما قوله: "وكان ابن عباس ابن عشر سنين حين قبض النبي- عليه
السلام-" فكأنه أراد بذلك استبعاد قول من يقول: إن قضية ذي اليدين
كانت قبل بدر؛ لأن ظاهر قول ابن عباس: ما أماط عن سُنَة نبيه- عليه السلام- يدلُ على أنه شهد تلك القضية، وقبل بدر لم يكن ابن عباس
من أهل التمييز، وتحمل الرواية لصغره جدا، ونحنُ بعد تسليم دلالته
على أنه شهد القضية نمنع كون سنه كذلك؛ بل قد رُوِي عنه أنه قال:
توفي- عليه السلام- وأنا ابن خمس عشرة. وصوب أحمد بن حنبل
هذا القول، ويدل عليه ما روي في " الصحيح " (1) عن ابن عباس أنه
قال في حجة العدل: وكنتُ يومئذ قد ناهزتُ الحُلم. ولا يلزمُ من رواية
[2/32 - ب] ابن عمر ذلك، وإجازته- عليه السلام- بعد بدر أن لا تكون/ القضية قبل بدر؛ لأنه كان عند ذلك من أهل التحمل.
وقوله: " علمنا أن حديث ابن مسعود خص به العمد دون النسيان ".
قلنا: لم يكن الكلام الذي صدر من ذي اليدين سهواً وكذا من النبي
- عليه السلام- وأصحابه؛ لأن ذا اليدين لما قال: " بلى قد كان بعض
__________
(1) البخاري: كتاب العلم، باب: متى يصح سماع الصغير؟ (76) .(4/166)
ذلك" علم- عليه السلام- أن النسيان قد وقع، فابتدأ عامدا فسأل الناس فأجابوه- أيضا- عامدين؛ لأنهم علموا أنها لم تقصر، وأن النسيان قد وقع. ثم خرج البيهقي، عن الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي قال: كان إسلام معاوية بن الحكم في آخر الأمر، ثم قال: فلم يأمره النبي- عليه السلام- بإعادة الصلاة، فمن تكلم في صلاته ساهيا أو جاهلاَ مضت صلاته. والجواب: أن الوليد بن مسلم مُدلس ولم يصرح هاهنا بالسماع من الأوزاعي، وكان معاوية جاهلاَ بتحريم الكلام. ثم قال البيهقي: الذي قُتل ببدرِ هو ذو الشمالين ابن عبد عمر [و] ، بن نضلة حليف لبني زهرة من خزاعة، وأما ذو اليدين الذي أخبر النبي- عليه السلام- بسَهوه فإنه بقي بعد النبي- عليه السلام-؛ كذا ذكره شيخنا أبو عبد الله الحافظ، ثم خرج عنه بسنده إلى معدي بن سليمان قال: حدثني شعيب بن مطير، عن أبيه- ومطير حاضر وصدقه- قال شعيب: "يَا أبتاه، أخبرتَني أن ذا اليدين لَقيك بذي حُسْب فأخبرك أن رسول الله" الحديث. ثم قال البيهقي: وقالَ بعض الرواة فًي حديث أبي هريرة: "فقال ذو الشمالين: يا رسول الله، أقصرت الصلاة؟ ". وكان شيخنا أبو عبد الله يقولُ: كل من قال ذلك فقد أخطأ؟ فإن ذا الشمالين تقدم موتُه ولم يُعقِب، وليس له راوِ.
والجواب في "المُوطأ": مالك، عن ابن شهاب، عن أبي بكر بن سليمان بن (1) أبي حثمة: بلغني أن رسول الله- عليه السلام- ركع ركعتين من إحدى صلاتي النهار: الظهر أو العَصْر، فسلم من اثنتَيْن، فقال له ذو الشمالين- رجل من بني زهرة بن كلاب-: أقصرت الصلاة؟ الحديث؛ وفي آخره: مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، وعن أبي سلمه بن عبد الرحمن مثل ذلك، فقد صرح في هذه الرواية أنه ذو الشمالين وأنه من بني زهرة.
__________
(1) في الأصل: "عن" خطأ.(4/167)
فإن قيل: إنه مُرسل. قلنا: ذكر أبو عمر في "التمهيد" أنه متصل من وجوه صحاح، وقد قال النسائي في " سننه" (1) : نا محمد بن رافع: ثنا عبد الرزاق: نا معمر، عن الزهري، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، وأبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة، عن أبي هريرة قال: صلى النبي- عليه السلام- الظهر أو العصرَ فسلّم من ركعتين فانصرف، فقال له ذو الشمالين بن عَمْرو: أنقصَ الصلاة أم نسيت؟ الحديث. وهذا سند صحيح متصل، صرح فيه بأنه ذو الشمالين. وقال النسائي (2) - أيضا-: نا هارون بن موسى الفروي: حدثني أبو ضمرة، عن يونس، عن ابن شهاب أخبرني أبو سلمة، عن أبي هريرة قال: نسي رسول الله فسلّم في سجدتين فقال له ذو الشمالين: أقصرت الصلاة؟ الحديث. وهذا- أيضا- سند صحيح صرح فيه- أيضا- أنه ذو الشمالين.
فإن قيل: فقد ذكر أبو عمر في "التمهيد" و" الاستيعاب " أن هذا وهم من الزهري عند كثر العلماء. قلنا: قد تابع الزهري على ذلك عمران بن أبي أنس. قال النسائي (3) : نا عيسى بن حماد: نا الليث، عن يزيد بن (4) أبي حبيب، عن عمران بن أبي أنس، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة: أن رسول الله- عليه السلام- صلى يومأ فسلم في ركعتين ثم انصرف فأدركه ذو الشمالين فقال: يا رسول الله، أنقصت الصلاة أم نسيت؟ الحديث. وهذا سند صحيح على شرط مسلم يثبت أن الزهري لم ينفرد بذلك، وأن المخاطب للنبي- عليه السلام- ذو الشمالين، ويؤيد ذلك ما في كتاب النساَئي من قوله: ذو الشمالين بن عَمرو، وكأنه ابن عبد عمرو، فأسْقط الكاتب لفظة " عبد"، ولا يلزم من عدم تخريج ذلك في "الصحيحين" عدم صحته على ما عرف، وثبت- أيضا أن ذا اليدين وذا الشمالي واحد، وقد ورد اللقبان جميعاً
__________
(1) كتاب السهو، باب: ما يفعل من سلم ركعتين ناسيا وتكلم (3/ 24) .
(2) (3/ 24) .
(3) (صم 23) .
(4) في الأصل: "عن " خطأ.(4/168)
/ في كتاب النسائي من الوجهين المتقدمين. وقال السَمْعاني في "الأنْساب": ذو اليدين، ويقال له: ذو الشمالين؛ لأنه كان يعمل بيديه جميعاً. وفي "الفاصل " للرامهُرمزي: ذو اليدين وذو الشمالين، قد قيل: إنهما واحد. وقال ابن حبان في "الثقات": ذو اليدين، ويقال له- أيضا-: ذو الشمالين ابن عبد عمرو بن نضلة الخزاعي، وقال- أيضا-: ذو الشمالين عمرو بن عبد عمرو بن نضلة بن عامر بن الحارث بن غبشان الخزاعي حليف بني زهرة. وهذا أوْلى من جعله رجلين لأنه خلاف الأصل. والحديث الذي استدلّ به البَيْهقي وغيره على بقاء ذي اليدين بعد النبي- عليه السلام- سندُه ضعيف؛ لأن مَعدي بن سليمان متكلم فيه. قال أبو زرعة: واهي الحديث. وقال النسائي: ضعيف الحديث. وقال أبو حاتم: يُحدّث عن ابن عجلان بمناكير. وقال ابن حبان: يروي المقلوبات عن الثقات، والمُلزقات عن الأثبات، لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد. وشعيب ما عرفنا حاله ووالده: مَطير قال فيه ابن الجارود: سمع ذا اليدين، روى عنه: ابنه: شعيب، لم نكتب حديثه. وفي لا الضعفاء، للذهبي: لم يصح حديثه، وفي "الكاشف ": مطير بن سليم عن ذي الزوائد، وعنه: ابناه: شعيب وسليم، لم يصح حديثه. ولضَعْف هذا السند قال البيهقي في كتاب "المعرفة ": ذو اليدين بقي بعد النبي- عليه السلام- فيما يُقال، ولقد أحسن وأنصف في هذه العبارة، وقول الحاكم عن ذي الشمالين: " لم يُعقِب " يفهم من ظاهره: أن ذا اليدين أعقب، ولا أصل لذلك. ثم ذكر البيهقي حديث أبي سعيد بن المعلى وقوله- عليه السلام-: ما ما منعك أن تُجيبني حين دعوتك؟ أما سمعت الله يَقولُ: استجيبوا لله وللرسول؟ " الحديث، ثم قال: وفي هذا دلالة على أن جواب أصحاب النبي- عليه السلام- حين سألهم عما يقول ذو اليدين لم تبطل صلاتهم مع ما روينا عن حماد بن زيد في تلك القصة أنهم أومأوا.
والجواب: "قوله: مع ما روينا عن حماد " إلى آخره لا يلائم كلامَه(4/169)
المُتقدم؛ لأنه استدل أولا على أن كلامهم لم يُبطل الصلاة، وفي رواية حماد بن زيد أنهم لم يتكلموا؛ بل أومأوا، على أن حمادا اختلف عليه في هذه اللفظة، والله أعلم.
فإذا تأملت جميع ما ذكرنا في هذا الموضع حصل لك جواب عما قاله الخطابيّ في " معالم السنن"، وما قاله البيهقي في "سننه"، وكتابه "المعرفة"، وما قاله الشيخ محيي الدين في "شرح مُسلم "، وما قاله غيرهم، ويَظهر لك ضعف كلامهم، ويَحصل لك الريُّ؛ وليْس الري من التشاف.
901- ص- ثنا يَزيدُ بن خالد بن مَوْهب، وقتيبة بن سعيد أن الليث حدثهمِ عن بُكَير، عن نَابل صاحب العبَاء، عن ابن عُمر، عن صُهَيب أنه قال: مرَرْتُ برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يُصلي فَسلمتُ عليه فرَد إِشارةً، قال: ً ولا أعلَمُه إلا قال: إشارَةً بإِصْبعه (1) .
ش- نابل: بالنون في أَوَله، وبالباء الموحدة المكسورة صاحب العَبَاء، ويقال: صاحب الشمال، وهي [جمع] شملة. سمع: عبد الله بن عمر، وأبا هريرة. روى عنه: بكير بن عبد الله بن الأشج، وصالح بن عُبَيد. قال البرقاني: قلت للدارقطني: نابل صاحب العباء ثقة؟ فأشار بيده أن لا. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي (2) .
وصهيب: ابن سنان بن مالك القيمي، أبو يحيي، كان أبوه عاملا لكسرى على الأبلة، وكانت ديارهم بأرض الموصل، ويقال: كانوا في قرية على شط الفرات مما يلي الجزيرة والموصل فأغارت الروم على تلك الناحية فسبت صُهيبا وهو غلام صغير، فنشأ صهيب بالروم فصار ألْكَن، فابتاعه كلب منهم فقدمت به مكة، فاشتراه عبد الله بن جُدْعان التيمي
__________
(1) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في الإشارة في الصلاة (367) ، النسائي: كتاب السهو، باب: رد السلام بالإشارة في الصلاة (3/ 5) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (29/ 6349) .(4/170)
منهم فأعتقه، وقيل غير ذلك، شهد صهيب بدرا مع رسول الله وهاجر
إلى المدينة في شهر ربيع الأول في النصف منه، وأدرك رسول الله بقباء
قبل أن يدخل المدينة. روى عنه: عبد الله بن عمر، وجابر بن عبد الله،
وبنوه: عثمان، وصيفي، وسَعْد/، وعباد، وحبيب، ومحمد، [2/ 33 - ب] وصهيب، وسعيد بن المسيب، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وكعب الأحبار. مات بالمدينة في شوال سنة ثمان وثلاثين، وهو ابن ثلاث وسبعين سنة ودفن بالبقيع. روى له: الجماعة إلا البخاري (1) .
قوله: " فرد إشارةً " أي: فرد السلام علي من حيث الإشارة بإصبعه.
وبهذا استدل الشافعي ومالك أن المصلي إذا سُلم عليه يَرد إشارة.
وقال الخطابي (2) : والإشارة حَسنة، ثم روى هذا الحديث؛ فكأنه
استدل به على ما قال. وقال أصحابنا: لا يرد لا نطقا ولا إشارة- كما
ذكرناه-؛ لأن قول عبد الله: "فلم يَرُدَّ علي السلام يَتناولُ جميع أنواع
الرد، على أن الحديث فيه مقال؛ حيث رواه النسائي، ثم قال: نابل
ليس بالمشهور. وأخرجه الترمذي وقال: حديث صهيب حديث حسن،
لا نعرفه إلا من حديث الليث، عن بكير.
وفي "المصنف ": حدثنا أبو خالد الأحمر، عن ابن عجلان، عن
يعقوب بن عبد الله بن الأشج، عن بشر بن سعيد قال: سلم على النبي
- عليه السلام- رجل وهو يُصلي فأشَار إليه بيده كأنه يَنْهاهُ.
ص- وهذا لفظُ حديثِ قُتيبةَ.
ش- أي: الحديث المذكور لفظ حديث قتيبة بن سعيد، أحد شيوخ
أبي داود.
902- ص- نا عبد الله بن محمد النُفيلي: لا زهير: لا أبو الزبير، عن
__________
(1) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (2/ 174) ، وأسد الغابة (3/ 36) ، والإصابة (2/ 95 1) .
(2) معالم السنن (1/ 189) .(4/171)
جابر قال: أرْسَلَني نبي الله- عليه السلام- إلى بَني المُصْطَلَق فأتيتُه وهو يُصلِّي على بَعيرهَ فكلَمْته فقَالَ لي بيده هكذا، ثم كلَمتُه فقال ليَ بيده هكذا وأنا أسمَعُه يَقرأَ ويُومئُ برأسه قال: فلما فَرغ قال: " ما فَعلتَ في الذي أرسلتُك؛ فإنه لم يَمْنعَنِي أن أكلِّمَكَ إلا أني كنتُ أصَلِّي" (1) .
ش- زُهَيْر: ابن معاوية، وأبو الزبير: محمد بن مسلم بن تدرس المكي.
قوله: "إلى بني المُصطلق " هو مُفتعل من الصَّلْق، وهو رفع الصَوْت؛ وبنو المصطلق هم بنو جذيمة بن سَعْد بن عمرو بن ربيعة بن جابر بن عَمرو ابن عامر، بطن من خزاعة.
قوله:" أن أكلمك " في محل النَّصْب، و"أنْ" مَصْدرية؛ والمعنى:
لم يَمْنعني كلامَك، وفاعل " لم يَمْنعْني " قوله: " أني كنت أصلي "، والتقدير: إلا كَوْني في الصَلاة. والحديث: أخرجه مسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
903- ص- نا حُسَيْن بن عيسى الخُراسَاني الدامغاني: نا جَعْفر بن عون: نا هشام بن سَعْد: نا نافع قال: سمعت عبد الله بن عُمرَ يَقولُ: خرجَ رسولُ الله- عليه السلام- إلى قُبَاءَ يُصلِّي فيه، قال: فجاءته الأنْصار فَسلَّمُوا عَليْه وهو يُصلي، قال: فقلتُ لبلال: كيف رَأيتَ رسولَ الله يَرد عليهم حين كانوا يُسلِّمون عليه وهو يصلي؟ قَال: يقولُ هكذا وبَسَطَ كَفَّه، وبَسَطَ جَعْفرُ بنُ عونٍ كَفَّه، وجَعلاَ بَطنَه أسفلَ وظهرَه إلى فوقَ (2) .
__________
(1) مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: تحريم الكلام في الصلاة، ونسخ ما كان من إباحة (539) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء
في الصلاة على الدابة حيث ما توجهت به (351) ، النسائي: كتاب السهو، باب: رد السلام بالإشارة في الصلاة (3/ 6) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: المصلي يسلم عليه كيف يرد (1017) .
(2) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في الإشارة في الصلاة (368) .(4/172)
ش- حسين بن عيسى المذكور، أحد شيوخ أبي داود. روى عن: جَعفر بن عَوْن بن جعفر بن عَمرو بن حريث المخزومي أبو عون، وجَعْفر ابن عون: ثقة، قاله ابن معين. وقال أبو حاتم: صدوق. مات بالكوفة سنة ست ومائتين. روى له الجماعة.
ونافع: مولى ابن عمر- رضي الله عنهما-.
قوله: "إلى قُبَاء" قد مر تفسير قُباء غير مرة.
904- ص- نا أحمد بن حنبل: نا عبد الرحمن بن مَهْدي، عن سفيان، عن أبي مالك الأشجعي، عن أبي حازم، عن أبي هُريرةَ، عن النبي- عليه السلام- قال: "لا غِرَارَ في صلاة ولا تسليمَ " (1) .
ش- سفيان: الثوري، وً أبو مالك: سَعْد بن طارق، الكوفي
الأشجعي.
وأبُو حازم: اسمُه: سَلْمان الأشجعي الكوفي، مولى عزةَ الأشجعية. روى عن: الحسن بن علي، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، وأبي هريرة وكثر عنه، وقال: قاعدتُ أبا هريرة خمس سنين. روى عنه: الأعمش، ومنصور بن المعتمر، وعدي بن ثابت، وغيرهم. قال أحمد ويحيى: ثقة. توفي في خلافة عمر بن عبد العزيز. روى له الجماعة (2)
وقال الطبراني: أبو حازم أربعة، كل منهم يروي عن أبي هريرة، أحدهم: هذا، والثاني: أبو حازم التمار، اسمه: دينار مولى بني رهم، والثالث: أبو حازم: سلمه بن دينار الزاهد، والرابع: أبو حازم نَبتل الكوفي.
قوله: "لا غِرارَ" الغِرار- بكسر الغين المعجمة-: النقصان، وغرار
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (11/ 2440) .(4/173)
النوم. قلته: ويُريد بغرار الصلاة: نقصان هيئاتها وأركانها، وغِرارُ التسليم: أن يقول المُجيبُ: وعليك، ولا يقول: السلامُ، وقيل: أراد بالغرار النوم أي: ليس في الصلاة نوم.
قوله: "ولا تسليمَ " يُروى بفتح الميم، ويروى بالجر، فمَنْ فتحها كان معطوفا على (1) / الغرار، ويكون المعنى: لا نَقْص ولا تسليمَ في الصلاة؛ لأن الكلام في الصلاة بغير كلامها لا يجوز، ومَنْ جَرها يكون معطوفا على الصلاة ويكون المعنى: لا نقص في صلاة ولا في تسليم. واعلم أن " لا" هاهنا لنفي الجنْس، واسمها مبني على الفتح، نحو:
لا رجلَ في الدار؛ وإنما عملت في الاسم لاختصاصها بالاسم، إذ هو الذي له أفراد يقصد نفي جميعها بها، وإنما بني اسمها لتضمنه معنى الحرف؛ لأن معنى" لا رجل": لا من رجل، وعلى الفتح لأنه أخف الحركات، فيكون المعنى في الحديث نفي جنس الغرار، ونفي جنس التسليم على عطفه على اسم "لا" كما قررناه، وإذا نُفي جنس التسليم يُنْفى- أيضا- جنس الجواب، وهو يَشملُ أنواعه من اللسان والإشارة ونحو هما، فافهم.
ص- قال أحمدُ: يعني فيما أرَى: أن لا تُسلم ويُسَلم عليكَ ويُغررُ الرجلُ بصلاِتهِ فينصرفُ وهو شاك (2) .
ش- أي: قال أحمد بن حنبل: فيما أرَى أي: فيما أظن أن لا تسلم أنْت في الصلاة، ولا يُسلم غيرُك عليك؛ وهذا تفسيرُ "ولا تسليمَ". وقوله: "ويُغررُ الرجل " إلى آخره تفسير قوله: " لا غرارَ" وهو أن يغرر الرجل بصلاته فيسلم ويخرج منها وهو شاك، هل صلى ثلاثا أو أربعا؟ فيأخذ بالأكثر ويترك اليقين، ويَنْصرف وهو شاك. وذكر ابن الجوزي هذا الحديث في " جامع المسانيد"، فقال: نا أحمد قال: نا عبد الرحمن قال: ثني سفيان، عن أبي مالك الأشجعي، عن
__________
(1) مكررة في الأصل.
(2) في سنن أبي داود: "وهو فيها شاك".(4/174)
أبي حازم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله- عليه السلام-: " لا إغرار في صلاة ولا تسليمَ ". قال أحمد: سألت أبا عمرو الشيباني عنه فقال: إنما هو " لا غِرارَ" قال أحمد: ومعناه: لا يخرج من الصلاة وهو يظن أنه قد بقي عليه منها شيء حتى يكون على اليقين والكمال.
905- ص- نا محمد بن العلاء: نا معاوية بن هشام، عن سفيان، عن
أبي مالك، عن أبي حازم، عن أبي هريرة قال: أرَاهُ رفَعه قال: " لا غِرارَ في تسليمِ ولا صلاة" (1) .
ش- " أراهَ "- بضم الهمزة- أي: أظنه رَفعَ الحديثَ وقال: " لا غرارَ في تسليم ولا صلاة"، وهذه الرواية تؤيدُ قول من جر: " ولا تسليم" في الرواية الأولىً عطفا على قوله: " في صلاة". وأخرج البيهقي الطريقين ثم قال: هذا اللفظ- أعني: الطريق الثاني- وهي طريق معاوية بن هشام يقتضي نفي الغرار عن الصلاة والتسليم جميعاً والأخبار التي مضت تُبيح التسليمِ على المصلي والرد بالإشارة، وهي أوْلى بالاتباع. وأراد بالأخبار التي مَضتْ: خبر صهَيب ونحوه.
قلنا: لا يلزم من نفي الغرار عن الصلاة والتسليم تحريم التسليم حتى يكون ذلك مُعارضا للأخبار المُبيحة للتسليم والرد بالإشارة حتى يحتاج إلى الترجيح، نعم الرواية الأولى تقتضي منع التسليم مطلقا، وهي التي تقتضي المُعارضة للأخبار المُبيحة، وكان يتعين عليه أن يُذكر هذا، ثم نقولُ: لا نُسلم أن المُبِيح والمحرم إذا اجتمعا أنْ يكون المُبيح أولى؛ بل المحرم أولى كما هي القاعدة عند المحققين من العلماء، فالأخبارُ التي مضت تشيرُ بإباحته السلام على المصلي وإباحة رد المصلي إشارةً، وهذا الخبرُ يُحَرًمُ السلامَ بالكلية، فلا يَستحق المُسلم بالسلام الحرام جوابا، لا نطقا ولا إشارةً، وهذا أولى بالاتباع عكس ما قاله البيهقي، عملاً بالقاعدة المذكورة، فافهم.
__________
(1) تفرد به أبو داود.(4/175)
ص- قال أبو داودَ: ورواه ابنُ فضيلِ على لفظِ ابن مَهْدي، ولم يَرفَعْهُ. ش- أي: وروى هذا الحديث محمد بن فضيل على لفظ عبد الرحمن ابن مَهدي، فأوقفه على أبي هريرة ولم يَرْفعه.
* * *
162- بَاب: تشميت العاطس في الصلاة
أي: هذا باب في بيان تشميت العاطس في الصلاة. والتشميت
- بالشين المعجمة والسن المهملة-: الدعاء بالخير والبركة، والمعجمة أعلاهما يقال: شمت فلانا (1) ، وشمت عليه تشميتا فهو مشمت، واشتقاقه من الشوامت، وهي القوائم، كأنه دعاء للعاطس بالثبات على طاعة الله، وقيل: معناه: أبعدك الله عن الشماتَة وجَنبك ما يُشمَتُ به، عليك، والشماتة: فرح/ العَدو ببليةِ تَنْزلُ بما يُعاديه، يُقال: شمِت به يَشمَتُ فهو شامت، وأشْمته غَيْره.
906- ص- نا مسدد: نا يحيي ح، ونا عثمان بن أي شيبة: نا إسماعيل
- يعْني: ابن إبراهيم- المعنى، عن حجاج الصواف قال: حدَّثني يحيي بن أبي كثير، عن هلال بن أبي ميمونة، عن عطاءَ بن يَسار، عن معاويةَ بن الحكم السلمي قال: صَلَّيتُ مع رسول الله- عليه السلام- فَعَطسَ رجل من القوم فقُلتُ: يرحَمُكَ الله، فرمَانِي القًومُ بَأبْصارِهم فقُلتُ: وَاثكلَ أمياهُ، ما شأنكم تنظرون ليَّ؟ قال: فجَعَلُوا يَضْربونً بأيديهم على أَفْخَاذهم، فعَرَفْتُ أنهم يُصَمتونَني. قال عثمانُ: فلما رأيتُهم يُسَكتُونَنِي (2) لَكَنِي سكتُ، فلما صلَّى رسولُ الله بأبي وأمي ما ضَرَبَنِي ولا كَهَرَني ولا سبَّني، ثم قال: " أن هذه الصلاةَ لا يَحل فيها شيء من كلام الناسِ هذا، إنما هو التسبيحُ والتكبيرُ وقراءةُ القرآن " أو كما قال رسولُ الله. قلتُ: يا رسولَ الله"
__________
(1) في الأصل: " فلا" كذا، وما أثبتناه من النهاية (2/ 499- 0 0 5) ، فالنص فيه بلفظه.
(2) في سنن أي داود: " يسكتوني ".(4/176)
إنا قوم حديثُ عهد بالجَاهلية (1) وقد جَاءَنا اللهُ بالإسلام ومنَّا رجال يأتُون اَلكُهَّان، قال: "فلاً تأتهِمْ " قَالَ: قلتُ: ومنا رجال يتطيّرُونَ، قال: " ذاك شيءٌ يَجدُونه في صُدورهم فلا يَصُدَّهُم ". َ قال: قلت:، وَمنا رجال يخُطُّون، قال: "كان نبيّ من الأنبياء يخُطُّ فمَنْ وَافَقَ خَطَّه فذاك" قال: قلتُ: جارية لي كانت تَرْعَى غنَيماتَ قِبلَ أحُد والجَوَّانيّة إذ اطلَعتُ عليهِا اطلاعةً فإذا الذئبُ قد ذهَب بشاة منها، وأنا منْ بًني آدم آَسًفُ كما يأسَفُون، لكني صككْتها صَكَّةً، فَعَظَّمَ ذلكً (2) عَليَّ رَسولُ الله. فقلتُ: أَفلا أُعْتقُهَا؟ قال: " ائتِني بها " قال: فجئتُ بها، فقال: " أينَ اللهُ؟ " قالَتْ: في السَماء، قال: " مَنْ أنا؟ " قالَتْ: أنتَ رسولُ اللهِ، قال: "أَعتِقْها فإنها مُؤمنه" (3) . ش- إسماعيل: ابن إبراهيم المعروف بابن عُلية.
وهلال بن أبي ميمونة: ويقال: ابن أبي هلالْ، وهو هلال بن علي ابن أسامة الفهري العامري مولاهم القرشي المديني. سمع: أنس بن مالك، وأبا سلمة، وعطاء بن يسار، وغيرهم. روى عنه: يحيي بن أبي كثير، وزياد بن سعد (4) ، ومالك بن أنس، وغيرهم. قال أبو حاتم: يكتب حديثه وهو شيخ. مات في آخر خلافة هشام. روى له: البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (5) . ومعاوية بن الحكم السُّلمي: وقيل: عمر بن الحكم؛ وعُمر وهم والصحيح: معاوية، رُوي له عن رسول الله- عليه السلام- ثلاثة عشر حديثا، روى له مسلم حديثا واحداً، روى له: أبو داود، والنسائي (6) .
__________
(1) في سنن أبي داود: " بجاهلية".
(2) في سنن أبي داود: " ذاك".
(3) مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة فيها، باب: تحريم الكلام في الصلاة ونسخ ما كان من إباحته (537) ، النسائي: كتاب السهر، باب: الكلام في الصلاة.
(4) في الأصل؛ " سعيد " خطأ.
(5) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (30/ 6626) .
(6) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (3/ 403) ، وأسد الغابة (5/ 7 0 2) ، والإصابة (3/ 432) .
12. شرح سنن ني داوود 4(4/177)
قوله: "واثكل أمياه " الثكْلُ- بضم الثاء المثلثة، وإسكان الكاف وبفتحهما- جميعاً- لغتان كالبُخل والبَخَل حكاهما الجوهري وغيره، وهو فقدان المرأة ولدها، وامرأة ثكلى وثاكل، وثكلته أمّه. بكسر الكاف، وأثكله اللهُ أمه، وثكلت المرأة وأثكلت فقدَتْ ولدهَا؛ والواو في قوله: "واثكل " يُسمَّى واوَ النُدبة نحو: وازيداه، والندبة، والندب مأخوذ (1) من ندبت الميت إذا بكيت عليه وعددت محاسنه؛ وأصله من ندبَه إذا حثه؛ كأن الحزنُ يَحث النادبَ على مَد الصَوْت باسم الميت، ودعاء الناس إلى التضجر معه؛ والأولى بالندبة: النساء؛ لضعفهن عن تحمل المصيبة، فيبنَى المفرد على ما يرفع، نحو: وازيد، وازيدان، ويُنصب المضاف وشبهه نحو: واعبدَ الله، ثم يلحقونه حرف مَدّ ليطول الصوت به فيكون أظهر للغرض وهو التفجع، وإظهار اسم المندوب، فيقال: وازيداه، واختير الألف؛ لأنه أقعد في المد من أختيْها، أو لأنها أخف، وزيادتها أكثر، ولا تلحق الألف المضاف عند الإضافة، لئلا يلزم الفصل بين المضاف والمضاف إليه، بل يلحق المضاف إليه نحو: واعَبْد الملكاه، وإن كان المضاف إليه منونا فسيبويه يحذف تَنْوينه نحو: وَاغُلام زيداه، ثم هاهنا قوله: لا والكل المياه " مضاف ومضاف إليه، فدخل الألف في المضاف إليه وهو " أمياه "، و "أمياه " بكسر الميم، وأصله: ثكلت أمي، فزيدت في أوله واو الندبة، وفي آخره الألف- لما ذكرناه- وأما الهاء: فهي هاء السكْت، دخلت ليتبين بها الألف؛ لأنها حرف خفي، فالوقف [2/35 - أ] / عليه يَزيدها خفاء.
قوله: " فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم " يعني: فعلوا هذا ليُسكتوه؛ وهذا محمول على أنه كان قبل أن يشرع التسبيح لمن نابه شيء في صلاته، وفيه دليل على جواز الفعل القليل في الصلاة، وابنه لا تبطل به الصلاة، وأنه لا كراهة فيه إذا كان لحاجة.
__________
(1) غير واضحة في الأصل.(4/178)
قوله: " فلما رأيتهم" جواب "لما " محذوف تقديرُه: ما خالفتهم بَلْ سكتُّ.
قوله: " بأبي وأمّي " في محل الرفع تقديره: هو مُفدَى بأبي وأمي، وقد مر مثله غير مرة.
قوله: " ولا كهرني، معناه: ما انتهرني ولا أغلظ لي، وقيل: الكَهْرُ: استقبالك الإنسان بالعُبوس، وقرأ بعض الصحابة:" فأما اليتيم فلا تكهر" وقيل: كهَره وقهره بمعنىً.
قوله: " لا يحلّ فيها شيء من كلام الناس " نص صريح على تحريم الكلام في الصلاة، سواء كان عامدا لحاجة أو لغيرها، وسواء كان لمصلحة الصلاة أو غيرها، فإن احتاج إلى تنبيًه إمام ونحوه سبح إن كان رجلاً، وصفقت إن كانت امرأة، وهذا مذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد والجمهور من السلف والخلف. وقالت طائفة- منهم الأوزاعي-: يجوز الكلام لمصلحة الصلاة؛ لحديث ذي اليدين. وقال الشيخ محيي الدين (1) : هذا في كلام العامد العالم، أما الناسي فلا تبطل صلاته بالكلام عندنا، وبه قال مالك وأحمد. وقال أبو حنيفة والكوفيون: تبطل؛ دليلنا: حديث ذي اليدين. وقد بينا دلائلنا والجواب عن حديث ذي اليدين مستو"ى مُطولا.
قوله: " هذا " إنما هو إشارة إلى الصلاة باعتبار المذكور، أو باعتبار نفس الفعل، والمعنى: لا يصلح فيها شيء من كلام الناس ومخاطباتهم؛ وإنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن، ذكر بعض الأركان وبعض الشروط وبعض السنن، واقتصر بها عن غيْرها لعلم المخاطبين بذلك؛ فقوله: "التسبيحُ " يتناولُ كل ذكر في الصلاة من الثناء، وتسبيحات الركوع والسجود، والأدعية التي يدعى بها فيها، وكذلك قوله: "والتكبير" يتناول تكبيرة الافتتاح وغيره من تكبيرات الانتقالات. وقال
__________
(1) شرح صحيح مسلم (21/5) .(4/179)
النوويُ (1) : وفيه دليل على أن من حلف لا يتكلم فسبح أو كبر أو قرأ القراَن لا يحنث؛ وهذا هو الصحيح المشهور في مذهبنا، وفيه دلالة لمذهب الشافعي والجمهور أن تكبيرة الإحرام فرض من فروض الصلاة وجزء منها. وقال أبو حنيفة: ليست منها؛ بل هو شرط خارج عنها، متقدم عليها.
قلت: عدم الحنث في المسألة المذكورة مَبني على العُرْف فلا يحتاج إلى الاستدلال بهذا، وقوله: " وفيه دلالة لمذهب الشافعي " إلى آخره غير مسلم؛ لأن قوله: "والتكبير" يتناولُ سائر التكبيرات- كما ذكرناه- ولا يفهم منه فرضية تكبيرة بعينها، ولا سُنية تكبيرة بعينها؛ بل يتناول ذا وذا، ومن أن الدليل الواضح على مُدعَاه، ليتَ شعري! كيف يَذكرون أشياء غير جلية ويجعلونها حجةً لإمامهم على غيره، ويتركون الشيء الواضح الجلي الذًي هو حجة عليهم؟ فإن قوله- عليه السلام-:" وقراءة القرآن" نص صريح على أن الفرض في الصلاة مطلق القراءة، وهو يُنافي فرضية فاتحة الكتاب؛ إذ لو كانت فرضا لقال: وقراءة الفاتحة، وليس لهم أن يقولوا؛ المراد به: فاتحة الكتاب؛ لأنه تخصيص بلا مخصص؛ وهو باطل؛ وليْس فيه إجمال حتى يكون قوله- عليه السلام-: "لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب " بيانا له. ثم في هذا الحديث: النهي عن تشميت العاطس في الصلاة، وأنه من كلام الناس الذي يحرم في الصلاة وتَفْسد به. وقال صاحب " الهداية ": ومن عطسَ فقال له آخرُ: يرحمك الله وهو في الصلاة فسدت صلاته؛ لأنه يجري في مخاطبات الناس، فكان من كلامهم، بخلاف ما إذا قال العاطسُ أو السامعُ: الحمد لله- على ما قالوا-؛ لأنه لم يُتعارف جوابا.
قلت: قوله: لا على ما قالوا، إشارة إلى خلاف فيه رُوي عن أبي حنيفة أن العاطس إذا حمد الله في نفسه، ولم يحرك لسانه لا تَفسد
__________
(1) شرح صحيح مسلم (21/5) .(4/180)
صلاته، ولو حرك تفسدُ. وفي "المحيط ": رجل عطس فقال المصلي:
يرحمك الله،/ أو يرحمك ربك، تفسد صلاته؛ لأنه من كلام الناس [2/35 - ب] منزلة قوله: أطال اللهُ بقاءك، وعافاك اللهُ، ولو قال له: الحمدُ لله لم
تفسد وان أراد به الجواب، لأن التحميد لا يستعمل لجواب العاطس؛ فإذاً
فَحَمْدُ العاطس في الصلاة إذا خاطب نفسه فقال: يرحمك الله لم يضره
لأنه لم يكلم غيره وإنما يَدْعو لنفسه.
وقال الشيخ محيي الدين (1) : وقال أصحابنا: إن قال: يرحمك اللهُ،
أو يرحمكم اللهُ بكاف الخطاب بطلت صلاته، وان قال: يَرْحمه اللهُ،
أو: اللهم ارحمه، أو: رحم الله فلانا لم تبطل صلاته؛ لأنه ليس بخطاب، وأما العاطس في الصلاة فيُستحبُّ له أن يحمد الله تعالى سرّا
هذا مذهبنا، وبه قال مالك، وغيره. وعن ابن عمر، والنخعي،
وأحمد: أنه يجهرُ به. والأول أظهر.
وفي " المصنف": ثنا إسماعيل ابن علية، عن سعيد بن أبى صدقة
قال: قلتُ لابن سيرين: إذا عطستُ في الصلاة ما أقول؟ قال: قل:
الحمد لله رب العالمين.
لا وكيع، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم في الرجل يَعطسُ
في الصّلاة قال: يحمد الله في المكتوبة وغيرها.
نا عبدة، عن سفيان، عن غالب بن الهذيل قال: سئل إبراهيم عن
رجل عطس في الصلاة فقال له آخرُ: وهو في الصلاة: يرحمك اللهُ.
فقال إبراهيم: إنما قال معروفاً وليس عليه إعادة.
قوله: " إنا قوم حديثُ عهد بالجاهلية " الجاهليةُ: ما قبل ورود الشرع
سموا جاهليةً لكثرة جهالاتهم وفحشها.
قوله: " يأتون الكُهّان "- بضم الكاف وتشديد الهاء- جمع كاهن؟
وهو الذي يتعاطى الأخبار عن الكوائن في المستقبل، ويَدعي معرفة
__________
(1) شرح صحيح مسلم (21/5) .(4/181)
الأسْرار، والعراف: الذي يتعاطى بمعْرفة الشيء المسروق ومكان الضالة ونحوهما؛ وبهذا حصل الفرق بينهما.
" (1) وإنما نهى عن إتيان الكهان لأنهم يتكلمون في. مغيبات، قد يصادف بعضها الإصابة فيخاف الفتنة على الإنسان بسبب ذلك، ولأنهم يلبسون على الناس كثيرا من أمر الشرائع، وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة بالنهي عن إتيان الكُهان وتصديقهم فيما يقولون، وتحريم ما يعطون من الحُلْوان؛ وهو حرام بإجماع المسلمين، وقد نقل الإجماع في تحريمه جماعة منهم: أبو محمد البغوي.
وقال الخطابي (2) : كان في العرب كهنة يدعون أنهم يعرفون كثيراً من الأمور، فمنهم من يزعم أن له ربيبا من الجن يلقي إليه الأخبارَ، ومنهم مَنْ يدعي استدراك ذلك بفهم أعطيَه، ومنهم من يُسمى عرافا؛ وهو الذي يَزعم معرفة الأمور بمقدمات وأسباَب يستدل بها، كمعرفة من سرق الشيء الفلاني، ومعرفة من يُتهم به المرأة (3) ونحو ذلك، ومنهم مَن يُسمي المنجمَ كاهنا؛ ذكر ذلك في قوله- عليه السلام-: " مَنْ أتى كاهنا فصدقه " الحديث، ثم قال: فالحديث يشمل النهي عن إتيان هؤلاء كلهم، والرجوع إلى قولهم، وتصديقهم فيما يدعونه" (4) .
قوله: "يتطيرون " من التطير؟ وهو التشَاؤمُ بالشيء، وكذلك الطيرة وهي مصدر تطير- أيضا- يقال: تطير طيرةً كتخير خيرة، ولم يجئ من المصادر هكذا غيرهما؛ وأصله فيما يقال: التطير بالسوانح والبَوارح من الطير والظباء وغيم هما، وكان ذلك يصدهم عن مقاصدهم، فنفاه الشرع وأبطله، ونهى عنه.
__________
(1) انظر: شرح صحيح مسلم (22/5) .
(2) معالم السنن (4/ 209- 210) .
(3) في الأصل: "المعرفة " خطأ.
(4) إلى هنا انتهى النقل من شرح صحيح مسلم.(4/182)
قوله: " ذاك شيء يجدونه في صدورهم " معناه: " (1) أن الطيرة شيء
يجدونه في نفوسهم ضرورة، ولا عتب عليهم في ذلك؛ فإنه غير
مكتَسَب لهم فلا تكليف به؛ ولكن لا يمتنعوا بسببه من التصرف في أمورهم، فهذا هو الذي يقدرون عليه وهو مكتسب لهم، فيقع به التكليف، فنهاهم النبي- عليه السلام- عن العلم بالطيرة، والامتناع من تصرفاتهم بسببها، وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة في النهي عن
التطير، والطيرة هنا محمولة على العمل بها لا على ما يوجد في النفس
من غير عمل على مقتضاه عندهم.
قوله: "فلا يَصدهم " أي: لا يصدهم ذلك عن التصرفات، كما
ذكرناه.
قوله: " يخطون" من الخط. وهو الضربُ في الرمْل على ما ذكر في
كيفيته. " (2) وقال/ ابن الأعرابي في تفسير الخط: كان الرجل يأتي [2/36- أ] لا العَرافَ وبين يدَيه غلامْ، فيأمره بأن يَخُط في الرمل خطوطا كثيرةً وهو
يقول: ابنَيْ عيَانْ أسرعا البَيانْ، ثم يأمره أن يَمْحو منها اثنين اثنين، ثم
ينظر إلى آخر ما يبقي من تلك الخطوط، فإن كان الباقي منها زوجا فهو
دليل الفَلْج والظفر، وإن بقي فردا فهو دليل الخيْبة واليأس.
قوله: " فمَنْ وافقَ خطه فذاك " أي: من وافقَ خط هذا النبي فذاك،
يعني: فهو مُباح له؛ ولكن لا طريق لنا إلى العلم اليقيني بالموافقة فلا تُباحُ.
وقال الشيخ محيي الدين (3) : والمقصود: أنه حرام؛ لأنه لا يباح إلا
بيقين الموافقة، وليس لنا يقين بها؛ وإنما قال- عليه السلام-: "فمَنْ
وافق خطه فذاك"، ولم يقل: هو حرام بغير تعليق على الموافقة لئلا
يتوهم متوهم أن هذا النهي يدخلُ فيه ذلك النبي الذي كان يَخُط، فحافظ
__________
(1) انظر: شرح صحيح مسلم (23/5) .
(2) انظر: معالم السنن (1/ 192) .
(3) شرح صحيح مسلم (23/5) .(4/183)
النبي- علية السلام- على حرمة ذاك النبي- عليه السلام- مع بيان الحكمة في حقنا؛ فالمعنى: أن ذاك النبي- عليه السلام- لا منع في حقه، وكذا لو علمتم موافقته؛ ولكن لا علم لكم بها.
قلت: هذا الكلام كله خارج عما دل عليه اللفظ النبوي، ولا يدل اللفظ صريحا على الحرْمة ولو بَيَّنَ النبي- عليه السلام- حرمته من غير تعليقٍ ما كان يحصل التوهُم المذكور؛ لأن كثيرا من الأمور كانت مباحةً في شريعة من قبلنا، وهي حرام عندنا، ولا يلزم من ذلك ما ذكره من التوهم؛ لأن غايته يكون منسوخا في شرعنا.
وقال الخطابي (1) : يشبه أن يكون أراد به الزجْر عنه، وترك التعاطي
له؛ إذ كانوا لا يصادفون معنى خط ذلك النبي؛ لأن خطه كان عَلَما لنبوته، وقد انقطعت نبوته وذهبَتْ معالمها.
" (2) وقال القاضي عياض: المختار: أن معناه: من وافق خطه فذاك تجدون إصابته فيما يقول؛ لا أنه أباح ذلك لفاعله، قال: ويحتمل أن هذا نسخ في شرعنا.
وذكر المازري في كتاب "المُعلم " قوله: "فمَنْ وافق خطَه فذاك " أي: من أصاب ذلك فقد أصابَ، وقيل: إنما قال ذلك على وجه الإِبْعاد لمن يَسْلك هذا، فكأنه يقول: وكيف لكم موافقة خطه؟!. وقال ابن عبَاس في تفسير هذا الحديث: هو الخط الذي يَخطه الحازي؛ وهو علمٌ قد تركه الناسُ.
قلت: الحازي،- بالحاء المهملة- والزاي- من حَزَى الشيءَ تَحْزِية وتحزُوة إذا قدره. وقال الجوهري: الحازي: الذي ينظر في الأعضاء وخيلان الوجه يتكهن.
قوله: " غُنَيمات" جمع غُنَيْمَةِ؛ وهي تصْغيرُ غنم؛ والغنم يقع على الذكر والأنثى.
__________
(1) معالم السنن (1/ 192) .
(2) شرح صحيح مسلم (23/5) .(4/184)
قوله: "قبَل أحد"- بكسر القاف وفتح الباء- أي: في جهة أحُد،
والأحُد: الَجبل المعروف بالمدينة، سمي بذلك لتوحده وانقطاعه عن جبال
أُخَر هناك. و" الجَوانِية"- بفتح الجيم، وتشديد الواو المفتوحة، وبعد
الألف نون مكسورة، وياء آخر الحروف مشددة، وحكي في الياء التخفيف- وهي أرض من عمل المدينة من جهة الفُرع، كأنها نُسبت إلى
جَوان؛ قاله القاضي عياض. وقال الشيخ محيي الدين (1) : الجوانية
موضع بقرب أُحُد في شمالي المدينة. وأما قول القاضي: " إنها من عمل
الفرع " فليس بمقبول؛ لأن الفُرع بين مكة والمدينة، والمدينة بعيد من
الفرع، وأحد في شام المدينة، وقد قال في الحديث: " قِبلَ أُحد والجوانية"، فكيف يكون عند الفرع"؟.
قلت: الصواب مع الشيخ محيي الدين؛ لأن الفرع- بضم الفاء،
وسكون الراء وبالعين المهملتين- من المدينة على أربعة أيام في جِنوبِيها،
وهي عدة قرى آهلة، والطريق القريبة من المدينة إلى مكة إنما هي على
الفُرع؛ ولكن لاَ يكاد يَسْلم المار بها من قطاع الطريق، وكذا ذكرته في
تاريخي في كتاب " البلدان" في فصل "إقليم الحجاز". وفيه: دليل
على استخدام السيّد جاريته في الرعي وإن كانت تنفردُ في المَرعى.
قوله: "آسف " أي: أغضبُ كما يغضبون، من أسف يأسَفُ من باب
علم يعلم؛ والأسَف بفتحتين: أشد الحزن.
قوله: "لكني صككتها" فيه حذف حتى يصح الاستدراك؛ / والتقدير: [2/36 - ب] فلم أصبر على ذلك، فما اكتفيت بشَتمها؛ لكني صككتُها؛ الصك:
الضربُ، ويُقالُ: اللطمُ.
قوله: "فعظم ذلك على" وفاعِلُ "عَظم": رسولُ الله- عليه السلام-
__________
(1) شرح صحيح مسلم (23/5-24) .(4/185)
وهو من التعظيم بمعنى: جعل هذا الف [ـعل عظيما] (1) وذلك إشارة إلى ما أخبره في فعله بالجارية شفقةَ منه عليها.
قوله: " فقالَ: أين اللهُ " أي: فقال النبي- عليه السلام- سائلاَ عنها: أين الله؟ إنما أراد- عليه السلام- أن يَتطلبَ دليلاَ على أنها مُوحدة، فخاطبَها بما يفهم قصدها؛ إذ من علامات الموحدين: التوجهُ إلى السماء عند الدعاء وطلب الحوائج؛ لأن العرب التي تعبدُ الأصنامَ تطلب حوائجها من الأصنام، والعجم من النيران، فأرادَ- عليه السلام- الكشفَ عن مُعتقدها هل هي من جملة من آمن؟ فأشارت إلى السماء، وهي الجهة المقصودة عند الموحدين. وقيل: إنما وَجْهُ السؤالِ بـ " أين " هاهنا سُؤال عما يَعتقدُه من جلال الباري، وإشارتها إلى السماء إخبار عن جلالته تعالى في نفسها، والسماء قبلة الداعين كما أن الكعبة قبلة المصلين، فكما لم يَدل استقبالُ الكعبة على أن الله جلت قدرته فيها، لم يدل التوجه إلى السماء والإشارة على أن الله عَزَّ وجَلَّ فيها (2) .
قوله: "اعتقها" إنما أمر بعتقها لأنه ضربها من غير ذنب، وكان عتقها كفارةً لذلك الذنب، وفيه: دليل على أن إعتاق المؤمن أفضل من إعتاق الكافر.
قوله: " فإنها مؤمنه " الفاء فيه للتعليل؟ فكان إيمانها بالله وبرسوله هو الذي حبب عتقها، ثم إن النبي- عليه السلام- حكم بإيمانها بالإقرار بالله وبرسالته، وهكذا هو الحكم في كل كافر لا يَعتقدُ دينا باطلاً، ولا يَعْرف إلا الله تعالى، فإنه متى أقر بالله وبرسالة نبيه- عليه السلام- جزما يَصيرُ مؤمنا، ويكون من أهل القِبْلة والجنة، ولا يكلف على إقامة الدليل والبرهان، وأما الكافر الذي يَعْتقدُ دينا من الأديان الباطلة، أو
__________
(1) غير واضح في الإلحاق.
(2) بل أن اعتقاد أهل السنة والجماعة أن الله في السماء، مستو على عرشه، محيط بكل شيء وفوقه، "ليس كمثله شيء وهو السميع البصير"، وانظر:
" مختصر العلو".(4/186)
كتابا من الكتب السماوية، فلا يحكم بإسلامه بمجرد الإقرار بالله وبرسوله حتى يتبرأ عما يعتقده من الدين الباطل. والحديث: أخرجه مسلم، والنسائي، والبيهقي؛ ولفظه: " إنما هو التسبيح والتكبير" موضع قوله:
"إنما هُو". وفي لفظ للطبراني: "إن صلاتنا لا يحل فيها شيء من كلام الناس". وأخرج ابن أبي شيبة كثره في " مصنفه".
وقال الخطابي (1) : في هذا الحديث من الفقه أن الكلام ناسيا في الصلاة لا يُفسد الصلاة؛ وذلك أن النبي- عليه السلام- علمه أحكام الصلاة وتحريم الكلام فيها، ثم لم يأمره بإعادة الصلاة التي صلاها معه، وقد كان تكلم بما تكلم به، ولا فرق بين مَنْ تكلم جاهلاً بتحريم الكلام عليه وبين من تكلم ناسيا لصلاة في أن كل واحد منهما قد تكلم، والكلام مباح له عند نفسه.
والجواب عن هذا: أنا لا نُسلم أن كلام معاوية بن الحكم كان على
وجه السهو والنسيان؛ بل كان عامدا؛ ولكن كان جاهلاً بتحريم الكلام، وأما قوله:" ثم لم يأمره بإعادة الصلاة التي صلاها معه "، فيحتمل أن يكون أقره بها ولم ينقل إلينا، فإذا احتمل عدم أمره بالإعادة وأمرَه بالإعادة، كان الرجوع إلى عموم قوله: "إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس" في دلالة بطلان الصلاة بكلام الناسِي أوْلى؛ فالحديث لا يدل على أن كلام الناسي لا يبطل الصلاة، ورُبما دل على عكسه.
907- ص- نا محمد بن يونس النسَائي: نا عبد الملك بن عَمرو: نا فليح، عن هلال بن علي، عن عطاء بن يسار، عن معاوية بن الحكم السُّلَمي قال: لما قَدمْتُ عَلَى رسولِ الله عُلمتُ أمورا من أمورِ الإسلام، فكان فيما عُلِّمتُ أن قيل (2) لي: " إذاَ عَطستَ فاحْمدِ الله، وإذا عَطِسَ العاطسُ
__________
(1) معالم السنن (1/ 191- 193) .
(2) في سنن أبي داود: " قال ".(4/187)
فحمدَ الله فَقلْ: يَرْحَمُكَ اللهُ " قال: فَبينما أنا قائم مع رسولِ الله في الصلاةِ إذ عًطسَ رجُل فحمدَ اللهَ فقلتُ: يَرحَمُكَ اللهُ- رافعا بها صَوتِي- فَرَمَانِي الناسُ بأبْصارِهم حتَى احتمَلَني ذلك، فقلتُ: ما لكم تنظرونَ؟ (فقلت: ما لكم تنظرونً) (1) إِلي بأعين شَزْر؟ قال: فَسَبَّحوا، فلما قَضى النبيُّ - عليه السلام- الصلاةَ قال: " مَنِ المتكلمُ؟ " قيل: هذا الأعرابي فدعاني رسولُ الله/ فقال: " إنمَا الصلاةُ لقرَاءَة القراَن وذكرِ الله، فإذا كنتَ فيها فليكنْ ذلَك شأنَكَ،، فما رأيتَُ مُعلمَا قط أَرفقَ من رسول الله- عليه السلام (2) .
ش- محمد بن يونس النسَائي: روى عن: أبي عامر العقدي، وعبد الله بن يزيد المقرئ. روى عنه: أبو داود، وفُلَيْح بن سُليمان المدني. وهلال بن علي: هو هلال بن أبي ميمونة القرشي المديني.
قوله: " رافعا"، نصب على الحال من الضمير الذي في "فعلتُ ".
قوله: "حتى احتملني ذلك " أي: حتى أغْضبَني فعلُهم ذلك.
قوله:" بأعين شَزْر" الشزْر: النظر عن اليمين والشمال، وقيل: هو النظر بمُؤخر العين، وأكثر ما يكون النظر الشزْر في حال الغضب وإلى الأعْداء.
قوله: "إنما الصلاة لقراءة القراَن وذكر الله" إنما اقتصر على هَذَيْن النَوْعين مطابقة لما صدر من معاوية من الكلام؛ وهذا من بلاغة الكلام، وفصاحة البيان.
قوله:" فليكن ذلك شأنك " أي: فليكن ما ذكر من قراء القرآن وذكر الله، فعلك وقولك في الصلاة.
قوله: " فما رأيتُ مُعَلما " إلى آخره؛ لأنه- عليه السلام- لم
__________
(1) غير موجود في سنن أبي داود، والظاهر أنها مكررة.
(2) تفرد به أبو داود.(4/188)
يَنْهره، ولم يغضب عليه على ما فَعل من الفعل المحرم في الصلاة، وهذا من كمال خلقه الحسن، ولطافة ذاته الكريمة - صلى الله عليه وسلم -.
* * *
163- بَابُ: التَأمين وَرَاء الإمام
أي: هذا باب في بيان حكم التأمين وراء الإمام.
908- ص- لا محمد بن كثير: نا سفيان، عن سلمة بن كهَيل، عن حُجر أبي العَنْبَس الحَضرمي، عن وائل بن حُجر قال: كان رَسولُ الله- عليه السلام- إذا قَرَأ "ولا الضالِينَ" قال: "آمين "، "رفعَ بها صَوتَه (1) . ش- حُجر- بضم الحاء المهملة، وسكون الجيم-: ابن العنبس الحضرمي، أبو العنبس الكوفي، أدرك الجاهلية ولم يلق النبي- عليه السلام-. سمع: علي بن أبي طالب، ووائل بن حُجر. روى عنه: سلمة بن كهيل، وموسى بن قيس الحضرمي، والمغيرة بن أبي الحر الكندي. قال ابن معين: شيخ كوفي ثقة ومشهور. روى له: أبو داود، والترمذي (2) .
الكلام في "آمين" من وجوه: الأول في لفظه ومعناه، فلفظه صوت سُمي به الفعل، الذي هو استجب، كما أن رويد وحيهل وهلم أصوات سُميت بها الأفعال التي هي: أمْهل، وأسرِعْ، وأقبل.
فإن قيل: الصوت: لفظ حكي به صوت، أو صُوت به للبهائم وهو ليس من القسمين. قلت: إن الصوت ربما يطلق على اللفظ لأنه صَوت يعتمدُ على مخرج الحَرف، وهو المراد هاهنا، وفيه لغتان مد الهمزة وقصرها، وفي حركاته أوجه أصحها: فتح النون؛ وهي القراءة الظاهرة.
__________
(1) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في التأمين (248) " ابن ماء: كتاب إقامة الصلاة والسمعة فيها، باب: الجهر بأمين (855) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (5/ 1135) .(4/189)
لأن أصله: يا أميناه، فحذفت الهاء والألف تخفيفا، فبقيت النون على
الفتحة، ويكون محله الرفع لأنه نداء ندبة، ويقال: إنه مبني على الفتح
ككيف، وأين، وقد تكسر- أيضا-؛ لأن الأصل في البناء: السكون،
فإذا حُركَ حُركَ بالكسْر، وقد يُرفع ظاهره- أيضا- على تأويل من جعله
اسما لله تَعالى فكأنه قال: يا أمينُ، وبالإمالة لغة وقراءة- أيضا- ولو
قرأها بالتشديد فهو خطأ قيل: تفسد به الصلاة. وذكر شمس الأئمة
الحلواني أنه لا تفسد تصحيحا لصلاة العامة؛ لأن له نظيرا، وهو قوله
تعالى: "وَلا آمينَ البَيْتَ الحَرَامَ " (1) ومعناه: ندعو قاصدين، وأما
معناه: فذكر ابن بُزَيزة في " شرح الأحكام" أن ابن عباس سأل رسول الله
عن معنى آمين، فقال: " كذلك يكون ". وعن هلال بن يَساف ومجاهد
وحكيم بن جابر: هي اسم من أسماء الله. وقال عطية العَوْفي: هي
كلمة عبْرانية أو سريانية. وقال عَبْد الرحمن بن زيد بن أسلم: هي كنز
من كنوز العرش لا يعلمه إلا الله تعالى. وقيل: هي خاتم رب العالمين
على عباده المؤمنين. وفي "بسيط " الواحدي، عن جعفر بن محمد:
معناه: قصدي إليك، وأنت كرم من أن تخيب قاصدا. وفي "الزاهر"
لابن الأنباري: اللهم استجب. وقال ابن قتيبة: معناها: يا أمن أي:
يا الله، وأضمر في نفسك استجب لي. وقال ابن عباس: معناه: اللهم
[2/ 37 - ب] افعل/. وقال الضحاك: هي حروف من أسماء الله عَر وجَل، تختم به قراءة أهل الجنة والنار. وقال وهب: يخلق بكل حرف منه ملك يقول:
اللهم اغفر لمن (2) قال: آمين. وقال أبو علي: وزنه: فعال، والمس
لإشباع؛ لأنه مشى في الكلام أفعال ولا فاعيل ولا فيعيل. وقال
الأخفش: مثلها في العجمية شاهد.
الثاني: هي من القرآن أم لا؟ قال الزمخشري: وليْس من القرآن،
بدليل أنه لم تثبت في المصاحف. وقال ابن الأثير: لا خلاف بين أهل
الإسلام أنها ليست من القرآن العظيم، ولم يكتبها أحد في المصحف.
__________
(1) سورة المائدة: (2) .
(2) في الأصل: "اللهم اغفر لي لمن ".(4/190)
الثالث: مَن يَقُولها في الصلاة وكيف يقولها؟ قال أصحابنا: وإذا قال الإمام: "ولا الضالين" قال: "آمين" ويَقولُها المؤتم. وروى الحسن عن أبي حنيفة: لا يقولها الإمام لأنه دل والمستمع المأموم، وإنما يؤمن المستمع دون الداعي كما في سائر الأدعية خارج الصلاة.
فإن قيل: ما يقولُ في قوله- عليه السلام-: "إذا أمّن الإمام فأمنوا"؟ قلنا: سُمِّي الإمامُ مُؤمنا باعتبار التسبيب، والمُسببُ يجوز أن يسمى باسم المُباشِر كما يُقال: بَنَى الأميرُ داره، وبمثل هذه الرواية في "المدونة" عن مالك، وفي (العارضة) عنه: لا يؤمن الإمام في صلاة الجهر. وقال ابن حبيب: يُؤمِّن. وقال يحيي بن بكير: هو بالخيار. وقال السفاقسي: وزعمت طائفة من المبتدعة أن لا فضيلة فيها، وعن بعضهم: أنها تفسد الصلاة. وقال ابن حزم: يقولها الإمام سُنَةَ والمأموم فرضا.
وأما كيفية قولها: فقال أصحابنا: الإمام والجماعة يخفونها. وقال الشافعي: يجهر بها الإمام في الصلاة التي يجهر فيها بالقراءة، والمأموم يخافت؛ هكذا ذكر المزني في "مختصره". وفي (الخلاصة) للغزالي: ومن سنن الصلاة: أن يجهر بالتأمين في الجهرية. وقال في (شرح البخاري) : ويجهر بها المأموم عند أحمد وإسحاق وداود. وقال جماعة: يخفيها؛ وهو قول أبي حنيفة والكوفيين، وأحد قولي مالك والشافعي في "الجديد"، وفي "القديم ": يجهر. وعن القاضي حسين عكسُه. قال النووي: وهو غلط؛ ولعله من الناسخ. وقال ابن الأثير: لو قال: "آمين رب العالمين"، وغير ذلك من ذكر الله كان حسناً ثم الشافعي ومن معه تمسكوا في الجهر بالتأمين بهذا الحديث وأمثاله. واحتج أصحابنا بأخبار وآثار؛ منها: ((1) ما روى أحمد، وأبُو داود الطيالسي، وأبُو يعلى الموْصلي في "مسانيدهم"، والطبراني في "معجمه"، والدارقطني في
__________
(1) انظر: نصب الراية (1/ 369) .(4/191)
" سننه "، والحاكم في "المستدرك " من حديث شعبة، عن سلمة بن كهيل، عن حجر أبي العنبس، عن علقمة بن وائل، عن أبيه أنه صلى خلف النبي- عليه السلام-، فلما بلغ " غير المغضوب عليهم ولا الضالين" قال: "آمين "، وأخفى بها صوته. أخرجه الحاكم في كتاب " القراءة" ولفظه: وخفض بها صوته. وقال: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وقال الدارقطني: هكذا قال شعبة: "وأخفى بها صوته " ويُقالُ: إنه وهِم فيه شعْبة؛ لأن سفيان الثوري ومحمد بن سلمة بن كهيل وغيرهما رووه عن سلمة فقالوا: "ورفع بها صوته"؛ وهو الصواب. وطعن صاحب "التنقيح، في حديث شعبة هذا بأنه قد روي عنه خلافه؟ كما أخرجه البيهقي في " سننه" عن أبي الوليد الطيالسي: نا شعبة، عن سلمه بن كهيل: سمعت حجرا أبا عنبس يُحدثُ عن وائل الحضرمي أنه صلى خلف النبي- عليه السلام- فلما قال: "ولا الضالين" قال: "آمين " رافعا بها صوته. قال: فهذه الرواية توافق رواية سفيان. وقال البيهقي في " المعرفة": إسناد هذه الرواية صحيح، وكان شعبة يقول: سفيان أحفظ. وقال يحيى القطان ويحيى بن معين: إذا خالف شعبةُ سفيانَ (1) ، فالقولُ: قول سفيان- قال: وقد أجمع الحفاظ- البخاري وغيره- أن شعبة أخطأ، وقد روي من أوجه: فجهر بها. انتهى.
قلنا: يكفي لصحة الحديث تصحيح الحاكم وقول الدارقطني، ويقال: إنه وَهم فيه شعبة يدلُ على قلة اعتنائه بكلام/ هذا القائل- وأيضاً قولهم في مثل شعبة: " إنه وهم" لكونه غير معصوم موجود في سفيان، فربما يكون هو وهم، ويمكن أن يكون كلا الإسنادين صحيحاً وقد قال بعض العلماء: والصوابُ أن الخبرين بالجهر بها والمخافتة صحيحان، وعمل بكل منهما جماعة من العلماء، وإن كنتُ مختارا خفضَ الصوت بها؛ إذ كانت الصحابةُ والتابعون على ذلك.
__________
(1) في الأصل: "إذا خالف شعبة يقول سفيان" كذا، وما أثبتناه من نصب الراية.(4/192)
فإن قيل: (1) قال ابن القطان في كتابه: هذا الحديث فيه أربعة أمور؛ أحدها: اختلاف سفيان وشعبة؛ فشُعبةُ يقولُ:" خَفضَ "، وسفيانُ يقول: " رَفعَ "؛ الثائي: اختلافهما في حُجْر؛ فَشعبةُ يقولُ: حُجر أبو العَنْبس، والثوريُّ يقولُ: حُجر بن عَنْبَسْ، وصوب البخاري وأبو زرعة قولَ الثوري، ولا أَدْري لمَ لم يُصَوبْ قولُهما جميعاً حتى يكون حُجرُ بن عنبس أبا العَنْبس، اللهَم إلا أن يكونا قد علما أنه له كنيةً أخرى، الثالث: أن حُجراً لا يُعرفُ حالُه، والرابع: اختلافُهما - أيضا-؛ فجعَلَه الثوري من رواية حُجْر، عن وائل، وجعَله شعبةُ من رواية حُجر، عن علقمة بن وائل، عن وائل.
قلنا: أما الجوابُ عن الأول: فيُقال: لا يَضر اختلاف سفيان وشعبة؛ لان كلا منهما إمامٌ عظيمٌ في هذا الباب، فلا يُسقطُ رواية أحدهما برواية الآخر، فكل ما يُقالُ في أحدهما من الوَهْم ونحوه يَصدُقُ على الآخر، فلا تحصل بهذا فائدة- كما قررنا آنفا.
والجواب عن الثاني: أن هذا ليس باختلاف؛ لأن حُجراً يجوز أن تكون كنيته: أبا العنبس، ويكونَ هو ابن العَنْبس، فذكره شعبة بكُنْيته والثوريُّ بنَسَبه. وقوله: " اللهم إلا أن يكونا قد عَلما أن له كنيةً أخرى" لا يَضرّنا هذا؛ لأن الشخصَ يجوز أن يكون له كنيتان أو كثر، وكذلك قال الترمذي في " العلل الكبير": سمعتُ محمد بن إسماعيل يَقولُ: حَديثُ الثوري، عن سلمة في هذا الباب أصحُّ من حديث شعبة، وشعبةُ اخطأ في هذا الحديث في مواضع قال: عن سلمة بن حُجر أبي العَنْبس؛ وإنما هو ابن عنبس وكنيتُه: أبو السَّكن. وهذا- أيضا- بَعيدٌ من البخاري، فكيف يُخطئ مثلَ شعبة بمثل هذا الكلام؟ لأنه لمَ لا يجوز ابن يكون حُجر مكنى بكُنيتَين بأبي العنبر وبأبي السَّكن، فذكَره شعبةُ بكُنيته التي عَرفه بها، وغيرهُ ذكره بكُنْيته الأخرى، فهذا ليس بمستحيل ولا مُستَبْعدِ حتى يُخطَّأ شُعْبةُ بمثل هذا.
__________
(1) انظر: نصب الراية (1/ 369- 0 37) .
31. شرح سنن أبي داود 4(4/193)
والجواب عن الثالث: أن قوله: " إن حجرا لا يُعرفُ حاله " ممنوع وكيف لا يُعرفُ حاله؟ وقد ذكره أبو القاسم البغويُّ وأبو الفرج البغدادي وابنُ الأثير وغيرهم في جملة الصحابة، ولئن نزلناه عن رُتبة الصحابة إلى التابعين فقد وجَدنْا جماعة أثنَوْا عليه ووثقوه؟ منهم: الخطيبُ أبو بكر البغدادي، قال: سار مَعَ علي إلى النَهْروان، وورَد المدائنَ في صحبته
وهو ثقة، احتج بحديثه غيرُ واحد من الأئمة، وذكره ابن حبان في
"الثقات ". وقال ابن معين: كوفي ثقة مشهورٌ.
والجواب عن الرابع: أن دخول علقمة في الوسط ليس بعَيْب؛ لأنه
سمعه من علقمة أولا بنُزولي ثم رواه عن وائل بعلُوّ؛ بينَ ذلكَ الكجي في
"سُنَنه الكبير".
ومنها: ما روى محمدُ بن الحسن في كتاب "الاَثار": حدثنا
أبو حنيفة: نا حماد بن أبي سليمان، عن إبراهيم النخعي قال: أربع
يُخفيهن الإمامُ: التَعوذُ، وبسم الله الرحمن الرحيم، وسبحانك اللهم،
وآميَن. ورواه عبد الرزاق في " مُصنفه": أخبرنا معمر، عن حماد به،
فذكره إلا أنه قال عوض قوله:"سبحانك اللهم ": " اللهم ربنا لك الحمد"، ثم قال: أخبرنا الثوري، عن منصور، عن إبراهيم قال:
خمسٌ يخفيهن الإمامُ، فذكرها، وزاد: سبحانك اللهم وبحمدك.
ومنها: ما روى الطبري في " تهذيب الاَثار": نا أبو بكر بن عياش،
عن أبي سعيد، عن أبي وائل قال: لم يكن عمرُ وعلي يجهران ببسم الله
الرحمن الرحيم ولا بآمين.
وحديثُ وائل: أخرجه الترمذي- أيضا-، وابن ماجه؛ ولفظ [2/38 - ب] الترمذي: (ومَدَّ بها صوتَه " / وقال: وفي الباب عن عليه وأبي هريرة. قال أبو عيسى: حديث وائل بن حجر حديث حسن، وبه يقول غير
واحد من أهل العلم من أصحاب النبي- عليه السلام- والتابعين ومَن بعدهم، يَرَوْن أن الرجل يرفع صوته بالتأمين ولا يخفيها، وبه يقول
الشافعي وأحمد وإسحاق.(4/194)
909- ص- نا مخلد (1) بن خالد الشعيري: نا ابنُ نمير: نا علي بن صالح، عن سَلمة بن كُهيل، عن حُجر بنِ عنْبَس، عن وائل بن حُجر أنه صَلَّي خلفَ النبيٍّ - عليه السلام- فجهَر بآمينَ وسلّم عن يمينه وعن شمَاله حتى رَأيتُ بياض خَدهِ (2) .ًً ش- مخلد (3) بن خالد 00. (4) ، والشعِيري: بفتح الشين المعجمة وكسر العين المهملة، وابن نُمير: هو عبد الله بن نُمير.
وعلي بن صالح: ابن حي الهمداني أبو محمد، ويقال: أبو الحسن الكوفي أخو الحَسن؛ وهما توأمان. روى عن: أبيه، وإبراهيم بن مهاجر، وسلمة بن كُهيل وغيرهم. روى عنه: أخوه: الحسن، ووكيع، وأبو الزبير، وغيرهم. قال أحمد وابن معين: ثقة. روى له: الجماعة إلا البخاري (5) .
واستدلّ أشرف الدين بن مجيب الكاساني صاحب " البدائع" لأبي حنيفة في إخفاء آمين بقوله- عليه السلام-: "إذا قال الإمام: ولا الضالين فقولوا: آمين،، فإن الإمام يَقولُها، ولو كان مسموعا لكانوا علموا بقولها؛ ولأنه من باب الدعاء؛ لأن معناه: اللهم أجبْ أو ليكن كذلك قال الله تعالى: "قَدْ أجيبَت دعوَتُكُمَا" (6) ومُوسى كان يدعو وهارون كان يؤمن، والسُّنَّة فيه الدعاء: الإِخفاء. وحديث وائل طعن فيه إبراهيم النوعي وقال: أشهِد وائل وغابَ عبدُ الله؟ على أنه- عليه السلام- جهر مرةً للتعليم.
__________
(1) في الأصل: "محمد" خطأ.
(2) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاه في التأمين (249) .
(3) في الأصل: "محمد".
(4) بيض له المصنف قدر ثلاثة أرباع السطر، وهو مترجم في تهذيب الكمال (27/ 5834) ، وكأن المصنف- رحمه الله- لما ذكره بمحمد لم يجد له ترجمة فبيض له لذلك.
(5) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (20/ 4084) .
(6) سورة يونس: (89) .(4/195)
910- ص- نا نصر بن علي: نا صفوان بن عيسى، عن بشْر بن رافع، عن أبي عبد الله ابن عم أبي هريرةَ، عن أبي هريرةَ قال: كان رسولُ اللهِ إِذا تَلا: "غير المَغْضُوب عليهم ولا الضالينَ " قال: آمين حتى يُسْمِعَ منْ يليه من الصف الأولِ (1) .
ش- نَصْر بن علي: الجهضمي البصري، وصفوان بن عيسى: القرشي البصري.
وبشْر بن رافع: النجراني- بالنون والجيم- أبو الأسباط الحارثي إمام أهل نجران ومفتيهم. سمع: أبا عبد الله ابن عم أبي هريرة، وعبد الله ابن سليمان بن جنادة، ويحيى بن أبي كثير. روى عنه: يحيي بن أبي كثير، وعبد الرزاق بن همام، وصفوان بن عيسى. وقال البخاري: لا يتابع في حديثه. وقال النسائي: هو ضعيف. وقال الحاكم أبو أحمد: ليس بالقوي عندهم. وقال أبو حاتم: ضعيف منكر الحديث. وقال ابن عدي: هو مقارب الحديث، لا بأس بأخباره، ولم أجد له حديثا منكراً وعند البخاري: إن بشر بن رافع هذا أبو الأسباط الحارثي. وعند يحيى ابن معين: إن أبا الأسباط شيخ كوفي ثقة. ولكن ذكر يوسف بن سلمان، عن حاتم، عن أبي أسْباط الحارثي اليمامة (2) . وعند النسائي: أن بشْر بن رافع غير أبي الأسباط. وما قاله كل واحد منهم محتمل، والله العلم، وإن كانا اثني فكأن أحاديث بشر بن رافع أنكر من أحاديث أبي الأسْباط. روى له: أبو داود، والترمذي، وابن ماجه (3) .
وأبو عبد الله الدولي ابن عم أبي هريرة: قال ابن أبي حاتم في كتاب
" الكنى ": اسمُه: عبد الرحمن بن هضاض، ويقال: هضهاض، والصحيح: هضاض. روى عن: أبي هريرة. روى له: أبو داود، وابن ماجه (4) .
__________
(1) ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: الجهر بأمين (853) .
(2) في تهذيب الكمال: " اليماني ".
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (4/687) .
(4) المصدر السابق (34/ 7473) .(4/196)
قوله: " حتى يُسمع" منْ أسمع يُسمع إسْماعاً. والحديث: أخرجه ابن ماجه- أيضا- بسند ضعيف.
911- ص- نا القعنبي، عن مالك، عن سمي مولى أبي بكر، عنْ أبي صالح السمان، عن أبي هريرةَ، أن النبي- عليه السلام- قال:، إذا قال الإمامُ: "غَيرِ المغضُوب عَلَيهم ولا الضالينَ " فقولوا: آمين فإنه مَن وافَق قولُه قَولَ الملائكة غفِرَ له ما تقدمًّ من ذنبِه " (1) .
ش- أي: من الصَغائر وما لا يكاد ينفك عنه في الغالب من اللمَم. والحديث: أخرجه البخاري، والنسائي، وعبد الرزاق في "مصنفه " وابْنُ حبان في " صحيحه"، (2) وزاد فيه البخاري في كتاب "الدعوات ": "فإن الملائكة تؤمن، فمَنْ وافق تأمينه" الحديث. وقال
ابن حبان في "صحيحه": "فإن الملائكة تقولُ: َ آمين، ثم قال: يُريدُ
أنه إذا أمن كتأمين الملائكة/ من غير إعجاب ولا سُمْعة ولا رياء، خالصا [2/39- أ] لله تعالى؛ فإنه حينئذ يغفر له.
قلت: هذا التفسيرُ يندفع بما في "الصحيحين " عن مالك، عن
أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النبي- عليه السلام-:
"إذا قال أحدكم: آمين، وقالت الملائكة في السماء: [آمين] ، ووافقت
إحداهما الأخرى غفر له ما تقدم من ذنبه،. انتهى. وزاد فيه مسلم:
"إذا قال أحدكم في الصلاة " ولم يقلها البخاري وغيره؛ وهي زيادة
حسنة، نبه عليها عبد الحق في الجمع بين الصحيحين،، وفي هذا اللفظ
فائدة أخرى وهي: اندراج المنفرد فيه، وغير هذا اللفظ إنما هو في الإمام
وفي المأموم أو فيهما، والله أعلم.
912- ص- لا المعنى، عن مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد بن
__________
(1) البخاري: كتاب الدعوات، باب: التامين (6402) ، النسائي: كتاب الافتتاح، باب: جهر الإمام بأمين (2/ 144) .
(2) انظر: نصب الراية (1/368) .(4/197)
المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن أنهما أخبراه عن أبي هريرةَ، أن رسول الله- عليه السلام- قال: " إذا أَمَّنَ الإمامُ فأمَنوا، فإنه مَنْ وَافقَ تأمِينُه تَأمنَ الملائكة غُفِرَ له ما تقلَّمَ مِنْ ذنبه" (1) .
ش- الأَمر فيه للاستحباب بإجماع العلماء، خلافا لابن حَزْم، فإنه فرض التأمين على المأموم، كما ذكرناه.
والحديث: أخرجه الستةُ في كتبهم؛ ولفظ النسائي، وابن ماجه: " إذا أمن القارئ ". ورواه البيهقي؛ ولفظه: " إذا قال القارئ: غير المغضوب عليهم ولا الضالين، فقال من خلفه: آمين، ووافق ذلك قول أهل السماء: آمين، غفر له ما تقدمّ من ذنبه ". ورواه أبو محمد الدارمي في "مسنده ".
ص- قال ابن شهاب: وكان رسولُ الله يقولُ: آمين.
ش- أي: قال محمد بن مسلم الزهري: كان رسول الله- أيضا- يقولُ: آمين. وقال البخاري- أيضا: قال ابن شهاب.. إلى آخره. قال السَّفاقُسي: هذا مُرسل ولمِ يُسنده، ولو أسنده لم يكن فيه دليل للمتعلّق، لأنه لم يَقل أنه كان يقولُه في صلاة الجهر، ولعله قاله فيما صلى سرا.
913- ص- نا إسحاق بن إبراهيم بن راهويه: نا وكيع، عن سفيان، عن عاصم، عن أبي عثمان، عن بلال أنه قال: يا رسولَ اللهِ، لا تسبقْنِي بآمين (2) .
__________
(1) البخاري: كتاب الأذان، باب: جهر الإمام بالتأمين (780) ، مسلم: كتاب الصلاة، باب: التسميع والتحميد والتأمين (410) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في فضل التأمين (250) ، النسائي: كتاب الافتتاح، باب: جهر الإمام باسمين (2/ 143، 144) ، وله عنده ألفاظ أحدها مثل لفظ الباب، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: الجهر بأمين (852) .
(2) تفرد به أبو داود.(4/198)
ش- إسحاق بن إبراهيم: ابن مخلد بن إبراهيم بن عبد الله بن مطر أبو يَعْقوب المروزي المعروف بابن رَاهويه، سكن نيسابور، وسمع: عبدة ابن سليمان، وأبا عامر العَقدي، وإسماعيل ابن عليّة، ووكيعا، وابن المبارك، وجماعة آخرين كثيرة. روى عنه: البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، والترمذي، وأحمد بن حنبل، وابن معين، وجماعة آخرون كثيرةٌ. وقال أحمد: إسحاق عندنا إمام من أئمة المسلمين. وقال أبو داود الخفاف: أملى علينا إسحاق بن راهويه أحد عشر ألف حديث من حفظه، ثم قرأها عليه، فما زاد حرفا ولا نقص حرفا. وعن محمد بن يحيى بن خالد: سمعت إسحاق بن إبراهيم يقول: أعرف مكان مائة ألف حديث كأني أنظر إليها، وأحفظ سبعين ألف حديث عن ظهر قلبي، وأحفظ أربعة آلاف حديث مُزوّرة، فقيل له: ما معنى المزورة؟ قال: إذا مر بي منها حديث في الأحاديث الصحيحة قلبتُه منها قلبا. وقال أحمد بن سلمة: سمعت إسحاق بن إبراهيم يقول: قال لي عبد الله بن طاهر: لم قيل لك ابن راهَوَيْه؟ وما معنى هذا؟ وهل تكره أن يُقال لك هذا؟ قال: اعلم أيها الأميرُ: أن أبي ولد في طريق مكة، فقال المراوزة: راهوَيْ؛ لأنه وُلد في الطريق، وكان أبي يكره هذا، وأما أنا فلستُ كرَهُه. وتوفي إسحاق بن راهويه ليلة النصف من شعبان، سنة سبع أو ثمان وثلاثين ومائتين، وهو ابن سبْع وسبعين سنة (1) .
وعاصم: الأحول، وأبو عثمان: عبد الرحمن بن مَل النهدي، وبلال: ابن رباح (2) - رضي الله عنه-.
قوله: " لا تسبقني بآمين" أوّلُوه على وجهين؛ الأول: أن بلالا كان يقرأ الفاتحة في السكتة الأولى من سكوتي الإمام، فربما يبقى عليه شيء منها ورسول الله- عليه السلام- قد فرغ من قراءتها، فاستمهله بلال في
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (2/ 332) .
(2) في الأصل: " ابن أبي رباح".(4/199)
التأمين بقدر ما يتم فيه قراءة بقية السورة، حتى ينال بركة على بركة موافقته
في التأمين له، الثاني: أن بلالا كان يقيم في الموضع الذي يؤذن فيه من
وراء الصفوف فإذا قال: قد قامت الصلاة كبّر النبي- عليه السلام-، [2/39 - ب] فربما سبقه ببعض ما يقرأه، فاستمهله بلال قدر ما يلحق/ القراءة والتأمينَ.
قلت: هذا الحديث مُرسل، وقال الحاكم في "الأحكام ": قيل: إن
أبا عثمان لم يُدرك بلالا. وقال أبو حاتم الرازي: رفعه خطأ، ورواية
الثقات عن عاصم، عن أبي عثمان مُرسلاً. وقال البيهقي: وقيل:- عن
أبي عثمان، عن سلمان قال: قال بلال؛ وهو ضعيف ليس بشيء.
914- ص- نا الوليد بن عُتبة الدمشقي، ومحمودُ بن خالد قالا: نا
الفريابي، عن صَبِيح بن مُحْرز الحمْصي قال: حدَّثني أبو مُصبِّح المُقْرائي
قالَ: كنا نجلسُ إلى أبي زُهَيْر النُمَيْرَي- وكان من الصحابة- فنَتحدّثُ (1)
أحسنَ الحديث، فإذا دَعَى الرجلُ منا بدُعاء قال: اختِمْه بَآمين؛ فإن آمينَ
مِثلَ الطَّابَع على الصَّحيفة. قال أبو زهير: أخبرُكُم عن ذلكَ؟ خَرجْنَا مع
رسول اللهِ ذاتَ ليلة فأَتَيْناَ على رجل قد ألغ في المسألة، فوقفَ النبيُّ- عليه السلام- يَسْتمعُ منهَ، فقال النبي- عليه السلام-: " أَوْجَبَ إن خَتَم " فقال
رجل من القوم: بأي شيء يختمُ؟ قال: " بآمين؛ فإنه إن ختم بآمينَ فقد
أوْجبَ" فانْصرفَ الرجلُ الّذي سألَ النبي- عليه السلام- فأتَى الرجَلَ فقال
له (2) : اختِم يا فلانُ بآمين وأبشِرْ (3) .
ش- الوليد بن عتبة: أبو العباس الدمشقي الأشجعي. روى عن:
الوليد بن مسلم، وبقية بن الوليد، والفريابي، وغيرهم. روى عنه:
أبو زمعة الدمشقي، والرازي، وأبو داود، وجماعة آخرون. وقال
__________
(1) في سنن أبي داود: "فيتحدث ".
(2) كلمة "له" غير موجودة في سن أبي داود.
(3) تفرد به أبو داود.(4/200)
البخاري: معروف الحديث. مات في جمادى الأولى سنة أربعين ومائتين، وولد سنة ست وسبعين ومائة، ويقال: مات بصُور (1) . ومحمود بن خالد: أبو علي الدمشقي، والفرْيابي: هو محمد بن يوسف بن واقد الفِريابي.
وصبيح بن مُحْرز- بفتح الصاد، وكسْر الباء-: الحِمصي. روى عن: أبي مُصبح. روى عنه: الفِريابي. روى له: أبو داود (2) .
وأبو مُصبح المُقْرائي: الأوزاعي الحمْصي، ذكر ابن أبي حاتم أنه دمشقي؛ والصحيح: أنه حِمصيّ. روى عن: أبي زهير النُّميري، وجابر بن عبد الله، وثوبان مولى رسول الله، وشرحبيل بن السًّمْط، وكعب الأحْبار. روى عنه: ابن جابر، وحصين بن حرْملة، وأمية بن يزيد. سئل عنه أبو زرعة فقال: ثقة، لا أعرف اسمه. روى له: أبو داود (3) .
وأبو زُهير: قيل: اسمه: فلان بن شرحبيل، وقال أبو حاتم الرازي:
إنه غير معروف بكنيته فكيف نعرف اسمَه؟. وفي " الكمال": قال عبد الرحمن بن أبي حاتم: قيل لأبي: إن رجلاً سماه يحيى بن نُفير فلم يَعْرفه، وقال: إنه غير معروف بكنيته فكيف نَعرف اسمه. كان يسكن الشام. روى له: أبو داود (4) .
قوله: " مثل الطابع " الطابَع- بفتح الباء-: الختم؛ يريد أنه يختم عليها ويُرفع كما يفعل الرجل بما يعْسر عليه، والطابع بكسر الباء لغة فيه؛ والطبعْ: الختم؛ وهو التأثير في الطين ونحوه.
قوله: " أوْجَبَ إن ختم " يقال: أوْجب الرجل إذا فعل فعلا وجبت له
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (31/ 6720) .
(2) المصدر السابق (13/ 2849) .
(3) المصدر السابق (34/ 0 763) .
(4) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (79/4) ، وأسد الغابة (6/ 126) ، والإصابة (4/ كلام.(4/201)
به الجنة أو النارُ. وعند البَيْهقي: عن أبي زهير النميري: سمع - صلى الله عليه وسلم - رجلاً يلح في المسألة، فقال النبي- عليه السلام-: " أوجبَ إن ختم " فقال رجل: بأي شيء يختم؟ قال: "بآمين؛ فإنه إن ختم بآمين فقَدْ أوجبَ "، وذكر هذا الحديث لأبي عمر (1) النمري فقال: ليس إسناده بالقائم.
ص- وهذا لفظُ محمودِ.
ش- أي: هذا الحديث بهذا اللفظ: لفظ محمود بن خالد الدمشقي. ص- وقال أبو داود: والمُقْرَاء قبيلٌ (2) من حِمْيرِ.
ش- أراد به بيان نسْبة أبي مُصَبح المُقْرائي. المُقْرِئ: بضم الميم، وسكون القاف، ويقال: بفتح الميم، وصوبه بعضهم وهي قبيل من حمير؛ والنسبة إليها "مقرائي " بضم الميم وفتحها. وذكر أبو سعيد المروزي أن هذه نسْبة إلى مَقَراء قرية بدمشق، والأولُ أشهرُ. وأبو مُصبح: بضم الميم، وفتح الصاد المهملة، وكسْر الباء الموحدة وتشديدها، وبعدها حاء مهملة.
164- بَابُ: التصْفيق في الصلاة
أي: هذا باب في بيان حكم التصفيق في الصلاة، وهو مصدر من
صفق إذا ضَرب يده على يده.
915-ص- نا قتيبة بن سعيد: نا صفيان، عن الزهري، عن أبي سلمة،
[2/40 - أ] ، عن أبي هريرة قال: قال رسولُ الله يكن: " التَسبِيحُ للرجال/ والتَّصْفيقُ للنساء" (3) .ً
__________
(1) في الأصل: " عمرو" خطأ.
(2) في سنن أي داود: " والمقراء قبيلة".
(3) البخاري: كتاب العمل في الصلاة، باب: التصفيق للنساء (1203) ، مسلم: كتاب الصلاة، باب: تسبح الرجل وتصفيق المرأة (422) ، النسائي: كتاب السهو، باب: التصفيق في الصلاة (1206) .(4/202)
ش- أراد أن السُّنَة لمن نابه شيء في الصلاة كإعْلام من يَسْتأذن عليه، وتنبِيه الإمام ونحو ذلك، أن يُسبح إن كان رجلاً، فيقول: سبحان الله، وأن تصفق إن كانت امرأةً، فتضرب بطن كفها الأيمن على ظهر كفها الأيسر، ولا تضرب بطن كف على بطن كف على وجه اللُّعْب واللهو، فإن فعلت هذا على وجه اللعب بطلت صلاتها لمنافاته الصلاة. وعن هذا قال صاحب، "المحيط": إذا استأذن على المصلي غيره، فسبّح إعلاما أنه في الصلاة لا تفسد، ثم قال: والمرأة تصفق لإعلام، وروى هذا الحديث. والحديث: أخرجه البخاريّ، ومسلم، والنسائي.
916- ص- نا القعنبي، عن مالك، عن أبي حازم بن دينار، عن سهل ابن سَعْد، أن رسول الله ذهب إلى بني عَمرو بن عوف ليُصلحِ بَيْنهم وحانتْ الصلاةُ، فجاء المؤذنُ إلى أبي بكرٍ فقال: أتُصلي بالناس فأقيم؟ قال: نعم، فصلى أبو بكر، فجاءَ رسولُ اللهِ والناس في الصلاة فتخلص حتى وَقَفَ في الصَف، فصَفقً الناسُ وكان أبو بكر لا يَلتفتُ في الَصلاة، فلمّا أكثَرَ الناسُ التصفيقَ التفتَ، فرأى رسولَ الله، فًأشار إليه رسولُ اللهِ أَن امكُثْ مَكانَكَ، فرفع أبو بكرٍ يديه فحمدَ اللهَ علىَ ما أمرَه به رسولُ الله من ذلك، ثم اسْتأخرَ أبو بكر حتى اسْتَوى فيَ الصف وتقدّمَ رسولُ الله وصلى، فلما انصرفَ قال: " يا أبا بًكر، ما مَنَعَكَ أن تَثبُتَ إذ أمَرْتُكَ؟ " قالَ أبو بكرٍ: ما كان لابنِ أبي قُحافةَ أن يصليَ بين يدَيْ رسولِ الله، فقال رسولُ الله: "ما لي رأيتُكم كْثرْتُم من التصْفِيح؟ مَنْ نابَه شيء؛ في صلاته فليُسبحْ؛ فإنه إذا سبّحَ التُفتَ إليه، فإنما (1) التصفيحُ للنساءِ" (2) .ً
__________
(1) في سنن أبى داود:" وإنما ".
(2) البخاري: كتاب الأذان، باب: من دخل ليؤم الناس فجاء الإمام الأول فتأخر الأول أو لم يتأخر جازت صلاته (684) ، مسلم: كتاب الصلاة، باب: تقديم الجماعة من يصلي بهم إذا تأخر الإمام، ولم يخافوا مفسدة بالتقديم (421) ، النسائي: كتاب الإمامة، باب: إذا تقدم الرجل من الرعية ثم جاء الوالي هل يتأخر؟ (2/ 77) .(4/203)
ش- أبو حازم هذا: اسمه: سلمة بن دينار الأعرج، وقد ذكرناه. قوله: " ذهب إلى بني عمرو بن عوف" هم من ولد مالك بن الأوس وكانوا بقُباء.
قوله: " وحانت الصلاة " أي: قربت، وحلت، وكانت صلاة العصر، كما صرح بها في الراوية الأخرى.
قوله: " أتُصلي " الهمزة فيه للاستفْهام.
قوله: " والناسُ في الصلاة " جملة حالية.
قوله: " فتخلص حتى وقف في الصف " معناه: خرق الصفوف وتخلص منها حتى وقف في الصف الأول.
قوله: " أن امكث " "أنْ" هاهنا تفسيرية.
قوله: " فرفع أبو بكر يدَيْه فحمد الله على ما أمَره به رسول الله " قال ابن الجوزيّ: إنما كان إشارة منه إلى السماء لا أنه تكلم. وقال مالك: من أُخبر في صلاته بسُرُور فحمد الله تعالى لا يضر صلاته. وقال ابن القاسم: ومن أخبر بمُصيبة فاسترجع أو أخبر بشيء فقال: الحمد لله على كل حال أو قال: الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات لا تُعجبني وصلاته مجزئة. وقال أشهب: إلا أن يريد بذلك قطع الصلاة. وكذلك عند أبي يوسف من أصحابنا: إذا أخبر المصلي بما يَسُوؤه فاسترجع، أو أخبر بما يَسرة فحمد الله تعالى، لا تبطل صلاته؛ لفِعل أبي بكر- رضي الله عنه- وقال أبو حنيفة ومحمد: تفسدُ؛ لأنه خرج مخرج الجواب. ويجاب لهما عن فعل أبي بكر بما قاله ابن الجوزي، وأن أراد بتلك الألفاظ إعلامه أنه في الصلاة لا تفسد بالإجماع.
قوله: "ثم استأخر " بمعنى: تأخر، فإن قيل: لمَ لَمْ يثبت أبو بكر إذْ أشار إليه سيدنا - صلى الله عليه وسلم - بالثبات؟ وظاهره يقتضي المخالفةَ. قلنا: علم أبو بكر أنها إشارة تكريم لا إشارة إلزام؟ والأمور تُعرف بقرائنها، ويدل على(4/204)
ذلك: شق رسول الله الصفوف حتى خَلُص إليه، فلولا أنه أراد الإمامة لصلى حيث انتهى.
وقال الشيخ محيي الدين (1) في تقدمه- عليه السلام-: يَسْتدلُّ به أصحابنا على جواز اقتداء المصلي بمن يُحرمُ بالصلاة بعد الإمام الأول؛ فإن الصديق- رضي الله عنه- أحرم بالصلاة أولا، ثم اقتدى بالنبي - عليه السلام- حين أحرم بعده. قال: وهو الصحيح من مذهبنا.
وقال ابن الجوزي. ودل هذا الحديث على جواز الصلاة بإمامَيْن؛ وذلك أن النبي- عليه السلام- لما وقف عن يَسار أبي بكر علم أبو بكر أنه نوى/ الإمامة، فعندها نوى أبو بكر الائتمام.
قال السفاقسي: وفيه دليل على جواز استخلاف الإمام إذا أصابه ما يوجبُ ذلك، وهو قول مالك وأبي حنيفة وأحد قولي الشافعي، وبه قال عمر، وعلي، والحسن، وعلقمة، وعطاء، والنخعي، والثوري. وعن الشافعي وأهل الظاهر: لا يستخلف الإمام. وقال بعض المالكية: تأخرُ أبي بكر وتقدّمه- عليه السلام- من خواص النبي- عليه السلام-؛ لأنهم كانوا تقدموا النبي- عليه السلام- بالإحرام، ولا يفعل ذلك بعد النبي- عليه السلام-.
قلت: هذا الحديث حُجَّة على الشافعي في منعه صحة الاستخلاف، وأصحابنا جوزوا الاستخلاف بهذا الحديث وبحديث عائشة: لما مرض النبي- عليه السلام- مرضه الذي مات فيه فحضرت الصلاة فأذن فقال: " مروا أبا بكر فليصل بالناس" الحديث.
فإن قيل: أنتم ما يجوزون الاستخلاف إلا فيمن سبقه الحدثُ، حتى لو تعقد ذلك أو قهقه أو تكلم لا يجوز الاستخلاف، فكيف تستدلون بالحديث؟ قلت: لأن الذي سبقه الحدث عاجز عن المضيف في الصلاة، فيجوز له الاستخلاف، كما أن أبا بكر عجز عن المضي فيها لكون المضي
__________
(1) شرح صحيح مسلم (146/4) .(4/205)
من باب التقدم على رسول الله، وقد قال الله تعالى: "يَا أيُّهَا الَّذينَ اَمَنُوا لا تُقَدمُوا بَيْنَ يَدَي اللهِ ورَسُوله " (1) ، فصار هذا أصلاً في سنن كَل إمام عجز عن الإتمام أنَ يتأخر ويَسْتَخَلف غيره.
وقال الطبري: وفي هذا دلالة راجحة على أن من سبق إمامه بتكبيرة الإحرام، ثم ائتم به في صلاته، أن صلاته تامة، وبيان فساد قول من زعم أن صلاته لا تجزئه؛ وذلك أن أبا بكر كان قد صلى بهم بعض الصلاة وقد كانوا كبروا الإحرام معه، فلما أحرم رسول الله لنفسه للصلاة بتكبيرة الإحرام، ولم يستقبل القوم صلاتهم، بل بنوا عليها مُؤتمن به، وقد كان تقدم تكبيرهم للإحرام تكبيرَه. والجواب عن هذا: أن إمامهم كان أبا بكر أولا ولم يسبق تكبيرهم على تكبيره، ثم إن النبي- عليه السلام- أتم صلاة أبي بكر ولم يَبتدئها من أولها حتى يلزم ما ذكره، وهذا ظاهر لمن يتكلم بالتأمل.
وقال ابن بطال: لا أعلم مَنْ يقول: إن من كبر قبل إمامه فصلاته تامة إلا الشافعي؛ بناء على مذهبه وهو: أن صلاة المأموم غير مرتبطة بصلاة الإِمام، وسائر الفقهاء لا يجيزون صلاة من كبر قبل إمامه.
قوله:" لابن أبي قحافة " أبو قحافة: اسمه: عثمان، أسلم يوم الفتح، وتوفي في المحرم سنة أربع عشرة وهو ابن سبع وتسعين سنةً، وكانت وفاة الصديق قبله، فورث منه السدسَ فرده على ولد أبي بكر، والصديقُ خليفةٌ ورثه أبُوه.
قوله: " من التصْفيح " التصفيح: هو التصفيق؟ يقال: صفح بيده وصفق، وقيل: الذي بالحاء: الضربُ بظاهر اليد إحديهما على باطن الأخرى، وقيل: بإصْبعين من إحديهما على صفحة الأخرى، وهو الإنذار والتَنْبيهُ، والذي بالقاف: ضرب إحدى الصفحتَيْن على الأخرى؛ وهو لِلهو واللعب. قال للداودي: في بعض الروايات: " فصفح القومُ "
__________
(1) سورة الحجرات: (1) .(4/206)
فيحتمل أنهم ضربوا بأكفهم على أفخاذهم. وقال السفاقسي: احتج به جماعة من الحذاق على أبي حنيفة في قوله: "إن سبح الرجل لغير إمامه لم تجزه صلاتُه ". ومذهب مالك والشافعي: إذا سبح لأعمى خوفَ أن يقع في بئرٍ، أو من دابة أو حيةٍ أنه جائر.
قلت: لا نسلم أن يكون هذا حجة على أبي حنيفة؛ لأن الذي في الحديث: " فصفق الناس " وهو غير التسبيح.
وأما قولُه- عليه السلام-: " مَنْ نابه شيء في الصلاة فليُسبّح فأبو حنيفة- أيضا- يعمل به كما بينا- ولئن سلمنا ذلك فمرادُ أبي حنيفة من قوله: " إذا سبح الرجل لغيْر إمامه لم يجزه " إذا كان على وجه الجواب مثل ما أخْبر الرجل لمنْ في الصلاة بخبرٍ يُعجبه وقال: سبحان الله، وأما إذا كان لا على وجه الجواب لا تُفْسد صلاته، كما في المسألة المذكورة؛ لعموم قوله- عليه السلام-: " من نابه شيء" الحديث. ويُستفاد من الحديث فوائد أخرى؛ الأولى: " (1) أن الإمام إذا تأخر عن الصلاة يُقدم غيرُه/ إذا لم يخف فتنه ولا إنكارا، [1] الإمام. الثانية: ينبغي أن يكون المقدمَ نيابة عن الإمام أفضل القوم وأصلحهم لذلك الأمر، وأقومهم به.
الثالثة: أن المؤذن وغيرهُ يَعرض التقدم على الفاضل، وأن الفاضل
يُوافقه.
الرابعة: أن الفعل القليل لا يبطل الصلاة لقوله: "وصفق الناس". الخامسة: جواز الالتفات في الصلاة للحاجة.
السادسة: استحباب حمد الله لمن تجددت له نعمة.
السابعة: جواز رفع اليدين بالدعاء.
الثامنة: جواز المشي في الصلاة خطوة أو خطوتين.
__________
(1) انظر: شرح صحيح مسلم (145/4- 146) .(4/207)
التاسعة: أن التابع إذا أمره المتبوع بشيء، وفهم منه الإِكرام، وعدم الإلزام، وترك الامتثال لا يكون مخالفةً للأمر.
العاشرة: استحباب ملازمة الآداب مع الكبار.
الحادية عشَر: أن السُّنَة لمنْ نابه شيء في الصلاة أن يسبح إن كان رجلاً، وتصفق إن كانت امرأة.
الثانية عشر: فيه بيان فضيلة أبي بكر الصديق على سائر الصحابة.
الثالثة عشر: أن الإقامة لا تصح إلا عند إرادة الدخول في الصلاة. الرابعة عشر: جواز خرق الإمام الصفوف ليصل إلى موضعه إذا احتاج لخرقها؛ لخروجه إلى طهارة أو لرعاف ونحوهما ورجوعه، وكذا من احتاج إلى الخروج من المأمومين لعذْر، وكذا خرقها في الدخول إذا رأى قدامهم فرجة؛ فإنهم مُقصّرون بتركها. وقال الشيخ محيي الدين: وفيه: أن المؤذن هو الذي يقيم الصلاة فهذا هو السُّنَّة، ولو أقام غيره كان خلاف السُّنة؛ ولكن يعتد بإقامته عندنا.
قلنا: لا يلزم من ذلك أن غيره إذا أقام أن يكون خلاف السنة، وليس هاهنا دلالة على هذه الدعوى، وقد بينا الكلام فيه في " كتاب الأذان " مستوفى.
وقال- أيضا-: وفيه تقديم الصلاة لأول وقتها.
قلنا: هذا- أيضا- لا يدل على فضيلة التقديم؛ لأنهم ربما كانوا استعجلوا بها خوفا على فواتها بصَبْرهم، وانتظارهم إلى حضور رسول الله؛ لأنه- عليه السلام- قد كان ذهب إلى قباء وهي بعيدة من المدينة، وفي مثل هذا نحنُ- أيضا- نقولُ بالتقديم. والحديث: أخرجه البخاري، ومسلم، والنسائي.
ص- قال أبو داود: هذا في الفريضة.
ش- يعني: قوله- عليه السلام-: من نابَه شيءْ في صلاته" الحديث في الصلاة الفريضة، فإذا كان هذا الحكم في الفَريضة ففي التطوع أولى.(4/208)
917-ص- نا عمرو بن عَوْن: نا حماد بن زيد، عن أبي حازم، عن سهل بن سَعْد قال: كان قتالٌ بين بني عَمْرو بنِ عوف، فبلغَ ذاك النبي - عليه السلام- فأتَاهم ليُصَلحَ بينهم بعد الَظهرِ، فقال لبًلال: " إن حَضرتْ صَلاةُ العَصْر ولم آتكَ فمُرْ أبا بكر فليُصل بالناسِ لما، فلماً حَضَرتْ العَصْرُ أذن بلال ثم أَقَام، ثم أمَر أبا بكرِ، فتَقدمَ، قال في آخره: "إذا نابكُم شيء في الَصلاةِ فليُسبَح الرَجالُ، وليُصفح النساءُ " (1) .
ش- هذا تصريح من النبي- عليه السلام- بتقديم أبي بكر على غيره، فإذا قُدم على غيره في الإمامة الصُّغْرى في حياة النبي- عليه السلام-، فكذلك يقدم في الإمامة الكُبرى بعد وفاته- عليه السلام-.
قوله: " قال في آخره " أي: في آخر الحديث. وعند ابن خزيمة: "مَنْ نابه في صلاته شيءٌ فليَقل: سبحان الله. إنما هذا للنساء " يعني: التصفيق. 918- ص- نا محمود بن خالد: نا الوليد، عن عيسى بن أيوب قال: قوله: " التصفيحُ للنساءِ " تضِربُ بإصبَعَيْنِ من يمِينِهَا على كَفهَا اليُسْرى (2) . ش- الوليد: ابق مسلم الدمشقي، وعيسى بن أيوب: أبو أحمد، روى عن: العلاء بن الحارث، روى عنه: الوليد بن مسلم، روى له: أبو داود.
وإنما فسر التصفيح بهذا التفسير حتى لا يتوهم منه قصد اللَهْو؛ لأن الذي يصفح للهو يضربُ بجميع أصابعه على كفه.
* * *
165- بَابُ: الإِشارَةِ في الصلاة
أي: هذا باب في بيان الإشارة في الصلاة.
919- ص- نا أحمد بن محمد بن شَبويَه، ومحمد بن رافع قالا: نا
__________
(1) البخاري: كتاب الأحكام، باب: الإمام يأتي قوما فيصلح بينهم (7190) ، النسائي: كتاب الإمامة، باب: استخلاف الإمام إذا غاب (2/ 82) .
(2) تفرد به أبو داود.
14. شرح سنن أبي داود 4(4/209)
عبد الرزاق: نا معمر، عن الزهري، عن أنس بن مالك أن النبي- عليه السلام- كان يُشيرُ في الصلاة (1) .
/ ش- أحمد بن محمد: ابن ثابت بن عثمان بن مسعود أبو الحسن الهروي الخزاعي؛ وهو أحمد بن شَبويَه، كان يَسْكنُ طرسوسَ. روى عنه: ابن المبارك، ووكيع، وعبد الرزاق بن همام، وغيرهم. روى عنه: ابن معين، وأبو داود. وقال الدارقطني: إن البخاري روى عنه وأبو زرعة الدمشقي، وغيرهم. وقال النسائي: هو ثقة. مات بطرسوس سنة ثلاثين ومائتين وهو ابن ستين سنة (2) . وشَبُويَه: بفتح الشن المعجمة، وضم الباء المُوحدة، وفتح الياء آخر الحروف، وفي آخره هاء.
قوله: " كان يشيرُ في الصلاة " استدل به الشافعي ومن تبعه أن المصلي يردّ السلام إشارة.
قلتُ: قال ابن حبان: اختصر عبد الرزاق من الحديث: " أن النبي - عليه السلام- لما ضعف قدم أبا بكر يصلي بالناس"، وأدخله في " باب من كان يُشيرُ بإصبعه في الصلاة"، وأوْهم أن النبي- عليه السلام- إنما أشار بيده في التشهد؛ وليس كذلك، وقال غيره: إنما كانت إشارة النبي - عليه السلام- لأبي بكر قبل دخوله في الصلاة فلا حجة فيه. وقد يجابُ عن أحاديث الإشارة: أنها كانت قبل نسخ الكلام في الصلاة؛ يُؤيّدهُ حديث ابن مسعود: "كنا نُسلم على رسول الله وهو في الصلاة فيرد علينا، فلما رجعنا من عند النجاشي سلمنا عليه فلم يرد علينا"، ولم يقل فأشار إلينا، وكذا حديث جابر: "انه لم يمنعني أن أردّ عليك إلا أني كنتُ أصَل" " فلو كان الردّ بالإشارة جائزا لفعله. وحديث أنس هذا: أخرجه ابن خزيمة، وابن حبان في "صحيحهما"، والدارقطني في " سننه ". وقال النووي: إسناده على شرط مسلم.
920- ص- نا عبد الله بن سعيد: نا يونس بن بكير، عن محمد بن
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (1/ 94) .(4/210)
إسحاق، عن يعقوب بن عتبة بن الأخنس، عن أبي غطفان، عن أبي هريرةَ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " التسبيحُ للرجال "- يعني: في الصلاةِ- "والتصْفيقُ للنساء، مَن أشارَ في صلاته إشارةً تفْهَمُ عنه فليُعدْ لها" يعني: الصلاَة (1) .ً
ش- عبد الله بن سعيد: أبو سعيد الأشج الكوفي.
ويعقوب بن عتبة: ابن المغيرة بن الأخنس- واسمه: أبيُّ بن شريق بن عمرو بن وهب بن علاج- واسمه: عُمير- بن سلمة بن عبد العرى الحجازي الثقفي المديني. روى عن: عكرمة مولى ابن عباس، وعمر بن عبد العزيز، وأبي غطفان. روى عنه: محمد بن إسحاق بن يسار، وإبراهيم بن سَعْد، والوليد بن مسافر، وغيرهم. وقال أبو الزناد: كان ثقةً، له أحاديث كثيرة. وقال أبو حاتم والدارقطني: ثقة. روى له: أبو داود، والنسائي، وابن ماجه (2) .
وأبو غطفان: ابن طريف المري.
وبهذا الحديث استدل أصحابنا على أن المصلي لا يرد السلام لا نطقا ولا إشارةً، حتى لو صافح بنيَّةِ التسليم تبطل صلاته.
ص- قال أبو داود: هذا الحديثُ وَهم.
ش- إنما قال أبو داود: هذا وهم بناء على حال أبي غطفان من أنه مجهول؛ كما قال البيهقي: قال الدارقطني: قال لنا ابن أبني داود: أبو غطفان مجهول، ومعتمدا على ما نقل من أحمد على ما قال إسحاق ابن إبراهيم بن هانئ: سئل أحمد عن حديث:؛ من أشار في صلاته إشارة تفهم عنه فليعد الصلاة" فقال: لا يثبت، إسناده ليس بشيء. وكذا قال ابن الجوزي في "التحقيق"، وأعلّه بابن إسحاق وقال: أبو غطفًان مجهول. قلت: ليس الأمر كذلك؛ بل إسنادُ الحديث جيّد، أما أبو داود: فإنه لم يُبيّن كيفية الوهم، وليس يُبنى عليه شيء، وأما ابن أبي داود: فمتكلم
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (32/ 96 0 7) .(4/211)
فيه، وأما أبو غطفان: فقد قال صاحب " التنقيح ": هو ابن طريف،
ويُقال: ابن مالك المري. قال عباس الدوري؛ سمعتُ ابن معين يقولُ
فيه: ثقة. وقال النسائي في " الكُنَى ": أبو غطفان ثقة، قيل: اسمه:
سَعْدٌ. وذكره ابن حبان في " الثقات "، وأخرج له مسلم في " صحيحه "
وأما تعليل ابن الجوزي بابن إسحاق فليس بشيء؛ لأن ابن إسحاق من
الثقات الكبار عند الجمهور- على ما ذكرنا في ترجمته- ولو كان الحديث
لهم لجعلوا إسناده من أصح الأسانيد، ولكانوا شنعوا على مَنْ تكلم في
ابن إسحاق أو في أبي غطفان، فهذا دأب غالبهم في هذا الفن.
* * *
[2/42 - أ] 166- بَابُ: مَسْح الحَصَى في الصلاة
أي: هذا باب في بيان مسح الحصى في الصلاة، وفي بعض النسخ:
"باب مَس الحَصَى في الصلاة ".
921- ص- نا مسدد: نا سفيان، عن الزهري، عن أبي الأحوص
- شيخ من أهل المدينة- أنه سمع أبا ذَر يَرْويه عن النبي- عليه السلام- قال:
" إذا قامَ أحدُكم إلى، الصَّلاةِ فإن الرَّحْمَةَ تُوَاجهُهُ، فلا يَمسح الحَصَى" (1) .
ش- به استدل أصحابنا أن المصلي لا يُقلَب الحَصى لأنه نوع عبث،
ولأنه- عليه السلام- علل بقوله: "فإن الرحمة تواجهُه " فتقليًبُ
الحصَى ومَسْحُه اشتغالٌ عن ذلك.
وقولُه:" فلا يَمسح الحصَى" جواب لقوله: "إذا قام ".
وقوله: " فإن الرحمة" تعليل لذلك؛ ولكنه قدمه للاهتمام بتقديم
الرحمة، وتقدير الكلام: إذا قام أحدكم إلى الصلاة فلا يمسح الحصَى
فإن الرحمة تُواجهُه. والحديث: رواه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه،
وَقال الترمذي: حديث حسنٌ.
__________
(1) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في كراهية مسح الحصى (379) ، النسائي: كتاب السهو، باب: عن مسح الحصى في الصلاة (1190) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: مسح الحصى في الصلاة (1027) .(4/212)
922- ص- نا مسلم بن إبراهيم: نا هشام، عن يحيى، عن أبي سلمة، عن مُعيقيب أن النبيَّ- عليه السلام- قال: "لا تَمْسَحْ وأنْتَ تُصَلِّي؛ فإن كُنتَ لا بدَّ فاعِلاً فواحدةً تسْويةَ الحَصَى" (1) .
ش- هشام: ابن أبي عبد الله الدستوائي، ويحيى: ابن أبي كثير. ومُعيقيب: ابن أبي فاطمة الدَّوْسي حليف بني عبد شمس، وقال موسى بن عقبة: مولى سعيد بن العاص، أسلم قديما بمكة وهاجر منها إلى أرض الحبشة الهجرة الثانية، وهاجر إلى المدينة، وشهد بدراً، وكان على خاتم رسول الله، واستعمله أبو بكر، وعمر على بيْت المال، روي له عن رسول الله سبْعة أحاديث؛ اتفقا على حديث واحد، ولمسلم آخر، وبقي إلى زمن عثمان بن عفان، وتوفي في آخر خلافته، وقيل: سنة أربعين في خلافة عليّ. روى عنه: أبو سلمة بن عبد الرحمن. روى له: أبو داود، والترمذي، وابن ماجه، والنسائي (2) .
قوله: "لا تَمْسحْ وأنت تصلي " أي: لا تمسح الأرض والحال أنك تصلي. وفي بعض نسخ ابن داسةَ: "لا تَمْسح الأرضَ ".
قوله: "لابد فاعلاً " انتصاب " فاعلاً " على أنه خبر كان، وأما "لابُدّ" فمعناه: لا فراقَ ولا مفارقة من هذا؛ وأصله: من البدّ؛ وهو التفريق، و"بُدّ " اسْم "لا "، مبني على الفتح، وخبره محذوف أي: لا بد منه أو من ذلك ونحوهما. وفي معنى " لا بُدّ": لا محالة، ولا حيلة، ولا وَعَى، ولا حُمَّ، ولا عُنْدد، ولا مُعلَنْددَ، فمعنى الجميع معنى " لابُد".
__________
(1) البخاري: كتاب العمل في الصلاة، باب: مسح الحصى في الصلاة (1207) ، مسلم: كتاب المساجد، باب: كراهة مسح الحصى وتسوية التراب في الصلاة (546) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في كراهية مسح الحصى (380) ، النسائي: كتاب السهو، باب: الرخصة في مسح الحصى في الصلاة مرة واحدة، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة والسنَة فيها، باب: مسح الحصى في الصلاة (1026) .
(2) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (3/ 476) ، وأسد الغابة (5/ 240) ، والإصابة (3/ 450) .(4/213)
قوله: " فواحدة" معناه: امسحْ مَسْحةً وَاحدةً، وذلك إذا لم يمكنه السجود على الأرض. ومن هذا اللفظ قالت الفقهاء في تعليل تقليب الحصَى لأجل السجدة: جاء في الخبر عن أبي ذر في تَسْوية الحجر عن سيد البشر: "يا أبا ذر مرةً أو ذَرْ". وقال صاحب " الهداية": ولا يُقلب الحصى؛ لأنه نوع عبث، إلا أن لا يمكنه السجودُ فيُسَويه مرةً؛ لقوله- عليه السلام-: "مَرةً يا أبا ذر، وإلا فذَرْ ".
قلت: الحديث ليس هكذا؛ وإنما لفظه مثل ما روى أبو داود وغيْره من الأئمة الستة، وأخرجه أحمد في " مسنده" (1) عن أبي ذر قال: سألت النبي- عليه السلام- عن كل شيء حتى سألتُه عن مسح الحصَى فقال: "واحدةً أو دع" هكذا عزاه صاحب "التنقيح على التحقيق"؛ ولكن ليس فيه إلا عن حذيفة، حدَّثنا وكيع، عن ابن أبي ليلى، عن شيخ يُقال له هلال، عن حذيفة، فذكر نحوَه سواء. ورواه ابن أبي شيبة كذلك سواء؛ ولكن حديث أبي ذر رواه عبد الرزاق في "مصنفه ": أخبرنا الثوري، عن ابن أبي ليلى، عن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أبيه، عن أبي ذر قال: سألت النبي- عليه السلام- عن كل شيء إلى آخر اللفظ المتقدم. وكذلك رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه": حدثنا عبد الله بن أمير، عن ابن أبي ليلى، عن عيسى به. وقال الدارقطني في "علله ": وحديث أبي ذر رواه ابن عُيينة عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن أبي ليلى، عن أبي ذر، وخالفه ابن أبي نجيح فرواه عن مجاهد، عن أبي ذر مرسلاً، وحديث الأعمش أصحّ.
قوله: "تسويةَ الحصى" نصت على التعليل أي: لأجل تسوية الحصَى حتى يتمكن من السجود عليه.
* * *
[2/42 - ب] / 167-بَابُ: الاخْتِصَارِ فِي الصَّلاةِ
أي: هذا باب في بيان الاختصار في الصلاة، وفي بعض النسخ:
__________
(1) (5/ 163) .(4/214)
"باب الرجل يُصلّي مختصرا" (1) ، والأول أصح، وسنبين معنى الاختصار إن شاء الله تعالى.
923- ص- نا يعقوب بنِ كعْب: نا محمد بن سَلمة، عن هشام، عن محمد، عن أبي هريرةَ قال: نَهى رسولُ اللهِ عن الاختصارِ في الصلاةِ (2) . ش- يعقوب بن كعب: الأنطاكي، وهشام: ابن حسان البصري، ومحمد: ابن سيرين. والحديث: أخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي بنحوه، ورواه الحاكم في "المستدرك " وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وهو وهم منه؛ فقد أخرجاه. ص- قال أبو داود: يَعنِي: يضع يدهَ على خاصرَتِهِ.
ش- أشار بهذا إلى تفسير الاختصار؟ وهذا تفسير ابن سيرين على ما روى أبو بكر بن أبي شيبة في "مصنفه": حدثنا أبو أسامة، عن هشام، عن محمد، عن أبي هريرة قال: نهى رسول الله عن الاختصار في الصلاة، قال محمد: وهو أن يضع يده على خاصرته وهو يُصلي.
ونا وكيع، عن الأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق، عن عائشة أنها كرهت أن يضع يده على خاصرته في الصلاة، وقالت: يفعله اليهود.
ونا وكيع قال: نا ثور الشامي، عن خالد بن معدان، عن عائشة أنها رأت رجلاً واضعا يده على خاصرته فقالت: هكذا أهل النار في النار. ونا وكيع قال: نا سفيان، عن ابن جرير، عن إسحاق بن عُويمر، عن مجاهد قال: وضع اليدين على الحقو: استراحة أهل النار.
__________
(1) كما في سنن أبي داود.
(2) البخاري: كتاب العمل في الصلاة، باب: الخصر في الصلاة (1220) ، مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: كراهة الاختصار في الصلاة (545) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: النهي عن الاختصار في الصلاة (383) ، النسائي: كتاب الافتتاح، باب: النهي عن التخصص في الصلاة (2/ 127) .(4/215)
وحدَّثنا الثقفي، عن خالد، عن حميد بن هلال أنه إنما كره التخصر في الصلاة؛ لأن إبليس اهْبط متخصرا.
ويُقالُ: الاختصارُ: أن يُصلي وبيده عَصًى يَتوكأ عليها، مأخوذ من المِخْصرة وهي العَصا، ويقرب من ذلك إذا صلى وهو يَعتمدُ على الحائط. وقال أبو بكر بن أبي شيبة: نا عباد بن العوام، عن هشام، عن الحسن أنه كان يكره أن يَعتمد الرجل على الحائط في الصلاة المكتوبة إلا من علة، ولم يَرَ به في التطوع بأسا.
حدَّثنا أبو الأحوص، عن مغيرة، عن إبراهيم أنه كان يكره أن يتساند الرجل على الحائط في الصلاة، وكان يكره رفع رجليه إلا من علةٍ، وقال: وكان ابن سيرين يكرهه أي: الاستناد على الحائط في الفريضة والتطوع. ويقال: الاختصار: أن لا يتم ركوع الصلاة ولا سجودها كأنه يختصرها، ويقال: أن يقرأ فيها من آخر السورة آيةً أو آيتين ولا يتم السورة في فرضه، ومنه: اختصار السجدة وهو أن يقرأ السورة، فإذا انتهى إلى السجدة جاوزها، وقيل: يختصر الآيات التي فيها السجدة في الصلاة فيَسْجد فيها.
* * *
168- بَابُ: الرّجُل يَعتمدُ في الصَّلاةِ على عَصى
أي: هذا باب في بيان الرجل الذي يعتمد على عصًى في الصلاة.
924- ص- نا عبد السلام بن عبد الرحمن الوابِصِي: نا أبي، عن شَيْبان، عن حُصَين بن عبد الرحمن، عن هلال بن يَسَاف قال: قَدمْتُ الرقةَ فقال لي بعضُ أصحابي: هل لك في رجل من أصحاب النبَي- عليه السلام-؟ قال: قلتُ: غنَيْمَة، فدُفعْنَا إلى وَابصَةَ فقلتُ (1) لَصاحِبِي: نَبدأ فننظُرَ إلى دله، فإذا عليه قَلَنْسُوة لاَطئَة ذاتُ أذنينِ، وبُرنسُ خَز أغبر، وإذا هو مُعتمِدٌ على عصا في صلاِتهِ، فَقلنا بعد أن سلمْنَا، فقال: حدثتني
__________
(1) في سنن أبي داود: "قال".(4/216)
أم؟ قيس بنْتُ محصن أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - ألا أسَن وحَمَلَ اللحْمَ اتخذَ عموداً في مُصلاهُ يعْتمِدُ عليه (3) .
ش- عبد السلام بن عبد الرحمن: ابن صَخر بن عبد الرحمن بن وابصة بن مَعبد الأسدي أبو الفضل الرَّقّي قاضي الرقة وحران وحلب، وولي القضاء ببغداد في أيام المتوكل. سمع: أباه. روى عنه: أبو حاتم الرازي، وأبو عروبة الحراني، وأبو داود، سئل عنه أحمد بن حنبل فأحسن القول فيه وقال: ما بلغني عنه إلا خير. مات سنة سبع وأربعين ومائتين (2) .
وأبوه: عبد الرحمن بن صخر. روى عن: شيبان، وجعفر بن برقان، وطلحة بن زيد، وغيرهم. روى عنه: ابنه عبد السلام. روى له: أبو داود (3) .
وشيبان: ابن/ عبد الرحمن النحوي البصري المؤدب. وهلال بن يَسَاف: بكسر الياء آخر الحروف وفتحها، ويقال: إِساف- بكسر الهمزة- وقد ذكر مرةً.
قوله: " قدمتُ الرقةَ " الرقة- بفتح الراء والقاف- ويُقال لها: الرافقة، بلدة بالَثغور الجزرية. وقال ابن سعيد: هي مدينة كبيرة خراب، وكان لها سور، وهي على جانب الفرات من الجانب الشمالي الشرقي، واسمُها: البيضاء، وهي قاعدة ديار مُضر في الجزيرة. وقال ابن حوقل: الرقةُ أكبر مدن ديار بكر. وقال في "المشترك ": الرافقةُ مدينة على الفرات وهي الرقةُ.
قوله: غنيمة" خبر مبتدأ محذوف أي: هو غنيمة، والغنيمة: ما يتغنم به الشخصُ.
قوله: " إلى وابصة" وهو وابصةُ بن مَعْبد بن عُتبة بن الحارث الأسدي؛ وقد ذكرناه.
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (18/ 3423) . (3) المصدر السابق (17/ 3853) .(4/217)
قوله: " فَننظر إلى دله" الدَلُّ- بفتح الدال، وتَشديد اللام- والهَدْيُ والسَّمْتُ كلها بمعنى واحد، وهي الحالة التي يكون عليها الإنسان من السكينة والوقار، وحُسْن السيرة والطريقة، واسْتقامة المنظر والهيأة. قوله: " فإذا عليه " الفاء فيه فاء المفاجأة، و" القلنسوة" معروفة، وقد ذكرنا فيها وُجوها.
قوله: " لاطئة " أي: مُنبسطة على رأسه، وليست بعالية إلى فوق.
قوله: " ذات أذنيْن " صفة للقلنسوة.
قوله: " وبُرْنس خَز " البرنس: كل ثوب رأسه منه مُلتزق به من درَّاعة
أو جُبَّة أو مِمْطرِ أو غيره. وقال الجوهري: هو قلنسوة طويلة كان النُّساك يلبسونها في صدْر الإسْلام، وهو من البِرْس- بكسر الباء-: القطن، والنون زائدة، وقيلَ: إنه غير عربي. والخز: ما خلط من الحرير والوَبر وشبهه، وأصله من وبر الأرنب. ويُسمى ذكر الأرانب: الخُزَزُ فسُمي به، وإن خُلط بكل وبر جزء من أجْل خلطه. والأغبرُ من الألوان: ما هو شبيه بالغبار.
قوله: "أم قيس " وهي بنْت مُحصنِ بن حَرثان الأسَدية، وقد ذكرت مرةَ.
وبهذا الحديث قال أصحابنا: إن الضعيفَ أو الشيخ الكبير إذا كان قادر على القيام مُتكئا على شيء، يُصلي قائما مُتكئا ولا يَقعدُ. وذكر في "الخُلاصة": ولو كان قادرا على القيام مُتكئا يُصلي قائما مُتكئا، ولا يجور غير ذلك، وكذا لو قدر على أن يَعْتمد على عَصًى أو كان له خادم لو اتكأ عليه قدر على القيام، فإنه يقوم ويتكئ. انتهى. ولو صلى الرجل معتمدا على العَصَى من غير علة هل يكره أم لا؟ فقيل: يكره مطلقاً وقيل: لا يكره في التطوع لمَا روى أبُو بكْر بن أبي شيبة: حدثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم قَال: كان عمرو بن ميمون أوتدَ له وتد في حائط المسجد، وكان إذا سئم من القيام في الصلاة أو شق عليه أمْسك بالوتد يعتمد عليه.(4/218)
ونا مروان بن معاوية، عن عبد الرحمن بن عراك بن مالك، عن أبيه قال: أدركتُ الناسَ في شهر رمضان تُرْبطُ لهم الحبالُ يتمسكون بها من طُول القيام.
ونا وكيع، عن عكرمة بن عمار، عن عاصم بن سميح قال: رأيتُ أبا سعيد الخدري يُصلي متوكئا على عَصى.
ونا وكيع، عن أبان بن عبد الله البجلي قال: رأيتُ أبا بكر بن أبي موسى يُصلي متوكئا على عصي.
* * *
169- بَابُ: النَّهْى عن الكلام في الصَّلاةِ
أي: هذا باب في بيان النهي عن الكلام في الصلاة.
925- ص- نا محمد بن عيسى: نا هُشيم: أنا إسماعيل بن أبي خالد، عن الحارث بن شُبَيْل، عن أبي عَمرو الشيباني، عن زيد بن أرقم قال: كان أحدنَا يكلمُ الرجلَ إلى جَنْبه في الصلاة فنزلت: "وَقُومُوا لله قَانتينَ " (1) ، فأُمِرْنَا بالسُكُوتِ، ونُهِينَا عنَ الكَلام (2) .
ش- هشيم: ابن بَشِير، وإسماعيل: ابن أبي خالد- هرمز- الكوفي.
والحارث بن شُبَيل: ابن عوف الأحمسي أبو الطفيل الكوفي. روى عن: أبي عمرو الشيباني، وعبد الله بن شداد بن الهند. روى عنه:
__________
(1) سورة البقرة: (238) .
(2) البخاري: كتاب العمل في الصلاة، باب: ما ينهى من الكلام في الصلاة (1200) ، مسلم: كتاب المساجد، باب: تحريم الكلام في الصلاة، ونسخ
ما كان من إباحته (539/ 35) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في نسخ الكلام في الصلاة (405) ، وكتاب التفسير، باب: ومن سورة البقرة
(6 ما 2) ، النسائي: كتاب السهو، باب: الكلام في الصلاة (3/ 18) .(4/219)
] 2/43 - ب] إسماعيل بن أبي خالد، وسعيد بن مسروق. قال ابن معين:/ لا يُسأل عن مثله لجلالته. روى له: الجماعة إلا ابن ماجه (1) .
وأبو عمرو الشيباني [] (2) اسمُه: سَعْد بن إياس الكوفي الشيباني، أدرك زمن النبي- عليه السلام- ولم يَره. سمع: عليّ بن أبي طالب، وابن مسعود، وزيد بن أرقم، وحذيفة بن اليمان، وأبا مسعود البدري. روى عنه: أبو إسحاق السَّبيعي، وسلمة بن كهيل، والأعمش، وغيرهم. قال ابن معين: ثقة. روى له: الجماعة (3) . وزيد بن أرقم: ابن زيد بن قيس بن النعمان بن مالك بن الأغر،
أبو عَمرو، أو أبو حمزة، أو أبو سَعْد، أو أبو سعيد، غزى مع النبي - عليه السلام- سبع عشرة غزوة، روي له عن رسول الله سبعون حديثاً، اتفقا على أربعة، وللبخاري حديثان، ولمسلم ستة. روى عنه: أنس بن مالك، وأبو عمرو الشيباني، وأبو إسحاق السبيعي، ومحمد بن كعب القرظي، وجماعة آخرون. نزل الكوفة، ومات بها سنة ثمان وستين. روى له الجماعة (4) .
قوله: " قانتين " نصب على الحال من الضمير الذي في "قُومُوا" من القنوت، وهو السكوت؟ ويَرِدُ القنوت لمعان كثيرة: للطاعة، والخشوع، والصلاة، والدعاء، والعبادة، والقيام، وطول القيام. والحديث: أخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي. وقد مر الكلام في هذا الباب مُستوفًى.
* * *
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (5/ 1023) .
(2) كلمة غير واضحة.
(3) المصدر السابق (10/ 2205) .
(4) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (1/ 556) ، وأسد الغابة (2/ 276) ، والإصابة (1/ 0 56) .(4/220)
170- بَابٌ: في صَلاةِ القَاعِدِ
أي: هذا باب في بيان صلاة القاعد.
926- ص- نا محمد بن قدامة بن أعين: نا جرير، عن منصور، عن هلال- يعني-: ابن يَسَاف-، عن أبي يحيى، عن عبد الله بن عَمرو قال: حُّدثتُ أن رسولَ الله- عليه السلام- قال: " صَلاةُ الرجلِ قاعداً نصفُ الصلاة " فأتيتُه فوجدَتُه يصلِّي جالساً، فوضعتُ يَدِي على رأسي فَقال: "مالكً يا عبدَ الله بنَ عمرو؟ " قلتُ: حُدِّثْتُ يا رسولَ الله أنكَ قُلتَ: "صلاةُ الرجل قاعَداً نصفُ الصلاة "، وأنت تصلِّي قاعداً، قَال: " أجل؛ ولكني لستُ كَأحَد منكُم " (1) .
ش- جرير: ابن عبد الحميد، ومنصور: ابن المعتمر، وأبو يَحْيى: يروي عن: عبد الله بن عمرو، روى عنه: هلال بن يَساف، وهو مولى عفراء، كذا ذكره ابن حبان في باب الكنى في " الثقات ".
قوله: " حُدثت" على صيغة المجهول في الموضعين.
قوله: ما قال: أجل ما أي: قال النبي- عليه السلام-: نعم صلاةُ الرجل قاعدا نصف الصلاة، معناه: صلاة القاعد فيها نصف ثواب القائم فيها.
وقال الشيخ محيي الدين (2) : هذا الحديث محمول على صلاة النفل قاعدا مع القدرة على القيام، فهذا له نصف ثواب القائم، وأما إذا صلى النفل قاعدا لعجزه عن القيام فلا ينقص ثوابه؛ بل يكون كثوابه قائما،/ وأما الفرض: فإن صلاته قاعدا مع القدرة على القيام لا تصح فضلاً عن الثواب، وإن صلى قاعدا لعجزه عن القيام أو مضطجعا لعجزه عن القعود، فثوابه كثوابه قائما لا ينقص. وحكي عن الباجي من أئمة المالكية أنه حمله على المُصلي فريضةً لعذر، أو نافلة لعُذر أو لغير عذرٍ.
__________
(1) مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: جواز النافلة قائما وقاعدا وفعل بعض الركعة قائما وبعضها قاعدا (735) ، النسائي: كتاب قيام الليل وتطوع النهار، باب: فضل صلاة القائم على صلاة القاعد (223/3) .
(2) شرح صحيح مسلم (14/6- 15) .(4/221)
قلت: كما ذكره الشيخ محيي الدين حمله أصحابنا على صلاة النفل،
حتى استدلوا به في جواز صلاة النفل قاعدا مع القدرة على القيام. وقال
صاحب " الهداية": ويصلي النافلة قاعداً مع القدرة على القيام لقوله
- عليه السلام-: "صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم".
قوله: " ولكني لستُ كأحد منكم " بمعنى: أن صلاته النفل قاعدا مع
القدرة على القيام كنافلته قائم"، لا ينقص من أجره شيء تشريفا له
وهذا من خصائصه- عليه السلام-. " (1) وقال القاضي عياض:
معناه: أن النبي- عليه السلام- لحقه مشقة من القيام لحطم الناس
وللسن، فكان أجرُه تاما، بخلاف غيره ممن لا عذر له.
وقال الشيخ محيي الدين: هذا ضعيف أو باطل؛ لأن غيره- عليه
السلام- إن كان معذوراً فثوابُه- أيضا- كامل، وإن كان قادراً على
القيام فليس هو كالمعذور؛ فلا يبقى فيه تخصيص ولا يحسن على هذا
التقدير: " لست كأحدٍ منكم " وإطلاق هذا القول.
والحديث: أخرجه مسلم، والنسائي.
927- ص- نا مسدد: نا يحيى، عن حسين المعلم، عن عبد الله بن
بُريدة، عن عمران بن حُصين أنه سألَ النبيَّ- عليه السلام- عن صلاة
الرجلِ قَاعداً فقال: "صَلاتُهُ قائما أفضلُ من صَلاته قَاعداً، وصلاتُهُ قاعداً
[2/44 - أ] على النصف من صَلاته/ قَائما، وصلاتُهُ نائما على النصف من صلاته قاعداً " (2) ً
__________
(1) المصدر السابق.
(2) البخاري: كتاب تقصير الصلاة، باب: صلاة القاعد (1115) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء أن صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم (371) ، النسائي: كتاب قيام الليل، باب: فضل صلاة القاعد على صلاة النائم (3/ 223- 224) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم (1231) .(4/222)
ش- يحيي: القطان، وحُسَيْن: ابن ذكوان المعلم، وعبد الله بن (1) بريدة: ابن الحُصَيب الأسلمي.
قوله: " وصلاته قاعدا على النصف من صلاته قائما " إنما هو في التطوع
- أيضا-؛ لان الفرض لا جواز له قاعدا وهو يقدر على القيام لما قلنا. قوله: " وصلاته نائما على النصف من صلاته قاعدا" أي: صلاته مضطجعا؛ يدل عليه: قوله- عليه السلام- في الحديث الآخر: "فعلى جَنْب" وترجم له النسائي" باب: صلاة النائم" وقال الترمذي: ومعنى هذا الحديث عند بعض أهل العلم في صلاة التطوع، حدثنا محمد بن بشار: نا ابن أبي عدي، عن أشعث بن عبد الملك، عن الحسن قال: إن شاء الرجل صلى صلاة التطوع قائما أو جالسا أو مُضطجعا (2) .
وقال بعض الناس: قوله: "وصلاته نائما" تصحيف؛ وإنما هو بإيماءٍ أي: صلاته بإشارة على النصف من صلاته قاعدا؛ كما روى في صلاته - صلى الله عليه وسلم - على ظهر الدابًة يُومِئ إيماء.
وقال الخطابيُّ (3) : وأما قوله: "وصلاته نائما على النصف من صلاته قاعدا" فإني لا أعلم أني سمعته إلا في هذا الحديث، ولا أحفَظُ عن أحد من أهل العلم أنه رخص في صلاة التطوع نائما كما رخصوا فيها قاعدا، فإن صحت هذه اللفظة عن النبي- عليه السلام- ولم تكن من كلام بعض الرواة أدرَجَه في الحديث، وقاسَه على صلاة القاعد، أو اعتبره بصلاة المريض نائما إذا لم يقدر على القعود؛ فإن التطوع مضطجعا للقادر على القعود جائز كما يجوز- أيضا- للمسافر إذا تطوع على راحلته، فأما من جهة القياس فلا يجوز له أن يصلي مضطجعا كما يجوز له أن يصلي
__________
(1) مكررة في الأصل.
(2) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء أن صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم (2/ 209) .
(3) معالم السنن (1/ 194) .(4/223)
قاعدا؛ لأن القعود شكل من أشكال الصلاة، وليس الاضطجاع في شيء من أشكال الصلاة.
قلت: كلام الترمذي الذي ذكرناه يُسْقِطُ كلامَ الخطابي جميعه، فليتأمل. وروى أحمدُ هذا الحديث في "مسنده" ولفظه: ثنا عبد الوهاب الخفّاف، عن سعيد، عن حسين المعلم. قال؛ وقد سمعته، عن حسين، عن عبد الله بن بُريدة، عن عمران بن حصين قال: كنتُ رجلاً ذا أسْقامٍ كثيرة، فسألتُ رسولَ الله- عليه السلام- عن صلاتي قاعدا؟ فقال: "صلاتك قاعدا على النصْف من صلاتك قائما، وصلاة الرجل مضطجعا على النصف من صلاته قاعدا " انتهى.
قلت: هذا يُفسّر أن معنى قوله في رواية أبي داود "وصلاته نائما" معناه: مضطجعا، وأنه في حق مَن به سقمٌ، بدلالة قوله: "كنت رجلا ذا أسقام كثيرة، وأن ثواب مَن يُصلي قاعدا نصْف ثواب مَن يُصلي قائما، وثواب من يصلي مضطجعا نصف ثواب من يُصلي قاعدا على ما ذهب إليه البعض. والحديث: أخرجه البخاري، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
928- ص- نا محمد بن سليمان الأنباري: نا وكيع، عن إبراهيم [بن] طهمان، عن حُسين المُعلم، عن ابن بُريدة، عن عمران بن حُنَين قال: كان بي النَّاصُورُ، فسألتُ النبي- عليه السلام- فقال: " صَل، قَائما، فإن لم تَستطعْ فقاعدا، فإن لم تَستطعْ فعلى جنبٍ " (1) .
ش- إبراهيم بن طهمان: ابن شعبة الخراساني، أبو سعيد القروي، ولد بهرام وسكن نيسابور، ثم قدم بغداد وحدث بها، ثم سكن مكة ومات بها سنة ثلاث وستة ومائة. سمع: عمرو بن دينار، وعبد الله
__________
(1) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء أن صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم (372) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في صلاة المريض (1223) .(4/224)
ابن دينار، وأبا إسحاق السبيعي، وأيوب السختياني، وثابتا البناني، والثوري، والأعمش، وحسين بن ذكوان المعلم وغيرهم. روى عنه:
أبو حنيفة- رضي الله عنه-، وابن المبارك، وابن عيينة، ووكيع
وجماعة آخرون، قال أحمد: هو ثقة، قال ابن معين: لا بأس به،
وقال أبو حاتم: صدوق حسن الحديث. روى له الجماعة (1) .
قوله:" كان بي النَّاصور"- الناصور- بالنون والصاد وبالسين-
أيضا- الناسور- علة تحدث في مآقي العين، يسقى فلا ينقطع، وقد يحدث- أيضا- في حوالي المقعدة؛ وهو المراد هاهنا، وقد يحدث
- أيضا- في اللثة/ وهو معرب، والبَاسُور- بالباء الموحدة- علة تحدث [2/44 - ب] في المقعدة، وفي داخل الأنف- أيضا- وجاء في حديثه: " كان لي بواسير"- بالباء- وفي لفظ: " مَبْسورا" وفي لفظ بالنون. وقيل: لا
يسمى بَاسُورا إلا إذا جرى وتفتحت أفواه عروقه من داخل المخرج. وبهذا
الحديث استدل أصحابنا أن المريض إذا عجز عن القيام صلى قاعدا يركع ويسجد، فإن لم يستطع الركوع والسجود أومأ إيماء قاعدا، وجعل
سجوده أخفض من ركوعه، وإن لم يستطع القعود استلقى على ظهره
وجعل رجليه نحو القبلة، وأومأ بالركوع والسجود، وإن استلقى على
جنبه ووجهه إلى القبلة وأومأ جاز، إلا أن الأوْلى هو الأولى عندنا خلافا للشافعي. وقال بعض أصحابنا: المستلقي ينبغي أن يَنْصب ركبتيه إن قدر
عليه حتى لا يمر رجليه إلى القبلة. وأما كيفية القعود فيما إذا صلى قاعدا
فبحسب طاقته وتمكنه.
وقال الشيخ محيي الدين (2) : واختلف العلماء في الأفضل في كيفية
القعود موضع القيام في النافلة وكذا في الفريضة إذا عجز، وللشافعي
قولان، أظهرهما: يَقعدُ مفترشا، والثاني: متربعًا. وقال بعض
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (2/ 186) .
(2) شرح صحيح مسلم (6/15) .
15* شرح سنن أبي داود 4(4/225)
أصحابنا: متوركا وبعض أصحابنا: ناصبا ركبتيه وكيف قعد جاز؛ لكن الخلاف في الأفضل.
قلت: اختلف أصحابنا في حد المرض الذي يُبيح الصلاة قاعدا؛ فقيل:
أن يكون بحالٍ لو قام سقط من ضعف، أو دوران رأسٍ، أو غير ذلك، وقيل: أن يصير صاحب فراشٍ؛ وأصح الأقاويل: أن يلحقه ضرر بالقيام، وإذا كان قادرا على بعض القيام دون تمامه كيف يصنع؟ قال الفقيه أبو جَعْفر: يؤمر بأن يقوم مقدار ما يقدر، فإذا عجز قعد، حتى إذا كان قادرا على أن يكبر قائما ولا يقدر على القيام للقراءة، أو قادرا على القيام ببعض القراءة دون تمامها، قالوا: يؤمر بأن يكبر قائما ويقرأ ما يقدر عليه قائما، ثم يقعد إذا عجز. وبه أخذ شمس الأئمة الحلواني.
والحديث: أخرجه البخاري، والترمذي، وابن ماجه، والنسائي، وزاد النسائي: فإن لم يستطع فمستلقيا "لا يُكَلّفُ اللهُ نَفْساً إِلا َوُسْعَهَا" (1) ووهم الحاكم في " المستدرك " فقال بعد أن رواه كذلك: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ذكره البخاري عقيب صلاة المُسافر.
929- ص- نا أحمد بن عبد الله بن يونس: نا زُهير: نا هشام بن عروة عن عروة عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: ما رأيتُ رسولَ اللهِ يَقرأ في شيء من صَلاة الليلِ جَالسا قَط حتى دَخلَ في السّنّ، فكانَ يَجلس" فَيَقرأ (2) حتىً إذا بَقي أرَبعين أو ثلاثينَ (3) آية قَامَ فًقَرَأَهَا ثم سَجَدَ " (4) .
__________
(1) سورة البقرة: (286) .
(2) . في سنن أبي داود: " فكان يجلس فيها فيقرأ ".
(3) في سنن " أبي داود: وأربعون أو ثلاثون" وانظر المشرح لزاما.
(4) البخاري: كتاب تقصير الصلاة، باب: إذا صلى قاعدان ثم صح، أو وجد خفة، تمم ما بقي (1118) ، مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: جواز النافلة قائما وقاعداَ، وفعل بعض الركعة قائمَا".. (731) .(4/226)
ش- أحمد بن عبد الله بن يونس: ابن عبد الله بن قيس اليربوعي التميمي أبو عبد الله الكوفي. سمع: مالك بن أنس، وابن أبي ذئب، وزهير بن معاوية وغيرهم. روى عنه: البخاري، ومسلم، وأبو داود، وأبو زرعة، وأبو حاتم، وجماعة آخرون، قال أبو حاتم: كان ثقة متقنا، آخر من روى عن سفيان الثوري. وروى كل واحد من الترمذي، والنسائي، وابن ماجه عن رجل، عنه. توفي في ربيع الأول سنة سبع وعشرين ومائتين بالكوفة (1) .
قوله: "حتى إذا بقي أربعين أو ثلاثين آية ": هكذا قد وقع في كثير من النسخ؛ والصحيح: "حتى إذا بقي أربعون أو ثلاثون آيةً" ويمكن أن نأول الوجه الأول على تقدير: حتى إذا بقي قراءتُه مقدار أربعين أو ثلاثين آية قام فقرأها ثم سجد.
فيه جواز الركعة الواحدة بعضها من قيام وبعضها من قعود، وهو مذهب أبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وعامة العلماء، وسواء في ذلك: قام ثم قعد أو قعد ثم قام. ومنعه بعض السلف وهو غلط. ولو نوى القيام ثم أراد أن يجلس جاز عند الجمهور، وجوّزه من المالكية ابن القاسم، ومنعه أشهبُ. والحديث: أخرجه البخاري، ومسلم.
930- ص- نا القعنبي، عن مالك، عن عبد الله بن يزيد وأبي النضر، عن أبي سلمه بن عبد الرحمن، عن عائشةَ- رض الله عنها-/ زوج النبي - عليه السلام-، أن النبي- عليه السلام- كان يُصَلي جَالسًا فيَقرأ وهو جَالس، فإذا بَقِيَ (2) من قِرَاءَتِهِ قَدرُ ما يكونُ ثلاثينَ أو أربعينَ أَيةً قَامَ فَقرأ وهو قَائم، ثم رَكَع وسجدَ (4) ، ثم يَفعل في الركعة الثانية مثلَ ذلك (5) .َ
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (1/ 64) .
(2) في سنن أبي داود: "كان يصلي وهو جالس، وإذا بقي".
(3) في سنن أبي داود: "فقرأها".
(4) في سنن أبي داود: "ثم سجد".
(5) البخاري: كتاب تقصير الصلاة، باب: إذا صلى قاعداً ثم صح، أو وجد=(4/227)
ش- عبد الله بن يزيد: المقرئ المدني. وأبو النضر مولى عمر بن عُبيد الله. روى له: البخاري، ومسلم (1) .
فيه دليل على استحباب تطويل القيام في النافلة، وقال صاحب "المحيط ": وطول القيام أفضل من طول الركوع والسجود، وتكثير الركعات أفضل من طول القيام، وقال الشافعي بالعكس. والحديث: أخرجه البخاري، ومسلم.
ص- قال أبو داود: روى علقمةُ بنُ وقاصٍ، عن عائشةَ- رضي الله عنها-، عن النبي- عليه السلام- نحوَه.
ش- علقمة بن وقاص بن مِحصن بن كلدة بن عبد ياليل بن طريف الليثي من أهل المدينة. يروي عن: عمر، وعائشة. روى عنه: الزهري، وابناه: عبد الله، وعمرو، وهو جد محمد بن عمرو بن علقمة. مات في ولاية عبد الملك بن مروان بالمدينة، ذكره ابن حبان في "الثقات " ووثقه النسائي- أيضا- (2) .
قوله: " نحوه" أي: نحو الحديث المذكور.
931- ص- نا مُسدد: نا حماد بن زيد قال: سمعتُ بُدَيل بن مَيْسرة، وأيوب يحدثان عن عبد الله بن شقيق، عن عائشةَ قالت: كان رسولُ الله يُصلي ليلاً طويلاً قَائمًا، ويصلي (3) ليلاً طويلاً قاعدا، فهذا صلي قائمًا ركَعً قَائمًا، وإذا صلي قاعدا ركعَ قاعدا (4) .
__________
- خفة، تمم ما بقي (1119) ، مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: جوار النافلة قائما وقاعدا، وفعل بعض الركعة 112- (731) .
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (10/ 2141) .
(2) المصدر السابق (20/ 4021) .
(3) كلمة "ويصلي " غير موجودة في سنن أبي داود.
(4) مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: جواز النافلة قائما وقاعدا وفعلا =(4/228)
ش- أيوب: السختياني. والحديث: أخرجه مسلم، والنسائي، وابن ماجه.
932- ص- نا عثمان بن أبي شيبة: نا يزيد بن هارون:.أنا كهمس بن الحسن، عن عبد الله بن شقيق قال: سألتُ عائشة: كانَ رسولُ اللْه يَقرأ السُّوَرَ (1) في رَكعة؟ قالت: المفصلَ، قال: قلتُ: وكان يُصلِّي قاعدا، قالت: حين حطمه الباسُ (2) (3) .
ش- الهمزة في (كان) للاستفهام.
قوله: "المفصل" منصوب بفعل محذوف أي: كان يَقرأ المُفصل، وهو من أول سورة محمد، وقيل: من الحجرات وقيل غير ذلك على ما ذكرناه؛ سميت بذلك لفصل بعضها بعض أو لكثرة الفصل بينها ببسم الله الرحمن الرحيم، وقيل: لإحكامه، وقيل: لقلة المنسوخ فيه. قوله: " حين حَطَمه البَاسُ " بالباء الموحدة هكذا وقعَ وله وَجْه؛ لأن الباس في اللغَة: الشدة، ويكون كناية عن كبر السن بمعنى: حين هجم عليه كبر السن. والمشهور فيه: "الناسُ "- بالنون-، والرواية الأخرى تفسره وهي: قوله: وسألتها: أكان يصلي قاعدًا؟ قالت: بَعْدما حطمتموه، يقال: حطم فلانًا أهلُه إذا كبُر فيهم، كأنهم بما حمّلوه من أثقالهم صيرُوه شيخًا مَحْطوما؛ والحَطْمُ: كَسْر الشيء اليابِس.
* * *
171- بَاب: كيفَ الجُلوُس في التَشَهُّد؟
أي: هذا باب في بيان كيفية الجلوس في التشهد، وفي بعض النسخ: "تفريع أبواب التشهد باب كيف الجلوس في التشهد؟ ".
__________
=بعض الركعة قائما وبعضها قاعداً 109- (730) ، النسائي: باب: كيف يفعل إذا افتتح الصلاة قائما؟ (3/ 220) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب: في صلاة النافلة (1228) .
(1) في سنن أبي داود: "السورة".
(2) في سنن أبي داود: "الناس" وسيذكر المصنف أنها نسخة.
(3) تفرد به أبو داود.(4/229)
933- ص- نا مسدد: نا بشر بن المفضل، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن وائل بن حُجْر قال: قلتُ: لأنْظُرَنَّ إلى صلاةِ رسول اللهِ كيف يُصلِّي، فقامَ رسولُ الله فاستقبلَ القِبلةَ فكَبر فَرفعَ يَدَيْه حتى حَاذتَا بأذنيه، ثم أخَذَ شمَالَهُ بيمينه، فلَما أرادَ أن يَركَعَ رَفَعَهُمَا مثلَ (1) ذلكَ، قالَ: ثم جلس فافترش رَجلَهُ اليُسرى، ووَضع يَدَهُ اليُسرى على فَخِذه اليُسرى، وَحَدَّ مِرْفَقه اليُمنى (2) على فَخذه اليُمنى، وقَبَضَ ثنتينِ، وحَلَّقَ حَلقة، ورأيتُه يقولُ هكذا- وحَلقَ بشرٌ الَإَبهَامَ والوُسْطى وأشاَرَ بالسبابَةِ (3) (4) .
__________
(1) في سنن أبي داود: " رفعهما إلى مثل".
(2) في سنن أبي داود: " الأيمن ".
(3) ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة والسُنَة فيها، باب: رفع اليدين إذا ركع ... (867) ، وتقدم برقم (7 0 7) ، النسائي: كتاب الصلاة، باب: موضع اليمين من الشمال في الصلاة (126/2) و (2/ 1 1 2) و (3/ 35، 37) .
(4) الأحاديث من (ص 958: 962) لم ترد في نسخة المصنف، وقال في " عون المعبود": هذه الأحاديث ليست في رواية اللؤلؤي، ولذا لم يذكرها المنذري في "مختصره"، ولم توجد في عامة النسخ، وإنما وجدت في نسخة واحدة صحيحة ذكرها المزي في "الأطراف" اهـ. قلت: وقد رأيت إثبات هذه الأحاديث وهي:
958- حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن عبد الله بن عبد الله، عن عبد الله بن عمر قال: سُنَة الصلاةِ أن تَنصِبَ رِجلَك اليمنى، وتَثنِي رِجلَك اليُسرى.
959- حدثنا ابن معاذ، حدثنا عبد الوهاب، قال: سمعت يحيى، قال: سمعت القاسم يقول: أخبرني عبد الله بن عبد الله أنه سمع عبد الله بن عمر يقول: من سُنة الصلاة أن تُضْجعَ رِجلَكَ اليُسْرى وتَنصِبَ اليُمنى.
960- حدثنا عثمَان بن أبَي شيبة، حدثنا جرير، عن يحيي بإسناده مثله.
قال أبو داود: قال حماد بن زيد عن يحيي أيضا: من السُنَّة، كما قال جرير.
961- حدثنا القعنبيِ، عن مالك، عن يحيِى بن سعيد، أن القاسم بن محمد أراهُم الجلوس في التشهد، فذكرَ الحديث.
962- حدثنا هنًاد بن السوري، عن وكيع عن، سفيان، عن الزبير بن عدي، عن إبراهيم، قال: كان النبي فيه إذا جَلَسَ في الصلاةِ افترش شك رجلَهُ اليُسرَى حتى اسود ظهرُ قدمِهِ.(4/230)
ش- الحديث بعيْنه قد مر في " باب رفع اليدين " وشرحناه هنالك
فليراجع فيه.
قوله: "وحلق بِشْر " أي: بشْر بن المفضل.
* * *
172- بَاب: مَنْ ذكرَ التَّورك في الرابعة
أي: هذا باب في بيان من ذكر التورك على آخر الركعة الرابعة؛
والتورك: أن يجلسَ على أليتيه ويَنْصبَ رجله اليمنى ويخرج اليُسرى من
تحتها.
934- ص- نا أحمد بن حنبل: نا أبو عاصم الضحاك بن مخلد: أنا
عبد الحميد- يعني: ابن جعفر- ح ونا مسدد: نا يحيى: نا عبد الحميد
- يعني: ابن جعفر- قال: حدثني محمد بن عمرو، عن أبي حميد
الساعدي قال: سمعته في عشْرة من أصحاب رسول الله- عليه السلام-.
وقال أحمد: أخبرني محمد بن عمرو بن عَطاء قالَ: سمعت أبا حميد
الساعدي في عشْرة من أصحاب النبيَ- عليه السلام-/ منهم أبو قتادةَ قال [2/45 - ب] ، أبو حميد: أنا أَعْلَمكُم بصلاة رَسول الله- عليه السلام-، قالوا: فاعْرِضْ
فذكَرَ الحديثَ قال: ويفْتح أصابعَ رِجلَيَه إذا سَجدَ، ثم يُقر (1) ثم يقولُ:
الله أكبر، ويرفعُ ويَثْني رِجلَه اليسْرى فَيَقعُدُ عليها، ثم يَصْنعُ في الأخَرى
مثل فلك، فذَكَرَ الحَديثَ قال: حنى إذا كانت السجدةُ التي فيها التسْليمُ
أَخر رِجلَهُ اليُسْرى وقَعدَ مُتَوركا على شفه الَأيْسر. زادَ أحمدُ: قالوها:
صدقتَ، هكذا كان يُصغي، ولم يذكرا فهي حَديثهما الجلوسَ في الثامن
كيف جَلَسَ (2) .َ
__________
(1) قوله: " ثم يقر " غير موجود في سنن أبي داود.
(2) البخاري: كتاب الأذان، باب: سُنة الجلوس في التشهد (828) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في وصف الصلاة (304، 305) ، النسائي: كتاب الافتتاح، باب: الاعتدال في الركوع (2/ 187) ، وباب: فتح أصابع =(4/231)
ش- الضحاك بن مخلد أبو عاصم النبِيل، ويحيي: القَطان، ومحمد ابن عَمرو: ابن عَطاء العامري القرشي.
قوله: " سمعتُه في عشرة ": أي: سمعته حال كونه بين عشرة من أصحاب النبي- عليه السلامَ-، ويجوز أن يكون "في" بمعنى "مع" أي: مع عشرة أنفس؛ كما في قوله تعالى: "فَخَرَجَ عَلَى قَوْمه في زينَتِهِ" و (1) . قوله: "وقال أحمد: أخبرني محمد بن عَمْرو" أي: قال أحمد بن حنبل في روايته: قال عبد الحميد بن جعفر: أخبرني محمد بن عمرو موضع "حدثني ".
قوله: "فاعرِض" أمر من عَرَض يَعْرض، وهمزته تسقط بالدرج بخلاف ما إذا أخذت الأمر من الإعراض فإن همزته للقطع. والحديث قد تقدم بأتم منه في "باب رفع اليدين " وشرحناه مستوفى فليراجع فيه. وأخرجه البخاري، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
935- ص- نا عيسى بن إبراهيم المصري: نا ابنُ وهْب، عن الليث، عن يزيد بن محمد القرشيِ، ويزيد بن أبي حبيب، عن محمد بن عَمرو بن حَلحَلةَ، عن محمد بن عمرو بن عطاء أنه كان جَالسا مع نفر من أصحاب رَسُول الله- عليه السلام- بهذا الحديث ولم يذكرْ أبا قتادة، قال: فإذا جَلَسً في الركعتين جَلَسَ على رجله اليُسْرَى فإذا جَلَسَ في الركعةِ الأخِيرةِ قَدمَ رِجلَه اليُسرى وَجَلَسَ على مقعَدتِهِ (2) .
ش- ابن وهب: هو عبد الله بن وهب، والليث: ابن سَعْد، ويزيد
__________
الرجلين في السجود (2/ 211) ، و (3/ 2، 35) ، ابن ماجه: كتاب (قامة الصلاة، باب: افتتاح الصلاة (803) ، وباب: رفع لليدين إذا ركع، وإذا
رفع رأسه من الركوع (862) ، وباب: إتمام للصلاة (1061) ، وقد تقدم برقم (711) .
(1) سورة القصص: (79) .
(2) انظر الحديث للسابق.(4/232)
ابن محمد: ابن قيس القرشي المصري، ويزيد بن أبي حبيب- سُويد- المصْري، ومحمد بن عمرو بن حَلْحلة: الديلي المدني.
قوله: " بهذا الحديث " أي: الحديث المذكور، ولم يذكر أبا قتادة: الحارث بن ربعي المدني.
قوله: " في الركعتين " أراد به التشهد الأول، وأراد بالركعة الآخرة: التشهد الأخير. وقد مر هذا الحديث- أيضا- بأتم منه في الباب المذكور. والشافعي تمسك بهذا الحديث في أن السنة: الافتراش في الأولى والتورك في الثانية. وبه قال أحمد، وقال مالك: السُّنَة: هي التورك فيهما. وعندنا: السنة: أن يفرش رجله اليسرى ويجلس عليها، وينصب اليمنى نصبًا في القعدتين جميعاً. واستدلوا بحديث عائشة في "صحيح مسلم": "قالت: كان رسول الله يفتتح الصلاة- إلى أن قالت-: وكان يفرش اليسرى ويَنْصب رجله اليمنى، الحديث. وروى النسائي بإسناده إلى ابن عمر، عن أبيه قال: " من سُنَة الصلاة: أن تنصب القدم اليمنى واستقبالك بأصابعها القبلة، والجلوس عَلى اليُسْرى". ورواه البخاري في " صحيحه" بلفظ: "إنما سُنَّة الصلاة: أن تنصب رجلك اليمنى وتثني اليُسْرى لما؛ لم يذكر فيه استقبال القبلة بالأصابع. وروى الترمذي، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن وائل بن حجر قال: قدمتُ المدينة قلت: لأنظرن إلى صلاة رسول الله، فلما جلس - يعني: التشهد- افترش رجله اليسرى، ووضع يده اليسرى على فخذه اليسرى، ونصب رجله اليمنى،. وقال: حديث صحيح.
وقال الشيخ محيي الدين (1) : الجلسات عند الشافعي أربع: الجلوس بين السجدتين، وجلسة الاستراحة عجيب كل ركعة يعقبها قيام، والجلسة للتشهد الأول، والجلسة للتشهد الأخير؛ فالجميع تسن مفترشا إلا الأخيرة، فلو كان مسبوقا وجلس إمامه في آخر الصلاة متورطا جلس
__________
(1) شرح صحيح مسلم (215/4) .(4/233)
المسبوق مفترشا؛ لأن جلوسه لا يعقبه سلام، ولو كان على المصلي
سجود سهو فالأصح: أن يجلس مفترشا في تشهده، فإذا سجد سجدتي
السهو تورك ثم سلم.
وأما جلوس المرأة: فهو التورك عندنا.
وقال الشيخ محيي الدين (1) : وجلوسُ المرأة كجلوس الرجل.
وحكى القاضي عياش عن بعض السلف: إن سُنَة المرأة: التربع، وعن بعضهم: التربع في النافلة.
وفي " مصنف " ابن أبي شيبة: نا وكيع، عن ثور، عن مكحول أن
46/21- 7 أم الدرداء كانت تجلس في الصلاة/ كجلسة الرجل، وكان أنس يقول: تجلس المرأة كما يجلس الرجل. وبه قال النخعي، ومالك، وقالت
طائفة: تجلس كيف شاءت إذا تجمعت، منهم عطاء، والشعبي. وقال
ابن بطال: وكانت صفية- رضي الله عنها- تصلي متربعة، ونساء ابن
عمر كن يفعلنه. وقال- أيضا-: روي عن جماعة من السلف أنهم
كانوا يتربعون في الصلاة كما فعله ابن عمر، منهم ابن عباس، وأنس،
وسالم، وعطاء، وابن سيرين، ومجاهد، وجوزه الحسن في النافلة،
وفي رواية: كرهه هو والحكم وابن مسعود.
936- ص- نا قتيبةُ: نا ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن محمد
ابن عَمرو بن الحلة، عن محمد بن عمرو العامري قال: كنتُ في مَجلسِ،
بهذا (2) قال فيه: فإذا قَعدَ في الركعتينِ قَعدَ على بطنِ قَدَمه اليُسْرى،
ونَصبَ اليُمنى، فإذا كانت الرابعةُ أفضَى بِوَرِكه اليُسْرى إلي لأرْضِ،
وأخْرَجَ قدمَيْهِ من نَاحيةِ وَاحده (3) .
ش- أي: بهذا الحديث.
__________
(1) المصدر السابق.
(2) في سنن أبي داود: وبهذا الحديث،.
(3) انظر التخريج السابق.(4/234)
قوله: " فإذا كانت الرابعةُ" برفع الرابعة على أنها اسم " كان"، ولا يحتاج إلى الخبر لأنها تامة.
وقوله: " أفضى" إلى آخره تفْسيرُ التورك، وهذا وأمثاله كلها محمولة على حالة العذر إما لكبر سن أو غيره من الأعذار.
937- ص- نا علي بن الحسين بن إبراهيم: نا أبو بدر قال: حدثني زُهير أبو خيثمة: نا الحسنُ بن حُر: نا عيسى بن عبد الله بن مالك، عن عباس أو عياش بن سهل الساعدي أنه كان في مجلسٍ فيه أبوه، فذكر فيه قال: فَسَجدَ فانتصب على كَفيْه ورُكبتَيْه وصُدور قَدمَيْه وهو جالس فَتوركَ ونصبَ قَدمَه الأخرى، ثم كَبر فَسجَدَ، ثم كَبر فَقام، وَلم يَتَوَركْ، ثم عَادَ فركع الركعةَ الأخرى فكَبر كذلك ثم جَلَس بعد الركعتين حتى إذا هو أَرادَ أن ينهضَ للقيام قَامَ بتكبير، ثم رَكعً الركعتين الأخَريينِ، فَلما سلم الركعتين عن يمينِه وعن شِمالِهِ.
لَم يذكرْ في حديثِه ما ذكرَ عبدُ الحميدِ من التوَرك في الرفع (1) إذا قام من ثِنتين (2) .
ش- أبو بدْر: شجاع بن الوليد، وزهير: ابن معاوية أبو خيثمة، والحسن بن حر: النخعي، وعيسى بن عبد الله بن مالك الدار: مولى عمر بن الخطاب.
وقد تقدم هذا الحديث بهذا الإسناد في" باب استفتاح الصلاة" إلا أنه راد هناك في الإسناد رجلا بين عيسى بن عبد الله وبن عباس بن سهل، وهو محمد بن عمرو بن عطاء، وقال فيه: " وصدور قدميه وهو ساجد، ثم كبر فجلس فتورك " وقال هنا:" وهو جالس "، وقد شرحناه هناك مُستوفى.
938- ص- نا أحمد بن حنبل: نا عبد الملك بن عَمرو قال: أخبرني
__________
(1) في سنن أبي داود: "في التورك والرفع ".
(2) تقدم برقم (714) .(4/235)
فُليح قال: أخبرني عباس بن سَهْل قال: اجتمع أبو حُميد وأبو أسيد وسَهْل ابن سَعْد ومحمد بن مَسْلمة، فذُكِرَ هذا الحديثُ، لم يُذْكَرْ الرفعُ إذا قامَ من ثنتين ولا الجلوسَ، قال: حتى فَرِغَ ثم جَلَسَ فافترشَ رجْلَه اليُسرى، وأقبلً بصدْرِ اليُمنى على قِبلَتِهِ (1) .
ش- قد تقدم هذا الحديث- أيضا- في " باب رفع اليمَيْن ".
قوله: " فذكر هذا الحديث" برفع الحديث وبناء " ذُكِرَ" على صيغة المجهول، وكذا قوله: "لم يذكر الرفع".
* * *
173- بَابُ: التَّشهُّدِ
أي: هذا باب في بيان التشهد، وفي بعض النسخ: "باب ما يقول في التشهد" والأول أصح.
939- ص- نا مسدد: نا يحيى، عن سليمان الأعمش قال: حدثنا شقيق بن سلمة، عن عبد الله بن مسعود قال: كُنا إذا جَلَسْنَا مع رسول الله - عليه السلام- في الصلاة قلنا: السلامُ على الله قَبْلَ عبَاده، السلامُ عَلىَ فلان وفلان، فقال رسولُ اَلله: "لا تقولوا: السَلامُ علىَ اَلله؛ فإن الله هو السلَامُ؛ ولكَن إذا جَلَسَ أحدُكُم فليقلْ: التحياتُ لله والصلَواتُ والطيبات، السلامُ عليكَ أيها النبي - صلى الله عليه وسلم -رحمةُ الله وبركاتُه، السلامُ علينا وعلى عبادِ الله الصالحين؛ فإنكم إذا قُلتُم ذلك أصَاَبَ كل عَبد صالحِ في السماءِ والَأرضِ أو بينَ السماء والأرضِ، أشهدُ أن لا إله إلام اللهُ وأشهدُ أن محمدا عبدُه ورسولُه، ثم ليَخترْ أحدكُم من الدعاءِ أعجبَه إليه، فيَدْعو بهِ " (2) .
__________
(1) تقدم برقم (15) .
(2) البخاري: كتاب الأذان، باب: التشهد في الآخرة (831) ، مسلم: كتاب الصلاة، باب: التشهد في الصلاة (58/ 402) ، النسائي: كتاب السهو، باب: إيجاب التشهد (3/ 40) و (3/ 41، 50) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في التشهد (899) .(4/236)
ش- السلامُ: اسم من أسماء الله تعالى؛ ومعناه: السالم من النقائص وسمات الحدث، ومن الشريك والند، وقيل: بمعنى المسلم أوليائه، وقيل: المسلم/ عليهم. [2/46 - ب]
قوله: " التحيات لله " التحيات: جمع تحية وهي السلامة من جميع الآفات، وقيل: البقاء الدائم، وقيل: العظمة، وفي "المحكم": التحية: السلام. وقال الخطابي: رُوي عن أنس في تفسيرها في أسماء الله: السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار الأحد الصمد، قال: التحيات لله بهذه الأسماء، وهي الطيبات لا يحيي بها غيرُه. وقال ابن الأثير (1) : التحيات: كلمات مخصوصة كانت العرب تحيي بها الملوك كقولهم: أبيْت اللعن، وأنعمْ صباحا، وعم ظلام: "وزي دَه هزار سَال " (2) أي: عِش عشرة آلاف سنة، وكلها لا يصلح شيء منها للثناء على الله تعالى فتركت واستعملت بمعنى التعظيم، فقيل: قولوا: التحيات لله أي: الثناء والعظمة والتمجيد كما يستحقه ويجبُ له.
قوله: "لله " اللام فيه لام الملك والتخصيص، وهي للأول أبلغ وللثاني أحسن. وقال القرطبي: فيه تنبيه على أن الإخلاص في العبادات والأعمال لا يُفعل إلا لله تعالى، ويجوز أن يراد به الاعتراف بأن ملك ذلك كله لله تعالى.
قوله: "والصلوات " قيل: أراد الصلوات الخمس، وقيل: النوافل، قال ابن الأثير: والأول أولى. وقال الأزهري: العبادات. وقال الشيخ تقي الدين: والصلوات يحتمل أن يراد بها الصلوات المعهودة، ويكون التقدير: إنها واجبة لله، ولا يجوز أن يقصد بها غيره أو يكون ذلك إخبارا عن قصد إخلاصنا الصلوات له أي: صلاتنا مخلصة له لا لغيره؛ ويجور
__________
(1) النهاية (1/ 183) .
(2) هذه الجملة جملة فارسية، ومعلوم أن المصنف كان يجيد اللغة التركية، فلعله ذكرها عرضا.(4/237)
أن يراد بالصلوات الرحمة، ويكون مبنى قوله " لله" أي: المتفضل بها، والمُعْطي هو الله؛ لأن الرحمة التامة لله تعالى لا لغيره.
قوله: " والطيبات " أي: الكلمات الطيبات. وقال الشيخ تقي الدين: وأما الطيبات فقد فسرت بالأقوال الطيبات، ولعل تفسيرها بما هو أعم أولى، أعني: الطيبات من الأفعال والأقوال والأوصاف؛ وطيب الأوصاف كونها صفة الكمال وخلوصها عن شوائب النقص. وقال الشيخ حافظ الدين النسفي رحمه الله: التحيات: العبادات القولية، والصلوات: العبادات الفعلية، والطيبات: العبادات المالية.
قوله: "السلام عليك أيها النبيّ، قيل: معناه: التعوذ باسم الله الذي [هو] السلام كما تقول: الله معك أي: الله متوليك وكفيل بك، وقيل: معناه: السلامة والنجاة لك كما في قوله تعالى: "فسلام لكَ منْ أصْحَاب اليَمين" (1) . وذكر الفخْر الفارسي الخُبْري: معنى السلَام على النبَي- عَليه السلام- أي: اسم الله عليك، وتأويله: لا خلوت من الخيرات والبركات، وسًلِمْتَ من المكاره والمذامّ والآفات، فإذا قلنا: اللهم صلي على محمد إنما نُريدُ: اللهم اكتب لمحمد في دعوته وأمته، وذكره السلامة من كل نقص، وقال الشيخ حافظ الدين: يعني السلام الذي سلمه الله تعالى عليك ليلة المعراج، ورفع ليدل على الثبوت والاستمرار. وقال ابن الأثير: السلام مُنكر، أراد: " سلام عظيم لا يدرك كُنهه، ولا يعرف قدره"، وكثر ما جاء في القرائن مُنكَّرا، ومن رواه مُعَرفا فلأنه أراد إما سلاما معهودة أو جنْس السلام.
قلت: يقتضي تفسير الشيخ حافظ الدين أن يكون الألف واللام فيه للعهد، وهو السلام الذي سلمه الله عليه ليلة المعراج.
قوله: " وبركاته " البركات: جمع بركة؛ وهي: الخير الكثير من كل شيء؛ واشتقاقه من البرك وهو الإبل الكثير.
__________
(1) سورة الواقعة: (91) .(4/238)
قوله: " السلام علينا " أراد به الحاضرين من الإمام والمأمومين والملائكة عليهم السلام.
قوله: " وعلى عباد الله الصالحين " الصالح: هو القائم بما عليه من حقوق الله وحقوق العباد. وقال القرطبي: فيه دليل على أن الدعاء يصلُ من الأحياء إلى الأمْوات.
قوله: " وأشهد أن محمداً عبده ورسوله " قال أهل اللغة: يُقال: رجل محمد ومحمود إذا كثرت خصاله المحمودة. وقال ابن الفارس: وبذلك سمى نبينا محمداً يعني: لعلم الله تعالى بكثرة خصاله المحمودة. قلت: الفرق بين محمد وأحمد أن محمداً مُفعّل للتكثير، وأحمدُ أفعل للتفضيل، والمعنى: إذا حمدني أحد فأنت أحمدُ منهم، وإذا حمدتُ أحدا فأنت محمد/ والعبدُ: الإنسان حرا كان أو رقيقا، وجَمعُه: اعبدٌ [2/47 - أ] وعبيد وعباد وعُبْد وعبْدان وعُبدان، وأعابد جمع أعبُد، والعِبْدي والعبد والعُبُوداء والعبدة أسمَاء الجمع، وجعل بعضهم العبادَ لله وغيره من الجَمع لله والمخلوقين، وخصّ بعضهم بالعبْدَى العَبيد الذين وُلدُوا في الملْك، والأنثى: عَبْدة، والعَبْدل: العَبْدُ، َ ولامه زاَئدة. وقالَ أبو علي الدقاق: ليْس شيء أشرف من العبودية، ولا اسم أتم للمؤمن من الوصف بالعبودية؛ ولهذا قال الله تعالى للنبي- عليه السلام- ليلة المعراج وكانت أشرف أوقاته في القرب "سبحانَ الَّذي أسْرَى بعَبْده " (1) وقال في تلك الليلة" فأوْحَى إِلَى عبدهِ مَا أوْحَى" (2) .
وفي قوله: "أصابَ كل عبد صالح في السماء " دلالة على أن الألف واللام الداخلتين للجنس تقتضي الاستغراق والعموم.
قوله: " ثم ليتخير أحدكم من الدعاء أعجبَه إليه " فيه استحباب الدعاء في آخر الصلاة قبل السلام. وقال الشيخ محيي الدين: وفيه: أنه يجور الدعاء بما شاء من أمور الدنيا والآخرة ما لم يكن إثمًا، وهذا مذهبنا
__________
(1) سورة الإسراء: (1) .
(2) سورة النجم: (10) .(4/239)
ومذهب الجمهور. وقال أبو حنيفة: لا يجور إلا الدعوات الواردة في القرآن أو السنة.
قلنا: لأن الدعاء من أمور الدنيا مثل قوله: " اللهم زوجني فلانة، أو: ارزقني ألف دينار" من كلام الناس، وقد صح في الحديث: " إن هذه الصلاة لا يحل فيها شيء من كلام الناس"- كما ذكرناه-. وقال الشيخ تقي الدين: بعض الفقهاء من أصحاب الشافعي استثنى بعض صور من الدعاء تُقبحُ كما لو قال: اللهم أعطني امرأةً صفتها كذا وكذا- وأخذ يذكر أوصاف أعضائها-.
وهذا الحديث: أخرجه الأئمة الستة عن عبد الله بن مسعود، ولفظ مسلم قال: علمني رسول الله التشهد كفي بين كفيه كما يُعلمني السورة من القرآن فقال: " إذا قعد أحدكم في الصلاة فليقل: التحياتُ لله والصلواتُ والطيباتُ السلامُ عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فإذا قالها أصابَتْ كل عبد صالح في السماء والأرضِ، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ". زادوا في رواية إلا الترمذي، وابن ماجه: " ثم ليتخير أحدكم من الدعاء أعجبه إليه فيدعو به " قال الترمذي: أصح حديث عن النبي - عليه السلام- في التشهد: حديث ابن مسعود، والعمل عليه عند أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين. ثم أخرج عن معمر، عن خصيف قال: رأيت النبي- عليه السلام- في المنام فقلتُ له: إن الناس قد اختلفوا في التشهد فقال: عليك بتشهد ابن مسعود (1) .
وأخرج الطبراني في "معجمه" عن بشير بن المهاجر، عن ابن بريدة، عن أبيه قال: ما سمعتُ في التشهد أحسن من حديث ابن مسعود وذلك أنه رفعه إلى النبي- عليه السلام-ووافق ابن مسعود في روايته عن النبي - عليه السلام- هذا التشهد جماعة من الصحابة فمنهم معاوية، وحديثه
__________
(1) جامع الترمذي (2/ 82) .(4/240)
عند الطبراني في " معجمه" أخرجه عن إسماعيل بن عياش، عن جرير بن
عثمان، عن راشد بن سعد، عن معاوية بن أبي سفيان، أنه كان يُعلم
الناس التشهد وهو على المنبر عن النبي- عليه السلام-: " التحيات لله والصلوات والطيبات" إلى آخره سواء.
ومنهم: سلمان الفارسي، وحديثه عند البزار في " مُسنده " والطبراني
في "معجمه "- أيضا- أخرجاه عن سلمة بن الصلت، عن عُمر بن
يزيد الأزدي عن أبي راشد قال: سألت سلمان الفارسي عن التشهد
فقال: أعلمكم كما علمنيهن رسول الله- عليه السلام-: " التحيات لله والصلوات والطيبات" إلى آخره سواء.
ومنهم عائشة- رضي الله عنها- وحديثها عند البيهقي في "سننه "
عن القاسم، عنها قالت: هذا تشهد النبي- عليه السلام-: " التحيات
لله " إلى آخره. قال النووي في " الخلاصة": سنده جيد، وفيه: فائدة
حسنة؛ وهي أن تشهده- عليه السلام- بلفظ: تشهدنا. وقال الخطابي:
/ أصح الروايات وأشهرها رجالا: تشهد ابن مسعود. وقال ابن المنذر، [2/47 - ب] وأبو علي الطوسي: قد روي حديث ابن مسعود من غير وجه؛ وهو
أصح حديث رُوي في التشهد عن النبي- عليه السلام-. وقال أبُو عُمر:
بتشهد ابن مسعود أخذ أكثر أهل العلم لثبوت فعله عن النبي- عليه
السلام-. وقال علي بن المديني: لم يصح في التشهد إلا ما نقله أهل
الكوفة عن ابن مسعود، وأهل البصرة عن أبي موسى. وبنحوه قاله ابن
طاهر. وقال النووي: أشدها صحة باتفاق المحدثين: حديث ابن مسعود
ثم حديث ابن عباس.
قلت: ولأجل ذلك اختار أبو حنيفة وأصحابه تشهد ابن مسعود.
وقال صاحب " الهداية": والأخذ بتشهد ابن مسعود أولى؛ لأن فيه
الأمْر، وأقلى: الاستحباب، والألف واللام وهما للاستغراق، وزيادة
الواو وهي لتجديد الكلام كما في القسم وتأكيد التعليم.(4/241)
قلت: أما الأمر وهو قوله " فليقل" وليس في تشهد ابن عباس في ألفاظهم الجميع إلا في لفظ للنسائي: " إذا قعدتم في كل ركعتين فقولوا" وفي لفظ له: " قولوا في كل جلسة" وأما الألف واللام: فإن مسلما، وأبا داود، وابن ماجه، لم يذكروا تشهد ابن عباس إلا معرفا بالألف واللام. وذكره الترمذي، والنسائي مُنكرًا: " سلام عليك أيها النبي، سلام علينا". وكان برهانُ الدين اعتمد على هذه الرواية.
وأما الواو: فليْس في تشهد ابن عباس عند الجميع. وأما التعليم: فهو- أيضا- في تشهد ابن عباس عند الجميع: " كان رسول الله يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القراَن". هكذا لفظ مسلم، وفي لفظ الباقين: كما يعلمنا القراَن.
وفي تشهد ابن مسعود: تَراجيح أُخر؛ منها: أن الأئمة الستة اتفقوا عليه لفظا ومعنى؛ وذلك نادر، وتشهد ابن عباس معدود في أفراد مسلم، وأعلى درجة الصحيح عند الحُفاظ: ما اتفق عليه الشيخان، ولو في أصله فكيف إذا اتفقا على لفظه؟. ومنها: إجماع العلماء على أنه أصح حديث في الباب- كما تقدم من كلام الترمذي. ومنها: أنه قال فيه: "علمني التشهد كفي بين كفيه"، ولم يقل ذلك في غيره؛ فدل على مزيد الاعتناء والاهتمام به.
ثم اختلفت العلماء في التشهد هل هو واجب أم سُنة؟ فقال الشافعي وطائفة: التشهدُ الأولُ سُنة، والأخير: واجب. وقال جمهور المحدثين: هما واجبان. وقال أحمد: لأول واجب، والثاني: فرض. وقال أبو حنيفة، ومالك، وجمهور الفقهاء: هما سنتان. وعن مالك رواية بوجوب الأخير. وقال ابن بطال: أجمع فقهاء الأمصار أبو حنيفة، ومالك، والثوري، والشافعي، وإسحاق، والليث، وأبو ثور على أن التشهد الأول ليس بواجب، حاشا أحمد؛ فإنه أوجبه، ونقل ابن الأثير وجوبهما عن أحمد وإسحاق، ونقله ابن التين- أيضا- عن الليث وأبي ثور. وفي " المغني": إن كانت الصلاة مغربًا أو رباعية، فهما(4/242)
واجبان فيهما على إحدى الروايتين، وهو مذهب الليث وإسحاق؛ لأنه - عليه السلام- فعله وداوم عليه وأمَر به في حديث ابن عباس بقوله: "فقولوا: التحيات لله " وقال ابن قدامة: والأخرى: ليسا بواجبين. وفي شرح "الهداية": قراءة التشهد في القعدة الأولى واجبة عند أبي حنيفة، وهو المختار والصحيح، وقيل: سُنَّة؛ وهو أقيس؛ لكنه خلاف ظاهر الرواية ثم السُّنَة في التشهد: الإخفاء؛ لما روى الترمذي بإسناده إلى عبد الله بن مسعود: " من السنة: أن تخفي التشهد" (1) ، وقال: حسن غريب. وعند الحاكم عن عبد الله: من السّنَة: أن يخفى التشهد (2) ، وقال: صحيح على شرط مسلم. وأخرج ابن خزيمة في "صحيحه" عن عائشة قالت: نزلت هذه الآية في التشهد "ولا تَجْهَرْ بِصلاَتكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا" (3) وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم (4) . 940- ص- نا تميم بن المنتصر: أنا إسحاق- يعني: ابن يوسف- عن شريك، عن أبي إسحاق/ عن أبي الأحول، عن عبد الله قال: كنا لا نَدْري ما نقولُ إذا جَلَسْنا في الصلاةِ، وكان رسول اللهِ قد عُلمَ، فذكر نحوه (5) .
ش- تميم بن المنتصر: ابن تميم بن الصلت بن تمام بن لاحق الواسطي، أبو عبد الله الهاشمي مولى ابن عباس. سمع: إسحاق بن يوسف الأزرق، ومحمد بن يزيد الكلاعي، وأحمد بن سنان القطان. روى عنه:
__________
(1) يأتي في "باب إخفاء التشهد ".
(2) مستدرك الحاكم (1/268) .
(3) سورة الإسراء: (110) .
(4) كذا، ولم أره عند الحاكم، فلعلها سبق قلم، والله أعلم.
(5) الترمذي: كتاب الصلاة، باب منه أيضا (290) ، النسائي: كتاب السهو، باب: إيجاب التشهد (3/ 40) ، كتاب التطبيق، باب: كيف التشهد الأول (238/2) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في التشهد (899) .(4/243)
أبو داود، والنسائي- وقال: ثقة- وابن ماجه. ولد سنة ست وسبعين ومائة، ومات سنة أربع وأربعين ومائتين (1) .
وشريك: ابن عبد الله النخعي، وأبو إسحاق: السبيعي، وأبو الأحوص: عَوْف بن مالك الجُشمي الكوفي، وعبد الله: ابن مسعود.
قوله: " قد عُلم " على صيغة المجهول مِن التَعْليم أي: عُلم قراءة التحيات في التشهد، ثم علمنا، ويُقال: قد علم- بالتخفيف على صيغة المعلوم- أي: علم ذلك منها، ثم أمرنا أن نقول: " التحيات لله " إلى آخره. والحديث: أخرجه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
ص- قال شريك: ونا جامع، عن أبي وائلٍ، عن عبد الله بمثله.
ش- أي: شريك بن عبد الله، وجامع: ابن شداد، أبو صخرة الكوفي، وأبو وائل: شقيق بن سلمة.
قوله: "بمثله " أي: مثل الحديث المذكور.
ص- قال: وكان يُعَلِّمُنَا كَلمات ولم يكنْ يُعلمُنَاهُنَّ كما يُعلِّمُنا التشهد:
" اللهم ألّفْ بين قُلُوبِنَا وأصلِحْ ذاتً بيننَا واهْدنَا سُبُلَ السلام، ونَجنّاَ من الظلماتِ إلى النورِ، وجنِّبْنَا الفَوَاحش ماَ ظَهرَ منوها وما بَطَنَ، وبَارِكْ لنا في أسْمَاعنَا وأبْصارنَا وقُلوبنَا وأزواجنا وذرياتنَا، وتُبْ علينا إنك أنت التوابُ الرحيم، واجعلنَا شَاكِرين لنِعمَتِكً، مثنِينَ بَها، قَائِلِيهَا (2) ، وأتِمّهَا عَلينا ". ش- أي: قال ابن مسعود: وكان النبي- عليه السلام- يُعلمنا كلمات.
قوله: " ألف بين قلوبنا " من التأليف، والألفة بين القلوب: الأنس والمُداراة، ورعاية بعضهم بعضًا، وعدم الخلف؛ لأن خلف القلوب يورِث فساد الأبدان.
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (4/ 807) .
(2) في سنن أبي داود: "قابليها".(4/244)
قوله: " وأصلح ذات بَيْننا" مراده: أصلح بيننا، ولفظة "ذات" رائدة للتأكيد؛ وإصلاح البَيْن: أن يكونوا متفقين على الحقَّ، راضين بما بينهم مما أعطاهم الله تعالى من النعم، متحابين في الله تعالى.
قوله: " واهدنا سبل السلام" السبل- بضم السين والباء- جمع سبِيلٍ، أي: طُرُق السلامة.
قوله: "ونجنا من الظلمات إلى النور" المراد من الظلمات: الضلالات؛ جُمعت لاختلافها، واتحد النور؛ لأن الإيمان واحد؛ والمعنى: اصرفنا مبتدئين من الظلمات منتهين إلى النور، وتحقيق المعنى: ثبتنا على ما كنا عليه من الانصراف والبُعْد عن الضلالة، والثبات على النور.
قوله: "وجنبنا الفواحش" أي: أبعدنا من الفواحش؟ وهي جمع فاحشةٍ، وهي كل ما يشتد قبحه من الذنوب والمعاصي، وكثيرا ما ترد الفاحشة بمعنى الزنا، وكل خصلة قبيحة فهي فاحشة من الأقوال والأفعال. وقوله: نا ما ظهر منها وما بطن لما نوعان للفاحشة؛ فالذي ظهر هو الذي يكون بيْنه وبين العباد، والذي بطن: هو الذي يكون بيْنه وبين الله، أو الذي ظهر: هو ما يكون من الجوارح، والذي بطن: ما يكون من القلوب.
قوله: "وبارك لنا في أَسْماعنا وأبْصارنا" سأل الله تعالى أن يُبارك في سمعه وبصره إذا أدركه الكبرُ، وضعف منه سائرُ القوة، ليكونا وارثي سائر القُوى، والباقين بَعْدهما، ويُقال: أراد بالأسماع والأبصار: الأولاد والأعْقاب، وقيل: بالأسْماع: وَعْي ما يَسْمعُ، وبالأبْصار: الاعتبار بما يرى.
قوله: " وقلوبنا" أي: بارك لنا في قلوبنا بمعنى: أثبتْ لها وأدِمْ ما أعطيتها من اليقين والمعرفة والاعتقاد الصحيح.
قوله: "وأزواجنا" أي: وبارك لنا في أزواجنا بمعنى: أثبت لهن وأدم
ما أعطيتهن من الألفة والسكون إلى أزواجهن، ومن حفظ حقوقهم،(4/245)
وتحصين أنفسهن، ورضاهن عليهم. ورأيتُ في بعض النسخ الصحيحة
ضبطها بالحاء المهملة (1) ، يعني: وبارك لنا في أرواحنا بمعنى: أثبت
وأدمْ ما قد [ر] ت لها من البقاء إلى وقتها المعلوم عندك بالخير والهُدى،
والَانتفاع بها بالصحة والسلامة.
قوله: " وذرياتنا " أي: وَبارك لنا في ذرياتنا؛ بمعنى: أثبت لهم وأدم
ما قدرت لهم من البقاء في دار الدنيا بالصلاح والخيْر؛ وهي جمع ذريةِ،
وذرية الرجل: نَسْله، وأصله من ذرَأ الله الخلقَ يذرؤهم.
قوله: "مثنين بها" من أثنى يُثْني أي: قائمين بثناء نعمتك.
22/48 - ب] / قوله: "قائليها" بمعنى: مُعترفين بها غير مُنكريها؟ والقول بالنعمة: عبارة عن إقامة شكرها، والاعتراف بها بأنها فضل من الله تعالى.
941- ص- نا عبد الله بن محمد النفيلي: نا زُهَير: نا الحَسن بن الحُرّ،
عن القاسم بن مُخيمرة قال: أخذَ علقمةُ بيدي فحدثني أن عبد الله بنَ
مَسْعود أخذَ بيده، وأن رسولَ الله- عليه السلام- أخذَ بيد عبد الله يعلَّمُه (2)
التشهّدَ في الصَلَاةِ. فذكر مثلَ دَعاء حديثِ الأعمشِ: " إذاَ قُلَت هذا أو
قَضيتَ هذا فقد قَضيتَ صلاتَكَ إن شَئتَ أن تَقومَ [فقمْ] ، وإن شئتَ أن تَقْعُدَ فاقعُدْ " (3) .
ش- زهير: ابن معاوية.
والقاسم بن مخيمرة: أبو عروة الهمداني الكوفي، سكن دمشق.
روى عن: عبد الله بن عكيم، وعلقمة، وشريح بن هانئ وغيرهم.
روى عنه: أبو إسحاق السَّبيعي، والحكم بن عُتَيبة، والأوزاعي وغيرهم،
قال ابن معين، وأبو حاتم، وأحمد بن عبد الله: ثقة. مات سنة مائة
بالمدينة في خلاقة عمر بن عبد العزيز (4) .
__________
(1) يعني: بالراء والحاء المهملتين مفرد الروح.
(2) في سنن أبي داود: "فعلمه ".
(3) تفرد به أبو داود.
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (23/ 4825) .(4/246)
وعلقمة: ابن قيس النخعي.
قوله: " مثل دعاء حديث الأعمش " هو الحديث الذي مضى في أول لباب.
قوله: "إذا قلتَ هذا " أي: التحيات لله إلى آخره.
قوله: "أو قضيت هذا " أي: أو فعلت هذا أي: القعود.
قوله: " فقد قضيتَ صلاتك " أي: أديتها وأتممتها.
وقد استدل أصحابنا بهذا الحديث في مسائل، الأولى: أن هذا يُنافي فرضية الصلاة على النبي- عليه السلام- في الصلاة؛ لأنه- عليه السلام- علق التمام بالقعود؛ وهو حجة على الشافعي،- وأيضًا- أنه - عليه السلام- علم التشهد لعبد الله بن مسعود، ثم أمر عقيبه أن يتخير من الدعاء ما شاء، ولم يُعلم الصلاة عليه، ولو كانت فرضًا لعلمه؛ إذ موضع التعليم لا يؤخر فيه بيان الواجب،- وأيضًا- لما علم الأعرابي أركان الصلاة لم يُعلمه الصلاة عليه، ولو كانت فرضا لعلّمه، وكذا لم يُرْو في تشهد أحد من الصحابة، ومن أوجبها فقد خالف الآثار. وقالت جماعة من أهل العلم: إن الشافعي خالف الإجماع في هذه المسألة؛ وليس له سلف يقتدي به؛ منهم: ابن المنذر، وابن جرير الطبري، والطحاوي، وهو يستدل بقوله تعالى: "صلوا عَلَيْه " (1) والأمر للوجوب، فلا يجب خارج الصلاة فتعينت الصلاة. وليسَ في الآية دلالة على ما قال؛ لأن الأمر لا يقتضي التكرار؛ بل يجب في العمر مرةً- كما اختاره الكرخي- أو كلما ذكر اسم النبي- عليه السلام- كما اختاره الطحاوي-، وسنستوفي الكلام فيه في موضعه.
الثانية: أن هذا يُنافي فرضية السلام في الصلاة؛ لأنه- عليه السلام- خير المصلي بعد القعود، بقوله: إن شئت أن تقوم، وإن شئت أن تقعد؛
__________
(1) سورة الأحزاب: (56) .(4/247)
وهو حجة على الشافعي- أيضا- حيث افترض السلام، وسنستكمل (1) بقية الكلام في (باب السلام) إن شاء الله تعالى.
الثالثة: استدل به أصحابنا على فرضية القعدة الأخيرة.؛ وذلك لأنه
- عليه السلام- علق تمام الصلاة بالقعود، وما لا يتم الفرض إلا به فهو فرض؛ وهو حجة على مالك؛ حيث لم يفترض القعدة الأخيرة.
فإن قيل: أو لأحد الشيئين، وليس فيه دلالة على ما ادعيتم. قلت: معناه: إذا قرأت التشهد وأنت قاعدٌ؛ لأن قراءته في غير الصلاة لم تشرع ولم يُعتبر إجماعاً فصار المعنى: إذا قلت هذا يعني: قرأت هذا وأنت قاعد أو قعدت ولم تقل، فصار التخييرُ في القول لا في الفعل؛ إذ الفعل ثابت في الحالين.
فإن قيل: كيف تثبت الفرضية بخبر الواحد؟ قلت: ليس الثبوت به؛
بل هو بالكتاب؛ لأن نفس الصلاة ثابتة به، وتمامها منها؛ فالخبر بيان لكيفية الإتمام والبيان به يصح كما في مسح الرأس.
الرابعة: استدل به أبو يوسف، ومحمد في الاثني عشرية المشهورة أن الصلاة لا تبطل بها؛ لأنه لم يبق عليه شيء، فاعتراض العوارض عليه كاعتراضها بعد السلام، وقد عرف مستوفًى في موضعه.
[2/49 - أ] ثم بقي الكلام في صحة/ هذا الحديث ورفعه إلى النبي- عليه السلام-؛ " (2) فقد قال الخطابي (3) : اختلفوا في هذا الكلام هل هو من قول النبي- عليه السلام- أو من قول ابن مسعود؟ فإن صح مرفوعًا إلى النبي- عليه السلام- ففيه دلالة على أن الصلاة على النبي- عليه السلام- في التشهد غير واجبةٍ. وقال البيهقي (4) : وقد بينه شبابة بن
__________
(1) في الأصل: "وسنتكلم".
(2) انظر: نصب الراية (1/ 424- 425) .
(3) معالم السنن (1/198) .
(4) السنن الكبرى (2/ 174) .(4/248)
سوار في روايته عن زهير بن معاوية وفصَل كلام ابن مَسعود من كلام النبي - عليه السلام-، وكذلك (1) رواه عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، عن الحسن بن الحر مُفصلا مُبينا. وقال ابن حبان بعد أن أخرج الحديث في " صحيحه" في النوع الحادي والعشرين من القسم الأول بلفظ السنن: وقد أوهم هذا الحديث مَنْ لم يُحكِم الصناعة أن الصلاة على النبي ليست بفرض؛ فإن قوله: "إذا قلت هذا " زيادة أدرجها زهير بن معاوية في الخبر عن الحسن بن الحر. ثم قال: ذكر بيان أن هذه الزيادة من قول ابن مسعود، لا من قول النبي- عليه السلام- وأن زهيرا أدرجه في الحديث، ثم أخرجه عن ابن ثوبان، عن الحسن بن الحر، عن القاسم بن مُخيمرة به سنداً ومتنًا، وفي آخره: قال ابن مسعود: فإذا فرغت من هذا فقد فرغت من صلاتك، فإن شئت فاثبت وإن شئت فانصرف. ثم أخرجه عن حسين بن علي الجُعْفي، عن الحَسن بن الحُر به، وفي آخره: قال الحسن: وزادني محمد بن أبان بهذا الإسْناد قال: فإذا قلت هذا فإن شئت فقم، قال: ومحمد بن أبان ضعيف قد تبرأنا من عهدته في كتاب "الضعفاء".
وقال الدارقطني في" سننه" (2) بعد أن أخرج الحديث: هكذا أدرجه بعضهم في الحديث عن زهير، ووصله بكلام النبي- عليه السلام- وفَصَله شبابة بن سوار، عن زهير فجعله من كلام ابن مسعود؛ وهو أشبه بالصواب؛ فإن ابن ثوبان رواه عن الحسن بن الحر كذلك، وجعل آخره من قول ابن مسعود؟ ولاتفاق حُسين الجُعفي، وابن عجلان، ومحمد ابن أبان في روايتهم عن الحسن بن الحر على ترك ذكره في آخر الحديث مع اتفاق كل من روى التشهد عن علقمة وغيره، عن ابن مسعود على ذلك، ثم ساق جميع ذلك بالأسانيد، وفي آخره: قال ابن مسعود: إذا فركت من هذا إلى آخره (3) .
__________
(1) السنن الكبرى (2/ 175) منفصلا عن القول الأول.
(2) (1/ 352- 353) .
(3) إلى هنا انتهى النقل من نصب الراية.(4/249)
والجواب عن جميع ما ذكروه من وجوه؛ الأول: أن أبا داود روى هذا الحديث وسكت عنه، ولو كان فيه ما ذكروه لنبه عليه؛ لأن عادته في كتابه أن يُلوح على مثل هذه الأشياء.
الثاني: زعم أبو زيد الدبوسي وغيره أن هذه الزيادة رواها أبو داود الطيالسي، وموسى بن داود الضبي، وهاشم بن القاسم، ويحي بن أبي كثير، ويحيى بن يحيى النيسابوري في آخرين متصلا؛ فرواية من رواه مفصولا لا يقطع بكونه مُدرجًا، لاحتمال أن يكون نسيه ثم ذكره، فسمعه هؤلاء متصلاً وهذا مُنفصلا، أو قاله ابن مسعود فُتيا كعادته، وقد وجدنا في كتاب النسائي من حديث الأفريقي، عن عبد الله بن عمرو، عن النبي - عليه السلام-: "إنه إذا حدّث الرجلُ في آخر صلاته قبل أن يسلم فقد جازت صلاته " ولفظ أبي داود: "فقد تمت صلاته".
الثالث: أن عبد الرحمن بن ثابت الذي ذكره البيهقي قد ضعّفه ابن معين، هو بنَفْسه ذكره في "باب التكبير أربعاً" وكذلك غَسان بن الربيع الذي رَوى عن عبد الرحمن بن ثابت ضعفه الدارقطني وغيره، وبمثل هذا لا تُعللُ رواية الجماعة الذين جعلوا هذا الكلام متصلا بالحديث، وعلى تقدير صحة السند الذي روي فيه موقوفا، فرواية من وقف لا تعلل بها رواية من رفع؛ لأن الرفع زيادة مقبولة على ما عرف من مذاهب أهل الفقه والأصول، فتُحمل على أن ابن مسعود/ رضي الله عنه سمعه من النبي- عليه السلام- فرواه كذلك مرةً، وأفتى به مرة أخرى، وهذا أولى من جعله من كلامه "إذ فيه تخطئة الجماعة الذين وصلوه، ثم لو سلّمنا حصول الوهم في رواية من أدرجه لا يتعين أن يكون الوهم مِن زُهير؛ بل ممن رواه عنه؛ لأن شبابة رواه عنه موقوفا.
942- ص- نا نَصْر بن علي قال: حدثنا أبىِ: نا شعبة، عن أبي بشر قال: "سمعتُ مجاهدا يُحدث عن عبد الله بنِ عمر، عن رسول الله في التشهد: "التحيات لله، الصلواتُ اَلطيباتُ، السلام عليكم أيها النبي - صلى الله عليه وسلم -رحمة اللهِ وبركاتُه " قال: قال ابنُ عمرَ: زدتُ فيها: وبركاته "السلام علينا(4/250)
وعلى عباد الله الصالحينَ، أشهدُ أن لا إله إلا الله ". قال ابنُ عمرَ: زدتُ فيها: وحَده "لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمداً عبدُهُ ورسولُه " (1) .
ش- نصر بن علي: أبو عمرو الصغير البصري، وأبوه: علي بن نصْر ابن علي البصري. وأبو بشْر: جعفر بن أبي وحشية.
قوله: " الصّلوات " بدون واو العطف وكذلك " الطيبات" وهذا السند صحيح. وروى مالك في " الموطأ " (2) عن نافع، عنه موقوفا بلفظ: بسم الله، التحيات لله، الصلوات لله، الزكيات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، شهدت أن لا إله إلا الله، شهدت أن محمداً (3) رسول الله، فإذا أراد أن يُسلم قال: السلام على النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين. السلام عليكم. زاد رزين في كتابه: وقال: إن رسول الله أمره بذلك.
وقال البيهقي: أما التسمية في هذا عن ابن عمر- وإن كانت صحيحة- فيحتمل أن تكون زيادةً من جهته هو، روينا عنه، عن النبي- عليه السلام- حديث التشهد ليس فيه التسمية. قال: روى ثابت بن زهير، عن نافع، عن ابن عمر، وهشام، عن أبيه، عن عائشة- كلاهما- عن النبي- عليه السلام- في التسمية قبل التحية، وثابت: منكر الحديث، والصحيح: عن ابن عمر موقوف- كما رويناه. قال: روينا عن ابن عباس أنه سمع رجلا يقولُ: بسم الله التحيات لله، فانتهره. 943- ص- نا عَمرو بن عون: أنا أبو عوانة، عن قتادة ح ونا أحمد بن حنبل: نا يحيي بن سعيد: نا هشام، عن قتادة، عن يونس بن جبير، عن حطانَ بن عبد الله الرَّقَاشي قال: صَلَّى بنا أبو موسى الأشعريُّ فلما جلسَ في آخر صَلاِته قال رجل من القول: أقرَّت الصلاةُ بالبرِّ والزكاة، فلما انفتلَ أبو موسى أَقبلَ على القول فقال: أيكم القائل كَلِمةَ كذا وكَذا؟ قال: فأرَمَّ
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) كتاب الصلاة، باب: التشهد (57) .
(3) في الأصل: "محمد".(4/251)
القومُ، قال: أيكُم القائلُ كَلمةَ كذا وكذا. قال: فَأرَم القومُ، قال: فلعلك يا حطانُ أنتَ قلتَها. قال: ما قلتُها، ولقد رَهبتُ أن تَبكعَني بها. قال: فقالَ رجل من القوم: أنا قُلتُها ومَا أردتُ بها إَلا الخيرَ، فقال. أبو موسَى: أما تَعلمُون كيفَ تَقولون في صلاتكُم؟ إن رسولَ الله خَطبَنا فعلمنا وبَيَّنَ لنا سنتنا وعلمنا صلاَتَنا فقال: " إذا صليتُم فأقيمُوا صفُوَفَكُم، ثم ليؤمَّكُم أحدُكم، فإذا كبر فكبروا، وإذا قَرأ "غيرِ المغضوب عَلَيهم ولا الضالينَ " فقولوا: آمين يُجِبكُم الله تعالى، وإذا كبر وركَعَ فكبِّرُواَ وارْكَعوا، فإن الإمامَ يركعُ قَبْلَكُم، ويَرْفَعُ قَبْلَكُم ". قال رسولُ الله: "فتِلكَ بتلك، وإذا قال: سَمِعَ اللهُ لمن حَمِدَهُ فقولُوا: اللهم ربنا لك الحَمدُ يَسْمعُ الله لكم، فإن الله قال على لسانِ نبيه: سَمِعَ الله لمنْ حَمدَهُ، وإذا كبر وسَجَدَ فكبِّروا واسجدُوا فإن الإمام يَسْجدُ قَبلَكُم ويرفعُ قَبلًكُم " قال رسولُ الله: "فتلكَ بتلكَ" فإذا كان عندَ القَعْدة فليكنْ مِنْ أول قول أحدكُم: أن يقوَلَ: التحياتُ الطيباتُ الصلواتُ لله، السَلامُ عليكَ أيهاَ النبي - صلى الله عليه وسلم -رحَمة الله وبركاته، السلامُ علينا وعلى عباد الله الصَالحين، أشهدُ أن لا إله إلا الله، وأَشهدُ أن محمداً عبده ورسوله "- لمَ [2/50 - أ] يَقُلْ أحمدُ: وبركاتُه، ولا قال: وأشهدُ، قال:-/ وأن محمداً (1) .
ش- أبو عوانة: الوَضاح، ويحي بن سعيد: الأنصاري، وهشام:
الدستوائي.
ويونس بن جبير: الباهلي أبو غلاب البصري. سمع: عبد الله بن عمر، وجندب بن عبد الله، وحطان الرقاشي وغيرهم. روى عنه: محمد ابن سيرين، وعبد الله بن عون، وقتادة، قال ابن معين: كان ثقة، قال ابن سَعْد: مات قبل أنس وأوصى أن يصلي عليه أنس. روى له الجماعة (2) .
__________
(1) مسلم: كتاب الصلاة، باب: التشهد في الصلاة، رقم (404) ، النسائي: كتاب التطبيق، باب: قوله: " ربنا ولك الحمد " (2/ 196) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: إذا قرأ الإمام فأنصتوا (847) ، وباب: ما جاء
في التشهد، رقم (901) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (32/ 7172) .(4/252)
وحطان بن عبد الله الرقاشي: ذكره ابن حبان في " الثقات " وقال: بصري. يروي عن: علي، وأبي موسى. روى عنه: الحسن، ويونس ابن جبير. مات في ولاية عبد الملك وولاية بشر بن مروان على العراق. انتهى. وقال العجلي: هو بصري تابعي ثقة وكان رجلا صالحًا (1) . قوله: " أقرت الصلاة بالبرّ " قيل: قُرِنت أي: إنها تُوجب لصاحبها البر؛ وهو الَصدق وجماع الخير، والزكاة: التطهير، ويحتمل أن يكون من القرار أي: أثبت معها، وتكون الباء بمعنى "مع ".
قوله: "فلما انفتل " أي: انصرف من الصلاة.
قوله: " أيكم القائل كلمةَ كذا " بنصب " كلمة" أطلق الكلمة وأراد بها الكلام.
قوله: "فأرَمَ القومُ "- بفتح الهمزة والراء وتشديد الميم- يعني: سكتوا مُطرقين ولم يُجيبوا، يُقال: أرم فلان حتى ما به نُطق؛ ومنه قول الشاعر.
يَردن والليلُ مُرِمّ طائرُهْ كأنهم أطبقوا شفاههم
والمِرمة- بكسر الميم وفتحها- شفة البقرة وكل ذات ظلف؛ لأنها بها تأكل فاستُعيرَت للناسِ. وروي: "فأزَم القوم "- بزايِ مفتوحة وميم مخففة- أي: أمسكوا عن الكلام؛ ومعناه مثل الأول.
قوله: "ولقد رَهبتُ "- بكسر الهاء- أي خِفْتُ.
قوله: " أن تَبكَعني بها" أي تجبهني بها أو تُبكًتني بها، أو نحو ذلك من الكلام. قال الأصمعي: يُقال: بكَعتُ الرجلَ بكعَا إذ استَقْبلته بما يكره، وهو من باب فتح يفتح. وعن سليمان بن معبد: قلتُ للأصمعي: ما قولُ الناس: "الحق مُغْضَبة"؟ فقال: يا بُنى! وهَلْ يَسألُ عن مثل هذا إلا رَازِم، قلما بكِعَ أحد بالحقد إلا إِعزَيْزَمَ له؟!.
__________
(1) المصدر السابق (6/ 1384) .(4/253)
قلت: الرازم: الضعيفُ الذي لا يقدرُ أن يقوم من الهزال،
والإعزيزام: الاجتماع.
قوله: "يجبكم الله "- بالجيم- من إجابة الدعاء، وبعضهم يقرأه بالحاء من المحبّة، وليس موضعه.
قوله: " فتلك بتلك" معناه: تلك الدعوة مُعلقة بتلك الكلمة أو مضمنة بها أعني بالدعوة: قراءة الإمام "اهدنا الصراط المستقيم" السورة وأعني بالكلمة: قوله " آمين "، فقوله: (فتلك) مبتدأ في محل الرفع، وخبره: " تلك " الثاني، ومتعلقه محذوف- كما قدرنا- ويجوز أن يكون المراد من " تلك " الأول: الصلاة، ومن "تلك" الثاني: قوله " إذا كبر فكبروا، وإذا قرا {غير المَغْضُوب عَلَيْهِمْ وَلاَ الضالينَ} فقولوا: آمين، وإذا ركع فاركعوا"، ونحو ذلكَ من الأفعال والأقوال، ويكون المعنى: صلاتكم متعلقة بصلاة إمامكم، فاتبعوه ولا تخالفوه، فتلك إنما تصح وتثبت بتلك، وكذلك الكلام في " فتلك بتلك " الثاني على الوَجهين.
قوله: " يَسْمع الله لكم" أي: يَستجيبُه، ومعنى "سمع الله لمن حمده": أجاب دعاء من حمده، وقيل: أراد به الحث على التحميد.
قوله: "ربنا لك الحمد " وفي رواية: "ولك الحمد"؛ وكلاهما صحيح.
قوله: " فليكن من أوّل قول أحدكم: التحيات" استدل جماعة بهذا على أنه يقول في أول جلوسه ولا يقول: باسم الله. وقال الشيخ محيي الدين: وليس هذا الاستدلال بواضح؛ لأنه قال: "فليكن من أول"، ولم يقل: فليكن أوّل.
والحديث: أخرجه مسلم، والنسائي، وابن ماجه.
944- ص- نا عاصم بن النضر: نا المعتمر قال: سمعت أبي قال: نا قتادة، عن أبي غَلاّب يحدثه عن حطان بن عبد الله الرقاشي بهذا الحديث(4/254)
زادَ: " فإذا قَرَأ فَأنِصتُوا" وقال في التشهد بعد أن قال: لا إله إلا الله " (1)
زادَ: " وحده لا شريك له " (2) .
ش- المعتمر: ابن سُلَيْمان، وأبو غلاب: يونس بن جُبير.
قوله: " بهذا الحديث " أي: الحديث المذكور؛ زاد فيه: فإذا قرأ
- أي الإمام- " فأنْصتوا"، وفيه حجة للحنفية في أن الواجب على
المقتدي/ أنْ يسكت ويَنْصت ولا يقرأ شيئًا؛ لأن القراءة تَخِل بالإنْصات [2/50 - ب] وكذا زاد بعد قوله: " لا إله إلا الله ": "وَحْدهَ لا شريكَ له".
ص- قال أبو داود: قولُه: "وأنصِتُوا " ليْس بمحفوظ، لم يجئْ به إلا
سليمانُ التيْمي في هذا الحديث.
ش- قد تقدم الكلام على قوله " فإذا قرأ فأنصتوا في " باب الإمام
يُصلي من قُعود " في حَديث أبي هريرة. وأما هذه الزيادة من سُليمان
التيمي- وهو سليمان بن طرخان أبو المعتمر- فهي صحيحة، صحّحها
مُسلم، وذكرَها مسلم في " صحيحه " وكفى به قدوةً، ويُقدمُ كلامه على
كلام أبي داود. ولما طعَن أبو بكر ابن أخت أبي النضر في هذا الحديث
قال له مسلم: أحفظ من سليمان؟! معناه: أنه كامل الحفظ والضبط،
فلا تضره مخالفة غيره. وإذا كان الأمرُ كذلك فلا يُلتفت إلى قول مَن
يُضعفُ هذه الزيادة.
945- ص- نا قتيبة بن سعيد: نا الليث، عن أبي الزبير، عن سعيد بن
جبير وطاوس، عن ابن عباس أنه قال: كان رسولُ الله- عليه السلام-
يُعلمُنا التشهدَ كما يُعلمُنا القرآنَ، فكان يَقولُ: " الَتحياتُ المُبَاركاتُ
__________
(1) في سنن أبي داود: "وقال في التشهد بعد أشهد أن لا إله إلا الله ".
(2) مسلم: كتاب الصلاة، باب: التشهد في الصلاة (62/ 4 0 4) ، النسائي: كتاب الإمامة، باب: مبادرة الإمام (2/ 96) ، كتاب: الافتتاح، باب: نوع آخر من التشهد (2/ 242) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: إذا قرأ الإمام فأنصتوا (847) ، وباب: ما جاء في التشهد (901) .(4/255)
الصلواتُ الطيباتُ لله، السلامُ عليكَ أيها النبيُّ ورحمةُ الله وبركاتُه، السلامُ علينا وعلى عبادِ اللهِ الصالحين، أشهدُ أن لا إله إلا الله، وأشهدُ أن محمداً رسولُ اللهِ " (1) .
ش- أبو الزبير: محمد بن مسلم بن تدرس.
والحديث: أخرجه مسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه. وبه أخذ الشافعي. وقال الشيخ محيي الدين: تقديره: " التحيات والمباركات والصلوات والطيبات" كما في حديث ابن مسعود وغيره؛ ولكن حذفت الواو اختصارًا.
قلت: واو العطف لا يجوز حذفه عند الجمهور، وبعضهم ما جَوزه إلا في الضرورة؛ ولا ضرورة هاهنا ولا فائدة في اختصارها. ويقال: في حديث ابن عباس اضطراب؛ فمن اضطرابه: أن الشافعي رواه بتنكير (2) "السلام "، وأحمد بتعريفه، وقال الشافعي وأحمد: " وأن محمداً" وفي رواية مسلم وغيره؛ "وأشهد أن محمدا" وفي رواية لمسلم: "وأن محمدًا" والسلام معرف. فإن قالوا: رجحناه لزيادة " المباركات" لموافقتها الآية الكريمة "تَحيةَ مّنْ عند الله مُبَارَكَةَ" (3) فيُقال: قال الطحاوي: لم يشرع في السلَام " حياَكمَ الله وإن وافق ذلك لفظ القرآن في قوله تعالى: "وَإذا حييتُم بتَحية فَحَيُّوا بِأحْسَنَ منْهَا" (4) وفي حديث جابر زيادات كان ينبغي أن تعمدَ وكَذَا في حديث عليَ- رضي الله عنه-. أما حديث جابر: فرواه الحاكم في" المستدرك" بإسناده إلى جابر بن عبد الله: كان رسول الله يُعلمنا التشهد كما يُعلمنا السورة من القرآن:
__________
(1) مسلم: كتاب الصلاة، باب التشهد (60/ 403) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: منه أيضا (290) ، النسائي: كتاب التطبيق، باب: نوع آخر من التشهد (2/ 242) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ماجاه في التشهد (900) .
(2) في الأصل: "بتكثير ". (3) سورة النور: (61) .
(4) سورة النساء: (86) .(4/256)
"بسم الله وبالله، التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها
النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد
أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أسأل الله الجنةَ وأعوذ
به من النار " ثم قال: هذا حديث صحيح على شرطهما. وقال الترمذي
في " العلل ": سألت محمداً عن هذا الحديث فقال: هو غير محفوظ
وهو خطأ؛ والصحيح: ما رواه الليث، عن أبي الزبير، عن سعيد، وطاوس، عن ابن عباس. وقال النووي: لا نقبل من الحاكم تصحيحه
حديث جابر؛ فإن الذين ضعفوه أجلّ من الحاكم وأتقن.
وأما حديث عليّ- رضي الله عنه-: فما رواه الطبراني في "الأوسط " (1)
من حديث عبد الله بن عطاء، عن البهزي قال: سألت الحسن عن تشهد
علي، فقال: هو تشهد النبي- عليه السلام-: " التحيات لله والصلوات والطيبات والغاديات والرائحات والراكبات، والناعمات السابغات الطاهرات لله، الحديث. وقال: لم يروه عن ابن عطاء إلا عمرو بن
هاشم.
946- ص- نا محمد بن داود بن سفيان: نا يحيي بن حسان: نا
سليمان بن موسى أبو داود: نا جَعْفر بن سَعْد بن سمرة بن جندب قال:
حدثني خُبَيْب بن سليمان، عن أبيه: سليمان بن سَمُرةَ، عن سمرةَ بن
جندب: أما بعدُ، أمَرنَا رسولُ الله- عليه السلام- إذا كُنا (2) في وسَط
الصلاةَ/ أو حين انقضائها " فابدءوا قبل التسليم فقولُوا: التحيات الطيباتُ [2/51- أ] والصلوَاتُ والمُلكُ لله، ثم سلموا عن النبي (3) ، ثم سلموا على قارئكُم
وعلى أنفسِكُم، (4) .
ش- يحيي بن حسان: بن حيان التِّنيسي، وسليمان بن موسى أبو داود:
__________
(1) (2917/3) .
(2) في سنن أبي داود: " كان،.
(3) في سنن أبي داود: " على اليمين"
(4) تفرد به أبو داود.
17. شرح سنن أبي داود 4(4/257)
الزهري الخراساني، وخُبيب هذا بضم الخاء المعجمة، وفتح الباء الموحدة، وقد ذكرناه. وهذا الحديث: إسناده صحيح على شرط ابن حبّان.
قوله: " ثم سلموا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن يقولوا: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته.
قوله: " ثم سلّموا على قارئكم " المراد منه: الإمام، " وعلى أنفسكم " بأن تقولوا: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.
ص- قال أبو داودَ: سليمانُ بن مُوسى كوفيُ الأصلِ كان بدمشق.
قال أبو داودَ: ودلَّت هذه الصحيفةُ على أن الحسَنَ سمِعَ من سَمُرةَ.
ش- قد ذكرنا أن سليمان بن موسى أبا داود كان خراساني الأصل، سكن الكوفة ثم تحول إلى دمشق. وقول أبي داود: "كوفي الأصل " باعتبار سكناه العام في الكوفة؛ ولكن أصله من خراسان.
قوله: " ودلت هذه الصحيفة " أراد بالصحيفة: الجزء الذي (1) كان فيه هذا الحديث 000 (2) .
* * *
174- بَابُ: الصَّلاة عَلى النَبِي- عليه السلامُ- بَعْد التَّشَهُّدِ
أي: هذا باب في بيانَ الصلاة عدى النبي- عديه السلام- بعد الفراغ من التشهد.
947- ص- نا حفص بن عمر: نا شعبة، عن الحكم، عن ابن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة قال: قلنا: يا رسولَ الله" أمَرْتَنَا أن نُصلي عَليكَ، وأن نُسلمَ عليكَ، فأما السلامُ فقد عرَفْنا، فكيفَ نُصلي؟ قال: " قُولُوا: اللهم صلِّ على محمد وآل محمد كما صليتَ على إبراهيمَ، وباركْ على محمد واَلِ محمدِ كما بَاركتً علي آلِ إبراهيمَ، إنك حَميد مجيد " (3) .
__________
(1) في الأصل: "ألذ ".
(2) بيض له المصنف قدر سطر وثلث.
(3) البخاري: كتاب الأنبياء، باب: حدثنا موسى بن إسماعيل (3370) ،=(4/258)
ش- "اللهم " يعني: يا الله؛ وقد مر البحث فيه مستوفى. ومعنى "صلَّ على محمد": عظمه في الدنيا بإعلاء ذكره، وإظهار دعوته، وإبقاء شريعته وفيً الآخرة: بِتشفيعه في أمته، وتضعيف أجره ومثوبته. قوله: " واَل محمد " آل الرجل: أهله. واختلف في آله- عليه السلام-؛ فقيل: أهله: الأدنون، وعشيرته الأقربون، وقيل: الحسن والحسين، وقيل: آله: كل مؤمن تقي إلى يوم القيامة. واختار الشافعي أنهم بنو هاشم وبنو المطلب، والآل أصله: الأوَلُ؛ كذا في "الصحاح". وقال غيره: أصله: أهل؛ ولهذا يقال في تصغيره: أهيل، والفرق بينهما: أن الآل قد خص بالأشراف؛ فلا يُقال: آل الحائك ولا آل الحجام.
فإن قيل: قيل: آل فرعون. قلت: لتصوره بصورة الأشراف. وقد ذكرتُ في شرحي "المستجمع في شرح المجمع " أن آل الرسول من جهة النسب: أولاد علي، وعباسٍ، وجعفر، وعقيلٍ، ومن جهة السبب: كل مؤمن تقي إلى يَوْم القيامة.
قوله: "كما صليت على إبراهيم " هذا تَشْبيه بأداة الكاف.
فإن قيل: المشبه دون المشبه به فكيف وجه هذا التشبيه؟ قلت: التشبيه لأصل الصلاة بأصل الصلاة؛ لا القدر بالقدر، كما في قوله تعالى "كُتبَ علَيكُمُ الصيامُ كَمَا كُتِبَ عَلى الذينَ مِن قَبْلكُمْ " (1) فإن المراد: أصلَ الصيام، لا عَيْنه ووقته. ويقال: اَلتشبيه فيه الصلاة على الآل، لا على النبي، فكان قوله: "اللهم صل على محمد " منقطع عن التشبيه.
__________
= مسلم: كتاب الصلاة، باب: الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد التشهد (406) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في صفة الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - (483) ، النسائي: كتاب السهر، باب: نوع آخر (3/ 5 4) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - (904) .
(1) سورة البقرة: (183) .(4/259)
وقوله: " وعلى آل محمد " متصل بقوله: " كما صليتَ على إبراهيم
واَل إبراهيم " ويقال: إنه تشبيه المجموع بالمجموع بمعنى: تشبه الصلاة
على النبي وآله بالصلاة على إبراهيم وآله؛ ومُعظم الأنبياء- عليهم
السلام- هم آل إبراهيم- عليه السلام- فإذا تقابلت الجملة بالجملة وتعذر
أن يكون لآل الرسول ما لآل إبراهيم الذين هم الأنبياء، كان ما توفر من
ذلك حاصلا للرسول- عليه السلام-، فيكون رائدا على الحاصل لإبراهيم- عليه السلام-، والذي يحصل من ذلك هو آثار الرحمة والرضوان، ومن كان في حقه كثر كان أفضل. ويقال: كان ذلك قبل أن [2/51 - ب] يعلم أنه أفضل من (1) / إبراهيم- عليه السلام-.
فإن قيل: لم خص إبراهيم- عليه السلام- من بين سائر الأنبياء
- عليهم السلام- بذكرنا [إياه] في الصلاة؟ قلت: لأن النبي- عليه
السلام- رأى ليلة المعراج جميع الأنبياء والمرسلين، وسلم على كل نبي
ولم يسلم أحد منهم على أمته غير إبراهيم- عليه السلام-، فأمرنا النبي
- عليه السلام- أن نصلي عليه في آخر كل صلاة إلى يوم القيامة مجازاة
على إحسانه. ويقال: إن إبراهيم- عليه السلام- لما فرغ من بناء الكعبة
دعى لأمة محمد- عليه السلام- وقال: اللهم من حج هذا البيت من
أمة محمد فهَبْه مني السلام، وكذلك دعى أهله وأولاده بهذه الدعوة
فأمرنا بذكَرهم في الصلاة مُجازاة على حُسْن صنيعهم.
فإن قيل: الله تعالى أمرنا أن نصلي على النبي- عليه السلام- بقوله:
"يا أيهَا الَّذينَ آمَنُوا صلوا عَلَيْه وَسلّموا تَسْليماً" (2) ثم نحن نقول:
اللهم صل عَلى محمد إلى آخره، فنسأل الله أن يُصلي عليه ولا نُصلي
نحنُ عليه بأنفسنا. قلت: لأن النبي- عليه السلام- طاهر لا عيب فيه،
ونحنُ فينا العيوبُ والنقائصُ، فكيف يُثْنِي مَن فيه عيب على طاهر؟ "
فنسألُ الله أن يُصلي عليه لتكون الصلوات من رَب طاهر على نَبي طاهرٍ.
__________
(1) مكررة في الأصل.
(2) سورة الأحزاب: (56) .(4/260)
قوله: " وبارك على محمد " معنى البركة: الزيادة من الخير والكرامة، وقيل: هي بمعنى التطهير والتزكية، وقيل: الثبات على الخير والكرامة؛ من قولهم: بركت الإبل أي: ثبتت على الأرض، ومنه: بركة الماء؛ لثبات الماء فيها.
قوله: " إنك حميد مجيد " كلاهما صيغة المبالغة، فحمد بمعنى محمود أي: مستحق لأنواع المحامد، ومجيد بمعنى ماجد من المجْد وهو الشرف، وهذا كالتعليل للصلاة المطلوبة؛ فإن الحمد والشكر متقاربان من معنى شكور، وذلك مناسب لزيادة الأفضال والأعطاء لما يراد من الأمور العظام، وكذلك للمجد والشرف مناسبة لهذا المعنى ظاهرة. وقال القاضي عياض: ولم يجئ في هذه الأحاديث ذكر الرحمة على النبي- عليه السلام-، وقد وقع في بعض الأحاديث الغريبة، قال: واختلف بعض شيوخنا في جواز الدعاء للنبي- عليه السلام- بالرحمة، فذهب بعضهم - وهو اختيار ابن عبد البر- إلى أنه لا يقال، وأجازه غيره وهو مذهب محمد بن أبي زيد. وقال الشيخ محيي الدين: والمختار: أنه لا يذكر الرحمة.
قلت: وكذلك اختلف أصحابنا؛ والأصح مثل ما قال ابن عبد البر، ويقال: الأصح: أن يذكر الرحمة؛ لأن كل أحد لا يستغني عن رحمة الله تعالى.
ثم اختلف العلماء في جواز الصلاة على غير الأنبياء؛ فقال أصحابنا
- وهو قول مالك والشافعي والأكثرين-: إنه لا يصلى على غير الأنبياء استقلاله، فلا يقال: اللهم صل على أبي بكر، أو على عمر، أو غيرهما؟ ولكن يصلي عليهم تبعا. وقال أحمد وجماعة: يصلي على كل واحد من المؤمنين مستقلا.
ثم اختلفوا- أيضا- في وجوب الصلاة على النبي- عليه السلام- في التشهد الأخير، فقال أبو حنيفة، ومالك، والجماهير: إنها سُنَّة حتى لو تركها صحت صلاته. وقال الشافعي، وأحمد: واجبة، لو تركها لم(4/261)
تصح الصلاة. وقال في "شرح المهذب": ونقله أصحابنا عن عمر بن
الخطاب وابنه، ونقله الشيخ أبو حامد عن ابن مسعود، وأبي مسعود البدري، وهو إحدى الروايتين عن أحمد. وقال إسحاق: إن تركها
عمدا لم تصح صلاته، وان تركها سهوا رجوت أن يُجزئه، وقد استوفينا
الكلام فيه في "باب التشهد ". والحديث: أخرجه الجماعة.
948- ص- نا مسدد: نا يزيد بن زريع: نا شعبة بهذا الحديث قال:
"صَلِّ على محمدِ وعلى آلِ محمد كما صليتَ على إبراهيمَ " (1) (2) .
ش- أي: حدّث شعبة عن الَحكم، عن ابن أبي ليلى، عن كعب بن
عجرة قال: " صل على محمد " إلى آخره.
و949- ص- نا محمد بن العلاء: نا ابْن بشر، عن مسعر، عن الحكم
بإسناده بهذا قال: " اللهم صَلِّ [على] محمد وعلى آلِ محمد كما صليتَ
على إبراهيمَ، إنك حميدٌ مجيد " (3) (4) .َ
وش- ابن بشر: محمد بن بشر، ومسعر: ابن كدام، والحكم؛ ابن
عُتيبة.
قوله: " عن الحكم بإسناده " أي: بإسناده المذكور، وهو عن ابن
[2/ 52 - أ] ، أبي ليلى، عن كعب بن عجرة قال: " اللهم " إلى آخره/ وهذه الرواية لم تثبت في النسخ إلا من رواية ابن دَاسَةَ.
__________
(1) في سنن أبي داود: "على آل إبراهيم ".
(2) البخاري: كتاب أحاديث الأنبياء، باب: حدثنا موسى بن إسماعيل (3370) ، مسلم: كتاب الصلاة، باب: الصلاة على النبيء - صلى الله عليه وسلم - بعد التشهد (406) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في صفة الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - (483) ، النسائي: كتاب السهو، باب: نوع آخر (3/ 47) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - (904) .
(3) جاء في سنن أبي داود بعد الحديث: "اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد ".
(4) انظر التخريج المتقدم.(4/262)
ص- قال أبو داود: رواه الزُّبيرُ بن عدي، عن ابن أبي ليلى كما رواه مسْعر؟ إلا أنه قال: " كما صلَّيتَ على إبراهيم (1) إنك حميدٌ مجيد وبَاركْ عَلى محمد " وسَاقَ مثلَه.
ش- أي: روى الحديث المذكور: الزُبير بن عدي أبو عدي الكوفي اليامي الهمداني قاضي الري. سمع: أنس بن مالك، وأبا وائل الأسدي، وأبا رزين وغيرهم. روى عنه: إسماعيل بن أبي خالد، ومسعر، والثوري وغيرهم، قال أحمد: هو من أصحاب إبراهيم، ثقة ثبت. مات بالري سنة إحدى وثلاثين ومائة. روى له: الجماعة إلا أبا داود (2) .
950- ص- نا القعنبي، عن مالك ح ونا ابن السَرحْ: أنا ابن وهب قال: أخبرني مالك، عن عَبْد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حَزْم، عن أبيه، عن عَمرو بن سُليم الزُّرقي أنه قال: أخبرني أبو حُميد الساعديُّ أنهم قالوا: يا رسولَ اللهِ" كيفَ نصلِّي عليكَ؟ قال: " قُولُوا: اللهم صلّ على محمد وأزواجه وذريته كما صَلَّيتَ على إبراهيمَ (3) ، وبَاركْ على محمد وأزواجهِ وذريتًِه كما بَاَرَكتَ على اَلِ إبراهيمَ، إنك حميد مجيد " (4) .
ش- عبد اللهَ بن أبي بكر بن محمد: يروي عن: عروة، وأبيه:
أبي بكر، وأهل المدينة. روى عنه: الزهري، وهو يروي عن الزهري، كنيته: أبو محمد. مات سنة خمس وثلاثين ومائة، وله يومَ مات سبعون سنةً (5) .
__________
(1) في سنن أبي داود: "على آل إبراهيم ".
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (9/ 1969) .
(3) في سنن أبي داود: " على آل إبراهيم ".
(4) البخاري: كتاب أحاديث الأنبياء، باب: حدثنا موسى بن إسماعيل (3369) ، مسلم: كتاب الصلاة، باب: الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد التشهد 69- (407) ، النسائي: كتاب السهو، باب: نوع آخر (3/ 49) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - (905) ، (تحفة الأشراف: 9/ 11896) .
(5) نظر ترجمته في: تهذيب الكمال (14/ 3190) .(4/263)
وأبو بكر بن محمد بن عَمرو بن حَزْم: الأنصاري المدني. يَرْوي عن: عمرة بنت عبد الرحمن، وعمر بن عبد العزيز، وعَمرو بن سليم. يروي عنه: يحيى بن سعيد الأنصاري، والزهري، وابنه: عبد الله. توفي بالمدينة سنة عشرين ومائة، وكان قاضيا بالمدينة ولا يعرف له اسم غير كنيته. وعن مالك: كان أبو بكر بن محمد بن عَمرو بن حَزْم قاضيا، وكان فقيها، وأقره عمر بن عبد العزيز على المدينة بعد أن كان قاضيا. قال مالك: ولم يكن على المدينة أمير أنصاري غير أبي بكر بن محمد. روى عنه: الليث، وأبو حميد: اسمه: منذر، وقيل: عبد الرحمن، وقد ذكرناه.
قوله: "وذريته "- بتشديد الياء- أفصح، ويجوز فيه التخفيف، والذرية: اسم يجمع نَسْل الأب من ذكر وأنثى، وقيل: الذرية: نسل الثقلين. والحديث: أخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي.
951- ص- نا القعنبي، عن مالك، عن نُعَيم بن عبد الله المُجْمر، أن محمد بن عبد الله بن زَيْد- وعبد الله بن زيد هو الذي أري النداءَ بالصَلاة- أخبرَه عَنْ أبي مسعود الأنصاري أنه قال: أتَانَا رسولُ الله- عليَه السلام- في مَجلس سَعْد بن عُباده فقال له: بشيرُ بن سَعْدِ: أمَرنَا الله أن نُصليَ عليكَ يا رسولَ الله، فَكيفً نُصلي عليك؟ فسًكَتَ رسولُ الله حتى تَمنيْنَا أنه لم يَسْألهُ، ثم قال رَسُولُ الله- عليه السلام-: "قُولوا" فذكَر معنى حَد يثق كعبِ بنِ عُجرةَ، زاد في آخره: "في العالمين، إنك حميدٌ مجيدٌ " (1) .
ش- أبو مسعود: عقبة بن عمرو البدري. وبشير بن سَعْد: هو والد نعمان بن بَشير.
وسَعْد بن عبادة: ابن سليم بن حادثة ابن أبي حَزِيمَة- بفتح الحاء
__________
(1) مسلم: كتاب الصلاة، باب: الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد التشهد (405) ، الترمذي: كتاب التفسير، باب: ومن سورة الأحزاب (3220) ، النسائي: كتاب السهو، باب: الأمر بالصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - (3/ 45) .(4/264)
المهملة، وكسر الزاي- ابن ثعلبة الخزرجي الأنصاري سيد الخزرج،
شهد العقبة وبدرا، وقيل: لم يشهد بدرا. روى عنه: قيس بن سعد (1) ،
وإسحاق، وابن عباس، وابن المسيب، والحسن البصري، وغيرهم.
مات سنة ست عشرة بحوران من أرض الشام، وبالمنيحة قرية بالقرب من
دمشق قبر يقال: إنه قبر سَعْد بن عبادة، ويحتمل أنه حمل من حوران
إليها. روى له: أبو داود، والنسائي، والترمذي، وابن ماجه (2) .
قوله: " أمرنا الله أن نُصلي عليك " معناه: أمرنا الله بقوله "صَلُّوا عَلَيْه
وَسَلمُوا تَسْلِيمَا".
قوله: " فسكت رسول الله حتى تمنينا أنه لم يسأله " معناه: كرهنا سؤاله
مخافة من أن يكون النبي- عليه السلام- كره سؤاله وشق عليه.
قوله: " في العالمين " الإنس والجن، وقيل: الإنس/ والجن والملائكة [2/ 52 - ب] والشياطين، وقيل لكلّ وهي عالم، وقد حققنا هذا البحث مرة.
والحديث: أخرجه مسلم، والترمذي، والنسائي. وأخرجه ابن
خزيمة، وابن حبان في "صحيحهما " عن أبي مسعود قال: أقبل رجل
حتى جلس بين يدي النبي- عليه السلام- فقال: يا رسول الله! أما
السلام عليك فقد عرفناه فكيف نصلي عليك إذا نحن صلينا عليك في
صلاتنا؟ قال: فصمت حتى أحَببنا أن الرجل لم يسأله ثم قال: "إذا أنتم
إذا صليتم عليَّ فقولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد" الحديث.
وقال الدارقطني: إسناده حسن، وقال الحاكم: صحيح على شرط
مسلم. وقال البيهقي: إسناد صحيح. وقال الشيخ محيي الدين:
وأصحابنا يحتجون بحديث أبي مسعود- يعني: هذا الحديث- لقوله:
"قولوا " والأمر للوجوب، وهذا القدر لا يظهر الاستدلال به إلا إذا ضم
إليه الرواية الأخرى: "كيف نصلي عليك إذا نحن صلينا عليك في
__________
(1) في الأصل: " قيس بن سعيد " خطأ.
(2) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (2/ 35) ، أسد الغابة (2/ 356) ، الإصابة (2/ 30) .(4/265)
صلاتنا؟ فقال: قولوا " الحديث، وهذه الزيادة صحيحة رواها الإمامان الحافظان أبو حاتم بن حبان- بكسر الحاء- البستي، والحاكم أبو عبد الله في " صحيحيهما " قال الحاكم: هي زيادة صحيحةٌ.
والجواب عن هذا: أن هذه الزيادة تفرد بها: ابن إسحاق. وقد ذكر البيهقي في " باب تحريم قتل ماله روح " أن الحُفاظ يتوقون ما ينفرد به ابن إسحاق، والعجب من البيهقي كيف يقولُ في هذه الزيادة: وإسناده صحيح، وقوله ذلك يُنافي هذا الكلام. وقد عرفت من هذا وأمثاله أنه دائرٌ مع غرضه فإن قيل: " (1) قد روى الدارقطني من حديث جابر، عن أبي جعفر، عن أبي مسعود الأنصاري: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من صلّى صلاةً لم يُصل علي فيها ولا على أهل بَيتي لم تُقبَلْ منه) . وروى ابن ماجه، عن عبد المهيمن بن عباس بن سهل بن سَعْد السعدي، عن أبيه، عن جدّه، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا صلاة لمن لا وضوءَ له، ولا وضوء لمنْ لم يذكر اسم الله عليه، ولا صلاةَ لمن لا يُصلي على النبيّ، ولا صلاةَ لمن لم يحب الأنصار" ورواه الحاكم في "المستدرك". وروى البيهقي، عن يحيي بن السباق، عن رجل من بني الحارث، عن ابن مسعود، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إذا تشهد أحدكم في الصلاة فليقل: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، وارحم محمداً وآل محمد، كما صليتَ وباركتَ وترحمت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد". ورواه الحاكم في " المستدرك" وقال: إسناده صحيح.
قلت: أما حديث جابر الجُعفي: فهو ضعيفٌ؛ وقال الدارقطني: جابر الجُعفي ضعيف، وقد اختلف عليه فيه؛ فوقفه تارةَ ورفعه أخْرى؛ ولئن سلمنا؛ فالمراد: نفي الكمال. وأما حديث عبد المهيمن: فضعيف - أيضا-؛ لأن الدارقطني رواه في "سننه " وقال: عبد المهيمن
__________
(1) انظر: نصب الراية (1/ 426- 427) .(4/266)
ليس بالقوي، وقال ابن حبان: لا يحتج به. وبعضهم أخرجه عن أبي ابن عباس بن سهل بن سَعْد، عن أبيه، عن جده مرفوعا بنحوه سواء؛ ولكن تكلموا في أبي بن عباس؛ منهم: الإمام أحمد، والنسائي، وابن معين، والعقيلي، والدولابي.
وأما حديث يحيى بن السباق: ففيه رجل مجهول وقال القاضي عياض: فهذا تشهد ابن مسعود الذي علمه النبي- عليه السلام- إياه؛ ليس فيه الصلاة على النبي- عليه السلام- وكذلك كل من روى التشهد عن النبي - عليه السلام- كأبي هريرة، وابن عباس، وجابر بن عبد الله، وابن عمر، وأبي سعيد الخدري، وأبي موسى الأشعري، وعبد الله بن الزبير؛ لم يذكروا فيه ذلك. وقد قال ابن عباس وجابر: " كان النبي- عليه السلام- يُعلمنا التشهد كما يُعلمنا السورة من القرآن" ونحوه عن أبي سعيد. وقال ابن عمر: كان أبو بكر يعلمنا التشهد على المنبر كما تعلمون الصبيان في الكتاب، وعلمه- أيضا- على المنبر عمر بن الخطاب. انتهى. وفي " المصنف ": نا هشيم: نا عبد الرحمن بن إسحاق، عن محارب، عن ابن عمر قال: كان رسول الله يُعلمنا التشهد في الصلاة كما يُعلم المكتب الولدان.
/ 952- ص- نا أحمد بن يونس: نا زهير: نا ابن إسحاق- يعني: محمد-: نا محمد بن إبراهيم بن الحارث، عن محمد بن عبد الله بن زيد، عن عقبة بن عَمرو بهذا الخبر قال: "قولوا: اللهم صَلِّ على محمّد النبيِّ الأمِّيِّ وعلى آلِ محمدٍ " (1) .
ش- عقبة بن عمرو: هو أبو مسعود البدري. والأمي: الذي هو على صفة أمة العَرب "إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب" وكثر العرب لا تكتب ولا تقرأ. وكونه- عليه السلام- أميا من جملة المعجزة، وقيل: منسوب إلى أم القرى، وقيل: إلى الضفة؛ وهي العادة، وأكثرهم لا يكتبون أو إلى أمه كأنه على أصل الولادة.
__________
(1) انظر التخريج السابق.(4/267)
- 953- ص- نا موسى بن إسماعيل: نا حبّان بن يَسار الكلابي قال: حدثني أبو مطرف: عُبيد الله بن طلحة بن عُبيدَ الله بن كَرِيز قال: حدثني محمد بن علي الهاشمي، عن المُجْمر، عن أبي هريرةَ، عنً النبي- عليه السلام- قال: " مَنْ سَرةُ أن يَكتَالَ بالمكْيال الأوْفَى إذا صلي عَليْنَا أهْلَ البَيْت فَليَقُلْ: اللهم صَل على محمد النبي وأزوَاجه أمهات المؤمنين وذريته وأهلَ بَيْتِه، كما صَليتَ على آلِ إبراهيَمَ، إنك حميد مجيد " (1) .
ش- حبان- بكسر الحاء- بن يَسار: أبو رَوْح الكلابي. سمع: محمد بنَ واسع، وثابتا البناني، وهشام بن عروة، وأبا مطرف وغيرهم. روى عنه: موسى بن إسماعيل، وعمرو بن عاصم الكلابي، وعلي بن عثمان اللاحقي وغيرهم، وقال ابن عدي: وحديثه فيه ما فيه لأجل الاختلاط الذي ذكر عنه، وقال أبو حاتم: ليس بالقوي ولا بالمتروك. روى له: أبو داود (2) .
وأبو مطرف: عُبَيد الله بن طلحة بن عُبيد الله بن كَرِيز- بفتح الكاف، وكسر الراء- الخُزاعي. سمع: الحسن، والزهري، ومحمد بن علي الهاشمي. روى عنه: حبان بن يسار، ومحمد بن إسحاق بن يسار، وحماد بن زيد، وعمران القطان. روى له: أبو داود (3) .
ومحمد بن علي الهاشمي: روى عن: نعَيْم بن عبد الله المجمر. روى عنه: عبيد الله بن طلحة. روى له: أبو داود (4) .
قوله: " أن يكتال " في محل الرفع على الفاعلية؛ لأن "أن " مصدرية؛ والتقدير: من سره الاكتيال؛ والمكيال- بكسر الميم- آلة الكيْل كالمفتاح ألف الفتح، و "الأوفى": أفعل منذ الوافي بمعنى الكامل؛ والاحتيال هاهنا مجاز عن تحصيل الثواب الكثير، أوْ حقيقة، إذا قدّر الثوابُ الذي يحصل من الصلاة على النبي- عليه السلام- أجْسامًا.
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (5/ 1074) .
(3) المصدر السابق (19/ 3645) .
(4) المصدر السابق (26/ 5490) .(4/268)
قوله: " أهلَ البيت " نَصْب على الاختصاص أي: مُتخصصين من بين
الناس.
954-ص- نا أحمد بن حنبل: نا الوليد بن مسلم: نا الأوزاعي قال: حدثنا حَسّان بن عَطية قال: حدثني محمد بن أبي عائشة أنه سمع أبا هريرةَ يقولُ: قال رسولُ الله- عليه السلام-: "إذا فرِغ أحدُكُم من التشهد الأخيرِ (1) فليتعوذ بالله من أرْبع: من عَنَاب جَهَنم، ومن عَذاب القبرِ، ومن فِتْنةِ المحيا والمَمَاتِ، ومن شَر المسيح الدجّاَلِ" (2) .
ش- محمد بن أبي عائشة: ويقال: ابن عبد الرحمن بن أبي عائشة القرشي مولى بني أمية المدني، سكن دمشق، خرج مع بني أمية حين أخرجهم ابن الزبير. سمع: أبا هريرة، وجابر بن عبد الله. روى عنه: حسان بن عطيّة، وأبو قلابة الجرمي، وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر، قال ابن معين: ثقة، وقال أبو حاتم: ليس به بأس. روى له: مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه (3) .
وقد فسرنا ألفاظ هذا الحديث في "باب ما جاء من الدعاء في الصلاة". وأخرجه مسلم، والنسائي، وابن ماجه. وفي بعض النسخ على رأس هذا الحديث: "باب ما يقول بعد التشهد" (4) .
955- ص- نا وَهْبُ بن بقية: أنا عُمر بن يونس اليمامي قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن طاوس، عن أبيه، عن طاوس، عن ابن عباس، عن النبي- عليه السلام- أنه كان يقولُ بعدَ التشهدِ: "اللهم إِني أعُوذُ بك
__________
(1) في سنن أبي داود: " الآخر".
(2) مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: ما يستفاد منه في الصلاة (128/558) ، النسائي: كتاب السهو، باب: نوع آخر (3/ 57) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما يقال في التشهد والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - (909) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (5318/25) .
(4) كما في سنن أبي داود.(4/269)
من عَذاب جَهنمَ، وأعوذُ بك من عَذاب القبرِ، وأعوذُ بك من فتنة الدجال، وأَعوذُ بكَ من فِتنةِ المحْيا والمَمَاتِ" (1) .
ش- محمد بن عبد الله بن طاوس: ابن كيْسان اليماني. سمع: أباه. روى عنه: عمر بن يونس اليمامي (2) ، ونعيم بن حماد الخزاعي. روى له: أبو داود (3) .
ثم الأدعية بعد التشهد كلها مستحبة عند الجمهور إلا ما قال ابن حزم من فرضية/ التعوّذ الذي في حديث عائشة؛ وقد مر الكلام فيه مستوفى. 956- ص- نا عَبْد الله بن عَمرو أبو مَعْمر: نا عبد الوارث: نا الحُسين المعلم، عن عَبْد الله بن بُريدة، عن حنظلة بن علي أن محْجن بن الأدرع حدثه قال: دَخلَ رسولُ الله المسجد، فإذا هو برجل قد قَضى صلاته وهو يَتشهدُ وبقولُ (4) : اللهمّ إنيَ أَسألُكَ يا أللهُ الأحدُ الصًمدُ، الذي لم يلدْ ولم يُولدْ، ولم يكنْ له كُفُوا أحد أن تَغفر لي ذُنُوبي، إنك أنتَ الغفورُ الرحيمُ. قال: فقال: "قد غُفِرَ له، قد غُفِر لًه " ثلاثا (5) .
ش- عبد الوارث: ابن سعيد.
وحنظلة بن علي: ابن الأسقع السُلَمي، وقيل: الأسْلمي المديني. روى عن: أبي هريرة. روى عنه: الزهري، وعمران بن أبى أنس، عداده في أهل المدينة، ذكره ابن حبان في "الثقات ". روى له: مسلم، وأبو داود والنسائي، وابن ماجه (6) .
ومِحْجن بن الأدرع: الأسْلمي، من ولد أسْلم بن أفْصَى بن حارثة، كان قديم الإسلام، وهو الذي قال فيه النبي- عليه السلام-: "ارمُوا
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) في الأصل: "اليماني".
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (25/ 5350) .
(4) في سنن أبي داود: "وهو يقول".
(5) النسائي: كتاب السهو، باب: الدعاء بعد الذكر (3/ 52) .
(6) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (1563/7) .(4/270)
وأنا مع ابن الأدرع" سكن البصرة، وهو الذي اختط مسجدها. يُقال: إنه مات في آخر خلافة معاوية. روى له: أبو داود، والنسائي (1) . قوله: " أن تغفر لي" في محل النَصْب، و "أن" مصدرية، والتقدير: أسألك غفران ذنوبي.
قوله: " ثلاثا" أي: قالها ثلاث مَرّات. والحديث: أخرجه النسائي، وابن خزيمة في "صحيحه" وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين.
* * *
175- بَابُ: إِخْفاء التَّشهُّدِ
أي: هذا باب في بيان إخفاء التشهد في الصلاة.
957- ص- نا عبد الله بن سعيد الكنْدي: نا يونس- يعني: ابن بكير-، عن محمد بن إسحاق، عن عبد الرحمن بن الأسْود، عن أبيه، عن عبد الله قال: من السنةِ: أن يُخْفى التشهدُ (2) .
ش- عبد الله: ابن مسعود. والحديث: أخرجه الترمذي، وقال: حسن غريبْ. وأخرجه الحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم. وبهذا أخذ العلماء، أن المُصلي يخفي التشهد، ولأنه دعاء، والأصل في الدعاء الإخْفاء.
* * *
176- بَابُ: الإشارة في التَّشهُّدِ
أي: هذا باب في بيان الإشارة بالإصبع في التشهد في الصلاة.
958- ص- نا القعنبي، عن مالك، عن مُسلم بن أبي مريم، عن علي ابن عبد الرحمن المُعاوِي قال: رآنِي عبدُ اللهِ بنُ عمرَ وأنا أعْبَثُ بالحَصَى في
__________
(1) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (3/ 412) ، أسد الغابة (5/ 69) ، الإصابة (3/ 366) .
(2) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء أنه يخفى التشهد (291) .(4/271)
الصلاة، فلما انصرفَ نَهَاني وقال: اصنع كما كان رسولُ الله- عليه السلامَ- يَصْنعُ. فقلتُ: وكَيف كان رسول الله يَصْنعُ؟ قال: إذا (1) جلسَ في الصلاة وضعَ كَفه اليُمْنىِ علىِ فَخذه اليُمْنى، وقَبَض أصابعَه كلَّها وأشارَ بإصبعِهِ التيَ تَلِي الإبهامَ، ووضع كَفة اَليسرى على فَخِذِهِ اليُسرى (2) . ش- مسلم بن أبي مريم: المدني الأنصاري مولاهم، وقيل: مولى بني سليم- واسم أبي مَرْيم: يَسَار- روى عن: أبي سعيد الخدري، وعبد الله بن سرجس، وعلي بن عبد الرحمن المُعاوي (3) وغيرهم. روى عنه: مالك بن أنس، والثوري، وابن عيينة، وابن جريج، وشعبة وغيرهم، قال ابن معين: ثقة، وقال أبو حاتم: صالح. روى له: الجماعة إلا الترمذي (4) .
وعلي بن عبد الرحمن المُعاوي: من بني معاوية بن مالك بن عوف بن عَمرو بن عوف من الأوْس الأنصاري المدني. سمع: عبد الله بن عُمر، وجابر بن عبد الله. روى عنه: مسلم بن أبي مريم، والزهري، قال أبو زرعة: مديني ثقة. روى له: مسلم، وأبو داود، والنسائي (5) . قوله: " التي تلي الإبهام " هي المسبحة. وبهذا قال كثر العلماء: الإشارة بالمُسبحة مستحبة عند قول "الا الله " من الشهادة، ويشير بمُسبحته اليمنى لا غير، فلو كانت مقطوعة أو عليلةً لم يُشر بغيرها لا من أصابع اليمنى ولا من أصابع اليُسْرى. وقال في "المحيط ": ثم قيل: لا يُشير بالمسبحة عند قوله: " أشهد أن لا إله إلا الله " وقد نص محمد على أنه
__________
(1) في سنن أبي داود: "كان إذا".
(2) مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: صفة الجلوس في الصلاة، وكيفية وضع اليدين على الفخذين 116- (580) ، النسائي: كتاب الافتتاح، باب: موضع البصر في التشهد (236/2) و (3/ 36) .
(3) في الأصل: "علي بن عبد الله المعاوي " خطأ.
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (27/ 5944) .
(5) المصدر السابق (21/ 4102) .(4/272)
يُشير؛ فقال: حدثنا عن رسول الله أنه كان يفعل ذلك- أي: يُشيرُ-، وقال: نصْنع بصنيع رسول الله، وهذا قول أبي حنيفة وقولنا.
قلت: الذي ذكر في "مُنْية المغني" من كراهة الإشارة غير صحيح. وقال في " الفتاوى": لا إشارة في الصلاة إلا عند الشهادة في التشهد، وهو حسَنٌ. والحديث: أخرجه مسلم، والنسائي.
959-ص- أنا، محمد بن عبد الرحيم البزاز: أنا عفّان: نا عبد الواحد بن زياد: نا عثمان بن حكيم: نا عامر بن عبد الله/ بن الزبير، [2/54 - أ] عن أبيه قال: كان رسولُ الله إذا قَعَدَ في الصلاةِ جَعَلَ قَدَمَه اليُسْرى تحتَ فخذه (1) وسَاقِه وفَرَشَ قَدًمَهُ اليُمنى، وَوَضَعَ يده اليُسْرى على رُكبَته اليُسرًى، ووضَعَ يدَه على فَخِذِهِ اليُمنى، وأشارَ بإصبعِهِ. وأرانَا عبدُ الواحَدَ وأَشَارَ بالسبابَةِ (2) .
ش- محمد بن عبد الرحيم: ابن أبي زهير البغدادي المعروف بـ "صاعقة" العدوي أبو يحيى، مولى آل عمر بن الخطاب، فارسي الأصل، سكن بغداد. سمع: أبا أحمد (3) الزبيري، وأبا عاصم النبيل، وروح بن عبادة وغيرهم. روى عنه: البخاري، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وعبد الله بن أحمد بن حنبل وغيرهم. وقال أبو حاتم: صدوق، وقال الخطيب: كان متقنا ضابطا حافظا، ولد سنة خمس وثمانين ومائة، ومات في شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين، وله سبعون سنة (4) .
__________
(1) في سنن أبي داود: " فخذه اليمنى".
(2) مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: صفة الجلوس في الصلاة، وكيفية وضع اليدين على الفخذين (112- (579) .
(3) في الأصل: "أبا حميد" خطأ.
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (26/ 5417) .
18. شرح سنن في داود 4(4/273)
وعفان: ابن مُسلم. وفي الحديث حجة للحنفيّة. ْ
قوله: " وأرانا عبد الواحد" هو عبد الواحد بن زياد. والحديث: أخرجه مُسلم.
960- ص- نا إبراهيم بن الحسن المِصيصي: نا حجاج، عن ابن جريج، عن زياد، عن محمد بن عجلان، عن عامر بن عبد الله، عن عبد الله بن الزبير أنه ذكرَ أن النبي- عليه السلام- كانَ يُشيرُ بإصْبَعه إذا دَعَى ولا يُحركُها. قال ابن جريج: "زادَ عَمرُو بن دينارِ قال: أخبرني عًامرٌ، عن أبيه، أنه رأى النبي- عليه السلام- يَدعو كذلك ويتحامَلُ النبي- عليه السلام- بيده اليُسْرى على فَخِذهِ اليُسْرى (1) .
ش- المصّيصي- بكسر الميم وتشديد الصاد- نسبة إلى مِصّيصة مدينة مشهورة علَى جانب جَيْحان. وحجاج: ابن محمد الأعور، وزياد: ابن سَعْد بن عبد الرحمن.
قوله: " إذا دعى " أي: في التشهد.
قوله: " ويتحامَلُ " أي: يتكئ.
961- ص- نا محمد بن بشار: نا يحيي: نا ابن عجلان، عن عامر بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه بهذا الحديث قال: لا يُجاوزُ بصرُه إِشارَتَه (2) . ش- أي: الحديث المذكور "وإشارته" نَصْب على المفعولية. وفيه من السُّنَّة: الإشارة بالمُسبحة وترك الالتفات. وأخرجه النسائي- أيضا-. ص- وحديثُ حجاجِ أتمُ.
ش- أي: حجاج بن محمد الأعْور الذي رواه عن ابن جريج.
962- ص- نا عبد الله بن محمد النفيلي: نا عثمان- يعني: ابن
__________
(1) النسائي: كتاب السهو، باب: بسط اليسرى على الركبة (3/ 37) .
(2) النسائي: كتاب السهو، باب: النهي عن الإشارة بأصبعه وبأي أصبع يشير (3/ 38) .(4/274)
عبد الرحمن- نا عصامُ بن قدامة من بني بَجْلَة، عن مالك بن نُمير الخزاعي، عن أبيه قال: رأيتُ النبي- عليه السلام- واضعًا ذرَاعَه اليُمنى على فَخذه اليُمنى رَافعًا إِصْبَعَه السبابةَ قَدْ حَنَاهَا شيئًا (1) .
ش- عًثمان: ابن عبد الرحمن بن مسلم أبو عبد الرحمن، أو أبو محمد، أو أبو هاشم، القرشي الهاشمي الحراني المكْتِب الطرائفي؛ وإنما لُقب بذلك لأنه كان يتتبع طرائف الحديث. روى عن: معاوية بن سلام، وعبد الرحمن بن ثابت، وعصام (2) بن قدامة وغيرهم. روى عنه: النفيلي، وقتيبة بن سعيد، وعمرو بن هشام الحراني (3) وغيرهم، قال ابن معين: هو ثقة، وقال أبو حاتم: صدوق، وأنكر على البخاري إدخاله في كتاب "الضعفاء" وقال: يُحوّل منه. توفي سنة ثلاث وثلاثين ومائتين. روى له: أبو داود، والنسائي، والترمذي (4) .
وعصام بن قدامة: أبو محمد البَجلي، ويُقال: الجَدلي الكُوفي. روى عن: عبد الله بن عمر، ومالك بن نمير الخزاعي، وعكرمةْ مولى ابن عباس. روى عنه: علي بن مسْهر، ووكيع، وعثمان بن عبد الرحمن الطرائفي وغيرهم، قال ابن معين: هو صالح، وقال أبو حاتم وأبو زرعة: لا بأس به. روى له: أبو داود، والنسائي، وابن ماجه (5) .
ومالك بن نُمير الخزاعي: ذكره ابن حبان في "الثقات". يروي عن: أبيه، وله صحبة. روى عنه: عصام بن قدامة. وقال أبو القاسم البغوي: ولا أعلم روى نُمير حديثا مسندَا غير هذا؛ وهو بضم النون: نُمير بن أبي سمير الخزاعي، ويقال: الأزدي، سكن البصرة، وكنيته: أبو مالك بابنه: مالك.
__________
(1) النسائي: كتاب السهو، باب: الإشارة بالإصبع في التشهد (3/ 38) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: الإشارة في التشهد (911) .
(2) في الأصل: "عصامة".
(3) لم يرد وعمرو بن هشام، في تهذيب الكمال فيمن روى عن عثمان.
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (19/3838) .
(5) المصدر السابق (0 2/ 3926) .(4/275)
قوله: " حَنَاها"- بفتح الحاء المهملة والنون- أي: أمالها شيئًا. والحديث: أخرجه النسائي، وابن ماجه.
* * *
177- بَابُ: كراَهِية الاعْتمادِ على اليَدِ في الصَّلاةِ
أي: هذا باب في بيان كراهة الاعتماد على اليد في الصلاة.
963- عر- نا أحمد بن حنبل، وأحمد بن محمد بن شَبُّويَه، ومحمد ابن رافع/ ومحمد بن عبد الملك الغزال قالوا: نا عبد الرزاق، عن معمر، عن إسماعيل بن أمية، عن نافع، عن ابن عمر قال: نَهَى رسولُ الله- عليه السلام-. قال ابنُ حنبل: أن يَجلسَ الرجلُ في الصلاة وهو مُعتَمدَا على يَدِهِ (1) .ًَ
ش- لأنه يُشبه جلوس المعذبين لما يجئ الآن.
ص- وقال ابن شبويه: نهى أن يعتمد الرجل على يدهِ في الصلاةِ.
ش- أي: قال أبو الحسن أحمد بن محمد بن ثابت الخزاعي المعروفُ بابن شَبويه- أحد شيوخ أبي داود- في روايته عن عبد الرزاق: نهى رسول الله أن يعتمد، الحديث.
ص- وقال ابن رافع: نَهَى أن يُصلي الرجلُ وهو معتمد على يَده. وذكره في باب الرفع من السجدةِ (2) .
ش- أي: قال محمد بن رافع- أحد شيوخ أبي داود- في روايته عن عبد الرزاق: نهى رسول الله أن يصلي، الحديث.
عر- وقال ابنُ عبدِ الملكِ: نَهَى أن يَعتمدَ الرجلُ على يَديه إذا نَهَضَ في
الصلاة.
ش- أي: قال محمد بن عبد الملك بن زنجويه البَغدادي الغزال- شيخ أبي داود، وهو شيخ النسائي- أيضا- في روايته عن عبد الرزاق: نهى
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) في سنن أبي داود: "السجود".(4/276)
أن يعتمد الرجل على يديه إذا نهض في الصلاة. والمقصود: أن هذه أربع روايات رواها أبو داود عن أربعة مشايخ، كلها تدل على كراهة الاعتماد على اليدين في الصلاة؛ والرواية الرابعة حجة صريحة لأبي حنيفة أن المصلي إذا فرغ من السجدة الثانية يستوي قائمًا على صدور قدمَيْه، ولا يَعْتمدُ بيدَيْه على الأرض. وبه قال مالك، وأحمد. وقال الشافعي: يجلس جلسة خفيفة، ثم ينهض معتمدا على الأرض؛ والحديث حجة عليه، وقد استوفينا الكلام فيه مرة.
964- ص- نا بثر بن هلال: نا عبد الوارث، عن إسماعيل بن أمية قال: سألت نافعا عن الرجلِ يُصلي وهو مُشبكٌ يده قال: قال ابنُ عمرَ. تلك صلاةُ المغضوبِ عليهم (1) .
ش- بشْر بن هلال: أبو محمد الصواف البغدادي، وقيل: البصري. سمع: جعفر بن سليمان، وعلي بن مسهر، وعبد الوارث بن سعيد. روى عنه: الجماعة إلا البخاري، قال أبو حاتم: محله الصدق.
وروى أبو بكر بن أبي شيبة (2) : نا وكيع، عن عبيد الله بن عبد الرحمن
ابن موهب، عن عمه، عن مولى لأبي سعيد الخدري: أنه كان مع أبي سعيد الخدري، وهو مع رسول الله جالس، قال: فدخل النبي - عليه السلام- المسجد فرأى رجلاً جالسًا وسط المسجد، مُشبكا أصابعه يُحدث نفسه، قال: فأومأ إليه النبي- عليه السلام- فلم يَفطِنْ، فالتفت إلى أبي سعيد الخدري فقال: " إذا صلى أحدكم فلا يشبكن بين أصابعه؛ فإن التشبيك من الشيطان، وإن أحدكم لا يزال في صلاة مادام في المسجد حتى يخرج منه".
ونا أبو خالد الأحمر، عن ابن عجلان، عن النعمان بن أبي عياش قال: كانوا ينهون عن تشبيك الأصابع- يعني: في الصلاة-.
ومنهم من رخص في ذلك؛ لما روى أبو بكر بن أبي شيبة قال: نا
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) انظره وما بعده في: المصنف (2/ 75- 76) .(4/277)
أبو داود (1) الطيالسي، عن خليفة بن غالب: نا نافع قال: رأيت ابن عمر يُشبكُ بين أصابعه في الصلاة.
ونا هشيم: أنا أصحابنا، عن الحسن أنه كان يشبك بين أصابعه في المسجد.
نا عفان: نا وهيب، عن إسماعيل بن أمية قال: رأيت سالم بن
عبد الله يُشبّك بَيْن أصابعه في الصلاة.
965- ص- نا هارون بن زَيْد بن أي الزرقاء: نا أبي حِ ونا محمد بن سَلمة: نا ابن وهب- وهذا لفظه- جميعاً، عن هشام بن سعْد، عن نافع، عن ابنِ عُمرَ أنه رأى رجلاً يَتكِئُ على يَدهِ اليُسْرى وهو قَاعد في الصلاة- وقال هارونُ بنُ زيد: ساقطا على شقه الأَيسرِ- ثم اتفقا فقال له: لا تَجلِس هكذا؛ فإن هكذا يَجًلسُ الذين يُعذبونَ (2) .
ش- هارون بن زَيد بن يزيد بن أبي الزرقاء: الموصلي، وأبوه: زيد
ابن يزيد بن أبي الزرقاء الموصلي.
قوله: " جميعاً " حال من يزيد والد هارون، وعبد الله بن وهب أي: مجتمعَيْن، عن هشام بن سَعْد.
قوله: "ثم اتفقا" يعني: هارون ومحمد بن سلمة كلاهما شيخ
أبي داود. وهذا الحديث: إنما ثبت في النسخ من رواية أحمد بن سعيد، عن ابن الأعرابي، عن أبي داود.
* * *
178- باب: في تخفيف القُعُود
أي: هذا باب في بيان تخفيف القعود فيَ الصلاة.
966- ص- نا حفص بن عمر: نا شعبة، عن سعد بن إبراهيم/، عن
أبى عُبَيْدة، عن أبيه، عن النبي- عليه السلام- كان في الركعتين الأولَيينِ كأنه على الرضفِ، قال: قلنا: حتى يَقومَ؟ قال: حتى يقومَ (3) .
__________
(1) في الأصل: "أبو بكر" خطأ.
(2) تفرد به أبو داود.
(3) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في مقدار القعود في الركعتين الأولين (366) ، النسائي: كتاب التطبيق، باب: التخفيف قي التشهد الأول (2/ 243) .(4/278)
ش- سَعْد بن إبراهيم: ابن عبد الرحمن بن عوف القرشي.
وأبو عُبيدة: اسمه: عامرٌ، ويُقال: اسمُه كُنيته؛ وهو ابن عبد الله ابن مسعود. سمع: أبا موسى الأشعري، وكثر الرواية عن أبيه، ولم يَسمع منه. كذا في " الكمال" وكذا قال الترمذي، وقال عمرو بن مرة: سألت أبا عُبيدة: هل تذكر من عبد الله شيئا؟ قال: ما أذكر شيئًا. وقد احتج به البخاري، ومسلم بحديثه في " صحيحهما ". وروى عنه: عمرو بن مرة، وأبو إسحاق السبيعي، وسعد بن إبراهيم، وإبراهيم بن يزيد النخعي، وغيرهم. روى له الجماعة (1) .
قوله: " كأنه على الرضف "- بفتح الراء المهملة، وسكون الضاد المعجمة، وبعدها فاء- الحجارة المُحماة؛ واحدها: رَضْفةٌ، ومن أمثالهم: خذ من الرضفة ما عليها.
والحديث: رواه الترمذي، والنسائي، وقال الترمذي: هذا حديث حسن؛ إلا أن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه، والعمل على هذا عند أهل العلم، يختارون أن لا يطيل الرجل القعود في الركعتين الأولين، ولا يزيد على التشهد شيئا، وقالوا: إن زاد على التشهد فعليه سجدتا السهو، وهكذا روي عن الشعبي وغيره.
قلت: وهو مذهب أصحابنا- أيضا-. وقال صاحب " المحيط ": ولا يزيد على هذا- أي: التحيات في القعدة الأولى. وقال الشافعي: يزيدُ عليه: اللهم صل على محمد..
قلت: الحديث حجة عليه.
* * *
179- بَاب: في السَّلام
أي: هذا باب في بيان أحكام السلام في آخر الصلاة.
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (14/ 3051) .(4/279)
967- ص- نا محمد بن كثير: أنا سفيان ح ونا أحمد بن يونس: نا زائدة ح ونا مسدد: نا أبو الأحوص ح ونا محمد بن عُبيد المحاربي، وزياد ابن أيوب قالا: نا عمر بن عُبيد الطنافسي ح ونا تميم بن المنتصر: أنا إسحاقُ - يعني: ابن يوسف-، عن شريك ح ونا أحمد بن مَنيع: ْ نا حُسين بن محمد: نا إسرائيل- كلهم-، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله- وقال إسرائيل: عن أبي الأحْوص، والأسود، عن عبد الله- أن النبيَّ- عليه السلام- كان يُسلمُ عن يمينه وعن شمَاله حتى يُرَى بياضُ خَدهِ: " السلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ، السلامُ عليكم ورحَمةُ الله " (1) .
ش- سفيان: الثوري، وزائدة: ابن قدامة الكوفي، وأبو الأحوص: سلام بن سليم الحنفي الكوفي.
وعمر بن عُبيد: ابن أبي أمية الطنافسي الحنفي الكوفي، أخو يَعلى ومحمد وإبراهيم. روى عن: أبي إسحاق السَبيعي، وسماك بن حرب، ومنصور بن المعتمر وغيرهم. روى عنه: أخوه: يعلىَ، وأحمد بن حنبل، وقال: هو شيخ كثير الحديث، وقال ابن معين: صالح، وقال أبو حاتم: محله الصدق. مات سنة خمس وثمانين ومائة. روى له الجماعة (2) .
وإسحاق: ابن يوسف الأزرق، وشريك: ابن عبد الله النخعي. وأحمد بن منيع: ابن عبد الرحمن المروروذي أبو جعفر سكن: بغداد. سمع: هُشيم بن بَشِير، وابن عُيينة، وابن المبارك، وحسين بن محمد وغيرهم. روى عنه: أبو زرعة، وأبو حاتم، والبخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وغيرهم. وقال النسائي: ثقة. مات سنة أربع وأربعين ومائتين (3) .
__________
(1) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في التسليم في الصلاة (295) ، النسائي: كتاب السهو، باب: كيف السلام على الشمال (63/3) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: التسليم (914) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (1 2/ 4282) .
(3) المصدر السابق (1/ 114) .(4/280)
وحُسن بن محمد: ابن بهرام المروذي، أبو أحمد التميمي المُعلم،
سكن بغداد. سمع: إسرائيل بن يُونس، ويزيد بن عطاء، وجرير بن
حازم وغيرهم. روى عنه: أحمد بن حنبل، وأبو بكر بن أبي شيبة،
وأحمد بن منيع وغيرهم، وقال ابن سَعْد: كان ثقةً. مات سنة ثلاث
عشرة ومائتين. روى له الجماعة (1) .
وأبو إسحاق: عمرو بن عبد الله السبيعي، وأبو الأحْوص: عوف بن
مالك، والأسود: ابن يزيد النوعي، وعبد الله: ابن مسعود.
قوله: " كلهم " أي: روى كل هؤلاء المذكورون عن أبي إسحاق
السبيعي.
وبالحديث استدل أصحابنا: أن السنة للمُصلي: أن يُسلِّم تسليمتين.
وبه قال الشافعي وإسحاق، وهو قول أبي بكر، وعمر، وعلي،
وعمار، وابن مسعود، ونافع بن عبد الحارث، وعلقمة، وأبي (2)
عبد الرحمن السلمي، وعطاء، والشعبي، والثوري، وقال ابن المنذر:
وبه أقول. وقال مالك: تسليمة واحدة؛ وهو قول عائشة، وابن سيرين،
والحسن، وعمر بن عبد العزيز، والأوزاعي. وقال/ ابن بطال: إنما [2/55 - ب] حدثت التسليمتان زمن بني هاشم. وقال الطبري: هو مخير في الخروج
بسلام أو غيره. وفي " المغنى " لابن قدامة: التسليم واجب لا يقوم غيرُه
مَقامه، والواجبُ: تسليمة واحدة، والثانية: لسُنَة. وقال ابن المنذر:
أجمع العلماء على أن صلاة من اقتصر على تسليمة واحدة جائزة. وعند الطحاوي، عن الحسن بن حر: هما واجبتان؛ وهي رواية عن أحمد،
وبها قال بعض أصحاب مالك. وعند الشافعي: السلام فرض. وكذا
عن أحمد. وقال النووي: لو أخل بحرف من حروف " السلامِ عليكم "
لم تصح صلاته. وعن أبي حنيفة: إنها واجبة، وقيل: سُنةٌ. وقال
صاحبه "الهداية": ثم إصابة لفظ السلام واجبة عندنا؛ وليست بفرض
خلافا للشافعي. وقد ذكرنا الاحتجاج من الطرفين غير مرّة.
__________
(1) المصدر السابق (6/ 1333) .
(2) في الأصل: "وأبو ".(4/281)
والحديث: أخرجه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، والعمل عليه عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي- عليه السلام- ومَن بعدهم من التابعين، وهو قول: سفيان الثوري، وابن المبارك، وأحمد، وإسحاق.
ورواه ابن حبان في " صحيحه " من حديث الشعبي، عن مسروق،
عن ابن مسعود قال: لم أنْس تسليم رسول الله عن يمينه وعن شماله: " السلام عليكم ورحمة الله، وكأني أنظر إلى بياض خدّيه- عليه السلام-. ص- قال أبو داود: هذا لفظُ حديث سفيان، وحديثُ شريكٍ (1) لم يُفسره.
ش- أي: المذكور من الحديث: لفظ سفيان الثوري، وحديث شريك النخعي لم يفسر السلام كيف هو؟.
ص- قال أبو داود: رواه زهير، عن أبي إسحاق، ويحيى بن آدمَ، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بنِ الأسود، عن أبيه، وعلقمة عن عبدِ اللهِ.
ش- أي: روى هذا الحديث: زُهير بن معاوية، عن أبي إسحاق السَّبِيعي. ورواه يحيى بن آدم بن سليمان الكوفي، عن إسرائيل بن يونس، عن أبي إسحاق.
ص- قال أبو داودَ: شعبةُ كان يُنكرُ هذا الحديثَ: حديثَ أبي إسحاق (2) .
ش- شعبةُ بن الحجاج كان يُنكرُ أن يكون حديث أبي إسحاق السباعي مَنْ في ما.
قوله: " حديث أبي إسحاق " منصوب على أنه بدل من قولهم هذا الحديث ".
__________
(1) كذا، وفي سنن أبي داود:" إسرائيل ".
(2) في سنن أبي داود: " حديث أبي إسحاق أن يكون مرفوعا"،.(4/282)
968- ص- نا عَبْدة بن عبد الله: نا يحيى بن اَدم: نا موسى بن قيس الحَضْرمي، عن سلمة بن كهيل، عن علقمة بن وائل، عن أبيه قال: صَليتُ مع النبي- عليه السلام- فكان يُسلّم عن يمينه: " السلامُ عليكم ورحمةُ الله وبركاتُه " وعن شِمَالهِ: " السلامُ عليكم ورحَمَة الله " (1) .
ش- موسى بن قيس الحَضرمي: الصغير (2) الكوفي. روى عن: سلمة بن كهيل، ومُسلم بن البطن، وعطية بن سَعْد العَوْفي. روى عنه: وكيع، ويحي بن آدم، وقبيصة وغيرهم، قال ابن معين: ثقة، وقال أبو حاتم: لا بأس به. روى له: مسلم، وأبو داود (3) .
وعلقمة بن وائل: ابن حُجر الحضرمي الكوفي. روى عن: أبيه، والمغيرة بن شعبة، وطارق بن سويد. روى عنه: سماك بن حرب، وعبد الملك بن عمير، وجامع بن مطر وغيرهم. روى له: مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي (4) .
وهذا- أيضا- حجة للجمهور. وروى أحمد في " مسنده " والطبراني في "معجمه" عن ملازم بن عمرو: حدثني هوذة بن قيس بن طلق، عن أبيه، عن جده: كان رسول الله يُسلّم عن يمينه وعن يَسارِه حتى يُرى بياضُ خده الأيمن وبياض خده الأيسر.
669- ص- نا عثمان بن أبي شيبة: نا يحيى بن زكرياء، ووكيع، عن مسْعر، عن عُبيد الله ابن القبطية، عن جابر بن سمرة قال: كُنَّا إذا صلينا خلفَ رسول الله يُسلّم (5ْ) أحدنا- أشارَ بيده من عن يمينه ومن عن يَساره- فلما صلي قائل:" ما بالُ أحَدِكُم يَرْمى بيدِه كَأنها أذناب خَيلِ شُمْسِ؟ َ إَنما
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) قال محقق تهذيب الكمال (134/29) : "جاء في حاشية نسخة المؤلف التي بخطه من تعقباته على صاحب الكمال " قوله: " كان فيه الصغير وهو وهم، والصواب الفراء ".
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (6293/29) .
(4) المصدر السابق (20/ 4020) .
(5) في سنن أبي داود: "فسلم ".(4/283)
يَكْفي (1) أو أَلا يكْفِي أَحدَكُم أن يقولَ هكذا "- وأشارَ بإصبعه-
"السَلام (2) على أخيه من عن يميِنه، ومن عن شِمَالِهِ " (3) .
ش- عُبيد الله ابن القبطية: روى عن: جابر بن سمرة، وأم سلمة
زوج النبي- عليه السلام-. روى عنه: عبد العزيز بن رفيع، ومسْعر
ابن كدام، وفرات القزاز. روى له: مسلم، وأبو داود، والنسائي (4) .
قوله: " من عن يمينه " كلمة "عن " هاهنا اسم لدخول حرف الجر
عليه، وهو بمعنى جانب. [2/56 - أ] / قوله: " شُمْس "- بضم الشن المعجمة، وسكون الميم، وبعدها سين مهملة- جمعًُ: شَمْساءَ؛ والذكر: أشمس، والشموسُ يُطلقَ على
الذكر والأنثى، ولا تقُلْ " شموص" وهو الذي لا يَستقرّ لشغبه وحدته،
وهو من الناس العَسِرُ، الصَّعْب الخُلُق.
قوله: " أولا يكفي " الهمزة فيه للاستفهام.
قوله: " السلام على أخيه " المراد بالأخ: الجنْس أي: إخوانه الحاضرين
عن اليمين والشمال. وفَيه الأمر بالسكون في الصلاة والخشوع فيها،
والسلام على الحاضرين من الجانبَيْن. والحديث: أخرجه مسلم،
والنسائي.
970- ص- نا محمد بن سليمان الأنباري: نا أبو نعيمِ، عن مسْعر
لإسناده ومعناه، قال:" أمَا يكْفِي أحدَكُم أو أحدهم أن يضَعَ يده على فَخذه،
ثم يُسلمُ على أخِيه من عن يمِينهِ ومن عن شِمَالِهِ؟ " (5) .
__________
(1) في سنن أبي داود: "يكفي أحدكم".
(2) في سنن أبي داود: "يسلم".
(3) مسلم: كتاب الصلاة، باب: الأمر بالسكون في الصلاة والنهي عن الإشارة
باليد ورفعها عند السلام. . . (431) ، النسائي: كتاب السهو، باب: موضع
اليدين عند السلام (3/ 61) .
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (9 1/ 3675) .
(5) انظر التخريج المتقدم.(4/284)
ش- أبو نعيم: الفضل بن دكين.
قوله: " بإسناده " أي: بإسناد الحديث المذكور ومعناه.
971- ص- نا عبد الله بن محمد النفيلي: نا زهير: نا الأعمش، عن المُسّيب بن رافع، عن تميم الطائي، عن جابر بن سمرة قال: دخلَ علينا رسولُ الله- عليه السلام- وهم أو الناس (1) رافِعُوا أيديهم- قال زهير: أرَاهُ قال "َ في الصلاة- فقال: "مَالي أراكُم رَافِعِيَ أيلِيكُم كأنها أَذنَابُ خَيلِ شُمْس، اسكُنوا فِي اَلصلاةِ" (2) .
ش- تميم: ابن طرفة الطائى.
قوله: " أو الناسُ " شك من الراوي.
قوله: "قال زهير" أي: زهير بن معاوية "أراه" أي: أظنه قال: رافعوا أيديهم في الصلاة. وقد استدل بهذا الحديث أصحابنا في ترك رفع اليَدين في الصلاة عند غير تكبيرة الافتتاح، واعترض البخاري على وجه استدلالهم، وقد ذكرناه مستوفًى في "باب رفع اليدين". والحديث: أخرجه مسلم.
* * *
180- بَابُ: الرد على الإِمام
أي: هذا باب في بيان حكم الرد على الإمام.
972- ص- نا محمد بن عثمان أبو الجَماهر: نا سعيد بن بَشير، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة قال: أمرنا رسولُ اللهِ أن نَرد على الأِمَام، وأن نَتحاب، وأن يُسلمَ بَعْضُنا عَلى بَعضِ (3) .
__________
(1) في سنن أبي داود: "والناس".
(2) مسلم: كتاب الصلاة، باب: الأمر بالسكون في الصلاة، والنهي عن الإشارة باليد ورفعها عند السلام وإتمام الصفوف الأول.. (430) .
(3) ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: رد السلام على الإمام (921) .(4/285)
ش- سَعِيد بن بَشير- بفتح الباء- أبو عبد الرحمن النضري مولاهم البَصْري، نزل الشامَ؛ روى عن: أبي الزبير المكي، وقتادة، وعبد الملك ابن أبجر وغيرهم. روى عنه: عبد الرحمن بن مَهدي، ووكيع، والوليد بن مسلم وغيرهم، وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي وأبا زرعة عنه فقالا: محله الصدق عندنا، قلت: يحتج بحديثه؟ قالا: يحتج بحديث ابن أبي عروبة والدستوائي، هذا شيخ يكتبُ حديثه، وسمعت أبي يُنكر على مَنْ أدخله في كتاب "الضعفاء" قال: يحول منه. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (1) .
قوله: "أن نَرُد على الإمام" أراد به: أن يفتح على إمامه إذا استفتح في الصلاة. وعن هذا قال أصحابنا: إذا فتح المصلي على غير إمامه فسدت صلاته بخلاف إمامه
قوله:" وأن نتحابَّ " من التَحابب؟ وهو أن يُحب بعضهم بعضًا. والحديث: أخرجه ابن ماجه.
973- ص- نا (2) أحمد بن عبدة: أنا سفيان، عن عَمرو، عن أبي مَعْبد،
عن ابن عباس قال: كان يُعْلَمُ انقضاءُ صَلاةِ رسولِ اللهِ بالتكبِيرِ (3) .
ش- أحمد بن عَبْدة: ابن موسى أبو عبد الله الضبي البصري. سمع: سفيان بن عيينة، وحماد بن زيد، وأبا عوانة وغيرهم. روى عنه: مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وأبو زرعة، وأبو حاتم وقال: ثقة، وقال النسائي: صدوق لا بأس به. مات سنة خمس وأربعين ومائتين (4) .
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (10/ 2243) .
(2) في سنن أبي داود: "باب التكبير بعد الصلاة".
(3) البخاري: كتاب الأذان، باب: الذكر بعد الصلاة (842) ، مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: الذكر بعد الصلاة (583) ، النسائي: كتاب السهو، باب: التكبير بعد تسليم الإمام (3/ 67) .
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (1/ 75) .(4/286)
وعَمرو: ابن دينار.
وأبو معبد: نافذ- بالنون والفاء والذال المعجمة وقيل: بالمهملة-
القرشي الهاشمي الحجازي مولى عبد الله بن عباس. سمع: عبد الله بن
عباس. روي عنه: عمرو بن دينار، وأبو الزبير المكي، والقاسم بن
أبي بزة، قال أحمد وأبو زمعة: ثقة. مات بالمدينة سنة أربع ومائة.
روي له الجماعة (1) .
قوله: " يعلم" على صيغة المجهول. وبهذا استدل بعض السلف أنه
يستحب رفع الصوت بالتكبير والذكر عقيب المكتوبة، وممن استحبه من المتأخرين: ابن حزم الظاهر". وقال ابن بلال: أصحاب المذاهب
المتنوعة وغيرهم متفقون على عدم استحباب/ رفع الصوت بالتكبير والذكر [2/56- ب] حاشا ابن حزم. وحَمل الشافعي هذا الحديث على أنه جهر ليُعلمهم صفة
الذكر؛ لا ابنه كان دائما، قال: وأختارُ للإمام والمأموم أن يذكر الله بعد
الفراغ من الصلاة ويُخفيان ذلك، إلا أن يقصدا التعليم فيُعلما ثم يُسِرا.
وقال الطبري: فيه البيانُ على صحة فعل مَنْ كان يَفعْلُ ذلك من الأمراء
والولاة، يكبر بعد صلاته ويكبر من خلفه، وقال غيره: لم أجد أحدا
من الفقهاء قال بهذا إلا ابن حبيب في "الواضحة": كانوا يستحبون
التكبير في العساكر والبعوث إثر صلاة الصبح والعشاء. وروي ابن
القاسم، عن مالك: إنه مُحدث. وعن عَبيدة: هو بدْعة. وقال ابن
بلال: وقول ابن عباس هذا فيه دلالة أنه لمَ يكن يُفعلُ حين حدث به
لأنه لو كان يفعل لم يكن لقوله معنى، فكان التكبير بأثر الصلوات لم
يواظب الرسول عليه طول حياته، وفهم أصحابه أن ذلك ليس بلازم
فتركوه خشية أن يظن أنه مما لا تتم الصلاة إلا به، فلذلك كرهه من كرهه
من الفقهاء، وفيه دلالة أن ابن عباس كان يُصلي في أخريات الصفوف
لكونه صغيرًا. والحديث: أخرجه البخاري، ومسلم، والنسائي.
__________
(1) المصدر السابق (29/ 6358) .(4/287)
974- ص- نا يحيي بن موسى البلخي: نا عبدُ الرزاق: أخبرني ابن جريج: أنا عمرو بن دينار أن أبا معبد مولِى ابن عباس أخبره أن ابن عَباس أخبره، أن رَفعَ الصوت للذكْر حينَ ينصرِفُ [الناس] ، من المكتُوبة كانَ ذلك على عَهد رسولِ الله، وأنَ ابن عباس قال: كنتُ أعلمُْ إذا انصَرَفُوا بذاكَ وأسمَعُه؟ (1) .
ش- يحيي بن موسى: ابن عبد ربه بن سالم أبو زكرياء السختياني الحداني البلخي كوفي الأصل. سمع: ابن عيينة، ووكيعَا، وسعيد بن منصور، وعبد الرزاق بن همام وغيرهم. روى عنه: البخاري، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، قال أبو زرعة: ثقة، وقال الدارقطني: كان من الثقات. مات سنة ست وأربعين ومائتين (2) .
قوله:" كنت أعلمُ إذا انصرفوا " ظاهره: أنه لم يكن يحضر الصلاة في الجماعة في بعض الأوقات لصغره. والحديث: أخرجه البخاري، ومُسلم.
975- ص- نا (3) أحمد بن حنبل قال: حدثني محمد بن يُوسف الفِرْيابي: نا الأوزاعي عن قرة بن عبد الرحمن، عن الزهري عن أبى سلمة عن أبى هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:" حذف السلام سُنة" (4) .
ش- قرة بن عبد الرحمن: ابن حيويل بن ناشرة بن عبد بن عامر بن الحارث أبو محمد، ويُقال: أبو حيويل المعافري المصري، أصله مدني سكن مصر. روى عن: الزهري، وربيعة بن أبي عبد الرحمن، ويحيى وغيرهم. روى عنه: الأوزاعي، وحيوة بن شريح، وابن وهب، والليث بن سعد وغيرهم، قال أحمد: منكر الحديث جدا،
__________
(1) البخاري: كتاب الأذان، باب: الذكر بعد الصلاة (841) ، مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: الذكر بعد الصلاة (583) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (32/ 0 693) .
(3) في سنن أبي داود: "باب حذف التسليم".
(4) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء أن حذف السلام سُنة (297) .(4/288)
وقال ابن معين: ضعيف، وقال أبو حاتم: ليس بالقوي، ذكره مسلم
في حديثه مقرونا بغيره غير محتج به. روى له: مسلم، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه (1) .
قوله:" حذت السلام "- بالحاء المهملة والذال المعجمة- قيل:
الإسراع به، وقيل: أن لا يكون فيه " ورحمة الله"- يعني: في
الصلاة- ورواه الترمذي، وقال: قال علي بن حُجر: قال عبد الله بن
المبارك: يعني أن لا يمده مدا، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن
صحيح، وهو الذي يستحسنه أهل العلم. ورُوي عن إبراهيم النخعي أنه
قال: التكبير جزم، والسلام جزم. انتهى.
قلت: جزم بالجيم والزاي. وروي " جذم " بالذال المعجمة، ومَعناه:
سريع، والجذم في اللسان: السرعة، إذا أقمت فاجذم، أي: أسرِعْ.
* * *
181- بَابٌ: إذا أحْدَث في صَلاِته يستقبل
أي: هذا باب في بيان ما إذا أحدث المصلي في صلاته يَسْتقبل صلاته.
976- ص- نا عثمان بن أبي شيبة: ونا جرير بن عبد الحميد، عن
عاصم الأحول، عن عيسى بن حطان، عن مُسْلم بن سلام، عن علي بن
طَلق قال: قال رسول الله- عليه السلام-: " إذا فَسَى أحدُكُم في الصلاة فلينصرف فليتوضأ وليعِد صلاتَه " (2) .
ش- به استدل الشافعي ومالك/ وأحمد أن الرجل إذا سبقه الحدث في [2/57 - أ] الصلاة استقبل صلاته. وقال أصحابنا: انصرف فإن كان إمَامًا استخلف
وتوضأ وبنى، وقد تقدم الحديث بعينه في كتاب الطهارة، وذِكرُ
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (23/ 1 487) .
(2) الترمذي: كتاب الرضاع، باب: ما جاء في كراهية إتيان النساء في أدبارهن (1164) ، وتقدم برقم (192) .
19. شرح سنن أبي داوود 4(4/289)
الاحتجاج من الطرفين وقال ابن قطان في كتابه: هذا حديث لا يصح؛ فإن مسلم بن سلام الحنفي أبا عبد الملك مجهول الحال.
* * *
182- بَاب: في الرجل الذي يتطوَعُ فِي
مَكانِهِ الذِي صَلى فيه المكتوبة
أي: هذا باب في بيان حكم الرجل الذي يتطوع في مكانه الذي صلى
فيه الفرض.
977- ص- نا مسدد: نا حماد، وعبد الوارث، عن ليث، عن الحجاج ابن عُبيد، عن إبراهيم بن إسماعيل، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أيعجزُ أحدُكم". قال: عن عبد الوارث:" أن يَتقدم أو يتأخرَ أو عَن يمينه أو عن شماله"- زاد حماد (1) :" في الصلاةِ "- يعني: في السبْحة (2) .
ش- حماد: ابن زيد، وعبد الوارث: ابن سعيد.
والحجاج بن عُبيد: روى عن: إبراهيم بن إسماعيل. روى عنه: ليث بن أبي سليم، قال أبو حاتم: مجهول. روى له: أبو داود (3) . وإبراهيم بن إسماعيل: روى عن: أبي هريرة. روى عنه: الحجاج ابن عبيد. روى له: أبو داود، وابن ماجه (4) .
__________
(1) في سنن أبي داود: "زاد في حديث حماد"
(2) ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في صلاة النافلة حيث تصلى المكتوبة (1427) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (5/ْ 1122) .
(4) المصدر السابق (2/ 152) .(4/290)
قوله: (قال: عن عبد الوارث) أي قال مسدد: عن عَبد الوارث بن سعيد:" أيعجز أحدكم أن يتقدم " الحديث.
قوله: "زاد حماد" أي: قال مسدد: راد حماد في روايته: "في الصلاة" يعني في السبحة أي: التطوع. وبهذا الحديث استدل أصحابنا أن الرجل لا يتطوع في مكان الفرض، وإليه ذهب ابن عباس، وابن الزبير، وابن عمر، وأبو سعيد، وعطاء، وعامر الشعبي. وقال صاحب "المحيط": ولا يتطوعُ في مكان الفرض؛ لقوله- عليه السلام-: "اعجز أحدكم إذا فرغ من صلاته أن يتقدم أو يتأخر بسُبحته " ولأنه ربما يشتبه حاله على الداخل فيحسبُ أنه في الفرض فيقتدي به في الفرض وأنه لا يجوز. والحديث: أخرجه ابن ماجه؛ ولكنه معلول بإبراهيم بن إسماعيل.
978- ص- نا عبد الوهاب بن نَجدة: نا أشعثُ بن شعبة، عن المنهال ابن خليفة، عن الأزْرق بن قيس قال: صلى بنا إمام لنا يُكنَى أبا رِمْثَة فقال: صليتُ هذه الصلاة أو مثل هذه الصلاة مع النبي- عليه السلام- قال: وكان أبو بكر وعمر يَقومان في الصَف المقدم عن يمينه وكان رجل قد شهد التكبيرة الأولى من الصلاة فصلى النبي- عليه السلامُ- ثم سلم عن يمينه وعَن يساره حتى رأينا بياض خَديه ثم انفتل كانفتال أبي رمثة- يعني: نفسه- فقامَ الرجلُ الذي أدرك معه التكبيرة الأولى من الصلاة يشفعُ فَوثَب إليه عمرُ فأخذ بمنكبه فهَزة ثم قال: اجلس؛ فإنه لم يَهلك أهلُ الكتاب إلا أنه لم يكن بين صلواتهم فصل، فرفعَ النبي- عليه السلام- بصره فقال: " أصابَ الله بك يا ابنَ الخطاب " (1) (2) .
ش- أشعَثُ بن شُعبة: المِصيصي، عن أرطأة بن المنذر وغيره، وعنه:
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) جاء في سنن أبي داود بعد الحديث: "وقد قيل أبو أمية مكان أبي رِمثة".(4/291)
عبد الوهاب بن نجدة، قال أبو زرعة: لين، وقال الأزدي: ضعيف.
روى له: أبو داود (1) .
والمنهال بن خليفة: أبو قدامة العجلي، روى عن: الحجاج بن أرطأة،
وسِماك بن حَرْب، وعلي بن زيد بن جدعان، روى عنه: أبو معاوية الضرير، وأبو أحمد الزبيري، وعبيد بن هشام وغيرهم، قال ابن معين: ضعيف، وقال البخاري: فيه نظر. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (2) .
والأزرق بن قيس: الحارثي، روى عن: ابن عمر، وأنس بن مالك،
وعسعس بن سلامة وغيرهم، روى عنه: سليمان التيمي، والحمادان،
روى له: البخاري، وأبو داود، والنسائي (3) .
وأبو رِمْثة- بكسر الراء وسكون الميم، وبعدها ثاء مثلثة، وتاء تأنيث-
اسمُه: رفاعة بن يثربي، وقيل غير ذلك، التيمي تيم الرباب وقيل:
التميمي الكوفي. وفي "الكمال": ويقال: حبيب بن حيان، روى
عنه: إياد بن لقيط، روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي (4) .
قوله: "ثم انفتَل " أي: انصرف من الصلاة.
قوله: "يَعْني نفسَه " يعني: أرادَ بقوله كانفتال أبِي رِمْثة نفسَه، وكان
القياس أن يقول: كانفتالي.
قوله: " يَشفع " أي: يَضم إلى صلاته التي صلاها مع النبي- عليه [2/57 - ب] السلام- صلاةً أخرى/ من غير أن يفصل بينهما بمكانِ، فدل هذا أن الصلاة النافلة في المكان الذي صلى فيه الفرض يكره، فينبغي إذا فرغ من
المكتوبة [أن] يتأخر عن موضعه أو يتقدم لأجل صلاة النفل. وقال
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (3/ 525) .
(2) المصدر السابق (28/ 9 0 62) .
(3) المصدر السابق (2/ 2 30) .
(4) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (4/ 70) ، أسد الغابة (6/ 111) ، الإصابة (4/ 70) :(4/292)
أبو بكر بن أبي شيبة (1) : حدثنا ابن إدريس، عن حصين، عن عامر قال (2) : لا يتطوع حتى ينهض (3) خطوةَ أو خُطوتين. وقد رخص ذلك
بعضهم.
قال أبو بكر: حدثنا وكيع، عن سفيان، عن أبي بحر، عن شيخ قال: سئل ابن مسعود عن الرجل يصلي في مكانه الذي صلى فيه الفريضة؟ قال: لا بأس به.
حدثنا ابن علية، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر أنه كان يصلي سُبحته مكانه.
* * *
183- بَابُ: السهْوِ في السَجْدَتَيْن
أي: هذا باب في بيان حكم السهو في السَّجْدتين؛ والمراد من السجدتين: الركعتان، يطلق على كل ركعة سجدة بطريق إطلاق اسم الجزء على الكل، لأن السجدة بعْض الركعة. وفي بعض النسخ: "جماع أبواب السهو في الصلاة، باب في سَجْدتي السهو" والصحيح: هو الأول.
979- ص- نا محمد بن عُبَيد: نا حماد بن زيد، عن أيوب، عن محمد، عن أبي هريرة قال: صلي بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إحدى صلاتي العشي: الظهر أو العَصْر، قال فصلى بنا ركعتين ثم سلم ثم قام إلى خَشبة في مُقدم المَسْجد فوضع يدَه (4) عليها إحداهما على الأخْرى يُعرفُ فًي وَجهه الغضبُ ثم خرج سَرَعَانُ الناس وهم يَقولون: قصرت الصلاة قصرت الصلاةُ، وفي الناس أبو بكر، وعمر فهاباه أن يُكلماه، فقامَ رجلٌ كان رسولُ الله يُسميه ذا اليدين فقال: يا رسولَ اللهم أنَسِيتَ أم قُصِرَتِ الصلاةُ؟
__________
(1) المصنف (2/ 208) .
(2) في الأصل: "قالا".
(3) في الأصل "ينهد" وما أثبتناه من المصنف.
(4) في سنن أبي داود: "يديه عليهما ".(4/293)
قال: " لم أنْسَ ولم تَقْصُر الصلاة " قال: بل نسيتَ يا رسولَ الله، فأقبل رسولُ الله على القَوْم فقال: أصَدَقَ ذو اليَديْن فأَوْمئوا أي: نَعمْ، فرجَع رسولُ اللهَ إلى مَقامِه يصلي الركعتَيْن الباقيتَيْن ثم سلّم ثم كبر وسجَد مثل سجوده أو أطول ثم رفَع وكبَّر ثم كبَّر وسجدَ مثل سجُوده أو أطول ثم رفع وكبَّر. قال: فقيل لمحمد: سَلّم في السهْو؟ فقال: لم أحفَظْ (1) من أبي هُريرة؛ لكنْ نبئتُ أنٌّ عمران بن حُصين قال: ثم سلم (2) .
ش- محمد بن عبيد: الغُبْري البصري، وأيوب: السختياني، ومحمد: ابن سيرين.
هذا الحديث من معظم الأحاديث التي تكلمت فيها مُعظم العلماء من كل فنيّ، والكلام فيه من وجوه؛ الأول: فيما يتعلّق بنظمه من وجوه الكلام؛ فقوله: " الظهر أو العَصْر" شكّ من ابن سيرين؛ والدليل عليه: ما جاء في رواية البخاري: " صلى بنا رسول الله إحدى صلاتي العشيّ، قال ابن سيرين: سمّاها أبو هريرة؛ ولكن نسِيتُ أنا. قال: فصلى بنا ركعتين: ثم سلم فقام إلى خشبة مَعْروضة في المسجد، فاتكأ عليها كأنه غضبان، ووضع يده اليمنى على"اليُسْرى، وشبك بين أصابعه، الحديث. وفي رواية أيوب، عن محمد: كبر ظني أنها الظهر، وكذا ذكره البخاري في " الأدب"، وفي " الموطأ": "العَصْر" وأطلق على الظهر أو العَصْر صلاة العَشي؛ لأن العشِي يُطلق على ما بعد الزوال إلى
__________
(1) في سنن أبي داود: "أحفظه".
(2) البخاري: كتاب السهو، باب: إذا سلم في ركعتين أو ثلاث سجد سجدتين (1227) ، مسلم: كتاب المساجد، باب: السهو في الصلاة والسجود له (573) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في الرجل يسلم في الركعتين من الظهر والعصر (399) ، النسائي: كتاب السهو، باب: ما يفعل من سلم من سنتين أو ثلاثة ساهيا (27/3) ، ابن ماجه: كتاب أقامة الصلاة، باب: فيمن سلم من سنتين أو ثلاث ساهيا (1214) .(4/294)
المغرب، وقيل: العشي من زوال الشمس إلى الصباح، وفي "الصحاح ":
العَشي والعشِية: من صلاة المغرب إلى العتمة.
قلت: الذي قال الجوهري هو أصل الوضع، وفي الاستعمال يُطلقُ
على ما ذكرنا.
قوله: " مقدم المَسْجد " بتشديد الدال المفتوحة.
قوله: " إحداهما على الأخرى " قد فسره في تلك الرواية بقوله:
"وشبك بَيْن أصابعه ".
قوله: " ثم خرج سَرَعَانُ الناسِ "- بفتح السين والراء والعين المهملات-
أي: أخفاءهم والمستعجلون منهم وأوائلُهم، ويلزم الإعراب نونَه في كل
وجه، هذا الوجه هو الصواب الذي ماله الجمهور من أهل الحديث
واللغة، وهكذا ضبطه المتقنون، وقال ابن الأثير: السَّرعَان- بفتح السين
والراء- أوائل الناس الذين يتسارعون إلى الشيء ويقبلون عليه بسُرعة،
ويجوز تسكين لراء.
قلتُ: وكذا نقل القاضي عن بعضهم قال: وضبطه الأصيلي في
البخاري بضم السين وإسكان الراء، ووجهه؛ أنة جمع سريع كقَفيز
وقُفْزان وكَثيب وكُثبان، ومن قال: سِرعان- بكسر السين- فهو خطأَ،
وقيل: يُقَال- أيضا- سِرْعان بكسر السين وسكون الراء؛ وهو جمع
سريع، كرعيل ورِعْلان- وأما قولهم: "سرْعانَ/ ما فعلت" ففيه ثلاث [2/58 - أ] لغاتِ: الضم والكسر والفتح مع إسكان الراء، والنون مفتوحة أبداً.
قوله: " وهم يقولون " جملة اسمية وقعت خالا من "سرعان الناس".
قوله: " قُصرت الصلاةُ" بضم القاف وكسر الصاد، وروي بفتح القاف
وضم الصاد؛ وكلاهما صحيح؛ لكن الأول أشهر وأصح.
قوله: " فقام رجل كان رسول الله يُسَميه ذا اليمين " وفي رواية: "فقام
ذو اليدين" وفي رواية: "رجل من بني سليم، وفي رواية-: "رجل يُقالُ
له: الخِرباقُ وكان في يده طول" وفي رواية: "رجل بَسيط اليدين"،(4/295)
هذا كله رجل واحد اسمه: الخِرباق بن عَمرو- بكسر الخاء المعجمة، وبالباء الموحدة، وآخره قاف-، ولقبه: ذو اليدين؛ لطول كان في يده، وهو معنى قوله: " بَسيط اليدين". وفي " مصنف ابن أبي شيبة"، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى يوماً فسلّم من ركعتَيْن، فأدركه ذو الشمالين فقال: أنقصت الصلاة أم نسيت؟ الحديث.
وروى- أيضا- بإسناده إلى عكرمة: صلى النبي بالناس ثلاث ركعات ثم انصرف فقال له بعض القوم: حدث في الصلاة شيء، قال: " وماً ذاك؟ " قال: لم تصل إلا ثلاثاً، فقال: أكذاك يا ذا اليَدين؟ وكان يسمى- أيضا- ذا الشمالَيْن قال: نعم، الحديث.
وروى- أيضا-، عن عكرمة أن رسول الله صلى العَصْر ركعتين فسلم ودخل، فدخل عليه رجل من أصحابه يُقال له: ذو الشمالين فقال: أقصرت الصلاة؟ فخرج فقال:" ما يقول ذو اليدين؟ " فقالوا: يا رسول الله! نعم.
قوله: " أنَسيت" الألف فيه للاستفهام.
قوله: " لم أنس ولم تُقصَر الصلاة" وفي رواية مسلم: "كل ذلك لم يكن". وفي رواية أبي داود- أيضا-: "كل ذلك لم أفعل ". قال الشيخ محيي الدين (1) : فيه تأويلان، أحدهما: أن معناه لم يكن المجموع ولا يَنْفي وجود أحدهما، والثاني: وهو الصواب معناه: لم يكن لا ذاك ولا ذا في ظني، بل ظني أني كملتُ الصلاةَ أربعا؛ ويدل على صحة هذا التأويل، وأنه لا يجور غيره: أنه جاء في روايات للبخاري في هذا الحديث أن النبي- عليه السلام- قال: "لم تَقصُر ولم أنْسَ".
ويُقال:؛ لم أنسى، يرجعُ إلى السلام، أي: لم أسهُ فيه، إنما سلمتُ قصداً ولم أسهُ في نفس السلام، وأنما سهوتُ عن العدد. قال
__________
(1) شرح صحيح مسلم (69/5) .(4/296)
القرطبي: وهذا فاسد؛ لأنه حينئذ لا يكون جوابا عَما سُئلَ عنه. ويُقالُ: بين النسيان والسهْو فرق، فقيل: كان النبي- عليه السلام- يَسْهُو ولا يَنسى؛ ولذلك نفى عن نفسه النسيان؛ لأن فيه غفلة ولم يَغْفُل، قاله القاضي. وقال القشيري: يَبْعدُ الفرق بينهما في استعمال اللغة، وكأنه يتلوّح من اللفظ، على أن النسيان عدم الذكر لأمر لا يتعلق بالصلاة، والسهو: عدم الذكر لأمر يتعلّق بها، ويكون النسيان: الإعراض عن تفقد أمورها حتى يحصل عدم الذكر، والسهو: عدم الذكر لا لأجل الإعراض. وقال القرطبي: لا نسلم الفرق ولئن سُلم فقد أضافَ- عليه السلام- النسيان إلى نفسه في غير ما موضع بقوله: " إنما أنا بشرٌ أنسى كما تَنْسون، فإذا نَسيتُ فذكروني (1) ". وقال القاضي: إنما أنكر- عليه السلام- " نَسِيتَ " المُضافة إليه، وهو قد نهى عن هذا بقوله: " بئسما لأحدكم أن يقول: نسيتُ آيةَ كذا؛ ولكنه نُسِّي "، وقد قال- أيضا-:"لا أنسى "- على النفي" ولكن أُنَسَّى " وقد شك بعض الرواة في روايته فقال: " انْس أو أُنَسَّى" وأن "أو" للشك أو للتقسيم، وأن هذا يكون منه مرة من قبل شغله، ومرة يغلب ويخبر عليه، فلما سأله السائل بذلك أنكره، وقال: " كل ذلك لم يكن " وفي الأخرى: " لم أنس ولم تُقْصَرْ " أما القصر: فبين، وكذلك لم أنس حقيقة من قبل نفسي؛ ولكن الله أنساني. ويمكن أن يجاب عما قاله القاضي: إن النهي في الحديث عن إضافة " نسيتُ " إلى الآية الكريمة؛ لأنه يقبح للمؤمن أن يُضيف إلى نفسه نسيان كلاَم الله تعالى، ولا يلزم من هذا النهي الخاص" النهيُ عن إضافتهَ إلى كل شيء، فافهم. وذكر بعضهم أن العصمة ثابتة في الإخبار عن الله تعالى، وأما إخباره عن الأمور الوجودية فيجوز فيها/ النسيان. [2/58 - ب] قلت: تحقيق الكلام في هذا المقام أن قوله: " لم أنس ولم تُقْصر الصلاة" مثل قوله: "كل ذلك لم يكن "، والمعنى: كل من القصر
__________
(1) يأتي برقم (991) .(4/297)
والنسيان لم يكن، فيكون في معنى لا شيء منهما بكائن على شمول النفي وعمومه لوجهيـ[هما، ذلك] (1) أن السؤال عن أحد الأمرين بأم يكون لطلب التعين بعد ثبوت أحدهما عند المتكلم لا علي التعيين، فجوابه: إما بالتعيين أو بنفيهما جميعاً تخطئةً للمُسْتفهم، لا بنفي الجمع بَيْنهما حتى يكون نفي العموم؛ لأنه عارف بأن الكائن أحدهما، والثاني: لما قال- عليه السلام-: " كل ذلك لم يكن" قال له ذو اليدين: "قد كان بعض ذلك" ومعلوم أن الثبوت للبعض إنما يُنافي النفي عن كل فرد لا النفي عن المجموع، وقوله: "قد كان بعض ذلك " موجبة جزئية، ونقيضها: السالبة الكلية، ولولا أن ذا اليدين فهم السلب الكلي لما ذكر في مقابلته الإيجاب الجزئيَّ.
وها هنا قاعدة أخرى: أن لفظة" كل " إذا وقعت في حيز النفي كان النفيُ موجهاً خاصةً، وأفادَ بمفهومه ثبوتَ الفعل لبعض الأفراد؛ كقولك: " ما جاء كل القوم " " ولم آخذ كل الدراهم"، وقوله: " ما كلُّ ما يتمنى المرءُ يُدركُه"، وإن وقع النفي في حيزها اقتضى السلبَ عن كل فرد كقوله- عليه السلام-: "كل ذلك لم يكن ".
قوله: " فأوْمئوا أي نعم " وفي رواية البخاري: " فقال الناس: نعم " وكثر الأحاديث:" قالوا: نعم، ويمكن أن يجمع بينهما بأن بعضهم أومأ وبعضهم تكلم، ثم إذا كان كلاما لا إشارة كان إجابةً للرسول- عليه السلام-؛ وهي واجبة، قال الله تعالى: "اسْتَجيبُوا لله وللرسُول إِذَا دَعَاكُمْ " (2) وقال بعض المالكية: " يلزم أن تكونَ الإجابَة باَلقول وَبل يكفي فيها الإيماء، وعلى تقدير أن تجب بالقول لا يلزم منه الحكم بصحة الصلاة؛ لجواز أن تجب الإجابة ويلزمهم الاستئناف، أو يكون النبي - عليه السلام- تكلم معتقدا للتمام والصحابة تكلموا مجهزين النسخ. انتهى. ويُضيف هذا: قول ذي اليدين: " قد كان بعض ذلك "،
__________
(1) غير واضح في الإلحاق.
(2) سورة الأنفال: (24) .(4/298)
وقولهم: " نعم "، بعد قوله: "اصدق ذو اليدين؟ " فقد تكلموا بعد العلم بعدم النسخ.
فإن قيل: كيف تكلم ذو اليدين والقوم وهم بعدُ في الصلاة؟ قلنا:
قال الشيخ محيي الدين (1) : فجوابه من وجهين؛ الأول: أنهم لم يكونوا على اليقين من البقاء في الصلاة؛ لأنهم كانوا مجوزين لنسخ الصلاة من أربع إلى ركعتين؟ ولهذا قال: أقصرت الصلاة أم نسيت؟ والثاني: أن هذا كان خطابا للنبي- عليه السلام- وجوابا، وذلك لا يبطل عندنا ولا عند غيرنا؛ وفي رواية لأبي داود بإسناد صحيح أن الجماعة أومئوا أي: نعم؛ فعلى هذه الرواية لم يتكلموا.
قلت: وفي الجواب الأول نظر- كما ذكرنا الآن.
قوله: " فقيل لمحمد " أي: لمحمد بن سيرين.
قوله: " لكن نبئتُ " أي: أخبِرتُ أن عمران بن حُصَين [قال] : ثم سلّم. وحديث عَمران بن حصين: أخرجه البخاري، ومسلم، عنه أن رسول الله- عليه السلام- صلّى العصر فسلم في ثلاث ركعات، ثم دخل منزله، فقام إليه رجل يُقال له: الخِرباق- وكان في يديه طول- فقال: يا رسول اللهم فذكر له صنعه فقال: " أصدقَ هذا؟ " قالوا: نعم، فصلى ركعة ثم سلّم، ثم سجَد سجدتين ثم سلم.
الثاني في الفوائد التي تؤخذ من هذا الحديث: منها: أنه قد احتج به بعضهم على جواز الترجيح بكثرة العدد. قال القرطبي: لا حجة فيه؛ لأنه- عليه السلام- إنما استكشف لما وقع له من التوقف في خبره؛ حيث انفرد بالخبر عن ذلك الجمع الكثير وكلهم دواعيها متوفرة، وحاجتهم داعية إلى الاستكشاف عما وقع؛ فوقعت الريبَةُ في خبر المخبِر لهذا، وجوز أن يكون الغلط والسهو منه لا لأنها شهادة.
__________
(1) شرح صحيح مسلم (73/5) .(4/299)
ومنها: أن فيه إشكالاً على مذهب الشافعي؛ لأن عندهم: إنه لا
يجوز للمصلي الرجوع في قدر صلاته إلى قول غيره إماما كان أو مأموما،
ولا يعمل إلا على يقين نفسه. واعتذر الشيخ محيي الدين عن هذا: بأنه
- عليه السلام- سألهم ليتذكر، فلما ذكروه تذكر، فعلم السهو فبنى
عليه، لا أنه رجع إلى مجرد قولهم، ولو جار ترك يقين نفسه والرجوع
[2/59 - أ] إلى قول غيره، لرجع ذو اليدين/ حين قال النبي- عليه السلام-: "لم تُقْصَر ولم أنْس".
قلتُ: ليس هذا بجواب مُخلّصِ؛ لأنه لايح (1) من الرجوع سواء
كان رجوعه للتذكر الو لغيره، وعدم رجوع ذي اليدين كان لأجل كلام
الرسول لا لأجل يقين نفسه، فافهم. وقال ابن القصار: اختلفت الرواة
عن مالك في هذا؛ فمرةَ قال: يرجع إلى قولهم؛ وهو قول أبي حنيفة
لأنه قال: يَبْني على غالب ظنه، وقال مرةً أخرى: يعمل على يقينه ولا
يرجع إلى قولهم، كقول الشافعي.
ومنها: أن الذي عليه السهو إذا ذهب من مقامه ثم عاد وقضى ما عليه
هل تصح؟ فظاهر الحديث يدل على أنه تصح؛ لأنه قال: فرجع
رسول الله إلى مقامه فصلى الركعتين الباقيتَيْن. ولكن الفقهاء اختلفوا في
هذه المسألة؛ فعند الشافعية: فيها وجهان؛ أصحّهما: أنه تصح بهذا
الحديث؛ لأنه ثبت في مُسلم أنه- عليه السلام- مشى إلى الجذعْ وخرج السرعان، وفي رواية: دخل منزله، وفي رواية: دخَل الحُجرة ثم خرج
ورجع الناسُ، وبنى على صلاته، والوجه الثاني وهو المشهور عندهم-:
أن الصلاة تبطل بذلك. وقال الشيخ محيي الدين: وهذا مشكل،
وتأويل الحديث صعبٌ على مَن أبْطلها، ونقل عن مالك: أنه ما لم
ينتفض وضوؤه يجور له ذلك وإن طال الزمنُ، وكذا رُوي عن ربيعة
مُستدلينَ بهذا الحديث. ومذهب أبي حنيفة في هذه المسألة: إنه
__________
(1) كذا، ولعلها بمعنى " لا يخرج ".(4/300)
إذا سلم ساهياً على الركعتين وهو في مكانه لم يصرف وجهه عن القبلة، ولم يتكلم، يَعُود إلى قضاء ما عليه، ولو اقتدى به رجل يصح اقتداؤه،
أما إذا صرف وجهه عن القبلة: فإن كان في المسجد ولم يتكلم فكذلك؛ لأن المسجد كله في حكم مكان واحد؛ لأنه مكان الصلاة، وإن كان خرج من المسجد ثم تذكر لا يعودُ وتفسد صلاته، وأما إذا كان في الصحراء: فإن تذكر قبل أن يُجاوز الصفوف من خلفه أو من قبل اليمين أو اليسار، عاد إلى قضاء ما عليه وإلا فلا، وإن مَشى أمامه: لم يذكره في الكتاب، وقيل: إن مشى قدر الصفوف التي خلفه تفسد وإلا فلا؛ وهو مَرْوي عن أبي يوسف اعتبار لأحد الجانبين بالآخر. وقيل: إذا جاوز موضع سجوده
لا يعود؛ وهو الأصح، وهذا إذا لم يكن بين يديْه سُتْرة، فإن كان يعود
ما لم يجاوزها؛ لأن داخل السترة في حكم المسْجد، والله أعلم. والجواب عن الحديث: أنه منسوخ- كما استوفينا الكلام فيه في: " باب رد السلام في الصلاة ".
ومنها: فيه حجة لأصحابنا أن لسَجْدتي السهو بعد السلام؛ لقوله: "وصلى الركعتين الباقيتَيْن ثم سلم "، وقال الشافعي: قبل السلام.
ومنها: فيه دليلٌ على أن سجود السَهْو سَجْدتان.
ومنها: فيه دليل على أنه في آخر الصلاة.
ومنها: فيه دليل على أن سجود السهو يتداخل؛ وهو مذهب الجمهور، وقيل: يتعدّدُ بتعَدُّد السَهْو.
الثالث: أن هذا الحديث أخرجه الأئمة الستة، ورواه ابن حبان في "صحيحه" في النوع السابع عشر من القسم الخامس ولفظه: قال: صلى رسول الله الظهر أو العَصْر فسلم في الركعتين فقال ذو الشمالين بن عبد عمرو حَليف لبني زهرة: أخُففت الصلاة أم نسيتَ يا رسول الله؟ فقال- عليه السلام-: " ما يقول ذو اليدين؟ " قالوا: يا نبي الله صدق، قال: فأتم بهم الركعتين اللتين نقصهما ثم سلم.(4/301)
ورواه مالك في، الموطأ" (1) : مالك (2) ، عن ابن شهاب الزهري (3) ، عن أبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة (4) قال: بلغني أن رسول الله ركع ركعتين من إحدى صلاتي النهار الظهر أو العصر فسلّم من اثنتين فقال له ذو الشمالين رجل من بني زهرة بن كلاب: أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله؟ فقال رسول الله: "ما قصرت الصلاة وما نسيتُ " فقال له ذو الشمالين: قد كان بعض ذلك يا رسول الله، فأقبل رسول الله على الناس فقال: "أصدق ذو اليدين؟ " قالوا: نعم، وأتم رسول الله ما بقي من الصلاة ثم سلم. انتهى.
وقال ابن عبد البر في "التقصِي ": هذا مُرسل، إلا أنه يَتصلُ من
وجوه صحاح.
فإن قيل: ما تقول فيما رواه ابن عدي في " الكامل" (5) : أخبرنا
أبو يعلى: حدثنا ابن معين: حدثنا سعيد بن أبي مريم: حدثنا ليث وابن
[2/59 - ب] وهب،/ عن عبد الله العمري، عن نافع، عن ابن عمر أن رسول الله - عليه السلام- لم يَسْجد يوم ذي اليدين سجدتي السهْو، قال أبو عمر: وكان ابن شهاب يقول: إذا عرف الرجل ما نسي من صلاته فأتمها ليس عليه سجدتا السهو لهذا الحديث.
قلنا: قال مسلم في "التمييز": قول ابن شهاب: إنه لم يسجد يوم
ذي اليدين خطأ وغلط؛ وقد ثبت أنه سجد سجدتي السهو في روايات الثقات.
الرابع: فيما تكلم فيه العلماء، وأجاب أصحابنا عما قالوه، وقد ذكرناه كما ينبغي فلا حاجة إلى إعادته.
__________
(1) كتاب الصلاة، باب ما يفعل من سلم من ركعتين ساهيا (64) .
(2) كذا.
(3) في الأصل: "عن ابن شهاب عن الزهري" خطأ.
(4) في الأصل: " خيثمة " خطأ.
(5) (235/5) ترجمة عبد الله بن عمر.(4/302)
980- ص- نا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن أيوب، عن محمد بإسناده، وحديث حماد أتم قال: ثم صلى رسولُ الله لم يَقُل بِنا ولم يَقُل: "فأومئوا "، قال: فقال الناس: نعم، قال: ثم رفع ولم يَقُل: " وكبر " ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع، وتم حديثُه لم يذكر ما بعده، ولم يذكر " فأوْمئوا " إلا حماد بن زَيْد (1) (2) .
ش- حديث حماد بن زيد، عن أيوب، عن محمد، عن أبي هريرة أتم من حديث مالك بن أنس، عن أيوب، عن محمد، عن أبي هريرة قال: ثم صلى رسول الله ركعتين، ولم يَقُل: صلى بنا رسول الله ركعتين - كما هو في رواية حمّاد-، وكذا لم يَقُل مالك في روايته: "فأوْمئوا " كما قال حماد: " فأومئوا أي نعم " وكذا في رواية حماد " ثم رفع وكبر، ثم كبر وسجد " ولم يَقُل مالك إلا " ثم رفع ثم كبر وسجَد ".
قوله: " ولم يذكر " فأومئوا " إلا حمادُ بن زيد " يعني: غيره لم يذكر
إلا القول باللسان كما ذكر مالك في روايته " فقال الناسُ: نعم " وفي رواية أخرى: "قالوا: صَدق " وفي رواية: " قالوا: يا نبي الله، صدق " ولذا قال الدارقطني في " العلل ": وفي رواية حماد بن زيد وحده، عن أيوب:" فأومئوا أي نعم".
981- ص- نا مُسدّد: نا بشر- يعني: ابن المفضل-: نا سلمة- يعني: ابن علقمة-، عن محمد، عن أبي هريرة قال: صلى بنا رسولُ الله، بمَعْنى حماد كُله إلى آخر قوله: نُبئتُ أن عمران بن حُصين قال: ثم سَلّم، قال: قلتُ: فالتَشهدُ؟ قال: لم أَسمَعْ في التشهد، وأحب إليّ أن يَتشهدَ، ولم يذكر " كان يُسمّيه ذا اليدين" ولا ذكر " فأوْمئُوا " ولا ذكر الغضبَ (3) .
__________
(1) جاء في سنن أبي داود بعد هذا الحديث: " قال أبو داود: وكل من روى هذا الحديث لم يقل "فكبر، ولا ذكر "رجع ".
(2) انظر: التخريج المتقدم.
(3) انظر: تخريج الحديث قبل السابق.(4/303)
ش- سلمة: ابن علقمة أبو بشر التميمي البصري، من ولد عامر بن عُبيد بن الحارث بن عمرو بن كعب بن سَعد بن زيد مناة بن تميم، سمع: نافعا مولى ابن عمر، ومحمد بن سيرين، روى عنه: الجمادان، وبشر ابن المفضل، وابن علية وغيرهم، قال أحمد حين سئل عنه: بخ ثقة، وقال ابن معين: ثبت، وقال أبو حاتم: صالح الحديث ثقة. روى له: الجماعة إلا الترمذي (1) .
قوله: " بمعنى حماد" أي: بمعنى حديث حماد بن زيد المذكور أولا؛ ولكن زاد فيه السؤال عن التشهد، ونقص ذكر ثلاثة أشياء: تَسمية ذي اليدين، وذكر " فأومئوا" وذكر " يُعرفُ في وجهه الغَضبُ".
ص- وحديثُ أيوبَ أتم (2) .
ش- أي: من حديث سلمة بن علقمة، وفي بعض النسخ: "وحديث حماد أتم " أي: حديث حماد بن زيد، عن أيوب، عن محمد أتم من حديث سلمة بن علقمة، عن محمد.
982- ص- نا علي بن نصر: نا سليمان بن حرْب: نا حماد بن زيد، عن أيوب، وهشام، ويحي بن عتيق، وابن عون، عن محمد، عن أبي هريرة، عن النبي- عليه السلام- في قصة ذي اليدين أنه كبّر وسجد، وقال هشام- يعني: ابن حَسان-: كبر ثم كبر وسجَد (3) .
ش- هشام: ابن حسان البصري.
ويحيى بن عتيق: البصري، سمع: الحسن البصري، ومحمد بن سيرين، روى عنه: ابن علية، وحماد بن زيد، وهمام بن يحيى، قال
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (11/ 2461) .
(2) في سنن أبي داود: "وحديث حماد عن أيوب أتم "، وذكر المصنف أنها نسخة.
(3) انظر الحديث السابق.(4/304)
أحمد وأبو حاتم وابن سعد: هو ثقة. روى له: البخاري، ومسلم،
وأبو داود، والنسائي (1) .
وابن عون: عبد الله بن عون البصري.
والحاصل: أن أيّوب ويحيى وابن عون- كلهم- رووا عن محمد بن
سيرين في حديث ذي اليدين أنه كبّر وسجد، وأن هشام بن حسان روى
عنه "كبّر ثم كبر وسجَد" والمعنى: أنه رفع رأسه وكبّر ثم كبر وسجَد.
ص- قال أبو داود: روى هذا الحديث- أيضا- عن محمد (2) : حبيب
ابن الشهيد، وحُميدٌ، ويونس، وعاصم الأحول/ عن محمد، عن [2/60- أ] أبي هريرة، لم يذكر أحدٌ منهم ما ذكر حماد بن زيد، عن هشام أنه كبر ثم
كبّر (3) . وروى حمادُ بن سلمي، وأبو بكر بن العياش هذا الحديث عن
هشام؛ لم يذكرا عنه هذا الذي ذكر حماد بن زيد أنه كبر ثم كبّر.
ش- أي: روى الحديث المذكور- أيضا- حبيب بن شهيد البصري،
عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، وكذا رواه حُميد الطويلُ،
ويونس بن عُبَيد البصري، وعاصم الأحولُ؛ ولكن لم يذكر أحد من
هؤلاء ما ذكر حماد بن زَيْد، عن هشام بن حسان من قوله: "إنه كبر ثم
كبّر وسجَد " وكذلك روى حماد بن سلمة، وأبو بكر بن العياش هذا
الحديث عن هشام بن حسان، لم يذكر واحد منهما هذا الذي ذكر حماد
ابن زيد أنه كبر ثم كبر وسجَد.
وأبو بكر بن العياش: ابن سالم الأسدي الحناط- بالحاء المهملة
والنون- مولى واصل بن حيان، وجدته: مولاة لسمرة بن جندب الصحابي، قيل: اسمه: محمد، وقيل: عبد الله، وقيل: سالم،
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (31/6881) .
(2) قوله: " عن محمد " غير موجود في سنن أبي داود.
(3) في سنن أبي داود: "ثم كبر، ثم سجد ".
20. شرح سنن أبي داود 4(4/305)
وقيل: شعبة، وقيل: رؤبة، وقيل: مُسلم، وقيل: خداش، وقيل: مُطرف، وقيل: حماد، وقيل: حبيب، وقيل: اسمه كنيته، سمع: أبا إسحاق السبيعي، والأعمش، وأبا إسحاق الشيباني ونجيرهم، روى عنه: الثوري، وابن المبارك، وأبو داود الطيالسي وغيرهم، وقال ابن معين: ثقة. مات سنة ثلاث وتسعين ومائة. روى له الجماعة (1) .
3 ما- ص- نا محمد بن يحيى بن فارس: نا محمد بن كثير، عن الأوزاعي، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، وأبي سلمة، وعُبيد الله بن عَبْد الله، عن أبي هريرة بهذه القصة قال: ولم يَسْجد سجدتي السهو حتى يقنه الله ذلك (2) .
ش- وفي بعض النسخ: لا حتى لَقنه الله ذلك" وفي بعضها: "حين يَقنَهُ الله ذلك " 000 (3) .
4 ما- ص- ثنا حجاج بن أبي يعقوب: نا يعقوب- يعني: ابن إبراهيمِ-: نا أبي، عن صالح، عن ابن شهاب أن أبا بكر بن سليمان بن أبي حثْمة أخبره أنه بلَغه أَن رسولَ الله بهذا الخبر، قال: ولم يَسْجد السجدتين اللتين تُسْجدان إذا شك حينَ لقاه الناسُ (4) .
ش- حجاج بن أبي يعقوب: روى عن: حجين بن المثنى، ويَعْقوب ابن إبراهيم بن سَعْد، روى عنه: أبو داود، والترمذي. وإبراهيم: ابن سَعْد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف المدني، وصالح: ابن كَيْسان. وأبو بكر بن سُلَيْمان بن أبي حَثْمة، واسم أبي حكمة: عبد الله بن حذيفة، وقيل: عدي بن كعب بن حذيفة بن غانم بن عبد الله بن عَوِيج ابن عدي بن كعب القرشي العدوي، روى عن: سعيد بن زيد بن
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (33/ 2 5 72) .
(2) تفرد به أبو داود.
(3) بياض في الأصل قدر سطرين.
(4) النسائي: كتاب السهو، باب: ذكر الاختلاف على أبي هريرة في السجدتين.(4/306)
عمرو، وسمع: عبد الله بن عمر، وأبا هريرة، روى عنه: الزهري، وإسماعيل بن محمد بن سَعْد، وصالح بن كيْسان. روى له: الجماعة إلا ابن ماجه (1) . وحثمة: بفتح الحاء المهملة وسكون الثاء المثلثة. قوله: " بهذا الخبر " أي: الخبر المذكور.
قوله: " قال " أي: قال أبو بكر بن سليمان.
قوله: " حين لقاه الناسُ" بتشديد القاف. . . (2) والحديث مُرسل. وأخرجه النسائَي.
ص- قال ابن شهاب: وأخبرني هذا الخبر سعيدُ بن المُسيب، عن أبي هريرة. قال: وأخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن، وأبو بكر بن الحارث ابن هشام، وعُبيد الله بن عبد الله (3) .
ش- أي: قال الزهري: وأخبرني هذا الخبر المذكور: سعيد بن المسيب، وأبو بكر: هو ابن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام؛ وقد ذكر مرةً. وعُبَيْد الله بن عبد الله الأول مُصَغر والثاني مكبّرة وهو عبيد الله ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهُذلي.
ص- قال أبو داود: رواه الزبيدي، عن الزهري، عن أبي بكر بن سليمان بن أبي حَثمة، عن النبي- عليه السلام- قال فيه: ولم يَسْجد سَجْدتي السهو.
ش- أي: رواه محمد بن الوليد الزبيدي؛ وهذا- أيضا- مُرسل.
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (33/ 7234) .
(2) بياض في الأصل قدر سطر ونصف.
(3) جاء في سنن أبي داود عقب هذا النص: " قال أبو داود: رواه يحيى بن أبي كثير وعمران بن أبي أنس، عن أبي سلمه بن عبد الرحمن [والعلاء بن
عبد الرحمن، عن أبيه- جميعا-] عن أبي هريرة بهذه القصة، ولم يذكر
أنه سجد السجدتين اهـ. وقد ذكره المصنف عقب الحديث الآتي بدون ما بين المعقوفتين.(4/307)
985- ص- نا ابن معاذ: نا أبي: نا شعبة، عن سعد سمع أبا سلمةَ بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، عن النبي- عليه السلام- أنه صلّى الظهر- يعني: النبي- عليه السلام- فسلّم في الركعتين/ فقيل له: نقصت الصلاةَ، فَصلّى ركعتَيْن ثم سجَد سَجْدتين (1) .
ش- سَعْد: هو ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عَوْف.
فيه دليل على وجوب سجدتي السَّهْو، وأن السلام سهوا لا يخرجه عن الصلاة. والحديث: أخرجه البخاري، والنسائي، وقال النسائي: لا أعلم أحدا ذكر في هذا الحديث لا ثم سجَد سَجدتين " غيرُ سَعْد. ص- قال أبو داود: رواه يحيي بن أبي كثير، وعمران بن أبي أنس، عن أبي سلمه بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة هذه القصة؛ لم يذكر أنه سجد السجدتَيْن.
ش- أي: روى هذا الحديث: يحيى بن أبي كثير، وعمران بن أبي أنس المِصْري العامري.
ص- قال (2) أبو داود: ورواه داود بن الحُسين، عن أبي سفيان مولى أبي أحمد، عن أبي هريرة، عن النبي- عليه السلام- بهذه القصة قال: ثم سجد سجدتين وهو جالس بعد التسليم.
ش- داود بن الحُسن: المدني أبو سليمان الأموي مولى عمرو بن عثمان بن عفان، روى عن: عبد الرحمن الأعرج، وعكرمة مولى ابن عباس، وأبي سفيان مولى أبي أحمد، روى عنه: مالك بن أنس، ومحمد بن إسحاق، وإسماعيل بن إبراهيم بن أبي حبيبة (3) وغيرهم،
__________
(1) البخاري: كتاب الأذان، باب: هل يأخذ الإمام إذا شك بقول الناس؟ (715) ، النسائي: كتاب السهو، باب: ما يفعل من سلم من ركعتين ناسيا وتكلم (20/3) .
(2) هذا النص ذكر في سنن أبي داود عقب الحديث بعد التالي.
(3) كذا، وفي تهذيب الكمال "إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة " وقال محققه: جاء في حواشي النسخ من قول المؤلف وهو يتعقب صاحب " الكمال": "كان فيه إسماعيل بن إبراهيم بن أبي حبيبة، وهو وهم".(4/308)
قال ابن المديني: ما روى داود عن عكرمة منكر، وقال ابن عيينة: كنا نتقي حديث داود بن الحصين، وقال ابن معين: ثقة، وقال أبو حاتم: ليس بالقوي، ولولا أن مالكا روى حديثه لترك حديثه. مات سنة خمس وثلاثين ومائة وهو ابن ست وسبعين سنةً. روى له الجماعة (1) .
وأبو سفيان: اسمُه: قُزْمان، وقيل: وهب، وقيل: عطاء، ويقال فيه: مولى أبي أحمد، ومولى ابن أبي أحمد، واحتج البخاري ومسلم بحديثه. وقال في "الكمال": مولى عبد الله بن أبي أحمد بن جحش الأسدي، وقال ابن سَعْد: هو مولى لبني عبد الأشهل، وكان له انقطاع إلى أبي أحمد بن جحش فنُسب إلى ولائه، روى عن: أبي سعيد الخدري، روى عنه: داود بن الحصين، كان يَؤم بني عبد الأشهل وفيهم ناس من أصحاب النبي- عليه السلام-، منهم: محمد بن مسلمة، وسلمة بن سلامة بن وقش، ويُصلي بهم وهو مكاتب. قال ابن سَعْد: وكان ثقة قليل الحديث. روى له: البخاري، ومسلم، وابن ماجه (2) . ثم هذا الحديث الذي علقه أبو داود أخرجه مسلم، والنسائي، عن قتيبة بن سعيد، عن مالك بن أنس، عن داود بن الحصين.
986- ص- نا (3) هارون بن عبد الله: نا هاشم بن القاسم: نا عكرمة ابن عمار، عن ضمام بن جَوْس الهِفّاني قال: حدثني أبو هريرة بهذا الخبر، قال: ثم سجد سجدتي السهوً بَعْدما سلم (4) .
ش- ضمضم: بضادين معجمتين، وجوه: بفتح الجيم وسكون الواو وبالسين لمهملة، قد ذكرناه، والهِفَّاني: نسبة إلى هدفان- بكسر الهاء، وتشديد الفاء، وبعد الألف نون- وهو في حنيفة. والحديث: أخرجه النسائيّ.
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (8/1753) .
(2) المصدر السابق (33/ 3 0 74) .
(3) جاء هذا الحديث في سنن أبي داود عقب الحديث الآتي.
(4) النسائي: كتاب السهو، باب: السلام بعد سجدتي السهو (3/ 66) .(4/309)
987- ص- نا إسماعيل بن أسَد: نا شبابة: نا ابن أبي ذئب، عن سعيد ابن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة أن النبي- عليه السلام- انصرف من الركعتين من صلاة مكتوبة فقال له رجل: أقصرت الصلاةُ يا رسول الله أو (1) نسيتَ؟ قال: "كل ذلك لمَ أفعل" فقالَ الناسُ: قد فعلتَ ذلك يا رسول الله، فركَع ركعتَيْن أخرايَيْن (2) ثم انصرف ولم يَسْجد سَجْدتي السهْو (3) . ش- إسماعيل بن أسَد: هو ابن أبي الحارث بن شاهين البغدادي أبو إسحاق، روى عن: شبابة بن سوار، والحسن بن موسى الأشيب، وكثير بن هشام وغيرهم، روى عنه: أبو داود، وابن ماجه، وأبو بكر ابن أبي الدنيا وغيرهم. قال الدارقطني: بغدادي ثقة صدوق، ورع فاضل. مات يوم الجمعة في جمادى الأولى سنة ثمان وخمسين ومائتين (4) .
وابن أبي ذئب: محمد بن عبد الرحمن.
قوله: " كل ذلك لم أفْعل " بنَصْب " كلَّ " على إضمار عامله بشرط التفسير، تقديره: لم أفعل كل ذلك، ويجوز رفعُه على الابتداء، وخبره: " لم أفعل " أي: كل واحد من الأمْرين لم أفْعَلْهُ.
قوله: " ولم يسجد سجدتي السهو" وهذا- كما ترى- اختلفت الرُّواة في سجدة النبي- عليه السلام- للسهْو. وهذا الحديث يدل على أن الكلام حينئذ كان مُباحا، حيث لم يسجد- عليه السلام- سجدتي السهو ثم نسخ؛ وقد قررنا الكلام فيه مرة.
[2/61 - أ] 988 - ص - نا أحمد بن محمد بن ثابت:/ نا أبو أسامة ح ونا محمد ابن العلاء: أنا أبو أسامة قال: أخبرني عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر
__________
(1) في سنن أبي داود: "أم ".
(2) كذا، وفي سنن أبي داود: " أخريين ".
(3) تفرد به أبو داود.
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (3/ 425) .(4/310)
قال: صلى رسول الله- عليه السلام- فسلم في ركعتين، فذكر نحو حديث ابن سيرين، عن أبي هريرة قال: ثم سلم ثم سجد سَجْدتي السهو (1) . ش- أحمد المذكور هو ابن شَبّويَه، وأبو أسامة: حماد بن أسامة، وعبيد الله: ابن عُمر العُمري. وهذا الحديث فيه إثبات سجدتي السهو، وأخرجه ابن ماجه- أيضا.
989- ص- نا مسدد: نا مسلمة بن مُحمد أح وحدثنا مسدد: حدثنا يزيد بن زريع، (2) قالا: نا خالد الحذاء: نا أبو قلابة، عن أبي المُهلب، عن عمران بن الحُصَيْن قال: سلم رسولُ الله- عليه السلام- في ثلاث ركعات من العصر ثم دخل- قال عن مسلمة- الحُجَر، فقام إليه رجل يُقال له الخرْباقُ- وكان طويل اليدَيْن- فقال: أَقصرت الصلاةُ يا رسول الله؟ فخرج مُغضباً يَجر رداءه فقال: " أصدَق؟ " قالوا: نعم، فصلى تلك الركعة ثم سلم ثم سجد سجدتيها ثم سلم (3) .
ش- مسلمة بن محمد: الثقفي، فيه مقال، وقد ذكرناه، وأبو قلابة: عبد الله بن زيد الجرمي، وأبو المهلب: اسمُه: عبد الرحمن بن عمرو، وقيل: معاوية بن عمرو، وقيل: عمرو بن معاوية، ذكر هذه الأقوال الثلاثة في اسمه البخاري في " تاريخه " وقيل: اسمه: النضر بن عمرو الجرمي الأزدي البصري التابعي الكبير، روى عن: عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وأبي بن كعب، وعمران بن حصين، وهو عم أبي قلابة الراوي عنه هنا.
__________
(1) ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: فيمن سلم من اثنتين أو ثلاث ساهياً (1213) .
(2) ساقط من الأصل، وأثبتناه من سنن أبي داود.
(3) مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: السهو في الصلاة والسجود له (102/ 574) ، النسائي: كتاب السهو، باب: ذكر الاختلاف على أبي هريرة في السجدتين (3/ 26) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: فيمن سلم من اثنتين أو ثلاث ساهيا (1215) .(4/311)
قوله: " الحُجر" مفعول قوله: "ثم دخل ".
وقوله: " قال عن مسلمة " مُعترض بينهما.
قوله: "فخرج مغضبا يَجر رداءه " يعني: لكثرة استعجاله لبناء الصلاة خرج يجر رداءه، ولم يتمهل ليلبسَه.
قوله: " ثم سجد سجدتيها " أي: سجدتي الصلاة. وفي بعض النسخ: "ثم سجد سجدتَيْن ". والحديث: أخرجه مسلم، والنسائي، وابن ماجه.
* * *
184- بَاب: إذا صَلى خمساً
أي: هذا باب في بيان ما إذا صلى المصلي خمس ركعات وزاد ركعةً سهواً. ولما بين حكم الذي نقص شرع في بيان حكم الذي يزيد.
990- ص- نا حفص بن عمر، ومسلم بن إبراهيم المعنى، قال حفص:
نا شعبة، عن الحكم، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله قال: صلي رسولُ الله- عليه السلام- الظهر خَمساً، فقيل له: أزِيدَ في الصّلاة؟ قال: " وما ذاك؟ " قال: صلَيتَ خمساَ، فَسَجَدَ سَجْدتين بَعْدَ مَا سلم " (1) . ش- عبد الله: ابن مسعود.
وهذا الحديث حجة لأبي حنيفْة وأصحابه أن سجدتي السهو بعد السلام
وأن كانت للزيادة.
__________
(1) البخاري: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في القبلة (404) ، مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: السهو في الصلاة والسجود له 891 (572) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في سجدتي السهو بعد السلام والكلام (392) ، النسائي: كتاب السهو، باب: ما يفعل من صلى خمساً (3/ 31) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: من صلى الظهر خمساً وهو ساه (1205) .(4/312)
وقال الشيخ محيي الدين (1) : قال الإمام أبو عبد الله المازري: أحاديث الباب خمسة؛ حديث أبي هريرة فيمن شك فلم يدر كم صلي وفيه " أنه يَسْجد سجدتين "، ولم يذكر موضعهما، وحديث أبي سعيد فيمن شك وفيه " أنه يسجد سجدتين قبل أن يُسلم"، وحديث ابن مسعود وفيه القيام إلى خامسة، وأنه يسجد بعد السلام، وحديث ذي اليدين وفيه
السلام من اثنتين والمشي والكلام، وأنه سجد بعد السلام، وحديث ابن بُحَينة وفيه القيام عن اثنتين والسجود قبل السلام. واختلف العلماء في كيفية الأخذ بهذه الأحاديث فقال داود: لا يُقاس عليها؛ بل تستعمل في مَواضعها على ما جاءت به، وقال أحمد كقول داود في هذه الصلوات خاصة وخالفه في غيرها، وقال: يسجد فيما سواها قبل السلام لكل
سهو، وأما الذين قالوا بالقياس فاختلفوا فقال بعضهم: هو مخير في كل سهو: إن شاء سجد بعد السلام، وإن شاء قبله في الزيادة والنقص. وقال أبو حنيفة: الأصل هو السجود بعد السلام، وتأول باقي الأحاديث عليه. وقال مالك: إن كان السهو زيادة سجد بعد السلام، وان كان نقصا فقبله. فأما الشافعي فيقول في حديث أبي سعيد: فإن كانت خامسةً شفعها، ونص على السجود قبل السلام مع تجهيز الزيادة، والمجوز كالموجود، ويتأولُ حديث ابن مسعود في القيام إلى خامسة، والسجود بعد السلام على أنه- عليه السلام- ما علم السهو إلا بعد السلام، وهو علمه قبله لسجد قبله، ويتأول حديث ذي اليدين على ابنها صلاة جرى فيها سهو فينهى/ عن السجود قبل السلام فتداركه بعده. وقال الشيخ [2/61 - ب] محيي الدين: أقوى المذاهب هنا: مذهب مالك، ثم مذهب الشافعي، وللشافعي قول كمذهب مالك وقول بالتخيير، وعلى القول بمذهب مالك لو اجتمع في صلاته سهوان: سهو بزيادة وسهو بنقص سجد قبل السلام. قال القاضي: لا خلاف بين هؤلاء المختلفين وغيرهم من العلماء، أنه لو
__________
(1) شرح صحيح مسلم (56/5-57) .(4/313)
سجد قبل السلام أو بعده للزيادة أو للنقص أنه يجزئه ولا يفسد صلاته؛ وإنما اختلافهم في الأفضل.
وقال الحازمي في كتابة "الناسخ والمنسوخ": اختلف الناس في هذه المسألة على أربعة أقوال، فطائفة رأوا السجود بعد السلام عملا بحديث ذي اليدين، وهو مذهب أبو حنيفة، وقال به بعض الصحابة: على بن أبي طالب، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن مسعود، وعمار بن ياسر، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير، ومن التابعين: الحسن وإبراهيم النخعي، وعبد الرحمن بن أبي ليلي، والثوري، والحسن بن طالح وأهل الكوفة. وذهبت طائفة إلي أن السجود قبل السلام أخذا بحديث ابن بحينة، وزعموا أن حديث ذي اليدين منسوخ، وحديث ابن بحينة رواه البخاري ومسلم، وأخذا بحديث الخدري رواه مسلم، وبحديث معاوية. المذهب الثالث: أن السهو إذا كان في الزيادة كان السجود بعد السلام أخذا بحديث ابن مسعود، وإذا كان في النقصان كان قبل السلام أخذا بحديث بحينة. والمذهب الرابع مثل قول داود؛ وقد ذكرناه.
قلت: مذهب أبي حنيفة أقوي المذاهب كلها؛ لأن قوله - عليه السلام -: "فإذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب، فليتم عليه، ثم ليسلم ثم ليسجد سجدتين" - رواه البيهقي وعزاه إلي البخاري (1) - عام يشمل الزيادة والنقصان؛ والعبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب على ما هو المشهور عند أهل الأصول، وإن كان الشافعي خالف في ذلك فهو خلاف ضعيف. وحديث عبد الله رواه البخاري، ومسلم، الترمذي، والنسائي وابن ماجه، وابن ماجه.
991 - ص - نا عثمان بن أبي شيبة: نا جرير، عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة قال: قال عبد الله: صلي رسول الله - عليه السلام - قال إبراهيم:
__________
(1) انظر الحديث الآتي(4/314)
فلا أدري زاد أم نقص - فلما سلم قيل له: يا رسول الله! أحدث في الصلاة شيء؟ قال: "وما ذاك؟ " قالوا صليت كذا وكذا، قال: فثني رجليه واستقبل القبلة فسجد بهم سجدتين ثم سلم فلما انفتل أقبل علينا بوجهه فقال: "إنه لو حدث في الصلاة شيء أنبأتكم به؛ ولكن إنما أنا بشر أنسي كما تنسون فإذا نسيت فذكروني، وإذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب فليتم عليه ثم ليسلم ثم ليسجد سجدتين". (1)
ش - جرير: ابن عبد الحميد، ومنصور ابن المعتمر، وإبراهيم النخعي، وعلقمة بن قيس.
قوله: "أحدث" الهمزة فيه للاستفهام، و"حدث" بفتح الدال.
قوله: "فثني" بتخفيف النون أي: عطف.
قوله: " فسجد بهم سجدتين ثم سلم" فيه دليل لأصحابنا في أن سجدة السهو بعد السلام.
قوله: "لو حدث في الصلاة شيء أنبأتكم به" أي: أخبرتكم به، فيه دليل أن البيان لا يؤخر عن وقت الحاجة.
قوله: "أنا بشر أنسي" (2) فيه دليل على جواز النسيان عليه - عليه السلام - في أحكام الشرع، وهو مذهب جمهور العلماء؛ وهو ظاهر القرآن والأحاديث، واتفقوا على أنه - عليه السلام - لا يقر عليه؛ بل يعلمه الله تعالي به. ثم قال الأكثرون: شرطه: تنبيهه - عليه السلام - على الفور متصلا بالحادثة، ولا يقع فيه تأخير، وجوزت طائفة تأخيره
__________
(1) البخاري: كتاب الصلاة، باب: التوجه نحو القبلة حيث كان (401) ، مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: السهو في الصلاة والسجود له (89/572) ، النسائي: كتاب السهو، باب: التحري (3/28) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء فيمن شك في صلاته فتحري الصواب (1211) .
(2) انظر: شرح صحيح مسلم (2/ 61 - 62) .(4/315)
مدة حياته - عليه السلام، واختاره إمام الحرمين، ومنعت طائفة من العلماء السهو عليه في الأفعال البلاغية والعبادات، كما أجمعوا على منعه واستحالته عليه (1) - عليه السلام - في الأقوال البلاغية، وأجابوا عن الظواهر الواردة في ذلك بأن السهو لا يناقض النبوة، وإذا لم يقر عليه لم تحصل منه مفسدة؛ بل يحصل فيه فائدة، وهو بيان أحكام الناسي وتقرير [2/62 - أ] الأحكام، وإليه مال أبو إسحاق الإسفرائيني/ الصحيح: الأول. وقال القاضي: واختلفوا في جواز السهو عليه - عليه السلام - في الأمور التي لا تتعلق بالبلاغ، وبيان أحكام الشرع من أفعاله وعاداته، وأذكار قلبه، فجوزه الجمهور. وأما السهو في الأقوال البلاغية: فأجمعوا على منعه كما أجمعوا على امتناع تعمده، وأما السهو في الأقوال الدنياوية وفيما ليس سبيله البلاغ من الكلام، الذي لا يتعلق بالأحكام ولا أخبار القيامة وما يتعلق بها ولا يضاف إلي وحي، فجوزه قوم؛ إذ لا مفسده فيه. قال القاضي: والحق الذي لا شك فيه ترجيح قول من منع ذلك على الأنبياء في كل خبر من الأخبار، كما لا يجوز عليهم خلف في خبر لا عمدا ولا سهوا، لا في صحة ولا في مرض، ولا رضا ولا غضب. وأما جواز السهو في الاعتقادات في أمور الدنيا فغير ممتنع. (2)
قوله: " فإذا نسيت فذكروني" فيه أمر التابع بتذكير المتبوع لما ينساه.
قوله: "فليتحر الصواب" (3) وفى رواية: " فلينظر أحري ذلك للصواب" وفى رواية: "فليتحر أقرب ذلك إلي الصواب" وفى رواية: "فليتحر الذي يري أنه صواب"، التحري: طلب أحري الأمرين وأولاهما بالصواب. وفيه دليل لأبي حنيفة على أن من شك في صلاته في عدد ركعاته تحري وبني على غالب ظنه، ولا يلزمه الاقتصار على الأقل والإتيان بالزيادة، وبه قال مالك؛ ولكن هذا فيمن يعرض له الشك كثيراً، وإذا كان أول ما عرض له استأنف الصلاة على ما عرف في
__________
(1) كتب فوقها: "صح".
(2) إلي هنا انتهي النقل من شرح صحيح مسلم.
(3) المصدر السابق (5/62 - 63) .(4/316)
مَوضعه، وقال الشافعي: لزمه البناء على اليقين؛ وهو الأقل، فيأتي بما بقي ويسجد للسهو؛ واحتج بقوله- عليه السلام- في حديث أبي سعيد: "فليطرح الشك، وليَبْن على ما استَيْقن، ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم، فإن كان صلى خمسا شفعن له صلاته، وإن كان صلى إتماما لأربع كانتا ترغيماً للشيطان " (1) . وهذا صريح في وجوب البناء على اليقين، وحَمْلُ التحري (2) في حديث ابن مسعود على الأخذ باليقين؛ لأن التحري هو القَصد، ومنه قوله تعالى: "تَحَروا رَشَد " (3) فمعنى الحديث: فليقصد الصواب فيعملُ به، وقصدُ الصواب: هو ما بينه في حديث أبي سعيد وغيره.
قلنا: حديث أبي سعيد محمول على ما إذا تحرى ولم يقع تحركه على شيء، وعندنا: إذا تحرى ولم يقع تحريه على شيء يَبْني على الأقل؛ ولأنه حديث أبي سعيد لا يخالف ما قلنا، لأنه ورد في الشك وهو ما استوى طرفاه، ومن شك ولم يترجح له أحد الطرفين يَبْني على الأقل بالإجماع. وقول الشيخ محيي الدين في دفع هذا (4) "أن تفسير الشك بمُستوى الطرفين إنما هو اصطلاح طارئ للأصوليين، وأما في اللغة: فالترددُ بين وجود الشيء وعدمه كله يسمى شكا سوى المستوي والراجح والمراوح. والحديث يحمل على اللغة ما لم يكن هناك حقيقة شرعية أو عرفية، ولا يجوز حمله على ما يطرأ للمتأخرين من الاصطلاح " غير مُجْد ولا دافع؛ لأن المراد الحقيقة العرفية؛ وهي أن الشك: ما استوى طرفاَه؛ ولئن سلمنا أن يكون المراد معناه اللغوي، فليس معنى الشك في اللغة ما ذكره؛ لأن صاحب "الصحاح" فستر الشك في باب الكاف فقال: الشك خلاف اليقين، ثم فسر اليقين في باب النون فقال: اليقين: العلم، فيكون الشك ضد العلم، وضع العلم: الجهل، ولا يُسَمى
__________
(1) يأتي بعد ثلاثة أحاديث.
(2) في شرح صحيحا مسلم: "وحملوا ".
(3) سورة الجن: (14) .
(4) شرح صحيح مسلم (63/5-64) .(4/317)
المتردّد (1) بين وجود الشيء وعدمه جاهلاً؛ بل يُسمّى شاكا، فعلم ابن قوله: " وأما في اللغة: "فالتردد بين وجود الشيء وعدمه كله يسمي شكا" هو الحقيقة العرفية لا اللغوية، فافهم.
ثم معنى كيفية البناء على الأقل: أنه إذا وقع الشك في الركعة والركعتين يجعلها ركعةً واحدةً، وإن وقع الشك في الثلاث والركعتين يجعلها ركعتين، وإن وقع في الثلاث والأربع يجعلها ثلاثا واهتم صلاته على ذلك، وعليه أن يتشهد لا محالة في كل موضع يتوهم أنه آخر صلاته؛ لأن القعدة الأخيرة فرض- والحديث: أخرجه البخاري، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه.
992- ص- نا محمد بن عبد الله بن نُمَير: نا أبي: نا الأعمش، عن إبراهيم/، عن علقمة، عن عبد الله بهذا قال: "فإذا نسي أحدكم فليَسْجد سجدتين " ثم تحولَ فسجَد سجدتين (2) ..
ش- عبد الله بن نمير: أبو هشام الكوفي.
قوله: " بهذا " أي: بهذا الحديث.
قوله: "فإذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين " عَام يتناول الزيادة والنقصان، وأن السجدة فيهما بعد السلام.
قوله: " ثم تحول " أي: رسولُ اللهِ.
ص- قال أبو داود: رواه حُنَين نحو الأعمش (3) .
ش- أي: روى الحديث المذكور: حُنَين بن قبيعة الكوفي نحو حديث سليمان الأعمش.
__________
(1) في الأصل: "للمتردد".
(2) انظر الحديث السابق.
(3) في سنن أبي داود: "نحو حديث الأعمش ".(4/318)
993- ص- نا نصرُ بن علي. أنا يوسف بن موسى: نا جريرِ- وهذا حديث يوسف-، عن الحسَن بن عُبيد الله، عن إبراهيم بن سويد، عن القمة قال: قال عبد الله: صلى بنا رسول الله خمسا فلما انفصل توَسْوسَ (1) القومُ بينهم فقال: " ما شأنكم؟ " قالوا: يا رسولَ الله هل زبد في الصلاة؟ قال: " لا"، قالوا: ما فإنك قد صليت خمسا لما فانفتح فسجد سجدتين ثم سهم ثم قال:" إنما أنا بَشر أنسى كما تنسون " (2) .
ش- يوسف بن موسى: القطان الكوفي، وجرير بن عبد الحميد، والحسن بن عبيد الله بن عروة النوعي الكوفي، وإبراهيم النوعي، وعبد الله ابن مسعود.
قوله:" فلما انفتل" أي: انصرف.
قوله: " توَسْوسَ القوم" قال الشيخ محيي الدين في لشرح مسلم، (3) : ضبطناه بالشين المعجمة، وقال القاضي: رُوي بالمعجمة وبالمهملة وكلاهما صحيح، ومعناه تحركوا، ومنه: وسواس الحلي بالمهملة وهو تحركه، ووسوسة الشيطان. قال أهل اللغة: الوشوشة بالمعجمة: صَوْت في اختلاط، قال الأصمعي: ويُقال: رجل وشوال أي خفيف. قوله: "هل (4) زيد في الصلاة؟ قال: لا" إلى آخره. " قال الشيخ محيي الدين: فيه دليل لمذهب مالك والشافعي وأحمد والجمهور من السلف والخلف: أن من زاد في صلاته ركعة ناسيا لم تبطل صلاته؛ بل إن علم بعد السلام فقد مضت صلاته صحيحةً، ويَسْجد للسهو إن ذكر بعد السلام بقريب، وإن طال فالأصح عندنا أنه لا يسجد، وإن ذكر قبل السلام عاد إلى القعود سواء كان في قيام أو ركوع أو سجود أو غيرها،
__________
(1) في سنن أبي داود: "توشوش"، وانظر الشرح.
(2) مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: السهو في الصلاة والسجود له 92- (572) .
(3) (5/ 65- 66) .
(4) مكررة في الأصل.(4/319)
ويتشهدُ ويسجد للسهو ويُسلم. وقال أبو حنيفة وأهل الكوفة. إذا زاد ركعة ساهيا بطلت صلاته ولزمه إعادتها، وقال أبو حنيفة: إن كان تشهد في الرابعة ثم زاد خامسةً، انضاف إليها سادسةً تشفعها وكانت نفلا؛ بناء على أصله: أن السلام ليس بواجب، ويخرج من الصلاة بكل ما يُنافيها وأن الركعة الفَرْدة لا تكون صلاة، قال: وإن لم يكن تشهّد بَطلَتْ صلاته؛ لأن الجلوس بقدر التشهد واجب، ولم يأت به حتى أتى بالخامسة. وهذا الحديث يَرُد كل ما قالوه؛ لأن النبي- عليه السلام- لم يرجع من الخامسة ولم يَشْفَعْها. وإنما تذكر بعدَ السلام، ففيه رد عليهم وحجة للجُمهور.
قلنا: قوله.: " وهذا الحديث يرد كل ما قالوه " غير مُسلم؟ لابنه لم يُبين في الحديث أنه لم يَقعُدْ على الرابعة؛ بل الظاهرُ: أنه قعَد على الرابعة؛ لأن حمل فعله- عليه السلام- على الصواب أحسَنُ من حمله على غَيْره وهو اللائق بحاله؛ على أنه روي في رواية أخرى أنه صلى الظهر خمساً والظهرُ اسمٌ لجميع أركانها. وقوله: " لأن النبي- عليه السلام- لم يرجع من الخامسة ولم يشفعها " لا يَضرنا هذا لأنا لا نُلزِم المُصلي بضم (2) الركعة السادسة على طريق الوجوب، حتى قال صاحب " الهداية ": ولو لم يضم لا شيء عليه لأنه مظنون. وقال صاحب "البدائع ": والأولى: أن يضيف إليها ركعةً أخرى لتصير الركعتان له نفلا إلا في العصر. دائما قال أصحابنا: يضم إليه ركعة سادسةً على طريق الاستحباب ليصير نفسه شفعا؛ لأنه ورد النهي عن التنفل بركعة واحدة؛ وهو ما روي عن ابن مسعود: والله ما أجزتُ ركعةَ.
وقال الشيخ محيي الدين (3) : ثم مذهب الشافعي ومن وافقه: أن
__________
(1) شرح صحيح مسلم (64/5) .
(2) في الأصل: "يضم".
(3) المصدر السابق.(4/320)
الزيادة على وجه السهو لا تبطل الصلاة سواء وقت أم كثرت إذا كانت من
جنس الصلاة، فسواء زاد ركوعا أو سجوداً أو ركعة أو ركعات كثيرة
ساهياً فصلاته صحيحة في كل ذلك، ويسجد للسهو استحبابا لا
إيجاباً وأما مالك: فقال القاضي: مذهبه: أنه إن زاد دون نصف
الصلاة لم تُبطل صلاته؛ بل هي صحيحة ويسجد للسهو، وإن زاد
النصف فآثر: فمن أصحابه مَنْ أبْطلها وهو قول مطرف، وابن القاسم،
ومنهم مَنْ قال/: إن زاد ركعتين بطلت، وإن زاد ركعة فلا؛ وهو قول [2/63 - أ] عبد الملك وغيره، ومنهم من قال: لا تبطل مطلقا؛ وهو مروي عن
مالك. والحديث: أخرجه مُسلم.
994- ص- نا قتيبة بن سعيد: نا الليث، عن يزيد بن أبي حبيب أن
سُوَيْد بن قيس أخبره عند مُعاوية بن حُديج أن رسول الله- عليه السلام-
صلّى يوما فسَلّم وقد بقيتْ من الصلاة ركعة فأدركه رجل فقال: نسيتَ من
الصلاة ركعةً [فرجع فدخل المسجدَ، وأمر بلالا، فأقام الصلاة، فصلى
للناس ركعة] (1) فأخبرتُ بذلك الناسَ فقالوا لي: أتعرفُ الرجل؟ قلتُ:
لا إلا أن أراهُ، فمر بي فقلتُ: هذا هو، فقالوا: هذا طلحة بن عُبَيد الله (2) .
ش- حُديج- بضم الحاء المهملة، وفتح الدال، وفي آخره جيم-
وقد ذكرناه.
وروى الحاكم، عنه: صليتُ مع النبي- عليه السلام- المغرب فسلّم
في ركعتين ثم انصرف، فقال له رجل- يعني: طلحة بن عبيد الله-:
إنك سهوتَ فسلمتَ في ركعتين، فأمر بلالا فأقام الصلاة، ثم اهتم تلك
الركعة. قال الحاكم: صحيح الإسناد. وأخرجه الحمدُ فيه مسنده
ولفظه: إن رسول الله صلى يوما وانصَرَف وقد بقي من الصلاة ركعة،
فأدركه رجل فقال: نسِيتَ من الصلاة ركعة، فرجَعَ ودَخل المسجدَ،
__________
(1) ساقط من الأصل، وأثبتناه من سنن أبي داود.
(2) النسائي: كتاب الأذان، باب: الإقامة لمن نسي ركعة من صلاة (2/ 18) .
521 شرح سنن أبى داود 4(4/321)
وأمرَ بلالا فأقامَ الصلاة، فصلي بالناسِ رَكْعةً، فأخبرتُ بذلك الناسَ فقالوا لي: أتعرفُ الرجلَ؟ قلتُ: إلا أن أراه، فمر بي فقلتُ:- هو هذا، فقالوا طلحة بن عُبَيْد الله. انتهى.
وهذا الحديث فيه أشياء: سهو النبي- عليه السلام- ركعة، وخروْجه من المسجد ثم دخوله فيه، وأمره بلالا بالإقامة، وكلامُه في أثناء الصلاة، وكلام طلحة بن عبيد الله.
فإن قيل: ما حكم هذه الأشياء إذا وقعت لأحد من المسلمين؟ قلتُ:
قد أوضحت لك غير مرة ابن الكلام والخروج منه المسجد ونحو ذلك قد نُسخ، حتى لو فعلَ احد مثل هذا اليومَ بطلت صلاته؛ ألا ترى إلى ما روى الطحاويّ أن عمر رضي الله عنه كان مع النبي- عليه السلام- يوم ذي اليدين، ثم حدثت به تلك الحادثة بعد النبي- عليه السلام- فعمل فيها بخلاف ما عمل- عليه السلام- يومئذ، ولم ينكر عليه أحد ممن حضر فعله من الصحابة؛ وذلك لا يصح أن يكون منه ومنهم إلا بعدَ وُقوفهم على نسخ ما كان منه- عليه السلام- يوم ذي اليدين.
فإن قيل: الأخبار التي ورَدت من حديث أبي هريرة وحديث عمران بن الحصين وحديث معاوية بن حُديج هل هي قضية واحدة أو قضيتان أو كثر؟ قلت: الذي يظهر من كلام البخاريّ أن حديث أبي هريرة وعمران واحدة لقوله إثر حديث أبي هريرة: فربما سألوه- يعني: محمداً- ثم سلم قال: نبئتُ أن عمران قال: ثم سلم. والذي يقوله ابن حبان أنه غيرُه قال: لأن في حديث أبي هريرة الذي أعلمَ النبيَّ- عليه السلام- ذو اليدين، وفي خبر عمران: الخرباقُ، وفي خبر معاوية بن حديد: طلحة بن عُبيد الله، قال: وخبر الخِرباق: سَلم في الركعة الثالثة، وخبر ذي اليدين: من ركعتين، وخبر معاوية: من الركعتين من صلاة المغرب؛ فخذ أنها ثلاثة أحوال مُتباينة في ثلاث صلوات لا واحدة، فافهم. وحديث معاوية: أخرجه النسائي- أيضا وقال أبو سعيد بن يونس: هذا الصح حديثٍ: معاوية بن حُديج.
* * *(4/322)
185- بَاب: إذا شَكّ في الثنتين والثلاث مَنْ قال: يُلقى الشَكَّ
أي: هذا باب في بيان ما إذا شك المصليَ في الركعتين والثلاث مَنْ
قال: يلقي الشك، أي: يَرميه وَليَبْين على اليقين.
995- ص- نا محمد بن العلاء: نا أبو خالد، عن أبن عجلان، عن
زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله
- عليه السلام-: وإذا شك أحدكُم في صلاته فَليُلق الشَك وَليَبْين على
اليقين، فإذا استيقنَ التمامَ سجد سجدتين، فإن كانت صلاته تارةً كانت
الركعةُ نافلةً والسَجْدتَيْن (1) ، وإن كانت ناقصةً كانت الركعة تماما لصلاته
وكانت السجْدتان مُرغمتي الشيْطان" (2) .
ش- أبو خالد الأحمر، ومحمد بن عجلان.
قوله: " فليُلق الشك" بالقاف، وفي رواية: "فليلغ " بالغين المعجمة،
من الإلْغاء؛ والمعنى: إذا شك في صلاته فلم يدر اثنتين صلى أم ثلاثا؟
أم ثلاثيا أم أربعا؟ فليترك الشك، وليبن على اليقين، وبه أخذ الشافعي
/ وقال أبو حنيفة: إن كان أول ما شك استقبل الصلاة؛ لما روى ابن [2/63 - ب] أبي شيبة في "مصنفه " عن ابن عمر قال في الذي لا يَدْري صلى ثلاثا أو
أربعا؟ قال: يُعيدُ حتى يحفظَ. وفي لفظ: أما أنا فإذا لم أمركم صليتُ
فإني أعيدُ. وأخرج نحوه، عن سعيد بن الجُبير، وابن الحنفية،
وشريح. وحديث أبي سعيد محمول على ما إذا وقع له ذلك مرارا، ولم
يقع تحريه على شيء.
قوله: " فإذا استيقن التمامَ " أي: تمام الصلاة سجد سجدتين. وفي
__________
(1) في سنن أبي داود " والسجدتان " وانظر: الشرح لزاما.
(2) مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: السهو في الصلاة والسجود له هو- (571) ، النسائي: كتاب السهو، باب: إتمام المصلى على ما ذكر إذا شك (27/3) ، ابن ماجه: كتاب أقامة الصلاة، بابكم فيمن شك في صلاته فرجع إلى اليقين (1210) .(4/323)
رواية مسلم: " إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدركم صلى، فليكس على اليقين، حتى إذا استيقن أن قد تتم فليسجد سجدتين قبل ابن يُسلم، فإنه إن كانت صلاته وتراً شفعها، وان كانت شفعت كان ذلك ترغيبا للشيطان". وحاصل الكلام: أنه إذا شك بين الثلاث والأربع يبني على يقينه فيجعله ثلاثاً فيصلي ركعة أخرى حتى يحصل اليقين بالتمام، ثم يَسْجد سجدتين للسهو، فإن كانت صلاته تامة في نفس الأمر كانت تلك الركعة الزائدة نافلة، وإن كانت ناقصة في نفس الأمر كانت الركعة الرابعة تماما لصلاته، وكانت السجدتان ترغيما للشيطان.
قوله: " كانت الركعة نافلة " أي: الركعة التي يزيدها.
قوله: "والسجدتين " بالنصب؟ والواو فيها بمعنى " مع " أي: كانت الركعة الزائدة نافلة مع السجْدتين. ورأيتُ في بعض النسخ المضبوطة: "والسجدتان" بالرفع، فما أظنه صحيحاً.
قوله: "وإن كانت ناقصة" أي: وإن كانت الصلاة ناقصة في نفس الأمر، كانت الركعة تماما لصلاته.
قوله: "وكانت السجدتان" أي: السجدتان اللتان سجدهما مُرغمتي الشيطان أي: مُغيطَتَيْن (1) له، ومُذلتين له؛ مأخوذ من الرغام وهو الترابُ، ومنه: أرغم الله أنفه؛ وذلك لأنها في حالة النقصان جبر له وفي حالة التمام يكون إرغاما للشيطان؛ لأنه يُبغضُ السجدة، لأنه ما لُعِن إلا من إبائه عن سجود آدم- عليه السلام-. والحديث: أخرجه مسلم- كما ذكرنا، والنسائي، وابن ماجه.
وقد اعترض بعض أصحاب مالك على هذا الحديث بأن مالكا رواه مُرْسلا؛ وهذا ليس بشيء؛ لأن الثقات الحُفاظ الأكثرين رووه متصلا، فلا يضر مخالفة واحد لهم في إرساله؛ لأنهم حفظوا ما لم يحفظه، والثاني: أن المُرْسل عند مالك حجة.
__________
(1) في الأصل: " مغيضتين ".(4/324)
ص- قال أبو داود: رواه هشام بن سَعْد، ومحمد بن مُطرف، عن زيْد، عن عطاء بن يَسار، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي- عليه السلام-ً، وحديث أبي خالد أشبَعُ.
ش- زيد بن أسلم.
وأشار أبو داود بهذا الكلام إلى أن هذا الحديث مسند مِنْ طرُق؛ فذكر أولا طريق ابن عجلان، عن زيد بن أسلم، ثم أشار إلى طريق هشام بن سَعد، عن زيد، وإلى طريق محمد بن مُصرف، عن زيد؛ فهذه ثلاث طرُق مسندة.
وقال الخطابي (1) : وقد أسندَه- أيضا- سليمانُ بن بلال، عن زيد: حدثنا حمزة بن الحارث، ومحمد بن أحمد بن زِيرك قالا: ثنا عبّاس الدوري: أنا موسى بن داود: أنا سُليمان بن بلال، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يَسار، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسولُ الله: " إذا شك أحدكم في صلاته فلم يَدرِ كم صلى أثلاثا أم أربعا؟ فليطرح الشك وليَبْن على ما استيقن، ثم ليسَجْد سَجْدتين وهو جالس قبل أن يُسلم؟ فإن كان صلى خمسا كانتا شفعا، وإن كان صلى تمام الأربع كانتا ترغيما للشيطان "، قال: ورواه ابن عباس كذلك- أيضا حَدّثونا به عن محمد بن إسماعيل الصائغ: أنا ابن وعنب: أنا عبد العزيز بن محمد، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن ابن عباس أن رسول الله - عليه السلام- قال: " إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر أثلاثا صلى أم أربعا؟ فليقم فليصل ركعةً، ثم ليَسجد سجدتين وهو جالس قبل السلام، فإن كانت الركعة التي صلى خامسةً شفعها بهاتين، وإن كانت رابعةً فالسجدتان ترغيم للشيطان ". وقال الخطابي: وفي هذا الحديث بيان فساد قول من ذهب فيمن صلى خمسا إلى أنه يضيف إليها سادسةً إن كان قد قعد في الرابعة/ واكتفوا بأن النافلة لا تكون ركعةً، وقد نصّ فيه [2/ 64 - أ]
(1) معالم السنن (1/ 208) .(4/325)
من طريق ابن عجلان على أن تلك الركعة تكون نافلة، ثم لم يأمره بإضافة أخرى إليها.
قلنا: بل الفساد في هذا الكلام؛ لأن أصحابنا ما ألْزموا بإضافة الركعة السادسة؛ بل قالوا: الأولى: أن يضيف إليها ركعة سادسةً- كما قلنا في حديث ابن مسعود- ولا نسلم ابن المنصوص من طريق ابن عجلان هو أن الركعة وحدها تكون نافلة؛ بل قال: كانت الركعة نافلةً والسجدتَيْن يعني: مع السجدتين. كما ذكرناه.
قوله: " وحديث أبي خالد أشبعُ " أي: حديث أبي خالد الأحمر، عن ابن عجلان أكثر فائدةً؛ من قولهم: ثوب شبِيع الغَزل، أي: كثيره.
996- ص- نا محمد بن عبد العزيز بن أبي رزْمة: أنا الفضلُ بن موسى، عن عبد الله بن كيسان، عن عكرمة، عن ابن عبّاس أن النبي- عليه السلام- سمّى سَجدتي السهو: المُرْغمتين (1) .
ش- محمد بن عبد العزيز بن أبي رزْمة: واسم أبي رزمة: غزلان، مركزي، أبو عَمرو، روى عن: الفضل بن موسى السينَاني، وأبي صالح سلمويه، روى عنه: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وعبد الله بن أحمد بن حنبل. مات سنة إحدى وأربعة ومائتين (2) . والفضل بن موسى السيناني- بكسر السن المهملة، وبعدها ياء آخر الحروف ثم نون- أبو عبد الله المركزي، سمع: هشام بن عروة، والأعمش، والثوري وغيرهم، روى عنه: إسحاق بن راهويه، إبراهيم بن موسى، ومحمود بن آدم وجماعة كثيرون، قال ابن معين: ثقة، وقال وكيع: ثقة صاحب سُنةِ. مات سنة إحدى أو اثنتين وتسعين ومائة. روى له الجماعة (3) .
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (5418/26) . (3) المصدر السابق (23/ 0 475) .(4/326)
وعبد الله بن كيسان: أبو مجاهد المروزي، سمع: عكرمة، وعمرو ابن دينار، وثابتا البناني، روى عنه: عيسى بن موسى، والفضل بن موسى، وابنه إسحاق بن عبد الله، قال أبو حاتم: هو ضعيف الحديث. روى له: أبو داود (1) .
قوله: " المُرغمتين " تثنية " مرغمة " من الإرْغام؛ وقد ذكرنا معناه عن قريبِ.
997- ص- نا القعنبي، عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " إذا شك أحدكما في صلاته فلا يَدْري كم صلّى ثلاثاً أو أربعا فليُصَلّ ركعةً وليَسْجُد. سجْدتين وهو جالس قبل التسليم، فإن كانت الركعة التي صلى خامسة شفعها بهاتين، وإن كانت رابعة فالسجدتان ترغيم للشيطان " (2) .
ش- بهاتف أي: بالسجدتين اللتان (3) سجدهما للسَّهْو. وهذا الحديث مُرْسل. ورواه البيهقي- أيضا ثم قال: وقد روي من حديث ما لك- أيضا موصولاً.
قلت: الصحيح فيه عن مالك الإرسال؛ كذا قال ابن عبد البرّ في "التمهيد" وقال- أيضا- لا أعلم أحداث أسنده عن مالك إلا الوليد بن مُسلم، ويحيى بن راشد.
قلت: الوليد مُدلس لا سيما في شيوخ الأوزاعي؛ كذا قال الذهبي. وفي سند الوليد: أحمد بن عُمير بن حرصا؛ قال الدارقطني: ليس بالقوي، ذكره الذهبي في " الضُعفاء " وقال ابن- مَنْدة: ترك حمزة الكتاني الرواية عنه أصلان. ويحيي بن راشد: قال ابن معين: ليس بشيء، وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث في حديثه إنكارٌ.
998- ص- نا قتيبةُ: نا يعقوب، عن زيد بن أسلم بإسناد مالك قال:
__________
(1) المصدر السابق (15/ 3508) .
(2) تفرد به أبو داود.
(3) كذا.(4/327)
إن النبي- عليه السلام- قال: " إذا شك أحدُكم في صلاته، فإن اسْتيقَنَ أَنْ قد صلَى ثلاثاً فليقُم فليتم ركعةً بسجودها، ثم يجلس فيتَشهدُ، فإذا فرغ فلم يبق إلا أن يُسلم فليسجد سجدتين وهو جالس، ثم يُسلم " ثم ذكر معنى مالك (1) .
ش- يعقوب بن عبد الرحمن القاري بتشديد الياء.
قوله: " أَنْ قد صلى " لا أن، يجوز أن تكون مخففة من المثقلة أي: أنه قد صلي، ويجوز أن تكون مَصْدريةً أي: فإن استيقن صلاته ثلاثا أي: ثلاث ركعات.
قوله: " ثم ذكر معنى مالك " أي: معنى حديث مالك بن أنسٍ المذكورة
وهو - أيضا مُرْسل.
ص- قال أبو داود: وكذلك رواه ابن وهب، عن مالك، وحرص بن ميْسرة، وداود بن قيس، وهشام بن سَعْد؛ إلا أن هشام بن سَعْد بلغ به أبا سعيد الخدري.
ش- أي: كذلك روى هذا الحديث: عبد الله بن وهب، عن مالكِ. وحرص بن ميسرة: أبو عمر (2) الصنعاني/ من صنعاء دمشق، وقيل: من صنعاء اليمن، سكن عسقلان الشام، وروى عن: هشام بن عروة، وموسى بن عقبة، وزيد بن أسلم وغيرهم، روى عنه: الثوري، وابن وهب، وآدم بن إياس وغيرهم، قال ابن معين: ثقة، وقال أبو حاتم وأبو زمعة: لا بأس به. مات سنة إحدى وثمانين ومائة. روى له: البخاري، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه (3) .
وداود بن قيس: الفراء الدباغ المدني. وهشام بن سعد: أبو سَعْد المدني.
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) في الأصل: " أبو عمرو" خطأ.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (1417/7) .(4/328)
والحاصل: أن عبد الله بن وهب روى هذا الحديث عن هؤلاء الجماعة، وهم رووه عن زيد بن أسلم كلهم بالإرْسال؛ إلا أن هشاما وصله، وبلغ به أبا سعيد الخدري.
* * *
186- بَاب: مَنْ قال: يُتمّ عَلَى أكبَر ظنّه
أي: هذا باب في بيان من قال: يتم على كبر ظنه عندَ الشك.
999- ص- نا النفيلي: نا محمد بن سلمي، عن خُصَيف، عن أبى عُبيدة بن عبد الله، عن أبيه، عن رسول الله يكره قال: "إذا كنت في صلاة فشككتَ في ثلاث وأربع (1) وكبر ظنك علي أربع تشهدتَ ثم سجدتَ سجدتين وأنثَ جالسين قبل أن تُسلم ثم تَشهدت- أيضا- ثم تُسلم " (2) . ش- خُصيف- بضم الخاء المعجمة- بن عبد الرحمن، قد مر ذكره، وأبو عُبيدة بن عبد الله بن مسعود، قد تقدم أنه لم يَسْمع من أبيه. وفيه: الأخذُ بخبر الظن، وأن سجدتي السهو قبل السلام؟ ولكنه غيرَ مَرْفوع. ص- قال أبو داود: وكذا رواه عبد الواحد عن خُصَيف ولم يَرْفعه.
ش- أي: عبد الواحد بن زياد البصري روى هذا الحديث عن خُصيف ولم يَرْفعه.
ص- ووافقَ عبدَ الواحد- أيضا سفيان، وشريك، وإسرائيل، واختلفوا في الكلام في متن الحديث ولم يُسْندوه.
ش- فاعلة وافق،: سفيان، و "عبد الواحد" مفعوله. وسفيان الثوري، وشريك النخعي، وإسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق.
1000- ص- نا محمد بن العلاء: أنا إسماعيل بن إبراهيم: نا هشام الدستوائي: نا يحيي بن أمي كثير: نا عياض ح أنا موسى بن إسماعيل: نا
__________
(1) في سنن أبي داود: "أو أربع ".
(2) تفرد به أبو داود.(4/329)
أبان: نا يحيي، عن هلال بن عياض، عن أبي سعيد الخدري أن النبي- عليه السلام- قال: " إذا صلى أحدكم فلم يَدْر زادَ أم نقصَ فليسجُد سجدتين وهو قَاعد فإذا أتاه الشيطانُ فقال: إنك قد أحدثتَ فليَقُل: كذبتَ، إلا ما وجَدَ ريحا بأنفِه أو صَوتا بأذنه " (1) (2) .
ش- إسماعيل بن إبراهيم: هو ابن علية. وعياض بن هلال، ويُقالُ: هلال بن عياض، وأبان بن يزيد العطار، ويحيي بن أبي كثير. قوله: " فإذا أتاه الشيطان فقال: إنك قد أحدثت " كناية عن وَسْوسته بذلك وتَلْبيسه عليه.
قوله: " فليقل كذبتَ " كناية عن دفع تلك الوسوسة، وترك العمل بها.
قوله: "إلا ما وَجَد ريحاً" كلمة [ما] مصدرية، والمُستثنى منه محذوف؛ وتقدير الكلام: لا ينقض قول الشيطان ذلك وضوءه إلا وجدان الريح بأنفه، أو وجدان الصوت بأذنه، فذكر النَوْعين ليشمل الأطروش والأخشم، أو ليشمل نوعي خروج الريح وهما: الفُساء والضُراطُ. والحديث: أخرجه الترمذي، وابن ماجه مختصرا، وقال الترمذي: حديث حسن، وقد روي هذا الحديث عن أبي سعيد من غير هذا الوجْه. ص- قال أبو داود: وهذا لفظ حديث أبان. وقال معمر، وعلي بن المبارك: عياض بن هلال، وقال الأوزاعي: عياض بن أبي زُهير.
ش- أشار بهذا إلى الاختلاف في عياض؛ فقيل: هو عياض بن هلال- كما وقع هكذا في رواية هشام الاستوائي-، وقيل: هلال بن عياش- كما وقع في رواية أبان بن يزيد- وقال عبد الرحمن الأوزاعي،
__________
(1) جاء في سنن أبي داود بعد هذا الحديث: " وهذا لفظ حديث أبان".
(2) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في الرجل يصلي فيشك في الزيادة والنقصان (396) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: السهو في الصلاة(4/330)
عن يحيي بن أبي كثير، عن عياض بن أبي زُهير، وقال ابن حبان في "الثقات": عياض بن أبي زهير، يروي عن: أبي سعيد الخدري، رَوى عنه: يحيي بن أبي كثير، حدثنا عمر بن محمد الهمداني: ثني عمرو بن عثمان: نا بقية بن الوليد: أنا الأوزاعي، عن يحيي بن أبي كثير، عن عياض بن أبي زهير: سمعت أبا سعيد الخدري: قال رسول الله- عليه السلام-: "إذا سهى أحدكم في صلاته فلا يدري زاد أم نقص، فليسجد سجدتين/ وهو جَالس".
1001- ص- نا القعنبي، عن مالك، عن ابن شهاب، عن أبي كلمة ابن عبد الرحمن، عن أبي هريرة أن رسول الله- عليه السلام- قال: ما إن أحدكم إذا قام إلى الصلاة (1) جاءه الشيطان فَلبَس عليه حتى لا يَدْري كم صلى، فإذا وجد أحدكم ذلك فليَسْجد سجدتين وهو جالس (2) .
ش- " لَبَس عليه "- بتخفيف الباء- أي: خلط عليه أمر صلاته، ومنه قوله تعالى: "وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم فلا يَلبسُونَ" (3) وضبطها بعضهم بالتشديد؛ لأجل التكثير؛ والتخفيف أفصحَ.
واختلف العلماء في المراد به؛ فقال الحسن البصري: وطائفة من السلف بظاهر هذا الحديث، وقالوا: إذا شك المصلي فلم يدر زاد أو نقص، فليس عليه إلا سجدتان وهو جالسا؛ عملا بظاهر هذا الحديث. وقال الشعبي، والأوزاعي وجماعة كثيرة من السلف: إذا لم يدر كم
__________
(1) في سنن أبي داود: "قام يصلي ".
(2) البخاري: كتاب السهو، باب: السهو في الفرض والتطوع (1232) ، مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: السهو في الصلاة والسجود له 82- (389) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في الرجل يصلي فيشك
في الزيادة والنقصان (397) ، النسائي: كتاب السهو، باب: التحري
(3/ 31) ، ابن ماجه: كتاب أقامة الصلاة والسنة فيها، باب: ما جاء في سجدتي السهو قبل السلام (1216، 1217) .
(3) سورة الأنعام: (9) .(4/331)
صلى لزمه أن يُعيد الصلاة مَرةً بعد أخرى أبدا حتى يستيقن. وقال بعضهم: يُعيد ثلاث مرات، فإذا شك في الرابعة فلا إعادة عليه. وقال مالك، والشافعي، وأحمد والجمهور: متى شك في صلاته هل صلى ثلاثا أو أربعا مثلا لزمه البناء على اليقين، فيجب أن يأتي برابعة وأمجد للسهو؛ عملا بحديث أبي سعيد الذي مضى في أول الباب السابق؛ لأنه صريح في وجوب البناء على اليقين، وهو مُفسِر لحديث أبي هريرة، فيحملُ حديث أبي هريرة عليه. وقال أصحابنا: إن كان الشك عرض له أول مرة يَستقبلُ، وإن كان يعرض له كثيراً بنى على كثر رأيه لقوله- عليه السلام-: " إذا شك أحدكم فليتحر الصواب فليتم عليه ما رواه البخاري ومسلم (1) ، وإن لم يكن له رأي بنى على اليقين لقوله- عليه السلام-: "إذا سهى أحدكم في صلاته فلم يدر واحدةً صلى أو ثنتين فليبن على واحدة، فإن لم يدر ثنتين صلى أو ثلاثا فليبْن على ثنتين، فإن لم يدر ثلاثا صلى أو أربعا فليبن على ثلاث، وليَسْجد سجدتين قبل أن يسلمه رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح. ورواه ابن ماجه، ولفظه: " إذا سهى أحدكم في صلاته فلم يدر واحدةً صلى الو ثنتين فليجعلها واحدةً، وإذا شك في الثنتين والثلاث فليجعلها ثنتين، وإذا شك في الثلاث والأربع فليجعلها ثلاثا، ثم ليتم ما بقي من صلاته حتى يكون الوهم في الزيادة، ثم يَسجُد سجدتين وهو جالسٌ قبل أن يسلم،. وأخرجه الحاكم في "المستدرك " ولفظه: "فلم يدر أثلاثا صلى أم أربعا فليُتم؛ فإن الزيادة خيرٌ من النقصان" وقال: حديث صحيح الإسناد ولم يُخرجاه. وقال الذهبي في " مختصرها: فيه عمار بن مَطر الرهاوي، وقد تركوه. وعمار ليس في "السنن".
وأما حديث أبي سعيد: فقد قلنا: إنه محمول على ما إذا وقع له ذلك مرارا ولم يقع تحريه على شيء. وأما حديث أبي هريرة هذا: فإنه فيما إذا
__________
(1) تقدم قريبا.(4/332)
شك ثم تحرى الصواب، فإنه يبني على كبر رأيه- لما قلنا- وتبويب
أبي داود- أيضا- يدل على هذا. والحديث: أخرجه البخاري،
ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
ص- قال أبو داود: كذا رواه ابن عيينة، ومعمر، والليث.
ش- أي: كذا روى الحديث المذكور: سفيان بن عيينة، ومعمر بن
راشد، والليث بن سَعْد.
1002- ص- نا حجاج بن أبي يعقوب: نا يعقوب: نا ابنُ أخي
الزهري، عن محمد بن مسلم بهذا الحديث بإسناده، زادَ: "وهو جالسٌ
قبل التسليم" (1) .
ش- يعقوب بن إبراهيم بن سَعْد، وابن أخي الزهري: اسمُه:
محمد بن عبد الله، وقد مر غير مرة، ومحمد بن مسلم: هو الزهري.
قوله: "زاد" أي: حجاج المذكور في روايته: " فليسجد سجدتين وهو جالس قبل التسليم".
1003- ص- نا حجاج: نا يعقوب: أنا أبي، عن ابن إسحاق قال:
حدثني محمد بن مسلم الزهري بإسناده ومعناه قال: "فليسجد سجدتين
قبل أن يُسلم ثم ليُسلم " (2) .
ش- حجاج ويعقوب هما المذكوران آنفا، ووالد يعقوب: إبراهيم بن
سَعْد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، ومحمد بن إسحاق بن يَسار.
فإن قيل: ما تقول في هذه الروايات التي تدل على ابن سجدتي السهو
/ قبل السلام؟ قلت: روايات الفعل متعارضةٌ، فبقي لنا رواية القول؛ [2/65 - ب] وهو حديث ثوبان: " لكل سهو سجدتان بعدما تسلم " من غير فصل بين
الزيادة والنقصان سالما من المعارض، فنَعْملُ به لسلامته عن المُعارض،
__________
(1) انظر: التخريج المتقدم.
(2) انظر الحديث قبل السابق.(4/333)
ولأن سجود السهو مما لا ينكر فيؤخر عن السلام، حتى لو سهى عن السلام يَنْجبرُ به.
فإن قيل: روايات [] (1) متعارضة كما ترى في هذا 1، (1) وغيره. قلت: لا يَضُرنا ذلك، لأن هذا الخلاف في الأولوية، فللمُصلي أن يختار أفيَ قول شاء؛ لأن الأحاديث صوت في الأقوال وَغيرها.
* * *
187- بَاب: مَن قال بَعْد السلام
أي: هذا باب في بيان من قال: إن سجدتي السهو بَعْد السلام.
1004- ص- نا أحمد بن إبراهيم: نا حجاج، عن ابن جرير قال: أخبرني عبد الله بن مسافر أن مُصعب بن شيْبة أخبره عن عتبة بن محمد بن الحارث، عن عبد الله بن جعفر أن رسول الله- عليه السلام- قال: " مَنْ شكّ في صلاته فليسجُد سجدتين بعدما يُسلمُ" (2) .
ش- أحمد بن إبراهيم الدورقي، وحجاج بن محمد الأعور، وعبد الملك بن جرير.
وعبد الله بن مُسافع بن عبد الله البر بن شيبة بن عثمان بن أبي طلحة
- واسمه: عبد الله بن عبد العُزى بن عثمان بن عبد الدار بن قصير القرشي العبدري المكي الحربي. مات مرابطا بسابق في أرض الشام مع سليمان بن عبد الملك، ومات سليمان بعده بيسيرٍ، ودفن إلى جانبه، وكانت وفاة سليمان في صفر سنة تسعة وتسعين. روى له: أبو داود، والنسائي حديثا واحدا (3) .
__________
(1) غير واضح في الإلحاق قدر كلمة.
(2) النسائي: كتاب السهو، باب: التحري (3/ 30) ، قال النسائي: مصعب منكر الحديث.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (16/ 3562) .(4/334)
وعتبة بن محمد بن الحارث بن نوفل، يروي عن ابن عباس، وعبد الله ابن جعفر، روى عنه: ابن جرير، ومُصْعب بن شيبة، ومنبوذ، قال سفيان بن عيينة: أدركتُه. روى له: أبو داود (1) .
وعبد الله بن جعفر بن أبي طالب القرشي الجواد بن الجواد يكنى
أبا جعفر، وأمه: السماء بنت خميس الخثعمية، وُلد بأرض الحبشة وهو أول مولود ولد في الإسلام بأرض الحبشة، ويقالَ: إنه لم يكن في الإسلام أسخى منه، روي له عن رسول الله- عليه السلام- خمسة وعشرون حديثا، اتفقا على حديثين، روى عنه: بنوه: إسماعيل، وإسحاق، ومعاوية، ومحمد بن علي بن الحسن، والقاسم بن محمد ابن أبي بكر الصديق، وعروة بن الزبيري، والشعبي وجماعة آخرون. توفي سنة تسعين وهو ابن تسعين سنا بالمدينة. روى له الجماعة (2) . وهذا الحديث حجة ظاهرة للحنفية. ورواه النسائي- أيضا وأحمد في " مسندها وابن خزيمة في "صحيحه " ورواه البيهقي وقال: إسناده لا بأس به.
قلت: الحديث صحيح، وقولُ النسائي: مُصعَب منكر الحديث، وعُتبة ليْس بمعروف لا ينضر صحته، لأن مصعب بن شيبة الخرج له مسلم في "صحيحه "، ووثقه ابن مَعين، وعُتبة معروف ذكره ابن حبان في "الثقات ".
* * *
188- بَاب: مَنْ قامَ مِن ثنتين ولم يَتَشهد
أي: هذا باب في بيان حكم من قام من ركعتين ولم يَتشهد عقيبهما.
1005- ص- نا القعنبي، عن مالك، عن ابن شهاب، عن عبد الرحمن
__________
(1) المصدر السابق (9 1/ 3784) .
(2) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (2/ 275) ، أسد الغابة (3/ 98 1) ، الإصابة (2/ 289) .(4/335)
الأعرج، عن عبد الله ابن بُحَينة أنه قال: صلى لنا رَسولُ الله ركعتين ثم قامت فلم يجلس فقام الناسُ معه فلما قضَى صلاته وانتظرنا التسليمَ كثر فسجد سجدتين وهو جالسٌ قبل التسليم ثم سلم (1) .
ش- عبد الله بن بحينة: هو عبد الله بن مالك بن القشيب- وهو جُندب- بن نضرة بن عبد الله بن رافع بن مخضب (2) ، يكنىَ أبا محمد، وبُحَيْنة: أمه، وهي بنت العرب- وهو الحارث- بن المطلب بن عبْد مناف؛ وهي بضم الباء الموحدة، وفتح الحاء المهملة، وسكون الياء آخر الحروف، وبعدها نون مفتوحة، وتاء تأنيث، ولها صحبة، وقيل: جدته أم أبيه مالك، وقيل: اسمها: عَبْدة، ولقبها: بُحَينة، أسلم عبد الله وصحب النبي- عليه السلام- قديماً وكان ناسكا فاضلاً يصوم الدهر، وكان ينزل بَطن ريم على ثلاثين ميلا من المدينة، ومات به في عمل مروان بن الحكم الآخر على المدينة، رويا له أربعة أحاديث، روى عنه: الأعرج، وحفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب، وابنه: علي بن عبد الله، روى له الجماعة (3)
وفي الحديث مسائل؛ الأولى: أن سجود السهو قبل السلام؛ وبه قال الشافعي ومالك، لأنه في النقص.
[2/ 66 - أ] / الثانية: أن التشهد الأول والجلوس له ليْسا برُكنين في الصلاة؛ إذ لو
__________
(1) البخاري: كتاب الأذان، باب: من لم ير التشهد الأول واجباً (829) ، مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب السهو في الصلاة والسجود له (85/ 570) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في سجدتي السهو قبل التسليم (393) ، النسائي: كتاب السهو، باب: ما يفعل من قام من اثنتين ناسيا ولم يتعهد (3/ 19) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء فيمن قام من اثنتين ساهيا (1206) .
(2) في الإصابة "صعب"، وفي تهذيب الكمال (3517/15) : " محصن". (3) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (2/ 326) ، أصد الغابة (3/ 375) ، 1 لأصل به (2/ 364) .(4/336)
كانا ركنية لم يجبرهما السجود كالركوع والسجود وغيرهما؛ وبه قال مالك وأبو حنيفة والشافعي والجمهور، وقال أحمد في طائفة قليلة: هما ركنان، ماذا سهى جبرهما بالسجود على مقتضى الحديث.
الثالثة: فيه ابنه يُشرع التكبير لسجود السهو؛ وهذا بالإجماع.
واعلم أن سجدتي السهو كما تكون في الفرض كذلك في التطوع،
وقال ابن سيرين لقتادة: لا يسجد للتطوع؛ وهو قول ضعيف للشافعي. والحديث: أخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
1006- ص- نا عمرو بن عثمان: نا أبي وبَقيةُ: نا شعيب، عن الزهري بمعنى إسناده وحديثه، زادَ: وكانَ منّا المُتشَهد في قيامه (1) .
ش- عمرو بن عثمان الحمْصي، وأبوه: عثمان بن سعيد أبو عمرو الحمصي، وبقية بن الوليد، وشعيب بن أبي حمزة.
قوله: " بمعنى إسناده " أي: بمعنى إسناد الحديث المذكور وبمعنى حديثه.
قوله: " وكان منا المُتشهدُ " أي: الذي يقرأ التشهد في قيامه، أي: في قيام النبي- عليه السلام- للثالثة.
ص- قال أبو داود: وكذلك سجدهما ابن الزبير وقام من سنتين قبل التسليم، وهو قول الزهري.
ش- أي: كذلك سجد سجدتي السهو: عبد الله بن الزبير، والحال
أنه قام من ركعتين للثالثة.
قوله: ما قبل التسليم " متعلّق بقوله: "سجدهما" " بقوله: "وقام
من ثنتين" وهو مذهب الزهُري وغيره.
وفي "المصنف": ثنا أبو بكر: ثنا عبْد الوهاب الثقفي، عن أيوب،
__________
(1) انظر: التخريج المتقدم.
22. شرح سنن أبي داود 4(4/337)
عن نافع، عن ابن الزبير أنه قام في ركعتين فسبح القوم، حتى إذا عرف أنه قد وهم فمضى في صلاته.
ونا عبد الأعلى، عن يونس، عن الحسن في رجل صلى ركعتين من المكتوبة، ونسي أن يتشهد حتى نهض، قال: إذا استوى قائما مضى في صلاته وسجَد سجدتي السهو.
قلت: هو مذهب أبي حنيفة- أيضا- قال صاحب: الهداية،: ومن سهى عن القعدة الأولى ثم تذكر وهو إلي حالة القعود أقربُ، عاد وقعد وتشهد؛ لأن ما يقربُ إلى الشيء يأخذ حكمه، ثم قيل: يسجد للسهو للتأخير والأصح: أنه لا يسجد، كما إذا لم يقم، ولو كان إلى القيام أقرب لم يَعد إليه؛ لأنه كالقائم معنى، وسجد للسهو لأنه ترك الواجب.
* * *
189- بَاب: مَنْ نَسِي أنْ يَتَشَهّدَ وَهْوَ جَالِس
أي: هذا باب في بيان من نسي أن يتشهد والحال أنه جالسا؛ وليس في غالب [النسخ] ذكر الباب.
1007- ص- نا الحَسَن بن عَمرو، عن عَبْد الله بن الوليد، عن سفيان، عن جابر- يعني: الجُعْفي-: نا المُغيرة بن شبيل الأحْمَسي، عن قيْس بن أبي حازم، عن المغيرة بن شعبة قال: قال رسول الله: "إذا قام الإمام في الركعتين فإن ذكر قبل أن يَسْتوي قائما فليجلس، وإن (1) اسْتوى قائما فلا يجلس ويَسْجدُ سجدتي السَهْو" (2) (3) .
__________
(1) في سنن أبى داود: "فان".
(2) ابن ماجه: كتاب أقامة الصلاة، باب: ما جاء فيمن قام من اثنتين ساهياً (1208) .
(3) جاء في سنن أبي داود بعد نهاية الحديث: "قال أبو داود: وليس في كتابي عن جابر الجافي إلا هذا الحديث".(4/338)
ش- عبد الله بن الوليد: القرشي الأموي، وسفيان: الثوري.
وجابر بن يزيد بن الحارث بن معاوية (1) بن والكل بن مرائي (2) بن
جُعْفي بن سَعْد العشيرة الجُعْفي أبو عبد الله، أو أبو يزيد، أو أبو محمد الكوفي، روى عن: عامر بن واثقة، وعطاء بن أبي رباح، والشعبي
وغيرهم، روى عنه: الثوري، وشعبة، ومسعر وجماعة آخرون، وقد
اختلف كلام الناس فيه؛ فعن سفيان الثوري: كان جابر ورعا في الحديث،
ما رأيت الورع في الحديث منه، وعن شعبة: هو صدوق في الحديث،
وعن أبي داود الطيالسي: سمِعت وكيعاً يقولُ: مهما شككتم في شيء فلا
تشكوا في أن جابراً ثقة، وعن الشافعي: قال الثوري لشعبة: لئن
تكلمت في جابر لأتكلمن فيك، وعن ابن معين: كان جابر كذابا،
وعن عباس بن محمد: سمعت يحيي يقول: جابرٌ لا يكتب حديثه ولا
كرامة، وقيل لزائدة: ثلاثة لا تروي عنهم، لم لا تروي عنهم: ابن
أبي ليلى، وجابر الجوفي، والسلبي؟ فقال: أما جابر: فكان والله كذابا
يؤمن بالرجعة، وقال النسائي (3) : هو كوفي متروك الحديث./ مات [2/66 - ب] سنة ثمان وعشرين ومائة. روى له: أبو داود، والترمذي، وابن
ماجه (4) .
/ وعن أبي داود: ليسَ في كتابي عن جابر الجُعفي غير هذا الحديث (5) /.
والمغيرة بين شُبَيْل بن عوْف البولي الكًوفي، روى عن: جرير بن عبد الله
التجلي، وقيس بن أبي حازم، روى عنه: الأعمش، وجابر الجوفي،
وداود بن يزيد الأولي، قال يحيي بن معين: ثقة، وقال أبو حاتم: لا
بأس به. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (6) .
__________
(1) في الأصل: " مصعوية ".
(2) في تهذيب الكمال: "مرئي".
(3) في الأصل: " النسائي ".
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (4/879) .
(5) ما بين الشرطين المائلتين ذكر في سنن أبي داود عقب الحديث السابق.
(6) المصدر السابق (28/ 6131) .(4/339)
وقيس بن أبي حازم: واسم أبي حازم: عبد عوف بن الحارث، ويقال: عبده (1) بن عبد الحارث بن عوف بن خُشَيْش (2) بن هلال بن الحارث ابن رزَاح بن كلفة بن عمرو بن لؤي بن رهم بن معاويةْ بن أسلم بن أحْمَس بن الغوث بن أنمار بن أراش البجلي الأحمسي أبو عبد الله الكوفي، أدرك الجاهلية وجاء ليُبايع النبي- عليه السلام- فقبض وهو في الطريق، وأبوه من أصحاب النبي- عليه السلام-، سمع: أبا بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن مسعود وجماعة أخرى كثيرة روى عنه: أبو إسحاق السبيعي، وطارق بن عبد الرحمن، والحكم بن عُتَيبة وغيرهم، قال ابن معين: هو ثقة، وقال معاوية بن صالح: قيْس أوثق من الزهري ومن السائب بن يزيد. مات سنة أربع وثمانين. روى له الجماعة (3) .
قوله: " إذا قام الإمام في الركعتين " يعني: إذا قام إلى الثالثة من غير أن يتشهد ناسياً فإن ذكر ذلك قبل أن ينتصب قائما يعود ويتشهد، وأن ذكره وقد انتصب قائما لا يعود، بل يمضي في صلاته ثم يسجد سجدتي السهوة وهذا بعينه مذهب أبي حنيفة الذي ذكره أصحابه في كتب الفقه. والحديث: أخرجه ابن ماجه.
1008- ص- نا عُبيد الله بن عمر الجُشَمي: نا يزيد بن هارون: أنا المسعودي، عن زياد بن علاقة قال: صلى بنا المغيرة بن شعبة فنهض في
__________
(1) كذا، ولم أجدها في مصادر الترجمة، ولعله أراد: "عوف بن عبد" والله أعلم.
(2) كذا، وفي تهذيب الكمال (24/ 11) ، وأسد الغابة (4/ 309 ترجمة والده: عوف بن الحارثي "حشيش" وضبطه ابن الأثير بالحروف، وفي الاستيعاب ترجمة والده أبي حازم (4/ 45) "خنيس ".
(3) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (247/2) ، أسد الغابة (4/ 17 4) ، الإصابة (2/ 267، 271) .(4/340)
الركعتين قلنا: سُبحان الله قال: سبحان الله ومضى فلما أتم صلاته وسَلّم سجَد سجدتي السهو فلما انصرفَ قال: رأيتُ رسول الله يَصْنعُ كما صنَعْتُ (1) .
ش- عبيد الله بن عمر: ابن ميْسرة القواريري الجُشَمي، ويزيد بن هارون: أبو خالد الواسطي، والمَسْعودي: عبد الرحمن بن عبد الله. وزياد بن عملاقة: ابن مالك الثعلبي- بالثاء المثلثة- أبو مالك الكوفي ابن أخي خطبة بن مالك، سمع: عمه: قطبة، والمغيرة بن شعبة، وجرير بن عبد الله البولي وغيرهم، روى عنه: أبو إسحاق الطبيعي، والشيباني، والأعمش، وعاصم الأحول وغيرهم، قال ابن معين: ثقة، وقال أبو حاتم: صدوق. روى له: الجماعة (2) .
قوله: " فنهض في الركعتين " أي: قام إلى الثالثة من غير أن يتشهد
وإنما لم يرجع إلى كلامهم ولم يَعُدْ لأنهم ما ذَكروه إلا بعد أن انتصب قائماً وهذا الحديث- أيضا- بعَيْنه مذهب أبي حنيفة في جميع أحكامه، وهو حجة على مُخالفِيه. وأخرجه الترمذي، وقال: هذا حديث حسن صحيح.
ص- قال أبو داود: وكذلك رواه ابن أبي ليلى، عن الشعبي، عن المغيرة ابن شعبة، ورفعه.
ش- أي: كذلك روى هذا الحديث: محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن عامر الشعبي، عن المغيرة بن شعبة، وقال الترمذي: نا أحمد بن منيع: نا هشيم: أنا ابن أبي ليلى، عن الشعبي قال: صلى بنا المغيرة بن شعبة، فنهض في الركعتين فسبح به القومُ وسئل بهم، فلما
__________
(1) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في الإمام ينهض في الركعتين ناسياً (365) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (9/ 2061) .(4/341)
صلى بقية صلاتهم سلم، ثم سجد سجدتي السهو وهو جالس، لم حدثهم أن رسول الله- عليه السلام- فعل بهم مثل الذي فعل. ثم قال الترمذي: وقد تكلم بعض أهل العلم في ابن أبي ليلى من قبل حفظه، قال أحمد: لا يحتج بحديث ابن أبي ليلى، وقال محمد بن إسماعيل: ابن أبي ليلى هو صدوق ولا أروي عنه؛ لأنه لا يدري صحيح حديثه من سقيمه، وكل من كان مثل هذا فلا أروي عنه شيئاً.
ص- ورواه أبو عُميس عن ثابت بن عُبيد قال: صلى بنا المغيرة بن شعبة مثل حديث زياد بن علاقة.
[2/ 67 - أ] ش- أي: وروى الحديث المذكور- أيضا- أبو عُمَيس، عن ثابت ابن عُبَيْد مَوْلى زيد بن ثابت الكوفي. وقال أبو بكر بن أبي شيبة: نا محمد بن بشْر: نا مؤشر، عن ثابت بن عبيد قال: صليت خلف المغيرة ابن شعبة فقام في الركعتين فلم يجلس، فلما فرغ سجد سجدتين.
ص- قال أبو داود: أبو عُميس أخو المَسْعودي.
ش- أبو عُميس: اسمُه: عُتْبة بن عبد الله، والمَسْعودي: عبد الرحمن ابن عبد الله- كلاهما- ابنا عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مَسْعود؛ وقد بينا ترجمة كل واحد منهما. وحديث أبي عُميس أجود شيء في هذا؛ فإنه ثقة احتج به الشيخان في "صحيحيهما"، وثابت بن عبيد: ثقة احتج به مسلم.
ص- وفعَل سعدُ بن أبي وقاص مثل ما فعل المُغيرة.
ش- قال أبو بكر بن أبي شيبة: نا محمد بن فضيل، عن بيان، عن قيْس قال: صلى سَعْد بنُ مالك بأصحابه فقام في الركعة الثانية فسبح به القومُ فلَمْ يجلس، وسئل هو وأشار إليهم أن قوموا، فصلي وسجد سجدتين.
ص- وعمران بن حُنين.
ش- أي: وفَعل عمران بن حُنَين- أيضا مثل ما فعل المغيرة. قال(4/342)
أبو بكر: نا يزيد بن هارون، عن هشام، عن محمد قال: صلى بنا عمرانُ بن حُصَين في المسجد، فنهض في ركعتين أو قعد في ثلاث- وكبر ظن هشام: ابنه نهض في الركعتين- فلمّا أتم الصلاة سجد سَجدتي السَّهْو.
ص- والضحاك بن قَيْس.
شك- قال أبو بكر: حدثنا أسباط بن محمد، عن مشرف، عن الشعبيّ قال: صلى الضحاك بن قيس بالناسِ الظهر فلم يجلس في الركعتين الأولين، فلما سلم سجد سجدتين وهو جَالسٌ.
والضحاك بن قيس: ابن خالد بن ثعلبة الفهري القرشي يكنى أبا سعيد،
ولد قبل وفاة النبي- عليه السلام- بست سنين أو نحوها، وهو أخو فاطمة بنت قيس وكانت كبر منه بعشر سنين، روى عنه: تميم بن طرفة، ومحمد بن سويد الفهري، وميمون بن مهران، وسماك بن حرب، وقتل بمرج راهب من أرض دمشق في قتاله لمروان؛ وكان عاملا لعَبد الله بن الزبير، له ذكر في كتاب مسلم، روى له: النسائي (1) .
ص- ومُعاوية بن أبي سفيان، وابنُ عباس أفْتَى بذلك.
ش- أي: بمثل ما ذكر من الصَّلوات التي صلاها هؤلاء المذكورون. ص- وعُمر بن عبد العزيز.
ش- أي: أفتى بمثل ذلك: عُمر بن عبد العزيز، وكذلك أفتى
الشعبي، والحسنُ، وعَطاء.
ص- وقال أبو داود: هذا فيمَنْ قام من ثنتين ثم سجدُوا بعد ما سلموا. ش- أي: المذكور من الصّوَر فيمنْ قام من ركعتين قبل التشهد، ثم سجدوا للسَّهْو بعد ما سلموا للصّلاة.
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (13/ 2926) .(4/343)
1009- ص- نا عمرو بن عثمان، والربيع بن نافعِ، وعثمان بن أي شيبة، وشجاع بن مخلد بمعنى الإسْناد أن ابن عياش حدثهم عن عُبيد الله ابن عبيد الكَلاعي، عن زهير- يعني: ابن سالم العَنْسِي-، عن عبد الرحمن ابن جُبير بن نفير- قال عمرو وحده: عن أبيه-، عن ثوبان، عن النبي - عليه السلام- قال: " لكل سهو سجْدتان بعد ما يُسلم ". لم يذكرُ: " عن أبيه " غير عَمرِو (1) .
ش- شجاع بن مخلد: البغوي أبو الفضل البغدادي، سكن بغداد، روى عن: سفيان، وهشيم بن بشير، ووكيع وغيرهم، روى عنه: مسلم، وأبو داود، وعبد الله بن محمد البغوي، وابن ماجه وغيرهم، قال ابن معين: نعم الرجل ثقة، وقال صالح بن محمد: هو صدوق. توفي ببغداد لعشر خلون من صفر من سنة خمس وثلاثة ومائتين (2) . وابنُ عياش: هو إسماعيل بن عياش- بالياء آخر الحروف والشن المعجمة- الحمصي. وعبيد الله بن عُبيد الكلاعي: أبو وهب الشامي، سمع: بلال بن سَعْد، وزهير بن سالم، ومكحولا وغيرهم، روى عنه: يحيي بن حمزة، وابن عياش، والأوزاعي وغيرهم، قال ابن معين: ليس به بأس. مات سنة اثنتين وثلاثين ومائة (3) .
وزهير بن سالم العَنْسي- بالنون- أبو المخارق، حديثه في الشاميين، روى عن: ابن عمرو بن العاص، وعمرو بن سَعْد الأنصاري، وعبد الرحمن بن جُبَير بن نفير وغيرهم، روى عنه: صفوان بن عَمرو، وثور بن يزيد، فضيل بن فضالة، وعُبيد الله بن عبيد الكلاعي. روى [2/67 - ب] له: أبو داود/ وابن ماجه (4) .
__________
(1) ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب ما جاء فيمن سجدهما بعد السلام
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (12/ 27) .
(3) المصدر السابق (9 1/ 3663) .
(4) المصدر السابق (9/ 2011) .(4/344)
قوله: " قال عَمرو وحده" أي: عَمرو بن عثمان المذكور، انفردَ من بين هؤلاء بقولها عن أبيها أي: عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه، عن ثوبان، عن النبي- عليه السلام-، ولم يذكر لفظ لأبيه " بين عبد الرحمن وبن ثوبان غير عمرو بن عثمان؛ وهو معنى كلام الشيخ في آخر الحديث " لم يَذكر عن أبيه غير عَمرو ". واستدل بهذا الحديث صاحبة "الهداية" فسر قوله: " يَسْجدُ للسهو للزيادة والنقصان سجدتين بعد السلام، ثم يتشهد ثم يُسلم". والحديث: أخرجه ابن ماجه، وأحمد في " مسنده "، وعبد الرزاق في "مصنفه " والطبراني في "معجمه" وذكر البيهقي حديث ثوبان هذا، ثم قال: إسناد فيه ضعف.
قلنا: سكوت أبي داود يدل على أن اقل أحواله أن يكون حسنا عنده على ما عرف، وليس في إسناده مَنْ تكلم فيه سوى ابن عياش، وبه عمل البيهقي الحديث في كتاب " المعرفة " فقال: تفرد به إسماعيل بن عياش؛ وليس بالقوي.
قلنا: هذه العلة ضعيفة؛ فإن ابن عياش روى هذا الحديث عن شامي، وهو: عُبيد الله الكلامي. وقد قال البيهقي في " باب ترك الوضوء من الدم ": ما روى ابن عياش عن الشاميين صحيح، فلا ندري من أين حصل الضعف لهذا الإسْناد؟ ثم معنى قوله: "لكل سهو سجدتان" أي: سواء كان من زيادة أو نقص كقولهم: لكل ذنب توبة، وحمله على هذا أولى من حمله على أنه كلما تكرر السهو ولو في صلاة واحدة لكل سهو سجدتان- كما فهمه البيهقي- حتى لا تتضاد الأحاديث، وأيضاً فقد جاء هذا التأويل مصرحاً به في حديث عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "سجدتا السهو تجزآن من كل زيادة ونقصان " ذكره البَيْهقي في "باب من كثر عليه السهول، على أن البيهقي فهم من هذا اللفظ- أيضا - ما فهمه في هذا الباب، وبهذا يظهر لك أنه لا اختلاف بين حديث ثوبان وبين حديث أبي هريرة وعمران وغيرهما.
* * *(4/345)
190- بَابُ: سَجْدتي السهو فيهما تَشهد وَتَسْليم
أي: هذا باب في بيان سجدتي السهْو فيهما تشهد وتسليمَ.
1010- ص- نا محمد بن يحيي بن فارس: نا محمد بن عبد الله بن المثني قال: حدثني أشعث، عن محمد بن سيرين، عن خالد، عن أبي قلابة، عن أبي المهلب، عن عمران بن حُسين أن النبي- عليه السلام- صلى بهم فسهَى فسجَدَ سجدتين ثم تشهد ثم سلم (1) .
ش- أشعث بن عبد الملك الحُمراني، وخالد الحذاء، وأبو قرابة عبد الله ابن زيد الجرمي، وأبو المُهلب عبد الرحمن بن عَمرو.
قوله: "صلى بهم" أي: بالناس. وفيه: أن سجدتي السهو عقابهما: التشهد والسلام. وأخرجه الترمذي، والنسائي، وقال الترمذي: حسن غريب، وقال: اختلف أهل العلم في التشهد في سجدتي السهو؛ فقال بعضهم: يتشهد فيهما ويُسلّم، وقال بعضهم: ليس فيها (2) تشهدٌ وتسليم، ماذا سجدهما قبل السلام لم يتشهد؛ وهو قول أحمد وإسحاق قالا: إذا سجد (3) سجدتي السهو قبل السلام لم يتشهد. وقال أبو بكر بن أبي شيبة: نا معاذ بن معاذ: أنا ابن جرير، عن عطاء قال: ليس في سجدتي السهو تشهد ولا تسليم. نا ابن مهدي، عن حماد بن سلمي، عن قتادة، عن الحسن وأنا أنهما سجَداهما ثم قاما ولم يُسلما.
وأخرج عن عبد الله التشهد، وكذا أخرج عن إبراهيم: التشهد والسلام، وعن الحكم وحماد.
* * *
__________
(1) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في التشهد في سجدتي السهو (395) ، النسائي: كتاب السهو، باب: ما يفعل من سهم من ركعتين ناسيا وتكلم (26/3) .
(2) في جامع الترمذي " فيهما".
(3) في الأصل: " شهد "، وما أثبتناه من جامع الترمذي.(4/346)
191- بَابُ: انصرَافِ النِسَاءِ قَبلَ الرجالِ منذ الصلاة
أي: هذا باب في بيان انصراف النساء قبل الرجال من الصلاة.
1011- ص- نا محمد بن يحيى، ومحمد بن رافع قالا: نا عبد الرزاق: أنا معمر، عن الزهري، عن هند بنت الحارث، عن أمر كلمة قالت: كان رسول الله- عليه السلام- إذا سلم مكث قليلا وكان يُروْن أن ذلك كيْما يَنْفُذ النِساءُ قبل الرجال (1) .
ش- هند بنت الحارث: الفِراسية، ويقال: القرشية، روت عن
أم سلمة، روى عنها: الزهري. قال جعفر بن ربيعة،/ عن الزهري: [2/68 - أ] حدثتني بنت الحارث الفراسية- وكانت من صواحباتها-، وقال الزبيدي: عن الزهري: أخبرتني هند القرشية، وكانت تحت معبد المقداد، وهو حليف ابن زهرة، وكانت تدخل على الزواج النبي- عليه السلام-. وقال ابن التين: وقال الداودي. كانت من فارس. وقال ابن الأثير: ولا العلم له وجهاً روى لها: الجماعة إلا مُسلماً (2) .
قوله: "كيما ينفذ النساء" بالذال المعجمة، أي: كيما تمضي النساء قبل الرجال- واختلف العلماء: هل يمكث الإمام في مصلاه بعد الفراغ من الصلاة؟ فقال أبو حنيفة: كل صلاة يتنفل بعدها يقوم، وما لا يتنفل بعدها كالعصر والصّبح فلا. وقال أبو محمد: يتنفل بعد الصلوات كلهاة ليتحقق المأموم أنه لم يبق عليه من سجوده سهو ولا غيره. وقال مالك: لا يثبت الإمام بعد سلامه. وقال أشهب: له أن يتنفل في موضعه؛ أخذا بما روي عن القاسم بن محمد. قال ابن بلال: ولم أجده لغيره من الفقهاء. وقال الشافعي: يستحب له أن يثبت ساعةً. وقال ابن بطال:
__________
(1) البخاري: كتاب الآذان، باب: التسليم (837) ، النسائي: كتاب السهو، باب: جلسة الإمام بين التسليم والانصراف (3/ 25) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: الانصراف من الصلاة (932) .
(2) انظر ترجمتها في: تهذيب الكمال (35/ 7942) .(4/347)
وأما مكث الإمام في مصلاه بعد السلام فكرهه أكثر الفقهاء إذا كان إماماً راتبا، إلا أن يكون مكثه لعِلة كما فعل رسولُ الله. وهو قول الشافعي، وأحمد. وقال مالك: يقومَ ولا يقعد في الصلوات كلها إذا كان إمام مسجد جماعة، فإن كان في سفر: فإن شاء قام، وإن شاء قعد. قال ابن خربود: من غير أن يَسْتقبل القبلة. وعن عمر بن الخطاب: جلوس الإمام بعد السلام بدْعة. وعن ابن مسعود: كان النبي- عليه السلام- إذا قضى صلاته انفصل سريعاً: إما أن يقوم وأما أن ينحرف. وقال قتاده: كان أبو بكر إذا سلم كأنه على الرضْف حتى ينهض. وعن الحسن والزهري: لا ينصرفون حتى يقوم الإمام؛ ذكرها عبد الرزاق. وفي كتاب ابن شاهين من حديث سفيان، عن سماك، عن جابر: كان النبي - عليه السلام- إذا صلى الغداة لم يبرح من مجلسه حتى تطلع الشمس حسناً وفي حديث ابن جرير، عن عطاء، عن ابن عباس: صليت مع النبي- عليه السلام-، فكان ساعة يُسلم يقوم، ثم صليت مع أبي بكر فكان إذا سلم وثب من مكانه كأنه يقوم عن رضفة. قال ابن شاهين الحديث الأول عليه العمل في الصلاة التي لا يتنفل بعدها، والثاني: في التي بعدها تنفل. وحديث أم كلمة: أخرجه البخاري، والنسائي، وابن ماجه.
* * *
192- بَابٌ: كيفَ الانصرافُ مِن الصلاة؟
أي: هذا باب في بيان كيفية الانصراف من الصلاة.
1012- ص- نا أبو الوليد الطيالسي: نا شعبة، عن سماك بن حرب، عن قَبيصة بن هُلب- رجل من طيئ-، عن أبيه أنه صلى مع النبي- عليه السلام- فكان ينصرفُ مع شِقيه (1) .
__________
(1) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في الانصراف عن يمينه وعن شماله (301) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: الانصراف من الصلاة(4/348)
ش- قبيصة بن الهلب: الكوفي الطائي، روى عن: أبيه، روى
عنه: سماك بن حرب، قال علي بن المديني: هو مجهول، لم يرو عنه
غير سماك، وقال أحمد بن عبد الله: تابعي ثقة. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (1) .
وهُلْب: بضم الهاء وسكون اللام، وقيل: الصواب فيه: فتح الهاء
وكسر اللام، وذكر بعضهم فيه ضم الهاء وفتحها وكسرها، واسمه: يزيدُ
ابن قنافة، ويقال: يزيد بن عدي بن قنافة، وفد على رسول الله وهو
أقرع فمسح رأسه، فنبت شعرُه فسُمّي هلباً (2) .
قوله: "مع شقيه" أي: مع جانِبَيْه؛ يعني: تارةً عن يمينه وتارة عن
شماله. وفي رواية ابن ماجه بسند صحيح، عن عمرو بن شعيب، عن
أبيه، عن جده: رأيت رسول الله ينفتل عن يمينه ويساره في الصلاة.
وعند ابن حبان، عن قبيصة بن هُلْب- أيضاً-، عن أبيه قال: أمّنا
رسولُ الله- عليه السلام- فكان ينصرف عن جانبيه جميعاً.
وقال الترمذي: نا قتيبة: نا أبو الأحوص، عن سماك بن حرب،
عن قبيصة بن هلب، عن أبيه قال: كان رسول الله يؤمنا فينصرف على
جانبيه على يمينه وشماله، وقال: حديث هلب حديث حسنٌ، وعليه
العمل عند أهل العلم: أنه ينصرف على أقي جانبيه/ شاء، إن شاء عن [2/68- ب] يمينه، دان شاء عن يساره، وقد صحّ الأمران عن النبي- عليه السلام-،
ويروى عن علي رضي الله عنه أنه قال: إن كانت حاجته عن يمينه أخذ عن
يمينه، أن كانت حاجته عن يَساره أخذ عن يَساره.
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (23/ 4846) .
(2) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (3/ 614) ، وأسد الغابة (5/ 413) ، والإصابة (3/ 906) .(4/349)
1013- ص- نا مسلم بن إبراهيم: نا شعبة، عن سُلَيْمان، عن عمارة، عن الأسْود بن يزيد، عن عبد الله قال: لا يجعلْ أحدكم نصيبا للشيطان من صلاته أن لا ينصرف إلا عن يمينه، وقد رأيتُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- أكثر ما ينصرفُ عن شماله قال عمارة: أتينا المدينةَ بعدُ فرأيت منازلَ النبي- عليه السلام- عن يَسارِه (1) .
ش- سليمان: هو الأعمش، وعمارة: ابن عُمَيْر.
وفي رواية مسلم: "لا يجعلن " بنون التأكيد. وأخرجه البخاري، والنسائي، وابن ماجه؛ وليس فيه قول عمارة. وقد أخرج مسلم في "صحيحه" والنسائي في "سننه " من حديث إسماعيل بن عبد الرحمن السُدي قال: سألت أنساً كيف أنصرفُ إذا صليتُ عن يميني أو عن يساري؟ قال: أما أنا فأكثر ما رأيت رسول الله ينصرف عن يمينه. وجه الجمع بين الروايتين: أنه- عليه السلام- كان يفعل تارة هذا وتارة هذا، فأخبر كل واحد بما اعتقد أنه الأكثر فيما يعلمه، فدل على جوازهما ولا كراهة في واحد منهما. وأما الكراهة التي اقتضاها كلام ابن مسعود فليست بسبب أصل الانصراف عن اليمين أو الشمال؛ دائما هي في سنن من يرى أن ذلك لا بد منه؛ فإن من اعتقد وجوب واحد من الأمرين مخطئ.
وقال الشيخ محيي الدين (2) : ومذهبنا: أنه لا كراهة في واحد من الأمرين؛ لكن يستحب أن ينصرف في جهة حاجته، سواء كانت عن يمينه أو شماله، فإن استوت الجهتان في الحاجة وعدمها فاليمين أفضل؛ لعموم الأحاديث المصرية في فضل اليمين في باب المكارم ونحوها.
وقال صاحب "المحيط ": والمستحب: أن ينحرف إلى يمين القبلة،
__________
(1) البخاري: كتاب الآذان، باب: التسليم (852) ، النسائي: كتاب السهو، باب: الانصراف من الصلاة (3/ 81) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: الانصراف من الصلاة (930) .
(2) شرح صحيح مسلم (220/5) .(4/350)
وكذلك إذا أراد أن يتنفل بعد المكتوبة يستحب له أن يتطوع في يمين القبلة؛ لأن لليمين فضلاً على اليَسار؟ ويمين القبلة: ما بحذاء يَسار المستقبل.
* * *
193- بَابُ صَلاة الرجل التطوّعَ في بيتِهِ
أي: هذا باب في بيان صلاةَ الرجلِ التطوعَ في بيْته، وفي بعض النسخ: "باب التطوع في بَيْته".
1014- ص- نا أحمد بن حنبل: نا يحيي، عن عبيد الله قال: أخبرني نافع، عن ابن عمر قال: قال رسول الله-: واجعلوا من صلاتكم في بيوتكم (1) ولا تتخذوها قبورا " (2) .
ش- يحيي القطان. وعُبيد الله بن عمر بن حرص العمري، روى عن: نافع، وابن أبي صالح، َ وأبي الزبير المكي وغيرهم، روى عنه: يحيي، وأبو بَدْر، وابن قدامه وغيرهم، قال يحيي بن معين: ثقة. روى له الجماعة.
قوله: " اجعلوا منْ صلاتكم في بيوتكم" معناه: صلوا فيها ولا تجعلوها كالقبور مهجورة من الصلاة؟ والمراد به: صلاة النافلة أي: صلوا النوافل في بيوتكم. وقال القاضي عياض: قيل: هذا في الفريضة؛ ومعناه: اجعلوا بعض فرائضهم في بيوتكم ليقتدي بكم مَن لا يخرج إلي المساجد من نسوة وعبيدٍ ومريض ونحوهم. قال: وقال الجمهور: بل هو في
__________
(1) في سنن أبي داود: "اجعلوا في بيوتكم من صلاتكم ".
(2) البخاري: كتاب التهجد في الليل باب: التطوع (1187) ، مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: صلاة النافلة في البيت 208 / 777) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في فضل صلاة التطوع في البيت (451) ، النسائي: كتاب قيام الليل، باب: الحث على الصلاة في البيوت، والفضل في ذلك (197/3) ، ابن ماجه: كتاب أقامة الصلاة والسنة فيها باب: التسبيح في الركوع والسجود (887) .(4/351)
النافلة لإخفائها، وللحديث الآخر: " أفضل الصلاة: صلاة المرء في بيْته إلا المكتوبة ".
قلت: فعلى التقدير الأحول تكون "مِنْ" في قوله: "اجعلوا من صلاتكم " زائدةً؛ ويكون التقدير: اجعلوا صلاتكم في بيوتكم ويكون المراد منها النوافل، وعلى التقدير الثاني تكون " مِن " للتبعيض، والمعنى: اجعلوا بعض صلاتكم المكتوبة في بيوتكم. والأحسنُ عندي: أن تكون "من" للتبعيض مطلقا ويكون المراد من الصلاة مطلق الصلاة، ويكون المعنى: اجعلوا بعض صلاتكم وهو النفل من الصلاة المطلقة في بيوتكم، والصلاة المطلقة تشتمل النفل والفرض، على أن الأصح منع مجيء " مِنْ " زائدةً في الكلام المثْبت، ولا يجوز حمل الكلام على الفريضة لا كلها [2/69 - أ] ولا بعضها،/ لأن الحث على النفل في البيت، وذلك لكونه أخفى وأبعد من الرياء، وأصون من المحيطات وليتبرك البيْت بذلك، وتنزل الرحمة فيه والملائكة، وينفر الشيطان منه.
وقوله: " ولا تتخذوها قبورا " من التشبيه البليغ البديع بحذف حرف التشبيه للمبالغة، وهو تشبيه البَيْت الذي لا يُصلَّى فيه بالقبر الذي لا يُمكَنُ الميّت فيه من العبادة. وقد أول جماعة هذا الحديث على منع الصلاة في المقابر، ونسَب السفاقسي هذا التأويل إلى البخاري. وهذا تأويل بعيدة والصحيح ما ذكرناه. وقد روي عن جماعة أنهم كانوا لا يتطوعون في المسجد، منهم: حذيفة، والسائب بن يزيد، والربيع بن خثيم، وسويد بن غفلة. ومن هذا أخذ علماؤنا: أن الأفضل في غير الفرائض: المنزلُ. وقد روى الترمذي، عن زيد بن ثابت، عن النبي- عليه السلام- قال: "أفضل صلاتكم في بيوتكم إلا المكتوبة". وحديث ابن عمر: أخر له البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه. وروى الطبري من حديث عبد الرحمن بن سابط، عن أبيه يَرْفعه: "نوْروا بيوتكم بذكر الله، وكثروا فيها تلاوة القرآن، ولا تتخذوها قبورا كما اتخذها اليهود والنصارى".(4/352)
وروى ابن أبي شيبة بسند جيد، عن زيد بن خالد الجهني يَرْفعُه: "صلُوا في بيوتكم ولا تتخذوها قبورا". ورَوى- أيضا- من حديث جعفر بن إبراهيم من ولد ذي الجناحين: حدثنيِ علي بنُ عمر، عن أبيه، عن علي بن حُسين، عن أبيه، عن جده يرْفعهُ: " لا تتخذوا قبري عيداً، ولا بيوتكم قبوراً".
1015- ص- نا أحمدُ بن صالح: نا عبدُ لله بن وهب قال: أخبرني سُليمانُ بن بلال، عن إبراهيم بن أبي النَضْر، عن أبيه، عن بُسْر بن سَعيد، عن زيْد بن ثابت أن النبي- عليه السلام- قال: " صلاةُ المرْء في بيته أفضلُ من صلاته في مَسْجدي هذا إلا المكتوبة " (1) .
ش- إبراهيم بن سالم بن أبي النضر أبو إسحاق التميمي القرشي، يُلقبُ بَرَدان، روى عن: أبيه، وسعيد بن المسيب، روى عنه: سليمان ابن بلال، وصفوان بن عيسى، قال ابن سعد: كان ثقة له أحاديث. مات سنة ثلاث وخمسين ومائة. روى له: أبو داود (2) .
وأبوه: سالم بن أبي أمية أبو النضر، قد ذكر مَرةً، وبُسْر بن سعيد: بضم الباء وسكون السين المهملة، قد ذكرناه.
والحديث: أخرجه الترمذي، والنسائي بنحوه، وقال الترمذي، حديث حسن، وفيه دلالة [أن الصلاة] (3) في البيت أفضل؛ لأن صلاة المرء إذا كا [نت] (3) في بيته أفضل من صلاته في مسجد الرسول، (3) - عليه السلام- كانت في بيته بطريق الأولى أن تكون أفضل من صلاته في مسجد غير الرسول- عليه السلام-.
* * *
__________
(1) البخاري: كتاب الآذان، باب: صلاة الليل (731) ، مسلم: كتاب صلاة المسافرين، باب: استحباب صلاة النافلة في بيته، وجوارها في المجد
(1 13/78 2، 4 1 2) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في فضل صلاة التطوع في البت (450) ، النسائي: كتاب قيام الليل، باب: الحث على الصلاة في البيوت (3/197 - 198) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (2/ 173) .
(3) غير واضح في الإلحاق.
23. شرح سنن أبي داوود 4(4/353)
194- بَاب: مَنْ صَلى لغيْر القِبْلةِ ثم عَلِمَ
أي: هذا باب في بيان من صلى لغير جهة القبلة ثم علم.
1016- ص- نا موسى بن إسماعيل: نا حماد، عن ثابت وحميد، عن أنس، أن النبي- عليه السلام- وأصحابه كانوا يُصلون نحو بَيْت المقدس، فلماً نزلت هذه الآية "فَول وجهك شطر المسجد الحرام وحيْث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره " فمر رجل من بني سَلِمة فنادَاهم وهم ركوع في صلاة الفجر نحو بيت المقدس: ألا إن القبلة قد حُولَتْ إلى الكعبة- مرتين- قال: فمالوا كما هم ركوع إلى الكعبَة (1) .
ش- صلى رسول الله- عليه السلام- نحو بيت المقدس ستة عشر أو سبعة عشر شهرا على ما روي في " الصحيح " عن البراء قال: وكان رسول الله يصلي نحو بيت المقدس ستة عشر أو سبعة عشر شهرا" الحديث. وعند ابن ماجه بسند صحيح. "صلينا مع رسول الله نحو بيت المقدس ثمانية عشر شهراً وصرفت القبلة إلى الكعبة بعد دخوله المدينة بشهرين " الحديث.
قوله: "شطر المسجد الحرام" أي: جهته. السجستاني (2) من حديث يزيد النحوي، عن عكرمة، عنه: كان يستقبل صخرة بيت المقدس. وهي قبلة اليهود سبعة عشر شهر. وعن سعيد بن عبد العزيز أن النبي - عليه السلام- صلى نحو بيْت المقدس من شهر ربيع الأول إلى جمادى الآخرة. وعند الشافعي، عن مالك، عن يحيي بن سعيد، عن سعيد ابن المسيب أن رسول الله- عليه السلام- صلى في مسجده الظهر بالمسلمين، ثم أمر أن يواجه إلى المسجد الحرام. قال: ويُقال: إنه زار
__________
(1) مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، " باب: تحويل القبلة من القدس إلى الكعبة (527/15) ، النسائي في كتاب التفسير، باب: " فول وجهك شطر المسجد الحرام " (1/ 198) .
(2) كذا.(4/354)
أم بشر بن البراء بن معرور في بني سَلِمة، وصنعت له طعاماً، وحانت
الظهر فصلى بأصحابه ركعتين، ثم أمر أن يتوجه إلي الكعبة، فاستداروا
إلى الكعْبة، واستقبل الميزاب، فسمي المسجد مسجد القبلتين، وذلك يوم
الاثنين للنصف من رجب على رأس سبعة عشر شهرا. قال محمد بن
عمر: هذا أثبت عندنا. وعن عمارة بن أوس الأنصاري قال: صلينا
إحدى صلاتي العشاء فقام رجل على باب المسجد ونحن في الصلاة
فنادى: إن الصلاة قد وجهت نحو الكعْبة. قال: فتحرف أو تحول إمامنا
نحو الكعبة والنساء والصبيان. وفي "المُحبر " لابن حبيب: حُولِت
/ الظهر يوم الثلاثاء للنصف من شعبان في الركعة الثالثة، وقيل: في 2/69 - ب] صلاة العصر. وفي "الناسخ والمنسوخ " للنحاس، عن ابن زيد بن أسلم:
بعد بضعة عشر شهرا. قال: وروى الزهري، عن عبد الرحمن بن
عبد الله بن كعب بن مالك: صرفت في جمادى. قال أبو جعفر
النحاس: وهو أولى الأقوال بالصواب. وقال الطبري: حدثنا القاسم:
نا الحسين: نا حجاج: قال ابن جريج: صلى رسول الله- عليه السلام-
أول ما صلى إلى الكعبة، ثم صرف إلى المقدس فصلّت الأنصار قبل
قدومه بثلاث حجج.
قوله: "شطر المسجد الحرام " أي: جهته.
قوله: "فمر رجل من بني سَلمة"- بفتح السن وكسر اللام- بَطن من
الأنصار من الخزرج، وزعم ابنَ بَشكوال والخطيب أن الذي مر عليهم:
أبو بشر عباد بن بشر الأشهلي، وقيل: عباد بن نهيك، فيحتمل ابن
أحدهما أتى إلي مسجد قريب من المدينة العصر، والآخر جاء إلى أهل قباء الصبح.
قوله: "وهم ركوع " جملة حالية، والركوع جمع راكع كالسجود
جمع ساجدِ. ويُستفادُ من الحديث فوائد؛ الأولى: جواز النسخ عقليا
ووقوعه شرعا، وهو مذهب المسلمين أجمع؛ خلافا لليهود- عليهم
اللعنة- فعند بعضهم باطل نقلا وهو ما جاء في التوراة: "تمسكوا(4/355)
بالسبْت مادامت السمواتُ والأرض " فادعوا نقله تواترا، ويدعون النقل عن موسى- عليه السلام- أنه قال: "لا نسخ لشريعته". وعند بعضهم باطل عقلا. وقد نقل إنكارُه عن أبي مسلم الأصفهاني من المسلمين، قال فخر الإسلام: "إنكار النسخ مع عقد الإسلام لا يتصورُ". قلنا: أما جوازه عقلا؛ فلأنه ليْس إلا بيان مدة الحكم المُطلق التي هي غيْب عنا، ومعلوم عند الله بأنها مُؤقتة إلى وقت كذا، والأحكام ضرعت لمصالح العباد، وتتبدلُ باختلاف الزمان. وأما وقوعه شرعا: فلا شك أن نكاح الأخوات كان مشروعاً في شريعة آدم- عليه السلام-، وبه حصل التناسل وهذا لا ينكره أحد، ثم نسخ ذلك في شريعة غيره، وكذلك العمل في السبت كان مباحا قبل شريعة موسى- عليه السلام-، ثم نُسخ بعدها بشريعته- عليه السلام-، وبه خرج الجواب عما ذكره اليهود عليهم اللعنة.
الثانية: جواز نسخ الكتاب بالسنة وعكْسه؛ وذلك لأنه- عليه السلام- كان يتوجهُ إلى الكَعْبة في الصلاة حين كان بمكة، وبعد الهجرة توجه إلى المدينة- كما ذكرنا- وعلم بالتحقيق أن التوجه إلى بيت المقدس كان بالسنة؛ لأنه ليس بمتلو في القرآن، فإن كان التوجه إلى الكعبة أولا بالكتاب، فقد نسخ بالسنة المُوجبة إلى التوجه إلى بيت المقدس، فدل على جواز نسخ الكتاب بالسنة، وأن كان بالسنة فلا شك أن التوجه الثابت إلى القدْس نسخ بالكتاب وهو قوله: "فَول وَجْهَكَ شَطرَ المسجِدِ الحَرَام" (1) فدل على جواز نسخ السنة بالكتاب وقال الشيخ محيي الدين (2) : واختلف أصحابنا وغيرهم أن استقبال بيت المقدس كان ثابتا بالقرآن أم باجتهاد النبي- عليه السلام-؟ فحكى للماوردي في "الحاوي" وجهين في ذلك لأصحابنا، قال القاضي: الذي ذهب إليه كثر العلماء أنه كان بسنة لا بقرآن، فعلى هذا يكون فيه دليل لقول من قال: إن القرآن ينسخ السنةَ، وهو قول كثر الأصولية، وهو أحد قولي الشافعي،
__________
(1) سورة البقرة: (144) .
(2) شرح صحيح مسلم (9/5) .(4/356)
والقول [الثاني] (1) له وبه قالت طائفة لا يجوز؛ لأن السنة مبينة
للكتاب فكيف يَنسخها؟ وهؤلاء يقولون: لم يكن استقبال بيت المقدس
بسنة؛ بل كان بوحي، قال الله تعالى: (وَمَا جَعَلنَا القِبْلَةَ التِي كُنتَ عَلَيْهًا) الآية (2) ، واختلفوا- أيضا في عكْسه وهو نسخ السنة
بالقرآن، فجوزه الأكثرون ومنعه الشافعي وطائفة.
الثالثة: جواز نسخ الكتاب بخبر الواحد في حال حياة النبي- عليه
السلام-. لأن أهل قباء كانوا في الصلاة متوجهين إلي القدس،
فأخبرهم مخبر بأن القبلة/ قد تحوّلت إلى الكعبة، فتحولوا إلى الكعبة [2/70 - أ] في خلال الصلاة بخبر الواحد، ولم يُنكر عليهم رسولُ الله- عليه السلام- بذلك. وأما بعد النبي- عليه السلام-: فلا يجوز نسخ
الكتاب بخبر الواحد؛ بل إنما يثبت النسخ بالمتواتر مستندا إلى حال حياة
النبي- عليه السلام:؛ لأن النصوص بعد موته- عليه السلام- بقيت
قطعية لارتفاع احتمال النسخ بعده، فلا يجوز النسخ إلا بقطعي مثله
مستندا إلي حال حياته- عليه السلام-، فظهور الناسخ يُبَين أن النسخ
كان ثابتا في زمان جواز النسخ، وهو حياته- عليه السلام-؛ لا أن
النسخ ثبت في زماننا فقط.
الرابعة: فيه قبول خبر الواحد؛ وتفصيل هذه المسألة على خمسة
أقسامٍ؛ لأنه إما أن يكون من حقوق الله أو من حقوق العباد؛ فإن كان من
حقوق الله فهو على قسمين: عبادات وعقوبات، وإن كان من حقوق
العباد: فهو على ثلاثة أقسام: ما فيه إلزام محض، وما فيه إلزام من
وجه دون وجه، وما لا إلزام فيه؛ فهذه خمسة:
الأولُ: وهو العبادات: خبر الواحد حجة فيه من غير اشتراط العدد،
ولفظه الشهادة بعد وجود شرائط تُراعَى في المخبِر وهي: الإسلام،
والعدالة، والعقل، والضَبْطُ.
__________
(1) زيادة من شرح صحيح مسلم.
(2) سورة البقرة: (143) .(4/357)
الثاني: وهو العقوبات كالحدود والكفارات؛ فذهب الجمهور وكثر أصحابنا إلى أن إثبات الحدود بأخبار الآحاد جائز؛ وهو المنقول عن أبي يوسف في "الأمالي " وهو اختيار الجصاص، وذهب الكرخي إلى أنه لا يجوز إثبات العقوبات بخبر الواحد، وإليه ذهب بعض المتأخرين من أصحابنا.
الثالث: الذي فيه إلزام محض كالبيع والشراء وسائر أسباب الملك
فإن خبر الواحد لا يكون حجة فيه؛ بل يشترط فيه العدد، وأقله اثنان فيما يطلع عليه الرجال، ولفظه الشهادة مع سائر شرائط صحة الأخبار. الرابع: الذي فيه إلزام من وجه دون وجه؛ وذلك مثل العبد المأذون إذا أُخبر بالحجر، أو الوكيل إذا أخبر بالعزل، أو البكر البالغة إذا أُخبرت بتزويج الولي فسكتت، أو الشفيع إذا أخبر ببَيع الدار المشفوعة فسكت عن طلب الشفعة، أو المولى أخبر بجناية عبده فأعتقه، أو الذي أسْلم في دار الحرب ولم يهاجر إلى دارنا أخبر بالشرائع؛ فإن الإخبار بهذه الأشياء فيه شَبَهان: إلزام من وَجه دون وجه- كما عرف في موضعه- فالمخبِر إن كان رسولا أو وكيلا فالإخبار من جهة المولى أو الموكل لا يشترط فيه العددُ والعدالة اتفاقا، وإن كان فضوليا فكذلك عند أبي يوسف ومحمد، وأبو حنيفة شرَط أحدَهما إما العدد أو العدالة.
واختلف المشايخ في الذي أسلم في دار الحرب إذا أخبره فاسق بوجوب الصلاة، هل يلزمه القضاء باعتبار خبره عما فات عنه من الصلوات والصيام؟ فمنهم من يقول: ينبغي أن لا يجب القضاء عليه عندهم؛ لأن هذا من أخبار الدين، والعدالة فيها شرط اتفاقا، واعثر على أنه على الخلاف المذكور. وقال شمس الأئمة: الأصح عندي: أنه يلزمه القضاء بخبر الفاسق عند الكل، لأن المخبِرَ بالشرائع رسول عن رسول الله- عليه السلام-؛ فإنه مأمور من جهة النبي- عليه السلام- بالتبليغ. الخامس: الذي لا إلزام فيه بوجه أصلا كالوكالات والمضاربات والهدايا والودائع والإذن في التجارة، فيعتبر لثبوت هذا القسم خبر كل مميز بين(4/358)
المضار والمنافع، وإن كان غير عدلا أو صبيا أو كافراً إذا وقع في قلب
السامع صدقُه.
الخامسة: فيه جواز الصلاة الواحدة إلى جهتين؛ وذلك فيمن اشتبهت
عليه القبلة، فإنه إذا تحرى وصلى إلى جهة ثم علم أنه أَخطأ وهو في
الصلاة، استدار إلى القبلة كما في قضية أهل قباء، وكذا إلى جهات
مختلفة فيما إذا أتم قوما في ليلة مظلمة، فتحرى القبلة وصلى إلى جهة،
وتحرى مَن خلفه فصلى كل واحد منهم إلى جهةٍ وكلهم خلفه، ولا
يعلمون ما صنع الإمام أجزأهم لوجود التوجه إلى جهة التحري.
وقالت الشيخ محيي الدين (1) : وفيه جواز الصلاة الواحدة إلى جهتين
وهذا/ هو الصحيح عند أصحابنا فيمن صلى إلى جهة بالاجتهاد، ثم [2/70- ب] تغير اجتهاده في أثنائها، فيَسْتدبرُ إلى الجهة الأخرى حتى لو تغير اجتهاده
أربع مرات في الصلاة الواحدة، فصلى كل ركعة منها إلى جهة صحت
صلاته على الأصح.
السادسة: فيه دليل على أن النسخ لا يَثبُت في سنن المكلف حتى يبلغه
وهذا ظاهر. والحديث: أخرجه مسلم، والنسائي، وابن خزيمة؛ وزاد
في آخره: " واعتدوا بما مضى من صلاتهم ". وعند الطبراني في
" الأوْسط ": نادى منادي النبي- عليه السلام-: إن القبلة حولت إلى
البيت الحرام- وقد صلى الإمام ركعتين- فاستداروا. وقالت الطحاوي:
وفي كونهم "استداروا " دليل على أن من يعلم بفرض الله تعالى ولم تبلغه
الدعوة، ولم يمكنه استعلام ذلك من غيره، فالفرض في ذلك غير لازم
له، وكذا الرجل يُسلمُ في دار الحرب أو دار الإسلام، وتمرّ عليه فرائضُ
لم يعلمها، ولم يعلم بفرضيتها، ثم علم بفرضيتها بعدُ فللعلماء في ذلك
قولان، أحدهما: إن كان في دار الحرب بحيث لا يجد من يُعلمه لا
يجب عليه قضاء ما مر، وإن كان في دار الإسلام أو في دار الحرب وعنده
__________
(1) شرح صحيح مسلم (9/5) .(4/359)
من يتعلم منه يجب عليه القضاء فيما مر. وهذا قول أبي حنيفة. والقول الآخر: أنه يقضي ما مرّ من الصلوات والصيام، وهو قول أبي يوسف رحمه الله.
* * *
195- بَابُ: تفْريع أبْواب الجُمعةِ
أي: هذا باب في بيان تفريع أنول أحكام الجمعة؛ وفي بعض النسخ بعد قوله باب تفريع أبواب الجمعة: " باب فضل يوم الجمعة وليلة الجمعة" (1) .
1017- ص- نا القعنبي، عن مالك، عن يزيد بن عبد الله بن الهاد، عن محمد بن إبراهيم، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " خيْرُ يوم طلعت فيه الشمسُ يوم الجمعة فيه خُلِق اَدمُ وفيه اهْبطَ وفيه تيب عليه وفيه ماتَ وفيه تقومُ الساعةُ وما منْ دابة إلا وهي مُسيخة يوم الجمعَة من حين تُصْبح حتى تطلع الشمسُ شَفَقاً من الساعة إلا اَلجن والإنس وفيها (2) ساعة لا يُصادفها عبدٌ مُسلِمٌ وهو يُصلي يَسألُ الله حاجة إلا أعطاه إياها ". قال كعب: ذلَك في كل سنة يوم؟ فقلت: بلى (3) في كل جمعة. قال: فقرأ كعب التوراةَ فقال: صدق رسول الله. قال أبو هريرة: ثم لقيتُ عبد الله بن سلام فحدثته بمجلسي مع كعب فقال عبد الله بن سلام: قد علمتُ أيّ (4) ساعة هي، قال أبو هريرة: فقلتُ له: أخبرني (5) بها، فقال عبد الله بن سلام: هي آخر ساعة من يوم الجمعة، فقلت: كيف هي آخرُ ساعة من يوم الجمعة وقد قال رسوَل الله: " لا يصادفُها عبد مسلم وهو يُصلي، وتلك الساعة لا يصلى فيها؟ فقال عبد الله بن سلام: ألم يَقُل
__________
(1) كما في سنن أبي داود.
(2) في سنن أبي داود:" وفيه".
(3) في سنن أبي داود: " بل ".
(4) في سنن أبي داود: "أية".
(5) في سنن أبي داود: " فأخبرني".(4/360)
رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من جلسَ مجلساً يَنْتظر الصلاةً فهو في صلاة حتى يصلي؟ فقلتُ (1) : بلى، قال: هو ذاك (2) .
ش- مالك بن أنس، ويزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهند الليثي المدني، ومحمد بن إبراهيم بن الحارث القيمي.
قوله: " خيرُ يومٍ " مبتدأ.
وقوله: " طلعت فيه الشمس " صفة اليوم، من الصفات الكاشفة. وقوله: " يوم الجمعة " خبر المبتدأ. ومعنى قوله: " خير يوم ": أخيرُ الأيام، يعني: أفضلها، وقد علم أن الهمزة حذفت من خير وشر اللذين هما للتفضيل؛ لكثرة دورانهما في الكلام، حتى صار إثباتها فيهما شاذا. والجُمعة: بضم الميم (3) وإسكانها وفتحها؛ حكاها الفراء، ووجهوا الفتح بأنها تجمع الناسَ ويكثرون فيها كما يقال: هُمزة ولُمزة لكثير الهمز واللَّمْز ونحو ذلك. وفي " المعاني " للزجاج: قرئت الجُمِعة- بكسر الميم - سميت جمعة لاجتماع الناس فيها، وكان يوم الجمعة في الجاهلية تسمى العَرُوبة. وعن ابن عباس: سمي يوم الجمعة لأن الله تعالى جمع فيه خلق آدم. وفي " الأمالي " لثعلب: إنما سمي يوم الجمعة؛ لأن قريشا كانت (4) تجتمع إلى قصي في دار الندوة. وقال الطبري: سمي بذلك لاجتماع آدم فيه مع حواء عليهما السلام في الأرض. وروى ابن خزيمة، عن سلمان/ مرفوعاً " يا سَلْمان" هل تدري لم سمي يوم الجمعة؟ " قلت: اللهُ ورسوله أعلم، قال: " فيه جُمع أبوك أو أبوكم " الحديث.
__________
(1) في سنن أبي داود: " قال: فقلت ".
(2) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: في الساعة التي ترجى في يوم الجمعة (491) ، النسائي: كتاب السهو، باب: ذكر الساعة التي يستجاب فيها الدعاء
يوم الجمعة (3/ 114) .
(3) في الأصل "الجيم " خطأ.
(4) في الأصل " كان ".(4/361)
قوله:" فيه خلق اَدمُ" المراد منه: نفخ الروح فيه. قال العزيزي: تلج في آدم الروحُ يوم الجمعة عنْد الزوال.
قلتُ: يجوز أن يكون ابتداء خلق آدم من الطين يوم الجمعة، ثم قعد
ما شاء الله، ثم نفخ فيه الروح يوْم الجمعة- أيضاً-.
قوله: " وفيه أهبط " أي: وفي يوم الجمعة أنزل آدم إلى الأرض بعد أن أخرج من الجنّة على جبل سَرنديب.
قوله: " وفيه تيب عليه " أي: وفي يوم الجمعة تاب الله على اَدم بعد أن مكث ثلاثمائة سنةَ لا يرفع رأسه حياء من الله. وقال ابن عباس: بكى آدم وحواء على ما فاتهما من نعيم الجنّة مائتي سنة، لم يأكلا ولم يشربا أربعين سنةً، ولم يقرب آدم حواء مائة سنة، فلمًا أراد الله أن يرْحمه لقنه كلمات كانت سبب توبته كما قال تعالى: {فَتَلَقَّى آدَمُ مَن ربه كَلمَات فَتَابَ عًلَيْهِ} (1) قيل: هو قوله: {ربنا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا} الآية (2) ،َ وقيلَ غير ذلك.
قوله: " وفيه مات " أي: في يوم الجمعة مات آدم على نوذ بالهند. وقال ابن عباس: لما كان أيام الطوفان حمل نوح تابوت آدم في السفينة، فلما خرج دفنه ببيت المقدس، وكانت وفاته يوم الجمعة في الساعة التي خلق فيها، وهي أفضل ساعة يوم الجمعة، وقيل: دُفن بمكة في غار أبي قبيس؛ وهو الذي يقال: غار الكنز. وعن ابن عساكر: قيل: ورأسه عند مسجد إبراهيم، ورجلاه عند صخرة بيت المقدس.
قوله: " وفيه تقوم الساعة" أي: القيامة.
قوله: " مُسيخة " من أساخ، وأساخ وأصاخ بمعنى واحد، أي: مُستمعة مقبلة علَى ذلك، وقيل: مستمعة مُشْفِقة.
قوله:" شفقة من الساعة " أي: خوفا من القيامة؛ وانتصابُه على التعليل.
__________
(1) سورة البقرة: (37) .
(2) سورة الأعراف: (23) .(4/362)
قوله: " إلا الجنُّ والإنْسَ " بالنَصْب؛ لأنه مستثنى من قوله: " وهي مُسيخةٌ " وهو كلام موجب، والمُسْتثنى يَنْتصبُ إذا كان بعد "الا" غير صفة في كلام مُوجب- كما عرف في موضعه- والجن: ولد إبليس- عليه اللعنة- والكافر منهم شيطان، ولهم ثواب وعقاب، واختلف في دخولهم الجنة. وعن ابن عباس: إنهمِ ولد الجن بني الجان، وليسوا بشياطين؛ ومنهم كافر ومنهم مؤمن، ويعيشون ويموتون، والشياطين لا يموتون إلا عند موت إبليس. وذهبَ الجاحظ إلى أن الجن والملائكة واحد. فمن طَهُر منهم فهو ملك، ومَنْ خبُث منهم فهو شيطان، ومن كان بَيْن بين فهو جِن. وقال الجوهري: الجن خلاف الإنس، والواحِد: جني؛ يقال: سميت بذلك؛ لأنها تُتقى ولا تُرى.
قلت: سمّيت بذلك لأنهم مستورون من بني الدم؛ من الامتنان وهو الاستتار؛ ومنه الجُنة- بالضم- ما استترتَ به من سلاح، والجَنة - بالفتح- البستان؛ لاجتنانهم بأشجارها، والجَنين لاستتاره في بطن أمه، والجَنان: القلب كذلك، الجَننُ: القَبرُ كذلك- والإنسُ: البشر، والواحد: إنسِي وأنَسِي- أيضا- بالتحريك، والجمع: َ أناسي. وتقديم الجن لا يدل على تفضيله؛ لأن الواو لا تدل على الترتيب.
قوله: " وفيها ساعة " أي: في يوم الجمعة ساعةٌ؟ والساعة: اسمٌ لجزء مخصوص من الزمان، ويرد على أنحاء، أحدها: يطلق على جزء من أربعة وعشرين جزءاً؛ وهي مجموع اليوم والليلة، وتارة تطلق مجازاً على جزء ما غير مقدر في الزمان فلا يتحقق، وتارة تطلق على الوقت الحاضر، ولأرباب النجوم والهندسة وضع آخر؛ وذلك أنهم يقسمون كل نهار وكل ليلة باثني عشر قسماً سواء كان النهار طويلا أو قصيراً وكذلك الليل، ويُسمّون كل ساعة (1) من هذه الأقسام ساعةً؛ فعلى هذا
__________
(1) كذا، والجادة " قسم ".(4/363)
تكون الساعة تارةً طويلة وتارة قصيرة على قدر النهار في طوله وقصره، ويسمون هذه الساعات: المُعوَجة وتلك الأولة: مُستقيمة.
قوله: " لا يُصادفها " أي: لا يُوافقها.
قوله: " وهو يصلي " جملة حالية.
قوله: " يَسألُ الله حاجةً " جملة حالية- أيضا- وهما حالان متداخلتان أو مترادفتان.
[2/ 71 - ب] قوله: " قال كعب " وهو كعب/ بن ماتع بن هيثوع، ويقال: ابن هَسْلوع بن ذي هجرى بن ميتم بن سَعْد بن عوف بن عدي بن مالك بن زيد، ويقال غير ذلك، أبو إسحاق الحميري المعروف بكعب الأحبار، أدرك النبي- عليه السلام- وأسْلم في خلافة أبي بكر الصديق، ويقال: في خلافة عمر بن الخطاب، وروى عنه، وعن صهيب، روى عنه: ابن عباس، وابن عمر، وابن الزبير، وأبو هريرة، وسعيد بن المسيب وجماعة آخرون كثيرة، سكن حمص، توفي بالشام سنة ثنتين وثلاثين في خلافة عثمان رضي الله عنه، قال أبو فوزة: توفي بحمص ودفناه بين زيتونات أرض حمص. روى له: النسائي (1) .
قوله: " ثم لقيت عبد الله بن سَلام "- بتخفيف اللام- ابن الحارث الخزرجي، يكنى أبا يوسف حليف القوافلة، من بني عوف بن الخزرج من الأنصار، وهو رجل من بني إسرائيل من ولد يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم- عليهم السلام-، أسلم عند قدوم النبي- عليه السلام- المدينة، وكان اسمه: الحُصَين، فسماه رسول الله: عبد الله، وشهد له بالجنة، روي له عن رسول الله خمسة وعشرون حديثا؛ اتفقا على حديث واحد، وللبخاري آخرُ، روى عنه: ابناه: محمد، ويوسف، وأبو هريرة، وأنس بن مالك، وعبد الله بن المغفل المزني، وعبد الله بن حنظلة بن الراهب، وأبو سلمي عبد الله بن عبد الرحمن بن
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (24/4980) .(4/364)
عوف، وقيس بن عبادة، وأبو بردة، وعطاء بن يسار وغيرهم، شهد مع عمر بن الخطاب فتح بيت المقدس والجابية، وتوفي بالمدينة سنة ثلاث وأربعين روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (1) . قوله:؛ " لا يُصادفها عبد مُسلم وهو يصلي " إلى آخره، واختلفوا في تلك الساعة فقيل: هي من بعد العصر إلي الغروب، وقيل: من حين خروج الإمام إلي فراغ الصلاة، وقيل: من حين تقام الصلاة حتى يفرغ، وقيل: من حين يجلس الإمام على المنبر حتى يفرغ من الصلاة، وقيل: آخر ساعة من يوم الجمعة وقد رويت في ذلك كلَّه آثار. وقيل: هي عند الزوال، وقيل: من الزوال إلي أن يصير الظل نحو ذراع، وقيل: هي مخفية في اليوم كليلة القدر، وقيل: من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، وقال قوم: قد رفعت، وقد رد السلف هذا على قائله. والحديث: أخرجه الترمذي، والنسائي، وقال الترمذي: حديث صحيح. وقد أخرج البخاري، ومسلم طرفا منه في ذكر ساعة الجمعة من رواية الأعرج، عن أبي هريرة، وأخرج مسلم الفصل الأول في" فضل الجمعة" من رواية الأعرج- أيضا-.
1018- ص- نا هارون بن عبد الله: نا حسين بن علي، عن عبد الرحمن ابن يزيد بن جابر، عن أبي الأشعث الصَنْعاني، عن أوْس بن أوْس قال: قال النبي- عليه السلام: " إنّ من أفضل أيامكم: يوم الجمعة؛ فيه خلق آدمُ، وفيه قُبض، وفيه النفخةُ، وفيه الصَعْقة؛ فأكثروا علي من الصلاة فيه فإن صلاتكَم مَعروضة علي". قال: قالوا: ياَ رسول الله! وكيف تُعرَضُ صلاتُنا عليك وقد أرَمْتَ؟ قال: يَقُولُون: بَليتَ فقال: "إن الله عز وجل حَرم على الأرضِ أجساد الأنبياء" (2) .
__________
(1) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (2/ 382) ، أسد الغابة (3/ 264) ، الإصابة (2/ 0 32) .
(2) أخرجه النسائي: كتاب الجمعة، باب: ذكر فضل يوم الجمعة (3/ 91) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: في فضل الجمعة (1085) ، وكتاب الجنائز، باب: ذكر وفاته - صلى الله عليه وسلم - (1636) .(4/365)
ش- هارون بن عبد الله: البزار، وحسن بن علي: الجُعفي الكوفي، وأبو الأشعث الصنعاني: اسمُه: شراحيل بن آدة، وقد مر ذكره مرةً. قوله: " وفيه النفخة" أي: وفي يوم الجمعة نفخة الصور؛ وهي النفخة الأولى، والنفخة الثانية وهي نفخة الصعقة، وهيٍ المَوْت؛ قال تعالى: {وَنُفِخَ في الصورِ فَصَعقَ مَن في السموات ومنِ في الأرْضِ} (1) والنفخة الثالثة: نفخة البَعث والحشَر، ونفخ الَصور: عبارة عن الدعاء، كما أن الجيش يُجمع بالنفخ في البُوق.
قوله: " وقد أرَمْتَ "- بفتح الراء بوزن ضربتَ- وأصله: أرَمَمْت أي بليتَ وصرْتَ رميماً؛ حذفوا إحدى الميمَين؛ وهي لغة كما قالوا: ظلتُ أفعل كذا أي: ظللت، قال تعالى: {ظَلتَ عَلَيْه عَاكفاً} (2) قال الحربي: أرَمْت ب بفتح الراء- كذا يرويه المحدثون، وَلا أَعْرف وجهه؛ والصواب: أرمَتْ- بسكون الراء وفتح الميم- فتكون التاء لتأنيث [2/ 72 - أ] العظام، أو رَممْتَ أي: صرت رميماً / وقيل: إنما هو " أرمَت " بتشديد التاء على أنه أَدغم إحدى الميمين في التاء. وهذا بعيد؛ لأن الميم لا تدغم في التاء. وقيل: يجوز أن تكون " أرِمْت " - بضم الهمزة بوزن " أمرْت " من قولهم: أرَمَت الإبلُ تَأرِمُ إذا تناولت العلفَ وبلعَتْه من الأَرْض. والأول هو الذي يَرويه أصحاب الحديث، وتوجيهه ظاهر. كما تقدم. والحديث: أخْرجه النسائي.
***
196- بَابُ: الإجَابة أية سَاعَةٍ هي في يوْم الجمعة؟
أي: هذا باب في بيان الإجابة أية ساعة هي في يوم الجمعة؟ و" أية" تأنيث " أي " وهي اسم يستفهم به، تقولً: أي شخص هو هذا؟ وأية امرأة هي هذه؟ وتفسير الساعة قد مر.
1019- ص- نا أحمد بن صالح: نا ابن وهب قال: أخبرني عَمْرو
__________
(1) سورة الزمر: (68) .
(2) سورة طه: (97) .(4/366)
- يعني: ابن الحارث- أن الجُلاح مولى عبد العزيز حدثه أن أبا سلمة - يعني: ابن عبد الرحمن حدثه عن جابر بن عبد الله، عن رسول الله- عليه السلام- أنه قال: " يوم الجمعة ثنتا عشرة- يُريد: ساعةً- لا يوجد مسلم يَسألُ الله شيئاً إلا آتاه الله؛ فالتمسوها آخر الساعة (1) بعد العَصْرِ " (2) . ش- الجُلاح- بضم الجيم، وفي آخره حاء (3) أبو كبير القرشي الأموي مولاهم البصري مولى عبد العزيز بن مروان، يروي عن: حنش الصنعاني، وسعيد بن سلمة، والمغيرة بن أبي بردة وغيرهم، روى عنه: عبيد الله بن أبي جعفر، والليث بن سَعْد، وعمرو بن الحارث، وحديثه في المصريين. روى له: مسلم، وأبو دود، والترمذي (4) .
والحديث دل على أن الساعة التي تستجابُ فيها الدعاء هي آخر الساعة بعد العصر، ودل- أيضا- أن المراد من تلك الساعة هي الساعة الزمانية التي هي جزء من اثني عشر جزءا وهي خمسة عشر درجة على ما عُرف. وأخرجه النسائي- أيضا-.
1020- ص- نا أحمد بن صالح: نا ابن وهب قال: أخبرني مخرمة بن بُكير، عن أبيه، عن أبي بُرْدة بن أبي موسى الأشعري قال: قال لي عبدُ الله ابن عمر: أسمعتَ أباك يُحدث عن رسول الله- عليه السلام- قال: في شأن الجمعة-َ يعني: الساعةَ؟ قال: قلت: نعم سمعتُه يقولُ: سمعتُ رسولَ الله يَقولُ: " وهي ما بَيْن أن يجلسَ الإِمامُ إلى أن تُقْضى الصلاةُ " قال أبو داود: يعني: على المنبر (5) .
ش- الهمزة في " أسمعت " للاستفهام.
__________
(1) في سنن أبي داود: " ساعة "
(2) النسائي: كتاب الجمعة، باب: وقت الجمعة (3/ 99) .
(3) في الأصلي " جيم" خطأ.
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (5/ 988) .
(5) مسلم: كتاب الجمعة، باب: الساعة التي في يوم الجمعة (16/ 853) .(4/367)
قوله:" أن يجلسَ الإمام " أي: على المنبر- كما فسره أبو داود. وقوله: " إلى أن نقضى الصلاة " أي: صلاة الجمعة. والحديث: أخرجه مسلم.
* * *
197- بابُ: فَضْلِ الجُمْعة
أي: هذا باب في بيان فضل الجمعةُ.
1021- ص- نا مسدد: نا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله- عليه السلام-: " منْ توضأ فأحسنَ الوضوءَ ثم أتى الجمعةَ فاستمعْ وأنْصَتْ غُفرَ له ما بَيْن الجمعة إلى الجمعة "زيادةَ ثلاثة أيام، ومن مَس الحصَا فقَدْ لغى " (1) .
ش- إحسانُ الوضوء: الإتيانُ به ثلاثا ثلاثا، وإسباغه، والإتيان بآدابه ومستحباته، والإتيان بسُننه المشهورة.
قوله: " وأنصتَ " وفي بعض رواية مسلم: " وانتصت" يُقال: أنصت، وانتصت ونصَت، والإنصات: السكوت والاستماع والإِصْغاء. قوله: " وزيادة ثلاثة أيام " لأن الحسنة بعَشْر أمثالها. وأيام الجمعة سبعة أيام، فإذا زيدت عليها ثلاثة تصير عشرةً. وقوله: " وزيادة" منصوب إما عطفا على قوله: " بَيْن " وهو منصوب على الظرفية أو بمعنى: "مع " أي: مع زيادة ثلاثة أيام.
قوله: " ومن ميسر الحصَى فقد لغة " إشارة إلى ترك أنقول العبث في حال الخطبة، والإقبال بقلبه وجوارحه إليها ولدى من اللَّغْو؛ وهو الباطل
__________
(1) مسلم: كتاب الجمعة، باب: فضل من أنصت واستمع في الخطبة 27- (857) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في الوضوء يوم الجمعة (498) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في الرخصة في ذلك (1090) .(4/368)
المذموم المردود؛ فإذا كان بمس الحَصَى لاغيا فبالكلام ونحوه بالطريق
الأولى. والحديث: أخرجه مسلم، والترمذي، وابن ماجه.
1022- ص- نا إبراهيم بن موسى: أنا عِيسَى: نا عبد الرحمن بن يزيد
ابن جابر قال: حدثني عطاء الخراساني، عن مولى امرأته أم عثمان قال (1) :
سَمعتُ عليا- رضي الله عنه- على منبر الكوفة يقولُ: إذا كان يوم الجمعة
غدَت الشياطينُ براياتها إلى الأسواق فيَرْمون الناسَ بالترابيث أو الرِبائث ويُثَبطونهم عن الجمعة، وتَغدُو الملائكةُ فيجلسون على باَب (2) المسجد
فيكتبون الرجل من ساعة والرجل من ساعتين حتى يخرج الإمامُ، فإذا جلسَ
الرجل مجلساً يَسْتمكن فيه من الاستماع والنظر فأنصْتَ ولم يَلغُ كان له
/ كفلان من أجْر، فإن ناء حيث لا يَسْتمعُ (3) فأنصت ولم يَلغُ كان له كفل [2/ 72 - ب] من أجْر، وإن جًلس مجلساً يَسْتمكن فيه من الاستماع والنظر فلغى وَلم
ينصت كان له كفل من وزر، ومن قال يوم الجُمعة لصاحبه: صهْ فقد لغى،
ومَنْ لغى فليس له في جمعته تلك شي. ثم يقولُ في آخر ذلك: سمعتُ
رسولَ الله يَقولُ ذلك (4) .
ش- عيسى بن يونس، وعَطاء بن مُسلم الخراساني.
قوله: " غدت الشياطين براياتها " أي: ذهبت؛ والرايات: جمع راية
وهي العَلَم.
قوله: " فيَرْمون الناسَ بالترابيث " وقال الخطابي (5) : الترابِيث ليس
بشيء؛ وإنما هو الربَائث؛ وأصله من رَبثْتُ الرجلَ عن حاجته أي:
حبسته عنها، واحدتها: رَبِيثة، وهي تجري مجرى العلة والتسبيب الذي
يَعُوقك عن وجْهك الذي تتوجه إليه؛ وقوله: " فيرمون الناسَ " إنما هو
"يُربثون الناسَ "، هكذا روي لنا في غير هذا الحديث.
__________
(1) في الأصل: " قالت ".
(2) في سنن أبي داود: " أبواب ".
(3) في سنن أبي داود: " يسمعه.
(4) تفرد به أبو داود.
(5) معالم السنن (1/ 210) .
524 شرح سنن أبي داوود 4(4/369)
وقال ابن الأثير (1) : يجوز "الترابيث " إن صحت الرواية، وتكون جمع " تَربِيثةٍ " وهي المرة الواحدة من التَرْبِيث؛ تقولُ: رَبَّثْتُه تَرْبيثا وتَرْبِيثةً واحدةً مثل: قدمته تقديماً وتقديمه واحدةً.
قوله: " فيكتبون الرجل من ساعة " يعني: ممن حضر من ساعة قبل خروج الإمام، وكذلك التقدير في قوله: " من ساعتين ".
قوله: " كفْلان " الكفْل- بكسر الكاف وسكون الفاء- هو الحظ والنصيب.
قوله: " فإن ناء " أي: بَعُد من ناء يَنُوء نأيا.
قوله: " من وزْر " الوزر- بكسر الواو وسكون الزاي-: الإثم والخطيئة.
قوله: " صَهْ " هي كلمة من أسماء الأفعال بنيت على السكون، ومعناه: اسكُتْ، فإن وصلتَ نوّنت قلت صَهٍ صَهْ.
قوله: " فقد لغة " يعني: تكلم، وقيل: لغى عن الصواب أي: مال، وقيل: صارت جمعته ظهراً وقيل: خاب من الأجر، ويقال منه: لغى يلغُو، ولغوي- بالكسر- يَلْغى مثله. والحديث معلول؛ لأن فيه مجهولاً وعطاء- أيضا- فيه كلام.
ص- قال أبو داود: رواه الوليد بن مسلم، عن ابن جابر قال: بالربائث، وقال: مولى امرأته أم عثمان بن عَطاء.
ش- أي: روى الحديث المذكور: الوليد بن مسلم الدمشقي، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال:" بالرَّبائث "- بفتح الراء والباء الموحدة
* * *
__________
(1) النهاية (2/ 182) .(4/370)
198- بَابُ: التشْدِيدِ في تَرْك الجُمعةِ
أي: هذا باب في بيان التشديد بالوعيد في ترك الجمعة من غير عذر. 1023- ص- نا مسدد: نا يحيي، عن محمد بن عَمرو قال: حدثنا عَبِيدة بن سفيان الحضرمي، عن أي الجَعْد الضمْرِيِ- وكانت له صحبة- أن رسول الله- عليه السلام- قال:" مَنْ ترك ثلاث جُمَع تَهاوُناً بها طبعَ الله على قلبِه، (1) .
ش- يحيي: القطان، ومحمد بن عَمرو: ابن علقمة بن وقاص. وعَبيْدة بن سفيان- بفتح العين وكسر الباء الموحدة-: ابن الحارث بن الحضرمَي، وهو ابن أخي العلاء الحضرمي. روى عن: أبي هريرة، وأبي الجعد الضمْري. روى عنه: ابنُه: عَمرو- ويقال: عُمر-، ومحمد بن عَمرو، وأبو سلمة. قال أحمد بن عبد الله: هو مدني تابعي ثقة. روى له: الجماعة إلا البخاري (2) .
وأبو الجَعْد: اسمُه: عمرو بن بكر؛ ذكره الكرابيسي، وقال غيره: أدرع، وقيل: جنادة. قال الترمذي: وسألت محمداً يعني: البخاري- عن اسم أبي الجَعْد الضميري فلم يعرف اسْمه وقال: لا أعرف له عن النبي- عليه السلام- إلا هذا الحديث. وقال عبد الغني في " الكمال": أبو الجعد: قيل: اسمه: جنادة من بني ضمرة بن بكر بن عبد مناف، وله دار في ضمرة بالمدينة. قال ابن سَعْد: بعثه النبي- عليه السلام- يحشر قومه لغزوة الفتح ولغزوة تبوك. روى عنه: عبيدة بن سفيان. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (3) .
__________
(1) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في ترك الجمعة من غير عذر (500) النسائي: كتاب الجمعة، باب: التشديد في التخلف عن الصلاة (3/ 88) ،
ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: فيمن ترك الجمعة من غير عذر
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (19/ 3755) .
(3) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (4/ 38) ، وأسد الغابة (6/ 51) ، والإصابة (4/ 32) .(4/371)
قوله: " تهاونا بها " أي: كسلاً واستهتارا بها؛ وانتصابه يجوز أن يكون
على التعليل، ويجوز أن يكون على الحال يعني: مُتهاوناً بها.
قوله: " طبعَ الله على قلبه " أي: ختم عليه وغشاه ومنعه ألطافه
والطبع- بالسكون-: الختمَ، وبالتحريك: الدنَس؛ وأصله من الوسخ
[2/ 73- أ] والدنس يغشيان/ السيْف، يُقال: طبِع السيفُ يطبعَ طبعا، ثم استعمل فيما يُشبه ذلك من الا"وْزار والآثام وغيرهما من المقابح. والحديث:
أخرجه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه. وقال الترمذي: حديث
حسن، ولا يعرف إلا من حديث محمد بن عَمْروٍ.
***
199- بَابُ: كفّارة مَنْ تركهَا
أي: هذا باب في بيان كفارة من ترك الجمعة من غير عذر شرعي.
1024- ص- نا الحسن بن عليّ: نا يزيد بن هارون: أنا همام: نا قتادة،
عن قدامة بن وَبْرِة العُجَيْفي، عن سَمُرة بن جُندب، عن النبي- عليه
السلام- قال: " من ترك الجمعةَ من غير عذر فليتصدق بدينار، فإن لم يجدْ
فنصف (1) دينارِ" (2) .َ
ش- همام: ابن يحيي.
وقدامةُ بن وَبْرَةَ العُجَيفي- بضم العين وفتح الجيم-، روى عن:
سمرة بن جندل. روى عنه: قتادة. قال ابن معين: ثقة. وقال أحمد
ابن حنبل في هذا الحديث: قديمة يَرْويه لا نعرفه، رواه أيوب أبو العلاء
فلم يصل إسناده كما وصله همام. وقال البخاري: لم يصح سماعه من
سمرة. روى له: أبو داود، والنسائي (3) .
__________
(1) في سنن أبي داود: " فبنصف "
(2) النسائي: كتاب الجمعة، باب: كفارة من ترك الجمعة من غير عذر (3/ 89) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (23/ 4861) .(4/372)
قوله: " فليتصدق " أمرُ استحباب لا وجوب، وهذا لأجل تخلفه عن الحضور إلى الجمعة، وأما الجمعة- وإن كانت قد فاتت- فالظهر عليه واجبٌ.
قوله: " فنصف دينار " عطف على قوله: " بدينار" أي: فليتصدق بنْصف دينار.
ص- قال أبو داود: هكذا رواه خالد بن قَيْس، وخالفه في الإسْناد ووافقه في المَتْنِ.
ش- أي: هكذا روى الحديث: خالد بن قيس الأزدي الحُدَاني البصري أخو نوح، وهو ثقة؛ قاله ابن معين. روى عن: عمرو بن دينار، وقتادة، وأبي مسلمة سعيد بن يزيد، ومطر الوراق، وعطاء بن أبي رباح. روى عنه: أخوه: نوح، وعلي بن نصر الجَهْضمي. روى له: مسلم، وأبو داود، والنسائي (1) .
قوله: " وخالفه " ... (2) ، ورواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " بعين ما روى الحسن بن علي إسنادا ومتنا. وروى- أيضا- عن هُشيم، عن عوف، عن سعيد بن أبي الحسن، عن ابن عباسِ قال: من ترك الجمعة ثلاثاً متواليات طبع الله على قلبه.
1025- ص- نا محمد بن سليمان الأنباري: نا محمد بن يزيد، وإسحاق بن يوسف، عن أيوب أبي العلاء، عن قتاة، عن قدامة بن وَبْرة قال: قال رسول الله- عليه السلام-: " مَنْ فاتته الجمعة من غير (3) عذرِ فليتصدق بدرهمِ أو نصف درهمِ أو صاع حنطة أو نصْف صاعِ " (4) .
__________
(1) المصدر السابق (8/ 1645) .
(2) بياض في الأصل قدر سطر ونصف.
(3) في سنن أبي داود: " من فاته الجمعة بغير ".
(4) النسائي: كتاب الجمعة، باب: كفارة من ترك الجمعة من غير عذر (3/ 89) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب: فيمن ترك الجمعة من
غير عذر (1128) .(4/373)
ش- أيوب: ابن مسكين القصاب أبو العلاء. وهذا الحديث مُرسل. وقد أخرجه النسائي، وابن ماجه في " سننهما" من حديث الحسن، عن سمرة؛ وهو منقطع.
ص- قال أبو داود: رواه سَعيد بن بَشِير هكذا (1) ؛ إلا أنه قال: مُد أو نصفُ مُدٍّ، وقال: عن سمرة (2)
ش- أي: روى هذا الحديث: سعيد بن بشير- بفتح الباء الموحدة- عن قتادة هكذا؛ إلا أنه قال: مُدّ أو نصف مُدّ موضع صاع أو نصْف صاع؛ والمدّ: ربع الصاع؛ والصاع: ثمانية أرطال عراقية؛ وقد مر تفسيرهما مستوفى.
قوله: " وقال " أي: وقال سَعيد في روايته: عن سمرة بن جندب
/ وقال أبو داود: سمعت أحمد سئل عن اختلاف هذا الحديث فقال: همام أحفظ من أيوب- يعني: أبا العلاء/ (3) .
***
200- بَابُ: مَنْ تجبُ عليه الجمعة
أي: هذا باب في بيان من تجب عليه الجمعة، وفي بعض النسخ: "باب على من تجب الجمعة؟،.
1026- ص- نا أحمد بن صالح: نا ابن وهب: أخبرني عَمرو، عن عُبيد الله بن أبي جَعْفر أن محمد بن جعفر حدثه عن عروة بن الزبير، عن عائشة زوج النبي- عليه السلام- أنها قالت: كان الناسُ يَنْتَابُون الجمعة من منازلهم ومَن العولي (4) .
__________
(1) في سنن أبي داود:" سعيد بن بشير عن قتادة هكذا ".
(2) جاء في سنن أبي داود بعد هذا:" قال أبو داود: سمعت أحمد بن حنبل يسأل عن اختلاف هذا الحديث فقال: همام عندي أحفظ من أيوب- يعني:
أبا العلاء- ".
(3) ما بين الشرطتين المائلتين ذكر في سنن أبي داود عقب الحديث السابق.
(4) البخاري: كتاب الجمعة، باب: من أين تؤتى الجمعة وعلى ما تجب (902) ،=(4/374)
ش- عمرو: ابن الحارث.
وعبيد الله بن أبي جعفر: أبو بكر الفقيه المصري الكناني مولاهم،
رأى عبد الله بن الحارث بن جَزْء الزبيدي. روى عن: نافع مولى ابن
عمر، وبكير بن عبد الله بن الأشج، ومحمد بن جعفر، وغيرهم.
روى عنه: الليث بن سعد/، وحيوة بن شريح، وابن لهيعة، وغيرهم [2/ 73 - ب] قال ابن أبي حاتم: ثقة. مات سنة خمس وثلاثين ومائة. روى له
الجماعة (1)
ومحمد بن جعفر: ابن الزبير بن العوام.
قوله: " يَنْتابون " أي: يقصدون مَرةً بعد أخرى؟ من انْتاب افتعل من
النَّوْبة، وقيل: يَنْتابُون: يأتونَ.
قوله: " ومن العَوالي " وهي أماكن بأعلى أراضي المدينة، وأدناها من المدينة على أربعة أميال، وأبعدها من جهة نجد: ثمانية؛ والميل: ثلث الفرسخ، وهو أربعة آلاف خطوة؛ وهي ذراع ونصف بذراع العامة، وهو أربع وعشرون إصبعاً بعدد حروف لا إله إلا الله محمد رسول الله. والفرسخ: اثنا عشر ألف خطوة؛ فيكون أدنى العوالي من المدينة: فرسخا وثلث فرسخ، وأبعدها: فرسخين وثلثي فرسخ. وبهذا قال بعض العلماء: إنه تجب الجمعة على من كان بينه وبين المصر ميل أو ميلان أو ثلاثة أو أربعة. وعن محمد من أصحابنا: إلى ثلاثة؛ وهو قول مالك والليث. وفي " منية المغني ": على أهل السواد الجمعة إذا كانوا على قدر فرسخ؛ وهو المختار. وعنه: إذا كان أقل من فرسخين. وعن معاذ: تجب من خمسة عشر فرسخاً وكان أنس في قصره أحيانا يُجمّع، وأحيانا لا يجمع، وهو بالزاوية على فرسخين من البصرة. وقال ابن
__________
= مسلم: كتاب الجمعة، باب: وجوب غسل الجمعة على كل بالغ من الرجال، وبيان ما أمروا به (6/ 847) .
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (19/ 3625) .(4/375)
المنذر: تجب عند ابن المنكدر، وربيعة، والزهري من أربعة أميال. وقال الزهري- أيضا-: ستة أميال. وحكى أبو حامد عن عطاء: عشرة أميال، وعن أبي يوسف: من ثلاثة فراسخ، وعنه: إذا أمكنه المبيت في أهله، وهو اختيار كثير من المشايخ. وعن أبي حنيفة: لا تجب إلا على ساكني المصر والأرباض دون السواد، سواء كان قريباً من المصر أو بعيداً. وقيل: إذا سمع صَوت النداء؛ وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق. وقال صاحب "المجمع ": فهي على قرى يجيء خراجها مع المصر، الحاصل: أن الجمعة تجب عند أبي حنيفة على أهل القرى التي يجيء خراجها مع خراج المصر؛ لأنهم تبع للمصر فكانوا (1) كأهل المصر. وقال أبو يوسف: تجب على أهل القرى المشمولين بسور البلد وهو حائطها؛ لأنهم من أهل البلدة. وشرط محمد: سماع النداء في وجوبها عليهم، فمن سمع أذان الجمعة وجبت عليه، وبه قال الشافعي وأحمد. وأخرج ابن أبي شيبة في" مصنفه " عن ابن عمر أنه قال: الجمعة على مَنْ أواه المراح. وعن إبراهيم: تؤتى الجمعة من فرسخين. وعن عكرمة: من أربعة فراسخ. وعن الحسن: على كل مَنْ أواه الليل إلى أهله، وكذا عن نافع مثله. وعن عطاء: من سبعة أميال. وعن الحكم: على مَنْ يجيء ويذهب في يوم. وعن أبي هريرة: من فرسخين. والحديث: أخرجه البخاري.
1027- ص- نا محمد بن يحيي بن فارس: نا قَبيصةُ: نا سفيان، عن محمد بن سعيد- يعني: الطائفي-، عن أبي سلمي بن نبيه، عن عبد الله بن هارون، عن عبد الله بن عَمرو، عن النبي- عليه السلام- قال: " الجمعةُ على مَنْ (2) سمع النكداء " (3) .
ش- قبِيصة: ابن عاقبة بن محمد بن سفيان، أبو عامر السُوَائى
__________
(1) في الأصل: " وكانوا ".
(2) في سنن أبي داود:" على كل من ".
(3) تفرد به أبو داود.(4/376)
الكوفي. روى عن: الثوري، وشعبة، ومسعر، وغير هم. روى عنه: أحمد بن حنبل، وأبو بكر بن أبي شيبة، والبخاري، وغيرهم. وقال ابن معين: ثقة في كل شيء إلا في حديث سفيان الثوري، ليس بذاك القوي. وقال ابن خراش: صدوق. روى له: أبو داود، والترمذي، وابن ماجه، وروى مسلم حديثا واحداً، عن أبي بكر بن أبي شيبة، عنه. مات سنة خمس عشرة ومائتين (1) .
ومحمد بن سعيد: الطائفي المؤذن، أبو سعيد. سمع: عطاء بن أبي رباح، وعبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة، وعبد الله بن هارون (2) ، وغيرهم. روى عنه: الثوري، والمعتمر، ويحيى بن سليم، وغيرهم. روى له: أبو داود، والنسائي (3) .
وأبو سلمة بن نُبيه: روى عن: عبد الله بن هارون، روى عنه: محمد بن سعيد الطائفي. روى له: أبو داود (4) .
وعبد الله بن هارون: روى عن: عبد الله بن عمرو بن العاص، روى عنه: أبو سلمة بن نبيه. قال عبد الرحمن: عبد الله بن هارون، ويُقال: عبد الله/ بن أبي هارون. سمع: عبد الله بن عمرو في قصة الجمعة. [2/ 74 - أ] روى له: أبو داود (5) .
قوله: " الجمعةُ على من سمع النداء " أي: الجمعة تجبُ على من سمع الأذان يوم الجمعة. وبهذا الحديث اتخذ محمد بن الحسن، والشافعي، وأحمد، وإسحاق.
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (23/ 4843) .
(2) لم يذكره الحافظ المزي في تهذيب الكمال، وقال محققه: جاء في حواشي النسخ من تعقبات المؤلف على صاحب " الكمال " قوله: " ذكر في شيوخه
عبد الله بن هارون ولم يذكر أبا سلمي بن نُبيه، وذلك وهم، إنما يروي عن
أبي كلمة بن نبيه عن عبد الله بن هارون ". أ. هـ.
(3) المصدر السابق (25/ 5249) .
(4) المصدر السابق (33/ 7410) .
(5) المصدر السابق (16/ 3624)(4/377)
ص- قال أبو داود: رَوى هذا الحديث جماعة عن سفيان مقصوراً على عبد الله بن عَمْرو لم يرفعوه، وإنما أَسْنده قبِيصَةُ.
ش- أشار بهذا الكلام إلى أن الصحيح في هذا الحديث أنه موقوف على عبد الله بن عمرو، ولم يُسْنده غير قبيصة بن عقبة؛ وقد سمعت الآن ما قال أحمد في رواية قبيصة عن سفيان، على أن الطائفي مجهول؛ كذا في " الميزان "، وقال ابن حبان: يروي عن الثقات ما ليْس من أحاديثهم، لا يحلّ الاحتجاج به، وفيه: أبو سلمة بن نُبيه، عن عبد الله ابن هارون، ولا يعرف حالهما. وذكر البيهقي هذا الحديث وقال: الذي رفعه ثقة؛ ولكنهم تركوا العمل بظاهر الحديث فلم يعتبروا السماع؛ وإنما اعتبروا كونه في موضع يَبْلغه النداء.
***
201- بَابُ: الجُمعة في اليَوْم المَطيرِ
أي: هذا باب في بيان الجمعة في الَيَوْم المطير، وَهو اليوم الذي يقع فيه ابطرُ.
1028- ص- نا محمد بن كثير: نا همام، عن قتادة، عن أبي مليح، عن أبيه أن يوم حنين كان يومَ مَطر فأمر النبي- عليه السلام- مُناديَه أن الصلاة في الرحال (1) .
ش- همام: ابن يحيي، وأبو المليح: اسمه: عامر بن أسامة، وقيل: زيد بن أسامة، وقيل: أسامة بن عامر، وقيل: عمير بن أسامة، وقد ذكرناه مستوفىَ.
قوله: " يوم حُنين " حُنين: وادٍ بَيْنه وبين مكة ثلاثة أميال، ويُصرف ولا يُصرف، وكان يوم حنين في السنة الثامنة من الهجرة؛ وهي غزوة
__________
(1) النسائي: كتاب الإمامة، باب: القدر في ترك الجماعة (2/ 110) .(4/378)
هوازن. وقال ابن إسحاق: خرج رسول الله إلى هوازن بعد الفتح في خامس شوال سنة ثمان، وزعم أن الفتح كان لعشر بقين من رمضان قبل خروجه إليهم بخمس عشرة ليلة، وبه قال عروة بن الزبير، واختاره ابن جرير في " تاريخه" وقال الواقدي: خرج رسول الله إلى هوازن لست خلون من شوال، فانتهى إلى حنين في عاشره.
قوله: " في الرحال " جمع "رَحْل "؛ وهو المنزل. والحديث: أخرجه النسائي. وقال أبو بكر بن أبي شيبة: نا أزهر، عن ابن عون قال: نبِئت أن محمداً اشتد المطر يوم الجمعة فلم يجمع.
نا يحيى بن سعيد القطان، عن سعيد، عن قتادة، عن كثير مولى ابن سمرة قال: مررتُ بعبد الرحمن بن سمرة وهو على بابه جالس فقال: ما خطب أميركم؟ قلت: أما جمعت؟ قال: منعنا منها هذا الردغ.
نا محمد بن بشر، نا سعيد، عن قتادة، عن عبد الله بن الحارث أن ابن عباس أمر مناديه فنادى في يوم مَطير يوم الجمعة: الصلاة في الرحال، الصلاة في الرحال.
قلتُ: وبه قال أصحابنا، وقال صاحب "الخلاصة": إذا أصاب الناس مطر شديد يوم الجمعة، فهم في سَعة من التخلف.
1029- ص- نا محمد بن المثنى: نا عبد الأعلى: نا سعيد، عن صاحب له، عن أبي مليح أن ذلك كان يوم جمعة (1) .
ش- عبد الأعلى: ابن عبد الأعلى السامي، وسعيد: ابن أبي عروبة. قوله: " أن ذلك " أي: ذلك اليوم الذي أمر النبي- عليه السلام- مناديا أن الصلاة في الرحال، كان يومَ جمعة، وفيه مجهول.
1030- ص- نا نَصرُ بن علي: قال سفيان بن حبيب: خبرنا عن خالد الحذاء، عن أمي قلابة، عن أمي المليح، عن أبيه أنه شهد النبي - عليه السلام-
__________
(1) انظر التخريج السابق.(4/379)
زمن الحدَيبية في يوم جمعة وأصابهم مطر لم يَبتل أسفلُ نعالهم فأمرهم أن يُصلوا في رحالهم (1) .
ش- سفيان بن حبيب: أبو محمد، ويقال: أبو معاوية، ويقال: أبو حبيب البزار البصري. روى عن: موسى بن علي بن رباح، وثور ابن يزيد، وخالد الحذاء، وغيرهم. روى عنه: نصر بن علي، وحبان ابن هلال، وعبد الرحمن بن المبارك، وغيرهم. وقال أبو حاتم: صدوق ثقة. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي (2) .
وأبو قلابة:/ عبد الله بن زيد الجَرْمي.
قوله: " زمن الحديبية " بتخفيف الياء؛ رواه الربيع عن الإمام الشافعي. وقد روي بالتشديد؛ وسميت بذلك لأجل شجرة حَدْباء كانت هنالك، وقيل: سميت ببئر هناك عند مسجد الشجرة، وبينها وبين المدينة تسع مراحل والى مكة مرحلة. وقال الإمام مالك: هي من الحرم. وقال ابن القصار: بعضها في الحل؛ وهي قرية ليست بالكبيرة. وغزوة الحديبية كانت في ذي القعدة سنة ست بلا خلاف، وممن نص" على ذلك الزهري ونافع مولى ابن عمر وقتادة وموسى بن عقبة وابن إسحاق.
قوله: " لم يبتل أسفل نعالهم " النعال: جمع نعل؛ وهي التي تلبس في الرجل، قالوا: المرادُ من الحديث الآخر: " إذا ابتلت النعال فالصلاة في الرحْل " أن النعال جمع نعل، وهو ما غلظ من الأرض في صلابة، وخصها بالذكر لأن أدنى بلل يُنَديها بخلاف الرخوة؛ فإنها تنشف الماء. وحمله بعضهم على ظاهره، وقالوا: إذا وقع من المطر ما تبتلُ به النعالُ به، وتعذر المشي للرجل فهو عذر ظاهر في ترك الجماعة، ويؤيد هذا حديث أبي المليح المذكور. والحديث: أخرجه ابن ماجه.
* * *
__________
(1) ابن ماجه: كتاب أقامة الصلاة، باب: الجماعة في الليلة المطيرة (936) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (11/ ما 23) .(4/380)
202- بَابُ: التخلفِ عن الجماعةِ في الليْلةِ البَارِدةِ (1)
أي: هذا باب في بيان التخلف عن الحضور إلى الجماعة في الليلة الباردة.
1031- ص- نا محمد بن عبيد: نا حماد بن زيد: نا أيوب، عن نافع
أن ابن عمر نَزل بضَجْنَانَ في ليلة باردة فأمر المنادي فنادى: أن الصلاة في الرحال. قال أيوب: وحدث نافع، لمحن ابن عمر أن رسول الله- عليه السلام- كان إذا كانت ليلة باردة أو مَطيرة أمر المنادي فنادى: الصلاة في الرحال (2) .
ش- ضَجْنان- بفتح الضاد المعجمة، وبعدها جيم ساكنة، ونون مفتوحة، وبعد الألف نون أيضا-: وهو جبل على بريدٍ من مكة. وقال ابن الأثير: هو موضع أو جبل بين مكة والمدينة.
قوله:" قال أيوب " أي: السختياني. وأخرج ابن عدي، عن أبي هريرة: كان رسول الله- عليه السلام- إذا كانت ليلة باردة أو مطيرة أمر المؤذن فأذن الأذان الأول، فإذا فرغ نادى: الصلاة في الرحال أو في رحالكم. وفي سنده: محمد بن جابر اليمامي، وهو ضعيف. وفي "شرح البخاري ": الرحال: المنازل والدور والمساكن جمع رحل، وسواء كانت من حجر أو مدر أو خشب أو شعر أو صوف أو وبرٍ وغيرها. قال ابن سيده: والجمع: أرحل.
1032- ص- نا مؤملُ بن هشام: نا إسماعيل، عن أيوب، عن نافع قال: نادَى ابن عمر بالصلاة بضجنان ثم نادَى أن صَلُوا في رحالكم. قال فيه: ثم حدث عن رسول الله أنه كان يأمر المُنادي فيُنادي بالصلاة ثم يُنادي: "أن صلوا في رحالكم " في الليلة الباردة وفي الليلة الَمَطيرة في السفر (3) .
__________
(1) في سنن أبي داود: "الليلة الباردة أو الليلة المطيرة".
(2) ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب: الجماعة في الليلة المطيرة
(3) ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: الجماعة في الليلة المطيرة (937) .(4/381)
ش- إسماعيل: ابن علية.
قوله: " قال فيه " أي: قال نافع في الحديث المذكور: ثم حدّث ابن عمر عن رسول الله- عليه السلام-. والحديث: أخرجه ابن ماجه. ص- قال أبو داود: رواه حماد بن سلمة، عن أيوب، وعبَيد الله قال فيه: في السفر في الليلة القَرّةِ أو المَطيرةِ.
ش- أي: روى الحديث: حماد بن سلمة، عن أيوب السختياني وعبيد الله بن عُمر العُمري.
قوله: " في الليلة القَرة " أي: الباردة؛ القر: البردُ، يقال: قر يومنا يقَرّ قرَّةً، ويوم قَر- بالفتح- أي: بارد، وليلة قرّةٌ.
1033- ص- نا عثمان بن أبي شيبة نا، أبو أسامة، عن عُبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر أنه نادى بالصلاة بضَجْنانَ في ليلة ذاتَ بَرْد وريح، فقال في آخر ندائه: ألا صَلُوا في رحالكم، ألا صَلوا في الرحال، ثم قال: إن رسول الله- عليه السلام- كان يأمر المؤذن إذا كانت ليلةً باردةً أو ذاتُ مطر في سفرٍ يقولُ: " ألا صَلوا في رحالكم " (1) .
ش- في هذه الأحاديث تخفيف أمر الجماعة في المطر ونحوه من الأعذار، وأنها متأكدة إذا لم يكن عذر، وأنها مشروعة في السفر، وأن الأذان مشروع في السفر. والحديث: أخرجه مسلم، والبخاري، والنسائي.
1034- ص- نا القعنبي، عن مالك، عن نافع/ أن ابن عمر- يعني: أذن بالصلاة في ليلة ذات بَرْد وريح فقال: ألا صلوا في الرحال ثم قال: إن رسول الله كان يأمر المؤذن إذا كانت ليلةً باردةً ذات مطر يقولُ: " ألا صَلُوا في الرحال" (2) .
__________
(1) انظر التخريج السابق.
(2) البخاري: كتاب الأذان، باب: الأذان للمسافر إذا كان جماعة والإقامة، وكذلك بعرفة وجمع، وقول المؤذن: "الصلاة في الرحال" في الليلة الباردة =(4/382)
ش- أخرجه البخاري، ومسلم، والنسائي.
1035- ص- نا عبد الله بن محمد النفيلي: نا محمد بن سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن نافع، عن ابن عمر قال: نَادى منادي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليه السلام- بذلك في المدينة في الليلة المطيرة، والغداة القَرة (1) .
ش- " بذلك " أي: بقوله: " ألا صلُوا في الرحال".
ص- قال أبو داود: روى هذا الخبر: يحيي بن سعيد الأنصاري، عن القاسم، عن ابن عمر، عن النبي- عليه السلام- قال فيه: " في السفر ". ش- أشار بهذا إلى تضعيف رواية محمد بن إسحاق؛ لأن الثقات مثل يحيي الأنصاري والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رويا هذا الحديث وفيه: " في السفرِ".
1036- ص- نا عثمان بن أبي شيبة: نا الفضل بن دكين: نا زهير، عن أبي الزبير، عن جابر قال: كنا مع النبي- عليه السلام- في سفر فمطرنا فقال رسولُ الله: " ليُصلِ مَنْ شاء منكم في رَحْله " (2) .
ش- زهير: ابن معاوية، وأبو الزبير: محمد بن مسلم، وجابر: ابن عبد الله.
والحديث: أخرجه مسلم، والترمذي. وعند الطبراني- بسند صحيح- عن نُعَيم بن النحام قال: أذن مؤذن رسول الله ليلة فيها برد وأنا تحت لحافي، فتمنيتُ أن يُلْقِي اللهُ على لسانه: ولا حرجَ، فلما فرغ قال: ولا حرج. وعند البيهقي: فلما قال: الصلاة خير من النوم قال: ومنْ قعد
__________
= أو المطيرة (632) ، مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: الصلاة
في الرحال في المطر (22/ 697) ، النسائي: كتاب الأذان، باب: الأذان في التخلف عن شهود الجماعة في الليلة المطيرة (3/ 15) .
(1) تفرد به أبو داود.
(2) مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: الصلاة في الرحال في المطر (25/ 698) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء إذا كان المطرُ فالصلاة
في الرحال (409) .(4/383)
فلا حرج. وعند أحمد: فلما بلغ حي على الفلاح قال: صلوا في رحالكم، ثم سألت عنها فإذا النبي- عليه السلام- قد أمره بذلك. 1037- ص- نا مسدد: نا إسماعيل: أخبرني عبد الحميد صاحب الزيادي: نا عبد الله بن الحارث- ابن عم محمد بن سيرين- أن ابن عباس قال لمؤذنه في يوم مطير: إذا قلت: أشهد أن محمداً رسول الله فلا تقل: حي على الصلاة، قل: صلوا في بيوتكم. قال: فكأن الناس استنكرُوا ذلكَ فقال: قد فعل ذَا مَنْ هو خير مني؛ إن الجمعة عَزْمةٌ وإني كرهتُ أن أحرجَكُم فتمشون في الطين والمطر (1) .
ش- إسماعيل: ابن علية.
وعبد الحميد: ابن دينار، وهو عبد الحميد بن كُرْديد صاحب الزيادي، سمع: أنس بن مالك، وأبا الوليد عبد الله بن الحارث، وثابتا البناني، روى عنه: شعبة، وحماد بن زيد، وابن علية. روى له: البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي (2) .
قوله: " استنكروا ذلك " أي: ذلك القول من المؤذن، وكذلك " ذا " إشارة إليه.
قوله: " عزْمة "- بفتح العين وإسكان الزاي- أي: واجبة متحتمة، فلو قال المؤذن: " حي على الصلاة، لتكلّفتم المجيء إليها ولحقتكم المشقةُ. ثم إنه جاء في حديث ابن عباس هذا: " صلوا في بُيوتكم" في وسط الأذان، وفي حديث ابن عمر في آخر ندائه، والأمران جائزان، نص عليها الشافعي في " الأم" في كتاب الأذان، وتابعه جمهور الشافعية
__________
(1) البخاري: كتاب الأذان، باب: الكلام في الأذان (616) ، مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: الصلاة في الرحال في المطر (26/ 699) ،
ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة والسُنَة فيها، باب: الجماعة في الليلة المطيرة (939) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (6 1/ 2 1 37) .(4/384)
فيجوز بعدَ الأذان وفي أثنائه لثبوت السُنَّة فيهما، لكن قوله بعدَه أحسن
ليَبقى نظمُ الأذان على وَضْعه.
قال الشيخ محيي الدين (1) : ومن أصحابنا من قال: لا يقوله إلا بعد
الفراغ؛ وهذا ضعيف مخالف لصريح حديث ابن عباس، ولا منافاة بينه
وبين حديث ابن عمر؛ لأن هذا جرى في وقت وذاك في وقت؛ وكلاهما
صحيح.
قوله: "أن أحرجكم "- بالحاء المهملة- أي: أشق عليكم بإلزامكم
السعي إلى الجماعة في الطين والمطر، وفي رواية: " كرهتُ أن أوثمكم"
أي: كون سبب اكتسابكم الإثم عند ضيق صدُوركم، فربما يتسخط
ويتكلم به. وروي بالخاء المعجمة، من الخروج. والحديث: أخرجه البخاريّ، ومسلم، وابن ماجه.
* * *
203- بَابُ: الجُمعة للمَمْلُوك وَالمرأةِ
أي: هذا باب في بيان الجمعة للمملوك والمرأة.
1038- ص- نا عباس بن عبد العظيم: حدثني إسحاق بن منصور: نا
هُريم، عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن
شهاب، عن/ النبي- عليه السلام- قال: " الجمعة حق واجب على كل [2/75 - ب] مسلمٍ في جماعة إلا أربعة: عبد مملوك أو امرأة أو صبيّ أو مريض " (2) .
ش- إسحاق بن منصور: السلمي، روى عن: هُرَيم، روى عنه:
عباس بن عبد العظيم، روى له: أبو داود (3) .
وهريم: ابن سفيان البجلي الكوفي، روى عن: عبيد الله بن عُمر،
ومنصور بن المعتمر، وليث بن أبي سليم، والأعمش، وغيرهم. روى
__________
(1) شرح صحيح مسلم (207/5) .
(2) تفرد به أبو داود.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (2/ 480 هامش 3) .
25* شرح سنن أبي داوود 4(4/385)
عنه: الأسود بن عامر، وعبد الحميد بن صالح، وإسحاق بن منصور، وغيرهم. قال ابن معين: ثقة. روى له: الجماعة إلا النسائي (1) . وهريم: بضم الهاء وفتح الراء.
وإبراهيم بن محمد بن المنتشر: ابن الأجدع، ابن أخي مسروق بن الأجْدع الهمداني الكوفي، يَرْوي عن: أبيه. روى عنه: شعبة وأهل العراق، ذكره ابن حبان في " الثقات "، واحتج به الشيخان في "صحيحيهما" (2) .
وقيس بن مُسلم: الجدلي العَدْواني، أبو عمرو الكوفي. روى عن: طارق بن شهاب، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وعبد الرحمن بن أبي ليلى. روى عنه: الأعمش، ومسعر، والثوري، وشعبة، وغير هم. قال ابن معين وأبو حاتم: ثقة. مات سنة عشرين ومائة. روى له الجماعة (3) .
وطارق بن شهاب: ابن عبد شمس بن سلمة بن هلال بن عوف بن جُشم البجلي الأحْمسي، أبو عبد الله، رأى النبي- عليه السلام-، وأدرك الجاهلية وغزا في خلافة أبي بكر وعمر ثلاثاً وثلاثين أو ثلاثاً وأربعين من غزوة إلى غزية. روى عن: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي بن أبي طالب، وابن مسعود، وسلمان الفارسي، وخالد بن الوليد، وحذيفة بن اليمان، وأبي موسى الأشعري، وأبي سعيد الخدري، أخرج له البخاري، عن أبي بكر الصِّدِّيق وعبد الله بن مسعود، وأخرج له مسلم، عن أبي سعيد الخدري، وأخرج له أبو داود، والنسائي، عن النبي- عليه السلام-. روى عنه: قيس بن مسلم، ومخارج بن عبد الله، وعلقمة بن مرثد، وغيرهم. توفي سنة ثلاث وعشرين ومائة (4) .
__________
(1) المصدر السابق (0 3/ 6562) .
(2) المصدر السابق (2/ 235) .
(3) المصدر السابق (24/ 4921) .
(4) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (2/ 237) ، وأسد الغابة (3/ 70) ، والإصابة (2/ 0 22) .(4/386)
قوله: " الجمعة سنن واجب" أي: فرض عين لا يجور التخلف عنها. قوله: " في جماعة" لأنه إذا لم تكن جماعة لا تجب الجمعة؛ وأقلها: ثلاثة سوى الإمام عند أبي حنيفة. وبهذا الحديث استدل أصحابنا، وقال صاحب " الهداية": ولا تجب- أي: الجمعة- على مسافرِ ولا امرأةِ ولا مريض ولا عبد ولا أعْمى.
وقال الخطابي (1) : أجمع الفقهاء على أن النساء لا جمعة عليهن، فأما العبيد: فقد اختلفوا فيهم، فكان الحسن وقتادة يوجبان على العبد الجمعة إذا كان مُخارَجاً، وكذلك قال الأوزاعي، وأحسب أن مذهب داود: إيجاب الجمعة عليه. وقد روي عن الزهري أنه قال: إذا سمع المسافر الأذان فليحضر الجمعة. وعن إبراهيم النخعي نحو منْ ذلك. ص- قال أبو داود: طارق بن شهاب قد رأى النبي- عليه السلام- ولم يَسْمع منه شيئاً.
ش- هذا غير قادح في صحة الحديث؛ فإنه يكون مرسل صحابي وهو حجة، وكذا قال النووي في "الخلاصة "، وقال: والحديث على شرط الشيخين. انتهى. ورواه الحاكم في "المستدرك " عن هريم بن سفيان به، عن طارق بن شهاب، عن أبى موسى مرفوعاً وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وقد احتجا بهريم بن سفيان. ورواه ابن عيينة، عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر، فلم يذكر فيه أبا موسى، وطارق بن شهاب يُعد في الصحابة. وقال البيهقي في " سننه ": هذا الحديث وإن كان فيه إرسال فهو مُرسل جيد، وطارق من كبار التابعين، وممن رأى النبي- عليه السلام- وإن لم يسمع منه، ولحديثه شواهد. وقد صرح ابن الأثير في "جامع الأصول " بسماعه من النبي- عليه السلام- حيث قال: رأى النبي- عليه السلام- وليس له سماع منه إلا شاذا، ويؤيدُ هذا قول الزهري في "التهذيب ": صحابي
__________
(1) معالم السنن (1/ 210) .(4/387)
أدرك الجاهلية وصحب النبي- عليه السلام-، وعقد له المزي في "أطرافه " مُسنداً، وذكر له عدة أحاديث.
وقال أبو بكر بن أبي شيبة: نا حميد بن عبد الرحمن الرقاشي، عن حسن، عن أبيه، عن أبي حازم، عن مولى لآل الزبير قال: قال رسول الله- عليه السلام-: " الجمعة واجبة على كل حالم إلا أربعة: الصبي، والعبد، والمرأة، والمريض".
نا هشيم، عن ليث، عن محمد بن كعب القرظي قال: قال رسول الله- عليه السلام-:" من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فعليه الجمعة يوم الجمعة إلا على امرأة أو صبي أو مملوك أو مريض ". وأخرج عن مجاهد: ليس على العبد جمعة. وكذا عن الحسن.
* * *
204- بَابُ: الجُمعَةِ في القُرَى
أي: هذا باب في بيان إقامة الجمعة في القرى جمع قريةِ.
[1/76 - أ] / 1039- ص- نا عثمان بن أبي شيبة، ومحمد بن عبد الله المخرمي لفظُه قالا: نا وكيع، عن إبراهيم بن دهمان، عن أبي جَمْرة، عن ابن عباس قال: إن أؤل جمعة جُمعت في الإسلام بعد جُمعة جُمعت في مسجد رسول الله بالمدينة لجمعة جمّعت بجُواثَا قرية من قُرَى البحْرين. قال عثمان: قرية من قُرى عبد القيس (1) .
ش- أبو جَمْرة- بالجيم- نَصْر بن عمران بن عاصم بن واسع الضبعي البصري. سمع: ابن عباس، وابن عمر، وجارية بن قديمة، وغيرهم. وروى عن: أنس بن مالك. روى عنه: أيوب، وإبراهيم بن طهمان، وهشام بن حسان، وشعبة، وغيرهم. قال ابن معين وابن
__________
(1) البخاري: كتاب الجمعة، باب: الجمعة في القرى والمدن (892) .(4/388)
حنبل وأبو زرعة: ثقة. توفي سنة ثمان وعشرين ومائة. روى له الجماعة (1) .
قوله: " لجمعة" بلام التأكيد خبر " إن".
قوله: " بجواثا " أي: في جواثا- بضم الجيم وواو مخففة، ومنهم مَن يَهمزها.
قوله: " قرية " بالجرّ على أنها بدل من قوله: " بجواثا". وقال الزمخشري: جواثا: حصْن بالبحرَيْن. وقال البكري: هو بضم أوله على وزن فُعالى مَدينة بالبَحرين لعَبْد القيس؛ قال امرئ القيس:
ورحنا كأنا في جُواثا عشية ... يُعَالى النعاج بين عِدْلٍ ومُحقَب
يُريد كأنا من تُجّار جُواثا لكثرة ما معهم من الصيْد، وأراد كثرة أمتعة تجار جُواثا. وهو معنى قوله: " قال عثمان " أي: عثمان بن أبي شيبة: قريةٍ من قرى عَبْد القيس.
وبهذا الحديث استدلت الشافعية أن الجمعة تقامُ في القرية إذا كان فيها أربعون رجلاً أحراراً مقيمين، حتى قال البَيْهقي: " باب العدد الذين إذا كانوا في قرية وجبت عليهم " ثم ذكر فيه إقامة الجمعة بجُواثا.
قلنا: لا نُسلم أنها قريةٌ؛ بل هي مدينةٌ كما قال البكري، حتى قيل: كان يَسكنُ فيها فوق أربعة آلاف نفس، والقرية لا تكون كذلك، والقرية - أيضا تطلق على المدينة، قال تعالى: "عَلَى رَجُلٍ منَ القَرْيَتَيْنِ " (2) وهما: مكة والطائف، وتسمى مكة أم القرى، ولئن سلمنا أنها قريةٌ فليس في الحديث أنه- عليه السلام- اطلع على ذلك وأقرّهم عليه. والحديث: أخرجه البخاري.
وقد اختلف العلماء في الموضع الذي تقام فيه الجمعة؛ فقال مالك:
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (6408/29) .
(2) سورة الزخرف: (31) .(4/389)
كل قرية فيها مسجد أو سوق فالجمعة واجبة على أهلها، ولا تجب على أهل العمود وإن كثروا؛ لأنهم في حكم المسافرين. وقال الشافعي، وأحمد: كل قرية فيها أربعون رجلاً أحراراً بالغين عقلاء مقيمين بها، لا يظعنون عنها صيفا ولا شتاء إلا ظعن حاجة، فالجمعة واجبة عليهم، وسواء كان البناء من حجر أو خشب أو طين أو قصب أو غيرها، بشرط أن تكون الأبنية مجتمعة، فإن كانت متفرقة لم تصح، وأما أهل الخيام فإن كانوا ينتقلون من موضعهم شتاء أو صيفاً لم تصح الجمعة بلا خلاف، وإن كانوا دائمين فيها شتاء وصيفاً وهي مجتمعة بعضها إلى بعض، ففيه قولان أصحهما: لا تجب عليهم الجمعة ولا تصح منهم؛ وبه قال مالك، والثاني: تجب عليهم وتصح منهم؛ وبه قال أحمد، وداود. ومذهب أبي حنيفة: لا تصح الجمعة إلا في مِصرٍ جامع، أو في مصلى المصر، ولا تجوز في القرى، وتجوز في منَى إذا كان الأمير أمير الحاج، أَو كان الخليفة مسافراً. وقال محمد: لَا جمعة بمنَى، ولا تصح بعرفات في قولهم جميعاً وقال أبو بكر الرازي في كتاَبه" الأحكام ": اتفق فقهاء الأمْصار على أن الجمعة مخصوصة بموضع لا يجوز فعلها في غيره؛ لأنهم مجتمعون على أنها لا تجوز في البوادي ومناهل الأعراب. وذكر ابن المنذر عن ابن عمر أنه كان يرى على أهل المناهل والمياه أنهم يجمعون.
ثم اختلف أصحابنا في المصر الذي تجوز فيه الجمعة؛ فعن أبي يوسف: هو كل موضع يكون فيه كل محترف، ويوجد فيه جميع ما يحتاج الناس إليه في معايشهم عادةً، وبه قاضٍ يقيم الحدود. وقيل: إذا بلغ سكانه عشرة آلاف، وقيل: عشرة آلاف مقاتل، وقيل: بحيث أن لو قصدهم عدو لأمكنهم دفعُه، وقيل: كل موضع فيه منبر وقاضٍ يقيم الحدود، وقيل: أن لو اجتمعوا إلى أكبر مساجدهم لم يَسعهم، وقيل: أن يكون [2/ 76 -ب] بحال يَعيش/ فيها كل محترف بحرفته من سنة إلى سنة من غير أن يشتغل بحرفة أخرى. وعن محمد: كل موضع مَضره الإمامً فهو مصر، حتى إنه لو بعث إلى قرية نائبا لإقامة الحدود والقصاص يَصير مصرا، فإذا عزله(4/390)
ودعاه يُلحق بالقرى، ثم استدل أبو حنيفة على أنها لا تجوز في القرى بما رواه عبد الرزاق في " مصنفه ": أخبرنا معمر، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن عليّ- رضي الله عنه- قال: لا جمعة ولا تشريق إلا في مصر جامع. ورواه ابن أبي شيبة في "مصنفه": ثنا عباد بن العوام، عن حجاج، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي قال: لا جمعة ولا تشريق، ولا صلاة فطر، ولا أضحى إلا في مصر جامع، أو مدينة عظيمة.
وروى- أيضا- بسند صحيح: نا جرير، عن منصور، عن طلحة، عن سعد بن عَبيدة، عن أبي عبد الرحمن قال: قال علي: لا جمعة ولا تشريق إلا في مصر جامع.
ولا التفاتَ إلى قول النووي: حديث علي ضعيف متفق على ضعفه، وهو موقوف عليه بسند ضعيف منقطع، فكأنَّه عثَر على حديث عليّ من طريق حجاج بن أرطأة، ولم يَعثر على طريق جرير، عن منصور؛ فإنه سند صحيح، ولو اطلع عليه ما ادعى هذه الدعوى. وأما قوله: " متفق على ضعفه " فزيادة من عنده، ولا يُدْرى من سلَفُه في ذلك، على أن أبا زَيْد زعم في" الا"سْرار " أن محمد بن الحسن قال: رواه مرفوعا: معاذ، وسراقةُ بن مالك. وروى أبو بكر بن أبي شيبة، عن ابن فضيل، عن عطاء بن السائب، عن أبيه، عن عبد الله بن عَمرو ابنه كان يشهد الجمعة في الطائف وهو في قرية يُقال لها: الوَهْطُ على رأس ثلاثة أميال. وروى عن عبد الأعلى، عن معمر، عن الزهري أنهم كانوا يشهدون الجمعة مع النبي- عليه السلام- من ذي الحليفة.
وعن وكيع، عن أبي البُحْتري قال: رأيتُ أنسا شهدَ الجمعةَ مِنَ الزاوية؛ وهي فرسخان من البصرة.
وعن أزهر، عن ابن عون قال: كان أبو المليح عاملاً على الأبلة، فكان إذا أتت الجمعة جمّع منْها.(4/391)
وجه الدلالة من هذه الآثار: أن الجمعة لو أقيمت في القرى لما احتاجوا أن يأتوا إليها من مسيرة أميال.
فإن قيل: إنها لم تُقَم في قرى المدينة لينالوا فضيلة الصلاة معه- عليه السلام-. قيل له: كان يأمر بها في القرَى النائية عن المدينة؛ لأنه يشق عليهم الحضور، ويتعذر عليهم إدراك الفضيلة، فلما لم يأمر بها دل على عدم الجواز؛ إذ لو جاز لأمر بها كما أمر بإقامة الجماعة في مساجد المدينة مع فوات فضيلة الصلاة معه؛ وإلى هذا القول ذهب سحنون.
فان قيل: " في سنن سعيد بن منصور " عن أبي هريرة أنهم كتبوا إلى عمر بن الخطاب من البحرين يسألونه عن الجمعة؟ فكتب إليهم: اجمعوا حيث ما كنتم. وذكره ابن أبي شيبة بسند صحيح بلفظ: جمّعوا. وفي "المعرفة": أن أبا هريرة هو السائل، وحسن سنده.
وروى الدارقطني بإسناده عن أم عبد الله الدوسيّة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:" الجمعة واجبة على أهل كل قرية فيها إمام وإن لم يكونوا إلا أربعة ". زاد أبو أحمد الجرجاني: حتى ذكر النبي- عليه السلام- ثلاثةً.
وفي " المصنف" عن مالك: كان أصحاب النبي- عليه السلام- في هذه المياه بين مكة والمدينة يجمّعون.
وفي " صحيح ابن خزيمة " عن ابن كعب بن مالك، عن أبيه أنه كان إذا لمجمع الأذان للجمعة صلى على أبي أسامة أسْعد بن زرارة فسألته فقال: أي بُني كان أول مَنْ جمع بنا بالمدينة في هَزْم النَّبيت من حرّة بني بياضة يُقال له: نَقيع الخَضمَات، قلتُ: وكم كنتم يومئذ؟ قال: أربعون رجلاً. وعند البيهقي: قبل مقدم النبي- عليه السلام-.
وفي " المعرفة ": قال الزهري: " بعث النبي- عليه السلام- مُصْعب بن عمير إلى المدينة ليقرئهم القرآن جمع بهم، وهما اثنا عشر رجلاً، فكان مُصعب أول مَن جمع الجمعة بالمدينة بالمسلمين قبل أن يقدمها(4/392)
رسول الله- عليه السلام-. قال البيهقي: يُريدُ: الاثني عشر النقباء الذين خرجوا به إلى المدينة/ وكانوا له ظَهراً. وفي حديث كعْب: جمَّع [2/77 - أ] بهم اسْعدُ وهم أربعون، وهو يُريد جميع مَنْ صلى معه ممن أسلم من أهل المدينة مع النقباء. وعن جعفر بن برقان قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى عدي بن عدي: أما أهل قرية ليسوا بأهل عَمود ينتقلُون فأمِّرْ عليهم أميرا يُجمع بهم؛ رواه البيهقي.
قلنا: أما الجواب عن الأوّل: فمعناه: جَمعوا حيث ما كنتم من الأمصار، ألا ترى أنها لا تجوز في البراري.
وعن الثاني: أن رواته كلهم عن الزهري متروكون، ولا يصح سماع الزهري من الدوسية. وقال عبد الحق في " أحكامه ": لا يصح في عدد الجمعة شيء.
وعن الثالث: إنه ليس فيه دليل على وجوب الجمعة على أهل القُرى.
وعن الرابع: نذكره الآن؛ لان أبا داود رواه مثل ما روى ابن خزيمة. وعن الخامس: أن النبي- عليه (1) السلام- لم يأمرهم بذلك ولا أقرهم عليه.
وعن السادس: أن رأي عمر بن عبد العزيز ليْس بحجةٍ، ولئن سلمنا فليْس فيه ذكر عددِ.
وأما قول ابن حزم مستدلا لمذهبه: " ومن أعظم البرهان: أن النبي
- عليه السلام- أتى المدينة، وإنما هي قرى صغار متفرقة، فبنى مسجده في بني مالك بن النجار، وجمع فيه في قرية ليست بالكبيرة ولا مصر هناك فغير جيد من وجوه؛ الأول: هو قد صحح قول علي بن أبي طالب - كرم الله وجهه (2) - الذي هو من أعلم الناس بأمر المدينة " لا جمعة ولا تشريق إلا في مصر جامع "، الثاني: الإمام أيّ موضع حل جمع، الثالث: التمصير هو للإمام، فأقي مَوضع مَصره مصر.
__________
(1) في الأصل: " عليهم".
(2) تقدم التعليق على خطأ هذه الكلمة (1/ 182) .(4/393)
1040- ص- نا قتيبة بن سعيد: نا ابن إدريس، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن أبي أمامة بن سَهْل، عن أبيه، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك- وكان قائد أبيه بعد ما ذهَب بصرُه-، عن أبيه كعب بن مالك (1) أنه كان إذا سمعَ النداء يوم الجمعة ترحم لأسْعد بن زرارة فقلت له: إذا سمعت النداء ترَحمتَ لأسعد بن زرارة؟ قال: لأنه أول مَنْ جمّع بنَا في هَزْم النَبيت من حَرّة بني بياضة في نقيع يقال له: نقيع الخَضِمَات، قَلتُ: كم أنتمَ يومئذ؟ قال: أربعون (2) .
ش- ابن إدريس: عبد الله بن إدريس الكوفي.
ومحمد بن أبي أمامة: أسعد بن سَهْل بن حُنيف الأنصاري الأوسي. روى عن: أبيه. روى عنه: محمد بن إسحاق بن يَسار. روى له: أبو داود، وابن ماجه (3) .
وأسعد بن سَهْل: الصحابي الأنصاري.
وعبد الرحمن بن كعب بن مالك: الأنصاري السلمي المدني أبو الخطاب. سمع: أباه، وجابر بن عبد الله. روى عنه: أبو عامر صالح بن رستم، والزهري، وإسحاق بن يسار- والد محمد. توفي في خلافة سليمان بن عبد الملك. وقال الواقدي: في خلافة هشام (4) . روى له الجماعة (5) . وكعب بن مالك: ابن أبي كعب- واسمه: عمرو- ابن القين بن كعْب، أبو عبد الرحمن، أو أبو محمد، أو أبو بشير، وهو أحد
__________
(1) في الأصل: "عن أبيه، عن كعب بن مالك" خطأ.
(2) ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: في فرض الجمعة (1082) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (24/ 5080) .
(4) قال ابن حجر في تهذيب التهذيب (259/6) : إنما قال ذلك الواقدي في عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب المتقدم، وأما هذا فقال ابن سعد: توفي في خلافة سليمان، وكذا ذكر خليفة ويعقوب بن سفيان وغير واحد.
(5) المصدر السابق (17/ 3941) .(4/394)
الثلاثة الذين تاب الله عليهم وأنزل فيهم: "وَعَلَى الثَّلاثَة الذينَ خُلفُواً" (1) ، روي له عن رسول الله ثمانون حديثاً؛ اتفقا علىَ ثلَاثة أحاديث، وللبخاري حديث واحد، ولمسلم حديثان، شهد العقبة مع السبعين، والأصح أنه لم يشهد بدراً. روى عنه: بنوه: عبد الله،
وعبيد الله، وعبد الرحمن، ومحمد بنو كعب، وعبد الله بن عباس،
وأبو أمامة الباهلي، وغيرهم. مات بالمدينة قبل الأربعين، وقيل: سنة خمسين. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (2) .
وأسعد بن زرارة: كُنيته أبو أمامة، وكان عقبيا نقيبا، وقيل: إنه أول
مَنْ بايع النبي- عليه السلام- ليلة العقبة ومات قبل بدر، ودفن بالبقيع،
وهو أول مدفون به، وقيل: عثمان بن مظعون، وقيل: توفي أسعد في
شوال من السنة الأولى، وقيل: مات قبل قدوم النبي- عليه السلام-
المدينة؟ والصحيح: الأول (3) .
قوله: " في هَزْم النَبيت " الهَزْم- بفتح الهاء، وسكون الزاي، وبعدها
ميم-: موضع بالمديَنة؛ والنَبيت- بفتح النون، وكسْرِ الباءِ المُوحدة،
وبعدها ياء آخر الحروف ساكنةَ، وبعدها تاء ثالث الحروف-: حي من
اليمن.
قوله: " من حَرّة بني بياضة "- بالحاء المهملة- هي قرية على ميل من
المدينة، وبنو بياضة/ بطن من الأنصار منهم: سلمي بن صَخْر البياضي، [2/77 - ب] له صحبة.
قوله: " في نَقيع " النقيع- بفتح النون، وكسر القاف، وسكون الياء
__________
(1) سورة التوبة: (118) .
(2) انظر ترجمته في: الاستيعاب (3/ 286) ، وأسد الغابة (4/ 487) ، والإصابة (302/3) .
(3) انظر ترجمته في: الاستيعاب (1/ 82) ، وأسد الغابة (1/86) ، والإصابة (1/ 34) .(4/395)
آخر الحروف، وفي آخره عين مهملة- بَطْن من الأرض يُستنقَعُ فيه الماء مُدةً، فإذا نضب الماء أنبتَ الكلأَ، ومنه حديث عمر- رضي الله عنه- أنه حَمَى النَقِيع لخيل المسلمين. وقد يُصحِّفُه بعض الناس فيَروونه بالباء، والبَقيعُ بالباء بالمدينة موضع القبور، وهو بقيع الغرقد.
قوله: " يُقال له نقِيع الخضمات " الخضمات: بفتح الخاء وكسر الضاد المعجمتين. قال ابن الأثير: نقيع الخَضِمات موضع بنواحي المدينة. والحديث: أخرجه ابن ماجه، وابن خزيمة، والبَيْهقي، ثم العجبُ من البيهقي صحح هذا الحديث، وفيه ابن إسحاق، فقال: إذا ذكر سماعَه وكان الراوي ثقةً استقام الإسناد، وقال في " باب تحريم قتل ما له روحٌ ": الحُفاظ يتوقون ما يَنفردُ به ابن إسحاق، والحالُ أنه قد تفرد به هاهنا فكيف يكون هذا الإسناد صحيحاً؟ فليت شعري البيهقي ينسَى تعارُضَ كلامه أو يَتغافلُ؟ ولو كان الحديث عليهم كان يجعل إسنادَه أضعفَ الأسانيد، وكان يتكلم في ابن إسحاق بأنواع الكلام.
فإن قيل: قد قال الحاكم: إنه على شرط مسلم.
قلت: هو مردود؛ لأن مداره على ابن إسحاق، ولم يخرج له مسلم إلا متابعةً، ثم إنه ليس في الحديث اشتراط الأربعين، وأن الجمعة لا تجوز بأقل منهم، وإنما وقع الأربعون اتفاقاً. وقال الخطابي: حرة بني بياضة على ميل من المدينة فتكون من توابعها. وعند الحنفية: تجوز الجمعة فيها. قال القدوري في؛ التجريد": عندنا تجوز أن تقام في مصلى المدينة وإن كان بينهما كثر من ميل.
* * *
205- بَابٌ: إذا وَافق يومُ الجُمعةِ يَوْمَ العِيدِ (1)
أي: هذا باب في بيان ما إذا وافق يوم الجمعة يوم العيد.
1041- ص- نا محمد بن كثير: أنا إسرائيل: نا عثمان بن المغيرة، عن
__________
(1) في سنن أبي داود: "عيد".(4/396)
إياس بن أبي رَمْلة الشامي قال: شهدت معاوية بن ألي سفيان وهو يسألُ زَيدَ ابن أرقم قال: شهدت مع رسول الله عيدينِ اجتمعَا في يَوْمٍ؟ قال: نعَمْ قال: فكيفَ صَنَعَ؟ قال: صلي العيدَ ثم رَخص في الجُمعة فقال: " مَنْ شاء أن يُصلي فليُصل " (1) .
ش- إسرائيل: ابن يونس.
وعثمان بن المغيرة: الثقفي، أبو المغيرة الكوفي، مولى ابن عقيل. روى عن: علي بن ربيعة الوالبي، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وغير هم. روى عنه: إسرائيل، والثوري، وشعبة، وغيرهم. قال أحمد: ثقة، وكذا قال ابن معين. روى له الجماعة (2) .
وإياس بن أبي رَمْلة الشامي: سمع: معاوية بن أبي سفيان يسأل هذا الحديث عن زيد (3) . روى عنه: عثمان بن المغيرة. روى له: أبو داود، والنسائي، وابن ماجه (4) .
قوله: " شهدت " أي: هل شهدت؟ وكذا في بعض النسخ: " قال: هل شهدت؟ ". والحديث: رواه أحمد- أيضا ولفظه: " من شاء أن يجمع فليجمّع". وبهذا الحديث استدل أصحاب أحمد أن العيد إذا اتفق يوم الجمعة سقط حضور الجمعة عمن صلى العيد إلا الإمام؛ فإنها لا تسقط عنه، وقيل: فيه روايتان. وفي " المغني ": وممن قال بسقوطها: الشعبي، والنوعي، والأوزاعي، وقيل: هذا مذهب عمر، وعثمان، وعلي، وسعد، وابن عمر، وابن عباس، وابن الزبير. وقالت عامة الفقهاء: تجب الجمعة لعموم الآية والأخبار الدالة على
__________
(1) النسائي: كتاب صلاة العيدين، باب: الرخصة في التخلف عن الجمعة لمن شهد العيد (3/ 194) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء فيما
إذا اجتمع العيدان في يوم (1310) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (9 1/ 3864) .
(3) كذا، والجادة: " يسأل زيدا عن هذا الحديث" كما في تهذيب الكمال.
(4) المصدر السابق (3/ 589) .(4/397)
وجوبها؛ ولأنهما صلاتان واجبتان فلم تسقط إحداهما بالأخرى كالظهر
مع العيد.
1042- ص- نا محمد بن طريف البجلي: نا أسباط، عن الأعمش،
عن عطاء بن أبى رباح قال: صلى بنا ابنُ الزُبير في يَوم عيد في يوم جمعة
أول النهار، ثم رحْنا إلى الجُمعة فلم يَخرجُ إلينا، فصلينا وُحداناً، وكان ابنً
عباس بالطائف فلما قلِم ذكرنا له ذلك فقال: أصابَ السنُةَ (1) .
ش- محمد بن طريف: ابن خليفة، أبو جعفر البجلي الكوفي.
سمع: أبا معاوية، ووكيعاً، والفضل بن صالح (2) ، وغيرهم. روى
عنه: مسلم، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه، وغير هم. قال الخطيب: وكان ثقةً. مات سنة اثنتين وأربعين ومائتين (3) .
وأسباط: ابن محمد الكوفي.
قوله: "وحدانا" أي: متوحدين منفردين.
وقال الخطابي (4) : أما صنع ابن الزبير: فإنه لا يجوز عندي أن يُحملَ [2/78 - ب] / إلا على مذهب من يرى تقديم صلاة الجمعة قبل الزوال، وقد روي ذلك عن ابن مسعود، وروي عن ابن عباس أنه بلغه فعل ابن الزبير فقال:
أصاب السنةَ وقال (5) : كل عيدِ حين يمتد الضحى: الجمعةُ. وحكى
إسحاق بن منصور، عن أحمد بن حنبل أنه قيل له: الجمعة قبل الزوال
أو بعده؟ قال: إن صليت قبل الزوال فلا أعيبه، وكذلك قال
__________
(1) النسائي: كتاب العيدين، باب: الرخصة في التخلف عن الجمعة لمن شهد العيد (3/ 194) .
(2) قال محقق تهذيب الكمال: جاء في حواشي النسخ من تعقبات المؤلف على صاحب "الكمال" قوله: " كان فيه الفضل بن صالح، وهو خطأ ".
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (25/ 5309) .
(4) معالم السنن (1/ 212) .
(5) في " المعالم" أن القائل هو عطاء، ولفظه: " قال عطاء: كل عيد حين يمتد الضحى الجمعة والأضحى والفطر ".(4/398)
إسحاق، فعلى هذا يُشبهُ أن يكون ابن الزبير صلى الركعتين على أنهما جمعة وجعل العيد في معنى التبع لها.
قلت: قول الصحابة: " ثم رحنا إلى الجُمعة فلم يخرج إلينا فصلينا وحدانا " يُنافي تأويل الخطابي من قوله: " يُشبه أن يكون " إلى آخره؛ لأنهم لو لم يتحققوا أن الّتي صلاها عيد لما راحُوا إلى الجمعة بَعْدها، ولم يُصلوا الظهر بعدها وُحْدانا، وأيضا حديث زيد بن أرقم يؤيدُ ما قلناه لأن قضية ابن الزبير مثل قضية النبي- عليه السلام- بعينها وذكر زيد فيها: " صلي العيدَ " ثم رخصَ في الجُمعة. وأيضا قول ابن عباس: " أصاب السُّنَّة " أراد بها هذه. وقال ابن العربي: اتفق العلماء عن بكرةِ أبيهم على أن الجمعة لا تجب حتى تزول الشمس، ولا تجزىْ قبل الزوال، إلا ما روي عن أحمد أنها تجوز قبل الزوال. ونقله ابن المنذر، عن عطاء " إسحاق، والماوردي عن ابن عباس. وأخرج أبو بكر بن أبي شيبة (1) ، عن مصعب بن سعد قال: كان سَعْد يقيل بعد الجمعة. وعن سهل بن سَعْد قال: كنا نتغدى (2) ونقيل بعد الجمعة. وعن سعد الأنصاري: كنا نجمّع مع عثمان بن عفان ثم نرجع فنقيل. وعن أنس: كنا نجمع فنرجع فنقيلُ. وعن ابن عمر قال: كنا نجمع ثم نرجع فنقيل. وعن امرأة قالت: جاورت مع عمر سنةً فكانت القائلة بعد الجمعةَ. وعن الزبرقان قال: كنا نوقع مع أبي وائل ثم نرجع ونقيل. وعن سويد بن الغفلة قال: كنا نصلي الجمعة ثم نَرْجع فنقيل. وعن زيد بن وهب قال: كنا نصلي مع عبد الله الجمعة ثم نرجعَ فنقيل. وعن عبد الله بن سيدان السُّلمي قال: شهدت الجمعة مع أبي بكر الصديق فكانت خطبته وصلاته قبلَ نصف النهار، ثم شهدنا مع عمر فكانت خطبته وصلاته إلى أن أقول: انتصف النهار، ثم شهدنا مع عثمان فكانت صلاته وخطبته إلى أن أقول: زال النهار، فما رأيت أحداً عَابَ ذلك ولا أنكره. وعن عطاء قال: كان مَن
__________
(1) انظره وما بعده في المصنف (106/2- 109) .
(2) في الأصل:" نتغذى ".(4/399)
قبلكم يصلون الجمعة وإن ظل الكعبة كما هو. وعن عبد الله بن سلمة قال: صلى بنا عبد الله الجمعة ضُحىً وقال: خشيت عليكم الحر. وعن سعيد بن سُويد قال: صلى بنا معاوية الجمعة ضُحَى. فالجميع أخرجه ابن أبي شيبة في " باب من كان يَقيلُ بعد الجمعة ويقولُ: هي أول النهار ". فهذه الآثار كلها تدل على أن الجمعة تصح قبل الزوال. ثم أخرج
- أيضا- حجة من يقول: وقتها زوال الشمس وقت الظهر، فقال: نا زيد ابن حُباب: نا فُلَيح بن سليمان: أخبرني عثمان بن عبد الرحمن أنه سمع أنس بن مالك يقول: كنا نُصلي مع رسول الله الجمعة إذا مالت الشمس. ونا وكيع، عن يحيى بن الحارث، عن إياس بن سلمة بن الأكوع، عن أبيه قال: كنا نُصلي مع النبي- عليه السلام- الجمعة إذا زالت الشمس، ثم نرجع نتتبّعُ الفيء.
ونا وكيع، عن أبي العنبس عمرو بن مروان، عن أبيه قال: كنا نجمع مع علي إذا زالت الشمس.
ويمكن أن يُجابَ عن الآثار التي فيها القيلولة: بأن القيلولة هي الاستراحة نصف النهار وإن لم يكن معها نوم، وكانوا يُجمّعون حين زالت الشمس من غير تأخير، ثم يقيلون بمعنى يَستريحُون. وأما حديث عبد الله بن سيدان: فقد رواه الدارقطني وغيره- أيضا- فهو حديث ضعيف. قال النووي في " الخلاصة": اتفقوا على ضَعْف ابن سيدان- بكسر السن المهملة.
وأما حديثُ عبد الله ومعاوية الذي فيه ما ضُحى، فمعناه: صلي قريبا من الضحى من "كما زالت الشمس" فأطلق الضحى على وقت زوال الشمس باعتبار القرب، كما أطلق العشي على ما بعد الزوال./ وأخرج النسائي من حديث وهب بن كيسان، عن ابن عباس نحو حديث عطاء مختصراً.
1043- ص- نا يحيي بن خلف: نا أبو عاصم، عن ابن جرير قال:(4/400)
قال عطاء: اجتمع يومُ الجمعة ويوم فطر على عهد ابن الزُبير فقال: عيدان اجتمعا في يوم واحد فجمعهما جميعاً فصلاهما ركعتين بُكرةً لم يَزدْ عليهما حتى صلّى العَصر (1) .
ش- أبو عاصم: الضحاك بن مخلد، وابن جريج: عبدُ الملك، وعطاء: ابن أبي رباح.
ومقتضى هذا: الاكتفاءُ بالعيد في هذا اليوم وسقوط فَرضيّة الجمعة؛ وهو مذهب عطاء، ولم يقُلْ به أحدٌ من الجُمهور؛ لأن الفَرضَ لا يَسْقط بالسُّنًة، وأطلق العيدين على العيد والجمعة بطريق أن أحدهما عيد حقيقة، والجمعة- أيضا- في معنى العيد؛ لاجتماع الناس فيه، أو لأنها تعود كل شهر مرات، وقال محمد في " الجامع الصغير ": عيدان اجتمعا في يوم واحد، فالأول سُنَّة، والثاني فريضة، ولا يُتركُ واحد منهما. 1044- ص- نا محمد بن المُصفَى، وعُمر بن حَفْص الوَصَابِي المعنى قالا: نا بقية: نا شعبة، عن المغيرة الضبيّ، عن عبد العزيز بن رفيع، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شَميه أنه قال: " قد اجتمع في يومكم هذا عيدان فمن شاء أجزأت من الجمعة وَإنا مُجمعُون " (2) .
ش- محمد بن المصفى: ابن بهلول الحمصي.
وعُمر بن حَفْص: ابن عمر بن سَعْد بن مالك الحمْيري الوَصَّابي، روى عن: بقية بن الوليد، ومحمد بن حمير، وسليمان بن عدي. روى عنه: أبو حاتم، وأبو داود (3) . والوَصَابي: نسبة إلى وَصَاب- بفتح الواو والصاد المهملة المشددة، وفي آخره باء موحدة- وهي قبيلة من حمير.
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء فيما إذا اجتمع العيدان في يوم (1312) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (21/ 4216) .
26* شرح سنن أبى داوود 4(4/401)
والمغيرة: ابن مِقْسم أبو هشام الضبيّ الكوفي.
وعبد العزيز بن رفيع: الأسدي أبو عبد الله المكي. سمع: عبد الله ابن عباس، وابن الزبير، وأنس بن مالك، وعامر بن واثلة، وغيرهم. روى عنه: عمرو بن دينار، ومغيرة بن مقسم الضبي، والأعمش، وغيرهم. قال ابن معين وأحمد: ثقة. مات سنة ثلاثين ومائة، وقد أتى عليه نيف وتسعون سنة. روى له: الجماعة (1) .
وأبو صالح: ذكوان الزيات. وقال الخطابي (2) : في إسناد أبي هريرة مقال، ويُشبه أن يكون معناه- لو صح- أن يكون المراد بقوله: " فمن شاء أجزأه من الجمعة " أي: عن حضور الجمعة ولا يَسْقط عنه الظهرُ. قلت: كأن قوله: " فيه مقال" من جهة بقية؛ لأن فيه مقالاً. والحديث: أخرجه ابن ماجه.
ص- قال عُمر: عن شعبة.
ش- أي: قال عُمر بن حفص في روايته: عن شعبة بن الحجاج، وأسقط بقية بن الوليد (3) ؛ فعلى روايته الحديث صحيح، ولا يكون في إسناده ما زعمه الخطابي.
ومعنى قوله: " فمن شاء أجزأه " أي: كفاه عن حضور الجمعة. وهذا كانت رخصةٌ في سنن أهل التوالي في أوّل الأمْر، ثم تقرر الأمرُ: أن إقامة صلاة العيد لا تجزئ عن صلاة الجمعة، حتى إذا صلى العيدَ ولم يحضر الجمعة مع الإمام صلى الظهر أربعاً.
* * *
__________
(1) المصدر السابق (18/ 3446) .
(2) معالم السنن (1/ 212) .
(3) في "عون المعبود" (223/6) : " أي: قال عمر بن حفص أحد شيخي المصنف في روايته: عن شعبة بالعنعنة، بخلاف محمد بن المصفى، فإنه قال
في روايته: حدثنا شعبة".(4/402)
206- بَابُ ما يَقْرأ فِي صَلاةِ الصُّبْح يَوْمَ الجُمْعَةِ
أي: هذا باب في بيان ما يقرأ في صلاة الصبح يوم الجمعة.
1045- ص- نا مسدد: نا أبو عوانة، عن مُخوَل بن راشد، عن مُسلم البَطين، عن سَعيد بن جبير، عن ابن عباس أن رسول الله كان يَقْرأ في صلاة الفجَر يوم الجمعة ب: "تنزيلَ" (1) السجدة، و "هل أتى على الإنسان حين من الدهر" (2) .
ش- أبو عوانة: وَضَاح.
ومخول- بالخاء المعجمة المفتوحة والواو المشددة، وضبطه بعضهم بكسر الميم وإسكان الخاء؛ والأول أصح- ابن راشد النهدي أبو راشد الكوفي، أخو مجاهد، وهو ابن أبي المجالد. روى عن: مُسْلم بن عمران البَطين، ومحمد بن علي بن الحسين، روى عنهُ: الثوري، وشعبة، وقال ابن معين: ثقة. روى له الجماعة (3) .
قوله: " تنزيل " السجدة، أي: بسُورة تنزيل السجدة، وفي بعض النسخ: " تنزيل السجدة" بالنصب بدون باء الجر.
وقال الشيخ محيي الدين (4) : فيه دليل لمذهبنا ومذهب موافقتنا في استحبابهما في صبح الجمعة، وأنه لا يكره قراءة آية السجدة في الصلاة ولا السجود، وكره مالك وآخرون ذلك؛ وهم محجوبون بهذه الأحاديث الصحيحة المروية من طرق عن أبي هريرة وابن عباس.
__________
(1) في سنن أبي داود: "تنزيل" وأشار المصنف إلى أنها نسخة.
(2) مسلم: كتاب الجمعة، باب: ما يقرأ في يوم الجمعة (64/ 879) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في ما يقرأ به في صلاة الصبح يوم الجمعة (520) ، النسائي: كتاب الافتتاح، باب: القراءة في الصباح يوم الجمعة
(3) انظْر ترجمته في: تهذيب الكمال (27/ 5846) .
(4) شرح صحيح مسلم (6/168) .(4/403)
قلت: أما عندنا- أيضا- إذا قرأهما على وجه اتباع السنَة فمستحب ذلك، وأما إذا قرأ شيئاً من القرآن على وجه التعيين، فمكروه/، لما فيه من هجران الباقي. والحديث: أخرجه مسلم، والترمذي، والنسائي.
1046- ص- نا مسدّد: نا يحيي، عن شعبة، عن مخول بإسناده ومعناه، وزاد: في صلاة (1) الجمعة بسورة الجمعة و "إذا جاءك المنافقون" (2) .
ش- أي: بإسناد الحديث المذكور ومعناه، وزاد فيه: " وفي صلاة الجمعة " إلى آخره "الجمعة "، وفي بعض النسخ: " وفي صلاة الجمعة الجمعة " بنصب الجمعة أي: سورة الجمعة. وفي رواية مسلم: " قرأ في الركعة الأولى من صلاة الجمعة سورة الجمعة، وفي الثانية: المنافقين". وقال الشيخ محيي الدين (3) : وفيه استحباب قراءتهما بكمالهما فيهما؛ وهو مذهبنا ومذهب آخرين.
قلت: ومذهبنا- أيضا إذا لم يقصد التعيين؛ وليس في هذه المسألة خلاف بيننا وبَيْن الشافعي؛ فالذي يُثبت الخلافَ هو من قصور فهمه؛ لأن أبا حنيفة إنما كره الملازمة إذا لم يَعْتقد الجواز بغيره، والشافعي- أيضا يكره مثل هذا، وأما إذا اعتقد الجواز بغيره ولازمَ على سورة مُعيّنة إما لأنها أيسرُ عليه، أو اقتداء بفعله- عليه السلام- فلا يكره، فلم يكن في الحقيقة خلاف. وأما الحكمة في ذلك: فلاشتمال سورة الجمعة على وجُوب الجمعة وغير ذلك من أحكامها، وقراءة سورة المنافقة لتوبيخ
__________
(1) في سنن أبي داود:" صلاته ".
(2) مسلم: كتاب الجمعة، باب: ما يقرأ في يوم الجمعة (64/ 879) ، النسائي: كتاب الجمعة، باب: القراءة في صلاة الجمعة بسورة الجمعة والمنافقة
(3) شرح صحيح مسلم (166/6) .(4/404)
حاضريها منهم، وتَنْبيههم على التوبة وغيرها مما فيها من القواعد؛ لأنهم ما كانوا يجتمعون في مجلس كثر من اجتماعهم فيها. والحديث: أخرجه مسلم، والنسائي، والبيهقي.
* * *
207- بَابُ: اللُّبْس يَوْمَ الجُمعة (1)
أي: هذا باب في بيان اللبس يوم الجمعة.
1047- ص- نا القعنبي، عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- رأى حُلةَ سيَرَاءَ- يعني: تُباعُ- عند باب المسجد فقال: يا رسولَ الله، لو اشتريت هذه فلبستَهِا يوم الجمعة وللوَفْد إذا قدِموا عليك، فقال رسول الله: "إنما يلبَسُ هذَه من لا خلاقَ له في الآخرة "، ثم جاءت رسولَ الله منها حُلَل فأعْطى عمر بن الخطاب منها حلةَ، فقال عُمر: يا رسول الله، كسَوْتنيها (2) وقد قلتَ في حُلة عطارد ما قلتَ؟ فقالَ رسولُ الله: " إني لم أكسكها لتَلبَسَها " فكسَاهَا عمرُ أخاً له مُشْرِكاً بمكة (3) .
ش- الحلةُ: ثوبان غير لفقين: رداء وإزار؛ سميا بذلك؛ لأن كل واحد منهما يحُل عن الآخر؛ والجمعُ: حُلَل وحلال. وقال ابن التين: لا يُقال: حلة حتى تكون جديدة؛ سميت بذلك لَحلها عن طيها.
قوله: " سيراء"- بكسر السين المهملة، وفتح الياء آخر الحروف، وبعدها راء مهملة ممدودة- وهو الحرير الصافي؛ فمعناه: رأى حلة
__________
(1) في سنن أبي داود:" باب اللبس للجمعة".
(2) في سنن أبي داود:" كسوتنيها يا رسول الله".
(3) البخاري: كتاب الجمعة، باب: يلبس أحسن ما يجد (886) ، مسلم: كتاب اللباس والزينة، باب: تحريم استعمال أناء الذهب والفضة على الرجال (2068) ، النسائي: كتاب الجمعة، باب: الهيئة للجمعة (1382) ، ابن ماجه: كتاب اللباس، باب: كراهية لبس الحرير (3591) .(4/405)
حريراً. وقال ابن قرقول: ضبطناه على الإضافة عن ابن سراج ومتقني شيوخنا.
قلت: فحينئذ ينبغي أن يُسقط التنوينُ من " حلة". ورواه بعضهم بالتنوين على الصفة، وزعم بعضهم أنه بدل لا صفة.
وقال الخطابي (1) : " حلة سِيَراء" كناقة عُشَراء.
قال ابن قرقول: وأنكره أبو مَرْوان؛ لأن سيبويه قال: لم يأت فعلاء صفة؛ لكن اسماً.
وقال الخطابي (1) : الحلّة السيراء: هي المضلعة بالحرير التي فيها خطوط، وهو الذي يسقونه المُسير؛ وإنما سقوه مُسيّراً للخطوط التي فيه كالسيور.
ويقال: السيراء وَشْي من حرير. وعن ابن الأنباري: السيراء: الذهبُ، وقيل: نبت ذو ألوان وخطوط ممتدة كأنها السيور شُبه به بعضُ الثياب، وقيل: السيراء: المُضلّع بالقز. وفي " الصحاح ": هي برود فيها خطوط صُفْر. وقال صاحب " المغيث": برود يخالطها حرير كالسيور، فهو فعلاء من السَّيْر الذي هو القِد- بكسر القاف-؛ لأن عليها أمثال السيوَر. وقال الخليل: ليس في الكلام " فعلاء"- بالكسر ممدوداً- إلا حِولاء وعنباء وسيراء. وقال غيرُه: الحِوًلاء: الماء الذي [2/ 79 - ب] يخرج على رأس الولد/ إذا وُلد، والعنباء لغة في العنب، وقد قيل: الحُولاء- با لضم.
قوله: "لو اشتريت هذه" جوابُ " لو" محذوف، والتقدير: لو اشتريت هذه الحقة فلبستها يوم الجمعة أو للوفد لكان حسًناً، ونحو ذلك. والوَفْدُ: جمعُ وافد؛ وهم القوم يجتمعون ويَرِدون البلادَ ويقصدون الأمراء لزيارة أو استرفادِ أو غير ذلك.
__________
(1) معالم السنن (1/ 213) .(4/406)
قوله: " من لا خلاق له" الخلاق: الحظ والنصيب من الخير والصلاح، ورجل لا خلاق له: لا رغبة له في الخير.
قوله: " في حلة عُطارد " بالإضافة؛ وهو عطارد بن حاجب بن زرارة ابن عُدس بن زيد بن عبد الله بن دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم، وفد على النبي- عليه السلام- سنة تسع؛ وعليه الأكثرون، وقيل: سنة عشر، وهو صاحب الثوب الديباج الذي أهداه للنبي- عليه السلام-، وكان كسرى كساه إياه فعجب منه الصحابة فقال - عليه السلام-: " لمناديل سَعْد بن معاذ في الجنة خير من هذا" (1) .
قوله: "أخا له مشركاً بمكة" أخوه هذا: هو عثمان بن حكيم، وكان أخاه لأمّه، فأما زيد بن الخطاب أخو عُمر فإنه أسلم قبل عُمر. وفي "صحيح أبي عوانة": فكساها عمر أخاً له من أمه من أهل مكة مشركاً. والحديث: أخرجه البخاري، ومسلم، والنسائي. والحديث لا يُطابق الترجمة؛ لأن كثر ما فيه أن عُمر أشارَ مشورة ردت عليه، والذي يناسبُ الباب: ما رواه ابن ماجه عن عائشة: قال - صلى الله عليه وسلم -: " ما على أحدكم إن وجَد سعة أن يتخذ ثوبين لجمعته سوى ثوبي مهنته".
وعند ابن أبي شيبة- بسند صحيح على شرط مسلم-: نا عبدة: نا عثمان بن حكيم، عن عثمان بن أبي سليمان، عن أبي سعيد مرفوعاً: فإن من الحق على المسلم إذا كان يوم الجمعة: السواك، وأن يلبس من صالح ثيابه، وابن يتطيب بطيب إن كان".
وأخرج عن أبي جعفر أن رسول الله كان يلبس بُرْده الأحمرَ يوم الجمعة، ويعتم يوم العيدين. وعن ابن أبي ليلى قال: أدركت أصحاب محمد- عليه السلام- من أصحاب بدر، وأصحاب الشجرة إذا كان يوم
__________
(1) انظر: ترجمته في الاستيعاب بهامش الإصابة (3/ 165) ، وأسد الغابة (4/ 42) ، والإصابة (2/ 483) .(4/407)
الجمعة لبسوا أحسن ثيابهم، وان كان عندهم طيب مَسّوا منه، ثم راحوا إلى الجمعة.
ويُستفاد من حديث الباب فوائد؛ الأولى: جواز بيع الحرير صان كان حراماً على الرجال.
الثانية: حرمة الحرير على الرجال.
الثالثة: جواز تملك الإنسان ما لا يجوز له لبْسه.
الرابعة: جواز قبول الهدية من الكافر.
الخامسة: جواز الهدية للكافر.
وقال القرطبي: وفيه دلالة على أن عمر من مذهبه: أن الكفار ليسوا مخاطبين بفروع الشريعة، إذ لو اعتقد ذلك لما كساه إياها، ولقائل أن يقول: لم يهدها إليه ليلبسها بل لينتفع بها كما فعل - صلى الله عليه وسلم - مع عمر وغيره.
1048- ص- نا أحمد بن صالح: نا ابن وهب: أخبرني يونُس، وعمرو بن الحارث، عن ابن شهاب، عن سالم، عن أبيه قال: وَجدَ عمر ابن الخطاب حلة إستبرق تُباع بالسُوق فأخذها فأتى بها رسول الله- عليه السلام- فقال: " ابتَعْ هذه تجملْ بها للعيد وللوفود لما ثم ساق الحديث، والأولُ أتمُ (1) .
ش- الإستبرق: ما غلظ من الحرير والإبريسم؛ وهي لفظة أعجميّة معرّبة أصلها: إستبره، وقد ذكرها الجوهري في الباء من القاف على أن الهمزة والسن والتاء زوائدُ وأعاد ذكرها في السن من الراء. وذكرها الأزهري في خماسي القاف على أن همزتها وحدها زائدة، وقال: أصلها بالفارسية: استَفَره، وقال- أيضا- إنها وأمثالها من الألفاظ حروف
__________
(1) انظر الحديث السابق.(4/408)
عربية وقع فيها وفاق بين العجمية والعربية، وقال: هذا عندي هو الصوابُ. وفي لفظ: "من ديباج أو خز "، وفي رواية: "من سُنْدس ". قوله: " ابْتع هذه " أي: اشِترِ.
قوله: " تجمل " بجزم اللام على أنه أمر.
قوله: " ثم ساق الحديث " أي: الحديث المذكور.
قوله: " والأول أتم " أي: الحديث الأول؛ وهو رواية القعنبي أتم؛ لأنه أكثر فوائد.
1049- ص- نا أحمد بن صالح: نا ابن وهب: أخبرني عمرو (1) ،
[2/80 - أ] / أن يحيي بن سعيد الأنصاري حدثه، أن مُحمد بن يحيي بن حبان حدثه، أن رسولَ الله- عليه السلامِ- قالَ: " ما على أحدكم إن وجَد أو ما على أحدكم إن وجدتُم أن يَتخذ ثوبَيْن ليَوْم الجمعة سوى ثوبي مَهْنته ". قال عَمرو: وأخبرني ابنِ أبي حبيب، عن موسى بن سَعْد، عن ابن حبان، عن ابن سلام أنه سمع رسُولَ الله يقولُ ذلك على المنبر (2) .
ش- حَبان- بفتح الحاء وتشديد الباء الموحدة- وقد ذكرناه.
قوله: " ثوبي مهنته "- بفتح الميم وكسرها- أي: ثوبي بذلته وخدمته؛ والرواية بفتح الميم. قال الأصمعي: المَهنة- بفتح الميم-: الخدْمة، ولا يقال: مِهنة- بالكسْر- وكان القياس أن يقال مثل جلسة وخدْمة؛ إلا أنه جاء على فَعلة، وحكى غيرُه الكسر- كما تقدم.
قوله: " قال عمرو " أي: عمرو بن الحارث المصري. وابنُ أبي حبيب:
هو يزيدُ بن أبي حبيب- سُويد- المصري.
وموسى بن سَعْد: ابن زيد بن ثابت الأنصاري، وقال عبد الرزاق: موسى بن سعيد. روى عن: حرص بن عبيد الله بن انس، وربيعة بن
__________
(1) في سنن أبي داود: " أخبرني يونس وعمرو ".
(2) ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في الزينة يوم الجمعة (1095) .(4/409)
أبي عبد الرحمن. روى عنه: يزيد بن أبي حبيب، وعُمر بن محمد العمري، وعطاف بن خالد. روى له: مسلم، وابن ماجه (1) .
وابن سلام: هو عبد الله بن سلام الصحابيّ.
قوله: " يقول ذلك " إشارة إلى قوله: " ما على أحدكم إن وجد " الحديث.
ص- قال أبو داود: رواه وهب بن جرير، عن أبيه، عن يحيي بن أيوب، عن يزيد بن أبي حبيب، عن موسى بن سَعْد، عن يوسف بن عبد الله بن سلام، عن النبي- عليه السلام.
ش- أي: روى هذا الحديث: وهب بن جرير البَصْري، وأبوه: جرير بن حازم بن يزيد البَصْري، ويحيي بن أيوب: الغافقي المصري. ويوسف بن عبد الله بن سلام: أبو يعقوب، أجلسه رسولُ الله في حجره ووضع يده على رأسه وسقاه يوسف، له حديث في الأطعمة. قال ابن أبي حاتم: ليست له صحبة. وقال البخاري: له صحبة. وروى عن: عثمان، وعلي، وأبيه، وأبي الدرداء، وخولة بنت مالك، وجدته: أم معقل. روى عنه: يزيد بن أبي أمية الأعور، والنضير بن قيس، وعمر بن عبد العزيز، ويحيي بن سَعيد الأنصاري، ومحمد بن يحيي بن حبان، وغيرهم. روى له: أبو داود، والنسائي، والترمذي في "الشمائل" (2) .
* * *
208- بَابُ: التَحلُّقِ يَوْمَ الجُمعَة قبل الصلاة
أي: هذا باب في بيان التحلق يوم الجمعة ففي المسجد قبَل الصلاة. والتحلق: اتخاذ الحلقة.
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (29/ 6257) .
(2) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (3/ 679) ، وأسد الغابة (5/ 529) ، والإصابة (3/ 671) .(4/410)
1050- ص- نا مسدد: نا يحيى، عن ابنٍ عجلان، عن عمرو بن
شعيب، عن أبيه، عن جده أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عنِ الشراء والبيْع في المَسْجد وأن تُنشَد فيه ضالة وأن يُنشدَ فيه شعر، ونهى عن التحلق قبل
الصلاة يومَ الجمعة (1) .
ش- النهيُ عن الشَرى والبيْع في المسجد نهي تنزيه، حتى لو باع في
المسجد أو عقد انعقد البَيْع والشراء؛ ولكنه يكره؛ لأن المساجد بنيت لأداء
الفرائض والأذكار.
قوله: " وأن تُنشدَ فيه " أي: ونهى أن تنشد في المسجد ضَالة، يُقال:
نَشدتُ الدابةَ إذا طلبتها، وأنشدتُها إذا عرفتها، وقد ثبت: " من سمع
ينشد ضالةً في المسجد فليقل: لا ردها الله عليك؛ فإن المساجد لم تبن لهذا".
وقال الشيخ محيي الدين: ويلحق به ما في معناه من البيع والشرى
والإجارة ونحوها من العقود، وكراهة رفع الصوت في المسجد. قال القاضي: قال مالك وجماعة من العلماء: يكره رفع الصوت في المسجد بالعلم وغيره. وأجاز أبو حنيفة، ومحمد بن مسلمة من أصحاب مالك رفع الصوت فيه بالعلم والخصومة وغير ذلك مما يحتاجُ إليه الناسُ، لأنه مجمعهم ولا بد لهم منه.
قوله: " وأن يُنْشد فيه شعر " أي: ونهى أن يُنْشد في المسجد شعْرٌ،
وقال أبو نعيم الأصبهاني في كتاب " المساجد": نهى عن تناشد أَشعار
الجاهلية والمبطلين فيه، فأما أشعار الإسلام والمُحقين فواسع غير محظورِ [2/80 - ب]
__________
(1) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في كراهية البيع والشراء (322) ، النسائي: كتاب المساجد، باب: النهي عن البيع والشراء في المسجد (713) ،
ابن ماجه: كتاب المساجد والجماعات، باب: ما يكره في المساجد (749) ، وباب: النهي عن إنشاد الضوال في المسجد (766) ، وكتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في الحلق يوم الجمعة قبل الصلاة (1133) .(4/411)
وقال ابن حبيب: رأيت ابن الماجشون، ومحمد بن مسلمة ينشدان فيه الشعر، ويذكران أيام العرب، وقد كان ينشد بين يدي مالك فيُصغي إليه. قال أبو عبد الملك: كان حسان ينشد الشعر في المسجد في أول الإسلام، وكذا لعب الحبش فيه، وكان المشركون إذ ذاك يدخلونه، فلما كمل الإسلام زال ذلك كله. وقال البخاري: " باب إنشاد الشعر في المسجد" (1) ، ثم قال: حدَّثنا أبو اليمان: أخبرنا شعيب، عن الزهري: أخبرني أبو سلمة أنه سمع حسان بن ثابت يستشهد أبا هريرة: أنشدك الله هل سمعتَ النبيَّ- عليه السلام- يقولُ: " يا حسان، أجِبْ عن رسول الله، اللهم أيّده بروح القدس "؟ قال أبو هريرة: نعم فدل الحديث على أن الشعر حق، يتأهل صاحبه لأن يكون مؤيداً في النطق بنصر الملائكة، وما كان هذا شأنه فلا يتخيل أنه يحرم في المسجد لأن الذي يحرمُ في المسجد من الكلام إنما هو السفه وما هو باطل. وقد روى الترمذي من حديث عائشة: كان رسول الله ينصبُ لحسان منبراً في المسجد، فيقوم عليه يهجو الكفار.
فإن قيل: روى ابن خزيمة في " صحيحه" عن عبد الله بن سعيد: نا
أبو خالد الأحمر، عن ابن عجلان، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: نهى رسول الله عن تناشد الأشعار في المساجد. وحسنه الحافظان: الطوسي، والترمذي. وروى أبو داود من حديث صدقة بن خالد، عن محمد بن عبد الله الشعيثي، عن زفر بن وثيمة، عن حكيم ابن حزام مرفوعاً: نهى أن يستقاد في المسجد، وأن تُنشد فيه الأشعار (2) . قلنا: قال ابن حزم: حديث عَمرو لا يصح لأنه صحيفة، وحديث حكيم بن حزام زعم أبو محمد الإشبيلي أنه حديث ضعيف. وقال ابن القطان: لم يُبين أبو محمد من أمرهَ شيئا وعلته: الجهل بحال زفر فلا يُعرف.
__________
(1) كتاب الصلاة (453) .
(2) أبو داود: كتاب الحدود، باب: في إقامة الحد في المسجد (4490) .(4/412)