ش- قد ذكرنا أن " سبحان الله " في مثل هذا الموضع يراد بها
التعجب، وكذا " لا إله إلا الله "، ومعنى التعجب: كيف يخفى مثل هذا
الظاهر الذي لا يحتاج الإنسان في فهمه إلى فكر؟ وفيه جواز التسبيح عند
التعجب من الشيء واستعظامه، وكذلك يحوز عند التنبيه على الشيء
والتذكير به.
قوله: " فتطهرين أحسن الطهور " بضم الطاء، والمراد منه الوضوء
الكامل.
قوله: " حتى يبلغ شؤون رأسك " بضم الشن المعجمة وبعدها همزة،
ومعناه: أصول شعر رأسها، وأصل الشؤون: الخطوط التي في عظم
الجمجمة، وهو مجتمع شعب عظامها، الواحد منها شأن. وقال الشيخ
زكي الدين: الشؤَون: عظام الرأس وطرائقه ومواصل قبائله، وهي أربع
بعضها فوق بعض.
قوله: " نعم النساء " اعلم أن " نعم " من أفعال المدح، كما أن " بئس "
من أفعال الذم، وهي ما وضع لإنشاء مدح أو ذم، وشرطها أن يكون
الفاعل معرفاً باللام، أو مضافاً إلى المعرف بها، وهما فعلان بدليل جواز
اتصال تاء التأنيث الساكنة بهما في كل اللغات، ويحوز حذفها وإن كان
الفاعل مؤنثاً حقيقيا؛ لأنه غير متصرف فأشبه الحرف، ومنه قول عائشة
- رضي الله عنها- حيث قالت: " نعم النساء "، ولم تقل: " نعمت
النساء "، فارتفاع " النساء " على الفاعلية، وارتفاع " النساء " الثانية على
أنها مخصوصة بالمدح كما في قولك: نعم الرجل زيد، فيكون هذا
مبتدأ، وما قبله الجملة خبر عنه.
قوله: " أن يسألن " في موضع النصب على المفعولية، و " أن "
مصدرية، والتقدير: لم يكن يمنعهن الحياء سؤالهن عن أمور الدين.
***(2/114)
112- باب: التيمم
أي: هذا باب في بيان أمور التيمم، ولما فرغ عن الوضوء الذي هو
طهارة صغرى، وعن الغسل الذي هو طهارة كبرى، وما يتعلق بهما،
شرع في بيان التيمم الذي هو خلف/عن الوضوء، قدم الوضوء أولاً
لأنه الأعم الأغلب، ثم بالغسل لأنه الأندر، ثم بالخلف لأنه أبداَ يلي
الأصل، وهو في اللغة: مطلق القصد. قال الشاعر:
ولا أدري إذا يممت أرضاً ... أريد الخير أيهما يليني
أألخير الذي أنا أبتغيه ... أم الشر الذي هو يبتغيني
وفي الشرع: قصد الصعيد الطاهر واستعماله بصفة مخصوصة لإقامة
القربة. وسبب وجوبها ما هو سبب وجوب الوضوء، وشرط جوازها
العجز عن استعمال الماء؛ لأنه خلف لا يشرع معه، وإنما لم يقل كتاب
التيمم لما ذكرنا أن كتاب الطهارة يشمله، فلا يحتاج إلى ذكر الكتاب، بل
يحتاج إلى الذكر بالنوع وهو الباب.
301- ص- حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي قال: نا أبو معاوية ح، ونا
عثمان بن أبي شيبة قال: أنا عَبدةُ- المعنى واحد-، عن هشام بن عروة، عن
أبيه، عن عائشةَ قالت: بَعثَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أسَيدَ بنَ حُضَيرٍ وأناساً معه في
طلب قلادَة أضلَّتهَا عائشةُ، فحضَرَت الصلاةُ فصلُوا بغيرِ وُضوء، فأتَوا
النبي- عليًه السلامِ- فذكروا ذلك له، فأنزِلَت آيةُ التيمم. زاد ابن نفيل:
فقال لها أسَيدٌ: يرحَمُك اللهُ، ما نزلَ بك أمرٌ تكرهينَه إلا جَعَلَ اللهُ
للمسلمينَ ولكِ فيه فَرَجاً (1) .
ش- أبو معاوية الضرير، وعَبدة بن سليمان الكلابي، وأُسَيد بن
حضير بالضم فيهما.
__________
(1) البخاري: كتاب التيمم، باب: إذا لم يجد ماءً ولا تراباً (336) ، مسلم:
كتاب الطهارة، باب: التيمم (367) ، النسائي: كتاب الطهارة، باب: بدء
(لتيمم) (1/164) ، ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في السببَ(2/115)
قوله: " بعث رسولُ الله أسيدَ بن حُضَير " وفى رواية للبخاري: " فبعث
رسول الله رجلاَ فوجدها "، وفي رواية: " رجلين "، وفي رواية:
" ناساً "، وهي قضية واحدة.
قوله: " قلادة " القلادة- بكسر القاف- التي في العنق.
فوله: " أضلتها " أي: أضاعتها، يقال: ضل الشيء إذا ضاع، وضل
عن الطريق إذا جَارَ.
قوله: " فصلوا بغير وضوء " استدل به من قال: إن من لم يجد ماء ولا
تراباً لا يترك الصلاة إذا حضر وقتها على كل حال، وذلك لأن القوم
الذين بعثهم رسول الله- عليه السلام- في طلب القلادة كانوا على غير
ماء، ولم يكن رخص لهم بعد في التيمم بالتراب، وإنما نزلت آية التيمم
بعد ذلك، فكانوا في معنى من لا يحد الماء ولا التراب، ولو كانوا
ممنوعين من الصلاة- وتلك حالهم- لأنكره النبي- عليه السلام- حين
أعلموه ذلك، ولَنَهاهم عنه فيما يستقبلونه، إذ لا يجوز سكوته على باطل،
ولا تأخيره البيان في واجب عن وقته. وعن الشافعي أربعة أقوال،
أصحها: يجب عليه أن يصلي، ويجب عليه أن يعيد إذا زالت الضرورة.
الثاني: لا يجب عليه الصلاة ولكن يستحب، ويجب القضاء سواء صلى
أو لم يصل. والثالث: تجب الصلاة، ولا تجب الإعادة، وبه قال
المزني. والرابع: يحرم عليه الصلاة لكونه محدثاً، وتجب الإعادة، وهو
قول أصحابنا، واحتجوا بقوله- عليه السلام-: " لا يقبل الله صلاة
بغير طهور ". والجواب عن هذا أنهم صلوا صلاتهم تلك اجتهاداً،
والمجتهد يخطى ويصيب، والبيان يحوز تأخيره إلى وقت الحاجة، ولا
يجوز تأخيره عن وقت الحاجة.
قوله: " فأنزلت آية التيمم " وهي قوله تعالى: (فَلَم (1) تَجدُوا مَاءً
فَتَيَمَّمُوا صَعيداً طيِّباً) (2) ، وكان ذلك في غزوة بني المصطلق، وَهي في
السنة السادسَة من الهجرة.
__________
(1) في الأصل: " فإن لم ".
(2) سورة النساء: (43) ، والمائدة: (6) .(2/116)
قوله: " زاد ابن نفيل " هو عبد الله بن محمد بن نفيل، شيخ أبي داود،
وقد ذكرناه.
قوله: " ما نزل بك " من قولهم: نزل به أمر إذا أصابه شيء يكرهه،
ومنه النازلة وهي الشديدة من شدائد الدهر.
قوله: " تكرهينه " في محل الرفع على أنها صفة للأمر. والحديث
أخرجه البخاري، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه.
302- ص- حدَثنا أحمد بن صالح قال: ثنا عبد الله بن وهب قال:
أخبرني يونس، عن ابن شهاب، أن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة حدَثه، عن
عمار بن ياسر، أنه كان يحدث أنهم تَمسَّحُوا وهم مع رسولِ اللهِ بالصَعِيد
لصلاةِ الفجرِ، فضربوا با " كُفهمُ الصَعيدَ، ثم مَسَحُوا بوجوههِم مَسحةً
واحدةً، ثم عَادُوا فَضَرَبوا بأكفهمُ الصَعيدَ مرةً أخرى، فمسَحوا بأيديهِم
كُلَها إلى المناكبِ والآبَاطِ من بُطُونِ أيديهِم (1) .
ش- أحمد بن صالح المعروف بابن الطبري/ويونس بن يزيد الأيلي.
وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي، أبو عبد الله الفقيه
الأعمى المدني، أحد الفقهاء السبعة بالمدينة. سمع: ابن عباس، وابن
عمر، وأبا هريرة، وأبا سعيد الخدري، وأبا واقد الليثي، وعائشة
الصديقة، وغيرهم. روى عنه: عراك بن مالك، والزهري، وصالح
ابن كيسان، وغيرهم. قال أبو زرعة: مأمون ثقة إمام. وقال أحمد بن
عبد الله: تابعي ثقة، رجل صالح جامع للعلم، وهو معلم عمر بن
عبد العزيز. مات سنة تسع وتسعين. روى له الجماعة.
قوله: " بالصعيد " متعلق بقوله: " تمسحوا "، وقوله: " وهم مع
رسول الله " جملة حالية معترضة، و " الصعيد " فعيل، والمراد منه:
التراب هاهنا بالإجماع، وفي غيره هو جميع ما صعد على وجه الأرض،
__________
(1) النسائي: كتاب الظهارة، باب: الاختلاف في كيفية التيمم (1/168) ، ابن
ماجه: كتاب الطهارة، باب: التيمم في ضربتين (571) .(2/117)
وكذلك الذي في قوله تعالى: (فَتَيَمَّمُوا صَعيداً طيباً) ، ومعنى طيباً:
طاهراً عند الأكثرين، وقيل: حلالاً. وقالَ الشافعي: الطيب المُنبت
الخالص، ولهذا لم يُجوز التيمم بغير التراب، وبه قال أحمد، وداود.
وقال مالك: يجوز بكل متصل بالأرض حتى الثلج والنبات. وعن بعض
الشافعية: لا يجوز إلا بتراب عذب صالح للحرث، وبه قال إسحاق.
وقال الأوزاعي والثوري: لا يجوز بالثلج وكل ما على الأرض. والأصح
ما قاله أصحابنا أنه يجوز بالتراب وبكل ما كان من جنس الأرض؛ لأن
الصعيد: وجه الأرض لغة بالإجماع، والطيب: الطاهر لغة.
فوله: " إلى المناكب والآباط " المناكب: جمع منكب، وهو مجمع
عظم العضد والكتف، والآباط- بمد الهمزة المفتوحة- جمع إِبط- بكسر
الهمزة- وفُهِم من هذا الحديث مسألتان:
الأولى: أن التيمم ضربتان: ضربة للوجه، وضربة للذراعين.
والثانية: أن ضربة الذراعين إلى المناكب والآباط. أما الأولى فهي
مذهبنا ومذهب الأكثرين، وهو قول الشافعي، ومالك، والثوري، وإليه
ذهب عليّ بن أبي طالب، وعبد الله بن عمر، والحسن البصري،
والشعبي، وسالم بن عبد الله بن عمر. وذهبت طائفة إلى أن الواجب
ضربة واحدة للوجه والكفين، وهو مذهب عطاء، ومكحول،
والأوزاعي، وأحمد، وإسحاق، وابن المنذر، وعامة أصحاب الحديث.
وعن ابن سيرين لا يجزئه أقل من ثلاث ضربات، ضربة للوجه، وضربة
ثانية لكفيه، وثالثة لذراعيه.
وأما الثانية: فقد أخذ الزهري بظاهر هذا الحديث، أنه يجب مسح
اليدين إلى الإبطين. والجواب عن هذا أنهم أجروا اسم اليد على ظاهر
الاسم؛ لأن اليد لغة من رؤوس الأنامل إلى الإبط، ولم يكن عندهم
دليل الخصوص، فاجرَوا الحكم على ظاهره، ولكن قام دليل الإجماع
في إسقاط ما وراء المرفقين فسقط، وما دونهما بقي على الأصل لاقتضاء
الاسم إياه، ويؤيده أن التيمم بدل من الوضوء، والبدل لا يخالف المبدل.(2/118)
وفي هذا الحديث حجة لمَن ذهب إلى إدخال الذراعين والمرفقين في
التيمم، وهو قول ابن عمر، وابنه سالم، والحسن، والشعبي، وإليه
ذهب أبو حنيفة، والثوري، وهو قول مالك، والشافعي. وعن مالك:
التيمم إلى الكوعين، وهو قول الشافعي في القديم، وأحمد في رواية.
ورُوي عن مالك: أنه من الجنابة إلى الكوعين، ومن الحدث الأصغر إلى
المنكبين.
وهذا الحديث أخرجه ابن ماجه أيضاً وهو منقطع، فإن عبيد الله بن
عبد الله بن عتبة لم يدرك عمار بن ياسر، كذا قال الشيخ زكي الدين.
قلت: وقد أخرجه النسائي، وابن ماجه من حديث عبيد الله بن عبد الله
ابن عتبة، عن أبيه، عن عمار موصولاً، ورواه أيضاً أبو داود من حديث
الزهري: حدَّثني عُبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، عن عمار أتم
منه كما يجيء الآن.
303- ص- حدَّثنا سليمان بن داود المهري، وعبد الملك بن شُعيب،
عن ابن وهب نحو هذا الحديث. قال: قامَ المسلِمونَ فضَرَبُوا بأكُفهمُ
الترابَ، ولم يَقبضُوا من الترابِ شيئاً، فذكر نحوه، ولم يذكر المناكبَ
والآبَاطَ. فال ابنَ الليث: إلى ما فوقَ المِرفَقين (1) .
ش- سليمان بن داود بن حماد بن سعد المهري أبو الربيع المصري.
روى عن: ابن وهب، وإدريس بن يحيى الخولاني. روى عنه:
أبو داود، والنسائي، وزكريا بن يحيى الساجي، وغيرهم. قال
/النسائي: ثقة. توفي سنة ثلاث وخمسين ومائتين.
وعبد الملك بن شعيب بن الليث بن سعد، وقد ذكرناه.
قوله: " فذكر نحوه " أي: نحو الحديث المذكور.
قوله: " فال ابن الليث " هو عبد الملك بن شعيب بن الليث بن سعد،
__________
(1) ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في السبب (565) .(2/119)
وروايته تدل على أن المرفقين يدخلان في التيمم كما في الوضوء، وفيه
خلاف زفر (1) .
304- ص- ثنا محمد بن أحمد بن أبي خلف، ومحمد بن يحيى
النيسابوري في آخرين قالوا: نا يعقوب قال: ثنا أبي، عن صالح، عن ابن
شهاب قال: حدَّثني عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، عن عمار بن
ياسر: أنَّ رسولَ اللهِ- عليه السلام- عَرَسَ بألات (2) الجيش ومعه عائشةُ،
فانقطعَ عقدٌ لها من جَزع ظَفارِ، فحبسَ الناسَ ابتغاءَ عقدهَا ذلك حتى أضاءَ
الفجر ولَيس مع الناسِ ماء، فَتَغَيَّظَ عليها أبو بكر وَقالَ: حَبَست الناسَ
وليس معهم ماء، فأنزلَ اللهُ على رسوله رُخصَةَ التًطَهرِ بالصعيد الَطَّيب،
فقامَ المُسلمونَ مع رسول الله فضَربُوا بأَيَديهِم إلى الأرض، ثم رَفَعُوا (3)
ولم يَقبضُوا من التراب شَيئاً، فمسحوا بها وجوهَهُم وأيديَهُم إلى المناكب،
ومن بُطونِ أيديهِم إلى الآباط (4) .
ش- محمد بن أحمد بن أبي خلف السلمي، ومحمد بن يحيى بن
عبد الله أبو عبد الله الذهلي النيسابوري الإمام.
ويعقوب بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف
أبو يوسف القرشي الزهري المدني، سكن بغداد. سمع: عاصم بن
محمد، ومحمد بن عبد الله بن أخي الزهري، وشعبة، والليث بن
سعد، وغيرهم. روى عنه: أحمد بن حنبل، وابن معين، وابن
المديني، وأبو خيثمة، وجماعة آخرون. قال ابن سعد: كان ثقة مأموناً.
توفي بفم الصح في شوال سنة ثمان ومائتين (5) .
وأبوه إبراهيم بن سعد قد ذكرناه
__________
(1) كذا، والجادة " ذكر ".
(2) في سنن أبي داود ومعجم البلدان (1/372) : " بأولات ".
(3) في سنن أبي داود: " رفعوا أيديهم ".
(4) النسائي: كتاب الطهارة، باب: التيمم في السفر (1/167) -
(5) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (32/7082) .(2/120)
وصالح بن كيسان أبو محمد الغفاري، مولاهم المدني، رأى عبد الله
ابن عمر، وابن الزبير. وقال ابن معين: سمع منهما. وسمع:
عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وعروة بن الزبير، وسالم بن عبد الله بن
عمر، والزهري، وغيرهم. روى عنه: عمرو بن دينار، ومالك بن
أنس، وابن عجلان، وابن عيينة، وجماعة آخرون 0 قال ابن معين
هو ثقة. قال الحاكم: مات صالح وهو ابن مائة سنة ونيف وستين سنة،
وكان قد لقي جماعة من أصحاب رسول الله، ثم بعد ذلك تَلمذ على
الزهري، وتلقن عنه العلم وهو ابن تسعين سنة، ابتدأ بالتعليم وهو ابن
تسعين. روى له الجماعة (1) .
قوله: " عَرَّسَ بألات الجيش " عرس- بتشديد الراء- من التعريس وهو
النزول في آخر الليل نزلة للنوم والاستراحة، يقال فيه: عرس، يعرس،
تعريساً 0 ويقال فيه: أعرس. والمعرس: موضع التعريس، وبه سمي
معرس ذي الحليفة عرس به النبي- عليه السلام- وصلى فيه الصبح، ثم
رحل، وألات الجيش، ويقال: ذات الجيش- بفتح الجيم، وسكون
الياء آخر الحروف، وبشين معجمة- واد قرب المدينة بين ذي الحليفة
وبرثان، وهو أحد مراحل النبي- عليه السلًام- إلى بدر، وأحدُ مراحل
منصرفه- عليه السلام- من غزوة بني المصطلق، وقال في " المطالع ":
ذات الجيش على بريد من المدينة.
قوله: " عقد لها " العِقد- بكسر العين، وسكون القاف-: القلادة.
قوله: " من جزع ظفار ": بإضافة الجزع إلى الظفار إضافة النسبة،
الجزع- بفتح الجيم، وسكون الزاي، وبعدها عين مهملة- خرز يماني
ملون، وظفار- بفتح الظاء المعجمة والفاء-: مدينة باليمن لحمير،
وهي مبنية على الكسر كحذامِ، وقطامِ. وقال بعضهم: سبيلها سبيل
المؤنث لا ينصرف ويرفع وينصب، وَرواه بعضهم: " من جزع أظفَار "،
__________
(1) المصدر السابق (13/2834) .(2/121)
وأراد العطر المعروف، كأنه يؤخذ ويثقب ويجعل في العقد والقلادة،
والصحيح في الرواية: " من جزع ظفار " بالإضافة.
قوله: " فحبس الناس ابتغاء " أي: طلب عقدها، وهو مرفوع بالفاعلية،
و" الناس " منصوب مفعوله.
قوله: " وليس مع الناس ماء " الواو فيه للحال.
/قوله: " فتغيظ عليها " أي: على عائشة أبوها أبو بكر.
قوله: " ولم يقبضوا من التراب شيئاً " إشارة إلى أن التراب لا يستعمل
مثل الماء، بل مجرد إلصاقه باليد كاف؛ لأنه مَسح، بخلاف الوضوء
لأنه غسل ومسح.
وأخرج البخاري، ومسلم، والنسائي حديث عائشة في انقطاع العقد،
وليس فيه كيفية التيمم.
ص- زاد ابن يحيى في حديثه: قال ابنُ شهاب في حديثه: ولا يعتبر
بهذا الناس.
ش- أي: زاد محمد بن يحيى المذكور في حديثه: قال ابن شهاب
الزهري في حديثه.
قوله: " ولا يعتبر بهذا الناس " مقول قول ابن شهاب، و " الناس "
مرفوع على أنه فاعل " لا يعتبر "، وهذا إشارة إلى تيممهم بضربة
واحدة، وقد قيل: هذا إشارة إلى مسحهم أيديهم إلى المناكب.
وقال الخطابي: لم يختلف أحد من أهل العلم في أنه لا يلزم المتيمم أن
يمسح بالتراب ما وراء المرفقين.
قلت: فيه نظر، فقد ذكر ابن المنذر، والطحاوي، وغيرهما، عن
الزهري أنه كان يرى التيمم إلى الآباط كما ذكرنا.
ص- قال أبو داود: كذلك رواه ابن إسحاق، قال فيه: عن ابن عباس.(2/122)
وذكر ضربتين كما ذكره يونسُ، ورواه معمر (1) ضربتين، قال مالك، عن
الزهري، عن عبيد الله، عن أبيه، عن عمار، وكذلك قال أبو أويس، عن
الزهري، وشك فيه ابنُ عيينةَ قال مرة: عن عبيد الله، عن أبيه، أو (2)
عبيد الله، عن ابن عباس، اضطرب فيه. قال مرة عن أبيه، وقال مرة عن ابن
عباس. واضطرب فيه ابن عيينة وفي سماعه من الزهري، ولم يذكر أحد
منهم في هذا الحديثِ: " ضربتين " غير سفيان (3) .
ش- أي: محمد بن إسحاق.
قوله: " قال فيه " أي: في الحديث عن ابن عباس وذكر ضربتين، كما
ذكره يونس بن يزيد، عن ابن شهاب في الحديث المتقدم، وحديث ابن
إسحاق عن ابن عباس أخرجه البزار في " مسنده " من طريق: ابن
إسحاق، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن
عباس، عن عمار قال: كنت في القوم حين نزلت الرخصة في المسح
بالتراب إذا لم نجد الماء، فأمرنا فضرينا واحدة للوجه، ثم ضربة أخرى
لليدين إلى المرفقين.
قوله: " ورواه معمر ضربتين " أي: روى هذا الحديث معمر بن راشد
عن الزهري " ضربتين ".
قوله: " وكذلك قال أبو أويس " أي: كذلك روى أبو أويس " ضربتين "
عن الزهري. وقال: عبيد الله، عن أبيه، عن عمار. واسم أبي أويس
عبد الله، وهو ابن عم مالك بن أنس.
قوله: " وشك فيه ابن عيينة " أي: سفيان بن عيينة. والحاصل أنه قال
مرة: عن عبيد الله، عن أبيه. ومرة قال: عن أبيه. ومرة قال: عن
ابن عباس. وهذا اضطراب كما ترى، واضطرب أيضاً في سماعه عن
__________
(1) في سنن أبي داود: " ورواه معمر عن الزهري ".
(2) في سنن أبي داود: " أو عن ".
(3) في سنن أبي داود: " إلا من سميت "، وسيذكر المصنف أنها نسخة.(2/123)
الزهري، ولم يذكر أحد منهم في هذا الحديث ضربتين غير سفيان بن
عيينة، وفي بعض النسخ: " إلا من سميت " وهم: ابن إسحاق،
ويونس، ومعمر، وأبو أويس. وأصله إلا من سميتهم، فحذف المفعول
اتساعاً. وقد يقال: إن حديث عمار لا يخ (1) إما أن يكون عن أمر النبي
- عليه السلام-، أو لا. فإن لم يكن عن أمره فقد صح عن النبي
- عليه السلام- خلاف هذا، ولا حجة لأحد مع كلام النبي- عليه
السلام- والحق أحق أن يتبع، وإن كان عن أمر النبي- عليه السلام- فهو
منسوخ وناسخه حديث عمار أيضاً. وقد يقال: إن عماراً قد حكى فيه
فعلهم دون النبي- عليه السلام- كما حكى في الآخر أنه أجنب فعلمه
- عليه السلام-.
305- ص- حدَّثنا محمد بن سليمان الأنباري قال: نا أبو معاوية
الضرير، عن الأعمش، عن شقيق قال: كنتُ جالساً بين يدي (2) عبد الله
وأبي موسى فقال أبو موسى: يا أبا عبد الرحمن، أرأيتَ لو أن رجلاً أجَنبَ
فلم يجد الماءَ شهراً، أما كان يَتَيممُ؟ فقال: لا، دان لم يجد الماءَ شَهراً،
فقال أبوَ موسى: فكيف تَصنَعُونَ بهذه الآية التي في سُورة الماَئدةِ: (فَلَم
تَجدُوا مَاءً فَتَيَمَمُوا صَعيداً طيِّباً) (3) ؟ فقاَل عبدُ الله: لوَ رُخَصَ لهم في
هذَا لأوشكُوا إذا بَرَدَ علَيهم الماءُ أن يتيمَّمُوا بالصعيدِ، فقال له أبو موسى:
فإنما كَرِهتُم هذا لذا (4) ؟ قال: نعم. فقال له أبو موسى: ألم تسمَعُوا (5)
قولَ عمار لعُمرَ: بعثني رسولُ الله في حاجة، فأجنبتُ فلم أجد الماءَ،
فَتمرغتُ فًي الصعيد كما تَتَمرغُ الدابَّةُ، ثم أتيتُ رسولَ اللهِ فذكرتُ ذَلك له
فقال: " إنما كان يكَفِيكَ / أن تصنعَ هكَذا " فضربَ بيديه على الأرضِ
فنفضها (6) ، ثم ضربَ بشِمَالِهِ على يمِينِه، وبيمِينِه على شِمَالِهِ على
__________
(1) كذا، ولعلها بمعنى: " لا يخرج ".
(2) غير موجود في سنن أبي داود.
(3) الآية (6) .
(4) في سنن أبي داود: " وإنما ... لهذا ".
(5) في سنن أبي داود: " تسمع ".
(6) في سنن أبي داود: " فنفضها "(2/124)
الكَفَّين، ثم مَسَحَ وجهَهُ. فقال له عبد الله: أفلم تر عمر لم يقنع بقولِ
عمار (1) ؟
ش- عبد الله هو ابن مسعود، وأبو موسى الأشعري.
قو له: " أرأيت " بمعنى: أخبرني.
قوله: " أما كان ": بفتح الهمزة وتخفيف الميم، وقد ذكرنا أنه يستعمل
في الكلام على وجهين: أحدهما: أن يكون حرف استفتاح بمنزلة " ألا "
ويكثر قبل القسم. والثاني: أن يكون بمعنى حقا.
قوله: " لأوشكوا " معنى أوشك: قرب وأسرع، وقد زعم بعض أهل
اللغة أنه لا يقال: " أوشك "، وإنما تستعمل مضارعاً، فيقال: " يوشك "
وليس كذلك؛ بل يقال: " أوشك "، وهذا من أفعال المقاربة، وهو ما
وضع لدنو الخبر رجاء أو حصولاً، وفي الحقيقة من النواقص لأنها لتقرير
الفاعل على صفة على سبيل المقاربة، ولا تستعمل أفعال المقاربة إلا بلفظ
الماضي إلا كاد وأوشك، فإنه قد جاء مضارعهما بهذا المعنى، ويجيء من
أوشك اسم الفاعل ولكنه شاذ.
قوله: " إذا بَرَد عليهم الماء " بفتح الباء والراء، وقال الجوهري: بضم
الراء. والمشهور الفتح.
قوله: " فأجنبت " أي: صرت جنباً.
قوله: " فتمرغت في الصعيد " أي: في التراب. قال الجوهري:
مرغته في التراب تمريغاً فتمرغ، أي: معكته فتمعك، والموضع: متمرغّ.
قوله: " فنفضهما " أي: نفض اليدين. وفيه دليل لأبي حنيفة، حيث
جوز التيمم من الصخرة التي لا غبار عليها: لأنه لو كان معتبراَ لم ينفض
__________
(1) البخاري: كتاب التيمم، باب: التيمم للوجه والكفين (339) ، مسلم:
كتاب الحيض، باب: التيمم (368) ، النسائي: كتاب الطهارة، باب:
نوع آخر من التيمم (1/168) .(2/125)
اليد، وفي الحديث دليل أيضا لمن يقول: تكفي ضربة واحدة للوجه
والكفين جميعاً، والجواب عن هذا أن المراد هنا صورة الضرب للتعليم،
وليس المراد بيان جميع ما يحصل به التيمم، وقد أوجب الله غسل اليدين
إلى المرفقين في الوضوء، ثم قال تعالى في التيمم: (فَامسَحُوا
بوُجُوهِكُم وَأيديكُم) (1) ، والظاهر أن اليد المطلقة هنا هي المقيدة في
الوضوء في أولَ الآية، فلا يترك هذا الظاهر إلا بصريح، والله أعلم.
والحديث أخرجه البخاري، ومسلم، والنسائي.
306- ص- حدَّثنا محمد بن كثير العَبدي قال: نا سفيان، عن سلمة
ابن كهيل، عن أبي مالك، عن عبد الرحمن بن أبزي قال: كُنتُ عندَ عُمرَ
فجاءَه رجل فقال: إنا نكونُ بالمكان الشهرَ أو الشهرينِ، فقال عمرُ: أمّا أنا
فلم كن أصلي حتى أجدَ الماءَ، قالَ: فقال عمارٌ: يا أميرَ المؤمنين، أمَا تذكرُ
إذ كُنتُ أنا وأنتَ في الإبلِ فَأصَابتنا جَنَابَةٌ، فأمَا أنا فَتَمَعكتُ، فأتينا النبي
- عليه السلام- فذكرت ذلك له فقال: إنما كان يكفيكَ أن تقولَ هكذا "،
وضرب بيديه إلى الأرض، ثم نَفخَهما، ثم مَسحَ بهما وجهَه ويديه إلى
نصفِ الذِّراع؟ فقال عمر: يا عمارُ، اتقِ اللهَ، فقال: يا أميرَ المؤمنين، إن
شئتَ والله لم أذكره أبداً، فقال عمرُ: كلا والله، لَنُوَلّينكَ من ذلك ما
تَولَيتَ (2) .
ش- سفيان الثوري.
وسلمة بن كهيل بن حصين بن نمازح بن أسد الكوفي، أبو يحيى
__________
(1) سورة النساء: (43) ، وسورة المائدة: (6) .
(2) البخاري: كتاب التيمم، باب: هل ينفخ فيهما؟ (338) ، مسلم: كتاب
الحيض، باب: التيمم (112/368) ، الترمذي: كتاب الطهارة، باب: ما
جاء في التيمم (144) ، النسائي: كتاب الطهارة، باب: التيمم في الحضر
(1/165) ، ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في التيمم ضربة
واحدة (569) .(2/126)
الحضرمي التَنعِيُ (1) ، والتنعيون (1) منسوبون إلى تنعة بطن من حضرموت،
دخل على ابن عمر، وزيد بن أرقم. وسمع: جندب بن عبد الله،
وأبا جحيفة، وأبا الطفيل عامر بن واثلة، وعبد الرحمن بن يزيد
النخعي، وعطاء بن أبي رباح، وجماعة آخرين. روى عنه: الأعمش،
والثوري، ومسعر، وشعبة، وغيرهم 0 قال أحمد بن حنبل: متقن.
وقال ابن معين وأبو حاتم: ثقة. وقال أبو زرعة: ثقة مأمون. توفي
سنة إحدى وعشرين ومائة. روى له الجماعة.
وأبو مالك اسمه: حبيب بن صهبان، روى عن: عمار بن ياسر.
روى عنه: حصين، والأعمش، وغيرهما. وهو المراد هاهنا لأن ثمة
أبو مالك آخر اسمه غزوان الغفاري الكوفي. روى عن: عمار بن ياسر،
وابن عباس، والبراء بن عازب، وعبد الرحمن بن أبزى. روى عنه:
السُّدي، وسلمة بن كهيل، وحصن بن عبد الرحمن. قال ابن معين:
كوفي ثقة. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي.
وعبد الرحمن بن أبزى- بفتح الهمزة، وسكون الباء الموحدة،
وبعدها زاي، ثم ياء ساكنة- الخزاعي، مولى نافع بن الحارث، سكن
الكوفة، واستعمل على خراسان/. رُوي له عن رسول الله- عليه
السلام- اثنا عشر حديثاً، رويا له عن عمار بن ياسر، روى عنه: ابناه
سعيد وعبد الله، وغيرهما. روى له الجماعة إلا الترمذي.
قوله: " الشهر " نصب على الظرف. والفرق بين قولك: سرت الشهر
وسرت شهراَ، أن المعرف يدل على التعميم بخلاف المنكر فافهم.
قوله: " فتمعكت " أي: تمرغت.
قوله: " أن تقول هكذا " أي: تفعل هكذا، وقد ذكرنا أن معنى القول
يستعمل في معاني مختلفة من الأفعال.
قوله: " إلى نصف الذراع " فيه حجة لمالك، حيث يقول: إن التيمم
__________
(1) في الأصل: " البيعي، والبيعيون " خطأ، وانظر الأنساب واللباب لابن الأثير.(2/127)
إلى الكوعين، والجواب عنه: أن هذا صورة الضرب للتعليم، وليس فيه
جميع ما يحصل به التيمم كما ذكرنا في الحديث الماضي.
قوله: " اتق الله " يعني: خف الله، ومعنى هذا الكلام: اتق الله فيما
ترويه، وتثبت، فلعلك نسيت أو اشتبه عليك الأمر.
قوله: " إن شئت والله لم أذكره أبدا " معناه: إن رأيت المصلحة في
إمساكي عن التحدث به راجحة على مصلحة تحدثي أمسكت، فإن طاعتك
واجبة عليَّ في غير مَعصية. ويحتمل أنه أراد: إن شئت لم أحدث به
تحديثاً شائعاً بحيث يشتهر في الناس، بل لا أحدث به إلا نادراً.
قوله: " كلا والله " " كلا " ردع وزجر وتنبيه على الخطإ، ومنه قوله
تعالى: (كلا) بعد قوله: (إِذَا مَا ابتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيه رزقَهُ فَيَقُولُ رَبّ (1)
أهانني (2)) ، ويجيء بمعنى حقا، ومنه قوله تعالىَ. (كَلا إِنَ الإِنسَانَ
لَيَطغَى) (3) ، وفي قصة عمار- رضي الله عنه- جواز الاجتهاد في زمن
النبي- عليه السلام- فإن عماراَ- رضي الله عنه- اجتهد في صفة
التيمم، وقد اختلف الأصوليون فيه، قيل: يجوز الاجتهاد في زمنه
بحضرته وغير حضرته، وقيل: لا يجوز أصلاَ، وقيل: يجوز في غير
حضرته ولا يجوز في حضرته. والحديث أخرجه البخاري، ومسلم،
والترمذي، والنسائي، وابن ماجه مختصراَ ومطولاً.
307- ص- حدَثنا محمد بن العلاء قال: نا حفص قال: نا الأعمش،
عن سلمة بن كهيل، عن ابن أبزى، عن عمار بنِ يسار في هذا الحديث
فقال: " يا عَمارُ، إنما كانَ يكفيكَ هكذا "، ثم ضربَ بيديه الأرضَ، ثم
__________
(1) كذا بحذف الياء، ولم اعثر لها على قراءة، فالله أعلم.
(2) كذا قرأها نافع في رواية قالون، والمسيبي وأبي بكر بن أبي أويس وأخيه،
وإسماعيل بن جعفر، وأبي قرة، وأبي خليد، ويعقوب بن جعفر،
وخارجة وورش عن نافع في الوصل. وانظر السبعة (684 - 685) .
(3) سورة العلق: (6) .(2/128)
ضربَ إحداهُمَا على الأخرى، ثم مَسَحَ وجهَه والذِّرَاعينِ إلى نِصفِ
الساعدِ (1) ، ولم يبلغ المِرفَقينِ ضربةً واحدةً (2) .
ش- حفص بن غياث الكوفي. ويمكن أن يكون هذا الحديث حجة
للحسن بن زياد في روايته عن أبي حنيفة عدم اشتراط الاستيعاب في
التيمم، وحجة لمن رأى أن التيمم ضربة واحدة.
ص- قال أبو داود: رواه وكيع، عن الأعمش، عن سلمةَ بن كهيل، عن
عبد الرحمن بن أبزى.
ش- أي: روى هذا الحديث وكيع بن الجراح.
ص- ورواه جرير، عن الأعمش، عن سلمة، عن سعيد بن عبد الرحمن
ابن أبزى، عن أبيه.
ش- أي: رواه جرير بن عبد الحميد، عن سليمان الأعمش، عن
سلمة بن كهيل، عن سعيد بن عبد الرحمن الخزاعي مولاهم الكوفي.
روى عن أبيه، روى عنه: الحكم بن عُتَيبة، وذر بن عبد الله الهمداني،
وجعفر بن المغيرة، وغيرهم. روى له الجماعة.
308 - ص- حدثَّنا محمد بن بشار قال: نا محمد بن جعفر قال: نا
شعبة، عن سلمة، عن ذر، عن ابن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه، عن
عمار بهذه القصةِ فقال: " إنما كان يكفيكَ "، وضَربَ النبي- عليه السلام-
__________
(1) في سنن أبي داود: " الساعدين ".
(2) البخاري: كتاب التيمم، باب: هل ينفخ فيهما (338) ، مسلم: كتاب
الحيض، باب: التيمم (113/368) ، الترمذي: كتاب الطهارة، باب: ما
جاء في التيمم (114) ، النسائي: كتاب الطهارة، باب: التيمم في الحضر
(1/165) ، ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في التيمم ضربة
واحدة (569) .
9* شرح سنن أبي داوود 2(2/129)
- بيده إلى الأرضِ، ثم نَفَخَ فيها (1) ، ومَسَحَ بها وجهَهُ وكَفيه، شك سلمةُ
قال: َ لا أدرِي فيه " إلى المِرفقينِ " أو " إلى الكَفينِ " (2) .
ش- ذر- بالذال المعجمة- ابن عبد الله بن زرارة المُرهبِي الهمداني
أبو عمر. روى عن: سعيد بن جبير، وعبد الله بن شداد، ويُسَيع،
ووائل بن مُهانة، وسعيد بن عبد الرحمن. روى عنه: سلمة بن كهيل،
والأعمش، وابنه عمر بن ذر، والحكم. قال ابن حنبل: ما بحديثه
بأس. وقال ابن معين: ثقة. وقال أبو حاتم: صدوق. روى له
الجماعة (3) .
قوله: " بيده إلى الأرض "، وفي رواية: " يده " بدون الباء.
309- ص- نا علي بن سهل الرملي قال: نا حجاج قال: نا شعبة
بإسناده بهذا الحديث./قال: ثم نَفَخَ فيها ومَسَحَ بها وجهَهُ وكفيهِ إلى
المِر فَقَينِ أو (4) الذِّراعًينِ " (5) .
ش- علي بن سَهل بن قادم الرملي. روى عن: الوليد، ومروان بن
معاوية، وحجاج، وغيرهم. روى عنه: أبو داود، وابن أبي حاتم.
قال النسائي: ثقة، نَسائي، سكنَ الرملة (6) .
وحجاج هو ابن محمد الأعور، وقد ذكرناه.
قوله: " ثم نفخ فيها " أي: في يده.
ص- قال شعبةُ: كان سَلَمَةُ يقولُ: الكفين والوَجهَ والذراعَين، فقال له
منصور ذاتَ يومٍ: انظرُ ما تقولُ! فإنه لا يذكر الذراعينِ غيرُكَ (7) .
ش- سلمة بن كهيل المذكور، ومنصور هو ابن المعتمر شيخ شعبة.
__________
(1) في سنن أبي داود: " فيهما ".
(2) انظر الحديث السابق.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (18/1813)
(4) في سنن أبي داود: " أو إلى ".
(5) انظر الحديث السابق.
(6) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (20/ 4077) .
(7) انظر الحديث السابق.(2/130)
310- ص- نا مسدد قال: نا يحيى، عن شعبة قال: حدَّثني الحكم، عن
ذرٍّ، عن ابن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه، عن عمار في هذا الحديث
قال: فقال- يعني: النبيَ- عليه السلام-: " إنما كان يكفيكَ أن تَضربَ
بيدَيكَ إلى الأرضِ، فَتَمسحَ بهما وجهَكَ وكفَيكَ "، وساق الحديثَ (1) .
ش- يحيى القطان، والحكم بن عُتَيبة.
قوله: " قال: فقال " الضمير الذي في " قال " الثاني يرجع إلى الرسول
- عليه السلام- ولذلك فسره بقوله: " يعني النبي- عليه السلام "،
وفيه حجة لمن يرى أن التيمم ضربة واحدة، ولمن يرى أنه إلى الكوعين،
وقد أجبنا عن ذلك.
ص- قال أبو داود: ورواه شعبةُ، عن حُصَينٍ، عن أبي مالك قال:
سمعتُ عماراً يخطُبُ بمثلِهِ إلا أنه [قال:] (2) لم يَنفُخ ".
ش- حُصَين بن عبد الرحمن الكوفي، وأبو مالك غزوان الكوفي،
وقد ذُكرا.
قوله: " يخطب " من الخُطبة- بضم الخاء- بمعنى: يقول أو يخاطب،
وأما الذي في الخِطبة- بكسر الخاء- فهو من باب النكاح.
ص- وذكر حُسَينُ بنُ محمد، عن شعبةَ، عن الحكم في هذا الحديث
قال: " (3) ضَرَبَ بكفيهِ إلى الأرضً ونَفَخَ ".
ش- الحسين بن محمد ... (4) ، والحكم بن عتيبة.
قو له: " ونفخ " أي: فيهما.
311- ص- نا محمد بن المنهال، نا يزيد بن زريع، عن سعيد، عن
قتادة، عن عَزرةَ، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه، عن عمار
__________
(1) انظر الحديث السابق.
(2) زيادة من سنن أبي داود.
(3) في النسخة الهندية: " فضرب بكفيه الأرض ".
(4) بياض في الأصل قدر سطر ونصف.(2/131)
ابن ياسر قال: سألت النبيَّ- عليه السلام- عن التيمُم؟ فأمَرَني ضَربةً
واحدةً بالوجهِ والكفينِ (1) .
ش- محمد بن المنهال أبو جعفر، ويقال: أبو عبد الله الضرير
البصري. سمع: يزيد بن زريع. روى عنه: البخاري، ومسلم،
وأبو داود، وأبو زرعة، وأبو حاتم، وغيرهم. قال أحمد بن عبد الله
العجلي: هو بصري ثقة، ولم يكن له كتاب، قلت له: لك كتاب؟
قال: كتابي صدري. توفى سنة إحدى وثلاثين ومائتين (2) .
ويزيد بن زريع البصري، وسعيد بن إياس أبو مسعود الجُريري، وقتادة
ابن دعامة.
وعَزرة- بفتح العين وسكون الزاي، وفتح الراء- ابن عبد الرحمن
الخزاعي الكوفي. روى عن: الشعبي، وابن أبزى، وسعيد بن جبير،
وغيرهم. روى عنه: سليمان التيمي، وخالد الحذاء، وداود بن أبي هند،
وقتادة. قال أحمد وابن المديني: ثقة. روى له الجماعة إلا البخاري (3) .
312- ص- ثنا موسى بن إسماعيل قال: نا أبان قال: سُئِلَ قتادةُ عن
التيمُّم في السَّفَرِ فقال: حدثني محدّثٌ عن الشعبي، عن عبد الرحمنِ بن
أبزى، عن عمارِ بنِ ياسرٍ، أن رسولَ اللهِ قال: " إلى المِرفَقينِ " (4) .
ش- أبان بن يزيد العطار. وفي هذه الرواية رجل مجهول.
313- ص- نا (5) عبد الملك بن شُعيب بن الليث قال: حدَثني أبي،
__________
(1) انظر الحديث السابق.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (26/5633) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (20/3920) .
(4) تفرد به أبو داود.
(5) ذكر هذا الحديث والأحاديث بعده في سنن أبي داود تحت: " باب التيمم في
الحضر ".(2/132)
عن جدّي، عن جعفر بن ربيعة، عن عبد الرحمن بن هُرمز، عن عُمير
مولى ابن عباس، أنه سمعَهُ يقولُ: أقبلتُ أنا وعبدُ الله بن يسارِ مولى ميمونةَ
زوجِ النبيَ- عليه السلام- حتى دخلنَا على أبي اَلجُهيم بنِ الحارث بنِ
الصِّمَّةِ الأنصاري، فقال أبو الجُهيم بنُ الحارث بن الصِّمَّة: أقبلَ رسولُ اللهِ
مِن نَحوِ بئرِ جملِ فلَقِيَهُ رجلٌ فسلَّمَ عليه، فلمَ يرد رسولُ الله (1) حتى أتى
على جَدارِ، فمسحَ بوجهِهِ ويدَيهِ، ثم رَدَ عَليهِ السَلامَ (2) .
ش- عبد الملك بن شعيب قد ذكرناه.
وأبوه شعيب بن الليث أبو عبد الملك الفَهمي مولاهم. روى عن:
أبيه، روى عنه! ابنه عبد الملك، ويحيى بن عبد الله بن بكير، ويونس
ابن عبد الأعلى/، وغيرهم. قال الخطيب: كان ثقة. مات في صفر
سنة تسع وتسعين ومائة. روى له: مسلم، وأبو داود، والنسائي (3) .
وجدّه الليث بن سعد الإمام قد ذُكر، وجعفر بن ربيعة المصري ذُكر
أيضا، وكذلك عبد الرحمن بن هُرمز الأعرج.
وعُمَير مولى أم الفضل بنت الحارث امرأة العباس بن عبد المطلب
أبو عبد الله، ويقال: مولى ابنها عبد الله. روى عن: الفضل، وعبد الله
ابني العباس، ومولاته أم الفضل، وأبي جهيم بن الحارث بن الصِّمَّة
الأنصاري. روى عنه: سالم أبو النضر، وعبد الرحمن الأعرج،
وإسماعيل بن رجاء الزبيدي. توفي بالمدينة سنة أربع ومائة، وكان ثقة.
روى له: البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي (4) .
وعبد الله بن يسار هذا هو الصحيح في حديث الليث، وقد وقع في
__________
(1) في سنن أبي داود: " فلم يرد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليه السلامَ ".
(2) البخاري: كتاب التيمم، باب: التيمم في الحضر إذا لم يحد الماء وخاف
فوات الصلاة (337) ، مسلم تعليقاً: كتاب الحيض، باب: التيمم
(114/369) ، النسائي: كتاب الطهارة، باب (194) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (12/2755) .
(4) المصدر السابق (22/4517) .(2/133)
أصول صحيح مسلم: " عبد الرحمن بن يسار مولى ميمونة، (1) ،
وقال أبو علي الغساني وجميع المتكلمين على أسانيد مسلم: " قوله
عبد الرحمن " خطأ صريح، وصوابه: " عبد الله بن يسار "، وهكذا
رواه البخاري، وأبو داود، والنسائي. قال القاضي عياض: ووقع في
روايتنا " صحيح مسلم " من طريق السمرقندي، عن الفارسي، عن
الجُلودي: " عبد الله بن يسار " على الصواب، وهم أربعة إخوة:
عبد الله، وعبد الرحمن، وعبد الملك، وعطاء مولى ميمونة.
وأبو الجُهَيم- بضم الجيم، وفتح الهاء، وزيادة ياء- هذا هو المشهور
وفي " صحيح مسلم " بفتح الجيم وبعدها هاء ساكنة، وهو غلط،
والصواب ما ذكرناه. ومثله وقع في البخاري وغيره " (2) . واسمه:
عَبد الله بن الحارث بن الصَمَّة- بكسر الصاد المهملة، وتشديد الميم-
ابن حارثة بن الحارث بن زيد مناة بن حبيب بن حارثة الأنصاري الخزرجي
اتفقا له على حديثين. روى عنه: بُسر (3) بن سعيد، وعمير مولى ابن
عباس. روى له الجماعة (4) .
قوله: " من نحو بئر جمل " بفتح الجيم والميم، وفي رواية النَّسائي:
" بئر الجمل " بالألف واللام، وهو موضع بقرب المدينة فيه مال من أموالها.
قال الشيخ محيي الدين (5) : " وهذا الحديث محمول على أنه- عليه
السلام- كان عادماً للماء حال التيمم، فإن التيمم مع وجود الماء لا يحوز
للقادر على استعماله، ولا فرق بين أن يَضيقَ الوقتُ وبن أن يتسعَ؛ ولا
فرق بين صلاة الجنازة والعيدين وغيرهما ".
__________
(1) انظر: شرح صحيح مسلم (4/63- 64) .
(2) إلى هنا انتهى النقل من " شرح صحيح مسلم ".
(3) في الأصل: " بشر " خطأ، وهو بسر بن سعيد مولى ابن الحضرمي، وهو
مترجم في تهذيب الكمال.
(4) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (4/36) ، وأسد الغابة
(6/59) ، والإصابة (4/36) .
(5) شرح صحيح مسلم (4/64) .(2/134)
قلت: الحديث مطلق، يُستفادُ منه جواز التيمم لأجل رد السلام ونحوه
وفي معناه صلاة الجنازة والعيد إذا خاف فوتهما، سواء وجد الماء أو لا،
ولا ضرورة إلى حمله على أنه كان عادماً للماء؛ لأنه تخصيص بلا
مخصص.
ويُستفاد من الحديث فوائد، الأولى: أن الرجل لا ينبغي أن يُسلم على
البائل، وكذا على قاضي الحاجة، فإن سَلَم عليه كُرِهَ رَدُه عليه.
الثانية: إذا فرغ من قضاء حاجته يرد عليه السلام، وأما تيممه- عليه
السلام- لرد السلام فإنه يمكن أن يكون قصد بذلك أن لا يذكر الله إلا
على طهر؛ لأن السلام اسم من أسماء الله تعالى، ومعنى سلام عليك
رحمة سلام عليك، كذا قاله البعض. ويؤيد ما ذكرناه ما روي في
الحديث الذي يأني وقال: " إنه لم يمنعني أن أرد عليه السلام إلا أني لم
أكن على طهر "، فإذا جاز إقامة عبادة ما بالتيمم مع وجود الماء، جاز به
صلاة الجنازة أيضاً عند خوف الفوات؛ لأنها عبادة أيضاً، وكذا صلاة
العيد عند الخوف.
الثالثة: جواز التيمم بالجدار سواء كان عليه غبار أو لم يكن، لإطلاق
الحديث، وهو حجة لأبي حنيفة على مخالفيه.
الرابعة: فيه دليل على جواز التيمم للنوافل والفضائل: كسجدة التلاوة
والشكر، ومس المصحف ونحوها، كما يجوز للفرائض وهذا بالإجماع،
إلا وجه شاذ منكر للشافعية، أنه لا يجوز إلا للفريضة.
الخامسة: فيه دليل أن التيمم هو مسح الوجه واليدين بالتراب ونحوه.
فإن قيل: كيف تيمم بالجدار بغير إذن مالكه؟ فالجواب: أنه محمول
على أنه كان مباحاً أو مملوكاً لإنسان يَعرفه، فأدلَ عليه النبيُ- عليه السلام-
وتيمم به، لعلمه بأنه لا يكره ذلك، بل كان يفرح به، ومثل هذا يحوز
لآحاد الناس، فالنبي- عليه السلام- أولى وأجدر.
/والحديث أخرجه البخاري والنسائي، وأخرجه مسلم منقطعاً، وهو(2/135)
أحد الأحاديث المنقطعة في " صحيحه "، وفيه أربعة عشر أو اثنى عشر
حديثاً منقطعة.
314- ص- نا أحمد بن إبراهيم الموصلي، نا محمد بن ثابت العَبدي،
نا نافعٍ قال: انطلقت مع ابنِ عمرَ في حاجة إلى ابنِ عباسِ، فقضَى ابنُ عمرَ
حاجتهُ، وكان (1) مِن حديثِهِ يومئذ أن قالَ: مَرَ رجلٌ على رسول الله في
سكَّة مِن السكَك، وقد خرجَ من غائًط أو بَولٍ فَسلَمَ عليه، فلم يردَّ علَيه،
حَتىَ إذا كادَ الرجَلُ أن يَتوارَى في السكًّةِ، ضَرَبَ بيدَيهِ على الحائط، ومَسحَ
بها (2) وجهَهُ، ثم ضَربَ ضَربةَ أخرى، فمسحَ ذراعيه، ثم رد عَلَى الرجلِ
السَّلامَ وقال: " إنه لم يمنَعني أن أرُدَّ عليه السلامً (3) إلا أّبي لم أكُن عَلَى
طُهرٍ (4) " (5) .
ش- أحمد بن إبراهيم بن خالد الموصلي أبو عليّ، سكن بغداد،
سمع: حماد بن زيد، وشريك بن عبد الله النخعي، وابن المبارك،
وغيرهم. روى عنه: أبو داود، والنسائي، وأبو يعلى، وأبو زرعة
الرازي، وعبد الله بن أحمد بن حنبل، وغيرهم. قال أحمد بن حنبل:
ليس به بأس، وقد كتب عنه، وكذا ابن معين. توفي سنة خمس
وثلاثين ومائتين ببغداد (6) .
ومحمد بن ثابت العبدي المصري أبو عبد الله. روى عن: نافع،
__________
(1) في سنن أبي داود: " فكان ".
(2) في سنن أبي داود: " بهما ".
(3) في سنن أبي داود: " عليك السلام ".
(4) زيد في سنن أبي داود بعد هذا: " قال أبو داود: سمعت أحمد بن حنبل
يقول: روى محمد بن ثابت حديثاً منكراً في التيمم. قال ابن داسة: قال
أبو داود: لم يُتابع محمد بن ثابت في هذه القصة على " ضربتين " عن النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ورَوَوهُ فعل ابن عمر ".
مسلم: كتاب الحيض، باب: التيمم (115/370) .
انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (1/1) .(2/136)
وعطاء بن أبي رباح، وعمرو بن دينار، وغيرهم. روى عنه: ابن
البارك، ووكيع، وأبو الوليد الطيالسي، وغيرهم. قال ابن معين:
ليس بشيء. وقال أبو حاتم: ليس هو بالمتقن، يكتب حديثه. وقال
البخاري: يخالف في بعض حديثه 0 وقال النسائي: يروي عن نافع،
لبس بالقوي. روى له: أبو داود، وابن ماجه (1) .
ونافع القرشي العدوي مولى ابن عمر- رضي الله عنهم-.
قوله: " يومئذ " أصله: " يوم إذ كان كذا "، فحذف " كان كذا "،
وعوض عنها التنوين، وكذا " حينئذ "، و " ساعتئذ "، و " وقتئذ ".
قوله: " أن قال " في محل الرفع على أنه اسم " كان " وخبره مقدماً عليه
" من حديثه "، والتقدير: كان قوله: مرّ رجل ... إلى آخره من حديثه
يومئذ.
قوله: " في سكة من السكك " أي: الطرق والأزقة، وأصلها النخل
المصطفة، ثم سميت الطرق بذلك لاصطفاف المنازل بجانبيها.
قوله: " أن يتوارى " أي: أن يغيب.
ويُستفادُ من هذا الحديث الفوائد التي ذكرناها في الحديث الذي قبله،
مع زيادة تنصيص على الضربتين. وقد أنكر البخاري على محمد بن ثابت
رفعَ هذا الحديث. وقال الخطابي (2) : " وحديث ابن عمر لا يصح؛
لأن محمد بن ثابت العَبدي ضعيف جدا، لا يحتج بحديثه ".
وقال البيهقي (3) : " ورفعه غير منكر، وفعل ابن عمر التيمم على
الوجه والذراعين والمرفقين شاهد بصحة رواية محمد بن ثابت، غير مناف
لها ".
قلت: أما أنه غير مناف فصحيح، وأما أنه شاهد ففيه نظر؛ لأنه لم
__________
(1) المصدر السابق (24/5104) .
(2) معالم السنن (1/86) .
(3) " المعرفة " للبيهقي كما في نصب الراية (1/153) .(2/137)
يوافق رواية ابن ثابت في رفع الذراعين، بل هذا هو علة من علل الرفع،
فكيف يكون المقتضي للتعليل وهو الوقف مقتضياً للتصحيح؟
وقال البيهقي أيضاً (1) : وهو- أي: محمد بن ثابت- في هذا
الحديث غير مستحق للنكير بالدلائل التي ذكرتها. ثم قال: وأثنى عليه
مسلم بن إبراهيم ورواه عنه. وأشار البيهقي بذلك أن مسلماً لما رواه عنه
قال: حدَّثنا محمد بن ثابت العَبدي، وكان صدوقاً، وصدقه لا يمنع أن
يُنكر عليه رفعه على وجه الغلط، لمخالفة غيره له على عادة كثير من أهل
الحديث أو أكثرهم.
315- ص- نا جعفر بن مسافر، نا عبد الله بن يحيى البُرُلسي، أنا حيوة
ابن شريح، عن ابن الهاد، أن نافعاً حدَثه عن ابنِ عمرَ قال: " اقبلَ رسولُ
الله من الغائط فلقيَهُ رجلٌ عندَ بئرِ جَمَل، فسلَمَ عليهِ، فلم يَردَّ عليه رسولُ
اللهَ- عليهَ السَلامَ- حتى أقبلَ على الحائط، فوضَعَ يدَهُ على الحائط، ثم
مَسحَ وجهَه ويديه، ثم رَدَّ رسولُ اللهَ- عليه السلام- علىَ الَرجلِ
السلامَ " (2) .
ش- جعفر بن مسافر التَنّيسي، أبو صالح الهذلي. سمع: يحيى بن
حسان التِّنِّيسي، وأيوب بن سويد الحميري الرملي، وعبد الله بن يزيد
المقرئ، وعبد الله بن يحيى البرلسي. روى عنه: أبو داود/، وابنه
عبد الله بن أبي داود، والنسائي، وقال: صالح، وابن ماجه،
وغيرهم. مات سنة أربعين ومائتين (3) .
وعبد الله بن يحيى المعافري المصري البرلسي- بضم الباء الموحدة والراء
واللام- قرية من سواحل مصر. روى عن: نافع بن يزيد، وحيوة بن
شريح، وسعيد بن أبي أيوب، وغيرهم. روى عنه: دُحَيم، وجعفر
__________
(1) المصدر السابق.
(2) تفرد به أبو داود.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (5/955) .(2/138)
ابن مسافر، وأبو داود، وغيرهم. وقال أبو زرعة: لا بأس به،
وأحاديثه مستقيمة. روى له: البخاري، وأبو داود (1) .
وحيوة بن شريح بن صفوان أبو زرعة المصري قد ذُكر.
وابن الهاد: هو يزيد بن عبد الله بن أُسامة بن الهاد الليثي المدني
أبو عبد الله، كان أعرج يَعرج من رجليه جميعاً، وهو ابن أخي عبد الله
ابن الهاد. روى عن: عبد الله بن خَبّابٍ، وعبد الله بن دينار،
والزهري، وجماعة آخرين. روى عنه: يحيى بن سعيد الأنصاري،
ومالك بن أنس، والليث بن سعد، وابن عيينة، وحيوة بن شريح،
وغيرهم. قال ابن معين: ثقة. توفي سنة تسع وثلاثين ومائة بالمدينة.
روى له الجماعة (2) .
ويستفاد من الحديث الفوائد التي تقدمت.
وقال البيهقي: وحديث يزيد بن الهاد عن نافع أتم من ذلك. أي:
من حديث محمد بن ثابت العَبدي، وقال أيضاً: وهذا شاهد لرواية
محمد بن ثابت، يعني: أنه مرفوع لا يُنكر رفعه، فافهم.
***
113- باب: الجنب يتيمم (3)
أي: هذا باب في بيان أن الجنب إذا لم يجد الماء يتيمم.
واعلم أن العلماء أجمعوا على جواز التيمم عن الحدث الأصغر بلا
خلاف، وكذا أجمع أهل هذه الأعصار ومَن قبلهم على جوازه للجنب
والحائض والنفساء، ولم يخالف فيه أحد من الخلف والسلف، إلا ما جاء
عن عمر وابن مسعود، وحكي عن إبراهيم النخعي مثله، وقيل: إن عمر
وابن مسعود رجعا عنه. وقد جاءت بجوازه للجنب الأحاديث الصحيحة
__________
(1) المصدر السابق (16/3655) .
(2) المصدر السابق (32/7011) .
(3) غير واضح في الأصل، وأثبتناه من سنن أبي داود.(2/139)
المشهورة، وإذا صلى الجنب بالتيمم ثم وجد الماء، وجب عليه الاغتسال
بإجماع العلماء، إلا ما حكي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن الإمام
التابعي أنه قال: لا يلزمه. وهو مذهب متروك بالإجماع، وبالأحاديث
الصحيحة في أمره- عليه السلام- الجنب بغسل بدنه إذا وجد الماء، والله
أعلم.
316- ص- ثنا عمرو بن عون، قال: ثنا خالد الواسطي، عن خالد
الحذاء، عن أبي قلابة ح، ونا مسدد قال: ثنا خالد الواسطي، عن خالد
الحذاء، عن أبي قلابة، عن عمرو بن بُجدان، عن أبي ذر قال: اجتَمَعت
غُنيمةٌ عندَ رسولِ اللهِ- عليه السلامُ- فقال: " يا أبا ذرٍّ ابدُ فيها " فَبدوت
إلى الربذة، فكانت تُصيبُني الجَنابةُ، فأمكُثُ الخمسَ والستَّ، فأتيتُ
رسولَ الله- عليه السلامُ- فقالَ: أبو ذرٍّ؟ فسكتُّ، فقال: " ثَكلَتكَ أمُّكَ
أبا ذرٍّ! لَأمِّكَ الويلُ، فدعا لي بجارية سوداءَ، فجاءت بعُسٍ فيه ماءٌ،
فسَتَرني بثوب واستَترتُ بالرَاحلَة، فاغتسَلتُ، فكأنَنِي (1) ألقيَتُ عني جَبَلاً،
فقال: " الصّعيدُ الطَّيبُ وُضوءُ اَلمسلم ولَو إلى عشرِ سنين، فإذا وَجدتَ الماءَ
فامسَحهُ (2) جِلدَكَ، فإن ذلك خيرٌ " (3) .
ش- عمرو بن عون أبو عثمان الواسطي، وخالد بن عبد الله الواسطي،
وخالد بن مِهران الحذاء البصري، وأبو قلابة عبد الله بن زيد الجَرمي
البصري.
وعمرو بن بُجدان- بضم الباء الموحدة وسكون الجيم- العامري
القعنبي. روى عن أبي ذر الغِفاري، وأبي زيد الأنصاري. روى عنه:
أبو قلابة، وحديثه في البصريين. قال ابن المديني: لم يرو عنه
__________
(1) في سنن أبي داود: " واغتسلت، فكأني ".
(2) في سنن أبي داود: " فأمسه "، وهي رواية كما سيذكر المصنف.
(3) الترمذي: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في التيمم للجنب إذا لم يجد الماء
(124) ، النسائي: كتاب الطهارة، باب: الصلوات بتيمم واحد (1/171) .(2/140)
غير أبي قلابة روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن
ماجه (1) .
وأبو ذر اسمه: جُندب بن جُنادة بن سفيان بن عبيد بن الوقيعة (2) بن
حرام بن غفار، ويقال: اسمه: برير بن جُنادة، ويقال: برير بن
جندب، ويَقال: جندب بن عبد الله، ويقال: جندب بن السكن.
والمشهور الأول. روي عنه قال: أنا رابع الإسلام، ويقال: كان خامساً
في الإسلام، أسلم بمكة ثم رجع/إلى بلاد قومه، ثم قدم المدينة إلى
رسول الله. رُوي له عن رسول الله مائتا حديث وأحد وثمانون حديثاً،
اتفقا منها على اثني عشر حديثاً، وانفرد البخاري بحديثين، ومسلم بسبعة
عشر حديثاً. روى عنه: عبد الله بن عباس، وأنس بن مالك، وزيد بن
وهب، والمعرور بن سويد، وخلق سواهم. مات بالرَبذة سنة اثنين
وثلاثين، وصلى عليه ابن مسعود. روى له الجماعة (3) .
قوله: " غُنيمة " الغُنَيمة: تصغير الغنم؛ لأن الغنم اسم مؤنث موضوع
للجنس، يقع على الذكور وعلى الإناث وعليهما جميعاً، فإذا صغرتها
ألحقتها الهاء فقلت: غنيمة، لأن أسماء الجموع التي لا واحد لها من
لفظها إذا كانت لغير الآدميين فالتأنيث لها لازم، يقال: له خمس من
الغنم ذكور، فتؤنث العدد، دان عنيت الكباش إذا كان ثلاثة من الغنم،
لأن العدد يجري في تذكيره وتأنيثه على اللفظ لا على المعنى، والإبل
كالغنم في جميع ما ذكرناه.
قوله: " ابدُ فيها " ابد- بضم الهمزة- أمر من بدا، يبدو، إذا خرج
إلى البدو، يقال: بدا القوم بدوا، إذا خرجوا إلى البادية، والضمير
الذي في " فيها " يرجع إلى الغنم، أي: اخرج إلى البدو في الغنم،
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (21/4330) .
(2) في الاستيعاب: " الواقعة "، ولم يذكر هذا الاسم في أسد الغابة ولا الإصابة.
(3) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامس الإصابة (4/61) ، وأسد الغابة (6/99) ،
والإصابة (4/62) .(2/141)
وكلمة " في " هاهنا للمصاحبة، والمعنى: اخرج إلى البادية مصاحباً
الغنم، كما في قوله تعالى: (فَخَرَجَ عَلَى قَومه في زينَته) (1) ، ويكون
محل " فيها " نصباً على الحال.
قوله: " فبدوت إلى الربذة " أي: أخرجتها إلى بادية الربذة، والربذة
- بفتح الراء والباء الموحدة والذال المعجمة-: قرية معروفة قرب المدينة،
بها قبر أبي ذر الغفاري، بينها وبين المدينة ثلاث مراحل.
قوله: " فأمكث الخمس والست " أي: خمسة أيام وستة أيام،
ونصبهما على الظرفية.
قوله: " ثكلتك أمك " أي: " (2) فقدتك، والثكل- بضم الثاء-:
فقد الولد، وامرأة ثاكل وثكلى، ورجل ثاكل وثكلان، كأنه دعى عليه
بالموت لسوء فعله، أو قوله، والموت يعم كل أحد، فإذن الدعاء عليه
كَلا دُعاء، أو أراد إذا كنت هكذا فالموت خير لك لئلا تزداد سوءاً،
ويجوز أن يكون من الألفاظ التي تجري على ألسنة العرب ولا يراد بها
الدعاء، كقولهم: " تربت يداك، وقاتلك الله ".
قوله: " أبا ذر " نصب على النداء، وحرف النداء محذوف تقديره: يا
أبا ذر.
قوله: " لأمك الويل " أي: الحزن والهلاك والمشقة من العذاب، وكل
من وقع في هلكة دعى بالويل، و " الويل " مرفوع بالابتداء، وخبره
" لأمك " مقدماً، والمعنى: إنها إذا فقدت ولدها يكون لها ويل وعذاب،
وهذا دعاء بعد دعاء، يدل على أنه- عليه السلام- تغيظ على أبي ذر
غيظاً قويا لمكثه في الجنابة هذا المقدار الذي ذكره.
قوله: " فجاءت بعُس " العس- بضم العين المهملة، وتشديد السين-:
القدح الضخم، وجمعه عِسَاسٌ وأعساسٌ.
__________
(1) سورة القصص: (79) .
(2) أنظر: النهاية (1/217) .(2/142)
قوله: " فاستترت بالراحلة " الراحلة: الركب من الإبل ذكراَ كان أو
أنثى.
قوله: " الصعيد " مبتدأ، و " الطيب " صفته، ومعناه: الطاهر،
وخبره: " وضوء المسلم " يجوز في " الوضوء " ضم الواو وفتحها،
والفتح أشهر وأصح.
قوله: " ولو إلى عشر سنين " الراد: نفس الكثرة، لا العشرة بعينها،
وتخصيص العشرة لأجل الكثرة لأنها منتهى عدد الآحاد، والمعنى: له أن
يفعل التيمم مرة بعد أخرى وإن بلغت مدة عدم الماء إلى عشر ستين،
وليس معناه: أن التيمم دفعة واحدة يكفيه لعشر ستين.
قوله: " فإذا وجدت الماء فامسحه جلدك " معناه: اغسل به جلدك: لأن
المسح يجيء بمعنى الغَسل كما ذكرنا غير مرة، وفي بعض الرواية: " فأمِسَّهُ
جِلدكَ " - بفتح الهمزة وكسر الميم وتشديد السين المفتوحة- من الإمساس.
قوله: " فإن ذلك خير " أي: فإن إمساس الجلد بالماء عند وجوده خير
من التيمم.
ويُستفاد من هذا الحديث فوائد، الأولى: فيه دليل على أن المتيمم
يجمع بتيمُّمه بين صلوات كثيرة، وهو مذهب أبي حنيفة، وهو حُجَة على
مخالفيه.
والثانية: فيه دليل على انتقاض طهارة المتيمم بوجود الماء على سائر
الأحوال، سواء كان في صلاة أو غيرها، وهو مذهب أبي حنيفة أيضاً،
وهو حجة على مخالفيه أيضاً.
والثالثة: أن المُحدِثَ/والجنبَ سواء في التيمم. وقال الخطابي (1) :
" يحتج به من يرى إذا وجد من الماء ما لا يكفي لكمال الطهارة أن يستعمله
في بعض أعضائه، ويتيمم للباقي، وكذلك فيمن كان على بعض أعضائه
__________
(1) معالم السنن (1/88) .(2/143)
جرح، فإنه يغسل ما لا ضرر عليه من غَسله، ويتيمم للباقي منه، وهو
قول الشافعي، ويحتج به أيضاً أصحابه في أن لا يتيمم في مصر لصلاة
فرض، ولا لجنازة، ولا لعيد؛ لأنه واجد للماء فعليه أن يُمسه جلده ".
قلت: لا نسلم أن الاحتجاج به في الصورة الأولى صحيح؛ لأنه لا
يدل على صحة الجمع بين البدل والمبدل، ومن اين يعرف من قوله:
" فأمسه جلدك " أن يمس الماء بعض جلده، ويتيمم للبعض؟ والعبارة لا
تدل على هذا أصلاَ، بل هذا حجة لنا عليهم؛ لأن قوله: " فإذا وجدت
الماء " أي: الماء الكامل الوافي للاغتسال أو الوضوء " فأمسه جلدك "؛
لأنه ذكر محلى بالألف واللام فيتناول الكامل، حتى إذا وجد ماء لا يكفي
يكون وجوده وعدمه سواء فيتيمم، كما إذا وجد ماء كافياً ولكنه يحاف
العطش على نفسه أو دابته، فإنه كالمعدوم.
وأما الصورة الثانية، فكذلك لا يصح الاحتجاج به فيها؛ لأن مجرد
وجود الماء لا يكفي، بل الشرط القدرة عليه، فالذي تحضره الجنازة
ويخاف فوتها غير قادر على استعمال الماء، حتى إذا لم يخف فوتها لا
يجوز التيمم أيضاً، كما هو مصرح في كتب الحنفية.
والحديث أخرجه: الترمذي، والنسائي. وقال الترمذي: حديث
حسن صحيح. ورواه ابن حبان في " صحيحه " في النوع الثلاثين من
القسم الأول، ورواه الحاكم في " المستدرك " (1) وقال: حديث صحيح،
ولم يخرجاه، وكذا رواه الدارقطني في " سننه " (2) .
ص- قال مسدد: " غُنيمة من الصدَقَةِ "، وحديث عمرو أتم.
ش- أشار بهذا إلى أن في رواية مسدد " غنيمة من الصدقة "، وأشار
بقوله: " وحديث عمرو أتم " إلى أن هذه الرواية التي فيها صرح باسم
عمرو بن بُجدان أتم من الرواية الثانية التي لم يُصّرح فيها عمرو، وإنما
__________
(1) (1/176) .
(2) (1/186- 187) .(2/144)
ذكر عن أبي قلابة، عن رجل، لما يجئ الآن، ولأجل هذا " (1) ضعف
ابن القطان في كتابه " الوهم والإيهام " هذا الحديث فقال: وهذا حديث
ضعيف بلا شك، إذ لا بد فيه من عمرو بن بُجدان، وعمرو بن بُجدن لا
يعرف له حال. وإنما روى عنه أبو قلابة، واختلف عنه، فقال خالد
الحذاء عنه، عن عمرو بن بُجدان، ولم يختلف على خالد في ذلك.
وأما أيوب، فإنه رواه عن أبي قلابة، واختلف عليه، فمنهم من يقول:
عنه، عن أبي قلابة، عن رجل من بني قلابة (2) . ومنهم من يقول:
عن عمرو بن بُجدان، كقول خالد. ومنهم من يقول: عن أبي المُهلب.
ومنهم من لا يجعل بينهما أحدا، فيجعله عن أبي قلابة، عن أبي ذر.
ومنهم من يقول: عن أبي قلابة أن رجلاً من بني قشير قال: " يا نبي الله "
هذا كله اختلف (3) على أيوب في روايته عن أبي قلابة.
قال الشيخ تقي الدين في " الإمام ": ومن العجب كون ابن القطان لم
يكتف بتصحيح الترمذي في معرفة حال عمرو بن بُجدان، مع تفرده
بالحديث، وهو قد نقل كلامه هذا " حديث حسن صحيح "، وأي فرق
بين أن يقول: هو ثقة، أو يصحح له حديثاً انفرد به؟ وإن كان توقف
عن ذلك لكونه لم يَروِ عَنهُ إلا أبو قلابة، فليس هذا بمقتضى مذهبه، فإنه
لا يلتفت إلى كثرة الرواة في نفي جهالة الحال، فكذلك لا يوجب جهالة
الحال بانفراد راو واحد عنه بعد وجود ما يقتضي تعديله، وهو تصحيح
الترمذي، وأما الاختلاف الذي ذكره من كتاب الدارقطني، فينبغي على
طريقته وطريقة الفقه أن ينظر في ذلك، إذ لا تعارض بين قولنا: عن
رجل، وبين قولنا: عن رجل من بني عامر، وبين قولنا: عن عمرو بن
__________
(1) انظر: نصب الراية (1/148- 149) .
(2) كذا في الأصل، وفي " نصب الراية "، وفي " سنن الدارقطني " (1/187) ،
و" مصنف ابن أبي شيبة " (1/105) : " عن أبي قلابة، عن رجل من بني
عامر ".
(3) في نصب الراية: " اختلاف ".
10* شرح سنن أبي داوود 2(2/145)
بُجدان، وأما من أسقط ذكر هذا الرجل فيؤخذ بالزيادة ويُحكم بها، وأما
من قال: عن أبي المهلب، فإن [كان] (1) كنية لعمرو، فلا اختلاف،
وإلا فهي رواية واحدة مخالفة احتمالاً لا يقيناً، وأما من قال: إن رجلاً
من بني قشير قال: " يا نبي الله "، فهي مخالفة، فكان يجب أن ينظر
في إسنادها على طريقته، فإن لم يكن ثابتاً لم يعلل بها، والله أعلم " (2) .
317- ص- حدَّثنا موسى بن (3) /إسماعيل قال: نا حماد، عن أيوب،
عن أبي قلابة، عن رجل من بني عامر قال: دخلتُ في الإسلام، فَهمَّني (4)
دينِي، فأتيتُ أبا ذر، فقال أبو ذر: إِني اجتَوَيتُ المَدينةَ، َ فأمر لي رسولُ الله
بذَود وبغنم، فقال لي: اشرب من ألبانِهَا. قال (5) : وأشكُ في أبوالهَا، قالَ
أبو ذر: فكنتُ أعزُبُ عن الماء ومعي أهلِي فَتُصِيبُنيِ الجَنابةُ، فأصًلِّي بغيرِ
طَهُور، فأتيتُ رسولَ الله بنصفَ النهار، وهو في رهط من أصحابه، وهو
في ظلِّ المَسجد، فقال: أَبو ذر؟ فقلت: نعم، هلكت يا رسولَ اللَهَِ، قال:
وما أَهلككَ؟ َ قلتُ: إني كنتُ أعزُبُ عن الماء، ومعي أهلِي، فتُصيبُنِي
الجَنابةُ، فأصَلِّي بغيرِ طُهر (6) ، فأمرَ لي رسولُ الله بماء، لجاءت به جَارية
سوداءُ بعُس يَتَخَضخَضُ ما هو بملآن، فَتَسَتَّرتُ إلَى بعير (7) ، فاغتسَلتُ،
ثم جِئت، فقال رسولُ الله: يا أبا ذر، إن الصَّعيدَ طَهُور فإن لم تجدِ المَاءَ إلى
عشرِ سنين، فإذا وجدتً الماءَ فأمِسَّهُ جِلدَكَ " (8) .
ش- حماد بن سلمة، وأيوب السختياني، ورجل من بني عامر هو
عمرو بن بُجدان المتقدم في الحديث الذي قبله، سماه خالد الحذاء، عن
أبي قلابة، وسماه سفيان الثوري، عن أيوب.
__________
(1) زيادة من نصب الراية.
(2) إلى هنا انتهى النقل من نصب الراية.
(3) مكررة في الأصل.
(4) في سنن أبي داود: " فأهمني ".
(5) في سنن أبي داود: " قال حماد: وأشك في أبوالها: هذا قول حماد ".
(6) في سنن أبي داود: " طهور ".
(7) في سنن أبي داود: " بعيري ".
(8) تفرد به أبو داود.(2/146)
قوله: " فهمني ديني " أي: أمور ديني، يقال: همه الأمر، إذا أقلقه
وحَزَنَهُ.
قوله: " إني اجتويت المدينة " أي: أصابني " الجَوَى " وهو المرض،
وداَء الجوف إذا تطاول، ويقال: اجتويت البلد، إذا كرهت المقام فيه وإن
كنت في نعمة.
قوله: " بذود " الذود- بفتح الذال المعجمة، وسكون الواو- من
الإبل ما بين الثنتين إلى التسع، وقيل: ما بين الثلاث إلى العشر،
واللفظة مؤنثة، ولا واحد لها من لفظها، كالنَعم. وقال أبو عبيد:
الذود من الإناث دون الذكور.
قوله: " فكنت أعزب عن الماء " أي: أبعد، وقد عزب يعزُب فهو
عازب، إذا أبعد، َ من باب نصر ينصر.
قوله: " وهو في رهط " الرهط: ما دون العشرة من الرجال لا يكون
فيهم امرأة، قال اللهُ تعالى: (وَكَانَ فِي المَدِينَة تسعةُ رَهط) (1) فجمع
وليس لهم واحد من لفظهم، مثل: ذود، والَجَمع: أرهُط وأرهَاط،
وأرَاهِط كان (2) جمع أرهط، وأراهيط.
قوله: " فقال: أبو ذر؟ " أي: هذا أبو ذر؟ أو هو أبو ذر؟
قوله: " يتخضخض " أي: يتحرك، من الخضخضة، وهي التحريك.
قال الجوهري: " الخضخضة ": تحريك الماء ونحوه، وقد خضخضته
فتخضخض.
والحديث بهذا الطريق أخرجه النسائي، والدارقطني (3) ، وابن حبان.
ص- رواه حماد بن زيد، عن أيوب، ولم يذكر " أبوالها ".
ش- أي: روى هذا الحديث حماد بن زيد البصري، عن أيوب
السختياني، ولم يذكر في روايته: " أبوالها ".
__________
(1) سورة النمل: (48)
(2) كذا.
(3) (1/187) .(2/147)
[ص-] وقال أبو داود: " أبوالها " ليس بصحيح في هذا الحديث،
وليس في " أبوالها " إلا حديث أنس، تفرد به أهل البصرة.
[ش-] قلت: هو ما رواه الأئمة الستة في كتبهم من حديث أنس:
" أن ناساً من عُرينة اجتووا المدينة، فرخص لهم رسول الله أن يأتوا إبل
الصدقة، فيشربوا من ألبانها وأبوالها، فقتلوا الراعي، واستاقوا الذود،
فأرسل رسول الله فأتي بهم، فقطع أيديهم، وأرجلهم، وسمر أعينهم،
وتركهم بالحرة يعضون الحجارة ".
أخرجه: البخاري، ومسلم في " الصلاة "، وأبو داود، وابن ماجه
في " الحدود "، والترمذي في " الطهارة "، والنسائي في " تحريم الدم ".
***
114- باب: إذا خاف الجنب البرد تيمم
أي: هذا باب في بيان حكم الجنب إذا خاف البرد تيمم، وفي بعض
النسخ: " باب إذا خاف الجنب البرد ولم يغتسل "، وفي بعضها: " باب
إذا خاف الجنب البرد أيتيمم؟ " بهمزة الاستفهام، وهي الصحيحة.
318- ص- حدثنا ابن المثنى قال: نا وهب بن جرير، قال: ثنا أبي،
قال: سمعتُ يحيى بن أيوب، يحدث عن يزيد بن أبي حبيب، عن عمران
ابن أبي أنس، عن عبد الرحمن بن جُبير، عن عمرو بن العاص، قَال:
" احتلَمتُ في ليلة بَاردة في غزوة ذات السَلاسِلِ، فَأشفقتُ إنِ اغتَسلتُ أن
أهلكَ، فتيَمَمتُ، ثم صليتُ بأصَحابَي الصُبحَ، فذكروا ذلك للنبيَ- عليه
السلام-/فقال: يا عمرو، صليتَ بأصحابكَ وأنتَ جُنبٌ؟ فأخبرتُه
بالذي مَنعنِي من الاغتسالِ وقلتُ: إني سمعتُ اللهَ عَزَّ وجَلَّ يقولُ: (وَلا
تَقتُلُوا أنفُسَكُم إِنَّ اللهَ كَانَ بكُم رَحيماً) (1) ، فَضَحكَ نبيُّ الله- عليه
السلام- ولم يَقُل شيئاً " (2) .
__________
(1) سورة النساء: (29) .
(2) تفرد به أبو داود.(2/148)
ش- " ابن المثنى ": محمد بن المثنى.
ووهب بن جرير بن حازم أبو العباس البصري. سمع: أباه، وشعبة،
وهشاماً الدَّستوائي، وغيرهم. روى عنه: أحمد بن حنبل، وابن
المديني، وأبو خيثمة، وجماعة آخرون. قال ابن معين: ثقة. مات سنة
ست ومائتين منصرفاً من الحج بالمَنجَشَانيّة على ستة أميال من البصرة.
روى له الجماعة (1)
وأبوه جرير بن حارم قد ذكرناه، ويحيى بن أيوب الغافقي، ويزيد بن
أبي حبيب: سويد المصري.
وعمران بن أبي أنس المصري العامري، أحد بني عامر بن لؤي. روى
عن: عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري، وسلمان الأغر، وأبي سلمة
ابن عبد الرحمن، وغيرهم. روى عنه (2) . روى له: مسلم،
وأبو داود، والترمذي، والنسائي. قال أحمد: ثقةٌ (3) .
وعبد الرحمن بن جبير بن نفير أبو حميد، ويقال: أبو حمير الحضرمي
الحمصي، روى عن أبيه. روى عنه: صفوان بن عمرو، ومحمد بن
الوليد الزبيدي، ومعاوية بن صالح، وغيرهم. قال أبو زرعة: ثقة.
وقال أبو حاتم: هو صالح الحديث. قال ابن سعد: كان ثقة. وبعض
الناس يستنكر حديثه. ومات سنة ثمان عشرة ومائة. روى له الجماعة إلا
البخاري (4) .
قوله: " في غزوة ذات السلاسل " ذات السلاسل وراء وادي القرى،
بينها وبن المدينة عشرة أيام، وقيل: سميت بماء بأرض جُذام يقال له
السّلسل، وكانت في جمادى الأولى سنة ثمان من الهجرة.
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (31/6753) .
(2) كذا، ولم يذكر أحداَ.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (22/4481) .
(4) المصدر السابق (17/3782) .(2/149)
قوله: " فأشفقت " أي: خفت، من الإشفاق، وكذلك الشفَقُ:
الخوف، يقال: أشفقتُ، أُشفق، إشفاقاً، وهي اللغة العالية، وحكى
ابن درَيد: شفِقتُ، أشفَقُ، شَفقاً، من باب علم يعلم.
قوله: " وأنت جنب " جملة اسمية، وقعت حالاً عن الضمير الذي في
" صَلَّيت ".
ويستفادُ من الحديث فوائدُ، الأولى: جواز التيمم للمسافر الذي
يخاف البرد، وإن كان يحد الماء، وأبو حنيفة أجازه للمقيم أيضاً،
لوجود العجز حقيقة، وعند الشافعي: إذا خاف على نفسه التلف من
شدة البرد تيمم وصفَى، وأعاد كل صلاة صلاها كذلك، وقال مالك
وسفيان: يتيمم كالمريض، وقال عطاء بن أبي رباح: يغتسل وإن مات،
وهو مُشكلٌ.
الثانية: عدم إعادة الصلاة التي صلاها بالتيمم في هذه الحالة، وهو
حجة على من يأمر بالإعادة؛ لأنه- عليه السلام- لم يأمره بالإعادة لا
صريحاً ولا دلالة.
الثالثة: جواز الاجتهاد في زمن النبي- عليه السلام- في غيبته، وهو
مذهب بعض الأصوليين.
319- ص- حدثنا محمد بن مَسلمة وقال: ثنا ابن وهب، عن ابن
لهيعة، وعمرو بن الحارث عن يزيد بن أبي حبيب، عن عمران بن أبي أنس،
عن عبد الرحمن بن جُبَيرِ، عن أبي قيس مولىِ عمرو بن العاص، أن عمرو
ابن العاص كان على سرِيَّة، وذكر الحديث نحوه. قال: فَغَسَلَ مَغَابنَهُ
وتَوضأ وُضوءَه للصلاةِ، ثم صًلَّى بهم، فذكر نحوه، ولم يذكر التيمم (1) .
ش- ابن وهب هو: عبد الله بن وهب المصري، وابن لهيعة هو:
عبد الله بن لهيعة- بكسر الهاء-، وعمرو بن الحارث الأنصاري المصري.
__________
(1) انظر الحديث السابق.(2/150)
وأبو قيس مولى عمرو بن العاص. روى عنه: عبد الرحمن بن جبير،
وبسر (1) بن سعيد، وعلي بن رباح، ويزيد بن أبي حبيب، ويقال: إنه
رأى أبا بكر الصديق، وقال أبو سعيد بن يونس: اسمه: عبد الرحمن
ابن ثابت. وقال محمد بن سُحنون: إن عبد الرحمن بن الحكم مولى
عمرو بن العاص يكنى أبا قيس. قال أبو سعيد: هذا خطأ، وإنما أراد
أبا قيس مالك بن الحكم الحبشي وأخطأ. روى له الجماعة (2) .
قوله: " كان على سرية " السَرِيَّة: طائفة من الجيش تبلغ أقصاها
أربعمائة، تبعث إلى العدو، وقد ذُكِرَ مَرَّة.
قوله: " مغابنه " المغابن- با لغين المعجمة-: الأرفاغ، جمع " رُفغ "
- بضم الراء وفتحها- وهي أصول الآباط والأفخاذ وغيرهما من مطاوي
الأعضاء، وما يجتمع فيه الوَسخ والعَرَقُ/. وقال ابن الأثير (3) :
" المغابن جمع " مَغبن "، من غَبَنَ الثوب إذا ثناه وعطفه، وهي معاطف
الجلد ".-
ص- قال أبو داود: وروى هذه القصة عن الأوزاعي، عن حسان بن
عطية قال فيه: " فتيمم ".
ش- حسان بن عطية الشامي [أبو] (4) بكر المحاربي مولاهم.
رو [ى] عن: أبي واقد الليثي، [وأبي] الدرداء مرسلاَ. سمـ[ع] : ابن
المسيب، وابن [المنكـ[در] ، ونافعاً مولى ابن عمر، وغيـ[رهم] روى
عنه: الأوزاعي، [وعبد] الرحمن بن ثابت، وحفص بن غيلان،
وغيـ[رهم] . قال ابن معين [وابن] حنبل: ثقة. روى له الجماعة (5) .
__________
(1) في الأصل: " بشر " خطأ.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (34/7578) .
(3) النهاية (3/341)
(4) كير ظاهر في الإلحاق وكذا ما بعده.
(5) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (6/1194) .(2/151)
قوله: " قال فيه " أي: قال الأوزاعي في هذا الحديث: " تيمم عمرو
ابن العاص ".
***
115- باب: المجدورُ يَتيمّمُ (1)
أي: هذا باب في بيان المجدور يتيمم، والمجدور: الذي به جُدريّ.
وقال الجوهري: الجُدَري- بضم الجيم وفتح الدال- والجَدَري- بِفَتحِهِمَا-
لغتان تقول فيه: جُدَر الرجل، فهو مُجدّرٌ - بالتشديد- والجُدَري:
الحُبَيبات التي تظهر في جلد الصبيان غالباً قدر العَدسة ونحوها.
320- ص- حدَّثنا موسى بن عبد الرحمن الأنطاكي، قال: نا محمد بن
سلمة، عن الزبير بن خُريق، عن عطاء، عن جابر قال: خَرَجنا في سفرٍ
فأصابَ رَجلاً معنا (2) حَجَر فشجَّه في رأسه، ثم احتَلَمَ، فسأل أصحابَه:
هل تَجدونَ لي رُخصة في التيمم؟ فقالوا: مًا نجدُ لك رُخصةً، وأنتَ تَقدرُ
على المَاء، فاغتسلَ فماتَ، فلما قَدمنَا على النبيِّ- عليه السلام- اخبَرَ
بذلك، فَقالَ: قَتَلُوهُ قَتَلَهمُ اللهُ، ألا سألُوا إذ لمِ يَعلَمُوا؟ افإنما شِفَاءُ العِيًّ
السؤالُ، إنما كان يكفيه أن يَتيممَ ويَعصرَ أو يُعصِّبَ- شَكَّ موسى- على
جُرحِهِ خِرقَةً، ثم يَمسحُ عليها، ويغسلُ سَائِرَ جَسَدِه (3) .
ش- موسى بن عبد الرحمن الأنطاكي الحلبي. روى عن: زيد بن
الحباب، ومحمد بن سلمة، وعطاء بن مسلم، وغيرهم. روى عنه:
أبو داود، والنسائي وقال: لا بأس به، وأبو حاتم، وقال: صدوق (4) .
ومحمد بن سلمة الباهلي الخَرّاني.
__________
(1) في سنن أبي داود: " باب في المجروح يتيمم "، وأشار محققه إلى أنه في
نسخة " هـ " كما عندنا.
(2) في سنن أبي داود: " ما ".
(3) تفرد به أبو داود.
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (29 /6277) .(2/152)
والزبير بن خُرَيق- بضم الخاء العجمة، وبعدها راَءٌ مهملة مفتوحة،
وباء آخر الحروف ساكنة وقاف- الجزري. روى عن: أبي أمامة "
وعطاء. روى عنه: محمد بن سلمة، وعروة بن دينار، وهو قليل
الحديث. روى له أبو داود (1) .
وعطاء هو: ابن أبي رباح، وجابر بن عبد الله الأنصاري.
قوله: " " معنا " في محل النصب على الحال من " رجلاَ " أي: مصاحباً
معنا، و " رجلاَ " منصوب على المفعولية، وفاعله " حجر ".
قوله: " فشجه " من شَجَّهُ، يَشُجُّهُ شجا، من باب نصر ينصر، فهو
مشجوج، وشجج، والشج في الرأس خاصة في الأصل، وهو أن
يضربه بشيء فيجرحه فيه، ويشقه، ثم استعمل في غيره من الأعضاء.
قوله: " ألا سألوا " - بفتح الهمزة وتشديد اللام- وهي حرف تحضيض،
مختص بالجمل الفعلية الخبرية كسائر أدوات التحضيض، وهو الحث على
الشيء.
قوله: " إذ لم يعلموا " كلمة " إذ " للتعليل.
قوله: " شفاء العِيِّ " العِيّ- بكسر العين المهملة وتشديد الياء-:
الجهل، وقد عيي به يعيا عَياءً، وعَيَّ- بالإدغام والتشديد- مثل: عَيِي.
قوله: " ويَعصِر " بمعنى: يعصب.
قوله: " على جرحه " متعلق بقوله: " يَعصر ".
وقوله: " شك موسى " معترض بينهما، أي: موسى بن عبد الرحمن.
ويستفاد من الحديث فوائد:
الأولى: ذم الفتوى بغير علم، ولهذا قد عابهم به- عليه السلام-
وألحق بهم الوعيد، بأن دعا عليهم، وجعلهم في الإثم قَتَلَةَ له.
__________
(1) المصدر السابق (9/1962) .(2/153)
الثانية: فيه دليل على جواز التيمم للجنب (1) المجروح الذي يخاف
استعمال الماء.
الثالثة: فيه دليل على جواز المسح على الجراحة بعد تعصيبها. وقال
الخطابي (2) : " فيه من الفقه أنه أمر بالجمع بين التيمم وغسل سائر بدنه
بالماء، ولم ير أحد الأمرين كافياً دون الآخر. وقال أصحاب الرأي: إن
كان أقل أعضائه مجروحاً جمع بين الماء والتيمم، وإن كان الأكثر كفاه
التيمم وحده ".
قلت: أراد بأصحاب الرأي: أصحاب أبي حنيفة، ولكن مذهبهم
ليس كما نقله الخطابي، فإنه غلط؛ بل المذهب: أن الرجل إذا كان أكثر
بدنه صحيحاً وفيه جراحات، فإنه يغسل الصحيح ولا يتيمم، بل يمسح
على الجبائر، وإن كان أكثر بدنه جريحاً فإنه يتيمم فقط ولا يغسل
الصحيح، وقط ما نُقِلَ عن أصحابنا أنهم جمعوا بين الماء والتراب.
والجواب عما في الحديث: أنه- عليه السلام- ما أمر أن يُجمع بين
الغسل والتيمم؛ وإنما بين أن الجنب المَجروح له أن يتيممِ ويمسح على
الجراحة ويغسل سائر جسده، فيحمل قوله: " يتيممُ " و " يمسح " على
ما إذا كان كثر بدنه جريحاً، ويحمل قوله: " ويغسل سائر جسده " إذا
كان كثر بدنه صحيحاً، ويمسح على الجراحة، على أن الحديث معلول؛
لأن فيه الزبير بن خُريق. قال الدارقطني: ليس بقوي. وقال البيهقي:
ليس هذا الحديث بالقوي
321- ص- حدَّثنا نصر بن عاصم الأنطاكي قال: نا محمد بن شعيب
قال: أخبرني الأوزاعي، أنه بلغه عن عطاء بن أبي رباح، أنه سمع عبد الله
ابن عباس قال: أصاب رجلاَ جُرح في عَهد رسول الله، ثم احتلَمَ، فأمِرَ
بالاغتسال، فاغتسلَ فماتَ، فبلَغَ ذلك رسولً الله فقالَ: قَتلوه قَتَلَهُمُ اللهُ، الم
يكن شِفَا/العِيَ السُؤالُ "؟ (3) .
__________
(1) في الأصل: " للميت ".
(2) معالم السنن (1/89) .
(3) ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: في المجروح تصيبه الجنابة (572) .(2/154)
ش- نصر بن عاصم الأنطاكي، روى عن: محمد بن شعيب بن
شابور، روى عنه: أبو داود، وابن ماجه.
ومحمد بن شعيب بن شابور الدمشقي الشامي، مولى بني أمية،
مولى الوليد بن عبد الملك. سمع: خالد بن دهقان، وعثمان بن
أبي العالية، والأوزاعي، وغيرهم. روى عنه: ابن البارك، ومحمد
ابن مصفى، وكثير بن عُبيد الحمصّان (1) ، وخلق سواهم. قال أحمد
ابن حنبل: ما أرى به بأساً. وقال ابن معين: كان مرجئاً، وليس به في
الحديث بأس. وقال محمد بن عبد الله: ثقة. مات سنة تسع وتسعين
ومائة، وهو ابن ثنتين وثمانين سنة ببَيروت. روى له الجماعة (2) .
قوله: " جُرح " بضم الجيم الاسم، وبالفتح المصدر، من جرحه
جَرحاً. والحديث أخِرجه أبو داود منقطعاً، وأخرجه ابن ماجه موصولاً.
وقال أبو علي بن السكن: قال لي أبو بكر بن أبي داود: حديث الزّبير
ابن خُريق أصح من حديث الأوزاعيّ.
***
116- بابُ: المُتَيمّم يَجدُ الماء بعد مَا صَلّى (3) في الوقت
أي: هذا باب في حكم المتيمم الذي صلى بالتيمم، ثم وجد الماء
قبل خروج الوقت.
322- ص- حدَّثنا محمد بن إسحاق المسيبي قال: نا عبد الله بن نافع،
عن الليث بن سعد، عن بكر بن سوادة، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد
الخدري قال: " خَرجَ رجلانِ في سَفر فحَضرت الصلاةُ وليس معهما ماء،
فتيمَّمَا صعيداًَ طيباً فصَلّيَا، ثم وَجَدَا الَماءَ في الوَقَت، فأعادَ أحدُهما الصَّلاةَ
والوُضوءَ، ولم يُعِدِ الآخر، ثم أتيا رسولَ اللهِ فذَكرا ذلك له، فقالَ للذي لم
__________
(1) كذا.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (25/5290) .
(3) في سنن أبي داود: " يصلي ".(2/155)
يُعد: أصَبتَ السُّنَّةَ وَأجزأتكَ صلاتُكَ، وقال للذي توضأ وأعادَ: لك
الأجرُ مَرتينِ (1) .
ش- محمد بن إسحاق بن محمد المسيبي المخزومي المدني.
وعبد الله بن نافع بن ثابت بن عبد الله بن الزبير بن العوام الأسدي
القرشي، أبو بكر المدني. سمع: مالك بن أنس، وعبد الله بن محمد
ابن يحيى، وعبد العزيز بن أبي حازم، وغيرهم. روى عنه: ابنه أحمد
ومحمد بن إسحاق المسيبي، وعباس الدوري. قال ابن معين: صدوق،
ليس به بأس. مات سنة بضع عشر ومائتين. روى له: مسلم،
وأبو داود، وابن ماجه (2) .
وبكر بن سوادة بن ثمامة الجُذَامي أبو ثمامة المصري: كان فقيهاً مفتياً.
روى عن: سهل بن سَعد، وعبد الرحمن بن غنم، وسفيان بن وهب
الصحابي (3) ، وعطاء بن يسار، وابن المسيب، وأبي سلمة، وغيرهم.
روى عنه: عمرو بن الحارث، والليث بن سَعد، وعبد الرحمن بن زياد
وقال ابن سعد: كان ثقة إن شاء الله. توفي بأفريقية، وقيل: بل غرق
في بحار الأندلس سنة ثمان وعشرين ومائة. روى له الجماعة إلا
البخاري (4) .
قوله: " لك الأجر مرتين " مرة لصلاته الأولى، ومرة لصلاته الثانية.
واستفيد من الحديث: أن الرجل إذا صلى بالتيمم، ثم وجد الماء قبل
خروج الوقت لا إعادة عليه، رُوي ذلك عن ابن عمر أيضاً، وبه قال
الشعبي، وهو مذهب أبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد،
وسفيان، وإسحاق. وقال عطاء وطاوس وابن سيرين ومكحول والزهري:
يُعيد الصلاة، واستحبه الأوزاعي، ولم يُوجبه. وقال الخطابي (5) :
__________
(1) النسائي: كتاب الغسل، باب: التيمم لمن لم يجد الماء بعد الصلاة (1/213) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (16/3607) .
(3) في الأصل: " الصحابية ".
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (4/746) .
(5) معالم السنن (1/90) .(2/156)
" في هذا الحديث من الفقه أن السُّنَة تعجيل الصلاة للمتيمم في أول وقتها،
كهو للمتطهر بالماء ".
قلت: لا نسلم ذلك؛ لأن الحديث لا يدل على هذا، بل المروي عن
ابن عمر أنه قال: يتلَّوم ما بينه وبن آخر الوقت، وبه قال: عطاء؟
وأبو حنيفة، وسفيان، وأحمد بن حنبل، ومالك، إلا أنه قال: إن كان
في موضع لا يرجى فيه وجود الماء تيمم وصلى في أول وقت الصلاة.
وعن الزهري: لا يتيمم حتى يخاف فوات الوقت.
ص- قال أبو داود: وغيرُ ابن نافع يرويه عن الليث، عن عميرةَ بن
أبي ناجيةَ، عن بكر بن سَوادة، عن عطاء بن يسار، عن النبي- عليه
السلام- وذِكرُ أبي سعيد الخدري في هذا الحديث ليس بمحفوظ هو مرسل.
ش- رواه ابن المبارك، وعبد الله بن يزيد المقرئ، عن الليث، عن
بكر، عن عطاء، عن النبي- عليه السلام- مرسلاَ، وأسنده أبو الوليد
الطيالسي عن الليث، عن عمرو بن الحارث، وعميرة بن أبي ناجية،
عن بكر بن سوادة، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري. تفرد
بذلك/أبو الوليد الطيالسي، ولم يُسند عَميرة بن أبي ناجية غير هذا
الحديث، قاله أبو علي بن السكن، وأخرجه النسائي مُرسلاَ ومُسنداً،
وأخرجه الحاكم أيضاً مسنداَ، وقال: صحيح على شرطهما، فإن ابن
نافع ثقة، وقد وصل هذا الإسناد عن الليث، وقد أرسله غيره.
وقال الطبراني في " الأوسط " (1) : لم يروه متصلاَ إلا ابن نافع تفرَد
به المسيبي. وقال الدارقطني: تفرد به ابن نافع عن الليث بهذا الإسناد
متصلاَ، وخالفه ابن المبارك وغيره، فلم يذكروا أبا سعيد. وقال ابن
القطان: عميرة مجهول الحال.
قلت: عَميرة ليس بمجهول الحال، ذكره ابن حبان في " الثقات " وهو
__________
(1) (8 /7922) ولفظه: " لم يرو هذا الحديث- مجوداَ- عن الليث بن سعد إلا
عبد الله بن نافع ".(2/157)
- بفتح العين وكسر الميم- ابن أبي ناجية المصري. روى عن: يزيد بن
أبي حبيب، وجماعة. وروى عنه: بكر بن مضر، وابن وهب،
وجماعة. وقال النسائي: ثقة، وكان عابداَ بكاء، قاله ابن يونس.
مات سنة ثلاث ومائة.
323- ص- حدَّثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي قال: ثنا ابن لهيعة، عن
بكر بن سوادة، عن أبي عبد الله مولى إسماعيل بن عبيد، عن عطاء بن يسار:
" أن رجلين من أصحابِ النبيَ- عليه السلام- " بمعناه (1) .
ش- أبو عبد الله مولى إسماعيل بن عبيد، روى عن: عطاء بن
يسار، روى عنه: بكر بن سوادة. روى له: أبو داود (2) .
قوله: " بمعناه " أي: بمعنى الحديث المذكور، وهذا أيضاً مُرسلٌ.
***
117- باب: الغُسل يَوم الجُمعة
أي: هذا باب في بيان الغسل يوم الجمعة.
324- ص- حدَثنا أبو توبة الربيع بن نافع قال: ثنا معاوية، عن يحيى
قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن: أن أبا هريرة أخبره، أن عمر بن
الخطاب بَينا هو يخطُبُ يومَ الجُمُعَة، إذ دَخلَ رجلٌ فقال عُمرُ: أتَحتَبسُون
عن الصلاة؟ فقال الرجلُ: ما هوَ إلا أن سمعتُ النَداءَ فتوضأت، َ فقالَ
عمرُ: والوَضوءُ أيضاً!! أوَلَم تسمعُوا رسولَ الله يقول: " إذا أتَى أحدُكُمُ
الجُمُعَةَ فليغتَسِل "؟ (3) .
__________
(1) انظر الحديث السابق.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (34/7477) .
(3) البخاري: كتاب الجمعة، باب: فضل الغسل عن عمر، باب: فضل الجمعة
(881) ، مسلم: كتاب الجمعة (4/845) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب:
ما جاء في اغتسال الجمعة (493) ، النسائي: كتاب الجمعة، باب: الأمر
بالغسل يوم الجمعة (3/93) .(2/158)
ش- الربيع بن نافع الحلبي.
ومعاوية بن سلام بن أبي سلام الحبشي الأسود الألهاني، واسم
أبي سلام ممطور. سمع: جده أبا سلام، وأخاه زيد بن سلام،
والزهري، ويحيى بن أبي كثير. روى عنه: الوليد بن مسلم،
وأبو توبة، ويحيى بن يحيى، وغيرهم. قال أحمد: ثقة. روى له
الجماعة إلا الترمذي (1) .
ويحيى هو يحيى بن أبي كثير اليمامي الطائي.
قوله: " بينا هو يخطب " قد مر الكلام في " بينا " مرةَ.
قوله: " النداء " أي: الأذان. والرجل القائل هو: عثمان بن عفان.
واختلف العلماء في غسل الجمعة، فحكِي وجوبه عن بعض الصحابة،
وبه قال أهل الظاهر، وحكاه ابن المنذر عن مالك، وحكاه الخطابي عن
الحسن البصري، ومالك. وذهب جمهور العلماء من السلف والخلف
وفقهاء الأمصار إلى أنه سُنَة مستحبة ليس بواجب. قال القاضي: وهو
المعروف من مذهب مالك. واحتج من أوجبه بظواهر الأحاديث الواردة
في هذا الباب، واحتج الجمهور بأحاديث صحيحة، منها حديث هذا
الرجل الذي دخل وعُمر يخطب وقد ترك الغسل، ولو كان واجباً لأمره
عُمر أن ينصرف فيغتسل، فدل سكوت عمر ومَن حضره من الصحابة على
أن الأمر به محمول على معنى الاستحباب دون الوجوب، وليس يجوز
على الرجل الذي دخل- الذي ذكر في هذا الخبر من غير هذا الوجه أنه
عثمان- وعلي وعمر ومَن بحضرته من المهاجرين والأنصار أن يجتمعوا
على ترك الواجب. والحديث أخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي،
والنسائي، من حديث عبد الله بن عمر عن أبيه 0
325- ص- حدَّثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن صفوان بن
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (28/ 6057) .(2/159)
سُليم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري: " أن رسولَ الله- عليه
السلام- قال: " غُسلُ يوم الجُمُعُةِ واجبٌ على كلِّ مُحتَلِمٍ " (1) .
ش- مالك بن أنس.
قوله: " مُحتلمٍ " أي: بالغ، والمعنى: أنه متأكد في حقه، كما يقول
الرجل لصاحبه: حقك واجب عليّ، أي: متأكَّد، لا أن المراد الواجب
المحتم المعاقب عليه، وشهد لصحة هذا التأويل الأحاديث الصحيحة،
كحديث عمر وغيره، ومثل هذا الواجب يسمى وجوب الاختيار
والاستحسان. وقد أجاب بعض أصحابنا أن هذه الأحاديث التي ظاهرها
الوجوب منسوخة بحديث: " من توضأ فبها ونعمت، ومن اغتسل فهو
أفضلُ ". وقال ابن الجوزي: " أحاديث الوجوب أصح وأقوى،
والضعيف لا ينسخ القوي ".
قلت: هذا الحديث رواه أبو داود في " الطهارة " والترمذي، والنسائي
في " الصلاة "، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، ورواه أحمد في
" سننه "، والبيهقي كذلك، وابن أبي شيبة/في " مصنفه "، وسنتكلم
عليه.
326- ص- حدَّثني يزيد بن خالد الرملي قال: نا المفضل- يعني: ابن
فضالة- عن عياش بن عباس، عن بكير، عن نافع، عن ابن عمر، عن
حفصة، عن النبي- عليه السلام- فال: " على كُلّ محتلم رَواح الجُمُعة (2)
وعلى مَن رَواح الجمُعةَ (3) الغُسل " (4) .ًَ
__________
(1) البخاري: كتاب الأذان، باب: وضوء الصبيان متى يجب عليهم الغسل
والطهور (858) ، مسلم: كتاب الجمعة، باب: وجوب غسل الجمعة على
كل بالغ من الرجال وبيان ما أمروا به (5/846) ، النسائي: كتاب الجمعة،
باب: إيجاب الغسل يوم الجمعة (3/93) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة،
باب: ما جاء في الغسل يوم الجمعة (1089) .
(2) في سنن أبي داود: " رواح إلى الجمعة ".
(3) في سنن أبي داود: " وعلى كل من راح إلى الجمعة ".
(4) النسائي: كتاب الجمعة، باب: التشديد في التخلف عن الجمعة (3/92) .(2/160)
ش- عياش بن عباس: الأول بالياء آخر الحروف المشددة وبالشين
المعجمة، والثاني بالباء الموحدة المشددة والسين المهملة، أبو عَبد الرحيم
القِتباني، وبكير بن عبد الله الأشج.
قوله: " رواح الجمعة " الرواح: الذهاب أي وقت كان، والحديث
أخرجه النسائي.
ص- قال أبو داود: إذا اغتسلَ الرجلُ بعدَ طُلوع الفجرِ أجزأه من غسلِ
الجُمُعةِ وإن أجنبَ.
ش- أشار بهذا إلى أن هذا الغسل لليوم لا للصلاة، وهو قول الحسن
ابن زياد من أصحابنا. وقال أبو يوسف: للصلاة. وفائدته طهر فيما
قال أبو داود، فعندهما إذا اغتسل بعد طلوع الفجر ينال أجر الغسل؛ لأنه
وجد في يوم الجمعة، وعند أبي يوسف لا ينال؛ لأنه لم يصل به
الجمعة، وكذا الخلاف إذا اغتسل بعد صلاة الجمعة.
قوله: " وإن أجنب " يعني: وإن كان جنباً واغتسل لأجل الجنابة بعد
طلوع الفجر، أجزأه من غُسل الجمعة.
327- ص- حدَثنا يزيد بن خالد بن يزيد بن عبد الله بن مَوهَب الرملي
وعبد العزيز بن يحيى الحراني قالا: ثنا محمد بن سلمة. ونا موسى بن
إسماعيل قال: نا حماد- وهذا حديث محمد بن سلمة- عن محمد بن
إسحاق، عن محمد بن إبراهيم، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن.
قال: أبو داود: وقال يزيد وعبد العزيز في حديثهما عن أبي سلمة بن
عبد الرحمن، وأبي أمامة بن سهل، عن أبى سعيد الخدري، وأبي هريرة
قالا: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنِ اغتسَلَ يومَ الجمُعَة، ولَبسَ من أحسنِ ثِيَابِه،
ومَس من طيب إن كان عنده، ثمِ أتى الجُمُعَةَ فلمَ يَتَخطَ أعَناقَ الناسِ، ثَم
صلَّى ما كَتب اللهُ له، ثم أنصت إذا خَرجَ إمامُه حتى يَفرغُ من صَلاته،
كانت كَفارةَ لما بينها وبَين جُمُعَتِهِ التي قَبلَها " (1) .
__________
(1) مسلم: كتاب الجمعة، باب: فضل من استمع وأنصت في الخطبة (26/857)
مختصرا.
11* شرح سنن أبي داوود 2(2/161)
ش- حماد بن سلمة، ومحمد بن إسحاق بن يسار، ومحمد بن
إبراهيم بن الحارث القرشي التيمي المدني، وأبو سلمة عبد الله بن
عبد الرحمن.
وأبو أمامة: أسعد بن سهل بن حنيف الأنصاري المدني، ولد في حياة
النبي- عليه [السلام] (1) ، وهو سماه، حدّث عنه مُرسلاَ، وسـ[مع
عمر] بن الخطاب، وعثمان، وأبا هريرة، [وزيد] بن ثابت،
وأبا سعيد. روى عنه: ابناه محمد وسهل، والزهري، ويحيى
الأ [نصاري] ، وغيرهم. مات سنة مائة. روى له: النسائي، وابن
ماجه عن النبي- عليه السلام-، وبقية الجماعة عن الصحابة (2) .
قوله: " ثم أنصت " أي: سكت.
قوله: " إذا خرج إمامه " أي: إذا خرج للخطبة.
قوله: " كانت " أي: الخصال المعدودة " كفارةَ "، الكفارة فعالة
للمبالغة، كقتّالة، وضرابة، وهي من الصفات الغالبة في باب الاسمية،
وهي عبارة عن الفَعلة والخَصلة التي من شأنها أن تكفر الخطيئة، أي:
تسترها وتمحوها، وأصله من الكَفر- بفتح الكاف- وهو التغطية، وقد
كَفَرتُ الشيءَ أكفِره- بالكسر- كَفراً أي: سترته. وأما الكُفر- بالضم-
فهو ضد الإيمان، وفعله من كفر يكفُر، من باب نصر ينصر.
ويستفاد من الحديث فوائد، الأولى: استحباب الغسل يوم الجمعة.
الثانية: استحباب لبس أحسن الثياب.
الثالثة: استحباب مس الطيب إن وجده، وهو يتناول سائر أنواع الطيب
حتى المسك، وغيره.
الرابعة: ترك تخطي أعناق الناس، وفيه الإشارة إلى استحباب التبكير.
__________
(1) غير واضح في الإلحاق وكذا ما بعده، وأثبتناه من مصادر الترجمة.
(2) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (4/5) ، وأسد الغابة (6/18) ،
والإصابة (4/9) ، وتهذيب الكمال (2/403) .(2/162)
الخامسة: استحباب التنفل قبل خروج الإمام.
السادسة: أن النوافل المطلقة لا حد لها، لقوله: " ما كتب الله له ".
السابعة: استحباب الإنصات من حين خرج الإمام إلى أن يفرغ من
صلاته.
واعلم أن قرانه بين غسل الجمعة وبن لُبسه أحسن ثيابه، ومسه الطيب،
يدل على أن الغسل مستحب كاللباس والطيب.
وأخرجه مسلم مختصراً من حديث أبي صالح، عن أبي هريرة،
وأدرج فيه زيادة " ثلاثة أيام " في الحديث.
ص- قال: ويقول أبو هريرة: " وزيادةُ ثلاثة أيامٍ "، ويقول: " إن الحسنةَ
بعَشرِ أمثالِهَا ".
ش- أي: قال يزيد بن خالد: يقول أبو هريرة في روايته: " كانت
كفارة لما بينها وبن جمعته التي قبلها، وزيادة ثلاثة أيام "، ويقول: " إن
الحسنة بعشر أمثالها "، لقوله تعالى: (مَن جَاءَ بالحَسَنَة فَلَهُ عَشرُ
أمثَالهَا) (1) /. فإن قلت: ما بين الجمعتين ستة أيام، فإذا ضمّيتَ عليه
ثلاثَة تكون تسعة أيام فما صحت العشرة، فإن حَسِبت الجمعتين معها
تكون أحد عشر يوماً فلا يستقيم قوله: " إن الحسنة بعَشر أمثالها " قلت (2)
" المراد ما بين الساعة التي يُصلي فيها الجمعة إلى مثلها من الجمعة الأخرى
على سبيل التكسير لليوم، فيستقيم الأمر في تكميل العشرة، وقد اختلف
الفقهاء قيمن أقر لرجل بما بَين درهم إلى عشرة دراهم، فقال أبو حنيفة:
يلزمه تسعة دراهم. وقال أبو يوسف ومحمد: يلزمه عشرة. ويدخل فيه
الطرفان والواسطة. وقال أبو ثور وزفر: لا يلزمه أكثر من ثمانية ويسقط
الطرفان، وهو قول الشافعي أيضاً ".
ص- قال أبو داود: حديث محمد بن سلمة أتم، ولم يذكر حماد كلام
أبي هريرة.
__________
(1) سورة الأنعام (160) .
(2) انظر: معالم السنن (1/92)(2/163)
ش- إنما صار حديث محمد بن سلمة أتم؛ لأنه ذكر في روايته:
" زيادة ثلاثة أيام " عن أبي هريرة، ولم يذكرها حماد بن سلمة.
328- ص- ثنا محمد بن سلمة المُرادي قال: أنا ابن وهب.، عن عمرو
ابن الحارث: أن سعيد بن أبي هلال، وبُكَير بن الأشج حدّثاه عن أبي بكر
ابن المنكدر، عن عمرو بن سليم الزرقي، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد
الخدري، عن أبيه، أن رسول الله- عليه السلام- قال: " الغُسلُ يوم الجُمُعَة
على كُلِّ مُحتَلِم، والسِّوَاكُ، وَيَمسُّ من الطِّيبِ مَا قُدَرَ لَهُ " إلا أن بكيراَ لمَ
يذكر عبدَ الرحمن، وقال في الطيب: " ولو من طِيبِ المَرأةِ " (1) .
ش- ابن وهب هو: عبد الله بن وهب.
وسعيد بن أبي هلال الليثي، أبو العلاء المصري، ويُقال: المدني.
روى عن: محمد بن المنكدر، وزيد بن أسلم، ونبيه بن وهب،
وغيرهم. روى عنه: الليث بن سعد، وهشام بن سعد، وخالد بن
يزيد، وعمرو بن الحارث. قال أبو حاتم: لا بأس به. توفي سنة
ثلاثين ومائة. روى له الجماعة (2) .
وأبو بكر هذا هو أخو محمد بن المنكدر، ولم يُعرف اسمه، وكنيته
اسمه، ومن لم يُميّز بينهما ربما يعتقد أن المراد من أبي بكر في هذا
الحديث هو: محمد بن المنكدر.
وعمرو بن سليم بن عمرو بن خلدة بن مخلَّد- بالتشديد- ابن عامر
ابن زريق الزرقي الأنصاري المدني. روى عن: عمر بن الخطاب،
__________
(1) البخاري: كتاب الأذان، باب: وضوء الصبيان ومتى يجب عليهم الغسل
والطهور وحضورهم الجماعة والعيدين والجنائز وصفوفهم (857) ، وانظر
(895) ، (2665) ، مسلم: كتاب الجمعة، باب: وجوب غسل الجمعة على
كل بالغ من الرجال وبيان ما أمروا به (5/846) ، النسائي: كتاب الجمعة،
باب: إيجاب الغسل يوم الجمعة (3/95) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة
والسُّنَة فيها، باب: ما جاء في الغسل يوم الجمعة (1089) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (11/2372) .(2/164)
وسمع أبا قتادة، وأبا سعيد الخدري، وابنه عبد الرحمن بن أبي سعيد،
وأبا حُمَيد الساعدي. روى عنه: سعيد المقبري، وأبو بكر بن المنكدر،
وبكير بن عبد الله الأشج، وغيرهم. قال ابن سعد: كان ثقة قليل
الحديث. روى له الجماعة (1) .
وعبد الرحمن بن سعد بن مالك بن سنان الأنصاري الخزرجي
أبو حفص، أو أبو محمد، أو أبو جعفر المدني، وهو ابن أبي سعيد
الخدري. روى عن: أبيه، وأبي حُميد الساعدي. روى عنه: عطاء بن
يسار، وزيد بن أسلم، وعمرو بن سُليم الزُّرقي، وغيرهم. مات سنة
ثنتي عشرة ومائة. روى له الجماعة إلا البخاري (2) .
قوله: " الغُسل " مبتدأ، و " يوم الجمعة " نصب على الظرف.
قوله: " على كل محتلم " متعلق بمحذوف، وهو مع متعلقه خبر المبتدأ.
فإن قيل: ما متعلقه المحذوف؟ قلت: لفظة " على " يدل على أن المتعلق
" واجب " أي: الغسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم. وذلك لا في
" على " للإيجاب.
فإن قيل: فعلى هذا ينبغي أن يكون غسل يوم الجمعة واجباً؟ قلت:
قد مر الكلام فيه مستوفى، ويجوز أن تكون " على " هاهنا بمعنى " من "
نحو قوله تعالى: (إِذَا اكتَالُوا عَلَى النَاسِ يَستَوفُونَ) (3) ، ويكون
المعنى: الغسل يوم الجمعة من كل محتلم مستحب أو فضيلة.
قوله: " والسواكُ " قال الشيخ محيي الدين في " شرح مسلم " (4) :
أي: ويُسَن له السواك. قلت: الأولى أن يكون هذا عطفاً على الغسل،
ويكون التقدير: والسواك أيضاً على كل محتلم. ويكون الكلام فيه مثل
الكلام في الغسل.
قوله: " ويَمسّ من الطيب " يجوز فيه الرفع، ويكون هذا كلاماً بذاته
__________
(1) المصدر السابق (22/4379) .
(3) سورة المطففين: (2) .
(2) المصدر السابق (17/3829) .
(4) (6/135) .(2/165)
منقطعاً عما قبله، ويحوز النصب بتقدير " أن "، ويكون حينئذ في قوة
المصدر، والتقدير: ومَسُّه من الطيب، ويكون عطفاً على قوله:
" والسواك ".
قوله: " ما قدر له " في محل النصب على أنه مفعول " يَمسُّ ". قال
القاضي: هذا الكلامُ محتمل لتكثيره، ومحتمل لتأكيده حتى يفعله/بما
أمكنه، ويؤيده قوله: " ولو من طيب المرأة " وهو المكروه للرجال، وهو
ما ظهر لونه وخفي ريحه، فأباحه للرجل هنا للضرورة لعدم غيره. وهذا
يدل على تأكده.
قوله: " إلا أن بكيراً لم يذكر عبد الرحمن " أي: إلا أن بكير بن
عبد الله الأشج لم يذكر في روايته عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري،
ولكن قال في الطيب: " ولو من طيب المرأة " أي: ولو كان الطيب من
طيب المرأة.
والحديث أخرجه مسلم، والنسائي، وأخرجه البخاري من حديث
عَمرو بن سليم الزرقي، عن أبي سعيد الخدري بنحوه.
329- ص- حدثنا محمد بن حاتم الجَرجرائي (1) قال: ثنا ابن المبارك،
عن الأوزاعي قال: نا حسان بن عطية قال: حدَثني أبو الأشعث الصَنعانِي
قال: حدَّثني أوس بن أوس الثقفي قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من
غسل يومَ الجُمُعة واغتسلَ، ثم بكر وابتكَرَ، ومَشَى ولم يركَب، ودَنا من
الإمام فاستمعَ، ولم يَلغُ، كان له بكل خُطوة عملُ سنة اجرُ صيامِها
وقيَامِها " (2) .
__________
(1) في سنن أبي داود: " ... الجرجرائي، حدثنا حِبي " وهو خطأ، وإنما محمد
الجرجرائي معروف ب " حبي "، وهو مترجم في تهذيب الكمال (25/5128) .
(2) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في فضل غسل يوم الجمعة (496) ،
النسائي: كتاب الجمعة، باب: فضل غسل يوم الجمعة (3/95) ، وباب:
الفضل من الدنو هن الإمام (3/102) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة
والسُنَة فيها، باب: ما جاء في الغسل يوم الجمعة (1087) .(2/166)
ش- ابن المبارك: هو عبد الله بن المبارك.
وأبو الأشعث شَرَاحيل بن شُرحبيل بن آدة الصنعاني، صنعاء دمشق،
وكانت قرية بالقرب من دمشق، وهي الآن أرض فيها بساتين تقرب من
الربوة، وقيل: إنه من صنعاء اليمن، و " آدة " ممدودة. سمع: عبادة
ابن الصامت، وابن عَمرو، وأبا هريرة، وثوبان، وأوس بن أوس
الثقفي، وغيرهم. روى عنه: مسلم بن يسار، وحسان بن عطية،
والوليد بن سليمان، وجماعة آخرون. قال أحمد بن عبد الله العجلي:
تابعي ثقة. روى له الجماعة إلا البخاري (1) .
قوله: " من غسل يوم الجمعة واغتسل " رُوي مخففاً ومشدداً، ومن
خفف قال: معناه وطئ امرأة قبل الخروج إلى الصلاة؛ لأنه يجمع غض
البصر، يقال: غسل الرجل امرأته، وغسلها- مخففاً ومشدداً- إذا
جامعها، وفحل غُسَله: إذا كان كثير الضراب، ومن شدد قال: معناه:
غسل غيره؛ واغتسل هو؛ لأنه إذا جامع امرأته أحوجها إلى الغُسل.
وقيل: أراد بـ " غسل " غَسل أعضائه للوضوء، ثم اغتسل بعد ذلك
للجمعة. وقيل: معنى " غسل " غسل الرأس خاصة؛ لأن العرب لهم
لمم وشعور، وفي غسلها مؤنة، فأفرد ذكر الرأس لذلك. و " اغتسل "
غسل سائر جسده. وقيل: معناهما واحد، وكررهما للتأكيد، كما قال:
" مشى ولم يركب ".
قوله: " ثم بكر وابتكر " قيل: معنى " بكر " يعني إلى الصلاة فأتاها
في أول وقتها، وكل مَن أسرع إلى شيء فقد بكر إليه، " وابتكر ":
أدرك أول الخطبة، وأولها باكورتها، كما يقال: ابتكر الرجل، إذا أكل
باكورة الفاكهة. وابتكار الجارية: أخذُ عذرتها. وقيل: " بكر " تصدق
قبل خروجه، وتأول في ذلك قوله في الحديث: " باكروا بالصدقة، فان
البلاء لا يتخطاها ". وقيل: معنى اللفظتين واحد من " فعل، وافتعل "
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (12/2712) .(2/167)
وإنما كرر للزيادة في المبالغة والتأكيد، ولأن العرب إذا بالغت في الشيء
اشتقت من اللفظة الأولى لفظةً على غير بنائها، ثم اتّبعوها إعرابها،
فيقولون: جَاد مجد، وليل لائل.
قوله: " ولم يركب " تأكيد لقوله: " ومشى "، ويحتمل أن لا يكون
تأكيداً ويكون المعنى: ولم يركب بالكلية في الذهاب والإياب؛ لأنه إذا
مشى في الذهاب فقط، أو في الإياب فقط، أو مشى شيئاً يسيراً في
الذهاب، أو الإياب، يصدق عليه أنه مشى، ولم يصدق عليه أنه لم
يركب، فح (1) لا يكون قوله: " ولم يركب " تأكيداً، فافهم.
قوله: " فاستمع " أي: إلى الخطبة.
قوله: " ولم يلغ " من اللَّغو، يقال: لغى الإنسان يلغو، ولغَى يلغَى،
ولغي يَلغَى، إذا تكلم بالمطرّح من القول وما لا يُعنى، وألغى إذا أسقط،
فالأول من باب: نصر ينصر، والثاني من باب: فتح يفتح، والثالث من
باب: علم يعلم.
قوله: " بكل خطوة " الخُطوة- بالضم- بُعدُ ما بين القدمَين في المشي
- وبالفتح- للمرة، وجمع الخطوة في الكثرة خُطى، وفي القلة
خُطوات- بسكون الطاء وضمها وفتحها-.
قوله: " عملُ سُنَة " بالرفع على أنه اسم " كان ".
قوله: " أجر صيامها " بالرفع أيضاً على أنه بدل من العمل/.
والحديث أخرجه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه. وقال الترمذي:
حديث أوس بن أوس حديث حسن.
330- ص- حدَّثنا قتيبة بن سعيد قال: نا الليث، عن خالد بن يزيد،
عن سعيد بن أبي هلال، عن عبادة بن نُسن، عن أوس الثقفي، عن رسول
الله- عليه السلام- أنه قال: " من غسَّلَ رأسَه يومَ الجُمُعة واغتسلَ " ثم
ساق نحوه (2) .
__________
(1) أي: " فحينئذ ".
(2) انظر الحديث السابق.(2/168)
ش- خالد بن يزيد المصري أبو عبد الرحيم الإسكندراني، مولى
أبي الصنيع، وقيل: ابن أبي الصنيع الجمحي مولى عمير بن وهب،
وكان فقيهاً مفتياً. روى عن: عطاء بن أبي رباح، وأبي الزبير، وسعيد
ابن أبي هلال، والزهري. روى عنه: الليث بن سَعد، وحيوة بن
شريح، والمفضل بن فضالة، وابن لهيعة. قال أبو زرعة: مصري ثقة.
وقال أبو حاتم: لا بأس به 0 توفي سنة تسع وثلاثين ومائة. روى
الجماعة (1) .
فوله: " ثم غسل رأسه " بالتشديد، وقد قلنا: إنه - عليه السلام-
حرضهم بذلك لكونهم أصحاب لمم وشعور.
قوله: " ثم ساق " أي: ثم ساق قتيبةُ الحديث نحو ما ذكر.
331- ص- حدَثنا ابن أبي عقيل، ومحمد بن سلمة المصريان (2) قالا:
ثنا ابن وهب، فال ابن أبي عقيل: فال (3) : أخبرني أسامة- يعني: ابن
زيد- عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن عبد الله بن عَمرو بن العاص،
عن النبي- عليه السلام- أنه فال: " مَنِ اغتسلَ يَومَ الجُمُعَة، ومَسَّ من
طِيب امرأته إن كان لها، ولَبِسَ من صَالح ثيابه، ثم لم يَتَخَطَّ رِقَابَ الناسِ،
ولمَ يَلغُ عَنَدَ المَوعظة، كانت كفارةً لما بَينهَمَا، ومن لَغَى وتَخَطَّى رِقابَ
الناسِ كانت له ظُهراً " (4) .
ش- اسم ابن أبي عقيل: عبد الغني، وقد مر بيانه.
قوله: " عند الموعظة " أي: الخطبة؛ لأن فيها الموعظة وغيرها.
قوله: " لما بينهما " أي: لما بين الجمعتين.
قوله: " كانت له ظهراً " أي: كانت جمعته له ظهراَ، بمعنى: أن
الفضيلة التي كانت تحصل له من الجمعة لم تحصل له، لفوات شروط هذه
الفضيلة. وهذا الحديث فيه عمرو بن شعيب، وقد تقدم الخلاف فيه.
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (8/1666) .
(2) في الأصل: " البصريان " خطأ
(3) كذا، والجادة حذفها.
(4) تفرد به أبو داود.(2/169)
332- ص- حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: نا محمد بن بشر قال: ثنا
زكرياء قال: ثنا مصعب بن شيبة (1) ، عن طلق بن حبيب العنزي، عن عبد الله
ابن الزبير، عن عائشةَ أنها حدثته: " أن النبيَ- عليه السلام- كان يَغتسلُ
من أربعٍ: من الجنابةِ، ويومَ الجُمُعةِ، ومن الحِجَامةِ، ومن غَسلِ المَيتِ " (2) .
ش- محمد بن بشر العَبدي، وزكرياء بن أبي زائدة.
قوله: " من أربع " أي: من أربع خصال. وقال الخطابي (3) : " قد
يجمع النظم قرائن الألفاظ والأسماء الَمختلفة الأحكام، والمعاني تُرتبها
وتنزلها منازلها، فأما الاغتسال من الجنابة فواجب بالاتفاق، وأما
الاغتسال للجمعة فقد قام الدليل على أنه كان يفعله ويأمر به استحباباً،
ومعقول أن الاغتسال من الحجامة إنما هو لإماطة الأذى، ولما لا يؤمن أن
يكون قد أصاب المحتجم رشاش من الدم، فالاغتسال منه استظهار
بالطهارة، واستحباب للنظافة، وأما الاغتسال من غسل الميت فقد اتفق
أكثر العلماء على أنه على غير الوجوب، وقد رُوي عن أبي هريرة عن
النبي- عليه السلام- قال: " مَن غسل ميتاً فليغتسل " (4) ، ورُوي عن
ابن المسيب، والزهري معنى ذلك، وقال النخعي، وأحمد، وإسحاق:
يتوضأ غاسلُ الميت. ورُوي عن ابن عمر، وابن عباس أنهما قالا: ليس
على غاسل الميت غسل. وقال أحمد: لا يثبت في الاغتسال من غسل
الميت حديث ".
وأبو داود أخرج هذا الحديث في الجنائز وقال: هذا منسوخ. وقال
أيضاً: وحديث مصعب فيه خصال ليس العمل عليه. ورُوي عنه أيضاً:
حديث مصعب بن شيبة ضعيف. وقال البخاري: حديث عائشة من هذا
__________
(1) في سنن أبي داود: " مصعب بن أبي شيبة " خطأ، وهو مترجم في تهذيب
الكمال (28/5985) .
(2) تفرد به أبو داود، وسيأتي في كتاب الجنائز، باب: في الغسل من غسل
الميت.
(3) معالم السنن (1/94) .
(4) يأني في كتاب الجنائز، باب: في الغسل من غسل الميت.(2/170)
الباب ليس بذاك. وقال ابن المديني: لا يصح في هذا الباب شيء،
وكذا قال أحمد. وقال محمد بن يحيى: لا أعلم فيمن غسل ميتاً
فليغتسل حديثاً ثابتاً، ولو ثبت لزمنا استعماله.
333- ص- حدَثنا محمود بن خالد الدمشقي قال: ثنا مروان قال: ثنا
علي بن حوشب قال: سألت مكحولاً عن هذا القول: " غسَّلَ واغتسلَ "،
فقال: غسلَ رأسَه وجسَده " (1) .
ش- مروان بن معاوية/الكوفي.
وعلي بن حوشب الدمشقي أبو سليمان الفزاري، ويُقال: السَّلمي.
سمع: مكحولاً، وأبا سلام الأسود، وأباه حوشباً 0 روى عنه: مروان
ابن معاوية، والوليد بن مسلم، وأبو توبة، وغيرهم. قال أبو زرعة عن
عبد الرحيم بن إبراهيم إنه ثقة. روى له أبو داود (2) .
ومكحول بن زيد الدمشقي.
قوله: " غسل " بالتشديد، جعل مكحول " غسَّل " راجعاً إلى غسل
الرأس والبدن جميعاً كما ذكرناه.
334- ص- حدَّثنا محمد بن الوليد الدمشقي قال: ثنا أبو مسهر قال:
قال سعيد بنِ عبد العزيز في قوله: " غسَّلَ واغتسلَ " قال: " غَسَّلَ رأسَه
وغَسلَ سائر جسَدهِ " (3) .
ش- محمد بن الوليد بن هُبيرة: أبو هبيرة القلانسي الهاشمي
الدمشقي. روى عن: أبي مسهر الدمشقي، ويوسف بن السَفر. روى
عنه: أبو داود تفسير حديث، وهو هذا الحديث، وعبد الله بن محمد بن
مسلم المقدسي (4) .
وأبو مسهر عبد الأعلى بن مسهر بن عبد الأعلى بن مسهر الغَسَاني
__________
(1) النسائي: كتاب الجمعة، باب: فضل غسل يوم الجمعة (3/95) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (20/4062) .
(3) تفرد به أبو داود.
(4) المصدر السابق (26/5677)(2/171)
الدمشقي. سمع: مالك بن أنس، وسعيد بن عبد العزيز، ويحيى بن
حمزة، وجماعة آخرين 0 روى عنه: ابن معين، وأبو نعيم،
وأبو حاتم، والبخاري، وجماعة آخرون كثيرة. توفي ببغداد يوم
الأربعاء ليومين مضيا من رجب، سنة ثمان عشرة ومائتين، وهو ابن
سبعين سنة، ودفن بباب التين. روى له الجماعة إلا البخاري (1)
وسعيد بن عبد العزيز بن أبي يحيى التنوخي أبو محمد، ويقال:
أبو عبد العزيز الدمشقي، فقيه أهل الشام ومُفتِيهم بعد الأوزاعي، سأل
عطاء بن أبي رباح عن مسألة. وسمع: الزهري، وعبد العزيز بن
صهيب، وزيد بن أسلم، ومكحولاً، وعطاء الخراساني، وغيرهم.
روى عنه: الثوري، والوليد بن مسلم، ومروان بن محمد الطاطري،
وأبو مسهر، ومحمد بن إسحاق الرافعي، وغيرهم. قال ابن معين
وأبو حاتم: ثقة. مات سنة سبع وستين ومائة، وهو ابن بضع وسبعين
سنة. روى له: مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه (2) .
قوله: " قال: غسّل رأسه " أي: قال سعيد بن عبد العزيز: معنى قوله
- عليه السلام-: " غسل واغتسل " غسل رأسه، وغسل سائر جسده.
335- ص- حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن سُمى، عن
أبي صالح، عن أبي هريرة، أن رسول الله- عليه السلامٍ - قال: " مَنِ
اغتسلَ يومَ الجُمُعَة غسل الجنابَةِ، ثم رَاح، فكأنما قَرَبَ بَدنة، ومَن راح فيِ
الساعة الثانية، فكَأنما قَربَ بَقرةً، ومن رَاح في الساعة الثالثة فكأنما قَرَّب
كبشاً أقرنَ، وَمن راح في الساعةِ الرابعة، فكأنما قَرَّبَ دَجَاجةً، َ ومن راح في
الساعةِ الخامسة فكأنما قَرَّبَ بَيضَةً، َ فإذا خَرجَ الإمامُ حَضَرَت الملائكةُ
يَستَمِعُونَ الذكر " (3) .
__________
(1) المصدر السابق (16/3691) .
(2) المصدر السابق (10/2320) .
(3) البخاري: كتاب الجمعة، باب: فضل الجمعة (1 88) ، مسلم: كتاب
الجمعة، باب: الطيب والسواك يوم الجمعة (24/850) ، الترمذي: كتاب
الجمعة، باب: ما جاء في التبكير إلى الجمعة (499) ، النسائي: كتاب(2/172)
ش- مالك بن أنس، وسُمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن،
وأبو صالح ذكوان السمان.
قوله: " غُسل الجنابة " منصوب بنزع الخافض، أي، غسلا كغسل
الجنابة في الصفات، هذا هو المشهور. وقيل: المراد غسل الجنابة حقيقةَ،
فلذا قالوا: يستحب له مواقعة زوجته ليكون أغض لبصره، وأسكن
لنفسه. وهذا ضعيف، والصواب ما قدمناه.
قوله: " ثم راح " المراد بالرواح الذهاب أول النهار. وقال مالك:
المراد بالساعات هنا لحظات لطيفة بعد زوال الشمس، وبه قال القاضي
حسين، وإمام الحرمين. والرواح عندهم بعد الزوال، وادَّعوا أن هذا
معناه في اللغة. وقال جماهير العلماء باستحباب التبكير إليها أول النهار،
وبه قال الشافعي، وابن حبيب المالكي، والساعات عندهم من أول
النهار، والرواح يكون أول النهار وآخره. وقال الأزهري: لغة العرب أن
الرواح الذهاب، سواء كان أول النهار وآخره أو في الليل. وهذا هو
الصواب الذي يقتضيه الحديث والمعنى؛ لأن النبي- عليه السلام- أخبر
أن اللائكة تكتب من جاء في الساعة الأولى، وهو كالمُهدِي بدنة، ثم
من جاء في الساعة الثانية، ثم في الثالثة، ثم الرابعة، ثم الخامسة،
وفي رواية النسائي: " السادسة "، فإذا خرج الإمام طووا الصحف ولم
يكتبوا بعد ذلك/واحداَ، ومعلوم أن النبي- عليه السلام- كان يخرج
إلى الجمعة متصلاَ بالزوال؛ وهو بعد انقضاء الساعة السادسة؛ فدل على
أنه لا شيء من الهدي، والفضيلة لمن جاء بعد الزوال، ولاشك ذكر
الساعات إنما كان للحث على التبكير إليها، والترغيب في فضيلة السبق،
وتحصيل الصف الأول وانتظارها، والاشتغال بالتنفل والذكر ونحوه،
وهذا كله لا يحصل بالذهاب بعد الزوال، ولا فضيلة لمن أتى بعد الزوال؛
لأن النداء يكون حينئذ، ويحرم التخلف بعد النداء.
__________
الجمعة، باب: ما جاء في التبكير إلى الجمعة (3/97) ، ابن ماجه: كتاب
إقامة الصلاة والسنَة فيها، باب: ما جاء في التهجير إلى الجمعة (1092) .(2/173)
قوله: " فكأنما قرب " أي: تصدق.
قوله: " بدنةً " البدنة تطلق على الإبل والبقر، وخصّصها مالك بالإبل،
وتقع على الذكر والأنثى، و " الهاء " فيها للوحدة كقمحة وشعيرة
ونحوهما من أفراد الجنس؛ سميت بذلك لعظم بدنها؛ ولكن المراد هاهنا
من البدنة الإبل بالاتفاق؛ لتصريح الحديث بذلك.
قوله: " كبشاً أفرن " وصفه بأقرن؛ لأنه أكملُ وأحسن صورة؛ ولأن
القرن ينتفع به.
قوله: " دجاجةً " بكسر الدال وفتحها لغتان مشهورتان، وتقع على
الذكر والأنثى، فإن قيل: كيف التقرب بالدجاجة والبيضة؟ قلنا: قد
ذكرنا أن معنى قوله: " قرب ": تصدّق: ويحوز التصدق بالدجاجة
والبيضة ونحوهما؛ وفيه دليل على أن التقرّب والصدقة يقع على القليل
والكثير، وقد جاء في رواية النسائي بعد " الكبش ": " بطة " ثم
" دجاجة " ثم " بيضةَ "، وفي رواية: بعد " الكبش ": " دجاجة " ثم
" عُصفور " ثم " بيضة ". وإسناد الروايتين صحيح.
قوله: " فإذا خرج الإمام " أي: إلى الخطبة " حضرت الملائكة " بفتح
الضاد وكسرها لغتان مشهورتان، والفتح أفصح وأشهر، وبه جاء القرآن؛
قال الله تعالى: (وَإِذَا حَضَرَ القسمَةَ) (1) ، ثم قالوا: إن هؤلاء
الملائكة غير الحفظة، ووظيفتهم: كتَابة حاضري الجمعة.
قوله: " يستمعون الذكر " أي: الخطبة؛ لأن فيها ذكر الله تعالى،
والثناء عليه، والموعظة والوصيّة للمسلمين. والحديث أخرجه البخاري
ومسلم والترمذي والنسائي. وأخرجه ابن ماجه والنسائي من حديث سعيد
ابن المسيّب، عن أبي هريرة بنحوه.
***
__________
(1) سورة النساء: (8) .(2/174)
118- باب: الرخصة في ترك الغسل (1)
أي: هذا باب في بيان الرخصة في ترك غسل الجمعة.
336- ص- حدَّثنا مسدّد قال: نا حماد بن زيد، عن يحيى بن سعيد،
عن عَمرة، عن عائشة قالت: كان الناسُ مُهَّانَ أنفُسهم، فيروحُون إلى
الجُمُعَةِ بهيئَتِهِم، فقيلَ لهم: لو اغتسلتُم (2) !
ش- يحيى: القطان، وعَمرة: بنت عبد الرحمن الأنصارية المدنية.
قوله: " مُهَّان أنفسهم " بضم الميم وتشديد الهاء جمع " ماهن "،
ككتاب جمع " كاتب "، وقال الحافظ أبو موسى: مِهَان- بكسر الميم
والتخفيف- جمع ماهن، كقيام وصيام جمع قائم وصائم، وفي رواية:
مَهَنَة بفتح الميم والهاء والنون: جمع ماهن- أيضاً- ككتَبَة جمع كاتب.
والماهن: الخادم، أي: كانوا يخدمون أنفسهم، ويعملون أعمالهم
بأنفسهم، لم يكن لهم من يَخدمهم، والإنسان إذا باشر العمل الشاق
حمِي بدنُه وعرِق، لا سيما في البلاد الحارة، فربما يكون منه الرائحة
الكريهة، فأمروا بالاغتسال تنظيفا للبدن وقطعاً للرائحة.
قوله: " لو اغتسلتم " جوابه محذوف؛ والتقدير: لو اغتسلتم لكان
أفضل، أو أكمل، أو أحب؛ وهذا اللفظ يقتضي أنه ليس بواجب.
والأحاديث الواردة في الأمر محمولة على الندب، جمعاً بين الأحاديث.
وأخرجه البخاري ومسلم بنحوه.
337- ص- ثنا أبو داود (3) قال: ثنا عبد الله بن مَسلمة قال: ثنا
عبد العزيز- يعني: ابن محمد-، عن عمرو- يعني ابن أبي عَمرو-، عن
__________
(1) في سنن أبي داود: " باب: في الرخصة في ترك الغسل يوم الجمعة ".
(2) البخاري: كتاب الجمعة، باب: وقت الجمعة إذا زالت الشمس (903) ،
مسلم: كتاب الجمعة، باب: وجوب غسل الجمعة على كل بالغ من الرجال،
وبيان ما أمروا به (847) .
(3) كذا.(2/175)
عكرمة، أن أناساً من أهلِ العراق جاءُوا فقالوا: يا ابنَ عَباس، أترى الغُسلَ
يومَ الجمعة واجباً؟ قال: لا؛ ولكَنه أطهرُ وخير لمن اغتسلَ، " ومَن لم يَغتسل
فليسَ عليهَ بواجب، وسأخبرُكُم كيف بَدا الغُسلُ، كان الناسُ مجهودين،
يَلبسُون الصوفَ، ويَعملُون عَلىِ ظُهُورهم، وكان مَسجدُهم ضيقاً، مُقاربَ
السقف، إنما هو عَريش، فخرج رسولُ الله في يوم حَار، وعَرقَ الناسُ في
ذلك الصوف حتى ثَارت/منهم رياح، آذى بذلك بعضُهمَ بعضاً، فلما
وجَدَ رسولُ اَلله تلك الريحَ قال: أيها الناسُ، إذا كان هذا اليومُ فاغتسلُوا،
وليمسَّ أحدُكمَ أفضلَ ما يجدُ من دهنه وطيبه. قال ابنُ عباس: ثم جَاَءَ اللهُ
بالخيرِ، ولَبسُوا غيرَ الصوفِ، وكُفُوَاَ العمَل، ووسعَ اللهُ مَسجدَهم (1) ،
وذهبَ بَعضُ الذي كان يُؤذي بعضُهُم بَعضاً مِن العَرَقِ (2) .
ش- عبد العزيز بن محمد: الدراوردي.
وعمرو بن أبي عمرو: المدني، واسم أبي عمرو: مَيسرة مولى المطلب
أبي عبد الله بن حنطب؛ روى عن: عكرمة مولى ابن عباس، وسعيد
ابن جبير، وسعيد المقبري. روى عنه: مالك بن أنس، ويزيد بن الهاد،
وسليمان بن بلال، وعبد العزيز بن محمد الدراوردي، وغيرهم. قال
أحمد بن حنبل: ليس به بأس، وقال ابن معين: ضعيف، ليس بالقوي،
وليس بحجة. وقال أبو زرعة: ثقة. وقال ابن عدي: لا بأس به؛ لأن
مالكاً قد روى عنه، ولا يروي مالك إلا عن صدوق ثقة. روى له
الجماعة (3) .
فوله: " ولكنه أطهر " أي: للبدن، و " خير لمن اغتسل " في الثواب.
قوله: " كيف بدأ الغسل " يعني: كيف كان ابتداؤه.
قوله: " مَجهودين " من قولهم: جُهِدَ الرجل فهو مجهود إذا وجد
مشقة.
__________
(1) في سنن أبي داود: " ووُسعَ مسجدُهم ".
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (22/4418) .
(2) تفرد به أبو داود.(2/176)
قوله: " إنما هو عَريشٌ " العَرِيش: كل ما يُستظَل به؛ والمراد: أنّ
سقفه كان من الجريد والسَعَف.
قوله: " حتى ثارت " أي: هاجت؛ من ثار يثور ثورا وثوراناً إذا سَطع.
قوله: " من دونه " يتناولُ الزيت ودهن السمسم وغيرهما من الأدهان
المطيبة، وكذلك الطيب يتناول سائر أنول الطيب، مثل المسك والعنبر
والغالية ونحوها.
قوله: " ثم جاء الله بالخير " إشارة إلى أن الله تعالى فتح الشام ومصر
والعراق على أيدي الصحابة، وكثُرت أموالهم وعبيدهم ومواشيهم (1) ،
فغيروا اللّبس والبناء، وغير ذلك.
338- ص- حدَثنا أبو الوليد الطيالسي قال: ثنا همام، عن قتادة، عن
الحسن، عن سمرة قال: فال النبي- عليه السلام-: " من توضأ فبها
ونِعمت، ومَنِ اغتسلَ فهو أَفضلُ " (2) .
ش- اسمُ أبي الوليد الطيالسي: هشام بن عبد الملك، وهمام: ابن
يحيى العَوذي، وقتادة: ابن دعامة، والحسن: البصري، وسمرة:
ابن جندب بن هلال بن حريج (3) أبو سعيد، أو أبو عبد الله، أو
أبو عبد الرحمن، أو أبو محمد، أو أبو سليمان؛ رُويَ له عن رسول
الله مائة حديث وثلاثة وعشرون حديثاً؛ اتفقا على حديثين، وانفرد
البخاري بحديثين ومسلم باً ربعة. روى عنه: أبو رجاء العطاردي،
وعبد الله بن بُريدة، والحسن البصري. مات بالكوفة في آخر خلافة
معاوية. روى له الجماعة (4) .
__________
(1) في الأصل: " ممشاهم ".
(2) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في الوضوء يوم الجمعة (497) ،
النسائي: كتاب الجمعة، باب: فضل غسل يوم الجمعة (3/95) .
(3) في الأصل: " حديج " خطا.
(4) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (2/77) ، وأسد الغابة
(2/454) ، والإصابة (2/78) .
12* شرح سنن أبي داوود 2(2/177)
قوله: " فبها " أي: فبهذه الفعلة أو الخصلة أخَذَ؛ قال الأصمعي:
معناه: فبالسُنَّة أخذ.
قوله: " ونعمت " أي: نعمت الخصلة.
قوله: " ومن اغتسل فهو أفضل " أي: الغسل أفضل، والضمير يرجع
إلى الغسل الذي يدل عليه قوله: " ومن اغتسل ".
واعلم أن هذا الحديث " (1) رُوِيَ من حديث سمرة، ومن حديث
أنس، ومن حديث الخدريّ، ومن حديث أبي هريرة، ومن حديث
جابر، ومن حديث عبد الرحمن بن سمرة، ومن حديث ابن عباس.
أما حديث سمرة: فأخرجه أبو داود، والترمذي، والنسائي؛
فأبو داود في الطهارة، والترمذي والنسائي في الصلاة، وقال الترمذي:
حديث حسن صحيح. ورواه أحمد في " مسنده "، والبيهقي في " سننه "،
وابن أبي شيبة في " مصنفه ".
وأما حديث أنس: فرواه ابن ماجه في " سننه " (2) من حديث
إسماعيل بن مسلم المكي، عن يزيد الرقاشي، عن أنس بن مالك، عن
النبي- عليه السلام- قال: " من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت،
يجزئ عنه الفريضة، ومن اغتسل فالغسل أفضل ". وهذا سَند ضعيف.
وأما حديث الخدريّ: فرواه البيهقي في " سننه " (3) ، والبزار في
" مسنده " عن أسيد بن زيد الجمال، عن شريك، عن عوف، عن
أبي نضرة، عن أبي سعيد، فذكره.
وأما حديث أبي هريرة: فأخرجه البزار في " مسنده " عن أبي بكر
__________
(1) انظر: نصب الراية (2/88: 93) .
(2) كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في الرخصة في ذلك (1091) .
(3) السنن الكبرى (1/296) .(2/178)
الهذلي، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة مرفوعاً نحوه، ورواه
ابن عديّ في " الكامل " (1) ، وأعله بأبي بكر الهذلي؛ واسمه: سُلمى
ابن عبد الله.
وأما حديث جابر: فرواه عبد بن حُمَيد في " مسنده ": حدَّثنا عمر
ابن سعد، عن الثوري، عن أبان، عن أبي نضرة، عن جابر مرفوعاً
نحوه، ورواه عبد الرزاق في " مصنفه ": أخبرنا الثوري،/عن رجل
عن أبي نضرة به، ورواه إسحاق بن راهويه في " مُسنده "، وأخرجه ابن
عدي في " الكامل " (2) .
وأما حديث عبد الرحمن بن سمرة: فرواه الطبراني في " معجمه
الوسط " (3) من حديث حفص بن عُمر الرازي: ثنا أبو حُرَّةَ، عن
الحسن، عن عبد الرحمن بن سمرة مَرفوعاً نحوه.
وأما حديث ابن عباس: فرواه البيهقي في " سننه " (4) : أخبرنا
أبو عبد الله الحافظ: ثنا أبو أحمد محمد بن (5) إسحاق الصفّار: ثنا
أحمد بن نصر: ثنا عمرو بن طلحة القناد: ثنا أسباط بن نصر، عن
السدي، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قال رسول الله ... ، فذكر
نحوه.
واعلم- أيضاً- أن في سماع الحسن من سمرة ثلاثة مذاهب؛ الأول:
أنه سمع منه مطلقاً؛ وهو قول ابن المديني، ذكره عنه البخاري في أول
" تاريخه الوسط " فقال: حدثنا الحُميدي، ثنا سفيان، عن إسرائيل قال:
سمعت الحسن يقول: ولدتُ لسنتين بقيتا من خلافة عمر؛ قال علي:
سماع الحسن من سمرة صحيح. ونقله الترمذي في كتابه؛ قال في " باب
__________
(1) (4/342- ترجمة سُلمى بن عبد الله) .
(2) (7/52، ترجمة عبيد بن إسحاق) .
(3) (7/7765) .
(4) السنن الكبرى (1/295) .
(5) " محمد بن " مكررة في الأصل.(2/179)
الصلاة الوسطى ": قال محمد بن إسماعيل- يعني البخاريّ-: قال
عليّ- يعني: ابن المديني-: سماع الحسن من سمرة صحيح. وقال
الترمذي: سماع الحسن من سمرة عندي صحيح. واختار الحاكم هذا
القول، وأخرج في كتابه عدّة أحاديث من رواية الحسن، عن سمرة،
وقال في بعضها: على شرط البخاريّ.
الثاني: أنه لم يسمع منه شيئاً، واختاره ابن حبان في " صحيحه "؛
فقال في النوع الرابع من القسم الخامس- بعد أن روى حديث الحسن عن
سمرة-: أن النبي- عليه السلام- كانت له سكتتان-: والحسن لم
يَسمع من سمرة شيئاً. وقال صاحب " التنقيح ": قال ابن معين: الحسن
لم يلق سمرة. وقال شعبة: الحسن لم يسمع من سمرة. وقال البردعي:
أحاديث الحسن عن سمرة كتاب، ولا يثبت عنه حديث قال فيه: سمعت
سمرة.
الثالث: أنه سمع منه حديث العقيقة فقط؛ قاله النسائي، وإليه مال
الدارقطني في " سننه "، فقال في حديث السكتتَين: والحسن اختُلِف في
سماعه من سمرة، ولم يسمع منه إلا حديث العقيقة فيما قاله قريش بن
أنس، واختاره عبد الحق في " أحكامه "، واختاره البزار في " مسنده ".
والله أعلم (1) .
119- بَابُ: الرَّجُل يُسلِم وُيؤمرُ (2) بالغُسل
أي: هذا باب في بيان حكم الرجل الذي يُسلم ويؤمر بالغُسل عقيب
إسلامه.
339- ص- ثنا محمد بن كثير العَبدي قال: ثنا سفيان قال: نا الأغر،
__________
(1) إلى هنا انتهى النقل من نصب الراية.
(2) في سنن أبي داود: " فيؤمر ".(2/180)
عن خليفة بن حُصَين، عن جدّه: قيس بن عاصم قال: أتيتُ النبيَ- عليه
السلام- أريدُ الإسلامَ، فأمَرني أن اغتسلَ بماء وسِدر (1) .
ش- سفيان: الثوري، والأغرُّ: ابن حَصِيل، وقال صاحب
" الكمال ": الأغر بن الصباح الكوفي المنقري، مولى لآل قيس بن
عاصم. روى عن: خليفة بن حُصين. روى عنه: الثوري، وقيس بن
الربيع. قال ابن معين: ثقة. روى له: أبو داود، والترمذي،
والنسائيّ (2) .
والخليفة بن حُصَين بن قيس بن عاصم المنقري البصري. روى عن:
جده، وأبي نصر، عن ابن عباس. روى عنه: الأغر بن الصباح.
روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي (3) ، وقيس بن عاصم بن
سنان بن خالد بن منقر بن عُبيد السَّعدي التميمي، وفد على النبي- عليه
السلام- في وَفد بني تميم سنة تسع فأسلم، وقال- عليه السلام-:
" هذا سيّد أهل الوبر ". روى عنه: الحسن البصري، وابنه: حكيم بن
قيس، وابن ابنه: خليفة بن حصين. نزل البصرة وله بها دار، وتوفي
عن اثنين وثلاثين ذكراَ من أولاده. روى له: أبو داود، والترمذي،
والنسائي (4) .
هذا عند أكثر أهل العلم على الاستحباب، لا على الإيجاب، وعند
أحمد، وأبي ثور: يجب الغسل على الكافر إذا أسلم أَخذاَ بظاهر
الحديث؛ ولأنه لايح (5) في أيام كفره من جماع أو احتلام وهو لا يغتسل،
__________
(1) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما ذكر في الاغتسال عندما يسلم الرجل
(605) ، النسائي: كتاب الطهارة، باب: غسل الكافر إذا أسلم.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (3/541) .
(3) المصدر السابق (3 /1718) .
(4) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (3/232) ، وأسد الغابة
(4/432) ، والإصابة (3/252) .
(5) كذا، ولعلها بمعنى: " لا يخرج ".(2/181)
ولو اغتسل لم يصح منه ذلك؛ لأن الاغتسال من الجنابة فرض من فروض
الدين وهو لا يُجزئه إلا بعد الإيمان كالصلاة والزكاة ونحوهما، قلنا: لا
يجب عليه إلا إذا أسلم وهو جنبٌ، ولا يصح قياسه على الصلاة
والزكاة/؛ لأنهما لا تصح بدون النية، ونية الكافر لغو لعدم الإيمان،
بخلاف اغتساله؛ لأن الماء مطهر بنفسه فلا يَحتاج إلى النيّة. والحديث
أخرجه الترمذي، والنسائي، وقال الترمذي: هذا حديث حسنٌ لا نعرفه
إلا من هذا الوجه.
340- ص- ثنا مَخلَد قال: ثنا عبد الرزاق قال: أنبا ابن جريج قال:
أخبرتُ عن عثَيم بن كُليب، عن أبيه، عن جَدِّه، أنه جَاءَ النبيَ (1) - عليه
السَلام- فقال: قد أسلمتُ، فقال له النبيُ- عليه السلام-: ألق عنكَ شَعرَ
الكُفرِ، يقولُ: احلق. قال: وأَخبرني آخرُ أن النبيَ- عليه السَلام- قال
لآخر معه: ألقِ عنك شَعرَ الكُفرِ واختتِن (2) .
ش- مخلد: ابن خالد بن يزيد الشعيري، كان بطرسوس. روى
عن: عبد الرزاق بن همام، وإبراهيم بن خالد الصنعانيين. روى عنه:
مسلم، وأبو داود- وقال: ثقة-، وغيرهما. وقال أبو حاتم حين سئل
عنه: لا أعرفه (3) .
وعبد الرزاق: ابن همام الصنعاني، وابن جُريج: عبد الملك بن
عبد العزيز، وعُثَيم- بضم العين المهملة، وفتح الثاء المثلثة، وبياء آخر
الحروف ساكنة، وميم- ابن كُلَيب الحضرمي. روى عن: أبيه، عن
جده. روى عنه: ابن جريج، وقيل: قال ابنُ جريج: أخبرتُ عن
عُثَيم. روى له: أبو داود (4) .
__________
(1) في سنن أبي داود: " جاء إلى النبي ".
(2) تفرد به أبو داود.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (27/5834) .
(4) المصدر السابق (19/3876) .(2/182)
وكليب والد عُثيم (1) البصري، روى عن: أبيه، روى عنه: ابنه:
عُثيم، روى له: أبو داود. وإنما أمر النبي- عليه السلام- بالحلق زيادة
لتنظيفه، وإزالةَ للشعر الذي رباه في الكفر. وأما أمره بالاختتان فظاهر،
ولو أسلم الكافر ولم يطق ألم الختان يترك. وفيه رواية مجهولٌ فافهم.
***
120- بَابُ: المرأةِ تَغسلُ ثوبَها الذِي تَلبَسَهُ في حَيضها
أي: هذا باب في حكم المرأة تغسل ثوبها الذي كانت تلبسه في أيام
حيضها.
341- ص- حدَثنا أحمد بن إبراهيم قال: ثنا عبد الصمد بن
عبد الوارث، [عن أبيه] قال: حدثتني أم الحسن- يعني: جدة أبي بكر
العدوي-، عن معاَذةَ قالت: سألت عائشةَ عن الحائض يُصيبُ ثَوبَها الدمُ،
قالت: تَغسلُهُ، فإن لم يذهب أثَرُهُ فلتُغيره بشيء من صفرةَ، وقالت: لقد
كنتُ أحِيض عندَ رسولِ اللهِ ثَلاثَ حِيَضِ جميعاً، لَا أغسِلُ ليَ ثوباً (2) .
ش- أحمد بن إبراهيم: الموصلي، وعبد الصمد بن عبد الوارث:
البَصري التميمي.
وأم الحسن جدة أبي بكر العدوي، روت عن معاذة العدوية، روى
عنها: عبد الصمد، روى لها: أبو داود، وابن ماجه (3) .
ومعاذة: بنت عبد الله العدوية البصرية، وقد ذكرناها.
قوله: " فإن لم يذهب أثره " والأثر: اللون والرائحة.
قوله: " من صفرة " مثل الورس والزعفران ونحوهما.
__________
(1) جاء في تهذيب الكمال (24/4995) : أن كليباً هذا جَذُ عثيم بن كثير بن
كليب، وأنه معدود في الصحابة، وانظر ترجمته في الاستيعاب بهامش
الإصابة (3/313) ، وأسد الغابة (4/498) ، والإصابة (3/307) .
(2) تفرد به أبو داود.
(3) انظر ترجمتها في: تهذيب الكمال (35/7965) .(2/183)
وفي " المصنف " عن سعيد بن جبير " في الحائض يُصيب ثوبُها من دمها
قال: تغسله، ثم تلطخ مكانه بالوَرس والزعفران أو العَنبر "؛ والمقصود
من ذلك: إزالة الرائحة الكريهة ودفعاً للوَسوسة- أيضاً.
وقول عائشة: " لا أغسل لي ثوباً " إما لأجل أن الدم ما كان يُصِيبُ ثوبها
لأجل احترازها ونظافتها، وإما لأنها كانت تغسلها بعد خروجها من
الحيض، ولا تغسلها في أيام حيضها.
342- ص- حدَّثنا محمد بن كثير قال: أنا إبراهيم بن نافع قال:
سمعت الحَسن- يعني ابن مُسلم- يذكر عن مجاهد قال: قالت عائشةُ: ما
كان لإحدَانا إلا ثوبٌ واحدٌ فيه تحيضُ (1) ، فإن أصابَه شيءٌ من دَمِ بَلَتهُ
برِيقِها، ثم قَصَعَتهُ بريقِهَا (2) .
ش- إبراهيم بن نافع: المكي، والحسن بن مسلم: ابن يناق (3)
المكي.
قوله: " بَلته بِريقها " من البَلل، وهو من باب نصر ينصر.
قوله: " ثم قصعته " معناه: دلكته به، ومنه قَصَعَ القملةَ إذا شدخها بين
أظفاره، فأما فَصَعَ الرُّطبةَ فهو بالفاء؛ وهو أن يأخذها بإصبعَيه فيغمزها
أدنى غمزِ، فتخرج الرطبة خالعةَ قشرها. وقال ابن الأثير (4) : " قصَعَته
أي: دلكته بظُفرها، ويروى: " مَصَعته " بالميم معنى فركته. قال
البيهقي: هذا في الدم اليَسير الذي يكون معفوا عنه، وأما الكثير منه فصح
عنها أنها حَانت تغسله.
قلت: هذا كلام جيد؛ ولكنه حجة عليهم؛ حيث اختصوا إزالة
النجاسة بالماء بحديث أسماء كما نذكره عن قريب إن شاء الله تعالى.
__________
(1) في سنن أبي داود: " تحيض فيه ".
(2) البخاري: كتاب الحيض، باب: هل تصلي المرأة في ثوب حاضت فيه؟
(312)
(3) في الأصل: " نياق " خطأ.
(4) النهاية (4/73) .(2/184)
343- ص- حدَّثنا يعقوب بن إبراهيم قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي
قال: ثنا بكار بن يحيى قال: حدثتني جدتي قالت: دخلت على أمِّ سَلَمةَ
فسألَتهَا امرأةٌ من قُريش عن الصلاةِ في ثوب الحائضِ؟ فقالت أم سَلَمَةَ: قد
كان يُصيبُنَا الحَيضُ/على عَهد رسول اللهِ- عليه السلام-، فتَلبثُ إحدانا
أيامَ حَيضَهَا، ثم تَطهُرُ فتنظر الَثَّوبَ الَذي كانت تَقلَّبُ فيه، فإن أَصَابَه دَمٌ
غسَلنَاهُ وصَفَينَا فيه، وإن لم يكن أصَابَه شيءٌ تَرَكنَاه، ولم يَمنعنا ذلك من أن
نُصلِّيَ فيه، وأمَّا المُمتَشِطَةُ فكانَت إحدانا تكونُ مُمتشطَةً فإذا اغتسلت لم
تَنقُض ذاك؛ ولكنها تَحفنُ على رأسِهَا ثَلاثَ حَفَنَات، فإذا رأت البَلَلَ في
أصُولِ الشَّعرِ دَلَكَته، ثم أفاضت على سائرِ جَسَدِها (1) .
ش- يعقوب بن إبراهيم: الدورقي، وعبد الرحمن بن مَهدي:
أبو سعيد العنبري.
وبكار بن يحيى روى عن: جدته، عن أم سلمة. روى عنه:
عبد الرحمن بن مهدي. روى له: أبو داود (2) .
قوله: " تقَلَّبُ فيه " أصله: تتقلبُ؛ فحذفت إحدى التائين، من
قولك: فلان يَتقلَّبُ في أمره، أي: يتحول من حال إلى حال. وفي
بعض الرواية: " الذي كانت تعلَّت فيه " من قولهم. تعلت المرأةُ من
حيضها إذا طهرت، وكذا يقال: تعلت النُّفسَاء إذا ارتفعت وطهُرَت،
ويقال: تعالت- أيضاً- ويجوز أن يكون من قولهم: تعلَّى الرجل من
عِلَّته إذا برأ أي: خرجَت من نفَاسِها وسَلِمَت.
قوله: " وأما المُمتشطةُ " أي: المرأة الممتشطةُ: وهي التي تَمتشِطُ:
يُقال: امتشطت المرأةُ، ومَشطتها الماشطةُ إذا سرحت شعرها بالمشط، وفيه
ثلاث لغات، وأنكر ابن دريد الكسر، وحكى ضم الميم والشين. قال
ابن دريد: إلا أن يزاد ميم فيقال: مُمشُط.
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (4/704) .(2/185)
ويستفاد من الحديث فوائد:
الأولى: جواز الصلاة في الثوب الذي تحيض فيه المرأة ولم يُصبه شيء
من دم الحيض.
الثانية: جوازها- أيضاً- في الذي أصابه شيءٌ؛ ولكن بعد غسله.
والثالثة: أن المرأة إذا بلغ الماء أصول شعرها لا تحتاج إلى نقض
ضفائرها، سواء عند اغتسالها من انقطاع الحيض والنفاس أو الجنابة.
344- ص- ثنا عبد الله بن محمد النفيلي قال: نا محمد بن سلمة، عن
محمد بن إسحاق، عن فاطمةَ بنت المنذر، عن أسماءَ بنتِ أبي بكرٍ قالت:
" سمعتُ امرأةَ تسألُ النبيَ- عليهَ السلام- كيف تَصنعُ إحدانا بثَوبِهَا إذا
رَأت الطُهرَ؟ أتُصَلِّي فيه؟ قال: تَنظُرُ، فإن رأت فيه دماً فلتُقرِصهُ بشيء
من مَاءِ، ولتَنضِح ما لم تَرَ، ولتُصَلِّي (1) فيه " (2) .
ش- فاطمة بنت المنذر: ابن الزبير بن العوام الأسدية المدنية، زوجة
هشام بن عروة. روت عن: جَدتها أسماء بنت أبي بكر- رضي الله
عنها (3) -. روى عنها: زوجها هشام، ومحمد بن إسحاق بن يَسار.
قال هشام: كانت أكبر مني بثلاث عشرة سنة. قال أحمد بن عبد الله:
هي تابعية، ثقة. روى لها الجماعة (4) .
قوله: " فلتَقرصه " مخفف ومثقل؛ رُوِيَ بهما جميعاً؛ والقرص
والتقريص: الدلك بأطراف الأصابع والأظفار مع صب الماء عليه حتى
يذهب أثره؛ وهو أبلغ في غسل الدم من غسله بجميع اليد. وقال
الخطابي (5) : " أصل القَرص: أن يقبض بإصبعَيه على الشيء، ثم
يغمزه (6) غمزاً جيداً ".
__________
(1) كذا.
(2) تفرد به أبو داود.
(3) في الأصل: " عنه ".
(4) انظر ترجمتها في: تهذيب الكمال (35/7906) .
(5) معالم السنن (1/97) .
(6) في الأصل: " تعمزه ".(2/186)
قوله: " من ماء " استدلت به الشافعية على أن غسل النجاسة بنحو الخل
وغيره من المائعات لم يُجزئه؛ لأنه نص على الماء، وفي تركه ترك المأمُور
به
قلنا: ذكر الماء خرج مخرج الغالب؛ لا مخرج القيد؛ لأن المراد:
إزالة النجاسة، وغير الماء من المائعات الطاهرة أبلغ في القلع والإزالة.
قوله: " ولتنضِح " بكسر الضاد أي: وَلتَرُش، وقال الخطابي (1) :
" النضحُ: الرشُ، وقد يكون- أيضاً- بمعنى: الصَب والغَسلِ ".
ويُستفادُ من الحديث فوائد؛ الأولى: فيه أن الدمَ نجس؛ وهو إجماع
المسلمين.
الثانية: فيه أن إزالة النجاسة لا يشترط فيها العدد؛ بل المراد الإنقاء.
الثالثة: أنها إذا لم تَرَ في ثوبها شيئاً من الدم ترش عليه ماء، وتصلي
فيه
الرابعة: استدلّ به أصحابنا على وجوب الطهارة في الثياب.
والبيهقي استدل به في " سننه " على أصحابنا في وجوب الطهارة بالماء دون
غيره من المائعات الطاهرة. والجواب عنه: أنه مفهوم لقب لا يقول به
إمامُه.
345- ص- حدَثنا عبد الله بن مَسلمة، عن مالك، عن هشام بن عروقا
عن فاطمة بنت المنذر،/عن أسماء بنت أبي بكر، أنها قالت: سألَت امرأةٌ
رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت: يا رسولَ الله، أرأيتَ إِحدانا إذا أصَابَ ثَوبَها الدمُ من
الحَيضَة كَيف تَصنَعُ؟ قال: " إذا أصَابَ إحداكُن الدمُ من الحيضة فلتقرصه
ثم لتَنضَحهُ بالماءِ ثم لتُصَل فيه (2) " (3) .
__________
(1) المصدر السابق.
(2) كلمة " فيه " غير موجودة في سنن أبي داود.
(3) البخاري: كتاب الوضوء، باب: غسل الدم (227) ، مسلم: كتاب=(2/187)
ش- قد قيل: إن هذه السائلة: خولةُ بنت يَسار.
قوله: " إذا أصاب إحداكن " أي: ثوب إحداكن؛ لأن السُؤال عن
الثوب، وأما إذا أصاب البدن فكذلك لا بد فيه من الغسل؛ ولكن لا
يحتاج إلى التقريص.
346- ص- حدَّثنا مسدد قال: ثنا حماد ح، قال: ونا مسدد قال: ثنا
عيسى بن يونس ح قال: ونا موسى بن إسماعيل قال: نا حماد- يعني ابن
سلمة-، عن هشام بهذا المعنى قالا: " حتيه، ثم اقرُصيه بالماء، ثم
انضَحِيهِ " (1) .ًَ
ش- فيه ثلاث طرق؛ اثنان لمسدد بن مسرهد؛ أحدهما: عن حماد
ابن زيد البصري، عن هشام بن عروة، والآخر: عن عيسى بن يونس
ابن أبي إسحاق السبيعي، عن هشام بن عروة، والطريق الثالث: عن
موسى بن إسماعيل المنقري البصري، عن حماد بن سلمة، عن هشام بن
عروة.
قوله: " بهذا المعنى " إشارة إلى معنى الحديث السابق.
قوله: " قالا " أي: مُسدّد وإسماعيل، ويجوز أن يرجع الضمير الذي
فمِه إلى الحمادَين: حماد بن زيد، وحماد بن سلمة.
قوله: " حتّيه " أمرٌ من حَتَّ يحتُّ حَتاً؛ الحتُّ والحكُّ والقَشر سواءٌ.
قوله: " ثم اقرصيه " أمر من قَرص، وفي رواية: " قرّصيه " بالتشديد.
قوله: " ثم انضحيه " أي: اغسليه؛ والمراد بالنضح هاهنا: الغَسل دون
الرش.
__________
الطهارة، باب: نجاسة الدم وكيفية غسله (110/291) ، الترمذي: كتاب
الطهارة، باب: ما جاء في غسل دم الحيض (138) ، النسائي: كتاب
الطهارة، باب: دم الحيض يصيب الثوب (1/154) ، ابن ماجه: كتاب
الطهارة، باب: في ما جاء في دم الحيض يصيب الثوب (629) .
(1) انظر الحديث السابق.(2/188)
والحديث أخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن
ماجه.
347- ص- حدثنا مسدّد قال: نا يحيى، عن سفيان قال: نا ثابت الحداد
قال: نا عدي بن دينار قال: سمعت أم قيس بنت محصن تقول: سألت
النبيَّ- عليه السلام- عن دَم الحيض يكونُ في الثوب؟ قال: " حُكِّيه
بضِلَعٍ، واغسِلِيهِ بماءٍ وسِدرٍ " (1) .
ش- يحيى: القطان، وسفيان: الثوري، وثابت: ابن هرمز
الحداد، أبو المقدام الكوفي، مولى بكر بن وائل. سمع: ابن المسيّب،
وزيد بن وهب، وعدي بن دينار، وغيرهم 0 روى عنه: الحكمُ،
والأعمش، وليث بن أبي سليم، والثوري، وشعبة، وغيرهم. وقال
ابن معين، وأحمد: ثقة. وقال أبو حاتم: صالح. روى له: أبو داود،
والنسائي، وابن ماجه (2) ، وعدي بن دينار: مولى أم قيس بنت محصن
الأسدية، روى عنها. روى عنه: أبو المقدام ثابت بن هرمز. روى له:
أبو داود، والنسائي، وابن ماجه (3) .
وأم قَيس بنت محصن بن حرثان بن قيس الأسدية، أخت عكاشة بن
محصن، أسلمت قديماً بمكة وهاجرت إلى المدينة، رُوِيَ لها عن رسول
الله أربعة وعشرون حديثاً؛ اتفقا منها على حديثين. روى عنها. وابصة
ابن معبد، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، ونافع مولى حمنة بنت
شجاع، وأبو الحسن مولاها. روى لها الجماعة (4) .
__________
(1) النسائي: كتاب الطهارة، باب: دم الحيض يصيب الثوب (1/154) ، ابن
ماجه: كتاب الطهارة، باب: في ما جاء في دم الحيض يصيب الثوب (627) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (4/833) .
(3) المصدر السابق (19 /3885) .
(4) انظر ترجمتها في: الاستيعاب بهامش الإصابة (4/485) ، وأسد الغابة
(7/379) ، والإصابة (4/485) .(2/189)
قوله: " بضلع " بكسر الضاد وفتح اللام أي: بعُود؛ والأصل فيه:
ضلع الحيوان؛ فسُفي به العود الذي يُشبهه، وقد تسكًن اللام تخفيفاً.
وإنما أمرها أن تغسل بماء وسدر مبالغة في الإنقاء، وقطع أثر دم الحيض.
وأخرجه النسائي، وابن ماجه.
348- ص- ثنا النفيلي قال: ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن عطاء،
عن عائشة قالت: قد كان يكوِنُ لإِحدَانا الدرعُ تحيض فيه، وفيه تصيبُه (1)
الجنابةُ، ثم ترى فيه قَطرةً من دمٍ فتَقصعُه بِريقِهَا (2) .
ش- النفيلي هو عبد الله بن محمد، وسفيان: الثوري، واسم ابن
أبي نجيح: عبد الله- وقد مر مرةً-، وعطاء: ابن أبي رباح.
قوله: " كان يكون " كان هذه تامة فلا تحتاج إلى الخبر، والتقدير: قد
كان الشأنُ أي: وجد أو وقع. ويكون من النواقص فاسمه: " الدرع "
وخبره: قوله: " لإحدانا "، والدرع- بكسر الدال-: القميص.
قوله: " فتقصَعُه " من القَصع: وهو الدلك؛ وقد مر مثله قريباً.
349- ص- ثنا محمد بن كثير قال: ثنا إبراهيم- يعني ابن نافع- قال:
سمعت الحسن يذكر عن مجاهد قال: قالت عائشةُ: ما كان لإحدانا إلا
ثوبٌ فيه تحيض، فإن أصابَهُ شيء من دَمٍ بلَتهُ بِريقِهَا، ثم قصَعتهُ بِرِيَقهَا (3) .
ش- هذا الحديث/مكرر، والأصح إسقاطُه؛ لأنه ليس بمَوجود في
__________
(1) في سنن أبي داود: " فيه تحيض، وفيه تصيبها ".
(2) تفرد به أبو داود.
(3) غير موجود في سنن أبي داود، وتقدم تخريجه، وهو ثاني حديث في الباب.
وقد سقط هنا حديث، وهو في سنن أبي داود برقم (365) . قال: حدَثنا
قتيبة بن سعيد، حدَثنا ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن عيسى بن
طلحة، عن أبي هريرة: أن خولة بنت يسار أتت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت: يا
رسول الله، إنه ليس لي إلا ثوب واحد، وأنا أحيض فيه، فكيف أصنع؟
قال: " إذا طهُرت فاغسليه، ثم صلي فيه "، فقالت: فإن لم يخرج الدم،
قال: يكفيك غسلَ الدم، ولا يضركِ أثره ".(2/190)
النسخ الكثيرة الصحيحة، وأيضا- تكراره ليس فيه زيادة فائدة، والله
أعلم.
***
121- بَابُ: الصلاة في الثوبِ الذِي يُصِيبُ أهله فيه
أي: هذا باب في بيان الصلَاة في الثوب الذي يجامع امرأته فيه، وفي
بعض النسخ: " في الثوب الذي يجامع أهله فيه ".
350- ص- ثنا عيسى بن حماد المصري قال: أنا الليث، عن يزيد بن
أبي حبيب، عن سُويد بن قَيسِ، عن معاوية بن حُدَيج (1) ، عن معاوية بن
أبي سفيان أنه سألَ أختهُ أم حبيبةَ زوج النبي- عليه السلام- هل كان رسولُ الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصلي في الثوبِ الذي يُجَامِعُهَا فيهِ؟ فقالت: نعم، إذا لم ير فيه أدى (2) .
ش- الليث: ابن سَعد، ويزيدُ بن أبي حبيب سُوَيد المصري.
وسُوَيد: ابن قَيس المِصري التُّجِيبي. روى عن: عبد الله بن عَمرو،
وابن عُمر، ومعاويةَ بن حُدَيج، وكيرهم. روى عنه: يزيد بن
أبي حبيب. روى له: أبو داود، والنسائي، وابن ماجه (3) .
ومعاوية بن حُديج- بضم الحاء المهملة، وفتح الدال، وفي آخره جيم-
ابن جفنة بن قُتيرةَ بن حارثة بن عبد شمس التُجيبي، أبو عبد الرحمن، أو
أبو نعيم الكندي أو الخولاني، له صحبة منَ النبي- عليه السلام-.
روى عيب النبي- عليه السلام-، وعن عمر بن الخطاب، وأبي ذر،
وابن عَمرو، ومعاوية بن أبي سفيان، وعلي بن رباح، وعبد الرحمن بن
شماسة. توفي سنة اثنتين وخمسين. روى له: أبو داود، والنسائي (4) .
__________
(1) في سنن أبي داود: " خديج " خطأ.
(2) النسائي: باب الطهارة، باب: المني يصيب الثوب (1/154) ، ابن ماجه:
كتاب الطهارة، باب: الصلاة في الثوب الذي يجامع فيه (540) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (12/2649) .
(4) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (3/406) ، وأسد الغابة
(5/206) ، والإصابة (3/431) .(2/191)
قوله: " إذا لم ير فيه أدى " وفي بَعض الرواية: " دماً ". والحديث
أخرجه النسائي، وابن ماجه.
***
122- بَابُ: الصَلاةِ في شُعُر النّسَاء
أي: هذا باب في بيان الصلاة في شعر النساء. الشُعُر- بضم الشين
والعين-: جمع شعار، مثل كُتب وكتاب؛ والشِّعار: الثوب الذي
يَستشعرُه الإنسان أي: يجعله مما يلي بدنه، والدثار: ما يلبسه فوق
الشَعار.
351- ص- حدَّثنا عُبيد الله بن معاذ قال: ثنا أبي قال: ثنا الأشعث، عن
محمد بن سيرين، عن عبد الله بن شقيق، عن عائشةَ قالت: كان النبيُّ- عليه
السلام- لا يُصَلِّي في شُعُرِنا أو لُحفِنا (1) . قال عبيد الله: شك أبي (2) .
ش- عبيد الله بن معاذ البصري، وأبوه: معاذ بن معاذ بن حسان
قاضي البصرة، والأشعث بن عَبد الملك الحُمراني البصري.
وعبد الله بن شقيق العقيلي، من بني عقيل بن كعب: أبو عبد الرحمن
أو أبو معاوية. روى عن: عثمان، وعليّ. وسمع: أبا ذر،
وأبا هريرة، وابن عباس، وابن عُمر، ومرة بن كعب، وعائشة. روى
عنه: ابن سيرين، وقتادة، وأيوب، وغيرهم. قال ابن سَعد: كان ثقةَ
عثمانيا. توفي في ولاية الحجاج. وقال ابن عدي: ما بأحاديثه- إن
شاء الله- بأس. روى له الجماعة (3) .
قوله: " أو لحفنا " اللُّحف: جمعُ لحاف، وهو اسم لما يلتحف به،
__________
(1) في سنن أبي داود: " أو في لحفنا ".
(2) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: كراهية الصلاة في لحف النساء (600) ،
النسائي: كتاب الزينة (8/217) ، ويأتي برقم (626) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (15/3333) .(2/192)
وكل شيء تغطيت به فقد التحفت به. وإنما خُصَ الشُعُر بالذكر لأنها
أقرب إلى أن ينالها النجاسة من الدثار، وإنما امتنع- عليه السلام- من
الصلاة فيها مخافة أن يكون أصابها شيء من دم الحيض.
352- ص- حدَّثنا الحسن بن علي قال: أنا سليمان بن حرب قال: نا
حماد، عن هشام، عن ابن سيرين، عن عائشة، أن النبيَّ- عليه السلام-
كان لا يُصَلِّي في مَلاحِفِنَا (1)
ش- الحسن بن علي: أبو محمد الخلال الحلواني، وسليمان بن
حرب: الواشحي قاضي مكة، وحماد: ابن زيد، وهشام: ابن عروة.
قوله: " في ملاحفنا " الملاحف: جمع ملحفة- بكسر الميم- ما
يلتحف به.
وأخرج أبو داود هذا الحديث- أيضاً- في الصلاة (2) ، وأخرجه
الترمذي، والنسائي، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
ص- قال حمادٌ: وسمعتُ سعيدَ بن أبي صدقةَ قال: سألت محمداً عنه
فلم يُحدِثنِي. وقال: سمعتُه منذُ زمان، ولا أدري ممن سمِعتُه، ولا أدري:
سمِعته من لَبت أم لا؟ فسَلُوا عنه. ً
ش- أي: ً قال حماد بن زيد. وسعيد بن أبي صدقة: أبو مُرة، ذكره
ابن حبان في " الثقات "، روى عن: محمد بن سيرين. وروى عنه:
حماد بن زيد.
قوله: " سألت محمداً " يعني: محمد بن سيرين " عنه " أي: عن
هذا الحديث.
قوله: " من ثَبت " الثبتُ- بفتح الثاء المثلثة، وسكون الباء المُوحدة-
يعني: الثابت/، يقال: رجل ثَبتٌ إذا كان ثقةَ حجةً في أقواله وأفعاله.
__________
(1) انظر الحديث السابق.
(2) لم يخرجه مرة ثانية، وإنما أخرج الذي قبله.
13* شرح سنن أبي داوود 2(2/193)
قوله: " فسلوا عنه " أي: اسألوا عن هذا الحديث غيري؛ فإنّي مشكك
في سماعي.
123- باب: الرّخصَة (1)
أي: هذا باب في بيان الرخصة في الصلاة في ثوب النساء.
353- ص- حدثّنا محمد بن الصَباح بن سُفيان قال: أنا سفيان، عن
أبي إسحاق الشيباني سمعه من عَبد الله بن شداد يُحدث عن ميمونة، أن
النبيَّ- عليه السلام- صَلَّى وعليه مرط على بعضِ أزواجه منه وهي حَائضٌ
وهو يُصلِّي وهو عليه (2) .
ش- محمد بن الصباح بن سفيان: ابن أبي سفيان الجرجرائي مولى
عمر بن عبد العزيز. روى عن: عاصم بن سويد، وزكرياء بن منظور،
والدراوردي، وابن عُيَينة، وغيرهم. روى عنه: أبو داود. وقال
أبو زرعة: ثقة. وقال أبو حاتم: صالح الحديث، والدُّولابيّ أخت
إلي؛ وهو محمد بن الصباح الدولابي، مات بجرجرايا سنة أربعين
ومائتين (3) . وإنما ذكر أبو داود جذ محمد بن الصباح هاهنا لئلا يلتبس
بمحمد بن الصَّباح الدّولابي؛ فانه روى عن كل واحد منهما، ولو لم
يذكر سفيان لالتبس بينهما فافهم. واسم أبي إسحاق: سليمان بن فيروز.
قوله: " وعليه مرط " المِرط- بكسر الميم-: كساء من خزّ أو صوف أو
كتان، وقيل: لاَ يسمّى المِرط إلا الأخضر. وفي " الصحيح ": " في
مرط من شعر أسود " أي: خرج فيه رسول الله، والمِرط يكون إزاراَ
وَيكون رداءَ، ويَلبَسه الرجال والنساء.
قوله: " عَلى بعض أزواجه منه " أي: من المرط. وهاهنا خمسة أحوال؛
__________
(1) في سنن أبي داود: " باب في الرخصة في ذلك ".
(2) البخاري: كتاب الحيض، باب: حدثنا الحسن بن مدرك (333) ، مسلم:
كتاب الصلاة، باب: الاعتراض بين يدي المصلي (513) ، ابن ماجه: كتاب
الطهارة، باب: في الصلاة في ثوب الحائض (653) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (25/5297) .(2/194)
الأول: قوله: " وعليه مِرط " حال من الضمير الذي في " صَلى ".
والثانية: قوله: " على بعض أزواجه " حال من " المرط ".
والثالثة: قوله: " وهي حائض " حال من البَعض.
والرابعة: قوله: " وهو يصلي " حال من النبي- عليه السلام-.
والخامسة: قوله: " وهو عليه " أي: والحال أن المرطَ على النبي
- عليه السلام-، والمراد من " بعض أزواجه " عائشة- رضَي الله عنها-،
وقد جاءت في رواية أُخرى مُصرحةَ.
ويستفاد من الحديث ثلاث فوائد:
الأولى: أن ثياب الحائض طاهرة إلا موضعاً ترى عليه دماً أو نجاسة
أخرى.
والثانية: جواز الصلاة بحضرة الحائض.
والثالثة: جواز الصلاة في ثوب بَعضه على المصلي وبَعضُه على الحائض
أو غيرها. وقال الشيخ محيي الدين (1) : " وفي هذا دليل على أن وقوف
المرأة بجنب المصلي لا يبطل صلاته، وهو مذهبنا ومذهب الجمهور،
وأبطلها أبو حنيفة ".
قلت: العجب ثم العجب من الشيخ! كيف لم يتأمل كلامَه هاهنا؟
فأبو حنيفة- أيضاً- هاهنا مع الجمهور، أي: هذه الصلاة لا تبطل،
وإنما تبطل الصلاة بمحاذاة المرأة الرجل إذا كانا مشتركين في صلاة واحدة
مطلقة: تحريمة وأداءَ، فهل وُجد شرط من هذه الشروط في الصلاة
المذكورة حتى يذكر فيه خلاف أبي حنيفة؟ والحديث أخرجه ابن ماجه،
وفي البخاري ومسلم نحو منه.
354- ص- حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: ثنا وكيع بن الجراح قال: ثنا
طلحة بن يحيى، عن عُبيد الله بن عَبد الله بن عتبة، عن عائشةَ قالت: كان
رسولُ اللهِ- عليه السلام- يُصلِّي بالليلِ وأنا إلى جانبِه وأنا حائضٌ، وعَليَّ
مِرطٌ لي وعليه بعضُه (2) .
__________
(1) شرح صحيح مسلم (4/230) .
(2) مسلم: كتاب الصلاة، باب: الاعتراض بين يدي المصلىِ (514) ، النسائي:-(2/195)
ش- طلحة بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله القرشي التيمي المدني،
سكن الكوفة، أدرك عبد الله بن جعفر بن أبي طالب. وروى عن:
موسى، وعيسى، ويحيى، وعائشة بني طلحة، وإبراهيم 0 بن محمد بن
طلحة، وعمر بن عبد العزيز، ومجاهد، وعبيد الله بن عبد الله بن
عتبة، وعروة بن الزبير. روى عنه: الثوري، ووكيع، ويحيى القطان،
وجماعة آخرون. قال ابن سَعد: كان ثقة. وقال أبو زرعة، وأبو حاتم:
صالح الحديث، حسن. وقال ابن مَعين: ثقة، وقدًمَهُ على أخيه
إسحاق. روى له الجماعة إلا البخاريّ (1) .
قوله: " وأنا إلى جانبه " حَال، وكذا قوله: " وأنا حائض "، وكذا
قوله: " وعلي مرط "، وكذا قوله: " وعليه بَعضه " أي: على النبي
- عليه السلام- بعض المرط.
وقوله: " لي " في محل الرفع صِفة للمرط. وأخرجه مسلم،
والنسائي، وابن ماجه.
124- بَاب: المني يصيبُ الثوبَ
أي: هذا باب في بيان المني يُصيب ثوب المصلي، قد مرّ تفسير المنيّ
وغيره.
355- ص- حدَثنا حفص بن عمر، عن شعبة، عن الحكم، عن
إبراهيم، عن همام بن الحارث أنه كان عندَ عائشةَ فاحتلَمَ، فأبصَرَته جارية
لعائشةَ وهو يَغسل/أثَرَ الجَنابَةِ من ثوبِهِ، أو يَغسلُ ثوبه، فأخبرَت عائشةَ
فقالت: لقَد رَأيتُنِي وأنا أفرُكُهُ من ثوبِ رسولِ اللهِ- عليه السلام- (2) .
__________
= كتاب القبلة، باب: صلاة الرجل في ثوب بعضه على امرأته (2/71) ، ابن
ماجه: كَتاب الطهارة، باب: في الصلاة في ثوب الحائض (652) .
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (12/ 2984) .
(2) انظر تخريج الحديث الأتي.(2/196)
ش- حفص بن عمر: ابن الحارث البَصري، وشعبة: ابن الحجاج،
والحكم: ابن عُتَيبة، وإبراهيم: النخعي، والهمام بن الحارث: النخعي
الكوفي. سمع: عمر بن الخطاب، وعبد الله بن مسعود، والمقداد بن
الأسود، وعمار بن ياسر، وعدي بن حاتم، وحذيفة بن اليمان،
وعائشة الصديقة. روى عنه: سليمان بن يسار، وإبراهيم النخعي،
ووبرَةُ. قال ابن معين: ثقة. روى له الجماعة (1) .
قوله: " أثر الجنابة " المراد من الأثر: المني، ومن الجنابة: الاحتلام.
قوله: " أو يغسل ثوبه " شك من الراوي.
فو له: " فأخبرت " أي: الجارية.
قوله: " لقد رأيتني " بضم التاء أي: لقد رأيت نفسي " وأنا أفركه "،
ويجوز كسر التاء على كونه خطاباً للجارية.
اعلم أن العلماء " (2) اختلفوا في المني؛ فذهب أبو حنيفة، ومالك
إلى نجاسته؛ إلا أن أبا حنيفة قال: يكفي في تطهيره فركه إذا كان يابسا،
وهو رواية عن أحمد. وقال مالك: لا بد من غسله رطباً كان أو يابساً.
وقال الليث: هو نجس، ولا تعاد الصلاة منه. وقال الحسن بن صالح:
لا تعاد من المني في الثوب وإن كان كثيراً، وتعاد منه إن كان في الجسد
وإن قلّ. وقال الشافعي: المني طاهرٌ، وبه قال داود، وأحمد في رواية:
وحجتهم: رواية الفرك، فلو كان نجساً لم يكف فركُه كالدم وغيره،
وكذا رواية الغسل، ولو لم يكن نجساً لما أُمِر بالغسل ".
وقد روى الدارقطني في " سننه " (3) من حديث عبد الله بن الزبير:
ثنا بشر بن بكر، ثنا الأوزاعي، عن يحيى بن سعيد، عن عمرة، عن
عائشة قالت: كنتُ أفرك المني من ثوب رسول الله إذا كان يابساً وأغسله
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (30/6599) .
(2) انظر: شرح صحيح مسلم (3/197) .
(3) (1/125) .(2/197)
إذا كان رطبا. ورواه البزار في " مُسنده ". وروى الدارقطني في
" سننه " (1) - أيضا- من حديثه، وفي آخره: إنما يغسل الثوب من
خمس: من البول والغائط والمني والدم والقيء. وهذا يَردّ قولهم.
ورواية الغسل محمولة على الاستحباب والتنزّه واختيار النظافة. والحديث
أخرجه مسلم، والنسائي، وأخرجه الترمذي، وابن ماجه بمعناه.
356- ص- ثنا موسى بن إسماعيل قال: نا حماد، عن حماد، عن
إبراهيم، عن الأسود أن عائشةَ قالت: كُنتُ أفرُكُ المنيَّ من ثوب رَسولِ الله
- عليه السلام- فيُصلِّي (2) .
ش- حماد الأول هو حماد بن سلمة، وحمّاد الثاني هو حماد بن
أبي سليمان، أبو إسماعيل الأشعري، واسم أبي سليمان: مسلم مَولى
إبراهيم بن أبي موسى. سمع: أنس بن مالك، وابن المسيب، وسعيد
ابن جبير، وزيد بن وهب، وإبراهيم النخعي، والشعبي، وابن بريدة.
روى عنه: الحكم، وأبو إسحاق الشيباني، والأعمش، وغيرهم.
وسئل أحمد بن حنبل عنه فقال: رواية القدماء عنه مقارب كالثوري،
وشعبة، وهشام، وأما غيرهم فجاءوا عنه بأعاجيب. وقال أحمد بن
عبد الله: كوفي ثقة، وكان أفقه أصحاب إبراهيم. وقال أبو حاتم: هو
صدوق، ولا يحتج بحديثه، وهو مستقيم في الفقه، فإذا جاء الآثار
شوش. توفي سنة عشرين ومائة. روى له الجماعة إلا البخاري (3) .
والحديث أخرجه مسلم، والنسائي، وابن ماجه.
__________
(1) (1/127) .
(2) مسلم: كتاب الطهارة، باب: حكم المني (288) ، النسائي: كتاب الطهارة،
باب: فرك المني من الثوب (1/156) ، الترمذي: كتاب الطهارة، باب: ما
جاء في المني يصيب الثوب (116) ، ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: في
فرك المني من الثوب (537) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (7/1483) .(2/198)
ص- قال أبو داود:/رواه الأعمش كما رواه الحكم/ (1) ووافقه مغيرة
وأبو معشر وواصل.
ش- هذا ليس بموجود في غالب النسخ؛ الحكم: ابن عُتَيبة، ومُغيرة:
ابن مقسم، أبو هشام الضبيّ، وأبو معشر: زياد بن كليب الكوفي،
وواصل: ابن حيان الأحدب الأسدي الكوفي.
357- ص- ثنا عبدُ الله بن محمد النفيلي قال: نا زهير ح قال: ونا
محمد بن عُبيد البصري قال: نا سُلَيم- يَعني ابن أخضرَ- المعنَى واللفظُ
واحد- والإخبار في حديث سليم قالا: حدثنا عمرو بن ميمون بن مهرِان
قال: سمعتُ سُلَيمان بن يَسار يقول: سمعتُ عائشةَ تقولُ: إنها كانت
تَغسِلُ المنيَّ من ثوبِ رسولِ اللهِ قالت: ثم أرَاهُ (2) فيه بُقعةً أو بُقَعاً (3) .
ش- زهير: ابن معاوية بن حُدَيج، ومحمد بن عُبيد: الغَبري- بالغين
المعجمة- البصري.
وسُلَيم بن أخضر: البصري. سمع: عبد الله بن عون، وعُبيد الله
ابن عمر العُمري. روى عنه: عفان بن مسلم، وعبيد الله بن عمر
/القواريري، وسليمان بن حرب. قال ابن حرب: ثنا سليم بن أخضر
الثقة المأمون الرضي. وقال أحمد بن حنبل: هو من أهل الصّدق والأمانة
روى له: مسلم، وأبو داود، والترمذي (4) .
وعَمرو بن ميمون بن مهران أبو عبد الله الجزري، أخو عبد الأعلى.
__________
(1) ما بين الشرطتين المائلتين كثب في سنن أبي داود بعد الحديث قبل السابق.
(2) في سنن أبي داود: " أرى ".
(3) البخاري: كتاب الوضوء، باب: غسل المني وتركه، وغسل ما يصيب المرأة
(230) ، مسلم: كتاب الطهارة، باب: حكم المني (289) ، الترمذي:
كتاب الطهارة، باب: غسل المني من الثوب (117) ، النسائي: كتاب
الطهارة، باب: غسل المني من الثوب (1/156) ، ابن ماجه: كتاب الطهارة
باب: المني يصيب الثوب (536) .
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (11/2483) .(2/199)
روى عن: أبيه، وسليمان بن يَسار، وعمر بن عبد العزيز، والزهري،
ومكِحول الدمشقي. روى عنه: الثوري، وشريك، وزهير بن معاوية،
وابن المبارك، وجماعة آخرون. قال ابن معين: ثقة، وفي رواية: شيخ
صد [و] ق. وقال أحمد: ليس به بأس. مات سنة خمس وأربعين ومائة.
روى له: مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي (1) .
وسُلَيمان بن يَسار، أبو أيوب الهلالي، أخو عطاء.
قوله: " المعنى واللفظ واحدٌ والإخبار " بكسر الهمزة: والنسخة
الصحيحة: " المعنى والإخبار واحدٌ "، وفي بعض النسخ: " المعنى
والإخبار في حديث سُليم ".
قوله. لا قالا " أيمما: زُهَير، وسُلَيم.
قوله: " ثم أراه فيه بُقعة " أي: أرى الغسل، أي: أثره في الثوب بُقعةً.
قوله: " أو بُقعاً " شك من الراوي؛ والبُقع: جمعُ بُقعة، والمرادُ منها:
آثار الغَسل التي في القماش.
وقال الخطابي (2) : " هذا لا يُخالِف حديث الفرك؛ وإنما هذا
استحباب واستظهار بالنظافة كما قد يغسل الثوب من النخامة والمخاطة
ونحوهما، والحديثان إذا أمكن استعمالهما لم يجز أن يحملا على التناقض ".
قلتُ: ما ادعى أحد المخالفة بين الحديثين ولا التناقض؛ د نما هذا
الحديث يدل على أن المني نجس؛ بدلالة غَسله، وكان هذا هو القياس
- أيضاَ- في يابسه؛ ولكن خُص بحديث الفرك، ولا نسلم أن غسل هذا
مثل غسل النخامة والمخاطة؛ لأنه ورد في حديث أخرجه الدارقطني في
" سننه " (3) : " يا عمار، ما نخامتك ولا دموعك إلا بمنزلة الماء الذي في
__________
(1) المصدر السابق (22/4457) .
(2) معالم السنن (1/99) .
(3) (1/127) من طريق إبراهيم بن زكريا، نا ثابت بن حماد، عن عليّ بن زيد،
عن سعيد بن المسيب، عن عمار به. وقال زيادة على ما ذكره المصنف:
" وإبراهيم وثابت ضعيفان ".(2/200)
رَكوتك؛ إنما يغسل الثوب من خمس: من البول والغائط والمني والدم
والقيء ". فانظر كيف ذكرَه بين الغائط والدم، فإن قيل: قد قال
الدارقطني: لم يَروه غير ثابت بن حماد؛ وهو ضعِيف جدا، قلت:
قال البزار: وثابت بن حماد كان ثقةً، فإن قيل: قد قال البَيهقي (1) :
" وأما حَديثُ عمار بن ياسر أن النبي- عليه السلام- قال له: " يا عمارّ
ما نخامتك ولا دُموع عَينيك إلا بمنزلة الماء الذي في رَكوتك؛ إنما يُغسلُ
ثوبك من البول والغائط والني والدم والقيء "، فهذا باطل، لا أصل
له؛ إنما رواه ثابتُ بن حماد، عن عليّ بن زيد، عن ابن المسيب، عن
عمار؛ وعليّ بن زيد غيرُ محتج به، وثابت بن حماد متهمٌ بالوضع "
فلت: كفاك ما أَخرجه الدارقطني، وقوله: " عليّ بن زيد غيرُ محتج
به " لا يُفيدُ دعواه؛ لأن مُسلماً روى له مقروناً بغيره، وروى له: أبو داود،
والترمذي، والنسائي. وقال رجل لابن معين: اختلط عليّ بن زيد؟
قال: ما اختلط علي بن زيد قط، وهو أحبّ إلي من ابن عقيل ومن
عاصم بن عبيد الله. وقال العجلي: لا بأس به، وفي موضع آخر قال:
يكتب حديثه. وروى له الحاكم في " المستدرك ". وقال الترمذي:
صدوق. وقال الشيخ علاء الدين التركماني (2) : " وأما كون ثابت بن
حماد مُتّهماً بالوَضع فما رأيتُ أحداً بعدَ الكشف التام ذكره غير البيهقي،
وقد ذكر- أيضاً- هو هذا الحديث في كتاب " المعرفة " وضعّف ثابتاً
هذا، ولم يَنسُبه إلى التهمة بالوضع ".
وحديث عائشة هذا أخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي،
والنسائي، وابن ماجه.
***
125- بَاب: بَول الصَبِيّ يُصِيبُ الثَّوبَ
أي: هذا باب في بيان بول الصبي يصيب الثوب.
__________
(1) السنن الكبرى (1/14) .
(2) هامش السنن الكبرى (1/14- 15) .(2/201)
358- ص- ثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي، عن مالك، عن ابن شهاب،
عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن أم قيس بنت محصن، أنها
أَتتِ النبيَّ- عليه السلام- بابن لها صغيرٍ لمِ يأكلِ الطَّعامَ، فَأجلسَهُ رسول
اللهِ في حِجرِهِ، فَبَالَ على ثوبِهِ، فدَعَى بماءٍ فنضحَهُ ولم يَغسِلهُ (1) .
ش- في رواية ابن الأعرابي: " أتت بابن لها صغير لم يأكل الطعام
إلى رسول الله ".
فوله: " في حجره ": بفتح الحاء وكسرها لغتان مشهورتان.
والحديث أخرجه البخاريّ، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن
ماجه. وفي لفظ لمسلم: " فرشّه "، وهو لفظ ابن حبان في " صحيحه "
وزاد: قال ابن شهاب: فمضت السُّنَة أن لا يغسل من بول الصبيّ حتى
يأكل الطعام/فإذا أكل غُسل. قال الطحاوي في " شرح الآثار ":
السُنَّة قد يراد بها سُنَة النبي- عليه السلام- وقد يراد بها سُنة غيره؛
قال- عليه السلام-: " عليكم بسُنَتي وسُنة الخلفاء من بَعدي "،
وأجاب الطحاوي عن الأحاديث التي فيها النضح: أن المراد بالنضح فيها
الصبّ، قال: وقد ورد ما يدلّ على صحة ذلك، ثم أخرج عن
أبي معاوية، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: أُتي
رسول الله بصبي فبال عليه فقال: " صبّوا عليه الماء صبا "، ثم أخرج من
طريق مالك، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة، أن النبي- عليه
السلام- أتى بصبيِّ فبال عليه فأتبعه الماء. قال: ورواه زائدة عن هشام
فقال فيه: " فدعى بماء فنضحه "، قال: فدل ذلك على أن النضح
__________
(1) البخاري: كتاب الوضوء، باب: بول الصبيان (223) ، مسلم: كتاب
الطهارة، باب: حكم بول الطفل الرضيع وكيفية غسله (287) ، الترمذي:
كتاب الطهارة، باب: ما جاء في نضح بول الغلام قبل أن يطعم (71) ،
النسائي: كتاب الطهارة، باب: بول الصبي الذي لم يأكل الطعام (1/157) ،
ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في بول الصبي الذي لم يطعم
(524)(2/202)
عندهم الصبّي ثم أخرج عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أبيه قال:
كنتُ عند رسول الله فجيء بالحسن فبال عليه، فلما فرغ صبّ عليه الماء.
ثم أخرج عن شريك، عن سماك، عن قابوس، عن أم الفضل أن
النبي- عليه السلام- وضع الحُسين على صدره فبال عليه فقلت: يا
رسول الله، أعطني إزارك أغسله فقال: " إنما يُصبّ على بول الغلام
ويغسل بول الجارية " 0 قال: وهو في غير هذه الرواية: " إنما ينضح بول
الغلام " فثبت أن المراد فيه بالنضح: الصبّي ليتفق الأثران، فثبت بهذا
الأثر: أن حكم بول الغلام: الغسل؛ إلا أن ذلك الغَسل يجزئ منه
الصبّ، وأن حكم بول الجارية الغسل- أيضاً- إلا أن الصبّ لا يكفي
فيه؛ لأن بول الغلام يكون في موضع واحد لضيق مخرجه، وبول
الجارية يتفرق لسعة مخرجه؛ فأمر في بول الغلام بالنضح، يُريد صَبّ
الماء في موضع واحد، وفي بول الجارية بالغسل لأنه يقع في مواضع
متفرقة. وقال الشيخ محيي الدين (1) : " الخلاف في كيفية تطهير الشيء
الذي بال عليه الصبيّ ولا خلاف في نجاسته، وقد نقل بعض أصحابنا
إجماع العلماء على نجاسة بول الصبيّ، وأنه لم يخالف فيه إلا داود
الظاهري. وأما ما حكاه أبو الحسن بن بطال ثم القاضي عياض عن
الشافعي وغيره أنهم قالوا: " بول الصبيّ طاهر وينضح " فحكاية باطلة
قطعاً، وقال: وقد اختلف العلماء في كيفية طهارة بول الصبي والجارية
على ثلاثة مذاهب، وهي ثلاثة أوجه لأصحابنا؛ الصحيح المشهور
المختار: أنه يكفي النضح في بول الصبي، ولا يكفي في بول الجارية؛
بل لابدّ من غسله كغيره من النجاسات، والثاني: أنه يكفي النضح فيهما،
والثالث: لا يكفي النضح فيهما، وهما شاذان ضعيفان. وممن قال
بالفرق: عليّ بن أبي طالب، وعطاء بن أبي رباح، والحسن البصري،
وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وابن وهب من أصحاب مالك،
ورُوِيَ عن أبي حنيفة. وممن قال بوجوب غسلهما: أبو حنيفة، ومالك
__________
(1) شرح صحيح مسلم (3/195) .(2/203)
- في المشهور عنهما-، وأهل الكوفة 0 وأما حقيقة النضح هنا: فقد
اختلف أصحابنا فيها؛ فذهب الشيخ أبو محمد الجويني، والقاضي
حسين، والبغوي إلى أن معناه: أن الشيء الذي أصابه البول يغمر بالماء
كسائر النجاسات بحيث لو عصر لانعصَرَ. وذهب إمام الحرمين والمحققون
إلى أن النضح: أن يغمر ويكاثر بالماء مكاثرة لا تبلغ جريان الماء وتردده
وتقاطره بخلاف المكاثرة في غيره؛ فإنه يشترط فيها أن تكون بحيث يجري
بعض الماء ويتقاطر من المحلّ وإن لم يشترط عصره، وهذا هو الصحيح
المختار، ثم إن النضح إنما يجري ما دام الصبي يقتصر به على الرضاع،
أما إذا أكل الطعام على جهة التَغذية فإنه يجب الغسل بلا خلاف ".
قلت: ليس في هذا الباب كلام أنسب من كلام الطحاوي، ولا أقرب
إلى المعقول، ولا أسدّ في العمل بالأحاديث الواردة في هذا الباب،
وغيره قد تكلف كثيراً لإظهار الخلاف.
359- ص- ثنا مسدد، والربيع بن نافع أبو توبة، المعنى، قالا: ثنا
أبو الأحوص، عن سماك، عن قابوس، عن لُبَابةَ بنت الحارث قالت: كان
الحُسينُ بنُ عليٍّ في حجرِ رَسول الله فبالَ عليه، فقلتُ: البس ثوباً وأعطِنِي
إزارَكَ حتى أغسلَهُ قاَل: " إنماَ يُغسَلُ من بَول الأُنثى، ويُنضحُ من بول
الذكَرِ " (1) .
ش- أبو الأحوص: سلام بن سُليم الحنفي الجشمي، مولاهم الكوفي
روى عن: أبي إسحاق السبيعي، وسماك بن حرب، والأعمش،
/وغيرهم. روى عنه: أبو داود الطيالسي، وأبو نعيم، ومسدّد، وقتيبة،
وغيرهم. قال ابن معين: ثقة متين. وقال أبو حاتم: صدوق. وقال
أبو زرعة: ثقة. مات سنة تسع وسبعين ومائة. روى له الجماعة (2) .
__________
(1) ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في بول الصبي الذي لم يطعم
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (12/2655) .(2/204)
وسماك: ابن حرب، أبو المغيرة الكوفي. وقابوس هذا هو ابن
المخارق الكوفي [ذكره ابن] (1) حبان في الثقات، وروى له:
[أبو داود] (1) ، والنسائي. وقابوس آخر: ابنُ أبي ظبيان- حُصَين-
ابن عبد الرحمن الكوفي. روى عن: أبيه، روى عنه: الثوري،
وزهير بن حرب، وإدريس الأودي، وغيرهم. قال أحمد بن حنبل:
ليس بذاك. وقال ابن معين: ضعيف الحديث- فيما رواه عنه عبد الله بن
أحمد. وقال في رواية أحمد بن سَعد: هو ثقة، جائز الحديث؛ إلا أن
ابن أبي ليلى جلده الحدَ. وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به.
وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به. روى له: أبو داود، والترمذي،
وابن ماجه (2) .
ولبابة بنت الحارث: ابن حرب، أم الفضل الهلالية، أخت ميمونة
بنت الحارث زوج النبي- عليه السلام-، وهي زوجة العباس بن
عبد المطلب، رُوِيَ لها عن رسول الله ثلاثون حديثاً، اتفقا على حديث
واحد وللبخاري حديث ولمسلم آخر. روى عنها: ابنها عبد الله، وعُمير
مولاه، وعبد الله بن الحارث بن نوفل. روى لها الجماعة (3) . والحديث
أخرجه ابن ماجه، والطحاوي في [" كتابه "، وقد] ذكرناه.
360- ص- نا مجاهد بن موسى، وعباس بن عبد العظيم- المعنى-
قالا: نا عبد الرحمن بن مهدي قال: ثنا يحيى بن الوليد قال: حدثَّني مُحل
ابن خليفة قال: حدثني أبو السَمح قال: كُنتَ أخدمُ النبيَ- عليه السلام-
فكانَ إذا أرادَ أن يَغتسلَ قال: " ولنِي قَفَاكَ " فأُولَيهَ قَفَايَ، فاستُرهُ به، فأتيَ
بحَسَنِ أو حُسينِ فبالَ على صَدره فجئتُ أغسلُهُ فقال: " يُغسَلُ من بَول
الجاريةِ، وبُرَش من بَولِ الغُلام " (4) .َ
__________
(1) غير واضح في الإلحاق.
(2) المصدر السابق (12/2579) .
(3) انظر ترجمتها في: ألاستيعاب بهامش الإصابة (4/398) ، وأسد الغابة
(7/253) ، والإصابة (4/398) .
(4) النسائي: كتاب الطهارة، باب: ذكر الاستتار عند الاغتسال (1/126) ،=(2/205)
ش- مجاهد بن موسى: ابن فروخ أبو علي الخوارزمي. سكن بغداد
روى عن: سفيان بن عيينة، وعبد الرحمن بن مهدي، وهشيم بن
بشير، وغيرهم. روى عنه: أبو زرعة، وأبو حاتم، ومسلم،
وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وأبو يعلى، والبغوي.
قال ابن معين: ثقة، لا بأس به. وقال أبو حاتم: محله الصدق. مات
سنة أربع وأربعين ومائتين (1) .
وعباس بن عبد العظيم: ابن توبة بن أسد، أبو الفضل العنبري
البصري. روى عن: يحيى القطان، وعبد الرحمن بن مهدي، ومعاذ
ابن هشام، وغيرهم. روى عنه: أبو حاتم الرازي، والجماعة [إلا]
البخاري تعليقاً وغيرهم. قال النسائي: ثقة. وقال أبو حاتم: صدوق.
مات سنة ست وأربعين ومائتين (2) .
وعبد الرحمن بن مهدي: العنبري البصري.
ويحيى بن الوليد: ابن المسير الطائي، أبو الزعراء الكوفي. سمع:
محل بن خليفة، وسعيد بن عمرو بن أشوع. روى عنه: عبد الرحمن
ابن مهدي، وأبو عاصم: الضحاك بن مخلد، وزيد بن الحباب،
وسويد بن عمرو الكلبي. روى له: أبو داود، والنسائي، وابن ماجه (3) .
ومُحِل بن خليفة- بالميم المضمومة وبالحاء المهملة المكسورة- الطائي
الكوفي. سمع: عدي بن حاتم، وأبا السمح خادم النبي- عليه
السلام-، وأبا وائل: شقيق بن سلمة. روى عنه: يحيى بن الوليد،
وشعبة، وسَعد أبو مجاهد. قال ابن معين: ثقة. وقال أبو حاتم:
__________
ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في بول الصبي الذي لم يطعم
(526) ، وباب: ما جاء في الاستتار عند الغسل (613) .
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (27/5784) .
(2) المصدر السابق (14/3128) .
(3) المصدر السابق (32/6942) .(2/206)
صدوق ثقة. روى له: البخاري، وأبو داود، والنسائي، وابن
ماجه (1) .
وأبو السَّمح- بفتح السين المهملة، وسكون الميم، وفي آخره: حاء
مهملة- قال أبو زرعة الرازي: لا أعرف اسم أبي السَمح هذا، ولا
أعرف له غير هذا- يعني هذا الحديث-، وقال غيره: اسمه: " إياد " (2)
والحديث أخرجه: النسائي، وابن ماجه.
ص- قال عباس: قال: حدثنا يحيى بن الوليد (3) .
ش- أي: قال عباس بن عبد العظيم: حدثنا بهذا الحديث يحيى بن
الوليد أبو الزعراء، وفي بعض النسخ بعد قوله: " يحيى بن الوليد ":
" قال أبو داود: وهو أبو الزعراء "؛ والأصح أنه ليس بموجود في النسخ
الصحيحة.
361- ص- نا مُسدد قال: نا يحيى، عن ابن أبي عروبة، عن قتادة، عن
أبي حرب بنِ أبي الأسود، عن أبيه، عن علي قال: يُغسلُ بولُ (4) الجارية،
ويُنضحُ من بولِ الغُلام ما لم يَطعَم " (5) .
ش- يحيى: القطان، واسم ابن أبي عروبة: سعيد، واسم
أبي عروبة: مهران؛ وقد مر غير مرة.
وأبو حَرب ابن أبي الأسود، رو [ى] عن: أبيه، وعبد الله بن عُمر.
وروى عنه: قتادة، وداود بن أبي هند، وعثمان بن عمير. قال ابن
سَعد: [كان معروفاً و] (6) له أحاديث. روى له: مسلم، وأبو داود،
والترمذي، وابن ماجه (7) .
__________
(1) المصدر السابق (27/5810) .
(2) المصدر السابق (33/7414) .
(3) جاء في سنن أبي داود بعد هذا: " قال أبو داود: وهو أبو الزعراء. قال
هارون بن تميم، عن الحسن قال: " الأبوال كلها سواء'، وسيأتي عندنا بعد
حديثين، وانظر تعليق المصنف عليه هنا وهناك.
(4) في سنن أبي داود: " يغسل من بول ".
(5) تفرد به أبو داود.
(6) مبتور في الإلحاق، وأثبتناه من تهذيب الكمال.
(7) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (33/7305) .(2/207)
[وأبو الأسود] (1) : ظالم بن عمرو بن سُفيان بن جندل بن يعمر بن
حَلبَس (2) بن نُفاثَة بن عَدي بن الذَيل الديلي البصري قاضيها. سمع:
عمر بن الخطاب، وعليا، والزبير بن العوام، وأبا ذر الغفاري،
وعمران بن الحصين، وابن عباس. وَروَى عنه: ابنه: أبو حَرب،
وأهلُ البصرة. ويقال: اسمُه: عمرو بن ظالم. وقال ابن معين:
بصري ثقة. وهو أول من تكلم في النحو. روى له الجماعة. وقال ابن
حبان: ولي البصرة لابن عباس، ومات بها (3) ./والحديث رواه ابن
أبي شيبة في " مصنفه ".
362- ص- نا ابن المثنى: نا معاذ بن هشام: حَدّثني أبي، عن قتادة، عيب
أبي حَرب بن أبي الأسود، عن أبي الأسود، عن عليّ بن أبي طالب، أن نبي
الله- عليه السلام- قال: فذكرَ مَعناه؛ لم يذكر " ما لم يَطعم ". زاد: قال
قتاَدة: " هذا ما لم يَطعَمَا الطَّعامَ، فإذا طَعِمَا غُسِلا جميعاً " (4) .
ش- أي: ذكر معنى الحديث السابق الموقوف على علي- رضي الله
عنه-.
قوله: " لم يذكر " أي: ابن المثنى لم يذكر في روايته عن معاذ بن
هشام لفظ: " ما لم يَطعم "، ولكنه زاد: قال قتادة إلى آخره، ويجوز
أن يكون فاعل " لم يَذكر "، وفاعلُ " زادَ " هو هشامُ الدستوائي.
قوله: " فإذا طعما " بفتح الطاء وكسر العين، من باب: علم يعلم.
وهذا أخرجه: الترمذي، وابن ماجه؛ وقال الترمذي: هذا حديث
حسن، وذكر أن هشاماً الدستوائي رفعه عن قتادة، وأن سعيد بن
__________
(1) مبتور في الإلحاق، وأثبتناه من تهذيب الكمال.
(2) كذا وفي تهذيب الكمال: " حلس "، وفي تهذيب التهذيب: " حنش ".
(3) المصدر السابق (33/7209) .
(4) انظر الحديث السابق.(2/208)
أبي عروبة وقفه عنه ولم يرفعه، وقال البخاريّ: وسعيد بن أبي عروبة لا
يرفعه، وهشام الدستوائي يَرفعه وهو حافظ.
ص- قال أبو داود: قال هارون بن تميم عن الحسن قال: " الأبوال كلها
سواء ".
ش- هذا ليس بثابت في غالب النسخ الصحيحة؛ والمعنى سَواء كان
بول الصغير أو الكبير أو الذكر أو الأنثى؛ فالكل نجس فلابد فيه من
الغسل. وهارون بن تميم: الراسبي، يروي عن: الحسن، عداده في
أهل البصرة. روى عنه: أبو هلال الراسبي، ذكره ابن حبان في
" الثقات ".
363- ص- ثنا عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج أبو معمر قال: ثنا
عبد الوارث، عن يونس، عن الحسن، عن أمه أنها أبصرت أم سَلمة
تَصُب (1) على بولِ الغُلام ما لم يَطعَم، فإذا طَعِمَ غَسلَتهُ، وكانت تَغسلُ بولَ
الجَاريةِ (2) .
ش- عبد الوارث: ابن سعيد العنبري البصري، ويونس: ابن عُبَيد
البصري، والحسن: البصري، وأمه: خَيرة، مولاة أم سلمة زوج النبي
- عليه السلام-. روت عن: عائشة، وأم سلمة. روى عنها: ابناها
الحسن، وسعيد. روى لها الجماعة إلا البخاري (3) . وقد تكلم
الطحاوي في هذه الأحاديث بما فيه الكفاية- كما ذكرناه- والله أعلم.
***
126- باب: الأرض يُصيبها البول
أي: هذا باب في بيان حكم الأرض التي تُصيبها البول.
364- ص- نا أحمد بن عَمرو بن السَرج، وابن عبدة في آخرين
__________
(1) في سنن أبي داود: " تصب الماء ".
(2) تفرد به أبو داود.
(3) انظر ترجمتها في: تهذيب الكمال (35/7832) .
14* شرح سنن أبي داوود 2(2/209)
- وهذا لفظ ابن عَبدة- قال: أنا سفيان، عن الزهري، عن سَعيد، عن
أبي هريرة: أن أعرابيا دخلَ المسجدَ ورسولُ الله- عليه السلام- جَالس
فصلَّى قال ابن عَبدة: ركعتين ثم قال: اللهم ارَحَمنِي ومحمداً ولا تَرحم
معنا أحداً. فقال النبيُ- عليه السلام-: " لقد تَحَجَّرتَ وَاسعاً "، ثم لم
يَلبث أن بَالَ في نَاحية المسجدِ، فأسرِعَ الناسُ إليه، فنهاهمِ النبيُّ- عليه
السلام- وقال: " إنمَا بُعثتُم مُيَسَرِين، ولم تُبعَثُوا مُعسَرِين، صُبُوا عليه
سَجلاً من ماءٍ " أو قال: " ذَنُوباً من مَاءٍ " (1) .
ش- ابن عَبدة: هو أحمد بن عَبدة، وسعيد: ابن المسيّب.
قوله: " أن أعرابيا " الأعرابي: الذي يَسكنُ البادية، وهو منسوب إلى
الأعراب ساكني البادية من العَرب، الذين لا يقيمون في الأمصار، ولا
يدخلونها إلا لحاجة، والعَربُ اسَم لهذا الجيل المعروف من الناس، ولا
واحد له من لفظه "، وسواء أقام بالبادية أو المُدن؛ والنسبة إليه عربيّ بَيّن
العُروبَة. وقال الجوهري: العربُ جيل من الناس، والنسبة إليهم:
عربي، وهم أهل الأمصار، والأعراب منهم: سكّان البادية خاصة،
والنسبة إلى الأعراب: أعرابي؛ لأنه لا واحد له، وليس الأعرابُ جمعاً
لعَرب كما أن الأنباط جمع (2) لنبط، وإنما العرب اسم جنس، والعرب
العاربة هم الخُلَّصُ منهم، واخذَ من لفظه فأكد به كقولك: ليلٌ أليل،
وربما قالوا: العربُ العَرباء، وَالعربُ المُستَعربة هم الذين ليسوا بخُلَص،
وكذلك المُتعرّبةُ.
قوله: " قال ابن عبدة " مُعترض بين الفعل بفاعله وبين مفعوله.
قوله: " ومحمدا " أي: ارحم محمداً.
قوله: " لقد تحجّرت واسعاً " أي: ضيقت من رحمة الله ما وسعه،
__________
(1) الترمذي: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في البول يصيب الأرض (147) ،
النسائي: كاَب السهو، باب: الكلام في الصلاة (3/14) .
(2) في الأصل: " جمعاً ".(2/210)
ومنعت منها ما أبَاحه؛ وأصل الحجر: المنع، ومنه: حجر السفِيه؛ وهو
منعه من التصرف في ماله. قال ابن الأثير (1) : " أي: ضيقت ما وسعه
الله، وخصصت به نفسك دون غيرك ". وإنما ذكر من باب التفعل إشارة
إلى أنه قد تكلف في هذا الدعاء الذي خصص به نفسه، لأن باب التفعل
للتكلف.
قوله: " أن بال " يجوز أن تكون " أن " مصدرية بمَعنى: " لم يلبَث
بوله " على معنى لم يتعلق بشيءٍ حتى بالَ.
قوله: " سَجلاً " السَّجل- بفتح السين، وسكون الجيم-: الدلو إذا
كان فيه ماء قلّ أو كثر، ولا يقال لها وهي فارغة " سَجلٌ " وهو مذكر؛
والذنوب- بفتح الذال المعجمة، وضم النون-: الدلو العظيمة إذا
كانت مَلأى (2) ماء، ِ وقد يكون فيها ماء قريب من المِلء؛ ويذكر
ويؤنث، وجمع السجل: سجال، وجمع الذنوب في أدنى العدد:
أًذنِبة، والكثير: ذَنائِبُ. ويستفاد من الحديث فوائد:
الأولى: أن الداعي لا ينبغي أن يخص نفسه بالدعاء،/بل إذا قدم غيره
كان أقرب إلى القبول.
الثانية: فيه الرفق بالجاهل، وتعليم ما يلزمه من غير تعسف ولا إيذاء
إذا لم يأت بالمخالفة استخفافاً أو عناداَ.
الثالثة: فيه دفع أعظم الضررين باحتمال أخفهما؛ لأنه- عليه
السلام- إنما نهاهم عن القطع عليه لمصلحتين؛ الأولى: أنه لو قطع عليه
بوله تضرر، وأصل التنجيس قد حصل، فكان احتمال زيادته أولى من
إيقاع الضرر به، والثانية: أن التنجيس قد حصل في جزء يسير من المسجد،
فلو أقاموه في أثناء بوله لتنجست ثيابه وبدنه ومواضع كثيرة من المَسجد.
الرابعة: فيه إثبات نجاسة بول الآدمي، ولا فرق بين الكبير والصغير.
الخامسة: فيه احترام المسجد وتنزيهه عن الأقذار.
__________
(1) النهاية (1/342) .
(2) في الأصل: " ملأ ".(2/211)
السادسة: فيه أن الأرض تطهُر بصَبّ الماء عليها. وقال الشيخ محيي
الدين (1) : " ولا يشترط حفرها، وهذا مذهبنا ومذهب الجمهور. وقال
أبو حنيفة: لا تطهر إلا بحَفرها ".
قلت: مذهب أبي حنيفة: أن الأرض إذا أصابتها نجاسة يصب عليها
الماء، وتُدلك بعد ذلك، وتُنشّف [] (2) أو خرقة، إذا فعل ذلك
ثلاثاً طهرت، وإن لم يَفعل ذلك، لكن صبّ عليه ماءً كثيراً حتى عرف
أنه أزال النجاسة ولم يوجد لها لون ولا ريح، ثم ترك حتى لشفت كانت
طاهرة. وفي " شرح الطحاوي ": هذا إذا كانت الأرض رخوةً، أما إذا
كانت صلبةً فإن كانت منحدبة تحفرُ في أسفلها حَفيرةٌ يُصب عليها الماء،
فيُجمع في ذلك الموضع ثم تكبسُ تلك الحفيرة وإن كانت مستوية لا فائدة
في غَسلها بل تُحفر فَيجعلُ أعلاها أَسفلَها، وسيجيء الدليل لهذا
الأصل. والحديث أخرجه الترمذي، والنسائي. وأخرجه ابن ماجه من
حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة. وأخرجه البخاري
من حديث عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن أبي هريرة. وأخرجه
البخاريّ ومسلم من حديث أنس بن مالك بنحوه.
365- ص- نا موسى بن إسماعيل: نا جرير- يعني ابن حازم- قال:
سمعت عبد الملك- يعني ابن عُمير- يُحدِّث عن عبد الله بن مَعقل بن
مُقَرَّن قال: صَلَى أعرابي مع النبيِّ- عليه السلام- بهذه القصة قالَ فيه:
وقال " - يعني النبي- عليه السلام-: " خُذُوا ما بالَ عليه من التُّراب فألقُوه
وأهرِيقُوا على مَكَانِهِ ماءَ " (3) .
ش- جرير بن حازم: أبو النضر البصري.
وعبد الملك بن عُمير: ابن سُويد بن جارية- بالجيم- اللخمي،
ويقال: القرشي الكوفي، أبو عَمرو، أو أبو عُمر، رأى عليا،
__________
(1) شرح صحيح مسلم (3/191) ، وانظر الفوائد قبلُ فيه أيضاً.
(2) كلمة غير واضحة في الإلحاق.
(3) تفرد به أبو داود.(2/212)
وأبا موسى الأشعري. وسمع: جرير بن عبد الله البجلي، وجابر بن
سمرة، والمغيرة بن شعبة، وعدي بن حاتم، وجندب بن عبد الله،
وغيرهم، ومن التابعين: عبد الله بن الحارث الهاشمي، وموسى بن
طلحة، وأبا الأحوص عوف بن مالك، وغيرهم. روى عنه: سليمان
التيمي، والأعمش، والثوري، وشعبة، وجرير بن حازم، وغيرهم.
قال ابن معين: هو مخلط. وقال أبو حاتم: ليس بحافظ وصالح،
تغير حفظه قبل موته. قال أحمد بن عبد الله: ثقة. مات سنة ست
وثلاثين ومائة. روى له الجماعة (1) .
وعبد الله بن مَعقل بن مُقَرّن: المُزني، أبو الوليد الكوفي، سمع:
ابن مسعود، وثابت بن الضحاكً، وكعب بن عجرة، وعدي بن حاتم.
وروى عن: عليّ بن أبي طالب. روى عنه: عبد الرحمن الأصبهاني،
وزياد بن أبي مريم، وعبد الله بن السائب الشيباني، وأبو إسحاق
الشيباني، والهمداني. قال أحمد بن عبد الله: معقل له صحبة، وابنه:
عبد الله كوفي تابعي ثقة، من خيار التابعين. روى له: البخاري،
ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة (2) . ومقرن
بضم الميم، وفتح القاف، وتشديد الراء وفتحها، وفي آخره نون.
قوله: " خذوا ما بال عليه من التراب " استدل به أصحابنا في طهارة
الأرض تصيبها نجاسة بحفرها؛ فإنه- عليه السلام- أمَر بإلقاء التراب
الذي عليها بقوله: " خذوا ما بَال عليه من التراب فألقوه " أي: ارمُوه:
وهذا يدل على أن الأرض كانت غير رخوة؛ لأنها لو كانت رخوة لاكتفى
بصَبّ الماءِ عليها بدون الحَفر؛ لأن إلقاء التراب لا يكون إلا بالحفر.
قوله: " وأهرِيقوا " أي: أريقوا، و " الهاء " زائدة؛ وقد مر مثله غير
مرة.
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (18/3546) .
(2) المصدر السابق (16/3586) .(2/213)
ص- قال أبو داود: وهو مُرسل؛ ابنُ مَعقل لم يُدرك النبيَّ- عليه
السلام-.
ش- أي: هذا الحديث مُرسل؛ لأن عبد الله بن مَعقل المذكور لم
يُدرك النبي- عليه السلام-، وقال الخطابي (1) : " فأما حديث عبد الله
ابن مَعقل: فإن أبا داود قد ذكره وضعّفه وقال: هو مُرسلٌ ".
قلت: كيف يَنسُبُه إلى التَّضعيف؛ وقد رُويَ هذا الحديث من طريقين
مُسندين وطريقين مُرسلَين؛ فالمُسندان أحدهما: عن سَمعان بن مالك،
عن أبي وائل، / عن عبد الله قال: جاء أعرابيّ فبال في المسجد فأمر
النبي- عليه السلام- بمكانه فاحتفر وصُب عليه دلو من ماء. أخرجه
الدارقطني في " سننه " (2) . والثاني: أخرجه الدارقطني- أيضاً- عن
عبد الجبار بن العلاء، عن ابن عُيينة، عن يحيى بن سعيد، عن أنس أن
أعرابيا بال في المَسجد فقال عليه السلام: " احفروا مكانه، ثم صبوا عليه
ذنوباً من ماء ". وأما المرسلان، فأحدهما: ما رواه أبو داود، والثاني:
ما رواه عبد الرزاق في " مُصنفه "
***
127- بَاب: طَهُور الأرض إذا يبسَت
أي: هذا باب في بيان طهورية الأرض إذا يبست بعد أن أصابتها
النجاسة.
366- ص- ثنا أحمد بن صالح قال: ثنا عبد الله بن وهب قال: أخبرني
يونس، عن ابن شهاب قال: حدَّثني حمزة بن عبد الله بن عمر قال: قال ابن
عُمر: كُنتُ أَبيتُ في المسجدِ في عَهدِ رسول الله، وكُنتُ فتى شابا عَزباً،
وكانت الكلابُ تَبُولُ وتُقبلُ وتُدبرُ في المسجدَ، فلَم يكونوا يَرُشُونَ شيئاً من
ذلك (3) .
__________
(1) معالم السنن (1/100) .
(2) (1/132) وقال: " سمعان مجهول ".
(3) البخاري تعليقاً: كتاب الوضوء، باب: الماء الذي يغسل به شعر الإنسان ...
(174) .(2/214)
ش- أحمد بن صالح: المصري، ويونس: ابن يزيد.
وحمزة بن عبد الله بن عُمر: ابن الخطاب أبو عمارة القرشي العدوي،
المدني، والد عمر بن حمزة. سمع: أباه، وعائشة أم المؤمنين. روى
عنه: أخوه: عبد الله، والزهري، وأخوه: عبد الله بن مسلم،
وغيرهم. قال ابن سَعد: كان ثقة قليل الحديث. روى له الجماعة (1) .
قوله: " فتًى " الفَتى: الشَاب، وقد فتِي- بالكسر- يفتي فَتاً، والفَتَى
- أيضاً-: السخي الكريمُ، وأصل تركيبه بمعنى القوة؛ ومنه الفتوى؛
لأنه يقوي السائل.
قوله: " شابا " تأكيد لقوله: " فتَى ".
قوله: " عَزَبا " صفتُه العَزَب- بفتح العَين والزاي-: الذي لا زوج
له؛ سمّي به لبُعده عن النساء؛ يقال: رجل عَزَبٌ وامرأة عزباء، ولا
يقال فيه: " أعزَبُ " من عَزبَ يعزُب، من باب نصر ينصر فهو عازِبٌ إذا
بَعد، ومنه في الحديث: " من قرأ القرآن في أربعين ليلة فقد عَزَبَ " أي:
بَعُد عهده بما ابتدأ منه وأبطأ في تلاوته.
قوله: " وكانت الكلاب تبولُ وتُقبل و " تدبر في المَسجد " قال الخطابي (2) :
" يُتأول على أنها كانت تبول خارج المسجد في مواطنها، وتقبل وتُدبر في
المسجد عابرةَ؛ إذ لا يحوز أن تترك الكلاب تنتابُ المسجد حتى تمتهنه
وتبول فيه، وإنما كان إقبالها وإدبارها في أوقات باردة، ولم يكن على
المسجد أبواب تمنع عبورها فيه ".
قلت: هذا تأويلٌ بعيد؛ لأن قوله: " في المسجد " ليس ظرفاً لقوله:
" وتُقبلُ وتدبرُ " وحده؛ بل إنما هو ظرف لقوله: " تبولُ وتقبلُ وتدبرُ "
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (7/1507) .
(2) معالم السنن (1/101) .(2/215)
كلها وأيضاً قوله: " فلم يكن يَرُشّون شيئاً من ذلك " يَمنعُ هذا التأويل؛
لأنها لو كانت تبولُ في مواطنها ما كان يحتاج إلى ذكر الرش وعدمه؛ إذ
لا فائدة فيه، وكذلك التَّبوِيبُ بقوله: " طهور الأرض إذا يبسَت " يردّ
هذا التأويل؛ بل الظاهر أنها كانت تبول في المسجد؛ ولكنها تنشفُ
وتيبَسُ فتطهُر، فلا يحتاج إلى رش الماء؛ وإنما حمل الخطابيَّ على هذا
التأويل البعيد منعُهُ هذا الحديث أن لا يكون حجة لأصحابنا عليهم؛ فإن
أصحابنا استدلوا به على الأرض إذا أصابته نجاسة فجَفت بالشمس أو
بالهواء، وذهب أثرها تطهرُ في حق الصلاة، خلافاً للشافعي وأحمد
وزفر؛ ويؤيد ما قاله أصحابنا: ما أخرجه ابن أبي شيبة في " مُصنفه " (1)
عن أبي جعفر محمد بن عليّ قال: " زكاة الأرض يُبسها ". وأخرج (1)
عن ابن الحنفية وأبي قلابة قالا: " إذا جفت الأرض فقد زكت ". وروى
عبد الرزاق في " مصنفه ": أخبرنا معمر، عن أيوب، عن أبي قلابة
قال: " جفوف الأرض طهورها ".
128- باب: الأذى يُصيب الذيل (2)
أي: هذا باب في بيان الأذى- أي: النجاسة- يصيب الذيل؛ هذا
الباب في رواية اللؤلؤي ذكر بعد باب " البزاق " في آخر كتاب الطهارة.
367- ص- ثنا عبد الله بز مَسلمة، عن مالك، عن محمد بن عمارة
ابن عَمرو بن حَزم، عن محمد بن إبراهيم، عن أم ولد لإبراهيم بن
عبد الرحمن دن عوف، أنها سألت أم سَلمةَ زوجَ النبيِّ- عليه السلام-
فقالت: إني امرأةٌ أطيلُ ذَيلِي وامشي في المَكَان القَذر/فقالَت أُمُ سَلمةَ:
قال رسول اللهِ: " يُطَهًّرُهُ ما بَعدَه " (3) .
__________
(1) (1 / 41) باب من قال: إذا كانت جافة فهو زكاتها.
(2) غير واضح في الأصل.
(3) الترمذي: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في الوضوء من الموطأ (143) ، ابن
ماجه: كتاب الطهارة، باب: الأرض يطهر بعضها بعضاً (531) .(2/216)
ش- مالك: ابن أنس.
ومحمد بن عُمارة بن عَمرو بن حَزم: الحزمي الأنصاري المدني. روى
عن: أبي طوالة: عبد الله بن عبد الرحمن الأنصاري، وأبي بكر بن
عَمرو بن حزم، ومحمد بن إبراهيم التيمي، وزينب بنت نُبيط بن شَريط.
روى عنه: مالك بن أنس، وعبد الله بن إدريس، وحاتم بن إسماعيل،
وغيرهم. قال ابن معين: ثقة وقال أبو حاتم: هو صالح، ليس بذاك
القويّ. روى له: أبو داود، والترمذي، وابن ماجه (1) .
ومحمد بن إبراهيم: ابن الحارث التيمي المدني.
إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف القرشي الزهري المدني، أبو محمد،
أو أبو عبد الله، يقال ت إنه ولد في حياة رسول الله وشهد الدار مع عثمان
ابن عفان، ودخل [على] عمر بن الخطاب وهو صغير وسمع منه.
وسمع: عثمان، وأباه، وسَعد بن أبي وقاص، وطلحة بن عبيد الله،
وأبا بكرة، وجبير بن مطعم. وروى عن: عليّ بن أبي طالب، وعمار
ابن ياسرٍ، وعَمرو بن العاص. وسمع أمّه: أم كلثوم بنت عقبة: بن
أبي معيط- وهي [أخت] عثمان بن عفان لأمّه-. روى عنه: ابناه:
سَعدٌ وصالحٌ، وعطاء بن أبي رباح، والزهري، وغيرهم. قال أحمد
ابن عبد الله: تابعي ثقة. توفي سنة ست وسبعين وهو ابن خمس
وسبعين سنة. روى له: البخاري، ومسلم، وابن ماجه، وأبو داود (2) .
قوله: " وأمشي في المكان القذر " - بفتح القاف، وكسر الذال
المعجمة- ضد النظافة؛ يقال: شيءٌ قَذِرٌ بيِّنُ القذارة، وأصله من قذرتُ
الشيء أقذَرُه إذا كرهتَه واجتنبتَه، من باب علم يعلم؛ والاسمُ: " القَذَر "
بفتح القاف والذال.
قوله: " يُطَهِّره ما بَعده " أي: يُطهِّر المكان القذِرَ ما بَعده من المكان
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (26/5494) .
(2) المصدر السابق (2/203) .(2/217)
الطاهر؛ وليس معناه: أن الثوب إذا أصابَه نجاسة من مكان يُطهره مكان
آخر؛ فإن ذلك لا يُطهره إلا الغَسلُ، وهذا بالإجماع. وقال مالك- فيما
رُوي-: " إن الأرض يطهر بعضها بعضاً ": إنما هو أن يطأ الأرض
القذرة، ثم يطأ الأرض اليابسةَ النظيفة، فإن بعضها يُطهر بعضا. وكان
الشافعي يقول في قوله: " يطهره ما بعده ": إنما هو فيما جُرَّ على ما كان
يَابساً لا يَعلَقُ بالثوب منه شيء، فأما إذا جُرَّ على رطب فلا يُطهره إلا
الغَسلُ. وقال أحمد بن حنبل: ليس معناه: إذا أصابَه بولٌ ثم مر بعده
على الأرض أنها تطهر؛ ولكنه يمر بالمكان فيُقذِره ثم يمرّ بمكان أطيب منه
فيكون هذا بذلك؛ لا على أنه يُصِيبه منه شَيء. والحديث أخرجه
الترمذي، وابن ماجه. وقال الترمذي: وروى عبد الله بن المبارك هذا
الحديث عن مالك بن أنس، عن محمد بن عمارة، عن محمد بن
إبراهيم، عن أم ولد لهود (1) بن عبد الرحمن بن عوف، عن أم سلمة،
وهو وهم (2) ، وإنما هو عن أم ولد لإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف،
عن أم سلمة؛ وهذا الصحيح.
وقال الخطابي (3) : " في هذا الحديث مقال؛ لأن فيه: " عن أم ولد
لإبراهيم "، وهي مجهولة، لا يُعرف حالها في الثقة والعدالة ".
368- ص- ثنا عبد الله بن محمد النفيلي، وأحمد بن يونس قالا: نا
زهير، نا عبد الله بن عيسى، عن موسى بن عبد الله بن يزيد، عن امرأة من
بني عبد الأشهل قالت: قلتُ: يا رسولَ الله، إن لنا طَريقاً مُنتنَةَ (4) فكيفَ
نَفعَلُ إذا مُطِرنَا؟ قال: " أليس بعدَها طريقٌ هَي أطيبُ منها؟ " قالت: بلى،
قال: " فهذه بهذه " (5) .
__________
(1) في الأصل: " لمود " كذا.
(2) زيد في جامع الترمذي (1/268) هنا: " وليس لعبد الرحمن بن عوف ابن
يقال له هود ".
(3) معالم السنن (1 / 102) .
(4) في سنن أبي داود: " طريقاً إلى المسجد منتنة ".
(5) ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: الأرض يطهر بعضها بعضا (533) .(2/218)
ش- زهير: ابن معاوية. وعبد الله بن عيسى: ابن عبد الرحمن بن
أبي ليلى الكوفي.
وموسى بن عبد الله بن يزيد: الخطمي الأنصاري الكوفي. روى عن:
أبيه، وعبد الرحمن بن هلال. روى عنه: الأعمش، ومسعر،
وعبد الله بن الوليد، وغيرهم. قال ابن معين والدارقطني: ثقة. روى
له: أبو داود، وابن ماجه (1) .
قوله: " فهذه بهذه " معناه: يجعل الطريق الطيبة عوض الطريق المُنتنِة؛
وليس المعنى: إذا أصابها شيء من الطريق المنتنة يطهرها الطريق الطيبة؛
ولا يطهرها إلا الغسل بالإجماع- كما ذكرناه. والحديث أخرجه: ابن
ماجه، وفيه مقال؛ لأن فيه امرأة مجهولة؛ والمجهول لا تقوم به الحجة.
129- بَاب: الأذَى يُصِيبُ النَّعل
أي: هذا باب في بيان الأذى يصيب النعل/، والأذى: النجاسة.
369- ص- حدَّثنا أحمد بن حنبل: ثنا أبو المغيرة ح، وثنا العباس بن
الوليد قال: أخبرني أبي ح، ونا محمود بن خالد: نا عمر- يعني: ابن
عبد الواحد-، عن الأوزاعي- المعنى- قال: أُنبِئتُ أن سعيدَ بنَ أبي سعيد
المقبُري حدَّث عن أبيه، عن أبي هريرة، أن رسولً الله- عليه السلام- قال.
" إِذَا وَطِئَ بنعلِهِ أحدُكمُ (2) الأذَى، فإِن التُّرابَ له طًهُورٌ " (3) .
ش- أبو المغيرة: عَبد القدوس.
والعباس بن الوليد: ابن مَزيَد- بالزاي- البَيروتي العذري أبو الفضل.
سمع: أباه، ومحمد بن شعيب بن شابور، وعقبة بن علقمة البيروتي،
وأبا مسهر، وغيرهم. روى عنه: أبو زرعة الرازي، وأبو حاتم،
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (29/6275) .
(2) في سنن أبي داود: " إذا وطئ أحدكم بنعله ".
(3) تفرد به أبو داود.(2/219)
وابنه: عبد الرحمن- وقال: هو صدوق ثقة. وقال أبو حاتم:
صدوق-، وأبو داود، والنسائي، وأبو زرعة الدمشقي، ويعقوب بن
سفيان، وأبو بكر بن أبي الدنيا، وغيرهم. كان مَولده في رجب سنة
تسع وستين [ومائة] ، ومات سنة سبعين ومائتين (1) .
وأبوه: الوليد بن مَزيَد البَيروني الشامي، أبو العباس. سمع:
الأوزاعي، وعثمان بن عطاء، ويزيد بن يوسف، وغيرهم. روى عنه:
ابنه: العباس، وأبو مسهر، وهشام بن إسماعيل، وغيرهم. قال
الأوزاعي: عليكم بكتب الوليد؛ فإنها صحيحة. وقال الدارقطني: كان
من ثقات أصحاب الأوزاعي. روى له: أبو داود، والنسائي (2) .
ومحمود بن خالد: ابن أبي خالد الدمشقي.
وعُمر بن عبد الواحد: ابن قيس، أبو حفص السلمي الدمشقي.
روى عن: الأوزاعي، وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر، والنعمان بن
المنذر، ومالك بن أنس، وغيرهم. روى عنه: محمود بن خالد،
وإبراهيم بن موسى، والوليد بن عتبة، وغيرهم 0 قال أحمد بن عبد الله:
ثقة. مات سنة مائتين. روى له: أبو داود، والنسائي، وابن ماجه (3) .
قوله: " إذا وطئ بنعله أحدكم الأذى " أي: النجاسة، والنَّعلُ: الحذاءُ
- مؤنثة، وتصغيرها: نُعَيلة. وقال ابن الأثير (4) : " وهي التي تُلبسُ
في المشي، يُسمّى (5) الآن: تَاسُومة ". وبه استدل أصحابنا أن الخف
ونحوه إذا أصابته نجاسة لها جرمٌ كالروث والعذرة والدم والمني فجفت،
فدلكه بالأَرض جاز؛ خلافاً لمحمد، ويجيء حديث الخفين- أيضاً.
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (14/3144)
(2) المصدر السابق (31/6735) .
(3) المصدر السابق (21/4280) .
(4) النهاية (5/83) .
(5) في النهاية: " تسمى ".(2/220)
وكان الأوزاعي يستعمل هذا الحديث على ظاهره وقال: يُجزئه أن يمسح
القذر من نعله أو خفه بالتراب ويصلي فيه. وروى مثله عن عروة بن
الزبير. وكان النخعي يَمسح النعل والخف يكون فيه السرقين عند باب
المسجد ويصلي بالقوم. وقال أبو ثور في الخف والنعل إذا مسحهما
بالأرض حتى لا يجد له ريحاً ولا أثراَ: رجوتُ أن يُجزئه. وقال
الشافعي: لا تطهر النجاسات إلا بالماء سواء كانت في ثوب أو حذاءٍ.
وبه قال مالك وأحمد وزفر؛ والحديث حجة عليهم. قال المُنذريّ: فيه
مَجهول
قلت: قد تأيد بما رواه أبو داود- أيضاً- في الصلاة في حديث طويل
وفيه: " إذا جاء أحدكم إلى المسجد فلينظر فإن رأى في نَعليه قذراَ أو أذًى
فليمسحه وليصل فيهما ". ورواه ابن حبان في " صحيحه "، وعبد بن
حميد، وإسحاق بن راهويه، وأبو يعلى الموصلي في مسانيدهم بنحو
أبي داود- وسنتكلم فيه إن شاء الله تعالى. وبإطلاق الأحاديث أخذ
أبو يوسف حتى يطهر الخف أو النعل عنده بالمسح سواء كان النجس رطباً
أو يابساً 0 وقال أبو حنيفة: المراد بالأذى: النجاسة العَينية اليابسة؛ لأن
الرطبة تزداد بالمسح بالأرض انتشاراً وتلوثاً.
فإن قيل: الحديث مطلق فَلِمَ قيده أبو حنيفة بقوله: " النجاسة العَينيّة "
أي: التي لها جرم؟ قلت: التي لا جرم لها خرجت بالتعليل وهو
قوله: " فإن التراب طهور " أي: يُزيل نجاسته، ونحن نعلم يقيناً أن النعل
أو الخف إذا تشرّب البول أو الخمر لا يُزيله المَسحُ ولا يخرجه من أجزاء
الجلد، فكان إطلاق الحديث مصروفاً إلى الأذى الذي يقبل الإزالة
بالمسح، حتى إن البول أو الخمر لو استجسد بالرمل أو التراب فجف فإنه
يطهر- أيضاً- بالمسح؛ على ما قال شمس الأئمة، وهو الصحيح؛ فلا
فرق بين أن يكون جرم النجاسة منها أو من غيرها؛ هكذا ذكر الفقيه(2/221)
أبو جعفر، والشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل/عن أبي حنيفة،
وعن أبي يوسف مثل ذلك إلا أنه لم يشترط الجفاف.
370- ص- نا أحمد بن إبراهيم: حدَثني محمد بن كثير، عن
الأوزاعي، عن ابن عجلان، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبيه، عن
أبى هريرة، عن النبي- عليه السلام- بمعناه قال: " إذا وَطِئَ الأذَى بخُفيه
فطهُورُهَا التُّرابُ " (1) .
ش- أحمد بن إبراهيم: ابن خالد الموصلي.
ومحمد بن كثير: ابن أبي عطاء، أبو يوسف الصنعاني الثقفي
مولاهم، نزل المصيصة، سمع: معمر بن راشد، والأوزاعي، وحماد
ابن سلمة، وابن عيينة، وغيرهم. روى عنه: الحسن بن الربيع،
وشهاب بن عباد، والحسن بن الصباح، وغيرهم. وقال البخاري:
ضعّفه أحمد، وسئل عنه ابن معين فقال: كان صدوقاً في روايته، ثقة.
وقال ابن سعد: كان من أهل صنعاء، ونشأ بالشام، ونزل المَصيصة،
وكان ثقة، ويذكرون أنه اختلط في آخر عمره، ومات في آخر سنة ستة
عشر ومائتين (2) .
وابن عجلان: محمد بن عجلان.
ورواه ابن حبّان في " صحيحه لما في النوع السادس والستين من القسم
الثالث، والحاكم في " المستدرك " وقال: حديث صحيح على شرط
مُسلم ولم يُخرجاه. وقال النووي في " الخلاصة ": رواه أبو داود بإسناد
صحيح، ولا يلتفت إلى كلام ابن القطان. هذا حديث رواه أبو داود من
طريق لا نظن بها الصحة لِما سبق من الكلام.
371- ص- ثنا محمود بن خالد: ثنا محمد- يعني: ابن عائذ: نا
يحيى بن حمزة، عن الأوزاعي، عن محمد بن الوليد قال: أخبرني- أيضاً-
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (26/5570) .(2/222)
سعيد بن أبي سعيد، عن القَعقاع بن حكيم، عن عائشة، عن رسول الله
بمعناه (1) .
ش- محمود بن خالد: أبو علي السُلَمي الدمشقي.
ومحمد بن عائذ: ابن عبد الرحمن بن عبد الله، أبو أحمد، أو
أبو عبد الله الدمشقي القرشي الكاتب، صاحب كتاب " المغازي "
و" الفتوح " و " الصوائف " وغيرها. سمع: يحيى بن حمزة، والوليد بن
مسلم، وأبا مسهر، وغيرهم. روى عنه: أبو زرعة الدمشقي
والرازي (2) ، ويعقوب بن سفيان، وأبو دا [ود] ، وغيرهم. وقال
النسائي: ليس به بأس. وقال دحيم: صدوق. وقال ابن معين: ثقة.
توفي سنة أربع وثلاثين ومائتين، وولد في سنة خمسين ومائة (3) .
ويحيى بن حمزة: ابن واقد الحضرمي، أبو عبد الرحمن الدمشقي
قاضيها، من أهل بيت لهيا. سمع: محمد بن الوليد، والأوزاعي،
وزيد بن واقد، وغيرهم. روى عنه: محمد بن المبارك الصوري،
والوليد بن مسلم، ومحمد بن عائذ، وغيرهم. قال أبو حاتم: كان
صدوقاً. وقال أحمد: ليس به بأس. وقال المفضل بن غسان: كان ثقة.
توفي سنة ثلاث وثمانين ومائة. روى له الجماعة (4) .
ومحمد بن الوليد: الزبيدي الشامي الحمصي.
قوله: " بمعناه " أي: بمعنى الحديث المذكور. وقال الشيخ زكي الدين:
حديث عائشة حديث حسن؛ غير أنه لم يذكر لفظه.
قلت: رواه ابن عدي في " الكامل " (5) عن عبد الله بن زياد بن
سمعان القرشي، عن سعيد المقبري، عن القعقاع بن حكيم، عن أبيه،
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) في الأصل: " الررازي ".
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (25/3517) .
(4) المصدر السابق (31/6816) .
(5) (5/203) " ترجمة عبد الله بن زياد بن سمعان ".(2/223)
عن عائشة قالت: سألتُ النبي- عليه السلام (1) -.: الرجلُ يَطأ
بنَعليه في الأذَى، قال: " الترابُ لهما طهورٌ ". وقال الدارقطني: مدار
الحديث على ابن سَمعان: وهو ضعيف. قال ابن الجوزي: قال مالك:
هو كذاب. وقال أحمد: متروك الحديث.
قلت: ذكر صاحب " الكمال ": قال أبو زرعة: حدثني أحمد بن
صالح قال: قلت لابن وهب: ما كان مالك يقول في ابن سَمعان؟
قال: لا يقبل قول بعضهم في بَعض. وروى له الترمذي مقروناً بيونس بن
يزيد.
130- بَاب: الإِعَادَة منَ النجاسَة تكونُ فِي الثوب
أي: هذا باب في بيان إعادة الصلاة من النجاسة تكون في الثوب.
372- ص- ثنا محمد بن يحيى بن فارس قال: ثنا أبو معمر: ثنا
عبد الوارث: حدَّثتنا أمِ يونس بنت شداد قالت: حدَّثتني حماتي: أم جَحدر
العامرية قالت: إنها سألت عائشةَ عن دَم المحيضِ يُصيبُ الثوبَ، فقالت.
كنتُ مع رسول الله وعدينا شِعارُنَا، وقد ألقينَا فَوقَه كساءً، فلما أصبحَ رسولُ
اللهِ اخذَ الكساءَ فلَبسَهُ، ثِم خَرِجَ فصلَّى الغَداةَ، ثَم جَلسَ فقال رجلٌ: يا
رسولَ اللهِ، هذه لمعَةٌ من دمٍ، فقبضَ رسولُ الله/على ما يليها، فبعث بها
إِليَ مَصرورَةً في يد الغُلام فقال: " اغسلي هَذا وأجفِّيهَا، ثم أَرسِلي بها
إليَ " فدعوتُ بقَصعتَي فغسلتُها، ثم أجفَفتها، فاخَرتُهاَ إليه، فجاء رسولُ الله
بنصفِ النهارِ وهو عَليه (2) .
ش- محمد بن يحيى: ابن عبد الله بن خالد بن فارس النيسابوري
الإمام. وأبُو مَعمر: عبد الله بن عَمرو المقعد المنقري البصري.
وعبد الوارث: ابن سعيد العَنبري.
__________
(1) في الأصل: " رسول الله "، وبهامش الأصل مصححاً: " النبي عليه السلام ".
(2) تفرد به أبو داود.(2/224)
وأم يونس بنت شداد، روت عن حماتها أم جحدر. روى عنها:
عَبد الوارث بن سعيد 0 روى لها: أبو داود (1) .
وأم جحدر العامريّة روت عن: عائشة الصديقة. روت عنها:
أم يونس بنت شداد. روى لها: أبو داود (2) .
قوله: " وعلينا شعارنا " قد مرّ أن الشعار: الثوبُ الذي يلي الجسد،
والكساء: واحد الأكسية؛ وأصله: " كساوٌ "؛ لأنه من كسوتُ، إلا أن
الواو لما جاءت بعد الألف همِزت، وتكسيتُ بالكساء: لبِستُه.
قوله: " هده لمعهّ " - بضم اللام وسكون الميم- وهي بياض أو سواد أو
حُمرة تَبدو من بَين لون سواها؛ وهي في الأصل قطعة من النبت إذا
أخذت في اليُبس.
قوله: " مصرورةً " نصحب على الحال، من صررتُ الصرة شددتُها.
قوله: " وأجفيها " أمر من الإجفاف وثلاثيه جَفّ يجفّ من باب ضرب
يضرب، ويجَفّ بالفتح لغة فيه حكاهاَ أبو زيد، وردّها الكسائي.
قوله: " فأحَرتُها " أي: ردَدتُها إليه، من أحَار يُحيرُ وثلاثيه حارَ
يحورُ؛ قال الله تعالى: (إِنَهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ بَلَى) (3) أي: لا
يبعث ولا يرجع إلينا في القيامة للحساب.
قوله: " وهو عليه " جملة وقعت حالاً؛ أي: والحال أن الكساء عليه؛
وإنما ذكّر الضمير باعتبار المذكور، أو باعتبار الثوب. وفيه من الفقه
مسائلُ؛ الأولى: وجوب غسل الثوب من الدم، والثانية: اقتصار الغسل
على المَوضع المُصاب، والثالثة (4) :
__________
(1) انظر ترجمتها في: تهذيب الكمال (35/8021) .
(2) المصدر السابق (35/7956) .
(3) سورة الانشقاق: (14، 15) .
(4) بياض في الأصل قدر سطر وربع السطر.
15 * شرح سنن أبي داوود 2(2/225)
131- بَاب: البُزاق يُصِيبُ الثَّوبَ
أي: هذا باب في بيان حكم البزاق الذي يصيب الثوب.
373- ص- ثنا موسى بن إسماعيل: نا حماد، نا ثابت، عن أبي نضرة
قال: بَزقَ النبيُّ- عليه السلام- في ثوبِهِ وحَكَ بَعضَه ببعضٍ (1) .
ش- حماد: ابن سلمة، وثابت: البناني.
وأبو نضرة: هو المنذر بن مالك بن قطيعة (2) العَوفي- بفتح الواو،
وبالقاف- منسوب إلى عَوَقة؛ بطن من عبد القَيس العَبدي البَصري،
أدرك طلحة بن عبيد الله. وسمع: عبدَ الله بن عباس، وأبا هريرة،
وجابر بن عبد الله، وعبد الله بن عامر، وأبا ذر الغفاري، وأبا سعيد
الخدريّ، وسمرة بن جندب، وأنس بن مالك، وغيرهم. روى عنه:
حميد الطويل، وقتادة، وداود بن أبي هند، وعاصم الأحول،
وغيرهم. قال ابن معين، وأبو زرعة: ثقة. مات قبل الحسن بقليل.
روى له الجماعة إلا البخاريّ (3) . وهذا مُرسلٌ كما ترى.
374- ص- نا موسى: نا حماد، عن حميد، عن أنس، عن النبي
- عليه السلام- بمثله (4) .
ش- موسى: ابن إسماعيل، وحماد: ابن سلمة، وحُميد:
الطويل، وأنس: ابن مالك- رضي الله عنه.
قوله: " بمثله " أي: بمثل الحديث المذكور. وأخرجه البخاري،
والنسائي. واختلفوا في البزاق: هل هو طاهر أم لا؟ فعن سلمان: إنه
ليس بطاهر؛ قال أبو بكر بن أبي شيبة: نا ابن علية، عن هشام، عن
حماد، عن ربعي بن حراش قال: قال سلمان: " إذا حك أحدكم جلده
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) كذا، والمعروف: " قطعة ".
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (28 /6183) .
(4) البخاري: كتاب الوضوء باب: البزاق والمخاط ونحوه في الثوب (241) ،
النسائي: كتاب الطهارة، باب: البزاق يصيب الثوب (1/162) .(2/226)
فلا يمسحه (1) ببزاقه؛ فإن البزاق ليس بطاهرِ ". وأسند صاحب الإمام
عن البيهقي أنه قال: " إذا أصاب البُصاق الثوب أو الجسد فليغسل بالماء ".
ويروى مثل ذلك عن بعض العلماء؛ ذكره الطحاوي في كتاب " الاختلاف "
والأصح: ما رواه أبو داود، والبخاريّ وغيرهما: أنه طاهر. وفي
" المصنف ": حدَّثنا سَعيد بن يحيى الحميري: ثنا أبو العلاء قال: كنا عند
قتادة فتذاكروا قول إبراهيم وقول الكوفيين في البزاق يغسل قال: فحك
قتادة ساقه، ثم أخذ من ريقه شيئاً، ثم أمره عليه ليرينا أنه ليس بشيءِ.
والحميري هذا ثقة؛ أخرج له البخاري. وأبو العلاء هو: أيوب بن
مسكين القصاب؛ وثقه أحمد بن حنبل/وابن سَعد، والنسائي،
وغيرهم.
__________
(1) في الأصل: " تمسحه ".(2/227)
2- كِتابُ الصَلاَةِ
أي: هذا الباب في أحكام الصلاة بأنواعها. ولما فرغ عن الطهارة
الصغرى والكبرى بأنواعهما التي هي شرط، شرع في بيان الصلاة التي
هي مشروط، والشرط يسبق المشروط. واشتقاقها من تحريك الصَّلَوَين.
وهما: العظمان الناتئان عند العجيزة، وقيل: من الدعاء؛ فإن كانت
من الأول تكون من الأسماء المغيرة شرعا، المقررة لغةَ، وإن كانت من
الثاني تكون من الأسماء المنقولة، ويقال: أصلها في اللغة: الدعاء؛
فسمّيت ببعض أجزائها.
وقيل: أصلها في اللغة: التعظيم، وسميت العبادة المخصوصة صلاة
لما فيها من تعظيم الربّ 0 والصلاة: اسمٌ وُضع مَوضع المصدر حتى
يقال: صليت صلاةَ، ولا يقال: صليت تصليةَ- وإن كان هو القياس.
وفي الشرع: الصلاة عبارة عن الأركان المعلومة، والأفعال
المخصوصة. وسببها: الوقت، وشرائطها وأركانها مذكورة في الفقه،
وحكمها: سقوط الواجب عن الذمة في الدنيا، وحصول الثواب في
العقبى، وحكمتها: تعظيم الله، يعني: بجميع الأركان والأعضاء
ظاهرِها وباطِنها تبرئا عن عبدة الأوثان قولا وفعلا وهيئةَ.
375- ص- (1) حدثنا عبد الله بنَ مسلمة، عن مالك، عنه عمّه
أبي سهيل بن مالك، عن أبيه، أنه سمع طلحة بنَ عُبَيدِ الله يقول: جَاءَ رجل
إلى رسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أهلِ نَجد، ثَائرَ الرأسِ يُسمَعُ دويُ صوتِه، ولا يُفقَهُ ما
يَقُولُ، حتى دنى فإذا هو يَسألُ عن الإسلام؟ فقالَ رسولُ اَلله: " خمسُ
صَلَواتِ في اليوم واللَّيلةِ ". قال: هل عَلىَّ غيرُهُنَّ؟ قال: (لا، إلا أن
تَطَّوَعَ ". قالَ: وذكر له رسولُ الله صيامَ رمضانَ (2) فقال: هل عليَّ غيرُه؟
__________
(1) في سنن أبي داود قبل هذا الحديث: " باب فرض الصلاة "
(2) في سنن أبى داود: " صيام شهر رمضان ".(2/229)
قال: " لا، إلا أن تَطَّوَعَ ". قالَ: وذكر له رسولُ الله الصدقَةَ قالَ: لهل عَليَ
غيرُهَا؟ قال: " لا، إلا أن تَطَّوَّعَ ". قال: فأدبر الرَجلُ وهو يَقُولُ: والله لا
أزِيدُ على هذا ولا أنقُصُ، فقال رسولُ اللهِ: " أفلَحَ إن صَدقَ " (1) .
ش- مالك: ابن أنس بن مالك، وعمُه: أبُو لسُهَيل نافع بن مالك بن
أبي عامر الأصبحي، أَخو أنس وأُوَيس والربيع، حليف بني تميم.
سمع: أنس بن مالك، وأباه، وعمر بن عبد العزيز، والقاسم بن محمد
ابن أبي بكر، وسعيد بن المسيّب، وعلي بن الحسين. وروى عن:
عبد الله بن عُمر، وسهل بن سَعد. روى عنه: الزهري، ومالك بن
أنس، وإسماعيل ومحمد ابنا جَعفر، وعبد العزيز الدراورديّ،
وغيرهم 0 قال أحمد بن حنبل: هو من الثقات. روى له الجماعة (2) .
وأبوه (3) : مالك بن عامر، ويقال: ابن أبي عامر، وهو مالك بن
أبي حُمرة- بالحاء والراء المهملتين- أبو عطية الوداعي (4) الكوفي
الهمداني. سمع: عبد الله بن مَسعود وعائشة الصديقة. وقال ابن سَعد:
روى عن: عمر، وعثمان، وطلحة. روى عنه: خيثمة بن عبد الرحمن،
ومحمد بن سيرين، وعمارة بن عمير، والأعمش، وأبو إسحاق
السبيعي. قال ابن معين، وابن سَعد: هو ثقة، توفي في ولاية مُصعب
ابن الزبير على الكوفة. روى له الجماعة (5) .
قوله: " جاء رجل " هو ضمام (6) بن ثعلبة أخو بني سَعد بن بكر.
قوله: " من أهل نَجد " النجد: الناحية التي بين الحجاز والعراق،
ويقال: ما بَين العراق وبَين وَجرة وغمرة الطائف نجدٌ.
__________
(1) البخاري: كتاب الإيمان، باب: الزكاة من الإسلام (46) ، مسلم: كتاب
الإيمان، باب: الصلوات التي هي أحد أركان الإسلام (8/11) ، النسائي:
كتاب الصلاة، باب: كم فرضت في اليوم والليلة (1/226) ، وكتاب الصوم
(4/120) ، وكتاب الإيمان (8/118) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (29/6368) .
(3) كذا ترجم المصنف لراو آخر، وأما صاحبنا وهو أبو مالك فهو مترجم في
تهذيب الكمال (27/5745) .
(4) كذا، وفي تهذيب الكمال " الوادعي ".
(5) المصدر السابق (34/7516) .
(6) بهامش الأصل كلمة غير مقروءة.(2/230)
قوله: " ثائرَ الرأس " أي: قائم شعره، مُنتفِشُه. وقال ابن الأثير (1) :
" منتشر شعر الرأس قائمه، فحذف المضاف ".
قلت: مادته واويّة من ثار الغبارُ يثورُ ثورا، والثائر سَاعة ما يخرج من
التراب، ويجوز فيه الرفع على أنه صفة لرجل، ويجوز نَصبه على
الحال.
فإن قلت: إذا وقع الحال عن النكرة وجب تقديم الحال على ذي الحال
فكيف يكون هذا حالا؟ قلت: يجوز وقوع صاحبها نكرة من غير تأخيره
إذا اتصف بشيء كما في المبتدإ، نحو قوله تعالى: (يُفرَقُ كُلُّ أمرٍ
حَكِيمٍ * أمراً مَن عندنَا) (2) أو أضيف نحو: جاء غلام رجل قائما، أو
وقع بعد نفي كقولهَ تعَالى: (مَا أهلكنا مِن قَريَة إلا وَلَهَا كِتَابٌ معلُوم) (3)
وهنا- أيضاً- اتصف النكرة بقوله: " من أهلً نجد " فافهم.
قوله: " يُسمعُ دَوي/صوته ولا يُفقه ما يقولُ ". روي: " نسمع "
و" نفقه ". بالنون المفتوحة فيهما 0. وروي بالياء آخر الحروف المضمومة
فيهما على بناء المجهول؛ والأول أشهر وأكثر. و " دَوي " - بفتح الدال
وكسر الواو وتشديد الياء- بُعده في الهواء، وحكى صاحب " المطالع "
فيه ضم الدال- أيضَا-؛ والأول أشهر، ويشتق منه الفعل يقال: دَوّى
النحل تَدوِيةً إذا سمعت لهديره دويا، والمُدَوي: السحابُ ذو الرَّعد
المرتجس، والفقه: الفهمُ؛ قال تعالى: (يَفقَهُوا قَولِي) (4) أي:
حتى يفهموا.
فوله: " فإذا هو يسأل عن الإسلام " أي: عن أركان الإسلام؛ ولو كان
السؤال عن نفس الإسلام كان الجواب غير هذا؛ لأن الجَواب ينبغي أن
[يكون] مطابقا للسؤال، فلما أجاب النبي- عليه السلام- بقوله:
" خمس صلوات " عرف أن سؤاله عن أركان الإسلام وشرائعه، فأجاب
__________
(1) النهاية (1/229) .
(2) سورة الدخان: (4، 5) .
(3) سورة الحجر: (4) .
(4) سورة طه: (28) ، وذكرت في الأصل " حتى يفقهوا قولي " 0(2/231)
مطابقا لسؤاله؛ لأن الصلوات الخمس وصيام رمضان وإيتاء الصدقة
المذكورة هاهنا ليست عَين الإسلام؛ وإنما هي أركان الإسلام وشرائعُه كما
ورد في حديث آخر: " بني الإسلام على خمس " الحديث؛ والمبنيّ غير
البني عليه. وقد تكلمت الناس في حقيقة الإسلام والإيمان؛ فقال
الزهري: الإسلام: الكلمة، والإيمان: العمل، واحتج بقوله تعالى:
(قَالَت الأعرَابُ آمنا قُل لَّم تُؤمنُوا وَلَكِن قُولُوا (1) أسلَمنَا) (2) . وقال
البغويَ: الإسلام: اسم لما ظَهر من الأعمال، والإيمان: اسم لما بطن
من الاعتقاد؛ لجوابه- عليه السلام- في سؤال جبريل عن الإيمان
والإسلام هكذا. وقال أصحابنا: الإيمان هو التصديق بوجود الله تعالى
وكمالاته وبملائكته وكتبه ورُسُله واليوم الآخر؛ قال الله تعالى: (اَمَنَ
الرَسُولُ بمَا أُنزِلَ إِلَيه مَن ربه) الآية (3) ، وقال النبي- عليه السلام-
حين سُئلَ عن الإيمانَ: " أنَ تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، واليوم
الآخر، والقدر خيره وشره من الله تعالى " والأعمال غير داخلة في ماهية
الإيمان؛ خلافا للأشعرية والمعتزلة والخوارج، والإيمان والإسلام
متلازمان، لا عبرة للتصديق بدون الانقياد للأوامر والنواهي، وكذا على
العكس. وأما قول النبي- عليه السلام-: " أن تشهد بأن لا إله إلا الله
وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة " الحديث، فالمراد به: شرائع الإسلام؛ لا
نفس ماهية الإسلام- كما ذكرنا-؛ لأن الفاسق مسلم عند أهل السنة.
وقال الشافعي: الإيمان: التصديق بالجنان، والإقرار باللسان، والعمل
بالأركان. ونقل ذلك عن عليّ- رضى الله عنه- (4) . وأما الإسلام:
فهو بمعنى الاستسلام- أي: الانقياد- لغة، وفي الشرع: الخضوع،
__________
(1) في الأصل: " قوالوا ".
(2) سورة الحجرات: (14) .
(3) سورة البقرة: (285) .
(4) ولا شك أن تعريف الإمام الشافعي للإيمان هو التعريف الذي يرتضيه أهل
العلم، ويعتقده أهل السنة والجماعة قاطبة، وانظر: العقيدة الطحاوية
(ص/332: 357) .(2/232)
وقبول قول الرسول؛ فإن وجد معه اعتقاد وتصديق بالقلب فهو الإيمان،
وإلا فلا؛ فالإيمان أخصّ من الإسلام، وإطلاق أحدهما على الآخر جائز
بطريق التجوز.
قلنا: الإيمان هو التصديق بالله، والإسلام: إما أن يكون مأخوذا من
التسليم؛ وهو تسليم العبد نفسه لله، أو يكون مأخوذا من الاستسلام وهو
الانقياد. وكيف ما كان فهو راجع إلى ما ذكرنا من تصديقه بالقلب
واعتقاده أنه تعالى حالته لا شريك له.
وجواب آخر: قوله تعالى: (وَمَن يَبتَغ غَيرَ الإسلاَم دينا فَلَن يُقبَلَ
منهُ) (1) وقوله تعالى: (إِنَّ الدِّين عندَ الله الإِسلاَمُ) (2) بينَ أن دين الله
هَو الإسلام، وأن كل دين غير الإسَلامَ غير مقبول؛ والإيمان دين لا
محالة، فلو كان غير الإسلام لما كان مقبولاً؛ وليس كذلك.
وجواب آخر: لو كانا متغايرين لَتُصور أحدهما بدون الأخر، ولتُصور
مسلم ليس بمؤمن. والجواب عن الآية- أعني: قوله تعالى: (قَالَت
الأعرَابُ آمَنَّا) - أن المراد بـ " أسلمنا ": استَسلمنا أي: انقدنا، وسؤالَ
جبريل- عليه السلام- ما كان عن الإسلام؛ بل عن شرائع الإسلام.
قوله: " خمسُ صلوات " مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي: هو
خمس صلوات، ويجوز الجرّ؛ على أن يكون بدلا من الإسلام،
والنصب- أيضاً- على تقدير: خُذ أو هاك أو نحو ذلك. ثم هاهنا
محذوف تقديره: إقامة خمس صلوات؛ لأن غير الصلوات الخمس ليست
عَين الإسلام؛ بل إقامتها هي من شرائع الإسلام.
/قوله: " إلا أن تطوع " بتشديد الطاء؛ أصله: تتطوع، فأدغمت
إحدى التاءين في الطاء، وهذه قاعدةٌ: أن التاءين إذا اجتمعتا في باب
التفعل تدغم إحداهما في الأخرى طلبا للتخفيف. وقال ابن الصلاح:
محتمل للتشديد والتخفيف على الحذف، ثم الاستثناء فيه يجوز أن يكون
منقطعا بمعنى " لكن "؛ والأصح أن يكون مُتصلا، ويستدل به على أن من
__________
(1) سورة اَل عمران: (85) .
(2) سورة آل عمران: (19) .(2/233)
شرع في صلاة نفل أو صوم نفل وجب عليه إتمامُه، واستدلت الشافعية
بهذا أن الوتر غير واجب. والجواب عن هذا: أنه كان قبل وجوب الوتر
يدل أنه لم يذكر فيه الحًج، وسنتكلم على وجوبيّة الوتر في موضعه إن
شاء الله تعالى.
قوله: " وذكر له رسول الله الصدقة " المراد منها: الزكاة؛ كما في قوله
تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلفُقَرَاءِ) الآية (1) .
قوله: " فأدبر الر جل " أي: وَلَى.
قوله: " وهو يقول " جملة وقعت حالا عن الضمير الذي في " أدبر ".
قوله: " لا أزيد ولا أنقص " أي: لا أزيد على ما ذكرت ولا أنقص منه
شيئاً.
فإن قيل: كيف قال: " لا أزيد على هذا " وليس في هذا الحديث
جميع الواجبات، ولا المنهيات الشرعية، ولا السنن المندوبة؟ قلنا: قد
جاء في رواية البخاري في آخر هذا الحديث: قال: " فأخبره رسول الله
بشرائع الإسلام، فأدبر الرجل وهو يقولُ: لا أزيد ولا أنقص مما فرض
الله علي شيئاً " فعلى عموم قوله: " بشرائع الإسلام " وقوله: " مما
فرض الله " يزول الإشكال في الفرائض. وأما النوافل: فقيل: يحتمل
أن هذا كان قبل شرعها، وقيل: يحتمل أنه أراد أن لا أزيد في الفرض
بتغيير صفته؛ كأنه يقول: لا أصلي الظهر خمسَا، ويحتمل أنه أراد أنه لا
يصلي النافلة مع أنه لا يُخلُّ بشيء من الفرائض.
قوله: " أفلح إن صدق " أي: فاز وظفر بالنجاة إن صدق في قوله.
قيل: هذا الفلاح راجع إلى قوله: (ألا أنقص " خاصةَ.
قلت: الأظهر أنه عائد إلى المجموع، بمعنى أنه إذا لم يَزد ولم ينقص
كان مفلحا؛ لأنه أتى بما عليه، ومَن أتى بما عليه فهو مفلح، ينتج أن
هذا مفلح، وليس فيه أنه إذا أتى بزائد لا يكونُ مفلحا؛ لأنه يعرف
بالضرورة أن الذي يفلح بالواجب فبالندب أولى وأجدر.
__________
(1) سورة التوبة: (60) .(2/234)
فإن قيل: لم يأت فيه ذكَر الحج، قلت: كان هذا قبل فرضية الحج؛
كما لم يذكر في بعض الأحاديث الصوم، ولم يذكر في بعضها الزكاة.
ويستفاد من هذا الحديث فوائد؛ الأولى: أن الصلاة ركن أركان
الإسلام.
الثانية: أنها خمس مرات في اليوم والليلة.
الثالثة: أن الصوم- أيضاً- ركن من أركان الإسلام؛ وهو في كل سنة
شهر واحد.
والرابعة: أن إيتاء الزكاة- أيضا- ركن من أركان الإسلام.
والخامسة: أن وجوب صلاة الليل منسوخ في حق الأمّة بالإجماع،
واختلف في حقه- عليه السلام-؛ والأصح نسخه.
والسادسة: أن صلاة العيد ليست بفريضة؛ خلافا لأبي سعيد
الإصطخري؛ فإنها فرض كفاية عنده.
والسابعة: أن صوم عاشوراء- ولا صومَ غيرِه- ليس بواجب،
واختلفوا أن صوم عاشوراء كان واجبا قبل رمضان أم لا؟ فعند الشافعي
في الأظهر: ما كان واجبا، وعند أبي حنيفة: كان واجبَا؛ وهو وجه
للشافعي.
والثامنة: أنه ليس في المال حق سوى الزكاة على من ملك نصابَا، وتم
عليه الحول.
التاسعة: أن من يأتي بهذه الخصال ويُواظِب عليها صار مفلحا بلا شك.
والعاشرة: أن السفر والارتحال من بلد إلى بلد لأجل تعلم علم الدين،
والسؤال عن الأكابر أمر مندوب محبوب.
376- ص- نا سليمان بن داود: نا إسماعيل بن جَعفر المَديني، عن
أبي سُهيل نافع بن مالك بن أبي عامر بإسناده بهذا الحديث قال: " أفلَحَ
وأبِيهِ إن صَدَقَ، دَخَلَ الجَنةَ وأبِيه إن صَدَقَ " (1) .
__________
(1) انظر الحديث السابق.(2/235)
ش- سُليمان بن داود: أبو الرَّبيع الزهراني، وإسماعيل بن جَعفر:
ابن أبي كثير المدني الزرقي مولاهم.
قوله: " أفلح وَأبيه " الواو في " وأبيه " للقسم.
فإن قلت: قد نهى رسول الله- عليه السلام- أن يحلف الرجل بأبيه،
فكيف هذا؟ قلت (1) :/ليس هذا حَلفَا؛ إنما هو كلمة جرت عادة
العرب أن تُدخلها في كلامها غير قاصدة بَها حقيقة الحلِف؛ والنهي إنما
ورد فيمن قصد حقيقة الحلف لما فيه من إعظام المحلوف به، ومُضَاهاته
بالله سبحانه وتعالى، وقد يقال: يحتمل أن يكون هذا قبل النهي عن
الحلف بغير الله تعالى، وقد يحتمل أن يكون- عليه السلام- أضمر فيه
اسم الله كاًن قال: " رب أبيه "، وإنما نهاهم لأنهم لم يكونوا يضمرون
ذلك؛ وإنما مذهبهم التعظيم لآبائهم.
فإن قيل: لم قال: " إن صدق " ولم يقل: إذا صدق؟ قلت: لأن
صدقه أمر غير مجزوم، وأصل " إن " عدم جزم القائل بوقوع شرطها
ولا (1) وقوعه؛ بل تجويز كل منهما لكونه غير محقق الوقوع كما في
نحو: " إن تكرمني أكرمك " إذ لم يعلم القائل أيكرمه أم لا؟ وأصل " إذا "
الجزم بوقوع الشرط إما تحقيقا كما في: إذا طلعت الشمس، أو خطابيا
كقولك: إذا جاء مُحبّي، فإن مجيئه ليس قطعيّا تحقيقا كطلوع الشمس؛
بل تقديرا باعتبار خطابي- أي: ظني- وهو أنّ المُحبّ يَزورُ المُحِبّ.
والحديث أخرجه البخاري، ومسلم، والنسائي.
1- بَابُ: المَواقيت
أي: هذا باب في بيان مواقيت الصلاةَ؛ والمواقيت جمع وقت على
غير القياس، وفي الأصل جمع ميقات. وفي بعض النسخ: " باب ما
جاء في المواقيت " (2) ، وفي بعضها: " باب في المواقيت ". ولما كان
الوقت سببَا للصلاة قَدّمه عليها لتوقف صحتها على معرفة الوقت.
__________
(1) مكررة في الأصل.
(2) كما في سنن أبي داود.(2/236)
377- ص- نا مسدد: نا يحيى، عن سفيان قال: حدثني عبد الرحمن
ابن فلان بن أبي ربيعة (1) ، عن حكيم بن حكيم، عن نافع بن جبير بن
مطعم، عن ابن عباس قال: قال رسولُ اللهِ: " أمَّنِي جبريلُ عندَ البيت مَرتينِ،
فصلَّى بِي الظُهرَ حينَ زالتِ الشمسُ، وكانت قَدرًا لشّرَاك، وصَلَى بي
العَصرَ حينَ كان ظلُّهُ مثلَه، وصلى بيَ المغربَ حين أفطرَ الصَائمُ، وصلًّى
بيَ العشَاءَ حين غَابً الَشَّفَقُ، وصَلَّى بي الفجرَ حين حَرُمَ الطعامُ والشرابُ
على الَصائِم، فلما كان الغَدُ صَلَى بيَ الظهرَ حين كان ظلُّهُ مثلَه، وصلَّى بي
العَصرَ حين كان ظلُّهُ مثلَيه، وصلَّى بيَ المغربَ حين أفطًرَ الصائمُ، وصفَى
بيَ العشاءَ إلى ثُلُثَ الليلِ، وصلَّى بيَ الفجرَ فأسفَر، ثم التفتَ إِليَّ فقال: يا
محمدُ! هذا وقتُ الأنبياءِ من قبلِكَ، والوقتُ ما بَين هذينِ الوَقتينِ " (2) .
ش- يحيى: القطان، وسفيان: الثوري.
وعبد الرحمن بن الحارث بن عياش (3) بن أبي ربيعة؛ واسم أبي ربيعة:
عمرو بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشي المخزومي المدني أبو الحارث.
روى عن: حكيم بن حكيم، وعَمرو بن شعيب، وزيد بن علي بن
الحسين. روى عنه: الثوري، وسليمان بن بلال، وعبد العزيز بن
محمد، وغيرهم. قال ابن معين، وأبو حاتم: هو صالح. وقال ابن
سَعد: كان ثقةَ. ولد سنة ثمانين عام الجحاف (4) ، ومات سنة: ثلاث
وأربعين ومائة. روى له: الترمذي، وأبو داود، وابن ماجه () .
وحكيم بن حكيم: ابن عباد بن حنيف بن واهب بن العكيم الأنصاري
الأوسي المديني. سمع: أبا أمامة بن سهل، ونافع بن جبير بن مطعم.
روى عنه: عبد الرحمن بن الحارث بن عياش بن أبي ربيعة، وسهيل بن
__________
(1) في سنن أبي داود بعد كلمة " ربيعة ": قال أبو داود: هو عبد الرحمن بن
الحارث بن عياش بن أبي ربيعة ".
(2) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في مواقيت الصلاة (149) .
(3) مكررة في الأصل.
(4) هو الطاعون الجارف الذي كان في تلك السنة، وهو سنة ثمانين.
(5) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (1/37877) .(2/237)
أبي صالح. قال ابن سعد: كان قليل الحديث ولا يحتجون بحديثه. وقد
روى عنه الكوفيون. روى له: أبو داود، والترمذي، وابن ماجه (1) .
ونافع بن جُبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف أبو. محمد، أو
أبو عبد الله القرشي النوفلي، كان ينزل دار أبيه بالمدينة، وبها مات سنة
تسع وتسعين. سمع: العباس بن عبد المطلب، وابنه: عبد الله،
وعليا، والزبير بن العوام، وأبا هريرة، وغيرهم. روى عنه: عروة بن
الزبير، وعمرو بن دينار، والزهري، وحكيم بن حكيم، وغيرهم.
قال أبو زرعة وأحمد بن عبد الله: ثقة. روى له الجماعة (2) .
قوله: " أمني جبريل " جبريل ملك ينزل بالوحي على الأنبياء، وأكثر
نزوله كان علَى نبتنا محمد- عليه السلام-، ومعنى " جبر ": عَبد،
و" إيل ": الله، ومعناه: عبد الله؛ وفيه تسع لغات حكاهن ابن
الأنباري: جبريل بفتح الجيم وكسرها- وجَبرئِل- بفتح الجيم وهمزة
مكسورة وتشديد اللام- وجبرائيل- بألفٍ وهمزة بعدها ياء- وجبراييل
- بيائين بعد الألف- وجبرئيل- بهمزة بعد الراء وياء بعد الهمزة
- وجبرئل- بكسر الهمزة وتخفيف اللام، وفتح الجيم والراء، وجبرين
بفتح الجيم وكسرها، وبدل اللام نون.
/قوله: " عند البيت " أي: بحضرة الكعبة، وأطلق البيت على الكعبة
بغلبة الاستعمال، كما أطلق النجم على الثريا، والصعِق على خويلد بن
نُفِيل بن عمرو بن كلاب.
قوله: " حين زالت الشمس " وزوالها: انحطاطها عن كبد السماء يسيرًا.
قوله: " وكانت قدر الشراك " الشراك: أحد سيور النعل التي تكون
على وجوهها؛ " (3) وقدره هاهنا ليس على معنى التحديد؛ ولكن زوال
الشمس لا يبينُ إلا بأقل ما يُرى من الظل وكان ح (4) بمكة هذا القدرُ،
__________
(1) المصدر السابق (7/1455)
(2) المصدر السابق (29/6359) .
(3) انظر: النهاية لابن الأثير (2/467- 468) .
(4) كذا، وهي بمعنى " حينئذ ".(2/238)
والظل يَختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة؛ وإنما يتبين ذلك في مثل مكة من
البلاد التي يقِل فيها الظل، فإذا كان أطول النهار، واستوت الشمس فوق
الكعبة لم يُر لشيء من جوانبها ظل، فكل بلد يكون أقربَ إلى خط
الاستواء، ومعدّل النهار يكون الظل فيه أقصر، وكلما بَعد عنهما إلى
جهة الشمال يكون الظل فيه أطول ".
قوله: " حين كان ظله مثله " وفي بعض الرواية: " حين صار كل ظل
مثله ".
قوله: " حين غاب الشفق " وهو البياض المعترض في الأفق عند
أبي حنيفة، لأنه من أثر النهار. وبه قال زفر، وداود، والمزني،
واختاره المبرد والفراء، وهو قول أبي بكر الصديق، وعائشة،
وأبي هريرة، ومعاذ، وأبيٍّ، وابن زبير، وعمر بن عبد العزيز،
والأوزاعي. وقال أبو يوسف، ومحمد: هو الحمرة. وهو قول مالك،
والشافعي، وأحمد، والثوري، وابن أبي ليلى، وإسحاق بن راهويه.
وروي ذلك عن ابن عمر، وابن عباس، وشداد بن أوس، وعبادة بن
الصامت، وحكِي عن مكحول وطاوس، وحكي عن أحمد: إنه البياض
في البنيان، والحمرة في الصحارَى. وقال بعضهم: الشفق: اسم
للحمرة والبياض معا؛ إلا أنه إنما يطلق في أحمر ليس بقانٍ، وأبيض ليس
بناصع.
قوله: " حين حرم الطعام والشراب على الصائم " وهو أول طلوع الفجر
الثاني الصادق.
قوله: " حين كان ظله مثلَيه " وهذا آخر وقت الظهر عند أبي حنيفة؛
لأنه عنده إذا صار ظل كل شيء مثليه سوى في الزوال يخرج وقت الظهر،
ويدخل وقت العصر. وقال أبو يوسف، ومحمد: إذا صار ظل كل
شيء مثله يخرج وقت الظهر، ويدخل وقت العصر؛ وهو رواية الحسن
ابن زياد عنه. وبه قال الشافعي، ومالك، وأحمد، والثوري،
وإسحاق؛ ولكن قال الشافعي: آخر وقت العصر إذا صار ظل كل شيء
مثليه لمن ليس له عذر، وأما أصحاب العذر والضرورات فآخر وقتها لهم:
غروب الشمس، قبل أن يصلي منها ركعة.(2/239)
ثم اعلم أن طريق معرفة الزوال أن يُنصب عود مُستو في أرض مُستوية،
فما دام ظل العُود في النقصان علم أن الشمس في الارتفاع لم نزل بعد،
وإن استوى الظلّ عُلم أنها حالة الزوال، فإذا أخذ الظل في الزيادة علم
أنها زالت، فيخط على رأس الزيادة، فيكون رأس الخط إلى العود في
الزوال، فإذا صار العُود مثليه من رأس الخط، لا من العُود خرج وقت
الطهر عند أبي حنيفة، وعندهما: إذا صار مثله من ذلك الخطِّ.
قوله: " وصلى بي المغربَ حين أفطر الصائم " يعني: حين غابت
الشمس، والإجماع على أن أول وقت المغرب: غروب الشمس.
واختلفوا في آخر وقتها؛ فقال مالك، والأوزاعي، والشافعي: لا وقت
للمغرب إلا وقت واحد. وفي كتب الشافعية: قال الشافعي: وقت
المغرب مقدر بمقدار وقوع فعلها فيه مع شروطها، حتى لو مضى ما يسع
فيه ذلك فقد انقضى الوقت. وقال أبو حنيفة وأصحابه: وقت المغرب:
من غروب الشمس إلى غروب الشفق. وبه قال أحمد، والثوري،
وإسحاق بن راهويه، والشافعي في " القديم " قال الثوري: هو
الصحيح، واختاره البغوي، والخطابيّ، والبيهقي، والغزالي. وعن
مالك ثلاث روايات؛ إحداها: كقولنا، والثانية: كقول الشافعي في
" الجديد "، والثالثة: يبقى إلى طلوع الفجر؛ وهو قول عطاء، وطاوس.
قوله: " وصلى بي العشاء إلى ثلث الليل " يجوز أن يكون " إلى " هاهنا
بمعنى " في " أي: صلى في ثلث الليل؛ ومنه قوله تعالى: (لَيَجمَعَنَّكُم
إِلَى يَوم القيَامَة) (1) أي: في يوم القيامة؛ وهذا وقت استحباب؛ أما
وقت الجوازَ: َ ما لم يطلع الفجر. وقال الشافعي/، ومالك، وأحمد:
هو وقت الضرورة، والوقت المختار إلى ثلث الليل. وقولنا مروي عن
ابن عباس، وإليه ذهب عطاء، وطاوس، وعكرمة.
قوله: " وصلى بي الفجر فأسفر " أي: نَوّرَ. ولا خلاف في أول وقت
الفجر، وأما آخره: فعند أبي حنيفة وأصحابه: ما لم تطلع الشمس.
__________
(1) سورة النساء: (87) .(2/240)
وقال الشافعي: إلى الإسفار لأصحاب الرفاهية ولمن لا عذر له. وقال:
من صلى ركعةَ من الصبح قبل طلوع الشمس لم يفته الصبح، وهذا في
أصحاب العُذر والضرورات. وقال مالك، وأحمد، وإسحاق بن
راهويه: من صلى ركعة من الصبح وطلعت الشمس أضاف إليها أخرى
وقد أدرك الصبح.
قوله: " هذا وقت الأنبياء من قبلك " هذا يدل على أن الأنبياء عليهم
السلام كانوا يصلون في هذه الأوقات؛ ولكن لا يلزم أن يكون قد صلى
كل منهم في جميع هذه الأوقات، والمعنى: إن صلاتهم كانت في هذه
الأوقات.
قوله: " والوقت ": مبتدأ، وخبره: قوله: " ما بَين هذين الوقتين "،
والإشارة إلى وقتي اليوم الأول واليوم الثاني الذي أم فيهما جبريلُ النبيَّ
- عليه السلام-.
فإن قيل: هذا يقتضي أن لا يكون الأول والآخر وقتا لها. قلت: لما
صلى في أول الوقت وآخره وجد البيان منه فعلا، وبقي الاحتياج إلى بيان
ما بين الأول والآخر فبين بالقول.
وجواب آخرُ: أن هذا بيان للوقت المستحبّ؛ إذ الأداء في أول الوقت
ممّا يتعسر على الناس، ويؤدي- أيضاً- إلى تقليل الجماعة، وفي التأخير
إلى آخر الوقت حسن الفوات، فكان المستحب ما بينهما مع قوله- عليه
السلام-: " خير الأمور أوساطها " (1) .
وهذا الحديث هو العمدة في هذا الباب؛ " (2) رواه جماعة من
الصحابة، منهم: ابن عباس، وجابر بن عبد الله، وأبو مسعود، وأبو هريرة،
وعمرو بن حزم، وأبو سعيد الخدري، وأنس بن مالك، وابن عمر.
أما حديث ابن عباس: فهذا الذي أخرجه أبو داود، وأخرجه- أيضاً-
__________
(1) أخرجه البيهقي في سننه الكبرى (3/273) من حديث كنانة بن نعيم، وقال:
هذا منقطع.
(2) انظر: نصب الراية (1/221: 226) .
16* شرح سنن أبى داوود 2(2/241)
الترمذي. وقال: حديث حسن. ورواه ابن حبان في " صحيحه "
والحاكم في " المستدرك " (1) . وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه،
وعبد الرحمن بن الحارث تكلم فيه أحمد وقال: متروك الحديث، ولينه
النسائي، وابن معين، وأبو حاتم الرازي، ووثقه ابن سَعد، وابن
حبان. قال في " الإمام ": ورواه أبو بكر بن خزيمة (2) في
" صحيح " (3) . وقال ابن عبد البر في " التمهيد ": وقد تكلم بعض الناس
في حديث ابن عباس هذا بكلام لا وجه له ورواته كلهم مشهورون بالعلم.
وقد أخرجه عبد الرزاق عن الثوري، وابن أبي سَبرة، عن عبد الرحمن
ابن الحارث بإسناده. وأخرجه- أيضاً- عن العمري، عن عمر بن نافع
ابن جبير بن مطعم، عن أبيه، عن ابن عباس نحوه.
وأما حديث جابِر: فرواه الترمذي، والنسائي. وقال البخاري:
حديث جابر أصح شيء في المواقيت. ورواه ابن حبان في " صحيحه "
والحاكم في " مُستدركه " (4) .
وأما حديث أبي مسعود: فرواه إسحاق بن راهويه في " مسنده ".
وأما حديث أبي هريرة: فرواه البزار في " مصُنفه ". ورواه الحاكم في
" المستدرك " (5) . وقال: صحيح على شرط مسلم.
وأما حديث عمرو بن حزم: فرواه عبد الرزاق في " مُصنفه " وإسحاق
ابن راهويه في " مسنده ".
__________
(1) (1/193) . وأخرجه كذلك أحمد (1/333) ، والدارقطني (1/258) ،
والبيهقي (1/364) .
(2) في الأصل: " أبو بكر بن أبي خزيمة " خطأ.
(3) (1/168) كتاب الصلاة، باب: ذكر مواقيت الصلاة.
(4) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في المواقيت (150) ، النسائي:
كتاب المواقيت، باب: أول وقت العشاء (1/263) ، الحاكم (1/196) ،
والبيهقي (1/368) .
(5) (1/194) ، ورواه النسائي (1/249) ، والدارقطني (1/261) ، والبيهقي
(1/369) .(2/242)
وأما حديث الخدري: فرواه أحمد في " مسنده " (1) . ورواه الطحاوي
في " شرح الآثار " (2) .
وأما حديث أنس: فرواه الدارقطني في " سننه " (3) .
وأما حديث ابن عُمر: فرواه الدارقطني (4) - أيضا- وسنذكر بَعضها
عن قريب إن شاء الله تعالى، وفي هذا القدر كفايةٌ لمن له إلمامٌ بالحديث،
ومَن لم يَعتن به لم يُفِده ولو رويتُ المسَانيدَ والسَنن كلها.
378- ص- نا محمد بن سَلمة المُراديُ: نا ابن وهب، عن أسامة بن
زيد الليثي أن ابن شهاب أخبره، أن عمر بن عبد العزيز كان قاعدا على
المنبر فأخر العصر شيئاً فقال له عروة بن الزبير: أما إن جبريل- عليه
السلام- قد أخبر محمدا- عليه السلامِ- بوقت الصلاة، فقال له عُمر:
اعلم ما تقول، فقال له عروةُ: سمِعتُ بشيرَ بن أبي مَسعود يقولُ: سمعتُ
أبا مسعود الأنصاريَّ يقولُ: سمعتُ رسولَ الله يقولُ: " نزلَ جبريلُ- عليه
السلام- فا " خبرَني بوقت/الصلاة، فصليت معه، ثم صليتُ معه، ثمِ
صليتُ معه، ثم صَليتَُ معه، ثم صَليتُ معه " يَحسُبُ بأصابعه خمس
صَلَوات، فرأيتُ رسولَ الله صَلى الظهرَ حين تزولُ الشمسُ، ورَبَّما أخّرَهَا
حين يَشًتدَ الحرُ، ورأيتُه يصلِّي العَصرَ والشمسُ مُرتفعةٌ بيضاءُ قبل أن
تدخلها الصَفراءُ، فيَنصَرِفُ الرجلُ من الصلاة، فيأتيَ ذا الحُلَيفَة قبل غرِوب
الشمسِ، ويُصلِّي المغربَ حين تَسقطُ الشمس، ويُصلِّي العِشَاء حين يسوَدُ
الأفُقُ، وربما أخّرَهَا حتى يَجتمعَ الناسُ، وصلَى الصبحَ مرةً بِغَلَس، ثم
صَلَّى مرةً أخرى فأسفر بها، ثم كانت صلاتُهُ بعدَ ذلكَ التَغلِيسَ حتى مًاتَ،
لم يَعُد إلى أن يُسفِرَ (5) .
__________
(1) (3/30) .
(2) (1/88) .
(3) (1/260) .
(4) (1/259) ، وإلى هنا انتهى النقل من نصب الراية.
(5) البخاري: كتاب مواقيت الصلاة، باب: مواقيت الصلاة وفضلها (521) ،
مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: أوقات الصلاة الخمس 166
(608) ، النسائي: كتاب المواقيت، باب: أخبرنا قتيبة (1/245) ، ابن
ماجه: كتاب الصلاة، باب: مواقيت الصلاة (688) .(2/243)
ش- ابن وهب: عبد الله، وابن شهاب: الزهري.
وعمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أميّة بن
عبد شمس القرشي الأموي، أبو حفص، الإمام العادل، والخليفة
الراشد، أمه: أم عاصم حفصة بنت عاصم بن عمر بن الخطاب، ولي
الخلافة بعد ابن عمه: سليمان بن عبد الملك، وكان من أئمة العدل،
وأهل الدين والفضل، وكانت ولايته مثل ولاية أبي بكر الصديق: تسعة
وعشرين شهراً. سمع أنس بن مالك، وصلى أنس خلفه. وقال: ما
رأيت أحداٌ أشبه صلاة برسول الله من هذا الفتى. وسمع السائب بن
يزيد. وروى عن: خولة بنت حكيم. وسمع من: عروة بن الزبير،
وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، والربيع بن سبرة،
والزهري، وابن المسيب، وغيرهم. روى عنه: أبو سلمة، والزهري،
وحُميد الطويل، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وجماعة آخرون. قال
الثوري: الخلفاء خمسة: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعمر
ابن عبد العزيز. توفي سنة إحدى ومائة، وهو ابن تسع وثلاثين سنةَ
وستة أشهر، وكانت وفاته بدير سمعان، وقبره هناك. روى له
الجماعة (1)
وعروة: ابن الزبير بن العوام.
وبَشير بن أبي مَسعود- عقبة- بن عمرو البَدري الأنصاري، قيل: إنه
صحب النبي- عليه السلام- ولا يَثبُت سماعُه منه 0 روى عن: أبيه.
روى عنه: عروة بن الزبير، ويونس بن مَيسرة، وهلال بن جبر. روى
له البخاري، ومسلم، وابن ماجه (2) .
وأبو مَسعود: عقبة بن عَمرو بن ثعلبة البَدري، وقد ذكرناه.
قوله: " اعلم ما تقول " بجزم الميم على الأمر؛ وإنما أنكر عروةُ على
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (21/4277) .
(2) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (1/153) ، أسد الغابة
(1/233) ، الإصابة (1/168) .(2/244)
عمر بن عبد العزيز محتجا بحديث أبي مسعود الأنصاري، وأما تأخيره
هو فلكونه لم يبلغه الحديث، أو كان يرى بجواز التأخير ما لم يخرج
الوقت كما هو مذهب الجمهور.
قوله: " يَحسُبُ بأصابعه " جملة وقعت حالا من الضمير الذي في
" يقول، وقد مر غير مرة أن الجملة الفعلية الضارعة المثبتة إذا وقعت حالا لا
تحتاج إلى الواو.
قوله: " قبل أن تدخلها الصَّفراءُ " أي: قبل أن تصفرَّ وتتضيف
للغروب. ومن هذا قالت أصحابنا: يكره تأخير العَصر إلى اصفرار
الشمسِ.
قوله: " فيأتي ذا الحليفة " ذو الحليفة هذا ميقات أهل المدينة، بينه وبن
المدينة ستّة أميال أو سَبعة، وهو ماء من مياه بني جُشم. وأما ذو الحليفة
الذي في حديث رافع بن خديج- رضي الله عنه- قال: " كنا مع النبي
- عليه السلام- بذي الحليفة من تهامة فأصَبنا نَهب إبل " فهي نحو ذات
عرق.
قوله: " ويُصلي المغرب حِين تَسقط الشمسُ " أي: حين تقع للغروب.
قوله: " ويُصلي العشاء حين يَسوَدُّ الأفق " والمعنى: حين يغيب الشفق،
لأن الشفق إذا غاب اسود الأفق.
قوله: " بغَلسٍ " الغلس: ظلمة آخر الليل إذا اختلطت بضوء الصباح:
وليس المراد منه: قبل طلوع الفجر الصادق؛ بل المراد أنه كان صلى
الصبح في أول وقته، وهو طلوع الفجر الصادق، وهذا الوقت يكون
غلسَا؛ لأن النور لا ينتشر فيه جدا. والحديث أخرجه البخاري،
ومسلم، والنسائي، وابن ماجه بنحوه، ولم يذكروا رؤيته لصلاة
رسول الله. قال الشيخ زكي الدين: وهذه الزيادة في قضية الإسفار
رواتها عن آخرهم ثقات، والزيادة من الثقة مقبولة.(2/245)
فلتُ: فيهم أسامة بن زيد وهو متكلم فيه، وسنوضح الكلام في " باب
وقت الصبح ".
ص- قال أبو داود: روى هذا الحديث عن الزهري: معمر، ومالك،
وابن عُيَينة، وشعيب بن أبي حمزة، والليث بن سَعد، وغيرهم؛ لم يذكروا
الوقتَ/الذي صلى فيه ولم يُفَسروه.
ش- أي: روى الحديث المذكور عن محمد بن مسلم الزهري: معمر
ابن راشد، ومالك بن أنس، وسفيان بن عُيَينة، وشعيب بن أبي حمزة
القرشي الحمصي. ورواه ابن حبان في " صحيحه " عن ابن خزيمة بسنده
عن أسامة به، قال ابن حبان: " لم يُسفر النبي- عليه السلام- بالفجر
إلا مرةَ واحدةَ "، وستأتي الأحاديث التي وردت في الإسناد.
ص- وكذلك- أيضاً- رواه هشام بن عروة، وحبيب بن أبي مرزوق،
عن عروة نحو رواية معمر وأصحابه؛ إلا أن حبيبا لم يذكر بشيرا.
ش- أي: كذلك روى هذا الحديث هشام بن عروة بن الزبير، وحبيب
ابن أبي مرزوق، عن عروة كرواية معمر بن راشد وأصحابه المذكورين؛
إلا أن حبيب بن أبي مرزوق لم يذكر بشير بن أبي مَسعود.
وحبيب بن أبي مرزوق الرقي سمع: نافعا مولى ابن عمر، وعطاء بن
أبي رباح، وعروة بن الزبير روى عنه: جَعفر بن برقان، وأبو المليح.
قال أحمد بن حنبل: ما أرى به بأسَا. وقال ابن معين: مشهور. وقال
هلال بن العلاء: شيخ صالح، بلغني أنه اشترى نفسه من الله عز وجل
ثلاث مرات. روى له: الترمذي، والنسائي (1) .
ص- وروى وهب بن كيسان، عن جابر، عن النبي- عليه السلام-:
وقت المغرب قال: ثم جاءه للمغرب حين غابت الشمسُ- يعني: من
الغد- وقتا واحداً.
شَ- الذي رواه وهبُ بن كيسان: " (2) أخرجه الترمذي (3) ،-
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (5/1098) .
(2) انظر: نصب الراية (1/222- 223) .
(3) (150) .(2/246)
والنسائي (1) - واللفظ له- من طريق ابن المبارك، عن حسين بن علي
ابن الحسين: حدثني وهبُ بن كيسان، عن جابر بن عبد الله قال: جاء
جبريلُ إلى النبي- عليهما السلامُ- حيهما مَالتِ الشمسُ فقال: " قم يا
محمدُ فصلِّ الظهرَ " حين مالت الشمسُ، ثم مكث حتى إذا كان فيءُ
الرَّجُلِ مثله جاءه للعَصر فقال: " قم يا محمد فَصَلِّ العصرَ " ثم مكث
حتى إذا غابت الشمس جاءه فقال: " قم فصل المغربَ " فقامَ فصلاها
حين غابت الشمسُ سواءَ، ثم مكث حتى إذا غاب الشفقُ جاءه فقال:
" قم فصَل العشاءَ " فقامَ فصلاَّها، ثم جاءه حين سَطعَ الفجرُ بالصُّبح
فقال: " قم يا محمدُ فصَلِّ الصُّبحَ " ثم جاءه من الغد حين كان فيءُ
الرَّجُل مثله، فقال: " قم يا محمد فصَل " فصَلَّى الظهرَ، ثم جاءه حين
كان فيء الرجل مثلَيه فقال: قم يا محمد فصَلِّ " فصلى العَصرَ، ثم جاءه
للمغرب حين غابت الشمس وقتا واحدَا لم يزل عنه فقال: " قم يا محمد
فصَل " فصلى الغربَ، ثم جاءه للعشاء حين ذهب ثلثُ الليل الأول فقال:
" قم يا محمدُ فصل " فصلى العشاء، ثم جاءه للصبح حين أسفر جدًا
فقال: " قم يا محمد فصل " فصلى الصبح، ثم قال: " ما بَين هذين
وقتٌ كله ". قال الترمذي: قال محمد- يعني: البخاري-: حديث
جابر أصح شيء في المواقيت. قال: وفي الباب عن أبي هريرة،
وبريده وبي موسى، وأبي مسعود، وأبي سعيد، وجابر، وعمرو
ابن حزم، والبراء، وأنس.
وقال ابن القطان في كتابه: هذا الحديث يجب أن يكون مُرسلا؛ لأن
جابرا لم يذكر مَن حَدّثه بذلك، وجابرٌ لم يُشاهد ذلك صَبيحة الإسراء
لما عُلم أنه أنصاريّ؛ إنما صحب بالمدينة؛ ولا يلزم ذلك في حديث
أَبي هريرة وابن عباس؛ فإنهمَا رويا إمامة جبريل من قول النبي- عليه
السلام-، وقال في " الإمام ": هذا إرسالٌ غير ضارّ، فيَبعدُ أن يكون
جابرٌ قد سمعه من تابعي غير صحابيّ " (3) .
__________
(1) (1/263) .
(2) في الأصل: " بريرة ".
(3) إلى هنا انتهى النقل من نصب الراية.(2/247)
واستدل الشافعي بهذا الحديث على أن وقت المغرب وقت واحدٌ، وهو
عقيب غروب الشمس بقدر ما يتطهر، ويستر عورته، ويؤذن ويقيم؛ فإن
أخّر الدخول في الصلاة عن هذا الوقت أثم وصارَت قضاء، والمحققون
من أصحابه رجحوا قولنَا.
وقال الشيخ محيي الدين (1) : " وهو الصحيح كما ذكرناه. والجواب
عن هذا من ثلاثة أوجه؛ الأول: أنه اقتصر على بيان وقت الاختيار،
ولم يستَوعب وقت الجواز؛ وهذا جار في كل الصلوات سوى الظهر،
والثاني: أن هذا متقدم في أول الأمر بمكة؛ والأحاديث التي وردت بامتداد
وقت المغرب إلى غروب الشفق متأخرةٌ في أواخر الأمر/بالمدينة، فوجب
اعتمادها، والثالث: أن الأحاديث التي وردت بامتداد وقت المغرب إلى
غروب الشفق أصح إسنادًا من هذا الحديث فوجب تقديمها ".
وتلك الأحَاديث هي: قوله- عليه السلام-: " فإذا صليتم المغرب
فإنه وقت إلى أن يَسقط الشفق " وفي رواية: " وقت المغرب: ما لم يَسقط
ثور الشفق " وفي رواية: " ما لم يغب الشفق " وفي رواية: " ما لم
يسقط الشفق " وكل هذه في " صحيح مسلم ".
ووهب بن كيسان: أبو نعيم المدني القرشي مولاهم مولى آل الزبير بن
العوام. سمع: جابر بن عبد الله، وعمر بن أبي سلمة، وعُبَيد بن
عُمير. وروى عن: ابن الزبير، وابن الزبير. روى عنه: عبد الله،
وعبيد الله ابنا عمر العمريّان، وهشام بن عروة، وابن عجلان، ومالك
ابن أنس، وأيّوب السختياني، وغيرهم. وروى عنه ابنه قال: رأيت
سَعد بن أبي وقاص. توفي سنة سبع وعشرين ومائة. قال ابن سَعد:
كان ثقة. روى له الجماعة (2) .
ص- وكذلك رُوي عن أبي هريرة، عن النبي- عليه السلام- قال: ثم
صلى المغرب- يعني: من الغد- بوقت واحدٍ (3) .
__________
(1) شرح صحيح مسلم (5/111) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (31/6765) .
(3) في سنن أبي داود: " وقتا واحدا ".(2/248)
ش- الذي رُوِيَ عن أبي هريرة: أخرجه البزار في " مُسنده ": حدثنا
إبراهيم بن نصر أبو نعيم: ثنا عمر بن عبد الرحمن بن أسيد، عن محمد
ابن عمار بن سَعد، أنه سمع أبا هريرة يذكر أن رسول الله- عليه السلام-
حدثهم أن جبريل- عليه السلام- جاءه فصلى به الصلوات وقتين وقتين
إلا الغرب، الحديث.
وأخرجه النسائي- أيضاًَ- في " سُننه ": أخبرنا الحُسين بن حريث
أبُو عمار: ثنا الفضل بن موسى، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة،
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هذا جبريل- عليه السلام-
جاءكم يعلمكم دينكم، فصلى الصبح حين طلع الفجرُ، وصلى الظهر
حين زاغت الشمس، ثم صلى العصر حين رأى الظل مثله، ثم صلى
المغرب حين غربت الشمس وحل فطر الصائم، ثم صلى العشاء حين
ذهب شفق الليل، ثم جاءه الغد فصلى به الصبح حين أسفر قليلا، ثم
صلى به الظهر حين كان الظل مثله، ثم صلى العَصر حين كان الظل
مثليه، ثم صلى المغرب بوقتٍ واحدٍ حين غربت الشمس وحَلّ فطر
الصائم، ثم صلى العشاء حين ذهب ساعة من الليل "، ثم قال:
" الصلاة ما بين صلاتك أمسِ وصلاتك اليَوم ".
ورواهُ الحاكم كذلك في " المستدرك " وقال: صحيح على شرط مسلم.
ص- وكذلك رُوي عن عبد الله بن عمرو بن العاص من حديث حسان
ابن عطية، عن عمرو بن شُعَيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي- عليه
السلام-.
ش- أي: كذلك رُوي من حديث حسان بن عطية الشامي، عن عمرو
ابن شعيب، عن أبيه، عن جدّه، عبد (1) الله بن عمرو بن العاص،
عن النبي- عليه السلام- قال: " ثم صلى الغرب- يعني: من الغد-
بوقت واحد ".
379- ص- نا مسدد: نا عبدُ الله بن داود، عن بدر بن عثمان: نا
__________
(1) في الأصل: " عن عبد الله بن عمرو " خطأ.(2/249)
أبو بكر بن أبي موسى، عن أبي موسى، أن سَائلاَ سأل النبيَّ- عليه السلام-
فلم يَردَ عليه شيئاً، حتى أمَرَ بلالاً فأقام الفجرَ حين انشق الفجرُ، فصلَى
حين كان الرجلُ لا يعرف وَجه صاحبه، أو إن الرجلَ لا يَعرفُ مَن إلى
جنبه، ثم أمَرَ بلالا فأقامَ الظهرَ حًين زالت الشمسُ، حتى قالَ القائِلُ:
انتصًفَ النهارُ- وهو أعلَمُ- ثمِ أمر بلالا فأقام العصرَ والشمسُ بيضاءُ
مُرتفعة، وأمرَ بلالا فأقامَ المغرب حين غابت الشمسُ، وأمر بلالا فأقام
العشاءَ حين غَابَ الشفقُ، فلما كان من الغَد صًلَى الفجرَ فانصرفَ فقلنا:
طلَعت (1) الشمسُ؟ فأقامَ الظهرَ في وقت الَعصرِ الذي كان قبله، وصلى
العصرً وقد اصفرت الشمسُ- أو قال: أَمَسى- وصلَّى المغربَ قبلَ أن
يغيبَ الشفقُ، وصَلًى العشاءَ إلى ثُلُث الليلِ، ثم قالَ: " أينَ السائلُ عن
وقتِ الصلاةِ؟ الوقتُ فيمَا بين هذينِ " (2) .
ش- عبد الله بن داود: الخُرَيبي البصري.
وبدر بن عثمان: القرشي الأموي (3) مولى عثمان بن عفان. روى
عن: الشعبي، وعكرمة، وأبي بكر بن أبي موسى. روى عنه: وكيع،
وأبو نعيم، وعبد الله بن داود الخُرَيبِي، وعثمان بن سعيد بن مرة. قال
ابن معين: ثقة. روى له: مسلم، وأبو داود، والنسائي (4) .
/وأبو بكر بن أبي مُوسى هو ابن أبي مُوسى الأشعري. روى عن:
أبيه، وابن عباس، وعنه: أبو حمزة، وغيره. روى له الجماعة (5) .
وأبو موسى هو: عبد الله بن قَيس الأشعري.
__________
(1) في سنن أبي داود: " وانصرف، فقلنا: أطلعت ".
(2) مسلم: كتاب المساجد، باب: أوقات الصلوات الخمس (613) ، النسائي:
كتاب الصلاة، باب: آخر وقت المغرب (1/260) .
(3) في الأصل: " الأمواي ".
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (4/645) .
(5) المصدر السابق (33/7256) .(2/250)
قوله: " لم يردّ عليه شيئا " أي: لم يرد جواباً ببيان الأوقات باللفظ؛ بل
قال له: صل معنا لتَعرف ذلك، ويحصل لك البيان بالفعل، واستدلّ به
من يَرى تأخير البيان إلى وقت الحاجة؛ وهو مذهب جمهور الأصوليين.
قوله: " حين كان الرجل لا يَعرفُ [وجه] صاحبه " معناه: أنه صَلى
في الغلس في أول الوقت؛ بدليل قوله: " حين انَشَق الفجر ". أي:
الفجر الصادق؛ لأن الفجر الكاذب من الليل من وقت العشاء والإفطار.
قوله: " مَن إلى جَنبه " كلمة " إلى " في مثل هذا الموضع للمعية
والمصاحبة؛ والمعنى: مَن بجنبه أو مع جَنبه، والحاصل: لا يعرف
مُصاحب جَنبِه مَن هو؟
قوله: " حَتى قال القائل " وفي رواية: " حِين قال القائل " والأول
أصح.
قوله: " وهو أعلم " جملة اسميّة وقعت حالا إما من الضمير الذي في
" فأقام الظهر " أو من الضمير الذي في " أمر بلالا " وهذا أوجه.
قوله: " وقد اصفرت الشمسُ " " الواو " فيه للحال، والمراد منه: وقد
أخذت في الاصفرار ولم يتغيّر قرصها؛ لأن تأخيرها إلى تغير القرص
مكروه لما رُوي " ذلك (1) صلاة المنافقين " 0 وتغير القرص هو أن يصير
بحال لاتحارُ فيه الأعين؛ وهو الصحيح. واعتبر سفيان وإبراهيم النخعي
تغيّر الضوء الذي يبقى على الجدران. ويقال: إذا بَقِيت الشمس للغروب
قدر رمح أو رمحن لم يتغيّر، وإذا صارت أقل من ذلك فقد تغيّر.
ويقال: يُوضعُ في الصحراء طست ماءٍ ويُنظر فيه فإن كان القرص لا يبدُو
للناظر فقد تغيّر.
قوله: " أو قال: أمسى " شك من الراوي أي: أمسى الوقت أي: دخل
في المَساء؛ وهو- أيضاً- عبارة عن تأخيره العصر إلى قريب الاصفرار.
__________
(1) كذا، والحديث بلفظ: " تلك " ويأتي برقم (397)(2/251)
قوله: " إلى ثلث الليل " قد مر الكلام فيه عن قريب.
قوله: " الوقتُ " مبتدأ، وخبره قوله: " فيما بَين هذَين " أي. هذين
الوقتين أعني: وقت اليوم الأول ووقت اليوم الثاني، وقد بيّن- عليه
السلام- بفعله أول الوقت وآخره وبقوله: " ما بَينهما ". والحديث
أخرجه: مَسلمَ، والنسائي.
ص- قال أبو داود: رواه سليمان بن موسى، عن عطاء، عن جابر، عن
النبي- عليه السلام- في المغرب بنحو هذا قال: " ثم صلَّى العشاءَ ". قال
بعضهم: " إلى ثُلُثِ الليلِ "، وقال بعضهم: " إلى شَطرِه ".
ش- أي: روى هذا الحديث سُلَيمان بن موسى، عن عطاء بن أبي رباح،
عن جابر- رصي الله عنه- عن النبي- عليه السلام- في المغرب بنحو
هذا. وأخرجه أحيد في " مسنده ": ثنا عبد الله بن الحارث قال:
حدثني ثور بن يزيد، عن سليمان بن مُوسى، عن عطاء بن أبي رباح،
عن جابر بن عبد الله قال: سال رجل رسول الله عن وقت الصلاة فقال:
" صلِّ معي " فصلى رسول الله الصبح حين طلع الفجر، ثم صلى الظهر
حين زاغت الشمس، ثم صلى العَصر حين كان فَيءُ الإنسانِ مثله، ثم
صلى المغرب حين وجبت الشمس، ثم صلى العشاء بَعد غيبوبة الشفق،
ثم صلى الظهر حين كان فَيءُ الإنسان مثلَه، ثم صلى العَصر حين كان
فَيءُ الإنسان مثلَيه، ثم صلى المغرب قبل غيبوبة الشفق، ثم صلى
العشاء، فقال بعضهم: ثلث الليل. وقال بعضهم: شطره. انتهى.
أي: نصفه وشطر الشيء: نصفُه.
وقال الطحاوي في " شرح الاَثار " (1) كلاما حسنا مُلخصه: أنه قال:
يظهر من مجموع الأحاديث أن آخر وقت العشاء إلى حين يطلع الفجر؛
وذلك أن ابن عباس، وأبا موسى، والخدريّ. رووا أن النبي- عليه
السلام- أخرها إلى ثلث الليل، وروى أبو هريرة، وأنس أنه أخرها حتى
انتصف الليل. وروى ابن عمر أنه أخرها حتى ذهب ثلث الليل، وروت
__________
(1) (1/93) ، وانظر: كذلك في: نصب الراية (1/234- 235) .(2/252)
عائشة أنه أعتم بها حتى ذهب عامة الليل؛ وكل هذه الروايات في
" الصحيح ". قال: فثبت بهذا أن الليل كله وقت لها. ولكنه على أوقات
ثلاثة: فأما من حين يدخل وقتها إلى أن يَمضي ثلث الليل: فأفضل وقت
صليت فيه، وأما بعد ذلك إلى أن يتم نصف الليل: ففي الفضل دون
ذلك، وأما بعد نصف الليل فدونه، ثم ساق بسنده، عن نافع بن جُبير
قال: كتب عمر إلى أبي مُوسى: " وَصِّل العشاء أيُّ الليل شئت ولا
تغفلها ".
/ولمسلم في قصة التَّعريس (1) ، عن أبي قتادة أن النبي- عليه
السلام- قال: " ليس في النوم تفريط؛ إنما التفريط أن يؤخر صلاة حتى
يدخل وقت الأخرى "؛ فدل على بقاء الأولى إلى أن يدخل وقت
الأخرى؛ وهو طلوع الفجر الثاني " (2) .
وسليمان بن موسى: أبو أيوب الدمشقي الأسدي الأشدق. ويقال:
أبو الربيع، مولى لآل أبي سفيان، فقيه أهل الشام. سمع: عطاء بن
أبي رباح، ونافعا مولى ابن عمر، ونافع بن جبير، وكريبا مولى ابن
عباس، وعبيد بن جريح، والزهري، وغيرهم. روى عنه: الأوزاعي،
وابن جريح، وزيد بن واقد، وجماعة آخرون. قال ابن دحيم: أوثق
أصحاب مكحول: سليمان بن موسى 0 وسئل ابن معين عنه: ما حاله
في الزهري؟ فقال: ثقة. وقال ابن جريج: كان سُليمان يُفتي في
العُضَل، وكان عنده مناكير. وقال ابن عدي: روى أحاديث ينفرد بها لا
يرويها غيرُه، وهو عندي ثبت صدوق. قيل: مات سنة تسع عشرة
ومائة. روى له الجماعة إلا البخاري (3) .
ص- وكذلك رواه ابنُ بُريدة، عَن أبيه، عن النبي- عليه السلام-.
__________
(1) قطعة من حديث طويل أخرجه مسلم في كتاب: المساجد ومواضع الصلاة،
باب: قضاء الصلاة الفائتة واستحباب تعجيل قضائها (681 / 311) .
(2) إلى هنا انتهى الحقل من نصب الراية.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (12/2571) .(2/253)
ش- أي: كذلك روى سُليمان بن بُرَيدة بن الحصيب الأسلمي،
وأخرج روايته مُسلم في " صحيحه " (1) أن رجلا أتى النبي- عليه
السلام- يسأله عن مواقيت الصلاة فقال: " اشهد معنا الصلاة " فأمر بلالا
فأذّن بغلسٍ فصلى الصبح حين طلع الفجر، ثم أمره بالظهر حين زالت
الشمس عن بطن السماء، ثم أمره بالعَصر والشمس مرتفعة، ثم أمره
بالمغرب حين وجبت الشمس، ثم أمره بالعشاء حين وقع الشفق، ثم
أمره الغَدَ فنوَر بالصبح، ثم أمره بالظهر فأبرد، ثم أمره بالعَصر والشمس
بيضاء نقية لم يخالطها صُفرة، ثم أمره بالمغرب قبل أن يقع الشفق، ثم
أمره بالعشاء عند ذهاب ثلث الليل أو بَعضه- شك حَرميّ- فلما أصبح
قال: " أين السائل؟ ما بَين ما رأيت وقت ".
380- ص - ثنا عُبيد الله بن معاذ: فال أبي. قال: نا شعبة، عن قتادة.
سمِع أبا أيوب، عن عبد الله بن عمرو، عن النبي- عليه السلام- أنه قال:
" وقتُ الظهرِ ما لم تحضُرِ العصرُ، ووقتُ العصرِ ما لم تصفرَ الشمس،
ووقت المغرب ما لم يَسقط ثورُ (2) الشفق، ووقتُ العشاء إلى نصف الليل،
ووقتُ صَلاة اَلفجرِ ما لم تطلع الشمسُ، (3) .
ش- عبيدَ الله بن معاذ، أبو عمرو البَصري، وأبوه: معاذ بن معاذ بن
حسّان، قاضي البصرة، وشعبة: ابن الحجاج، وقتادة: ابن دعامة.
وأبو أيوب: اسمه: يحيى بن مالك- ويقال: ابن حبيب بن مالك-
البصري، أبو أيوب الأزدي العتكي المُراغي بضم الميم- نسبة إلى مُراغة،
قبيل من الأزد. وقال الطبري: موضع بناحية عمان. روى عن: عبد الله
ابَن عمرو بن العاص، وعبد الله بن عباس، وأبي هريرة، وسمرة بن
جندب، وجويرية بنت الحارث أم المؤمنين. روى عنه: قتادة،
__________
(1) مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: أوقات الصلوات الخمس
(613 / 176) .
(2) كذا، وفي سنن أبي داود " فور "، وانظر: الشرح.
(3) مسلم: كتاب المساجد، باب: أوقات الصلوات الخمس 172- (612) ،
النسائي: كتاب المواقيت، آخر وقت المغرب (1/260) .(2/254)
وأبو عمران الجَوني، وعبد الحميد بن واصل. مات في ولاية الحجاج
على العراق. روى له: الجماعة إلا الترمذي (1) .
قوله: " فَور الشفق " بالفاء في رواية أبي داود؛ وهو: فورانه وبقية
حمرته، وصحفه بعضهم فقال: " نور الشفق " بالنون، ولو صحت
الرواية لكان له وجه. وفي رواية: " ثور الشفق " بالثاء المثلثة؛ وهو
انتشار حمرتها في الأفق، من ثار الشيءُ يثورُ إذا انتشر وارتفع.
والحديث: أخرجه مسلم، والنسائي.
2- بَابُ: وقت صلاة النبي- عليه السلام-
أي: هذا باب في بيان وقت صلاة النبي- عليه السلام-، وفي بعض
النسخ وفي آخره: " وكيف كان يُصليها " (2) وليس بموجود في النسخ
المعتمد عليها.
381- ص- ثنا مسلم بن إبراهيم: نا شعبة، عن سَعد بن إبراهيم، عن
محمد بن عَمرو قال: سألت (3) جابرًا عنِ وقت [صلاة] النبيَ- عليه
السلام- فقال: كان يُصفَي الظهرَ بالهاجرة، وَالعَصرَ والشمسُ حَيةٌ،
والمغربَ إذا غربت الشمسُ، والعشاءَ: إذا كَثُرَ الناسُ عجلَ، وإذا قَلُوا
أخرَ، والصبحَ بغَلَسٍ " (4) .
ش- مُسلمَ بن إبراهيم: أبو عَمرو البصري القصاب.
وسَعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف بن عبد الحارث بن زهرة
القرشي، أبو إسحاق أو أبو إبراهيم، قاضي المدينة. روى عن: ابن
عمر. وسمع: عبد الله بن جعفر، وأنس بن مالك، ومحمد بن
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (33/7217) .
(2) كما في سنن أبي داود.
(3) في سنن أبي داود: " سألنا ".
(4) البخاري: كتاب: مواقيت الصلاة، باب: وقت المغرب (560) ، مسلم:
كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: استحباب التبكير بالصبح في أول
وقتها وهو التغليس وبيان قدر القراءة فيها (646) ، النسائي: كتاب المواقيت،
باب: تعجيل العشاء (1/261) .(2/255)
حاطب بن أبي بلتعة، وأبا أمامة، وعروة بن الزبير، وغيرهم. روى عنه:
الزهري، ويحيى بن سعيد الأنصاري، والثوري، وابن عُيينة، وشعبة،
وغيرهم. قال ابن معين: ثقة، لا يُشك فيه. توفي بالمدينة سنة سبع
وعشرين ومائة؛ وهو ابن ثلاث وسبعن سنةَ 0 روى له الجماعة (1) .
ومحمد بن عمرو: ابن الحسن بن علي بن أبي طالب القرشي الهاشمي
المدني، أبو عبد الله. سمع: جابر بن عبد الله الأنصاريّ. وروى عن:
عبد الله بن عباس. روى عنه: سَعد بن إبراهيم، ومحمد بن عبد الرحمن
ابن أسعد، وعبد الله بن ميمون. قال أبو زرعة:/مدني ثقة. روى
له: البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي (2) .
قوله: " بالهاجرة " الهاجرة والهجيرُ: اشتداد الحرّ نصف النهار
قوله: " والعَصر " أي: كان يُصلي العَصر؛ والواو في " والشمس
حيةٌ " واو الحال، والمراد منه: قبل تغير قرصها.
قوله: " والمغرب " أي: كان يُصلي المغرب.
قوله: " والعشاء " أي: كان يُصلي العشاء.
قوله: " إذا كثر الناسُ عجّل، وإذا قفوا أخر " بيان لكيفية صلاته العشاء.
قوله: " والصّبح بغلس " أي: كان يصلي الصبح في أول الوقت عند
اختلاط الظلام بالضياء؛ وًا لباء فيه بمعنى " في " أي: في غلسٍ.
والحديث: أخرجه البخاري، ومسلم، والنسائي.
382- ص- ثنا حفص بن عمر: نا شعبة، عن أبي المنهال، عن أبي بَرزة
قال: كان رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصلِّي الظهر إذا زَالتِ الشمسُ، ويُصلِّي العصرَ
وإن أحدنا (3) ليَذهَبُ إلى أقصى المدينة ويَرجِعُ والشمسُ حَية، ونَسيتُ
المغربَ، وكان لا يُبالي بعضَ (4) تأخَيرِ العِشاءِ إلى ثُلُثِ الليلِ قَال:
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (10/2199) .
(2) المصدر السابق (26/5508) .
(3) في سنن أبي داود: " إحدانا ".
(4) كلمة " بعض " غير موجودة في سنن أبي داود.(2/256)
ثم قال: إلى شَطرِ الليلِ. قال: وكان يَكرهُ النَومَ قَبلَها والحديثَ بَعدَها،
وكان يُصلِّي الصُّبح ويعرفُ أحدُنا جَليسَه الذي كان يَعرفُ (1) ، وكانَ
يَقرأ فيها من الستينَ إلى المائة (2) .
ش- حفص بن عمر: ابن الحارث البصري.
وأبو المنهال: سيّار بن سلامة البصري الرياحي. سمع: أبا برزة
الأسلمي، وأبا العالية الرياحي، وشهر بن حوشب. روى عنه: سليمان
التيمي، ويونس بن عبيد، وعوف الأعرابيّ، وغيرهم. قال ابن معين:
ثقة. وقال أبو حاتم: صدوق، صالح الحديث. روى له الجماعة (3) .
وأبو بَرزة: نضلة بن عُبيد. ويقال: نضلة بن عائذ. ويقال: ابن
عَمرو. ويقال: ابن عبد الله بن الحارث، الأسلمي، أسلم قديما،
وشهد مع رسول الله- عليه السلام- فتح مكة. رُوِيَ ده عن رسول الله
ستة وأربعون حديثَا؛ اتفقا على حديثين، وانفرد مسلم بأربعة، والبخاري
بحديثين. روى عنه: أبو المنهال، وأبو عثمان النهدي، والأزرق بن
قَيس، وغيرهم. نزل البصرة، ثم غزا خراسان ومات بها في آخر خلافة
معاوية أو في أيام يزيد. روى له الجماعة (4) .
قوله: " ويصلي العَصر وإن أحدنا ليذهب إلى أقصى المدينة ويَرجع لا
أقصى الشيء: مُنتهاه. والواو في " والشمس حية " للحال، وهذا يدلّ
على المبالغة في تعجيل العصرِ.
(1) في سنن أبي داود: " يعرفه ".
(2) أبو داود في كتاب الأدب (4849) بعضه، البخاري: كتاب مواقيت الصلاة،
باب: وقت الظهر عند الزوال (541) ، مسلم: كتاب المساجد، باب:
استحباب التبكير بالصبح في أول وقتها (235/647) ، النسائي: كتاب
المواقيت، باب: أول وقت الظهر (1/246) ، وباب: كراهية النوم بعد
صلاة الغرب (1/262) ، ابن ماجه: كتاب الصلاة، باب: وقت صلاة
الظهر (674) ببعضه.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (12 / 2667) .
انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (4/24) ، أسد الغابة
(5/321) ، الإصابة (3/556) و (4/19) .
17* شرح سنن أبي داوود 2(2/257)
قوله: " وكان يكره النوم قبلها " أي: قبل العشاء؛ وذلك لأنه تعرض
لفواتها باستغراق النوم.
قوله: " والحديث بَعدها " أي: كاد يكره الحديث بعد العشاء؛
" (1) وذلك لأن السَّهر في الليل سبب للكسل في اليوم عما يتوجه من
حقوق الدين والطاعات ومصالح الدين. قالوا: المكروه منه: ما كان في
الأمور التي لا مصلحة فيها؛ أما ما فيه مصلحة وخير فلا كراهة فيه؛
وذلك كمدارسة العلم، وحكايات الصالحين، ومحادثة الضيف والعروس
للتأنيس، ومحادثة الرجل أهله وأولاده للملاطفة والحاجة، ومحادثة
المسافرين لحفظ متاعهم أو أنفسهم، والحديث في الإصلاح بين الناس،
والشفاعة إليهم في خير، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والإرشاد
إلى مصلحة ونحو ذلك، وكل ذلك لا كراهة فيه، وقد جاءت أحاديث
صحيحة ببعضه، والباقي في مَعناه ".
قوله: " وكان يَقرأ فيها " أي: في صلاة الصبح من ستين آيةً إلى مائة
آيةٍ؛ وهذا يدل على أنه كان يَبتدئ في أول الوقت.
والحديث: أخرجه البخاري، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه،
وأخرج الترمذي طرفا منه.
3- بَاب: في وَقت الظُّهرِ
أي: هذا باب في بيان وقت صلاة الظهر، وفي بعض النسخ: " باب
ما جاء في وقت الظهر ".
383- ص- نا أحمد بن حَنبل ومُسدّد قالا: نا عبّاد بن عباد: نا محمد
ابن عَمرو، عن سعيد بن الحارث الأنصاريّ، عن جابر بن عبد الله. قال:
" كنتُ أصلي الظهرَ معِ رسول الله فاخذُ قَبضةً من الحَصَى لتَبرُدَ في كَفِّي،
أضَعُهَا لجَبهَتِي أسجدُ عليها لِشدةِ اَلحرَ " (2) .
__________
(1) انظر: شرح صحيح مسلم (5/146) .
(2) النسائي: كتاب التطبيق، باب: تبريد الحصى للسجود عليه (2/204) .(2/258)
ش- عباد بن عباد: ابن حبيب بن المهلب بن أبي صُفرة، أبو معاوية
العتكي المهلبي الأزدي البصري؛ واسم أبي صفرة: ظالم بن سارق،
نزل بغداد، ومات بها سنة إحدى وثمانين ومائة. سمع: أبا جمرة/
نصر (1) بن عمران الضبعي، وعبيد الله، وعبد الله ابني عمر، وهشام
ابن عروة، وكثير بن شنظير، وغيرهم. روى عنه: قتيبة بن سعيد،
وسليمان بن حرب، وأحمد بن حنبل، وغيرهم. وقال ابن معين،
والنسائي: هو ثقة. وقال ابن سَعد: لم يكن بالقوي فما الحديث.
روى له الجماعة (2) .
وسعيد بن الحارث: ابن أبي سعيد بن المعلى الأنصاري المدني قاضيها.
سمع. عبد الله بن عُمر بن الخطاب، وجابر بن عبد الله، وأبا سعيد
الخدري، وأبا هريرة. روى عنه: محمد بن عَمرو بن علقمة، وعمرو
ابن الحارث، وفليح بن سليمان، وعمارة بن غزيّة. روى له
الجماعة (3) .
قوله: " فاَخذُ " إخبارٌ عن نفسه من المستقبل، والمرادُ منِ إخراج هذا
الحديث أنه كان يُصلي الظهر في أول فَيئِهِ في الهاجرة، وسيروي حديث
الإبراد- أيضَا.
ويفهم من الحديث: أنهم كانوا يصلون على الأرض، وأن المسجد ما
كان فيه حُصرٌ، وان السجدة على الحَصَى جائزة، وأن مَسك المُصلي في
كفه شيئا لا يُفسدُ صلاته. والحديث: أخرجه النسائي.
384- ص- نا عثمان بن أبي شيبة: نا عَبيدة بن حُمَيد، عن أبي مالك
الأشجعيّ: سَعد بن طارق، عن كثير بن مُدرَك، عن الأسود، عن عبد الله
ابن مَسعود قال: كَانت قَدرُ صَلاة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الصَيف ثلاثةَ أقدامٍ إلى
خمسةِ أقدامِ، وفي الشتاءِ خمسةَ أَقدامٍ إلىَ سَبعةِ أقدامٍ " (4) .
__________
(1) في الأصل: " نضرة " خطأ، وهو مترجم في تهذيب الكمال (29/6408) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (14/3083) .
(3) المصدر السابق (10/2247) .
(4) النسائي: كتاب المواقيت، باب: آخر وقت الظهر (1/249) .(2/259)
ش- عَبيدة- بفتح العين- قد مر ذكره.
وأبو مالك: سَعد بن طارق بن الأشيم الكوفي الأشجعي. روى عن:
أبيه- ولأبيه صحبة- وأنس بن مالك، وكثير بن مدرك، وعيرهم.
روى عنه: الثوريّ، وشعبة، وأبو عوانة، وغيرهم. قال ابن معين:
ثقة. وقال أبو حاتم: صالح، يكتب حديثه. روى له الجماعة إلا
البخاريّ (1) .
وكثير بن مدرك الأشجعي، أبو مدرك الكوفي. روى عن: علقمة بن
قيس، والأسود بن يزيد، وأخيه: عبد الرحمن بن يزيد. روى عنه:
حُصين بن عبد الرحمن، ومنصور بن المعتمر، وأبو مالك الأشجعي.
روى له: مسلم، وأبو داود، والنسائي (2) .
قوله: " كانت قدر صلاة رسول الله " المراد منها: صلاة الظهر.
قوله: " ثلاثة أقدَام " اعلم أن هذا أمر يَختلف في الأقاليم والبلدان،
ولا يستوي في جميع المدن والأمصار؛ وذلك أن العلة في طول الظل
وقصره هو زيادة ارتفاع الشمس في السماء وانحطاطها، فكلما كانت
أعلى وإلى محاذاة الرءوس في مجراها أَقرب كان الظل أقصر، وكلما
كانت أخفض وفي محاذاة الرءوس أبعدَ كان الظلّ أطولَ؛ ولذلك ظلال
الشتاء تراها أبدا أطول من ظلال الضَيف في كل مكان، وكانت صلاة
رسول الله بمكة والمدينة- وهما من الإقليم الثاني- ويذكرون أن الظل
فيهما في أول الصيف في شهر اَذر: ثلاثة أقدام وشيء، ويشبه أن تكون
صلاته إذا اشتد الحر متأخرةَ عن الوقت المعهود (3) قبله فيكون الظل عند
ذلك خمسة أقدام. وأما الظل في الشتاء: فإنهم يذكرون أنه في تشرين
الأول: خمسة أقدام أو خمسة وشيء، وفي الكانون: سبعة أقدام أو
سبعة وشيء؛ فقول ابن مسعود مُنزل على هذا التقدير في ذلك الإقليم دون
سائر الأقاليم والبلدان التي هي خارجة عن الإقليم الثاني. والحديث:
أخرجه النسائيّ.
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (10/2211) .
(2) المصدر السابق (24/4962) .
(3) في الأصل: " العهود ".(2/260)
385- ص- نا أبو الوليد الطيالسي: نا شعبة: أخبرني أبو الحسن قال:
سمعت زيد بن وهب يقول: سمعت أبا ذَر يَقول: كُنَّا مع النبيِّ- عليه
السلام- فأرادَ المؤذنُ أن يؤذنَ الظهرَ، فقال: " أبرِد " ثم أرادَ أن يُؤذنَ فقال:
" أبرِد " - مرِتين أو ثلاثا- حتى رأينا فَيءَ التُّلول، ثم قال: " إن شدةَ الحرِّ
من فيحِ جَهنم؛ فإذا اشتدَ الحرُّ فابردُوا بالصلاةِ " 11) .
ش- أبو الحسن: مُهاجر التيمي الصائغ. وزيد بن وهب: الجهمي؛
قد مر ذكره. وكذلك أبو ذر: جُندب بن جنادة.
قوله: " أبرد " بفتح الهمزة، أمر من الإبراد.
قوله: " فيء التلول " أي: ظلها، والتلول: جمع تَلّ- بتشديد
اللام- ويُجمعُ على تلالٍ - أيضا.
قوله: " من فيح جهنم " - بفاء مفتوحة وياء آخر الحروف ساكنة وحاء
مهملة- أي: " (2) سطوع حرّها وانتشاره وغليانها؛ وأصله في كلامهم:
السَّعة والانتشار، ومنه قولهم في الغارة: فيحي فياح،/ومكان أفيح
أي: واسع، وأرض فيحاء أي: واسعة؛ وللكلام وجهان: حقيقيّ؛
وهو أن تكون شدة حرّ الصيف من وهج حر جهنم على الحقيقة. وروي
أن الله تعالى أذن لجهنم في نفسَين: نفس في الصَيف، ونفس في الشتاء؛
فأشدّ ما تجدونه من الحرّ في الصيّف فهو من نفسها، وأشد ما تجدونه من
البَرد في الشتاء فهو منها. ومجازي؛ وهو أن يكون هذا الكلام من باب
التَّشبيه أي: كأنه نار جهنم في الحرّ فاحذرُوها واجتنبوا ضررَها ".
قوله: " فأبردوا بالصلاة " أي: بأداء الصلاة أي: أخروها عن وقت
__________
(1) البخاري: كتاب مواقيت الصلاة، باب: الإبراد بالطهر في السفر (539) ،
مسلم: كتاب الساجد، باب: استحباب الإبراد بالطهر في شدة الحر لن
يمضي إلى جماعة، ويناله الحر في طريقه (184/616) ، الترمذي: كتاب
الصلاة، باب: ما جاء في تأخير الطهر في شدة الحر (158) ، تحفة الأشراف
(9/11914) .
(2) انظر: معالم السنن (1/111) .(2/261)
الهاجرة إلى حين بَرد النهار، وانكسار وهج الحرّ. وقال بعض أهل
اللغة: أراد صلُّوها في أول وقتها، وبَرد النهار أوله.
قلت: هذا بعيدٌ، يُنافيه قوله: " حتى رأينا فَيءَ التلول " ولذا قال
الخطابيّ: " ومن تأوله على بَردي النهار، فقد خرج عن جملة قول
الأمة "، وبه استدل أصحابنا على أن تأخير الظهر والإبراد بها في الصيف
مستحب. وبه قال أحمد، وإسحاق بن راهوَيه. وقال الشافعي:
تعجيلها أولى، إلا أن يكون إمام جماعة ينتابه الناسُ من بُعد، فإنه يَبرد
بها في الصيف عند شدّة الحرّ.
وقال الشيخ محيي الدين: " (1) والصحيح: استحباب الإبراد: وهو
النصوص للشافعي، وبه قال جمهور أصحابه لكثرة الأحاديث الصحيحة
فيه المشتملة على فعله والأمر به في مواطن كثيرة ومن جهة جماعة من
الصحابة ".
فإن قلت: قد ذكر مُسلم حديث خبّاب: " شكونا إلى رسول الله حَرَّ
الرَّمضاء فلم يُشكِنَا. قال زُهير: قلت لأبيً إسحاق: أفي الظهر؟ قال:
نعم، قلتُ: أفي تعجيلها؟ قال: نعم ". قلت: هَذا الحديث مَنسوخ
بأحاديث الإبراد، ويقال: الإبراد رخصة، والتقديم أفضل، واعتمدوا
حديث خبّاب وحملوا حديث الإبراد على الترخيص والتخفيف في التأخير،
وهو قول بعض الشافعية. والحديث: أخرجه البخاري، ومسلم،
والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، والطبراني في " محجمه "،
وأبو بكر في " مصنفه "، وأحمد في " مُسنده ".
ص- قال أبو داود: هو مُهاجر أبو الحسن.
ش- يعني قوله: " نا شعبة: أخبرني أبو الحسن " هو مُهاجر أبو الحسن
التيمي، مولى تيم الله الكوفي. سمع: عبد الله بن عباس، والبراء بن
عازب، ورجلا من أصحاب النبي- عليه السلام-، وزيد بن وهب،
__________
(1) شرح صحيح مسلم (5/117، 118) .(2/262)
وعمرو بن ميمون، وعطاء بن يسار. روى عنه: الثوريّ، وشعبة،
والمَسعودي، وأبو عوانة. قال أحمد بن حنبل، وابن معين: ثقة. وقال
أبو زرعة: لا بأس به. روى له: البخاريّ، ومسلم، وأبو داود،
والترمذي، والنسائي (1) .
386- ص- نا يزيد بن خالد بن مَوهب الهمداني، وقُتَيبة الثقفيُّ، أن
الليث حدثهم، عن ابن شهاب، عن سَعيد بن المسيّب وأبي سلمة، عن
أبي هريرِة أن النبي- عليه السلام- قال: " إذا اشتدَّ الحرُّ فأبردوا عن الصلاة "
قال ابنُ موهبٍ: " بالصلاة ". " فإنَّ شدةَ الحَرَ من فيحِ جَهنمَ " (2) .
ش- قتيبة: ابن سعيد، والليث: ابن سعد، وابن شهاب:
الزهري، وأبو سلمة: عبد الله بن عبد الرحمن.
قوله: " فأبردوا عن الصلاة " أي: بالصلاة. و " عَن " تأتي بمعنى
" الباء "؛ كما قيل: رمَيت عن القَوس، أي: رمَيتُ بها؛ كما جاءت
الباء بمعنى " عن " في قوله تعالى: (فَاسئَل به خَبيرًا) (3) أي: عنه.
وقد تكون " عن " زائدةَ أي: " أبردوا الصلاة "؛ يَقال: أبرد الرجل كذا
إذا فعله في بَرد النهار.
387- ص- نا موسى بن إسماعيل: نا حمّاد، عن سماك بن حَرب،
عن جابر بن سمرة " أن بِلالاً كان يؤذن الظهرَ إذا دحَضَتِ الشمسُ " (4) .
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال ول 2/6219) .
(2) البخاري: كتاب المواقيت، باب: الإبراد بالظهر في شدة الحر (536) ،
مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: استحباب الإبراد بالظهر في
شدة الحر لمن يمضي إلى جماعة ويناله الحر في طريقه (180-615) ،
الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في تأخير الظهر في شدة الحر (157) ،
النسائي: كتاب المواقيت، باب: الإبراد بالظهر إذا اشتد الحر (1/248) ،
ابن ماجه: كتاب الصلاة، باب: الإبراد بالظهر في شدة الحر (678) .
(3) سورة الفرقان: (59) .
(4) مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: استحباب تقديم الظهر في أول
الوقت في غير شدة الحر 188 (618) ، النسائي: كتاب الافتتاح، باب:
ما يستحب من تأخير العشاء (1/265) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة
والسنة فيها، باب: وقت صلاة الظهر (673) .(2/263)
ش- حماد: ابن سلمة. وجابر بن سمرة بن جنادة بن جندب،
أبو عبد الله، رُوِيَ له عن رسول الله مائة حديث وستة وأربعون حديثا؛
اتفقا على حديثين، وانفرد مسلم بستّة وعشرين. روى عنه: عبد الملك
ابن عُمير، وعامر بن سَعد بن أبي وقاص، وعامر الشعبي، وسماك بن
حرب، وجماعة آخرون. مات سنة ستة وستين، أيام المختار. روى له
الجماعة (1) .
قوله: " إذا دحضت الشمس " أي: زالت عن كبد السماء؛ وأصل
الدَّحض: الزلق؛ يُقال: دحضَت رجلهُ أي: زلت عن موضعها،
وأدحضتُ حجة فلان أي: أزلتُها وأَبطلتُها.
وأخرجه ابن ماجه. وفي رواية مسلم: " كان النبيّ- عليه السلام-
يُصلِي/الظهر إذا دحَضت الشمسُ. وقال الشيخ محيي الدين النووي (2) :
" وفيه دليل على استحباب تقديمها، وبه قال الشافعي، والجمهور ".
فلت: لا دليل فيه على ذلك؛ لأن الذي يُبرِدُ بها يَصدقُ عليه أنه
صلاها بعد أن دَحَضت الشمسُ.
4- بَابُ: مَا جَاء فِي وَقت العَصرِ (3)
أي: هذا باب في بيان ما جاء في وقت صلاة العصر، وفي بعض
النسخ: " بابُ وقت العَصر ".
388- ص- نا قتيبة بن سعيد: نا الليث، عن ابن شهاب، عن أنس بن
مالك، أنه أخبره " أن رسولَ اللهِ- عليه السلام- كان يُصَلِّي العصرَ
__________
(1) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (1/224) ، أسد الغابة
(1/304) ، الإصابة (1/212) .
(2) شرح صحيح مسلم (5/121) .
(3) في سنن أبي داود: " ... وقت صلاة العصر ".(2/264)
والشمسُ بَيضاءُ مُرتفعةٌ حَيَّةٌ، ويَذهبُ الذَّاهبُ إلى العَوالي والشمسُ
مُرتفعةٌ " (1) .
ش- الواو في " والشمس " للحال في الموضعين؛ وحَياة الشمس:
شده وهجها، وبقاء حرها لمَ ينكسر منه شيء. وقيل: حياتها: صفاء
لونها، لَم يدخلها التغيير. قالوا: والشمس تُوصَف بالحياة ما دامت
قائمة الأعراض من الحرارة والضوء، فإذا كانت مع الغروب لم تُوصَف
بذاك. والحديث: أخرجه البخاري، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه.
389- ص- نا الحسن بن علي: نا عبد الرزاق: أنا معمر، عن الزهريّ
قال: والعَوالي على ميلينِ أو ثلاثة. قال: وأحسبُه قال: وأربعة (2) (3) .
ش - الحسن بن عَلي: الخلالَ، وعبد الرزَاق: ابن همامَ، ومَعمر:
ابن راشد.
والعَوالي: أماكن بأعلى أراضى المدينة؛ والنَسَبُ إليها: " عُلوِي "
على غير قياسٍ، قال ابن الأثير (4) : " وأدناها من المدينة على أربعة
أميال، وأبعدها من جهة نجد: ثمانية ". ولكن في رواية الزهري: أدناها
من المدينة على ميلين، مثل ما ذكره أبو داود.
وقال الشيخ محيي الدين (5) : " والمراد بهذا الحديث: المبادرة بصلاة
العصر أول وقتها؛ لأنه لا يمكن أن يذهب بعد صلاة العَصر ميلين وثلاثة،
والشمس بعد لم تتغير بصفرة ونحوها إلا إذا صلى العصر حين صار ظل
كل شيء مثله، ولا يكادُ يحصل هذا إلا في الأيام الطويلة. ثم قال:
وفيه دليل لمذهب مالك والشافعي وأحمد والجمهور: أن وقت العَصر
يدخل إذا صار ظل كل شيء مثله، وقال أبو حنيفة: لا يدخل حتى يصير
__________
(1) البخاري: كتاب مواقيت الصلاة، باب: وقت العصر (550) ، مسلم:
كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: استحباب التبكير بالعصر
(192/621) ، النسائي: كتاب المواقيت، باب: وتت صلاة العصر
(1/252) ، ابن ماجه: كتاب الصلاة، باب: وقت صلاة العصر (682) .
(2) في سنن أبي داود: " أو أربعة ".
(3) تفرد به أبو داود.
(4) النهاية (3/295) .
(5) شرح صحيح مسلم (5/122- 123) .(2/265)
ظل كل شيء مثليه؛ وهذا حجة للجماعة عليه مع حديث ابن عباس في
بيان المواقيت وحديث جابر وغير ذلك ".
قلنا: الجواب من جهة أبي حنيفة: أنه- عليه السلام- أمر بإبراد الظهر
بقوله: " أبردوا بالظهر " بمعنى: صلوها إذا سكنت شدة الحرّ؛ واشتداد
الحر في ديارهم يكون في وقت صيرورة ظل كل شيء مثله، ولا يفتر الحر
إلا بعد المثلَين؛ فإذا تعارضت الأخبار يبقى ما كان على ما كان، ووقت
الظهر ثابت بيقين، فلا يزول بالشك، ووقت العصر ما كان ثابتاً فلا
يدخل بالشكَّ؛ وأما حديث ابن عباس، وجابر وغيرهما: فلا يدل على
أن لا يكون ما وراء وقت الإمَامة وقتا للظهر؛ ألا ترى أن جبريل- عليه
السلام- أم للفجر في اليوم الثاني حين أسفر، والوقت يبقى بعده إلى
طلوع الشمس؟ وكذلك صلى العشاء حين ذهب ثلث الليل والوقت يبقى
بعده إلى طلوع الفجر.
390- ص- نا يوسف بن موسى: نا جرير، عن منصور، عن خيثمة
قال: حياتها: أن تجد حرها (1) .
ش- يوسف بن موسى: أبو يعقوب القطان الكوفي. وجرير: ابن
عبد الحميد، ومنصور: ابن المعتمر.
وخَيثمة: ابن عبد الرحمن بن أبي سَبرة، واسم أبي سَبرة: يزيد بن
مالك بن عبد الله بن ذؤيب بن سلمة بن عمرو بن ذهل بنُ مرَان (2) بن
جعفي الجُعفي الكوفي، وفد أبو سَبرة إلى النبي- عليه السلام- ومَعه
ابناه: سَبرة، وعزيز، فقال له النبي- عليه السلام-: " ما اسمك؟ "
قال: عزيز قال: " لا عزيز إلا الله، أنت عبد الرحمن (3) فأسلموا.
سمِعَ خيثمةُ: عبدَ الله بن عُمر، وابن عَمرو، والبراء بن عازب،
وغيرهم من الصحابة والتابعين. روى عنه: أبو إسحاق السبيعي،
وطلحة بن مصرف، والأعمش، ومنصور بن المعتمر، وغيرهم.
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) في الأصل: " مروان " خطأ.
(3) أحمد: في مسنده (4/178) ، وابن سعد: في طبقاته (6/286) .(2/266)
قال أحمد بن عبد الله العجلي: كوفي تابعي ثقة. روى له
الجماعة (1) .
391- ص- نا القعنبي قال: قرأت على مالك بن أنس، عن ابن
شهاب: قال عروة: ولقد حدثتني عائشةُ- رضي الله عنها-، " أن رسولَ الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يُصلي العَصر، والشمسُ في حُجرَتِهَا قبلَ أن تَظهَرَ " (2) .
ش- القعنبي: عبد الله بن مسلمة، وعروة: ابن الزبير. والواو في
" والشمس " للحال.
قوله: " قبل أن تظهر " معنى الظهور/هاهنا: الصُعُود؛ يُقال:
ظهرتُ على الشيء إذا علوتُه؛ ومنه قوله تعالى: (وَمَعارِجَ عَلَيهَا
يَظهَرُونَ) (3) ، وحجرة عائشة- رضي الله عنها- ضيقة الرقعة،
والشمس تقلص عنها سرِيعاً؛ فلا يُصلي العَصر قبل أن تصعد الشمس
عنها إلا وقد بكر بها. والحديث أخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي،
والنسائي، وابن ماجه.
392- ص- نا محمد بن عبد الرحمن العَنبري: نا إبراهيم بن
أبي الوزير: نا محمد بن يزيد اليمامي: حدثني يزيد بن عبد الرحمن بن
علي بن شيبان، عن أبيه عن جده: علي بن شيبان قال: فَدمنَا على رسول الله
- عليه السلام- المَدِينةَ فكان يُؤَخرُ العَصرَ مادامتِ الشمس بَيضاءَ نَقيَّةً (4) .
ش- محمد بن عبد الرحمن: أبو عبد الله العنبري البصري. روى
عن: عبد الرحمن بن مهدي، وأمية بن خالد، وسلم بن قتيبة،
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (8 /1747) .
(2) البخاري: كتاب المواقيت، باب: وقت العصر (544) ، مسلم: كتاب
المساجد ومواضع الصلاة، باب: أوقات الصلوات الخمس (611) ، الترمذي:
كتاب الصلاة، باب: ما جاء في تعجيل العصر (159) ، النسائي: كتاب
المواقيت، باب: في تعجيل العصر (1/252) ، ابن ماجه: كتاب الصلاة،
باب: وقت صلاة العصر (683) .
(3) سورة الزخرف: (34) .
(4) تفرد به أبو داود.(2/267)
وإبراهيم بن أبي الوزير. روى عنه: أبو داود، وأبو زرعة، وعلي بن
الحسين بن الجنيد. وقال: كان ثقة (1) .
وإبراهيم بن أبي الوزير: قد ذكر مرةً.
ومحمد بن يزيد اليمامي. روى عن: يزيد بن عبد الرحمن. روى
عنه: إبراهيم بن أبي الوزير. روى له: أبو داود (2) .
ويزيد بن عبد الرحمن بن علي بن شيبان اليمامي الحنفي. روى عن
أبيه، عن جذه. روى عنه: محمد بن يزيد. روى له: أبو داود (3) .
وأبوه: عبد الرحمن بن علي الحنفي اليمامي. روى عن: أبيه. روى
عنه: ابنه: محمد، وعبد الله بن بدر، ووعلة بن عبد الرحمن. روى
له: أبو داود، وابن ماجه (4) .
وجدّه: علي بن شيبان الحنفي السحيمي اليمامي الصحابيّ. روى عنه:
ابنه: عبد الرحمن. روى له: أبو داود، وابن ماجه (5) .
وهذا الحديث يدل على أنه- عليه السلام- كان يُصلي العَصر عند
صيرورة ظل كل شيء مثليه؛ وهو حجة لأبي حنيفة على مخالفيه.
393- ص- نا عثمان بن أبي شيبة: نا يحيى بن زكرياء بن أبي زائدة،
ويزيد بن هارون، عن هشام بن حسّان، عن محمد، عن عَبيدةَ، عن عليّ
- رضي الله عنه-، أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال يومَ الخندقً: " حَبَسُونَا عن صَلاة
الوُسطى، صَلاةِ العَصرِ، مَلأَ اللهُ بُيوتَهم وقُبورَهم نارًا " (6) .
__________
(1) نظر ترجمته في: تهذيب الكمال (25/5401) .
(2) المصدر السابق (27/5705) .
(3) المصدر السابق (32/7021) .
(4) المصدر السابق (17/3912) .
(5) انظر ترجمته في ت الاستيعاب بهامش الإصابة (3/69) ، أسد الغابة
(4/90) ، الإصابة (2/507) .
(6) البخاري: كتاب الجهاد، باب: الدعاء على المشركين بالهزيمة والزلزلة
(2931) ، مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: التغليظ في
تفويت صلاة العصر (627) ، الترمذي: كتاب التفسير، باب: ومن سورة
البقرة (2984) ، النسائي: كتاب الصلاة، باب: المحافظة على صلاة العصر
(1/236) .(2/268)
ش- يحيى بن زكرياء بن أبي زائدة- واسم أبي زائدة: خالد (1) بن
ميمون- وقد ذكرناه في ترجمة زكرياء- أبو سعيد الكوفي الهمداني
الوداعي، مولى امرأة من وداعة. سمع: أباه، وعبد الملك. بن عمير،
وهشام بن عروة، وغيرهم. روى عنه: يحيى بن ادم، ويحيى بن يحيى
التميمي، وابن معين، وأحمد بن حنبل، وقتيبة بن سعيد، وغيرهم.
قال ابن المديني: هو من الثقات، قيل: مات بالمدينة قاضيا بها سنة اثنتين
وتسعين ومائة، وهو ابن ثلاث وستين. روى عنه: الجماعة (2) .
ويزيد بن هارون: أبو خالد الواسطي، قد ذكر غير مرة. وهشام بن
حسّان البصري، ذكر- أيضا- ومحمد بن سيرين، قد ذكر- أيضا-.
وعَبيدة- بفتح العَين وكسر الباء- هو عَبيدة بن عمرو، ويقال: ابن
قيس بن عَمرو السَّلماني- بفتح السين وسكوَن اللام- المُرَادي. وسلمان
هو ابن ناجية بن مراد، أسلم قبل وفاة النبي- عليه السلام- ولم يَلقه.
سمع: عمر بن الخطاب، وعليا، وابن مسعود، وابن الزبير روي
عنه: الشَعبي، وإبراهيم النخعي، وابن سيرين، وغيرهم. قال ابن
عيينة: كان عَبيدة يوازي شريحا في العلم والقضاء. وقال أحمد بن
عبد الله العجلَي: هو كوفي تابعي ثقة، جاهلي أسلم قبل وفاة النبي
- عليه السلام- بسنتَين، وكان أعور، توفي سنة اثنتين وسبعين، روى له
الجماعة (3)
قوله: " يوم الخندق " الخندق: فارسي معرّب؛ وأصله: كَنده أي:
محفور، وقد تكلمت به العَرب، ويوم الخندق كانت في السنة الخامسة
من الهجرة. وقيل: في الرابعة. وقد جاء أن النبي- عليه السلام-
ندب الناسَ يوم الخندق، وفي رواية: يوم الأحزاب، وفي رواية: يوم بني
__________
(1) هذا هو الذي جزم به البخاري، وابن أبي حاتم وغيرهما.
(2) انظر ترجمته في ت تهذيب الكمال (31/6826) .
(3) المصدر السابق (19/3756) .(2/269)
قريظة، فانتدب الزبير، ويوم الخندق وهو يوم الأحزاب ويوم بني قريظة؛
وليس ذلك إشارة إلى يوم بعَينه؛ وإنما هو إلى الغزاة كما يقال: يوم
حنين، ويوم صِفين، وغير ذلك.
قوله: " صلاة العصر " بالجرّ- بدل من " صلاة الوُسطى "؛ والوُسطى
- بضم الواو- تأنيث الأوسط بمعنى الفضلى، وأفعل التفضيل لا يبنى إلا
مما يقبل الزيادة والنقص، وكذا فعل التعجب، فلا يجوز: زيد أموت
الناس، ولا: ما أموت زيد، لأنه لا يقبل ذاك. وكون الشيء وسطا بين
شيئين لا يقبل الزيادة ولا النقص، لا يجوز أن يبنى منه أفعل التفضيل،
فتعين أن تكون الوسطى بمعنى الفضلى.
" (1) واختلف العلماء من الصحابة فمن بعدهم في الصلاة الوسطى
المذكورة في القرآن؛ فقالت جماعة: هي العَصر، ومنهم: عليّ، وابن
مسعود، وأبو أيوب، وابن عمر، وابن عباس، وأبو سعيد الخدري،
وأبو هريرة، وعَبيدة السلماني، والحسن البصري، وإبراهيم النخعي،
وقتادة، والضحاك، والكلبي، ومقاتل، وأبو حنيفة، وأحمد، وداود،
وابن المنذر، وغيرهم. وقال الترمذي: هو قول أكثر العلماء من
الصحابة/فمن بعدهم. قال الماوردي: هذا مذهب الشافعي لصحة
الأحاديث فيه. وقالت طائفة: هي الصُبح؛ ونقل ذلك عن عُمر بن
الخطاب، ومعاذ بن جبل، وابن عباس، وابن عُمر، وجابر، وعطاء،
وعكرمة، ومجاهد، والربيع بن أنس، ومالك بن أنس، والشافعي.
وقالت طائفة: هي الظهر؛ ونقل ذلك عن زيد بن ثابت، وأسامة بن
زيد، وأبي (2) سَعيد الخدري، وعائشة، وعبد الله بن شداد، وهو
رواية عن أبي حنيفة. وقال قبيصة بن ذ [ؤ] يب: هي المَغرب. وقال
غيره: هي العشاء. وقيل: إحدى الخمسة مبهمة. وقيل: الوسطى:
جميع الخَمس؛ حكاه القاضي عياض. وقيل: هي الجمعة. ويقال:
__________
(1) انظر: شرح صحيح مسلم (5/128- 129) .
(2) في الأصل: " وأبو ".(2/270)
الصبح والعصر. ويقال: الجماعة. فهذه عشرة أقوال؛ وأصحها:
العصرُ؛ للأحاديث الصحيحة، والباقي بعضها ضعيف، وبَعضها غلط.
وفي المراد بالصلاة الوُسطى ثلاثة أقوال؛ أحدها: أنها أوسط الصلوات
مقدارا، والثاني: أنها أوسطها محلاّ، والثالث: أنها أفضلها، وأوسط
كل شيء أفضله؛ فمَن قال: الوُسطى: الفُضلى جاز لكل ذي مذهب أن
يَدّعيه، ومن قال: مقدارا فهي المغربُ؛ لأن أقلها: ركعتان، وأكثرها:
أربع. ومَن قال: محلاَ ذكر كل أحدٍ مناسبة يوجه بها.
قوله: " ملأ الله بيوتهم " جملة دعائيّة إنشاء في صورة الإخبار؛ والمعنى:
اللهم املأ بيوتهم وقبورهم نارَا؛ ومثل هذه الجملة لا محل لها من
الإعراب؛ وقد عرف أن الجملة ما لم تقعِ في موقع المفرد لا تكتسب
إعرابًا؛ لأن الجملة من المبنيّات. وإنما جمع فيه بين البيوت والقبور ليعتم
عليهم العذاب في الدنيا والآخرة، وخصّص النار لأنه أكبر أنواع العذاب.
والحديث: أخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي.
394- ص- نا القعنبيُّ، عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن القعقاع بن
حكيم، عن أبي يُونس مولى عائشةَ رضي الله عنها، أنه قال: أَمَرتنِي عائشةُ
أن أكتبَ لها مُصحفًا وقالت: إذا بلغت هذه الآيةَ فآذنَي (حَافظُوا عَلَى
الصَّلَوَات وَالصَّلاَة الوُسطى) (1) فلما بلغتُها آذنتُها فأملَت عَلً: حافظُوا
عَلَى الصَّلًوات والَصَّلاةِ الوُسطَى وصَلاة العَصرِ وقُومُوا لله قانتينَ، ثم قَالت
عائشةُ: سمعتُهَا من رسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (2) .
ش- أبو يونس مولى عائشة- رضى الله عنها-. روى عن:
__________
(1) سورة البقرة: (238) .
(2) مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: الدليل لمن قال الصلاة
الوسطى هي صلاة العصر (629) ، الترمذي: كتاب تفسير القراَن، سورة
البقرة (2982) ، النسائي: كتاب الصلاة، باب: المحافظة على صلاة العصر
(1/236) .(2/271)
عائشة. روى عنه: القعقاع بن حكيم. روى له: مسلم، وأبو داود،
والترمذي، والنسائي (1) .
قوله: " فآذني " بالمدّ- أي: أعلمني؛ أمر من آذن يُؤذِن إيذانًا،
فاجتمعت نون الكلمة مع نون الوقاية فأدغمت إحداهما في الأخرى.
قوله: " فا " ملت عليَ " يُقال: أملّ عليه، وأملى عليه، واملل علمه إذا
لقنه ما يكتبه. " (2) واستدل به بعض الشافعية أن صلاة العصر ليست هي
الوسطى؛ لأن العطف يقتضي المغايرة؛ لأن قوله: " وصلاة العصر "
معطوف على قوله: " على الصلوات " لأنه هكذا هو في الروايات.
والجواب عن هذا: أن هذه قراءة شاذة لا يحتج بها، ولا يكون لها حكم
الخبر عن رسول الله؛ لأن ناقلها لم ينقلها على أنها قراَن، والقرآن لا يثبت
إلا بالتواتر بالإجماعَ.
قلت: يحوز أن يكون العطف فيه كالعطف في قول الشاعر
إلى الملك القَرم وابن الهمام ... وليث الكَتِيبة في المُزدحم
فقد وُجد العطفُ هاهنا مع اتحاد الشَّخص، وعطف الصفات بعضها
على بعض موجودٌ في كلام العرب كثيرٌ.
395- ص- حدثنا محمد بن المثنى: نا محمد بن جَعفر: ثنا شعبة:
حدثني عَمرو بن أبي حكيم. قال: سمعت الزبرِقَانَ يحدث عن عروة بن
الزبير، عن زيد بن ثابت قال: كان رسولُ الله- عليه السلام- يُصلِّي
الظهرَ بالهَاجرَة، ولم يكن يُصَلِّي صلاةً أشدَّ عَلى أصحاب النبيِّ- عليه
السلام- منهَا، فنزلت (حَافظُوا عَلَى الصَّلَواتِ والصَّلاةِ الوُسطَى) وقال:
" إن قبلَها صلاتينِ، وبَعدها صَلاتينِ " (3) .
ش- محمد بن جعفر- الهذلي مولاهم البصري، المعروف بغندر،
وقد ذكر غير مرة، وكان شعبة بن الحجاج زوج أمه.
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (34/7712) .
(2) انظر: شرح صحيح مسلم (5/130- 131) .
(3) تفرد به أبو داود.(2/272)
وعَمرو بن أبي حكيم أبو سعيد. ويقال: أبو سَهل الواسطي الكردي.
ويقال: إنه مولى لآل الزُّبير. روى عن: عروة بن الزبير، وعبد الله بن
بُريدة، والزِّبرِقان. روى عنه سعيد. وروى عن: داود بن أبي هند،
عنه إن كان محفوظا. روى له: أبو داود (1) . والزِّبرقان: ابن عَمرو بن
أمية الضَّمري. وقيل: الزبرِقان/بن عبد الله بن عمرو بن أميّة. روى
عن: عروة بن الزبير، وأبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبيه (2) ، وعن
زَهرة، عن زيد بن ثابت. روى عنه: عَمرو بن [أبي] حكيم وابن
أبي ذئب، وجَعفر بن ربيعة، ويَعقوب بن عَمرو. روى له: أبو داود،
وابن ماجه (3) .
وزيد بن ثابت بن الضحاك بن زيد بن لوذان بن عمرو بن عبد عوف بن
غنم بن مالك بن النجار الأنصاريّ، أبو سعيد. وقيل: أبو خارجة،
أخو يزيد بن ثابت لأبيه وأمه. روي له عن رسول الله- عليه السلام-
اثنان وتسعون حديثَا، اتّفقا منها على خمسة أحاديث، وانفرد البخاريّ
بأربعة ومسلم بحديثِ. وقد روى عن: أبي بكر، وعمر، وعثمان
- رضي الله عنهم-. روى عنه: ابن عُمر، وأنس بن مالك،
وأبو هريرة، وأبو سعيد الخدري، ومروان بن الحكم، وسليمان وعطاء
ابنا يَسار، وابن المسيّب وغيرهم. وكان يكتب الوحي لرسول الله،
وكتب لعمر- أيضا- وكان يستخلفه- إذا صح- وكان معه حين قدم
الشام لفتح بيت القدس، وهو تولى قسمة غنائم اليرموك، ومات بالمدينة
سنة أربع وخمسين، وهو ابن خمسين. وقيل: خمس وأربعين، وقتل
أبوه ثابت في وقعة بعاث، كانت قبل هجرة النبي- عليه السلام-
بخمس ستين. روى له الجماعة (4) .
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (21/4349)
(2) كذا، وفي تهذيب الكمال أنه روى عن أبيه أو أخيه عبد الله بن عمرو بن
أمية، وعن زيد بن ثابت بلا واسطة.
(3) انظر ترجمته في تهذيب الكمال (9/1955) .
(4) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (1/551) ، أسد الغابة
(2/278) ، الإصابة (1/561) .
18 * شرح سنن أبي داوود 2(2/273)
قوله: " بالهاجرة " أي: في الهاجرة؛ وهي اشتداد الحرّ نصف النهار.
قوله: " ولم يكن يصلي صلاة أشدَّ " وذلك لكَونه يُصَلِّي في قوة الحرَّ،
ثم أبرد بعد ذلك، وأمر بالإيراد- أيضَا-.
قوله: " إن قبلها " أي: قبل صلاة الوُسطى: " صلاتين وبَعدها صلاتين "
وبهذا يطلق على كل صلاة أنها وُسطى؛ لأن كل صلاة بحسبها وُسطى
يكون قبلها صلاتان وبعدها صلاتان؛ ولكن سياق الكلام يَدلّ على أن
المراد من الصلاة الوُسطى: الطهرُ؛ وذلك لأن نزول الآية كان عند
استثقالهم صلاة الظهر بالهاجرة، فبيَن أن المرادَ من قوله: (حَافظُوا عَلَى
الصَّلَوَات والصَّلاَةِ الوُسطَى) : صلاة الظهر؛ لأن قبلها صلاَتا الصّبح
والعشاء، وهما من وجه الليل، وبعدها: صلاتا العَصر والمغرب،
وهما من وجه النهار. وهو قول جماعة من الصحابة- كما ذكرنا-
والأصح: أنها صلاة العَصر- كما ذكرناه-. والحديث أخرجه البخاريّ
في " التاريخ الكبير ".
396- ص- ثنا الحسن بن الربيع: حدثني ابن المبارك، عن معمر، عن
ابن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من أدركَ من العَصرِ رَكعةَ قبلَ أن تَغرُبَ الشمسُ فقد أدركَ، ومن
أدرك من الفجرِ رَكعةَ قبلَ أن تطلُعَ الشمسُ فقد أدرك " (1) .
ش- الحسن بن الربيع: ابن سليمان البجلي القَسري، وقَسر من
بَجيلة، أبو علي الكوفي. سمع: حماد بن زيد، وأبا عوانة، وعبد الله
ابن المبارك، وجماعة آخرين. روى عنه: أبو زرعة، وأبو حاتم،
__________
(1) البخاري: كتاب مواقيت الصلاة، باب: من أدرك من الفجر ركعة (579) ،
مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: من أدرك ركعة من الصلاة
فقد أدرك تلك الصلاة 165 (608) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما
جاء فيمن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس (186) ، النسائي:
كتاب المواقيت، باب: من أدرك ركعة من الصلاة (1/254) ، ابن ماجه:
كتاب الصلاة، باب: وقت الصلاة في العذر والضرورة (699) .(2/274)
ومسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، وغيرهم. قال أحمد بن
عبد الله: كوفي ثقة، رجل صالح متعبّد، مات في رمضان سنة إحدى
وعشرين ومائتين (1) .
وابنُ طاوس: عبد الله بن طاوس بن كيسان، أبو محمد اليماني
الحِميري. سمع: أباه، وعكرمة بن خالد. روى عنه: عمرو بن دينار
وابن جريج، ومَعمر بن راشد، والثوري، وابن عيينة، وغيرهم. مات
سنة ثنتين وثلاثين ومائة. روى له الجماعة (2) .
قوله: " فقد أدرك " أي: أدرك وُجوبَها، حتى إذا أدرك الصبيُ قبل
غروب الشمس، أو أسلم الكافر، أو أفاق المجنون، أو طهُرَت الحائض
يجب عليه صلاة العَصر، ولو كان الوقت الذي أدركه جزءَا يسيرَا لا يسع
فيه الأداء، وكذلك هذا الحكم قبل طلوع الشمس. وقال زفر: لا
يجب، ما لم يجد وقتا يسع فيه الأداء حقيقة. وعن الشافعي قولان فيما
إذا أدرك دون ركعة كتكبيرة مثلا؛ أحدهما: لا يلزمه، والآخر: يلزمه؛
وهو أصحّهما؛ وذلك لأن من أدرك ركعة أو تكبيرةَ فقد أدرك حرمة
الصلاة، فاستوى فيه القليل والكثير.
فإن قلت: قيّد الركعة في الحديث، فينبغي أن لا يُعتبر أقل من الركعة،
قلت: التقييد بالركعة خرج مخرج الغالب؛ فإن غالب ما يمكن معرفة
إدراكه ركعة ونحوها، وأما التكبيرة فقد لا يكاد يُحَس (3) بها.
واعلم أن هذا الحديث دليل صريح في أن مَن صلى ركعةَ من العَصر،
ثم خرج الوقت قبل سلامه لا تبطل صلاته؛ بل يُتمّها؛ وهذا بالإجماع.
وأما في الصبح فكذلك عند الشافعي/ومالك وأحمد إلا عند أبي حنيفة؛
فإنه قال: تبطل صلاة الصبح بطلوع الشمس فيها. وقالت الشافعية:
الحديث حجّة على أبي حنيفة.
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (6/1230) .
(2) المصدر السابق (15/3346) .
(3) في الأصل: " يحسن "، وانظر: شرح صحيح مسلم (5/105) .(2/275)
واعلم أن هاهنا بحثا عظيما إذا وقفت عليه عَرَفت ما أسس عليه
أبو حنيفة، وعَرَفت أن الحديث ليس بحجة على أبي حنيفة، وأن غير هذا
الحديث من الأحاديث حجّة عليهم؛ فنقول: لا شك أن الوقت سبب
للصلاة وطرف لها؛ ولكن لا يمكن أن يكون كل الوقت سببًا، لأنه لو
كان كذلك يلزم تأخير الأداء عن الوقت، فتعين أن يجعل بعض الوقت
سببا، وهو الجزء الأول لسلامته عن المزاحم. فإن اتصل به الأداء تقررت
السببيّة وإلا ينتقل إلى الجزء الثاني والثالث والرابع وما بعده إلى أن يتمكن
فيه من عقد التحريمة إلى آخر جزء من أجزاء الوقت، ثم هذا الجزء إن
كان صحيحاً بحيث لم ينسب إلى الشيطان، ولم يوصف بالكراهة- كما
في الفجر- وجب عليه كاملا، حتى لو اعترض الفساد في الوقت بطلوع
الشمس من خلال الفجر فَسَدَ خلافا لهم؛ لاكك ما وجب كاملا لا يتأدى
بالناقص كالصوم المنذور المطلق، أو صوم القضاء لا يتأدى في أيام النحر
والتشريق، وإن كان هذا الجزء ناقضا بأن صار منسوبا إلى الشيطان كالعصر
وقت الاحمرار وجب ناقصَا؛ لأن نقصان السبب يؤثر في نقصان المسبّب،
فيتأدى بصفة النقصان؛ لأنه أرى كما لزم، كما إذا نذر صوم النَحر وأداه
فيه، فإذا غربت الشمس في أثناء الصلاة لم تفسد العَصر؛ لأن ما بعد
الغروب كامل فيتأدى فيه؛ لأن ما وجب ناقصًا يتأدى كاملا بالطريق
الأولى.
فإن قيل: يلزم أن يفسد العصر إذا شرع فيه من الجزء الصحيح، ومدّها
إلى أن غربَت، قلنا: لما كان الوقت متسعا جاز له شغل كل الوقت
فيعفَى الفساد الذي يتصل فيه بالبناء؛ لأن الاحتراز عنه مع الإقبال على
الصلاة متعذر.
والجواب عن الحديث: ما ذكره الطحاويّ في " شرح الاَثار " أن ورود
الحديث كان قبل نَهيه- عليه السلام- عن الصلاة في الأوقات المكروهة.
والحديث: أخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن
ماجه، من حديث الأعرج، وغيره، عن أبي هريرة- رضي الله عنه-.(2/276)
397- ص- ثنا القعنبي، عن مالك، عن العلاء بن عبد الرحمن أنه قال:
دَخلنَا على أنسِ بن مَالك بعدَ الظهرِ، فقامَ يُصلِّي العَصرَ، فلما فَرغَ من
صلاته ذكرنا تَعجيلَ الصَلاة أو ذَكَرَها فقال: سمعتُ رسولَ الله. صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقولُ:
" تلك ًصلاةُ المُنَافقينَ، تلكً صلاةُ المنافقينَ، تلك صلاةُ المنافقين، يَجلِسُ
أحَدهم حتى إذا اصفرت الشمس، فكانت بين قَرنَي الشيطانِ، أو على قَرني
الشيطانِ قَامَ (1) فنقَرَ أربَعًا، لا يذكر الله فيها إلا قليلاً " (2) .
ش- العلاء بن عبد الرحمن الحرقي الجُهني مولاهم، قد ذكرناه.
قوله: " بعد الظهر " أي: دخلنا على أنسٍ في داره بعد صلاة الظهر،
وكانت داره بجنب المسجد.
قوله: " تلك صلاة المنافقين " إشارة إلى صلاة العَصر التي تُصلَّى (3) في
اصفرار الشمس، وتؤخر هذا التأخير بلا عذر؛ وإنما كررها ثلاث مرات
ليكون أبلغ في ذم تأخيره بلا عذر.
قوله: " يجلس لما إلى آخره بيان لهيئة هذه الصلاة التي وقع فيها وفي
صاحبها الذمّ.
قوله: " فكانت " أي: الشمس " بين قرني الشيطان " " (4) اختلفوا فيه
على وجوه؛ فقيل: معناه: مقارنة الشيطان الشمس عند دنوها للغروب
على معنى ما روي " أن الشيطان يقارنها إذا طلعت، فإذا ارتفعت فارقها،
وإذا استوت قارنها، فإذا زالت فارقها، فإذا دنت للغروب قارنها، فإذا
غربت فارقها " فحرمت الصلاة في هذه الأوقات الثلاثة لذلك، وقيل:
قرنُه: قوته، من قولك: أنا مُقرِن لهذا الأمر أي: مطيق له، قوي
__________
(1) في الأصل: " قال "، وما أثبتناه من سنن أبي داود.
(2) مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: استحباب التبكير بالعصر
195 (622) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: في تعجيل العصر (160) ،
النسائي: كتاب المواقيت، باب: التشديد في تأخير العصر (1/254) .
(3) في الأصل: " يصلي ".
(4) انظر: معالم السنن (1/112- 113) .(2/277)
عليه؛ وذلك لأن الشيطان إنما يقوى أمرُه في هذه الأوقات؛ لأنه يُسول
لعبَدة الشمس أن يسجدوا لها في هذه الأوقات الثلاثة. وقيل: قرنه:
حزبه وأصحابُه الذين يعبدون الشمس، يُقال: هؤلاء قرن أي: نَشؤٌ
جاءوا بعد قرن مَضى. وقيل: إن هذا تمثيل وتشبيه؛ وذلك أن تأخير
الصلاة إنما هو من تسويل الشيطان لهم وتَسويفِه وتَزيينه ذلك في قلوبهم،
وذوات القرون إنما تعالج الأشياء وتدفعها/بقرونها، فكأنهم لما دافعوها
وأخّروها عن أوقاتها بتسويل الشيطان لهم حتى اصفرت الشمس: صار
ذلك منه بمنزلة ما تعالجه ذوات القرون بقرونها، وتَدفعه بأرواقها. وفيه
وجه آخر: وهو أن الشيطان يقابل الشمس حين طلوعها، وينتصبُ
دونها، حتى يكون طلوعها بين قرنَيه- وهما جانبا رأسه- فينقلب سجود
الكفار للشمس عبادةَ له. وقرنا الرأس فَودَاهُ وجانباه، ومنه سمّي ذو
القرنَينِ؛ وذلك لأنه ضُرب على جانبي رأسه فلُقّب به والله أعلم (1) .
قلت: يمكن [حمل] الكلام على حقيقته، ويكون المراد: أنه يُحاذيها
بقَرنَيه عند غروبها، وكذا عند طلوعها؛ لأن الكفار يسجدون لها حينئذ
فيقارنَها ليكون الساجدون لها في صورة الساجدين له، ويُخيّل لنفسه
وأعوانه أنما يَسجدون له، فيكون له ولشيعته تَسلطٌ.
قوله: " فنقَرَ أربعا " أي: أَربع ركعات، ونقَر من نقر الديك أو
الغراب، وهو كناية عن تخفيفها جدا بحيث لا يمكثُ فيها إلا قدر وضع
الديك أو الغراب منقاره فيما يُريد أكله.
قوله: " لا يذكر الله فيها إلا قليلا " صفة لقوله: " أربعَا "؛ وذلك
لاستعجاله فيها خوفا من غروب الشمس، لا يقدر أن يأتي بالقراءة كما
ينبغي، ولا بالتسبيحات والأدعية على صفتها، وانتصابُ " قليلاَ " على أنه
صفة لمصدر محذوف والتقدير: لا يَذكر الله فيها إلا ذكرا قليلا. وفيه
- أيضا- ذم صريح لمن يخفّف في الصلاة غايةَ بحيث أنه يؤدي إلى ترك
الواجبات. والحديث: أخرجه مسلم، والترمذي، والنسائي.
__________
(1) إلى هنا انتهى النقل من معالم السنن.(2/278)
398- ص- ثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر أن
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الذي تفوتُه صَلاةُ العَصر فكأنما وُتِرَ أهلَه ومَالَهُ " (1) .
ش- " الذي " مبتدأ وخبره: " فكأنما "، وقد عرف أن المبتدأ إذا
تضمن معنى الشرط يدخل في خبره الفاء، نحو: الذي يأتيني فله درهم؛
وذلك إنما يكون إذا كان المبتدأ مَوصولا، صلته فعل مثل هذا، أو ظرف
نحو (وَما بكُم مَن نِّعمَة فَمِنَ اللهِ) (2) أو كان المبتدأ نكرة موصوفة
بأحدهما كقوَلك: كل رجًل يأتيني أو في الدار فله درهم؛ وإنما تدخل
الفاء لما فيه من القصد إلى أن الأول سبب للثاني فيكون كالشَّرط.
قوله: " أهلَه ومالَه " " (3) مَنصوبان، هو الصحيح المشهور الذي عليه
الجمهور على أنه مفعول ثان لِـ " وُتِرَ "، فا " ضمر فيه مفعول ما لم يسمّ
فاعله عائدا إلى الذي فاتته الصلاة، ويجوز أن يكونا مَنصوبَين بنزع
الخافض؛ والمعنى: فكأنما وتر في أهله وماله، فلما حذف الخافض
انتصَبَ، والمعنى: نقص هو أهلَه ومالَه وسُلِبَهم، فبقي وترا فردًا بلا أهل
ومال، فليحذر من تفويتها كحذره من ذهاب أهله، وماله. وأما وجه
رفعهما: فعلى ما لم يُسم فاعله، ولا يكون حينئذ في " وُتر " إضمارٌ،
بل يكون مُسندا إلى الأهل، والمال يكون معطوفا عليه، والمعنى: فكأنما
انتُزِعَ منه أهلُه ومالُه. وهذا تفسير مالك بن أنس. وقال أبو عمر بن
عبد البر: معناه عند أهل اللغة والفقه: أنه كالذي يُصاب بأهله وماله
إصابةَ يطلب بها وِتراً، والوِتر: الجنايةُ التي يُطلب ثأرها، فيجتمعَ عليه
غَمان: غم المصيبة، وغمّ مقاساة طلب الثأر. وقال الداودي من المالكية:
__________
(1) البخاري: كتاب مواقيت الصلاة، باب: إثم من فاتته العصر (هـ52) ،
مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: التغليظ في تفويت صلاة
العصر 201 (626) .
(2) سورة النحل: (53) .
(3) انظر: شرح صحيح مسلم (5/125-126) .(2/279)
معناه: يتوجّه عليه من الاسترجاع ما يتوجه على من فقد أهله وماله،
فيتوجه عليه الندمُ والأسَف لتفويته الصلاة. وقيل: مَعناه: فاته من
الثواب ما يلحقه من الأسف عليه كما يلحق من ذهب أهله وماله ".
والحديث أخرجه البخاريّ، ومسلمٌ 0
ص- قال أبو داود: وقال عُبيد الله بن عُمر: أُتِرَ
ش- عُبيد الله بن عُمر القواريري أحدُ شيوخ أبي داود، والبخاريّ،
ومُسلم. وقال: " أُتر " موضع " وتر لما، " الهمزة " فيه بدلٌ من
" الواو "، كما في " اقًّتت " أصله: " وُقِّتت "، و " أحِّد " أصله:
" وَحّد "، وأمثاله كثيرةٌ، وكلاهما مجهول من وَتره يَتِرُه وَترًا ووترا وِتِرهً،
وكذلك: وَترَه حَقّه أي: نقصَه، وقوله تعالى: (لَن يتركُم
أَعمَالَكُم) (1) أي: لن ينتقصكم في أعمالكم، كما تقول: دخَلت
البيتَ وأنتَ تريدُ: دخلتُ في البَيت، وبابُه من ضرب يضرب، واصل:
يَتِر: يَوتِر؛ حذفت الواو لوقوعها بين الياء والكسرة، ومَصدره: فَعل
بالفتح وفعِل بالكَسر، وفعلة/كما ذكرنا وتِرةٌ أصله: وترٌ، حذفت
الواو تبعاًَ لفِعلة، وعُوِّضتَ عَنها الهاءُ في آخرها، فصار تِرةٌ كما في عِدة.
ص- واختلف على أيّوب (2) .
ش- أي: اختلف على أيوب السختياني في روايته: هل كان " وُتر "
بالواو أو " أُتِر " بالهمزة؟ 0
ص- وقال الزهري، عن سالم، عن أبيه، عن النبي- عليه السلام- قال:
" وُتِر ".
ش- أي: قال محمد بن مسلم الزهري، عن سالم بن عبد الله بن
عمر بن الخطاب- رصي الله عنهم-، عن أبيه، عن النبي- عليه
السلام- قال: " وُتِر " بالواو؛ وأصحّ الأسانيد: الزهري، عن سالم،
عن أبيه.
__________
(1) سورة محمد: (35) .
(2) في سنن أبي داود: ".. أيوب فيه ".(2/280)
399- ص- نا محمود بن خالد: نا الوليد قال: قال أبو عَمرو- يعني:
الأوزاعيّ: وذلك أن تَرى ما على الأرضِ من الشمسِ صَفراءَ (1) .
ش- محمود بن خالد: السلمي الدمشقي.
والوليد: ابن مُسلم، أبو العباس الدمشقي.
قوله: " ودلك " إشارة إلى الفوات الذي يَدلُّ عليه قوله: " تفوته ".
وقد اختلف العلماء في الفوات؛ " (2) فقال عبد الرحمن الأوزاعي: أن
يؤخرها إلى أن ترى ما على الأرض من الشمس صَفراء؛ والمعنى: إلى
أن تَصفر الشمسُ. وقال ابن وهب: هو فمِمَن لم يُصلها في وقتها
المختار. وقال سحنون: هو أن تفوته بغُروب الشمس. فقيل: ناسيًا.
روي ذلك عن سالم، وقيل: عامدا؛ وهو قول الداودي، والأظهر:
أن هذا فيمَن تَفُوته بخروج الوقت عامدًا. ويؤيده: ما رواه البخاريّ في
" صحيحه ": " مَن ترك صلاة العَصر حبط عملُه "، وهذا إنما يكون في
العامد ".
فإن قيل: ما الحكمة في تخصيصه- علمِه السلام- العَصر بقوله:
" الذي تفوته صلاة العَصرِ "؟ قلت: يحتملُ وجوها؛ الأول: أن يكون
جوابَا لسائل (3) سأل عن ذلك، الثاني: أنه تأكيدٌ وحَض على المثابرة
عليها؛ لأنها تأني في وقت اشتغال الناس، والثالثُ: لأنها على
الصحيح: الصلاة الوسطى، وبها تختم الصلوات، والرابع: أنها
مَشهودة، والخامس: أنها صلاة لا يُتنفّلُ بعدها، فإذا فاته العصر فاته
فضل الوقت.
فإن قلت: الصُّبح- أيضا- كذلك، وهي مشهودة- أيضا- قلت:
وقد أوصى بالصُّبح في الكتاب كما أوصى بها في السُّنَّة، فافهم. وأما
كونها مشهودة: فالكتاب عرّف قدرها كما عرفت السُّنَة قدر العصر.
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) انظر: شرح صحيح مسلم (5/126) .
(3) في الأصل: " لسؤال ".(2/281)
وأما تأويل ما رواه البخاري " من فاته " فوات مضيع متهاون بفضل وقتها
مع قدرته على أدائها، فحبط عمله في الصلاة خاصة أي: لا يحصل له
أجر المصلي في وقتها، ولا يكون له عمل ترفعه الملائكة. كذا قاله
المهلب. وقال غيرُه: تركها جاحدَا، فإذا فعل ذلك فقد كفر وحبط عمله.
قلت: هذا يُقال في سائر الصلوات، ويقال هذا على وجه التغليظ.
ويُقال: معناه: كاد أن يُحبط، ويُقال: يوقف عنه عملهُ مُدة يكون فيها
بمنزلة المحبط حتى يأتيه من فَضل الله ما يدرك به ثواب عمله.
5- بَاب: فِي وَقتِ المَغرب
أي: هذا باب في بيان وَقت المغرب.
400- ص- نا داود بن شبيب: نا حماد، عن ثابت البنانِي، عن أنس بن
مالك قال: كُنَا نُصَلِّي المغربَ مع النبيِّ- عليه السلام- ثم نرمي فيَرى احدنُا
مَوضعَ نَبلِهِ (1) .
ش- داود بن شبيب: البصري، وحماد: ابن سلمة.
قوله: " ثم نَرمي " أي: نَرمي النبل؛ والنبلُ: السهامُ العربية، ولا
واحد لها من لفظها، فلا يُقال: نَبلة، وإنما يُقال: سهم ونشابة؛
والمعنى: أنا نبكر بها في أول وقتها بمجرد غروب الشمس حتى ننصرف،
ويَرمي أحدُنا النبل عن قوسه ويُبصر موقعه لبقاء الضوء. وفي هذا الحديث
والأحاديث التي بَعدها أن المغرب يُعجل عقيب غروب الشمس، وهذا
مجمع عليه، وقد حكي عن الشيعة فيه شيء لا التفات إليه ولا أصل له.
فإن قيل: ما تقولُ في الأحاديث التي وردت في تأخير المغرب إلى
__________
(1) البخاري: كتاب مواقيت الصلاة، باب: وقت المغرب (559) ، مسلم:
كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: بيان أن أول وقت المغرب عند غروب
الشمس 217- (637) ، النسائي: كتاب المواقيت، باب: تعجيل المغرب
(1/259) ، ابن ماجه: كتاب الصلاة، باب: وقت صلاة المغرب (687) .(2/282)
قريب سقوط الشفق؟ قلت: تلك لبيان جواز التأخير، وهذه لبيان
الأوقات التي كان- عليه السلام- يُواظب عليها، لأجل فضيلتها إلا
لعُذرٍ، فافهم. وأخرج البخاريّ، ومسلم، وابن ماجه نحوه من حديث
/رافع بن خديج، عن رسول الله- عليه السلام- وأخرج النسائي نحوه
من رواية رجل من أَسلم من أصحاب النبي- عليه السلام-، عن النبي
- عليه السلام-.
401- ص- نا عَمرو بن علي، عن صفوان بن عيسى، عن يزيد بن
أبي عُبيد، عن سَلَمةَ بنِ الأكوع قال: كان النبيُّ- عليه السلام- يُصلِّي
المغربَ ساعةَ تَغربُ الشمسُ إذا غَابَ حاجِبُها (1) .
ش- عَمرو بن علي: الصَّيرفي الباهلي البصري، وصفوان بن عيسى:
القرشي البصري.
ويزيد بن أبي عُبيد: الأَسلمي مولى سلمة بن الأكوع. روى عن:
سلمة بن الأكوع، وعمير مولى آبي اللحم. روى عنه: يحيى القطان،
وحفص بن غياث، وصفوان بن عيسى، وجماعة آخرون. مات سنة
سبع وأربعين ومائة. روى له الجماعة (2) .
وسلمة بن عَمرو بن الأكوع- واسم الأكوع: سنان بن عبد الله بن
قُشَير الأسلمي، أبو مُسلم أو أبو عامر، شهد بيعة الرضوان تحت
الشجرة، وبايع رسول الله يومئذ ثلاث مرار؛ في أول الناس وأوسطهم
وآخرهم. رُوِيَ له عن رسول الله- عليه السلام- سَبعةٌ وسَبعون حدينا؛
اتفقا على ستة عشر، وانفرد البخاري بخمسة ومسلم بسَبعة. روى عنه:
__________
(1) البخاري: كتاب مواقيت الصلاة، باب: وقت المغرب (561) ، مسلم:
كتاب المساجد، باب: بيان أن أول وقت المغرب عند غروب الشمس (636) ،
الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في وقت المغرب (164) ، ابن
ماجه: كتاب الصلاة، باب: وقت صلاة المغرب (688) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (32/ 7028) .(2/283)
ابنه: إياس، ومولاه: يزيد بن أبي عبيد، وأبو سلمة بن عبد الرحمن،
وجماعة آخرون. مات بالمدينة سنة أربع وسَبعين، وهو ابن ثمانين سنةَ،
وكان يسكن الرَبذَة، وكان شجاعا راميَا محسناً خيِّرا. وقيل: إنه شهد
غزوة مؤتة. روى له الجماعة (1) .
قوله: " ساعة " نصب على الظرفية ومضاف إلى الجملة.
قوله: " إذا غاب حاجبُها " بدل من قوله: " ساعة تغرب الشمس "؛
وحاجب الشمس: حرفها الأعلى من قُرصها وحواجبها: نواحيها.
وقيل: سمّي بذلك لأنه أول ما يَبدو منها كحاجب الإنسان، وعلى هذا
يختص الحاجب بالحرف الأعلى البادي أولا، ولا يسمّى جميع نواحيها
حواجب. وأخرجه: البخاريّ، ومسلم، والترمذي، وابن ماجه بنحوه.
402- ص- نا عُبيد الله بن عُمر: نا يَزيد بن زُرَيع: نا محمد بن
إسحاق: نا يَزيد بنُ أبي حبيب، عن مَرثد بن عبد الله قال: قَدِمَ (2) علينا
أبو أيوبَ غَازيًا وعقبةُ بنُ عامر يومئذ على مصرَ، فأخَّرَ المغربَ، فقامَ إليه
أبو أيوبَ فقال له: مَا هذه الصًلاةُ يا عقبة؟! فقال له: شغِلنَا، قال: أما
سمعت رسولَ الله- عليه الَسلام- يَقولُ: " لا تَزالُ (3) أُمَّتي بخَيرٍ " أو قال:
" على الفِطرَةِ، مَا لم يؤَخِّرُوا المغربَ إلى أن تَشتبكَ النُّجومُ " (4) ؟.
ش- عبيد الله بن عُمر: القواريري، ويزيد بن زُريع: البصري،
ومحمد بن إسحاق: ابن يَسَار صاحب المغازي. ويزيد بن أبي حبيب-
واسم أبي حبيب: سويد المصري.
ومَرثد بن عبد الله- بفتحٍ الميم وسكون الراء وفتح الثاء المثلثة-
أبو الخير اليَزَني المصري، ويزن بطن من حمير. روى عن: سعيد بن زيد
__________
(1) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (2/87) ، أسد الغابة
(2/423) ،الإصابة (2/66) .
(2) في سنن أبي داود: " لما قدم ".
(3) في سنن أبي داود: " لا يزال ".
(4) تفرد به أبو داود.(2/284)
ابن عمرو بن نفيل، وأبي أيوب الأنصاريّ، وعمرو بن العاص، وابنه:
عبد الله بن عَمرو، وزيد بن ثابت، وأبي نضرة الغفاري، وغيرهم.
روى عنه: عبد الرحمن بن شمّاسة، ويزيد بن أبي حبيب،. وجعفر بن
ربيعة، وغيرهم. قال أبو سَعيد بن يونس: كان مفتي أهل مصر في
زمانه، وكان عبد العزيز بن مَروان يُحضِره فيُجلسه للفُتيا. توفي سنة
تسعين. روى له الجماعة (1) .
وأبو أيوب: خالد بن زيد الأنصاري، مُضيِّف رسول الله. وَعُقبة بن
عامرٍ الجُهني.
قوله: " يومئذ " أي: يوم قدِم أبو أيوب مصر، وكان عقبة والياً على
مصر من قِبل معاوية، سنة أربع وأربعين.
قوله: " أو قال: على الفطرة " شكّ من الراوي؛ وكذا في رواية ابن
ماجه؛ رواها عن عباد بنَ العوام، عن عمر بن إبراهيم، عن قتادة،
عن الحسن، عن الأحنف بن قَيس، عن العباس بن عبد المطلب قال:
قال رسولُ الله- عليه السلام-: " لا تزال أمّتي على الفِطرة ما لم
يؤخروا المَغرب حتى تشتبك (2) النجوم (3) ". والمرادُ من الفطرة:
السُّنَّة؛ كما في قوله- عليه السلام-: " عشر من الفطرة ".
قوله: " إلى أن تَشتبك النجُوم " أن: مَصدرية، والتقدير: إلى اشتباك
النجوم. قال ابن الأثير (4) : " اشتبكت النجوم أي: ظهرت جميعها
واختلط بعضها ببعض لكثرة ما ظهر منها ". وجه التمسك بالحديث: أن
التأخير لما كان سببًا لزوال الخير كان التعجيل سببًا لاستجلابِه. وقال
الشيخ زكي الدين: في إسناده: محمد بن إسحاق بن يسار، وقد تقدم
الكلام عليه.
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (27/5850) .
(2) في الأصل: " يشتبك ".
(3) ابن ماجه: كتاب الصلاة، باب: وقت صلاة المغرب (689) .
(4) النهاية (2/441) .(2/285)
قلتُ: كأنه أشار بهذا إلى ضعف الحديث؛ ولكن ليسَ الأمر كما
زعمه؛ أما أولا: فلأن/محمد بن إسحاق مُوثق عند الجمهور، وأما
ثانيا: فإن الحاكم رواه في " مُستدركه (1) " وقال: صحيح على شرط
مُسلم.
***
6- بَابُ: وَقتِ عشاءِ الآخرة
أي: هذا باب في بيان وقت عشاء الأخرة، وفي بَعض النسخ: " باب
ما جاء في وقت عشاء الآخرة " بالإضافة، وفي بعضها: " العشاء
الآخرة " بالصفة؛ وبالإضافة أصحّ.
403- ص- ثنا مُسدّد: نا أبو عوانة، عن أبي بشر، عن بَشير بن ثابت،
عن حبيب بن سالمٍ، عن النعمان بن بَشير قال: " أنا أعلمُ الناسِ بوقت هذه
الصلاة: صلاة العشاء الآخرة، كان رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَفَيها لسُقُوطِ اَلقَمرِ
لِثالثة " (2) .ًً
شً- أبو عوانة: الوَضَّاحُ، وأبُو بشر هو: جَعفر بن أبي وَحشية
الواسِطيُّ.
وبَشِير- بفتح الباء- بن ثابت: الأنصاري. روى عن: حبيب
ابن سالم. روى عنه: شعبة وغيره. قال ابن معين: ثقة. روى له:
أبو داود، والترمذي، والنسائي (3) .
وحبِيب بن سالم: الأنصاري مولى النعمان بن بَشير. روى عن:
النعمان. روى عنه: محمد بن المُنتشر، وإبراهيم بن مهاجر، وأبو بشر
__________
(1) (1/ 190)
(2) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في وقت صلاة العشاء الآخرة
(165) النسائي: كتاب المواقيت، باب: ما يستحب من تأخير العشاء
(1/ 264)
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (4/715) .(2/286)
جَعفر بن أبي وحشيّة، وغيرهم. قال أبو حاتم: ثقة. وقال البخاري:
فيه نطر. روى له: الجماعة إلا البخاريُّ (1) .
والنعمان بن بَشير بن سَعد بن ثعلبة بن جُلاس- بالجيم المضمومة-
أبو عبد الله، وهو أول مولود ولد في الأنصار بعد قدوم النبي- عليه
السلام-؛ ولد هو وعبد الله بن الزبير عام اثنتين من الهجرة. رُوِيَ له
عن رسول الله مائة حديث وأربعة عشر حديثا. روى عنه ابنه: محمد بن
النعمان، والشعبي، وحبيب بن سالم مولاه، وعروة بن الزبير،
وغيرهم، وكل غيلةً ما بَين حمص وسلميّة في أول سنة أربع وستين. وقال
في " الكمال ": قتل بقرية من قرى حمص يقال لها: حرب بنفسا (2) .
روى له الجماعة (3) .
قوله: " صلاة العشاء الآخرة " بدل من قوله: " الصلاة " في قوله:
" بوقت هذه الصلاة ".
قوله: " لسُقُوط القمر لثالثة " اللام في الوضعين للتوقيت أي: لوقت
سقوط القمر للَيلة ثالثة من الشهر؛ كما في قوله تعالى: (أقم الصَّلاَةَ
لدُلُوك الشمس) (4) أي: لوقت دلوكها، وسقوط القمرَ: وقوعُه
لَلغروبَ: ويغربُ القمر في الليلة الثالثة من الشهر على مُصي ثِنتين
وعشرين درجةً منِ غروب الشمس. وقال أبو بكر: حدثنا هشيم، عن
أبي بشر، عن حبيب بن سالم، عن النعمان بن بشير قال: أنا من أعلم
الناس، أو كأعلم الناس بوقت صلاة رسول الله العِشاء، كان يُصلِيها بعد
سقوط القمر ليلة الثانية من أول الشهرِ. انتهى.
ويَغربُ القمرُ في الليلة الثانية من الشهرِ على مُضي ست (5) عشرة
درجةَ من غروب الشمس ... (6) . والحديث: أخرجه الَترمذي، والنسائيّ.
__________
(1) المصدر السابق (5/1085) .
(2) كذا، وفي " معجم البلدان " (2/236) : " حَر بَنَفسَا ".
(3) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (3/550) ، أسد الغابة
(5/327) ، الإصابة (3/559) .
(4) سورة الإسراء: (78) .
(5) في الأصل: " ستة "، وهو خطأ.
(6) بياض في الأصل قدر سطرين.(2/287)
404- ص- نا عثمان بن أبي شيبة: نا جرير، عن منصور، عن (1)
الحكم، عن نافع، عن عبد الله بن عُمر قال: مَكَثنَا ذاتَ ليلة نَنتظرُ رسولَ اللهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لصلاة العشاء، فخرجَ إلينا حينَ ذَهبَ ثُلُثُ الليلِ، أو بعًدَه، فلا نَدرِي:
أشيء شَغًلَهُ أَم غيَرُ ذلك؟ فقال حينَ خرجَ: " أتنتظِرونَ هذه الصلاةَ؟ لولا
أن يَثقُلَ (2) على أمَّتِي لصلَّيتُ بهم هذه الساعة " ثم أمر المؤذنَ فأقامَ
الصلاة " (3) .
شِ- جرير: ابن عبد الحميد، ومنصور: ابن المعتمر، والحكم: ابن
عتيبة.
قوله: " ذات ليلة " قد مر الكلام فيه غير مرة.
قوله: " لصلاة العشاء " أي: لأجل صلاة العشاء.
قوله: " أو بعده " أي: أو بعد الثلث.
قوله: " أشيءٌ شغله " أي: منعه عن الخروج في أول وقتها.
قوله: " هذه الساعةَ " إشارة إلى الساعة التي تلي الثلث الأول من
الليل، وبهذا استدل أصحابنا في فضل التأخير؛ وهو حجّة على مَن فضل
التقديم، وذلك لأنه نبه على تفضيل التأخير بقوله: " لولا أن يَثقل "
وصرّح بأن ترك التأخير إنما هو للمشقة، وأنه- عليه السلام- خشي أن
يُواظب عليه فيفرض عليهم، أو يتوهموا إيجابه، فلهذا تركه كما ترك
صلاة التراويح/وعلل تركها بخشية افتراضها والعجز عنها. وقال
الخطابيّ وغيره: إنما استحب تأخيرها لتطول مدة انتظار الصلاة، ومنتظر
الصلاة في صلاةٍ. والحديث: أخرجه مسلم، والنسائي.
405- ص- نا عمرو بن عثمان الحمصي، [عن أبيه] ، نا حَريز، عن
راشد بن سَعد، عن عاصم بن حُمَيدَ السَّكوني، أنه سمع معاذَ بن جبل
__________
(1) في الأصل " بن " خطأ.
(2) في سنن أبي داود: " تثقل ".
(3) مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: وقت العشاء وتأخيره 220
(639) ، النسائي: كتاب المواقيت، باب: آخر وقت العشاء (1/267) .(2/288)
يَقول: بَقَينَا (1) النبيَ- عليه السلام- في صَلاة العَتمة، فتأخرَ (2) حتى ظَنَّ
الظانُ أنه ليسَ بخارج والقائلُ منا يقولُ: صلى، فإنا لكَذلك حتى خَرَج النبيُّ
- عليه السلام- فقالوا له كما قالوا، فقال (3) : " أَعتمُوا بهذه الصلاة؛
فإنكم قد فُضَلتُم بها على سائر الأمم، ولم يُصَلِّهَا (4) أمة قبلَكم " (5) .
ش- عَمرو بن عثمان القرشي الحمصي. وحَريز: ابن عثمان الحِمصي
الشامي أبو عون، وراشد بن سَعد: المقرائي.
وعاصم بن حُمَيد السكوني- بفتح السين- الحمصي، شهد خطبة
عمر بالجابية. وروى عن: عمر. وسمع: معاذ بن جبل، وعوف بن
مالك الأشجعي، وأزهر بن سَعد وغيرهم. روى عنه: راشد بن سَعد،
وغيره. وقال الدارقطني: ثقة. روى له: أبو داود، والنسائي، وابن
ماجه (6) .
قوله: " بَقَينا النبي- عليه السلام- " - بفتح القاف- أي: انتظرناه؛
يقال: بقَيت الرجل أبقيه إذا انتظرتَه؛ قال كثير.
فما زلتُ أَبقي الظُعنَ حتى كأنها ... أُواقِي سُديً يَغتالُهنّ الحوائلُ
قوله: " في صلاة العتمة " أي: صلاة العشاء الآخرة؛ وإنما قال
" العتمة " لأن العرب يُطلقون العشاء على المغرب، ولو قال في صلاة
العشاء رُبما توهم أن المراد المغرب.
قوله: " فإنا لكذلك " اللام المفتوحة فيه للتأكيد أي: فإنا على هذه
الحالة حتى خرج علينا النبي- عليه السلام-.
قوله: " أعتموا بهذه الصلاة " أي: أخروا هذه الصلاة- أي: العشاء
الآخرة.
__________
(1) في سنن أبي داود: " أبقينا "، وفي التحفة (8/11319) " ارتقبنا ".
(2) في سنن أبي داود: " فأخر ".
(3) في سنن أبي داود: " فقال لهم "
(4) في سنن أبي داود: " ولم تصلها ".
(5) تفرد به أبو داود.
(6) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (13/3004) .
19 * شرح سنن أبي داوود 2(2/289)
قوله: " فإنكم " " الفاء " فيه للتعليل.
قوله: " بها " أي: بصلاة العتمة.
فإن قيل: كيف يكون تفضيلهم بهذه الصلاة على سائر الأمم علةَ
للإعتام؟ قلتُ: لأن سائر الأمم لم يُعتموا؛ لأن قوله: " ولم يُصَفها أمة
قبلكم " يحتملُ مَعنيين؛ الأول: أنهم لم يُصلوا العتمة أصلا؛ وهو
الظاهر، والثاني: أنهم لم يُعتموا بها وإن كانوا صلوها، فيكون تفضيل
هذه الأمة على غيرهم، إما بمعنى أن غيرهم لم يُصلوها أصلا، أو بمعنى
أنهم أعتموا وغيرهم لم يُعتموا؛ والقَرينة تُرجح المعنى الثاني،. وأن
تَفضِيلهم على غيرهم بالإعتامَ، وأن الإعتامَ أفضلُ من التقديم.
فإن قيل: قد نهى عن إطلاق اسم العتمة على العشاء، كما في
" صحيح مسلم ": " لا يغلبنكم الأعراب على صلاتكم العشاء؛ فإنها في
كتاب الله: العشاء؛ وإنها تعتم بحلاب الإبل " معناه: أن الأعراب
يسمونها العتمة؛ لكونهم يعتمون بحلاب الإبل. أي: يؤخرونه إلى شدة
الظلام؛ وإنما اسمُها في كتاب الله: العشاء، في قوله تعالى: (وَمن
بَعد صَلاة العشَاء) (1) . فينبغي لكم أن تسموها العشاء. قلت: قَد
جاءَ في الَأحاَديثَ الصحيحة تمسيتها بالعتمة؛ كحديث: " لو يَعلمون ما
في الصبح والعتمة لأتوها ولو حَبوا " وغير ذلك.
وأما النهي: فهو للتنزيه؛ لا للتحريم، ويمكن أن يكون استعمالها
- أيضا- لمن لا يَعرف العشاء، فيُخاطب بما يعرفه، أو لأنها أشهر عند
العرب من العشاء.
406- ص- نا مسدد: نا بشرُ بن المُفضّل: ثنا داود بن أبي هند، عن
أبي نَضرة، عن أبي سَعيد الخدَريّ قال: صَلَّينَا مع رسول الله صَلاةَ العَتمَة
فلم يخرج حتى مَضى نحوٌ من شَطر الليلِ فقال: " خُذُوا مَقاعَدَكُم " فأخذناَ
مَقَاعِدَنَا، فقال: " إن الناس قد صلُوا وأخذُوا مضاجِعَهُم، وإَنكم لن تَزَالُوا
__________
(1) سورة النور: (58) .(2/290)
في صَلاة ما انتظرتُمُ الصلاةَ، ولولا ضُعفُ الضَّعيفِ، وسِقَمُ السَّقِيم
لأخرتُ هًذه الصلاةَ إلى شَطرِ الليلِ " (1) .
ش- أبو نَضرة: منذرُ بن مالك العَوَقي- بفتح العين وفتح الواو
وبالقاف- العبدي البصري.
قوله: " فلم يخرج " أي: لم يخرج لصلاة العتمة حتى مَضى نحو من
شطر الليل؛ يَدُل عليه ما روى ابن ماجه هذا الحديث من رواية داود بن
أبي هند، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، أن النبي- عليه السلام-
صلى المغربَ ثم لم يخرج حتى ذهبَ شَطرُ الليل، ثم خرج فصلى
بهم/وقال: " لولا الضَعيفُ والسقيمُ لأحبَبتُ أن أُؤخر هذه الصلاة إلى
شَطر الليل "
قوله: " حتى مضى نحوٌ " أي: مثل " من شطر الليل " أي: نصفه
وارتفاعه على أنه فاعل مضى.
قوله: " مقاعدكم " المقاعد: مواضع قعود الناس في دورهم وغَيرها.
والمضاجع: جمع مضجع، وهو موضع النوم.
قوله: " إن الناس قد صلُّوا " المراد منهم: المسلمون الذين لم يحضروا
صلاة العتمة في هذه الليلة مع النبي- عليه السلام-، فلهذا خاطب
الحاضرين بقوله: " إنكم لن تزالوا في صلاة ما انتظرتم الصلاة " أي:
مادُمتم منتظرين الصلاة.
قوله: " ولولا ضُعف الضعيف وسقم السقيم " أي: لولا الضعف
والسقم مَوجودان بَين الناس لأخرتُ هذه الصلاة- أي: صلاة العتمة-
إلى نصف الليل كل وَقت؛ ولكن تركه لوجود الضعف والسقم؛ لأن
" لولا " لانتفاء الثاني لوجود الأول؛ نحو: لولا زيد لهلك عَمرو؛ فإن
هلاك عَمرو مُنتفٍ لوجود زَيد، وأما " لو " فإنه لانتفاء الثاني لانتفاء
الأول؛ نحو: لو جئتني لأكرمتًك؛ فإن الإكرام منتفٍ لانتفاء المجيء.
__________
(1) النسائي: كتاب المواقيت، باب: آخر وقت العشاء (1/268) ، ابن ماجه:
كتاب الصلاة، باب: وقت صلاة العشاء (693) .(2/291)
فإن قيل: ما الفرق بَين الضُّعف والسقم، فهل هما واحد؟ فما كانت
الحاجة إلى ذكرهما معا؟ قَلت: الضُّعف والضَّعف- بالضم والفتح-
خلاف القوة، وقد ضَعُف- بالضمّ- فهو ضَعيف، والسقم- بالضم-
والسَّقَم- بفتحتين: المرض، وكذلك السَقَامُ، وقد سَقِمَ- بالكسر-
فهو سقيمٌ، فالضعيف أعم من السقيم؛ يتناول مَن به سَقمٌ ويَتناول مَن
ذهبت قوته كالشيخ الهرِم، ويتناول كل عاجز عن الحضور سواء كان به
سقم أولا؛ وإنما ذكر رسول الله كليهما ليتناول أنول الجنسَين، ويَعمّ
أصنافهما، فافهم.
وهذا الحديث- أيضا- حجة لأصحابنا على استحباب تأخير العشاء
إلى ما قبل نصف الليل، والحديث الذي تقدم يدل على استحباب التأخير
إلى الثلث؛ وكلاهما سواء؛ لأن قبل النصف في حكم الثلث.
فإن قلت: ينبغي أن تكون سنيّة التأخير كسنية السواك؛ حيث قال
- عليه السلام-: " لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل
صلاة، ولأخرتُ العشاء إلى ثلث الليل " رواه الترمذي، والنسائي؛
وذلك لأن الأمر بالسواك وتأخير العشاء كلاهما مُنتفيان لوجود الشقة،
ومع هذا السواك: سُنَّة وتأخير العشاء: مستحبّ. قلت: لم تثبت
سنية السواك بعد هذا إلا بمواظبته- عليه السلام- ولولاها لقلنا باستحبابه
- أيضا- ولم توجد المواظبة في تأخير العشاء، فلم تثبت السّنية، فبقي
مُستحبا. وجوابٌ آخر: أنه قال في السواك: " لأمرتهم " وهو للوجوب؛
ولكن امتنع الوجوب لعارض المشقة، فيكون سُنَّة، وأما في التأخير فقد
قال: " لأخرتُ " وفعله مُطلقا يدل على الاستحباب لا على الوجوب.
***
7- بَاب: في وَقتِ الصُّبح
أي: هذا باب في بيان وقت الصبح.
407- ص- ثنا القعنبي، عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن عَمرةَ(2/292)
بنتِ عبد الرحمن، عن عائشة- رضي الله عنها-، أنها قالت: إِن كان
رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليُصَلِّي الصُبحَ فيَنصرفُ النِّساءُ مُتلفِّعاتٌ بمُرُوطهنَّ ما يُعرفنَ
من الغَلَسِ (1) .
ش- " إن " مخففة عن مثقلة، أصلُه: إنّه كان رسول الله. أي: إن
الشأن: كان رسول الله؛ وذلك لأجل التأكيد، وكذا اللام في قوله:
" ليصلي الصبح " للتأكيد.
قوله: " متلفعات " - بالعين المهملة بعد الفاء- أي: متجللات،
واللفاع: ثوب يجلل به الجسد كله، كساءً كان أو غيره، وتلفع بالثوب
إذا اشتمل به يعني: تجلل جميع جسده. وروى " مُتلفّفات " - بفائين-
والتلفّفُ قد يجيء بمعنى التلفع 0 والمروط: جمع مِرط- بكسر الميم-،
وهو كساء من صوف أو خزّ أو كتانٍ، وقد مر مرةً.
قوله: " ما يُعرفن من الغلسِ " يَعصي: ما جُرفن أَنسَاءٌ هُن أم رجال؟
قاله الداودي. وقيل: ما يُعرف أعيانهن. وقال الشيخَ محيي الدين (2) :
" وهذا ضعيف؛ لأن المتلفعة في النهار- أيضا- لا تعرف عينها: فلا
يبقى في الكلام فائدة ".
قلت: هذا ليس بضعيف: لأنه ليس المراد من قوله: " ما يُعرف
/أعيانهن " ما يُشَخّصنَ حقيقة التشخيص؛ بَل معناه 0 ما يُعرفن أرجال أو
صبيان أو نساء أو بنات؟ فهو- أيضا- قريب من قول الداودي، فافهم.
و" الغلس " - بفتحتَين- بقاء ظلام الليل واختلاطه بضياء الصباح،
__________
(1) البخاري: كتاب مواقيت الصلاة، باب: وقت الفجر (578) ، مسلم: كتاب
المساجد ومواضع الصلاة، باب: وقت العشاء وتأخيرها (645) ، الترمذي:
كتاب الصلاة، باب: في التغليس في الفجر (153) ، النسائي: كتاب
المواقيت، باب: التغليس في الحصر (1/271) ، ابن ماجه: كتاب الصلاة،
باب: وقت صلاة الفجر (669) .
(2) شرح صحيح مسلم (5/144-145) .(2/293)
و " الغَبَس " قريب منه؛ إلا أنه دونه. وفيه حجة لمن رأى التغليسَ بالفجر؛
وهو قول مالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق بن راهويه. والحديث:
أخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وأخرجه ابن ماجه،
وغيره من حديث عروة، عن عائشة- رضى الله عنها-.
408- ص- ثنا إسحاق بن إسماعيل: ثنا سفيان، عن ابن عجلان، عن
عاصم بن عمر بن قتادة بن النعمان، عن محمود بن لبيد، عن رافع بن
خديج قال: قال رسول الله- عليه السلام-: " أصبحُوا بالصبح؛ فإنه أعظم
لأجُورِكُم " أو " أعظمُ للأَجرِ " (1)
ش- إسحاق بن إسماعيل: الطالقاني، وسفيان: الثوري، ومحمد
ابن عجلان.
وعاصم بن عُمر " بن قتادة بن النعمان: ابن زيد بن عامر بن سواد بن
كعب، وهو ظَفَر بن الخزرج بن عمرو، وهو النَّبيت (2) بن مالك بن
أوس الظَفَري الأوسي الأنصاري أبو عُمر، ويقالَ: أبو عَمرو المدني.
سمع: جابر بن عبد الله، وأنس بن مالك، ومحمود بن لبيد. وسمع:
أباه، وغيرهم. روى عنه: ابنه: الفضل بن عاصم، ومحمد بن
عجلان، ومحمد بن إسحاق، وغيرهم. قال ابن معين، وأبو زرعة:
ثقة. توفي بالمدينة سنة تسع وعشرين ومائة. روى له الجماعة (3) .
ومحمود بن لبيد: ابن عقبة بن رافع بن امرئ القيس بن زيد بن
عبد الأشهل الأشهلي الأنصاري، يكنى أبا نعيم، ولد في حياة رسول الله،
__________
(1) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في الإسفار بالفجر (154) ،
النسائي: كتاب المواقيت، باب: الإسفار (1/275) ، ابن ماجه: كتاب
الصلاة، باب: وقت صلاة الفجر (672) .
(2) في الأصل: " عمرو بن النبيت " وما أثبتناه من " تهذيب الكمال " وعلق
محققه في الحاشية بقوله: " جاء في حواشي النسخ من تعقبات المصنف على
صاحب " الكمال " قوله: " كان فيه: ابن عمرو بن النبيت " وهو خطأ ".
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (13/3020) .(2/294)
ولم تصح له رواية ولا سماع من النبي- عليه السلام-، وقد روى عن
النبي أحاديث. وتوفي بالمدينة سنة ست وتسعين. قال ابن سَعد: وكان
ثقة قليل الحديث. وقال الواقدي: مات محمود بن لبيد، وهو ابن تسع
وتسعين. روى له: أبو داود، والنسائي (1) .
ورافع بن خديج: ابن رافع بن عديّ بن يزيد بن جُشم بن حارثة بن
الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن أَوس الأنصاري الحارثي،
أبو عبد الله. ويقال: أبو رافع، شهد أحدا والخندق. رُوِيَ له عن
رسول الله ثمانية وسبعون حديثًا؛ اتفقا على خمسة أحاديث، وانفرد
مسلم بثلاثة. روى عنه: عبد الله بن عُمر بن الخطاب، والسائب بن
يزيد، وحنظلة بن قيس، وغيرهم. مات بالمدينة سنة أربع وسبعين وهو
ابن ست وثمانين سنة. روى له الجماعة (2) .
قوله: " أصبحوا بالصُّبح " أي: نوِّروا به. وبه استدل أصحابنا على أن
الإسفار بالفجر أفضل، وبه قال سفيان الثوري وغيرُه.
واعلم أن الإسفار " (3) رُوي من حديث رافع بن خديج، ومن حديث
محمود بن لبيد، ومن حديث بلال، ومن حديث أنس، ومن حديث
قتادة بن النعمان، ومن حديث ابن مسعود، ومن حديث أبي هريرة،
ومن حديث حواء الأنصارية.
أما حديث رافع بن خديج: فرواه أصحاب السنن الأربعة من حديث
عاصم بن عمر، عن محمود بن لبيد، عن رافع بن خديج قال: قال
رسول الله: " أسفروا بالفجر؛ فإنه أعظم للأجر "؛ الترمذي، عن
محمد بن إسحاق، عن عاصم بن عُمر، والباقون: عن محمد بن
__________
(1) المصدر السابق (27/5820) .
(2) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (1/495) ، أسد الغابة
(2/190) ،الإصابة (1/495) .
(3) انظر: نصب الراية (1/235: 237) .(2/295)
عجلان، عن عاصم به؛ قال الترمذي: حديث حسن صحيح؛ ولفظ
أبي داود: " أصبحوا بالصُّبح " وفي رواية: " أصبحوا بالفجر "، قال
ابن القطان في " كتابه ": طريقه طريق صحيح. وعاصم بن عمر: وثقه
النسائي، وابن معين، وأبو زرعة وغيرهم، ولا أعرف أحدا ذكره في
الضعفاء ولا ضعّفه. ورواه ابن حبان في " صحيحه " في النوع الخامس
والأربعين من القسم الأول؛ وفي لفظ له: " أسفروا بصلاة الصبح؛ فإنه
أعظم للأجر " وفي لفظ له: " فكلما أصبحتم بالصبح؛ فإنه أعظم
لأجوركم "، وفي لفظ للطبراني: " فكلما أسفرتم بالفجر؛ فإنه أعظم
للأجر ".
وأما حديث محمود بن لبيد: فرواه أحمد في " مسنده ": حدثنا
إسحاق بن عيسى: ثنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن
محمود بن لبيد، عن النبي- عليه السلام- بنحوه؛ لم يذكر فيه رافع
ابن خديج، ومحمود بن لبيد صحابي مشهور- كما ذكرنا- فيحتمل أنه
سمعه من رافع أولا فرواه عنه، ثم سمعه من النبي- عليه السلام- فرواه
عنه؛ إلا أن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم فيه ضعف.
وأمما حديث بلال: فرواه البزار في " مسنده "/: حدثنا محمد بن
عبد الرحيم: ثنا شبابة بن سوار: ثنا أيوب بن سيّار، عن ابن المنكدر
عن جابر، عن أبي بكر، عن بلال، عن النبي- عليه السلام- بنحوه 0
قال البزار: وأيّوب بن سيّار ليس بالقوي، وفيه ضَعف.
وأما حديث أنس: فرواه البزار- أيضا-: حدثنا محمد بن يحيى بن
عبد الكريم الأزدي: ثنا خالد بن مخلد: ثنا يزيد بن عبد الملك، عن
زيد بن أسلم، عن أنس بن مالك مرفوعا نحوه؛ ولفظه: " أسفروا
بصلاة الفجر؛ فإنه أعظم للأجر ".
وأما حديث قتادة بن النعمان: فرواه الطبراني في " معجمه " والبزار في
" مسنده " من حديث فليح بن سليمان: ثنا عاصم بن عمر بن قتادة بن
النعمان، عن أبيه، عن جده مرفوعا نحوه.(2/296)
وأما حديث ابن مسعود: فرواه الطبراني في " معجمه ": حدثنا أحمد
ابن أبي يحيى الحضرمي: ثنا أحمد بن سهل بن عبد الرحمن الواسطي:
ثنا المعلى بن عبد الرحمن: ثنا سفيان الثوري وشعبة، عن زبيد، عن
مرة، عن عبد الله بن مسعود مرفوعا نحوه.
وأما حديث أبي هريرة: فرواه ابن حبان في كتاب " الضعفاء " من
حديث سعيد بن أوس أبي زيد الأنصاري، عن ابن عون، عن ابن
سيرين، عن أبي هريرة مرفوعا نحوه.
وأما حديث حواء: فرواه الطبراني في " معجمه ": حدثنا أحمد بن
محمد الجُمحي: ثنا إسحاق بن إبراهيم الحُنَيني: ثنا هشام بن سَعد،
عن زيد بن أسلم، عن ابن بُجَيد الحارثي، عن جدته الأنصاريّة- وكانت
من المبايعات- قالت: سمعتُ رسول الله يقولُ: " أسفِروا بالفجر؛ فإنه
أعظم للأَجر ". قال في " الإمام ": وإسحاق الحُنيني- بضم الحاء
بعدها نون ثم ياء آخر الحروف، ثم نون-. قال البخاريّ: في حديثه
نظر. وذكر له ابن عديّ أحاديث، ثم قال: وهو مع ضَعفه يكتب
حديثه. وابن بُجَيد- بضم الباء الموحدة وفتح الجيم بعدها [ياء] آخر
الحروف ساكنة- ذكره ابن حبان في " الثقات ". وجدّته: حواء بنت زيد
ابن السكن، أخت أسماء بنت زيد بن السكن.
وفيه آثار- أيضا- أخرج الطحاوي (1) ، عن داود بن يزيد الأودي،
عن أبيه قال: كان علي بن أبي طالب يصلي بنا الفجر ونحن نتراءى
الشمس، مخافة أن تكون قد طلعت. انتهى. وعن أبي إسحاق، عن
عبد الرحمن بن يزيد قال: كنا نصلي مع ابن مَسعود فكان يُسفِر بصلاة
الصبح. رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " (2) . وروى- أيضا- عن
أبى أسامة، عن أبي روق، عن زياد بن المقطع. قال: رأيت الحسين بن
__________
(1) شرح الاَثار (1/106) .
(2) (1/321) وإلى هنا انتهى النقل من نصب الراية.(2/297)
علي أسفر بالفجر جدا. وروى عن ابن فضيل، عن رضي بن أبي عقيل،
عن أبيه قال: كان ربيع بن حنين يقول له- وكان مؤدبه-: يا أبا عقيل
نَوَر نَور. وروى عن وكيع، عن عثمان بن أبي هند أن عمر بن عبد العزيز
كان يُسفر بالفجر. وعن وكيع- أيضا-، عن سفيان، عن الأعمش
قال: كان أصحاب عبد الله يسفرون بالفجر. وعن وكيع- أيضا-،
عن سفيان، عن عُبيد المكتب، عن إبراهيم أنه كان يُنور بالفجر. وعنه
- أيضا-، عن سفيان، عن حماد، عن إبراهيم قال: ما اجتمع
أصحاب محمد- عليه السلام- على شيء ما أجمعوا على التَنوير
بالفجر. وفي الباب أحاديث وآثار كثيرة غير ما ذكرنا.
فإن قيل: قد تأول الإسفار في هذه الأحاديث بظهور الفجر، وقد قال
الترمذي: وقال الشافعي، وأحمد، وإسحاق: معنى الإسفار أن يُصبح
الفجر ولا يُشك فيه، ولم يَروا أن معنى الإسفار تأخير الصلاة. قلت:
هذا التأويل غير صحيح؛ فإن الغلس الذي يقولون به هو اختلاط ظلام
الليل بنور النهار- كما ذكره أهل اللغة- وقبل ظهور الفجر لا تصح
صلاة الفجر، فثبت أن المراد بالإسفار إنما هو التنوير؛ وهو التأخير عن
الغلس وزوال الظلمة، وأيضا- فقوله: " أعظم للأجر " يقتضي حصول
الأجر في الصلاة بالغلس، فلو كان الإسفار هو وضوح الفجر وظهوره،
لم يكن في وقت الغلس أجر لخروجه عن الوقت، وأيضا- يُبطل تأويلهم
ذلك " (1) ما رواه ابن أبي شيبة، وإسحاق بن راهويه، وأبو داود
الطيالسي في " مسَانيدهم " والطبراني في " معجمه "، قال الطيالسي:
حدثنا إسماعيل بن إبراهيم المدني، وقال/الباقون: حدثنا أبو نعيم
الفضل بن دكن: ثنا إسماعيل بن إبراهيم المدني: ثنا هرير بن عبد الرحمن
ابن رافع بن خديج: سمِعتُ جذي: رافع بن خديج يقول: قال (2)
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لبلال: " يا بلال! نور صلاة الصبح حتى يُبصر
__________
(1) انظر: نصب الراية (1/238- 239)
(2) مكررة في الأصل.(2/298)
القوم مَواقع نَبلهم من الإِسفار ". ورواه ابن أبي حاتم في " علله " (1)
فقال: حدثنا هارون بن مَعروف وغيره، عن أبي إسماعيل المؤدب إبراهيم
ابن سليمان، عن هُرير، به. قال: ورواه أبو نعيم، عن إسماعيل بن
إبراهيم بن مجمع، عن (2) هُرير، به. ورواه ابن عدي- أيضا- في
" الكامل " عن أبي إسماعيل المؤدب واسند عن ابن معين أنه قال:
أبو إسماعيل المؤدب ضعيف. قال ابن عدي: ولم أجد في تضعيفه غير
هذا، وله أحاديث غرائب حسان تدلّ (3) على أنه من أهل الصدق وهو
ممن يكتب حديثه.
وحديث آخر يُبطل تأويلَهم. رواه الإمام أبو محمد القاسم بن ثابت
السرقسطي في كتاب " غريب الحديث ": حدثنا موسى بن هارون: ثنا
محمد بن عبد الأعلى: ثنا المعتمر: سمعت بيانا أبا سعيد قال: سمعت
أنسَا يقول: كان رسولُ الله يُصلي الصبح حين يفسح البَصرُ. انتهى.
قال: يُقال: فسح البصر، وانفسح إذا رأى الشيءَ عن بُعدٍ، يَعني به
إسفار الصبح " (4) .
فإن قيل: قد قيل: إن الأمر بالإِسفار إنما جاء في الليالي المُقمرة؛ لأن
الصبح لا يتبين فيها جدا، فأمرهم بزيادة التَبين استظهار باليقين في
الصلاة. قلت: هذا تخصيص بلا مُخصّص، وهذا باطل، ويردّه
- أيضا- ما أخرجه ابن أبي شيبة (5) ، عن إبراهيم النخعي: " ما اجتمع
أصحاب محمد " الحديث؛ وقد ذكرناه. وكذلك أخرجه الطحاويّ في
" شرح الآثار " (5) بسند صحيح، ثم قال: " ولا يصح أن يجتمعوا على
خلاف ما كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليه "، على أن الطحاويّ قد زعم أن
حديث الإسفار ناسخ لحديث التغليس، وأن حديث التغليس ليس فيه دليل
على الأفضل بخلاف حديث رافع، وأنهم كانوا يدخلون مغلِّسين
ويخرجون مُسفِرين.
__________
(1) (1/143) .
(2) مكررة في الأصل.
(3) في الأصل: " يدل ".
(4) إلى هنا انتهى النقل من نصب الراية.
(5) (1/109) ، وانظره: نصب الراية (1/239) وكذلك ما بعده.(2/299)
فإن قيل: قال الحازمي في كتابه " الناسخ والمنسوخ ": حديث التغليس
ثابت وإنه- عليه السلام- داوَم عليه إلى أن فارق الدنيا، ولم يكن- عليه
السلام- يُداوم إلا على ما هو الأفضل، ثم روى حديث ابن مسعود أنه
- عليه السلام- صلى الصبح بغلسٍ، ثم صلى مرة أخرى فأسفر بها،
ثم كانت صلاته بعد ذلك بالغلس حتى مات- عليه السلام- لم يَعُد إلى
أن يُسفِر. رواه أبو داود، وابن حبان في " صحيحه " - كلاهما- من
حديث أسامة بن زيد الليثي.
فلتُ: يَردُ هذا: ما أخرجه البخاريّ، ومسلم، عن عبد الرحمن بن
يزيد، عن ابن مسعود قال: ما رأيتُ رسول الله- عليه السلام- صلى
صلاةً لغير وقتها إلا بجَمع، فإنه يَجمعُ بين المغرب والعشاء بَجمع،
وصلى صلاةَ الصُبح من الغد قبل وقتها. انتهى، قالت العلماء: يعني:
وقتها المُعتاد في كل يوم، لا أنه صلاّها قبل الفجر، وإنما غلس بها جدا،
ويوضحه رواية البخاري: " والفجر حين نزع "؛ وهذا دليل على أنه
- عليه السلام- كان يُسفر بالفجر دائمًا، وقلما صلاّها بغلس. وبه
استدلّ الشيخ في " الإمام " لأصحابنا؛ على أن أسامة بن زَيد قد تكلم
فيه؛ فقال أحمد: ليس بشيء، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتجّ
به، وقال النسائي، والدارقًطني: ليس بالقوي. فثبت بهذا أن زعم
الطحاوي صحيح، وأن رَد الحَازميِّ كلامَ الطحاويِّ مَردود والحق أحق أن
يتبع؛ وهذه التأويلاتُ البعيدة والدوران البعيدُ كلها من آثارِ التعصب من
المتأخرين.
***
8- بَاب في المحافَظة على الوَقت (1)
أي: هذا باب في بيان المحافظة على الصلوات الخمس في أوقاتها.
409- ص- ثنا عَمرو بن عَون: فنا خالد، عن داود بن أبي هند، عن
أبي حرب بن أبي الأسود، عن عبد الله بن فضالة، عن أبيه قال: علَمنِي
__________
(1) في سنن أبي داود: ".. على وقت الصلوات ".(2/300)
رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكان فيما علَّمني: " وحَافظ على الصلَوات الخَمسِ ". قال:
قلتُ: إنَ هذه ساعات لي فيها أشغالٌ، فأمرنِي (1) بأمرٍ جَامعٍ إذا أنا فعلته
أجزَأ عنِّي، فقال: " حًافظ عَلَى/العَصرَينِ " - وما كانت من لُغَتِنا- فقلتُ:
وما العَصرانِ؟ قال: " صَلاةٌ قبل طُلوع الشمسِ، وصلاة قبلَ غُروبِهَا " (2) .
ش- عَمرو بن عون: الواسطي البزاز، وخالد: ابن عبد الله
الواسطي، وأبو حرب بن أبي الأسود ظالم بن عمرو الديلي.
وعبد الله بن فضالة الليثي. روى عن: أبيه. روى عنه: أبو حَرب
وغيرُه. روى له: أبو داود (3) .
وفضالة الليثي الصحابيّ، اختلف في اسم أبيه. فقيل: فضالة بن
عبد الله. وقيل: ابن وهب بن بجرة بن يحيى بن مالك الأكبر الليثي.
وقال بعضهم: الزهراني، يُعدّ في أهل البصرة. حديثه عن النبي- عليه
السلام- هذا الذي رواه أبو داود. روى عنه: ابنه: عبد الله. روى له:
أبو داود (4) .
قوله: " إن هذه ساعات " أشار بها إلى أوقات الصلوات الخَمس.
فوله: " فأمرني بأمرٍ جامعٍ " أي: جامع لأشياء كثيرة من الخيرات.
قوله: " إذا أنا فعلته أجزأ عني " أي: إذا فعلتُ ذلك الأمر الجامع أجزأ
عني، أي: كفى عني، يُقال: أجزأني الشيء أي: كفاني، ثم فسّر
ذلك الأمر بقوله: فقال: " حافِظ على العَصرين " أي: واظب عليهما
وأدّهما في وَقتيهما مع الجماعة. وحاصل كلام فضالة ومَعناه: أني إذا
واظبتُ على العَصرين كل واحد في وقته المُستحب مع الأداء بالجماعة أجزأ
عني فيما يقع عني من التقصير في غير الصلاة من طاعة الله تعالى من
أبواب الفضائل والقُربات، ويحتمل أن يكون المعنى: أجزأ عني إذا
__________
(1) في سنن أبي داود: " فمرني ".
(2) تفرد به أبو داود.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (15/3482) .
(4) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (3/198) ، أسد الغابة
(4/364) ، الإصابة (3/208) .(2/301)
قصرتُ في غير العصرين من الصلوات الخمس بأن أؤديها بغير الجماعة أو
في وقتها المكروه بسبب الاشتغال بالأعمال؛ فإن التقصير الذي يُوجد في
ذلك بهذه الحيثية رُبما يُجبرُ ويُجزئ عني بمُواظبتي على العَصرين في أوقاتهما
المُستحبة مع الجماعة؛ وليس المعنى: أنه يجزئ عنه إقامتهما عن غيرهما؛
فإن ذلك لا يجزئ إلا عنهما؛ لا عن غيرهما؛ وكذا كل صلاة تؤدى لا
تُجزئ إلا عن تلك الصلاة بعَينها؛ لا عن غيرها، فافهم
وإنما خصّ- عليه السلام- هذين الوقتين؛ لكثرة وقوع الثواني
والكسل فيهما؛ أما الصبح فلأنه عقيب النوم، والقيام من الفراش،
والاشتغال بالماء البارد، ولا سيما في أيام الشتاء، وأما العصر فلأنه في
وقت اشتغال الناس بالبَيع والشراء، والاشتغال بالأعمال، ولا يقوى
أعمال الناس وبَيعُهم وشراؤهم وسائر معاملاتهم إلا في آخر النهار.
قوله: " وما كانت من لغتنا " أي: لُغة إطلاق العَصرين على الصُبح
والعَصر ما كانت من لغتنا، فلذلك قال: " فقلت: ومَا العَصران "؟
فأجاب- عليه السلام- بقوله ت " صلاةٌ " أي: أحدهما: صلاةٌ قبل
طلوع الشمس، وهي صلاة الصبح، والأخرى: صلاة قبلِ غروب
الشمس، وهي صلاة العَصر، والعرب قد تحمل أحد الاسمين على
الآخر، فتجمع بينهما في التسمية طلبا للتخفيف كقولهم: " سنة
العُمَرين " لأبي بكر وعمر- رضي الله عنهما- والأسودَين: للتمر والماء،
والأصل في العَصرين عند العرب: الليل والنهار. قال حُميد بن ثور.
ولن يَلبث العصران يومٌ وليلةٌ.... إذا طلبا أن يُدركا ما تيمّما
ويُشبه أن يكون إنما قيل لهاتين الصلاتين: العَصران؛ لأنهما يقعان في
طرفي العَصرين؛ وهما الليل والنهار، ويكون هذا من قبيل ذكر المحل
وإرادة الحال. وفي بعض النسخ هذا الحديث مؤخر عن الحديث الذي
يليه، وكذا في نسخة " مختصر السنن " لزكي الدين.
410- ص- ثنا محمد بن حرب الواسطي: ثنا يزيد بن هارون: أنا(2/302)
محمد بن مُطرِّف، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يَسار، عن عبد الله
الصُّنَابِحي قال: زعمَ أبو محمدٍ أن الوترَ واجبٌ فقال عبادةُ بنُ الصامت:
كَذَبَ أبو محمد، أشهدُ أني سمعتُ رسولَ اللهِ- عليه السلام- يقولُ:
" خمسُ صَلَواتً افترضَهُنَّ اللهُ عز وجل، مَن أحسن وضُوءَهُن وصَلاَّهن
لِوَقتِهِنَ، وأتَمَّ رُكوعَهنَّ وخُشُوعَهنَّ، كان له على الله عَهد أن يَغفرَ له، ومَن
لم يَفعل فليس له على اللهِ عها، إن شَاءَ غَفَرَ له، وإنَ شَاءَ عذبهُ " (1) .
ش- محمد بن حَرب: النشائي الواسطي. روى عن: إسماعيل بن
علية، ومحمد بن ربيعة، ويزيد بن هارون وغيرهم 0 روى عنه:
البخاري، ومسلم، وأبو داود، وأبو زرعة/وأبو حاتم. وقال:
صدوق، وغيرهم. قال سليمان بن أحمد الطبراني: كان ثقةَ، مات سنة
خمس وخمسين ومائتين (2) .
ويزيد بن هارون: أبو خالد الواسطي. ومحمد بن مطرف- ويقال:
ابن طريف- الليثي المدني. وزيد بن أسلمِ: أبو أسامة القرشي المدني
مولى عمر بن الخطاب. وعطاء بن يَسار: مولى ميمونة زوج النبي- عليه
السلام-.
وعبد الله الصنابحي. ويقال: عبد الرحمن بن عُسَيلة بن علي بن
عَسّال، أبو عبد الله الصُّنابحي المرادي؛ وهو منسوب إلى صُنابح بن
زاهر، بطنٌ من مُراد، رحل إلى النبي- عليه السلام- فقبض النبيّ- عليه
السلام- وهو في الطريق وهو بالجحفة قبل أن يصل بخمس أو ست ثم
نزل بالشام. وسمع: أبا بكر الصديق، وعبادة بن الصامت، وبلال بن
رباح، ومُعاذ بن جبل، وشداد بن أوس، وعائشة أم المؤمنين. روى عنه:
__________
(1) النسائي: كتاب الصلاة، باب: المحافظة على الصلوات الخمس (1/230) ،
ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة والسُنَة فيها، باب: ما جاء في فرض
الصلوات الخمس والمحافظة عليها (1401) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (25/5137) .(2/303)
عبد الله بن محيريز، وعطاء بن يَسار، وربيعة بن يزيد الدمشقي،
وغيرهم. قال ابن سَعد: كان ثقةَ قليل الحديث. روى له الجماعة (1) .
وأبو محمد: اسمه: مَسعود البَدري الأنصاري، وله صُحبة.
وعبادة بن الصامت: ابن قيس بن أصرم بن فهر بن غنم بن سالم بن
عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج الأنصاري الخزرجي أبو الوليد، أحد
النقباء ليلة العقبة، شهد العقبة الأولى والثانية، وشهد بدرا وأحدا، وبيعة
الرضوان والمشاهد كلها. رُوِيَ له عن رسول الله مائة وأحد وثمانون
حديثا، اتفقا منها على ستة أحاديث، وانفرد البخاري بحديثين، ومسلم
بآخرين. روى عنه: أنس بن مالك، وجابر بن عبد الله، وشرحبيل بن
حَسنة، وغيرهم. قال الأوزاعي: أول من وُلي قضاء فلسطين: عبادة بن
الصامت، مات بالشام سنة أربع وثلاثين وهو ابن اثنتين وسبعين سنةَ.
ويقال: قبره ببَيت المقدس. ويقال: مات بالرَّملة روى له الجماعة (2) .
قوله: " زعم أبو محمد " زعم يجيء بمعنى " قال " وبمعنى " ظن ".
قوله: " كذب أبو محمد " يُريد أخطأ أبو محمد، ولم يُرد به تعمد
الكذب الذي هو ضد الصدق؛ لأن الكذب إنما يجري في الأخبار،
وأبو محمد هذا إنما أفتى فتيا، ورأى رأيَا، فأخطأ فيما أفتى به، وهو
رجل من الأنصار له صحبة، والكذب عليه في الإخبار غير جائزِ،
والعرب تضع الكذب في مَوضع الخطإ فتقول: كذب سمعي، وكذب
بصري أي: زلّ ولم يدرك ما رأى وما سمع؛ ومن هذا: قوله- عليه
السلام- للرجل الذي وصَف له العَسل: " صدق الله وكذب بطنُ أخيك ".
وبهذا استدل الشافعية على أن الوتر ليس بواجب. والاستدلال به
ضعيفٌ؛ لأن عبادة إنما أنكر أن يكون الوتر كفرض الصلوات الخمس دون
__________
(1) المصدر السابق (16/3679) .
(2) انظر ترجمته في الاستيعاب بهامش الإصابة (2/449) ، أسد الغابة
(3/160) ، الإصابة (2/268) .(2/304)
أن يكون واجبَا؛ ولذلك استشهد بالصلوات الخمس المفروضة في اليوم
والليلة.
قوله: " مَن أحسن وضوءهن " إحسان الوضوء: إسباغه وإكماله.
قوله: " وصلاهن لوقتهن " أي: في وقتهن؛ " اللام " تجيء بمعنى
" في " كما في قوله تعالى: (وَنَضَعُ المَوَازينَ القسطَ ليَوم القيامَةِ) (1) ،
(لا يُجَلَيهَا لوَقتِهَا إلا هُوَ) (2) قيل: ومنه (يَا لَيتَنِي قًدَّمتُ لَحَيَاتِي) (3)
أي: في حيَاتي. ويجوز أن تكون بمعنى " عند " كقولهم. كتبته لخمسٍ
خلون.
قوله: " وأتم ركوعهن " وإتمام الركوع: أن يطمئن فيه ويأتي بتَسبيحه،
ولم يذكر السجود اكتفاء، أي: وسجودهن، كما في قوله تعالى:
(سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الحَرَ) (4) أي: والبَرد.
قوله: " وخشوعهن " الخشوعُ: الخَشيةُ؛ والخشوع يكون في الصوت
والبَصر كالخضوع في البدن؛ وإتمام الخشوع: أن تخافت في الأدعية وفي
القراءة فيما يخافت فيه، وأن يكون بَصرُه في موضع سجوده في القيام،
ولا يلتفتُ يمينا وشمالا، وفي ركوعه إلى أصابع رجليه، وفي سجوده
لطرف أنفه، وفي قعوده: إلى حجره.
قوله: " كان له على الله عَهدٌ " أي: يَمين؛ وليس هذا على الله بطريق
الوجوب؛ لأن العبد لا يجب له على الله شيء، وإنما يذكر (5) مثل هدا
بمعنى أنه متحقق لا محالة، أو يذكر على جهة المقابلة. وبنحوه روى
النسائي، وابن ماجه، وابن حبان في " صحيحه ".
411- ص- ثنا محمد بن عبد الله الخزاعي، وعبد الله بن مَسلمة قالا:
ثنا عبد الله بن عمر، عن القاسم بن غنام، عن بعض أمهاته، عن أم فروة
__________
(1) سورة الأنبياء (47)
(2) سورة الأعراف (187) .
(3) سورة الفجر: (24) .
(4) سورة النحل: (81) .
(5) مكررة في الأصل
20* شرح سنن أبي داوود 2(2/305)
قالت: سُئلَ رسول الله: أَيُّ الأعمال أَفضلُ؟ قال: " الصلاة ير أول
وَقتِهَا " (1) .ً
ش-/محمد بن عَبد الله: ابن عثمان الخزاعي البصري أبو عبد الله.
روى عن: عبد الله بن عمر العمري، وأبي الأشهب، وحماد بن
سلمة، ومالك بن أنس، وغيرهم. روى عنه: أبو داود، وأبو زرعة،
وأبو حاتم، وغيرهم. قال البخاري: قال لي علي بن محمد: ثقة.
مات سنة ثلاث وعشرين ومائتين. روى عن: ابن ماجه (2) .
وعبد الله بن عُمر: ابن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب القرشي.
والقاسم بن غنّام: الأنصاري. روى عن: عمته أم فروة، وقيل:
عن بعض أمهاته، عن أم فروة. وقيل: عن جدة له، عن أم فروة.
روى عنه: الضحاك بن عثمان، وعبد الله بن عُمرَ. روى له: أبو داود،
والترمذي (3) .
وأم فروة: الأنصارية الصحابيّة، عمّة القاسم بن غنام، حَديثها عنده
عن بَعض أمهاته، عنها. روى لها أبو داود، والترمذي، لها حديث
في الصلاة (4) .
قوله: " أيُ الأعمال أَفضلُ؟ " قد ذكرتُ لك أَن " أيا " اسم مُبهم يُبيّنُه
ما يُضافُ إليه، وأنها خمسة أنواع: استفهاميّةٌ، نحو: أي الأعمال
أفضلُ؟ والباقي قد ذكرناه.
قوله: " الصلاة في أول وقتها " أي: أداء الصلاة في أول وقتها أفضل
الأعمال؛ وذكر " أوّل " هاهنا لأجل الحثّ والتحضيض، والتأكيد على
__________
(1) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في الوقت الأوّل من الفضل (170)
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (25/5361) .
(3) المصدر السابق (23/4811) .
(4) انظر ترجمتها في: الاستيعاب بهامش الإصابة (4/484) ، أسد الغابة
(7/376) ، الإصابة (4/483) .(2/306)
إقامة الصلوات في أوقاتها، وإلا فالذي يؤديها في ثاني الوقت أو ثالثه أو
رابعه كالذي يُؤديها في أوّله؛ بل الذي يُسفِر بالصُّبح أو يبرِد بالظهر في
الصَيف أفضلُ من الذي يؤديها في أوّل الوَقت.
فإن قيل: كيف التوفيقُ بَين هذا الحديث وبَين قوله- عليه السلام-
حين سُئل: " أفي الأعمال أفضل؟ قال: إيمان بالله "؟ قلت: دلت
القرينة على أن المراد من قوله: أيُّ الأعمال أفضل أعمال الإيمان؟ أي:
أي أعمال الإيمان أفضل؟ قال: الصلاة، وعلى أن المراد من الحديث
الثاني: أيُ الأعمال التي يدخل بها الرجل في ملة الإسلام؟ قال: " إيمان
بالله " أي: التصديق بقلبه، والإقرار بلسانه (1) ، فعلى هذا يكون الصلاة
لوقتها أفضل الأعمال بَعد الإيمان؛ لأن الإيمان أصل كل عبادة، ولا اعتبار
لجميع العبادات إلا بالإيمان.
وأما الأحاديث التي جعل في بعضها الجهاد أفضل الأعمال، وفي
بعضها: الحج، وفي بعضها: بر الوالدين، وفي بعضها: إطعام الطعام
ونحو ذلك فالتوفيق فيها: أنه لا يُرادُ أن كل واحد منها خير جميع الأشياء
من جميع الوجوه، وفي جميع الأحوال والأشخاص؛ بل في حال دون
حال، ويختلف ذلك باختلاف الأحوال والأشخاص، أو يقدر كلمة " مِن "
ويكون التقديرُ: من أفضل الأعمال: الجهاد، ومن أفضل الأعمال:
الحج، ونحو ذلك فافهم.
ص- قال الخزاعي في حديثه: عن عمة له يقال لها: أم فروة قد بايعت
النبي- عليه السلام- " أن النبيّ- عليه السلَام- سُئِل ".
ش- أي: قال محمد بن عبد الله الخزاعي في روايته الحديث عن عبد الله
ابن عمر، عن القاسم بن غنام، عن عمةٍ له يقال لها أتم فروة،
والحاصل: أنه أشار به إلى الاختلاف الذي ذكرناه في ترجمة القاسم بن
__________
(1) تقدم التعليق على أن الإيمان هو " التصديق بالجنان، والإقرار باللسان، والعمل
بالأركان " عند أول حديث في كتاب الصلاة.(2/307)
غنام. فإن بعضهم قالوا: روى القاسم، عن عمّته أم فروة أن النبي
سُئِل، ومنهم الخزاعي المذكور. وبعضهم قالوا: عن بعض أمهاته، عن
أم فروة أن النبي سُئل؛ ومنهم: عبد الله بن مَسلمة المذكور في الحديث.
وفِي " مختصر السنن ": وأم فروة هي أخت أبي بكر الصديق لأبيه،
ومن قال فيها: أم فروة الأنصاريّة فقد وهم. وروى الترمذي حديثها هذا
وقال: حديث أم فروة لا يروى إلا من حديث عبد الله بن عُمر العُمري؛
وهو ليس بالقوي عند أهل الحديث، واضطربوا (1) في هذا الحديث،
وقد تكلم فيه يحيى بن سعيد من قبل حفظه.
412- ص- نا مسدد: نا يحيى، عنَ إسماعيل بن أبي خالد: نا أبو بكر
ابن عُمارة بن رُؤَيبة، عن أبيه: قال: سألَهُ رجلٌ من أهلِ البَصرةِ قال (2) :
أخبرني ما سمعتَ من رسول الله؟ قال: سمعت رسولَ اللهِ، يقولُ: " لا
يَلِج النارَ رجلٌ صَلَّى قبل طلوع الشمسِ، وقبلَ أن تَغرُبَ " قال: أنت
سمعتَه منه؟ - ثلاث مرات- قال: نعم، كل ذلك يقولُ: سَمعَتهُ أذناي،
وَوَعَاهُ قَلبِي. قال الرجلُ: وأنَا سَمِعتُه يَقولُ ذلك (3) .
__________
(1) في جامع الترمذي (1/323) : " واضطربوا عنه في هذا الحديث، وهو
صدوق، وقد تكلم ... ".
(2) في سنن أبي داود: " فقال ".
(3) مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: فضل صلاتي الصبح والعصر
والمحافظة عليهما 213- (634) ، النسائي: كتاب الصلاة، باب: فضل
صلاة العصر (1/236) .
تنبيه: سقط من نسخة المصنف حديثان، وقد جاءا في سنن أبي داود برقم
(429، 430) وهما: حدثنا محمد بن عبد الرحمن العنبري، حدثنا أبو علي
الحنفي عبيد الله بن عبد المجيد، حدثنا عمران القطان، حدثنا قتادة وأبان،
كلاهما عن خليد العصري، عن أبي الدرداء، قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" خمس من جاء بهن مع إيمان دخل الجنة: من حافظ على الصلوات الخمس،
على وضوئهن، وركوعهن، وسجودهن، ومواقيتهن، وصام رمضان،
وحج البيت إن استطاع إليه سبيلا، وأعطى الزكاة طيبة بها نفسه، وأدى
الأمانة " قالوا: يا أبا الدرداء، وما أداء الأمانة؟ قال: الغسل من الجنابة.
حدثنا حيوة بن شريح المصري، حدثنا بقيهَ، عن ضبارة بن عبد الله بن
أبي سليك الألهاني، أخبرني ابن نافع، عن ابن شهاب الزهري، قال: قال
سعيد بن المسيب، إن أبا قتادة بن ربعي، أخبره قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:=(2/308)
/ش- يحيى: القطان
وإسماعيل بن أبي خالد: أبو عبد الله البجلي الأَحمَسي مولاهم
الكوفي؛ واسم أبي خالد: هرمز، ويُقال: سَعد، ويُقال: كثير.،
رأى سلمة بن الأكوع، وأنس بن مالك. وسمع: عبد الله بن أبي أوفى،
وعمرو بن حريث، وأبا كاهل قيس بن عائذ، وأبا جحيفة، ومن
التابعين: قيس بن أبي حازم، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، والشعبي،
وأبا بكر بن عمارة بن رُؤَيبة وغيرهم. روى عنه: الثوري، وابن عُيَينة،
وشعبة، وابن المبارك، ووكيع، ويحيى القطان وغيرهم 0 وقال أحمد بن
عبد الله العجلي: هو كوفي ثقة، وكان رجلا صالحا. سمع من
خمسة (1) من أصحاب النبي- عليه السلام- وكان طحانا، توفي سنة
خمس وأربعين ومائة. روى له الجماعة (2) .
وأبو بكر بن عمارة بن رُؤيبة الثقفي البصري. سمع: أباه. روى
عنه: عبد الملك بن عُمَير، وإسماعيل بن أبي خالد، وأبو إسحاق،
ومسعر بن كدام. روى له: مُسلم، وأبو داود، والنسائي (3) .
وأبوه: عُمارة بن رُؤيبة الثقفي من بني جشم بن قسي- وهو ثقيف-
يكنى أبا زُهيرة. رُوِيَ له عن رسول الله تسعة أحاديث. روى له: مسلم
حديثين. روى عنه: ابنه أبو بكر بن عمارة، وحصين بن عبد الرحمن،
وأبو إسحاق السَبِيعي. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي (4) .
قوله: " لا يَلح النارَ " أي: لا يَدخلها، من ولج يلج، أصله:
يولج، كيعد أصله: يَوعدُ.
__________
- " قال الله تعالى: إني فرضت على أمتك خمس صلوات، وعهدت عندي
عهدا أن من جاء يحافظ عليهن لوقتهن أدخلته الجنة، ومن لم يحافظ عليهن
فلا عهد له عندي ".
(1) غير واضحة في الأصل، وأثبتناها من تهذيب الكمال.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (3/439) .
(3) المصدر السابق (33/7250) .
(4) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (3/20) ، أسد الغابة
(4/138) ، الإصابة (2/515) .(2/309)
قوله: " صلى قبل طلوع الشمس " المراد منه: صلاة الصبح.
قوله: " وقبل أن تغرب " أي: وصلى- أيضا- قبل أن تغرب الشمس
المراد منه: صلاة العَصر.
قوله: " ووَعَاه قَلبي " أي: حفِظه؛ من وعَيتُ الحديثَ أعيه وَعيًا فأنا
واع إذا حفِظتَه وفهمتَه، وفلان أوعى من فلان، أي: أحفَظ وأفهمُ.
والحديث: أخرجه مسلم، والنسائي. وفي رواية اللؤلؤي يُقرأ الحديث
الذي قبله بعد هذا الحديث.
9- بَاب: إذا أَخّر الإمامُ الصلاة عَن الوَقت
أي: هذا باب في بيان ما إذا أخر الإمام الصلاة عن الوقت، والمرادُ
من الإمام: الذي يولَى على طائفة من المسلمين، ويُطلق على الإمام
الأعظم- أيضا- وهو الخليفة، وكل من يوليه من الحُكام فهو إمام؛ لأن
الناس يأتمون به في الصلاة وغيرها. وفي النسخ الصحيحة: " باب في
الإمام إذا أخر الصلاة عن الوَقت ".
413- ص- حدثنا مسدد: نا حماد بن زيد، عن أبي عمران، عن
عَبد الله بن الصامت، عن أبرا ذر قال: قال لي رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا أبا ذر
كيف أنتَ إذا كانت عليكَ أمراء يُميتُون الصلاةَ " - أو قال: " يُؤَخِّرون
الصلاةَ؟ " قلتُ: يا رسولَ الله! فماَ تأمُرُني؟ قال: " صَلِّ الصلاةَ لوقتهَا،
فإن أدركتها معهم فَضَلِّه (1) ؛ فَإنها لك نَافَلة " (2) .
ش- أبو عمران: اسمُه: عبد الملك بن حبيب الأزدي البصري،
__________
(1) في سنن أبي داود: " فصلها ".
(2) مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: كراهية تأخير الصلاة عن
وقتها المختار 241- (648) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في تعجيل
الصلاة إذا أخرها الإمام (176) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب ما
جاء فيما إذا أخروا الصلاة عن وقتها (1256) ، تحفة الأشراف (9/11950) .(2/310)
أبو عمران الجوني- بفتح الجيم-، وسكون الواو، وبالنون- رأى
عمران بن حُصَين. وسمع: أنس بن مالك، وجندب بن عبد الله
البجلي، وربيعة بن كعب الأسلمي، وعبد الله بن الصامت وغيرهم.
روى عنه: شعبة، والحمّادان، والحارث بن عبد الله وغيرهم. وعن ابن
معين: ثقة. مات سنة ثمان وعشرين ومائة. روى له الجماعة (1) .
وعبد الله بن الصامت: البصري الغفاري، ابن أخي أبي ذر الغفاري.
سمع: أبا ذر، وعبد الله بن عمر، وَرافع بن عُميرة الطائي. روى عنه:
حُميد بن هلال، وأبو عمران الجَوني، وأبو العالية البَراء وغيرهم. قال
أبو حاتم: بصري يكتب حديثه. روى له الجماعة إلا البخاريّ (2) .
قوله: " يُميتون الصلاة " يعني: يؤخرونها فيجعلونها كالميت الذي
خرجت روحه.
قوله: " أو قال: يؤخرون الصلاة " شك من الراوي؛ والمراد بتأخيرها
عن وقتها المختار؛ لا عن جميع وقتها؛ فإن المنقول عن الأمراء المتقدمين
والمتأخرين إنما هو تأخيرها عن وقتها المختار، ولم يؤخرها أحد منهم عن
جميع وقتها؛ فوجب حمل الأخبار على ما هو الواقع. هكذا قاله الشيخ
محيي الدين (3) ؛ ولكن لفظ " يُميتون الصلاة " ينافي هذا التأويل؛ لأن
معنى إماتة الصلاة: أن يُصليها خارج الوقت؛ لأن الصلاة مادامت في
وقتها/لا تُوصف بالميتة، وكذا قوله: " ولم يؤخرها أحد منهم عن
جميع وقتها " غير مُسلم؛ فإنه نُقل عن كثيرٍ من الخلفاء الفسَقة والسلاطين
الظلمة تركُ الصلوات، فضلا عن تأخير صلاة عن وقتها.
قوله: " صل الصلاة لوفتها " أي: وقتها المختار المستحب.
قوله: " فصَلِّه " الهاء فيه هاء السكتة، وليست بهاء الضمير.
قوله: " فإنها لك نافلة " أي: فإن الصلاة التي تدركها وتصليها مَعهم
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (18 /3521) .
(2) المصدر السابق (15/3339) .
(3) شرح صحيح مسلم (15/147) .(2/311)
بعد أن تُصلِي في وقتها المختار لك نافلةٌ؛ لأن الأولى وقعت فرضَا،
فيصير الثاني نفلاَ؛ وهذا مذهب الجمهور في أن الرجل إذا صلى الفرض
مرّنين تكون الأولى فرضَا والثانية نفلاَ؛ لأن صريح الحديث يدل على
هذا. وعن الشافعي أربعة أقوال، الصحيح: كمذهب الجمهور،
والثاني: أن الفرض أكملها، والثالث: كلاهما فرض، والرابع:
الفرض أحدهما- على الإبهام- يَحتسب الله بأيهما شاء. ثم الحديث
بعمومه يتناول هذا الحكم في جميع الصلوات؛ ولكن يُستثنى منها صلاة
الصُّبح والعَصر؛ لورود النهي عن الصلاة بعدهما؛ وهذا عندنا وعند
الشافعي في وجه، وفي الصحيح عنده: أنه لا يفرق بين صلاة وصلاة.
وأما المغرب: فعندنا ينبغي أن يضم إليه ركعةً رابعةَ؛ لأن التنفل بالبُتَيراء
مكروه- كما عُرِف في الفروع.
قوله: " نافلة " مرفوع بالابتداء، وخبره: قوله " لك " والجملة خبر
" إن ".
ويُستفادُ من هذا الحديث فوائد: الأولى: أن الإمام إذا أخر الصلاة عن
وقتها المُستحب يُستحب للمأموم أن يُصليها في وقتها المُستحب منفردا، ثم
يصليها معه إن أدرك فيَجمع بين الفضيلتَين، فإن أراد الاقتصار، فالأفضل
أن يقتصر على فعلها جماعةَ مادام في الوقت، وقيل: الأفضل: أن
يقتصر على فعلها منفردا في الوقت المستحب.
الثانية: فيه الحث على موافقة الأمراء في غير مَعصيةٍ؛ لئلا تتفرق
الكلمة، وتقع الفتنة.
الثالثة: فيه الحث على الصلاة بالجماعة، وأنها أفضل من الانفراد.
الرابعة: فيه الحث على رعاية الوقت المُستحب للصلاة.
الخامسة: فيه ذمّ مَن أخر الصلاة عَن وقتها.
السادسة: فيه شيء من دلائل النبوة؛ حيث أخبر عن الأمراء الذين
يميتون الصلاة، وقد وقع هذا في زمن بني أمية ومَن بعدهم- أيضا- إلى
يَومنا هذا.(2/312)
والحديث: أخرجه مسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
414- ص- نا عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقيّ: نا الوليد: نا
الأوزاعيّ: حدثني حسان، عن عبد الرحمن بن سابط، عن عمرو بن
ميمون الأودي قال: قَدِمَ علينا معاذُ بنُ جبلٍ اليمنَ رسولُ رسولِ اللهِ- عليه
السلام- إلينا قال: فسمعتُ تَكبيرَه مع الفجرِ، رجل أَجشّ الصوتِ، قال:
فألقيتُ عليه مَحبَّتي، فما فارقتُه حتى دفنتُه بالشامِ ميتا، ثم نظرتُ إلى افقَه
الناسِ بَعدَه، فأتيتُ ابنَ مَسعود، فَلَزِمتُه حتى مَاتَ، فقال: قال لي رسولُ
الله: " كيفَ بكم إذا أتَت عليكُمً أمراءُ يُصلُّون الصلاةَ لغير مِيقَاتِهَا؟ " قلتُ:
فمَا تأمُرُني إن أدركَنِي ذلك يا رسولَ الله؟ قال: " صَلًّ الصلاةَ لميقاتِهَا،
واجعَل صَلاتَكَ معهُم سبحهً " (1) .
ش- عبد الرحمن بن إبراهيم: ابن عمرو بن ميمون القرشي،
أبو سعيد الدمشقي مولى آل عثمان بن عفان المَعروف بدُحَيم ويقال له:
ابن اليتيم، قاضي الأردن وفلسطين. سمع: الوليد بن مسلم، وعمر بن
عبد الواحد، ومحمد بن شعيب، وابن عيينة وغيرهم. روى عنه:
أبو زرعة وأبو حاتم الرازيان، وأبو زرعهَ الدمشقي، وحنبل بن إسحاق،
والبخاري، وأبو داود، والنسائي. وقال: ثقة مأمون. وقال في موضع
آخر: لا بأس به-، وابن ماجه، وعبد الله بن عبد الرحمن الدارمي.
مات بالرملة سنة خمس وأربعين ومائتين، وكان ينتحل في الفقه مذهب
الأوزاعي (2) .
والوليد: ابن مُسلم الدمشقي، وعبد الرحمن: الأوزاعي، وحسان:
ابن عطية الشاميّ.
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب التهذيب (16/3747) .(2/313)
وعبد الرحمن بن سابط: ابن أبي حميصة بن عمرو بن أهَيب بن
حذافة بن جُمح الجُمحيَ القرشي المكي. روى عن: عباس بن عبد
المطلب، ومعاذ بن جبل، وسَعد بن أبي وقاص، وجابر بن عبد الله/
وأبي أمامة الباهلي، وعمرو بن ميمون الأوَدي. روى عنه: مُوسى بن
مُسلم الطحان، وعلقمة بن مرثد، وابن جريج، والليث بن سَعد
وغيرهم. وسئل أبو زرعة عنه فقال: مكي ثقة. وكذا قال ابن معين.
مات سنة ثمان عشرة ومائة. روى له: مسلم، وأبو داود، والترمذي،
وابن ماجه (1) .
وعمرو بن مَيمون: أبو عبد الله أو أبو يحيى الكوفي الأوَدي من أود بن
مُصعب بن سَعد العشِيرة، من مَذحِج، أدرك الجاهلية، ولم يَلق النبيَّ
- عليه السلام- وسمع: عمر بن الخطاب، وسَعد بن أبي وقاص، وابن
مسعود، ومعاذ بن جبل، وأبا أيوب، وأبا مسعود، وابن عباس، وابن
عمرو، وأبا هريرة، وسلمان بن ربيعة، ومن التابعين: الربيع بن
خُثيم (2) ، وعبد الرحمن بن أبي ليلى. روى عنه: أبو إسحاق السبيعي،
وسعيد بن جُبير، والحكم بن عُتَيبة وغيرهم. قال ابن معين: هو ثَقة.
مات سنة خمس وسبعين. روى له الجماعة (3) .
قوله: " رسولُ رسولِ الله " الرسول الأول مرفوع على أنه صفة لمعاذ،
ويحوز أن يكون بدلاً منه، ويحوز أن يُنصب على أنه حال؛ والأول
أصح. والرسول الثاني مجرور بالإضافة.
قوله: " إلينا " متعلق بالرسُول الأوّل.
قوله: " رجل أجش الصوت " ارتفاع رجل على أنه خبر مبتدإ محذوف،
أي: هو رجل أجَش الصَوت؛ وهو الذي في صوته جُشة، وهي شدة:
الصوت وفيها غنة.
__________
(1) المصدر السابق (17/3822) .
(2) في الأصل: " خيثم " خطأ.
(3) المصدر السابق (22/4458) .(2/314)
قوله: " ميتا " حال من الضمير المنصوب في " دفنتُه "، وقد ذكرنا أنه
دُفِن في شرقي غور بَيسَان سنة ثمان عشرة.
قوله: " كيفَ بكم؟ " أي: كيف شأنكم وحالكم؟ وقد استقصينا
البحث في " كيف " مرةَ، وأنه اسم، والغالب فيه الاستفهام، والباء في
" بكم " زائدة؛ لأنه أتى بها للتوصل حين ترك الضمير المنفصل، وجيء
عوضه بالضمير المتصل؛ لأن أصله: كيف أنتم؟ فأنتم: مُبتدأ، وحبرُه:
كيف مقدّما، ومعناه: كيف شأنكم؟ - كما قلنا.
قوله: " لغَير ميقاتها " أي: في غير وقتها. وهذا يرد قول الشيخ محيى
الدين في تفسير الحديث السابق " ولم يؤخرها أحد منهم عن جميع
وقتها "، وقد نبهنا عليه هناك.
قوله: " سبحة " - بضم السين وسكون الباء- والسبحة: ما يصليه المرء
نافلة من الصلوات، ومن ذلك سُبحة الضُحَى، وقال بعضهم: إنما
خُضت النافلة بالسُبحة وإن شاركتها الفريضة في معنى التَّسبيح؛ لأن
التَّسبيحات في الفرائض نوافل. فقيل: الصلاة النافلة: سُبحة؛ لأنها
نافلة كالتسبيحات والأذكار في أنها غير واجبة، وقيل في قوله تعالى:
(فَلَولاَ أَنَّهُ كَانَ منَ المُسبِّحِينَ) (1) أي: المُصلَين، وسُفيت الصلاة:
سُبحةَ وتسبيحَا؛ لما فيها من تعظيم الله وتنزيهه، ولم يفرق هؤلاء بين
فريضة ونافلة؛ والسُّبحة من التَّسبيح كالسُخرة من التَّسخير، تطلق على
الذكر وعلىَ صلاة النافلة، وعلى خرَزاتِ يُسَبح بها؛ وأصل التَسبيح:
التنزيه؛ ومعنى سبحان الله: التنزيهُ لله. وفيه الفوائد التي ذكرناها في
الحديث السابق.
415- ص- نا محمد بن قدامة بن أعين: نا جريرٌ، عن منصور، عن
هلال بن يَسَاف، عن أبي المثنى، عن ابن أخت عبادة بن الصامت، عن عبادة
ابن الصامت ح ونا محمد بن سليمان الأنباري: نا وكيع، عن سفيان، المعنى،
__________
(1) سورة الصافات: (143) .(2/315)
عن منصور، عن هلال بن يَساف، عن أبي المثنى الحمصي، عن ابن امرأة
عُبادة بن الصامت، عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنها
سَتَكُونُ عليكمُ بعدي أمراءُ تَشغَلُهم أشياءُ عن الصلاة لوَقتهَا حتى يَذهبَ
وقتُها، فصَلُّوا الصَلاةَ لوفتها " فقال رجلٌ: يا رسولَ اللهَ أصَلِّي معهُم؟
وقال سُفيان: " وإن أدركَتُ معهم أصلي (1) معهم؟ َ قال: " نعم، إن
شئتَ " (2) .
ش- محمد بن قدامة بن أعين: ابن المسور، أبو جَعفر، ويُقال:
أبو عبد الله الجوهري الهاشمي مولاهم المَصِيصَي، حدّث عن: فضيل بن
عياض، وابن عيينة، وجرير بن عبد الحميد، ووكيع، وغيرهم. روى
عنه: النسائي، وأبو داود، وابنه، وأبو بكر بن أبي الدنيا، وعبد الله
ابن محمد البغوي، وغيرهم 0 قال النسائي: لا بأس به، وفي رواية:
صالح. وقال أبو داود: ضعيف، وقال ابن معين: ليس بشيء/. وقال
الدارقطني: ثقة. مات ببغداد سنة سبع وثلاثين ومائتين (3) .
وجَرير: ابن عبد الحميد الرازي. ومَنصور: ابن المُعتمر، وهلال بن
يَسَاف: أو أسَاف الكوفي.
وأبُو المثنى: الحمصي، اسمُه: ضمضم الا. ملوكي. روى عن: عتبة
ابن عبد السُّلمي، وكعب الأحبار، وأبي أُبيّ بن أم حرام. روى عنه:
صفوان بن عمرو، وهلال بن يَساف. روى له: أبو داود (4) .
وابن أخت عبادة: اسمُه: المثنى؛ كذا قال ابن حبان في " الثقات "
قال: المثنى ابن أخت عبادة بن الصامت. يروي عن: عبادة.
__________
(1) في سنن أبي داود: " أأصلي ".
(2) ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء فيما إذا أخروا الصلاة عن
وقتها (1257) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (26 /5554) .
(4) المصدر السابق (13/2944) .(2/316)
ومحمد بن سُليمان الأنباري، وهو ابن أبي داود؛ وقد ذكرناه. وهذا
الحديث- كما رأيته- فد رواه أبو داود من طريقين؛ الأول: عن جرير،
عن منصور، والثاني: عن سفيان، عن منصور؛ ففي الطريق الأول:
عن أبي المثنى، عن ابن أخت عبادة، وفي الثاني: عن ابن امرأة عبادة.
وكذا رواه أحمد في " مسنده " من طريقين؛ الأول: عن وكيع، عن
سفيان، عن منصور، عن هلال بن يَساف، عن أبي المثنى الحمصي،
عن أبِي أبَي ابن امرأة عبادة. والثاني: عن محمد بن جعفر، عن شعبة،
عن هلال بن يَساف، عن أبي المثنى، عن ابن امرأة عبادة 0 وفي بعض
نسخ أبي داود- أيضا- في طريقه الثاني: " عن أبي المثنى، عن أبي أُبي
ابن امرأة عبادة (1) "؛ مثل طريق أحمد الثاني.
قوله: " إنها " أي: إن القصة والشأن.
قوله: " وقال سفيان " أي: قال سفيان في روايته: قال الرجل: يا
رسول الله! إن أدركت معهم، يعنىِ: إن أدركت زمانهم، وحصرت
معهم هل أصلي معهم؟ قال- عليه السلام-: نعم إن شئت الصلاة
معهم فصَل. ورواه- أيضا- ابن ماجه.
416- ص- نا أبو الوليد الطيالسي: نا أبو هاشم: حدثني صالح بن
عُبَيد، عن قَبِيصةَ بن وقاص قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَكُونُ عليكُم أمراءُ
من بَعدي يؤخِّرُونَ الصلاةَ، فهيَ لكم وهي علَيهم، فصلُوا معهم ما صَلُّوا
القِبلةَ " (2) .
ش- أبو هاشم: عمار بن عمارة البصري الزعفراني. روى عن:
الحسن، وابن سيرين، وصالح بن عُبيد وغيرهم. روى عنه: أبو الوليد،
وروح بن عبادة، وعبد الصمد بن عبد الوارث. قال ابن معين: ثقة.
وقال أبو حاتم: صالح. روى له: أبو داود (3) .
__________
(1) كما في سنن أبي داود.
(2) تفرد به أبو داود.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (21/4168) .(2/317)
وصالح بن عُبيد. روى عن: قَبيصة بن وقاص، ونابل (1) . روى
عنه: أبو هاشم الزعفراني، وعمرو بن الحارث الجُمحي. روى له:
أبو داود (2) . وقَبيصة بن وقاص، له صحبة من النبي- عليه السلام-،
عداده في أهل البصرة. روى عنه: صالح بن عبيد. روى له: أبو داود.
وذكر النمري أن قبيصة هذا سُلمي، سكن البصرة. رُوِيَ عنه حديث
واحدٌ لم يُحدث به غير أبى الوليد الطيالسي، وذكر هذا الحديث (3) .
قوله: " فهي لكم " أي: الصلاة لكم، بمعنى ثوابها يَحصل لكم.
قوله: " وهي عليهم " أي: الصلاة عليهم، بمعنى وزر تأخيرها عليهم.
قوله: " مَا صلوا القبلة " يعني: ماداموا يصلون القبلة: والمراد منه:
إظهار الطاعة، والامتثال للولاة والحُكام فيما وافق الحق، وإن كانوا
جائرين، وجواز الصلاة خلفهم ماداموا على الإسلام. وقد روى
الدارقطني بإسناده إلى أبي هريرة: " سَيليكم بعدي ولاةٌ، فاسمعوا لهم
وأطيعوا فيما وافق الحق، وصلُّوا وراءهم، فإن أحسنوا فلهم، وإن
أساءوا فعليهم ".
واستفيد من الحديث: جواز الصلاة خلف البر والفاجر. وكان بعض
السلف يُصلون في بيوتهم في الوقت ثم يُعيدون معهم؛ وهو مذهب
مالك. وعن بعض السلف: لا يعيدون؛ قال النخعي: كان عبد الله
يُصلي معهم إذا أخروا عن الوقت قليلا، ويرى أن مأثم ذلك عليهم.
وروى ابن ماجه (4) بسند صحيح، عن ابن مسعود قال: قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
__________
(1) في الأصل: " نائل " خطأ، وهو مترجم في تهذيب الكمال (29/6349) .
(2) المصدر السابق (13/2826) .
(3) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (3/255) ، أسد الغابة
(4/384) ، الإصابة (3/223) .
(4) كتاب: إقامة الصلاة، باب: ما جاء فيما إذا أخروا الصلاة عن وقتها
(1255) ، وأخرجه النسائي في: كتاب الإمامة، باب: الصلاة مع أئمة
الجور (2/75) .(2/318)
" سَتُدركون أقوامًا يُصلون الصلاة لغير وقتها، فإن أدركتموهم فصلوا في
بيوتكم للوقت الذي تعرفون، ثم صلوا معهم واجعلوها سبحة ".
10- باب: مَن نامَ عَن صَلاَة أو نَسيَها
أي: هذا باب في بيان حكم مَن نام عن صًلاةٍ أوَ نسِيها. وفي بعض
النسخ: " باب ما جاء فيمن نام عن صلاة أو نسيها ".
417- ص- نا أحمد بن صالح: نا ابن وهب: أخبرني يونس، عن ابن
شهاب، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة، أن رسولَ الله- عليه السلام-
حين قَفَلَ من غزوة خَيبرَ فسارَ ليلةً، حتى إذا أدركَنَا الَكَرَى عَرَس وقال
لبلال: " اكلأ لنا اللَيلَ ". قال: فغلبت بلالا عينَاه وهو مُستندٌ إلى راحلَته،
فلم يستيقظ النبيُّ- عليه السلام- ولا بلالٌ ولا أحدٌ من أصَحابه، حتىَ إَذا
ضرَبتهُم الشمسُ فكان رسولُ الله أولَّهُم استيقَاظاً، فَفَزِعَ رسولُ الله فقال:
" يا بلالُ " (1) قال: اخَذَ بنفسَي الذي أخذَ بنفسكَ بأبي أنتَ وَأمِّي يا
رسولَ الله، فاقتَادُوا رَوَاحِلَهم شيئاًَ، ثم تَوضأ لنبيُ- عليه السلام-، وأمرَ
بلالاً فأقامَ لهم الصلاة، وصلى لهم الصُّبحَ، فلما قَضى الصلاة قال: " من
نَسيَ صَلاةً فليُصلِّها إذا ذَكَرَها؛ فإن اللهَ عز وجل قال: (أقم الصَّلاَةَ
لِلذَكرَى) (2) .
ش- أحمد بن صالح: المعروف بابن الطبري، وعبد الله: ابن وهب،
ويونس: ابن يزيد، وابن شهاب: الزهري/، وسعيد: ابن المُسيب.
قوله: " حين قَفل " أي: حين رجع؛ والقفولُ: الرجوع، ولا يقال
__________
(1) في سنن أبي داود: " فقال ".
(2) سورة طه: (14) ، وهي قراءة شاذة من غير القراءات السبع المتواترة، وانظر:
تعليق المصنف، والحديث أخرجه مسلم في: كتاب المساجد ومواضع الصلاة،
باب: قضاء الصلاة الفائتة، واستحباب تعجيل قضائها (680/ 309) ، وابن
ماجه في: كتاب الصلاة، باب: من نام عن الصلاة أو نسيها (697) .(2/319)
ذلك في ابتداء السفر، وربما سمّيت الرفقة قافلة تفاؤلا لها بالسلامة،
ويقال: قد يقال للسفر قفول في الذهاب والمجيء، وأكثر ما يستعمل في
الرجوع، ويقال (1) من غزوة خيبر، ويُقال: غزوة حُنين- بالحاء المهملة
والنون- قاله الأصيلي، والصحيح: أنه غزوة خَيبر بالخاء المعجمة،
وهكذا هو في " صحيح مسلم ".
قوله: " إذا أدركَنا الكَرَى " بفتح الراء والكاف- والكرى فاعله وهو
بفتح الكاف: النُّعاس. وقيل: النوم. يُقال: من كرِي الرجلُ يكري
كَرا من باب علم يعلم فهو كرِ، وامرأة كرِيَة- بتخفيف الياء-.
قوله: " عَرّسَ " " (2) من التعريس، وهو نزول المسافرين آخر الليل
للنوم والاستراحة؛ هكذا قاله الخليل والجمهور. وقال أبو زيد: هو
النزول أيّ وقت كان من ليل أو نهار؛ وفي الحديث: " معرّسون في نحر
الظهيرة ".
قوله: " اكلأ " - بهمزة في آخره- أي: ارقُب لنا الليل واحفظه
واحرسه؛ وهو أمر من كلأ يكلأ كِلاءةَ- بكسر الكاف والمدّ- وقد مر
مثله مرةَ.
قوله: " عيناه " فاعل قوله: " غلبت " و " بلالا " منصوب مفعوله،
والواو في قوله: " وهو مستند " واو الحال.
قوله: " ففزعَ رسولُ الله " أي: انتبه وقام. يقال: أفزعتُ الرجلَ من
نَومه ففزع أي: أنبَهتُه فانتبه، وذكر أهل اللغة أنه يجيء بمعنى خاف،
وبمعنى بَادَر، وبمعنى: أغاث، وبمعنى: استغاث؛ وهو بكسر الزاي في
الكل، وقالوا في فزع بمعنى أغاث- بالفتح، فافهم.
قوله: " أخذ بنفسي " كناية عن النوم؛ بمعنى أنامني الذي أنامك.
قوله: " بأبي أنت وأمي " قد ذكرنا مرةَ أن " الباء " فيه متعلقة بمحذوف؛
__________
(1) غير واضحة في الإلحاق.
(2) انظر: شرح صحيح مسلم (5/182) .(2/320)
قيل: هو اسم فيكون ما بعده مرفوعا تقديره: أنت مُفدَى بأبي وأمي.
وقيل: هو فعل، وما بعده منصوب. أي: فديتك بأبي وأمي، وحُذف
هذا المقدر تخفيفا لكثرة الاستعمال.
قوله: " فاقتادوا رواحلهم " أي: قادُوها، فقَادَ واقتادَ بمعنىَ واحد،
والرواحل: جمع راحلة؛ وهي الناقة التي تصلح لأن تُرحل؛ وإنما
اقتادوها لما ذكره في الرواية الثانية: " تحولوا عن مكانكم الذي أصابتكم
فيه الغفلة (1) "، وفي رواية مسلم: " فإن هذا منزل حصرَنا فيه
الشيطانُ ". وفيه دلالة على أن قضاء الفائتة بعذر ليس على الفور؛ وهو
الصحيح؛ ولكن يستحب قضاؤها على الفور. وحكى البغوي وجهاً عن
الشافعي أنه على الفور. وأما الفائتة بلا عُذر فالأصح قضاؤها على
الفور، وقيل: له التأخير- كما في الأول-.
وقال الخطابي (2) : " وقد اختلف الناس في معنى ذلك وتأويله- أي:
في قوله: " فاقتادوا رواحلهم شيئَا ثم توضأ النبي- عليه السلام- " -
فقال بعضهم: إنما فعل ذلك لترتفع الشمس فلا تكون صلاتهم في الوقت
المنهي عن الصلاة فيه- وذلك أول ما تَبزغ الشمسُ- قالوا: والفوائت لا
تُقضى في الأوقات المنهي عن الصلاة فيها ".
قلت: هذا مذهب أبي حنيفة؛ ولكن قوله: " حتى إذا ضربتهم
الشمس، يدل على أن الشمس قد ارتفعت كثيرا، فكيف يكون انتقالهم
من ذلك المنزل لارتفاع الشمس؟ ثم الصلاة لا تجوز عند طلوع الشمس
مطلقا سواء كانت فرضَا أو نفلا، أو وتراَ (3) أو سجدة تلاوة أداء وقضاء.
وقيل: يجوز النفل مع الكراهة، وكذا عند غروبها واستوائها؛ للحديث
المشهور. وقال مالك، والشافعي، وأحمد، والأوزاعي: تقضى
الفوائت في كل وقتِ نهي عن الصلاة فيه أو لم يُنه عنها.
__________
(1) يأتي في الحديث الآتي.
(2) معالم السن (1/118) .
(3) في الأصل: " أو ترا "
21* شرح منن أبي داوود 2(2/321)
ثم اختلف أصحابنا في قدر الوقت الذي تباح فيه الصلاة بعد الطلوع.
قال في الأصل: حتى ترتفع قدر رمح أو رمحن. وقال أبو بكر محمد
ابن الفضل: مادام الإنسان يقدر على النظر إلى قرص الشمس، فالشمس
في الطلوع لا تباح فيه الصلاة، فإذا عجز عن النظر تباح. وقال
الفقيه أبو حَفص السَّفكَردري: يؤتى بطست ويوضع في أرض مستوية فما
دامت الشمس تقع في حيطانه، فهي في الًطلوع فلا تحل الصلاة، وإذا
وقعت في وَسطه فقد طلعت وحكت الصلاة.
قوله: " فأقام لهم الصلاة " فيه دليل على أن الفائتة يقام لها، وليس لها
أذان. وفي حديث أبي قتادة بعده إثبات الأذان للفائتة.
فإن قيل: كيف ترك الأذان في هذا الحديث؟ قلنا: لا يلزم من ترك
ذكره أنه لم يؤذن، فلعله أدّن وأهمله الراوي/أو لم يعلم به. وجواب
آخر: يجوز أن يكون تركه في هذه المرة لبيان جواز تركه، وإشارةَ إلى أنه
ليس بواجب محتم، ولا سيما في السفر.
قوله: " وصلى لهم الصبح " فيه: استحباب الجماعة في الفائتة.
قوله: " فليصلها إذا ذكرها " فيه دليل على وجوب قضاء الفائتة سواء
تركها بعذر كنوم ونسيان أم بغير عذر.
فإن قيل: الحديث مقيد بالنسيان؟ قلت: لخروجه على سَبَب؛ ولأنه
إذا وجب القضاء على المعذور فغيره أولى بالوجوب: وهو من باب التنبيه
بالأدنى على الأعلى. وقال الشيخ محيي الدين (1) : " وأما قوله- عليه
السلام- " فليصلها إذا ذكرها " فمحمول على الاستحباب؛ فإنه يجوز
تأخير قضاء الفائتة بعذر على الصحيح وقد بيّناه. وقد قال بعض أهل
الظاهر: إن الفائتة بغير عذر لا يجب قضاؤها؛ وهذا باطل ". وقال
الشيخ محيى الدين- أيضا- " وفيه دليل لقضاء السنن الراتبة ".
قلت: لا دليل فيه على ذلك؛ لأن قوله: " من نسي صلاةً " صلاة
الفرض بدلالة القرينة.
__________
(1) شرح صحيح مسلم (5/183) .(2/322)
قوله: " أقم الصلاة للذكرَى " - بكسر الذال وسكون الكاف وفتح الراء-
وهي فعلَى مَصدر من ذكر يذكُر، وهكذا قرأ ابن شهاب لما نُبينه إن شاء
الله تعَالى. وأما القراءة المشهورة: " لذكري " - بكسر الراء وياء
الإضافة، والمعنى: لأوقات ذكري؛ وهي مواقيت الصلاة أو لذكر صلاتي،
وقيل: لأن أذكرك بالثناء، أو لذكري خاصةَ لا تراءي بها، ولا تسويها
بذكر غيري. وقيل: لذكري لأني ذكرتها في الكتب وأمرتُ بها.
" (1) فإن قيل: قد رُوِيَ عن النبي- عليه السلام- أنه قال: " تنام
عيناي ولا ينام قلبي " فكيف ذهب عنه الوقت ولم يشعُر به؟ قلنا:
الجواب عنه: أن ذلك خاص في أمر الحدث؛ لأن النائم قد يكون منه
الحدث وهو لا يشعر به، وليس كذلك رسول الله؛ فإن قلبه لا ينام حتى
لا يشعر بالحدث إذا كان منه. وجواب آخرُ: أن ذلك من أجل أنه يوحى
إليه في منامه، فلا ينبغي لقلبه أن ينام، فأما معرفة الوقت وإثبات رؤية
الشمس طالعة، فإن ذلك إنما يكون دركه ببصر العين دون القلب؛ فليس
فيه مخالفة للحديث الآخر " فافهم. والحديث: أخرجه مسلم،
والترمذي، وابن ماجه.
ص- قال يونس: وكان ابن شهاب يقرؤها كذلك. قال أحمد: قال
عنبسةُ- يعني: عن يونس في هذا الحديث: للذكرى (2) .
قال أحمد: الكَرَى: النعاسُ.
ش- أي: قال يونس بن يزيد الأيلي: وكان ابن شهاب الزهري يقرؤها
أي: يقرأ " الذكرى " كذلك أي: كما في الرواية على وزن فعلى
مصدرًا، كما ذكرناه.
قوله: " قال أحمد " أي: أحمد بن صالح: قال عنبسة: ابن خالد بن
يزيد الأيلي، عن يونس الأيلي.
418- ص- نا موسى بن إسماعيل: نا أبان: نا معمر، عن الزهري،
__________
(1) انظر معالم السنن (1/119) .
(2) في سنن أبي داود: " لذكري ".(2/323)
عنِ سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة في هذا الخبر قال: فقال رسول الله:
" تَحولوا عن مكَانكُم الذي أصَابَتكم فيه الغَفلَةُ ". قال: فأمَر بلالا فأذنَ وأقامَ
َ (1)
وصلى.
ش- أبان: ابن يزيد العطار، ومَعمر: ابن راشد.
قو له: " تحولوا " أي: انتقلوا.
قوله: " الغفلة " أي: النسيان. وهذه الرواية فيها الأذان. وقد ذكرنا
وجه تركه في الرواية الأولى.
ص- قال أبو داود: رواه مالك، وسفيان بن عيينة، والأوزاعي،
وعبد الرزاق، عن معمر، وابن إسحاق، لم يذكر أحد منهم الأذان في
حديث الزهري هذا، ولم يُسنده منهم أحدٌ إلا الأوزاعيّ وأبان العَطار، عن
معمر.
ش- أي: روى هذا الحديث مالك بن أنس، وابن عُيينة، وعبد الرحمن
الأوزاعي، وعبد الرزاق بن همام، عن معمر بن راشد، ومحمد بن
إسحاق.
وقد اختلفوا في الفوائت هل يؤذن لها أم لا؟ فقال أبو حنيفة:
أذن للأولى وأقام وكان مخيرا في الباقي إن شاء أذن وأقام، وإن شاء اقتصر
على الإقامة. وبه قال أحمد. واختلف قول الشافعي في ذلك؛ فأظهر
أقاويله: أن يُقام للفوائت ولا يؤذن لها. والأصح ما قال أبو حنيفة لرواية
أبي هريرة. وروى هذا الحديث- أيضا- هشام، عن الحسن، عن
عمران بن حصين/فذكر فيه الأذان (3) . ورواه أبو قتادة الأنصاري، عن
النبي- عليه السلام-، فذكر الأذان والإقامة (4) ؛ والزيادات إذا صحت
مقبولة، والعمل بها واجبٌ ".
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) انظر معالم السنن (1/119)
(3) يأتي بعد ستة أحاديث.
(4) يأتي بعد حديث، وله روايات، ويأتي بعد سبعة أحاديث ذكر الأذان والإقامة
من حديث عمرو بن أمية الضمري، وذي مخبر الحبشي.(2/324)
419- ص- نا موسى بن إسماعيل: ثنا حماد، عن ثابت البناني، عن
عبد الله بن رباح الأنصاريّ قال: نا أبو قتادة، أن النبيَّ- عليه السلام- كان
في سَفر له، فمالَ رسولُ الله وملتُ معه. فقالَ: " انظُر " فقلتُ: هذا
راكب هًذانِ راكبان، هؤلاء ثَلاثة، حتى صرنا سبعة فقال: " احفظُوا عَلينا
صلاتَنا " - يعني: صَلاةَ الفجرِ- فضُرٍبَ عَلى آذانهم، فما أيقَظَهُم إلا حر
الشمسِ، فقامُوا فساروا هَنيّةً، ثم نَزلُوا فتوضأوَا، وأذن بلال، فصلُّوا
ركعَتي الفجرِ، ثم صلُوا الفجرَ ورَكبوا وقال (1) بعضُهم لبَعض: قد فرَّطنَا
في صلاتنَا، فقال رسولُ اللهِ: " إَنه لا تفريطَ في النوم: إنما التفريطُ في
اليقظَة؛ َ فإذا سَهَى أحدُكُم عن صلاة فليُصَلِّهَا حين يَذكُرُها، ومن الغد
للوقتِ (2) .ً
ش- حماد: ابن سلمة.
وعبد الله بن رَباح- بفتح الراء والباء الموحدة- أبو خالد الأنصاريّ
المدني. روى عن: أبيّ بن كعب. وسمِع: أبا قتادة الأنصاري،
وأبا هريرة، وعمران بن الحُصَين، وابن عمرو، وعائشة. روى عنه:
ثابت البناني، وقتادة، وأبو عمران الجَوني، وغيرهم. قال أحمد بن
عبد الله: بصريّ ثقة، قتل في ولاية زياد. روى له الجماعة إلا البخاريّ (3) .
وأبو قتادة: الحارث بن ربعي السَّلمي المدني.
قوله: " فمال " أي: عَرج عن الطريق.
قوله: " فضُرب على آذانهم " " (4) كلمة فصيحة من كلام العرب
معناه: إنه حُجب الصَّوت والحسّ عن أن تلجأ آذانهم فينتبهوا؛ ومن هذا:
قوده تعالى: (فَضَرَب عَلَى آذانهم في الكَهف سنين عَددًا) (5) فكأنها قد
ضُرب عليها حجابٌ ".
__________
(1) في سنن أبي داود: " فقال " 0
(2) مسلم: كتاب المساجد، باب: قضاء الصلاة الفائتة ... (683 /313) ،
النسائي: كتاب المواقيت، باب: إعادة من نام عن الصلاة لوقتها من الغد (1/ 295) ،
ابن ماجه: كتاب الصلاة، باب: من نام عن الصلاة أو نسيها (698) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (14/3257) .
(4) انظر: معالم السنن (1/120) .
(5) سورة الكهف: (11) .(2/325)
قوله: " هُنَيةً " أي: قليلا من الزمان؛ وهي تصغير هنة، ويقال: هُنَيهة
- أيضا-؛ وانتصابها على أنها صفة لمصدر محذوف أي: ساروا سيرًا
هُنَيةً.
قوله: " فصلوا ركعتي الفجر " المراد بها: سُنَّة الفجر؛ وبهذا استدل
أصحابنا أن سُنَّة الفجر إذا فاتت مع الفرض تُقضى بعد طلوع الشمس مع
الفرض، وأما إذا فاتت السُّنَّة وحدها فلا تقضى؛ خلافا لمحمد؛ فإنه
يقيسها على ما إذا فاتت مع الفرض. ولهما: أن الأصل في السنن أن لا
تقضى؛ ولكن سُنة الفجر إذا فاتت مع الفرض خُصت بهذا الحديث.
قوله: " قد فرطنا " أي: قصرنا.
قوله: " لا تفريط في النوم " أي: لا تقصير فيه؛ لأن النائم ليس بمكلف.
فإن قيل: إذا أتلف النائم برجله أو بيده أو غير ذلك من أعضائه شيئا
يجب ضمانه، قلنا: غرامة المتلفات لا يشترط لها التكليف بالإجماع،
حتى لو أتلف الصبي أو المجنون شيئا يجب ضمانه من مالهما.
قوله: " إنما التفريط في اليقظة " لوجود التقصير منه من غير عذر.
قوله: " فليصلها حين يذكرها " أي: حين يذكر تلك الصلاة؛ وقد
ذكرنا أن هذا القيد ليس للوجوب، حتى لو صلاها بعد ذلك يجوز ولا
يأثم.
قوله: " ومن الغد للوقت " أي: وليصل- أيضا- من الغد في
الوقت، فطاهر هذا الكلام: أن الفائتة يُصليها مرة حين ذكرها، ومرةً من
الغد في وقتها؛ بدليل قوله في الرواية الأُخرى: " فليقض معها
مثلها (1) "؛ ولكن هذا ليس بمراد، ولا هو قول أحدٍ، ولذلك قال
الخطابي (2) : " فلا أعلم أحدًا من الفقهاء قال بها وجوبًا، ويُشبهُ أن
يكون الأمر به استحبابًا، لتُحرز (3) فضيلة الوقت في القضاء عند مصادفة
__________
(1) يأتي في الحديث الأتي.
(2) معالم السنن (1/ 120)
(3) في معالم السنن " ليحرز ".(2/326)
الوقت ". ويقال: يحتمل أن يكون- عليه السلام- لم يرد إعادة الصلاة
المنسية حتى يصليها مرتين، وإنما أراد أن هذه الصلاة وإن انتقل وقتها
بالنسيان إلى وقت الذكر، فإنها باقية على وقتها فيما بعد مع الذكر، لئلا
يطن ظانّ أن وقتها قد تغير.
قلت: قوله: " فليقض معها مثلها " يدفع هذا الاحتمال، ويَعضد ما
قلناه. والحديث: أخرجه مسلم بنحوه أتم منه، وأخرج النسائي، وابن
ماجه طرفا منه.
420- ص- نا علي بن نصر: نا وهب بن جرير: نا الأسود بن شيبان:
نا خالد بن سُمَيرِ قال: قَدِمَ عَلَينا عبدُ الله بن ربَاحِ الأنصاريُّ من المدينةِ
- وكانت الأنصارُ/تفقهه- فحدَثنا قال: حَدثَّني أبو قتادةَ الأنصاريّ-
فارسُ رسولِ الله- قال: بَعَثَ رسولُ الله جيشَ الأمراء بهذه القصة قال:
فلم يُوقظنَا إلا الَشمسُ طالعةَ، فقُمنَا وَهِلِين لصلاتنَا، َ فقال النبيُ- عليه
السلام-: " رُوَيدًا رُوَيدَا " حتى إذا تعالَت اَلَشمسُ قالَ رسولُ اللهِ: " مَن كان
منكُم يركعُ ركعتي الفجرِ فليركَعهُما " فَقامَ من كان يركعُهُما ومن لم يكن
يركعُهُما فركَعَهُما، ثم أمر رسولُ اللهِ أن ينادَى بالصلاةِ، فنُوديَ بها، فقام
رسولُ اللهِ فصلَى بنا، فلما انصرفَ قال: " ألاَ إِنَا نحمَدُ اللهَ أنا لم نكن في
شَيء من أمورِ الدنيا تشغَلُنَا عن صلاتنا؛ ولكن أروَاحُنا كانت بيد الله،
فأرسَلَها أنَّى شَاءَ، فمَن أدركَ منكُم صَلاةَ الغَدَاة من غَد صالحَا، فلَيَقضَ
معها مِثلَهَا " (1) .ً
ش- علي بن نصر: ابن علي بن نصر بن علي بن صهبان بن أبي،
أبو الحسن الأزدي الجَهضمي البصري الصغير، روى عن: وهب بن
جرير، وأبي داود الطيالسي، وعبد الله بن داود. روى عنه: أبو زرعة،
وأبو حاتم، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي. وقال: ثقة.
مات سنة خمسين ومائتين في شعبان (2) .
__________
(1) النسائي في الكبرى، كتاب: المناقب 34/ 1.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (21/4144) .(2/327)
والأسود بن شيبان: السَدُوسي، أبو شيبان البصري، مَولى أنس بن
مالك. روى عن: الحسن، ويزيد بن عبد الله، وموسى بن أنس،
وخالد بن سُمَير وغيرهم. روى عنه: ابن المبارك، ووكيع، ووهب بن
جرير وغيرهم. قال ابن معين: ثقة، وقال أبو حاتم: صالح الحديث.
روى له: مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه (1) .
وخالد بن سُمَير: السَّدُوسي البصري. روى عَن: عبد الله بن عُمر
ابن الخطاب. وسمع: أنس بن مالك، وبشير بن نهيك، وعبد الله بن
رباح الأنصاري. روى عنه: الأسود بن شيبان. روى له: أبو داود،
والنسائي، وابن ماجه (2) .
قوله: " قَدِمَ علينا " أي: في البصرة.
قوله: " تُفَقِّهه " - بالتشديد- أي: كانت الأنصار يَنسبُونه إلى الفقه،
ويجعلونه فقيها بينهم.
قوله: " بهذه القصّة " أي: حدث بهذه القصة؛ والمعنى: أنه ذكر هذه
القصة، ثم قال. " فلم يوقظنا إلا الشمسُ " وارتفاع الشمس بقوله:
" لم يوقظنا " و " طالعة " نصب على الحال من " الشمس ".
قوله: " وَهِلين " أي: فزعين، جمع وَهِل- بفتح الواو وكسر الهاء-
صفة مشبهة من وَهِل يُوهَل إذَا فزع لشيء يُصيبُه؛ وهو نصب على الحال
من الضمير الَّذي في قوله: " فقمنا ".
توله: " رويدًا رويدًا " اعلم أن " رُوَيدَ " من أسماء الأفعال؛ ومعناه:
امهل وتأنّ وهو تصغير " رَود " يقال: أروَدَ به إروادًا أي: رَفقَ، ويقال:
رُويدَ زيد، ورويدك زيدا، وهي فيه مصدر مضاف، وقد يكون صفةً
نحو: سارُوا سيرا رويدًا، وحالاَ نحو: ساروا رويدا، أي: مُرودين؛
وهو في هذه المواضع مُعرب، ويُبنى إذا كان اسما للفعل. وأما هاهنا:
__________
(1) المصدر السابق (3/502) .
(2) المصدر السابق (8/1620) .(2/328)
فإنه وقع صفة، والمعنى: امهلوا امهالا رُويدًا، فلِذلك أُعرِبَ. وأمّا
التكرير فللتقرير والتأكيد.
فوله: " حتى إذا تعالت الشمسُ " يُريد استعلالها في السماء وارتفاعَها.،
إن كانت الرواية هكذا، وهو في سائر الروايات: " تعالت " ووزنه:
تفاعلت من العُلُو بمعنى: ارتفعت وظهرت.
قوله: " من كان منكم يركع ركعتي الفجر " أي: من كان منكم يُصلّي
سُنَّة الفجر فليركعهما: فليصليها أطلق الركوع على الصلاة من إطلاق
الجزء على الكل؛ وفي هذا الأمر دليل على أن قوله عليه السلام:
" فليصلها إذا ذكرها " ليس على معنى تضييق الوقت وحَصره بزمان الذكر،
حتى لا يَعدُوه بعَينه؛ ولكنه على أن يأتي بها على حسب الإمكان، بشرط
أن لا يُغفِلها، ولا يتشاغل عنها بغيرها.
قوله: " أن يُنادَى " - بفتح الدال- والنداء بالصلاة: الأذان.
قوله: " ألا إنا نحمد الله " ألا- بفتح الهمزة والتخفيف- وهي للتنبيه
هاهنا، فيدل على تحقق ما بَعدها؛ ويدخل على الجملتين نحو (ألا إنَّهُم
هُمُ السُّفَهَاءُ) (1) ، (ألاَ يَومَ يأتيهِم لَيسَ مَصروفًا عَنهُم) (2) ويستفادُ
/منها معنى التحقيق من جهة كوَنها مركبةً من " الهمزة " و " لاَ "؛
وهمزةُ الاستفهام إذا دخلت على النفي أفادَت التحقيق نحو (أليس ذَلكَ
بقَادر عَلَى أن يُحييَ المَوتَى) (3) . وقال الزمخشري: ولهذا لا تكادُ تَقعُ
اَلجمعة بعدها إلاَ مُصَدّرة بنحو ما يُتلقّى به القسمُ نحو (ألا إِنَّ أوليَاءَ
اللهِ) (4) وهاهنا كذلك وقع بعدها قوله: " إنا نحمد الله " بكسر الهمزةَ.
قوله: " أنا لم نكن " - بفتح الهمزة؛ والمعنى: نحمدُ الله على أنا لم
نكن، وهو في الواقع بمَعنى المصدر، والتقدير: نحمدُ الله على عدم
كوننا في شيء من أمور الدنيا.
__________
(1) سورة البقرة: (13) .
(2) سورة هود: (8) .
(3) سورة القيامة: (40) .
(4) سورة يونس: (62) .(2/329)
قوله: " تشغلنا " صفة للأمور.
قوله: " ولكن أرواحنا " بسكون النون، وضم الحاء؛ وهي كلمة
استدراك، وهو أن يُنسب لما بعدها حكم مُخالف لحكم ما قبلها،
والمُشدّدة تنصب الاسم وترفع الخبر، والمخففة لا تعمل شيئاًَ؛ بل هي
حرف ابتداء لمجرد إفادة الاستدراك. والأرواح: جمع رُوح؛ وهو يُذكر
ويؤنث؛ وهو جوهر لطيف نُوراني يكدرهُ الغذاء والأشياء الردية الدنية،
مُدرك للجزئيات والكليات، حاصل في البدن، متصرفٌ فيه، غني عن
الاغتذاء، بريء عن التحلل والنماء؛ ولهذا يبقى بعد فنَاء البدن؛ إذ
ليست له حاجة إلى البدن، ومثل هذا الجوهر لا يكون من عالم العُنصر؛
بل من عالم الملكوت؛ فمن شأنه أن لا يضره خللُ البدن، ويلتذ بما
يلائمُه، ويتألم بما يُنافيه؛ والدليل على ذلك: قوله تعالى: (وَلا
تَحسَبَنَ الَّذينَ قُتلُوا فِي سَبيلِ الله أموَاتًا بَل أحيَاء) الآية (1) ، وقوله- عليه
السلام-َ: " إَذا وُضع اَلميت عَلى نعشه رفرف روحه فوق نعشه ويقول:
يا أهلي ويا ولدي ".
فإن قيل: كيف تفسر الروح وقد قال تعالى: (قُلِ الرُوحُ مِن أمرِ
رَبي) (2) ؟ قلت: مَعناه في الإبداعات الكائنة بكُن من غير مادة:،
وتولد من أصلٍ، على أن السؤال كان من قدمه وحدوثه، وليس فيه ما
ينافي جواز تفسيره. وأيضاً: إن أمر الروح كان مُبهما في التوراة فقالت
اليهود: نسأله عن أصحاب الكهف (3) وعن ذي القرنين وعن الروح،
فإن أجاب عنها أو سكت فليس بنبيّ، وإن أجاب عن بعض وسكت عن
بعض فهو نبيّ؛ فبَيّن لهم القِصتين، وأبهم الرُوحَ حتى لا يطعنوا في
نُبوّته، وأشار تعالى بقوله: (وَمَا أوتِيتُم مّنَ العلم إلاَّ قَليلاً) (4) إلى أن
الروح لا يمكن معرفة ذاته إلا بعوارض تمَيّزُه عمَا يَلَتبسُ، فلذلك اقتصر
__________
(1) سورة آل عمران: (169) .
(2) سورة الإسراء: (85) .
(3) في الأصل: " الكفهف ".
(4) سورة الإسراء: (85) .(2/330)
على هذا الجواب بقوله: (قُل الرُّوحُ مِن أمرِ ربِّي) كما اقتصر مُوسى في
جواب (وَمَا رَبُّ العَالَمينَ) (1) بذكر بعض صفاته؛ على أن المفسرين
قد اختلفوا في الروح فيَ الآية؛ فعن ابن عباس: إنه جبريل، وعنه:
جندٌ من جنود الله، لهم أيدي وأرجل يأكلون الطعام، وعن الحسن:
القراَن، وعن علي: ملك له سبعون ألف وجه، لكل وجه سبعون ألف
لسان، يُسبح الله بجميع ذلك، فيخلق الله تعالى بكل تسبيحة ملكًا،
وقيل: عيسى- عليه السلام-، وعن عطية: روح الحيوان، وهو
للآدميين والملائكة والشياطين.
قوله: " فأرسلها أنى شَاءَ " أي: متى شاء. واعلم أنَّ " أنى " تجيء
بمعنى " كيف "، وبمعنى " متى "، وبمعنى الاستفهام، وبمعنى الشرط
نحو: (فَأتُوا حَرثَكُم أنى شِئتُم) (2) وأنَى القتال؟ و (أنَّى لَك
هَذَا) (3) وأنى تخرج أخرج. ثم إن الله تعالى أخبر في قوله: (اللهُ
يَتَوَفَّى الأنفُسَ (4) حينَ مَوتهَا) الآية (5) ، أنه يتوفى نفس النائم عند
المنام، ثم يُرسلها عنَد اليقظَة، ويتوفى نفس الميّت فيُمسكها عنده.
والتوفي هو مثل الاستيفاء، يُقال: توفيت العدد واستوفيته بمعنى واحد.
والحاصل في معنى الحديث: أنه- عليه السلام- يُبدي عُذره وعذر
أصحابه حين ناموا عن صلاة الصبح بقوله: " لكن أرواحنا كانت بيد الله "
يعني: في قدرته وتصرفه (6) ، إن أراد أرسلها إلى الأجساد بعد النوم،
وإن أراد يُمسكها عنده، وإذا أرسلها يُرسلها- أيضا- على قدر ما يتعلق
به إرادته من الوقت إن أراد يُعجل بالإرسال به وإن أراد يُبطئ
__________
(1) سورة الشعراء: (23) .
(2) سورة البقرة: (223) .
(3) سورة آل عمران: (37) .
(4) في الأصل: " الأنس ".
(5) سورة الزمر: (42) .
(6) بل وصف الله نفسه بأن له يدَا على الحقيقة، قال تعالى: (بل يداه
مبسوطتان) اعتقاد أهل السُنَة والجماعة، (ليس كمثله شيء وهو السميع
البصير) وانظر: العقيدة الواسطية(2/331)
بالإرسال به، وله القدرة/الكاملة والتصرف في جميع الأشياء، وليس
لمخلوق في ذلك اشتراك وقدرة.
قوله: " فمن أدرك منكم صلاة الغداة من غد صالحا، فليقض معها
مثلها " أي: مع صلاة الغداة، وفي رواية: " فليصل معها مثلها " وهذا
تصريح- أيضا- أن الفائتة يُصليها مرتين؛ مرةً حين ذكرها، ومَرةً من
الغد في وقتها- كما قلنا في الحديث المتقدم، وجوابُه ما ذكرنا.
و" (1) قال البيهقي في كتاب " المعرفة ": وقد رواه خالد بن سُمَير،
عن عبد الله بن رباح، عن أبي قتادة، وفيه: فقال النبي- عليه
السلام-: " فمن أدركته هذه الصلاة من غد فليُصل معها مثلها " هكذا
أخرجه أبو داود في " سننه " ولم يتابع خالداً على هذه الرواية نفسُه (2) ،
وإنما اللفظ الصحيح فيه: " فإذا كان من الغد فليصلها عند وقتها " كما
رواه مسلم؛ ولكن حمله خالد على الوهم، وفي " الإمام ": الوهم فيه
للراوي، عن خالد، وهو: الأسود بن شيبان ".
421- ص- نا عَمرو بن عون: أنا خالد، عن حصين، عن ابن أبي قتادة
عن أبي قتادة في هذا الخبر قال: فقال: " إن اللهَ تبارك وتعالى قَبَضَ
أرواحَكُم حيثُ شَاءَ، ورها حيثُ شَاءَ، قُم فأذِّن بالصلاة " فقَامُوا فَتَطَهَرُوا،
حتى إذا ارتفعتِ الشمسُ، قامَ النبيُّ- عليه السلام- فصلًّى بالناسِ (3) .
ش- عمرو بن عون: الواسطي البزاز، وخالد: ابن عبد الله
الواسطي الطحان، وحُصَين بن عبد الرحمن (4) الكوفي. واسم ابن
أبي قتادة: عبدُ الله بن الحارث بن ربعي؛ وقد ذكرناه.
__________
(1) انظر: نصب الراية (2/158) .
(2) في نصب الراية: ولم يتابع خالد على هذه الرواية معه "
(3) البخاري: كتاب مواقيت الصلاة، باب: الأذان بعد ذهاب الوقت (595) ،
النسائي: كتاب الإمامة، باب: الجماعة للفالت من الصلاة (2/106) .
(4) في الأصل: " حصين بن خالد الرحمن ".(2/332)
قوله: " قال: فقال " أي: قال أبو قتادة: قال النبي- عليه السلام-.
قوله: " تبارك وتعالى " معنى تبارك: تكاثر خيرُه؛ من البركة وهي كثرة
الخير، أو نزايد عن كل شيء وتعالى عنه في صفاته وأفعاله؛ فإن البركة
تتضمن معنى الزيادة، وقيل: دام؛ من بروك الطائر على الماء، ومنه:
البركة لدوام الماء فيها، وهو لا ينصرف فيه ولا يُستعمل إلا لله تعالى.
ومعنى " تعالى ": عَظُم شأنه؛ من العُلُو، وقيل: جَلّ عن إفك
المفترين، وعلا شأنه، وقيل: جلّ عن كل وصف وثناءٍ.
قوله: " حَيث شاء " اعلم أن " حيث " للمكان اتفاقا، قال الأخفش:
وقد ترد للزمان؛ وهاهنا بمعنى الزمان، والغالبُ كونها في محل نصب
على الظرفية، أو خفض بـ " من "، ولغة طيّء: " حَوثُ " بالواو
موضع الياء. ويجوز بالضم والفتح فيهما، وحكى الكسائي: " حيثِ "
- بالكسرِ، وقد يجيء للتقليل، وإذا اتصل به " ما " يصير للمحازاة.
قوله: " فتطهروا " التطهر أعم من الوضوء والاغتسال.
422- ص- نا هناد: نا عَبثر، عن حُصَين، عن عبد الله بن أبي قتادة،
عن أبيه، عن النبي- عليه السلام- بمعناه قال: فتَوضئوا حين ارتَفَعت
الشمسُ، فَصلَى بِهِم (1) .
ش- هناد: ابن السري الكوفي.
وعَبثر: ابن القاسم، أبو زُبيد الزُّبَيدي الكوفي. روى عن:
أبي إسحاق الشيباني، والأعمش، وحُصَين بن عبد الرحمن، والثوري
وغيرهم. روى عنه: عمرو بن عون، ويحيى بن اَدم، وعبد الله
الأشجعي وغيرهم. قال ابن معين: ثقة، وقال أبو حاتم: صدوق.
مات سنة ثمان وسبعين ومائة. روى له الجماعة (2) . وعَبثر: بفتح العين
المهملة، وسكون الباء، وفتح الثاء المثلثة.
__________
(1) انظر التخريج المتقدم.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (14/3150) .(2/333)
قوله: " بمعناه " أي: بمعنى الحديث المذكور. وأخرج البخاري
والنسائي طرفًا منه.
423- ص- نا العباس العنبري: نا سليمان بن داود: نا سليمان- يعني:
ابن المغيرة-، عن ثابت، عن عبد الله بن رباع، عن أبي قتادة قال: قال
رسول الله- عليه السلام-: " لَيسَ في (1) النوم تفريط؛ إنما التفريطُ في
اليَقَظةِ: أن تُؤَخر صَلاةَ حتى يَدخُلَ وقتُ أخرى (2) .
ش- العباس: ابن عبد العظيم العنبري البصري، وسليمان بن داود
الطيالسي البصري.
وسليمان: ابن المغيرة، أبو سعيد القَيسي البصري. سمع: الحسن
البصري، وابن سيرين، وثابتًا البناني، وحميد بن هلال، وسعيد بن
إياس الجريري. روى عنه: الثوري، وشعبة، وأبو داود الطيالسي
وغيرهم. قال ابن معين: ثقة ثقة. وقال أحمد بن حنبل: ثبت ثبت.
روى له الجماعة؛ روى له البخاري حديثا واحدًا (3) .
قو له: " تفريط " أي: تقصير.
قوله: " في اليقَظة " /بفتح القاف؛ وهو اسم من أيقظته من نومه أي:
نبهتُه فتيقظ واستيقظ فهو يَقظانُ، والاستيقاظ: الانتباه من النوم؛ وقد
غلط التهامي في قوله: " والمنية يقظة ".
قوله: " أن تؤخر " - بفتح الهمزة- بدل من قوله: " إنما التفريط "،
ويجوز أن يكون التقدير: إنما التفريط بأن تؤخر، و " أن " مصدرية أي:
__________
(1) سقطت كلمة " في " من سنن أبي داود.
(2) مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: قضاء الصلاة الفائتة واستحباب
تعجيل قضائها 311- (681) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في
النوم عن الصلاة 177، النسائي: كتاب المواقيت، باب: فيمن نام عن
صلاة (1/294) .
(3) انظر ترجمته في تهذيب الكمال (12/2567) .(2/334)
تأخيرُه صلاةً " حتى يدخل وقت أخرى " أي: صلاة أخرى؛ وذلك بأن
تركها عامدا كسلا وتهاونا، حتى دخل وقت صلاة أخرى فإنه ح (1)
يكون مُفرَطا فيلام عليه. وأخرجه مسلم، والترمذي، والنسائي بنحوه.
424- ص- نا محمد بن كثير: أنا همامِ، عن قتادة، عن أنس بن مالك،
أن النبي- عليه السلام- قال: " مَن نَسي صلاةً فليُصَفَها إذا ذَكَرَها، لا
كَفَّارةَ لها إلا ذلكَ " (2) .
ش- محمد بن كثير: العَبدي البصري، وهمام: ابن يحيى العَوذي
البصري، وقتادة: ابن دعامة.
قوله: " لا كفارة لها إلا ذلك " معناه: لا يجزئه إلا الصلاة مثلها، ولا
يلزمه مع ذلك شيء آخرُ مثل كفارة من صدقة ونحوها، وقيل: لا
يكفرها إلا قضاؤها، ولا يجوز تركها إلى بدل آخر.
وقوله: " ذلك " إشارة إلى القضاء الذي يدل عليه قوله: " فليصلها إذا
ذكرها "؛ لأن الصلاة عند الذكر هو القضاء. وفيه دليل على أن أحدا لا
يُصلِّي عن أحد؛ وهو حجة على الشافعي. وفيه دليل- أيضا- أن
الصلاة لا تجبر بالمال كما يُجبر الصومُ وغيره، اللهم إلا إذا كانت عليه
صلوات فائتة فحضره الموت، فأوصى بالفدية عنها، فإنه يجوز كما بُين
في الفروع.
والحديث: أخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن
ماجه.
__________
(1) أي: " حينئذ ".
(2) البخاري: كتَاب مواقيت الصلاة، باب: من نسي صلاة فليصل إذا ذكرها،
ولا يعيد إلا تلك الصلاة (597) ، مسلم: كتاب المواقيت، باب: قضاء
الصلاة الفائتة واستحباب تعجيل قضائها 314- (684) ، الترمذي: كتاب
الصلاة، باب: ما جاء في الرجل ينسى الصلاة (178) ، النسائي: كتاب
المواقيت، باب: فيمن نسي صلاة (1/292) ، ابن ماجه: كتاب الصلاة،
باب: من نام عن الصلاة (696) .(2/335)
425- ص- نا وهب بن بقية، عن خالد، عن يونس، عن الحسن، عن
عمران بن حُصَين: أن رسولَ الله كان في مَسيرِ له، فنَامُوا عن صَلاة الفَجرِ،
فاستيقَظُوا بحرِّ الشمسِ، فارتَفًعُوا قليلاً حَتى استَقَلَتِ الشمسُ، ثم أمر
مُؤَذنا فأذَّنَ، وصَلَّى (1) ركعتين قبلَ الفجرِ، ثم أقامَ، ثم صَلَّى الفَجرَ (2) .
ش- وهب بن بقية: الواسطي، وخالد: ابن عبد الله الواسطي،
ويونس: ابن عُبَيد البصري، والحسن: البصري، وعمران بن الحصين
ابن عُبيد بن خلف الخزاعي، أبو نجيد، أسلم أبو هريرة وعمران بن
الحصين عام خيبر، رُوِيَ له عن رسول الله مائة حديث وثمانون حديثا؛
اتفقا منها على ثمانية أحاديث، وانفرد البخاري بأربعة، ومسلم بتسعة.
روى عنه: أبو رجاء العطاردي، ومطرف بن عبد الله، وزرارة بن أوفى،
والشعبي، وابن سيرين، والحسن البصري، وجماعة آخرون. روى له
الجماعة. توفي بالبصرة سنة اثنتين وخمسين (3) .
قوله: " في مَسير له " المسير: مصدر ميميّ؛ يقال: سار يَسيرُ سَيرا
ومَسِيرا وتَسيارًا.
قوله: " حتى استقلَّت الشمس " أي: ارتفعت وتعالت.
قوله: " وصلى ركعتين " أي: سنة الفجر؛ وفسّره بقوله: " قبل
الفجر " أي: الركعتين اللتين تُصليان قبل صلاة الفجر.
قوله: " ثم صلى الفجر " أي: صلاة الفجر. وقد أخرج البخاري،
ومسلم حديث عمران بن حُصَين مطولا من رواية أبي رجاء العطاردي،
عن عمران؛ وليس فيه ذكر الأذان والإقامة. وذكر علي بن المديني،
وأبو حاتم الرازي وغيرهما أن الحسن لم يسمع من عمران بن الحصين.
__________
(1) في سنن أبي داود: " فصلى ".
(2) تفرد به أبو داود.
(3) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (3/22) ، أسد الغابة (4/281) ،
الإصابة (3/26) .(2/336)
قلتُ: رواه أحمد- أيضا- في " مسنده " (1) وابن حبان في
" صحيحه " بزيادة فيه، ورواه الحاكم في " المستدرك " (2) وقال: حديث
صحيح على ما قدمنا من صحة سماع الحسن من عمران.
426- ص- نا عباس العنبري ح ونا أحمد بن صالح- وهذا لفظ
عباس/- أن عبد الله بن يزيد حدثهم، عن حيوة بن شريح، عن عياش بن
عباس، أن كُلَيب بن صبح حدثه (3) أن الزبرِقانَ حدثه، عن عمّه: عمرو
ابن أمية الضَمري قال: كُنا مع رسول الله في بَعض أسفاره، فنامَ عن الصبحِ
حتى طلعتِ الشمسُ، فاستيقَظَ رسوَلُ الَله فقال: " تَنَحُّوا عن هذا المَكانِ ".
قال: ثم أمَرَ بلالا فأذَّنَ، ثم توضئوا، وصًلُّوا رَكعتي الفجرِ، ثم أمرَ بلالا
فأقامَ الصلاةَ، فصلّى بهم صَلاةَ الصُّبحِ (4) /.
ش- عبد الله بن يزيد: القرشي العَدوي، مولى آل عمر بن الخطاب،
أبو عبد الرحمن المقرئ، أصله من ناحية البصرة، وقيل: من ناحية
الأهواز، سكن الأهواز. سمع: كهمس بن الحسن، وحيوة بن
شريح، وعبد الله بن لهيعة وغيرهم. روى عنه: أحمد بن حنبل،
وعبد الرحمن- دُحَيم-، ونصر بن علي، والبخاري، وجماعة آخرون.
قال أبو حاتم: صدوق. وقال الخليل بن عبد الله: هو ثقة، مات بمكة
سنة ثلاث عشرة ومائتين. روى له الجماعة (5) .
وحيوة بن شُريح، أبو زرعة المصري. وعياش بن عباس- بالياء آخر
الحروف في الأول وبالباء الموحدة في الثاني- القِتباني المصري.
وكليب بن صُبح: الأصبحي المصري. روى عن: عقبة بن عامر
__________
(1) (4/441، 444) .
(2) (1/274) .
(3) في سنن أبي داود: " حدثهم ".
(4) تفرد به أبو داود.
(5) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (16/3666) .
22* شرح سنن أبي داوود 2(2/337)
الجهني، والزبرِقان. روى عنه: عياش بن عباس، وجعفر بن ربيعة.
قال ابن معين: ثقة. روى له: أبو داود (1) .
والزبرقان: ابن عَبد الله بن أمية الضَمري، وعمّه: عمرو بن أميّة:
ابن خويلد بن عبد الله الضَّمري. رُوِيَ له عن رسول الله- عليه السلام-
عشرون حديثا؛ اتفقا على حديث واحد، وللبخاري حديث. روى عنه:
ابناه: عبد الله، وجَعفر، وابن أخيه: الزبرقان بن عبد الله، له دار
بالمدينة وبها مات في زمن معاوية. روى له الجماعة (2) .
قوله: " تنحوا عن هذا المكان " قد قلنا: إن انتقالهم عن المكان الذي
ناموا فيه إما لأن ترتفع الشمس جدا لتحل الصلاة، وإما لقوله: " فإن
هذا منزل حضرنا فيه الشيطان " وفيه الأذان والإقامة- أيضا- وهو حجة
على الشافعي.
427- ص- نا إبراهيم بن الحسن: نا حجاج- يعني: ابن محمد-:
ثنا حَرِيز ح ونا عُبَيد بن أبي الوزَر (3) : نا مُبَشّر: نا حَرِيز بن عثمان قال:
حدثني يَزيد بن صبح (4) ، عن ذي مخبر الحَبَشِيّ- وكان يخدمُ النبيَّ
- عليه السلام- في هذا الخبر قال: فتوضأ- يعني: النبيَّ- عليه السلام-
وُضوءًا لم يَلُثَّ منه الترابُ. قال: ثم أمَرَ بلالا فأذَّنَ، ثم قامَ النبيُّ- عليه
السلام- فركع ركعتين غيرَ عجل (5) ، ثم قال لبلال: " أقِم الصلاةَ " ثم
صلى (6) وهو غَيرُ عجِلٍ (7) .
__________
ً
(1) المصدر السابق (24/4992) .
(2) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (2/497) ، أسد الغابة
(4/193) ، الإصابة (2/524) .
(3) في سنن أبي داود " الوزير " وكلاهما محكي فيه.
(4) كذا، وإنما حكي فيه في تهذيب الكمال " صالح، وصليح، وصبيح " فقط،
وسيحكي المصنف بعد قليل فيه " ابن صلح " ووقع في سنن أبي داود
" صالح ".
(5) في سنن أبي داود: " وهو غير عجل ".
(6) في سنن أبي داود: " ثم صلى الفرض ".
(7) تفرد به أبو داود.(2/338)
ش- إبراهيم بن الحسن: العَبشمِي البَصري، وحجاج: ابن محمد
الأعور، وحَرِيز: ابن عثمان الحمصي الشامي. وعُبَيد بن أبي الوَزَر،
ويُقال: عُبيد الله الحلبي. روى عن: مبشر بن إسماعيل. روى عنه:
أبو داود (1) .
ومُبشر بن إسماعيل الحلبي الكَلبي.
ويزيد (2) بن صبح الأصبحي المصري. روى عن: عقبة بن عامر،
وجنادة بن أبي أميّة. وروى عنه: مَعروف بن سويد، والحسن بن ثوبان،
وعمرو بن الحارث وغيرهم. روى له: أبو داود.
وذ [و] مخبر. وقيل: ذو مخمر: ابن أخي النجاشي، خادم رسول
الله، وكان الأوزاعي يأبى في اسمه إلا ذ [و] مخمر- بالميم-، لا
يرى غير ذلك. روى عنه: جُبير بن نفير، وخالد بن مَعدان، ويحيى
ابن أبي عمرو الشيباني، وأبو حي المؤذن، والعبّاس بن عبد الرحمن،
وأبو الزاهريّة حدير بن كُرَيب (3) وعَمرو بن عبد الله الحضرمي. روى
له: أبو داود (4) .
قوله: " في هذا الخبر " متعلّق بقوله: " حدثني يزيد بن صبح ".
وقوله: " وكان يخدمُ النبي " معترض بَينهما.
قوله: " لم يَلُث منه الترابُ " - بفتح الياء، وضم اللام- ورفع التراب
بمعنى: لم يَتلوث من وضوئه الترابُ، وفي رواية- بضم الياء، وكسر
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (19/3693) .
(2) كذا ترجم المصنف لراوٍ آخر، وأما راوي الحديث فهو يزيد بن صبيح الرحبي
الحمصي، وهو مترجم في تهذيب الكمال (32/7005) ، وأما الذي ترجمه
المصنف فهو يقع في الترجمة التي تليها.
(3) في الأصل: " وأبو الزاهرية وحدير " خطأ، وإنما هما واحد.
(4) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (1/483) ، أسد الغابة
(2/178) ، الإصابة (1/481) .(2/339)
اللام ونَصب التراب- بمعنى: لم يخلط منه الترابَ. وضبط ابن دُحيم
بخَطّه عن أحمد بن حَزم: " لم يَلُث " بفتح الياء، وضم اللام، وبالثاء
المثلثة؛ من لاث يلوث لوثا من الالتياث وهو الاختلاط؛ وفيه يُرفع
الترابُ- أيضا- على الفاعلية. وفي رواية: " لم يَلث " - بفتح الياء
وسكون اللام وبالثاء المثلثة- من لثِي يَلثى- بالكسر- يَلثى لَثى أي:
نَديَ، وهذا ثوبٌ لَث على فعل إذا ابتلَ من العرق. وفي رواية: " لم
يُلث " - بضم الياء- من ألثى يُلثي إلثاء، إفعال من الثلاثي المذكور.
وهذا يُشعرُ أن الماء كان قليلا؛ ولا سيَّما إذا كان الوقت حارا، والأرض
حارةً.
قوله: " غير عجل " نصب على الحال من الضمير الذي في " فركع ".
والعجل: بفتح العين وكسر الجيم؛ يُقال: رجل عجل- بكسر الجيم-
وعجل- بضم الجيم- وعجول، وعجلان؛ كلها صفات مشبهة معناها:
بَيّن العجلة، من عَجِلَ يَعجَلُ من باب علم يعلم. وفيه حجة- أيضا-
لأبي حنيفة على الشافعي، فافهم.
ص- قال/عن حجاجِ، عن يزيد بن صُلَيح قال: حدثني ذو مخبر-
رجل من الحبشة. وقال عُبيد: يَزيد بن صُلح.
ش- أي: قال إبراهيم بن الحسن، عن حجاج الأعور: عن يَزيد بن
صُلَيح الرَحَبي الحمصي- بضم الصاد وفتح اللام وسكون الياء. وقال
عُبيد بن أبي الوزر: يَزيد بن صُلح- بضم الصاد وسكون اللام. وفي
" الكمال ": يزيد بن صالح؛ وفي أصل المصنف: " صُليح " - مُصغرا.
428- ص- نا مؤمل بن الفضل: نا الوليد بن [مسلم] ، عن حَريز،
عن يزيد بن صُليح، عن ذي مخبر ابن أخي النجاشي- في هذا الخبر- قال:
فأذَنَ وهو غيرُ عَجِلٍ (1) .
ش- مؤمل بن الفضل (2) : الحراني، والوليد بن مسلم الدمشقي.
__________
(1) انظر التخريج المتقدم.
(2) في الأصل " المفضل " خطأ.(2/340)
قوله: وهو غير عجل " جملة وقعت حالا عن الضمير الذي في " أذّن ".
429- ص- نا ابن المثنى: نا محمد بن جعفر: نا شعبة، عن جامع بن
شداد قال: سمعت عبد الرحمن بن أبي علقمة قال: سمعت. عبد الله بن
مَسعود قال: أقبلنَا معَ رسول اللهَ- عليه السلام- من (1) الحديبية، فقال
النبيُّ- عليه السلام-: " مَن يَكلَؤُنَا؟ " فقال بلالٌ: أنا، فَنَامُوا حتى طلعت
الشمسُ، فاستيقَظَ النبيُ- عليه السلام- فقال: " افعَلُوا كما كُنتم تَفعلونَ ".
قال: ففعَلنَا، قال: " فكذلكَ فافعَلُوا لِمن نَامَ أو نَسِيَ " (2) .
ش- محمد: ابن المثنى، ومحمد بن جعفر المعروف بغندر، َ وجامع
ابن شداد: المحاربي الكوفي، وعبد الرحمن بن أبي علقمة، ويقال:
ابن علقمة الثقفي، قيل: له صُحبة، ذعر في الصحابة، وقال
أبو حاتم: ليست له صحبة.
قوله: " من الحُدَيبية " وفي بعض النسخ الصحيحة: " زمن الحُديبية "
والحُديبيَة: قرية قريبةٌ من مكة؛ سُمّيت ببئر هناك؛ وهي مخففة، وكثير
من الحدثين يشدِّدونها.
قوله: " مَن يكلؤنا " أي: من يَحرسنا، من كلأ يكلأ كِلاءةً؛ وقد مر
مرةً.
قوله: " أنا " أي: أنَا كلؤكم.
قوله: " كما كنتم تفعلون " من الطهارة والأذان والإقامة والصلاة.
قوله: " فكذلك " أي: مثل ما فعلتم افعلوا " لمن نام عن صلاة أو نسيها "
من غيركم؛ بمعنى: مُرُوهُم بذلك أو عَلِّموهُم. وروى البَيهقي بنحوه (3) .
***
11- بَاب: في بناء المَسجد
أي: هذا باب في بيان بناء المسجد. وَفي بعض النُّسخ: " باب ما
__________
(1) في سنن أبي داود: " زمن "، وهي نسخة كما سيذكر المصنف.
(2) النسائي في الكبرى: كتاب السير.
(3) أخرجه البيهقي في كتاب " الأسماء والصفات " (ص/109) .(2/341)
جاء في بناء المَسجد "؛ المَسجد في اللغة: موضع السجود؛ وفي
العُرف: البقعة المشهورة.
430- ص-[حدثنا] محمد بن الصباح بن سفيان: أنا سفيان بن عُيينة،
عن سفيان الثوري، عن أبي فِزارة، عن يزيد بن الأصم، عن ابن عباس قال:
قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما أمرت بتَشييد المَسَاجد ". قال ابن عباس: لَتُزخرفُنَّها
كما زَخرَفَتِ اليهودُ والنصارى (1) .
ش- أبو فزارة: راشد بن كيسان الكوفي.
ويزيد بن الأصم؛ واسم الأصم: عَمرو، ويقال: عبد عمرو- بن
عُدَس بن مُعاوية بن عبادة، أبو عوف الكوفي، سكن الرقة، وهو ابن
أخت ميمونة زوج النبي- عليه السلام-، وابن خالة ابن عباس، وقيل:
إن له رواية عن (2) النبي- عليه السلام-. روى عن: سعد بن
أبي وقاص. وسمع: ابن عباس، وأبا هريرة، ومعاوية بن أبي سفيان،
وعوف بن مالك، وخالته: ميمونة، وعائشة، وأم الدرداء، روى عنه:
ابنا أخيه: عبد الله وعبيد الله ابنا عبد الله، وميمون بن مهران، وجعفر
ابن برقان، وأبو فزارة، وغيرهم. قال أبو زرعة، وأحمد بن عبد الله:
هو ثقة. مات سنة ثلاث ومائة. روى له الجماعة إلا البخاري (3) .
قوله: " بتشييد المساجد " التشييد من شيد يُشيد، رفع البناء وتطويله،
ومنه (بُرُوجٍ مشَيََّدة) (4) وهي التي طوّل بناؤها.
قوله: " لتزخرفنها " - بضم الفاء وتشديد النون- أي: لَتُزيننّها؛
وأصل الزخرف: الذهب، يُريد تمويه المساجد بالذهب ونحوه، ومنه
قولهم: زخرف الرجل كلامَه إذا موّهه وزيّنه بالباطل؛ والمعنى: أن
اليهود والنصارى إنما زخرفوا المساجد عندما حرّفوا وبذلوا، وتركوا العمل
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) في الأصل: " من ".
(3) انظر ترجمته في: أسد الغابة (5/477) ، الإصابة (3/672) .
(4) سورة النساء: (78) .(2/342)
بما في كتبهم، يقول: فأنتم تصيرون إلى مثل حالهم إذا طلبتم الدنيا
بالدين، وتركتم الإخلاص في العمل، وصار أمركم إلى المراءاة
بالمساجد، والمباهاة بتشييدها وتزيينها. وبهذا استدل/أصحابنا على أن
نقش المسجد وتزيينه مكروه. وقول بعض أصحابنا: ولا بأس بنقش
المسجد معناه: تركه أولى، ولا يحوز من مال الوقف، ويغرم الذي
يُخرجه سواء [كان] ناظرا أو غيره.
فإن قيل: ما وجه الكراهة إذا كان من نفس ماله؟ قلت: إما إشغال
المصلي به، أو إخراج المال في غير وجهه.
431- ص- نا محمد بن عبد الله الخزاعي: نا حماد بن سلمة، عن
أيوب، عن أبي قلابة، عن أنس، وقتادة، عن أنس، أن النبي- عليه
السلام- قال: " لا تَقُومُ الساعةُ حتى يَتبَاهَى الناسُ في المَسَاجدِ " (1) .
ش- أيوب: السختياني. وأبو قلابة: عبد الله بن زيد الجرمي
البصري.
قوله: " حتى يتباهى " أي: حتى يتفاخر الناس؛ من المباهاة، وهي
المفاخرة؛ والمعنى: أنهم يزخرفون المساجد ويزينونها ثم يقعدون فيها
ويتمارون ويتباهون، ولا يشتغلون بالذكر، وقراءة القرآن والصلاة.
والحديث: أخرجه النسائي وابن ماجه.
432- ص- نا رجاء بن المرجَّى: نا أبو همام: نا سعيد بن السائب، عن
محمد بن عبد الله بن عياض، عن عثمان بن أبي العاص، أن النبيَّ- عليه
السلام- أمَرَهُ أن يَجعلَ مَسجدَ الطَائِفِ حيثُ كان طواغيتهم (2) (3) .
__________
(1) النسائي: كتاب المساجد، باب: المباهاة في المساجد (2/31) ، ابن ماجه:
كتاب المساجد والجماعات، باب: تشييد المساجد (739) .
(2) في سنن أبي داود: " طواغيتهم ".
(3) ابن ماجه: كتاب المساجد والجماعات، باب: أين يجوز بناء المساجد (743) .(2/343)
ش- رجاء بن المرجى- بضم الميم وسكون الراء (1) - بن رافع،
أبو محمد أو أبو أحمد الحافظ المروزي. ويقال: السمرقندي، وهو ابن
أبي رجاء، سكن بغداد. سمع: شاذان بن عثمان، والنضر بن شميل،
والفضل بن دكين وغيرهم. روى عنه: أبو حاتم الرازي، وأبو بكر بن
أبي الدنيا، وأبو داود، وابن ماجه. قال أبو حاتم: صدوق، وقال
الخطيب: كان ثقةً ثبتًا إماما في علم الحديث وحفظه والمعرفة به. مات
ببغداد غرة جمادى الأولى سنة تسع وأربعين ومائتين (2) .
وأبو همام: محمد بن محبب- بالحاء المهملة- الدلال البصري،
صاحب الرقيق. سمع: الثوري، وإبراهيم بن طهمان، وهشام بن
سَعد، وسعيد بن السائب وغيرهم. روى عنه: ابن بشائر، وابن المثنى،
والبخاريّ، وأبو داود، وابن ماجه. قال أبو حاتم: صالح صدوق
ثقة (3) .
وسعيد بن السائب الطائفي. روى عن: أبيه، ونوح بن صعصعة.
روى عنه: مَعن بن عيسى، ووكيع، وشعيب بن حَرب وغيرهم. قال
ابن معين: ثقة. روى له: أبو داود، والنسائي، وابن ماجه (4) .
ومحمد بن عبد الله بن عياض. روى عن: عثمان بن أبي العاص.
روى عنه: سعيد بن السائب الطائفي. روى له: أبو داود (5) .
وعثمان بن أبي العاص: ابن بشر بن عبد دهمان بن عبد همام بن
أبان، أبو عَبد الله، قدم على النبي- عليه السلام- في وفد ثقيف،
واستعمله الني- عليه السلام- على الطائف، ثم أقره أبو بكر وعمر
- رضي الله عنهما-. رُوِيَ له عن رسول الله- عليه السلام- تسعة
__________
(1) كذا، والمعروف: بفتح الراء وتشديد الجيم.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (9/1897) .
(3) المصدر السابق (26/5580)
(4) المصدر السابق (10/2280) .
(5) المصدر السابق (25/5367) .(2/344)
أحاديث. روى له: مسلم ثلاثة أحاديث. روى عنه: سعيد بن
المسيّب، ونافع بن جبير، وأبو العلاء: يزيد بن عبد الله، والحسن بن
أبي الحسن- وقيل: لم يسمع منه. روى له: الترمذي، وأبو داود،
والنسائي، وابن ماجه (1) .
قوله: " طواغيهم " الطواغي: جمع طاغية، وهي الأصنام، وقيل:
بيوت الأصنام، وعليه يحملُ هذا الحديث. والطاغوت: الكاهن،
والشيطان، وكل رأس في الضلال، ويكون جمعا وواحداً ومذكرا
ومؤنثاً. ومن هذا الحديث أخذت الأمة أنهم أي بلدٍ يفتحونها يحولون
كنائسهم مَساجد ومَدارس. والحديث: أخرجه ابن ماجه.
433- ص- نا محمد بن يحيى بن فارس، ومجاهد بن موسى- وهو
أتم- قالا: نا يعقوب بن إبراهيم. نا أبي، عن صالح: نا نافع أن عبد الله بن
عمر أخبره، أن المسجدَ كان على عهد رسول الله مَبنيا باللَّبِنِ والجَرِيدِ،
وعمدة (2) - قال مجاهد:- عُمُدُهُ- خَشَب (3) النخَل، فلم يزد فيه
أبو بكرٍ شيئًا، وزاد فيه عُمَرُ، وبِناه على بُنيانه (4) في عهد رسولِ اللهِ باللَّبِنِ
والجرِيد، وأعاد عُمُمَه- قال مجاهد: عُمُمَهُ خشبا-، وغيًّرَه عثمانُ فزادَ فيه
زيادةً كَثَيرةً، وبَنى جدَارَه بالحجارةِ / المنقُوشَةِ والقصَّة، وجَعل عُمُدَهُ. قال
مجاهد: عُمُدُهُ (5) من حجارة منقوشَة، وسقفُهُ بالَسَّاجِ- قال مجاهد:
وَسَقفُه: السَاجُ (6) .
ش- مجاهد بن موسى: أبو علي الخوارزمي. ويَعقوب بن إبراهيم:
ابن سَعد الزهري المدني. وأبوه: إبراهيم بن سَعد بن إبراهيم بن
__________
(1) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (3/91) ، أسد الغابة
(3/579) ، الإصابة (2/460) .
(2) كلمة " وعمده " غير موجودة في سنن أبي داود.
(3) في سنن أبي داود: " عمده من خشب ".
(4) في سنن أبي داود: " بنائه ".
(5) غير موجود في سنن أبي داود
(6) البخاري: كتاب الصلاة، باب: بنيان المسجد (446) .(2/345)
عبد الرحمن بن عوف الزهري القرشي المدني، وقد ذكرناهما. وصالح:
ابن كيسان المدني. ونافع: مولى عبد الله بن عمر.
قوله: " على عهد رسول الله " أي: في زمانه وأيامه.
قوله: " باللبن " اللبن- بفتح اللام وكسر الباء- جمع لبنة؛ وهي التي
يُبتنى بها الجدارُ، ويقال: اللبنة بكسر اللام وسكون الباء.
قلتُ: اللبنة: الآجر النَّيء؛ والجريد: الذي يُجردُ عنه الخُوص.
قوله: " وعُمُده " العُمُد- بضم العن والميم، وبفتحهما- جمع الكثرة
لعَمُود البيت؛ وجمع القلة: أعمدة.
قوله: " قال مجاهد " أي: قال مجاهد بن موسى المذكور في روايته:
" وعمُده خشبُ النخل "؛ وهي جملة من المُبتدإ والخبر.
قوله: " فلم يزد فيه " أي: في مسجد النبي- عليه السلام- يعني:
أبو بكر- رضي الله عنه- لم يُغيّر شيئا بالزيادة والنقصان من مسجد
رسول الله.
قوله: " وأعاد عمده " أي: عُمده التي كان عليها المسجد في عهد النبي
- عليه السلام-.
قوله: " قال مجاهد: عمدَه خشبًا " أي: قال مجاهد في روايته: أعادَ
عمده خشبًا، وانتصابُ كل واحد منهما بـ " أعادَ " المقدّر.
قوله: " وقال مجاهد: عُمدَه " أي: قال مجاهد في روايته: أعاد
عثمان- رضى الله عنه- عمده من حجارة منقوشة؛ وهي جملة من
المبتدإ والخبر، وأزال العُمدَ التي كانت من خشبٍ.
قوله: " وسَقفَهُ " جملة من الفعل والفاعل والضمير فيه الذي يرجع إلى
عثمان والمفعول وهو الضمير المنصوب الذي يرجع إلى المسجد، ومعناه:
جَعل سقفه بالساج؛ وهو معطوف على قوله: " وجعَل عمده "،
ويجوز أن يكون معطوفا على قوله " وبنى جدَاره " - هكذا هو في رواية(2/346)
محمد بن يحيى بن فارس أي: بَنى عثمان سقف المَسجد بالسَّاج، السَاجُ
- بالسين المُهملة وبالجيم- ضَربٌ من الشجر.
قوله: " قال مجاهد: وسقفه الساج " أي: قال مجاهد بن موسى في
روايته: وسقف المسجد: الساج؛ وهي جملة من المبتدأ والخبر.
ص- قال أبو داود: والقَصَّةُ: الجصُّ.
ش- القَصّة- بفتح القاف وتشديد الصاد- الجَص والجصّ فارسي
مُعرّب؛ وفيه لغتان: فتح الجيم وكسرها- وقيل: القصة شيء يشبه
الجص وليس به، وقيل: القصة: الجير، فإذا خلط بالنورة، فهو
الجيار، وقيل: الجيار: النورة وَحدها.
434- ص- نا محمد بن حاتم: نا عُبيدُ الله بن موسى، عن شيبان، عن
فِراس، عن عَطية، عن ابن عمر، أن مَسجد النبيِّ- عليه السلام- كانت
سَوَارِيه على عهدِ النبيِّ- عليه السلام- من جُذُوع النخلِ، أعلاهُ مُظلَّلٌ
بجريدَ النخلِ، ثم إنها نَخِرت في خلافة أَبي بكرٍ فبناها بجُذُوع النخلٍ،
وبجريَد النخل، ثم إنها نَخرَت في خلافَة عثمانَ، فبناها بالآجر فلم تَزل
ثابتةً حتىَ الآن (1) .
ش- محمد بن حاتم: ابن بزيع البصري. وعُبيد الله بن موسى: ابن
باذام الكوفي.
وشيبان: ابن عبد الرحمن النحوي أبو معاوية التميمي المؤدب البصري.
روى عن: الحسن البصري، وقتادة، والأعمش، ومنصور وغيرهم.
روى عنه: عبد الرحمن بن مَهدي، ومعاذ بن معاذ، وعبيد الله بن
موسى وغيرهم. قال أبو حاتم: حسن الحديث، صالح الحديث، يكتب
حديثه، وعن ابن معين: ثقة. مات ببغداد سنة أربع وستين ومائة. روى
له الجماعة (2) .
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (12/2784) .(2/347)
وفراس: ابن يحيى الهمداني المكتب الكوفي.
وعَطيّة: ابن سَعد بن جنادة العَوفي، أبو الحسن الكوفي. روى عن:
أبي سعيد الخدري، وابن عباس، وأبي هريرة، وابن عمر، وزيد بن
أرقم. روى عنه: فِراس بن يحيى، والأعمش، وفُضيل بن مرزوق
وغيرهم. وقال أحمد: ضعيف الحديث. وقال أبو زرعة: لين. وقال
أبو حاتم: ضعيف، يكتب حديثه. توفي سنة إحدى عشرة ومائة.
روى له: أبو داود، والترمذي، وابن ماجه (1) .
قوله: " سواريه " جمع سَارية؛ وهي الأسطوانة؛ والجذوع: جمع
جِذع- بكسر الجيم.
قوله/: " نخرت " من نخر الشيء- بالكسر- إذا بَلي وتفتّت؛ يُقال:
عظام نَخرةٌ أي: بَالية.
قوله: " بالآجر " بضم الجيم وتشديد الراء؛ وهو فارسي معرّب،
وُيقال: أَجُور.
قوله. " حتى الآن " معناه: إلى الآن؛ وهو اسم للوقت الذي أنت
فيه؛ وهو ظرف غيرُ متمكن، وقع معرفة، ولم يدخل عليه الألف واللام
للتعريف؛ لأنه ليس له ما يشركه؛ وربما فتحوا اللام وحذفوا الهمزة.
435- ص- نا مسدد: نا عبد الوارث، عن أبي التياح، عن أنس بن
مالك قال: قَدِمَ رسولُ الله المدينةَ، فنزَلَ في عُلُوِّ المدينة في حي يقال لهم بنو
عمرو بن عوفٍ، فأقامَ فيهَم أربعةَ (2) عَشَرَ لَيلةً، ثمَ أرسلَ إلى بني النجارِ
فَجَاءُوا متقلدين سُيوفهم، فقال أنسٌ: فكأني أنظُرُ إلى رسولِ الله على
راحلَتِهِ وأبو بكَرِ رِدفَهُ، ومَلأُ بني النجارِ حَولَهُ حتى ألقى بفناء أبي أيَوبَ،
وكاَن رسولُ الله يُصَلِّي حيثُ أدركتهُ الصلاةُ، ويُصلِّي في مَرَاَبضِ الغَنَم،
وأنه أمَرَ ببناءِ المَسجدِ، فأرسلَ إلى بني النجارِ وقال (3) : " يا بَني النجارِ!
__________
(1) المصدر السابق (20/3956) .
(3) في سنن أبي داود: " فقال ".
(2) في سنن أبي داود: " أربع ".(2/348)
ثَامنُوني بحائِطِكُم هذا " فقالوا: واللهِ لا نَطلُبُ ثمنَه إلا إلى اللهِ تعالى. قال
أنسٌ: وكَان فيه ما أقُولُ لكم، كانت فيه قُبورُ المُشرِكينِ، وكانت فيه خَرِبٌ،
وكان فيه نَخلٌ، فأمرَ رسولُ الله بقُبُورِ المشركين فنُبِشَت، وبالخَرب فسُوَيت،
وبالنخلِ فقُطِع، فصفوا النخلِ قِبلةً للمسجد، وجَعَلُوا عَضادَتَيهِ حِجارةً،
وَجَعلُوا يَنقُلُونَ الصخرَ وهم يرتَجِزُون والنبيّ- عليه السلام- معهم وهو
يقولُ:
اللهم إن الخيرَ خيرُ الآخرة ... فانصرِ الأنصارَ والمُهاجرَه (1)
ش- عبد الوارث: ابن سعيد العنبري البصري، وأبو التياح: يزيد بن
حُمَيد الضُّبَعي.
قوله: " قدم رسول الله المدينة " قال الحاكم: تواترت الأخبار بورود
النبي- عليه السلام- قباء يوم الاثنين لثمان خلون من ربيع الأول. وقال
محمد بن موسى الخوارزمي: وكان ذلك اليوم: الخميس، الرابع من
تيرماه، ومن شهور الروم: العاشر من أيلول سنة سبع مائة وثلاثة
وَثلاثين لذي القرنين. قال الخوارزمي: من حين مولده إلى أن أُسري به:
أحد وخمسون سنة، وسبعة أشهر، وثمانية وعشرون يومًا، ومنه إلى
اليوم الذي هاجر: سنة وشهران ويوم؛ فذلك ثلاثة وخمسون سنة،
وكان ذلك يوم الخميس. وفي " طبقات ابنا سَعد ": أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
خرج من الغار ليلة الاثنين لأربع ليال خلون من شهر ربيع الأول، فقالَ:
يوم الثلاثاء بقُديد، وقدم على ابن عَمرو بن عَوف للَيلتين (2) خلتا من
ربيع الأول، ويُقال: لاثَنتي عشرة ليلةً خلت من شهر ربيع الأول، فنزل
__________
(1) البخاري: كتاب الصلاة، باب: هل تنبش قبور مشركي الجاهلية، ويتخذ
مكانها مساجد (428) ، مسلم: كتاب الساجد ومواضع الصلاة، باب:
ابتناء باب مسجد النبي (9/524) ، النسائي: كتاب المساجد، باب: نبش
القبور واتخاذ أرضها مسجداً (701) ، ابن ماجه: كتاب المساجد والجماعات،
باب: أين يجوز بناء المسجد (742) .
(2) في الأصل: " لليتين ".(2/349)
على كلثوم بن الهِدَم- وهو الثبت عندنا-، ولكنه كان يتحدث مع
أصحابه في منزل سَعد بن خيثمة؛ وكان يسمى مَنزل الغُراب؛ فلذلك
قيل: نزل على سَعد بن خيثمة. وذكر البرقي أن النبي- عليه السلام-
قدم المدينة ليلاً. وفي " شرف المصطفى " للنيسابوري: رُوي عن أبي بكر
أنه قال: أتينا المدينة ليلا، النبي- عليه السلام- وأنا معه. وعن جابر:
لما قدم النبي- عليه السلام- المدينة نحر جزورًا.
قوله: " فنؤل في عُلو المدينة " بضم العين وكسرها لغتان مشهورتان،
وقيل: لا يقال إلا بالكسر؛ وعلو المدينة هي العالية، وكل ما كانت من
جهة نجد من المدينة من قُراها وعمائرها [من جهة نجد] (1) فهي العالية،
وما كان دون ذلك من جهة تهامة فهي السافلة..
قوله: " في حب " الحيّ- بتشديد الياء- القبيلة؛ وجمعها: أحياء.
قوله: " فأقام فيهم " أي: في بني عمرو بن عوف " أربعة عشر ليلةً ".
وعن الزهري: أقام فيهم بضع عشرة ليلةَ، وعن عويمر بن ساعدة: لبث
فيهم ثمان عشرة ليلة ثم خرج.
قوله: " ثم أرسل إلى بني النجار " وبنو النجار هم تيم اللات بن ثعلبة
ابن عمر بن الخزرج، والنجار: قبيل كبير من الأنصار، منه بطون
وعَمائر (2) وأفخاذ وفصائلُ، واسمه: تيم اللات المذكور سمي بذلك
لأنه اختتن بقدوم (3) ، وقيل: بل ضرب رجلا بقدوم فجرحه. ذكره
الكلبي، وأبو عُبيدة.
قوله: " متقلدين " /نصب على الحال من الضمير الذي في " فجاءوا ".
قوله: " وأبو بكر ردفه " جملة اسمية وقعت حالاً؛ والردف- بكسر
الراء، وسكون الدالَ- المُرتدف؛ وهو الذي يركبُ خلف الراكب،
وأردفته أنا إذا أركبته معك، وذلك الوضع الذي يَركبُه: رداف، وكل
شيء تبعَ شيئًا فهو رِدفُه.
__________
(1) زيادة من معجم البلدان (4/71) .
(2) شعبة من القبيلة.
(3) كتب فوقها " خف " أي: بالدال المخففة.(2/350)
قوله: " وملأُ بني النجار حوله " جملة اسمية وقعت حالا- أيضا-؛
المَلأُ: أشراف القوم ورؤساؤهم؛ سموا بذلك لأنهم مَلأ بالرأي والغنى؛
والمَلأ: الجماعة، والجمع: أملاء. قال ابن سيده: وليس الملأ من باب
رَهط وإن كانا اسمَين؛ لأن رهطا لا واحد له من لفظه، والملأ: رجل
مالئ جليلٌ يملأ العَين بجَهَرته، فهو كالعَزب والزوج، وحكى مَلأته على
الأمر أملؤه ومالأته، وكذلك الملأ إنما هم الشارَة، والتجمع: الإمارة،
ففارق باب رهط لذلك فالملا على هذا صفة غالبة وما كان هذا الأمر عن
ملإ منا أي: عن تشاورِ واجتماع؛ وفي الجامع: الملأ: الجماعة الكثيرة،
وقيل: هم الأشراف- كما ذكرنا.
قوله: " حتى ألقى بفناء أبي أيوب " يقال: ألقيت الشيء إذا طرحتَه،
ومفعول " ألقى " هاهنا محذوف تقديره: ألقى راحلته في فناء أبي أيوب.
والفناء- بكسر الفاء- سَعَة أمام الدار، والجمع: أفنية، وفي " المجمل ":
فناء الدار: ما امتد من جوانبها.
وأبو أيوب: اسمُه: خالد بن زيد الأنصاري، وقد ذكرناه مرة. وذكر
محمد بن إسحاق بن يسار في كتاب " المبتدأ وقصص الأنبياء- عليهم
السلام- " أن تبعا- وهو ابن حَسّان- لما قدم مكة- شرفها الله تعالى-
قبل مولد النبي- عليه السلام- بألف عامِ، وخرج منها إلى يثرب،
وكان معه أربع مائة رجل من الحكماء، فاجتمعوا وتعاقدوا على أن لا
يخرجوا منها، فسألهم تُبَّعٌ عن سر ذلك، فقالوا: إنا نجد في كتبنا أن
نبيا اسمه محمدٌ هذه دار مُهاجره، فنحن نُقيم لعلّ أن نلقاه، فأراد تُبَعٌ
الإقامة معهم، ثم بنى لكل واحد من أولئك دارا، واشترى له جاريةَ
وزوجها منه، وأعطاهم مالا جزيلا، وكتب كتابا فيه إسلامه وقوله:
شهدت على أحمد أنه ... رسول من الله بارئ النسم
في أبيات وختمه بالذهب، ودفعه إلى كبيرهم، وسأله أن يدفع إلى
محمد- عليه السلام- إن أدركه، وإلا من أدركه من ولده، وبنى للنبي
- عليه السلام- دارَا يَنزلها إذا قدم المدينة، فتداول الدارَ الملاكُ إلى أن(2/351)
صارت لأبي أيوب؛ وهو من ولد ذلك العالم الذي دُفع إليه الكتابُ.
قال: وأهل المدينة الذين نصروه- عليه السلاَم- من ولد أولئك العلماء
الأربعمائة؛ ويزعم بعضهم أنهم كانوا الأوس والخزرجَ، ولما خرج النبي
- عليه السلام- أرسلوا إليه كتاب " تُبَع " مع رجل يسمى أبا ليلى، فلما
راَه النبي- عليه السلام- قال: " أنت أبو ليلى، ومعك كتاب تُبَّع
الأول " فبقي أبو ليلى متفكراً، ولم يَعرف النبيَ- عليه السلام-، فقال:
مَن أنت؟ فإنى لم أر في وجهك أثر السحر- وتوهم أنه ساحر- فقال:
" أنا محمد، هات الكتاب " فلما قرأه قال: " مرحبا بتبَّع الأخ الصالح "
- ثلاث مرات. وفي " سير " ابن إسحاق: اسمه: تبان أسعد أبو كرب؛
وهو الذي كسى البيت الحرام. وفي " مُغايص الجوهر في أنساب حمير ":
كان يَدين بالزَبور. وفي " معجم الطبراني ": قال- عليه السلام-:
" لا تَسبّوا تُبعًا ". وزعم السهيلي أن دار أبي أيوب هذه تصيرت بعده إلى
أفلح مولى أبي أيوب، فاشتراه منه بعد ما خرب المغيرة بن عبد الرحمن
ابن الحارث بن هشام بألف دينار بعد حيلة احتالها عليه المغيرة، فأصلحه
المغيرة وتصدق به على أهل بيت فقراء من المدينة.
قلت: لعل الحكمة في بروك ناقة النبي- عليه السلام- بفناء أبي أيوب
ما ذكر من المعنى.
قوله: " ويصلي في مرابض الغنم " المرابض: جمع مَربضٍ؛ وهي
مأوى الغنم؛ وقد ذكرناه في كتاب الطهارة.
قوله: " وإنه أمَر " بكسر الهمزة؛ لأنه كلام مستقل بذاته.
قوله: " ببناء المسجد " المسجد- بكسر الجيم وفتحها- الموضع الذي
يُسجد فيه، وفي " الصحاح ": المسجد- بفتح الجيم-/موضع
السجود، وبكسرها: البيت الذي يُصلَى فيه. ومن العرب مَن يفتح في
كلا الوَجهين. وعن الفراء: سمعنا المسجِد والمسجَد، والفتح جائز،
وإن لم تسمعه. وفي " المعاني " للزجاج: كل موضع يتعبد فيه:
مَسجد.(2/352)
قوله: " ثامنوني بحائطكم " أي: قدروا ثمنه لأشتريه منكم وبايعوني
فيه؛ يُقال: ثامنتُ الرجل في البَيع أثامنه إذا قاولته في ثمنه، وساومتَه على
بَيعه وشرائه. والحائط: البُستان؛ يؤيده: ما ذكر فيه من قوله: وكان فيه
نخل.
قوله: " إلا إلى الله " أي: لا نطلب ثمنه إلا من الله. وفي " صحيح
الإسماعيلي " هكذا: " إلا من الله ".
قلت: يحوز أن تكون " إلى " هاهنا على معناها لانتهاء الغاية؛ ويكون
التقدير: نُنهِي طلب الثمن إلى الله تعالى، كما في قولهم: أحمد إليك
الله؛ والمعنى: أُنهِي حمدَه إليك؛ والمعنى: لا نَطلبُ منك الثمن؛ بل
نتبرعُ به، ونطلب الثمن- أي: الأجر- من الله تعالى؛ وهذا هو
المشهور في " الصحيحين " - أيضا- وذكر محمد بن سَعد في " الطبقات "
عن الواقدي أن النبي- عليه السلام- اشتراه منهم بعشرة دنانير؛ دفعها
عنه: أبو بكر الصديق- رضي الله عنه-.
قوله: " وكانت فيه خَرِبٌ " قال أبو الفرجِ: الرواية المعروفة: " خَرِبٌ "
- بفتح الخاء المعجمة وكسر الراء- جمع خرِبَة؛ كما يقال: كلمة وكلم.
وقال أبو سليمان: وحدثناه الخيام بكسر الخًاء وفتح الراء؛ وهو جمع
الخراب؛ وهو ما يخرب من البناء في لغة بني تميم؛ وهما لغتان
صحيحتان رُوينا. وقال الخطابي: لعل صوابه: " خُرَب " - بضم الخاء-
جمع خُربة؛ وهي الخروق في الأرض؛ إلا أنهم يقولونها في كل ثُقبة
مستديرة في أرض أو جدار، قال: ولعل الرواية " جِرَف " جمع الجِرَفة؛
وهي جمع الجُرُف؛ كما يقال: خُرج وخُرَجة، وتُرس وتِرَسَة. وأبين
من ذلك- إن ساعدته الروايةُ- أن يكون: " حُدبا " جمع " حَدَبَةِ "؛
وهو الذي يَليقُ بقوله فسُويت؛ وإنما يُسوى المكان المُحدودب أو موضع من
الأرض فيه خروق وهدُوم؛ فأما الخِرَبُ فإنها تُعَمَر ولا تُسوى. قال
عياض: هذا التكلف لا حاجة إليه؛ فإن الذي ثبت في الرواية صحيح
المعنى؛ كما أمر بقطع النخل لتسوية الأرض أمر بالخِرب فرفعت رسومها،
23 * شرح سنن أبي داوود 2(2/353)
وسُوِّيت مواضعها، لتصير جميع الأرض مَبسوط مُستويةً للمصلين،
وكذلك فعل بالقبور. وفي " مصنف " ابن أبي شيبة بسند صحيح: " فأمر
بالحرث فحُرث "؛ وهو الذي زعم ابن الأثير أنه رُوِيَ بالحاء المهملة والثاء
المثلثة، يريدُ الموضع المحروث للزراعة.
قوله: " فأمَر رسول الله بقبور المشركين فنُبشَت " إنما أمر بنبشها لأنهم لا
حرمة لهم.
فإن قيل: كيف يجوز إخراجهم من قبورهم، والقبر مختصّ بمن دفن
فيه، قد حازه فلا يجوز بيعه ولا نقله عنه؟ قلت: تلك القبور لم تكن
أملاكا لمن دفن فيها؛ بل لعلها غصب، ولذلك باعها مُلاكها، وعلى
تقدير التسليم أنها حُبست فهو ليس بلازم، إنما اللازم: تحبيس المسلمين،
لا الكفار. وجواب آخرُ: أنه دعت الضرورة والحاجة إلى نبشهم فجاز.
فإن قيل: هل يَجوز في هذا الزمان نبش قبور الكفار ليتخذ مكانها
مساجد؟ قلت: أجاز ذلك قوم؛ محتجين بهذا الحديث، وبما رواه
أبو داود (1) أن النبي- عليه السلام- قال: " هذا قبر أبي رِغال: وهو
أبو ثقيف، وكان من ثمود، وكان بالحرم يدفع عنه، فلما خرج أصابته
النقمة فدفن بهذا المكان، وآية ذلك: أنه دفن ومعه غُصنٌ من ذهب "
فابتدر الناس فنبشوه واستخرجوا الغُصن ". قالوا: فإذا جاز نبشُها لطلب
المال فنبشها للانتفاع بمواضعها أولى، وليس حرمتهم موتى بأعظم منها
أحياء؛ بل هو مأجورٌ في مثل ذلك. وإلى جواز نبش قبورهم للمال
ذهب الكوفيون، والشافعي، وأشهبُ بهذا الحديث. وقال الأوزاعي
لا يفعل؛ لأن رسول الله لما مر بالحجر قال: " لا تدخلوا بيوت الذين
ظلموا إلا أن تكونوا باكين " فنهى أن يدخل عليهم بيوتهم، فكيف
قبورهم؟. وقال الطحاوي: قد أباح دخولها/على وجه البكاء.
فإن قيل: هل يجوز أن تُبنى المساجد على قبور المسلمين؟ قلت:
__________
(1) كتاب الخراج، باب: نبش القبور العادية يكون فيها المال (3088)(2/354)
قال ابن القاسم: لو أن مقبرة من مقابر المسلمين عفَت، فبنى قوم عليها
مسجداً لم أَر بذلك بأسًا؛ وذلك لأن المقابر وقف من أوقاف المسلمين
لدفن موتاهم، لا يجوز لأحد أن يملكها، فإذا درست واستُغنِيَ عن
الدفن (1) فيها جاز صرفها إلى المسجد؛ لأن المسجد- أيضا- وقف من
أوقاف المسلمين لا يجوز تمليكه لأحد؛ فمعناهما على هذا واحدٌ. وذكر
أصحابنا أن المسجد إذا خرب ودثر، ولم يبق حوله جماعة، والمقبرة إذا
عفت ودثرت يَعودُ ملكًا لأربابها، فإذا عادت ملكا يجوز أن يُبنى موضع
المسجد دار، وموضع المقبرة مسجد، وغير ذلك؛ فإن لم يكن لها أرباب
يكون لبيت المال.
فإن قيل: هل يدخل من يبني المسجد على مقبرة المسلمين بعد أن عفت
ودثرت في معنى لعنة اليهود، لاتخاذ قبور أنبيائهم مساجد؟ قلت: لا؛
لافتراق المعنى؛ وذلك أنه- عليه السلام- أخبر أن اليهود كانوا يتخذون
قبور أنبيائهم مساجد ويقصدونها بالعبادة، وقد نسخ الله جميع ذلك
بالإسلام والتوحيد، ثم في هذا الحديث دليل على أن القبور إذا لم يبق
فيها بقية من الميت أو من ترابه جازت الصلاة فيها، وأنها إذا درست يجوز
بيعها؛ لأنها باقية على ملك صاحبها وورثته من بعده.
قوله: " وبالنخل فقطع " أي: أمر بالنخل فقطع؛ وفيه دليل على
[جواز] قطع الأشجار المثمرة لأجل الحاجة؛ وأما اليابسة فقطعها جائز مطلقا.
قوله: " فصفوا النخل قبلةً للمَسجد " من صففتُ الشيء صفا، وفي
" شرح البخاري ": وجعل قبلته إلى القدس وجعل له ثلاثة أبواب: باباَ
في مؤخره، وباباً يقال له: باب الرحمة- وهو الباب الذي يُدعى: باب
عاتكة -، والثالث: الذي يدخل منه النبي- عليه السلام- وهو الباب
الذي يلي آل عثمان- وجعل طول الجدار قامة، وبُسطه وعمده: الجذوع،
وسقفه جريدًا، فقيل له: ألا تسقفه؟ فقال: " عريش كعريش مُوسى؛
__________
(1) في الأصل: " الدين ".(2/355)
خُشَيبَاتٌ وثمامٌ، الأمرُ أعجل من ذلك " وجعلوا طوله مما يلي القبلة إلى
مؤخره مائة ذراع، وفي هذين الجانبين مثل ذلك؛ فهو مربع- ويقال:
كان أقل من المائة-، وجعلوا الأساس قريبًا من ثلاثة أذرع على الأرض
بالحجارة، ثم بنوه باللَّبِن. وفي " المغازي " لابن بكير، عن ابن
إسحاق: جعلت قبلة المسجد من اللبن- ويقال: بل من حجارة- منضودة
بعضها على بعضٍ.
قوله: " وجَعلوا عضادتيه حجارة " العضادة- بكسر العين- هي جانب
الباب. وقال صاحب " العين ": أعضاَد كل شيء: ما يشده من حواليه
من البناء وغيره؛ مثل عضاد الحوض؛ وهي صفائح من حجارة تُنصَبن
على شفيره، وعضادتا الباب: ما كان عليهما يُطبق البابُ إذا اصفِق.
وفي " الَتهذيب " للأزهِري: عضادتا الباب: الخشبتان المنصوبتان عن يمين
الداخل منه وشماله، فوقهما العارضة.
فوله: " وهم يرتجزون " جملة اسمية وقعت حالا من الضمير الذي في
" ينقلون " يقال: ارتجزوا وتراجزوا إذا تعاطوا بَينهم الرَجزَ. واختلف
العروضيون في الرجز: هل هو شعر أم لا؟ مع اتفاقهم أن الشعر لا
يكون شعرا إلا بالقَصد، فإن جرى كلام موزون بغير قصد لا يكون شعرا؛
وعليه يحمل ما جاء عن النبي- عليه السلام- من ذلك؛ لأن الشعر
حرام عليه بنص القراَن. قال القرطبي: الصحيح في الرجز: أنه من
الشعر؛ وإنما أخرجه من الشعر من أشكل عليه إنشاد النبي- عليه السلام-
إياه فقال: لو كان شعرا لما عُلِّمه، قال: وهذا ليس بشيء؛ لأن من
أنشد القليل من الشعر أو قاله أو تمثل به على وجه الندور لم يستحق
اسم شاعرٍ، ولا يقال فيه: إنه يعلم الشعر، ولا يُنسب إليه، ولو كان
ذلك كذلك للزم أن يقال للناس كلهم شعراء. وقال السفاقسي: لا
يطلق (1) على الرجز شعرا؛ إنما هو كلام مسجع؛ بدليل أنه يقال
__________
(1) في الأصل: " ينطلق "(2/356)
لصانعه: راجز، ولا يقال: شاعر، ويُقال: أنشد/رجزا، ولا يقال:
أنشد شعراً.
ثم اعلم أن في الحديث: جواز الارتجاز وقول الأشعار في حال الأعمال
والأسفار ونحوها، لتَنشيط النفوس، وتَسهيل الأعمال والمضي عليها.
قوله: " والنبي معهم " حال، وكذلك قوله: " وهو يقول " حال
أُخرى.
قوله: " اللهم إن الخير خير الآخرة " وفي رواية: " لا خير إلا خير
الأخرة " ومعنى " اللهم ": يا ألله؛ وقد ذكرنا طرفا منه، وقال
البصريون: " اللهم ": دعاء دله بجميع أسمائه؛ إذ الميم يُشعر بالجمع؛
كما في " عليهم "، وقال الكوفيون: أصله: " الله أمّنا " بخيرٍ أي:
اقصدنا؛ فخفف فصار " اللهم ". وهو ضعيف؛ إذ لو كان كذلك لجاز
" يا اللهم " فلما لم يجز دلّ على أن أصله: " يا الله " فحذف " يا "
وعوض عنها الميم؛ ولا يجوز اجتماع العِوض والمعوض. وهو يُستعمل
على ثلاثة أنحاء؛ أحدها: للنداء المحض؛ وهو ظاهرٌ، والثاني:
للإيذان بندرة المستثنى؛ كقولهم في أثناء الكلام: اللهم إلا أن يكون كذا
وكذا، والثالث: يستعمل فيه ليدل على تيقّن المجيب من الجواب المقترن
هو به؛ كقولك لمن قال: أزيد قائم: اللهم نعم، أو: اللهم لا؛ كأنه
يناديه: تعالى؛ مستشهداً على ما قال في الجواب.
قوله: " فانصر الأنصار والمهاجره " الأنصار: جمع نَصيرٍ؛ كأشراف
جمع شريفٍ؛ والنَّصِير الباهرُ: من نصَره الله على عَدُوّه ينصرُه نصرًا،
والاسم: النُّصرة؛ وسُمُّوا بذلك لأنهم أعانوه- عليه السلام- على
أعدائه وشدّوا منه. والمهاجره: الجماعة المهاجرة؛ وهم الذين هاجروا من
مكة إلى المدينة النبوية- على ساكنها أفضل الصلاة والسلام- محبةً فيه،
وطلبا للآخرة. والهجرة في الأصل: الاسم من الهَجر- ضد الوَصل-،
وقد هجَره هجرًا، وهجرانًا، ثم غلب على الخروج من أرض إلى(2/357)
أرضٍ، وترك الأولى للثانية يُقال منه: هاجر مُهاجرةً. والحديث: أخرجه
البخاريّ، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه.
436- ص- ثنا موسى بن إسماعيل: ثنا حماد، عن أبي التياح، عن
أنس بن مالك قال: كان مَوضعُ المسجدِ حَائطا لبني النجار، فيه حَرثٌ
ونَخل وقبورُ المشرِكينَ، فقال رسولُ الله: " ثَامِنُوني به " فقالوا: لا نَبغي (1) ،
فقُطِع النخلُ، وسُوِّي الحرثُ، ونُبشَ قبورُ المشركينَ. وساقَ الحديثَ،
وقال: " فاغفر " مكان " فانصُر " (2) .
ش- موسى بن إسماعيل: المنقري البصري، وحماد: ابن سلمة.
قوله: " موضع المسجد " الألف واللام فيه للعهد أي: مسجد النبي
- عليه السلام-.
فوله: " لا نبغي " أي: لا نطلب الثمن؛ من بغى يَبغي بغيةً وبُغًا من
باب ضرب يضرب، وبغى عليه: إذا تعدى وظلم، وبغت المرأة بِغاء
- بالكسر والمدّ- إذا فجرت؛ فهي بَغي، والجمع: بَغايَا، قال تعالى:
(وَمَا كَانت أُمُك بغيا) (3) وهذا مثل قولهم: ملحفة جديدٌ.
فوله: " وقال: فاغفر " أي: قال: فاغفر الأنصار مكان: فانصر
الأنصار
ص- قال موسى: نا عبد الوارث بنحوه. وكان عبد الوارث يقول:
خَرِب، فزعم عبد الوارث (4) أنه أفادَ حمادا هذا الحديثَ.
ش- أي: قال موسى بن إسماعيل- شيخ أبي داود- حدثنا
عبد الوارث بن سعيد البصري، بنحو المذكور من الرواية.
قوله: " وكان عبد الوارث يقول: خَرِب " - بفتح الخاء، وكسر
الراء-؛ وقد مر الكلام فيه مستوفى.
__________
(1) في سنن أبي داود: " لا نبغي به ثمنا ".
(2) انظر التخريج المتقدم.
(3) سورة مريم: (28) .
(4) في الأصل: " الحارث " خطأ.(2/358)
12- باب: فِي المسَاجدِ تبنى في الدُّور
أي: هذا باب في حكم المساجد التي تُبنى في الدور. وفي بعض
النسخ: " باب اتخاذ المساجد في الدور " (1) وفي بعضها: " باب ما
جاء في المساجد تُبنى في الدور "
437- ص- نا محمد بن العلاء: نا حُسين بن علي، عن زائدة، عن
هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشةَ قالت: أَمرَ رَسولُ اللهِ ببناءِ المساجدِ في
الدُّورِ، وأن تُنَظَّفَ وتطيب (2) .
ش- محمد بن العلاء: أبو كريب الكوفي، وحُسَين بن علي: ابن
الوليد الجُعفي، وزائدة: ابن قدامة الثقفي الكوفي.
قوله: " في الدُور " قال سفيان بن عيينة: الدورُ: القبائلُ. وذكر
الخطابيّ أنها البيوت، وحكى- أيضا- أنه يراد بها المحالّ التي فيها الدورُ.
قلتُ: الظاهر أن المراد بها ما قاله الخطابي؛ لورُود النهي عن اتخاذ
البيوت مثل المقابر؛ وفيه حجة لأصحابنا " (3) أن المكان لا يكون مسجدا
حتى يسبله (4) صاحبه، وحتى يُصلى الناس فيه جماعةً، ولو كان الأمر
حمى يسبله 0
يتم فيه بأن يجعله مسجدا بالتسمية فقط لكانت مواضع تلك المساجد/في
بيوتهم خارجةً عن أملاكهم، فدل أنه لا يصح أن تكون مسجدًا بنفس
التسمية ".
ولذلك قال صاحب " الهداية ": إن اتخذ وسط داره مَسجدا، وأذن
للناس بالدخول فيه، له أن يبيعه ويُورث عنه؛ لأن المسجد: ما لا يكون
لأحد فيه حق المنع، وإذا كان ملكه محيطا بجوانبه كان له حق المنع، فلم
يَصر مَسجدا.
__________
(1) كما في سنن أبي داود.
(2) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما ذكر في تطييب المساجد (594) ، ابن
ماجه: كتاب المساجد والجماعات، باب: تظهير المساجد وتطييبها (758) .
(3) انظر معالم السنن (1/123)
(4) أي: يجعله في سبيل الله(2/359)
قوله: " وأن تُنظف " أي: أمَر- أيضا- بأن تُنظف أي: بتنظيفها
وتطييبها عن الأقذار؛ لأن لها حرمة لأجل إقامة الصلاة فيها، ولتشبهها
بالمساجد المُطلقة. وأخرجه الترمذي، وابن ماجه، وأخرجه الترمذي
مُرسلا وقال: هذا أصح من الحديث الأول.
438- ص- نا محمد بن داود بن سفيان: نا يحيى- يعني: ابن حسّان:
نا سليمان بن موسى: نا جعفرِ بن سَعد بن سَمُرة قال: حدثني خُبَيب بن
سليمان، عن أبيه سليمان بن سمُرة، عن أبيه سَمُرة أنه كتب إلى بَنيه (1) :
أمَّا بعدُ، فإنَ رسولَ الله- عليه السلام- كان يأمرنا بالمساجد أن نَصنَعَها في
ديَارِنا، ونُصلِحَ صَنعَتَهاَ ونُطهِّرَها (2) .
ش- محمد بن داود: الإسكندراني.
ويحيى: ابن حسّان بن حيان التنِّيسي، أبو زكرياء البَصري، سكن
تنيس. روى عن: الليث بن سَعد، ومُعاوية بن سلام، وحماد بن
سلمة وغيرهم. روى عنه: الشافعي، وأحمد بن صالح المصري،
ومحمد بن مسكين وغيرهم. قال أبو سعيد بن يونس: كان ثقة حسن
الحديث، وتوفي بمصر في رجب سنة ثمان ومائتين. روى له:
البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي (3) .
وسُليمان بن موسى: أبو داود الزهري، خراساني الأصل، سكن
الكوفة ثم تحول إلى دمشق. روى عن: موسى بن عبيدة، ومسعر بن
كدام، وجعفر بن سَعد بن سمرة وغيرهم. روى عنه: الوليد بن مسلم،
ومَروان الطاطري، ويحيى بن حسان (4) .
وجَعفر بن سَعد بن سَمُرة الفزاري أبو محمد. روى عنه: سليمان بن
موسى، ومحمد بن إبراهيم، وعبد الجبار بن العباس الشبامي، وصالح
ابن أبي عتيقة الكاهلي. روى له: أبو داود (5) .
__________
(1) في سنن أبي داود: " ابنه "
(2) تفرد به أبو داود.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (9/31. ملأ) .
(4) المصدر السابق (12/2572) .
(5) المصدر السابق (5/942) .(2/360)
وخُبَيب بن سليمان بن سَمُرة بن جندب الفزاري، أبو سليمان الكوفي.
روى عن: أبيه. روى عنه: جَعفر بن سَعد. روى له: أبو داود (1) .
وخُبيب: بضم الخاء المعجمة، وفتح الباء الموحدة.
وأبوه: سليمان بن سمرة بن جندب الفزاري. روى عن: أبيه. روى
عنه: ابنه: خُبَيب، وعلي بن ربيعة الوالبي. روى له: أبو داود (2)
وسَمُرة بن جُندب الصحابي الفزاري، قد ذكرناه.
قوله: " أما بعد " قد ذكرنا أنَ " أمّا " حرف شرط وتفصيل وتوكيد؛
و" أما " هاهنا فصل خطاب. وقد قيل في قوله تعالى: (واَتَينَاهُ الحكمَةَ
وَفَصلَ الخطَاب) (3) هو قوله " أما بعد " فأول من قالها: داود-َ عديه
السلام-.
قوله: " أن نَصنعها " بدل من قوله " بالمساجد " والمعنى: يأمرنا بصنع
المساجد في بيُوتنا، أو في المحالّ التي فيها دورنا.
قوله: " ونُصلح صنعتها " بأن يُجعلَ لها ما يُميزها عن غيرها من
البُيُوت.
قوله: " ونطهرها " بالنصب عطف على " نصلح " المنصوب المعطوف
على " أن نَصنع "؛ وتطهيرها: تنظيفها عن الأقذار لما قلنا، والله أعلم.
***
13- بَاب: في السُرُج في المسَاجد
أي: هذا باب في بيان السُرُج في المساجد. وفي بعَض النسخ: " باب
ما جاء في السُّرج في المساجد ". والسُّرُج- بضمتين- جمع سِرَاج؛
ككُتُبٍ جمع كتابٍ.
439- ص- نا النُفيلي: نا مِسكين، عن سعيد بن عبد العزيز، عن ابن
__________
(1) المصدر السابق (8 /1676) .
(2) المصدر السابق (11/2526) .
(3) سورة ص: (20) .(2/361)
أبي سودة (1) ، عن ميمونة مولاة النبي- عليه السلام- أنها قالت:
يا رسولَ الله اأَفتنَا في بَيتِ المَقدسِ، فقال: " ائتُوهُ فَصَلُّوا فيه " - وكانتِ
البلادُ إذ ذاكً حَربا- " فإن لم تأتُوهُ وتُصلُّوا فيه، فَابعَثُوا بزَيت يُسرَجُ في
قَنَاديلِهِ " (2) .ًَ
ش- النُّفيلي: عبد الله بن محمد.
ومِسكين: ابن بكير، أبو عبد الرحمن الحراني الحذاء. سمع: جعفر
ابن برقان، وثابت بن عجلان، والأوزاعي، وسعيد بن عبد العزيز
وغيرهم. روى عنه: أحمد بن حنبل، والنفيلي، ونصر بن عاصم
الأنطاكي وغيرهم. وقال أحمد: لا بأس به. وقال أبو حاتم: لا بأس
به، كان صالح الحديث يحفظ الحديث. روى له: الجماعة إلا ابن
ماجة (3) /وسعيد بن عبد العزيز: أبو يحيى التنوخي.
واسم ابن أبي سودة: عثمان المقدسي أخو زياد (4) . روى عن:
أبي هريرة، وأبي الدرداء، وأم الدرداء، وميمونة مولاة النبي- عليه السلام-
وأبي شعيب الحضرمي. روى عنه: أخوه: زياد، وشبيب بن أبي شيبة،
والأوزاعي وغيرهم. وقال مروان بن محمد: عثمان وزياد ابنا أبي سودة من
أهل بيت المقدس ثقتان ثَبتان. روى له: أبو داود، والترمذي، وابن ماجه.
وميمونة بنت سَعد، وكانت خادما للنبي- عليه السلام-، روت
عن: النبي- عليه السلام- قالت: " مَثَلُ الرَّافلةِ في الزينة " (5) .
__________
(1) في سنن أبي داود: " زياد بن أبي سودة ".
(2) ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في الصلاة في مسجد بيت
المقدس (1407) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (27/5915) .
(4) كذا ترجم المصنف لعثمان، والذي في سند الحديث هو أخوه زياد، كما ثبت
في سنن أبي داود المطبوع، وكذلك لما ترجم الحافظ المزي لزياد في تهذيب
الكمال (9/2050) ذكر له هذا الحديث، وأخوه عثمان مترجم كذلك في
تهذيب الكمال (19/3821) .
(5) أخرجه الترمذي في كتاب الرضاع، باب: ما جاء في كراهية خروج النساء في=(2/362)
وروت عن النبي- عليه السلام- في فضل بيت القدس. وقيل: إن
الذي روت في فصل بيت القدس مَيمونة أخرى غير بنت سَعد؛ والأول
أصح. روى عنها: عثمان بن أبي سودة، وأبو زيد الضبيّ، وأيّوب بن
خالد الأنصاري. روى لها: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن
ماجه (1) .
قوله: " إذ ذاك " يعني: حينئذ " حربًا " يعني: دار حَرب؛ لأنها لم
تفتح إلا في زمن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- سنة خمس عشرة
من الهجرة.
ويستفاد من الحديث فوائد؛ الأولى: فيه فضيلة بيت القدس.
والثانية: جواز بعث الزيت إلى المساجد للإصباح وإن كانت في غير
بلده.
والثالثة: إذا كان مسجد في دار حرب يجوز لن في دار الإسلام أن
يَبعث له زَيتًا يُسرج فيه، ويُقاسُ على هذا البُسط والحُصر والقناديل،
ونحو ذلك مما يحتاج إليه السجد.
14- بَاب: في حَصَى المَسجد
أي: هذا باب في بيان حَصَى المسجد. وفي بعض النسخ: " باب ما
جاء في حَصَاة المسجد ".
440- ص- نا سَهل بن تمام بن بَزيع: نا عُمر بن سُليم الباهلي، عن
__________
- الزينة (1167) وتمامه: " مثل الرافلة في الزينة في غير أهلها، كمثل ظلمة يوم
القيامة، لا نور لها ". وقال الترمذي: هذا حديث لا نعرفه إلا من حديث
موسى بن عبيدة، وموسى بن عبيدة يُضعّفُ في الحديث مِن قِبَلِ حفظه، وهو
صدوق. وقد رواه بعضهم عن موسى بن عبيدة ولم يرفعه ".
(1) انظر ترجمتها في: الاستيعاب بهامش الإصابة (4/408) ، أسد الغابة
(7/274- 275) ، الإصابة (4/413) .(2/363)
أبي الوليد قال: سألتُ ابنَ عُمرَ عن الحَصَى الذي في المَسجد، فقال: مُطِرنَا
ذاتَ لَيلة، فأصبحت الأرضُ مُبتلَّةً، فَجعلَ الرجلُ يَجيءُ (1) بالحصى في
ثوبه، فيَبسُطُهُ تحتَه، فَلما قضَى رسولُ اللهِ الصلاةَ قال: " مَا أحسنَ هذا " (2) .
ش- سهل بن تمام بن بَزيع: الطُّفاوي، أبو عَمرو. روى عن:
المبارك بن فَضالة، وقرة بن خالد، وأبيه: تمام، وعطية بن بهرام.
روى عنه: أبو زرعة، وأبو حاتم. وسئل أبو زرعة عنه فقال: لم يكن
بكذاب، كان ربما وهم في الشيء، وسئل عنه أبو حاتم فقال: شيخ.
وروى عنه: أبو داود (3) .
وعُمَر بن سُليم الباهلي: البصري. روى عن. أبي غالب، وعن
أبي الوليد، عن ابن عمر. روى عنه: سهل بن تمام، وعبد الوارث،
وابنه: عبد الصمد بنُ عبد الوارث وغيرهم. وقال أبو زرعة: صدوق.
روى له: أبو داود، وابن ماجة (4) . وأبو الوليد: اسمه: عبد الله بن
الحارث البصري، نسيب محمد بن سيرين وختنه على أخته: وهو والد
يوسف بن عبد الله بن الحارث. روى عن: ابن عباس، وابن عُمر،
وزيد بن أرقم، وأبي هريرة، وعائشة. روى عنه: أيوب السختياني،
وعاصم الأحول، وخالد الحذاء وغيرهم: قال أبو زرعة: ثقة، وقال
أبو حاتم: يكتب حديثه. روى له الجماعة (5) .
قوله: " عن الحَصَى " الحَصى جمع حَصَاةٍ.
قوله: " في المسجد " أي: في مسجد النبي- عليه السلام-.
قوله: " فأصبحت الأرض " أي: صارت " مُبتلةً " مثل قولك: أصبح
زيد غنيا.
قوله: " فجعل الرجل يجيءُ " اعلم أن " جعل " من أفعال المقاربة؛
__________
(1) في سنن أبي داود: " يأتي ".
(2) تفرد به أبو داود.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (12/2606) .
(4) المصدر السابق (21/4248) .
(5) المصدر السابق (14/3217) .(2/364)
ومعناها: دنو الخبر على سبيل الأخذ والشروع فيه، فمعنى " جعل الرجل
يجيء ": شرع أو أخذَ.
قوله: " ما أحسن هذا " أي: صنيعكم هذا، وهو فعل التعجب، وهو
ما وضع لإنشاء التعجب؛ والتعجب: انفعال النفس بما خفي سببه؛ ولذا
لا يصح التعجب من الله تعالى (1) ؛ وله صيغتان: ما أفعله، وأفعِل به؛
مثل: ما أحسن زيدا، وأحسِن به، و " ما ": مبتدأ نكرة بمعنى: شيء
حَسَن زيدًا، فإنه وإن كان نكرةً فهو يَصلح للابتداء؛ لأنه في المعنى فاعل
وما بعده في موضع رفع بأنه خبر. وقال الأخفش: " ما " في الأصل
موصولة، والجملة بعده صلة له، والخبر محذوف، فأصله: الذي حَسَّنَ
زيدا شيءٌ. وقال الكوفيون: " ما " استفهامية في الأصل، وما بعده
الخبر، فأصله: أي شِيء حَسَّن زيدَا؟ وفهم من الحديث/أن سقف
المَسجد كان رقيقًا، فلذلك كان يكفُّ عند المطر، وأنه لم يكن فيه حُصرٌ،
وأن السجود على الأرض مستحب.
441- ص- نا عثمان بن أبي شيبة: نا أبو معاوية ووكيع قالا: نا
الأعمش، عن أبي صالح قال: كان يُقال: إن الرجلَ إذا أخرجَ الحَصى من
المَسجد يُناشدُه (2) .
ش- أبوَ معاوية: الضرير، وأبو صالح: ذكوان السمان.
قوله: " يناشده " أي: يَسأله بالله ويقسم عليه بالله أن لا يُخرجها؛ من
المسجد وأصله: رفع الصوت؛ ومنه: إنشاد الشعر؛ وهو رفع الصوت
به، ويقال: نشدتك الله، وأنشدك الله وبالله، وناشدتك الله وبالله أي:
سألتك وأقسمت عليك، ونشدتُه نشدةً ونشدانا ومُناشدةً. وقال في
" الصحاح ": نشدتُ الضالة أنشدها أيَ: طلبتَها، وأنشدتها أي: عرفتها.
فإن قلت: ما الحكمة من مناشدة الحصى؟ قلت: لعلها مادامت في
المَسجد تُسجدُ عليها وتبعدُ عن القاذورات، فإذا خرجت منه تَبعدُ عن
__________
(1) بل يصح التعجب منه سبحانه وتعالى، وانظر التعليقة (5/65) .
(2) تفرد به أبو داود.(2/365)
هذا المعنى، وأما مناشدتها: فيجوز أن يكون بطريق الحقيقة؛ ولكن نحن
لا نكيفها، ويجوز أن. يكون مجازًا، تشبيهاً لها بمن يناشدُ صاحبه في أمر
عرض له.
442- ص- نا محمد بن إسحاق أبو بكر: نا أبو بدر شجاع بن الوليد:
نا شريك: نا أبو حَصين، عن أبي صالح، عن أبي هريرة- قال أبو بدر:
أُرَاهُ قد رفعه إلى النبيَّ عليه السلام- قال: " إن الحصَى (1) لَتُنَاشدُ الذي
يُخرِجُهَا من المسجدِ " (2) .
ش- محمد بن إسحاق: ابن جعفر، ويقال: ابن محمد الصاغاني،
خراساني سكن بغداد. روى عن: أبي عامر العقدي، وقراد أبي نوح،
والفضل بن دكين، وأبي بَدر شجاع بن الوليد وغيرهم. روى عنه
الجماعة إلا البخاريّ وغيرهم. قال الدارقطني: كان ثقةً. توفي سنة
سبعين ومائتين (3) .
وأبو بدر شجاع بن الوليد: ابن قَيس السكوني الكوفي، سكن بغداد.
سمع: عطاء بن السائب، وموسى بن عقبة، وهشام بن عروة وغيرهم.
روى عنه: ابنه أبو همام الوليد بن شجاع، وأحمد بن حنبل، وابن
معين، وإسحاق بن راهويه وغيرهم، وعن ابن معين: إنه ثقة. وقال
أحمد بن عبد الله: لا بأس به. وقال أبو حاتم: شيخ ليس بالمتين، لا
يحتج بحديثه. مات ببغداد سنة أربع ومائتين (4) .
وشريك: النخعي. وأبو حَصين- بفتح الحاء- اسمه: عثمان بن
عاصم بن حَصِين، ويقال: ابن عَاصم بن زيد بن كثير بن زيد بن مُرة
الأسدي الكوفي. سمع: ابن عباس، وابن الزبير، وجابر بن سمرة،
وأبا ريحانة شمعون. وروى عن: أبي سعيد الخدري، وأنس بن مالك،
__________
(1) في سنن أبي داود: " الحصاة ".
(2) تفرد به أبو داود.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (24/5053) .
(4) المصدر السابق (12/2702) .(2/366)
وعمران بن الحصن، ومن التابعين: شريحا القاضي، والشعبي،
وأبا صالح السمان، وغيرهم. روى عنه: سَعد بن طارق، وشعبة،
والثوري، وابن عيينة وغيرهم. قال ابن معين وأبو حاتم: هو ثقة.
توفي سنة ثمان وعشرين ومائة. روى له الجماعة (1) .
قوله: " قال أبو بدر " أي: شجاع بن الوليد " أراه قد رفعه " أي:
أظنّ أن أبا هريرة قد رفع الحديث إلى النبي- عليه السلام- قال: " إن
الحصَى 0.. " الحديث. وقال أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا أسباط بن
محمد، عن ليث، عن حبيب، عن سعيد بن جبير قال: " الحصاة
تَسُب وتلعنُ من يُخرجها من المَسجد ".
حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، عن مثنى بن سعيد، عن قتادة،
عن سليمان بن يَسار قال: " الحصاة إذا أخرجت من المسجد تصيح حتى
تُرَد إلى موضعها ". وعن ابن سيرين يقول لغلام له أو لخادمه: " إن
وجدت في خفي حصاة فَرُدها إلى المَسجد ".
***
15- بَاب: في كنسِ المسجدِ
أي: هذا باب في بيان كنس المسجد.
443- ص- ثنا عبد الوهاب بن عبد الحكم الخزاز: أنا عبد المجيد بن
عبد العزيز بن أبي رَواد، عن ابن جريج، عن المُطلِب بن عبد الله بن حَنطب،
عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عُرِضت عَلَيَ أجورُ أُمَتِي حتى
القَذَاةُ يُخرِجُهَا الرجلُ من المسجد، وعُرِضَت عَلَيَ ذنوبُ أمتي، فلم أرَ ذَنبًا
أعظمَ من سُورة من القرآنِ أو آيةَ أوَتِيهَا رجلٌ ثم نَسِيَها " (2) .
ش- عبدًا لوهاب بن عبدَ الحكم/ويُقال: ابن الحكم البغدادي،
__________
(1) المصدر السابق (19/3828) .
(2) الترمذي: كتاب فضائل القرآن، باب: (19) ، رقم (2916) .(2/367)
صاحب أحمد بن حنبل وخاصّته. سمع: معاذ بن معاذ، ويزيد بن
هارون، وعبد المجيد بن عبد العزيز وغيرهم. روى عنه: ابنه: الحسن،
وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وأبو بكر بن أبي الدنيا
وغيرهم. قال النسائي: ثقة. وكذا قال الدارقطني. مات سنة إحدى
وخمسين ومائتين، ودفن بباب البَرَدان (1) .
وعبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد المكي، أصله مروزي، أبو عبد الحَميد
الأزدي مولاهم، واسم أبي رواد: مَيمون. روى عن: أبيه وعن:
مَعمر بن راشد، وابن جريج، واللَّيث بن سَعد. روى عنه: سريِج (2)
ابن يونس، والشافعي، وموسى بن طارق وغيرهم. قال ابن معين:
هو ثقة، كان يروي عن قوم ضعفاء، وكان أعلم الناس بحديث ابن
جريح، وكان يُعلن بالإرجاء0 قال عبد الرحمن: سألت أبي عنه فقال:
ليس بالقويّ، يكتب حديثه. وقال الدارقطني: لا يحتج به. روى له
مسلم مقرونا بهشام بن سليمان المكي، غير محتج به. وروى له:
أبو داود، والترمذي، والنسائي (3) .
وابن جريج: عبد الملك بن عبد العزيز القرشي.
والمطلب بن عبد الله بن حنطب: ابن الحارث بن عُبيد بن عمر بن
مخزوم أبو الحكم القرشي المخزومي المديني. روى عن: أبيه، وعُمر بن
الخطاب، وابنه عبد الله بن عمر بن الخطاب، وابن عباس، وأنس بن
مالك، وأبي هريرة، وأبي موسى، وأبي رافع، وعائشة، وأم سلمة.
روى عنه: ابنه عبد العزيز، ومحمد بن عَبّاد، وابن جريج، والأوزاعي
وغيرهم. قال ابن سَعد: وكان كثير الحديث، ولا يحتج بحديثه؛ لأنه
يُرسل عن النبي- عليه السلام- كثيرا، وليس له لقي، وعامة أصحابه
يُدلِّسُون. وقال الدارقطني، وأبو زرعة: ثقة. روى له: أبو داود،
والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (4) .
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (18 / 3602) .
(2) في الأصل: " شريح " خطأ.
(3) المصدر السابق (18 /3510) .
(4) المصدر السابق (28/6006) .(2/368)
قوله: " عُرِضت عليّ أجورُ أمتي " يجوزُ أن يكون ذلك العرض ليلة
المعراج، ويجوز أن يكون في وقت آخر؛ وعَرض الأجور كناية عن
إحاطة علمه بها، ويَجوز أن يكون على وَجه الحقيقة بأن عُرضت. في صُوَرِ
حِسَان، وعُرِضَت الذُّنوبُ في صُوَرٍ قباح، كما تُوزن الأَعمال يَوم القيامة
في صوَر حسان وقباح.
قوله: " حتى القذاةُ " بالرَّفع عَطفًا على " الأجور " مثل قولك: جاء
الحُجاجُ حتى المُشاةُ؛ القذاةُ واحدة القَذى؛ وهي ما يقعُ في العَين والماء
والشراب من تُراب أو تبن أو وَسَخ أو غير ذلك؛ وهذا خارج مخرج
المبالغة، لأنه إذا حصل الأجر لمن يُخرج القذاة من المسجد، فالذي يكنُسُه
ويُزيلُ ترابَه وغُباره، ويُنظفه عن الأقذار والأوساخ بالطريق الأولى أن
يحصل له أجُور كثيرة؛ ولهذا بَوب الشيخ بقوله: " بابٌ في كنس
المسجد " ثم. بَيّن فيه إزالة القذى، وبين أن فيها أجرًا، ففي الكنس الذي
هو أعلى من إزالة القذى أولى وأجدر أن يكون فيها أجرٌ بل أجور كثيرة.
قوله: " من سورة من القرآن أو آية " السورة: الطائفة من القرآن المعبّر
عنها بسورة كذا التي أقلها ثلاث آيات، وواوها لا (1) إما أن تكون
أصلا أو منقلبة عن همزة؛ فإن كان الأول فيكون منقولا من سُورة المدينة
- وهي حائطها- لأنها طائفة من القرآن محدودة محوزةٌ على انفرادها
كالبلد المُسوّر، أو لأنها محتوية على فنون من العلم وأجناس من الفوائد
كاحتواء سور المدينة على ما فيها، وإن كان الثاني فلأنها قطعة وطائفة من
القرآن كالسُّؤر التي هي البقية من الشيء والفَضلة. والآية في اللغة:
العلامة؛ والأصل: أوَيَة- بالتحريك- قلبت الواو ألفا لتحركها،
وانفتاح ما قبلها فصار: آية؛ والنسبة إليه: أوَوَي، وجَمعها: آيٌ وأيَايٌ
وآياتٌ. والآية: طائفة من القرآن؛ أقلها ستة أحرف.
قوله: " أوتيها " أي: أعطيها رجل أي: أعطاه اللهَّ إَياها.
__________
(1) كذا، ولعلها بمعنى " لا تخرج ".
24* شرح سنن أبي داوود 2(2/369)
قوله: " ثم نَسِيها " أي: تركها ولم يَعمل بما فيها.
فإن قيل: كيف يكون هذا أعظم الذنوب وقد ورد في " الصحيح ":
أي الذنب أعظم عند الله؟ قال: " أن تجعل لله ندا وهو خلقك " ثم ذكر
قتل الولد مخافة الفقر، ثم الزنا بحليلة الجار؟ قلت: هذا من الأمور
النسبية؛ فكل ذنب/فوقه ذنب وتحته ذنب؛ فهو بالنسبة إلى ما تحته
أعظم الذنوب؛ فالكفرُ أعظم الذنوب على الإطلاق؛ لأنه لا ذنب أعظم
منه، وما بعده أعظم بالنسبة إلى ما تحته؛ وهذا مثل ما يُقال: هذا صغيرة
وهذا كبيرة، وهذا أكبر الكبائر، كل ذلك أمُور نسبيّة، وكذلك يُقال في
فضائل الأعمال نحو هذا- وأيضًا- تختلف هذه الأشياء باختلاف
الأحوال والأشخاص والأزمان فافهم. والحديث: أخرجه الترمذي،
وقال: " هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، قال: وذاكرتُ
به محمدًا- يعني: البخاري- فلم يعرفه واستغربه؛ قال محمد: ولا
أعرف للمطلب سماعًا من أحد من أصحاب رسول الله- عليه السلام-
إلا قوله: حدثني من شهد خطبة النبي- عليه السلام-، قال:
وسمعتُ عبد الله بن عبد الرحمن يقول: لا نَعرف للمطلب سماعًا من
أحد من أصحاب رسول الله، قال عبد الله: وأنكر علي بن المديني أن
يكونَ المطلب سمع من أنسِ ".
قلت: قد ذكر صاحب " الكمال " أنه روى عن أنس وغيره- كما
ذكرنا في ترجمته عن قريب-.
***
16- بَاب: اعتزالُ النَسَاءِ في المَسَاجد عَن الرجالِ
أي: هذا باب في بيان حكم اعتزال النساء في الدخول في المساجد
والخروج عنها، والصلاة فيها عن الرجال. وفي بعض النسخ: " باب ما
جاء في اعتزال النساء "؛ والأول أصحّ.
444- ص- نا عبد الله بن عَمرو أبو مَعمر: نا عبد الوارث: نا أيوب،(2/370)
عن نافع، عن ابنِ عمرَ قال: قال رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لو تَرَكنَا هذا البابَ
للنساء (1) "!
شَ- عبد الله بن عَمرو: ابن أبي الحجاج المنقري البَصري،
وعبد الوارث: ابن سَعيد بن ذكوان البصري، وأيوب: السختياني.
قوله: " لو تركنا هذا الباب " جواب " لو " محذوف تقديره: لو تركنا
هذا الباب للنساء لكان أولى أو حسنًا، ونحو ذلك. ويُفهم من هذا: أن
النساء إذا حضرن للجماعة مع الرجال ينبغي أن لا يختلطن بهم؛ فإن كان
ثمة باب مخصوص لهن يدخلن منه، ويخرجن منه، وإلا يحترزن عن
الاختلاط بهم ما أمكن.
ص- قال نافع: فلم يدخل منه ابنُ عُمرَ حتى ماتَ.
ش- أي: قال نافع مولى ابن عمر: فلم يدخل من هذا الباب الذي
أشار إليه النبي- عليه السلام- عبد الله بن عمر إلى أن مات رضي الله
عنه.
ص- قال غيرُ عبد الوارث: قال عُمر؛ وهو أصح.
ش- أي قال غيرُ عبد الوارث بن سعيد من الرواة: قال عُمر بن
الخطاب موضع ابن عمر، قال أبو داود: هو أصحّ من الأوّل، وبيّن
ذلك في بعض النسخ بقوله: نا أبو علي: نا أبو داود.
445- ص- نا محمد بن قدامة بن أعين قال: نا إسماعيل، عن أيوب،
عن نافع قال: قال عمر بمعناه؛ وهو أصح (2) .
قلت: ليس هذا بموجود في النسخ الصحيحة.
446- ص- نا قتيبة: نا بكر- يعني: ابن مضر-، عن عمرو بن
الحارث، عن بُكير، عن نافع أن عمر بن الخطاب كان يَنهى أن يُدخَل من
بالنساءِ (2) .
__________
(1) تفرد به أبو داود، ويأتي برقم (553) .
(2) تفرد به أبو داود.(2/371)
ش- قتيبة: ابن سعيد، وبكر: ابن مُضر، أبو محمد المصري،
وعمرو بن الحارث: أبو أميّة الأنصاري المصري، وبكير: ابن عبد الله بن
الأشج.
قوله: " أن يُدخلَ " على صيغة المجهول.
قوله: " من باب النساء " أي: من الباب. المخصوص من أبواب المسجد
للنساء. ونافع عن عمر منقطعِ فافهم.:!
17- بَابٌ: فيمَا. يَقُولُ الرَّجُلُ عَندَ دُخُولِه المسجدَ
أي: هذا باب في بيان ما يقوله الرجل عند دخوله المسجد. وفي بعض
النسخ: " باب ما جاء فيما يقول الرجل "، وفي بعضها: " باب ما
يقول ".
447- ص- نا محمد بن عثمان الدمشقي: نا عبد العزيز- يعني:
الدراوردي-، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن عبد الملك بن سعيد بن
سُوَيد قال: سمعتُ أبا حُمَيد أو أبا أسيد الأنصاريَ يقول: قال رسولُ الله:
" إِذا دَخَلَ أحدُكُمُ المسجدَ فليُسَلِّم على النبيَ- عليه السلام- ثم ليقل: اللهَم
افتح لي أبواب رحمَتِكَ، فإذا خرجَ فليقل: اللهم إني أسألُكَ من فَضلِك " (1) .
ش- محمد بن عثمان التنوخي الدمشقي، أبو عبد الرحمن، ويقال:
أبو الجماهر، من أهل كفر سوسية. سمع: عبد العزيز الدراوردي،
ومروان بن معاوية، وسليمان بن بلال وغيرهم. روى عنه: أبو زرعة،
وأبو حاتم، وأبو داود، وابن ماجه وغيرهم. وقال / أبو مسهر وعثمان
الدارمي: هو ثقة. مات سنة أربع وعشرين ومائتين (2) .
__________
(1) مسلم: كتاب صلاة المسافرين، باب.: ما يقول إذا دخل المسجد رقم (713) ،
النسائي: كتاب المساجد، باب: القول عند دخول المسجد وعند الخروج منه
(2/53) ، ابن ماجه: كتاب المساجد، باب: الدعاء عند دخول المسجد رقم
(772) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (26/5461) .(2/372)
وعبد العزيز: ابن محمد الدراوردي المدني الجهني. وربيعة بن
أبي عبد الرحمن: الرأي المدني.
وعبد الملك بن سعيد بن سُوَيد: الأنصاري المدني. روى. عن: جابر
ابن عبد الله، وأبي حميد أو (1) أبي أسيد - وقال عبد الرحمن:
سمع من أبي حميد وأبي أُسَيد-. روى عنه: بكير بن عبد الله بن
الأشج، وربيعة بن أبي عبد الرحمن، وعبد العزيز الدراوردي. روى
له: مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه (2)
وأبو حميد: اسمُه: المنذر- وقيل: عبد الرحمن- بن سَعد بن
المنذر. وفي " الكمال ": أبو حميد بن عمرو بن سَعد بن مالك بن خالد
ابن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الخزرج، ويقال:
ابن عمرو بن سَعد بن المنذر بن مالك الساعدي اسمه: عبد الرحمن،
وقيل: المنذر الساعدي. رُوِيَ له عن رسول الله- عليه السلام- ستة
وعشرون حديثًا؛ اتفقا منها على ثلاثة أحاديث، وللبخاري حديث،
ولمسلم آخر. روى عنه: جابر بن عبد الله، وعروة بن الزبير، وعباس
ابن سهل، وعمرو بن سُليم، وعبد الملك بن سعيد وغيرهم. توفي في
آخر خلافة معاوية، معدود في أهل المدينة. روى له الجماعة (3) .
وأبو أُسَيد- بضم الهمزة وفتح السين المهملة- اسمه: مالك بن ربيعة بن
البدن- بالباء الموحدة وفتح الدال المهملة وكسرها، ويقال: اليَدي- بفتح
الياء آخر الحروف وكسر الدال المهملة وبعدها ياء آخر الحروفَ- ابن
عمرو، ويقال: عامر بن عوف بن حارثة بن عمر [و] بن الخزرج
الأنصاري الساعدي، وقيل: اسمه: هلال؛ والأول أشهر وأكثر. شهد
بدرا. رُوِيَ له عن رسول الله- عليه السلام- ثمانية وعشرون حديثا؛
اتفقا على حديث واحد، وللبخاري حديثان ولمسلم آخرُ. روى عنه:
__________
(1) في الأصل: " ابن " خطأ.
(2) المصدر السابق (18/3530) .
(3) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (4/42) ، أسد الغابة (6/78) ،
الإصابة (4/46) .(2/373)
أنس بن مالك، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وابنه: المنذر بن أبي أسيد،
وعباس بن سهل، وعبد الملك بن سعيد. مات بعد ما ذهب بصره سنة
أربعين عام الجماعة، وهو ابن ثمان وسبعين. روى له الجماعة. وهو
آخر البَدريين وفاةً (1) .
قوله: " اللهم افتح لي أبواب رحمتك " أي: أنواع رحمتك. وقد
جاءت في هذا الباب أذكار كثيرة ومختصر مجموعها: أن تقول: " أعوذ
بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم،
باسم الله، والحمد الله، اللهم صل على محمد، وعلى اَل محمدٍ
وسلَم، اللهم اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك "، وفي الخروج
يقوله؛ لكن يقول: " اللهم إني أسألك من فضلك ". والحديث:
أخرجه مسلم، والنسائي؛ وأخرجه ابن ماجه عن أبي حُميد وَحده.
448- ص- نا إسماعيل بن بشر بن منصور: نا عبد الرحمن بن مَهدي،
عن عبد الله بن المبارك، عن حَيوةَ بنِ شريح قال: لقيتُ عُقبةَ بن مُسلم فقلت
له: بَلغني أنك حُدِّثتَ عن عبد الله بن عمرو بن العاص، عن النبيَ- عليه
السلام-، أنه كان إذا دَخلَ المسجدَ قال: " أعُوذُ بالله العَظيم، وبوجهِهِ
الكَرِيم، وسُلطانه القَديم من الشيطان الرجيم " قال: أَقطُ؟ قلتُ: نعَم،
قال: " فإذا قال فلَكَ، قال الشيطانُ: حفِظَ مِنّي سَائرَ اليوم " (2) .
ش- إسماعيل بن بشر بن منصور: أبو بشر السليمي. روى عن:
عبد الرحمن بن مهدي، وعمر بن علي (3) . روى عنه: أبو داود،
والنسائي، عن رجل، عنه، وابن ماجه (4) .
وعبد الرحمن بن مَهدي: البصري اللؤلؤي.
وعُقبة بن مسلم: أبو محمد التُجِيبي المصري القاضي، إمام مسجد
__________
(1) المصادر السابقة (4/8) ، (5/23- 24 و 6/13) ، (3/344) .
(2) تفرد به أبو داود.
(3) في الأصل " عمرو بن علي " خطأ.
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (3/427) .(2/374)
الجامع العتيق بمصر. سمع: عبد الله بن عمرو بن العاص، وابن عُمر،
وعقبة بن عامر وغيرهم، ومن التابعين: أبا عبد الرحمن الحبلي، وسعد
ابن مَسعود التجيبي. روى عنه: حيوة بن شريح، وجعفر بن ربيعة،
وعبد الله بن لهيعة وغيرهم. قال أحمد بن عبد الله: مصري ثقة. توفي
قريبا من سنة عشرين ومائة. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي،
وابن ماجه (1) .
قوله: " أعُوذ بالله العظيم " أي: العظيم الشأن أو العظيم الصفات.
قوله: " وبوَجهه الكريم " أي: وبذاته الكريم (2) ؛ لأن الوجه يذكر
ويراد به الذات؛ كما في قوله تعالى: (وَيَبقَى وَجهُ ربكَ) (3) و (كُل
شَيء هَالكٌ إلا وَجهَهُ) (4) ومعنى الكريم: الجواد المُعطي الذي لا ينفذ
عطاؤه؛ وهو الكريم المُطلق، والكريم الجامع لأنواع الخير والشرف
والفضائل؛ ومنه: " إن الكريم/ابن الكريم " الحديث لأنه اجتمع له
شرف النبوة والعلم والجمال والعفة، وكرم الأخلاق والعَدل، ورئاسة
الدنيا والدين، والكرم نقيض اللؤم، وقد كرُم الرجل- بالضم- فهو
كريم، وقوم كرام وكرماء، ونسوة كرماء، ويقال- أيضا- رجل كُرَ ثم
وامرأة ونسوة كَرَمٌ، والكُرام- بالضم- مثل الكريم، فإذا أفرط في
الكرم قيل: كُرام بالتَشديد.
قوله: " وسُلطانه القديم " أي: حجته القديمة، وبرهانه القديم، أو
قهره القديم؛ لأن السُلطان من السلاطَة؛ وهي القهر، والقديم من القِدمَ
- بكسر القاف وفتح الدال- وهو خلاف الحدوث.
قوله: " من الشيطان الرجيم " الشيطان فيعال من شطن أي بَعُد؛ قاله
البصريون. وقال الكوفيون: فعلان من شَاط يشيط أي: هلك، يدل
__________
(1) المصدر السابق (20 / 3987)
(2) بل المراد وجه الله تعالى، وجه يليق به سبحانه على الحقيقة، لا تأويل فيه،
ولا تشبيه ولا تعطيل، ولا تمثيل (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) ،
إجماع أهل السنة والجماعة، وانظر مجموع الفتاوى (3/129: 133) .
(3) سورة الرحمن: (27) .
(4) سورة القصص: (88) .(2/375)
عليه أنه لا ينصرف، وهو المُبعّد من رحمة الله، المُهلك بعذابه. وقال ابن
عباس: الشيطان: كل متمرّد من الجن والإنس والدوابّ. والرجيم:
فعيل بمعنى مفعول أي: المرجوم بشُهب السماء واللَعن؛ والرَجم: القتل
بالحجارة، فسمّي كل طريد شتيم رجيما. وتضيف إلى هذا الدعاء ما
ذكرنا من قوله " بسم الله، والحَمد لله، واللهم صل على محمد " إلى
آخره، ومعنى قوله " باسم الله " أي: أدخل باسم الله؛ وكذا يقدر كل
فاعل يبتدئ بشيء بما يُناسب تلك الحالة. ومَعنى " اللهم صلّ على
محمدِ ": اللهُمّ عظّمه في الدنيا بإعلاء ذكره، وإظهار دعوته، وإبقاء
شريعته، وفي الآخرة: بتشفيعه في أمته وتضعيف أجره ومثوبته.
قوله: " قال: أقَطُ؟ " أي: قال حيوة بن شريح لعُقبة بن مُسلم: " أقَط "
أي: أحَسبُ، والهمزةُ فيه للاستفهام- وهو بفتح القاف وضم الطاء
المخففة، ويجوز التشديد فيه- أيضا- والمعنى: الذي ترويه هذا المقدار
أو أكثر من ذلك؟ والظاهر: أن المعنى: أهذا يكفيه " عن غيره من
الأذكار؟ أو هذا يكفيه من شر الشيطان؟ فلهذا قال: " قلت: نعَم "
وفاعل قلتُ هو: عقبة بن مسلم إن كان السائل هو حيوة بن شريح، أو
عبد الله بن عَمرو إن كان السائل هو عقبة بن مسلم؛ فعلى الوجه الثاني
يكون فاعل " قال: أقط " - أيضا- هو عقبة بن مسلم.
قوله: " قال: فإذا قال " فاعل " قال " الأوّل يجوز أن يكون " عقبة "،
ويجوز أن يكون " عبد الله بن عمرو " وفاعل " قال " الثاني هو الذي
يدخل المسجد؛ وذلك إشارة إلى الدعاء المذكور.
قوله: " سائر اليوم " أي: جميع اليوم؛ وهو نَصب على الظرفية.
18 - بَاب: الصَّلاة عندَ دُخُول المَسجد
أي: هذا باب في بيان حكم الصلاَة عند دخول المسَجد. وفي بعض
النسخ: " باب ما جاء في الصلاة عند دخول المسجد (1) ".
__________
(1) كما في سنن أبي داود.(2/376)
449- ص- نا القعنبي: نا مالك، عن عامر بن عبد الله بن الزبير، عن
عَمرو بن سُلَيم، عن أبي قتادة أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا جَاءَ أحدُكُم
المسجدَ فليصَلِّ فيه (1) سَجدتينِ من قبلِ أن يَجلسَ " (2) .
ش- القعنبي: عبد الله بن مسلمة، ومالك: ابن أنس.
وعامر بن عبد الله بن الزُبير: ابن العوام القرشي الأسديّ المدني
أبو الحارث، أخو عبّاد وحمزة وثابت وخبيب، وموسى، وعُمر.
سمع: أباه، وأنس بن مالك، وعمرو بن سليم. روى عنه: سعيد
المقبري، ويحيى الأنصاري، ومالك بن أنس وغيرهم. قال ابن معين،
وأبو حاتم: ثقة، مات قبل هشام أو بعده بقليل، ومات هشام سنة أربع
وعشرين ومائة. روى له الجماعة إلا الترمذي (3) .
وعمرو بن سُليم: الزُّرقي الأنصاري الدني. وأبو قتادة: الحارث بن
ربعي السّلَمي.
وهذا الحديث: أخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي،
وابن ماجه. ولفظ غيره: " إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتن قبل
أن يجلس ". ورواه الدارقطني- أيضا- والطبراني. وفي " المصنف "
لأبي بكر زيادة من طريق حسنة: " أعطوا الساجد حقها " قيل: يا رسول
الله! وما حقها؟ قال: " ركعتين قبل أن يجلس ". وزاد أبو أحمد
__________
(1) كلمة " فيه " غير موجودة في سنن أبي داود.
(2) البخاري: كتاب الصلاة، باب: إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين
(444) ، مسلم: كتاب صلاة السافرين وقصرها، باب: استحباب تحية
المسجد بركعتين وكرامة الجلوس قبل صلاتها 69- (714) ، الترمذي: كتاب
الصلاة، باب: ما جاء إذا دخل أحدكم المسجد فليركع (316) ، النسائي:
كتاب المساجد، باب: الأمر بالصلاة قبل الجلوس فيه (2/53) ، ابن ماجه:
كتاب إقامة الصلاة، باب: من دخل المسجد فلا يجلس حتى يركع
(1013) .
(3) انظر ترجمته في تهذيب الكمال (14/3049) .(2/377)
الجرجاني: " وإذا دخل بَيته فلا يجلس حتى يركع ركعتين؛ فإن الله
عز وجل جاعل له من ركعتيه في بَيته خيرا ". وإسناده منكر؛ قال
البخاريّ: هذه الزيادة لا أصل لها، وأنكر ذلك- أيضا- أبن القطان.
ثم اعلم أن هذه سنة بإجماع المسلمين؛ إلا ما رُوِيَ عن داود وأصحابه
وجوبها/بظاهر (1) الأمر؛ وليس كذلك؛ لأن الأمر محمول على
الاستحباب والندب لقوله- عليه السلام- للذي سأله عن الصلوات:
هل علي غيرها؟ قال: " لا، إلا أن تطوع (2) " وغير ذلك من
الأحاديث، ولو قلنا بوجوبهما لحرُم على المحدث الحدث الأصغر دخول
المسجد حتى يتوضأ؛ ولا قائل به، فإذا جاز دخول المسجد على غير
وضوء لزم منه أنه لا يجب عليه سجودهما عند دخوله، ثم إنه يصليهما
إلا في وقت النهي عند أبي حنيفة وأصحابه، وهو قول الأوزاعي،
واللَّيث، وحكي ذلك- أيضا- عن الشافعي، ومذهبه الصحيح: أنه
يصليهما في كل وقت؛ وهو قول أحمد، وإسحاق، والحسن،
ومكحول. وكذا لا يصلي عند أبي حنيفة إذا كان الإمام على المنبر؛ وهو
قول مالك، وابن سيرين، وعطاء بن أبي رباح، والنخعي، وقتادة،
والثوري. وقالت الشافعية: إن النهي إنما هو عما لا سبب لها؛ لأنه
- عليه السلام- صلى بعد العصر ركعتين قضاءَ سنة الظهر، فخص وقت
النهي، ولم يترك التحية في حال من الأحوالَ؛ بل أمر الذي دخل
المسجد يوم الجمعة وهو يخطب فجلس أن يقوم فيركع ركعتين، مع إن
الصلاة في حال الخطبة ممنوع منها إلا التحيّة. والجواب عن ذلك: أن
حديث النهي؛ وهو حديث ابن عباس الذي أخرجه الأئمة الستة في كتبهم
عنه قال: " شهد عندي رجال مرضيون وأرضاهم عندي عمر: أن رسول الله
- عليه السلام- نهى عن الصلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس، وعن
الصلاة بَعد العصر حتى تغرب الشمس " خاص، وحديث: " إذا
__________
(1) في الأصل: " بتظاهر ".
(2) تقدم برقم (375) .(2/378)
دخل " عام بالنسبة إلى الأوقات؛ فيُخصّ بذاك الحديث؛ فإنه أخصّ من
عموم الأوقات، وهذه هي القاعدة فيما إذا تعارض نصان. والجواب عن
قولهم: " صلى بعد العصر ركعتين قضاء سُنَّة الظهر ": أنه- عليه
السلام- شغل عنهما أو نسيهما فصلاهما بعد العصر ثم أثبتَهما، وكان
إذا صلى صلاةً أثبتها- يعني: داوم عليها- مع أنه نهى غيره عنها، كما
أنه كان يُواصلُ وينهى عن الوصال، فافهم. والجواب عن أَمره للذي
دخل المسجد يوم الجمعة من وجهين؛ الأول: أن النبي- عليه السلام-
أَنصت له حتى فرغ من صلاته؛ بدليل: ما رواه الدارقطني في " سننه " (1)
من حديث عبيد بن محمد العَبدي: ثنا معتمر، عن أبيه، عن قتادة،
عن أنس قال: دخل رجل السجد ورسول الله يخطبُ فقال له النبي
- عليه السلام-: " قم فاركع ركعتين " وأَمسك عن الخطبة حتى فرغ من
صلاته. انتهى ثم قال. أسنده عبيد بن محمد العبدي؛ ووهم فيه. ثم
أخرجه عن أحمد بن حنبل: ثنا معتمر، عن أبيه قال: جاء رجل والنبي
- عليه السلام- يخطب فقال: " يا فلان أصليت؟ " قال: لا، قال:
" قم فصَلّ " ثم انتظره حتى صلى. قال: وهذا المرسل هو الصواب. ثم
أخرجه عن أبي معشر، عن محمد بن قيس أن النبي- عليه السلام-
قال (2) لما أمره- يعني: سُلَيكًا- أن يصلي ركعتين وهو يخطب-:
أمسك عن الخطبة حتى فرغ من ركعتيه، ثم عاد إلى خطبته. انتهى قال:
وهذا مرسل، وبهذا السند: دواه ابن أبي شيبة في " مصنفه ".
الثاني: أن ذلك كان قبل شروعه- عليه السلام- في الخطبة؛ وقد
بوّب النسائي في " سننه الكبرى " على حديث سُليك تال: " باب الصلاة
قبل الخطبة " ثم أخرجه عن أبي الزُبَير، عن جابر قال: جاء سُليك
الغطفاني ورسول الله قاعد على المنبر فقعد سُليك قبل أن يصلى فقال له
- عليه السلام-: " أركعت ركعتين؟ " قال: لا، قال: " قم فاركعهما ".
__________
(1) (2/15) .
(2) كذا.(2/379)
فإن قيل: إذا تركهما الرجل هل يقضيهما؟ قلت: لا، حتى قال
الشافعي: ولم أعلم مخالفا أن من تركهما لم يقضهما. وقد ذكر المروذي
أنه قال لأبي عبد الله: حديث حميد بن عبد الرحمن، عن هشام بن
سَعد، عن نعيم المجمر، عن أبي هريرة، عن النبي- عليه السلام- أنه
دخل المسجد فاحتبى ولم يصل الركعتين أمحفوظ هو (1) ؟ قال: نعم،
قال: ورأيت أبا عبد الله كثيرا يدخل المسجد فيقعد ولا يصلي، ثم يخرج
ولا يصلي في أوقات الصلوات.
وفي " المصنف ": حدثنا الدراوردي، عن زيد بن أسلم قال: كان
أصحاب رسول الله يدخلون المسجد ثم يخرجون ولا يصلون، قال:
ورأيت ابن عُمر يفعله. وحدثنا وكيع، عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند،
عن نافع أن. ابن عمر كان يمر في المسجد ولا يصلى فيه/ومرّ الشعبي فيه
فلم يُصلّ، وكذلك سُويد بن غَفَلة وسالم بن عبد الله بن عمر.
فإن قيل: ما روى من قوله- عليه السلام-: " قُم فاركع ركعتين "
لسُليك حين دخل وقعد ولم يُصل، هَل لا يَدُل على قضائهما؟ قلت:
لا؛ لأن ذلك كان على سبيل الاختيار لا الوجوب، فافهم.
450- ص- نا مسدد: نا عبد الواحد بن زياد: نا أبو عُمَيس عتبة بن
عبد الله، عن عامر بن عبد الله بن الزبير، عن رجل من بني زُريق، عن
أبي قتادة، عن النبي- عليه السلام- نحوه؛ زادَ: " ثم ليقعد بعدُ إن شاءَ،
أو لِيذهَب لحاجَتِهِ " (2) .
ش- مُسدد: ابن مسرهد، وعبد الواحد بن زياد: أبو بشر البصري.
وأبو عُمَيس- بالسين المهملة- عتبة بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن
مسعود الهذلي المَسعودي الكوفي، أخو عبد الرحمن بن عبد الله. روى
عن: الشعبي، وأبي إسحاق، وعمرو بن مرة وغيرهم. روى عنه:
__________
(1) في الأصل: " المحفوظ هو ".
(2) انظر: التخريج المتقدم.(2/380)
محمد بن إسحاق، وشعبة، وابن عيينة، ووكيع وغيرهم. قال ابن
معين: ثقة، وقال أبو حاتم: صالح الحديث. روى له الجماعة (1) .
قوله: " عن رجل من بني زُريق " مجهول.
قوله: " نحوه " أي: نحو الحديث المذكور؛ ولكنه زاد في هذه
الرواية: " ثم ليقعد بعد " أي: بعد أن صلى ركعتين إن شاء القُعاد، أو
ليَمض إلى حاجته.
19- بَابُ: فَضلِ القُعُودِ في المَسجدِ
أي: هذا باب في بيان فضل القعود في المسجد، وفي بعض النسخ:
" باب في فضل " (2) .
451- ص- نا القعنبي، عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عنِ
أبي هريرة أن رسول الله قال: " المَلائكةُ تُصلِّي على أحدِكُم مادَامَ في مُصلاّهُ
الذي صَلَى فيه ما لم يُحدِث أو يَقُومُ (3) : اللهم اغفِر له، اللهم ارحَمهُا " (4) .
ش- أبو الزَناد: عبد الله بن ذكوان القرشي، والأعرج: عبد الرحمن
ابن هُرمز.
قوله: " الملائكة تصلي على أحدكم " أي: تَدعو لأحدكم؛ لأن الصلاة
في اللغة: الدعاء. وكلمة " ما " في " مادام " وفي " ما لم يُحدِث "
للمدّة؛ والمعنى: مُدة دوامه في مُصلاه الذي صلّى فيه مدة عدم الحدث أو
التحديث؛ على اختلاف تفسير " لم يحدث ".
قوله: " مُصلاه "- بضم الميم- اسم الموضع الذي صلى فيه.
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (19/3776) .
(2) كما في سنن أبي داود.
(3) في سنن أبي داود: " أو يقم ".
(4) البخاري: كتاب الصلاة، باب: الحدث في السجد (445) ، النسائي: كتاب
الساجد، باب: الترغيب في الجلوس في السجد وانتظار الصلاة (2/55) .(2/381)
قوله: " ما لم يُحدِث " بدل من قوله: " مادامَ " وهو إما من الإحداث
بمَعنى: الحدث الناقض للطهارة؛ كما فسّره في الحديث الذي يأتي بقوله:
" ما يُحدث؟ قال: يَفسو أو يَضرط "، وإما من التحديث؛ بمعنى:
الاشتغال بالحديث من غير ذكر الله عز وجل.
قوله: " أو يقومُ " بالرفع عطف على ما لم يُحدث من حيث المعنى؛
فلذلك لم يُحزم، ويجوز أن يكون مرفوعا على لغة من لا يجزم الفعل
ب " لَم "؛ كما في قول الشاعر:
لولا فَوارسُ من نُعم وأسرتهِم ... يَومَ الصُلَيفاء لم يُوفُون بالجَارِ
قوله: " اللهم اغفر له، اللهم ارحمه " بيان وتفسير لقوله " تُصَلّي على
أحدكم " والمعنى: تدعو بقولهم " اللهم اغفر له، اللهم ارحمه " وبهذا
يندفع سؤال من يقول: ما موقع الجمع بين صلاة الملائكة إذا كانت معناها
الاستغفار وبَين قولنا (1) " اللهم اغفر له "؟ وجواب آخرُ: أن الصلاة
والاستغفار وإن كانا يَرجعان لشيء واحد، فقد يكون أحدهما أخص وأقعد
بالمعنى وأبلغ، فتدعو الملائكة وتسأل الله ذلك المعنى باللفظين مَعا.
وجواب آخرُ: أن سؤالها بلفظ الصلاة إنما هو ليقع الثواب من جنس
العمل، فتكون صلاة منه بصلاة من الملائكة عليه، ثم لما حصل التجانس
بين العمل وجزائه، دعوا له بعد ذلك بلفظ الاستغفار والرحمة.
والحديث: أخرجه البخاري، ومسلم من حديث أبي صالح، عن (2)
أبي هريرة أتم منه. وأخرجه النسائي- أيضا- وعند الحاكم على شرط
مسلم من حديث عقبة بن عامر مرفوعا: " والقاعد يرعى الصلاة
كالقانت، ويكتب من المصلين من حين يخرج من بَيته حتى يرجع ". وفي
" صحيح ابن حبان ": " ما توطن رجل مسلم المساجد للصلاة والذكر إلا
تبشبش الله إليه كما يَتبشبش أهل الغائب بغائبهم إذا قدم عليهم ".
قال السَفاقسي: الحدث في المسجد خطيئة يُحرمُ به المحدثُ استغفار
__________
(1) كذا، والجاد: " قولهم ".
(2) في الأصل: " من ".(2/382)
الملائكة. وقد قيل: من أراد أن يحط الله عنه ذنوبه فليلازم بصلاة بعد
الصلاة، ليستكثر من استغفار الملائكة له. وقد شبه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك بالرباط.
وقال الداودي: قوله: " ما لم يحدث " - بالتخفيف- يدل على جواز
الحدث في المسجد، وفي رواية بالتشديد أراد الحديث بغير ذكر الله تعالى
/قال السفاقسي: لم يذكر التشديد أحدٌ.
452- ص- نا القعنبي، عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن
أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا يَزالُ أحدُكُم في صَلاة ما كانت
الصلاةُ تَحبِسُهُ، لا يَمنَعُهُ أن يَنقَلِبَ إلى أهله إلاَ الصلاةُ " (1) .َ
ش- أي: في حكم صلاةِ؛ والمعنىً: لا يزالُ أحدكم كأنه يُصلي ما
كانت الصلاة تحبسُه، أي: تمنعه من القيام والخروج، بمعنى: مادام
انتظار الصلاة يمنعه عن ذِلك كأنه في الصلاة.
قوله: " لا يَمنعه أن ينقلب إلى أهله " أي: أن يَرجع إلى أهله و " أن
ينقلب " محله النصب على المفعولية، وارتفاع الصلاة على الفاعلية؛
والمعنى: لا يَمنعه الانقلابَ إلى أهله إلا الصلاة. والحديث أخرجه مسلم.
453- ص- نا موسى بن إسماعيل: نا حماد، عن ثابت، عن أبي رافع،
عن أبي هريرة أن رسول الله- عليه السلام- قال: " لا يزالُ العبدُ في صَلاة
ما كان في مُصَلاهُ يَنتظرُ الصلاةَ، تقولُ الملائكةُ: اللهم اغفر له، اللهمَ
ارحَمهُ، حتى يَنصرفَ، أو يُحدثَ " فقيل: ما يُحدثُ؟ قال: " يَفسُو أو
يَضرطُ " (1) .َ
ش- حماد: ابن سلمة، وثابت: البناني، وأبو رافع: نُفيع الصائغ
المدني.
__________
(1) البخاري: كتاب الصلاة، باب: الصلاة في مسجد السوق (477) ، مسلم:
كتاب المساجد، باب: فضل صلاة الجماعة وانتظار الصلاة (649) .
(2) مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: فضل صلاة الجماعة وانتظار
الصلاة 274- (649) .(2/383)
قوله: " قال: يفسو " أي: قال أبو هريرة؛ ففسر أبو هريرة قوله " أو
يُحدث " بالحدث الناقض للطهارة. وأخرجه مسلم.
454- ص- نا هشام بن عمار: نا صدقة بن خالد: نا عثمان بن
أبي العاتكة الأزدي، عن عُمَير بن هانِئ العَنسِي، عن أبي هريرة قال: قال
رسول الله- عليه السلام-: " مَن أتى المَسجد لِشيءٍ فهو حَظهُ " (1) .
ش- هشام بن عمار: ابن نضير بن مَيسرة بن أبان أبو الوليد السُّلمي
الظّفريّ الدمشقي. سمع: يحيى بن حمزة، وابن عيينة، ومالك بن
أنس، وصدقة بن خالد وغيرهم. روى عنه: ابن مَعين، وابن سَعد،
والبخاري، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، والترمذي، عن
البخاري، عنه. قال ابن معين: هو كيس كيّس، وفي رواية: ثقة،
وقال النسائي: لا بأس به، وقال الدارقطني: صدوق، كبير المحل.
توفي بدمشق آخر المحرم سنة ست وأربعين ومائتين، وقيل: سنه
خمسين (2) .
وصدقة بن خالد: الدمشقي أبو العباس الأموي، مولى أم البنين
أخت معاوية بن أبي سفيان؛ قاله البخاري، وقال هشام بن عمار:
مولى أم البنين بنت عبد العزيز بن مروان. روى عن: زيد بن واقد،
وعثمان بن أبي العاتكة، والأوزاعي، وغيرهم. روى عنه: الوليد بن
مسلم، وأبو مسهر، وهشام بن عمار وغيرهم. قال أحمد بن حنبل:
ثقة، ليس به بأس 0 وقال ابن معين وأبو حاتم: ثقة. توفي سنة ثمانين
ومائة. روى له: البخاري، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجة (3) .
وعثمان بن أبي العاتكة- واسمه: سليمان- أبو حفص الأزدي
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (30/6586) .
(3) المصدر السابق (13/2861) .(2/384)
الدمشقي القاصّ. سمع: عمير بن هانئ، وعمر [و] بن مهاجر،
وسليمان بن حبيب وغيرهم. روى عنه: صدقة بن خالد، والوليد بن
مسلم، ومحمد بن شعيب بن شابور وغيرهم. قال ابن معين: ليس
بشيء، وقال دحيم: لا بأس به، وقال أبو حاتم: لا بأس به؛ بليته من
كثرة روايته عن علي بن يزيد، فأما ما روى عن غيره [فهو] مقارب،
يكتب حديثه، وقال النسائي: هو ضعيف. توفي سنة نيف وأربعين
ومائة. روى له: أبو داود، وابن ماجه (1) .
وعُمَير بن هانئ: أبو الوليد العنسي- بالنون- الدمشقي الداراني.
سمع: عبد الله بن عُمر، ومعاوية بن أبي سفيان وأبا هريرة وغيرهم.
روى عنه: قتادة، والزهري، والأوزاعي وغيرهم. قال أحمد بن
عبد الله: هو ثقة، قتله الصفر بن حبيب بدارَيا سنة سبع وعشرين ومائة.
روى له: الجماعة إلا النسائي (2) .
قوله: " فهو حظه " أي: ذلك الشيء نصيبُه بمعنى: إن كان إتيانه لأجل
الصلاة أو الذكر، أو تلاوة القراَن، يكون ذلك نصيبهُ من الأجر
والثواب، وإن كان لأجل عمل من أعمال الدنيا، أو للنوم، أو للكلام أو
نحو ذلك، يكون ذلك- أيضا- نصيبَه من الوزر والخطيئة على حسب
ذلك الشيء وتفاوته والله أعلم/.
***
20- بَابٌ: فِي كرَاهِية إنشَادِ الضَّالَّة في المَسجِد
أي: هذا باب في بيان كراهية إنشاد الضالة في المسجد؛ والكراهية
مصدر كالطواعية بمعنى الكراهة بتخفيف الياء. والإنشادُ من نشدت الضالة
أنشُدُها أي: طلبتها، وأنشدتُها أي: عرفتُها؛ وقد ذكرناه في باب حصى
المسجد. والضالة- بتشديد اللام- الضائعة من كل ما يُقتنى من الحيوان
وغيره، يقال: ضل الشيء إذا ضاع، وضل عن الطريق إذا جَار، وهي
__________
(1) المصدر السابق (19/3827) .
(2) المصدر السابق (22/4521) .
25* شرح سنن أبي داوود 2(2/385)
في الأصل فاعلة، ثم اتسع فيها فصارت من الصفات الغالبة، وتقع على
الذكر والأنثى والاثنين والجميع، وتجمع على ضوَالّ.
455- ص- نا عُبَيد الله (1) بن عُمر الجُشَمي: نا عبد الله بن يزيد: نا
حَيوةُ قال: سمعتُ أبا الأسود يقول: أخبرني أبو عبد الله مولى شداد أنه
سمع أبا هريرة يَقولُ: سمعتُ رسول الله- عليه السلام-: " مَن سَمعَ
رجلاً ينشدُ ضَالَّةً في المسجد فليقل: لا أداها اللهُ إليكَ؛ فإن المساجدَ لم تبَنَ
لهذا " (2) .
ش- عُبَيد الله بن عُمر: القواريري البَصري، وعبد الله بن يزيد:
القرشي العدوي، وحيوة: ابن شريح.
وأبو الأسود: محمد بن عبد الرحمن بن الأسود بن نوفل بن خُويلد
ابن أسَد بن عبد العُزى، أبو الأسود الأسدي المدني، قدم مصر، وكان
جده: الأسود من مهاجرة الحبشة ومات بها. سمع: عروة، والقاسم
ابن محمد، والأعرج، ونافعا وغيرهم. روى عنه: الزهري، ومالك
ابن أنس، وحيوة بن شريح وغيرهم. روى له الجماعة (3) .
وأبو عبد الله مولى شداد بن الهاد. روى عن: أبي هريرة. روى
عنه: أبو الأسود. روى له: مسلم، وأبو داود، وابن ماجه (4) .
قوله: " يُنشد ضالة " أي: يُعرّفها؛ من الإنشاد.
فوله: " لم تبن لهذا " أي: لإنشاد الضالة؛ وإنما بُنيت لأداء الفرائض.
وقد يدخل في هذا كل أمرٍ لم يُبن له المسجد من البيع والشراء، ونحو
ذلك من أمور معاملات الناس واقتضاء حقوقهم. وقد كره بعض السلف
__________
(1) في سنن أبي داود: " عبد الله " خطأ.
(2) مسلم: كتاب المساجد، باب: النهي عن نشد الضالة (79/568) ، ابن
ماجه: كتاب المساجد والجماعات، باب: النهي عن إنشاد الضوال في المسجد
(767) .
(3) انظر ترجمته في تهذيب الكمال (25/5411) .
(4) المصدر السابق (10/2150) .(2/386)
المسألة في المسجد. وبعض أصحابنا لا يرى أن يتصدق على السائل
المتعرض في المسجد. والحديث: أخرجه مسلم، وابن ماجه.
21- بَاب: في كرَاهِية البُزَاقِ في المَسجِد
أي: هذا باب في بيان كراهية البزاق في المَسجد، وفي بعض النسخ:
" باب في كراهة البزاق ". وقد ذكرنا أن الكراهية والكراهة كلاهما
مصدران من كره يكره من باب علم يعلم.
456- ص- نا مسلم بن إبراهيم: نا هشام وشعبة وأبان، عن قتادة، عن
أنس بن مالك أن النبي- عليه السلام- قال: " التَّفلُ في المسجد خَطيئةٌ؛
وكفَّارَتُه: أن تُوارِيَهُ " (1) .
ش- مسلم بن إبراهيم: القصاب الفَراهيدي، وهشام: ابن أبي عبد الله
- سنبر- الدَّستوائي البصري، وشعبة: ابن الحجاج، وأبان: ابن
يزيد، وقتادة: ابن دعامة.
قوله: " التفل " - بفتح التاء المثناة من فوق، وإسكان الفاء- وهو:
البُصاق كما جاء في الحديث الآخر: " البصاق في المسجد خطيئة ".
واعلم أن البزاق في المسجد خطيئة مطلقا، سواء احتاج إلى البزاق أو
لم يحتج؛ بل يبزق في ثوبه، فإن بزق في المسجد فقد ارتكب خطيئة
وعليه أن يكفر هذه الخطيئة بدفن البزاق. وقال القاضي عياض: البزاق
ليس بخطيئة إلا في حق من لم يدفنه، فأما من أراد دفنه فليس بخطيئة.
وهذا باطل، والحق ما ذكرناه.
__________
(1) البخاري: كتاب الصلاة، باب: كفارة البزاق في المسجد (415) ، مسلم:
كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: النهي عن البصاق في المسجد في
الصلاة وغيره (56- 552) .(2/387)
قوله: " وكفارته أن تواريه " أي: أن تُغيّبه يعني: تدفنه، و " أن "
مصدرية في محل الرفع على أنه خبر للمبتدأ، والتقدير: وكفارته
مُواراته؛ والمعنى: انه إن ارتكب هذه الخطيئة فعليه تكفيرها. واختلفوا في
المراد بدفنها؛ فالجمهور على أنه الدفن في تراب المسجد ورمله وحَصبائه إن
كانت فيه هذه الأشياء وإلا يُخرجها. وعن أصحاب الشافعي قولان؛
أحدهما: إخراجها مُطلقًا. والحديث: أخرجه مسلم.
457- ص- نا مسدد: نا أبو عوانة، عن قتادة، عن أنس قال: قال
رسولُ الله: " إن البُزَاقَ في المسجد خَطيئةٌ، وكَفارتُها دَفنُها " (1) .
ش- أبو عوانة: الوضاح الوَاسطَي. والحديث: أخرجه البخاري،
والترمذي، والنسائي.
458- ص- نا أبو كامل: نا يزيد، عن سعيد، عن قتادة، عن أنس بن
مالك. قال: قال رسول الله- عليه السلام-/: " النُخَاعةُ في المسجدِ "
فذكر مثله (2) .
ش- أبو كامل: فُضَيل بن الحُسين الجَحدري، ويزيد: ابن زُرَيع
البصري، وسعيد: ابن أبي عروبة.
قوله: " النخاعة " هي النخامة؛ يقال: تنخم وتنخع، وقيل: البزاق
من الفم، والمخاط من الأنف، والنخامة من الصَدر؛ وفرق بعضهم بين
النخاعة والنخامة؛ فالنخاعة- بالعين- من المصدر، والنخامة- بالميم-
من الرأس.
قوله: " فذكر مثله " أي: مثل الحديث المذكور.
459- ص- نا القَعنبي: نا أبو مودود، عن عبد الرحمن بنِ أبي حَدرد
الأسلمي قال: سمعت أبا هريرة يَقولُ: قال رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من دَخَلَ هذا
المسجدَ فبَزقَ فيه، أو تَنخمَ فليَحفر فليَدفنهُ، فإن لم يفعَل فليَبزُق في ثوبه،
ثم ليخرُج بهِ " (3) .
__________
(1) انظر: الحديث السابق.
(2) تفرد به أبو داود.
(3) تفرد به أبو داود.(2/388)
ش- القعنبي: عبد الله بن مسلمة.
وأبو مَودود: عَبد العزيز بن أبي سليمان المدني الهُذَلي مولاهم؟ كان
قاضيا لأهل المدينة، رأى جابر بن عبد الله الأنصاري، وسهل بن سعد
الساعدي، وأنس بن مالك. وسمع: السائب بن يزيد، ونافعاً، وعبد الرحمن
ابن أبي حَدرد، ومحمد بن كعب القرظي. روى عنه: عبد الرحمن بن
مَهدي، وابن أبي فديك، ووكيع، والقعنبي وغيرهم. قال أحمد بن
حنبل: ثقة، وكذا قال ابن معين. روى له: أبو داود (1) .
وعبد الرحمن بن أبي الحَدرد- واسمُ أبي حَدرد: عَبد الأسلمي.
روى عن: أبي هريرة. وروى عنه: أبو مَودود. قال الدارقطني: لا
بأس به. روى له: أبو داود (2) .
قوله: " أو تنخم " من النخامة، وقال ابن الأثير: النخامة: البَزقة التي
تخرج من أقصى الحلق، ومن مخرج الخاء المعجمة.
قوله: " فليحفر " أي: فليحفر موضعا في المسجد إن كان يمكن الحَفرُ
فليدفنه.
قوله: " فإن لم يفعل " أي: فإن لم يحفر، أو لم يمكن الحفرُ فليبزق
في ثوبه " ثم ليخرج به " من المسجد؛ وهذا يدل على أن البزاق طاهرٌ،
وكذا النخامة طاهرة، وليس فيه خلاف إلا ما حكِيَ عن إبراهيم النخعي أنه
يقول: البزاق نجسٌ.
460- ص- نا هنّاد بن السرِي، عن أبي الأحوص، عن منصور، عن
ربعي، عن طارق بن عبد الله المُحاربي قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذا قامَ
الرجلُ إلى الصلاة، أو إذا صلَّى أحدُكُم فلا يَبزُقَنَّ أمامَه ولا عن يمينه،
ولكن عن تِلقاءِ يَساَرِهِ إن كان فَارغَا، أو تحتَ قدمِهِ اليُسرى، ثم ليقل به " (3) .
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (18 /3450) .
(2) المصدر السابق (17/3795) .
(3) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في كراهية البزاق في المسجد (571) ،-(2/389)
ش- هَنّاد: الدارمي الكوفي، وأبو الأحوص: سلام بن سُلَيم
الكوفي. ومنصور: ابن المعتمر.
ورِبعي: ابن حراش بن جحش بن عمرو بن عبد الله الغطفاني العَبسي
أبو مريم الكوفي. روى عن: عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب،
وحذيفة بن اليمان، وابن مسعود، وطارق بن عبد الله وغيره. روى
عنه: الشعبي، ومنصور، وعبد الملك بن عمير، وغيرهم، قدم ربعي
الشام. وسمع خطبة عمر بالجابية. قال أحمد بن عبد الله العجلي:
تابعيّ ثقة، ولم يكذب كذبة قط، واَلى أن لا يضحك حتى يعلم أفي
الجنة هو أم في النار؟ فأخبر غاسلُه أنه لم يزل مبتسمًا على سريره وهم
يغسلونه حتى فرغوا. توفي سنة إحدى ومائة 0 روى له الجماعة (1) .
وطارق بن عبد الله المحاربي: الكوفي، حديثه في أهل الكوفة. روى
عنه: ربعي، وجامع بن شداد. روى له: أبو داود، والترمذي،
والنسائي، وابن ماجه (2) .
قوله: " فلا يبزقن " بتشديد النون " أَمامه " أي: قدامه.
اعلم أن لفظ " أمام " يطلق على مَعنيين؛ بمعنى القدام، وبمعنى الخَلف؛
وهو من الجهات الست من القسم المبهم من المكان، وهو ماله اسم باعتبار
أمر غير داخل في مسمّاه، فإن نحو فوقك وتحتك يطلق على المكان باعتبار
جهة العُلو أو جهة السفل، وهذه الجهة لا تدخل في مسمى المكان؛ فإن
المكان الذي يصدق عليه الفوق قد يتبدل ويصير تحتاً إذا علاه الشخص،
وكذلك ما يكون يمينا يتبدل باليَسار، وكذلك القدام والإمام والخلف،
فهذه الأمور اعتبارية لا تدخل في مسمى المكان بخلاف الدار ونحوها.
__________
= النسائي: كتاب المساجد، باب: الرخصَة للمصلي أن يبصق خلفه أو تلقاء
شماله (1/52) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: المصلي يتنخم
(1021)
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (9 /1850) .
(2) المصدر السابق (13 /2950) ./(2/390)
قوله: " ولكن عن تلقاء يساره " أي: عن جهة يساره؛ وقال في
" الصحاح ": التَّلقاء مَصدر مثل اللِّقاء، وذكر في كتاب " الهادي " أن
إزاء، وحذاء، وحذوة، وحذة، وحيالاً، ومَنًا، وأمما، وقبالةً
/ومُقابلاً، ومُستقبلا، ووُجَاهًا، وتُجاهًا، وَذَممًا، وتلقاءً كلها بمعنى
واحد، ويُقال: حذانا، وتلقانا، وإزانا، وداري حذاءَ دارك، وحذوة
داركَ، وحذ [ة] دارك، وأمَم دارك، وذَمَم دارك، ومنا دارك، وقَعدَ فَلانِّ
حِذاءَك وبحذائك، وحيالك، وبحيالك، وإزائك، وبإزائك، وتِلقاءك،
ولا يقال: بتلقائك، فافهم.
قوله: " إن كان فارغًا " أي: إن كان يَسارُه فارغًا- يَعني: إن تمكّن من
البَزق عن (1) يساره، وإن لم يتمكن فليبزق تحت قدمه اليُسرى، وهو
معنى قوله: " أو تحت قدمه اليُسرى ".
قوله: " ثم ليقل به " قد مرّ غير مرّة أن لفظ القول يُستعمل عند العرب
في مَعانِي كثيرة؛ والمعنى هاهنا: ثم ليدفنه. وهذا الحديث في حق من
كان خارج المسجد، أما الذي في المسجد فلا يبزقُ إلا في ثوبه لقوله
- عليه السلام- " البزاق في المسجد خطيئةٌ " فكيف يأذن فيه- عليه
السلام-، وإنما نهَى [عن] البُصاق أمامه تشريفا للقبلة، وعن يمينه تَشريفا
لليمين. وجاء في رواية للبخاري: " إن عن يمينه ملكا ".
ويُستفاد من الحديث: أن البُصاق لا يبطل الصلاة، وكذا التنخع إذا لم
يبن منه حروفٌ اللهم إذا غلب عليه. والحديث: أخرجه الترمذي،
والنسائي، وابن ماجه. وقال الترمذي: حديث طارق حديث حسن
صحيح.
461- ص- نا سليمان بن داود: نا حماد: نا أيوب، عن نافع، عن ابن
عمر قال: بَينما رسولُ الله- عليه السلام- يَخطُبُ يومًا إذ رأى نُخامةً في
قِبلَةِ المسجدِ، فَتغيَّظَ علىَ الناسِ ثم حَكَّها. قال: وأَحسَبُه قال: وَدَعَا
__________
(1) في الأصل " من ".(2/391)
بزعفران فلطَّخَهُ به قال (1) : وقال: " إن اللهَ عز وجل قبَلَ وجه أَحدكُم إذا
صَلَّى، فًلا يَبزُق بَين يديهِ " (2) (3) .
ش- سليمان بن داود: الزَّهراني، وحماد: ابن زَيد، وأيوب:
السختياني.
قوله: " بَينما " قد ذكرنا مرة أن " بينما " أصله: " بَين " فأشبعت
الفتحة فصار: " بَينا " ثم ألحقت الميم فصار: " بَينما " فكلاهما
يستعملان بمَعنى المفاجأة، ويُضافان إلى جملة من فعل وفاعل أو مبتدأ
وخبرٍ؛ وهاهنا أُضيفت " بينما " إلى المبتدأ والخبر؛ لأن قوله: " رسول
الله لما مبتدأ، وقوله: " يخطب " خبرُه، وهما يحتاجان إلى جواب يتم
به المعنى؛ وجواب " بينما " هاهنا: قوله: " إذ رأى نخامةً ".
قوله: " فتغيظ " من الغيظ؛ وهو صفة تعترض للرجل عند احتداده
لمُحركٍ لها.
قوله: " قال: وأحسبه قال " أي: قال نافع: وأظن ابن عمر قال:
" ودعا بزعفران " أي: وطلب رسول الله بزعفران " فلطخه " أي: لطخ
موضع النخامة بالزعفران.
__________
(1) كلمة " قال " غير موجودة في سنن أبي داود.
(2) البخاري: كتاب الصلاة، باب: حك البزاق باليد في المسجد (406) ،
مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: النهي عن البصاق في المسجد
في الصلاة وغيرها (50- 547) .
(3) جاء في سنن أبي داود بعد هذا الحديث: قال أبو داود: رواه إسماعيل
وعبد الوارث، عن أيوب، عن نافع. ومالك وعبيد الله وموسى بن عقبة،
عن نافع نحو حماد، إلا أنهم لم يذكروا " الزعفران ". ورواه معمر، عن
أيوب، وأثبت " الزعفران " فيه، وذكر يحيى بن سليم، عن عبيد الله، عن
نافع " الخلوق ".(2/392)
قوله: " قال: وقال " أي: قال ابن عمر: وقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قوله: " قبل وجه أحدكم إذا صلى " تأويله: أن القبلة التي أمره الله عز
وجل بالتوجه إليها للصلاة قبلَ وجهه، فليصنها عن النخامة؛ وفيه إضمار
وحذف واختصار؛ كقولهَ تعالى: (وَاشربُوا في قُلُوبهمُ العجلَ) (1)
أي: حُبّ العجل، وكقَوله تعالى: (واسأل القَرية) (2) أي: أهل
القرية؛ وإنما أضيفت تلك الجهة إلى الله تعالىَ على سبيل التكرمة؛ كما
يقال: بَيت الله، وكعبة الله، وناقة الله. والحديث: أخرجه البخاري،
ومسلم.
462- ص- ثنا يحمى بن الفضل السِّجستاني، وهشام بن عمار،
وسليمان بن عبد الرحمن (3) قالوا: نا حاتم- يعني: ابن إسماعيل-: نا
يعقوب بن مجاهد أبو حَزرة، عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت
قال (4) : أتينا جابرًا- يعني: ابنَ عبدِ اللهِ- وهو في مسجده، فقال: أتَانا
رسولُ الله في مسجدِنَا هذا وفي يده عُرجونُ ابنِ طاب، فنظًرً فَرَأى في قبلَة
المسجد (5) نُخَامةً، فأقبلَ عليها فحَتَّهَا بالعُرجُونِ، ثمً قال: " أيكُم يُحبّ أنَ
يُعرِضً اللهُ- تعالى (6) عنه؟ إن أحدَكُم إذا قامَ يُصلِّي فإن اللهَ عز وجل
قِبَلَ وجهِهِ، فلا يَبصُقَنَّ قبَلَ وجهِهِ، ولا عن يمينِه، وليَبصُق عن يَساره تحتَ
رجلهِ اليُسرى، فإن عَجِلًت به بَادرَةٌ فليَقُل بثوبهَ هكذا " - وضَعَهُ (7) على
فيهِ ثَم دَلَكَهُ - " أرُونِي عَبيرا " فقامً فتًى من الحيًّ يَشتدُّ إلى أهلهِ فجَاءَ بخلُوق
في راحته، فأخذَهُ رسولُ اللهِ فجعَلَه على رأسِ العُرجُونِ، ثَم لَطَخَ به على
أثَرِ النُّخاَمَةِ. فقال جابرٌ: فَمِن هناك جَعلتُمُ الخَلُوقَ في مَساجِدِكُم (8) .
__________
(1) سورة البقرة: (93) .
(2) سورة يوسف: (82) .
(3) في سنن أبي داود: ".. وسليمان بن عبد الرحمن الدمشقيان بهذا الحديث،
وهذا لفظ يحيى بن الفضل السجستاني ".
(4) كلمة " قال " غير موجودة في سنن أبي داود.
(5) غير موجود في سنن أبي داود.
(6) في سنن أبي داود: " أن يعرض الله عنه بوجهه، ثم قال: إن.. ".
(7) في سنن أبي داود: " ووضعه ".
(8) تفرد به أبو داود.(2/393)
ش- يحيى بن الفضل السَجِستاني: أحد شيوخ أبي داود، وكذلك
هشام بن عمار الدمشقي.
وسليمان بن عبد الرحمن: ابن عيسى بن ميمون، أبو أيوب التميمي
الدمشقي، ابن بنت شرحبيل. سمع: يحيى بن ضمرة، وابن عيينة،
وعيسى بن يونس وغيرهم. روى عنه: أبو حاتم، والبخاريّ. ثم روى
عن رجل، عنه، وأبو داود. وروى الترمذي، والنسائي، وابن ماجه،
عن رجل، عنه، وغيرهم. قال ابن معين: ليس به بأس. وقال
أبو حاتم: صدوق، مستقيم الحديث؛ ولكنه أروى الناس/عن الضعفاء
والمجهولين. توفي سنة اثنتين وثلاثين ومائتين (1) .
وحاتم: ابن إسماعيل الكوفي أبو إسماعيل المدني نزل المدينة، مولى
بني عبد المدَان من بني الحارث بن كعب. سمع: هشام بن عروة،
وجعفر بن محمد، وأبا حَزرة يعقوب بن مجاهد وغيرهم. روى عنه:
قتيبة بن سعيد، وإسحاق بن راهَويه، والقعنبي وغيرهم. سئل يحيى بن
معين عنه فقال: لا أعرفه، وأما أحاديثه فصحيحة. وقال الخطيب: كان
ثقة، مات ببغداد سنة ثمان وعشرين ومائتين في شهر رمضان (2) .
ويَعقوب بن مجاهد أبو حَزرة: القاصّ المدني.
وعبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت: أبو الصامت الأنصاري
المدني. سمع: كعب بن عَمرو، وجابر بن عبد الله، وأبا سعيد
الخدري، وأباه. روى عنه: يحيى بن سعيد الأنصاري، ويعقوب بن
مجاهد، ومحمد بن عجلان وغيرهم. روى له: مسلم، وأبو داود،
والنسائي، وابن ماجه (3) .
قوله: " وفي يده " الواو قيه للحال.
قوله: " عرجون ابن طاب " العُرجون- بضم العين- هو العُود الأصفر
__________
(1) انظر- ترجمته في: تهذيب الكمال (12/2544) .
(2) المصدر السابق (5/992) .
(3) المصدر السابق (14/3111) .(2/394)
الذي فيه. الشماريخ إذا يبس واعوج؛ وهو من الانعراج، وهو الانعطاف،
وجمعه: عراجين، وذكره الجوهري في حرف النون، وقال غيره: الواو
والنون زائدتان، وقوله: " عرجون ابن طاب " وهو نوع من تمر المدينة
منسوب إلى ابن طاب، رجل من أهلها، كما قيل: لون ابن حبيق،
ولون كذا ولون كذا، فمن عادتهم ينسبون ألوان التمر كل لون إلى أحدٍ.
قوله: " فحتَّها بالعرجون " أي: حكها وقشرها؛ الحتُّ والحكّ والقشر
بمعنى واحد.
قوله: " فلا يبصقن قبل وجهه " تعظيما للقبلة، " ولا عن يمينه " لأجل
الملك أو لشرفها، " وليَبصُق عن يَساره تحت رجله اليسرى " هذا- أيضا-
في حق المصلي خارج المسجد؛ لأنا قد ذكرنا أنه - عليه السلام - نهى
[عن] البُصَاق في المسجد مطلقا، وكيف يأمرُ به ولا يَبزق في المسجد إلا
في ثوبه؟ !
قوله: " فإن عجلت به بادرة " أي: حدّةٌ؛ وبادرة الأمر: حدّته؛
والمعنى: إذا غلبه البصاق أو النخامة " فليَقُل بثوبه هكذا ".
قوله: " وضعه على فيه " تفسير لقوله " فليَقُل بثوبه " ولأجل ذلك ترك
العاطف أي: وضع ثوبه على فمه " ثم دلكه " أي: دلك الثوب حتى
يتلاشى البزاق منه. وهذا- أيضا- يدل على طهارة البزاق والنخامة.
قوله: " أروني عبيرا " العَبير- بفتح العين، وكسر الباء الموحدة،
وسكون الياء آخر الحروف- أخلاط تجمع بالزعفران؛ قاله الأصمعي.
وقال أبو عُبَيدة: العبِير عند العرب: الزعفران وحده. والصحيح: أنه
غير الزعفران.
قوله: " يشتَدّ إلى أهله " من قولهم: اشتد إذا عدى؛ والشد: العَدوُ.
قوله: " فجاء بَخَلُوق " - الخلوق- بفتح الخاء العجمة، وضم اللام،
وفي أخره قاف- طيب معروف مُركبٌ يتخذ من الزعفران وغيره من أنواع
الطيب، وتغلب عليه الحمرة والصّفرة، وهو من طيب النساء.(2/395)
ويُستفاد من الحديث فوائد؛ الأولى: إذا رأى أحد نخامة في المسجد
يَحُتّها.
والثانية: أن المصلي لا يَبصق قبل القبلة ولا عن يمينه؛ بل يبصق تحت
رجله اليسرى، كما فسر في الحديث.
والثالثة: أن البصاق لا يفسد الصلاة.
والرابعة: جواز استعمال الخلوق في المساجد.
والخامسة: جواز حمل العصا. والحديث: أخرجه مسلم مُطولا.
وهذا الحديث متأخر عن الحديث الذي يأتي في بَعض النسخ، وكذا في
" مختصر السنن " لزكي الدين.
463- ص- نا يحيى بن حبيب بن عربي: نا خالد- يعني: ابن
الحارث-، عن محمد بن عجلان، عن عياض بن عبد الله، عن أبي سعيد
الخدري أن النبيَ- عليه السلام- كان يُحب العَرَاجينَ، ولا يَزالُ في يده
منها، فدخل المسجدَ فرأى نُخَامة في قبلَةِ المسجدِ لحكَّها، ثم اقبلَ علىً
الناسِ مُغضبًا فقال: " أيَسُر أحدُكُم أنَ يُبصقَ في وجهِهِ؟ إن أحدَكُم إذا
استقبلَ القِبلةَ فإنما يَستقبلُ ربَّه عز وجل، والمَلَكُ عن يمينه، فلا يَتفُل عن
يمينه ولا في قبلَتِهِ، ولَيَبسُق (1) عن يَسارِه أو تحتَ قَدَمِهِ، َ فإن عَجِلَ به أمر
فليقل هكذا ". ووصفَ لنا ابنُ عَجلانَ ذلكَ: أن يَتفُلَ في ثَوبه ثم يَرُدَ بَعضَه
/على بعضٍ (2) .
ش- يحيى بن حبيب بن عربي: الحارثي، وقيل: الشيباني، أبو زكرياء
البَصري. روى عن: حماد بن زيد، ويزيد بن زريع، وخالد بن
الحارث وغيرهم. روى عنه: مُسلم، وأبو داود، والترمذي،
والنسائي، وابن ماجه، وأبو حاتم. وقال: صدوق. مات بالبصرة سنة
ثمان وأربعين ومائتين (3) .
__________
(1) في سنن أبي داود: " وليبصق " بالصاد، وهي لغة.
(2) تفرد به أبو داود.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (31/ 6806) .(2/396)
وخالد: ابن الحارث بن عُبيد بن سليمان، أبو عثمان البصري. روى
عن: هشام بن عروة، وأيوب السختياني، وابن عجلان وغيرهم. روى
عنه: محمد بن الثنى، وعمرو بن علي، ومحمد بن الفضل. وغيرهم.
قال أحمد بن حنبل: إليه المنتهى في التثبت بالبصرة. قال أبو زرعة: كان
يقال له: خالد الصدق. توفى بالبصرة سنة ست وثمانين ومائهَ. روى له
الجماعة (1)
ومحمد بن عجلان، قد ذكر.
وعياض بن عبد الله: ابن سَعد بن أبي سَرح بن الحارث القرشي
العامري. روى عن: أبي هريرة، وأبي سعيد الخدري، وجابر بن
عبد الله. روى عنه: زيد بن أسلم، وسعيد المقبري، ومحمد بن عجلان
وغيرهم. قال ابن معين: هو ثقة. مات بمكة. روى له الجماعة (2)
قوله: " يحب العراجين " جمع عرجون؛ وقد ذكرناه.
قوله: " مغضبًا " حال من الضمير الذي في " أقبل ".
قوله: " فلا يتفل عن يمينه " هذا تنزيه لجهة اليمين عن الأقذار كما نزهت
تصريف الميامين، أو تنزيه الملائكة كما جاء " والملك عن يمينه " وقال
بعضهم: فيه دليل على أن المصلي لا يكون عن يساره ملك؛ لأنه لا يجد
ما يكتب لكونه في طاعة؛ لأنه علّل منع البصاق لكون الملك هناك وأباحه
على اليسار. وعند ابن أبي شيبة بسند صحيح: " لا يبزق عن يمينه: فعن
يمينه كاتب الحسنات؛ ولكن يبزق عن شماله أو خلف ظهره ".
فإن قيل: قد رُوِيَ عنه- عليه السلام-: أن الكرام الكاتبين لا
يُفارقان العَبد إلا عند الخلاء والجماع. قلت: هذا حديث ضعيف لا
يحتج به.
قوله: " وليَبسق " بالسين لغة في " ليَبصُق ".
(1) المصدر السابق (8/1598) .
(2) أصدر السابق (22/4607) .(2/397)
قوله: " فإن عجل به أمر " بمعنى: غلبه البُصاق.
464- ص- نا أحمد بن صالح: نا عبد الله بن وهب قال: أخبرني
عَمرو، عن بكر بن سَوادة الجُذامي، عن صالح بن خَيوان، عن أبي سَهلة
السائب بن خلاد- قال أحمد: من أصحاب النبي- عليه السلام- أن رجلاَ
أمَ قومًا فبَصقَ في القبلة ورسولُ الله ينظُرُ، فقال رسولُ الله حين فَرغَ: لا
يُصلِّي لكُم " فأراد بَعدً ذلكَ أن يصَلِّي لهم فمَنعُوهُ، وَأخبَرُوه بقول
رسول اللهِ، فذكَر ذلك لرسول الله فقال: " نعم " وحسبتُ أنه قال: " إنكً
آذَيتَ اَللهَ ورسولَه " (1) .ً
ش- أحمد بن صالح: المعروف بابن الطبري. وعمرو: ابن الحارث
المصري. وبكر بن سوادة الجذامي المصري.
وصالح بن خيوان- بالخاء المعجمة- كذا قال في " الكمال " وعن
أبي داود: ليس أحد يقول: خيوان- يعني: بالخاء منقوطة- إلا قد
أخطأ. وقال ابن ماكولا: قال ابن يونس: بالحاء المهملة. وكذا قاله
البخاري؛ ولكنه وهم. وقال الدارقطني: بالخاء المعجمة- كما قال في
" الكمال " السَبي (2) المصري. روى عن: عقبة بن عامر الجهني،
وعبد الله بن عمر، وأبي سهلة السائب بن خلاد. روى عنه: بكر بن
سوادة الجذامي. روى له: أبو داود (3) .
والسائب بن خلاد الجهني أبو سَهلة. روى عن: النبي- عليه السلام-:
" مَن أخاف أهل المدينة " وحديث صالح بن خيوان عنه هذا الحديث.
روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (4) .
قوله: " قال أحمد: من أصحاب النبي " أي: قال أحمد بن صالح
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) في الأصل: " الشيباني " خطأ.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (13/2804) .
(4) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (2/103) ، أسد الغابة
(2/313) ، الإصابة (2/10) .(2/398)
المذكور: السائب بن خلاد من أصحاب النبي- عليه السلام-؛ وإنما قال
ذلك لنفي قول بعضهم: إنه ليس بصحابي، أو إنه لم يَرو عن (1) النبي
- عليه السلام-.
قوله: " بصق " يعني: وهو في الصلاة.
قوله: " فذكر ذلك " أي: ذكر ذلك الرجل كون رسول الله منعه من
الإمامة، فقال رسول الله: " نعم " منعتك عن أن تؤم بهم.
قوله: " وحسبتُ أنه قال " من كلام الٍسائب أي: ظننت أنه- عليه
السلام- قال للرجل: " إنك آذيت الله ورسوله "؛ والمعنى: إنه فعل
فعلا لا يُرضي الله ولا رسوله. وذكر ابن خالويه أن النبي- عليه السلام-
لما رأى النخامة في المحراب قال: " مَن إمام هذا المسجد؟ " قالوا:
فلان، قال: قد عزلته، فقالت امرأته: لم عزل النبي- عليه السلام-
زَوجي عن الإمامة؟ فقيل: رأى نخامة في للحراب، فعمدت إلى خلوق
طيب فخلقت به المحراب، فاجتاز- عليه السلام- بالمسجد فقال: " من
فعل هذا؟ " قيل: امرأة الإمام، قال: " قد وهبتُ ذنبه لامرأته،
ورددته إلى الإمامة "، فكان هذا/أول خلوق كان في الإسلام.
465- ص- نا موسى بن إسماعيل: نا حماد: أنا سعيد الجُريري، عنِ
أبي العلاء، عن مُطرِّف، عن أبيه قال: أتيتُ رسولَ اللهِ وهو يُصَلَي فبَزق
تحتَ قَدمِهِ اليُسرى (2) .
ش- حماد: ابن سلمة، وسَعيد: ابن إياس، أبو مسعود الجُرَيري
النَّضريّ.
وأبو العلاء: يزيد بن عبد الله بن الشخير العامري الكوفي، أخو
مُطَرَف. روى عن أبيه عبد الله، وأخيه مُطَرف، وأبي هريرة، وابن
__________
(1) في الأصل: " من ".
(2) مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: النهي عن البصاق في السجد
في الصلاة وغيرها (58- 554) .(2/399)
عَمرو، وعثمان بن أبي العاص وغيرهم. روى عنه: قتادة، والجُريري،
وكهمس وغيرهم. مات سنة إحدى عشرة ومائة. روى له الجماعة (1) .
ومُطرف: ابن عبد الله بن الشخير، أخو أبي العلاء المذكور؛ وقد
ذكرناه مرةً.
وأبوه: عبد الله بن الشخِّير بن عوف بن كعب العامري. روى عنه:
ابناه: مُطرف ويزيد. روى له: مسلم حديثا واحدًا. وروى له:
أبو داود، والترمذي، وابن ماجه، والنسائي (2) . والشخير: بكسر
الشين المعجمة، وتشديد الخاء المعجمة وكسرها، وسكون الياء آخر
الحروف، وبعدها راء مهملة.
قوله: " وهو يُصلي " جملة وقعت حالا؛ وهذا كان في غير المسجد؛
لأنه- عليه السلام- نهى عن البزاق في المسجد مُطلقا.
466- ص- نا مُسدد: نا يزيد بن زُريع، عن سعيد الجُريري، عن
أبي العلاء، عن أبيه بمعناه زاد: ثم دلكه بنعله (3) .
ش- أي بمعنى الحديث المذكور، وزاد في هذه الرواية بعد قوله:
" فبزق تحت قدمه اليُسرى ": " ثم دلكه بنعله ". وفيه استحباب دلك
البزاق بعد رَميه على الأرض. وأخرجه مسلم بنحوه.
467- ص- نا قتيبة بن سعيد: نا الفرج بن فضالة، عن أبي سَعد قال:
رأيتُ وَاثلةَ بنَ الأسقع في مَسجد دمشق بَصَقَ على البُوري ثم مَسحه
برجلِه فقيل له: لم فعلتَ هذا؟ قالَ: لأني رأيتُ رسولَ اللهِ يَفعلُه (4) .
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (32/7014) .
(2) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (2/88 3) ، أسد الغابة
(3/274) ، الإصابة (2/324) .
(3) مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: النهي عن البصاق في المسجد،
في الصلاة وغيرها (58 - 554) .
(4) تفرد به أبو داود.(2/400)
ش- الفرجُ- بالجيم- بن فضالة: ابن النعمان بن نعيم الشامي
الحمصي، وقيل: الدمشقي، أبو فضالة القضاعي. روى عن: يحيى
ابن سعيد الأنصاري، وهشام بن عروة، وعبد الله بن عامر وغيرهم.
روى عنه: شعبة، وبقية بن الوليد، وقتيبة بن سعيد وغيرهم. قال ابن
سعد: كان يسكن مدينة أبي جعفر، ومات بها سنة ست وتسعين ومائة
وكان ضعيفا. وقال البخاري عن يحيى بن سعيد: منكر الحديث. وقال
البرقاني: سألت الدارقطني عنه فقال: ضعيف. وقال ابن عديّ: وهو
مع ضعفه يكتب حديثه. وقال معاوية بن صالح: قال أحمد: ثقة.
روى له: أبو داود، والترمذي، وابن ماجه (1) .
وأبو سَعد: الدمشقي. روى عن: واثلة بن الأسقع. روى عنه:
الفرج بن فضالة. روى له: أبو داود (2) . وواثلة بن الأسقع: ابن
كعب بن عامر، أبو الأسقع، أو أبو قرفاصة، أو أبو محمد، أو
أبو الخطاب، أو أبو شداد، أسلم قبل تبوك والنبي- عليه السلام-
يتجهز لها، وشهدها مع النبي- عليه السلام-، وكان من أهل الصفة.
رُوِيَ له عن رسول الله ستة وخمسون حديثا. روى عن: أبي مرثد
الغنوي، وأم سلمة زوج النبي- عليه السلام-. روى له البخاري حديثًا
واحدا ومسلم آخر، سكن الشام، ونزل بيت جبرين من أرض الشام؛
وهي بلدة بالقرب من بيت المقدس، وقد دخل البَصرة وله بها دارٌ. روى
عنه: عبد الواحد بن عبد الله النصري، وشداد بن عبد الله، وأبو إدريس
الخولاني، ومكحول، وخلق سواهم، توفي بدمشق سنة ست وثمانين
في ولاية عبد الملك بن مروان، وهو ابن ثمان وتسعين. روى له
الجماعة (3)
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (23/4714) .
(2) المصدر السابق (33/7385) .
(3) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (3/643) ، أسد الغابة
(5/428) ، الإصابة (3/626) .
26 * شرح سنن أبي داوود 2(2/401)
قوله: " على البوري " - بضم الباء الموحدة، وكسر الراء، وتشديد
الياء- وهو الحصير المعمول من القصب؛ يُقال: بُوريّة وبارِيّة- مشددتان
- وبُرِياء، وبَارياء- مخففتان ممدودتان. وقال الأصمعي: البُورياء
بالفارسية، وهو بالعربية: بَاري- وبوري وكذلك البارئةُ كلها بتشديد
الياء.
قوله: " لأني رأيتُ رسول الله يَفعله " أي: كان يفعل كما فعله.
فإن قلت: قد صح عنه- عليه السلام- أنه قال: " التفل في المسجد
خطيئة " كما ذكرنا، وكيف التوفيق بينه وبَين هذا الحديث؟ قلت: هذا
ليس بتَفل في المسجد؛ وإنما هو مثل التفل في ثوبه، على أن ذلك
الحديث/صحيح، وهذا حديث ضعيف؛ لأن فيه فرج بن فضالة.
***
22- بَاب: في المُشرك يَدخُل المَسجدَ
أي: هذا باب في بيان حكم المشرك إذا دخل المسجد، وفي بعض
النسخ: " باب ما جاء في المشرك يَدخل المسجد " (1) .
468- ص- نا عيسى بن حماد: أنا الليث، عن سعيد المقبري، عن
شريك بن عبد الله بن أبي نمر، أنه سمع أنس بن مالك يقولُ: دخلَ رجل
على جمَلٍ فأناخَهُ في المسجد ثم عَقَلَهُ، ثم قال: أيكُم محمدا؟ - ورسولُ
الله متكئ بينَ ظَهرَانَيهِم-، فقَلنا له: هذا الأبيضُ المتكئ، فقال له الرجل: يا
ابن عبد المطلبِ! فقال له النبي- عليه السلام-: " قد أجبتُكَ " فقال
الرجل: إنى يا محمدُ سائِلُكَ (2) وَسَاقَ الحديثَ (3) .
__________
(1) كما في سنن أبي داود.
(2) في سنن أبي داود: " يا محمد! إني سائلك ".
(3) البخاري: كتاب العلم، باب: ما جاء في العلم (63) ، النسائي: كتاب
الصيام، باب: وجوب الصيام (4/121) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة،
باب: ما جاء في فرض الصلوات الخمِس وللحافظة عليها (1402) .(2/402)
ش- عيسى بن حماد: التُجِيبي المصري، والليث: ابن سَعد.
وشريك بن عبد الله بن أبي نمر: القرشي، أبو عبد الله المدني.
سمع: أنس بن مالك، وسعيد بن المسيب، وأبا سلمة بن عبد الرحمن
وغيرهم. روى عنه: سعيد المقبري، ومالك بن أنس، والثوري
وغيرهم. وقال ابن سَعد: كان ثقة كثير الحديث، توفي بعد سنة أربعين
ومائة. روى له: الجماعة إلا الترمذي (1) .
فوله: " على جمل " الجمل زوج الناقة، والجمع: جمال وأجمال
وجمالات وجمائل.
قو له: " فأناخه " أي: برَكه.
قوله: " ثم عَقَله " أي: ربطه بالعِقال؛ وهو الحبل الذي يعقل به
البعير، أي: يُشَذُ.
قوله: " متكئ بين ظَهرانيهم " يُقال: قعد بين ظَهرانيهم وبَين أظهُرهم؛
ومعناه: قعد عَلى سبيل الاستظهار والاستناد إليهم؛ وزيدت فيه ألف ونون
مفتوحة تأكيداً؛ ومعناه: أن ظَهراً منهم قدامه وظهراً وراءه، فهو مكتوف
من جانبَيه ومن جوانبه إذا قيل: بَين أظهرهم. وقال الأصمعي: يقال:
بين ظَهريهم وظهرانَيهم ومعناه: بَينهم وبين أظهرهم. وقال غيره: العربُ
تضع الاثنين موضع الجمع. وقد قيل: أصل قولهم: " بين ظهرانيهم
وأظهرهم ": بينهم: وإنما زيد الظهر أو الأظهر للتأكيد. ومَعنى قوله:
" متكئ " قاعد على وَطاء. قال الخطابي (2) : " كل من استوى قاعدا
على وطاء فهو متكئ، والعامّة لا تعرف المتكئ إلا مَن مالَ في قعوده
مُعتمدا علىً أحَد جَنبَيه (3) ".
قلت: متكئ: اسمُ فاعل من اتكأ، أصله: وَكأ، فنُقِل إلى باب
الافتعال، فصار اوتكا، فأبدلت الواو تاءَ، ثم أدغمت في الأخرى
فصار اتكأ.
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (12/ 2737) .
(2) معالم السنن (1/125) .
(3) في معالم السنن " شقيه ".(2/403)
قوله: " قد أجَبتك " إنما قال له هذا القول ولم يتلفظ بالإجابة " (1) لأنه
كره أن يدعوه باسم جلّد، وأن يَنسبه إليه إذ كان جده عبد المطلب كافرا
غير مُسلم، وأحمت أن يدعوه باسم النبوة أو الرسالة.
فإن قيل: قد ثبت عنه أنه قال يوم حنين حين حمل على الكفار
فانهزموا:
أنا النبي لا كذب ... أنا ابن عبد المطلب
قلت: لم يذكره افتخاراً؛ لأنه كان يكره الانتساب إلى الكفّار؛ كما
في هذا الحديث؛ ولكنه ذكّرهم بهذا رويا كان عبد المطلب رآها له أيام
حياته وكانت إحدى دلائل نبوته، وكانت القصة فيها مشهورة عندهم،
فعرفهم شأنها، وأذكرَهم بها، وخروج الأمر على الصدق فيها ".
قوله: " وساق الحديث " أي: سَاق أنس الحديث، وتمامه: يا محمدُ!
إني سَائلك فمُشتد عليك في المسألة؛ فلا تجد عليَ في نفسك، فقال:
" سَل ما بَدا لك " فقال الرجل: نشدتك بربك ورب من كان قبلك، اللهُ
أرسلك إلى الناس كلهم؟ فقال رسول الله: " اللهم نعم " قال: فأنشدُك
الله، آللهُ أمرَكَ أن نُصلي الصلوات الخَمس في اليوم والليلة؟ قال:
" اللهم نعم "، قال: أنشدُك الله، آللهُ أمَرك أن تصومَ هذا الشهرَ من
السنةِ؟ قال رسول الله: " نعم " قال: أنشدك الله، اللهُ أمرك أن تأخذَ
هذه الصدَقةَ من أغنيائنا فتَقسمُها على فقرائنا؟ قال رسول الله: " اللهم
نعم " قال الرجل: آمنت بما جئتَ به؛ فأنا رسولُ مَن ورائي من قومي،
وأنا ضمامُ بن ثعلبة أخو بَني سَعد بن بكر ". أخرجه البخاري، والنسائي،
وابن مَاجه، وأحمد في " مسنده ". وقوله: " فلا تجد عليَ " من وَجَدَ
عليه إذا غضب. قوله: " ما بدا لك " أي: ما ظهر لك مما في خاطرك.
قوله: " نشدتُك بربك " أي: سألتك وأقسمت عليك بربك/وكذا
ناشدتك الله وبالله، وأنشدك الله وبالله، وقد ذكرناه مرة. قوله:
__________
(1) انظر: معالم السنن (1/125- 126) .(2/404)
" آللهُ أرسلك " بهمزة الاستفهام في أوّله، وأصله أأدلهُ بهمزتين مفتوحتين،
فقلبت الثانية ألفًا للتخفيف فصار: " آلله " - بالمد. قوله: " اللهم نَعَم "
ذكر " اللهم " هاهنا ليدل على تيقن المُجيب في الجواب، كأنه يناديه
تعالى مُستشهدا على ما قال من الجواب، كما في قولك لمن قال: أزيد
قائم: اللهم نعم. وقد ذكرنا مثل هذا مرةً.
فإن قيل: كيف قنع هذا الرجل باليمن ولم يطلب الدليل؟ قلت: إنه
استقرأ الأدلة قبل ذلك وأكَّد باليمن. قوله: " ضمام " بكسر الضاد
المعجمة؛ وكانت بنو سَعد بن بكر بعثوه وافدا إلى رسول الله، قال ابن
عباس: فما سمعنا بوافد قوم كان أفضل من ضمام بن ثعلبة. وقال
الواقدي عن ابن عباس قال: بعثت بنو سَعد بن بكر في رجب سنة خمس
من الهجرة. ويُستفاد من الحديث فوائد؛ الأولى: جواز دخول الكافر
المسجد؛ وهو حجة على مالك حيث منعه عن ذلك مستدلا بقوله: (إنَّما
المُشرِكُونَ نَجَسٌ) (1) قلنا: المراد به: نجاسة الاعتقاد؛ لا نجاسة الذاتَ.
الثانية: جواز إدخال الحيوان الذي يؤكل لحمه في السجد لأجل الحاجة.
الثالثة: فيه حجة لمن يقول بطهارة بول ما يؤكل لحمه من الحيوان،
فافهم وغير ذلك من الفوائد التي يستخرجها مَن له ذهن ذكي، وفهم
قوي.
469- ص- نا محمد بن عَمرو: نا سلمة: حدثني محمد بن إسحاق:
حدثني سلمة بن كُهيل ومحمد بن الوليد بن نُوَيفع، عن كُريب، عن ابن
عباس قال: بَعَثَت بنُو سَعدِ بنِ بَكرٍ ضمَامَ بنَ ثعلبةَ إلى رسول الله، فَقدمَ
عليه، فأناخَ بَعيرَه على باب المسجد، َ ثم عَقَلَهُ، ثم دَخَل المسجَدَ. فذكَرَ
نحوه، قال: فقال: أيُّكُم ابن عبد المطَلب؟ فقال رسول الله: " أنا ابن
عبدِ المطلبِ " قال: يا ابنَ عبدِ المطلَبِ، وسَاق الحديثَ (2) .
ش- محمد بن عَمرو: الطلاّس المَعروف بزُنَيج؛ وقد مر، وسلمة:
ابن الفضل، أبو عبد الله الأبرش، وسلمة بن كُهيل: الكوفي.
__________
(1) سورة التوبة: (28) .
(2) تفرد به أبو داود.(2/405)
ومحمد بن الوليد بن نُويفع: المديني الأسدي، مولى الزبير بن
العوام. روى عن: كريب مولى ابن عباس، وأمّه مولاة لرافع بن
خَديج. روى عنه: ابن إسحاق. قال الدارقطني: هو من أهل المدينة
يُعتبر به. روى له: أبو داود (1) .
وهذه الرواية تدل على أنه لم يُدخل بَعيرَه في المَسجد؛ البعير: الجملُ
البازلُ، وقيل: الجذعُ، وقد يكون للأنثى، وحكى عن بعض العرب:
شربتُ من لين بعيري، وصَرعتني بعيرٌ لي، وفي " الجامع ": البعيرُ
بمنزلة الإنسان، يجمع المذكر والمؤنث من الناس، إذا رأيتَ جملا على
البُعد قلت: هذا بعيرٌ، فإذا استثبتَّه قلت: جمل أو ناقة؛ ويجمع على
أبعرة وأباعِرَ وأباعِير وبُعران وبَعران.
470- ص- نا محمد بن يحيى بن فارس: نا عَبد الرزاق: أنا مَعمر،
عن الزهري: نا رجلٌ من مُزَينَة ونحنُ عندَ سعيد بنِ المسيّب، عن أبي هريرة:
قال: اليهودُ أَتَوا النبيَ- عليه السلام- وهو جَاَلسٌ في المسجد في أصحابه
فقالوا: يا أبا القَاسم، في رجلِ وامرأةِ منهم زَنَيا (2) .
ش- رجل من مزينة مجهول. وقد أخرجه في الحدود والقضايا أتم
منه، وإنما ذكر هذا المقدار هاهنا لأجل تَبويبه؛ وهو دخول المشرك المسجد؛
وسنذكر ما فيه من المعاني عند انتهائنا إلى كتاب الحدود إن شاء الله تعالى.
***
23- بَابُ: المَواضِع الّتي لا تَجُوز فيها الصلاة
أي: هذا باب في بيان حكم المواضع التي لا تجوز فيها الصلاة. وفي
بعض النسخ: " باب ما جاء في المواضع ".
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (26/5675) .
(2) تفرد به أبو داود، وأخرجه أبو داود كذلك برقم (3624، 4450
4451)(2/406)
471- ص- نا عثمان بن أبي شيبة: نا جرير، عن الأعمش، عن
مجاهد، عن عُبيد بن عُمير، عن أبي ذر قال: قال رسول الله- عليه السلام-
" جُعِلَت ليَ الأرضُ طَهورًا ومَسجِدًا " (1) .
ش- جرير: ابن عبد الحميد الرازي.
وعُبيد بن عُمَير: ابن قتادة بن سَعد بن عامر بن جُندع الليثي،
أبو عاصم المكيّ، قيل: إنه رأى النبي- عليه السلام-، وقال مسلم بن
الحجاج: ولد في زمن النبي- عليه السلام-، وهو قاص أهل مكة.
سمع: عمر بن الخطاب، وابنه: عبد الله بن عمر، وابن عباس، وابن
عَمرو، وأبا هريرة، وعائشة، وأم سلمة وغيرهم. روى عنه: عطاء بن
أبي رباح، ومجاهد بن جبر، وعمرو بن دينار وغيرهم. قال ابن معين
وأبو زرعة: هو ثقة. روى له الجماعة (2) .
فوله: " طهورًا " - بفتح الطاء- وهو ما يتطهر به؛ وفيه إجمال يُفصّله
حديث حذيفة بن اليمان: " جعلت لنا الأرض مسجدا، وجعلت تربتها
لنا طَهُورا " /ولم يذكره أبو داود في هذا الباب؛ وإسناده جيد، عن
مسدّد، عن أبي عوانة، عن أبي مالك، عن ربعي بن حراش، عن
حذيفة. وهذا على مذهب الامتنان على هذه الأمّة بأن رخص لهم في
الطهور بالأرض، والصلاة عليها في بقاعِها، وكانت الأمم المتقدّمة لا
يصلون إلا في كنائسهم وبِيَعِهم؛ وإنما سيق هذا الحديث لهذا المعنى،
وبيان ما يجوز أن يتطهر به منها مما لا يجوز إنما هو في حديث حذيفة الذي
ذكرناه.
واحتج بهذا الحديث أبو حنيفة أن التيمم جائز بجميع أجزاء الأرض من
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) انظر ترجمته في الاستيعاب بهامش الإصابة (2/441) ، أسد الغابة (3/545) ،
الإصابة (3/78) .(2/407)
رَمل وجَص ونورة وزرنيخ ونحوها، وبه قال مالك وغيره. واحتج
الشافعي، وأحمد برواية حذيفة يناء على أصله أنه يحمل المطلق على المقيد.
وأخرجه البخاري، ومسلم، والنسائي من حديث جابر بن عبد الله بمعناه
أتم منه.
472- ص- نا سليمان بن داود: أنا ابن وَهب: حدثني ابن لهيعة ويحيى
ابن أزهر، عن عمّار بن سَعد المرادي، عن أبي صالح الغفاري أن عليا
- رضيِ الله عنه- مَرّ ببابلَ وهو يَسيرُ، فجاءَهُ المُؤَذنُ يؤذِنُه بصلاة العَصرِ،
فلمّا بَرزَ منها أمر المؤذنَ فأقامَ الصَّلاةَ، فلما فرغَ قال: إن حِبِّي (1) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهانِي
أن أصلي في المَقبرَةِ، ونَهاني أن اصفي في أرضِ بابلَ؛ فإنها مَلعونةٌ (2) .
ش- سليمانِ بن داود: الزَّهراني، وعبد الله بن وهب، وعبد الله بن
لهيعة قاضي مصر.
ويحيى بن أزهر: المصري. روى عن: حجاج بن شداد، وأفلح بن
حميد، وعمار بن يسد. وروى عنه: ابن القاسم وغيره. قال الذهبي:
ثقة. توفي سنة إحدى وستين ومائة. روى له: أبو داود (3) .
وعمار بن سَعد: السَّلهَمي، وسَلهم من مُراد، المصري، حدّث
عن: أبي صالح الغِفاري، ويزيد بن رباح. روى عنه: ابن لهيعة،
وحيوة بن شريح، ويحيى بن أزهر وغيرهم. توفي سنة ثمان وأربعين
ومائة. روى له: أبو داود (4) .
وأبو صالح: سعيد بن عبد الرحمن الغِفاري مولاهم البصري. قال
في " الكمال ": روى عن: علي بن أبي طالب، وعقبة بن عامر،
وصلة بن الحارث الغِفاري صاحب النبي- عليه السلام-، وقال ابن
__________
(1) في سنن أبي داود: " حبيبي ".
(2) تفرد به أبو داود.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (31/6779) .
(4) المصدر السابق (21/4162) .(2/408)
يونس: يروي عن: علي بن أبي طالب وما أظنه سمع من عليّ. ويروي
عن: أبي هريرة. روى عنه: الحجاج بن شداد الصنعاني، وعمار بن
سعد (1) المرادي. روى له: أبو داود (2) .
قوله: " مر ببابلَ " بابل: أقدم أبنية العراق، ونُسب ذلك الإقليم إليها
لقدمه؛ وكانت ملوك الكنعانيين وغيرهم يقيمون بها، وبها آثار أبنية من
قديم الزمان، ويقال: إن الضحاك أول مَن بنى بابل، ويقال: القي
إبراهيم في النار ببابل، واليوم هي خراب، وفي موضعها قرية صغيرة:
وهي غير منصرف للعلمية والعجمة.
قوله: " يؤذنه " أي: يعلمه؛ من آذن- بالمد- يؤذن.
قوله: " إن حبّي " الحِب- بكسر الحاء- بمعنى: الحبيب، مثل خِدن
وخَدينٍ.
قوله: " أن أصلي في المقبرة " المقبرة- بفتح الباء وضمها- واحدة المقابر.
و" (3) اختلف العلماء في تأويل هذا الكلام؛ فكان الشافعي يقول:
إذا كانت المقبرة مختلطة التراب بلحوم الموتى وصديدهم، وما يخرج
منهم، لم تجز الصلاة فيها للنجاسة، فإن صلى رجل في مكان طاهر منها
أجزأته صلاته، قال: وكذلك الحمام إذا صلى في موضع نظيف منه فلا
إعادة عليه. وهذا- أيضا- قول أصحابنا. ورخّص عبد الله بن عمر في
الصلاة في المقبرة وحكِيَ عن الحسن البصري أنه صلى في المقابر. وعن
مالك: لا بأس بالصلاة في المقابر. وقال أبو ثور: لا يصلي في حمام
ولا مقبرة على ظاهر الحديث. وكان أحمد وإسحاق يكرهان ذلك.
ورُويت الكراهة فيه عن جماعة من السلف. واحتج بعض من لم يجز
الصلاة في المقبرة وإن كانت طاهرة التربة بقوله- عليه السلام-: " صَلُوا
في بيوتكم، ولا تتخذوها مقابر " قال: فدل ذلك على أن المقبرة ليست
بمحل للصلاة ".
__________
(1) في الأصل: " سعيد " خطأ.
(2) المصدر السابق (10/2318) .
(3) انظر معالم السنن (1/127) .(2/409)
قلت: هذا استدلال ضعيف؛ لأن المعنى: لا تتخذوها خالية عن
العبادات كالمقابر؛ لا أن المعنى أن المقابر لا تجوز فيها الصلاة.
قوله: " فإنها ملعونة " أي: فإن أرض بابل ملعونة بمعنى: أن أهلها
كانت ملعونة، ولهذا خسف بهم، والأرض لا توصف باللعنة؛ ويؤيد
ذلك ما روى ابن أبي شيبة، عن وكيع، عن سفيان، عن عبد الله بن
شريك، عن عبد الله بن أبي المُحِلّ العامري قال: كنا مع على فمررنا
على الخسف الذي ببابلَ فلم يعدل حتى أجازه. وعن حجر بن عنبس
الحَضرمي، عن عليّ قال ما كانت لأصلي في أرض خسف الله بها ثلاث
مرار. قال البيهقي: وهذا النهي إن ثبتَ مرفوعا وليس بمعنى يرجع إلى
الصلاة، إذ لو صلى فيها لم يُعد، وإنما هو كما جاء في قضيّه الحجر.
وقال ابن يونس: أبو صالح الغفاري روى عن علي وما أظنه سمع منه.
وقال ابن القطان: في سَنده رجال لا يعرفون. وقال عبد الحق: هو
حديث واهي. وقال البَيهقي في " المعرفة ": إسناده غير قوي، وقال:
/في إسناد هذا الحديث مقال، ولا أعلم أحدا من العلماء حرّم الصلاةَ في
أرض بابل، وقد عارضه ما هو أصحّ منه وهو قوله- عليه السلام-:
" جُعلت لي الأرض مسجدا وطهورا "، ويُشبه أن يكون معناه- إن
ثبت-: أنه نهاه أن يتخذ أرض بابل وطنا ودارا للإقامة، فتكون صلاته فيها
إذا كانت إقامته بها. ويخرج النهي فيه على الخصوص؛ ألا تراه يقول:
" نهاني "؟ ولعل ذلك منه إنذار له بما أَصَابه مِن المحنة بالكوفة- وهي
أرض بابل- ولم ينتقل أحد من الخلفاء الراشدين قبله من المدينة.
473- ص- نا أحمد بن صالح: نا ابن وهب: أخبرني يحيى بن أزهر،
وابنُ لهيعة، عن الحجاج بن شداد، عن أبي صالح الغِفاريّ، عن عليّ
- رضى الله عنه- بمعنى سليمان بن داود قال: " فلمَا خرَجَ " مكان " لما
برز " (1)
__________
(1) انظر الحديث السابق.(2/410)
ش- الحجاج بن شداد: الصنعاني، يُعذ في المصريين. روى عن:
أبي صالح. روى عنه: ابن لهيعة، ويحيى بن أزهر، وحيوة بن
شريح. روى له: أبو داود.
قوله: " بمعنى سليمان بن داود " أي: بمعنى، حديث سليمان بن داود
الزهراني المذكور.
قوله: " قال " أي: قال أحمد بن صالح في روايته: " فلما خرج منها "
مكان قوله: " فلما برز منها " وكلاهما سواء في المعنى.
474- ص- نا موسى بن إسماعيل: نا حماد ح ونا مُسدد: نا
عبد الواحد، عن عمرو بن يحيى، عن أبيه، عن أبي سعيد قال: قال رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقال موسى في/حديثه فيما يحسب عَمرو: إن النبيَّ- عليه
السلام- قال: " الأرضُ كلها مَسجدا إلا الحمَامَ والمَقبُرةَ " (1) .
ش- حماد: ابن سلمة، وعبد الواحد: ابن زياد البصري، وعَمرو
ابن يحيى: ابن عمارة المدني، وأبوه: يحيى بن عمارة بن أبي حسن
الأنصاري المدني، وأبو سعيد: الخدري.
قوله: " وقال موسى " أي: موسى بن إسماعيل أحد شيوخ أبي داود.
قوله: " إلا الحمام والمقبرة " استثناء متصل مَنصوب؛ لأن المستثنى واجب
النصب في صور؛ منها: أن يكون بعد " إلا " غير صفة في كلام
مُوجب ذكر المستثنى منه؛ وهاهنا كذلك؛ إذ لو رفع لكان بدلاً من
المسجد لانتفاء بقية التوابع، ويكون بدل بعض لا غير، والبدل يحل محل
البدل منه؛ لأنه المقصود، فيكون التقدير: " الأرض كلها إلا الحمام "
فلم يستقم المعنى، أو نقول: إن البدل في حكم تكرير العامل، فيكون
الحمام مسجدا- أيضا- إذ تقدير الكلام: في الأرض كلها مسجد إلا
__________
(1) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء أن الأرض كلها مسجد إلا المقبرة
والحمام (317) ، ابن ماجه: كتاب المساجد والجماعات، باب: المواضع التي
تكره فيها الصلاة (745) .(2/411)
الحمام مسجد؛ كما في قولك: جاءني القوم إلا زيدا، لو رفع " زيدا "
يكون التقدير جاءني القوم إلا جاءني زيد؛ وهو خلاف المقصود من
الكلام، فافهم. ثم الحمام إنما يخرج عن كونه مسجدا إذا كانت النجاسة
فيه ظاهرة، أو صلى في مَوضع فيه غُسالات، حتى لو صلى فيه في مكان
طاهر، أو غسل موضعا منه وصلى فيه، يحوز بلا كراهة. وكذلك
المقبرة إنما تخرج عن كونها مسجدا إذا ظهرت فيه صدائد الموتى ونحوها،
حتى إذا صلى في موضع طاهر منها يجوز- كما ذكرناه مفصلا مع
الخلاف- ورُوِيَ هذا الحديث مسندا ومرسلا، وأخرجه الترمذي، وابن
ماجه، وقال الترمذي: هذا حديث فيه اضطراب، وذكر أن سفيان أرسله
وقال: وكأن راويه الثوري عن عمرو بن يحيى، عن أبيه، عن النبي
- عليه السلام- أثبت وأصحّ.
***
24- باب: في الصَّلاة في مَبارِك الإبل
أي: هذا باب في بيان حكم الصلاَة في مبارك الَإبل، وفي بعض
النسخ: " باب ما جاء في الصلاة ". والمبارك: جمع مَبرك- بالميم
المفتوحة- وهو مَوضع البروك.
475- ص- نا عثمان بن أبي شيبة: نا أبو معاوية: نا الأعمش، عن
عبد الله بن عبد الله الرازي، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء بن
عازب قال: سُئِلَ رسولُ الله عن الصلاة في مبَارك الإبِلِ فقال: " لا تُصَلُوا
في مَبَارِك الإبلِ؛ فإنها منَ الشياطين " وسُئِلَ عنَ الصَلاةِ في مَرَابِضِ الغَنَم
فقال: " صًلُوَا فيها؛ فإنها بَرَكَة " (1) .
ش- الحديث بعينه مع رواته بأعيانهم مع زيادة فيه قد مر في " باب
الوضوء من لحوم الإبل "؛ فليراجع فيه/وقال البخاري: باب الصلاة
في مواضع الإبل (2) : حدثنا صدقة بن الفضل: حدثنا سليمان بن حيان:
__________
(1) تقدم برقم (171) .
(2) كتاب الصلاة: (430) .(2/412)
حدثنا عبيد الله، عن نافع قال: رأيت ابن عُمر يصلي إلى بَعِيره وقال:
رأيتُ رسول الله يفعله.
قلت: ليس في هذا الحديث بيان أنه صلى في موضع الإبل.؛ وإنما صلى
إلى البعير؛ لا في موضعه؛ وليس إذا أنيخ بعير في موضع صار ذلك
عطنًا، ولا يعارضه النهي عن الصلاة في معاطن الإبل؛ لأن المعاطن
مواضع إقامتها عند الماء واستِيطانها.
***
25- باب: مَتَى يُؤمرُ الغلامُ بالصلاةِ
أي: هذا باب فيه بيان حكم الغلام متى يؤمر بالصلاة، وفي بعض
النسخ: " باب متى يؤمر الصبي بالصلاة ". وقال الجوهري: الصَبي:
الغلامُ، والجمع: صُبية وصبيان، وهو من " الواو " ولم يقولوا: أصبية
استغناء بصبية، كما لم يقولَوا: أغلمة استغناء بغلمة، وتصغير صِبيَة:
صُبَية في القياس. وقد جاء في الشعر: أصيبيَة كأنه تصغير أصبيَة؛
واشتقاقه من صَبَا يَصبو صُبُوا وصَبوةً أي: مال؛ ومنه سمي الصَّبي لميله إلى
كل شيء، وقال في " المجمل ": الغلامُ: الطار الشارب؛ وهو بَين
الغُلُومِيَّة؛ والجمع: غلمة وغلمان؛ وأصله: من اغتلم الفحلُ غلمةً،
وهاج من شهوة الضراب؛ والحاصل: أن الصبي والغلام لا يطلقان إلا
على مَن لم يُدرك ولم يبلغ.
476- ص- نا محمد بن عيسى: نا إبراهيم بن سَعد، عن عبد الملك
ابن الربيع بن سَبرة، عن أبيه، عِن جلة قال: قال النبيِ- عليه السلام-:
" مُرُوا الصبي بالصلاة إذا بلغَ سبع سنين، وإذا بَلَغَ عشرَ سنين فاضربُوه
عليها " (1) .ًَ
ش- محمد بن عيسى: الطباع، وإبراهيم بن سَعد: ابن إبراهيم بن
عبد الرحمن بن عوف.
__________
(1) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء متى يؤمر الصبي بالصلاة (407) .(2/413)
وعبد الملك بن الربيع بن سَبرة الجهني* سمع: أباه، روى عنه:
إبراهيم بن سعد، وزيد بن الحباب، وحرملة بن عبد العزيز وغيرهم.
روى له الجماعة إلا البخاريّ (1) .
وأبوه الربيع بن سَبرة بن مَعبد الجهني المدني. روى عن: أبيه، ويحيى
ابن سعيد بن العاص، وعمر بن عبد العزيز. روى عنه: الزهري،
وابناه: عبد الملك وعبد العزيز وغيرهم. قال أحمد بن عبد الله العجلي:
حجازيّ ثقة. روى له الجماعة إلا البخاري (2) .
وسَبرة بن مَعبد ويقال: ابن عوسجة بن حرملة بن سبرة بن خديج
الجُهني يكنى أبا ثُرية- بضم الثاء المثلثة- رُوِيَ له عن رسول الله تسعة
عشر حديثا. روى له مسلم حديثا واحدًا. روى عنه: ابنه: الربيعُ.
توفي في خلافة معاوية. روى له أبو داود، والنسائي، والترمذي، وابن
ماجه (3) .
قوله: " مروا الصبيَّ " مرُوا أصله: أُأْمُروا؛ لأنه من أمَر يَأمر والأمر منه:
أأمُر، فحذفت الهمزة الثانية للتخفيف فصار أمُر، فاستغنى عن همزة
الابتداء فحذفت فصار: " مُر " على وزن " عُل "؛ وهذا الأمرُ للإرشاد
والتأديب؛ وليس للوجوب؛ إذ الصبيّ مرفوع عنه القلم، فلا يكلف
بالأوامر والنواهي، وإنما عيّن السَنة السّابعة لأنها سنة التمييز، ألا يُرى أن
الحضانة تسقط عند انتهاء الصبيّ إلى سبع سنين؟ ولأن أوّل مراتب عقود
العدد المركب العشرة، والسَبعة أكثرها، وإنما أمر بالضرب عند عشر
ستين لأنه ح (4) يَقربُ إلى البلوغ؛ لأن أقلَّ البلوغ في حق الصبيّ
اثنا عشر سنةً، وهذا الأمر- أيضا- أمر تأديب وإرشاد ليتخلق
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (18 /3526) .
(2) المصدر السابق (9/1862) .
(3) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (2/75) ،
(2/325) ، الإصابة (2/14) . أسد الغابة
(4) أي: " حينئذ ".(2/414)
بأخلاق المسلمين ويتعود بإقامة العبادات، وقال الخطابي: وهذا يدل على
إغلاظ العقوبة له إذا تركها متعمداً بعد البلوغ. وكان بعض أصحاب
الشافعي يحتج به في وجوب قتله إذا تركها متعمدا بعد البلوغ، ويَقول:
إذا استحق الصبي الضرب وهو غير بالغ، فقد عقل أنه بعد البلوغ يَستحق
من العقوبة ما هو أشد من الضرب، وليس بعد الضرب شيء مما قاله
العلماء أشد من القتل.
قلت: هذا استدلال ضعيف؛ لأنا / لا نسلم أن الضرب كان عليه
واجبًا قبل البلوغ حتى يستحق ما هو أشد من الضَرب، وهو القتل بعد
البلوغ، ولا نسلم- أيضا- أن القتل واجبٌ بالذنب؛ للحديث المشهور:
" أمرت أن أقاتل الناسَ حتى يقولوا: لا إله إلا الله " الحديث- وأيضا-
الضرب في نفسه يتفاوت، فيُضربُ بعد البلوغ ضربا مُبرَحا حتى يخرج
منه الدم، ويُحبس- كما هو مذهب أبي حنيفة- فهذا أشدُ من الضرب
المجرد، فكيف يَقولُ هذا القائل: " وليس بَعد الضرب شيء أشد من
القتل "؟! وأيضا الضرب قبل البلوغ بطريق التأدب وبعده بطريق الزجر
والتعزير، فكان هذا أشد من الضرب الأول، فليت شعري الذي يستدل
بهذا الدليل الواهي كيف لا يُصحح إسلام الصَبيّ بهذا الحديث؟ لأنه إذا
كان يؤمر بالصلاة وعمره سبع سين، ويُضرب على تركها وعمره عشر
سنين "، كيف لا يصح إسلامُه الذي هو أصلُ سائر العبادات؟ ولا تُقبل
الصلاة ولا غيرها إلا به؟ على أن الصلاة يحتاج فيها الصبي إلى تعقم
أمور كثيرة من الاستنجاء والطهارة، ومعرفة الوقت وغير ذلك من شرائط
الصلاة وأركانها، بخلاف الإسلام؛ فإنه مُجرد قولِ، فافهم.
477- ص- نا مؤمل بن هشام: نا إسماعيل، عن سَوار أبي حمزة- قال
أبو داود: وهو سوّار بن داود أبو حمزة المزني الصيرفي-، عن عمرو بن
شعيب، عن أبيه، عن جده قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مُرُوا أولادَكُم
بالصلاة وهم أبناءُ سبع سِنين، واضرِبُوهُم عليها وهم أبناءُ عَشرِ سِنين،
وفَرقُوا بَينهم في المضَاجِع " (1) .
__________
(1) تفرد به أبو داود.(2/415)
ش- مؤمل بن هشام: أبو هشام اليشكري البصري، ختن إسماعيل
ابن علية. روى عن: إسماعيل بن عليّة. روى عنه: البخاري،
وأبو داود، وابنه (1) عبد الله بن أبي داود، والنسائي، وأبو حاتم وقال:
صدوق، وغيرهم. مات سنة ثلاث وخمسين ومائتين (2) . وإسماعيل
ابن عُلية البصري، وقد ذكرناه مرة.
وسَوار: ابن داود، أبو حمزة الصَّيرفي المزني البصري، صاحب
الحُلي. سمع: ثابتا البناني، وعمرو بن شعيب. روى عنه: إسماعيل
ابن عُليّة، ووكيع، وابن المبارك وغيرهم. قال أحمد بن حنبل: شيخ
بصري، لا بأس به. وقال ابن معين: ثقة. وقال الدارقطني: بصري،
لا يتابع على أحاديثه فيُعتبر به. روى له: أبو داود (3) .
قوله: " وهم أبناء " في موضعين وقع حالاً.
قوله: " وفرقوا بينهم في المضاجع " أي: في المراقد؛ وذلك لأنهم إذا
بلغوا إلى عشر سنين يقربون من أدنى حد البلوغ، وينتشر عليهم آلاتهم،
فيخاف عليهم من الفساد.
478- ص- نا زهير بن حرب: نا وكيع: حدثني داود بن سَوّار المزني
بإسناده ومعناه، وزاد:" وإذا زَوجَ أحدُكُم خَادمَهُ عَبدَهُ أو أجيرَهُ، فلا يَنظر
إلى ما دونَ السرة وفوقَ الرُكبَةِ " (4) .
ش- زهير بن حَرب: ابن شداد النسائي، ووكيع: ابن الجراح.
__________
(1) لم أجده فيمن روى عنه، والظاهر أن بصره فد انتقل للترجمة الني تليها،
وهي ترجمة مؤمل بن وهب، ففيها: روى عنه ابنه عبد الله بن المؤمل، والله
أعلم.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (29 /6323) .
(3) المصدر السابق (12/2636) .
(4) تفرد به أبو داود. وأخرجه كذلك في كتاب اللباس، باب في قوله: (غير
أولي الإربة) (4113) .(2/416)
قوله: " بإسناده " أي: بإسناد الحديث المذكور؛ ومعناه؛ ولكنه زاد في
روايته: " وإذا زوج أحدكم خادمه " الخادمُ: واحد الخدم، ويقع على
الذكر والأنثى، لإجرائه مجرى الأسماء غير المأخوذة من الأفعال كحائض
وعاتق؛ ولكن المراد هنا الأنثى بقرينة قوله: " عبده أو أجيره " لأن الذي
يزوجه منهما هي الأنثى؛ وإنما نهى أن لا ينظر إلى ما دون السُّرّة وفوق
الركبة، لأنه بتزويجه إياها حَرُمَت عليه، فصارت كجارية الأجنبي، فلا
يحوز له أن ينظر إلى عورتها؛ ولكن في جارية الأجنبي لا يحوز النظر-
أيضا- إلى بطنها وظهرها؛ لأن ظهرها وبطنها- أيضا- عورة في حق
الأجانب- كما عرف في الفروع.
ص- قال أبو داود: وهِمَ وكيع في اسمه. روى عنه: أبو داود الطيالسي
هذا الحديث قال: نا أبو حمزة سوار الصيرفي.
ش- أي: وهم وكيع بن الجراح في اسم سوّار بن داود فقلبه فقال:
داود بن سَوار؛ واستدل على وهمه بقوله: روى عنه- أي: عن سوار-
أبو داود: سليمان بن داود/الطيالسي قال: حدثنا أبو حمزة سوّار
الصيرفي. وهذا الحديث ذكره الشيخ في كتاب اللباس- أيضا-.
479- ص- نا سليمان بن داود المَهريُ: نا ابن وَهب: أخبرني هشام بن
سعد: حدثني معاذ بن عبد الله بن خُبيب الجُهني قال: دَخَلنَا عليه فقال
لامرأتهِ: متى يُصلِّي الصبيُ؟ فقالت: كان رجلٌ منَا يَذكرُ عن رسول الله أنه
سُئِلَ عن ذلك قال: " إذا عَرَفَ يمينَهُ من شِمَالِهِ، فمُروهُ بالصَلاةِ " (1) .
ش- سليمان بن داود: ابن حماد المَهري أبو الربيع المصري،
وعبد الله بن وهب، وهشام بن سعد المدني القرشي.
ومُعاذ بن عبد الله بن خُبيب- بضم الخاء المعجمة- الجهني المدني.
روى عن: أبيه، وعمه، وابن عباس، وجابر بن عبد الله، وجابر بن
أسامة. روى عنه: أسِيد بن أبي أسِيد، وأسامة بن زيد، وعثمان بن
__________
(1) تفرد به أبو داود.
27 * شرح سنن أبي داود 2(2/417)
مرة، وزيد بن أسلم، وعبد الله بن سليمان. قال ابن معين: ثقة. روى
له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (1) .
قوله: " إذا عرف يمينه من شماله " هذا إنما يكون في سنة التمييز؛
ويختلف ذلك باختلاف ذكاوة الصبي وبلادته؛ فكم من صبي عمره خمس
سنين أو أكثر من ذلك بقليل يعرف ذلك، وكم من صبي عمره عشر سنين
أو " أقل من ذلك بقليل لا يَعرف ذلك؛ ولكن الغالب في ذلك سبع سنين؛
لأنه سنة التمييز- كما ذكرناه.
***
26- بَابُ: بَدء الأذَانِ
أي: هذا باب في بيان ابتداء الأذان. وفي بعض النسخ: " باب ما
جاء في بدء الأذان ". ولما فرغ عن بيان المواقيت ونحوها شرع في بيان
الأذان الذي هو إعلام للصلاة؛ وقدم المواقيت التي هي إعلام لما فيها من
معنى السببيّة، ثم ذكر الأذان الذي هو إعلام لتلك الإعلام؛ والأذان:
الإعلام بالشيء؛ يقال: آذن يؤذن إيذانا، وأدَّن يؤذن تأذينا؛ والمشدد
مخصوص في الاستعمال بإعلام وقت الصلاة. وفي " الصحاح ": وأذان
الصلاة معروف، والأذِينُ مثله، وقد ألحّن أذانا.
480- ص- نا عباد بن موسى الخُتلي. ونا زيادُ بن أيوب- وحديث
عباد أتم- قالا: نا هُشيم، عن أبي بشر، قال زيادٌ: أخبرنا أبو بشرِ، عن
أبي عُمير بن أنس، عن عُمُومة لهَ من الأنصارِ قال: اهتم النبيُ- عليه
السلام- للصلاة: كيفَ يَجمَعُ الناسَ لها؟ فقيلَ له: انصب رايةَ عند
حُضُورِ الصلاة، فَإذا رَأوها آذَنَ بَعضُهم بَعضًا، فَلم يُعجبه ذَلك. قال:
فَذُكِرَ له القنعِ- يعني: الشّبّور- وقال زيادٌ: شَبورُ اليَهُود- فلم يُعجبهُ ذلك
وقال: " هُو مِن أمرِ اليَهُود ". قال: فَذُكِرَ له الناقُوسُ فقَال: " هو من أمرِ
النصَارى ". فانصرفَ عبدُ الله بنُ زيدٍ وهو مُهتَم لِهَم رَسُولِ الله، فأرِيَ
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (28/6031) .(2/418)
الأذانَ في مَنامِهِ. قال: فَغَدا على رسول الله فأخبرَهَ، فقال (1) : يا رَسُولَ اللهِ،
إني لبين نائمٍ ويَقظانَ إذ أتاني آتٍ فأرَانيَ الأذانَ. قال: وكان عُمرُ بنُ
الخطاب قد راَهُ قبل ذلك فكَتَمَهُ عشرين يومًا. قال: ثم أخبره النبيَّ- عليه
السلام-، فقالَ له: " ما مَنَعكَ أنَ تُخبِرَنَا (2) ؟ " فقال: سَبَقَنِي عبدُ الله بن
زيد فاستحيَيتُ، فقالَ رسولُ الله: " يا بلالُ! قُم فانظُر ما يأمُرُكَ به عبدُ الله
ابنُ زَبد فافعله ". قالَ: فأذنَ بلالَ " (3) .
ش- عباد بن مُوسى: أبو محمد الختلي- بضم الخاء المعجمة والتاء
المثناة من فوق- وزياد بن أيوب: ابن زياد البغدادي. وهُشَيم: ابن بشَير
الواسطي. وأبو بشر: جَعفر بن أبي وَحشية الواسِطي. وأبو عُميِر بن
أنس بن مالك: الأنصاري. روى عن: عمومة له من الأنصار. روى
عنه: أبو بشر. قال الحاكم: اسم أبي عُمير: عبد الله. روى له:
أبو داود، والنسائي، وابن ماجه؛ وسماه: عبد الله- أيضا (4) -.
قوله: " عن عُمومة " العمومة: جمع عَم؛ كالبعولة: جمع بَعلٍ.
قوله: " انصب " - بكسر الصاد- لأنه من باب ضرب يضرب،
والرايةُ: العلم؛ وأصله واويّ.
قوله: " آذن " - بالمد- أي: أعلم؛ من الإيذان وهو الإعلام.
قوله: " فذُكرَ له القُنع " بضم القاف وسكون النون، و " القَبَعَ " بفتح
القاف والباء/َ المُوحدة، و " القَثع " بالثاء المثلثة الساكنة، و " القَتع "
بالتاء ثالثة الحروف؛ " (5) فمن قال بالنون- وهو الأكثر في الرواية-
فلإقناع الصوت به وهو رفعه، وأقنع الرجل صوته ورأسه إذا رفعه، ومن
أراد أن ينفخ في البُوق يرفع رأسه وصوته، أو لأن أطرافه أقنعت إلى
__________
(1) في سنن أبي داود: " فقال له ".
(2) في سنن أبي داود: " تخبرني ".
(3) تفرد به أبو داود.
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (34/7545) .
(5) انظر: النهاية (4/115- 116) .(2/419)
داخله أي عُطفت. ومَن قال بالباء الموحدة لأنه يَتبع فَا (1) صاحبه أي:
يَستُره، وقبع الرجل رأسه في جَيبه إذا أدخله فيه؛ لأنه يقبَعُ فم النافخ
أي: يُواريه أو من قَبَع الجوالق أو الجراب إذا ثنَيت أطرافه إلى داخل، أو
من قولهم: قبَع في الأرض قبُوعًا ذهب لذهاب الصوت منه وشدته.
وأما الثاء المثلثة: فأثبته أبو عمر الزاهد، وأبطله الأزهري، كأنه من قَثع
مقلوب قعث وأقتعثه إذا أخذ كفه واستوعبه، لأخذ البوق نفس النافخ
واستيعابه له؛ لأنه ينفخ بشدة ليرفع الصوت به ويُنوه به. ومَن قال بالتاء
ثالث الحروف قال: هو دود يكون في الخشب، وقيل: هذا الحرف
مَدارُه على هُشيم؛ وكان كثير اللحن والتحريف، على جلالة محلّه في
الحديث ".
قوله: " يعني: الشّبُور " تفسير القنع، والشبور بفتح الشين المعجمة
وضم الباء الموحدة المشددة. وقال في " الصحاح ": الشّبَور على وزن
التنور: البُوقُ؛ ويقال: هو مُعرب.
قوله: " الناقوس " خشبة طويلة تُضربُ بخشبة أصغر منها؛ والنصارى
يُعلمون بها أوقات صلواتهم. قال ابن الجواليقي: فأما الناقوس: فيُنظر
فيه أعربيّ هو أم لا؟
قلت: النَّقسُ: هو الضرب بالناقوس يدل على أنه عربي؛ ووزنه:
فاعُول كقَابُوس البحر، فيكون الألف والواو فيه زائدتان.
قوله: " لهَمِّ رسول الله " أي: لهم رسول الله في الصلاة كيف يجمع
الناس لها؟ وَالهم: الحَزَنُ، وأهمني (2) الأمر إذا أقلقك وَحَزنك.
قوله: " قم فانظر ما يأمرك به " فيه دليل على أن الواجب أن يكون الأذان
قائمًا؛ وكانت هذه القضية عند مَقدمه- عليه السلام- المدينة النبوية.
وفي " تاريخ النويري ": وفي السنة الثانية من الهجرة: رأى عبد الله بن
__________
(1) أي: " فمه ".
(2) كذا، والجادة: " وأهمك ".(2/420)
زيد بن عبد ربّه الأنصاري صورة الأذان في النوم وورد الوَحي به. وروى
السُّهيلي بسنده من طريق البزار، عن علي بن أبي طالب، فذكر حديث
الإسراء وفيه: فخرج ملك من وراء الحجاب، فأذن بهذا الأذان وكلما
قال كلمةً صدقه الله تعالى، ثم أخذ الملك بيد محمد- عليه السلام-
فقدّمه، فأم بأهل السماء وفيهم اَدم ونوح " ثم قال السهيلي:. وأخلِق بهذا
الحديث أن يكون صحيحا؛ لما يَعضده ويشاكله من حديث الإِسراء.
فلت: ليس كما زعم السهيلي أنه صحيح؛ بل هو منكر؛ تفرد به:
زياد بن المنذر أبو الجارود الذي تُنسب إليه الفرقة الجارودية، وهو من
المتّهمين، ثم لو كان هذا قد سمعه رَسول الله ليلة الإِسراء، لأوشك أن
يأمر به بعد الهجرة في الدعوة إلى الصلاة.
ص- قال أبو بشر: فأخبرني أبو عَمير أن الأنصار تزعم أن عبد الله بن
زيد لولا أنه كان يومئذ مريضًا لجعله رسول الله مُؤذنًا.
ش- أي: يوم رأى الأذان في منامه كان ضعيفًا؛ وكان له- عليه
السلام- أربعة من المؤذنين؛ وهم: بلال، وعمرو بن أم مكتوم القرشي
العامِري الأعمى، وأبو محذورة أوسُ بن مِعيَرِ الجُمحي، وسَعد بن عائذ
مولى عمار بن ياسر بقُباء- رضى الله عنهم-. وأما عبد الله بن زيد:
فهو ابن عبد رَبه بن ثعلبة بن زيد بن الحارث بن الخزرج أبو محمد
الأنصاري الخزرجي، شهد العقبة وبدرًا. روى عنه: ابنه: محمد،
وسعيد بن المسيب، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وقال الترمذي: سمعتُ
محمد بن إسماعيل يقول: لا يُعرف لعبد الله بن زيد بن عبد ربه إلا
حديث الأذان. توفي بالمدينة سنة اثنتين وثلاثين وهو ابن أربع وستين،
وصلى عليه عثمان بن عفان- رضى الله عنه-. روى له: أبو داود،
والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (1) .
__________
(1) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (2/311) ، أسد الغابة
(3/247) ، الإصابة (2/312) .(2/421)
27- بَابُ: كيفَ الأذانُ؟
أي: هذا باب فيه كيفية الأذان.
481- ص- نا محمد بن منصور الطُّوسي: نا يعقوب: نا أبي، عن
محمد بن إسحاق:/حدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التَّيمَي، عن
محمد بن عبد الله بن زيد بن عبد ربّه: حدثني أبي: عبد الله بن زيد قال: لما
أمَرَ رسول الله بالناقُوسِ يُعملُ ليُضربَ به للناسِ لجمع الصلاة، طَافَ بي-
وأنا نَائم- رجَل يحمِلُ ناقُوسًا في يده، فقلتُ: يا عبدَ الله! أتًبِيعُ الناقوسَ؟
قال: وما تَصنعُ به؟ فقلتُ: ندعو بهَ إلى الصلاةِ، قال: َ أفلا أدُلُك على ما
هو خير من ذلك؟ فقلتُ له: بلى، قال: فقال: تَقُول: اللهُ أكبر، اللهُ أكبر،
اللهُ أكبر، الله أكبر، أشهدُ أن لا إله إلا الله، أشهدُ أن لا إله إلا الله، أشهدُ أن
محمدَا رسول الله، أشهدُ أن محمدًا رسولُ الله، حب على الصلاة، حيَّ
على الصلاة، حيَّ على الفلاح، حيَّ على الفلاحَ، الله أكبر، الله أكبرَُ، لا إله
إلا الله. قالَ: ثم استَأخَرَ عنِّي غيرَ بَعيد. ثم قال: ثم تَقولُ (1) إذا أقَمتَ
الصلاةَ: الله أكبر الله أكبرُ، أشهد أنَ لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسولُ
الله، حيَّ على الصلاة، حَيَ على الفلاحِ، قد قَامَت الصلاةُ، قد قَامَتِ
الصَلاةُ، الله أكبر الله أكَبر، لا إله إلا الله. فلما أصبحَتَ أتيتُ رسولَ الله-
فأخبرتُه بما رأيتُ فقال: " إنها لرُؤيا حُقّ إن شاء الله، فقم مع بلال فألقِ عليه
ما رأيت، فليؤذِّن به؛ فإنه أندى صوتًا منك " فقمتُ مع بلالٍ فجًعلتُ ألقِيه
عليه ويُؤَذّنُ به. قال: فسمع ذلك عُمر بنُ الخطاب وهو في بَيته، فخرجَ
يَجرُ رداءَه يقول (2) : والذي بعثَكَ بالحقِّ يا رسولً الله لقد رأيَتُ مثلَ ما
أرِيَ (3) . فقال رسول اللهِ: " فللَهِ الحمدُ " (4) .
__________
(1) في سنن أبي داود: " وتقول ".
(2) في سنن أبي داود: " ويقول ".
(3) في سنن أبي داود: " رأى "، وسيذكر المصنف أنها رواية.
(4) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في بدء الأذان (189) ، ابن ماجه:
كتاب الأذان، باب: بدء الأذان (706) .(2/422)
ش- محمد بن منصور: ابن داود بن إبراهيم، أبو جعفر الطُوسي
العابد، سكن بغداد. سمع: يعقوب بن إبراهيم، وروح بن عبادة،
وإسماعيل بن عليّة، وابن عُيينة وغيرهم. روى عنه: أبو داود،
والنسائي، ومحمد بن إسحاق بن خزيمة وغيرهم. قال النسائي: هو ثقة،
ومرة: لا بأس به. مات سنة أربع وخمسين ومائتين، وله ثمانون سنه (1) .
ويعقوب: ابن إبراهيم بن سعد الزهري. وأبوه: إبراهيم بن سَعد بن
إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري القرشي. ومحمد بن إسحاق:
ابن يسار.
ومحمد بن عبد الله بن زيد بن عبدا ربه الأنصاري الخزرجي المدني.
روى عن: أبيه، وأبي مسعود البدري. روى عنه: أبو سلمة، ونعيم
ابن عبد الله، ومحمد بن إبراهيم بن الحارث التَّيمي. روى له الجماعة (2) .
قوله: " طاف بي " من الطيف؛ وهو الخيال الذي يُلم بالنائم، يقال
منه: طاف يَطيف، ومن الطواف: طاف يطوف، ومن الإحاطة بالشيء:
أطاف يُطِيف.
قوله: " رجل " مرفوع على أنه فاعل طاف.
قوله: " وأنا نائم " جملة حالبّة معترضة بين الفعل والفاعل.
وقوله: " يحمل ناقوسَا " في محل الرفع؛ لأنه صفة رجل.
قوله: " أتبيع الناقوس " الهمزة فيه للاستفهام، وكذلك الهمزة في
قوله: " أفلا أدلك " والفاء للعطف.
قوله: " من ذلك " أي: من الناقوس، أي: من ضَربه.
قوله: " قال: فقال " أي: قال عبدُ الله بن زيد: قال الرجل الذي عمل
الناقوس.
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (26/5631) .
(2) المصدر السابق (25/5346) .(2/423)
قوله: " الله كبر " إلى آخره مَقولُ القَول؛ ومعنى " الله أكبر " أي:
أكبر من كل شيء، وقد عرف أن أفعل التفضيل لا يستعمل إلا بأحد
الأشياء الثلاثة: الألف واللام، والإضافة، و " مِن "؛ وقد يستعمل
مجردا عنها عند قيام القرينة كقوله تعالى: (يَعلمُ السِّرَّ وأخفَى) (1)
أي: أخفى من السِّرّ، ومنه " الله أكبر "، وقد ذكرنا مرةً أن " أن " في
" أشهدُ أن " مخففة من مثقلة، وأن " إلا " بمعنى " غير ".
قوله: " حيّ على الصلاة " أي: أسرِعوا إليها وهلموا وأقبلوا وتعالوا،
وهو اسم لفعل الأمر، وفتحت الياء لسكونها وسكون ما قبلها؛ كما قيل
ليتَ، ولعلَّ، والعربُ تقول: حيَّ على الثريد. " والفلاح ": النجاة.
قوله: " ثم استأخر عني " استأخر مثل تأخر، أي: تأخر عني؛ وليس
السين فيه للطلب؛ وفيه دلالة على أن الإقامة تكون في غير موقف الأذان
مستحبةً.
قوله: " قد قامت الصلاة " أي: قد قربت وحانت؛ لأن " قد " فيها
للتقريب.
قوله: " إنها " أي: الرؤية التي رأيتها " لرؤيا حق " يعني: من الله
تعالى؛ والرُّؤيا على وزن فُعلى بلا تنوين؛ يقال: رَأى في منامه رؤيا؛
وجمع الرؤيا: رُؤًى بالتنوين مثل (2) رُعًى؛ وإنما قال: " إن شاء الله "
للتبرك؛ كقوله تعالى: (لَتَدخُلُنَّ المسجِدَ الحرامَ إِن شَاءَ الله) (3) .
/قوله: " فإنه أندى صوتَا منك " أي: أرفع وأعلى، وقيل: أحسن
وأَعذب، وفيل: أبعد، وهو أفعل من النَدَى- بفتح النون وبالقَصر-
وهو بمعنى الغاية، مثل المَدى، والنَدَى- أيضا- بعد ذهاب الصوت.
وفيه دليل على أن من كان أرفع صوتا كان أولى بالأذان؛ لأنه إعلام،
فكل من كان الإعلام بصوته أوقع كان به أحق وأجدر.
__________
(1) سورة طه: (7) .
(2) في الأصل: " مثال ".
(3) سورة الفتح: (27) .(2/424)
قوله: " يَجرُّ رداءه " جملة وقعت حالاَ من الضمير الذي في " فخرج "،
وكذلك قوله " يقول " حال- أيضا- والفعل الضارع المثبت إذا وقع حالا
لا يحتاج إلى الواو؛ وقد عُرف في مَوضعه.
قوله: " مثل ما أُرِي " - بضم الهمزة وكسر الراء- أيمما: مثل ما أُرِي
عبد الله بن زيد. وفي رواية: " مثل ما رأى " على صيغة المعلوم.
قوله: " فللَّه الحمد " الفاء فيه يجوز أن تكون عاطفة على محذوف
تقديره: لله الشكر، فللَه الحمدُ، ويجوزُ أن تكون زائدة، قد زيدت فيه
لتَحبير الكلام.
و" (1) هذا الحديث والقصة: قد رُوِيَ بأسانيد مختلفة؛ وهذا الإسناد
أصحها. وفيه: أنه ثنى الأذان وأفرد الإقامة؛ واستدل به الشافعي علي
أن الإقامة فرادى. وبه قال مالك وأحمد، وهو قول الحسن، ومكحول،
والزهري، والأوزاعي، وإسحاق بن راهويه ".
واستدل أبو حنيفة بأحاديث- نذكرها عن قريب إن شاء الله تعالى-
على أن الإقامة مثل الأذان غير أن فيها " قد قامت الصلاة " مَرّتين.
" (2) والحديث: أخرجه الترمذي؛ فلم يذكر فيه كلمات الأذان، ولا
الإقامة، وقال: حديث حسن صحيح. ورواه ابن ماجه فلم يذكر فيه
لفظ الإقامة وزاد فيه شعرا. ورواه ابن حبّان في " صحيحه " في النوع
الرابع والتسعين من القسم الأول فذكر [هـ] بتمامه. وقال البيهقي في
" المعرفة ": قال محمد بن يحيى الذهلي: ليس في أخبار عبد الله بن زيد
في قصة الأذان خبر أصح من هذا؛ لأن محمدا سمعه من أبيه، وابن
أبي ليلى لم يسمع من عبد الله بن زَيد. ورواه ابن خزيمة في " صحيحه "
وزاد: وخبر ابن إسحاق هذا ثابت صحيح؛ لأن محمد بن عبد الله بن
زيد سمعه من أبيه، ومحمد بن إسحاق سمعه من محمد بن إبراهيم
__________
(1) انظر: معالم السنن (1/131) .
(2) انظر: نصب الراية (1/259) .(2/425)
التيمي؛ وليس هو مما دلّسه ابن إسحاق. وقال الترمذي في " علله
الكبير ": سألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث، فقال: هو عندي
صحيح. ورواه أحمد في " مسنده " (1) .
ص- قال أبو داود: هكذا رواية الزهري عن سعيد بن المسيّب، عن
عبد الله بن يزيد؛ وقال فيه ابن إسحاق، عن الزهري: " الله كبر، الله كبر،
الله كبر، الله أكبر ". وقال معمرٌ ويونس، عن الزهري فيه: " الله أكبر، الله
كبر " لم يُثنِّيا.
ش- أي: مثل رواية محمد بن إبراهيم التيمي، عن عبد الله بن زيد:
رواية ابن شهاب الزهري، عن سعيد بن المُسيب، عن عبد الله بن زيد.
وقال الحاكم في " المستدرك (2) " في فضائل عبد الله بن زيد بن عبد ربه:
" وإنما اشتهر عبد الله بن زيد بن عبد ربه بحديث الأذان؛ ولم يخرجاه في
" الصحيحين " لاختلاف الناقلين في أسانيده، وقد تداوله فقهاء الإسلام
بالقبول، وأمثل الروايات فيه: رواية سعيد بن المسيب، وقد توهم بعض
أئمتنا أن سعيدا لم يلحق عبد الله بن زَيد؛ وليس كذلك، وإنما توفي
عبد الله بن زيد في أواخر خلافة عثمان. وحديث الزهري عن سعيد بن
المسيب مشهور؛ رواه يونس بن يزيد (3) ، ومعمر بن راشد، وشعيب
ابن أبي حمزة، ومحمد بن إسحاق وغيرهم.
قوله: " لم يُثنيا " أي: لم يُثَنيا " الله أكبر الله أكبر " بمعنى قالا في
روايتهما عن الزهري: " الله أكبر الله أكبر " مرةً واحدةً. وهو مذهب
مالك- رضى الله عنه-.
482- ص- نا مُسدد: نا الحارث بن عُبيد، عَن محمد بن عبد الملك بنِ
أبي مَحذورة، عن أبيه، عن جَده قال: قلتُ: يا رسولَ الله، عَلِّمني سُنةَ
الأذَانِ! قال: فمسَحَ مُقدَّمَ رأسِهِ (4) قال: تَقُولُ: " الله كبرَ، الله كَبر، الله
__________
(1) (3/43) وإلى هنا انتهى النقل من نصب الراية.
(2) (3/336) .
(3) في الأصل: " زيد " خطأ.
(4) في سنن أبي داود: " رأسي وقال ".(2/426)
أكبر، الله أكبر، تَرفعُ بها صَوتكَ، ثم تَقولُ: أشهدُ أن لا إله إلا الله، أشهد
أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسولُ الله، أشهد أن محمدًا رسولُ الله،
تَخفضُ بها صَوتَكَ، ثم تَرفعُ صوتَكَ بالشًّهادةِ: أشهدُ أن لا إله إلا اللهَ،
أشهَد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسولُ الله، أشهد أن محمدا
رسولُ الله، حَيَ على الصلاة، حَيَّ على الصلاة، حَيَّ على الفَلاح، حَيَّ
على الفَلاَح، فإن كان صلاة لصُّبحِ قلتَ: الصلَاةُ خَيرٌ من النوم، الصلاةُ
خيرٌ من النوم، الله كبر، الله أكبر، لا إله إلا الله " (1) .
ش- الحارث بن عُبيد: الإيادي أبو قدامة البصري/مؤذن مسجد
الري. روى عن: ثابت البناني، وأبي عمران الجَوني، ومالك بن دينار،
وعامر الأحول، ومحمد بن عبد الملك بن أبي محذورة، وعبد العزيز بن
صُهيب، وهود بن شهاب. روى عنه: ابن البارك، ومسدد، وسعيد
ابن منصور وغيرهم. قال أحمد بن حنبل: مضطرب الحديث. وقال ابن
معين: ضعيف. وقال أبو حاتم: ليس بالقوي، يكتب حديثه ولا يحتج
به. وقال النسائي: ليس بذاك. روى له الجماعة إلا البخاريّ (2) .
ومحمد بن عبد الملك بن أبي محذورة: القرشي الجُمحي. روى عن:
أبيه، عن جده. روى عنه: الحارث بن عُبيد. روى له: أبو داود (3) .
وأبوه: عبد الملك بن أبي محذورة القرشي الجُمحي المكي. روى
عن: أبيه، وعبد الله بن محيريز. روى عنه ابنه: محمد، وابن ابنه:
إبراهيم بن عبد العزيز بن عبد الملك، والنعمان بن راشد، وإسماعيل بن
عبد الملك، وإبراهيم بن إسماعيل. روى له: أبو داود، والترمذي،
والنسائي (4) .
__________
(1) مسلم: كتاب الصلاة، باب: صفة الأذان (6/379) ، الترمذي: كتاب
الصلاة، باب: ما جاء في الترجيع في الأذان (191) ، النسائي: كتاب
الأذان، باب: كيف الأذان (2/4) ، ابن ماجه: كتاب الأذان، باب:
الترجيع في الأذان (708) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (5/1029) .
(3) المصدر السابق (26/5426) .
(4) المصدر السابق (18 /3553)(2/427)
وأبو محذورة- بفتح الميم، وسكون الحاء المهملة، وبعدها ذال معجمة
مضمومة، وراء مفتوحة، وتاء تأنيت- اسمه: سَمُرة بن مِعيَرِ- بكسر
الميم، وسكون العين المهملة، وبعدها ياء آخر الحروف مفتوحة وراء-
وقيل: اسمه: سَلمان، وقيل: مسلمة، وقيل: أوس ابن معير بن
لوذان بن وهب بن سَعد بن جُمح. روى له: مسلم، وأبوَ داود،
والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (1) .
قوله: " فمسَح مُقدم رأسه " أي: مسح رسولُ الله مقدم رأس
أبي محذورة؛ ولذلك كان لا يَحُزُ ناصيته ولا يفرقها، لأنه- عليه السلام-
مسح عليها. وقوله " مقدم ": بفتح القاف وتشديد الدال المفتوحة.
" (2) وحديث أبي محذورة في الأذان: رواه الجماعة إلا البخاري؛
فأخرجه مسلم مقتصرا منه على الأذان خاصةً؛ وفيه التكبير مرتين
والترجيع، وأخرجه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه مختصرا ومطولا،
وأخرجه ابن حبان في " صحيحه لما بلفظ أبي داود هذا المذكور. وبه
استدل الشافعي على الترجيع، وبه قال مالك؛ إلا أن عنده لا يؤتى
بالتكبير في أوله غير مرنين. وقال أحمد: إن رجّع فلا بأس به، وإن لم
يرجّع فلا بأس به. والجواب عن هذا: ما قاله الطحاوي في " شرح
الاَثار ": يحتمل أن الترجيع إنما كان لأن أبا محذورة لم يمدّ بذلك صوته
كما أراده النبي- عليه السلام-، فقال له- عليه السلام-: " ارجع
فامدد من صوتك ". وقال ابن الجوزي في " التحقيق ": إن أبا محذورة
كان كافرا قبل أن يُسلم، فلما أسلم ولقنه النبي- عليه السلام- الأذان،
أَعاد عليه الشهادة وكرّرها ليثبت عنده ويحفظها، ويكرّرها على أصحابه
المشركين، فإنهم كانوا ينفرون منها خلاف نفورهم من غيرها، فلما
__________
(1) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (4/177) ، أسد الغابة
(6/278) ، الإصابة (4/176) .
(2) انظر: نصب الراية (1/263- 264) .(2/428)
كررها عليه ظنها من الأذان، فعَده تسع عشرة كلمةً- وأيضا- فأذان
أبي محذورة عليه أهل مكة؛ وما ذهبنا إليه عليه عمل أهل المدينة؛
والعمل على المتأخر من الأمور ".
فإن قيل: يرد هذا: ما ذكره من قوله: " قلتُ: يا رسولَ الله،
علمني سُنَّة الأذان "؛ وفيه " ثم تقول: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد
أن محمدًا رسول الله تخفض بها صوتك، ثم ترفع صوتك بها " فجعله
من سُنَّة الأذان، وهو كذلك في " صحيح ابن حبّان " و " مسند
أحمد " (1) . قلت: هذا مُعارضُ بما أخرجه الطبراني عن أبي محذورة؛
وليس فيه ترجيع.
483- ص- نا الحسن بن علي: نا أبو عاصم وعبد الرزاق، عن ابن
جريج: أخبرني عثمان بن السائب: أخبرني أبي وأم عبد الملك بن
أبي محذورة، عن أبي محذورة، عن النبي- عليه السلام- نحو هذا
الخبر؛ وفيه: " الصلاةُ خَيرٌ من النوم، الصلاةُ خيرٌ من النوم " في الأول من
الصُّبح (2) .
ش- الحسن بن علي: ابن محمد الخلال الحلواني، وأبو عاصم:
النَّبيل، وعبد الرزاق: ابن همام، وعبد الملك: ابن جريج. وعثمان
ابن السائب: المكي. سمع: أباه، وأم عبد الملك بن أبي محذورة.
روى عنه: ابن جريج، وحديثه في المكيّين. روى له: أبو داود،
والنسائي (3) .
والسائب: المكي. سمع: أبا محذورة الجُمحي. روى عنه: ابنه:
عثمان. روى له: أبو داود، والنسائي (4) .
قوله: " في الأول " أي: في الأذان الأول من صلاة الصبح. وروى
__________
(1) (3/408) .
(2) النسائي: كتاب الأذان، باب: الأذان في السفر (2/7) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (19/3813) .
(4) المصدر السابق (10/2175) .(2/429)
ابن حزم بإسناده إلى أبي محذورة قال: كنت أؤذن لرسول الله في صلاة
الفجر فأقول في الأذان الأول: حي على الفلاح قلت (1) : الصلاةُ خير
من النوم. وصحّحه.
وعند الدارقطني (2) : " فلما بلغتُ حي على الفلاح قال لي النبيُ
- عليه السلام-: ألحق فيها: الصلاة خير من النوم.
صِ- قال أبو داود: وحديث مُسدّد أبينُ قال فيه: قال: وعلّمني
الإقامة مرتين مرّتين: " الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله
إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله، حي على
الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حي على الفلاح الله أكبر الله كبر
لا إله إلا الله ".
ش- أي: حديث مسدد بن مسرهد أظهر من حديث غيره؛ قال مسدد
في حديثه: قال أبو محذورة: " وعلمني الإقامة مرتين مرتين " إلى آخره.
وهذه الرواية حجّة على الشافعي ومَن معه.
ص- وقال أبو داود: قال عبد الرزاق: " وإذا أقمت فقلها مرتين: قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة أسَمِعتَ؟ ".
ش- أي: قال عبد الرزاق بن همام في روايته: " وإذا أقمت فقلها "
إلى آخره، والضمير من " فقُلها " يرجع إلى لفظة " قد قامت الصلاة "
ولا يُقال: إنه إضمار قبل الذكر؛ لأن الإضمار قبل الذكر إنما لا يجوز إذا
لم تكن ثَمَة قرينة تدل عليه؛ وهاهنا دلت القرينة عليه، ولا سيما فسره
بقوله: " قد قامت الصلاَة، قد قامت الصلاة ".
قوله: " أسمعتَ؟ " الألف فيه للاستفهام، والخطاب لأبي محذورة.
__________
(1) كذا، وفي المحلى (3/109- 110) : " أنه كان إذا بلغ " حي على الفلاح "
في الفجر فال: " الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم ".
(2) (1/237) .(2/430)
ص- قال: فكان أبو محذورة لا يَجُر ناصيَتَه، ولا يَفرقُها، لأن النبيَ
- عليه السلام- مسَحَ عليها ".
ش- أي: قال أبو داود: فكان أبو محذورة لا يحزُ- أي: لا يقصّ-
من جززتُ البُر والنخل والصوف جزا؛ والناصية: مقدم الرأس؛ والمراد
منها: شعرها.
قوله: " ولا يَفرقها " مِن فرَقَ شَعرَه إذا جَعله فرِيقين.
484- ص- نا الحسن بن عليّ: نا عفانُ وسعيدُ بن عامر والحجّاج-
والمعنى واحد- قال عفان: نا همام: نا عامر الأحول: حدثني مكحول، أن
ابن مُحَيريز حدَّثه أن أبا مَحذورةَ حدثه (1) أن رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَمَهُ الأذانَ
تسعَة عَشَرَ كَلمةً، والإقامةَ سَبعَةَ عَشَرَ كَلمةً؛ الأذانُ: اللهَ كبر، الله كبر،
الله أكبر، الله أَكبر، أشهد أن لا إله إلا اللهَ، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن
محمدًا رسول الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، أشهد أن لا إله إلا الله،
أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسولُ اللهِ، أشهد أن محمدًا
رسولُ الله، حَي على الصلاة، حَي على الصلاة، حَي على الفلاح، حَيَّ
على الفلاح، الله أكبر، الله كبَر، لا إله إلا الله. واَلإقامة: الله كبر، الله أكبر،
الله كبر، الله كبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن
محمدًا رسول اللهِ، أشهد أن محمدًا رسول الله، حَب على الصلاة، حَب
على الصلاة، حَيَّ على الفلاح، حَي على الفلاَح، قد قَامت الصلَاةُ، قد
قامتِ الصلاَةُ، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله ". كذا في كتاَبِهِ في حديثِ
أبي مَحذورة (2) .
__________
(1) سقط من سنن أبي داود.
(2) مسلم: كتاب الصلاة، باب: صفة الأذان (6-379) ، الترمذي: كتاب
الصلاة، باب: ما جاء في الترجيع في الأذان (192) ، النسائي: كتاب
الأذان، باب: كم الأذان من كلمة (2/5) ، ابن ماجه: كتاب الأذان، كتاب
الترجيع في الأذان (708) .(2/431)
ش- عفان: ابن مسلم بن عبد الله الصفّار البَصري الأنصاري،
أبو عثمان مولى عروة بن ثابت. سمع: شعبة، وهمام بن يحيى،
وسليمان بن المغيرة، وأبا عوانة، وحماد بن زيد وغيرهم. روى عنه:
أحمد بن حنبل، وقتيبة، والقواريري، وابن معين، وابنا أبي شيبة،
وأبو زرعة وغيرهم. وقال أبو حاتم: هو ثقة متقن متقن (1) . مات
ببغداد سنة عشرين ومائتين. روى له الجماعة (2) . وسعيدُ بن عامر:
الضبعي، أبو محمد البصري. سمع: سعيد بن أبي عروبة، وشعبة،
ومحمد بن عمرو بن علقمة وغيرهم. روى عنه: أحمد بن حنبل،
وإسحاق بن راهويه، وأبو بكر بن أبي شيبة وغيرهم. قال ابن معين:
الثقة المأمون. وقال أبو حاتم: كان رجلا صالحًا وفي حديثه بعض
الغلط، وهو صدوقي. توفي لأربع بقين من شوال سنة ثمان ومائتين،
وهو ابن ست وثمانين سنةً. روى له: البخاري، ومسلم، وأبو داود (3) .
والحجاج: الأعور، وهمام: بن يحيى بن دينار العَوذي.
وعامر الأحول: هو عامر بن عبد الواحد الأحول البصري. روى
عن: عائذ بن عمرو، وعطاء بن أبي رباح، ونافع مولى ابن عمر،
ومكحول وغيرهم. روى عنه: شعبة، والحمادان، وأبان بن يزيد
وغيرهم. قال أحمد بن حنبل: ليس حديثه بشيء؛ وفي لفظ عنه:
ليس بالقوي. وقال أبو حاتم: هو ثقة لا بأس به، قيل: يحتج
بحديثه؟ قال: لا بأس به. وقال ابن معين: ليس به بأس. روى له:
الجماعة إلا البخاريّ (4) .
ومكحول: ابن زِير الدمشقي.
/وابن مُحَيرِيز: هو عبد الله بن مُحيريز بن جنادة بن وهب بن لوذان،
__________
(1) كذا بالتكرار، وفي تهذيب الكمال: " متقن متقن ".
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (20/3964) .
(3) المصدر السابق (10/2300) .
(4) المصدر السابق (14/3054) .(2/432)
أبو محيريز المكي، نزل الشام وسكن بيت المقدس. سمعِ: أبا محذورة،
وعبادة بن الصامت، وأبا سعيد الخدريّ، وفضالة بن عُبيد، ومعاوية بن
أبي سفيان وغيرهم. روى عنه: أبو قلابة الجرمي، والزهري،
ومكحول، وعطاء الخراساني وغيرهم. قال أحمد بن عبد الله: هو ثقة،
من خيار الناس. روى له: البخاريّ، ومسلم، وأبو داود، والنسائي (1) .
قوله: " تسعة عشر كلمةَ " صوابه: تسع عشرة كلمة، وكذلك سَبع
عشرة.
قوله: " الأذان " مَرفوع بالابتداء، وخبره: " الله أكبر " إلى آخره؛
والتقدير: الأذان هذه الكلمات، وهي " الله أكبر " إلى آخره، وكذلك
قوله: " الإقامة " مَرفوع بالابتداء، وخبره ما بعده بالتقدير المذكور.
قوله: " كذا في كتابه في حديث أبي محذورة " ليس بَموجود في بعض
النسخ أي: في كتاب أبن محيرِيز.
485- ص- نا محمد بن بشار: نا أبو عاصم: نا ابن جريح: أخبرني
ابنُ عبد الملك بن أبي محذورة- يعني: عبد العزيز-، عن ابن مُحيرِيز،
عن أبي محذورة قال: أَلقى عَليَّ رسولُ الله- عليه السلام- التَّأذين هو
بنَفسه فقال: " قُل: الله أكبر، الله كبر، الله أكَبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله
إلا اَللَه، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسولُ الله، أشهد أن
محمدا رسولُ الله (2) ، ثم قال: ارجع فمُدَّ من صَوتِكَ: أشهدَ أن لا إله إلا
الله، أشهد أن لاَ إله إلا الله، أشهد أن محمدَا رسولُ الله، أشهد أن محمدًا
رسولُ الله، حَيَ على الصلاة، حَيَ على الصلاة، حَيً على الفلاحِ، حَيَّ
على الفلاحَ، الله أكبر، الله أكبَر، لا إله إلا الله " (3) .
__________
(1) المصدر السابق (16/3555) .
(2) في سنن أبي داود بعد " أشهد أن محمدا رسول الله ": " مرتين مرتين، قال:
ثم ارجع.. " 0
(3) مسلم: كتاب الصلاة، باب: صفة الأذان 6- (379) ، الترمذي: كتاب
الصلاة، باب: ما جاء في الترجيع في الأذان (192) ، وقال: حديث حسن
صحيح، النسائي: كتاب الأذان، باب: كيف الأذان (2/5) .
28* شرح سنن أبي داوود 2(2/433)
ش- محمد بن بشار: أبو بكر، بُندار. وابنُ عبد الملك: هو
عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة القرشي. روى عن: عطاء
الخراساني وغيره. روى عنه: أبو توبة الربيع بن نافع وغيره. روى له:
أبو داود (1) .
قوله: " التأذين " نصب على أنه مفعول " ألقى ".
قوله: " هو بنفسه " أي: رسول الله بنفسه؛ ذكره للتأكيد " فقال " أي:
رسول الله إلى آخره، والجواب عنه ما ذكرناه.
486- ص- نا النُّفيلي: نا إبراهيم بن إسماعيل بن عبد الملك بن
أبي محذورة قال: سمعت جَدّي: عبد الملك بن أبي محذورة، يذكرُ أنه
سَمِعَ أبا محذورة يقولُ: ألقى عَليَّ رسولُ الله الأذانَ حَرفًا حَرفًا: " الله
أكبر، الله أكبر (2) ، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهدَ أن لا إله إلا الله، أشهد أن
محمدًا رسولُ الله، أشهد أن محمدا رسولُ الله، أشهد أن لا إله إلا الله،
أشهد أن لا إله إَلا الله، أشهد أن محمدا رسَولُ الله، أشهد أن محمدًا
رسولُ الله، حَيّ على الصلاة (3) حَيَّ على الفلاح (3) ". قال: وكان يقولُ
في الفجرِ: " الصلاةُ خَير منَ النوم " (4) .
ش- النفيلي: عبد الله بن محمد.
وإبراهيم المذكور: أبو إسماعيل المكي القرشي. روى عن: أبيه وجَدّه.
روى عنه: بشر بن معاذ، وعبد الله بن عبد الوهاب وغيرهما. روى له:
الترمذي، والنسائي، وأبو داود (5) .
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (18 /3460) .
(2) كذا، وفي سنن أبي داود أربع، وهي نسخة كما سيذكر المصنف.
(3) كذا، وفي سنن أبي داود مرتان.
(4) مسلم: كتاب الصلاة، باب: صفة الأذان (6-379) ، النسائي: كتاب
الأذان، باب: خفض الصوت في الترجيع في الأذان، ابن ماجه: كتاب
الأذان والسُنَة فيه، باب: الترجيع في الأذان (708) .
(5) انظر ترجمته في تهذيب الكمال (2/147) .(2/434)
قوله: " حرفا حرفًا " أي: كلمةً كلمة؛ من قبيل ذكر الجزء وإرادة
الكل؛ وانتصابه على الحال.
فإن قيل: شرطها أن يكون مشتقا، قلت: غير المشتق يقع حالا في
مواضع؛ منها: إذا دلّ على الترتيب نحو: ادخلوا رجلا رجلاً، وتعلّم
الحسابَ بَابًا بابًا؛ وقوله: " حرفا حرفًا " من هذا القبيل، فافهم.
قوله: " الله أكبر " تقديره: هو الله أكبر إلى آخره، وهو في نسخة
الحكم: أربع، وفي رواية ابن الأعرابي، وأبي عيسى: مثنى، وفيه
حجة لمالك حيث يقول: التكبير في أول الأذان: مرتان، وحجة
للشافعي في الترجيع.
قلت: " (1) روى الطبراني في " معجمه الوسط (2) " ما يُعارض هذا
قال: حدثنا أحمد بن عبد الرحمن: ثنا أبو جعفر النُفيلي: ثنا إبراهيم بن
إسماعيل بن عبد الملك بن أبي محذورة قال: سمعت جدي: عبد الملك
ابن أبي محذورة يقول: إنه سمع أباه: أبا محذورة يقول: [أ] لقى
عليّ رسولُ الله الأذان حرفًا: " الله أكبر الله أكبر " إلى آخره؛ لم يذكر
فيه ترجيعا. وهذا كما رأيته (3) قد ذكره بالإسناد المذكور. وأسند البيهقي
عن إسحاق بن راهويه/: أنا إبراهيم بن عبد العزيز بن عبد الملك بن
أبي محذورة قال: أدركت أبي وجذي يؤذنون هذا الأذان، ويقيمون هده
الإقامة؛ فذكر الأذان مُفسرا بتربيع التكبير في أوله، وتثنية الشهادتين، ثم
يرجع بهما مثنى مثنى- أيضا- وتثنية الحيعلتين والتكبير، ويختم بلا إله
إلا الله [والإقامة فرادى، وتثنية التكبير] (4) أولها وآخرها. فظهرَ من
هذه الروايات: أن أبا محذورة وأولاده لم يدوموا على الرواية المذكورة
التي فيها التكبير مثنى في أوله، والترجيع في الشهادتين، والإفراد في
الحيعلتين.
__________
(1) انظر: نصب الراية (1/262 و 268) .
(2) (2/1106)
(3) غير واضحة في الأصل، وهي أقرب إلى ما أثبتناه.
(4) زيادة من نصب الراية.
.(2/435)
487- ص- نا محمد بن داود الإِسكندراني: نا زياد- يعني: ابن
يونس-، عن نافع بن عمر، عن عبد الملك بن أبي محذورة أخبره عن
عبد الله بن مُحيريز الجُمحي، عن أبي محذورة، أن رسولَ الله- عليه
السلام- عَلَّمه الأذانَ: يقولُ: " الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إلهَ إلا الله،
أشهد أن لا إله إلا الله " ثم ذكر مثل حديث (1) ابن جريج، عن عبد العزيز
ابن عبد الملك ومعناه (2) .
ش- محمد بن داود: ابن أبي ناجية الإسكندراني، وزياد: ابن يونس
الحضرمي.
ونافع بن عمر: ابن عبد الله القرشي الجُمحي المكي. سمع: ابن
أبي مليكة، وعمرو بن دينار، وبشر بن عاصم وغيرهم. روى عنه:
يحيى القطان، وابن المبارك، والقعنبي وغيرهم. قال أحمد بن حنبل:
ثبت ثبت صحيح الحديث 0 وقال ابن معين: ثقة. مات بمكة سنة تسع
وستين. روى له الجماعة (3) .
قوله: " ثم ذكر مثل حديث ابن جريج " وهو الذي رواه أبو عاصم عن
ابن جريج الذي في أوله التكبير المربّع.
ص- وفي حديث مالك بن دينار قال: سألت ابن أبي محذورة قلتُ:
حدِّثنِي عن أذانِ أبيكَ عن رسولِ اللهِ، فذكر قال: " الله كبر الله أكبر " قط.
ش- أي: قال أبو داود: وفي حديث مالك بن دينار، عن عبد الملك
ابن أبي محذورة؛ والمقصود: أنه ذكر التكبير في أوله مَرتين. ومالك بن
دينار: أبو يحيى البصري الزاهد.
ص- وكذلك حديث جَعفر بن سليمان، عن ابن أبي محذورة، عن
عمِّه عن جلِّه؛ إلا أنه قال: " ثم ترجع فترفعَ صوتكَ: الله أكبر الله أكبر ".
__________
(1) في سنن أبي داود: " مثل أذان حديث ".
(2) تفرد به أبو داود.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (29 /6367) .(2/436)
ش- أي: كحديث مالك بن دينار: حديث جعفر بن سليمان
الضبعي، عن عبد الملك بن أبي محذورة، عن عمه ... (1) .
وهذا- كما رأيت- قد اختلفت الروايات عن أبي محذورة وقال ابن
عبد البر: علمه رسول الله الأذان بمكة عام حنين، فرُوِيَ عنه فيه تربيع
التكبير في أوله، ورُوِيَ عنه فيه تثنيته؛ والتربيع فيه من رواية الثقات
الحُفّاظ؛ وهي زيادة يجب قبولها، َ والعمل عندهم بمكة في آل محذورة
بذلك إلى زماننا، وهو في حديث عبد الله بن زيد في قصة المنام، وبه
قال أبو حنيفة، والشافعي، وأحمد.
488- ص- نا عمرو بن مرزوق: أنا شعبة، عن عمرو بن مرة قال.
سمعت ابن أبي ليلى ح ونا ابن المثنى: نا محمد بن جعفر، عن شعبة، عن
عمرو بن مرة، عن ابن أبي ليلى قال: أحيلت الصلاةُ ثلاثةَ أحوال فال: ونا
أصحابنا أن رسولَ الله قال: " لقد أعجبَنَي أن تكونَ صلاةُ المسلمًين أو (2)
المؤمنين واحدة حتى لقد هَممتُ أن أبث رِجالاً في الدُورِ ينادُونَ الناسَ
بحينِ الصلاة، حتى (3) همَمتُ أن آمُرَ رِجالاً يَقُومونَ على الآطَام ينادُونَ
المسلمين بحيَنِ الصلاة، حتى نَقَسُوا أو كادوا أن يَنقُسُوا " قال: فجاءَ رجلٌ
من الأنصارِ فقال: ياَ رسولَ اللهِ! إني لمّا رَجَعتُ لما رأيتُ من اهتمامِكَ،
رأيتُ رجلاً كأن عليه ثوبَينِ أخضرينِ، فقامَ على المسجد فأدن، ثم قَعَدَ
قَعدَةً، ثم قام فقال مثلَها؛ إلا أنه يقول: قد قَامت الصلاةُ، ولولا أن يقولَ
الناسُ- قال ابن المثنى: أن تقولوا- لقلتُ: إني كنَتُ يقظانًا غيرَ نائمٍ، فقال
رسولُ الله- وقال ابنُ المُثنى: " لقد أراكَ اللهُ خيرًا " ولم يَقُل عَمرو:
" لقَد (4) " - " فمُر بلالاً فَليُؤذن ". قال: فقال عُمر: أما إني قد رَأيتُ مثلَ
الذي رأى؛ ولكني لما سُبِقتُ استَحيَيتُ (5) .
__________
(1) بياض في الأصل قدر ثلث سطر.
(2) في سنن أبي داود: " أو قال ".
(3) في سنن أبي داود: " وحتى ".
(4) في سنن أبي داود: " لقد أراك الله خيراً!.
(5) تفرد به أبو داود.(2/437)
ش-/عَمرو بن مرزوق: البصري، أبو عثمان الباهلي. روى عن:
شعبة، وعكرمة بن عمّار، والحمادين وغيرهم. روى عنه: أبو داود
الطيالسي، وأبو حاتم، والبخاري تعليقًا، وأبو داود، وغيرهم. قال
أبو حاتم: كان ثقة من العُباد. مات بالبصرة في صفر سنة أربع وعشرين
ومائتين (1) .
وعمرو بن مُرة: ابن عبد الله المرادي الكوفي. وابن أبي ليلى:
عبد الرحمن، واسم أبي ليلى: يَسار؛ وقد ذكرناه. وابن المثنى: محمد،
أحد شيوخ أبي داود. ومحمد بن جعفر: الهُذلي المعروف بغندر.
قوله: " أحيلت الصلاةُ ثلاثة أحوال " أي: غُيرت ثلاث تغييرات أو
حُوِلّت ثلاثَ تحويلات، وهذه ما فسرت تفسيرًا جيّدا إلا في حديث مًثله
أخرجه أحمد بن حنبلً في " مسنده (2) " وهذا لفظهُ: ثنا أبو النضر قال:
ثنا المَسعوديّ قال: حدثني عمرو بن مُرة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى،
عن معاذ بن جَبل قال: أُحيلت الصلاة ثلاثة أحوال؛ فأما أحوال
الصلاة: فإن النبي- عليه السلاَم- قدِم المدينةَ وهو يُصلِّيِ سَبعة عشر شهرا
إلى بَيت المَقدس، ثم إن الله عز وجلّ أنزل عليه (قَد نرَى تَقَلُبَ وَجهِكَ
فِي السَمَاء فَلَنُولَيّنًّكَ قبلَةً تَرضَاها) الآية (3) ، فوجهَه الله إلى مكة؛ فهذا
حَولٌ. قاَل: وكانواَ يجتمعون للصلاة (4) ويؤذن بها بَعضُهم بعضًا حتى
نقسوا أو كادوا ينقسوا، ثم إن رجلا من الأنصار يُقال له: عبد الله بن
زَيد أتى رسولَ الله فقال: يا رسول الله! إني رأيتُ فيما يرى النائم ولو
قلتُ: إني لم أكن نائمًا لصدقتُ إني أنا بين النائم واليقظان إذ رأيتُ
شخصًا عليه ثوبان أخضران فاستقبل القبلةَ فقال: الله أكبرُ الله أكبر،
أشهد أن لا إله إلا الله مثنى، حتى فرغ من الأذان ثم أمهل ساعةً، ثم
قال مثل الذي قال، غير أنه يزيد في ذلك: قد قامت الصلاة قد قامت
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (22/4446) .
(2) (5/246) .
(3) سورة البقرة: (144) .
(4) في الأصل: الصلاة ".(2/438)
الصلاة. فقال رسولُ الله: " عَلمها بلالاً فليؤذن بها " فكان بلالٌ أول من
أذن بها. قالَ: وجاءهَ عُمر بن الخطاب فقال: يا رسولَ الله! إنه قد
طاف بي مثل الذي طاف به، غير أنه سبَقني؛ فهذان حَولان. قال:
وكانوا يأتون الصلاة وقد سَبَقَهم النبيّ- عليه السلام- ببَعضِها فكان
الرجل يُشيرُ إلى الرجل إذا جاء: كَم صَلّى؟ فيقول: واحدة أو اثنتَين،
فيصليها ثم يدخل مع القَوم في صلاتِهم. قال: فجاء معاذٌ فقال: لا
أجده على حال أبدا إلا كنتُ عليها، ثم قَضيتُ ما سَبقنِي. قال: فجاء
وقد سبقه النبي- عليه السلام- ببَعضِها. قال: فثبتَ معه، فلما قضى
رسول الله صلاته قام فقضى، فقال رسول الله: " إنه قد سنن لكم مُعاذٌ
فهكذا فاصنعُوا " فهذه ثلاثة أحوالٍ الحديثَ.
قوله: " قال: وحدثنا أصحابنا " أي: قال عبد الرحمن بن أبي ليلى:
حدثنا أصحابنا.
قلتُ: إن أراد به الصّحابةَ فهو قد سمع من جماعة من الصحابة؛
فيكون الحديث مُسندا؛ وإلا فهو مُرسلٌ، وذكر الترمذي ومحمد بن
إسحاق بن خزيمة أن عبد الرحمن بن أبي ليلى لم يسمع من معاذ بن
جبل. وقال الشيخ زكي الدين في " مختصر السنن ": وما قالاه ظاهر
جدا؛ فإن ابن أبي ليلى قال: وُلدتُ لست بقين من خلافة عمر؛ فيكون
مولده سنة سبع عشرة من الهجرة، ومعاذ توفي سنة سبع عشرة أو ثمان
عشرة، وقد قيل: إن مولده لست مضين من خلافة عمر؛ فيكون مولده
على هذا بعد موت معاذ. ولم يَسمع ابن أبي ليلى- أيضاً- من عبد الله
ابن زيد الأنصاري.
قوله: " أو المؤمنين " شكّ من الراوي.
قوله: " لقد هممتُ أن أبُث رجالا " أي: لقد أرَدتُ؛ من هممتُ
بالشيء اهُتم هَما إذا أرَدتُه؛ ومعنى أبُث: أُفرّق؛ من البَث وهو النَشر
و" أن " مَصدرية؛ والتقدير: لقد هممتُ بَث رجالٍ " في الدور ". أي:
القبائل.(2/439)
قوله: " بحين الصلاة " أي: بوَقتها.
قوله: " على الآطام " الآطام- بالمدّ- جمعُ أُطُم- بضم الهمزة
والطاء-؛ وهو بناء مرتفع/وآطام المدينة: أبنيتها المرتفعة، وفي
" الصحاح ": الأطُم مثل الأُجُم- يخفف ويُثقلُ- والجمعُ: آطام؛ وهي
حصون لأهل المدية، والواحد: أطَمة مثل أكَمة. انتهى. ويقال:
الآطام: جمعُ إِطام- بكسر الهمزة- وهو ما ارتفع من البناء.
قوله: " حتى نقَسُوا " - بفتح القاف- من النَقس، وهو الضربُ
بالناقُوس؛ وهي خشبة طويلة تضرب بخشبة أصغر منها، وقد ذكرناه.
قوله: " أو كادوا أن ينقُسوا " - بضم القاف-؛ لأنه من نقس يَنقُس،
من باب نصر ينصُر؛ وهو شك من الراوي، والمعنى: أو قربُوا من نَقس
النَاقُوس؛ لأن " كاد " من أفعال المقاربة.
قوله: " فجاء رجل من الأنصار " وهو مفسر في حديث أحمد الذي
ذكرناه بعبد الله بن زيد الأنصاري.
قوله: " لمّا رجعتُ لما رأيتُ " قد علمت أن " لما " على ثلاثة أوجه؛
أحدها: أن يحزم المضارع ويقلبه ماضيًا، والثاني: أن يكون حرف
استثناء، فيدخل على الجملة الاسمية نحو (إِن كُل نَفسٍ لَمَا عَلَيهَا
حَافِظ) (1) فيمن شدد الميم، والثالث ت ظرف بمعنى " حين " فتختص
بالماضي، فتقتضى جملتين وُجدت ثانيتهما عن وجود أولاهما نحو: لما
جاءني أكرمته ويكون جوابها فعلا ماضيًا اتفاقا وجملة اسميةً مقرونة بإذا
الفجائية أو بالفاء- عند ابن مالك- وفعلا مضارعا- عند ابن عصفور-؛
" ولمّا " هذه هاهنا من القسم الثالث. وقوله: " رأيتُ رجلاً " جوابُ
كل واحد من " لما رجحتُ "، " لما رأيتُ ".
قوله: " كان عليه ثَوبين أخضرين " قد وقع كذا في رواية أبي داود " ثوبين
أخضرين " وفي رواية أحمد- كما ذكرنا- " كان عليه ثوبان أخضران "
__________
(1) سورة الطارق: (4) .(2/440)
وهو القياس؛ لأن ثوبين فاعل كان وهو اسمُه فيكون مرفوعًا، وخبره:
قوله: " عليه ". ووجه رواية أبي داود- إن صحت- أن تكون " كان "
زائدة، وهي التي لا تُخِل بالمعنى الأصلي، ولا يعملُ في شيء أصلا،
ويكون نَصب " ثوبَين " بالفعل المقدر؛ والتقدير: رأيت رجلا ورأيت عليه
ثوبَين أخضرين، فقوله: " رأيتُ " يكون دالا على " رأيت " الثاني المقدّر،
وجَعلُنا " كان " هاهنا زائدةً لا يُخِلُّ بالمعنى الأصلي- كما قد رأيتَ.
فإن قيل: فإذا لم تعمل " كان " الزائدة فما فائدةُ دخولها في الكلام؟
قلت: فائدته تأكيد جملة صُدرت بها، ويدلّ على الزمان- أيضا- ألا
ترى أن " كان " في قولهم: ما كان أحسن زيدا، زائدةٌ لم تعمل بشيء؛
ولكنها دَلّت على الزمان، والمعنى: ما أحسن زيدا أَمسِ، فافهم.
قوله: " ثم قَعَدَ قَعدةً " - بفتح القاف- والفَعلة- بالفتح- يدل على
المرة، وبالكسر يدل على الهيئة؛ والمراد هاهنا: المرة لا الهيئة. وفيه
دلالة على استحباب الفصل بَين الأذان والإقامة بقعدة ونحوها.
قوله: " مثلها " أي: مثل كلمات الأذان.
قوله: " ولولا أن يقول الناس " أي: قال ذلك الرجل من الأنصار- وهو
عبد الله بن زيد-: لولا أن يقول الناسُ.
قوله: " قال ابن المثنى " من كلام أبي داود، أي: قال محمد بن المثنى،
وهو أحد شيوخه في روايته: " أن تقولوا " موضع " أن يقول الناس " 0
قوله: " لقلتُ " جواب قوله: لولا، وقوله " قال ابن المثنى: أن
تقولوا " مُعترض بين " لولا " وجوابه.
قوله: " يَقظانًا " - بفتح القاف وسكونها- وقوله لا غير نائم " تأكيد له
من جهة المعنى.
قوله: " لقد أراك اللهُ خيرًا " مقول لقوله: " فقال رسول الله ".
وقوله: " وقال ابن المثنى " معترض بين القول ومَقُوله.
قوله: " ولم يَقُل عَمرو: لقَد " من كلام أبي داود، أي: لم يقل عمرو
ابن مرزوق أحد شيوخ أبي داود في روايته " لقَد " بل روايته " أراك الله
خيرا " بدون " لقَد ".(2/441)
قوله: " فمُر بلالا " من كلام النبي- عليه السلام-، يُخاطبُ عبد الله
ابن زيد الأنصاري.
قوله: " أما إِني " بفتح الهمزة في " أما " وكسرها في " إني " فافهم.
قوله: " سُبقتُ " على صيغة المجهول أي: لما سبقني عبد الله بن زيد
بمقالته " استحييتُ " أن أذكر منامي الذي رأيته كما رأى.
ص- قال: وحدثنا أصحابنا قال: كان (1) الرجلُ إذا جاء يَسألُ فيُخبرُ بما
سُبق من (2) صلاته، وأنهم قاموا مع رسول الله- عليه السلام- من بينِ
قائمِ وراكعِ، وقاعد ومصلي (3) مع رسولِ اللهَ/قال ابن المثنى: قال عمرو:
وحدثني بها حُصَينَ، عن ابن أبي ليلى حتى جاء مُعاذ. قال شعبةُ: وقد
سمعتُها من حُصَينٍ فقال: لا أراهُ على حال إلى قوله " كذلك فافعلوا " ثم
رجعتُ إلى حديث عَمرو بن مَرزُوق قال: فجاء معاذ فأشاروا إليه. قال
شعبةُ: وهذه سمعتُها من حُصَين قال: َ فقال مُعاذ: لا أراهُ على حال إلا كنتُ
عليها. قال: " فقَال إن معاذا قد سَنَ لكم سُنةً كذلك فافعلُوا ".ً
ش- هذا هو الحال الثاني من الأحوال الثلاث التي قالها ابن أبي ليلى:
" أحيلت الصلاة ثلاثة أحوال؛ فالحال الأول: قد بيّنه الشيخ بقوله: قال:
ونا أصحابنا أن رسول الله قال: " لقد أعجبني " إلى آخره، وقد ببنها
الإمام أحمد مُفسرةً واضحةً مجموعة- كما ذكرناه. وأبو داود بيّنها مفرقةً
مختلطة بعضها في بَعض، وأدخل في أثناء الحديث بَعض رُواته- كما
ترى.
قوله: " قال: وحدثنا أصحابنا " أي: قال عبد الرحمن بن أبي ليلى،
وقد ذكرنا أنه إن أراد به الصحابة فالحديث مُسند وإلا فمُرسلٌ.
قوله: " كان الرجل إذا جاء يَسأل " يعني: كان الرجل من الرجال إذا
جاء إلى الصلاة مع النبي- عليه السلام- يسأل ممن كان هناك: كم صلّى
رسولُ الله من الركعات؟
__________
(1) في سنن أبي داود: " وكان "
(2) مكررة في الأصل.
(3) في سنن أبي داود: " ومصل ".(2/442)
قوله: " فيُخبرُ بما سُبق من صلاته " على صيغة المجهول، أي: يُخبره
المُخبرُ بالَّذي سُبِق من أَعداد ركعات صلاته ركعةً أو ركعتين أو ثلاثا،
فكان الرجل يُصليها وحده ثم يقوم ويدخل مع القوم في صلاتهم.
قوله: " وإنهم قاموا " بكسر الهمز.
وقوله: " من بين قائم " إلى آخره؛ إشارة إلى أن منهم من كان يدرك
صلاة النبي- عليه السلامَ وهو في القيام، ومنهم من كان يدركه وهو
في الركوع، ومنهم من كان يدركه وهو في القعدة، ومنهم من كان يدركه
من الأول، وهو معنى قوله " ومُصلي مع رسول الله " وقوله " مع رسول
الله " متصل بالجميع، أعني بقوله " من بين قائم " إلى آخره.
قوله: " قال ابن المثنى: قال عمرو " أي: قال محمد بن المثنى: قال
عمرو بن مُرة.
قوله: " وحدثني بها حُصَين عن ابن أبي ليلى " أي: قال عمرو بن مرة:
وحدثني بها- أي: بالقصّة المذكورة- وإنما قال: وحدثني بواو العَطف؛
لأنه قال في الرواية الأولى: عن ابن أبي ليلى، وفي هذه الرواية:
حدثني بها حُصَين، عن ابن أبي ليلى فكأنه قال: حدثني بها ابن
أبي ليلى، وحدثني بها حصين، عن ابن أبي ليلى؛ وهو حُصين بن
عبد الرحمن أبو الهذيل السُلمي الكوفي، وقد ذكرناه.
قوله: " حتى جاء معاذ " من تتمة قوله " ومُصلي مع رسول الله ".
وقوله " قال ابن المثنى " إلى آخره معترض بينهما، وكذلك قوله " قال
شعبة " إلى قوله " فقال: لا أراه " معترض بين قوله " حتى جاء معاذ "
وبين قوله " لا أراه ".
قوله: " قد سمعتها " أي: قد سمعت هذه القصة من حُصَين المذكور.
قوله: " فقال: لا أراهُ " أي: قال معاذ: لا أرى النبي- عليه السلام-
على حالٍ من الأحوال إلا كنتُ عليها.
قوله: " ثم رجعتُ " من كلام أبي داود، أي: ثم رجعت إلى رواية
عمرو بن مرزوق أحد شيوخه.(2/443)
قوله: " فجاء معاذ " أي: جاء مُعاذ والنبيُّ- عليه السلام- يُصلَي مع
القوم فأشاروا إليه، أي إلى مُعاذ بما سُبِق.
قوله: " قال شعبة " إلى قوله " فقال معاذ " معترض بين قوله " فأشاروا
إليه " وبَين قوله " فقال معاذ ".
قوله: " قال: فقال معاذ " أي: قال شعبة: قال معاذ، حين أشاروا
إليه: " لا أراه على حالٍ إلا كنتُ عليها " بمعنى: أني لم أُخالفه في حال
من الأحوال، مثل ما كانوا يفعلونه مِن أنهم إذا جاءوا إليه- عليه السلام-
وهو يُصلي مع القوم يَسألونهم: كم صلّى من الصلاة؟ فيصلون ما
سُبقوا، ثم يدخلون في صلاة القوم- كما ذكرناه- ومعاذ لم يَفعل ذلك؛
بلَ كما جاء شرع في صلاة النبي- عليه السلام-، ثم لما فرغ النبي
- عليه السلام- قام معاذ وقضى ما عليه، فقال النبي- عليه السلام-:
" إن معاذًا قد سَنّ لكم سُنَة، كذلك فافعلوا " أي: كما فعل معاذٌ
فافعلوا- كما قد فسّر هكذا في حديث أحمد/رضي الله عنه.
ويُستفاد من الحديث: أن المسبوق يجب أن يُشارك الإمامَ من حين
وصوله، ثم إذا فرغ الإمامُ يقوم ويَقضي ما فاتَه، وفيه دليل لمن يُجوّز
الاجتهاد بحَضرة النبي- عليه السلام-، وفيه دليل على إطلاق السُنَة
لغير النبي- عليه السلام-؛ كما يقال: سُنَّة العمرين، وهذا سُنَّة معاذ
- رضي الله عنه-.
ص- قال: وحدثنا أصحابُنَا أن رسولَ الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِما قَدمَ المدينةَ أمرَهُم بصيام
ثلاثة أيام، ثم انزِلَ رَمضانُ، وكانوا قوما لمَ يتعوّدُوا اَلصيامَ، وكان الصيام
عليهَم شديدًا، فكان مَن لم يَصُم أطعَم مسكينًا، فنزلت هذه الآية (فَمَن
شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهرَ فَليَصُمهُ) (1) فكانتِ الرُّخصةُ للمريضِ والمُسافرِ، فأمِروُا
بالصِيام.
ش- أي: قال ابن أبي ليلى؛ وفي " مسند أحمد (2) ": " وأما
__________
(1) سورة البقرة: (185) .
(2) (5/246- 247) *(2/444)
أَحوال الصيام: فإن رسول الله- عليه السلام- قدم المدينة فجعل يصومُ
من كل شهر ثلاثة أيام، وصام عاشوراء، ثم إن الله عز وجل فرض عليه
الصيام، فأنزل الله تعالى (يَا أيُّهَا الَذينَ آمَنُوا كُتبَ عَلَيكُمُ الصَيامُ كَما
كُتبَ عَلَى الَذينَ من قَبلِكُم) إلى قولهَ (وَعَلى الَّذَينَ يُطيقُونهُ فديَةٌ طَعَامُ
مِسكِينٍ) (1) وكَان مَن شَاء صام ومن شاء أطعمَ مسكينَا، فأَجزأ ذلك
عنه، ثم إن الله عز وجل أنزل الآية الأخرى (شَهرُ رَمَضانَ (2) الَّذي
أنزِلَ فيه القُرانُ) إلى قوله (فَمَن شَهِدَ منكُمُ الشَّهرَ فَليَصُمهُ) فأثبت الله
عز وجَلَ صيامَه على المقيم الصحيح، وَرخصَ فيه للمريض والمسافر،
وثبت الإطعامُ للكبير الذي لا يَستطيع الصيام. فهذان حَولان. قال:
وكانوا يأكلون ويَشربون ويأتون النساء ما لم يناموا، فإذا ناموا امتنعوا، ثم
إن رجلا من الأنصار يُقال له: صرمة كان يعملُ صائمًا حتى أمسى، فجاء
إلى أهله، فصلى العشاء ثم نام، فلم يأكل ولم يشرب حتى أصبح
صائمًا، فراَه رسولُ الله وقد جهَد جَهدًا شديدًا، فقال: " مالي أراك قد
جهدت جهدا شديدًا؟ " قال: يا رسول الله! إني عمِلتُ أمسِ فجئتُ
حين جئت فألقيتُ نفسي فنمتُ، فأصبحتُ حين أصبحتُ صائما قال:
وكان عُمر- رضي الله عنه- قد أصاب من النساء بعدما نام فأتى النبي
- عليه السلام- فذكر ذلك له فأنزل الله عز وجل (أحلَّ لَكُم لَيلَةَ الصَيام
الرفَثُ) إلى قوله (إِلَى اللَّيلِ) . وهذا من تتمة الَحديث الذي ذكرناه
عن قريب.
ص- قال: وحدثنا بعضُ أصحابنَا قال: وكان الرجل إذا أفطر فنام قبل
أن يأكل لم يأكل حتى يُصبح قال: فَجاء عُمر فأرَادَ امرأتَه فقالت: إني قد
نمتُ، فظَنَّ أنها تعتل فأتاها، فجاء رجل من الأنصار فأراد طعامًا فقالوا:
حتى نُسخن لك شيئا فنامَ فلما أصبحوا نزلت (3) هذه الآية فيها (احِلَّ لَكُم
لَيلةَ الصمام الرَفَثُ إِلَى نِسَائِكُم) (4) .
__________
(1) سورة البقرة: (183، 184) .
(2) مكررة في الأصل.
(3) في سنن أبي داود: " أنزلت ".
(4) سورة البقرة: (187) .(2/445)
ش- أي: قال ابن أبي ليلى.
قوله: " فأراد امرأته " كناية عن طلب الجماع.
قوله: " فأتاها " أي: جامعها.
قوله: " فجاء رجل من الأنصار " وهو صِرمة المذكور في حديث أحمد.
489- ص- نا محمد بن المثنى، عن أبي داود ح ونا نصر بن المهاجر:
نا يزيد بن هارون، عن المَسعوديّ، عن عَمرو بن مرة، عن ابن أبي ليلى،
عن معاذ بن جبل قال: أحيلَت الصلاةُ ثلاثةَ أحوال، وأُحيلَ الصيامُ ثلاثةَ
أحوالٍ. وساقَ نصرٌ الحدَيث بطوله، واقتصر (1) ابنَ المثنى منه قصة
صلاتهم نحو بَيت المقدس قط (2) .ً
ش- أبو داود هذا: سليمان بن داود الطيالسي. ونصر بن المهاجر:
أحد شيوخ أبي داود؛ وقد ذكرناه. ويزيد بن هارون: أبو خالد الواسطي.
والمَسعودي: هو عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود
المَسعودي الكوفي. سمع: أبا إسحاق الشيباني، وجامع بن شداد،
وعبد الرحمن بن الأسود، وعطاء بن السائب، وعمرو بن مرّة وغيرهم.
روى عنه: وكيع، ويزيد بن هارون، وأبو داود الطيالسي، وجماعة
آخرون. قال ابن معين: ثقة إذا حدّث عن عاصم وسلمة بن كهيل،
وقال- أيضا- ثقة ثقة. مات سنة ستين ومائة. روى له: أبو داود،
والترمذي، والنسائي/وابن ماجه (3) .
قوله: " وساق نصر " أي: نصر بن المهاجر المذكور.
قوله: " واقتصر ابن المثنى منه " أي: اقتصر محمد بن المثنى من الحديث
و" قصةَ " منصوب على أنه مفعول " اقتصر " لأن افتعل يجيء بمعنى فعل؛
كمدح وامتدح.
__________
(1) في سن أبي داود: " اقتص ".
(2) تفرد به أبو داود.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (17/3872) .(2/446)
ص- قال: الحال الثالث: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قدمَ المدينةَ فصلَّى- يعنِيِ:
نحو بَيت المقدس- ثلاثةَ عَشَرَ شَهرًا، فانزلَ اللهُ تَعالى هذه الآية (قَد نرى
تَقَلُّبَ وَجهِكَ فيَ السَّمَاء فَلنُوَلينَّكَ قبلَةً تَرضَاهَا فَولِّ وَجهَكَ شَطر المَسجد
الحَرامِ وحَيثُ مًا كُنتُم فَولوا وُجُوهَكم شَطرَهُ) (1) فوجّهه الله عز وجلّ إلَىَ
الكعبة. وتَمّ حديثُه.
ش- أي: قال ابن أبي ليلى: الحال الثالث من الأحوال الثلاث التي
ذكرها في قوله: " أُحيلَت الصلاة ثلاثة أحول " الحال الأوّل: قضية
عبد الله بن زيد في روياَ الأذان، والحال الثاني: قضيّة معاذ- رضي الله
عنه- في الصلاة، والثالث: هذا؛ وهو قضيّة تحويل القبلة؛ وذلك أنه
- عليه السلام- لما قدم المدينة أُمر أن يصلي إلى صخرة بَيت المقدس تألفًا
لليهود ستة عشر شهرا، وقيل: سبعة عشر، ثم حُول إلى الكعبة؛ لأنه
كان يعجبه أن تكون قبلته إلى البيت. وعن ابن عباس: كانت قبلته بمكة
بيت المقدس إلا أنه كان يجعل الكعبة بَينه وبَينه، وكان تحويل القبلة قبل
غزوة بدر. قال بعضهم: كان ذلك في رجب سنة ثنتين. وبه قال: قتادة،
وزيد بن أسلم، وهو رواية عن محمد بن إسحاق. وقيل: في شعبان
منها. وقال ابن إسحاق بعد غزوة عبد الله بن جحش، ويقال: في
شعبان على رأس ثمانية عشر شهرا من مقدم رسول الله، وحكاه ابنُ
جرير عن ابن عباسٍ، وابن مسعود، وناسٍ من الصحابة، وهو قول
الجمهور. وحُكِيَ عن الواقديّ أنها حُوّلت يوم الثلاثاء النصف من
شعبان. وقال بعضهم: نزل التحويل وقت الظهر. وقال بعضهم: كان
بين الصلاتين.
قوله (قَد نَرَى) معناه: ربّما نرى، ومَعناه: كثرة الروية،
والحاصل: أن " قد " للتقليل؛ ولكنه استعير هاهنا للتكثير لمجانسة بين
الضدين، كما أن التقليل قد يُستعار للتكثير.
__________
(1) سورة البقرة: (144) .(2/447)
قوله: (تَقَلُّبَ وَجهكَ) أي: تردد وجهك وتصرف نظرك في جهة
السماء؛ وكان- عليهَ السلام- يَتوقعُ من الله أن يُحوله إلى الكعبة؛
لأنها قبلة أبيه إبراهيم- عليه السلام-، وأدعى للعرب إلى الإيمان؛ لأنها
مفخرتهم ومزارهم ومطافهم، ولمخالفة اليهود، فكان يُراعي نزول جبريل
- عليه السلام- والوَحي بالتحويل.
قوله: (فَلَنُوَليّنًكَ) أي: فلنُعطينك ولنمكّننك من استقبالها، من
قولك: وَليته كذا إذا جعَلته واليًا له.
قوله: (تَرضَاهَا) أي: تحبّها وتميلُ إليها لأغراضك الصحيحة التي
أضمَرتها.
قوده: (شَطرَ المَسجد الحَرَامِ) أي: نحوَه؛ وقرأ أُبي " تلقاءَ المسجد
الحرام " وهو نَصب علَىَ الظرف، أي: اجعل تولية الوجه في جهة
المسجد وسَمته؛ لأن استقبال عين القبلة فيه حرج عظيم على البَعيد، وذكر
المسجد الحرام دون الكعبة دليل على أن الواجب مراعاة الجهة دون العين؛
ولهذا قال جماعة من أصحابنا: يجب على من كان في المسجد الحرام أن
يستقبل عين الكعبة، ومن كان في مكة يستقبل المسجد الحرام، ومن كان
خارج الحرم من أهل الدنيا يستقبل الحرم من أيّ جهة كان.
قوله: " وتم حديثه " أي: حديث ابن المثنى.
ص- وسمّى نصرٌ صَاحبَ الرؤيَا قال: فجاء عبدُ الله بنُ زيد رجل من
الأنصارِ وقال فيه: فاستقبلَ القبلَة قال: الله كبر، الله أكبرَ، أشهدَ أن لا إله
إلا الله، أشهد أن لا إله إلا اللَّه، أشهد أن محمدَا رسول الله، أشهد أن
محمدَا رسول الله، مرتين (1) . حَيَّ على الصلاة مرتينِ، حَي على الفلاح
مرتين، الله كبر، الله كبر، لا إله إِلا الله. ثم أمهلَ هُنيةَ، ثم قام فقال مثلها
إلا أنه (2) زادَ بعدما قال: حيَ على الفلاح: قد قَامتِ الصلاةُ،
__________
(1) كلمة مرتين غير موجودة في سنن أبي داود.
(2) في سنن أبي داود: " إلا أنه قال: زاد ".(2/448)
قد قَامت الصلاةُ. قال (1) رسول الله- عليه السلام-: " لقنها بلالا " فأذن
بها بلالاً.
ش- أي: سمّى نصر بن المهاجر: صاحب الرؤيا وهو من كلام
أبي داود.
قوله: " قال: فجاء عبد الله " / أي: قال نصرٌ في بقية حديثه: فجاء
عبدُ الله.
قوله: " رجُل من الأنصار " مَرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره:
هو رجل من الأنصار، والجملة تكون صفة كاشفة، ويجوز أن تكون
بدلاً من عبد الله، والتطابق بين البدل والمبدل منه ليس بشرط، وتبدل
النكرة من المعرفة، والمعرفة من النكرة، والمعرفة من المعرفة، والنكرة من
النكرة، والبدل أربعة أنواع، فيصير الجملة ستة عشر بخلاف الصفة
والموصوف؛ فإن التطابق بَينهما شرط تعريفا وتنكيرا وغير ذلك كما عرف
في موضعه، على أن الرجل هاهنا اتصف بقوله " من الأنصار ".
قوله: " وقال فيه " أي: في حديثه الذي حدّث من رؤياه.
قوله: " ثم أمهلَ هُنيةً " بمعنى أبطأ ساعةً لطيفةً، وأَمهَلَ: أفعل؛ ولكنه
بمعنى فعل كأنبت الزرع بمعنى: نبت. " وهُنية ": تصغير هَنَة، ويقال:
هُنَيهة- أيضا- وهو القليل من الزمان.
قوله: " مثلها " أي: مثل كلمات الأذان.
ص- وقال في الصوم: قال: فإنَّ رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يَصُومُ ثَلاثَة أيام
من كل شهرٍ، ويَصومُ يَومَ عَاشُوراءَ، فأنزلَ اَللهُ عَر وجل (كُتبَ عَلَيكُم
الصَيَامُ كَمَا كُتبَ عَلَى الَذين مِن قَبلِكُم) إلى قوله (طَعَامُ مسكين) (2)
فكان من شاءً أن يَصومَ صًامَ، ومَن شَاءَ أن يُفطِرَ ويُطعم كل يوم مًسكينًا
أجزاهُ ذلك. فهذا (3) حَول. فأنزلَ الله عز وجل (شَهرُ رَمَضانَ الَذِيَ انزِلَ
__________
(1) في سنن أبي داود: " قال: فقال "
. (2) سوية القرة: (183، 184) .
(3) في سنن أبي داود: " وهذا ".
29. شرح سنن أبي داوود 2(2/449)
فِيه القُرآنُ) إلى (أيامِ أُخَرَ) (1) فثبت الصيامُ على مَن شهر الشهر،
وعَلى المُسافرِ أن يقضي، ولبت الطعامُ للشيخِ الكَبيرِ والعجوز اللَّذين لا
يَستطيعانِ الصومَ، وجاء صِرمَةُ وقد عَمِلَ يَومَه. وساَقَ الحديث (2) .
ش- أي: قال ابن أبي ليلى في روايته: قال مُعاذ- رضي الله عنه-.
قوله: " كان يَصومُ ثلاثة أيام من كل شهر " وكانت هذه فرضًا قبل
رمضان، وكذلك كان صوم عاشوراء؛ فلما أنزل الله تعالى (يَا أيهَا
الَّذينَ آمَنُوا كُتبَ عَلَيكُمُ الصّيَامُ) الآية نسخَ ذلك الصومَ؛ والصيام
والَصوم واحدَ وَهو الإمساك لغةً، وشرعا: إمساك عن المُفطرات.
قوله: (كَمَا كُتبَ عَلَى الَّذينَ مِن قَبلكُم) يعني: الأنبياء والأمم من
لدن اَدم، وفيه توكَيد للحكم وَترغيبٌ عَلى الفعل.
قوله: (طَعَامُ مسكين) يعني: نصف صاع من بُر أو صاع من غيره
عند فقهاء العراق، وَمُذ عند فقهاء الحجاز؛ رُخص لهم في ذلك أول
الأمر لما أمروا بالصوم فاشتد عليهم لأنهم لم يتعودوه، ثم نسخ بقوله
تعالى: (فَمَن شَهد َمنكُمُ الشَّهرَ فَليَصُمهُ) يعني: فمن حضر في أشَهر
ولم يكن مسافراً فَليصَمه (ومن كَانَ مَرِيضًا أو عَلَى سَفَر فَعدة مِّن أيَّام
أُخرَ) أي: فعليه عدة من أيّام أخر؛ والمعنى: أن المريضَ إذا أفطر
والمسافر إذا أفطر يجبُ عليهما أن يقضيا ذلك من أيام أخر؛ وكانت فرضية
رمضان في السنة الثانية من الهجرة قبل وقعة بدر، وقد قيل: إنه فرض
في شعبان منها.
قوله: " فهذا حول " أي: أمر الخيار بين الصوم الفرض وبين الإفطار
والإطعام للمسكين حال واحد من الأحوال الثلاثة. والحال الثاني:
فرضيّة الصوم على المقيم الصحيح من غير الخيار، والرُّخصة للمسافر
والمريض. والحال الثالث: ما قَصَّه الله في قوله: (أحِلَّ لَكُم لَيلَةَ الصَيَام
الرُّفَثُ) إلى قوله (اللَّيلِ) وقد مرّ هذا مُفسرا واضحا في حديث
__________
(1) سورة البقرة: (185) .
(2) تفرد به أبو داود.(2/450)
أحمد. وتخريجُ أبي داود مُفرقٌ يحتاج فيه إلى إِمعان النظر والفِكر القوِي،
فافهم.
قوله: " وجاء صِرمةُ " صِرمة- بكسر الصاد المهملة وسكون الراء- هو
صرمة بن قيس، كنيتُه: أبو قيس، له صُحبةٌ وهو لا ينصرف للعلمية
وتاء التأنيث.
قوله: " وقد عمل يومه " جملة وقعت حالاً من " صرمة " وتمام قصته قد
مرّ في حديث أحمد.
***
28- باب في الإقامةِ
أي: هذا باب في بيان حكم الإقامة وصفته، وفي بعض النسخ: " باب
ما جاء في الإقامة " وهي مصدر من أقام يقيم/ إقامة، وفي اصطلاح
الفقهاء: هي إعلام الحاضرين.
490- ص- نا سليمان بن حَرب، وعبد الرحمن بن المبارك قالا: نا
حماد، عن سماك بن عطيّة ح ونا موسى بن إسماعيل: نا وهيبٌ - جميعا-،
عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أنس قال: أُمرَ بلالٌ أن يَشفعَ الأذانَ ويُوترَ
الإقامةَ (1) .
ش- سُليمان بن حرب: الواشحي، أبو أيوب البصري، قاضي مكة.
وعبد الرحمن بن المبارك: ابن عبد الله العَيشِي- بالياء آخر الحروف
والشين المعجمة- أبو بكر أو أبو محمد البصري. روى عن: وهيب بن
خالد، وأبي عوانة بن جرم (2) ، وعبد العزيز بن مسلم وغيرهم. روى
__________
(1) البخاري: كتاب الأذان، باب: بدء الأذان (603) ، مسلم: كتاب الصلاة،
باب: الأمر بشفع الأذان وإيتار الإقامة (2-378) و (3-378) ، الترمذي:
كتاب الصلاة، باب: ما جاء في إفراد الإقامة (193) ، النسائي: كتاب
الأذان، باب: تثنية الأذان (2/3) ، ابن ماجه: كتاب الأذان، باب: إفراد
الإقامة (729) .
(2) كذا، وفي تهذيب الكمال " أبو عوانة اليشكري، وحزم القُطعي " فلعله
مركب منهما، والله أعلم.(2/451)
عنه: البخاري، وأبو زرعة، وأبو حاتم- وقال: صدوق-، وأبو داود
وغيرهم. وروى النسائي، عن رجل، عنه. مات سنة ثمان وعشرين
ومائتين (1) . وحماد: ابن زيد.
وسماك بن عطية: البصري المِربَدي، روى عن: الحسن البصري،
وأيوب السختياني. روى عنه: حمادَ بن زيد، والهيثم بن الربيع. روى
له: البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي (2) .
وموسى بن إسماعيل: المنقري. وَوُهَيب: ابن خالد بن عجلان
البصري. وأيوب: السختياني. وأبو قلابة: عبد الله بن زيد الجرمي
البصري.
قوله: " جميعًا " حال عن " سماك " وَ " وُهيب " بمعنى: مجتمعَين.
قوله: " أُمر بلال " أي: أمرَه رسول الله بذلك. وقد أخرجه النسائي
في " سننه " مَبينا من حديث أبي قلابة، عن أنسِ أن رسول الله أمَر بلالا
أن يشفع الأذان وأن يوتر الإقامة. وأخرجه البخاري، ومسلم،
والترمذي، وابن ماجه.
قوله: " أن يشفع الأذان " يعني: يأني به مثنى؛ وهذا مجمع عليه
اليوم؛ وحكِي في إفراده خلاف عن بعض السلف.
قوله: " ويوتر الإقامة " يعني: يأتي بها وترا ولا يثنيها بخلاف الأذان.
" (3) واختلف العلماء في لفظ الإقامة؛ فالمشهور من مذهب الشافعي:
أن الإقامة إحدى عشرة كلمة، وبه قال أحمد. وقال مالك في المشهور:
هي عشر كلمات؛ فلم يثن لفظ الإقامة، وهو قول قديم للشافعي. وقال
أصحابنا: الإقامة سبع عشرة كلمةَ، فيُثنيها كلها. واحتج الشافعي
بالحديث المذكور. واحتج أصحابنا بما رواه الترمذي من حديث عمرو بن
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (17/3946) .
(2) المصدر السابق (12/2581) .
(3) انظر: نصب الراية (1/268: 270) .(2/452)
مرة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن عبد الله بن زيد قال: كان
أذان رسول الله شفعا شفعا في الأذان والإقامة؛ وبما رواه أبو داود وابن
ماجه من حديث ابن محيريز؛ وقد مرّ بيانه، وقال فيه النسائي: ثم عدها
أبو محذورة تسع عشرة كلمةً وسبع عشر كلمةً، وقال الترمذي: حديث
حسن صحيح. ورواه ابن خزيمة في " صحيحه " ولفظه: " فعلمه الأذان
والإقامة مثنى مثنى ". وكذلك رواه ابن حبان في " صحيحه ". واعترض
البيهقي (1) فقال: وهذا الحديث عندي غير محفوظ لوجوه؛ أحدها: أن
مسلما لم يخرجه؛ ولو كان محفوظا لم يتركه مسلم؛ لأن هذا الحديث
قد رواه هشام الدستوائي، عن عامر الأحول دون ذكر الإقامة كما أخرجه
مسلم في " صحيحه "، والثاني: أن أبا محذورة قد رُوِيَ عنه خلافه،
والثالث: أن هذا الخبر لم يدم عليه أبو محذورة ولا أولاده، ولو كان
هذا حكما ثابتَا لما فعلوا بخلافه. وأجاب الشيخ في " الإمام " بأن عدم
تخريج مسلم إياه لا يدل على عدم صحته؛ لأنه لم يلتزم إخراج كل
الصحيح، وعن الثاني: أن تعبين العدد بتسعة عشر وسبعة عشر ينفىِ
الغلط في العدد؛ بخلاف غيره من الروايات؛ لأنه قد يقع فيها اختلاف
وإسقاط- وأيضا- قد وُجدت متابعة لهمام في روايته عن عامر كما
أخرجه الطبراني عن سعيد بن أبي عروبة، عن عامر بن عبد الواحد،
عن مكحول، عن عبد الله بن محيريز، عن أبي محذورة قال: " علمني
رسول الله الأذان تسع عشرة كلمة، والإقامة سبع عشرة كلمة "، وعن
الثالث: أن هذا داخل في باب الترجيح لأن باب التضعيف؛ لأن عمدة
التصحيح: عدالة الراوي؛ وترك العمل بالحديث لوجود ما هو أرجح منه
لا يلزم منه ضَعفُه، ألا ترى أن الأحاديث المنسوخة يحكم بصحتها إذا
كانت/رواتها عدولاً، ولا يُعمل بها لوجود الناسخ، وإذا آل الأمرُ إلى
الترجيح فقد يختلف الناسُ فيه ". قلت: " وله طريق آخر عند أبي داود
أخرجه عن ابن جريج، عن عثمان بن السائب؛ وفيه: " وعلمني الإقامةَ
__________
(1) لعل هذا الاعتراض ملتقط من السنن الكبرى (1/417) وما بعدها.(2/453)
مرتين مرنين "، ثم ذكرها مفسرةً؛ وقد مر بيانه. وله طريق آخر عند
الطحاوي أخرجه عن شريك، عن عبد العزيز بن رفيع قال: سمعتُ
أبا محذورة يؤذن مثنى مثنى، ويقيم مثنى مثنى. قال في " الإمام ": قال
ابن مَعين: عبد العزيز بن رفيع ثقة. وحديث آخر: أخرجه عبد الرزاق
في " مصنفه ": أخبرنا معمر، عن حماد، عن إبراهيم، عن الأسود
ابن يزيد: أن بلالا كان يُثني الأذان ويثني الإقامة، وكان يبدأ بالتكبير.
ويختم بالتكبير. ومن طريق عبد الرزاق: رواه الدارقطني في " سننه "
والطحاوي في " شرح الاَثار ".
فإن قيل: قال ابن الجوزي في " التحقيق ": والأسود لم يُدرِك بلالا.
قلت: قال صاحب " التنقيح ": وفيما قاله نظر؛ وقد روى النسائي
للأسود عن بلال حدينا. وحديث آخر: أخرجه الطبراني بإسناده إلى
بلال أنه كان يجعل الأذان والإقامة سواء مثنى مثنى وكان يجعل أصبعَيه في
أذنيه. وحديث آخر: أخرجه الدارقطني في " سننه " بإسناده إلى بلال أنه
كان يؤذن للنبي- عليه السلام- مثنى مثنى، ويقيم مثنى مثنى؛ وفيه زياد
البكائي وثقه أحمد. وقال أبو زرعة: صدوق، واحتج به مسلم، ويُرد
بهذا تعليل ابن حبان في كتاب " الضعفاء " هذا الحديث بزياد. وفيه آثار
- أيضا-. روى الطحاوي من حديث وكيع، عن إبراهيم بن إسماعيل،
عن مجمع بن حارثة (1) ، عن عبيد مولى سلمة بن الأكوع، أن سلمة
ابن الأكوع كان يثني الإقامة. حدثنا محمد بن خزيمة: نا محمد بن
سنان: نا حماد بن سلمة، عن حماد، عن إبراهيم قال: كان ثوبان
يؤذن مثنى ويقيم مثنى. حدثنا يزيد بن سنان: نا يحيى بن سعيد القطان:
نا فِطر بن خليفة، عن مُجاهد قال في الإقامة مرة مرة ": إنما هو شيء
أحدثه الأمراء، وأن الأصل: هو التثنية " (2) .
وقد بان لك بهذه الدلائل أن قول الشيخ محيى الدين في " شرح
__________
(1) في نصب الراية " جارية ".
(2) إلى هنا انتهى النقل من نصب الراية.(2/454)
مسلم (1) ": " وقال أبو حنيفة: الإقامة سَبع عشرة كلمة؛ وهذا المذهب
شاذّ " قول واهي، لا يُلتفت إليه؛ وكيف يكون شاذا مع وجود هذه
الدلائل الصحيحة؟ غاية ما في الباب كان ينبغي أن يقول على زعمه: إن
هذا القول مَرجوح، أو قول غيره أقوى منه؛ على أن قول أبي حنيفة في
هذا الباب أقوى وأجدر بالعمل من وجوه؛ الأول: كثرة الدلائل من
الأخبار والآثار الدالة على أن الإقامة مثنى مثنى مثل الأذان، والثاني: أن
قوله: " أُمِر بلال لما قد قيل فيه: إن الآمر فيه مُبهم، يحتمل أن
يكون رسول الله، ويحتمل أن يكون غيره، وقد قيل: إن الآمر بذلك:
أبو بكر، وقيل: عُمر؛ فحصل فيه احتمالات. وقال الشيخ محيي
الدين (2) : " إطلاق ذلك ينصرف إلى صاحب الأمر والنهي وهو رسول
الله؛ ومثل هذا اللفظ: قول الصحابي: " أُمرنا بكذا " أو " نُهينا عن كذا "
و" أُمر الناس بكذا " ونحوه فكله مرفوع سواء قال الصحابيّ ذلك في حياة
رسول الله أم بعد وفاته ".
قلت: فيه مناقشة؛ لأن من الإطلاق ينشاً وجوه الاحتمالات، وقوله
" سواء " إلى آخره غير مسلم؛ لجواز أن يقول الصحابيّ بعد الرسول:
" أُمرنا بكذا " أو " نهينا عن كذا " ويكون الآمر أو الناهي أحد الخلفاء
الراشدين. والثالث: أن بعضهم ادّعوا أن حديث أبي محذورة ناسخ
لحديث أنس هذا قالوا: وحديث بلال إنما كان أول ما شرعِ الأذان- كما
دلّ عليه حديث أنس- وحديث أبي محذورة كان عام حُنين وبينهما مدةٌ
مَديدة.
فإن قيل: شرط الناسخ: أن يكون أصح سندا، وأقوى من جميع
جهات الترجيح، وحديث أبي محذورة لا يوازي حديث أنس من جهة
واحدة، فضلا عن الجهات كلها. قلنا: لا نسلم أن من شرط/الناسخ
ما ذكر؛ بل يكتفى فيه أن يكون صحيحًا متأخراً، معارضا، غير ممكن
__________
(1) (4/78) .
(2) المصدر السابق(2/455)
الجمع بينه وبين معارضه؛ فلو فرضناهما مُتساويَين في الصحة ووجد ما
ذكرناه من الشروط لثبت النسخ، وأما أنه يشترط أن يكون أرجح من
المعارض في الصحة فلا نسلم، نعم لو كان دونه في الصحة ففيه نظرٌ.
ص- زاد حماد في حديثه: إلا الإقامة.
ش- أي: زاد حماد بن زَيد في روايته: إلا لفظ الإقامة؛ وهي قوله:
" قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة " فإنه لا يُوترها؛ بل يُثنّيها.
491- ص- نا حُميد بن مَسعدة: نا إسماعيل، عن خالد الحذّاء، عن
أبي قلابة، عن أنس مثل حديث وُهَيب. قال إسماعيل: فحدثتُ به أيّوب
قال: إلا الإقامة (1) .
ش- حُمَيد بن مَسعدة: أبو علي الباهلي، وإسماعيل: ابن علية،
وخالد: ابن مِهران الحذاء، وأبو قلابة: عبد الله. ووهيب: ابن خالد،
وأيّوب: السختياني.
قوله: " فحدثت به " أي: بهذا الحديث.
قوله: " إلا الإقامة " أي: لفظ الإقامة- كما ذكرناه.
492- ص- نا محمد بن بشار: نا محمد بن جعفر: نا شعبة قال:
سمعت أبا جَعفر يُحدّثُ عن مُسلمٍ أبي المثنى، عن ابن عمر قال: إنما كان
الأذانُ على عهدِ رسولِ الله مرتينِ مرتينِ، والإقامةُ مرةً مرةً، غيرَ أنه يقولُ:
قد قَامت الصلاةُ، قد قامتَ الصلاةُ، فإذا سَمعنَا الإقامةَ توضأنَا ثم خرجنا
إلى الصلَاةِ (2) .
قال شعبة: لم أسمع من أبي جعفرٍ غير هذا الحديثِ.
ش- أبو جَعفر: مؤذن مسجد العُريان. روى عن: أبي المثنى المؤذن.
__________
(1) انظر الحديث السابق.
(2) النسائي كتَاب الأذان، باب: تثنية الأذان (2/3) ، وباب: كيف الإقامة؟(2/456)
روى عنه: شعبة. روى له: أبو داود، والنسائي، وقال في " الكمال ":
أبو جعفر: محمد بن مهران بن مسلم الكوفي مؤذن مَسجد العُريان (1) .
ومسلم بن المثنى أبو المثنى المؤذن القرشي الكوفي، وقيل: اسمُه:
مهران. سمع: ابن عُمر. روى عنه: ابن ابنه: أبو جَعفر هذا،
وإسماعيل بن أبي خالد، وحجاج بن أرطاة وغيرهم. قال أبو زرعة:
ثقة. روى له: أبو داود، والنسائي (2) .
قوله: " على عهد رسول الله " أي: في زمانه وأيامه. قال أبو زرعة:
لا أعرف أبا جعفر إلا في هذا الحديث، وقال البَزّار: لم يَروِ هذا أحدٌ
من غير هذه الطريق.
493- صِ- نا محمد بن يحيى بن فارس: نا أبو عامر- يعني:
عبد الملك بن عمرو-: نا شعبة، عن أبي جَعفر مؤذن مَسجد العُريان. قال:
سمعت أبا المثنى مؤذن مسجد الأكبر يقول: سمعتُ ابن عُمر. وساق
الحديث (3) .
ش- عبد الملك بن عمرو: العقدي البَصري.
فوله: " مسجد العُريان " مسجد مشهور بالكوفة. و " مَسجد الأكبر "
هو الجامع الكبير بالكوفة، ومعنى مسجد الأكبر: مسجد الجامع الأكبر.
فإن قلت: الجامعُ صفة للمسجد، ولا يجوز إضافة الموصوف إلى
صفته. قلت: هذا مؤول، تأويله أنه محمول على حذف موصوف
المضاف إليه، تقديره: مَسجد الوقت الجامع؛ فالمسجد مضاف إلى
الوقت، وهو موصوف بالجامع، ومنه قوله تعالى: (ذَلكَ دينُ
القيِّمَةِ) (4) فإن الدين يوصف بالقيم نحو قوده تعالى: (دينا قممًا) (5)
فوجب تأويله بحذف موصوف المضاف إليه تقديره: دين الملَة الَقيمة أي:
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (24/5033) .
(2) المصدر السابق (27/5940) .
(3) انظر الحديث السابق.
(4) سورة البينة: (5) .
(5) سورة الأنعام: (161) .(2/457)
الملة المستقيمة؛ فأضيف دين إلى الملة إضافة بيان، كأنه قيل: دين
الإسلام؛ لأن الدين أعم من الإسلام؛ إذ هو يستعمل في الحق والباطل،
والإسلام لا يستعمل إلا في الحق، وقيل: المحذوف: الأمة أي: دين
الأمة القيمة بالحق.
***
29- بَابُ: الرَّجلِ يؤذن ويُقيمُ آخرُ
أي: هذا باب في بيان الرجل الذي يؤذن ويقيم رجل آخر، وفي
بعض النسخ: " ما جاء في الرجل يؤذن ".
494- ص- نا عثمان بن أبي شيبة: نا حماد بن خالد: نا محمد بن
عَمرو، عن محمد بن عبد الله، عن عمه: عبد الله بن زبد قال: أَرادَ النبي
- عليه السلام- في الأذانِ أشياءَ لم يَصنع منها شيئَا. قال: فأرِيَ عبدُ الله بنُ
زيد الأذانَ في المنام، فأتى النبي- عليه السلام- فأخبرَهُ فقال: " ألقه عَلى
بلالَ " قال: فألقاه عليه فأذنَ بلالٌ. فقالَ عبدُ الله: أنا رأيتُه وأنا كنتُ أرَيدُهُ.
قَال. " فأقِم أنتَ " (1) .
ش- حماد بن خالد: الخياط البصري.
ومحمد بن عمرو: شيخ من أهل المدينة من الأنصار./روى عن:
محمد بن عبد الله، وعن: عبد الله بن زيد الذي رأى الأذان. روى
عنه: عبد الرحمن بن مَهدي، وحماد بن خالد. روى له: أبو داود (2) .
ومحمد بن عبد الله بن زيد بن عبد ربه الأنصاري المدني، وثقه ابن حبان.
روى له: الجماعة سوى البخاري.
وهذا الحديث حجة على الشافعي؛ حيث يكره الإقامة من غير المؤذن.
وقال أصحابنا: إذا أقام الصلاة: غير مَن أذن لا يكره؛ واستدلوا على ذلك
بهذا الحديث، وبما رواه ابن أبي شيبة (3) - أيضا-: حدثنا يزيد بن
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (26/5516) .
(3) المصنف (1/216) .(2/458)
هارون، عن حجاج، عن شيخ من أهل المدينة، عن " بعض مؤذني
النبي- عليه السلام- قال: كان ابن أم مكتوم يؤذن، ويقيم بلال،
وربما أذن بلال وأقام ابن أم مكتوم ".
حدثنا محمد بن [أبي] عدي، عن أشعث، عن الحسن قال: لا
بأس أن يؤذن الرجل ويقيم غيره (1)
495- ص- نا عُبيد الله بن عُمر: نا عبد الرحمن بن مهدي: نا محمد
ابن عَمرو قال: سمعت عبد الله بن محمد قال: كان جَدي: عبدُ الله بن زيد
يُحدّث بهذا الخبر، قال: فأقام جَدّي (2) .
ش- عبيد الله بن عُمر: القواريري، وعبد الرحمن بن مَهدي:
العنبري البصري، ومحمد بن عَمرو، مر آنفا.
وعبد الله بن محمد بن عبد الله بن زيد بن عبد ربّه الأنصاري الخزرجي
المدني. روى عن: جده: عبد الله الذي رأى الأذان. روى عنه: ابن
سيرين، ومحمد بن عمرو الأنصاري. روى له: أبو داود (3) .
قوله: " بهذا الخبر " أي: الخبر المذكور.
496- ص- نا عبد الله بن مَسلمة: نا عبد الله بن عُمر بن غانم، عن
عبد الرحمن بن زياد، عن زياد (4) بن نُعَيم الحضرمي، أنه سمع زياد بن
الحارث الصدائي قال: لما كان أولُ أذانِ الصبحِ أمرني- يعني: النبيَّ عليه
السلام- فأذنتُ فجعلت أقولُ: أُقيمُ يا رسولَ الله؟ فَجعلَ ينظرُ في ناحيةِ
المشرقِ إلى الفجرِ فيقولُ: " لا "، حتى إذا طلَع الفجرُ نَزلَ فَبرزَ، ثم
انصرفَ إليَّ وقد تلاحقَ أصحابُه- يعني: فتوضأ- فأرادَ بلال أن يُقيمَ فقال
له نبيُّ اللهِ: " إن أَخَا صُدَاءِ هو أذنَ؛ ومَن أذنَ فهو يُقيمُ " قاَل: فأقمتُ (5) .
__________
(1) المصنف (1/216) .
(2) تفرد به أبو داود.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (16/3537) .
(4) في سنن أبي داود: " أنه سمع زياد بن نعيم ".
(5) الترمذي: كتاب الصلاة، باب. ما جاء أن من أذن فهو يقيم (199) ، ابن
ماجه: كتاب الأذان، باب: السنَة في الأذان (717) .(2/459)
ش- عبد الرحمن بن زياد: الإفريقي.
وزياد بن نعيم الحَضرمي: البصري. روى عن: زياد بن الحارث
الصدائي. وروى عنه: بكر بن سوادة الإفريقي، وعبد الرحمن بن زياد
الإفريقي وغيرهما (1) .
وزياد بن الحارث الصدائي: الصحابي، قدم على النبي- عليه السلام-،
وأذن له في سفره. روى عنه: زياد بن نعيم. روى له: أبو داود،
والترمذي، وابن ماجه (2) . والصدَائي منسوب إلى صُداء- بضم الصاد
وبالمدّ- وهو يزيد بن حَرب بن عُلة بن خالد (3) بن مالك بن أدد بن زيد
ابن يشجب بن عُريب بن زيد بن كهلان بن سَبَأ بن يَشجُب بن يَعرب بن
قحطان؛ وهو قبيلٌ من اليمن.
قوله: " أول أذان الصبح " وهو الذي يُؤذن ليقوم القائم ويتسحر
الصائم.
قوله: " فبرَز " أي: خرج، من بَرز الرجل يبرُز بروزًا.
قوله: " إن أخا صُداء " يعني به: زياد بن الحارث.
وبهذا الحديث استدل الشافعي على كراهة الإقامة من غير المؤذن.
والجواب عن ذلك: أنه- عليه السلام- قال ذلك حتى لا تدخل الوحشة
في قَلب زياد بن الحارث؛ لأنه كان حديث العهد بالإسلام؛ وذلك لأن
قدوم وفد صداء وفيهم زياد بن الحارث كان في حجة الوداع، وكان بعثه
- عليه السلام- قيس بن سعد بن عبادة إلى ناحية اليمن، وأمره أن يطأ
صُدَاء كان لما انصرف- عليه السلام- من الجعرانة سنة ثمان؛ على أن
الترمذي قال: وحديث زياد إنما نعرفه من حديث الإفريقي؛ والإفريقي هو
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (9/2041) .
(2) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (1/566) ، أسد الغابة
(2/269) ، الإصابة (1/557) .
(3) كذا، وفي اللباب " جلد " بالجيم.(2/460)
ضعيف عند أهل الحديث؛ ضعّفه يحيى بن سعيد القطان وغيره، وقال
أحمد: لا أكتب حديث الإفريقي.
30- بَابُ رَفع الصَوتِ بالأذَان
أي: هذا باب في بيان رفع الصوت بالأذان، وفي بعض النسخ:
" باب رفع الصَوت " فقط، وفي بعضها: " باب ما جاء في رفع الصوت
بالأذان ". الصوتُ زعم قوم أنه اصطكاك أجسام صلبة، وقيل: هو
القَلع، وقيل: هو القرع، وقيل: تموج الهواء. وكل ذًلك باطل؛ لأن
كل ذلك مُبصرٌ لا مَسموع؛ والحق أنه واضح عند العقل، غني عن
التعريف، ومنهم من زعم أن سبَبه/القريب تموج الهواء، وسببَه البعيد:
إمساسٌ عنيف وهو القَرع، أو تفريق عنيف وهو القَلعُ، والصوت القرعيُّ
أشدّ انبساطا من القَلعِيّ.
فإن قلت: ما الفرق بين الصَوت والنطق واللفظ؟ قلت: اللفظ هو
النطق المعتمدُ على مقاطع الفم، فالنطق اللغوي أخصّ من الصوت؛ لأن
الصَوت يكون من حي وغير حيّ، والنطق لا يكون إلا من حيّ؛ واللفظ
أخصّ من النطق، لأنه لا يكون إلا من الإنسان. وإنما ذكرنا هذه الأشياء
وإن كان هذا الموضع ليس محلّها تكثيرا لفائدة المحدّث، وترغيبا له أن لا
يقتصر على معرفة المتون من غير معانيها.
497- ص- نا حَفص بن عُمر النَّمَريُّ: نا شعبة، عن موسى بن
أبي عثمان، عن أبي يحيِى، عن أبي هريرة، عن النبي- عليه السلام- قال:
" المؤذِّنُ يُغفرُ له مَدى صوته، ويَشهدُ له كلُّ رطب ويابس، وشاهدُ الصلاة
يُكتبُ له خمسٌ وعشرون صَلاة، ويُكفرُ عنه ما بَينهًما " (6) .
ش- مُوسى بن أبي عثمان: التّبَان مولى المغيرة بن شعبة. روى عن:
__________
(1) النسائي: كتاب الأذان، باب: رفع الصوت بالأذان (2/12) ، ابن ماجه:
كتاب الأذان، باب: فضل الأذان وثواب المؤذنين (724) .(2/461)
أبيه، وأبي يحيى، وإبراهيم النخعي، وسعيد بن جبير. روى عنه:
أبو الزناد، وشعبة، ومالك بن مغول، والثوري، وقال: وكان مؤذنا،
وكان نعم الشيخ، وكان سمع إبراهيم بن مهاجر. روى له: أبو داود،
والنسائي، وابن ماجه (1) .
وأبو يحيى هذا لم يُنسَب فيُعرف حاله، وفي " الكمال " ذكره في
أبواب الكُنى وقال: أبو يحيى. روى عن: أبي هريرة. روى عنه:
موسى بن أبي عثمان. روى له: أبو داود، والنسائي (2) .
قوله: " المؤذن " مبتدأ، وخبره: " يُغفر له " وبُني على المجهول لعلم
الفاعل.
قوله: " مَدى صَوته " كلام إِضافي، ومَدَى الشيء: غايته؛ والمعنى:
أنه يستكمل مغفرة الله إذا استوفى وُسعَه في رفع الصَوت، فيبلغ الغاية من
المغفرة إذا بلغ الغاية من الصوت، والظاهر: أنه من باب التمثيل
والتشبيه، بمعنى أن المكان الذي ينتهي إليه الصوت لو قدر أن يكون ما بين
أقصاه وبين مقامه الذي هو فيه ذنوبٌ تملا تلك المسافة، لغفرها الله له.
قوله: " ويَشهدُ له " أي: للمؤذن يوم القيامة " كل رُطب ويابس " قي
الدنيا، وهذا يتناول الإنس والجن وسائر الحيوانات، وسائر الأشياء
المخلوقة من الرطب واليابس.
فإن قيل: أي شيء يحتاجُ إلى هذه الشهادة وكفى بالله شهيدا؟ قلت:
المرادُ منها: اشتهارُه يومَ القيامة فيما بينهم بالفَضل وعُلو الدرجة، ثم إن
الله تعالى كما يُهين قومًا بشهادة الشاهدين عليهم تحقيقا لفضوحهم على
رءوس الأشهاد، وتَسويدا لوجوههم، فكذلك يكرم قوما بشهادة
الشاهدين، تكميلا لسرورهم،، وتطييبًا لقلوبهم، وبكثرة الشهود نزداد
قرة عيونهم، فأخبر أن المؤذنين كلما كانت أصواتهم أجهر كانت شهودهم
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (29/6281) .
(2) المصدر السابق (34/7701) .(2/462)
فإن قيل: أليس قد جُمع بين الحقيقة والجاز في قوله " ويَشهدُ له " لأن
الشهادة حقيقة في حق الإنس والجن، مجاز في حق غيرهما من الأشياء
الرطبة واليابسة؟ قلت: قد عرفتَ أن مَعنى الشهادة كونه مشتهرا بينهم
بالفضل حتى إن كل من شهده عرفه أنه إنما حصل له هذا من أذانه في
الدنيا، فإذن لا شهادة لا حقيقة ولا مجازا.
قوله: " وشاهدُ الصلاة " مبتدأ وخبرُه: " يكتبُ له " والمعنى: حاضِرُ
الصلاة مع الجماعة يكتبُ له أجرُ خمسٍ وَعِشرين صلاةً.
فإن قيل: ما الحكمة في تعبين الخمس والعشرين؟ قلت: الذي ظهر
لي في هذا المقام من الأنوار الإلهية، والأَسرار الربانية، والعنايات
المحمديّة: أن كل حسَنة بعشر أمثالها بالنّص، وأنه لو صلى في بَيته كان
يَحصل له ثواب عشر صلوات، وكذا لو صلى في سُوقه كان يحصل له
ثواب عشر صلوات، كل صلاة بعشرِ، ثم إنه لو صلى بالجماعة يحصل
له ما كان يحصل له/من الصلاة في بَيته وفي سوقه، ويُضاعف له مثله،
فيصير ثواب عشرين صلاةً. وأما زيادة الخمسة؛ فلكونه أدى فرضا من
الفروض الخمسة، فأنعم الله عليه ثواب خمس صلوات أخرى نطير عدد
الفروض الخمسة، زيادة على العشرين، إنعاما وفضلا منه عليه، فيصير
الجملة خمسةً وعشرين. وجواب آخر: أن مراتب الأعداد: آحاد
وعشرات ومئات وألوف: والمائة من الأوساط، وخير الأمور: أوساطها،
والخمسة والعشرون ربع المائة، وللربع حكم الكل.
قوله: " ويكفر عنه ما بَينهما " أي: ما بَين الصلاتين؛ بَين الصلاة التي
صلاّها وبين الصلاة التي تليها؛ والمعنى: تكفر ذنوبه التي ما بينهما غير
الكبائر. والحديث: أخرجه النسائي، وابن ماجه.
498- ص- نا القعنبي، عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن
أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا نُوديَ بالصلاة أدبرَ الشيطانُ وله ضُراطٌ
حتى لا يَسمعَ التَأذينَ، فإذا قُضِيَ النداءُ أَقبل، حتىَ إذا ثُوِّبَ بالصلاةِ أدبَرَ،(2/463)
حتى إذا قُضيَ التثويبُ أقيل، حتى بَخطُرَ بين المَرء ونَفسه ويَقول: اذكر كذا،
اذكر كذا، لِمَا لم يكن يَذكُرُ، حتى يَظل (1) الرجل إِن يَدرَي كم صَلَّى " (2) .
ش- عبد الله بن مسلمة القعنبي، ومالك: ابن أنس، وأبو الزناد:
عَبد الله، وعبد الرحمن الأعرج.
قوله: " إذا نودي بالصلاة " أي: إذا أذن بها.
قوله: " أدبر الشيطان وله ضراط " الإدبار: نقيض الإقبال؛ يقال: دَبَر
وأدبر إذا وَلّى؛ والواو في " وله ضراط " للحال. وفي رواية البخاري
ومسلم بدون الواو؛ والجملة الاسمية تقع حالا بلا واو- أيضًا- كما في
قوله: كلمته فوُه إلى فيَّ. وفي رواية مسلم: " وله حصَاص ".
فإن قيل: ما حقيقة هذا الكلام؟ قلت: هذا تمثيل لحال الشيطان عند
هروبه من سماع الأذان بحال مَن حزقه- أمر عظيم، واعتراه خطب
جسيم، حتى لم يزل يحصل له الضُّراط من شدة ما هو فيها؛ لأن الواقع
في شدة عظيمة من خوف وغيره تسترخي مفاصله، ولا يقدر على أن يملك
نفسه فينفتح منه مخرج البول والغائط؛ ولما كان الشيطان- عليه اللعنة-
تعتريه شدة عظيمة وداهية جسيمة عند النداء إلى الصلاة، فيَهرب حتى لا
يسمع الأذان، شبه حاله بحال ذلك الرجل، وأثبت له على وجه الادعاء
الضراط الذي يَنشا من كمال الخوف الشديد؛ وفي الحقيقة: ما ثم
ضراط، ويحوز أن يكون له ريح لأنه روح، ولكن لم نعرف كيفيته (3) .
فإن قيل: ما الحكمة أن الشيطان يهرب من الأذان ولا يَهرب من قراءة
__________
(1) في سنن أبي داود: " يضل " وهى رواية كما سيذكر المصنف.
(2) البخاري: كتاب الأذان، باب: فضل التأذين (6، 8) ، مسلم: كتاب
الصلاة، باب: استحباب رفع اليدين حذو المنكبين مع تكبيرة الإحرام
والركوع، وفي الرفع من الركوع، وأنه لا يفعله إذا رفع من السجود
(19/389) ، النسائي: كتاب الأذان، باب: فضل التأذين (2/21) .
(3) بل الظاهر أنه ضراط على وجه الحقيقة، كما قال القاضي عياض وغيره،
وانظر الفتح (2/84) .(2/464)
القراَن وهي أفضل من الأذان؟ قلت: إنما يفرُ من الأذان وله ضراط لئلا
يسمع فيحتاج أن يَشهد بما سمع إذا استُشهِد يوم القيامة؛ لأنه جاء في
الحديث: " لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء، إلا شهد
له يوم القيامة (1) " والشيطان- أيضًا- شيء، أو هو داخل في الجنّ لأنه
من الجن والحديث المذكور- أيضًا- " ويَشهد له كل رطب ويابس ".
فإن قيل: الشيطان ليس بأهل للشهادة؛ لأنه كافر، والمراد من
الحديث: يَشهد له المؤمنون من الجن والإنس. قلت: هذا ليس بشيء؛
لأن قوله: " ويَشهد له كل رطب ويابس " يَتناوَله، والأحسن: أن يقال:
إنه يُدبر لعظم أمر الأذان لما اشتمل عليه من قواعد التوحيد، وإظهار
شعائر الإسَلام وإعلانه. وقيل: ليأسه من وسوسة الإنسان عند الإعلان
بالتوحيد. قال أبو الفرج: فإن قيل: كيف يهرب الشيطان من الأذان،
ويدنو من الصلاة، وفيها القراَن ومُناجاة الحق؟ فالجواب: بُعده عند
الأذان لغيظه من ظهور الدين، وغلبة الحق، وعلى الأذان هَيئة يشتدُ
انزعاجه لها، ولا يكاد يقع فيه رياء ولا غفلة عند النطق به؛ لأن النفس
لا تحضره، وأما الصلاة: فإن النفس تحضر، فيفتح لها الشيطان أبواب
الوساوس.
قوله: " فإذا قضي النداء/أقبل " يعني: إذا فُرغ من الأذان أقبل
الشيطان، لزوال ما يلحقه من الشدة والداهية.
قوله: " حتى إذا ثُوِب بالصلاة " أي: حتى إذا أُقيم لها؛ " (2)
والتثويب هاهنا: الإقامة، والعامة لا تعرف التثويب إلا قول المؤذن في
صلاة الفجر: " الصلاة خير من النوم " حسب؛ ومعنى التثويب:
الإعلام بالشيء والإنذار بوقوعه؛ وأصله: أن يلوح الرجل لصاحبه بثَوبه
__________
(1) البخاري: كتاب الأذان، باب: رفع الصوت بالنداء (609) من حديث
أبي سعيد الخدري.
(2) انظر: معالم السنن (1/134) .
30. شرخ سنن أبي داوود 2(2/465)
فيُديرُه عند الأمر يَرهقه من خوف أو عدو، ثم كثر استعماله في كل إعلام
يُجهرُ به صوت؛ وإنما سميت الإقامة تثويبًا؛ لأنه إعلام بإقامة الصلاة،
والأذان إعلام بوقت الصلاة ".
وقيل: سميت الإقامة تثويباً لأنه عود للنداء من ثاب إلى كذا إذا عاد
إليه.
قوله: " حتى يخطر بين المرء ونَفسه " - بضم الطاء وكسرها- قال
عياض: ضبَطناه عن المتقنين بالكسر، وسمعناه من أكثر الرواة بالضم،
قال: والكسر هو الوجه؛ ومعناه: يُوسوس؛ من قولهم: خطر العجل
بذنبه إذا حركه يَضرب به فخذَيه. وأما الضم: فمن السلوك والمرور،
أي: يدنو منه، فيمر بينه وبن قلبه، فيُشغله عما هو فيه، وقال الباجي:
فيحول بين المرء وما يُريده من نفسه من إقباله على صلاته وإخلاصه. وقال
الهجري في " نوادره ": يخطِر بالكسر في كل شيء، وبالضم ضعيف.
قوله: " حتى يظل الرجل إن يدري كم صَلّى " أي: حتى يصير الرجل
ما يَدري كم صلّى من الركعات. و " يطل " بظاء قائمة مفتوحة،
و" الرجل " مرفوع لأن فعله (1) بمعنى يصير كما في قوله تعالى: (ظَل
وَجهُهُ) (2) وقيل: معناه: يبقى ويدوم. وحكى الداوديّ " يضِل "
بالضاد المعجمة المكسورة بمعنى: ينسى ويذهب وهمُه ويَسهو، قال تعالى:
(أن تَضِلَّ إِحدَاهُمَا) (3) . قال ابن قرقول: وحكى الداودي أنه روي
" يضِل " و " يضَل " من الضلال وهو الحَيرة، قال: والكسر في المستقبل
أشهر. قال الحافظ القشيري: ولو روى هذا الرجل " حتى يُضِل الرجلَ "
لكان وَجها صحيحًا، يُريد حتى يُضل الشيطان الرجلَ عَن درايته كم
صلّى، قال: ولا أعلم أحدًا رواه؛ لكنه لو رُوي لكان وَجها صحيحًا في
المعنى غير خارج عَن مراده- عليه السلام-، وقوله " إن " بالكسر،
__________
(1) في الأصل: " فاعله ".
(2) سورة النحل: (58) .
(3) سورة البقرة: (282) .(2/466)
" إن " نافيةٌ بمعنى " ما " قال القاضي عياض: وروي بفتحها قال: وهي
رواية ابن عبد البرّ، وادعى أنها رواية أكثرهم، وكذا ضبطه الأصيلي في
كتاب البخاري، والصحيح: الكسرُ.
قلت: الفتح إنما يتوجه على رواية " يضل " بالضاد فيكون " أن " مع
الفعل بَعدها بتأويل المصدر، أي: يجهل درايته، ويَنسى عدد ركعاته.
فإن قيل: ما معنى أنه أثبت له الضراط في إدباره الأول ولم يثبت في
إدباره الثاني؟ قلت: لأن الشدّة الأولى تلحقه على سبيل الغفلة، وتكون
هي أعظم، أو يكون اكتفى بذكره في الأوّل عن ذكره في الثاني.
فإن قيل: ما مقدار بُعد إدباره؟ قلت: قد بَيّنه في رواية مسلم أن
الشيطان إذا سمع النداء بالصلاة ذهب حتى يكون مكان الروحاء، قال
الراوي: هي من المدينة ستة وثلاثون ميلاً؛ وهي بفتح الراء والحاء المهملة
وبالمدّ.
31- بَابُ: مَا يجبُ عَلى المؤذنِ من تعاهُدِ الوَقت
أي: هذا باب في بيان ما يجب على المؤذن من تعاهد وقت الصلاة،
وفي بعض النسخ: " باب ما جاء فيما يجب " وفي بعضها: " من تعهد
الوقت " فالتعاهد والتعهد بمعنًى واحد؛ وهو الحِفَاظُ والرعاية.
499- ص- نا أحمد بن حنبل: نا محمد بن فضيل: نا الأعمش، عن
رجل، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله- عليه السلام-:
" الإمامُ ضَامنٌ، والمؤذنُ مؤتمنٌ، اللهم أرشدِ الأئمةَ، واغفر للمؤذِنِينَ " (1) .
ش- محمد بن فضيل: ابن غزوان الكوفي، وأبو صالح: ذكوان
السمان.
__________
(1) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء أن الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن
(207) .(2/467)
قوله: " الإمام ضامن " أصل الضمان: الرعاية والحفظ؛ لأنه يحفظ
على القوم صلاتهم، وقيل: لأنه يتحمل القراءة عنهم، ويتحمل القيامَ
إذا أدركه راكعًا، وقيل: صلاة المقتدين به في عهدته، وصحتها مقرونة
بصحة صلاته؛ فهو كالمتكفل/لهم صحة صلاتهم، وقيل: ضمان
الدعاء يعمّهم به ولا يختص بذلك دونهم. وقال بعض أصحابنا: مَعناه:
يتضمن صلاته صلاة القوم، وعن هذا قالوا: اقتداء المفترض بالمتنفل لا
يجوز؛ لأن تضمين الشيء فيما هو فوقه يجوز وفيما دونه لا يحوز، وهو
المَعنِيُ من الفرق؛ فإن الفرض يشتمل على أصل الصلاة والصفة، والنفل
يشتمل على أصل الصلاة، وإذا كان الإمام مفترضا فصلاته تشتمل صلاة
المتقدي وزيادة فيصحّ الاقتداء، وإذا كان متنفلا فصلاته لا تشتمل على ما
تشتملُ عليه صلاة المقتدين؛ فلا يصح اقتداؤه به؛ لأنه بناء القوي على
الضعيف؛ فيكون منفردا في حق الوَصف. وهذا الحديث أصلٌ لِثلاثة من
الفروع تُستفاد منه؛ الأول: فساد اقتداء المفترض بالمتنفل، والثاني: عدم
وجوب القراءة على المقتدين، والثالث: فساد صلاة المقتدين إذا ظهر
الإمام محدثا أو جنبا. وفي الكل خلاف الشافعي؛ والحديث حجة عليه.
قوله: " والمؤذن مؤتمن " يعني: أمينٌ على صلاتهم وصيامهم؛ لأنهم
يعتمدون عليه في دخول الأوقات وخروجها- وأيضا- هو يطلع على حرَم
المسلمين لارتقائه على المواضع المرتفعة. وعن هذا قالوا: يكرهُ أذانُ
الجاهلِ مواقيتَ الصلاةِ، وأذانُ الفاسقِ.
قوله: " اللهم أرشد الأئمة " مِن الإرشاد؛ وهي الهداية إلى طريق
الصواب، والرُشد خلاف الغي، والأئمة أصله: أأمَمةٌ جمع إمام؛
فقلبت الهمزة الثانية ألفًا فصَار آممة بالمدّ، ثم قلبت ياء بعد إدغام الميم في
الميم لالتقاء الساكنين، ويجوز: أئِمة بالهمزتين، وقُرئ بها. وإنما قال
في حق الَأئمة: " ارشد " وفي حق المؤذنين: " اغفر " لأن الإمامَ
ضامِنٌ، فيحتاج إلى الإرشاد في طريق ضمانه، ليَخرج عن عُهدته
بالسلامة، والمؤذن أمين فيحتاجُ إلى الغُفران؛ لأنه قد يقع منه تقصيرٌ.(2/468)
والحديث: أخرجه الترمذي، وقال: وفي الباب عن عائشة، وسهل
ابن سعد، وعقبة بن عامر؛ قال أبو عيسى: حديث أبي هريرة رواه
سفيان الثوري، وحفص بن غياث، وغير واحد، عن الأعمش، عن
أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي- عليه السلام-. وروى أسباط
ابن محمد، وأبو بدر، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة،
عن النبي- عليه السلام-. وروى نافع بن سليمان، عن محمد بن
أبي صالح، عن أبيه، عن عائشة، عن النبي- عليه السلام- هذا
الحديث، قال: وسمعت أبا زرعة يقول: حديث أبي هريرة أصح من
حديث أبي صالح عن عائشة، قال: وسمعت محمدا يقول: حديث
أبي صالح عن عائشة أصح، وذكر عن علي بن المديني أنه لم يثبت
حديث أبي هريرة ولا حديث عائشة.
500- ص- نا الحسن بن علي: نا ابن نُمير، عن الأعمش قال: نبئتُ
عن أبي صالح- ولا أُرَى (1) إلا قد سمعتُه منه، عن أبي هريرة قال: قال
رسول الله- عليه السلام مثله (2) .
ش- الحسن بن علي: الخلال. وعبد الله بن نُمير: الكوفي.
قوله: " نبّئتُ " على صيغة المجهول؛ أي: أُخبِرتُ.
قوله: " ولا أُرى " بضم الهمزة وفتح الراء.
قوله: " منه " أي: من أبي صالح السمان.
32- باب: أذان فَوق المنارة
أي: هذا باب في بيان الأذان فوق المنارة، وفي بعض النسخ: " باب
ما جاء في الأذان " والمنارة: علم الطريق، والمنارة: التي يؤذن عليها.
501- ص- نا أحمد بن محمد بن أيوب: نا إبراهيم بن سَعد، عن
محمد بن إسحاق، عن محمد بن جَعفر بن الزبير، عن عروة بن الزبير،
__________
(1) في سنن أبي داود: " ولا أراني "
(2) انظر الحديث السابق.(2/469)
عن امرأة من بني النجارِ قالت: كان بَيتِي من أطول بيت حولَ المسجد،
فكان (1) " بلال يُؤَذنُ عليه الفجرَ، فيأتَي بسَحَر، فيجلسُ على البيت يَنظرُ إلَى
الفَجرِ، فإذا رآهُ تمطَّى، ثم قال: اللهم إنَي أحمَدُكَ وأَستعينُكَ علىَ قريش أن
يُقِيمُوا دينَكَ، قالت: ثم يُؤذنُ، قالت: والله ما علمتُه كان تَرَكَهَا ليلةً واحدة
هذه (2) الكلمات (3) .
ش- أحمد بن محمد بن أيوب: الوراق، أبو جعفر البغدادي، كان
يورق للفضل بن يحيى بن خالد بن برمك. روى عن: إبراهيم بن سعد
/وأبي بكر بن عياش. روى عنه: أبو داود، وعبد الله بن أحمد بن
حنبل، وحنبل بن إسحاق، وأبو بكر بن أبي الدنيا وغيرهم. سئل عنه
يحيى بن معين فقال: كذاب، وقال يعقوب بن شيبة: لا نعرفه أخذ
بالطلب؛ وإنما كان وراقًا. وذكره ابن الجوزي في " الضعفاء " وقال:
وكان أحمد وعلي يحسنان القول فيه. مات ببغداد ليلة الثلاثاء لأربع ليال
بقين من ذي الحجة سنة ثمان وعشرين ومائتين (4) .
وإبراهيم بن سَعد: ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف القرشي
المدني. ومحمد بن إسحاق: ابن يسار.
ومحمد بن جَعفر بن الزبير: ابن العوام القرشي الأزدي المدني.
سمع: عروة بن الزبير، وابن كلمه: عباد بن عبد الله بن الزبير، وعبد الله
ابن عبد الله بن عمر بن الخطاب. روى عنه: عبد الرحمن بن القاسم
ابن محمد بن أبي بكر، وعبد الرحمن بن الحارث، والوليد بن كثير،
ومحمد بن إسحاق وغيرهم. وكان عالما فقيها. روى له الجماعة (5) .
وعروة بن الزبير: ابن العوام.
__________
(1) في سنن أبي داود: " وكان ".
(2) في سنن أبي داود: " تعني هذه ".
(3) تفرد به أبو داود.
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (1/93) .
(5) المصدر السابق (24/5115) .(2/470)
قوله: " من أطول بَيت " أي: أرفعه بناء.
قوله: " فيأتي بسَحر " السحَر: قُبِيل الصبح؛ وهو هَاهنا مُنصرفٌ لأنه
نكرة: كما في قوله تَعالى: (إِلاَّ آلَ لُوط نَجينَاهُم بسَحَرٍ) (1) فإذا
قلت: سحرنا هذا إذا أردت به سحر ليلتك لًم تصرفه؛ لأنه معدول عن
الألف واللام وهو معرفة، وقد غلب عليه التعريف بغير إضافة ولا ألف
ولام كما غلب ابن الزبير على واحد من بنِيه، وتقول: سير على
فرسخك سحَرَ يا فتى، فلا ترفعه لأنه ظرف غير متمكن، وإن أَردت به
نكرةً أو سميتَ به رجلا أو صغرته انصرف؛ لأنه ليس على وزن المعدول
كآخر يقول: سير على فرسخك سُحيراً؛ وإنما لم ترفعه لأن التَّصغير لم
يُدخله في الظروفَ المتمكنة كما أدخله في الأسماء المنصرفة.
قوله: " أن يقيموا دينك " أي: لأن يقيموا دينك.
قوله: " تركها " أي: الكلمات المذكورة، وفسرها بقوله بعد ذلك:
" هذه الكلمات ". والمقصود من تبويب هذا الباب: استحباب الأذان فوق
الأماكن العالية؛ لأن الأذان إعلام الغائبين، فكلما كان المكان أرفع كان
الإعلام أبلغ. وفي " المصنف ": نا أبو خالد، عن هشام، عن أبيه
قال. أمر النبي- عليه السلام- بلالا أن يؤذن يوم الفتح فوق الكعبة
حدثنا أبو بكر قال: نا عبد الأعلى، عن الجريري، عن عبد الله بن
شقيق قال: من السُنَّة: الأذان في المنارة، والإقامة في المسجد، وكان
عَبد الله يَفعله.
33- بَابُ: المُؤذّن يَستديرُ في أذانِه
أي: هذا باب في بيان المؤذن يَستدير- أي: يدور يمينًا وشمالا- في
أذانه، وفي بعض النسخ: " باب ما جاء في المؤذن ".
__________
(1) سورة القمر: (34) .(2/471)
502- ص- نا موسى بن إسماعيل: نا قَيس- يعني: ابن الربيع ح ونا
محمد بن سليمان الأنباري: نا وكيع، عن سفيان- جميعا-، عن عون بن
أبي جُحيفة، عن أبيه، قال: أتيتُ النبيَ- عليه السلام- بمكةَ وهو في قُبةِ
حمراءَ من أدَمٍ، فخرجَ بلالٌ فأذنَ، فكنتُ أتَتَبَعُ فَمَهُ هاهنا وهاهنا. قال: ثم
خرجَ النبيُ- عليه السلام- وعليه حُلَةٌ حمراء برُودٌ يمانيةٌ قِطري. وقال
موسى: قال: رأيتُ بلالاً خرجَ إلى الأبطحِ فأذنَ، فلما بلغَ حَيَ على الصلاة
حَيَّ على الفلاحِ لَوَى عُنُقَهُ يمينًا وشِمالاً ولم يَستدر، ثم دَخَلَ فأخرجَ العَنَزَةَ.
وساق حديثَه (1) .
ش- قيس: ابن الربيع أبو محمد الأسدي الكوفي من ولد الحارث بن
قيس الذي أَسلم وعنده تسع نسوة. سمع: عون بن أبي جُحيفة،
والأعمش، وهشام بن عروة وغيرهم. روى عنه: الثوري، وابن
المبارك، وشعبة وغيرهم. وقال عفان: كان قيس بن الربيع ثقة؛ يوثقه
الثوري وشعبة. وعن ابن معين: ليس بشيء. روى له: أبو داود،
والترمذي، وابن ماجه (2) .
وعون بن أبي جُحيفة- وهب بن عبد الله السُّوائي الكوفي. روى
عن: أبيه، والمنذر بن جرير. روى عنه: عمر بن أبي زائدة، ومسعر بن
كدام، والثوري، وشعبة وغيرهم. قال ابن معين، وأبو حاتم: ثقة.
روى له الجماعة (3)
__________
(1) البخاري: كتاب الأذان، باب: هل يتتبع المؤذن فاه هاهنا وهاهنا وهل يلتفت
في الأذان (634) ، مسلم: كتاب الصلاة، باب: سترة المصلى (503) ،
الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في إدخال الإصبع في الأذن عند
الأذان (197) ، النسائي: كتاب الأذان، باب: كيف يصنع المؤذن في أذانه
(2/12) ، ابن ماجه: كتاب الأذان والسُنَة، باب: السُنَة في الأذان
(711) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (24/4903) .
(3) المصدر السابق (22/4549) .(2/472)
وأبوه: وهب بن عبد الله السُّوائي- ويُقال: وهب بن وهب-،
يقال له: وهب الخير، من (1) /بني حُرثان بن سُواءة بن عامر بن
صَعصعة أبو جُحَيفة كان من صغار أصحاب النبي- عليه السلام-، قيل:
مات رسول الله ولم يَبلُغ الحلم، نزل الكوفةَ وابتنى بها دارًا. رُوِيَ له
عن رسول الله خمسة وأربعون حديثا؛ اتفقا على حديثين، وانفرد
البخاري بحديثين وانفرد مسلم بثلاثة. روى عنه: ابنه: عون،
وإسماعيل بن أبي خالد، والحكم بن عُتيبة، وأبو إسحاق السبيعي،
وعلي بن الأقمر. روى له الجماعة (2) .
قوله: " جميعا " حالٌ من قيس وسفيان- يعني: مجتمعَين.
قوله: " وهو في قبة حمراء " الواو فيه للحال، القُبّة- بضم القاف
وتشديد الباء- من الخيام، بَيت صغير مستدير؛ وهو من بيوت العرب،
وفي " الصحاح ": القبة- بالضم- من البناء؛ والجمع: قبَب وقِبَابٌ.
قوله: " من أدَمٍ " - بفتح الهمزة والدال- وهو جمع أديمِ؛ مثل: أفيقِ
وأفَقِ؛ وقد يُجمع على آدمة، مثل رغيف وأرغفة؛ والأديم: الجلد.
قوله: " هاهنا وهاهنا " يعني: يمينا وشمالاً.
قوله: " وعليه حلة حمراء " جملة اسميّة وقعت حالا؛ والحُلة: ثوبان
غيرُ لفتين رداء وإزار، وقيل: أن يكون ثوبين من جنس واحد؛ سُميا
بذلك لأن كل واحد منهما يحلّ على الأخر، وقيل: أصل تسميتهما
بهذا: إذا كان الثوبان جديدَين كما حُل طيهما فقيل لهما حلة لهذا، ثم
استمر عليها الاسمُ. وقال ابن الأثير: الحُقة واحدة الحلل؛ وهي بُرود
اليمن، ولا تُسمّى حُلة إلا أن يكون ثوبين من جنس واحدِ.
قوله: " بُرُودٌ " مرفوع لأنه صفة للحُلًة، من الصفات الكاشفة.
__________
(1) مكررة في الأصل.
(2) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (4/36) ، أسد الغابة
(5/460) و (6/48) الإصابة (3/642) .(2/473)
وقوله: " يَمانيّة " صفة للبُرود؛ أي: منسوبة إلى اليمان.
فوله: " قطريّ " - بكسر القاف وسكون الراء (1) - نسبة إلى قطر بلدٌ
بين عُمان وسَيف البَحر، ويقال: إن البلد " قَطَر " - بَفتح القاف وفتح
الطاء- فلما نُسب الحُللُ إليها خفّفوها وقالوا: قطريّ- بكسر القاف
وسكون الطاء- والأصلُ: قطَري- بفتح القافَ والطاء-، ويُقال:
القطري: ضرب من البرود فيها حمرة، وقيل: ثياب حمرٌ لها أعلام فيها
بعض الخشونة، وقيل: حُلَل جياد تحمل من قبل البحرين.
فإن قيل: ما موقعه من الإعراب؟ قلت: رفعٌ؛ لأنه صفة للحلة؛
وإنما لم يقل: قطرية لأن التطاَبق بين الصفة والموصوف شرط؛ كما راعى
التطابق في قوله " حمراء " وفي قوله " يمانية " لأن القطري بكثرة
الاستعمال صار كالاسم لذلك النوع من الحُلل؛ ألا ترى إلى قول
البعض: كيف فسّر القطري وقال: هو ضرب من البرود فيها حمرة- أي:
نوع من البرود فلما صار كالاسم جاز فيه ترك علامة التأنيث، كما في
حائض وخادم ونحوهما، لما خرَجت من الصفتيّة صارت كالاسم،
فاستوى فيها التذكير والتأنيث؛ فالتذكير أولى لأنهَ الأصل. وهاهنا ثلاث
صفات للحلّة؛ الأولى: صفة الذات؛ وهي قوله " حمراء "، والثانية:
صفة الجنس؛ وهي قوله " بُرودٌ " بَيّن به أن جنسَ هذه الحلة الحمراء من
البرود اليمانية، والثالثة: صفة النَوع؛ وهي قوله " قطري " لأن البُرود
اليمانية أنواع؛ نوع منها: قطريّ، بينه بقوله " قِطري ".
قوله: " وقال موسى: قال " أي: قال موسى بن إسماعيل في روايته:
قال أبو جُحيفة: رأيت بلالاً خرج إلى الأبطح- يعني: أبطح مكة-
وهو مَسيل واديها، ويُجمَع على البطاح والأباطح.
قوله: " لَوَى عنقه " أي: أمالَ عنقه يمينًا وشمالاً؛ من لوى الرجلُ
رأسَه، وألوى برأسه أمال وأعرض؛ من باب ضرب يضرب.
قوله: " ولم يَستدِر " يعني: لم يَدُر؛ يُقال: دارَ يَدُور واستدار يستدير
__________
(1) كذا، والجادة: " بكسر الطاء ".(2/474)
بمعنى، إذا طاف حول الشيء، وإذا عاد إلى الموضع الذي ابتدأ منه؛
والمقصود من هذا: أنه حول وَجهه في الأذان يمينًا وشمالاً مع ثبات
القدمين.
" (1) وفي رواية ابن ماجه: قال " أتيتُ النبي- عليه السلام- بالأبطح
وهو في قبة حمراء، فخرج بلال فأذن، فاستدار في أذانه وجعل إصبعَيه
في أذنيه " أخرجه عن/حجاج بن أرطأة، عن عون بن أبي جحيفة،
عن أبيه، فذكره. وبهذا اللفظ رواه الحاكم في " المستدرك " وقال: لم
يَذكرا فيه إدخال الإصبعين في الأذنين والاستدارة في الأذان؛ وهو صحيح
على شرطهما جميعا. ورواه الترمذي: ثنا محمود بن غيلان: نا
عبد الرزاق: أنا سفيان الثوري، عن عون بن أبي جحيفة، عن أبيه قال:
" رأيتُ بلالا يؤذن ويَدُور، ويتبع فاه هاهنا وهاهنا، وإصبعاه في أذنيه "،
وقال: حديث حسن صحيح. واعترض البيهقي (2) فقال: الاستدارة في
الأذان ليست في الطرق الصحيحة في حديث أبي جحيفة، ونحن نتوهم
أن سفيان رواه عن الحجاج بن أرطأة، عن عون، والحجاج غير محتج
به، وعبد الرزاق وهم فيه؛ ثم أسند عن عبد الله بن محمد بن الوليد،
عن سفيان به؛ وليس فيه الاستدارة، وقد رويناه من حديث قيس بن
الربيع، عن عون وفيه: " ولم يَستدر ". وقال الشيخ في " الإمام ":
أما كونه ليس مخرجا في " الصحيح " فغير لازم، وقد صححه الترمذي
وهو من أئمة الشأن، وأما أن عبد الرزاق وهم فيه فقد تابعه مؤمل، كما
أخرجه أبو عوانة في " صحيحه " عن مؤمل، عن سفيان به نحوه؛
وتابعه- أيضا- عبد الرحمن بن مهدي؛ أخرجه أبو نعيم في " مستخرجه
على كتاب البخاريّ ". وقد جاءت الاستدارة من غير جهة الحجاج؛
أخرجه الطبراني عن زياد بن عبد الله، عن إدريس الأودي، عن عون بن
أبي جحيفة، عن أبيه قال: بينا رسول الله- عليه السلام- وحضرت
__________
(1) انظر: نصب الراية (1/276: 278) .
(2) السنن الكبرى (1/395) .(2/475)
الصلاة فقام بلال فأذّن، وجعل إصبعَيه في أذنيه، وجعل يَستديرُ لما.
وأخرج أبو الشيح الأصبهاني في كتاب " الأذان " عن حمادَ وهشيم
- جميعا-، عن عون بن أبي جحيفة، عن أبيه أن بلالا أذن لرسول الله
بالبطحاء فوضع إصبعَيه في أُذنَيه وجعل يَستدير يمينًا وشمالاً " (1) .
قلت: وفي " سنن الدارقطني (2) من حديث كامل أبي العلاء، عن
أبي صالح، عن أبي هريرة: أُمر أبو محذورة أن يَستدير في أذانه.
قوله: " فأخرج العنزةَ " العنزة مثل نصف الرمح أو أكبر شيئا، وفيها
سنان مثل سنان الرمح، والعكازة قريب منها.
قوله: " وساق حديثه " وتمامه في رواية البخاري ومسلم: قال: " صلى
ينا إلى العنزة الظهر أو العصر، تمر المرأة والكلبُ والحمارُ لا يمنع، ثم لم
يزل يصلي ركعتَين حتى أتى المدينة ". وفي رواية أخرى: " وكان يمر من
ورائها الحمار والمرأة، ثم قام الناس فجعلوا يأخذون فيمسحون بها
وجوههم، فأخذت يده فوضعتها على وجهي، فإذا هي أبرد من الثلج،
وأطيب ريحا من المِسك ". وفي رواية: ثم قَدَّم بين يديه عنزةً بينه وبين
مارة الطريق، ورأيت الشيب بعَنفقته أسفل من شفته السفلى ". وهذه
الطرق كلها مخرجة في " الصحيَحين " وأخرجها أحمد في " مُسنده ".
ويستفاد من الحديث فوائد؛ الأولى: استحباب الالتفات إلى اليمين
والشمال في الحيعلتين.
الثانية: جواز لباس الأحمر.
الثالثة: نصب العنزة أو نحوها بَين يدَيه إذا صلى في الصحراء.
***
34- باب: في الدُّعاءِ بَينَ الأذَانِ والإقامَةِ
أي: هذا باب في بيان الدعاء بين الأذان والإقامة، وفي بعض النسخ:
" باب ما جاء في الدعاء ".
__________
(1) إلى هنا انتهى النقل من نصب الراية.
(2) (1/239) .(2/476)
503- ص- نا محمد بن كثير: أنا سفيان، عن زَيد العَميّ، عنِ
أبي إياس، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يُردُ الَدّعاءُ بَين
الأذَانِ والإقَامةِ " (1) .
ش- محمد بن كثير: العَبدي البصري، وسفيان الثوري.
وزيد العمي: هو زيد بن الحواري البصري، أبو الحواري العمي
قاضي هَراة في ولاية قتيبة بن مسلم، وهو مولى زياد ابن أبيه. روى
عن: أنس بن مالك، والحسن البصري، ويزيد بن أبان، ومعاوية بن قرة
وغيرهم. روى عنه: الثوري، والأعمش، وهشام بن حسان وغيرهم.
قال أحمد بن حنبل: هو صالح، وعن ابن معين: زيد العمي لا شيء،
وفي موضع آخر: صالح، وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث، يكتب
حديثه ولا يحتج به. وقال أبو زرعة: ليس بقوي،/واهي الحديث
ضعيف، وقال النسائي: ضعيف. روى له: أبو داود، والترمذي،
وابن ماجه (2) . والعَمي- بفتح العين المهملة وتشديد الميم- نِسبة إلى
بني العم أو إلى العَم وهي الجماعة.
وأبُو إياس: مُعاوية بن قرة بن إياس بن هلال بن رئاب بن عُبيد بن
دُريد بن سوُاءة أبو إياس البصري المزني. سمع: أباه، وأنس بن مالك،
وعبد الله بن معقل وغيرهم. قال: لقيت ثلاثين من أصحاب النبي-
عليه السلام-، منهم خمسة وعشرون من مُزينة. روى عنه: ثابت
البناني، وأبو إسحاق الهمداني، وسِماك بن حَرب، وأبو عَوانة،
وقتادة، والأعمش وغيرهم. قال أبو حاتم وأحمد بن عبد الله: ثقة.
مات سنة ثلاث عشرة ومائة. روى له الجماعة (3) .
__________
(1) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في أن الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة
(212) و (3594، 3595) ، والنسائي في " عمل اليوم والليلة " (68، 69) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (10/2102) .
(3) المصدر السابق (28 /6065) .(2/477)
قوله: " الدعاء " مُعرف بالألف واللام بتناول جنس الدعاء، أو
الاستغراق فيتناولُ الدعاء بأمُور الدنيا والآخرة. والحديث: أخرجه
الترمذي، والنسائي في اليوم والليلة، وقال الترمذي: حديث حسن.
وأخرجه النسائي من حديث بريد بن أبي مريم، عن أنس، وهو أجود من
حديث معاوية بن قُرة. وقد رُوِيَ عن قتادة، عن أنس موقوفًا.
***
35- باب: مَا يَقُولُ إذَا سَمِعَ المُؤذنَ
أي: هذا باب في بيان ما يقول الرجل إذا سمع المؤذن يؤذن.
504- ص- نا عبد الله بن مَسلمة القعنبي، عن مالك، عن ابن شهاب،
عن عطاء بن يزيد الليثي، عن أبي سعيد الخدري، أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
" إذا سمعتمُ النداء فقولُوا مثلَ ما يقولُ المؤذنُ " (1) .
ش- النداء: الأذان؛ والفرق بينهما: أن لفظ الأذان أو التأذين أخص
من لفظ النداء لغة وشرعا. وهذا الحديث: خرجه الأئمة الستة. ثم
الذي يستفادُ من عموم هذا الحديث أن يقولَ من يَسمع الأذان مثل ما يقول
المؤذن حتى يفرغ من أذانه كله؛ وهو مذهب الشافعي. وعند أصحابنا:
يقول مثل ما يقول المؤذن في التكبير والشهادتين، ويقول في الحيعلتين: لا
حول ولا قوة إلا بالله؛ لحديث عمر لما يجئ الآن، وقالوا: إن حديث
أبي سعيد مخصوص بحديث عمر- رضي الله عنه-.
واختلفوا أن هذا الأمر على الوجوب أو على الندب؟ فقال الشيخ محيى
__________
(1) البخاري: كتاب الأذان، باب: ما يقول إذا سمع المنادي (611) ، مسلم:
كتاب الصلاة، باب: استحباب القول مثل فول المؤذن لمن سمعه ثم يصلي
على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم يسأل له الوسيلة (1-383) ، الترمذي: كتاب الصلاة،
باب: ما يقول الرجل إذا أذن المؤذن (208) ، النسائي: كتاب الأذان، باب:
القول مثل ما يقول المؤذن (2/23) ، ابن ماجه: كتاب الأذان، بابا: ما
يقال إذا أذن المؤذن (720) .(2/478)
الدين (1) : يستحب إجابة المؤذن بالقول مثل قوله لكل من سمعه من
متطهرِ ومُحدث وجُنُب وحائض وغيرهم ممن لا مانع له من الإجابة؛ فمن
أسباب المنع أن يكون في الخلاء أو جماع أهله أو نحوهما، ومنها: أن
يكون في صلاة، فمن كان في صلاة فريضة أو نافلة وسمع المؤذن لم
يوافقه في الصلاة، فإذا سلم أتى بمثلهَ، فلو فعله في الصلاة فهل يكره؟
فيه قولان للشافعي؛ أطهرهما: يكره؛ لكن لا تبطل صلاته، فلو قال:
حيّ على الصلاة أو الصلاة خير من النوم بطلت صلاته إن كان عالماً
بتحريمه؛ لأنه كلام آدمي. ولو سمع الأذان وهو في قراءة وتسبيح
ونحوهما قطع ما هو فيه، وأتى بمتابعة المؤذن، ويُتابعه في الإقامة
كالأذان؛ إلا أنه يقول في لفظ الإقامة: أقامها الله وأدامها، وإذا ثوب
المؤذن في صلاة الصبح فقال: الصلاة خير من النوم قال سامعه: صدقت
وبررت. هذا تفصيل مذهبنا. وقال أصحابنا: الإجابة واجبة على
السامعين؛ لأن الأمر يدل على الوجوب؛ والإجابة أن يقول مثل ما قاله
المؤذن إلا قوله: حي على الصلاة حي على الفلاح، فإنه يقول مكان
قوله: حي على الصلاة: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ومكان
قوله: حي على الفلاح: ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن؛ لأن
إعادة ذلك يشبه المحاكاة والاستهزاء؛ وكذا إذا قال المؤذن: الصلاة خير
من النوم لا يقول السامع مثله؛ ولكن يقول: صدقت وبررت، وينبغي
أن لا يتكلم السامع في حال الأذان والإقامة، ولا يقرأ القرآن، ولا يُسلم،
ولا يرد السلام، ولا يشتغل بشيء من الأعمال سوى الإجابة، ولو كان
في قراءة القرآن ينبغي أن يقطع القراءة ويسمع الأذان ويجيب ".
وفي/ " فوائد الرُستَغفَنِي ": لو سمع وهو في المسجد يَمضي في
قراءته، وإن كان في بَيته فكذلك إن لم يكن أذان مسجده. وعن
الحلواني: لو أجاب باللسان ولم يمش إلى المسجد لا يكون مُجيئا، ولو
__________
(1) شرح صحيح مسلم (4/88) .(2/479)
كان في المسجد ولم يُجب لا يكون آثماً، ولا تجب الإجابة على من لا
تجب عليه الصلاة، ولا يُجيب- أيضا- وهو في الصلاة سواء كانت
فرضا أو نفلاً.
" (1) وقال القاضي عياض: اختلف أصحابنا: هل يحكي المصلي لفظ
المؤذن في صلاة الفريضة أو النافلة؟ أم لا يحكيه فيهما؟ أم يحكيه في
النافلة دون الفريضة؟ على ثلاثة أقوال، ثم اختلفوا: هل يقوله عند
سماع كل مؤذن أم لأول مؤذن فقط؟ ".
وسئل ظهير الدين عن هذه المسألة، فقال: يجب عليه إجابة أذان
مسجده؛ بالفعل.
505- ص- نا محمد بن سلمة: نا ابن وهب، عن ابن لَهِيعة (2)
وحَيوة وسَعيد بن أبي أيوب، عن كعب بن علقمة، عن عبد الرحمن بن
جُبَير، عن عبد الله بن عَمرو بن العاص، أنه سمع النبي- عليه السلام-
يَقولُ: " إذا سمعتُمُ المؤذنَ فَقُولُوا مثلَ ما يَقولُ، ثم صَلُوا عَليَ؛ فإنه مَن
صَلَّى عَلَيَ صلاةً صَلَى اللهُ عليه بها عَشراً، ثم سَلُوا (3) لي الوَسيلةَ؛ فإنها
مَنزِلةٌ في الجَنَة، لا تَنبغِي إلا لَعَبد من عباد الله عز وجل، وأرجو أَن أكونَ أنا
هو، فَمن سألً (4) ليَ الوسيلةَ حلت عليهَ الشَفاعةُ " (5) .
ش- محمد بن سلمة: الباهلي الحراني، وعبد الله بن وهب، وعبد الله
ابن لهيعة، وحيوة: ابن شريح.
وسعيد بن أبي أيوب- مقلاص- الخزاعي المصري أبو يحيى. روى
__________
(1) المصدر السابق.
(2) في سنن أبي داود: " أبي لهيعة " خطأ.
(3) في سنن أبي داود: " سلوا الله عز وجل ".
(4) في سنن أبي داود: " سأل الله ".
(5) مسلم: كتاب الصلاة، باب: استحباب القول مثل قول المؤذن لمن سمعه ثم
يصلي على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم يسأل الله له الوسيلة (11-384) ، الترمذي: كتاب
المناقب، باب (1) (3614) ، النسائي: كتاب الأذان، باب: الصلاة على
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد الأذان (2/25) .(2/480)
عن: كعب بن علقمة، وعَقيل بن خالد، وجعفر بن ربيعة وغيرهم.
روى عنه: ابن جريح، وابن المبارك، وابن وهب وغيرهم. قال أحمد
ابن حنبل وأبو حاتم: لا بأس به. وقال ابن معين: ثقة.. تودي زمن
أبي جعفر. روى له: الجماعة (1) .
وكعب بن علقمة: ابن كعب بن عدي أبو عبد الحميد التنوخي
المصري، رأى عبد الله بن الحارث بن جَزء الزبيدي. وروى عن: سعيد
ابن المسيب، وعبد الرحمن بن جبير وغيرهم. روى عنه: سعيد بن
أبي أيوب، والليث بن سَعد، ويحيى بن أيوب وغيرهم. توفي سنة سبع
وعشرين ومائة. روى له: مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي (2) .
وعبد الرحمن بن جُبير المصري القرشي مولى نافع بن عبد عمير بن
نضلة القرشي العامري، أدرك عمرو بن العاص. وسمع ابنه: عبد الله
ابن عمرو، وعقبة بن عامر، وخارجة بن حذافة 0 روى عنه: كعب بن
علقمة، ودراج أبو السمح، وعبد الله بن هُبَيرة وغيرهم. توفي سنة سبع
وتسعين. روى له. مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي (3) .
قوله: " فقولوا مثل ما يقول " يقتضي أن يقول مثل ما يقول المؤذن إلى
آخر الأذان؛ ولكنه مخصوص- أيضا- بحديث عمر- رضي الله عنه-.
" ومثل " نصب على أنه صفة لمصدر محذوف تقديره: فقولوا قولا مثل
قول المؤذن، و " ما " مصدرية.
قوله: " ثم صلُّوا عليَ " أي: بعد الفراغ من الإجابة: صلوا علي.
قوله: " فإنه " أي: فإنّ الشأن؛ والفاء فيه للتعليل.
قوله: " صلاةً " أي: صلاةً واحدةً، ونصبها على الإطلاق.
قوله: " بها " أي: بمقابلة صلاته الواحدة؛ و " الباء " تجيء للمقابلة
كقولك: أخذت هذا بهذا.
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (10/2241) .
(2) المصدر السابق (24/4976) .
(3) المصدر السابق (17/3783) .
31* شرح سنن أبي داوود 2(2/481)
قوله: " عشرا " أي: عشر صلوات؛ لقوله تعالى: (مَن جَاءَ
بالحَسَنَة فَلَهُ عَشرُ أمثَالِهَا) (1) وصلاة الله على عبده رحمته عليه؛ لأن الصلاة
من اللهَ: الرحمة، ومن الملائكة: الاستغفار، ومن المؤمنين: الدعاء.
قوله: " ثم سلوا لي الوسيلة " أي: بعد الفراغ من الإجابة، والصلاة
على النبيّ- عليه السلام-: سلوا الله لأجلي الوسيلة؛ الوسيلة: فعيلة؛
وهو في اللغة: ما يتقرب به إلى الغير؛ وجمعها: وسُل (2) ووسائلُ؛
يقال: وَسَل فلان إلى ربّه وَسيلةً وتوسل إليه بوَسيلة إذا تقرب إليه بعملِ،
وفسّرها في الحديث بأنها منزلَة في الجنة بالفاء التفسَيرية بقوله: " فإنها "
أي: فإن الوسيلة منزلة في الجنة، والمنزلة مثل المنزل/وهي المنهلُ والدارُ.
قوله: " لا تَنبغي " واعلم أن قولهم: لا تَنبغي، ويَنبغى من أفعال
المُطاوعة يقولُ: بغَيته فانبغى من بغيتُ الشيء طلبتُه، ويقال: انبغى لك
أن تفعل كذا أي: طاوعك وانقادَ لك فعلُ كذا وقوله تعالى: (هَب لِي
مُلكَا لا يَنبَغي لأحَد) (3) أي: لا يحصل ولا يتأتى؛ ولا يُستعملُ فيه
غيرُ هذين الَلفظين. ويُقال: معنى لا ينبغي: لا يَسهلُ ولا يكون، قال:
في رأس حَلقاء عنقاء مُشرفة ... لا يَنبغي دونها سَهل ولا جبلُ
قوله: " أن أكون أنا هو " أن، مَصدرية، ومحلّه النصبُ على المفعولية،
والتقدير: أرجو كوني إياه أي: ذلك العَبدَ. و " أنا " إما اسمُ " أكونُ "
وليس في " أكون " شيءٌ، وإما تأكيدٌ لـ " أنا " المُستكن فيه 0 وقوله " هُوَ "
ضمير مرفوع وقع موضع الضمير المنصوب، وتقديره: أن أكون إياه.
قوله: " حلت عليه الشفاعة " الألف واللام فيه بدل من المضاف إليه أي:
حلت عليه شفاعتي. " وحلت " من حل يحل- بالكسر- أي: وَجَبَ،
ويحُل- بالضم- أيضًا أي: نزل؛ وقُرِئَ بهما في قوله تعالى: (فَيَحل
عَلَيكم غَضَبِي) (4) ويستفاد من الحديث فوائد؛ الأولى: وجوب إجاَبة
المؤذن.
__________
(1) سورة الأنعام: (160) .
(2) في الأصل: " وسيل " خطأ.
(3) سورة ص: (35) .
(4) سورة طه: (81) .(2/482)
الثانية: وجوب الصلاة على النبي- عليه السلام- بعد الإجابة، ولا
سيما قد ذكر النبي- عليه السلام- في الأذان؛ فإن الطحاوي أجب
الصلاة- عليه السلام- كلما سمع ذكره؛ وهو المختار.
الثالثة: السؤال من الله الوسيلة للنبي- عليه السلام-.
الرابعة: إثبات الشفاعة؛ خلافا للمعتزلة.
والخامسة: اختصاصُ النبي- عليه السلام- بالوسيلة يوم القيامة.
والحديث: أخرجه مسلم، والترمذي، والنسائي.
506- ص- ثنا ابن السَّرح ومحمد بن سلمة قالا: نا ابن وهب، عن
حُييَّ، عن أبي عبد الرحمن، عن عبد الله بن عَمرو أن رجلاً قال: يا رسول
الله! إن المؤَذنينَ يَفضلُونَنا، فقال رسولُ الله: " قُل كما يَقُولونَ، فإذا انتهَيتَ
فسل تُعطَ (1) " (2) .
ش- ابن السَّرح: هو أحمد بن عمرو بن عبد الله بن عَمرو بن السَّرح
أبو الطاهر القرشي المصري. وعبد الله: ابن وهب.
وحُيَيّ: ابن عبد الله المُعَافري أبو عبد الله المصري. روى عن:
أبي عبد الرحمن الحُبلي. روى عنه: الليث بن سَعد، وابن لهيعة،
وابن وهب وغيرهم. قال أحمد بن حنبل: أحاديثه مناكير. وقال ابن
مَعين: ليس به بأس- وقال البخاري: فيه نظر. روى له: أبو داود،
والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (3) . وحُيي: بضم الحاء المهملة
ويجوز كسرها ويائين الآخرة منهما مشددة.
وأبو عَبد الرحمن، اسمُه: عبد الله بن يزيد الحُبلي العامري المصري.
سمع: عبد الله بن عَمرو، وابن عُمَر، وفضالة بن عُبيد، وأبا ذر
الغفاري وغيرهم. روى عنه: أبو هانئ الخولاني، وبكر بن سوادة،
__________
(1) في سنن أبي داود: " تعطه ".
(2) النسائي في " عمل اليوم والليلة " (44) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (7/1585) .(2/483)
وعقبة بن مسلم وغيرهم. قال ابن معين: هو ثقة. توفي بإفريقية سنة
مائة. روى له الجماعة إلا البخاري (1) . والحُبلي: بضم الحاء المهملة
وسكون الباء الموحدة.
قوله: " يَفضلُوننا " من فَضلتُه إذا غلبتَه بالفضل، وجوابه بقوله: " قل
كما يقولون " يدلّ على أن الرجل إذا أجاب المؤذن يحصل له فضله مثل ما
حصل للمؤذن.
قوله: " تُعط " مجزوم؛ لأنه جوابُ الأمر؛ وإنما حذف مفعول " سَل "
ليدلّ على العموم. والحديث: أخرجه النسائي في " اليَوم والليلة ".
507- ص- نا قتيبة بن سعيد: نا الليث، عن الحُكَيم بن عبد الله بن
فيس، عن عامر بن سَعد بن أبي وِقّاص، عن سَعد بن أبِي وقّاص، عن
رسول الله- عليه السلام- قال: " من قالَ حين يَسمعُ المؤذن: وأنا أشهدُ أن
لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن (2) محمدًا عبدُهُ ورسولُه، رضيتُ
باللهِ ربا، وبمحمد رسولاً، وبالإسلام دِينًا غُفِرَ له " (3) .
ش-- الحكيم- بضم الحاء المهملة وفتح الكاف وسكون الياء آخر
الحروف- بن عبد الله بن قيس: ابن مخرمة بن المطلب بن عبد مناف
القرشي المصري، أخو محمد بن عبد الله. سمع: ابن عمر، وعامر
ابن سَعد بن أبي وقاص، ونافع بن جبير بن مطعم. روى عنه: الليث
وغيره. توفي بمصر سنة ثمان عشرة ومائة. روى له: الجماعة إلا
البخاري (4) .
__________
(1) المصدر السابق (16/3663) .
(2) في سنن أبي داود: " وأشهد أن ".
(3) مسلم: كتاب الصلاة، باب: استحباب القول مثل قول المؤذن لمن سمعه ثم
يصلي على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم يسأل الله له الوسيلة (13-386) ، الترمذي: كتاب
الصلاة، باب: ما جاء ما يقول الرجل إذا أذن المؤذن من الدعاء (210) ،
النسائي: كتاب الأذان، باب: الدعاء عند الأذان (2/26) ، ابن ماجه:
كتاب الأذان، باب: ما يقال إذا أذن المؤذن (721) .
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (7/ 1468) .(2/484)
وعامر بن/ سَعد بن أبي وقّاص القرشي الزهري المدني. سمع:
أباه، وعثمان بن عفان، وجابر بن سمرة وغيرهم. روى عنه: ابنه:
داود، وسعيد بن المسيّب، وسَعد بن إبراهيم، ومجاهد، والزهري
وغيرهم. توفي بالمدينة سنة أربع ومائة. روى له الجماعة (1)
وسعد بن أبي وقاص- واسم أبي وقاص: مالك- بن أُهَيب بن
عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مُرة بن كعب بن لؤي بن غالب القرشي
الزهري، يلقى رسول الله عند الأب الخامس، أسلم قديما، وهاجر إلى
المدينة قبل رسول الله، وشهد بدرَا والمشاهد كلها مع رسول الله، وكان
مجاب الدعوة، وهو أول مَن رَمَي بسَهم في سَبيل الله تعالى، وكان يقال
له: فارس الإسلام. رُوِيَ له عن رسول الله مائتا حديث وسبعون
حديثًا، اتفقا منها على خمسة عشر، وانفرد البخاريّ بخمسة ومسلم
بثمانية عشر. روى عنه: ابن عُمر، وابن عباس، وجابر بن سمرة،
وأولاده: محمد، وإبراهيم، وعامر، ومُصعب بنو سَعد، وسعيد بن
المُسيّب وغيرهم. مات بقَصره بالعقيق على عشرة أميال من المدينة،
وحمل على رقاب الرجال إلى المدينة ودفن بالبقيع وصلى عليه مَروان بن
الحكم سنة خمس وخمسين وهو الأصح. روى له الجماعة (2) .
قوله: " رضيتُ بالله ربّا " أي: قنعتُ به، واكتفيتُ به، ولم أطلب
معه غيره.
قوله: " وبمحمد رسولاً " أي: رضيتُ بمحمد رسولا إليّ وإلى سائر
المسلمين.
قوله: " وبالإسلام دينا " أي: رضيت بالإسلام دينا بمعنى: لم أبتَغ في
غير طريق الإسلام ولم أسلك إلا ما يُوافق شرع محمد- عليه السلام-،
أو لم أبتغ غير الإسلام دينا.
__________
(1) المصدر السابق (14/ 3038) .
(2) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (2/18) ، أسد الغابة
(2/366) ، الإصابة (2/33) .(2/485)
فإن قيل: بماذا انتصب " ربا " و " رسولاً " و " دينا ". قلت: يحوز
أن تكون منصوبات على التمييز، والتمييز وإن كان الأصل فيه أن يكون
فاعلا في المعنى يحًوز أن يكون مفعولا- أيضا- كقوله تعالى: (وَفَجرنَا
الأرضَ عُيُونًا) (1) ويجوز أن تكون مَنصوبَات على المفعولية؛ لأن
" رَضي " إذا عُدي بالباء يَتَعدى إلى مفعول آخر.
فإن قيل: ما المراد من قوله " دينا "؟ قلت: المراد من الدين هاهنا:
التوحيدُ؛ وبذلك فسر صاحب " الكشاف " ' في قوله تعالى: (ومَن
يَبتَغ غَيرَ الإِسلاَم دينا) (2) بمعنى التوحيد. وأما في الحديث الصحيح عن
عُمر قال: " بينمَا نحن عند رسول الله ذات يوم، إذ طلع علينا رجلٌ
شديدُ بياض الثياب (3) " إلى آخره فقد أطلق رسول الله الدين على
الإسلام والإيمان والإحسان بقوله: " إنه جبريل أتاكم ليعلمكم دينكم "
وإنما علمهم هذه الثلاثة؛ والحاصل في هذا: أن الدين تارةً يُطلقُ على
الثلاثة التي سأل عنها جبريل- عليه السلام-، وتارةً يُطلق على الإسلامِ
كما في قوله تعالى: (اليَومَ أكمَلتُ لَكُم دينَكُم وَأتمَمتُ عَلَيكم نعمَتي
وَرَضيتُ لَكُمُ الإسلاَمَ دينا) (4) وبهذا يُمنَعُ قولُ مَن يقولُ: بينَ الآية
والحدَيث معارضةٌ، حيثَ أطلق الدين في الحديث على ثلاثة أشياء، وفي
الآية على شيء واحد، واختلاف الإطلاق إما بالاشتراك أو بالحقيقة
والمجاز، أو بالتواطؤ، ففي الحديث أطلق على مجموع الثلاثة وهو أحد
مَدلُولَيه، وفي الآية أطلق على الإسلام وَحده وهو مُسماه الآخر.
فإن قيل: لم قال بالإسلام ولم يَقل بالإيمان؟ قلت: الإسلام والإيمان
واحد فلا يرد السؤال؛ والدليل على ذلك: قوله تعالى: (فأخرَجنَا مَن
كَانَ فِيهَا مِنَ المُؤمِنين فمَا وَجَدنَا فِيهَا غَيرَ بَيتِ مّنَ المُسلِمِينَ) (5) والمراد
__________
(1) سورة القمر: (12) .
(2) سورة آل عمران: (85) .
(3) مسلم: كتاب الإيمان، باب: بيان الإيمان والإسلام والإحسان ... (1 / 8)
(4) سورة المائدة: (3) .
(5) سورة الذاريات: (35، 36) .(2/486)
بهما: آل لوط- عليه السلام-، فوصفهم تارة بأنهم مؤمنون وتارة
بأنهم مسلمون؛ فدلّ على [أن] الإيمان والإسلام شيء واحد
قوله: " غفر له " جوابُ قوله " من قال " أي: غفر له ذنوبه ما دون
الكبائر.
واستفيد من الحديث أن يقول بعد قوله: وأنا أشهد أن محمدا رسول
الله رضيتُ بالله ربّا، وبمحمد رسولاً، وبالإسلام دينا 0 والحديث:
أخرجه مسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
508- ص- نا إبراهيم بن مَهدي: نا علي بن مسهر، عن هشام، عن
أبيه، عن عائشة أن رسول الله كان إذا سَمِعَ المؤذنَ يتشهّدُ. قال: " وأنَا،
وأنا " (1) .
ش- إبراهيم بن مهدي: المصيصي، بغدادي الأصل، سكن المصيصة
/وقال البخاري: من الأنبار. روى عن: إبراهيم بن سَعد، وحَمّاد بن
زَيد، وأبي المليح الرقي، وعلي بن مسهر وغيرهم. روى عنه: أحمد
ابن حنبل، وأبو داود، وأبو حاتم الرازي- وقال: كان ثقة-،
والحسن بن محمد الصبّاح. مات سنة أربع وعشرين ومائتين (2) .
وعلي بن مسهر: الكوفي قاضي الموصل. وهشام: ابن عروة بن
الزبير بن العوام.
قوله: " يتشهد " أي: يقول: أشهد أن لا إله إلا الله.
قوله: " قال: وأنا وأنا " أي: قال النبي- عليه السلام-: " وأنا أشهد
أن لا إله إلا الله، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله " " وأنا " مبتدأ، وخبره
محذوف وهو قوله: أشهد أن لا إله إلا الله، وكذلك " أنا " الثاني كرّره
لَلتأكيد والمبالغة.
509- ص- نا محمد بن المثنى: نا محمد بن جَهضم: نا إسماعيل بن
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (2/251) .(2/487)
جَعفر، عن عمارة بن غَزِيًة، عن خُبَيب بن عبد الرحمن بن إساف، عن
حفص بن عاصم بن عمر، عن أبيه، عن جده: عمر بن الخطاب، أن
رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا قالَ المؤذنُ: الله أكبر، الله أكبر، فقال أحدُكُم: الله
أكبر الله كبر، فإذا قال: أشهدُ أن لا إله إلا الله، قال: أشهد أن لا إله إلا الله،
فإذا قال: أشهد أن محمدا رسول الله، قال: أشهد أن محمداً رسوِل الله،
ثم قال: حَيَّ على الصلاة، قال: لا حَول ولا قوةَ إلا بالله، ثم قال: حيَّ على
الفلاح قال: لا حول ولاَ قوة إلا بالله، ثم قال: الله أكبر الله أكبر، قال: الله
أكبر الله كبر، ثم قال: لا إله إلا الله قال: لا إله إلا الله من قلبِهِ دخلَ الجنة" (1) .
ش- محمد بن جَهضم: الثقفي أبو جَعفر البصري، يعرف
بالخراساني، أصله خراساني، وسكن أبوه اليمامة وسكن هو البصرة.
سمع: إسماعيل لجن جعفر، وأزهر بن سنان. روى عنه: إسحاق بن
منصور، ويحيى بن محمد، ويعقوب بن سفيان وغيرهم. روى له:
البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي (2) .
وإسماعيل بن جعفر: ابن أبي كثير الأنصاري المدني.
وعمارة بن غزية: ابن الحارث بن عمرو بن غزية بن عمرو بن ثعلبة
الأنصاري المازني المدني. روى عن: عباد بن تميم، ويحيى بن عمارة،
وأبي الزبير، وخبيب بن عبد الرحمن وغيرهم. روى عنه: سليمان بن
بلال، والدراوردي، والثوري وغيرهم. قال أبو زرعة وأحمد بن حنبل:
ثقة. وقال ابن معين: صالح. وقال أبو حاتم: ما به بأس وكان
صدوقا. توفي سنة أربعين ومائة 0 روى له: الجماعة إلا البخاريّ (3) .
__________
(1) مسلم: كتاب الصلاة، باب: استحباب القول مثل قول المؤذن لمن سمعه ثم
يصلي على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم يسال الله له الوسيلة (12-385) ، والنسائي في
" عمل اليوم والليلة ".
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (25/5123) .
(3) المصدر السابق (21/4195) .(2/488)
وخُبَيب بن عبد الرحمن: ابن خُبَيب بن إساف الأنصاري الخزرجي،
أبو الحارث المدني، خال عُبيد الله بن عمر. روى عن: أبيه، عن
جده، وعن: عمته: أُنَيسة، وحفص بن عاصم وغيرهم. روى عنه:
يحيى الأنصاري، وعمارة بن غزيّة، ومالك، وشعبة وغيرهم. قال ابن
معين: ثقة. وقال أبو حاتم: صالح. روى له الجماعة (1) . وخُبيب:
بضم الخاء المعجمة 0
وحفص بن عاصم بن عمر: ابن الخطاب القرشي المدني. سمع أباه،
وعمه: عبد الله بن عُمر، وأبا هريرة، وأبا سعيد الخدري وغيرهم.
روى عنه: القاسم بن محمد، وسالم بن عبد الله، وخبَيب بن
عبد الرحمن: قال الطبري: ثقة مجمع عليه. روى له: الجماعة (2) .
قوله: " إذا قال المؤذن: الله أكبر الله كبر فقال أحدكم: الله أكبر الله أكبر "
إلى آخره؛ كل نوع من هذا مثنى- كما هو المشروع- فاختصر صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من
كل نوع شطره تنبيهاًَ على باقيه.
قوله: " لا حول ولا قوة إلا بالله " يجوز فيه خمسة أوجه؛ الأول:
فتحهما بلا تنوين، والثاني: فتح الأول ونصب الثاني منونا، والثالث:
رفعهما منوّنين، والرابع: فتح الأول ورفع الثاني منونا، والخامس:
عكسه. الحول: الحركة؛ أي: لا حركة ولا استطاعة إلا بمشيئة الله،
قاله ثعلب وغيره. وقيل: لا حول في دفع شر، ولا قوة في تحصيل خير
إلا بالله. وقيل: لا حول عن معصية الله إلا بعصمته، ولا قوة على
طاعته إلا بمعونته؛ وحُكِيَ هذا عن ابن مَسعود. وحكى الجوهري لغة
عربيةً ضعيفة أنه يقال: لا حَيل ولا قوة إلا بالله- بالياء- قال: والحول
والحيل بمعنًى. ويقال في التعبير عن قولهم " لا حول ولا قوة إلا بالله ":
" الحوقلة "؛ قاله الأزهري، وقال الجوهري: " الحولقة "، فعلى الأولى
- وهو الشهور- الحاء والواو من الحول، والقاف/من القوة، واللام
__________
(1) المصدر السابق (8/1678) .
(2) المصدر السابق (7/1392) .(2/489)
من اسم الله، وعلى الثاني: الحاء واللام من الحول، والقاف من القوة،
ومثلها: الحيعلة والبسملة والحمدلة والهَيللة والسَّبحلة، في حيّ على الصلاة
وحي على الفلاح، وبسم الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، وسبحان الله.
قوله: " من قلبه " متعلق بقوله: " فقال أحدكم " أي: قال ذلك
خالصا مخلصَا من قلبه؛ لا ممن الأصل في القول والفعل: الإخلاص؛ قال
تعالى: (وَمَا أمِرُوا إِلا لِيَعبُدُوا اللهَ مُخلِصِينَ لَهُ الدينَ) (1) .
قوله: " دخل الجنّة " جواب قوله: " فقال أحدكم " في المَعنى، وجزاء
ذلك القائل. والحديث: أخرجه مسلم، والنسائي.
510- ص نا (2) سليمان بن داود العتَكي: نا محمد بن ثابت: حدثني
رجل من أهل الشام، عن شهر بن حوشب، عن أبي أمامةَ أو عًن بعضِ
أصحاب النبي- عليه السلام-، أن بلالا أخذَ في الإقَامة، فلما أن قال: قد
قَامت الصَلاة، قال النبيُ- عليه السلَام-: " أقَامَها اَللهُ وَأدَامَها ". وقال في
سائرِ اَلإقامةِ كنحوِ حديثِ عُمر- رضي الله عنه- في الأذانِ (3) .
ش- سليمان بن داود: أبو الربيع الزهراني (4) العتكي، ومحمد بن
ثابت: العَبدي البصري، وشهر بن حوشب: أبو سعيد الشامي
الدمشقي، وأبو أمامة، صُدفي بن عجلان الباهلي.
قوله: " أخذ في الإقامة " أي: شرع فيها.
قوله: " أقامها الله وأدَامها " دعاء في صورة الإخبار؛ أي: اللهم أقمها
وأدِمها.
قوله: " وقال في سائر الإقامة " أي: في سائر ألفاظ الإقامة " كنحو
حديث عمر " المذكور آنفا في الأذان.
__________
(1) سورة البينة: (5) .
(2) جاء هذا الحديث في سنن أبي داود تحت " باب ما يقول إذا سمع الإقامة "،
وسيذكر المصنف أنها نسخة.
(3) تفرد به أبو داود.
(4) في الأصل: " الزاهراني ".(2/490)
ويستفاد من الحديث فائدتان: الأولى: يستحب أن يقال عند الإقامة
مثل ما يقول المؤذن: إلا في الحيعلتين يقول فيهما: لا حول ولا قوة إلا
بالله- كما في الأذان-، والثانية: يستحب أن يقال عند قوله: " قد
قامت الصلاة ". أقامها اللهُ وأَدامها. وفي إسناد هذا الحديث: رجل
مجهول، وشهر بن حوشب تكلم فيه غير واحد ووثقه الإمام أحمد وابن
معين. وفي بَعض النسخ: " باب ما يقول إذا سمع الإقامة " وليس بموجود
في النسخ الصحيحة.
36- بَابُ: الدُّعَاءِ عندَ الأذانِ
أي: هذا باب في بيان الدعاء عند الأذان، وفي بعض النسخ: " باب
ما جاء في الدعاء عند الأذان " (1) أي: عند فراغ المؤذن من الأذان.
511- ص- نا أحمد بن محمد بن حنبل: نا عليّ بن عياش: نا شعيب
ابن أبي حمزة، عن محمد بنِ المنكدر، عن جابر بن عبد الله قال: قال
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من قالَ حين يَسمعُ النداءَ: اللهمّ ربَّ هذه الدعوة التامّة
والصلاة القائمة، آت محمَداً الوسيلةَ والفضيلةَ، وابعثهَُ مَقاماً محَموداً
الذي وعَدتَه، إلاَ حَفَت له الشفاعةُ يومَ القيامةِ " (2) .
ش- علي بن عياش- بالياء آخر الحروف والشين العجمة- ابن مسلم
الحمصي الألهاني، وشُعيب بن أبي حمزة- دينار- القرشي الحمصي.
قوله: " حين يسمع النداء " أي: الأذان؛ والكلام في " اللهم " قد مر
مستوفى.
__________
(1) كما في سنن أبي داود.
(2) البخاري: كتاب الأذان، باب: الدعاء عند النداء (614) ، الترمذي: كتاب
الصلاة، باب منه آخر (211) ، النسائي: كتاب الأذان، باب: الدعاء عند
الأذان (2/26) ، ابن ماجه: كتاب الأذان، باب: ما يقال إذا أذن المؤذن
(722) .(2/491)
قوله: " رَبّ هذه الدَعوة " " ربَّ " منصوب على النداء، ويحوز رفعه
على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي: أنت رَبُّ هذه الدعوة؛ والرب:
المُربّي المصلح للشأن؛ واشتقاقه من الرِّبَّة؛ وهي نبت يصلح عليه المال،
يُقال: رَبّ يَرُبّ ربا، وربى يُربي تربيةً، وأصله: رَبَبٌ؛ وهو قول زيد
ابن عليّ، وسعيد بن أوس. وقال الحسين بن الفضل: هو الثابت، أو
نزل، من رَب بالمكان، ولبَّ: إذا أقام، وأرضٌ مُرِب ومربابٌ: دام بها
المطرُ، وفي اللغة: الرب: المالكُ والسيّدُ والصاحبُ. وقال الواسطي:
هو الخالق ابتداء، والمُربي غداء، والغافر انتهاء. وقال الزمخشري:
يقول: رَبّه يربّه فهو ربّ كما يقول: نمّ عليه ينمّ فهو نم، ويجوز أن
يكون وصفاًَ بالمَصدر للمبالغة كما وصف بالعدل، ولم يطلقوا الربّ إلا
في الله وحده، وفي غيره على التقييد بالإضافة، كقولهم: ربّ الدار،
وربّ الناقة. ومعنى " ربّ هذه الدعوة " أي: صاحب هذه الدعوة
التامة؛ والدعوة- بفتح الدال- وكذلك كل شيء دعوته، ويريد بالدعوة
التامة التوحيد، وقيل لها " تامة " لأنها لا نقص فيها ولا عيب، وقيل:
وصفها بالتمام لأنها ذكر الله تعالى، ويدعى بها إلى عبادته وذلك/هو
الذي يستحق التمام، وقيل: التامة: الكاملة؛ وكمالها أن لا يدخلها
نقص ولا عيب كما يدخل في كلام الناس. وقد ذكرت في " شرحي
للكلم الطيّب " (1) أن معنى التمام. كونها محميةً عن النَّسخ والإبدال
باقية إلى يوم القيامة.
قوله: " والصلاة القائمة " أي: الدائمة التي لا تُغيرها: ولا تنسخها
شريعة، وأنها قائمة ما دامت السموات والأرض.
قوله: " آت " - بفتح الهمزة- أمرٌ من آتى يؤتي إيتاء، كأعطى يعطي
إعطاء؛ وأصله: " أأت " لأنه من تُوأتي بهمزتين، فحذفت حرف الخطاب
علامة للأمر، وحذفَت الياء علامة للجزم، فبقي " َأأتِ " بهمزتين
__________
(1) انظره (ص/245) بتحقيقي.(2/492)
ثانيتهما ساكنة، فقلبت ألفاَ لانفتاح ما قبلها، فصار " آت " على وزن
أَفع.
قوله: " الوسيلة " نَصبٌ على المفعولية؛ وقد مر تفسيرها عن قريبٍ أنها
منزلة في الجنة، وقيل: هي الشفاعة يوم القيامة، وقيل: هو القرب من
الله تعالى. " والفضيلة " والفضل خلاف النقيصة والنقص؛ والمعنى:
أعطه الكاملَ من كل شيء.
قوله: " مقاماً محموداً الذي وعدته " يعني: المقام المحمود الذي يحمدُه
القائم فيه وكل من رآه وعرفه؛ وهو مطلق في كل ما يجلب الحمد من
أنواع الكرامات، وقيل: المرادُ: الشفاعة؛ وهي نوعٌ مما يتناوله. وعن
ابن عباس: مقاماًَ يحمدك فيه الأولون والآخرون، وتشرف فيه على جميع
الخلائق تسأل (1) فتُعطَى، وتشفَعُ فتُشَفّعُ، ليس أحد إلا تحت لوائك.
وعن أبي هريرة، عن النبي- عليه السلام-: " هو المقام الذي أشفع
فيه لأمتي " (2) .
فإن قيل: المقام المحمود قد وعده ربه إياه والله لا يخلف الميعاد، فما
الفائدة في دعاء الأمة بذلك؟ قلت: الدعاء إما للثبات والدوام، وإما
للإشارة إلى جواز دعاء الشخص لغيره، والاستعانة بدعائه في حوائجه،
ولا سيما من الصالحين.
قوله: " الذي وعدته " بدل من قوله: " مقاماً محموداً " أو منصوب
باعِني، أو مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف، وأراد حكاية لفظ القرآن
في قوله: (عَسَى أن يَبعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحمُوداً) (3) .
__________
(1) في الأصل: " يسأل " بالياء والتاء.
(2) أخرجه أحمد (2/441، 444، 528) ، والترمذي (3137) ، وانظر
السلسلة الصحيحة (2369) .
(3) سورة الإسراء: (79) .(2/493)
قوله: " إلا حلت له الشفاعة " وليس في رواية البخاري " إلا " ووجهه
هاهنا: أن تكون زائدة للتأكيد؛ كما في قول الشاعر:
حَراجيج ما تنفكّ إلا مناخةَ ... على الخَسف أو ترمي بها بلداً قفَرا
ذكره الأصمعي، وابن جنّي. ومَعنى " حلت له " وجبت له أو
غشَيته، واللام بمعنى " على " أي: حَلت عليه، وقد مر مثله.
512- ص- نا (1) مؤمل بن إِهاب: نا عبد الله بن الوليد العَدني: نا
القاسمُ بن مَعن: نا المسعودي، عن أبي كثير مولى أم سلمةَ، عن أم سلمةَ
قالت: عَلَمني النبيُ- عليه السلام- أن أقولَ عندَ أذَان المغرب: " اللهم هذا
إِقبالُ ليلِكَ، وإِدبار نَهَارِكَ، وأصواتُ دُعاتِكَ، فاغفِر لَي " (2) .
ش- مؤمل بن إهاب- ويُقال: يهاب- بن عبد العزيز بن قُفل بن
سدل، أبو عبد الرحمن الربعي الكوفي نزيل الرملة، ويقال: نزل
مصر. روى عن: أبي داود الطيالسي، وعبد الله بن الوليد العدني،
ومحمد بن يوسف الفِريابي، وغيرهم. روى عنه: أبو بكر بن
أبي الدنيا، وأبو داود، والنسائي، وغيرهم. قال أبو داود: كتبتُ عنه
بالرملة وبحمص وبحلب. وعن ابن معين: ضعيف. قال أبو حاتم:
صدوق. وقال النسائي: لا بأس به. توفي بالرملة في رجب سنة أربع
وخمسين ومائتين (3) .
وعبد الله بن الوليد بن ميمون بن عبد الله القرشي الأموي مولى عثمان
ابن عفان، وهو العَدني المكي، وكان يقال: أنا مكي، ويقال لي:
عدني. سمع: الثوري، والقاسم بن مَعن، ومصعب بن ثابت. روى
عنه: مؤمل بن إهاب، وزهير بن سالم، ويَعقوب بن حميد وغيرهم.
__________
(1) في سنن أبي داود قبل هذا الحديث: " باب ما يقول عند أذان المغرب "،
وسيذكر المصنف أنها نسخة.
(2) الترمذي: كتاب الدعوات، باب: دعاء أم سلمة (3589) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (29/6320) .(2/494)
وقال عبد الرحمن: سألتُ أبي عنه فقال: هو شيخ، يكتب حديثه ولا
يحتج به. وقال أبو زرعة: صدوق. روى له: أبو داود، والترمذي،
والنسائي (1) .
والقاسم بن مَعن بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود الهذلي
أبو عبد الله الكوفي قاضيها. روى عن: عاصم الأحول، وإسماعيل بن
أبي خالد، والأعمش، وابن جريج. روى عنه: مالك بن إسماعيل،
وأبو نعيم، وعبد الرحمن بن مهدي، وغيرهم. قال ابن معين: كان
رجلاً نبيلاً. وقال أحمد بن حنبل: ثقة، وكان لا يأخذ على القضاء
أجراً. مات في خلافة هارون. روى له: أبو داود، والنسائي (2) .
والمَسعودي: هو عبد الرحمن بن عبد الله.
وأبو كثير مولى أم سلمة زوج النبي- عليه السلام-. روى عن:
أم سلمة. روى عنه: المَسعودي، وابنته: حَفصة.
قال الترمذي:/لا تُعرف حفصة ولا أبوها. روى له: أبو داود،
والترمذي (3) .
وأمّ سلمة: اسمها: هند بنت أبي أميّة، وقد ذكرناها.
فوله: " هذا إقبال ليلك " أي: وقت إقبال ليلك، ووقت إدبار نهارك،
ووقت أصوات دُعاتك 0 والدُّعاة جمعُ داعي، كالقضاة جمع " قاضي "،
وإنما أضاف هذه الأشياء إلى الله تعالى وإن كانت جميع الأشياء لله تعالى
لإظهار فضيلة هذه الأشياء، لأن المضاف يكتسي الفضيلة والشرف من
المضاف إليه كما في " ناقة الله "، وإنما حثّ بالدعاء في هذا الوقت،
لأن هذا الوقت وقت شريف باعتبار أنه آخر النهار، وهو وقت ارتفاع
الأعمال، وأول الليل اللذان آيتان من آيات الله الدالة على وحدانيته وبقائه
وقدمه، وأنه وقت حضور العبادة فيكون أقرب إلى الإجابة. والحديث
__________
(1) المصدر السابق (16/3643) .
(2) المصدر السابق (23/4827) .
(3) المصدر السابق (34/7587) .(2/495)
أخرجه الترمذي، وقال: هذا حديث غريب؛ إنما نعرفه من هذا الوجه.
وفي بعض النسخ في أول هذا الحديث: " باب ما يقول عند أذان
المغرب ".
***
37- بَابُ: أخذِ الأجرِ عَلَى التَأذِين
أي: هذا باب في بيان أخذ الأجرة على التأذين، وفي بعض النسخ:
" بابُ أخذ أجرِ على الأذان ".
فإن قلت: ما الفرق بين الأذان والتأذين؟ قلت: التأذين يتناول جميع
ما يصدر من المؤذن من قول وفعلِ وهيئة ونية، وأما الأذان: هو حقيقة
تعقل بدون ذلك.
513- ص- نا موسى بن إسماعيل: نا حماد: أنا سعيا الجُريري، عن
أبي العلاء، عن مُطرّف بن عبد الله، عن عثمان بن أبي العاص قال: قلتُ
- وقال مُوسى في موضعِ آخرَ: أن عثمانَ بن أبي العاص- قال: يا رسولَ الله،
اجعلنِي إمامَ قَومي، قال: " أنتَ إِمامُهم، واقتدي بأضعَفهِم، واتخذ مُؤذنَاً
لا يأخذُ عَلى أذَانِهِ أجراً " (1) .
ش- حماد بن سلمة، وسعيد بن إياس: النضري الجُريري.
وأبو العلاء: حيان بن عُمير القيسي الجُرَيري. روى عن: عبد الله بن
العباس، وعبد الله بن السائب، وعبد الرحمن بن سمرة، وسمرة بن
جندب، ومُطرف. روى عنه: سليمان التيمي، وقتادة، والجُريري.
روى له: مسلم، وأبو داود، والنسائي (2) .
__________
(1) مسلم: كتاب الصلاة، باب: أمر الأئمة بتخفيف الصلاة في تمام (468)
الجزء الأول منه، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في كراهية أن
يأخذ المؤذن على الأذان أجراً (209) الجزء الأخير منه، النسائي: كتاب الأذان،
باب: اتخاذ المؤذن الذي لا يأخذ على أذانه أجراً (2/23) ، ابن ماجه:
كتاب إقامة الصلاة، باب: من أم قوماً فليخفف (987) ، (714) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (7/1576) .(2/496)
ومُطرف بن عبد الله: ابن الشخير، وعثمان بن أبي العاص قد ذكر
مرةً.
قوله: " وقال موسى " أي: موسى بن إسماعيل.
قوله: " واقتدي بأضعفهم " معناه: مُراعاة ضُعفاء الجماعة في الصلاة
بأن لا يطولها عليهم؛ والاقتداء بالأضعف الاتباع به في مراعاة حاله.
والحديث: أخرجه أحمد في " مسنده ".
وفي رواية: " جواز في صلاتك، وأقدِرِ الناسَ بأضعفهم؛ فإن فيهم
الصغيرَ والكبيرَ والضعيفَ وذَا الحاجة ".
قوله: " واتخذ مؤذناً " يعني: اجعل مؤذناً لا يأخذ على الأذان أجراً،
وكلمة " على لما هاهنا للتعليل كاللام؛ والمعنى: لا يأخذ لأجل أذانه
أجراً؛ نحو قوله تعالى: (وَلتُكبرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُم) (1) أي: لهدايته
إياكم؛ وبهذا أخذ علماؤنا؛ لأنه يكون أخذ الأجرة على الطاعة؛ وهو
قول أكثر العلماء، وكان مالك يقول: لا بأس به، ويرخص فيه. وقال
الأوزاعي: الإجارة مكروهة ولا بأس بالجعل، ومنع منه إسحاق بن
راهويه. وقال الحسن: أخشى أن لا تكون صلاته خالصةَ لله. وكرهه
الشافعي وقال: لا يَرزق الإمامُ المؤذنَ إلا من خُمس الخُمس سهم النبي
- عليه السلام-؛ فإنه مُرصد لمصالح الدين ولا يرزقه من غيره. وكذلك
أخذ الأجر على الحج والإمامة وتعليم القرآن والفقه؛ ولكن المتأخرين
جوزوا على التعليم والإمامة في زماننا لحاجة الناس إليه، وظهور التواني
في الأمور الدينية، وكسل الناس في الاحتساب، وعليه الفتوى.
والحديث: أخرجه ابن ماجه، والنسائي. وأخرج مسلم الفصل الأول،
وأخرج الترمذي الفصل الأخير، قال: وفي الباب عن أبي رافع،
وأبي هريرة، وأم حبيبة، وعبد الله بن عَمرو، وعَبد الله بن ربيعة،
__________
(1) سورة البقرة: (185) .
32 * شرح سنن أبي داوود 2(2/497)
وعائشة، ومعاذ بن أنس، ومعاوية. قال أبو عيسى: حديث عثمان (1)
حديث حسن صحيح 0
***
38- بَابٌ: فِي الأذَانِ قَبل دُخُول الوَقتِ
أي: هذا باب في بيان الأذان قبل دخول الوقت، وفي بعض النسخ:
" باب ما جاء في الأذان ".
514- ص- نا موسى بن إسماعيل، وداود بن شبيب- المعنى- قالا:
نا حماد، صت أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، أن بلالا أذنَ قبلَ طُلوع
[الفجرِ، فأمَرَهُ النبيُ- عليه السلام- أن يَرجعَ/فيُنادي: ألا إن العبدَ نامَ (2) .
زادَ موسى: فرجعَ فنادَى: الا إن العبدَ نامَ (2) ، (3)
ش- داود بن شبيب: البصري الباهلي، وحماد: ابن سلمة،
وأيوب: السختياني، ونافع: مَولى ابن عمر.
قوله: " زاد موسى " أي: زاد موسى بن إسماعيل في حديثه: " فرجع "
أي: بلال، " فنادى ألا إن العبد نام "، قيل: أراد به أنه غفل عن
الوقت، كما يقال: نام فلان عن حاجتي إذا غفل عنها ولم يقم بها.
وقيل: معناه: إنه قد عاد لنومه إذ كان عليه بقية من الليل، فعلم الناس
ذلك لئلا ينزعجوا عن نومهم وسكونهم. وقيل: يُشبه أن يكون هذا فيما
تقدم من أول زمان الهجرة؛ فإن الثابت عن بلال أنه كان في آخر أيام
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يؤذن بليل، ثم يؤذن بعده ابن أم مكتوم مع الفجر،
وثبت عنه- عليه السلام- أنه قال: إن بلالاً ليؤذن بليل؛ فكلوا واشربوا
حتى يؤذن ابن أم مكتوم. وممن ذهب إلى أن تقديم أذان الفجر قبل دخول
وقته جائز: مالك، والشافعي، والأوزاعي، وأبو يوسف؛ اتباعاً للآثار
الواردة به. وقال أبو حنيفة ومحمد: لا يجوز؛ قياساً على سائر
الصلوات؛ وهو مذهب الثوري، وذهب بعض أصحاب الحديث إلى أن
__________
(1) في الأصل: " أبي سعيد " خطأ.
(2) في سنن أبي داود: " قد نام ".
(3) تفرد به أبو داود.(2/498)
ذلك جائز إذا كان للمسجد مؤذنان، كما كان لرسول الله- عليه السلام-
فأما إذا لم يكن فيه إلا واحد، فإنه لا يجوز أن يفعله إلا بعد دخول
الوقت، فيحتمل على هذا أنه لم يكن لمسجد رسول الله في الوقت الذي
نهى بلالاً إلا مؤذن واحد، وهو بلال، ثم أجازه حين أقام ابن أم مكتوم
مؤذناً؛ لأن الحديث في تأذين بلال قبل الفجر ثابت من رواية ابن عمر.
ص- قال أبو داود: وهذا الحديث لم يَروه عن أيوب إلا حماد بن سلمة.
ش- أي: الحديث المذكور لم يروه عن أيوب السختياني إلا حماد،
وذكر الترمذي لفظ الحديث وقال: هذا حديث غير محفوظ، ولعل حماد
ابن سلمة أراد حديث عمر؛ والصحيح: حديث ابن عمر أن النبي- عليه
السلام- قال: " إن بلالاً يؤذن بليل " الحديث، ثم نقل عن علي بن
المديني أنه قال: هو حديث غير محفوظ. وقال البيهقي: وقد تابعه
سعيد بن زربي، عن أيوب، ثم أخرجه كذلك، قال: وسعيد بن زربي
ضعيف. وقال ابن الجوزي في " التحقيق ": وقد تابع حماد بن سلمة
عليه سعيد بن زربي، عن أيوب؛ وكان ضعيفاً. قال يحيى: ليس
بشيء. وقال البخاري: عنده عجائب. وقال النسائي: ليس بثقة. وقال
ابن حبان: يروي الموضوعات عن الأثبات. وقال الحاكم: أخبرنا
أبو بكر بن إسحاق الفقيه: سمعت أبا بكر المطرز يقول: سمعت محمد
ابن يحيى يقول: حديث حماد بن سلمة، عن أيوب، عن نافع، عن
ابن عمر أن بلالاً أذن قبل طلوع الفجر: شاذ، غير واقع على القلب؛
وهو خلاف ما رواه الناس عن ابن عمر.
515- ص- نا أيوب بن منصور: نا شعيب بن حرب، عن عبد العزيز
ابنِ أبي رواد: نا نافع، عن مؤذن لعُمر يقال له: مَسروح أذن قبل الصبح
فأمره عُمر. ذكر نحوه (1) .
__________
(1) انظر الحديث السابق.(2/499)
ش- أيوب بن منصور: أحد شيوخ أبي داود.
وشعيب بن حرب: المدائني، أبو صالح، من أبناء خراسان، سكن
المدائن ثم نزل مكة. روى عن: الثوري، وشعبة، ويحيى نجن أيوب،
وغيرهم. قال ابن معين: ثقة مأمون، وكذا قال أبو حاتم. مات سنة
تسع وتسعين ومائة. روى له: البخاري، وأبو داود، والنسائي (1) .
وعبد العزيز بن أبي رَوّاد- واسم أبي رواد: ميمون- المكي الأزدي
مولى المغيرة بن المهلب بن أبي صُفرة، وهو أخو جبلة وعثمان، وهو ابن
عم عمارة بن أبي حفصة. سمع: نافعاً، والضحاك، وسالم بن
عبد الله بن عمر، وغيرهم. روى عنه: ابنه: عبد الله، والثوري،
وأبو عاصم النبيل، وغيرهم. قال ابن عدي: وفي بعض أحاديثه ما لا
يُتابع عليه (2) .
قوله: " مسروح " بالسين والحاء المهملتين.
قوله: " ذكر نحوه " أي: نحو حديث بلال؛ وقال الترمذي: وهذا لا
يصح؛ لأنه عن نافع، عن عمر منقطع.
ص- قال أبو داود: وقد رواه حماد بن زيد، عن/عُبيد الله بن عُمر،
عن نافع أو غيره، أن مؤذناً (3) يُقال له: مَسروح أو غَيرُه.
ش- أي: قد روى هذا الحديث حمّاد بن زيد، عن عُبَيد الله بن عُمر.
قوله: " أو غيره " أي: أو عن غير نافع.
قوله: " أو غيره " أي: أو غير مسروح.
ص- ورواه الدراورديِّ، عن عُبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر قال:
كان لِعُمرَ مؤذن يُقالُ له: مسعود، ذكر نحوه.
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (12/2746) .
(2) المصدر السابق (18 /3447) .
(3) في سنن أبي داود: " مؤذناً لعمر ".(2/500)
ش- أي: وروى هذا الحديث عبد العزيز بن محمد الدراوردي، عن
عبيد الله بن عمر.
قوله: " ذكر نحوه " أي: نحو الحديث المذكور؛ ولكن في روايته:
" مَسعود " موضع " مسروح ".
ص- قال أبو داود: وهذا أصحّ من ذاك.
ش- أي: ما رواه الدراوردي أصح من الذي رواه حماد بن سلمة.
516- نا زهير بن حَرب: نا وكيع: نا جَعفر بن بُرقان، عن شداد مولىِ
عياض بن عامر، عن بلال، أن رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال له: " لا تُؤذن حتى يَستَبين
لك الفجرُ هكذا " ومَدَ يدَيه عَرضاً (1) .
ش- جَعفر بن بُرقان- بضم الباء الموحدة- الجَزري، أبو عبد الله
الكلابي مولاهم الرقي، كان يسكن الرقة وقدم الكوفة. سمع: عكرمة
مولى ابن عباس، وميمون بن مهران، ونافعاًَ (2) مولى ابن عمر،
وغيرهم. روى عنه: الثوري، ووكيع، وعيسى بن يونس، وغيرهم.
وقال يعقوب بن شيبة، عن يحيى: كان أميا لا يقرأ ولا يكتب، وكان
ثقة صدوقاً. وقال ابن سَعد: كان ثقة صدوقاًَ، له رواية وفقه وفتوى في
دهره، وكان كثير الخط! في حديثه، مات بالرقة سنة أربع وخمسين ومائة.
روى له: مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (3) .
وشداد مولى عياض بن عامر: المُزني. روى عن: أبي هريرة،
ووابصة بن معبد، وبلال 0 روى عنه: جعفر بن برقان. روى له:
أبو داود (4) .
فوله: " حتى يستبين " أي: حتى يظهر لك الفجر. وأعلّه البيهقي في
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) في الأصل: " نافع ".
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (5/934) .
(4) المصدر السابق (12/2711) .(2/501)
" المعرفة " بالانقطاع. وقال ابن القطان: وشداد- أيضاً- مجهول لا
يعرف بغير رواية جعفر بن برقان.
[ص]- وقال أبو داود: شداد لم يُدرك بلالا.
قلت: هو مَعنى تعليل البيهقي بالانقطاع. واستدل صاحبُ " الهداية "
بهذا الحديث لأبي حنيفة ومحمد على عدم جواز الأذان قبل الفجر؛ فقال:
وقال أبو يوسف: وهو قول الشافعي: يحوز للفجر في النصف الأخير
من الليل، ثم قال: والحُجةُ على الكل: قوله- عليه السلام-؛
وروى هذا الحديث، ولهما ما رواه الأوزاعي- أيضاً-، عن عائشة أنها
قالت: ما كان المؤذن يؤذن حتى يطلع الفجر. أخرجه أبو الشيخ
الأصبهاني، عن وكيع، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن الأسود،
عنها، ومَا رواه الطبراني بإسناده إلى بلال قال: كنا لا نؤذن بصلاة الفجر
حتى نرى الفجر، وكان يضع إصبعَيه في أذنيه. والجواب عما روي في
" الصحيحين ": " إن بلال كان يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن
أم مكتوم ": أن أذانه لم يكن للصلاة؛ وإنما كان ليرجع القائم، ويتسحر
الصائم، ويقوم النائم.
517- ص- نا (1) محمد بن سلمة: نا ابن وهب، عن يحيى بن
عبد الله وسعيد بن عبد الرحمن، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة،
أن ابنَ أمِّ مَكتُوم كان مُؤذناً لرسولِ اللهِ وهو أعمى (2) .
ش- يحيى بن عبد الله: ابن سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب
القرشي العدوي. روى عن: عبيد الله بن عمر العمري، ويزيد بن
عبد الله بن الهاد، وعبد الرحمن بن الحارث، وهشام بن عروة،
وغيرهم. روى عنه: الليث بن سعد، وابن وهب، وعبد الله بن صالح
كاتب الليث، وغيرهم. روى له: مسلم، وأبو داود، والنسائي (3) .
__________
(1) في سنن أبي داود: " باب الأذان للأعمى "، وذكر في الشرح أنها نسخة.
(2) مسلم: كتاب الصلاة، باب: جواز أذان الأعمى إذا كان معه بصير (18 /381) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (31/6861) .(2/502)
وسعيد بن عبد الرحمن: ابن عبد الله بن جميل القرشي الجُمحي،
أبو عبد الله المدني قاضي بغداد في عسكر المهدي زمن الرشيد. روى عن:
هشام بن عروة، وعبيد الله بن عمر العمري، وسهيل بن أبي صالح.
روى عنه: الليث بن سَعد، وعبد الله بن وهب، ومحمد بن الصباح
الدولابي، وغيرهم. قال ابن معين: ثقة. وقال النسائي: لا بأس به.
مات سنة تسع وستين ومائة/. روى له: مسلم، وأبو داود، والنسائي،
وابن ماجه (1) .
وابن أم مكتوم: اسمه: عبد الله- ويُقال: عَمرو؛ وهو الأكثر- بن
قيس بن زائدة، ويقال: زياد- بن الأصم؛ والأصم: جندب بن هرم
ابن رواحة بن حجر بن عبد بن مغيض (2) بن عامر بن لؤي، ويقال:
عمرو بن زائدة القرشيِ العامري المعروف بابن أم مكتوم، مؤذن النبي-
عليه السلام- وأم مكتوم اسمها: عاتكة بنت عبد الله بن عَنكثة بن عامر
ابن مخزوم، وهو ابن خال خديجة بنت خويلد، هاجر إلى المدينة قبل
مقدم النبي- عليه السلام- واستخلفه النبي- عليه السلام- على المدينة
ثلاث عشرة مرة، وشهد فتح القادسية وقتل شهيداً بها، وكان معه اللواء
يومئذ. روى عنه: عبد الرحمن بن أبي ليلى. روى له: أبو داود،
والنسائي، وابن ماجه (3) .
واستُفيد من الحديث: جواز أذان الأعمى بلا كراهة. وقالت الشافعية:
يكره أن يكون الأعمى مؤذناً وحده. وفي بعض النسخ على رأس هذا
الحديث: " باب أذان الأعمى ". والحديث أخرجه مسلم، وأبو بكر بن
أبي شيبة في " مصنفه "، وأحمد في " مسنده ".
***
__________
(1) المصدر السابق (10/2312) .
(2) كذا، وفي مصادر الترجمة: " معيص " بالعين والصاد المهملتين.
(3) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (2/501) ، وأسد الغابة
(4/263) ، والإصابة (2/523) .(2/503)
39- بَابُ: الخُرُوج منَ المَسجد بَعد الأذان
أي: هذا باب في بيان الخروج من المسجد بَعد أذان المؤَذن للصلاة.
وفي بعض النسخ: " بعد النداء " موضع " بعد الأذان "، وفي بعضها:
" باب: ما جاء في الخروج ".
518- ص- نا محمد بن كثير: أنا سفيان، عن إبراهيم بن المُهاجر، عن
أبي الشَعثاء قال: كُنَّا مع أبي هُريرةَ في المسجد قال: فخرجَ رجلٌ حينَ أذنَ
المؤذنُ بالعَصرِ (1) ، فقال أبو هُريرةَ: أمّا هَذا فقدَ عَصَى أبا القاسم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (2) .
ش- سفيان: الثوري، وإبراهيم بن المُهاجر: الكوفي.
وأبو الشعثاء: سُليم بن أسود بن حنظلة المحاربي الكوفي، والد
أشعث. روى عن: عمر بن الخطاب، وابن مسعود، وسلمان الفارسي،
وابن عباس، وابن عمر، وحذيفة بن اليمان، وأبي هريرة، وأبي أيوب
الأنصاريّ، وطارق بن عبد الله المحاربي، ومن التابعين: مسروق،
والأسود بن يزيد. روى عنه: ابنه: أشعث، وإبراهيم النخعي،
والحكم بن عُتَيبة، وغيرهم. قال ابن معين: كوفي ثقة. مات سنة اثنتين
وثمانين بعد الجماجم. روى له: الجماعة إلا الترمذي (3) .
قوله: " أبا القاسم " أبو القاسم هو كُنية النبي- عليه السلام-.
والحديث: أخرجه مسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه. ذكر
بعضهم أن هذا موقوف، وذكر أبو عمر النمري أنه مسند عندهم، وقال:
لا يختلفون في هذا؛ وذاك أنهما مسندان مرفوعان- يعني-: هذا وقول
أبي هريرة: " ومن لم يُحب - يعني: الدعوة- فقد عصَى الله ورسوله- "
وفيه: كراهة الخروج من المسجد بعد الأذان حتى يصلي المكتوبة إلا لعذر
من انتفاض طهرة، أو فوات رفقة، أو كان مؤذناً في مسجد آخر ونحو ذلك.
__________
(1) في سنن أبي داود: " للعصر ".
(2) مسلم: كتاب المساجد، باب: النهي عن الخروج من المسجد (258) ، (259)
(655) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في كراهية الخروج من
المسجد بعد الأذان (204) ، النسائي: كتاب الأذان، باب: التشديد في
الخروج من المسجد بعد الأذان (2/29) ، ابن ماجه: كتاب الأذان، باب:
إذا أذن وأنت في المسجد فلا تخرج (733) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (11/2484) .(2/504)
40- بَاب: فِي المؤذن يَنْتظرُ الإِمَامَ
أي: هذا باب في بيان المؤذن يَنْتظر الإمام بَعْد الأذان.
519- ص- نا عثمان بن أي شَيبة: نا شبابه، عن إسرائيل، عن سماك، عن جابر بن سَمُرة قال: كَان بلال يُؤَذنُ ثم يُمْهِلُ، فإذا رَأى النبي- عليه السلام- قد خَرجَ أقامَ الصلاة (1) .
ش- شَبابةُ: ابن سوار الفزاري مولاهم المدائني، أبو عَمرو، أصله من خراسان، قيل: اسمُه: مروان , وإنما غلب عليه شبابة. سمع: جرير بن عثمان، وشعْبة، والليْثَ بن سَعْد، وغيرهم. روى عنه: أحمد بن حنبل، لإسحاق بن راهويه، وابن مَعين، وغيرهم. وقال ابن مَعين: هو صَدُوق. وقال محمد بن سَعْد: كان ثقةَ صالح الأمر في الحديث، وكان مرجئاً وقال أبو حاتم: صدوق، يكتب حديثه ولا يحتج به. مات سنة أربع ومائتين. روى له الجماعة (2) .
وإسرائيل: ابن يونس بن أبي إسحاق السَّبِيعي، وسماك: ابن حَرْب الكوفي.
قوله: " ثم يُمهل " أي: يَسْتنظرُ خروج النبي- عليه السلام-، فإذا خرج يقيم الصلاة. والحديث: أخرجه مسلم بنحوه أتم منه، وأخرجه الترمذي.
__________
(1) مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: متى يقوم الناس للصلاة (160 / 606) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء أن الإمام أحق
بالإقامة (202) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (12 / 2684) .(3/5)
ويُستفاد منه مسألتان , الأولى: استحباب الفصل بين الأذان والإقامة، والثانية: استحباب أداء الحق في البَيْت، فافهم.
* * *
41- بَاب: في التَّثوِيْب
أي: هذا باب في بيان التثويب وفي بعض النسخ: " باب / ما جاء في التثويب ". وهو العَوْد إلى الإعلام بعد الإعلام، وقد ذكرناه مستوفى , ومنه " الثيب " لأن مُصِيبها عائد إليها.
520- ص- نا محمد بن كثير: أنا سفيان: نا أبو يحي القتات، عن مجاهد قال: كُنتُ مع ابنِ عُمرَ فَثَوَّبَ رجل في الظهرِ أو العَصْرِ، قال: اخرجْ بنا , فإن هذه بدْعة (1) .
ش- أبو يحي: اسمه: زاذان القتات الكوفي الكُنَاسِي صاحب القت. وقال أبو حاتم: اسمه: دينار، ويقال: يزيد، ويقال: عبد الرحمن بن دينار، وقيل: مسلم، وقيل: زَبَّان. روى عن: مجاهد بن جبر، وعطاء بن أبي رباح، وحبيب بن أبي ثابت. روى عنه: الأعمش، والثوري، وفِطْر بن خليفة، وغيرهم. قال أحمد بن حنبل: روى عنه: إسرائيل أحاديث كثيرة مناكير. وقال ابن معين: في حديثه ضعف، وفي رواية عثمان بن سعيد: ثقة. روى له: مسلم حديثين، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه (2) .
قوله: " فثوب رجل في الظهر " معناه: أنه خرج إلى باب المسجد ونادى: الصلاة رحمكم الله.
قوله: " بدْعة " البدْعة شيء لم يكن في زمن النبي- عليه السلام-،
__________
(1) تفرد به أبو داود. (2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (34 / 7699) .(3/6)
ويُقال: البدعة: كل ما خالف أصول الشريعة ولم يوافق السُنَّة. وقال في " الصحاح ": البدْعة: الحدثُ في الدين بعد الإكمال. انتهى من أبدعتُ الشيء اخترعته لا عن مثال " والله بديع السموات والأرض " أي: مُبْدعها لا عن أصل ومادّة. ثم التثويب في الفجر بقوله: " حي على الصلاة حي على الفلاح " مرتين بين الأذان والإقامة حسن عنْد أصْحابنا. ويقال: هو قوله: " الصلاة خير من النوم " مرتين بعد الصلاة والفلاح. وقال الشافعي، ومالك، وأحمد: لا تثويب في الفجر كما في سائر الصلوات. واستدل أصحابنا بما رواه الترمذي وابن ماجه، عن أبي إسرائيل، عن الحكم بن عُتَيْبة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن بلال قال: أمرني رسول الله- عليه السلام- أن لا أثوب في شيء من الصلوات إلا في صلاة الفجر، وبحديث آخر رواه البيهقي، عن عطاء بن السائب، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن بلال قال: أمرني رسول الله أن لا أُثوب إلا في الفجر , والحديثاًن حجة عليهم. وأما التصويب في غير الفجر: فمكروه، لحديث ابن عمر هذا. وقال صاحب " الهداية ": والمتأخرون استحسنوه في الصلوات كلها لظهور التواني في الأمور الدينية. وقال أبو يوسف: لا أرى بأساً أن يقول المؤذن للأمير في الصلوات كلها: السلام عليك أيها الأمير ورحمة الله وبركاته، حي على الصلاة حي على الفلاح، الصلاة يرحمك الله، فاستبعده محمدٌ , لأن الناسَ سواسية في أمر الجماعة، وأبو يوسف خصّهم بذلك لزيادة اشتغالهم بأمور المسلمين، كيلا تفوتهم الجماعة، وعلى هذا القاضي والمُفْتِي.
* * *
42- بابٌ: في الصَّلاة تقامُ ولمْ يأت الإمَامُ يَنْتظرُونه قُعُوداً
أي: هذا باب في بيان الصَلاة تقامُ والحال: أَنه لم يأتي الإمام.
قوله: " يَنْتظرونه " حال , أي: جال كون الجماعة ينتظرون الإمام. وقوله: " قعوداً " حال أخرى أي: حال كونهم قاعدين، والقعودُ: جمع قاعد، كالسجود جمع ساجد، والوفود جمع وافد , وهما حالاًن(3/7)
متداخلتان أو مترادفتان. وفي بعض النسخ: " باب: ما جاء فيما تقام الصلاة ولم يأت الإمام كيف ينتظرونه؟ ".
521- ص- نا مسلم بن إبراهيم، وموسى بن إسماعيل قالا: نا أبَانُ، عن يحي، عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه (1) ، عن النبي- عليه السلام- قال: " إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروْني " (2) .
ش- مسلم بن إبراهيم: أبو عمرو القصاب الفراهيدي، وموسى بن إسماعيل: المنقري البصري، وأبان: ابن يزيد العطار البصري، ويحيى: ابن أبي كثير أبو نصر اليمامي، وعبد الله بن أبي قتادة , وأبو قتاده: الحارث بن ربعي الأنْصاري السلمي.
والحديث: أخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي.
" (3) وفي رواية أبي هريرة: " أقيمت الصلاة فقُمنا، فعدلنا الصفوف قبل أن يخرج إلينا رسول الله ". وفي رواية: " إن الصلاة كانت تقام لرسول الله، فيأخذ الناسُ مَصافهم قبل أن يقوم النبي- عليه السلام- مقامه ". وفي رواية جابر بن سمرة:" كان بلال يؤذن إذا دحضت، فلا يقيم حتى يخرج النبي- عليه السلام-، فإذا خرج أقام الصلاة / حين يراه ". وقال القاضي رياض: يجمع بين مختلف هذه الأحاديث بأن بلالا كان يُراقب خروج النبي- عليه السلام- من حيث لا يراه غيره، أو إلا القليل، فعند أول خروجه يقيم ولا يقوم الناس حتى يرَوْه، ثم لا
__________
(1) في سنن أبي داود: "عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبي قتادة، عن أبيه " خطأ.
(2) البخاري: كتاب الأذان، باب: متى يقوم الناس إذا رأوا الإمام عند الإقامة؟ (637) ، مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: متى يقوم الناس للصلاة (604) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في الكلام بعد نزول الإمام من المنبر (517) ، النسائي: كتاب الأذان، باب: إقامة المؤذن
عند خروج الإمام (2 / 31) .
(3) انظر: " شرح صحيح مسلم " (5 / 101: 103) .(3/8)
يقوم مقامه حتى يعدلوا الصفوف، وقوله في رواية أبي هريرة: " فيأخذ الناس مصافهم قبل خروجه " لعله كان مرة أو مرتين ونحوهما لبيان الجواز أو لعذر , ولعلّ قوله- عليه السلام-: " فلا تقوموا حتى تروني " كان بعد ذلك. قال العلماء: والنهي عن القيام قبل أن يرَوْه لئلا يطول عليهم القيام، ولأنه قد يعرض له عارض فيتأخر بسببه. واختلف العلماء من السلف فمن بَعْدهم متى يقوم الناس للصلاة؟ ومتى يكبر الإمام؟ فمذهب الشافعي وطائفة: أنه يستحب أن لا يقوم حتى يفرغ المؤذن من الإقامة , وهو قول أبي يوسف. وقال مالك: السنة في الشروع في الصلاة: بعد الإقامة وبداية استواء الصف. ونقل القاضي عياض عن مالك: إنه يستحب أن يقوموا إذا أخذ المؤذن في الإقامة. وكان أنس يقوم إذا قال المؤذن: قد قامت الصلاة، وبه قال أحمد. وقال زفر: إذا قال المؤذن: قد قامت الصلاة مرة قاموا وإذا قال ثانيا افتتحوا. وقال أبو حنيفة ومحمد: يقومون في الصف إذا قال: حيّ على الصلاة، فإذا قال: قد قامت الصلاة كبر الإمام، لأنه أمين الشرع، وقد أخبر بقيامها، فيجب تصديقُه ". ص- قال أبو داود: هكذا رواه أيوب وحجاج الصواف، عن يحي وهشام الدستوائي قال: كتب إلي يحي، ورواه معاوية بن سلام وعلي بن المبارك، عن يحي وقالا فيه:" حتى تَرونِي، وعليكُم السكينة
ش- أي: هكذا روى الحديث المذكور: أيوب السختياني.
وحجاج بن أبي عثمان الصواف، أبو الصلت الكندي البصري، واسم أبي عثمان: مَيْسرة. روى عن: أبي الزبير، ويحيى بن أبي كثير، وأبي سنان، وغيرهم. روى عنه: الحمادان، ويحيى القطان، وغيرهم. قال أحمد بن حنبل: شيخ ثقة. وقال ابن معين وأبو حاتم وأبو زرعة: ثقة. روى له الجماعة (1) .
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (5 / 1123) .(3/9)
ويحيى: ابن أبي كثير، وهشام: ابن أبي عبد الله الاستوائي البصري، ومعاوية بن سلام: ابن أبي سلام الأسود الألهاني.
وعليّ بن المبارك: الهنائي البصري. روى عن: يحيى بن أبي كثير، والحسن بن مسلم العبدي. روى عنه: يحيى القطان، ووكيع، وسفيان ابن حبيب، وغيرهم. قال أحمد: ثقة. روى له الجماعة إلا النسائي (1) . قوله: " وقالا فيه " أي: قال معاوية وعلي في الحديث المذكور: " حتى تروني، وعليكم السكينةُ " , السكينة: التأني في الحركات واجتناب العبث ونحو ذلك. وقال الجوهري: السكينة: الودَاع والوقَارُ.
522- ص- نا إبراهيم بن موسى: أنا عيسى، عن معمر، عن يحي بإسناده مثله قال: " حتى تروني قد خرجتُ " (2) .
ش- إبراهيم بن موسى: الفراء الرازي، وعيسى: ابن يونس بن أبي إسحاق السَّبِيعي الكوفي، ومعمر: ابن راشد البصري.
قوله: " مثله " أي: مثل الحديث المذكور، وفي روايته: " حتى تروني قد خرجتُ "، و" قد خرجت " في موضع الحال.
ص- قال أبو داود: ولم يذكر " قد خرجتُ " إلا معمر. ورواه ابن عُيينة، عن معمرِ, ولم يَقل فيه: "قد خرجتُ "
ش - أي: روى الحديث المذكور: سفيان بن عيينة، عن معمر المذكور, لم يقل في روايته: " قد خرجت ".
523- ص- نا محمود بن خالد: نا الوليد قال: قال أبو عَمرو ح، ونا داود بن رُشَيْد: نا الوليد- وهذا لفظه- عن الأوزاعي، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة: إن الصلاةَ كانتْ تُقامُ لرسول الله فيأخذ الناسُ مَقامهُم، قبل أن يَأخذَ النبي- عليه السلام- (3) .
__________
(1) المصدر السابق (21 / 4124) . (2) انظر الحديث السابق.
(3) مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: متى يقوم الناس للصلاة (159 / 605) ، النسائي: كتاب الأذان، باب: أقامة الصفوف قبل خروج الإمام (2 / 88) ، وقد سبق في كتاب الطهارة برقم (220) .(3/10)
ش- محمود بن خالد: أبو عليّ السَّلَمي الدمشقي، والوليد: ابن مُسلم الدمشقي، وأبو عَمْرو: هو عبد الرحمن الأوزاعي.
وداود بن رُشَيْد: الهاشمي مولاهم، أبو الفضل الخوارزمي، ْ سكن بغداد. روى عن: أبي المليح الرقي، وابن عليّة، وشعيب بن إسحاق، والوليد بن مسلم، وغيرهم. روى عنه: البخاري، ومسلم، وأبو داود، وابن ماجه، وأبو زرعة، وغيرهم. وكان يحي يوثقه. وقال أبو حاتم: صدوق. روى له: الجماعة إلا الترمذي (1) .
وأبو سلمة: عبد الله بن عبد الرحمن /. والحديث: أخرجه مسلم، والنسائي. وقد ذكرنا وجه اختلاف الروايات.
524- ص- نا حُسَيْن بن معاذ: نا عبد الأعلى، عن حُميد قال: سألتُ ثابتا البنانيَّ عن الرجلِ يتكلمُ بعد ما تُقامُ الصلاةُ، فحدَّثني عن أنسِ بنِ مالك: قال: أقيمَت الصلاةُ فَعرَضَ لرسول الله رجلٌ، فحبَسَهُ بَعد ما أقيمت الصلاة (2) .ًًَ
ش- حُسَيْن بن معاذ: ابن حليف- بالحاء المهملة-. روى عن: عبد الأعلى. روى عنه: أبو داود، وعبد الأعلى بن عبد الأعلى السامي. وحُميْد: الطويل. والحديث أخرجه البخاريّ. وفيه: جواز الكلام بعد الإقامة. وكرهه إبراهيم، والزهريّ، وهو قول أصحابنا , والجواب عن الحديث: أنه كان لعذر، ولم يكن باختياره- عليه السلام-. وقال مالك: إذا بَعُدت الإقامة رأيت أن تعاد الإقامة استحباباً.
225- ص- نا أحمد بن عليه السدوسي: نا عون بن كهمس، عن أبيه: كهْمس قال: قمنا بمنىَ إلى الصلاةِ (3) والإمامُ لم يَخرجْ، فَقَعَد بعضُنا
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (8 / 1758) .
(2) البخاري: كتاب الأذان، باب: الكلام إذا أقيمت الصلاة (643) .
(3) في سنن أبي داود: " قمنا إلى الصلاة بمنى ".(3/11)
فقال لي شيخ من أهْل الكُوفَةِ: ما يُقْعدُكَ؟ قلتُ: ابنُ بُرَيْدةَ. قال: هذا السمود. فقال الشيخ (1) : حدثنى عبدَ الرحمن بن عَوْسجة، عن البراء بنِ عازب قال: كنا نَقُومُ في الصفُوف على عهد رسول الله- عليه السلامَ- طويلا قبلَ أن يُكبرَ. قال: وقال: "إن اللهَ وملاَئكَتَه يُصَلُّوَن على الذين يَلُونَ الصُّفُوف الأوَلَ، وما من خَطوة أحب إلى الله تعَالى من خَطوة يَمْشِيها يَصِلُ بها صفا" (2) .
ش- كهمس: ابن الحسن، أبو الحسن التميمي البصري. روى عن: عبد الله بن بريدة، وعبد الله بن شقيق، وعباس الجُريري. روى عنه: معاذ بن معاذ، ووكيع، وخالد بن الحارث، وغيرهم. قال ابن معين: ثقة. وقال أبو حاتم: لا بأس بحديثه. مات سنة ثلاث وأربعين ومائة. روى له الجماعة (3) .
وابن بريدة: هو عبد الله بن بريدة بن الخصيب الأسلمي، قاضي مرو. وعبد الرحمن بن عَوْسجة التميمي الهمداني الكوفي. سمع: البراء ابن عازب. روى عنه: طلحة بن مصرف اليامي، وقتادة بن عبد الله التميمي، وإسحاق الهمداني، والضحاك. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (4) .
قوله: " بمنى" أي: في منى، وهي قرية تذبح بها الهَدايا والضحايا، سمّي ذلك الموضع منى لوقوع الأقدار فيه على الهدايا، من مَنى يمني مَنْيا أي: قدَر، ومنه: المنية، لأنها مقدرة على البرايا كلها. وقال الجوهري: ومِناً- مقصور- موضع بمكة، وهو مُذكر يُصْرف.
قوله: " فقال لي شيخ": مجهول.
قوله: " قلت: ابن بريدة " أي: أقعدني عبد الله بن بريدة.
__________
(1) في سنن أبي داود:"فقال لي الشيخ ". (2) تفرد به أبو داود
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (24 / 5001) . (4) المصدر السابق (17 / 3922) .(3/12)
قوله: " هذا السمود لما وقال الخطابي (1) : " السمود يُفسر على وجهن، أحدهما: أن يكون بمعنى الغفلة والذهاب عن الشيء، يقال: رجل سامدٌ هامد أي: لاهٍ غافلٍ، ومن هذا قوله تعالى: " وأنتُمْ سَامدُونَ) (2) أي: لاهون ساهون. وقد يكون السامد- أيضاً- الرافع رأسَه، قال أبو عبيد: ويقال منه: سَمد يسمِدُ ويَسْمُد- بالضم والكسْر- في المستقبل سُمُوداً. وروي عن علي- رضي الله عنه- أنه خرج والناس يَنْتظرونه قياما للصلاة، فقال: ما لي أراكم سامدين؟ وحكي عن إبراهيم النخعي أنه قال: كانوا يكرهون أن ينتظروا الإمام قياما، لكن قعوداً ويقولون: ذلك السُّمُودُ.
قوله: " طويلا" نصب على أنه صفة لمصدر محذوف، أي: قياما طويلاً.
قوله: " يُصلُّون " قد عرفت أن الصلاة من الله الرحمة، ومن الملائكة: الاستغفار.
قوله: " يلُون) من الوَلْي، وهو القُرب والدنو، من وَلي يلي، من باب وَرث يرث، وأصله: يَلُون يَوْليُون، حذفت الواو لوقوعها بين الياء والكسرة، وهذه قاعدة في باب المثال كما في يَعد ويهَبُ ونحوهما، فبقي يَليُون فحذفت الضمة لاستثقالها على الياء، فاجتمع ساكنان وهما الياء والواو، فحذفت الياء لأن الواو علامة بالجمع، ثم أبدلت كسرة اللام ضمةً لأجل الواو، فصَار يلُون على وزن يَعُون، لأن المحذوف منه فاء الكلمة ولامها.
قوله: " الأوَل "- بضم الهمزة- جمْعُ أولى، تأنيث الأول، والأول نقيض الآخر.
قوله: "وما من خَطوة " الخطوة- بالفتح-: المرة، وبالضم: بعد ما بين القدمين في المشي، وهاهنا بالفتح.
__________
(1) معالم الحق (1 / 136) .
(2) سورة النجم: (61) .(3/13)
قوله: " يمشيها " صفة للخطوة ومحلها الجر.
[1 / 186 - ب] قوله: " يصل بها " أي: بالخطوة / وهذه الجملة حال من الضمير المرفوع الذي في " يَمْشيها"، و" صفا " نصبٌ على المفعولية، لأن وَصلَ
عُدَّى بالباء.
526- ص- نا مسدد: نا عبد الوارث، عن عبد العزيز بن صهيب، عن
أنس قال: أقيمَت الصلاةُ ورسولُ الله نَجي في جَانب المسجد، فما قامَ إلى
الصلًاةِ حتى نامَ القومُ (1) .ًًَ
ش- عبد الوارث: ابن سعيد البصري.
وعبد العزيز بن صُهَيْب البناني مولاهم، وبَنانة من قريش. سمع:
أنس بن مالك. روى عنه: شعبة، والحمادان، وعبد الوارث بن سعيد، وغيرهم، وعن يحيى: هو ثقة. روى له الجماعة (2) .
قوله: " ورسولُ الله نجي " جملة اسمية وقعت حالاً و" نجي " بمعنى:
مُناج، كنديم بمعنى: مُنادم، ووزير بمعنى: مُؤازر، وتناجى القوم إِذا
دخلوا في حديثِ سر، وهم نجوى أي: متناجون، وفيه دليل على أن
تأخير الصلاة من أول وقتها غير مكروه، وكذا الكلام بعد الإقامة إذا كان
لأمر مهم من أمور الدين. والحديث: أخرجه البخاري، ومسلم،
والنسائي
527- ص- نا عبد الله بن إسحاق الجوهري: أنا أبو عاصم، عن ابن
جريج، عن موسى بن عقبة، عن سالم أبي النضْر قال: كان رسولُ الله حين
تُقام الصلاةُ في المسجد إذا رآهُم قليلاً جَلسَ ثم صلى (3) ، وإذا رآهم
جَمَاعةً صَلى (4) .
__________
(1) البخاري: كتاب الأذان، باب: الإمام تعرِض له الحاجة بعد الإقامة (642) ، مسلم: كتاب الحيض، باب: الدليل على أن نوم الجالس لا ينقض الوضوء (376) ، النسائي: كتاب الإمامة، باب: الإمام تعرض له الحاجة بعد الإقامة (2 / 81) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (18 / 3595) .
(3) في سنن أبي داود: " لم يصل ".
(4) تفرد به أبو داود.(3/14)
ش- عبد الله بن إسحاق الجوهري: المصري المعروف ببدعة، مستملي أبي عاصم. روى عن: أبي عاصم، وبَدَل بن المحبر، وأبي زيد الهروي. روى عنه: أبو داود، وأبو حاتم- وقال: شيخ-، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه. مات سنة سبع وخمسين ومائتين (1) . وأبو عاصم: النَّبِيل، وعبد الملك: ابن جرير.
ومُوسى بن عقبة: ابن أبي عياش المُطرفي المدني الأسدي، أبو محمد مولى يل الزبير بن العوام، أخو محمد، وإبراهيم، أدرك عبد الله بن عمر بن الخطاب، وأنس بن مالك، وسهل بن سَعْد، ونافعاً وغيرهم. روى عنه: يحيي بن سعيد الأنصاري، وابن جريج، ومالك ابن أنس، والثوري، وابن عيينة، وشعبة، وغيرهم. مات سنة إحدى وأربعين ومائة. روى له الجماعة (2) .
وسالم بن أبي أميّة، أبو النضر المدني القرشي، تابعيّ. والحديث مُرْسل.
قوله: " إذا رآهم " أي: إذا رأى الجماعة.
قوله: " قليلا " نصب على الحال بمعنى قليلين، يقال: قوم قليلون وقليلات- أيضاً قال الله تعالى: " واذكروا إِذ كُنتُمْ قَلِيلا فكثركم) (3) . وليس بمفعول ثان ل " رأى "، لأن " رأى " هاهنا بمعنى: أبصر، فلا يحتاج إلى مفعول ثاني.
قوله: " جماعة " نصب على الحال- أيضاً بمعنى: مجتمعين. وفيه دليل على تأخير الصلاة - أيضاً - من أول وقتها، وأن الإمام يُستحب له أن ينتظر الجماعة إذا كان الحاضرون قليلاً وأن لا يؤخر الصلاة إذا اجتمعوا، ولا سيما أئمة مساجد ألا سواق والطرقات.
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (14 / 3162) .
(2) المصدر السابق (29 /6282) .
(3) سورة الأعراف: (86) .(3/15)
528- ص- نا ابن إسحاق: أنا أبو عاصم، عن أبي جريج، عن موسى ابن عقبة، عن نافع بن جُبير، عن أبي مَسْعود الزرقي، عن علي بن أي طالب مثل ذلك (1) .
ش- ابن إسحاق: هو عبد الله الجوهري، ونافع بن جُبَيْر: ابن مطعم القرشي.
وأبو مَسْعود الزرقي، روى عن: علي بن أبي طالب، روى عنه: نافع بن جبير. روى له: أبو داود (2) .
قوله: " مثل ذلك " أي: مثل الحديث المذكور.
***
43- بَاب: التشْدِيد في ترك الجماعة
أي: هذا باب في بيان التشديد في ترك الصلاة مع الجماعة.
529- ص- نا أحمد بن يونس: نا زائدة: نا السائبُ بن حُبَيْش، عن معدان بن أبي طلحة اليعمري، عن أبي الدرداء قال: سمعتُ رسولَ الله عمليه السلام- يَقولُ: " ما منْ ثَلاثة في قَرية ولا بَدْوٍ لا تُقَامُ فيهم الصلاةُ، إلا قد استحوذَ عليهمُ الشيطانُ، ً فعليكَ بًالجماعة، فإنما يأكلُ الذئبُ القاصِيَة (3) .
قال زائدةُ: قال السائب: يعني بالجماعةِ: الصلاةَ في الجماعةِ.
ش- زائدة: ابن قدامه.
والسائب بن حُبَيْش- بضم الحاء المهملة وفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف، وفي آخره: شين معجمة- وصحفه بعضهم بحنَش - بفتح الحاء والنون- الكلاعي الحمصي. روى عن: معدان بن طلحة،
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (34 / 7624) .
(3) الكسائي: كتاب الإمامة، باب: التشديد في ترك الجماعة (2 / 106) .(3/16)
وأبي الشماخ الأزدي. روى عنه: زائدة، وحَفْص بن رواحة /. وقال [1/ 187 - أ] أحمد العجلي: ثقة. وقال الدارقطني: صالح الحديث. روى له:
أبو داود، والنسائي (1) .
ومَعْدان بن أبي طلحة- ويقال: ابن طلحة- اليعمري. سمع: عمر
ابن الخطاب، وأبا الدرداء، وثوبان مولى رسول الله، وأبا نجيح: عمرو
ابن عَبَسة السلمي. روى عنه: سالم بن أبي الجَعْد، والوليد بن هشام،
والسائب بن حُبَيْش. قال ابن سَعد، وأحمد بن عبد الله: ثقة. روى
له: الجماعة إلا البخاري (2) .
قوله: " في قرية " القرية: المدينة, سمّيت قريةً لاجتماع الناس فيها،
من قريته الماء في الحوض إذا جمعته، ويقال: قِرْية- بالكسر- لغة
يمانية , ومكة أم القرى.
قوله: " ولا بَدْوٍ " البَدْو: البادية؟ والنسبة إليه: بَدوي.
قوله: " إلا استحوذت أي: غلب عليهم الشيطان، وهذا جاء بالواو
على أصله كما جاء في " استَرْوح " و" استصوبت. قال أبو زيد: هذا
الباب كله يجوز أن يتكلم به على الأصل، تقول العربُ: استصاب واستصوب، واستجاب واستجوب، وهو قياس مطرد عندهم، وقوله
تعالى: " الَمْ نَسْتَحْوذ عَلَيكُمْ) (3) أي: ألم نغلب على أموركم
ونستولي على مودتكم.
قوله: " فعليك بالجماعة " عليك من أسماء الأفعال بمعنى: الزم، كما
يقال: إليك بمعنى: تنح، والفاء فيه جواب شرط محذوف، تقديره:
إذا كان الأمر كذلك فعليك. وقوله: " بالجماعة " أعم من أن تكون
جماعة الصلاة، أو جماعة المسلمين.
قوله: " فإنما " الفاء للتعليل.
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (10 / 2166) .
(2) المصدر السابق (28 / 6082) .
(3) سورة النساء (141) .
2. شرح سنن أبي داوود 3(3/17)
قوله: " القاصية " أي: الشاة المنفردة عن القطيع، البعيدة منه، من قَصَى الْمكانُ يَقْصُو قُصُوا: بَعُد، فهو قَصِيّ وهي قاصية وقصيّة، وقصوتُ عن القوم: تباعدتُ، والقَصَاء بالمد: البُعْدُ والناحية، وكذلك القَصَى مقصوراً، ويُقال: قصِيَ فلان عن جوارنا- بالكسر- يَقْصَى - بالفتح- قَصًى، وأقْصيتُه أنا فهو مُقْصًى، ولا تقُلْ: مَقْصِي. يريد بذلك: أن الشيطان يستحوذ ويتسلط على تارك الجماعة، كما يتسلط الذئب على الشاة المنفردة من القطيع وإنما عنى الثلاثة، لأن أقل الجمع ثلاثة حتى يُقام بهم الجمعة، ويفهم من هذا: أن الاثنان في موضع إذا صلى كل واحد بذاته لا يأثمان، وقد روي أن الاثنان وما فوقهما جماعة.
530- ص- نا عثمان بن أي شيبة: نا أبو معاوية: نا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم
: " لقد هَمَمتُ أن آمُرَ بالصلاةِ فتُقامَ، ثم آمُرَ رجلاً يُصَلي بالناسِ، ثم أنطلقَ معي بِرِجال معهم حُزَمٌ من حَطب إلى قوم لا يَشْهدُونَ الصلاة، فاحَرَّقَ عليهم بيُوتَهم بالنارِ " (1) .
ش- هممتُ أيْ: قصَدْتُ، " أن آمر "، مفعوله.
وقوله: " فتقامَ " بالنَّصْب عطف على ما قبله، وكذلك " ثم آمرَ " و " ثم أنطلقَ " و " فأحرقَ " كلها مَنْصوبٌ.
وقوله: " برجال " مُتعلق بقوله: " ثم أنطلقَ " فعُدى " أنْطلق به " , والمعنى: ثم أذهب برجال.
__________
(1) البخاري: كتاب الأذان، باب: وجوب صلاة الجماعة رقم (644) ، مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: فضل صلاة الجماعة (651) ، ابن ماجه: كتاب المساجد والجماعات، باب، التغليظ في التخلف عن الجماعة (791) .(3/18)
وقوله: " معي " حال من الرجال، والمعنى: مُصاحِبين لي. والحُزم
- بضم الحاء- جمع حُزْمةٍ.
وقوله: " بالنار " متعلق بقوله: " فاحْرقَ ".
واستدل به من قال: الجماعة فرض عين , وهو مذهب عطاء،
والأوزاعي، وأحمد، وأبي ثور، وابن المنذر، وابن خزيمة، وداوود.
وقال في " شرح المُهذب ": وقيل: إنه قول الشافعي، وعن أحمد:
واجبة وليست بشرط. وقالت الجمهور: ليْست فرض عين. واختلفوا:
هل هي سُنة أم فرض كفاية؟ والمختار عند الشافعية: أنها فرض كفاية،
وعند عامة مشايخنا: واجبة، وقد سماها بعض أصحابنا سُنَن مؤكدة،
وهو قول القدوري- أيضاً- وفي " المُفيد ": الجماعة واجبة وتسميتها
سُنَن لوجوبها بالسُّنَة. وفي والبدائع ": إذا فاته الجماعة لا يجب علي
الطلب في مَسْجد آخر بلا خلاف بوش أصحابنا، لكن إن أتى مسجدا يَرْجو
إدراك الجماعة فيه فحسن، وإن صلى في مسْجد حقه فحسن. وعن القدوري: يجمع بأهْله. وفي " التحفة ": إنما تجب على من قدر عليها
من غير حرج، وتسقط بالعذر، فلا تجب على المريض، ولا على
الأعمى والزمِنِ ونحوهم، هذا إذا لم يجد الأعمى قائداً، والزَّمِنُ مَن يحمله، وكذا إذا وجدا (1) عند أبي حنيفة، وعندهما: تجب. وعن
شرف الأئمة: تركها من غير عذر يوجب التعزير، ويأثم الجيران بالسكوت عن تاركها. وعن بعضهم: لا تقبل شهادته، فإن اشتغل
بتكْرار / اللغة لا يعذر في ترك الجماعة، وبتكْرار الفقه أو مطالعته يعذر، [1\187-ب] ، فإن تركها أهل ناحية قوتلوا بالسلاح. وفي " التنبيه ": يشتغل بتكَرارِ
الفقه ليلاً ونهارا ولا يحضر الجماعة لا يعذر، ولا تقبل شهادته. وقال
أبو حنيفة: سهى أو نام أو شغله عن الجماعة شغل، جَمَع بأهْله في
منزله، وإن صلى وحده يجوز.
__________
(1) في الأصل: " وكذا هذا إن وجدا ".(3/19)
واختلف العلماء في إقامتها في البيْت؛ والأصح: أنها كإقامتها في المسْجد. وفي " شرح خواهر زاده ": هي سُنَة مؤكدة غاية التأكيد، وقيل: فرض كفاية، وهو اختيار الطحاوي والكرخي وغيرهما، وهو قول الشافعي المختار، وقيل: سُنَة. وفي "الجواهر": عن مالك: سُنَّة مؤكدة، وقيل: فرض كفاية. والجواب عن الحديث من وجوه، الأول: أن هذا في المنافقين، ويَشْهد له ما جاء في " الصحيح": "لو يَعْلم أحدكم أنه يجدُ عظما سميناً أو مَرْمَاتَين حسَنَتَيْن لشهد العشاء " وهذه ليست صفة المؤمن، لا سيما أكابر المؤمنين وهم الصحابة، وإذا كان في المنافقين كان التحريق للنفاق لا لترك الجماعة فلا يتم الدليل، والثاني: أنه- عليه السلام- هَمّ ولم يَفْعل، والثالث: أنه- علية السلامِ- لم يخبرهم أن من تخلّف عن الجماعة، فصلاته غير مجزئة، وهو موْضع البيان.
وفي هذا الحديث: دليل على أن العقوبة كانت في أول الأمر بالمال، لأن تحريق البيوت عقوبة مالية. وأجمع العلماء على منع العقوبة بالتحريق في غير المتخلف عن الصلاة والغال من الغنيمة، واختلف السلف فيهما والجمهور على منع تحريق متاعهما. ثم إنه جاء في رواية: أن هذه الصلاة التي هم بتحريقهم للتخلف عنها هي العشاء. وفي رواية: إنها الجمعة، وفي رواية: إنهم يتخلفون عن الصلاة مطلقاً وكله صحيح، ولا منافاة بَين ذلك. والحديث: أخرجه البخاري، ومسلم، وابن ماجه.
531- ص- نا النفيلي: نا أبو المليح: حدَّثني يزيد بن يزيد: حدَّثني يزيد بن الأصم قال: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله: " لقد هَممت أن آمُرَ فِتْيَتِي فيَجْمعُوا حُزما من حَطب، ثم آتِي قوماً يُصفُون في بُيُوتِهم ليْست بهم علَّةٌ، فأحرِّقَها عَليهم ". قلًتُ ليزيدَ بنِ الأصم: يا أبا عوفٍ: الجمعةَ عَنى أَو غيرَها؟ فقال: صامتا أذُنَايَ إن لم كنْ سمعتُ أبا هُريرةَ وأثره عن رسولِ اللهِ، ما ذَكَر جُمُعَةً ولا غيرها (1) .
ـــــــــــــ
(1) مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: فضل صلاة الجماعة وبيان-(3/20)
ش- عبد الله بن محمد النُّفيلي. وأبو المليح: اسمه: الحسن بن عَمرو، ويقال: عُمر، الفِزاري مولاهم الرقي، وقيل: كنيته: أبو عبد الله، وغلب علي أبو المليح. سمع: ميمون بن مهران، والزهري، والوليد ابن زَرْوان، وغيرهم. روى عنه: ابن المبارك، وأبو توبة (1) الربيع بن نافع، وبقية بن الوليد، وغيرهم. توفي سنة إحدى وثماني ومائة، وهو ابن خمس وتسعين. قال أحمد: ثقة ضابط لحديثه صدوق. روى له: أبو داود، والترمذي (2) .
ويزيد بن يزيد: ابن جابر الشامي الدمشقي، أصله من البصرة. سمع: الزهري، ومكحولا ويزيد بن الأصم، وغيرهم. روى عنه: الأوزاعي، والثوري، وابن عيينة، وغيرهم. وقال ابن معين: ثقة. مات سنة ثلاث وثلاثة ومائة. روى له: الجماعة إلا البخاري (3) . ويزيد بن الأصم: أبو عوف الكوفي.
قوله: " فِتْيتي" الفِتْية: جمعُ فَتىَ.
قوله: " فيَجْمعوا " عطف على قوله:"آمُرَ" فلذلك نُصِب.
قوله: " الجمعةَ عَنى" أي: قَصَد، و" الجمعة" منصوب به، و "أو غيرها " عطف عليه.
قوله: " صمتا أذناي" من قبيل كلوني البراغيث، حيْث جمع الفعل المسند إلى الفاعل الظاهر، وكذلك هاهنا ثنى الفعل المسند إلى الفعل الظاهر، والأصل: صمت أذناي بمعنى: طَرشت، وهو إنشاء في صورة الإخبار، والمعنى: لتصمم أذناي إذا صم الله أذناي، إنْ لم أكن سمعتُ أبا هريرة.
ـــــــــــــ
= ... (252 / 651) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء فيمن يسمع النداء فلا يجيب (217) .
(1) في الأصل: " ثوبة" خطأ.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (6 / 1255) .
(3) المصدر السابق (32 / 63 0 7) .(3/21)
قوله: "تأثره " أي: يَرْويه ويحكيه عن رسول الله من أثر يأثر، من
باب نصر ينصر من الأثر وهو الخبر، وخبر مأثور، أي: منقول ينقله
خلف عن سلفٍ. والحديث: أخرجه مسلم، والترمذي مختصراً
532- ص- نا هارون بن عباد الأزدي: نا وكيع /، عن المَسْعودي، عن عليّ بن الأقمر، عن أبي الأحْوص، عن عبد الله بن مَسْعود قال: حَافظُوا
على هؤلاء الصلواتِ الخمسِ حيثُ يُنادَى بِهن، فمنهن من سُنَنِ الهُدًى،
وأن الله عَزًّ وجل شَرعً لنبيِّه- عليه السلام- سُنَنَ الهُدَى، ولقد رأيتُنَا وما
يتخلفُ عنها إلا مُنافق بين النفاقِ، ولقد رأيتُنَا وإن الرجلَ يُهادَى بين
الرجلين حتى يُقامَ في الصف، وما منكم من أحد إلا وله مسجد في بَيْته،
ولو صلًّيتُم في بيوتِكُم وتركتم مساجدَكم، تركتُمَ سُنَّةَ نبيكُم، ولو تركَتم
سُنَّةَ نبيكُم لكفرتُم (1) .
ش- هارون بن عباد الأزدي. روى عن: وكيع، ومروان بن معاوية.
روى عنه: أبو داود (2) .
وعليّ بن الأحمر: ابن عمرو بن الحارث بن معاوية الهمداني الوداعي
الكوفي، أخو كلثوم بن الأحمر. سمع: أبا صحيفة الروائي، وعكرمة
مولى ابن عباس، وأبا الأحَوص، وغيرهم. روى عنه: منصور بن المعتمر، ومسْعر، والثوري، والأعمش، وغيرهم. قال ابن معين:
ثقة حجة. قَال أبو حاتم: صدوق، ثقة. روى له الجماعة (3) .
وأبو الأحوص: عوف بن مالك الجُشمي.
قوله: " على هؤلاء " أصلُه: أولاء- بالمد والقصر- وهو للجمع سواء
ــــــــــــ
(1) مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: صلاة الجماعة من سنن الهدى
(257 / 654) ، النسائي: كتاب الإمامة، باب: المحافظة على الصلوات حيث
ينادى بهن (2 / 108) ، ابن ماجه: كتاب المساجد والجماعات، باب: المشي
إلى الصلاة (777) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (30 / 6519) .
(3) المصدر السابق (0 2 / 26 0 4) .(3/22)
كان مذكرا أو مؤنثا، ويستوي فيه أولوا العقل وغيرهم، ومفرده في المذكر: ذا، وفي المؤنث: ذي، ثم دخلت الهاء علي للتنبيه.
قوله: "من سنن الهدى "- بضم السين وفتح النون- جمع سُنَّة، وهي الطريقة والمنهج، والهُدَى: مَصْدر على فُعَل كالسُّرَى، وهو خلاف الضلال.
قوله: " ولقد رأيتُنا"- بضم التاء- أي: رأيت أنفسنا.
قوله: " عنها لا أي: عن الصلوات.
قوله: "بين النفاق" أي: ظاهرُ النفاق، وهو اسم إسلامي لم تعرفه العربُ بالمعنى المخصوص به؛ وهو الذي يَسْتر كُفْره ويُظهر إيمانه، وإن كان أصله في اللغة معروفاً، يقال: نافق يُنافق منافقة ونفاقا، وهو مأخوذ من النافقاء أحد جحرة اليَرْبوع، إذا طُلب من واحد هرب إلى الآخر وخرج منه، وقيَل: هو من النَّفق، وهو السربُ الذي يُسْتتر فيه؛ لسَتره كُفْره. ويمكن أن يحمل النفاق في الحديث على معناه الأصليّ في حقّ من كان يتخلف عن الصلوات في زمن الرسول، لأجل بغضهم وعداوتهم، وهم الذين كانوا يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر، وهذا هو المنافق الحقيقي. وأما في هذا الزمان: فلا يمكن حمله على معناه الأصلي في حق من يتخلف عن الجماعة؟ لأنه لا يُبْطِن الكفر، بل إنما تخلفه يكون عن كسَل وتهاون، فيطلق علي اسم النفاق باعتبار أنه فَعل فِعْلَ من كان يُنافق، أو باعتبار أنه أظهر خلاف ما في باطنه، لأن في باطنه كان يَعْتقد أن الجماعة من سنن الهدى , ولكنه خالف في الظاهر بتخلفه عنهم كما جاء في الحديث:" أكثر منافقي هذه الأمة قراؤها "، أراد بالنفاق هاهنا الرياء، لأن كليهما إظهار ما في الباطن.
قوله: " وإن الرجل يُهادَى بين الرجلين " أي: يَمْشي بينهما، معتمداً عليهما من ضعفه وتمايله، وكل من فعل ذلك بأحد فهو يهاديه، وكذا المرأة إذا تمايلت في مشيتها من غير أن يُماشيها أحد قيل: تهادى. ويهادى(3/23)
هاهنا على صيغة المجهول. وفي هذا كله تأكيد أمر الجماعة، وتحمل المشقة في حضورها، وأنه إذا أمكن المريض ونحوه التوصل إليها، استحب له حضورها.
قوله: " ولو تركتم سيئة نبيكم لكفرتم " بمعْنى: أنه يؤول بكم إلى الكفر، بأن تتركوا شيئا شيئا منها حتى تخرجوا من الملة.
قلت: يجور أن يكون المراد بالكفر: كفران النعمة، يعني: لو تركتم سُنَن نبيكم كسلاً وتهاونا لكفرتم نعمة الإسلام، وأما إذا تركها جاحداً معاندا فهو كفر بلا خلاف، واحتج به من يقول: إن الصلاة مع الجماعة فرض على الأعيان، وهو محمول على أنهم منافقون، أو هو خرج مخرج الوعيد الشديد لأجل الزجر والتهديد. والحديث: أخرجه مسلم، والنسائي، وابن ماجه.
[1/ 188- ب] 533- ص- نا قتيبةُ: نا جرير، عن أبي جَنَابِ، عن مغراء العبْدي / عن عديّ بن ثابت، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس قال: قال رسولَ الله صلي الله عليه وسلم: "مَنْ سَمِعَ المُنَادي فلم يَمْنعْهُ من اتباعه عُذرٌ" قَالوا: وما العُذرُ؟ قال: "خَوفٌ أو مَرض، لم تُقبلْ منه الصلاةُ اَلتَي صلى (1) " (2) .
ش- قتيبة: ابن سعيد، وجرير: ابن عبد الحميد.
وأبو جناب: يَحْيى بن أبي حية- بالياء آخر الحروف- الكلبي الكوفي، واسم أبي حية: حَي. روى عن: أبيه، ومعاوية بن قرة، وعكرمة، وجماعة آخرين. روى عنه: الثوري، ووكيع، وشريك القاضي، وغيرهم. قال الحاكم: ليس بالقوي. وقال أبو نعيم: لم يكن به بأس إلا أنه كان يدلس. وقال ابن معين: ضعيف الحديث. وقال
ــــــــــــــــ
(1) جاء في سنن أبي داود بعد هذا الحديث: "قالي أبو داود: روى عن مدراء أبو إسحاق".
(2) ابن ماجه: كتاب المساجد والجماعات، باب: التغليظ في التخلف عن الجماعة (793) .(3/24)
ابن خراش: كان صدوقا مُدلساً في حديثه نكر [ة] مات سنة خمسين ومائة بالكناسة. روى له: أبو داود، والترمذي، وابن ماجه (1) . ومَغْراء- بالغين المعجمة- أبو المخارج العبدي النساج، من بني عائد الكوفي. روى عن: عبد الله بن عمر، وعدي بن ثابت. روى عنه: أبو إسحاق الهمداني، والأعمش، والحسن النخعي، وغيرهم. روى له: أبو داود (2) .
وعدي بن ثابت: الأنصاري الكوفي.
قوله: "من سمع المُنادي" أي: المؤذن. وهذا الحديث حكمه الزجر
والتهديد.
وقوله: "لم تقبل لما من قبيل قوله- عليه السلام-: "لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد"، والمراد منه: نفي الفضيلة والكمال. والحديث: أخرجه ابن ماجه بنحوه، وإسناده أمثل، وفيه نظر.
534- ص- نا سليمان بن حرب: نا حماد بن زيد، عن عاصم بن بهْدلة، عن أي رزين، عن ابن أم مكتوم، أنه سألَ النبي- عليه السلام- فقال: نا رسولَ الله، إني رجل ضريرُ البصرِ، شَاسِعُ الدارِ، ولي قائد لا يلاومني (3) فهلْ لي رُخصة أن أصلي في بيتي؟ قال: "هل تسْمَعُ النداءَ؟ " قال: نعم، قال: "لا أجِدُ لك رُخصةَ " (4) .
ش- أبو رزين: مَسْعود بن مالك.
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (31 / 6817) .
(2) المصدر السابق (28 / 6120) . (3) في سنن أبي داود: "لا يلائمني". (4) ابن ماجه: كتاب المساجد والجماعات، باب: التغليظ في التخلف عن الجماعة (792) . مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: يجب إتيان المسجد لمن سمع النداء (255 / 653) ، النسائي: كتاب الإمامة، باب: المحافظة على الصلوات حيت ينادى (2 / 109) من حديث أبي هريرة.(3/25)
قوله: " ضرير البَصر" أي: ذاهبُ البصر.
قوله: " شاسع الدار" أي: بعيدها؟ الشاسع، والشيسُوع: البعيدُ. قوله: " لا يلاومني " قال الخطابي (1) : " هكذا يروى في الحديث، والصواب: لا يلائمني، أي: لا يُوافقني ولا يُساعدُني. فأما المقاومة: فإنها مفاعلة من اللوْم، وليْس هذا مَوْضعه. وظاهر الحديث يدل على أن الأعمى يجب علي حضور الجماعة إذا سمع النداء، سواء وافقه قائده أو لا. ويدل- أيضاً أن حضور الجماعة واجب، إذ لو كان ندبا لكان أوْلى من يسعه التخلف عنها أهل الضرر والضعْف. وكان عطاء بن أبي رباح يقول: ليس لأحد من خلق الله في الحضر والقرية رخصة إذا سمع النداء في أن يدفع الصلاة. وقال الأوزاعي: لا طاعة للوالد في ترك الجمعة والجماعات، سمع النداء أو لم يسمَعْ ".
والجواب عن هذا الحديث: أنه مؤول بمعنى: لا رخصة لك إن طلبت فضل الجماعة، وأنك لا تحرز أجْرها مع التخلف عنها بحال، واحتجوا بقوله عليه السلام: " صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسَبع وعشرين درجة " (2) ، وليس معناه: إيجاب الحضور على الأعمى، فقد رخص - عليه السلام- لعِتبان بن مالك. والحديث أخرجه ابن ماجه. وأخرج مسلم، والنسائي من حديث أبي هريرة قال: " أتى النبي- عليه السلام- رجل أعمى "، فذكر نحوه.
535- ص- نا هارون بن زَيْد بن أبي الزرقاء: لا أميي: نا سفيان، عن عبد الرحمن بن عابس، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن ابنِ أم مكتومٍ قال: نا رسولَ الله، إن المدينةَ كَثيرةُ الهوام والسباع، فقال النبي- عليه السلام-: لا أتسمع: حَي على الصَلاةِ، حَي على الفلاح؟ فحيًّ هَلا، (3) .
(1) معالم السنن (1 / 138) . (2) يأتي بعد أربعة أحاديث.
(3) النسائي: كتابا الإمامة، باب: المحافظة على الصلوات حيث ينادى بهن
(2/ 109، 110)(3/26)
ش- هارون بن زيد: ابن يزيد بن أبي الزرقاء الموصلي، سكن الرملة. روى عن: أبيه، ويحيى بن عيسى الرملي. روى عنه: أبو داود، والنسائي، وأبو حاتم، وقال: صدوق (1) .
وأبوه: زيد بن أبي الزرقاء الموصلي. روى عن: هشام بن سعد، وجعفر بن بُرْقان. روى عنه: محمد بن عبد الله العُمري. قال ابن معين: ليس به بأس /. روى له: أبو داود، والنسائي (2) . [1/189 -أ]
وعبد الرحمن بن عابس: ابن ربيعة الكوفي النخعي. سمع: أباه، وابن عباس. روى عنه: الثوري، وشعبة، وقيس بن الربيع. قال ابن معين وأبو حاتم وأبو زرعة: هو كوفي ثقة. روى له: الجماعة إلا الترمذي (3) .
قوله: "كثيرة الهوام لما الهوام": جمع هامة، وهي الحية وكل ذي سم يقتل، وقيل: دابة الأرض التي تهم بالناس.
قوله: "أتسمع؟ " لما الألف فيه للاستفهام.
قوله: "فحي هَلا " كلمة حيث واستعجال و" هلا " بالتنوين تجعل نكرة، وأما حي هلال بلا تنوين، فإنما يجور في الوقف، وأما في الإدراج فلغة جدية، يُقال: حي هَلَ- بفتح اللام- مثل خمسة عشر.
قلت: فيه ست لغات: حي هلا بالتنوين، الثاني: فتح اللام بلا تنوين، الثالث: تسكين الهاء وفتح اللام بلا تنوين، الرابع: فتح الهاء وسكون اللام، الخامس: حي هلنْ بفتح اللام وسكون النون، السادس: حي هلِنْ بكسر اللام. قال الزجاج: الوجه الخامس: بالنون هو الأول بعينه لأن التنوين والنون سواء.
قلت: سواء في اللفظ دون الكتابة. وقد قيل: إن حديث ابن
أم مكتوم هذا يحتمل أن يكون في الجمعة لا في الجماعة، وقيل: كان في
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (30 / 6511) .
(2) المصدر السابق (0 1 /2109) . (3) المصدر السابق (7 1 / 0 386) .(3/27)
أول الإسلام، وحين الترغيب في الجماعة، وسط الباب على المنافقين في ترك حضورها. وأعل ابنُ القطان حديثَ ابن أم مكتوم فقال: لأن الراوي عنه: أبو رزين، وابن أبي ليلى، فأما أبو رزين: فإنا لا نعلم سِنَهُ، ولكن أكبر ما عنده من الصحابة: علي، وابنُ أم مكتوم قتل بالقادسية زمن عمر. وابن أبي ليلى مولده ست بقين من خلافة عمر. قلت: يمكنُ مناقشته، لأن ابن حبان ذكر أنه كان أكبر سنا من أبي وائل، وأبو وائل قد علم إدراكه لسيدنا رسول الله، فعلى هذا لا تنكر روايته عن ابن أم مكتوم. وقوله " أعلى ما له الرواية عن علي " مردود بروايته الصحيحة عن ابن مسعود، وكذا قوله: "مات بالقادسية " مردود، ذكر ابن حبان في كتاب "الصحابة ": شهد القادسية ثم رجع إلى المدينة فمات بها في خلافة عُمر، وقوله:" ما إن سن ابن أبي ليلى لا يقتضي له السماع من عمره" مردود بقول أبي حاتم الرازي وسأله ابنُه: هل سمع عبد الرحمن من بلال؟ فقال: بلال خرج إلى الشام قديمة في خلافة عمر، فإن كان رآه صغيراً فهذا أبو حاتم لم ينكر سماعه من بلال المتوفى سنة سبع عشرة أو ثمان عشرة، بل جوزه، فكيف ينكر من عمر رضي الله عنه؟!
ص- قال أبو داود: وكذا رواه القاسم الجَرْمي، عن سفيان (1) .
ش- أي: كذا روى هذا الحديث القاسم بن يزيد الجرمي الموصلي عن سفيان الثوري، وروى القاسم عن مالك بن أنسى، وابن أبي ذئب، والمسعودي، وغيرهم. روى عنه: أحمد بن حَرب الموصلي، وإبراهيم ابن موسى الرازي، وإسحاق بن إبراهيم الهروي، وغيرهم. قال أبو حاتم: صالح. روى له: النسائي (2) .
__________
(1) جاء في سنن أبي داود قوله: " ليس في حديثه: حَي هلا ".
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (23 / 4835) .(3/28)
والحديث: رواه النسائي. وقال: وقد اختلف على ابن أبي ليلى في
هذا الحديث، فرواه بعضهم عنه مُرْسلاً.
قلت: ورواه الحاكم في " المستدرك " وصححه.
***
44- بَاب: في فضل صلاة الجماعة
أي: هذا باب في بيان فضيلة الصلاة بالجماعة، وفي بعض النسخ:
" باب ما جاء في نضل صلاة الجماعة "، وفي بعضها: " صلاة الجميع"
موضع " الجماعة ".
536- ص- نا حرص بن عمر: نا شعبة، عن أبي إسحاق، عن عبد الله
ابن أبي بَصير، أُبي بن أبي كعب قال: صلى بنا رسول الله- عليه السلام-
يوما الصبح فقال: " أشاهد فُلانٌ؟ " قالوا: لا. قال: " أشاهد فلان؟ "
قالوا: لا، قال: " إن هاتَينِ الصلاتَيْنِ أثقلُ الصلوات على المنافقينَ، ولو
تعلمونَ ما فيهما لأتيتُمُوهُما ولو حبواً على الركَبِ، وان الصفَّ الأوَّلَ على
مثلِ صف الملائكةِ، ولو علمتم ما فضيلَتُهُ / لابْتَدَرْتُموه، وأن صلاةَ الرجلِ [1/189- ب] مع الرجلِ أزكَى من صَلاِته وحده، وَصلاته مع الرجلينِ أزْكَى من صلاته
مع الرجلِ، وما كثُرَ فهو أحب إلى اللهِ عَزَّ وجَلَّ " (1) .
ش- حفص بن عُمر: ابن الحارث البَصْري، وأبو إسحاق: السبِيعي.
وعبد الله بن أبي بَصِير. روى عن: أبي بن كعب، وعن: أبيه.
روى عنه: أبو إسحاق، ولا نعلم روى عنه غيره. روى له: أبو داود، والنسائي، وابن ماجه (2) .
__________
(1) النسائي: كتاب الإمامة، باب: الجماعة إذا كانوا اثنين (2 / 104) ، ابن ماجه: كتاب المساجد والجماعات، باب: صلاة العشاء والفجر في جماعة (796) عن عائشة مختصراً
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (14 / 3184) .(3/29)
قوله: "أشاهد فلان؟ " أي: أحاضر مع القوم؟ وارتفاع " شاهد " على أنه مبتدأ.
وقوله: " فلان " فاعله سد مسَد الخبر، وقد علم أن الصفة الواقعة بعد حرف الاستفهام أو حَرْف النفي يكون مبتدأ، ولكن لا تتعين الصفة في هذه الصورة للابتداء، وإنما تتعين إذا أسندت إلى التثنية أو الجمْع، نحو: أقائم الزيدان؟ وأقائم الزيدون؟ وأما في هذه الصورة: يجوز أن يكون " فلان " مبتدأ، ويكون " شاهد " خبره مقدماً كما في: أقائم زيد؟ قوله: " إن هاتين الصلاتين " أراد بهما صلاة الصبح والعشاء، وإنما كانتا أثقل الصلوات، لأن كلا منهما مكتنف بوقت النوم والثقالة والكسَل. قوله: " ولو حَبْو "، الحَبْو: حَبْو الصغير على يدَيْه ورجليه. وقال ابن الأثير (1) :" الحَبْو: أن يمشي على يدَيه وركبتَيْه أو إسته، وحَبَا البعير إذا برك ثم زحف من الإِعْياء، وحبا الصبي إذا زحف على إسته " انتهى. والمعنى: لو تعلمون ما في صلاة الصبح والعشاء من الفضل والخير،
ثم لم تستطيعوا الإتيان إليهما إلا حَبوا، لحبَوتم إليهما، ولم تُفَوتوا جماعتيهما في المسجد، ففيه الحث البليغ على حضورهما.
فإن قلت: بم انتصب حَبْواً؟ قلت: انتصب على أنه صفة لمصدر محذوف أي: ولو كان إتياناً حَبْوا، ويجور أن يكون خبر كان المقدر، والتقدير: ولو كان إتيانكُم حَبْواً.
وقوله: "على الركب، متعلق به، وهي جمع رُكبةِ ".
قوله: "وإن الصف الأولى على مثل صف الملائكة " كلمة "على " هاهنا للاستعلاء المعنوي، نحو: {وفَضلنا بَعْضَهُم عَلَى بَعض} ، وقد جاء عن سيبويه أنه " على " لا يكون إلا اسما، فيكون المعنَى على هذا: الصف الأول من الجماعة أعلى وأفضل من صف الملائكة.
__________
(1) النهاية (1 / 336) .(3/30)
قوله: " ما فضيلته؟ " أي: فضيلة الصف الأول.
قوله: " لابتدرتموه " جواب " لوْ " أي: لسارَعْتم إليه، من الابتدار وهو الإسراع، وهو فعل متعدي، كما يقال: ابتَدَرُوا السلاح، أي: تَسَارعوا إلى أخذه.
قوله: " أزكى " يعني: اْبْركُ وأنْمى بمعنى: أكثر ثوابا وفضِيلةً.
قوله: " ومَا كثُر " " ما " هاهنا شرطية، فلذلك دخلت الفاء في جوابه، والمعنى: كلما كثر الناسُ فهو أحبّ إلى الله عز وجَل، لأن الجماعة رَحْمة. والحديث: أخرجه النسائي مطولاً وابن ماجه بنحوه مختصراً وقال النووي في " الخلاصة ": إسناده صحيح، إلا أن ابن [أبي] بَصِير سكتوا عنه ولم يضعفه أبو داود. وروى البيهقي معناه من حديث قَبَاث بن أشيم الصحابي، عن النبي- عليه السلام- وهو بضم القاف وفتحها بَعْدها باء موحدة وآخره ثاء مثلثة.
537- ص- نا أحمد بن حنبل: نا إسحاق بن يوسف: نا سفيان، عن أبي سهل- يعني: عثمان بن حكيم-: نا عبد الرحمن بن أبي عَمْرةَ، عن عثمانَ بن عفان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مَن صَلى العشاءَ في جَمَاعة كان كَقِيَام نِصفِ لَيلةٍ، ومَن صَلى العِشاءَ والفَجْرَ في جَمَاعةٍ كَان كقيام لَيلةٍ " (1)
ش- إسحاق بن يوسف: ابن مرْداس الأزرَق، أبو محمد الواسطي القرشي المخزومي. سمع: الأعمش، والثوري، وشريكا (2) النخعي، وغيرهم. روى عنه: أحمد بن حنبل، وقتيبة بن سعيد، ويحي بن معين، وغيرهم. قال ابن معين وأحمد العجلي: هو ثقة. وقال
__________
(1) مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: فضل صلاة العشاء والصبح في جماعة (260 / 656) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في فضل العشاء والفجر في جماعة (221) .
(2) في الأصل:" شريك ".(3/31)
أبو حاتم: هو صحيح الحديث، صدوق، لا بأس به. توفي سنة ست وتسعن ومائة. روى له الجماعة (1) .
وأبو سَهْل: عثمان بن حكيم بن عبادة بن عثمان بن حنيف الأنصاري الأوسي المدني ثم الكوفي، أخو حكيم. روى عن: عبد الله بن سَرْجس، وعامر بن سَعْد بن أبي وقاص، ومحمد بن كعب القرظي، وغيرهم. روى عنه: الثوري، وشريك النخعي، وعيسى بن يونس، وغيرهم. قال ابن معين: / ثقة. وقال أبو زرعة: صالح. روى له الجماعة (2) .
وعبد الرحمن بن أبي عَمْرةَ، واسم أبي عروة: عمرو بن محصن. وقال ابن سَعْد: اسمه: بشير بن عمرو بن محصن بن عتيق بن عمرو بن مبذول، وهو عامر بن مالك بن النجار النجاري الأنصاري المدني. سمع: أباه- وله صحبة-، وعثمان بن عفان، وعبادة بن الصامت، وأبا هريرة، وغيرهم. روى عنه: مجاهد، وعثمان بن حكيم، وعبد الرحمن الأعرج، وغيرهم. وقال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث. روى له: الجماعة إلا النسائي (3) .
والحديث: أخرجه مسلم، والترمذي، ولفظ مسلم: "من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله"، فحمل بعضهم حديث مسلم على ظاهره، وأن جماعة العتمة توازي في فضيلتها قيام نصف ليلة، وجماعة الصبح توازي في فضيلتها قيام ليلة. واللفظ الذي خرجه به أبو داود يُفسره، ويُبين أن المراد بقوله: " ومن صلى الملمح في جماعة فكأنما صلى الليل كله " يعني: ومن صلى الصبح والعشاء، وطرق هذا الحديث كلها مُصرحة بذلك، وأن كلا منهما يقوم مقام نصف ليلة، وأن اجتماعهما يقوم مقام
ـــــــــــــــــ
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (2 / 395) .
(2) المصدر السابق (9 1 / 4 0 38) . (3) المصدر السابق (17 / 0 392) .(3/32)
ليلة، ومعناه: فكأنما قام نصف ليلة أو ليلةٍ لم يُصل فيها العتمة والصبح في جماعة، إذ لو صلى ذلك في جماعة لحصل له فضلها وفضل القيام زائد عليه، وهذا نحو قوله تعالى: (لَيْلَةُ القَدْر خَيْر مِّنْ ألف شَهْرٍ) (1) يعني: من ألف شهر لا تكون فيه ليلة القدرَ. وفيه اختصَاص بعض الصلوات من الفضل بما لا تختمر غيْرها.
* * *
45- بَاب: فَضل المشي إلى الصّلاة
أي: هذا باب في بيان فضل المشي إلى الصلاة، وفي بعض النسخ: "باب ما جاء في فضل المشي إلى الصلاة " (2) .
538- ص- نا مسدّد: نا يحيى، عن ابن أبي ذئب، عن عبد الرحمن ابن مهران، عن عبد الرحمن بن سَعْد، عن أبي هريرة، عن النبي- عليه السلام- قال: "الأبعدُ فالأبعدُ من المسجدِ أعظمُ أجراً" (3) .
ش- يحيي: القطان، وابن أبي ذئب: محمد بن عبد الرحمن المدني. وعبد الرحمن بن مهران: مولى بني هاشم. روى عن: عبد الرحمن ابن سَعْد، عن أبي هريرة. روى عنه: ابن أبى ذئب. روى له: أبو داود، وابن ماجه (4) .
وعبد الرحمن بن سَعْد: مولى آل {أبى} سفيان. روى عن: ابن عُمر، وأبي سعيد الخدري، وأبي هريرة. روى عنه: عمرو بن حمزة ابن عبد الله بن عمر، وعبد الرحمن بن مهران، وابن أبي ذئب، وكلثوم ابن عمار. روى له: مسلم، وأبو داود (ْ) .
ــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة القدر: (3) . (2) كما في سنن أبي داود.
(3) ابن ماجه: كتاب المساجد والجماعات، باب: الأبعد فالأبعد من المسجد أعظم أجرا (782) .
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (17 / 1 397) .
(5) المصدر السابق (17 / 3830) .
3. شرح سنن أبي داود 3(3/33)
قوله: " الأبعد " مبتدأ، و" فالأبعد " عطف عليه، وخبره: قوله: "أعظم أجراً"، و"أجرا" نصب على التمييز. وإنما كان الأبعد من المسجد أعظم أجرأ، لأنه عند توجهه إليه يحتاج إلى خطوات كثيرة، وقد رُوِيَ: " في كل خطوة: رفع درجة، وحط خطيئة " (1) . والحديث: أخرجه ابن ماجه.
539- ص- نا عبد الله بن محمد النفيلي: نا زُهير: نا سليمان التيمي أن أبا عثمان حدثه، عن أيِّ بنِ كعب قال: كان رجل لا أعلمُ أحداً من الناسِ ممن يُصلي القبلةَ من أهلِ المَدينة أبًعدَ مَنزلاً من ذلك الرجلِ (2) ، وكان لا تُخطئُهُ صَلاة في المسجد فقلَت: ولو (3) اشتريتَ حمارا تركبُهُ في الرَّمْضَاء والظلمة؟ فقالَ: ما أحب أن منزلي إلى جنبَ المسجدِ، فنمَى الحديثَُ إلى رسوَل الله فسألَهُ عن قولِه (4) ، فقال: أردت" يا رسولَ الله أن يكْتَبَ لي إقبالي إلي المسجد ورُجُوعِي إلى أَهْلِي إذا رَجعتُ فقال: " أعطًاكَ اللهُ ذَلك كُله، أنطاك اللهُ ما احتسبتَ كُله أَجْمعَ" (5) .
ش- زهير: ابن معاوية بن حُديج، وسليمان: ابن طرفان، أبو المعتمر التيمي.
وأبو عثمان هذا: هو عبد الرحمن بن مَل- بفتح الميم وكسرها- بن عمرو بن عدي، أبو عثمان النهْدي الكوفي، سكن البصرة، وأسلم على عهد النبي- عليه السلام- ولم يلقه، وصدق إليه. وسمع: عمر ابن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وأبي بن كعب، وغيرهم. روى
ــــــــــــــــــــ
(1) يأتي بعد حديثين.
(2) في سنن أبي داود: " أبعدَ منزلا من المسجد من ذلك الرجل".
(3) كذا، وفي سنن أبي داود: " لو".
(4) في سنن أبي داود: " قوله ذلك".
(5) مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: فضل كثرة الخطى إلى المساجد (663) ابن ماجه: كتاب المساجد والجماعات، باب: الأبعد فالأبعد من المسجد أعظم أجرا (783) .(3/34)
عنه: أيوب السختياني، وسليمان التيمي، وحميد الطويل، وقتادة، وغيرهم. وقال أبو زرعة: بصري ثقة. وقال أبو حاتم: كان ثقة وكان عريف قومه. مات سنة / خمس وتسعين، وله نحو من مائة وثلاثين [11 / 190 - ب] سنةً. روى له الجماعة (1) .
قوله: "كان رجل" "كان" تامة بمعنى: وُجد.
قوله:"أبعد منزلا" "أبعد " منصوب على أنه صفة لقوله: "لا أعلم أحداً " و "منزلاً " منصوب على التمييز.
قوله: في "الرمضاء" " الرمضاء": الرمْل الحارة، من الرمض، وهو شده وقع الشمس على الرمْل وغيره، والأرض رمضاء، وقد رمض يومُنا - بالكسْر- يرمَض رمضاً: اشتد حرة، ورمضَتْ قدمُه من الرمضَاء أي: احترقت، ومنه اشتقاق الرمضان.
قوله: "ما أحب أن منزلي إلى جنب المسجد " المعنى: ما الحب أن يكون منزلي قريبا من المسجد، بل أحب أن يكون بعيدا منه، ليكثر ثوابي بكثرة خُطاي إليه.
فإن قلت: "إلى " هاهنا ما معناه؟ قلت: الظاهرُ: انه بمعنى:
"عنْد" أيْ: عند جَنْب المسجد كما في قول الشاعر:
أم لا سبيل إلى الشبَاب وذكرهُ ... أشْهى إليكَ من الرحيق السلْسلِ
ويجوز أن يكون بمعنى انتهاء الغاية المكانية، والمعنى: ما أُحب انتهاء منزلي إلى المسْجد.
قوله: " فنمى الحديثُ إلى رسول الله لما أي: بلغ الخبر إلى رسول الله، يقال: نَميْتُ الحديث أنْميه: إذا بلغته على وجه الإصلاح وطلب الخير، فإذا بلغته على وجه الإفساد والنميمة، قلت: نميته- بالتشديد.
قلتُ: نمى مخففا لازم ومتعد كما رأيته لازماً في الحديث، ومتعديا في
ــــــــــــــــــ
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (17 / 3968) .(3/35)
قولك: نميْتُ الحديثَ، ويجوز أن يكون لا نمى " في الحديث- أيضاً متعدياً ويكون "أبي " فاعله، ويكون "الحديث " منصوبا على المفعولية. قوله: " فسأله عن ذلك " أي: سأل رسول الله- عليه السلام- ذلك الرجل عن مقالته.
قوله: "أَنْطاك " أي: أعطاك، وهي لغة أهل اليمن في "أعطى " وقرئ: "إِنَّا أنطينَاكَ الكَوثَرَ ".
قوله: "ما احتسبتَ" من الاحْتساب، والاحتساب من الحسَب كالاعتداد من العد، وهو الطلب لوجه الله تعالى وثوابه، وإنما قيل لمن يَنْوي بعمله وجه الله احتسَبه، لأن له حينئذ أن يعتد عمله، فجعل في حال مباشرة الفعل كأنه مُعْتدّ به، والاحتساب في الأعمال الصالحات، وعند المكروهات هو البدارُ إلى طلب الأجْر، وتحصيله بالتسليم والصَبْر، أو باستعمال أنواع البر، والقيام بها على الوجه المرسوم فيها، طلبا للثواب المرجو منها.
قوله: " كله أجمع" كلاهما من ألفاظ التأكيد، وقد عرفت أن التأكيد على نوعين: لفظي ومعنوي، فاللفظي تأكيد اللفظ الأول، كما تقول: جاءني زيد زيد، والمعنوي بألفاظ محفوظة، وهي: النفس، والعين، وكلا، وكل، وأجمع، وأكتع، وأبتع، وأبضع، ولا يؤكد بكل وأجمع إلا ذو أجزاء حسا أو حكما، نحو: جاءني القوم كلهم أجمعون، واشتريتُ العبد كله أجمع. والحديث: أخرجه مسلم، وابن ماجه بمعناه. 540- ص- نا أبو توبة: نا الهيثم بن حُميد، عن يحي بن الحارث، عن القاسم أبي عبد الرحمن، عن أبي ثمامة أن رسول الله قال: "مَنْ خرجَ من بَيْته مُتطهراً إلى صلاة مكتُوبة فأجْرُه كأجْرِ الحاج المُحْرِم، ومَنْ خرج إلى تسَبَيح الضُّحَى لا يُنصِبُه ألا أيام، فأجرُهُ كأجر المعتمر، وصلاة على اثر صلاةٍ لا لَغْوَ بينهما كتاب في عِليين" (1) .ً
ـــــــــــــــــ
(1) تفرد به أبو داود.(3/36)
ش- أبو توبة: الربيع بن نافع الحلبي، والهيثم بن حميد: الدمشقي. ويحيي بن الحارث: الذماري، أبو عمرو الغساني المقرئ، قارئ أهل الشام، إمام جامع دمشق، أدرك واثلة بن الأسقع وقرأ عليه وعلى عبد الله بن عامر المقرئ. وروى عن: أبي الأزهر المغيرة بن فروة، والقاسم أبي عبد الرحمن، وأبي الأشعث الصنعاني. روى عنه: يحيى ابن حمزة وإسماعيل بن عياش، والهيثم بن حميد، وغيرهم. قال ابن معين: كان ثقة. وقال أبو حاتم: كان ثقة عالما بالقراءة في دهره بدمشق. مات وهو ابن تسعين سنةً سنة خمس وأربعين ومائة. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (1) .
والقاسم بن عبد الرحمن أبو عبد الرحمن الشامي الدمشقي الأموي
مولى خالد بن يزيد بن معاوية. وقال الطبراني: مولى معاوية بن
أبي سفيان. روى عن: علي بن أبي طالب، وعقبة بن عامر، وأبي هريرة،
وسلمان الفارسي، وابن مسعود. / وسمع: أبا أسامة الباهلي. روى [1/91- أ] عنه: العلاء بن الحارث، وثابت بن عجلان، ويحيى بن الحارث، وغيرهم. وقال الترمذي: هو ثقة. وقال أبو حاتم: حديث الثقات عنه: مستقيم، وإنما ينكر عنه الضعفاء. توفي سنة ثنتي عشرة ومائة. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (2) .
وأبو ثمامة: الباهلي.
قوله: " متطهراً " حال من الضمير الذي في " خرج ".
وقوله: " إلى صلاة " متعلق بقوله: " خرج ".
قوله: " فأجرُه " خبر لقوله: " مَنْ " ودخل الفاء فيه لِيُضَمنَ المبتدأ معنى
الشرط.
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (31 /6803) .
(2) المصدر السابق (23 / 4800) .(3/37)
قوله: " إلى تَسْبيح الضحى، أي: صلاة الضحى، ويطلق التسبيح على الصلاة النافلة لوجود معنى النفل في كل منهما.
قوله: " لا ينصِبه إلا إياه " يعني: لا يُزعجه ولا يُتْعبُه إلا ذلك , وأصله من النَصَب، وهو مُعاناة المشقة، يُقال: أنْصبني هذا الأمرُ، وهو أمر مُنْصِب، ويُقال: أمر ناصب أي: ذو نَصَبٍ، وقوله: لا إياها وقع موقع الضمير المرفوع، والمعنَى: إلا هُو.
قوله: " وصلاة على إثر صلاة " أي: صلاة عقيب صلاة، والأثر- بفتح الهمزة والثاء، وبكسر الَهمزة وسكون الثاء- كلاهما بمعنى. وارتفاع " صلاة " على أنه مبتدأ، ولا يقال: إنه نكرة، لأنها تخصصت بقوله: " على إثر صلاةٍ " وخبره: قوله: " كتاب في عليين ".
قوله: " لا لغو بينهما " أي: بين الصلاتين، واللَّغْوُ: الباطلُ، من لغة الإنسانُ يَلغو، ولغا يلغي ولغي يلغا إذا تكلّم بالمُطرح من القول وما لا يَعْني، ويجوز أن تكون " لا " لنفي الجنس، ويكون " لغوَ " مبنيا على الفتح، نحو: لا رجلَ في الدار، ويجوز أن تكون بمعنى " ليس "، ويكون " لغو " مرفوعا على أنه اسم " ليس " وخبره: قوله: " بينهما". فإن قلت: ما موقع هذه الجملة؟ قلت: وقعت في المعنى صفة كاشفة للصلاة، لأن الصلاة التي تكتب في عليين موصوفة بشيئين، الأول: أن تكون مكتنفة بصلاة أخرى، والثاني: أن لا يكون بينهما لغو وأباطيل من الكذب والغيبة والنميمة ونحو ذلك.
قوله: " كتاب في عليين " أي: مكتوب فيها كالحساب بمعنى المحسوب، قال الله تعالى: " كلا إن كتَابَ الأبْرَارِ (1) لَفِي علَيينَ * وما أدراك ما عليون * كتاب مرقوم " (2) وعليّون جمع، واحدة: علي، مشتق من الَعُلو، وهو للمبالغة، ويُقال: جُمعَت كجمع الرجالَ إذ لا واحد لها ولا تثنية. وقال الفراء: اسم موضع عَلى صيغته كعشرين وثلاثة. وقال
__________
-
(1) في الأصل: "الأبرار"
(2) سورة المطففين (18- 20) .(3/38)
ابن مالك: عليون اسبق لأعلى الجنة، كأنه في الأصل " فعال " من العلو، فجُمع جمعَ ما يُعقلُ، وسُمي به أعلى الجنة، وله نظائرُ من (1) أسماء الأمكنة، نحو: صريفون، وصفون، ونصيبون، وسَلحون، وقنسرون، ويَبْرون، ودارون، وفلسطون. وقال ابن زيد: هي السماء السابعة. وقال قتاده: إليها ينتهي أرواح المؤمنة. وقال كعب: هي قائمة العرش اليمنى. وقال للضحاك: هي سدرة المنتهى. وقيل: لوح من زبرجدة خضراء، مُعلق تحت العرش فيها أعمالهم.
541- ص- نا مسدد: نا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " صلاةُ الرجلِ في جَماعة تَزيدُ على صَلاته في بَيْته وصلاتهِ في سُوقه خمساً وعشرينَ درجةَ، وذلك بَأنَ أحَدَكُم إذا تَوَضَأ فأحًسنَ الوضوءَ، وَأتَى المسجد لا يُريدُ إلا الصلاةَ لا ينهِزُه (2) - يَعني: إلا الصلاةُ (3) - لم يَخطُ خَطوةً إلا رُفِعَ لَهُ بها درجة (4) وحط بها عنه خطِيئة حتى يدخُلَ المسجدَ، فإذا دَخَلَ المسجدَ كان في صلاة ما كانتا الصلاةُ هي تحبسُهُ، والملائكةُ يُصلُّون على أحدكُم ما دامَ في مجلَسه الذي صَلى فيه يقُولَون (5) : اللهم اغفِرْ له، اللهم ارَحَمْه، اللهم تُبْ عليه ما لم يُؤذِ فيه، أو يُحْدِثْ فيه " (6) .
ش- " صلاة الرجل": مبتدأ، وخبره: قوله: " تزيدُ ".
(1) مكررة في الأصل.
(2) كتب في الأصل فوق ياءا ينهزم " ضمة وفتحة، وكتب فوقهما " معاً إشارة إلى جوار الأمرين.
(3) في سنن أبي داود: " ولا ينهزه إلا الصلاة".
(4) في الأصل: " أو". وفي سنن أبي داود: "وحط عنه بها".
(5) في سنن أبي داود: "ويقولون".
(6) البخاري: كتاب الصلاة، باب: الصلاة في مسجد السوق (477) ، مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: فضل صلاة الجماعة (272 / 649) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في فضل الجماعة (216) ، ابن ماجه: كتاب المساجد والجماعات، باب: فضل الصلاة في جماعة (786) .(3/39)
قوله: " وصلاته في سوقه لما عطف على قوله: وصلاته في بيتها والمراد
من قوله: أصلاة الرجل في جماعة ": صلاته في جماعة في مسجدِ،
بقرينة قوله: ستزيد على صلاته في بَيْته ".
11 / 91 أصب، وأما قوله: / " وصلاته في سوقه " في الظاهر أعم من أن يكون منفرداً أو بجماعة، ولكن لا يمكن أن يجري على عمومه؟ لأنا قد قلنا: إن
المراد من قوله: وصلاة الرجل في جماعة " في مسجد، فيكون مقابلات
للصلاة في بَيْته والصلاة في سوقه، ولا تصح المقابلة إلا إذا كان المراد من
صلاته في سوقه أن يكون منفرداًت، وإلا يلزم أن يكون نسيم الشيء قسما
منه، وهو باطل، ويكون هذا خارجا مخرج الغالب، لأن من لم يحضر
الجماعة في المسجد يصلي منفرداً سواء كان في بيْته أو سوقه. وقد قيل:
إن قوله: ووصلاته في سوقها على عمومه، ولكن تفضل صلاة الرجل
في جماعة المسجد على صلاته في سوقه، وإن كان بجماعة باعتبار أن الأسواق مواضع الشياطين كالحمام، فتكون الصلاة فيها ناقصةَ الرتبة كالصلاة في المواضع المكروهة.
قلنا: هذا لا يطرد في البيوت، لأنا قلنا: إن قوله: وصلاة الرجل
في جماعة " مقابل للصلاة في بيته والصلاة في سوقه، فيَنْبغي أن يتساويا
في التقابل. وفيما قاله هذا القائل لا يتساوى التقابل، فلا يصح الإجراء
على العموم، على أنهم لم يذكروا السوق في الأماكن المكروهة للصلاة،
فافهم.
قوله: " خمساً وعشرين درجةَ " نصب على أنه مفعول لقوله: "تزيدُ "
نحوُ قولك: زدتُ علي عشرة ونحوها. وقد جاء في رواية:"بخمسة وعشرين جزءاً "، وفي رواية:، بسبع وعشرين درجةَ،، والجمع بين
ذلك من ثلاثة أوجه، الأحول: أن ذكر القليل لا ينفي الكثير، فلا منافاة بينهما، والثاني: أن يكون أخبر أولا بالقليل، ثم أعلمه بزيادة الفضل
فأخبر بها، الثالث: أنه يختلف باختلاف أحوال المصلّين والصلاة،
فيكون لبعضهم: خمْسٌ وعشرون، ولبعضهم: سبع وعشرون، بحسب(3/40)
كمال الصلاة ومحافظته على هيئاتها وخشوعها، وكثرة جماعتها، وشرف البقعة، ونحو ذلك. وقد قيل: إن الدرجة غير الجزء، وهذا ليس بصحيح، لأن في " الصحيحين ": (سبعاً وعشرين درجة " و "خمساً وعشرين درجة "، فاختلف القدرُ مع اتحاد لفظ الدرجة. والجواب عن تنصيص هذا العدد قد ذكرتُه في الكتاب مستوفًى.
قوله: " وذلك بأن أحدكم " تعليل للحكم السابق بأنه لا يَحْصل إلا بأمُور هي علة لحصول تلك الفضيلة وهي: الوضوء، والإحسان فيه، والمشي إلى المسجد لأجل الصلاة، كما بينه بقوله: " إذا توضأ فأحسن الوضوء " أي: أسبغه، وأتى بشرائطه وآدابه، وأتى المسجد، أي: مسْجد الجماعة، لا يُريد إلا الصلاة؟ لأن الأعمال بالنيات، حتى إذا أتى المسجد لا لأجل الصلاة، بل لأجل حاجة لا تحصل له تلك الفضيلة، لأن الحكم يترتب على وجود العلة، فمتى انتفت العلة انتفى المعلول. قوله: لا لا ينهزُه، أي: لا يَبْعثه ولا يُشْخصه إلا ذلك، ومنه: انتظار الفرصة، وهو الانبعاث لها والمبادرة. وينهزه- بفتح الياء- من نهز الرجل نهض، وضبطه بعضهم بضم الياء، وقيل: إنها لغة.
قوله: " إلا الصلاة" مرفوع لأنه فاعل لقوله:"لا ينهزم ".
قوله: " خطوةً"- بفتح الخاء- لأن المراد بها: فعل الماشي.
قوله: " بها " أي: بمقابلة تلك الخطوة.
قوله: "حتى يدخل المسجد" أي: إلى أن يدخل المسجد.
قوله: " ما كانت الصلاة هي تحبسُه " أي: تَمْنعه عن الخروج، وفي بعض الرواية:" هي " ليْست بموجودةِ، وهذا يسمى ضمير الفصل والعماد، لأنه يفصل بين كون ما بعده خبرا وصفةً، وسمي عمادا لكونه عمدة بيان الغرض، فالأول للبصريين، والثاني للكوفيين. وكلمة "ما " بمعنى المدة، والتقدير: كان في حكم الصلاة مدة حَبس الصلاة إياه. قوله: " يصلون" أي: يَسْتغفرون لكم.(3/41)
11 / 192-
قوله: " يقولون لما بدل عن قوله: " يصلون "، وتفسير لمعنى قوله: "يصلون "، ولذلك ترك العاطف.
قوله: " ما لم يُؤذ فيه لما أي: ما لم يؤذ في مجلسه الذي صلى فيه أحداً بقوله أو فعله من الإيذاء.
وقوله: " أو يحدثك عطف علي، فلذلك جزم، من الأحداًث بمعنى الحدث، لا من / التحديث، وقد مرّ مثله مرةً. والحديث: أخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي، وابن ماجه بنحوه.
542- ص- نا محمد بن عيسى: نا أبو معاوية، عن هلال بن ميمون، عن عطاء بن يزيد، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الصلاةُ في الجَماعةِ (1) تعدلُ خمساً وعِشرينَ صلاةً، فإذا صَلاهَا في فَلاةٍ، فأتَم رُكُوعَهَا، وَسُجودها، بلغَتْ خمسينَ صلاةَ " (2) .
ش- محمد بن عيسى: الطباع، وأبو معاوية: الضرير، وهلال بن ميمون: الجُهني الرملي.
قوله: (تَعْدلُ " بمعنى تعادل أي: تُماثل، من العِفل- بكسر العين- وهو ما عادل الشَيء من جنسه، وبالفتح: ما عادل من غير جنْسه. قوله: وفي فلاةِ " الفلاة: السفارة، والجمع: فعلاً.
قوله: " فأتم" إتمام الركوع والسجود، وهو الطمأنينة فيهما والإتيان بتَسْبيحاتهما.
قوله: أبلغت خمسة صلاةَ " أي: بلغت صلاته تلك خمسين صلاة، والمعني: يحصلُ له أجر خمسين صلاة، وذلك ضعف ما يحصل له في الصلاة في الجماعة. وأخرجه ابن ماجه مختصراً
(1) في سنن أبي داود: وجماعة،.
(2) ابن ماجه: كتاب المساجد والجماعات، باب: فضل الصلح في جماعة ألمه 7) مختصراً(3/42)
ص- قال أبو داود: قال عبد الواحد بن زياد في هذا الحديثِ: " صَلاةُ الرجلِ في الفَلاةِ تُضَاعَفُ على صلاِتهِ في الجَمَاعةِ لما وسَاقَ الحديثَ.
ش- عبد الواحد بن زياد: أبو بشر البصري العبدي. وأخرج أبو بكر ابن أبي شيبة من حديث أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله- عليه السلام-: " صلاة الرجل في جماعة تزيدُ على صلاته وحده خمساً وعشرين درجةً، وإن صلاها بأرض فلاة فأتم وضوءها وركوعها وسجودها، بلغت صلاته خمسين درجةً ".
543- ص- نا (1) يحي بن معين: نا أبو عُبيدة الحداد: نا إسماعيل أبو سليمان الكمال، عن عبد الله بن أوْس، عن بريدة، عن النبي- عليه السلام- قال: "بشر المَشَّائينَ في الظلم إلى المَساجدِ بالنورِ التام يومَ القيامةِ " (2) .
ش- أبو عُبيدة: عبد الواحد بن واصل السَّدُوسي مولاهم البصري أبو عبيدة الحداد. سمع: شعبة، وسعيد بن أبي عروبة، وإسرائيل بن يونس وغيرهم. روى عنه: أحمد بن حنبل، وابن معين، وزهير بن حرب، وغيرهم. قال أبو داود: ثقة. توفي سنة تسعين ومائة. روى له: البخاري، وأبو ما ود، والنسائي (3) .
وإسماعيلُ بن سليمان الكحال: أبو سليمان البصري الضبي، ويُقال: اليَشكري. سمع: ثابتا البناني، وعبد الله بن أوْس الخزاعي. روى عنه: أبو عُبيدة الحداد، والنضر بن جميل، ويحيي بن كثير، وغيرهم. وقال أبو حاتم: صالح الحديث. روى له: أبو داود، والترمذي (4) .
(1) جاء هذا الحديث في سنن أبي داود تحت "باب ما جاء في المشي إلى الصلاة في الظلام".
(2) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في فضل العشاء والفجر في الجماعة (223) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (18/ 3593) .
(4) المصدر السابق (3 / 451) .(3/43)
وعبد الله بن أوْس: الخزاعي. روى عن: بريدة، روى عنه:
إسماعيل بن سليمان. روى له: أبو داود، والترمذي (1) .
وبريدة: ابن الحُصَيْب.
قوله: " بَشر المَشائين " البشارة: الإخبار بما يُظهر سرور المخبَر به،
ومن ثم قالت الفقهاء: إذا قال الرجل لعَبيده: أيكم بشّرني بقدوم فلان
فهو حر، فبَشّروه فرادى عتق أولهم، لأنه هو الذي أظهر سُروره بخبره
دون الباقي، ولو قال مكان " بشرني ": " أخبرني " عتقوا جميعاً،
لأنهم جميعاً اْخبروه. ومنه " البشرة " لظاهر الجلد، وتباشير الصباح:
ما ظهر من أوائل ضوئه. المشائين: جمع مشاء، مبالغة ماشي، وصيغة
التفعيل إما لتكثير الفعل نحو طَوّفتُ، أو لتكثير الفاعل نحو: مَوّت
الحيوان إذا كثر فيها الموتُ، ومَوّت المال أي: مات أعداد كثيرة من المال،
والمال: هو الحيوان، أو لتكثير المفعول، وهو إنما يكون إذا كان الفاعل
وأحداً ومفعولاته كثيرةً ولفظ الفعل وأحداً، كقولك: قطعت الثياب،
أي: قطعت ثيابا كثيرةً، وغلقت الأبواب، أي: أغلقت أبوابا كثيرةً.
والمراد هاهنا من هذه الصيغة: تكثير الفعل، وهو الذي يكثر مَشْيَه إلى
المساجد في الظلم، والظلم - بضم الظاء وفتح اللام- جمع ظُلْمة.
وفيه حث وتحضيض- في كثرة السَّعْي إلى المساجد في ظلمات الليالي،
وبشارة أن جزاءه يوم القيامة: نور دائم حيث يموج الناس في الظلمات. والحديث: أخرجه الترمذي، وقال: هذا حديث غريب. وقال الدارقطني: تفرد به إسماعيل بن سليمان، عن عبد الله بن أوس.
* * *
[1/192 -ب] / 46- بَابُ: الهَدْئ في المَشْي إلَى الصَّلاةِ
أي: هذا باب في بيان الهدي في المشي إلى الصلاة، وفي بعض
النسخ: " باب ما جاء في الهدي " (2) ، وفي بعضها: " باب الهُدوء ".
__________
(1) المصدر السابق (14 / 3170) .
(2) كما في سنن أبي داود.(3/44)
الْهُدُوء والهدف: كلاهما بالهمز في آخره: السكون والوقار، من هدأ يهدأ هَدْأةً وهدوءا وهَدْياً.
544- ص- نا محمد بن سليمان الأنباري أن عبد الملك بن عَمرو حدثهم، عن داود بن قَيْس قال: حدثني سَعْد بن إسحاق قال: حدَّثني أبو ثمامةَ الحَناطُ، أن كعبَ بنَ عُجرةَ أدركَهُ وهو يُريدُ المسجدَ، أدْركَ أحدُهما صاحبَه، قال: فوجَدني وأنا مُشبِّك بيديَّ فنهانِي عن ذلك وقال: إن رسولَ الله قال: " إذَا تَوضأ أحدُكُم، فأحْسنَ وُضوءَه، ثم خَرَجَ عامدا إلى المسجدِ، فَلا يُشبكَنَّ يديه فإنه في صَلاةٍ " (1) .
ش- عبد الملك بن عَمرو: أبو عامر العقدي.
وداود بن قيس: الفراء أبو اليمن الدباغ المدني القرشي مولاهم. سمع: السائب بن يزيد، ونافعا مولى ابن عمر، وزيد بن أسلم، وغيرهم. روى عنه: ابنه: سليمان، والثوري، ويحيى القطان، وأبو عامر العقدي، وغيرهم. قال الشافعي: هو ثقة حافظ، وقال ابن معين وأبو حاتم: ثقة. مات بالمدينة. روى له: الجماعة إلا البخاري (2) . وسَعْد بن إسحاق: ابن كعب بن عجرة الأنصاري السالمي. روى عن: أبيه، وعمته: زينب بنت كعب. روى عنه: الزهري، ومالك، والثوري، ويحيى القطان، وغيرهم. قال ابن معين والدارقطني: هو ثقة. وقال أبو حاتم: صالح. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (3) .
وأبو ثمامة: القماح الحناط، روى عن: كعب بن عجرة، روى عنه: سعيد بن أبي سعيد المقبري، حديثه في أهل الحجاز. قال عباس:
__________
(1) الترمذي: كتاب المواقيت، باب: ما جاء في كراهية التشبيك بين الأصابع في الصلاة (386) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما يكره في الصلاة (967) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (8 / 1781) .
(3) المصدر السابق (10 / 2201) .(3/45)
قلت ليحيى: ما القماح؟ قال: يَبيعُ القمح، وقال الدارقطني: أبو ثمامة الحنان ويقال: القماح، لا يُعرف، يُترك. روى له: أبو داود، والترمذي (1) .
وكعب بن عجرة: ابن أمية بن عدي بن عُبيد بن الحارث بن عمرو بن عوف بن غنم أبو محمد، أو أبو عبد الله، أو أبو إسحاق، شهد بيعة الرضوان. رُوِيَ له عن رسول الله- عليه السلام- سبعة وأربعون حديثاً اتفقا على حديثين وانفرد مسلم بأحْرف. روى عنه: بنوه: إسحاق، وعبد الملك، ومحمد، والربيع- بنو كعب-، وابن عُمر، وابن عباس، وابن عَمرو، وجابر بن عبد الله، وطارق بن شهاب، والشعبي، وابن أبي ليلى، وغيرهم. مات بالمدينة سنة اثنتين وخمسين، وله خمس وسبعون سنه. روى له الجماعة (2) .
قوله: " وهو يريد " الواو فيه للحال.
قوله: " مشبك بيدي " من تشبيك اليد , وهو إدخال الأصابع بعضها في بعض والاشتباك بها، وقد يفعله بعض الناس عَبثا، وبعضهم ليُفرقع أصابعه عندما يجد من التمدد فيها، وربما قعدَ الإِنسَان فشتكَ بين أصابعه، احتبى بيدَيْه، يريدُ به الاستراحة، وربما استجلب به النوم فيكون ذلك سببا لانتقاض طهره، فقيل لمن تطهر وخرج متوجها إلى الصلاة: لا تشبك بين أصابعك، لأن جميع ما ذكرناه من هذه الوجوه على اختلافها، لا يلائم شي، منها الصلاة، ولا يشاكل حال المُصلي.
قوله: " فإنه في صلاة " أي: في حكم صلاة، لأن ما قرب إلى الشيء يأخذ حكمه.
والحديث: أخرجه الترمذي من حديث سعيد المقبري، عن رجل غير
__________
(1) المصدر السابق (33 / 7272)
(2) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (3 / 291) ، وأسد الغابة (4 / 481) ، والإصابة (3 / 2197) .(3/46)
مسمى، عن كعب بن عجرة. وأخرجه ابن ماجه من حديث المقبري،
عن كعب بن عجرة , ولم يذكر الرجل.
545- ص- نا محمد بن معاذ بن عبّاد العَنْبري: نا أبو عوانة، عن يعلى
ابن عطاء، عن معبد بن هُرمزِ، عن سعيد بن المسيّب قال: حَضَرَ رجلاً من
الأنصارِ الموتُ فقال: إني محدثكُم حديثاً ما أحَدثكُمُوه إلا احتِسَاباً:
سمعتُ رسولَ اللهِ يقولُ: " إذا تَوضأ أحدُكُم، فأحسنَ الوُضوءَ، ثم خرجِ
إلى الصلاة، لم يَرفعْ قَدَمَهُ اليُمْنَى إلا كَتَبَ اللهُ له حَسَنةً، ولم يَضَعْ قَدمه
اليُسْرى إلام حَطَّ اللهُ عنه سيئةَ، فليُقَرِّبْ (1) أو ليُبعِّدْ، فإن أتى المسجدَ،
فصلَّى في جماعة كُفرَ له، فإن أتى المسجدَ وقد صفَوا بعضا وبَقِيَ بعضٌ
صَلَّى ما أدركَ، فًأتمَّ (2) ما بَقِيَ كان كذلك، / فإن أتى المسجدَ وقد صلَّوا [ا /93- أ] فأتمَّ الصلاةَ كان كذلك " (3) .
ش- أبو عوانة: الوضاح، ويَعْلى بن عطاء: القرشي الطائفي.
ومَعْبد بن هرمز: روى عن: ابن المسيّب، روى له: أبو داود.
قوله: " حضر رجلاً " انتصاب " رجلاً " على المفعولية و" الموتُ "
مرفوع لأنه فاعل حضر.
قوله: " إلا احْتساباً لما أي: طلبا لوجه الله وثوابه.
قوله:" فليُقرب أو ليبعد " كلاهما من باب التفعيل، يعني: فليُقرب
قدمه اليمنى من قدمه اليُسْرى إن أراد كثرة الحسنات، وكثرة حط السيئات،
لأن ذلك بحسب عدد الخُطَى، أو ليُبعد بَيْنهما إن لم يُردْ ذلك. وهذا
الأمرُ للإباحة، وكلمة " أوْ " وإن كانت للتخيير، ولكن ليس هو مرادا
في هذا الموضع، بل المراد: تقريب الخُطى ليس إلا، لأن هذا حث
وتحريض على تحصيل مثل هذه الفضيلة، وذلك لا يحصل بالتخيير.
وقوله: " أو ليُبعّد " وإن كان أمراً في الظاهر، ولكن المعنى على النَهْي,
__________
(1) في سنن أبي داود " فليقرب أحدكم ". (2) في سنن أبي داود: " وأتم ".
(3) تفرد به أبو داود(3/47)
ومثل هذا من باب المبالغة، كما يقول الرجل لابنه وهو يتمرد عليه: لا تسمع كلامي، وليس مراده أن لا يسمع كلامه، وإنما هو نهي شفقة حتى يرتدع مما هو فيه ويمتثل كلامه.
قوله: " صلى ما أدرك " أي: ما أدرك من الصلاة مع الجماعة ركعةً أو ركعتين أو ثلاثاً، ثم أتم ما بقي عليه، وهذا حكم المَسْبوق.
قوله: " كان كذلك " يعني: كان الأمر كما كان عند انتهائه إلى تمام الصلاة مع الجماعة, لأنه يشاركهم في صلاتهم، فدخل في حكمهم من الغفران.
قوله: " فإن أتى المسجد وقد صلّوا " أي: والحال أن الجماعة قد صلّوا الصلاة ولم يدركهم معهم في جزء من الصلاة، فأتم هو الصلاة، كان الأمر كما كان في الصورتين- يعني: غفر له- أيضاً-، لأن الأعمال بالنيات، وقد كانت نيته أن يصلي معهم، فغفر له بذلك، لئلا يخيب في سَعْيه ذلك. ومناسبة هذا الحديث بالباب في قوله: " فليقرب " لأن تقريب الخطى هو المشي بالهُدو.
* **
47- بَاب: فيمَنْ خَرج يُريدُ الصّلاة فسُبِق بها
أي: هذا باب في بيان من خرج من بيْته وهو يريد الصلاة مع الجماعة فسُبق بها، وفي بعض النسخ: " باب ما جاء فيمنْ خرج ".
546- ص- نا القعنبيّ- نا عبد العزيز- يعني: ابن محمد-، عن محمد- يعني: ابن طَحلاء-، عن محصن بن علي، عن عوف بنِ الحارث، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من تَوضأ فأحسن وُضوءَهُ، ثم راح فوجَدَ الناسَ قد صَفوا، أعطَاهُ اللهُ عز وجَلَّ مثلَ أجْر من " صلاهَا وحَضَرَهَا، لا ينقصُ ذلك من أجُورِهِم شيئا " (1) .
__________
(1) النسائي: كتاب الإمامة، باب: حد إدراك الجماعة (2 / 111) .(3/48)
ش- عبد الله بن مسلمة: القعنبي، وعبد العزيز: ابن محمد
االدراوردي.
ومحمد: ابن طحلاء المَديني، وكنية طحلاء: أبو صالح. روى عن: محصن بن عليّ، وسالم بن عبد الله بن عمر، وأبي سلمة عبد الله بن عبد الرحمن، والأعرج. روى عنه: الدراوردي، ومحمد بن جعفر، وموسى بن عبيدة، وابنه: يَعْقوب. قال أبو حاتم: ليس به بأس. روى له: أبو داود، والنسائي (1) .
ومُحْصِن بن علي: الفهري المديني. روى عن: عوف بن الحارث. روى عنه: عمرو بن أبي عمرو، ومحمد بن طحلاء. روى له: أبو داود، والنسائي (2) .
وعوف بن الحارث: ابن الطفيل بن سخبرةَ بن جُرثُومة، من أهل اليمن. روى عن: ابن الزُّبير، وأبي هريرة، وعائشة، وأم سلمة. روى عنه: عامر بن عبد الله بن الزبير، والزهري، وبكير بن عبد الله بن الأشج، ومحمد بن عبد الرحمن. روى له: البخاري، وأبو داود، والنسائي، والبخاري وابن ماجه (3) .
قوله: " قد صلوا " جملة وقعت حالاً، من الناس.
قوله: " مثل أجر " انتصاب "مثل " على أنه صفة لأجر مقدر، تقديره: أعطاه الله أجرأ مثل أجر من صلاها.
قوله: " لا ينقص ذلك " أي: أجره الذي أعطاه الله، لا ينقص من أجور الجماعة الذين قد صلوا شيئاً. وفيه: حث- أيضاً على الاجتهاد في الصلاة بالجماعة. وأخرجه النسائي- أيضاً
* * *
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (25 / 5308) .
(2) المصدر السابق (27 / 5808) 0 (3) المصدر السابق (22 / 4546) .
4. شرح سنن أبي داود 3(3/49)
48- بَاب: في خروج النساء إلى المَسجد
أي: هذا باب في بيان خروج النساء إلى المساجد لأجل الصلاة فيها، وفي بعض النسخ:" باب ما جاء في خروج النساء إلى المسجد "، (1) . 547- ص- نا موسى بن إسماعيل / [1/ 193 - ب] : نا حماد، عن محمد بن عَمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هرِيرِة أن رسول الله " صلى الله عليه وسلم " قال: " لا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللهِ مَسَاجِدَ الله، ولكن لِيَخْرجْن وهُن تَفِلات " (2) .
ش- حماد: ابن سلمة، ومحمد بن عمرو: ابن علقمة بن وقاص المدني، وأبو سلمة: عبد الله بن عبد الرحمن.
قوله: " لا تمنعوا إماء الله " الإماء- بكسر الهمزة وبالمد- جمع أمةٍ، وأصل أمةٍ: أموة- بالتحريك- قلبت الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، ثم حذفت فصار " أمة ". و " مساجد الله، منصوب لأن " منع " يتعدى إلى مفعولين، تقول: منعتُه مالَه.
قوله: " وهن تفلات " جملة اسمية وقعت حالاً، والتفلات: جمع تَفلة- بفتح التاء المثناة من فوق وكسر الفاء- من التفْل، وهو سوء الرَائحة، يقال: أمرأة تفلة إذا لم تَطيب، ونساء تفِلاتْ، وفي الحديث: مَن الحاج؟ قال: " الشعِث التفلُ،، التفلُ: الذي قد ترك استعمال الطيب، يقال: رجل تفِلْ وامرأةَ تفلة ومِتْفال.
ف قيل: لم قال: " لا تمنعوا إماء الله " ولم يقل: " لا تمنعوا نساءكم" 3 قلت: لأنه لما قال مساجد الله راعى المناسبة فقال: إماء الله، وهو أوقع في النفس من لفظ النساء.
ثم حكم هذا الباب مختلف فيه بين العلماء، فعند أبي حنيفة: تخرج العجائز لغير الظهر والعصر، لأن وقتهما وقت انتشار الفُساق، وربما تكاد ترغب فتقع في الفتنة بخلاف المغرب، لأنه وقت الطعام، والعشاء
--------------------------
(1) كما في سنن أبي داود.
(2) تفرد به أبو داود.(3/50)
والصبح لأنه وقت نومهم. وقال أبو يوسف ومحمد: يخرجن في جميع الأوقات، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد. والحديث المذكور عام في حق الشواب والعجائز، ولكن الفقهاء خصصوه في حق العجائز، لأن الشواب لا يؤمن عليهن من الفتنة، ولهذا منع أبو حنيفة العجائز- أيضاً- عن الخروج إلى الظهرين لذلك المعنى. على أنه قد روي عن عائشة رضي الله عنها - قالت: " لو أدرك رسول الله ما أحدث النساء لمنعهن المسجد " الحديث (1) لما يجئ الآن، والفتوى في هذا الزمان على عدم الخروج في حق الكل مطلقا، لشيوع الفساد، وعموم المصيبة، وشرطوا - أيضاً- أمورا كثيرة وهي: أن لا تكون متطيبة، ولا متزينة، ولا ذات خلاخل يُسْمع صوتها، ولا ثياب فاخرة، ولا مختلطة بالرجال، وأن لا يكون في الطريق مَنْ يُفْتتن بها، وأن لا يكون في الطريق ما يخاف به مفسدة ونحوها.
548- ص- نا سليمان بن حَرْب: نا حماد، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر قال: قال رسول الله: " لا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللهِ مَسَاجِدَ اللهِ " (2) .
ش- حماد: ابن سلمي، وأيوب: السختياني، ونافع: مولى ابن عمر. والحديث: أخرجه البخاري، ومسلم.
549- ص-[نا] 0، عثمان بن أبي شيبة: نا يزيد بن هارون: أنا العَوام بن حَوْشب: حدثني حبيب بن أبي ثابت، عن ابن عمر قال: قال رسول الله: ألا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمُ المسجدَ، وبُيُوتُهن خير لَهن " (3) .
ش- يزيد بن هارون: أبو خالد الواسطي.
----------------------------
(1) يأتي بعد ثلاثة أحاديث.
(2) البخاري: كتاب الجمعة، باب: حدثنا عبد الله بن محمد (900) ، مسلم: كتاب الصلاة، باب: خروج النساء إلى المساجد إذا لم يترتب علي فتنة، وأنها لا تخرج مطيبة (136/ 442) .
(3) تفرد به أبو داود.(3/51)
والعوام بن حوشب: ابن يزيد بن رويم، أخو يوسف وخراش ومالك وبريدة وثمامة، وطلاب الشيباني الربَعي، أبو عيسى الواسطي، اْسلم جده يزيد على يد علي بن أبي طالب، فوهب له جارية، فولدت له حوشبا، وكان على شرطة علي- رضي الله عنه-. روى عن: حبيب ابن أبي ثابت، وإبراهيم التيمي، وسلمة بن كهيل، وغيرهم. روى عنه: شعبة، وهُشيم، ويزيد بن هارون، وغيرهم. روى له. الجماعة (1) .
وحبيب بن أبي ثابت: هو حبيب بن قيس بن دينار الكوفي.
قوله: " وبيوتهن خير لهن " أي من الحضور في المساجد وهذا يدل على أن النهي في الحديث محمول على كراهة التَنْزيه.
550- ص- نا عثمان بن أبي شيبة: نا جرير وأبو معاوية، عن الأعمش، عن مجاهد قال: قال عبد الله بن عمر: قال النبي- عليه السلام-: " ائْذَنُوا للنساء إلى المساجد بالليلِ " فقال ابن له: والله لا نأذنُ لهن فيتخذنه دَغَلاً، واللْه لاَ نأذنُ لَهن. قَال: فسبهُ وغضبَ وقال (2) : قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: لا ائْذنوا لهند وتقولُ: " لا نَأذنُ لَهن " (3) ؟ !!
ش- جرير: ابن عبد الحميد، وأبو معاوية: الضرير، وسليمان: الأعمش، ومجاهد: ابن جبر.
[1/ 194 - أ] قوله: " ائذنوا "، أمر من أذن يأذن، وأصله: أخْنوا- بهمزتين- قلبت الهمزة الثانية ياء فصارت ائذنوا ".
قوله: " بالليل " أي: في الليل، والمراد منه: حضورهن في المغرب والعشاء والصبح- كما هو مذهب أبي حنيفة.
--------------------
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (22 / 4541) .
(2) في حق أبي داود:" قال: أقول ".
(3) البخاري: كتاب الصلاة، باب: خروج النساء إلى المساجد، مسلم: كتاب الصلاة، باب: خروج النساء إلى المساجد له (138 / 442) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في خروج النساء إلى المساجد (570) .(3/52)
قوله: " فقال ابن له "، أي: لعبد الله، واسمُه: بلال بن عبد الله بن عمر، جاء مثبتا في " صحيح مسلم" وغيْره، وقيل: هو ابنه واقد بن عبد الله، ذكره مسلم في " صحيحه " - أيضاً.
أما بلال: فإنه روى عن: أبيه. وروى عنه: ابن هُبيرة، وكعب بن علقمة، وعبد الملك بن فارغ. قال أبو زرعة: مدني ثقة. روى له: مسلم (1) .
وأما واقد: ف " نه روى عن: أبيه، وروى عنه: ابنه: محمد بن واقد (2) .
قوله: " فيتخذنه دغلاً " أي: يتخذن الحُضور إلى المساجد دغَلا أي: خداعاً وسبباً للفساد، وأصل الدغل: الشجر الملتف الذي يكمنُ فيه أهل الفساد، وهو بفتح الدال المهملة وفتح الغين المعجمة.
قوله: " فسَبه وغضب عليه " وفي رواية: " فزَبره " أي: نهره، وفي رواية: " فضرب في صدره "، وفيه تعزير المعترض على السنة، والمعارض لها برأيه، وفيه: تعزير الوالد لولده وإن كان كبيراً. والحديث: أخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي.
551- ص (3) - نا القعنبي، من مالك، عن يحي بن سعيد، عن عمرة بنْت عبد الرحمن أنها أخبرته من عائشة زوج النبي- عليه السلام- قالت: لو أدرك رسولُ الله ما أحدثَ النساءُ بَغدَهُ (4) لمَنَعَهُن المسجدَ كما مُنعَه نساءُ بني إسْرائيلَ. قالَ يحي: فقلتُ لعَمرةَ: أمُنِعَه نِساءُ بني إسرائيلَ؟ قالَتْ: نعم (5) .
------------------------------
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (4 / 784) . (2) المصدر السابق (0 3 / 6667) . (3) في سنن أبي داود قبل هذا الحديث:" باب في التشديد في ذلك،.
(4) كلمة " بعده "، غير موجودة في سنن أبي داود.
(5) البخاري: كتاب الأذان، باب: انتظار الناس قيام الإمام العالم (869) ، مسلم: كتاب الصلاة، باب: خروج النساء إلى المساجد إذا لم يترتب علي
فتنة (144 / 445) .(3/53)
ش- مالك: ابن أنس، ويحيى بن سعيد: الأنصاري.
قوله: " ما أحْدث النساء" يعني: من الزينة والطيب، وحُسن الثياب ونحْو ها.
قلت: لو شاهدت عائشة- رضي الله عنها- ما أحدث نساء هذا الزمان من أنوع البدع والمنكرات، لكانت أشد إنكاراً، ولا سيما نساء مصْر، فإنهن أحدثن من البدع ما لا يُوصفُ، منها الشاشاتُ على رءوسهن كأسنمة البُخت، ومنها: القمصان بأكمام واسعة مفرطة، وربما طرق سمْعي من أهل مصر أن واحدة منهن، كانت تفصل قميصا من قريب مائة ذراع من الحرير الملون، ومنها: مشيُهن في الأسواق في ثياب فاخرة، وأنواع طيب فاتحة، مكشوفات الوجوه، مائلات متبخترات، ومنها: ركوبهن على الحمير الفُره، وجريُهن بين الرجال وأكمامهن سابلة من الجانبين، ومنها: ركوبهن على مراكب في نيل مصر وخلجانها مختلطات بالرجال، وبعضهن يغنينَ بأصوات عالية مُطرِبة، ومنها: غلبتهن على الرجال، وقهرهن إياهم، وحكمهن عليهم، ومنها: نساء يَبعن المنكرات بالأجهار، ويُخالطن بالرجال فيها، ومنها: صنف قوادات يفسدن الرجال والنساء، ومنها: صنف بَغايَا قاعدات مترصدات للفساد، ومنه صنف سوارقُ من الدور والحمامات، ومنها: صنف سَواحرُ يَسحرنَ ويَنفثن في العُقَدِ، ومنها: بياعات في الأسواق يتعايطن بالرجال، ومنها: صنف نوائحُ يَنحن على المؤتى بالأجْرة، ومنها: صنف دقاقات ولطامات، يدققن صدورهن، و َيلطمن خُدودهن وراء الموتى بالأجرة، ومنها: صنفٌ مغنيات يغنين بأنواع الملاهي بالأجرة للرجال والنساء، ومنها: صنف خطابات، يَخطُبن للرجال نِساءَ لها أزواج، توقع بينهن وبين أزواجهن فتنة حتى يُطلقن منهم، وغير ذلك من الأصناف الكثيرة الخارجة عن قواعد الشريعة. فانظر إلى ما قالت عائشة من قولها: " لو أدرك رسولُ الله ما أحدث النساء "، وليس بين هذا القول وبن وفاة النبي - عليه السلام- إلا مدة يَسيرة لطيفة؛ على أنهن ما أحدثن عُشَر معشار(3/54)
ما أحدثت نساء هذا الزمان، ولو كانت هذه النساء في ذلك الزمان لمُنعِن الحياةَ فضلاَ عن أن يمنعن المسجد ونحوه.
قوله: " بعده " أي: بعد الرسول، وهو ليس بثابت في الرواية الصحيحة / [1/ 194 - ب]
قوله: " كما مُنعَه نساء بني إسرائيل، أي: كما مُنِعَ الحضورَ إلى المساجد نساءُ بني إسَرائيل- وهو بضم الميم وكسر النون-، و" نساء " مرفوع لإسناد الفعل إليه.
قوله: " أمُنعه "؟ الألف فيه للاستفهام، والكلام فيه كالكلام في
الأول. والحديث: أخرجه البخاري، ومُسلم
552- ص- نا ابن المثنى أن عَمْرو بن عاصم حدثهم قال: نا همام، عن قتادة، عن مرزوق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله، عن النبي- عليه السلام- قال: " صَلاةُ المرأةِ في بيْتِهَا أفضلُ من صلاتِهَا في حُجْرَتِهَا "، و " صلاتها في مُخْدَعِهَا أفضلُ من " صلاِتهَا في بيتِهَا " (1) .
ش- محمد: ابن المثنى.
وعمرو بن عاصم: ابن عبيد الله بن الوازع، أبو عثمان الكلابي القَيْسي البصري. سمع: جده، وهمام بن يحيى، وحماد بن سلمة، وغيرهم. روى عنه: ابن بشار، ويعقوب بن سفيان، والبخاري، وروى عن رجل عنه. قال ابن معين: صالح. وقال ابن سعد: ثقة. مات سنة ثلاث عشرة ومائتين. روى له الجماعة (2) .
وهمام: ابن يحيى العَوْذي.
ومُورق: ابن مُشَمْرِج، ويقال: ابن عبد الله العجلي، أبو المعتمر الكوفي. روى عن: أبي ذر، وابن عباس. وسمع: ابن عمر، وابن جَعفر، وأنس بن مالك، وأبا الأحول، وغيرهم. روى أعنه،
-----------------------
(1) تفرد به أبو داود. (2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (22 / 0 439) .(3/55)
مجاهد، وقتادة، وعاصم الأحول، وغيرهم. قال ابن سَعْد: كان ثقا. توفي في ولاية عمر بن هبيرة على العراق. روى له الجماعة (1) . وأبو الأحْوص: عوف بن مالك البجلي.
قوله: " في مُخدعها " المخدع: الخرابة، وفيه ثلاث لغات: ضم الميم وفتحها وكسْرها. وقال ابن الأثير (2) : " المُخدع ": هو البيْت الصغير الذي يكون داخل البيْت الكبير ".
وإنما كانت صلاتها في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها ومن صلاتها في حجرتها، لأنها أستر لها، وأمنع لها من نظر الناس، ومَبْني حالهن على الستر ما أمكن.
553- ص- نا أبو معمر: نا عبد الوارث: نا أيوب، عن نافع، عن ابن عمرَ قال: قال رسولُ الله: " لو تَرَكْنَا هذا البابَ للنساءِ؟ " قال نافع: فلم يدخلْ منه ابنُ عُمرَ حتى مَات (3) .
ش- قد تقدم هذا الحديث بعينه في " باب اعتزال النساء في المسَاجد عن الرجال ". وأبو معمر: عبد الله بن عَمرو، وعبد الوارث: ابن سعيد، وأيوب: السختياني.
ص- قال أبو داود: رواه إسماعيل بن إبراهيم، عن أيوب، عن نافع: قال عُمر (4) ، وَهَذا أصح.
ش- أي: روى هذا الحديث: إسماعيل بن إبراهيم المعروف بابن علية، عن أيوب السختياني، عن نافع قال: قال عُمر بن الخطاب: مَوضع " ابن عُمر "
قوله: " وهذا أصح "، أي: ما رواه إسماعيل من حَديث عُمر، أصح
-------------------
(1) المصدر السابق (29 / 6232) . (2) النهاية (2 / 4 1) .
(3) تقوم برقم (444) . (4) في سنن أبي داود: وقال: قال عمر،.(3/56)
من الذي يروى عن (1) ابنه: عبد الله بن عمر، وقد ذكرناه في " باب اعتزال النساء ".
* * *
49- بَابُ: السعْي إلى الصّلاة
أي: هذا باب في بيان السَعْي إلى الصلاة، وفي بعض (2) النسخ: " باب ما جاء في السعي إلى الصلاة ".
554- ص- نا أحمد بن صالح: نا عَنْبسةُ: أخبرني يونس، عن ابن شهاب: أخبرني سعيدُ بن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن، أن أبا هريرة قال: سمعتُ رسول الله " صلى الله عليه وسلم " يقولُ (3) : " إذا أقيمَت الصلاةُ فلا تَأتُوهَا تَسْعَونَ، وأتُوها تمشُونَ، وعليكُمُ السَّكينةُ، فما أدركْتُمَ فصلُّوا، وما فَاتَكُم فأتِمُّوا " (4) .
ش- عنبسة: ابن خالد الأيلي، ويونس: ابن يزيد الأيلي.
قوله: " تسعون " جملة وقعت، حالاً من الضمير الذي [في] " فلا تأتوها "، وكذلك " تمشون " حال عن الضمير الذي في " وأتوها " أي: لا تأتوا الصلاة حال كونكم ساعة، وأتوها حال كونكم ماشين، يُقالُ: سعَيتُ في كذا وإلى كذا إذا ذهبت إليه وعملت فيه، ومنه قوله تعالى: " وَأن ليْسَ للإنسَان إِلا مَا سَعَى " (5) ، وفي " الصحاح ": سعى الرجل يَسْعَى سعيا أَي: عدا، والحكمة في إتيانها بسكينة والنهي عن السَّعْي: أن
----------------------
(1) في الأصل: " من ". (2) مكررة في الأصل. (3) في الأصل: " يقول له " (4) البخاري: كتاب الأذان، باب: لا يسعى إلى الصلاة وليأت بالسكينة (636) ، مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: استحباب إتيان الصلاة بوقار وسكينة (151 / 602) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما
جاء في المشي إلى المسجد (327) ، النسائي: كتاب الإمامة، باب: السعي
إلى الصلاة (2 / 114) ، ابن ماجه: كتاب المساجد والجماعات، باب: المشي
إلى الصلاة (775) .
(5) سورة النجم: (39) .(3/57)
الذاهب إلى صلاة عامل في تحصيلها، ومتوصل إليها، فينبغي أن يكون متأدبا بآدابها، ويكون على كمل الأحوال.
قوله: " وعليكم السكينةُ، أي: التأني والوقارُ.
قوله: " فما أدركتم فصلوا " أي: فالذي أدركتم من الصلاة مع القوم فصلوا، والذي فاتكم فأتموا. وفي قوله: " وما فاتكم " دليل على جواز قول: فاتتنا الصلاة، وأنه / لا كراهة [1/ 195 - أ] فيه عند جمهور العلماء، وكرهه ابن سيرين وقال: إنما لم ندركها.
وقوله: " وما فاتكم فأتموا " هكذا ذكره مسلم في كثر رواياته، وفي رواية: " فاقض ما سبقك "، وفي رواية لأبي داود: "واقضوا ما سبقكم " لما نذكره الآن.
واختلف العلماء في الإتمام والقضاء المذكورين، هل هما بمعنى واحد أو بمعنَيْين؟ وترتب على ذلك خلاف فيما يدركه الداخل مع الإمام، هلَ هو أول صلاته أو آخرها؟ على أرْبعةِ أقوال، أحدها: أنه أول صلاته، وأنه يكون ثَانيا علي من الأفعال والأقوال، وهو قول الشافعي، وإسحاق، والأوزاعي، وهو مروي عن علي، وابن المسيب، والحسن، وعطاء، ومكحول، ورواية عن مالك، وأحمد، واستدلوا بقوله: " وما فاتكم فأتموا " لأن لفظ الإتمام واقع على باق من شيء قد تقدم سائرُه. وروى البيهقي من حديث عبد الوهاب بن عطاء، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي: ما أدركت فهو أول صلاتك. وعن ابن عمر بسند جيد مثله.
الثاني: أنه أول صلاته بالنسبة إلى الأفعال فيبني عليها، وأخرها بالنسبة إلى الأقوال فيقضيها، وهو قول مالك، قاله ابن بلال عنه: ما أدرك فهو أول صلاته إلا أنه يقضي مثل الذي فاته من القراءة بأهم القرآن وسورة. وقال سحنون: هذا الذي لم نعرف خلافه " دليله: ما رواه(3/58)
البيهقي من حديث قتادة أن علي بن أبي طالب قال: ما أدركت مع الإمام فهو أول صلاتك، واقض ما سبقك به من القرآن.
الثالث: أن ما أدرك فهو أول صلاته، إلا أنه يقرأ فيها " بالحمد " وسورة مع الإمام، وإذا قام للقضاء قضى " بالحمد " وحدها لأنه آخر صلاته، وهو قول المزني، وإسحاق، وأهل الظاهر.
الرابع: أنه آخر صلاته، وأنه يكون قاضيا في الأفعال والأقْوال، وهو قول أبي حنيفة، وأحمد في رواية سفيان، ومجاهد، وابن سيرين. وقال ابن الجوزي: الأشبه بمذهبنا ومذهب أبي حنيفة: أنه آخر صلاته. قال ابن بطال: روي ذلك عن ابن مَسْعود، وابن عمر، وإبراهيم النخعي، والشعبي، وأبي قلابة، ورواه ابن القاسم عن مالك، وهو قول أشهب وابن الماجشون، واختاره ابن حبيب، واستدلوا على ذلك بقوله عليه السلام: روما فاتكم فاقضوا، ورواه ابن أبي شيبة بسند صحيح عن أبي ذر، وابن حزم بسندِ مثله عن أبي هريرة، البيهقي بسند لا بأس به- على رأي جماعةِ- عن معاذ بن جبل. والجوابُ عفا استدل به الشافعية ومن معه وهو قوله:" فأتموا: أن صلاة المأموم مرتبطة بصلاة الإمام، فحمل قوله: " فأتموا " على أن مَن قضى ما فاته فقد أتم، لأن الصلاة تنقص بما فات، فقضاؤه إتمام لِما نقص.
وقال الشيخ محى الدين: وحجة الجمهور (1) : أن كسر الروايات: روما فاتكم فأتموا"، وأجابوا عن رواية نواقض ما سبقك ": أن المراد بالقضاء الفعل لا القضاء المصطلح علي عند الفقهاء، وقد كثر استعمال القضاء بمعنى الفعل، فمنه قوله تعالى: " فَقَضَاهُن شئتَ سَمَوَات " (2) ، وقوله تعالى: {فَإذا قَضَيْتُم مناسكَكُمْ} (3) ، وقوله تعالىَ: {فَإذَا قُضيَت الصلاة} ، ويُقال: َ قضيتُ حق فلان، ومعنى الجميعَ: الفعَل
------------------
(1) شرح صحيح مسلم (100 / 5) .
(2) سورة فصلت: (12) .
(3) سورة البقرة: (200) .
(4) سورة الجمعة: (10) .(3/59)
قلنا: أما الجواب عن قوله: " فأتموا " فقد ذكرناه آنفا، وأما قوله: المرادُ بالقضاء الفعلُ فمشترك الدلالة، لأن الفعل يطلق على الأداء والقضاء جميعاً، ومعنى: {قَضَاهُنَّ سبَح سَمَوَات} : قدرهن، ومعنى: {قَضَيْتُم منَاسِككُمْ} : فرغتم عنها، وكذًا معنى: {فَإذَا قُضيَت} ومعنى قضيتُ حق فلان: أنهيتُ إليه حقه، ولو سلمنا أنَ القضاءَ بمعَنى الأداء فيكون مجازا، والحقيقة أوْلى من المجاز ولا سيما على أصلهم: المجاز ضروري لا يُصار إليه إلا عند الضرورة والتعدد.
ص- قال أبو داود: وكذا قال الزبيدي، وابن أبي ذئب، وإبراهيم بن سَعْد، ومعمرٌ، وشُعيب بن أبي حمزة، عن الزهري: " وما فاتكم فأتِموا ". ش- أي: مثل الرواية المذكورة: قال محمد بن الوليد بن عامر الزُّبيدي، ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب- هشام- المدني، إبراهيم بن سَعْد بن إبراهيم الزهري / [1/ 195 - ب] القرشي المدني، ومعمر بن راشد، وشعيب بن أبي حمزة- دينار- الحمصي.
قوله:، وكذا " وفي نسخة الأصل: وكذلك.
ص- وقال ابن عيينة عن الزهري وحده: " فاقضوا ".
ش- أي: قال سفيان بن عيينة عن ابن شهاب الزهري وحده: " فاقضوا " مكان " فأتموا ". وعند أبي نعيم الأصبهاني: " وما فاتكم فاقضوا "، وكذا ذكرها الإسماعيلي من حديث شيبان، عن يحيى. وفي " المحلى " من حديث ابن جريج، عن عطاء، عن أبي هريرة أنه قال: " إذا كان أحدكم مقبلاً إلى الصلاة فليمش على رِسْله، فإنه في صلاة، فما أدرك فليصل، وما فاته فليقضه بعد " قال عطاء: وإني لأصْنعه. وعند مسلم: " صَل بما
(1) أدركت واقض ما سبقك، فإن أحدكم إذا كان تعمد (1) إلى الصلاة فهو في صلاة ". وعند أحمد من حديث ابن عيينة، عن الزهري، عن سعيد، عنهم: " وما فاتكم فاقضوا ".
فإن قيل: حكى البيهقي عن مسلم أنه قال: لا أعلم هذه اللفظة رواها
-------------------
(1) كذا، وعند مسلم (602) : أصل ما.... يعمد ".(3/60)
عن الزهري غير ابن عيينة، وأخطأ. قلت: تابعه ابن أبي ذئب، فرواها عن الزهري كذلك، وكذا أخرج هذا الحديث أبو نعيم في " المستخرج على الصحيحين "، وفي " مسند أبي قرة " عن ابن جريج: أخْبِرت عن أبي سلمة، عن أبيه، عنه بلفظ: " وليقض ما سبقه "، وكذا في رواية مسلم: " واقض " كما ذكرنا.
قوله: " وحده " حال من ابن عيينة؟ أي: قال ابن عيينة عن الزهري حال كونه منفرداً بهذه الرواية، وهي قوله: " فاقضوا ". فإن قيل: شرط الحال: أن يكون نكرة وصاحبها معرفة، ولفظ: " وحده " معرفة، فكيف وقع حالاً؟ قلت: مؤول بوجهين، الأول: أنه مصدر بمعنى الفاعل أي: منفرداً- كما قدرناه- فيكون نكرة من حيث المعنى، ولا يبعد أن يكون الشيء معرفة لفظا، نكرة معنى، نحو: مررت برجل مثلك، أو نقول: إنه معهود ذهني، والمعهود الذهني باعتبار الوجود نكرة في المعنى، كما أن أسامة معرفة باعتبار الذهن، نكرة باعتبار الوجود. والثاني: أن تقديره: ينفرد وحده، و " وحده " مفعول مطلق حذف فعله للقرينة، والجملة وقعت حالاً ومنه: ادخلوا الأول فالأول، ويقال: وحده مصدر بحذف الزوائد، أصله: إيحاداً، وقد جاء: وحَد يحدُ وحدة وحدة.
ص- وقال محمد بن عَمرو عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، وجعفرُ
ابن ربيعة، عن الأعرج، عن أبي هريرة: " فأتموا "، وابن مسعود، عن النبي - عليه السلام-، وأبو قتادة وأنس، عن الني- عليه السلام- كلهم: " فأتموا ".
ش- أي: قال محمد بن عَمرو بن علقمة بن وقاص المدني، عن أبي كلمة عبد الله بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة.
قوله: " وجَعفر " عطف على قوله: " محمداً " أي: قال جعفر بن ربيعة بن شرحبيل ابن حسنة المصْري، عن عبد الرحمن الأعرج، عن أبي هريرة.(3/61)
قوله: " وابن مسعود " أي: قال عبد الله بن مسعود، وفي بعض النسخ: " هكذا ".
قوله: " وأبو قتادة " أي: قال أبو قتادة الحارث بن ربعي (1) ، وأنس بن مالك، عن النبي- عليه السلام-.
قوله: " كلهم " راجع إلى أبي هريرة، وابن مسعود، وأبي قتادة،
وأ نس.
555- ص- نا أبو الوليد الطيالسي: نا شعبة، عن سعد بن إبراهيم قال: سمعت أبا سلمي، عن أي " هريرة، عن النبي- عليه السلام- قال: " ائتوا الصلاة وعليكم السكينةُ، فصلوا ما أدركتُم واقضوا ما سبقكم " (2) .
ش- أبو الوليد: هشام بن عبد الملك الطيالسي، وسَعد بن إبراهيم: ابن عبد الرحمن بن عوف القرشي.
قوله: " ائتوا "- بكسر الهمزة- أمر من أتى يأتي إذا جاء.
قوله: " ما سبقكم " أي: اقضوا الذي سبقكم به الإمام من ركعة أو ركعتين أو ثلاث، وهذا حكم المسبوق: أنه يصلي مع الإمام ما أدركه، فإذا سلم الإمام يقوم ويقضي ما فاته، وهو منفرد فيما يقضيه- كما عرف في الفروع.
ص- قال أبو داود: وكذا قال ابن سيرين عن أبي هريرة: " ويقضي " (3) وكذا قال أبو رافع عن أبي هريرة. وأبو ذر، ورُوي (4) عنه: " فأتموا واقضوا " واختلف عنهم (5) فيه.
ش- أي: مثل رواية أبي كلمة، عن أبي هريرة روى محمد بن سيرين عن أبي هريرة: أويقضِي "، و" كذا قال أبو رافعا: إبراهيمُ أو أسْلمُ.
__________
(1) في الأصل: وربعي بن الحارثي. (2) تفرد به أبو داود. (3) في سنن أبي داود: وليقض،.
(4) في سنن أبي داود: اروى،، وسيذكر المصنف أنها نسخة.
(5) غير موجودة في سنن أبي داود.(3/62)
قوله: " وأبو ذر " عطف على قوله: / " أبو رافع " إن كانت النسخة [1/ 196 - أ] بالواو في قوله: " وروى عنه " 0 أي: وكذا قال أبو ذر، وفي بعض النسخ:
" روى عنه " بلا واو، فعلى هذا يكون " أبو ذر " مبتدأ، وقوله: " روى
عنه " خبره أي: أبو ذر روى عن أبي هريرة: " فأتموا واقضوا "،
والأصح من النسخة أنه بالواو، وأن " رُوي " على صيغة المجهول، ثم
إن الضمير في " عنه " يجور أن يكون عائداَ إلى أبي ذر، ويجوز أن يكون
عائدا إلى أبي هريرة بمعنى: وروي عن لبي هريرة: " فأتموا واقضوا "،
ولكن رجوعه إلى أبي ذر أنسب لقُربه. وفي المصنف: نا ابن علية، عن
أيوب، عن عمرو، عن أبي نضرة، عن أبي ذر قال: إذا أقيمت الصلاة
فامش إليها كما كنت تمشي، فصَل ما أدركتَ واقضِ ما سَبقك.
ويجوز أن يكون " ورَوى " بالواو على صيغة المعلوم، ويكون التقدير:
وقال أبو ذر: والحال أنه قد رَوى عن أبي هريرة: " فأتموا واقضوا "،
وبكون " وروى " حالاً بتقدير: " قد " أو لا يحتاج إلى تقدير " قد " لأن
الماضي إذا كان مثبتا بالواو لا يحتاج إلى " قد " - كما ذكرناه غير مرة.
وفي " المصنف ": حدثنا الثقفي، عن أيوب، عن محمد، عن أبي هريرة
قال: إذا ثُوب بالصلاة فامشوا وعليكم بالسكينة والوقار، فصلوا ما
أدركتم واقضوا ما سبقكم.
قوله: " واختلف عنهم فيه، أي: اختلف عن المذكورين في لفظ
"اقضوا " أو " أتموا " وفي كثر النسخ: " اختلف عنه" أي: عن أبي ذر
أو عن أبي هريرة، وأبو ذر أقربُ، وفي بعض النسخ: " اختلف علي
وليس بصحيح.
* * *
50- بَابُ: الجمع في المَسْجد مرتين
أي: هذا باب في بيان الجمع بين صلاته وصلاةَ غيره في المسجد، وفي بعض النسخ: " باب ما جاء في الجمعْ ".
556- ص- نا موسى بن إسماعيل: ما وُهَيْب، عن سليمان الأسود،(3/63)
عن أبي المتوكل، عن أبي سعيد الخدري أن النبي- عليه السلام- أبْصرَ رجلاً يُصلّي وحده فقال: " ألا رجل يتصدقُ على هذا فيُصلي معه " (1) . ش- وُهَيْب: ابن خالد. وسليمان الأسْود: الناجي المصري. روى عن: أبي المتوكل. روى عنه: وُهيب، وعبد العزيز بن مختار، ومرجا ابن رجاء وغيرهم. قال ابن معين هو ثقة. روى له: أبو داود، والترمذي. وأبو المتوكل: اسمه: علي بن داود الناجي، من بني سامة ابن لؤي وقد ذكر مرةً.
قوله: " أصَر " من أبصرتُ الشيء إذا راْيْته.
قوله:" لا رجل يتصدق، أي: يحصل لنَفْسه خيراً، وفي رواية الترمذي: جاء رجل وقد صلى رسول الله فقال: " أيكم يتجر على هذا؟ " فقام رجل فَصلى معه. انتهى، فكأنه بصلاته معه قد حصل لنفسه تجارةً، أي: مكسبا فيوافق قوله: " فيتصدق "، لأن معناه: يحصل لنفسه خيراً- كما ذكرناه. وقال أبو بكر: نا هشيم: نا خُصَيف بن زيد التميمي: ما الحسن: أن رجلاً دخل المسجد وقد صلى النبي- عليه السلام- فقال: " ألا رجل يقومُ إلى هذا فيُصلي معه؟ " فقام أبو بكر وصلى معه وقد كان صلى تلك الصلاة. وفي، سنن الدارقطني، عن أنس: أن رجلاً جاء وقد صلى النبي- عليه السلام- فقام يُصلي وحده، فقال رسول الله: " من يتجر على هذا فيصلي معه ". وقد بين في رواية أخرى أن هذه الصلاة كانت الظهرَ. وروى ابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم في صلاحهم مثل رواية أبي داود. وقال الحاكم: حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. وقال الترمذي: حديث حسن. وأخرج البحار في " مسنده " مثل رواية أبي داود، ولكن عن سلمان- رضي الله عنه-.
__________
(1) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في الجماعة في مسجد قد صلى فيه مرة (220) .(3/64)
وحكم هذا الباب: أن تكرار الجماعة في مسجد هل يكره أم لا؟
فنقول: إن صلى فيه غير أهله بأذان وإقامة لا يكره لأهله أن يُصلوا فيه جماعة، ولو صلى فيه أهله بأذان وإقامة أو بعض أهله يكره لغير أهله،
وللباقين من أهله أن يصفوا فيه جماعة. وقال الشافعي: لا يكره. وعن
أبي يوسف: أنه إنما يكره إذا كانت الجماعة الثانية كثيرة، فأما إذا كانوا
ثلاثة أو أربعة فقاموا في راوية من زوايا المسجد فصلوا بجماعة لا يكره.
وروي عن محمد / أنه إنما يكره إذا كانت الثانية على سبيل التداعي [1/ 196 - ب] والاجتماع، فأما إذا لم يكن فلا. واستدل الشافعي بالأحاديث المذكورة
وقال: ولو كان مكروها لما أمره به- عليه السلام-، ولأن قضاء حق
المسجد واجب، والقومُ الأخر ما قضوا، فيجب عليهم قضاء حقه به " قامة
الجماعة فيه، وبه قال أحمد، وإسحاق. ولنا ما روى عبد الرحمن بن
أبي بكر، عن أبيه: " أن رسول الله- عليه السلام- خرج من بَيْته
ليصلح بين الأنصار لتشاجر جرى بينهم، فرجع وقد صُفيَ في المسجد بجماعة، فدخل رسول الله في منزل بعض أهله فجمع أهله، فصلى بهم جماعة،، ولو لم يكره تكرار الجماعة في المسجد لصلى فيه. ورُوي عن
أنس: أن أصحاب رسول الله كانوا إذا فاتتهم الجماعة في المسجد صلوا
في المسجد فرادى، وهو قول سفيان، وابن المبارك، ومالك. والجواب
عما استدل به الشافعي: أن فيه أمر واحد وهو لا يكره، وإنما يكبره إذا
كان على سبيل التداعي والاجتماع، بل ما احتج به حجة علي، لأنه
- عليه السلام- لم يأمر أكثر من واحد لحاجتهم إلى إحراز الثواب،
وقُضِي حق المسجد حيْث صُفي فيه بالجَماعة بأذان وإقامة، وعلى هذا
الخلاف تكرار الأذان والإقامة- كما بمن ذلك في الفروع.
****
51- بَاب: فيمَن صَلى في مَنْزله ثم أدرك الجماعةَ يُصَلِي معَهُمْ
أي: هذا باب في بيان من صَلى في منْزله، ثم أدرك الجماعة يصلي
معهم، وفي بعض النسخ: " باب فيما جاء فيمن ".
**. شرح سنن أبي داود(3/65)
557- ص- نا حفصُ بن عُمر: نا شعبةُ: أخبرني يَعلى بن عطاء، عن جابر؟ بن يزيد بن الأسود، عن أبيه أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو غلام شاب فلما صلى إذا رجلاًن لم يُصليا في ناحية المسجد فَدَعى بهما ترعُدُ (1) فرائصُهما فقال: " ما منعكما أن تُصليا معنا؟ " فقالا (2) : قد صلينا في رحالنا فقال: " لا تفعلوا، إذا صلى أَحدكم في رحله ثم أدرك الإمام ولم يُصل فليُصل معه، فإنها له نافلة " (3) .
ش- جابر بن يزيد السلولي الخزاعي. سمع: أباه. روى عنه: يعلى
ابن عطاء. قال ابن المديني: لم يرو عنه غيرُه. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (4) .
ويزيد بن الأسود الحجازي، وقيل: خزاعي، حليف لقريش ويقال: العامري، معدود في الكوفيين، شهد الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، روى عنه حديثاً في الصلاة وهو هذا. روى عنه: ابنه: جابر بن يزيد. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي.
قوله:، إنه " أي: يزيد بن الأسود."
قوله: " وهو غلام شاب" جملة اسمية وقعت حالاً عن الضمير الذي في " صلى"..
قوله: " فلما صلى " أي: رسول الله.
قوله: " فدعي بهما " أي: طلبهما.
__________
(1) في سنن أبي داود: " فدعى بهما، فجيء بهما ترعد".
- (2) في سنن أبي داود: " قالا"
(3) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في الرجل يصلي وحده ثم يدرك الجماعة (219) ، النسائي: كتاب الإمامة، باب: إعادة الفجر مع الجماعة
لمن صلى وحده (2 / 112) .
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (4/ 878) .
(5) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (4 / 655) ، وأصد الغابة (5 / 476) ، والإصابة (4 / 1 65) .(3/66)
قوله: " تَرْعُدُ فرائصهما، فيه حذف أي: فطلبهما فجيء بهما بين
يديْه، وقوله: " تَرعد فرائصهما، حال عن الضمير الذي في " بهما "، الفرائص: جمع الفريصة؛ وهي لحمة وَسْط الجنب عند منبض القلب
يفترس عند الفزع، أي: يَرتعد. وقال ابن الأثير: الفريصة: اللحمة
التي جنب الدابة وكتفها لا تزال ترعدُ، وقوله: أترعدُ، من باب نصر ينصر.
قوله:" في رحالنا " الرحال: جمع رَحل، وهو منزل الإنسان ومسكنه نكنُه.
قوله: " فإنها له نافلة " أي: فإن الصلاة التي يصليها مع القوم ثانيا له
تطوع والفرض قد أذي بالأولى، وفيه بحث نبينه عن قريب إن شاء الله
تعالى.
وبه استدل الشافعي أن من صلى في رَحْله ثم صادف جماعه يصلون،
كان علي أن يُصلي معهم أية صلاة كانت من الصلوات الخمس، وبه قال
أحمد، وإسحاق، وهو قول الحسَن، والزهري، وقال الأوزاعي: لا
يصلي في المغرب والصبح، وهو قول النخعي. وقال مالك: لا يصلي
في المغرب فقط، وهو قول الثوري. وقال أصحابنا: لا يصلي في
العصر والصبح، وأما المغرب فإن صلى فيه فعليه أن يضم إليها ركعة رابعةَ
لورود النهي عن التنقل بالبتيراء
وقال الخطابي (1) : ظاهر الحديث حجة على مَن منع في شيء من
الصلوات كلها، ألا ترى يقول: " إذا صلى أحدكم في رحله ثم أدرك
الإمام ولم يصل، فليصل معه "؟ ولم يستثن صلاةَ دون صلاة. فأما نهيه
- عليه السلام- عن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمسً، وبعد
العصر حتى تغرب الشمس، فقد تأولوه على وجهين، أحدهما: أن
ذلك على معنى إنشاء الصلاة ابتداء من غير سببٍ، فأما إذا كان لها
سبب، مثل أن يُصادف / قوماً يصلون جماعةً فإنه يُعيدها معهم ليحرز [1/ 197 - أ]
__________
(1) معالم السنن (1 / 142) .(3/67)
الفضيلة، والوجه الآخر: أنه منسوخ، لأن حديث جابر بن يزيد (1) متأخر، لأن في قصته أنه شهد مع رسول الله حجة الوداع، ثم ذكر الحديث، وفي قوله: "فإنها نافلة، دليل على أن صلاة التطوع جائزة بعد الفجر قبل طلوع الشمس إذا كان لها سبب، وحجة أصحابنا: قول ابن عباس- رضي الله عنه-: " شهد عندي رجال مرضيون، وأرضاهم عندي عُمر أن النبي- علي (2) السلام- نهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تشرق الشمس، وبعد العصر حتى تغرب "، وهذا بعمومه يتناولُ الصورة التي فيها النزاع. وقد روي عن أبي طلحة أن المراد بذلك كل صلاةِ. وعن ابن حزم: إن قوماً لم يروا الصلاة في هذه الأوقات كلها. وقال ابن بطال: تواترت الأحاديث عن النبي- عليه السلام- أنه نهى عن الصلاة بعد الصبح وبعد العَصْر.
والجواب عما قال الخطابي: أما قوله: " إن ذلك على معنى إنشاء الصلاة ابتداء من غير سبب " فغير مسلم، لأن هذا تخصيص من غير مخصصِ، فنهاية ما في الباب أنهم احتجوا بأنه- عليه السلام- قضى سنة الظهر بعد العَصْر، وقاسوا عليها كل صلاة لها سبب، حتى قال النووي: هو عمدة أصحابنا في المسألة وليس لهم أصح دلالة منه. ولكن يخدشه ما ذكره الماوردي منهم وغيره من أن ذلك من خصوصياته صلى الله عليه وسلم. وقال الخطابي- أيضاً-: كان النبي- عليه السلام- مخصوصاً بهذا دون الخلق. وقال ابن عقيل: لا وجه له إلا هذا الوجه. وقال الطبري: فعل ذلك تنبيهاً لأمته أن نهيه كان على وجه الكراهة لا التحريم.
وأما قوله: " إنه منسوخ " فغير صحيح، لأن عمر- رضي الله عنه-
ما بَرح مع النبي- عليه السلام- إلى أن توفي، ولو كان منسوخا لعمل بناسخه مع أنه كان يضرب على الركعتين بعد العصر بمحضر من الصحابة من غير نكيرِ، فدل هذا على أن النهي ليس بمنسوخ، وأن الركعتين بعد
__________
-
(1) في الأصل: " جابر يزيد بن " كذا.
(2) مكررة في الأصل.(3/68)
العصر مخصوصة به دون أمته. وقال أبو جعفر الطحاوي: ويدل على الخصوصية: أن أم سلمة هي التي روت صلاتَه إياهما، قيل لها: أفنَقْضهما إذا فاتتا بعد العصر؟ قالت: لا.
وأما قوله: " دليل على أن صلاة التطوع جائزة بعد الفجر قبل طلوع الشمس " فترده الأحاديث الصحيحة، منها: " لا صلاة بعد الصبح حتى ترتفع الشمس، ولا صلاة بعد العصر حتى تغيب الشمس "، وغير ذلك من الأحاديث التي وردت في هذا الباب، على أن حديث جابر بن يزيد هذا حكى البيهقي عن الشافعي فيه أنه قال: إسناد مجهول، ثم قال البيهقي: وإنما قال ذلك، لأن يزيد بن الأسْود ليْس له راو غير ابنه جابر، ولا لجابر راوٍ غير يعلى بن عطاء.
فإن قيل: الحديث صححه الترمذي، وذكره ابن منده في " معرفة الصحابة "، ورواه بقية، عن إبراهيم بن يزيد بن ذي حمامة، عن عبد الملك بن عُمير، عن جابر بن يزيد بن الأسود، عن أبيه، فهذا راوٍ آخر لجابر غير يعْلى، وهو ابن عُمير. قلت: لو كان ما كان فلا يُساوِي حديث عمر- رضي الله عنه- ويُعارض كلامَ ابن منده: ما قاله علي بن المديني، روى عن جابر بن يزيد يَعْلى بن عطاء، ولم يَرْو عنه غيره- كما ذكرنا-، والنفي مقدم على الإثبات، فيكون يَعْلى مُنْفرداً بهذه الرواية فلا يتابع عليها.
558- ص- نا ابن معاذ: نا أبي: نا شعبة، عن يعلى بن عطاء، عن جابر بن يزيد (1) ، عن أبيه قال: صليتُ مع رسول الله الصبح بمنىً، بمعناه (2) .
ش- ابن مُعاذ: هو عُبيد الله بن معاذ، وقد مر ذكرُهما.
قوله: " بمعناه " أي: بمعنى الحديث المذكور. ورواه الترمذي، والنسائي، عن يزيد بن الأسود قال: شهدت مع النبي- عليه السلام-
__________
(1) في الأصل: " زيد " خطأ.
(2) انظر الحديث السابق.(3/69)
صلاة الصبح في مسْجد الخِيف، فلما قضى صلاته إذا هو برجلين في أخرى القوم لم يُصليا معه فقال:" علي بهما " فجيء بهما ترعد فرائصهما قال: " ما منعكما أن تصليا معنا؟ " قالا: يا رسول الله، إنا كنا صلينا في رحالنا. قال: " فلا تفعلاً، إذا صليتما في [1/197-ب] رحالكما (1) ، ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم، فإنها لكما نافلة ". / قال الترمذي: حديث حسن صحيح (2) .
وفي رواية للدارقطني والبيهقي:" وليَجْعل التي صلاها في بَيته نافلة "، وقالا: إنها رواية ضعيفة شاذة. قلت: دلت هذه الرواية- وإن كانت ضعيفة- على أن المراد من قوله- عليه السلام- في الحديث " فليصل معه " أن يصلي ناوياً للفريضة، لا ناوياً للنفل، لكراهة نية النفل في هذا الوقت فح (3) إذا صلى على هذه الهيئة لا يكره عندنا- أيضاً- ويكون الضمير في قوله:" فإنها نافلة " في الرواية الأولى راجعاً إلى الصلاة التي صلاها في رَحْله، ويمكن أن يكون قوله: " وليجعل التي صلاها في بيْته نافلةً " مخصوصاً بوقت الصبح لكراهة النفل بعدها، يؤيد ذلك كون القضية في الصبح، ويكون العصر في معناه لاشتراكهما في معنى الكراهة، وغيرهما يخرج عنهما لعدم النهي، ويستوي فيه نية النفل ونية الفرض، فافهم.
559- ص- نا قتيبةُ: نا معن بن عيسى، عن سعيد بن السائب، عن نوح ابن صعصعة، عن يزيد بن عامر قال: جئْتُ والنبي- عليه السلام- في الصلاة فجلست ولم أدخل معهم في الصلاة قال: فانصرف علينا رسولُ الله فرأى يزيدَ جالسا فقال: " ألم تُسْلِم يا يَزيدُ؟ " قال: بلى يا رسول الله قد أسلمتُ، قال: " وما (4) منعك أن تدخل مع الناس في صلاتهم؟ " قال: أني كنتُ قد صليتُ في منزلي وأنا أحسبُ أن قد صليتم، فقال:" إذا جئتَ
__________
(1) في الأصل: " رحالهما ".
(2) الترمذي (219) .
(3) أي: " فحينئذ "
(4) في سنن أبي داود: " فما ".(3/70)
الصلاة (1) فوجدت الناسَ فصل معهم، وإن كنتَ قد صليت تكنْ لك نافلةً وهذه مكتوبة " (2) .
ش- معن بن عيسى: ابن يحيى بن دينار أبو يحيى القزاز الأشجعي مولاهم المدني. سمع: مالك بن أنس، وابن أبي ذئب، وإبراهيم بن طهمان، ومخرمة بن بكير، ومحمد بن هلال. روى عنه: أحمد بن حنبل، وعلي بن المديني، وأبو بكر بن أبي شيبة، وغيرهم. وقال ابن سَعْد: كان يُعالج القز بالمدينة ويشتريه، وكان له غلمان حاكةُ، وكان ثقة كثير الحديث، ثبتاً مأموناً. مات سنة ثمان وتسعة ومائة. روى له الجماعة (3) .
وسعيد بن السائب: الطائفي.
ونوح بن صعصعة: يعد من أهل الحجاز. روى عن: يزيد بن عامر السُوائي. روى عنه: سعيد بن السائب. روى له: أبو داود، وا لنسائي (4) .
ويزيد بن عامر: ابن الأسود بن حبيب بن سواءة بن عامر بن صعصعة، يكنى أبا حاجز السوائي، قيل: إنه شهد حَنيناً مع المشركين ثم أسلم بعد ذلك. روى عنه: السائب بن يزيد، ونوح بن صعصعة، وسعيد بن يسار. روى له: أبو داود (5) .
قوله:" ألم تُسلِم؟ " استفهام على سبيل التقرير، إنما قال ذلك زجرا له لتخلفه عن الجماعة، وانفراده عن الناس وهم يصلون.
__________
(1) في سنن أبي داود: " جئت إلى الصلاة ".
(2) تفرد به أبو داود.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (28 / 6115) .
(4) المصدر السابق (30 / 6493) .
(5) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (3 / 651) ، وأسد الغابة (5 / 498) ، والإصابة (3 / 659) .(3/71)
قوله: " تكن لك نافلة " أي: يكن الذي قد صليت في رحلك نافلةً، واسم " تكن " مستتر فيه، و" نافلة، نصب على أنه خبره.
قوله: " وهذه " إشارة إلى الصلاة التي يصليها مع القوم وهو مبتدأ، وخبره: قوله: " مكتوبة ". وهذه الرواية تؤيدُ الرواية التي قال الدارقطني والبيهقي: إنها ضعيفة شاذة. وصريح هذا الحديث يَرد كل ما قاله الخطابي في الحديث السالف من أنه حجة على أصحابنا، وأنه حجة لهم، ويُبيّنُ أن الضمير في قوله في ذلك الحديث: " فإنها نافلة " يَرْجع إلى الصلاة التي صَلاها في رَحْله، لا إلى الصلاة التي صلاها مع القوم ويُبْطل- أيضاً- قوله: " وفيه دليل على أن صلاة التطوع جائزة بعد الفجر قبل طلوع الشمس إذا كان لها سبب، لأن صلاة التطوع بعد الفجر لم توجد في هذا الحديث، لأنه صرح أن الذي يصليها مع القوم مكتوبة، فإذا لم يوجد ذلك كيف يكون دليلاً على ما ادعاه؟ على أن النووي قد صرّح في " الخلاصة " أن إسْناد هذا الحديث ضعيفٌ.
560- ص- نا أحمد بن صالح قال: قرأتُ على ابن وهب قال: أخبرني عَمْرو، عن بُكير أنه سمع عَفيف بن عَمرو بن المسيب يقول: حدثني رجل من بني أسد بن خزيمة أنه سأل أبا أيوب الأنصاري قال (1) : يصلي أحدنا في منزله الصًلاة، ثم يأتي المسجد وتُقام الصلاةُ فأصلي معهم فأجدُ في نفسي من ذلك شيئاً فقال أبو أيوب: سألنا عن ذلك النبي- عليه السلام- فقال: " فذلك (2) له سَهْمُ جَمْعٍ " (3) . [1/198 - أ]
ش- عمرو: ابن الحارث، وبكير: ابن (4) / عبد الله بن الأشج. وعفيف بن عَمرو بن المُسيّب. روى عن: رجل من بني أسد بن خزيمة، عن أبي أيوب الأنصاري. روى عنه: بكير بن عبد الله بن الأشج، ومالك بن أنس. روى له: أبو داود (5)
__________
(1) في سنن أبي داود:" فقال ".
(2) في سنن أبي داود: " ذلك"،
(3) تفرد به أبو داود.
(4) مكررة في الأصل.
(5) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (0 3967 / 2) .(3/72)
قوله: " فذلك له سهمُ جَمعْ " بإضافة السَهْم إلى الجمْع، يريدُ أنه سهم من الخير جمع له " في حظان. َ وقال الأخفش: يريدُ سهم الجيْش، وسهمِ الجيش هو السهم من الغنيمة، واستدل على ذلك بقوله تعالى: {يَوْم التَقَى الجَمْعَان} (1) ، وبقوله تعالى: {سَيُهْزَمُ جَمع} (2) ، وبقوله: {فَلَما تَرَاءَىَ الجَمْعَانِ} (3) . وقيل: مثل أجْر من شهد جمعا وهي المزدلفة، وقيل: جمع أي جملة.
قلت: قد وقع في خاطري هاهنا من الأنوار الإلهية، أن معنى قوله:
" له سهم جمع " له نصيب الجمْع بين الصلاتين: سهم الصلاة التي صلاها في رحله، وسَهْم الصلاة التي صلاها مع القوم. والجَمْع- بفتح الميم لا غير- ويمكن أن يكون الجمع صفة للسهْم، ويكون الجمع بمعنى الجامع كعدل بمعنى العادلْ، والمعنى: سهم جامع للخيرات، أو سهم جامع لخيري الصلاتين، هذا على تقدير مساعدة الرواية، وفيه رجل مجهول.
****
52- بَاب: إذا صَلّى ثم أدرَكَ جَماعةً يُعيدُ (4)
أي: هذا باب في بيان مَنْ إذا صلى صلاة في منزله، ثم أدرك جماعة هل يعيد أم لا؟ وفي بعض النسخ: " يعيد " بهمزة الاستفهام.
561- ص- نا أبو كامل: نا يزيد- يعني: ابن زُريع-: نا حُسَيْن، عن عمرو بن شعيب، عن سليمان مولى ميمونة قال: أتيت ابن عُمر على البَلاط وهم يُصَلُّون قلتُ (5) : ألا تصلي معهم؟ قال: قد صليت قد صليتُ (6)
ــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة الأنفال: (41) . (2) سورة القمر: (45) .
(3) سورة الشعراء: (61) .
(4) في سنن أبي داود: شباب إذا صلى في جماعة، ثم أدرك جماعة أيعيد،؟ (5) في سنن أبي داود: " فقلت ".
(6) في سنن أبي داود: لقد صليتم " واحدة " وكتب المصنف في الأصل فوقهما: " صح،.(3/73)
إني سمعتُ رسول الله- عليه السلام- يَقُولُ: " لا تُصلوا (1) في يَوْم مَرتين " (2) .
ش- أبو كامل: فُضيل بن حُسَيْن الجحدري، ويَزيدُ: ابن زريع أبو معاوية البصري، وحُسَيْن: ابن ذكوان المعلّم البصري، وسليمان مولى ميمونة هو سليمان بن يَسار، أخو عطاء بن يَسار مولى ميمونة زوج النبي- عليه السلام -.
قوله: " على البَلاط " البَلاط- بفتح الباء الموحدة -: ضرب من الحجارة تفرش به الأرض، ثم سمّي المكان بلاطا اتساعا، وهو موضع مَعْروف بالمدينة.
قوله: " قلتُ: ألا تصلي؟ " الهمزة فيه للاستفهام.
قوله: " قد صليت، قد صليتُ " بالتكرار للتأكيد.
قوله: " لا تصلوا في يَوْم مَرتين " محمول على صلاة الاختيار دون ما لها سببٌ، كالرجل يدرك جماعةً فيُصلي معهم في غير العصر والصبح، وقد كان صلى ليدرك فضيلة الجماعة جمعا بين الأحاديث؟ كذا قاله الخطابيّ.
قلت: هذا محمولٌ على أن يصلي الفَرْض مَرتين بنية الفَرْض في كل منهما، آوْ هو مَحمول على صلاة العَصْر والصّبح، لأن تكرارهما مَنْهي، لورود النهي بعد صلاة العصر والصبح، ويكون سؤال سليمان عن ابن عمر، وجوابه إياه عنْد صلاة العصر أو الصُبْح. والحديث: أخرجه " النسائي- أيضاً
__________
(1) في سنن أبي داود: " لا تصلوا صلاة ".
(2) النسائي: كتاب الصلاة، باب: سقوط الصلاة لمن صلى مع الإمام في المسجد جماعة (113 / 2) .(3/74)
53- بَابُ: جِمَاع الإمامة وفَضْلِها
أي: هذا باب في بيان جماع الإمامة وفضلها، وفي بعض النسخ: "باب في جماع الإمامة من فضل الإمامة "، وفي بعضها: " أبواب الإمامة " والأول أصح، والجماع- بكسر الجيم وتخفيف الميم- ما يَجْمعُ عددا، وفي الحديث: " حدثني بكلمة تكون جماعاً " أي: كلمة تجمع كلمات، وقال الجوهري: وجماِع الشيء: جمعُه، تقول: جماع الخباء: الأخبية، لأن الجماعَ ما جمعَ عَددا، والمعنى هاهنا: ما يَجْمع أبوابَ الإمامة وأنْواعها.
562- ص- نا سليمان بن داود المهْري: نا ابن وهب: أخبرني يحيي بن أيوب، عن عبد الرحمن بن حَرْملة، عن أبي علي الهمْداني قال: سمعت عقبة بن عامر يقولُ: سمعتُ رسول الله- صلى الله عليه وسلم يقول: " مَنْ أمّ الناسَ فأصابَ الوقْتَ فله ولهم، ومن انتقص من ذلك شيئاً فعليه ولا عليهم " (1) .
ش- سليمان بن داود: أبو الربيع المصري، وعبد الله: ابن وهب، ويحمى بن أيوب: الغافقي المصري.
وعبد الرحمن بن حَرْملة: ابن عمرو الأسلمي أبو حرملة المدني. سمع: ابن المسيب، وأبا علي الهمداني، وعبد الله بن دينار. روى عنه: مالك بن أنس، والثوري، ويحيى القطان، ويحيى بن أْيوب المصري، وغيرهم. قال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به. وقال ابن معين: / صالح. قال محمد بن عمر: كان ثقة كثير الحديث. توفي سنة خمس وأربعين ومائة. روى له: مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي (2) .
وأبو علي: اسمُه: ثمامة بن شُفي الهمداني، أبو علي، من
__________
(1) ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب: ما يجب على الإمام (983) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (17 / 3796) .(3/75)
الأحروج بطن من هَمْدان، ويقال: الأصبحي المصْري، وقيل: إنه من أهل الإسكندريّة، وقال أبو أحمد: في المصرين، سكن الإسكندرية. سمع: عقبة بن عامر، وفضالة بن عُبيد، وقبيصة بن ذؤيب. روى عنه: يزيد بن أبي حبيب، والحارث بن يعقوب، وابنه: عمرو بن الحارث، وعبد الرحمن بن حرملة، وغيرهم. روى له: مسلم، وأبو داود، والنسائي (1) .
قوله: " فله ولكم " يعني: له ثوابُ إصابته، ولكم ثواب الطاعة والسَّمعْ.
قوله: " ومن انتقصَ من ذلك شيئاً " يَعْني: فرضا من فروض الصلاة. قوله: " فعليه ولا عليهم " يعني: على الإمام إثم ما ضيع وما نقص، ولا على القَوْم شيءٌ، هذا إذا لم يَعْلم القومُ أن الإمامَ ضيّعَ فرضاً من الفروض، أما إذا علموا يفسد صلاة مَنْ يعلَمُ وعليه أن يُعيدها، إذا علم حال الإمام من الأول لا يجوز اتباعه إلا أن يخاف منه، فيصلي معه بَعْد أن يُصلي في بَيْته أو يُصلي ثم يُعيدُ. وروى الحاكم على شرط مُسلم، عن سهل بن سَعْد: " الإمام ضامن، فإن أحسنَ فله ولهم، وإن أساء فعليه لا عليهم ". وروى- أيضاً- على شرط البخاري، عن عقبة بن عامر: " من أمَ الناسَ فأتم "، وفي نسخة: " فأصابَ " فالصلاة لهُ ولهم، ومن انتقص من ذلك شيئاً فعليه ولا عليهم "، وهذا مثل رواية أبي داود. وأعقه الطحاوي بانقطاع ما بَين عبد الرحمن بن حرملة وأبي عليّ الهمداني الراوي عن عقبة. وفي " مسند عبد الله بن وهب ": أخبرني يحيى بن أيوب، عن العلاء بن كثير، عن داود بن أيوب، عن سعيد بن أبي سعيد المقبرة، عن أبي شريح العذري: " الإمام جنة، فإن أتم فلكم وله، وإن نقص فعليه النقصان ولكم التمام". وروى البخاريّ من حديث الفضل بن سهل بإسناده إلى أبي هريرة، عن النبي
(1) المصدر السابق (4 / 853) .(3/76)
- عليه السلام- قال: " يُصلون لكم، فإن أصابوا فلكم، وإن أخطئوا فلكم وعليهم ".
* * *
54- بَابُ: كراهية التَّدافُع على الإمامة
أي: هذا باب في بيان كراهة التدافع على الإمامة، والتدافع: أرْ يدفع بعضهم إلى بعضٍ. وفي بعض النسخ: " باب ما جاء في كراهية التدافع ".
563- ص- نا هارون بن العباد الأزدي: نا مَرْوان قال: أخبرتني طلحة أم غراب، عن عقيلة أمرأة من بني فزارة مولاة لهم، عن سلامة بنْت الحر أخْت خَرَشَة بن الحرّ الفزاري قالت: سمعتُ رسول الله- صلى الله عليه وسلم يقول: " إن من أشراط الساعة: أن يتدافَع أهل المسجد لا يجدون إماماً يُصلِّي بهم " (1) . ش- مروان: ابن معاوية الفزاري الكوفي.
وطلحة أم غراب. روت عن: عقيلة. روى عنها: وكيع بن الجراح، وهارون بن عباد. روى لها: أبو داود، وابن ماجه (2) .
وعقيلة امرأة من بني فزارة. روت عن: سلامة بنت الحر (3) . وقال أبو داود: عقيلة جدّة علي بن غراب. وروى عنها: طلحة أم غراب. روى لها: أبو داود، وابن ماجه (4) .
وسلامة بنْت الحرّ: الأسدية أخت خرشة بن الحرّ. روت عن: النبي
- عليه السلام- أحاديث، روى حديثها: وكيع عن أم غراب، وروى لها: أبو داود، وابن ماجه (5) .
__________
(1) ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب: ما يجب على الإمام (982) .
(2) انظر ترجمتها في: تهذيب الكمال (35 / 7883) .
(3) في الأصل:" الحارث " خطأ. (4) المصدر السابق (35 / 7894) .
(5) انظر ترجمتها في: الاستيعاب بهامش الإصابة (4 / 333) ، وأسد الغابة (7 / 144) ، والإصابة (4 / 0 33) .(3/77)
قوله: " إن من أشراط الساعة " الأشراط: جَمع شرَط- بفتح الراء-
وهو العلامة، والأشراط: العلامات، ومنه سفيت شُرَط السلطان،
لأنهم جعلوا لأنفسهم علامات يُعْرفُون بها، كذا قال أبو عبيد. وحكى
الخطابي عن بعض أهل اللغة أنه أنكر هذا التفسير وقال: أشراط الساعة:
ما ينكره الناسُ من صغار أمُورها قبل أن تقوم الساعة، وشُرَطُ السلطان:
نُخبة أصحابه الذين يقدمهم على غيرهم من جُنْده. وقال "ابن الأعرابي:
هم الشُرَط- بالفتح- والنسبة إليهم: شُرَطي، والشُرطة والنسبةُ إليهم:
شُرطي. و " لساعة ": القيامة، وا لساعة: الوقت الحاضر، والجمع: [1/ 199 - أ] الساع والساعات، وأصلَ ساعة: سَوَعَة؟ قلبت الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، والدليلُ علي إذا صغرتها تقول: " سُوَيْعة ".
قوله: " أن يتدافع " من باب التفاعل وهي للمشاركة نحو: تقاسم
القومُ، والمعْنى: كل واحد منهم يدفع الإمامة إلى الآخر، ولا يَرْضى
أحد أن يتقدم إما لجهلهم بأحوال الإمامة، وإما لاختلافهم وعدم اتفاقِهم
على إمامة واحدٍ، وإما لعدم مَنْ يَؤُم حسْبة لله تعالى، أو غير ذلك من الوجوه. َ والحديث: أخرجه ابن ماجه- أيضاً.
55- بَابُ: مَن أحق بالإمامة
أي: هذا باب في بيان من أحق بالإمامة، وفي بعض النسخ: " باب
ما جاء فيمن أحق بالإمامة
564- ص- نا أبو الوليد الطيالسي: نا شعبة: أخبرني إسماعيل بن
رجاء قال: سمعت أوْس بن ضَمْعجٍ يُحدث عن أي مَسْعود البدري قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" يؤمُّ القومَ أقرؤهُم لكتاب الله وأقدمُهُم قراءةً، فإن
كانوا في القراءة سواءً فليؤمهم أقدمهم هجرةً، فإن كانوا في الهِجرة سواءً
فليؤمَّهم أكبرهم سنا، ولا يُؤَمُّ الرجلُ في بَيْته ولا في سُلطانه، ولا يُجلسُ
على تكْرمته إلا بإذنه " (1) .
__________
(1) مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: من أحق بالإمامة (ْ29 / 673) ،=(3/78)
ش- إسماعيل بن رجاء: ابن ربيعة الزبيدي أبو إسحاق الكوفي. سمع: أباه، والمْعْرور بن سُوَيد، وأوس بن ضمعج، وغيرهم. روى عنه: الأعمش، وشعبة، وإدريس، وغيرهم. قال ابن معين وأبو حاتم: ثقة. روى له: مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (1) . وأوْس بن ضمعج- بفتح الضاد المعجمة، وإسكان الميم، وفتح العين- الحضرمي الكوفي. روى عن، سلمان الفارسي، وأبي مسعود البدري، وعائشة. روى عنه: أبو إسحاق السبيعي، وإسماعيل بن رجاء الزبيدي، وابنه: عمران بن أوس، والسُدي. َ مات سنة أربع وسبعن في ولاية بشر بن مروان. روى له: الجماعة إلا البخاري (2) .
وأبو مسعود: عُقْبة بن عَمرو؟ وقد ذكرناه.
قوله: " أقرؤهم لكتاب الله، أي: أعلمهم بعلم القراءة، يقف في مواضع الوقف، ويصل في مَوْضع الوصل، ونحو ذلك من التشديد والتخفيف، وغير ذلك من وجوه القراءة، وبه تمسك أبو يوسف: إن الأقرب مقدم على الأفْقه، وبه قال أحمد وإسحاق. وهو وجه عند الشافعية، وعند أبي حنيفة ومالك والشافعي: الأفقه مقدم على الأقرب، لأن الذي يحتاج إليه من القراءة مضبوط، والذي يحتاج إليه من الفقه غير مضبوط، وقد يعرض في الصلاة احمر لا يَقْدر على مراعاة الصواب فيه إلا كامل الفقه؟ قالوا: ولهذا قدم النبي- عليه السلام- أبا بكر في الصلاة على الباقين (3) ، مع أنه- عليه السلام- نصر على أن غيره أقراص منه، قاله النووَي. كذا قلتُ: ولأن أبا بكر ممن كان قد جمع القرآن في حياته
الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء من أحق بالإمامة (235) ، النسائي: كتاب الإمامة، باب: من أحق بالعمامة، وباب: اجتماع القوم وفيهم الوالي (2 /77) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب: من أحق
بالإمامة (980) .
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (3 / 443) .
(2) المصدر السابق (3 / 579) . (3) في الأصل: " الباقيين ".(3/79)
- عليه السلام-. ذكر ذلك أبو بكر محمد بن الطيب الباقلاني في كتاب
لا فضائل الخلفاء "، وكذا ذكره أبو عمرو عثمان بن سعيد الداني المقرئ،
فقد اجتمع فيه جميع ما قاله رسول الله في هذا الحديث. وفي حديث
مسلم- أيضاً الذي أخرجه عن (1) أبي مسعود البدري ولفظه: " يؤمُ
القوم أقرؤهم لكتاب الله تعالى، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم
بالسُّنَّة، فإن كانوا في السُنَة سواء فأقدمهم هجرةً، فإن كانوا في الهجرة
سواء فأقدمهم سنا". وأخرجه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه- أيضاً
وكذا أبو داود في رواية لما نذكره إن شاء الله تعالى. وأجاب أبو حنيفة
ومن معه عن الحديث: أن الأقرأ من الصحابة كان هو الأفقه. لكن
يُشكل على هذا قوله: د " فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسُّنَّة لما فإن
هذا دليل على تقديم الأقرإ مطلقاً. وقد نسب الشيخ محيي الدين مذهب
أبي يوسف إلى أبي حنيفة في " شرح مسلم " وليس كذلك، بل مذهب
أبي حنيفة هاهنا: أن الأفقه مقدم- كما ذكرنا- كما هو مذهب الشافعي.
قوله: " فإن كانوا في القراءة سواءً " أي: مُتساويين؛ تقول: هما في
هذا الأمر سواءٌ، وإن شئت: سواءان، وهم سَواءٌ للجمع، وهم
أسْواء، وهم سَوَاسيةٌ، أي: أشباه، مثل ثمانية على غير قياس.
قوله: " أقدمهم هجرةً " الهجرة في الأصل: الاسم من الهجر ضد
الوصل، وقد هجره هجرا وهجراناً، ثم غلب على الخروج من أرض [1/199-ب] ، إلى أرض، وترك الأولى للثانية / تقول منه: هاجر مهاجرة. وقال الخطابيّ: الهجرة قد انقطعت اليوم إلا أن فضيلتها موروثة، فمن كان من
أولاد المهاجرين أو كان في آبائه وأسلافه من له قدم أو سابقة في الإسلام أو
كان آباؤه أقدم إسلاماً، فهو مقدم على من لا يعدّ لآبائه سابقة أو كانوا
قريبي العهد بالإسلام، فإذا كانوا متساويين في هذه الخلال الثلاث فأكبرهم
سنا مقدم على من هو أصغر سنا لفضِيلة السن ولأنه إذا تقدم أصحابَه في
(1) في الأصل: "من".(3/80)
السن فقد تقدّمهم في الإسلام، فصار بمنزلة من تقدمت هجرته. وقال أصحابنا: لما لم تبق الهجرة لقوله- عليه السلام-:" لا هجرة بعد الفتح " أقيم الورع مقامها، لقوله عليه السلام: " المهاجرُ مَنْ هجر ما نهى الله عنه ".
قوله: " فليؤمهم كبرهم سنا " يعني، بعد التساوي في الهجرة يقدّم الأسن، ولكن كان هذا قبل انقطاع الهجرة، وأما في هذا الزمان فالأورع يُقام مقام الهجرة- لما ذكرنا- فإذا تساووا في الورع يُقدّم أكبرهم سنا، فإن تساووا فيه فأصبحهم وَجْهاً، ثم أشرفهم نسباً، ثم يُقْرع أو الخيار إلى القوم. وقوله: " سنا " و" هجرةً " و" قراءةً " منصوبات على التمييز. قوله:" ولا يُؤم الرجل في بَيْته " على صيغة المجهول، و" الرجل " مرفوع لإسناد الفعل إليه، والمعنى: صاحب البيت أوْلى من غيره- إذا كان من القراءة والعلم بمحل يمكنه أن يقيم الصلاة.
قوله: " ولا في سُلطانه " هذا في الجمعات والأعياد لتعلّقهما بالسلاطين، وأما الصلوات المكتوبات فأعلمهم أوْلى بالإمامة، فإن جمع السلطانُ الفضائل كلها فهو أولاهم، وقد يتأول على معنى ما يتسلط عليه الرجل من ملكه في بَيْته أو يكون إمامَ مَسْجده.
قوله: " ولا يُجلسُ على تكرمته " على صيغة المجهول- أيضاً- وفي رواية مسلم: "ولا يقعد في بَيْته على تكرمته إلا بإذنه "، وفي رواية أخرى: "ولا تجلس على تكرمته في بيْته إلا أن يأذن لك ".
ص- قال شعبة: فقلتُ لإسماعيل: ما تكرمته؟ قال: فراشُه.
ش- أي: قال شعبة بن الحجاج: قلت لإسماعيل بن رَجَاء المذكور: ما تكرمته؟ أي: ما تكرمة الرجل؟ وهي بفتح الراء وكسر الراء، وهي الفراش ونحوه مما يُبْسطُ لصاحب البيْت (1) ويختص به. وقال ابن الأثير:
__________
(1) في الأصل: " اللبيت ".
6. شرح سنن أبي داوود 3(3/81)
التكرمة: الموضع الخاص لجلوس الرجل من فراشِ وسرِيرِ مما يُعدّ لإكرامه، وهي تفعلة من الكرامة.
قلت: ذكره في باب الكاف، لأن التاء فيه زائدة.
ص- قال (1) أبو داود: كذا قال يحيى القطان، عن شعبة: " أقدمهم قراءةَ ".
ش- أي: كما روى أبو الوليد الطيالسي، عن شعبة في روايته المذكورة: " يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، وأقدمهم قراءة " كذلك قال يحيى القطان، عن شعبة:" أقدمهم قراءةَ ".
565- ص- نا ابن معاذ: نا أبي، عن شعبة بهذا الحديث قال فيه: " ولا يؤم الرجلُ الرجلَ (2) " (3) .
ش- ابن معاذ: هو عُبيد الله بن معاذ بن معاذ العنبري البصري.
قوله: "بهذا الحديث " أي: الحديث المذكور، وقال فيه: " ولا يَؤم الرجلُ الرجلَ في بَيْته " الرجل الأول مرفوع بالفاعلية، والثاني منصوب على المفعولية.
566- ص- نا الحسن بن علي: نا عبد الله بن نُمير، عن الأعمشِ، عن إسماعيل بن رجاء، عن أوس بن ضمعج الحَضْرمي قال: سمعت أبا مسعود، عن النبي- عليه السلام- بهذا الحديث قال: " فإن كانوا في القراءة سواءَ فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرةَ "، ولم يَقُل: " فأقدمهم قراءةَ (4) " (5) .
__________
(1) يأتي هذا النص في سنن أبي داود بعد الحديث الآتي.
(2) زاد في سنن أبي داود: " في سلطانه ".
(3) مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: من أحق بالإمامة (1 9 2 / 673) . (4) زيد في سنن أبي داود: " قال أبو داود: رواه حجاج بن أرطأة، عن إسماعيل قال: "ولا تقعد على تكرمة أحد إلا بإذنه ".
(5) مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: من أحق بالإمامة=(3/82)
ش- الحسن بن عليّ: الخلال الحلواني، وعبد الله بن نُمير:
أبو هشام الخارفي (1) الكوفي.
وهذه الرواية مثل رواية مسلم، وكذا رواه ابن حبان في " صحيحه "،
والحاكم في " مُسْتدركه" إلا أن الحاكم قال عوض قوله: " فأعلمهم بالسنة": " فأفقههم (2) فقهاً، فإن كانوا في الفقه سواء فأكبرهم سنا ".
وفي بعض رواية مسلم: " فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سِلْماً "
مكان: " سنا ". وقال ابن أبي حاتم في " العلل ": اختلفوا في متنه،
فرواه فِطْر، والأعمش، عن إسماعيل بن رجاء، عن أوس بن ضمعج،
عن أبي مسعود. ورواه شُعْبة / والمسعودي، عن إسماعيل فلم يقولا: [1/200-أ] "أعلمهم بالسنة " قال أبي: وكان شعبة يهاب هذا الحديث يقول: حكم
من الأحكام لم يشارك إسماعيل فيه أحد؟ ! فقلت لأبي: أليس قد رواه
السديّ عن أوْس؟ فقال: إنما هو من رواية الحسن بن يزيد الأصم، عن السديّ، وهو شيخ، أين كان الثوري وشعبة عن هذا الحديث؟ وأخاف
أن لا يكون محفوظاً. وقد قال بعضهم: لو أطاع الناسُ أبا حاتم في هذا
التعنت الزائد لبطلت السنَنُ.
567- ص- نا موسى بن إسماعيل: نا حماد: أنا أيوب، عن عَمرو بن
سلمة قال: كنا بحاضر يمر بنا الناسُ (3) إذا أتوا النبي- عليه السلام-
فكَانوا إذا رجعوا مروا بنًا فأخبرونا أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال كذا وقال (4) كذا،
وكنتُ غلاما حافظا فحفظت من ذلك قرآنا كثيراً، فانطلق أبي وافدا إلى
__________
= (290/674) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء من أحق بالإمامة (235) ، النسائي: كتاب الإمامة، باب: من أحق بالإمامة (2 / 75) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: من أحق بالإمامة (. 98) .
(1) في الأصل: " الجارفي " خطأ. (2) في الأصل: " فأفقهم"
(3) كلمة " الناس "غير موجودة في سنن أبي داود.
(4) كلمة " وقال"غير موجودة في سنن أبي داود.(3/83)
رسول الله صلى الله غليه وسلم في نفر من قومه، فعلمهم الصلاةَ وقال (1) : " يَؤمكُم أقرؤكم" فكنتُ (2) أقَرأهم لما كنتُ أحفَظ فقدموني، فكنتُ أؤُمهُم وعلي بُرْدة لي صفراء صغيرةٌ (3) فَكنتُ إذا سجدتُ انكشفَتْ (4) عني. فقالت امرأة من النساء: وارُوا عنا عورة قارِئكمَ، فاشْترَوْا لي قميصاً عُمَانيا، فما فرحتُ بشيء بعد الإسلام ما فرحتُ (5) به، فكنتُ أؤمُهم وأنا ابن سبع سنين أو ثمان سنين (6) .
ش- حماد: ابن سلمة، وأيوب: السختياني.
وعَمْرو بن سلمة- بكسر اللام- بن نُفَيع، وقيل: سلمة بن قَيْس، وقيل: عمرو بن سلمة بن لائم (7) ، يكنى أبا بريدة (8) - بالباء الموحدة، وبالراء- الجَرْمي، روى قصته في صلاته بقومه على عهد النبي - عليه السلام-، وهو مَعدودٌ فيمنْ نزل البَصْرة ولم يَلْق النبي- عليه السلام- ولم يثبت له سماع منه، وقد وفد أبوه: سلِمة على النبي- عليه السلام- وأسْلم، وقد رُوِيَ من وجه غريب أن عَمْراً- أيضاً- قدم على النبي- عليه السلام-. روى عنه: أبو قلاَبة عبد الله بن زيد الجرمي، وأيوب السختياني، وعاصم الأحول، وغيرهم. روى له: أبو داود، وا لنسائي (9) .
قوله: " كنا بحاضر" الحاضرُ: القومُ النزولُ على ماء يُقيمون به ولا يرحلون عنه، ويقال للَمناهل: المَحاضِر للاجتماع والحضور عليها.
__________
(1) في سنن أبي داود: " فقال ". (2) في سن أبي داود: " وكنت ".
(3) في سنن أبي داود: " صغيرة صفراء ".
(4) في سنن أبي داود: " تكشفت ". (5) في سن أبي داود: " فرحي به "
(6) البخاري: كتاب الأذان، باب: إمامة العبد والمولى تعليقاً، النسائي: كتاب الإمامة، باب: إمامة الغلام قبل أن يحتلم (2 / 80) .
(7) كذا، وفي أسد الغابة: " لاي ".
(8) كذا، وفي تهذيب الكمال: " بريدة.
(9) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (2 / 544) ، وأسد الغابة (4 / 234) ، وا لإصابة (2 / 1 54) .(3/84)
قال الخطابي (1) : ربما جَعلوا الحاضر اسماً للمكان المَحْضور، يقال: نزلنا حاضِرَ بني فلان، فهو فاعل بمعنى مفعول.
قوله: " وكنتُ غلاماً " الغلام الذي لم يَحْتلم.
وقوله: " حافظاً " أي: ذا قوةِ حافظةِ.
قوله: " فحفَظتُ من ذلك " أي: منْ قرآنهم الذي حفظوه من النبي
- عليه السلام-.
قوله: " وافداَ " نصب على الحال من قوله: " أبي"وهو فاعل من وفد يفد إذا قصد أميراً أو كبيراً للزيارة أو الاسترفاد أو غير ذلك، وقد ذكر غير مرة.
قوله: " في نفر " النفر- بالتحريك- عدة رجال من ثلاثة إلى عشرة، والنَّفيرُ مثله.
قوله: " لما كنتُ أحفظ " أي: لأجل الذي كنتُ أحْفظ ما أسمع منهم من القراءة التي كانوا يحفظونه من النبي- عليه السلام- أو لكوني أحْفظُ منهم، فتكون " ما " مَصْدريةَ.
قوله:" فقدموني" أي للإمامة.
قوله:" وعلي بردة لي صفراءُ" جملة اسمية وقعت حالاً من الضمير الذي في " أؤمهم "، والبُردة- بضم الباء- الحملة المخططة، وقيل: كساء أسود مربع فيه صِفر تلبَسُه الأعرابُ، وجمعها: بُرَد، وقوله "صفراء" صفتها، وكذا قوله: " صغيرة ".
قوله: " واروا " أي: استروا، من الموارة
قوله: " عمانيا "- بضم العن المهملة وتخفيف الميم- مَنْسوب إلى عمان بلدة كبيرة من بلاد اليمن، وقيل: صُقْع عند البَحْرين، وقيل: كُورة.
__________
(1) معالم السنن (1 / 146) .(3/85)
قوله: " وأنا ابن سبع سنين " جملة اسمية وقعت حالاً من الضمير الذي
في " أؤمهم".
واستدل الشافعي بهذا الحديث في جوار إمامة الصبي للبالغين في جميع
الصلوات، وله في الجمعة قولان. وقال أبو حنيفة: المكتوبة لا يصح (1)
خلفه. وهو قول أحمد، وإسحاق، وفي النفل روايتان عن أبي حنيفة وأحمد. وقال داود: لا يصح فيهما، وحكاه ابن أبي شيبة، عن الشَعْبي، ومجاهد، وعمر بن عبد العزيز، وعطاء، وجوزها مالك في
[1/200-ب] النافلة دون الفريضة. وقال الزهري: إذا / اضْطروا إليه أمهم. وقال صاحب " الهداية": وأما الصبي فلأنه متنفل فلا يجور اقتداء المفترض به.
وفي التراويح والسنن المطلقة جوزه مشايخ بلخ، ولم يجوزه مشايخنا،
أي: علماء بخارى وسمرقند. والسنن المطلقة كالسنن الرواتب قبل الفرائض وبعدها وصلاة العيد في إحدى الروايتين والوتر على قولهما
وصلاة الكسوف والخسوف والاستسقاء.
والجواب عن الحديث: أن ذلك كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في
ابتداء الإسلام، حين لم تكن صلاة المقتدي متعلقة بصلاة الإمام. وقال
ابن حزم: لو علمنا أن النبي- عليه السلام- عرف بإمامته وأقره لقلنا به.
وقال الخطابي (2) : إن الإمام أحمد كان يضعف حديث عمرو بن
سلمة. وقال مرةَ: دَعه ليس بشيء بينِ.
وقال أبو داود: قيل لأحمد: حديث عمرو بن سلِمة، قال: لا أدري
ما هذا، ولعله لم يتحقق بلوغ أمره النبي- عليه السلام- وقد خالفه
أفعال الصحابة، قال: وفيه قال عمرو: وكنت إذا سجدتُ خرجت استي
قال: وهذا غير سائغ. وذكر الأثرم بسند له عن ابن مسعود أنه قال: لا
يؤلم الغلام حتى تجب علي الحدود. وعن ابن عباس: لا يؤم الغلام حتى
يَحتلم
__________
(1) كذا.
(2) معالم السنن (1 / 146) .(3/86)
568- ص- نا النفيلي: نا زهير، نا عاصم الأحول، عن عمرو بن سلمة في هذا الخبر (1) قال: فكنتُ أؤمهم في بُرْدة مُوصلة فيها فتق، قال: فكَنتُ إذا سجدتُ خرجت اسْتي (2) .
ش- النفيلي: عبد الله بن محمد بن نفيل، وزهير: ابن معاوية بن حُديج، وعاصم: ابن سليمان الأحول.
قوله: "في هذا الخبر " أي: الخبر المذكور.
قوله: " مُوصّلة " وهي العتيقة التي وُصِل بعضها ببَعضِ.
قوله: "خرجت اسْتي" الاسْت: العجُز، وقد يراد به حلقة الدُبر، وأصلها: سَتَهْ على فعل بالتحريك، يدل على ذلك أن جمْعه: أسْتاه، مثل جَمل وأجْمال.
569- ص- نا قتيبة: نا وكيع، عن مسْعر بن حبيب الجَرْمي: حدثني عمرو بن سلمة، عن أبيه أنهم وفدوا إلى النبي- عليه السلام- فلما أرادوا أن ينصرفوا قَالوا: يا رسول الله، مَنْ يَؤُمنا؟ فقال: " أكثرُكُم جمْعا للقرآن، أو أخذاً للقرآن ". قال: فلم يكن أحد من القوم جَمَع ما جمَعْتُ، قالَ: فقدمُوني وأنا غلام وعلي شَملة لي، فما شهدتُ مجمعاً من جَرْمٍ إلا كنتُ إمامَهم، وكنتُ أصلي على جنائزهم إلى يَوْمي هذا (3) .
ش- مسعر بن حبيب: أبو الحارث الجرمي البصري. سمع: عمرو ابن سلمة. روى عنه: يحيي بن سعيد القطان، ووكيع بن الجراح، ويزيد بن هارون، وحماد بن زيد، وعبد الصمد. قال ابن معين: ثقة. روى له: أبو داود (4) .
قوله:" مَنْ يؤمنا؟ " "من" للاستفهام هاهنا.
__________
(1) في سنن أبي داود:" بهذا الحبر". (2) انظر الحديث السابق. (3) تفرد به أبو داود.
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (27 / 5905) .(3/87)
قوله: " من جَرْم "- بفتح الجيم وسكون الراء وبعدها ميم- هو جَرْم ابن ربان من قضاعة، وربان: بفتح الراء، وتشديد الباء الموحدة، وبعد الألف نون. وفي بَجيلة: جَرْم، وفي عاملة: جَرْم- أيضاً-، وفي طيء: جرمٌ - أيضاً.
قوله: " على جنائزهم " جمع جنازة، الجنَازة بالكسْر والفتح: الميّت بسريره، وقيل: بالكسْر: السر ير، وبالفتح: الميّت.
صِ- قال أبو داود: رواه يزيد بن هارون، عن مسْعر بن حبيب الجرْمي، عن عمرو بن سلِمة قال: لما وفد قومي إلى النبي- عليه السلام- لم يَقُل: عن أبيه.
ش- أي: روى هذا الحديث يزيد بن هارون السلمي أبو خالد الواسطي، ولم يَقُل في روايته: عن أبيه.
570- ص- نا القعنبي: نا أنس- يعني: ابن عياض ح، ونا الهيثم بن خالد الجهني- المَعْنى- نا ابن نُمير، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر أنه لما قدم المهاجرون الأولون نزلوا العُصْبةَ قبل مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان يؤمهم سالم مولى أبي حذيفة، وكان أكثرهم قرآنا. زادَ الهيثم: وفيهم: عمر بن الخطاب، وأبو سلمة بن عبد الأسد (1) .
ش- أنس بن عياض: ابن ضمرة المدني.
والهيثم بن خالد: أبو الحسن الجهني. روى عن: حسين بن عليّ الجُعْفي، ووكيع بن الجراح. روى عنه: أبو داود (2) .
وابن نمير: هو عبد الله بن نمير الخارفي (3) الكوفي، وعبيد الله: ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب، ونافع: مولى ابن عمر.
[1/201-أ] قوله: " نزلوا العَصْبة " العَصْبة- بفتح العين المهملة، / وسكون
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (30/4646) .
(3) في الأصل: " الجارفي، خطأ.(3/88)
الصاد، وفتح الباء الموحدة- وهو موضع بقُباء. وروي: " المُعصب " - بضم أوله، وفتح ثانيه، وتشديد الصاد المهملة، بعدها باء مُوَحدة- ويقال: العُصْبة بضم العن وسكون الصاد. وقال ابن الأثير: وضبطه بعضهم بفتح العَيْن والصاد.
قوله: " قبل مقدم رسول الله " المقدم- بفتح الدال- مصدر ميمي بمعنى
القدوم.
قوله: " سالم مولى أبي حذيفة " وكنية سالم: أبو عبد الله، كان من فضلاء الموالي ومن خيار الصحابة وكبارهم، كان من أهل فارس من إصطخر، وقيل: إنه من العجم من سَبْي كرمان، وكان يعد في قريش لتبني أبي حذيفة له، ويعد في العجم لأصله، ويُعد في المهاجرين لهجرته ويُعد للأنصار (1) لأن مُعتِقته أنصارية، ويُعد في القراء، وقيل: عُد في المهاجرين لِتَبني أبي حذيفة له، قتل يوم اليمامة شهيداً هو وأبو حذيفة، فوجد رأس سالم عند رجل أبي حذيفة ورأس أبي حذيفة عند رجل (2) سالم.
571- ص- نا مُسدد: نا إسماعيل ح، ونا مسدد: نا مسلمة بن محمد
- المعنى واحد- عن خالد، عن أبي قلابة، عن مالك بن حُويرث أن النبي - عليه السلام- قال له أو لصاحب له: " إذا حَضَرت الصلاةُ فأذنا ثم أقيما ثم ليؤمكما أكبركما (3) " (4) .
__________
(1) كذا، والجادة وفي الأنصار ". (2) في الأصل:" رأس ".
(3) في سنن أبي داود:" أكبركما سنا ".
(4) البخاري: كتاب الأذان، بابَ: الأذان للمسافر إذا كانوا جماعة والإقامة وكذلك بعرفة وجمع (630) ، مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: من أحق بالإمامة (292 / 674) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما
جاء في الأذان في السفر (205) ، النسائي: كتاب الأذان، باب: أذان المنفردين في السفر (2 / 9) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: من أحق بالإمامة (979) .(3/89)
ش- إسماعيل: ابن عُلية.
ومسلمة بن محمد: الثقفي البصري. روى عن: داود بن أبي هند، ويونس بن عبيد، وخالد الحذاء، روى عنه: مُسدد. قال ابن معين: ليس حديثه بشيء. وقال أبو حاتم: ليس بمشهور يكتب حديثه. روى له: أبو داود، والنسائي (1) .
وخالد: ابن مهران الحذاء. وأبو قلابة: عبد الله بن زيد الجرمي البصري.
ومالك بن حُويرث: ابن حُشَيْش (2) بن عوف بن جندع أبو سُليمان الليثي، قدم على النبي- عليه السلام- وأقام عنده أياماً، ثم أذن له في الرجوع إلى أهله، رُوِي له عن رسول الله خمسة عشر حديثاً، اتفقا على حديثين وللبخاري حديث واحد. روى عنه: أبو قلابة، ونصر بن عاصم، نزل البصرة، روى له: الجماعة (3) .
والحديث أخرجه الأئمة الستة، ولفظ البخاري في "باب من قال: ليؤذن
في السفر مؤذن واحد ": حدَثنا مُعلى بن أسد: حدثنا وهيب، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن مالك بن الحويرث قال: أتيتُ النبي- عليه السلام- في نفرٍ من قومي، فأقمنا عنده عشرين ليلةً، وكان رحيما رقيقا، فلما رأى شوقنا إلى أهلينا قال: " ارجعوا فكونوا فيهم، وعلموهم وصلُوا، فإذا حَضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم، وليؤمكم أكبركم". ولفظ خالد، عن أبي قلابة في " باب الأذان للمسافرين إذا كانوا جماعه ": أتى رجلاًن النبي- عليه السلام- يُريدان السفر فقال: " إذا أنتما خرَجتما فأذنا ثم أقيما، ثم ليؤمكما أكبركما"، وفي باب اثنان فما فوقهما جماعة": " إذا حضرت الصلاة فأذنا "، وفي "باب
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (27 / 5961) .
(2) في أسد الغابة: "حسيس" بمهملات.
(3) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش " الإصابة (3 / 374) ، وأسد الغابة (5 / 20) ، والإصابة (3/ 342) .(3/90)
إذا استووا في القراءة فليؤمهم أكبرهم": قدمْنا على النبي- عليه السلام-
ونحنُ شبَبَة متقاربُون، وفيه: " لو رجعتَم إلى بلادكم فعلمتموهم،
فليصلوا صلاة كذا في حين كذا، وصلاة كذا في حين كذا "،ْ وفي
"إجازة خبر الواحد ": فلما ظن أنا قد اشتَقْنا أهلنا، سألنا عمن تركنا
بعدنا فأخبرناه فقال:" ارجعوا إلى أهليكم فأقيموا فيهم، وعلموهم ومُرُوهم " وذكر أشياء أحفظها و" صلوا كما رأيتموني أصلي"، وفي
" باب رحمة النساء والبهائم " نحوه.
قوله: "فأذنا ثم أقيما " عام للمسافر وغيره. وقال قاضي خان: رجل
صلى في سفر أو في بيته بغير أذان وإقامة يكره، قال: الكراهة مقصورة
على المسافر، ومن صلى في بيْته فالأفضل له أن يؤذن ويقيم، لتكون على
هيئة الجماعة، ولهذا كان الجهر بالقراءة في حقه أفضل.
قوله: " ليؤمكما أكبركما " قال القرطبي: يدل على تساويهما في
شروط الإمامة ورجح أحدهما بالسن.
قلت: لأن هؤلاء كانوا مستوين في باقي الخصال، لأنهم هاجروا
جميعاً وأسلموا جميعاً وصحبوا رسول الله- عليه السلام- ولازموه
عشرين ليلةَ، فاستووا في الأخذ عنه، فلم يبق ما يقدم به إلا السن.
وفيه حجة لأصحابنا في تفضيل الإمامة على الأذان، لأنه- عليه السلام-
قال: " ليؤمكما أكبركما " خص الإمامة بالأكبر، وفيه دليل أن الجماعة
تصح بإمام ومأموم، وهو إجماع المسلمين / وفيه الحض على المحافظة [1/201-ب] على الأذان في الحضر والسفر، وفيه أن الأذان والجماعة مشروعان على
المسافرين
ص- وقال في حديث مسلمة: قال: وكنا يومئذ متقاربتين في العِلم.
ش- أي: مسلمة بن محمد.
قوله:" قال: وكنا يومئذ " أي: قال مالك بن الحويرث: وكنا يوم قال
لنا النبي- عليه السلام- قوله ذلك متقاربَيْن- بفتح الباء الموحدة- أي:(3/91)
مُتساوِيَيْن في العلْم، وفي رواية ابن حزْم: " مُتقارنَيْن " بالنون في الموضعين من المقارنة، تقول: فلان قرين فلان إذا كان قريبَه في السِن، وكذا إذا كان في العلم.
ص- وقال في حديث إسماعيِل: قال خالد: قلت لأبي قلابة: فأينَ القراءةُ (1) ؟ قال: إنهما كانا مُتقارِبيْن.
ش- أي: في حديث إسماعيل بن عُلية: قال خالد بن مهران الحذاء: قلت لأبي قلابة عبد الله بن زيد: فأين القراءة؟ قال: إنهما- أي: مالك بن الحويرث وصاحب له، وفي رواية ابن أبي شيبة: وابن عم له- كانا متقاربَيْن أي: في القراءة، ولما كانا متقاربَين في العلم والقراءة لم يبق إلا أن يؤمهما أكبرهما سنا- كما ذكرنا-.
572- ص- نا عثمان بن أبي شيبة: نا حُسين بن عيسى الحنفي: نا الحكم بن أبان، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليؤذن لكم خياركم، وليؤمكم أقرؤكم (2) " (3) .
ش- الحسين بن عيسى الحنفي: أخو سُلَيم القارئ الكوفي. روى عن: الحكم بن أبان، ومعمر بن راشد. روى عنه: عثمان بن أبي شيبة، وإسماعيل بن موسى السُّدِّي، وأبو سعيد الأشج وغيرهم، سئل عنه أبو حاتم (4) فقال: ليس بالقوي، روى عن الحكم أحاديث منكرة. وقال أبو زرعة: منكر الحديث. روى له: أبو داود، وابن ماجه (5) والحكم بن أبان: العدني أبو عيسى. سمع: عكرمة، وطاوساً، وعبد الرحمن بن زامرد العدني. روى عنه: معمر، وابن عيينة، وابن جريج، وابنُ علية، والحُسين بن عيسى الحنفي، وغيْرهم. قال ابن
__________
(1) في سنن أبي داود: " القرآن ". (2) في حق أبي داود:" قراؤكم ". (3) ابن ماجه: كتاب الأذان، باب: فضل الأذان وثواب المؤذنين (726) . (4) في الأصل: "سئل عن أبي حاتم " خطأ.
(5) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (6 / 1329) .(3/92)
معين: ثقة. مات سنة أربع وخمسين ومائة وهو ابن أربع وثمانين سنةً. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (1) .
قوله:" خِيارُكم " أي: خيْرُكم.
قوله: " وليؤمكم أقرؤكم " أي: أعلمكم بعلم القرآن- كما ذكرنا. وذكر الدارقطني أن الحسن بن عيسى تفرد بهذا الحديث عن الحكم بن أبان.
* * *
56- بَابُ: إمامة النِّساءِ
أي: هذا باب في بيان إمامة النساء، وفي بعض النسخ: " باب ما جاء في إمامة النساء "، والنساءُ جمع " امرأة " من غير لفظه، وكذلك النُّسوة- بكسر النون وضمها- والنسوان، كما يقال: خلِفة ومخاض وذاك وأولئك.
573- ص- نا عثمان بن أبي شيبة: نا وكيع بن الجراح: نا الوليد بن عبد الله بن جُميع قال: حدَّثتني جَدتي وعبد الرحمن بن خلاد الأنصاري، عن أم ورقة بنْت نوفل أن النبي- عليه السلام- لما غزا بدراَ قالت: قلتُ له: يا رسولَ الله، ائذنْ لي في الغَزْوِ معك أمر ض مَرْضاكم، لعل الله يَرْزقني (2) شهادةَ، قال: " قري في بيتك، فإن الله عَز وجَل يرزقك الشهادة " قال: فكانت تُسمى الشَهيدةَ، قالَ: وكانت قد قرأت القرآنً فاستأذنت النبي - عليه السلام- أن تتخذ في دارها مُؤذناً فأذنَ لها، وكانت قد دبرت غلاماً لها وجاريةَ، فقاما إليها بالليِل فغماها بقطيفةَ لها حتى ماتت وذهبا، فأصبح عُمر فقام في الناس فقال: منْ كان عنْدَه منَ هذين علم أو مَنْ رآهما فليجئْ بهما، فأمرَ بهما فصلِبَا، فكانا أول مَصْلوبِ بالمدينة (3) .
ش- الوليد بن عبد الله بن جُميع: الزهري الكوفي. روى عن:
__________
(1) المصدر السابق (7 / 1422) .
(2) في سنن أبي داود: " لعل الله أن يرزقني". (3) تفرد به أبو داود.(3/93)
عامر بن واثلة وغيره. روى عنه: أبو أسامة، وأبو أحمد الزبيري، الكوفي، ووكيع. روى له: مسلم، وأبو داود (1) .
وعبد الرحمن بن خلاد الأنصاري: روى عن: أم ورقة بنت نوفل، ولها صحبة. روى عنه: الوليد بن عبد الله بن جُميع. روى له: أبو داود (2) .
وأم ورقة بنت عبد الله بن الحارث بن نوفل، ويقال: بنت نوفل الأنصارية، كان رسولُ الله يَزُورها ويسميها الشهيدة. روى عنها: عبد الرحمن بن خلاد الأنصاري. روى لها: أبو داود (3) .
قوله: " لما غزا بدرا" وكانت غزوة بدر في السنة الثانية من الهجرة.
قوله: " أمرض " بتشديد الراء، من مَرضتُه تمريضا إذا قمت عليه في مرضه.
[1/202-أ] قوله: " قرى " - بكسر القاف / وتشديد الراء- أمر من تقرين، من
قر يقر من باب ضرب يضرب، ويجور فتح القاف في " قري" ويكون أمراً من باب علم يعلم، والأول أفصحُ.
قوله: " وكانت دبرت " من التدبير، وهو تعليق العتْق بمُطلق مَوته، مثل أن يقول لعبده: إذا مت فأنت حر، أو: أنت حر عن دبر مني، أو: أنت مُدبر، أو: قد دبرتك، صار العبدُ في ذلك كله مدبرا، فلا يجوز بعد ذلك بيْعه ولا هبته، وهو حر من باقي الثلث، ويجور استخدامه وإجارته، ووطئها وتزويجها.
قوله: "فغَماها بقطيفة " من غممتُه إذا غطيته، والقَطيفةُ- بفتح القاف وكسر الطاء-: كنساء له خمول. وقال في " الَصحاح ":
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (31 / 6713) .
(2) المصدر السابق (17 / 3810) .
(3) انظر ترجمتها في: الاستيعاب بهامش الإصابة (4 / 504) ، وأسد الغابة (7 / 408) ، وا لإصابة (4 / 505) .(3/94)
القطيفة دِثار مُخمل، والجمع: قطائفُ وقُطف مثل صحيفة وصُحفِ وصحائف.
574- ص- نا الحسن بن حماد الحَضْرمي: نا محمد بن فُضيل، عن الوليد بن جُميع، عن عبد الرحمن بن خلاد، عن أم ورقة ابنة (1) عبد الله ابن الحارث بهذا الحديث والأول أتمّ قال: وكان رسول الله يَزورُها في بَيْتها وجعل لها مؤذنا يُؤذن لها، وأمَرها أن تؤم أهلَ دارها. قال عبد الرحمن: فأنا رأيتُ مؤذنَها شيخا كبيرا (2) .
ش- الحسن بن حماد: ابن كُسيب أبو علي الحضرمي المعروف بسَجادة. سمع: أبا بكر بن عياش، وعطاء بن مسلم، وأبا خالد الأحمر، ومحمد بن فضيل، وغيرهم. روى عنه: أبو زرعة، وأبو داود، وأبو بكر بن أبي الدنيا، وغيرهم. قال أحمد بن حنبل: صاحب سُنَة، ما بلغني عنه إلا خيرا. وقال الخطيب: كان ثقة. مات ببغداد سنة إحدى وأربعين ومائتين. وروى عنه: ابن ماجه، والنسائي، عن رجل عنه (3) . ومحمد بن فُضَيْل: ابن غزوان الكوفي.
قوله: " والأول " أي: الحديث الأول أتم، ورواه الحاكم في " المستدرك"ولفظه: " فأمرها أن تؤم أهل دارها في الفرائض" قال: ولا أعرف في الباب حديثاً مسندا غير هذا.
ويُستفادُ من الحديث فوائد، الأولى: أن قرار النساء في بيوتهن أفضل من خروجهن إلى الجهاد، إلا إذا كان النفير عاما.
الثانية: جوار اتخاذ المؤذن للنساء. وقال أصحابنا: ليس على النساء أذان ولا إقامة، لما روى أبو بكر: نا ابن إدريس، عن هشام، عن الحسن ومحمد بن سيرين قالا: ليس على النساء أذان ولا إقامة.
وكذا روى بإسناده، عن عطاء، وعن ابن المسيب، وعن الزهري،
__________
(1) في سنن أبي داود: "بنت". (2) تفرد به أبو داود. (3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (6 / 1219) .(3/95)
وعن الضحاك. وإن أذنت أو أْقامت فلا بأس، لما روى أبو بكر قال: نا ابن علية، عن ليث، عن طاوس، عن عائشة أنها كانت تؤذن وتقيم. الثالثة: فيه جواز التدبير.
الرابعة: جواز صَلْب القاتل.
الخامسة: جواز ثمامة النساء للنساء، وتقوم وسطهنّ، لما روى ابن عدي في " الكامل " (1) ، وأبو الشيخ الأصبهاني في كتاب " الأذان " عن الحكم بن عبد الله بن سعد الأيلي، عن القاسم بن محمد، عن أسماء بنت أبي بكر أن النبي- عليه السلام- قال: " ليس على النساء أذان ولا إقامة، ولا جمعة، ولا اغتسال، ولا تقدمهن امرأة، ولكن تقوم وسطهنّ "
قلت: هذا الحديث أنكره ابن الجوزي في " التحقيق "فقال: لا نعرفه مرفوعا، إنما هو شيء يروى عن الحسن البصري وإبراهيم النخعي، وردّه الشيخ في " الإمام" وحديث آخر موقوف: رواه عبد الرزاق في مصنفه: اْخبرنا إبراهيم بن محمد، عن داود بن الحصن، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: تؤم المرأة النساءَ تقوم في وسطهنّ.
وقال أبو بكر: ثنا سفيان بن عيينة، عن عمار الدهني، عن امرأة من قومه اسمها: حُجيرة قالت: أمتنا أم سلمة قائمة وَسْط النساء.
حدَثنا وكيع، عن ابن أبي ليلى، عن عطاء، عن عائشة أنها كانت تؤم النساء تقوم معهن في صفّهن.
وقال صاحب " الهداية ": وإن فعلن قامت الإمام وسطهن، لأن عائشة- رضي الله عنها- فعلت كذلك، وحمل فعلها الجماعة على ابتداء الإسلام.
قلت: وكذا ذكر في" المبسوط" و" المُحيط "، ولكن فيه بُعْد؟ لأنه
__________
(1) (2/479) ترجمة الحكم بن عبد الله بن سعد الأيلي.(3/96)
- عليه السلام- أقام بمكة بعد النبوة ثلاث عشرة سنة- كما رواه البخاري ومسلم- ثم تزوج عائشة بالمدينة، وبنى بها وهي بنت تسع، وبقيت عنده
- عليه السلام- تسع سنين، وما تصلي إماما إلا بعد بلوغها، فكيف
يَسْتقيم حمله على ابتداء الإسلام؟ / لكن يمكن أن يقال: إنه منسوخ، [1/202-ب] وفعلت ذلك حين كانت النساء تحضرن الجماعات ثم نُسخت جماعتهن،
والله أعلم.
* * *
57- بَاب: في الرجل يَؤمُّ القومَ وَهُمْ لهُ كَارِهُونَ
أي: هذا باب في بيان حكم الرجل الذي يؤم جماعة والحال أنهم كارهون إيّاه، وفي بعض النسخ: "باب ما جاء في الرجل".
575- ص- نا القعنبي: نا عبد الله بن عمر بن غانم، عن عبد الرحمن ابن زياد، عن عمران بن عَبْد المُعافِري، عن عبد الله بن عَمرٍ وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانَ يقولُ: " ثلاثة لا تقبل منهم (1) صلاة: من تَقدّم قوماً وهم له كارهون، ورجل أتى الصلاة دبارا- والدبارُ: أن يأتيها بعد أن تفُوتَه- ورجل اعْتَبد مُحرّرَهُ" (2) .
ش- عبد الرحمن بن زياد: ابن أنعم الإفريقي وهو ضعيف- كما ذكرناه. وعمران بن عَبْد المُعافري: المصْري، أبو عبد الله. روى عن: ابن عَمرو بن العاص. روى عنه: عبد الرحمن بن زياد. وعمران بن عبْد (3) روى له: أبو داود، وابن ماجه (4) .
قوله: "ثلاثة " أي: ثلاثُ طوائف لا يقبل الله منهم صلاة، وفي رواية كذا:" لا يقبل الله".
__________
(1) في سنن أبي داود: " لا يقبل الله منهم"
(2) ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: من أم قوماً وهم له كارهون (970) . (3) كذا بالتكرار.
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (22 / 4495) .
7. شرح سنن أبي داوود 3(3/97)
قوله: " منْ تقدّم قوماً " أي: أحدها: من تقدم قوماً والحال أنهم كارهون إياه، وهذا الوعيد في حق الرجل الذي ليس من أهل الإمامة، فيتغلب عليها حتى يكره الناس إمامته، فأما المستحق للإمامة فاللومُ على مَنْ كرِهَهُ.
قوله: " ورجل " أي: وثانيها: رجل أتى الصلاة دبارا فهو أن يكون
قد اتخذه عادةَ حتى يكون حضوره الصلاة بعد فراغ الناس، وقيل: أن يأتيها بعد ما يفوت وقتها أو يأتيها حين أدبر وقتها.
قوله: " دبارا " نَصب على الظرفية، ويجوز أن ينتصب على الحالية بمعنى: ورجَل أتى الصلاة حال كونها مُدبرةَ أي: مُوليه "، بمعنى: أن يأتيها بعد توليها وذهابها. وقال في " الصحاح": فلان يأتي الصلاة دبارا أي: بعد ما ذهب الوقتُ. وقال ابن الأثير: وقيل: دبار جمع دبر، وهو آخر أوقات الشيء كالأدبار في قوله تعالى:" وَأدْبَارَ السجُود " (1) ويقال: فلان ما يَدْري قبالَ الأمر من دباره أي: ما أوله من آخره، والمراد: أنه يأتي الصلاة حين أدبر وقتُها.
قلت: الدبار- بكسر الدال- وأما الدبار- بفتح الدال- مثل الدمَّار، وبضم الدال: اسمُ يَوم الأربعاء، من أسمائهم القديمة.
قوله:" ورجل اعتبد مُحرّره " أي: ثالثها. رجل اتخذ محرره عبدا، وهو أن يعتقه ثم يكتم عتقه، أو يُنكره، أو يَعْتقله بعد العتق فيَستخدمه كرها، أو يأخذ حرا فيدعيه عبدا ويتملكه، وهذا الوجه قاله البعْض، ولكن فيه بُعْد، لأن قوله:" محرره" بالإضافة يَمْنعُ هذا الوجه ويتمشى هذا الوجه على رواية من روى " اعتبد حُرا " بدون الضمير، ويدخل في القسم الثالث: غالب ملوك الترك في هذا الزمان، فإن منهم من يَعْتق مملوكه، ثم يُنكر عتاقه، ومنهم من يعتقه ثم يستخدمه كرها، وهذا كثير جدا، ومنهم من يَشْتري الغلمان على أنهم مماليك، وهو يَعرف أنهم
__________
(1) سورة ق: (40) .(3/98)
أحرار أولاد أحرار، وهذا الصنف كثير- أيضاً. وقوله: " اعتبد " من باب الافتعال وهو الاعتباد فالاعتبادُ والاستعباد والتَعْبيد كلها بمعنى واحدة وهو أن يتخذه عبدا.
* * *
58- (1) بَاب ٌ: فِي إمامة الأعْمى
أي: هذا باب في بيان إمامة الأعمى، وفي بعض النسخ: " باب ما
جاء في إمامة الأعمى "، الأعمى أفعلُ من عَمِي يعْمى عَما من باب علم
يعلم، والعَمَى: ذهاب البصر.
576- ص- نا محمد بن عبد الرحمن العَنْبري أبو عبد الله: نا ابن
مهدي: نا عمران القَطان، عن قتادة، عن أنس أن النبي- عليه السلام- استخلف ابن أم مكتوم يؤم الناسَ وهو أعْمَى (2) .
ش- ابن مَهْدي: هو عبد الرحمن بن مهدي العنبري البصري.
وعمران القطان: هو عمران بن داور أبو العوام البصري. روى عن:
الحسن، وابن سيرين، وقتادة، ويحيى بن أبي كثير. روى عنه: ابن
مهدي، وأبو داود الطيالسي، وأبو عاصم النبيل، وغيرهم. قال أحمد:
أرجو أن يكون صالح الحديث. وقال ابن معين: ليس بالقوي. وقال النسائي: ضعيف، وذكره ابن حبان في " الثقات ". روى له: الجماعة
إلا مسلما، [و] البخاري في المتابعات (3) .
قوله: / [" استخلف "] من الاستخلاف، وهو أن يجعل غيره خلَفا [1/203-أ]
__________
(1) جاء في سنن أبي داود قبل هذا الباب: " باب إمامه البر والفاجر": حدَثنا أحمد بن صالح، حدثنا ابن وهب، حدَثني معاوية بن صالح، عن العلاء
ابن الحارث، عن مكحول، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
" الصلاة المكتوبة واجبة خلف كل مسلم: بَرا كان أو فاجراَ، وإن عمل الكبائر" فلعله غير موجود في نسخة المصنف، والله أعلم.
(2) تفرد به أبو داود. (3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (22 / 4489) .(3/99)
عنه. وحكى النمري أنه استخلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة ثلاث عشرة مرةً: في غزوة الأبْواء، وبُواط، وذي العُسَيْرة، وخروجه إلى ناحية جهَيْنة في طلب كُرز بن جابر، وفي غزوة السويق، وغطفان، وأُحُد، وحمراء الأسد، وبُحْران (1) ، وذات الرِقاع، واستخلفه حين سار إلى بَدْر، ثم رد أبا لبابة واستخلفه عليها، واستخلفه عُمر- أيضاً- في حجة الوداع. وذكر البغوي أنه- عليه السلام- استخلفه يوم الخندق. ويُستفاد من الحديث أن إمامة الأعمى جائزة بلا خلاف، ثم إنها هل تكره أم لا؟ فقال الشافعي، ومالك، وأحمد: لا تكره. وقال أصحابنا: تكره، وعللوا بأنه لا يتوق النجاسة. وروى أبو بكر قال: نا وكيع، عن سفيان، عن عبد الأعلى، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: كيف أؤمهم وهم يعدلوني إلى القِبْلة؟ !
ونا الفضل بن دكين، عن حسن بن أبي الحسْناء، عن زياد النميري قال: سألت أنسا عن الأعمى يؤم فقال: ما أفقركم إلى ذلك؟
وحدثنا زيد بن حباب، عن إسرائيل، عن مرزوق، عن سعيد بن جبير أنه قال: الأعمى لا يؤم.
* * *
59- بَابُ: إمامة الزائر
أي: هذا باب في بيان إمامة الرجل الزائر قوماً.
577- ص- نا مسلم بن إبراهيم: نا أبان، عن بُديل قال: حدثني أبو عطية مولى منَّا قال: كان مالك بن الحويرث يأتينا إلى مُصلانا هذا، فأقيمت الصلاة فَقلنا له: تقدَّمْ فصَلهْ! فقال لنا: قدمَوا رجلاً منكم يُصلي بكم، وسَأحدثكم لم لا أصلي بكم، سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم
يَقولُ: " مَنْ زار قوماً فلا يؤمَّهُم وليؤَمهم رجلٌ منهم " (2) .
__________
(1) كتب فوقها " معا"، أي: بفتح الباء وضمها.
(2) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء فيمن زار قوماً لا يصلي بهم (356) ، النسائي: كتاب الإمامة، باب: إمامة الزائر (2 / 80) .(3/100)
ش- مسلم بن إبراهيم: القصّاب، وأبان: ابن يزيد العطار.
وبُدَيل: ابن مَيْسرة العقيلي البصري. روى عن: أنس بن مالك، وأبي العالية البَرَّاء، وعطاء بن أبي رباح، وغيرهم. روى عنه: قتادة، وشعبة، وأبان بن يزيد، وغيرهم. قال ابن معين: ثقة وقال أبو حاتم: صدوق. مات سنة ثلاثين ومائة. روى له: الجماعة إلا " البخاري (1) .
وأبو عطية مولى لبني عقيلٍ. روى عن: مالك بن الحويرث. روى عنه: بديل بن مَيْسرة. قال أبو حاتم: لا يُعرف ولا يسمّى. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي (2) .
قوله: " فصلَّهْ " الهاء فيه هاء السكْت دون الضمير. والحديث: أخرجه النسائي مختصرا، وأخرجه الترمذي وقال: هذا حديث حسَن، والعملُ على هذا عند كثر أهل العلم من أصحاب النبي- عليه السلام- وغيرهم، قالوا: صاحب المنزل أحق بالإمامة من الزائر. وقال بعض أهل العلم: إذا أذن له فلا بأس أن يصلي به. وقال إسحاق: لا يصلي اْحد بصاحب المنزل وإن أذن له صاحب المنزل، قال: وكذلك في المسجد لا يصلي بهم في المسجد إذا زارهم يقول: ليُصل بهم رجل منهم.
* * *
60- بَابُ: الإِمَام يَقُوم مكانا أَرْفعَ مِن مكان القَوْم
أي: هذا باب في بيان الإمام يقوم في مكان اْرفع من مكان القوم، وفي بعض النسخ: " باب ما جاء في الإمام يقوم مكانا "، وانتصاب " مكانا " على الظرفية، و" أرفع " نصب على أنه صفته.
578- ص- نا أبو مسعود الرازي أحمد بن الفُرات، وأحمد بن سنان
- المعنى- قالا: نا يعلى: ما الأعمش، عن إبراهيم، عن همام أن حذيفة
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (4 / 648) . (2) المصدر السابق (34 / 7517) .(3/101)
أمّ الناسَ بالمدائن على دكان، فأخذ أبو مسعود بقميصه فجَبَذهَ، فلما فرِغَ
من صلاته قال: ألم تعلم أنهم كانوا ينهون عن ذلكَ؟ قال: بلى، قد
ذكرتُ حين مَدَدْتني (1) .
ش- أحمد بن الفرات: ابن خالد الضبي أبو مسعود الرازي الوراق،
أحد الأئمة الأعلام، وحفاظ الحديث، ونُقاد الأثر. سمع: حماد بن
أسامة، ويعلى، وأبا داود الطيالسي، وغيرهم. روى عنه: أبو داود،
وحميد بن الربيع، وعبد الله بن جعفر بن أحمد، وغيرهم. قال أحمد
ابن حنبل: ما تحت أديم السماء أحفظ لأخبار رسول الله من أبي مَسْعود.
وقال إبراهيم بن محمد الطيّان: سمعت أبا مسعود يقول: كتبتُ عن ألف
وسبع مائة وخمسين رجلاً، أدخلتُ في مُصنفي ثلثمائة وعشرة وعطلْتُ
سائر ذلك، وكتبتُ ألف ألف حديث وخمس مائة ألف حديث، فأخذت [1/ 3.2 - ب] من ذلك ثلثمائة ألف في التفسير والأحكام والفوائد / وغيره. توفي سنة ثمان وخمسين ومائتين بأصبهان، وقبرُه ظاهر يُزارُ (2) .
واْحمد بن سنان: القطان الواسطي.
ويَعْلى: ابن عُبيد بن أبي أمية أبو يوسف الطنافسي الإيادي الحنفي
الكوفي، أخو محمد وإبراهيم وعمر. سمع: يحيى بن سعيد الأنصاري
والأعمش، والثوري، وغيرهم. روى عنه: أخوه: محمد، وأبو بكر
ابن أبي شيبة، وأحمد بن سنان، وأحمد بن الفرات، وغيرهم. قال
أحمد بن حنبل: كان صحيح الحديث صالحا في نفسه. وقال ابن معين:
ثقة. وقال أبو حاتم: صدوق. توفي سنة تسع ومائتين. روى له:
الجماعة (3) .
وإبراهيم: النخعي، وهمام: ابن الحارث النخعي الكوفي، وحذيفة:
ابن أليمان.
__________
(1) تفرد به أبو داود. (2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (1 / 88) (3) المصدر السابق (32 / 7115) .(3/102)
قوله: " بالمدائن " أي: في المدائن؛ وهي مدينة قديمة على دجلة تحت بغداد سهما سَبْعة فراسخ، وفيها كانت إيوان كسْرى، واسمها بالفارسية: طَيْسَفُون.
قوله: " على دكان" الدكان واحد الدكاكين وهي الحوانيت فارسي معرب، وقيل: الدكان: الدكة المَبْنِية للجلوس عليها، واختلف في النون فمنهم يَجْعلها أصلاً، ومنهم من يَجْعلها زائدةً.
قوله: " أبو مسعود " هو عقبة بن عَمرو البدري.
وبهذا الحديث استدل أصحابنا أن الإمام إذا كان وحده على الدكان يكره ذلك، لأنه يُشبه صنيع أهل الكتاب من حيث تخصيص الإمام بالمكان، وكذا إذا كان القوم على الدكان وحدهم، لأنه ازدراء بالإمام.
579- ص- نا أحمد بن إبراهيم: نا حجاج، عن ابن جريج: أخبرني أبو خالد، عن عدي بن ثابت الأنصاري: حدثني رجل أنه كان مع عمار بن ياسر بالمدائن: فأقيمت الصلاةُ فتقدّم عمّار بن ياسر وقامَ على دُكانٍ يُصلي والناس أسفلَ منه، فتقدّمَ حذيفةُ فأخذ على يدَيْهً فاتبعَه عمَار حتى أنزلَه حذيفة، فلما فرغ عمار من صلاته قال له حذيفة: ألم تَسْمَعْ رسول الله يَقولُ: " إذا أم الرجلُ القومَ فلا يَقُم في مكان أرفعِ من مقامِهم " أو نحو ذلك؟ قال عمار: لذلك اتبعتك حين أخذتَ علي يدي (1) .
ش- أحمد بن إبراهيم: ابن كثير بن زيد بن أفلح بن منصور بن مزاحم العبدي أبو عبد الله المعروف بـ " الدورقي ". سمع: أخاه: يعقوب، وابن مهدي، والحجاج، وأبا داود الطيالسي، وغيرهم. روى عنه: مسلم، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه، وغير هم. قال أبو حاتم: صدوق. مات بالعسكر يوم السبْت لسبع بقين من شعبان، سنة ست وأربعة ومائتين (2) .
وحجاج: ابن محمد الأعور، وعبد الملك: ابن جريج.
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (1/ 3) ،(3/103)
وأبو خالد: روى عن: عدي بن ثابت، روى عنه: ابن جريج. روى له: أبو داود (1) .
قوله: " أسفل منه " منصوب على الظرفية.
قوله: " لذلك " أي: لأجل قول النبي- عليه السلام- هذه المقالة. وفي إسناد الحديث رجل مجهول.
* * *
61- بَابُ: إمامة مَنْ صَلى (2) بقَوْم وَقد صلى تِلك الصَّلاةَ
أي: هذا باب في بيان إمامة من صلى بقوم والحال أنه قد صلى تلك الصلاة التي يصليها بالقوم.
580- ص- نا عُبيد الله بن عُمر بن مَيْسرة: نا يحيى بن سعيد، عن محمد بن عجلان: نا عُبَيْد الله بن مقسم، عن جابر بن عبد الله، أن معاذَ بن جبل كان يُصلّي مع رسول الله " صلى الله عليه وسلم " العشاء، ثم يأتي قومَه فيُصلي بهم تلك الصلا (3) .
ش- عبيد الله بن مقسم المديني مولى ابن أبي نمير. سمع: عبد الله ابن عُمر، وأبا هريرة، وجابر بن عبد الله، وأبا صالح السمان، وغيرهم. روى عنه: يحيى بن أبي كثير، وابن عجلان، وسلمة بن دينار، وغيرهم. قال أبو زرعة: ثقة. وقال أبو حاتم: لا بأس به. روى له: الجماعة إلا الترمذي (4) .
وبهذا الحديث استدل الشافعي على جواز اقتداء المفترض بالمتنفل، فقال: لأن صلاة معاذ مع رسول الله هي الفريضة، وإذا كان قد صلى فرضه كانت صلاته بقومه نافلة له، وبه قال أحمد، والأوزاعي، وهو قول عطاء وطاوس. وقال أبو حنيفة: لا يجوز ذلك، وهو قول
__________
(1) المصدر السابق (33 / 7339) . (2) في سنن أبي داود: " يصلي" (3) تفرد به أبو داود.
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (19 / 3688) .(3/104)
الزهري، وابن المسيب، والنخعي، وأبي قلابة، ربيعة بن أبي عبد الرحمن،
ويحمى بن سعيد الأنصاري، والحسن البصري في رواية، ومجاهد،
ومالك بن اْنس، واستدل على ذلك بقوله- عليه السلام-: " إنما جعل
الإمام ليُؤتم به، فلا تختلفوا علي ". قال ابن بطال: ولا اختلاف أعظم
من اختلاف النيات، ولأنه لو جاز بناء المفترض على صلاة / المتنفل لما [1/ 4، 2 - أ] شرعت صلاة الخوف مع كل طائفة بعضها، وارتكاب الأعمال التي لا
تصح الصلاة معها في غير الخوف، لأنه- عليه السلام- كان يمكنه أن
يصلي مع كل طائفة جميع صلاته، وتكون الثانية له نافلةً وللطائفة الثانية
فريضةً.
والجواب عن حديث معاذ- رضي الله عنه- من وجوه، الأول: أن
الاحتجاج به من باب ترك الإنكار من النبي- عليه السلام-، وشرطه:
علمهُ بالواقعة، وجاز أن لا يكون علم بها، وأنه لو علم لأنْكر.
فإن قيل: يَبْعُد أو يمتنعُ في العادة أن لم يعلم النبي - عليه السلام -
بذلك من عادة معاذ. قلتُ: لا يَبْعدُ ولا يمتنع ذلك، ألا ترى إلى قوله
- عليه السلام-: " يا معاذ، لا تكن فتانا، إما أن تصلي معي وإما أن
تخفف عن قومك "، وذلك حين أتى سُلَيم رسولَ الله فقال: إنا نُصلي
في أعمالنا فنأتي حين نُمسي فنُصلي، فيأتي معاذ بن جبلٍ فيُنادي بالصلاة
فنأتيه فيُطوّل علينا، فقوله - عليه السلام - هذا يدل على أنه عند رسول
الله كان يفعل أحد الأمْرين: إما الصلاة معه أو بقومه وأنه لم يكن يَجْمعهما، لأنه قال: إما أن تصلي معي أي: ولا تُصل بقومك، وإما
أن تخففه بقومك أي: ولا تصل معي، ولو كان جمعه بينهما صحيحا
لأمره بالتخفيف فقط.
الثاني: أن النية أمر باطن لا يطلع علي إلا بإخبار الناوِي، فجاز أن
تكون نيته مع النبي- عليه السلام- الفرض، وجاز أن تكون النفل ولم
يَرِد عن معاذ ما يدل على أحدهما، وإنما يعرف ذلك بأخباره.(3/105)
فإن قيل: قد جاء في الحديث رواية ذكرها الدارقطني (1) من حديث
أبي عاصم وعبد الرزاق، عن عَمرو، أخبرني جابر، أن معاذا كان يصلي مع النبي- عليه السلام- العشاء، ثم ينصرف إلى قومه فيصلي بهم تلك الصلاة هي لهم فريضة وله تطوع. وفي " مسند الشافعي " بسند صحيح، عن عبد المجيد، عن ابن جريج، عن عمرو: فيُصليها لهم، هي له تطوع ولهم مكتوبة. قال: البيهقي: هذا حديث ثابت لا أعلم حديثاً يروى من طريق واحدة أثبت من هذا، ولا أوثق رجالا. وكذا رواه أبو عاصم النبيل، عبد الرزاق، عن ابن جريج بذكر هذه الزيادة. قلت: ذكر الطحاوي أن ابن عيينة روى عن عمرو حديث جابر فلم يذكر " هي له نافلة ولهم فريضة "، فيجور أن يكون من قول ابن جريج، أو من قول عمرو، أو من قول جابر بناء على ظن واجتهاد لا بجزم "، وزعم أبو البركات ابن تيمية أن الإمام أحمد ضعف هذه الزيادة، وقال: أخشى أن لا تكون محفوظة، لأن ابن عيينة يزيد فيها كلاما لا يقوله أحد. زاد ابن قدامة في " المغني ": وقد روى الحديث: منصور بن زاذان وشعبة فلم يقولا ما قال سفيان. وقال ابن الجوزي: هذه الزيادة لا تصح، ولو صحت كانت ظنا من جابر، وبنحوه ذكره ابن العربي في " العارضة ". فإن قيل: لا يظن معاذ أنه يترك فضيلة فرضه خلف النبي- عليه السلام- ويأتي بها مع قومه. قلت: قال ابن العربي: وفضيلة النافلة خلفه لتأدية فريضة لقومه تقوم مقام أداء الفريضة معه، وامتثال أمره- عليه السلام- في ثمامة قومه زيادة طاعة، أو يحمل على أن معاذا كان يصلي مع النبي- عليه السلام- صلاة النهار، ومع قومه صلاة الليل، فأخبر الراوي في قوله: " فهي لهم فريضة وله نافلة، بحال معاذ في وقتين لا في وقت واحدِ.
الثالث: أن هذا حكاية حالِ لم يُعلم كيفيتها فلا يعمل بها، ويُستدل
__________
(1) سننه (1 / 274، 275) .(3/106)
بما في صحيح ابن حبان: " الإمام ضامن " يعني: يضمنها صحةً وفسادا،
والفرض ليست مضمونا في النفل. فإن قيل: إن النبي- عليه السلام-
قال: " إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة " فكيف يظن بمعاذ مع
سماع هذا، أن يصلي النافلة مع قيام المكتوبة؟ قلت: إن مفهومه أن لا
يُصلي نافلة كير الصلاة التي تقام، لأن المحذور وقوع الخلاف على الأئمة،
وهذا المحذور منتف مع الاتفاق في الصلاة المُقامة، ويؤيد هذا الاتفاق من
الجمهور على جواَز اقتداء المتنفل بالمفترض، ولو تناوله النهي لما جاز
مطلقا.
الرابع: أن هذا حديث منسوخ، قال الطحاوي: يحتمل أن يكون
ذلك وقت كانت الفريضة تصلى مرتين، فإن ذلك كان يفعل أول الإسلام
حتى نهى عنه، ثم ذكر حديث ابن عمر /: " لا تُصفى صلاة في يوم [1/ 4، 2 ب] مرتين "
فإن قيل: إثبات النسخ بالاحتمال لا يجور. قلت: يُسْتَدلُّ على ذلك
بوجه حسنِ، وذلك أن إسلام معاذ متقدم، وقد صلى النبي- عليه السلام- بعد سنين من الهجرة صلاة (1) الخوف غير مرة من وجه وقع فيه
مخالفة ظاهرة بالأفعال المنافية للصلاة، فيُقال: لو جازت صلاة المفترض
خلف المتنفل، لأمكن إيقاع الصلاة مرتين على وجه لا تقع فيه المنافاة والمفسدات في غير هذه الحالة، وحيث صُليت على هذا الوجه مع إمكان
دفع المفسدات- على تقدير جوار اقتداء المفترض بالمتنفل - دل على أنه لا
يجور ذلك.
الخامس: قال المُهلب: يحتمل أن يكون حديث معاذ كان أول الإسلام
وقت عدم القراء، ووقت لا عوض للقوم من معاذ، فكًانت حال ضرورة
فلا تجعل أصلاَ يُقاسُ عليه.
581- ص- نا مُسدد: نا سفيان، عن عمرو بن دينار سمع جابر بن
__________
(1) في الأصل:" صلاف "(3/107)
عبد الله يقول: إن معاذاً كان يُصلِّي مع النبي- عليه السلام- ثم يرجعُ فيؤمُ قومَه (1) . ش- الحديث: أخرجه البخاري، ومسلم، والنسائي، ولفظ مسلم: " إن معاذا كان يُصلي مع رسول الله عشاء الآخرة ثم يرجع إلى قومه فيصلي بهم تلك الصلاة ". ولفظ البخاري: " فيُصلي بهم الصلاة المكتوبة ".
* * *
62- باب: الإمام يصلي من قعود
أي: هذا باب في بيان حكم الإمام يصلي قاعدا، وفي بعض النسخ: " باب إذا صلى الإمام قاعدا وفي بعضها: " إذا صلى من قعود ".
582- ص- نا القعنبي، عن مالك، عن ابن شهاب، عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب فرسا، فصُرع عنه فجُحشَ شقُّهُ الأيمنُ، فصلى صلاةً من الصلواتِ وهو قاعد وصلينا وراءه قعوداً، فلما انصرف قال: "إنما جُعل الإمامُ ليؤتمَّ به، فإذا صلّى قائما فصلوا قياما، وإذا ركعَ فاركعوا، وإذا رفع فارْفعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمدُ، وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعون " (2) .
__________
(1) البخاري: كتاب الأذان، باب: إذا طول الإمام وكان للرجل حاجة فخرج فصلى (701) ، مسلم: كتاب الصلاة، باب: القراءة في العشاء
(178 / 465) ، النسائي: كتاب الافتتاح، باب: القراءة في العشاء الآخرة
بـ " سبح اسم ربك الأعلى " (2 / 172) .
(2) البخاري: كتاب الأذان، باب: إنما جعل الإمام ليؤتم به (687) ، مسلم: كتاب الصلاة، باب: ائتمام المأموم بالإمام (482) ، الترمذي: كتاب الصلاة باب: ما جاء إذا صلى الإمام قاعدا فصلوا قعوداَ (361) ، النسائي: كتاب الإمامة، باب: الإمام المأموم الإمام (2 / 82) ، وكتاب التطبيق، باب: ما=(3/108)
ش- " صرع عنه " أي: سقط؛ وكذا في رواية البخاري.
قوله: " فجُحش "- بضم الجيم وكسر الحاء المهملة وبالشين المعجمة- من الجحش وهو مثل الخَدْش، وقيل: فوقه. وقال الخطابي (1) : معناه: أنه قد انسحج جلْده، وقد يكون ما أصاب رسول الله من ذلك السقوط مع الخدش رض في الأعضاء وتوجع، فلذلك منعه القيام للصلاة.
قوله: "وهو قاعد " جملة اسميّة وقعت حالاً من الضمير الذي في " فصلّى ".
قوله: " قعودا " حال أي: قاعدين، وهو جمع قاعد، كالسجود جمع ساجدٍ.
قوله: " إنما جعل الإمام ليؤتم به " تمسّك به أبو حنيفة ومالك فقالا: يأتم به في الأفعال والنيات. وعند الشافعي وغيره: يأتم به في الأفعال " الظاهرة "
قوله: " قياما " حال أيضاً- أي: قائمين، وهو جمع قائم، كالصيام جمع صائم.
قوله: " وإذا رفع " أي: رأسه، فارفعوا رءوسكم.
قوله: " وإذا قال: سمع الله لمنْ حمده " ما وهذا مجاز عن الإجابة، والإجابة مجاز عن الدعاء، فصار هذا مجاز المجاز، والهاء فيه للسكتة والاستراحة، لا للكتابة حتى لا يجوز فيه إلا الوقف.
قوله: " ربنا ولك الحمد " انتصاب " ربنا " على أنه منادى، وحرف النداء محذوف، فهذه الواو زائدة، وقيل: عاطفة تقديره: ربنا حمدناك ولك الحمد. وبه استدل أبو حنيفة على أن وظيفة الإمام: التسميع،
__________
= يقول المأموم (2 / 195) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب:
ما جاء في إنما جعل الإمام ليؤتم به (1238) .
(1) معالم الحق (1 / 149) .(3/109)
ووظيفة المقتدي: التحميد، لأنه- عليه السلام- قسَم، والقسمة تنافي الشركة، وهو قول مالك، وأحمد في رواية، وعند أبي يوسف ومحمد: يأتي الإمام بهما، وهو قول الشافعي، وأحمد في رواية، والحديث حجة عليهم. وأما المؤتم: فلا يقول إلا " ربنا لك الحمد " ليس إلا عندنا. وقال الشافعي ومالك: يجمع بينهما، وسنَسْتوفي الكلام في هذا الباب عند انتهائنا إلى بابه إن شاء الله تعالى.
قوله: " جلوسا " حال- أيضاً- أي: جالسين، وهو جمع جالس. قوله: " أجمعون " تأكيد للضمير المرفوع الذي في قوله: " فصَلوا ". والحديث أخرجه باقي الأئمة الستة، واستدلوا به الإمام أحمد، وإسحاق ابن راهويه، وابن حزم، والأوزاعي، ونفى من أهل الحديث: أن الإمام إذا صلى قاعدا يصليْ خلفه قعوداً. وقال مالك، لا تجوز صلاة القادر على القيام خلف القاعد لا قائما ولا قاعداً. وقال أبو حنيفة، والشافعي، [1/ 5، 2 - أ] والثوري /، وأبو ثور، وجمهور السلف: لا يجوز للقادر على القيام أن يُصلي خْلف القاعد إلا قائما. وقال المرغيناني: النفل والفرض سواء. والجواب عن الحديث من وجوه، الأول أنه منسوخ، وناسخه:صلاة النبي- عليه السلام- بالناس في مرض موته قاعداً وهم قيام، وأبو بكر قائم يُعلمهم بأفْعال صلاته، بناء على أن النبي- عليه السلام- كان الإمامَ، وأن أبا بكر كان مأموما في تلك الصلاة.
فإن قيل: كيف وجه هذا النَسْخ، وقد وقع في ذلك خلاف، وذلك
أن هذا الحديث الناسخ وهو حديث عائشة فيه أنه كان -عليه السلام إماما وأبو بكر مأموم، وقد ورد فيه العكس كما أخرجه الترمذي والنَسائي عن نُعيم بن أبي هند، عن أبي وائل، عن مَسْروق، عن عائشة قالت: " صلى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي توفي فيه خلف أبي بكر قاعدا ". وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، وأخرج النسائي- أيضاً-، عن حُميد، عن أنسٍ قال: آخر صلاة صلاها رسول الله مع القوم صلى في(3/110)
ثوب واحد متوشحا خلف أبي بكر؟ قلت: مثل هذا ما يُعارضُ مَا وقع في " الصحيح " مع أن العلماء جمعوا بيْنهما، فقال البيهقي في " المعرفة ": ولا تعارض بين الخبَريْن، فإن الصلاة التي كان فيها النبي- عليه السلام- إماما هي صلاة الظهر يوم السَّبْت أو الأحد، والتي كان فيها مأموما هي صلاة الصبح من يوم الاثنين، وهي آخر صلاة صلاها- عليه السلام- حتى خرج من الدنيا. قال: وهذا لا يُخالفُ ما ثبت عن الزهري عن أنس في صلاتهم يوم الاثنين، وكشفه- عليه السلام- الستر ثم إرخائه، فإن ذلك إنما كان في الركعة الأولى، ثم إنه- عليه السلام- وجد في نفسه خفةً، فخرج فأدرك معه الركعة الثانية. وقال القاضي عياض: نسخْ إمامة القاعد محتملة بقوله- عليه السلام-: " لا يؤمن اْحد بَعْدي جالسا " وبفعل الخلفاء بعده، وأنه لم يؤم اْحد منهم قاعدا، وإن كان النسخ لا يمكن بعد النبي- عليه السلام- فمثابرتهم على ذلك تشهد بصحة نهيه- عليه السلام- عن إمامة القاعد بعده.
قلت: هذا الحديث أخرجه الدارقطني، ثم البيهقي في ما سننهما، عن جابر الجُعفي، عن الشعبي، وقال الدارقطني: لم يَرْوه عن الشعبي غير جابر الجُعْفي، وهو متروك، والحديث مُرْسل لا تقوم به حجة. وقال عبد الحق في " أحكامه ": ورواه عن الجُعْفي: مجالد، وهو- أيضاً- ضعيف.
الثاني: أنه كان مخصوصا بالنبي- عليه السلام-. وفيه نظر، لأن الأصل عدم التخصيص حتى يدلّ علي دليل- كما عرف في الأصول. الثالث: يُحمل قوله: " فإذا صلى جالسا فصلّوا جلوسا " على أنه إذا كان الإمام في حالة الجلوس فاجْلسوا ولا تخالفوه بالقيام، وكذلك " إذا صلى قائما فصّلوا قياما " أي: إذا كان في حالة القيام فقوموا ولا تخالفوه بالقعود، وكذلك في قوله: " فإذا ركع فاركعوا وإذا سجد فاسجدوا ". ولقائل أن يقول: لا يَقْوى الاحتجاج على أحمد بحديث عائشة المذكور أنه- عليه السلام- صلى جالسا والناس خلفه قيام، بل ولا يصلح لأنه(3/111)
يجوز صلاة القائم خلف من شرع في صلاته قائما ثم قعد لعُذر، ويجعلون هذا منه سيّما وقد ورد في بعض طرق الحديث أن النبي- عليه السلام- أخذ في القراءة من حيث انتهى إليه أبو بكر، رواه الدارقطني في
" سننه " وأحمد في " مسنده "
فإن قيل: قال ابن القطان في كتابه " الوهم والإيهام ": وهي رواية
مُرْسلة، فإنها ليست من رواية ابن عباس عن النبي- عليه السلام-،
وإنما رواها ابن عباس، عن أبيه: العباس، عن النبي- عليه السلام-،
كذلك رواه البزار في " مسنده " بسند فيه قيس بن الربيع، وهو ضعيف،
ثم ذكر له مثالب في دينه قال: وكان ابن عباس كثيرا ما يُرْسل. قلت:
رواه ابن ماجه من غير طريق قيس، فقال: حدَّثنا علي بن محمد: ثنا
وكيع، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن الأرقم بن شرحبيل، عن
ابن عباس قال: لما مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكره إلى أن قال: قال ابن
عباس: وأخذ رسول الله في القراءة من حيث كان بلغ أبو بكر- رضي [1/ 5،2 - ب] الله عنه- /.
وقال الخطابي (1) : وذكر أبو داود هذا الحديث من رواية جابر،
وأبي هريرة، وعائشة، ولم يذكر صلاة رسول الله- عليه السلام- آخر
ما صلاها بالناس وهو قاعد والناس خلفه قيام وهذا آخر الأمرين من
فعله- عليه السلام-. ومن عادة أبي داود فيما أنشأه من أبواب هذا الكتاب: أن يذكر الحديث في بابه ويذكر الذي يُعارضُه في باب آخر على
إثْره، ولم أجده في شيء من النُّسَخ، فلستُ ادْري كيف أغفلَ ذكر هذه
القصّة وهي من أمهات السنن؟ وإليه ذهب كثر الفقهاء.
قلت: إما تركها سَهْواً وغفلةً، أو كان رأيه في هذا الحكم مثل ما
ذهب إليه الإمام أحمدُ، فلذلك لم يذكر ما يَنْقضه، والله أعلم.
583- ص- نا عثمان بن أبي شيبة: نا جرير ووكيع، عن الأعمش، عن
__________
(1) معالم الحق (1 / 148) .(3/112)
أبي سفيان، عن جابر قال: ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسا بالمدينة فصرَعه على جذْم نخلة فانفكّت قدمُه، فأتيناه نَعُوده فوجدناه في مَشْرُبَة لعائشةَ يُسبح جالسا، قًال: فقمنا خَلفه فسكت عنّا، ثم أتَيْناه مرةً أخرى نعُوده فصلى المكتوبة جالسا فقمنا خلفه، فأشار إلينا فقعدنا قال: فلما قضى الصلاةَ قال: " إذا صلى الإمامُ جالسا فصلوا جلوسا، " إذا صلى الإمام قائما فصَلوا قياما، ولا تفعلوا كما يفعلُ أهلُ فارسٍ بُعظمائها " (1) .
ش- جرير: ابن عبد الحميد.
وأبو سفيان: اسمه: طلحة بن نافع القرشي مولاهم الواسطي ويقال: المكي. روى عن: عبد الله بن عباس، وابن عُمر، وجابر بن عبد الله، وأنس بن مالك، والحسن البصري، وعُبيد بن عُمير. روى عنه: الأعمش، وأبو خالد الدالاني، وحجاج بن أرطاة، وغيرهم. قال أحمد بن حنبل: ليس به بأس. وقال ابن عدي: لا بأس به. روى له: الجماعة إلا البخاريّ (2) .
وجابر: ابن عبد الله.
قوله: "على جِذم نخلة "- بكسر الجيم وسكون الذال المعجمة- أي: أصل نخلةٍ، وجذْم كل شيء: أصله.
قوله: " في مَشْرُبة "- بفتح الميم، وسكون الشين المعجمة، وفتح الراء وضمها- وهي الغرفة، وقيل: كالجرانة فيها الطعام والشراب، وبه سفيت مشربةً، والميم فيها زائدة.
قوله: " يُسبّح جالسا " أي: يصلي بصلاة الضحى حال كونه جالساً قوله: " بُعظماها " العُظماء: جمع عظيم، كالكرماء جمع كريم
__________
(1) ابن ماجه: كتاب الطب، باب: موضع الحجامة (3485) مختصراً
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (13 / 2983) .
8. شرح سنن أبي داوود 3(3/113)
فإن قيل: كيف سكت النبي- عليه السلام- في الحالة الأولى، وأشار إليهم بالقعود في الحالة الثانية؟ قلت: لأن الحالة الأولى كان النبي - عليه السلام- فيها متطوعا، والتطوعات يحتمل فيها ما لا يحتمل في الفرائض "، بخلاف الحالة الثانية فإنه كان فيها مفترضا، وقد صرح بذلك. والحديث: أخرجه ابن حبان في " صحيحه " ثم قال: وفي هذا الخبر دليل على أن ما في حديث حميد، عن أنس أنه صلى بهم قاعدا وهم قيام أنه إنما كانت تلك الصلاة سبحة، فلما حضرت الفريضة أمرهم بالجلوس فجلسوا، فكان أمر فريضة لا فضيلة.
584- ص- نا سليمان بن حرب، ومسلم بن إبراهيم- المعنى- عن وهيب، عن مُصْعب بن محمد، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال النبي- عليه السلام-: " إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، ولا تكبروا حتى يكبر، وإذا ركع فاركعوا ولا تركعوا حتى يركع، وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد "- قال مسلم: " ولك الحمد "- " وإذا سجد فاسجدوا ولا تسجدوا حتى يَسْجد، وإذا صلى قائما فصلوا قياما، وإذا صلى قاعدا فصلوا قعودا أجمعون (1) " (2) . ش- وُهَيْب: ابن خالد البصري.
ومصعب بن محمد: ابن شرحبيل بن محمد بن عبد الرحمن بن شرحبيل بن أبي عزيز القرشي العَبْدري، من بني عبد الدار بن قصي. روى عن: أبي صالح، ونافع بن مالك. روى عنه: محمد بن عجلان، والثوري، ووُهَيب، وابن عيينة. قال أحمد: لا أعلم إلا
__________
(1) في الأصل: " أجمعين "، وقد ذكرها في شرحه " أجمعون "، وفي كلامه ما يشعر بأنها سبق قلم، والله أعلم.
(2) تفرد به أبو داود.(3/114)
خيرا. وقال ابن معين: ثقة. وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج
به. روى له: أبو داود، وابن ماجه (1) .
وأبو صالح: ذكوان الزيات.
قوله: " فكبروا " وبه استدل أبو حنيفة على أن المقتدي يكبر مقارنا لتكبير
الإمام، لا يتقدم الإمام ولا يتأخر عنه، لأن الفاء للحال. وقال
أبو يوسف، ومحمد: الأفضل: أن يكبر بعد فراغ " الإمام من التكبير / لأن [1/ 6، 2 - أ] ، الفاء للتعقيب، وإن كبر مقارنا مع الإمام أجزأه عند محمد روايةً واحدةً،
وقد أساء، وكذلك في أصح الروايتين عن أبي يوسف. وفي روايةٍ: لا
يصير شارعا ثم ينبغي أن يكون اقترانهما في التكبير على قوله كاقتران حركة
الخاتم والإصبع، والبعدية على قولهما أن يُوصل ألف " الله " براء
" أكبر ". وقال شيخ الإسلام جواهر زاده: قول أبي حنيفة أدقُّ وأجودُ،
وقولهما أرفقُ وأحوطُ، ثم قيل: الخلاف في الجواز والفتوى أنه في الأفضلية. وقول الشافعي كقولهما، وعند الماورديّ: إن شرع في تكبيرة
الإحرام قبل فراغ الإمام منها، دم تنعقد صلاته، ويركع بعد شروع الإمام
في الركوع، فإن قارنه أو سابقه فقد أساء ولا تبطل صلاته، فإن سلم
قبل إمامه بطلت صلاته، إلا أن ينوي المفارقة ففيه خلاف مشهور.
قوله: " وإذا ركع فاركعوا " الفاء فيه وفي قوله: " فاسجدوا " تدل
على التعقيب، وتدل على أن المقتدي لا يجوز له أن يسبق الإمام بالركوع والسجود، حتى إذا سبق الإمام فيهما ولم يلحقه الإمام فسدت صلاته.
قوله: " قال مسلم " أي: مسلم بن إبراهيم القصاب أحد شيوخ
أبي داود.
قوله: " أجمعون " تأكيد للضمير الذي في " فصلوا "، وفي بعض
النسخ،" أجمعين "، فإن كان صحيحا فوجهه أن يكون تأكيداً لقوله:
" قعودا ".
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال له (28/ 5989) .(3/115)
ص- قال أبو داود: اللهم ربنا لك الحمد. أفهمني بعض أصحابنا عن سليمان.
ش- أي: بدون حرف الواو. وسليمان: هو ابن حرب، اْحد شيوخ أبي داود.
585- ص- نا محمد بن اَدم: نا أبو خالد، عن ابن عجلان، عن زبد ابن أسلم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي- عليه السلام- قال: " إنما جُعِل الإمامُ ليؤتم به " بهذا الخبر، زادَ: " وإذا قرأ فأنصتوا " (1) . ش- محمد بن آدم: ابن سليمان المصيصي.
وأبو خالد هذا: هو سليمان بن حيان أبو خالد الأحمر الجعفري الكوفي الأزدي، ولد بجرجان. سمع: يحيى الأنصاري، وسليمان التيمي، والأعمش، ومحمد بن عجلان، وغيرهم. روى عنه: أحمد ابن حنبل، وأبو بكر وعثمان ابنا أبي شيبة، وغيرهم. قال ابن معين: ليس به بأس، وقال- أيضاً-: ثقة. وقال أبو حاتم: صدوق. توفي سنة سبعين ومائة. روى له الجماعة (2) .
وزيْد بن أسلم: مولى عمر بن الخطاب.
قوله: " بهذا الخبر" أي: الخبر المذكور المرويّ من طريق مُصعب، عن أبي صالح، وزاد أبو خالد في هذا الطريق المروي من " طريق " زيد بن أسلم عن أبي صالح: " وإذا قرأ " أي: الإمام " فأنْصِتوا ". وبهذا استدل أصحابنا أن المقتدي لا يقرأ خلْف الإمام أصلاً، وهو حجة على الشافعي، حيث يُوجب القراءة على المقتدي في جميع الصلوات، وعلى مالك في الظهر والعصر
__________
(1) النسائي: كتاب الافتتاح، باب: تأويل قوله عَر وجَل: {وإذا قرىْ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون} (2 / 141) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: إذا قرأ الإمام فأنصتوا (846) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (11 / 2504) .(3/116)
وقال صاحب " الهداية ": يستحسن على سبيل الاحتياط، فيما يروى
عن محمد، ويكره عندهما لما فيه من الوعيد.
قلت: المراد منه في غير الجهرية. وفي الجهرية اختلف المشايخ قال
بعضهم: لا يكره، وإليه مال الشيخ الإمام أبو حفص، والأصح: أنه
يكره، وقال شمس الأئمة السرخسي: تفسد صلاته. وقوله:، " لما فيه
من الوعيد " وهو ما رواه أبو بكر (1) : حدثنا محمد بن سليمان الأصبهاني، عن عبد الرحمن بن الأصبهاني، عن ابن أبي ليلى، عن
عليّ قال: من قرأ خلف الإمام فقد أخطأ الفطرة.
وحدَّثنا وكيع، عن داود بن قيس، عن أبي نجاد، عن سَعْدٍ قال:
وددتُ أن الذي يَقرأ خلف الإمام في فيه جمرة.
وحدثنا هشيم قال: أنا إسماعيل بن أبي خالد، عن وَبْرة، عن
الأسود بن يزيد أنه قال: وددت أن الذي يقرأ خلف الإمام مُلِئَ فُوه ترابا. وسَنَسْتوفي الكلام عند انتهائنا إلى باب " من ترك القراءة في صلاته " إن
شاء الله تعالى. والحديث: رواه النسائي، وابن ماجه، وابن أبي شيبة
في " مصنفه ".
ص- وهذه الزيادة: " إذا قرأ فأنصتوا " ليْست بمحفوظة، الوهمُ من
أبى خالد عندنا.
ش- " هذه ": مبتدأ، و " الزيادة ": مبتدأ ثان، وخبره: " ليْست بمحفوظة "، والجملة خبر المبتدأ الأول.
وقوله: " إذا قرأ فأنصتوا " في محل البيان عن الزيادة.
وقوله: " الوهمُ " مبتدأ، وخبره: قوله: " من أبي خالد "، وفي
غالب / النسخ: " الوهم عندنا من أبي خالد " (2) ، وكذا قال البيهقي [1 / 206 - ب]
__________
(1) انظره والآثار التي بعده في المصنف (1 / 376- وما بعدها) .
(2) كما في سنن أبي داود.(3/117)
في " المعرفة " بعد أن روى حديث أبي هريرة وأبي موسى وقد أجمع الحُفاظ على خطإ هذه اللفظة في الحديث: أبو داود، وأبو حاتم، وابن معين، والحاكم، والدارقطني وقالوا: إنها ليست بمحفوظة، وقال الدارقطني: وقد رواه أصحاب قتادة الحُفّاظ عنه، منهم: هشام الدستوائي، وسعيد، وشعبة، وهمام، وأبو عوانة، وأبان، وعَدي بن أبي عمارة، ولم يَقل أحد منهم: " وإذا قراْ فأنصتوا "، قال: وإجماعهم يدل على وهمه، وعن أبي حاتم: ليست هذه الكلمة محفوظة، إنما هي من تخاليط ابن عجلان، وعن ابن معين في حديث ابن عجلان: " وإذا قرأ فأنصتوا ": ليس بشيء.
قلت: في هذا كله نظر، لأن أبا خالد هذا من الثقات الذين احتج البخاري ومسلم بحديثهم في " صحيحيهما "، ومع هذا فلم ينفرد بهذه الزيادة، فقد أخرج النسائي هذا الحديث في " سننه " بهذه الزيادة من طريق محمد بن سَعد الأنصاريّ، ومن طريق أبي خالد الأحمر ومحمد ابن سَعْد: ثقة، وَثقه يحيى بن مَعين، ومحمد بن عبد الله المخرمي والنسائي، فقد تابع ابنُ سَعْد هذا أبا خالد، وتابعه- أيضا إسماعيلُ ابن أبان، وبهذا ظهر أن الوهم ليس من أبي خالد كما زعم أبو داود، وابن خزيمة صحح حديث ابن عجلان، ويؤكد هذا: ما يُوجد في بعض نسخ مسلم هذه الزيادة عقيب هذا الحديث. وقال أبو إسحاق صاحب مُسلم: قال أبو بكر ابن أخت أبي النضر في هذا الحديث: أي طعن فيه؟ فقال مسلم: تريد احفظ من سليمان؟ " فقال له أبو بكر: فحديث أبي هريرة تقول هذا صحيح؟ يعني: " وإذا قرأ فأنصتوا لا فقال: هو عندي صحيح، فقال: لمَ لمْ تضعه هاهنا؟ قال: ليْس كل شيء عندي صحيح وضعته هاهنا، إَنما وضعت هاهنا ما أجمعوا عليه. فقد صحح مسلم هذه الزيادة من حديث أبي موسى الأشعري، ومن حديث أبي هريرة- رضي الله عنهما. وأيضا هذه الزيادة من ثقة، وزيادة الثقة مقبولة، والعجب من أبي داود نسَب الوهم إلى أبي خالد وهو ثقة بلا شك، ولم يَنْسب إلى ابن عجلان وفيه كلام.(3/118)
586- ص- نا القعنبي، عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة زوج النبي- عليه السلام- أنها قالت: صلّى رسول الله [صلى الله] عليه وسلم في بَيْته وهو جالس فصلى وراءه قوم قياما، فأشار إليهم أن اجلسوا، فلما انصرف قال: " إنما جُعل الإمام ليؤتم به، فإذا ركع فاركعوا، وإذا رفع فارفعوا، وإذا صَلى جالسا فصَلّوا جلوسا " (1) .
ش- " أن اجلسوا " أن تفسيريّة كما في قوله تعالى: {فَأوْحَيْنَا إِلَيْهِ أنِ اصْنَع الفُلكَ} (2) . وجواب هذا الحديث: ما مر في حديث أنس وجابر- رضي الله عنهم-. والحديث: أخرجه البخاري، ومسلم. 587- ص- نا قتيبة بن سعيد، ويزيد بن خالد بن موهب المعنى أن الليث حدثهم عن أبي الزبير، عن جابر قال: اشتكى النبي- عليه السلام- فصلينا وراءه وهو قاعد وأبو بكر يُكبر يُسْمع (3) الناس تكبيره، ثم ساق الحديث (4) .
ش- الليث: ابن سَعْد، وأبو الزُّبير: محمد بن مسلم بن تدرس المكي الأسدي.
قوله: ما اشتكى النبي- عليه السلام- لما أي: مَرِضَ، من الشكْو وهو المَرضُ، تقول منه: شكى يشكو واشتكى شكايةً وشكاوة وشكوَى
__________
(1) البخاري: كتاب الأذان، باب: إنما جعل الإمام ليؤتم به (688) ، مسلم: كتاب الصلاة، باب: الإمام المأموم بالإمام (82 / 412) .
(2) سورة المؤمنون: (27) ، وفي الأصل: " وأوحينا ".
(3) في سنن أبي داود: " ليسمع ".
(4) النسائي: كتاب السهو، باب: الرخصة في الالتفات في الصلاة يمينا وشمالا، (3/ 8) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في إنما جعل الإمام ليؤتم به (1240) .(3/119)
وشكوى. قال أبو علي: والتنوين رَديء جدا. وقال ابن دريد: الشكوُ
مصدر شكوتُه.
قوله: " ثم ساق الحديث " وتمامُه في " صحيح مسلم ": " فالتفتَ إلينا
صلى الله عليه وسلم فرآنا قياما، فأشار إلينا فقعدنا، فصلينا بصلاته قعودا، فلما سلم
قال: " إن كدتم آنفا تفعلون فعل فارسَ والروم " يقومون على ملوكهم
وهم قعود فلا تفعلوا، ائتموا بأئمتكم، إن صَلّوا قياما فصلوا قياما، وإن
صلوا قعوداً فصلّوا قعودا ". وأخرجه النسائي، وابن ماجه.
588 - ص- نا عَبْدة بن عبد الله: نا زيد- يعني: ابن الحُباب، عن
محمد بن صالح: حدَثني حُصَين من ولد سَعْد بن معاذ، عن أسَيْد بن
[1/ 207 - أ] ، حُضَير / أنه كان يَؤُمهِم قال: فجاء رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَعُوده فقال (1) : يا رسولَ الله، إن إمامنا مريض فقال: " إذا صلى قاعداً فصلوا قعُودا " (2) .
ش- عَبْدَة بن عبد الله: ابن عبْدة الصفار الخزاعي أبو سهل البصري،
أصله كوفي. روى عن: معاوية بن هشام، ومحمد بن بشر العبْدي،
وعبد الصمد بن عبد الوارث، وغيرهم. روى عنه: البخاريّ،
وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وغيرهم. قال أبو حاتم:
صدوق. مات سنة ثمان وخمسة ومائتين بالأهْواز (3) .
وزيد: ابن الحُباب بن الريان الكوفي.
ومحمد بن صالح: ابن دينار التمار المدني، أبو عبد الله، رأى ابن
المسيّب. وروى عن: ابن شهاب، وعمر بن عبد العزيز، وحميد بن
نافع، وغير. روى عنه: عبد الله بن نافع الصائغ، وأبو عامر العقدي، والقعنبي، وغيرهم. قال أبو حاتم: شيخ ليس بالقوي ولا
يعجبني حديثه. وقال أحمد: ثقة ثقة. روى له: أبو داود، والترمذي،
وابن ماجه (4) .
__________
(1) في سنن أبي داود: " فقالوا ".
(2) تفرد به أبو داود.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (18 / 3616) .
(4) المصدر السابق (25 / 5293) .(3/120)
وحُصَيْن: ابن عبد الرحمن بن [عمرو بن] سَعْد بن معاذ بن النعمان الأنصاري الأشهلي المدني. روى عن: محمود بن عَمرو، وعبد الرحمن ابن ثابت، ومحمود (1) بن لبيد. روى عنه: محمد بن إسحاق، وعتبة بن جُبيرة المدني. وقال ابن سَعْد: ويكنى أبا محمد، وكان قليل الحديث. توفي سنة ست وعشرين ومائة (2) .
وهذا الحديث وأمثاله كما قلنا منسوخ، لأن آخر ما صلى عليه السلام صلى قاعداً والناس خلفه قيام، وإنما يؤخذ بالآخر فالآخر من فعله عليه السلام، قاله الحُميدي. وابن حبان لم يَر بالنسخ، فإنه قال بعد أن روى حديث عائشة المذكور: وفي هذا الخبر بيان واضح أن الإمام إذا صلى قاعداً كان على المأمومين أن يصلوا قعوداً، وأفتى به من الصحابة: جابر ابن عبد الله، وأبو هريرة، وأسيد بن حُضير، وقيْس بن قَهْد، ولم يُرْو عن غيرهم من الصحابة خلاف هذا بإسْناد متصل ولا منقطع فكان إجماعا، والإجماعُ عندنا إجماع الصحابة، وقد أفتى به من التابعين: جابرُ بن زيد، ولم يُرْو عن غيره من التابعين خلافه بإسناد صحيح ولا وَاه، فكان إجماعا من التابعين- أيضاً وأولُ من أبطل ذلك في الأمة: المُغًيرة بن مقسم، وأخذ عنه: حماد بن أبي سليمان، ثم أخذه عن حماد: أبو حنيفة، ثم عنه: أصحابه، وأعلى حديث احتجوا به: حديث رواه جابر الجُعْفي، عن الشعبي قال عليه السلام: " لا يؤمن أحد بعدي جالسا "؛ وهذا لو صح إسناده لكان مُرْسلاً، والمُرسل عندنا وما لم يُرْو سيان، لأنا لو قبلنا إرسال تابعي وإن كان ثقةً للزمنا قبول مثله عن أتباع التابعين، وإذا قبلنا لزِمَنا قبوله من أتباع أتْباع (3) التابعين، ويؤدي ذلك إلى أن نقبل من كل أحد إذا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي هذا نقض الشريعة. والعجب أن أبا حنيفة يَجْرحُ جابرا الجُعفي ويكذبه، ثم لما اضطره الأمرُ جعل يحتج بحديثه، وذلك كما أخبرنا به الحُسن بن
(1) في الأصل:" محمد " خطأ.
(2) المصدر السابق (6 / 1357)
(3) كتب فوقها:" صح "(3/121)
عبد الله بن يزيد القطان بالرقة: ثنا أحمد بن أبي الحوراء: سمعت
أبا يحيى الحُماني: سمعت أبا حنيفة يقولُ: ما رأيْتُ فيمن لقيتُ أفضل
من عطاء، ولا لقيتُ فيمن لقيت كذبَ من جابر الجُعْفي، ما أتيته بشيءٍ
من رأى قط إلا جاءني فيه بحديثٍ.
قلتُ: أما إنكاره النسخ: فليس له وَجْه، وقد ذكرنا وجهه مستوفى.
وأما قوله: " أفتى به من الصحابة، جابر وغيره "، فقد قال الشافعي:
إنهم لم يبلغهم النسخ، وعِلمُ الخاصة يُوجد عند بَعْضٍ ويَغرب عن بعْضٍ.
انتهى، وكذا مَنْ أفتى به من التابعين لم يبلغه خبر النسخ، وأفتى بظاهر
الحديث المنسوخ، وأما قوله: " والإجماع عندنا إجماع الصحابة، فغير
مُسلم، لأن الأدلة غير فارقة بين أهل عصرٍ، بل هي تتناول لأهل كل
عصرٍ كتناولها لأفل عصر الصحابة، إذ لو كانت خطابا للموجودين وقت
النزول فقط يلزم أن لا ينعقد إجماع الصحابة بعد مَوْت من كان موجودا
وقت النزول، لأنه ح (1) لا يكون إجماعهم إجماع جميع المخاطبين وقت
النزول، ويلزم أن لا يعتد بخلاف من أسْلم، أو ولد من الصحابة بعد
[1/ 207 - ب] النزول، لكونهم خارجين عن الخطاب، / وقد اتفقتم معنا على إجماع هؤلاء فلا يختص بالمخاطبين، والخطاب لا يختص بالموجودين كالخطاب
بسائر التكاليف. وهذا الذي قاله ابن حبان هو مذهب داود وأتباعه.
وأما قوله: " والمرسل عندنا وما لم يُرْو سيان، إلى آخره فغير مُسلم
- أيضا لأن إرسال العدل من الأئمة تعديل له، إذ لو كان غير عدل
لوجب علي التنبيه على جرْحه، والإخبار عن حاله، فالسكوت بعد
الرواية عنه يكون تلبيسا أو تحميلاً للناس على العمل بما ليس بحجة،
والعدل لا يتهم بمثل ذلك، فيكون إرساله توثيقا له، لأنه يحتمل أنه كان
مشهورا عنده فروي عنه بناء على ظاهر حاله، وفوض تعريف حاله إلى
السامع حيث ذكر اسمه، وقد استدل بعض أصحابنا لقبول المرسل باتفاق
-------------------
(1) أي: " حينئذ ".(3/122)
الصحابة، فإنهم اتفقوا على قبول روايات ابن عباس- رضي الله عنه- مع أنه لم يسمع من النبي- عليه السلام- إلا أربع أحاديث لصغر سنه - كما ذكره الغزالي- أو بضع عشر حديثاً- كما ذكره شمس الأئمة السرخسي. وقال ابن سيرين: ما كنا نُسند الحديث إلى أن وقعت الفتنة. وقال بعضهم: ردّ المراسيل بدعة حادثة بعد المائتين، والشعبي والنخعي من أهل الكوفة وأبو العالية والحسن من أهل البصرة ومكحول من أهل الشام كانوا يُرْسلون ولا يظن إلا الصدق، فدل على كون المرسل حجة، نعم وقع الاختلاف في مراسيل من دون القرن الثاني والثالث، فعند أبي الحسن الكرخي: نقبل إرسال كل عدل في كل عصر، لأن العلة الموجبة لقبول المراسيل في القرون الثلاثة وهي العدالة والضبط يَشمل سائر القرون، فبهذا التقرير انتقض قوله: " وفي هذا نقض الشريعة ".
وأما قوله: " والعجب من أبي حنيفة " إلى آخره، فكلائم فيه مجرد تشنيع بدون دليل جلي، فإن أبا حنيفة من اْين احتج بحديث جابر الجُعْفي في كونه ناسخا ومَنْ نقلَ هذا من الثقات عن أبي حنيفة حتى يكون مُتناقضاً في قوله وفعله؟ بل احتج أبو حنيفة في نسخ هذا الباب بمثل ما احتج به غيره كالشافعي والثوري وأبي ثور وجمهور السلف- كما مر مستوفى.
ص- قال أبو داود: هذا الحديث ليس بمتصل.
ش- أي: حديث حُصَين، لأنه يَرْوى عن التابعين، لا يحفظ له رواية عن الصحابة، سيما أسيد بن حضير، فإنه قديم الوفاة، توفي سنة عشرين، وقيل: سنة إحدى وعشرين- كما ذكرناه- وحصين هذا توفي سنة ست وعشرين ومائة- كما ذكرناه.
***
63- بَابُ الرَّجُلَيْن يَؤمُّ أحدُهما صاحبه كَيْفَ يقومانِ؟
أي: هذا باب في بيان الرجلة يؤم أحدهما صاحبَه كيف يقومان؟(3/123)
وفي بعض النسخ: " يؤم أحدهما الآخر "، وفي بعضها: " باب ما جاء في الرجلين ".
589- ص- نا موسى بن إسماعيل: نا حماد: أنا ثابت، عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على أم حَرام فأتوه بسَمْن وتمر فقالَ: " رُدّوا هذا في وعائه وهذا في سقائه فإني صائمٌ "، ثم قام فصلى بنا ركعتين تطوعا، فقامت أم سُليم وأم حرام خلفنا. قال ثابت: ولا أعلمه إلا قال: أقامني عن يمينه على بساط؟ (1) .
ش- حماد: ابن سلمي، وثابت: البناني.
وأم حرام أخت أم سليم بنت ملحان، ويقال: اسمها: الغُميصاء. وقال أبو عمر النمري: لا أقف لها على اسم صحيح. وفي " الكمال ": اسم حرام بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم ابن مالك بن النجار، يقال: اسمها: الرميصاء، ويُقال: الغُميصاء. روى عنها: اْنس بن مالك، وعطاء بن يَسار، ويعلى بن شداد. روى لها: البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه (2) .
وأم سليم بنت ملحان المذكور [ة] وهي أم أنس بن مالك، اسمها: سُهَيْلة، وقد ذكرناها، ويقال اسم ملحان: مالك.
قوله: " هذا في وعائه" أي: ردوا التمر في ظرفه.
قوله: " وهذا في سقائه " أي: ردوا السمن في سقائه، السقاء- بكسر السين- ظرف من الجلد يجعل فيه الماء واللبن ونحوهما والجمع: أسقية. قوله: " قال ثابت " أي: ثابت البناني، " ولا أعلمه " أي: ولا أعلم أنساً " إلا قال: أقامني رسول الله عن يمينه على بساط ".
{1/ 208 - أ] ويُستفاد من / الحديث فوائد، الأولى: جواز دخول الرجل في بَيْت صاحبه ومَن بَيْنه وبينه انْبساط.
--------------------------
(1) تفرد به أبو داود.
(2) انظر ترجمتها في: تهذيب الكمال (35 / 7962) .(3/124)
الثانيةُ: استحباب تقديم الطعام لمنْ ينزل عنده.
الثالثة: جواز ترك الإفطار إذا كان صائماً، إلا إذا كان مَدْعوا فح (1) الإفطار أفضل.
الرابعة: جواز الجماعة في التطوع.
الخامسة: أن السُّنَّة فيمن يُصفي إماماً للرجال والنساء يجعل النساء وراء الرجال، فإن كان الرجل وأحداً يُوقفُه على يمينه متساوياً، فإن كان اثنان غير، يتقدم عليهما كما يجيء إن شاء الله تعالى.
590- ص- نا حَفْصُ بن عمر: نا شعبة، عن عبد الله بن المختار، عن موسى بن أنس يُحدث عن أنس أن رسولَ الله- عليه السلام- أمه وامرأةً منهم فجعله عن يمينه والمرأة خلفً ذلك (2) .
ش- حفص بن عمر: النمري البصري.
وعبد الله بن المختار: البصري. روى عن: موسى بن أنس، والحسن البصري، وابن سيرين، وغيرهم. روى عنه: شعبة وغيره. قال ابن معين: ثقة. وقال أبو حاتم: لا بأس به. روى له: مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه (3) .
وموسى بن أنس: ابن مالك الأنصاري قاضي البصرة، سمع: أباه. روى عنه: حميد الطويل، ومكحول، وابن عون، وشعبة، وغيرهم. قال ابن سعد: كانت أقه من أهل اليمن، وكان ثقة قليل الحديث. روى له: الجماعة (4) .
-------------------------
(1) أي: فحينئذ.
(2) مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: جواز الجماعة في النافلة والصلاة على حصير وخمرة وثوب وغيرها من الطاهرات (269 / 660) ، النسائي: كتاب الإمامة، باب: موقف الإمام إذا كان معه صبي وامرأة
(2 / 86) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: الاثنان جماعة (975) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (16 / 3556) .
(4) المصدر السابق (29 / 6237) .(3/125)
قوله: " وامرأةً " عطف على الضمير المنصوب في " أمه ".
قوله: " والمرأةَ " أي: جعل المرأةَ خلف ذلك. وأخرجه مسلم، والنسائي، وابن ماجه.
591- ص- نا مسند: نا يحيى، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء، عن ابن عباس قال: بت في بيت خالتي ميمونة فقام رسولُ الله من الليل فأطلق القِربةَ فتوضأ ثم أوكأ القربة، ثم قام إلى الصلاة، فقمتُ فتوضأتُ كما توضأ، ثم جئت فقمتُ عن يَسارِه فأخذني بيمينه فأدَارني من ورائه، فأقامني عن يمينه فصليتُ معه (1) .
ش- يحيى: القطان.
وعبد الملك بن أبي سليمان العَرزمي (2) أبو محمد أو أبو عبد الله الكوفي، واسم أبي سليمان: ميْسرة، نزل حارة عرْزم (2) بالكوفة فنُسب إليها. روى عن: انس بن مالك، وعطاء، وسعيد بن جبير، وغير هم. روى عنه: الثوري، وشعبة، وابن المبارك، ويحمى القطان، وغيرهم. قال أحمد: ثقة. قال ابن معين: ضعيف. مات سنة خمس وأربعين ومائة. روى له: الجماعة إلا البخاري (3) .
وعطاء: ابن أبي رباح. وميمونة: بنت الحارث أخت أم ابن عباس
أم الفضل بنْت الحارث.
قوله: " فأطلق القربةَ " أي: أرسلها بمعنى: حل شدها
------------------------
(1) البخاري: كتاب الأذان، باب: يقوم عن يمين الإمام بحذائه سواء إذا كانا اثنين (697) ، مسلم: كتاب صلاة المسافرين، باب: الدعاء في صلاة الليل وقيامه (763) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في الرجل يصلي ومعه رجل (232) ، النسائي: كتاب الإمامة، باب: الجماعة إذا كانوا اثنين
(2 / 104) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة والسُنة فيها، باب: الاثنان جماعة (973)
(2) في الأصل: " العزرمي- عزرم " خطأ.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال له (18 / 3532) .(3/126)
قوله: " ثم أوْكأ القربة " أي: شد رأسها بالوِكاء، وهو الخيط الذي تشدُ به القربة والكيس ونحوهما، يُقال: أوكيتُ السقاء أوكِيه إيكاء فهو موكى.
ويُستفاد من الحديث فوائد، الأولى: جواز مبيت الرجل عند محارمه
مع الزوج، وقيل: إن ابن عباس- رضي الله عنه- تحرى وقتاً لذلك لا يكون فيه ضرر بالنبي- عليه السلام-، وهو وقت الحيض، وقيل: إنه بات عندها لينظر إلى صلاة رسول الله- عليه السلام-.
الثانية: جواز الائتمام بمنْ لم ينو الإمامة.
الثالثة: أن الصبي له موقف في الصف مع الإمام.
الرابعة: أن موقف المأموم الواحد مع الإمام يمين الإمام.
الخامسة: أن العمل اليَسيرَ في الصلاة لا يُبْطلها.
السادسة: جواز الجماعة في التطوع.
السابعة: استحباب القيام من الليل. والحديث: أخرجه الستة مُطولاً ومختصراً.
592- ص- نا عمرو بن عون: نا هُشيم، عن أبي بشْر، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس في هذه القصّة قال: فأخذ برأسي أول بذؤابتي، فأقامني عن يمينه (1) .
ش- عمرو بن عون: أبو عثمان الواسطي البزاز، وهُشيم: ابن بَشير السُّلَمي الواسطي، وأبو بِشر: جَعْفر بن أبي وَحْشيّة.
قوله: " في هذه القصة " أي: القصة المذكورة.
قوله: " أو بذؤابتي " شك من الراوي، والذؤابة- بضم الذال المعجمة- من الشعر، وهو مهموز العين، وجمعها: ذوائب، فافهم.
*****
(1) البخاري: كتاب اللباس، باب: الذوائب (5919) .(3/127)
64- بَابٌ: إذا كانوا ثلاثة كيف يقومون؟
أي: هذا باب في بيان ما إذا كان المصلون ثلاثة أنفس كيف يقومون
في الصلاة؟
593- ص- نا القعنبي، عن مالك، عن إسحاق بن عبد الله بن] 1/ 208 - ب] أبي طلحة، عن أنس / بن مالك أن جدته: مُليكة دعَتْ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم لطعامِ صنعَتْه فأكل منه، ثم قال: " قوموا فلأصلب لكم " قال أنس ": فقمتُ إلى حَصِيرِ لنا قد اسود من طول ما لُبسَ، فنضحتُه بماء فقام علي رسولُ الله،، فصففت (1) أنا واليتيم وراءه والَعجوز من ورائنا، فصلى لنا ركعتَيْن ثم انصرف (2) .
ش- مالك: ابن أنس، وإسحاق بن عبْد الله بن أبي طلحة: زيد بن سَهْل الأنصاري.
قوله: " أن جدته مُليكة " الضمير في " جدته " يَرْجع على إسحاق المذكور، وهي جدة إسحاق أم أبيه عبد الله بن أبي طلحة، وهي أم سليم بنْت ملحان زوج أبي طلحة الأنصاري، وهي أم أنس بن مالك، ويقال، الضميَر يرجع على أنس، وهو القائل: " أن جدته " وهي جدة أنس بن مالك أم أمه، واسمها: مُليكة بنت مالك بن عدي، ويؤيد الوجْه الأول أن في بعْض طرق الحديث: " أن أم سُليم سألت رسول الله- عليه السلام- أن يأتيها " أخرجه النسائي عن يحي بن سعيد، عن إسحاق بن عبد الله فذكره، وأم سُليم هي أم أنس، جاء ذلك مصرحاً في البخاري. وقال النووي في " الخلاصة ": الضمير في جدته لإسحاق على الصحيح
-------------------------------
(1) في سنن أبي داود: " وصففت ".
(2) البخاري: كتاب الصلاة، باب: الصلاة على الحصير (380) ، مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: جواز الجماعة في النافلة والصلاة على حصيرة وخمرة وثوب وغيرهما من الطاهرات (658) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في الرجل يصلي ومعه الرجال والنساء (234) ، النسائي: كتاب الإمامة، باب: إذا كانوا ثلاثة وامرأة (2 / 86) .(3/128)
وهي أم إسحاق، وجدة إسحاق، وقيل: جدّة أنس، وهو باطل، وهي أم سليم صرّح به في رواية للبخاري. ومُليكة- بضم الميم وفتح اللام-، وبَعْض الرواة رواه بفتح الميم وكسر اللام، والأول أصح. قوله: " الطعام " أي: لأجل طعام.
قوله: " فأكل منه " فيه حذف، أي: فأجاب دعوته فجاء فأكل منه. قوله: " من طول ما لُبس " أي: من كثرة ما استُعْمل. وقال الشيخ تقي الدين: دل ذلك أَن الافتراش يطلق علي لباس، ورتب على ذلك مسألتان، أحدهما: لو حلف لا يلبس ثوبا ولم يكن له نية فافترشه أنه يحنث، والثانية: أن افتراش الحرير حرام، لأنه كاللّبس.
قلت: أما الأولى فإنما يحدث فيه، لان مبنى اليمن على العُرْف، وأما الثانية: فليْس الافتراش كاللبس، لأن بجواز الافتراش قد جاء الحديث. قوله: " فنضحته " إن كان لنجاسة متيقنة يكون النضح هاهنا بمعنى الغَسل، وإن كان لتوقع نجاسة لامتهانه بطول افتراشه يكون النضح بمعنى الرش لتطييب النفس، ويقال: إن كان النضح ليلين الحصير للصلاة يكون بمعنى الرش وأن كان لوَضَر الدوس والأقْدام يكون بمعنى الغَسْل.
قوله: " فصففت أنا واليتيمُ وراءه " فيه حجة لجمهور الأمة في أن موقف الاثنين وراء الإمام، وكان بعض المتقدمة رأى أن يكون موقف أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره، وقوله: " واليتيم " عطف على ما قبله، إنما ذكر " أنا " لأن العطف على الضمير المرفوع المتصل لا يجور إلا بعد الضمير المرفوع المنفصل، حتى لا يتوهم عطف الاسم على الفعل، وقد ذكرناه غير مرة، وكالعجوز " عطف على واليتيم "، واسم اليتيم: سميرة بن سَعد الحميري، جذ حسين بن عبد الله بن ضُميرة.
قوله: " ثم انصرف " أي: عن البَيْت، وهذا هو الأقرب، ويحتمل
أنه أراد الانصراف من الصلاة، إما على رأي أبي حنيفة بناء على أن السلام
9. شرح سنن أبي داوود 3(3/129)
لا يدخل تحت مُسمى الركعتين، وإما على رأي غيره فيكون الانصراف عبارة عن التحلل الذي يَسْتعقب السلام.
ويُستفاد من الحديث فوائد، الأولى: فيه استحباب التواضع وحسن الخلق.
الثانية: إجابة دَعْوة الداعي.
الثالثة: فيه دليل على إجابة أولي الفضل لمنْ دعاهم لغير الوليمة. الرابعة: استحباب الصلاة للتعليم، أو لحصول البركة.
الخامسة: فيه بيان موقف الاثنين وراء الإمام لما ذكرنا.
السادسة: فيه دليل على أن للصبي موقفا في الصف.
السابعة: فيه دليل على أن موقف المرأة وراء موقف الصبي.
الثامنة: فيه دليل على جواز الاجتماع في النوافل خلف الإمام.
التاسعة: فيه دليل على أن صلاة الصبي (1) صحيحة معتد بها.
العاشرة: عدم كراهة الصلاة على الحصير ونحوه. والحديث: أخرجه
البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي.
594- ص- نا عثمان بن أبي شيبة /: نا محمد بن فضيل، عن هارون ابن عنترة، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه قال: استأذن علقمة والأسْودُ على عبد الله وقد كُنا أطَلنا القعود على بابه، فخرجت الجاريةُ فاستأذنت لهما فأذن لهما، ثم قام فصلى بيني وبَينه، ثم قال: هكذا رأيتُ رسول اللهِ فعَلَ (2) .
ش- محمد بن فضيل: ابن غزوان الكوفي.
وهارون بن عَنْترة: الشيباني الكوفي، أبو عبد الرحمن. روى عن:
-------------------------
(1) في الأصل: " صبي الصلاة "
(2) النسائي: كتاب الإمامة، باب: موقف الإمام إذا كانوا ثلاثة (2 / 84) .(3/130)
أبيه، وعبد الرحمن بن الأسود. روى عنه: عمرو بن مُرة، والثوري، ومحمد بن فضيل، وغيرهم. قال أحمد وابن معين: ثقة. وقال أبو حاتم: لا بأس به مستقيم الحديث. وقال الدارقطني: متروك يكذب. روى له: أبو داود، والنسائي (1) .
وعبد الرحمن بن الأسود: ابن يزيد أبو بكر الكوفي. وأبُوه: الأسْودُ ابن يزيد بن قيس بن عبد الله بن مالك أبو عبد الرحمن، وقد ذكرناهما. وعلقمة: ابن قَيْس النخعي الكوفي عم الأسْود، وعبد الله: ابن مسعود الصحابي- رضي الله عنه.
ويُستفاد من هذا الحديث: أن الإمام إذا كان معه اثنان يتساوى بهما ولا يتقدم عليهما، وبه استدل أبو يوسف في أن الإمام يتَوسطهما، والأصح: قول الجمهور للأحاديث الصحيحة، والجواب عن هذا: أنه محمول على أنه دليل الإباحة. وقال أبو محُمر النمري: هذا الحديث لا يصح رفعه، والصحيح فيه عندهم: التوقيف على ابن مَسْعود، أنه كذلك صلى بعلقمة والأسْود. وهذا الذي أشار إليه أبو محمر قد أخرجه مسلم في " صحيحه " أن ابن مسعود صلى بعلقمة والأسْود وهو موقوف. وقال بعضهم: حديث ابن مسعود منسوخ، لأنه إنما يعلم هذه الصلاة من النبي- عليه السلام- وهو بمكة وفيها التطبيق، وأحكام أخَرُ هي الآن متروكة، وهذا الحكم من جملتها، ولما قدم النبي- عليه السلام- المدينة تركوه.
*****
65- بَابُ: الإمام ينحرف بعد التسليم
أي: هذا باب في بيان الإمام ينحرف بعد تسليمه، وفي بعض النسخ: " باب ما جاء في الإمام يَتحرف بعد السّلام "
595- ص- نا مسدد: نا يحيى عن سفيان: حدثني يعلى بن عطاء
-------------------
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (30 / 6521) .(3/131)
عن جابر بن يزيد بن الأسْود، عن أبيه قال: صَلّيتُ خلف النبي- عليه السلام- فكان إذا انصَرف انْحرف (1) .
ش- يحيى: القطان، وسفيان: الثوري، ويعلى بن عطاء: القرشي الطائفي، وجابر وأبوه: يزيد الصحابي ذكرناهما.
قوله: " إذا انصرف انحرف " يعني: إذا انصرف من الصلاة انحرفَ واستقبل القوم، والمراد من الانصراف: السلام. وقد اختلف الفقهاء في هذا الباب، فقال أبو حنيفة: كل صلاة يتنفل بعدها يَقُوم، وما لا يتنفل بعدها كالعَصْر والصبح فلا، وقال أبو محمد: يتنفل في الصلوات كلها ليتحقق المأموم أنه لم يبق علي من سجوده سهو ولا غيره. وقال مالك: لا يثبت الإمام بعد سلامه. وقال أشهب: له أن يتنفل في موضعه، أخذاً بما رُوي عن القاسم بن محمد. قال ابن بطال: ولم أجده لغيره من الفقهاء. وقال الشافعي: يستحب له أن يثبت ساعةً. وقال ابن بطال: وأما مكث الإمام في مصلاه بعد السلام فكرهه كثر الفقهاء إذا كان إماما راتبا، إلا أن يكون مكثه لعلة كما فعل رسول الله، وهو قول الشافعي، وأحمد. وقال مالك: يقومَ ولا يقعد في الصلوات كلها إذا كان مسجد جماعة، فإن كان في سفر فإن شاء قام وإن شاء قعد. قال ابن خربوذ: من غير أن يَستقبل القبْلة. وفي " المصنف ": حدَثنا أبو الأحوص، عن أبي إسحاق، عن أَبي الأحوص قال: كان عبد الله إذا قضى الصلاة انفتل سريعاً، فإما أن يقوم وإما أن ينحرف.
حدَّثنا هشيم، عن منصور وخالد، عن أنس بن سيرين، عن ابن عمر قال: كان الإمام إذا سلم قام، وقال خالد: انحرف.
حدَثنا أبو أسامة، عن الأعمش، عن أبي رزين قال: صليتُ خلف عليا فسلم عن يمينه وعن يساره، ثم وثب كما هو.
------------------------
(1) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في الرجل يصلي وحده ثم يدرك الجماعة (219) ، النسائي: كتاب الإمامة، باب: إعادة الفجر مع الجماعة
لمن صلى وحده (2 / 112، 113) .(3/132)
حدثنا علي بن مسهر، عن ليث، عن مجاهد قال: قال عمر- رضي
الله عنه-: جلوس الإمام بعد التسليم بدْعة.
حدثنا وكيع، عن محمد بن قيس، عن أبي حصين قال: كان أبو عُبيدة
ابن الجراح إذا سلم كأنه على الرضف حتى يقوم.
حدثنا أبو معاوية /، عن عاصم، عن عبيد الله بن الحارث، عن [1/ 209 - ب] ، عائشة قالت: كان رسول الله- عليه السلام- إذا سلم لم يقعد إلا مقدار
ما يقول: " اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت ذا (1) الجلال
والإكرام "
حدثنا وكيع، عن الربيع، عن الحسن، أنه كان إذا سلم انحرف أو قام
سريعاً.
حدثنا أبو داود، عن زمعة، عن ابن طاوس، عن أبيه أنه كان إذا
سلم قام وذهب كما هو ولم يجلس.
حدثنا وكيع، عن الأعمش، عن إبراهيم أنه كان إذا سلم انحرف
واستقبل القوم.
حدثنا وكيع، عن أبي عاصم الثقفي، عن قيس بن مسلم، عن طارق
ابن شهاب أن عليا لما انصرف استقبل القوم بوجهه.
وفي كتاب ابن شاهين من حديث سفيان، عن سماك، عن جابر:
كان النبي- عليه السلام- إذا صلى الغداة لم يبرح من مجلسه حتى تطلع
الشمس حسنا، ومن حديث ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس:
صليتُ مع النبي- عليه السلام- فكان ساعةَ يُسلم يقومُ، ثم صليت مع
أبي بكر فكان إذا سلم وثبَ من مكانه كأنه يقومُ عن رَضفة. قال ابن
شاهين: الحديث الأول عليه العمل في الصلاة التي لا يتنفل بعدها،
والثاني في الذي بعده تنفل. وحديث جابر بن يزيد هذا: أخرجه ابن
أبي شيبة، والترمذي، والنسائي، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
596- ص- نا محمد بن رافع: نا أبو أحمد الزُّبيري: ما مِسْعر، عن
----------------
(1) كذا، وفي المصنف لابن أبي شيبة (1 / 302) : " يا ذا الجلال والإكرام ".(3/133)
ثابت بن عُبيد، عن عبيد بن البراء، عن البراء قال: كنا إذا صلينا خلف رسول الله أحْببنا أنْ نكُون عَنْ يَمِينه، فيُقْبلُ علينا بوَجْهِهِ (1) .
ش- محمد بن رافع: القُشيري النيسابوري.
وأبو أحمد: محمد بن عبد الله بن الزبير بن عمر بن درهم الزبيري الأسدي مولاهم الكوفي، نُسب إلى جده، وليس من ولد الزبير بن العوام. سمع: مسْعراً، ومالك بن أنس، وزهير بن معاوية، وغيرهم. روى عنه: ابنه: طاهر، وأحمد بن حنبل، ومحمد بن رافع، وغيرهم. قال ابن معين: ليس به بأس. وقال أبو زرعة: صدوق. وقال العجلي: ثقة. مات سنة ثلاث ومائتين بالأهواز. روى له الجماعة (2) .
ومسعر: ابن كدام، وثابت بن عبيد: الأنصاري الكوفي.
وعُبَيْد بن البراء: ابن عازب الأنصاري الحارثي الكوفي، أخو يزيد (3) والربيع ولوط. روى عن: لبيه. روى عنه: ثابت بن عبيد، ومحارب ابن دثار. قال أحمد بن عبد الله: كوفي تابعي ثقة. روى له: أبو داود، والنسائي، وابن ماجه (4) .
واختلف العلماء في الرجل إذا سلم، ينصرف عن يمينه أو عن يساره؟ فقالت طائفة: ينصرف عن يمينه، فاستدلوا بهذا الحديث، وكذا روى أبو بكر: نا وكيع، عن سفيان، عن السدي، عن أنس أن النبي- عليه السلام- كان ينصرف عن يمينه.
وقالت طائفة: ينصرف عن شماله، لما روى أبو بكر: نا وكيع، عن
--------------------
(1) مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: استحباب يمين الإمام (62 / 709) ، النسائي: كتاب الإمامة، باب: المكان الذي يستحب من الصف (1 / 94) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: فضل ميمنة الصف
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (25 / 5343) .
(3) في الأصل: " زيد " خطأ.
(4) المصدر السابق (9 1 / 3705) .(3/134)
سفيان، عن أبي إسحاق، عن ناجية أن أبا عُبيدة رأى رجلاً انصرف على يَساره فقال: أما هذا فقد أصاب السُّنَة.
وقالت طائفة: إن كانت حاجته عن يمينه ينصرف عن يمينه، وإن كانت عن شماله ينصرف عن شماله، لما روى أبو بكر: نا الأحوص، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي- رضي الله عنه- قال: إذا قضيت الصلاة وأنت تريد حاجة، فكانت حاجتك عن يمينك أو عن يسارك فحِد نحو حاجتك.
وحديث البراء: أخرجه النسائي، وابن ماجه، وفي حديث ابن ماجه: عن ابن البراء، عن أبيه؟ ولم يُسمه.
******
66- بَابُ: الإِمَام يتطوعُ في مكَانه
أي: هذا باب في بيان أن الإمام هل يتطوع في المَكان الذي صلى فيه الفرض أم لا؟ وفي بعض النسخ: " باب ما جاء في الإمام ".
597- ص- نا أبو توبة الربيع بن نافع: نا عبد العزيز بن عبد الملك القرشي: نا عطاء الخراساني، عن المغيرة بن شُعبة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يُصلي الإمامُ في الموضع الذي صلى فيه حتى يتحول " (1) .
ش- أي: حتى ينتقل من الموضع الذي صلى فيه الفرض، وعن هذا قالت العلماء: المستحب للإمام أن يتنفل بعد الفَرْض في غير مَوْضع الفرض. وقال أبو بكر: حدثَّنا شريك، عن ميسرة بن المنهال، عن عمار بن عبد الله، عن عليا قال: إذا سلم الإمام لم يتطوع حتى يتحول من مكانه أو يفصل بينهما بكلام.
حدثنا أبو خالد الأحمر، عن حجاج، عن أبي إسحاق، عن
-----------------
(1) ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في صلاة النافلة حيث نصلى المكتوبة (1428) .(3/135)
الشعبي، عن ابن عُمر، أنه كره إذا صلى الإمام أن يتطوع في مكانه،
ولم ير به لغير الإمام بأساً.
حدَّثنا أبو معاوية، عن حجاج، عن إبراهيم بن مهاجر، عن مجاهد،
عن عبد الله بن عمرو، أنه كره للإمام أن يصلي في مكانه الذي صلى فيه
[1/ 210 - أ] الفريضة. وكذا / بإسناده عن ابن أبي ليلى، وابن المسيب، والحسن، وإبراهيم- رحمهم الله.
ص- قال أبو داود: عطاء الخراساني لم يدرك المغيرة بن شعبة.
ش- لأن عطاء الخراساني مولى المهلب بن أبي صُفْرة، ولد في السنة
التي مات فيها المغيرة بن شعبة، وهي سنة خمسين من الهجرة على المشهور، أو يكون ولد قبل وفاته بسنة على القول الآخر.
***
67- بَابُ: الإمام يُحْدثُ بَعْدَ ما يَرْفعُ رأسَه (1)
أيْ: هذا باب في بيان حكم الإمَام الذي يُحْدث بعد ما يرفع رأسه من
آخر الركعة، وفي بعض النسخ: " باب ما جاءَ في الإمام يُحدث بعد ما
يرفع رأسه من آخر ركعة ".
598- ص- نا أحمد بن يونس: نا زهير: نا عبد الرحمن بن زياد بن
أنعُم، عن عبد الرحمن بن رافع، وبكر بن سوادة، عن عبد الله بن عَمرو أن
رسول الله- عليه السلام- قال: " إذا قضى الإمامُ الصلاةَ وقَعدَ فأحْدث (2)
قبل أن يتكلم فقد تمت صلاته، ومَنْ كان خلفه ممن أتم الصلاة " (3) .
ش- زُهير: ابن معاوية.
-------------------
(1) في سنن أبي داود: " ... رأسه من آخر ركعة "، وسيذكر المصنف أنها نسخة.
(2) سقطت كلمة " فأحدث " من سنن أبي داود.
(3) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في الرجل يحدث في التشهد (408) .(3/136)
وعبد الرحمن بن رافعِ: التنوخي قاضي إفريقية، يكنى أبا الجَهْم. روى عن: عبد الله بن عمرو، وعقبة بن الحارث. روى عنه: عبد الرحمن ابن زياد بن أنعم الإفريقي، وسليمان بن عوسجة، وغيرهم. قال البخاري: في حديثه مناكير. توفي سنة ثلاث عشرة ومائة. روى له: أبو داود، والترمذي، وابن ماجه (1) .
وبكر بن سوادة: ابن ثمامة المصْري.
قوله: " إذا قضى الإمامُ الصّلاةَ " مَعْناه: إذا فرغ منها وقعد في آخرها، فأحدث قبل أن يتكلم، فقد تمت صلاته، لأنه لم يبق علي شيء من الفروض.
قوله: " ومَنْ كان خلفه " أي: وصلاة من كان خلفه- أيضاً ممن أتم الصلاة، والمرادُ منه: صلاة المدركين بخلاف المَسبوقين فإن حَدَثَ. الإمام يكون في أثناء صلاتهم فتفسدُ. وبهذا الحديث استدل أصحابنا أن المصلي إذا سبقه الحدث بعد ما قعد قدر التشهد، لا يضر ذلك صلاته، فيقوم ويتوضأ ويُسلم، لأنه لم يبق عليه إلا التسليم فيأتي به، وإن تعمد الحدث في هذه الحالة أو تكلم، أو عمل عملاً ينافي الصلاة تمت صلاته لأنه لم يبق علي شيء من الأركان، وإن رأى المتيمم (2) الماء، أو كان ماسحاً فانقضت مدة مسحه، أو خلع خفيه بعمل يسيرِ، أو كان أمّيا فتعلم سورة، أو عرياناً فوجد ثوبا أو مُومئاً قَمَرَ على الركوع والسجود، أو تذكر فائتةَ علي قبل هذه، أو القارئ اسَتخلف أمياً في هذه الحالة، أو طلعت الشمس في الفجر، أو دخل وقت العصر في الجمعة، أو كان ماسحا على الجبيرة فسقطت عن بُرء، أو كان صاحب عُذر فانقطع عذره كالمستحاضة ومن بمعناها، لم تبطل الصلاة في الكل عند أبي يوسف ومحمد بهذا الحديث. وقال أبو حنيفة: تبطل في الكل، وذلك لأن الخروج
-------------------
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (17 / 3811) .
(2) في الأصل: " التيمم ".(3/137)
من الصلاة بصُنعه فرض عنده، ولم يُوجَدْ صُنْعه، وفسروا ذلك: بأن
يَبْني على صلاته إما فرضاً، أو نفلاً أو يضحك قهقهة، أو يُحدث عمداً
أو يكلم، أو يَذهب أو يُسلم، وهاهنا بحث كبير ومحله كتب الفروع.
والحديث: أخرجه الترمذي، وقال: هذا حديث ليس إسناده بالقوي،
وقد اضطربوا في إسناده. وأخرجه الدارقطني (1) ثم البيهقي في " سننهما "
قال الدارقطني: عبد الرحمن بن زياد ضعيف لا يحتج به. وقال البيهقي:
وهذا الحديث إنما يُعرف بعبد الرحمن بن زياد الإفريقي وقد ضعفه يحيى
ابن معين ويحيى بن سعيد القطان وأحمد بن حنبل وعبد الرحمن بن
مهدي. قال: وإن صح فإنما كان قبل أن يفرض التسليم.
وقال الخطابي (2) : هذا حديث ضعيف، وقد تكلم الناس في بعض
نقلته، وقد عارضته الأحاديث التي فيها إيجاب التشهد والتسليم، ولا
أعلم أحداً من الفقهاء قال بظاهره، لأن أصحاب الرأي لا يرون أن صلاته
قد تمت بنفس القعود حتى يكون ذلك بقدر التشهد على ما رووه عن ابن مسعود، ثم لم يقودوا قولهم في ذلك، لأنهم قالوا: إذا طلعت علي الشمس، أو كان متيمما فرأى الماء وقد قعد مقدار التشهد قبل أن يُسلم، [1/ 210 - أ] فقد فسدت صلاته، وقالوا فيمن قهقه بعد الجلوس / قدر التشهد لا ينقض " الوضوء إلا أن يكون في صلاة، والأمرُ في اختلاف هذه الأقاويل ومخالفتها الحديث بين.
قلت: هذا الحديث حجة عليهم، فلذلك يُثبتون له أنول الضعْف،
فعبد الرحمن بن زياد وإن كان ضيفه البعضُ فقد وحقه آخرون. قال
أبو داود: قلت لأحمد بن صالح: يحتج بحديث الإفريقي؟ قال: نعم،
قلت: صحيح الكتاب؟ قال: نعم. ونقل أحمد بن محمد بن الحجاج
ابن رشد، عن أحمد بن صالح قال: من يتكلم في ابن أنعام فليس
بمقبول، ابن أنعام من الثقات. وقال عباس بن محمد: سمعت ابن معين
----------------
(1) سنن الدارقطني (1 / 379) .
(2) معالم الحق (1 / 151) .(3/138)
يقول: ليس به بأس. وقال إسحاق بن راهويه: سمعت يحيى بن سعيد القطان يقول: هو ثقة. وقال البخاري: روى عنه الثوري. وقال أبو عبد الرحمن: ليس به بأس. وقال أحمد: رأيت محمد بن إسماعيل يُقوي أمره ويقول: هو مقارب الحديث. وقد عرفت بهذا تحامل البيهقي وطعنه الواسع في الناس. وروى الحديث- أيضاً إسحاقُ بن راهويه في " مسنده ": أخبرنا جعفر بن عون: حدثني عبد الرحمن بن رافع، وبكر ابن سوادة قالا: سمعنا عبد الله بن عَمْرو مرفوعاً، فذكره، ورواه الطحاوي - أيضاً بسَند السنن ولفظه: قال: " إذا قضى الإمام الصلاة فقعد فأحدث هو، أو أحد ممن أتم الصلاة معه قبل أن يُسلم الإمام، فقد تمت صلاته فلا يُعيدها ". ومما يؤيده: حديث رواه أبو نعيم الأصبهاني في كتاب " الحلية " في ترجمة عمر بن ذر: حدثنا محمد بن المظفر: ثنا صالح بن أحمد: ثنا يحمى بن مخلد- المعنى-: ثنا عبد الرحمن بن الحسن أبو مسعود الزجاج، عن عمر بن ذر، عن عطاء، عن ابن عباس أن رسول الله- عليه السلام- كان إذا فرغ من التشهد أقبل علينا بوجهه وقال:" مَنْ أحدَث بعد ما فرغ من التشهد فقد تمت صلاته "، وما رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه ": حدثنا أبو معاوية، عن حجاج، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي قال: إذا جلس الإمام في الرابعة ثم أحدث فقد تمت صلاته، فليقم حيث شاء. وأخرجه البيهقي، عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضمرة، عن علي، فذكره، وراد فيه: قدر التشهد. وأخرج ابن أبي شيبة- أيضاً نحوه، عن الحسن، وابن المسيب، وعطاء، وإبراهيم النخعي.
وقول البيهقي:" وان صح فإنما كان قبل أن يفرض التسليم " غير مسلم، لأنه مجرد دعوى، ولا نسلم أن التسليم فرض لحديث ابن مسعود، ولا يصح الاستدلال على فرضيته بقوله- عليه السلام-: " وتحليلها التسليم " لأنه ليس فيه نفي التحليل بغير التسليم، إلا أنه خص التسليم لكونه واجباً، ويُرد بهذا التقرير قول الخطابي- أيضاً " وقد عارضته الأحاديث" إلى آخره.
وقول الخطابي: أولا أعلم أحداً من الفقهاء قال بظاهره، إلى آخره(3/139)
غير صحيح، لأن علماءنا ولا سيما أبا يوسف ومحمداً قالا به، وليس المراد من قوله في الحديث: " وقَعد " نفس القعود، بل القعود قدر التشهد كما فسر به في حديث عمر بن ذر وفي حديث علي وغيرهما. وقوله: لا لأنهم قالوا: إذا طلعت الشمس إلى آخره غير صحيح - أيضاً-، لأن بطلان الصلاة من هذه الصُوَر عند أبي حنيفة بناء على أن الخروج من الصلاة بفعل المصلي فرض، وليس لهذا تعليق بالحديث المذكور عند أبي حنيفة، وأما أبو يوسف ومحمد فلا يريان بطلان الصلاة في هذه الصور بهذا الحديث- كما ذكرناه مفصلاً- وكيف يلتئم كلام الخطابي؟ أم كيف يكون حجة لتضعيف هذا الحديث؟
599- ص- نا عثمان بن أبي شيبة: نا وكيع، عن سفيان، عن ابن عقيل، عن محمد ابن الحنفية، عن علي- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - عليه السلام-: " مفتاح الصلاة: الطهور، وتحريمها: التكبير، وتحليلها: التسليم " (1) .
ش- ابن عقيل: هو عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب.
" (2) رُوي هذا من حديث علي، ومن حديث الخدري، ومن حديث عبد الله بن زيد، ومن حديث ابن عباس.
أما حديث علي: فأخرجه أبو داود، والترمذي، وقال الترمذي: هذا الحديث أصح شيء في هذا الباب وأحسَن. وقال النووي في " الخلاصة ": / هو حديث حسَنٌ، وقال في " الإمام ": ورواه الطبراني ثم البيهقي (3) من جهة أبي نعيم، عن سفيان الثوري، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن ابن الحنفية رفعه إلى النبي- عليه السلام- قال: لا مفتاح الصلاة: الطهور " الحديث قال: وهذا على هذا الوجه مرسل.
وأما حديث أبي سعيد: فرواه الترمذي، وابن ماجه من حديث طريف
----------------
(1) الترمذي: كتاب الطهارة، باب: ما جاء مفتاح الصلاة الطهور (3) ، ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: مفتاح الصلاة الطهور (275) .
(2) انظر: نصب الراية (1 / 307- 308) .
(3) السنن الكبرى (2 / 173، 379) ، وأخرجه كذلك أحمد (1 / 123، 9 2 1) ، وا أد " ربطني (1 / 360، 379) ، والدارمي (63) .(3/140)
ابن شهاب أبي سفيان السعْدي، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مفتاح الصلاة: الطهور، وتحريمها: التكبير، وتحليلها: التسليم " أخرجه الترمذي في الصلاة (1) ، ورواه الحاكم في " المُسْتدرك " (2) وقال: حديث صحيح الإسناد على شرط مسلم ولم يخرجاه.
وأما حديث عبد الله بن زيد: فأخرجه الدارقطني في " سننه " (3) ، والطبراني في " معجمه الوسَط " (4) عن محمد بن عمر الواقدي: ثنا يعقوب بن محمد بن أبي صعصعة، عن أيوب بن عبد الرحمن، عن عباد بن تميم، عن عمه: عبد الله بن زيد، عن النبي نحوه سواء. ورواه ابن حبان في كتاب " الضعفاء " من حديث محمد بن موسى بن مسكين قاضي المدينة، عن فليح بن سليمان، عن عبد الله بن أبي بكر، عن (5) عباد بن تميم به، وأعفَه بابن مسكين وقال: إنه يَسْرق الحديث ويَروي الموضوعات عن الأثبات.
وأما حديث ابن عباس: فرواه الطبراني في " معجمه الكبير " (6) : ثنا أبو عبد الملك أحمد بن إبراهيم القرشي: ثنا سليمان بن عبد الرحمن: ثنا سَعدان بن يحيى: ثنا نافع مولى يوسف السلَمي، عن عطاء، عن ابن عباس، عن النبي- عليه السلام- نحوه سواء. وهذا الحديث ذكره أبو داود مرةَ في (باب فرض الوضوء بهؤلاء الرواة بأعيانهم، وقد تكلمنا فيه بما فيه الكفاية فليراجع فيه الطالب.
----------------------
(1) الترمذي: باب ما جاء في تحريم الصلاة وتحليلها (238) ، ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: مفتاح الصلاة الطهور (276) .
(2) (1 / 132) ، وأخرجه كذلك الدارقطني (1 / 359) ، والطبراني في الأوسط (3 / 2390) من طريق سعيد الثوري، عن أبي نضرة به.
(3) (1 / 1 36)
(4) (7 / 175 7) .
(5) في الأصل: " بن " خطأ.
(6) (11369) ، وكذا في معجمه الأوسط (9/ 9267) قال: حدثنا الوليد بن حماد: نا سليمان بن عبد الرحمن به.(3/141)
وقال الخطابي (1) : في هذا الحديث بيان أن التسليم ركن للصلاة كما
أن التكبير ركن لها، وأن التحليل منها إنما يكون بالتسليم دون الحدث والكلام، لأنه قد عرفه بالألف واللام وعينه كما عين الطهور وعرفه، فكان ذلك منصرفا إلى ما جاءت به الشريعة من الطهارة المعروفة، والتعريف بالألف واللام معِ الإضافة يوجب التخصيص، كقولك: فلان مَبيتُه المَساجد تُريدُ أنه لا مبيت له يأوي إليه غيرها. وفيه دليل على أن افتَتاح الصلاة لا يكون إلا بالَتكبير دون غيره من الأذكار.
قلتُ: قوله: " إن التسليم ركن للصلاة كما أدق التكبير ركن لها " ممنوع، لأن هذا الحديث خبر الآحاد، وبمثله لا تَثبت الفرضية (2) ، وقياسه على التكبير فاصد، لأن التكبير ما فرض بهذا الحديث، بل بقوله تعالى:" {ربكَ فكبر} (3) .
وقوله:"وأن التحليل منها إنما يكون بالتسليم " غير مُسلم، لأنه ليس فيه نفي التحليل بغير التسليمِ، والألف واللام إذا دخلا في اسم سواء كان ذلك الاسم مفرداً أو جمعا يصرفه إلى الجنس، والجنس فرد من وجه حتى يقع على الأقل، وجمع من وَجه، لأن الجنس يتضمن معنى الجمع، فيكون المراد: جنس السلام من جنس التحليل، فكما أنه يقع بالسلام يقع بالكلام ونحوه، ولكن لما عين التسليم يكون واجبا.
وقوله: " وفيه دليل على أن افتتاح الصلاة " إلى آخره غير صحيح، لأن الأصل في النصوص: التعليل، وقال تعالى: {وَذَكَرَ اسْمَ ربه فصلى} (4) والمراد: ذكر اسم الرب لافتتاح الصلاة، لأنه عقيب الصلاةَ الذكرَ بحرف التعقيب بلا فصل، والذكر الذي يتعقبه الصلاة بلا فصل هو تكبيرة الافتتاح، فقد شرع الدخول في الصلاة بمطلق الذكر فلا يجور تقييده باللفظ المشتق من الكبرياء بأخبار الآحاد، والحديث معلولٌ به، وقد استوفينا الكلام فيه في " باب فرض الوضوء " عند هذا الحديث.
-------------
(1) معالم الحق (1 / 151- 152) .
(2) انظر لحجية خبر الآحاد (1 / 184) .
(3) سورة المدثر: (3) .
(4) سورة الأعلى: (15) .(3/142)
68- بَابُ: ما يؤمر به المأموم من اتباع الإمام
أي: هذا باب في بيان ما يؤمر المأموم من اتباع الإمام، وفي بعض
النسخ: " باب ما جاء فيما يؤمر المأموم من اتباع الإمام ".
600- ص- نا مسدد: نا يحيى، عن ابن عجلان: حدثني محمد بن
يحيى بن حبان، عن ابن محيريز، عن معاوية بن أبي سفيان / قال: قال [1/ 211 - ب] رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تُبادرُوني بركُوع ولا بسجُود، فإنه مَهْما أسْبِقكُمْ به إذا
ركعتُ تُدْركوَني به إذا رَفعتُ، واني (1) قد بَدنْتُ " (2) .
ش- يحيى: القطان، ومحمد: ابن عجلان، ومحمد بن يحيى بن
حبان: بفتح الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة، وعبد الله: ابن محيريز
المكي.
قوله: " لا تبادروني " من المبادرة؟ وهي المُسارعة.
قوله: " فإنه " أي: فإن الشأن.
قوله:" مهما أسبقكم به " أي: بالركوع، ويجور أن يكون الضمير
راجعا إلى " مَهْما "، وذلك لأن " مهما " اسم لعود الضمير إليها في
قوله تعالى: {مهْمَا تَأتِنَا به} (3) وزعم السهيلي أنها تأتي حرفا، والأصح: أنها بَسيطة، ويقالً: إنها مركبة من " مه" و " ما" الشرطية،
ويقال: من " ما " الشرطية و " ما " الزائدة ثم أبدلت الهاء من الألف
الأولى دفعا للتكرار، ولها ثلاثة معان، أحدها: ما لا يعقل غير الزمان
مع تضمن معنى الشرط، ومنه الآية، الثاني: الزمان والشرط، فيكون
ظرفا لفعل الشرط، الثالث: الاستفهام، ذكره جماعة منهم: ابن مالك،
واستدلوا بقوله:
-------------------
(1) في سنن أبي داود: " إني"
(2) ابن ماجه: كتاب " إقامة الصلاة، باب: النهي أن يسبق الإمام بالركوع والسجود (962) .
(3) صورة الأعراف: (132) .(3/143)
مهما لي الليلةَ مَهمالِيَهْ أوْدى بنَعْلي وسِرباليَة
والذي في الحديث من القسم الثاني، فلذلك جزم "أسبقكم" وجزم الجزاء- أيضاً- وهو قوله: (تُدْركوني،، وعلامة الجزم: سقوط نون الجمع.
قوله: " إذا ركعت " بمعنى: حين ركعت.
قوله: " تدركوني به " أي: بالركوع إذا رفعت رأسي، وحاصل المعنى:
لا تَسْبقوني أنتم بالركوع والسجود، فإني متى أسْبقكم بركوع حين أركع، فأنتم تدركونني حين أريد أن أرفع رأسي، وكذلك الكلام في السجود، وإنما بين حكم الركوع وحده بعد أن نهى عن المبادرة بالركوع والسجود، اكتفاء بما دل الحكم في الركوع على الحكم في السجود، ومن هذا قالت العلماء: إن (1) المقتدي إذا لحق الإمام وهو في الركوع فلو شرع معه ما لم يرفع رأسه، يصير مدركا لتلك الركعة، فإذا شرع وقد رفع هو رأسه، لا يَصير مدركا لتلك الركعة، ولو ركع المقتدي قبل الإمام فلحقه الإمام قبل قيامه يجوز عندنا خلافاً لزفر.
قوله: " واني قد بدنت " يُروى على وجهين: بتشديد الدال ومعناه، كبر السن، يُقالُ: بَدن الرجلُ تبدينا إذا أسن، وبتخفيف الدال مع ضمها ومعناه: زيادة الجسم واحتمال اللحم، وروت عائشة- رضي الله عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما طعن في السن احتمل بدنُه اللحمَ، وكل واحد من كبر السن واحتمال اللحم يُثْقِلُ البدن ويُثبطه عن الحركة.
والحديث أخرجه ابن ماجه، وأخرجه ابن حبان في " صحيحه "، وعند ابن ماجه بسند منقطع فيما بين سعيد بن أبي بُردة وأبي موسى قال رسولُ الله: " إني قد بَدُنت فإذا ركعت فاركعوا، وإذا رفعت فارفعوا، وإذا سجدتُ فاسجدوا، ولا ألفن رجلاً سَبقَني إلى الركوع ولا إلى السجود ".
----------------------
(1) مكررة في الأصل.(3/144)
601- ص- نا حفص بن عُمر: نا شعبةُ، عن أبي إسحاق قال: سمعت عبدَ الله بن يزيد الخطمي يخطبُ الناس قال: حدثنا البراءُ- وهو غير كذوب- أنهم كانوا إذاَ رفعوا رءوسهم من الركوع مع رسول الله قاموا قياما، فإذا رأوه قد سجد سجَدُوا (1) .
ش- أبو إسحاق: عمرو بن عبد الله السبيعي الكوفي.
وعبد الله بن يزيد: ابن زيد بن حُصَين (2) بن عمرو بن الحارث بن الخطْمَة، واسم الخطمة: عبد الله بن جشم بن مالك بن الأوس أبو مُوسى الأَنصاري الخطمي، سكن الكوفة، رُوِيَ له عن رسول الله سبعة وعشرون حديثاً، أخرج له البخاري حديثين ولم يخرج له مسلم شيئاً، ورويا له عن البراء بن عازب، شهد الحديبية مع رسول الله وهو ابن سبع عشرة سنا، وشهد صفين والجَمل والنهروان مع علي- رضي الله عنه- وكان أميرا على الكوفة. روى له أبو داود، والترمذي (3) .
قوله: " وهو غير كذوب " جملة اسمية وقعت حالاً عن البراء / والذي يفهم من كلام يحمص بن معين في هذا الموضع أنه حال من عبد الله بن يزيد؛ لأنه قال: القائلُ: " وهْوَ غير كذوبا هو أبو إسحاق، قال: ومراده أن عبد الله بن يزيد غير كذوب، وليْسِ المراد أن البراء غير كذوب / [1/ 212 - أ] لأن البراء صحابي لا يحتاج إلى تزكية، ولا يَحسنُ فيه هذا القولُ. قال الشيخ محي الدين: وهذا الذي قالهَ ابن معين خطأ عند العلماء، قالوا:
----------------
(1) البخاري: كتاب الأذان، باب: متى يسجد من خلف الإمام (690) ، مسلم: كتاب الصلاة، باب: متابعة الإمام والعمل بعده (197 / 474) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في كراهية أن يبادر الإمام بالركوع والسجود (281) ، النسائي: كتاب الإمامة، باب: مبادرة الإمام (2 / 96) .
(2) كذا، وفي مصادر الترجمة: " حِصن " وفي تهذيب الكمال (16 / 3656) كما عندنا.
(3) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (2 / 391) ، وأعمد الغابة (3 / 416) ، والإصابة (2 / 382) .
10. شرح سنن أبي داوود 3(3/145)
بل الصواب أن القائل: " وهو غير كذوب "0 هو عبد الله بن يزيد، ومراده من قوله: " غير كذوب " تقوية الحديث وتفخيمه والمبالغة في تمكينه من النفس، لا التزكية التي تكون في مشكوك فيه، ونظيره: قول ابن مسعود: حدثنا رسول الله وهو الصادق المصدوق، وعن أبي هريرة مثله، وفي " صحيح مسلم ": الخولاني: حدثني الحبيب الأمين: عوف ابن مالك الأشجعي، ونظائره كثيرة، فمعنى الكلام: حدثني البراء وهو غير متهم كما علمتم، فثقُوا بما أخبركم به. وقوله: " إن البراء صحابي فينزه عن هذا الكلام" لا وَجه له؛ لأن عبد الله بن يزيد صحابي- أيضاً- معدود في الصحابة، فالذي يقال في البراء يُقال فيه- أيضاً.
قوله: " قاموا قياما " أي: قائمين، وذلك لأنه- عليه السلام- كان يدعو في الركوع كثيرا وكانوا (1) يرفعون رءوسهم قبله ويقومون قياما، فإذا رأوه قد سجد سجدوا معه. والحديث: أخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي بنحوه.
602- ص- نا زُهير بن حَرْب، وهارون بن مَعْروف المعنى قالا: نا سفيان، عن أبان بن تغلب. قال زهير: قال: حدثنا الكوفيون: أبانُ وغيرُه، عن الحكم، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء قال: كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يحنُو أحد منا ظهرَه حتى نرى (2) النبي- عليه السلام- يضع (3) .
ش- زهير بن حَرْب: ابن شداد النسائي، وهارون بن معروف: الخزاز المروري، وسفيان: ابن عُيينة.
وأبان بن تغلب- بالتاء المثناة من فوق- الربعي أبو سَعد الكوفي القاري. روى عن: أبي إسحاق السبِيعي، والحكم، والأعمش،
--------------------
(1) في الأصل: " وكان "
(2) في سنن أبي داود: " يرى"
(3) مسلم: كتاب الصلاة، باب: متابعة الإمام والعمل بعده (200) .(3/146)
وغيرهم. روى عنه: ابن عُيينة، وحماد بن زيد، وزهير بن معاوية، وغيرهم. قال أحمد، وابن معين، وأبو حاتم: ثقة. وقال ابن عدي: ولأبان أحاديث ونسخ وعامتها مستقيمة إذا روى عنه ثقة، وهو من أهل الصدق في الروايات، وإن كان مذهبه مذهب الشيعة. روى له: الجماعة إلا البخاري (1) .
والحكم: ابن عُتَيْبة.
قوله: " فلا يحنو " من حَنَى يحنو، يُقال: حنَيتُ ظهري وحنَيْت العُودَ عَطفتُه، وجاء حنى يحني، وهما لغتان حكاهما صاحب " المنتهى " وغيره، يقال: حنيتُ وحنوتُ، والياء أكثرُ.
قوله:" حتى يضع " أي: حتى يضع رأسه للسجود. وفي هذا دليل لمن قال: إن فعل المأموم يقع بعد فعل الإمام، ورواية البخاري: " كان رسول الله إذا قال: سمع الله لمن حمده، لم يحن أحد منا ظهره حتى يقع النبي- عليه السلام- ساجدا، ثم نقع سجودا بعده ". ورواية مسلم: " كان لا يَحنِي منا رجل ظهرَه حتى يستتم ساجدا- يعني: رسول الله ". وقال الدارقطني: هذا الحديث محفوظ لعبد الله بن يزيد، عن البراء، ولم يَقُل أحد: " عن ابن أبي ليلى " غيرُ أبان بن تغلب، عن الحكم، وغيرُ أبان أحفظُ منه.
قلت: حديث أبان: خرجه مُسلم في " صحيحه ".
603- ص- نا الربيع بن نافع: نا أبو إسحاق- يعني: الفزاري-، عن أبي إسحاق، عن محارب بن دثار قال: سمعت عبد الله بن يزبد بقولُ على المنبر: حدثني البراء أنهم كانوا يُصلون معِ النبي- علبه السلام-، فإذا ركع ركعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده لم نزل قياما حتى يَرونه (2) قد وضع جبهته بالأرض، ثم يتبعونه (3) .
------------------
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (2 / 135) .
(2) في سنن أبي داود: " يروه " وسيذكر المصنف أنها نسخة.
(3) مسلم: كتاب الصلاة، باب: متابعة الإمام والعمل بعده (199) .(3/147)
ش- أبو إسحاق: إبراهيم بن محمد بن الحارث بن أسماء بن خارجة ابن حُصين (1) بن حذيفة بن بدر الفِزاري الكوفي، سكن المصيصة. سمع: أبا إسحاق السبِيعي، وحميدا (2) الطويل، ومالك بن أنس، والثوري، وغيرهم. روى عنه: الثوري، والأوزاعي، وابن المبارك، وحماد بن أسامة، وجماعة آخرون. قال ابن عُيينة: كان أبو إسحاق إماما. وقال ابن معين: ثقة ثقة. وقال أبو حاتم: الثقة المأمون الإمام. توفي سنة ست وثمانين ومائة. روى له الجماعة (3) .
وأبو إسحاق الثاني هو السبيعي.
ومُحارب بن دثار- بكسر الدال وبالثاء المثلثة- ابن كُردُوس بن قِرواش ابن جَعْونة السدوسي، أبو مطرف، أو أبو النضر، أو أبو كُردوس، أو أبو دثار الكوفي قاضيها. سمع: عبد الله بن عمر، وجابر بن عبد الله، [1/ 212 - ب] وعبد الله / بن يزيد، وابن بُريدة، وغيرهم. روى عنه: الأعمش، ومسْعر، والثوري، وشعبة، وابن عُيينة، وغيرهم. قال أحمد بن حنبل: ثقة صدوق. وقال أبو زمعة: ثقة مأمون. وقال ابن مع " ين: ثقة. توفي في ولاية خالد بن عبد الله. روى له الجماعة (4) .
قوله: " لم نزل قياما " أي: قائمين، وفي رواية: " لم يزالوا قياما ". قوله: " حتى يَروْنه " وحتى " هنا عاطفة، وفي بعض الرواية: وحتى يَرَوْه " بدون النون، فتكونت حتى، ناصبة بتقديري أنْ ".
قوله: " ثم يتبعونه " بوَجْهين على اختلاف المعطوف عليه. والحديث: أخرجه مُسلم.
*********
--------------------------
(1) في الأصل: " حضين " خطأ.
(2) في الأصل: " حميد ".
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (2 / 225) .
(4) المصدر السابق (27 / 5793) .(3/148)
69- بَابُ: التَشْديد فيمَنْ يَرْفعُ قبل الإِمام أو يضع قبله
أي: هذا باب في بيانَ التشديد فيمَنْ يرفع رأسه قبل الإمام أو يضعها قبل وضعه، وفي بعض النسخ: " باب ما جاء في التشديد ".
604- ص- نا حفص بن عُمر: نا شعبة، عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم " أمَا يخشىِ أو [أ] لا يَخشى أحدُكم إذا رفع رأسَه والإمامُ ساجداً أن يُحول الله رأسه رأسَ حمار، أو صُورتَه صورةَ حمارٍ " (1) .
ش- محمد بن زياد: أبو الحارث القرشي الجُمحي مولى عثمان بن مَظعون، مديني الأصل، سكن البصرة. سمع: أبا هريرة، وعبد الله ابن الزبير، وعبد الله بن الحارث بن نوفل الهاشمي. روى عنه: شعبة، وقرة بن خالد، والحمادان، وغيرهم. وقال أحمد، ويحيى، والترمذي: هو ثقة. روى له الجماعة (2) .
قوله: " أو [أ] لا يخشى " شك من الراوي.
قوله: " والإمام ساجد " جملة اسمية وقعت حالاً.
قوله: " أن يُحول اللهُ " في محل النَصْب على أنه مفعول " [أ] ، لا يخشى و " أنْ " مصدرية، والتقدير: لا يخشى أحدكم تحويلَ اللهِ رأسَه.
قوله: " رأس حمار" منصوب بنزع الخافض أي، كرأس حمار ولا يجور أن يكون منصوبا بقوله:" يُحول " لأن حَول لا يتعدى إلى مفعولَين،
----------------------
(1) البخاري: كتاب الأذان، باب: إثم من يرفع رأسه قبل الإمام، رقم (691) ، مسلم: كتاب الصلاة، باب: تحريم سبق الإمام بركوع أو سجود ونحوهما،
رقم (427) ، الترمذي: كتاب الجمعة، باب: ما جاء في التشديد في الذي يرفع رأسه قبل الإمام (582) ، النسائي: كتاب الإمامة، باب: مبادرة الإمام (2 / 96) ، ابن ماجه: كتاب " قامة الصلاة والمنَة فيها، باب: النهي أن بسبق الإمام بالركوع والسجود (961) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (25 / 5222) .(3/149)
بل الغالب فيه اللزوم، وقد يجيء متعديا إلى مفعول واحد، وهاهنا قد تعدى إلى قوله: " رأسَه ".
قوله: " أو صورتَه " شك من الراوي- أيضاً- أي: أن يحولَ الله صُورتَه.
فإن قيل: ما المراد من الصُّورة؟ قلت: الصُّورَة تطلَقُ على الوَجْه كما في قوله: " الصُّورة محرمة " أراد بها الوجه، وتُطلق على معنى حقيقة الشيء وهيئاته وعلى مَعنى صفته، يُقال: صورة الفعل كذا وكذا، أي: هيئاته، وصورة الأمر كذا وكذا أي: صفته، ثم إنه يجوز أن يكون المراد من الصورة هاهنا معنى الوجه؟ والمعنى: يحولَ الله وَجْهه وجه حمار، ويجوز أن يكون بالمعنى الثاني بمعنى يُحول الله حقيقته وهيئته، ثم هذا الكلام يحتمل أن يكون حقيقةً وهو تغيير الصُورة الظاهرة، ويحتمل أن يكون مجازا على سبيل الاستعارة وذلك أن الحمار موصوف بالبلادة، فاستعير هذا المعنى للجاهل بما يجب علي من فرض الصلاة ومُتابعة الإمام. فإن قيل: كيف وجه احتمال الحقيقة في هذا الكلام، ولم يقع ذلك مع كثرة رفع المأمومين قبل الإمام؟ قلت: ليس في الحديث ما يدل على وقوع ذلك؛ وإنما يدل على كون فاعله متعرضا لذلك، وكون فعله صالحا لأن يقع عنه ذلك الوعيدُ، ولا يلزم من التعرض للشيء وقوع ذلك الشيء، وأيضا- فالمُتوعدُ به لا يكون موجوداً في الوقت الحاضِر أعني: عند الفِعْل.
ثم اعلم أن في الحديث دليلاً على منع تقدّم المأموم على الإمام، لأنه توعد على هذا الفعل، ولا يكون التوعد إلا على ممنوع.
فإن قيل: المنع المذكور مخصوص في حالة السجدة بظاهر الحديث أو عام؟ قلت: بل عام، والدليل على ذلك: ما روي عن ابن مسعود أنه نظر إلى من سَبق إمامَه فقال: " لا وَحْدك صليت، ولا بإمامك اقتديت " وعن ابن عمر نحوه، وأمره بالسعادة، ولكن خصّ في الحديث حالة(3/150)
السجدة لكثرة وجود المخالفة في هذه الحالة، فيقاس عليها غيرُها. فإن
قيل: ما حكم هذا المخالف، فهل تجوز صلاته أم لا؟ قلت: قال
القرطبي وغيرُه: من خالف الإمام فقد خالف سُنَّة المأموم وأجزأته صلاته
عند جمهور العلماء /. وفي " المغنى " لابن قدامة: فإن سبق إمامه فعليه [1/ 213 - أ] ، أن يرفع ليأتي بذلك مؤتما بالإمام، فإن لم يفعل حتى لحقه الإمام سهواً أو
جهلاً فلا شيء علي، فإن سبقه عالما بتحريمه فقال أحمد في " رسالته ":
ليس لمن سبق الإمام صلاةٌ، لقوله: " أما يخشى الذي يرفع رأسه " الحديث، ولو كانت له صلاة لرجى له الثواب ولم يخش علي العقاب.
والحديث أخْرجه الأئمة الستة، وفي " المصنف " عن أبي هريرة موقوفا:
إن الذي يخفضُ ويرفعُ رأسَه قبل الإمام، إنما ناصيتُه بيد شيطان. وكذا
قاله- أيضاً- سلمانُ من طريق ليْث بن أبي سُليم.
****
70- بَابٌ: فيمَنْ يَنصرفُ قبل الإمام
أي: هذا باب في بيان مَنْ ينصرف من الصلاة قبل انصراف إمامه،
وفي بعض النسخ: " باب الرجل ينصرف قبل الإمام "، وفي بعضها:
" باب فيما جاء فيمن ينصرف ".
605- ص- نا محمد بن العلاء: نا حفص بن بُغيل الدهني: نا زائدةُ،
عن المختار بن فلفل، عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم حَضهم على الصلَاة ونهاهُم أن
ينصرفوا قبل انصرافه من الصلاة (1) .
ش- حَفص بن بُغَيل- بضم الباء الموحدة، وفتح الغين المعجمة-
الدهني (2) الكوفي. روى عن: زائدة، إسرائيل بن يونس. روى
عنه: محمد بن العلاء، وأحمد بن بديل. روى له: أبو داود. والدهني: بضم الدال المهملة وكسر النون.
--------------------
(1) تفرد به أبو داود.
(2) جاه في تهذيب الكمال (7 / 5) بدل " الدهني: " المُرْهبي " وعلقِ محققه
قائلاً: " علق المؤلف في الحاشية بقوله:" كان فيه الدهني، وهو وهم "(3/151)
وزائدة: ابن قدامة.
والمختار بن فُلْفُل: المخزومي الكوفي مولى اّل عمرو بن حريث. سمع: أنس بن مالك، وعمر بن عبد العزيز، والحسن البَصْري، وطلق ابن حبيب. روى عنه: الثوري، وزائدة، ومحمد بن فضيل، وغيرهم. قال ابن معين: ثقة، وسئل عنه أحمد فقال: لا اعلم إلا خيراً (1) . قوله: " حضهم " أي: حرضهم على حفظ الصلاة في وقتها.
قوله: " قبل انصرافه " أي: قبل انصراف النبي- عليه السلام-، والمراد منه: قبل سلامه، ثم إذا انصرف المقتدي قبل سلام الإمام بعد ما قعد قدر التشهد تجوز صلاته عندنا، ويكون مسيئا لتركه السلام الواجب مع الإمام، وارتكابه النهْي، وعند الشافعي: لا تجوز وتفسد صلاته؛ بناء على أن السلام فرض عنده.
***
71- باب: جمَاع أثواب (2) ما يُصَلى فيه
أي: هذا باب في بيان جَماع أثواب ما يصلى فيه، والمعنى: عَدد أثواب ما يصلى فيه، وجماع الشيء- بكسر الجيم-: عدده، وفي بعض النسخ: " باب الصلاد في الثوب الواحد،، والنسخة الصحيحة: بابُ جامع ما يُصلى فيه ".
606- ص- نا القعنبي، عن مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، أن رسول الله " صلى الله عليه وسلم سُئل عن الصلاة في ثوب واحد فقال النبي- عليه السلام-: " أو لكلكم ثوبانِ؟ " (3) .
-------------------
(1) المصدر السابق (27 / 5827) .
(2) في سنن أبي داود: " البواب ".
(3) البخاري: كتاب الصلاة، باب: الصلاة في القميص والسراويل والشبان والقبان (365) ، مسلم: كتاب الصلاة، باب: الصلاة في ثوب واحد وصفة لبسه (275 / 515) ، النسائي: كتاب القبلة، باب: الصلاة في الثوب الواحد
(2 / 54) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة والسُنَة فيها، باب: الصلاة في الثوب الواحد (1047) .(3/152)
ش- الهمزة في " أو لكلكم " للاستفهام، و" ثوبان " مرفوع على
الابتداء، وخبره: قوله: " لكلكم ". واعلم أن اللفظ وإن كان لفظ الاستفهام، ولكن المعنى: الإخبار عما كان يعلمه عليه السلام من حالهم
من العدم وضيق الثياب، يقول: فإذ كنتم بهذه الصفة، وليس لكل
واحد منكم ثوبان والصلاة واجبة عليكم، فاعلموا أن الصلاة في الثوب
الواحد جائزة.
وهذا الحديث يدل على أن الصلاة في الثوب الواحد جائزة بلا كراهة،
ولا يعارضه قوله- عليه السلام-: " لا يصلي أحدكم في الثوب
الواحد " لان هذا النهي للتنزيه لا للتحريم. وقد روى ابن أبي شيبة، عن
وكيع، عن فضيل بن غزوان، عن أبي حَارم، عن أبي هريرة قال:
رأيت سبعين من أهل الصفة يصلون في ثوب، فمنهم من يبلغ ركبتَيْه،
ومنهم من هو أسفل من ذلك، فإذا ركع قبض علي يخاف أن تبدو عورته.
وعن ابن وهب: صلاة الرجل في ثوب واحد رخصةٌ، وفي ثوبين
مأمور به.
وذكر عبد الرزاق عن ابن عُيَيْنة، عن عمرو، عن الحسن قال:
اختلف أبي بن كعب وابن مَسعود في الصلاة في ثوب واحد، فقال أبي:
لا بأس به. وقال ابن مَسْعود: إنما كان ذلك إذ كان النًاس لا يجدون
ثيابا، فأما إذا وجدوها فالصلاة في ثوبين، فقام عُمر- رضي الله عنه-
على المنبر فقال: الصواب ما قال أبي لا ما قال ابن مسعود. ورواه في
" المُصنف،- أيضاً- وحديث أبي هريرة: أخرجه البخاريّ /، ومسلم، [1/ 213 - ب] والنسائي، وابن ماجه.
607- ص- نا مسدد: نا سفيان، عن أبي الزناد، من الأعرج، عن
أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يصلي أحدُكم
في الثوب الواحد ليس على منكبيه منه شيء" (1) .
------------------------
(1) البخاري: كتاب الصلاة، باب: إذا صلى في الثوب الواحد فليجعل على=(3/153)
ش- يُريدُ أنه لا يَتزر به في وسطه، ويشد طرفيه على حَقْويه، ولكن يتزر به ويرفع طرفَيْه، فيخالف بينهما، ويَشدُّه على عاتقه، فيكون بمنزلة الإزار والرداء، هذا إذا كان الثوب واسعا، فإذا كان ضيقا شده على حَقْوَيْه. وقالت العلماء: الحكمة: أنه إذا اتزر به ولم يكن على عاتقه منه شيء، لم يؤمن أن تنكشف عورته، بخلاف ما إذا جعل بعضه على عاتقه، ولأنه قد يحتاج إلى إمساكه بيده أو يدَيه، فيشتغل بذلك وتفوته سُنة وضع اليد اليمنى على اليُسْرى تحت سرته، ولأن فيه ترك ستر أعالي البدن ومَوْضع الزينة، وقد قال الله تعالى: {خُذوا زِينَتَكُمْ} (1) ، ثم قال أبو حنيفة، ومالك، والشافعي والجمهور: هذا النهي للتنزيه- كما ذكرنا- " للتحريم "، فلو صلى في ثوب واحد ساترٍ لعورته ليس على عاتقه منه شيء، صحت صلاته بالكراهة، سواء قدرَ على شيء يَجعله على عاتقِه أم لا. وقال أحمد وبعض السلف: لا تصح صلاته إذا قدر على وضع شيء على عاتقه إلا بوضعه، لظاهر الحديث. وعن أحمد رواية: إنه تصح صلاته، ولكنه يأثم بتركه. وحجة الجمهور: قوله - عليه السلام- في حديث جابر: " فإن كان واسعا فالْتحِفْ به، وان كان ضيقا فاتزِر به " رواه البخاري ومسلم وغيرهما. وقال الطحاوي: صلاة النبي- عليه السلام- في الثوب الواحد في حال وجود غيره من " لأخبار المتواتر " والحديث: أخرجه البخاري، ومسلم، والنسائي. 608- ص- نا مسدد: نا يحيى ح، ونا مسدد: ما إسماعيل المعنى، عن هشام بن أبي عبد الله، عن يحي بن أبي كثير، عن عكرمة، عن أبي هريرة
--------------------
=عاتقيه (359) ، مسلم: كتاب الصلاة، باب: الصلاة في ثوب واحد وصفة لبسه (516) ، النسائي: كتاب القبلة، باب: صلاة الرجل في الثوب الواحد ليس على عاتقيه منه شيء (2/ 71) .
(1) سورة الأعراف: (31) .(3/154)
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا صلّى أحدُكم في ثوب فليخالِف بطرفيه على عاتقيه " (1) .
ش- يحيى: القطان، وإسماعيل: ابن عليّة، وهشام بن أبي عبد الله - سنبر- البَصري، ويحيى بن أبي كثير- صالح- الطائي، وعكرمة: مولى ابن عباس.
قوله: " على عاتقيه " العاتق: موضع الرداء من المنكب، يُذكر ويؤنث، والمخالفة بطرفيه على عاتقيه: هو التوشحِ، وهو الاشتمال على منكبَيْه، وإنما أمر بذلك ليستر أعالي البدن، وموضع الزينة. وقال ابن بطال: وفائدة المخالفة في الثوب أن لا ينظر المصلي إلى عورة نفسه إذا ركع. قلت: يجور أن تكون الفائدة: أن لا يسقط إذا ركع وإذا سجد، وهذا الأمر للندب عند الجمهور، حتى لو صلى وليس على عاتقه شيء صحت صلاته- لما ذكرناه. والحديث: أخرجه البخاريّ.
609- ص- نا قتيبة بن سَعِيد: نا الليث، عن يحيى بن سعيد، عن أبي ثمامة بن سَهْل، عن عُمر بن أبي سلمة قال: رأيت رسول الله يُصلي في ثوب واحد ملتحفا مخالفا بين طرفيه على منكبَيْه (2) .
ش- الليث: ابن سَعْد، ويحيى بن سعيد: الأنْصاري، وأبو أسامة: أسْعد بن سهل بن حُنيف الصحابي ابن الصحابي.
وعمر بن أبي سلمة- عبد الله- بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله
----------------
(1) البخاري: كتاب الصلاة، باب: إذا صلى في الثوب الواحد فليجعل على عاتقيه (360) .
(2) البخاري: كتاب الصلاة، باب: الصلاة في الثوب الواحد ملتحفا به (354) ، مسلم: كتاب الصلاة، باب: الصلاة في ثوب واحد وصفة لبسه (278 / 517) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في الصلاة في الثوب الواحد (339) النسائي: كتاب القبلة، باب: الصلاة في الثوب الواحد (2 / 71) ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: الصلاة في الثوب الذي يجامع فيه (541)(3/155)
ابن عمر بن مخزوم، يكنى أبا حفص، رَبيب النبي- عليه السلام- أفه: أم سلمة بنت أمية بن المغيرة روج النبي- عليه السلام-، مات النبي - عليه السلام- وهو ابن تسع سنن، رُوِيَ له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنا عشر حديثاً، اتفقا على حديثين. روى عنه: أبو أسامة بن سَهْل، وسعيد بن المسيّب، وعروة بن الزبير، ووهب بن كيسان. توفي في خلافة عبد الملك بن مروان سنة ثلاث وثمانين، وقيل: كان مولده في السنة الثانية من الهجرة بأرض الحبشة. روى له الجماعة (1) .
قوله: " ملتحفا مُخالفاً " حالان من الضمير الذي في " فصلى " إما من الأحوال المتداخلة أو المترادفة، وفي رواية لمسلم: " مشتملاً به، واضعا طرفيه على عاتقيه"، وفي حديث جابر: " متوشحا به " المشتمل والمتوشح والمخالف بين طرفيه معناها واحد هنا، ولفظ البخاريّ عن عمر ابن أبي سلمة أن النبي- عليه السلام- صلى في ثوب واحد قد خالف بين طرفيه، وفي لفظ: في بَيْت أم سلمة ألقى طرفيه على عاتقيه، وفي لفظ: واضعا طرفيه على عاتقيه. ويستفاد من الحديث: جواز الصلاة في ثوب واحد. وأخرجه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
[1/ 214 - أ] / 610- ص- نا مسدد: نا ملازم بن عَمرو الحنفي: نا عبد الله بن بَدْر، عن قَيْس بن طَلق، عن أبيه قال: قدمْنا على نبي الله- عليه السلام- فجاء رجل فقال: نا نبي الله، ما ترى في الَصلاة في الثوب الواحد؟ قال: فأطلقَ رسولُ الله إزارَه طارَقَ له (2) رداءه، فاشتملَ بهِما، ثم قام فصَلى بنا نبي الله، فلما أن قضى الصلاة قال: " أو كلكُم يجدُ ثوبيْن؟ " (3) .
ش- مُلازم بن عمرو: ابن عبد الله بن بدر بن قيس بن طلق بن سنان الحنفي، قد ذكرناه، وعبد الله بن بدر: ابن عُميرة بن الحارث بن سمرة
----------------------------
(1) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (2 / 474) ، وأسد الغابة (4 / 183) ، والإصابة (2 / 519) .
(2) في سنن أبي داود: " به ".
(3) تفرد به أبو داود.(3/156)
الحنفي اليمامي، وقيس بْن طلق: ابن علي بن شيبان الحنفي، وطلق بن علي الصحابي، وقد ذكرناهم مرةً.
قوله: " فأطلق رسول الله إزارَه " أي: أرسلها.
قوله: "طارَقَ له رداءه " من قولهم: طارق الرجل بين الثوبين إذا ظاهر بينهما، أي: لبسَ أحد " ما على الآخر، وطارق بين نعلين أي: خصف أحدهما فوق الأخرى، ومحلها النصب على الحال بتقدير: قدْ، أي: أطلقَ إزاره قد طارقَ له رداءه. وفي رواية أبي بكر بن أبي شيبة: " فأطلق النبي- عليه السلام- إزاره، فَطارقَ به رداءه، ثم اشتمل بهما " الحديث، فيكون قوله: " فطارق " بالفاء عطفا على قوله:" فأطلَق ". قوله:، فاشتمل بهما " أي: بالإزار والرداء، والاشتمالُ: التلقفُ. قوله: " أو كلكم يجدُ ثوبَيْن " لفظة استخبار، ومعناه: إخبارهم عن ضيق حالهم وتقريرها عندهم، وفي ضمنه الفتوى من طريق الفحوى، ثم استقصر عليهم واستزاد فهمهم فكأنه قال: إذا كان ستر العورة واجبا والصلاة لازمةً، وليس لكل واحد ثوبان، فكيف لم تعلموا أن الصلاة في الثوب الواحد جائزة؟ "
****
72- بَابُ: الرجل يَعْقدُ الثوب في قفاه ثم يصلي
أي: هذا باب في بيان الرجل يعقد الثوب في قفاه ثم يُصلي، وفي بعض النُسخ: " باب ما جاء في الرجل ".
611- ص- نا محمد بن سليمان الأنباري: نا وكيع، عن سفيان، عن أبي حازم، عن سَهْل بن سَعْد قال: لقد رأيتُ الرجال عاقدي أزْرهم في أعناقهم من ضيق الأزر خلف رسول الله- عليه السلام-َ في الصلاة (1) كأمثال الصبيان، فقال قائل: يا مَعشر النساء، لا ترفعن رءوسكن حتى يرفع الرجالُ (2) .
-----------------------
(1) قوله: وفي الصلاة، غير موجود في سنن أبي داود.
(2) البخاري: كتاب الأذان، باب: عقد الثياب وشدها، ومَن ضم أليه ذويه (ذا=(3/157)
ش- سفيان: الثوري، وأبو حازم: كلمة بن دينار.
قوله: " عاقدي أزرهم " أصله: عاقدين أزرهم، سقطت النون بالإضافة ونصبه علَى الحال؟ لأن " رأيتُ " بمعنى أبصرتُ فلا يتعدى الا (1) إلى مفعول واحد. والأزر- بضم الهمزة، وسكون الزاي- جمع إزار؛ والإزار يذكر ويؤنث، وجمعه للقلة: آزرة وللكثرة: أزْر، كحمار وأحمرة وحُمرٍ.
قوله: " كأمثال الصبيان "، وفي رواية البخاري: " كهيئة الصبيان" وقال السفَاقُسي: لو كان لهم غيرها ما احتيج أي نهي النساء عن رفع رءوسهن حتى يجلسَ الرجالُ، وقال: لا خلاف بين العلماء أن المصلي إذا تقلّص مئزره، أو كشفت الريح ثوبه وظهرت عورته، ثم رجع الثوب في حينه وفوره، أنه " لا يضر ذلك المصلي شيئا، وكذلك المأموم إذا رأى من العورة مثل ذلك، إنما يحرم النظر مع العمد، ولا يحرم النظر فجأة، فإذا صحت صلاة الإمام، فأحرى أن تصح صلاة المأموم. وقال ابن القاسم: إن فرط في رد إزاره فصلاته وصلاة من تأمل عورته باطلة. وعن سحنون: إن رفع الريح ثوب الإمام فانكشف عن دبره فأخذه مكانه، أجزأت ويُعيد كل مَن نظر إلى عورته ممن خلفه، ولا شيء على من لم ينظر وروي عنه: إن صلاته وصلاة من خلفه فاسدة وإن أخذه مكانه. وعن الشافعي: لو انكشف شيء من العورة في الصلاة بطلت صلاته، ولا يعفى عن شيء منها ولو شعرة من رأس الحرة أو ظفرها. وعند أحمد: يعفى عن القليل ولم يحدها. وعند أصحابنا: الانكشاف القليل لا يمنع، وكذا الكثير في الزمن القليل، وهو أن لا يؤدي فيه ركنا من أركان الصلاة، حتى لو انكشفت عورته في الصلاة فغطاها في الحال لا تفسد صلاته
------------------
= خاف أن تنكشف عورته (814) ، مسلم: كتاب الصلاة، باب: آخر النساء المصليات آراء الرجال أن لا يرفعن رءوسهن من السجود حتى يرفع الرجال
، (133 / 441) ، النسائي: كتاب القبلة، باب: الصلاة في القرار (2 / 70) . (1) في الأصل: " إلى"(3/158)
وإذا أدى به ركنا فسدت، ولا يصح شروعه في الصلاة مع الانكشاف.
وذكر ابن شجاع: أن من نظر في زيقه فرأى فرجه لم تصح صلاته،
وعامة أصحابنا جعلوا السَتر شرطا عن غيره لا عن نفسه، لأنها ليست
عورة في حق نفسه. وبقول ابن شجاع: قال الشافعي، وأحمد. والحديث: أخرجه البخاري، ومسلم، والنسائي.
***
/ 73- بَابٌ: في الرَّجُل يُصَلي في ثَوْب بَعْضُه عَلى غَيْره [1/214-ب]
أي: هذا باب في بيان الرجل الذي يصلي في ثوبِ والحال أن بَعْضه
على غيره.
وقوله: " بعضه " مبتدأ، وخبره: "على غيره "، ومحله من الإعراب
يجوز أن يكون جرا على أنه صفة لثَوْب، ويجوز أن يكون نصبا على أنه
حال بترك الواو من قبيل: كلمتُه فوه إلىَ فيَّ. وفي بعض النسخ: "باب
ما جاء في الرجل يصلي في ثوب واحدِ بعضُه على غيره " (1) .
612- ص- نا أبو الوليد الطيالسي: نا زائدة، عن أبي حَصين، عن
أبي صالح، عن عائشة أن النبي- عليه السلام- صلى في ثوبٍ واَحد بَعْضُه
علي (2) .ً
ش- رائدة: ابن قدامة، وأبو حَصِين- بفتح الحاء- عثمان بن عاصم
الأسدي، وأبو صالح: السمان.
قوله: "بعضُه " أي: بعض الثوب (علي) . وهذه الجملة محلها
الجر، لأنها وقعت صفةً للثوب، ويجوز أن تكون حالاً بترك الواو كما
ذكرنا الآن. وفيه دليل على جواز الصلاة في ثوب بعضُه عليه وبعضُه على
المرأة، ما لم تكن المرأة مشاركة معه في الصلاة، وعلى غير المرأة- أيضاً-
سواء كان مشاركا معه في الصلاة أو لم يكن، وسواء كانت المرأة
__________
(1) كما في سنن أبي داود.
(2) تفرد به أبو داود.(3/159)
حائضا أو جنبا أو طاهرة، لما رُوِيَ عن عائشة- رضي الله عنها-: كان النبي- عليه السلام- يُصلي من الليل وأنا إلى جَنْبه، وأنا حائض " وعَلَي مِرْط وعليه بَعْضُه إلى جَنْبه.
***
74- بَابُ: الرَّجل يُصَلي في قميصٍ واحد
أي: هذا باب في بيان الرجل يصلي في قميص واحد، وفي بعض النسخ:" باب ما جاء في الرجل يُصلي في قميص واحد ".
613- ص- نا القعنبي: نا عبد العزيز- يعني: ابن محمد-، عن مُوسى بن إبراهيم، عن سلمة بن الأكوع قال: قلت: يا رسول الله، إني رجل أَصيدُ أَفاصلّي في القميص الواحد؟ قال: " نعم، وازرُرْه ولو بشوكة" (1) .
ش- عبد العزيز: ابن محمد الدراوردي.
وموسى بن إبراهيم: ابن [عبد الرحمن بن] عبد الله بن أبي ربيعة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم المخزومي القرشي. سمع: أباه، مسلمة بن الأكوع. روى عنه: عطاء بن خالد، والدراوردي، وعبد الرحمن بن أبي الموالي (2) . روى له: أبو داود، والنسائي (3) .
قوله: " أفأصلي " الهمزة فيه للاستفهام، فلذلك قال في جوابه: "نعم"أي: صَل.
قوله: " وازْرُرْه " أمر من زر يَزر، من باب نصر ينصر، ويجوز فيه:
" زُرَّ " من حيث القاعدة بالحركات الثلاث في الراء كمُد، وبالفك يكون فيه الربعة أحوال، وإنما أمره بالزر ليأمن من وقوع النظر على عورته من
__________
(1) النسائي: كتاب القبلة، باب: الصلاة في قميص واحد (2 / 70) .
(2) كذا، وفي تهذيب الكمال: " المَوَال"
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (29 / 6233) .(3/160)
زيقه حالة الركوع. ومن هذا أخذ ابن شجاع من أصحابنا أن من نظر إلى عورته من زيقه تفسد صلاته، وقد مر عن قريب.
قوله: " ولو بشوكة " الباء فيها متعلقة بمحذوف تقديره: ولو أن تزره بشوكة. وهذا الحديث: ليس بموجود في بعض النسخ، ولكنه صح في روايةَ أبي حفص الخولاني، عن أبي داود، وكذا رواه أبو سعيد بن الأعرابي، عن محمد بن عبد الملك، عنه. وأخرجه النسائي.
614- ص- نا محمد بن حاتم بن بزيع: نا يحيى بن أبي بُكير، عن إسرائيل، عن أبي حَرْمل (1) العامري- كذا قال: وهو أبُو (2) حَوْمل العامري-، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر، عن أبيه قال: أمنا جابر بن عبد الله في قميص ليس علي رداء، فلما انْصرف قال: إني رأيتُ رسول الله يُصلي في قميصٍ (3) .
ش- يحيى بن أبي بكير- نَسْر- أبو زكرياء الكرْماني، وإسرائيل: ابن يونس بن أبي إسحاق السبيعي.
وأبو حَوْمل العامري: روى عن: محمد بن عبد الرحمن، وروى عنه: إسرائيل. روى له: أبو داود (4) .
وهو بفتح الحاء المهملة، وسكون الواو، وبعضهم قال: بالراء "حرْمل "، وليس بصحيح، والصواب بالواو، فلذلك نبه عليه أبو داود بقوله: " كذا قال وهو أبو حَوْمل " بالواو.
ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر: ابن عُبَيد الله بن عبد الله بن أبي مُليكة، أبو غِرارة القرشي التيمي المُليكي المكي، زوج جَبْرة- بالجيم
__________
(1) في الأصل وفي سنن أبي داود: " حومل "، وانظر تعليق المصنف عليه.
(2) في سنن أبي داود: " والصواب أبو حرمل". وقال الحافظ ابن حجر في " التقريب ": " وهو الراجح عند أبي داود".
(3) تفرد به أبو داود.
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (33 / 7332) .
11. شرح سنن أبي داوود 3(3/161)
والباء الموحدة- روى عن: أبيه، وابن أبي مُليكة، وموسى بن عقبة، وغيرهم. روى عنه: أبو حومل العامري، وأبو عاصم النبيل، ومسدد، وغيرهم، فقال أحمد: لا بأس به، وكذا قال أبو زرعة. روى له:
أبو داود، وابن ماجه (1) .
وأبوه: عبد الرحمن، روى عن: جابر بن عبد الله، وابنه، وعمه: [1/215-أ] عبد الله، والقاسم بن محمد، / وغيرهم. روى عنه: أبو معاوية، ويزيد بن هارون، وروح بن عبادة، وغيرهم. قال ابن معين: ضعيف.
وقال أبو حاتم: ليس بقوي في الحديث. روى له: أبو داود، والترمذي، وابن ماجه (2) .
واستفيد من هذا الحديث: جواز الصلاة في قميصِ واحد. وعن ابن
عباس: لا بأس بالصلاة في القميص الواحد إذا كان ضيقا. وبهذا أخذ
أصحابنا حتى إذا كان القميص رفيعا بحيث أنه يُرى منه جسده لا تجور
الصلاة فيه.
***
75- بَاب: إذا كان ثوبا ضيقا (3)
أي: هذا باب في بيان ما إذا كان علي ثوبا ضيقا، وفي بعض النسخ:
" إذا كان ثوب ضيق ".
615- ص- نا هشام بن عمار، وسليمان بن عبد الرحمن، ويحيى بن الفضل السِجسْتاني قالوا: نا حاتم- يعني: ابن إسماعيل- نا يعقوب بن مجاهد أبو حَزْرَة، عن عبادة بن الوليد، عن عبادة بن الصامت قال: أتينا جابرا- يعني: ابن عبد الله- قال: سرتُ مع رسول الله- عليه السلام- في غزوة فقامَ يُصلي وكانت علي بُردة ذهبتُ أخالفُ بَين طرفيها، فلم تبلغ لي وكانت لها ذباذبُ فنكستُها ثم خالفت بين طرَفيها، ثم تواقصتُ عليها لا
__________
(1) المصدر السابق (5 2 /. 539) .
(2) المصدر السابق (16/3768) .
(3) في سنن أبي داود: " إذا كان الثوب ضيقا يتزر به"(3/162)
تسقط، ثم جئتُ حتى قمتُ عن يَسارِ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذ بيدي (1) حتى أقامني عن يمينه، فجاء ابن صَخْرٍ حتى قامِ عن يَسارِه، فأخذنا بيديْه جميعاً حتى أقامنا خلَفه، قال: وجعل رسولُ الله يرْمُقُني وأناَ لا أشعُرُ ثم فطنتُ به، فأشارَ إلي أن اتزرْ بها، فلما فرغ رسولُ الله قال: " يا جابرُ"، قلتُ (2) : لبيكَ يارسول الله، قال: " إذا كان واسعا فخالفْ بين طرفَيْه، وإذا كان ضيقا فاشدده على حَقْوِك " (3) .
ش- هشام بن عمار: أبو الوليد الدمشقي، وسليمان بن عبد الرحمن:
أبو أيوب الدمشقي، وحاتم: ابن إسماعيل الكوفي المدني، ويعقوب بن مجاهد: القاص المدني، وعُبادة بن الوليد: ابن عبادة بن الصامت أبو الصامت الأنصاري المدني، والكل ذكرناهم.
قوله: " بُرْدة " البُرْدة: الشملة المخططة، وقيل: كساء أسود مُربع، وقد ذكرت غير مرة.
قوله: " ذباذبُ " ذباذب الثوب: أهْدابُه، سُميت بذلك لتذبذبها. وقال ابن الأثير: ذباذبُ الثوب: أطرافه، واحدها: ذِبْذب- بالكسْر- سميت بذلك لأنها تتحرك على لابسها إذا مشى.
قو له: "فنكستُها " أي: قلبتُها.
قوله: " ثم تواقصتُ عليها" أي: انحنيتُ وتقاصرتُ لأمسكها بعُنقي كأنه يحكي خلْقة الأوقص من الناس، وهو الذي قصرت عنقه خلْقةً. قوله: " فجاء ابن صَخْر " هو أبو عبد الله: جبار بن صخر الأنصاري السلمي، شهد بدرا والعقبة، جاء مبينا في " صحيح مُسلم ".
قوله: " يَرْمُقني " أي: يَنظر إلي، من رَمَقْتُه أرمُقه رمقا نظرتُ إليه، ورمق ترميقاً: أدام النظرَ.
__________
(1) في سنن أبي داود: " فأخذ بيدي فأدارني ".
(2) في سنن أبي داود: " قال: قلت"
(3) مسلم: كتاب الزهد والرقائق، باب (18) ، حديث جابر (3010) .(3/163)
قوله: " ثم فطنت به " أي: فهمته، من فطن للشيء بالفتح، ورجل فَطِن، وفَطُن- بكسر الطاء وضمها- وقد فطِن- بالكسْر- فطْنة وفِطانة وفَطانِية.
قوله: " لبيك " معناه: لزمتُ لزوما بطاعتك بعد لزوم، وقيل: أجبتُ إجابةً بعد إجابة، من ألب بالمكان إذا أقام به، وأصله: ألبيتُ إلبابا بعد إلباب أي: إقامةً على طاعتك بعد إقامةٍ، ثم حذف الصلات تخفيفاً ثم الفعل استغناء بأحد المصدرين، ثم حذف زوائدهما، ثم ثُنيا وأضيفا إلى الكاف فصار لبيك، وقال يونس: هو مفرد أصله سبب، فقلبت لامه الأخيرة ياء ثم ألفاً ثم أضيف إلى الكاف فقلبت ياء، لأنه يلازم الإضافة وعدم التصرف كعليك ولديك، وهذا من القسم الذي حذف فعله سماعاً. وقد قيل: هذا النوع سماعية من جهة أنه لا يجاوز ما سمع من المثنى بهذا المعنى، ولا يقاس علي ما لم يُسْمع، وقياسيّة من جهة أن كل ما جاء مثنى بهذا (1) المعنى حذف فعله وجوبا من غير أن يحتاج إلى سماع.
قوله: " على حَقْوك " الحقو- بفتح الحاء المهملة وكسرها-: الإزار، والأصل فيه: مَعْقدُ الإزار، ثم سمي به الإزار للمجاورة، وجمعه: أحْقٍ وأحْقاء.
ويُستفادُ من الحديث فوائد، الأولى: أن الرجل إذا صلى مع واحد يقيمه عن يمينه.
الثانية: أنه إذا صلى مع اثنين يتقدم عليهما.
الثالثة: أن العمل اليسير لا يفسد (2) الصلاة.
الرابعة: أنه إذا رمق إلى صاحبه وهو في الصلاة لا بأس عليه.
[1/215-ب) / والخامسة: أن الإشارة في الصلاة لا تُبطلها.
__________
(1) مكررة في الأصل.
(2) في الأصل: " تفسد".(3/164)
والسادسة: أن الثوب إذا كان واسعا يخالف بين طرفيه، وإذا كان ضيقا يَشده على حَقْوه. والحديث: أخرجه مسلم في أثناء حديث آخر الكتاب.
***
76- بَابُ: مَنْ قالَ: يتّزرُ به إذا كَان ضيقا (1)
أي: هذا باب في بيان من قال: يتزر بالثوب إذا كان ضيقا، ولم يقدر أن يخالف بين طرفيه.
616- ص- نا سليمان بن حرب: نا حَمادُ بن زَيْد، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قال: قال عمر: إذا كان لأحدكم ثوبان فليُصل فيهما، فإن لم يكن إلا ثوب فليتّزر (2) ولا يَشْتملْ اشتمال اليهود (3) .
ش- أيوب: السختياني.
واشتمال اليهود المنهي عنه: هو أن يُجلّل بدنه الثوب، ويُسْبله من غير
أن يشيل طرفه، فأما اشتمال الصماء الذي جاء في الحديث: فهو أن يجللَ بدنه الثوب ثم يرفعَ طرفيْه على عاتقه الأيْسر. وفي " المصنف ": نا عبد الأعلى، عن معمر، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر، أن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- رأى رجلاً يُصلي ملتحفا فقال: لا تشبهوا باليهود، من لم يجد منكم إلا ثوبا وأحداً فليتّزر به.
حدَّثنا أزهر، عن ابن عون، عن محمد قال: إذا أراد الرجل أن يُصلي، فلم يكن له إلا ثوب واحد اتّزر به.
617- ص- نا محمد بن يحيى بن فارس: نا سعيد بن محمد: نا أبو تُمَيلة: نا أبو المُنيب: عبيد الله العتكي، عن عبد الله بن بُريدة، عن أبيه قال: نهى رسولُ اَلله أن يُصلى في لحاف ولا يُوشحَ (4) به، والآخر أَن تُصلي في سراويل ليْس عليك رداءٌ (5) .
ش- سعيد بن محمد: ابن سعيد، أبو محمد الجرمي. سمع:
__________
(1) هذا التبويب غير موجود في سنن أبي داود.
(2) في سنن أبي داود: " فليتزر به ".
(3) تفرد به أبو داود
(4) في سنن أبي داود:" لا يتوشح ".
(5) تفرد به أبو داود.(3/165)
شريكا، وعلي بن غراب، وأبا تُميلة، وأبا يوسف القاضي، وغيرهم. روى عنه: محمد بن هارون، والبخاري، ومسلم، وروى أبو داود وابن ماجة عن رجل، عنه. وقال ابن معين: صدوق، وقال أبو داود: ثقة (1) .
وأبو تُميلة- بضم التاء المثناة من فوق- اسمه: يحيى بن واضح الأنصاري مولاهم المروري. سمع: ابن إسحاق، وأبا حمزة السكري، وموسى بن عبيدة، وأبا المُنيب، وغيرهم. روى عنه: أحمد بن حنبل، والنُّفيلي، وإسحاق بن راهوَيه، ويعقوب الدورقي، وغيرهم. قال أحمد، وابن معين، والنسائي: ليس به بأس، زاد أحمد: ثقة. وقال ابن خراش: صدوق. روى له الجماعة (2) .
وأبو المُنيب عُبيد الله: ابن عبد الله المروزي أبو منيب السًنجي العتكي. روى عن: عكرمة مولى ابن عباس، وسعيد بن جبير، وعطاء بن أبي رباح، وجابر بن زيد، وعمر بن عبد العزيز، وعبد الله بن بُريدة، والحسن البصري، وغيرهم. روى عنه: زيد بن الحباب، وأبو تُميلة، وعلي بن الحسن، وغيرهم. قال البخاري: عنده مناكير. وقال أبو حاتم: هو صالح. وقال ابن معين: ثقة. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (3) .
وعبد الله بن بُريدة: ابن الحُصيب (4) .
قوله: "في لحافٍ " للحافُ: اسم ما يلتحف به، وكل شيء تغطيتَ
به فقد التحفت به.
قوله: "ولا يوشح به" التوشح: أن يَتشح بالثوب، ثم يُخرج طرفه
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (11/2348) .
(2) المصدر السابق (32 / 6938) .
(3) المصدر السابق (9 1 / 3656) .
(4) في الأصل: والخصيب " خطأ.(3/166)
الذي ألْقاه على عاتقه الأيْسر من تحت يده اليمنى، ثم يعْقد طرفيهما على صدْره، وقد وشحه الثوبَ.
قوله: " في سراويل " زعم ابن سيده أنه فارسيّ مُعرّب يُذكرُ ويؤنَث، ولم يعرف الأصمعي فيها إلا التأنيث، وجمعه: سراويلات، وقال سيبويه: لا يكسر، لأنه لو كسر لم يرجع إلا إلى لفظ الواحد فترك. وقد قيل: سراويل جمع واحده سروالة، والسراوين: السراويل، زعم يعقوب أن النون فيها بدل من اللام، وفي " الجامع " للقزاز: سراويل وسرْوال وسرويل ثلاث لغات. وفي " الصحاح ": وهي مصروفة من النكرة، والعمل على هذا القول وعدم الصرف أقوى منه. وقال أبو حاتم السجستاني: السراويل مؤنثة لا يُذكرها أحد علمناه، وبعضُ العرب يَظنّ السراويلَ جماعةً، وسمعتُ من الأعراب من يَقولُ: الشِرْوال- بالشن المعجمة.
قلتُ: الشروال مثل السراويل، ولكنه يُلْبسُ فوق القماش كله لأجل حفظه عن الطين والوسخ، وغالب ما يُلبْسُه المسافرون لأجل التشمِير وحفْظ القماش، / والعجم تقول للسراويل: شلْوار. [1/216-أ] .
ووَجْه النهي عن الصلاة في لحاف لا يتوشحُ به: أنه إذا لم يتوشح به ربما تنكشف عورته، وأما وجهه عنً الصلاة في سراويل وليْس عليه رداء: فالظاهر أنه إذا كان قصيرا لا يَسْتر عورته، فأما إذا كان طويلاً وصلى فيه بدون الرداء، فصلاته جائزة، إلا أنها تكره، ومن هذا كره بعضُ أصحابنا الصلاة في السراويل وَحْدها.
***
77- بَابُ: الإِسْبَال فِي الصَّلاة
أي: هذا باب في بيان إسْبال الإِزار في الصَلاةِ، والإسْبال: الإرْسالُ، وليْس في غالب النسخ: "باب الإِسْبال في الصلاة " بل ذكر حديث أبي هريرة الذي نذكره الآن عجيب حديث عبد الله بن بريدة بلا(3/167)
فاصلٍ بينهما ببابٍ ونحوه، وفي بعض النسخ الصحيحة الحديثاًن اللذان ذكرا في هذا الباب ذُكِرا عَقيب حديث جابر مُتصلٍ به بدُون ذكر بابٍ، وذكر "بابُ مَن قال يَتزر به " عقيبَ هَذين الحديثين.
618- ص- نا (1) موسى بن إسماعيل: نا أبانٌ: نا يحيى، عن أبي جعفر، عن عطاء بن يَسار، عن أبي هريرة قال: بيْنما رجل يُصَلي مُسْبِلاً إزارَه إذ قال له رسول الله- عليه السلام-: " اذهب توضأ (2) " فذهب فتوضأ ثم جاء، ثم قال: " اذهب فتوضَأ " فذهبَ فتوضأَ ثم جاء / ثم قال: اذهب فتوضأ " فذهب فتوضأ ثم جاء / (3) فقال له رجل: يا رسول الله، مَا لكَ أمَرْتَه أن يَتَوضأ؟ قال (4) : " إنه كان يُصلي وهو مُسْبِلٌ إزارَه، وإن الله لا يقبلُ صلاةَ رجل مُسْبلٍ إزارَه " (5) .
ش- أبان: ابن يزيد العطار، ويحيى: ابن أبي كثير، وأبو جَعْفر: رجل من أهل المدينة لا يُعْرف له اسمٌ. روى له: أبو داود، والترمذي، وابن ماجه.
قوله: " بينما رجل " قد مرّ غير مرة أن أصله: " بَيْنَ"، وأنه ظرف زمان بمعنى المفاجأة، ويَحتاجُ إلى جواب يَتم به المعنى، وجوابه: " إذ قال له " وأنه يُضافُ إلى جملة من فعل وفاعل، أو مُبتدإ وخبر. وقوله: " رجل " مرفوع على أنه مُبتدأ قد تخصص بالصفة وهو قوله: " يُصلّي "، والخبر محذوف، و" مُسْبلاً " حالٌ، وتقدير الكلام: بَيْنما رجل مُشتغل بالصلاة في مكان، حال كونه مُسبلاً إزاره، إذ قال له- عليه السلام. وفي بعض النسخ المضبوطة: " مُسبلٌ إزاره" بالرفع، فوجهُه: أن يكون خبراً بعد خبر، أو خبر مبتدأ محذوف، أي: هو مسبل، هذا على
__________
(1) جاء هذا الحديث في سنن أبي داود عقب الحديث الآتي.
(2) في سنن أبي داود: " فتوضأ ".
(3) ما بين الشرطين المائلتين غير موجود في سنن أبي داود.
(4) في سنن أبي داود: " أن يتوضأ، ثم سكت عنه، فقال ".
(5) تفرد به أبو داود.(3/168)
تقدير صحة الرواية بالرفع. وإنما أمرَه- عليه السلام- بالوضوء مرتين زجرا علي لما فعل من إسبال إزاره، فكأنه- عليه السلام- رأى وضوءه وهو في هذه الحالة كَلا وضوء، والصلاة لا تجوز إلا بوضوء. والحديث منسوخ وضعيف- أيضاً-، لأن فيه رجلاً مجهول الاسم، وهو أبو جعفر المذكور.
619- ص- نا زبد بنِ أخزم: نا أبو داود، عن أبي عوانة، عَن عاصمٍ، عن أبي عثمان، عن ابن مسعُود- رضي الله عنه- قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يَقول: " من أسْبَلَ إزارَه في صلاته خُيَلاءَ فليْس من الله في حل ولا حَرَ أم " (1) .
ش- زيد بن أخزم: أبو طالب الطائي النبهاني الحافظ البصري. روى عن: عبد الرحمن بن مَهْدي، وأبي عاصم النبيل، وإبراهيم بن سَعْد، وغير هم. روى عنه: البخاري، ومسلم، َ وأبو ما ود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وغيرهم. قال أبو حاتم والنسائي: ثقة. مات بعد دخول الزنج البصرة وذبحته الزنج سنة سبع وخمسين ومائتين (2) . وأبو داود: سليمان بن داود الطيالسي، وأبو عوانة: الوضاح، وعاصم: ابن سليمان الأحول.
وأبو عثمان: ابن سَنَّةَ الخزاعي الكعبي الشامي الدمشقي. روى عن: علي بن أبي طالب، وعبد الله بن مَسْعود. روى عنه: الزهري وغيره، سئل أبو زرعة عن اسمه فقال: لا أعْرف اسمَه (3) .
قوله: " خُيلاء " نَصْب على التعليل يعني: لأجل الاختيال، أو نصب على الحال يعني: مختالا، الخُيلاء- بالضيم والكسر-:َ الكبْرُ والعُجْبُ
__________
(1) النسائي في الكبرى: كتاب الزينة، باب: إسبال الإزار.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (10 / 2085) .
(3) المصدر السابق (34 / 7501) .
تنبيه: ترجم المصنف أن أبا عثمان هو ابن سنة، بينما ذكر الحافظ المزي هذا الحديث (7/9379) في ترجمة أبي عثمان عبد الرحمن بن مل.(3/169)
يُقال: اختال فهو مُختال وفيه خُيلاء ومَخيلة أي: كبر، ويُقال: خَال الرجلُ فهو خَائل أي: مُختال.
قوله: " فليس من الله في حل ولا حَرامٍ " الحل- بكسر الحاء- بمعنى الحلال والمعنى (1) ، وكلمة
" من " هاهنا بمعنى: " عند " كما في قوله تعالى: {لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أمْوَالُهُمْ وَلا أوْلادهم مَّنَ الله شيئاً} (2) ، [1/216 - ب] والمعنى: / فليْس عند الله في شيء، وقد شاع بَيْنَ العَرب ضربُ المثل بقولهم: فلان لا ينفع للحلال ولا للحرام، ويُريدون به أنه سَاقط من الأعْين، لا يُلْتفتُ إليه، ولا يُعبا به وبأفْعاله، وكذلك معنى الحدَيث: من أسْبل إزاره في صلاته خُيلاء فليْس هو عند الله في شيء، ولا يَعْبا الله به ولا بصلاته، ثم إسبالُ الثوْب خارج الصلاة إن كان لأجل الاختيال يكره- أيضاً-َ، وإن لم يكن للاختيال لا يكره، وكرهه البعض " مطلقا في الصلاة وغَيْرها للاختيال وغيرها.
ص- قال أبو داود: روى هذا جماعة عن عاصم موقوفا على ابن مسعود , منهم: حماد بن سلمة، وحماد بن زيد، وأبو الأحوص، وأبو معاوية.
ش- أي: روى هذا الحديث جماعة من أهل الحديث عن عاصم الأحول غيرَ مرفوع إلى النبي- عليه السلام-، بل موقوفا على عبد الله ابن مَسعود، منهم: الحمادان، وأبو الأحوص: عوفُ بن مالك، وأبو مُعاوية الضرير.
***
78- بَاب: فِي كم تُصلِي المرأة؟
أي: هذا باب في بيان حكم المرأة تصلي في كم من الثياب؟ وفي بعض النسخ: " باب ما جاء في كم تصلي المرأة؟ ".
__________
(1) كذا، ولعلها مقحمة.
(2) سورة آل عمران: (10) .(3/170)
اعلم أن " كم " في كلام (1) العرب على وَجْهين، بمعنى: " كثيرِ " واستفهاميّة يعني: أيُ عدد؟ ويشتركان في خمسة أمور: الاسمية، والإبهام، والافتقار إلى التمَييز، والبناء، ولزوم التصدير، ويفترقان في خمسة أمور: الأول: أن الكلام مع الخبرية يحتمل الصدق والكذب، بخلاف الاستفهامية، الثاني: أن المتكلم بالخبريّة لا يستدعي من مخاطبه جواباً، لأنه مخبر، بخلاف المتكلم بالاستفهامية، لأنه مُستخبِرْ، الثالث: أن الاسم المبدل من الخبريّة لا يقترن بالهمزة، بخلاف المبدل من الاستفهامية، يُقال في الخبرية: كم عبيد لي خمسون بل ستون، وفي الاستفهامية: كم مالك: عشرون أم ثلاثون؟ الرابع: أن تمييز الخبرية مفرد أو مجموع تقول: كم عبد ملكت؟ وكم عبيد ملكتُ؟ ولا يكون تمييز الاستفهامية إلا مفرداً، خلافاً للكوفيين، والخامسُ: أن تمييز الخبرية واجب الخفض وتمييز الاستفهامية منصوب، ولا يجوز جرة مطلقاً، خلافاً للفراء الزجاج وابن السِّراج، بل بشرط أن تجر " كم " بحرف جر، فح (2) يجوز في التمييز وجهان: النصب- وهو الكثير- والجرّ خلافاً للبعض. وإنما طولت الكلام- وإن كان هذا ليس بمناسب لهذا المقام- ليعرف المُحدّث كل " كم " تقع في هذا الكتاب من أي قسم هو؟ وما حالُه من الإعراب؟ فيَسْهلَ علي المعنى.
620- ص- نا القعنبي، عن مالك، عن محمد بن زَيْد بن قنفذ، عن أمه، أنها سألت أم سلمة: ماذا تصلي فيه المرأة من الثياب؟ فقالت (3) : تصلي في الخمار والدرع السابغ الذي يُغيب ظهور قدمَيْها (4) .
ش- مالك: ابن أنس.
ومحمد بن زيد: ابن المهاجر بن قنفذ التيمي الجُدْعاني المدني. روى عن: عبد الله بن عمر، وعُمير مولى آبي اللحم، وأبي سلمة بن
__________
(1) في الأصل: " كلاب " كذا.
(2) أي: "فحينئذ"
(3) في الأصل: " فقال "
(4) تفرد به أبو داود.(3/171)
عبد الرحمن، وأمّه. روى عنه: مالك بن أنس، ويعقوب بن عبد الرحمن الإسكندراني، وحفص بن غياث، وغيرهم. روى له: مسلم، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه (1) .
قوله: " ماذا تصلي فيه " اعلم أن " ماذا " على أوجه، أحدها: أن تكون " ما " استفهاماً، و" ذا " إشارةً نحو: ماذا الوقوف؟ والثاني: أن تكون " ما " استفهاماً، و " ذا " موصولة، نحو قوله تعالى: " ماذَا يُنفقُونَ " (2) في أحد الوجهين، الثالث: أن يكون " ماذا " كله استفهاماً علَى التركيب، كقولك: لماذا جئت؟ الرابع: أن يكون " ماذا " كله اسم جنس بمعنى " شيء " أو موصولاً بمعنى " الذي "، الخامس: أن تكون "ما" زائدة و " ذا " للإشارة، السادسُ: أن تكون " ما " استفهاماً و" ذا " زائدة؟ أجازه جماعة , منهم: ابن مالك في نحو: ماذا صنعتَ؟
قوله: " في الخمار " الخمار- بكسر الخاء- للمرأة، يُسمّى به لتخمير المرأة رأسَها به، أي: تُغطِيها به، ومنه الخمرُ، لأنها تغطي العَقْل. والخُمُر- بتحريك الميم- وهو كل ما سَتَرك من شجر أو بناء أو غيره، ومكان خِمرٌ - بكسر الميم- أي: ساتِرٌ، وخُمارُ الناس- بالضم- رَحمتهم.
قوله: "الدرع السابغ " الدرعْ- بكسر الدال- القمِيصُ، والسابغ - بالغين المعجمة- بمعنى الشامل على جميع بدنها، يقال: شيء سابغ، أي: كامل وافِ.
قوله: " الذي يُغيّب ظهور قدمَيْها " تفسير السابغ بمعنى الشامل- كما ذكرنا- لأنه / إذا كان شاملاَ يكون ساتراً ظهور قدمَيْها. [1/217 - ب]
ويُسْتفادُ من الحديث: أن المرأة إذا صلّت وظهور قدميها مكشوفة لا تجور صلاتها، وبه قال مالك، والشافعي، وقال مالك: إن صلت
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (25 / 5227) .
(2) سورة البقرة: (219) .(3/172)
وقدمها مكشوفة أعادت في الوقت، وكذلك إن صلت وشعرها مكشوف. وقال الشافعي: تعيد أبداً. وقال أحمد: كل شيء من المرأة عورة حتى ظفرها. وقال أبو حنيفة، والثوري: قدم المرأة ليست بعورة، فإن صلت وقدمها مكشوف لم تُعدْ. ويروى عن أبي حنيفة أن قدميها عورة- أيضاً- لعموم قوله- عليه السلام-: " الحرة عَوْرة "، واستثني عنها الوجهُ والكفان ت لقوله تعالى: {ولا يبدينَ زِينَتَهُن إِلا مَا ظَهَرَ منْهَا " (1) . وقال ابن عباس: هو الكحل والخاتمَ. وأخرج البيهقي عن عَقبة الأصم، عن عطاء بن أبي رباح، عن عائشة في قوله تعالى: {ولا يبدينَ زينَتَهُن إِلا مَا ظَهَرَ منْهَا} قالت: ما ظهر منها: الوجه والكفّان. قالَ الشيَخ في " الإمام ":َ وعقبة تكلم فيه.
621- ص- نا مجاهد بن موسى: نا عثمان بن عمر: نا عبد الرحمن بن عبد الله- يعني: ابن دينار-، عن محمد بن زيد بهذا الحديث قال عن أم , سلمة، أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتصلي المرأةُ في درعْ وخمار ليس عليها إزار؟ قال: " إذا كان الدرعُ سابغاً يُغطي ظهور قدمَيْها " (2) .
ش- مجاهد بن موسى: أبو علي الخوارزمي.
وعثمان بن عمر: ابن فارس بن لقيط بن قيس أبو محمد أو أبو عدي العبدي البصري. روى عن: عبد الله بن عون، وداود بن قيس، ويونس بن يزيد، وغيرهم. روى عنه: البخاري، والترمذي، وابن ماجه، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، ومجاهد بن موسى، وغيرهم. قال أحمد بن حنبل: ثقة رجل صالح. توفي ليلة الأحد لثمان بقين من ربيع الأول سنة تسع ومائتين. وروى له: أبو داود، والنسائي (3) .
وعبد الرحمن بن عبد الله: ابن دينار المديني العدوي مولى عبد الله بن
__________
(1) سورة النور: (31) .
(2) تفرد به أبو داود.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (19/ 3848) .(3/173)
عمر بن الخطاب. روى عن: أبيه، وزيد بن أسلم، وأبي حازم بن دينار. روى عنه: يحيى القطان، ومعن بن عيسى، وأبو الوليد الطيالسي، وغيرهم. قال ابن معين: في حديثه ضعْف. وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به. وقال ابن عدي: بعض ما يرويه منكر لا يُتابع علي. روى له: البخاري، وأبو داود، والترمذي، والنسائي (1) . ومحمد بن زيد: قد مر الآن.
قوله: " اتُصلي المرأة " الألف فيه للاستفهام.
قوله: " إذا كان الدرع " إلى آخره جوابُه محذوف تقديره: إذا كان القميص شاملاَ على جميع بدنها يُغطي ظهور قدميها تُصلي فيه وإلا لا. وفي " المصنف ": نَا أبو أسامة، عن الجريري، عن عكرمة قال: تصلي المرأة في درع وخمار حَصِيف.
ونا أبان بن صَمْعة، عن عكرمةَ، عن ابن عباس قال: لا بأس بالصلاة في القميص الواحد إذا كان صَفيقاً.
ونا أبو أسامة، عن الجُريري، عن عكرمة أنه كان لا يرى بأساً بالصلاة في القميص الواحد حصيفاً.
وذكر عن ميمونة بسند صحيح أنها صلت في درع وخمارٍ. ومن طريق أخرى صحيحة أنها صلت في درع واحد فُضُلاً، وقد وضعتْ بعض كمها على رأسها.
ومن طريق مكحول، عن " عائشة وعلي- رضي الله عنهما-: تُصلي في درع سابغ وخمارِ. وعن ابن عمر بسند صحيح: في الدرع والخمار والملحفة. وعن عبيدة ومحمد بن سيرين: الدرع والخمار والحَقوة. وعن إبراهيم: في الدرع والجلباب. وعن عروة، وقتادة، وجابر بن زيْد،
__________
(1) المصدر السابق (17 / 3866) .(3/174)
وعطاء: في درع وخمار حَصيف. وعن الحكم: في درع وخمار. وعن
حماد: درع وملحفة تُغطِي رأسهَا. ومن حديث ليْث، عن مجاهد: لا
تصلي المرأة في أقل من أربعة أثواب. وعن مجاهد، وعطاء، وابن
سيرين: إذا حضرتها الصلاة وليس لها إلا ثوب واحد، قالوا: تتزر به.
وفي " صحيح البخاري ": قال عكرمة: لو وارَت جسَدها في ثوب
جار- وفي نسخة: لأجْزأها (1) . وقوله: " وخمار حَصِيف " أي:
محكم، من أحْصفتُ الأمرَ أحكمتُه- بالحاء والصاد المهملتين- والمرادُ
منه: الصفيق. وقوله:" في درع واحد فُضُلاَ " أي: زيادة عليها.
قوله: " والجلباب " الإزار والر داء، وقيل: الملحفة، وقيل: هو كالمقنعة
تُغطي به المرأة رأسها وظهرها وصَدْرها، وجمعها: جلابيب.
ص- قال أبو داود: روى هذا الحديث: / مالك بن أنس، وبَكْرُ بن [11/ 217] مضر، وحفص بن غياث، وإسماعيل بن جَعْفر، وابن أبي ذئب، وابن إسحاق، عن محمد بن زيد، عن أمه، عن أم سلمة، لم يذكر أحد منهم
النبي- عليه السلام-، قصَرُوا به على أم سلمة.
ش- بكرُ بن مُضر: ابن محمد المصري، وحفص بن غياث: ابن
طلق النخعي قاضي الكوفة، وإسماعيل بن جَعْفر: ابن أبي كثير الأنصاري المدني، وابنُ أبي ذئب: هو محمد بن عبد الرحمن، وابن إسحاق: هو محمد بن إسحاق.
قوله:" قصرُوا به " أي: بهذا الحديث على أم سلمة، ولم يرفعوه
إلى النبي- عليه السلام-.
" وسئل (2) الدارقطني عن هذا الحديث فقال: يَرويه محمد بن زيد بن
المهاجر بن قنفذ، عن أمه، عن أم سلمة، واختلف عنه في رفعه، فرواه
عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار، عنه مرفوعا إلى النبي- عليه السلام-
__________
(1) في الأصل: " لأجزأته"
(2) انظر: نصب الراية (1 / 299- 300) .(3/175)
وتابعه هشام بن سَعْد، وخالفه ابن وهب (1) ، فرواه عن هشام بن سَعْد موقوفا، وكذلك رواه مالك، وابن أبي ذئب، وابن لهيعة، وأبو غسان: محمد بن مطرف، وإسماعيل بن جعفر، والدراوردي، عن محمد بن زيد، عن أمه، عن أم سلمة موقوفا، وهو الصواب. وقال صاحب " التنقيح ": وعبد الرحمن بن عبد الله بن دينار روى له البخاري في " صحيحه "، ووثّقه بعضهم، لكنه غلط في رفع هذا الحديث. وروى الحاكم هذا الحديث في المستدرك " (2) وقال: إنه على شرط البخاريّ. وقال ابن الجوزي في " التحقيق ": وهذا الحديث فيه مقال، وهو أن عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار ضعفه يحيى. وقال أبو حاتم الرازي: لا يحتج به، والظاهر أنه غلِط في رفع هذا الحديث.
قلت: وكذا ذكره ابن حبان (3) في " الضعفاء والمتروكين ".
79- بَابُ المرأةِ تُصَلّي بغَيْر خِمَار
أي: هذا باب في بيان المرأة التي تصلي بغير خمارِ، وفي بعض النسخ:" بابُ ما جاء في المَرأة تصلي بغير خمار ".
622- ص- نا محمد بن المثنى: نا حجاج بن منهال: نا حماد، عن قتاد (ة) ،،، عن محمد بن سيرين، عن صفية بنت الحارث، عن عائشة زوج النبي- عليه السلام- قال: " لا تقبلُ صلاةُ (4) حائضٍ إلا بخمارٍ " (ْ) . (5)
__________
(1) كما عند البيهقي (2 / 232) 0 (2) (1 / 0 25) .
(3) في الأصل: " ابن الجوزي،، وانظر ترجمة عبد الرحمن في الضعفاء لابن حبان (2 / 51، 52، 249) .
(4) في سنن أبي داود:" لا يقبل الله صلاةَ ... ،، وأشار المصنف إلى أنها نسخة.
(5) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء " لا تقبل صلاة المرأة ألا بخمار " (377) ، ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: إذا حاضت الجارية لم تصل إلا بخمار (655) .(3/176)
ش- حجاج بن المنهال: الأنماطي، أبو محمد السُّلمي مولاهم. وقيل: البُرساني، وبُرسان بطن من الأزْد. سمع: جرير بن حازم، وشعبة بن الحجاج، وأبا عوانة، وغيرهم. روى عنه: البخاري، ومسلم، وأبو داود، وغيرهم. قال أحمد: ثقة. وقال أحمد بن عبد الله: بصري ثقة، رجل صالح، وكان سمسارا يأخذ من كل دينار حبةً، فجاءه خراساني مُوسرٌ من أصحاب الحديث، فاشترى له أنماطاً فأعطاه ثلاثين ديناراً، فقال له: ما هذه؟ قال له: سَمْسرتك خذها، قال: دنانيرك أهون علينا من هذا التراب، هات من كل دينار حبةً، فأخذ دينارا وكسْرا. توفي في شوال سنة سبع عشرة ومائتين. روى له: الترمذي، والنسائي، وابن ماجه (1) .
وحماد: ابن سلمة، وقتادة: ابن دعامة.
وصفية ابنة الحارث: البصرية، وهي أم طلحة الطلحات، وهو طلحة ابن عبد الله بن خلف الخزاعي. روت عن: عائشة- رضي الله عنها-، وكانت عائشة نزلت عليها قصر عبد الله بن خلف بالبصرة فسمعت منها صفية ونساء أهل البصرة. روى عنها: محمد بن سيرين، وقتادة. روى لها: أبو داود، والترمذي، وابن ماجه (2) .
قوله: " لا تقبل صلاةُ "، وفي رواية: " لا يقبل الله صلاة حائض " " أراد بالحائض: المرأة التي قد بلغت سن المحيض، ولم يرد به المرأة التي هي في أيام حَيضتها، فإن الحائض لا تصلي بوجه، ويُقال: الحائض هاهنا: من بلغت وأدركت سن المحيض، كما يًقال: محرم ومُتْهِم ومُنْجِد لمن دخل الحرم وتهامة ونجدا، ولم يرد به الحائض في أيام حَيْضها. قلت: هذا من باب ذكر السبب وإرادة المسبب، إذ الحيض من أسباب البلوغ. وبهذا الحديث استدل صاحب " الهداية " في وجوب ستر العورة
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (5/ 1128) . (2) المصدر السابق (35 /7872) .
12. شرح سنن أبى داوود 3(3/177)
فقال: ويستر عورته لقوله تعالى: {خُذوا زِينَتَكُمْ عندَ كُلِّ مَسْجد} (1)
أي: ما يُواري عورتكم عند كل صلاة، وقال- عليه السلام-: " لا
صلاة لحائض إلا بخمار ِ" أي: لبالغة،
والحديث: أخرجه الترمذي- أيضاً- في الصلاة، وابن ماجه في
الحيض، وقال الترمذي: حديث حسن، ورواه ابن خزيمة، وعنه: ابن
[1/218- أ] حبان في "صحيحيهما" ولفظهما: " لا يقبل اللهُ / صلاة امرأة قد حاضت إلا بخمار " ذكره ابن حبان في أول القسم الثاني، ورواه الحاكم
في " المستدرك "َ في أثناء الصلاة، وقال: حديث صحيح على شرط
مسلم ولم يخرجاه وأظنه لخلاف فيه على قتادة، ثم أخرجه عن سعيد،
عن قتادة، عن الحسن أن النبي- عليه السلام- قال: " لا صلاة لحائض
إلا بخمارِ"
قلتُ: بهذا اللفظ ذكره صاحب " الهداية " - كما ذكرناه.
ص- قال أبو داود: رواه سعيد- يعني: ابن أبي عروبة-، عن قتادة،
عن الحسن، عن النبي- عليه السلام.
ش- أي: روى هذا الحديث: سعيد بن أبي عروبة، وقد وقع الخلاف
فيه على قتادة- كما ترى- فلذلك لم يخرجاه، وإن كان الحديث
صحيحا كما قال الحاكم. " (2) ورواه أحمد، وإسحاق بن راهويه،
وأبو داود الطيالسي في " مَسانيدهم " قال الدارقطني في كتاب " العلل ":
حديث " لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمارِ " يَرويه قتادة، عن محمد
ابن سيرين، عن صفية بنت الحارث، عن عائشة، واختلف فيه على
قتادة، فرواه حماد بن سلمة عن قتادة هكذا مسنداَ مرفوعا عن النبي
- عليه السلام-، وخالفه شعبة، وسعيد بن بشير (3) ، فروياه عن قتادة
موقوفا، ورواه أيوب السختياني، وهشام بن حَسان، عن ابن سيرين
__________
(1) سورة الأعراف: (31) .
(2) انظر: نصب الراية (1 / 295- 296) .
(3) في الأصل و " علل الدارقطني " (5 / 103- أ) : " بشر "، وفي " نصب الراية ": " بسر " خطأ.(3/178)
مُرْسلاً، عن عائشة أنها نزلت على صفية بنت الحارث حدثتها بذلك ورفعا الحديث، وقول أيوب وهشام أشبه بالصواب.
وروى الطبراني في " معجمه الوسط والصغير " (1) : حدثنا محمد بن أبي حرملة القلزمي بمدينة قلزم: ثنا إسحاق بن إسماعيل بن عبد الأعلى الأيلي: ثنا عمرو بن هاشم (2) البَيْروتي: ثنا الأوزاعيُّ، عن يحيى بن أبي كثير، عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه قال: قال رسول الله - عليه السلام-: " لا يقبل الله من امرأة صلاةً حتى تواري زينتها، ولا من جارية بلغت المحيض حتى تختمر " انتهى. وقال: لم يروه عن الأوزاعي إلا عمرو بن هاشم (2) ، تفرد به: إسحاق بن إسماعيل (3) . 623- ص- نا محمدُ بن عُبيد: نا حمادُ بن زيد، عن أيوب، عن محمد أن عائشة نزلت على صَفية أم طلحة الطلحات فرأت بنات لها فقالت: إن رسول الله دخلَ وفي حجرتي جارية فألقَى لي حَقْوَه، وقًال: شُقيه شقتَيْن (4) ، فأعْطي هذه نصفا والفتاةَ التي عند أم سلمة نصفا، فإني لا أراها إلا قد حاضَتْ، أَو لا أراهما إلا قد حَاضَتَا ". (5)
ش- محمد بن عُبيد: الغبري- بالغين المعجمة- البَصْري، وأيوب: السختياني، ومحمد: ابن سيرين.
قوله: " أم طلحة الطلحات " وقد ذكرنا أن طلحة الطلحات هو طلحة ابن عبد الله بن خلف، وإنما قالوا له: طلحة الطلحات، لأنه كان في أجداده جماعة اسم كل واحد منهم طلحة، فأضيف طلحة إليهم، كما يقال لعبد الله بن قيس: ابن قيس الرُّقَيات، لأنه نكح ثلاث نسوة اسم
__________
(1) المعجم الأوسط (7 / 7606) ، الصغير (920) .
(2) في الأصل:" هشام " خطأ.
(3) في الأصل:" إسماعيل بن إسحاق " خطأ.
(4) في سنن أبي داود: " بشقتين ".
(5) تفرد به أبو داود.(3/179)
كل واحدة: رقية، وقيل: كان له جدات اسم كل واحدة منهن: رقية، فأضيف إليهن.
قوله: " حَقْوه " الحَقْو: الإزار، والأصل فيه: مَعْقد الإزار، ولكن سمي به الإزار للمجاورة، وقد ذكرناه مَرةً.
قوله: " والفتاةَ " أي: وأعطي الفتاة، والفتاة الشابة.
واستفيد منه: أن البنت إذا حاضت بلغت، وأنه يجب عليها أن تَسْتر بدنها، ولا تكشف منها إلا الوجه والكفيّن سواء كانت في الصلاة أو غيرها، لأن الحرة عورة، يعني جميع بدنها عورة إلا ما استثنى الله تعالى منها وهو الوجه والكفان، وفي القدمين روايتان عن أبى حنيفة، وقد ذكرنا الخلاف عن قريب.
ص- وكذلك رواه هشام، عن محمد بن سيرين.
ش- أي: هشام بن حَسان البصري القُرْدُوسِي. وقال أبو حاتم الرازي في هذا الحديث: لم يسمع ابن سيرين من عائشة شيئاً.
* * *
80- بَابُ السَّدْل (1) في الصَّلاة
أي: هذا باب في بيان حكم السَّدْلَ في الصّلاة، وَالسَدْلُ: الإرخاء، يُقال: سَدَل ثَوبَه يَسْدُله- بالضم- سَدْلا. وفسره أصحابنا منهم صاحب "الهداية " هو أن يجعل ثوبه على رأسه أو كتفيه، ثم يُرْسِل أطرافه من جوانِبه.
624- ص- نا محمد بن العلاء، وإبراهيم بن موسى، عن ابن المبارك، عن الحسن بن ذكوان، عن سليمان الأحول، عن عطاء. قال إبراهيم: عن أبي هريرة، أن رسول الله- عليه السلام- نهى عن السَّدْل في الصلاة، وأن يُغطِي الرجل فاه (2) .
__________
(1) في سنن أبي داود: "باب ما جاء في السدل ".
(2) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في كراهية السدل في الصلاة له (378) .(3/180)
/ ش- إبراهيم بن موسى: الرازي الفراء، وعبد الله: ابن المبارك [1/218-ب والحسن بن ذكوان: البصري أبو سلمة، وليس بأخي الحُسين بن ذكوان.
روى عن: أبي زيد، وعطاء، وسليمان الأحول، وغيرهم. روى عنه:
ابن المبارك، ويحيى القطان، وسعيد بن راشد، وغيرهم. قال ابن معين
وأبو حاتم: ضعيف. روى له: البخاري، وأبو داود، والترمذي،
وابن ماجه، ووثقه ابن حبان (1) .
وسليمان: ابن أبي مسلم الأحول المكي، خال ابن أبي نجيح، ويقال:
ابن خالته. روى عن: أبي سلمة بن عبد الرحمن، وسعيد بن جبير، وطاوس، وعطاء، وغير هم. روى عنه: ابن جريج، وشعبة، وابن
عُيينة- وقال: كان ثقة-، وقال احمد: ثقة ثقة. روى له
الجماعة (2) .
وعطاء: ابن أبي رباح.
قوله: " قال إبراهيم: عن أبي هريرة " أي: قال إبراهيم بن موسى في
روايته عن عطاء: عن أبي هريرة أن رسول الله نهى عن السدل، والحكمة
في النهي عن السدل: أنه يُشبه صنيع أهل الكتاب.
قوله: " وأن يُغطي " أي: ونهى أن يغطي الرجل فاه أي: فمَه،
والحكمة في هذا: أنه يُشبه فعل المجوس حال عبادة النيران، كذا قاله صاحب " المحيط ".
والحديث: أخرجه ابن حبان في " صحيحه "، والحاكم في " المستدرك "
وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وأخرجه
الترمذي بدون قوله: " وأن يغطي الرجل فاه "، وقال: لا نعرفه من
حديث عطاء، عن أبي هريرة مرفوعا إلا من حديث عِسْل بن سُفْيان.
قلت: تابعه سليمان الأحول- كما تقدم لأبي داود- وتابعه- أيضاً
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (6 / 1229) .
(2) المصدر السابق (2 1 / 2563) .(3/181)
عامر الأحول كما أخرجه الطبراني في " معجمه الوسط " عن أبي بحر البكراوي- واسمه: عبد الرحمن بن عثمان-: ثنا سعيد بن أبي عروبة، عن عامر الأحول، عن عطاء، عن أبي هريرة مرفوعاً فذكره، ورجاله كلهم ثقات إلا البكراوي، فإنه ضعّفه أحمد وابن معين وغيرُهما، وكان يحيى بن سعيد حسن الرأي فيه وروى عنه. وقال ابن عدي: وهو ممن يكتب حديثه.
ص- قال أبو داود: رواه عسْل، عن عطاء، عن أبي هريرة، أن النبي
- عليه السلام- نهَى عن السدْلَ في الصلاة.
ش- عِسْل- بكسْر العن وسكون اَلسين المهملتين- هو ابن سفيان التميمي اليًربُوعي البَصري، كنيته: أبو قرة. سمع: عطاء بن أبي رباح، وابن أبي مليكة. روى عنه: شعبة، وحماد بن سلمة، والحجاج الباهلي، وغيرهم. قال ابن معين: هو ضعيف، وقال احمد: ليس هو عندي قوي الحديث. وقال البخاري: عنده مناكير. وقال أبو حاتم: منكر الحديث. وقال ابن عدي: هو قليل الحديث، وهو مع ضعفه يكتب حديثه (1) .
625- ص- نا محمد بن عيسى بن الطباع: نا حجاج، عن ابن جريج قال: أكثر ما رأيت عطاء يُصلِّي سادلاً (2) .
ش- حجاج: ابن محمد الأعور. وفي " المصنف " (3) : نا ابن إدريس "، عن عبد الملك، عن عطاء أنه لم يكن يرى بالسَّدْل بأساً. نا ابن علية، عن ابن جريج قال: أكثر ما رأيت عطاء يَسْدُل.
نا ابن علية.، عن ابن أبي عروبة، عن أبي معشر، عن إبراهيم ابنه كان لا يرى به بأساً إذا كان علي قميص.
نا وكيع قال: نا سفيان، عن عطاء بن السائب، عن محارب قال: رأيت ابن عمر يَسْدُل في الصلاة.
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (20 / 3921) .
(2) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في كراهية السدل في الصلاة له (378) .
(3) انظر هذه الآثار والتي بعدها في مصنف ابن أبي شيبة (2 / 259 وما بعدها) .(3/182)
نا وكيع قال: نا أبو شهاب موسى بن ثابت قال: رأيت سعيد بن جبير
يسدل في التطوع وعليه شقتان (1) مُلفقة.
نا وكيع: نا سفيان، عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن الأسود
أنه كان يَسْدُل في الصلاة.
نا وكيع: نا يزيد بن إبراهيم، عن الحسن قال: لا بأس بالسَّدْل في
الصلاة.
نا عَبْدة، عن ابن أبى عروبة قال: رأيت ابن سيرين يَسدُل في الصلاة.
نا عيسى بن يونس، عن الأوزاعي قال: رأيت مكحولا يَسْدل طيلسانه
علي في الصلاة.
نا وكيع، عن مهدي بن ميمون قال: رأيت الحسن يَسْدلُ على القباء.
وروى أبو بكر- أيضاً عن جماعة كراهة ذلك؟ فقال: نا إسماعيل
ابن إبراهيم، عن خالد الحذاء، عن عبد الرحمن بن سعيد بن وهب،
عن أبيه أن عليا رأى قوماً يصلون وقد سَدَلُوا فقال: كأنهم اليهودُ خرجوا
من فِهرهم.
نا ابن إدريس "، عن ليث، عن مجاهد قال: كره السدل.
نا وكيع: نا فضيل بن غزوان، عن نافع، عن ابن عمر أنه كره السَدْل
في الصلاة مخالفةً / لليهود، وقال: إنهم يَسْدُلون (1/219-1)
* * *
81- بَابُ الصَلاة في شُعُرِ النسَاء
أي: هذا باب في بيان الصلاة في شَعُر النساء، والَشُعُر- بضم الشين
والعين - جمع شعار, وهو الثوب الذي يلي الجسدَ، والدثار: الثوب
الذي فوق الشعار.
626- ص- نا عبيدُ الله بن معاذ: نا أبي: نا الأشعث، عن محمد، عن
__________
(1) في المصنف " مستقة " وأشار محققه إلى أنه في نسخة " مستقتان ملفقتان "(3/183)
عبد الله بن شقيق (1) ، عن عائشة قالت: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم
لا يُصلي في شُعُرنا أو لحُفنا- شَكّ أبي (2) ، (3) .
ش- قد تقدم هذا الحديث في كتاب الطهارة بهذه الترجمة، وبهؤلاء الرواة بأعْيانهم.
قوله: " أو لحفنا " جمع لحاف؛ وهو ما يلتحف به، وكل شيء تغطيت به فقد التحفت به.
قوله: " شك أبي " أي: قال عُبيد الله بن معاذ: شك أبي: في شعرنا أو لحُفنا؟
* * *
82- بَابُ: الرّجُل يُصَلي عَاقصاً شَعْرَه
أي: هذا باب في بيان الرجل يصلي حال كونه مَعْقوص الشعر، وأصل العقص: الليُّ وإدخال أطرافْ الشعْر في أصُوله، ولكن المراد من الشعر المعقوص: المَضفُورُ. وقال صاحب " الهداية ": ولا يعقص شعره، وهو أن يجمعَ على هامته ويشده بخيطٍ أو بصَمغْ ليتلبدَ.
627- ص- نا الحَسنُ بن علي: نا عبد الرزاق، عن ابن جريج قال: حدثني عمران بن موسى، عن سعيد بن أبيِ سعيد المقبري يُحدث عن أبيه , أنه رأى أبا رافع مولى رسول الله عليه الصلاة والسلام مر بحسن بن علي وهو يُصلي قائماً وقد غرَزَ ضفْرَه في قفاه فحلها أبو رافع، فالتفتَ حسن إليه مغضباً فقال أبو رافع: أقبلْ على صلاتِك ولا تَغضَبْ، فإني سمعتُ رسول الله يَقولُ: " ذلك كِفْلُ الشَيطان " - يعني: مَقْعَدُ الشيطان، يعني: مَغرزُ ضفره (4) .
__________
(1) في سنن أبي داود:" عن عبد الله بن شقيق، عن شقيق، عن عائشة " كذا.
(2) في سنن أبي داود: " قال عبيد الله: شك أبي ".
(3) تقدم برقم (351) .
(4) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في كراهية كف الشعر في الصلاة (382) ، وقال: حديث حسن، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب: كف الشعر والثوب في الصلاة (1042) .(3/184)
ش- الحسن بن عليّ: الخلال، وعبد الرزاق: ابن همام.
وعمران بن موسى: أخو أيوب. روى عن: سعيد المقبري، وعمر ابن عبد العزيز. روى عنه: ابن جريج. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي (1) .
وأبو سعيد: اسمه: كيْسان المقبري، والد سعيد، الليثي الجندعي المدني، كان منزله عند المقابر فقيل له: المَقْبُري. روى عن: عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وأبي هريرة، وأبي سعيد الخدري. روى عنه: ابنه: سعيد، وعمرو بن أبي عمرو، وحميد بن زياد، وغيرهم. قال محمد بن عمر: كان ثقة كثير الحديث. توفي سنة مائة في خلافة عمر بن عبد العزيز بالمدينة. روى له الجماعة (2) .
وأبو رافع: اسمُه: إبراهيم، وقيل: أسلم، وقيل: ثابت، وقيل: هرمز، واشتهر بكنيته، وكان قبطيا، وقد ذكرناه.
والحسن بن علي: ابن أبي طالب القرشي الهاشمي، سبط رسول الله وريحانته، يكنى أبا محمد، ولد سنة ثلاث من الهجرة في منتصف رمضان. روى عنه: ابنه: الحسن بن الحسن، وسويد بن غفلة، والشعبي، وجماعة آخرون. مات سنة تسع وأربعين ودفن بالبقيع وصلى علي سعيد بن العاص. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (3) .
قوله: " وقد غرزَ ضفره " الضفر: المضفور من الشعر، وأصل الضفْر: الفتل، والضفائر هي العقائص المَضفُورة.
قوله: " ذلك كفل الشيطان " الكِفْل- بكسر الكاف وسكون
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (22 / 4507) .
(2) المصدر السابق (24 / 5008) .
(3) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (1 / 369) ، وأسد الغابة (2 / 10) ،
والإصابة (1 / 328) .(3/185)
الفاء- أصله: أن يَجمع الكساء على سَنام البَعير ثم يُركَب، قال الشاعر:
وراكبٍ على البَعير مكْتفِلْ يَحْفَى على آثارها ويَنتَعِل
ومراده: مقعد الشيطان- كما فسره في الحديث.
قوله: " يعني: مَغرز ضفره " المَغرز- بفتح الميم-: مَوضع الغَرْز.
وقال الخطابي (1) : وإنما أمرَه بإرسال الشعر ليَسقط على الموضع الذي يصلي فيه صاحبه من الأرض فسجد معه. وقد روي: " أمرت أن أسجد على سَبْعة آراب، وأن لا أكف شعراً ولا ثوباً " (2) .
وقال بعض أصحابنا: وجه الكراهة فيه: أنه تشبه بالنساء.
" والحديث (3) : أخرجه ابن ماجه، ولفظه: عن شعبة، عن مخول ابن راشد: سمعت أبا سعيد يقول: رأيت أبا رافع مولى رسول الله وقد رأى الحسن بن علي وهو يصلي وقد عقص شعره فأطْلقه وقال: نهى رسول الله أن يصلي الرجل وهو عاقص شعره. وأخرجه الترمذي [1/219- ب] كأبي داود، إلا أنه قال / فيه عن أبي رافع، لم يقل: إنه رأى أبا رافع وقال: حديث حسن.
ورواه عبد الرزاق في" مُصنفه " (4) : أخبرنا سفيان الثوري، عن مخول بن راشد، عن رجل، عن أبي رافع قال: نهى رسول الله أن يصلي الرجل ورأسه معقوص.
ورواه الطبراني في " معجمه " بإسناده إلى أبي رافع أن النبي- عليه السلام- نهى أن يصلي الرجل ورأسه مَعقوص.
__________
(1) معالم السنن (1 / 156) .
(2) يأتي برقم لعله (868) .
(3) انظر: نصب الراية (2 / 93- 95) .
(4) (2 / 183) ، وكذا أحمد (6 / 1 39) عن وكيع، عن سفيان به. و (6 / 8) عن عبد الرزاق به.(3/186)
ورواه إسحاق بن راهويه في " مُسنده ". وقال الطحاوي في كتابه " مشكل الآثار" يَبْعد أن يكون أبو سعيد المقبري شاهد من أبي رافع هذه القصة، فإن وفاة أبي سعيد كانت سنة خمس وعشرين ومائة، وكانت وفاة علي قبل ذلك بخمس وثمانين سنة، ووفاة أبي رافع قبل ذلك، وعلي كان وصي أبي رافع.
وقال عبد الحق في " أحكامه ": وهذا الذي استبعده الطحاوي ليس ببعيد، فإن المقبري سمع عمر بن الخطاب على ما ذكر البخاري في " تاريخه ". وقال أبو عمر بن عبد البر: توفي أبو رافع في خلافة عثمان، وقيل: في خلافة علي، وهو أصح. وقال ابن القطان في " كتابه ": وهذا الذي قاله يحتاج إلى زيادة، وذلك إذا سلمنا أن أبا سعيد توفي سنة خمس وعشرين ومائة، وأن بين وفاته ووفاة عليّ خمساً وثمانين سنة، لأن عليا مات سنة أربعين، فينبغي أن نضيف إلى ذلك أيّامه وهي: أربع سنين وتسعة أشهر، وأيام عثمان وهي ثنتا عشرة سنةً، فهذه سبع عشرة سنةً غير رُبْع، فجاء الجميع مائة سنة وسنتَيْن، فلنفرض أنه سمع من عُمر في آخر حياته فلا أقلّ أن يكون سن مَنْ يَضْبطُ كثمانِ سنين أو نحوها، فهذه مائة سنة وعشر فيحتاج سن أبي سعيد أن يكون هذا القدر، وإلا فلا يصحّ سماعُه من أبي رافع؟ وهذا شيء لا يُعرف له ولا ذكر به، قال: فالأولى في ذلك: أن يُقال: إن وفاة أبي سعيد المقبري لم تكن سنة خمس وعشرين ومائة، فإني لا أعرف أحداً قال ذلك إلا الطحاوي، وإنما المعروف في وفاته إما سنة مائة- كما حكاه الطبري في كتابها" ذيل المذيل " (1) ، وقاله أبو عيسى الترمذي- وإما في خلافة الوليد بن عبد الملك- كما قاله الواقدي وغيرُه، وكانت وفاة الوليد سنة ست وتسعين- وإما في خلافة عبد الملك- وهو قول أبي حاتم الرازي- فلينزل على أبعد
__________
11) في الأصل: " ذيل المربد"(3/187)
هذه الأقوال- وهو قول من قال: سنة مائة- حتى يكون بين وفاته ووقت حياة أبي رافع ستون سنة أو أكثر بقليل، وهذا لا يعد فيه، ولا يحتاج معه إلى تقدير سماعه من عمر، فانه وإن حكاه البخاري مشكوك فيه، ولم يحكه بإسْناد، والذي قاله غير البخاري أنه روى عن عمر، وهذا لا ينكر فإنه قد يُرْسل عنه، قال: ويؤيد ما قلناه: أن المقبري لا يَبْعد سماعُه من أبي رافع أن أبا داود روى الحديث المذكور وقال فيه عن أبي سعيد أنه رأى أبا رافع مرّ بالحسن، ففي هذا اللفظ أنه رأى هذا الفعل من أبي رافع وشاهد، ولكن في إسناده: عمران بن موسى، ولا أعرف حاله، ولا أعْرِف روى عنه غير ابن جريج. انتهى كلامه (1) .
628- ص- نا محمد بن سلمة: نا ابن وهب، عن عَمْرو بن الحارث، أن بكيراً حدثه، أن كريباً مولى ابن عباس حدثه، أن عبد الله بن عباس رأى عبد الله بن الحارث يُصلي ورأسه مَعقوصٌ من ورائه فقَامَ وراءه فجعَل يَحلهُ وأقر له الآخر، فلما انصرف أقبل إلى ابن عباس فقال: مَا لكَ ورأسي؟ قال: إني سمعتُ رسول الله يَقولُ: " إنما مثل هذا مثل الذي يُصلِي وهو مكتوف " (2) .
ش- بُكير: ابن عبد الله الأشج، وكُريب: ابن أبي مسلم، وعَبْد الله ابن الحارث: ابن جَزْء الصحابي.
قوله: " ورأسه مَعْقوص " جملة اسميّة وقعت حالاً من الضمير الذي في " يُصلي ".
__________
(1) إلى هنا انتهى النقل من نصب الراية.
(2) مسلم: كتاب الصلاة، باب: أعضاء السجود والنهي عن كف الشعر والثوب، وعقص الرأس " في الصلاة (492) ، النسائي: كتاب التطبيق، باب: مثل الذي يصلي ورأسه معقوصة (1 / 223) .(3/188)
قوله: " وهو مكتوف " حال- أيضاً- المكتوف: الذي شذت يداه من
خلفه، فشبّه به الذي يَعْقدُ شَعَره في رأسه. والحديث: أخرجه النسائي.
وفي " المصنف ": نا ابن مهدي، عن زهير بن محمد، عن زيد بن
اسلم، عن أبان بن عثمان قال: رأى عثمان رجلاً يُصلي وقد عقد شعره
فقال: يا ابن أخي، مثل الذي يصلي وقد عقص شعره، مثل الذي
يصلي وهو مكتوف.
نا أبو معاوية، عن الأعمش، عن زيد بن وهب /، عن عبد الله أنه (1/220-1) دخل المسجد، فإذا فيه رجل يُصلّي عاقصٌ شعرَه، فلما انصرف قال عبد الله:
إذا صلّيت فلا تعقص شعرك، فإن شعرك يَسْجد معك، ولك بكُل شعرةٍ
اجر، فقال الرجل: إني أخاف أن يتترّب، فقال: تَتْريبُه خير لك.
* * *
83- بَاب: فِي الصَّلاة في النعْلِ
أي: هذا باب في بيان الصلاة في النعْلَ، وفي بعض النسخ: " باب
فيما جاء في الصلاة في النعل ".
629- ص- نا مسدد: نا يحيى، عن ابن جريج: حدثني محمّد بن
عباد بن جَعْفر، عن ابن سفيان، عن عبد الله بن السائب قال: رأيتُ
رسولَ الله يُصلي يومَ الفتح ووَضع نعلَيْهِ عن يَسارِه (1) .
ش- ابن سُفيان: اسمه: عبد الله أبو مسلمة، سماه أبو حاتم، وكناه
البخاري ولم يسمه، وكذا سماه أبو بكر في " مصنفه ". روى عن:
عبد الله بن السائب، وأبي أمية بن الأخنس (2) . روى عنه: محمد بن
عباد، ويحيى بن صيفي، وعمر بن عبد العزيز، وغيرهم.
__________
(1) النسائي: كتاب القبلة، باب: أين يضع الإمام نعليه إذا صلى بالناس (2 / 74) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في أين توضع النعل إذا خلعت في الصلاة (1431) .
(2) في الأصل: " الأخفش ".(3/189)
قال أحمد: ثقة مأمون. روى له: مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه (1) .
وعبد الله بن السائب: ابن أبي السائب- واسمه: صيفي- بن عابد (2) - بالباء الموحدة- ابن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشي المخزومي القارئ، يكنى أبا السائب، وقيل: أبا عبد الرحمن، رُوِيَ له عن رسول الله- عليه السلام- سبعة أحاديث، روى له مسلم حديثاً وأحداً. توفي بمكة قبل ابن الزبير بيسير. روى له: أبو داود، والنسائي، والترمذي، وابن ماجه (3) .
وفي الحديث من الأدب: أن تصان الميامن عن كل شيء مما يكون محلاً للأذى. ومن الأدب: أن يضع المصلي نعله عن يَسارِه إن كان وَحْده. والحديث: رواه أبو بكر بن أبي شيبة.
630- ص- نا الحسنُ بن عليّ: نا عبد الرزاق، وأبو عاصم قالا: أنا ابن جريج قال: سمعتُ محمد بن عباد بن جعفر يَقولُ: أخبرني أبو سلمة ابن سفيان، وعبد الله بن المُسيب العَابدي، وعبد الله بن عَمْرو، عن عبد الله ابن السائب قال: صلى بنا رسول الله الصبحَ بمكة فاستفتح سُورةَ المؤمنين، حتى إذا جاء ذكر موسى وهارون وذكر مُوسَى وعيسى- ابنُ عباد شكّ أو اختلفوا- أخذت النبيَّ- عليه السلام- سَعْلة فحذف " فركعَ، وعبدُ الله بن السائب حاضر لذلك (4) .
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (15 / 3310) .
(2) كذا، وفي مصادر الترجمة عدا تهذيب الكمال:" عائذ "
(3) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (2 /380) ، وأسد الغابة (3 /254) ، وا لإصابة (2 /314) .
(4) البخاري تعليقاً كتاب الأذان، باب: الجمع بين السورتين في الركعة والقراءة بالخواتيم وسورة قبل سورة وبأول سورة (2 /255) ، مسلم: كتاب الصلاة، باب: القراءة في الصبح (163 / 455) ، النسائي: كتاب الافتتاح، باب: قراءة بعض السور (2 /175) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: القراءة في صلاة الفجر (820) .(3/190)
ش- عبد الله بن المُسيّب: ابن أبي السائب العابدي القرشي. روى عن: عبد الله بن السائب، وعن: عمر، وابن عمر. روى عنه: ابن أبي مليكة، وعبد الله بن أبي جميلة (1) ، والعابدي: بالباء الموحدة. وعبد الله بن عَمرو هذا: ليس عبد الله بن عمرو بن العاص الصحابي،
بل هو عبدُ الله بن عَمرو الحجازي. روى عن: عبد الله بن السائب. روى عنه: أبو سلمة بن سفيان. روى له: مسلم، وأبو داود (2) . قوله: " ابن عباد شك " أي: محمد بن عَباد المذكور شكّ بين ذكر موسى وهارون وبين ذكر موسى وعيسى.
قوله: " أو اختلفوا " أي: الرواةُ، منهم مَن قال: حتى إذا جاء ذكر مُوسى وهارون أخذت النبيَّ سَعْلة، ومنهم من قال: حتى إذا جاء ذكر موسى وعيسى أخذت النبيَّ سَعْلَة، والسَّعْلة- بفتح السن وسكون العن المُهملتين- وهي مرة من السُّعَالِ.
قوله: " فحذفَ "- بفتح الحاء المهملة والذال المعجمة وفاءِ- أي: ترك بقية القراءة، وحذف الشيء: إسقاطه.
والحديث: أخرجه مسلم، والنسائي، وابن ماجه بنحوه، وعند ابن ماجه: " فلما بلغ ذكر عيسى وأمّه أخذته سَعْلة أو قال: شَهْقة "، وفي رواية: " شرْقة ". وأخرجه الطبراني ولفظهُ: " يوم الفتح ". وأخرجه البخاري تعليقاً.
ويُستفادُ من الحديث فوائد، الأولى: استحباب القراءة الطويلة في صلاة الصبح، ولكن على قدر حال الجماعة.
الثانية: جواز قطع القراءة، وهذا لا خلاف فيه ولا كراهة إن كان القطع لعذر، وإن لم يكن عذر فلا كراهة- أيضاً - وهذا مذهب الجمهور، وعن مالك في المشهور: كراهته
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (16 / 3572) .
(2) المصدر السابق (15 / 3461) .(3/191)
الثالثة: جواز القراءة ببعض السورة.
631- ص- نا موسى بن إسماعيل: نا حماد، عن أبي نعامة السعْدي، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري قال: بينما رسولُ الله ص يُصلي بأصحابه إذ خلع نعليه فوضعهما عن يَساره، فلما رأى ذلك القوم ألقوا نِعالهم، فلما قضى رسول الله صلاتَه قال: " ما حملكم على إلقائكم (1) / [1/220 - ب] نعالكم؟ " قالوا: رأيناك ألقيتَ نعلكَ (2) فألقينا نعالنا، فقال رسول الله - عليه السلام-: " إن جبريل أتاني فأخبرني أن فيهمَا قذراً (3) ، وقال: إذا جاء أحدكم إلى المسجد فلينظر، فإن رأى في نعْليْه قذراً أو أذى فليَمْسَحْه، وليُصلي فيهما " (4) .
ش- حماد: ابن سلمة.
وأبو نعامة: اسمه: عبدْ ربه البصري السَّعْدي. روى عن: أبي عثمان النهدي، وشهر بن حوشب، وأبي نضرة. روى عنه: أيوب السختياني، وشعبة، وحماد بن سلمي، ومرحوم بن عبد العزيز العطار. قال ابن معين: هو ثقة. وقال أبو حاتم: لا بأس به. روى له: مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي (5) .
وأبو نَضْرة: المنذر بن مالك العَبْدي البصري.
قوله: " إذ خلع نعليه " جواب قوله: " بينما "، وقد مر الكلام في "بينما" غير مرة.
قوله: " أو أذى " أي: نجاسةً. والحديث: رواه ابن حبان في "صحيحه " في النوع الثامن والسبعة من القسم الأول، إلا أنه لم يقل فيه:
__________
(1) في سنن أبي داود: " إلقاء ".
(2) في سنن أبي داود: " نعليك "
(3) في سنن أبي داود: " أو قال أذى ".
(4) تفرد به أبو داود.
(5) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (34 / 7671) .(3/192)
" وليُصل فيهما ". ورواه عبد بن حُميد، وإسحاق بن راهوَيه، وأبو يعلى المَوْصلي في " مسانيدهم " بنحو أبي داود.
وبالحديث استدل أبو يوسف (1) أن الخف أو النعل ونحوهما إذا أصابته نجاسة فَدلكه بالأرض ومسَحه يَطهرُ، سواء كان رطباً أو يابساً، وسواء كان لها جرمٌ أو لم يكن، لإطلاق الحديث، وبه أفتى مشايخ ما وراء النهر، لعموم البلوى. وقال أبو حنيفة: المراد من الأذى: النجاسة العينية اليابسة، لأن الرطبة تزداد بالمسْح انتشاراً أو تلوثاً. وقال محمد: لا يطهر إلا بالغسل، وبه قال زفر، والشافعي، ومالك، وأحمد. والحديث حجة عليهم.
ويُستفاد من الحديث فوائد، الأولى: المسألة المذكورة.
الثانية: ذكرها الخطابي (2) أن من صلى وفي ثوبه نجاسة لم يعلم بها، فإن صلاته مجزئة ولا إعادة علي.
وقال أصحابنا: ولو رأى في ثوبه نجاسةَ، ولم يدر متى أصابته لا يُعيد صلاته حتى يتحقق بالإجماع، وفي رواية: يُعيد صلاة يوم وليلةِ.
فإن قيل: هذا إذا علم بها بعد أن صلى، وأما إذا علم بها وهو في الصلاة، فلا خلاف فيه أن صلاته تبطل، وعليه أن يستأنفها، فكيف يكون الجواب عن الحديث؟ لأنه- عليه السلام- علم بالنجاسة وهو في الصلاة ولم يُعدها. قلت: الجواب عن ذلك من وجهن، الأول: أن الحظْر مع النجاسة نزل حينئذ.
والثاني: يحتمل أنه كان أقل من الدرهم.
الثالثة: أن الأدب للمصلي إذا صلى وحده فخلع نعليه أن يضعها عن يساره، وأما إذا كان مع غيره في الصف وكان عن يمينه وعن يساره ناس، فإنه يضعها بين رجليه. وفي " المصنف،: نا وكيع: نا ابن أبي ذئب،
__________
(1) في الأصل:" أبو سف"
(2) معالم الحق (1 / 157) .
13 شرح سنن أبى داود 3(3/193)
عن سعيد المقبري، عن أبيه قال: قلت لأبي هريرة: كيف أصنع بنعلي إذا صليتُ؟ قال: اجعلهما بين رجليك ولا تؤذ بهما مسلماً.
ونا وكيع، عن إسرائيل، عن عبد العزيز بن حكيم الحضرمي قال: رأيت ابن عمر خلع نعليه فجعلهما خلفه.
نا شبابة: نا ابن أبي ذئب، عن المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله: " إذا صلى أحدكم فليجعل نعليه بين رجليْه ". الرابعة: أن العمل اليسير لا يقطع الصلاة، وهو الذي لا يحتاج فيه إلى استعمال اليدين.
الخامسة: ذكرها الخطابي (1) : أن الاقتداء برسول الله- عليه السلام- في أفعاله واجب كهو في أقواله، وهو أنهم لما رأوا رسول الله خلع نعله خلعوا نعالهم.
وقد قال الشيخ جلال الدين الخبازي في كتابه " المغني ": إن الأمر يتوقف على الصيغة عندنا خلافاً للشافعي حتى لا تكون أفعال النبي- عليه السلام- مُوجبة، لأنه يصح أن يقال: فلان يفعل كذا ويأمر بخلافه، ولو كان الفعل أمراً لكان هذا تناقضاً. انتهى.
قلت: كأنه بنى على هذا الاختلاف أن أفعال النبي- عليه السلام- غير موجبة.
فإن قيل: يرد عليه أن النبي- عليه السلام - إذا فعل فعلاً وواظب عليه من غير تركه مرة، تكون واجبة، مع أنه لم توجد فيه صيغة الأمر، قلت: يمكن أن يقال: المواظبة أمر زائد على نفس الفعل، والنزاع ليس إلا فيه، ثم تحرير / الخلاف في هذا الموضع أنه إذا نقل إلينا فعل من أفعاله- عليه السلام-، التي ليست بسَهو مثل الزلات ولا طبع مثل الأكل والشرب، ولا من خصائصه مثل وجوب التهجد والضحى، ولا ببيان
__________
(1) معالم السنن (1 / 157) .(3/194)
لمجمل مثل المسح على الناصية، هل يَسَعُنا أن نقول فيه: أمَر النبي- عليه السلام- بكذا؟ وهل يجب علينا اتباعُه في ذلك أم لا؟ فعند مالك في رواية وبعض الشافعية: يصح إطلاق الأمر عليه بطريق الحقيقة، ويجب علينا الاتباع، وعندنا: لا، من وجوه ثلاثة (1) ، الأول: يلزم التناقض في قولنا: فلان يفعل كذا ويأمر بخلافه على تقدير كون الفعل أمراً، والتناقض محال، وكل تقدير يلزم منه المحال فهو محال.
الثاني: لو كان الأمر حقيقة في الفعل لاطرد في كل الفعلِ، إذ لاطراد من غير مانع من أمارات الحقيقة، ولكنه لم يَطرد، إذ لا يقال: الآكل أو الشارب آمِر، فوجب أن لا يكون حقيقة فيه، لأن كل مقصود من مقاصد الفعل كالماضي والحال والاستقبال، مختصة بصيَغ وُضعَت لها، والمراد بالأمر من أعظم المقاصد لحصول الابتلاء به، فاختصاصُه بالعبارة أحق من غيره، فإذا ثبت أصل الموضوع كان حقيقةَ، ولا يكون حقيقة في غيره وإلا يلزم الاشتراك، وهو خلاف الأصل، ويُؤيدُ هذا كله: أنه- عليه السلام- لما خلع نعليه في الصلاة خلع الناسُ نعالهم، فقال عليه السلام منكراً عليهم بعد فراغه من الصلاة: " ما حملكم على إلقائكم نعالكم؟ " فلو كان الفعلُ موجباً وأمراً لصَار كأنه أمَر بخلع النعال، ثم أنكر عليهم وهو باطل، وفيه نظر، لأنه- عليه السلام- عقل الإنكار في خلع النعال بأن جبريل- عليه السلام- قد أتاه وأخبره بأن فيهما قذراً، فالإنكار وقع لأمر زائد على الاتباع، وكيف يجوز الإنكار على نفس الاتباع؟ وقدْ أمِرنا بالاتباع والتأسي به لقوله تعالى: {فَاتبعُوني} (2) ، ولقوله: {لَقَدْ كانَ لَكُمِْ فِي رَسُول الله أسوَة حَسَنَة} (3) ،َ ولقوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرسُولُ فخُذوهُ} (4) وَفعله مما أتى به.
قلت: الصحيح المختار عند فخر الإسلام وشمس الأئمة ما قاله الإمام
__________
(1) كذا، وسيذكر المصنف وجهين فقط.
(2) سورة آل عمران: (31)
(3) سورة الأحزاب: (21)
(4) سورة الحشر: (7)(3/195)
أبو بكر الرازي والجصاص: أن ما علمنا من أفعال النبي- عليه السلام- واقعاً على صفة من كونها واجبةً أو مَندوبةً أو مباحةً علينا اتباعُه، والاقتداء على تلك الصفة، وما لم نعلم من أفعاله على أي صفة فعلها قلنا: متابعته على أدنى منازل أفعاله وهي الإباحة، لأن الاتبَاع والاقتداء برسول الله هو الأصل لما تلونا.
362- ص- نا موسى: نا أبان: نا قتادة: حدَّثني بكر بن عبد الله، عن النبي- عليه السلام- بهذا (1) قال: " فيهما خبَث ". قال في الموضعين: خبث (2) .
ش- موسى: ابن إسْماعيل، وأبان: ابن يزيد، وبكر بن عبد الله: ابن عمر بن هلال أبو عبد الله المصري.
قوله: " قال: فيهما خبث " أي: في النعلين، والخبث- بفَتْحتين-: النجس.
قوله: " قال في الموضعين " وهما: قوله: " فأخبرني أن فيهما "، وقوله: " فإن رأى في نعليه "، وهذه رواية مُرْسلة.
633- ص- نا قتيبة بن سعيد: نا مروان بن معاوية الفزاري، عن هلال ابن ميمون الرملي، عن يَعْلى بن شداد بن أوس، عن أبيه قال: قال رسولُ الله: " خالِفوا اليهود، فإنهم لا يُصلون في نعالهم ولا خفافهم " (3) .
ش- مروان بن معاوية: أبو عبد الله الوزاري الكوفي، وهلال بن ميمون: أبو علي الجهني الفِلَسطيني.
ويَعْلى بن شداد بن أنس: ابن ثابت الأنصاري الخزرجي التجاري المقدسي. روى عن: أبيه، روى عنه: عيسى بن سنان، والحسن بن الحسن، وهلال بن ميمون. روى له: أبو داود، وابن ماجه (4) . وشداد بن أوس بن ثابت بن المنذر بن حرام بن عمرو بن زيد مناف بن
__________
(1) في الأصل: " بها "
(2) تفرد به أبو داود.
(3) تفرد به أبو داود.
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (32 / 4 1 71) .(3/196)
عدي بن عمرو بن مالك بن النجار، وشداد هو ابن أخي حسان بن ثابت
شاعر النبي- عليه السلام- الأنصاري النجاري المدني، يكنى أبا يعلى،
سكن بيْت المقدس وأعقب بها، رُوِيَ له عن رسول الله- عليه السلام-
خمسون حديثاً، وأخرج له البخاري حديثاً ومسلم آخر. روى عنه: ابنه:
يعلى، وأبو إدريس الخولاني، ومحمود بن لبيد، وعبد الرحمن / بن [1/221-ب]
عمرو، وأبو الأشعث الصنعاني، وجماعة آخرون. مات ببَيْت المقدس
سنة ثمان وخمسين، وقيل: سنة إحدى وأربعين، وقيل: سنة أربع
وستين، وهو ابن خمس وسبعين سنة، وقبره بظاهر باب الرحمة باقِ إلى
الآن. روى له الجماعة (1) .
قوله: " خالفوا اليهودَ " يعني: خالفوا اليهودَ في لُبس النعال والخفاف
في الصلاة " فإنهم " الفاء فيه للتعليلَ، والخفاف جمع " خُف " وفيه
جواز الصلاة في النعل والخف إذا كانا طاهرَين، وكذلك كل ما يَلبسه
الرجل في رجْله تجوز الصلاة فيه إذا كان طاهراً.
634- ص- نا مسلم بن إبراهيم: نا علي بن المبارك، عن حُسين المعلم،
عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال: رأيتُ رسولَ الله يُصَلي
حافياً ومُنتعِلاً (2) .
ش- مسلم بن إبراهيم: القصّاب البصري، وعلي بن المبارك: الهنائي
البصري، وحُسَن المعلم: ابن أكوان المكتب البصري.
قوله: " حافياً ومنتعلاً " حالاًن من الضمير الذي في " يُصفي " والحافي
مِن حفِي يَحْفَى من باب علم يعلم، وهو الذي يَمشِي بلا خُف ولا نعلِ،
وقال الكسائي: رجل حافِ بَين الحِفْوة والحِفْية والحِفاية والحِفاءِ بالمد،
__________
(1) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (2 / 135) ، وأسد الغابة
(2 / 570) ، والإصابة (2 / 139) .
(2) ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: الصلاة في النعال (1038) .
تنبيه: سيذكر المصنف أن النسائي أخرج هذا الحديث، وقد عزاه الحافظ المزي
في (تحفة الأشراف: 6 / 8686) إلى. ابن ماجه فقط، والله أعلم،(3/197)
وقال: وأما الذي حَفِي من كثرة المشِي أي: رقت قدمُه أو حافره فإنه حَف بَين الحَفَا مقصور، والمُنتعلُ مِن انتعلتُ إذا احتذيت وكذلك نعلتُ، ورجل ناعلٌ ذو نعلِ، والنعلُ: الحَذَاءُ مُؤنثة وتصغيرها: نُعَيْلةْ. وفي الحديث: جواز الصلاة بلا كراهة حافياً ومُنتعلاً. وإنما ذكر الشيخ هذا الحديث عقيب الحديث المذكور حتى يُفهم أن الصلاة في النعْل غير واجبة، وإنما هي جائزة. والحديث: أخرجه النسائي.
***
84- بَاب: المُصَلِّي إذا خَلع نَعْليْه أينَ يضعهما؟
أي: هذا باب في بيان المُصلي إذا قلع نَعْليه وهو يريدُ الصلاةَ أينَ يضعها؟ وفي بعض النسخ: " باب في المُصلي"
635- ص- نا الحسَنُ بن علي: نا عثمان بن عمر: ثنا صالح بن رستم أبو عامر، عن عبد الرحمن بن قَيْس، عن يوسف بن ماهك، عن أبي هريرة أن رسول الله- عليه السلام- قال: " إذا صلى أحدكم فلا يضع نعلَيه عن يمينه ولاعن يَساره فيكون عن يمين غيره، إلا أن لا يكون عن يساره أحد، وليضعهما بين رجْليه " (1) .
ش- الحسَن بن علي: الخلال، وعثمان بن عمر: ابن فارس البصري. وصالح بن رستم: المزني مولاهم المصري أبو عامر الخزاز. سمع: الحسن البصري، وحميد بن هلال، وثابت بن أسلم البناني، وغيرهم. روى عنه: هشيم بن بشير، ويحي القطان، وأبو داود الطيالسي، وغيرهم. وعن ابن معين: لا شيء. وقال الدارقطني: ليس بالقوي. وقال أبو داود الطيالسي: نا أبو عامر، وكان ثقة. روى له: مسلم، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه، والنسائي (2) .
وعبد الرحمن بن قَيس: روى عن: يوسف بن مَاهَك، وابن
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (13 / 2 281) .(3/198)
أبي رافع، حديثه في البصريين. روى عنه: صالح بن رستم. روى لي: أبو داود (1) .
ويوسُف بن ماهك: ابن بهزاد القرشي الفارسي المكي. سمع: ْ ابن عباس، وابن عُمر، وابن عَمرو، وعائشة، وغيرهم. روى عنه: عطاء بن أبي رباح، وإبراهيم بن مهاجر، ومحمد بن يزيد البصري، وغيرهم. قال ابن معين: هو ثقة. توفي سنة ثلاث عشرة ومائة. روى له الجماعة (2) .
قوله: " فلا يَضع نعليه عن يمينه " كلمة "عَنْ " يجوز أن تكون بمعنى "عَلى"، والتقدير: على موضع في جهة يمينه، ويجوز أن تكون بمعنى: " جانب "، والتقدير: فلا يضع نعليه جانبَ يمينه. أما اليمين فلأنه تُصان عن كل شيء مما يكون محلا للأذى، وأما يساره: فإنما لا يَضع فيه إذا كان في يساره ناس، وهو معنى قوله: " ولا عن يساره " أي: ولا يضع عن يَساره فيكون عن يمين غيره أي: فلأنه يكون ذلك عن يمين غيره إلا أن لا يكون عن يساره أحدٌ فح (3) يضعهما عن يساره كما مر في الحديث في " باب الصلاة في النعْل ".
قوله: " وليضعهما بين رجليْه " راجع إلى قوله: " ولا عن يساره " لما قلنا، لأنه إذا لم يكن عن يساره أحد يضعهما عن يساره- كما ذكرناه. ويستفاد من الحديث فوائد، الأولى: صون الميامن لما قلنا.
والثانية: أنه يضع نَعْليه إذا أراد الصلاة / بين رجليه إن كان عن يساره أحد. [1/222- أ]
الثالثة: يَضَعهما عن يَساره إذا كان خاليا عن أحدٍ.
الرابعة: ذكرها الخطابية (4) : أن من خلع نعليه فتركها (5) من ورائه أو
__________
(1) المصدر السابق (17 / 3938) .
(2) المصدر السابق (32 / 7150) .
(3) أي: " فحينئذ ".
(4) معالم الحق (1 / 157) .
(5) في معالم السنن: " نعله فتركها "(3/199)
عن يمينه أو متباعدة عنه من بين يَدَيْه، فتعقل بها إنسان فتلف، إما بأن خر على وَجْهه، أو تردى في بئرٍ بقُربه، أن عليه الضمان، وهذا لواضع الحجر في غير ملكه وناصِب السكن ونحوه لا فرق بَينهما.
وقال الشيخ زكي الدين في " مختصر السنن ": وفي إسناده:
عبد الرحمن بن قيس، ويشبه أن يكون الزعفراني البصري كنيته: أبو معاوية، ولا يحتج به.
636- ص - نا عبد الوهاب بن نجدة: نا بقية، وشعيب بن إسحاق، عن الأوزاعي: حدَثني محمد بن الوليد، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن رسول الله عليه الصلاة والسلام
قال: " إذا صلى أحدكم فخلع نعليه فلا يُؤذي بهما أحداً، ليجعلهما بين رجْليه أو ليُصل فيهما " (1) .
ش- عبد الوهاب بن نجدة: أبو محمد الحوطي الجبلي. سمع: إسماعيل بن عياش، وبقية، وشعيب بن إسحاق وغَيرهم. روى عنه: ابنه: أحمد، وأبو زرعة الرازي، وأبو داود، والنسائي عن رجل عنه، وغيرهم. توفي سنة اثنتين وثلاثين ومائتين (2) .
وبقية: ابن الوليد، أبو محمد الحمْصي. وشعيب بن إسحاق: الدمشقي. وعبد الرحمن: الأوزاعي. ومحمد بن الوليد: ابن عامر الزبيدي الحمْصي، وسعيد: المقبرة، وأبوه: كيْسان المقبري.
قوله: " إذا صلّى أحدكم " أي: إذا أراد أحدكم أن يصلي فخلع نَعليه " فلا يُؤذي بهما أحداً " هذا في الصلاة مع الجماعة، يَضعُهما بَيْن رجليه إن تيسَّر علي، وإلا يُصلي فيهما ولا يقلعهما إن كانتا طاهِرتين.
***
85- بَاب: الصلاة عَلَى الخُمْرة
أي: هذا باب في بيان الصلاة على الخُمْرة، وفي بعض النسخ: " باب
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (18 / 3607) .(3/200)
ما جاء في الصلاة على الخُمرة "، والخُمرة- بضم الخاء المعجمة وسكون الميم- كالحصير الصغير، يُعمل من سعَف النخل، ويُنسج بالسيُور والخيُوط، وهي على قدر ما يوضع علي الوجه والأنف، فإذا كبرت عن ذلك فهي حَصِير، وسميت بذلك لسَتْرها الوجه والكفين من حر الأرض وبَردها، وقيل: لأنها تخمرُ وجه الأرض أي: تستره، وقيل: لأن خيوطها مستورة بسَعَفها، وفي حديث ابن عباس: " جاءت فأرة فأخذت تجر الفتيلة فجاءت بها، فألقتها بين يدي رسول الله على الخُمْرة التي كان قاعداً عليها، فأحرقت منها مثل موضع درهم "، وهذا ظاهر في إطلاق الخُمرة على الكبيرة من نوعها.
637- ص- نا عمرو بن عون: نا خالد، عن الشيباني، عن عبد الله بن شداد قال: حدثتني ميمونةُ ابنت الحارث قالت: كان رسول الله- عليه السلام- يصلي وأنا حذاءه وأنا حائض، ورُبما أصابني ثوبُه إذا سَجَد وكان يُصلي على الخُمْرة (1) .
ش- عمرو بن عون: الواسطي، وخالد: ابن عبد الله الواسطي الطحان، والشيباني: أبو إسحاق، وعبد الله بن شداد: ابن الهاد المدني، الكوفي، ومَيْمونة بنت الحارث أم المؤمنين.
قوله: " وأنا حذاءه " جملة اسمية وقعت حالاً، أي: والحال أنا بإزائه، والحذاء والحُذْوة وَالحِذَةُ كلها بمعنىً.
قوله: " وأنا حائض " أيضاً جملة وقعت حالاً واستفيد من الحديث فوائد، الأولى: جوار مخالطة الحائض.
والثانية: إذا أصاب ثوبُ المصلي المرأة ولو كانت حائضا لا يضر ذلك صلاته.
__________
(1) البخاري: كتاب الصلاة، باب: الصلاة على الخمرة (381) ، مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: جوار الجماعة في النافلة (513) ، ابن ماجه: كتاب الصلاة، باب: الصلاة على الخمرة (1028) .(3/201)
والثالثة: جواز الصلاة على الخُمرة من غير كراهةٍ.
والحديث: أخرجه البخاري، ومسلم، وابن أبي شيبة، ولفظه عن ابن عباس: كان رسول الله يصلي على خُمرة، وأخرجه ابن ماجه ولفظه: على بساط، وعند أحمد عن أم سليم أن النبي- عليه السلام- كان يصلي في بيتها على الخُمرة. وذكر ابن أبي شيبة، عن أم كلثوم وعائشة مثله، وفعله جابر بن عبد الله، وأبو ذر، وزيد بن ثابت، وابن عُمر، وقال ابن المسيب: الصلاة على الخمرة سُنة.
***
86- بَابُ: الصلاة على الحصير
أي: هذا باب في بيان الصلاة على الحَصِير، وفي بعض النسخ:، باب
ما جاء في الصلاة على الحَصِير) . قال ابن سيده في " المحكم " و " المحيط الأعظم ": / إن [1/222- ب] الحصير سفيفة تُصنع من بَردي وأسَلٍ ثم يُفترش، سمي بذلك لأنه يَلي وجه الأرض، ووجه الأرض يسمى حصيراً. وفي " الجمهرة ": الحَصيرُ عربي سمي حصيراً لانضمام بعضه إلى بَعضٍ. وقال الجوهري: الحَصِير: البارِية.
638- ص- نا عبيد الله بن مُعاذ: نا أبى: نا شعبة، عن أنس بن سيرين، عن أنس بن مالك قال: قال رجل من الأنصار: نا رسول الله، إني رجل ضخم- وكان ضخماً- لا أستطيع أن أصلي معك وصنع له طعاماً ودَعاه إلى بيْته، فصَل حتى أرَاك كيف تصلي فأقتدي بك، فنَضحُوا له طرفَ حَصير (1) لهم، فقام فصلى ركعتين. قال فلانُ بنُ الجارُود لأنس: أكانَ يُصليَ الضحى؟ قال: لم أرَه صلى إلا يومئذ (2) .
ش- " ضخم " أي: سمين، والضخم: الغليظ من كل شيء.
__________
(1) في سنن أبي داود: " حصير كان لهم ".
(2) البخاري: كتاب الأذان، باب: هل يصلي الإمام بمن حضر؟ وهل يخطب يوم الجمعة في المطر؟ (670) .(3/202)
قوله: " فصَلِّ" خطابُ الرجل للنبي- عليه السلام.
قوله: " فنضحوا له " أي: لأجل الرسول، والنضح بمعنى الرش إن كانت النجاسة متوهمةَ في طرف الحصير، وبمعنى الغسل إن كانت متحققة أو يكون النضح لأجل تَلْيينه لأجل الصلاة عليه.
قوله: " قال فلان بن الجارود "، وفي رواية البخاري: " فقال رجل من آل الجارود"
قوله: " كان يُصلي؟ " الهمزة فيه للاستفهام. والحديث: أخرجه البخاري، وابن أبي شيبة، ولفظه: نا ابن علية، عن ابن عون، عن أنس بن سيرين، عن عبد الحميد بن المنذر بن الجارود، عن أنس قال: صنعِ بعض عمومتي طعاما للنبي- عليه السلام- فقال: أحب أن تأكل في بيتي وتصلي فيه، قال: فأتاه وفي البيْت فَحل من تلكَ الفحول، فأمَر بجانب منه فكُنسَ ورُش، فصلى وصَليْنا معه. انتهى. الفَحْل - بفتح الفاء وسكون اَلحاء المهملة-: حَصِير يتخذ من فُخَال النَّخْل؟ وهو ما كان من ذكوره فحلاَ لإناثه، والجمع: الفحاحيل.
ويُستفاد من الحديث فوائدُ، الأولى: جواز اتخاذ الطعام لأولي الفضل ليَسْتفيد من علمهم.
الثانية: استحباب إجابة الدعوة.
الثالثة: جواز الصلاة على الحَصير من غير كراهة، وفي معناه: كل شيء يُعملُ من نبات الأرض، وهذا إجماع، إلا مَا يروى عن عمر بن عبد العزيز، فإنه يعمل (1) على التواضع كما في قوله عليه السلام لمعاذ: "عفر وجهك بالتراب"
فإن قيل: ما تقول في حديث يزيد بن المقدام من عند ابن أبي شيبة، عن المقدام، عن أبيه: شَريح أنه سأل عائشة: أكان النبي- عليه السلام-
__________
(1) كذا.(3/203)
يُصلي على الحَصِير؟ فإني سمعتُ في كتاب الله عَر وجَل: " وجَعَلنَا (1) جَهَنَّمَ للكافرِينَ حَصِيراَ " (2) ، فقالت: لا، لم يكن يُصلي عليه؟ قلت: هَذا لَيس بصحيح؟ لضعف يزيد، ويَردّه الرواية الصحيحة. وقال أبو بكر (3) : نا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر، عن أبي سعِيد أن النبي- عليه السلام- صلى على حصيرٍ.
نا وكيع: ما عمر بن ذر، عن يزيد الفقير قال: رأيتُ جابر بن عبد الله يُصلي على حَصيرٍ من بَرْدي.
نا وكيع، عن هشام بن الغاز، عن مكحول قال: رأيتُه يُصلي على الحصير ويَسجد علي.
نا الفضلُ بن دكين، عن صفوان، عن عطاء بن أبي مروان، عن أبيه، عن أبي ذر أنه كان يُصلي على الخُمْرة.
نا حفصٌ، عن حجاج، عن ثابت بن عُبيد الله قال: رأيتُ زيد بن ثابت يُصلي على حصير يَسجُد عليه.
نا وكيع، عن شعبة، عن عدي بن ثابت قال: أخبرني مَن رأى زيدَ ابن ثابت يُصلي على حصيرٍ.
نا وكيع، عن سفيان، عن توبة العَنْبري، عن نافع، عن ابن عمر
أنه كان يُصلي على حَصيرٍ.
الرابعة: استحباب صلاة الضحى.
الخامسة: جواز التطوع بالجماعة.
السادسة: جواز ترك الجماعة لأجل السمن المُفْرِط، وزعم ابن حبان في كتابه " الصحيح" أنه تتبع الأعذار المانعة من إتيان الجماعة من السنن فوجدها عشراً:المرض المانع من الإتيان إليها، وحضور الطعام عند
__________
(1) في الأصل: " نا جعلنا"
(2) سورة الإسراء: (8) .
(3) انظر هذه الآثار وما بعدها في مصنف ابن أبي شيبة (1 /398- 399) .(3/204)
المغرب، والنسيان العارض في بعض الأحوال، والسمن المُفْرِط، ووجود
المرء حاجته في نفسه، وخوف الإنسان على نفسه وماله في طريقه إلى المسجد، والبرد الشديد، والمطر المؤذي، ووجود الظلمة التي يخاف المرء
على نفسه المشي فيها، وأكل الثوم والبصل والكراث.
/ 639- ص- نا مسلم بن إبراهيم: نا المثنى بن سَعيد: ما قتادة، عن [1/223-أ]
أنس بن مالك أن النبي- عليه السلام- كان يَزورُ أمَّ سُلَيم فتُدرِكهُ الصلاةُ
أحيانا، فيُصلي على بساطٍ لنا وهو حَصِيرٌ ننضحُه بالماء (1) .
ش- المثنى بن سعيد: القَسام، أبو سعيد الضبعي الذارع البصري،
كان نازلا في بني ضبيعة ولم يكن منهم، رأى أنس بن مالك. وسمع:
قتادة، ونصر (2) بن عمران، ولاحق بن حميد، وغيرهم. روى عنه:
يزيد بن زُريع، ويحي بن سعيد، وأبو الوليد الطيالسي، وغيرهم.
قال أحمد وابن معين: هو ثقة. روى له: الجماعة (3) .
قوله: " كان يزور أم سليم " وهي: أم أنس بن مالك.
قوله: " أحْيانا " نَصب على الظرف، وهي جمعُ " حين"
قوله: " وهو حصيرٌ " جملة اسمية وقعت تفسيراً لقولها: " على بساطٍ
لنا" والمراد من هذه الصلاة: النوافل التي تصلى قبل الفرائض، لأنه
- عليه السلام- ما كان يصلي الفرض إلا مع الجماعة، أو المراد منها:
صلاة الضحَى. ويستفاد من الحديث: جواز زيارة الأصحاب، وجواز
الصلاة على الحَصير من غير كراهة.
640- ص- نا عبَيد الله بن عمر بن ميسرة، وعثمان بن أبي شيبة بمعنى
الإسناد والحديث قالا: نا أبو أحمد الزبيري، عن يونس بن الحارث، عن
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) في الأصل: " نضر " خطأ.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (27 / 5772) .(3/205)
أبي عَون، عن أبيه، عن المغيرة بن شعبة قال: كان رسول الله يُصلي على الحصِير والفروة المدبوغة (1) .
ش- أبو أحمد: اسمه: محمد بن عبد الله بن الزُّبير بن عُمر الكوفي الزبيري، ويونس بن الحارث: الطائفي.
وأبو عون: هو محمد بن عُبَيد الله بن سعيد أبو عون الثقفي الأعور الكوفي. سمع: جابر بن سمرة، وعبد الله بن الزبير، وعبد الرحمن ابن أبي ليلى وغيرهم. روى عنه: الأعمش، وشعبة، والثوري. قال ابن سعد: توفي في خلافة خالد بن عبد الله. روى له: الجماعة إلا ابن ماجه (2) .
وأبوه: عُبَيد الله بن سَعيد الثقفي. روى عن: المغيرة بن شعبة. روى عنه: ابنه: أبو عونَ. قال أبو حاتم: هو مجهول. روى له: أبو داود (3) .
قوله:" والفروة المدبوغة " أي: الجلد المدبوغ. وبهذا استدل أصحابنا أن السجدة على الجلد لا تكره. وقال مالك: تكره، وكذا الخلاف في المِسح، وهو قول الأسود. وقال أبو بكر: نا جرير، عن مغيرة، عن إبراهيم، عن الأسْود وأصحابه أنهم كانوا يكرهون أن يصلوا على الطنافس والفراء والمُسوح.
ولنا ما رواه أبو بكر قال: نا أبو أسامة، عن مجالد، عن عامر قال: صليت مع ابن عباس في بيْته على مِسح يَسْجد عليه.
نا أبو أسامة، عن عيسى بن سنان قال: رأيت عمر بن عبد العزيز يصلي على مِسح.
نا هشيم، عن مجالد، عن عامر، عن جابر أنه صلى على مِسح.
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (26 / 433 5) .
(3) المصدر السابق (19 / 0 364) .(3/206)
نا عائذ بن حبيب، عن أبيه، عن رجل من بكر بن وائل قال: رأيت عليا يُصلي على مُصلى من مُسوح يركعُ عليه ويَسْجدُ.
نا هشيم قال: أنا الأعمش، عن سعيد بن جبير قال: صلى بنا ابن عباس على طنفسةِ.
وعن ابن عمار قال: رأيت عُمر يصلي على عَبْقري. وعن بكر بن عبد الله المزني يقول: إن قيس بن عباد القيسي صلى على لَبد دابته. وعن إسماعيل بن أبي خالد: رأيت مُرة الهمداني يُصلي على لبدِ. ***
87- بَابُ: الرجل يَسْجُد على ثَوْبه
أي: هذا باب في بيان الرجل الذي يسجد على ثوبه، وفي بعض النسخ: "باب ما جاء"
641- ص- نا أحمدُ بن حنبل: نا بشْر- يعني: ابن المفضل-: نا غالب القطان، عن بكر بن عبد الله، عن أنَس بن مالك قال: كنا نُصلي مع رسول الله- عليه السلام- فيِ شدة الحر، فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكن وَجْهه من الأرض بَسط ثوبه فسجد علي (1) .
ش- غالب القطان: هو غالب بن خَطاف وهو ابن أبي غيلان القطان البَصْري الراسبي، وهو مولى عبد الله بن عامر بن كريز. قال أحمد: خطاف بفتح الخاء. وقال ابن معين: بضمها. روى عن: الحسن البصري، وبكر بن عبد الله المزني، والأعمش، وغيرهم. روى عنه:
__________
(1) البخاري: كتاب الصلاة، باب: السجود على الثوب (385) ، مسلم: كتاب المساجد، باب: استحباب تقديم الظهر في أول الوقت (191 / 620) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما ذكر في الرخصة من السجود على الثوب (584) ، النسائي: كتاب التطبيق، باب: السجود على الثياب (2 / 215) ،
ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: السجود على الثياب في الحر والبرد (1033) .(3/207)
شعبة، وعبد الله بن شوذب، وبشر بن المفضل، وغيرهم. قال أحمد:
ثقة ثقة. وقال ابن معين: ثقة. وقال أبو حاتم: صدوق صالح. روى
له الجماعة (1) .
والحديث: أخرجه الأئمة الستة، وعند النسائي: كنا إذا صلينا خلف
رسول الله- عليه السلام- بالظهائر سجدْنا على ثيابنا اتقاء الحر. وعند
[1/223-ب] ابن أبي شيبة: كنا نصلي مع النبي- عليه السلام- / في شدة الحر والبَرْد فيَسجُد على ثوبه.
قال: وحدثنا شريك، عن حُسَين، عن عكرمة، عن ابن عباس أن
النبي- عليه السلام- صلى في ثوب واحدِ يتقي بفضوله حر الأرض
وبَر د ها.
ومن حديث إبراهيم قال: صلى في ثوب واحد يتقي بفضوله حر
الأرض وبَردها. ومن حديث إبراهيم قال: صلى عمر ذات يوم بالناس
الجمعةَ في يوم شديد الحر، فطرح طرف ثوبه بالأرض فجعل يسجد عليه،
ثم قال: يا أيها الناسُ، إذا وجد أحدكم الحر فليَسْجد على طرف ثوبه.
ورواه زيدُ بن وهب، عن عمر بنحوه، وأمر به إبراهيم- أيضاً- وعطاء،
وفعله مجاهد. وقال الحسن: لا بأس به، وهو مذهب أبي حنيفة ومالك
وأحمد وإسحاق والشعبي وطاوس والأوزاعي. وقال الشافعي: لا يجوز، والأحاديث حجة علي. وقال الخطابي: تأويل حديث أنس عنده: أن
يَبسط ثوبا هو غيرُ لابسه.
قلت: الأحاديث المذكورة يرد (2) هذا التأويل وتَخدُش فيه.
***
88- بَابُ: تفْريع أبْواب الصُّفُوفِ
أي: هذا باب في بيان تفريع أبواب الصفوف، وإنما قال: تفريع
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (23/4678) .
(2) كذا.(3/208)
أبواب الصفوف، لأن أحكام الصفوف كثيرة، ذكرها أولا بالعموم، ثم شرع في ذكرها مبينا كل نوع من أنواعها في باب مُستقلٍ بذاته.
***
89- تَسْويةُ الصُّفوف (1)
أي: هذا الذي نذكره من الأحاديث هي تَسوية الصفوف، أي: بيان تسوية الصفوف، فيكون ارتفاع التسوية على أنها خبر مبتدأ محذوف، ويجور أن يكون " تسوية الصفوف" مبتدأ وخبره محذوفا، والتقدير: تسوية الصفوف هذه، أي: أحكام تسوية الصفوف هذه، ويجور انتصاب التسوية على تقدير: هاكَ تسْويةَ الصفوف.
642- ص- نا عبد الله بن محمد النفيلي: نا زهير قال: سألتُ سليمان الأعمش عن حديث جابر بن سمرة في الصفوف المقدمة، فحدثنا عن المسيب بن رافع، عن تميم بن طرفة، عن جابر بن سَمُرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ألا تصُفون كما تصف الملائكة عند ربهم؟ " قلنا: وكيف تصف الملائكةُ عند ربهم؟ قال: " يُتمون الصفوف المقدمة، ويتراصون في الصف " (2) .
ش- زهير: ابن معاوية، والمسيب بن رافع: الأسدي، والد العلاء. وتميم بن طرفة: الطائي الكوفي. سمع: جابر بن سمرة، وعدي بن حاتم الطائي، والضحاك بن قيس الفهري. روى عنه: سماك بن حرب،
__________
(1) في سنن أبي داود:" باب تسوية الصفوف ".
(2) مسلم: كتاب الصلاة، باب: الأمر بالسكون في الصلاة والنهي عن الإشارة باليد رفعها عند السلام وإتمام الصفوف والتراص فيها والأمر بالاجتماع (119 / 430) ، النسائي: كتاب الإمامة، باب: حث الإمام على رص الصفوف والمقاربة بينها (2 / 92) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: إقامة الصفوف (992) .
14* شرح سنن أبي داود 3(3/209)
والمسيب بن رافع. مات سنة أربع وسَبْعين. روى له: مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه (1) .
قوله: " الا تصفون " كلمة " ألا " للتحضيض، وهو حثهم على أن يصفوا كصف الملائكة.
قوله: " عند ربهم" اعلم [أن] كلمة " عند " للحضُور الحسي، نحو
(فَلما راَهُ مُسْتَقرا عندَهُ) (2) ، والمعنوي نحو: " قَالَ الذي عندَهُ عِلِم منَ الكتاب) (2) ، وللقُرب نحو: (وإِنهُمْ عِندَنَا لَمِنً المصطفين الأخْيَارِ) (3) " وعند ربهم" من هذا القبيل، ويجوز فتح عَيْنها وضمها، والكسر أكثر، ولا تقع إلا ظرفا أو مجرورة بمِنْ، وقول العامة: ذهبت إلى عنده لحن.
قوله:" ويتراصون " أي: يتلاصقون حتى لا يكون بينهم فُرج، من رص البناء يرصه رَصا، إذا ألصق بعضه ببَعْضِ، فافهم.
ويُستفاد من الحديث: استحباب إتمام الصف الأول، واستحباب التَراص في الصفوف. والحديث أخرجه مسلم، والنسائي، وابن ماجه.
643- ص- نا عثمان بن أبى شيبة: نا وكيع، عن زكرياء بن أبى زائدة، عن أبي القاسمِ الجدَلي قال: سمعتُ النعمان بن بَشير يقولُ: أقبلَ رسولُ الله على الناس بوجْهه فقال:" أقيموا صفوفكم " - ثلاثا- " والله لتقيمن صفوفكم أو ليخالفن اللهُ بين قلوبكم ". قال: فرأيت الرجل يُلزقُ منكبه بمنكب صاحبه، وركبته بركبة صاحبه، وكعبه بِكعْبه (4) .
ش- أبو القاسم هذا: اسمه: الحسين بن الحارث أبو القاسم الجدلي
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (4 / 804) .
(2) سورة النمل: (40) .
(3) سورة ص: (47) .
(4) تفرد به أبو داود.(3/210)
- جَديلة قيس- الكوفي. سمع: ابن عُمر، والنعمان بن بشير، والحارث بن حاطب، وغيرهم. روى عنه: عطاء بن السائب، وشعبة، وابن أبي زائدة. روى له: أبو داود (1) .
قوله: " لتُقيمُن " بضم الميم؟ لأن أصله:" تُقيمون" دخل علي نون التأكيد الثقيلة، وحذفت الواو لالتقاء / الساكنين. [1/224-أ]
قوله: " أو ليخالفن اللهُ " بفتح اللام الأولى، لأنها لام التأكيد، وكسر اللام الثانية وفتح الفاء، ولفظ " الله" مرفوع بالفاعلية.
اعلم أن " أو" في الأصل موضوع لأحد الشيئين أو الأشياء، وقد تخرج إلى معنى (بل) وإلى معنى " الواو"، وهي حرف عطف، ذكر المتأخرون لها معاني كثيرةً، وهاهنا لأحد الأمْرين؟ لأن الواقع أحد الأمرين إما إقامة الصفوف أو المُخالفة، والمعنى: أو ليخالفن الله إن لم تُقيموا، لأنه قابلَ بين الإقامة وبيْنه، فيكون الواقع أحد الأمرين. ومعنى المخالفة بَيْن القلوب: أن يَتغيرَ بعضُهم على بَعْضٍ، فإن تقدم الإنسان على الشخص أو على الجماعة وتخليفه إياهم من غير أن يكون مقاما للإمامة، قد يُوغر صدورهم، وذلك موجب لاختلاف قلوبهم.
قوله: " يُلزق منكبه " - بضم الياء- من ألزق أي: يُلصق، يقال: لزقَ به لزوقا أي: لصق به، وألزقه به غيره.
قوله: " وكعبه بكعبه " أي: يلزق كعبه بكعب صاحبه. وفيه ما يدل على أن الكعب هو العَظم الناتِئ في مَفْصل الساق والقدم، وهو الذي يمكن إلزاقه، خلافاً لمَنْ قال: إنه مَعْقد الشراك من ظهر القدم. وأنكر الأصمعي قول من قال: إنه في ظهر القدم، قاله الشيخ زكي الدين في " مختصره".
قلت: نعم، إن الكعب هو العظم الناتئ في مفصل الساق والقدم،
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (6 / 2 0 13) ، و (34 / ص 93 1) .(3/211)
وهو الصحيح عنْدنا- أيضاً- فكأنه يُشنعُ بقوله: " خلافاً لمنْ قال: إنه مَعْقد الشراك من ظهر القدم"على أصحابنا، فإن هشاما روى عن محمد ابن الحسن أن الكَعْب هو المفصل الذي على وسط القدم عند مَعْقد الشراك، ولكن تفسير محمد هذا ليس في باب الوضوء، وإنما هو في باب الحج، والخصمُ- أيضاً- يُفسر الكعب في باب الحج بهذا التفسير. وبهذا الحديث قالت العلماء: إن إقامة الصف من حسن الصلاة، وينبغي للإمام أن يتعهد تسوية الصفوف، فقد كان لعمر، وعثمان رجال وكَلاهُم بتسوية الصفوف.
فإن قيل: قوله- عليه السلام-:" أقيموا صفوفكم " أمر قارنه التكرار، وذكر معه الوعيد على تركه، فينبغي أن تكون إقامة الصفوف واجبا. قلت: فليكن واجبا، ولكنه ليس منْ واجبات الصلاة بحيث إنه إذا تركها أفسَد صلاته أو نقصها، ولكنه إذا تركها يأثم.
644- ص- نا موسى بن إسماعيل: نا حماد، عن سماك بن حرب قال: سمعت النعمان بن بشير يَقولُ: كان النبي- عليه السلام- يُسوينا في الصفوف كما يُقومُ القدح، حتى إذا ظن أنَا قَدْ أخذنا ذلك عنه وصَفَفْنا (1) ، أقبل ذات يوم بوجهه إذا رجل منتبذ بصدْره فقَال: " لَتُسونَ صفوفَكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم " (2) .
ش- القِدح- بكسر القاف وسكون الدال-: خشب السهم حين تنحت وتُبرَى قبل أن يُنصلَ ويُراش، وجمعها: قداح- بكسر القاف. والمْعنى: يُبالغ في تسويتها حتى تصير كما تقوم السَهامُ.
قوله:" وصففنا " وفي نسخةِ:" وَصفنا" وفي رواية:" وفقِهنا"-
__________
(1) في سنن أبي داود:" وفقهنا" وسيذكر المصنف أنها رواية.
(2) البخاري: كتاب الأذان، باب: إقامة الصف من تمام الصلاة (723) ، مسلم: كتاب الصلاة، باب: تسوية الصفوف وإ قامتها وفضل الأول فالأول منها
(4 2 1 / 433) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: إقامة الصفوف (993) .(3/212)
بكسر القاف- أي: فهمنا، من الفقه وهو الفهم، واشتقاقه من الشقً
والفتح، يقال: فقه يَفقه فقها- بفتح القاف- وفقها- بسكونها- وفقُه
- بضم القاف- صًار فقيها، وذكر ابن دريد فيه الكسر كالأول، وقد
جعله العُرف خاصا بعلم الشريعة، وتخصيصا بعلم الفروع منها.
قوله: " إذا رجل منتبذ بصَدْرِه " يعني: منفرد من الصف بعيد عنه،
وثلاثيه نبذتُ الشيءَ أنبذهُ نبذأ فهو مَنْبوذ، إذا رمَيْتَه وأبْعدتَه. وفي الحديث:
مر بقبر مُنتبذ عن القبورَ، أي: منفرد بعيد عنها.
قوله: " لتسون " بفتح اللام وضم التاء وتشديد الواو وضمها.
قوله: " أو ليخالفن الله " الكلام فيه كالكلام في " ليخالفن " في
الحديث الأول، ومعنى المخالفة بين الوجوه: يحتمل أن تكون كقوله:
"أن يحول الله صورته صورة حمار " يخالف بصفتهم إلى غيرها من
المسوخ، أو ليخالف بوجه من لم يُقِم صفه، ويُغير صورته عن وجه من
أقامه، أو ليخالف باختلاف صورها بالمسخ والتغيير، / أو يكون المعنى: [1/224-ب] يوقع بينكم العداوة والبغضاء واختلاف القلوب كما يقال: تغير وجهُ فلان
علي، أي: ظهر لي من وجهه كراهية لي، وتغير قلبُه علي، لأن مخالفتهم في الصفوف مخالفة في ظواهرهم، واختلاف الظواهر هو
سبب لاختلاف البواطن.
والحديث: أخرجه البخاري، ومسلم من حديث سالم بن أبي الجعْد،
عن النعمان بن بشير، فلفظ البخاري: قال النبي- عليه السلام-:
لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم" ولفظ مسلم: " كان
يُسوي صفوفنا حتى كأنما يسوي بها القداح، حتى رأى أنا قد عقلنا عنه
خرج يومأ فقام حتى كاد أن يكبر، فرأَى رجلاً باديا صدره فقال:"عباد
الله، لتسون صفوفكم) . وعند ابن ماجه: كان يسوي الصف حتى
يجعله مثل الرمح أو القِدح، قال: فرأى صدرَ رجلٍ ناتئا فقال الحديث.
وعند الترمذي، عن النعمان بن بشير قال: " كان رسول الله يسوي
صفوفنا، فخرج يوما فرأى رجلاً خارجا صدرُه عن القوم، فقال(3/213)
الحديث، وقال: حديث النعمان حديث حسن صحيح. وقد روي عن النبي- عليه السلام- أنه قال:" من تمام الصلاة: إقامة الصف". وروي عن عمر أنه كان يُوَكلُ رجالا بإقامة الصفوف، فلا يكبر حتى يخبرُ أن الصفوف قد استوت. وروي عن علي وعثمان أنهما كانا يتعاهدان ذلك ويقولان: استوُوا، وكان علي يقول: تقدمْ يا فلان وتأخر يا فلان.
645- ص- نا هناد بن السريّ، وأبو عاصم بن جوّاس الحنفي، عن
أبي الأحْوص، عن منصور، عن طلحة الإيامي (1) ، عن عبد الرحمن بن عَوْسجة، عن البراء بن عازب قال: كان رسول الله يتخللُ الصف من ناحية إلى ناحية يَمْسحُ صدورنا ومَناكبَنا، ويَقُولُ: " لا تختلفوا فتَخْتلفَ قلوبكم "، وكان يقوًلُ: " إن الله وملائكته يصلون على الصفُوفِ الأوَل " (2) .
ش- أبُو عاصم: أحمد بن جواس الحنفي الكوفي. سمع:
أبا الأحْوص، وابن المبارك، ومحمد بن الفضل، وغيرهم. روى عنه: أبو زرعة، ومسلم، وأبو داود، وغيرهم. مات سنة ثمان وثلاثين ومائتين (3) .
وأبو الأحوص: سلام بن سليم، ومنصور: ابن المعتمر، وطلحة:
ابن مصرف الإِيامي (4) الهَمداني الكوفي، وعبد الرحمن بن عوسجة التميمي الهَمداني الكوفي.
قوله:" يتخللُ الصفّ " أي: يدخل في أثنائه؟ وأصل التخلل من إدخال الشيء في خلال الشيء أي: وَسطه.
قوله:" يَمْسح " بدل من قوله: " يتخلل، أو عطف بحذف حرف العطف، وحرف العطف قد يُحذف.
__________
(1) في سنن أبي داود: " اليامي"
(2) النسائي: كتاب الإمامة، باب: كيف يقوم الإمام الصفوف (2 / 89) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (1 / 21) .
(4) كذا.(3/214)
قوله: " فتختلفَ " بالنصب جواب النهي، وأصله: فإن تختلفَ، والمعنى: إن يكن منكم اختلاف في الصفوف فاختلافُ القلوب من الله، وذلك نحو قوله تعالى:" وَلا تَطغَوْا فِيهِ فَيَحِل عَلَيكُمْ غضَبِي " (1) ، والمعنى: إن يكن منكم طغيان فإحلال غضب من الله.
قوله: " يصلون " قد ذكرنا غيْر مرة أن الصلاة من الله: الرحمة، ومن الملائكة: الاستغفار، ومن المؤمنين: الدعاء. والحديث أخرجه النسائي. وعند أحمد: " إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول ".
646- ص- نا ابن معاذ: نا خالد- يعني: ابن الحارث-: نا حاتم
- يعني: ابن أبي صغيرة-، عن سماك قال: سمعتُ النعمان بن بشير قال: كان رسولُ الله يسَوي صفوفنا إذا قمنا للصلاة إذا استوينا كبر (2) .
ش- ابن معاذ: عُبيد الله.
وحاتم بن أبي صغيرة: أبو يونس القشيري مولى بني قشير من أهل البصرة، واسم أبيه: مسلم، يَرْوي عن: عمرو بن دينار، وسماك بن حَرْب. روى عنه: شعبة، ويحيى القطان، وأبو صغيرة الذي نسب إليه حاتم: أبو أمه.
قلت: ذكره ابن حبان في" الثقات" ولم أجده في " الكمال " فكأنه سقط من الشيخ أو من الناسخ (3) .
قوله: " إذا استوينا" بدل من قوله: " إذا قمنا "، وبه أخذ مالك، أن الإمام يشرع بعد الفراغ من الإقامة واستواء الصفوف.
647- ص- نا عيسى بن إبراهيم الغافقي: نا ابن وهب ح، ونا قتيبةُ: نا الليثُ- وحديثُ ابن وهب أتم-، عن معاوية بن صالح، عن
__________
(1) سورة طه: (81) .
(2) تفرد به أبو داود.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (5 / 996) .(3/215)
أبي الزاهريّة، عن كثير بن مرة، عن عبد الله بن عمر. قال قتيبةُ: عن أبي الزاهرية، عن أبي شجرة، لمِ (1) يذكر ابن عمر أن رسول الله- عليه
[1/225-أ] السلام- قال: " أقيموا الصفوف / وحاذوا بَيْن المناكب، وسُدوا الخَللَ ولِينُوا بأيدي إخوانكم "- لم يَقُلْ عيسى: " بأيْدي إخوانِكم " ولا تذَرُوا فُرْجَات للشيطان، ومَنْ وَصَلَ صفا وصَله الله، ومنْ قطعَ صفا قطعه الله، (2) ، (3) .
ش- عيسى بن إبراهيم: ابن عيسى بن مَثْرُود الغافقي مولاهم المَثْرودي الأحدبي نسبة إلى أحْدب- بالحاء المهملة- بطن من غافق، أبو موسى البصري. روى عن: ابن عيينة، وابن وهب، وحجاج بن سليمان، وغيرهم. روى عنه: أبو داود، والنسائي، ومحمد بن إسحاق، وغيرهم. توفي يوم الثلاثاء لثلاث عشرة خلت من صفر سنة إحدى وستين ومائتين، وكان مولده سنة سبعين ومائة، وكان ثقة ثبتا (4) .
وابن وهب: هو عبد الله بن وهب، والليث: ابن سَعْد، ومُعاوية
[ابن] صالح: أبو عمرو الحمصي، قاضي أندلس.
وأبو الزاهرية: حُدَير بن كُريب- بالحاء المهملة- المخرمي، ويقال: الحميري الحمصي. روى عن: حذيفة، وأبي الدرداء، وابن عَمرو، ورافع بن عُمير، وغيرهم. روى عنه: معاوية بن صالح، وسعيد بن سنان، والأحوص بن حكيم، وغيرهم. قال ابن معين: ثقة. وقال أبو حاتم: لا بأس به. وقال الدارقطني: لا بأس به إذا روى عن ثقة.
__________
(1) في سنن أبي داود:" ولم".
(2) جاء في سنن أبي داود بعد هذا: "قال أبو داود: أبو شجرة كثير بن مرة. قال أبو داود: ومعنى "لينوا بأيدي إخوانكم": إذا جاء رجل إلى الصف فذهب يدخل فيه، فينبغي أن يلين له كل رجل منكبيه حتى يدخل في الصف"
(3) النسائي: كتاب الإمامة، باب: من وصل صفا (2 / 93) .
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (22 / 4616) .(3/216)
توفي سنة تسع وعشرين ومائة. روى له: مسلم، وأبُو داود، والنسائي، وابن ماجه (1) .
وكثير بن مُرة: الحضرمي الرهاوي، أبو شجرة، ويُقال: أبو القاسم الحمصي. سمع: معاذ بن جبل، وعبد الله بن عمر بن الخطاب، وعقبة بن عامر الجُهني، وغيرهم. روى عنه: خالد بن معدان، وأبو الزاهرية، وداود بن جميل، وغيرهم. قال الليث، عن يزيد بن أبي حبيب: أدرك سبعين بَدريا. قال محمد بن سَعْد: كان ثقة. وقال عبد الرحمن بن يوسف: هو صدوق. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (2) .
قو له: "حاذوا "أي: ساووا.
قوله:" وسدوا الخَلل " أي: الثلمة والفُرْجة.
قوله: " ولِينُوا بأيدي إخوانكم" قال أبو داود: معناه: إذا جاء رجل
إلى الصف فذهب يدخلُ فيه، فينبغي أن يلين له كل رجل منكبَيْه حتى يدخل في الصفً.
توله: " لم يقل عيسى " أي: لم يقل عيسى بن إبراهيم المذكور في روايته: " بأيدي إخوانكم" بل اقتصر على قوله: " ولِينُوا ".
قوله: " ولا تذروْا " أي: لا تتركوا، من وذرَه يذره مثل وسعه يسعه، ولكن أميت الماضي ولا يُقال: وذره ولا واذر، ولكن يقال: تركه وتارك. والفُرْجات- بتسكين الراء- جمع "فُرجة"، ومعنى فرجات الشيطان: أنه إذا وجَد بَيْن الصفوف موضعا خاليا يدخل فيه ويُوَسْوس. والحديث روي مُرسلاَ- أيضاً-، أشار إلى ذلك بقوله: "عن أبي شجرة لم يذكر ابن عُمر، وهو كثير بن مرة.
648- ص- نا مسلم بن إبراهيم: نا أبان، عن قتادة، عن أنس بن
__________
(1) المصدر السابق (5 / 1144) .
(2) المصدر السابق (24 / 4963) .(3/217)
مالك، عن رسول الله- عليه السلام- قال: " رصوا صفوفكم، وقاربوا بيْنها، وحَافُوا بالأعناق، فوالذي نفسي بيده، إني لأرَى الشَيطانَ يَدخلُ من خلل الصف كأنها الحَذف" (1) .
ش- أبان: ابن يزيد العطار.
قوله: " رُصوا " أي: ضُموا بَعْضها إلى بَعْض وقاربوا بينها، ومنه رَص البناء، قال الله تعالى: (كَأنهُم بنيَان مرْصُوص) (2) .
قوله: " فوالذي " الفاء فيه للعطف وفيه معنى السببية، والواو للقسم، والتقدير: فوالله الذي، لأن الواو لا تدخل إلا على اسم مُظهر.
قوله: " كأنها الحذف"- بفتح الحاء المهملة، وفتح الذال المعجمة،
بعدها فاء- جمع حذفة، وهي غنم صغار سُود أكثر ما تكون باليمن، وقيل: هي صغار جُرد ليس لها آذان ولا أذناب، يجاء بها من جُرَش اليمن، وقيل: هي غنم صغار حجازية. وعند الحاكم: " رصوا الصفوف لا يتخللكم مثلُ أولاد الحَذف) قيل: يا رسول الله، وما أولاد الحذَفِ؟ قال: " غنم سُود صغار تكوَن باليمن" وصححه.
649- ص- نا أبو الوليد الطيالسي، وسليمان بن حرب قالا: نا شعبة،
عن قتادة، عن أنس قال: قال رسول الله: " سَووا صفوفكم، فإن تسوية الصف من تمام الصلاة " (3) .
ش- أخرجه البخَاري، ومسلم، وابن ماجه، وفي رواية: " من حُسن الصلاة"، وعند السراج من حديث شعبة: قال قتادة: قال أنس:
[1/225-ب] إن من حسن الصلاة: / إقامة الصف، وفي لفظ: من تمام الصلاة.
ثم إن تَسوية الصفوف من سُنة الصلاة عند أبي حنيفة ومالك والشافعي،
__________
(1) النسائي: كتاب الإمامة، باب: حث الإمام على رص الصفوف والمقاربة بينها (2/92) .
(2) سورة الصف: (4) .
(3) البخاري: كتاب الأذان، باب: إقامة الصف في تمام الصلاة (723) ، مسلم: كتاب الصلاة، باب: تسوية الصفوف وإقامتها (433) ، ابن ماجه: كتاب
إقامة الصلاة والسنة فيها، باب: إقامة الصفوف (993) .(3/218)
وزعم ابن حزم أنه فرض، لأن إقامة الصلاة فرض، وما كان من الفرض فهو فرض، قال عليه السلام: "فإن تسوية الصف من تمام الصلاة ". قلنا: قوله: "فإنه من حُسن الصلاة " يدل على أنها ليْست بفرضِ،
لأن ذلك أمر رائد على نفس الصلاة، ومعنى قوله: " من تمام الصلاة ": من تمام كمال الصلاة، وهو- أيضاً- أمر زائد، فافهم.
650- ص- نا قتيبة بن سعيد: نا حاتم بن إسماعيل، عن مُصْعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير، عن محمد بن مسلم بن السائب صاحب المقصورة قال: صليتُ إلى جنب أنس بن مالك يومأ فقال: هل تَدْري لم صنِع هذا العُودُ؟ فقلت: لا والله، قال: كان رسولُ الله يَضَع علي يده (1) فيَقولُ: " استَوُوا وأعْدلوا (2) صفَوفكم " (3) .
ش- حاتم بن إسماعيل: الكوفي المدني، نزل المدينة.
ومُصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير: ابن العوام القرشي الأسدي المديني. سمع: أبا حازم، وعمه: عامر بن عبد الله بن الزبير، وهشام ابن عروة. روى عنه: ابن المبارك، وعيسى بن يونس، وابنه: عبد الله ابن مصعب، وغيرهم. قال أبو زرعة: ليس بقوي. وقال ابن معين: ضعيف. وقال أبو حاتم: صدوق كثير الغلط، ليس بالقوي. مات بالمدينة سنة سبع وخمسين ومائة، وهو ابن ثلاث وسبعين. روى له: أبو داود، والنسائي، وابن ماجه (4) .
ومحمد بن مسلم بن السائب: ابن خَباب (5) صاحب المقصورة. سمع: أنس بن مالك. وروى عن: أبي عبد الرحمن مولى أم فهكُم (6)
__________
(1) في سنن أبي داود: " يده عليه ".
(2) في سنن أبي داود: " وعدلوا".
(3) تفرد به أبو داود.
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (28/5980) .
(5) في الأصل: "جناب" خطأ.
(6) في الأصل: " فكهم ".(3/219)
روى عنه: مصعب بن ثابت، والعلاء بن عبد الرحمن. روى له: أبو داود (1) .
قوله: " وأعدلوا "- بفتح الهمزة- من أعْدل يُعدِل بمعنى عَدلُوا.
651- ص- نا مسدد: نا حُميد بن الأسود: نا مصعب بن ثابت، عن محمد بن مسلم، عن أنس بن مالك بهذا الحديث قال: إن رسول الله كان إذا قام إلى الصلاة أخذه بيمينه ثم التفت فقال: " اعتدلوا، سَوّوا صفوفكم " ثم أخذه بيساره وقال (2) : " اعتدلوا، سوّوا صفوفكم " (3) .
ش- حُمَيد بن الأسود: الكرابيسي أبو الأسود البصري. روى عن: عبد الله بن عون، وحجاج الصواف، وأسامة بن زيد، وغيرهم. روى عنه: ابن المبارك، ومسدد، ونصر بن علي، وغيرهم. قال أبو حاتم: ثقة. روى له: البخاري، وأبو داود، والترمذي، والنسائي (4) .
قوله: " بهذا الحديث " إشارة إلى الحديث المذكور.
قوله: " أخذه " أي: أخذ العُود، وهو العود المذكور في الرواية الأولى
من الحديث.
قوله: " سوّوا " بيان لقوله: " اعتدلوا ".
652- ص- ما محمد بن سليمان الأنباري: نا عبد الوهاب- يعني:
ابن عطاء-، عن سعيد، عن قتادة، عن أنس أن رسول الله- عليه السلام- قال: " أتموا الصف المقدم ثم الذي يليه، فما كان من (5) نقصٍ فليكن في الصف المؤخر " (6) .
ش- عبد الوهاب: ابن عطاء أبو نصر الخفاف البصري، وسعيد:
ابن أبي عروبة.
__________
(1) المصدر السابق (6 2 / 5603) .
(2) في سنن أبي داود: " فقال".
(3) انظر التخريج المتقدم.
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (7 / 523 1) .
(5) في الأصل: " في "، وما أثبتناه من الشرح وسنن أبي داود.
(6) النسائي: كتاب الإمامة، باب: الصف المؤخر (2 / 93) .(3/220)
قوله: " فما كان من نقص " يعني: فالذي كان من الصف من نقصِ فليكن ذلك النقص في الصف الأخير، والقصدُ من ذلك: أن لا يخلى موضع من الصف الأول مهما أمكن، وكذلك من الثاني والثالث وهلم جرا إلى أن ينتهي وتتكمل الصفوف، ف " ذا كان ثمة نقص يجعل ذلك في الصف الأخير. والحديث: أخرجه النسائي.
653- ص- نا ابن بشار: نا أبو عاصم: نا جعفر بن يحيى بن ثوبان قال: أخبرني عمي: عمارة بن ثوبان، عن عطاء، عن ابن عباس قال: قال رسولُ الله: "خيارُكم ألينكم مناكبَ في الصلاة " (1) ، (2) .
ش- ابن بشار: محمد، بندار، وأبو عاصم: النبيل.
وجعفر بن يحيى بن ثوبان الحجازي، روى عن: عمه: عمارة بن ثوبان. روى عنه: أبو عاصم، وعبيد بن عقيل. قال عليا بن المديني: هو شيخ مجهول لم يرو عنه غير أبي عاصم. روى له: أبو داود، وابن ماجه (3) .
وعمارة بن ثوبان: روى عن: عطاء، وعامر بن وائلة، وموسى بن باذان. روى عنه: ابن أخيه: جعفر المذكور. روى له: أبو داود، وابن ماجه (4) . وعطاء: ابن أبي رباح.
قوله: " ألينكم مناكب" لين المناكب: هو لزوم السكينة / في الصلاة، [1/226-أ]
والطمأنينة فيها: لا يلتفت، وقد تكون أن لا يمتنع على مَنْ يريد الدخول بين الصفوف لسد الخَلل، أو لضيق المكان، بل يُمكنه من ذلك ولا يدفعه بمنكبه لتتراص الصفوف، وتتكاثف الجموع.
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) في سنن أبي داود زيادة: " قال أبو داود: جعفر بن يحيى من أهل مكة ".
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (5 / 960) .
(4) المصدر السابق (1 2 / 77 1 4) .(3/221)
وقوله: "خياركم" مبتدأ بمعنى: خيركم و " ألينكم" خبره أفعل التفضيل من الليَّن، و " مناكب" نصب على التمييز، وإنما لم يدخله التنوين لكونه لا ينصرف، لكونه على منتهى صيغة الجموع كمساجد، والمراد منها: المنكبان، لأن الرجل ليس له ثلاث مناكب، وقد يذكر الجمع ويراد به التثنية كقوله تعالى: (فَقَدْ صغَتْ قُلُوبُكُمَا) (1) أي: قلباكما.
***
90- بَابُ: الصفُوف بيْن السواري
أي: هذا باب في بيان حكم الصفوف بين السواري، وفي بعض النسخ: " باب الصلاة والصف بين السواري) ، وفي بعضها: " الصلاة والصف بين السواري"، وفي بعضها: " باب ما جاء في الصفوف بين السواري"، وهي جمع سَاريةٍ وهي الأسطوانة.
654- ص- نا محمد بن بشار: نا عبد الرحمن: نا سفيان، عن يحيى ابن هانئ، عن عبد الحميد بن محمود قال: صليت مع أنس بن مالك يوم الجمعة فدُفعْنا إلى السَّواري فتقدمنا وتأخرنا، فقال أنس: كنا نتقي هذا عَلى عَهد رسولَ الله صلى الله عليه وسلم (2) .
ش- عبد الرحمن: ابن مَهْدي العنبري البصري، وسفيان: الثوري. ويحيى بن هانئ: ابن عروة بن قعاص (3) ، ويقال: فضفاض المرادي، أبو داود الكوفي كان من أشراف العرب. روى عن: عبد الله ابن مسعود، وفروة بن مُسَيك. وسمع: أباه، وأنس بن مالك،
__________
(1) سورة التحريم: (4) .
(2) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في كراهية الصف بين السواري (229) ، النسائي: كتاب الإمامة، باب: الصف بين السواري (2 / 94) .
(3) في الأصل:" عقاص" خطأ.(3/222)
وعبد الحميد، وغيرهم. روى عنه: الثوري، وشعبة، وشريك، وغيرهم. وقال ابن معين وأبو حاتم: هو ثقة. وقال الدارقطني: يحتج به. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي (1) .
وعبد الحميد بن محمود: المِعْوَلي البصري. روى عن: ابن عباس، وأنس بن مالك. روى عنه: يحيى بن هانئ، وعمرو بن هَرِم، وابنه: حمزة بن عبد الحميد. قال أبو حاتم: هو شيخ. وقال الدارقطني: كوفي ثقة يحتج به. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي (2) . قوله: "فدفعنا إلى السواري " هذا إما لانقطاع الصف، وإما لأنه موضع جمع النعال، والأول أشبه، لأن الثاني محدث ولا خلاف في جوازه عند الضيق، وأما مع السعة فمكروه. والحديث: أخرجه الترمذي، والنسائي. وقال الترمذي: حديث حسن. وقد كره قوم من أهل العلم أن يصف بين السواري، وبه يقول أحمد، وإسحاق. وقد رَخص قوم من أهل العلم في ذلك. وقال أبو بكر: نا هشيم: أنا خالد، عمن حدثه، عن أنس قال: نُهِينا أن نصلي بين الأسَاطين.
نا وكيع: ما سفيان، عن أبي إسحاق، عن معدي كرب، عن ابن سَعْد قال: لا تَصُفوا بين الأساطين، ولا تأتموا بقوم يمترون ويلغون.
نا فضيل بن عياض، عن حصين بن هلال، عن حذيفة أنه كره الصلاة بين الأساطين.
نا شريك، عن إبراهيم بن مهاجر، عن إبراهيم أنه كره الصلاة بيْن
الأساطين.
ثم بين أبو بكر مَنْ رخص فيه فقال: نا ابن علية، عن يونس، عن الحسن أنه كان لا يرى بأساً بالصف بين السواري.
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (32 / 6936) .
(2) المصدر السابق (6 1 / 3728) .(3/223)
نا يحيى بن سعيد، عن وقاء قال: كان سعيد بن جبير يؤمنا بين
ساريتين.
نا محمد بن فضيل، عن يزيد بن أبي زياد قال: رأيت إبراهيم التيمي يؤم قومه بين أسطوانتين.
نا وكيع: نا سفيان وإسرائيل، عن إبراهيم بن عبد الأعلى قال: كان سُويد بن غفلة يؤمنا بين أسطوانتين.
***
91- بَابُ: مَنْ يستحب أن يَلِي الإِمامَ في الصف وكراهية التَّأخُّرِ
أي: هذا باب في بيان من يستحب أن يقرب من الإمام في الصف وكراهة التأخر عنه، وفي بعض النسخ، "باب ما جاء فيما يستحب "، وفي بعضها: "باب مَن يلي الإمام " إلى آخره.
655- ص- نا ابن كثير: نا سفيان، عن الأعمش، عن عمارة بن عُمير، عن أبي معمر، عن أبي مَسْعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ليَلِني منكُم أولُو
[1/226-ب] الأحْلام والنهى، ثم الذين / يَلُونهم، ثم الذين يلونهم " (1) .
ش- ابن كثير: هو محمد بن كثير البصري، وسفيان: الثوري، وسليمان: الأعمش.
وعُمارة بن عمير: التيمي تيم الله بن ثعلبة الكوفي، رأى عبد الله بن عُمر. وسمع: علقمة بن قيس، والأسود بن يزيد، وأبا معمر، وغيرهم. روى عنه: الأعمش، ومنصور بن المعتمر، والحكم بن عُتَيْبة وغيرهم. قال أحمد وابن معين وأبو حاتم: ثقة. روى له الجماعة (2) .
__________
(1) مسلم: كتاب الصلاة، باب: تسوية الصفوف وإقامتها وفضل الأول منها والازدحام على الصف الأول والمسابقة عليها وتقديم أولي الفضل وتقريبهم من الإمام (122/432) ، النسائي: كتاب الإمامة، باب: من يلي الإمام ثم الذي يليه (2 / 87) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: من يستحب أن
يلي الإمام (976) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (21/4193) .(3/224)
وأبو مَعْمر: عبد الله بن سَخْبرة الأزدي من أزد شنُوءة، ويُقال: الأسْدي- بسكون السن- الكوفي. روى عن: أبي بكر الصديق مُرسلاً. وروى عن: عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب. وسمع: عبد الله بن مسعود، وخباب بن الأرَت، وأبا مسعود البدري، والمقداد ابن الأسود. روى عنه: مجاهد، ويزيد بن شريك، وإبراهيم النخعي، وعمارة بن عُمير. قال ابن معين: هو ثقة. روى له الجماعة (1) .
وأبو مَسْعُود: عقبة بن عمرو البدري.
قوله: " لِيلني منكم " بكسر اللامين وتخفيف النون، من غير ياء قبل النون، من وَلي يلي أصله: يَوْلِي، حذفت الواو لوقوعهما بين الياء والكسرة فصار " يلي" وأمر الغائب منه " لِيَلِ" لان الياء تسقط للجزم، وأمر الحاضر "لِ" مثل " ق " على وزن " ع ". وقال الشيخ محيي الدين: ويجوز إثبات الياء مع تشديد النون على التأكيد.
قلت: القاعدة: أن النون المؤكدة إذا دخلت الناقص تعود الياء والواو المحذوفتان فيصيرُ " ليليني منكم أولو الأحلام " أي: العُقلاء، وقيل: البالغون، والأحلام جمع حُلم- ب " م الحاء وسكون اللام- وهو ما يراه النائم، تقول: حلَم- بالفتح- واحتلم، وتقول: حلَمتُ بكذا وحلمتُه - أيضاً ولكن غلب استعماله فيما يراه النائم من دلالة البلوغ، فكان المراد هاهنا، ليلني البالغون. وذكر في " الفائق ": أمَر معاذا أن يأخذ من كل حالم دينارا، قيل: المراد: مَنْ بلغ وقت الحُلْم حَلَم أو لم يَحلُمْ. قوله: " والنهى "- بضم النون- جمع نُهْية- بضم النون وسكون الهاء- وهي العقل، ويقال: بفتح النون- أيضاً-، لأنه ينهى صاحبه عن الرذائل، وكذلك العقل لعَقْله، وهو مأخوذ من عقال البعير، وكذلك الحكمة من حكمة البعير، وهي حديدة لجامها التي تمنعها من العدول عن الاستقامة. وقيل: " أولو النهى " لأنه ينتهي إلى رأيهم واختياراتهم
__________
(1) المصدر السابق (15 / 3291) .
15* شرح سنن في داوود3(3/225)
لعقلهم، ويُقالُ: رَجل نَه ونَهِي من قوم نهين. وقال أبو علي الفارسي: يجوز أن يكون" النُّهَى"مصدرا كالهُدى، وأن يكون جمعا كالظلَم، قال: والنهى معناه في اللغة: الثبات والحَبْس، ومنه النهْيُ والنَهْيُ- بكسر النون وفتحها- والتَنْهِيَةُ للمكان الذي ينتهي إليه الماء فيُسْتنقع. قال الواحدي: فيرجع القولان في اشتقاق النُهْية إلى قول واحد وهو الحَبْس، فالنُهْية هي التي تَنْهى وتَحْبس عن القبائح.
قلت: التنهية- بفتح التاء المثناة من فوق، وسكون النون، وكسر الهاء، وفتح الياء آخر الحروف- وقال في" الصحاح ": تنهية الوادي بحيث ينتهي إليه الماء من حروفه، والجمع: التناهِي.
فإن قيل: ما وجه هذا العطف؟ قلت: إن فسر أولو الأحلام بالعُقلاء يكون عطف قوله:" والنهى" على " الأحلام " للتأكيد، لأن المعنى واحد وإن اختلف اللفظ، وإن فسر أولو الأحلام بالبالغين يكون المعنى: ليَقْرُبْ مني البالغون العقلاء.
فإن قيل: ما وجه تخصيصهم بذلك؟ قلت: لاستخلافه إن احتاج، ولتبليغ ما سمعوه منه، وضبط ما يحدث عنه، والتنبيه على سَهْو إن وقع، ولأنهم أحق بالتقدّم، وليقتدي بهم مَن بعدهم. وكذا ينبغي لسائر الأمة الاقتداء بسيرته- عليه السلام- في كل حال من جموع الصلاة، ومجالس العلم والذكر، ومجالس الرأي ومعارك القتال.
قوله: " ثم الذين يلونهم " معناه: الذين يقربون منهم في هذا الوصف. واستدل بهذا الحديث أصحابنا في ترتيب الصفوف، فقال صاحب " الهداية": ويصف الرجال ثم الصبيان ثم النساء، لقوله- عليه السلام-:
[1/227-أ] " ليلني منكم أولو الأحلام والنهى". / واستدلّ- أيضاً بهذا الحديث أن محاذاة المرأة الرجلَ وهما مشتركان في صلاةِ تُفسِدُ صلاة الرجل.
فإن قيل: كيف تثبت الفرضية بهذا وهو خبر الآحاد؟ قلنا: إنه من المشاهير، فتثبت به فرضيّة تمييز مقام المرأة من مقام الرجل، ويجور به(3/226)
الزيادة على الكتاب. وقال صاحب " الأسرار ": إن لم تثبت فروض الصلاة بخبر الواحد ففروض الجماعة تثبت، لأن أصل الجماعة ثبت بالسنة فافهم.
والحديث: أخرجه مسلم، والنسائي، وابن ماجه. وروى الحاكم في " المستدرك " في كتاب " الفضائل" من حديث عبد الرحمن بن عوسجة، عن البراء بن عازب قال: كان رسول الله- عليه السلام- يأتينا إذا أقيمت الصلاة، فيَمْسحُ عواتقنا ويَقولُ: " أقيموا صفوفكم، ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم، وليلني منكم أولو الأحلام والنُهى" انتهى. وسكتَ عنه.
656- ص- نا مسدّد: نا يزيد بن زريع: نا خالد، عن أبي معشر، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله، عن النبي- عليه السلام- مثله، وزاد: " ولا تختلفوا فَتخْتلفَ قلوبكم، وإياكم وهَيْشاتِ الأسْواق" (1) .
ش- خالد: الحذاء، وأبو معشر: زيادُ بن كليب، وإبراهيم: النخعي، وعلقمة: ابن قيس النخعي، وعبد الله: ابن مسعود.
قوله: " مثله " أي: مثل الحديث المذكور.
قوله: (فتختلف" بالنصب جواب النهي، وقد مر نظيرُه.
قوله: " وإياكم وهيشات الأسواق " أي: اتقوا أنفسكم ابن تتعرض لهَيْشات الأسواق، وهذا من المنصوبات باللازم إضمارُه كما في قولك: إياك والأسَدَ. والهيشات- بفتح الهاء، وسكون الياء آخر الحروف وبالشين المعجمة- وروية "هَوْشات" وأصله من الهَوْش وهو الاختلاط، والهَوْشة: الفتنة، وبينهم تهاون أي: اختلاط واختلاف، والمعنى:
__________
(1) مسلم: كتاب الصلاة، باب: تسوية الصفوف وفضل الأول فالأول منها ... إلخ (123 / 432) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء ليلني منكم أولو الأحلام والنهى (228) ، النسائي في الكبرى: كتاب الشروط.(3/227)
اتقوا أنفسكم من المنازعات والخصومات وارتفاع الأصوات واللغط والفتن التي فيها.
والحديث: أخرجه مسلم، والترمذي، والنسائي. وقال الترمذي: حسن غريب. وقال الدارقطني: تفرد به: خالد بن مهران الحذاء، عن أبي معشر زياد بن كليب.
657- ص- نا عثمان بن أبي شيبة: نا معاوية بن هشام: نا سفيان، عن أسامة بن زيد، عن عثمان بن عروة، عن عروة، عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله وملائكته يُصلون على ميامن الصفوف" (1) .
ش- عثمان بن عروة: ابن الزبير بن العوام الأسدي القرشي. روى عن: أبيه. روى عنه: أخوه: هشام، وابن إسحاق، وسفيان بن عيينة، وأسامة بن زيد، وغيرهم. قال ابن معين: هو ثقة. مات قبل الأربعين ومائة. روى له: الجماعة إلا الترمذي (2) .
قوله: " على ميامن الصفوف " الميامن: جَمْع مَيْمنة، لأن اليمين لها فضل على اليَسار في كل شيء. والحديث: أخرجه ابن ماجه- أيضاً رحمه الله.
***
92- بَابُ: مقام الصِّبْيان مِن الصَّفِّ
أي: هذا باب في بيان مقام الصبْيان من الصف، وفي بعض " النسخ:
" باب ما جاء في مقام الصبيان من الصف ".
658- ص- نا عيسى بن شاذان: نا عياش الرقّام: نا عبد الأعلى: نا قرة ابن خالد: نا بُديل: نا شهر بن حوشب، عن عبد الرحمن بن غنْم قال: قال أبو مالك الأشعري: ألا أحدّثكم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أقامَ الصلاةَ
__________
(1) ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: فضل ميمنة الصف (1005) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (9 1 / 5 384) .(3/228)
فصف (1) الرجالَ، وصف خلفهم الغلمانَ، ثم صلى بهم، فذكر صلاتَه،
ثم قال:" هكذا صلاة ". قال عبد الأعلى: لا أحْسِبُه إلا قال: "أمتي (2) " (3) .
ش- عيسى بن شاذان: البصري نزيل مصر، حدّث بها سنة ثلاثين
ومائتين، ومات بعد ذلك. روى عن: عياش الرقام. روى عنه:
أبو داود (4) .
وعياش بن الوليد أبو الوليد الرقام البصري القطان. سمع: عبد الأعلى
ابن عبد الأعلى، وأبا معاوية الضرير، ووكيعاً، وغيرهم. روى عنه:
محمد بن يحيى الذهلي، وأبو زرعة، وأبو حاتم- وقال: هو من الثقات-، والبخاري، وأبو داود، وغيرهم. توفي سنة ست وعشرين
ومائتين (5) .
وعبد الأعلى: ابن عبد الأعلى السامي القرشي، أبو همام.
وقرة بن خالد: أبو خالد ويقال: أبو محمد السدُوسي البصري.
روى عن: أبي رجاء العطاردي /، والحسن البصري، وابن سيرين، [1/227-ب]
وقتادة، وغيرهم. روى عنه: شعبة، ويحيى القطان، ووكيع، وغيرهم. قال ابن معين: هو من أثبت شيوخنا. وقال أبو حاتم: ثقة.
توفي سنة نيف وسبعين ومائة. روى له الجماعة (6) .
وبُديل: ابن مَيْسرة البصري، وشَهر بن حَوْشب: الشامي الحمصي.
وعبد الرحمن بن غنم: ابن كريب بن هانئ الأشعري، كان ممن قدم
على رسول الله في السفينة، وكان يسكن فلسطين وقدم دمشق، وبعضهم
ينكر صحبته. وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم: هو جاهلي، ليست له
__________
(1) في سنن أبي داود: "فأقام الصلاة وصف"
(2) في سنن أبي داود: "صلاة أمتي ".
(3) تفرد به أبو داود.
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (22/4628) .
(5) المصدر السابق (22 / 3 0 46) .
(6) المصدر السابق (23 / 0 487) .(3/229)
صحبة. روى عن: النبي- عليه السلام-، وعن: عمر، وعلي، ومعاذ، وأبي ذر، وأبي الدرداء، وأبي مالك الأشعري. رو ى عنه: ابنه: محمد، وأبو سلام الحبشي، وشهر بن حوشب، وجماعة آخرون. مات سنة ثمان وسبعين. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه عن الصحابة، ولم يرووا له عن رسول الله - عليه السلام- (1) . وأبو مالك الأشعري: اختلف في اسمه، فقيل: الحارث، وقيل: عبيد، وقيل: كعب بن عاصم، وقيل: عمرو. روى له: مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
قوله: " قال عبد الأعلى: لا أحْسبه إلا قال " مُعترض بين قوله: " صلاة"وبين قوله:" أمتي " بيْن المضاف والمضاف إليه، والضمير المنصوب في "لا أحسبُه " راجع إلى قرة بن خالد، وكذا الضمير الذي في " قال ". وأخرج أحمد في " مسنده " عن أبي مالك الأشعري أنه قال يوما: يا معشر الأشعريين، اجتمعوا واجمعوا نساءكم وأبناءكم حتى أريكم صلاة رسول الله، فاجتمعوا وجمعوا أبناءهم ونساءهم، ثم توضأ وأراهم كيف يتوضأ، ثم تقدم فصف الرجال في أَدنى الصف، وصف الولدان خلفهم، وصف النساء خلف الصبيان.
ورواه ابن أبي شيبة: حدثنا عبد الله بن إدريس، عن ليث بن أبي سليم، عن شهر بن حوشب، عن أبي مالك الأشعري أن النبي - عليه السلام- صلى فأقام الرجال يلونه، وأقام الصبيان خلف ذلك، وأقام النساء خلف ذلك.
ومن طريقه: رواه الطبراني في " معجمه ".
وقال أبو بكر: حدثنا عبد الله، عن أبان العطار، عن أبي هاشم، عن إبراهيم، أن عمر بن الخطاب كان إذا رأى غلاما في الصف أخرجه.
__________
(1) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (2 / 424) ، وأسد الغابة (3 / 487) ، وا لإصابة (2 / 17 4) .(3/230)
93- بَابُ: صف النسَاء والتأخّر (1) عَنِ الصَّفِّ الأوّل
أي: هذا باب في بيان حكمَ صف النساء وحكم التأخر عن الصف الأول، وفي بعض النسخ:" باب ما جاء في صف النساء والتأخير عن الصف الأول ".
659- ص- نا محمد بن الصباح البزاز: نا خالد، وإسماعيل بن زكرياء، عن سُهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " خيرُ صفوف الرجال: أولها، وشرها: آخرها، وخير صفوف النساء: آخرها، وشرها: أولها " (2) .
ش- خالد: ابن عبد الله الواسطي.
وإسماعيل بن زكرياء: الخُلقاني أبو زياد الكوفي الأسدي- أسد خزيمة- مولاهم، نزل بغداد، يلقب: شَقُوصا. سمع: الأعمش، وسهيل بن أبي صالح، وعاصما الأحول، وغيرهم. روى عنه: محمد بن الصباح، وأبو الربيع الزَّهْراني، ومحمد بن بكار، وغيرهم. قال أحمد: هو مقارب. وقال ابن معين: هو صحيح الحديث. توفي ببغداد في أول سنة ثلاث وستين ومائة وهو ابن خمس وستين سنة. روى له: الجماعة إلا النسائي (3) .
وسُهَيل بن أبي صالح: ذكوان الزيات.
قوله: "خير صُفوف الرجال: أولها " لما رُوي أن الله وملائكته يصلون على الصفوف الأوَل، ولأن أصحاب الصف الأول هم المبادرون المُسارعون ولهم فضيلة السبق والقرب من الإمام، وليس بينهم وبيْن القبلة أحد، ثم
__________
(1) في سنن أبي داود: " وكراهية التأخر ".
(2) مسلم: كتاب الصلاة، باب: تسوية الصفوف (132 / 0 44) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في فضل الصف الأول (224) ، النسائي: كتاب الإمامة، باب: ذكر خير صفوف النساء وشر صفوف الرجال (2 / 93) ،
ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: صفوف النساء (1000) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (3 / 445) .(3/231)
هذا الممدوح من الصفوف هو الصف الذي يلي الإمام سواء جاء صاحبه متقدما أو متأخرا، وسواء تخلله مقصورة ونحوها أم لا. وقال بعضهم: الصف الأول هو المتصل من طرف المسجد إلى طرفه لا يتخلله مقصورة ونحوها، فإن تخلل الذي يلي الإمام شيء فليس بأوّل، بل الأول ما لا يتخلله شيء وان تأخر. وقيل: الصف الأول عبارة عن مجيء الإنسان إلى المسجد أولا وإن صلى في صف متأخرِ.
[1/228-أ] وقال الشيخ محيى الدين: هذان القولان / غلط صريح.
قلت: لفظ الأوّل من الأمور النسْبيّة، فيُطلقُ على كل صف في المَسْجد من عند الإمام إلى أن ينتهي إلى آخر الصُفوف، فآخر الصفوف هو نقيض كل صف قبله إلى الإمام، فيُطلقُ على كل واحد من الصفوف غير الصف الأخير أنه خير الصفوف، ولم يُطلق شرّ الصفوف إلا على آخر الصفوف ليس إلا فافهم. وإنما صار آخر صفوف الرجال شر الصفوف إما لبُعدهم من الإمام، أو لقربهم من النساء، وقد يكون شرا لمخالفتهم أمرَه فيها عليه السلام، وتحذيراً من فعل المنافقين بتأخرهم عنه وعن سماع ما يأتي به، ومعنى كونها شرا: أقلّها أجراً فهو بالنسبة إلى الأول مطلقا ناقصٌ.
قوله: " وخير صفوف النساء: آخرُها " هذا إذا صلّين مع الرجال، وأما إذا صلين جماعةً وحدهن فهن كالرجال خيرُ صفوفهن: أولها، وشرها: آخرها، وأما إذا صلين مع الرجال فخيرُ صفوفهن: آخرها لبُعْدهن من الرجال ورؤيتهم، وتعلّق القلب بهم عند رؤية حركاتهم، وسماع كلامهم ونحو ذلك، وشر صفوفهن: أولها لِعكسِ ذلك المعْنى. والحديث: أخرجه مسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وأبو بكر في " مصنفه ".
660- ص- نا يحيى بن معين: نا عبد الرزاق، عن عكرمة بن عمار، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:(3/232)
قال رسول الله- عليه السلام-: " لا يزالُ قوم يَتأخرُون عن الصف الأول حتى يؤخرهم الله في النارِ " (1) .
ش- عبد الرزاق: ابن همام.
وعكرمة بن عمار: أبو عمار اليمامي العجلي البَصْري. سمع: سالم ابن عبد الله، وسماك بن الوليد، ونافعا مولى ابن عمر، ويحيى بن أبي كثير، وغيرهم. روى عنه: الثوري، وشعبة، ويحيى القطان، وجماعة آخرون. قال أحمد بن حنبل: مضطرب الحديث عن غير إياس، وكل حديثه عنه صالح، وحديثه عن يحيى بن أبي كثير صالح. وقال ابن معين: صدوق ليس به بأس. وقال أبو حاتم: كان صدوقا وربما وهم في حديثه وربما دلس، وفي حديثه عن يحيى بن أبي كثير بعض الأغاليط. وقال أحمد بن عبد الله: ثقة. روى له: الجماعة إلا البخاري، وكان مستجاب الدعوة (2) .
وأبو سلمة: عبد الله بن عبد الرحمن.
قوله: " حتى يؤخرهم الله في النار" أي: يوقعهم فيها، وهذا تغليظ في حق من يتكاسل عن المبادرة إلى الصف الأول، ويجيء في أخريات الناس وتعود بذلك.
661- ص- نا موسى بن إسماعيل، ومحمد بن عبد الله الخزاعي قالا:
نا أبو الأشهب، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في أصحابه تأخرا فقال لهم: " تقدموا فَائتموا بي، وليأتم بكم مَنْ بعدكم، ولا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم اللهُ " (3) .
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (20 / 4008) .
(3) مسلم: كتاب الصلاة، باب: تسوية الصفوف وإقامتها وفضل الأول فالأول=(3/233)
ش- أبو الأشْهب: جعفر بن حيان العطاردي السعْدي الخراز (1) البصري الأعمى. روى عن: الحسن البصري، وأبي رجاء العطاردي، وأبي نضرة العبدي، وعكرمة مولى ابن عباس، وغيرهم. روى عنه: الثوري، ويحيى القطان، ووكيع، وغيرهم. قال ابن معين وأبو زرعة وأبو حاتم: ثقة. مات سنة ست وثلاثين ومائة. روى له الجماعة (2) . وأبو نضرة: منذر بن مالك.
قوله: " وليأتم بكم مَنْ بعدكم " معناه: يَستدلون بأفعالكم على أفعالي،
لا أنهم يقتدون بهم، فإن الاقتداء لا يكون إلا لإمام واحد، ففيه جواز اعتماد المأموم في متابعة الإمام الذي لا يراه ولا يَسْمعه على مَبلغ عنه، أو صف قدامه يراه متابعا للإمام. وقوله: " مَنْ " - بفتح الميم- اسم فاعل لقوله:" وليأتم ".
قوله: " لا يزال قوم يتأخرون " أي: عن الصفوف الأوَل حتى يؤخرهم الله عن رحمته، أو عظيم فضله، ورفع المنزلة ونحو ذلك. وقد قيل: هذا في حق المنافقين. والحديث: أخرجه مسلم، والنسائي، وابن ماجه.
***
94- بَابُ: مَقام الإِمَام مِنَ الصَّفّ
أي: هذا باب في بيان مقام الإمام من الصف، وفي بعض النسخ: "في الصف ".
662- ص- نا جعفر بن مسافر: نا ابن أبى فديك، عن يحيى بن بشير ابن خلاد، عن أمه، أنها دخلت على محمد بن كعب القُرظي فسمعته
__________
-
= (130 / 438) ، النسائي: كتاب الإمامة، باب: الائتمام بمن يأتم بالإمام (2 / 83) ، ابن ماجه: كتاب " قامة الصلاة " باب: من يستحب أن يلي الإمام (978) .
(1) في الأصل:" الجرار ".
(2) المصدر قبل السابق (5 / 937) .(3/234)
يقولُ: حدثني أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " وَسطُوا الإمامَ وسُموا
الخللَ " (1) .
ش- جعفر بن مسافر: التنيسي / أبو صالح الهذلي، وابن أبي فديك: [1/228-ب]
محمد بن إسماعيل بن أبي فُديك- دينار- المدني.
ويحيى بن بشير بن خلاد: الأنصاري. روى عن: أمه: [أمة]
الواحد (2) بنت يامين بن عبد الرحمن بن يامين. روى عنه: اَبن
أبي فديكَ، وإبراهيم بن المنذر. روى له: أبو داود (3) .
ومحمد بن كعب: ابن حيان بن سليم بن أسد، أبو حمزة القُرظي
المدني، من حلفاء الأوس بن حارثة، وكان أبوه من سَبْي القريظة،
سكن الكوفة ثم تحول إلى المدينة، قال قتيبة: بلغني أنه ولد في زمن النبي
- عليه السلام-. سمع: معاوية بن أبي سفيان، وابن عباس، وزيد بن
أرقم، ويقال: سمع ابن مسعود، ورأى ابن عُمر بن الخطاب. وروى
عن: جابر بن عبد الله، وأنس بن مالك، وأبي هريرة، وأبي ذر،
وغيرهم. ومن التابعين: عبد الله بن شداد. روى عنه: عمرو بن دينار،
ونافع بن مالك، ومحمد بن المنكدر، وجماعة آخرون. قال أبو زمعة:
مدني ثقة وقال ابن سَعْد: كان ثقة عالما كثير الحديث ورعا. مات سنة
ثمان ومائة وهو ابن ثمان وسبعين. روى له الجماعة (4) .
قوله: " وَسِّطُوا الإمام " مِنْ وَسطتُ القومَ- بالتَشديد- بمعنى:
توَسّطتُهم إذا كنتَ في وسَطهم، ويُقالُ: وَسَطْتُ القوم- أيضاً بالتخفيف-
أسِطُهم وسطا وسِطَةً، وفي بعض النسخ:"توسطوا " من توسطتُ،
والمقصود من ذلك: أن تكون الجماعة فرقتين،فرقة عن يمين الإمام وفرقة
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) في الأصل: " الواجد " خطأ، وهي مترجمة في تهذيب الكمال (35 / 7787) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمالي (31 / 6796) .
(4) المصدر السابق (26 / 5573) .(3/235)
عن يساره، ويكون الإمامُ وسْطهم، وليس المعنى أن يقوم مساويا معهم في وسطهم، لأن وظيفة الإمام التقدم على القوم.
قوله: " وسدُوا الخلل " أي: الفُرْجة التي تكون في الصفوف. وقال أبو بكر: نا وكيع، عن ابن جريج، عن عطاء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من سد فرجةً في صَفّ رفعه الله بها درجةً، أو بنى له بيتاً في الجنّةِ ". وقال- أيضاً-: نا ابن أبي عدي، عن محمد بن عون قال: سألت محمداً عن الإمام يُصلي بالقوم يقوم في راوية ولا يقوم وسَطاً؟ فقال: لا أعلم به بأساً. فإن قيل: هذا يُخالفُ حديث أبي هريرة. قلت: حديث أبي هريرة محمول على الفضيلة دون الوجوب، حتى إذا قامت الجماعة كلهم عن يمين الإمام أو عن يساره تجوز صلاتهم، ولكن يكونون تاركين للسُنَّة والفضيلة.
***
95- بَابُ: الرَّجُل يُصَلِّي وَحْدهَ خَلفَ الصَّفِّ
أي: هذا باب في بيان حكم الرجل الذي يُصلي وحده خلف الصفّ، وفي بعض النسخ: " باب ما جاء في الرجل " إلى آخره.
663- ص- ما سليمانُ بن حرب، وحفصُ بن عُمر قالا: نا شعبة، عن عمرو بن مُرة، عن هلال بنِ يَساف، عن عمرو بن راشد، عن وابصة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يُصلي خلف الصف وَحْده فأمرَه أن يُعيدَ. قال سليمان: الصلاةَ (1) .
ش- عمرو بن راشد: الأشجعي أبو راشد الكوفي. روى عن: عمر
__________
(1) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في الصلاة خلف الصف وحده (230، 231) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: صلاة الرجل خلف الصف وحده (1004) .(3/236)
ابن الخطاب، وعليّ بن أبي طالب، ووابصة. روى عنه: هلال بن
يِسَاف. روى له: أبو داود، والترمذي (1) .
ووابصة- بكسر الباء الموحدة وبالصاد المهملة- ابن معبد بن عتبة بن
الحارث بن مالك الأسدي أبو سالم أو أبو الشعثاء، أو أبو سعيد، قدم
على النبي- عليه السلام- في عشرة رهط من بني أسد سنة تسع،
فأسلموا ورجع إلى بلاد قومه، ثم نزل الجزيرة وسكن الرقة، وقدم
دمشق وكانت له بها دار بقنطرة سنان. روى عن النبي- عليه السلام-،
وعن: ابن مسعود، وغيره. روى عنه: ابناه: سالم وعمرو، والشعبي،
وعمرو بن راشد، وغيرهم. توفي بالرقة وقبره بها عند منارة مسجد
جامع الرقة. روى له: أبو داود، والترمذي، وابن ماجه (2) .
قوله: " قال سليمان " أي: ابن حرب. وأخذ بظاهر الحديث:
أحمد، وإسحاق، والنخعي، وعن بعض أصحاب أحمد: إذا افتتح
صلاته منفرداً خلف الإمام، فلم يلحق به أحد من القوم حتى رفع رأسه
من الركوع، فإنه لا صلاة له، ومن تلاحق به بعد ذلك فصلاتهم كلهم
فاسدة وإن كانوا مائة أو كثر. وقال أبو حنيفة والشافعي ومالك: صلاة
المنفرد خلف الإمام جائزة، / وتأولوا أمره إياه بالإعادة على الاستحباب [1/ 229 - أ] ، دون الوجوب. وفي حديث أبي بكرة الذي يأتي الآن دلالة على أن صلاة
المنفرد خلف الصف جائزة، لأن جزءاً من الصلاة إذا جاز على حال
الانفراد جاز سائر أجزائها، ويدل- أيضاً - حديث المرأة المصلية خلفه في
حديث أنس منفردةً، وحكم الرجل والمرأة في هذا واحد. وروى الطبراني
في " الأوسط " (3) من حديث يونس بن عُبيد، عن ثابت، عن
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (22 / 4363) .
(2) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (3 / 641) ، وأسد الغابة (5 / 427) ، والإصابة (3 / 626) .
(3) (3 /2711) ، وفيه زيادة: " بعدُ " بعد " الناس ".(3/237)
أنس أنه صلى خلف النبي- عليه السلام- وحده ووراءه امرأة حتى جاء الناسُ، وقال: تفرد به: إسماعيل.
وحديث وابصة: أخرجه الترمذي، وابن ماجه، عن حُصين، عن هلال بن يساف قال: أخذ زياد بن أبي الجعد بيدي ونحن بالرقة فقام بي على شيخَ يُقال [له] ، وابصة، فقال زياد: حدثني هذا الشيخ- والشيخ يَسْمع- أن رجلاً صلى، فذكره، وقال: حديِث حسن. قال: واختلف أهل العلم فقال بعضهم: حديث عمرو بن مرة أصحِ، وقال بعضهم: حديث حصين أصح، وهو عندي أصح من حديثِ عمرو، لأنه رُوِيَ من غير وجه عن هلال، عن زياد، عن وابصة. انتهى، وليس في حديث ابن ماجه: " أخبرني هذا الشيخ " فكأن هلالاً، (1) رواه عن وابصة نفسه، وقال ابن حبان: سمع هذا الخبر هلال، عن عمرو، عن وابصة، وسمعه من زياد عن وابصة، فالطريقان جميعاً محفوظان، وليس هذا الخبر مما تفرد به هلال بن يساف، ثم أخرجه عن يزيد بن أبي زياد بن أبي الجعد، عن عم عبيد الله بن أبي الجعد، عن أبيه: زياد بن أبي الجعد، عن وابصة، فذكره. ورواه البزار (2) في " مسنده " بالأسانيد الثلاثة المذكورة، ثم قال: أما حديث عمرو بن راشد: فإن عمرو بن راشد رجل لا نعلم حدث إلا بهذا الحديث، وليس معروفاً بالعدالة، فلا يحتج بحديثه، وأما حديث حُصين: فإن حُصيناً لم يكن بالحافظ، فلا يحتج بحديثه في الحكم، وأما حديث يزيد بن أبي زياد: فلا نعلم أحداً من أهل العلم إلا وهو يضعف أخباره فلا يحتج بحديثه، وقد روُيَ عن شمر بن عطية، عن هلال بن يساف، عن وابصة، وهلال لم يَسمع من وابصة فأمسكنا عن ذكره لإرسالهَ. انتهى.
وقال الشافعي: سمعت بعض أهل العلم بالحديث يذكر أن بعض المحدثين يُدخِل بين هلال ووابصة رجلاً، ومنهم مَن يَرويه عن هلال، عن وابصة سمعه منه.
__________
(1) في الأصل: " هلال ".
(2) في الأصل: " البزاز " خطأ.(3/238)
قلتُ: كأنه يُوهنُه بذلك. وقال البيهقي: لم يُخرجاه لما حكاه
الشافعي من الاختلاف في سنده، ولما في حديث علي بن شيباَن من أن
رجاله غير مشهورين. وقال الشافعي في موضع آخر: لو ثبت الحديثُ
لقلتُ به. وقال الحاكم: إنما لم يخرج الشيخان لوابصة في كتابيهما
لفساد الطريق إليه. وقال ابن المُنذر: بينه أحمدُ وإسحاق. وقال أبو عمر:
فيه اضطراب ولا يُثْبتُه جماعة. وقال: الإشبيلي: غيرُ أبي عُمر يَقولُ:
الحديث صحيحْ، لأن حُصَيناً ثقة، وهلالَاً مثله وزياداً كذلك، وقد
أسْندوه والاختلاف فيه لا يضره.
فإن قيل: أخرج ابن ماجه، عن عبد الله بن بدر، عن عبد الرحمن
ابن علي بن شيبان، عن أبيه قال: صلينا وراء النبي- عليه السلام-،
فلما قضى الصلاة رأى رجلاً فرداً يصلي خلف الصف، قال: فوقف علي
نبي الله حتى انصرف ثم قال له: " استقبل صلاتك، فإنه لا صلاة لمن
صلى خلف الصف وحده " (1) . قلتُ: رواه ابن حبان في " صحيحه،
والبزار في " مُسْنده " وقال: وعبدُ الله بن بدر ليس بالمعروف، إنما حَدث
عنه ملازمُ بن عمرو، ومحمدُ بن جابر، فأما ملازم: فقد احتُمل حديثُه
وإن لم يُحتج به، وأما محمد بن جابر: فقد سكت الناسُ عن حديثه،
وعلي بن شيبان: لم يحدث عنه إلا ابنه، وابنه هذا صفته، وإنما ترتفع
جهالة المجهول إذا روى عنه ثقتان مشهوران، فأما إذا روى عنه من لا
يحتج بحديثه لم يكن ذلك الحديث حجةً، ولا ارتفعت جهالته. فإن
قلتَ: حديث آخر أخرجه البزار فيه مسنده عن النضر بن عبد الرحمن،
عن عكرمة، عن ابن عباس، عن النبي- عليه السلام- نحو حديث ابن شيبان /. قلت: قال البزار: ولا نعلم رواه عن عكرمة إلا النضرُ وهو [1/229 - ب] لين الحديث، وقد روى أحاديث لا يتابع عليها وهو عند بعض أهل العلم
ضعيف جداً فلا يحتج بحديثه. انتهى. وسئل أبو عبد الله عن حديث ابن
(1) ابن ماجه: كتاب أقامة الصلاة، باب: صلاة الرجل خلف الصف وحده (1003) .(3/239)
عباس فقال: هذا حديث منكرٌ أو باطلٌ. قال الأثرم: قلتُ له: أي شيء أحْسنها إسناداً؟ قال: حديث شعبة، عن عمرو بن راشد، عن وابصة
***
96- بَابُ: الرَّجُل يَركعُ دونَ الصَّف
أي: هذا باب في بيان الرجلِ الذي يَركع خارج الصف، وفي بعض النسخ: " باب: ما جاء في الرجل ".
664- ص- نا حُميد بن مَسْعدة، أن يَزيدَ بن زُرَيْع حدثهم قال: نا سَعيد بن أبي عروبة، عن زياد الأعلم قال: ما الحسن أن أبا بكرة حدّث أنه دخل المسجد ونبي الله صلى الله عليه وسلم راكع قال: فركعتُ دون الصف "، فقال النبي - عليه السلام -: " زادك الله حرْصاً ولا تَعُدْ " (1) .
ش- زياد الأعلم: هو زياد بن حسان بن قرة البصري، والحسَن: البصري، وأبو بكرَة: نُفَيْع بن الحارث.
قوله: " دون الصف " أي: وراءه.
قوله: " زادك الله حرصاً " أي: في الخير والمبادرة إليه، لأنه استعجل في الركوع قبل أن يتساوى مع من في الصف.
قوله: " ولا تعد " إرشاد له في المستقبل إلى ما هو الأفضل. وفيه دليل على أن صلاة المنفرد خلف الصف جائزة، لأن جزءاً من الصلاة إذا جاز في حال الانفراد جاز سائر أجزائها، ولو لم تكن جائزة لأمره- عليه السلام- بالإعادة، فعلم من هذا أن الأمر بالإعادة في حديث وابصة على الاستحباب دون الوجوب- كما ذكرناه. والحديث: أخرجه البخاري، والنسائي.
__________
(1) البخاري: كتاب الأذان، باب: إذا ركع دون الصف (783) ، النسائي: كتاب الإمامة، باب: الركوع دون الصف (2 / 118) .(3/240)
665- ص-[نا] ، موسى بن إسماعيل: نا حَماد: أنا زياد الأعلم، عن الحسن، أن أبا بكرة جاء ورسول الله راكع، فركع دون الصَّفّ ثم مشى إلى الصف، فلما قضىِ النبي- عليه السلام- صلاته قال: " أيكم الذي ركعَ دون الصف ثمِ مَشى إلى الصف؟ " فقال أبو بكرة: أنا، فقال النبي- عليه السلام-: " زادكَ اللهُ حِرصاً ولا تَعُدْ " (1) .
ش- فيه: أن المشي إلى الصف بعد الشروع في الصلاة غير مُفسد، ولكنه مُقدر، فقدره بعض أصحابنا بخَطوة حتى لو مشى خطوتين أو كَثر فسدت صلاته، وقدر [5] ، بعضهم بموضع سجوده، كذا في " المُحيط ". وفيه: أن الصلاة خلف الصف وحده تكره وإن كانت جائزةً. وعن أبي حنيفة: إذا لم يجد فرجةَ في الصف ينتظر حتى يجيء آخرُ فيقوم معه، فإن لم يجد أحداً حتى أراد الإمام الركوع يجذبُ وأحداً من الصف، فيقوم معه لئلا يصير مرتكباً للمنهي عنه، وإن كان في الصحراء، قيل: يكبر أولاً ثم يجذب أحداً من الصف حتى تأخذ تلك البقعة حرمة الصلاة، فلا تفسد صلاة المجذوب، وقيل: وإن لم يكبر لا تفسد صلاته، لأنه متى أراد الصلاة فقد أخذت، تلك البقعة حرمة الصلاة.
وقال أبو بكر: نا عباد بن عوام، عن عبد الملك، عن عطاء في الرجل يدخل المسجد وقد تم الصفوف؟ قال: إن استطاع أن يدخل في الصفّ دخل، وإلا أخذ بيد رجل فأقامه معه، ولم يَقُمْ وحده.
***
97- بَابُ: مَا يَسْتُر المُصلي
أي: هذا باب في قدر ما يستر المصلي، وفي بعض النسخ: " تفريع أبواب السترة في الصلاة، قدْرُ ما يستر المصلي " (2) .
__________
(1) البخاري: كتاب الأذان، باب: إذا ركع دون الصف (783) ، النسائي: كتاب الإمامة، باب: الركوع دون الصف (2 / 118) .
(2) كما في سنن أبي داود
16. شرح سنن أبي داود 3(3/241)
666- ص- نا محمد بن كثير العَبْدي: أنا إسرائيل، عن سماك، عن موسى بن طلحة، عن أبيه: طلحة بن عُبيد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا جعلت بين يديك مثل مُؤخرة الرحل فلا يضرك مَنْ مر بين يديك " (1) . ش- إسرائيل: ابن يونس، وسماك: ابن حَرْب.
ومُوسى بن طلحة: ابن عبيد الله أبو عيسى أو أبو محمد المدني، سكن الكوفة. سمع: أباه، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وأبا أيوب الأنصاري، والزبير بن العوام، وأبا ذر الغفاري، وغيرهم. روى عنه: عبد الملك بن عُمير، وأبو إسحاق السبيعي، وسماك بن حرب، وغيرهم. قال أحمد بن عبد الله: كوفي ثقة. مات بالكوفة سنة ثلاث ومائة. روى له الجماعة (2) .
وطلحة بن عبيد الله: ابن عثمان بن عمرو بن كعب بن سَعْد بن تيم
[1/ 230 - أ] ابن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب القرشي التيمي، / يلقى رسول الله في الأب السابع مثل أبي بكر الصديق، وهو أحد العشرة المبشرة بالجنة، وأحد الثمانية الذين سبقوا إلى الإسلام، وأحد الخمسة الذين أسلموا على يد أبي بكر، وأحد الستة أصحاب الشورى، سماه رسول الله طلحة الخير، وطلحة الجود، وطلحة الفياض، رُوِيَ له عن رسول الله ثمانية وثلاثون حديثاً، اتفقا منها على حديثين وانفرد البخاري بحديثين ومسلم بثلاثة، قتل يوم الجمعة لعشر خلون من جمادى الأولى سنة ست وثلاثين وهو ابن أربع وستين، وقبره بالبصرة. روى عنه: السائب بن يزيد، والأحنف بن قيس، وأبو سلمي، وجماعة آخرون. روى له الجماعة (3) .
__________
(1) مسلم: كتاب الصلاة، باب: سترة المصلي (241 / 499) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في سترة المصلى (335) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما يستر المصلي (940) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (29 / 6269) .
(3) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (2 / 219) ، وأسد الغابة (3 / 85) ، والإصابة (2 / 229) .(3/242)
قوله: " مثل مؤخرة الرحل " المؤخرة: بضم الميم وكسر الخاء وهمزة ساكنة، ويُقال: بفتح الخاء المشددة مع فتح الهمزة، ويقال: بفتح الميم وكسر الخاء وسكون الواو، ويقال: آخرة الرحل بهمزة ممدودة وكسر الخاء - وهي: الخشبة التي يستند إليها الراكبُ من كور البَعير. وفيه: بيان الندب إلى السُّترة بين يدي المصلي، وبيان أن أقلها كمؤخرة الرحل، وهي قدر عظم الذراع، وهو نحو ثلثي ذراع، ويحصل بأي شيء أقامه بين يديه. وشرط مالك أن تكون في غلظ الرمح، وقال صاحب " الهداية ": ومقدارها: ذراع فصاعداً. انتهى. وقيل: مثل مقدار سهم. وقال صاحب " الهداية ": وقيل: في غلظ الإصبع , لأن ما دونه لا يبدُو للناظرين من بعيد فلا يَحْصله المقصود. والحديث: أخرجه مسلم، والترمذي، وابن ماجه.
667- ص- نا الحسن بن علي: نا عبد الرزاق، عن ابن جريج، عن عطاء قال: آخرة الرحل: ذراع " فما فوقه (1) .
ش- عطاء: ابن أبي رباح. وقال أبو بكر: نا زيد بن حباب: أنا عبد الملك بن الربيع بن سَبْرة بن معبد الجهني قال: اخبرني أبي، عن أبيه قال: قال النبي- عليه السلام-: " ليستتر أحدكم في صلاته ولو بسَهْم ".
نا عيسى بن يونس، عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير قال: رأيت أنس بن مالك في المشعر الحرام قد نصَبَ عصاً فصلى إليها.
نا مَعْنُ بن عيسى، عن ثابت بن قيس أبي الغصن قال: رأيتُ نافع بن جُبير يُصلي إلى السوْط في السفر وإلى العَصَا.
668- ص- نا الحسن بن علي: نا ابن نمير، عن عُبَيْد الله، عنِ نافع، عن ابن عمر، أن رسول الله- عليه السلام- إذا خرج يوم العيد أمر بالحرْبة
__________
(1) تفرد به أبو داود.(3/243)
فتوضعُ بين يدَيْه، فيُصلي إليها والناسُ وراءه، وكان يفعل ذلك في السَفر فمِن ثم اتخذها الأمراًء (1) .
ش- ابن نُمير: هو عبدُ الله بن نُمير الكوفي، وعُبيد الله بن عُمر: ابن حفص العدوي المدني، ونافع: مولى ابن عمر.
قوله: " أمر بالحرْبة " قال في " المطالع ": قيل: إنه هو الرمح العريض النصل.
قوله: " فيصلي إليها " أي: إلى جهة الحرْبة.
قوله: " وكان يفعل ذلك " أي: كان رسول الله- عليه السلام- يفعلُ وضع الحرْبة بين يديه للصلاة في السفر.
قوله: " فمن ثم " أي: فلأجل ذلك اتخذ الحربةَ الأمراء. والحديث: أخرجه البخاري، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه.
669- ص- نا حفص بن عمر: نا شعبة، عن عَوْن بن أبى جُحيفة، عن أبيه أن النبي- عليه السلام- صلى بهم بالبطحاء وبن يديه عنزة الظهرَ ركعتين والعصرَ ركعتين، يمرُّ خلف العنزة المرأةُ والحمارُ (2) .
ش- أبو جُحيفة: وهب بن عبد الله السوائي، قد ذكرناه، وابنَه: عَوْن (3) مرةً.
__________
-
(1) البخاري: كتاب الصلاة، باب: إدخال البعير في المسجد للعلة (464) ، وباب: الصلاة إلى الحربة (498) ، مسلم: كتاب الصلاة، باب: سترة المصلى (245 / 501) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في الحربة يوم العيد (1305) .
(2) البخاري: كتاب الصلاة، باب: الصلاة إلى العنزة (499) ، مسلم: كتاب الصلاة، باب: سترة المصلى (249 / 503) ، النسائي: كتاب الطهارة، باب: الانتفاع بفضل الوضوء (1 / 87) .
(3) كذا.(3/244)
قوله: " بالبَطحاء " أي: بطحاء مكة , وبَطحاء الوادي وأبطحه: حصَاه
اللينُ في بطن المَسِيل.
قوله: " وبين يديه عنزة " حال، والعنزة: عصا في أسفلها حديدة،
ويقال: العنزة: قدر نصف الرمح أو أطول شيئاً فيها سنان مثل سنان
الرمح، والعكازة نحو منها، وقيل: العنزة: ما دُور نصلُه، والآلة
والحربة العريضة النصل.
قوله: " الظهر " منصوب بقوله: "صلى بهم "، و " العصر" عطف علي.
قوله: " المرأة " مرفوع لأنها فاعل قوله:" يمر " و " الحمار " عطف
علي، وهي- أيضاً- جملة وقعت حا"
ويستفاد منه فوائد؟ الأولى: استحباب نَصْب العنزة ونحوها إذا صلى
في الصحراء بين يدَيْه.
الثانية: أن الأفضل: قصر الصلاة في السفر وإن كان بقرب بلدِ ما لم
ينو الإقامة خمسة عشر يوماً.
/ والثالثة: أن مرور المرأة والحمار ونحوهما من خلف السّترة لا يضر [1/230-ب] ، المُصلي. والحديث: أخرجه البخاري، ومُسلم.
***
98- بَابُ: الخَطَّ إذا لم يَجِدْ عَصى
أي: هذا باب في بيان الخط إذا لم يجد عصى ونحوها للسترة.
670- ص- نا مسدد: نا بشر- يعني: ابن المفضل-: نا إسماعيل
- يعني: ابن أمية- قال: حدثني أبو عَمرو بن محمد بن حُريث أنه سمع
جده: حُريثاً يُحدث عن أبي هريرة أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا صلى أحدكم
فليجعَلْ تلقاء وجهه شيئاً، فإن لم يجد فلينصب عصاه (1) فإن لم يكن معه عصا فليخطط خطا ثم لا يَضره ما مر أمامَه " (2) .
(1) في سنن أبي داود: " عصا "
(2) ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما يستر المصلي (943) .(3/245)
ش- إسماعيل: ابن أمية بن عمرو بن سعيد بن العاص الأموي المكي. سمع: أباه، وسعيد بن المسيّب، ونافعاً، وغيرهم. روى عنه: الثوري، وابن عيينة، وبشر بن المفضل، وغيرهم. قال ابن معين: ثقة. مات سنة أربع وأربعين ومائة. روى له الجماعة (1) .
وأبو عمرو بن محمد بن حريث: العذري. سمع من جَده حديثا عن أبي هريرة. وقال ابن معين: هو جد لإسماعيل بن أميّة من أمِّه. وقال الطحاوي: هو مجهول. روى له: أبو داود، وابن ماجه (2) .
قوله: " أمامه " أي: أمام الخط , والمراد منه: خلفه، لأن " الإمام " مشترك بين الخلف والقدام. ثم هذا الحديث تكلموا فيه، فقال القاضي عياض: هو ضعيف، وإن كان قد أخذ به أحمد. وقال سفيان بن عيينة: لم نجد شيئاً نشد به هذا الحديث- على ما يجيء الآن- وكان إسماعيل ابن أمية إذا حدث بهذا الحديث يقول: عندكم شيء تشدونه به؟. وقد أشار الشافعي إلى ضعْفه. وقال البيهقي: ولا بأس به في مثل هذا الحكم إن شاء الله تعالى. وقال الشيخ محي الدين: فيه ضعف واضطراب. واختلف قول الشافعي فيه، فاستحبه في " سنن حرملة " وفي " القديم " ونفاه البُويطي، وقال جمهور أصحابه باستحبابه، وليس في حديث مؤخرة الرحل دليل على بطلان الخط. وقال القاضي عياض: ولم ير مالك وعامة الفقهاء الخط.
قلت: وكذا قال أصحابنا، فقال صاحب " المحيط ": والخط ليس بشيء، لأنه لا يصيرُ حائلاً بينه وبَيْن المار. وكذا قال صاحب " الهداية " ونقل بعض أصحابنا أن الخط معتبر عند عدم ما يَنْصبُه، فقيل: يُخط طولاً، وقيل: مثل المحراب، ونذكره الآن إن شاء الله. وهذا الحديث: أخرجه ابن ماجه- أيضاً- وأبو بكر في " مصنفه ".
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (3 / 426) .
(2) المصدر السابق (34 / 7534) .(3/246)
ص- قال (1) أبو داود: سمعت أحمد بن حنبل سُئلَ عن الخط غير مرة فقال: هكذا- يعني: عَرْضاً مثل الهلال.
ش- يعني: يخطه عرضاً مثل الهلال ولا يخطه طولاً، وبه قال بعض أصحابنا- كما ذكرناه.
ص- قال أبو داود: وسمعت مُسدداً قال: قال ابن داود: الخط بالطول (2) .
ش- ابن داود: هو عبد الله بن داود بن عامر الخُرَيْبي البصري.
قوله: " الخط بالطول" يعني: الخط المذكور في الحديث هو أن يكون طولاً لا عرضاً، وبه قال بعض أصحابنا.
671- ص (3) - نا عبد الله بن محمد الزهري: نا سفيان بن عيينة قال: رأيت شريكاً صلى بنا في جنازة (4) فوَضع قلنسوته بَيْن يديه- يعني: في فريضة حضرت (5) .
ش- عبد الله بن محمد: ابن عبد الرحمن بن المسْور بن مخرمة بن نوفل البصري الزهري. روى عن: سفيان بن عيينة، وأبي داود الطيالسي، ومالك بن سعير. روى عنه: محمد بن إسحاق بن خزيمة، وأبو حاتم - وقال: صدوق-، والجماعةُ إلا البخاري. مات سنة ست وخمسين ومائتين (6) .
وشريك: النخعي.
__________
(1) هذا النص والذي بعده جاء في سنن أبي داود عقب الحديث بعد الآتي.
(2) جاء في سنن أبي داود بعد هذا: " قال أبو داود: وسمعت أحمد بن حنبل وصف الخط غير مرة فقال: هكذا- يعني: بالعرض حوراً دوراً مثل الهلال- يعني: منعطفاً".
(3) جاء هذا الحديث في سنن أبي داود بعد الحديث الآتي.
(4) في سنن أبي داود: وفي جنازة العصر ".
(5) تفرد به أبو داود.
(6) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (16 / 3540) .(3/247)
قوله: " فوضع قلنسوته " ذكر في " شرح الفصيح ": هي غشاء مُبطن يُلبَسُ على الرأس، وذكر ثعلب في " فصيحه " فيها لغة أخرى وهي "القُلَيْسِيَة "- بضم القاف، وفتح اللام، وسكون الياء الأولى، وكسر السين، وفتح الياء الثانية- وقال في " الجامع ": الجمع: قلانس وقلاس وحكى فيه القَلَنْس، كما قال الراجز:
لا نوم حتى تلحقي بعَنْس....... أهل الرباط البيض والقَلَنْس
وهي: القلاسي. وفي " شرح الفصيح " لابن خالويه: والعربُ تسمي [1/231 - أ] القلنسوة بُرنُساً، وفي " التلخيص " لأبي هلال العسكري /: البرنس: القلنسوة الواسعة التي تُغطى بها العمائم ويَسترُ من الشمس والمطر، وفي " العين ": الكُمه: القَلنسوة. وقال ابن هشام في " شرحه ": هي التي يقول لها العامة: الشاشية، وعن يونس: أهل الحجاز يقولون: قلَنْسية- بالنون بعد اللام- وتميم يقولون: قلَنْسُوَة، وبعضهم يقول: قلَيْسَية- بالياء بعد اللام-، وهي ردية، وإذا صغرتها تقول: قُلَيْنِسَةْ وقُلَيْسَيةْ وقلنسية. ذكر هذه الوجوه الثلاث الجوهري في " الصحاح "
672- ص- نا محمد بن يحيى بن فارس: نا عليّ، عن سفيان- يعني: ابن عيينة-، عن إسماعيل بن أميّة، عن أبي محمد بن عمرو بن حريث، عن جَدّه: حُريث رجل من بني عُذْرة، عن أبي هريرة، عن أبي القاسمِ. قال فذكر حديث الخط. قال سفيان: لم نجدْ شيئاً نَشدُّ به هذا الحديث، ولم يجئ إلا من هذا الوَجه. قال: قلتُ لسفيان: إنهم يَخْتلفون فيه فتفكر ساعة ثم قال: ما أحفظُ إلا أبا محمد بن عمرو، قال سفيان: قدمَ هنا رجل بعد ما مات إسماعيل بن أمية فطلبَ هذا الشيخَ أبا محمد حتى وجَده فسأله عنه فخلَط عليه (1) .
ش- علي: ابن عياش بن مسلم الحمصي.
قوله: " عن أبي محمد بن عَمرو " هكذا في رواية ابن عُيينة، عن
__________
(1) انظر التخريج المتقدم.(3/248)
إسماعيل بن أمية، عن أبي محمد: بن عمرو بن حريث، عن جده، وفي رواية بشر بن المفضل، عن إسماعيل بن أمية: " نا، أبو عمرو بن محمد ابن حريث- كما مر في الرواية المتقدمة.
قوله: " من بني عُذرة " بضم العين المهملة، وسكون الذال المعجمة. قوله: " قال: قلت لسفيان " أي: قال علي بن عياش: قلت لسفيان بن عُيينة: إن الرواة يختلفون في راوي هذا الحديث، هل هو أبو محمد بن عمرو بن حريث أو هو أبو عمرو بن محمد بن حريث؟
قوله: " فطلبَ هذا الشيخَ ": الشيخ منصوب لأنه مفعول " طلب " و" أبا محمد " منصوب لأنه بدل من الشيخ أو عَطْفُ بيان، والمقصود: أشار أبو داود بهذا الكلام إلى أن هذا الحديث فيه ضَعْف واضطراب، والله أعلم.
***
99- باب: الصّلاةِ إلَى الرَّاحلةِ
أي: هذا باب في بيان حكم الصلاة إلى الراحلة، والراحلة: المركب من الإبل ذكراً كان أو أنثى، وقد مر تفسيرها غير مرة.
673- ص- نا عثمان بن أبي شيبة، ووهب بن بقية، وابنُ أبي خلف، وعبد الله بن سعيد، قال عثمان: نا أبو خالد قال: أنا عبيد الله، عن نافع، عن ابن عُمر أن النبي- عليه السلام- كان يُصلي إلى بعيره (1) .
ش- وهب بن بقية: الواسطي.
وابن أبي خلف: اسمه: أحمد بن محمد بن أحمد بن [محمد بن] أبي خلف البغدادي القطيعي، حدث عن: حصين بن عمر الأحمسي،
__________
(1) البخاري: كتاب الوتر، باب: الوتر على الدابة، مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: جوار صلاة النافلة على الدابة (36) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في الصلاة إلى الراحلة (352) .(3/249)
وابن عيينة. وروى عنه: أبو داود، وإبراهيم بن أبي بكر بن أبي شيبة، وهو ثقة (1) .
وعبد الله بن سعيد: ابن حُصَين أبو سعيد الأشج الكوفي الكندي. سمع: عيسى بن يونس، وحفص بن غياث، ومحمد بن فضيل، وغيرهم. روى عنه: أبو زرعة، وأبو حاتم، والجماعةُ، وغيرهم. وقال ابن مَعين: ليس به بأس، ولكنه يروي عن قوم ضعفاء. وقال النسائي: صدوق، وفي رواية: لا بأس به. مات سنة سبع وخمسين ومائتين (2) .
وأبو خالد: سليمان بن حيان الأحْمر الجعْفري الكوفي، وعُبيد الله:
ابن عمر العمري.
والحديث: أخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي. ولا يُعارضُه حديث كراهة الصلاة في أعطان الإبل، لأنه ليس في هذا الحديث أنه صلى في مَوضع الإبل، وإنما صلى إلى البعير، لا في موضعه، وليس إذا أنيخ بعير في موضع صار ذلك عطناً أو مأوى للإبل، والمعاطن: هي مواضع إقامتها عند الماء واستيطانها. وقال القرطبي: فيه دلالة أن أبوال الإبل ليست بنجسة، وكذا أرواثها. وقال ابن التيًن عن مالك: ولا يُصلى إلى الخيل والحُمر، لأن أبوالها نجسة. وعند محمد من أصحابنا: أبوال الفرس طاهرة فيُصلي إليها.
* * *
100- باب: إذا صلى إلى سارية أو نحوها أين يجعلها منه؟
أي: هذا باب في بيان / حكم الرجل إذا صلى إلى سارية- أي: أسطوانة- أو نحوها أين يجعل السارية منه؟
674- ص- نا محمود بن خالد الدمشقي: نا علي بن عياش: نا
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (1 / 92) .
(2) المصدر السابق (15 / 3303) .(3/250)
أبو عُبيدة: الوليد بن كامل، عن المهلب بن حُجْرِ البَهراني، عن ضُباعة بنْت المقداد بن الأسود، عن أبيها قال: ما رأيتُ رسول الله يصلي إلى عُود ولا عمود ولا شجرة إلا جعله على حاجبه الأيمن أو الأيْسر، ولا يصمُد له صَمْداً (1) .
ش- الوليد بن كامل: ابن معاذ بن محمد بن أبي أمية (2) أبو عُبيدة البجلي مولاهم الشامي الحمصي، وقيل: إنه دمشقي. روى عن: المُهلب بن حجر، ونصر بن علقمة الحضرمي، ورجاء بن حيوة، وغيرهم. روى عنه: على بن عياش، وبقية بن الوليد، ويحيى بن صالح الوحاظي، وغيرهم. قال أبو حاتم: شيخ. وقال البخاري: عنده عجائب. روى له: أبو داود (3) .
والمهلب بن حُجر البهراني: الشامي. روى عن: ضباعة بنت المقداد. روى عنه: الوليد بن كامل. روى له: أبو داود (4) .
وضُبَاعة: بضم الضاد المعجمة، وفتح الباء الموحدة، روت عن: أبيها. وروى عنها: المهلب المذكور. روى لها: أبو داود، وابن ماجه (5) .
قوله: " ولا يَصْمد له صَمْداً " من صَمدتُ الشيء صَمْداً: قصَدته. قال الجوهري: صَمَده يصمُده صمْداً: قصده.
قلت: من باب نَصر ينصرُ. والصَمَد: السيد الذي يُصمَد إليه في الحوائج، أي: يقصد فيها. وبهذا الحديث: استند أصحابنا أنه يجْعلُ السترة على حاجبه الأيْمن أو الأيْسرِ. وقال صاحب " الهداية ": ويجعلُ السترة على جانبه (6) الأيمن أو على الأيْسر، به ورَد الأثرُ.
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) في الأصل:" عبيدة ".
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (1 3 / 1 673) .
(4) المصدر السابق (29 / 6228) .
(5) المصدر السابق (35 / 7882) .
(6) في الأصل: (جانب) .(3/251)
(1) والحديث: أخرجه أحمد في " مسنده " (2) ، والطبراني في "معجمه" وابن عدي في " الكامل " (3) ، وأعلَّه بالوليد بن كامل. وقال ابن القطان: فيه علتان , علة في إسناده، وعلة في متنه، أما التي في إسناده، فقال: إن فيه ثلاثة مجاهيل، فضباعة مجهولة الحال ولا أعلم أحداً ذكرها، وكذلك المهلب بن حجر مجهول الحال، والوليد بن كامل من الشيوخ الذين لم تثبت عدالتهم، وليس له من الرواية كثير شيء يستدل به على حاله. وأما التي في مَتنه: فهي أن أبا علي بن السكن رواه في " سننه " هكذا: نا سعيد بن عبد العزيز الحلبي: نا أبو تقي هشام بن عبد الملك: ما بقية، عن الوليد بن كامل: نا المهلب بن حجر البهراني، عن ضُبَيْعة بنْت المقدام بن معدي كرب، عن أبيها قال: قال رسول الله: " إذا صلى أحدكم إلى عمود أو سارية أو شيء، فلا يَجْعله نصْبَ عينَيْه وليجعله على حاجبه الأيْسر ". قال ابن السكنَ: أخرج هذا الحديث أبو داود من رواية عليا بن عياش، عن الوليد بن كامل، فغير إسناده ومَتْنه. فإنه عن ضباعة بنْت المقداد بن الأسود، عن أبيها , وهذا الذي روى بقية هو عن ضبيعة بنت المقدام بن معدي كرب، عن أبيها، وذلك فعل، وهذا قول " (4) .
* * *
101- باب: الصَّلاةِ إلى المتحدثين والنِّيام
أي: هذا باب في بيان الصلاة إلى ناس متحدثين وناس نيام، والنيام: جمع نائم كالصيام جمع صائم، والقيام جمع قائم.
675- ص- نا عبد الله بن مسلمة القعنبي: نا عبد الملك بن محمد بن أيمن، عن عبد الله بن يَعْقوب بن إسحاق، عن مَنْ حدّثه، عن محمد بن
__________
(1) انظر: نصب الراية (2 / 83- 84) .
(2) (6/4)
(3) (8/ 362- ترجمة الوليد بن كامل) .
(4) إلى هنا انتهى النقل من نصب الراية.(3/252)
كعب القرظي قال: قلت (1) - يعني: لعمر بن عبد العزيز-: حدَّثني
عبد الله بن عباس، أن النبي- عليه السلام- قال: " لا تصلوا خلف النائم
ولا المتحدث " (2) .
ش- عبد الملك بن محمد بن أيمن: روى عن: عبد الله بن يعقوب.
وروى عنه: ابن مسلمة. روى له: أبو داود (3) .
وعبد الله بن يعقوب بن إسحاق: المدني. روى عن: أبي الزناد،
وعمن حدثه عن ابن كعب. روى عنه: عبد الملك المذكور، وعبد الله
ابن أبي الزناد. روى له: أبو داود، والترمذي (4) .
وهذا الحديث: أخرجه ابن ماجَه، وفي سند أبي داود رجل مجهول،
وفي سند ابن ماجه: أبو المقدام هشام بن زياد البصري لا يحتج بحديثه.
وقال الخطابي (5) : هذا الحديث لا يصح عن النبي- عليه السلام-،
لضعف سَنده، وعبد الله بن يعقوب لم يسمِّ من حدثه عن محمد بن
كعب، وإنما رواه عن محمد بن كعب رجلان / كلاهما ضعيفان: تمام [1 /232-أ] ابن بَزِيع، وعيسى بن مَيْمون، وقد تكلم فيهما ابن معين والبخاريّ،
ورواه- أيضاً- عبد الكريم أبو أميّة، عن مجاهد، عن ابن عباس،
وعبد الكريم: متروك الحديث. قال أحمد بن حنبل: ضربنا علي
فاضربوا عليه. وقال ابن معين: ليس بثقة ولا يحمل عَنه، وقد ثبت عن
النبي- عليه السلام- أنه صلى وعائشة نائمة معترضة بينه وبين القِبْلة.
انتهى.
وروى البزار في " مسنده ": حدثنا محمود بن بكر: نا أبي، عن
عيسى بن المختار، عن ابن أبي ليلى، عن عبد الكريم، عن مجاهد،
__________
(1) في سنن أبي داود: " قلت له ".
(2) ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: من صلى وبينه وبين القبلة شيء (959) ، وباب: من رفع يديه في الدعاء ومسح بهما وجهه (1181) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (18 / 3554) .
(4) المصدر السابق (16 /3671) .
(5) معالم الحق (1 / 161) .(3/253)
عن ابن عباس أن النبي- عليه السلام- قال: " نهيت أن أصلي إلى النيام والمتحدثين "، وقال: لا نعلمه يُروَى إلا عن ابن عباس. انتهى.
قلت: وفي إسناده: عبد الكريم، وقد سمعتَ ما قالوا فيه. وروى البزار (1) - أيضاً-: حدثنا أحمد بن يحيى الكوفي: ثنا إسماعيل بن صبيح: نا إسرائيل، عن عبد الأعلى الثعلبي، عن محمد ابن الحنفية، عن علي أن رسول الله رأى رجلاً يُصلي إلى رجل فأمَره أن يُعيد الصلاة، قال: يا رسول الله، إني صليتُ وأنت تنظر إلي. قال: هذا حديث لا نحفظه إلا بهذا الإسْناد. وكأن هذا المصلي كان مستقبل الرجل بوَجْهه فلم يتنح عن حياله. انتهى.
وقال أبو بكر بن أبي شيبة: نا إسماعيل بن علية، عن ليث، عن مجاهد يرفعه قال: " لا يأتم بنائم ولا محدثٍ ".
ونا وكيع: نا سفيان، عن عبد الكريم أبي أمية، عن مجاهد أن النبي
- عليه السلام- نهى أن يصلى خلف النوام والمتحدثين. انتهى.
قلت: في إسناده- أيضاً عبد الكريم. ثم حكم الصلاة خلف النائم أنه يجوز بلا خلاد، لحديث عائشة. وأما الصلاة خلف المتحدث: فقال صاحب " الهداية ": ولا بأس أن يُصلي إلى ظهر رجل قاعدٍ يتحدث، لأن ابن عمر- رضي الله عنهما- ربما كان يستتر بنافع في بعضِ أسْفاره. وقال الخطابي: وأما الصلاة إلى المتحدثين فقد كرهها الشافعي، وأحمد بن حنبل، وذلك من أجل أن كلامهم يُشْغل المُصلي عن صلاته.
***
102- باب: الدنو من الستْرة
أي: هذا باب في بيان الدنو- أي: القرب- من السُّترة.
676- ص- نا ابن الصباح: أنا سفيان ح، ونا عثمان بن أي شيبة،
__________
(1) كشف الأستار (1 / 583)(3/254)
وحامد بن يحيى، وابن السرحْ قالوا: ثنا سفيان، عن صفوان بن سليم، عن نافع بن جبير، عن سَهْل بن أبي حثمة يبلغ به النبي- عليه السلام- قال: " إذا صلى أحدكم إلى سترة فَليُدن منها، لا يقطعُ الشيطانُ عليه صلاته " (1) .
ش- محمد: ابن الصباح الدولابي، وسفيان: ابن عيينة.
وحامد بن يحيى: ابن هانئ البلخي، أبو عبد الله، سكن طرسوس. روى عن: ابن عُيينة، ومروان بن معاوية، ويحيى بن سليم، وغيرهم. روى عنه: أبو زرعة، وأبو حاتم، وأبو داود، وغيرهم. مات سنة اثنتين وأربعين ومائتين. قال أبو حاتم: صدوق. روى له: الترمذي (2) . وابن السرْح: هو أحمد بن طاهر بن السَرْح، وصفوان بن سليم: المدني.
وسهل بن أبي حَثْمة- واسم أبي حثمة: عبد الله- بن ساعدة الأنصاري المدني أبو يحيى أو أبو محمد، مات النبي- عليه السلام- وهو ابن ثمان سنين وقد حفظ عنه، رُوِيَ له عن رسول الله- عليه السلام- خمسة وعشرون حديثاً اتفقا على ثلاثة أحاديث. روى عنه: بشير بن يَسار، وصالح بن خوات، وأبو ليلى بن عبد الله، ونافع بن جبير، وغيرهم. روى له الجماعة (3) .
قوله: " فليدن منها " أي: فليقرب من السترة.
قوله: " لا يقطع الشيطان علي صلاته " خرج مخرج التعليل، ومعنى " قطع الشيطان صلاته عليه " إذا لم يدن من السّترة: أنه ربما يمر بينه وبينها أحد أو حيوان فيحصل له التشوش بذلك، ولا يدري كم صلى، فيحصل
__________
(1) النسائي: كتاب القبلة، باب: الأمر بالدنو من السترة (2 / 62) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (5 / 1063) .
(3) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (97 / 2) ، وأسد الغابة (2 / 468) ، وا لإصابة (2 / 86) .(3/255)
له وَسوسة فيقطع صلاته، وإنما نُسب إلى الشيطان، لأن قطع العبادة
وإبطالها من أعمال الشيطان. والحديث: أخرجه النسائي، وكذلك رواه
ابن حبان في " صحيحه " في النوع الخامس والتسعين من القسم الأول.
ص- قال أبو داود: رواه واقد بن محمد، عن صفوان، عن محمد بن
سهل، عن أبيه أو عن محمد بن سهل، عن النبي- عليه السلام-. وقال
[1 / 232- ب] بعضهم: عن نافع بن جبير، / عن سهل بن سَعْد، واختلف في إسناده.
ش- أشار أبو داود بهذا الكلام إلى اختلاف إسناد هذا الحديث، ولا
يضر ذلك، فإن الحاكم أخرجه وقال: على شرط البخاري ومسلم.
وواقد بن محمد: ابن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي
القرشي أخو أبي بكر، وعمر، وزيد، وعاصم. روى عن: أبيه،
ومحمد بن المنكدر، وسعيد بن مرجانة، ونافع مولى ابن عمر. روى
عنه: شعبة، وأخوه: عاصم. وقال أحمد ويحيى بن معين: ثقة.
وقال أبو حاتم: لا بأس به، ثقة يحتج بحديثه. روى له: البخاري،
ومسلم، وأبو داود، والنسائي (1) .
وصَفْوان: ابن سليم المذكور. ومحمد بن سَهْل: ابن عسكر أبو بكر.
روى عن: عبد الرزاق. وروى عنه: مسلم، والترمذي، والنسائي،
وابنُ صاعد، وجماعة آخرون.
قوله: " وقال بعضهم: عن نافع بن جبير، عن سهل بن سَعْد " يعني:
عن صفوان بن سليم، عن نافع بن جبير. وبهذا الطريق أخرجه الطبراني
في " معجمه " عن ابن لهيعة، عن عبيد الله بن أبي جعفر، عن صفوان
ابن سليم، عن نافع بن جبير، عن سهل بن سَعْد الساعدي أن رسولَ الله
قال: " إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدن منها، لا يمرّ الشيطان بينه
وبيْنها ". وبهذا السند رواه أبو نُعيم في " الحلية، في ترجمة صفوان بن
سليم. ورواه الطبراني- أيضاً بطريق أخرى، عن جُبير بن مطعم
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (30 / 6670) .(3/256)
مَرفوعاً نحوه سواء. ورواه البزار في " مسنده "- أيضاً- من " حديث، جبير بن مطعم. ورواه ابن حبان في " صحيحه " من حديث زيد بن أسلم، عن عبد الرحمن بن أبي سَعيد الخدري، عن أبيه قال: قال رسول الله- عليه السلام-: " إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدن منها، فإن الشيطان يمرّ بينه وبينها، ولا يدع أحداً يمرّ بين يديْه ".
677- ص- نا القعنبي والنفيلي قالا: نا عبد العزيز- هو ابن أبي حازِم- قال: أخبرني أبي، عن سهل قال: كان بَيْن مقام النبي- عليه السلام- وبيْن القبلة ممرُّ العَنْزِ (1) ، (2) .
ش- عبد العزيز: ابن أبي حازم- سلمة- بن دينار، أبو تمام المدني المخزومي مولاهم. سمع: أباه، وزيد بن أسلم، وسهيل بن أبي صالح، وغيرهم. روى عنه: القعنبي، والنفيلي، ويحيى بن بكير، وإبراهيم ابن محمد الشافعي، وغيرهم. وقال أبو حاتم: صالح الحديث. مات سنة أربع وثمانين ومائة. روى له الجماعة (3) .
وأبوه: سلمة بن دينار أبو حازم المدني الأعرج، وسهل بن سَعْد الساعدي الأنصاري.
قوله: ما ممرّ العنز " مرفوع على أنه اسم " كان "، وفي بعض النسخ: "ممرّ عَنزِ " وهو الصحيح، والعَنْز: ا"عز، وهي الأنثى من المعْز. وأخرجه: البخاري، ومسلم، وفيه: " ممرّ الشاة ". وزعم القرطبي أن بعض المشايخ حملَ حديثَ ممر الشاة على ما إذا كان قائماً، وحديثَ بلال أن النبي- عليه السلام- " صلى في الكعبة جعل بينه وبين القبلة قريباً من ثلاثة أذرع على ما إذا ركع أو سجد، قال: ولم يحد مالكٌ في ذلك
__________
(1) في سنن أبي داود: " ممر عنز "، وسيذكر المصنف أنها نسخة.
(2) البخاري: كتاب الصلاة، باب: قدركم ينبغي أن يكون بين المصلي والسترة (496، 497) ، مسلم: كتاب الصلاة، باب: دنو المصلي من السترة (508 / 262) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (18 / 3439) .
17. شرح سنن في داوود 3(3/257)
حدا إلا أن ذلك بقدر ما يركع فيه ويسجد، ويتمكن من دفع من يمر بين
يديه، وقيده بعض الناس بشبر، وآخرون بثلاثة أذرع، وبه قال الشافعي وأحمد، وهو قول عطاء، وآخرون بستة أذرع، ذكر السفاقسي: قال
أبو إسحاق: رأيت عبد الله بن مغفل يصلي بينه وبين القبلة ستة أذرع،
وفي نسخة: " ثلاثة أذرع " وفي " مصنف ابن أبي شيبة " بسند صحيح
نحوه.
ص- قال أبو داود: الخبرُ للنفيلي.
ش- أي: الخبر المذكور لعبد الله بن محمد النفيلي.
***
103- باب: مَا يُؤمر المُصلي أَنْ يَدْرأ عن الممر بينَ يديه
أي: هذا باب في بيان ما يؤمر المصلي أن يدرأ- أي: يدفع- عن
الممر- أي: المرور- بيْن يدَيْه، وفي بعض النسخ: " عن المرور ".
678- ص- نا القعنبي، عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن
عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري، عن أبي سعيد الخدري، أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال: " إذا كان أحدكم يُصلي فلا يدع أحداً يمر بين يمَيْه وليَدرأه ما استطاع، فإن أبى فليقاتله فإنما هو شيطان " (1) .
ش- مالك: ابن أنس، وزيد بن أسلم: أبو أسامة القرشي.
قوله: " وليدرأه ما استطاع " أي: وليدفعه قدر استطاعته. قال الشيخ [1 / 233- أ] محيي الدين (2) : هذا أمر ندب متأكد / ولا أعلم أحداً من الفقهاء أوجبه، قال القاضي عياض: وأجمعوا أنه لا يلزمه مقاتلته بالسلاح، ولا
__________
(1) مسلم: كتاب الصلاة، باب: منع ا"ر بين يدي المصلي (505) ، النسائي: كتاب القبلة، باب: التشديد في المرور بين يدي المصلي وسترته (2 / 67) ،
ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: اقرأ ما استطعت (954) .
(2) شرح صحيح مسلم (223 / 4) .(3/258)
ما يؤدي إلى هلاكه، فإن دفعه بما يجوز فهلك من ذلك فلا قوَد عليه باتفاق العلماء، وهل تجب ديته أم يكون هدراً؟ فيه مذهبان للعلماء وهما قولان في مذهب مالك.
قال ابن شعبان: عليه الدية في ماله كاملة، وقيل: هي على عاقلته، وقيل: هدر، ذكره ابن التين. قال عياض: واتفقوا على أنه لا يجوز له المشي إليه من موضعه ليرده؛ إنما يدافعه ويرده من مَوقفه، لأن مفسدة المشي في صلاته أعظم من مروره بين يديه، وإنما أبيح له قدر ما يَناله من موقفه، وإنما يرده إذا كان بعيداً منه بالإشارة والتسبيح، واتفقوا على أنه إذا مر لا يرده لئلا يصير مروراً ثانياً، وقد رُوِيَ عن البَعض أنه يَردُه، واختلفوا إذا جاز بين يَديه وأدركه هل يرده أم لا؟ فقال ابن مسعود: يردهُ، ورُوِيَ ذلك عن سالم، والحسن. وقال أشهب: يرده بإشارة ولا يمشي إليه، لأن مشيه أشد من مروره، فإن مشى إليه ورده لم تفسد صلاته. وقال بعضهم: معنى فليُقاتله: فليلعنه. قال تعالى: " قتِلَ الخَراصُونَ " (1) أي: لعنوا، وأنكره بعضهم.
قوله: " فإنما هو شيطان " قال القرطبي: يحتمل أن يكون معناه: الحامل له على ذلك شيطان، يؤيده حديث ابن عمر من عند مسلم: " لا يدع أحداً يمر بين يديه، فإن أبى فليُقاتله فإن معه القرين "، وعند ابن ماجه: " فإن معه القرين ". وفي " الأوسط ": " فرُدَه فإن عاد فرده، فإن عاد الرابعة فقاتله، فإنما هو الشيطان ". وقيل: فعل الشيطان لشغل قلب المصلي كما يخطر الشيطان بين المرء ونفسه.
قلت: الشيطان اسم لكل متمرد، قال في " الصحاح ": كل عات متمرد من الإنْس والجن والدواب فهو شيطان، فعلى هذا يحمل الكلام على ظاهره، أو يكون هذا من باب التشبيه البليغ، نحو: زيد أسد، شبه ا"ر بين يديه بالشيطان لاشتراكهما في شغل قلب المصلي والتشْويش عليه.
__________
(1) سورة الذاريات: (10) .(3/259)