ـ[شرح سنن أبي داود]ـ
المؤلف: أبو محمد محمود بن أحمد بن موسى بن أحمد بن حسين الغيتابى الحنفى بدر الدين العينى (المتوفى: 855هـ)
المحقق: أبو المنذر خالد بن إبراهيم المصري
الناشر: مكتبة الرشد - الرياض
الطبعة: الأولى، 1420 هـ -1999 م
عدد الأجزاء: 7 (6 ومجلد فهارس)
[الكتاب مقابل ومدقق إملائيا وترقيمه موافق للمطبوع](/)
شرح سنن أبي داود
تأليف
الإمام أبي محمد محمود بن أحمد بن موسي
بدر الدين العيني
المتوفى سنة 855 هـ
تحقيق
أبي المنذر خالد بن إبراهيم المصري
المجلد الأول
مكتبة الرشد
الرياض(1/1)
بسم الله الرحمن الرحيم
جميع الحقوق محفوظة
الطبعة الأولي
1420 هـ-1999 م
مكتبة الرشد للنشر والتوزيع
المملكة العربية السعودية- الرياض- طريقا الحجاز
ص ب 17522 الرياض 11494 هاتف 4583713
تلكس 405798 فاكس 4573381
فرع القصيم بريده حي الصفراء- طريق المدينة
ص ب 2276 هاتف 3242214 فاكس 3241358
فرع المدينة المنورة- شارع أبي ذر الغفاري- هاتف 8340600
فرع مكة المكرمة- هاتف 585401 / 05- 583506 / 05
فرع أبها- شارع الملك فيصل- هاتف 5333043 / 05
فرع الدمام- شارع ابن خلدون- مقابل الإستاد الرياضي هاتف 8282175(1/2)
بسْم الله الرّحْمن الرّحيم
مُقدّمة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا
وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أنْ لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهدُ أنّ محمداً عبدهُ
ورسولُهُ: (يا أيُّها الذين آمنُوا اتقُوا الله حقّ تُقاته ولا تمُوتُنّ إلا وأنتُم
مُّسْلمُون) (1) .ً
(يا أيها النّاسُ اتقُواْ ربّكُمُ الّذي خلقكُم مّن نفْس واحدة وخلق منْها زوْجها
وبثّ منْهُما رجالا كثيرا ونساء واتقُوا الله الّذي تساءلُون به والأرْحام إنّ الله كان
عليكُمْ رقيباً) (2) .ً
(يا أيُّها الّذين آمنُوا اتقُوا الله وقُولُوا قوْلا سديداً* يُصْلحْ لكُمْ أعْمالكُمْ ويغْفرْ
لكُمْ ذُنُوبكُمْ ومن يُطع الله ورسُولهُ فقدْ فاز فوْزاً عظيماً) (3) .
أما بعد، فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وشر
الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة (4) .
وبعد، " فأسأل الله تعالى أن يجزي عنا وعن الإسلام أئمة الدين أحسن
الجزاء بما كفوْنا مُؤْنة البحث والتنقيب عن جواهر الأوامر الربانية، والبيانات
النورانية المحمدية، فصرنا بذلك كمن أعد له الطعام والشراب، فلا ينبغي له إلا
الأدب في المضغ دون الابتلاع، والروية في الأمر دون الاندفاع، والإتباع في
__________
(1) سورة آل عمران: (102) .
(2) سورة النساء: (1) .
(3) سورة الأحزاب: (70، 71) .
(4) انظر تخريجه في " خطبة الحاجة " للشيخ الألباني.(1/5)
الدين دون الابتداع، كما أسأله سبحانه وتعالى الوصل إليه، وأعوذ به من
الانقطاع، وأن ييسر بما علمنا لنا وللمسلمين الانتفاع، وعن طلب الدنايا
الارتفاع ... آمين آمين " (1) .
وكان من هؤلاء العلماء الأجلاء، الذين تركوا لنا كنوزاً وجواهر- ولا يزال
أكثرها مخطوطاً- الإمام بدر الدين العيني، وقد وقع اختيارنا على أحد هذه
الكنوز، ألا وهو " شرح سنن أبي داود "، وقد أودعه مؤلفه- كعادته- كثيراً
من الفرائد والفوائد، التي تقر به أعين الناظرين، نسأل الله- عر وجلّ- أن
يجزيه خير الجزاء، إنه جواد كريم، وبالإجابة قدير.
__________
(1) اقتباس من كلام الشيخ رجائي بن محمد المصري المكي- حفظه الله- من كتابه
" الموازين مختصر تنبيه الغافلين ".(1/6)
بسْم الله الرّحْمن الرّحيم
ترجمة بدر الدين العيني (1)
* اسمه وكنيته:
هو محمود بن أحمد بن موسى بن أحمد بن حسين بن يوسف بن محمود
العينتابي الحلبي الأصل، العينتابي المولد، ثم القاهري الحنفي المعروف بالعيني
أبو الثناء ابن الشهاب، أبو محمد، بدر الدين.
* مولده:
ولد في درب كيكين في السابع عشر من رمضان سنة اثنتين وستين وسبعمائة
من الهجرة، الموافق سنة إحدى وستين وثلاثمائة وألف من الميلاد.
. نشأته العلمية ورحلته في طلب العلم ووظائفه:
ولد- رحمه الله تعالى- في درب كيكين، ونشأ بعينتاب، وقرأ القرآن،
ولازم الشيخ محمد الراعي بن الزاهد ابن أحد الآخذين عن الركن قاضي قرم
وأكمل الدين ونظرائهما في الصرف والعربية والمنطق وغيره، وكذا أخذ الصرف
والفرائض السراجية وغيرهما عن البدر ومحمود بن أحمد العينتابي الواعظ،
وقرأ " المفصل " في النحو، و " التوضيح " مع متنه " التنقيح " على الأثير جبريل
ابن صالح البغدادي تلميذ التفتازاني، و " المصباح " في النحو على خير الدين
القصير، وسمع " ضوء المصباح " على ذي النون، وقرأ على الحسام الرهاوي
__________
(1) انظر ترجمته في: " الضوء اللامع " (10/131- 135) ، و " البدر الطالع "
(2/294- 295) ، و " شذرات الذهب " (7/287- 288) ، و " نظم العقيان "
(174- 175) ، و " بغيه الوعاة " (2/275- 276) ، و " حسن المحاضرة "
(1/270) ، و " معجم المؤلفين (12/150) ، و " الأعلام " للزركلي (7/163) .(1/7)
مصنفه " البحار الزاخرة في المذاهب الأربعة "، ولازم في المعاني والبيان
والكشاف وغيرهما الفقيه عيسى بن الخاص بن محمود السرماوي تلميذ الطيبي
والجاربردي، وبرع في هذه العلوم، وناب عن أبيه في قضاء بلده، وارتحل إلى
حلب في سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة، فقرأ على الجمال يوسف بن موسى
الملطي البزدوي، وسمع عليه في الهداية وفي الأخسيكتي، وأخذ عن حيدر
الرومي، شارح الفرائض السراجية، ثم عاد إلى بلده، ولم يلبث أن مات
والده فارتحل أيضا، فأخذ عن الولي البهستي ببهستا، وعلاء الدين بكختا،
والبدر الكشافي بملطية، ثم رجع إلى بلده، ثم حج ودخل دمشق، وزار بيت
المقدس، فلقي فيه العلاء أحمد بن محمد السيرافي الحنفي، فلازمه، واستقدمه
معه إلى القاهرة في سنة تسع وثمانين وسبعمائة، ولازمه في الفقه وأصوله
والمعاني والبيان وغيرها، وأخذ محاسن الإصلاح عن مؤلفه البلقيني، وسمع
على العسقلاني " الشاطبية "، وعلى الزين العراقي " صحيح مسلم "،
و" الإلمام " لابن دقيق العيد، وقرأ على التقي الدجوي الكتب الستة، و " مسند
عبد بن حميد "، و " مسند الدارمي "، وقريب الثلث الأول من " مسند
أحمد "، وعلى القطب عبد الكريم حفيد الحافظ القطب الحلبي بعض المعاجم
الثلاثة للطبراني، وعلى الشرف بن الكويك الشفا، وعلى تغري برمش " شرح
معاني الآثار " للطحاوي، وفي غضون هذا دخل دمشق، فقرأ بها بعضاً من
أول البخاري على النجم بن الكشك الحنفي، عن الحجار- وكان حنفيا-،
وعن ابن الزبيدي الحنفي، وقرأ " مسند أبي حنيفة " للحارثي على الشرف بن
الكويك، ولم يزل في خدمة البرقوقية حتى مات شيخها العلاء، فأخرجه
جركس الخليلي أمير آخور منها، بل رام إبعاده عن القاهرة أصلاً، مشياً مع
بعض حسدة الفقهاء، فكفه السراج البلقيني، ثم بعد يسير توجه إلى بلاده، ثم
عاد وهو فقيه مشهور، ثم حج سنة تسع وتسعين وسبعمائة، فلما مات الطاهر
برقوق سعي له في حسبة القاهرة، فاستقر فيها في مستهل ذي الحجة سنة إحدى
وثمانمائة، ثم انفصل عنها قبل تمام شهر بالجمال الطنبذي ابن عرب، وتكررت
ولايته لها، وكان في مباشرته لها يعزر من يخالف أمره بأخذ بضاعته غالباً،(1/8)
وإطعامها الفقراء والمحابيس، وكذا ولي في الأيام الناصرية عدة تداريس،
ووظائف دينية، كتدريس الفقه بالمحمودية، ونظر الأحباس، ثم انفصل عنها،
وأعيد إليها في أيام المؤيد، وقرره في تدريس الحديث في المؤيدية أول ما فتحت،
ولما استقر الظاهر ططر زاد في إكرامه لسبق صحبته معه، بل نزايد اختصاصه بعدُ
بالأشراف حتى كان يسامره، ويقرأ له التاريخ الذي جمعه باللغة العربية، ثم
يفسره له بالتركية، لتقدمه في اللغتين، ويعلمه أمور الدين، وعرض عليه النظر
على أوقاف الأشراف فأبى، ولم يزل يترقى عنده إلى أن عينه لقضاء الحنفية،
وولاه إياها مسؤولاً على حين غفلة في ربيع الآخر سنة تسع وعشرين وثمانمائة،
ومات الأشراف وهو قاض، ثم صُرف بالسعد بن الديري سنة اثنتين وأربعين
وثمانمائة، ولزم بيته مقبلاً على الجمع والتصنيف، مستمراً على تدريس الحديث
بالمؤيدية ونظر الأحباس حتى مات، غير أنه عزل عن الأحباس بالعلاء بن أقبرس
سنة ثلاث وخمسين وثمانمائة، ولم يجتمع القضاء والحسبة ونظر الأحباس في آن
واحد لأحد قبله ظنا.
" مكانته العلمية:
كان- رحمه الله- إماماً عالماً، علامة، فقيهاً، أصوليا، مفسراً، محدثاً،
مؤرخاً، لغويا، نحويا، عارفاً بالصرف والعربية، حافظاً للتاريخ واللغة،
مشاركاً في الفنون، ذا نظم ونثر، لا يمل من المطالعة والكتابة، وكان كثير
التصنيف، وقد قيل: إنه كتب الحاوي في ليلة، وكذا " القدوري " في ليلة،
اشتهر اسمه، وبعُد صيتُه مع لطف العشرة والتواضع، وعمر مدرسة مجاورة
لسكنه بالقرب من جامع الأزهر، وكان يصرح بكراهة الصلاة في جامع الأزهر
لكون واقفه رافضيا.
" عقيدته:
كان- رحمه الله- على عقيدة السلف الصالح إلا في باب الأسماء
والصفات، ويبدو أنه تأثر- كغيره- بأهل عصره ومشايخه، حيث كانوا يؤولون
الأسماء والصفات، وكانوا ينتهجون في ذلك منهج الأشاعرة القديم، الذي
نشره في مصر والشام الآمدي (المتوفى 631 هـ) ، والأرموي (المتوفى 682 هـ)(1/9)
وأعقبهم الإيجي صاحب " المواقف "، وكان معاصرا لشيخ الإسلام ابن تيمية،
وكتابه " المواقف " يعتبر تقنيناً وتنظيماً لفكر الرازي ومدرسته، وهو عمدة مذهب
الأشاعرة قديماً وحديثاً، ويظهر ذلك واضحاً جليا عند كلامه على صفات الله
وأسمائه، كما في الحديث (222، 1458) ، فقد أول صفة الحياء بأنها عبارة
عن الكرم، فرحم الله الشيخ وغفر له (1) .
* شيوخه:
1- محمد الراعي بن الزاهد.
2- محمود بن أحمد العينتابي الواعظ.
3- جبريل بن صالح البغدادي.
4- خير الدين القصير.
5- الحسام الرهاوي.
6- عيسى بن الخاص بن محمود السرماوي.
7- يوسف بن موسى جمال الدين الملطي.
8- حيدر الرومي.
9- الولي البهستي.
10- أحمد بن محمد السيرافي علاء الدين.
11- أحمد بن خاص التركي.
12- سراج الدين البلقيني.
13- التقي الدجوي.
14- العز بن الكويك.
15- الشرف بن الكويك، وغيرهم كثير.
16- وكان من أفضل تلاميذه ابن تغري بردي.
__________
(1) انظر مزيداً لهذا في ترجمتنا له في: " العلم الهيب في شرح الكلم الطيب " للشارح.(1/10)
* مصنفاته:
كان- رحمه الله- كثير التصانيف، ونذكر منها:
1- عمدة القاري شرح صحيح البخاري.
2- العلم الهيب في شرح الكلم الطيب.
3- شرح قطعة من سنن أبي داود، وهو كتابنا هذا.
4- عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان.
5- مغاني الأخيار في رجال معاني الآثار.
6- تاريخ البدر في أوصاف أهل العصر.
7- مباني الأخبار في شرح معاني الآثار.
8- نخب الأفكار في تنقيح الأخبار.
9- البناية في شرح الهداية.
10- رمز الحقائق في شرح كنز الدقائق.
11- الدرر الزاهرة في شرح البحار الزاخرة.
12- المسائل البدرية.
13- السيف المهند في سيرة الملك المؤيد أبي النصر.
14- منحة السلوك في شرح تحفة الملوك.
15- المقاصد النحوية في شرح شواهد شروح الألفية، ويعرف بالشواهد
الكبرى.
16- فرائد القلائد، مختصر شرح شواهد الألفية، ويعرف بالشواهد
الصغرى.
17- الروض الزاهر في سيرة الملك الظاهر ططر.
18- طبقات الشعراء.
19- طبقات الحنفية.(1/11)
20- اختصار تاريخ ابن خلكان وغيرها من التصانيف الكثيرة.
* وفاته:
توفي- رحمه الله- في ليلة الثلاثاء، رابع ذي الحجة، سنة خمس
وخمسين وثمانمائة من الهجرة، الموافق إحدى وخمسين وأربعمائة وألف من
الميلاد، ودفن بمدرسته التي أنشأها، بعد أن صلى عليه المناوي بالأزهر.
فرحمه الله رحمة واسعة، فقد خلف علماً نافعاً، وكتباً خالدة، تشهد له
بالعلم والفضل، فجزاه الله- هو وأئمة المسلمين- خير الجزاء.(1/12)
ترجمة (1) الحافظ سليمان بن الأشعث السجستاني
المعروف بأبي داود (2)
سُليمان بن الأشْعث بن شداد بن عمْرو بن عامر، كذا أسْماه عبد الرحمن
ابن أبي حاتم. وقال محمد بن عبد العزيز الهاشمي: سُليمان بن الأشْعث بن
بشر بن شداد. وقال ابن داسة، وأبو عُبيد الآجري: سُليمان بن الأشعث بن
إسحاق بن بشير بن شداد، وكذلك قال أبو بكر الخطيب في " تاريخه ".
وزاد: ابن عمْرو بن عمْران.
الإمامُ، شيخ السُّنة، مقدم الحفاظ، أبو داود، الأزدي السجسْتاني،
محدث البصرة.
ولد سنة اثنتين ومئتين، ورحل، وجمع، وصنف، وبرع في هذا الشأن.
__________
(1) هذه الترجمة مستلة من " سنن أبى داود "، ط. دار الجنان.
(2) هذه الترجمة مأخوذة من " سير أعلام النبلاء " مع تصرف بسيط وزيادات، ولا سيما
في سرد المؤلفات.
مصادر ترجمته: " الجرح والتعديل " (4/101- 102) ، و " تاريخ بغداد " (9/55
- 59) ، و " المنتظم " (5/97- 98) ، و " وفيات الأعيان " (2/404- 405) ،
و" تذكرة الحفاظ " (2/591- 593) ، و " العبر " (1/396) ، و " طبقات السبكي "
(2/293- 296) ، و " البداية والنهاية " (11/54- 56) ، و " تهذيب التهذيب "
(4/169- 173) ، و " طبقات الحفاظ " (261- 262) ، و " طبقات المفسرين "
(1/201- 202) ، و " شذرات الذهب " (2/167- 168) ، و " تهذيب بدران "
(6/246- 248) ، و " اللباب " لابن الأثير (1/533) ، و " سير أعلام النبلاء "
(13/203- 221) ، و " تاريخ التراث العربي " (1/233) ، و " الكامل في التاريخ "
(7/142) ، و " تهذيب الأسماء واللغات " (2/225- 227) ، و " الوافي بالوفيات "
(15/353) .(1/13)
قال أبو عُبيد الآجري: سمعْتُه يقول: ولدت سنة اثنتين، وصليتُ على عفان
سنة عشرين، ودخلتُ البصرة وهم يقولون: أمس مات عُثمان بن الهيثم
المؤذن، فسمعت من أبي عُمر الضرير مجلساً واحداً.
قلت: مات في شعبان من سنة عشرين، ومات عُثْمان قبله بشهر.
قال: وتبعتُ عُمر بن حفْص بن غياث إلى منزله، ولم أسْمع منه وسمعتُ
من سعيد بن سُليمان مجلساً واحداً، ومن عاصم بن علي مجلساً واحداً.
قلت: وسمع بمكة من القعْنبي، وسُليمان بن حرْب.
وسمع من: مُسْلم بن إبراهيم، وعبد الله بن رجاء، وأبي الوليد الطيالسي،
وموسى بن إسماعيل، وطبقتهم بالبصرة.
ثم سمع بالكوفة من: الحسن بن الربيع البوراني، وأحمد بن يونس
اليربوعي، وطائفة.
وسمع من: أبي توبة الربيع بن نافع بحلب. ومن أبي جعفر النفيلي،
وأحمد بن أبي شعيب، وعدة بحران. ومن حيوة بن شريح، ويزيد بن
عبد ربه، وخلق بحمص. ومن: صفوان بن صالح، وهشام بن عمار،
بدمشق، ومن إسحاق بن راهويه وطبقته بخراسان، ومن أحمد بن حنبل وطبقته
ببغداد، ومن قتيبة بن سعيد ببلخ، ومن أحمد بن صالح وخلق بمصر، ومن
إبراهيم بن بشار الرمادي، وإبراهيم بن موسى الفراء، وعلي بن المديني،
والحكم بن موسى، وخلف بن هشام، وسعيد بن منصور، وسهل بن بكار،
وشاذ بن فياض، وأبي معمر عبد الله بن عمرو المقعد، وعبد الرحمن بن المبارك
العيشي، وعبد السلام بن مطهر، وعبد الوهاب بن نجدة، وعلي بن الجعد،
وعمرو بن عون، وعمرو بن مرزوق، ومحمد بن الصباح الدولابي، ومحمد
ابن المنهال الضرير، ومحمد بن كثير العبدي، ومسدد بن مسرهد، ومعاذ بن
أسد، ويحيى بن معين، وأمم سواهم.
حدث عنه: أبو عيسى في " جامعه "، والنسائي، قيما قيل، وإبراهيم بن
حمدان العاقولي، وأبو الطيب أحمد بن إبراهيم بن الأشناني البغدادي، نزيل(1/14)
الرحبة، راوي " السنن " عنه، وأبو حامد أحمد بن جعفر الأشعري الأصبهاني،
وأبو بكر النجاد، وأبو عمرو أحمد بن علي بن حسن البصري، راوي " السنن "
عنه، وأحمد بن داود بن سليم، وأبو سعيد بن الأعرابي راوي " السنن " بفوت
له، وأبو بكر أحمد بن محمد الخلال الفقيه، وأحمد بن محمد بن ياسين
الهروي، وأحمد بن المعلى الدمشقي، وإسحاق بن موسى الرملي الوراق،
وإسماعيل بن محمد الصفار، وحرب بن إسماعيل الكرماني، والحسن بن
صاحب الشاشي، والحسن بن عبد الله الذارع، والحسين بن إدريس الهروي،
وزكريا بن يحيى الساجي، وعبد الله بن أحمد الأهوازي عبدان، وابنه أبو بكر
ابن أبي داود، وأبو بكر بن أبي الدنيا، وعبد الله بن أخي أبي زرعة، وعبد الله
ابن محمد بن يعقوب، وعبد الرحمن بن خلاد الرامهرمزي، وعلي بن الحسن
ابن العبد الأنصاري، أحد رواة " السنن "، وعلي بن عبد الصمد ما غمهُ،
وعيسى بن سليمان البكري، والفضل بن العباس بن أبي الشوارب، وأبو بشر
الدولابي الحافظ، وأبو علي محمد بن أحمد اللؤلؤي، راوي " السنن "،
ومحمد بن أحمد بن يعقوب المتوثي البصري، راوي كتاب " القدر " له،
ومحمد بن بكر بن داسة التمار، من رواة " السنن "، ومحمد بن جعفر بن
الفريابي، ومحمد بن خلف بن المرزبان، ومحمد بن رجاء البصري، وأبو سالم
محمد بن سعيد الأدمي، وأبو بكر محمد بن عبد العزيز الهاشمي المكي،
وأبو أسامة محمد بن عبد الملك الرواس، راوي " السنن " بفواتات، وأبو عبيد
محمد بن علي بن عثمان الآجري الحافظ، ومحمد بن مخلد العطار الخضيب،
ومحمد بن المنذر شكر، ومحمد بن يحيى بن مرداس السلمي، وأبو بكر محمد
ابن يحيى الصولي، وأبو عوانة يعقوب بن إسحاق الإسفراييني.
وقد روى النسائي في " سننه " مواضع يقول: حدثنا أبو داود، حدثنا
سليمان بن حرب، وحدثنا النفيلي، وحدثنا عبد العزيز بن يحيى المدني،
وعلي بن المديني، وعمرو بن عون، ومسلم بن إبراهيم، وأبو الوليد،
فالظاهر أن أبا داود في كل الأماكن هو السجستاني، فإنه معروف بالرواية عن
السبعة، لكن شاركه أبو داود سليمان بن سيف الحراني في الرواية عن بعضهم،
والنسائي فمكثر عن الحراني.(1/15)
وقد روى النسائي في كتاب " الكنى "، عن سليمان بن الأشعث، ولم
يكنه، وذكر الحافظ ابن عساكر في " النّبل " أن النسائي يروي عن أبي داود
السجستاني.
أنبأني جماعة سمعوا ابن طبرزد، أخبرنا أبو البدر الكرخي، أخبرنا أبو بكر
الخطيب، أخبرنا أبو عمر الهاشمي، أخبرنا أبو علي اللؤلؤي، أخبرنا أبو داود،
حدّثنا محمد بن كثير، أخبرنا جعفر بن سليمان، عن عوف، عن أبى رجاء،
عن عمران بن حصين قال: جاء رجل إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: السلام عليكم،
فرد عليه، ثم جلس، فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عشر "، ثم جاء آخر، فقال:
السلام عليكم ورحمة الله، فرد عليه، فجلس، فقال: " عشرون "، ثم جاء
آخر، فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فرد عليه، فجلس، وقال:
" ثلاثون ".
أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد- فيما أظن- وعمر بن محمد الفارسي،
وجماعة، قالوا: أخبرنا عبد الله بن عمر، أخبرنا عبد الأول بن عيسى،
أخبرنا أبو الحسن الداوودي، أخبرنا عبد الله بن أحمد، أخبرنا عيسى بن عمر
السمرقندي، أخبرنا عبد الله بن عبد الرحمن الحافظ، أخبرنا محمد بن كثير،
فذكره بنحوه.
أخرجه أبو عبد الرحمن النسائي، عن أبي داود، عن محمد بن كثير،
وأخرجه أبو عيسى في " جامعه " عن الحافظ عبد الله الدارمي، فوافقناهما بعلو.
أخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الحليم الفقيه بقراءتي، أخبرنا علي
ابن مختار، أخبرنا أحمد بن محمد الحافظ، أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي
الصوفي، أخبرنا علي بن أحمد الرزاز، حدثنا أحمد بن سلمان الفقيه، حدّثنا
أبو داود سليمان بن الأشعث بالبصرة، حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع، حدثنا
عبيد الله بن عمرو، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة: أنّ النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " نهى عن تلقي الجلب، فإن تلقاه متلق فاشتراه، فصاحب السلعة بالخيار
إذا ورد السوق ".(1/16)
هذا حديث صحيح غريب، وأخرجه الترمذي من طريق عبيد الله بن عمرو،
وهو من أفراده.
وقع لنا عدة أحاديث عالية لأبي داود، وكتاب " الناسخ " له، وسكن
البصرة بعد هلاك الخبيث طاغية الزنج، فنشر بها العلم، وكان يتردد إلى بغداد.
قال الخطيب أبو بكر: يقال: إنه صنف كتابه " السنن " قديماً، وعرضه على
أحمد بن حنبل، فاستجاده، واستحسنه.
قال أبو عبيد: سمعت أبا داود يقول: رأيت خالد بن خداش، ولم أسمع
منه، ولم أسمع من يوسف الصفار، ولا من ابن الأصبهاني، ولا من عمرو
ابن حماد، والحديث رزق.
قال أبو عبيد الآجري: وكان أبو داود لا يحدث عن ابن الحماني، ولا عن
سويد، ولا عن ابن كاسب، ولا عن محمد بن حميد، ولا عن سفيان بن
وكيع.
وقال أبو بكر بن داسة: سمعت أبا داود يقول: كتبت عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
خمس مئة ألف حديث، انتخبت منها ما ضمنته هذا الكتاب- يعني كتاب
" السنن " -، جمعت فيه أربعة آلاف حديث وثماني مئة حديث (1) ، ذكرت
الصحيح، وما يشبهه ويقاربه، ويكفي الإنسان لدينه من ذلك أربعة أحاديث،
أحدها: قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الأعمال بالنيات "، والثاني: " من حسن إسلام المرء
تركه ما لا يعنيه "، والثالث: قوله: " لا يكون المؤمن مؤمناً حتى يرضى لأخيه
ما يرضى لنفسه "، والرابع: " الحلال بين.. " الحديث.
رواها الخطيب: حدّثني أبو بكر محمد بن علي بن إبراهيم القاري الدينوري
بلفظه: سمعت أبا الحسين محمد بن عبد الله بن الحسن الفرضي، سمع ابن
داسة.
قال أبو بكر الخلال: أبو داود الإمام المقدم في زمانه، رجل لم يسبقه إلى
__________
(1) بلغ عدد الأحاديث في المطبوع من رواية اللؤلؤي (5274) .
2* شرح سنن أبي داوود 1(1/17)
معرفته بتخريج العلوم، وبصره بمواضعه أحد في زمانه، رجل ورع مقدم،
سمع منه أحمد بن حنبل حديثاً واحداً، كان أبو داود يذكره.
قلت: هو حديث أبي داود، عن محمد بن عمرو الرازي، عن عبد الرحمن
ابن قيس، عن حماد بن سلمة، عن أبي العشراء، عن أبيه: " أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
سئل عن العتيرة، فحسنها ".
وهذا حديث منكر، تكلم في ابن قيس من أجله، وإنما المحفوظ عند حماد
بهذا السند حديث: " أما تكون الزكاة إلا من اللبة ".
ثم قال الخلال. وكان إبراهيم الأصبهاني ابن أورمة، وأبو بكر بن صدقة
يرفعون من قدره، ويذكرونه بما لا يذكرون أحداً في زمانه مثله.
وقال أحمد بن محمد بن ياسين: كان أبو داود أحد حفّاظ الإسلام لحديث
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعلمه وعلله وسنده، في أعلى درجة النسك والعفاف،
والصلاح والورع، من فرسان الحديث.
وقال أبو بكر محمد بن إسحاق الصاغاني، وإبراهيم الحربي: لما صنف
أبو داود كتاب " السنن " ألين لأبي داود الحديث، كما ألين لداود، عليه السلام،
الحديدُ.
الحاكم: سمعت الزبير بن عبد الله بن موسى، سمعت محمد بن مخلد
يقول: كان أبو داود يفي بمذاكرة مئة ألف حديث، ولما صنف كتاب " السنن "
وقرأه على الناس، صار كتابه لأصحاب الحديث كالمصحف، يتبعونه ولا
يخالفونه، وأقر له أهل زمانه بالحفظ والتقدم فيه.
وقال الحافظ موسى بن هارون: خلق أبو داود في الدنيا للحديث، وفي
الآخرة للجنة.
وقال علان بن عبد الصمد: سمعتُ أبا داود، وكان من فرسان الحديث.
قال أبو حاتم بن حبان: أبو داود أحد أئمة الدنيا فقهاً وعلماً وحفظاً، ونسكاً
وورعاً وإتقاناً، جمع وصنف وذب عن السنن.(1/18)
قال الحافظ أبو عبد الله بن منده: الذين خرجوا وميزوا الثابت من المعلول،
والخطأ من الصواب أربعة: البخاري، ومسلم، ثم أبو داود، والنسائي.
وقال أبو عبد الله الحاكم: أبو داود إمام أهل الحديث في عصره بلا مدافعة،
سمع بمصر والحجاز والشام والعراقيين وخراسان، وقد كتب بخراسان قبل
خروجه إلى العراق، في بلده وهراة، وكتب ببغلان عن قتيبة، وبالري عن
إبراهيم بن موسى، إلا أن أعلى إسناده: القعنبي، ومسلم بن إبراهيم ...
وسمى جماعة، قال: وكان قد كتب قديماً بنيسابور، ثم رحل بابنه أبي بكر
إلى خراسان.
روى أبو عبيد الآجري، عن أبي داود، قال: دخلت الكوفة سنة إحدى
وعشرين، وما رأيت بدمشق مثل أبي النضر الفراديسي، وكان كثير البكاء،
كتبت عنه سنة اثنتين وعشرين.
قال القاضي الخليل بن أحمد السجزي: سمعت أحمد بن محمد بن الليث
قاضي بلدنا يقول: جاء سهل بن عبد الله التستري إلى أبي داود السجستاني،
فقيل: يا أبا داود، هذا سهل بن عبد الله جاءك زائراً- فرحب به، وأجلسه،
فقال سهل: يا أبا داود، لي إليك حاجة، قال: وما هي؟ قال: حتى تقول:
قد قضيتها مع الإمكان، قال: نعم، قال: أخرج إلي لسانك الذي تحدث به
أحاديث رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى أقبله، فأخرج إليه لسانه فقبله.
روى إسماعيل بن محمد الصفار، عن الصاغاني، قال: لُيّن لأبي داود
السجستاني الحديث، كما لين لداود الحديد.
وقال موسى بن هارون: ما رأيت أفضل من أبي داود.
قال ابن داسة: سمعت أبا داود يقول: ذكرتُ في " السنن " الصحيح وما
يقاربه، فن كان فيه وهن شديد بينته.
قلت: فقد وفى- رحمه الله- بذلك بحسب اجتهاده، وبين ما ضعفه
شديد، ووهنه غير محتمل، وكاسر عن ما ضعفه خفيف محتمل، فلا يلزم من
سكوته- والحالة هذه- عن الحديث أن يكون حسناً عنده، ولا سيما إذا حكمنا(1/19)
على حد الحسن باصطلاحنا المولد الحادث، الذي هو في عرف السلف يعود إلى
قسم من أقسام الصحيح، الذي يحب العمل به عند جمهور العلماء، أو الذي
يرغب عنه أبو عبد الله البخاري، ويمشيه مسلم، وبالعكس، فهو داخل في
أداني مراتب الصحة، فإنه لو انحط عن ذلك لخرج عن الاحتجاج، ولبقي
متجاذباً بين الضعف والحسن؟ فكتاب أبي داود أعلى ما فيه من الثابت ما أخرجه
الشيخان، وذلك نحو من شطر الكتاب، ثم يليه ما أخرجه أحد الشيخين،
ورغب عنه الآخر، ثم يليه ما رغبا عنه، وكان إسناده جيداً، سالماً من علة
وشذوذ، ثم يليه ما كان إسناده صالحاً، وقبله العلماء لمجيئه من وجهين لينين
فصاعداً، يعْضُد كُل إسْناد منهما الآخر، ثم يليه ما ضعف إسناده لنقص حفظ
راويه، فمثل هذا يمشيه أبو داود، وسكت عنه غالباً، ثم يليه ما كان بين
الضعف من جهة راويه، فهذا لا يسكت عنه، بل يوهنه غالباً، وقد يسكت
عنه بحسب شهرته ونكارته، والله أعلم.
قال الحافظ زكريا الساجي: كتاب الله أصل الإسلام، وكتاب أبي داود عهد
الإسلام.
قلت: كان أبو داود مع إمامته في الحديث وفنونه من كبار الفقهاء، فكتابه
يدل على ذلك، وهو من نُجباء أصحاب الإمام أحمد، لازم مجلسه مدة،
وسأله عن دقاق المسائل في الفروع والأصول.
روى الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، قال: كان عبد الله بن مسعود
يشبه بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هديه ودله، وكان علقمة يشبه بعبد الله في ذلك.
قال جرير بن عبد الحميد: وكان إبراهيم النخعي يشبه بعلقمة في ذلك، وكان
منصور يشبه بإبراهيم.
وقيل: كان سفيان الثوري يشبه بمنصور، وكان وكيع يشبه بسفيان، وكان
أحمد يشبه بوكيع، وكان أبو داود يشبه بأحمد.
قال الخطابي: حدّثني عبد الله بن محمد المسكي، حدثنى أبو بكر بن جابر
خادم أبي داود- رحمه الله- قال: كنت مع أبي داود ببغداد، فصلينا المغرب،(1/20)
فجاءه الأمير أبو أحمد الموفق- يعني ولي العهد- فدخل، ثم أقبل عليه أبو داود،
فقال: ما جاء بالأمير في مثل هذا الوقت؟ قال: خلال ثلاث، قال: وما
هي؟ قال: تنتقل إلى البصرة فتتخذها وطناً، ليرحل إليك طلبة العلم، فتعمر
بك، فإنها قد خربت، وانقطع عنها الناس، لما جرى عليها من محنة الزنج،
فقال: هذه واحدة، قال: وتروي لأولادي " السنن "، قال: نعم، هات
الثالثة، قال: وتفرد لهم مجلساً، فإن أولاد الخلفاء لا يقعدون مع العامة،
قال: أما هذه فلا سبيل إليها، لأن الناس في العلم سواء.
قال ابن جابر: فكانوا يحضرون ويقعدون في كم حيري، عليه ستر،
ويسمعون مع العامة.
قال ابن داسة: كان لأبي داود كم واسع وكم ضيق، فقيل له في ذلك،
فقال: الواسع للكتب، والآخر لا يحتاج إليه.
قال أبو بكر بن أبي داود: سمعت أبي يقول: خير الكلام ما دخل الأذن بغير
إذن.
قال أبو عبيد الآجري: سمعت أبا داود يقول: الليث روى عن الزهري،
وروى عن أربعة، عن الزهري، حدث عن: خالد بن يزيد، عن سعيد بن
أبي هلال، عن إبراهيم بن سعد، عن صالح بن كيسان، عن الزهري.
وسمعت أبا داود يقول: كان عمير بن هانئ قدريا، يسبح كل يوم مئة ألف
تسبيحة، قتل صبراً بداريا أيام يزيد بن الوليد، وكان يحرض عليه.
قال أبو داود: مسلمة بن محمد حدثنا عنه مسدد، قال أبو عبيد: فقلت
لأبي داود: حدث عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة: " إياكم
والزنج، فإنه خلق مشوه "؟ فقال: من حدث بهذا، فاتهمه.
وقال أبو داود: يونس بن بكير ليس هو عندي حجة، هو والبكائي سمعا
من ابن إسحاق بالري.
قال الحاكم: سليمان بن الأشعث السجستاني مولده بسجستان، وله ولسلفه
إلى الآن بها عقد وأملاك وأوقاف، خرج منها في طلب الحديث إلى البصرة،(1/21)
فسكنها، وأكثر بها السماع عن سليمان بن حرب، وأبي النعمان، وأبي الوليد،
ثم دخل إلى الشام ومصر، وانصرف إلى العراق، ثم رحل بابنه أبي بكر إلى
بقية المشايخ، وجاء إلى نيسابور، فسمع ابنه من إسحاق بن منصور، ثم خرج
إلى سجستان، وطالع بها أسبابه، وانصرف إلى البصرة واستوطنها.
وحدثنا محمد بن عبد الله الزاهد الأصبهاني، حدّثنا أبو بكر بن أبي داود،
حدّثنا أبي، حدّثنا محمد بن عمرو الرازي، حدّثنا عبد الرحمن بن قيس،
عن حماد بن سلمة، عن أبي العشراء الدارمي، عن أبيه: " أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سئل
عن العتيرة، فحسنها ".
قيل: إن أحمد كتب عن أبي هذا، فذكرت له، فقال: نعم، قلت:
وكيف كان ذلك؟ فقال: ذكرنا يوماً أحاديث أبي العشراء، فقال أحمد: لا
أعرف له إلا ثلاثة أحاديث، ولم يرو عنه إلا حماد حديث اللبة، وحديث:
رأيت على أبي العشراء عمامة، فذكرت لأحمد هذا، فقال: أمله عليّ، ثم
قال: لمحمد بن أبي سمينة عند أبي داود حديث غريب، فسألني، فكتبه عني
محمد بن يحيى بن أبي سمينة.
قال الحاكم: وأخبرنا أبو حاتم بن حبان: سمعت ابن أبي داود، سمعت
أبي يقول: أدركت من أهل الحديث من أدركت، لم يكن فيهم أحفظ
للحديث، ولا أكثر جمعاً له من ابن معين، ولا أورع ولا أعرف بفقه الحديث
من أحمد، وأعلمهم بعلله عليّ بن المديني، ورأيت إسحاق- على حفظه
ومعرفته- يقدم أحمد بن حنبل، ويعترف له.
وحدثني أبو عبد الله محمد بن إسحاق بن منده، حدثني عبد الكريم بن
النسائي، حدثني أبي، حدثنا أبو داود سليمان بن الأشعث بالبصرة، قال:
سمع الزهري من ثلاثة عشر رجلاً، من أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنس،
سهل، السائب، ستين أبي جميلة، محمود بن الربيع، رجل من بلي، ابن
أبي صعير، أبو أمامة بن سهل، وقالوا: ابن عمر؟ فقال: رأيت ابن عمر
سن على وجهه الماء سنا، وقالوا: إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف يذكر النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم قبض، وعبد الرحمن بن أزهر.(1/22)
أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد، وإسماعيل بن عبد الرحمن، ومحمد بن
بيان بقراءتي، أخبركم الحسن بن صباح، أخبرنا عبد الله بن رفاعة، أخبرنا
علي بن الحسن القاضي، نا عبد الرحمن بن عمر النحاس، قال: حدّثنا
أبو سعيد أحمد بن محمد بن الأعرابي، حدثنا أبو داود، [حدثنا] سليمان بن
حرب، ومسدد، قالا: أخبرنا حماد، عن ثابت، عن أبي بردة، عن الأغر
- وكانت له صحبة- قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنه ليغان على قلبي، وإني
لأستغفر الله في اليوم مئة مرة ".
أخرجه مسلم أيضاً من حديث حماد هذا، وهو ابن زيد، وأخرجه مسلم من
حديث عمرو بن مرة، عن أبي بردة، عن الأغر بن يسار المزني، وقيل:
الجهني، وما علمته روى شيئاً سوى هذا الحديث.
وأخبرناه أبو سعيد الثغري، أخبرنا عبد اللطيف بن يوسف، أخبرنا عبد الحق،
أخبرنا علي بن محمد، أخبرنا أبو الحسن الحمامي، أخبرنا ابن قانع، حدثنا
علي بن محمد بن أبي الشوارب، حدّثنا أبو الوليد، حدثنا شعبة، قال:
عمرو بن مرة أخبرني، قال: سمعت أبا بردة يحدث عن رجل من جهينة،
يقال له: الأغر، وكان من أصحاب النبي غيما أنه سمع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " يا
أيها الناس، توبوا إلى ربكم، فني أتوب إلى الله في كل يوم مائة مرة ".
قال أبو داود في " سننه ": شبرت قثاءة بمصر ثلاثة عشر شبراً، ورأيت
أترجة على بعير، وقد قطعت قطعتين، وعملت مثل عدلين.
فأما سجستان، الإقليم الذي منه الإمام أبو داود: فهو إقليم صغير منفرد،
متاخم لإقليم السند، غربيه بلد هراة، وجنوبيه مفازة، بينه وبن إقليم فارس
وكرمان، وشرقيه مفازة وبرية بينه وبين مكران، التي هي قاعدة السند، وتمام
هذا الحد الشرقي بلاد الملتان، وشماليه أول الهند.
فأرض سجستان كثيرة النخل والرمل، وهي من الإقليم الثالث من السبعة،
وقصبة سجستان هي: زرنج، وعرضها اثنتان وثلاثون درجة، وتطلق زرنج
على سجستان، ولها سور، وبها جامع عظيم، وعليها نهر كبير، وطولها من(1/23)
جزائر الخالدات تسع وثمانون درجة، والنسبة إليها أيضاً: " سجزي "، وهكذا
ينسب أبو عوانة الإسفراييني، أبا داود فيقول: السجزي، وإليها ينسب مسند
الوقت أبو الوقت السجزي، وقد قيل- وليس بشيء- إن أبا داود من سجستان
قرية من أعمال البصرة، ذكره القاضي شمس الدين في " وفيات الأعيان "،
فأبو داود أول ما قدم من البلاد، دخل بغداد، وهو ابن ثمان عشرة سنة،
وذلك قبل أن يرى البصرة، ثم ارتحل من بغداد إلى البصرة.
قال أبو عبيد الآجري: توفي أبو داود في سادس عشر شوال، سنة خمس
وسبعين ومئتين.
* مؤلفاته:
1- كتاب السنن: وهو ثالث الكتب الستة في الحديث؛ وقلما تخلو مكتبة
خطية منه، وسيأتي الكلام عليه بالتفصيل، وقد طبع مرات عديدة في القاهرة
سنة (1280 هـ) ، وفي لكنو سنة (1840، 1877، 1888، 1305 هـ،
1318 ر) ، وفي دلهي (1171 هـ، 1272 هـ، 1283 هـ) ، وفي حيدر آباد
(1321 هـ) ، وعلى الهامش شرح الموطأ للزرقاني في القاهرة (1310 هـ،
1320 هـ) ، وفي بيروت دار الكتاب العربي، وسنة (1388 هـ) دار الحديث
حمص مع شرحه للخطابي.
2- المسائل التي خالف عليها الإمام أحمد بن حنبل: وهذا الكتاب رواية أبي
داود، وقد طبع.
3- إجابته على سؤالات الآجري، طبع.
4- رسالة في وصف تأليفه لكتاب السنن: طبع بتحقيق محمد زاهد الكوثري
القاهرة (1369 هـ) (1) .
5- الزهد.
6- تسمية إخوة الذين روي عنهم الحديث.
__________
(1) قال خالدٌ: وقد طبعت بعدُ بتحقيق محمد بن لطفي الصباغ، وسيأتي نصها.(1/24)
7- كتاب المراسيل: طبع في القاهرة (1310 هـ) ، وفي بيروت دار القلم
(1406 هـ) مع ذكر الأسانيد، وفي دار المعرفة (1406 هـ) ، وهذا الكتاب
قمنا بضبطه وفهرسته من جديد على نسخة جديدة مع أسانيدها لما وجدنا من
الخلط والنقص في كل النسخ السابقة، وطبعتنا تزيد على السابقة كلها بنحو
ثمانين حديثاً.
8- كتاب في الرجال: مخطوط في الظاهرية.
9- كتاب القدر.
10- كتاب الناسخ: ذكره الذهبي في " سير أعلام النبلاء " (13/209) ،
وابن حجر في " التهذيب " (4/170) .
11- مسند مالك: ذكره ابن حجر في " التهذيب " (4/170) .
12- كتاب أصحاب الشعبي: ذكره في السؤالات (ص/181) .(1/25)
ما ألف على كتاب السنن لأبي داود
1- معالم السنن: لأبي سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم الخطابي (المتوفى
سنة (388 هـ) ، وقد طبع في حلب (1920- 1924 ر، 1932- 1934 ر) ،
وطبع بتحقيق أحمد محمد شاكر، ومحمد حامد الفقي في القاهرة (1948 ر) ،
وأعيد طبعه في بيروت (1401 هـ) .
2- العد المودود في حواشي أبي داود: لعبد العظيم المنذري (المتوفى سنة 656هـ) .
3- شرح العيني: لمحمود بن أحمد العيني (المتوفى سنة 855 هـ) [وهو
كتابنا هذا] .
4- وشرح زوائده على الصحيحين سراج الدين عمر بن رسلان البلقيني
(المتوفى سنة 805 هـ) .
5- شرح لأحمد بن الحسين بن أرسلان الرملي (المتوفى سنة 844 هـ) .
6- وشرح لولي الدين العراقي أبي زرعة (المتوفى سنة 826 هـ) إلى أثناء
سجود السهو.
7- مرقاة الصعود إلى سنن أبي داود: تأليف السيوطي (المتوفى سنة 911 هـ)
واختصره الدمنتي الباجمعوي وطبع في القاهرة باسم " درجات مرقاة الصعود ".
8- وشرح للحافظ علاء الدين مغلطاي (المتوفى سنة 762 هـ) ولم يكمله.
9- فتح الودود على سنن أبي داود: تأليف أبي الحسن السندي (المتوفى سنة
1138 هـ) .
10- حاشية عون الودود: لمحمد بن عبد الله بنجابي الحزاروي، طبع سنة
(1318 هـ لوكنو) .
11- تعليقات المحمود: لفخر الحسين كنجوهي، طبع سنة (1905 ركوانبور) .(1/26)
12- عون المعبود: لمحمد أشرف أمير عظيم آبادي، ومحمد شمس الحق
عظيم آبادي، طبع سنة (1322 هـ دلهي) ، وأعيد تصويره في بيروت دار
الكتاب العربي.
13- وكتب عليه مولوي وحيد الزمان حاشية باللغة الهندوستانية، لاهور
(1882 ر) .
14- غاية المقصود في حل سنن أبي داود: لمحمد شمس الحق عظيم آبادي،
طبع في الهند بدون تاريخ.
15- وقد اختصره المنذري وطبع في حيدر آباد (1342 هـ) ، وحققه أحمد
محمد شاكر ومحمد حامد الفقي، القاهرة (1948 ر) .
16- وأيضاً اختصره محمد بن الحسن بن علي البلخي.(1/27)
كتاب السنن وأقوال الأئمة فيه
قال الحافظ أبو بكر الخطيب: كتاب السنن لأبي داود كتاب شريف لم يصنف
في علم الدين كتاب مثله، وقد رزق القبول من كافة الناس وطبقات الفقهاء على
اختلاف مذاهبهم وعليه معول أهل العراق ومصر وبلاد المغرب وكثير من أقطار
الأرض، فكان تصنيف علماء الحديث قبل أبي داود الجوامع والمسانيد ونحوها،
فيجمع تلك الكتب إلى ما فيها من السنن والأحكام أخباراً وقصصاً ومواعظ
وأدباً، فأما السنن المحضة، فلم يقصد أحد جمعها واستيفاءها على حسب ما
اتفق لأبي داود، كذلك حل هذا الكتاب عند أئمة الحديث وعلماء الأثر محل
العجب، فضربت فيه أكباد الإبل ودامت إليه الرحل. قال ابن الأعرابي: لو
أن رجلاً لم يكن عنده من العلم إلا المصحف، ثم كتاب أبي داود لم يحتج
معهما إلى شيء من العلم. قال الخطابي: وهذا كما قال لا شك فيه، فقد
جمع في كتابه هذا من الحديث في أصول العلم وأمهات السنن وأحكام الفقه ما
لم يعلم متقدماً سبقه إليه ولا متأخراً لحقه فيه. قال النووي في القطعة التي كتبها
من شرح سنن أبي داود: ينبغي للمشاغل بالفقه وغيره الاعتبار بسنن أبي داود
بمعرفته التامة، فإن معظم أحاديث الأحكام التي يحتج بها فيه مع سهولة تناوله
وتلخيص أحاديثه وبراعة مصنفه واعتنائه بتهذيبه. وقال إبراهيم الحربي: لما صنف
أبو داود كتاب السنن ألين لأبي داود الحديث كما ألين لداود الحديد. أنشد
الحافظ أبو طاهر السلفي رحمه الله تعالى نظم:
لان الحديث وعلمه بكماله ... لإمام أهْليه أبي داودُ
مثْلُ الذي لان الحديد وسبْكه ... لنبي أهل زمانه داودُ
وله في مدحه نظم:
أولى كتاب لذي فقْه وذي نظرٍ ... ومن يكون من الأوزار في وزر
ما قدْ تولى أبو داود محْتسباً ... تأليفه فأتى كالضوء في القمر(1/28)
لا يستطيعُ عليه الطعن مبتدع ... ولو تقطع من ضغن ومن ضجر
فليس يوجدُ في الدُنيا أصحُ ... ولا أقْوى من السنة الغراء والأثر
وكل ما فيه من قول النبي ... ومن قول الصحابة أهلُ العلم والبصر
يرويه عن ثقة عن مثله ثقة ... عن مثله ثقة كالأنجُم الزهر
وكان في نفسه فيما أحق ... ولا أشك فيه إماماً عالي الخطر
يدري الصحيح من الآثار يحفظُهُ ... ومن روى ذاك من أنثى ومن ذكر
محققا صادقاً فيما يجيء به قد شاع ... في البدو عنه ذا وفي الحضر
والصدقُ للمرء في الداريْن ... منقبة ما فوقها أبداً فخرٌ لمفتخر
وحكى أبو عبد الله محمد بن إسحاق بن منده الحافظ: إن شرط أبي داود
والنسائي أحاديث أقوام لم يجتمع على تركهم إذا صح الحديث باتصال السند من
غير قطع ولا إرسال. وقال الخطابي: كتاب أبي داود جامع لنوعي الصحيح
والحسن. وأما السقيم فعلى طبقات شرها الموضوع ثم المقلوب ثم المجهول،
وكتاب أبي داود خلا منها برئ من جملة وجهها.
ويحكى عنه أنه قال: ما ذكرت في كتابي حديثاً اجتمع الناس على تركه.
وقال في رسالته إلى أهل مكة المكرمة: إنكم سألتموني أن أذكر لكم الأحاديث
التي في كتاب السنن أهي أصح ما عرفت في الباب وقفت على جميع ما ذكرتم،
فاعلموا أنه كذلك كله إلا أن يكون قد روي من وجهين، أحدهما أقوى إسناداً
والآخر صاحبه أقدم في الحفظ، فربما كتبت ذلك وإذا عدت الحديث في الباب
من وجهين أو ثلاثة مع زيادة كلام فيه، وربما فيه كلمة زائدة على الحديث
الطويل لأني لو كتبته بطوله لم يعلم بعض من سمعه ولا يفهم موضع الفقه منه
فاختصرته لذلك.
أما المراسيل فقد كان يحتج بها العلماء فيما مضى مثل سفيان الثوري ومالك
والأوزاعي حتى جاء الشافعي، فتكلم فيه وتابعه على ذلك أحمد بن حنبل
وغيره، فإذا لم يكن مسند غير المراسيل ولم يوجد المرسل يحتج به وليس هو مثل
المتصل في القوة، وليس في كتاب السنن الذي صنفته عن رجل متروك الحديث
شيء، وإذا كان فيه حديث منكر بينته أنه منكر وليس على نحوه في الباب غيره،(1/29)
وما كان في كتابي من حديث فيه وهن شديد فقد بينته، ومنه ما لا يصح سنده
وما لم أذكر فيه شيئاً فهو صالح وبعضها أصح من بعض وهو كتاب لا يرد عليك
سُنة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا وهو فيه إلا أن يكون كلام استخرج من الحديث، ولا
يكاد يكون هذا ولا أعلم شيئاً بعد القرآن ألزم للناس أن يتعلموا من هذا الكتاب
ولا يضر رجلاً أن لا يكتب من العلم بعد ما يكتب هذا الكتاب شيئاً، وإذا نظر
فيه وتدبره وتفهمه حينئذ يعلم مقداره. وأما هذه المسائل مسائل الثوري ومالك
والشافعي، فهذه الأحاديث أصولها ويعجبني أن يكتب الرجل مع هذه الكتب
من رأى أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويكتب أيضاً مثل جامع سفيان الثوري، فإنه أحسن
ما وضع الناس من الجوامع، والأحاديث التي وضعتها في كتاب السنن أكثرها
مشاهير وهو عند كل من كتب شيئاً من الحديث إلا أن تمييزها لا يقدر عليه كل
الناس والفخر بها أنها مشاهير، فإنه لا يحتج بحديث غريب ولو كان من رواية
مالك ويحيى بن سعيد والثقات من أئمة العلم، ولو احتج رجل بحديث غريب
وحديث من يطعن فيه لا يحتج بالحديث الذي قد احتج به إذا كان الحديث غريباً
شاذا. فأما الحديث المشهور المتصل الصحيح فليس يقدر أن يرده عليك أحد.
قال إبراهيم النخعي: كانوا يكرهون الغريب من الحديث. وقال يزيد بن
حبيب: إذا سمعت الحديث فأنشده كما تنشد الضالة، فإن عرف وإلا فدعه.
وإن من الأحاديث في كتاب السنن ما ليس بمتصل وهو مرسل ومتواتر إذا لم
توجد الصحاح عند عامة أهل الحديث على معنى أنه متصل وهو مثل الحسن عن
جابر والحسن عن أبي هريرة والحكم عن مقسم عن ابن عباس وليس بمتصل
وسماع الحكم عن المقسم أربعة أحاديث. وأما أبو إسحاق عن الحارث عن علي
فلم يسمع أبو إسحاق عن الحارث إلا أربعة أحاديث ليس فيها مسند واحد، وما
في كتاب السنن من هذا النحو فقليل، ولعل ليس في كتاب السنن للحارث
الأعور إلا حديث واحد، وإنما كتبته بآخرة، وربما كان في الحديث ما لم يثبت
صحة الحديث منه أنه كان يخفى ذلك علي فربما تركت الحديث إذا لم أفقه،
وربما كتبته إذا لم أقف عليه، وربما أتوقف عن مثل هذه لأنه ضرر على العامة أن
يكشف لهم، كلما كان من هذا الباب فيما مضى من عيون الحديث لأن علم(1/30)
العامة يقصر عن مثل هذا وعدد كتبي في هذه السنن ثمانية عشر جزءاً مع
المراسيل، منها جزء واحد مراسيل وما يروى عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من المراسيل منها ما
لا يصح، ومنها ما يسند عند غيره وهو متصل صحيح، ولعل عدد الأحاديث
التي في كتبي من الأحاديث قدر أربعة آلاف حديث وثماني مائة حديث ونحو
ستمائة حديث من المراسيل، فمن أحب أن يميز هذه الأحاديث مع الألفاظ فربما
يجيء الحديث من طريق وهو عند العامة من حديث الأئمة الذين هم مشهورون
غير أنه ربما طلب اللفظة التي تكون لها معان كثيرة. وممن عرفت وقد نقل من
جميع هذه الكتب ممن عرفت، فربما يجيء الإسناد فيعلم من حديث غيره أنه
متصل ولا يتنبه السامع إلا باًن يعلم الأحاديث فيكون له معرفة فيقف عليه مثل ما
يروى عن ابن جريج قال: أخبرت عن الزهري ويرويه البرساني عن ابن جريج
عن الزهري، فالذي يسمع يظن أنه متصل ولا يصح بينهم، وإنما تركنا ذلك
لأن أصل الحديث غير متصل وهو حديث معلول ومثل هذا كثير، والذي لا يعلم
يقول: قد تركت حديثاً صحيحاً من هذا وجاء بحديث معلول، وإنما لم أصنف
في كتاب السنن إلا الأحكام، ولم أصنف في الزهد وفضائل الأعمال وغيرها،
فهذه أربعة آلاف وثمانمائة كلها في الأحكام. فأما أحاديث كثيرة صحاح من
الزهد والفضائل وغيرها في غير هذا لم أخرجها. انتهى ملخصاً (1) .
وقال ابن الأعرابي: إن حصل لأحد علم كتاب الله وسنن أبي داود يكفيه ذلك
في مقدمات الدين، ولهذا مثلوا في كتب الأصول لبضاعة الاجتهاد في علم
الحديث سنن أبي داود، وهو لما جمع كتاب السنن قديماً عرضه على الإمام أحمد
ابن حنبل فاستجاده واستحسنه.
__________
(1) انظر الحطة في ذكر الصحاح الستة (ص/212- 216) ، وراجع الإحالة إلى مصادر
الترجمة سابقاً.(1/31)
رواة كتاب السنن لأبي داود عنه
قال في " كشف الظنون " بعد أن عدد شروح سنن أبي داود: " قال ابن كثير
في مختصر علوم الحديث: إن الروايات لسنن أبي داود كثيرة، يوجد في بعضها
ما ليس في الأخرى ".
وقال الجلال السيوطي في " التدريب شرح التقريب للنووي " (1/170) :
" عدة أحاديث كتاب أبي داود أربعة آلاف وثمانمائة حديث، وهو روايات أتمها
رواية أبي بكر بن داسة والمتصلة الآن بالسماع رواية أبي علي اللؤلؤي ".
وقال الشاه عبد العزيز الدهلوي (1) : رواية اللؤلؤي مشهورة في المشرق،
ورواية ابن داسة مروجة في المغرب وأحدهما يقارب الآخر، وإنما الاختلاف
بينهما بالتقديم والتأخير دون الزيادة والنقصان بخلاف رواية ابن الأعرابي فإن
نقصانها بيّنٌ بالنسبة إلى هاتين النسختين اهـ.
وقال الحافظ أبو جعفر بن الزبير في برنامجه (2) : روى هذا الكتاب عن
أبي داود ممن اتصلت أسانيدها به أربعة رجال:
1- أبو بكر بن محمد بن بكر بن عبد الرزاق التمار البصري المعروف (3)
بابن داسة بفتح السين وتخفيفها، نص عليه القاضي أبو محمد بن حوطة الله،
وألفيتُهُ في أصل القاضي أبي الفضل عياض بن موسى اليحصبي المالكي في كتاب
الغنية مشدداً، وكذا وجدتُه في بعضها ما قيدته عن شيخنا أبي الحسن الغافقي
شكلاً من غير تنصيص.
__________
(1) الحطة في ذكر الصحاح الستة (ص/216) .
(2) الحطة في ذكر الصحاح الستة (ص/216) .
(3) توقي سنة (346 هـ) ، انظر ترجمته في: " سير أعلام النبلاء " (15/538) ،
و" شذرات الذهب " (2/373) .(1/32)
2- وأبو سعيد، أحمد بن محمد بن زياد بن بشر المعروف بابن الأعرابي (1)
(ت: 340 هـ) .
3- وأبو علي محمد بن أحمد بن عمرو اللؤلؤي البصري (2) (ت: 333 هـ) .
4- وأبو عيسى إسحاق بن موسى بن سعيد الرملي (3) ، وراق أبي داود.
ولم يتشعب طرقه كما اتفق في الصحيحين، إلا أن رواية ابن الأعرابي يسقط
منها كتاب الفتن والملاحم والحروف والخاتم ونحو النصف من كتاب اللباس وفاته
أيضاً من كتاب الوضوء والصلاة والنكاح أوراق كثيرة.
ورواية ابن داسة أكمل الروايات، ورواية الرملي تقاربها؛ ورواية اللؤلؤي من
أصح الروايات لأنها من آخر ما أملى أبو داود وعليها مات اهـ.
قلت: وروى أيضاً السنن عنه، ولكن شهرتهم دون الأربعة المذكورين وهم:
5- أبو الحسن، علي بن محمد بن العبد الأنصاري (4) .
6- أبو أسامة، محمد بن عبد الملك بن يزيد الرواس (5) .
7- أبو عمرو أحمد بن علي بن حسن البصري (6) .
8- أبو الطيب أحمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن الأشناني البغدادي (7) .
وقال أبو عمر الهاشمي: كان أبو علي اللؤلؤي قد قرأ كتاب السنن على
أبي داود عشرين سنة، وكان يدعى وراق أبي داود، والوراق في لغة أهل
__________
(1) ترجمته في: " سير أعلام النبلاء " (15/407) ، و " حلية الأولياء " (1/2570) ،
و" المنتظم " (6/371) ، و " شذرات الذهب " (2/354) .
(2) ترجمته في: " سير أعلام النبلاء " (15/307) ، و " شذرات الذهب " (2/334) ،
و" الوافي بالوفيات " (2/39) .
(3) توفي سنة (320 هـ) ، انظر: " تاريخ بغداد " (6/395) .
(4) ذكره في: " سير أعلام النبلاء " (13/206) ، وفي " تهذيب التهذيب " (4/170) .
(5) ذكره في: " سير أعلام النبلاء " (13/206) ، وفي " تهذيب التهذيب " (4/170) .
(6) ذكره في: " سير أعلام النبلاء " (13/205) ، وفي " تهذيب التهذيب " (4/170) .
(7) ذكره في " التهذيب " (4/170) ، و " سير أعلام النبلاء " (13/205) .
3 * شرح سنن أبي داوود 1(1/33)
البصرة القارئ للناس، قال: والزيادات التي في رواية ابن داسة حذفها أبو داود
آخراً لأمر رابه في الإسناد (1) .
وقال الذهبي في السير في أثناء ترجمة ابن داسة (2) : وهو آخر من حدث
بالسنن كاملاً عن أبي داود.
__________
(1) " سير أعلام النبلاء " (15/207) .
(2) " سير أعلام النبلاء " (15/538) .(1/34)
شرط الإمام أبي داود في كتابه
إن أفضل من يتكلم على مصنف- ولا شك- هو صاحب هذا المصنف،
ولذا فقد رأيت أنه من الأفضل أن نترك الإمام أبا داود يتحدث عن كتابه " السنن "
وذلك من خلال رسالته التي كتبها إلى أهل مكة يسألوه عن الأحاديث التي
أوردها في كتابه، وهاكم نص الرسالة (1) :
بسْم الله الرحْمن الرّحيم
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي.
أخبرنا الشيخ أبو الفتح محمد بن عبد الباقي بن أحمد بن سلمان المعروفُ
بابن البطي (2) إجازة إن (3) لم أكن سمعته منه قال: أنبأنا الشيخ أبو الفضل
أحمد بن الحسن بن خيرون المعدل (4) قراءة عليه وأنا حاضرٌ أسمع، قيل له:
أقرأت على أبي عبد الله محمد بن علي بن عبد الله الصوري الحافظ (5) قال:
سمعت أبا الحسين محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن جُميْع الغساني (6)
__________
(1) قد أوردت النص كاملاً بتحقيق الأستاذ محمد بن لطفي الصباغ، ط. بيروت 18
جمادى الآخرة سنة (1394 هـ) ، 8 تموز سنة (1974) ، الطبعة الثانية.
(2) هو مسند بغداد (المتوفى سنة 564 هـ) عن سبع وثمانين سنة. انظر: " تذكرة الحفاظ "
(ص 1321) أي: كان عمره عند وفاة ابن خيرون إحدى عشرة سنة.
(3) كذا في الأصل، ولعلها: " إذ ".
(4) هو الحافظ العالم الناقد أبو الفضل أحمد بن الحسن بن أحمد بن خيرون البغدادي ابن
الباقلاني، ثقة عدل متقن واسع الرواية، توفي في رجب سنة (488) عن 84 سنة.
(5) هو الحافظ العلامة الأوحد محمد بن علي بن عبد الله بن محمد بن دحيم الساحلي
الصوري، ولد سنة (376) كان صواماً صدوقاً ثقة، توفي في سنة (441) انظر:
" تاريخ بغداد " (3/103) ، و " تذكرة الحفاظ " (1114) .
(6) هو محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن جميع الغساني الصيداوي عالم بالحديث
ورجاله من أهل صيدا، ذكر الأستاذ الزركلي أنه ولد سنة (305 هـ) ، وتوفي سنة
(402 هـ) .(1/35)
بصيدا- فأقرّ به- قال: سمعت أبا بكر محمد بن عبد العزيز بن محمد بن
الفضل بن يحيى بن القاسم بن عون بن عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث
ابن عبد المطلب الهاشمي (1) بمكة يقول:
سمعت أبا داود سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير بن شدّاد السجستاني
وسئل عن رسالته التي كتبها إلى أهل مكة وغيرها جواباً لهم، فأملى علينا:
سلامٌ عليكم، فإني أحمدُ إليكم الله الذي لا إله إلا هو، وأسأله أن يصلي
على محمد عبده ورسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلّما ذكر.
أما بعد:
عافانا اللهُ وإياكم عافيةً لا مكروه معها ولا عقاب بعدها، فإنكم سألتم (2) أن
أذكر لكم الأحاديث التي في كتاب " السنن ": أهي أصح ما عرفتُ في الباب؟
* اختياره أحد الحديثين الصحيحين لقدم حفظ صاحبه (3) :
ووقفت على جميع ما ذكرتم، فاعلموا أنه كذلك كله (4) إلا أن يكون قد
رُوي من وجهين صحيحين، فأحدهما أقوم (5) إسناداً والآخر صاحبه أقدم (6)
في الحفظ، فربما كتبت ذلك (7) ، ولا أرى في كتابي من هذا عشرة أحاديث.
__________
(1) لم أقف على ترجمته، وإن كان نسبه هنا طويلاً ينتهي به إلى عبد المطلب، ويفهم مما
ذكر أعلاه أنه كان بمكة وأنه تلميذ أبي داود، فقد يكون مولوداً قبل سنة (260) لأن
أبا داود توفي سنة (275) ، وإذا صح هذا فلابد من أن يكون بقي حيا حتى أتيح
لا بن جميع السماع منه وهو مولود سنة (305 هـ) .
(2) في " توجيه النظر " (ص/152) ، و" المنهل العذب " (1/17) : سألتموني.
(3) إن هذا العنوان وجميع العناوين من وضعي.
(4) في " توجيه النظر " (ص/152) ، و " المنهل العذب " (1/17) : أنه كله كذلك
(5) في " المنهل العذب ": أقوى، وفي " المطبوعة ": أقدم.
(6) في " توجيه النظر ": أقوم.
(7) أي يكتب الحديث الذي صاحبه أقدم في الحفظ وكأنه يريد بذلك ما عرف عند علماء
الحديث بعلو الإسناد.(1/36)
* قلة أحاديث الأبواب:
ولم أكتب في الباب إلا حديثاً أو حديثين، وإن كان في الباب أحاديث
صحاح فإنه (1) يكثر، وإنما أردت قرب منفعته.
* إعادة الحديث:
وإذا (2) أعدتُ الحديث في الباب من وجهين أو (3) ثلاثة، فإنما هو من زيادة
كلام فيه، وربما (تكون) (4) فيه كلمة زيادة على الأحاديث.
* اختصار الحديث:
وربما اختصرت الحديث الطويل لأني لو كتبته بطوله لم يعلم بعضُ من سمعه
ولا يفهم موضع الفقه منه فاختصرته لذلك.
* المرسل والاحتجاج وبه:
وأما المراسيل فقد كان يحتج بها (5) العلماء فيما مضى مثل: سفيان
الثوري (6) ، ومالك بن أنس (7) ، والأوزاعي (8) حتى جاء الشافعي (9) ،
__________
(1) في الأصل: " وإنه "، وفي " التوجيه ": " فإنها تكثر "، وفي المطبوعة: " لأنه "
ورجحت ما أثبت لأنه أقرب ما يكون للأصل، واستأنست برواية " التوجيه ".
(2) في " توجيه النظر ": " فإذا ".
(3) كذا في " توجيه النظر "، و " المنهل " وهو الأحسن، والذي في الأصل: " وثلاثة ".
(4) سقطت هذه الكلمة من الأصل، واستدركتها من " توجيه النظر ".
(5) في الأصل: " به "، والتصويب من " توجيه النظر "، و " المنهل ".
(6) هو سفيان بن سعيد الثوري الكوفي، أمير المؤمنين في الحديث، كان علماً من أعلام
الدين، إماماً حافظاً، طبع أخيرا كتابه في تفسير القرآن الكريم، توفي بالبصرة سنة
(161 هـ) .
(7) هو مالك بن أنس بن مالك الأصبحي، أحد أعلام الإسلام، وإمام دار الهجرة،
صاحب المذهب، كان ثقة فاضلاً عاقلاً، توفي سنة (179 هـ) .
(8) هو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، إمام الديار الشامية، كان فقيهاً زاهداً ثقة مجاهداً
جريئاً في الحق، توفي سنة (157هـ) .
(9) هو محمد بن إدريس الشافعي المطلبي، الإمام العلامة ناصر السُنة، ومجدد المئة
الثانية ومؤسس علم أصول الفقه، كان إماماً ثقة عابداً فارساً رامياً شاعراً، توفي سنة
(204 هـ) .(1/37)
فتكلم (1) فيها (2) ، وتابعه على ذلك أحمد بن حنبل (3) وغيره- رضوان الله
عليهم-.
فإذا لم يكن مسند غير (4) المراسيل، ولم يوجد المسند، فالمرسل (5) يحتج
به، وليس هو مثل المتصل في القوة.
* ليس في الكتاب حديث عن متروك:
وليس في كتاب " السنن " الذي صنفته عن رجل متروك الحديث شيء (6) .
* يبين المنكر:
وإذا كان فيه حديث منكر بينتُ أنه منكر، وليس على نحوه في الباب غيره.
* موازنة بينه وبين كتب: ابن المبارك ووكيع ومالك وحماد:
وهذه الأحاديث ليس منها في كتاب ابن المبارك (7) ولا كتاب وكيع (8) إلا
الشيء اليسير، وعامته في كتاب هؤلاء مراسيل.
__________
(1) في الأصل: " مكلم " (بالميم) ، والتصويب من " توجيه النظر ".
(2) في الأصل: " فيه "، والتصويب من " توجيه النظر ".
(3) هو أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني المروزي البغدادي، الإمام الفقيه للحديث الحافظ
الحجة الصابر، مؤلف " المسند " أوسع كتب السنة، وله الموقف العظيم في المحنة
بخلق القرآن، توفي سنة (241 هـ) .
(4) في الأصل: " ضد "، والتصويب من " توجيه النظر ".
(5) في الأصل: " فالمراسيل "، والتصويب من " توجيه النظر "، و " المنهل العذب ".
(6) لعل العبارة التي نقلها عنه المنذري وابن الصلاح وغيرهما أن محمد بن إسحاق بن منده
الحافظ حكى عن أبي داود أنه قال: " ما ذكرت في كتابي حديثاً اجتمع الناس على
تركه "، لعل هذه العبارة أدق من الكلمة الواردة في هذه الرسالة لأن في كتابه " السنن "
بعض المتروكين كما ذكرت في دراستي للسنن.
(7) هو عبد الله بن المبارك الحنظلي ولاء المروزي، أحد الأئمة الأعلام، وشيخ الإسلام،
وأمير المؤمنين في الحديث، المجاهد التاجر الشاعر، قال فيه إسماعيل بن عياش: ما
على وجه الأرض مثل ابن المبارك. وقال فيه ابن معين: سيد من سادات المسلمين.
وقال الفضيل: ورب هذا البيت ما رأت عيناي مثل ابن المبارك. توفي سنة (181 هـ) .
(8) هو وكيع بن الجراح بن مليح الرؤاسي الكوفي، أحد الأئمة الأعلام، توفي سنة (196 هـ) .(1/38)
وفي كتاب السنن من " موطأ مالك بن أنس " شيء صالح، وكذلك من
مصنفات حمّاد بن سلمة (1) ، وعبد الرزاق (2) .
وليس ثلث هذه الكتب فيما أحسبه في كتب جميعهم (3) - أعني مصنفات
مالك بن أنس، وحماد بن سلمة، وعبد الرزاق.
* جمعه السنن واستقصاؤه:
وقد ألفته نسقاً على ما وقع عندي، فإن ذكر لك عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سنة ليس مما
خرجته فاعلم أنه حديث واه، إلا أن يكون في كتابي من طريق آخر، فإني لم
أخرج الطرق لأنه يكبر على المتعلم.
ولا أعرف أحداً جمع على الاستقصاء غيري، وكان الحسن بن عليّ
الخلال (4) قد جمع منه قدر تسعمائة حديث، وذكر أن ابن المبارك قال: السنن
عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نحو تسعمائة حديث فقيل له:
إن أبا يوسف (5) قال: هي ألف ومائة. قال ابن المبارك: أبو يوسف يأخذ
بتلك الهنات من هنا وهنا نحو الأحاديث الضعيفة.
__________
(1) هو حماد بن سلمة بن دينار الربعي ولاء البصري، البزاز، النحوي المحدث، له
التصانيف، توفي سنة (167 هـ) .
(2) هو عبد الرزاق بن همام بن نافع الحميري ولاء الصنعاني، صاحب التصانيف، مات
سنة (211 هـ) .
(3) يعني المؤلف- رحمه الله- بقوله: " ثلث هذه الكتب " كتب كتابه " السنن " مثل
كتاب الصلاة وكتاب الزكاة وكتاب الصوم وما إلى ذلك، ويريد بهذه الجملة أن
زيادات كتابه " السنن " عن كتب جميع أولئك العلماء تبلغ نحو ثلث الكتاب، والله
أعلم.
(4) هو الحسن بن علي الخلال محدث مكة، وكان يدعى الحلواني، حدث عنه البخاري
ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه، مات سنة (242 هـ) .
(5) هو يعقوب بن إبراهيم الأنصاري الكوفي، صاحب أبي حنيفة وفقيه العراقيين، له
كتاب " الخراج " وهو كتاب نفيس، توفي سنة (182 هـ) .(1/39)
* يبين ما فيه وهن شديد:
وما كان في كتابي من حديث فيه وهنٌ شديد فقد بينته (1) ، ومنه (2) ما لا
يصح سنده.
* المسكوت عنه صالح:
(و) (3) ما لم أذكر فيه شيئاً فهو صالح، وبعضها أصحُ من بعض.
وهذا لو وضعه غيري لقلت أنا فيه أكثر (4) .
* استقصاؤه:
وهو كتاب لا ترد عليك سُنة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بإسناد صالح إلا وهي (5) فيه،
إلا أن يكون كلامٌ استخرج من الحديث، ولا يكاد يكون هذا.
* قيمته ومقداره:
ولا أعلم شيئاً بعد القرآن ألزم للناس أن يتعلموه (6) من هذا الكتاب، ولا
يضر رجلاً أن لا يكتب من العلم- بعد ما يكتب هذه الكتب- شيئاً (7) ، وإذا
نظر فيه وتدبره وتفهمه، حينئذٍ يعلم مقداره.
__________
(1) جاء في " كشف الظنون " (2/1004) نقلاً عن " حاشية البقاعي على شرح الألفية ":
" قال في رسالته التي أرسلها إلى من سأله عن اصطلاحه في كتابه: ذكرت الصحيح
وما يشبهه ويقاربه، وما فيه وهن شديد بينته، وما لا فصالح، وبعضها أصح من
بعض ".
(2) في المطبوعة: " وفيه "، ولم يشر إلى الأصل.
(3) زيادة من " توجيه النظر ".
(4) يريد أنه لا يسرف في الثناء على عمله ولا يبالغ، ولو أن غيره ألف هذا الكتاب لقال
فيه أكثر.
(5) في الأصل: " هو "، والتصويب من " توجيه النظر ".
(6) في الأصل: " أن يتعلموا "، وأثبت رواية " توجيه النظر ".
(7) كذا في الأصل، ويعني بهذه الكتب كتب السنن كما أشرنا، وجاءت العبارة في
" توجيه النظر " كما يأتي: " ولا يضر رجلاً أن لا يكتب من العلم شيئاً بعد ما
يكتب هذا الكتاب ".(1/40)
* أحاديث كتابه أصول المسائل الفقهية:
وأما هذه المسائل مسائل الثوري ومالك والشافعي، فهذه الأحاديث أصولها.
* آراء الصحابة:
ويعجبني أن يكتب الرجل مع هذه الكتب من رأي أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
* جامع سفيان:
ويكتب أيضاً مثل " جامع سفيان الثوري " فإنه أحسن ما وضع الناس في
الجوامع.
* أحاديث السنن مشاهير ولا يحتج بالغريب:
والأحاديث التي وضعتُها في كتاب " السنن " أكثرها مشاهير: (وهي (1) عند
كل من كتب شيئاً من الحديث إلا أن تمييزها (2) لا يقدر عليه كل الناس،
والفخر بها أنها مشاهير) (3) فإنه لا يحتج بحديث غريب ولو كان من رواية
مالك، ويحيى بن سعيد (4) والثقات من أئمة العلم (5) .
ولو احتج رجل بحديث غريب، وجدت من يطعنُ فيه، ولا يحتجُّ بالحديث
الذي قد احتج به إذا كان الحديث غريباً شاذا.
فأما الحديث المشهور المتصل الصحيح فليس يقدر أن يرده عليك أحد (6) .
__________
(1) في الأصل: " هو "، والتصويب من " توجيه النظر ".
(2) يريد أن استخلاصها واختيارها وترتيبها لا يقدر عليه كل الناس.
(3) ما بين القوسين سقط من الأصل في هذا الموضع، وأستدركه مستدرك على هامش
الأصل، وبعد قليل أقحم هذا الكلام في غير موضعه في الأصل، واعتمدت في
التصويب هامش الأصل و " توجيه النظر ".
(4) هو يحيى بن سعيد بن فروخ القطان التميمي ولاء، البصري، كان من العباد
الصالحين. قال الذهبي فيه: سيد الحفاظ، توفي سنة (198 هـ) .
(5) بعد هذه الكلمة أقحم الكلام الذي بين القوسين.
(6) جاء بعد هذه الكلمة في " توجيه النظر ": " وأما الحديث الغريب فإنه لا يحتج به ولو
كان من رواية الثقات من أئمة العلم "، وقد تقدم في نسختنا كلام مشابه له.(1/41)
وقال إبراهيم النخعي (1) : كانوا يكرهون الغريب من الحديث.
وقال يزيد بن أبي حبيب (2) : إذا سمعت الحديث فانشده كما تنشد الضالة،
فإن عُرف وإلا فدعْه.
* قد يوجد المرسل والمدلس عند عدم وجود الصحاح:
وإن من الأحاديث في كتابي " السنن " ما ليس بمتصل، وهو: مرسل
ومدلّس (3) ، وهو إذا لم توجد الصحاح عند عامة أهل الحديث على معنى أنه
متصل، وهو مثل: الحسن (4) عن جابر (5) ، والحسن عن أبي هريرة (6) ،
والحكم (7) عن مقسْم (8) ، وسماع الحكم من (9) مقسم أربعة أحاديث (10) .
__________
(1) هو إبراهيم بن يزيد النخعي الكوفي الفقيه العابد الصالح، توفي سنة (96 هـ) .
(2) هو أبو رجاء يزيد بن أبي حبيب الأزدي ولاء المصري الفقيه، كان مفتي أهل مصر،
وهو أول من أظهر بمصر العلم بالحلال والحرام، توفي سنة (128 هـ) .
(3) في الأصل بعد هذه الكلمة أقحمت كلمة: " يعني ".
(4) هو الحسن بن أبي الحسن يسار البصري، شيخ الإسلام، وأحد الشجعان، كان ثقة
عابداً، بليغ الموعظة، وافر العلم، توفي سنة (110 هـ) ، ونقل ابن حجر في
" تهذيب التهذيب " (2/267) عن علي بن المديني قوله: " ولم يسمع ومن جابر بن
عبد الله ".
(5) هو جابر بن عبد الله الأنصاري، صحابي جليل مشهور، توفي سنة (78 هـ) بالمدينة.
(6) هو الصحابي الجليل أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي، توفي سنة (59 هـ) ،
ونقل ابن حجر في " تهذيب التهذيب " (2/267) عن بهز بن أسد قوله في الحسن
البصري: لم يسمع الحسن من ابن عباس، ولا من أبي هريرة، ولا من جابر، ولا
من أبي سعيد الخدري، واعتماده على كتب سمرة ".
(7) هو الحكم بن عتيبة الكندي ولاء، الكوفي، أحد الأعلام، ثقة لبت، توفي سنة (115 هـ) .
(8) هو مقسم بن بُجرة- أو ابن نجدة- مولى عبد الله بن الحارث بن نوفل. روى عن:
ابن عباس، وعبد الله بن الحارث، وعائشة، وأم سلمة. توفي سنة (101 هـ) .
(9) في الأصل: " عن ".
(10) جاء في " تهذيب التهذيب " (10/288) هذا القول كما يلي: " ... عن أحمد:
لم يسمع الحكم من مقسم إلا أربعة أحاديث، وأما غير ذلك فأخذها من كتاب ".(1/42)
وأما أبو إسحاق (1) عن الحارث (2) ، عن عليّ (3) ، فلم يسمع أبو إسحاق
من الحارث إلا أربعة (4) أحاديث (5) ، ليس فيها مسندٌ واحد. وأما (ما) (6)
في كتاب " السنن " من هذا النحو فقليل، ولعل ليس للحارث الأعور في كتاب
" السنن " إلا حديث واحد، فإنما كتبته بأخره.
وربما كان في الحديث (ما) (7) تثبت صحة الحديث منه، إذا كان يخفى
ذلك علي فربما تركت الحديث إذا لم أفقهه، وربما كتبته وبينته، و (8) (ربما) (9)
لم أقف عليه، وربما أتوقف عن مثل هذه لأنه ضرر على العامة أن يكشف لهم
(كل ما) (10) كان من هذا الباب فيما مضى من عيوب الحديث؛ لأن علم
العامة يقصر عن مثل هذا (11) .
عدد أجزائها:
وعدد كتب (12) هذه السنن ثمانية عشر جزءاً مع المراسيل، منها جزء واحد
مراسيل.
__________
(1) هو أبو إسحاق عمرو بن عبد الله بن عبيد السبيعي الكوفي، توفي سنة (126 هـ) ،
وانظر ترجمته في: " تهذيب التهذيب " (8/63) .
(2) هو الحارث بن عبد الله الهمداني الأعور أبو زهير الكوفي، اتهمه الشعبي وابن المديني
بأنه كذاب. وقال ابن معين: ضعيف. توفي سنة (65 هـ) .
(3) هو أمير المؤمنين رابع الخلفاء الراشدين، استشهد سنة (40 هـ) .
(4) في الأصل: " أربع "، والصواب ما أثبتناه.
(5) ذكر ذلك أبو داود في " سننه " أيضاً (1/330) .
(6) زيادة ليست في الأصل. (7) زيادة ليست في الأصل.
في الأصل: " أو ". (9) زيادة ليست في الأصل.
(10) سقطت من الأصل، واستدركها مستدرك على الهامش.
(11) يقرر المؤلف رحمه الله هنا أنه ربما كان في الحديث ما يثبت صحته ويشير إلى أنه كان
يستعمل هذا المقياس، فإذا خفي عليه ذلك في حديث ترك ذكره، وربما يكتبه مبيناً
له، غير أنه- أحياناً- لا يتعرض للبيان ولا يقف عليه ولا يذكر العيب؛. لأنه من
الضرر البالغ أن يكشف للعامة كل عيوب الحديث؛ لأن علم العامة يقصر عن مثل
هذا، وإذا كان ذكر العيب ليس فيه ضرر ذكره
(12) في الأصل: " كتبي ".(1/43)
* حكم المراسيل:
وما رُوي عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من المراسيل، منها: ما لا يصح، ومنها: ما هو
مسند عن غيره وهو متصل صحيح.
* عدد أحاديث كتابه:
ولعل عدد الذي في كتابي (1) من الأحاديث قرابة أربعة آلاف وثمانمائة حديث
ونحو ستمائة حديث من المراسيل.
* منهجه في الاختيار:
فمن أحب أن يميز هذه الأحاديث مع الألفاظ، فربما يجيء حديث من طريق
وهو عند العامة من طريق الأئمة الذين هم مشهورون، غير أنه ربما طلبتُ (2)
اللفظة التي تكون لها معان (3) كثيرة (4) ، وممن عرفت نقل من جميع هذه
الكتب (5) .
فربما يجيء الإسناد فيُعلم من حديث غيره أنه (غير) (6) متصل ولا يتبينه
السامع إلا بأن يعلم الأحاديث، وتكون له فيه معرفة فيقف عليه، مثل ما يروى
__________
(1) في الأصل: " كتبي ". (2) في الأصل: " طلب "، ورجحت ما أثبت.
(3) في الأصل: " معاني ".
(4) في هذه العبارة بعض غموض، وقد نظرت فيها طويلاً فانتهيت إلى ما يلي- والله
سبحانه أعلم-: يتحدث المؤلف عن اختياره للأحاديث، فهو يفضل الحديث الجامع
لكثير من الأحكام الذي تتصف ألفاظه أو بعضها بكثرة المعاني، ويقول: فمن أحب
أن يستخلص هذه الأحاديث مراعياً الألفاظ فليعلم أنه ربما يجيء حديث من طريق
الأئمة المشهورين، وهو معروف عند العامة، ولكنني أعدل عنه إلى حديث آخر فيه
لفظة تدل على معان كثيرة، فهذا عندي- إن صح- مقدم على غيره؛ لاهتمامي
بأحاديث الأحكام.
(5) يعرض المؤلف بناس عرفهم ينقلون من الكتب ولا يراعون ما يراعي من ناحية لفظ
الحديث وسنده.
(6) سقطت من الأصل، والمعنى يقتضيها، وقد أثبتت في المطبوعة.(1/44)
عن ابن جُريج (1) قال: أخبرت (2) عن الزهري (3) ، ويرويه البرساني (4) :
عن ابن جريج، عن الزهري.
فالذي يسمع يظن أنه متصل، ولا يصح بتة (5) ، فإنما تركناه (6) لذلك (7)
هذا (8) ؛ لأن أصل الحديث غير متصل ولا يصح، وهو حديث معلول، ومثل
هذا كثير.
والذي لا يعلم يقول: قد تركنا حديثاً صحيحاً من هذا وجاء بحديث معلول (9) .
__________
(1) هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج الرومي، الأموي ولاء، المكي، الإمام الحافظ
فقيه الحرم، العابد، توفي سنة (150 هـ) . قال الدارقطني: تجنب تدليس ابن
جريج، فإنه قبيح التدليس، لا يدلس إلا فيما سمعه من مجروح مثل إبراهيم بن
أبي يحيى وموسى بن عبيدة وغيرهما. وأما ابن عيينة فكان يدلس عن الثقات. وقال
قريش بن أنس عن ابن جريج قال: لم أسمع من الزهري شيئاً، إنما أعطاني جزءاً
وأجاز له. انظر: " تهذيب التهذيب " (6/405- 406) .
(2) جاء في " تهذيب التهذيب " (6/404) عن أحمد قال: " إذا قال ابن جريج:
" أخبرتُ " جاء بمناكير، وإذا قال: " أخبرني وسمعت " فحسبك به ".
(3) هو محمد بن مسلم ابن شهاب الزهري المدني ثم الشامي، حدّث عن ابن عمر وأنس،
وتتلمذ عليه الليث والأوزاعي ومالك وابن عيينة، كان حافظاً جوادا، توفي سنة (124 هـ) .
(4) هو محمد بن بكر بن عثمان البرساني البصري. روى عن ابن جريج، وروى عنه
أحمد. وقال فيه ابن معين: كان والله ظريفاً صاحب أدب. توفي سنة (204 هـ) .
(5) في المطبوعة: " عنه " وهو تحريف، ولم يشر إلى الأصل.
(6) في الأصل: " تركنا ".
(7) يعرض أبو داود هنا منهجاً مهما للمحدثين، وهو منهج مقابلة المرويات بعضها ببعض،
وبهذا المنهج مع ملاحظة طبقات الرواة يعرف الحديث المتصل حقا وما ليس بمتصل وإن
كان ظاهره الاتصال، ومن الواضح أن هذه المقابلة إنما يعرفها المختص بالحديث المطلع
على طرق الحديث المتعددة، وهو إنما يسوق هذا لبيان السبب في تركه بعض
الأحاديث وعدم إدخالها في كتابه.
(8) في الأصل: " هو "، ورجحت أن تكون كلمة " هو " محرفة عن هذا.
(9) يتحدث المؤلف عن تركه لبعض الأحاديث لانقطاعها فيقول: قد يأتي الحديث ويبدو
للإنسان العادي أنه متصل، غير أن العارف يعلم من مقارنة هذه الرواية للحديث=(1/45)
* اقتصاره على الأحكام:
وإنما لم أصنف في كتاب " السنن " إلا الأحكام، ولم أصنف كتب الزهد
وفضائل الأعمال وغيرها.
فهذه الأربعة آلاف والثمانمائة كلها في الأحكام، فأما أحاديث كثيرة في (1)
الزهد والفضائل وغيرها من (2) غير هذا لم أخرجه (3) ، والسلام عليكم
ورحمة الله وبركاته، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى له وسلم تسليماً
وحسبنا الله ونعم الوكيل.
__________
= برواية أخرى يعلم أن هذا الحديث منقطع، فالذي يسمع ولا يكون من أهل التدقيق
يظن أنه متصل مع أنه لا يصح البتة، فمثل هذا أتركه عمداً، وقد يعترض معترض
لا يعلم ويقول: تركت حديثاً صحيحاً، ويأتي بهذا الحديث المعلول، ولا يدري أنه
معلول، لأنه لا يعلم، ومثل هذا كثير.
(1) في " مختصر المنذري ": " من ".
(2) في الأصل: " في "، وأثبت ما في " مختصر المنذري ".
(3) هذه الجملة: " فأما أحاديث كثيرة ... " سبق أن أورد المؤلف مضمونها ثم أعاده
هنا، وقد وردت عند المنذري مطابقة للأصل، أما في " توجيه النظر " فقد وردت كما
يلي: " فأما أحاديث كثيرة في الزهد والفضائل وغيرها فلم أخرجها وللسلام عليكم ".(1/46)
إثبات نسبة الكتاب إلى الشارح
ذكر الشارح- رحمه الله- في كتابه " عمدة القاري " أن له شرحاً على " سنن
أبي داود "، وأنه لم يتمه، حيث قال في مقدمته (ص/2) : " ... ثم أنشأت
شرحاً على سنن أبي داود السجستاني، بوأه الله دار الجنان، فعاقني من عوائق
الدهر ما شغلني عن التتميم، واستولى علي من الهموم ما يخرج عن الحصر
والتقسيم ... ".
هذا، وقد نسب هذا الكتاب إلى الشارح كل من:
1- السخاوي في " الضوء اللامع " (10/135) .
2- الشوكاني في " البدر الطالع " (2/295) .
3- ابن العماد في " شذرات الذهب " (7/ 288) .
4- حاجي خليفة في " كشف الظنون " (2/1506) .
5- الزركلي في " الأعلام " (7/163) .
" وصف النسخة المعتمدة:
قد اعتمدت في هذا النص على نسخة خطية بخط المصنف موجودة في دار
الكتب المصرية- حفظها الله-، تحت رقم (286) حديث.
وتقع هذه النسخة في مجلدين:
الأول: ويتكون من (281) ورقة، وقد ضاع منه أول اثنتي عشرة ورقة،
أي: أن حقه أن يكون (293) ورقة، وضاع منه كذلك الورقة رقم (1/41-
ب- 42- أ) ، وقد تركنا لها ترقيماً عسى أن يوفقنا الله للعثور عليها، ويبدأ
بشرح الحديث رقم (12) من " سنن أبي داود "، وهو تحت " باب: الرخصة
في ذلك " من كتاب الطهارة، وينتهي بـ " باب: من ترك القراءة في صلاته "
من كتاب الصلاة، وهذا يوافق الحديث رقم (825) من سنن أبي داود، وفيه
تعرض الشارح لشرح كتاب الطهارة وثلث كتاب الصلاة تقريباً.
هذا، وقد بدأ فيه الشارح غرة محرم سنة (805 هـ) ، وانتهى منه في يوم
الأحد الثالث من ربيع الأول من نفس السنة.(1/47)
ويبدأ المجلد الثاني بـ " باب من رأى القراءة إذا لم يجهر "، وأورد تحته أحاديثه
وأحاديث " باب: من كره القراءة بفاتحة الكتاب إذا جهر الإمام "، حيث لم يرد
هذا التبويب في نسخته، وهو موجود في المطبوع من سنن أبي داود، وتحته الحديث
رقم (826) ، وينتهي الكتاب بـ " باب: في النسخ " من كتاب الزكاة، وذكر
فيه حديثاً واحداً، وهو الحديث رقم (1698) من سنن أبي داود، ويبدو أنه قد
وافته المنية قبل الشروع في شرحه، وقد شرح فيه باقي كتاب الصلاة، وكتاب
الجنائز، وكتاب الزكاة عدا آخر باب فيه. وقد اختلفت نسخة الشارح من سنن
أبي داود عن النسخ المطبوعة كثيراً، مما يأتي التنبيه عليه في حينه.
هذا، وقد اطلعت على نسخة أخرى مأخوذة من نسختنا هذه، موجودة في
دار الكتب المصرية تحت رقم (19697 ب حديث) ، وقد استفدت منها كثيراً.
. طريقة الشارح في النسخ:
يكتب الشارح (الناسخ) الحديث من سنن أبي داود مسبوقاً بحرف " ص "،
ثم يعقبه بالشرح مسبوقاً بحرف " ش "، وهو يختصر صبغ السماع غالباً، وقد
حافظنا على ذلك، وقد يسقط منه كلمة أو أكثر فيضع علامة لحق، ويستدرك
ذلك بالحاشية، ويكتب فوقه " صح ".
وأحياناً لا يستحضر الشارح شرح جملة من الحديث، أو ترجمة راو في السند
فيبيض له سطراً أو أكثر لحين استحضاره ذلك، ولكنه يبدو أنه وافته المنية قبل
إكماله ما بيض له.
هذا وقد ذكر الشارح أنه قرأ الكتاب كله عدا كتاب الجنائز والزكاة على شيخه
تقي الدين الدجوي، فقال في نهاية كتاب الصلاة (2/185- أ) : " بلغ
سماعي إلى هنا يوم الجمعة التاسع والعشرين من جمادى الأولى، عام ست
وقت ما تم على الشيخ تقي الدين الدجوي بقراءتي عليه ".
* موارد الشارح:
بعد استقرائي للكتاب، وتتبع نقولات الشارح، وجدت أنه قد اعتمد في
شرحه على كثير من الكتب- سيأتي ذكرها في فهرس المصادر- إلا أنه قد أكثر
النقل من بعض المصادر، التي تعتبر عمدة في شرحه، وأحياناً ينقل من الكتاب
ولا يشير إلى ذلك، فقمت بعزو هذه النقولات إلى مصادرها، وأهم المصادر
التي اعتمدها الشارح هي:(1/48)
1- كتب الشروح:
(أ) معالم السنن في شرح سنن أبي داود للخطابي.
(ب) شرح صحيح مسلم للنووي.
(ج) مختصر السنن للمنذري.
2- كتب التخريجات:
" نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية " للزيلعي، وقد أكثر الشارح النقل
منه جدا، خاصة عند إيراده للروايات والآثار.
3- كتب الغريب:
" النهاية في غريب الحديث والأثر " لابن الأثير.
4- كتب اللغة:
" الصحاح ".
5- كتب الرجال:
" الكمال في أسماء الرجال " لعبد الغني المقدسي.
* عملي في الكتاب:
1- نسخ المخطوط.
2- معارضة نص الكتاب على الأصل المخطوط.
3- معارضة " سنن أبي داود " على المطبوع منه، وقد اخترت لذلك ط.
دار الحديث، تحقيق الدعاس وعادل السيد، وهو المقصود بقولي في الحاشية:
" في سنن أبي داود ".
4- ضبط " سنن أبي داود " بالشكل، وضبط ما أشكل في الشرح.
5- عزو الآيات القرآنية.
6- تخريج " سنن أبي داود " على الكتب الخمسة.
7- تخريج بعض أحاديث الشرح.
8- الاعتناء بعلامات الترقيم الحديثة، تيسيراً على القارئ.
4* شرح سنن أبي، داود 1(1/49)
9- زدت " ح " عند تحويل السند.
10- بعض التعليقات التي يحتاجها النص.
11- الفهارس العلمية:
(1) فهرس الآيات القرآنية.
(ب) فهرس الأطراف.
(ب) فهرس الأعلام.
(د) فهرس المصادر.
(هـ) فهرس الأشعار.
هذا، وقبل أن أرفع القلم ينبغي أن أتوجه بالشكر لكل من ساهم في إخراج
هذا الكتاب، وأخص بالذكر الأخ الفاضل/أبا عمرو مجدي بن عبد الخالق
الشافعي لما بذله من جهد جهيد، وخاصة في أثناء المراجعات، وتنبيهي على
كثير من الأخطاء الواقعة في الكتاب، فجزاه الله خيراً.
ثم أثني بالإخوة الأفاضل: حسام بن عبد الحميد كشك، وأبي عبد الرحمن
أحمد بن عبد الجواد، وأبي عدي حاتم بن أحمد بن محمد، وأبي عبد الله
وحيد بن عبد السلام، وأبي عبد الرحمن عماد بن خيري، وأبي سيف الإسلام
أحمد بن رجب الروبي، فجزاهم الله عني وعن الإسلام خير الجزاء.
" والله أسأل أن يثيبني بنشره وتحقيقه- وكل من ساهم في نشره- جميل
الذكر في الدنيا، وجزيل الأجر في الآخرة، ضرعاً إلى من ينظر من عالم في
عملي أن يستر عثاري وزللي، ويسد بسداد فضله خللي، ويصلح ما طغى به
القلم، وزاغ عنه البصر، وقصر عنه الفهم، وغفل عنه الخاطر، فالإنسان
محل النسيان، وإن أول ناس أول البشر، وعلى الله تعالى التكلان " (1) .
وكتبه: أبو المنذر
خالد بن إبراهيم المصري
القاهرة: 15 ربيع الأول 1419 هـ
الموافق: 7/9/1998 م
__________
(1) عن خاتمة القاموس المحيط للفيروز آبادي.(1/50)
نماذج النسخ الخطية المعتمدة في تحقيق النص(1/51)
الورقة الأولى من المجلد الأول، ويظهر فيها خاتم دار الكتب المصرية(1/53)
الورقة الأخيرة من المجلد الأول(1/54)
الورقة الأولى من المجلد الثاني، ويظهر فيها بعض الطمس(1/55)
الورقة قبل الأخيرة من المجلد الثاني، ويظهر فيها الطمس واضحاً(1/56)
الورقة الأخيرة من المجلد الثاني، ويظهر فيها خاتم دار الكتب المصرية(1/57)
1 - كتاب الطهارة
[بسْم الله الرّحْمن الرّحيم
1- باب: الرخصة في ذلك (1)
1- حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن
محمد بن يحيى بن حبان، عن عمه واسع بن حبان، عن عبد الله بن عمر
قال: " لقد ارتقيتُ على ظهر البيت، فرأيتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على لبنتيْن،
مُسْتقْبل بيْت المقدس لحاجته "] (2) ، (3) .
/وحكى صاحب " المطالع " لغتين أخرتين: " أحدهما: فتح القاف
بغير همز، والأخرى فتحها مع الهمز ". وقال الجوهري: " رقيت في
السلم- بالكسر- رقْياً ورُقيا، إذا صعدت، وارتقيت مثله " (4) .
فإن قلت: كيف نظر ابنُ عمر- رضي الله عنه- إلى رسول الله وهو
في تلك الحالة، ولا يجوز ذلك؟ قلت: وقعت تلك منه اتفاقاً من غير
قصد لذلك.
قوله: " على لبنتين " تثنية لبنةٍ، " بفتح (5) اللام، وكسر الباء،
__________
(1) أي: الرخصة في استقبال القبْلة عند قضاء الحاجة.
(2) مفقود من الأصل، وأثبتناه من سنن أبي داود.
(3) البخاري: كتاب الوضوء، باب: من تبرز على لبنتين (145) ، مسلم:
كتاب الطهارة، باب: الاستطابة (266/ 61، 62) ، الترمذي: كتاب
الطهارة، باب: [ما جاء من] (كذا في الأصل بين معقوفتين) الرخصة في
ذلك (11) ، النسائي: كتاب الطهارة، باب: الرخصة في ذلك في البيوت
(1/23- 24) ، ابن ماجه: كتاب الطهارة وسننها، باب: الرخصة في
ذلك في الكنيف، وإباحته دون الصحاري (323) .
(4) انظره في: شرح صحيح مسلم (3/158) .
(5) انظر: شرح صحيح مسلم (3/158) .(1/59)
ويجوز إسكان الباء مع فتح اللام ومع كسرها، وكذلك كل ما كان على
هذا الوزن- أعني: مفتوح الأول، مكسور الثاني- يجوز فيه الأوجه
الثلاثة ككتف، فإن كان ثانيه أو ثالثه حرف حلق، جاز فيه وجه رابع
وهو: كسر الأول والثاني كفخذٍ ".
قوله: " لحاجته " أي: لقضاء حاجته. وحديث ابن عمر أخرجه
البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه
2- ص- حدثنا محمد بن بشار قال: ثنا وهب بن جرير قال: نا أبي
قال: سمعت محمد بن إسحاق يحدث عن أبان بن صالح، عن مجاهد،
عن جابر بن عبد الله قال: " نهى نبيُّ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نستقبل القبلة ببول، فرأيتُه
قبل أن يُقبض بعامٍ يستقبلُها " (1) .
ش- محمد بن بشار بن عثمان بن داود بن كيسان العبدي البصري،
يكنى أبا بكر بندار، والبندار: الحافظ، سمع معتمر بن سليمان،
ويحيى بن سعيد القطان، ووكيعاً، وأبا داود الطيالسي وجماعة آخرين.
روي عنه: البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي،
وابن ماجه، وأبو زرعة، وأبو حاتم، وعبد الله بن أحمد، وجماعة
آخرون. ولد سنة سبع وستين ومائة، ومات في رجب، سنة ثنتين
وخمسين ومائتين (2) .
ووهب بن جرير بن حازم أبو العباس البصري، سمع أباه، وشعبة،
وهشاماً، وجماعة آخرين. روى عنه: أحمد بن حنبل، وأبو خيثمة،
ويحيى بن معين، وعلي بن حرب، ومحمد بن بشار، وجماعة آخرون.
قال أحمد ين عبد الله: كان عفان يتكلم في وهب بن جرير.
__________
(1) الترمذي: كتاب الطهارة، باب [ما جاء من] (كذا في الأصل بين معقوفتين)
الرخصة في ذلك (9) ، ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: الرخصة في ذلك
في الكنيف، وإباحته دون الصحاري (325) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (24/5086) .(1/60)
مات بالمنْجشانية على ستة أميال من البصرة، منصرفاً من الحج، فحمل
ودفن بالبصرة سنة ست ومائتين. روى له الجماعة (1) .
ومحمد بن إسحاق بن يسار بن كُوثان أبو بكر، ويقال: أبو عبد الله
المدني القرشي، مولى قيس بن مخرمة بن المطلب بن عبد مناف، وكان
يسار من سبي عين التمر، رأى محمدُ بن إسحاق أنس بن مالك،
وسعيد بن المسيب، وسالم بن عبد الله بن عمر، وأبان بن عثمان،
وسمع القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، ونافعاً مولى [ابن]
عمر، وأبا سلمة بن عبد الرحمن، والزهري، وجعفر بن عمر بن أمية
الضمري، وشعبة، وجماعة آخرين. روى عنه: سفيان الثوري،
وسفيان بن عيينة، وشعبة، وجماعة آخرون. وقال ابن معين: ثقة وليس
بحجة. وقال شعبة: صدوق في الحديث. وقال أحمد بن حنبل: كثير
التدليس جدا، والمقصود أنه كان كثير الحديث، وقد كتب عنه العلماء،
ومنهم من يستضعفه، أخرج له مسلم في المتابعات، واستشهد به البخاري
في مواضع يسيرة، روى له أبو داود وابن ماجه. توفي ببغداد سنة
خمسين ومائة، ودفن في مقابر الخيرزان (2) .
وأبان بن صالح بن [عمير بن] عبيد القرشي مولاهم أبو بكر المدني،
وقيل: إنه مكي، أصله من العرب وأصابه سباء، روى عن: أنس بن
مالك، وعمر بن عبد العزيز، ومجاهد بن جبر، وعطاء بن أبي رباح
وغيرهم، روى عنه محمد بن إسحاق، ومحمد بن عجلان، وسعد بن
إسحاق، وغيرهم. قال أبو زرعة: هو مكي ثقة، وكذا قال أبو حاتم،
روى له: البخاري، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (3) .
ومجاهد بن جبر، ويقال: ابن جبير، والأول أصح، المكي
أبو الحجاج المخزومي، مولى عبد الله بن السائب المخزومي القارئ،
__________
(1) المصدر السابق (31/6753) . (2) المصدر السابق (24/5057) .
(3) المصدر السابق (2/137) .(1/61)
ويقال: مولى السائب بن أبي السائب، ويقال: مولى قيس بن الحارث،
سمع عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وأبا هريرة، وأبا سعيد
الخدري، وجابر بن عبد الله، وعبد الله بن عمر [و] ، وعائشة،
وغيرهم. روى عنه: عطاء، وطاوس، وعكرمة، وعمرو بن دينار،
والأعمش، وجماعة آخرون. قال يحيى بن معين: ثقة. وقال أبو زرعة:
مكي ثقة. مات سنة ثلاث أو أربع ومائة، روى له الجماعة (1) .
وجابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام بن عمرو بن سواد/بن سلمة،
ويقال: ابن حرام بن ثعلبة بن حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة
ابن سعد بن عدي بن ساردة بن تزيد بن جشم بن الخزرج الأنصاري
السلمي، يكنى أبا عبد الله، ويقال: أبا عبد الرحمن، ويقال: أبا محمد
المدني، روي له عن رسول الله ألف حديث وخمسمائة حديث وأربعون
حديثاً، أخرجا له مائتي حديث وعشرة أحاديث، اتفقا منها على ثمانية
وخمسين، وانفرد البخاري بست وعشرين، ومسلم بمائة وست وعشرين،
وروى عن أبي بكر، وعمر، وعلي، وأبي عبيدة، ومعاذ، وخالد بن
الوليد، وأبي هريرة، روى عنه: أبو سلمة، محمد بن المنكدر،
وعطاء، وعمرو بن دينار، ومجاهد، وخلق كثير. مات بالمدينة سنة
ثلاث وسبعين، وكان قد ذهب بصرُه، وصلى عليه أبان بن عثمان، روى
له الجماعة (2) .
قوله: " أن نستقبل القبْلة ببول " من باب الاكتفاء، والمعنى: " ببول
وغائط " نحو قوله تعالى: (سرابيل تقيكُمُ الحر) (3) أي: والبرد أيضاً.
قوله: " قبل أن يُقبض " من قولهم: قُبض المريضُ إذا تُوفي، وإذا
أشرف على الموت.
__________
(1) المصدر السابق (27/5783) .
(2) انظر ترجمته في: الاستيعاب (1/221) بهامش الإصابة، وأسد الغابة
(1/307) ، والإصابة (1/213) .
(3) سورة النحل: (81) .(1/62)
قوله: " مستقبلها " أي: يستقبل القبْلة. وبحديث جابر هذا احتج من
حرم الاستقبال والاستدبار في الصحراء، وأباحهما في البنيان. ورواه
أيضاً الترمذي وابن ماجه. وقال الترمذي: حديث حسن غريب.
***
2- باب: كيف التكشفُ عند الحاجة
اعلم أن " كيف " اسم، لدخول الجار عليه بلا تأويل في قولهم:
على كيف تبيع الأحمرين؟ ولإبدال الاسم الصريح منه، نحو: كيف
أنت أصحيح أم سقيم؟ وللإخبار به مع مباشرة الفعل في نحو: كيف
كنت؟ فبالإخبار به انتفت الحرفية، وتستعمل على وجهين: أحدهما: أن
يكون شرطاً فيقتضي فعلين متفقي اللفظ والمعنى، غير مجزومين، نحو:
كيف تصنعُ أصنعُ. ولا يجوز: كيف تجلس أذهبُ، باتفاق، ولا:
كيف تجلسْ أجلسْ، بالجزم عند البصريين، خلافاً لقطرب.
والثاني وهو الغالب فيها: أن تكون استفهاماً عن الحال، نحو: كيف
زيد؟ يعني: ما حاله؟ و " كيف " الذي هاهنا من القبيل الثاني.
وقوله: " عند الحاجة " أي: قضاء الحاجة من البول والغائط.
3- ص- حدثنا زهير بن حرب، قال: ثنا وكيع، عن الأعمش، عن
رجل، عن ابن عمر، عن (1) النبي- عليه السلام-: " كان إذا أراد حاجةً
لا يرفعُ ثوبهُ حتى يدنُو من الأرض " (2) . قال أبو داود: رواه عبد السلام
ابن حرب، عن الأعمش، عن أنس بن مالك، وهو ضعيف (3) ، (4) .
ش- زهير بن حرب بن شداد النسائي أبو خيثمة، سكن بغداد، وكان
__________
(1) كذا في الأصل، وفي السنن: " أن ". (2) تفرد به أبو داود.
(3) الترمذي: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في الاستتار عند الحاجة (14)
(4) في المطبوع من سنن أبي داود زيد بين معقوفتين الآتي: " قال أبو عيسى
الرملي: حدثنا أحمد بن الوليد، ثنا عمرو بن عون، أخبرنا عبد السلام
به ". اهـ. وانظر: التحفة (892) .(1/63)
اسم جده أشتال، فعُرب شداداً (1) ، وهو مولى بني الحريش بن كعب
ابن عامر بن صعصعة (2) ، سمع سفيان بن عيينة، ووكيعاً، وابن علية،
وأبا الوليد الطيالسي، وجماعة آخرين. روى عنه: ابنه أحمد،
وأبو زرعة، وأبو حاتم، والبخاري، ومسلم، وأبو داود وابن ماجه،
ويعقوب بن شيبة، وجماعة آخرون. وتوفي ببغداد سنة أربع وثلاثين
ومائتين، وهو ابن أربع وسبعين سنة (3) .
قوله: " إذا أراد حاجة " أي: قضاء حاجة.
قوله: " حتى يدنو " أي: حتى يقرب من الأرض، وذلك حفظاً
لكشف العورة، واحترازاً عن كشف العورة.
قوله: " رواه عبد السلام " أي: روى هذا الحديث عبد السلام بن
حرب المُلائيُّ- بضم الميم وبالمد- وهو نسبة إلى بيع المُلاء، وهو الإزار،
أي: الملحفة، ويكنى أبو (4) بكر الكوفي، سمع أيوب السختياني،
ويونس بن عبيد، وأبا خالد الدالاني، وهشام بن حسان، روى عنه:
عبد الرحمن بن محمد المحاربيُ، وأبو نعيم، وأبو سعيد الأشج وغيرهم.
وقال حسن بن عيسى: سألت ابن المبارك عن عبد السلام بن حرب فقال:
قد عرفتُه، وكان إذا قال: " قد عرفتُه " فقد أهلكه. وقال أحمد: قيل
لابن المبارك فيه فقال: ما تحملني رجلاي إليه. وقال يحيى بن معين:
صدوق، وفي رواية: إنه ليس به بأس، يكتب حديثه. وقال أبو حاتم:
ثقة. وقال البخاري: مات سنة ست أو سبع وثمانين، روى له
الجماعة (5) . وأخرج الترمذي حديث الأعمش عن أنس، وأشار إلى
حديث الأعمش عن ابن عمر، وقال: وكلا الحديثين مرسل. وقال:
__________
(1) في الأصل: " شداد " كذا.
(2) في الأصل: " ... ابن عامر بن كعب بن صعصعة "، والتصويب من
مصادر الترجمة.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (9/2010) ، وطبقات ابن سعد (7/354) .
(4) كذا. (5) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (18/3418) .(1/64)
لم يسمع الأعمش من أنس بن مالك، ولا من أحد من أصحاب/النبي
- عليه السلام-، وقد نظر إلى أنس بن مالك، قال: رأيته يصلي،
فذكر عنه حكاية في الصلاة (1) . وذكر أبو نعيم الأصبهاني أن الأعمش
رأى أنس بن مالك وابن أبي أوفى، وسمع منهما، والذي قاله الترمذي
هو المشهور.
***
3- باب: كراهية الكلام على الخلاء (2)
" كراهية ": بتخفيف الياء مصدر من كرهت الشيء أكرهه كراهة
وكراهية، فهو شيء كريه ومكروه، والكُره بالضم: المشقة. وقال
الكسائي: الكُرْهُ والكرْهُ بالضم والفتح لغتان.
4- ص- حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة قال: ثنا ابن مهدي قال: ثنا
عكرمة بن عمار، عن يحيى بن أبي كثير، عن هلال بن عياض قال: حدثني
أبو سعيد قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لا يخرجُ الرجلان يضربان
الغائط كاشفيْن عن عورتهما يتحدثان، فإن الله- عز وجل- يمقُتُ على
ذلك " (3) . قال أبو داود: لم يسنده إلا عكرمة بن عمار.
ش- عُبيد الله بن عمر بن ميسرة القواريري أبو سعيد الجُشمي،
مولاهم البصري، نزل بغداد، سمع حماد بن زيد، وجعفر بن سليمان،
وأبا معشر يوسف، وسفيان بن عيينة، وأبا عوانة، وجماعة آخرين.
روى عنه البخاري، ومسلم، وأبو داود، وأبو قدامة، وأبو زرعة،
وأبو حاتم، وأبو يعلى، وأبو القاسم البغوي، وغيرهم. قال يحيى بن
__________
(1) انظر: جامع الترمذي (1/22) .
(2) في سنن أبي داود: " باب: كراهية الكلام عند الحاجة ".
(3) ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: النهي عن الاجتماع على الخلاء (342) من
طريق عكرمة بن عمار.
5. شرح سنن أبي داوود 1(1/65)
معين: ثقة. وقال ابن سعد: كان كثير الحديث ثقة، توفي ببغداد سنة
خمس وثلاثين ومائتين (1) .
ومهدي بن حرب الهجري المحاربي، روى عن عكرمة مولى ابن
عباس، روى عنه حوشب بن عقيل. قال يحيى بن معين: لا أعرفه.
روى له أبو داود وابن ماجه (2) .
وعكرمة هو ابن عمار أبو عمار اليمامي العجلي البصري، روى عن
الهرماس بن زياد، سمع أبا غادية اليمامي، وسالم بن عبد الله،
ونافعاً، وطاوساً، وغير هم. روى عنه: الثوري، وشعبة، ويحيى
القطان، وابن المبارك، ووكيع، وجماعة آخرون. وقال أحمد بن
حنبل: مضطرب الحديث عن غير إياس، وكل حديثه عنه صالح، وحديثه
عن يحيى بن [أبي] كثير صالح. وقال ابن معين: صدوق، ليس به
بأس، وفي رواية: كان أميناً، وكان حافظاً. وقال أبو حاتم: كان
صدوقاً، وربما وهم في حديثه، وربما دلس، وفي حديثه عن يحيى بن
أبي كثير بعض الأغاليط. وقال وكيع: كان ثقة. روى له الجماعة إلا
البخاري (3) .
ويحيى بن أبي كثير أبو نصر اليمامي الطائي مولاهم، واسم أبي كثير:
صالح بن المتوكل، ويقال: يسار، ويقال: دينار، وكان دينار مولى
لعلي- رضي الله عنه- رأى أنس بن مالك، وسمع السائب بن يزيد،
وهلال بن أبي ميمونة، وأبا سعيد مولى المهْريً، وغيرهم، روى عنه:
يحيى بن سعيد الأنصاري، وأيوب السختياني، والأوزاعي، وجماعة
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (19/3669) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (28/6220) .
تنبيه: كذا ترجم المصنف لمهدي بن حرب، والذي في سند الحديث هو
عبد الرحمن بن مهدي، فليتنبه.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (20/4008) .(1/66)
آخرون. وقال أحمد بن عبد الله: هو ثقة، مات سنة تسع وعشرين
ومائة، روى له الجماعة (1) .
وهلال بن عياض، ويقال: عياض بن هلال، روى عنه يحيى بن
أبي كثير، روى له أبو داود والترمذي وابن ماجه (2) .
وأبو سعيد: سعد بن مالك بن سنان بن عبيد بن ثعلبة بن عبيد بن
الأبجر، وهو خُدرة بن عوف بن الحارث بن الخزرج أبو سعيد الخدري
الأنصاري، روي له عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ألف حديث ومائة حديث
وسبعون حديثاً، اتفقا على ستة وأربعين حديثاً، وانفرد البخاري بسبعة
عشر حديثاً، ومسلم باثنين وخمسين. وقد روى عن: أبي بكر،
وعمر، وعثمان، وعبد الله بن سلام، وأبي قتادة، وغيرهم. روى عنه:
عبد الله بن عمر بن الخطاب، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وزيد بن
ثابت، وعبد الله بن عباس، وغيرهم من الصحابة والتابعين. مات
بالمدينة سنة أربع وستين، وهو ابن أربع وسبعين سنة، روى له
الجماعة (3)
قوله: " يضربان الأرض ". قال أبو عمر صاحب ثعلب (4) : " يقال:
ضربت الأرض إذا أتيت الخلاء، وضربت في الأرض إذا سافرت. وقال
غيره: ذهب يضرب الغائط والخلاء والأرض، إذا ذهب لقضاء الحاجة ".
قوله: " كاشفيْن " حال عن قوله: " الرجلان "، وقوله: " يتحدثان "
أيضاً حال بعد حال، إما من الأحوال المتداخلة، أو المترادفة، وقد علم
أن الجملة الفعلية إذا كان فعلها مضارعاً مثبتاً، لا يحتاج إلى الواو.
__________
(1) المصدر السابق (31/6907) .
(2) المصدر السابق (22/4612) .
(3) انظر ترجمته في: الاستيعاب (2/47) بهامش الإصابة، وأسد الغابة
(2/365) ، والإصابة (2/35) .
(4) انظره في: معالم السنن (1/16) .(1/67)
قوله: " فإن الله ": جواب النفي.
قوله: " يمقت ": من المقت وهو أشد البغض، وفعله من باب نصر
ينصر.
قوله: " على ذلك ": إشارة إلى الكشف والتحدث فيه.
قوله: " لم يسنده إلا عكرمة "، وقد احتج به مسلم في " صحيحه "،
وضعفه (1) بعض/الحفاظ حديث (1) عكرمة هذا عن يحيى بن أبي كثير،
وقد أخرج مسلم حديثه عن يحيى بن أبي كثير، واستشهد البخاري بحديثه
عن يحيى بن أبي كثير، وأخرج هذا الحديث أيضاً ابن ماجه.
***
4- ص- باب: في الرجل يرد السلام وهو يبول (2)
ارتفاع " بابٌ " على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي: هذا باب.
وقوله: " يرد " وقعت حالاً من " الرجل "، والتقدير: باب فيه حكم
الرجل يرد السلام.
وقوله: " وهو يبول " جملة اسمية وقعت حالاً من الضمير الذي في
" يرد "، والجملة الاسمية إذا وقعت حالاً لا بد فيها من " واو "، وقد
تحذف في الندرة، نحو: كلمته فوه إليّ.
5- ص- حدثنا عثمان وأبو بكر ابنا أبي شيبة قالا: ثنا عمر بن سعد، عن
سفيان، عن الضحاك بن عثمان، عن نافع، عن ابن عمر قال: " مرّ رجُل
على النبي- عليه السلام- وهو يبُولُ، فسلّم [عليه] (3) فلم يردّ عليْه " (4) .
__________
(1) كذا. (2) في سنن أبي داود: " باب: أيرد السلام وهو يبول؟ ".
(3) زيادة من سنن أبى داود.
(4) مسلم: كتاب الحيض، باب: التيمم (370/115) ، الترمذي: كتاب
الطهارة، باب: كراهة رد السلام غير متوضئ (90) ، النسائي: كتاب
الطهارة، باب: السلام على من يبول (1/25) ، ابن ماجه: كتاب الطهارة،
باب: الرجل يسلم عليه وهو يبول (353) .(1/68)
قال أبو داود: وروي عن ابن عمر وغيره: " أن النبي- عليه السلام- تيمم،
ثم ردّ على الرجل السلام " (1) .
ش- عثمان بن محمد بن إبراهيم بن خواستي الكوفي أبو الحسن
العبسي بن أبي شيبة، أخو أبي بكر وقاسم، وهو أكبر من أبي بكر، نزل
بغداد، ورحل إلى مكة والري، وكتب الكثير، وصنف المسند والتفسير،
سمع سفيان بن عيينة، وشريك بن عبد الله النخعي، ووكيع بن الجراح،
وجماعة آخرين. روى عنه ابنه محمد، ومحمد بن سعد، ومحمد بن
يزيد بن ماجه، ومسلم، وأبو داود، وأبو يعلى الموصلي، وأبو زرعة،
وأبو حاتم، وروى النسائي عن رجل عنه، وجماعة آخرون. وقال
عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعت أبي يقول حين نُعي إليه عثمان بن
أبي شيبة فقال: تلك الأحاديث التي حدث بها، ما كان أخوه تطيب نفسه
لمثل هذا، وأنكرُها: حديث جرير عن شيبة بن نعامة، عن فاطمة (2) .
وحديث جرير عن الثوري، عن أبي عقيل، عن جابر (3) . وقال
أبو حاتم: كان عثمان أكبر من أبي بكر، إلا أن أبا بكر صنف ما كان
يُطلب، وعثمان لم يصنف. وقال أحمد بن عبد الله: ثقة، مات لثلاث
مضين من المحرم سنة تسع وثلاثين ومائتين (4) .
وأبو بكر عبد الله بن محمد المذكور آنفاً، كان أحد حُفاظ الدنيا،
__________
(1) أخرجه أبو داود بنحوه من طريق نافع في باب التيمم من كتاب الطهارة (314) .
(2) رواه الخطيب في تاريخه (11/285) بسنده إلى شيبة، عن فاطمة بنت الحسين،
عن فاطمة الكبرى قالت: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كل بني أم ينتمون إلى
عصبة، غير ولد فاطمة، فأنا أبوهم، وأنا عصبتهم ".
(3) رواه الخطيب أيضاً في تاريخه (11/285- 286) بلفظ: " كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في
أول الأمر يشهد مع المشركين أعيادهم، حتى نهي عنه " وقال الإمام أحمد
ابن حنبل كما في تهذيب الكمال (19/483) : " ... هذه أحاديث موضوعة
أو كأنها موضوعة ".
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (19/3857) .(1/69)
والمكثرين من الحديث مع تثبت وإتقان. روى عن ابن المبارك، وشريك
ابن عبد الله، وابن عيينة، ويحيى بن سعيد القطان، وجماعة آخرين.
روى عنه أحمد بن حنبل، وابنه عبد الله بن أحمد، والبغوي، وغيرهم.
وقال أبو زرعة: ما رأيت أحفظ من أبي بكر بن أبي شيبة. وقال الذهبي:
روى عنه: البخاري، ومسلم، وأبو داود، وأبو يعلى، والباغندي،
وهو صاحب المصنف، ولد سنة تسع وخمسين ومائة، وتوفي في سنة
أربع وثلاثين ومائتين (1) .
وعمر بن سعد الكوفي أبو داود الحفريُّ- بفتح الحاء المهملة والفاء-،
نسبة إلى حفر، موضع بالكوفة، روى عن: مسعر بن كدام، وشريك
ابن عبد الله النخعي، وسفيان الثوري، وغيرهم. روى عنه: أحمد بن
حنبل، وإسحاق بن راهويه، وأبو بكر بن أبى شيبة، وجماعة آخرون،
روى له الجماعة إلا البخاري (2) .
وسفيان هذا: سفيان بن سعيد بن مسروق بن حبيب بن رافع بن
عبد الله بن موْهبة بن أبي [بن] (3) عبد الله بن منقذ بن نصر بن الحارث
ابن ثعلبة بن [عامر بن] (3) ملكان بن ثور بن عبد مناة بن أدّ بن طابخة
الثوري، سمع أبا إسحاق السبيعي، وأيوب السختياني، وعتبة بن عون،
ويحيي بن أبي كثير، ومحمد بن عجلان، وجماعة آخرين. روى عنه:
الأوزاعي، وشعبة، وابن إسحاق، وابن عيينة، ووكيع، وجماعة
آخرون. وقال أبو عاصم: سفيان الثوري: أمير المؤمنين في الحديث.
وقال ابن المبارك: كتبت عن ألف شيخ ومائة، ما كتبت عن أفضل من
سفيان الثوري. ولد سنة سبع وتسعين، وتوفي سنة ستين ومائة، روى
له الجماعة (4) .
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (16/3526) .
(2) المصدر السابق (21/4241) . (3) زيادة من مصادر الترجمة.
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (11/2407) ، وطبقات ابن سعد
(6/371) ، والسير (7/229) .(1/70)
والضحاك بن عثمان بن عبد الله بن خالد بن حزام بن خويلد بن أسد
ابن عبد العزى بن قصي القرشي الأسدي الحزامي أبو عثمان المدني،
سمع نافعاً، وعبد الله بن دينار، وصدقة بن يسار وغيرهم. روى عنه:
الثوري، ويحيى القطان، والواقدي. قال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا
يحتج به، وهو صدوق. وقال أبو زرعة: ليس بقوي. وقال أحمد
وابن معين: ثقة. مات بالمدينة سنة ثلاث وخمسين ومائة، روى له
الجماعة إلا البخاري (1) .
ونافع القرشي/العدوي المدني، مولى عبد الله بن عمر بن الخطاب
- رضي الله عنهم-، أصله من المغرب، وقيل: من نيسابور. ويقال:
كان في سبي كابُل، أصابه عبد الله في بعض غزواته، سمع عبد الله بن
عمر، وأبا هريرة، وأبا سعيد الخدري، ورافع بن خديج، وعائشة
أم المؤمنين، وغيرهم من الصحابة والتابعين. روى عنه: يحيى بن
سعيد، وصالح بن كيسان، وأيوب السختياني، والأعمش، وخلق كثير
سواهم. قال أحمد بن عبد الله: تابعي ثقة. مات بالمدينة سنة سبع
عشرة ومائة، روى له الجماعة (2) .
قوله: " وهو يبول " جملة اسمية وقعت حالاً من النبي - عليه السلام-
وإنما لم يرُد عليه السلام في هذه الحالة؛ لأن السلام اسم من أسماء الله
تعالى، كما جاء في حديث أبي سلمة، عن أبي هريرة- رضي الله عنه-
قال: [قال] رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن السلام اسم من أسماء الله تعالى،
فأفشوه بينكم " (3) . ولم ير عليه السلام أن يذكر اسم الله تعالى في تلك
الحالة، وأيضاً هذا تعليم للأمة أن لا يسلموا على الرجل وهو يبول أو
يتغوط، ولما فيه من إشغال الرجل عن جمع حاله من وصول النجاسة
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (13/2922) .
(2) المصدر السابق (29/6373) .
(3) البخاري في: الأدب المفرد (989) ، وصححه الشيخ الألباني في الصحيحة
(184) .(1/71)
إليه، أو ربما يقع نظر المسلم على عورته، فيأثم بذلك الناظر والمنظور
إليه.
قوله: " تيمم ثم رد " إنما تيمم رسول الله- عليه السلام- ثم رد على
الرجل السلام لما قلنا: إن السلام اسم من أسماء الله تعالى،. ولم ير أن
يذكره بلا طهارة، والتيمم أيضاً طهارة، وهذا هو اللائق بحاله- عليه
السلام-، وفعْلُهُ- عليه السلام- هذا للفضيلة والاستحباب، ويفهم من
هذا أن رد السلام واجب، وأنه لا يسقط بالتأخير، ولا يأثم به الرجل إذا
كان عن عذر، وحديث ابن عمر هذا أخرجه مسلم والترمذي والنسائي
وابن ماجه.
6- ص- حدثنا محمد بن المثنى قال: ثنا عبد الأعلى، قال: ثنا سعيد،
عن قتادة، عن الحسن، عن حُضين بن المنذر، عن المهاجر بن قنفذ: " أنه
أتى النبي- عليه السلام- وهو يبولُ، فسلّم عليه، فلم يرد [عليه [ (1)
حتى توضأ، ثم اعتذر إليه، قال (2) : إني كرهتُ أن أذكُر الله تعالى إلا على
طُهْرٍ " أو قال: " على طهارة " (3) .
ش- محمد بن المثنىً بن عبيد بن قيس بن دينار أبو موسى العنزيُ
البصري، المعروف بالزمن، سمع سفيان بن عيينة، ووكيعاً، ويحيى بن
سعيد، وجماعة آخرين. روى عنه الجماعة، وأبو زرعة، وأبو حاتم،
وأبو يعلى، وجماعة آخرون. قال محمد بن يحيى: هو حجة. وقال
صالح بن محمد: هو صدوق اللهجة، وكان في عقله شيء. وقال
النسائي: لا بأس به. مات بالبصرة سنة اثنتين وخمسين ومائتين (4) .
وعبد الأعلى هذا ابن عبد الأعلى السامي القرشي أبو همام، ويقال:
__________
(1) زيادة من سنن أبي داود. (2) في سنن أبي داود: " فقال ".
(3) النسائي: كتاب الطهارة، باب: رد السلام بعد الوضوء (1/37) ، ابن
ماجه: كتاب الطهارة، باب: الرجل يسلم عليه وهو يبول (350) .
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (26/5579)(1/72)
أبو محمد البصري، سمع حميداً (1) الطويل، ويونس بن عبيد،
وسعيد بن أبي عروبة، وغيرهم. روى عنه: عياش بن الوليد، ومحمد
ابن المثنى، والفضل بن يعقوب، وغيرهم. وقال ابن معين وأبو زرعة:
ثقة. وقال أبو حاتم: صالح الحديث. مات سنة سبع وثمانين ومائة،
في شعبان. روى له الجماعة (2) .
وسعيد هذا ابن أبي عروبة، واسمه مهران أبو النضر البصري العدوي،
عدي بن يشكر مولاهم، روى عن الحسن، وابن سيرين، وسمع النضر
ابن أنس، وقتادة، وغيرهم. روى عنه: الأعمش، والثوري،
وشعبة، وعبد الأعلى بن عبد الأعلى، وغيرهم. قال ابن معين: ثقة.
وقال أبو زرعة: ثقة مأمون، مات سنة سبع وخمسين ومائة، روى له
الجماعة (3) .
والحسن بن أبي الحسن [واسمه] يسار البصري الإمام المشهور، سمع
عبد الله بن عمر، وأنس بن مالك، وسمرة، وغيرهم من الصحابة
والتابعين. روى عنه: يونس بن عبيد، وقتادة، وحُميد الطويل، وخلق
كثير سواهم. توفي سنة عشر ومائة، روى له الجماعة (4) .
وحُضين بن المنذر بن الحارث بن وعلة بن مجالد أبو محمد البصري،
سمع عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، والمهاجر بن قنفذ،
وغيرهم. روى عنه: الحسن البصري، وغيره. مات سنة ست وتسعين،
روى له: مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه (5) .
وحُضين: بضم الحاء المهملة، وفتح الضاد المعجمة، وفي آخره نون.
والمهاجر بن قنفذ بن عمير بن جُدعان بن عمرو بن كعب بن سعد بن
تيم بن مُرة بن لؤي بن غالب القرشي التيمي، أسلم يوم فتح مكة،
سكن البصرة ومات بها، روى له: أبو داود، والنسائي،
__________
(1) في الأصل: " حميد ". (2) المصدر السابق (16/3687) .
(3) المصدر السابق (11/2327) . (4) المصدر السابق (6/1216) .
(5) المصدر السابق (6/1382) .(1/73)
وابن ماجه. والهاجر وقنفذ لقبان، واسم المهاجر عمرو، واسم قنفذ
خلف (1) .
قوله: " وهو يبول " جملة اسمية وقعت حالاً من النبي- عليه السلام-.
قوله: " ثم اعتذر إليه " استعطاف منه- عليه السلام- لخاطر الرجل،
وتطييب لقلبه، حيث أخر جواب سلامه، حتى لا يخطُر بباله أنه- عليه
السلام- قد تغير عليه، وهذا من آدابه- عليه السلام- وأخلاقه الحسنة.
قوله: " طهر " الطهر والطهارة، كلاهما مصدران، بمعنى: النظافة.
***
/5- باب: الرجل (2) يذكر الله على غير طُهر
أي: بابٌ في حكم رجل يذكر الله وهو على غير طهارة.
7- ص- حدثنا محمد بن العلاء قال: ثنا ابن أبي زائدة، عن أبيه، عن
خالد بن سلمة (3) ، عن البهي، عن عروة، عن عائشة- رضي الله عنها-
قالت: " كان رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يذكُرُ الله على كُل أحيانه " (4) .
ش- محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب الهمداني الكوفي، سمع
ابن المبارك، ووكيعاً، ويحيى بن زكرياء بن أبي زائدة، وأبا أسامة،
__________
(1) انظر ترجمته في: الاستيعاب (3/436) بهامش الإصابة، وأسد الغابة
(5/272) ، والإصابة (3/466) .
(2) في المطبوع من السنن: " باب: في الرجل ... ".
(3) وقع في " سنن أبي داود " ط. الريان: " خالد بن مسلمة " خطأ.
(4) مسلم: كتاب الطهارة، باب: ذكر الله تعالى في حال الجنابة وغيرها
(17/1373) ، الترمذي: كتاب الدعاء، باب: ما جاء أن دعوة المسلم
مستجابة (3384) ، ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: ذكر الله- عز وجل-
على الخلاء ... (302) ، أحمد (6/70، 153، 278) ، والبخاري تعليقاً
قبل (634) .(1/74)
وجماعة آخرين، روى عنه البخاري، ومسلم، وأبو زرعة، وأبو حاتم،
وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وأبو يعلى الموصلي،
وابن خزيمة. توفي سنة ثمان وأربعين ومائتين (1) .
وابن أبي زائدة اسمه زكرياء، واسم أبي زائدة خالد بن ميمون بن
فيروز أبو يحيى الهمداني الوداعي (2) الكوفي، مولى عمرو بن عبد الله
الوداعي، روى عن الشعبي، وخالد بن سلمة، وعبد الرحمن بن
الأصبهاني، وغيرهم. روى عنه: الثوري، وشعبة، ويحيى القطان،
وابنه يحيى بن زكرياء، ووكيع، وغيرهم. قال أحمد: حُلْوُ الحديث.
وقال ابن معين: صالح. وقال أحمد بن عبد الله: وكان ثقة إلا أن
سماعه من أبي إسحاق بآخرة. مات سنة ثمان وأربعين ومائة. روى له
الجماعة (3) ، وأبوه هو أبو زائدة خالد بن ميمون.
وخالد بن سلمة بن العاص بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن
مخزوم القرشي المخزومي أبو سلمة الكوفي، يُعرفُ بالفأفأ. روى عن:
سعيد بن المسيب، وأبي بردة، وعروة بن الزبير، وعبد الله بن رافع،
وغيرهم. روى عنه: يحيى الأنصاري، والثوري، وزكريا بن أبي زائدة،
وجماعة آخرون. وقال أحمد وابن معين: ثقة. وقال أبو حاتم: شيخ
يكتب حديثه. قُتل بواسط مظلوماً مع أبي هُبيرة. روى له الجماعة إلا
البخاري (4) .
البهي اسمه: عبد الله البهي مولى مصعب بن الزبير، روى عن عبد الله
ابن عمر، وعبد الله بن الزبير، وعائشة. روى عنه: أبو إسحاق
السبيعي، ويزيد بن أبي زياد. روى له: مسلم، وأبو داود، والترمذي،
وابن ماجه (5) .
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (26/5529) .
(2) كذا، وفي تهذيب الكمال: " الوادعي "
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (9/1992) .
(4) المصدر السابق (8/1619) . (5) المصدر السابق (16/3677) .(1/75)
وعروة هذا عروة بن الزبير بن العوام أبو عبد الله الأسدي المدني، سمع
أباه، وأخاه عبد الله، وأمه أسماء بنت أبي بكر، وخالته عائشة،
وعبد الله بن العباس، وغيرهم من الصحابة والتابعين. روى عنه:
عطاء، وعراك بن مالك، وعمر بن عبد العزيز، وجعفر بن محمد
الصادق، وعبد الله البهي، وغيرهم. توفي سنة تسع وتسعين. روى له
الجماعة (1) .
وعائشة أم المؤمنين- رضي الله عنها-، روي لها عن رسول الله ألفا
حديث ومائتا حديث وعشرة أحاديث (2) ، اتفقا على مائة وأربعة وسبعين
حديثاً، وانفرد البخاري بأربعة وخمسين، ومسلم بثمانية وستين. روى
عنها عبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير، وأبو موسى الأشعري،
وأبو هريرة. توفيت سنة سبع وخمسين، وصلى عليها أبو هريرة. روى
لها الجماعة (3) .
قوله: " يذكر الله " عام يشمل جميع أنواع الذكر: من التهليل،
والتسبيح، والتحميد، والتكبير، وأشباه ذلك. و " الأحيان " جمع
حين، وهو الوقت، ويستثنى من الذكر قراءة القرآن في حين الجنابة
والحيض؛ لأنه ثبت بدلائل أخر عدم جواز القراءة للجنب والحائض
فافهم. وحديث عائشة هذا أخرجه مسلم والترمذي وابن ماجه وأحمد في
" مسنده "، وقال الترمذي: حديث حسن غريب.
__________
(1) المصدر السابق (20/3905) .
(2) في الأصل: " ألف حديث وعشرة أحاديث "، والتصويب من " الرسائل
الخمس " لابن حزم.
(3) انظر ترجمتها في: الاستيعاب (4/356) ، وأسد الغابة (7/ 188) ، والإصابة
(4/359) .(1/76)
6- باب: الخاتم فيه (1) ذكر الله يُدخلُ به الخلاء؟
أي: باب في حكم خاتم مكتوب عليه ذكر الله، وهو في يد رجُلٍ
يدخل به بيت الخلاء.
8- ص- حدثنا نصر بن علي، عن أبي علي الحنفي، عن همام، عن
ابن جريج، عن الزهري، عن أنس قال: " كان رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا دخل
الخلاء وضع خاتمهُ " (2) .
قال أبو داود: هذا حديث منكر، وإنما يعرف عن ابن جريج، عن زياد بن
سعد، عن الزهري، عن أنس. " أن النبي- عليه السلام- اتخذ خاتماً من
ورق، ثم ألقاهُ ". والوهم فيه من همام، ولم يروه إلا همام.
ش- نصر بن علي بن نصر بن علي بن صُهبان أبو عمرو الصغير
الجهضمي البصري، سمع ابن عيينة، ومحمد بن عرعرة، ووهب بن
جرير، ويحيى بن سعيد، وجماعة آخرين. روى عنه: أبو زرعة،
وأبو حاتم، والجماعة، وعبد الله بن أحمد بن حنبل، وجماعة آخرون.
قال أحمد: ما به بأس. وقال ابن خراش:/هو ثقة، وأبوه صدوق.
وقال البخاري: مات سنة خمسين ومائتين (3) .
وأبو علي: عبيد الله بن عبد المجيد أبو علي الحنفي البصري. روى
عن: رباح، وعباد بن راشد، ومالك بن أنس، وغيرهم. روى عنه:
علي ابن المديني، ونصر بن علي، ومحمد بن المثنى. وقال ابن معين:
ليس به بأس. روى له الجماعة (4) .
__________
(1) في سنن أبي داود: " باب: الخاتم يكون فيه ... ".
(2) الترمذي: كتاب اللباس، باب: ما جاء في لبس الخاتم في اليمين (1746) ،
وفي الشمائل (94) ، النسائي: كتاب الزينة، باب: نزع الخاتم عند دخول
الخلاء (8/178) ، ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: ذكر الله- عز وجل-
على الخلاء، والخاتم في الخلاء (303) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (29/6406) .
(4) الصدر السابق (19/3661) .(1/77)
وهمام بن يحيى بن دينار العوْذيُ، من بني عوْذ بن سود بن الحجْر بن
عمران بن عمرو (1) أخو طاحية وزهران، أبو عبد الله المُحلّميُّ، ويقال:
أبو بكر البصري. سمع الحسن بن أبي الحسن، وعطاء، وقتادة،
وثابتاً (2) البناني، ونافعاً، وغيرهم. روى عنه: الثوري، ووكيع،
وأبو نعيم، وأبو داود، وأبو الوليد الطيالسيان، وجماعة آخرون. وقال
يزيد بن هارون: كان همام قويا في الحديث. وقال أحمد بن حنبل:
همام ثبت في كل المشايخ. وقال ابن معين: ثقة، صالح. وقال ابن
سعد: كان ثقة، وربما غلط في الحديث. روى له الجماعة (3) .
وابن جُريج اسمه: عبد الملك بن عبد العزيز بن جُريج المكي أبو الوليد
أو أبو خالد الأموي المكي، سمع عطاء بن أبي رباح، لازمه تسع عشرة
سنة، ومجاهداً، والزهري، وهشام بن عروة، وغيرهم. روى عنه:
الأوزاعي، والثوري، وابن عيينة، ويحيى القطان، وجماعة آخرون
كثيرة. قال أحمد: ثبت صحيح الحديث. مات سنة تسع وأربعين ومائة،
وقد جاوز المائة، روى له الجماعة (4) .
قوله: " وضع خاتمه " من وضع الشيء من يده يضعه وضعاً إذا ألقاه.
قوله: " قال أبو داود: هذا حديث منكر " المنكر: الحديث الذي ينفرد به
الرجل، ولا يعرف متنه في غير روايته، لا من الوجه الذي رواه منه،
ولا من وجه آخر. والأحسن أن يقال: إن الراوي المنفرد إن كان عدلاً
حافظاً موثوقاً بإتقانه وضبطه، قُبل ما انفرد به، ولم يقدح الانفراد منه،
وإن لم يكن ممن يُوثق بحفظه وإتقانه لذلك الذي انفرد به، كان انفراده
خارماً له، مُزحْزحاً له عن حيز الصحيح، فإذا كان الأمر كذلك، [فإن]
__________
(1) كذا في الأصل، وفي " جمهرة أنساب العرب " لابن حزم (ص/371) ووقع
في تهذيب الكمال (30/302) : " ابن عمرو بن عمران " كذا.
(2) في الأصل: " ثابت "
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (30/6602) .
(4) المصدر السابق (18/3539) .(1/78)
تفرد همام بهذا الحديث لا يوهنه، لما ذكرنا من حال همام، ولاتفاق
البخاري ومسلم على الاحتجاج بحديثه، وغاية ما في الباب [أن] يكون
حديثه هذا غريباً، ولأجل هذا قال الترمذي بعد أن أخرج هذا الحديث:
هذا حديث حسن صحيح غريب، فيترجح كلام الترمذي على كلام
أبي داود بهذا الطريق، وقد عرفت أن الغريب في الاصطلاح هو الذي
ينفرد الرجل [فيه] بالحديث، فإذا روى رجلان أو ثلاثة واشتركوا فيه،
سمي عزيزاً، وإذا روى الجماعة عنهم، سمي مشهوراً كما عرف في
موضعه. وأخرج هذا الحديث أيضاً النسائي وابن ماجه. وقال النسائي:
وهذا الحديث غير محفوظ.
قوله: " عن زياد " هو زياد بن سعد بن عبد الرحمن أبو عبد الرحمن
الخراساني، شريك ابن جريج، سكن مكة، ثم تحول إلى اليمن فسكن
عك، روى: عن عمرو بن دينار، والزهري، وثابت الأحنف،
وأبي الزبير المكي، وضمرة بن سعيد المازني، وعبد الله بن الفضل،
وسليمان بن عتيق (1) ، وهلال بن أسامة، وعمرو بن مسلم. روى عنه:
ابن جريج، ومالك بن أنس، وابن عيينة، وأبو معاوية الضرير، والعوام
ابن حوشب، ومعاذ بن عقبة، وغيرهم، وكان عالماً بمذهب الزهري.
وقال أحمد وابن معين وأبو زرعة وأبو حاتم: ثقة. روى له: البخاري،
ومسلم، وأبو داود، والنسائي (2) .
قوله: " من ورق " بكسر الراء: الفضة، وقد تسكن الراء.
__________
(1) في الأصل: " سليمان بن عتيك "، وفي ترجمته من تهذيب الكمال
(12/2549) قال الحافظ المزي: " سليمان بن عتيق، حجازي، ويقال:
عتيك وهو وهم " وذكره الحافظ المزي كذلك فيمن روى عنه زياد بن سعد
في ترجمة زياد (9/475) : بـ " عتيق "، وقال محققه في الهامش: " جاء
في حواشي النسخ من تعقبات المؤلف على صاحب الكمال قوله: كان فيه ابن
عتيك وهو وهم ".
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (9/2048) .(1/79)
7- باب: الاستنزاه (1) من البول
الاستنزاه: طلب النُزْه، والنُزْهُ بضم النون وسكون الزاي: البُعد،
ومنه تنزيه الله تعالى في تفسير " سبحان الله "، أي: إبعاده عن السوء
وتقديسه، وفي حديث أبي هريرة: " الإيمانُ نزه " أي: بعيد عن
المعاصي، وفي بعض النسخ: " باب الاستبراء من البول ". الاستبراء:
طلب البراءة.
9- ص- حدثنا زهير بن حرب وهناد قالا: ثنا وكيع قال: ثنا الأعمش
قال: سمعت مجاهداً يحدث عن طاوس، عن ابن عباس- رضي الله عنه-
قال: " مر النبيُ- عليه السلام- على قبرين فقال: إنهما ليُعذبان، وما
يُعذبان في كبير، أما هذا فكان لا يسْتترُ (2) من البوْل، وأما هذا فكان يمشي
بالنميمًة، ثم دعا بعسيب رطب، فشقه باثنين، ثم غرس على هذا واحداً،
وعلى هذا واحدا، وقال: لعلهُ يخففُ عنهما ما لم ييْبسا " (3) .
ش- زهير بن حرب/قد مر ذكره مرة.
وهناد بن السري بن مصعب بن أبي بكر بن شبْر- بفتح الشين
المعجمة، وسكون الباء الموحدة- ابن صعْفُوق بن عمرو بن زرارة بن
عدس بن زيد بن عبد الله بن دارم الدارمي التميمي الكوفي أبو السري،
سمع شريكاً، ووكيعاً، ويونس بن بكير، وغيرهم. روى عنه: مسلم،
وأبو داود، والترمذي، والنسائي- وقال: ثقة- وأبو زرعة،
__________
(1) في سنن أبي داود: " باب: الاستبراء.... ".
(2) في سنن أبي داود: " لا يستنزه ".
(3) البخاري: كتاب الوضوء، باب: من الكبائر أن لا يستتر من بوله (216) ،
مسلم: كتاب الطهارة، باب: الدليل على نجاسة البول ووجوب الاستبراء منه
(292/111) ، الترمذي: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في الشديد في
البول (70) ، النسائي: كتاب الطهارة، باب: التنزه عن البول (1/28- 30) ،
ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: التشديد في البول (347) .(1/80)
وأبو حاتم، وابن ماجه. مات في جمادى الأولى من سنة ثلاث وأربعين
ومائتين (1) .
ووكيع بن الجراح قد مضى ذكره، وكذلك سليمان الأعمش، ومجاهد
ابن جبر.
وطاوس بن كيسان اليمانيُ أبو عبد الرحمن الحمْيريُّ، سمع ابن
عباس، وابن عمر، وابن عمرو، وجابر بن عبد الله، وأبا هريرة،
وزيد بن ثابت، وزيد بن أرقم، وعائشة- رضي الله عنها-. روى
عنه: ابنه عبد الله، ومجاهد، وعمرو بن دينار، وجماعة آخرون. مات
بمكة قبل يوم التروية بيوم، سنة ست ومائة، وصلى عليه هشام بن
عبد الملك، روى له الجماعة (2) .
وعبد الله بن عباس قد مضى ذكره.
قوله: " إنهما ليعذبان "، وفي بعض الروايات: " يعذبان " بدون
اللام، وفيه تأكيد من ثلاث وجوه: الأول: كونه جملة اسمية. والثاني:
كونها مصدرة ب " إن ". والثالث: دخول اللام في الخبر. وهذا من
قبيل إخراج الكلام على خلاف مقتضى الظاهر، فيُجعلُ فيه غيرُ السائل
كالسائل، ويُلْقى إليه الخبرُ كما يُلْقى إلى السائل، من قبيل قوله تعالى:
(ولا تُخاطبْني في الذين ظلمُوا إنهُم مُّغْرقون) (3) ، (وما أُبرّئُ نفْسي
إن النفْس لأمارة بالسُوء) (4) ، وقد يكون ذلك لإظهار الجزع والتاً سف،
نحو قوله تعالى: (ربّ إنّي وضعْتُها أنثى) (5) على ما عرف في
موضعه، وفي هذا الكلام حذف أيضاً، وهو قوله: " إنهما " أي: إن
صاحبهما؛ لأن نفس القبرين لا يعذبان، وإنما يعذب صاحباهما،
والعذاب للعقوبة، وقد عذبته تعذيباً.
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (30/6603) .
(2) المصدر السابق (13/2958) .
(3) سورة هود: (37) .
(4) سورة يوسف: (53) .
(5) سورة آل عمران: (36) .
6. شرح سنن أبي داوود 1(1/81)
قوله: " وما يعذبان في كبير " قال الخطابي: " معناه: أنهما لم يعذبا
في أمر كان يكبر عليهما، أو يشق فعله لو أرادا أن يفعلاه، وهو التنزه من
البول، وترك النميمة، ولم يرد أن المعصية في هاتين الخصلتين ليست
بكبيرة في حق الدين " (1) . ويقال: إن هذا ليس من الكبائر، ويكون
المعنى التحذير من الكبائر، لأنه إذا عذب في القبر على ما ليس من
الكبائر، فكيف بالكبائر؟، " (2) ويقال: ليس بكبير عندكم وهو عند الله
كبير، يدل عليه ما ذكره البخاري في الروايتين: أحدهما في كتاب
الأدب، في باب النميمة: " وما يعذبان في كبير، وإنه لكبير " (3) ،
والأخرى في كتاب الوضوء: " وما يعذبان في كبير، بلى إنه كبير " (4) ،
أي: بلى إنه لكبير عند الله، ومصداقه: (وتحْسبُونهُ هيّناً وهُو عند الله
عظيمٌ) (5) . ويقال: يحتمل أن يكون هذا إشارة إلى حقارة هذا الذنب
في الذنوب، فإن النميمة من الدناءة المستحقرة، بالإضافة إلى المروءة،
وكذلك التلبس بالنجاسة، ولا يفعلها إلا حقير الهمة. ويقال: ليس هو
بأكبر الكبائر، وإن كان كبيراً.
فإن قلت: ما سبب كونهما كبيرين؟ قلت: لأن عدم التنزه من البول
يلزم منه بطلان الصلاة، وتركها كبيرة بلا شك، والمشي بالنميمة هو
السعي بالفساد، وهو من أقبح القبائح، ولا سيما مع قوله- عليه
السلام-: " كان يمشي "، بلفظ: " كان " التي للحالة المستمرة غالباً " (6) .
قوله: " أما هذا فكان لا يستتر من البول " كلمة " أما " هاهنا للتفصيل،
وفيه معنى الشرط، بدليل لزوم الفاء بعده.
__________
(1) انظر: معالم السنن (1/17) ، باب: الاستبراء من البول.
(2) انظر: " شرح صحيح مسلم " (3/201) .
(3) البخاري (6055) ، ووقع عنده: " وما يعذبان في كبيرة ... ".
(4) البخاري (216) ، وليس عنده: " إنه كبير "، ورواه (6055) بلفظ: " وما
يعذبان في كبيرة، وإنه لكبير ".
(5) سورة النور: (15) .
(6) إلى هنا انتهى النقل من " شرح صحيح مسلم ".(1/82)
قوله: " لا يستتر " فيه خمس روايات: " يستتر " بتاءين مثناتين،
و" يستنزه " بالزاي والهاء، و " يستبرئ " بالباء الموحدة وبالهمزة بعد الراء،
وهذه في البخاري وغيره، وكلها صحيحة. و " يستنتر " من نتر الذكر
بالنون والتاء المثناة من فوق، و " يستنثر " بالنون والثاء المثلثة.
ومعنى الرواية الأولى يحتمل وجهين: أحدهما: أن تحمل على حقيقتها
من الاستتار عن الأعين، ويكون العذاب على كشف العورة.
والثاني- وهو الأقرب-: أن تحملا على المجاز، ويكون المراد
بالاستتار: التنزه من البول، والتوقي منه، إما بعدم ملابسته، وإما
بالاحتراز عن مفسدة تتعلق به.
ومعنى الرواية الثانية: لا يبعد منه، لأنا قد ذكرنا أن معنى التنزه البعد.
ومعنى الثالثة: لا يستفرغ بقية البول، ولا يتقي موضعه/ومخرجه،
حتى يُبرئهما منه، أي: يبينه عنهما، كما يُبرئ من الدين والمرض، فإذا
لم يستبرء منه يخرج منه بعد الوضوء ما ينقض وضوءه، فيصلي بغير
وضوء، ويكون الإثم لأجل الصلاة.
ومعنى الرابعة: لا يُمر أصابعه من ظاهر ذكره على مجرى البول حتى
يخرج ما فيه؛ لأن نتْر الذكر هو إمرار أصابع اليد من ظاهره على مجرى
البول.
ومعنى الخامسة: لا ينْثُرُ بوله من قناة الذكر كما ينثر الماء من أنفه بعد
استنشاقه.
قوله: " فكان يمشي بالنميمة " النميمة: " (1) نقل الحديث من قوم إلى
قوم على جهة الفساد والشر، يقال: نم الحديث ينُمُه وينمه نما، فهو
نمام، والاسم نميمة، ونمّ الحديث إذا ظهر، فهو لازم ومتعد، وبابه من
باب نصر ينصر، وضرب يضرب ".
__________
(1) انظر: " شرح صحيح مسلم " (2/112) تحت حديث (105) .(1/83)
قوله: " ثم دعا بعسيب " أي: طلب عسيباً، والعسيب- بفتح العين
وكسر السين المهملتين- الجريد والغصن من النخل. ويقال: العسيب من
الجريد ما لم ينبت عليه الخوص، وما نبت عليه الخوص فهو السعْفُ.
قوله: " فشقه باثنين " الباء في " باثنين " زائدة للتأكيد، واثنين منصوب
على الحال، وزيادة الباء في الحال مشهورة.
قوله: " لعله يخفف عنهما " الضمير في " لعله " راجع إلى العذاب،
الذي دل عليه قوله: " يعذبان "، وقد علم أن " لعل " حرف ينصب
الاسم، ويرفع الخبر، وعن البعض أنه ينصبهما، وزعم ابن يونس أنه
لغة بعض العرب، وحكي: لعل أباك منطلقاً، وفيه عشر لغات، ولها
معاني: أحدها: التوقع، وهو ترجي المحبوب، والإشفاق في المكروه.
والثاني: التعليل، أثبته جماعة، منهم الأخفش، نحو: (فقُولا لهُ
قوْلا ليناً لعلهُ يتذكرُ) (1) ، ومن لم يثبته يحمله على الرجاء، أي: اذهبا
على رجائكما. والثالث: الاستفهام: نحو: (وما يُدْريك لعلّهُ
يزكى) (2) ، و " لعل " هاهنا من القبيل الأول.
قوله: " ما لم ييبسا " " ما " هاهنا بمعنى المدة الزمانية، والتقدير:
يخفف عنهما العذاب مدة عدم يُبس العسيب، أو يكون المعنى: يخفف
عنهما العذاب في زمان عدم اليبس، و " ما لم ييبسا " بفتح الباء الموحدة
مثل السين، ويجوز كسر الباء أيضاً، ثم إن وضع الجريدتين على القبرين
" (3) إما لأنه- عليه السلام- سأل الشفاعة لهما فأجيب إليها، كما ورد
في رواية مسلم: " فأجيبت شفاعتي " (4) ، وإما أنه- عليه السلام-
كان يدعو لهما تلك المدة. وقيل: لكونهما يسبحان ما داما
__________
(1) سورة طه: (44) .
(2) سورة عبس: (3) .
(3) انظر: " شرح صحيح مسلم " (3/202) .
(4) مسلم: كتاب الزهد والرقائق، باب: حديث جابر الطويل (3012) ، وكذا
في الأصل وفي " شرح صحيح مسلم "، ووقع عند مسلم: " فأحببت
بشفاعتي أن يرفه عنهما ... ".(1/84)
رطبتين، وليس لليابس تسبيح، وهذا مذهب جماعة من المفسرين في
قوله تعالى: (وإن مّن شيء إلا يُسبحُ بحمْده) (1) ، وقالوا: معناه:
وإن من شيء حي، ثم قالوا: حياة كل شيء بحسبه، فحياة الخشب ما
لم ييبس، والحجر ما لم يُقطع، وذهب المحققون من المفسرين وغيرهم
إلى أن الآية على عمومها، ثم اختلفوا، هل تسبيح حقيقي؟ أم فيه دلالة
على الصانع فيكون مسبحاً منزهاً بصورة حاله؟، والمحققون على أنه
تسبيح حقيقي، وقد أخبر الله تعالى: " وإن من الحجارة (2) لما يهبط من
خشية الله ".
فإن قيل: فعلى قولهم ما يكون فائدة قوله: " بعسيب رطب؟ " قلت:
ليس ذلك من أجل أن في الجريد الرطب معنى ليس في اليابس، بل
لأجل التبرك بأثر النبي- عليه السلام- ودعائه بالتخفيف، فكأنه جعل
مدة بقاء النداوة فيهما حدا لما وقعت به المسألة من تخفيف العذاب. ويستفاد
من هذا الحديث فوائد: الأولى: إثبات عذاب القبر خلافاً للمعتزلة:
الثانية: إثبات نجاسة الأبوال.
الثالثة: إثبات غلظ تحريم النميمة.
الرابعة: إثبات انتفاع الميت بتسبيح غيره، ولهذا استحب العلماء قراءة
القرآن عند القبر؛ لأنه إذا كان يرجى التخفيف لتسبيح الجريد، فبتلاوة
القرآن أوْلى " (3) .
__________
(1) سورة الإسراء: (44) .
(2) كذا في الأصل، وفي " شرح صحيح مسلم ".
(3) إلى هنا انتهى النقل من " شرح صحيح مسلم ". وفي الفائدة الرابعة نظر من
وجهين:
أحدهما: أن الميت لا ينتفع إلا بعمله لقوله تعالى: (وأن ليس للإنسان إلا
ما سعى) ، وما أثبه السنة كقوله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا
من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له "، وما
فعله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فهو خاص به، بدليل أنه لم يفعل هذا مع سائر القبور، ولم يفعله-(1/85)
10- ص- حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: ثنا جرير، عن منصور عن
مجاهد، عن ابن عباس، عن النبي- عليه السلام- بمعناه، [قال:] " كان
لا يسْتترُ من بوْله " (1) .
قال (2) أبو داود: قال هناد: " يستتر " مكان " يستنزه "، وقال زهير:
" يستنزه " (2) .
ش- عثمان بن أبي شيبة قد مضى مرة.
وجرير هذا ابن عبد الحميد بن قرط بن هلال الضبي أبو عبد الله
الرازي، رأى أيوب السختياني بمكة، سمع عبد الملك بن عمير، ويحيى
ابن سعيد، ومنصور بن المعتمر، وهشام بن عروة، والأعمش، ومالك
ابن أنس، والثوري، وغيرهم. روى عنه: ابن المبارك، وأبو داود
الطيالسي، وأحمد بن حنبل، وأبو بكر بن أبي شيبة، وأخوه عثمان،
وغيرهم، وهو مجمع على ثقته، مات سنة ثمان وثمانين ومائة،/وهو
ابن ثمان وسبعين، روى له الجماعة (3) .
ومنصور بن المعتمر بن عبد الله بن رُبيعة- بضم الراء- أبو عتاب
السُلميُ الكوفي، سمع زيد بن وهب، وإبراهيم النخعي، والشعبي،
والزهري، ومجاهدا، وغيرهم. روى عنه: أيوب السختياني،
__________
الخلفاء الراشدون، وكبار الصحابة، ولو كان مشروعاً لبادروا إليه، وإنما فعله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعلمه بعذاب صاحبي القبرين، وهذه خصوصية به صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ثانيهما: أن جمهور السلف كأبي حنيفة ومالك وأحمد كرهوا قراءة القرآن عند
القبور، فقد قال أبو داود في مسائله (ص/158) : " سمعت أحمد سئل عن
القراءة عند القبر؟ فقال: لا ". وقال مالك كما في " اقتضاء الصراط
المستقيم " (ص/182) : " ما علمت أحداً يفعل ذلك "، ولينظر كلام شيخ
الإسلام في " اقتضاء الصراط المستقيم "، فإنه مهم مفيد في بابه.
(1) انظر التخريج السابق.
(2) في المطبوع من سنن أبي داود: " وقال أبو معاوية: يستنزه ".
(3) انظر ترجمه في: تهذيب الكمال (4/918) .(1/86)
والأعمش، والثوري، وهو أثبت الناس فيه، وسفيان بن عيينة وغيرهم،
وكان فيه تشيع قليل، وكان [قد] عمش من البكاء، وصام ستين سنة
وقامها. توفي سنة ثنتين وثلاثين ومائة (1) .
ومجاهد بن جبر، وعبد الله بن عباس، وهناد قد ذكروا. وهذا
الحديث الذي رواه ابن عباس أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي
وابن ماجه.
11- ص- ثنا مسدد قال: ثنا عبد الواحد بن زياد قال: ثنا الأعمش،
عن زيد بن وهب، عن عبد الرحمن ابن حسنة قال: " انطلقتُ أنا وعمرُو
ابنُ العاص إلى النبي- عليه السلام- فخرج ومعهُ درقة، ثم اسْتتر بها، ثم
بال، فقُلنا: انظُرُوا إليه يبُولُ كما تبولُ المرأة، فسمع ذلك فقال: ألم تعْلمُوا
ما لقي صاحبُ بني إسرائيل؟ كانُوا إذا أصابهُمُ البوْلُ قطعُوا ما أصابهُ البولُ
منهم، فنهاهُمْ، فعُذب قي قبْره " (2) . قال أبو داود: قال منصور، عن
أبي وائل، عن أبي موسى (3أ: " جلد أحدهمْ ". وقال عاصم، عن
أبي وائل، عن أبي موسى (4) : " جسد احدهم ".
ش- عبد الواحد بن زياد أبو بشر، ويقال: أبو عبيدة البصري
العبدي. روى عن العاصم الأحول، والأعمش، وعمارة بن القعقاع،
وغيرهم. روى عنه: قتيبة بن سعيد، وأبو هشام المخزومي، وأبو داود
الطيالسي، وغيرهم. وقال ابن معين وأبو حاتم وأبو زرعة: ثقة. مات
سنة سبع وسبعين ومائة (5) .
وزيد بن وهب الجهني أبو سليمان الكوفي، رحل إلى النبي- عليه
__________
(1) المصدر السابق (28/6201) .
(2) النسائي: كتاب الطهارة، باب: البول إلى السترة يستتر بها (1/26- 27) ،
ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: التشديد في البول (34) .
(3) في السنن: " عن أبي موسى، وفي هذا الحديث ".
(4) في السنن: " عن أبي موسى، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ".
(5) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (18/3585) .(1/87)
السلام- فقبض وهو في الطريق. سمع عمر بن الخطاب، وعلي بن
أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، وغيرهم. روى عنه سلمة بن كهيل،
والأعمش، ومنصور بن المعتمر، وغيرهم. قال ابن معين: هو ثقة.
مات سنة ست وتسعين. روى له الجماعة (1) .
وعبد الرحمن ابن حسنة هو أخو شرحبيل ابن حسنة، وحسنة أمهما،
وكانت مولاة لعمر (2) بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح، وهو
عبد الرحمن بن عبد الله بن المطاع بن الغطريف، روى له: أبو داود،
والنسائي، وابن ماجه (3) .
وعمرو بن العاص بن وائل بن هاشم بن سُعيد- بضم السين وفتح
العين- ابن سعد بن سهم بن عمرو بن هُصيص بن كعب بن لؤي بن
غالب القرشي السهمي، يكنى أبا عبد الله، ويقال: أبو محمد، روي
له عن رسول الله- عليه السلام- سبعة وثلاثون حديثاً (4) ، اتفقا على
ثلاثة أحاديث، ولمسلم حديثان، وللبخاري طرف من حديث. روى عنه
أبو عثمان النهدي، وعروة بن الزبير، وقيس مولاه. مات بمصر عاملاً
عليها سنة اثنتين، وقيل: ثلاث وأربعين، يوم الفطر، ودفن بالمقطم في
ناحية الفتح، وكان له يوم مات سبعون سنة، روى له الجماعة (5) .
قوله: " درقة " بفتح الدال والراء هي الجحفة، وهذه جملة اسمية
وقعت حالاً من الضمير الذي في " خرج "، وإنما استتر بها لئلا يطلع
أحد إلى عورته، وهذا تعليم منه لأمته، وليكون أيضاً حاجزاً بينه وبين
القبْلة، وإنما قالا: " كما تبول المرأة " لاستتاره - عليه السلام - بالدرقة
__________
(1) المصدر السابق (10/2131) .
(2) في: تهذيب الكمال: " معمر ".
(3) المصدر السابق (17/3800) .
(4) كذا، وفي " الرسائل الخمس " لابن حزم: " 39 حديثاً ". وقال الذهبي في
السير (3/55) : " تبلغ بالمكرر الأربعين ".
(5) انظر ترجمته في: الاستيعاب (2/508) ، وأسد الغابة (4/244) ، والإصابة
(2/3) .(1/88)
كما تستتر المرأة، ولم يقولا هذا القول بطريق الاستهزاء والاستخفاف؛
لأن الصحابة أبرياء من هذا الأمر، وإنما وقع منهما هذا الكلام من غير
قصد، أو وقع بطريق التعجب، أو بطريق الاستفسار عن هذا الفعل،
فلذلك أجاب- عليه السلام- بقْوله: " ألم تعلموا ما لقي صاحبُ بني
إسرائيل؟ "، وهو موسى- عليه السلام-، وإنما لم يصرح باسمه
- عليه السلام- للاشتهار بينهم، أي: الذي لقي من بني إسرائيل أموراً
عظيمة، وهو موسى، وإن كان بعث فيهم أنبياء غيره، ولكن أشهرهم
وأعظمهم موسى- عليه السلام-، أو لأجل تعظيمه- عليه السلام-
كما قال تعالى: (تلك الرُسُلُ فضلنا بعْضهُمْ على بعْض منْهُم من كلم
اللهُ) (1) ، ولم يقل موسى.
قوله: " ما أصابه البول " في محل النصب على أنه مفعول " قطعوا ".
وقوله: " جلد أحدهم " مفعول قائم مقام فاعل " فعُذب " أي: فعذب
الله جلد أحدهم في قبره. والفرق بين الروايتين: أن الجلد أخص من
الجسد، ولكنه مشتمل على جميع الجسد، فبعذابه يعذب الجسد كله.
فإن قلت: كيف يترتب قوله: " فعُذب " على قوله:/ " فنهاهم "؟
قلت: فيه حذف، وتقديره: فنهاهم عن إصابة البول ولم ينتهوا، فعذب
الله، والفاء في قوله: " فعذب " فاء السببية، نحو قوله تعالى:
(فوكزهُ مُوسى فقضى عليْه) (2) ، وقوله: (فتلقى آدمُ من ربه كلمات
فتاب عليْه) (3) .ًً
قوله: " عن أبي (4) وائل " وأبو وائل هذا شقيق بن سلمة الأسدي،
أسد خزيمة، أحد بني مالك بن ثعلبة بن دودان الكوفي، أدرك زمان النبي
- عليه السلام- ولم يره، فروى عن أبي بكر، وسمع عمر بن
الخطاب، وعثمان بن عفان، وعليا، وعبد الله بن مسعود، وابن عباس،
__________
(1) سورة البقرة: (253) .
(3) سورة البقرة: (37) .
(2) سورة القصص: (15) .
(4) في الأصل: " ابن " خطأ.(1/89)
وغيرهم من الصحابة والتابعين. روى عنه: الشعبي، والأعمش،
ومنصور، وجماعة آخرون كثيرة. وقال ابن معين: ثقة لا يسأل عنه.
وقال أحمد بن عبد الله: رجل صالح جاهلي. مات سنة تسع وتسعين.
روى له الجماعة (1)
وعاصم هذا هو عاصم بن سليمان الأحول التميمي مولاهم أبو عبد الرحمن
البصري، ويقال: مولى عثمان بن عفان، كان محتسباً بالمدائن، سمع
عبد الله بن سرْجس، وأنس بن مالك، والحسن البصري، وغيرهم.
روى عنه: قتادة، والثوري، وشعبة، وابن المبارك، وجماعة آخرون.
وقال ابن معين: كان يحيى بن سعيد يُضعف عاصماً الأحول، وقال: لم
يكن بالحافظ. وعن ابن معين: إنه ثقة. وقال أبو حاتم: صالح
الحديث. مات سنة إحدى وأربعين ومائة، روى له الجماعة (2) .
وأبو موسى هو عبد الله بن قيس الأشعري، وقد ذكر مرة. وحديث
عبد الرحمن ابن حسنة هذا أخرجه النسائي، وابن ماجه، وأبو بكر بن
أبي شيبة.
***
8- باب: البول قائماً
أي: باب حكم بول الرجل حال كونه قائماً.
12- ص- حدثنا حفص بن عمر ومسلم بن إبراهيم قالا: ثنا شعبة.
قال: وثنا مسدد قال: ثنا أبو عوانة- وهذا لفظ حفص- عن سليمان، عن
أبي وائل، عن حذيفة قال: " أتى رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُباطة قوْم فبال قائماً، ثم
دعا بماء فمسح على خُفيْه ".
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (12/2767) .
(2) المصدر السابق (13/3008) .(1/90)
] قال أبو داود:] (1) قال مسدد: [قال] (1) : " فذهبْتُ أتباعدُ فدعاني
حتّى كُنتُ عند عقبه " (2) .
ش- حفص بن عمر بن الحارث بن سخبرة النمري البصري، سمع
هشاماً الدستوائي، وهمام بن يحيى، وشعبة، وغيرهم. روى عنه:
أبو حاتم، والبخاري، وأبو داود، وروى النسائي عن رجل عنه،
وجماعة آخرون. مات سنة خمس وعشرين ومائتين (3) .
ومسلم بن إبراهيم أبو عمرو البصري القصاب الفراهيدي مولاهم.
سمع شعبة، وهشاماً، وابن المبارك، وغيرهم. روى عنه: ابن معين،
والبخاري، ومحمد بن إسحاق الصغاني، وأبو زرعة، وجماعة
آخرون. وكان قد عمي بآخرة. مات سنة اثنتين وعشرين ومائتين. روى
له الجماعة (4) .
وأبو عوانة اسمه: الوضاح مولى يزيد بن عطاء الواسطي، ويقال:
مولى عطاء بن عبد الله الواسطي، كان في سبْي جُرجان، رأى الحسن
وابن سيرين، وسمع من محمد بن المنكدر حديثاً واحداً، وسمع عمرو
ابن دينار، وقتادة، وأيوب السختياني، والأعمش، وجماعة آخرين.
روى عنه: شعبة، ووكيع، وأبو داود الطيالسي، ومسدد، وقتيبة بن
سعيد، وجماعة آخرون. وقال أحمد ويحيى: كان ثقة. توفي سنة
ست وسبعين ومائة، وقيل: خمس وسبعين. روى له الجماع (5) .
__________
(1) زيادة من سنن أبي داود.
(2) البخاري: كتاب الوضوء، باب: البول قائماً وقاعداً (224) ، مسلم: كتاب
الطهارة، باب: المسح على الخفين (73/273) ، الترمذي: كتاب الطهارة،
باب: الرخصة في ذلك (13) ، النسائي: كتاب الطهارة، باب: الرخصة
في البول في الصحراء قائماً (1/25) ، ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: ما
جاء في البول قائماً (305) ، أحمد (5/382، 402) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (7/1397) .
(4) المصدر السابق (27/5916) . (5) المصدر السابق (30/6688) .(1/91)
] 1/7 حا [
وحذيفة بن اليمان، واسم اليمان: حسْل، ويقال: حُسيْل بن جابر
ابن [أسيد بن] عمرو بن ربيعة بن جُرْوة بن الحارث أبو عبد الله. روى
عنه: عمار بن ياسر، وأبو حذيفة، وربعي بن حراش، وأبو وائل،
وغيرهم. مات بالمدائن والياً عليها سنة ست وثلاثين،. بعد قتل عثمان
بأربعين ليلة. روى له الجماعة (1) .
قوله: " سباطة قوم " بضم السين، وتخفيف الباء الموحدة، وهي مُلقى
الزبالة والتراب ونحوهما، يكون بفناء الدور مرفقاً لأهلها. وقال
الخطابي: " ويكون في الأغلب سهلاً دمثاً، لا (2) يخد فيها البول، ولا
يرتد على البائل " (3) . ويقال: السُباطة: الكُناسة نفسها، وإضافتها
إلى القوم إضافة تخصيص لا ملك، لأنا كانت مواتاً مباحة.
قوله: " فبال قائماً " فيه وجوه: " (4) الأول: ما روي عن الشافعي:
أن العرب كانت تستشفي لوجع الصلب بالبول قائماً، قال: فنرى أنه كان
به- عليه السلام- وجع الصلب إذ ذاك.
والثاني: ما رواه البيهقي برواية ضعيفة " أنه- عليه السلام- بال
قائماً لعلة بمأبضه " (5) والمأبضُ- بهمزة ساكنة بعد الميم، ثم باء موحدة-
وهو/باطن الركبة.
والثالث: أنه- عليه السلام- لم يجد مكاناً للقعود، فاضطر إلى
القيام، لكون الطرف الذي يليه في السباطة كان عالياً مرتفعاً.
والرابع: ما ذكره القاضي عياض، لكون البول قائماً حالة يؤمن فيها
__________
(1) انظر ترجمته في: الاستيعاب (1/277) بهامش الإصابة، وأسد الغابة
(1/468) ، والإصابة (1/317) .
(2) كذا، وفي " معالم السنن " و " شرح صحيح مسلم ": " سهلاً منثالاً ".
(3) انظر: معالم السنن (1/18) ، باب: البول قائماً.
(4) انظر: شرح صحيح مسلم (3/165- 166) تحت شرح حديث الباب.
(5) البيهقي: كتاب الظهارة، باب: البول قائماً (1/101) من حديث أبي هريرة.(1/92)
خروج الحدث من السبيل الآخر في الغالب، بخلاف- حالة القعود،
ولذلك قال عمر- رضي الله عنه-: البول قائماً حصن للدبر.
والخامس: أنه فعله- عليه السلام- بياناً للجواز في هذه المرة،
وكانت عادته المستمرة البول قاعداً، يدل عليه حديث عائشة- رضي الله
عنها- قالت: " من حدثكم أن النبي- عليه السلام- كان يبول قائماً
فلا تصدقوه، ما كان يبول إلا قاعداً " رواه أحمد والنسائي والترمذي
بإسناد جيد (1) . وقد روي في النهي عن البول قائماً أحاديث لا تثبت (2) ،
ولكن حديث عائشة هذا ثابت، فلهذا قالت العلماء: يكره البول قائماً
إلا لعذر، وهي كراهة تنزيه لا تحريم. وقال ابن المنذر في " الإشراف ":
اختلفوا في البول قائماً، فثبت عن عمر بن الخطاب وزيد بن ثابت وابن
عمر وسهل بن سعد أنهم بالوا قياماً، وروي ذلك عن أنس وعليّ
وأبي هريرة، وفعل ذلك ابن سيرين وعروة بن الزبير، وكرهه ابن مسعود
والشعبي وإبراهيم بن سعد، وكان إبراهيم لا يجيز شهادة من بال قائماً.
وقال ابن المنذر: وفيه قول ثالث: أنه إن كان في مكان يتطاير إليه من
البول شيء فهو مكروه، وإن كان لا يتطاير فلا بأس، وهو قول مالك.
وقال ابن المنذر: البول جالساً أحب إليّ، وقائماً مباح، وكل ذلك ثابت
عن النبي- عليه السلام-.
__________
(1) أحمد (1/136، 192، 213) ، والترمذي في: كتاب الطهارة، باب: ما
جاء في النهي عن البول قائماً (12) ، والنسائي في: كتاب الطهارة، باب:
البول في البيت جالساً (1/26) ، وكذا ابن ماجه قي: كتاب الطهارة، باب:
في البول قاعداً (307) بنحوه 0
(2) منها ما رواه الترمذي (عقب رقم/12) ، وابن ماجه (308) ، والبيهقي
(1/102) من حديث عمر أنه قال: " رآني النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا أبول قائماً فقال:
يا عمر، لا تبل قائماً، فما بُلتُ قائماً بعد ". وقال الترمذي: " إنما رفع
هذا الحديث عبد الكريم بن أبي المخارق، وهو ضعيف عند أهل الحديث،
ضعّفه أيوب السختياني وتكلم فيه ". 1هـ. ومنها ما رواه ابن ماجه (309)
من حديث جابر بن عبد الله قال: " نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يبول قائماً " وفيه
عدي بن الفضل متفق على ضعفه، قال في التقريب: " متروك ".(1/93)
وأما بوله- عليه السلام- في سباطة القوم يحتمل وجوهاً:
الأول- وهو الأظهر-: أنهم كانوا يؤثرون ذلك ولا يكرهونه، بل
يفرحون به، ومن كان هذا حاله جاز البول في أرضه، والأكل من
طعامه، والاستمداد من بحيرته، ولهذا ذكر علماؤنا أن من دخل بستان
غيره يباح له الأكل من فاكهته، إذا كان بينه وبين صاحب البستان انبساط
ومحبة.
والثاني: أنها لم تكن مختصة بهم، بل كانت بفناء دورهم للناس
كلهم، فأضيف إليهم لقربها منهم.
والثالث: أن يكونوا أذنوا لمن أراد قضاء الحاجة، إما صريحاً أو دلالة..
فإن قلت: قد روي: " أنه- عليه السلام-[كان] إذا أراد حاجة
أبعد " (1) ، فكيف بال في السباطة التي بقرب الدور؟ قلت: لعله كان
مشغولاً بأمور المسلمين، والنظر في مصالحهم، وطال عليه مجلسٌ حتى
حزقه البول، فلم يمكنه التباعد، ولو أبعد لتضرر، وارتاد السباطة
لدمثها (2) ، وقام حذيفة بقربه ليستره من الناس " (3) .
قوله: " ثم دعا بماء فمسح على خفيه " فيه حذف، أي: بعد أن فرغ
من البول طلب ماء فتوضأ ومسح على خفيه.
قوله: " فذهبت أتباعد " من قول حذيفة. فإن قلت: كيف أدناه، وفي
حديث آخر لما أراد قضاء الحاجة قال: " تنح "؟. قلت (4) : " إنما أدناه
__________
(1) أخرجه بهذا اللفظ النسائي في: كتاب الطهارة، باب: الإبعاد عند قضاء
الحاجة (1/17- 18) ، وابن ماجه بنحوه في كتاب الطهارة، باب: التباعد
للبراز في الفضاء (334) من حديث عبد الرحمن بن أبي فراد. وأخرجه
أبو داود (1) ، والترمذي (20) ، والنسائي (1/18) ، وابن ماجه (331) من
حديث المغيرة بن شعبة بلفظ: " كان إذا ذهب المذهب أبعد ".
(2) سهُل ولان.
(3) إلى هنا انتهى النقل من " شرح صحيح مسلم ".
(4) انظر: " شرح صحيح مسلم " (3/167) .(1/94)
هاهنا ليستتر به عن أعين المارة؛ لأن السباطة تكون في الأفنية والمحال
المسكونة، أو قريباً منها، ولا تكاد تخلو هذه المواضع من المارة، ولأنه
كان يبول قائماً، ويؤمن معه من خروج الحدث الآخر، والرائحة
الكريهة، فلهذا استدعاه، وأما في الحديث الثاني فلكونه كان يقضي حاجته
قاعداً، ويحتاج إلى الحدثين جميعاً، فتحصل الرائحة المستكرهة، فلذلك
قال: " تنح عني "، وعن هذا قال بعض العلماء: في هذا الحديث من
السُّنّة: القرب من البائل إذا كان قائماً، والبعد إذا كان قاعدا.
قوله: " عن عقبه ": العقب بفتح العين وكسر القاف: مؤخر القدم،
وهي مؤنثة. ويستفاد من هذا الحديث فوائد: الأولى: جواز المسح على
الخف.
والثانية: جواز المسح في الحضر.
والثالثة: جواز البول قائماً.
والرابعة: جواز قرب الإنسان من البائل.
والخامسة: جواز طلب البائل من صاحبه الذي يدل عليه القرب منه،
ليستره.
والسادسة: استحباب التستر.
والسابعة: جواز البول بقرب الديار " (1) .
والثامنة: فيه دليل على أن مدافعة البول ومصابرته مكروهة، لما فيه من
الضرر.
وهذا الحديث أخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي،
وابن ماجه، وأحمد بن حنبل، وأبو بكر بن أبي شيبة في " مصنفه ".
__________
(1) إلى هنا انتهى النقل من " شرح صحيح مسلم "(1/95)
/9- باب: الرجل يبول في الإناء يضعه عنده بالليل (1)
أي: هذا باب فيه حكم الرجل يبول في إناء يضعه عنده في الليل.
13- ص- ثنا محمد بن عيسى قال: نا حجاج، عن ابن جريج، عن
حُكيمة [بنت] أميمة بنت رُقيقة، عن أمها قالت: " كان للنبيّ- عليه
السلام- قدح من عيْدانٍ تحت سريره يبولُ فيه بالليل " (2) .
ش- محمد بن عيسى هذا هو الطباع، أخو إسحاق ويوسف، انتقل
إلى الشام، وسكن أذنة. سمع هشيماً (3) ، ومالك بن أنس، وحماد
ابن زيد، وغيرهم. روى عنه: البخاري تعليقاً، وأبو حاتم الرازي،
وأبو داود، وغيرهم. وروى له النسائي وقال: ثقة. وقال أبو حاتم:
ثقة مأمون. وقال أبو داود: كان ربما دلس، توفي سنة أربع وعشرين
ومائتين (4) .
وحجاج هذا هو ابن محمد الأعور أبو محمد، مولى سليمان بن
مجالد، مولى أبي جعفر المنصور، ترمذي الأصل، سكن بغداد، ثم
تحول إلى المصيصة. سمع ابن جريج، وابن أبي ذئب، والليث بن
سعد، وشعبة، وحمزة الزيات. روى عنه: أحمد بن حنبل، وأبو خيثمة،
وعباس الدوري، ويحيى بن يحيى، وغيرهم. وقال النسائي: ثقة.
توفي ببغداد في ربيع الأول من سنة ست ومائتين. وقال ابن سعد: وكان
تغير في آخر عمره، وكان ثقة صدوقاً. روى له الجماعة (5) .
وابن جريج قد مضى ذكره.
وأميمة بنت رُقيقة هي أميمة بنت عبيد، ويقال: بنت عبد الله بن بجاد
__________
(1) في سنن أبي داود: " باب: في الرجل يبول بالليل في الإناء ثم يضعه عنده ".
(2) النسائي في: كتاب الطهارة، باب: البول في الإناء (1/31) .
(3) في الأصل: " هشيم ".
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (26/5534) .
(5) المصدر السابق (5/1127) .(1/96)
ابن عُمير بن الحارث بن حارثة بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي
ابن غالب، أمها رقيقة بنت أبي صيفي بن هاشم بن عبد مناف. روى
عنها محمد بن المنكدر، وابنتها حكيمة بنت أميمة. روى لها: أبو داود،
والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (1) .
قوله: " قدح من عيْدان " القدح- بفتح القاف والدال- مشهور.
والعيْدان- بفتح العين المهملة، وسكون الياء آخر الحروف- الطوال في
النخيل، الواحدة: عيْدانة. والسرير: التخت.
قوله: " يبول فيه " جملة في محل الرفع؛ لأنها وقعت صفة لقوله:
" قدح "، والباء في قوله: " بالليل " بمعنى: " في ". وحديث حكيمة
هذا أخرجه النسائي.
***
10- باب: المواضع التي نهي عن البول فيها (2)
أي: باب فيه بيان المواضع التي نهى النبي- عليه السلام- أن يبال فيها.
14- ص- حدثنا قتيبة بن سعيد قال: ثنا إسماعيل بن جعفر، عن العلاء
ابن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " اتقُوا
اللاعنيْن! قالوا: وما اللاعنان يا رسول الله؟ قال: الذي يتخلّى في طريق
الناس أو ظلّهمْ " (3) .
ش- قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف بن عبد الله أبو رجاء البغلاني
الثقفي مولاهم، وبغلان قرية من قرى بلخ. وقال ابن عدي: اسمه:
يحيى بن سعيد، وقتيبة لقب. سمع مالك بن أنس، والليث بن سعد،
__________
(1) انظر ترجمتها في: الاستيعاب (4/239) بهامش الإصابة، وأسد الغابة
(7/27) ، والإصابة (4/240) .
(2) في سنن أبي داود: " باب: المواضع التي نهى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن البول فيها ".
(3) مسلم: كتاب الطهارة، باب: النهي عن التخلي في الطرق والظلال
(269/68) .
7* شرح سنن أبي داود 1(1/97)
وأبا عوانة، ووكيعاً، وابن عيينة، وغيرهم. روى عنه: أحمد بن
حنبل، ويحيى بن معين، وأبو زرعة، وأبو حاتم، وأبو بكر بن
أبي شيبة، والبخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي،
وابن ماجه (1) ، وغيرهم. توفي في شعبان سنة أربعين ومائتين (2) .
وإسماعيل بن جعفر بن أبي كثير الأنصاري أبو إبراهيم (3) الزرقي
مولاهم المدني. سمع عبد الله بن دينار، وحميداً (4) الطويل، ومالك
ابن أنس، وغيرهم. روى عنه: يحيى بن يحيى، وقتيبة بن سعيد،
ويحيى بن أيوب، وغيرهم. وقال ابن معين: ثقة مأمون، قليل الخطإ،
صدوق. وقال أبو زرعة: ثقة. مات ببغداد سنة ثمانين ومائة. روى له
الجماعة (5) .
والعلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب أبو شبل الحُرقي الجهني مولاهم.
سمع أباه وعبد الله بن عمر، وأنس بن مالك، وعباس بن سهل،
وغيرهم 0 روى عنه: مالك بن أنس، وابن جريج، وشعبة، وابن
عيينة، وإسماعيل بن جعفر، وغيرهم. وقال أبو حاتم: هو صالح.
وقال ابن معين: ليس حديثه بحجة. وقال ابن سعد: ثقة كثير الحديث،
ثبت. روى له الجماعة إلا البخاري (6) .
قوله: " اتقوا اللاعنيْن " بفتح النون أي: اجتنبوهما، " (7) يريد
الأمرين الجالبين [للعن] (8) ، الحاملين للناس عليه، وذلك أن من
__________
(1) كذا، والذي في تهذيب الكمال (23/527) : " روى عنه الجماعة سوى ابن
ماجه ".
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (23/4852) .
(3) كذا، وفي تهذيب الكمال (3/56) : " أبو إسحاق " ولم يحك غيره.
(4) في الأصل: " حميد ".
(5) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (3/433) .
(6) المصدر السابق (22/4577) .
(7) انظر: معالم السنن (1/19) .
(8) زيادة من معالم السنن.(1/98)
فعلهما لُعن وشُتم، فلما صارا سبباً لذلك أضيف إليهما الفعل، فكان
كأنهما اللاعنان، وقد يكون اللاعن أيضاً بمعنى الملعون، فاعل بمعنى
مفعول، كقولهم: سر كاتم، وعيشة راضية،/أي: مكتوم ومرضية "،
وهذا من أقسام المجاز العقلي، وهو إسناد الفعل أو معناه إلى ملابس له
بتأول.
قوله: " الذي يتخلى " أي: الرجل الذي يتفرغ لقضاء حاجته في طريق
الناس، والتقدير: أحدهما الذي يتخلى.
قوله: " أو ظلهم " أي: أو الذي يتخلى في ظل الناس، والمراد به
مستظل الناس الذي اتخذوه مقيلاً ومناخاً ينزلونه، وليس كل ظل يحرم
القعود للحاجة تحته، فقد قعد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لحاجته تحت حائش من
النخل، وللحائش لا محالة ظل. وقال ابن الأثير: الحائش: " النخل
الملتف المجتمع، كاًنه لالتفافه يحوش بعضه إلى بعض، وأصله
واوي " (1) . وحديث أبي هريرة هذا أخرجه مسلم.
15- ص- وثنا إسحاق بن سويد الرملي وعمر بن الخطاب- وحديثه
أتم-، أن سعيد بن الحكم حدثهم قال: أخبرني نافع بن يزيد قال: حدثني
حيوة بن شريح، أن أبا سعيد الحميري حدثه، عن معاذ بن جبل قال: قال
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اتقُوا الملاعن الثلاث: البراز في الموارد، وقارعة الطّريق،
والظّلّ " (2) .ً
ش- إسحاق بن سويد الرملي، روى عن: سعيد بن الحكم بن
أبي مريم، وإسماعيل بن أبي أويس، والوليد بن نصر. روى عنه:
أبو داود، والنسائي- وقال: ثقة- ومحمد بن محمد الباغندي،
ومكحول البيْروتي (3) .
__________
(1) انظر: النهاية لابن الأثير (1/468) مادة: " حيش "، وقال: أصله واوي،
وإنما ذكرناه هاهنا لأجل لفظه.
(2) ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: النهي عن الخلاء على قارعة الطريق (328) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (2/327) .(1/99)
وعمر بن الخطاب السجستاني أبو حفص روى عن سعيد بن الحكم بن
أبي مريم المصري، ومحمد بن كثير، ومحمد بن يوسف الفريابي،
وغيرهم. روى عنه: أبو داود، وأبو بكر بن أبي عاصم، وأحمد بن
عبد الكريم، وغيرهم. مات بكرمان سنة أربع وستين ومائتين (1) .
وسعيد بن الحكم بن أبي مريم الجمحي أبو محمد المصري، سمع
مالك بن أنس، وسفيان بن عيينة، والليث بن سعد، وعبد الله بن
وهب، وغيرهم. روى عنه: يحيى بن معين، ومحمد بن يحيى،
وأبو حاتم الرازي، والبخاري، وروى مسلم عن رجل عنه، وجماعة
آخرون. مات سنة أربع وعشرين ومائتيْن، وولد سنة أربع وأربعين ومائة.
روى له الجماعة (2) .
ونافع بن يزيد أبو يزيد المصري، روى عن: أبي سفيان طلحة (3) ،
وأبي هانئ الخولاني، وقيس بن الحجاج. روى عنه: عبد الله بن لهيعة،
وعبد الله بن صالح كاتب الليث، وعبد الله بن وهب. وقال أحمد بن
صالح: كان من ثقات الناس. وقال أبو حاتم: لا بأس به. روى له
الجماعة إلا الترمذي (4) .
وحيوة بن شُريح هذا هو ابن صفوان بن مالك التجيبي أبو زرعة
المصري الفقيه الزاهد العابد، سمع أباه، وربيعة بن يزيد، وأبا هانئ
الخولاني، وغيرهم. روى عنه الليث بن سعد، وابن لهيعة،
وأبو زرعة، ونافع بن يزيد، وغيرهم. وقال أحمد بن حنبل وابن معين:
ثقة مات سنة تسع وخمسين ومائة. روى له الجماعة (5) .
__________
(1) المصدر السابق (21/4226) .
(2) المصدر السابق (10/2235) .
(3) كذا: " عن أبي سفيان طلحة "، وفي تهذيب الكمال (29/296) :
" أبي سفيان بن جابر بن عتيك "، وكتب المعلق في الهامش: " جاء في
حاشية نسخة المؤلف التي بخطه من تعليقاته على صاحب " الكمال " قوله:
" كان فيه: وأبي سفيان طلحة بن نافع وهو خطأ ".
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (29/6371) .
(5) المصدر السابق (7/1580) .(1/100)
وأبو سعيد الحميري روى عن معاذ بن جبل، روى عنه حيوة بن
شريح، روى له أبو داود، وابن ماجه (1) .
ومعاذ بن جبل بن عمرو بن أوس بن عايذ - بالياء آخر الحروف،
وبالذال المعجمة- ابن عدي بن كعب بن عمرو بن أدي بن سعد بن عليّ
ابن أسد بن ساردة بن تزيد- بتاء مثناة من فوق- ابن جشم بن الخزرج
الأنصاري المدني، يكنى أبا عبد الرحمن، روي له عن رسول الله- عليه
السلام- مائة حديث وسبعة وخمسون حديثاً، اتفقا على حديثين، وانفرد
البخاري بثلاثة، ومسلم بحديث واحد. روى عنه: عبد الله بن عمر
ابن الخطاب، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمرو، وعبد الله بن
أبي أوفى، وأنس بن مالك، وغيرهم من الصحابة والتابعين. مات
بناحية الأردن في طاعون عمواس، سنة ثماني عشرة، وهو ابن ثلاث
وثلاثين سنة، وقبره بغوربيسان في شرقيه (2) .
قوله: " الملاعن " جمع ملعنة، وهي موضع اللعن، ويفهم من تفسير
الخطابي: أن المُلاعن- بضم الميم وفتح العين- وهو " اسم موضع
اللعن " (3) من الثلاثي المزيد فيه. وقال ابن الأثير: " المُلاعن جمع
ملعنة، وهي الفعلة التي يلعن بها فاعلها، كأنها مظنة للعْن، ومحل
له " (4) .
قوله: " البراز " يجوز بالرفع على أن يكون خبر مبتدإ محذوف،
والتقدير: أحدها البراز، ويجوز بالنصب على البدلية، وكذلك الكلام
في " قارعة الطريق والظل ". وقد ذكرنا أن البراز- بفتح الباء- كناية
عن قضاء الغائط، كما كنوا عنه بالخلاء.
__________
(1) المصدر السابق (33/7395) .
(2) انظر ترجمته في: الاستيعاب (3/355) بهامش الإصابة، وأسد الغابة
(5/194) ، والإصابة (3/426) .
(3) انظر: معالم السنن (1/19) . (4) انظر: النهاية (4/254) .(1/101)
قوله: " في الموارد " وهي جمع موردة، وهي مشرع المياه.
قوله:/ " وقارعة الطريق " قارعة الطريق وسطه، وقيل: أعلاه،
والمراد به هاهنا نفس الطريق ووجهه.
قوله: " والظل " أي: الظل الذي اتخذه الناس مقيلاً كما ذكرناه.
وحديث معاذ هذا أخرجه ابن ماجه.
***
(1) 16- ص- وثنا أحمد بن حنبل والحسن بن علي قالا: ثنا
عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر قال: أخبرني أشعث. قال الحسن: أشعث
ابن عبد الله، عن الحسن، عن ابن مُغفل قال: قال رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يبُولن
أحدُكُم في مُستحمّه، ثم يغتسل فيه ". قال أحمد: " ثم يتوضأ فيه، فإن
عامة الوسْواس منه " (2) .
ش- أحمد بن حنبل هو أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد
ابن إدريس الشيباني أبو عبد الله، ولد ببغداد، ونشأ بها، ومات بها،
ودخل الكوفة والبصرة ومكة والمدينة واليمن والشام والجزيرة، وسمع ابن
عيينة، ويحيى بن سعيد القطان، ووكيعاً، وأبا داود الطيالسي، والفضل
ابن دكين، وجماعة آخرين. روى عنه: الشافعي، والبخاري،
ومسلم، وأبو داود، وأكثر عنه في كتابه هذا، وروى الترمذي عن أحمد
__________
(1) في سنن أبي داود قبل هذا الحديث: " باب: في البول في المستحم ".
(2) الترمذي: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في كراهية البول في المغتسل (21) ،
النسائي: كتاب الطهارة، باب: كراهية البول في المستحم (1/34) ، ابن
ماجه: كتاب الطهارة، باب: كراهية البول في المغتسل (304) ، أحمد في
مسنده (5/56) في موضعين، ولم ترد: " ثم يتوضأ فيه " إلا عند أحمد في
الموضع الثاني فقط.
تنبيه: وقع في سند النسائي: " عن معمر، عن الأشعث بن عبد الملك (كذا)
عن الحسن "، وفي شرح السيوطي قال: " الأشعث هو ابن عبد الله بن جابر
الحُداني ". أقول: ومعمر لا يروي عن أشعث بن عبد الملك، وإنما يروي
عن أشعث بن عبد الله.(1/102)
ابن الحسن الترمذي عنه، وروى ابن ماجه عن محمد بن يحيى الذهلي
عنه، وجماعة كثيرون، وهو أجل من أن يذكر بطول، وهو أحد الأئمة
الكبار، الذين أحيوا الدين النبوي- رضي الله عنه-. توفي في سنة
إحدى وأربعين ومائتين (1) .
والحسن بن علي بن محمد أبو محمد الخلال الحُلواني، سكن مكة.
سمع عبد الرزاق بن همام، وأبا أسامة، ويحيى بن آدم، ووكيعاً،
وغير هم. روى عنه: البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي،
وابن ماجه، وغيرهم. مات سنة اثنتين وأربعين ومائتين (2) .
وعبد الرزاق بن همام بن نافع أبو بر الصنعاني اليماني الحميري
مولاهم. سمع عبد الله بن عمر العُمري، وأخاه عبيد الله بن عمر (3) ،
وسعيد بن مسلم، وسفيان، ومالك بن أنس، وغيرهم. روى عنه:
ابن عيينة، ومعتمر بن سليمان، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين،
والحسن بن علي، وغيرهم. مات سنة إحدى عشرة ومائتين، روى له
الجماعة (4)
ومعمر هذا هو ابن راشد أبو عروة بن أبي عمرو البصري، مولى
عبد السلام بن [عبد القدوس أخي] صالح 0 سمع عمرو بن دينار،
والزهري، وقتادة، وعاصماً الأحول، وصالح بن كيسان، وغيرهم.
روى عنه: عمرو بن دينار، والثوري، وشعبة، وابن عيينة، وابن
المبارك، وعبد الرزاق بن همام، وغيرهم. وقال ابن معين: معمر ثقة،
ومعمر عن ثابت ضعيف. وقال أبو حاتم: ما حدث معمر بالبصرة فيه
أغاليط، وهو صالح الحديث. مات سنة أربع وخمسين ومائة، وله ثمان
وخمسون سنة. روى له الجماعة (5) .
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (1/96)
(2) المصدر السابق (6/1250) .
(3) في الأصل: " عبد الله بن عمر " خطأ.
(4) المصدر السابق (18 /3415) .
(5) المصدر السابق (28/6104) .
(3) انظر: معالم السنن بتصرف يسير جدا (1/20) .(1/103)
وأشعث بن عبد الله بن جابر الأعمى أبو عبد الله البصري، روى عن
أنس بن مالك، والحسن بن أبي الحسن، ومحمد بن سيرين، وشهر بن
حوشب. روى عنه: معمر، وشعبة، ويحيى القطان، وغيرهم. روى
له: أبو داود، والترمذي، وابن ماجه (1) .
والحسن هو الحسن البصري، وقد مر مرة.
وابن مُغفّلٍ هو عبد الله بن مُغفل بن عبد نُهم بن عُفيف بن أسحم بن
ربيعة المزني أبو سعيد، وقيل: أبو عبد الرحمن، روي له عن رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثلاثة وأربعون حديثاً، اتفقا منها على أربعة، وانفرد البخاري
بحديث، ومسلم بآخر. روى عنه الحسن البصري، ومُطرفُ بن عبد الله
ابن الشخير، وسعيد بن جُبير، وغيرهم. مات بالبصرة سنة ستين في
آخر خلافة معاوية. روى له الجماعة (2) .
قوله: " في مُستحمه " المُستحم- بضم الميم، وفتح الحاء-
(3) " الموضع الذي يغتسل فيه، وسمي مستحماً باسم الحميم، وهو الماء
الحار الذي يغتسل به، ثم قيل للاغتسال بأي ماء كان استحمام، وإنما
نهى عن ذلك إذا لم يكن له مسلك يذهب فيه البول، ويسيل منه الماء،
أو كان المكان صُلباً فيخيل إليه أنه أصابه شيء من رشاشه، فيحصل منه
الوسواس ".
قوله: " قال أحمد " يعني: ابن حنبل.
قوله: " فإن عامة الوسواس منه " أي: من هذا الفعل. والوسواس
- بفتح الواو-: الاسم، وبكسرها: المصدر، يقال: وسوستْ إليه
نفسُه وسوسةً/ووسواساً بالكسر، والوسوسة حديث النفس.
__________
(1) المصدر السابق (3/527) ، وفيه: " روى له الأربعة "، وانظر التعليق على
تخريج الحديث السابق.
(2) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (2/325) ، وأسد الغابة
(3/398) ، والإصابة (2/372) .(1/104)
17- ص- ثنا أحمد بن يونس قال: ثنا زهير، عن داود بن عبد الله، عن
حميد الحميري- وهو ابن عبد الرحمن- قال: لقيت رجلاً صحب النبي
- عليه السلام- كما صحبه أبو هريرة قال: " نهى رسول الله- عليه السلام-
أن يمتشط أحدُكم (1) كلّ يوم، أو يبول في مُغْتسله " (2) .
ش- أحمد بن يونس بن زهير بن جميل بن الأعرج بن عاصم بن ربيعة
ابن مسعود أبو العباس الضبي، كوفي الأصل، سكن بغداد، ثم انتقل
إلى أصبهان، سمع بدمشق أبا مسهر، وهشام بن عروة، ودحيماً.
وروى عنهم وعن غيرهم، روى عنه: ابن أبي حاتم الرازي، وعبد الله
ابن جعفر، ومحمد بن يعقوب، وغيرهم. قال الدارقطني: صدوق
ثقة. توفي سنة ثمان وسبعين ومائتين.
وزهير هذا هو ابن معاوية بن حُديج- بالحاء المضمومة المهملة- ابن
الرحيْل بن زهير بن خيثمة الجعفي، أبو خيثمة الكوفي، سكن الجزيرة،
سمع أبا إسحاق السبيعي، وأبا الزبير المكي، وهشام بن عروة وغيرهم.
روى عنه: يحيى القطان، ويحيى بن آدم، ويحيى بن يحيى، ويحيى
ابن أبي بكير، وأبو داود الطيالسي، وغيرهم. وقال ابن معين: ثقة.
وقال أبو زرعة: ثقة، إلا أنه سمع من أبي إسحاق بعد الاختلاط، توفي
سنة سبع وسبعين ومائة. روى له الجماعة (3) .
وداود بن عبد الله الأودي أبو العلاء الزعافري الكوفي، روى عن:
أبيه (4) ، وحميد بن عبد الرحمن الحميري، والشعبي. روى عنه:
__________
(1) في سنن أبي داود: " أن يمتشط أحدنا "، وهي رواية ذكرها في الشرح.
(2) النسائي: كتاب الزينة، باب: الأخذ من الشارب (8/131) ، وفي كتاب
الطهارة، باب: ذكر النهي عن الاغتسال بفضل الجنب (1/130) ، وزاد في
هذا الموضع: أو يغتسل الرجل بفضل المرأة، والمرأة بفضل الرجل،
وليغترفا جميعاً ".
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (9/2019) .
(4) قال محقق تهذيب الكمال (8/411) : " جاء في حواشي النسخ من تعقبات=(1/105)
أبو عوانة، وأبو خالد الدالاني، ووكيع، وغيرهم. قال ابن معين:
ثقة. روى له أبو داود (1) .
وحميد بن عبد الرحمن الحميري البصري، سمع أبا هريرة، وعبد الله
ابن عمر، وابن عباس، وسعد بن هشام، وعمر بن سعيد، وغيرهم.
وقال أحمد بن عبد الله: تابعي ثقة. روى له الجماعة إلا البخاري (2) .
قوله: " أن يمتشط " في محل نصب على المفعولية، والمعنى: نهى
رسول الله امتشاط أحدكم، وفي بعض الرواية: " أن يمتشط أحدنا " (3) ،
وإنما نهى رسول الله عن الامتشاط كل يوم؛ لأن الامتشاط كل يوم مما
يخفف اللحية، وقد أمر رسول الله بإعفاء اللحية، وقص الشارب، ألا
ترى أنه- عليه السلام- " كان يدهن كل يوم "، وفي رواية: " كل يوم
مرتين "؟ وكذلك ابنُ عمر على ما روى ابن أبي شيبة في " مصنفه ":
حدثنا وكيع، عن. جويرية، عن نافع: " أن ابن عمر كان ربما ادهن في
اليوم مرتين " (4) ، وذلك إنما كانوا يفعلونه لتربية اللحية، والامتشاط كل
يوم ينافي ذلك.
وقال أيضاً: حدثنا وكيع، عن أبي خزيمة، عن الحسن قال: " نهى
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الترجل إلا غبا " (5) . والترجل هو الامتشاط. وقال
ابن الأثير في معنى قوله: " نهى عن الترجل إلا غبا ": " الترجل
والترجيل: تسريح الشعر وتنظيفه وتحسينه، كأنه كره كثرة الترفه والتنعم،
والمرجل والمسرح- بكسر الميم فيهما-: المشط " (6) .
__________
المؤلف على " صاحب الكمال " قوله: " ذكر في الأصل أنه روى عن أبيه
وذلك وهم، وإنما الذي يروي عن أبيه داود بن يزيد الأودي، وسيأتي ".
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (8/1769) ، وفيه: " روى له الأربعة ".
(2) المصدر السابق (7/1533) ، وفيه: " روى له الجماعة ".
(3) النسائي (1/130) ، و (8/131) .
(4) ابن أبي شيبة (8/392) .
(5) المصدر السابق، ورواه النسائي في كتاب الزينة، باب: الترجل غبا (8/132) .
(6) انظر: النهاية (2/203) .(1/106)
قوله: " أو يبول " بالنصب عطفاً على قوله: " أن يمتشط ".
و" المُغتسل " بضم الميم، وفتح السين: موضع الاغتسال.
18- ص- (1) حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة قال: نا معاذ بن هشام
قال: حدثني أبي، عن قتادة، عن عبد الله بن سرْجس: " أن النبيّ- عليه
السلام- نهى أن يُبال في الجُحْر ". " [قال:] قالوا لقتادة: ما يكره من
البول في الجحر؟ قال: كان يقال: إنها مساكن الجن " (2) .
ش- عبيد الله بن عمر بن ميسرة قد مر ذكره.
ومعاذ بن هشام بن أبي عبد الله الدّستوائي البصري، سكن ناحية من
اليمن، ومات بالبصرة، وأصله بصري، سمع أباه، روى عنه: عفان
ابن مسلم، وأحمد بن حنبل، وابن المديني، ومحمد بن المثنى،
وغيرهم. وقال ابن معين: صدوق وليس بحجة. روى له الجماعة.
قال أبو داود: مات سنة مائتين (3) . واسم أبي عبد الله سنْبر، ويكنى
هشام بأبي بكر الربعي الدّستوائي، نسبة إلى دستواء، كُورة من كُور
الأهواز، كان يبيع الثياب التي تُجلب منها (4) فنسب إليها. روى عن:
أبي الزبير المكي، وقتادة، ويحيى بن أبي كثير، ومطر الوراق،
وغيرهم. روى عنه: شعبة، ويحيى القطان، وابنه معاذ بن هشام،
وغيرهم. وقال أحمد بن عبد الله: بصري، ثمة ثبت في الحديث، كان
يقول بالقدر ولم يكن يدعو إليه. مات سنة اثنتين/وخمسين ومائة.
روى له الجماعة (5) .
وعبد الله بن سرْجس المزني البصري المخزومي، روي له عن رسول الله
- عليه السلام- سبعة عشر حديثاً. روى عنه: عاصم بن سليمان،
__________
(1) في سنن أبي داود: " باب: النهي عن البول في الجُحْر،.
(2) النسائي: كتاب الطهارة، باب: كراهية البول في الجُحر (1/33) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (28/6038) .
(4) في الأصل: " إليها " خطأ.
(5) المصدر السابق (30/6582) .(1/107)
وقتادة. روى له مسلم حديثاً واحداً، روى له: أبو داود، والترمذي،
والنسائي، وابن ماجه (1) .
قوله: " في الجُحر " بضم الجيم، وسكون الحاء المهملة، واحد الجحرة
والأجحار.
قوله: " ما يكره ... ؟ " استفهام، والمعنى: أي شيء يكره؟ والضمير
في " إنها " راجع إلى " الجحر "، وقد قلنا: إنه جمع، فلذلك أنث
الضمير باعتبار الجمعية. وأخرج هذا الحديث النسائي.
***
11- باب: ما يقول إذا خرج من الخلاء؟ (2)
أي: هذا باب في حكم ما يقول المتوضئ إذا خرج من بيت الماء.
19- ص- حدثنا عمرو بن محمد قال: ثنا هاشم بن القاسم قال: ثنا
إسرائيل، عن يوسف بن أبي بردة، عن أبيه قال: حدثتني عائشة- رضي الله
عنها-: " أن النبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا خرج من الغائط قال: غُفْرانك " (3) .
ش- عمرو بن محمد بن بكير بن سابور- بالسين المهملة- الناقد
أبو عثمان البغدادي، سكن الرقة، سمع سعيد بن جشم، وعيسى بن
يونس، وهاشم بن القاسم، ووكيعاً، وغيرهم. روى عنه: أبو زرعة،
وأبو حاتم، والبخاري، ومسلم، وأبو داود، وعبد الله بن أحمد بن
حنبل، وعبد الله البغوي، وغيرهم. وقال أبو حاتم: ثقة صدوق أمين.
__________
(1) انظر ترجمته في الاستيعاب بهامش الإصابة (2/384) ، وأسد الغابة
(3/256) ، والإصابة (2/315) .
(2) في السنن: " باب ما يقول الرجل إذا ... ".
(3) الترمذي: كتاب الطهارة، باب: ما يقول إذا خرج من الخلاء؟ (7) ،
النسائي في "عمل اليوم والليلة " (12/17694- تحفة) ، ابن ماجه: كتاب
الطهارة، باب: ما يقول إذا خرج من الخلاء؟ (300) .(1/108)
توفي ببغداد يوم الخميس لأربع خلون من ذي الحجة، سنة اثنتين وثلاثين
ومائتين (1) .
وهاشم بن القاسم بن شيبة التميمي أبو النضر، ويقال: الليثي من بني
الليث بن كنانة، من أنفسهم الخراساني، نزل بغداد، ويلقب قيصر.
رأى الثوري بمكة، وسمع من شعبة أربعة آلاف حديث، ما أملاه ببغداد،
وشيبان بن عبد الرحمن، وشريك بن عبد الله النخعي، وغيرهم. روى
عنه: أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وأبو خيثمة، وإسحاق بن
راهويه، وأبو بكر بن أبي شيبة، وجماعة آخرون. مات ببغداد سنة سبع
ومائتين. روى له الجماعة (2) .
وإسرائيل هذا هو إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي الهمداني
أبو يوسف الكوفي، أخو عيسى، سمع جده أبا إسحاق، وعبد الملك
ابن عمير، والمقدام بن شريح، ويوسف بن أبي بردة، وعيرهم. روى
عنه: وكيع، وأبو نعيم، وإسحاق بن منصور، والهاشم بن القاسم،
وغيرهم. وقال أبو حاتم: ثقة مُتْقن. ولد سنة مائة، ومات سنه ستين
ومائة. روى له الجماعة (3) .
ويوسف بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري الكوفي، روى عن أبيه،
روى عنه: إسرائيل بن يونس، وسعيد بن مسروق. روى له: أبو داود،
والترمذي، وابن ماجه (4) .
قوله: " قال: غفرانك ": الغفران مصدر من غفر يغفر، من باب
ضرب يضرب، وأصل الغفْر التغطية، يقال: غفر الله لك يغفر غُفْراً
وغُفْراناً ومغْفرةً، والمغفرة: إلباسُ الله تعالى العفْو للمذنبين.
و" غفرانك " منصوب بإضمار: أطلب وأسأل غفرانك، كما تقول:
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (22/4442) .
(2) الصدر السابق (30/6540) .
(3) المصدر السابق (2/402) .
(4) المصدر السابق (32/7128) .(1/109)
عفوك ورحمتك، تريد: هب لي عفوك ورحمتك. قلت: فعلى هذا
التقدير يكون " غفرانك " مفعولاً به، لا مفعولاً مطلقاً، وقد ذكر عن
سيبويه أنه من المصادر التي يعمل فيها الفعل مضمراً، تقديره: اغفر لنا
غفرانك، فعلى هذا يكون مفعولاً مطلقاً، ويقال: معناه: أستغفرك،
فهو مصدر موضوع موضع الخبر.
فإن قيل: ما الحكمة في هذا الدعاء عقيب الخروج من الخلاء؟ قلت:
فيه وجهان، الأول: أنه قد استغفر من تركه ذكر الله مدة لُبثه على
الخلاء، فكأنه رأى ذلك تقصيراً، وعده على نفسه ذنباً، فتداركه
با لاستغفار.
والثاني: التوبة من تقصيره في شكر النعمة؛ لأن الله تعالى أطعمه،
ثم هضمه، ثم سهل خروج الأذى منه، فرأى شكره قاصراً عن بلوغ
حق هذه النعمة، ففزع إلى الاستغفار منه. وحديث عائشة هذا أخرجه
الترمذي والنسائي وابن ماجه. وقال الترمذي (1) : " هذا حديث حسن
غريب، ولا يعرف في هذا الباب إلا حديث عائشة ".
وفي الباب حديث أبي ذر قال: " كان النبي- عليه السلام- إذا خرج
من الخلاء قال: الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني " (2) .
وحديث أنس بن مالك، عن النبي- عليه السلام- مثله (3) ، وفي
لفظ: " الحمد لله الذي أحسن إلي في أوله وآخره " (4) .
وفي حديث عبد الله بن عمر: أن النبي- عليه السلام- كان إذا خرج
قال:/ " الحمد دله الذي أذاقني لذته، وأبقى فيّ قوته، وأذهب عني أذاه (5)
__________
(1) انظر: جامع الترمذي (1/12- 13) .
(2) ابن السني في " عمل اليوم والليلة " (21) .
(3) ابن ماجه في: كتاب الطهارة، باب: ما يقول إذا خرج من الخلاء (301) .
(4) ابن السني في " عمل اليوم والليلة " (23) .
(5) أخرجه ابن السني في " عمل اليوم والليلة "، والطبراني.(1/110)
غير أن هذه الأحاديث أسانيدها ضعيفة، ولهذا قال أبو حاتم الرازي:
أصح ما فيه حديث عائشة- رضي الله عنها-.
***
12- باب: كراهية مس الذكر في الاستبراء باليمنى (1)
قوله: " باليمنى " متعلق بقوله: " مس الذكر ". و " الاستبراء " طلب
البراءة، وقد ذكرناه مرة.
20- ص- حدثنا مسلم بن إبراهيم وموسى بن إسماعيل قالا: ثنا أبان
قال: ثنا يحيى، عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" إذا بال أحدُكُم فلا يمس ذكره بيمينه، فإذا أتى الخلاء فلا يتمسحْ بيمينه،
وإذا شرب فلا يشربْ نفساً واحداً " (2) .
ش- مسلم بن إبراهيم أبو عمرو القصاب مضى ذكره، وكذلك موسى
المنقري. وأبان هذا هو أبان بن يزيد العطار البصري، يكنى أبو (3) يزيد،
سمع قتادة، وغيلان بن جرير، ويحيى بن أبي كثير، وغيرهم. روى
عنه: الطيالسي، وحبان بن هلال، وعفان بن مسلم، ومسلم بن
إبراهيم، وموسى بن إسماعيل. روى له مسلم، واستشهد به البخاري
في غير موضع (4) .
ويحيى هو يحيى بن أبي كثير، وقد مر ذكره.
__________
(1) في سنن أبي داود: " كراهية مس الذكر باليمين في الاستبراء ".
(2) البخاري: كتاب الوضوء، باب: لا يمسك ذكره بيمينه إذا بال (154) ،
مسلم: كتاب الطهارة، باب: النهي عن الاستنجاء باليمن (63/267:
65) ، الترمذي: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في كراهة الاستنجاء باليمين
(15) ، النسائي: كتاب الطهارة، باب: النهي عن الاستنجاء باليمين
(1/43- 44) ، ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: كراهة مس الذكر
باليمن والاستنجاء باليمين (310) .
(3) كذا.
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (2/143) .(1/111)
وعبد الله بن أبي قتادة هو عبد الله بن الحارث بن ربعي الأنصاري
السّلمي، وهو ابن أبي قتادة فارس رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبو إبراهيم، ويقال:
أبو يحيى، سمع أباه. روى عنه: إسماعيل بن أبي خالد، ويحيى بن
أبي كثير، وبكير بن عبد الله الأشج، وغيرهم. توفي بالمدينة في خلافة
الوليد بن عبد الملك، روى له الجماعة (1) .
وأبو قتادة هو الحارث بن ربعي بن بلذُمة بن خناس بن سنان بن عُبيد بن
عدي بن غنم بن [كعب بن] سلمة- بكسر اللام- السلمي المدني
أبو قتادة. و " بلذُمة " بالضم والفتح أشهر، وبالذال المعجمة المضمومة،
فارس رسول الله، شهد أحُداً والخندق وما بعد ذلك، روي له عن
رسول الله- عليه السلام- مائة حديث وسبعون حديثاً، اتفقا منها على
أحد عشر حديثاً، وانفرد البخاري بحديثين، ومسلم بثمانية أحاديث.
روى عنه: ابنه عبد الله، وأبو سعيد الخدري، وجابر بن عبد الله،
وسعيد بن المسيب، وعبد الله بن ناقع، وعطاء، وغيرهم. توفي
بالمدينة سنة أربع وخمسين، وهو ابن سبعين سنة، روى له الجماعة (2) .
قوله: " فلا يمس ذكره بيمينه " تنزيهاً لها عن مباشرة العضو الذي يكون
منه الأذى والحدث، وهذه الكراهة كراهة تنزيه لا تحريم.
فإن قلت: قد نهى عن الاستنجاء باليمين، ومس الذكر باليمنى،
فكيف يعمل إذا أراد الاستنجاء من البول؟ فإنه إن أمسك ذكره بشماله
احتاج إلى أن يستنجي بيمينه، وإن أمسكه بيمينه يقع الاستنجاء بالشمال،
فقد دخل في النهي.
قلت: قال الخطابي (3) : " الصواب في مثل هذا أن يتوخى الاستنجاء
__________
(1) المصدر السابق (15/3487 مكرر) .
(2) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (1/294) ، وأسد الغابة
(1/391) ، والإصابة (4/185) .
(3) انظر: معالم السنن (1/21) .(1/112)
بالحجر الضخم، الذي لا يزول عن مكانه بأدنى حركة تصيبه، أو
بالجدار، أو بالموضع الناتئ من وجه الأرض، فإن أدته الضرورة إلى
الاستنجاء بالحجارة، فالوجه أن يأتي لذلك بأن يلصق مقعدته إلى
الأرض، ويمسك الممسوح [بين عقبيه] ويتناول عضوه بشماله ".
قوله: " فإذا أتى الخلاء " بالمد أي: الغائط.
قوله: " فلا يشرب نفساً واحداً " نهي تأديب، وذلك لأنه إذا جرعه
جرعا، واستوفى ريّه منه نفساً واحداً، تكاثر الماء في موارد حلقه،
وأثقل معدته، وقد روي: " إن الكُباد من العب ". ويستوي فيه شرب
الماء واللبن، وجميع المائعات التي تشرب، يدل على ذلك تركه- عليه
السلام- مفعول " وإذا شرب "؛ لان حذف المفعول يُنبئ عن عموم
الفعل، ثم الظاهر أن قوله: " فلا يمس " و " فلا يتمسح " و " فلا يسرب "
نهي وليس بنفي، فينبغي أن يقرأ جميعها مجزوماً. ويجوز في قوله:
" فلا يمس " ثلاثة أوجه من حيث القاعدة: فتح السين لخفة الفتحة،
وكسرها؛ لأن الساكن إذا حُرك حُرّك بالكسر، وفك الإدغام على ما عرف
في موضعه.
وقوله: " فلا يتمسح " من باب التفعل، أشار به إلى أنه لا يتكلف
المسح باليمين؛ لأن باب التفعل للتكلف، وإذا جوز " فلا يمس "، وما
بعده نفياً ينبغي أن تضم السين والحاء والباء فافهم. وهذا الحديث أخرجه
البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه مطولاً ومختصراً.
21- ص- حدثنا محمد بن آدم بن سليمان المصيصي قال: ثنا ابن
أبي زائدة قال: حدثني أبو أيوب الأفريقي، عن عاصم، عن المسيب بن
رافع/ومعبد، عن حارثة بن وهب الخزاعي قال: حدثتني حفصة زوج النبي
- عليه السلام-: " [أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] (1) كان يجعلُ يمينهُ لطعامه وشرابه
وثيابه، ويجعل شمالهُ لما سوى ذلك " (2)
__________
(1) زيادة من السنن المطبوع.
(2) تفرد به أبو داود.
8* شرح سنن أبي داوود 1(1/113)
ش- محمد بن آدم بن سليمان المصيصي روى عن: ابن أبي زائدة،
وأبي خالد الأحمر، وأبي المليح الرقي، وعبد الله بن المبارك. روى عنه:
أبو داود، والنسائي، وأبو حاتم الرازي وقال: صدوق. مات سنة
خمسين ومائتين (1) .
وابن أبي زائدة هو زكرياء، وقد مر ذكره.
وأبو أيوب الأفريقي عبد الله بن علي الكوفي الأزرق، روى عن:
عاصم، وصفوان بن سليم، وابن شهاب، وسالم أبي النضر، وغيرهم
روى عنه: موسى بن عقبة، وابن أبي زائدة، وعبد الرحيم بن
سليمان (2) . وقال أبو زرعة: ليس بالمتين في حديثه إنكار، وهو لين.
روى له: أبو داود والترمذي (3) .
وعاصم هذا هو عاصم بن بهدلة [ابن] أبي النجود أبو بكر المقرئ
الأسدي الكوفي، سمع أبا وائل، وأبا رزين، وأبا صالح السمان،
وغيرهم. روى عنه: عطاء، والأعمش، ومنصور بن المعتمر،
والثوري، وابن عيينة، وجماعة آخرون. وقال ابن علية: كل من اسمه
عاصم سيء الحفظ. وقال أبو حاتم: محله عندي الصدق، صالح
الحديث، ولم يكن بذاك الحافظ. وقال الدارقطني: في حفظه شيء.
مات سنة سبع وعشرين ومائة، روى له الجماعة إلا البخاري، روى له
مسلم مقروناً بعبدة بن أبي لبابة (4) ، (5) .
والمسيب بن رافع الأسدي الجاهلي أبو العلاء، والد العلاء، سمع
البراء بن عازب، وروى عن: أبي سعيد الخدري، وجابر بن سمرة،
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (24/5051) .
(2) في الأصل: " عبد الرحمن بن سليمان " خطأ.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (15/3437) .
(4) كذا، وفي تهذيب الكمال (13/480) : " روى له البخاري ومسلم مقروناً
بغيره "، وفي التقريب: " وحديثه في الصحيحين مقروناً ".
(5) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (13/3002) .(1/114)
وسمع أبا إياس، والأسود بن يزيد، ووراداً (1) كاتب المغيرة، روى له
الجماعة (2) .
ومعبد هذا، هو معبد بن خالد القيسي الكوفي العاصي، سمع حارثة
ابن وهب، والنعمان بن بشير، وعبد الله بن شداد، وغيرهم. روى
عنه: الثوري، وشعبة، وعاصم بن بهدلة، وغيرهم. وقال ابن معين:
ثقة 0 وقال أبو حاتم: صدوق. توفي سنة ثمان عشرة ومائة. روى له
الجماعة (3) .
وحارثة بن وهب الخزاعي أخو عبيد الله بن عمر بن الخطاب لأمه،
يعد في الكوفيين، روي له عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ستة أحاديث، اتفقا منها
على أربعة أحاديث، روى عنه: أبو إسحاق السبيعي، ومعبد بن خالد،
روى له الجماعة (4) .
وحفصة بنت عمر بن الخطاب- رضي الله عنهما، زوج النبي- عليه
السلام-، روي لها عن رسول الله- عليه السلام- ستون حديثاً،
اتفقا على ثلاثة، وانفرد مسلم بستة، روى عنها (5) عبد الله بن عمر
أخوها، والمطلب بن أبي وداعة، وعبد الله بن صفوان. توفيت سنة
إحدى وأربعين، وصلى عليها مروان بن الحكم، روى لها الجماعة (6) .
قوله: " لطعامه " يعني: لأجل طعامه، والطعام اسم لما يؤكل، وربما
خُص بالبُسر، والشراب اسم لما يشرب، والمعنى: كان- عليه السلام-
يأكل بيمينه، ويشرب بيمينه، ويلبس بيمينه.
__________
(1) في الأصل: " ووراد ". (2) المصدر السابق (27/5970) .
(3) المصدر السابق (28/6070) .
(4) انظر ترجمته في: الاستيعاب (1/285) ، وأصد الغابة (1/430) ، والإصابة (1/299)
(5) في الأصل: " لها " خطأ.
(6) انظر ترجمتها في: الاستيعاب (1/268) ، وأسد الغابة (7/65) ، والإصابة
(4/273) .(1/115)
22- ص- ثنا أبو توبة الربيع بن نافع قال: ثنا عيسى بن يونس، عن ابن
أبي عروبة، عن أبي معشر، عن إبراهيم، عن عائشة- رضي الله عنها-
قالت: " كانت يدُ رسول الله اليُمنى لطُهُوره وطعامه، وكانت يدُهُ اليُسرى
لخلائه، وما كان منْ أذى " (1) .
ش- الربيع بن نافع أبو توبة الحلبي، سكن طرسوس، وسمع معاوية
ابن سلام، ومحمد بن مهاجر، وعطاء بن مسلم، وهشام بن يحيى،
وغيرهم. روى عنه: أحمد بن حنبل، وأبو حاتم، والبخاري،
ومسلم، والنسائي، وابن ماجه عن رجل عنه، وأبو داود، وغيرهم (2) .
وعيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي قد مر في أول الكتاب.
وابن أبي عروبة هو سعيد بن أبي عروبة، وقد مضى ذكره.
وأبو معشر هو زياد بن كليب التميمي الحنظلي أبو معشر الكوفي،
روى عن: إبراهيمْ النخعي، وسعيد بن جبير، وفضيل بن عمرو. روى
عنه: قتادة، وأيوب السختياني، وسعيد بن أبي عروبة، وشعبة،
وغيرهم. روى له: مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي (3) .
وإبراهيم هو ابن يزيد النخعي، وقد ذكر مرة.
__________
(1) أخرجه أبو داود (34) ، وفي كتاب اللباس، باب: في الانتعال (4140) ،
والبخاري في: كتاب الوضوء، باب: التيمن في الوضوء والغسل (168) ،
ومسلم في: كتاب الطهارة، باب: التيمن في الطهور وغيره (268/66) ,
67) ، والترمذي في: كتاب الصلاة، باب: ما يستحب من التيمن في
الطهور (608) ، والنسائي في: كتاب الطهارة، باب: بأي الرجلين يبدأ
بالغسل (1/78) ، وفي كتاب الزينة، باب: التيمن في الترجل (8/133) ،
وابن ماجه في: كتاب الطهارة، باب: التيمن في الوضوء (401) ،
كلهم من طريق أشعث بن أبي الشعثاء، عن أبيه، عن مسروق، عن عائشة
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (9/1872) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (9/2065) .(1/116)
قوله: " لطُهوره " الطهور بالضم: الفعل، وبالفتح: الماء الذي يتطهر
به. وقال سيبويه: الطهور بالفتح: يقع على الماء والمصدر معاً.
قوله: " وما كان من أذى " عطف على قوله: " لخلائه " فيكون محله
من الإعراب الجر، والأذى: النجاسة. وهذا الحديث منقطع؛ لأن
إبراهيم/لم يسمع من عائشة، وأخرجه من حديث الأسود عن عائشة
بمعناه، وأخرجه في " اللباس " من حديث مسروق عن عائشة بمعناه،
ومن ذلك الوجه أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه (1) .
23- ص- وثنا محمد بن حاتم بن بزيع قال: ثنا عبد الوهاب بن عطاء،
عن سعيد، عن أبي معشر، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة، عن
النبي- عليه السلام- بمعناه (1) .
ش- محمد بن حاتم بن بزيع البصري، يكنى أبا عبد الله، ويقال:
أبو سعيد، سمع الأسود بن عامر، ويحيى بن [أبي] بكير، وجعفر بن
عون، وإسحاق بن منصور. روى عنه: البخاري، ومسلم،
وأبو داود، والنسائي، وقال: ثقة. مات سنة تسع وأربعين ومائتين (2) .
وعبد الوهاب بن عطاء أبو نصر الخفاف البصري العجلي مولاهم،
سكن بغداد، سمع سليمان التيمي، وعبد الله بن عون، ويونس بن
عبيد، وحميداً (3) الطويل، وشعبة، ومالك بن أنس، وغيرهم. روى
عنه: أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وأحمد بن الوليد، وغيرهم.
مات سنة أربع ومائتين. روى له الجماعة إلا البخاري (4) .
وسعيد هو سعيد بن أبي عروبة، وأبو معشر هو زياد، وإبراهيم هو
النخعي، وقد ذكروا.
والأسود هذا هو ابن يزيد بن قيس بن عبد الله بن مالك بن علقمة بن
سلامان بن كهل بن بكر بن عوذ النخعي أبو عمرو، ويقال:
__________
(1) انظر التخريج السابق.
(2) المصدر السابق (25/5124) .
(3) في الأصل: " حميد ".
(4) المصدر السابق (18/3605)(1/117)
أبو عبد الرحمن الكوفي، أخو عبد الرحمن بن يزيد، وابن أخي علقمة
ابن قيس، وكان أسن من علقمة، وهو خال إبراهيم بن يزيد النخعي،
رأى أبا بكر وعمر وروى عنهما، وعن علي بن أبي طالب، وسلمان
الفارسي، وسمع عبد الله بن مسعود، ومعاذ بن جبل،. وأبا موسى
الأشعري، وعائشة زوج النبي- عليه السلام-. روى عنه: ابنه
عبد الرحمن بن الأسود، وإبراهيم بن يزيد النخعي، وأبو إسحاق
السبيعي. وقال أحمد بن حنبل: هو ثقة. مات سنة أربع وسبعين.
روى له الجماعة (1) .
***
13- باب: الاستتار في الخلاء
أي: باب في حكم الاستتار في الخلاء.
24- ص- ثنا إبراهيم بن موسى الرازي قال: أنبأ عيسى بن يونس، عن
ثور، عن الحصين الحُمْراني (2) ، عن أبي سعيد، عن أبي هريرة، عن النبي
- عليه السلام- قال: " من اكْتحل فليُوترْ، منْ فعل فقدْ أحسن، ومن لا
فلا حرج، ومن اسْتجْمر فليُوترْ، منْ فعل فقدْ أحسن، ومن لا فلا حرج،
ومنْ كل فما تخلل فليلفظْ، وما لاك بلسانه فليبْتلعْ، منْ فعل فقدْ أحسن،
ومنْ لا فلا حرج، ومنْ أتى الغائط فليستتر، فإنْ لمْ يجدْ إلا أنْ يجْمع كثيباً
من رمْل فليسْتدْبرْهُ، فإن الشيطان يلعبُ بمقًاعد بنى آدم، منْ فعل فًقدْ
أحسن، ومن لا فلا حرج " (3) .
ش- إبراهيم بن موسى بن يزيد بن زاذان التميمي الرازي أبو إسحاق
الفراء، يعرف بالصغير، سمع عبد الوارث بن سعيد، وأبا الأحوص،
__________
(1) المصدر السابق (3/509) .
(2) في سنن أبي داود: " الحبراني " وهو مروي فيه.
(3) ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: الارتياد للغائط والبول (337) ، وروى
الجملة الأولى فقط في الطب (3498) .(1/118)
ويحيى بن زكرياء، وخالد بن عبد الله، وغيرهم. روى عنه: البخاري،
ومسلم، وأبو داود، وأبو زرعة، وأبو حاتم، وروى الترمذي عن
البخاري عنه، وروى له ابن ماجه (1) .
وعيسى بن يونس قد مر ذكره.
وثور بن يزيد بن زياد الكلاعي، ويقال: الرحبيُ أبو خالد، الشامي
الحمصي، سمع خالد بن معدان، ومكحولاً، وأبان بن أبي عياش،
وعمرو بن شعيب، والزهري، ونافعاً، وغيرهم. روى عنه: مالك،
والثوري، وابن عيينة، ومحمد بن إسحاق بن يسار، وابن المبارك،
وجماعة آخرون كثيرة. وقال ابن سعد: ثقة في الحديث، ويقال: إنه
كان قدريا. وقال ابن عدي: لا أرى بحديثه بأساً إذا روى عنه ثقة أو
صدوق. توفي بالقدس سنة ثلاث وخمسين ومائة، وهو ابن بضع وستين
سنة. روى له الجماعة إلا مسلماً (2) .
والحصين الحُمْراني- بضم الحاء المهملة، وسكون الميم- ويقال:
الحُبْراني، روى عنه: ثور المذكور، وأبو عاصم عن ثور عنه (3) .
وأبو سعيد هذا هو أبو سعيد الخير الحمصي، روى عن أبي هريرة.
روى عنه حصين الحُمراني 0 وقال أبو داود: أبو سعيد الخير من الصحابة.
وروى ثور بن يزيد، عن الحصن الحُمْراني [عنه. قال عبد الرحمن بن
أبي حاتم:] (4) سألت أبا زرعة عنه فقال: لا أعرفه. قلت: لقي
أبا هريرة؟ قال: على هذا يوضع (5) .
قوله: " من اكتحل فليوتر " أي: فليجعل الاكتحال فرداً، إما واحدة،
أو ثلاثاً، أو خمساً، وإنما أمر بالإيتار لقوله- عليه السلام-: " إن الله
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (2/254) .
(2) الصدر السابق (4/862) .
(3) الصدر السابق (6/1378) .
(4) زيادة من تهذيب الكمال.
(5) الصدر السابق (33/7394) .(1/119)
وتر يحب الوتر " (1) . وهذا الأمر من الأمور الندبية، كقوله تعالى:
(فكاتبُوهُمْ) (2) ، والأولى أن يكون للإرشاد، والفرق بينهما:/أن
الندب لثواب الآخرة، والإرشاد لمنافع الدنيا، غير مشتمل على ثواب
الآخرة فافهم. وقد علم في الأصول أن الأمر يستعمل في أكثر من خمسة
عشر معنى.
قوله: " من فعل فقد أحسن " أي: من فعل الإيتار فقد أحسن في فعله،
أي: أتى بالفعل الحسن، ولتضمن " منْ " هاهنا معنى الشرط دخل في
جوابه الفاء.
قوله: " ومن لا فلا حرج " أي: ومن لم يفعل الإيتار فلا حرج عليه،
أي: لا إثم عليه. وقد دل معنى الحرج على أن الإيتار ليس بواجب،
وإنما هو مندوب كما ذكرناه.
قوله: " ومن استجمر فليوتر " الاستجمار: التمسح بالجمار، وهي
الأحجار الصغار، ومنه سُميت جمار الحج، وهي الحصى التي يرمى
بها، سمي استجماراً (3) لأنه يطيب المحل كما تطيبه الاستجمار بالبخور.
وقد قيل في قوله: " من استجمر فليوتر " إنه البخور، مأخوذ من الجمر
الذي يوقد فيه، وقد كان الإمام مالك يقوله ثم رجع عنه، ومعنى قوله:
" فليوتر ": اجعل الحجارة التي تستنجي بها فرداً، إما واحدة، أو ثلاثاً،
أو خمساً، وبهذا احتج أبو حنيفة وأصحابه على أن الاستنجاء ليس فيه
عدد مسنون؛ لأن الإيتار يقع على الواحد كما يقع على الثلاثة.
قوله: " من فعل فقد أحسن، ومن لا فلا حرج " قال الخطابي (4) :
" معناه: التخيير بين الماء الذي هو الأصل، وبين الأحجار التي هي
__________
(1) البخاري: كتاب الدعوات، باب: لله مائة اسم غير واحدة (6410) ، مسلم:
كتاب الذكر والدعاء، باب: في أسماء الله تعالى وفضل من أحصاها
(2677/5، 6) من حديث أبي هريرة.
(2) سورة النور: (33) .
(3) في الأصل: " استجمارٌ ".
(4) انظر: معالم السنن (1/22) .(1/120)
للترخيص، لكنه إذا استجمر بالحجارة فليجعل وترا ثلاثاً وإلا فلا حرج إن
تركه إلى غيره، وليس معناه ترك التعبد أصلاً، بدليل حديث سلمان:
" نهانا أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار " (1) .
قلت: قال الأستاذ فخر الدين في التمسك بالحديث: الشارعُ نفى
الحرج عن تارك الاستنجاء، فدل على أنه ليس بواجب، وكذلك ترك
الإيتار لا يضر؛ لأن ترك أصله لما لم يكن مانعاً، فما ظنك في ترك
وصفه؟ فدل الحديث على انتفاء المجموع.
وقال الخطابي (2) : " وفيه وجه آخر: وهو رفع الحرج في الزيادة على
الثلاث، وذلك أن مجاوزة الثلاث في الماء عدوان، وترك للسُنة،
والزيادة في الأحجار ليست بعدوان وإن صارت شفعاً ".
قلت: هذا الوجه لا يفهم من هذا الكلام على ما لا يخفى على
الفطن، وأيضاً مجاوزة الثلاث في الماء، كيف يكون عدواناً إذا لم تحصل
الطهارة بالثلاث؟ والزيادة في الأحجار وإن كانت شفعاً كيف لا تصير
عدواناً، وقد نص على الإيتار؟ فافهم.
قوله: " ومن كل فما تخلّل فليلفظْ " " الفاء " في قوله: " فما تخلل "
للترتيب المعنوي، وهو عطف مفصل على مجمل، نحو قوله: " توضأ،
فغسل وجهه ويديه، ومسح على رأسه، وغسل رجليه ". وقوله:
" تخلل " أي: تخلل بالخلال بعد الأكل.
قوله: " فليلفظْ " أي: فليرم؛ لا معنى " اللفظ " في اللغة: الرمي،
يقال: أكلت التمرة ولفظت نواها، ولفظت الرحى الدقيق، أي: رمتهُ،
وهذا أيضاً من الأمور الإرشادية.
قوله: " وما لاك " عطف على قوله: " فما تخلل " من اللوْك، يقال:
لكْتُ الشيء في فمي ألوكه، إذا علكتُه، وقد لاك الفرس اللجام.
__________
(1) مسلم: كتاب الطهارة، باب: الاستطابة (262/57) .
(2) المصدر قبل السابق.(1/121)
قوله: " فليبتلع " أمر من الابتلاع، البلع والابتلاع بمعنى، وإنما أمر في
التخلل برمي الخلالة، لأنها تنْتنُ بين الأسنان، فتصير مستقذرة، وروي
عن ابن عمر أن تركها توهن الأضراس. وفي اللوْك بالابتلاع؛ لأن رمي
اللقمة بعد لوكها إسراف وبشاعة للحاضرين.
قوله: " كثيباً من رمل " الكثيب: الرمل المستطيل المُحْدودب.
قوله: " فليستدبره " أي: فليستدبر الكثيب، أي: يجعله عند دبره.
قوله: " فإن الشيطان يلعب بمقاعد بني آدم " يعني: أن الشياطين تحضر
تلك الأمكنة وترصدها بالأذى والفساد؛ لأنها موضع يخلى منها ذكر الله
تعالى، وتكشف فيها العورات، وهو معنى قوله: " إن هذه الحشوش
محتضرة " (1) . وأمر بالتستر ما أمكن، وألا يكون قعوده في براح من
الأرض تقع عليه أبصار الناظرين، أو تهب الريح عليه، فيصيبه نشر
البول، فيلوث بدنه أو ثيابه، وكل ذلك من لعب الشيطان به، والمقاعد:
مواضع قعود الناس في الأسواق وغيرها، ولعب الشيطان بمقاعد بني آدم
كناية عن إيصاله الأذى والفساد إليهم.
قوله: " من فعل فقد أحسن ... " يعني: من فعل الاستدبار بالكثيب
ونحوه فقد أحسن فيه، ومن تركه فلا حرج عليه، وإنما قلنا هكذا لأن
التستر واجب، وكيف لا يكون/في تركه حرج؟ اللهم إلا إذا كان في
حالة لا يقدر فيها على التستر أصلاً، يكون حينئذ لا حرج عليه، ويكون
المعنى في هذه الصورة: ومن لم يفعل ذلك لأجل ضرورة لا حرج عليه،
فافهم، فإنه موضع دقيق.
ص- قال أبو داود: رواه أبو عاصم عن ثور. قال حصين الحمراني:
ورواه عبد الملك بن الصباح عن ثور فقال: أبو سعيد الخبر. قال أبو داود:
أبو سعيد الخير هو من أصحاب النبي- عليه السلام-.
__________
(1) أبو داود: كتاب الطهارة، باب: ما يقول الرجل إذا دخل الخلاء (6) ، ابن
ماجه: كتاب الطهارة، باب: ما يقول الرجل إذا دخل الخلاء (296) من
حديث زيد بن أرقم.(1/122)
ش- أبو عاصم هو: الضحاك بن مخلد بن الضحاك البصري،
أبو عاصم النبيل، سمع عبد الله بن عون، والأوزاعي، وثور بن يزيد
وغيرهم. روى عنه: محمد بن المثنى، وابن بشار، وأحمد بن حنبل،
وغيرهم. وقال ابن معين: ثقة. توفي سنة اثنتي عشرة ومائتين بالبصرة،
وهو ابن تسعين سنة. روى له الجماعة. سمي نبيلاً لأنه [كان لا يلبس
الخُزُوز (1) وجيد] (2) الثياب (3) .
وعبد الملك بن الصباح المسْمعي أبو محمد البصري، روى عن عبد الله
ابن عون، وهشام بن حسان، وثور بن يزيد، وعمران بن حدير (4) ،
وشعبة، وعبد الحميد بن جعفر الأنصاري. روى عنه: إسحاق بن
راهويه، ومحمد بن المثنى، ومحمد بن بشار، ونعيم بن حماد،
وغيرهم. قال أبو حاتم: هو صالح. روى له: البخاري، ومسلم،
وابن ماجه (5) .
***
14- باب: ما ينهى عنه أن يستنجى به
أي: باب في حكم الشيء الذي نُهي عن الاستنجاء به.
25- ص- حدثنا يزيد بن خالد بن عبد الله بن موهب الهمداني قال:
ثنا الفضل- يعني: ابن فضالة المصري- عن عياش بن عباس القتباني، أن
شييْم بن بيْتان أخبره، عن شيبان القتباني: " أن مسلمة بن مُخلد استعمل
رُويفع بن ثابت على أسفل الأرض. قال شيبانُ: فسرْنا معه من كوم شريك
إلى علقماء، أو من علقماء إلى كوْم شريكٍ - يُريدُ علقام- فقال رويفعٌ: إن
__________
(1) جمع خز، والخز من الثياب ما ينسج من صوف وحرير خالص.
(2) غير واضح في الأصل، وأثبتناه من تهذيب الكمال.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (13/2927) .
(4) في الأصل: " حديث " خطأ. (5) المصدر السابق (18/3534) .(1/123)
كان أحدُنا في زمن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليأخذُ نضْو أخيه على أن له النصف مما
يغنمُ وله (1) النصف، وإن كان أحدُنا ليطيرُ له النّصْلُ والريشُ، وللآخر
القدحُ، ثم قال لي رسولُ الله: يا رويفع، لعل الحياة ستطولُ بك بعدي،
فأخبر الناس أنه من عقد لحيته، أو تقلد وتراً، أو استنجى برجيع دابة أو
عظمٍ، فإن محمداً منه بريء " (2) .
ش- يزيد بن خالد بن يزيد بن عبد الله بن موْهب الهمداني الرملي
أبو خالد، روى عن الليث بن سعد، وعبد الله بن وهب، ويحيى بن
زكرياء، وغيرهم روى عنه: أبو زرعة، وأبو داود، وجعفر بن محمد
الفريابي وغيرهم. مات سنة ثلاث، وقيل: سبع ومائتين (3) .
والمُفضل بن فضالة بن عبيد بن ثمامة بن مزيد بن نوف بن النعمان بن
مسروق أبو معاوية الرعُيني ثم القتباني المصري قاضيها. روى عن عُقيل بن
خالد، وعياش. بن عباس، وابنه عبد الله بن عياش، ومحمد بن
عجلان، وغيرهم. روى عنه: قتيبة بن سعيد، وابنه فضالة بن المفضل،
ويحيى بن غيلان وغيرهم. قال ابن معين: ثقة، وفي رواية: رجل
صدق. وقال أبو زرعة: لا بأس به. توفي في شوال سنة إحدى وثمانين
ومائة، وصلى عليه إسماعيل بن صالح أمير البلد، وولي القضاء بمصر
مرتين، وولد سنة سبع ومائة روى له الجماعة (4) .
وعياش بن عباس بن جابر بن ياسين أبو عبد الرحيم القتباني، وقتبان
من رُعى المصري، رأى عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي، وروى
عن: أبي سلمة بن عبد الرحمن، وأبي النضر سالم، والضحاك بن
زمل، وغيرهم. روى عنه الليث بن سعد، والمُفضل بن فضالة، وابنه
أبو جعفر عبد الله بن عياش، وحيوة بن شريح، وغيرهم. وقال ابن
__________
(1) في سنن أبي داود: " ولنا ".
(2) النسائي: كتاب الزينة، باب: عقد اللحية (8/135) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (32/6982) .
(4) المصدر السابق (28/6151) .(1/124)
معين: ثقة. وقال أبو حاتم: صالح. توفي سنة ثلاث وثلاثين ومائة.
روى له الجماعة إلا البخاري (1) .
وشييم- بكسر الشين المعجمة، وياء آخر الحروف مكررة- ابن بيْتان
- بباء موحدة، بعدها ياء آخر الحروف، ثم تاء مثناة من فوق- القتباني
المصري روى عن: رويفع بن ثابت الأنصاري، وجنادة بن أمية،
وأبي حذيفة شيبان بن أمية. روى عنه: عياش بن عباس، وخير بن نُعيم.
قال ابن معين (2) : ثقة. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي (3) .
وشيبان بن أمية، ويقال: ابن قيس القتباني أبو حذيفة، روى عن
مسلمة بن مُخلد الزرقي، روى عنه شييم المذكور، وبكر بن سوادة
الحزامي، روى له أبو داود (4) .
/ومسلمة بن مُخلّد الزُرقي الأنصاري، سكن مصر، وكان والياً من
قبل معاوية. روى عنه شيبان بن أمية القتباني. روى له أبو داود.
و" مُخلّد " بضم الميم، وتشديد اللام المفتوحة (5) .
ورويفع بن ثابت بن سكن بن عدي بن حارثة بن عمرو بن زيد مناة بن
عدي بن عمرو بن مالك بن النجار الأنصاري، سكن مصر، واختط بها
داراً، وأمره معاوية على أطرابلس سنة ست وأربعين، فغزى من أطرابلس
إفريقية سنة سبع وأربعين، ودخلها، وانصرف من عامه. يقال: مات
بالشام، ويقال ببرْقة وهو الأرجح. قال البرقي: توفي ببرق (6) وهو
أمير عليها. قال أحمد: ولقد رأيت قبره بها روى عنه شيبان بن أمية،
ومرثد بن عبد الله. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي (7) .
قوله: " على أسفل الأرض " أسفل الأرض يُعبر به عن الوجه البحري
في مصر.
__________
(1) المصدر السابق (22/4600) . (2) في الأصل: " نعيم " خطا.
(3) المصدر السابق (12/2792) . (4) المصدر السابق (12/2783) .
(5) المصدر السابق (27/5962) . (6) كذا، وفي تهذيب الكمال: " ببرقة ".
(7) المصدر السابق (9/1939) .(1/125)
قوله: " من كوْم شريك " هي بلد في طريق الإسكندرية، وشريك هذا
هو ابن سمي المرادي الغُطيفي، وفد على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وشهد فتح
مصر (1) .
قوله: " إلى علقماء " بفتح العين المهملة، وسكون اللام، وفتح
القاف، والميم المقصورة (2) : بلدة في طريق الإسكندرية، وهي اليوم
خراب. و " علقام " مثله، إلا أنه بالألف قبل الميم، وهي أيضاً بلدة،
واليوم خراب.
قوله: " إن كان أحدنا " أصله: " إنه كان "، وتسمى هذه " إنْ "
المخففة من المثقلة، فتدخل على الجملتين، فإن دخلت على الاسمية جاز
إعمالها، وإن دخلت على الفعلية وجب إهمالها، والأكثر كون الفعل
ماضياً ناسخاً، نحو: (وإن كانتْ لكبيرةً) (3) ، وأمثال ذلك كثيرة في
القرآن وغيره.
قوله: " ليأخذ نضْو أخيه " النضْو- بكسر النون، وسكون الضاد
المعجمة-: البعير المهزول، يقال: بعير نضو، وناقة نضو ونضوة.
وقال ابن الأثير (4) : " النضو: الدابة التي أهزلتها الأسفار، وأذهبت
لحمها ".
(5) وي هذا حجة لمن أجاز أن يعطي الرجل فرسه أو بعيره على
شطر ما يصيبه المستأجر من الغنيمة، وهو قول أحمد والأوزاعي، ولم
يجوز ذلك أكثر العلماء، وأوجبوا في مثل هذا أجرة المثل ".
قوله: " وإن كان أحدُنا ليطيرُ له النصْلُ والريشُ وللآخر القدحُ " أي: إنه
كان أحدنا ليطير له، أي: يصيبه في القسمة، يقال: طار لفلان النصف
ولفلان الثلث إذا وقع في القسمة ذلك. وقال ابن الأثير (6) : " إن
__________
(1) انظر ترجمته في: الإصابة (2/150) .
(2) كذا، والجادة: " وبعد الميم ألف ممدودة " كما في معجم البلدان.
(3) سورة البقرة: (143) . (4) انظر: النهاية (5/72) .
(5) انظر: معالم السنن (1/23) . (6) انظر: النهاية (3/151) .(1/126)
الرجلين كانا يقتسمان السهم فيقع لأحدهما نصله، وللآخر قدْحه، وطيرُ
الإنسان ما حصل له في علم الله مما قدر له ".
وقال الخطابي (1) : " وفيه دليل على أن الشيء المشترك إذا احتمل
القسمة، وطلب أحد الشركاء المقاسمة كان ذلك له؛ لأن القدح قد ينتفع
به عرياً من الريش والنصل، وكذلك ينتفع بالنصل والريش وإن لم يكونا
مركبين في قدح ".
والنصل نصل السهم والسيف والسكن والرمح، والجمع " نصول "
و" نصال ". والريش للطائر جمع " ريشة ". والقدح بكسر القاف،
وسكون الدال: خشب السهم، ويقال للسهم أول ما يقطع: قطع بكسر
القاف، ثم ينحت ويُبرى فيسمى بريا، ثم يُقومُ فسمي قدحاً، ثم يراش
ويركب نصله فيسمى سهماً.
قوله: " من عقد لحيته " قيل: " (1) كانوا يفعلونه في الحرب، وهو
من زي الأعاجم. وقيل معناه: معالجة الشعر ليتعقد ويتجعد، وذلك من
قبيل التوضيع والتأنيث، فلأجل ذلك نهاه- عليه السلام- ".
قوله: " أو تقلد وتراً " قيل: هي التمائم التي يشدونها بالأوتار،
وكانوا يرون أنها تعصمهم من الآفات، وتدفع عنهم المكاره، فأبطل
النبي- عليه السلام- ذلك. وقيل: هي الأجراس التي يعلقونها بها.
قوله: " أو استنجى برجيع " قد ذكرنا أن الرجيع العذرة والروث،
وذلك لأن النجس لا يزيل النجس.
قوله: " أو عظم " أي: أو استنجى بعظم؛ لأنه زاد الجن، وهو
بعمومه يتناول كل عظم من الميتة أو الذكي.
قوله: " فإن محمداً " جواب قوله: " من عقد ... "، ودخل الفاء فيه
لتضمن " منْ " معنى الشرط، فانظر إلى هذه التأكيدات: الجملة الاسمية
__________
(1) انظر: معالم السنن (1/24) .(1/127)
التي تدل على الثبات، ودخول " إن " التي للتأكيد، وتقديم الظرف على
خبر المبتدأ. وحديث شيبان هذا أخرجه النسائي.
26- ص- حدثنا يزيد بن خالد قال: ثنا مفضل، عن عياش، عن
شييم/بن بيتان، أخبره بهذا الحديث عن أبي سالم الجيشاني، عن عبد الله بن
عمرو، ويذكر ذلك وهو معه مرابط بحصن باب أليُون قال أبو داود:
حصن أليون بالفسطاط على جبل (1) . قال أبو داود: هو شيبان بن أمية،
يكنى أبا حذيفة.
ش- يزيد بن خالد ومن بعده قد ذكروا.
وأبو سالم الجيشاني يروي عن زيد بن خالد الجهني، روى عنه: بكر
ابن سوادة.
والجيشاني بالجيم وسكون الياء آخر الحروف، وبالشين المعجمة، نسبة
إلى جيشان، قبيل من اليمن (2) .
وعبد الله بن عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم بن سعيد بن سهم بن
عمرو، وقد ذكرنا بقية نسبه عند أبيه عمرو، يكنى أبا محمد، وقيل:
أبو عبد الرحمن. أسلم قبل أبيه. روي له عن رسول الله- عليه
السلام- سبعمائة حديث، اتفقا على سبعة عشر حديثاً، وانفرد البخاري
بثمانية، ومسلم بعشرين. روى عنه: سعيد بن المسيب، وعروة بن
الزبير، ومسروق بن الأجدع، وغيرهم. مات بمكة، وقيل بالطائف،
وقيل بمصر سنة خمس وستين، وهو ابن اثنين وسبعين سنة، روى له
الجماعة (3)
__________
(1) في سنن أبي داود: " على جبل بالفسطاط "، وانظر تخريجه في الحديث
السابق.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (11/2417) . قلت: واسم أبي سالم:
سفيان بن هانئ.
(3) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (2/346) ، وأسد الغابة
(3/349) ، والإصابة (2/351) .(1/128)
قوله: " حصن أليون بالفسطاط " الفسطاط مدينة مصر، وفي الأصل
الفسطاط بيت من شعر، ولكن سميت بها مدينة مصر؛ لأن عمرو بن
العاص لما فتحها ضرب فسطاطه على موضع الجامع المعروف به، فبنى
الجامع، وبنى المسلمون حواليه دوراً ومساجد وأسواقاً، ولم نزل مصر
- وهي الفسطاط- كرسي المملكة، حتى تولى مصر أحمدُ بنُ طولون من
جهة المعتز بالله في سنة أربع وخمسين ومائتين، فبنى له ولعسكره القطائع
في شمالي مصر، وبنى عند القطائع جامعه المعروف به في سنة تسع
وخمسين ومائتين، ثم لم يزل الأمر كذلك حتى بنيت القاهرة في سنة ثمان
وخمسين [وثلاثمائة] على يد جوهر القائد المعزي.
27- ص- حدّثنا أحمد بن محمد بن حنبل قال: ثنا روحُ بنُ عُبادة قال:
ثنا زكريا بن إسحاق قال: ثنا أبو الزبير: أنه سمع جابر بن عبد الله يقول:
" نهانا رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نتمسح بعظم أو بعْرة " (1) .
ش- أحمد بن حنبل الإمام قد مضى ذكره.
وروح بن عُبادة- بضم العين، وعبادة بفتح العين لم تقع إلا في
البخاري وسنن ابن ماجه فقط- وهو: ابن العلاء بن حسان بن عمرو بن
مرثد القيسي أبو محمد البصري، من بني قيس بن ثعلبة من أنفسهم،
روى عن عمران بن حدير، وسعيد بن أبي عروبة، ومالك بن أنس،
والثوري، وشعبة، والأوزاعي وغيرهم. روى عنه: أحمد بن حنبل،
إسحاق بن راهويه، وأحمد بن منيع، ويعقوب بن شيبة، ومحمد بن
لمثنى، وغيرهم. روى له الجماعة (2) .
وزكرياء بن إسحاق المكي، روى عن: عطاء بن أبي رباح، وعمرو
ابن دينار، ويحيى بن عبد الله، روى عنه: ابن المبارك، ووكيع،
__________
(1) في سنن أبي داود: " أو بعر "، والحديث أخرجه مسلم في كتاب الطهارة،
باب: الاستطابة (263/58) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (9/1930) .
9* شرح سنن أبي داوود 1(1/129)
وأبو عاصم النبيل. وقال أحمد وابن معين: ثقة. وقال أبو زرعة
وأبو حاتم: لا بأس به، روى له الجماعة (1) .
وأبو الزبير محمد بن مسلم بن تدرس أبو الزبير المكي الأسدي، مولى
حكيم بن حزام، وقد مضى ذكره.
قوله: " أن نتمسح " من باب التفعل، أشار به إلى أن لا يتكلف المسح
بالعظم والبعرة، أما العظم فلما ذكرنا، وأما البعرة فلأنها نجس، فلا
يزيل النجس. وحديث جابر هذا أخرجه مسلم.
28- ص- حدثنا حيوة بن شريح الحمصي قال: ثنا ابن عياش، عن
يحيى بن أبي عمرو السيْباني، عن عبد الله ابن الديلمي، عن عبد الله بن
مسعود قال: " قدم وفدُ الجن على رسول اله- عليه السلام- فقالوا:
يا محمدُ، انْه أمتك أن يستنجُوْا بعظمٍ، أو روثة، أو حُممة، فإن الله تعالى
جعل لنا فيها رزْقاً. قال: فنهى النبيُ- عليه السلاًم- " (2) .
ش- حيوة قد ذكر.
وابن عياش هو: إسماعيل بن عياش بن سُليم السامي الحمصي العنسيُّ
- بالنون-، سمع شرحبيل بن مسلم، وثور بن يزيد، والأوزاعي،
ويحيى بن سعيد الأنصاري، وهشام بن عروة، وغيرهم. روى عنه:
ابن المبارك (3) ، وعبد الله بن وهب، ويحيى بن معين، وجماعة آخرون
كثيرة، وفيه مقال كثير، توفي سنة إحدى وثمانين ومائة. روى له:
الترمذي، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه (4) .
ويحيى بن أبي عمرو، واسم أبي عمرو زرعة، يكنى أبا زرعة السّيْباني
- بالسين المهملة، بعدها ياء آخر الحروف، وبعدها باء موحدة- ونسبته
__________
(1) المصدر السابق (9/1990) .
(2) في سنن أبي داود: " فنهى النبي- عليه السلام- عن ذلك "، والحديث تفرد
به أبو داود.
(3) مكرر في الأصل. (4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (3/472) .(1/130)
إلى سيْبان بن الغوث بن سعد الشامي الحمصي، وهو ابن عم أبي عمرو
الأوزاعي الإمام. روى عن أبيه، وعبد الله ابن الديلمي، وأبي سلام
الأسود، وغيرهم. روى عنه: الأوزاعي، وابن المبارك، وعطاء بن
أبي مسلم، وإسماعيل بن عياش، وغيرهم. وقال أحمد: ثقة. توفي
سنة ثمان وأربعين ومائة. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي،
وابن ماجه (1) .
وعبد الله بن فيروز الديلمي أبو بُسر- بالسين المهملة، وقيل:
بالمعجمة- روى عن أبيه/، وعبد الله بن مسعود، وأبي سعيد الخدري،
وعبد الله بن عمرو، وأبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وغيرهم. روى
عنه: يحيى بن أبي عمرو السيباني، وعروة بن رُويم، ومحمد بن سيرين،
وغيرهم. قال ابن معين: ثقة. روى له: أبو داود، والترمذي،
والنسائي، وابن ماجه (2) .
وعبد الله بن مسعود بن غافل- بالغين المعجمة والفاء- ابن حبيب بن
شمْخ بن مخزوم الهذلي، يكنى أبا عبد الرحمن، شهد بدراً والمشاهد،
وهو صاحب نعل رسول الله- عليه السلام-، روي له عن رسول الله
ثمانمائة حديث وثمانية وأربعون حديثاً، اتفقا منها على أربعة وستين،
وانفرد البخاري بأحد وعشرين، ومسلم بخمسة وثلاثين روى عنه:
أنس بن مالك، وأبو رافع مولى النبي- عليه السلام-، وأبو موسى
الأشعري، وغيرهم من الصحابة والتابعين، نزل الكوفة، ومات بها سنة
ثلاث وثلاثين، وقيل: مات بالمدينة، وصلى عليه عثمان بن عفان،
ودفن بالبقيع، روى له الجماعة (3)
__________
(1) المصدر السابق (31/6893) .
(2) المصدر السابق (15/3484) ، وفيه وفي التقريب وغيرهما أن الترمذي لم يرو
له.
(3) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (2/316) ، وأسد الغابة
(3/384) ، والإصابة (2/368) .(1/131)
قوله: " قدم وفد الجن " الوفد: " القوم يجتمعون ويردُون البلاد،
وواحدهم وافد، كركب وراكب، وكذلك الذين يقصدون الأمراء لزيارة
أو استرفاد وانتجاع، وغير ذلك، تقول: وفد يفد فهو وافد، وأوفدته
فوفد وأوفد على الشيء فهو مُوفد إذا أشرف " (1) . والجن خلاف
الإنس، والواحد جني، سميت بذلك لأنها تبقى ولا ترى، " وأصله من
جنّ إذا ستر، ومنه سمي الجن لاستتارهم واختفائهم عن الأبصار، ومنه
الجنين لاستتاره في بطن أمه، والجنة من الاجتنان وهو الستر، لتكاثف
أشجارها وتظليله بالتفاف أغصانها " (2) .
والجن ولد إبليس، والكافر منهم شيطان، ولهم ثواب وعقاب،
واختلف في دخولهم الجنة. وعن ابن عباس: " إنهم ولد الجن بني
الجان، وليسوا بشياطين، فمنهم كافر ومنهم مؤمن، ويعيشون ويموتون،
والشياطين لا يموتون إلا عند موت إبليس. وكانت هذه القضية في مكة،
لما روي عن قتادة، عن النبي- عليه السلام- أنه قال: " إني أمرت أن
أقرأ على الجن، فأيكم يتبعني؟ فاتبعه عبد الله بن مسعود، فدخل صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
شعب الحجون، وخط على ابن مسعود خطا وقال: إياك أن تخرج من
هذا الخط، فإنك إن خرجت منه لم تلقني إلى يوم القيامة، وتوجه إليهم
يقرئهم القرآن، ويدعوهم إلى الصبح " الحديث (3) ، وكانوا من جن
نصيبين: وقال ابن عباس: من أهل نينوي. وقال مجاهد: من أهل
حران. وقال عكرمة: من حرين الموصل ابني عثر. وقال زر بن حبيش:
كانوا تسعة. وقال ابن عباس: سبعة. وقال مجاهد: ثلاثة من أهل
نجران، وأربعة من نصيبين، وهم شاحر، وناحر، ودسّ، ومسّ،
والأزد، والابنان، والأحقم.
__________
(1) انظر: النهاية (5/209) . (2) انظر: النهاية (1/307) .
(3) أخرجه من هذه الطريق المرسلة ابن جرير في تفسيره (26/31) ، ولأصل
الحديث طرق صحيحة متصلة، وقد جمعها الحافظ ابن كثير عند تفسير الآية
التاسعة والعشرين وما بعدها من سورة الأحقاف، فانظرها هناك.(1/132)
قوله: " أو حُممة " بضم الحاء المهملة، وفتح الميمين، وهي الفحم،
وما احترق من الخشب والعظام ونحوهما، وجمعها " حُمم ".
قوله: " فيها " أي: في العظم والروثة، والحُممة. وظاهر الحديث:
أن رزقهم من هذه الأشياء، فلذلك منع النبي- عليه السلام- عن
الاستنجاء بها، ولكون الروثة نجساً، والحُممة ليس لها ثبات فتفتت
بالتماس.
***
15- باب: الاستنجاء بالأحجار
أي: هذا باب فيه بيان حكم الاستنجاء بالأحجار.
29- ص- حدثنا سعيد بن منصور وقتيبة بن سعيد قالا: ثنا يعقوب بن
عبد الرحمن، عن أبي حازم، عن مسلم بن قرط، عن عروة، عن عائشة
- رضي الله عنها-: أن رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا ذهب أحدُكم إلى الغائط
فليذهبْ معه بثلاثة أحجار يستطيبُ بهن، فإنها تُجزئُ عنه " (1) .
ش- سعيد بن منصور بن سعيد أبو عثمان الخراساني المروزي، ويقال:
الطالقاني، ويقال: ولد بجوزجان، ونشاً ببلخ، سكن مكة، ومات
بها سنة سبع وعشرين ومائتين. سمع مالك بن أنس، وابن عيينة،
والليث بن سعد، وعبد العزيز الدراوردي، وغيرهم. روى عنه: أحمد
ابن حنبل، وأبو زرعة، وأبو حاتم، والبخاري، ومسلم، وأبو داود،
وروى البخاري ومسلم والترمذي عن رجل عنه (2) -
وقتيبة بن سعيد مضى ذكره.
ويعقوب بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن عبد القاري
- بتشديد الياء- حليف بني زهرة المدني، سكن الإسكندرية، سمع أباه،
__________
(1) النسائي: كتاب الطهارة، باب: الاجتزاء في الاستطابة بالحجارة دون غيرها
(1/41) ، والدارقطني: كتاب الطهارة (1/54- 55) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (11/2361) .(1/133)
وأبا حازم، وموسى بن عقبة،/ومحمد بن عجلان وغيرهم. روى
عنه: عبد الله بن وهب، وقتيبة بن سعيد، ويحيى بن يحيى،
وأبو صالح عبد الغفار الحراني. قال ابن معين: كان ثقة. روى له
الجماعة إلا ابن ماجه (1) .
وأبو حازم سلمة بن دينار المدني الأعرج الأفزر المخزومي، مولى
الأسود بن سفيان، سمع سهل بن سعد، وعطاء بن أبي رباح، وسعيد
ابن المسيب، وأبا صالح ذكوان، ومسلم بن قرط، وعمرو بن شعيب،
وغيرهم. روى عنه ابناه: عبد العزيز، وعبد الجبار، والزهري وهو أكبر
منه، ومالك بن أنس، ومحمد بن إسحاق، ومحمد بن عيينة أخو سفيان،
وغيرهم. قال أحمد وأبو حاتم: ثقة. توفي سنة خمس وثلاثين ومائة.
روى له الجماعة (2) .
ومسلم بن قرط الحجازي روى عن عروة بن الزبير، روى عنه أبو حازم،
روى له أبو داود، والنسائي (3) .
وعروة بن الزبير مر ذكره.
قوله: " فليذهب معه " " مع " اسم بدليل التنوين في قولك: معاً،
ودخول الجار في قولك: ذهبت منْ معه، حكاه سيبويه. ولها ثلاث
معان: موضعُ الاجتماع، ولهذا يخبر بها عن الذوات، نحو (واللهُ
معكُمْ) (4) ، وزمانية، نحو: جئتك مع العصر، ومرادفة " عند "،
وتكون حالاً، نحو: جاء زيد وعمرو معاً، يعني: مجتمعين، وهاهنا
يجوز أن تكون للحال، والتقدير: فليذهب بثلاثة أحجار مصاحبة معه،
و" الباء " في قوله: " بثلاثة أحجار " باء التعدية؛ لأن " ذهب " لازم.
وقوله: " يستطيب بهن " في محل الجر؛ لأنها وقعت صفة لقوله:
" بثلاثة أحجار "، ولا يجوز أن يكون حالاً؛ لأن الاستطابة لا تحصل
__________
(1) المصدر السابق (32/7095) . (2) المصدر السابق (11/2450) .
(3) المصدر السابق (27/5937) .
(4) سورة محمد: (35) .(1/134)
حالة الذهاب، والاستطابة والإطابة كناية عن الاستنجاء، سمي بها من
الطيب؛ لأنه يطيب جسده بإزالة ما عليه من الخبث بالاستنجاء، أي:
يطهره، يقال: من أطاب واستطاب، وقد ذكرناه.
قوله: " فإنها " أي: الأحجار " تجزئ عنه " من قولك: أجزأني الشيء
أي: كفاني، وهو بالهمزة، وثلاثيه: جزأ، يقال: جزأ عني هذا
الأمر، أي: قضى، والضمير في " عنه " راجع إلى الاستطابة التي دل
عليها قوله: " يستطيب بهن "، وإنما ذكره باعتبار المذكور المقدر، وبهذا
احتج الشافعي على تنصيص العدد، والجواب عنه أنه متروك الظاهر، فإنه
لو استنجى بحجر له ثلاثة أحرف جاز بالإجماع. وحديث عائشة هذا
أخرجه النسائي والدارقطني.
30- ص- حدّثنا عبد الله بن محمد النُّفيلي قال: ثنا أبو معاوية، عن
هشام بن عروة، عن عمرو بن خزيمة، عن عمارة بن خزيمة، عن خزيمة بن
ثابت قال: " سُئل رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الاسْتطابة فقال: بثلاثة أحجار ليس فيها
رجيع " (1) قال أبو داود: هكذا رواه أبو أسامة وابن نمير عن هشامً.
ش- عبد الله بن محمد النفيلي قد مر ذكره، وكذلك أبو معاوية محمد
ابن خازم الضرير.
وهشام بن عروة بن الزبير بن العوام القرشي الأسدي المدني أبو المنذر،
رأى عبد الله بن عمر، ومسح رأسه، ودعى له، وجابر بن عبد الله،
وسهل بن سعد، وأنس بن مالك، وسمع عبد الله بن الزبير، وأباه،
وإخوته: عبد الله، وعثمان، ووهب بن كيسان، وجماعة آخرين.
روى عنه: زهير بن معاوية، ويحيى بن زكرياء، والضحاك بن عثمان،
وأبو معاوية الضرير، ويحيى القطان، وجماعة آخرون كثيرة. وقال
__________
(1) ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: الاستنجاء بالحجارة والنهي عن الروث
والرمة (315) .(1/135)
ابن سعد: كان ثقة ثبتاً، كثير الحديث، حُجة. مات ببغداد، ودفن في
مقبرة الخيرزان في سنة ست وأربعين ومائة. روى له الجماعة (1) .
وعمرو بن خزيمة ويقال: أبو خزيمة المزني، روى عن عمارة بن خزيمة
روى عنه هشام بن عروة، روى له: أبو داود، وابن ماجه حديثه عن
أهل المدينة (2) .
وعمارة بن خزيمة بن ثابت الأنصاري الأوسي أبو عبد الله، ويقال:
أبو محمد المدني، روى عن أبيه وعمه، روى عنه: عمرو بن خزيمة،
والزهري، وأبو جعفر الخطمي، ومحمد بن زرارة. روى له: أبو داود،
والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (3) .
وخزيمة بن ثابت بن الفاكه بن ثعلبة بن ساعدة بن عامر (4) بن غيان بن
عامر بن خطمة بن مالك بن أوس الأنصاري الأوسي، يكنى أبا عمارة
ذو الشهادتين. روي له عن رسول الله ثمانية وثلاثون حديثاً، روى عنه
إبراهيم بن سعد بن أبي وقاص، روى له الجماعة إلا البخاري (5) .
وأبو أسامة: حماد بن أسامة بن زيد القرشي الكوفي، سمع هشام بن
عروة، والأعمش، وابن جريج، وغيرهم روى عنه: الشافعي،
وقتيبة، وابن معين، وغيرهم توفي سنة إحدى ومائتين، روى له
الجماعة (6)
/وابن نمير هو: عبد الله بن نمير أبو هشام الخارفي الكوفي، سمع
هشام بن عروة، وإسماعيل بن أبي خالد، وعبد الله بن عمر العمري،
والأعمش، والثوري، والأوزاعي، وغيرهم. روى عنه ابنه محمد،
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (30/6585) .
(2) المصدر السابق (21/4359) . (3) المصدر السابق (21/4182) .
(4) في الأصل: " عمار "، وما أثبتناه من مصادر الترجمة.
(5) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (1/417) ، وأسد الغابة
(2/133) ، والإصابة (1/425) .
(6) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (7/1471) .(1/136)
وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وأبو بكر وعثمان ابنا أبي شيبة،
وغيرهم من الثقات. توفي في ربيع الأول من سنة تسع وتسعين ومائة،
وولد سنة خمس عشرة ومائة، روى له الجماعة (1) . وحديث خزيمة هذا
أخرجه ابن ماجه.
***
16- باب: في الاستبراء
أي: هذا باب في بيان طلب البراءة من الحدث؛ لأن " سين "
الاستفعال للطلب.
31- ص- حدثنا قتيبة بن سعيد وخلف بن هشام المقرئ المعنى قالا: ثنا
عبد الله بن يحيى التوأم. ونا أبو داود قال: ثنا عمرو بن عون قال: أنا
أبو يعقوب التوأم، عن عبد الله بن أبي مليكة، عن أمه، عن عائشة
- رضي الله عنها- قالت: " بال رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقام عمرُ خلفهُ بكُوز من ماء،
فقال: ما هذا يا عمرُ؟ " قال: ماء توضبه " (2) . قال: ما أمرت كًلما بُلتُ
أن أتوضأ، ولو فعلتُ لكانتْ سُنةً " (3) .
ش- خلف بن هشام بن ثعلب- بالثاء المثلثة- أبو محمد البزار
- آخره راء- البغدادي، ويقال: خلف بن هشام بن طالب بن غراب
المقرئ، سمع مالك بن أنس، وحماد بن زيد، وشريك بن عبد الله
النخعي، وغيرهم. روى عنه: أحمد بن حنبل، وابنه عبد الله بن
أحمد، وأبو زرعة، ومسلم، وأبو داود، وجماعة آخرون. وقال
النسائي: هو بغدادي ثقة. مات سنة تسع وعشرين ومائتين (4) .
__________
(1) الصدر السابق (16/3618) .
(2) في سنن أبي داود: " فقال: هذا ماء تتوضأ به "، وانظر تعليق الشارح
عليه.
(3) ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: من بال ولم يمس ماء (327) .
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (8/1713) .(1/137)
وعبد الله بن يحيى التوأم أبو يعقوب الثقفي المصري، ولد هو وأخوه
في بطن واحد، روى عن عبد الله بن أبي مليكة، روى عنه: عمرو بن
عون. قال يحيى: التوأم عن ابن أبي مليكة ضعيف. روى له: أبو داود،
وابن ماجه (1) .
وعبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة، واسم أبي مليكة: زهير بن
عبد الله بن جُدْعان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة التيمي
أبو بكر المكي الأحول، كان قاضياً لعبد الله بن الزبير، ومؤذناً له.
سمع عبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمرو،
والمسور بن مخرمة، وعقبة بن الحارث، وعائشة وأسماء ابنتي أبي بكر
الصّدّيق- رضي الله عنهم-. روى عنه: عطاء بن أبي رباح، وعمرو
ابن دينار، وأيوب السختياني، وابن جريج، ونافع بن عمر، والليث
ابن سعد، وغيرهم. قال أبو زرعة وأبو حاتم: مكي ثقة. توفي سنة
سبع عشرة ومائة. روى له الجماعة (2) .
قوله: " توضأ به " أصله: " تتوضأ به " فحذفت منه إحدى التاءين،
كقوله تعالى: (ناراً تلظى) (3) أصله: تتلظى.
قوله: " لكانت " أي: الفعلة التي دل عليها قوله: " فعلت "، وهذا
الحديث رد على من يقول: شرطُ الوضوء الحدث. ووجه هذا التبويب
بالاستبراء كون عمر- رضي الله عنه- أتى بالماء إلى رسول الله بعد أن
بال ليتوضأ به، ويستبرئ من الحدث. وروى هذا الحديث ابن ماجه أيضاً.
***
17- باب: الاستنجاء بالماء
ولما فرغ عن بيان الاستنجاء بالأحجار ونحوها، شرع في بيان
الاستنجاء بالماء.
__________
(1) المصدر السابق (16/3650) . (2) المصدر السابق (15/3405) .
(3) سورة الليل: (14) .(1/138)
32- ص- حدثنا وهب بن بقية، عن خالد (1) الواسطي، عن خالد
- يعني: الحذاء- عن عطاء بن أبي ميمونة، عن أنس بن مالك: " أن
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل حائطاً ومعه غُلام معه ميضأةٌ، وهو أصْغرُنا، فوضعها
عند السّدرة، فقضى حاجتهُ، فخرج علينا وقد استنجى بالماء " (2) .
ش- وهب بن بقية بن عثمان بن سابور- بالسين المهملة- ابن عبيد
ابن آدم بن زياد بن ضبع بن قيس بن سعد بن عبادة أبو محمد الواسطي،
يعرف ب " وهْبان "، سمع خالد بن عبد الله، وجعفر بن سليمان،
وهشيم بن بشير، ونوح بن قيس، روى عنه: مسلم، وأبو داود،
وحنبل بن إسحاق، وغيرهم، روى النسائي عن رجل عنه. ولد سنة
خمس وخمسين ومائة، ومات سنة تسع وثلاثين ومائتين (3) .
وخالد بن مهران الحذاء أبو المُنازل البصري القرشي مولاهم، وقيل:
مولى بني مجاشع، رأى أنس بن مالك، وسمع أبا عثمان النهدي،
وعطاء بن أبي ميمونة، وعطاء بن أبي رباح، وغيرهم. سمع منه محمد
ابن سيرين، والأعمش، ومنصور. وروى عنه: ابن جريج، والثوري،
وشعبة، وغيرهم. وقال ابن معين: ثقة. وقال أحمد: ثبت. مات سنة
ثنتين وأربعين ومائة، روى له الجماعة (4) .
__________
(1) في الأصل: " خلف " خطأ، وإنما هو خالد بن عبد الله الواسطي.
(2) البخاري: كتاب الوضوء، باب: حمل العنْزة مع الماء في الاستنجاء (152) ،
مسلم: كتاب الطهارة، باب. الاستنجاء بالماء من التبرز (270، 271) ،
النسائي: كتاب الطهارة، باب: الاستنجاء بالماء (1/42) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (31/6750) . قلت: أهمل المصنف
ترجمة خالد الواسطي، وهو خالد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن يزيد أبو الهيثم،
ويقال: أبو محمد الواسطي. روى عن: خالد الحذاء، وسعيد بن
أبي عروبة، وسهيل بن أبي صالح روى عنه: عبد الرحمن بن المبارك،
وعبد الرحمن بن مهدي، ووهب بن بقية، وغيرهم. مات سنة تسع وسبعين
ومائة، روى له الجماعة، وانظر ترجمته قي: تهذيب الكمال (8/1625) .
(4) المصدر السابق (8/1655) .(1/139)
وعطاء بن أبي ميمونة البصري،/مولى أنس بن مالك، ويقال:
مولى عمران بن حصين. سمع أنس بن مالك، وأبا رافع الصائغ. روى
عنه: خالد الحذاء، وروح بن القاسم، وشعبة. وقال أبو زرعة: ثقة.
وقال أبو حاتم: يحتج بحديثه (1) . وقال ابن عدي: وفي حديثه بعض
ما ينكر عليه. توفي سنة إحدى وثلاثين ومائة. روى له الجماعة إلا
الترمذي (2) .
قوله: " دخل حائطاً " الحائط: البستان من النخيل إذا كان عليه حائط،
أي: جدار، وجمعه: " الحوائط "، والحائط بمعنى الجدار، ويجمع
على حيطان.
قوله: " ميضأة " بكسر الميم، وبهمزة بعد الضاد، وهي الإناء الذي
يتوضأ به، كالركوة والإبريق ونحوهما، وقوله: " معه ميضأة " جملة
وقعت صفة لـ " غلام ".
قوله: " وهو أصغرنا " جملة وقعت حالاً عن " غلام "؛ لأن تقدير
الكلام: ودخل معه غلام، والحال أنه أصغرنا في السن في هذا الوقت.
قوله: " فوضعها عند السدرة " أي: وضع الميضأة بحضرة السدرة؛ لأن
" عند " للحضرة، و " السدرة " - بكسر السين-: شجرة النبق.
قوله: " فقضى حاجته " أي: قضى رسول الله حاجته.
قوله: " وقد استنجى بالماء " جملة فعلية وقعت حالاً، وقد علم أن
الجملة الفعلية إذا وقعت حالاً وكان فعلها ماضياً مثبتاً، لا بد فيه من " قد "
إما محققة أو مقدرة، نحو: جاء زيد قد ضحك، وقوله تعالى: (أوْ
جاءُوكُمْ حصرتْ صُدُورُهُمْ) (3) أي: قد حصرت، وذلك لأن الماضي
__________
(1) كذا في الأصل، والذي في الجرح والتعديل (6/الترجمة 1862) ، وتهذيب
الكمال: " صالح لا يحتج بحديثه، وكان قدريا ".
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (25/3942) .
(3) سورة النساء: (90) .(1/140)
من حيث إنه منقطع الوجود عن زمن الحال، مناف للحال المتصف
بالثبوت، فلا بد من " قد " ليقرب به من الحال، فإن القريب من الشيء
في حكمه، وجوز البعض الترك (1) مطلقاً إذا وجد الواو، والأصح ما
قلنا.
ويستفاد من هذا الحديث فوائد، الأولى: استحباب التباعد لقضاء
الحاجة عن الناس.
والثانية: الاستتار عن أعين الناظرين.
والثالثة: جواز استخدام الرجل الفاضل بعض أصحابه في حاجته.
والرابعة: استحباب خدمة الصالحين وأهل الفضل، والتبرك بذلك (2) .
والخامسة: جواز استخدام الصغار.
والسادسة: جواز الاستنجاء بالماء، واستحبابه، ورجحانه على
الاقتصار على الحجر. وقد اختلف الناس في هذه المسألة، والذي عليه
الجمهور من السلف والخلف أن الأفضل أن يجمع بين الماء والحجر، فإن
اقْتصر اقْتصر على أيهما شاء، لكن الماء أفضل، لأصالته في التنقية، وقد
قيل: إن الحجر أفضل. وقال ابن حبيب المالكي: لا يجزئ الحجر إلا
لمن عدم الماء. وحديث أنس هذا أخرجه البخاري ومسلم.
33- ص- حدثنا محمد بن العلاء قال: أنا معاوية بن هشام، عن يونس
ابن الحارث، عن إبراهيم بن أبي ميمونة، عن أبي صالح، عن أبي هريرة،
عن النبي- عليه السلام- قال: " نزلتْ هذه الآية في أهل قُباء: (فيه رجال
__________
(1) في الأصل: " ترك ".
(2) ليس ثمة دليل على جواز التبرك بأهل الفضل والصلاح، بل السلف- رحمهم
الله- على خلاف ذلك، وما ورد من تبرك الصحابة- رضوان الله عليهم-
بوضوء رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونخامته وغير ذلك، فهو أمر يقيني، وأما الصلاح
والتقوى في حق غيره فهو ظني، ولا يقاس ظني على يقيني، ولو كان ذلك
جائزا لفعله صحابته- رضوان الله عليهم- بعضهم مع بعض! والله أعلم.(1/141)
يُحبُّون أن يتطهرُوا ((1) قال: " كانُوا يستنجُون بالماء، فنزلتْ فيهم هذه
الآيةُ " (2) .
ش- محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب الهمداني الكوفي، وقد
ذكرناه.
ومعاوية بن هشام أبو الحسن القصار الكوفي، سمع ابن عيينة (3) ،
وحمزة الزيات، وشريك بن عبد الله، وغيرهم. روى عنه: أبو بكر
وعثمان ابنا أبي شيبة، وأبو كريب، وغيرهم. قال ابن معين: صالح
وليس بذاك. وقال أبو حاتم: هو أقوى حديثاً من يحيى بن يمان، وهو
صدوق، روى له الجماعة إلا البخاري (4)
ويونس بن الحارث الطائفي، روى عن: أبي بردة بن أبي موسى،
وأبي عون، وإبراهيم بن أبي ميمونة، روى عنه: وكيع بن هشام،
ووكيع بن الجراح، ْ وأبو عاصم النبيل، وغيرهم. وقال ابن معين: كان
ضعيفاً، وكان أحمد بن حنبل يضعفه. وقال ابن عدي: ليس به بأس.
روى له: الترمذي، وأبو داود، وابن ماجه (5) .
وإبراهيم بن أبي ميمونة روى عن أبي صالح السمان، روى عنه يونس
ابن الحارث، روى له: أبو داود، والترمذي، وابن ماجه (6)
ووأبو صالح ذكوان قد مر.
قوله: " في أهل قُباء " بضم القاف، وتخفيف الباء المقصورة، وقال
صاحب " المطالع ": قبا على ثلاثة أميال من المدينة، وأصله أسم بئر
__________
(1) سورة التوبة: (108) .
(2) الترمذي: كتاب تفسير القران، باب: ومن سورة التوبة (3100) ، ابن
ماجه: كتاب الطهارة، باب: الاستنجاء بالماء (357) .
(3) كذا، والذي في تهذيب الكمال وغيره: " سفيان الثوري "، ولم أره فيمن
روى عن ابن عيينة في ترجمته، وإنما وجدته في ترجمة سفيان الثوري فيمن
روى عنه، والله أعلم.
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (28/ 6067) .
(5) المصدر السابق (32/7173) . (6) المصدر للسابق (2/259) .(1/142)
هنالك، وألفه واو يمد ويقصر، ويصرف ولا يصرف، وأنكر البكري
القصر فيه، ولم يحك فيه أبو علي سوى المد. وقال الخليل: هو
مقصور. قال:/وهو قرية بالمدينة.
قوله تعالى: (فيه رجال يُحبُون أن يتطهرُوا) أي: في مسجد قباء،
وهو أول مسجد بني في الإسلام. وحديث أبي هريرة هذا أخرجه الترمذي
وابن ماجه. وقال الترمذي: غريب.
***
18- باب: الرجل يدلك يده با لأرض إذا استنجى
أي: باب في حكم الرجل الذي يدلك يده بالأرض إذا استنجى، من
دلكت الشيء بيدي أدلكه دلكاً، من باب نصر ينصر.
34- ص- ثنا محمد بن عبد الله المخرمي قال: ثنا وكيع، عن شريك
المعنى. قال: وثنا إبراهيم بن خالد قال: ثنا أسود بن عامر قال: ثنا شريك
- وهذا لفظه- عن إبراهيم بن جرير، عن أبي زرعة (1) ، عن أبي هريرة
قال: " كان النبيُ- عليه السلام- إذا أتى الخلاء أتيتُه بماء في توْر أو ركْوةٍ
فاستنجى ". قال أبو داود: في حديث وكيع: " ثم مسح يًده على الأرض،
ثم أتيتُهُ بإناء آخر فتوضأ ". قال أبو داود: حديثُ الأسود أتم، يعني: أسود
ابن عامر (2) .
ش- محمد بن عبد الله بن عمار بن سوادة أبو جعفر المُخرميُ البغدادي
الموصلي نزيلها، أحد الحُفاظ المكثرين، سمع ابن عيينة، ووكيعاً،
وهشيماً، وعبد الله بن إدريس، وغيرهم. روى عنه: النسائي، وعلي
__________
(1) في سنن أبي داود: " عن إبراهيم بن جرير، عن المغيرة، عن أبي زرعة "،
وفي التحفة (10/14886) ، وسنن ابن ماجه: " إبراهيم بن جرير، عن
أبي زرعة "، وهو الصواب، وفد نبه على الخطأ الواقع في السنن صاحب
" عون المعبود " (1/16) فأجاد وأفاد، فليراجع.
(2) ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: من دلك يده بالأرض بعد الاستنجاء.
(358) .(1/143)
ابن حرب، ويعقوب بن سفيان، والباغندي، وغيرهم. وقال النسائي:
ثقة. وقال عبد الله بن أحمد: كان ثقة. توفى ببغداد سنة إحدى وثلاثين
ومائتين (1) .
ووكيع هو ابن الجراح، وقد مر.
وشريك هذا هو: شريك بن عبد الله بن أبي شريك الكوفي أبو عبد الله
النخعي، ولد ببخارى سنة خمس وسبعين، أدرك عمر بن عبد العزيز،
وسمع أبا إسحاق السبيعي، وسماك بن حرب، وغيرهم. روى عنه:
وكيع بن الجراح، ويحيى بن سعيد القطان، وابن المبارك، وأبو بكر بن
أبي شيبة، وغيرهم. وقال ابن معين: ثقة إلا أنه لا ينقد (2) ويغلط،
ويذهب بنفسه على سفيان وشعبة. وقال أبو زرعة: كان كثير الغلط،
صاحب وهم، يغلط أحياناً. وقال أحمد بن عبد الله: كوفي ثقة مات
بالكوفة سنة سبع أو ثمان وتسعين ومائة. روى له الجماعة إلا البخاري،
روى له مسلم في المتابعات (3) .
وإبراهيم بن خالد هذا هو: إبراهيم بن خالد بن أبي اليمان الكلبي
أبو ثور البغدادي، سمع سفيان بن عيينة، وإسماعيل ابن علية، ووكيع
ابن الجراح، وأبا معاوية الضرير، ومحمد بن إدريس الشافعي، وغيرهم.
روى عنه: أبو داود، ومسلم، وأبو حاتم، والترمذي، وابن ماجه،
وغيرهم. وقال النسائي: ثقة مأمون، أحد الفقهاء. مات سنة أربعين
ومائتين في صفر (4) .
وأسود بن عامر: شاذان أبو عبد الرحمن، أصله شامي، سكن
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (25/5362) .
(2) في تهذيب الكمال (12/468) : " لا يتقن "، وفي نسخة: " لا ينقر "،
وفي أخرى: " لا ينقل ".
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (12/2736) .
(4) المصدر السابق (2/169) .(1/144)
بغداد، وسمع الثوري، وشعبة، وشريك بن عبد الله، والحسن بن
صالح، وابن المبارك، وغيرهم. روى عنه: بقية بن الوليد، وأحمد
ابن حنبل، وعلي بن المديني، وأبو بكر وعثمان ابنا أبي شيبة. وقال
أحمد بن حنبل: ثقة. وقال أبو حاتم: صدوق. وقال ابن معين: لا
بأس به. مات سنة ثمان ومائتين. روى له الجماعة (1) .
وإبراهيم بن جرير بن عبد الله البجلي، روى عن أبيه، وأبي زرعة.
روى عنه: أبان بن عبد الله، وشريك بن عبد الله، وحميد بن مالك،
وداود بن عبد الجبار. قال ابن معين: لم يسمع من أبيه شيئاً. روى له:
أبو داود، والنسائي، وابن ماجه (2) .
وأبو زرعة اسمه: هرمُ بن عمرو بن جرير بن عبد الله البجلي الكوفي
أبو زرعة. وقيل: اسمه عبد الرحمن. وقيل: عمرو. سمع جده
جريراً، وأبا هريرة، وروى عن أبي ذر، ومعاوية. روى عنه: إبراهيم
النخعي، وإبراهيم بن جرير، ويحيى بن سعيد، وغيرهم. قال ابن
معين: ثقة. روي له الجماعة (3) .
قوله: " في تور " التور- بفتح التاء المثناة من فوق، وسكون الواو-:
إناء من صُفر أوً حجارة، كالإجانة يتوضأ منه، ويؤكل فيه، وجمعه
" أتْوارٍ ".
قوله: " أو ركْوة " بفتح الراء، وسكون الكاف: إناء صغير من جلد،
يشرب منه الماء، والجمع: " ركاءٌ ". ويستفاد من هذا الحديث فائدتان:
الأولى: استحباب دلك اليد على الأرض (4) بعد الفراغ من
الاستنجاء، لتزُول الرائحة الكريهة إن كانت.
والثانية: أن يكون إناء الوضوء غير إناء الاستنجاء، وهذا أيضاً
__________
(1) المصدر السابق (3/503) . (2) المصدر السابق (2/157) .
(3) المصدر السابق (33/7370) .
(4) في الأصل: " استحباب دلك الأرض على اليد ".
10. شرح سنن أبي داوود 1(1/145)
مستحب، فن توضأ من الإناء الذي استنجى فيه جاز. وحديث
أبي هريرة هذا أخرجه ابن ماجه.
***
19- باب: السواك
أي: هذا باب في أحكام السواك. السّواك- بالكسر- والمسواك: ما
تدلك به الأسنان من العيدان، يقال: ساك/فاه يسُوكه، إذا دلكه
بالسواك، فإذا لم تذكر الفم قلت: استاك.
واعلم أن أبواب الكتاب من أوله إلى هاهنا كانت في أحكام قضاء
الحاجة والاستنجاء، وكلها حكم واحد، فلذلك لم نذكر المناسبة بين
أبوابها؛ لأن مناسبتها طاهرة عقلاً ووضعاً، ولما فرغ عن ذلك شرع في
بيان أحكام السواك بستة أبواب، ومناسبة أبواب السواك بالأبواب التي
مضت؛ لأن استعمال السواك غالباً يكون عند الوضوء بعد الاستنجاء،
فلذلك أدخل أبوابه بين أبواب الاستنجاء وأبواب الوضوء.
35- ص- ثنا قتيبة بن سعيد، عن سفيان، عن أبي الزناد، عن الأعرج،
عن أبي هريرة يرفعه قال: " لوْلا أن أشُق على المُؤْمنين لأمرتُهمْ بتأخير
العشاء، وبالسّواك عند كُل صلاة " (1) .
ش- سفيان الثوري، وقد ذكر.
وأبو الزناد عبد الله بن ذكوان أبو عبد الرحمن القرشي المكي، ولقبه
أبو الزناد- بالنون-، سمع عروة بن الزبير، والأعرج، وروي له عن
__________
(1) البخاري: كتاب الجمعة، باب: السواك يوم الجمعة (887) ، مسلم: كتاب
الطهارة، باب: السواك (252/42) ، الترمذي: كتاب الطهارة، باب: ما
جاء في السواك (22) ، النسائي: كتاب الطهارة، باب: الرخصة في السواك
بالعشي للصائم (1/12) ، وفي كتاب المواقيت، باب: ما يستحب من
العشاء (1/266- 267) ، ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: السواك
(287) .(1/146)
أنس بن مالك وغيره. روى عنه: مالك بن أنس، والثوري، وابن
عيينة، وغيرهم. مات فجأة في مغتسله ليلة الجمعة لسبع عشرة خلت من
رمضان، سنة ثلاثين ومائة. روى له الجماعة (1) .
والأعرج هو: عبد الرحمن بن هرمز أبو داود القرشي. سمع
أبا هريرة، وأبا سعيد الخدري، وغيرهما. روى عنه: الزهري، ويحيى
ابن سعيد، وغيرهما. مات بالإسكندرية سنة سبع عشرة ومائة، روى له
الجماعة (2) .
قوله: " يرفعه " أي: يرفع أبو هريرة هذا الحديث إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وهذا (3) وأمثاله جملة فعلية وقعت حالاً، والجملة الفعلية إذا وقعت حالاً،
وكان فعلها مضارعاً مثبتاً لا يحتاج إلى الواو؛ لأنه يكون كاسم الفاعل في
المعنى، وجارٍ عليه في اللفظ: في الحركات والسكون، نحو: جاء زيد
يضحك، مثل: جاء زيد ضاحكاً، معنىً ولفظاً، فأجري مجراه في
الاستغناء عن الواو.
وقال الخطيب: قول التابعي: " يرفع الحديث "، و " يُنْميه "، و " يبلغ
به " كلها كناية عن رفع الصحابي للحديث، وروايته إياه عن رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا يختلف أهل العلم أن الحكم في هذه الأخبار وفيما صرح برفعه
سواء في وجوب القبول، والتزام العمل ". انتهى كلامه.
ويشبه أن يكون التابعي قد تحقق أن الصحابي رفع له الحديث إلى
رسول الله، غير أنه شك، هل قال له: " سمعت رسول الله "، أو
" قال رسول الله "؟ فلما لم يمكنه الجزم بما قاله أتى بلفظ يرفع به الحديث
إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قوله: " لولا " كلمة لربط امتناع الثانية لوجود الأولى، نحو: لولا زيد
رمتك، أي: لولا زيد موجود. والمعنى هاهنا: لولا مخافةُ أن أشق
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (14/3253) .
(2) المصدر السابق (3/3983) . (3) في الأصل: " وهذه ".(1/147)
لأمرتهم أمر إيجاب، وإلا لانعكس معناها، إذ الممتنع المشقة، والموجود
الأمر.
فإن قلت: كيف تثبت سُنة السواك بهذا الحديث؟ قلت: لما امتنع
الوجوب لوجود المشقة، ثبت ما دون الوجوب، وهو السُّنة، لعدم
المانع، وهو المشقة؛ لأنه سبيل من ترك السُنة فافهم! فإنه كلام دقيق،
سنح به خاطري من الأنوار الرحمانية.
قوله: " بتأخير العشاء " بكسر العين وبالمد: والمراد به العشاء الآخرة؛
لأن المغرب يطلق عليه العشاء أيضاً، مأخوذ من عُشْوة الليل، وهي ظلمته.
وقيل: هي من أوله إلى رُبْعه. وحديث أبي هريرة أخرجه النسائي.
36- ص- ونا إبراهيم بن موسى قال: أنا عيسى بن يونس قال:
أنا محمد بن إسحاق، عن محمد بن إبراهيم التيمي، عن أبي سلمة بن
عبد الرحمن، عن زيد بن خالد الجهني قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول:
" لولا أنْ أشقّ على أمتي لأمرتُهُم بالسواك عند كُلّ صلاة " (1) .
ش/- إبراهيم بن موسى بن يزيد قد مر ذكره، وكذلك عيسى بن يونس
ابن أبي إسحاق السبيعي، وكذلك محمد بن إسحاق بن يسار.
محمد بن إبراهيم بن الحارث بن خالد بن صخر بن عامر بن كعب بن
سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب القرشي التيمي المدني،
وجده من المهاجرين من أصحاب النبي- عليه السلام-، سمع عبد الله
ابن عمر بن الخطاب، وأنس بن مالك، وعلقمة بن وقاص، وأبا سلمة
ابن عبد الرحمن، وعطاء بن يسار، وعروة بن الزبير، وغيرهم. روى
عنه: يحيى بن سعيد الأنصاري، ومحمد بن إسحاق، ومحمد بن مسلم
الزهري، ومحمد بن عجلان، وعمارة بن غزيّة، وعبد الله بن طاوس،
وعبيد الله بن/عمر العمري، ويحيى بن أيوب المصري، وأسامة بن زيد
الليثي، وابنه موسى بن محمد بن إبراهيم. وقال ابن سعد:
__________
(1) الترمذي: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في السواك (23) .(1/148)
كان فقيهاً محدثاً، توفي بالمدينة سنة إحدى وعشرين ومائة. روى له
الجماعة (1) .
وأبو سلمة عبد الله وقد مر.
وزيد بن خالد الجهني من جهينة أبو عبد الرحمن، روي له عن
رسول الله أحد وثمانون حديثاً، اتفقا على خمسة. روى عنه: يزيد
مولى المنبعث، وعبد الرحمن بن أبي عمرة، وغيرهما. مات بالكوفة،
وقيل: بالمدينة سنة ثمان وسبعين. روى له: أبو داود، والترمذي،
وابن ماجه، والنسائي (2)
والحديث أخرجه البخاري ومسلم والنسائي، وعنده في رواية " عند كل
وضوء "، وكذا عند ابن خزيمة، ورواه الترمذي أيضاً وقال: حديث
حسن صحيح، وصحّحه الحاكم أيضاً (3) .
ص- قال أبو سلمة: فرأيت زيداً يجلس في المسجد وإن السواك من أذنه
بموضع القلم من أذن الكاتب، فكلما قام إلى الصلاة استاك (4) .
ش- أي: زيد بن خالد الجهني، والمعنى: كان السواك مغروزاً وراء
أذنه موضع غرز قلم الكاتب.
وأخرج البيهقي من طريق ابن إسحاق، عن أبي جعفر، عن جابر بن
عبد الله قال: " كان السواك من أذن النبي- عليه السلام- موضع القلم
من أذن الكاتب " (5) . وبهذا احتج بعض الشافعية أن السُّنّة أن يستاك
كلما قام إلى الصلاة.
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (24/5023) .
(2) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (1/558) ، وأسد الغابة
(2/284) ، والإصابة (1/565) .
(3) يعني حديث أبي هريرة، وليس حديث زيد كما يوهم كلام المصنف، والله
أعلم.
(4) البيهقي: كتاب الطهارة، باب: تأكيد السواك عند القيام للصلاة (1/37) .
(5) البيهقي: كتاب الطهارة، باب: تأكيد السواك عند القيام إلى الصلاة (1/37) -(1/149)
37- ص- وثنا محمد بن عوف الطائي، نا أحمد بن خالد، نا محمد
ابن إسحاق، عن محمد بن يحيى بن حبان، عن عبد الله بن عبد الله بن عمر
قال: قلت: أرأيت توضؤ ابن عمر لكل صلاة طاهراً وغير طاهر عم ذلك؟
فقال: حدثته (1) أسماء بنت زيد بن الخطاب، أن عبد الله بن حنظلة بن
أبي عامر حدثها: " أن رسول الله أمر بالوضوء عند كل صلاة طاهراً وغير
طاهر، فلما شق ذلك عليه أمر بالسواك لكل صلاة "، فكان ابن عمر يرى أن
به قوة، فكان لا يدع الوضوء لكل صلاة " (2) .
ش- محمد بن عوف بن سفيان الطائي الحافظ أبو جعفر الحمصي،
سمع محمد بن يوسف الفريابي، والهيثم بن جميل، وأحمد بن خالد،
وغيرهم. روى عنه: أبو داود، والنسائي، وأبو زرعة الدمشقي،
وأبو حاتم وغيرهم. توفي سنة اثنتين وسبعين ومائتين (3) .
وأحمد بن خالد الوهبي الكندي أبو سعيد الحمصي، روى عن (4) :
محمد بن إسحاق بن يسار، وعبد العزيز الماجشون، وشيبان النحوي.
روى عنه: محمد بن عوف، وعمرو بن عثمان، وأبو زرعة الدمشقي.
قال ابن معين: ثقة. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن
ماجه (5) .
ومحمد بن يحيى بن حبان-- بفتح الحاء والباء الموحدة- ابن منقذ بن
عمرو بن مالك الأنصاري المازني النجاري أبو عبد الله المدني، سمع أنس
ابن مالك. روى عن عبد الله بن عبد الله بن عمر، وسمع عمه واسع
__________
- وقال البيهقي: " يحيى بن يمان- الراوي عن محمد بن إسحاق- ليس
بالقوي عندهم، ويشبه أن يكون غلط من حديث محمد بن إسحاق الأول إلى
هذا "، وقال في " نصب الراية " (1/9) : " قال البيهقي: يشبه أن يكون
وهم من حديث زيد بن خالد إلى هذا ".
(1) في سنن أبي داود: " حدثتنيه ". (2) تفرد به أبو داود.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (26/5527) .
(4) في الأصل. " روى عنه " خطأ. (5) المصدر السابق (1/30) .(1/150)
ابن حبان، والأعرج، وغيرهم. روى عنه: يحيى بن سعيد الأنصاري،
والزهري، ومحمد بن إسحاق. " ثقة كثير الحديث، مات بالمدينة سنة
إحدى وعشرين ومائة " (1) . روى له الجماعة (2) .
وعبد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، سمع أباه، روى عنه
الزهري، ونافع، وغيرهما. قال وكيع: ثقة. توفي في أول خلافة
هشام بن عبد الملك. روى له: البخاري، ومسلم، وأبو داود،
والنسائي (3) .
وأسماء بنت زيد بن الخطاب القرشية العدوية روت عن عبد الله بن
حنظلة بن أبي عامر. روى عنها عبد الله بن عبد الله بن عمر. روى لها
أبو داود (4) .
وعبد الله بن حنظلة بن أبي عامر، واسمه: عبد عمرو بن صيفي بن
زيد، وأبوه حنظلة غسيل الملائكة، غسلته يوم أحُد؛ لأنه قتل وهو
جنب. روى عنه: عبد الله بن يزيد الخطمي، وأسماء بنت زيد،
وغيرهما. قتل يوم الحرة سنة ثلاث وستين. روى له أبو داود (5) .
قوله: " أرأيت " بمعنى: أخبرني عن توضؤ ابن عمر.
قوله: " طاهرا " حال من ابن عمر.
قوله: " عم ذلك " أصله: عن ما ذلك، وهو استفهام، والمعنى:
لأجل أي شيء كان توضؤه لكل صلاة طاهراً كان أو محدثاً؟
قوله: " فقال: حدثته " أي: قال عبد الله بن عبد الله،0 والضمير
المنصوب في " حدثته " راجع إليه، وفي بعض النسخ: " حدثتني أسماء "
والضمير المنصوب في " حدثها " راجع إلى أسماء.
__________
(1) قاله الواقدي كما في تهذيب الكمال
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (26/5681) .
(3) المصدر السابق (15/3366) . (4) المصدر السابق (35/7781) .
(5) المصدر السابق (14/3236) .(1/151)
قوله: " أن رسول الله أمر بالوضوء " على صيغة المجهول، يعني: أمره
الله به.
قوله: " فلما شق ذلك عليه " أي: لما ثقل التوضؤ لكل صلاة طاهراً
وغير طاهر على رسول الله " أمر بالسواك " أي: باستعماله؛ لأن نفس
السواك لا يؤمر به، وإنما يؤمر باستعماله، و " أمر " هذا أيضاً مجهول.
قوله: " يرى أن به قوة " أي: يظن أن به قوة يتحمل الوضوء لكل صلاة
طاهراً كان أو غير طاهر.
قوله: " فكان لا يدع " أي: لا يترك، وهو من الألفاظ التي أماتوا
ماضيها.
ص- قال أبو داود: إبراهيم بن سعد رواه/عن ابن إسحاق قال:
عبيد الله بن عبد الله.
ش- إبراهيم بن سعد بن [إبراهيم بن] عبد الرحمن بن عوف الزهري
القرشي المدني، سكن بغداد، وسمع أباه، والزهري، وهشام بن
عروة، وابن إسحاق، وغيرهم. روى عنه: شعبة، وأحمد، والليث،
وغيرهم. قال أبو حاتم: ثقة. وقال أبو زرعة: لا بأس به. توفي
ببغداد سنة ثلاث وثمانين ومائة، ودفن في مقابر باب النبي. روى له
الجماعة (1) .
وعبيد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب أبو بكر المدني، أخو
عبد الله وزيد وواقد وحمزة، سمع أباه. وروى عنه: الزهري، والوليد
ابن كثير، وابن إسحاق. قال أبو زرعة: ثقة. روى له الجماعة (2) .
قوله: " رواه " أي: روى هذا الحديث إبراهيم بن سعد عن محمد بن
إسحاق قال في حديثه: " عبيد الله " بالتصغير " ابن عبد الله "، وفي
الرواية الأولى: " عبد الله " بالتكبير " ابن عبد الله ".
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (2/174) .
(2) المصدر السابق (19/3654) .(1/152)
20- باب: كيف يستاك؟
أي: هذا باب فيه بيان كيفية الاستياك.
38-ص- نا مسدد وسليمان بن داود العتكي قالا: نا حماد بن زيد، عن غيلان
ابن جرير، عن أبي بردة، عن أبيه قال: " أتينا رسول الله نستحملُه، فرأيتُه
يستاكُ على لسانه ". قال أبو داود: قال سليمان: قال: " دخلتُ على النبي
- عليه السلام- وهو يستاكُ، وقد وضع السواك على طرف لسانه وهو يقول:
إه إه " (1) يعني: يتهوع. قال مسدد: وكان حديثاً طويلاً ولكنه اختصره.
ش- سليمان بن داود أبو الربيع الزهراني العتكي، سكن بغداد، سمع
[من] مالك بن أنس حديثاً واحداً، وسمع حماد بن زيد، وابن عيينة،
وغيرهم. روى عنه: أحمد، وابنه عبد الله بن أحمد، وإسحاق بن
راهويه، والبخاري، ومسلم، وأبو داود، وغيرهم. مات بالبصرة سنة
أربع وثلاثين ومائتين (2) .
وحماد بن زيد بن درهم أبو إسماعيل الأزدي الأزرق البصري، سمع
ثابتاً، وابن سيرين، وعمرو بن دينار، وغيرهم. روى عنه: الثوري،
وابنُ عيينة، ووكيع، وجماعة آخرون. مات في رمضان سنة تسع
وسبعين ومائة، وهو ابن إحدى وثمانين. روى له الجماعة (3) .
وغيلان بن جرير الأزدي البصري، روى عن: أنس بن مالك،
ومُطرف، وأبي بردة. روى عنه: شعبة، وحماد بن زيد، وأبو هلال،
وغيرهم. قال ابن معين: ثقة. روى له الجماعة (4) .
وأبو بردة اسمه: عامر بن أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري
__________
(1) البخاري: كتاب الوضوء، باب: السواك (244) ، مسلم: كتاب الطهارة،
باب: السواك (45/254) ، النسائي: كتاب الطهارة، باب: كيف يستاك
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (11/2513) .
(3) المصدر السابق (7/1481) . (4) المصدر السابق (23/4700) .(1/153)
الكوفي الصحابي، وقيل: اسمه الحارث. روى عن الزبير بن العوام،
وعوف بن مالك، وسمع أباه، وعليا، وابن عمر، وعائشة. روى
عنه: الشعبي، وعمر بن عبد العزيز، وثابت البناني، وغيرهم. توفي
بالكوفة سنة ثلاث ومائة. روى له الجماعة (1) .
قوله: " نستحمله ": جملة حالية، والمعنى: أتيناه طالبين أن يحملنا
عليه حتى ما يركبون عليه.
قوله: " يتهوعّ " تفسير قوله: " إه، إه ". وجاء في حديث آخر: " كان
إذا تسوك قال: اعْ اعْ، كأنه يتهوعّ " أي: يتقيأ، والهواع: القيء.
قوله: " وكان حديثاً طويلاً " أي: كان حديث أبي بردة طويلاً: " ولكنه
اختصر "، وفي نسخة: " ولكن (2) اختصرتُه ". وقد روى البخاري
ومسلم بإسنادهما إلى أبي بردة بن أبي موسى، عن أبيه قال: " أتيتُ
رسول الله في رهْط من الأشعريين نستحملُه- فقال: لا والله ما
أحملكم ... " الحديث، ورواه أحمد أيضاً بالطريقين في " مسنده " (3) .
***
21- باب: الرجل (4) يستاك بسواك غيره
أي: هذا باب في بيان الرجل الذي يستاك بسواك غيره.
39- ص- نا محمد بن عيسى، نا عنبسة بن عبد الواحد، عن هشام بن
عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: " كان رسولُ الله يسْتنُ وعنده رجلان:
أحدُهما أكبرُ من الآخر، فأوحي إليه في فضل السواك أن كبر: أعط السواك
أكبرهُما " (5) .
__________
(1) المصدر السابق (33/7220) . (2) في الأصل: " ولكنه ".
(3) البخاري: كتاب الأيمان والنذور (6623) ، مسلم: كتاب الأيمان، باب:
ندب من حلف يميناً، فرأى غيرها خيراً منها أن يأتي الذي هو خير، ويكفر
عن يمينه (1649/7: 9) ، أحمد (4/398، 401، 418) .
(4) في سنن أبي داود: " باب في الرجل 0.. ".
(5) البخاري تعليقا في كتاب الوضوء، باب: دفع السواك إلى الأكبر (246) ،=(1/154)
ش- محمد بن عيسى الطباع.
وعنبسة بن عبد الواحد بن أمية بن عبد الله بن سعيد بن العاص أبو خالد
الأموي القرشي الكوفي. روى عن: عبد الملك بن عمير، وعوف
الأعرابي، وهشام بن عروة، وغيرهم. روى عنه: إبراهيم بن موسى
الرازي، والفضل بن مُوفق، وابن الطباع. قال أحمد: لا بأس به.
وقال ابن معين: ثقة. استشهد به البخاري بحديث واحد. روى له
أبو داود (1) .
قوله: " يستن " من الاستنان، وهو الاستياك، وهو دلك الأسنان
وحكها بما يجلوها، مأخوذ من السن، وهو إمرار الشيء الذي فيه
خشونة على شيء آخر، ومنه المسن الذي يُشحذ به الحديد ونحوه.
وقال ابن الأثير: " الاستنان استعمال السواك، افتعال من الأسنان،
أي: يُمرُهُ عليها " (2) :
قوله: " وعنده رجلان " جملة حالية.
قوله: " فأوحي إليه " من الإيحاء، والوحي: الرسالة،/ويجيء
بمعنى الإلهام والإشارة.
قوله: " أن كبّر " " أن " هاهنا مفسرة، بمنزلة " أي "، والمعنى:
فأوحي إليه أي: كبر، من قبيل قوله تعالى: (فأوْحيْنا إليْه أن اصْنع
الفُلك) (3) ، وقوله: (ونُودوا أن تلكُمُ الجنةُ) (4) ، ويحتمل أن
__________
ورواه مسلم في: كتاب الرؤيا، باب: رؤيا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (2271) ، وفي كتاب
الزهد (3003) بلفظ: " أراني في المنام أتسوك بسواك، فجذبني رجلان:
أحدهما أكبر من الآخر، فناولت السواك الأصغر منهما، فقيل لي: كبر،
فدفعته إلى الأكبر ".
تنبيه: زيد في سنن أبي داود بين معقوفتين: " قال أحمد- هو ابن حزم-:
قال لنا أبو سعيد- هو ابن الأعرابي-: هذا مما تفرد به أهل المدينة ".
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (22/4537) . (2) انظر: النهاية (2/411) .
(3) سورة المؤمنون: (27) . (4) سورة الأعراف: (43) .(1/155)
تكون مصدرية، والمعنى: فأوحي إليه التكبير ومعنى " كبر ": قدم
السن ووقره. واستفيد من هذا الحديث فوائد: الأولى: " (1) تقديم حق
الأكابر من جماعة الحضور، وتبديته على من هو أصغر منه، وهو السُنة
أيضاً في السلام، والتحية، والشراب، والطّيب، ونحو ذلك من
الأمور (2) ، وفي هذا المعنى تقديم ذوي السن بالركوب، وشبهه من
الإرفاق.
الثانية: أن استعمال سواك الغير ليس بمكروه، إلا أن السُنة فيه أن
يغسله، ثم يستعمله " (3) .
الثالثة: أن هذا صريح في فضيلة السواك.
وحديث عائشة هذا أخرجه مسلم بمعناه من حديث ابن عمر مسنداً،
وأخرجه البخاري تعليقاً.
40- ص- وثنا إبراهيم بن موسى قال: أنا عيسى، عن مسعر، عن
المقدام بن شريح، عن أبيه قال: قلت لعائشة: " بأي شيء كان يبدأ رسولُ الله
إذا دخل بيتهُ؟ قالت: بالسواك " (4) .
ش- عيسى هو: عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، وقد مر
ذكره.
ومسعر هو: ابن كدام بن ظُهيْر (5) بن عُبيد- بضم العين- بن
__________
(1) انظر: معالم السنن (1/27) .
(2) قال المهلب- كما في " الفتح " (1/425) -: " هذا ما لم يترتب القوم في
الجلوس، فإذا ترتبوا فالسنة حينئذٍ تقديم الأيمن ". قال الحافظ: " وهو
صحيح ".
(3) إلى هنا انتهى النقل من معالم السنن.
(4) مسلم: كتاب الطهارة، باب: السواك (43/253) ، النسائي: كتاب الطهارة،
باب: السواك في كل حين (1/13) ، ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب:
السواك (290) .
(5) في الأصل: " ظهيرة " كذا.(1/156)
الحارث بن هلال أبو سلمة الهلالي العامري الكوفي، روى عن عمير بن
سعيد النخعي، وأبي إسحاق السبيعي، وقتادة، والمقدام بن شريح،
وسماك بن حرب، والأعمش، وغيرهم. روى عنه: الثوري،
وشعبة، ومحمد بن إسحاق بن يسار، ووكيع، وغيرهم. مات سنة
خمس وخمسين ومائة. روى له الجماعة (1) .
والمقدام بن شُريح بن هانئ أبو يزيد الحارثي الكوفي، سمع أباه،
روى عنه عبد الملك بن أبي سليمان، والأعمش، والثوري، ومسعر،
وشعبة، وشريك، وابنه يزيد بن المقدام قال ابن حنبل: ثقة. وقال
أبو حاتم: ثقة صالح الحديث. روى له الجماعة إلا البخاري (2) .
وأبوه شريح بن هانئ بن كعب الحارثي الكوفي، من أهل اليمن،
أدرك النبي- عليه السلام- ولم يره، وسمع أباه، وعليّ بن أبي طالب،
وسعد (3) بن أبي وقاص، وعائشة زوج النبي- عليه السلام-،
وأبا هريرة. روى عنه ابناه: محمد والمقدام، والشعبي، وغيرهم.
وقال ابن معين: ثقة. وقتل بسجسْتان مع عبيد الله بن أبي بكرة، وعاش
عشرين ومائة سنة. روى له الجماعة إلا البخاري (4) .
قوله: " بأي شيء " " أي " اسم يأتي على ستة أوجه: شرطاً، نحو:
(أياما تدْعُوا) (5) . وموصولاً، نحو: (أيُّهُمْ اشدُ على الرحْمن) (6)
والتقدير: الذي هو أشد. وصفة للنكرة، نحو: زيد رجل أي رجل،
أي: كامل في صفات الرجال. وحالاً للمعرفة، كمررت بعبد الله أي
رجل. ووصلة إلى نداء ما فيه " أل "، نحو: يا أيها الرجل.
واستفهاماً، نحو: (فبأي حديث بعْدهُ يُؤْمنُون) (7) . و " أي " الذي
في الحديث من هذا القبيل. "
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (27/5906) .
(2) المصدر السابق (28/6163) . (3) في الأصل: " سعيد " خطأ.
(4) المصدر السابق (12/2729) . (5) سورة الإسراء: (110) .
(6) سورة مريم: (69) . (7) سورة المرسلات: (50) .(1/157)
قوله: " بالسواك " أي: يبدأ بالسواك، أي باستعماله.
***
22- باب: غسْل السواك
أي: هذا باب في بيان غسل السواك عند دفعه إلى غيره، أو عند أخذه
من غيره.
41- ص- ثنا محمد بن بشار قال: ثنا محمد بن عبد الله الأنصاري قال:
ثنا عنبسة بن سعيد الكوفي الحاسب (1) قال: حدثني كثير، عن عائشة أنها
قالت: " كان نبيُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسْتاكُ، فيُعْطيني السّواك لأغْسلهُ، فأبدا به فأسْتاكُ
ثم اغْسلُهُ، فأدفعُهُ إليه " (2) .ً
ش- محمد بن بشار بن عثمان بن داود بن كيسان العبدي البصري،
يكنى أبا بكر بندار، قد ذكر مرة.
ومحمد بن عبد الله الأنصاري هو ابن المثنى بن عبد الله بن أنس بن
مالك أبو عبد الله الأنصاري البصري، قاضي البصرة. سمع أباه،
وحميداً (3) الطويل، وسليمان التيمي، ومالك بن دينار، وقرة بن
خالد، وابن جريج، وغيرهم. روى عنه: قتيبة بن سعيد، وأبو الوليد
الطيالسي، وأحمد بن حنبل، ومحمد بن بشار، ومحمد بن المثنى،
ومحمد بن يحيى، والبخاري، والترمذي، وغيرهم. مات بالبصرة في
رجب سنة خمس عشرة ومائتين. روى له الجماعة (4) .
وعنبسة بن سعيد بن كثير بن عُبيد أبي العنْبس الحاسب الكوفي، روى
عن جده كثير، وكثير هذا رضيع/عائشة الصديقة، روى عنها. روى
__________
(1) وقع في " سنن أبي داود " ط. الريان: " الحاسد " خطأ، وانظر مصادر
الترجمة.
(2) تفرد به أبو داود، وانظر: " صحيح أبي داود ".
(3) في الأصل: " حميد ".
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (25/5372) .(1/158)
عنه: محمد بن عبد الله الأنصاري، وعبد الرحمن المهدي، وأبو الوليد
الطيالسي وقال: كان ثقة. وقال ابن معين وأبو حاتم: هو ثقة. روى
له أبو داود (1) .
وكثير هذا هو: كثير بن عبيد القرشي التيمي أبو سعيد، مولى أبي بكر
الصديق- رضي الله عنه- رضيع عائشة- رضي الله عنها-. روى عن
زيد بن ثابت، وأبي هريرة، وسمع عائشة، وأختها أسماء. روى عنه:
ابنه سعيد، وعبد الله بن عون، ومجالد بن سعيد، وابن ابنه عنبسة،
ومُطرف بن طريف، وعبد الله بن دُكين. روى له أبو داود (2) .
قوله: " فأبدأ به " أي: بالسواك. وفي بعض النسخ: " فأنْدأ به " من
الإنداء، من ندي الشيء إذا ابْتُلّ فهو ند، مثال: تعب فهو تعب،
وأنديتُه أنا وندّيْتُه تنْدية. واستفيد من الحديث جواز الاستياك بسواك غيره،
ولكنه يغسل قبل أن يسْتاك، فذا فرغ يغسله أيضاً، ويدفعه إلى صاحبه.
***
23- باب: السواك من الفطرة
الفطرة هي السُّنّة هاهنا.
42- ص- حدثنا يحيى بن معين قال: ثنا وكيع، عن زكرياء بن أبي زائدة،
عن مصعب بن شيبة، عن طلق بن حبيب، عن ابن الزبير، عن عائشة
- رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عشْر من الفطرة: قصُّ
الشارب، وإعفاءُ اللحية، والسواكُ، والاستنشاقُ بالماء، وقص الأظفار،
وغسلُ البراجم، ونتْفُ الإبط، وحلقُ العانة، وانتقاصُ الماء " يعني:
الاستنجاء بالماء. قال زكرياء: قال مصعب بن شيبة: ونسيت العاشرة إلا أن
تكون المضمضة (3) .
__________
(1) المصدر السابق (22/4533) . (2) المصدر السابق (24/4950) .
(3) مسلم: كتاب الطهارة، باب: خصال الفطرة (56/261) ، النسائي: كتاب
الزينة، باب: من السنن: الفطرة (8/126) ، ابن ماجه: كتاب الطهارة،
باب: الفطرة (293)(1/159)
ش- يحيى بن معين بن عون بن زياد بن بسطام بن عبد الرحمن المُري
مُرّة غطفان، مولاهم أبو زكريا البغدادي، إمام أهل الحديث، والمشار
إليه. سمع ابن المبارك، وابن عيينة، وهشيماً، ووكيعاً، ويحيى
القطان، وأبا معاوية الضرير، وغيرهم. روى عنه: أحمد بن حنبل،
وأبو خيثمة، ومحمد بن إسحاق الصغاني، ومحمد بن سعد، ومحمد
ابن هارون، وأبو زرعة، وأبو حاتم، وأبو يعلى، والبخاري،
ومسلم، وأبو داود، والترمذي عن رجل عنه، والنسائي، وابن ماجه عن
رجل عنه. مات بالمدينة سنة ثلاث وثلاثين ومائتين، وغسل على أعواد
النبي- عليه السلام- وله سبع وسبعون سنة إلا نحواً من عشر أيام،
وحُمل على سرير النبي- عليه السلام- (1) .
ومصعب بن شيبة بن جبير بن شيبة بن عثمان بن أبي طلحة بن
عبد العزى بن عبد الدار القرشي العبدري المكي. روى عن: صفية بنت
شيبة، وطلق بن حبيب. روى عنه: عبد الملك بن عمير، وعبد الله بن
أبي السّفر، وزكرياء بن أبي زائدة، وابن جريج، ومسعر. قال أحمد
ابن حنبل: روى أحاديث مناكير. وقال ابن معين: ثقة. وقال
أبو حاتم: ليس بقوي. وقال ابن سعد: كان قليل الحديث. روى له
الجماعة إلا البخاري (2) .
وطلق بن حبيب العنزي- بالنون والزاي- البصري. روى عن:
عبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير، وجابر بن عبد الله، وجندب
ابن عبد الله. روى عنه: عمرو بن دينار، وسعد بن إبراهيم، وعبد الله
الدّاناج، ومصعب بن شيبة، وغيرهم. قال أبو حاتم: صدوق في
الحديث، وكان يرى الإرجاء. روى له الجماعة إلا البخاري (3) .
وابن الزبير هو: عبد الله بن الزبير بن العوام أبو بكر، ويقال:
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (31/6926) .
(2) المصدر السابق (28/5985) . (3) المصدر السابق (13/2988) .(1/160)
أبو خُبيب الأسدي، روي له عن رسول الله- عليه السلام- ثلاثة
وثلاثون حديثاً، اتفقا على ستة، وانفرد مسلم بحديثين روى عنه أخوه
عروة، وعباس بن سهل، وثابت بن أسلم، وعطاء بن أبي رباح،
ووهب بن كيسان، وغيرهم. ولى الخلافة تسع سنين، وقتل بمكة في
النصف من جمادى الآخرة، سنة ثلاث وسبعين، وهو ابن اثنين وسبعين
سنة، قتله الحجاج، وصلبه بمكة. روى له الجماعة (1) .
قوله: " عشر من الفطرة " مبتدأ وخبر، وإنما صح وقوع " عشر " مبتدأ،
لأنه أريد به العدد المعروف، فيكون علماً، فيقع مبتدأ، وقد علم أن
العدد إذا ذُكر وأريد به المعدود فهو غير علم، وهو منصرف، كقولك:
" عندي ستة "؛ لأن المراد بهذه الستة هو المعدود لا العدد؛ لأن العدد ليس
شيئاً يكون عندك، وإذا أراد به العدد فيحتمل أن يكون ستة من الدراهم أو
الدنانير، أو غيرهما، فإذا كان كذلك تكون نكرة، وأما إذا أريد به العدد
المعروف يكون علماً غير منصرف للعلمية والتأنيث، تقول: عشرةٌ ضعفُ
خمسة، و " عشر " هاهنا منصرف، لعدم العلتين، ثم إنه يُفسرُ باسم
جمع، وهو نحو: " خصالٍ "،/والتقدير: عشر خصال من الفطرة
وقد علم أن " عشراً وأخواته " إذا فسر باسم جنس، أو اسم جمع مؤنث
لا يقال بالتاء، نحو: ثلاث من التمْر وعشر من الإبل، وكقوله- عليه
السلام-: " ليس فيما دون خمس من الإبل صدقة " (2) ، وإذا كان
المعدود مما يذكر ويؤنث: كحال، وعضد، ولسان، يجوز تذكير عدده
وتأنيثه، فيقال: ثلاثة أحوال، وثلاث أحوال، ويكثر الوجهان في اسم
جنس تمييز واحده بالتاء كبقر، ونخل، فيقال: ثلاث من البقر، وثلاثة
__________
(1) انظر ترجمته في: الاستيعاب (2/299) بهامش الإصابة، وأسد الغابة
(3/241) ، والإصابة (2/308) .
(2) أخرجه بهذا اللفظ النسائي في كتاب الزكاة، باب: زكاة الورق (5/37) ،
وابن ماجه في كتاب الزكاة، باب: صدقة الإبل (1799) من حديث
أبي سعيد الخدري.
11. شرح سنن أبي داوود ا(1/161)
من البقر. وإن كان المفسرُ صفة نابت عن موصوفها يعتبر في الغالب حاله
لا حالها، فيقال: ثلاثة ربْعات، بالتاء إذا أريد به رجال، وثلاث
ربْعات، إذا أريد به النساء، قال تعالى: (من جاء بالحسنة فلهُ عشْرُ
أمْثالها) (1) ، إذ تقديره: عشر حسنات أمثالها. وجاء. عن بعض
العرب: ثلاثُ دواب، وإن كانت الدابة صفة نابت عن موصوفها اعتبارا
للفظ الدابة، وإن موصوفها مذكر. و " الفطرة " السُنة كما قلنا،
وتأويله: إن هذه الخصال من سنن الأنبياء، الذين أُمرْنا أن نقتدي بهم
لقوله تعالى: (فبهُداهُمُ اقْتدهْ) (2) ، وأول من أُمر بها إبراهيم- عليه
السلام-، وذلك قوله تعالى: (وإذا ابْتلى إبْراهيم ربهُ بكلمات) (3) ،
قال ابن عباس- رضي الله عنه-: أمره بعشر خصال، ثم عدّهن،
فلما فعلهن قال: (إني جاعلُك للنّاس إماماً) ليُقْتدى بك، وقد أخذت
هذه الأمة بمتابعته خصوصاً بقوله تعالى: (ثُم أوْحيْنا إليْك أن اتبعْ ملة
إبْراهيم) (4) ، ويقال: إنها كانت عليه فرضاً، وهي لنا سُنة، وقوله:
" من الفطرة " إشارة إلى عدم الانحصار في العشر، لأن " من " للتبعيض
والسُّنّة كثيرة، ومن جملتها هذه العشر.
قوله: " قص الشارب " أي: أحدها: قص الشارب، فيكون ارتفاعه
على أنه خبر مبتدأ محذوف، ويجوز أن يُقرأ بالجر على أن يكون بدلاً من
" الفطرة "، وكذا الكلام في المعطوفات عليه. والقص من قصصت
الشعر قطعته، ومنه: طير مقصوص الجناح، " (5) ويستحب أن يبدأ
بالجانب الأيمن، وهو مخير بين القص بنفسه، وبين أن يولي ذلك غيره،
لحصول المقصود، بخلاف الإبط والعانة، وأما حدُ ما يقصه فالخيار أن
يقص حتى تبدو أطرافُ الشفة، ولا يحفه من أصله، وأما روايات:
__________
(1) سورة الأنعام: (160) . (2) سورة الأنعام: (90) .
(3) سورة البقرة: (124) . (4) سورة النحل: (123) .
(5) انظر: شرح صحيح مسلم (3/149- 150) .(1/162)
" أحفوا الشوارب " (1) فمعناه: أحفوا ما طال على الشفتين، وذكر
أصحابنا أنه يقطع إلى أن يبقى قدر حاجبه.
قوله: " وإعفاء اللحية " إعفاؤها: إرسالها وتوفيرها؛ لأن بعض
الأعاجم كان من زيهم قص اللحى، وتوفير الشوارب، فندب- عليه
السلام- أمته إلى مخالفتهم، وأصله من عفى الشيء إذا كثر وزاد،
يقال: أعفيتُه وعفيتُه، وكذلك عفى الزرعُ، قال تعالى: (حتى
عفوْا) (2) أي: كثروا. وقد ذكر العلماء في اللحية اثني عشر خصلة
مكروهة، بعضها أشد قبحاً من بعض: أحدها: خضابها بالسواد، لا
لغرض الجهاد.
الثانية: خضابها بالصفرة تشبهاً بالصالحين، لا لاتباع السُنة.
الثالثة: تبييضها بالكبريت أو غيره، استعجالاً للشيخوخة، لأصل
الرياسة والتعظيم..
الرابعة: نتفها أول طلوعها، إيثاراً للمروءة وحسن الصورة.
الخامسة: نتف الشيب.
السادسة: تصفيفها طاقة فوق طاقة تصنعاً، لتستّحسنه النساء وغيرهن.
السابعة: الزيادة فيها، والنقص منها بالزيادة في شعر العذارين من
الصدغين، أو أخذ بعض العذار في حلق الرأس، ونتف جانبي العنْفقة (3)
وغير ذلك.
الثامنة: تسريحها تصنعاً لأجل الناس.
التاسعة: تركها شعثة منتفشة، إظهار للزهادة، وقلة المبالاة بنفسه.
العاشرة: النظر إلى سوادها أو بياضها إعجاباً وخيلاء، وغرة بالشباب،
وفخراً بالمشيب، وتطاولاً على الشباب.
__________
(1) مسلم: كتاب الطهارة، باب: خصال الفطرة (259/52) من حديث ابن عمر.
(2) سورة الأعراف: (95) . (3) شعيرات بين الشفة السفلى والذقن.(1/163)
الحادية عشر: عقدها وضفرها.
الثانية عشر: حلقها.
إذا نبتت للمرأة لحية يستحب حلقها " (1) .
قوله: " والسواك " أي: استعمال السواك، ويستحب أن يكون من
شجر مُرّ؛ لأنه يطيب النكهة، ويشد الأسنان، ويقوي المعدة، ويكون
في غلظ الخنصر، وطول الشبر. وقال بعض/أصحابنا: يستحب أن
يكون من شجر الأراك، فإن لم يجد فمن الأشجار المرة، فإن لم يجد
فبالإصبع (2) ، ويستاك عرضاً لا طولاً، وقيل: عرضاً وطولاً (3) ،
وسواء كان مبلولاً أو رطباً صائماً أو غير صائم، قبل الزوال وبعده،
وعند تغير الفم مستحب بالإجماع، ولا يسن في حق النساء، لضعف
أسنانهن (4) .
__________
(1) إلى هنا انتهى النقل من " شرح صحيح مسلم ".
(2) قال البيهقي في " سننه الكبرى " (1/40) : " ورد في الاستياك بالإصبع
حديث ضعيف "، ثم روى من طريق عيسى بن شعيب، عن عبد الحكم
القسملي، عن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تجزئ من السواك الأصابع "
وعيسى صدوق له أوهام، وعبد الحكم ضعيف كما في التقريب، وله ألفاظ
أُخر عند البيهقي لا تخلو من مقال، والحديث ضعفه المناوي في فيض القدير
(3/180) ، وابن عدي في " الكامل " ترجمة عبد الحكم بن عبد الله
القسملي، وبهذا لا تثبت سنية التسوك بالأصابع، خاصة لما قد يعلق بها من
بعض الأتربة، فتسبب كثيراً من الأمراض، والله أعلم.
(3) جاء فيه أحاديث كثيرة، منها ما أخرجه البيهقي (1/40) من حديث عطاء بن
أبي رباح قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا شربتم فاشربوا مصا، وإذا استكتم فاستاكوا عرضاً "، ومنها ما رواه ابن حبان في " المجروحين " (1/199) ،
والطبراني في " الكبير "، والبيهقي في " سننه " (1/40) من حديث بهز:
" كان يستاك عرضاً ... "، وكلها أحاديث ضعيفة، وانظرها في " الضعيفة "
للشيخ الألباني (940، 941، 942) .
(4) بل هو سُنة للرجال والنساء على السواء، لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما رواه البخاري ومسلم=(1/164)
قوله: " والاستنشاق " وهو تبليغ الماء إلى خياشيمه، وهو من
استنشاق الريح إذا شمها مع قوة. وقال أصحابنا: الاستنشاق تحريك الماء
في الأنف، واحتج به أبو حنيفة وأصحابه- رحمهم الله- وبقوله في آخر
الحديث: " إلا أن تكون المضمضة " على كون الاستنشاق والمضمضة سُنة
في الوضوء، وهو حجة على مالك وأحمد حيث أوجباهما فيه.
قوله: " وقص الأظفار " وإطلاق الحديث يقتضي القص مطلقاً، ويروى
عن علي- رضي الله عنه- أنه يبتدئ بخنصر اليمنى، ثم بوسطاها، ثم
بإبهامها، ثم ببنصرها، ثم بمسبحتها، ثم بمسبحة الشمال، ثم ببنصرها،
ثم بوسطاها، ثم بإبهامها، ثم بخنصرها. وقد جمع ذلك بعض
الأفاضل بحروف " خوابس " (1) ، ففي اليمنى تعد من " الخاء "، وفي
الشمال من " السين " بالعكس، ولا يؤقت، فمتى استحق القص فعل.
قوله: " وغسل البراجم " البراجم- بفتح الباء وبالجيم-: جمع بُرْجمة
- بضم الباء وبالجيم-، وهي عقد الأصابع ومفاصلها كلها. وقال
الخطابي: " أصل البراجم العقد التي تكون في ظهور الأصابع والرواجب
ما بين البراجم، وغسل البراجم تنظيف المواضع التي يجتمع فيها
الوسخ " (2) .
ويلحق بذلك ما يجتمع من الوسخ في معاطف الأذن، وقعر الصماخ،
فتزيله بالمسح، لأنه ربما أضرت كثرتُه بالسمع، وكذلك ما يجتمع في
داخل الأنف، وكذلك جميع الوسخ المجتمع على أي موضع كان من
البدن بالعرق والغبار ونحوهما.
قوله: " ونتف الإبط " " (1) والأفضل فيه النتف لمن قوي عليه،
__________
= من حديث أبي هريرة مرفوعا: " لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند
كل صلاة "، ولم يستثن النساء، وكذلك لحديث الباب.
(1) ظاهره: أن تكون الإبهام قبل الوسطى في الشمال، وهذا لا يتفق وكلام
المصنف، والله أعلم.
(2) انظر: معالم السنن (1/28) . (2) انظر: شرح صحيح مسلم (149) .(1/165)
ويحصل أيضاً بالحلق والنورة. وحكي عن يونس بن عبد الأعلى قال:
دخلت على الشافعي وعنده المزين يحلق إبطه، فقال الشافعي: علمت أن
السُّنّة النتف، ولكني لا أقوى على الوجع. ويستحب أن يبدأ بالإبط
اليمنى ".
قوله: " وحلق العانة " (1) " والمراد بالعانة: الشعر فوق ذكر الرجل
وحواليه، وكذلك الشعر الذي حوالي فرج المرأة. ونقل عن أبي العباس
ابن سريح: إنه الشعر النابت حول حلقة الدبر، فيجعل من مجموع هذا
استحباب حلق جميع ما على القبل والدبر وحولهما، والأفضل فيه
الحلق، ويجوز بالقص والنتف والنورة، ولا يؤقت، بل يرصد بالحاجة،
فإذا طال حلق، وكذلك الشارب، ونتف الإبط، وتقليم الأظفار،
وتأويل حديث أنس- رضي الله عنه-: " وُقّت لنا في قص الشارب
وتقليم الأظفار ونتف الإبط وحلق العانة أن لا نترك أكثر من أربعين ليلة " (2)
فمعناه: لا يترك تركاً يتجاوز به أربعين، لا أنه وقت لهم الترك أربعين.
قوله: " وانتقاص الماء " بالقاف والصاد المهملة، وقد فسره وكيع بأنه
الاستنجاء. وقال أبو عبيد وغيره: معناه: انتقاص البول بسبب استعمال
الماء في غسل مذاكيره. وقيل: هو الانتضاح. وجاء في رواية:
" الانتضاح " بدل " انتقاص الماء ". وقال الجمهور: الانتضاح: نضح
الفرج بماء قليل بعد الوضوء، لينفي عنه الوسواس. وذكر ابن الأثير أنه
روي " انتفاص الماء " بالفاء والصاد المهملة، وقال في " فصل الفاء ":
قيل: الصواب أنه بالفاء، قال: والمراد نضحه على الذكر، من قولهم:
لنضح الدم القليل نفصة، وجمعها: نُفُصٌ.
وقال الشيخ محيي الدين في " شرح مسلم ": " وهذا الذي نقله شاذ،
والصواب الأول " (3) .
__________
(1) انظر: شرح صحيح مسلم (150- 151) .
(2) مسلم: كتاب الطهارة، باب: خصال الفطرة (1/258) .
(3) إلى هنا انتهى النقل من شرح صحيح مسلم.(1/166)
قوله: " ونسيت العاشرة " أي الخصلة العاشرة.
قوله: " إلا أن تكون المضمضة " استثناء من قوله: " نسيت "، ويجوز
أن تكون " إلا " زائدة، وتكون " أن تكون المضمضة " بدلاً من " العاشرة "
ويكون المعنى: ونسيت كون العاشرة مضمضة، فيكون نبه به على أن
الخصلة العاشرة من العشرة هي المضمضة مع نسيانه إياها. والمضمضة:
تحريك الماء في الفم. وحديث عائشة هذا أخرجه مسلم والترمذي
والنسائي وابن ماجه، وقال الترمذي: هذا حديث حسن.
43- ص- حدثنا موسى بن إسماعيل وداود بن شبيب قالا: نا حماد،
عن عليّ بن زيد، عن سلمة بن محمد، عر، عمار بن ياسر. قال موسى:
عن أبيه. وقال داود: عن عمار بن ياسر: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن من
الفطرة المضمضةُ والاستنشاقُ "، فذكر نحوه، ولم يذكر " إعفاء اللحية "،
وزادوا " الختان " وقال: " والانتضاح "، ولم يذكر " انتقاص الماء " (1)
يعني: الاستنجاء. قال أبو داود: وروي نحوه عن ابن عباس قال: " خمس
كلها في الرأس " ذكر/فيها " الفرق "، ولم يذكر قيها " إعفاء اللحية ".
قال أبو داود: وروي نحو حديث حماد، عن طلق بن حبيب ومجاهد.
وعن بكر بن عبد الله المزني قولهم: لم يذكر " إعفاء اللحية ". وفي حدي
محمد بن عبد الله بن أبي مريم، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة عن النبي
- عليه السلام- فيه: " وإعفاء اللحية ". وعن إبراهيم النخعي نحوه وذكر
" إعفاء اللحية والختان ".
ش- موسى بن إسماعيل المنقري البصري قد ذكر غير مرة.
وداود بن شبيب البصري: أبو سليمان الباهلي. روى عن: حماد بن
سلمة، وهمام بن يحيى، وأبي هلال الراسبي، وإبراهيم بن عثمان،
وحبيب بن أبى حبيب الجرمي. روى عنه: محمد بن أيوب، وعبد القد [و] س
ابن بكر (2) ، والبخاري، وأبو داود، وروى ابن ماجة عن
__________
(1) ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: الفطرة (294) .
(2) كذا، وفي ترجمته: " عبد القدوس بن محمد الحبحابي ".(1/167)
رجل عنه. قال أبو حاتم: صدوق. مات سنة ثنتين وعشرين
ومائتين (1) .
وحماد هو: ابن سلمة بن دينار أبو سلمة الربعي، سمع زيد بن
أسلم، وثابتاً، وأنس بن سيرين، وعمرو بن دينار، وقتادة، وغيرهم.
روى عنه: الثوري، وشعبة، وابن المبارك، ويحيى بن سعيد،
وأبو الوليد الطيالسي، وغيرهم. مات سنة سبع وستين ومائة. روى له
الجماعة إلا البخاري (2) .
وعليّ بن زيد بن جُدْعان بن عمرو بن زهير القرشي التيمي أبو الحسن
البصري الأعمى، ويقال المكي، نزل البصرة، سمع أنس بن مالك،
وأبا عثمان النهدي، وسعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، وغيرهم.
روى عنه: قتادة، والثوري، وابن عيينة، وشعبة، والحمادان، وشريك
النخعي، وغيرهم. روى له مسلم مقروناً بثابت البناني، وأبو داود،
والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (3) .
وسلمة بن محمد بن عمار بن ياسر المديني العنسي. روى عن عمار
ابن ياسر. روى عنه علي بن زيد. قال البخاري: لا يعرف له سماع.
روى حديثه موسى بن إسماعيل، وداود بن شبيب، عن حماد، عن
عليّ بن زيد عنه، وقال موسى: عن أبيه. روى له أبو داود، وابن
ماجه (4) .
وعمار بن ياسر بن مالك بن الحصن بن قيس بن ثعلبة أبو اليقظان،
شهد بدراً والمشاهد كلها. روي له عن رسول الله- عليه السلام- اثنان
وستون حديثاً، اتفقا منها على حديثين، وانفرد البخاري بثلاثة، ومسلم
بحديث واحد. روى عنه: عليّ بن أبي طالب، وعبد الله بن عباس،
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (8/1763) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (7/1482) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (20/4070) .
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (11/2469) .(1/168)
وأبو موسى الأشعري، وجماعة آخرون من الصحابة. قتل بصفين سنة
سبع وثلاثين، وهو ابن أربع وتسعين سنة. روى له الجماعة (1) .
وطلق ومجاهد ذكرا مرة.
وبكر بن عبد الله بن عمرو بن هلال المزني أبو عبد الله المصري، أخو
علقمة بن عبد الله، سمع عبد الله بن عمر، وأنس بن مالك، وعروة بن
المغيرة بن شعبة، وغيرهم. روى عنه: قتادة، وحميد الطويل، وحبيب
ابن الشهيد، وأبو الأشهب، ومخالب القطان. وقال ابن معين: ثقة.
مات سنة ثمان ومائة. روى له الجماعة (2) .
ومحمد بن عبد الله بن أبي مريم، مولى بني سليم، وقال البخاري:
مولى خزاعة. روى عن سعيد بن المسيب. روى عنه: مالك، ويحيى
ابن سعيد القطان، وصفوان بن عيسى.
قوله: " عن سلمة بن محمد، عن عمار بن ياسر "، وفي رواية: " عن
سلمة بن محمد بن عمار بن ياسر ".
قوله: " قال موسى " أي: موسى بن إسماعيل المذكور " عن أبيه " أي:
عن أبي سلمة، يعني: روى سلمة عن أبيه. وقال البخاري: لا يعرف
له سماع من عمار، كما ذكرنا.
قوله: " وقال داود: عن عمار بن ياسر " أي: قال داود بن شبيب
المذكور: عن سلمة، عن عمار بن ياسر.
وقال أبو داود المؤلف: وحديث سلمة بن محمد عن أبيه مرسل؛ لأن
أباه ليست له صحبة، وحديثه عن جده عمار. وقال ابن معين أيضاًً:
مرسل. وقال غيره: إنه لم ير جده.
__________
(1) انظر ترجمته في: الاستيعاب (2/476) بهامش الإصابة، وأسد الغابة
(4/129) ، والإصابة (2/512) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (4/747) .(1/169)
قوله: " فذكر نحوه " أي: نحو الحديث الذي روته عائشة، ولكنه لم
يذكر " إعفاء اللحية "، ولكنه زاد: " الختان "، وقال: " والانتضاح ":
ولم يذكر " انتقاص الماء ". وأخرجه ابن ماجه أيضاً، ورواه أحمد بن
حنبل في " مسنده " وقال: ثنا عفان قال: ثنا حماد قال: ثنا علي بن
زيد، عن سلمة بن محمد بن عمار بن ياسر، عن عمار بن ياسر: أن
رسول الله قال: " إن من الفطرة- أو الفطرةُ- المضمضةُ، والاستنشاقُ،
وقص الشارب، والسواكُ، وتقليمُ الأظفار، وغسلُ البراجم، ونتفُ
الإبْط، والاستحدادُ، والختانُ، والانتضاحُ " (1) .
التقليم تفعيل من القلم، وهو القطع، والاستحداد: استعمال الحديدة،
وهي الموسى، والمراد منها: حلق العانة،/والختان، وفي رواية:
" والاختتان "، وهو واجب عندنا وعند الشافعية والحنابلة، وقال مالك:
سُنة، وعند الشافعي: واجب على الرجال والنساء، والواجب أن يقطع
جميع الجلدة التي تغطي الحشفة، حتى ينكشف جميع الحشفة. ووقته
وقت البلوغ، وقيل: بتسع ستين، وقيل بعشر، وقيل: متي كان يطيق
ألم الختان ختن، وإلا يؤخر إلى وقت الطاقة، وعند الشافعي أنه في حال
الصغر جائز، وفي وجه أنه يحب على الولي أن يختن الصغير قبل
بلوغه، وفي وجه يحرم ختانه قبل عشر ستين، وفي وجه يستحب أن يختن
يوم السابع من ولادته، وإذا ولد مختوناً لا يختن إلا إذا كان شيء يواري
بعض الحشفة، والشيخ الكبير إذا أسلم ولم يُطق ألم الختان يترك، وكذا
إذا مات بلا ختان، وعن الشافعية ثلاث وجوه: الصحيح أنه لا يختن
صغيراً كان أو كبيراً. والثاني: أنه يختن إذا كان صغيراً. والثالث:
بالعكس.
وقال الشيخ محيي الدين: " ومن له ذكران، فإن كانا عاملين وجب
ختانهما، وإن كان أحدهما عاملاً دون الآخر يختن العامل، ومما يعتبر
العمل به وجهان: أحدهما بالبول، والآخر بالجماع " (2) .
__________
(1) مسند أحمد (4/264) . (2) انظر: شرح صحيح مسلم (3/148) .(1/170)
قوله: " والانتضاح " وهو رش الماء على الفرج بعد الوضوء، لينفي عنه
الوسواس، وقيل: هو الاستنجاء بالماء.
قوله: " وروي نحوه عن ابن عباس " أي: رُوي نحو حديث عمار بن
ياسر، عن عبد الله بن عباس أيضاً.
قوله: " قال: خمس كلها في الرأس " أي: قال ابن عباس: خمس
خصال كلها في الرأس، ذكر منها- أي من الخمس- " الفرْق " ولم
يذكر فيها " إعفاء اللحية "، فالخمسة التي رويت عن ابن عباس في الرأس
هي: " المضمضة، والاستنشاق، وقص الشارب، والسواك، والفرْق "
وهو من فرق إذا جعل شعره فرقتين، وذكر في " المطالع ": وكانوا
يفرقون- بالتخفيف- أشهر، وقد شددّا بعضهم، والمصدر الفرْق
بالسكون، وقد انفرق شعره: انقسم في مفرقه، وهو وسط رأسه،
وأصله الفرق بين الشيئين، والمفرق مكان فرق الشعر من الجبين إلى دائرة
وسط الرأس، يقال بفتح الراء والميم وكسرهما، وكذلك مفرق الطريق.
وقال الشيخ زكي الدين: وقيل: إنه من سُنة إبراهيم وملته- عليه
السلام- وهو أن يقسم شعر ناصيته يميناً وشمالاً، فتظهر جبهته وجبينه من
الناحيتين، وهو أوْلى من السدْل؛ لأنه آخر ما كان عليه رسول الله،
والفرق لا يكون إلا مع كثرة الشعر، والسّدْل ترك الشعر مُنسدلاً سائلاً
على هيئته.
***
24- باب: السواك لمن قام من الليل
أي: هذا باب في بيان استعمال السواك لمن قام من الليل.
يجوز أن تكون " منْ " هاهنا بمعنى " في "، كقوله تعالى: (إذا
نُودي للصلاة من يوْم الجُمُعة) (1) أي: في يوم الجمعة.
__________
(1) سورة الجمعة (9) .(1/171)
44- ص- حثثنا محمد بن كثير قال: أخبرنا سفيان، عن منصور،
وحصين، عن أبي وائل، عن حذيفة: " أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا قام من
الليل يُشُوصُ فاه بالسواك " (1) .
ش- محمد بن كثير أبو عبد الله العبدي البصري، أخو سليمان،
وسليمان أكبر منه بخمسين سنة. سمع سفيان الثوري، وسعيدا (2) ،
وإسرائيل بن يونس، وأخاه سليمان. روى عنه: علي بن المديني،
ومحمد بن يحيى الذهلي، ويعقوب بن شيبة، وأبو حاتم الرازي،
والبخاري، وأبو داود، وأبو زرعة، وروى الترمذي عن الدرامي عنه
والنسائي عن رجل عنه. وقال ابن معين: لا تكتبوا عنه، لم يكن
بالثقة. وقال أبو حاتم: صدوق. مات سنة ثلاث وعشرين ومائتين (3) .
وسفيان هو الثوري، ومنصور هو ابن المعتمر، وقد ذكرا.
وحصين هو: ابن عبد الرحمن أبو الهذيل السلمي الكوفي، سمع
جابر بن سمرة، وعياض بن سمرة، وعبد الرحمن بن أبي ليلى،
وأبا صالح، وأبا عطية، وأبا وائل، وغيرهم. روى عنه: الأعمش،
والثوري، وشعبة، وأبو عوانة، وغيرهم. وقال ابن معين: ثقة ثقة.
وقال أبو حاتم: ثقة، وفي آخر عمره ساء حفظه، صدوق. مات سنة
ست وثلاثين ومائة. روى له الجماعة (4) .
وأبو وائل هو شقيق بن سلمة، وحذيفة بن اليمان، وقد ذكرا.
قوله: " يشوص فاه " من الشوص وهو الغسل، وقيل: الحكّ، وقيل:
__________
(1) البخاري: كتاب الوضوء، باب: السواك (245) ، مسلم: كتاب الطهارة،
باب: السواك (46/255) ، النسائي: كتاب الطهارة، باب: السواك إذا قام
من الليل (1/8) ، وفي كتاب قيام الليل، باب: ما يفعل إذا قام من الليل
من السواك (3/112) ، ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: السواك (286) .
(2) في الأصل: " سعيد ".
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (26/5571) .
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (6/1358) .(1/172)
الدلك، وقيل: التنقية وقال وكيع: الشوص بالطول، والسواك
بالعرض. وقال غيره: وعرض الفم إلى الأضراس. وقال غيره:
يشوص/: يستاك عرضاً. وقيل: شاص يشوص وماصه يمُوصه بمعنى
واحد، وهو الغسل. وقال ابن دريد: الشوص: الاستياك من سُفلٍ إلى
علو، ومنه سمي هذا الداء شوْصة؛ لأنه ريح يرفع القلب عن موضعه.
والشوص وجع الضرس أيضاً، وفي الحديث: " من سبق العاطس بالحمد
أمن من الشوص واللّوص والعلّوْص ".
ويقال: الشوص: وجع في البطن من ريح تنعقد تحت الأضلاع.
وأخرج هذا الحديث البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه.
45- ص- حدّثنا موسى بن إسماعيل قال: نا حماد قال: أخبرنا بهز بن
حكيم، عن زرارة بن أوفى، عن سعد بن هشام، عن عائشة- رضي الله
عنها-: " أن النبيّ- عليه السلام- كان يُوضعُ له وضوؤُه وسواكُهُ، فإذا قام
من الليل تخلّى، ثم اسْتاك " (1) .
ش- بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة القشيري أبو عبد الملك البصري.
روى عن أبيه، عن جده، وعن زرارة بن أوفى. روى عنه: عبد الله بن
عون، وحماد بن سلمة، ويحيى بن سعيد القطان، وغيرهم. قال
ابن معين: ثقة وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به. روى له:
أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (2) .
وزرارة بن أوفى العامري الحرشي أبو حاجب البصري. سمع عبد الله
ابن عباس، وأبا هريرة، وعمران بن حصين، وأنس بن مالك. روى
عنه: أيوب السختياني، وقتادة، وبهز بن حكيم. وقال محمد بن
سعد: كان ثقة وله أحاديث. مات وهو ساجد، روى له الجماعة (3) .
وسعد بن هشام بن عامر الأنصاري، ابن عم أنس بن مالك المدني.
__________
(1) تفرد به أبو داود. (2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (4/775) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (9/1977) .(1/173)
روى عن أنس بن مالك، وعائشة، وأبي هريرة. روى عنه زرارة بن
أوفى، وحميد بن عبد الرحمن الحميري، والحسن البصري. ذكر
البخاري أنه قتل في أرض مكْران على أحسن حاله، روى له الجماعة إلا
البخاري (1) .
قوله: " وضوؤه " الوضوء- بفتح الواو-: الماء الذي يتوضأ به،
كالفطور والسّحور، لما يُفطر عليه، ويتسحر به. وبالضم: التوضؤ
والفعل نفسه، وقد أثبت سيبويه الوضُوء والطّهور والوقُود بالفتح في
المصادر، فهي تقع على الاسم والمصدر، وأصل الكلمة من الوضاءة،
وهي: الحسن.
قوله: " تخلى " من الخلاء، وهو من قضاء الحاجة، ومنه يتخلى
بطريق المسلمين، تقول: تخلّى يتخلى تخلياً، والتخلي: التفرغ إلى
أمر، ومنه تخلى للعبادة.
46- ص- حدثنا ابن كثير قال: أخبرنا همام، عن علي بن زيد، عن
أم محمد، عن عائشة- رضي الله عنها-: " أن النبي- عليه السلام- كان
لا يرْقُدُ من ليل ولا نهار فيستيقظُ إلا تسوك قبل أنْ يتوضأ " (2) .
ش- ابن كثير هو: محمد بن كثير، وقد ذكرناه، وهمام هو: ابن
يحيى بن دينار، وقد ذكر مرة، وعلي بن زيد بن جُدعان فيه مقال، لا
يحتج به، وقد ذكرناه.
وأم محمد هي امرأة زيد بن عبد الله بن جُدعان (3) ، روت عن عائشة
- رضي الله عنها-، روى عنها علي بن زيد المذكور، وروى لها
أبو داود، والترمذي، وابن ماجه (4) .
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (10/2228) .
(2) تفرد به أبو داود.
(3) في الأصل: " علي بن زيد بن جُدعان " خطأ، وانظر ترجمته وترجمة عائشة
من تهذيب الكمال، والصواب أنها امرأة أبيه زيد.
(4) انظر ترجمتها في: تهذيب الكمال (35/7792، 8010) .(1/174)
قوله: " لا يرقد " نفي، وكلمة " من " يجوز أن تكون بمعنى " في "
كما ذكرنا، وقوله: " فيستيقظ " بالرفع عطف على قوله: " لا يرقد "،
والمعنى: لا يوجد منه رقدة في ليل أو نهار واستيقاظ، إلا وقد يوجد منه
التسوك قبل أن يتوضأ، وبهذا وأمثاله احتج داود (1) الظاهري أن السواك
واجب، وحكى عن إسحاق بن راهويه أنه واجب، إن تركه عمداً بطلت
صلاته، وهذا خلاف الإجماع.
47- ص- حدّثنا محمد بن عيسى قال: نا هشيم قال: أخبرنا حصين،
عن حبيب بن أبي ثابت، عن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، عن أبيه،
عن جده عبد الله بن عباس قال: " بتّ ليلة عند النبي- عليه السلام- فلما
استيقظ من منامه أتى طهوره، فأخذ سواكه فاستاك، ثم تلا هذه الآيات:
(إن في خلق السموات والأرْض واخْتلاف الليْل والنّهار لآيات لأولي
الألباب ... ) (2) حتى قارب أن يختم السورة أو ختمها، ثم توضأ، فأتى
مصلاه، فصلى ركعتين، ثم رجع إلى فراشه فنام ما شاء الله، ثم استيقظ،
ففعل مثل ذلك، ثم رجع إلى فراشه فنام، ثم استيقظ ففعل مثل ذلك، كل
ذلك يستاك ويصلي ركعتين، ثم أوتر " (3) .
/ش- محمد بن عيسى بن الطباع وقد ذكرناه.
__________
(1) في الأصل: " أبو داود " خطأ. (2) سورة آل عمران: (190) .
(3) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب: في صلاة الليل (1323، 1324) ،
وفي باب: في صلاة الليل (1334، 1336) ، وفي كتاب الأدب، باب:
في النوم على طهارة (5043) ، والبخاري في كتاب العلم، باب: السمر في
العلم (117) ، ومسلم في كتاب الطهارة، باب: غسل الوجه واليدين إذا
استيقظ من النوم (20/304) ، وفي كتاب صلاة المسافرين، باب: الدعاء
في صلاة الليل وقيامه (763) ، والترمذي في كتاب الصلاة، باب: ما جاء
في الرجل يصلي ومعه رجل (232) ، والنسائي في كتاب الطهارة، باب:
الدعاء في السجود (2/218) ، وفي كتاب قيام الليل، باب: ذكر الاختلاف
على حبيب بن أبي ثابت (3/236- 237) ، وابن ماجه في كتاب الطهارة،
باب: وضوء النوم (508) .(1/175)
وهشيم بن بشير بن القاسم بن دينار السلمي أبو معاوية الواسطي،
سمع عبد الله بن عون، وعمرو بن دينار، والزهري، وحصين بن
عبد الرحمن، ومنصور بن زاذان، والأعمش، وغيرهم روى عنه:
مالك بن أنس، والثوري، وشعبة، وابن المبارك، ومحمد بن عيسى بن
الطباع، وهو أعلمهم به، وغيرهم. وقال أحمد بن عبد الله: ثقة وكان
يدلس. وقال ابن سعد: ثقة كثير الحديث، ثبت، يدلس كثيراً، فما
قال في حديثه: " أنا " فهو حجة، وما لم يقل فيه: " أنا " فليس
بشيء. توفي ببغداد في شعبان، سنة ثلاث وثمانين ومائة، وهو ابن تسع
وسبعين سنة. روى له الجماعة (1) .
وحصن بن عبد الرحمن قد ذكر.
وحبيب بن أبي ثابت هو: حبيب بن قيس بن دينار أبو يحيى الأسدي
مولاهم الكوفي، مولى بني أسد بن عبد العزيز، سمع عبد الله بن
عمر، وعبد الله بن عباس، ومحمد بن علي بن عبد الله بن عباس،
وطاوسا (2) ، وعطاء بن يسار وغيرهم. روى عنه: عطاء بن أبي رباح،
والأعمش، والثوري، وشعبة، وحصين بن عبد الرحمن، وغيرهم.
وقال أحصد بن عبد الله: تابعي ثقة. وقال ابن معين وأبو حاتم: ثقة.
مات سنة اثنتين وعشرين ومائة. روى له الجماعة (3) .
ومحمد بن علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب أبو عبد الله
القرشي الهاشمي المدني، ولد بالحُميمة من أرض الشراة، في ناحية
البلقاء، هو أبو الخلائف، وهو والد أمير المؤمنين: عبد الله بن محمد
السفاح. روى عن أبيه، وعمر بن عبد العزيز، وابن الحنفية روى
عنه: الحسن البصري، وهشام بن عروة، وعبد الله بن سليمان النوفلي،
وغيرهم. توفي في الشراة في خلافة الوليد بن يزيد بن عبد الملك، سنة
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (30/6595) . (2) في الأصل: " وطاوس ".
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (5/1079) .(1/176)
خمس وعشرين ومائة، وهو يومئذ ابن ستين سنة. روى له مسلم،
وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه (1) .
وعليّ بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب القرشي الهاشمي أبو محمد،
ويقال: أبو عبد الله، ويقال: أبو الفضل المدني. روى عن: أبيه،
وسمع أبا سعيد الخدري، وغيرهما. روى عنه: ابنه محمد بن عليّ،
والزهري، ومنصور بن المعتمر، وأبان بن صالح، وغيرهم. ولد ليلة
قتل علي بن أبي طالب في شهر رمضان سنة أربعين، فسُمي باسمه،
وكان ثقة قليل الحديث، توفي بالشام سنة سبع عشرة ومائة. روى له
الجماعة (2) .
قوله: " أتى طهوره " بفتح الطاء، وقد مر غير مرة.
قوله: " فأتى مُصلاه " بضم اليم: الموضع الذي كان يصلي فيه.
قوله: " ثم أوتر " أي: ثم صلى الوتر. ويستفاد من هذا الحديث فوائد:
الأولى: استحباب تهيئة الطّهور في كل وقت، والتأهب بأسباب العبادة
قبل وقتها، والاعتناء بها.
الثانية: استحباب السواك عند القيام من النوم.
والثالثة: استحباب قراءة هذه الآيات: (إنّ في خلق السموات
والأرْض ... ) إلى آخر السورة عقيب القيام من النوم.
والرابعة: فيه جواز قراءة القرآن للمحدث، وعليه الإجماع.
والخامسة: استحباب تأخير الوتر.
وأخرج مسلم في " صحيحه " هذا الحديث مطولاً، والنسائي مختصراً،
وأخرجه أبو داود أيضاً في " كتاب الصلاة " من رواية كريب عن ابن عباس
بنحوه أتم منه. ومن ذلك الوجه أخرجه البخاري ومسلم والترمذي
والنسائي وابن ماجه مطولا ومختصراً.
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (26/5485) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (21/4097) .
12. شرح سنن أبي داوود(1/177)
ص- قال أبو داود: روى (1) ابن فضيل، عن حصين قال: " وتسوك (2) ،
وتوضأ، وهو يقول: (إن في خلق السموات والأرْض) حتى ختم
السورة.
ش- ابن فضيل هو: محمد بن فضيل بن غزوان بن جرير الضبي
أبو عبد الرحمن مولاهم الكوفي، سمع الأعمش، وحصين بن
عبد الرحمن، وعُمارة بن القعقاع، ومالك بن مغْول، وجماعة آخرين
كثيرة روى عنه: الثوري، وأحمد بن حنبل، وأبو بكر بن أبي شيبة،
وإسحاق بن راهويه، وغيرهم. قال أبو زرعة: هو صدوق من أهل
العلم. توفي سنة أربع وتسعين ومائة. روى له الجماعة (3) .
قوله: " وهو يقول ": جملة اسمية وقعت حالاً من الضمير الذي في
" توضأ "، وهذه الرواية تدل على أنه- عليه السلام- قرأ هذه الآيات
والحال أنه يتوضأ.
***
25- باب: فرض الوضوء
أي: هذا باب في بيان فرضية الوضوء. ولما فرغ عن أبواب الاستنجاء
وأبواب السواك، شرع في بيان أبواب الوضوء، والمناسبة بين أبواب
الوضوء والأبواب التي قبلها ظاهرة، والوُضوء- بضم/الواو-: اسم
للفعل من وضُؤ- من باب حسُن- وضاءةً، والوضاءة: الحسن والنظافة،
وسمي وضوء الصلاة وضوء؛ لأنه ينظف المتوضئ ويحسنه. وفي الشرع:
الوُضوء: غسلٌ ومسح في أعضاء مخصوصة، فالغسل هو الإسالة،
والمسح هو الإصابة.
48- ص- حدّثنا مسلم بن إبراهيم قال: نا شعبة، عن قتادة، عن
__________
(1) في سنن أبي داود: " رواه " (2) في سن أبي داود: " فتسوك "
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (26/5548) .(1/178)
أبي المليح، عن أبيه، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا يقبلُ اللهُ- عزّ وجل صدقةً من
غُلولٍ، ولا صلاةً بغير طُهُورٍ " (1) .
ش- مسلم بن إبراهيم البصري القصاب، قد مر ذكره، وكذلك ذكر
شعبة وقتادة.
وأبو المليح- بفتح الميم وكسر اللام- اسمه: عامر بن أسامة بن
عمير: وقيل: عمير، وقيل: زيد بن عامر بن عمير بن حُنيف بن ناجية
أبو المليح الهذلي. روى عن أبيه، وبريدة بن الحصيب، وعبد الله بن
عمرو بن العاص، وجابر بن عبد الله، ومعاوية بن أبي سفيان، وأنس،
وواثلة بن الأسقع، وغيرهم. روى عنه: أبو قلابة، وأيوب السختياني،
وقتادة، وغيرهم. وقال أبو زرعة: بصري ثقة. توفي سنة اثنتي عشرة
ومائة. روى له الجماعة (2) .
وأسامة بن عمير بن عامر بن الأشتر الهذلي البصري، والد أبي المليح
المذكور. روى عنه ابنه أبو المليح، ولم يرو عنه غيره. روى له:
أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (3) .
قوله: " من غُلُول " الغُلُول- بضم الغين- الخيانة في المغنم والسرقة،
من الغنيمة قبل القسمة، يقال: غل في المغنم يغلُّ- من باب ضرب
يضرب- غلولاً فهو غال، وكل من خان في شيء خفية فقد غل،
وسميت غلولاً؛ لأن الأيدي فيها مغلولة، أي: ممنوعة، مجْعول فيها
غُل، وهو الحديدة التي تجمع يد الأسير إلى عنقه، ويقال لها: جامعة
أيضاً، والحاصل في ذلك أن كل مالٍ يأخذه الرجل من غير حل، ثم
يتصدق به، لم يقبل عنه، وكذلك إن نوى التصدق عن صاحبه، ولم
__________
(1) النسائي: كتاب الطهارة، باب: فرض الوضوء (1/87) ، ابن ماجه: كتاب
الطهارة، باب: لا يقبل الله صلاة بغير طهور (271) . وأخرجه مسلم
(224) ، والترمذي (1) ، وابن ماجه (272) من حديث ابن عمر.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (34/7648) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (2/319) .(1/179)
تسقط عنه تبعته أبداً، اللهم إلا إذا رضي صاحبه، وجعله في حل من
ذلك، ويدخل فيه صدقة المرأة من مال زوجها بغير رضاه، وصدقة العبد
من مال سيده، وصدقة الوكيل من مال موكله، والمضارب من مال رب
المال، والشريك من مال شريكه، ونحو ذلك، ويدخل فيه الوصيُّ الذي
أوصى إليه رجل بأن يتصدق ببعض (1) ماله، فأنفقه على نفسه، أو
أخرجه في غير مصرفه، ونُظار الأوقاف الذين يتناولون من ريعها من غير
استحقاق، ثم يتصدقون بها، أو يصرفون ريعها في غير ما عينه أصحاب
الوقف، وإذا كان عند رجل مال من حرام، فمات صاحبه يرده على
ورثته، فإن لم يكن له ورثة يتصدق عنه، ويرجى له الخلاص يوم
القيامة، وكذا إذا لم يدْر صاحبه.
قوله: " ولا صلاة " أي: ولا يقبل الله صلاة " بغير طُهور ".
وقوله: " صلاة " نكرة في سياق النفي فتعم، ويشمل سائر الصلوات
من الفرض والنفل. والطُّهور- بضم الطاء- والمراد به الفعل، وهو
قول الأكثرين، وقد قيل: يجوز فتحها، وهو بعمومه يتناول الماء
والتراب. والاستدلال بهذا الحديث على فرضية الطهارة ظاهر؛ لأنه تعالى
إذا لم يقبل الصلاة إلا بالطهارة، تكون صحتها موقوفة على وجود
الطهارة، فالموقوف فرض، وكذا الموقوف عليه، فيكون شرطاً،
والمشروط لا يوجد بدونه.
فإن قلت: ما سبب وجوب الطهارة؟ قلت: إرادة الصلاة بشرط
الحدث، لقوله تعالى: (إذا قُمْتُمْ إلى الصلاة فاغْسلُوا) (2) أي: إذا
أردتم القيام إلى الصلاة وأنتم محدثون فاغسلواً، لا القيام مطلقاً كما هو
مذهب أهل الظاهر، ولا الحدث مطلقاً كما هو مذهب أهل الطرد،
وفسادهما ظاهر، ثم اختلفوا متى فرضت الطهارة للصلاة؟ فذهب ابن
الجهم إلى أن الوضوء في أول الإسلام كان سُنة، ثم نزل فرضه في آية
__________
(1) في الأصل: " بعض ".
(2) سورة المائدة: (6) .(1/180)
التيمم وقالت الجمهور: بل كان قبل ذلك فرضا، ثم الحكمة في
جمعه- عليه السلام- بين الصدقة والصلاة في هذا الحديث، أن العبادة
على نوعين: مالي وبدني، فاختار من أنواع المال الصدقة، لكثرة نفعها،
وعموم خيرها، ومن أنواع البدني الصلاة، لكونها تالية الإيمان في
الكتاب والسُّنّة، ولكونها عماد الدين، والفارقة بين الإسلام والكفر،
ولكون كل منهما محتاجاً إلى الطهارة، أما الصدقة فلاحتياجها إلى طهارة
المال، وأما الصلاة فلاحتياجها إلى طهارة البدن من الحدث./وحديث
أبي المليح هذا أخرجه النسائي وابن ماجه، وأخرجه مسلم والترمذي وابن
ماجه من حديث ابن عمر- رضي الله عنه-، و " الصلاة " في حديثهم
الجميع مقدمة على " الصدقة ".
49- ص- حدّثنا أحمد بن محمد بن حنبل قال: نا عبد الرزاق قال:
أخبرنا معمر، عن همام بن منبه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" لا يقبلُ اللهُ صلاة أحدكُمْ إذا أحْدث حتّى يتوضّأ " (1)
ش- عبد الرزاق هو ابن همام، وقد ذكرناه، وكذلك معمر بن راشد.
وهمام بن منبه أبو عقبة الصنعاني، أخو وهب، وكان أكبر من وهب،
سمع ابن عباس، وأبا هريرة، ومعاوية بن أبي سفيان، روى عنه أخوه
وهب، ومعمر بن راشد، وعقيل بن معْقل، وعلي بن الحسن بن أتش.
قال ابن معين: ثقة. توفي سنة إحدى وثلاثين ومائة. روى له
الجماعة (2) .
قوله: " لا يقبل الله صلاة أحدكم "، وفي رواية " لا تُقبلُ صلاة أحدكم "،
قوله: " إذا أحدث " أي: إذا أصابه الحدث، أو: إذا وطئ في
الحدث، والحدث من الحدوث، وهو كون الشيء لم يكن.
__________
(1) البخاري: كتاب الوضوء، باب: لا تقبل صلاة بغير طهور (135) ، مسلم:
كتاب الطهارة، باب: وجوب الطهارة للصلاة (2/225) ، الترمذي: كتاب
الظهارة، باب: ما جاء في الوضوء من الريح (76) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (30/6600) .(1/181)
قوله: " حتى يتوضأ " معناه: حتى يتطهر بماء أو تراب، وإنما اقتصر
- عليه السلام- على الوضوء، لكونه الأصل، أو لكونه الغالب،
وكلمة " حتى " هاهنا لانتهاء الغاية، والمعنى: عدم قبول الصلاة مُغي
بالتوضؤ. وحديث أبي هريرة هذا أخرجه البخاري ومسلم والترمذي.
50- ص- حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: نا وكيع، عن سفيان، عن ابن
عقيل، عن محمد ابن الحنفية، عن علي- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مفتاح الصلاة الطهُورُ، وتحريمُها التكْبيرُ، وتحليلُها التسْليمُ " (1)
ش- ابن عقيل هو: عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب
أبو محمد الهاشمي المدني، وأمه زينب الصغرى بنت عليّ بن أبي طالب
- كرّم الله وجهه (2) - سمع عبد الله بن عمر بن الخطاب، وجابر بن
عبد الله، وأنس بن مالك، والرُّبيع بنت مُعوذ، ومحمد ابن الحنفية،
والزهري، وغيرهم. روى عنه: سفيان بن عيينة، وسفيان الثوري،
وشريك، ومحمد بن عجلان، وجماعة آخرون. وقال الحاكم: كان
أحمد بن حنبل وإسحاق بن إبراهيم يحتجان بحديثه، ولكن ليس بالمتين
عندهم. وقال محمد بن سعد: كان منكر الحديث، لا يحتج بحديثه،
__________
(1) الترمذي: كتاب الطهارة، باب: ما جاء أن مفتاح الصلاة الطهور (3) ، ابن
ماجه: كتاب الطهارة، باب: مفتاح الصلاة الطهور (275) .
(2) هذه اللفظة قد شاعت وذاعت، وملأت الطروس والأسماع، وهو من فعل
الرافضة، وفيه هضم للخلفاء الثلاثة قبله، فليتنبهْ إلى مسالك المبتدعة
وألفاظهم، فكم من لفظ ظاهره السلامة، وباطنه الإثم، وآخره الندامة. فلم
يثبت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا عن أحد من الصحابة- رضوان الله عليهم أجمعين-
تخصيص علي بن أبي طالب بهذا الوصف أبداً، فلا ينبغي لأهل السُنة أن
يتلفظوا بألفاظ المبتدعة، وانظر تفسير ابن كثير (3/516) ، والسنة للألكائي
(4/1396) ، وجلاء العينين للآلوسي (62) ، والتذكرة التيمورية (282-
283) ، والآداب الشرعية لابن مفلح، مجموع الفتاوى (4/96) ، وفتاوى ابن
حجر الهيتمي (1/42) ، ومعجم المناهي للشيخ بكر أبي زيد (212، 271) .(1/182)
وكان كثير العلم، مات سنة خمس وأربعين ومائة. روى له: أبو داود،
والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (1)
ومحمد ابن الحنفية هو: محمد بن علي بن أبي طالب القرشي
الهاشمي أبو القاسم، ويقال: أبو عبد الله، المعروف بابن الحنفية،
واسمها: خولة بنت جعفر بن قيس، كانت من سبي اليمامة، دخل على
عمر بن الخطاب، وسمع عثمان بن عفان، وأباه علي بن أبي طالب،
روى عنه بنوه: الحسن وعبد الله وإبراهيم وعون، وسالم بن أبي الجعد،
وأبو يعلى، [و] الثوري، وعبد الله بن محمد بن عقيل، وعبد الأعلى
ابن عامر، وغيرهم. مات سنة ثمانين. روى له الجماعة (2) .
وعلي بن أبي طالب- رضي الله عنه- روي له عن رسول الله- عليه
السلام- خمسمائة حديث وستة وثمانون حديثاً، اتفقا منها على عشرين
حديثاً، وانفرد البخاري بتسعة، ومسلم بخمسة، روى عنه بنوه:
الحسن، والحسين، ومحمد، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عمر،
وعبد الله بن قيس، وأبو موسى، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن
جعفر، وأبو سعيد الخدري، وغيرهم من الصحابة والتابعين، ولي
الخلافة خمس سنين، وقيل: إلا أربعة أشهر، وقُتل ليلة الجمعة لسبع
عشرة بقيت من رمضان، سنة أربعين، وهو عام الجماعة، وهو ابن
ثلاث وستين سنة، روى له الجماعة (3) .
قوله: " مفتاح الصلاة " المفتاح مفعال من الفتح، شبه الصلاة بالخزانة
المقفولة على طريق الاستعارة بالكناية، وهي التي لا يذكر فيها سوى
المشبه، ثم أثبت لها المفتاح على سبيل الاستعارة الترشيحية، وهي ما
يقارن ما يلائم المستعار منه، والكلام في " الطهور " قد مر غير مرة،
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (16/3543) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (26/5484) .
(3) انظر ترجمته في: الاستيعاب (3/26) بهامش الإصابة، وأسد الغابة (4/91) ،
والإصابة (2/507) .(1/183)
وهو بعمومه يتناول التراب والماء، وأجمعت الأمة على تحريم الصلاة بغير
طهارة من ماء أو تراب، أي صلاة كانت، حتى سجدة التلاوة، وسجدة
الشكر، وصلاة الجنازة، وحكى أبن جرير عن الشعبي أن صلاة الجنازة
بغير طهارة جائزة، وهذا مذهب باطل، فلو صلى محدثاً متعمداً بلا عذر
أثم ولا يكفر.
قوله: " تحريمها التكبير " أي: تحريم الصلاة الإتيان بالتكبير، كأن
المصلي بالتكبير والدخول فيها، صار ممنوعاً من الكلام والأفعال الخارجة
عن كلام الصلاة وأفعالها، فقيل للتكبير تحريم لمنعه المصلي من ذلك،
/ولهذا سميت تكبيرة الإحرام، أي الإحرام بالصلاة، وبهذا استدل
علماؤنا على فرضية تكبيرة الإحرام، واستدل به أبو يوسف على أن
الشروع في الصلاة لا يصح إلا بألفاظ مشتقة من التكبير، وهي ثلاثة:
الله أكبر، الله الأكبر، الله الكبير. واستدل [به] الشافعي ومالك [على]
أنه لا يصير شارعاً إلا بلفظ واحد، وهو: الله أكبر. وقال أبو حنيفة
ومحمد: يصح شروعه في الصلاة بكل ذكر هو ثناء خالص لله تعالى،
يراد به تعظيمه لا غير، مثل أن يقول: الله أكبر، أو: الله الأكبر، الله
الكبير، الله أجل، الله أعظم، أو يقول: الحمد لله، أو: سبحان
الله، أو: لا إله إلا الله، وكذلك كل اسم ذكر مع الصفة نحو أن يقول:
الرحمن أعظم، الرحيم أجل، لقوله تعالى: (وذكر اسْم ربّه
فصلّى) (1) ، والمرادُ ذكرُ اسم الربّ لافتتاح الصلاة؛ لأنه عقبت الصلاة
الذكر بحرف يوجب التعقيب بلا فصل، والذكر الذي تعقبه الصلاة بلا
فصل هو تكبيرة الافتتاح، فقد شُرع الدخولُ في الصلاة بمطلق الذكر،
فلا يجوز تقييده باللفظ المشتق من الكبرياء بأخبار الآحاد (2) ، وبه تبين أن
الحكم يتعلق بتلك الألفاظ من حيث هي مطلق الذكر، لا من حيث هي
ذكر، بل بلفظ خاص، وأن الحديث معلول به، ولو لم يُعلّل احتجنا
__________
(1) سورة الأعلى: (15) .
(2) انظر لحجية خبر الآحاد: الرسالة للشافعي (25/175) ، والكفاية للخطيب
(ص/66) ، والموافقات للشاطبي (1/36) ، والاعتصام له (1/109) ،
و (2/252) ، والإحكام لابن حزم (ص 113) ، والفصل له (2/182)
وشرح الطحاوي (ص/307- 308) .(1/184)
إلى رده أصلاً، لمخالفة الكتاب، فإذن ترك التعليل هو المؤدي إلى إبطال
حكم النص دون التعليل.
قوله: " وتحليلها التسليم " أي: صار المصلي بالتسليم يحل له ما حرم
عليه فيها بالتكبير، من الكلام والأفعال الخارجة عن كلام الصلاة وأفعالها،
كما يحل للمحرم بالحج عند الفراغ منه ما كان حراماً عليه، وبهذا استدل
أصحابنا على أن لفظة " السلام " واجبة. وقال الشافعي: هي فرض؛
لأن الألف واللام فيه للتعريف أو الجنس، ولم يسبق معهود حتى ينصرف
إليه، فكان لاستغراق الجنس، وقد جعل جميع أجناس التحليل بالسلام،
فيكون فرضاًً قياساً على التكبير قلنا: هذا من أخبار الآحاد، وبمثله لا
تثبت الفرضية، إلا أنا أثبتنا الوجوب به احتياطاً. وحديث علي- رضي الله
عنه- هذا أخرجه الترمذي وابن ماجه، وقال الترمذي: هذا الحديث
أصح شيء في هذا الباب. ورواه الحاكم في " المستدرك " وقال: حديث
صحيح الإسناد، على شرط مسلم ولم يخرجاه.
26- باب: الرجل يجدد الوضوء من غير حدث
أي: هذا باب في بيان الرجل المتوضئ جدد وضوءه من غير حدث،
طلباً لزيادة الثواب.
51- ص- حدّثنا محمد بن يحيى بن فارس قال: حدثنا عبد الله بن يزيد
المقرئ ح، وحدثنا مسدد قال: نا عيسى بن يونس قالا: نا عبد الرحمن بن
زياد- يعني: ابن أنعم (1) -، عن أبي غطيف (2) . وقال محمد بن يحيى
ابن فارس: عن أبي غُطيف الهذلي قال: كنتُ عند عبد الله بن عُمر، فلما
نُودي بالظهر توضأ فصلى، فلما نودي بالعصر توضأ، فقلتُ له؟ فقال:
كان رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " منْ توضأ على طُهْرٍ كتب اللهُ له عشْر
حسناتٍ " (3) . قال أبو داود: وحديث مسدد أتم.
__________
(1) في سن أبي داود بدلاً من هذه الجملة: " قال أبو داود: وأنا لحديث ابن
يحيى أتقن ".
(2) في سنن أبي داود: " عن غطيف "، وهو الأقرب للصواب
(3) الترمذي: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في الوضوء لكل صلاة (59) ، ابن
ماجه: كتاب الطهارة، باب: الوضوء على الطهارة (512) .(1/185)
ش- محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد بن فارس الذهلي أبو عبد الله
النيسابوري الإمام، وقد ذكرناه.
وعبد الله بن يزيد المقرئ المدني المخزومي، مولى الأسود (1) بن
عبد الأسد، سمع أبا سلمة بن عبد الرحمن، ومحمد بن عبد الرحمن
ابن ثوبان، وأبا عياش. روى عنه: يحيى بن أبي كثير، ومالك بن
أنس، وأسامة بن زيد. وقال أحمد بن حنبل: هو ثقة. روى له الجماعة
إلا النسائي (2) .
وعبد الرحمن بن زياد بن أنعم- بفتح الهمزة، وسكون النون،
والعين المهملة- ابن ذري- بفتح الذال المعجمة، وكسر الراء- ابن
محمد بن معدي كرب الشعباني أبو أيوب الأفريقي قاضيها، عداده في
أهل مصر، سمع أبا عبد الرحمن الحُبُلي، وعبد الرحمن بن رافع
التنوخي، وبكر بن سوادة، وعمارة بن راشد، وغيرهم. روى عنه:
الثوري، وعبد الله بن وهب، وابن المبارك، وعيسى بن يونس،
وغيرهم. وقال يحيى بن سعيد القطان: ثقة. وقال ابن معين: ضعيف
ويكتب حديثه. توفي سنة ست وخمسين ومائة. روى له أبو داود،
والترمذي، وابن ماجه (3) .
وأبو غُطيْف- بضم الغين المعجمة، وفتح الطاء المهملة، وسكون الياء
آخر الحروف، وبعدها فاء- سئل أبو زرعة عن اسمه فقال: لا أعرف
اسمه. روى عن عبد الله بن عمر. روى عنه: أبو خالد عبد الرحمن
ابن زياد الأفريقي. روى له: أبو داود، والترمذي، وابن ماجه (4) .
قوله: " فلما نُودي بالظهر " أي: فلما أُذن بصلاة الظهر،/يجوز أن
تكون " الباء " بمعنى " في " أي: أُذن في وقت الظهر، ويُحتملُ أن
__________
(1) في الأصل: " الأسد " خطأ.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (16/3664) .
(3) المصدر السابق (17/3817) . (4) المصدر السابق (34/7566) .(1/186)
تكون للسببية، أي: فلما أذن بسبب صلاة الظهر، كقوله تعالى:
(ظلمْتُمْ أنفُسكُم باتخاذكُمُ العجْل) (1) .
قوله: " فقلت له " فيه حذف، أي: فقلت لابن عمر- رضي الله
عنه- في صلاته العصر بوضوء جديد.
قوله: " على طُهر " أي: طهارة، يعني: من توضأ وهو على وضوء.
قوله: " عشر حسنات " الحسنات جمع حسنة، وهي الفعلة الحسنة من
الحُسْن خلاف القبح، وسقوط " التاء " من " عشر " لكون مفسرها جمع
مؤنث، وهذا من باب المقابلة والمشاكلة؛ لأن الحسنة هي الخصلة التي
يعملها العبد، والذي يعطيه ربه عليها تُسمى جزاء وثواباً، فحق المعنى:
كتب الله له عشر ثوابات، أو عشر أجزية، ولكنها ذكرت بالحسنات
للتشاكل والتقابل، ومعنى قوله: " كتب الله له " قدر الله له فيما عنده،
أو يكتبه في اللوح. وحديث علي هذا أخرجه الترمذي وابن ماجه، وقال
الترمذي: وهو إسناد ضعيف، والله أعلم.
***
27- باب: ما ينجس الماء
لما فرغ عن بيان فرضية الوضوء، شرع يذكر أحوال المياه، لتقدم معرفة
المياه على معرفة الوضوء.
52- ص- حدثنا محمد بن العلاء وعثمان بن أبي شيبة والحسن بن علي
وغيرهم قالوا: أنا أبو أسامة، عن الوليد بن كثير، عن محمد بن جعفر بن
الزبير، عن عبد الله بن عبد الله بن عمر، عن أبيه: " سُئل النبيُ- عليه
السلام- عن الماء وما ينُوبُهُ من الدواب والسباع، فقال: إذا كان الماءُ قُلتيْن
لم يحمل الخبثً " (2) [قال أبو داود:] وهذا لفظ ابن العلاء. وقال
__________
(1) سورة البقرة: (54) .
(2) الترمذي: كتاب الطهارة، باب منه آخر (67) ، النسائي: كتاب المياه،
باب: التوقيت في الماء (1/175) ، ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: مقدار=(1/187)
عثمان والحسن بن علي: محمد بن عباد بن جعفر. قال أبو داود: وهو
الصواب.
ش- محمد بن العلاء بن كريب قد ذكر، وكذلك عثمان، والحسن
أبو محمد الخلال، وأبو أسامة حماد بن أسامة.
والوليد بن كثير أبو محمد القرشي المخزومي مولاهم المدني، روى
عن: محمد بن كعب القرظي، وعبد الله بن عبد الله بن عمر، ووهب
ابن كيسان، ونافع مولى ابن عمر، وجماعة آخرين. روى عنه:
إبراهيم بن سعد، وأبو أسامة، ومحمد الواقدي، وسفيان بن عيينة،
وغيرهم. وقال ابن معين: هو ثقة. مات بالكوفة سنة إحدى وخمسين
ومائة (1) .
وعبد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب أبو عبد الرحمن المدني،
سمع أباه، وأوصى إليه أبوه. روى عنه: الزهري، ونافع، ومحمد بن
عباد بن جعفر، ومحمد بن جعفر بن الزبير. وقال وكيع: هو ثقة.
توفي في أول خلافة هشام بن عبد الملك. روى له: البخاري، ومسلم،
وأبو داود، والنسائي (2) .
ومحمد بن عباد بن جعفر بن رفاعة بن أمية بن عابد- بالباء الموحدة-
ابن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشي المخزومي المكي، وأمه زينب بنت
عبد الله بن السائب بن أبي السائب المخزومي. سمع عبد الله بن عمر،
وأبا هريرة، وجابر بن عبد الله، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله
ابن المسيب العابدي. روى عنه: ابن جريج، وعبد الحميد بن جبير
__________
- الماء الذي لا ينجس (517) ، أحمد (2/27) ، ابن خزيمة (1/49، رقم
92) ، ابن حبان (4/1249، 1253) ، الدارقطني (1/13) ، وانظر ما بعد
الحاكم (1/132) ، البيهقي (1/260، 262) .
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (31/6733) .
(2) المصدر السابق (15/3366) .(1/188)
ابن شيبة، وزياد بن إسماعيل. قال ابن سعد: كان ثقة، قليل
الحديث. روى له الجماعة (1) .
قوله: " وما ينُوبُه من الدواب " أي: سئل أيضاً عن الماء الذي ينوبه
الدواب، أي: تقصده، يقال: نابه ينوبه نوباً، وانتابه إذا قصده مرة بعد
أخرى، ويقال: معنى تنوبه الدواب أي: تنزل به للشرب، والدواب
جمع " دابة "، وهو اسم ما يدب على وجه الأرض في اللغة، وفي
العرف: الدابة تطلق على ذوات الأربع مما يركب. وقال في " الصحاح ":
الدابة التي تركب. والسباع جمع " سبع "، وهو كل حيوان عادٍ مفترس
ضار ممتنع.
قوله: " فقال " أي- عليه السلام-: " إذا كان الماء قلتين " القلتان
تثنية قلة، وهي الحُب (2) العظيم، والجمع قلال، واختلفوا في تفسير
القلة، فقيل: خمس قرب، كل قربة خمسون منا (3) . وقيل: القلة:
جرة تسع فيها مائة وخمس وعشرون منا. وقيل: القلتان: خمسمائة
رطل بالبغدادي وقيل: القلتان خمسمائة منٍّ.
وقال الخطابي (4) : " قد تكون القلة الإناء الصغير الذي تنقله الأيدي،
ويتعاطى فيه الشراب كالكيزان ونحوها، وتكون القلة الجرة الكبيرة التي
ينقلها القوي من الرجال، إلا أن مخرج الخبر قد دلّ على أن المراد ليس
النوع الأول؛ لأنه إنما سئل عن الماء الذي يكون بالفلاة من الأرض في
المصانع والوهاد والغدران/ونحوها، ومثل هذه المياه لا تُحدُّ بالكوز
والكوزين في العرف والعادة، لأن أدنى النجس إذا أصابه نجسهُ، فعلم أنه
بمعنى الثاني، وقد روي في غير طريق أبي داود من رواية ابن جريج: " إذا
__________
(1) المصدر السابق (25/5320) . (2) الجرةُ.
(3) معيار قديم كان يكالُ به أو يوزن، وقدره إذ ذاك رطلان بغداديان، والرّطل
عندهم اثنتا عشرة أوقية بأواقيهم.
(4) معالم السنن (1/30- 31) .(1/189)
كان الماء قلتين بقلال هجر " (1) ، وقلال هجر مشهورة الصنعة، معلومة
المقدار، وهي أكبر ما يكون من القلال وأشهرها، ولذلك قيل: قلتين
على لفظ التثنية، ولو كان وراءها قلة في الكبر لأشكلت دلالته، فلما
ثناها دل على أنه أكبر القلال؛ لأن التثنية لا بد لها من فائدة، وليست
فائدتها إلا ما ذكرناه ". انتهى كلامه.
وهجر التي ينسب إليها قرية كانت ببلاد البحرين، ويقال: إنها تنسب
إلى هجر التي باليمن، وهي قاعدة البحرين، وهي إما أن تكون عملت
بها، وجلبت إلى المدينة، وإما أن تكون عملت في المدينة على مثلها.
قوله: " لم يحمل الخبث " بفتح الخاء والباء، أي: لم يحمل النجس،
واحتج الشافعي وأصحابه بهذا الحديث على أن الماء إذا بلغ قلتين لا ينجس
إلا بالتغيير، وهو مذهب أحمد وأبي ثور، وفسروا قوله- عليه السلام-:
" لم يحمل الخبث " أي: يدفعه عن نفسه، كما يقال: فلان لا يحمل
الضيم إذا كان يأباه ويدفعه عن نفسه، ويؤكد ذلك الرواية الأخرى: " فانه
لا ينجس "، وروى هذا الحديث أيضاً الترمذي والنسائي وابن ماجه وابن
حبان في " صحيحه " في القسم الثاني منه، وأعاده في القسم الثالث،
ولفظه: " لم ينجسه شيء ".
ورواه الحاكم في " مستدركه " وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم
يخرجاه، وأظنه لاختلاف فيه على أبي أسامة، عن الوليد بن كثير.
وقال البيهقي (2) : " باب قدر القلتين " أسند فيه عن الشافعي، أخبرنا
مسلم بن خالد، عن ابن جريج بإسناد لا يحضرني ذكره، أن رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا كان الماءُ قلتين لم يحملْ خبثاً "، وقال في الحديث:
__________
(1) أخرجه البيهقي (1/263) من طريق ابن جريج، وابن عدي في الكامل
(8/82- ترجمة المغيرة بن سقلاب) من طريق المغيرة، وذكر ابن عدي أن
هذه الزيادة غير محفوظة، وكذا الحافظ في " التلخيص "، والشيخ الألباني في
" الإرواء " (23) .
(2) السنن الكبرى (1/263) .(1/190)
" بقلال هجر ". قال الشافعي: كان مسلم يذهب إلى أن ذلك أقل من
نصف القربة، أو نصف القربة، فيقول: خمس قرب [هو] (1) أكثر ما
يسع قلتين، وقد تكون القلتان أقل من خمس قرب، فالاحتياط أن تكون
القلة قربتين ونصفاً، فإذا كان الماء خمس قرب لم يحمل نجساً في جر كان
أو غيره، إلا أن يظهر في الماء منه ريح أو طعم أو لون، وقربُ الحجاز
كبار، فلا يكون الماء الذي لا يحمل النجاسة إلا بقرب كبار.
ثم أسند البيهقي عن محمد، عن يحيى [بن عقيل، عن يحيى] (1)
ابن يعمر: أنه- عليه السلام- قال: " إذا كان الماء قلتين لم يحمل نجساً
ولا بأساً ". قال: فقلت ليحيى بن عقيل: قلال هجر؟ قال: [قلال
هجر. قال:] (1) أظن أن كل قلة تأخذ فرقيْن ". زاد أحمد بن علي
في روايته: " والفرقُ ستة عشر رطلاً ". ثم ذكر البيهقي عن محمد بن
يحيى المذكور قال: فرأيت قلال هجر، فأظن أن كل قلة تأخذ قربتين.
قال البيهقي: كذا في كتاب شيخي " قربتين "، وهذا أقرب مما قال مسلم
ابن خالد " (2) .
وقال أبو حنيفة وأصحابه: كل ماء وقعت فيه النجاسة لم يحز الوضوء
به قليلاً كان أو كثيراً، لقوله- عليه السلام-: " لا يبولن أحدكم في
الماء الدائم، ولا يغتسلن فيه من الجنابة " (3) من غير فصل بين القليل
والكثير، والقلتين وغيرها، وأما حديث القلتين ففيه اضطراب لفظاً ومعنى،
" (4) أما اضطرابه في اللفظ فمن جهة الإسناد والمتن، أما إسناده فمن
ثلاث روايات: أحدها: رواية الوليد بن كثير، رواها أبو داود عن محمد
ابن العلاء إلى آخره، ورواه هكذا عن أبي أسامة، عن الوليد، عن
محمد بن جعفر، عن عبد الله بن عبد الله جماعة منهم: إسحاق بن
راهويه، وأحمد بن جعفر الوكيعي، وأبو بكر بن أبي شيبة، وأبو عبيدة
__________
(1) زيادة من سنن البيهقي. (2) إلى هنا انتهى كلام البيهقي.
(3) يأني تخريجه برقم (58، 59) .
(4) انظر: نصب الراية (1/105- 112) .(1/191)
ابن أبي السّفر، ومحمد بن عبادة- بفتح العين-، وحاجب بن سليمان،
وهناد بن السري، والحسين بن حريث، وذكر ابن منده أن أبا ثور رواه
عن الشافعي، عن عبد الله بن الحارث المخزومي، عن الوليد بن كثير
قال: ورواه موسى بن أبي الجارود، عن البويطي، عن الشافعي، عن
أبي أسامة وغيره، عن الوليد بن كثير، فدل (1) روايته على أن الشافعي
سمع هذا الحديث من عبد الله بن الحارث، وهو من الحجازيين، ومن
أبي أسامة وهو كوفي، جميعاً عن الوليد بن كثير، وقد اختلف الحُفّاظ
في هذا الاختلاف بين محمد بن عباد ومحمد بن جعفر، فمنهم من ذهب
إلى الترجيح، فنقل عن أبي داود أنه لما ذكر حديث محمد بن عباد قال:
هو الصواب. وذكر عبد الرحمن بن أبي حاتم في " كتاب العلل " /عن
أبيه أنه قال: محمد بن عباد ثقة، ومحمد بن جعفر ثقة، والحديث
لمحمد بن جعفر أشبه، وكذلك ابن منده صوّب أن يكون لمحمد بن
جعفر، والدارقطني جمع بين الروايتين، وكذلك البيهقي، وحكى البيهقي
في كتاب " المعرفة " عن شيخه أبي عبد الله الحافظ، أنه كان يقول: الحديث
محفوظ عن عبيد الله بن عبد الله وعبد الله بن عبد الله، كلاهما رواه عن
أبيه، وذهب إليه كثير من أهل الرواية، وهذا خلاف ما يقتضيه كلام
أبي زرعة، فيما حكاه عبد الرحمن بن أبي حاتم قال: سألت أبا زرعة
عن حديث محمد بن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير، فقلت
له: تقول عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر، عن أبيه، عن النبي- عليه
السلام-، ورواه الوليد بن كثير، عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن
عبد الله بن عبد الله بن عمر، عن أبيه، عن النبي- عليه السلام- قال:
" إذا كان الماء قلتين لم ينجسه شيء " قال أبو زرعة: ابن إسحاق ليس
يمكن أن يقضى له. قلت له: ما حال محمد بن جعفر؟ فقال: صدوق.
والرواية الثانية: رواية محمد بن إسحاق لهذا الحديث، وقد أخرجه
الترمذي من حديث هناد (2) ، وأبو داود من حديث حماد بن سلمة ويزيد
__________
(1) كذا.
(2) (67) .(1/192)
ابن زريع (1) ، وابن ماجه من حديث/يد بن هارون وابن المبارك (2) ،
كلهم عن ابن إسحاق. ورواه أحمد بن خالد الوهبي، وإبراهيم بن سعد
الزهري، وزائدة بن قدامة. ورواه عبيدا الله بن محمد ابن عائشة، عن
حماد بن سلمة، عن محمد بن إسحاق بسنده، وقال فًيه: " إن رسول الله
سئل عن الماء يكون بالفلاة وترده السباع والكلاب فقال: إذا كان الماء قلتين
لا يحمل الخبث ". رواه البيهقي وقال: كذا قال: " السباع والكلاب "
وهو غريب، [وكذا قاله موسى بن إسماعيل، عن حماد بن سلمة [ (3) .
وقال إسماعيل بن عياش: عن محمد بن إسحاق: " الكلاب والدواب ".
ورواه محمد بن وهب، عن ابن عباس، عن ابن إسحاق، عن
الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عر أبي هريرة، عن النبي- عليه
السلام-: " أنه سئل عن القليب يلقى فيه الجيف، وتشرب منه الكلاب
والدواب، فقال: ما بلغ الماء قلتين فما فوق ذلك لم ينجسه شيء " رواه
الدارقطني.
والرواية الثالثة: رواية حماد بن سلمة، عن عاصم بن المنذر،
واختلف في إسنادها ومتنها، أما الإسناد فرواه أبو داود وابن ماجه عن
موسى بن إسماعيل، عن حماد، عن عاصم، عن عبيد الله بن عبد الله
ابن عمر قال: حدثني أبي: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا كان الماء قلتين
فإنه لا ينجس "، وخالف حماد بن يد (4) ، فرواه عن عاصم بن
المنذر، عن أبي بكر بن عبيد الله بن عبدا الله موقوفاً. قال الدارقطني:
وكذلك رواه إسماعيل ابن علية، عن عاصم بن المنذر، عن رجل لم
يسمه، عن ابن عمر موقوفاً أيضاً.
وأما الاختلاف في اللفظ فإن يزيد بن هارون رواه عن حماد بن سلمة،
فاختلف فيه على يزيد، فقال الحسن بن محمد الصباح عنه، عن حماد،
عن عاصم قال: دخلت مع عبيد الله بن عبد الله بن عمر بستاناً فيه
__________
(1) (64) . (2) (517) .
(3) زيادة من نصب الراية. (4) في الأصل: " سلمة " خطأ.
13* شرح سنن أبي داوود 1(1/193)
مقراةُ (1) ماءٍ، فيه جلد بعير ميت، فتوضأ فيه، فقلت له: أتتوضأ منه
وفيه جلد بعير ميت؟ فحدثني عن أبيه، عن النبي- عليه السلام- قال:
" إذا بلغ الماء فلتين أو ثلاثاً لم ينجسه شيء ". أخرجه الدارقطني.
وكذلك رواه وكيع، عن حماد بن سلمة وقال: " إذا بلغ الماء قلتين أو
ثلاثة لم ينجسه شيء " رواه ابن ماجه في " سننه ".
وأما الاضطراب في متنه فما (2) تقدم، وروى الدارقطني في " سننه "
وابن عدي في " الكامل "، والعقيلي في كتابه عن القاسم بن عبيد الله
العمري، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله قال: قال
رسول الله- عليه السلام-: " إذا بلغ الماء أربعين قلة فإنه لا يحمل
الخبث ". وقال الدارقطني: القاسم العمري وهم في إسناده، وكان
ضعيفاً، كثير الخطأ. وروى الدارقطني أيضاً من جهة بشر بن السرى،
عن ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن سليمان بن سنان، عن
عبد الرحمن بن أبي هريرة، عن أبيه قال: " إذا كان الماء قدر أربعين قلة
لم يحمل خبثاً " قال: وخالفه غير واحد رووه عن أبي هريرة فقالوا:
" أربعين غرباً "، ومنهم من قال: " أربعين دلواً ".
وأيضاً الاضطراب في معناه، فقيل: إن " القلة " اسم مشترك يطلق
على الجرّة، وعلى القربة، وعلى رأس الجبل، وروى الشافعي في
تفسيرها حديثاً، فقال في " مسنده ": أخبرني مسلم بن خالد الزنجي،
عن ابن جريج/بإسناد لا يحضرني ذكره: أن رسول الله- عليه السلام-
قال: " إذا كان الماء قلتين لم يحمل خبثاً "، وقال في الحديث: " بقلال
هجر ". قال ابن جريج: وقد رأيت قلال هجر، فالقلة تسع قربتين،
أو قربتين وشيئاً. قال الشافعي: فالاحتياط أن تجعل القلة قربتين ونصفاً،
فإذا كان الماء خمس قرب كبار كقرب الحجاز، لم تحمل نجساً، إلا أن
يظهر في الماء ريح أو طعم أو لون.
__________
(1) في الأصل: " مقرا ".
(2) كذا، وفي نصب الراية: " فقد ".(1/194)
والجواب عن ذلك: أن في هذا الحديث ثلاثة أشياء:
أحدها: أن مسلم بن خالد ضعفه جماعة، والبيهقي أيضاً في " باب
من زعم أن التراويح بالجماعة أفضل ".
الثاني: أن الإسناد الذي لم يحضره ذكره مجهول، فهو كالمنقطع،
فلا تقوم به حجة.
الثالث: أن قوله: " وقال في الحديث: " بقلال هجر " يوهم أنه من
لفظ النبي- عليه السلام-، والذي وجد في رواية ابن جريج أنه قول
يحيى بن عقيل " (1) .
والجواب عما أسنده البيهقي عن محمد، عن يحيى بن يعمر الذي
ذكرناه في أول الكلام، أن فيه أشياء: الأول: أنه مرسل.
والثاني: أن محمداً المذكور ويحيى على ما قال أبو أحمد الحافظ:
يحتاج إلى الكشف.
الثالث: أنه ظن في غير جزم.
الرابع: أنه إذا كان " الفرقُ " ستة عشر رطلاً يكون مجموع القلتين
أربعة وسنين رطلاً، وهذا لا يقول به البيهقي وإمامه، ولما وضح هذا
الطريق، وعُرف أن حجة أصحابنا هي أقوى من حجة الخصوم، أوَّلنا
قوله- عليه السلام-: " لم يحمل الخبث " بمعنى: تضْعُفُ عن احتمال
النجاسة، يريد أنه لقلته يضْعف عن احتمال الخبث، كما يقال: فلان لا
يحتمل الضرب، وهذه الدابة لا تحتمل هذا المقدار من الحمل، وهذه
الأسطوانة لا تحتمل ثقل السقف.
53- ص- حدثنا موسى بن إسماعيل قال: نا حماد. ج ونا أبو كامل
قال: نا يزيد- يعني: ابن زريع-، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن
جعفر.- قال أبو كامل: ابن الزبير-، سنن عبيد الله بن عبد الله بن عمر،
__________
(1) إلى هنا انتهى النقل من نصب الراية.(1/195)
عن أبيه: " أن رسول الله- عليه السلام- سُئل عن الماء يكونُ في الفلاة "
فذكر معناه (1) .ً
ش- أبو كامل فضيل بن الحسين بن طلحة أبو كامل الجحْدري
البصري. روى عن: حماد بن زيد، وأبي عوانة، وحماد بن سلمة،
ويزيد بن زريع، وغيرهم. روى عنه: أبو زرعة، والبخاري تعليقاً،
ومسلم، وأبو داود، والنسائي عن رجل عنه، وغيرهم. مات سنة سبع
وثلاثين ومائتين (2) .
والجحْدري بفتح الجيم وإسكان الحاء.
ويزيد بن زريع البصري أبو معاوية العائشي، سمع هشام بن عروة،
وأيوب السختياني، وعبد الله بن عون، وحميداً الطويل، والثوري،
وغيرهم. روى عنه: ابن المبارك، وعبد الرحمن بن مهدي، وبهز بن
أسد، وأبو كامل الجحْدري، وقتيبة بن سعيد، وغيرهم. وقال ابن
معين: يزيد بن الزريع الصدوق الثقة المأمون. توفي بالبصرة سنة اثنتين
وثمانين ومائة، روى له الجماعة (3) .
قوله: " في الفلاة " وهي الصحراء.
54- ص- وحدثنا موسى بن إسماعيل قال: نا حماد قال: أنا عاصم بن
المنذر، عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر قال: حدثني [أبي] : أن رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا كان الماءُ قُلتين فإنه لا ينْجُسُ " (4) .
ش- عاصم بن المنذر بن الزبير بن العوام القرشي الأسدي الحجازي،
روى عن جدته أسماء بنت أبي بكر الصديق، وسمع عروة بن الزبير،
وعبيد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب. روى عنه: هشام بن عروة،
__________
(1) انظر التخريج السابق.
(2) انظر ترجمته في تهذيب الكمال (23/4758) .
(3) المصدر السابق (7/6987) . (4) انظر التخريج قبل السابق.(1/196)
وحماد بن سلمة. قال أبو زرعة: ثقة. وقال أبو حاتم: صالح
الحديث. روى له أبو داود وابن ماجه (1) .
وقد ذكرنا هذه الطرق كلها بوجوهها مستوفاة، والله أعلم.
***
28- باب: في بئر بُضاعة (2)
أي: هذا باب في بيان أحكام بئر بُضاعة، وهي بكسر الباء وضمها.
وقال ابن الأثير (3) : " المحفوظ ضم الباء، وحكى بعضهم بالصاد
المهملة ".
وقال زكي الدين عبد العظيم: " بئر بضاعة دار لبني ساعدة بالمدينة،
وبئرها معلوم، وبها مال من أموال أهل المدينة ".
55- ص- حدّثنا محمد بن العلاء والحسن بن علي ومحمد بن سليمان
الأنباري قالوا: ثنا أبو أسامة، عن الوليد بن كثير، عن محمد بن كعب، عن
عُبيد الله بن عبد الله بن رافع بن خديج، عن أبي سعيد الخدري: أنه قيل
لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أنتوضأ من بئر بضاعة، وهي بئرٌ يُطرح فيها الحيضُ،
ولحم الكلاب والنتْنُ؟ فقال رسولُ اله- عليه السلام-: الماءُ طهورٌ، لا
يُنجسهُ شيءٌ ج (4) .
ش- الحسن بن علي هو الخلال/وقد ذكر
ومحمد بن سليمان الأنباري، وهو ابن أبي داود. روى عن:
أبي أسامة، وأبي معاوية الضرير، ووكيع بن الجراح، وعبد الرحمن بن
] مهدي، وعبد الوهاب بن] عطاء، د. أبي عامر العقدي. روى عنه:
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (28/3013) .
(2) في سنن أبي داود: " باب ما جاء في بئر بُضاعة ".
(3) انظر: النهاية (1/134) .
(4) الترمذي: كتاب الطهارة، باب: ما جاء أن الماء لا ينجسه شيء (66) ،
النسائي: كتاب المياه، باب: ذكر بئر بضاعة (1/174) .(1/197)
أبو داود، ويعقوب بن شيبة. وكان ثقة. مات سنة أربع وثلاثين
ومائتين (1) .
ومحمد بن كعب بن مالك بن أبي القيْن الأنصاري السلمي المدني.
روى عن أخيه عبد الله، روى عنه الوليد بن كثير. روى له: مسلم،
وأبو داود، وابن ماجه (2) .
وعبيد الله بن عبد الله بن رافع بن خديج أبو الفضل، يروي عن أبيه،
وأبي رافع. روى عنه سليط بن أبي أيوب، وغيره (3) .
وأبو سعيد الخدري هو: سعد بن مالك، وقد ذكر مرة.
قوله: " أنتوضأ " خطاب للنبي- عليه السلام-.
قوله: " يطرح فيها الحيض " الحيضُ- بكسر الحاء، وفتح الياء-:
جمع حيْضة- بكسر الحاء، وسكون الياء-، وهي: خرقة الحيض،
ويقال لها أيضاً المحيضة، وتجمع على المحايض.
قوله: " والنتْنُ " الرائحة الكريهة، ويقع أيضاً على كل مستقْبح، وبهذا
الحديث استدل مالك [على] أن الماء لا يتنجس بوقوع النجاسة- وإن كان
قليلاً- ما لم تتغير أحد أوصافه.
والجواب عن هذا: " (4) أن هذه البئر كانت في حدور من الأرض،
والسيول كانت تكسح هذه الأقذار من الطرق والأفنية، وتحملها فتلقيها
فيها، وكان الماء لكثرته لا يؤثر فيه وقوعُ هذه الأشياء، ولا تغيره،
فسألوا رسول الله- عليه السلام- عن شأنها، ليعلموا حكمها في
الطهارة والنجاسة، فكان في جوابه- عليه السلام- لهم: أن الماء لا
ينجسه شيء، يريد الكثير منه، الذي صفته صفة ماء هذه البئر في
غزارته؛ لأن السؤال إنما وقع عنها، فخرج الجواب عليها ". على أن
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (25/5264) .
(2) المصدر السابق (26/5574) . (3) المصدر السابق (19/3657) .
(4) انظر: معالم السنن (1/32- 33) .(1/198)
بعضهم قد تكلم في هذا الحديث، منهم ابن القطان في كتابه " الوهم
والإيهام " ضعفه وقال: " (1) إن في إسناده اختلافاً: فقوم يقولون:
عبيد الله بن عبد الله بن رافع، وقوم يقولون: عبد الله بن عبد الله بن
رافع، ومنهم من يقول: عبيد الله بن عبد الرحمن بن رافع، ومنهم من
يقول: عبد الله، ومنهم من يقول: عن عبد الرحمن بن رافع. قال:
فيحصل فيه خمسة أقوال، وكيف ما كان فهو لا يعرف له حال ". وقال
أحمد بن حنبل: حديث بئر بضاعة صحيح. وأخرجه الترمذي والنسائي.
ص- قال أبو داود: وقال بعضهم: عبد الرحمن بن رافع.
56- نا أحمد بن أبي شعيب وعبد العزيز بن يحيى الحرّانيان قالا: نا
محمد بن سلمة، عن محمد بن إسحاق/عن سليط بن أيوب، عن عبيد الله
ابن عبد الرحمن بن رافع الأنصاري ثم العدوي، عن أبي سعيد الخدري
قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يقال له: " إنه يُسْتقى لك من بئر بضاعة،
وهي بئرٌ يُلقى فيها لُحومُ الكلاب، والمحايضُ، وعذرُ الناس، فقال
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن الماء طهور لا يُنجسُهُ شيء " (2) .
ش- عبد الرحمن بن رافع مولى النبي- عليه السلام-، روى عن
عبد الله بن جعفر، وعمته سلمى. روى عنه حماد بن سلمة. قال ابن
معين: هو صالح. روى له أبو داود، وابن ماجه (3) .
وأحمد بن أبي شعيب هو: أحمد بن عبد الله بن أبي شعيب الحراني
أبو الحسين القرشي الأموي، مولى عمر بن عبد العزيز، واسم
أبي شعيب مسلم، سمع زهير بن معاوية، وموسى بن أبي الفرات،
ومحمد بن سلمة، وموسى بن أعين. روى عنه: أبو زرعة، وأبو حاتم،
والبخاري، وأبو داود، والنسائي، وروى الترمذي والنسائي عن
__________
(1) انظر: نصب الراية (1/113) . (2) انظر التخريج السابق.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (17/3812) وفيه: " عبد الرحمن بن
أبي رافع، روى له الأربعة ".(1/199)
رجل عنه. وقال أبو زرعة: صدوق ثقة. مات سنة ثلاث وثلاثين
ومائتين (1) .
وعبد العزيز بن يحيى بن يوسف أبو الأصبغ الحراني، مولى بني
البكاء. سمع عيسى بن يونس الكوفي، ومحمد بن سلمة، وعتاب بن
بشير، والوليد بن مسلم، وغيرهم. روى عنه: البخاري في غير
الصحيح، وأبو داود، وأبو زرعة، وأبو حاتم، والنسائي عن رجل
عنه، وقال: صدوق. وقال البخاري: لا يتابع عليه. وقال ابن عدي:
لا بأس برواياته توفي سنة خمس وثلاثين ومائتين (2) .
ومحمد بن سلمة بن عبد الله أبو عبد الله الباهلي الحراني، مولى بني
قتيبة. سمع هشام بن حسان، ومحمد بن إسحاق بن يسار، ومحمد بن
عبد الله بن علاثة. روى عنه: أحمد بن حنبل، وأبو داود، وعبد العزيز
ابن يحيى، وغيرهم. قال ابن سعد: كان ثقة فاضلاً عالماً. توفي سنة
إحدى وتسعين ومائة، روى له الجماعة إلا البخاري (3) .
ومحمد بن إسحاق بن يسار قد ذكر.
وسليط بن أيوب، عن ابن أبي سعيد الخدري، عن أبيه. وعن
عبيد الله بن عبد الله بن رافع. روى عنه محمد بن إسحاق، وخالد بن
أبي نوف. أخرج له أبو داود/والنسائي (4) .
وعبيد الله بن عبد الرحمن بن رافع بن خديج الأنصاري العدوي.
روى عن أبي سعيد الخدري، وجابر بن عبد الله. روى عنه: سليط بن
أيوب، وهشام بن عروة، والوليد بن كثير. روى له: أبو داود،
والترمذي، والنسائي (5) .
قوله: " وقال بعضهم: عبد الرحمن بن رافع " يعني: قال بعض الرواة:
__________
(1) المصدر السابق (1/61) . (2) المصدر السابق (18/3480) .
(3) المصدر السابق (25/5255) (4) المصدر السابق (11/2480) .
(5) المصدر السابق (19/3657) ، وقد تقدمت ترجمته تحت الحديث قبل السابق.(1/200)
عبيد الله بن عبد الرحمن بن رافع موضع عبيد الله بن عبد الله بن رافع،
وهو قول هشام بن عروة. وقول الوليد: عبيد الله بن عبد الله بن رافع.
وقال عبد الله بن أبي سلمة: عبد الله بن عبد الله بن رافع، كلاهما
مكبر، وقد ذكرنا الاختلاف فيه.
قوله: " وهو يقال له " جملة اسمية وقعت حالاً من قوله: " رسول الله "،
أي: والحال أنه يقول له قائل كذا وكذا.
قوله: " إنه يستقى لك " مقول قوله: " وهو يقال له "، والضمير في
" إنه " للشأن، و " يستقى " من الاستقاء، وهو النزح.
قوله: " والمحايض " جمع محيضة، وهي خرقةُ الحيض، وقد قلناه.
قوله: " وعذرُ الناس " العذرُ- بفتح العين، وكسر الذال المعجمة-:
جمع " عذرة ".
قوله: " إن الماء طهور " أكد الكلام في هذه الرواية بـ " إن " التي هي
للتأكيد، وقد قلنا: إن ماء هذه البئر كان جارياً في البساتين، وذكرت عن
عائشة- رضي الله عنها- أنها كانت قناة، ولها منفذ إلى بساتينهم،
ويسقى منها خمسة بساتين أو سبعة.
وقال الخطابي (1) : " قد يتوهم من سمع حديث أبي سعيد أن هذا كان
منهم عادة، وأنهم كانوا يأتون هذا الفعل قصداً وتعمداً، وهذا ما لا يجوز
أن يظن بذمي، بل وثني، فضلاً عن مسلم، ولم يزل من عادة الناس
قديماً وحديثاً، مسلمهم وكافرهم، تنزيه المياه، فكيف يظن بأعلى طبقات
الدين، وأفضل جماعة المسلمين، والماء ببلادهم أعز، والحاجة إليه
أمس، أن يكون صنيعهم به هكذا؟ وقد " لعن رسول الله- عليه السلام-
من تغوط في موارد الماء ومشارعه "؟ فكيف من اتخذ عيون الماء ومنابعه
رصداً للأنجاس؟ ومطرحاً للأقذار؟ مثل هذا الظن لا يليق بهم،
__________
(1) انظر: معالم السنن (1/32- 33) .(1/201)
ولا يجوز فيهم، وإنما كان ذلك من أجل أن هذه البئر موضعها في حدور
من الأرض، وأن السيول كانت تكسح هذه الأقذار من الطرق والأفنية،
فتحملها فتلقيها فيه، وكان الماء لكثرته لا يؤثر فيه وقوعُ هذه الأشياء، ولا
تغيره، فسألوا رسول الله عن شأنها، ليعلموا حكمها في الطهارة
والنجاسة، فكان من جوابه لهم: " إن الماء لا ينجسه شيء " يريد الكثير
منه، الذي صفته صفة ماء هذه البئر في غزارته، لأن السؤال إنما وقع
عنها نفسها، فخرج الجواب عليها ".
قلت: على هذا التقرير انظر إلى حديث القلتين ما يكون حكمه؟
ص- قال أبو داود: سمعت قتيبة بن سعيد يقول: سألت قيم بئر بضاعة
عن عمقها، قلت (1) : أكثر ما يكون فيها [الماء] (2) ؟ قال: إلى العانة،
قلت: فإذا نقص؟ قال: دون العورة. قال أبو داود: وقدرتُ بئر بضاعة
بردائي، مددته عليها، ثم ذرعتُه، فإذا عرضها ستة أذرع. وسألت الذي فتح
لي باب البستان فأدخلني إليه: هل غر بناؤها عما كانت عليه؟ فقال: لا،
ورأيت فيها ماءً متغير اللون.
ش- غرض أبي داود من هذا الكلام أن يبين أن ماء هذه البئر
كثيراً، لا يؤثر فيه وقوع الأشياء المذكورة، والإجماع على أن الماء الكثير
إذا لم يتغير طعمه ولونه وريحه، لا يتنجس بوقوع الأشياء؛ لأنه ح (3)
حكمه حكم الجاري، وهذا الكلام أيضاً مما يضعف حكم حديث القلتين،
فافهم!
قوله: " قيم بئر بضاعة " القيمُ- بفتح القاف، وكسر الياء آخر الحروف
المشددة-: الذي يقوم بأمور الشيء، ومنه قيم المسجد، وقيّم الحمام،
وأصله قيوم، اجتمعت الواو والياء، فسبقت أحدهما بالسكون، فقلبت
الواو ياء، وأدغمت الياء في الياء.
قوله: " مددتُّه عليها " جملة حالية بتقدير " قد "، والتقدير: قد مددته
__________
(1) في سنن أبي داود: " قال ". (2) زيادة من سنن أبي داود 0
(3) كذا، وهي بمعنى: " حينئذ ".(1/202)
عليها، وقد عُرف أن الجملة الفعلية إذا وقعت حالاً، وكان فعلها ماضياً
مثبتاً، لا بد فيه من " قد " إما صريحاً أو مقدراً.
قوله: " ثم ذرعته " أي: ثم قست الرداء بالذراع، و " الفاء " في قوله:
" فإذا عرضها " فاء المفاجأة، مثل قولك: خرجت فإذا السبعُ واقفاً،
والضمير في " عرضها " /راجع إلى البئر. ويقال: كان وسع البئر
ثمانية في ثمانية.
57- ص- حدثنا (1) مسدد قال: نا أبو الأحوص قال: نا سماك، عن
عكرمة، عن ابن عباس قال: " اغتسل بعضُ أزواج النبي- عليه السلام-
في جفْنة، فجاء النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليتوضأ منْها- أو يغتسل- فقالتْ له: يا رسول الله
إني كنت جُنباً، فقال رسولُ الله: إنّ الماء لا يُجْنب " (2) .
ش- أبو الأحوص اسمه: عوف بن مالك بن نضلة بن خديج الكوفي
التابعي، لأبيه صحبة، سمع أباه، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن
مسعود. روى عنه: الحسن البصري، وعطاء بن السائب، والشعبي،
وغيرهم. قال ابن معين: ثقة. روى له الجماعة إلا البخاري- رحمه
الله (3) .
وسماك هو ابن حرب بن أوس بن خالد بن نزار بن معاوية بن حارثة
الذهلي البكري، وقيل: الهذلي أبو المغيرة الكوفي، أخو محمد
وإبراهيم ابني حرب. سمع جابر بن سمرة، والنعمان بن بشير، وأنس
ابن مالك، وسعيد بن جبير، والشعبي، وإبراهيم النخعي، وغيرهم.
قال سماك: أدركت ثمانين من أصحاب النبي- عليه السلام-، وكان قد
ذهب بصري، فدعوت الله- عز وجلّ- فرد علي بصري. روى عنه:
__________
(1) وقع هذا الحديث في سنن أبي داود تحت " باب الماء لا يجنب ".
(2) الترمذي: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في الرخصة في ذلك (65) ،
النسائي: كتاب المياه (1/173) ، ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب:
الرخصة بفضل طهور المرأة (370) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (22/4548) .(1/203)
إسماعيل بن أبي خالد، والأعمش، والثوري، وشعبة، وأبو الأحوص،
وغيرهم وقال أبو حاتم: صدوق. وقال ابن معين: ثقة. روى له
الجماعة إلا البخاري (1) .
وعكرمة هو القرشي الهاشمي أبو عبد الله المدني، مولى عبد الله بن
عباس بن عبد المطلب، أصله من البربر من أهل المغرب، سمع ابن
عباس، وأبا قتادة الحارث بن ربعي الأنصاري، وعبد الله بن عمر
وعبد الله بن عمرو بن العاص، وأبا هريرة، وأبا سعيد الخدري،
ومعاوية بن أبي سفيان، وغيرهم. روى عنه: عمرو بن دينار، والشعبي،
والزهري، وقتادة، وسماك بن حرب، والأعمش، والسدي، وغيرهم
من خلق كثيرين. وقال ابن معين: ثقة. وقال ابن سعد: كان كثير
العلم، بحراً من البحور، وليس يحتج بحديثه، ويتكلم الناس فيه.
وقال [أبو] أحمد بن عدي: إذا روى عنه الثقات فهو مستقيم الحديث،
إلا أن يروي عنه ضعيف فيكون قد أتى من قبل الضعيف، لا من قبله،
ولم يمتنع الأئمة من الرواية عنه. توفي سنة سبع ومائة، روى له
الجماعة (2)
قوله: " في جفنة " الجفنة- بفتح الجيم-: القصعة الكبيرة، وكلمة
" في " هاهنا بمعنى " من "، أي: اغتسلت من جفنة كان فيها ماء؛ لأنه
لا يتصور أن يجعل " في " على حقيقته، وقد جاء " في " بمعنى " من "
في قول الأغر:
وهل يعمنْ من كان أحدثُ عهده ... ثلاثين شهراً في ثلاثة أحوال
قوله: " إني كنت جنباً " الجنب: الذي يحب عليه الغسل بالجماع
وخروج المني، ويقع على الواحد والاثنين والجمع والمؤنث بلفظ واحد،
وقد يجمع على أجناب وجُنُبين، وأجنب يجنب إجناباً، والجنابة الاسم،
__________
(1) المصدر السابق (12/2579) .
(2) المصدر السابق (20/4009) .(1/204)
وهي في الأصل البعد، وسمي الإنسان جنباً؛ لأنه نُهي أن يقرب مواضع
الصلاة ما لم يتطهر، وقيل: لمجانبته الناس حتى يغتسل.
قوله: " إن الماء لا يُجنب " بضم الياء وكسر النون، أي: لا يتنجس،
والمعنى: إن الماء لا يصير نجساً لملامسة الجنب إياها، والحاصل أن مثل هذا
الفعل لا يؤدي الماء إلى حالة يُجتنب عنه، فلا يستعمل منه، " (1) وقد
روي: " أربع لا تنجس: الثوب، والإنسان، والأرض، والماء "
وفسروه أن الثوب إذا أصابه عرق الجنب والحائض لم ينجس، والإنسان إذا
أصابته الجنابة لم ينجس، وإن صافحه جنب أو مشرك لم ينجس، والماء
إن أدخل يده فيه جنب، أو اغتسل منه لم ينجس، والأرض إن اغتسل
عليها جنب لم تنجس ". وقوله- عليه السلام-: " إن الماء لا يُجْنب "
من قبيل المشاكلة والمقابلة، فافهم! وأخرج هذا الحديث الترمذي والنسائي
وابن ماجه، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
***
29- باب: البول في الماء الراكد
أي: هذا باب في بيان حكم البول في الماء الراكد، أي: الواقف،
من ركد يركد إذا أقام، من باب نصر ينصر.
58- ص- حدثنا أحمد بن يونس قال: نا زائدة في حديث هشام، عن
محمد، عن أبي هريرة، عن النبي- عليه السلام- قال: " لا يبولن أحدُكُم
في الماء الدائم، ثم يغتسل منه " (2) .
__________
(1) انظر: معالم السنن (1/33) .
(2) البخاري: كتاب الوضوء، باب: البول في الماء الدائم (239) ، مسلم:
كتاب الطهارة، باب: النهي عن الاغتسال في الماء الراكد (283/97) ،
الترمذي: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في كراهية البول في الماء الراكد
(68) ، النسائي: كتاب الطهارة، باب: النهي عن البول في الماء الراكد
(1/125) ، ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: النهي عن البول في الماء
الراكد (344) .(1/205)
ش- أحمد بن يونس بن زهير أبو العباس الضبي قد ذكر مرة.
وزائدة بن قدامة الثقفي أبو الصلت الكوفي، سمع هشام بن عروة،
وسعيد بن مسروق، وأبا الزناد، وسماك بن حرب،/وغيرهم. روى
عنه: سليمان التيمي (1) ، وابن المبارك، وأبو داود الطيالسي، وابن
عيينة، وغيرهم. قال أبو زرعة: هو صدوق من أهل العلم. توفي في
أرض الروم عام غزا الحسن بن قحطبة سنة ستين ومائة روى له
الجماعة (2) .
وهشام هو ابن عروة بن الزبير، وقد ذكر.
ومحمد هو ابن سيرين أبو بكر الأنصاري مولاهم البصري، أخو معبد
وأنس ويحيى وحفصة وكريمة بني سيرين، وسيرين يكنى أبا عمرة، وهو
من سبْي عين التمر، أسرهم خالد بن الوليد، وهو مولى أنس بن مالك
خادم النبي- عليه السلام- دخل على زيد بن ثابت، وسمع عبد الله بن
عمر بن الخطاب، وجندب بن عبد الله، وأبا هريرة، وعبد الله بن
الزبير، وأن بن مالك، وعمران بن حصين، وعدي بن حاتم،
وسلمان بن عامر، وأم عطية الأنصارية، ومن التابعين: مسلم بن يسار،
وعبد الرحمن بن أبي بكرة، ويونس بن جبير، وغيرهم. وروى عن
عبد الله بن عباس، والصحيح أن بينهما عكرمة. روى عنه: الشعبي،
وأيوب السختياني، وقتادة، ويحيى بن عتيق، وجماعة آخرون كثيرة.
وقال ابن سعد: كان ثقة مأموناً، عالياً رفيعاً، فقيهاً إماماً، كثير العلم
ورعاً، وكان به صمم. وقال أحمد ويحيى: هو من الثقات. مات سنة
عشر ومائة، بعد الحسن بمائة يوم. روى له الجماعة (3) .
قوله: " لا يبولن " نهي مؤكد بنون التأكيد الثقيلة، وأصله: لا يبل
أحدكم، فلما دخلت نون التأكيد عادت الواو المحذوفة.
__________
(1) في الأصل: " التميمي ".
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (9/1950) .
(3) المصدر السابق (25/5280) .(1/206)
قوله: " في الماء الدائم " أي: الواقف الذي لا يجري، من دام يدوم،
إذا طال زمانه.
قوله: " ثم يغتسل منه " برفع اللام؛ لأنه خبر مبتدأ محذوف،
والتقدير: ثم هو يغتسل منه، ويجوز الجزم عطفاً على محل " لا يبولن "،
لأنه مجزوم، وعدم ظهور الجزم لأجل نون التوكيد، وقد قيل: يجوز
النصب بإضمار " أنْ "، ويعطى لـ " ثم " حكم " واو الجمع ".
فلت: هذا فاسد؛ لأنه يقتضي أن المنهي عنه الجمع بينهما دون إفراد
أحدهما، وهذا لم يقله أحد، بل البول فيه منهي [عنه] ، سواء أراد
الاغتسال فيه، أو منه، أو لا، فافهم.
واحتج أصحابنا بهذا الحديث [على] أن الماء إذا لم يبلغ الغدير العظيم
إذا وقعت فيه النجاسة، لم يجز به الوضوء، قليلاً كان أو كثيراً،
واستدلوا به أيضا على أن القلتين تحمل النجاسة؛ لأن الحديث مطلق،
فبإطلاقه يتناول الماء القليل والكثير، والقلتين والأكثر، ولو قلنا: إن
القلتين لا تحمل النجاسة لم يكن للنهي فائدة، على أن هذا أصح من
حديث القلتين، وقد رواه البخاري ومسلم من حديث أبي الزناد، عن
الأعرج، عن أبي هريرة مرفوعاً بلفظ: " لا يبولن أحدكم في الماء الدائم
الذي لا يجري، ثم يغتسل فيه "، وفي لفظ: " ثم يغتسل منه "،
ورواه الترمذي ولفظه: " ثم يتوضأ منه "، وكذا أخرجه النسائي، وروى
البيهقي (1) من حديث ابن عجلان، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن
أبي هريرة، عن النبي- عليه السلام-: " أنه نهى أن يبال في الماء
الراكد، وأن يغتسل فيه من الجنابة "، وروى ابن أبي شيبة في " مصنفه" (2)
من طريق جابر قال: " نهى رسول الله أن يبال في الماء الراكد "، ومن
طريق أبي هريرة: " لا يبل أحدكم في الماء الدائم، ثم يغتسل منه ".
__________
(1) السنن الكبرى (1/238) .
(2) المصنف (1/141) .(1/207)
ويستفاد من هذا الحديث فوائد: الأولى: حرمة البول في الماء الواقف
مطلقاً.
الثانية: جواز البول في الماء الجاري، ولكن الأولى اجتنابه، ومنهم
من فصله فقال: إن كان جارياً كثيراً جاز البول فيه، وإن كان قليلاً لا
يجوز.
الثالثة: فيه دلالة على تنجيس البول.
الرابعة: يفهم منه أن التغوط فيه أيضاً حرام؛ لأنه كالبول، بل هو
أقبح، وكذلك يحرم أن يبول في إناء، ثم صبه فيه، وكذا إذا بال بقرب
الماء ثم جرى إليه، فاختلط به.
الخامسة: فيه دليل على أنه إذا بال فيه ثم اغتسل [منه] لا يجوز،
وكذا قال الشافعي، حتى صرح بقوله: وسواء قليل الراكد وكثيره لإطلاق
الحديث. ومن الشافعية من يقول: إنما ينجس الماء بالبول فيه إذا كان دون
القلتين، وكذا قال الخطابي (1) .
قلت: هذا تحكم بلا دليل، وترك لإطلاق الحديث، وكيف يعار [ض [
به حديث القلتين مع الكلام فيه كما ذكرناه؟
59- ص- حدثنا مسدد قال: ثنا يحيى، عن محمد بن عجلان قال:
سمعت أبي يحدث عن أبي هريرة قال: قال رسول الله- عليه السلام-:
" لا يبولن أحدُكم في الماء/الدائم، ولا يغتسل فيه من الجنابة " (2) .
ش- يحيى هذا هو يحيى بن سعيد بن فرُوخ القطان الأحول أبو سعيد
التميمي، مولاهم البصري، سمع يحيى بن سعيد الأنصاري، ومحمد
ابن عجلان وابن جريج، ومالك بن أنس، وشعبة، وابن عيينة،
وغيرهم. روى عنه: ابن معين، والثوري، ومسدد، وغيرهم. وقال
__________
(1) معالم السنن (1/34) .
(2) ابن ماجه في كتاب الطهارة (343) .(1/208)
أبو زرعة: من الثقات الحُفاظ. توفي في صفر سنة ثمان وتسعين ومائة.
وولد سنة عشرين ومائة. روى له الجماعة (1) .
ومحمد بن عجلان ذكر مرة.
وعجلان والده مولى فاطمة بنت عتبة بن ربيعة. روى عن أبي هريرة،
وروى عنه ابنه محمد، وبكير بن عبد الله [بن] الأشج. روى له:
مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (2) .
قوله: " ولا يغتسل " بالرفع والجزم كما ذكرناه الآن، وأخرجه ابن ماجه
ولفظه: " لا يبولن أحدكم في الماء الراكد ".
***
30- باب: الوضوء بسؤر الكلب
أي: هذا باب فيه بيان الوضوء بسؤر الكلب، والسؤر: بقية الماء التي
يبقيها الشارب، والجمع " أسار "، والنعت سئار، مثل حبّار على غير
قياس؛ لأن القياس مسئر؛ لأنه من اسأر، يقال إذا شربت فاسْئر، أي:
أبق شيئاً من الشراب في قعر الإناء.
60- ص- حدثنا أحمد بن يونس قال: نا زائدة في حديث هشام، عن
محمد، عن أبي هريرة، عن النبي- عليه السلام- قال: " طُهُورُ إناء
أحدكُمْ إذا ولغ الكلبُ فيه أن يُغْسل سبع مرارٍ، أولاهن بالتراب " (3) .
قال أبو داود: وكذلك قال أيوب وحبيب بن الشهيد عن محمد.
ش- أيوب هذا ابن [أبي] تميمة، واسمه: كيسان أبو بكر السختياني
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (31/6834) .
(2) المصدر السابق (19/3878) .
(3) البخاري: كتاب الطهارة، باب: إذا شرب الكلب ما في الإناء بأطراف لسانه
سبعاً (172) ، مسلم: كتاب الطهارة (279) ، الترمذي: كتاب الطهارة
(91) ، النسائي: كتاب الطهارة (1/52- 53) ، ابن ماجه: كتاب الطهارة
(363) .
14. شرح سنن أبي داوود 1(1/209)
البصري، مولى جهينة، رأى أنس بن مالك، وسمع عمرو بن سلمة،
وأبا عثمان النهدي، ومحمد بن سيرين، ومجاهد بن جبر، وسعيد بن
جبير، والزهري، وجماعة آخرين. روى عنه: قتادة، ويحيى بن
أبي كثير، والثوري، وابن عيينة، والحمادان، وجماعة آخرون كثيرة.
قال ابن معين: ثقة. توفي سنة إحدى وثلاثين ومائة. روى له الجماعة (1) .
وحبيب بن الشهيد البصري أبو شهيد الأزدي، مولى قُريْبة. روى
عن: الحسن، ومحمد وأنس ابني سيرين، وعكرمة مولى ابن عباس،
وغيرهم. روى عنه: شعبة، ويحيى بن سعيد، وإسماعيل ابن علية،
وغيرهم. قال أحمد: ثقة مأمون، وهو أثبت من حميد الطويل. وقال
ابن معين وأبو حاتم: ثقة. توفي سنة خمس وأربعين ومائة. روى له
الجماعة (2) .
قوله: " طُهورُ إناء أحدكم " الطُهور- بضم الطاء- وهو الأشهر،
ويقال بفتحها أيضاً لغتان، وقد مر الكلام فيه، وارتفاعه على أنه مبتدأ
وخبره قوله: " أن يغسل "، و " أن " هاهنا مصدرية، والتقدير: طهارة
إناء أحدكم إذا ولغ الكلب فيه غسلها سبع مرار.
قوله: " إذا ولغ " يقال: " (3) ولغ الكلب في الإناء، يلغ- بفتح
اللام فيهما- ولوغاً، إذا شرب بأطراف لسانه. قال أبو زيد: يقال:
ولغ الكلب بشرابنا وفي شرابنا ومن شرابنا ".
وقال ابن الأثير: وأكثر ما يكون الولوغ من السباع.
قوله: " أولاهن بالتراب " جملة محلها النصب من الإعراب؛ لأنها
وقعت صفة لقوله: " سبع مرار "، والأولى تأنيث الأول، وإنما أنثه
باعتبار المرة، واحتج الشافعي بهذا الحديث [على] أن الكلب إذا ولغ في
الإناء لا يطهر إلا بالغسل سبع مرات، إحداهن بالتراب، وهو مذهب
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (3/607) .
(2) المصدر السابق (5/1090) . (3) انظر: شرح صحيح مسلم (3/184) .(1/210)
أحمد أيضاً، وبه قال مالك لكن استحباباً، وعن الشافعي يغسل سبعاً
أُولاهن أو أخراهن (1) بالتراب، وعن أحمد ثمانية.
وقال أصحابنا: " (2) يغسل ثلاثاً لا غير، واحتجوا بما رواه الدارقطني
في " سننه " (3) عن عبد الوهاب بن الضحاك، عن إسماعيل بن عياش،
عن هشام بن عروة، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة قال:
قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يغسل الإناء من ولوغ الكلب ثلاثاً، أو خمساً،
أو سبعاً ". وقال الدارقطني: تفرد به عبد الوهاب عن ابن عياش وهو
متروك، وغيره يرويه عن ابن عياش بهذا الإسناد: " فاغسلوه سبعاً " وهو
الصواب. وأخرج الدارقطني (4) أيضاً عن عبد الملك بن أبي سليمان،
عن عطاء، عن أبي هريرة قال: " إذا ولغ الكلب في الإناء فأهرقه، ثم
اغسله ثلاث مرات "، وأخرجه بهذا الإسناد عن أبي هريرة: " أنه كان إذا
ولغ الكلب في الإناء أهراقه، وغسله ثلاث مرات ".
وقال الشيخ تقي الدين في " الإمام ": " هذا سند صحيح ". وجه
استدلال أصحابنا بهذا ظاهر، ووجه الاستدلال بحديث الدارقطني: أنه
- عليه السلام-/خيّر فيما زاد على الثلاث، والتخيير ينافي الوجوب،
وما ورد من الأمر فيه محمول على الندب.
والجواب عن الأحاديث التي يحتج بها الخصوم، وهي التي رواها (5)
الأئمة الستة في كتبهم من حديث أبي هريرة، فرواية البخاري ومسلم من
حديث الأعرج عن أبي هريرة: أن النبي- عليه السلام- قال: إذا
شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات " (6) ، ورواية مسلم من
حديث عبد الله بن مغفل: أن رسول الله- عليه السلام- قال: " إذا
__________
(1) في الأصل: " وأخراهن " خطأ.
(2) انظره في: نصب الراية (1/131- 132) . (3) (1/65) .
(4) (1/66) . (5) في الأصل: " رواه ".
(6) البخاري (172) ، مسلم (279/90) .(1/211)
ولغ الكلب في الإناء فاغسلوه سبع مرات، والثامنة عفروه بالتراب " (1) ،
وأخرجه أيضاً أبو داود والنسائي وابن ماجه، ورواية أبي داود من حديث
محمد عن أبي هريرة، عن النبي- عليه السلام- قال: " طُهورُ إناء
أحدكم " (2) الحديث، وأخرجه مسلم والنسائي، وأخرجه الترمذي (3)
وفيه: " أولاهن أو أخراهن بالتراب، وإذا ولغت فيه الهرة غسل مرة "
وقال: هذا حديث حسن صحيح. أنها محمولة على ابتداء الإسلام،
قلعاً لهم عما ألفوه من مخالطة الكلاب، فقال النبي- عليه السلام-
هذا القول للتغليظ عليهم، ولهذا أمر بقتل الكلاب أيضاً، ثم رخص في
كلب الصيد وفي كلب الغنم، كما روي في البخاري مثله.
وقال الطحاوي- وهو إمام في الحديث، عالم بمعانيه وعلله-: ثبت
بذلك- أي: بما روي عن أبي هريرة من حديث عبد الملك- نسخ السبع؛
لأنا نحسن الظن بأبي هريرة، ولا يجوز عليه أن يترك ما سمعه من النبي
- عليه السلام-، وإلا سقطت عدالته، ولم تقبل روايته، بل كان يجب
على الخصم المخالف أن يعمل بحديث عبد الله بن المغفل، عن النبي-
عليه السلام-: " إذا ولغ الكلب في الإناء فاغسلوه سبع مرات، والثامنة
عفروه بالتراب "؛ لأنه قد زاد على السبع، والأخذ بالزائد أوجب عملاً
بالحديثين، وهم لا يقولون به، فثبت أنه منسوخ ".
وقال الخطابي (4) : " فيه دليل على أن الكلب نجس الذات ".
قلنا: نسلم أن فيه دليلاً على أن الكلب نجس، ولكن لا نسلم أنه نجس
الذات؛ لأن هذا قدر زائد ليس في الحديث دلالة عليه، وفرغ على كلامه
أن بيع الكلب حرام.
وقال أيضاً (4) : " وفيه البيان الواضح أنه لا يطهره- أي الإناء- أقل
من عدد السبع، وأن تعفيره بالتراب واجب ".
__________
(1) مسلم (93/280) ، أبو داود (74) ، النسائي (1/54) ، ابن ماجه (365) .
(2) مسلم (91/279) .، أبو داود (72، 73) ، النسائي (1/177- 178) .
(3) الترمذي (91) . (4) معالم السنن (1/34- 35) .(1/212)
قلنا: كما ورد السبع ورد الثلاث كما بينا، والأمر بالتعفير محمول
على الندب.
وقال (1) : " وفيه دليل على أن الماء المولوغ فيه باق على طهارته، إذ
لم يأمره بإراقته، وقد يكون لبناً وزيتاً ".
قلنا: لا نسلم ذلك؛ لأن الإناء إذا تنجس بملاقاة لسانه، فالماء بطريق
الأولى.
فإن قيل: جاز أن يكون المراد بغسل الإناء التعبد لا التنجس.
قلنا: هذا لا يصح؛ لأن الجمادات لا تلحقها حكم العبادات؛ ولأنه
لو كان تعبداً لوجب غسل غير موضع النجاسة كما في الحدث، ولا يقال
الحجر الذي استعمل في رمي الجمار يغسل ويرمى ثانياً؛ لأنا نقول: إن
الحجر لإقامة القربة
وذهب أهل الظاهر إلى أن الماء طاهر، وأن غسل الإناء تعبدٌ، وهذا
فاسد كما قررنا، وذهب مالك إلى أنه إذا لم يجد ماء غيره توضأ به،
وزاد الثوري: ثم يتيمم.
ثم قوله- عليه السلام-: " إذا ولغ الكلب " معرف باللام يتناول
جنس الكلاب، سواء كان كلب البدوي، أو الحضري، أو كلب الصيد،
أو كلب الزرع، أو غير ذلك. وعن مالك أربعة أقوال: طهارته،
ونجاسته، وطهارة سؤر المأذون في اتخاذه دون غيره، وهذه الثلاثة عن
مالك. والرابع عن عبد الملك بن الماجشون: أن يفرق بين البدوي
والحضري، والخنزير كالكلب عندنا. وقال مالك: سؤر الخنزير أيضاً
طاهر.
61- ص- نا مسدد قال: نا المعتمر بن سليمان. قال: ونا محمد بن
عبيد قال: نا حماد بن زيد جميعاً عن أيوب، عن محمد، عن أبي هريرة
بمعناه ولم يرفعاه، وزاد: " وإذا ولغ الهر غُسل مرةً " (2) .
__________
(1) معالم السنن (1/34- 35) . (2) انظر تخريج الحديث رقم (71) .(1/213)
ش- معتمر بن سليمان بن طرخان أبو محمد التيمي البصري، سمع
أباه، وعبد الملك بن عمير، وعاصماً الأحول، وأيوب السختياني،
وشعبة، وجماعة آخرين. روى عنه: ابن المبارك، ومسدد، وأحمد بن
حنبل، وعبد الأعلى بن حماد، وغيرهم. قال محمد بن سعد: كان
ثقة. ولد سنة ست ومائة، ومات سنة سبع وثمانين ومائة بالبصرة، روى
له الجماعة (1) .
ومحمد بن عبيد بن حساب/الغُبري- بالغين المعجمة- البصري،
سمع حماد بن زيد، ومعاوية بن عبد الكريم، وعبد الوارث بن سعيد،
وغيرهم. روى عنه: مسلم، وأبو داود، والنسائي عن رجل عنه،
وأبو يعلى الموصلي، وغيرهم. مات سنة ثمان وثلاثين ومائتين (2) .
وحماد بن زيد بن درهم قد مر ذكره، وأيوب هو السختياني، ومحمد
هو ابن سيرين، وأبو هريرة عبد الرحمن، وقد ذكروا.
قوله: " بمعناه " أي: بمعنى الحديث الذي سبقه.
قوله: " لم يرفعاه " الضمير المرفوع الذي فيه يرجع إلى المسدد وإلى
محمد بن عبيد، بمعنى: أن كلا منهما روى هذا الحديث موقوفاً على
أبي هريرة، وزاد فيه: " وإذا ولغ الهر غسل مرة ".
وقال البيهقي (3) : " أدرجه بعض الرواة في حديثه عن النبي- عليه
السلام-، ووهموا فيه، الصحيح أنه في ولوغ الكلب مرفوع، وفي
ولوغ الهرة موقوف ".
وقوله: " الهر " بكسر الهاء وتشديد الراء، وجمعه " هررةٌ "، كقرد
وقردة، والأنثى هرة وجمعها " هررٌ "، مثل قربة وقرب.
62- ص- حدثنا موسى بن إسماعيل قال: نا أبان قال: نا قتادة: أن
محمد بن سيرين حدثه عن أبي هريرة: أن نبي الله- عليه السلام- قال:
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (28/6080) .
(2) المصدر السابق (26/5441) . (3) السنن الكبرى (1/247) .(1/214)
" إذا ولغ الكلبُ في الإناء فاغْسلُوه سبْع مرار (1) ، السابعة بالتراب " (2) .
قال أبو داود: وأما أبو صالح وأبو رزين والأعرج وثابتٌ الأحنفُ وهمام بن
منبه [أخو وهب بن منبه] (3) وأبو السدي عبد الرحمن رووه [كلهم] (3)
عن أبي هريرة فلم يذكروا التراب.
ش- أبان هو أبان بن يزيد العطار البصري، يكنى أبا يزيد، سمع
قتادة، وغيلان بن جرير، ويحيى بن أبي كثير، وأبا عمران الجوْني.
روى عنه: الطيالسي، وحبان بن هلال، ويزيد بن هارون، وموسى بن
إسماعيل. روى له مسلم، وأبو داود، واستشهد به البخاري في غير
موضع (4) .
وأبو صالح ذكوان السمان قد ذكر.
وأبو رزين اسمه: مسعود بن مالك أبو رزين الكوفي الأسدي أسد
خزيمة، مولى أبي وائل شقيق بن سلمة. روى عن: علي بن أبي طالب،
وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عباس، وأبي هريرة. روى عنه:
إسماعيل بن سميع، وإسماعيل بن أبي خالد، وابنه عبد الله بن مسعود،
والأعمش. قال أبو زرعة: ثقة. روى له الجماعة إلا البخاري (5) .
والأعرج هو عبد الرحمن، وقد ذكر.
وثابت الأحنف هو ابن عياض الأعرج الأحنف القرشي العدوي، مولى
عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب. وقال ابن سعد: ثابت بن الأحنف بن
عياض سمع عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو، وعبد الله بن الزبير،
(1) في سنن أبي داود: " سبع مرات ". (2) انظر تخريج الحديث رقم (60) .
(3) غير موجود في سنن أبي داود.
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (2/143) وفيه: " روى له الجماعة إلا
النسائي ".
(5) المصدر السابق (27/5912) .(1/215)
وأبا هريرة. روى عنه: عمرو بن دينار، ويحيى بن سعيد الأنصاري،
وسليمان الأحول، وغيرهم. قال أبو حاتم: لا بأس به روى له:
البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي (1) .
وهمام بن منبه أبو عقبة قد ذكر.
وأبو السدي عبد الرحمن بن أبي كريمة، روى عن أبي هريرة- رضي
الله عنه-. وقال الحافظ الذهبي في " تذهيب التهذيب ": عبد الرحمن
ابن أبي كريمة عن أبي هريرة، وعنه ابنه إسماعيل السدي حديث: " الإيمانُ
قيدُ الفتْك، لا يفتكُ مؤمن " (2) .
قوله: " رووه كلهم " أي: رووا هذا الحديث كل هؤلاء المذكورين،
فلم يذكروا في روايتهم " التراب "، ومعنى قوله: " السابعة " أي: المرة
السابعة بالتراب،. وهذه جملة لا محل لها من الإعراب؛ لأنها وقعت
كالتفسير لقوله: " سبع مرار "، والأولى أن تكون صفة للسبع، ويكون
محلها النصب، و " (3) معنى الغسل بالتراب: أن يخلط التراب بالماء
حتى يتكدر، ولا فرق بين أن يطرح الماء على التراب، أو التراب على
الماء، أو يأخذ الماء الكدر من موضع فيغسل به، فأما مسح موضع
النجاسة بالتراب فلا يجزئ. وقال الشيخ محيى الدين: ولا يحب إدخال
اليد في الإناء، بل يكفي أن يلقيه في الإناء ويحركه، ويستحب أن يكون
التراب في غير الغسلة الأخيرة، ليأتي عليه ما ينظفه، والأفضل، أن يكون
في الأولى " (غ) .
قلت: هذه الرواية تدل على أن يكون التراب سابع سبعة " فكيف
يكون الأولى هو الأفضل؟ وأما الرواية الأخرى تدل على أن تكون السابعة
__________
(1) المصدر السابق (4/825) . (2) المصدر السابق (17/3940) .
(3) انظر: " شرح صحيح مسلم " (3/186) .
(4) إلى هنا انتهى النقل من " شرح صحيح مسلم ".(1/216)
هي الأولى، فح (1) لا يترجح أحدهما على الآخر، بل له أن يجعل
التراب إما أولاً، وإما آخراً من غير ترجيح أحدهما على الآخر.
وقال أيضاً: " ولا يقوم الصابون والأشنان وما أشبههما/مقام التراب
على الأصح " (2) .
63- ص- حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل قال: نا يحيى بن سعيد،
عن شعبة قال: نا أبو التياح، عن مطرف، عن ابن مغفل: " أن رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر بقتل الكلاب "، ثم قال: " ما لهم ولها؟ فرخّص في كلب الصيد،
وفي كلب الغنم "، وقال: " إذا ولغ الكلبُ في الإناء فاغسلُوه سبع مرار،
والثامنة عفًرُوه بالتراب " (3) ، (4) .
ش- يحيي بن سعيد هو القطان، وقد ذكر.
وأبو التياح- بتاء مثناة من فوق، بعدها ياء آخر الحروف مشددة، وفي
آخره حاء مهملة- اسمه: يزيد بن حميد الضبعي من أنفسهم، سمع
أنس بن مالك، وعمران بن حصين، وأبا جمرة نصر بن عمران،
وأبا زرعة، وغيرهم روى عنه: شعبة، والحمادان، والحسن بن
دينار، وغيرهم. قال أحمد: ثبت ثقة. مات سنة ثمان وعشرين ومائة.
روى له الجماعة (5) .
ومطرف بن عبد الله بن الشخير بن عوف بن كعب أبو عبد الله
البصري. روى عن عثمان بن عفان، وسمع عليّ بن أبي طالب،
وعمران بن الحصين، وعبد الله بن مغفل، وغيرهم. روى عنه: أخوه
أبو العلاء، والحسن البصري، ومحمد بن واسع، وأبو التياح، وغيرهم.
مات سنة خمس وتسعين. روى له الجماعة (6) .
__________
(1) أي: " فحينئذ ". (2) انظر المصدر السابق.
(3) زيد في سنن أبي داود بين معقوفتين: " قال أبو داود: هكذا قال ابن مغفل ".
(4) مسلم: كتاب الطهارة (28) ، النسائي: كتاب الطهارة (1/54) ، ابن ماجه:
كتاب الطهارة (365) ، وفي كتاب الصيد (3200، 3201) .
(5) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (32/6978) .
(6) المصدر السابق (28/6001) .(1/217)
وابن مغفل هو: عبد الله بن مغفل المزني الصحابي، وقد ذكر.
قوله: " أمر بقتل الكلاب " إنما أمر بذلك تغليظاً عليهم؛ لأنهم كانوا
متولعين بها، وهذا منسوخ؛ لأنه- عليه السلام- أمر بذلك مرة، ثم
صح أنه نهى عن قتلها، ثم إن كان الكلب عقوراً يجوز قتله، لقوله
- عليه السلام-: " خمس من الفواسق يقتلن في الحل والحرم ... "
وعد منها " الكلب العقور " (1) ، وإن لم يكن عقوراً لم يجز قتله
مطلقاً، سواء كان للصيد أو الزرع، أو غير ذلك.
قوله: " ثم قال: ما لهم ولها؟ " أي: ما حالهم وحال الكلاب، وهذا
إشارة إلى النهي عن اقتنائها، " (2) واتفقوا على أنه يحرم اقتناء الكلاب
لغير حاجة، مثل أن يقتني كلباً إعجاباً لصورته أو للمفاخرة به، فهذا
حرام بلا خلاف، وأما الحاجة التي يجوز الاقتناء لها فقد رخص فيه
- عليه السلام-، وهو قول عبد الله بن مغفل: " فرخص في كلب
الصيد، وفي كلب الغنم "، وفي الرواية الأخرى: " وكلب الزرع "،
وهذا جائز بلا خلاف، وفي هذا المعنى من اقتناه لحراسة الدُّور والدُّرُوب،
واختُلف فيمن اقتنى كلب صيدٍ وهو لا يصيد ".
قوله: " والثامنة عفروه " أي: المرة الثامنة عفروا الإناء بالتراب. وقال
في " المطالع ": معناه: اغسلوه بالتراب، وهو من العفر- بالتحريك-
وهو التراب، يقال: عفرهُ في التراب يُعفّرُهُ عفْراً وعفرهُ تعْفيراً، أي:
مرغه، وشيء معْفُورٌ ومُعفرٌ مُترّبٌ.
وقال الشيخ محيي الدين (3) : " وأما رواية: " وعفروه الثامنة بالتراب "
__________
(1) البخاري: كتاب جزاء الصيد، باب: ما يقتلُ المحرمُ من الدواب (1829) ،
مسلم: كتاب الحج، باب: ما يندب للمحرم وغيره قتله من الدواب في الحل
والحرم (1198/66) من حديث عائشة.
(2) انظره في شرح صحيح مسلم (3/186) .
(3) انظر: شرح صحيح مسلم (1/185) .(1/218)
فمذهبنا ومذهب الجماهير أن المراد اغسلوه سبعاً، واحدة منهن تراب مع
الماء، فكان التراب قائم مقام غسلة، فسميت ثامنة لهذا ".
قلت: هذا مخالف لصريح الحديث؛ لأن صريحه يدل على أن يكون
الغسل بالماء سبع مرات، ويكون التعفير بالتراب مرة ثامنة، وكذا روي
عن الحسن البصري أنه قال: يفتقر إلى دفعة ثامنة، وهي رواية عن الإمام
أحمد على ما ذكرناه وأخرج هذا الحديث مسلم والنسائي وابن ماجه.
***
31- باب: سؤر الهر
أي: هذا باب في بيان أحكام سؤر الهر.
64- ص- حدثنا عبدُ الله بن مسلمة القعْنبي، عن مالك، عن إسحاق
ابن عبد الله بن أبي طلحة، عن حميدة بنت عُبيد بن رفاعة، عن كبشة بنت
كعب بن مالك- وكانت تحت ابن أبي قتادة-: أن أبا قتادة دخل عليها (1)
فسكبت له وضوءاً، فجاءت هرة فشربت منه، فأصغى لها الإناء حتى
شربت. قالت كبشة: فرآني انظر إليه، فقال: أتعجبين يا بنت أخي (2) ؟
فقلت: نعم، فقال: إن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إنها ليستْ بنجسٍ، إنها من
الطوافين عليكم والطوافات " (3) .
ش- عبد الله بن مسلمة قد ذكر. ومالك هو مالك بن أنس الإمام،
وقد ذكر أيضاً.
وإسحاق بن عبد الله بن زيد أبي طلحة بن سهل الأنصاري النجاري
المدني، سمع أباه، وعمه أنس/بن مالك، وأبا صالح ذكوان، ورافع
ابن إسحاق، وغيرهم. روى عنه: مالك بن أنس، وابن عيينة،
__________
(1) ساقط من سنن أبي داود. (2) في سنن أبي داود: " يا ابنة أخي ".
(3) الترمذي: كتاب الطهارة (92) ، النسائي: كتاب الطهارة (1/55) ، ابن
ماجه: كتاب الطهارة (367) .(1/219)
ويحيى بن سعيد الأنصاري، وغيرهم. قال أبو زرعة: هو ثقة. توفي
سنة اثنتين وثلاثين ومائة. روى له الجماعة (1) .
وحميدة- بفتح الحاء- بنت عُبيد بن رفاعة الأنصارية الزرقية،
روت عن كبشة بنت كعب، روى عنها إسحاق بن عبد الله، روى لها:
أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (2) .
وكبشة بنت كعب بن مالك، روت عن أبي قتادة، روت عنها حميدة
المذكورة، روى لها: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (3) .
وابن أبي قتادة اسمه: عبد الله، وأبو قتادة الحارث بن ربعي،
وكلاهما قد ذكرا.
قوله: " وضوءاً " بفتح الواو، وهو الماء الذي يتوضأ به.
قوله: " فأصغى لها الإناء " أي: أماله، ليسْهُل عليها الشربُ.
قوله: " نعم " بفتح النون، وكنانة تكسرها، وبها قراءة الكسائي،
وهي حرف تصديق ووعد وإعلام، فالأول بعد الخبر، والثاني بعد " افْعل "
و" لا تفعل "، والثالث بعد الاستفهام.
قوله: " إنها ليست بنجس " بفتح الجيم، يقال لكل مستقذر نجسٌ، قال
الله تعالى: (إنّما المُشْركُون نجس) (4) ، وهذا تعليل لإصغائه الإناء
لها.
وقوله: " إنها من الطوافين عليكم " تعليل لقوله: " إنها ليست بنجس "،
والطوافون هم بنو آدم، يدخل بعضهم على بعض بالتكرار، والطوافات
هي المواشي التي يكثر وجودها عند الناس، مثل الغنم والبقر والإبل،
وجعل النبي- عليه السلام- الهر من القبيلين، لكثرة طوافه واختلاطه
بالناس، وأشار إلى الكثرة بصيغة التفعيل؛ لأنه للتكثير والمبالغة،
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (2/366) .
(2) المصدر السابق (35/7822) . (3) المصدر السابق (35/7916) .
(4) سورة التوبة: (28) .(1/220)
وموصوف كل واحد من الطوافين والطوافات محذوف، أقيمت الصفة
مقام موصوفها، ويقدر ذلك بحسب ما يليق له، مثل ما يقال: خدمٌ
طوافون، وحيوانات طوافات، وقد قال الله تعالى: (طوافُون عليكم
بعْضُكُمْ على بعْض) (1) يعني المماليك والخدم الذين لا يُقْدر على
التحفظ منهم غالبا، ويروى: " والطوافات " بواو العطف كما وقع
هاهنا، ويروى بأو التي للشك وغيره، وروي الوجهان عن مالك- رحمه
الله-، واحتج بذلك أبو يوسف من أصحابنا على أن سؤر الهر طاهر
غير مكروه، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد، وقال أبو حنيفة ومحمد:
طاهر مكروه، واحتجا بقوله- عليه السلام-: " السنور سبُع " رواه
الحاكم في " مستدركه " من حديث عيسى بن المسيب، ثنا أبو زرعة، عن
أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " السنور سبُع ". قال الحاكم:
حديث صحيح ولم يخرجاه (2) .
ورواه أيضاً الدارقطني في " سننه " في حديث طويل آخره: " السّنّورُ
سبُع "، ثم أخرجه مختصراً من جهة وكيع ومحمد بن ربيعة كلاهما عن
عيسى بن المسيب (3) ، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله
- عليه السلام-: " السنور سبُع " وقال وكيع: " الهر سبُع " (4) .
ووجه الاستدلال: أن المراد منه بيان الحكم لا بيان الخلقة؛ لأنه- عليه
السلام- مبعوث لبيان الأحكام والشرائع، لا لبيان الحقائق، فيكون
حكم الهر كحكم السباع في النجاسة، ولكن النجاسة سقطت بعلة
الطّوْف، فانتفت النجاسة، وبقيت الكراهة عملاً بالحديثين. وقال بعض
أصحابنا: إن حديث الطوْف محمول على ما قبل التحريم فح (5) يكون
هذا الحديث منسوخا، فلم يبق العمل إلا بالحديث الثاني. وحديث
الطوْف أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه. وقال الترمذي: هذا
__________
(1) سورة النور: (58) . (2) (1/183) .
(3) في الأصل: " سعيد بن المسيب " خطا (4) سنن الدارقطني (1/63) .
(5) أي: " فحينئذٍ ".(1/221)
حديث حسن صحيح. وقال: وهذا أحسن شيء في هذا الباب، وقد
جود مالك هذا الحديث عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، ولم يأت
أحد أتم من مالك، وقال البخاري: جود مالك بن أن هذا الحديث،
وروايته أصح من رواية غيره.
65- ص- حدثنا عبد الله بن مسلمة قال: [ثنا] عبد العزيز، عن داود
ابن صالح بن دينار التّمار، عن أمه، أن مولاتها أرسلتها بهريسة إلى عائشة
- رضي الله عنها- فوجدتها تُصلي، فأشارت إليّ أن ضعيها، فجاءت هرةٌ
فأكلت منها، فلما انصرفتْ أكلت من حيث أكلت الهرةُ، فقالت: إن
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إنها ليستْ بنجس، إنما هي من الطّوافين عليكم،
/وقد رأيتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتوضأ بفضْلها " (1) .
ش- عبد العزيز بن محمد بن عبيد بن أبي عبيد الدراوردي أبو محمد
الجهني مولاهم المدني، وقد ذكر مرة.
وداود بن صالح الأنصاري مولاهم التمار، قيل: إنه مولى أبي قتادة
الأنصاري، سمع أبا أمامة بن سهل، وسالم بن عبد الله، وأباه صالحاً،
وروى عن أمه. روى عنه: عبد العزيز الدراوردي، وهشام بن عروة،
والوليد بن كثير، وغيرهم. قال أحمد: لا أعلم به بأساً. روى له
أبو داود (2) .
قوله: " بهريسة " الهريسةُ: طعام من قمح ولحم مدقوق، من الهرْس
وهو الدق.
ويستفاد من هذا الحديث فوائد: الأولى: جواز الإهداء بالطعام وقبوله.
والثانية: جواز إشارة المصلي بيده أو عينه.
والثالثة: جواز أكل سؤر الهرة.
والرابعة: جواز التوضئ بسؤر الهرة.
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (8/1764) .(1/222)
وروى هذا الحديث الطحاوي في " شرح الآثار "، والدارقطني في
" سننه " ثم قال: تفرد به عبد العزيز بن محمد الدراوردي، عن داود بن
صالح، عن أمه بهذه الألفاظ (1) ، والله أعلم.
***
32- باب: الوُضوء بفضل وضوء المرأة
أي: هذا باب في بيان أحكام الوُضوء بفضل وضوء المرأة. الوُضوء
الأول بضم الواو اسم للفعل، والثاني بفتح الواو اسم الماء الذي يتوضأ
66- ص- حدثنا مسدد قال: ثنا يحيى، عن سفيان قال: حدثني
منصور، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
" كُنتُ أغتسلُ أنا ورسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في إناء واحد ونحنُ جُنُبان " (2) .
ش- مسدد بن مسرهد، ويحيى القطان، وسفيان الثوري، ومنصور
ابن المعتمر، وإبراهيم النخعي، والأسود بن يزيد، كلهم ذكروا.
قوله: " ورسول الله " عطف على قوله: " أنا "، وقد علم أن العطف
على المرفوع المتصل لا يجوز إلا إذا أكد بمنفصل، نحو: ضربت أنا
وزيد، ولا يجوز: ضربت وزيد، وذلك لأن المتصل المرفوع لما تأكد
اتصاله صار كالجزء، فإذا عطفت عليه توهم عطف الاسم على الفعل.
قوله: " ونحن جنبان " جملة اسمية وقعت حالاً من المعطوف والمعطوف
__________
(1) سنن الدارقطني (1/70) .
(2) البخاري: كتاب الغسل، باب: غسل الرجل مع امرأته (250) ، مسلم:
كتاب الطهارة، باب: القدر المستحب في غسل الجنابة (319) ، الترمذي:
كتاب الطهارة، باب: ما جاء في وضوء الرجل والمرأة من إناء واحد (62) ،
النسائي: كتاب الطهارة، باب: ذكر اغتسال الرجل والمرأة من نسائه في إناء
واحد (1/129) .(1/223)
عليه، وقوله: " جنبان " على إحدى اللغتين في الجنب، أنه يثنى ويجمع
فيقال: جنبان وجنبون وأجناب، واللغة الأخرى: رجل جنب، ورجلان
جنب، ورجال جنب، ونساء جنب، بلفظ واحد، قال الله تعالى:
(وإن كُنتُمْ جُنُباً) (1) ، وقال: (ولا جُنُباً إلا عابري سبيل) (2) ، وهذه
اللغة أفصح وأشهر. ويستفاد من هذا الحديث فوائد:
الأولى: أن الجنب ليس بنجس.
والثانية: أن فضل وضوء المرأة طاهر.
والثالثة: جواز اغتسال الاثنين أو أكثر من إناء واحد.
وأخرج النسائي هذا الحديث مختصراً، ومسلم من حديث أبي سلمة بن
عبد الرحمن، عن عائشة، والبخاري من حديث عروة، عن عائشة
قالت: " كنت أغتسلُ أنا ورسولُ الله- عليه السلام- من إناء واحد من
جنابة ".
67- ص- حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي قال: نا وكيع، عن أسامة بن
زيد، عن ابن خربوذ، عن أم صُبية الجهنية قالت: " اختلفتْ يدي ويدُ
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الوُضوء من إناء واحد " (3)
ش- أسامة بن زيد الليثي مولاهم أبو زيد المدني، روى عن: يعقوب
ابن عبد الله بن أبي طلحة، وأبي سعيد مولى عبد الله بن عامر بن كريز،
ونافع، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، والزهري، وغيرهم.
روى عنه: الثوري، وابن المبارك، وابن وهب، ووكيع، وغيرهم.
قال ابن معين: هو ثقة حجة. وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج
به. وقال النسائي: ليس بالقوي. روى له الجماعة، واستشهد به
البخاري (4) .
__________
(1) سورة المائدة: (6) . (2) سورة النساء: (43) .
(3) ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: الرجل والمرأة يتوضأن من إناء واحد
(382) .
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (2/317) .(1/224)
وابن خربوذ هو سالم بن سرْج- بالجيم-، وهو ابن خرّبُوذ
أبو النعمان، ويقال سالم بن النعمان، مولى أم صُبية الجهنية، روى عن
مولاته أم صُبية ولها صحبة. روى عنه أسامة بن زيد المدني وغيره. وثقه
ابن معين وغيره. روى له البخاري في " الأدب "، وأبو داود، وابن
ماجه (1) .
و" خربُوذ " بفتح الخاء المعجمة، والراء المشددة،/وضم الباء
الموحدة، وفي آخره ذال معجمة، وهو لا ينصرف للعلمية والعجمة.
وأم صُبية اسمها: خولة بنت قيس بن قهد بن قيس بن ثعلبة بن غنم بن
مالك بن النجار. روى عنها معروف (2) بن خربوذ، روى لها أبو داود،
وابن ماجه (3) .
و" أم صُبية " بضم الصاد، وفتح الباء الموحدة، وتشديد الياء آخر
الحروف وفتحها، وبعدها تاء تأنيث.
قوله: " اختلفت يدي ويدُ رسول الله " بمعنى: أنها كانت تغرف هي مرة
ورسول الله مرة. ويستفاد من هذا فائدتان: الأولى: جواز توضئ
الاثنين من إناء واحد.
والثاني: جواز توضئ الرجل والمرأة من إناء واحد.
وأخرج هذا الحديث ابنُ ماجه.
68- ص- حدّثنا مسدد قال: نا حماد، عن أيوب، عن نافع ج، وحدثنا
عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر قال: " كان الرجالُ
والنساءُ يتوضوءُون في زمان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ". قال مسدد: " من الإناء
الواحد جميعاً " (4) .
__________
(1) المصدر السابق (10/2147) . (2) كذا (3) المصدر السابق (35/7987) .
(4) البخاري: كتاب الوضوء، باب: وضوء الرجل مع امرأته (193) ، النسائي:
كتاب الطهارة، باب: وضوء الرجال والنساء جميعاً (1/57) ، ابن ماجه:
كتاب الطهارة، باب: الرجل والمرأة يتوضأن من إناء واحد (381) .
15. شرح سنن أبي داوود 1(1/225)
ش- حماد بن زيد، وأيوب السختياني، ونافع مولى ابن عمر،
ومالك بن أنس ذكروا كلهم.
روى أبو داود هذا الحديث من طريقين كما ترى.
قوله: " جميعاً " حال من الرجال والنساء، والمعنى مجتمعين.
وأخرجه النسائي وابن ماجه، وأخرجه البخاري وليس فيه: " من الإناء
الواحد ".
69- ص- حدّثنا مسدد قال: ثنا يحيى، عن عبيد الله قال: حدثني نافع،
عن عبد الله بن عمر قال: " كنا نتوضأ نحنُ والنساءُ ونغتسلُ من إناء واحد
على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " زاد فيه: " نُدْلي فيه أيدينا " (1) ، (2) .
ش- يحيى هو القطان، وعبيد الله هو ابن عمر بن حفص بن عاصم
ابن عمر بن الخطاب القرشي العدوي أبو عثمان المدني، أخو عبد الله
وأبي بكر وعاصم، سمع أم خالد بنت خالد بن سعيد بن العاص،
وسالم بن عبد الله، وكريباً مولى ابن عباس، وسعيداً (3) المقبري،
ونافعاً مولى ابن عمر، وعمرو بن الدينار وغيرهم. روى عنه: أيوب
السختياني، وحميد الطويل، وابن جريج، والثوري، والليث بن
سعد، ويحيى القطان، وابن المبارك، وجماعة آخرون كثيرة. روى له
الجماعة (4) .
قوله: " والنساء " عطف على قوله: " نحن "، وقد قلنا: إن الضمير
المرفوع المتصل لشدة اتصاله بالفعل، لا يعطف عليه إلا بضمير منفصل،
حتى لا يتوهم عطف الاسم على الفعل.
قوله: " ندلي " من الإدلاء، والإدلاء: هو إرسال الدلو في البئر،
__________
(1) في سنن أبي داود: " كنا نتوضأ نحن والنساء على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من إناء
واحد، ندلي فيه أيدينا " كذا.
(2) انظر التخريج السابق. (3) في الأصل: " وسعيد ".
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (19/3668) .(1/226)
يقال: اً دْليْتُ الدلو ودلّيْتُها إذا أرسلتها، ودلوْتُها أدْلُوها فأنا دال إذا
أخرجتها، والمعنى هاهنا: إرسال أيديهم في الإناء مثل ما يرسلُ الدلو.
ويستفاد من هذا الحديث جواز توضئ الرجال والنساء واغتسالهم من
إناء واحد، ولكن المراد من هذا توضؤُ النساء واغتسالهن مع أزواجهن لأن
" الألف واللام " في قوله: " والنساء " بدل من المضاف إليه، والتقدير:
نتوضأ نحن ونساؤنا، يعني: أزواجنا، وذلك لأن الأجنبية لا يجوز لها
أن تغتسل مع الرجل من إناء واحد؛ لأن الاختلاء بها حرام والاغتسال لا
يكون إلا في الخلوة، لاحتياج الإنسان إلى كشف البدن، يدل على ذلك
ما مر من حديث عائشة- رضي الله عنها-، وأما توضؤ المرأة مع الرجل
الأجنبي من إناء واحد، فظاهر حديث أم صُبية يدل على جوازه، ولأن
فيه لا يحتاج إلى الاختلاء، ولا كشف العورة، ووجه الحرة ويداها ليست
بعورة، وفي قدمها روايتان.
***
33- باب: النهي عن ذلك
أي: هذا باب في بيان حكم النهي عن توضئ الرجل واغتساله بفضل
المرأة.
70- ص- حدثنا أحمد بن يونس قال: نا زهير، عن داود بن عبد الله.
ج وحدثنا مسدد قال: نا أبو عوانة، عن داود بن عبد الله، عن حُميد
الحمْيري قال: لقيتُ رجلاً صحب رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أربع سنين- كما صحبهُ
أبو هريرة- قال: " نهى رسولُ الله أن تغتسل المرأةُ بفضل الرجل، أو يغتسل
الرجلُ بفضل المرأة "، زاد مسدد: " وليغْترفا جميعاً " (1) .
ش- زهير هو ابن معاوية، وداود بن عبد الله الأودي، وأبو عوانة
اسمه: الوضاح، وحميد بن عبد الرحمن، ذكروا كلهم.
__________
(1) النسائي: كتاب الظهارة، باب: ذكر النهي عن الاغتسْال بفضل الجنب
(1/130) .(1/227)
/قوله: " بفضل الرجل " أي: بالماء الذي فضل من الرجل، وبالماء
الذي فضل من المرأة. " (1) وجه الجمع بين أحاديث هذا الباب وأحاديث
الباب الذي قبله أن النهي هاهنا إنما وقع عن التطهر بفضل ما تستعمله المرأة
من الماء، وهو ما سال من أعضائها دون الفضل الذي تُسْئرُهُ في الإناء،
وجواب آخر: أن النهي محمول على الاستحباب، وجواب آخر: أن
إسناد عائشة في الإناء أجود من إسناد خبر النهي. وقال محمد بن
إسماعيل البخاري: حديث الأقرع لا يصح، والصحيح في هذا الباب
حديث عبد الله بن سرجس، وهو موقوف، ومن رفعه فقد أخطأ ".
والإجماع على أن تطهر الرجل والمرأة من إناء واحد جائز، وكذلك
تطهر المرأة بفضل الرجل جائز بالإجماع، وأما تطهر الرجل بفضلها فهو
جائز عند جماهير العلماء منهم: أبو حنيفة، ومالك، والشافعي سواء
خلت به أو لم تخلْ، وذهب أحمد بن حنبل وداود إلى أنها إذا خلت
بالماء واستعملته لا يجوز للرجل استعمال فضلها، وروى هذا عن عبد الله
ابن سرجس، والحسن البصري، ورُوي عن أحمد كمذهب الجمهور،
ورُوي عن الحسن، وسعيد بن المسيب كراهة فضلها مطلقاً، والمختار ما
قاله الجماهير للأحاديث الصحيحة التي وردت في تطهره- عليه السلام-
مع أزواجه، وكل واحد منهما مستعمل فضل صاحبه، ولا تأثير للخلوة،
وقد ثبت في الحديث الآخر: " أنه- عليه السلام- اغتسل بفضل بعض
أزواجه " رواه أبو داود، والترمذي، والنسائي وأصحاب السنن. قال
الترمذي: هو حديث حسن صحيح.
قوله: " وليغترفا جميعاً " أي: ليغترف الرجل والمرأة مجتمعين في حالة
واحدة، وهذه الزيادة في رواية مسدد. وأخرج هذا الحديث النسائي.
71- ص- حدثنا ابن بشار قال: ثنا أبو داود قال: ثنا شعبة، عن عاصم،
__________
(1) انظر: معالم السنن (1/36) .(1/228)
عن أبي حاجب، عن الحكم بن عمرو- وهو الأقرع-: " أن النبي- عليه
السلام- نهى أن يتوضأ الرجلُ بفضْل طهور المرأة ".
ش- ابن بشار هو محمد بن بشار بُنْدار، وقد ذكر.
وأبو داود هذا هو سليمان بن داود بن الجارود أبو داود الطيالسي
البصري، أصله فارسي، مولى القريش (1) . وقال ابن معين: مولى
لآل (2) الزبير بن العوام، سمع الثوري، وشعبة، وأبان العطار،
وهشاماً الدسْتُوائي، وأبا عوانة، وابن المبارك، وجماعة آخرين. روى
عنه: أحمد بن حنبل، وأبو بكر بن أبي شيبة، وأخوه عثمان، ومحمد
ابن بشار، ومحمد بن المثنى، ومحمد بن سعد، وجماعة آخرون.
وعن عمرو بن علي: ما رأيت في المحدثين أحفظ من أبي داود الطيالسي
سمعته يقول: أسردُ ثلاثين ألف حديث ولا فخر. وقال يونس بن
حبيب: قدم علينا أبو داود فأملى علينا من حفظه مائة ألف حديث، أخطأ
في سبعين موضعاً فأصلحوها، مات سنة أربع ومائتين وهو ابن إحدى
وسبعين، روى له: البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي،
والنسائي، وابن ماجه (3) .
وشعبة هو ابن الحجاج، وعاصم بن سليمان الأحول.
وأبو حاجب سوادة بن عاصم العنزي أبو حاجب، وليس بأخي نصر
ابن عاصم. روى عن: الحكم بن عمرو الغفاري، وعائذ بن عمرو.
روى عنه: سليمان التيمي، وعاصم الأحول، وشعبة. قال ابن معين:
ثقة. روى له: الترمذي، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه (4) .
والحكم بن عمرو بن مُجْدح (5) بن حذْيم بن حُلْوان بن الحارث
__________
(1) في الأصل: " لقريش ". (2) في الأصل: " مولى ".
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (11/2507) .
(4) المصدر السابق (12/2635) .
(5) كذا بالحاء، وفي أسد الغابة والإصابة وتهذيب الكمال: " مُجدع " بالعين=(1/229)
الغفاري ويقال له: الحكم بن الأقرع. قال ابن سعد: صحب النبي
- عليه السلام- حتى قبض ثم تحول إلى البصرة فنزلها. انفرد به البخاري
فروى له حديثاً واحداً. روى عنه: عبد الله بن الصامت، وسوادة بن
عاصم، وابن سيرين، وغيرهم. توفي بمرو سنة خمسين، ودفن هو
وبريدة الأسلمي الصحابي في موضع واحد. روى له: أبو داود،
والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (1) .
قوله: " بفضل طهور المرأة " بفتح الطاء، وقد ذكرنا حكم هذا
الحديث، وقد قال جماعة من المحدثين: إن هذا الحديث لا يصح، ومنهم
البخاري كما ذكرنا. وقال البخاري: سوادة بن عاصم أبو حاجب
العنزي لا أراه يصح عن الحكم بن عمرو. وأخرج الترمذي وابن ماجه
هذا الحديث. وقال الترمذي: " هذا حديث حسن "، ولو كان صحيحاً
لنص عليه، وأشار الخطابي أيضاً إلى عدم صحته.
***
/34- بابُ: الوضوء بماء البحر
أي: هذا باب في بيان حكم التوضئ بماء (2) البحر.
72- ص- حدّثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن صفوان بن سليم،
عن سعيد بن سلمة بن الأزرق من آل (3) ابن الأزرق: أن المغيرة بن أبي بردة
- وهو من بني عبد الدار- أخبره أنه سمع أبا هريرة يقول: سأل رجلٌ
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " يا رسول الله، إنّا نركبُ البحر، ونحملُ معنا القليل
__________
= المهملة، وقال محققه: " جاء في حاشية نسخة المؤلف بخطه: كذا قيده ابن
ماكولا (7/223) ، وقال غيره: مجدح بالحاء ". قلت: وكذا هو في
الاستيعاب، إلا أنه تصحف إلى " محدج " بالجيم.
(1) انظر ترجمته في: الاستيعاب (1/314) بهامش الإصابة، وأسد الغابة
(2/40) ، والإصابة (1/346) .
(2) في الأصل: " بباب ". (3) في الأصل: " مولى " خطأ.(1/230)
من الماء، فإن توضأ نا به عطشْنا، أفنتوضأ بماء البحر؟ فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" هو الطهُورُ ماؤُه، الحل ميتتهُ " (1) .
ش- مالك هو: ابن أنس الإمام.
وصفوان بن سليم المدني أبو عبد الله، ويقال: أبو الحارث الزهري
أبوه سُليم مولى حميد بن عبد الرحمن بن عوف. روى عن: عبد الله
ابن عُمر، وجابر بن عبد الله، وعبد الله بن جعفر، وسمع أنس بن
مالك، وحميد بن عبد الرحمن، وعبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري،
وغيرهم. روى عنه: مالك بن أنس، والثوري، وابن عيينة، وزياد بن
سعد، وجماعة آخرون. قال أحمد: ثقة، من خيار عباد الله. توفي
بالمدينة سنة اثنتين وثلاثين ومائة. روى له الجماعة (2) .
وسعيد بن سلمة المخزومي من آل بني (3) الأزرق، روى عن المغيرة بن
أبي بردة. روى عنه: صفوان بن سليم، روى له أبو داود، والترمذي،
والنسائي، وابن ماجه (4) .
والمغيرة بن أبي بردة رجل من بني [عبد] الدار، روى عن أبي هريرة 0
روى عنه: يحيى بن سعيد الأنصاري، وصفوان بن سليم، وأبو مرزوق
التُجيبي، وغيرهم. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن
ماجه (5) .
قوله: " وهو من بني [عبد] الدار " أي: المغيرة بن أبي بردة رجل من
بني [عبد] الدار.
__________
(1) الترمذي: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في ماء البحر أنه طهور (69) ،
النسائي: كتاب الطهارة، باب: في ماء البحر (1/50) ، ابن ماجه: كتاب
الطهارة، باب: الوضوء بماء البحر (386) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (13/2882) .
(3) كذا.
(4) المصدر السابق (10/2289) .
(5) المصدر السابق (28/6123) .(1/231)
قوله: " هو الطهور ماؤه " " هو " مبتدأ، و " الطهور " مبتدأ ثان، و " ماؤه"
خبر المبتدأ الثاني، والجملة خبر المبتدأ الأول.
ويجوز أن يكون ارتفاع " ماؤه " بإسناد " الطهُور " إليه، ويكون الفاعل
مع فعله خبراً للمبتدأ؛ لأن الطّهور اسم بمعنى المطهّر، واسم الفاعل
يعمل عمل فعله كما عرف في موضعه، وهذا التركيب فيه القصر؛ لأن
المبتدأ والخبر وقعا معرفتين، وهو من جملة طرق القصر، وهو من قبيل
قصر الصفة على الموصوف؛ لأنه قصر الطهورية على ماء البحر، وقصر
الصفة على الموصوف أن لا تجاوز الصفة ذلك الموصوف إلى موصوف
آخر، لكن يجوز أن يكون لذلك الموصوف صفات أخر، وهذا قصر
ادعائي، وهو يكون فيما إذا قصد به المبالغة لعدم الاعتداد بغيره؛ لأنه لا
يجوز أن يكون قصراً حقيقيا؛ لأن الطهورية ليست بمقصورة على ماء البحر
فقط، ولكن النبي- عليه السلام- لشدة اعتنائه ببيان طهورية ماء البحر
قصرها عليه مبالغة " وادعاء، وهذا من قبيل القصر القلب؛ لأن السائل كان
في اعتقاده أن التوضأ بماء البحر غير جائز، فأثبته- عليه السلام- بعكس
ما في قلبه، ويجوز أن يكون قصر تعيين؛ لأنه كان يتردد بين جواز
الوضوء به، وبن عدمه من غير علم بالتعيين، فعينه- عليه السلام-
بقوله: " هو الطهور ماؤه "، وهذا أولى من الأول، فافهم.
قوله: " الحل ميتته " التقدير: هو الحل ميتته، والكلام فيه مثل الكلام
في " هو الطهور ماؤه "، والحل- بكسر الحاء- بمعنى الحلال ضد
الحرام، من حلّ يحلُّ من باب ضرب يضرب ويقال: رجل حلال وحل
وحرام وحرم، و " الميتة " بفتح الميم، وعوام الرواة يكسرون الميم وهو
خطأ، ولما كان بين الجملتين اتصالاً ومماسه في الحكم فصل بينهما ولم
يوصل بالعاطف، لئلا يُشعر إلى المغايرة.
واحتج مالك والشافعي وأحمد بهذا الحديث على أن جميع ما في البحر
حلال إلا الضفدع في رواية عن أحمد وقول الشافعي، وعنهم: لا يحل
في البحر ما لا يحل مثله في البر. وقال أصحابنا: لا يؤكل من حيوان(1/232)
الماء إلا السمك بأنواعه لقوله تعالى: (ويُحرّمُ عليْهمُ الخبائث) (1) وما
سوى السمك خبث، والجواب عن الحديث: أن الميتة فيه محمولة على
السمك بدليل قوله- عليه السلام-: " أحلت لنا ميتتان ودمان، أما
الميتتان: فالسمك والجراد " (2) الحديث.
ويستفاد من هذا الحديث/فوائد:
الأولى: أن العالم والمُفْتي إذا سئل عن شيء وهو يعلم أن بالسائل
حاجة إلى معرفة ما وراءه من الأمور التي تتضمنها مسألته كان مستحبا له
تعليمه إياه، ألا ترى أن السائل سأله - عليه السلام- عن ماء البحر لا
رأى تغيره في اللون، وملوحته في الطعم؟ أجابه- عليه السلام- وزاد
فائدة أخرى، وهي كون ميتته حلا، وذلك لاحتياجه إليه أو كأنه- عليه
السلام- علم بالوحي أنه كان يسأل عن ميتته أيضاً، فأجابه قبل السؤال
إسراعاً إلى فضيلة التعليم.
الثانية: أن العالم إذا تفرد بالجواب يتعين عليه ذلك.
الثالثة: أنه يحب على كل أحد أن يسأل أهل العلم عما لا يعلمه أو
يتردد فيه.
الرابعة: فيه دليل على أن الماء لا يفسد بموت السمك فيه، وعلى قول
الخصوم لا يفسد بموت جميع ما فيه من الحيوان، ومنهم من استثنى
الضفدع لأنه- عليه السلام- ينهى عن قتله.
الخامسة: فيه دليل على أن ماء البحر يجوز به التوضؤ والاغتسال.
السادسة: فيه دليل على أن السمك يجوز أكله بجميع أنواعه إلا الطافي
منه، لورود النهي عن الطافي.
السابعة: فيه دليل على أن السمك لا ذبح فيه، لإطلاق اسم الميتة عليه.
__________
(1) سورة الأعراف: (157) .
(2) ابن ماجه: كتاب الأطعمة، باب: الكبد والطحال (3314) .(1/233)
وأخرج هذا الحديث الترمذيُّ، والنّسائيُّ، وابن ماجه. وقال
الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وقال الترمذي: سألت محمد بن
إسماعيل البخاري عن هذا الحديث فقال: هو حديث صحيح.
قال البيهقي: وإنما لم يخرجه البخاري ومسلم في " صحيحيهما "
لأجل اختلاف وقع في اسم سعيد بن سلمة والمغيرة بن أبي بردة.
***
35- باب: الوضوء بالنبيذ
أي: هذا باب في بيان حكم الوضوء بنبيذ التمر. النبيذ: ما يعمل من
الأشربة من التمر والزبيب والعسل والحنطة والشعير، وغير ذلك. يقال:
نبذت التمر والعنب إذا تركت عليه الماء ليصير نبيذاً، فصُرف من مفعول
إلى فعيل. وانتبذته: اتخذته نبيذاً، وسواء كان مسكراً أو غير مسكر فإنه
يقال له: نبيذ، ويقال للخمر المعتصر من العنب نبيذ، كما يقال للنبيذ
خمرٌ.
73- ص- حدّثنا هناد وسليمان بن داود العتكي، قالا: ثنا شريك، ص 0
أبي فزارة، عن أبي زيد، عن عبد الله بن مسعود: أن النبيّ- عليه السلام
قال [له] (1) ليلة الجنّ: " ما في إداوتك؟ " قال: نبيذٌ، قال: " تمْرةٌ طيبّة
وماءٌ طهور ". قال أبو داود: قال سليمان بن داود: عن أبي زيد أو زيد قال:
كذا قال شريك، ولم يذكر هناد " ليلة الجن " (2) .
ش- هناد هو ابن السرى، وسليمان بن داود، وشريك بن عبد الله
النخعي، قد ذكروا.
وأبو فزارة راشد بن كيسان العبسي أبو فزارة الكوفي، روى عن
عبد الرحمن بن أبي ليلى، وميمون بن مهْران، ويزيد بن الأصم، وأبي زيد
__________
(1) زيادة من سنن أبي داود.
(2) الترمذي: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في الوضوء بالنبيذ (88) ، ابن
ماجه: كتاب الطهارة، باب: الوضوء بالنبيذ (384) .(1/234)
] مولى] عمرو بن حريث. روى عنه: جرير بن حازم، وسفيان
الثوري، وشريك، وحماد بن زيد، وغيرهم. قال ابن معين: ثقة.
وقال أبو حاتم: صالحٌ. روى له: مسلم، وأبو داود، والترمذي،
وابن ماجه (1) .
وأبو زيد مولى عمرو بن حريث، ولا يُعرف له اسم (2) .
وزيد بن وهب الجهني، وقد ذكر.
قوله: " في إداوتك " الإداوة بكسر الهمزة: إناء صغير من جلد يُتخذ
للماء كالسطحة ونحوها، وجمعها " أداوى "، ويجوز أن تكون كلمة
" ما " في قوله: " ماذا (3) في إداوتك؟ " استفهاماً، و " ذا " إشارة نحو:
ماذا التواني؟ ويجوز أن تكون " ما " استفهاماً و " ذا " موصولة،
والمعنى: ما الذي في إداوتك؟ ويجوز أن تكون " ماذا " كله استفهاماً على
التركيب، ويجوز أن تكون " ما " استفهاماً و " ذا " زائدة، والتقدير: ما
في إداوتك؟ وقد أجاز هذا الوجه جماعة منهم: ابن مالك.
قوله: " نبيذ " مرفوع على الابتداء وخبره محذوف، والتقدير: فيها
نبيذ؟، والنكرة تقع مبتدأ إذا كان خبره ظرفاً مقدماً نحو: في الدار رجل،
وهو من جملة المخصصات.
قوله: " تمرة طيبة " ارتفاع " تمرة لما على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي:
هو تمرة. وارتفاع " طيبة " على أنها صفة للتمرة، والطيب خلاف
الخبيث، والطهور بفتح الطاء.
/وقد احتج أبو حنيفة بهذا الحديث أن الرجل إذا لم يجد إلا نبيذ التمر
يتوضأ ولا يتيمم. وقال أبو يوسف: لا يتوضأ به ويتيمم (4) ، وهو قول
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (9/1828) .
(2) المصدر السابق (33/7375) .
(3) كذا، ولفظ الحديث: " ما ".
(4) في الأصل: " يتوضأ ولا يتيمم به " خطأ، وانظر: المجموع للإمام النووي
(1/93) .(1/235)
أبي حنيفة المرجوع إليه، وقول مالك والشافعي وأحمد وزفر، وقال
محمد: يجمع بين الوضوء به والتيمم، وقد دفعوا هذا الحديث بثلاثة (1)
علل: " (2) الأولى: جهالة أبي زيد، فقد قال الترمذي: أبو زيد رجل
مجهول لا يعرف له غير هذا الحديث. وقال ابن حبان في كتاب
" الضعفاء ": أبو زيد شيخ يروي عن ابن مسعود وليس يُدرى من هو،
ولا يعرف أبوه ولا بلده، ومن كان بهذا النعت، ثم لم يرو إلا خبرا
واحداً خالف فيه الكتاب والسُّنة والإجماع والقياس، استحق مجانبته.
وقال ابن أبي حاتم في " كتاب العلل ": سمعت أبا زرعة يقول: حديث
أبي فزارة في الوضوء بالنبيذ ليس بصحيح، وأبو زيد مجهول، وذكر ابن
عدي عن البخاري قال: أبو زيد الذي روى حديث ابن مسعود في
الوضوء بالنبيذ مجهول لا يعرف بصحبة عبد الله، ولا يصح هذا الحديث
عن النبي- عليه السلام-، وهو خلاف القرآن.
والعلة الثانية: هي التردد في أبي فزارة، فقيل: هو راشد بن كيسان،
وهو ثقة أخرج له مسلم، وقيل: هما رجلان، وهذا ليس براشد بن
كيسان، وإنما هو رجل مجهول، وقد نقل عن الإمام أحمد أنه قال:
أبو فزارة في حديث ابن مسعود رجل مجهول، وذكر البخاري أن أبا فزارة
العبسي غير مسمى فجعلهما اثنين.
العلة الثالثة: هي إنكار كون ابن مسعود شهد ليلة الجن، وذلك لما
روى مسلم من حديث الشعبي عن علقمة قال: " سألت ابن مسعود هل
كان منكم أحد مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: لا ... " (2) الحديث، وفي
لفظ له قال: " لم أكن مع النبي- عليه السلام- ليلة الجن، ووددت
أني كنت معه " (3) . وما روى أبو داود عن علقمة قال: قلت لعبد الله
ابن مسعود: من كان منكم مع النبي- عليه السلام-؟ قال:
__________
(1) كذا.
(2) انظر: نصب الراية (1/138- 139) .
(3) مسلم (: كتاب الصلاة، باب: الجهر بالقراءة في الصبح والقراءة على الجن (450) .(1/236)
" ما كان معه منا أحد ". ورواه الترمذي أيضاً في تفسير سورة
الأحقاف " (1) .
والجواب عن العلة الأولى: أن هذا الحديث رواه جماعة عن أبي فزارة،
فرواه عنه شريك كما أخرجه الترمذي وأبو داود، ورواه سفيان، والجراح
ابن مليح كما أخرجه ابن ماجه، ورواه عنه إسرائيل كما أخرجه عبد الرزاق
في " مصنفه " (2) ، ورواه عنه قيس بن الربيع كما أخرجه عبد الرزاق (2) ،
والجهالة عند المحدثين نزول برواية اثنين فصاعداً، فأين الجهالة بعد ذلك؟
إلا أن يراد جهالة الحال، هذا وقد صرح ابن عدي بأنه راشد بن كيسان
فقال: مدار هذا الحديث على أبي فزارة عن أبي زيد، وأبو فزارة اسمه
كيسان، وهو مشهور، وأبو زيد [مولى] عمرو بن حريث مجهول،
وحكي عن الدارقطني أنه قال: أبو فزارة في حديث النبيذ اسمه: راشد
ابن كيسان. وقال ابن عبد البر في كتاب " الاستيعاب ": أبو فزارة العبسي
راشد بن كيسان ثقة عندهم.
والجواب عن العلة الثالثة: أن هذا الحديث له سبعة طرق جميعها أن
ابن مسعود كان مع النبي- عليه السلام- " (3) الأول: ما رواه أحمد في
" مسنده "، والدارقطني في " سننه ": عن سعيد مولى بني هاشم، عن
حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن أبي رافع، عن ابن مسعود: أن
النبي- عليه السلام- قال له ليلة الجن: " أمعك ماء؟ " قال: لا.
قال: " أمعك نبيذ؟ " قال: أحسبه قال: نعم فتوضأ به " (4) .
__________
(1) يأني برقم (74) ، وإلى هنا انتهى النقل من نصب الراية.
(2) (1/179) .
(3) انظر هذه الطرق والروايات بالتفصيل في: نصب الراية (1/141- 147) .
(4) أحمد (1/455) ، الدارقطني (1/77) ، وقال الدارقطني: " علي بن زيد
ضعيف، وأبو رافع لم يثبت سماعه من ابن مسعود، وليس هذا الحديث في
مصنفات حماد بن سلمة، وقد رواه أيضاً عبد العزيز بن أبي رزمة، وليس هو
بقوي ".(1/237)
الثاني: ما رواه الدارقطني من طريق محمد بن [عيسى بن] حيان،
عن الحسن بن قتيبة، عن يونس بن أبي إسحاق، عن أبي إسحاق، عن
أبي عبيدة وأبي الأحوص، عن ابن مسعود قال: مر بي رسول الله- غليه
السلام- فقال: " خذ معك إداوة من ماء "، ثم انطلق وأنا معه، فذكر
حديثه ليلة الجن، وفيه (1) : " فلما أفرغت عليه من الإداوة إذا هو نبيذ،
فقلت: يا رسول الله، أخطأت بالنبيذ، فقال: تمرة حلوة وماء عذب " (2) .
الثالث: ما رواه الدارقطني أيضاً عن معاوية بن سلام عن أخيه زيد،
عن جده أبي سلام، عن ابن غيلان الثقفي: أنه سمع عبد الله بن مسعود
يقول: " دعاني رسول الله ليلة الجن بوضوء، فجئته بإداوة فإذا فيها نبيذ،
فتوضأ رسول الله- عليه السلام- " (3) .
الرابع: ما رواه الدارقطني أيضاً عن الحسين بن عبيد الله العجلي، ثنا
أبو معاوية، عن الأعمش،/عن أبي وائل قال: سمعت ابن مسعود
يقول: " كنت مع النبي- عليه السلام- ليلة الجن، فأتاهم فقرأ عليهم
القرآن، فقال لي رسول الله في بعض الليل: أمعك ماء يا ابن مسعود؟
قلت: لا والله يا رسول الله إلا إداوة فيها نبيذ، فقال- عليه السلام-:
تمرة طيبة، وماء طهور، فتوضأ به " (4) .
الخامس: ما رواه الطحاوي في " كتابه ": حدثنا يحيى بن عثمان، ثنا
أصبغ بن الفرج وموسى بن هارون البردي قالا: ثنا جرير بن عبد الحميد،
عن قابوس، عن أبيه، عن ابن مسعود قال: " انطلق رسول الله إلى
البراز فخط خطا وأدخلني فيه، وقال: لا تبرح حتى أرجع إليك،
__________
(1) غير واضحة في الأصل، وغير موجودة في سنن الدارقطني.
(2) الدارقطني (1/78) وقال: " تفرد به الحسن بن قتيبة، عن يونس، عن
أبي إسحاق، والحسن بن قتيبة ومحمد بن عيسى ضعيفان ".
(3) الدارقطني (1/78) وقال: الرجل الثقفي الذي رواه عن ابن مسعود مجهول.
قيل: اسمه عمرو، وقيل: عبد الله بن عمرو بن غيلان.
(4) الدارقطني (1/78) وقال: " الحسن بن عبيد الله يضع الحديث على الثقات ".(1/238)
ثم أبطاً فما جاء حتى السّحر، وجعلت أسمع الأصوات، ثم جاء
فقلت: أين كنت يا رسول الله؟ قال: أُرْسلت إلى الجن، فقلت: ما
هذه الأصوات التي سمعت؟ قال: هي أصواتهم حين ودعوني وسلموا
علي ". قال الطحاوي: ما علمنا لأهل الكوفة حديثاً يثبت أن ابن مسعود
كان مع النبي- عليه السلام- ليلة الجن مما يقبل مثله إلا هذا.
السادس: ما رواه ابن عدي في " الكامل " من حديث أبي عبد الله
الشقري عن شريك القاضي، عن أبي زائدة، عن ابن مسعود قال: " قال
لي رسول الله: أمعك ماء؟ قلت: لا، إلا نبيذٌ في إداوة، قال: تمرة
طيبة وماء طهور فتوضأ " (1) .
والسابع: ما رواه أبو داود هذا، وأخرجه الترمذي، وابن ماجه،
وفي حديث الترمذي: " قال: فتوضأ منه " (2) .
فإن قلت: هذه الطرق كلها مخالفة لما في " صحيح مسلم " أنه لم
يكن معه. قلت: التوفيق بينها أنه لم يكن معه- عليه السلام- حين
المخاطبة، وإنما كان بعيداً منه. وقد قال بعضهم: إن ليلة الجن كانت
مرتين، ففي أول مرة خرج إليهم ولم يكن مع النبي- عليه السلام- ابن
مسعود ولا غيره كما هو ظاهر حديث مسلم، ثم بعد ذلك خرج معه ليلة
أخرى كما روى ابن أبي حاتم في " تفسيره " في أول سورة الجن من
حديث ابن جريج قال: قال عبد العزيز بن عمر: أما الجن الذين لقوه
بنخلة فجن نينوي. وأما الجن الذين لقوه بمكة فجن نصيبين!. وقد
علمت الصحابة بهذا الحديث على ما في " سنن الدارقطني " عن عبد الله
ابن محرر (3) ، [عن قتادة] ، عن عكرمة، عن ابن عباس' قال:
" النبيذ وضوء من لم يجد الماء " (4) .
__________
(1) الكامل (9/194) ترجمة أبي زيد مولى عمرو بن حريث.
(2) تقدم برقم (73) .
(3) في الأصل: " محرز " خطأ.
(4) الدارقطني (1/76) وقال: " ابن محرر متروك الحديث ".(1/239)
وأخرج أيضاً عن الحارث، عن علي: " أنه كان لا يرى بأساً بالوضوء
بالنبيذ " (1) . وأخرج أيضاً عن مزيدة بن جابر عن علي- رضي الله
عنه- قال: " لا باًس بالوضوء بالنبيذ " (2) . وروى الدارقطني أيضاً في
" سننه " من حديث مُجاعة عن أبان، عن عكرمة، عن ابن عباس قال:
قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا لم يجد أحدكم ماء ووجد النبيذ فليتوضأ " (3) .
74- ص- حدّثنا موسى بن إسماعيل قال: ثنا وُهيب، عن داود، عن
عامر، عن علقمة قال: قلت لعبد الله بن مسعود: من كان منكم مع رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلة الجن؟ فقال: ما كان معه منا أحد (4) .
ش- وهيب هو ابن خالد بن عجلان، وقد ذكر.
وداود هو ابن أبي هند، واسم أبي هند دينار بن عُذافر ويقال: اسمه
طهمان البصري أبو بكر، رأى أنس بن مالك، وسمع أبا العالية،
والحسن البصري، وابن سيرين، والشعبي، وعكرمة، وغيرهم. روى
عنه: يحيى بن سعيد الأنصاري، وقتادة، والثوري، وابن جريج،
وشعبة، ووهيب، وغيرهم. وقال ابن معين: ثقة. توفي سنة سبع
وثلاثين ومائة بطريق مكة. روى له الجماعة [إلا] البخاري استشهاداُ (5) .
وعامر هو عامر بن شراحيل بن عبد ابن أخي قيس الشعبي الكوفي من
شعب همْدان. روى عن: علي بن أبي طالب وابنيه الحسن والحسين،
وسعد بن أبي وقاص، وغيرهم. وقال منصور بن عبد الرحمن: قال
__________
(1) الدارقطني (1/79) وقال: " تفرد به حجاج بن أرطأة، لا يحتج به ".
(2) الدارقطني (1/79) .
(3) الدارقطني (1/76) وقال: " أبان بن أبي عياش متروك الحديث، ومُجاعة
ضعيف، والمحفوظ أنه رأي عكرمة غير محفوظ ". (1) هـ. وإلى هنا انتهى
النقل من نصب الراية.
(4) مسلم: كتاب الصلاة، باب: الجهر بالقراءة في الصبح والقراءة على الجن
(450) ، الترمذي: كتاب التفسير، باب: ومن سورة الأحقاف (3258) .
(5) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (8/1790) .(1/240)
الشعبي: أدركت خمسمائة من أصحاب رسول الله يقولون: علي وطلحة
والزبير في الجنة. روى عنه: عبد الله بن بريدة، وقتادة، وداود بن
أبي هند، والأعمش، وجماعة آخرون. قال ابن معين: ثقة. توفي
سنة أربع ومائة، وبلغ ثنتين وثمانين سنة. روى له الجماعة (1) .
وعلقمة بن قيس بن عبد الله بن [مالك بن] علقمة بن سلامان بن
كُهيل بن بكر بن عوف بن النخع النخعي. روى عن أبي بكر الصّديق.
وسمع عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب،
وعبد الله بن مسعود، وغيرهم. روى عنه: أبو وائل، والشعبي،
والنخعي،/ومحمد بن سيرين، وعبد الرحمن بن الأسود، وغيرهم.
قال ابن معين: ثقة. توفي سنة اثنتين وستين. روى له الجماعة إلا ابن
ماجه (2) .
وأخرج مسلم هذا الحديث، والترمذي مطولاً 0
75- ص- حدّثنا محمد بن بشار قال: نا عبد الرحمن قال: نا بشر بن
منصور، عن ابن جريج، عن عطاء: " أنهُ كره الوُضُوء باللبن والنبيذ،
وقال: إن التيمم أعجب إلي منهُ " (3) .
ش- محمد بن بشار هو بندار.
وعبد الرحمن هو ابن مهدي بن حسان بن عبد الرحمن أبو سعيد
العنْبري، وقيل: الأزدي، مولاهم البصري اللؤلؤي، سمع أبا خلدة،
ومالك بن أنس، والثوري، وابن عيينة، وشعبة، وغيرهم. روى عنه:
عبد الله بن وهب، وأحمد بن حنبل، وابن معين، وغيرهم. توفي سنة
ثمان وتسعين ومائة، وهو ابن ثلاث وستين سنة. روى له الجماعة (4)
وبشر بن منصور السلمي أبو محمد البصري، سمع أيوب السختياني،
__________
(1) المصدر السابق (14/3042) . (2) المصدر السابق (20/4017) .
(3) تفرد به أبو داود.
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (17/3969) .
16* شرح سنن أبي داوود 1(1/241)
وابن جريج، والثوري، ومحمد بن عجلان، وغيرهم. روى عنه:
عبد الرحمن بن مهدي، وسليمان بن حرب، وشيبان بن فروخ،
وغيرهم. وقال ابن معين: ثقة. روى له مسلم، وأبو داود،
والنسائي (1) .
وعطاء بن أبي رباح، واسم أبي رباح: أسلم المكي أبو محمد
القرشي، ولد في آخر خلافة عثمان، ونشأ بمكة، ورأى عقيل بن
أبي طالب، وأبا الدرداء. وسمع عبد الله بن عباس، وابن عُمر، وابن
عمرو، وابن الزُّبير، وأبا هريرة، وغيرهم. روى عنه: عمرو بن
دينار، والزهري، وأيوب السختياني، وابن جريج، وجماعة آخرون
كثيرة. وقال ابن معين وأبو زرعة: ثقة. مات سنة أربع عشرة ومائة.
روى له الجماعة، وكان أسود أعور أفطس أشل أعرج، ثم عمي بعد
ذلك، وكان فقيهاً عالماً كثير الحديث (2) .
قوله: " باللبن وبالنبيذ " أما التوضؤ باللبن فلا يخ (3) إما أن يكون بنفس
اللبن أو بماء خالطه لبن، فالأول لا يجوز بالإجماع، وأما الثاني:
فيجوز عندنا خلافاً للشافعي. وأما التوضؤ بالنبيذ فقد ذكرنا أنه يجوز عند
أبي حنيفة، ولكن بشرط أن يكون حلواً رقيقاً، يسيل على الأعضاء
كالماء، وما اشتد منها صار حراماً لا يجوز التوضؤ به، وإن غيرته النار
فما دام حلواً فهو على الخلاف ولا يجوز التوضؤُ بما سواه من الأنبذة جرياً
على قضية القياس.
قوله: " وقال: إن التيمم أعجب إلي منه " أي: من الوضوء باللبن
وبالنبيذ، وهذه العبارة تشعرُ أن التوضأ بهما يجوز عند العلماء، ولكن
الأولى التيمم.
76- ص- حدثنا محمد بن بشار قال: نا عبد الرحمن قال: نا أبو خلدة
__________
(1) المصدر السابق (4/708) .
(2) المصدر السابق (20/3933) .
(3) كذا، ولعلها بمعنى: " يخرج ".(1/242)
قال: سألت أبا العالية عن رجل أصابته جنابة وليس عنده ماء وعنده نبيذ
أيغتسل به؟ قال: لا (1) .
ش- عبد الرحمن هو ابن مهدي.
وأبو خلدة خالد بن دينار التميمي السّعدي أبو خلدة البصري الخيّاط.
روى عن: أنس بن مالك، وأبي العالية، والحسن البصري، ومحمد بن
سيرين. روى عنه: يحيى القطان، ووكيع، ويزيد بن زريع، وأبو نعيم،
وغيرهم. قال أحمد: شيخ ثقة. روى له: البخاري، وأبو داود،
والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (2) .
وأبو العالية رُفيع- بضم الراء- بن مهران البصري الرياحي، مولى
أُمية امرأة من بني رياح من يربوع حي في بني تميم، أعتقته سائبة، أدرك
الجاهلية، وأسلم بعد موت النبي- عليه السلام- بسنتين. وروى عن:
علي، وابن مسعود، وأبي بن كعب، وأبي هريرة، وغيرهم. روى
عنه: قتادة، وعاصم الأحول، وأبو خلدة، وغيرهم. قال ابن معين:
وأبو زرعة وأبو حاتم: ثقة. روى له الجماعة (3) .
قوله: " وليس عنده ماء " جملة وقعت حالاً عن " رجل "، أي: ماء
مطلق، والهمزة في قوله: " أيغتسل " للاستفهام.
***
36- باب: الرجل يصلي وهو حاقن
أي: هذا باب في بيان حكم الرجل الذي يصلي الصلاة والحال أنه
حاقن، والحاقن: الذي حبس بوله، والحاقن والحقنُ سواء، والحاقن:
الذي حبس غائطه، وفي بعض النسخ: " باب أيصلي الرجل وهو
حاقن؟ " وفي بعضها: " باب الرجل يُصلي وهو حقن ". وكان ينبغي
ذكر هذا الباب بين أبواب الاستنجاء، أو بين أبواب ما يكره في الصلاة.
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (8/1606) .
(3) المصدر السابق (9/1922) .(1/243)
77- ص- حدّثنا أحمد بن يونس قال: نا زهير، قال: نا هشام بن
عروة [عن أبيه] ، عن عبد الله بن أرقم: أنه خرج حاجا أو معتمراً ومعه
الناسُ وهو يؤُمُهم، فلما كان ذات يومٍ أقام الصلاة: صلاة الصُّبْح ثم قال:
ليتقدمْ أحدُكُم وذهب الخلاء، فإني سمعتُ رسول الله يقول: " إذا أراد
أحدُكُمْ أن يذْهب الخلاء وقامت الصّلاةُ فليبدأ بالخلاء " (1) .
قال أبو داود: روى هذا الحديث / وهيب بن خالد وشعيب بن إسحاق،
وأبو ضمرة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن رجل حدثه، عن عبد الله بن
أرقم، والأكثر (2) الذين رووْهُ عن هشامٍ قالوا كما قال زهير.
ش- عبد الله بن أرقم بن عبد يغوث بن وهب بن عبد مناف بن زُهرة
القرشي الزهري، كتب للنبي- عليه السلام-، ثم لأبي بكر وعمر،
أسلم عام الفتح. روى عن النبي- عليه السلام- حديثاً واحداً وهو هذا
الحديث. روى عنه ابن الزبير. روى له: أبو داود، والترمذي،
والنسائي، وابن ماجه (3) .
ووهيب بن خالد بن عجلان.
وشعيب بن إسحاق بن عبد الرحمن بن عبد الله بن راشد القرشي
مولاهم الدمشقي، سمع هشام بن عروة، والحسن بن دينار، وأبا حنيفة،
وابن جريج، وغيرهم. روى عنه: إبراهيم بن موسى الرازي، وداود
ابن رشيد، والليث بن سعد 0 قال أبو حاتم: صدوق. وقال
(1) الترمذي: كتاب الطهارة، باب: ما جاء وإذا أقيمت الصلاة (142) ،
النسائي: كتاب الإمامة في الصلاة، باب: الغدو في ترك الجماعة
(1/110) ، ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في النهي للحاقن أن
يصلي (616) .
(2) في سنن أبي داود: " والأكثرون ".
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (14/3160) .(1/244)
النسائي: ثقة. توفي في رجب سنة ثمان وتسعين ومائة، وله اثنتان
وسبعون سنة. روى له الجماعة إلا الترمذي (1) .
وأبو ضمرة أنس بن عياض بن ضمرة أبو ضمرة المدني، أخو يزيد بن
عياض، سمع ربيعة بن أبي عبد الرحمن، وأبا حازم الأعرج، وهشام
ابن عروة، وشريك بن عبد الله. روى عنه: بقية بن الوليد ومات قبله،
وأحمد بن حنبل، وقتيبة، ومحمد بن إسحاق، ومحمد بن إدريس
الشافعي، وغيرهم. قال أبو زرعة: لا بأس به. وقال ابن عدي:
ثقة. ولد سنة أربع ومائة، ومات سنة ثمانين ومائة 0 روى له الجماعة (2) .
قوله: " صلاة الصبح " منصوب على أنه بدل من قوله: " الصلاة ".
قوله: " فليبدأ بالخلاء " وذلك لأنه إذا صلى وهو حاقن لا يتفرغ للعبادة،
ويكون قلبه مشغولاً.
وأخرج هذا الحديث الترمذي، والنسائي، وابن ماجه. وقال
الترمذي: حديث عبد الله بن أرقم حديث حسن صحيح.
78- ص- حدّثنا أحمد بن محمد بن حنبل/ (3) ومحمد بن عيسى
المعنى ومسدد قالوا/: نا يحيى بن سعيد، عن أبى حزرة قال: نا عبد الله بن
محمد قال ابن عيسى: في حديثه ابن أبي بكر- ثم اتفقوا: أخو القاسم بن
محمد قال: كنا عند عائشة- رضي الله عنها- فجيء بطعامها، فقام القاسمُ
ابنُ محمد يُصلي فقالت: سمعت رسول الله- عليه السلام- يقولُ: " لا
يُصلى بحضرة الطعام، ولا وهو يدافُعُه الأخْبثان " (4) .
ش- أبو حزْرة اسمه يعقوب بن مجاهد القاص ويقال: كنيته
__________
(1) المصدر السابق (12/2742) .
(2) المصدر السابق (3/567) .
(3) في الأصل: " ومحمد بن عيسى ومسدد (بياض قدر سلمة) المعنى قال " كذا،
وما أثبتناه من سنن أبي داود.
(4) مسلم: كتاب الصلاة، باب: كراهية الصلاة بحضرة الطعام الذي يريد أكله
في الحال، وكراهة الصلاة مع مدافعة الأخبثين (67/560) .(1/245)
أبو يوسف، وأبو حزْرة لقب له، مولى بني مخزوم المدني، روى عن:
عبادة بن الوليد بن عبادة، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق،
وعبد الرحمن بن جابر بن عبد الله. روى عنه: يحيى بن سعيد
الأنصاري، ويحيى القطان، وإسماعيل بن جعفر، وغيرهم. قال
أبو زرعة: لا بأس به. روى له: مسلم، وأبو داود، والترمذي (1) .
وحزرة بفتح الحاء المهملة، وسكون الزاي بعدها الراء.
وعبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق القرشي المدني
التيمي، سمع عائشة أم المؤمنين، وعامر بن سعد بن أبي وقاص. روى
عنه: شريك بن عبد الله، وأبو حزرة، وخالد بن سعد، وغيرهم.
قال مصعب: كان امرءاً صالحاً، وكانت فيه دعابة. وقال أحمد بن
عبد الله: مدني ثقة. روى له مسلم حديثين، وروى له: أبو داود،
والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (2) .
وابن عيسى هو: محمد بن عيسى الطّباع، وقد ذُكر.
والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصّدّيق أبو محمد، ويقال:
أبو عبد الرحمن التيمي المدني. روى عن: عبد الله بن عباس، وعبد الله
ابن عمر، وأبي هريرة، ومعاوية بن أبي سفيان، وعائشة الصديقة،
وغيرهم. روى عنه: نافع، والزهري، ويحيى بن سعيد الأنصاري،
وأيوب السختياني، وجماعة آخرون كثيرة. مات سنة اثنتي عشرة ومائة،
وكان قد ذهب بصرُهُ، وهو ابن اثنتين وسبعين سنة. روى له الجماعة (3) .
قوله: " ابن أبي بكر " صفة لقوله: " محمد ".
وقوله: " قال ابن عيسى " معترض بين الصفة والموصوف.
قوله: " ثم اتفقوا " أي: أحمد ومحمد ومسدّد.
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (32/7102) .
(2) المصدر السابق (16/3530) . (3) المصدر السابق (23/4819) .(1/246)
قوله: " أخو القاسم " صفة لقوله: " عبد الله بن محمد "، ولذا رفع
الأخ.
قوله: " لا يُصلّى بحضرة الطعام " أي: لا يصلي الرجل والطعامُ قد
حضر، وذلك لتأخذ النفس حاجتها منه فيفي بحقوق الصلاة، وهذا ما
لم يكن في ضيق من الوقت، ثم هذا اللفظ بعمومه يتناول سائر
الصلوات، ويشمل سائر أنول الأطعمة.
قوله: " ولا وهو يدافُعُه الأخبثان " أي: ولا يصلي والحال أنه يدافعه
الأخبثان، وهما البول والغائط، وذلك لعدم التفرغ إلى العبادة بقلب
فارغ.
وقوله: " وهو " مبتدأ/و " يدافعه الأخبثان ": خبره، والجملة محلها
النصب على الحال، وارتفاع الأخبثين على أنه فاعل " يدافعه "، وإنما
ذكر المدافعة من باب المفاعلة الذي هو لمشاركة اثنين فصاعداً؛ لأن كل
واحد من المصلي والأخبثين كأنه يدافع الآخر، فدفع المصلي بحبسه إياه،
ومنعه من الخروج، ودفع الأخبثين بطلب الخروج.
79- ص- حدّثنا محمد بن عيسى قال: نا ابن عياش، عن حبيب بن
صالح، عن يزيد بن شريح الحضرمي، عن أبي حي المؤذن، عن ثوبان قال:
قال رسول الله- عليه السلام-: " ثلاثٌ لا يحل لأحد أن يفعلهُن: لا يؤُمُّ
رجلٌ قوماً فيخص نفسهُ بالدعاء دونهُم، فإنْ فعل فقد خًانهُم، ولا ينظُرُ في
قعر بيت قبل أن يسْتأذن، فإنْ فًعل فقد دخل، ولا يُصفي وهو حاقنٌ (1)
حتى يتخًفف " (2) .
__________
(1) في سنن أبي داود: " حقنٌ ".
(2) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في كراهية أن يخص الإمام نفسه
بالدعاء (357) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ولا يخص الإمام
نفسه بالدعاء (923) ، وبعضه: " الجزء الأخير منه " ابن ماجه: كتاب
الطهارة وسننها، باب: ما جاء في النهي للحاقن أن يصلي (617) .(1/247)
ش- ابن عياش: هو إسماعيل بن عياش، وقد ذكر.
وحبيب بن صالح الطائي أبو موسى الشامي، سمع عليّ بن أبي طلحة،
ويزيد بن شريح الحضرمي، وراشد بن سعد، وغيرهم. روى عنه:
بقية بن الوليد، وإسماعيل بن عياش، وصفوان بن عمرو، وغيرهم.
روى له: أبو داود، والترمذي، وابن ماجه (1) .
ويزيد بن شريح الحضرمي الحمصي، سمع أبا حي (2) المؤذن. روى
عن: أبي أمامة الباهلي، وثوبان مولى النبي- عليه السلام- وسمع
كعب الأحبار، وعائشة الصديقة. روى عنه: حبيب بن صالح،
ومحمد بن الوليد، وثور بن يزيد، وغيرهم. روى له: أبو داود،
والترمذي، وابن ماجه (3) .
وأبو حي اسمه: شداد بن حي، أبو حي المؤذن الحمصي. روى عن
ثوبان. روى عنه: راشد بن سعد، ويزيد بن شريح. حديثه في أهل
الشام. روى له: أبو داود، والترمذي، وابن ماجه (4) .
وثوبان بن بُجدد ويقال ابن جُحدر القرشي الهاشمي، يكنى أبا عبد الله
مولى رسول الله، روي له عن رسول الله مائة حديث وسبعة وعشرون
حديثاً، انفرد به مسلم، فروى له عشرة أحاديث. روى عنه: معدان بن
أبي طلحة، وجُبير بن نفير، وأبو إدريس الخولاني، وأبو حي المؤذن،
وغيرهم. توطن بحمص ومات بها سنة خمس وأربعين. روى له الجماعة
إلا البخاري (5) .
وبُجْدُد بضم الباء الموحدة، وسكون الجيم، وضم الدال الأولى.
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (5/1091) .
(2) في الأصل: " يحيى " خطأ.
(3) المصدر السابق (32/7002) .
(4) المصدر السابق (12/2705) .
(5) انظر ترجمته في: الاستيعاب (1/209) بهامش الإصابة، وأسد الغابة
(1/296) ، والإصابة (1/204) .(1/248)
قوله: " ثلاث " أي: ثلاث خصال، وارتفاعه على أنه مبتدأ، وقد
ذكرنا وجه وقوعه مبتدأ.
وقوله: " لا يحل لأحد أن يفعلهن " خبره.
قوله: " لا يؤم رجلٌ قوماً " إحدى الخصال الثلاث.
وقوله: " فيخص " بالرفع عطف على قوله: " لا يؤم "، والمعنى: لا
ينبغي أن توجد من إمامة قوم وتخصيص نفسه بالدعاء دونهم، والمعنى لا
يحل اجتماعهما؛ لأن في ذلك توهم حصر الخير لنفسه وحجره عن غيره.
قوله: " فإن فعل " أي: فإن خص نفسه بالدعاء دونهم فقد خانهم؛
لأنه ضيع حقهم في الدعاء. والفاء في قوله: " فإن فعل " فاء التفسير،
والتي في قوله: " فقد خانهم " فاء الرابطة للجواب 0
قوله: " ولا ينظر في قعر بيت " الخصلة الثانية، وهو برفع الراء عطف
على قوله: " ولا يؤم ". والمراد من قعر البيت: أرضه، كما في قوله
- عليه السلام-: " والشمس لم تخرج من قعر حجرتها " أي: من
أرض الحجرة، وقعر كل شيء عمقه، ومنه قعر البئر، وقعر الإناء.
قوله: " فإن فعل فقد دخل " أي: فإن نظر في قعر بيت قبل الاستئذان
فقد دخل، أي: فقد صار داخلاً فيه بلا إذن، والدخول في بيت أحد بلا
إذن صاحبه حرام.
قوله: " ولا يُصفي " الخصلة الثالثة.
قوله: " وهو حاقن " جملة حالية في الضمير الذي في " لا يُصلي "،
وكلمة حتى لانتهاء الغاية، والمعنى: ترك الصلاة مغياه بالتخفيف،
والتخفيف كناية عن قضاء الحاجة.
ثم في هذا الحديث ثلاث منهيات، الأول: نهي تنزيه، والثاني: نهي
تحريم، والثالث: نهي شفقة، حتى لو صلى وهو حاقن صحت صلاته،
فإن قيل: كيف يجوز أن يفرق بين أشياء يجمعها نظم واحد؟ قلت: قد
جاء مثل ذلك كثيراً عند قيام دليل لبعضها بصفة مخصوصة، كما روي:(1/249)
" أنه كره من الشاة سبعاً: الدم، والمرارة، والحياء، والغُدة، والذكر،
والأنثيين، والمثانة " والدم حرام بالإجماع،/وبقية المذكورات معه
مكروهة غير محرمة.
فإن قيل: وكيف يكون ذلك هاهنا، وقد نص- عليه السلام- بقوله:
" لا يحل لأحد أن يفعلهن "؟ قلت: هذا خارج مخرج البالغة في المنع،
وأمثال هذا كثيرة في النصوص. وحديث ثوبان أخرجه الترمذي وابن ماجه،
وحديث ابن ماجه مختصر. وقال الترمذي: حديث ثوبان حديث حسن،
وذكر حديث يزيد بن شريح عن أبي أمامة، وحديث يزيد بن شريح عن
أبي هريرة في ذلك قال: وكأن حديث يزيد بن شريح عن أبي حي المؤذن،
عن ثوبان في هذا أجود إسناداً وأشهرُ، والله أعلم.
80- ص- حدثنا محمود بن خالد بن أبي خالد السُلمي قال: حدثنا
أحمد بن علي قال: نا ثور، عن يزيد بن شريح الحضرمي، عن أبي حب
المؤذن، عن أبي هريرة، عن النبي- عليه السلام- قال: [" لا يحلُّ لرجل
يُؤمنُ بالله واليوم الآخر أن يُصلي وهو حقنٌ حتى يتخفف " ثم ساق نحوه
على هذا اللفظ قال: " و] (1) لا يحل لرجلٍ يؤمنُ بالله واليوم الآخر أن يؤُم
قوماً إلا بإذنهم، ولا يختص نفسهُ بدعوة دونهم، فإنْ فعل فقد خانهُمْ " (2) .
ش- محمود بن خالد بن أبي خالدً يزيد أبو علي السّلمي الدمشقي،
سمع أباه، وعبد الله بن كثير القارئ، وخالد بن عبد الرحمن الخراساني،
ويحيى بن معين، وغيرهم. روى عنه: أبو داود، والنسائي، وابن
ماجه، وأبو زرعة، وأبو حاتم، وجماعة آخرون. وقال أبو حاتم:
ثقة، وكذا قال النسائي. ولد سنة ست وسبعين ومائة، ومات سنة تسع
وأربعين ومائتين. والسُلمي نسبة إلى سُلمية الشام (3) .
__________
(1) زيادة من سنن أبي داود، وتحفة الأشراف (10/14879) .
(2) تفرد به أبو داود.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (27/5813) .(1/250)
وأحمد بن علي روى عن ثور بن يزيد. روى عنه محمود بن خالد.
روى له أبو داود (1) .
وثور هو ابن يزيد بن زياد الكلاعي، قد مر ذكره.
قوله: " يؤمن بالله واليوم الآخر " في محل الجر؛ لأنها وقعت صفة
للرجل، والمعنى: لا يحل لرجل التزم شرائع الإسلام؛ لأن كل من آمن
بالله وباليوم الآخر فقد التزم شرائع الإسلام.
قوله: " أن يؤمّ قوماً " في محل الرفع على أنه فاعل لقوله: " لا يحل "،
والتقدير: " (2) لا يحل إمامة رجل قوماً إلا بإذنهم، والمعنى: إذا لم
يكن بأقرئهم ولا بأفقههم لم يجزْ له الاستبداد عليهم بالإمامة، فأما إذا
كان جامعاً لأوصاف الإمامة، فهو أحقهم أذنوا له أو لم يأذنوا، وقد
قيل: إن النهي عن الإمامة إلا بالاستئذان إذا كان في بيت غيره، فأما في
سائر البقاع فلا حاجة به إلى الاستئذان إذا وجدت فيه أوصاف الإمامة ".
وعن هذا قال أصحابنا: إذا كره أهل حارة إمامهم لهم أن يستبدلوه
بغيره.
قوله: " ولا يختص نفسه بدعوة " يقال خصه بشيء واختصه به،
والدعوة بفتح الدال الدّعاء إلى الله تعالى، والدعاء إلى الطعام وغيره،
وبكسر الدال في النسب وبضمها في دار الحرب.
قوله: " فإن فعل " يشمل الفعلين جميعاً، والمعنى: فإن أمهم بلا
إذنهم، واختص نفسه بدعوة دونهم، فقد خانهم؛ لأنه ضيع حقهم،
وكل من ضيع حقوق الناس فهو خائن، والخيانة من أوصاف النفاق، فلا
يفعلها من يؤمن بالله واليوم الآخر.
__________
(1) المصدر السابق (1/83) .
(2) انظر: معالم السنن (1/39- 40) .(1/251)
37- باب: ما يجزئ من الماء في الوضوء
أي: هذا باب في بيان ما يكفي من الماء في الوضوء.
81- ص- حدثنا محمد بن كثير قال: أخبرنا همام، عن قتادة، عن
صفية بنت شيبة، عن عائشة- رضي الله عنها-: " أن النبي- عليه السلام-
كان يغْتسلُ بالصّاع ويتوضأ بالمُدّ ". قال أبو داود (1) : رواه أبان، عن قتادة
قال: سمعت صفية.
ش- محمد بن كثير البصري، وهمام بن يحيى بن دينار، وقتادة بن
دعامة ذكروا.
وصفية بنت شيبة الحاجب بن عثمان بن أبي طلحة. واسم أبي طلحة:
] عبد الله بن] عبد العزى بن عبد الدار بن قصي القرشية. روى عنها
ابنها منصور بن عبد الرحمن، والحسن بن مسلم، ومصعب بن شيبة.
روي لها عن رسول الله خمسةُ أحاديث اتفقا على روايتها عن عائشة.
روى لها: أبو داود، والنسائي، وابن ماجه (2) .
قوله: " بالصاع " فيه لغتان: التذكير والتأنيث، ويقال: صاع وصوع،
بفتح الصاد والواو، وصُواع ثلاث لغات، والجمع " أصْوع "، وإن
شئت أبدلت من الواو المضمومة همزة 0 قال ابن الأثير (3) : " الصاع:
مكيال يسع أربعة أمداد، والمُدُّ مختلف فيه، فقيل هو: رطل وثلث
بالعراقي، وبه يقول الشافعي وفقهاء الحجاز. وقيل: هو رطلان، وبه
__________
(1) البخاري: كتاب الطهارة (325) ، مسلم: كتاب الحيض، باب: القدر
المستحب في غسل الجنابة (53) ، الترمذي: كتاب الطهارة، باب: في
الوضوء بالمد (56) ، النسائي: كتاب الطهارة، باب: القدر الذي يكتفي به
الإنسان من الماء للوضوء والغسل (1/179) ، ابن ماجه: كتاب الطهارة،
باب: ما جاء في مقدار الماء للوضوء وللغسل من الجنابة (268) .
(2) انظر ترجمتها في: الاستيعاب (4/349) بهامش الإصابة، وأسد الغابة
(7/172) ، والإصابة (4/348) .
(3) نظر: النهاية (3/60) .(1/252)
يقول أبو حنيفة وفقهاء العراق، فيكون الصاع خمسة أرطال وثلثا أو ثمانية
أرطال ".
قلت: الصاع عند أبي يوسف خمسة أرطال وثلث رطل عراقية، وبه
قال مالك والشافعي/وأحمد. وقال أبو حنيفة ومحمد: الصاع ثمانية
أرطال. حجة أبي يوسف: ما رواه الطحاوي عنه قال: " قدمت المدينة
فاخرج إليّ من أثق به صاعاً وقال: هذا صاع النبي- عليه السلام-
فوجدته خمسة أرطال وثلثا. قال الطحاوي: وسمعتُ ابن عمران يقول:
الذي أخرجه لأبي يوسف هو مالك. وقال عثمان بن سعيد الدارمي:
سمعت عليّ بن المديني يقول: عيّرتُ صاع النبي- عليه السلام-
فوجدته خمسة أرطال وثلث رطل، وأخرج الدارقطني في " سننه " (1)
عن عمران بن موسى الطائي: حدثنا إسماعيل بن سعيد الخراساني، ثنا
إسحاق بن سليمان الرازي قال: قلت لمالك بن أنس: يا أبا عبد الله،
كم وزن صاع النبي- عليه السلام-؟ قال: خمسة أرطال وثلث
بالعراقي، أنا حزْرتُه. قلت: يا أبا عبد الله، خالفت شيخ القوم.
قال: من هو؟ قلت: أبو حنيفة، يقول: ثمانية أرطال. فغضب غصباً
شديداً وقال: قاتله الله، ما أجرأه على الله، ثم قال لبعض جلسائه: يا
فلان، هات صاع جدك، ويا فلان، هات صاع عمك، ويا فلان،
هات صاع جدتك، فجمعت آصُع، فقال مالك: ما تحفظون في هذه؟
فقال أحدهم: حدثني أبي، عن أبيه: أنه كان يؤدي بهذا الصاع إلى
رسول الله. وقال الآخر: حدثني أبي، عن أخيه: أنه كان يؤدي بهذا
الصاع إلى رسول الله. قال مالك: أنا حزرْتُ هذه فوجدتها خمسة
أرطال وثلثا. وقال صاحب " التنقيح ": إسناده مظلم، وبعض رجاله
غير مشهورين. واحتج أبو حنيفة ومن معه بما أخرجه ابن عدي في
" الكامل " (2) عن عمر بن موسى أبي وجيه الوجيهي، عن عمرو. بن
__________
(1) (2/151)
(2) (6/23، ترجمة عمر بن موسى) .(1/253)
دينار، عن جابر قال: " كان النبي- عليه السلام- يتوضأ بالمد رطلين،
ويغتسل بالصاع ثمانية أرطال "، وعمر بن موسى ضعيف. وبما أخرجه
الدارقطني عن جعفر بن عون، ثنا ابن أبي ليلى، ذكره عن عبد الكريم،
عن أنس قال: " كان رسول الله- عليه السلام- يتوضأ بمد رطلين،
ويغتسل بالصاع ثمانية أرطال " (1) . وأخرجه الدارقطني من طريقين
آخرين: من طريق موسى بن نصر الحنفي (2) ، ومن [طريق] صالح بن
موسى (3) ، وكلاهما ضعيفان. والبيهقي ضعف أسانيد الثلاثة (4) .
وروى ابن أبي شيبة في " مصنفه " (5) في كتاب الزكاة: حدثنا يحيى بن
آدم قال: سمعت حسن بن صالح يقول: صاع عمر ثمانية أرطال. وقال
شريك: أكثر من سبعة أرطال وأقل من ثمانية. وأخرج الطحاوي في
" كتابه " عن إبراهيم النخعي قال: عيّرنا صاعاً، فوجدناه حجّاجيا،
والحجاجي عندهم ثمانية أرطال بالبغدادي. قال: وصنع الحجاج هذه
على صاع عمر. وأما الذي أخرجه البخاري ومسلم من حديث عبد الله
ابن جبر، عن أنس بن مالك قال: " كان النبيُّ- عليه السلام- يتوضأ
بالمد، ويغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد " (6) فليس فيه الوزن. وأخرجه
مسلم من حديث سفينة بنحوه (7) ، وأخرج النسائي وابن ماجه مثل رواية
أبي داود، وأخرجه الدارقطني من رواية معاذ بن هشام، عن أبيه، عن
قتادة وقال: " بنحو المدّ وبنحو الصاع " (8) ، وأخرجه البيهقي من رواية
عفان، عن أبان، عن قتادة: حدثتني صفية فذكره (9) . وقال النووي:
حديث عائشة حديث حسن.
__________
(1) سنن الدارقطني (2/154) . (2)
(1/94) ، و (2/153) .
(3) (2/153) .
(4) (4/171) .
(5) (3/54) كتاب الزكاة.
(6) البخاري: كتاب الوضوء، باب: الوضوء بالمد (201) ، مسلم: كتاب
الحيض، باب: القدر المستحب من الماء في غسل الجنابة (325/51) .
(7) مسلم (326/52، 53) .
(8) (1/94) .
(9) البيهقي (1/195) .(1/254)
قوله: " قال أبو داود: رواه أبان، عن قتادة قال: سمعت صفية "
مقصوده: أن قتادة مُدلس، وقد اتفقوا على أن المدلس إذا قال: " عن "
لا يحتج به إلا أن يثبت من طريق آخر أنه سمع ذلك الحديث من ذلك
الشخص، وقد قال قتادة في الطريق الأول: عن صفية، فبين أبو داود
أنه سمعه من صفية، فصرح بلفظ السماع.
82- ص- حدّثنا أحمد بن محمد بن حنبل قال: نا هشيم قال: نا يزيد
ابن أبي زياد، عن سالم بن أبي الجعد، عن جابر قال: " كان النبيُّ- عليه
السلام- يغْتسلُ بالصّاع، ويتوضأ بالمُدّ " (1) .
ش- هشيم بن بشير قد ذكر، ويزيد بن أبي زياد، ويقال: يزيد بن
زياد القرشي الدمشقي. روى عن: الزهري، وسليمان بن حبيب،
وسليمان بن داود الخولاني. روى عنه: محمد بن ربيعة، ووكيع،
وأبو نعيم، ويحيى بن صالح. قال ابن نُمير: ليس بشيء. وقال
أبو حاتم: ضعيف الحديث، كأن أحاديثه موضوعة. وقال النسائي:
متروك الحديث. وقال الترمذي: ضعيف في الحديث. وقال ابن معين:
ليس بشيء. روى له: مسلم، وأبو داود، والترمذي (2) .
وسالم بن أبي الجعد رافع الأشجعي، سمع أباه، وجابر بن عبد الله،
وأنس بن مالك. وروى عن: ابن عباس، وابن عمر، وابن عمرو بن
العاص. روى عنه: أبو إسحاق الهمداني، وعمرو بن دينار، وقتادة،
والأعمش، وغيرهم. قال يحيى: ثقة. وقال أبو زرعة: كوفي ثقة.
مات سنة إحدى ومائة. روى له الجماعة (3) .
وجابر بن عبد الله الأنصاري قد ذكر، والحديث انفرد به أبو داود عن
بقية الستة، ورواه أبو بكر بن أبي شيبة في " مصنفه " بهذه الطريق (4) ،
__________
(1) أخرجه ابن ماجه في كتاب الطهارة، باب: ما جاء في مقدار الماء للوضوء
والغسل من الجنابة (269) من طريق أبي الزبير، عن جابر به.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (32/6990) .
(3) المصدر السابق (10/2142) .
(4) (1/66) .(1/255)
وأخرجه الحاكم في " المستدرك " (1) بهذا اللفظ من طريق محمد بن
فضيل، عن حصين، عن سالم بن أبي الجعد، عن جابر به. قال
النووي: حديث جابر ضعيف، فيه يزيد بن أبي زياد ضعيف. وقال
المنذري: لا يحتج به.
قلت: قد تابعه عليه حصين كما رواه الحاكم في " المستدرك "، فيكون
حديثه حسناً بالمتابعة، على أن يزيد لم يُنسب للكذب، ولا للفسق، ولا
فحُش خطؤه عن سالم بن أبي الجعد، وهو مدلس كما قال الذهبي،
وقد عنعن.
قلت: لعل أبا داود اطلع على تصريحه بسماعه من جابر كما بين في
السابق تصريح قتادة بالسماع له من صفية.
83- ص- حدثنا محمد بن بشار قال: نا محمد بن جعفر قال: نا شعبة،
عن حبيب الأنصاري قال: سمعت عباد بن تميم، عن جدته وهي أم عمارة:
" أن النبي- عليه السلام- توضأ فأتي بإناء فيه ماءٌ قدْر ثُلُثي المدّ " (2) .
ش- محمد بن جعفر هذا هو الهذليً مولاهم البصري المعروف بغُندر،
يكنى أبا عبد الله، سمع ابن جريج، وسعيد بن أبي عروبة، والثوري،
وابن عيينة،/وشعبة، وغيرهم، وكان شعبة زوج أمه. روى عنه:
أحمد بن حنبل، وابن معين، وابن بشار، وابن المثنى، وابن الوليد،
ومسدد، وأبو بكر وعثمان ابنا أبي شيبة، وغيرهم. توفي سنة أربع
وتسعين ومائة. روى له الجماعة. وإنما سُمي غندراً لأنه كان يكثر الشّغْب
على ابن جريج فقال له: اسكت يا غندر (3) .
وأهل الحجاز يُسمون المشغب غُندر، والشغْب- بسكون الغين
المعجمة- تهييج الشر.
__________
(1) (1/161) .
(2) النسائي: كتاب الطهارة، باب: القدر الذي يكتفي به الرجل من الماء للوضوء
(1/57) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (25/5120) .(1/256)
وحبيب الأنصاري هو ابن زيد الأنصاري المدني. روى عن عباد بن
تميم، وليلى. روى عنه شعبة، وشريك النخعي. وقال أبو حاتم: هو
صالح. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (1) .
وعباد بن تميم بن زيد بن عاصم بن غزيّة- بفتح الغين المعجمة، وكسر
الزاي، وتشديد الياء آخر الحروف- ابن عمرو بن عطية الأنصاري المازني
المدني. روى عن عمه عبد الله بن زيد، وأبي بشير الأنصاري 0 روى
عنه: الزهري، وحبيب بن زيد، ومحمود بن لبيد. قال عباد: أنا يوم
الخندق ابن خمس ستين، فأذكر أشياء وأعيها، وكنا مع النساء في
الآطام (2) . روى له الجماعة (3) .
وأم عمارة هي نسيبةُ بنت كعب بن عمرو بن عوف بن [عمرو بن [
مبذول بن عمرو بن غنم النجارية، وهي أم عبد الله وحبيب ابني زيد،
شهدت العقبة مع السبعين، وشهدت أحداً، وأبلت يومئذ بلاءً حسناً هي
وابنها عبد الله وزوجها، وجُرحت يومئذ أحد عشر جُرحاً، وشهدت بيعة
الرضوان، وشهدت اليمامة، وجُرحت أيضاً احد عشر جرحاً، وقطعت
يدها يومئذ. روى عنها عباد بن تميم، وهي جدته. روى لها: أبو داود،
والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (4) .
ونسيبة بفتح النون، وكسر السين المهملة، هذا هو الأشهر، ويقال:
اسمُها لُسينة باللام المضمومة والنون.
قوله: " توضأ فأتي بإناء " معناه: أراد الوضوء فأتي بالماء من قبيل قوله
تعالى: (فإذا قرأت القُران فاسْتعذْ) (5) أي: إذا أردت أن تقرأ القرآن.
__________
(1) المصدر السابق (5/1084) .
(2) الحصن المبني بحجارة، وقيل: كل بيت مربع مسطح.
(3) المصدر السابق (14/3075) .
(4) انظر ترجمتها في: الاستيعاب بهامش الإصابة (4/417) ، وأسد الغابة
(7/280) ، والإصابة (4/418) .
(5) سورة النحل: (98) .
517 شرح سنن أبي داوود 1(1/257)
قوله: " فيه ماء " جملة في محل الجر على أنها وقعت صفة " للإناء ".
قوله: " قدر " منصوب على الحال، والتقدير: حال كونه مقدراً بهذا
المقدار، ويجوز أن ينتصب بنزع الخافض، والتقدير بمقدار ثلثي المد،
ويجوز الرفع على أن يكون صفة للماء، أو يكون خبر مبتدأ محذوف،
أي هو: قدر ثلثي المد. وأخرج هذا الحديث النسائي، وفيه قال شعبة:
" فأحفظ أنه غسل ذراعيه وجعل يدلكها، ومسح أذنيه باطنهما، ولا
أحفظ أنه مسح ظاهرهما ". ورواه ابن خزيمة في " صحيحه " (1) عن
أبي كريب محمد بن العلاء، وابن حبان في " صحيحه " (2) من طريق
أبي كريب، والحاكم في " مستدركه " (3) من طريق إبراهيم بن موسى
الرازي كلاهما عن يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، عن شعبة، عن حبيب
ابن زيد، عن عباد بن تميم، عن عبد الله بن زيد: " أن النبي- عليه
السلام- أُتي بثلثي مد من ماء فتوضأ، فجعل يدلك ذراعيه ". قال
الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وقال
النووي: حديث أم عمارة حديث حسن.
84- ص- حدّثنا محمد بن الصباح البزاز، قال: أخبرنا شريك، عن
عبد الله بن عيسى، عن عبد الله بن عبد الله بن جبْر، عن أنس قال: " كان
النبيُّ- عليه السلام- يتوضأ بإناء يسعُ رطلين، ويغتسلُ بالصاع " (4) .
قال أبو داود: رواه يحيى بن آدم، عن شريك، قال: عن ابن جبْر بن
عتيك. ورواه شعبة فقال: حدثني عبد الله بن عبد الله بن جبر قال: سمعت
أنساً إلا أنه قال: " يتوضأ بمكُوك " ولم يذكر " رطلين ". ورواه سفيان، عن
عبد الله ابن عيسى قال: حدثني جبر بن عبد الله.
__________
(1) (1/62) .
(2) (13/1083) .
(3) (1/161) .
(4) مسلم: كتاب الحيض، باب: القدر المستحب من الماء في غسل الجنابة (326) ،
الترمذي: كتاب الطهارة، باب: في الوضوء بالمد (56) ، النسائي: كتاب
المياه، باب: القدر الذي يكتفي به الإنسان من الماء للوضوء والغسل (2/180) ،
ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في مقدار الماء للوضوء (267) .(1/258)
ش- محمد بن الصباح الدولابي البغدادي البزاز- بالزاي المكررة-
صاحب السنن أبو جعفر مولى مزينة، سمع شريك بن عبد الله النخعي،
وزيد بن هارون، ومحمد بن عبيد، وسفيان بن عيينة، وابن المبارك،
ووكيعاً، وغيرهم. روى عنه: أحمد بن حنبل، وابن معين،
ْوأبو زرعة، والبخاري، ومسلم، وأبو داود. روى له: ابن ماجه،
والترمذي عن البخاري عنه، وروى له النسائي أيضاً. قال ابن معين:
ثقة مأمون. مات في آخر المحرم سنة سبع وعشرين ومائتين (1) .
وشريك هو ابن عبد الله النّخعي.
وعبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري الكوفي،
سمع جده عبد الرحمن بن أبي ليلى، والشعبي، وعطية، وسعيد بن
جبير، والزهري، وعبد الله بن عبد الله بن جبر، وغيرهم. روى عنه:
الثوري، وشعبة، وشريك بن عبد الله، وزهير بن معاوية، وغيرهم.
قال ابن معين: هو ثقة. وقال أبو حاتم: صالح. مات سنة ثلاثين
ومائة. روى له الجماعة (2) .
وعبد الله بن عبد الله بن جبر- بفتح الجيم وإسكان الباء الموحدة- ابن
عتيك، وقيل: ابن جابر. سمع ابن عمر، وأنس بن مالك، وعتيك
ابن الحارث. روى عنه: مالك، ومسْعر، وشعبة، وعبد الله بن
عيسى. روى له: البخاري، وأبو داود، والترمذي، والنسائي (3) .
ويحيى بن آدم بن سليمان الكوفي أبو زكرياء الأموي، مولى خالد بن
خالد بن عمارة. سمع مالك بن أنس، ومالك بن مغول،/ومسعر بن
كدام، والثوري، وغيرهم. روى عنه: أحمد بن حنبل، وأبو بكر
وعثمان ابنا أبي شيبة، وابن معين، وغيرهم. وقال ابن معين: ثقة.
مات سنة ثلاث ومائتين بفم الصلح. روى له الجماعة (4) .
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (25/5298) .
(2) المصدر السابق (15/3473) .
(3) المصدر السابق (15/3362) .
(4) المصدر السابق (31/6778) .(1/259)
وسفيان هو الثوري.
قوله: " مكُوك " المكُّوك: إناء يسعُ الماء، معروف عندهم. وقال ابن
الأثير (1) : " المكُّوكُ: المُدُّ، وقيل: الصاع، والأول أشبه؛ لأنه جاء
في الحديث مفسراً بالمد. وقال أيضاً: المكوك اسم للمكيال، ويختلف
مقداره باختلاف اصطلاح الناس عليه في البلاد، ويجمع على مكاكي،
على إبدال الياء من الكاف الأخيرة، ويجيء أيضاً على مكاكيك ".
وأخرجه النسائي ولفظه: " كان رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يغتسلُ بمكُّوك،
ويغتسلُ بخمس مكاكي ". وأخرجه مسلم ولفظه: " كان رسولُ الله
- عليه السلام- يغتسلُ بخمس مكاكيك، ويتوضأ بمكُوكٍ ". وفي
رواية (2) : " مكاكيّ " والياء في مكاكي مشددة. وقال النووي: حديث
أنس إسناده صحيح، إلا أن فيه شريك بن عبد الله النخعي القاضي، وقد
ضعّفه الأكثرون. وقد ذكر أبو داود أن شعبة وسفيان روياه أيضاً، فلعله
اعتضد عنده، فصار حسناً، فسكت عليه.
[قال ابن الأعرابي] (3) : قال أبو داود: سمعت أحمد بن حنبل يقول:
الصاعُ خمسة أرطال. قال أبو داود: وهو صاع ابن أبي ذئب، وهو صاع
النبي- عليه السلام-.
ش- قوله: " قال ابن الأعرابي: ... " إلى آخره: ليس بموجود في غالب
النسخ.
وابن الأعرابي: اسمه أحمد بن محمد بن سعيد بن زياد بن بشر بن
الأعرابي أبو سعيد، حدث عن أحمد بن منصور الرمادي، والحسين بن
علي بن عفان، والترمذي. وحدث بالسنن عن أبي داود، وحدث عنه
جماعة منهم الخطابي. توفي بمكة يوم الأحد لتسع وعشرين خلت من ذي
القعدة، سنة أربعين وثلثمائة.
__________
(1) النهاية (4/350) .
(2) مسلم (325/50) .
(3) ساقط من سنن أبي داود.(1/260)
وابن أبي ذئب اسمه محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث بن
أبي ذئب هشام بن شعبة (1) القرشي العامري المدني، سمع نافعاً،
والزهري، وعكرمة، وغيرهم 0 روى عنه: الثوري، ووكيع، وابن
المبارك، وغيرهم. قال أحمد: ثقة صدوق. مات بالكوفة سنة تسع
وخمسين ومائة. روى له الجماعة (2) .
***
38- باب: في إسباغ الوضوء (3)
أي: هذا باب في بيان إسباغ الوضوء. و " إسباغ الوضوء " إتمامه من
قولهم شيءٌ سابغ، أي: كامل وافٍ، وسبغت النعمة تسبغ- بالضم-
سُبُوغاً اتسبغت، وأسبغ الله عليه النعمة: أتمها.
85- ص- حدّثنا مسدد قال: نا يحيى، عن سفيان قال: حدثني منصور،
عن هلال بن يساف، عن أبي يحيى، عن عبد الله بن عمرو: أن النبيّ- عليه
السلام- رأى قوْماً وأعقابهم تلُوحُ فقال: " ويْل للأعْقاب من النار، أسْبغُوا
الوُضُوء " (4) .
ش- يحيى القطان، وسفيان الثوري، ومنصور بن المعتمر.
وهلال بن يساف بفتح الياء آخر الحروف، ويقال: إساف- بالهمزة-
أبو الحسن الأشجعي مولاهم الكوفي، أدرك عليّ بن أبي طالب. وروى
عن ابنه الحسن، وسمع أبا مسعود الأنصاري، وأبا عبد الرحمن
السلمي، وغيرهم. روى عنه: إسماعيل بن [أبي] خالد، ومنصور
__________
(1) في الأصل: " سعيد " خطأ.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (25/5408) .
(3) في سنن أبي داود جاء هذا الباب بعد الباب الآتي: " باب الإسراف في الماء "،
وبالتالي اختلف ترتيب الأحاديث.
(4) البخاري: كتاب الوضوء، باب: غسل الأعقاب (166) ، مسلم: كتاب
الطهارة، باب: وجوب غسل الرجلين بكمالهما (241) ، النسائي: كتاب
الطهارة، باب: إيجاب غسل الرجلين (111) ، ابن ماجه: كتاب الطهارة،
باب: غسل العراقيب (450) .(1/261)
ابن المعتمر، وعمرو بن مرة، وأبو مالك الأشجعي، وغيرهم. قال
احمد بن عبد الله: كوفي ثقة. روى له الجماعة (1) .
وأبو يحيى اسمه: مصدع- بكسر الميم- الأعرج المُعرْقبُ- بفتح
القاف- الأنصاري، مولى معاذ بن عفراء، ويقال: اسمه زياد. روى
عن: عليّ بن أبي طالب، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمرو،
وعائشة. روى عنه: شمر بن عطية، وهلال بن يساف، وسعيد بن
أبي الحسن، وغيرهم. روى له الجماعة إلا البخاري (2) .
وعبد الله بن عمرو بن العاص قد ذكر.
قوله: " وأعقابهم تلُوح " جملة اسمية وقعت حالاً، والأعقاب جمع
" عقب " - بفتح العين وكسر القاف وسكونها- وهي مؤخر القدم، وهي
مؤنثة.
وقوله: " تلُوح " من لاح الشيء يلوح لوْحاً إذا لمع.
قوله: " ويل للأعقاب من النار " الويل في الأصل مصدر لا فعل له،
وإنما ساغ الابتداء به وهو نكرة؛ لأنه دعاء، والدعاء يدل على الفعل،
والفعل مخصص له؛ لأن المعنى في قولهم: " ويلٌ لزيد " أدعو عليه
بالتحسر أو بالهلاك، ومنه قوله تعالى: (ويْلٌ للمُطفّفين) (3) وأمثاله
كثيرة في القرآن، ويقال: أصله: وي لفلان أي: الحزن، فقُرن بلام
الإضافة تخفيفاً. والويل: الهلاك، وقيل: أشد العذاب، وقيل:
النداء بالخسار، وفيه دليل على وجوب تعميم الأعضاء بالمطهر، وأن ترك
البعض منها غير مُجزئ، وإنما نص في الأعقاب لأنه ورد على سبب؛
لأنه- عليه السلام- رأى قوماً وأعقابهم تلوح، فتكون الألف واللام في
الأعقاب للعهد، والمراد: الأعقاب التي رآها كذلك لم يمسها الماء.
ويحتمل أن لا تخص بتلك الأعقاب/التي رآها، وتكون الأعقاب التي
صفتها هذه، ولا يجوز أن تكون الألف واللام للعموم المطلق كما لا
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (30/6634) .
(2) المصدر السابق (28/5978) .
(3) سورة المطففين: (1) .(1/262)
يخفى على الفطن الذكي، وإنما خص العقب بالعذاب؛ لأنه العضو الذي
لم يغسل، وقيل: أراد صاحب العقب فحذف المضاف، وإنما قال ذلك
لأنهم كانوا لا يستقْصُون غسل أرجلهم في الوضوء.
قوله: " أسبغوا الوضوء " أي: أكملوه وأتموه كما مر أن الإسباغ الإتمام
وإنما ترك العاطف؛ لأن هذه الجملة وقعت كالبيان للجملة الأولى، فلا
يحتاج إلى العاطف. وأخرجه مسلم، والنسائي، وابن ماجه، واتفق
البخاري ومسلم على إخراجه من حديث يوسف بن ماهك عن عبد الله بن
عمرو بنحوه (1) .
**
39- باب: الإسراف في الوضوء (2)
أي: هذا باب في بيان الإسراف في ماء الوضوء. و " الإسراف ":
التبذير. وفي بعض النسخ: " باب الإسراف في الماء "، وكلاهما قريب.
86- ص- حدثنا موسى بن إسماعيل قال: نا حماد قال: أخبرنا سعيد
الجريري، عن أبي نعامة: أن عبد الله بن مغفل سمع ابنه يقول: " اللهمّ إني
اً سْألُك القصْر الأبيض عن يمين الجنة إذا دخلتُها. قال: يا بُنيّ (3) سل الله
- عزّ وجلّ- الجنة، وتعوذ به من النّار، فإنّي سمعتُ رسول الله يقول: " إنه
سيكونُ في هذه الأمّة قوم يعْتدُون في الطُّهُور والدُعاء " (4) .
ش- سعيد الجُريري- بضم الجيم- نسبة إلى جُرير- بالضم- هو
__________
(1) البخاري: كتاب الوضوء، باب: غسل الرجلين، ولا يمسح على القدمين
(163) ، مسلم: كتاب الطهارة، باب: وجوب غسل الرجلين بكمالهما
(27/241) .
(2) في سنن أبي داود: " باب الإسراف في الماء "، وهي نسخة كما أوضحها
المصنف.
(3) في سنن أبي داود: " أي بني ".
(4) ابن ماجه: كتاب الدعاء، باب: كراهية الاعتداء في الدعاء (3864) .(1/263)
ابن إياس أبو مسعود الجُريري البصري، وجُرير هو ابن عُباد- بضم العين
وتخفيف الباء- اخو الحارث بن عباد بن ضُبيْعة، ويقال: جُرير بن عبادة
ابن ثعلبة. روى عن: أبي الطفيل، وأبي نضرة، وأبي عثمان النهدي،
وعبد الله بن شقيق، وغيرهم. روى عنه: الثوري، وشعبة،
والحمادان، وابن علية، وابن المبارك، وغيرهم. وقال ابن معين: ثقة.
وقال أبو حاتم: تغير حفظه قبل موته، فمن كتب عنه قديماً فهو صالح،
وهو حسن الحديث. توفي سنة أربع وأربعين ومائة. روى له الجماعة (1) .
وأبو نعامة- بفتح النون- اسمه قيس بن عباية البصري الحنفي. روى
عن: أنس بن مالك، وابن عبد الله بن مغفل (2) . روى عنه: الجُريري،
وزياد بن مخراق، وعثمان بن غياث، وأيوب السختياني، وغيرهم.
قال ابن معين: ثقة. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن
ماجه (3) .
وابن عبد الله بن مغفل هو سعيد وقيل زياد، ولم يُبين هاهنا. وذكر
المزي يحتمل أن يكون الداعي بهذا الدعاء يزيد، ويحتمل أن يكون غيره،
فقد ذُكر عن الحسن البصري أنه كان لعبد الله بن مغفل سبعة أولاد أسمى
بعضهم كلهم زياداً أو سعيداً.
قوله: " اللهم " معناه: يا الله، وقد ذكرناه.
قوله: " عن يمين الجنة " كلمة " عن " هاهنا ليست على حقيقته، وهو
إما بمعنى " على " نحو (فإنما يبْخلُ عن نفسه) (4) أي: على نفسه.
والمعنى: القصر الأبيض الذي على يمين الجنة، وإما بمعنى " في " كما في
قول الشاعر:
ولا تك عن حمل الرباعة وانياً
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (10/2240) .
(2) في تهذيب الكمال: " وابنٍ لعبد الله بن مغفل ".
(3) المصدر السابق (24/4913) .
(4) سورة محمد: (38) .(1/264)
قوله: " يا بني " تصغير الشفقة كما في قوله تعالى: (وإذْ قال لُقْمانُ
لابْنه وهُو يعظُهُ يا بُنيّ) (1) ، وأمثال ذلك كثيرة في القرآن، وأصل ابن
بنوً، فلما جيء بالهمزة في أوله حذفت الواو، وإنما صُغر على هذه
الصيغة لأن الهمزة غير معتد بها، فيبقى الاسم بعد التصغير على بنيو،
واجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون، فأبدلت الواو ياء،
وأدغمت الياء في الياء، وصار " بُني "، فإن قيل: لم وجب حذف
الهمزة؟ قلت: لأنها إما أن تثبت وصلاً أو تحذف، فإن حذفت أُقبل بياء
فُعيل، فإن بقيت رجعت همزة الوصل قطعية، فإن قيل: من أين قلت:
إن أصل ابن بنو؟ قلت: لأنك تقول في مؤنثه بنت كما تقول في مؤنث
الأخ أخت، ولم نر هذه التاء تلحق مؤنثاً إلا ومذكره محذوف الواو،
يدل على ذلك أخوات، فافهم.
قوله: " سل اله " أصله " اسأل " فخفف بحذف الهمزة في الموضعين،
وحركت السن لتعذر الابتداء بالساكن، يقال: سألته الشيء، وسألته
عن الشيء سؤالاً ومسألة، وهو يتعدى إلى مفعولين؛ لأن الفعل لا يخ (2)
إما أن يتعدى إلى واحد أو اثنين أو ثلاثة كما عرف في موضعه. والجنة في
اللغة: البستان، سميت داراً لبقائها إما لاشتمالها على الجنان وهي
البساتين، أو لاستتارها عن أعين الناس.
قوله: " وتعوذ به " أي: بالله، من قولك: عُذت بفلان، واستعذت
به أي: لجأت إليه.
قوله: " فإني " الفاء فيه للتعليل.
قوله: " يقول " جملة حالية من الرسول.
قوله: " إنه " أي: إن الشأن.
قوله: " في هذه الأمة " الأمة في الأصل: الجماعة. قال الأخفش:
هو في اللفظ واحد، وفي المعنى جمع، وكل جنس/في الحيوان أمة.
__________
(1) سورة لقمان: (13) .
(2) كذا، ولعلها بمعنى " لا يخرج ".(1/265)
وفي الحديث: " لولا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها " (1) .
والأمة: الطريقة والدين، يقال: فلان لا أمة له. أي: لا دين له.
والأمة: الحين. قال تعالى: (وادّّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ) (2) والإمة بالكسر:
النعمة، والإمة أيضاً لغة في الأمة، وهي الطريقة.
قوله: " قوم " القوم: الرجال دون النساء، لا واحد له من لفظه.
وقال تعالى: (لا يسْخرْ قوْم مّن قوْم) ، (ولا نساءٌ من نساء) (3) ،
وربما دخل النساء فيه على سبيل الجمع؛ لأن قوم كل نبي رجال ونساء،
وجمع القوم " أقوام "، وجمع الجمع " أقاويم "، والقوم يذكر ويؤنث؛
لأن أسماء الجموع التي لا واحد لها من لفظها إذا كان للآدميين يذكر
ويؤنث، مثل: رهط، ونفر، وقوم. قال الله تعالى: (وكذب به
قوْمُك) (4) ، وقال: (كذبتْ قوْمُ نُوج) (5) .
قوله: " يعتدون " من الاعتداء، وهو التجاوز عن الحد. وقال ابن
الأثير (6) : " ومعنى يعتدون في الدعاء: هو الخروج فيه عن الوضع
الشرعي والسُّنّة المأثورة ".
وأما الاعتداء في الطهور أن يسرف في الماء، بأن يكثر صبه أو يزيد في
الأعداد، والطهور يحتمل فيه وجهان: ضم الطاء بمعنى الفعل، ويكون
المعنى: يعتدون في نفس الطهور بأن يزيدوا في أعداده، وذلك إما من
الإسراف وهو حرام، وإما من الوسوسة وهي من الشيطان. وفتحها
__________
(1) أبو داود في: كتاب الصيد، باب: في اتخاذ الكلب للصيد وغيره (845) ،
والترمذي في: كتاب الأحكام، باب: ما جاء في قتل الكلاب (1486) ،
والنسائي في: كتاب الصيد والذبائح، باب: صفة الكلاب التي أمر بقتلها
(7/185) ، وابن ماجه في: كتاب الصيد، باب: النهي عن اقتناء الكلب
إلا كلب صيد أو حرث أو ماشية (3205) من حديث عبد الله بن مغفل.
(2) سورة يوسف: (45) .
(3) سورة الحجرات: (11) .
(4) سورة الأنعام: (66) .
(5) سورة الشعراء: (105) .
(6) النهاية (3/193) .(1/266)
بمعنى المطهر ويكون المعنى: يعتدون في الماء، بأن يكثروا صبه وسكبه.
وأخرجه ابن ماجه مقتصراً منه على الدعاء. وأخرجه الحاكم في " مستدركه "
عن أبي بكر بن إسحاق، عن محمد بن أيوب، عن موسى بن إسماعيل،
وأشار إلى صحته. وأخرجه البيهقي في " سننه " عنه، وابن حبان في
" صحيحه "، وصحّحه النووي في " شرحه ".
فإن قلت: الجُريري مشهور بالاختلاط، اختلط أيام الطاعون، وذلك
عام اثنتين وثلاثين ومائة 0 قلنا: أبو داود إمام عظيم الشأن، وسكت على
هذا، فدل على كونه مأخوذاً عن الجُريري قبل الاختلاط، وأيضاً فإن
حماد بن سلمة إمام ورع من شيوخ الإسلام، فلا يعتقد أنه يحدث عنه
بشيء سمعه منه بعد الاختلاط.
***
40- باب: الوضوء من آنية الصُّفْر
أي: هذا باب في بيان الوضوء من آنية الصُّفر- بضم الصاد وسكون
الفاء- وقال في الصحاح: " الضُفر بالضم: الذي يعمل منه الأواني،
ويقال: الشبه هو الصُفر، سمي به لأنه يشبه الذهب، ويعلم من هذا أن
الصفر النحاس الأصفر ".
87- ص- حدّثنا موسى بن إسماعيل قال: نا حماد، قال: أخبرني
صاحب لي، عن هشام بن عروة: أن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
" كُنتُ أغتسلُ أنا ورسول الله- عليه السلام- في توْرٍ من شبهٍ " (1) .
ش- أخرج الشيخ هذا الحديث من طريقين: أحدهما: منقطعة وفيها
مجهول. والأخرى: متصلة وفيها مجهول.
قوله: " ورسولُ الله " عطف على " أنا "، وقد مر نظيره مع الكلام فيه.
قوله: " في توْرٍ " التًوْرُ بفتح التاء المثناة من فوق، وسكون الواو وفي
__________
(1) تفرد به أبو داود.(1/267)
آخره راء: إناء من صُفر أو حجارة كالإجانة وقد يتوضأ منه، وكلمة " في "
هاهنا بمعنى " من " أي: من تور، وقد ذكر مثل هذا مرةً.
قوله: " من شبه " بيان للتور، والشبه بفتح الشن المعجمة، والباء
الموحدة المخففة: هًو الصفر كما ذكرنا. ويستفاد من هذا الحديث فائدتان،
الأولى: جواز اغتسال الرجل والمرأة من إناء واحد. والثانية: جواز
استعمال الأواني من النحاس.
88- ص- حدثنا محمد بن العلاء: أن إسحاق بن منصور حدثهم،
عن حماد بن سلمة، عن رجل، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة- رضي الله
عنها- عن النبي- عليه السلام- نحوه (1) .
ش- إسحاق بن منصور السلولي مولاهم أبو عبد الرحمن الكوفي.
سمع إبراهيم بن سعد، وأسباط بن نصر، وداود الطائي، وغيرهم.
روى عنه: أبو كريب، وأبو نعيم، وعباس الدوري، وغيرهم 0 قال
ابن معين: ليس به بأس. مات سنة خمس ومائتْين. روى له
الجماعة (2) .
وهشام هو ابن عروة.
واعلم أن الرجل المبهم الذي بيْن حماد بن سلمة وهشام بن عروة (3)
قد فُسّر في رواية البيهقي وغيره لهذا الحديث من رواية حوثرة بن أشرس،
عن حماد بن سلمة، عن شعبة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن
عائشة- رضي الله عنها- قالت: " كنت أغتسل أنا ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في تور
من شبه يبادرني وأبادره " تبين أن الرجل المبهم شعبة. وحوثرة بالحاء
المهملة وًالثاء المثلثة، ثقة مشهور، ذكره ابن حبان في " الثقات ".
قوله: " نحوه " أي: الحديث المذكور.
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (2/384) .
(3) في الأصل: " هشام بن سلمة " خطأ.(1/268)
89- ص- حدثنا الحسن بن عليّ قال: نا أبو الوليد وسهل بن حماد
قالا: نا عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة، عن عمرو بن يحيى، عن أبيه،
عن عبد الله بن زيد قال: " جاءنا رسولُ الله- عليه السلام- فأخرجنا له ماءً
في تورٍ [من صفرٍ] (1) فتوضأ " (2)
ش- الحسن بن علي الخلال، وقد ذُكر.
وأبو الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي البصري. سمع شعبة،
والحمادين، وابن عيينة، وغيرهم. روى عنه: البخاري، وأبو زرعة،
وأبو حاتم، وإسحاق بن راهويه، وغيرهم. قال أبو حاتم: إمام فقيه
ثقة حافظ. مات سنة سبع وعشرين ومائتين. روى له الجماعة (3) .
وسهل بن حماد أبو عتاب الدلال البصري العنْقزي بعين مهملة
ونون وقاف وزاي 0 سمع شعبة، وأبا مكين نوح بن ربيعة، وعيسى بن
عبد الرحمن السلمي. روى عنه: عديّ-بن المديني، ونصر بن علي،
وعمرو ابن علي (4) ، وغيرهم. قال أحمد: لا باس به. وقال أبو زرعة
وأبو حاتم: صالح الحديث. روى له الجماعة إلا البخاري (5) .
وعبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة ميمون الماجشون أبو عبد الله
المدني/الفقيه، سكن بغداد. سمع محمد بن المنكدر، والزهري،
وعمه يعقوب بن [أبي] سلمة، ووهب بن كيسان، وعمرو بن أبي عمرو
__________
(1) ساقط من سنن أبي داود.
(2) البخاري: كتاب الوضوء، باب: مسح الرأس كله (185) ، مسلم: كتاب
الطهارة، باب آخر في صفة الوضوء (18/235) ، الترمذي: كتاب الطهارة،
باب: المضمضة والاستنشاق (28) ، النسائي: كتاب الطهارة، باب: حد
الغسل (1/71) ، ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في مسح الرأس
(434) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (30/6584) .
(4) في الأصل: " عُمر بن علي " حطأ، وإنما هو " الفلاس ".
(5) المصدر السابق (12/2608) .(1/269)
[و] جماعة آخرين. روى عنه: الليث بن سعد، ووكيع بن الجراح،
وأبو داود الطيالسي، وغيرهم. قال أبو زرعة وأبو حاتم: ثقة. مات
ببغداد سنة أربع وستين ومائة. روى له الجماعة (1) .
وعمرو بن يحيى بن عُمارة بن أبي الحسن الأنصاري المازني المدني،
روى عن أبيه، وعباد بن تميم، ومحمد بن يحي بن حبان، وعباس بن
سهل، وغيرهم. روى عنه: أيوب السختياني، ويحيى بن أبي كثير،
وابن جريج، وشعبة، والثوري، وابن عيينة، وعبد العزيز بن أبي سلمة،
وغيرهم. وقال أبو حاتم: ثقة. روى له الجماعة (2) .
ويحيى بن عمارة الأنصاري سمع أبا سعيد الخدري، وعبد الله بن زيد
ابن عاصم المازني. روى عنه ابنه عمرو، والزهري، ومحمد بن يحيى،
وغيرهم. قال عبد الرحمن بن خراش: ثقة. روى له الجماعة (3) .
وعبد الله بن زيد بن عاصم بن [كعب] بن عمرو بن عوف المازني
الأنصاري المدني، رويا له ثمانية أحاديث. روى عنه: سعيد بن المسيب،
وابن أخيه عباد بن تميم، ويحيى بن عُمارة، وواسع بن حبان. قُتل
بالحرة سنة ثلاث وستين، وهو ابن سبعين سنة. روى له الجماعة (4) .
قوله: " فتوضأ " أي: منه، وفي رواية ابن ماجه: " فتوضأ به " (5)
وكذا في رواية ابن أبي شيبة، وروى ابن أبي شيبة عن عبد الله بن نمير،
عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر: " أنه كان لا يشرب في قدح
من صُفْر، ولا يتوضأ فيه ". وروى أيضاً عن وكيع قال: ثنا سفيان،
عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر: " أنه كان يكره الصُّفْر، وكان لا
يتوضأ فيه ". وهذا محمول على أنه إنما كرهه لأنه كان يكره رائحة الصُفْر.
__________
(1) المصدر السابق (18/3455) .
(2) المصدر السابق (22/4475) .
(3) المصدر السابق (31/6889) .
(4) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (2/312) ، وأسد الغابة
(3/250) ، والإصابة (2/302) .
(5) (471) .(1/270)
41- باب: التسمية عند الوضوء على الوضوء (1)
أي: هذا باب في بيان التسمية عند الوضوء على الوضوء. و " على
الوضوء " متعلق بالتسمية، وفي النسخ الصحيحة: " باب في التسمية
على الوضوء ".
90- ص- حدثنا قتيبة بن سعيد قال: نا محمد بن موسى، عن يعقوب
ابن سلمة، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا صلاة لمن
لا وُضُوء له، ولا وُضُوء لمن لم يذْكر [اسم] الله عليه " (2) .
ش- محمد بن موسى هو: ابن أبي عبد الله الفطري- بالفاء
المكسورة- مولى أبي مخزوم. روى عن: عبد الله بن [عبد الله بن]
أبي طلحة، وعون بن محمد، ويعقوب بن سلمة، وغيرهم. روى
عنه: عبد الله بن نافع، وابن مهدي، وقتيبة، وغيرهم. وقال الترمذي:
ثقة. وقال الطحاوي: محمودٌ في روايته. روى له الجماعة إلا
البخاري (3) .
ويعقوب بن سلمة الليثي مولاهم. روى عن أبيه. روى عنه: محمد
ابن إسماعيل بن أبي فديك، ومحمد بن موسى، وأبو عقيل يحيى بن
المتوكل. روى له: أبو داود، وابن ماجه. وليس ليعقوب بن سلمة
وأبيه عندهما سوى هذا الحديث الواحد (4) .
وسلمة الليثي والد يعقوب. روى عن أبي هريرة. روى عنه ابنه
__________
(1) في سنن أبي داود: " باب [في] التسمية على الوضوء "، وهي نسخة كما
ذكر المصنف.
(2) الترمذي: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في التسمية عند الوضوء (25) ، ابن
ماجه: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في التسمية عند الوضوء (399) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (26/5639) .
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (32/7089) .(1/271)
يعقوب، ومحمد بن موسى الفطري، وأبو عقيل يحيى. روى له:
أبو داود، وابن ماجه (1) .
قوله: " لا صلاة لمن لا وضوء له " كلمة " لا " هاهنا لنفي الجنس،
وخبرها محذوف، والتقدير: " لا صلاة حاصلة لمن لا وضوء له ".
و" لا " الثانية بمعنى " ليس "، والمعنى: " لا صلاة أيُ صلاة كانت من
الفرض والنفل لمن ليس له وضوء موجود "، وهذا بإجماع المسلمين من
السلف والخلف، أن الصلاة لا تصح إلا بالوضوء. ثم الكلام في
التسمية فظاهر الحديث يقتضي أن لا يصح الوضوء إلا بالتسمية، وإليه
ذهب أهل الظاهر، وإسحاق بن راهويه. وقال إسحاق: إذا ترك
التسمية عامداً يجب عليه إعادة الوضوء. وعن أحمد أنها واجبة، وروي
عنه أنه قال: ليس في هذا حديث يثبت، وأرجو أن يجزئه الوضوء؛
لأنه ليس في هذا حديث أحكم به. وقال جماهير العلماء: إنها سُنّة أو
مستحبة، والأحاديث التي وردت في هذا كلها ليست بصحيحة، ولا
أسانيدها مستقيمة. وقال أحمد: لا أعلم في هذا الباب حديثاً له إسناد
جيد، وأخرج الإمام أحمد في " مسنده " (2) هذا الحديث، ورواه عن
الشيخ الذي رواه أبو داود بسنده، وهو أمثل الأحاديث الواردة إسناداً.
مع أن البخاري ذكر في " تاريخه الكبير " (3) : " لا يعرف لسلمة سماع
من أبي هريرة، ولا ليعقوب من أبيه ". وأخرجه الترمذي، وابن ماجه
، من حديث سعيد بن زيد، عن رسول الله./وفي إسناده أبو ثفال،
عن رباح، أنه سمع جدته (4) . ورواه الحاكم أيضاً في " مستدركه "
وصححه (5) .
__________
(1) المصدر السابق (11/2477) .
(2) (2/418) .
(3) (4/ترجمة 2006) .
(4) الترمذي: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في التسمية عند الوضوء (25، 26)
ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في التسمية في الوضوء (398) .
(5) (4/64) ، وفي النسخة المطبوعة سكت عنه الحاكم والذهبي.(1/272)
وقال ابن القطان في كتاب " الوهم والإيهام " (1) : فيه ثلاثة مجاهيل
الأحوال: جدة رباح، ولا يُعرف لها اسم ولا حال، ولا تُعرف بغير
هذا، ورباح أيضاً مجهول الحال، وكذلك أبو ثفال مجهول الحال، مع
أنه أشهرهم لرواية جماعة عنه منهم الدراوردي. وقال ابن أبي حاتم في
كتاب " العلل ": هذا الحديث ليس عندنا بذاك الصحيح، وأبو ثفال
مجهول، ورباح مجهول " (2) .
ورواه ابن ماجه أيضاً من حديث كثير بن زيد، عن رُبيح بن
عبد الرحمن بن أبي سعيد، عن أبيه، عن أبي سعيد الخدري: أن النبي
- عليه السلام- قال: " لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه " (3) .
ورواه الحاكم أيضاً في " مستدركه " وصححه (4) . وقال محمد بن
إسماعيل: " رُبيح بن عبد الرحمن منكر الحديث ". ورواه الطبراني
أيضاً من حديث أبي سبْرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا صلاة إلا
بوضوء، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه "، ولئن سلمنا صحة هذا
الحديث فهو محمول على نفي الفضيلة، حتى لا يلزم الزيادة على مطلق
الكتاب بخبر الواحد، وذلك نحو قوله- عليه السلام-: " لا صلاة
لجار المسجد إلا في المسجد " (5) .
فإن قيل: " (6) يشكل على أحاديث التسمية حديث أخرجه أبو داود
__________
(1) انظره في: نصب الراية (1/4) .
(2) إلى هنا انتهى النقل من نصب الراية.
(3) ابن ماجه (397) : كتاب الطهارة، باب: ما جاء في التسمية في الوضوء.
(1/147) .
(5) روي من حديث أبي هريرة، وجابر بن عبد الله، وعائشة مرفوعاً، وعن علي
موقوفاً. فأما حديث أبي هريرة فرواه الدارقطني (1/420) ، والحاكم
(1/246) ، والبيهقي (3/57) ، وأما حديث جابر فرواه الدارقطني أيضا
(1/420) ، وفيه زيادة، وأما حديث عائشة فأخرجه ابن حبان في " الضعفاء "،
وأما أثر علي فأخرجه الدارقطني (1/420) ، والحديث ضعفه الشيخ الألباني
في الإرواء (491) ، ومنه استفدت التخريجات، وكذا الضعيفة (103) .
(6) انظره في: نصب الراية (1/5، 6) .
18* شرخ سن أبي داوود 1(1/273)
والنسائي وابن ماجه عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن حضين بن
المنذر، عن المهاجر بن قنفذ قال: " أتيتُ النبي- عليه السلام- وهو
يتوضأ (1) ، فسلمتُ عليه فلم يرد على، فلما فرغ قال: " إنه لم يمنعْني
أن أردّ عليك إلا أني كنتُ على غير وُضوء " (2) . ورواه ابن حبان في
" صحيحه "، والحاكم في " مستدركه " (3) وقال: إنه صحيح على شرط
الشيخين ولم يخرجاه.
والجواب عنه من وجهين، الأول: أنه معلول. والآخر: أنه معارض.
أما كونه معلولاً فقال ابن دقيق العيد في " الإمام ": سعيد بن أبي عروبة
كان قد اختلط في آخره، فيراعى فيه سماع من سمع منه قبل الاختلاط.
قال: وقد رواه النسائي من حديث شعبة (4) ، عن قتادة به، وليس فيه:
" إنه لم يمنعْني " إلى آخره. ورواه حماد بن سلمة، عن حميد وغيره عن
الحسن، عن مهاجر منقطعاً، فصار فيه ثلاث علل.
وأما كونه معارضاً مما رواه البخاري ومسلم من حديث كريب، عن ابن
عباس قال: " بت عند خالتي ميمونة ... " (5) الحديث، ففي هذا ما
يدل على جواز ذكر اسم الله تعالى، وقراءة القرآن مع الحدث " (6)
91- ص- حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح قال: نا ابن وهب، عن
الدراوردي قال: وذكر ربيعة أن تفسير حديث النبي- عليه السلام-: " لا
وُضُوء لمن لم يذْكُر اسم الله عليه " أنه الذي يتوضأ أو يغتسلُ ولا ينوى
وُضُوءاً للصلاة، ولا غُسْلاً للجنابة (7) .
__________
(1) في سنن أبي داود: " يبول " بدل " يتوضأ ".
(2) تقدم برقم (6) .
(3) (1/167) .
(4) قال الحافظ ابن حجر في النكت الظراف (8/11580 تحفة) : " وهو كذلك في
رواية ابن حيوية وابن الأحمر، وغيرهما- يعني: وجود سعيد في السند-
ولكن وقع في أصولنا من سنن النسائي رواية ابن السني " شعبة " وهو
تصحيف، فقد رواه أحمد بن حنبل في " مسنده " (4/345) عن محمد بن
جعفر، عن سعيد بن أبي عروبة ".اهـ.
(5) تقدم برقم (47) .
(6) إلى هنا انتهى النقل من نصب الراية.
(7) تفرد به أبو داود.(1/274)
ش- أحمد بن عمرو بن عبد الله بن عمرو بن السرح أبو الطاهر
القرشي الأموي، مولاهم المصري، مولى نهيك مولى عتبة بن أبي سفيان.
سمع سفيان بن عيينة، وعبد الله بن وهب، وبشر بن بكر، وغيرهم.
روى عنه: مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، وأبو زرعة،
وأبو حاتم وقال: لا بأس به. توفي سنة تسع وأربعين ومائتين (1) .
-وعبد الله بن وهب بن مسلم المصري أبو محمد القرشي الفهري. سمع
مالك بن أنس، وسفيان الثوري، وسفيان بن عيينة، وعبد العزيز
الماجشون، وغيرهم. روى عنه: الليث بن سعد، ويحيى بن بكير،
وأحمد بن عمرو، وأبو الربيع سليمان بن داود، وغيرهم. وهو من أجل
الناس وثقاتهم. توفي بمصر سنة سبع وتسعين ومائة. روى له الجماعة (2) .
والدراوردي هو عبد العزيز بن محمد، وقد ذكر.
وربيعة بن أبي عبد الرحمن المدني أبو عثمان القرشي مولاهم التيمي،
ويقال: أبو عبد الرحمن مولى آل المنكدر. سمع أنس بن مالك،
والسائب بن يزيد، ومحمد بن يحيى بن حبان، وسعيد بن المسيب،
وسليمان وعطاء ابني يسار، ومكحولاً الشامي، وغيرهم. روى عنه:
يحيى الأنصاري، وأخوه عبد ربه، ومالك بن أنس، والثوري،
وشعبة، والليث بن سعد، والأوزاعي، وغيرهم. وقال أحمد: ثقة.
وقال الحميدي: كان حافظاً. توفي بالمدينة سنة ست وثلاثين ومائة.
روى له الجماعة (3) .
قوله: " إنه " الضمير إلى الذي لا يذكر الله على الوضوء، وإنما حمل
ربيعة هذا الحديث على النية، وذلك لأن النسيان محله القلب/فوجب أن
يكون أيضاً محلاً للذكر الذي يضاد النسيان، وذكر القلب إنما هو النية.
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (1/86) .
(2) المصدر السابق (16/3645) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (1881/9) .(1/275)
هذا توجيه كلام ربيعة، ولكن الذكر الذي يضاد النسيان هو بضم الذال؛
لأن ذكر القلب لا يجيء إلا بالضم، والذكر بالكسر يكون باللسان،
والمراد بالذكر المذكور في الحديث هو ذكر اللسان بالكسر، فكيف يلتئم
كلام ربيعة؟ والظاهر أن فيه تعسفاً وتأويلاً بعيداً لا يدل عليه قط قرينة من
قرائن اللفظ، ولا من قرائن الحال، ولا حاجة إلى هذا التكلّف إذا
حملناه على نفي الفضيلة كما ذكرنا.
***
42- باب: في الرجل يدخل يده في الإناء قبل أن يغسلها
أي: هذا باب في بيان حكم الرجل إذا أدخل يده في الإناء قبل أن
يغسلها. وفي بعض النسخ: " باب: يدخل يده في الإناء قبل أن
يغسلها؟ ".
92- ص- حدثنا مسدد قال: نا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي رزين
وأبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا قام أحدُكُمْ من
الليل فلا يغْمسْ يدهُ في الإناء حتى يغسلها ثلاث مرات، فإنه لا يدْري أين
باتتْ يدُهُ " (1) .
ش- أبو معاوية الضرير، وسليمان الأعمش، وأبو رزين مسعود بن
مالك، وأبو صالح ذكوان السمان، كلهم قد ذكروا.
قوله: " من الليل " أي: من نوم الليل، وإنما قيد الليل لكونه الغالب،
__________
(1) البخاري: كتاب الوضوء، باب: الاستجمار وتراً (162) ، مسلم: كتاب
الطهارة، باب: كراهية غمس المتوضئ وغير. يده المشكوك في نجاستها في
الإناء قبل غسلها ثلاثاً له (278) ، الترمذي: كتاب الطهارة، باب: إذا استيقظ
أحدكم من منامه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها (24) ، النسائي:
كتاب الطهارة، باب: الوضوء من النوم (1/99) ، ابن ماجه: كتاب الطهارة
وسننها، باب: الرجل يستيقظ من منامه هل يدخل يده في الإناء قبل أن
يغسلها؟ (395) .(1/276)
وإلا فالحكم ليس بمخصوص بالقيام من النوم، بل المعتبر فيه الشك في
نجاسة اليد، فمتى شك في نجاستها كُره له غمسها في الإناء قبل غسلها،
سواء قام من نوم الليل أو من نوم النهار، أو شك في نجاستها من غير
نوم، وهذا مذهب الجمهور. وعن أحمد: أنه إن قام من نوم الليل
كرهه كراهة تحريم، وإن قام من نوم نهار كُره كراهة تنزيه، ووافقه داود
الظاهري اعتماداً على لفظ المبيت.
والجواب ما ذكرناه.
قوله: " فلا يغمسْ يده في الإناء " " (1) الجمهور على أن هذا نهي تنزيه
لا تحريم حتى لو غمس يده لم يُفسد الماء، ولم يأثم الغامس. وعن
الحسن البصري، وإسحاق بن راهويه، ومحمد بن جرير الطبري: إنه
ينجس إن قام من نوم الليل، وهذا ضعيف؛ لأن الأصل في الماء واليد
الطهارة، فلا ينجس بالشك، ولا يمكن أن يقال الظاهر في اليد النجاسة.
وقوله: " في الإناء " محمول على ما [إذا] كانت الآنية صغيرة
كالكُوز، أو كبيرة كالحُب ومعه آنية صغيرة، أما إذا كانت الآنية كبيرة،
وليس معه آنية صغيرة، فالنهي محمول على الإدخال على سبيل المبالغة،
حتى لو أدخل أصابع يده اليسرى مضمومة في الإناء دون الكف ويرفع الماء
من الحُب، ويصب على يده اليمنى، ويدلك الأصابع بعضها ببعض،
فيفعل كذلك ثلاثاً ثم يدخل يده اليمنى بالغاً ما بلغ في الإناء إن شاء.
وهذا الذي ذكره أصحابنا. وقال الشيخ محي الدين النووي: " وإذا كان
الماء في إناء كبير بحيث لا يمكن الصب منه، وليس معه إناء صغير يغترف
به، فطريقه أن يأخذ الماء بفمه، ثم يغسل به كفيه، أو يأخذه بطرف ثوبه
النظيف، أو يستعين بغيره " (2) .
قلنا: لو فرضنا أنه عجز عن أخذه بفمه، ولم يعتمد على طهارة
__________
(1) انظر: " شرح صحيح مسلم " (3/180- 181) .
(2) إلى هنا انتهى النقل من " شرح صحيح مسلم ".(1/277)
ثوبه، ولم يجد من يستعين به، ماذا يفعل؟ وما قاله أصحابنا أحسن
وأوسع.
قوله: " فإنه لا يدري أين باتت يده " الفاء فيه للتعليل، وذلك
" (1) لأنهم كانوا يستنجون بالأحجار، وبلادهم حارة،. فإذا نام أحدهم
عرق، فلا يأمن أن تطوف يده على ذلك الموضع النجس، أو على بثرة أو
قذرٍ [أو] غير ذلك ".
وقوله: " أين باتت يده " كناية عن وقوعها على دبره أو ذكره، أو
نجاسة، أو غير ذلك من القذر (2) ، وإنما ذكر بلفظ الكناية تحاشياً من
التصريح به، وذلك من آداب النبي- عليه السلام-، ونظائر ذلك كثيرة
من القرآن والحديث. ويستفاد من هذا الحديث فوائد:
الأولى: أن الماء القليل تؤثر فيه النجاسة وإن لم تغيره، وهذا حجة
قوية لأصحابنا في نجاسة القلتين بوقوع النجاسة فيه وإن لم تغيره، وإلا لا
يكون للنهر فائدة. وجمهور أصحابنا استدلوا على نجاسة القلتين بهذا
الحديث الصحيح، الذي أخرجه الأئمة الستة وغيرهم، ولم يعملوا
بحديث القلتين لكونه ضعيفاً كما ذكرناه.
والثانية:/استحباب غسل النجاسة ثلاثاً لأنه إذا أُمر به في المتوهمة
ففي المحققة أوْلى، ولم يزد شيء فوق الثلاث إلا في ولوغ الكلب، وقد
ذكرنا فيه أنه- عليه السلام- أوجب فيه الثلاث وخيّر فيما زاد.
الثالثة: أن موضع الاستنجاء لا يطهر بالمسح بالأحجار، بل يبقى نجساً
معفواً عنه في حق الصلاة، حتى إذا أصاب موضع المسح بلل وابتل به
سراويله أو قميصه تُنجسه.
الرابعة: أن النجاسة المتوهمة يستحب فيها الغسلُ، ولا يؤثر فيها الرّشُّ،
فإنه - عليه السلام - قال: " حتى يغسلها "، ولم يقل: " حتى يرُشها ".
__________
(1) انظر: " شرح صحيح مسلم " (3/179) .
(2) المصدر السابق (3/179- 181) .(1/278)
الخامسة: استحباب الأخذ بالاحتياط في باب العبادات.
السادسة: أن الماء يتنجس بورود النجاسة عليه، وهذا بالإجماع، وأما
ورود الماء على النجاسة فكذلك عندنا. وقال الشافعي: لا ينجس. وقال
الشيخ محيى الدين في هذا الحديث: والفرق بين ورود الماء على النجاسة
وورودها عليه: أنها (1) إذا وردت عليه نجسته، وإذا ورد عليها أزالها،
فكأنه مشعر بذلك على الخلاف المذكور. قلنا: سلمنا أنها إذا وردت عليه
نجسته وسلمنا أنه إذا ورد عليها أزالها، ولكن لا نسلم أنه يبقى طاهراً بعد
أن أزالها.
السابعة: استحباب استعمال الكنايات في المواضع التي فيها استهجان.
واعلم أن هذا كله إذا شك في نجاسة اليد، أما إذا تيقن طهارتها وأراد
غمسها قبل غسلها ثلاثاً له الخيار، إن شاء غمسها قبل الغسل، وإن شاء
بعده، وهذا مذهب الجمهور؛ لأنه- عليه السلام- نبه على العلة وهي
الشك، فإذا انتفت العلة انتفت الكراهة، ولو كان النهي عاما لقال: " إذا
أراد أحدكم استعمال الماء فلا يغمسْ يده حتى يغسلها "، وكان أعم
وأحسن. وعن بعض الشافعية: حكمه حكم الشك؛ لأن أسباب
النجاسة قد تخفى في حق معظم الناس فيسد الباب، لئلا يتساهل فيه من
لا يعرف " (2) ، وما ذكرناه يرد هذا.
وروى هذا الحديث البخاريُ من طريق مالك، عن أبي الزناد، عن
الأعرج، عن أبي هريرة: أن رسول الله وقال: " إذا توضأ أحدُكُم
فليجعل في أنفه، ثم لينتثر (3) ، ومن استجمر فليوتر، وإذا استيقظ
أحدُكم من نومه فليغسلْ يده قبل أن يُدخلها في الإناء، فإن أحدكم لا
يفري أين باتت يدُهُ ". ورواه مسلم مثل رواية أبي داود، ورواه ابن ماجه
__________
(1) في الأصل: " وأنها ".
(2) إلى هنا انتهى النقل من " شرح صحيح مسلم ".
(3) في صحيح البخاري (162) : " ثم لينثر "(1/279)
من حديث أبي الزبير، عن جابر مرفوعاً: " إذا قام أحدُكم من النوم،
فأراد أن يتوضأ، فلا يُدخل يده في وضُوئه حتى يغسلها، فإنه لا يدري أين
باتت يدُهُ، ولا على ما (1) وضعها ". ورواه الترمذي: " إذا استيقظ
أحدُكم من الليل، فلا يُدخلُ يده في الإناء حتى يُفرغ عليها مرتين أو
ثلاثاً، فإنه لا يدري أين باتت يدُهُ ". وقال: هذا حديث حسن صحيح.
وأما الذي رواه أصحابنا منهم صاحب الهداية: " فلا يغمسن " بنون
التأكيد المشددة لم يقع إلا في " مسند البزار "، فإنه رواه من حديث هشام
ابن حسان، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة مرفوعاً: " إذا
استيقظ أحدُكم من منامه فلا يغمسن يده في طهُوره حتى يُفرغ عليها ... "
الحديث.
93- ص- حدُّثنا مسدد قال: نا عيسى بن يونس، عن الأعمش، عن
أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي- عليه السلام-: " مرتين أو ثلاثا ... "
نحوه (2) . ولم يذكر أبا رزين.
ش- هذا الطريق فيه مسدد، عن عيسى بن يونس بن أبي إسحاق
السبيعي موضع أبي معاوية الضرير، عن سليمان الأعمش، عن أبي صالح
ذكوان السمان. وأسقط أبا رزين، بينهما، وذكر فيه الغسل مرتين أو ثلاثاً
نحو ما ذكره في الرواية الأولى. ويستفاد من هذه الرواية: أنه إذا اكتفى
بالغسل مرتين يجوز؛ لأنه مستحب ثلاثاً.
قلنا: إن هذا إذا شك في نجاسة اليد، أما إذا تحقق يجب عليه الغسل
إلى أن يطهر، سواء كان بالثلاث أو بما فوق ذلك.
94- ص- حدثنا أحمد بن عمرو بن السرج، ومحمد بن سلمة المرادي
قالا: نا ابن وهب، عن معاوية بن صالح، عن أبي مريم قال: سم ص.-
أبا هريرة يقول: سمعتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إذا استيقظ أحدُكُم من نومه
__________
(1) في الأصل: " م ".
(2) انظر تخريج الحديث (92) .(1/280)
فلا يُدخلُ يده في الإناء حتى يغسلها ثلاث مرات، فإن أحدكم لا يدري أين
باتتْ يدهُ، أو أين كانت تطُوفُ يدُهُ " (1) .
ش- ابن وهب هو عبد الله بن وهب.
ومعاوية بن صالح بن حُديْر أبو عمرو/الحمْصي الحضرمي، نزل
الأندلس، وكان قاضياً بها. سمع: شداداً، وسعيد بن سُويد، وزياد
ابن أبي سودة، وأيوب بن زياد الحمصي، وأبا مريم الأنصاري،
والأوزاعي، وغيرهم. روى عنه: الثوري، والليث بن سعد، وعبد الله
ابن وهب، والواقدي، وغيرهم. وقال أبو زرعة: ثقة محدث. وقال
أبو حاتم: صالحُ الحديث، حسنُ الحديث، يكتبُ حديثُه، ولا يحتج
به. وقال ابن معين: ليس برضى. توفي سنة ثمان وخمسين ومائة.
روى له الجماعة إلا البخاري (2) .
وأبو مريم الأنصاري. روى عن أبي هريرة. روى عنه: معاوية
ابن صالح، ويحيى بن أبي عمرو السيباني. روى له: الترمذي،
وأبو داود (3) .
قوله: " أو أين كانت تطوفُ يدُه " شك من الراوي. والطوْفُ:
الدوران، والمعنى: فإن أحدكم لا يدري أين دارت يده: على موضع
النجاسة أو لا؟
43- باب: في صفة وضوء رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لما فرغ عن أحكام المياه وما يتعلق بها، شرع في بيان صفة الوضوء.
الصفة والوصف مصدران، والفرق بينهما أن الصفة ما يقوم بالموصوف،
__________
(1) انظر تخريج الحديث (92) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (28/6058)
(3) المصدر السابق (34/7619) .(1/281)
والوصف ما يقوم بالواصف، والصفة أصلها وصفة كعدةٍ أصلها وعدة،
حذفت الواو منها تبعاً لفعلها المضارع؛ لأن أصل يصف توْصف.
وعندهم قاعدة: أن الواو إذا وقعت بين الياء والكسرة تحذف طلباً للخفة.
95- ص- حدثنا الحسن بن عليّ الحُلواني، قال: [حدثنا] (1)
عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الزهري، عن عطاء بن يزيد الليثي،
عن حُمران بن أبان مولى عثمان بن عفان قال: " رأيتُ عثمان بن عفان
- رضي الله عنه- توضأ فأفرغ على يديه ثلاثاً، فغسلهما، ثم مضْمض (2)
واستنْثر، ثم غسل وجْههُ ثلاثاً، وغسلً يده اليُمْنى إلى المرْفق ثلاثاً، ثم
اليُسْرى مثل ذلك، ثم مسح رأسه، ثم غسل قلمه اليُمنى ثلاثاً، ثم اليُسْرى
مثل ذلك، ثم قال: رأيتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توص مثل وُضُوئي هذا، ثم قال:
من توضأ مثل وُضُوئي هذا، ثم صلّى ركْعتين لا يحدثُ فيهما نفْسه، غفر
الله له ما تقدم من ذنبه " (3) .
ش- حُمران بن أبان بن خالد بن عبد عمرو القرشي الأموي المدني،
مولى عثمان بن عفان، كان في سبي عين التمر. سمع: عثمان بن عفان،
وعبد الله بن عمر (4) ، ومعاوية بن أبي سفيان. روى عنه: عروة بن
الزبير، ومسلم بن يسار، والحسن البصري، وعطاء بن يزيد، ونافع
مولى [ابن] عمر، وجماعة آخرون كثيرة. روى له الجماعة (5) .
__________
(1) زيادة من سنن أبي داود. (2) في سنن أبي داود: " تمضمض ".
(3) البخاري: كتاب الطهارة، باب: الوضوء ثلاثاً ثلاثاً (159) ، مسلم: كتاب
الطهارة، باب: صفة الوضوء وكماله (226) ، النسائي: كتاب الطهارة،
باب: المضمضة والاستنشاق (1/64) ، ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب:
ثواب الطهور (285) .
(4) قال محقق تهذيب الكمال (7/301) : " جاء في حاشية النسخة تعليق
للمؤلف، يتعقب فيه صاحب الكمال، قال: " ذكر في شيوخه عبد الله بن
عمر، وإنما ذلك حُمران مولى العبلات المذكور فيما بعدُ، وهو الذي يروي
عنه عطاء الخراساني ".
(5) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (7/1496) .(1/282)
وعثمان بن عفان أبو عمرو، ويقال: أبو عبد الله، ويقال: أبو ليلى
عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف،
يلتقي مع رسول الله في الأب الرابع، وهو عبد مناف. رُوي له عن
رسول الله- عليه السلام- مائة حديث وستة وأربعون حديثاً، اتفقا منها
على ثلاثة أحاديث، وانفرد البخاري بثمانية، ومسلم بخمسة. روى
عنه: زيد بن خالد الجهني، وعبد الله بن الزبير، ومحمود بن لبيد،
وابنه أبان بن عثمان، وحُمْران بن أبان، ومروان بن الحكم، وغيرهم.
ولد في السنة السادسة بعد الفيل، وقتل يوم الجمعة لثمان عشرة خلون من
ذي الحجة، سنة خمس وثلاثين، وهو ابن تسعين سنة، وصلى عليه
جبير بن مطعم، ودفن بحش كوكب، ولي الخلافة ثنتي عشر سنة.
روى له الجماعة (1) .
قوله: " فأفرغ على يديه " من أفرغت الإناء إفراغاً، وفرغته تفريغاً إذا
قلبت ما فيه، والفاء فيه فاء التفسير، وانتصاب " ثلاثاً " على أنه صفة
لمصدر محذوف أي: " إفراغاً ثلاثاً ".
قوله: " ثم مضمض " المضمضة: تحريك الماء في الفم. وقال الشيخ
محيي الدين (2) : " حقيقة المضمضة وكمالها: أن يجعل الماء في فمه،
ثم يُديره فيه، ثم يمجه، وأما أقلها فأن يجعل الماء في فمه، ولا يُشترط
إدارته على المشهور الذي قاله الجمهور. وقال جماعة من أصحابنا:
يشترط. وقال الزندوستي من أصحابنا: الأولى أن يدخل إصبعه في فمه
وأنفه، والمبالغة فيهما سُنًة. وقال الصدر الشهيد: المبالغة في المضمضة
الغرغرة.
قوله: " واستنثر " " (3) قال جمهور أهل اللغة والفقهاء والمحدثون:
__________
(1) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (3/69) ، وأسد الغابة
(3/584) ، والإصابة (2/462) .
(2) انظر: " شرح صحيح مسلم " (3/105) .
(3) انظر: " شرح صحيح مسلم " (3/105) .(1/283)
الاستنثار هو إخراج الماء من الأنف بعد الاستنشاق. وقال ابن الأعرابي،
وابن قتيبة: الاستنثار هو الاستنشاق. وقال الشيخ محيي الدين:
الصواب الأول يدل عليه الرواية الأخرى: استنشق واستنثر،/فجمع
بينهما. قال أهل اللغة: هو مأخوذ من النثرة، وهي طرف الأنف.
وقال الخطابي وغيره: هي الأنف. وقال الأزهري: روى سلمة، عن
الفراء أنه يقال: نثر الرجل وانتثر واستنثر إذا حرك النّثْرة في الطهارة ".
وقال ابن الأثير (1) : " نثر ينثر بالكسر: إذا امتخط، واستنثر استفعل
منه، أي: استنشق الماء، ثم استخرج ما في الأنف فينثرُه، وقيل: هو
من تحريك النّثْرة، وهي طرف الأنف ".
والصواب ما قاله ابن الأعرابي: أن المراد من قوله: " واستنثر "
الاستنشاق. وقول محيي الدين: أن الصواب هو الأول يدل عليه الرواية
الأخرى: " استنشق واستنثر " لا يدل على ما ادعاه؛ لأن المراد من
الاستنثار في هذه الرواية الامتخاط، وهو أن يمتخط بعد الاستنشاق.
قوله: " ثم غسل وجهه " الوجه: ما يواجه الإنسان وهو من قصاص
الشعر إلى أسفل الذقن طولاً، ومن شحمة الأذن إلى شحمة الأذن عرضاً.
قوله: " ثم غسل يده اليمنى إلى المرفق " اليد في اللغة: اسم من رؤوس
الأصابع إلى الآباط، ولكنه سقط ما وراء المرفق بالنص. والمرفق- بكسر
الميم وفتح الفاء، وبفتح الميم أيضاً-: هو موْصل الذراع في العضد.
قوله: " ثم اليسرى مثل ذلك " أي: ثم غسل يده اليسرى مثل الأولى
ثلاث مرات.
قوله: " ثم مسح رأسه " المسح: هو الإصابة، والرأس مشتمل على
الناحية والقفا والفوْدين (2) ، وظاهر الكلام يُشعر أنه مسح جميع رأسه؛
__________
(1) النهاية (5/15) .
(2) الفوْدُ: جانب الرأس مما يلي الأذن، والشعر النابت فوقه، وهما فودان.(1/284)
لان اسم الرأس حقيقة في العضو كله، والفقهاء اختلفوا في القدر
الواجب من المسح، وليس في الحديث ما يدل على ذلك.
قوله: " ثم غسل قدمه اليمنى " أي: رجله اليمنى، وفيه رد صريح
على الروافض في قولهم: إن الواجب في الرجلين المسح.
وقوله: " ثلاثاً " يدل على أن المستحب غسل الرجلين ثلاثاً، رد القول
بعضهم أنهم لا يرون بهذا العدد في الرجل كما في غيرها من الأعضاء،
وهم يستدلون بما ورد في بعض الروايات: " فغسل رجليه حتى أنقاهما "
ولم يذكر عدداً، ولكن الأخذ بالرواية التي فيها العدد أوْلى لما فيها من
الزيادة
قوله: " ثم اليسرى مثل ذلك " أي: ثم غسل قدمه اليسرى مثل ذلك
ثلاث مرات، وهذا الحديث أصل عظيم في صفة الوضوء، والأصل في
الواجب غسل الأعضاء مرة مرة، والزيادة عليها سُنّة؛ لان الأحاديث
الصحيحة وردت بالغسل ثلاثاً ثلاثاً، ومرة مرة، وبعض الأعضاء ثلاثا
ثلاثاً، وبعضها مرتين، وبعضها مرة، فالاختلاف على هذه الصفة دليل
الجواز في الكل، وأن الثلاث هي الكمال، والواحدة تجزئ، وعن هذا
قال أصحابنا: الأولى فرض، والثانية مستحبة، والثالثة سُنّة، ويقال:
كلاهما سُنة، ويقال: كلاهما مستحب، وأما ما اختلف الرواة فيه عن
الصحابي الواحد في القضية الواحدة، فذلك محمول على أن بعضهم
حفظ وبعضهم نسي، فيؤخذ بما زاده الثقة. ويستفاد من هذا الحديث فوائد:
الأولى: استحباب غسل اليدين في ابتداء الوضوء قبل إدخالهما في
الإناء، سواء قام من النوم أو لا، يدل عليها قوله: " فأفرغ على يديه "،
وحديث المستيقظ لا يفيد الاستحباب إلا عند القيام من النوم.
الثانية: استحباب الإفراغ على اليدين معاً يدل عليها قوله: " على
يديه "، وقد تبين في حديث آخر أنه أفرغ بيده اليمنى على اليسرى، ثم
غسلهما، وقوله: " غسلهما " قدر مشترك بين كونه غسلهما مجموعتين أو
متفرقتين، واختلف الفقهاء أيهما أفضل.(1/285)
الثالثة: فيه بيان لما أُهمل من ذكر العدد في حديث أبي هريرة: " إذا
استيقظ أحدُكم من نومه فليغسلْ يديْه " (1) بدون ذكر العدد، وقد ورد في
حديث أبي هريرة أيضاً ذكر العدد في الصحيح، يدل عليها قوله:
" ثلاثاً ".
الرابعة: فيه بيان استحباب الترتيب المفهوم من كلمة " ثم " المقتضي
للترتيب
قوله: " ثم قال " أي: ثم قال عثمان- رضي الله عنه- بعد فراغه من
وضوئه.
قوله: " توضأ مثل وُضوئي هذا " اعلم [أن] كلمة المثل بكسر الميم
وسكون الثاء، والمثلُ بفتحتين، كلاهما بمعنى النظير، يقال: مثل ومثل
ومثيل، كشبْهٍ وشبهٍ وشبيهٍ، والمثل في اصطلاحهم المجاز المركب الذي
يقال له: التمثيل على سبيل الاستعارة لا على سبيل/التشبيه ولا في
معناه الأصلي.
قوله: " من توضأ وُضوئي هذا " أي: كوضوئي أو نحو وضوئي، وفي
رواية مسلم: " نحو وضوئي هذا ". وقال الشيخ محيي الدين (2) :
" إنما قال: نحو وضوئي ولم يقل " مثل " لأن حقيقة مماثلته لا يقدر عليها
غيره ".
قلنا: معنى " نحو " هاهنا أيضاً معنى المثل؛ لأن كلا منهما من
أدوات (3) التشبيه، ولو قال: مثل وضوئي أيضاً لا يلزم ما ذكره؛ لأن
التشبيه لا عموم له.
قوله: " ثم صلى ركعتين " هذه الصلاة مستحبة، وقالت الشافعية:
__________
(1) البخاري (162) ، ومسلم (278/88 مكرر) .
(2) انظر: " شرح صحيح مسلم " (3/108) .
(3) في الأصل: " أدات " بدون " واو ".(1/286)
سُنّة مؤكدة. ويرُدُ ذلك عليهم ما ورد في الصحيح: " هل علي غيرهن؟
قال: لا، إلا أن تطوع " (1) .
قوله: " لا يحدث فيهما نفسه " (2) المعنى: لا يحدث بشيء في أمور
الدنيا، وما لا يتعلق بالصلاة، ولو عرض له حديث فأعرض عنه،
فبمجرد إعراضه عنه عُفي له ذلك، وجعلت له هذه الفضيلة؛ لأن هذا
ليس من فعله، وقد عُفي لهذه الأمة عن الخواطر التي تعرض ولا تستقر.
وقال القاضي عياض: يريد بحديث النفس الحديث المجْتلبُ والمكتسب،
وأما ما يقع في الخاطر غالباً فليس هو المراد، وقوله: " لا يحدث نفسه "
إشارة إلى أن ذلك الحديث مما يكتسب لإضافته إليه.
وقال بعضهم: هذا الذي يكون من غير قصد يرجى أن تُقبل معه
الصلاة، ويكون دون صلاة من لم يحدث نفسه بشيء؛ لأن النبي- عليه
السلام- ضمن الغُفران لمراعي ذلك؛ لأنه قل من تسْلمُ صلاتُه من
حديث النفس، وإنما حصلت له هذه المرتبة لمجاهدة نفسه من خطرات
الشياطين، ونفيها عنه، ومحافظته عليها، حتى لم يشتغل عنها طرفة
عين، وسلم من الشيطان باجتهاده، وتفريغه قلبه، ولو حدث نفسه فيما
يتعلق بأمور الآخرة، كالفكر في معاني المتلو من القرآن العزيز،
والمذكور (3) من الدعوات والأذكار أو في أمر محمود أو مندوب إليه لا
يضر ذلك، وقد ورد عن عمر- رضي الله عنه- أنه [قال: إني] (4)
لأجهز الجيش وأنا في الصلاة "، أو كما قال.
قوله: " غفر الله له ما تقدم من ذنبه " الغفْر والغُفْران: الستر، ومنه
المغْفر لأنه يستر الرأس. وقال ابن الأثير: " أصل الغفر: التغطية،
والمغْفرةُ: إلباس الله تعالى العفو للمذنبين " (5) .
__________
(1) يأتي برقم (375) . (2) انظر: " شرح صحيح مسلم " (9/103) .
(3) في الأصل: " والمذك "، وما أثبتناه من " عمدة القاري " (2/301) .
(4) غير واضح في الأصل، وما أثبتناه من " عمدة القاري " (2/301) .
(5) انظر: النهاية (3/373) .(1/287)
فظاهر الحديث يعم جميع الذنوب، وقد خصوا مثله بالصغائر فقالوا:
إنما الكبائر إنما تكفّرُ بالتوبة. وأخرج هذا الحديث البخاري، ومسلم،
والنسائي.
96- ص- حدثنا محمد بن المثنى قال: نا الضحاك بن مخلد قال:
أخبرنا عبد الرحمن بن وردان قال: نا أبو سلمة بن عبد الرحمن قال:
حدّثني حُمْرانُ قال: رأيت عثمان بن عفان توضأ، فذكره نحوه، ولم يذكر
" المضمضة والاستنثار (1) " قال: وفيه: " ومسح رأسه ثلاثاً، ثم غسل
رجليْه " ثم قال: رأيتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توضأ هكذا، وقال: " من توضأ دون
هذا كفاه " ولم يذكر أمر الصلاة (2) .
ش- الضحاك بن مخلد بن الضحاك بن مسلم بن رافع بن وكيع
أبو عاصم النبيل، وقد ذُكر مرة بكنيته.
وعبد الرحمن بن وردان أبو بكر الغفاري. سمع: أبا سلمة بن
عبد الرحمن، وسعيد [ا] المقبري. روى عن أنس بن مالك. روى
عنه: أبو عاصم النبيل، ومروان بن معاوية. وقال ابن معين: صالح.
روى له أبو داود (3) .
وأبو سلمة قد ذُكر.
قوله: " فذكر نحوه " أي: نحو الحديث الذي مضى.
قوله: " ولم يذكر المضمضة والاستنثار " قد قلنا: إن الرُواة إذا اختلفوا
عن الصحابي في قضية واحدة يُعمل برواية منْ زاد إذا كان ثقة، وقد
عملنا بالزيادتين، الزيادة الواحدة في الرواية التي مضت، والزيادة
الأخرى في هذه الرواية، وهى قوله: " ومسح رأسه ثلاثاً "، وبهذه
الزيادة تمسكت الشافعية أن السُّنة في مسح الرأس: أن يمسح ثلاثاً،
ولكن عندنا هذا محمول [على] المسح ثلاثاً بماء واحد، وهو
__________
(1) في سنن أبي داود: " والاستنشاق ". (2) انظر: تخريج الحديث (95) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (17/3988) .(1/288)
مشروع عندنا على ما روي عن أبي حنيفة، صرح بذلك صاحب
" الهداية ".
قوله: " من توضأ دون هذا " أشار بهذا إلى أنه لو غسل أعضاءه مرة،
ومسح رأسه مرة كفاه؛ لأنه ورد ذلك أيضاً في " صحيح " (1) كما ذكرناه.
97- ص- حدّثنا محمد بن داود بن أبي ناجية الإسكندراني قال:
أخبرنا زياد بن يونس قال: نا سعيد بن زياد المؤذن/عن عثمان بن
عبد الرحمن التيمي قال: سُئل ابنُ أبي مُليكة عن الوُضُوء فقال: رأيتُ
عثمان بن عفان يُسأل عن الوضوء، فدعا بماء، فأتي بميْضأة، فأصْغاها على
يده اليُمنى، ثم أدْخلها في الماء، فتمضمض ثلاثاً، واسْتنْثر ثلاثاً، وغسل
وجْههُ ثلاثاً، وغسل (2) يده اليُمنى ثلاثاً، وغسل يدهُ اليُسرى ثلاثاً، ثم
اًدْخل يده فأخذ ماءً فمسح برأسه وأذنيه، فغسل بُطُونهُما وظُهُورهُما مرةً
واحدةً، ثم غسل رجْليْه، ثم قال. أين السّائلون عن الوُضوء؟ هكذا رأيتُ
رسول الله يتوضأ " (3) .
ش- محمد بن داود بن أبي سفيان رزق بن داود بن ناجية بن عمير،
وهو ابن أبي ناجية الإسكندراني أبو عبد الله. روى عن: عبد الرزاق،
وزياد بن يونس الحضرمي. روى عنه: أبو داود، والنسائي، وعمر بن
أحمد بن السُّني. مات سنة إحدى وخمسين ومائتين بالإسكندرية (4)
وزياد بن يونس روى عن: نافع بن عمر الجُمحي، ونافع بن أبي نعيم،
وسعيد بن زياد المؤدب. روى عنه: محمد بن داود الإسكندراني،
ويونس بن عبد الأعلى. روى له أبو داود (5) .
وسعيد بن زياد المكتب المؤذن مولى بني زهرة. روى عن: عثمان بن
__________
(1) كذا، ويعني: " الصحيح ". (2) في سنن أبي داود: " ثم غسل "
(3) انظر تخريج الحديث (95) .
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (25/5201) .
(5) المصدر السابق (9/2074) .
19 * شرح سنن أبي داوود 1(1/289)
عبد الرحمن، وسليمان بن يسار، وعبد الله بن محمد. روى عنه:
وكيع، وزياد بن يونس، وخالد بن مخلد. روى له: أبو داود،
والنسائي (1) .
وعثمان بن عبد الرحمن بن عثمان بن عبيد الله التيمي القرشي الحجازي
أخو معاذ. روى عن أبيه وأخيه. سمع: أنس بن مالك، وربيعة بن
عبد الله. روى عنه: يحيى بن محمد بن طحْلاء، وأبو بكر بن المنكدر،
والضحاك بن عثمان، ومحمد بن طلحة، وغيرهم. وقال أبو حاتم:
ثقة. روى له: البخاري، وأبو داود، والترمذي (2) .
وابن أبي مُليكة: عبد الله بن عبيد الله بن أبي مُليكة القرشي التيمي،
وقد ذكر.
قوله: " رأيت عثمان " بمعنى: أبصرت، فلهذا اقتصر على مفعول
واحد.
وقوله: " يسأل " حال من عثمان.
قوله: " فأتي بميضأة " بكسر الميم، وهي المطهرة يتوضأ بها مفْعلة من
الوضوء.
قوله: " فأصغاها " أي: أمالها من الإصغاء، والمعنى: أمالها حتى
سكب على يده الماء.
قوله: " ثم أدخل يده " أي: في الميضأة " فأخذ ماء، فمسح برأسه
وأذنيه "، وهو حجة لأبي حنيفة على أن الأذنين يُمسحان بماء الرأس.
قوله: " فغسل بطونهما وظهورهما " والمراد: بطناهما وظهراهما،
ويطلق الجمع على التثنية مجازاً كما في قوله تعالى: (فقدْ صغتْ
قُلُوبُكُما) (3) أي: قلْباكُما، وأطلق الغسل على المسح مجازاً؛ لأن
الأذنين لا يغسلان بالإجماع.
__________
(1) المصدر السابق (10/2275) . (2) المصدر السابق (19/3836) .
(3) سورة التحريم: (4) .(1/290)
ص- قال أبو داود: أحاديث عثمان الصحاح كلها تدل على مسح الرأس
أنه مرة، فإنهم ذكروا الوضوء ثلاثاً، وقالوا (1) فيها (1) : مسح رأسه، ولم
يذكروا عدداً كما ذكروا في غيره.
" الصحاح ": صفة لقوله: " أحاديث "، وهي مبتدأ وخبره قوله:
" تدل ".
قوله: " أنه " أي: أن مسح الرأس.
وقوله: " مرة " بالرفع خبر " أنّ "، ومحل " أنه مرةٌ " جر؛ لأنها بدل
من قوله: " على مسح الرأس " والفاء في قوله: " فإنهم " تعليل لقوله:
" تدل على مسح الرأس أنه مرة ".
قوله: " في غيره " أي: في غير مسح الرأس.
98- ص- حدثنا إبراهيم بن موسى قال: نا عيسى قال: نا عبيد الله
- يعني: ابن أبي زياد-، عن عبد الله بن عبيد بن عُمير، عن أبي علقمة:
" أن عثمان رضي الله عنه دعا بماء فتوضأ، فأفرغ بيده اليُمْنى على اليُسرى،
ثم غسلهُما إلى الكُوعيْن، قال: ثم تمضمض (2) واسْتنْشق ثلاثاً، ثم ذكر
الوضوء ثلاثاً، قال: ثم مسح (3) برأسه، ثم غسل رجليْه وقال: رأيتُ
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضأ مثل ما رأيتُمُوني تًوضأتُ " ثم ساق نحو حديث
الزهري وأتم (4) .
ش- إبراهيم بن موسى بن يزيد، وعيسى بن يونس ذُكرا.
وعبيد الله بن أبي زياد المكي. روى عنه (5) : عبيد الله بن موسى،
ويعقوب بن إبراهيم. روى له: أبو داود، والترمذي، وابن ماجه،
والنسائي (6) . وفي بعض النسخ " عبد الله بن أبي زياد " مكبراً. وقال
زكي الدين: فيه مقال (7) .
__________
(1) في الأصل: " قالوا وفيها "، وما أثبتناه من سنن أبي داود.
(2) في سنن أبي داود: " مضمض ". (3) في سنن أبي داود: " ومسح ".
(4) انظر تخريج الحديث (95) . (5) في الأصل: " عن " خطأ.
(6) كذا، ولم يذكر المزيُ " النسائي " فيمن روى له.
(7) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (19/3635) .(1/291)
وعبد الله بن عبيد بن عمير بن قتادة بن سعد بن عامر بن جُنْدع بن ليث
أبو هاشم الليثي المكي. روى عن: أبيه، وعبد الله بن عمر، وعائشة،
والحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة. روى عنه: الزهري (1) .
[ (2) 99- حدثنا هارون بن عبد الله، حدثنا يحيى بن آدم، حدثنا
إسرائيل، عن عامر بن شقيق بن جمرة، عن شقيق بن سلمة قال: " رأيتُ
عثمان بن عفان غسل ذراعيه ثلاثاً ثلاثاً، ومسح رأسه ثلاثاً، ثم قال: رأيتُ
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعل هذا " (3) .
قال أبو داود: رواه وكيع عن إسرائيل قال: توضأ ثلاثاً، فقط.
100- حدثنا مُسدد، حدثنا أبو عوانة، عن خالد بن علقم عن عبد خير،
قال: " أتانا علي- رضي الله عنه- وقد صلى، فدعا بطهُور، فقلنا: ما
يصنعُ بالطهُور وقد صلى؟ ما يريد إلا ليُعلمنا، فأتي بإناء فيه ماءٌ وطسْت،
فافرغ من الإناء على يمينه فغسل يديه ثلاثاً، ثم تمضمضً واستنثر ثلاثاً،
فمضمض ونثر من الكفً الذي يأخذ فيه، ثم غسل وجههُ ثلاثاً، ثم غسل
يده اليُمنى ثلاثاً، وغسل يده الشمال ثلاثاً، ثم جعل يده في الإناء، فمسح
برأسه مرة واحدة، ثم غسل رجله اليُمنى ثلاثاً، ورجله الشمال ثلاثاً، ثم
قال. من سره أن يعلم وُضوء رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فهو هذا " (4) .
101- حدثنا الحسن بن علي الحُلواني، حدثنا الحُسين بن علي الجُعْفي،
__________
(1) المصدر السابق (15/3406) .
(2) سقط من التصوير ورقة كاملة، وهي [1/41- ب: 42- أ] ، وفيها الأحاديث
(110: 116، وبعض 117) بترقيم سنن أبي داود المطبوع، وقد رأيت
إثباتها من سنن أبي داود لتعم الفائدة.
(3) تفرد به أبو داود.
(4) الترمذي: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في وضوء النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كيف كان
(48) ، النسائي: كتاب الطهارة، باب: عدد غسل الوجه، وباب: عدد
غسل اليدين (1/68) .(1/292)
عن زائدة، حدثنا خالد بن علقمة الهمداني، عن عبد خير، قال: صلى
علي رضي الله عنه الغداة، ثم دخل الرّحْبة فدعا بماء، فأتاه الغلامُ بإناء فيه
ماءٌ وطسْت، قال: فأخذ الإناء بيده اليُمنى فأفرغ عفى يده اليُسْرى وغسل
كفيه [ثلاثا] ، ثم ادخل يده اليُمنى في الإناء فمضمض ثلاثاً، ثم ساق قريباً
من حديث أبي عوانة، قال: ثم مسح رأسه مُقدمه ومُؤخّره مرة، ثم ساق
الحديث نحوه " (1) .
102- حدثنا محمد بن المثنى، حدثني محمد بن جعفر، حدثني شعبة،
قال: سمعتُ مالك بن عُرْفُطة، سمعت عبْد خيْر " رأيت عليا- رضي الله
عنه- أتي بكرسي فقعد عليه، ثم أتي بكُوز من ماء، فغسل يديه ثلاثاً، ثم
تمضمض مع الاستنشاق بماء واحدٍ، وذكر الحديث " (2) .
103- حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا أبو نعيم، حدّثنا ربيعةُ الكنانيُّ،
عن المنْهال بن عمرو، عن زرّ بن حُبيْش: أنه سمع عليا- رضي الله عنه-
وسئل عن وُضوء رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فذكر الحديث، وقال: " ومسح على
رأسه حتى الماء يقطُرُ، وغسلً رجليه ثلاثاً ثلاثاً، ثم قال: هكذا كان وُضوءُ
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " (3) .
104- حدثنا زياد بن أيوب الطوسي، حدثنا عُبيد الله بن موسى، حدّثنا
فطرٌ، عن أبي فرْوة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: " رأيت عليا
- رضي الله عنه- توضأ فغسل وجهه ثلاثاً، وغسل ذراعيه ثلاثاً، ومسح
برأسه واحدة، ثم قال. هكذا توضأ رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " (4) .
105- حدّثنا مُسدد وأبو توْبة، قالا: حدًّثنا أبو الأحوص، ح، وحدثنا
عمرو بن عون، أخبرنا أبو الأحوص، عن أبي إسحاق، عن أبي حية، قال:
__________
(1) انظر التخريج السابق. (2) انظر تخريج الحديث رقم (100) .
(3) تفرد به أبو داود.
(4) تفرد به أبو داود.(1/293)
" رأيت عليا- رضي الله عنه- توضأ، فذكر وُضوءه كله ثلاثاً ثلاثا، قال:
ثم مسح رأسه، ثم غسل رجليه إلى الكعبين، ثم قال: إنما أحببتُ أن أريكم
طُهور رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " (1) .
106- حدّثنا عبد العزيز بن يحيى الحراني، حدثنا محمد- يعني: ابن
سلمة- عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن طلحة بن يزيد بن رُكانة،
عن عبيد الله الخولاني، عن ابن عباس] /قال: " دخل عليَّ عليُّ بن
أبي طالب- رضي الله عنه- وقد أهْراق الماء، فدعا بوضُوء، فأتيناه بتوْرٍ فيه
ماء حتى وضعناه بين يديْه فقال: يا ابن عباس، ألا أريك كيْف كان يتوضأ
رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قلت: بلى، فأصْغى الإناء على يده فغسلهما (2) ، ثم ادخل
يده اليُمنى، وأفْرغ (3) بها على الأخْرى، ثم غسل كفّيْه ثلاثاً، ثم تمضْمض
واسْتنثر، ثم أدخل يديْه في الإناء جميعا، فأخذ بهما حفنة من ماء، فضرب
بها على وجْهه، ثم ألقم إبْهاميْه ما أقبل من أذُنيه، ثم الثانية، ثم الثالثة مثل
ذلك، ثم أخذ بكفه اليمنى قبضة من ماء فصبها على ناصيته، فتركها
يسْتن (4) على وجْهه، ثم غسل ذراعيْه إلى المرفقين ثلاثاً (5) ، ثم مسح رأسهُ
وظُهُور أذنيه، ثم أدخل يديه جميعاً، فأخذ حفنة من ماء فضرب بها على
رجْله، وفيها النعْلُ، ففتلها بها، ثم الأخرى مثل ذلك. قال: قلتُ: وفي
النعْلين؟ قال: وفي النعلين. قال: قلتُ: وفي النعلين؟ قال: وفي النعلين.
قال: قلتُ: وفي النعلين؟ قال: وفي النعلين " (6) .
ش- محمد بن إسحاق بن يسار.
__________
(1) الترمذي: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في وضوء النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كيف كان؟
(48) ، النسائي: كتاب الطهارة، باب: عدد غسل الرجلين (1/79) .
(2) في سنن أبي داود: " فغسلها ". (3) في سنن أبي داود: " فأفرغ ".
(4) في سنن أبي داود: " تسْتن ". (5) في سنن أبي داود: " ثلاثاً ثلاثاً ".
(6) تفرد به أبو داود.(1/294)
ومحمد بن طلحة بن يزيد بن رُكانة بن عبد يزيد بن المطلب بن
عبد مناف القرشي المُطلبي. روى عن: عبيد الله الخولاني، وسالم بن
عبد الله، وعكرمة مولى ابن عباس. روى عنه: عمرو بن دينار،
ومحمد بن إسحاق بن يسار، وحصين بن عبد الرحمن. قال ابن معين:
هو ثقة روى له: أبو داود، وابن ماجه (1) .
وعبيد الله بن الأسود الخولاني، ربيب ميمونة زوج النبي- عليه
السلام-. روى عن: عثمان بن عفان، وميمونة. روى عنه عاصم بن
عمر (2) بن قتادة. كذا قال في " الكمال "، وقال ابن حبان: عبيد الله
ابن راشد الخولاني ربيب ميمونة. روى عن: عثمان، وزيد بن خالد.
عداده من أهل المدينة. روى عنه: صم بن عمر (2) ، وبُسْر بن
سعيد (3) .
قوله: " وقد أهراق " أي: أراق، والهاء فيه زائدة.
قوله: " ألا أريك " " ألا " كلمة تنبيه تدل على تحقق ما بعدها، وتجيء
بمعنى التوبيخ، والإنكار، والتمني، والاستفهام عن النفي، والعرض،
والتحضيض.
قو له: " فأصغى " أي: أمال.
قوله: " واستنثر " أي: استنشق، وفي بعض الرواية: " هكذا ".
وقال الخطابي: معناه: استنشق الماء، ثم أخرجه من أنفه.
قوله: " حفْنة " الحفنة: ملء الكف.
قوله: " فضرب بها " أي: بالحفنة وجهه. فيه دليل على أن ضرب الماء
على وجهه في الوضوء لا يكره، ردا على قول من يرى كراهة ذلك.
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (25/5314) .
(2) في الأصل: " عاصم بن عمرو " خطأ.
(3) في الأصل: " بشر بن سعد "، وانظر ترجمته في: تهذيب الكمال
(19/ص 6، ترجمة 3619 م) .(1/295)
قوله: " ثم ألقم إبهاميه " أي: أدخل إبهاميه ما أقبل من أذنيه، من
الإلقام، كأنه جعلهما لقمة لأذنيه، وقوله: " ما أقبل " مفعول " ألقم ".
قوله: " ثم الثانية " أي: ثم فعل المرة الثانية والثالثة مثل ما فعل في
الأولى.
قوله: " يسْتنُ على وجهه " أي: يسيلُ وينصب من سننْت الماء إذا صببته
صبا سهلاً.
قوله: " وظهور أذنيه " أي: مسح ظهري أذنيه، أطلق الجمع على
التثنية مجازاً، ومن هذا أخذ الشعبي وقال: إن ظاهر الأذنين من الرأس،
وباطنها من الوجه.
قوله: " وفيها النعل " جملة وقعت حالاً من رجله، النعل مؤنثة، وهي
التي تلبس في المشي، تُسمّى الآن: تاسُومة.
قوله: " ففتلها بها " أي: فتل النعل بتلك الحفنة من الماء، ومعنى
فتلها: أدار بيده فوق القدم وتحت النعل.
قوله: " ثم الأخرى مثل ذلك " أي: فعل في رجله الأخرى مثل ما فعل
في الأولى.
قوله: " قال: قلت " الضمير فيهما راجع إلى عبيد الله الخولاني،
والضمير الذي في قوله: " قال: وفي النعلين " راجع إلى ابن عباس
- رضي الله عنه-. واحتج بهذا الحديث الروافض ومن ذهب مذهبهم في
إباحة المسح على الرجلين في الطهارة من الحدث، واحتج بذلك أيضاً
بعضُ أهل الكلام منهم: الجبائي في أن المرء مُخير بين غسل الرجل
ومسحها، وحكي ذلك أيضاً عن محمد بن جرير، واحتجوا في ذلك
أيضاً بقراءة الجر في قوله تعالى: (وأرْجُلكُم) (1) . والجواب عن
الحديث أن فيه مقالاً، وقد قال الترمذي: سألت محمد بن إسماعيل عنه
__________
(1) سورة المائدة: (6) .(1/296)
فضعفه وقال: " ما أدري ما هذا ". وعلى تقدير ثبوت الحديث يحتمل
أن تكون (1) تلك/الحفنةُ من الماء قد وصلت إلى ظاهر القدم وباطنه،
وإن كان في النعل، ويدل على ذلك قوله: " ففتلها بها، ثم الأخرى
مثل ذلك "، والحفنة من الماء ربما كفت مع الرفق في مثل هذا، ولو كان
أراد المسح على بعض القدم لكان يكفيه ما دون الحفنة. وقد روي عن علي
- رضي الله عنه- في غير هذه الرواية: " أنه توضأ ومسح على نعليه،
وقال: هذا وضوء من لم يحدث " (2) .
والجواب عن قراءة الجر في الآية: " (3) أن العطف قد يقع مرة على
اللفظ المجاور، ومرة على المعنى المجاور، فالأول كقولهم: جحر ضب
خربٍ، والخرب من نعت الجحر وهو مرفوع، والآخر كقول الشاعر:
مُعاوي إننا بشرٌ فأسجح ... فلسنا بالجبال ولا الحديدا
وإذا كان الأمر في ذلك على مذهب اللغة وحكم الإعراب سواء في
الوجهين، وجب الرجوع إلى بيان النبي- عليه السلام-، وقد ثبت عنه
أنه قال: " ويل للأعقاب من النار " (4) ، فثبت أن استيعاب الرجلين
غسلاً واجب، وقد يكون المسح في كلام العرب بمعنى الغسل.
وعن أبي زيد الأنصاري: المسح في كلام العرب يكون غسلاً ويكون
مسحاً، ومنه يقال للرجل إذا توضأ فغسل أعضاءه قد تمسح، ويقال:
مسح الله ما بك، أي: أذهبه عنك وطهرك من الذنوب " (5) .
وعن عليّ- رضي الله عنه-: أنه أشرف على فتية من قريش، فرأى
في وضوئهم تساهلاً فقال: " ويل للأعقاب من النار "، فلما سمعوا
جعلوا يغسلونها غسلاً، ويدلكونها دلكاً.
__________
(1) في الأصل: " يكون ".
(2) النسائي في كتاب الطهارة، باب: الاعتداء في الوضوء (1/84- 85) . وقال
الحافظ في " الفتح ": " وهي- أي هذه الزيادة- على شرط الصحيح ".
(3) انظر: معالم السنن 11/43- 44) . (4) تقدم برقم (85) .
(5) إلى هنا انتهى النقل من معالم السنن.(1/297)
وعن ابن عباس، عن النبي- عليه السلام-: " ويل للأعقاب من
النار ". وعن جابر عنه: " ويل للعراقيب ". وعن عائشة: " لأن
تُقطعا أحب إليّ من أن أمسح على القدمين من غير خُف ". وعن عطاء:
والله ما علمت أن أحداً من أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسح على القدمين.
ص- قال أبو داود: وحديث ابن جريج عن شيبة يُشبه حديث علي؛
لأنه قال فيه: حجاج بن محمد، عن ابن جريج: " ومسح برأسه مرة
واحدة ". وقال ابن وهب فيه: عن ابن جريج: " ومسح برأسه ثلاثاً ".
ش- شيبة هذا قد سمع محمد بن علي بن الحسين بن عليّ بن
أبي طالب. روى عنه ابن جريج. روى له: أبو داود، والنسائي (1) .
وحجاج بن محمد بن الأعور قد ذكر.
وابن وهب هو عبد الله بن وهب، وقد ذكر غير مرة.
107- ص- حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن عمرو بن يحيى
المازني، عن أبيه، أنه قال لعبد الله بن زيد بن عاصم- وهو جد عمرو بن
يحيى-: " هل تستطيعُ أن تُريني كيف كان رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتوضأ؟ فقال
عبد الله بن زيد: نعم، فدعا بوضُوء، فأفرغ على يديْه، فغسل يديه، ثم
تمضمض، واسْتنْثر ثلاثاً، ثم غسل وجهه ثلاثاً، ثم غسل يديه مرتين مرتين
إلى المرفقين، ثم مسح رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر: [بدأ] (2) بمُقدّم رأسه
ثم ذهب بهما إلى قفاهُ، ثم ردهما حتى رجع إلى المكان الذي بدأ منه، ثم
غسل رجليه " (3) .
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (12/2790) .
(2) ساقط من الأصل، وأثبتناه من سنن أبي داود.
(3) البخاري: كتاب الوضوء، باب: مسح الرأس كله (185) ، مسلم: كتاب
الطهارة، باب آخر في صفة الوضوء (235) ، الترمذي: كتاب أبواب
الطهارة، باب: المضمضة والاستنشاق من كف واحد (28) ، النسائي: كتاب
الطهارة، باب: حد الغسيل (1/71) ، ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب:
ما جاء في مسح الرأس (434) .(1/298)
ش- مالك هو: ابن أنس الإمام، وعمرو بن يحيى وأبوه يحيى،
وعبد الله بن زيد الصحابي، كلهم ذكروا.
قوله: " وهو جد عمرو بن يحيى " أي: عبد الله بن زيد هو جد عمرو
ابن يحيى من الأم؛ لا امرأة يحيى هي ابنة عبد الله بن زيد.
قوله: " فدعا بوضوء ": بفتح الواو وهو الماء الذي يتوضأ به.
قوله: " فأفرغ على يده (1) " أي: صبه وسكبه، فيه استحباب تقديم
غسل اليدين قبل غمسهما في الإناء.
قوله: " ثم تمضمض واستنثر ثلاثاً " أي: تمضمض ثلاث مرات،
واستنشق ثلاث مرات فيه دلالة ظاهرة أن السُّنة في المضمضة والاستنشاق
أن يكون كل واحد منهما ثلاث مرات.
قوله: " ثم غسل يديه مرتين مرتين " فيه دلالة على جواز مخالفة
الأعضاء، وغسل بعضها ثلاثاً، وبعضها مرتين، وبعضها مرة، وهذا
جائز. والوضوء على هذه الصفة صحيح بلا شك، ولكن المستحب
التثليث، وأن ما كانت مخالفتها من النبي- عليه السلام- في بعض
الأوقات بيان للجواز، كما توضأ بمرة مرة في بعض الأوقات بياناً
للجواز، وكان في ذلك الوقت أفضل في حقه- عليه السلام-؛ لأن
البيان واجب عليه- عليه السلام-، فإن قيل: البيان يحصل بالقول.
قلنا: بالفعل أوقع في النفوس، وأبعد من التأويل.
قوله: " ثم مسح رأسه بيديه " إلى آخره، هذا هو المستحب باتفاق
العلماء/فإنه طريق إلى استيعاب الرأس، ووصول الماء إلى جميع
شعره، وليس فيه دليل لوجوب الاستيعاب؛ لأن الحديث ورد في كمال
الوضوء، لا فيما لا بد منه.
قوله: " ثم غسل رجليه " فيه رد على الروافض أيضاً. وهذا الحديث
__________
(1) كذا، وفي الحديث: " يديه ".(1/299)
أخرجه أبو داود بثلاث روايات كما ترى، وأخرجه البخاري، ومسلم،
والترمذي، والنسائي، وابن ماجه مطولاً ومختصراً.
108- ص- حدثنا مسدد قال: نا خالد، عن عمرو بن يحيى المازني،
عن أبيه، عن عبد الله بن زيد بن عاصم، بذا الحديث قال: فمضمض
واسْتنْشق من كف واحدة "، يفعلُ ذلك ثلاثاً، ثم ذكر نحوه (1) .
ش- خالد هو: خالد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن يزيد الواسطي
أبو الهيثم الطحان، ويقال: أبو محمد المزني مولاهم. سمع:
أبا إسحاق الشيباني، وحصين بن عبد الرحمن، وعمرو بن يحيى
الأنصاري، وغيرهم. روى عنه: يحيى بن سعيد، وقتيبة، وعمرو بن
عون، ووكيع، ومسدد، وغيرهم. قال أحمد: كان ثقة صالحاً في
نفسه (2) ، بلغني أنه اشترى نفسه من الله ثلاث مرات. توفي بواسط سنة
اثنتين وثمانين ومائة. روى له الجماعة (3) .
قوله: " بهذا الحديث " أشار به إلى الحديث الذي مضى، الذي فيه
الإمام مالك.
قوله: " فمضمض واستنشق من كفّ واحدة " فيه دلالة على أن يكون
المضمضة والاستنشاق بثلاث غرفات، يتمضمض في كل واحدة ثم
يستنشق منها وهو أحد الوجوه عند الشافعية.
قوله: " ثم ذكر نحوه " أي: نحو الحديث الذي مضى.
109- ص- حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح قال: نا ابن وهب، عن
عمرو بن الحارث: أن حبان بن واسع حدثه، أن أباه حدثه، أنه سمع
عبد الله بن زيد بن عاصم المازني يذكر أنه رأى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فذكر وُضوءه
قال: " ومسح رأسه بماء غير فضل يده، وغسل رجْليه حتى أنقاهما " (4) .
__________
(1) انظر الحديث السابق. (2) في تهذيب الكمال: " صالحاً في دينه ".
(3، انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (8/1625) .
(4) مسلم: كتاب الطهارة، باب: في وضوء النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (236) ، الترمذي:
كتاب الطهارة، باب: ما جاء أنه يأخذ لرأسه ماء جديداً (35) .(1/300)
ش- عمرو بن الحارث بن يعقوب بن عبد الله بن الأشج أبو أمية
الأنصاري المصري، مولى قيس بن سعد بن عبادة. سمع: أباه، وزيد
ابن أسلم، وعمرو بن دينار، وقتادة، وحبان بن واسع، والزهري،
وغيرهم. روى عنه: صالح بن كيسان، وأسامة بن زيد، وعبد الله بن
وهب، وغيرهم. قال أبو زرعة: لم يكن له نظير في الحفظ في زمانه.
وقال النسائي: مصري ثقة. ولد سنة أربع وتسعين، ومات بمصر سنة
ثمان أو سبع أو تسع وأربعين ومائة. روى له الجماعة (1) .
وحبّان بن واسع بن حبان بن منقذ الأنصاري المازني المدني، وجده
صحابي. روى عن: أبيه، وعبد الله بن زيد. روى عنه: عمرو بن
الحارث، وعبد الله بن لهيعة. روى له: مسلم، وأبو داود،
والترمذي (2) .
وواسع بن حبان ذكرناه.
قوله: " يذكر " جملة وقعت حالاً من عبد الله.
قوله: " بماء غير فضل يده " معناه: أنه مسح رأسه بماء جديد لا ببقية ماء
يديه، وفيه دلالة على أن الماء المستعمل لا يصح الطهارة به، وفي بعض
الرواية: " غير فضل يديه ".
110- ص- حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل قال: نا أبو المغيرة، حدثنا
حريز قال: حدثني عبد الرحمن بن ميسرة الحضرمي قال: سمعت المقدام
ابن معد يكرب الكندي قال: " أتي رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بوضوء فتوضأ: فغسل
كفيه ثلاثاً، وغسل وجْهه ثلاثاً، ثم غسل ذراعيه ثلاثاً ثلاثاً، [ثم تمضمض
واسْتنشق ثلاثاً] (3) ، ثم مسح برأسه وأذنيه ظاهرهما وباطنهما " (4) .
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (21/4341) .
(2) المصدر السابق (5/1065) .
(3) هذه الجملة وقعت في سنن أبي داود بين معقوفتين، بعد قوله: " فغسل فيه
ثلاثاً " وهو الجادة.
(4) ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في مسح الأذنين (442)(1/301)
ش- أبو المغيرة عبد القدوس بن الحجاج الحمصي الخولاني الشامي.
سمع: صفوان بن عمرو، والأوزاعي، وسعيد بن سنان، وغيرهم.
روى عنه: أحمد بن حنبل، وابن معين، وعبد الله بن عبد الرحمن
الدارمي، وغيرهم. وقال الدارقطني: ثقة. مات سنة اثنتي عشرة
ومائتين. روى له: البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي (1) .
وحريز - بفتح الحاء المهملة، وكسر الراء، وفي آخره زاي- ابن
عثمان بن جبر- بالجيم والباء الموحدة- بن أحمر بن أسعد الحمصي
الشامي أبو عون، ويقال: أبو عثمان الرحبي المشرقي، ورحبية - بفتح
الحاء والباء الموحدة- في حمْير. سمع: عبد الله بن بسر الصحابي،
وراشد بن سعد، وعبد الرحمن بن ميسرة، وسعيد بن مرثد، وغيرهم.
روى عنه الوليد، وإسماعيل بن عياش، وأبو المغيرة الخولاني، وسفيان
ابن حبيب، وغيرهم. وقال ابن معين: ثقة. وقال أبو حاتم: ثقة
متقن. توفي سنة ثلاث وستين ومائة. روى له الجماعة إلا النسائي (2) .
وحُريز بضم الحاء المهملة وفتح الراء، وفي آخره زاي (3)
وعبد الرحمن بن ميسرة الحضرمي. سمع: المقدام بن معدي كرب،
/وأبا أمامة الباهلي، وأبا راشد الحُبْراني، وجُبير بن نفير. روى عنه
حريز بن عثمان. وقال ابن المديني: عبد الرحمن بن ميسرة مجهول، لم
يرو عنه غير حريز. وقال أحمد بن عبد الله العجلي: هو شامي تابعي
ثقة. روى له: أبو داود، وابن ماجه (4) .
والمقدام بن معدي كرب بن عمرو بن يزيد بن معدي كرب، أبو كريمة،
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (18/3495) .
(2) المصدر السابق (5/1175) .
(3) كذا، وقد ذكر في أول الترجمة أنه " بفتح الحاء المهملة، وكسر الراء " وهو
الصواب.
(4) المصدر السابق (17/3973) .(1/302)
أو أبو صالح، أو أبو يحيى، أو أبو بشر الكندي، سكن حمص. روي
له عن رسول الله سبعة وأربعون حديثاً. روى عنه: خالد بن معدان،
وشريح بن عبيد، وعبد الرحمن بن ميسرة، وغيرهم. مات سنة سبع
وثمانين، وهو ابن إحدى وتسعين سنة. روى له الجماعة إلا مسلماً (1) .
قوله: " بوضوء " بفتح الواو.
قوله: " ظاهرهما " مجرور لأنه بدل عن أذنيه، أي: مسح بظاهر أذنيه
وباطنهما. فيه دلالة على شيئين، الأول: أن الأذنين يمسحان بماء الرأس،
وبه قال أبو حنيفة. والثاني: أن السُنة مسح ظاهر الأذنين وباطنهما
جميعاً.
111- ص- حدثنا محمود بن خالد ويعقوب بن كعب الأنطاكي لفظُهُ
قالا: نا الوليد بن مسلم، عن حريز بن عثمان، عن عبد الرحمن بن ميسرة،
عن المقدام بن معدي كرب، قال: رأيتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضأ، فلما بلغ
مسْح رأسه وضع كفيْه على مُقدم رأسه فأمرهما حتى بلغ القفا، ثم ردهما
إلى المكان الذي بدأ منه " (2) . قال محمود: قال: أخبرني حريز.
ش- محمود بن خالد السلمي الدمشقي قد ذكر
ويعقوب بن كعب بن حامد أبو يوسف الأنطاكي الحلبي. سمع:
الوليد بن مسلم، وعطاء بن مسلم الحلبي، وشعيب بن إسحاق،
وعبد الله بن وهب، وأبا معاوية الضرير وغيرهم. روى عنه: أبو داود،
وعبد العزيز بن سليمان الأنطاكي، وأبو الليث يزيد بن جهُور الطرْسُوسي،
وإبراهيم بن يعقوب الجُوزجاني، وغيرهم. وقال أحمد بن عبد الله:
ثقة، رجل صالح صاحب سُنة (3) .
__________
(1) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (3/483) ، وأسد الغابة
(5/254) ، والإصابة (3/455)
(2) انظر الحديث السابق.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (32/7100) .(1/303)
والوليد بن مسلم الدمشقي أبو العباس الأموي مولاهم، وقيل: مولى
العباس بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب. سمع:
الأوزاعي، والثوري، والليث بن سعد، وعبد الرزاق بن عمر،
وعبد الرحمن بن حسان الكناني، وجماعة آخرين. روى عنه: أحمد بن
حنبل، وأبو خيثمة، وهشام بن عمار، ويعقوب بن كعب الحلبي،
ومحمد بن وهب، وخلق سواهم. وقال أبو حاتم: صالح. توفي سنة
أربع وتسعين ومائة بذي المروة منصرفه من الحج، وله ثلاث وسبعون سنة.
روى له الجماعة (1) .
قوله: " فأمرهما " بتشديد الراء من الإمرار.
112- ص- حدثنا محمود بن خالد وهشام بن خالد المعنى، قالا: نا
الوليد بهذا الإسناد، قال: " مسح (2) بأذُنيْه ظاهرهما وباطنهما "، زاد
هشامٌ: " وأدخل أصابعه في صماخ أذنيه " (3) .
ش- هشام بن خالد بن زيد بن مروان ويقال: خالد بن يزيد الأزرق
السلاميّ، ويقال: مولى بني أمية الدمشقي. روى عن: الوليد بن
مسلم، وبقية بن الوليد، وخالد بن يزيد، وشعيب بن إسحاق،
وغيرهم. روى عنه: أبو داود، وابن ماجه، وأبو حاتم، وقال:
صدوق. توفي سنة تسع وأربعين ومائتين (4) .
قوله: " في صماخ أذنيه ": الصماخُ- بكسر الصاد- ثقب الأذن،
ويقال: بالسين، وأخرجه ابن ماجه مختصراً.
113- ص- حدثنا مؤمل بن الفضل الحراني، قال: نا الوليد بن مسلم،
قال: نا عبد الله بن العلاء قال: نا أبو الأزهر المغيرة بن فروة ويزيد بن
أبي مالك: " أن مُعاوية توضأ للناس كما رأى رسول الله- عليه السلام-
__________
(1) المصدر السابق (31/6737) . (2) في سنن أبي داود: " ومسح ".
(3) انظر الحديث السابق.
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (30/6574) .(1/304)
يتوضأ، فلما بلغ رأسه غرف غرفةً من ماء، فتلقاها بشماله حتى وضعها على
وسط رأسه، حتى قطر الماءُ أو كاد يقْطُرُ، ثم مسح من مُقدمه إلى مُؤخره،
ومن مُؤخّره إلى مُقدمه " (1) .
ش- مؤمل بن الفضل بن مجاهد، ويقال: ابن الفضل بن عمير
أبو سعيد الحراني. سمع: الوليد بن مسلم، وعيسى بن يونس،
ومروان بن معاوية الفزاري، ومحمد بن شعيب، وغيرهم. روى عنه:
محمد بن يحيى الذهلي، وأبو حاتم الرازي، وأبو داود، وأبو سعيد
الحراني. قال أبو حاتم: هو ثقة رضي. مات سنة سبع وعشرين
ومائتين. روى له النسائي (2) .
وعبد الله بن العلاء بن زبْر (3) بن [عُطارد بن] عمرو (4) بن حُجْر
ابن منقذ بن أسامة الشامي الدمشقي أبو زبْر الربعي. روى عن: القاسم
ابن محمد بن أبي بكر، وسالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، ونافع
مولى ابن عمر/وأبي الأزهر مغيرة بن فروة (5) ، والزهري، وغيرهم.
روى عنه: الوليد بن مسلم، وأبو مُسهر، ومصعب بن سلام، وجماعة
آخرون. قال دُحيم: هو ثقة جدا. وقال ابن معين: ثقة. مات سنة
أربع وستين ومائة، وهو ابن تسع وثمانين. روى له الجماعة إلا مسلماً (6) .
وأبو الأزهر المغيرة بن فروة الثقفي، ويقال: أبو الحارث الدمشقي.
روى عن معاوية بن أبي سفيان، ومالك بن هُبيرة، ورأى واثلة بن
الأسقع. روى عنه: عبد الله بن العلاء، ويحيى بن الحارث الذماري،
وسعيد بن عبد العزيز. روى له أبو داود (7) .
ويزيد بن أبي مالك، واسم أبي مالك هانئ الدمشقي الفقيه الهمداني،
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (29/6322) .
(3) في الأصل: " زيد " خطأ. (4) في الأصل: " عمر " خطأ.
(5) في الأصل: " مغيرة بن أبي فروة " خطأ.
(6) المصدر السابق (15/3471) . (7) المصدر السابق (28/6140) .
20. شرح سنن أبي داوود 1(1/305)
قاضي دمشق روى عن: أبي أيوب الأنصاري، وأنس بن مالك،
وواثلة بن الأسقع، وغيرهم من الصحابة والتابعين. روى عنه:
الأوزاعي، وسعيد بن عبد العزيز، وعبدة بن رباح، وغيرهم. قال
أبو حاتم: من فقهاء الشام ثقة. وقال الدارقطني: هو من الثقات.
مات سنة ثلاثين ومائة. روى له: أبو داود، والنسائي، وابن ماجه (1) .
ومعاوية بن أبي سفيان: صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن
عبد مناف القرشي الأموي، يكنى أبا عبد الرحمن، هو وأبوه من مسْلمة
الفتح. رُوي له عن رسول الله مائةُ حديث وثلاثة وسبعون حديثاً، اتفقا
على أربعة أحاديث، وانفرد البخاري بمثلها، ومسلم بخمسة. روى عنه
عبد الله بن عباس، وأبو سعيد الخدري، والسائب بن يزيد، وغيرهم
من الصحابة والتابعين، كان أميراً عشرين سنة، وخليفة عشرين سنة،
وتوفي بدمشق يوم الخميس لثمان بقين من رجب، سنة تسع وخمسين
وهو ابن اثنتين وثمانين سنة، وقيل: ست وثمانين. روى له الجماعة (2) .
قوله: " على وسط رأسه " الوسْط- بالسكون- يقال فيما كان متفرق
الأجزاء، غير متصل كالناس والدواب، وغير ذلك، تقول: قعدتُ
وسْط الناس بالسكون، فإذا كان متصل الأجزاء كالدار والرأس، فهو
بالفتح، ويقال: كل منهما يقع موقع الآخر.
قوله: " أو كاد يقطر " اعلم أن كاد من أفعال المقاربة، وضعت لتقرير
اسمه على صفة على سبيل المقاربة من رجاء أو حصول، ويحب أن يكون
خبرها فعلاً مضارعاً، ومعنى " كاد يقطر ": أن دُنُوه قد حصل من
القطر، مثلُ قولك: كادت الشمس تغرب. يعني: أن دُنُوها من الغروب
قد حصل.
__________
(1) المصدر السابق (32/7022) .
(2) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (3/395) ، وأسد الغابة
(5/209) ، والإصابة (3/433) .(1/306)
114- ص- حدثنا محمود بن خالد قال: نا الوليد في هذا الإسناد قال:
" فتوضأ ثلاثاً ثلاثاً، وغسل رجْليه " (1) بغير عدد.
ش- هذه رواية أخرى، وقوله: " بغير عدد " يتناول المرة والمرتين
والثلاث؛ لأن الراوي ما عين العدد.
115- ص- حدثنا مسدد قال: نا بشر بن المفضل قال: نا عبد الله بن
محمد بن عقيل، عن الربيع بنت مُعوذ بن عفراء قالت: " كان رسولُ الله
- عليه السلام- يأتينا، فحدثتْنا أنه قال: " اسْكُبي لي وضوءاً، فذكرتْ
وُضوء رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت (2) فيه: " فغسل كفيْه ثلاثاً، ووضأ وجْههُ ثلاثاً،
ومضْمض واستنشق مرة، ووضأ يديْه ثلاثاً ثلاثاً، ومسح برأسه مرتين: يبدأ
بمُؤخر رأسه ثم بمُقدّمه، ثم بأذُنيْه: كلتيْهما ظهورهما وبطونهما، ووضأ
رجْليْه ثلاثاً ثًلاثاً " (3) .
قال أبو داود: هذا معنى حديث مسدد.
ش- بثر بن المفضل بن لاحق الرقاشي مولاهم أبو إسماعيل البصري.
سمع: محمد بن المنكدر، وعبد الله بن عون، وقرة بن خالد، وعلي
ابن زيد بن جُدعان، وغيرهم. روى عنه: أحمد بن حنبل، ومسدد بن
مُسرْهد، وعلي بن المديني، وأبو الوليد الطيالسي، وغيرهم. وقال أبو زرعة
وأبو حاتم: بصري ثقة. توفي سنة ست وثمانين ومائة. روى له الجماعة (4) .
وعبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب الهاشمي قد ذكر.
والرُبيّعُ بنتُ مُعوّذ بن الحارث بن رفاعة بن الحارث (5) بن سواد بن
مالك بن غنم بن النجار الأنصارية، وأبوها يعرف بابن عفراء، دخل
__________
(1) انظر الحديث السابق. (2) في الأصل: " قال " خطأ.
(3) الترمذي: كتاب الطهارة، باب: ما جاء أنه يبدأ بمؤخر الرأس (33) ، ابن
ماجه: كتاب الطهارة وسننها، باب: الرجل يستعين على وضوئه يصب
عليه (390) .
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (4/707) .
(5) " ابن الحارث " مكررة في الأصل.(1/307)
عليها النبي- عليه السلام- صبيحة بُني بها. روى لها البخاري حديثين،
واتفقا على حديث واحد. روى لها الجماعة. روى عنها: عبد الله بن
محمد بن عقيل، وخالد بن ذكوان (1) .
و" الرُبيع " بضم الراء، وفتح الياء الموحدة، وتشديد الباء آخر
الحروف وكسرها، وبعدها عين مهملة. و " مُعوذ " بضم الميم، وفتح
العين/المهملة، وتشديد الواو وكسرها، وبعدها ذال معجمة. و " عفراء "
بفتح العين المهملة، وسكون الفاء، وبعدها راء مهملة، وهو ممدود.
قوله: " وضوءاً " بفتح الواو.
قوله: " وضأ وجهه " أي: غسل وجهه، أطلقت على غسل الوجه
الوضوء من باب إطلاق الكل على الجزء.
قوله: " ظهورهما " بالجر على أنه بدل من قوله: " بأذنيه " كما قلنا
غير مرة.
116- ص- حدثنا إسحاق بن إسماعيل، حدثنا سفيان، عن ابن عقيل
بهذا الحديث، يُغير بعض معاني بشر، قال فيه: " وتمضمض واسْتنْثر
ثلاثاً " (2) .
ش- إسحاق بن إسماعيل الطالقاني أبو يعقوب. سمع: ابن عيينة،
ومحمد بن فضيل، ووكيعاً، وغيرهم. روى عنه: أبو داود، وإبراهيم
ابن إسحاق الحربي، وأبو القاسم البغوي، وغيرهم. قال ابن معين:
أرجو أن يكون صدوقاً. توفي في رمضان سنة ثلاثين ومائتين، وهو أول
شيخ كتب عنه البغوي (3) .
وسفيان هو ابن عيينة، وقد ذكر. وابن عقيل هو عبد الله بن محمد
ابن عقيل المذكور آنفاً.
__________
(1) انظر ترجمتها في: الاستيعاب بهامش الإصابة (4/308) ، وأسد الغابة
(7/107) ، والإصابة (4/300) .
(2) انظر الحديث السابق. (3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (2/341) .(1/308)
قوله: " يُغيرُ بعض معاني بشر " وهو بشر بن المفضل المذكور، وهذه
جملة وقعت حالاً عن ابن عقيل، وهذه الرواية أخرجها الترمذي مختصراً
وقال: هذا حديث حسن، وحديث عبد الله بن زيد أصح من هذا وأجود
إسناداً.
117- ص- حدثنا قتيبة بن سعيد ويزيد بن خالد الهمداني قالا: نا
الليث، عن ابن عجلان، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن رُبيع بنت
مُعوّذ بن عفراء: " أنّ رسول الله توضأ فمسح الرأس كُلّه من قرْن الشعْر،
كل ناحية بمُنصبّ (1) الشّعر، لا يُحركُ الشّعر عن هيئته " (2) .
ش- الليث هو ابن سعد بن عبد الرحمن المصري أبو الحارث الفهْمي،
موْلى عبد الرحمن بن خالد بن مسافر، ولد بقلقشنْدة (3) قرية نحو أربعة
فراسخ من مصر. سمع: عطاء بن أبي رباح، ونافعاً، والزهري،
وأبا الزناد، وغيرهم. روى عنه: محمد بن عجلان، وابن المبارك،
وعبد الله بن وهب، وجماعة آخرون كثيرة. والأصح أنه كان على مذهب
أبي حنيفة. وقال ابن معين: ثقة. وعن الشافعي: إنه أفقه من مالك،
إلا أنه ضيعه أصحابه، وكان سريا نبيلاً سخيا. توفي بمصر في شعبان سنة
خمس وسبعين ومائة، وقد استكمل إحدى وثمانين سنة. روى له
الجماعة (4)
وابن عجلان هو: محمد بن عجلان، وهو من شيوخ الليث، وقد
ذكر.
قوله: " من قرْن الشعر " أي: من ناحيته وجانبه.
__________
(1) في سنن أبي داود: " لمنصب ". (2) انظر الحديث السابق.
(3) كذا، وفي تهذيب الكمال: " قرقشندة "، وفي تهذيب التهذيب (8/412) :
" قرقشندة على أربعة فراسخ من الفسطاط ".
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (24/5016) .(1/309)
قوله: " بمنصب الشعر " أي: أصل الشعر، من قولهم: نصاب الرجل
ومنصبه، أصله.
قوله: " لا يحركُ الشعر " جملة وقعت حالاً عن الضمير الذي في
" مسح "، وقد عُلم أن الجملة الفعلية إذا وقعت حالاً، وكان فعلها
مضارعاً منفيا، يجوز فيه الوجهان: إتيان الواو وتركه.
وقوله: " عن هيئته " أي: عن صفته التي كان عليها من كونه مضْفوراً
أو غير مضفورٍ، والهيئة الشارة، كذا في " الصحاح ".
118- ص- حدثنا قتيبة بن سعيد قال: نا بكر- يعني ابن مضر- عن
ابن عجلان، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن الربيع بنت معوذ بن
عفراء أخبرته قالت: " رأيتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتوضأ " قالت: " فمسح رأسه،
ومسح ما أقبل منه وأدبر، وصُدْغيه وأذنيه مرة واحدة " (1) .
ش- بكر- بفتح الباء- ابن مضر بن محمد بن حكيم بن سلمان (2)
المصري أبو محمد، مولى ربيعة بن شُرحبيل بن حسنة. سمع: جعفر
ابن ربيعة، ويزيد بن عبد الله بن أسامة، وغيرهم. روى عنه: عبد الله
ابن وهب، وعبد الله بن صالح، وقتيبة بن سعيد، وغيرهم. قال أحمد
ابن حنبل: ثقة، ليس به بأس. توفي يوم عرفة، سنة أربع وسبعين
ومائة، وولد سنة مائة. روى له: البخاري، ومسلم، وأبو داود (3) .
قوله: " وصُدغيه " الصُاع- بضم الصاد- ما بين العين والأذن،
ويسمى أيضاً الشعر المتدلي عليها صُدغاً، يقال: صُدغ معقرب، وهذا
أيضاً حجة للحنفية. وأخرجه الترمذي. وقال: " حديث الربيع حديث
حسن صحيح ".
__________
(1) انظر الحديث السابق.
(2) في تاريخ البخاري الصغير، وثقات ابن حبان، والجمع لابن القيسراني:
" سليمان ".
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (4/756) .(1/310)
119- ص- حدثنا مسدد قال: نا عبد الله بن داود، عن سفيان بن
سعيد، عن ابن عقيل، عن الرْبيع: " أنّ النبي- عليه السلام- مسح رأسه
من ماءٍ (1) كان في يده " (2) .
ش- عبد الله بن داود بن عامر بن الربيع الخُريْبي أبو محمد البصري
الهمداني الشعبي، أصله كوفي، نزل البصرة بالخُريبة،/وهي محلة
بها. سمع: هشام بن عروة، وإسماعيل بن أبي خالد، والأعمش،
والثوري، والأوزاعي، وغيرهم. روى عنه: مسدد، وابن المثنى،
وابن بشار، وسفيان بن عيينة، وغيرهم. قال ابن معين: ثقة مأمون.
توفي سنة ثلاث عشرة ومائتين. روى له الجماعة إلا مسلماً (3) .
وسفيان بن سعيد هو الثوري.
قوله: " كان في يده ": جملة في محل الجر؛ لأنها صفة لقوله: " من
ماء "، وهذا أيضاً حجة لأبي حنيفة.
120- ص- حدثنا إبراهيم بن سعيد قال: نا وكيع، قال: نا الحسن بن
صالح، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن الربيع بنت مُعوذ: " أن النبي
- عليه السلام- توضأ، فأدْخل إصْبعيْه في جُحْريْ أذنيه " (4) .
ش- إبراهيم بن سعيد أبو إسحاق الجوهري البغدادي. سمع: ابن
عيينة، ووكيعاً، وروح بن عُبادة، وأبا صالح الفراء، وغيرهم. روى
عنه: أبو حاتم، وابن أبي الدنيا، وموسى بن هارون، وغيرهم. وقال
النسائي: بغدادي ثقة. روى له الجماعة إلا البخاري (5) .
ووكيع هو ابن الجراح.
__________
(1) في سنن أبي داود: " مسح برأسه من فضل ماء ".
(2) انظر الحديث السابق.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (14/3248) .
(4) ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في مسح الأذنين (441) .
(5) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (2/176) .(1/311)
والحسن بن صالح بن صالح الهمداني الثوري الكوفي العابد. سمع:
عبد الله بن دينار، وسماك بن حرب، وعاصماً الأحول، وغيرهم.
روى عنه: وكيع، وابن المبارك، وأبو نعيم، وغيرهم. وقال أبو حاتم:
ثقة حافظ متقن. وقال ابن معين: ثقة مأمون. مات سنة شبع وستين
ومائة. روى له الجماعة إلا البخاري (1) .
قوله: " في جُحري أذنيه " الجحر بضم الجيم وسكون الحاء المهملة:
الثقب. وأخرجه ابن ماجه.
121- ص- حدّثنا محمد بن عيسى ومسدد قالا: نا عبد الوارث، عن
ليث، عن طلحة بن مُصرف، عن أبيه، عن جده قال: " رأيتُ رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمسحُ رأسه مرةً واحدة حتى بلغ القذال، وهو أولُ القفا ". وقال مسدد:
" مسح رأسه من مُقدمّه إلى مُؤخره حتى أخرج يديه من تحت أذنيه" (2) .
ش- عبد الوارث هو ابن سعيد بن ذكوان التميمي العنبري أبو عُبيدة
البصري. روى عن: عبد العزيز بن صهيب، وأيوب السختياني،
ويونس بن عبيد، وغيرهم. روى عنه: ابنه عبد الصمد، والثوري،
ومسدد، وعفان بن مسلم، وغيرهم. وقال محمد بن سعْد: كان ثقة
حجة. مات بالبصرة في المحرم سنة ثمانين ومائة 0 روى له الجماعة (3) .
وليث هذا هو ليث بن أبي سليم أبو بكر الكوفي القرشي مولى عتبة،
واسم أبي سليم أيمن روى عن: مجاهد، وطاوس، وطلحة بن
مصرف، وعطاء بن أبي رباح، وغيرهم. روى عنه الثوري، وشعبة،
وزائدة، وغيرهم. قال أحمد: هو مضطرب الحديث. وقال الدارقطني:
صاحب سُنّة، يُخرجُ حديثه. مات سنة ثلاث وأربعين ومائة. روى له
الجماعة إلا النسائي (4) .
__________
(1) المصدر السابق (6/1238) . (2) تفرد به أبو داود.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (18/3595) .
(4) المصدر السابق (24/5017) .(1/312)
وطلحة بن مُصرف بن عمرو بن كعب بن جحْدب (1) بن معاوية بن
سعْد بن الحارث بن ذُهل أبو محمد الكوفي. سمع: عبد الله بن
أبي أوفى، وأنس بن مالك، وسعيد بن جبير، ويروي عن أبيه، عن
جده. روى عنه: ابنه محمد، وليث بن أبي سُليم، وفطر بن خليفة،
وغيرهم. مات سنة ثلاث عشرة ومائة. روى له الجماعة (2) .
وأبو طلحة هو مُصرف بن عمرو الكوفي. روى عن أبيه، عن النبي
- عليه السلام- في مسح الرأس، ويُقال: له صحبة. روى عنه ابنه
طلحه. روى له أبو داود (3) .
وجد طلحة هو عمرو بن كعب الهمداني الصحابي، روى له
أبو داود (4) .
قوله: " القذال " بفتح القاف والذال المعجمة: جماع مؤخر الرأس،
وهو معقد العداد من الفرس خلف الناصية، ويقال: القذالان: ما اكتنفا
ما بين القفا عن يمين وشمال، ويجمع على أقْذلة وقُذُل.
ص- قال أبو داود: قال مسدد: فحدثت به يحيى فأنكره.
قال أبو داود: سمعت أحمد بن حنبل يقول ابن عيينة (5) زعموا أنه كان
ينكره، ويقول: أيش هذا طلحة بن مصرف، عن أبيه، عن جده؟
ش- قوله: " حدثت به يحيى " أي: حدثت بهذا الحديث يحمص بن
سعيد القطان الأحول فأنكره. وابن عيينة هو سفيان بن عيينة.
قوله: " كان يُنكره " أي: كان ابن عيينة ينكر هذا الحديث، وذلك
لأجل طلحة هذا، حتى قال: أيش هذا طلحة بن مصرف؟ فكأنه جعله
__________
(1) في الأصل: " جحدر " خطأ.
(2) المصدر السابق (2/2982) .
(3) المصدر السابق (28/5979) .
(4) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (3/296) ، وأسد الغابة
(4/485) ، والإصابة (3/300) .
(5) في سنن أبي داود: " إن ابن عيينة ".(1/313)
مجهولاً، وأيش أصله: " أي شيء "، فخفف لكثرة الاستعمال. وفي
" الكمال " يذكر في مصرف: روى عنه ابنه طلحة. قال ابن أبي حاتم:
سمعت أبي يقول ذلك، ويقول: هذا خطأ، طلحة رجل من الأنصار،
وليس هو ابن مصرف، ولو كان ابن مصرف لم يُختلف فيه، ومن الناس
من ينكر صحبة عمرو بن كعب أيضاً جد طلحة.
122- ص- حدثنا الحسن بن علي قال: نا يزيد بن هارون قال: أخبرنا
عباد بن منصور، عن عكرمة بن خالد، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس
- رضي الله عنه-: " رأى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتوضأ "، فذكر الحديث كله:
" ثلاثاً ثلاثاً ". قال: " ومسح برأسه وبأذُنيْه مسحةً واحدة " (1) .
ش- الحسن بن علي الخلال قد ذكر.
ويزيد بن هارون بن زاذي بن ثابت السلمي أبو خالد الواسطي.
سمع: سليمان التيمي، وداود بن أبي هند،/ويحيى بن سعيد
الأنصاري، وسعيد بن أبي عروبة، وغيرهم. روى عنه: أبو سلمة
موسى بن إسماعيل، وقتيبة، وأحمد بن حنبل، وابن معين، وغيرهم.
وقال ابن معين: ثقة. وقال أبو حاتم: ثقة إمام صدوق، لا يسأل عن
مثله. توفي سنة ست ومائتين، وولد سنة سبع عشرة ومائة. روى له
الجماعة (2)
وعباد بن منصور: أبو سلمة الناجي البصري قاضيها. روى عن:
أبي رجاء العطاردي، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصدّيق، وأيوب
السختياني، وعكرمة بن خالد، وغيرهم. روى عنه: وكيع، والثوري،
وشعبة، ويحيى القطان، وغيرهم. وقال النسائي: ضعيف. روى له:
أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (3) .
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (32/7061) .
(3) المصدر السابق (14/3093) .(1/314)
وعكرمة بن خالد بن العاص بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو
ابن مخزوم المخزومي القرشي المكي، أخو الحارث بن خالد الشاعر.
سمع: عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وسعيد بن جبير. روى
عنه: عمرو بن دينار، وعبد الله بن طاوس، وقتادة، وعامر الأحول،
وابن جريج، وغيرهم. قال ابن معين: ثقة. روى له: مسلم،
وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (1) .
وسعيد بن جبير بن هشام الكوفي أبو محمد الأسدي الوالبي مولاهم.
سمع: عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير،
وعبد الله بن مغفل، وأبا مسعود عقبة بن عامر البدري، وأنس بن مالك،
وغيرهم من الصحابة والتابعين. روى عنه: محمد بن واسع، ومالك بن
دينار، وعمرو بن دينار، والزهري، وأيوب السختياني، والأعمش،
وغيرهم. قتله الحجاج صبراً سنة خمس وتسعين في شعبان، وهو ابن
تسع وأربعين سنة. روى له الجماعة (2) .
وهذا الحديث حجة قوية للحنفية.
123- ص- حدثنا سليمان بن حرب قال: نا حماد ح، و [نا] مسدد
وقتيبة، عن حماد بن زيد، عن سنان بن ربيعة، عن شهر بن حوشب، عن
أبي أمامة ذكر وضوء النبي- عليه السلام- قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمسح
المأقين. قال: وقال: " الأذنان من الر أس " (3) .
قال سليمان بن حرب: يقولها أبو أمامة. قال قتيبة: قال حماد: لا أدري
__________
(1) المصدر السابق (20/4004) .
(2) الصدر السابق (10/2245) .
(3) الترمذي: كتاب الطهارة، باب: ما جاء أن الأذنين من الرأس (37) ، ابن
ماجه: كتاب الطهارة، باب: الأذنان من الرأس (444)(1/315)
هو من قول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو من أبي أمامة. يعني: قصة الأذنين. قال قتيبة:
عن سنان بن أبي ربيعة (1) .
ش- سليمان بن حرب بن بجيلة الأردني الواشحي- وواشح من الأزد-
أبو أيوب البصري، نزل مكة وكان قاضيها. سمع: جرير بن حازم،
والحمادين، وسليمان بن مغيرة، وغيرهم. روى عنه: يحيى بن سعيد،
وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وأحمد بن سعيد الدارمي،
ويعقوب بن شيبة، وأبو زرعة، وأبو حاتم، وأبو داود، وأحمد بن
عمرو، وغيرهم. توفي في ربيع الآخر سنة أربع وعشرين ومائتين،
ومولده سنة أربعين ومائة. روى له الجماعة (2) .
وحماد هو ابن سلمة، ومسدد بن مسرهد، وقتيبة بن سعيد، وحماد
ابن زيد، كلهم ذكروا.
وسنان بن ربيعة أبو ربيعة البصري. روى عن: أنس بن مالك،
وثابت البناني، وشهر بن حوشب. روى عنه: الحمادان، وعبد الله بن
بكر، وعبد الوارث بن سعيد. قال ابن معين: ليس بالقوي. وقال
أبو حاتم: شيخ، مضطرب الحديث. روى له: البخاري، وأبو داود،
والترمذي، وابن ماجه (3) .
وشهر بن حوشب أبو سعيد، ويقال: أبو عبد الله، ويقال:
أبو عبد الرحمن الأشعري الشامي الحمصي، وقيل: الدمشقي. سمع:
عبد الله بن عمر، وابن عباس، وعبد الله بن عمرو، وأبا سعيد الخدري،
وغيرهم من الصحابة والتابعين. روى عنه: قتادة، ومعاوية بن قرة،
وعوف الأعرابي، والحكم بن أبان، وغيرهم. قال يعقوب بن شيبة:
__________
(1) في سنن أبي داود: " سنان بن ربيعة ".
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (11/2502)
(3) المصدر السابق (12/2593) .(1/316)
هو ثقة. أخرج له مسلم مقروناً مع غيره، وأخرج له الجماعة إلا
البخاري (1) .
وأبو أمامة: صدي بن عجلان بن واثلة بن رياح بن الحارث بن معن بن
مالك الباهلي، سكن حمص. رُوي له عن رسول الله- عليه السلام-
مائتا حديث وخمسون حديثاً، روى البخاري خمسة أحاديث، ومسلم
ثلاثة. روى عنه: رجاء بن حيوة، ومحمد بن زياد الألهاني،
وأبو غالب، وجماعة آخرون. مات بالشام سنة إحدى وثمانين، وقد
قيل: إنه آخر من مات من أصحاب النبي- عليه السلام- بالشام. روى
له الجماعة (2) .
قوله: " مسح المأقين " المأق: بهمز ولا تهمز هو الموق، وموق العين:
طرفها مما/يلي الأنف. واللحاظ طرفها مما يلي الأذن.
قال الخطابي: من العرب من يقول: مُأق ومُوق بضمهما، وبعضهم
يقول: مأق وموق بكسرهما، وبعضهم يقول: ماق بلا همز كماض،
والأفصح الأكثر المأقي بالهمز والياء. والمُؤق بالهمز والضم، وجمع
المُؤق " آماق " و " أماق "، وجمع المأقي " مآقي ". وفي " المطالع " فيه
لغات: مُوق وماق وموق وماق على مثال ماض، ومُوق على مثال معط
ناقص أيضاً، ومُوقي على مثال موقع، وأُمق على مثال عنق، وماقي.
ثم إن هذا المسح يجوز أن يكون خوفاً عن عدم وصول الماء إليه؛ لأن
هذا الموضع داخل في الفرض، وقد لا يلحقه الماء، ويجوز أن يكون
المسح بمعنى الغسل، كما ذكرنا أن المسح يجيء بمعنى الغسل في لغة
العرب.
__________
(1) المصدر السابق (12/2781) .
(2) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (2/ 198) ، وأسد الغابة
(3/16) ، والإصابة (2/182) .(1/317)
قوله: " قال وقال " الضمير المرفوع في " قال " الأول يرجع إلى شهر بن
حوشب، والذي في الثاني يرجع إلى أبي أمامة.
قوله: " الأذنان من الرأس " أي: تابعان للرأس في المسح، والمراد به
بيان الحكم دون الخلقة؛ لأنه- عليه السلام- لم يبعث لبيان الخلقة،
فثبت أنهما من أجزاء الرأس، فيمسحان بما مسح به الرأس، فإن قلت:
إذا كان الأذنان ممسوحين بماء الرأس ينبغي أن ينوب مسحهما عن مسح
الرأس؟ قلت: النص دلّ على أن المسح من الرأس، فلو جاز مسح
الأذنين عن مسح الرأس يلزم ترك النص بخبر الواحد، وهو لا يجوز (1) .
فإن قلت: إذا كانا من الرأس ينبغي أن يمسحان كالرأس؟ قلت: لا
يصح أن يقال: يمسحان كالرأس لكونهما من الرأس؛ لأنه لو كان كذلك
لجاز أن يقال الرجلان من الوجه؛ لأنهما يغسلان كالوجه، فلما بطل هذا
علمنا أنهما تابعان للرأس في المسح، ولذلك قال هما من الرأس؛ لأن
" من " للتبعيض، فكأنه جعلهما بعض الرأس في الحكم.
قوله: " قال حماد: لا أدري " إلى آخره، يعني: قصة الأذنين.
" (2) وأخرجه الترمذي وابن ماجه. وقال الترمذي: هذا حديث ليس
إسناده بذاك القائم. وقال الدارقطني: رفعه وهم، والصواب أنه
موقوف، وشهر بن حوشب ليس بالقوي. قلت: قد وقفه سليمان بن
حرب وهو ثقة، ووثقه أيضاً أحمد، ويحيى، والعجلي، ويعقوب بن
شيبة. وسنان بن أبي ربيعة أخرج له البخاري. وقال ابن القطان في كتابه
" الوهم والإيهام ": " شهر بن حوشب ضعفه قوم، ووثًقه آخرون،
وممن وثقه ابن حنبل، وابن معين. وقال أبو زرعة: لا بأس به، قال:
ولا أعرف لمضعفه حجة، وقد صحح الترمذي في كتابه حديث شهر بن
حوشب، عن أم سلمة: أن النبي- عليه السلام- لف على الحسن
__________
(1) تقدم الكلام على حجية خبر الآحاد (ص/184) .
(2) انظر: نصب الراية (1/18- 19) .(1/318)
والحسين وعلي وفاطمة كساء، وقال: " هؤلاء أهل بيتي "، ثم قال:
هذا حديث حسن صحيح (1) .
وقال البيهقي في " سننه ": حديث الأذنان من الرأس أشهر إسناد فيه
حديث حماد بن زيد، عن سنان بن ربيعة، عن شهر بن حوشب، عن
أبي أمامة. وكان حماد يشك في رفعه في رواية قتيبة عنه، فيقول: " لا
أدري من قول النبي أو من قول أبي أمامة. وكان سليمان بن حرب يرويه
عن حماد ويقول: هو من قول أبي أمامة. قلت: وقد اختلف فيه على
حماد، فوقفه ابن حرب عنه، ورفعه أبو الربيع. واختلف أيضاً على
مسدد عن حماد، فروى عنه الرفع، وروى عنه الوقف. وإذا رفع ثقة
حديثاً ووقفه آخر، أو فعلهما شخص واحد في وقتين ترجح الرافع؛ لأنه
أتى بزيادة، ويجوز أن يسمع الرجل حديثاً فيفتي به في وقت، ويرفعه في
وقت آخر وهو الأولى من تغليط الراوي.
وأخرج ابن ماجه في " سننه " (2) عن سويد بن سعيد، ثنا يحيى بن
زكرياء بن أبي زائدة، عن شعبة، عن حبيب بن زيد، عن عباد بن
تميم، عن عبد الله بن زيد قال: قال رسول الله- عليه السلام-:
" الأذنان من الرأس ". وهذا أمثل إسناد في الباب، لاتصاله وثقة رواته،
فابن أبي زائدة وشعبة وعباد احتج بهم الشيخان، وحبيب بن زيد/ذكره
ابن حبان في " الثقات " في أتباع التابعين.
وسويد بن سعيد احتج به مسلم، وأخرج الدارقطني عن أبي كامل
الجحدري: ثنا غندر محمد بن جعفر، عن ابن جريج، عن عطاء،
عن ابن عباس: أن النبي- عليه السلام- قال: " الأذنان من الرأس" (3)
قال ابن القطان: إسناده صحيح لاتصاله، وثقة رواته ".
__________
(1) الترمذي: كتاب المناقب، باب: فضل فاطمة بنت محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (3871) .
(2) كتاب الطهارة، باب: الأذنان من الرأس (443) .
(3) سنن الدارقطني (1/99) .(1/319)
فانظر إلى البيهقي كيف أعرض عن حديث عبد الله بن زيد، وحديث
ابن عباس، واشتغل بحديث أبي أمامة، وزعم أن إسناده أشهر إسناد لهذا
الحديث، وترك هذين الحديثين، وهما أمثل منه، ومن هنا يظهر تحامله.
وروى الطحاوي أيضاً في " شرح الآثار " بإسناده: " أن النبي- عليه
السلام- توضأ فمسح أذنيه مع الرأس "، وقال: " الأذنان من الرأس " (1) .
قوله: " قال قتيبة: عن سنان بن أبي ربيعة " يعني: قال: سنان هو ابن
أبي ربيعة. وقال أبو داود: هو ابن ربيعة، وكنيته أبو ربيعة.
***
44- باب: الوضوء ثلاثاً ثلاثاً
أي: هذا باب في بيان وضوء النبي- عليه السلام- ثلاثاً ثلاثاً.
124- ص- حدثنا مسدد، نا أبو عوانة، عن موسى بن أبي عائشة، عن
عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: " أن رجلاً أتى النبي- عليه السلام-
فقال: يا رسول الله، كيف الطُهُورُ؟ فدعا بماء في إناء فغسل كفيه ثلاثاً،
وغسل (2) وجهه ثلاثا، ثم غسل فراعيه ثلاثاً، ثم مسح برأسه وأدخل (3)
إصبعيه السباحتين في أذنيه، ومسح بإبْهاميْه ظاهر (4) أذُنيه، وبالسباحتين
باطن أذنيه، ثم غسل رجليه ثلاثاً ثلاثاً، ثم قال: " هكذا الوُضوءُ، فمن زاد
على هذا أو نقص فقد أساء وظلم " أو " ظلم وأساء " (5) .
ش- أبو عوانة الوضاح قد ذكر.
وموسى بن أبي عائشة أبو الحسن الكوفي الهمداني، مولى آل جعدة
__________
(1) إلى هنا انتهى النقل من نصب الراية.
(2) في سنن أبي داود: " ثم غسل ".
(3) في سنن أبي داود: " فأدخل " 0
(4) في سنن أبي داود: " على ظاهر ".
(5) النسائي: كتاب الطهارة، باب: الاعتداء في الوضوء (1/88) ، ابن ماجه:
كتاب الطهارة، باب: الأذنان من الرأس (422) .(1/320)
ابن هبيرة. روى عن: سليمان بن صُرد، وعمرو بن حريث. وسمع:
عبيد الله بن عبد الله، وسعيد بن جبير. روى عنه: الثوري، وزائدة،
وأبو الأحوص، وأبو عوانة. وقال ابن عيينة: كان من الثقات. وقال
أبو حاتم: صالح يكتبُ حديثه. روى له الجماعة (1) .
وعمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص أبو إبراهيم
السهمي القرشي المدني. سمع أباه، وجُل روايته عنه، وسعيد بن
المسيب، وطاوساً (2) ، ومجاهداً، وعروة بن الزبير، وغيرهم. روى
عنه: عطاء بن أبي رباح، والزهري، وعمرو بن دينار، وقتادة، وثابت
البناني، وجماعة آخرون كثيرة. وقال أبو زرعة: روى عنه الثقات،
وإنما أنكروا عليه كثرة روايته عن أبيه، عن جده، وإنما سمع أحاديث
يسيرة، وأخذ صحيفة كانت عنده فرواها، وما أقل ما نصيبُ عنه مما روى
عن غير أبيه، عن جده من المنكر، وعامة هذه المناكير التي تُروى عنه إنما
هي عن المثنى بن الصباح، وابن لهيعة والضعفاء. وقال أبو زرعة أيضاً:
هو مكي ثقة في نفسه. وقال العجلي: هو ثقة. وقال يحيي بن سعيد:
إذا روى الثقات عنه فهو ثقة يحتج به. وقال الدارقطني: هو ثقة. وقال
يحيى القطان: هو عندنا واهي الحديث. وقال يحيى بن معين: ثقة.
وقال مرة: ليس بذلك. وقال أحمد: ليس بحجة، وقال مرة: ربما
احتججنا به، وربما وجس في القلب منه شيء، وله مناكير. وقال
البخاري: رأيت أحمد بن حنبل وعلي بن عبد الله والحميدي وإسحاق بن
إبراهيم يحتجون بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. روى له:
أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (3) .
وأبوه شعيب بن محمد ابن عمرو. سمع: جده عبد الله بن عمرو بن
العاص، وعبد الله بن عمر بن الخطاب، وعبد الله بن عباس. روى
عنه: ابناه عُمر وعمرو ابنا شعيب، وثابت البناني، وعطاء الخراساني،
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (29/6271) .
(2) في الأصل: " وطاوس ".
(3) المصدر السابق (22/4385) .
21. شرح سنن أبي داوود (1)(1/321)
وزياد بن عمرو. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن
ماجه (1) .
وجد شعيب عبد الله بن عمرو بن العاص، وقد ذكرنا كلا منهما مرة.
قوله: " كيف الطُهورُ؟ " بضم الطاء.
قوله: " السباحتين " السباحة والمُسبحة: الإصبع التي تلي الإبهام،
سميت بذلك لأنها يُشار بها عند التسبيح.
قوله: " فقد أساء " أي: في الأدب، بتركه السُّنّة، والتأدب بآداب
الشرع، وظلم نفسه بما نقصها من الثواب بترداد المرات في الوضوء،
[وقيل: إن الإساءة ترجع إلى الزيادة،/والظلم يرجع إلى النقصان؛ لأن
الظلم وضع الشيء في غير موضعه. قلت: هذا إنما يمشي في رواية
تقديم الإساءة على النقصان. وقيل: معناه زاد على الثلاث معتقداً أن
السُنّة لا تحصل بالثلاث، أو نقص معتقداً أن الثلاث بخلاف السُنّة.
فإن قلت: كيف يكون ظالماً في النقصان، وقد ورد في الأحاديث
الوضوء مرة مرة، ومرتين مرتين. قلت: الجواب عن ذلك من ثلاثة
وجوه:
الأول: أن المعنى يكون ظالماً لنفسه في تركه الفضيلة والكمال، وإن
كان يجوز مرة مرة أو مرتين مرتين.
والثاني: أنه إنما يكون ظالماً إذا اعتقد خلاف السُنّة في الثلاث كما
ذكرنا.
والثالث: أن هذا الحديث فيه مقال من جهة عمرو بن شعيب كما
ذكرنا. وقال (2) الشيخ تقي الدين في " الإمام ": هذا الحديث صحيح
عند من يصحح حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، لصحة
الإسناد إلى عمرو.
__________
(1) المصدر السابق (12/2756) .
(2) انظر: نصب الراية (1/29) .(1/322)
وأخرج النسائي، وابن ماجه هذا الحديث أيضاً من حديث عمرو بن
شعيب، وفي لفظ لابن ماجه: " وتعدى وظلم "، وللنسائي: " فقد
أساء وتعدى وظلم ".
***
45- باب: الوضوء مرتين
أي: هذا باب في بيان الوضوء مرتين مرتين.
125- ص- حدثنا محمد بن العلاء قال: نا زيد- يعني: ابن حُباب-
عن عبد الرحمن بن ثوبان قال: نا عبد الله بن الفضل الهاشمي، عن
الأعرج، عن أبي هريرة: " أن النبي- عليه السلام- توضأ مرتين مرتين " (1) .
ش- زيد بن الحباب بن الريان، وقيل: [ابن] رومان أبو الحسن
العكليُ الكوفي التميمي (2) . سمع: مالك بن أنس، وحماد بن سلمة،
وعكرمة بن عمار، وابن المبارك، وغيرهم. روى عنه: أحمد بن
حنبل، وعلي بن المديني (3) ، ونصر بن عليّ، وأبو كريب، ومحمد بن
رافع، وجماعة آخرون. وقال ابن معين: ثقة. وقال أبو حاتم:
صدوق صالح. توفي سنة ثلاث ومائتين. روى له الجماعة إلا
البخاري (4) .
وعبد الرحمن بن ثوبان أبو عبد الله العنْسي- بالنون- الزاهد الدمشقي.
سمع أباه، ونافعاً، وعطاء بن أبي رباح، والزهري، ومنصور بن
المعتمر، وعبد الله بن الفضل، وغيرهم روى عنه: الوليد بن مسلم،
وعلي بن عياش، وزيد بن الحباب، وعاصم بن علي، وغيرهم. وقال
ابن المديني: ليس به بأس، وكذا قال ابن معين. وقال أبو حاتم: أبوه
__________
(1) الترمذي: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في الوضوء مرتين مرتين (43) .
(2) في الأصل: " التيمي ".
(3) في الأصل: " علي بن المدائني ".
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (10/2095) .(1/323)
من كبار أصحاب مكحول، ثقة، وتغير عقله في آخر حياته، وهو
مستقيم الحديث. روى له: أبو داود، والترمذي، وابن ماجه (1) .
وعبد الله بن الفضل بن عبد الرحمن (2) بن العباس بن ربيعة بن
الحارث بن عبد المطلب الهاشمي المدني. سمع: أنس بن مالك،
وأبا سلمة بن عبد الرحمن، ونافع بن جبير بن مطعم، وعبد الرحمن بن
هرمز الأعرج. روى عنه: موسى بن عقبة، ومالك بن أنس، ومحمد
ابن إسحاق بن يسار. وقال أحمد بن حنبل: لا بأس به. وقال ابن معين
وأبو حاتم: ثقة. روى له الجماعة (3) .
والأعرج هو عبد الرحمن.
قوله: " مرتين " نصبه على أنه مصدر في الأصل؛ لأن معنى قولك:
ضربت مرة أو مرتين ضربة أو ضربتين. وأما التّكْرار فهو للتأكيد، ومعنى
قوله: " توضأ مرتين " يعني: غسل أعضاءه الثلاثة، ومسح رأسه مرتين
مرتين. وأخرجه الترمذي وقال: " هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه
إلا من حديث ابن ثوبان، عن عبد الله بن الفضل، وهو إسناد حسن
صحيح ". والحديث الذي يلي هذا الحديث مذكور في بعض النسخ في
" باب الوضوء مرة مرة ".
126- ص- حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: نا محمد بن بشر قال: نا
هشام بن سعد قال: نا زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار قال: قال لنا ابنُ
عباس: أتحبون أنْ أريكم كيف كان رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتوضأ؟ فدعا بإناء فيه ماءٌ،
فاغْترف غرفة بيده اليُمنى، فتمضْمض واستنْشق، ثم اخذ أخرى فجمع
__________
(1) المصدر السابق (17/3775) .
(2) قال محقق " تهذيب الكمال ": " جاء في حواشي النسخ تعليق للمصنف
يتعقب فيه صاحب " الكمال " نصه: كان فيه عبد الله بن الفضل بن
عبد الرحمن بن العباس. وعبد الرحمن زيادة لا حاجة إليها. وقد ذكر
الواقدي الفضل بن العباس هذا فيمن قتل بالحرة ".
(3) المصدر السابق (15/3483) .(1/324)
بها يديه، ثم غسل وجهه، ثم اخذ أخرى فغسل بها يده اليُمنى، ثم اخذ
أخرى فغسل بها يده اليُسْرى، ثم قبض قبضةً [أخرى] (1) من الماء، ثم
نفض يده، ثم مسح رأسهُ (2) وأذنيه، ثم قبض قبضةً أخْرى من الماء فرش
على رجْله اليُمنى وفيها النعْلُ، ثم مسحها بيده (3) يد فوق القدم ويد تحت
النعْل، ثم صنع باليُسْرى مثل ذلك " (4) .
ش- محمد بن بشر العبدي. روى عنه/البخاري. وروى له
أبو داود (5) .
وهشام بن سعد أبو سعيد (6) ، ويقال: أبو عباد المدني القرشي،
مولى آل أبي لهب. سمع: نافعاً، وزيد بن أسلم، والزهري،
وغيرهم. روى عنه: الثوري، والقعنبي، وأبو نعيم، والليث بن سعد،
وغيرهم وقال أحمد: لم يكن بالحافظ، وفي رواية: ليس بمحكم
الحديث. وعن ابن معين: فيه ضعف، وفي رواية: هو صالح. وقال
أبو حاتم: يكتبُ حديثُه، ولا يحتج به، هو ومحمد بن إسحاق عندي
واحد. وقال أبو زرعة: محله الصدق. روى له الجماعة إلا البخاري (7)
وزيد بن أسلم أبو أسامة القرشي العدوي المدني، مولى عمر بن
الخطاب. روى عن: أبيه، وعبد الله بن عمر، وأنس بن مالك،
وجابر بن عبد الله، وعطاء بن يسار، وعمران بن أبان، وغيرهم.
__________
(1) غير موجود في سنن أبي داود.
(2) في سنن أبي داود: " مسح بها رأسه ".
(3) في سنن أبي داود: " بيديه: يد فوق ".
(4) البخاري: كتاب الطهارة، باب: الوضوء مرة مرة، الترمذي: كتاب
الطهارة، باب: ما جاء في الوضوء مرة مرة (42) ، النسائي: كتاب الطهارة،
باب: الوضوء مرة مرة (1/62) ، ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: ما جاء
في الوضوء مرة مرة (411) .
(5) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (24/ 5088) ، وفيه: " روى له الجماعة".
(6) في الأصل: " أبو سعد " خطأ.
(7) المصدر السابق (30/6577) .(1/325)
روى عنه: مالك، ومعمر، وهشام بن سعد، والزهري، والثوري،
وغيرهم. وقال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث. توفي سنة ثلاث
وثلاثين ومائة بالمدينة. روى له الجماعة (1) .
وعطاء بن يسار: أبو محمد المدني الهلالي، مولى ميمونة زوج النبي
- عليه السلام-، أخو سليمان وعبد الملك وعبد الله. سمع: أبي بن
كعب، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن سلام، وابن عباس، وابن
عُمر، وابن عمرو، وأبا أيوب الأنصاري، وأبا واقد الليثي، وأبا رافع
مولى النبي- عليه السلام-، وأبا هريرة، وأبا سعيد الخدري،
وغيرهم. روى عنه: أبو سلمة بن عبد الرحمن، وعمرو بن دينار،
وزيد بن أسلم، وصفوان بن سُليم، وغيرهم. وقال ابن معين وأبو زرعة:
هو ثقة. توفي سنة ثلاث أو أربع ومائة " روى له الجماعة (2) .
قوله: " أتحبون " الهمزة فيها للاستفهام، تدخل النفي والإثبات في
الاستعمال.
قوله: " فمضمض واستنشق " أي: بتلك الغرفة الواحدة، وفيه دليل
لأحد الوجوه للشافعية في المضمضة والاستنشاق.
قوله: " ثم أخذ أخرى " أي: قبضة أخرى.
قوله: " ثم مسح رأسه وأذنيه " فيه دليل للحنفية.
قوله: " وفيها النعل " جملة وقعت حالاً من قوله: " على رجله ".
قوله: " ثم مسحها " أي: غسلها، كما ذكرنا أن المسح يجيء بمعنى
الغسل، والنعل لا يمنع غسل الرجل؛ لأنه لا يغطي الرجل، ولا يمنع
من وصول الماء إليها، والدليل على أنه غسل قوله: " يد فوق القدم ويد
تحت القدم "، ولو كان هذا مثل مسح الخفين لكان اكتفى بمسح بعض
القدم، وكونه استغرقها يدل على أنه غُسل؛ لأن الغسل هو الإسالة،
وقد حصلت بتلك الضربة، ولا سيما إذا رفق بها الرجل.
__________
(1) المصدر السابق (10/2088) .
(2) المصدر السابق (20/3946) .(1/326)
وقوله: " يد فوق القدم " مجرور على أنه بدل من قوله: " بيده "،
والدليل على ما قلنا رواية البخاري في هذا الحديث: " ثم أخذ غرفة من
ماء، فرش على رجله اليمنى حتى غسلها، ثم أخذ غرفه أخرى، فغسل
بها رجله اليسرى "، وفي لفظ النسائي: " ثم غرف غرفة فغسل رجله
اليمنى، ثم غرف غرفة فغسل رجله اليسرى "، وأخرجه الترمذي أيضاً
وابن ماجه مفرقاً بنحوه مختصراً، وأخرجه البخاري مطولاً ومختصرا،
وكل ذلك يُوضح ما أبهم في رواية أبي داود.
46- باب: الوضوء مرّة مرّة
أي: هذا باب في بيان الوضوء مرة مرة.
127- ص- حدثنا مسدد قال: نا يحيى، عن سفيان قال: حدثني زيد
ابن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن ابن عباس- رضي الله عنه- قال: " ألا
أخبركم بوُضوء رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فتوضأ مرةً مرةً " (1) .
ش- مسدد بن مسرهد، ويحيى القطان، وسفيان الثوري، وهذا
الحديث طرف من الحديث الذي قبله، وترجم له باباً على حدة كما ترجم
البخاري والترمذي والنسائي على طرف من هذا الحديث " الوضوء مرة
مرة ".
47- باب: الفرق بين المضمضة والاستنشاق
أي: هذا باب في بيان أن المضمضة ينبغي أن تفرق وتفصل من
الاستنشاق.
128- ص- حدثنا حُميد بن مسعدة قال: نا معتمر، قال: سمعت ليْثاً
يذكرُ عن طلحة، عن أبيه، عن جده قال: " دخلتُ- يعني: على النبي
__________
(1) انظر الحديث السابق، فهو طرف منه.(1/327)
- عليه السلام- وهو يتوضأ، والماءُ يسيلُ من وجْهه ولحْيته على صدْره،
فرأيتُهُ يفْصلُ بين المضمضة والاسْتنْشاق " (1) .
ش- حُميد بن مسْعدة بن المنير السامي الباهلي (2) أبو علي روى
عن: حماد/بن زيد، وحرب بن ميمون، وجعفر بن سليمان، ومعتمر
ابن سليمان، وغيرهم. روى عنه: أبو زرعة، ومسلم، وأبو داود،
والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وغيرهم. وقال أبو حاتم: كان
صدوقاً. توفي سنة أربع وأربعين ومائتين (3) .
ومعتمر بن سليمان بن طرخان قد ذكر. وليث هو ابن أبي سُليم، وقد
ذكر. وطلحة هو ابن مصرف بن عمر [و] بن كعب، كلهم قد ذكروا.
قوله: " وهو يتوضأ " جملة وقعت حالاً من " النبي- عليه السلام- ".
قوله: " والماء يسيل من وجهه " أيضاً جملة وقعت حالاً، ويجوز أن
يكون من الأحوال المتداخلة، أو الأحوال المترادفة، وفيه دليل أن الماء
المستعمل لا يُعطى له حكم الاستعمال إلا بالاستقرار في موضع، وهو
القول الصحيح للحنفية.
قوله: " فرأيته " أي: فرأيت النبي- عليه السلام- يفصل بين المضمضة
والاستنشاق بالماء، والمعنى: أخذ لكل منهما ماء برأسه؛ لأن الفصل لا
يكون إلا هكذا.
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) قال محقق تهذيب الكمال: " قال مغلطاي- وهو محق-: أنًى يجتمع سامة
ابن لؤي بن غالب وباهلة بن أعصر؟ هذا ما لا يمكن إلا بأمر مجازي لا
يستعمل هنا "
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (17/538) .(1/328)
48- باب: في الاستنثار
أي: هذا باب في بيان الاستنثار، وهو استفعال من نثر ينثر- بالكسر-
إذا امتخط، وقد بينا الكلام فيه مستوفى.
129- ص- حدّثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن أبي الزناد، عن
الأعرج، عن أبي هريرة: أن رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا توضأ أحدُكُم فليجعلْ
في أنْفه ماءً، ثم لينثرْ (1) " (2) .
ش- قوله: " ثم لينتثر " أي: ليمتخط، وهذا يدل على [أن]
الاستنثار غير الاستنشاق، وأنه هو إخراج الماء بعد الاستنشاق مع ما في
الأنف من مخاط وشبهه، وهذا يرد على من ذكر في الروايات المتقدمة أن
الاستنثار والاستنشاق واحد، وقد تمسك به من يقول بوجوب الاستنشاق
لمطلق الأمر. قلنا: الأمر محمول على الندب لقيام الأدلة الدالة عليه.
وأخرجه البخاري، والنسائي، ومسلم أيضاً من وجه آخر.
130- ص- حدّثنا إبراهيم بن موسى قال: أخبرنا وكيع قال: نا ابن
أبي ذئب، عن قارظ، عن أبي غطفان، عن ابن عباس قال: قال رسولُ الله
- عليه السلام-: " اسْتنْثرُوا مرتين بالغتين أو ثلاثاً " (3) .
ش- إبراهيم بن موسى بن يزيد بن زاذان (4) قد ذر، وكذا وكيع بن
الجراح، وكذلك ابن أبي ذئب.
وقارظ - بالقاف والظاء المعجمة- ابن شيبة بن قارظ، من بني ليث
__________
(1) في سنن أبي داود: " لينثر ".
(2) البخاري: كتاب الوضوء، باب: الاستنثار في الوضوء (161) ، مسلم:
كتاب الطهارة، باب: الإيتار في الاستنثار والاستجمار (237) ، النسائي:
كتاب الطهارة، باب: الاستنثار (1/65، 66) .
(3) ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: المبالغة في الاستنشاق والاستنثار (408) .
(4) في الأصل: " ذان ".(1/329)
ابن بكر بن عبد مناة بن كنانة أخو عمرو، من حُلفاء بني زهرة. روى
عن: سعيد بن المسيب، وأبي غطفان. روى عنه: أخوه عمرو، وابن
أبي ذئب. توفي بالمدينة في خلافة عبد الملك، وكان قليل الحديث.
روى له: أبو داود، وابن ماجه (1) .
وأبو غطفان بن طريف المُري، ويقال: ابن مالك. روى عن: ابن
عباس، وأبي هريرة. روى عنه: إسماعيل بن أمية، وعمر بن حمزة بن
عبد الله بن عمر بن الخطاب، وداود بن الحصين، وقارظ بن شيبة. قال
محمد بن سعد: كان قد لزم عثمان، وكتب له، وكتب أيضاً لمروان.
روى له الجماعة إلا البخاري (2) .
قوله: " بالغتين " أي: كاملتين فيه دليل على أن الاستنثار لا يلزم أن
يكون مع كل استنشاقة. وأخرجه ابن ماجه.
131- ص- حدثنا قتيبة بن سعيد في آخرين قالوا: نا يحيى بن سليم،
عن إسماعيل بن كثير، عن عاصم بن لقيط بن صبرة، عن أبيه لقيط بن
صبرة قال: كُنتُ وافد بني المنتفق أو في وفد بني المنتفق إلى رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قال: فلما قدمنا على رسول الله فلمْ نُصادفْهُ في منزله، وصادقْنا عائشة
أمّ المؤمنين- رضي الله عنها- قال: فأمرتْ كنا بخزيرة فصُنعتْ لنا. قال:
واتينا بقناع- ولم يُقمْ (3) قتيبة القناع، والقناعُ طبق فيه تمر- ثم جاء
رسولُ الله فقال: هلْ أصبتُمْ شيئاً؟ أوْ أمر لكم بشيء؟ قال: فقلنا: نعم
يا رسول الله، قال: فبيْنا نحنُ مع رسول الله جُلوس إذ دفع الراعي غنمهُ إلى
المُراح، ومعه سخْلة تيْعرُ، فقال: ما ولدت يا فُلانُ، قال: بهْمة، قال:
فاذبحْ لنا مكانها شاة ثم قال: لا تحسبن، ولم يقل: لا تحسبن أنا من أجْلك
ذبحناها، لنا غنم مائة لا نُريدُ أن تزيد، فإذا ولد الراعي بهمة ذبحْنا مكانها
شاة، قال: قلتُ: يا رسول الله، إن لي امرأة وإن في لسانها شيئاً- يعني:
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (23/4779) .
(2) المصدر السابق (34/7565) .
(3) في سنن أبي داود: " ولم يقل ".(1/330)
البذاء-/قال: فطلّقْها إذاً. قال: قلتُ: يا رسول الله، إن لها صُحْبةً ولي
منها ولدٌ. قال: فمُرْها. يقول: عظها، فإنْ يكُ فيها خيرٌ فستفْعل، ولا
تضربْ ظعينتك كضرْبك أُميّتك. قلت: يا رسول الله، أخبرني عن
الوُضوء. قال: أسْبغ الوُضوء، وخلّلْ بين الأصابع، وبالغْ في الاسْتنشاق إلا
أن تكون صائماً " (1)
ش- يحيى بن سُليم أبو محمد ويقال: أبو زكريا القرشي الطائفي
الخراز- بالخاء المعجمة، والراء وفي آخره زاي- الحذاء المكّي. روى
عن موسى بن عقبة (2) ، وسمع: إسماعيل بن أمية، وإسماعيل بن
كثير، وابن جريح، وغيرهم. روى عنه: ابن المبارك، ووكيع،
والشافعي، وأبو بكر بن أبي شيبة، وغيرهم. قال ابن سعد: كان ثقة
كثير الحديث. روى له الجماعة (3) .
وإسماعيل بن كثير المكي أبو هاشم. روى عن: مجاهد، وسعيد بن
جبير، وعاصم بن لقيط بن صبرة. روى عنه: ابن جريج، والثوري،
ويحيى بن سُليم الطائفي، وداود بن عبد الرحمن العطار. قال أحمد:
ثقة. وقال أبو حاتم: صالح. وقال ابن سعد: ثقة كثير الحديث
روي له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (4) .
وعاصم بن لقيط بن صبرة العُقيلي الحجازي. روى عن أبيه. روي
عنه إسماعيل بن كثير. قال البخاري: هو عاصم بن أبي رزين. روى
له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (5) .
__________
(1) الترمذي: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في تخليل الأصابع (38) ، وكتاب:
الصوم، باب: ما جاء في كراهية مبالغة الاستنشاق للصائم (788) ،
النسائي: كتاب الطهارة، باب: المبالغة في الاستنشاق (87) ، ابن ماجه:
كتاب الطهارة، باب: المبالغة في الاستنشاق والاستنثار (407) .
(2) في الأصل: " عيينة " خطأ.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (31/6841) .
(4) المصدر السابق (3/473) .
(5) المصدر السابق (13/3025) .(1/331)
ولقيط (1) بن صبرة بن عبد الله بن المنتفق بن عامر بن عقيل أبو رزين
العقيلي، عداده في أهل الطائف، ومنهم من يجعل لقيط بن صبرة لقيط
ابن عامر بن صبرة، ومنهم من يجعله غيره. قال ابن عبد البر: وليس
بشيء. وقال أبو محمد عبد الغني: أبو رزين العقيلي لقيط بن عامر،
وهو لقيط بن صبرة. وقيل: إنه غيره، وليس بصحيح. كان النبي
- عليه السلام- يكره المسائل، فإذا سأله أبو رزين أعجبه (2) مسألته.
روى عنه: ابن أخيه وكيع بن عُدُس، ويقال: ابن حدس، وابنه
عاصم، وعمرو بن أوس روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي،
وابن ماجه (3) .
وصبرة: بفتح الصاد المهملة، وكسر الباء الموحدة، وفتح الراء
المهملة، وبعدها تاء تأنيث، وبعضهم يُسكن الباء.
قوله: " في آخرين " أي: في جماعة آخرين، أشار بهذا إلى أن
أبا داود روى هذا الحديث عن قتيبة وهو بين جماعة كثيرة، وكل واحد
منهم حدّث عن يحيى بن سُليم، وموضعها النصب على الحال،
والتقدير: حدثنا قتيبة بهذا الحديث حال كونه مُحدثاً به في جماعة آخرين.
و" آخرين " جمع " آخر " بفتح الخاء، والفرق بين " الآخر " بالفتح،
و" الآخر" بالكسر: أن المفتوح اسم التفضيل وفيه معنى الصفة؛ لأن
__________
(1) قال الحافظ في " التهذيب " (8/457) : " تناقض في هذا المزي، فجعلهما
هنا واحدا، وفي الأطراف اثنين، وقد جعلهما ابن معين واحداً، وقال: ما
يعرف لقيط غير أبي رزين، وكذا حكى الأثرم عن أحمد بن حنبل، وإليه
نحا البخاري، وتبعه ابن حبان وابن السكن، وأما عليّ بن المديني وخليفة بن
خياط وابن أبي خيثمة وابن سعد ومسلم والترمذي وابن قانع والبغوي وجماعة
فجعلوهما اثنين. وقال الترمذي: سألت عبد الله بن عبد الرحمن عن هذا،
فأنكر أن يكون لقيط بن صبرة هو لقيط بن عامر ".
(2) كذا، وفي تهذيب الكمال: " أعجبته ".
(3) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (3/324) ، و (4/71) ، وأسد
الغابة (4/522- 523) ، والإصابة (3/329) .(1/332)
" أفعل من كذا " لا يكون إلا في الصفة، ومعناه أحد الشيئين، والأنثى منه
أخرى، والجمع " آخرون ". وأما المكسورة فهي صفة، ومعناه: بعد
الأول، تقول: جاء آخر، أي: أخيراً، والأنثى منه: آخرة، والجمع
" أواخر.
فإن قيل: إذا كان آخر- بالفتح- اسم التفضيل، ينبغي أن يستعمل
باللام أو الإضافة، أو " من " كما عرف في اسم التفضيل. قلت: قد
يستعمل اسم التفضيل مجرداً عن هذه الثلاثة نحو: الله أكبر، أي: أكبر
من كل شيء، وهنا أيضاً إذا قلت: حدثني فلان وفلان آخر معناه آخر
من الأول فافهم.
قوله: " كنت وافد بني المنتفق " الوافد واحد الوفد، والوفْد: القوم
الذين يأتون الملوك ركباناً، وقيل: هم القوم يجتمعون ويردُون البلاد،
والذين يقصدون الأمراء للزيارة أو الاسترفاد، تقول: وفد يفد فهو وافد،
وأوفدته فوفد، وأوفد على الشيء فهو مُوفد، والمنتفق: بضم الميم،
وسكون النون، وفتح التاء المثناة من فوق، وكسر الفاء، وبعدها قاف:
هو المنتفق بن عامر بن عُقيل بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن
معاوية بن بكر بن هوازن، قبيل مشهور منهم جماعة من الصحابة،
وغيرهم.
قوله: " فلم نُصادفه " أي: لم نجده، قال في " الصحاح ": صادفت
فلاناً وجدته.
قوله: " في منزله " المنزل المنهل، والدار والمنزلة مثله.
قوله: " بخزيرة " الخزيرة من الأطعمة: بفتح الخاء المعجمة، وكسر
الزاي، وسكون الياء آخر الحروف، وبعدها راء مهملة، وتاء تأنيث:
ما اتخذ من دقيق ولحم، يقطع اللحم/صغاراً، ويصب عليه الماء،
فإذا نضج ذُر عليه الدقيق، فإن لم يكن فيها لحم فهي عصيدة، والحريرة:
بفتح الحاء المهملة، ورائين مهملتين: حساء من دقيق ودسم.(1/333)
قوله: " بقناع " القناع: بكسر القاف- كذا ذكر في " دستور اللغة " في
باب القاف المكسورة-: وهو الطبق الذي يؤكل عليه.
وقال الخطابي (1) : " سُمي قناعاً لأن أطرافه قد أقنعت إلى داخل،
أي: عُطفت ".
وقال ابن الأثير (2) : " ويقال له: القُنع بالكسر والضم، وقيل:
القناع جمعه، وهو الطبق من عُسُب النخل ".
قوله: " ولم يُقم قتيبةُ القناع " أي: لم يثبته.
قوله: " هل أصبتم شيئاً؟ " أي: هل وجدتم شيئاً مما يؤكل؟
قوله: " فبينا نحن " أصل " بينا ": " بين "، فأشبعت الفتحة وصارت
ألفاً يقال: بينا وبينما، وهما ظرفا زمان بمعنى المناجاة، ويضافان إلى
جملة من فعل وفاعل، أو مبتدأ وخبر، ويحتاجان إلى جواب يتم به
المعنى، والأفصح في جوابهما: أن لا يكون فيه إذ وإذا، وقد جاءا كثيراً
في الجواب تقول: بينا زيد جالس دخل عليه عمرو، وإذ دخل عليه،
وإذا دخل عليه ومنه قول الحرقة بنت النعمان:
بينا نسوس الناس والأمرُ أمرُنا ... إذا نحن فيهم سوقة تتنصف
وقوله: " نحن " مبتدأ وخبره قوله: " جلوس "، والجلوس جمع
" جالس " كالسجود جمع " ساجد "، وهي جملة أضيفت إليها، فـ " بينا "
وجوابها قوله: " إذ دفع الراعي غنمه "، وفي بعض النسخ: " إذ رفع "
بالراء، والغنم اسم مؤنث موضوع للجنس، يقع على الذكور وعلى
الإناث، وعليهما جميعاً.
قوله: " إلى المُراح " المراح- بضم الميم- الموضع الذي تروح إليه
الماشية، أي: تأوي إليه ليلاً، وأما بالفتح فهو الموضع الذي يروح إليه
القوم، أو يروحون منه، كالمغذى للموضع الذي يُغذى منه.
__________
(1) معالم السنن (1/46) .
(2) النهاية (4/115) .(1/334)
قوله: " ومعه سخلة " السخلة- بفتح السين المهملة، وسكون الخاء
المعجمة- وقال أبو زيد: يقال لأولاد الغنم ساعة وضعه من الضأن والمعز
جميعاً، ذكراً كان أو أنثى سخلةٌ، وجمعه سخل وسخالٌ.
قوله: " تيعر " صفة للسخلة، من اليعار وهو صوت الشاة.
وقال ابن الأثير: يقال (1) : " تعرت العنز تيعر- بالكسر- يُعاراً
- بالضم- أي: صاحت ". وفي " الجمهرة ": تيعر وتيعر- بالكسر
والفتح-، وكذا في " الدستور ".
قوله: " ما ولدت ": بتشديد اللام على معنى خطاب الشاهد. وقال
الخطابي (2) : " وأصحاب الحديث يروونه على معنى الخبر، يقولون: ما
ولدت- خفيفة اللام ساكنة التاء- أي: ما ولدت الشاة، وهو غلط،
يقال: وّلدت الشاة إذا حضرت ولادتها فعالجتها حتى يبين منها الولد ".
والمُولِّد والناتج للماشية كالقابلة للنساء، والمولدة القابلة.
قوله: " بهمة " والبهمةُ: ولد الشاة أول ما تولد، يقال للمذكر
والمؤنث، والسخال أولاد المعز، فإذا اجتمع البهائم والسخال قلت لهما
جميعاً بهام وبُهم أيضاً، وجعل لبيد في شعره أولاد البقر بهاماً، وقيل:
البُهمة الذكر والأنثى من أولاد بقر الوحش والغنم والماعز. وقيل: قوله
- عليه السلام-: " ما ولدت " وجوابه: " ببُهمة " يدل على أن البُهمة
اسم للأنثى؛ لأنه إنما سأله ليُعلمه أذكر ولَّد أم أنثى، وإلا فقد كان يعلم
أنه إنما ولد أحدهما.
قوله: " لا تحسبن أنا من أجلك ذبحناها ": " (3) معناه: ترك الاعتداد
به على الضيف، والتبرؤ من الرياء، و " تحسبن " مكسورة السن إنما هي
لغة عليا مصر، و " تحسبن " بفتحها لغة: سفلاها، وهو القياس عند
النحويين؛ لأن المستقبل من فعل مكسور العين " يفعل " مفتوحها كعلم
__________
(1) النهاية (5/297) .
(2) معالم السنن (1/46) .
(3) انظر: معالم السنن (1/47) .(1/335)
يعْلمُ، وعجل يعْجل، إلا أن حروفاً شاذة قد جاءت نحو: نعم ينعم،
ويئس ييئس، وحسب يحسب، وهذا في الصحيح، فأما المعتل فقد جاء
فيه: ورم يرمُ، ووثق يثقُ، وورع يرعُ ".
قوله: " أنا من أجلك " بالفتح؛ لأن أن مع اسمه وخبره سدّ مسد
مفعولي: " لا تحسين ".
قوله: " لنا غنم مائة " جملة وقعت كالتعليل في ذبح الشاة.
قوله: " فإذا ولد الراعي " بتشديد اللام.
قوله: " البذاء " بالذال المعجمة ممدوداً: الفحش في القول، وقيل فيه:
بالقصر، وليس بالكثير.
/قوله: " عظها " أمر من وعظ يعظ، وأصله أوعظ، فحذفت الواو
تبعاً لمضارعه، واستغنى عن الهمزة بحركة العين، فصار " عظ " على
وزن " علْ "؛ لأن الساقط منه فاء الفعل.
قوله: " فإن يك " أصله: " يكُن " حذفت النون للتخفيف، وهو كثير
في كلام العرب.
قوله: " ولا تضرب ظعينتك " الظعينة- بفتح الظاء المعجمة، وكسر
العين المهملة-: المرأة، سميت بذلك لأنها تظعن مع الزوج، وتنتقل
بانتقاله، وأصله الهوادج التي تكون بها، ثم تسمى النساء كذلك،
وقيل: لا تسمى إلا المرأة الراكبة، وكثر حتى استعمل في كل امرأة،
وحتى سمي الجمل الذي تركب عليه ظعينة، ولا يقال ذلك إلا للإبل التي
عليها الهوادج.
قوله: " كضربك أميتك " الضرب مصدر مضاف إلى فاعله، ومفعوله
" أميتك "، والأمية تصغير أمة، صغرها لتحقير قدرها بالنسبة إلى الحرة.
قوله: " أسبغ الوضوء " أي: أكمله وتممه.
قوله: " وخلل بين الأصابع " التخليل: إدخال الشيء في خلال الشيء،(1/336)
وهو وسطه، والمعنى: أن يُدخل بعض أصابعه في بعض، مبالغة في
استيفاء الفرض، والنقول عن مشايخنا في التخليل أنه من الأسفل إلى
فوق، لما روي في " شرح مختصر الكرخي " عن أنس: " أنه- عليه
السلام- كان إذا توضأ شبك أصابعه، كأنها أسنان المُشط " (1) ، ولكن
الحديث بعمومه يتناول أي تخليل كان، ويتناول أيضاً تخليل أصابع اليدين
والرجلين.
قوله: " وبالغ في الاستنشاق " والمبالغة فيه: أن يتمخط في كل مرة،
ويقال: يدخل إصبعه في أنفه، وإنما استثنى حالة الصوم؛ لأنه يخاف
عليه دخول الماء من خيشومه إلى حلقه، فيفسد صومه.
فإن قيل: " (1) السائل سأل عن الوضوء بقوله: أخبرني عن الوضوء،
فظاهر هذا السؤال يقتضي الجواب عن جملة الوضوء، ليطابق الجواب
السؤال، ولم يجبه- عليه السلام- إلا عن بعض الوضوء، وهو خارج
عن أركانه؟ قلت: اقتصر- عليه السلام- في الجواب على تخليل
الأصابع والاستنشاق، لعلمه أنه لم يسأل عن حكم ظاهر الوضوء، وإنما
سأله عما يخفى من حكم باطنه، وذلك لأن غسل باطن الأنف غير
معقول من نص الكتاب في الآية، ثم أوصاه بتخليل الأصابع؛ لأن آخذ
الماء قد يأخذه بجميع الكف، وضم الأصابع بعضها إلى بعض، فيسد ما
بينهما، فربما لا يصل الماء إلى باطنها، وكذلك في أصابع الرجل لأنها
ربما يركبُ بعضها على بعض حتى تكاد تلتحم، فقدم له الوضاءة
بتخليلها، وأكد القول فيها لئلا يغفلها.
ويستفاد من هذا الحديث فوائد، الأولى: أن الرجل إذا نزل عند أحد
ضيفاً ولم يجده في منزله، فالمستحب لأهله أن يطعموه شيئاً، ولا
يؤخروه إلى حضور صاحب المنزل.
والثانية: يستحب أن يقدم للضيف خيار ما عندهم من المأكول.
__________
(1) انظره في معالم السنن (1/47- 48) ، فقد نقل المصنف معظمه، وزاد عليه.
22. شرح سنن أبي داوود 1(1/337)
والثالثة: يستحب للرجل إذا أتى منزله ووجد فيه ضيفاً يسأل عنه، هل
أكل شيئاً؟
والرابعة: يكره للرجل أن يمن على ضيفه، أو يرائي في فعله.
والخامسة: يستحب للرجل أن يفارق المرأة الفحاشة.
والسادسة: يستحب له أن ينصحها ويعظها من الآيات والحديث.
والسابعة: أنه لا يأثم على إمساك امرأة فحاشة؛ لأنه لما قال: " إن لها
صحبة، ولي منها ولد "، ما أمره بالطلاق، بل أمره بالوعظ والنصيحة.
والثامنة: يفهم من صريح النهي عدم جواز ضرب المرأة، وقد استدل
البعض بقوله: " لا تضرب ظعينتك " على عدم جواز ضرب الرجل
امرأته، وهذا ليس بصحيح؛ لأن الله تعالى أباح ذلك بقوله:
(واضْربُوهُن) (1) فله أن يضربها عند الحاجة إليه، وإنما المراد من النهي
هاهنا تبريح الضرب، كما تضرب المماليك في عادات من يستجيز ضربهن
ويستعمل سوء الملكة فيهم، وتمثيله بضرب المماليك لا يوجب إباحة
ضربهم، وإنما جرى ذكره في هذا على طريق الذم لأفعالهم، ونهاه عن
الاقتداء بهم، وقد نهى- عليه السلام- عن ضرب المماليك إلا في
الحدود،/وأمرنا بالإحسان إليهم وقال: " من لم يوافقكم منهم فبيعوه،
ولا تعذبوا خلق الله "، وأما ضرب الدواب فمباح؛ لأنها لا تنادى
بالكلام، ولا تعقل معاني الخطاب كما يعقل الإنسان، وإنما يكون تقويمها
غالباً بالضرب، وقد ضرب رسول الله- عليه السلام- بعيره بمحجنه،
ونخس جمل جابر حين أبطأ عليه فسبق الركب حتى ما ملك رأسه.
والتاسعة: يستحب للرجل أن يسأل أهل العلم عما لا يعلمه.
والعاشرة: يستحب للعالم أن يجيب عن مسائل الناس ولا يكتم علمه،
فإن تعين عليه يحب علي الجواب.
__________
(1) سورة النساء: (34) .(1/338)
الحادية عشر: فيه دليل على أن إسباغ الوضوء سُنّة.
الثانية عشر: فيه دليل على أن تخليل الأصابع سُنّة.
الثالثة عشر: فيه دليل على أن الاستنشاق سُنة، وقد ذهب بعضهم
إلى أنه واجب بظاهر الأمر، وتخصيصه بالذكر مرتين أفعال الوضوء.
قلنا: قد دلت دلائل أخرى على أنه سُنة، فيحمل الأمر هاهنا كذلك
ولو كان واجباً لكان على الصائم كهو على المفطر، وأما تخصيصه بالذكر
والتحريض عليه، إنما جاء لما فيه من المعونة على القراءة، وتنقية مجرى
النفس الذي يكون به التلاوة، وبإزالة ما فيه من الثقل تصح مخارج
الحروف. وقال ابن أبي ليلى، وإسحاق بن راهويه: إذا ترك الاستنشاق
في الوضوء أعاد الصلاة، وكذلك إذا ترك المضمضة.
الرابعة عشر: فيه دليل على أن المبالغة في الاستنشاق في حق الصائم
مكروهة، وكذلك المضمضة.
الخامسة عشر: فيه دليل على أنه إذا بالغ فيه ذاكرا لصومه، فوصل الماء
إلى دماغه فقد أفسد صومه " (1) .
132- ص- وحدثنا عقبة بن مُكْرمٍ قال: نا يحيى بن سعيد قال: نا ابن
جريج قال: حدثني إسماعيل بن كثير، عن عاصم بن لقيط بن صبرة، عن
أبيه وافد بني المنتفق: أنه أتى عائشة، فذكر معناه، قال: فلم ينْشبْ (2) أن
جاء النبيُ- عليه السلام- يتقلعُ يتكفأ، وقال: " عصيدة " مكان " خزيرة " (3) .
ش- عقبة بن مكرم بن أفلح أبو عبد الملك العمي البصري. روى عن:
محمد بن جعفر غندر، وربعي ابن عُلية، وأبي عاصم النبيل، وغيرهم.
روى عنه: مسلم، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه، والبغوي،
وغيرهم. مات بالبصرة سنة ثلاث وأربعين ومائتين. قال الخطيب: وكان
ثقة (4) .
__________
(1) إلى هنا انتهى النقل من معالم السنن.
(2) في سنن أبي داود: " ننشب "
(3) انظر الحديث رقم (131) .
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (20/3988) .(1/339)
قوله: " فذكر معناه " أي: معنى الحديث المذكور. واختلف في نقل
الحديث بالمعنى، فقالت طائفة من أصحاب الحديث، والفقه،
والأصول: لا يجوز مطلقاً، وجوز بعضهم في غير حديث النبي- عليه
السلام- ولم يجوزوا فيه، وعند الجمهور يجوز في الجميع. إذا جزم بأنه
أدى المعنى، وهذا هو الصواب الذي تقتضيه أحوال الصحابة فمن بعدهم
في روايتهم القضية الواحدة بألفاظ مختلفة.
قوله: " فلم ينشب " يقال: لم ينشب أن فعل كذا، أي: لم يلبث،
وحقيقته: لم يتعلق بشيء غيره ولا سواه من نشب الشيء ينشبُ- مثل:
علم يعلم- نُشوباً، أي: علق فيه، وأنشبته أنا: أعلقته فانتشب،
وأنشب العابد: أعلق، ونشبت الحرب بينهم: علقت، و " أن " في
قوله: " أن جاء " مفسرة، مثل قوله تعالى: (فأوْحيْنا (1) إليْه أن اصْنع
الفُلك) (2) ، ويجوز أن تكون مصدرية، والمعنى لم يلبث مجيئه.
قوله: " يتقلع يتكفأ " حالان إما من الأحوال المتداخلة، أو من الأحوال
المترادفة، ومعنى " يتقلع: يمشي بقوة، كأنه يرفع رجليه من الأرض رفعاً
قويا، لا كمن يمشي اختيالاً ويقارب خطاه، فإن ذلك من مشي الشاء،
ويوصفْن به. ومعنى " يتكفأ " يتمايل كما تتمايل السفينة يميناً وشمالاً،
كذا فسره بعضهم. وقال الأزهري: " هذا خطأ، وهذه مشية المختال،
وإنما معناه: يميل إلى جهة ممشاه ومقصده، وقد يكون مذموماً إذا قُصد،
فأما إذا كان خلْقة فلا ". وقال ابن الأثير (3) : " روي غير مهموز،
والأصل الهمز، وبعضهم يرويه مهموزاً، ومعنى " يتكفأ ": يتمايل إلى
قُدام ".
133- ص- ونا محمد بن يحيى بن فارس قال: نا أبو عاصم قال: نا
ابن جريج بهذا الحديث قال فيه: " إذا توضأت فمضمض " (4) .
__________
(1) في الأصل: " وأوحينا ".
(2) سورة المؤمنون: (27) .
(3) النهاية (4/183) .
(4) انظر الحديث رقم (131) .(1/340)
ش- محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد بن فارس أبو عبد الله
النيسابوري الإمام، وأبو عاصم النبيل، وعبد الملك بن جريج.
قوله: " بهذا الحديث " إشارة إلى الحديث الذي سبق.
/قوله: " قال فيه " أي: في هذا الحديث. وأخرجه الترمذي في
الطهارة، وفي الصوم مختصراً، وقال: هذا حديث حسن صحيح.
وأخرجه النسائي في الطهارة، والوليمة مختصرا وأخرجه ابن ماجه في
الطهارة مختصرا.
***
49- باب: تخليل اللحية
أي: هذا باب في بيان حكم تخليل اللحية.
134- ص- حدثنا أبو توبة- يعني: الربيع بن نافع- قال: نا أبو المليح،
عن الوليد بن زوران، عن أنس بن مالك: " أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا توضأ
اخذ كفا من ماء فأدخلهُ تحت حنكه، فخلّل به لحْيته، فقال: هكذا أمرني
ربي عزّ وجلّ " (1) .ً
ش- أبو المليح المدني، روى عن أبي صالح، روى عنه وكيع، روى
له أبو داود (2) .
والوليد بن زوران السلمي الرقي. روى عن: أنس بن مالك،
وميمون بن مهران روى عنه: أبو المليح الرقي، وحجاج بن الحجاج،
وجعفر بن برقان. روى له أبو داود (3) .
قوله: " تحت حنكه " الحنك: ما تحت الذقن من الأسنان وغيره. وبهذا
استدل أبو يوسف من أصحابنا أن تخليل اللحية سُنة. " (4) وروى أيضاً
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (6/1255) .
(3) المصدر السابق (31/6704) .
(4) انظره كاملاً في نصب الراية (1/23- 26)(1/341)
أبو بكر بن أبي شيبة في " مصنفه " فقال: حدثنا وكيع، ثنا الهيثم بن
جماز، عن يزيد بن أبان، عن أنس: أن النبي- عليه السلام- قال:
" أتاني جبريلُ فقال: إذا توضأت فخلل لحيتك ". ورواه ابن عدي في
" الكامل "، ولفظه: " جاءني جبريلُ فقال: يا محمد، خلل لحيتك بالماء
عند الطهور " (1) . وروى تخليل اللحية عن النبي- عليه السلام- من
الصحابة: عثمان، وأنس، وعمار، وابن عباس، وأبو أيوب، وابن
عمر، وأبو أمامة، وعبد الله بن أبي أوفى، وأبو الدرداء، وكعب بن
عمرو، وأبو بكرة، وعائشة، وجابر، وأم سلمة.
أما حديث عثمان فما رواه الترمذي، وابن ماجه من حديث عامر بن
شقيق الأسدي، عن أبي وائل، عن عثمان: " أن رسول الله- عليه
السلام- كان يخلل لحيته " وقال الترمذي: " إنه- عليه السلام-
توضأ وخلل لحيته "، وقال: حديث حسن صحيح. وقال البخاري:
أصح شيء في هذا الباب حديث عامر بن شقيق عن أبي وائل، عن
عثمان- رضي الله عنه-. ورواه ابن حبان في " صحيحه "، والحاكم
في " مستدركه "، وقال: صحيح الإسناد (2) .
وأما حديث أنس- رضي الله عنه- فما رواه أبو داود.
وأما حديث عمار بن ياسر فما رواه الترمذي وابن ماجه: حدثنا محمد
ابن أبي عمر العدني، ثنا سفيان، عن عبد الكريم بن أبي المخارق، عن
حسان بن بلال، عن عمار بن ياسر قال: " رأيتُ رسول الله- عليه
السلام- يخلل لحيته " (3) .
وأما حديث ابن عباس فما رواه الطبراني في " معجمه الوسط ":
__________
(1) الكامل (8/396، ترجمة الهيثم بن جماز) .
(2) الترمذي: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في تخليل اللحية (31) ، ابن ماجه:
كتاب الطهارة، باب: ما جاء في تخليل اللحية (430) ، الحاكم (1/149) .
(3) الترمذي (29) ، ابن ماجه (429) .(1/342)
حدثنا أحمد بن إسماعيل الوساوسي البصري، ثنا شيبان بن فروخ، ثنا
نافع أبو هرمز، عن عطاء، عن ابن عباس قال: دخلت على رسول الله
وهو يتوضأ، فغسل يديه، ومضمض، واستنشق ثلاثاً ثلاثاً، وغسل
وجهه ثلاثاً، وخلل لحيته ... " الحديث (1) .
وأما حديث أبي أيوب الأنصاري فرواه ابن ماجه من حديث واصل بن
السائب، عن أبي سورة، عن أبي أيوب قال: " رأيت رسول الله توضأ
فخلل لحيته " (2) .
وأما حديث ابن عمر فرواه ابن ماجه أيضاً: حدثنا هشام بن عمار،
ثنا عبد الحميد بن حبيب، ثنا الأوزاعي، ثنا عبد الواحد بن قيس،
حدثني نافع، عن ابن عمر قال: " كان رسول الله إذا توضأ عرك
عارضته بعض العرْك، ثم شبك لحيته بأصابعه من تحتها " (3) .
وأما حديث أبي أمامة فرواه الطبراني في " معجمه "، وابن أبي شيبة
في " مصنفه ".
وأما حديث عبد الله بن أبي أوفى فرواه الطبراني أيضاً.
وأما حديث أبي الدرداد فرواه الطبراني أيضاً.
وأما حديث كعب بن عمرو فرواه الطبراني أيضاً.
وأما حديث أبي بكرة فرواه البزار في " مسنده ".
وأما حديث عائشة فرواه الحاكم في " المستدرك " وأحمد في " مسنده ".
وأما حديث جابر فرواه ابن عدي في " الكامل " (4) .
وأما حديث أم سلمة فرواه الطبراني في " معجمه "، وكلها مدخولة
وأمثلها حديث عثمان كما ذكرنا.
وقال ابن أبي حاتم في " كتاب العلل ": سمعت أبي يقول: لا يثبت
في تخليل اللحية حديث " (5) . ولأجل هذا قال أبو حنيفة: تخليل
اللحية فضيلة وليست بسُنة، وبه قال محمد.
(1) العجم الأوسط (2/2277) .
(2) ابن ماجه (433) .
(3) ابن ماجه (432) .
(4) الكامل (2/89، ترجمة أصرم بن غياث) .
(5) إلى هنا انتهى النقل من نصب الراية.(1/343)
ص- قال أبو داود: الوليد بن زوران روى عنه الحجاج بن الحجاج،
وأبو المليح الرقي.
ش- هذه ليست بموجودة في النسخ الصحيحة، وحجاج بن الحجاج
الأحول البصري الباهلي.
***
/50- باب: المسح على العمامة
أي: هذا باب في بيان المسح على العمامة.
135- ص- حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل قال: نا يحيى بن سعيد،
عن ثور، عن راشد بن سعد، عن ثوبان قال: " بعث رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (1)
سريةً فأصابهُمُ البردُ، فلما قدموا على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمرهم أن يمْسحُوا على
العصائب والتساخين " (2) .
ش- يحيى بن سعيد القطان، وثور بن يزيد قد ذُكرا.
وراشد بن سعد المقرائي، ويقال: الحُبْراني. سمع: معاوية بن
أبي سفيان وشهد معه صفين، وثوبان مولى رسول الله- عليه السلام-،
ويعلى بن مرة، وأبا أمامة الباهلي. روى عن: أنس بن مالك، وعمرو
ابن العاص، وغيرهما من الصحابة والتابعين. روى عنه: ثور بن يزيد،
وحريز بن عثمان، ومعاوية بن صالح، وغيرهم. قال أحمد: لا بأس
به. وقال ابن معين: ثقة. مات سنة ثمان ومائة. روى له: أبو داود،
والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (3) .
وثوبان بن بُجدد مولى النبي- عليه السلام- قد ذكر.
قوله: " سرية " السرية: طائفة من الجيش يبلغ أقصاها أربعمائة، تبعث
إلى العدو، وجمعها: " السرايا "، سموا بذلك لأنهم يكونون خلاصة
__________
(1) في الأصل: " عليه وسلم ".
(2) تفرد به أبو داود.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (9/1826) .(1/344)
العسكر وخيارهم من الشيء السري النفيس، وقيل: سموا بذلك لأنهم
ينفذون سرا وخفية، وهذا ليس بشيء لأن لام السر " راء "، وهذه "ياء".
قوله: " على العصائب " العصائب: العمائم، سميت بذلك لأن
الرأس يعصب بها، وكل ما عصبت به رأسك من عمامة أو منديل أو خرقة
فهو عصابة.
قوله: " والتساخين " (1) التساخين: الخفاف، ويقال: أصل ذلك:
كل ما تسخن به القدم من خُف وجورب ونحوهما، ولا واحد للتساخين
من لفظها، وقيل: واحدها: تسْخان، وتسخن، وتسخن، والياء فيها
زائدة. وذكر حمزة الأصفهاني (2) أن التّسخان فارسي معرب " تثْكن "،
وهو اسم غطاء من أغطية الرأس، كان العلماء والموابذةُ يأخذونه على
رؤوسهم خاصة دون غيرهم. وقال: من تعاطى تفسيره هو الخفُ لم
يعرف فارسيته " (3) .
" (4) وقد اختلف أهل العلم في المسح على العمامة، فذهب إلى
جوازه جماعة من السلف. وقال به من فقهاء الأمصار: الأوزاعي،
وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وأبو ثور، وداود. وقال أحمد:
قد جاء ذلك عن النبي- عليه السلام- من خمسة أوجه، وشرط من
جوّز المسح على العمامة أن يعتم الماسح عليها بعد كمال الطهارة، كما
يفعله من يريد المسح على الخفين. وروي عن طاوس أنه قال: " لا يمسح
على العمامة التي تجعل تحت الذقن، وأبى المسح على العمامة أكثر الفقهاء،
وتأولوا الخبر في المسح على العمامة على معنى أنه كان يقتصر عل مسح
بعض الرأس، فلا يمسحه كله مقدمه ومؤخره، ولا ينزع عمامته عن رأسه
__________
(1) انظر: النهاية في غريب الحديث (2/352) .
(2) في الأصل: " الأصهاني "، وهو صاحب كتاب الموازنة.
(3) إلى هنا انتهى النقل من النهاية.
(4) انظر: معالم السنن (1/49) .(1/345)
ولا ينقضها، وجعلوا خبر المغيرة بن شعبة (1) كالمفسر له، وهو أنه
وصف وضوءه ثم قال: " ومسح بناصيته وعلى عمامته " فوصل مسح
الناصية بالعمامة، وإنما وقع أداء الواجب في مسح الرأس بمسح الناصية،
إذ هي جزء من الرأس، وصارت العمامة تبعاً له، كما روي: أنه مسح
أسفل الخف وأعلاه، ثم كان مسح الواجب (2) في ذلك مسح أعلاه،
وصار مسح أسفله كالتبع له، والأصل: أن الله فرض المسح، وحديث
ثوبان محتمل للتأويل، فلا يترك الأصل المتيقن وجوبه بالحديث المحتمل،
ومن قاسه على مسح الخفين فقد أبعد؛ لأن الخفّ يُشق خلعه ونزعه،
ونزع العمامة لا يشق " (3) . وهنا جواب آخر: أنه يجوز أن يكون هذا
من قبيل ذكر الحال، وإرادة المحل، ذكر العصائب وأراد ما تحويه
العصائب مجازاً.
136- ص- حدثنا أحمد بن صالح قال: نا ابن وهب، قال: حدثني
معاوية بن صالح، عن عبد العزيز بن مسلم، عن أبي معقل، عن أنس بن
مالك قال: " رأيتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتوضأ وعليه عمامةٌ قطريةٌ، فادخل يده
من تحت العمامة، فمسح مُقدم رأسه، ولم ينقض العمامة " (4) .
ش- أحمد بن صالح أبو جعفر المصري يعرف بابن الطبري، كان أبوه
من أهل طبرستان من الجند، وكان أحد الحُفاظ المبرزين، والأئمة
المذكورين. سمع: ابن عيينة، وعبد الله بن وهب، وإبراهيم بن
الحجاج، وغيرهم. روى عنه: ابن المثنى، والبخاري، والترمذي،
وأبو داود، وأبو زرعة، وغيرهم. وقال البخاري: ثقة صدوق. توفي
في ذي القعدة سنة ثلاث وأربعين/ومائتين (5) .
وعبد العزيز بن مسلم: أبو زيد القسْملي مولاهم الخُراساني المرْوزي،
__________
(1) يأتي برقم (139) .
(2) في معالم السنن: " ثم كان الواجب ".
(3) إلى هنا انتهى النقل من معالم السنن.
(4) ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في المسح على العمامة (564) .
(5) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (1/49) .(1/346)
أخو المغيرة السراج، سكن البصرة، وقيل: نزل القسامل فنسب إليهم.
روى عن: عبد الله بن دينار، وأبي إسحاق الهمداني، وحصين بن
عبد الرحمن، والربيع بن أنس، والأعمش، وغيرهم. روى عنه:
مسلم بن إبراهيم، و [أبو] الوليد الطيالسي، وداود بن بلال، وغيرهم.
قال ابن معين وأبو حاتم: ثقة. وكان من الأبدال. روى له الجماعة إلا
ابن ماجه (1) .
وأبو معقل روى عن أنس بن مالك، روى عنه عبد العزيز بن مسلم
القسملي، روى له أبو داود، وابن ماجه (2) .
قوله: " عمامة قطرية " هي ثياب حُمر لها أعلام فيها بعض الخشونة،
منسوبة إلى قطر، موضع بين عمان وسيف البحر، وعن الأزهري:
وقيل: هي حلل جياد تُحمل من البحرين، القطر- بفتح القاف والطاء-:
قرية في بلاد البحرين. وقال ابن الأثير: " وأحسن الثياب القطرية نسبت
إليها، فكسروا القاف للنسبة وخففوا ".
قوله: " فمسح مُقدم رأسه " بضم الميم، وفتح الدال المشددة، ويجوز
ضم الميم وكسر الدال المخففة.
***
51- باب: غسل الرجل (3)
أي: هذا باب في بيان غسل الرجل.
137- ص- حدثنا قتيبة بن سعيد قال: نا ابن لهيعة، عن يزيد بن
عمرو، عن أبي عبد الرحمن الحُبُلي، عن المستورد بن شداد قال: " رأيتُ
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا توضأ يدْلُكُ أصابع رجليه بخنْصره " (4) .
__________
(1) المصدر السابق له 1/3473) .
(2) المصدر السابق (34/7641) .
(3) في سنن أبي داود: " الرجلين ".
(4) الترمذي: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في تخليل الأصابع (40) ، ابن
ماجه: كتاب الطهارة، باب: تخليل الأصابع (446) .(1/347)
ش- ابن لهيعة هو: عبد الله بن لهيعة بن عُقبة بن فُرعان
الحضرمي الأعدُولي من أنفسهم، ويقال: الغافقي المصري قاضي مصر
أبو عبد الرحمن. سمع: الأعرج، وعطاء بن أبي رباح، ومحمد بن
المنكدر، ويزيد بن عمرو، وغيرهم. روى عنه: الأوزاعي، والثوري،
والليث بن سعد، وابن المبارك، وعبد الله بن وهب، وغيرهم. وقال
ابن معين: ضعيف الحديث. توفي سنة أربع وسبعين ومائة. روى له:
أبو داود، والترمذي، وابن ماجه (1) .
ولهيعة بفتح اللام، وكسر الهاء.
ويزيد بن عمرو المعافري المصري. روى عن: أبي عبد الرحمن الحُبُلي،
وشُفى بن ماتع الأصْبحي. روى عنه: الليث بن سعد، وعمرو بن
الحارث، وعبد الله بن لهيعة. قال أبو حاتم: لا بأس به. روى له:
أبو داود، والترمذي، وابن ماجه (2) .
وأبو عبد الرحمن اسمه: عبد الله بن يزيد الحُبُلي المعافري. سمع:
ابن عمرو بن العاص، وابن عمر، والمستورد، وغيرهم. روى عنه:
يزيد بن عمرو، وعقبة بن مسلم، وأبو هانئ الخولاني، وغيرهم. توفى
بإفريقية سنة مائة. روى له الجماعة (3) .
والحُبُلي بضم الحاء المهملة والباء الموحدة.
والمستورد بن شداد بن عمرو الفهري القرشي. روي له عن رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سبعة أحاديث، سكن الكوفة. روى عنه الكوفيون والمصريون،
روى له مسلم حديثين. روى له: أبو داود، والترمذي، وابن ماجه (4) .
قوله: " يدلك أصابعه " من دلكت الشيء بيدي أدلكه دلكاً. وفيه دليل
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (15/3513) .
(2) المصدر السابق (32/7032) .
(3) المصدر السابق (16/3663) .
(4) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (3/482) ، وأسد الغابة
(5/154) ، والإصابة (3/407) .(1/348)
على أن الدلك سُنة، ودليل أن الرجل مغسول، ولهذا بوب أبو داود
بقوله: " باب غسل الرجل ". وكان الأولى أن يبوب بقوله: " باب
دلك الرجل في الوضوء ". وأخرجه الترمذي وابن ماجه. وقال
الترمذي: هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديث ابن لهيعة.
***
52- باب: المسح على الخفين
أي: هذا باب في بيان المسح على الخفين، إنما قدم أبواب المسح على
الخفين على أبواب الغسل؛ لأن المسح من توابع الوضوء، وقدمها على
أبواب التيمم؛ لأن التيمم خلفٌ عن الكل، والمسح خلفٌ عن الجزء،
والجزء مقدم على الكل، مع أنه لا يراعي المناسبة بين أبواب الكتاب،
ولا كُتبه.
138- ص- حدثنا أحمد بن صالح قال: ثنا عبد الله بن وهب قال:
أخبرني يونس بن يزيد، عن ابن شهاب قال: حدثني عباد بن زياد: أن عروة
ابن المغيرة بن شعبة أخبره: أن أباه المغيرة بن شعبة يقول: " عدل رسولُ الله
وأنا معهُ في غزوة تبوك قبل الفجر، فعدلتُ معهُ، فأناخ النبيُّ- عليه
السلام- فتبرّز ثم جاء، فًسكبتُ على يده من الإداوة، فغسل كفيْه، ثم غسل
وجْههُ، ثم حسر/عن ذراعيه فضاق كُما جُبته، فأدخل يديه فأخرجهُما من
تحت الجُبة، فغسلهما إلى المرفق، ومسح برأسه، ثم توضأ على خُفيه، ثم
ركب، فأقبلنا نسيرُ حتى نجد الناس في الصلا قد قدموا عبد الرحمن بن
عوف، فصلّى بهم حين كان وقتُ الصلاة، ووجدنا عبد الرحمن قدْ ركع
بهم ركعةً من صلاة الفجر، فقام رسولُ الله فصف مع المسلمين، فصلّى
وراء عبد الرحمن بن عوف الركعة الثانية، ثم سلم عبدُ الرحمن، فقام
النبيُ- عليه السلام- في صلاته، ففزع المسلمون، فأكثرُوا التسبيح؛ لأنهم(1/349)
سبقُوا النبيّ- عليه السلام- بالصلاة، فلما سلم رسولُ الله قال لهم: قدْ
أصبتُم أو قد أحْسنتُم " (1) .
ش- يونس بن يزيد بن أبي النجاد- بالنون- الأيليُ القرشي، مولى
معاوية بن أبي سفيان، وهو أخو أبي علي. روى عن: عكرمة مولى ابن
عباس، والزهري، ونافع، وغيرهم. روى عنه: هشام بن عروة،
والأوزاعي، والليث، وابن المبارك، وابن وهب، وغيرهم. وقال ابن
معين: ثقة. وقال أبو زرعة: لا بأس به. توفي سنة تسع وخمسين
ومائة. روى له الجماعة (2) .
وابن شهاب محمد بن مسلم الزهري.
وعباد بن زياد بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية القرشي الأموي.
روى عن عروة وحمزة ابني المغيرة بن شعبة. روى عنه: الزهري. روى
له: مسلم، وأبو داود، والنسائي (3) .
وعروة بن المغيرة بن شعبة الثقفي أبو يعقوب الكوفي، كان والياً عليها.
سمع أباه. روى عنه: الشعبي، وعباد بن زياد، ونافع بن جُبير، وبكر
ابن عبد الله المزني، وغيرهم. روى له الجماعة (4) .
قوله: " عدل رسولُ الله " أي: مال عن الطريق لقضاء حاجته.
قوله: " وأنا معه " جملة وقعت حالاً.
وقوله: " في غزوة تبوك " أيضاً حال.
__________
(1) البخاري: كتاب الوضوء، باب: الرجل يوضئ صاحبه (182) ، وكتاب
الوضوء، باب: المسح على الخفين (203) ، مسلم: كتاب الطهارة، باب:
المسح على الخفين (274) ، النسائي: كتاب الطهارة، باب: صب الخادم الماء
على الرجل للوضوء (1/62) ، ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: ما جاء
في المسح على الخفين (545) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (32/7188) .
(3) المصدر السابق (14/3078) .
(4) المصدر السابق (20/3913) .(1/350)
قوله: " فأناخ النبي- عليه السلام- " أي: برك ناقته، وحذفُ المفعول
كثير في الكلام.
قوله: " فتبرز " كناية عن قضاء الحاجة، وقد ذكرناه.
قوله: " من الإداوة " بكسر الهمزة، وهي آنية الماء كالمطهرة.
قوله: " ثم حسر عن ذراعيه " بالحاء والسن المهملتين، أي: كشف،
من باب ضرب يضرب.
قوله: " فضاق كُما جبته " الجبة بتشديد الباء: التي تلبس، وجمعها
" جباب ".
قوله: " ثم توضأ على خفيه " أي: مسح عليهما من باب إطلاق اسم
الكل على الجزء.
قوله: " نسير " جملة وقعت حالاً عن الضمير الذي في " أقبلنا "،
والمعنى: أقبلنا سائرين.
قوله: " قد قدموا عبد الرحمن " جملة وقعت حالاً من " الناس "،
وقد عُرف أن الماضي المثبت إذا وقع حالاً لابد فيه من " قد " ظاهرة أو
مضمرة.
قوله: " وقد ركع " حال أيضاً من " عبد الرحمن "
قوله: " فصف مع المسلمين " أي: دخل في صفهم، وصلى وراءه
الركعة الثانية، وقد سُبق الركعة الأولى.
فإن قيل: كيف قام عبد الرحمن في صلاته وتأخر أبو بكر حتى يتقدم
النبي- عليه السلام-؟ قلنا: إن عبد الرحمن كان قد ركع ركعة، فترك
النبي- عليه السلام- التقدم لئلا يختل ترتيب الصلاة في حق القوم،
بخلاف قصة أبي بكر الصّديق- رضي الله عنه-.(1/351)
قوله: " قد أصبتم " أي: في مبادرتكم إلى الطاعة، أو في إكثارهم
التسبيح.
قوله: " أو قد أحسنتم " شك من الراوي.
ويستفاد من هذا الحديث فوائد:
" (1) الأولى: أن الرجل إذا أراد أن يقضي حاجته يعتزل الناس، فإن
كان في السفر لا يقعد على الطريق.
الثانية: فيه دليل على جواز الاستعانة في الوضوء، وقد جاء في
أحاديث- ليست ثابتة- النهي عن الاستعانة، وقد ثبت من حديث أسامة
ابن زيد: " أنه صب على النبي- عليه السلام- في وضوئه حين انصرف
من عرفة ".
الثالثة: فيه دليل على جواز استخدام الكبير الصغير في القدر أو السن.
الرابعة: فيه دليل على استحباب لبس الأكمام الضيقة.
الخامسة: فيه دليل على عدم كراهة الوضوء من تحت قماشة.
السادسة: فيه دليل على جواز المسح على الخفين.
السابعة: فيه دليل على جواز تقديم المفضول في الإمامة مع وجود
الفاضل.
الثامنة: فيه دليل على جواز صلاة النبي- عليه السلام- وراء بعض
أمته.
التاسعة: فيه بيان حال المسبوق،/وأنه يصلي مع الإمام ما أدركه،
ثم يقوم ويصلي ما بقي عليه ويقرأ؛ لأنه فيما سبق كالمنفرد، بخلاف
اللاحق فإنه خلف الإمام حكماً ".
وأخرجه البخاري، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه مطولاً ومختصراً.
__________
(1) انظر: " شرح صحيح مسلم " (3/172- 173) .(1/352)
139- ص- حدّثنا مسدد قال: نا المعتمر (1) ، عن التيمي قال: نا بكر،
عن الحسن، عن ابن المغيرة بن شعبة، عن المغيرة بن شعبة: " أن رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضأ ومسح ناصيتهُ وذكر فوق العمامة " قال عن المعتمر: سمعت،
أبي يحدث عن بكر بن عبد الله، عن الحسن، عن ابن المغيرة بن شعبة، عن
المغيرة بن شعبة: " أن نبيّ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يمسحُ على الخُفّين، وعلى ناصيته،
وعلى عمامته ". قال بكر: وقد سمعتُه من ابن المغيرة (2) .
ش- المعتمر بن سليمان بن طرخان، وقد ذكرناه. ووالده سليمان
التيمي لم يكن من بني تيم، وإنما نزل فيهم. سمع: أنساً، وثابتاً،
وقتادة، وبكراً، وغيرهم. روى عنه: الثوري، وشعبة، وابن المبارك،
وابن عيينة، وابنه معتمر بن سليمان، ويحيى بن سعيد، وغيرهم. وكان
مائلاً إلى علي بن أبي طالب. قال أحمد: هو ثقة. وكذا قال ابن معين.
توفي بالبصرة سنة ثلاث وأربعين ومائة، وهو ابن سبع وتسعين سنة.
روى له الجماعة (3) .
وبكر هو ابن عبد الله بن عمرو المزني، وقد ذكر.
والحسن هو البصري.
وابن (4) المغيرة هو عروة بن المغيرة. وقال القاضي عياض: حمزة بن
المغيرة هو الصحيح عندهم في هذا الحديث، وإنما عروة بن المغيرة في
الأحاديث الأُخر، وحمزة وعروة ابنان للمغيرة. والحديث مروي عنهما
جميعاً، لكن رواية بكر بن عبد الله المزني إنما هي عن حمزة بن المغيرة.
قوله: " ومسح ناصيته " الناصية: مقدم الرأس.
__________
(1) في سنن أبي داود: " حدثنا مسدد، حدثنا يحيى- يعني: ابن سعيد- ح،
وحدثنا مسدد، حدثنا المعتمر ".
(2) انظر الحديث السابق.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (12/2531) .
(4) المصدر السابق (34/475) .
23* شرح سنن أبي داوود 1(1/353)
قوله: " وذكر فوق العمامة " أي: ذكر مسدد عن المعتمر فوق العمامة،
يعني: مسح على ناصيته، وعلى عمامته، وبين ذلك بقوله: " قال "
أي: مسدد عن المعتمر، سمعتُ أبي- وهو سليمان- يحدث عن بكر بن
عبد الله المزني، عن الحسن البصري، عن ابن المغيرة- إما عروة وإما
حمزة على الاختلاف- عن المغيرة بن شعبة: " أن نبي الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان
يسمحُ على الخُفين، وعلى ناصيته، وعلى عمامته ".
وقد استدل به أبو حنيفة: أن فرض المسح هو ربع الرأس؛ لأن الناصية
هو الربع. وقال الشيخ محيي الدين النووي: " هذا مما احتج به
أصحابنا على أن مسح بعض الرأس يكفي، ولا يشترط الجميع " (1) .
قلت: هذا حجة عليهم لا لهم؛ لأن الفرض عندهم أدنى ما ينطلق
عليه اسم المسح، وهاهنا قد نص على الناصية، وهو ربع الرأس،
واستدلت الشافعية بقوله: " وعلى عمامته " على استحباب تتميم المسح
بالعمامة، لتكون الطهارة على جميع الرأس، ولا فرق عندهم بين أن
يكون لبس العمامة على طُهْرٍ أو على حدثٍ، وكذا لو كان على رأسه
قلنسوة، ولم ينزعها ومسح بناصيته، يستحب أن يتمم على القلنسوة
كالعمامة، ولو اقتصر على العمامة ولم يمسح من الرأس شيئاً لم يجزئه
ذلك عندهم، ولا عندنا، ولا عند مالك، وهو مذهب أكثر العلماء،
وذهب أحمد إلى جواز الاقتصار، ووافقه على ذلك جماعة من السلف.
140- ص- حدّثنا مسدد قال: نا عيسى بن يونس قال: حدّثني أبي،
عن الشعبي قال: سمعتُ عروة بن المغيرة بن شعبة يذكر عن أبيه قال: " كنا
مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ركبة ومعي إداوة، فخرج لحاجته، ثم أقبل فتلقيتُهُ
بالإداوة، فأفرغتُ عليه، ً فغسل كفيه ووجهه، ثم أراد أنْ يخرج ذراعيه
وعليه جُبة من صُوفٍ من جباب الروم ضيقة الكمين، فضاقتْ فادرعهُما
__________
(1) انظر: " شرح صحيح مسلم " (3/172) .(1/354)
أدراعاً، ثم أهويتُ إلى الخفين لأنزعهُما فقال (1) : دع الخفين، فإني أدخلتُ
القدمين الخفين وهما طاهرتان، فمسح عليهما " (2) .
قال أبي: قال الشعبي: شهد لي عروةُ على أبيه، وشهد أبوه على
رسول الله- عليه السلام-.
ش- عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي قد ذكر.
ويونس بن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي أبو إسرائيل الكوفي.
روى عن: أنس بن مالك، والشعبي، وناجية بن كعب، وجُريّ
النهدي، وعبد الله بن أبي السفر./روى عنه: الثوري، ويحيى،
القطان، ووكيع، وأبو نعيم، وجماعة آخرون. وقال ابن معين: كان
ثقة. وقال أحمد: حديثه مضطرب. وقال أبو حاتم: كان صدوقاً إلا
أنه لا يحتج بحديثه. روى له الجماعة (3) .
قوله: " في ركبة " الركبة- بفتح الراء والكاف-: أقل من الركب،
والركب جمع " راكب "، وفي بعض الرواية: " في غزوة ".
قوله: " فتلقيته " أي: استقبلته.
قوله: " فادّرعهما " معناه: نزع ذراعيه عن الكمين، فأخرجهما من
تحت الجبة، ووزنه " افتعل " من ذرع إذا مد ذراعيه، ويجوز بالدال
والذال معاً كما يقال في " ادكر " و " ذرع " لما نقل إلى باب الافتعال صار
" اذْترع " فقلبت التاءُ ذالاً، وأدغمت الذال في الذال، فصار: " اذّرع ".
__________
(1) في سنن أبي داود: " فقال لي "، و " لي " غير موجودة في " معالم السنن "
كذلك.
(2) البخاري: كتاب الوضوء، باب: إذا أدخل رجليه وهما طاهرتان (206) ،
مسلم: كتاب الطهارة، باب: المسح على الخفين (274) ، النسائي: كتاب
الطهارة، باب: صب الخادم الماء على الرجل للوضوء (79) ، ابن ماجه:
كتاب الطهارة وسننها، باب: ما جاء في المسح على الخفين (545) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (32/7170) .(1/355)
قوله: " ثم أهويت " من أهوى بيده إليه، أي: مدها نحوه، وأمالها
إليه، يقال: أهوى يده وبيده إلى الشيء ليأخذه.
قوله: " فإني أدخلت القدمين الخفين " كلاهما منصوبان على المفعولية.
وقوله: " وهما طاهرتان " حال من القدمين. وفيه دليل على أن المسح
على الخفين لا يجوز إلا أن يُلبسا على كمال الطهارة، وهذا بالإجماع،
ولكن كمال الطهارة شرط وقت اللُبس أو وقت الحدث؟ فعند أصحابنا:
وقت الحدث، حتى لو غسل رجليه، ولبس خفيه، ثم أكمل الطهارة،
ثم أحدث يُجزئه المسح. وبه قال الثوري، ويحيى بن آدم، والمزني،
وأبو ثور، وداود. وقال الشافعي، ومالك، وأحمد: لا يجوز؛ لأن
كمال الطهارة شرط عندهم وقت اللُّبس. وقال الخطابي في تعليل هذه
المسألة (1) : " وذلك أنه جعل طهارة القدمين معاً قبل لُبس الخفين شرطاً
لجواز المسح عليهما، وعلة لذلك، والحكم المعلق بشرط لا يصح إلا
بوجود شرطه ".
قلت: سلمنا أن الحكم المعلق بشرط لا يصح إلا بوجود شرطه،
ولكن لا نسلم أنه- عليه السلام- شرط كمال الطهارة وقت اللّبس؛
لأنه لا يفهم من نص الحديث، غاية ما في الباب [أنه] أخبر أنه لبسهما
وقدماهُ كانتا طاهرتين، فأخذنا من هذا اشتراط الطهارة لأجل جواز
المسح، سواء كانت الطهارة حاصلة وقت اللبس أو وقت الحدث، وتقييده
بوقت اللبس أمر زائد لا يفهم من العبارة. وأخرجه البخاري ومسلم
مختصراً ومطولاً.
141- ص- حدثنا هدبةُ بن خالد قال: نا همام، عن قتادة، عن الحسن،
وعن زرارة بن أوفى، أن المغيرة بن شعبة قال: " تخلف رسولُ الله " فذكر
هذه القصة، قال: " فأتينا الناس وعبدُ الرحمن بن عوف يُصلّي بهم الصبح،
فلما رأى النبي- عليه السلام- أراد أن يتأخر فأومأ إليه أنْ يمْضي. قال:
__________
(1) معالم السنن (1/50) .(1/356)
وصليتُ أنا والنبيُ- عليه السلام- خلفهُ ركعةً، فلما سلم قام النبيُ- عليه
السلام- فصفى الركعة التي سُبق بها، ولم يزدْ عليها [شيئاً] (1) " (2) .
ش- هُدبة بن خالد بن الأسود بن هُدبة القيسي، ويقال له: الثوباني؛
لأنه من بني قيس بن ثوبان، أبو خالد البصري. سمع: الحمادين،
وسليمان بن المغيرة، وهمام بن يحيى، وسلام بن مسكين، وغيرهم.
روى عنه: أبو زرعة، وأبو حاتم، والبخاري، ومسلم، وأبو داود،
وابن ماجه، وجماعة آخرون. مات سنة خمس وثلاثين ومائتين (3) .
وهمام هو ابن يحيى بن دينار العوذي، وقد ذكرناه.
قو له: " تخلف " أي: تأخر.
قوله: " هذه القصة " القصة: الأمر والحديث، وقد اقتصصت،
الحديث: رويته على وجهه، وقد قص عليه الخبر قصصاً، والاسم أيضاً:
القصص- بالفتح- وُضع موضع المصدر حتى صار أغلب عليه،
والقصص- بكسر القاف- جمع القصة التي تكتب.
قوله: " فأومأ إليه أن يمضي " أي: أشار إليه أن يمضي في صلاته
فيتمها، وذلك كما قلنا خوفاً من نقص ترتيب الصلاة؛ لأنه قد كان صلى
بهم الركعة.
ص- قال أبو داود: أبو سعيد الخُدْري، وابن الزبير، وابن عمر يقولون:
" من أدرك الفرد من الصلاة، عليه سجدةُ السهو ".
ش- " أبو سعيد " مبتدأ وما بعده عطف عليه، وخبره: " يقولون "
إنما قالوا ذلك لاحتمال أن يكون على الإمام سهو.
وفي " مصنف ابن أبي شيبة ": حدثنا ابن نمير، عن عبد الملك، عن
عطاء، عن أبي سعيد، وابن عمر، وابن الزبير قالوا: " إذا فاته بعضُ
الصلاة قام فقضى، وسجد سجدتين ".
__________
(1) غير موجود في سنن أبي داود. (2) انظر الحديث السابق.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (30/6553) .(1/357)
وفي " المصنف ": نا ابن نمير، عن عبد الملك، عن عطاء، عن
أبي سعيد وابن عمر وابن الزبير: " في الرجل يدخل مع الإمام وقد فاته
بعضُ الصلاة؟ قال: يصنع كما يصنع الإمامُ، فإذا قضى الإمامُ صلاته،
قام يقضي، وسجد سجدتين ".
142- ص- حدثنا عبيد الله بن معاذ قال: نا أبي قال: نا شعبة،
عن (1) أبي بكر- يعني: ابن حفص بن عمر بن سعد- سمع أبا عبد الله،
عن أبي عبد الرحمن السُّلمي، أنه شهد عبد الرحمن بن عوف يسألُ بلالا
عن وُضوءٍ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " كان يخرجُ فيقضي (2) حاجتهُ، فآتيه بالماء
فيتوضأ، فيمسحُ 32) على عمامته ومُوقيْه " (4) .
قال أبو داود: هذا (5) أبو عبد الله، هو مولى بني تيم بن مرة
ش- عبيد الله بن معاذ بن معاذ بن حسّان بن نصر بن حسان أبو عمرو
البصري، أخو المثنى. سمع أباه، والمعتمر بن سليمان. روى عنه:
البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي. قال أبو حاتم: هو ثقة.
مات سنة تسع وثلاثين ومائتين (6) .
ومعاذ بن معاذ المذكور قاضي البصرة. سمع: سليمان التيمي، وابن
عون، وشعبة، وحميداً (7) الطويل، وغيرهم. روى عنه: ابناه
عبيد الله والمثنى، وأحمد بن حنبل، وابن معين، وعلي بن المديني،
وخلق سواهم. وقال أحمد: هو قرة العين، إليه المنتهى في التثبت
بالبصرة. ولد سنة تسع عشرة ومائة، وتوفي بالبصرة سنة ست وتسعين
ومائة. روى له الجماعة (8) .
__________
(1) في سنن أبي داود: " حدثنا "
(2) في سنن أبي داود: " يقضي ".
(3) في سنن أبي داود: " ويمسح "
(4) تفرد به أبو داود.
(5) في سنن أبي داود: " هو ".
(6) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (5/3685) .
(7) في الأصل: " حميد ".
(8) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (28/6036) .(1/358)
وأبو بكر اسمه: عبد الله بن حفص بن عمر بن سعد بن أبي وقاص
أبو بكر بن حفص. روى عن: عبد الله بن عمر، وعروة بن الزبير،
وأبي سلمة بن عبد الرحمن، وسالم بن عبد الله، وعبد الله بن حنين.
روى عنه: سعيد (1) بن أبي بردة، وابن جريج، وشعبة، ومحمد بن
سوقة. روى له: البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي (2) .
وأبو عبد الله مولى بني تيم بن مرة. روى عن أبي عبد الرحمن،
روى عنه أبو بكر بن حفص بن عمر، روى له أبو داود (3)
وأبو عبد الرحمن اسمه عبد الله بن حبيب بن رُبيّعة- بضم الراء،
وفتح الباء الموحدة وتشديد الياء- أبو عبد الرحمن الكوفي السُّلمي، أخو
خرشة، لأبيه صحبة سمع: عثمان بن عفان، وعليّ بن أبي طالب،
وعبد الله بن مسعود، وأبا موسى الأشعري، وحذيفة بن اليمان. روى
عنه: سعيد بن جبير، وأبو إسحاق السبيعي، وإبراهيم النخعي،
وغيرهم. مات سنة اثنتين وتسعين، وله تسعون سنة. روى له
الجماعة (4)
وعبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف بن عبد بن الحارث بن زُهرة بن
كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي، أبو محمد، شهد بدراً والمشاهد كلها.
روي له عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خمسة وستون حديثاً، اتفقا منها على
حديثين، وانفرد البخاري بخمسة. روى عنه: عبد الله بن عمر بن
الخطاب، وابن عباس، وأنس بن مالك، وبنوه: إبراهيم وحميد
ومصعب بنو عبد الرحمن، وعبد الله بن عبد الله بن الحارث، ومالك
ابن أوس، وغيرهم. توفي سنة اثنتين وثلاثين، وهو ابن خمس وسبعين
سنة، وصلى عليه عثمان بن عفان، ودُفن بالبقيع. روى له الجماعة (5) .
__________
(1) في الأصل: " سعد " خطأ.
(2) المصدر السابق (14/3228) .
(3) المصدر السابق (34/7478) .
(4) المصدر السابق (14/3222) .
(5) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (2/393) ، وأسد الغابة
(3/480) ، والإصابة (2/416) .(1/359)
وبلال ابن حمامة، وحمامة أمّه، كانت مولاة لبعض بني جمح،
وأبوه رباح القرشي التيمي، يكنى أبا عبد الله، ويقال: أبا عمرو،
ويقال: أبا عبد الكريم، شهد بدراً والمشاهد كلها. رُوي له عن رسول الله
أربعة وأربعون حديثاً، اتفقا. على حديث واحد، وانفرد البخاري بحديثين
غير مسندين. روى عنه: أبو بكر، وعمر، وعبد الله بن عمر، وأسامة
ابن زيد، وكعب بن عجرة، والأسود بن يزيد النخعي، وأبو إدريس
الخولاني، وسعيد بن المسيب، وغيرهم. توفي بدمشق سنة عشرين،
وقيل: إحدى وعشرين، وهو ابن بضع وستين سنة، ودفن بباب
الصغير، وقيل: باب كيسان، وقيل: مات بداريّا بكورة دمشق، وحُمل
إلى دمشق على رقاب الرجال، ودفن بباب كيسان، وقيل: مات بحلب
ودفن بباب الأربعين. روى له الجماعة (1) .
قوله: " وموقيه " المُوق: الخف، فارسي مُعرب. وقال الجوهري:
الموق الذي يلبس فوق الخف، وهو الذي يقال له: الجرموق. وقال
الخطابي (2) : " الموق: نوع من الخفاف معروف، وساقه إلى القصر ".
وبه احتج أصحابنا: أن المسح على الموقين جائز خلافاً للشافعي، ومالك
في الأشهر. وبقولنا قال أحمد والمزني، واحتج به أحمد أيضاً على جواز
المسح على العمامة. وقد قلنا: إن المراد به مسح ما تحته من قبيل إطلاق
اسم الحال على المحل، وأوله بعض أصحابنا أن بلالاً- رضي الله عنه-
كان بعيداً عن النبي- عليه السلام-، فمسح النبي- عليه السلام- على
رأسه، ولم يضع/العمامة من رأسه، فظن بلال أنه مسح على العمامة.
143- ص- حدّثنا علي بن الحسين الدرهميّ قال: ثنا ابن داود، عن
بُكير بن عامر، عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير: " أنّ جريرا بال، ثم توضأ
فمسح على الخُفين. قال: ما يمنعُني أن أمسح وقد رأيتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
__________
(1) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (1/141) ، وأسد الغابة
(1/242- 243) ، والإصابة (1/165) .
(2) معالم السنن (1/51) .(1/360)
يمسحُ؟ قالوا: إنما كان ذلك قبل نُزول المائدة؟ قال: ما أسلمتُ إلا بعد
نزول المائدة " (1) .
ش- عليّ بن الحسين بن مطر الدرهمي. روى عن ابن أبي عدي،
ومعتمر بن سليمان، وعبد الله بن داود، والفضل بن العلاء، وغيرهم.
روى عنه: أبو داود، والنسائي وقال: ثقة، وأبو حاتم وقال: صدوق.
توفي سنة ثلاث وخمسين ومائتين (2) .
وابن داود هو عبد الله بن داود الخُريْبي، وقد ذُكر.
وبكير بن عامر البجلي أبو إسماعيل الكوفي. روى عن: قيس بن
أبي حازم، وأبي زرعة، وإبراهيم النخعي، والشعبي، وعبد الرحمن
ابن الأسود. روى عنه: الثوري، ووكيع، وأبو نعيم. قال أحمد:
ليس بقوي. وقالا بن معين: ضعيف. وفي رواية: لا شيء. روى
له: مسلم، وأبو داود (3) .
وأبو زرعة اسمه: هرم بن عمرو، قد ذكر.
وجرير بن عبد الله بن جابر البجلي أبو عمرو، نزل الكوفة، ثم تحول
[إلى] قرْقيسيا، وبها مات سنة إحدى وخمسين. رُوي له عن رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مائة حديث، اتفقا منها على ثمانية، وانفرد البخاري بحديث واحد،
ومسلم بستة. روى عنه: أنس بن مالك، وزيد بن وهب الجهني،
__________
(1) البخاري: كتاب الصلاة، باب: الصلاة في الخفاف (387) ، مسلم: كتاب
الطهارة، باب: المسح على الخفين (272) ، الترمذي: كتاب الطهارة،
باب: في المسح على الخفين (93) ، النسائي: كتاب الطهارة، باب: المسح
على الخفين (1/81) ، ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في المسح
على الخفين (543) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (20/4051) .
(3) المصدر السابق (4/764) .(1/361)
وهمام بن الحارث النخعي، وابنه المنذر بن جرير، وابن ابنه أبو زرعة
المذكور. روى له الجماعة (1) .
قوله: " إنما كان ذلك " أي: مسح النبي- عليه السلام- على خفيه.
قوله: " قبل نزول المائدة " أي: قبل نزول سورة المائدة.
قوله: " قال " أي: قال جرير: " ما أسلمت إلا بعد نزول سورة
المائدة ". والمعنى: أن الله تعالى قال في سورة المائدة: (فاغْسلُوا
وُجُوهكُمْ وأيْديكُمْ إلى المرافق) الآية (2) . فلو كان إسلام جرير متقدماً
على نزول المائدة لاحتمل كون حديثه في مسح الخف منسوخاً بآية المائدة،
فلما كان إسلامه متأخراً، علمنا أن حديثه يعمل به، وهو مُبين أن المراد
بآية المائدة غير صاحب الخُّف، فتكون السُنّة مخصصة للآية. وفي " سنن
البيهقي " (3) : عن إبراهيم بن أدهم: قال: " ما سمعت في المسح على
الخفين أحسن من حديث جرير- رضي الله عنه- ".
وأخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه من
حديث همام بن الحارث النخعي، عن جرير، ولفظ البخاري: " بال
ثم توضأ، ومسح على خفيه، ثم قام فصلى، فسئل فقال: رأيتُ
رسول الله- عليه السلام- صنع مثل هذا ". قال الأعمش: قال إبراهيم:
كان يعجبهم هذا الحديث؛ لأن إسلام جرير كان بعد نزول المائدة.
وفي لفظ للبخاري في الصلاة: " لأن جريراً كان آخر من أسلم ".
ورواه ابن خزيمة في " صحيحه "، والحاكم في " المستدرك " وقال:
صحيح (4) . وقال في " الإمام " (5) : وقد ورد مؤرخاً بحجة الوداع،
__________
(1) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (1/232) ، وأسد الغابة
(1/333) ، والإصابة (1/232) .
(2) سورة المائدة: (6)
(3) (1/274) .
(4) (1/169) .
(5) انظره في: نصب الراية (1/163) .(1/362)
رواه الطبراني في " معجمة الوسط " عن محمد بن نوح بن حرب، عن
شيبان بن فروخ، عن حرب بن سُريج، عن خالد الحذاء، عن محمد
ابن سيرين، عن جرير بن عبد الله البجلي: " أنه كان مع رسول الله في
حجة الوداع، فذهب عليه السلام يتبرز، فرجع فتوضأ ومسح على
خفيه " (1) .
144- ص- حدّثنا مسدد وأحمد بن أبي شعيب الحراني قالا: ثنا وكيع،
قال: نادلهمُ بن صالح، عن حُجير بن عبد الله، عن ابن بريدة، عن أبيه: أنّ
النجاشي أهدى إلى النبيّ- عليه السلام- خُفين أسودين ساذجين،
فلبسهُما، ثم توضأ ومسح عليهما " (2) .
ش- أحمد بن أبي شعيب قد ذكر
ودلْهمُ بن صالح الكندي الكوفي سمع عطاء، والضحاك بن مزاحم،
والشعبي، وحُجير بن عبد الله، وغيرهم. روى عنه: وكيع،
وأبو نعيم، وعبيد الله بن موسى. قال ابن معين: ضعيف. روى له:
أبو داود، والترمذي، وابن ماجه (3) .
وحُجير بن عبد الله الكندي، روى عن ابن بريدة، عن أبيه " أهدى
النجاشيُّ ". روى عنه دلْهمُ بن صالح. روى له: أبو داود،
والترمذي، وابن ماجه (4) .
وابن بريدة اسمه: عبد الله بن بريدة بن الحصيب الأسلمي المروزي،
قاضي مرو. سمع: أباه، وعبد الله بن عباس، وأبا هريرة، وعمران
ابن حصين، وأبا موسى الأشعري،/وعبد الله بن المغفل، والمغيرة بن
__________
(1) المعجم الأوسط (7/7143) .
(2) الترمذي: كتاب الأدب، باب: ما جاء في الخف الأسود (2820) ، وكتاب
الشمائل (69) ، ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في المسح على
الخفين (549) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (8/1803) .
(4) المصدر السابق (5/1139) .(1/363)
شعبة، وسمرة بن جندب، ومعاوية، وعائشة. روى عنه: حسين بن
ذكوان، وحسين بن واقد، ومالك بن مغْولٍ، والشعبي، وغيرهم قال
أحمد: هو وأخوه سليمان ثقتان، ولدا في بطن واحد. روى له
الجماعة (1) .
وأبوه بريدة بن الحصيب بن عبد الله بن الحارث أبو سهل، أو
أبو عبد الله، أو أبو الحصيب. رُوي له عن رسول الله مائة حديث وأربعة
وستون حديثاً، اتفقا منها على حديث واحد، وانفرد البخاري بحديثين،
وانفرد مسلم بأحد عشر. سكن المدينة ثم انتقل إلى البصرة، ثم انتقل
إلى مرو، ومات بها سنة اثنتين وستين، ودفن بالجُصين- بالجيم والصاد
المهملة، وفي آخره نون-: مقبرة بمرو، وهو آخر من مات من أصحاب
النبي- عليه السلام- بخراسان. روى عنه: ابناه: عبد الله وسليمان،
وأبو المليح بن أسامة، أسلم قبل بدر ولم يشهدها. روى له الجماعة (2) .
قوله: " إن النجاشي ": بفتح النون وكسرها، ذكرهما ابن دحية،
واسمه: أصحمة (3) بن أبحر، وقال مقاتل: مكحول بن صيصة من
النجش، وهو كشفك الشيء وبحثك عنه، وفي بعض الروايات اسمه:
مصحمة، ويُقال: أصحم، وهو بالعربية: عطية (4) ، وكل من ملك
الحبشة يسمى النجاشي، كما أن كل من ملك الشام والجزيرة مع بلاد
الروم يسمى قيصر، وكل من ملك الفرس يسمى كسرى (5) ، وكل من
ملك مصر كافراً يسمى فرعون (6) ، وكل من ملك الإسكندرية يسمى
__________
(1) المصدر السابق (14/3179) .
(2) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (1/173) ، وأسد الغابة
(1/209) ، والإصابة (1/146) .
(3) " أصحمة " بوزن " أربعة " بحاء مهملة، وقيل: خاء معجمة.
(4) انظر ترجمته في: أسد الغابة (1/119) ، والإصابة (1/109) .
(5) في الأصل: " قيصر " خطأ.
(6) وقيل: كل من ملك القبط يسمى فرعون، وكل من ملك مصر يسمى العزيز،
وانظره في " شرح صحيح مسلم " (7/23) كتاب الجنائز، باب: التكبير على الجنازة.(1/364)
المقوقس، وكل من ملك اليمن يسمى تبع، وكل من ملك الهند وقيل
اليونان بطليموس (1) ، وكل من ملك الترك يسمى خاقان، وكل من ملك
اليهود يسمى القطبون، وكل من ملك الصابئة يسمى نمرود، وكل من
ملك العرب من قبل العجم يسمى النعمان، وكل من ملك البربر يسمى
جالوت، وكل من ملك فرغانة يسمى الإخشيد.
ص- قال أبو داود: قال مسدد، عن دلهم بن صالح.
قال أبو داود: هذا مما تفرد به أهل البصرة.
ش- إنما قال مسدد عن دلهم؛ لأنه لا يُعرف إلا من حديثه، ولهذا قال
الترمذي: " هذا حديث حسن، إنما نعرفه من حديث دلهم ". وقال أبو
داود: " هذا الحديث تفرد به أهل البصرة ". وقال الدارقطني: " تفرد به
حُجير بن عبد الله، عن ابن بريدة، ولم يروه عنه غير دلهمُ بن صالح.
وذكره في ترجمة عبد الله بن بُريدة، عن أبيه. ورواه الإمام أحمد بن
حنبل، عن وكيع فقال: عبد الله بن بريدة. وعبد الله هذا هو أخو
سليمان بن بريدة، وعبد الله اتفق البخاري ومسلم على الاحتجاج بحديثه،
وسليمان انفرد به مسلم وهما توأمان، وقد قيل: إنهما ماتا في يوم واحد.
145- ص- حدثنا أحمد بن يونس قال: نا ابن حب، عن بكير بن عامر
البجلي، عن عبد الرحمن بن أبي نُعم، عن المغيرة بن شعبة: " أن رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسح على الخُفين، فقلتُ: يا رسول الله نسيت؟ فقال: بل أنت نسيت
بهذا أمرني ربي عز وجل " (2) .
ش- ابن حي الحسن بن صالح، وقد ذُكر.
وعبد الرحمن بن أبي نعم أبو الحكم البجلي الكوفي. سمع: عبد الله
ابن عمر بن الخطاب، وأبا هريرة، وأبا سعيد الخدري، ورافع بن
خديج، والمغيرة بن شعبة. روى عنه: زرارة بن أوفى، وفضيل بن
__________
(1) في الأصل: " بطلميوس " خطأ.
(2) تفرد به أبو داود.(1/365)
سليمان، وسعيد بن مسروق، وعمارة بن القعقاع، وغيرهم. روى له
الجماعة (1)
قوله: " بل أنت نسيت " كلمة " بل " للإضراب، فإن تلاها جملة كان
معنى الإضراب، أما الإبطال نحو: " وقالوا اتخذ الرحمنُ ولداً سُبْحانهُ
بلْ عبادٌ مكْرمُون) (2) أي: بل هم عباد، وإما الانتقال من غرض إلى
آخر، و " بل " هاهنا من القبيل الأول.
قوله: " بهذا " أي: بالمسح على الخفين " أمرني ربي عز وجل ".
***
53- باب: التوقيت في المسح
أي: هذا باب في بيان التوقيت في المسح على الخفين.
146- ص- حدً ثنا حفص بن عمر قال: نا شعبة، عن الحكم وحماد،
عن إبراهيم، عن أبي عبد الله الجدلي، عن خزيمة بن ثابت، عن النبي- عليه
السلام- قال: " المسحُ على الخفين للمسافر ثلاثةُ أيام، وللمقيم يومٌ
وليله " (3) .
ش- حفص بن عمر البصري أبو عمر الضرير. روى عن: حماد بن
سلمة، وبشر بن المفضل، وجرير بن حازم، وحماد بن زيد، وغيرهم.
روى عنه: أبو داود، وابن ماجه، ومحمد بن عبد الرحيم صاعقة،
وأحمد بن حنبل،/وغيرهم. كان من علماء الفرائض والحساب
والشّعر، وأيام الناس والفقه، ووُلد وهو أعمى، مات بالبصرة سنة
عشرين ومائتين، وله نيف وسبعون سنة (4) .
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (17/3979) .
(2) سورة الأنبياء: (26) .
(3) الترمذي: كتاب الطهارة، باب: المسح على الخفين للمسافر والمقيم (95) ،
ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في التوقيت في المسح للمقيم
والمسافر (553) .
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (7/1406) .(1/366)
والحكم هو: ابن عتيبة- بالتاء المثناة من فوق- ابن النهاس، واسمه:
عبدك الكندي أبو محمد، ويقال: أبو عبد الله، ويقال: أبو عمر
الكوفي مولى عدي بن عدي الكندي. سمع: أبا جحيفة، ورأى زيد
ابن أرقم. قال الحاكم أبو أحمد: سمع زيد بن أرقم. وقال الطبراني:
لم يثبت له منه السماع. وسمع: قيس بن أبي حازم، وأبا وائل،
وسريج بن الحارث، وإبراهيم النخعي، وغيرهم. روى عنه: الأعمش،
وحمزة الزيات، وشعبة، وأبو عوانة، وغيرهم. قال عبد الرحمن بن
مهدي: هو ثبت ثقة، ولكن يختلف حديثه. وقال ابن معين وأبو حاتم:
ثقة. مات سنة خمس عشرة ومائة. روى له الجماعة (1) .
وحماد هو ابن سلمة، وإبراهيم النخعي.
وأبو عبد الله الجدلي اسمه: عبد بن عبد، ويقال: عبد الرحمن بن
عبد أبو عبد الله الجدلي الكوفي. روى عن: خزيمة بن ثابت، ومعاوية
ابن أبي سفيان، وعائشة، وأم سلمة. روى عنه: الشعبي، ومعبد بن
خالد، وغيرهم. وثقه أحمد وابن معين. روى له أبو داود،
والترمذي (2) .
قوله: " المسح " مبتدأ، وقوله: " ثلاثة أيام " مبتدأ أيضاً، وخبره
" للمسافر "، والجملة خبر المبتدأ الأول. وبهذا احتج جمهور العلماء
كأبي حنيفة، والشافعي، وأحمد، وجماهير العلماء من الصحابة ومن
__________
(1) المصدر السابق (7/1438) ، وقد جعل المصنف الحكم بن عتيبة الكندي،
والحكم بن عتيبة بن النهاس واحدا تبعاً للبخاري وابن حبان وأبي أحمد
الحاكم، والصحيح أنهما اثنان، وقد فرق بينهما الدارقطني والمزي وغيرهما،
وانظر أخبار القضاة لوكيع (2/143، 244، 246، 265: 270، 282) ،
و (3/22، 24) ، والجرح والتعديل (3/ترجمة 569) ، وميزان الاعتدال
(1/ترجمة 2189) ، والمغني (1/ترجمة 1666) ، وتهذيب التهذيب
(2/434- 435) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (34/7471) .(1/367)
بعدهم أن المسح على الخفين يؤقت بثلاثة أيام في السفر، ويوم وليلة في
الحضر، ومذهب مالك يمسح بلا توقيت، وهو قول قديم للشافعي،
واحتج بحديث رواه أبو داود على ما يجيء إن شاء الله تعالى.
وأخرجه الترمذي، وابن ماجه، وقال الترمذي: هذا حديث حسن
صحيح.
ص- قال أبو داود: رواه منصور بن المعتمر، عن إبراهيم التيمي
بإسناده، [قال فيه:] " ولو استزدناه لزادنا ".
ش- إبراهيم التيمي هو: ابن محمد بن طلحة بن عبيد الله القرشي
التيمي، أبو إسحاق المدني، وقيل: الكوفي. سمع: أبا أسيد الساعدي،
وعبد الله بن عمرو بن العاص، وأبا هريرة، وعائشة الصديقة. رُوي له
عن: عمر بن الخطاب، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نُفيل، وعبد الله بن
عباس. وسمع: عمه عمران بن طلحة بن عبيد الله، وعبد الله بن
شداد. روى عنه: سعد بن إبراهيم الزهري، وحبيب بن أبي ثابت،
ومحمد بن عبد الرحمن، وابن عمه طلحة بن يحيى بن طلحة بن
عبيد الله، وغيرهم. قال العجلي: هو ثقة رجل صالح. مات سنة
عشر ومائة. روى له: مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن
ماجه (1) .
قوله: " ولو استزدناه لزادنا " وقال الشافعي: معناه: لو سألناه أكثر من
ذلك لأجاب. وفي رواية لابن ماجه: " ولو مضى السائل على مسألته
لجعلها خمساً ". وقال الشيخ تقي الدين في " الإمام " (2) : " وحديث
خزيمة فيه ثلاث علل، الأولى: الاختلاف في إسناده، وله ثلاث مخارج
رواية إبراهيم النخعي، ورواية إبراهيم التيمي، ورواية الشعبي، ثم في
بعضها ذكر الزيادة- أعني- " لو استزدناه لزادنا "، وبعضها ليست فيه.
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (2/229) .
(2) انظره في: نصب الراية (1/175) .(1/368)
الثانية: الانقطاع، قال البيهقي: قال أبو عيسى الترمذي: سألت
محمداً- يعني البخاري- عن هذا الحديث فقال: لا يصح عندي حديث
خزيمة بن ثابت في المسح؛ لأنه لا يعرف لأبي عبد الله الجدلي سماع من
خزيمة، وكان شعبة يقول: لم يسمع إبراهيم النخعي من أبي عبد الله
الجدلي حديث المسح على الخفين.
الثالثة: ذكر ابن حزم أن أبا عبد الله الجدلي لا يعتمد على روايته.
أقول: ذكر الترمذي في جامعه بعد إخراجه حديث خزيمة من جهة
أبي عوانة- مُسنده- وقال: هذا حديث حسن صحيح، وذكر عن يحيى
ابن معين أنه صحح حديث خزيمة في المسح.
147- ص- حدثنا يحيي بن معين قال: نا عمرو بن الربيع بن طارق
قال: أخبرنا يحيى بن أيوب، عن عبد الرحمن بن رزين، عن محمد بن
يزيد، عن أيوب بن قطن، عن أبي بن عمارة- قال يحيى بن أيوب: وكان
قد صلى مع رسول الله- عليه السلام- القبْلتين- أنه قال: " يا رسول الله،
أمسحُ على الخفين؟ قال: نعم. قال: يوماً؟. قال: ويومين. قال:
وثلاثة (1) ؟ قال: نعم ما شئت " (2) .
ش- عمرو بن الربيع بن طارق بن قرة بن نهيك الهلالي المصري
كوفي، نزل مصر سمع: الليث بن سعد، وعبد الله بن لهيعة،
ويحيى بن أيوب،/وغيرهم. روى عنه: ابن معين، ويحيى بن عثمان
ويعقوب بن سفيان، والبخاري، ومسلم، وأبو داود، وأبو حاتم وقال:
صدوق (3) .
ويحيى بن أيوب الغافقي أبو العباس المصري. روى عن: يزيد بن
__________
(1) في سنن أبي داود: " قال: يوماً؟ قال: يوماً. قال: ويومين؟ قال:
ويومين. قال: وثلاثة؟ ".
(2) ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في المسح بغير توقيت (557) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (22/4366) .
24* شرح سنن أبي داوود 1(1/369)
أبي حبيب، وحميد الطويل، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وعبد الله بن
طاوس، وغيرهم. روى عنه جرير بن حازم، وابن جريج، والليث بن
سعد، وابن المبارك، وابن وهب، وعمرو بن الربيع، وغيرهم. قال
ابن معين: صالح. وقال مرة: ثقة. توفي سنة ثمان وستين ومائة.
روى له الجماعة (1)
وعبد الرحمن بن رزين، ويقال عبد الرحمن بن يزيد مولى قريش.
روى عن: محمد بن أبي زياد، وسلمة بن الأكوع. روى عنه: يحيى
ابن أيوب المصري، والعطّاف بن خالد. روى له: أبو داود، وابن
ماجه (2) .
ومحمد بن يزيد بن أبي زياد، روى عن أيوب بن قطن، روى عنه
عبد الرحمن بن رزين، وثلاثتهم مجهولون. روى له: أبو داود، وابن
ماجه (3) .
وأيوب (4) بن قطن- بالقاف والطاء المهملة والنون- روى عن أبي بن
عمارة. وروى عنه محمد بن يزيد، وروى له أبو داود، ولم يتعرض
صاحب " الكاشف " فيه غير ما ذكرناه، وكذا لم يذكره ابن حبان في
" الثقات "، وكذا لم أقف عليه في " الكمال ".
وأبيّ بن عمارة- بكسر العين- وقيل بضمها، والأول أشهر، ويقال:
ابن عبادة، عداده في المدنيين، سكن مصر. روى حديثاً واحداً في المسح
على الخفين. وقال في " الكمال ": وفي إسناد حديثه ضعف وجهالة
واضطراب. روى له: أبو داود، وابن ماجه، والنسائي (5) .
قوله: " القبْلتين " أراد بها الكعبة وبيت المقدس، وسمى بيت المقدس
قبلة بما كان عليه قبل النسخ.
قوله: " نعم ما شئت " أي: ما شئت من الأيام.
__________
(1) المصدر السابق (31/6792) .
(2) المصدر السابق (17/3814) .
(3) المصدر السابق (27/5699) .
(4) المصدر السابق (3/621) .
(5) المصدر السابق (2/278) .(1/370)
ص- قال أبو داود: رواه ابن أبي مريم المصري، عن يحيى بن أيوب،
عن عبد الرحمن بن رزين (1) ، عن محمد بن يزيد بن أبي زياد، عن عبادة
ابن نُسي، عن أبي بن عمارة قال فيه: " حتى بلغ سبعاً "، قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" نعم، وما بدا لك ". وقد اختلف في إسناده، وليس بالقوي (2) .
ش- ابن أبي مريم هو سعيد بن الحكم بن محمد بن أبي مريم
الجمحي، وقد ذكرناه.
وعبادة بن نُسى الكندي، ويقال: البكري الشامي الأردني قاضي
طبرية. روى عن: عبادة بن الصامت، وشداد بن أوس، وأبي موسى،
ومعاوية بن أبي سفيان، وأبي سعيد الخدري، وكعب بن عجرة،
وغيرهم. روى عنه: المغيرة بن زياد، ومكحول، ومحمد بن سعيد
المصلوب، وغيرهم. قال أحمد وابن معين: ثقة. توفي سنة ثمان
عشرة ومائة. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (3) .
قوله: " حتى بلغ سبعاً " أي: سبعة أيام.
قوله: " وما بدا لك " أي: ما ظهر لك، والمعنى: ما احتجت إليه من
الأيام. وبه احتج مالك ومن تبعه على عدم التوقيت في المسح.
قوله: " وقد اختلف في إسناده " أي: في إسناد هذا الحديث أشار بذلك
إلى أن " (4) يحيى بن أيوب رواه عن عبد الرحمن بن رزين، عن محمد
ابن يزيد، عن عبادة بن نُسي، عن أُبيّ بن عمارة. هذا قول. ويروى
عنه عن عبد الرحمن بن رزين، عن محمد بن يزيد، عن أيوب بن قطن،
__________
(1) في الأصل: " عبد الرحمن بن رزين يزيد " كذا.
(2) في سنن أبي داود زيادة: " ورواه ابن أبي مريم، ويحيى بن إسحاق،
والسُليْخيُ، عن يحيى بن أيوب، وقد اختلف في إسناده ". وقد وضعها
المحقق بين معقوفتين.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (14/3110) .
(4) انظره في: نصب الراية (1/178) .(1/371)
عن عبادة بن نُسي، عن أبي بن عمارة. فهذا قول ثاني. ويُروى عنه
مرسلاً لا يذكر فيه أبي بن عمارة، فهذا قول ثالث ".
قوله: " وليس بالقوي " أي: هذا الحديث ليس بالقوي؛ لأنه اختلف
فيه على يحيى بن أيوب اختلافاً كثيراً. " (1) ورواه. الدارقطني في
" سننه " (2) بسند أبي داود، وقال: هذا إسناد لا يثبت، وعبد الرحمن
ومحمد بن يزيد وأيوب بن قطن مجهولون. وقال أبو حاتم: محمد بن
يزيد مجهول، ويحيى بن أيوب مختلف فيه، وهو ممن عيب على مسلم
في إخراج حديثه. وقال عبد الغني: لم يرو أبيّ بن عمارة إلا حديثاً
واحداً، وفي إسناده ضعف وجهالة واضطراب، كما ذكرنا. وقال
أبو زرعة: سمعت أحمد بن حنبل يقول: حديث أبي بن عمارة ليس
بمعروف الإسناد، فقلت له: فإلى أي شيء ذهب أهل المدينة في المسح
أكثر من ثلاث، ويوم وليلة؟ قال: لهم فيه أثر. قلت: الأثر الذي
أشار إليه أحمد الأقرب أنه أراد الرواية عن ابن عمر، فإنه صحيح عنه
/من رواية عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر: " أنه كان لا
يوقت في المسح على الخفين وقتاً "، ويحتمل أن يريد غير ذلك من
الآثار، ومنها: رواية حماد بن زيد، عن كثير بن شنظير، عن الحسن
قال: سافرنا مع أصحاب رسول الله، فكانوا يمسحون خفافهم بغير وقت
ولا عدد " رواه ابن الجهم في " كتابه "، وعلّله ابن حزم فقال: وكثير
ابن شنظير ضعيف جدا. فإن قيل: ما تقول في حديث أخرجه الحاكم في
" مستدركه " (3) عن عبد الغفار بن داود الحراني، ثنا حماد بن سلمة،
عن عبيد الله بن أبي بكر وثابت عن أنس: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا
توضأ أحدكم، ولبس خفيه، فليصل فيهما، وليمسح عليهما، ثم لا
يخلعهما إن شاء إلا من جنابة ". قال الحاكم: إسناده صحيح على شرط
مسلم، ورواته عن آخرهم ثقات. وأخرجه الدارقطني في " سننه " (4)
__________
(1) انظر: نصب الراية (1/178، 179) .
(2) (1/198) .
(3) (1/181) .
(4) (1/203) .(1/372)
عن أسد بن موسى، ثنا حماد بن سلمة به 0 قال صاحب " التنقيح ":
إسناده قوي، وأسد بن موسى صدوق وثقه النسائي وغيره. قلت: قال
ابن الجوزي: هو محمول على مدة الثلاث وقال ابن حزم: هذا مما
انفرد به أسد بن موسى عن حماد، وأسد منكر الحديث، لا يحتج به " (1) .
***
54- باب: في المسح على الجوربين
أي: هذا باب في بيان المسح على الجوربين، الجورب- بفتح الجيم-:
الذي يُلبس، فارسي معرب.
148- ص- حدثّنا عثمان بن أبي شيبة (2) ، عن وكيع، عن سفيان
الثوري، عن أبي قيس الأوْدي، عن هُزيل بن شُرحبيل، عن المغيرة بن شعبة:
" أن رسول الله- عليه السلام- توضأ ومسح على الجوْربين والنّعْلين " (3) .
قال أبو داود: كان عبد الرحمن [بن] مهدي لا يحدث بهذا الحديث؛
لأن المعروف عن المغيرة: " أن النبيّ- عليه السلام- مسح على الخفين ".
ش- أبو قيس عبد الرحمن بن ثروان الأودي الكوفي. روى عن:
علقمة بن قيس، وعمرو بن ميمون، وشريح القاضي، وهزيل بن
شرحبيل. روى عنه: أبو إسحاق الشيباني، والسبيعي، والأعمش،
والثوري، وشُعبة، وغيرهم. قال ابن معين: ثقة. قال أبو حاتم:
ليس بقوي، هو قليل الحديث وليس بحافظ، قيل له: كيف حديثه؟
__________
(1) إلى هنا انتهى النقل من نصب الراية.
(2) في سنن أبي داود: " عثمان بن شيبة ".
(3) الترمذي: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في المسح على الجوربين والنعلين
(99) ، ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في المسح على الجوربين
والنعلين (559) .(1/373)
فقال: صالح هو لين الحديث وقال أحمد بن عبد الله: ثقة ثبت.
روى له الجماعة إلا مسلماً (1) .
وهزيل بن شرحبيل الأودي الأعمى الكوفي أخو الأرقم روى عن
عبد الله بن مسعود. روى عنه أبو قيس المذكور. روى له الجماعة إلا
مسلماً (2) .
قوله: " والنعلين " المراد به: أن يكون قد لبس النعلين فوق الجوربين
وكل ما جاء بهذه العبارة فالمراد ما ذكرناه. وبهذا الحديث احتج أبو حنيفة
على أنه يجوز المسح على الجوربين. فإن قيل: فمن أين يشترط أن يكون
مجلداً أو منعلاً، والحديث مطلق؟ قلت: الحديث محمول على ذلك
ومراد منه ذلك، ليكون معنى الخف، وبقولنا قال مالك، وأحمد،
وداود، والأصح عن مالك أنه كرهه (3) ذلك، وهو قول الأوزاعي،
والشافعي لم يجزه أصلاً. والحديث حُجة عليه.
قوله: " كان عبد الرحمن بن مهدي " وهو ابن حسان بن عبد الرحمن
أبو سعيد العنبري، وقد ذكر.
" لا يحدث بهذا الحديث " أي: حديث المغيرة هذا، " لأن المعروف
عن المغيرة أن النبي- عليه السلام- مسح على الخفين ". قلنا: وكيف
يكون هذا الحديث غير معروف عن المغيرة، وقد أخرجه أيضاً ابن ماجه
والترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح، ورواه الطبراني أيضاً من
طريق ابن أبي شيبة، ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن الحكم، عن
عبد الرحمن بن أي ليلى، عن كعب بن عجرة، عن بلال قال: " كان
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمسح على الخفين والجوربين " (4) ؟
ص- قال أبو داود: وروي هذا الحديث أيضاً عن أبي موسى الأشعري،
__________
(1) انظر ترجمنه في: تهذيب الكمال (17/3778) .
(2) المصدر السابق (30/6566) . (3) كذا.
(4) المعجم الكبير للطبراني (1/1060) .(1/374)
عن النبي- عليه السلام-: " أنه مسح على الجوربين "، وليس بالمتصل،
ولا بالقوي.
قال أبو داود: ومسح على الجوربين: عليّ بن أبي طالب، وأبو مسعود (1) ،
والبراء بن عازب، وأنس بن مالك، وأبو أمامة، وسهل بن سعد، وعمرو
ابن حُريث. ورُوي ذلك عن عمر بن الخطاب، وابن عباس- رضي الله
عنهم-.
ش- أبو موسى الأشعري: عبد الله بن قيس.
وأبو مسعود: عقبة بن عمرو (2) بن ثعلبة بن أسيرة- بفتح الألف،
وكسر السين-: ابن عسيرة- بفتح العين وكسر السين- ابن عطية بن
جدارة (3) - بكسر الجيم- ابن عوف بن الخزرج البدري أبو مسعود،
شهد العقبة مع السبعين، وكان أصغرهم، نزل ببدر، فنسب إليه،
واختلف في شهوده بدراً، روي له عن رسول الله مائة حديث وحديثان،
اتفقا على تسعة أحاديث، وللبخاري حديث واحد، ولمسلم سبعة. روى
عنه: عبد الله بن يزيد الخطمي وابنه بشير بن أبي مسعود، وعلقمة بن
قيس، وغيرهم سكن الكوفة ومات بها بعد الأربعين، وقيل: مات
بالمدينة. روى له الجماعة (4) .
/والبراء بن عازب بن الحارث بن عدي الحارثي الأوسي المدني، يكنى
أبا عمارة، أو أبا عمر، أو أبا الطفيل. روي له عن رسول الله- عليه
السلام- ثلاثمائة وخمسة أحاديث، اتفقا على اثنين وعشرين حديثاً،
وانفرد البخاري بخمسة عشر، وانفرد مسلم بستة. روى عنه: عبد الله
__________
(1) في سنن أبي داود: " وابن مسعود " خطأ، وانظر: نصب الراية (1/184) .
(2) في الأصل: " عامر " خطأ.
(3) في أسد الغابة والإصابة: " خدارة " بالخاء المعجمة، وهو خطأ.
(4) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (3/105) ، وأسد الغابة
(6/286) ، والإصابة (2/490) .(1/375)
ابن يزيد الأنصاري، والشعبي، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وغيرهم.
نزل الكوفة ومات بها زمن مصعب بن الزبير. روى له الجماعة (1) .
وأبو أمامة صدي بن عجلان الباهلي.
وسهل بن سعد بن مالك بن خالد بن ثعلبة بن حارثة آل عدي
الأنصاري المدني، يكنى أبا العباس. رُوي له عن رسول الله- عليه
السلام- مائة حديث وثمانية وثمانون حديثاً، اتفقا على ثمانية وعشرين،
وانفرد البخاري بأحد عشر. روى عنه: الزهري، وأبو حازم سلمة بن
دينار، وأبيُّ بن العباس. مات بالمدينة سنة إحدى وتسعين، وهو ابن مائة
سنة. قال ابن سعد: وهو آخر من مات من أصحاب النبي- عليه
السلام- بالمدينة. روى له الجماعة (2) .
وعمرو بن حريث بن عمرو بن عثمان بن عبد الله بن عمر بن مخزوم
القرشي المخزومي، سكن الكوفة. روى عنه ابنه جعفر، ومولاه أصبغ،
وعبد الملك بن عُمير، والوليد بن سريع، وغيرهم. روى له: مسلم،
وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (3) .
قوله: " وليس بالمتصل، ولا بالقوي " يعني: الحديث الذي اخرج عن
أبي موسى الأشعري، وهو الذي أخرجه ابن ماجه في " سننه "،
والطبراني في " معجمه، عن/عيسى بن سنان، عن الضحاك بن
عبد الرحمن، عن أبي موسى: " أن رسول الله توضأ ومسح على
__________
(1) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (1/139) ، وأسد الغابة
(1/205) ، والإصابة (1/142) .
(2) انظر ترجمته في: الاستيعاب (2/95) ، وأسد الغابة (2/472) ، والإصابة
(2/88) .
(3) انظر ترجمته في: الاستيعاب (2/515) ، وأسد الغابة (4/213) ، والإصابة
(2/531) .(1/376)
الجوربين والنعلين " (1) . وقال البيهقي: الضحاك بن عبد الرحمن لم
يثبت سماعه من أبي موسى، وعيسى بن سنان لا يحتج به ".
قلت: قال عبد الغني في " الكمال ": الضحاك بن عبد الرحمن بن
عرْزبٍ. سمع أباه، وأبا موسى الأشعري، وأبا هريرة. وقال أيضاً في
ترجمة عيسى بن سنان: قال يحيى بن معين: ثقة.
قوله: " ومسح على الجوربين عليّ بن أبي طالب " وهو ما رواه
عبد الرزاق في " مصنفه ": أخبرنا الثوري، عن الزبرقان، عن كعب
ابن عبد الله قال: " رأيتُ عليا بال فمسح على جوربيه ونعليه، ثم قام
يصلي ".
قوله: " وأبو مسعود " وهو ما رواه عبد الرزاق: أخبرنا الثوري، عن
منصور، عن خالد بن سعد قال: " كان أبو مسعود الأنصاري يمسح على
جوربين له من شعر، ونعليه ".
قوله: " والبراء بن عازب " وهو ما رواه أيضاً: أخبرنا الثوري، عن
الأعمش، عن إسماعيل بن رجاء، عن أبيه قال: " رأيت البراء بن،
عازب يمسح على جوربيه ونعليه ".
قوله: " وأنس بن مالك " وهو ما رواه أيضاً: أخبرنا معمر، عن قتادة،
عن أنس بن مالك: " أنه كان يمسح على الجوربين "
قوله: " وروي ذلك " أي: المسح على الجوربين، " عن عمر بن
الخطاب " قال أبو بكر بن أبي شيبة في " مصنفه ": حدثنا وكيع، عن
أبي جناب، عن أبيه، عن خلاس بن عمرو: أن عمر توضأ بأجمعه،
ومسح على جوربيه ونعليه "، وكذلك روي ذلك عن عقبة بن عمرو
أبي مسعود، وسعيد بن جبير، وسعيد بن المسيب، وإبراهيم، والحسن،
وجماعة آخرين.
__________
(1) ابن ماجه في كتاب الطهارة، باب: ما جاء في المسح على الجوربين والنعلين(1/377)
149- ص- حدثنا (1) مسدد، وعباد بن موسى قالا: حدّثنا هشيم، عن
يعلى بن عطاء، عن أبيه قال عباد: قال: أخبرني أوس بن أوس الثقفي (2)
أنه قال: " رأيتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتى كظامة قومٍ - يعني الميْضأة- ثم اتفقا
" فتوضأ " ولم يذكر مسدد " الكظامة "، " فتوضأ ومسح على نعْليه
وقدميْه " (3) .
ش- عباد بن موسى أبو محمد الخُتليُ الأبناويُ- بتقديم الباء- سكن
بغداد. روى عن: إبراهيم بن سعد، وطلحة بن يحيى، وإبراهيم
وإسماعيل ابني جعفر، وغيرهم. روى عنه: البخاري وعن رجل عنه،
ومسلم، وأبو داود، والنسائي، وأبو زرعة، وغيرهم. قال ابن معين:
ثقة. مات سنة ثلاثين ومائتين (4)
وهُشيم بن بشير قد ذكر.
ويعلى بن عطاء القرشي العامري الطائفي، نزل واسط ومات بها سنة
عشرين ومائة. روى عن: أبيه، وأبي علقمة الهاشمي، ووكيع بن
عُدس، وغيرهم. روى عنه: الثوري، وشعبة، وهشيم، وأبو عوانة،
وغيرهم. وقال ابن معين وأبو حاتم: صالح الحديث. روى له:
أبو داود، والترمذي، والنسائي (5) .
وعطاء العامري الطائفي والد يعلى. روى عن: أوس بن أبي أوس
الثقفي، وعبد الله بن/عمرو بن العاص. روى عنه ابنه يعلى. روى
له: أبو داود، والترمذي، والنسائي.
__________
(1) ورد هذا الحديث في سنن أبي داود تحت " باب " كذا.
(2) في سنن أبي داود: " أوس بن أبي أوس "، وانظر ترجمته الآتية.
(3) تفرد به أبو داود، ولفظه فيه: " أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [توضأ ومسح على نعليه
وقدميه. وقال عباد: رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتى كظامة قوم- يعني:
الميضأة- ولم يذكر مسدد " الميضأة والكظامة "، ثم اتفقا " فتوضأ ومسح على
نعليه وقدميه ".
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (14/3094)
(5) المصدر السابق (32/7116) .(1/378)
وأوس بن أبي أوس ويقال: أوس بن أوس الثقفي، وهو والد عمرو
ابن أوس، عداده من أهل الشام، نزل دمشق وقبره بها. روى عن النبي
- عليه السلام- حديثين، أحدهما: في الصيام، والآخر: في الجمعة.
روى عنه: أبو الأشعث، وعبادة بن نُسي، وعطاء والد يعلى. روى
له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (1) .
قوله: " كظامة " " (2) الكظامة- بكسر الكاف، وبالظاء المنقوطة-
كالقناة، وجمعها " كظائم "، وهي آبار تحفر في الأرض مُتناسقة،
ويُخرقُ بعضُها. إلى بعض تحت الأرض، فتجتمع مياهها جارية، ثم
تخرج عند منتهاها، فتسيح على وجه الأرض. وقيل: الكظامة: السّقاية،
وقيل: الكناسة، ويقال: هي المرادة في الحديث.
قوله: " ومسح على نعليه وقدميه " ظاهره يقتضي جواز المسح على
النعلين، والقدمين، ولكن " (3) المراد منه أنه كان في الوضوء التطوع لا
في الوضوء من حدث، يؤيده ما أخرجه ابن خزيمة في " صحيحه "
وترجم عليه " باب ذكر الدليل على أن مسح النبي- عليه السلام- على
النعلين كان في وضوء تطوع لا من حدث ": عن سفيان، عن السدي،
عن عبد خير، عن علي- رضي الله عنه-: " أنه دعا بكُوز من ماء،
ثم توضأ وضوءاً خفيفاً، ومسح على نعليه، ثم قال: هكذا وضوء
رسول الله للطاهر ما لم يحدث ". قال في " الإمام ": وهذا الحديث
أخرجه أحمد بن عبيد الصفار في " مسنده " بزيادة لفظ، وفيه: ثم قال:
" هكذا فعل رسول الله ما لم يحدث ". وقال ابن حبان في " صحيحه ":
هذا إنما كان في الوضوء النفل، ثم استدل عليه بحديث أخرجه عن النزال
__________
(1) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (1/89) ، وأسد الغابة
(1/164) ، والإصابة (1/79) ، وقد رجح الحافظ ابن حجر أن أوس بن
أوس غير أوس بن أبي أوس، وأن من جعلهما واحداً فقد أخطأ.
(2) انظر: النهاية (4/178) .
(3) انظر: نصب الراية (1/188- 189) .(1/379)
ابن سبرة عن علي: " أنه توضأ ومسح برجليه، وقال: رأيت رسول الله
فعل كما فعلت، وهذا وضوء من لم يحدث ". وكذلك البزار ذكر
كذلك (1) . وقال البيهقي: معنى مسح على نعليه أي: غسلهما في
النعل، وهذا أيضاً جواب حسن؛ لأنا قد ذكرنا أن المسح قد يجيء بمعنى
الغسل. وقال الطحاوي في " شرح الآثار ": كان مسحه- عليه السلام-
على الجوربين هو الذي يُطهر به، ومسحه على النعلين فضلاً " (2) ،
وجواب آخر: أن الذي نقل عن النبي- عليه السلام- أنه غسل رجليه
جم غفير، والذي نقل عنه أنه مسح على نعليه عدد قليل، والقضية
واحدة، والعدد الكثير أولى بالحفظ من العدد اليسير مع فضل من حفظ
على من لم يحفظ.
***
55- باب: كيف المسحُ؟
أي: هذا باب في بيان كيفية المسح على الخفين.
150- ص- حدثنا محمد بن الصباح البزاز قال: نا عبد الرحمن بن
أبي الزناد وقال: ذكره أبي، عن عروة بن الزبير، عن المغيرة بن شعبة: " أن
رسول الله- عليه السلام- مسح (3) على الخُفين ". وقال غير محمد:
" مسح (4) على ظهر الخُفين " (5) .
ش- محمد بن الصباح صاحب السنن قد ذكر.
__________
(1) كذا.
(2) إلى هنا انتهى النقل من نصب الراية.
(3) في سنن أبي داود: " كان يمسح ".
(4) غير موجودة في سنن أبي داود.
(5) الترمذي: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في المسح على الخفين أعلاه وأسفله
(97) .(1/380)
وعبد الرحمن بن عبد الله بن ذكوان، وهو ابن أبي الزناد أبو محمد
القرشي مولاهم. روى عن: أبيه، وموسى بن عقبة، وهشام بن
عروة روى عنه: ابن جريج، والوليد بن مسلم، وداود بن عمرو
الضبي، وغيرهم. قال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به. وقال
ابن المديني: حديثه بالمدينة حديث مقارب، وما حدّث بالعراق مضطرب.
توفي ببغداد سنة أربع وسبعين ومائة، وهو ابن أربع وسبعين. روى له
البخاري استشهاداً، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه (1) .
وأبوه عبد الله بن ذكوان ذكرناه.
وبهذا الحديث استدل أصحابنا أن المسح على ظهر الخفين، وبه قال
أحمد، وداود، والثوري. وقال مالك: المسنون مسح أعلاه وأسفله،
وبه قال الشافعي، والزهري. وهم تعلقوا بحديث كاتب المغيرة،
وسنجيب عنه إن شاء الله تعالى. وهذا الحديث أخرجه الترمذي وقال:
حديث حسن.
151- ص- حدثنا محمد بن العلاء قال: نا حفص بن غياث قال: نا (2)
الأعمش، عن أبي إسحاق، عن عبد خير، عن عليّ- رضي الله عنه- قال:
" لو كان الدينُ بالرأي لكان أسفلُ الخُف أولى بالمسح/من أعلاهُ، وقد
رأيتُ رسول الله- عليه السلام- مسح على ظاهر خُفيه " (3) .
ش- حفص بن غياث بن طلق بن معاوية بن مالك بن الحارث النخعي
أبو عمر الكوفي قاصيها. سمع: هشام بن عروة، وسليمان التيمي،
والأعمش، وغيرهم. روى عنه: يحيى القطان، وأحمد بن حنبل،
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (17/3816) .
(2) في سنن أبي داود: " عن ".
(3) تفرد به أبو داود.(1/381)
ويحيى بن معين، وجماعة آخرون. قال العجلي: هو ثقة مأمون فقيه.
مات سنة ست وأربعين ومائة. روى له الجماعة (1) .
وأبو إسحاق عمرو بن عبد الله بن علي الهمْداني السبيعي الكوفي،
[و] السّبيعُ هو ابن صعب بن معاوية بن كثير. رأى عليا، وأسامة بن
زيد، والمغيرة بن شعبة، ولم يصح له منهم سماع. سمع ابن عباس،
وقد ذكرناه مرة.
قوله: " لو كان الدين بالرأي " أي: لو كان أمور الدين بالرأي.
قوله: " وقد رأيت رسول الله " خرج في مخرج التفسير والتعليل، وهذا
أيضاً حجة قوية للحنفية.
152- ص- حدثنا محمد بن رافع قال: نا يحيى بن آدم قال: نا يزيد بن
عبد العزيز، عن الأعمش بإسناده (2) قال: " ما كنتُ أرى باطن القدمين إلا
أحق بالغسل (3) ، حتى رأيتُ رسول الله- عليه السلام- مسح على ظًاهر
خُفيه " (4) .
ش- محمد بن رافع بن أبي زيد القشيري مولاهم النيسابوري، واسم
أبي زيد سابور- بالسين المهملة- سمع: عبد الرزاق بن همام، وزيد
ابن الحباب، ووهب بن جرير، وأبا معاوية الضرير، وغيرهم. روى
عنه الجماعة إلا ابن ماجه، ومحمد بن إسحاق بن خزيمة، وغيرهم.
مات سنة خمس وأربعين ومائتين (5) .
ويزيد بن عبد العزيز بن سياه الكوفي، سمع أباه، والأعمش. روى
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (7/1415) .
(2) في سنن أبي داود: " بإسناده بهذا الحديث ".
(3) ذكر محقق سنن أبي داود أن النسخة الهندية: " ما كنت ... أحق بالغسل من
ظاهرهما ".
(4) انظر الحديث السابق.
(5) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (25/5209) .(1/382)
عنه يحيى بن آدم وغيره. روى له: البخاري، ومسلم، وأبو داود،
والنسائي (1) .
قوله: " قال: ما كنت أرى " أي: قال علي- رضي الله عنه-.
قوله: " أرى " من رؤية القلب، وهي الحُسْبان، فتقتضي مفعولين،
قال الله تعالى: (إنهُمْ يروْنهُ بعيداً ونراهُ قريباً) (2) أي: يحسبونه
بعيداً، ونحن نعلمه قريباً.
ص- (3) قال أبو داود: وكذلك رواه وكيع عن الأعمش بإسناده قال:
" كنتُ أرى باطن (4) القدمين أحق بالغسل من ظاهرهما، حتى رأيت رسول
الله يمسح ظاهرهُما ". قال وكيع: " يعني: الخفين ".
ش- قوله: " بإسناده " أي: بإسناده إلى علي- رضي الله عنه- وهذه
ثلاث روايات عن عليّ- رضي الله عنه-، وإنما فسر [هـ] وكيع بقوله:
" يعني: الخفين " حتى لا يظن ظان أن الضمير يرجع إلى القدمين،
فيكون المسح على القدمين، وليس كذلك.
ص- قال أبو داود: رواه عيسى بن يونس، عن الأعمش كما قال وكيع.
ورواه أبو السوداء عن ابن عبد خير، عن أبيه قال: " رأيتُ عليا توضأ فغسل
ظاهر قدميه، وقال: لولا أني رأيتُ رسول الله- عليه السلام- يفعلُهُ
[لظننتُ أن بطونهُما أحق بالمسح] (5) " وساق الحديث.
[قال أبو داود: وكذلك رواه يزيد بن عبد العزيز، عن الأعمش بهذا
الحديث] (5) .
(1) المصدر السابق (32/7023) .
(2) سورة المعارج: (6) .
(3) ذُكر في سنن أبي داود قبل هذا الكلام الحديث رقم (162) ، ووضع بين
معقوفتين.
(4) في سنن أبي داود: " أن باطن ".
(5) غير موجود في سنن أبي داود(1/383)
ش- أبو السوداء عمرو بن عمران النهدي الكوفي، رأى أنس بن
مالك. وروى عن: قيس بن أبي حازم، وعبد خير، وأبي مجلز،
والضحاك، وجعفر بن أبي المغيرة، وابن سابط. قال أحمد وابن معين:
ثقة. قال أبو حاتم: ما بحديثه بأس. روى له أبو داود (1) .
وابن عبد خير ... (2) . وقال البيهقي: والمرجع فيه إلى عبد خير
وهو لم يحتج به صاحبا الصحيح. قلنا: عدم احتجاج صاحبي الصحيح
به ليس بقادح في روايته، وكم من أحد لم يحتجّا به، وقد احتج به
غيرهما، وحديثه صحيح. وقصد البيهقي بذلك الكلام تضعيف عبد خير،
ولا يمشي ذلك؛ لأنه وثّقه جماعة.
153- ص- حدثنا موسى بن مروان الرقي ومحمود بن خالد الدمشقي
المعنى قالا: ثنا الوليد، قال محمود: أنا ثور بن يزيد، عن رجاء بن حيوة،
عن كاتب المغيرة بن شعبة، عن المغيرة بن شعبة قال: " وضّأتُ النبي- عليه
السلام- في غزوة تبوك، فمسح أعلى الخُفّ وأسفله " (3) .
ش- موسى بن مروان أبو عمران البغدادي التمار، نزل الرقة. سمع:
مروان بن معاوية، ومحمد بن حرب،/وعيسى بن يونس، وغيرهم.
روى عنه: أبو حاتم الرازي، وأبو داود، والنسائي عن رجل عنه، وابن
ماجه. مات سنة ست وأربعين ومائتين بالرقة (4)
والوليد هو ابن مسلم الدمشقي. وقد ذكرناه.
ورجاء بن حيوة بن جندل، ويقال: خنزل، ويقال: ابن جرول
أبو المقدام أو أبو نصر الكندي الشامي الفلسطيني. روى عن: أبيه،
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (22/4419) .
(2) بياض في الأصل قدر سطر وربع.
(3) الترمذي: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في المسح على الخفين أعلاه وأسفله
(97) ، ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: في مسح أعلى الخف وأسفله (550) .
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (29/6299) .(1/384)
ومعاذ بن جبل، وعبادة بن الصامت، ومعاوية بن أبي سفيان، وأبي سعيد
الخدري، وجابر بن عبد الله، ووراد كاتب المغيرة، وغيرهم. روى
عنه: الزهري، ومطر الوراق، وقتادة، ومحمد بن عجلان، وثور بن
يزيد، وغيرهم. روى له الجماعة إلا البخاري (1) .
وكاتب المغيرة هو وراد الثقفي الكوفي، كاتب المغيرة بن شعبة ومولاه،
كنيته: أبو سعيد، ويقال: أبو الورد. سمع المغيرة بن شعبة، روى
عنه: الشعبي، ورجاء بن حيوة، وأبو عون الثقفي، وغيرهم. روى له
الجماعة (2) .
قوله: " وضأتُ " بتشديد الضاد، بمعنى: خدمت له في الوُضوء.
ص- قال أبو داود: لم يسمع ثور هذا الحديث من رجاء بن حيوة.
ش- أي: ثور بن يزيد، وأشار بهذا إلى أن هذا الحديث ضعيف.
وضعفه الإمام الشافعي أيضاً. وأخرجه ابن ماجه، والترمذي، وقال
الترمذي: حديث معلول، لم يُسنده عن ثور غير الوليد، وسألت
محمداً وأبا زرعة عن هذا الحديث فقالا: ليس بصحيح؛ لأن ابن المبارك
رواه عن ثور، عن رجاء قال: حُدثت عن كاتب المغيرة، عن النبي
مُرسل. وقال الدارقطني في " العلل ": هذا حديث لا يثبت؛ لأن ابن
المبارك رواه عن ثور بن يزيد مرسلاً، ولذا ضعفه أحمد بن حنبل رحمة
الله عليه.
قلت: حاصل ما ذكروا في هذا الحديث علتان، الأولى: أن ثوراً لم
يسمعه من رجاء. والثانية: أن كاتب المغيرة أرسله.
ويُحاب عن الأولى بما روى داود بن رشيد على ما روى البيهقي عن
الوليد بن مسلم، عن ثور بن يزيد، عن رجاء بن حيوة، عن كاتب
المغيرة: " أنه- عليه السلام- كان يمسح أعلى الخف وأسفله "، ثم أسنده
عن داود بن رشيد، ثنا الوليد، عن ثور، ثنا رجاء، عن كاتب المغيرة،
__________
(1) المصدر السابق (9/1890) .
(2) المصدر السابق (30/6682) .
25* شرح سنن أبي داوود 1(1/385)
عن المغيرة. ثم أسند عن الدارقطني أنه قال: رواه ابن المبارك، عن ثور
قال: حُدثت عن رجاء، عن كاتب المغيرة، عن النبي- عليه السلام-
مرسلاً، ليس فيه المغيرة. وقد صرح فيها بأن ثوراً قال: ثنا رجاء، وإن
كان داود قد رُوي عنه أنه قال: عن رجاء.
ويحاب عن الثانية بأن الوليد بن مسلم زاد في الحديث ذكر المغيرة،
وزيادة الثقة مقبولة.
فإن قيل: بقي في الحديث علتان أخريان: إحديهما: أن كاتب المغيرة
مجهول، والثانية: أن الوليد مدلس. قلت: المعروف بكاتب (1) المغيرة
هو مولاه ورّاد، وهو مخرج له في " الصحيحين "، فالظاهر أنه المراد،
وقد أدرج بعض الحفاظ هذا الحديث في ترجمة رجاء عن ورّاد، وذكره
المزّيُ في " أطرافه " في ترجمة وراد عن المغيرة. وصرح ابن ماجه في
" سننه " فقال: عن رجاء، عن وزاد كاتب المغيرة، فصرح باسمه.
والجواب عن الثانية: بأن أبا داود قال: عن الوليد أخبرني ثور، فأمن
بذلك تدليسه.
***
56- باب: في الانتضاح
أي: هذا باب في بيان انتضاح الماء بعد الفراغ من الوضوء، وهو
الارتشاش. وقال ابن الأثير (2) : " الانتضاح: أن يأخذ قليلاً من الماء
فيرش به مذاكيره بعد الوضوء، لينفي عنه الوسواس، وقد نضح عليه الماء
ونضحه به إذا رشه عليه ونضح الوضوء بالتحريك: ما يترشش منه عند
التوضوء كالنشر ".
154- ص- حلّفنا محمد بن كثير قال: أخبرنا سفيان، عن منصور،
__________
(1) في الأصل: " بكتابه ".
(2) انظر: النهاية (5/69) .(1/386)
عن مجاهد، عن سفيان بن الحكم الثقفي أو الحكم بن سفيان الثقفي قال:
" كان النبيُ- عليه السلام- إذا بال توضأ (1) ، وينتضحُ " (2) .
ش- سفيان الثوري، ومنصور بن المعتمر.
وسفيان بن الحكم روى عنه مجاهد، وروى له: أبو داود، وابن ماجه
ويقال: الحكم بن سفيان. وقال عبد الغني: وبعضهم يقول سفيان بن
الحكم، عن أبيه،/عن النبي- عليه السلام-: " أنه توضأ ونضح
فرجه " وهو حديث مضطرب (3) .
وقال الخطابي (4) : " الانتضاح هاهنا الاستنجاء بالماء. وكان من عادة
أكثرهم أن يستنجوا بالحجارة لا يمسون الماء، وقد يتأول الانتضاح أيضاً
على رش الفرج بالماء بعد الاستنجاء، ليدفع بذلك وسوسة الشيطان ".
ص- قال أبو داود: وافق سفيان جماعة على هذا الإسناد، قال بعضهم:
الحكم أو ابن الحكم.
ش- من جملة من وافق سفيان على هذا الإسناد زكريا بن أبي زائدة
على ما رُوي في " المصنف ": حدثنا أبو بكر قال: ثنا محمد بن بشر
قال: نا زكريا بن أبي زائدة قال: قال منصور: حدثني مجاهد، عن
الحكم بن سفيان الثقفي: " أنه رأى النبي- عليه السلام- توضأ، ثم
أخذ كفا من ماء فنضح به فرجه ".
وقال أيضاً: ثنا الحسن بن موسى قال: نا ابن لهيعة، عن عقيل،
عن ابن شهاب، عن عروة، عن أسامة بن زيد بن حارثة، عن أبيه:
" أن النبي- عليه السلام- توضأ، ثم أخذ كفا من ماء فنضح به فرجه ".
__________
(1) في سنن أبي داود: " يتوضأ ".
(2) النسائي: كتاب الطهارة، باب: النضح (1/86) ، ابن ماجه: كتاب
الطهارة، باب: ما جاء في النضح بعد الوضوء (461) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (7/1427) .
(4) معالم السنن (1/55)(1/387)
وقال: ثنا علي بن مسهر، عن عُبيد (1) الله بن عمر، عن نافع قال:
" كان ابن عمر إذا توضأ نضح فرجه ". قال عبيد الله: كان أبي يفعل
ذلك ". ورُوي ذلك عن مجاهد، وميمون، وسلمة وابن عباس، وعن
هذا قال أصحابنا: من جملة مستحبات الوضوء أن ينضح الماء على فرجه
وسراويله بعد فراغه من الوضوء، ولا سيما إذا كانت به وسوسة.
قوله: " قال بعضهم الحكم أو ابن الحكم " ليس بموجود في كثير من
النسخ، فإنه يذكر روايته بعد رواية مجاهد، عن رجل من ثقيف.
155- ص- حدثنا إسحاق بن إسماعيل قال: نا سفيان، عن ابن
أبي نجيح، عن مجاهد، عن رجل من ثقيف، عن أبيه قال: " رأيتُ رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بال ثم نضح فرجهُ " (2) .
ش- إسحاق بن إسماعيل الطالقاني، وقد ذُكر.
وابن أبي نجيح عبد الله، واسم أبي نجيح: يسار، وكنيته أبو عبد الله،
وابن أبي نجيح يروى عن عطاء، وطاوس. روى عنه: ورقاء بن عمر (3)
وأهل الحجاز. قال يحيى القطان: لم يسمع ابن أبي نجيح التفسير من
مجاهد. وقال أبو حاتم: ابن أبي نجيح، وابن جريج نظرا في كتاب
القاسم بن أبي بزّة، عن مجاهد في التفسير، فرويا عن مجاهد من غير
سماع. مات ابن أبي نجيح سنة إحدى أو اثنتين ومائة (4) .
وهذا الحديث فيه مجهولان.
156- ص- ثنا نصر بن المهاجر، ثنا معاوية بن عمرو، حدثنا زائدة،
عن منصور، عن مجاهد، عن الحكم أو ابن الحكم، عن أبيه: " أن النبيّ
- عليه السلام- بال ثم توضأ، ونضح فرجه " (5) .
__________
(1) في الأصل: " عبد الله " خطأ.
(2) انظر الحديث السابق.
(3) في الأصل: " عمرو " خطأ.
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (16/3612) .
(5) انظر الحديث رقم (154) .(1/388)
ش- نصر بن المهاجر روى عن: يزيد بن هارون، وعبد الصمد بن
عبد الوارث، ومعاوية بن عمر [و] . روى عنه أبو داود (1) .
ومعاوية بن عمرو بن المهلب بن عمرو بن شبيب أبو عُمر [و] الأزدي
المعنيُ البغدادي، أخو الكرماني بن عمرو، كوفي الأصل. سمع زائدة
ابن قدامة، وأبا إسحاق الفزاري، وجرير بن حازم، وغيرهم. روى
عنه: ابن معين، وأبو خيثمة، ومجاهد بن موسى، والبخاري، وروى
عن رجل عنه. توفي ببغداد سنة خمس عشرة أو أربع عشرة ومائتين.
روى له الجماعة (2) .
وزائدة بن قدامة الثقفي.
وفي هذا الحديث اضطراب. وأخرجه النسائي، وابن ماجه، وأخرج
الترمذي، وابن ماجه من حديث الحسن بن عليّ الهاشمي، عن الأعرج،
عن أبي هريرة: أن النبي- عليه السلام- قال: " جاءني جبريلُ فقال:
يا محمد، إذا توضأت فانتضح ". وقال الترمذي: وهذا حديث غريب،
وسمعت محمدا يقول: الحسن بن علي الهاشمي منكر الحديث (3) .
انتهى كلامه.
والهاشمي هذا ضعفه غير واحد من الأئمة.
وقوله: " إذا توضأت فانتضح " فيه تأويلات، الأول: إذا توضأت
فصب الماء على العضو صبا، ولا تقتصر على مسحه، فإنه لا يجزئ فيه
إلا الغسل.
الثاني: استبراء الماء بالنتر والتنحنح، يقال: نضحت: أسلت،
وانتضحت: تعاطيت الإسالة.
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (29/6411) .
(2) المصدر السابق (28/6064)
(3) الترمذي: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في النضح بعد الوضوء (50) ، ابن
ماجه: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في النضح بعد الوضوء (463) .(1/389)
الثالث: رش الإزار الذي يلي الفرج بالماء، ليكون ذلك مذهباً
للوسواس كما جاء في الحديث الأول.
الرابع: معناه الاستنجاء بالماء، إشارة إلى الجمع بينه وبن الأحجار.
***
57- باب: ما يقول الرجل إذا توضأ؟
أي: هذا باب في بيان ما يقول بعد الفراغ من الوضوء من الأذكار.
157- ص- حدّثنا أحمد بن سعيد الهمْداني قال: نا ابن وهب قال:
سمعت معاوية يحدث عن أبي عثمان،/عن جبير بن نفير، عن عقبة بن
عامر قال: " كنّا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُدّام أنفسنا، نتناوبُ الرعاية: رعاية إبلنا،
فكانتْ عليّ رعاية الإبل، فروحتُها بالعشي، فأدركتُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخطبُ
الناس فسمعتُه يقولُ: ما منكم أحدٌ يتوضأ، فيُحْسنُ الوُضوء، ثم يقومُ
فيركعُ ركعتين، يُقبلُ عليهما بقلبه وبوجهه إلا أوجب (1) ، فقلت: بخ بخ،
ما أجود هذه، فقال رجلٌ من بين يد: التي قبلها يا عقبةُ أجود (2) ،
فنظرتُ فإذا هو عمرُ بنُ الخطاب، قلتُ: ما هي يا أبا حفص؟ قال: قال (3)
آنفاً قبل أن تجيء: ما منكم من أحد يتوضأ، فيُحْسنُ الوضوء، ثم يقولُ
حين يفْرغٌ من وضوئه: أشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدهُ لا شريك لهُ، وأن
محمدا (4) عبدُهُ ورسولُهُ، إلا فُتحتْ له أبوابُ الجنة الثمانيةُ، يدخلُ من
أيها شاء " (5) .
__________
(1) في سنن أبي داود: " إلا قد أوجب ".
(2) في سنن أبي داود: " أجودُ منها ".
(3) في سنن أبي داود: " إنه قال ".
(4) في سنن أبي داود: " وأشهد أن " ووضعت " أشهد " بين معقوفتين.
(5) مسلم كتاب الطهارة، باب: الذكر المستحب عقب الوضوء (234) ،
النسائي: كتاب الطهارة، باب: القول بعد الفراغ من الوضوء (1/93) ، ابن
ماجه: كتاب الطهارة، باب: ما يقال بعد الوضوء (470) .(1/390)
ش- أحمد بن سعيد بن بشير بن عبيد الله أبو جعفر المصري الهمْداني.
روى عن عبد الله بن وهب. روى عنه: أبو داود، والنسائي وقال:
ليس بالقوي، وإبراهيم بن عبد الله بن معدان الأصبهاني، والفضل بن
عباس مات لعشر خلون من رمضان سنة ثلاث وخمسين ومائتين (1) .
وابن وهب هو: عبد الله بن وهب، وقد ذكر. ومعاوية هو معاوية
ابن صالح الحمصي، وقد ذكر.
وأبو عثمان هذا وقع في رواية مسلم في طريقين: في الطريق الأول
قال: وحدثني أبو عثمان. وفى الثاني: عن أبي إدريس وأبى عثمان،
واختلفوا فيه في الأول، فقيل: هو معاوية بن صالح. وقيل: ربيعة بن
يزيد، وأما هاهنا فهو سعيد بن هانئ الخولاني المصري، وقيل: إنه
شامي. وقال ابن سعد: كان ثقة إن شاء الله. روى عن جُبير بن نفير،
وروى عنه معاوية بن صالح. وروى له: أبو داود، والنسائي، وابن
ماجه. مات سنة سبع وعشرين ومائة (2) .
وجُبير بن نفير بن مالك بن عامر الحضرمي أبو عبد الرحمن الحمصي.
ويقال: أبو عبد الله أدرك النبي- عليه السلام-. وروى عن: أبي بكر،
وعمر. وسمع: أبا ذر، وأبا الدرداء، وأبا أيوب، وأبا ثعلبة، وعبد الله
ابن عمرو بن العاص، وعقبة بن عامر، وغيرهم. روى عنه: ابنه
عبد الرحمن، وسليم بن عامر، وأبو الزاهرية، وزيد بن واقد،
وجماعة آخرون. قال أبو حاتم: ثقة من كبار تابعي أهل الشام من
القدماء. توفي سنة خمس وسبعين. روى له الجماعة إلا البخاري (3) .
وعقبة بن عامر بن عبس بن عمرو بن عدي الجهني أبو حماد، أو
أبو سعاد، أو أبو أسد، أو أبو عامر، أو أبو عمرو، أو أبو الأسود،
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (1/38) ، وتصحف فيه " بشير " إلى
" بشر ".
(2) المصدر السابق (11/2370) .
(3) المصدر السابق (4/905) .(1/391)
أو أبو عبس. روي له عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خمسة وخمسون حديثاً، اتفقا
على سبعة، وللبخاري حديث، ولمسلم تسعة. روى عنه: جابر بن
عبد الله، وعبد الله بن عباس، وأبو أمامة، وقيس بن أبي حازم
البجلي، وعلي بن رباح اللخمي، وغيرهم. ولي مصر من قبل معاوية
سنة أربع وأربعين، ثم عزله بمسلمة بن مخلد الزرقي. وتوفي بمصر سنة
ثمان وخمسين. روى له الجماعة (1) .
قوله: " خُدام أنفسنا " الخدامُ جمع " خادم "، والمعنى: أنهم كانوا
يخدمون أنفسهم في صحبة النبي- عليه السلام- ويتناوبون رعي إبلهم،
فيجتمع الجماعة، ويضمون إبلهم بعضها إلى بعض، فيرعاها كل يوم
واحد منهم ليكون أرفق بهم، وينصرف الباقون في مصالحهم.
قوله: " الرّعاية " بكسر الراء: وهي الرّعيُ.
وقوله: " رعاية إبلنا " نصب على أنه بدل من الرعاية الأولى.
قوله: " فروحتُها بالعشي " أي: رددتها إلى مُراحها في آخر النهار،
وتفرغت من أمرها، ثم جئت إلى مجلس رسول الله.
قوله: " يخطب الناس " حال من الرسول، من خطب يخطب خُطبة
بالضم، فهو خاطب وخطيب، والمعنى: أنه يخاطب الناس، ويحضهم
على فعل الخير، وينهاهم عن فعل الشر.
قوله: " فيُحسنُ الوضوء " أي: يأتي به تاما بكمال صفته وآدابه.
قوله: " ثم يقوم " بالرفع عطف على ما قبله.
قوله: " يُقبلُ عليهما " جملة وقعت حالاً عن الضمير الذي في " يركع "
أي: على الركعتين.
قوله: " بقلبه وبوجهه " أي: وبذاته؛ لأن الوجه يذكر ويراد به الذات
__________
(1) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (3/106) ، وأسد الغابة
(4/53) ، والإصابة (2/489) .(1/392)
كما في قوله تعالى: (كُل شيْء هالك إلا وجْههُ) (1) أي: ذاته. أما
إقباله بقلبه فهو الخشوع، وأما إقباله بوجهه فهو الخضوع بالأعضاء، وقد
جمع عليه السلام بهذين اللفْظين أنواع الخشوع والخضوع.
قوله: " إلا أوجب " أي: إلا أوجب الجنة، وبه/في رواية أبي بكر
ابن أبي شيبة حيث قال: حدثنا زيد بن الحباب قال: نا معاوية بن
صالح، عن ربيعة بن يزيد، عن أبي إدريس الخولاني وأبي عثمان، عن
جبير بن نفير، عن مالك الحضرمي، عن عقبة بن عامر الجهني، أن
رسول الله- عليه السلام- قال: " ما من أحد يتوضأ، فيحسنُ الوضوء،
ثم يصلي ركعتين مُقبل بقلبه ووجهه عليهما إلا وجبت له الجنة " الحديث.
قوله: " فقلت: بخ بخٍ " كلمة " بخ بخ " من الأسماء الجارية مجرى
الأصوات، تستعمل عند الرضا والإعجاب، وتفخيم الأمر وتعظيمه.
قال الأعشى:
بين الأشج وبن قيس باذخ ... بخ بخ لوالده وللمولود
ويقال بالتسكين والكسر مع التنوين والتخفيف، وبالكسر دون تنوين
وبضم الخاء مع التنوين والتشديد، واختار بعضهم إذا كررت تنوين الأولى
وتسكين الثانية. وسكنت الخاء فيه كما سكنت اللام في " هل " و " بل "،
ومنْ كسر ونون أجراها مجرى " صه " و " مه "، وبخبخ الرجل إذا قال:
بخ.
قوله: " ما أجود هذه " يعني: هذه الفائدة أو البشارة أو العبادة،
وجوْدتُها من جهات، منها: أنها سهلة متيسرة يقدرُ عليها كل أحد بلا
مشقة. ومنها: أن أجرها عظيم.
قو له: " التي " مبتدأ.
وقوله: " أجود " خبره، وقوله: " يا عقبة " معترض بينهما.
قوله: " قال: قال آنفاً " الضمير الذي في " قال " الأولى راجع إلى
__________
(1) سورة القصص: (88) .(1/393)
" عمر "، والذي في الثاني راجع إلى " رسول الله " - عليه السلام-.
وقوله: " آنفاً " أي: قريباً، وهو بالمد على اللغة المشهورة، وبالقصر
على لغة صحيحة، وأصله من الائتناف، وهو الابتداء، ومعناه: الآن أو
الساعة، وانتصابه على الظرفية.
قوله: " ما منكم من أحد " مقول القول الثاني.
قوله: " أشهد أنْ لا إله إلا الله " من الشهادة، وهي خبر قاطع، تقول
فيه: شهد الرجل على كذا وشهده شهوداً أي: حضره، وقوم شهود:
حُضور، و" أن " فيه مخففة من المثقلة، والأصل: أشهد أنه لا إله إلا
الله، و" إلا " هاهنا بمعنى غير، أي: لا إله في الوجود غير الله.
قوله: " وأن محمداً " أي: وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله، وهو
اسم مأخوذ من الحمد، يقال: حمدت الرجل فأنا أحمده إذا أثنيت عليه
بجلائل خصاله، وأحمدته وحمدته (1) محموداً، ويقال: رجل
محمود، فإذا بلغ النهاية في ذلك وتكامل فيه المناقب والمحاسن فهو
محمد
قال الأعشى يمدح بعض الملوك:
إليك أبيْت اللعن كان كلالُها ... إلى الماجد القرعْ الجواد المحمد
أراد الذي تكاملت فيه الخصال المحمودة، وهذا البناء أبدا يدل على
الكثرة وبلوغ النهاية، فتقول في المدح: محمد، وفي الذم: مذمم،
ومنه قولهم: حُماداك أن تفعل ذلك، أي: غايتك، وفعلك المحمود
منك غير المذموم أن تفعل كذا، والفرق بين محمد وأحمد: أن الأول
مفعول، والثاني اسم تفضيل. والمعنى: إذا حمدتُ أحدا فأنت محمدٌ،
وإذا حمدني احدٌ فأنت أحمدُ، وإنما جمع بين قوله: " عبده ورسوله "
نفياً لتوهم ما يزعم النصارى في حق عيسى ابن مريم- عليه السلام-،
__________
(1) في الأصل: " حدته ".(1/394)
أنه ابن الله، تعالى الله عن ذلك علوا كبيراً، والرسول الذي أرسل لتبليغ
رسالات الله، يعني: فكل رسول نبي ولا عكس.
قوله: " إلا فتحت له " جواب قوله: " ما منكم "
وقوله: " الثمانية " مرفوع على أنه صفة الأبواب.
قوله: " من أيها " أي: من أيّ الأبواب، الأصل في " أي " و " أيه "
أن تكون مضافاً، لأن المراد منه جزء من شيء فهو شبيه بـ " بعض "،
وهو مضاف دائماً. وهو اسم مبهم يبينه ما يُضاف إليه إلا الموصول عند
من يقول موضحة الصلة، وهي خمسة أنواع: موصولة نحو: اضرب
أيهم خرج، أي: الذي خرج منهم. واستفهامية نحو: أي الرجلين
عندك؟، وشرطية نحو: أيهم يضرب أضرب. وموصوفة نحو: زيد
رجل أي رجل، أي: كامل في صفات الرجال. ووصلة إلى بدإ ما فيه
" أل " نحو: يا أيها الرجل، وهو معرب من بين سائر الموصولات.
ويستفاد من هذا الحديث فوائد، الأولى: استحباب معاونة المؤمنين
بعضهم ببعض في مصالحهم.
والثانية: استحباب إسباغ الوضوء.
الثالثة: استحباب صلاة ركعتين بعد الوضوء.
والرابعة: استحباب قراءة: " أشهد أنْ/لا إله إلا الله، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله عقيب الوضوء ". وأخرج هذا الحديث: مسلم،
والنسائي، وابن ماجه، وابن أبي شيبة.
ص- قال معاوية: وحدّثني ربيعة بن يزيد، عن أبي إدريس، عن عقبة
ابن عامر.
ش- معاوية: ابن صالح.
وربيعة بن يزيد الدمشقي: أبو شعيب الإيادي القصير. سمع: معاوية
ابن أبي سفيان، وعبد الله بن عمرو، وواثلة بن الأسقع، وعبد الله(1/395)
الديلمي، وأبا (1) إدريس، وجبير بن نفير، وغيرهم. روى عنه:
الأوزاعي، ومعاوية بن صالح، والوليد بن سليمان، وحيوة بن شريح،
وغيرهم. وقال العجلي: ثقة. مات بإفريقية في إمارة هشام، خرج
غازياً فقتله البربر. روى له الجماعة (2) .
وأبو إدريس: عائذ الله بن عبد الله بن عمرو. روى عن: عبد الله بن
مسعود، ومعاذ بن جبل. وسمع: عبادة بن الصامت، وعقبة بن عامر،
وأبا هريرة، وغيرهم. روى عنه: الزهري، وربيعة بن يزيد، ومكحول،
وشهر بن حوشب، وأبو سلام الأسود، وغيرهم. ولد يوم حنين،
ولاه عبد الملك القضاء بدمشق، وتوفي سنة ثمانين. روى له الجماعة (3) .
وهذا الإسناد هو إسناد مسلم في " صحيحه " قال: حدثنا محمد بن
حاتم قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي قال: ثنا معاوية بن صالح، عن
ربيعة بن يزيد، عن أبي إدريس الخولاني، عن عقبة بن عامر.
158- ص- حدثنا حسين بن عيسى قال: حدثني عبد الله بن يزيد
المُقرئ، عن حيوة- وهو ابن شريح-، عن أبي عقيل، عن ابن عمه، عن
عقبة بن عامر الجهني، عن النبي- عليه السلام- نحوه، ولم يذكر أمر
الرعاية، قال عند قوله: " فأحسن الوُضوء، ثم رفع نظرهُ إلى السماء،
فقال "، وساق الحديث بمعنى حديث معاوية (4) .
ش- الحسين بن عيسى بن حُمران الطائي: أبو عليّ القُومسي
البسطامي، سكن نيسابور، وبها مات سنة سبع وأربعين ومائتين. سمع:
ابن عيينة، ووكيعاً، وابن أبي فديك، وغيرهم. روى عنه: البخاري،
ومسلم، وأبو داود، والنسائي، وأبو حاتم وقال: هو صدوق (5) .
__________
(1) في الأصل: " وأبي "
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (9/1889) .
(3) المصدر السابق (14/3068) .
(4) انظر الحديث السابق.
(5) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (6/1328) .(1/396)
وعبد الله بن يزيد المقرئ المدني، وقد ذكر، وكذا حيوة بن شريح بن
صفوان.
وأبو عقيل هو زهرة بن معبد بن عبد الله بن هشام بن زهرة التيمي
القرشي، أبو عقيل المصري، مدني سكن مصر. أدرك عبد الله بن
عمرو، وروى عنه وعن عبد الله بن الزبير، وسمع جده عبد الله بن
هشام، وله صحبة. وسمع أباه، وسعيد بن المسيب، وغيرهم. وروى
عنه: حيوةُ بن شريح، والليث بن سعد، ونافع بن يزيد، وغيرهم.
قال أحمد: ثقة. وقال أبو حاتم: مستقيم الحديث، قيل: يحتج به،
وقيل: لا بأس به. توفي بالإسكندرية سنة سبع وعشرين ومائة. روى له
الجماعة (1) .
قوله: " نحوه " أي: نحو ما ذكر.
وهذا الحديث في إسناده رجل مجهول. وأخرجه الترمذي من حديث
أبي إدريس، وأبي عثمان، عن عمر بن الخطاب مختصراً وفيه دعاء.
وقال: " هذا حديث في إسناده اضطراب، ولا يصح عن النبي- عليه
السلام- في هذا كثير شيء. قال محمد: أبو إدريس لم يسمع من عمر
شيئاً " (2) .
وفي " المصنف ": حدثنا المقرئ، عن سعيد بن أبي أيوب قال:
حدثني زهرة بن معبد أبو عقيل: أن ابن عم له أخبره، أنه سمع عقبة بن
عامر يقول: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من توضأ فأتم وضوءه ثم رفع
رأسه إلى السماء فقال: أشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن
محمدا عبده ورسوله، فتحت له أبواب الجنة يدخل من أيها شاء ".
__________
(1) المصدر السابق (9/2008) .
(2) جامع الترمذي (1/78- 79) .(1/397)
58- باب: الرجل يُصلي الصلوات بوضوء واحد
أي: هذا باب في بيان حكم الرجل الذي يصلي الصلوات بوضوء
واحد.
159- ص- حدثنا محمد بن عيسى قال: نا شريك، عن عمرو بن عامر
البجلي، قال محمد- هو أبو أسد (1) بن عمرو- قال: سألت أنس بن
مالك عن الوضوء؟ فقال: " كان النبيُ- عليه السلام- يتوضأ لكل صلاة،
وكنا نصلي الصلوات بوضوء واحدٍ " (2) .
ش- شريك ابن عبد الله النخعي.
وعمرو بن عامر الأنصاري الكوفي والد أسد (1) . سمع أنس بن
مالك. روى عنه: أبو الزناد، ومسعر، وشعبة، والثوري، وشريك بن
عبد الله، ويحيى بن عبد الله. قال أبو حاتم (3) : صالح. روى له
الجماعة (4) .
قوله: " قال محمد " هو محمد بن عيسى الطباع المذكور.
قوله: " وكنا نصلي الصلوات " يتناول الصلوات الثلاث والأربع
والخمس، وتوضؤه- عليه السلام- لكل صلاة كان/من باب التقرب
واكتساب الفضيلة، لا من باب الوجوب. وفي " المصنف ": حدّثنا
__________
(1) في الأصل: " أبو أسيد " خطأ.
(2) البخاري: كتاب الوضوء، باب: الوضوء من غير حدث (214) ، الترمذي:
كتاب الطهارة، باب: ما جاء في الوضوء لكل صلاة (60) ، النسائي:
كتاب الطهارة، باب: الوضوء لكل صلاة (1/84) ، ابن ماجه: كتاب
الطهارة، باب: الوضوء لكل صلاة والصلوات كلها بوضوء واحد (509) .
(3) في الأصل: " حديد ".
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (22/4392، 4393) ، وقد فرق الحافظ
المزي بين عمرو بن عامر الأنصاري وعمرو بن عامر البجلي والد أسد بن
عمرو، وذكر أن أبا داود زعم أنهما واحد، وأنه- ومن تبعه على ذلك- قد
وهم.(1/398)
حفص، عن ليث، عن عطاء وطاوس ومجاهد: " أنهم كانوا يصلون
الصلوات كلها بوضوء واحد ".
وحدثنا يحيى بن سعيد، عن مسعود بن عليّ، عن عكرمة قال: قال
سعد: " إذا توضأت فصل بوضوئك ذلك ما لم تحدث ". وأخرج
حديث أنس هذا البخاري، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
160- ص- حدثنا مسدد قال: نا يحيى، عن سفيان قال: حدثني علقمة
ابن مرثد، عن سليمان بن بريدة، عن أبيه قال: " صلى رسولُ الله- عليه
السلام- يوم الفتح خمس صلوات بوُضوء واحد، ومسح على خُفيه فقال
له عمر: إني رأيتك صنعت (1) شيئاً لم تكن تصنعُهُ؟ قال: عمداً
صنعتُهُ " (2) .
ش- يحيى القطان، وسفيان الثوري.
وعلقمة بن مرثد الحضرمي: أبو الحارث الكوفي. روى عن: طارق
ابن شهاب، وعبد الرحمن بن سابط، والشعبي، وسليمان بن بريدة،
ومجاهد، وغيرهم. روى عنه: الثوري، ومسعر، وشعبة، وغيرهم.
قال أحمد: ثبت في الحديث. وقال أبو حاتم: صالح. روى له
الجماعة (3) .
وسليمان بن بريدة بن الحصيب الأسلمي، أخو عبد الله، وُلدا في
بطن واحد على عهد عمر بن الخطاب- رضي الله عنهم-. روى عن:
أبيه، وعمران بن حصين. روى عنه: علقمة بن مرثد، وعبد الله بن
__________
(1) في سنن أبي داود: " صنعت [اليوم] شيئاً ".
(2) مسلم: كتاب الطهارة، باب: جواز الصلوات كلها بوضوء واحد (277) ،
الترمذي: كتاب الطهارة، باب: ما جاء أنه يصلي الصلوات بوضوء واحد
(61) ، النسائي: كتاب الطهارة، باب: الوضوء لكل صلاة (1/86) ، ابن
ماجه: كتاب الطهارة، باب: الوضوء لكل صلاة والصلوات كلها بوضوء
واحد (510) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (20/4018) .(1/399)
عطاء، وأبو سفيان، وغيرهم. وقال أبو حاتم: ثقة. وقال البخاري:
لم يذكر سليمان سماعاً عن أبيه روى له الجماعة إلا البخاري (1) .
وبريدة بن الحصيب الصحابي قد ذكرناه.
قوله: " يوم الفتح " أي: فتح مكة، فتحت مكة سنة ثمان من
الهجرة، في شهر رمضان، يوم الجمعة لعشر بقين، و " أقام بها النبي
- عليه السلام- خمس عشرة ليلة " في رواية البخاري، وفي رواية أبي داود
والترمذي: " أقام ثمان عشرة ليلة لا يصلي إلا ركعتين ".
قوله: " صنعت شيئاً لم تكن تصنعه " تصريح بأنه- عليه السلام- كان
يواظب على الوضوء لكل صلاة عملاً بالأفضل، وصلى الصلوات في
هذا اليوم بوضوء واحد بياناً للجواز، كما قال- عليه السلام-: " عمداً
صنعته "، وانتصاب " عمداً " على أنه صفة لمصدر محذوف تقديره:
صنعته صُنعاً عمداً، ويجوز أن يكون نصباً على الحال، أي: عامداً
صنعته. وحكى الطحاوي وابن بطال في " شرح البخاري " عن طائفة من
العلماء أنهم قالوا: يجب الوضوء لكل صلاة وإن كان متطهراً، واحتجوا
بقوله تعالى: (إذا قُمْتُمْ إلى الصّلاة فاغْسلُوا وُجُوهكُمْ) الآية (2) .
وقال الشيخ محي الدين: " وما أظن هذا المذهب يصح عن أحد،
ولعلهم أرادوا استحباب تجديد الوضوء عند كل صلاة، ودليل الجمهور.
الأحاديث الصحيحة، منها هذا الحديث، وحديث أنس في البخاري
الذي مر آنفاً، وغير ذلك. أما الآية فالمراد بها والله أعلم: إذا أردتم
القيام إلى الصلاة وأنتم محدثون، وقيل: إنها منسوخة بفعل النبي- عليه
السلام " (3) .
ويستفاد من هذا الحديث فوائد، الأولى: فيه دليل على جواز خمس
صلوات بوضوء واحد.
__________
(1) المصدر السابق (11/2495) .
(2) سورة المائدة: (6) .
(3) انظر: " شرح صحيح مسلم " (3/177) .(1/400)
والثانية: فيه جواز المسح على الخفين.
والثالثة: فيه جواز سؤال المفضول الفاضل عن بعض أعماله التي في
ظاهرها مخالفة للعادة؛ لأنها قد تكون عن نسيان فيرجع عنها، وقد
تكون تعمداً لمعنى خفي على المفضول فيستفيده.
***
59- باب: في تفريق الوضوء
أي: هذا باب في بيان تفريق الأعضاء في الوضوء.
161- ص- حدثنا هارون بن معروف قال: نا ابن وهب، عن جرير بن
حازم: أنه سمع قتادة بن دعامة قال: نا أنس بن مالك: " أن رجلاً جاء إلى
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد توضأ، وقد ترك (1) على قدميْه مثل موضع الظُفْر، فقال
له رسولُ الله يك: " أرجعْ فأحسن وُضوءك " (2) .
ش- هارون بن معروف الخزاز أبو عليّ المروزي، سكن بغداد،
وسمع: ابن عيينة، وعبد العزيز الدراوردي، ويحيى بن زكريا، والوليد
ابن مسلم، وعبد الله بن وهب. روى عنه: أحمد بن حنبل- وكان
أسن من أحمد بسبع سنين- والبخاري، ومسلم، وأبو داود، وصالح
ابن محمد البغدادي، والبغوي، وغيرهم. مات ببغداد سنة إحدى
وثلاثين ومائتين (3) .
وجرير بن حازم بن زيد (4) - أخو يزيد ومخلد- الأزدي العتكي،
أبو النضر البصري. سمع: أبا الطفيل عامر بن واثلة، وأبا رجاء
__________
(1) في سنن أبي داود: " وترك ".
(2) مسلم: كتاب الطهارة، باب: وجوب استيعاب جمع أجزاء كل الطهارة
(243) ، ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: من توضأ فترك موضعاً لم يصبه
الماء (665) ، (666) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (30/6526) .
(4) في الأصل: " يزيد " خطأ.
26* شرح سنن أبي داود 1(1/401)
/العطاردي، والحسن البصري، ومحمد بن سيرين، ونافعاً (1) مولى
ابن عمر، وقتادة، وغيرهم. روى عنه: أيوب السختياني، والأعمش،
والليث بن سعد، والثوري، وابن المبارك، ويحيى القطان، وابن عيينة،
وعبد الله بن وهب، وغيرهم. وقال ابن معين: ثقة. وقال أبو حاتم:
صدوق صالح تغير قبل موته بسنة (2) .
قوله: " وقد توضأ " حال من " الرجل "، وكذلك قوله: " وقد ترك "
حال، إما من الأحوال المتداخلة أو المترادفة.
قوله: " مثل موضع الظفر " الظفر من الإنسان وكل حيوان بضم الظاء
وسكون الفاء. وقال ابن دريد: ولا تكسر الظاء ويقال: أظفور أيضاً.
وقال الزمخشري: حكى أبو عليّ " ظفْر " بكسر الظاء وإسكان الفاء.
قوله: " ارجع فأحسن وضوءك " أي: كمل وضوءك، وذلك يكون
ببلّ هذا الموضع، وبه تمسك أصحابنا أن من توضأ وبقي في أعضاء وضوئه
موضع لم يصبه الماء، فإنه يبل ذلك الموضع ويجزئه. وقالت الشافعية:
عليه أن يعيد الوضوء؛ لان ظاهر معنى الحديث إعادة الوضوء في تمام.
ولو كان تفريقه جائزاً لاقتصر فيه على الأمر بغسل ذلك الموضع، أو كان
يأمره بإمساسه الماء في مقامه ذلك، ولا يأمره بالرجوع إلى المكان الذي
يُتوضأ فيه. قلنا: لو كان الإعادة تجب عليه لقال- عليه السلام-:
" ارجع فأعد وضوءك "؛ لأنه- عليه السلام- مبعوث لبيان أمور الشرائع
ولا سيما في موضع الحاجة إلى البيان، وإنما قال: " أحسن وضوءك "
وتحسين الوضوء تكميله، وذلك لا يكون إلا في أمر مُعتد، غاية ما في
الباب أنه لا يجوز له أن يُصلي بذلك الوضوء حتى تكمل شرائطه، وقوله
" ارجع " لا يدل على الإعادة، وإنما قال: ارجع ليرجع ويحصل ماء
يُمسُ ذلك الموضع به، ويؤيد ما ذكرناه ما روى ابن أبي شيبة: حدثنا
يزيد بن هارون، عن حماد بن سلمة، عن قتادة، عن خلاس فيما يعلم
__________
(1) في الأصل: " ونافع " خطأ
(2) المصدر السابق (4/913) .(1/402)
حماد، عن علي قال: " إذا توضأ الرجل فنسي أن يمسح برأسه، فوجد
في لحيته بللاً، أخذ من لحيته فمسح رأسه ". وهذا أبلغ من ذاك، حيث
أنه إذا نسي ركناً كاملاً بالكلية يجزئه إمساس الماء من غير إعادة الوضوء،
على أن الحديث ليس بمعروف كما نذكره الآن.
عر- قال أبو داود: ليس هذا الحديث بمعروف عن جرير بن حازم، لم (1)
يروه إلا ابن وهب، وقد رُوي عن معقل بن عُبيد الله الجزري، عن
أبي الزبير، عن جابر، عن عمر- رضي الله عنه-، عن النبي- عليه
السلام- نحوه، وقال: " ارجعْ فأحْسنْ وضوءك ".
قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل قال: نا حماد قال: نا يونس
وحميد، عن الحسن، عن النبي- عليه السلام- بمعنى قتادة (2) .
ش- معقل بن عبيد الله أبو عبد الله الجزري العبسي مولاهم الحراني.
سمع: عطاء بن أبي رباح، ونافعاً، والزهري، وغيرهم. روى عنه:
الثوري، ووكيع، وأبو نعيم، وعبد الله بن محمد النفيلي، وغيرهم.
قال أحمد: صالح الحديث. وقال ابن معين: ليس به بأس. روى له:
مسلم، وأبو داود، والنسائي (3) .
وأبو الزبير محمد بن مسلم بن تدرس المكي الأسدي، وقد ذكرناه،
وجابر بن عبد الله الصحابي، وحماد بن سلمة.
ويونس بن عبيد بن دينار البصري، أبو عبد الله العبدي مولاهم. رأى
أنس بن مالك. وسمع: الحسن، ومحمد بن سيرين، وثابتاً البناني،
وغيرهم. روى عنه: الثوري، وشعبة، والحمادان، ووهيب بن خالد،
وغيرهم. وقال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث. مات سنة تسع
وثلاثين ومائة. روى له الجماعة (4) .
__________
(1) في سنن أبي داود: " ولم "، وكذا في الشرح.
(2) انظر الحديث السابق.
(3) انظر ترجمته في تهذيب الكمال (28/6092) .
(4) المصدر السابق (32/7180) .(1/403)
وحميد هذا هو ابن أبي حميد الطويل، أبو عبيدة البصري الخزاعي
مولى طلحة الطلْحات، واسم أبي حميد زاذويه، ويقال: طرخان.
ويقال: عبد الرحمن، ويقال: داود. سمع: أنس بن مالك، والحسن
البصري، وثابتاً، وعكرمة مولى ابن عباس، وغيرهم. روى عنه:
يحيى بن سعيد الأنصاري، ومالك بن أنس، والثوري، وابن عيينة،
وشعبة، والحمادان، وابن المبارك، ويحيى القطان، وغيرهم. مات سنة
ثلاث وأربعين ومائة. روى له الجماعة (1) .
قوله: " ليس هذا الحديث بمعروف " أي: حديث أنس المذكور، ثم
علله بقوله: " ولم يروه إلا عبد الله بن وهب ".
قوله: " وقد روي " أي: رُوي هذا الحديث أيضاً عن معقل.
/وأخرج مسلم حديث عمر هذا عن سلمة بن شبيب، عن ابن أعين،
عن معقل. وأخرجه ابن ماجه من حديث عبد الله بن لهيعة، عن
أبي الزبير، قال الشيخ محيي الدين: " استدل القاضي عياض وغيره بهذا
الحديث على وجوب الموالاة في الوضوء لقوله- عليه السلام-: " ارجع
فأحسن وضوءك "، ولم يقل: اغسل الموضع الذي تركته. وهذا
الاستدلال ضعيف أو باطل، فإن قوله- عليه السلام-: " أحسن
وضوءك " يحتمل للتتميم والاستئناف، وليس حمله على أحدهما أولى من
الآخر " (2) .
قلت: وإن كان يحتمل المعنيين، ولكن حمله على معنى التتميم أولى
لما ذكرنا الآن. نعم الاستدلال به على وجوب الموالاة لا وجه له لعدم ما
يدل على ذلك، وإن دل فلا يسلم أن يكون واجباً، بل يكون مستحبا لما
عرف من أنه يلزم من ذلك الزيادة على مطلق النص، وذا غير جائز.
قوله: " قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل " إلى آخره، حديث
مرسل.
__________
(1) المصدر السابق (7/1525) .
(2) انظر: " شرح صحيح مسلم " (3/132) .(1/404)
قوله: " بمعنى قتادة " يعني بمعنى الحديث الذي رواه قتادة بن دعامة عن
أنس بن مالك. وذكر الدارقطني أن جرير بن حازم تفرد به عن قتادة،
ولم يروه عنه غير ابن وهب.
162- ص- حدثنا حيوة بن شريح قال: نا بقية بن الوليد، عن بحير
- يعني: ابن سعد (1) - عن خالد- يعني: ابن معدان- عن بعض
أصحاب النبي- عليه السلام-: " أن النبي- عليه السلام- رأى رجلاً
يُصلي وفي ظهر قدمه لمعة قدْر الدرهم لم يصبْها الماءُ، فأمره النبي- عليه
السلام- أن يُعيد الوضوء والصلاة " (2) .
ش- بقية بن الوليد بن صائد بن كعب بن حريز- بالحاء المهملة-
الكلاعي الحميري الميْتمي- بالياء آخر الحروف ثم التاء المثناة من فوق-
أبو محمد الحمصي. سمع: محمد بن زياد، والأوزاعي، ومالك بن
أنس، وابن جريج، وغيرهم. روى عنه: شعبة، والحمادان، وابن
المبارك، وحيوة بن شريح، وإسحاق بن راهويه، وغيرهم. وقال
أبو مسهر: بقية ليست أحاديثه نقية. وقال أبو حاتم: يكتب حديثه، ولا
يحتج به. وقال أبو زرعة: ما لبقية عيب إلا كثرة روايته عن المجهولين،
فإذا حدث عن الثقات فهو ثقة. توفي بحمص سنة سبع وتسعين ومائة.
روى له الجماعة إلا البخاري (3) .
وخالد بن معدان بن أبي كرب (4) الكلاعي أبو عبد الله الحمصي.
روى عن: أبي عبيدة بن الجراح، وعبادة بن الصامت، ومعاذ بن جبل،
وأبي هريرة، وأبي الدرداء، وأبي ذر الغفاري، وسمع أبا أمامة الباهلي،
وغيره. روى عنه: ثور بن يزيد، وحريز بن عثمان، وابنته عبدة بنت
__________
(1) في الأصل: " يحيى- يعني: ابن سعيد " خطأ، ووقع في سنن أبي داود:
" بجير " بالجيم المعجمة وهو خطأ أيضاً، والصواب أنه بالحاء المهملة.
(2) تفرد به أبو داود. (3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (4/738) .
(4) في الأصل: " كريب " خطأ.(1/405)
خالد، وزياد بن سعد، وغيرهم. توفي سنة ثلاث ومائة. روى له
الجماعة إلا البخاري (1) .
قوله: " لُمعة " اللُّمعة- بضم اللام-: بياض أو سواد أو حمرة تبدو
من بين لون سواها، وهي في الأصل قطعة من النبت إذا أخذت في
اليبس، وفي اصطلاح الفقهاء: اللمعة: الموضع الذي لم يصبه الماء.
وبهذا الحديث استدل الجمهور أن من ترك جزءاً يسيرا مما يجب تطهيره لا
تصح طهارته. واختلفوا في التيمم، فعند الشافعي ومالك وأحمد:
كالوضوء. وعند أبي حنيفة: أن الاستيعاب فيه ليس بشرط، والأصح
عندنا أيضاً أنه شرط، وعليه الفتوى.
قوله: " أن يعيد الوضوء والصلاة " أما إعادة الصلاة فظاهر؛ لأنه صلّى
بلا طهارة كاملة، وأما إعادة الوضوء فعند من يقول بعدم جواز التفريق في
الوضوء، فظاهر أيضاً، وأما عند من يرى ذلك فلتقع صلاتُه بعد ذلك
بطهارة مأتي بها على وجه الكمال ليخرج عن عهدة الخلاف مع اشتراط
الاحتياط في أبواب العبادات. وهذا الحديث أيضاً مرسل، وفي إسناده
بقية، وهو مدلس، وفيه مقال كما ذكرناه. ولو أخرجه على ما أخرجه
الحاكم في " المستدرك " كان يسلم من تهمة تدليس بقية، والله أعلم.
***
60- باب: إذا شك في الحدث
أي: هذا باب في بيان حكم من يشك في الحدث. الشك: ما
يستوي فيه طرف العلم والجهل، وهو الوقوف بين الشيئين بحيث لا يميل
إلى أحدهما، فإذا قوي أحدهما وترجح على الآخر، ولم يأخذ بما
ترجح ولم يطرح الآخر فهو ظن، وإذا عقد/القلب على أحدهما وترك
الآخر فهو أكبر الظن، وغالب الرأي. ويقال: الشك ما استوى فيه
(1) المصدر السابق (8/1653) .(1/406)
طرفا العلم والجهل، فإذا ترجح أحدهما على الآخر، فالطرف الراجح
ظن، والطرف المرجوح وهم.
163- ص- حدثنا قتيبة بن سعيد ومحمد بن أحمد بن أبي خلف (1)
قالا: ثنا سفيان، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب وعباد بن تميم، عن
عمه (2) : " شُكي إلى النبيّ- عليه السلام- الرجلُ يجدُ الشيء في الصلاة
حتى يُخيلُ إليه قال: " لا ينْفتلُ حتى يسمع صوتاً، أو يجد ريحاً " (3) .
ش- محمد بن أحمد بن أبي خلف، واسم أبي خلف: محمد
السلمي أبو عبد الله مولاهم البغدادي. سمع: محمد بن طلحة، وابن
عيينة، وروح بن عبادة، وغيرهم. روى عنه: مسلم، وأبو داود،
وابن ماجه، وعبد الله بن أحمد بن حنبل، وغيرهم وقال عبد الرحمن
ابن أبي حاتم: سألت أبي عنه فقال: ثقة صدوق مات سنة ست
وثلاثين ومائتين (4) .
وسعيد بن المسيب بن حزن بن عمرو أبو محمد المدني، إمام التابعين
وسيدهم. روى عن: عمر بن الخطاب، وسمع منه، ومن عثمان بن
عفان، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن العباس، وأبي هريرة،
وغيرهم. روى عنه: عطاء بن أبي رباح، وعمرو بن دينار، وقتادة،
وجماعة آخرون كثيرة. توفي سنة أربع وتسعين، وولد لسنتين مضتا من
خلافة عمر بن الخطاب. روى له الجماعة (5) .
__________
(1) في سنن أبي داود: " ابن أبي بن خلف " خطأ.
(2) في سنن أبي داود: " عن عمه [قال] "
(3) البخاري: كاب الوضوء، باب: لا يتوضأ من الشك حتى يستيقن (137) ،
مسلم: كتاب الحيض، باب: الدليل على أن من يستيقن الطهارة ثم شك في
الحدث فله أن يصلي بطهارته تلك (361) ، النسائي: كتاب الطهارة، باب:
الوضوء من الريح (1/98) ، ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: لا وضوء
إلا من حدث (513) .
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (24/5042) .
(5) المصدر السابق (11/2358) .(1/407)
وعباد قد ذكر، وعمه عبد الله بن زيد الأنصاري الصحابي، وقد ذكر.
قوله: " شُكي إلى النبي " بضم الشين، وكسر الكاف على بناء
المجهول، و " الرجل " مرفوع على أنه فاعل للفعل المذكور، ولم يُسم
الشاكي من هو. وقد جاء في رواية البخاري أن السائل هو. عبد الله بن
زيد الراوي، ولا يتوهم بهذا أن " شكي " مفتوح الشن والكاف على بناء
المعلوم، على أن يجعل الشاكي هو عمه المذكور، فإن هذا غلط لا يخفى
على من يعرف طرق التركيب، وذاق من العربية شيئاً.
قوله: " يجد الشيء " حال من الرجل.
قوله: " يخيل إليه " يعني: خروج الحدث منه.
قوله: " لا ينفتل " أي: لا ينصرف من صلاته حتى يسمع صوتاً أو يجد
ريحاً، والمعنى: حتى يعلم وجود أحدهما، ولا يُشترط السماع والشم
بإجماع المسلمين، فإن الأصم لا يسمع شيئاً، والأخشم الذي راحت
حاسة شمه لا يشم أصلاً، وهذا الحديث أصل من أصول الإسلام،
وقاعدة عظيمة من قواعد الفقه، وهي أن الأشياء يحكم ببقائها على
أصولها حتى يُتبين خلاف ذلك، فمن ذلك مسألة الباب التي ورد فيها
الحديث، وهي أن من تيقن الطهارة وشك في الحدث، حكم ببقائه على
طهارته، سواء كان في نفس الصلاة أو خارج الصلاة، وهذا بالإجماع
إلا عن مالك روايتان، إحديهما: أنه يلزمه الوضوء إن كان شكه خارج
الصلاة، ولا يلزمه إن كان في الصلاة، والأخرى: يلزمه بكل حال،
وحكيت الأولى عن الحسن البصري، وهو وجه شاذ عند الشافعية، وأما
إذا تيقن الحدث وشك في الطهارة فإنه يلزمه الوضوء بالإجماع. ويُبنى
على هذا الأصل فروع كثيرة محلها كتب الفقه. والحديث أخرجه
البخاري، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه.
164- ص- حدثنا موسى بن إسماعيل قال: نا حماد قال: أخبرنا سُهيل
ابن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إذا كان(1/408)
أحدُكُم في الصلاة فوجد حركةً في دُبُره، أحدث أو لم يحدث، فأشكل
عليه، فلا ينصرفْ حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً " (1) .
ش- حماد بن سلمة.
وسهيل بن أبي صالح، واسم أبي صالح: ذكوان السمان الكوفي
أبو يزيد الغطفاني الكوفي، مولى جويرية بنت الأحْمس، أخو محمد
وعبد الله وصالح. سمع: أباه، وسعيد بن المسيب، وعطاء بن يزيد،
وغيرهم. روى عنه: يحيى الأنصاري، ومالك بن أنس، وسليمان بن
بلال، والثوري، وشعبة، وابن عيينة، وغيرهم. وقال ابن معين:
ليس حديثه بحجة. وقال أبو حاتم: يكتب حديثه. وقال أحمد بن
عبد الله: ثقة. روى له الجماعة إلا البخاري (2) .
قوله: " فأشكل عليه " الضمير الذي في " أشكل " يرجع إلى الحدث
الذي دل عليه قوله: " أحدث " والمعنى: أشكل عليه/هل وجد أم لا،
فلا ينصرف من الصلاة؛ لأن اليقين لا يزول بالشك إلا إذا تيقن الحدث
فح (3) ينصرف ويتوضأ، ثم هل يبني على ما مضى أو يستأنف، فعندنا:
له أن يبني، وعند الشافعي، ومالك، وأحمد يستأنف، وهو الأفضل
عندنا. وهذا الحديث أخرجه مسلم والترمذي بنحوه.
***
61- باب: الوضوء من القُبلة
أي: هذا باب في بيان الوضوء من قُبلة الرجل زوجته.
__________
(1) مسلم: كتاب الحيض، باب: الدليل على أن من تيقن الطهارة ثم شك في
الحدث فله أن يصلي بطهارته تلك (362) ، الترمذي: كتاب الطهارة، باب:
ما جاء في الوضوء من الريح (75) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (12/2629) .
(3) كذا، وهي بمعنى: " فحينئذ ".(1/409)
165- ص- حدثنا محمد بن بشار قال: نا يحيي وعبد الرحمن قالا: نا
سفيان، عن أبي روْق، عن إبراهيم التيمي، عن عائشة- رضي الله عنها-:
" أن النبي- عليه السلام- قبلها ولم يتوضأ " (1) .
ش- محمد بن بشار هو بُندار، ويحيى بن سعيد القطان،
وعبد الرحمن بن مهدي اللؤلؤ، وسفيان الثوري.
وأبو روق عطية (2) بن الحارث الهمداني، الكوفي. سمع:
السبيعي، وأبا إسحاق الشيباني، وإبراهيم التيمي، وعبيد الله بن خليفة.
روى عنه: الثوري، وأبو أسامة، وعبد الواحد بن زياد، وبشر بن
عُمارة، وشريك بن عبد الله النخعي. قال أحمد: ليس به بأس. وقال
ابن معين: صالح. وقال أبو حاتم: صدوق. روى له: أبو داود،
والنسائي، وابن ماجه (3) .
وهذا الحديث حُجّة على من يرى الوضوء على من لمس المرأة، فإن
النبيّ- عليه السلام- قبل عائشة- رضي الله عنها- ولم يتوضأ.
والتقبيل أبلغ من اللمس.
ص- قال أبو داود: إبراهيم التيمي لم يسمع عن عائشة شيئاً، هو مرسل.
قال: وكذا رواه الفريابي وغيره (4) .
ش- قال الدارقطني: وقد روى هذا الحديث معاويةُ بن هشام، عن
الثوري، عن أبي روق، عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن عائشة
- رضي الله عنها- فوصل إسناده. ومعاوية هذا أخرج له مسلم في
" صحيحه "، فزال بذلك انقطاعه. وذكر البيهقي هذا الحديث ثم قال:
وأبو روق ليس بقوي، ضعفه ابن معين وغيره.
__________
(1) النسائي: كتاب الطهارة، باب: ترك الوضوء من القُبلة (1/104) .
(2) في الأصل: " عطاء " خطا.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (20/3955) .
(4) زيد في سنن أبي داود بين معقوفتين: " قال أبو داود: مات إبراهيم التيمي
ولم يبلغ أربعين سنة، وكان يكنى أبا أسماء ".(1/410)
قلت: أبو روق أخرج له الحاكم في " المستدرك ". وقال أحمد: ليس
به بأس. وقال ابن معين: صالح. وقال أبو حاتم: صدوق كما ذكرنا.
وقال أبو عمر: قال الكوفيون: هو ثقة لم يذكره أحد بجرحة، ومراسيل
الثقات عندهم حجة.
قوله: " إبراهيم التيمي لم يسمع عن عائشة شيئاً " قال عبد الغني في
ترجمته: إبراهيم بن محمد بن طلحة القرشي التيمي سمع: أبا أسيد
الساعدي، وعبد الله بن عمرو، وأبا هريرة، وعائشة أم المؤمنين كما
ذكرناه مرة.
قوله: " وكذا رواه الفريابي وغيره " هو محمد بن يوسف بن واقد
الفريابي أبو عبد الله الضبي مولاهم، سكن قيسارية الشام، أدرك
الأعمش، وروى عنه، وعن إبراهيم بن أبي عبلة، وجرير بن حازم
والأوزاعي، والثوري، وابن عيينة، وجماعة آخرين. وروى عنه:
أحمد بن حنبل، وإسحاق بن منصور، ودُحيم، وإبراهيم بن الوليد،
وجماعة آخرون. قال النسائي وأبو حاتم: هو ثقة. توفي في شهر ربيع
الأول سنة اثنتي عشرة ومائتين. روى له الجماعة (1) .
166- ص- وثنا عثمان بن أبي شيبة قال: ثنا وكيع قال: ثنا الأعمش،
عن حبيب، عن عروة، عن عائشة: " أن النبي- عليه السلام- قبل امرأةً من
نسائه، ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ ". قال عروة: فقلتُ لها: من هي
إلا أنت؟ فضحكتْ " (2) .
ش- حبيب هو ابن أبي ثابت قيس بن دينار، وقد ذكرناه، وعروة بن
الزبير بن العوام.
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (27/5716) .
(2) الترمذي: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في ترك الوضوء من القبلة (86) ،
ابن ماجه: كتاب الطهارة وسننها، باب: الوضوء من القبلة (502) .(1/411)
] 1/63 حب
قوله: " من هي إلا أنت؟ " كلمة " من " هاهنا استفهامية، والتقدير:
ما كانت المُقبلةُ إلا أنت.
وقوله: " فضحكت " يدل على أن التي قبّلها- عليه السلام- هي
عائشة؛ لأن الضحك في مثل هذا الموضع تقرير لكلام السائل، كما في
استئذان البكر إذا ضحكت يكون إذناً؛ لأنه دليل الرضا، وهذا الحديث
أيضاً حجة للحنفية على خصومهم.
ص- قال أبو داود: هكذا رواه زائدة وعبد الحميد الحمّاني، عن سليمان
الأعمش.
ش- زائدة بن قدامة الثقفي، وعبد الحميد بن عبد الرحمن الكوفي
أبو يحيى الحمّاني نسبة إلى حمّان من بني تميم- بالحاء المهملة المكسورة
وتشديد الميم- سمع: الأعمش، والثوري، وأبا عمرو النضر بن
عبد الرحمن الخزاز. روى عنه: عمرو بن عليّ، وأحمد بن سنان
العطار، وأبو سعيد الأشج، وغيرهم. قال ابن معين: ثقة وأبوه ثقة.
/توفي سنة ثنتين ومائتين. روى له الجماعة (1) .
167- ص- حدثنا إبراهيم بن مخلد الطالقاني قال: ثنا عبد الرحمن
- يعني ابن مغراء- قال: ثنا الأعمش قال: أنا أصحاب لنا عن عروة المزني،
عن عائشة بهذا الحديث (2) .
ش- إبراهيم بن مخلد الطالقاني، روى عن عبد الرحمن بن مغراء (3)
وغيره. روى عنه أبو داود (4) . والطالقاني بفتح اللام.
وعبد الرحمن بن مغراء بن الحارث بن عياض بن عبد الله بن وهب
الكوفي أبو زُهير، ولي قضاء الأردن. سمع: إسماعيل بن أبي خالد،
ويحيى بن سعيد الأنصاري، والأعمش، ومحمد بن سوقة، وغيرهم.
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (16/3725) .
(2) انظر الحديث السابق.
(3) في الأصل: " عبد الرحمن معن " خطأ.
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (2/241) .(1/412)
روى عنه: محمد بن المبارك الصوري، وفيض بن الوثيق، ويوسف بن
موسى القطان، ومحمد بن عائذ الدمشقي، وغيرهم. قال أبو زرعة:
صدوق. وقال ابن المديني: ليس بشيء، كان يروي عن الأعمش ستمائة
حديث، تركناه لم يكن بذاك. وقال ابن عدي: هو من جملة الضعفاء.
روى له: أبو داود، والترمذي (1) .
وعروة المزني روى عن عائشة أم المؤمنين، روى عنه حبيب بن
أبي ثابت، روى له أبو داود (2) .
قوله: " بهذا الحديث " أشار به إلى الحديث الذي رواه حبيب بن
أبي ثابت، عن عروة. وقد روى أبو داود هذا الحديث من طريقين كما
ترى، وبالطريق الأولى روى الترمذي وابن ماجه أيضاً.
ص- قال أبو داود: قال يحيى بن سعيد القطان لرجل: احك عني أن
هذين الحديثين- يعني حديث الأعمش هذا عن حبيب، وحديثه بهذا
الإسناد في المستحاضة تتوضأ لكل صلاة- قال: احك عني أنهما شبه لا
شيء.
ش- أشار بهذا يحيى بن سعيد إلى أن حبيب بن أبي ثابت لم يرو عن
عروة بن الزبير، ولهذا قال: إنهما شبه لا شيء، يعني: يشابه لا شيء
فكأنه أراد أنه ليس بشيء، وهو بكسر الشين وسكون الباء بمعنى المشابهة،
ولذلك قال الترمذي: وسمعت محمد بن إسماعيل يضعف هذا الحديث
ويقول: لم يسمع حبيب بن أبي ثابت من عروة شيئاً. وقال الترمذي:
ولا يصح في هذا الباب عن النبي- عليه السلام- شيء. وروى البيهقي
في " سننه " هذا الحديث وضعفه، وقال: إنه يرجع إلى عروة المزني،
وهو مجهول. قلنا: بل هو عروة بن الزبير، كما أخرجه ابن ماجه بسند
صحيح، فإنه نسب عروة فقال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا
__________
(1) المصدر السابق (17/3964) .
(2) المصدر السابق (20/3915) .(1/413)
وكيع (1) ، ثنا الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، عن عروة بن الزبير،
عن عائشة، فذكره. وكذلك رواه الدارقطني، ورجال هذا السند كلهم
ثقات. وقد مال ابن عبد البر إلى تصحيح هذا الحديث، وحبيب لا يُنكر
لقاؤه عروة، لروايته عمن هو أكبر من عروة، وأقدم موتاً، وقال في
موضع آخر: لا شك أنه أدرك عروة.
ص- قال أبو داود: ورُوي عن الثوري [قال:] : ما حدثنا حبيب إلا عن
عروة المزني- يعني: لم يحدثهم عن عروة بن الزبير بشيء- وقد روى
حمزة الزيات، عن حبيب، عن عروة بن الزبير، عن عائشة حديثاً صحيحاً.
ش- نقل أبو داود ما رُوي عن الثوري من قوله: " ما حدثنا حبيب "
إلى آخره، ثم لم يرض بما قاله الثوري، فلذلك قال بكلمة التحقيق:
" وقد روى حمزة الزيات عن عروة بن الزبير، عن عائشة حديثاً صحيحاً،
وهو قوله- عليه السلام-: " اللهم عافني في جسدي، وعافني في
بصري ". رواه الترمذي في الدعوات، وقال: غريب (2) . فأبو داود
مثبت، والثوري نافي، والمثبت مقدم على النافي.
سلمنا أن هذا عروة المزني، أفلا يحتمل أن حبيباً سمعه من ابن الزبير
وسمعه من عروة المزني أيضاً كما وقع ذلك كثيراً في الأحاديث؟ وقد جاء
لحديث عائشة طرق جيدة سوى ما مر من رواية حبيب، عن عروة عنها،
" (3) الأولى: قال أبو بكر البزار في " مسنده ": حدثنا إسماعيل بن
يعقوب بن صبيح، حدثنا محمد بن موسى بن أعين، حدثنا أبي، عن
عبد الكريم الجزري، عن عطاء، عن عائشة- رضي الله عنها-: " أنه
- عليه السلام- كان يقبل بعض نسائه ولا يتوضأ ". وعبد الكريم روى
عنه مالك في " الموطأ "، وأخرج له الشيخان وغيرهما، ووثقه ابن معين،
وأبو حاتم، وأبو زرعة. وموسى بن أعين مشهور، ووثقه أبو زرعة،
__________
(1) في سنن ابن ماجه (502) : " حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد
قالا: ثنا وكيع ".
(2) الترمذي (3480) .
(3) انظر: نصب الراية (1/73- 76) .(1/414)
وأبو حاتم، وأخرج له مسلم. وابنه/مشهور، وروى له البخاري،
وإسماعيل روى عنه النسائي ووثقه، وأبو عوانة الإسفرائيني، وأخرج له
ابن خزيمة في " صحيحه "، وذكره ابن حبان في " الثقات ". وقال عبد الحق
بعد ذكره لهذا الحديث من جهة البزار: لا أعلم له علة توجب تركه.
الثانية: روى الدارقطني من طرق (1) إلى سعيد بن بشير قال: حدّثني
منصور بن زاذان، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن عائشة قالت:
" لقد كان رسول الله يقبلني إذا خرج إلى الصلاة ولا يتوضأ ". قال
الدارقطني: تفرّد به سعيد (2) . قلنا: قال ابن الجوزي: وثّقه شعبة،
ودحيم. وأخرج له الحاكم في " المستدرك ". وقال ابن عدي: " لا أرى
مما (3) يروي سعيد بأساً، والغالب عليه الصدق ". وأقل أحوال مثل
هذا أن يُستشهد به.
الثالثة: روى ابن أخي الزهري، عن الزهري، عن عروة، عن
عائشة قالت: " لا تعاد الصلاة من القُبْلة، كان النبي- عليه السلام-
يُقبل بعض نسائه، ويصلي ولا يتوضأ " أخرجه الدارقطني ولم يُعلُه بشيء
سوى أن منصوراً خالفه (2) . وذكر البيهقي في " الخلافيات ": أن أكثر
رواته إلى ابن أخي الزهري مجهولون، وليس كذلك، بل أكثرهم
معروفون.
الرابعة: أخرج الدارقطني عن أبي بكر النيسابوري، عن حاجب بن
سليمان، عن وكيع، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت:
" قبل رسول الله- عليه السلام- بعض نسائه، ثم صلى ولم يتوضأ،
ثم ضحكت " (4) . والنيسابوري إمام مشهور، وحاجب لا يعرف فيه
مطعن، وقد حدث عنه النسائي ووثّقه.
__________
(1) في الأصل: " طريق " خطأ.
(2) سنن الدارقطني (1/135) .
(3) في نصب الراية: " بما ".
(4) سنن الدارقطني (1/136) .(1/415)
الخامسة: روى الدارقطني أيضاً عن علي بن عبد العزيز الوراق، عن
عاصم بن علي، عن أبي أويس، حدثني هشام بن عروة، عن أبيه،
عن عائشة: أنه بلغها قول ابن عمر: " في القُبْلة الوضوء "، فقالت:
" كان رسول الله يُقبل وهو صائم، ثم لا يتوضأ " (1) . وعاصم أخرج له
البخاري، وأبو أويس استشهد به مسلم. قال البيهقي: والحديث
الصحيح عن عائشة في قُبْلة الصائم، فحمله الضعفاء من الرواة على ترك
الوضوء منها. قلنا: هذا تضعيف للثقات من غير دليل، والمعنيان
مختلفان، فلا يعلل أحدهما بالآخر.
السادسة: روى إسحاق بن راهويه في " مسنده "، أخبرنا بقية بن
الوليد، حدّثني عبد الملك بن محمد، عن هشام بن عروة، عن أبيه،
عن عائشة: " أن رسول الله- عليه السلام- قبلها وهو صائم "، وقال:
" إن القُبْلة لا تنقض الوضوء، ولا تفطر الصائم، وقال: يا حميراء،
إن في ديننا لسعة ". وروى الطبراني في " معجمه الوسط " (2) : حدثنا علي
ابن سعيد الرازي، ثنا سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي، حدثني أبي،
ثنا يزيد بن سنان، عن عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، عن يحيي بن
كثير، عن [أبي سلمة، عن] أبي هريرة قال: " كان رسول الله- عليه
السلام- يُقبل، ثم يخرج إلى الصلاة ولا يحدث وضوءاً "، ورُوي ذلك
عن ابن عباس، والحسن، وعطاء، ومسروق، وأبي جعفر: " أنهم لا
يرون في القُبْلة وضوءاً " (3) .
62- باب: في الوضوء من مس الذكر
أي: هذا باب في بيان الوضوء من مس الذكر.
168- ص- حدّثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن عبد الله بن
أبي بكر، أنه سمع عروة يقول: دخلتُ على مرْوان بن الحكم فذكرنا ما
__________
(1) سنن الدارقطني (1/136) .
(2) (4/3805) بسنده ومتنه، ولكن عن أم سلمة بدلاً من أبي هريرة.
(3) إلى هنا انتهى النقل من نصب الراية.(1/416)
يكون منه الوضوءُ، فقال مروانُ: ومنْ مسّ الذكر، فقال عروةُ: ما علمتُ
ذاك، فقال مروانُ: أخبرتْني بُسرةُ بنتُ صفوان، أنها سمعتْ رسول الله
يقول: " من مس ذكرهُ فليتوضّأ " (1) .
ش- عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم بن زيد بن
لوْذان أبو محمد، ويقال: أبو بكر الأنصاري المدني. سمع: أنس بن
مالك، وعبد الله بن عامر، وغيرهما. " قال ابن معين: ثقة. وقال
أبو حاتم: صالح. روى له: البخاري، ومسلم " (2) . روى عنه:
الزهري، ومالك بن أنس، والثوري، وابن عيينة، وغيرهم. وقال ابن
سعد: كان ثقة كثير الحديث عالماً. توفي سنة خمس وثلاثين ومائة،
وليس له عقب، وهو ابن سبعين سنة. روى له الجماعة (3) .
وعروة بن الزبير.
ومروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس/بن عبد مناف
ابن قُصي أبو عبد الملك، أو أبو القاسم، أو أبو الحكم. ولد بعد
الهجرة بسنتين. روى له البخاري حديث الحديبية مقروناً بالمسور بن
مخرمة، ولم يصح له سماع من النبي- عليه السلام-. روى عنه: ابنه
عبد الملك، وعروة بن الزبير، وعلي بن الحسين، وغيرهم. توفى سنة
خمس وستين وهو ابن ثلاث وستين. روى له: أبو داود، والترمذي،
والنسائي، وابن ماجه (4) .
وبُسرة بنت صفوان بن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قُصي القرشية
الأسدية، وهي خالة مروان بن الحكم، وجدة عبد الملك بن مروان،
__________
(1) الترمذي: أبواب الطهارة، باب: الوضوء من مس الذكر (82) ، النسائي:
كتاب الطهارة، باب: الوضوء من مس الذكر (1/100) ، ابن ماجه: كتاب
الطهارة، باب: الوضوء من مس الذكر (479) .
(2) كذا ذكره المصنف وسط الترجمة، وليس هذا من عادته.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (14/3190) .
(4) المصدر السابق (27/5870) .
27. شرح سنن أبي داوود 1(1/417)
وهي بنت أخي ورقة بن نوفل، وهي أخت عقبة بن أبي معيط لأمه.
روى عنها: عبد الله بن عمرو، وعروة بن الزبير، ومروان بن الحكم.
روى لها أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (1) .
قوله: " ومن مسّ الذكر " يعني: يكون الوضوء من مس الذكر.
قوله: " ما علمت ذاك " أي: وجوب الوضوء من مس الذكر. وبهذا
الحديث احتج الشافعي وأحمد على أن مس الذكر ناقض للوضوء. وإليه
ذهب الأوزاعي، وإسحاق، إلا أن الشافعي لا يرى ذلك إلا باللمس
بباطن الكف. وقال مالك: إنما ينقض في مس ذكر رجل كبير.
" (2) وروى هذا الحديث الترمذي، والنسائي، وابن ماجه. وقال
الترمذي: حديث حسن صحيح، وفي الباب عن أم حبيبة، وأبي أيوب،
وأبي هريرة، وأروى بنت أنيس، وعائشة، وجابر، وزيد بن خالد،
وعبد الله بن عمرو. وقال محمد بن إسماعيل: هذا الحديث أصح شيء
في هذا الباب، واحتجوا أيضاً بأحاديث نذكرها.
والجواب عن ذلك من وجوه، الأول: أنه مخالف لما رُوي عن عمر،
وعليّ، وابن مسعود، وابن عباس، وزيد بن ثابت، وعمران بن
حصين، وحذيفة بن اليمان، وأبي الدرداء، وعمار بن ياسر، وسعد بن
أبي وقاص، وأبي أمامة، وسعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير،
وإبراهيم النخعي، وربيعة بن [أبي] عبد الرحمن، وسفيان الثوري،
وجماعة آخرين.
والثاني: أن هذه الحادثة لما وقعت في زمن مروان بن الحكم فشاور من
بقي من الصحابة فقالوا: " لا ندع كتاب ربنا ولا سُنة نبينا بقول امرأة،
لا ندري أصدقت أم كذبت ".
__________
(1) انظر ترجمتها في: الاستيعاب بهامش الإصابة (4/249) ، وأسد الغابة
(7/40) ، والإصابة (4/252) .
(2) انظر: نصب الراية (1/54: 60) .(1/418)
الثالث: أنه خبر واحد فيما يعم به البلوى، فلو ثبت لاشتهر.
والرابع: أنه بعد تسليم ثبوته محمول على غسل اليدين؛ لأن الصحابة
كان يستنجون بالأحجار دون الماء، فإذا مسوه بأيديهم كانت تتلوث
خصوصاً في أيام الصيف، فأمر بالغسل لهذا، فإن قيل: قد قال ابن
حبان: وليس المراد من الوضوء غسل اليد، وإن كانت العرب تُسمي
غسل اليد وضوءاً، بدليل ما أخبرنا وأسند عن عروة بن الزبير، عن
مروان، عن بسرة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من مس فرجه فليتوضأ
وضوءه للصلاة ". وأسند أيضاً عن عروة، عن بسرة قالت: قال رسول
الله- عليه السلام-: " من مس فرجه فليعد الوضوء "، قال: والإعادة
لا تكون إلا لوضوء الصلاة. قلنا: هذا الطحاوي- وهو إمام في
الحديث- قد استضعفه بالإسناد الأول. وروى بإسناده، عن ابن عيينة:
أنه عد جماعة لم يكونوا يعرفون الحديث، ومن رأيناه يحدث عنهم
سخرنا منه، فذكر منهم: عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن
حزم، ثم أخرجه من طريق الأوزاعي: أخبرني الزهري، حدثني أبو بكر
ابن محمد بن عمرو بن حزم. قال: فثبت انقطاع هذا الخبر وضعفه،
وبالسند الأول رواه مالك في " الموطأ "، وعنه الشافعي في " مسنده "،
ومن طريق الشافعي رواه البيهقي. وقال الطحاوي: لا نعلم أحداً أفتى
بالوضوء من مس الذكر غير ابن عمر، وقد خالفه في ذلك أكثر أصحاب
رسول الله- عليه السلام-. ومن الأحاديث التي احتجوا بها ما رواه ابن
حبان في " صحيحه " عن يزيد بن عبد الملك، ونافع بن أبي نعيم
القارئ، عن المقبري، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا
أفضى أحدكم بيده إلى فرجه، وليس بينهما ستر/ولا حائل فليتوضأ ".
ورواه الحاكم في " المستدرك " وصححه. ورواه أحمد في " مسنده "،
والطبراني في " معجمه "، والدارقطني في " سننه "، وكذلك البيهقي،
ولفظه فيه: " من أفضى بيده إلى فرجه ليس دونها حجاب فقد وجب عليه
وضوء الصلاة، قال: ويزيد بن عبد الملك تكلموا فيه، ثم أسند عن(1/419)
أحمد بن حنبل أنه سئل عنه فقال: شيخ من أهل المدينة ليس به بأس.
قلنا: أغلظ العلماء القول فيه فقال أبو زرعة: واهي الحديث، وغلظ فيه
القول جدا، وقال النسائي: متروك الحديث، وقال الساجي: ضعيف،
منكر الحديث، واختلط بآخره، ثم قال البيهقي: قال الشافعي: ففي
الإفضاء باليد إنما هو ببطنها. قلنا: ذكر في " المحلى " قول الشافعي لا
دليل عليه من قرآن ولا سُنة، ولا إجماع، ولا قياس، و [لا] رأي
صحيح، ولا يصح في الآثار: " من أفضى بيده إلى فرجه "، ولو صح
فالإفضاء يكون بظهر اليد كما يكون بباطنها. ومنها ما أخرجه ابن ماجه
في " سننه " عن الهيثم بن حميد، ثنا العلاء بن الحارث، عن مكحول، عن
عنبسة بن أبي سفيان، عن أم حبيبة: أنها سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول:
" من مس فرجه فليتوضأ ". قال الترمذي في كتابه: قال محمد- يعني
البخاري-: لم يسمع مكحول من عنبسة بن أبي سفيان. وروى مكحول
عن رجل، عن عنبسة غير هذا الحديث، وكأنه لم ير هذا الحديث صحيحاً.
قال: وقال محمد: أصح شيء سمعت في هذا الباب حديث العلاء بن
الحارث، عن مكحول، عن عنبسة بن أبي سفيان، عن أم حبيبة.
وهذا مناقض لما نقله عن البخاري في حديث بسرة أنه قال: هو أصح
شيء في هذا الباب، وقد تقدم. وأسند الطحاوي في " شرح الآثار "
عن أبي مسهر أنه قال: لم يسمع مكحول من عنبسة شيئاً. قال: وهم
يحتجون بقول أبي مسهر، فرجع الحديث إلى الانقطاع، وهم لا
يحتجون بالمنقطع.
ومنها ما أخرجه ابن ماجه أيضاً عن إسحاق بن أبي فروة، عن
الزهري، عن عبد الرحمن بن عبد القاري، عن أبي أيوب قال: سمعت
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من مس فرجه فليتوضأ ". قلنا: هذا حديث
ضعيف، فإن إسحاق المذكور متروك باتفاقهم، وقد اتهمه بعضهم.
ومنها ما رواه ابن ماجه أيضاً عن عبد الله بن نافع [عن] ابن أبي ذئب،
عن عقبة بن عبد الرحمن، عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، عن(1/420)
جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله- عليه السلام-: " إذا مس
أحدكم ذكره فعليه الوضوء ". وأخرجه البيهقي في " سننه " من طريق
الشافعي، عن عبد الله بن نافع به ولفظه فيه: " إذا أفضى أحدكم بيده
إلى فرجه فليتوضأ "، ثم قال الشافعي: وسمعت جماعة من الحفاظ غير
ابن نافع يروونه لا يذكرون فيه جابراً. وقال الطحاوي في " شرح الآثار ":
وقد روى الحفاظ هذا الحديث عن ابن أبي ذئب فأرسلوه، لم يذكروا فيه
جابراً، فرجع الحديث إلى الإرسال، وهم لا يحتجون بالمرسل.
ومنها ما رواه أحمد في " مسنده "، والبيهقي في " سننه " عن بقية بن
الوليد: حدثني محمد بن الوليد الزبيدي، حدثني عمرو بن شعيب،
عن أبيه، عن جده قال: قال رسول الله- عليه السلام-: " أيما رجل
مس فرجه فليتوضأ، وأيما امرأة مست فرجها فلتتوضأ ". قلنا: يحتج
بحديث عمرو بن شعيب إذا كان الراوي عنه ثقة، وإذا كان غير ثقة فلا
يحتج به، وأما حديثة عن أبيه، عن جده، فقد تكلم فيه من جهة أنه
كان يحدث من صحيفة جده، قالوا: وإنما روى أحاديث يسيرة وأخذ
صحيفة كانت عنده فرواها. وقال الحافظ جمال الدين المزي: عمرو بن
شعيب يأتي على ثلاثة أوجه: عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده،
وهو الجادة. وعمرو بن شعيب، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو.
وعمرو بن شعيب عن أبيه، عن جده عبد الله بن عمرو (1) . فعمْرو له
ثلاثة أجداد: محمد، وعبد الله، وعمرو بن العاص، فمحمد تابعي،
وعبد الله وعمرو صحابيان، وإن كان المراد بجده محمداً فالحديث مرسل
لأنه تابعي، وإن كان المراد به عمراً فالحديث منقطع؛ لأن شعيباً لم يدرك
عمراً، وإن كان المراد به عبد الله فيحتاج إلى معرفة سماع/شعيب من
عبد الله.
ومنها ما أخرجه الدارقطني عن إسحاق بن محمد الفروي، ثنا عبد الله
ابن عمر، عن نافع، عن ابن عمر: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من
مس ذكره فليتوضأ وضوءه للصلاة "، وإسحاق بن محمد الفروي هذا ثقة
__________
(1) كذا، والجادة " عمرو بن العاص ".(1/421)
أخرج له البخاري في " صحيحه "، وليس هو بإسحاق بن أبي فروة
التقدم في حديث أبي أيوب، ووهم ابن الجوزي في " التحقيق " فجعلهما
واحدا، وله طريقان آخران عند الطحاوي، أحدهما: عن صدقة بن
عبد الله، عن هشام بن زيد، عن نافع، عن ابن عمر قال: وصدقة
هذا ضعيف. الثاني: عن العلاء بن سليمان، عن الزهري، عن سالم،
عن أبيه. قال: والعلاء ضعيف.
ومنها ما رواه أحمد في " مسنده " عن ابن إسحاق: حدّثني محمد بن
مسلم الزهري، عن عروة بن الزبير، عن زيد بن خالد الجهني: سمعت
رسول الله- عليه السلام- يقول: " من مس فرجه فليتوضأ ". ورواه
الطحاوي وقال: إنه غلط؛ لأن عروة أجاب مروان حين سأله عن مس
الذكر بأنه لا وضوء فيه، فقال مروان: أخبرتني بُسرة، عن النبي- عليه
السلام- أن فيه الوضوء. فقال له عروة: ما سمعت هذا، حتى أرسل
مروان إلى بُسرة شُرطيا فأخبرته، وكان ذلك بعد موت زيد بن خالد بما
شاء الله، فكيف يجوز أن ينكر عروة على بسرة ما حدثه به زيد بن خالد؟
هذا مما لا يستقيم ولا يصح.
ومنها ما أخرجه الدارقطني في " سننه " عن عبد الرحمن بن عبد الله بن
عمر بن حفص العمري، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة،
أن رسول الله قال: " ويل للذين يمسون فروجهم ثم يصلون ولا يتوضؤن "
قالت عائشة: بأبي وأمي هذا للرجال، أفرأيت النساء؟ قال: " إذا
مست إحداكن فرجها فلتتوضأ للصلاة ". قلنا: هذا معلول بعبد الرحمن
هذا. قال أحمد: كان كذاباً. وقال النسائي وأبو حاتم وأبو زرعة:
متروك. زاد أبو حاتم: وكان يكذب. وقد روى أبو يعلى الموصلي في
" مسنده " (1) حديثاً يعارض هذا فقال: ثنا الجراح بن مخلد، ثنا عمرو بن
__________
(1) (8/4875) .(1/422)
يونس اليمامي، ثنا المفضل بن أيوب (1) ، حدثني حسين بن أورع (2) ،
عن أبيه، عن سيف بن عبد الله الحميري قال: دخلت أنا ورجال معي
على عائشة، فسألناها عن الرجل يمس فرجه أو المرأة تمس فرجها،
فقالت: سمعت رسول الله يقول: " ما أبالي إياه مسستُ أو أنفي " (3) .
***
63- باب: الرخصة في ذلك
أي: هذا باب في بيان الرخصة في مس الذكر.
169- ص- حدثنا مسدد قال: ثنا ملازم بن عمرو الحنفي، قال: نا
عبد الله بن بدر، عن قيس بن طلق، عن أبيه، قال: قدمينا على نبي الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فجاء رجلٌ كأنه بدوى فقال: يا نبي الله، ما ترى في مسّ الرجل ذكرهُ بعد ما
يتوضأ؟ فقال: " وهل هو [إلا] مُضغةٌ منه، أو بضعةٌ منه؟ " (4) .
ش- ملازم بن عمرو بن عبد الله بن بدر بن قيس بن طلق بن شيبان
الحنفي السُحيميُ اليمامي أبو عمرو. روى عن: عبد الله بن بدر بن
عميرة بن الحارث الحنفي، وهوذة بن قيس بن طلق. روى عنه: مسدد،
وسليمان بن حرب، ومحمد بن عيسى الطباع، وغيرهم. روى له:
أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (5) .
__________
(1) كذا، وفي مسند أبي يعلى ونصب الراية: " ثواب "، وأشار محقق مسند
أبي يعلى إلى أن نسخة " فا " أيوب
(2) كذا، وفي مسند أبي يعلى: " حسين بن فادع "، وقال محققه: في الأصلين
" أودع "، وقد أشير فوقها في " ش " نحو الهامش حيث استدرك الصواب،
وكذلك في هامش " مجمع الزوائد " بخط المؤلف: " حسن بن فادع ".
(3) إلى هنا انتهى النقل من نصب الراية.
(4) الترمذي: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في ترك الوضوء من مس الذكر
(85) ، النسائي: كتاب الطهارة، باب: ترك الوضوء من ذلك (1/101) ،
ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: الرخصة في ذلك (483) .
(5) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (29/6325) .(1/423)
وعبد الله بن بدر بن عميرة بن الحارث بن سمرة الحنفي اليمامي، جد
ملازم بن عمرو. سمع: عبد الله بن عمر، وعبد الرحمن بن علي بن
شيبان، وقيس بن طلق الحنفي. روى عنه: ملازم بن عمرو، وجهضم
ابن عبد الله، ومحمد بن جابر اليمانيون. قال أبو زرعة وابن معين:
ثقة. روى له (1) : أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (2) .
وقيس بن طلق بن علي بن شيبان الحنفي اليمامي. روى عن أبيه،
روى عنه: عبد الله بن بدر، ومحمد بن جابر اليمامي، وعبد الله بن
النعمان السُحيمي، وعجيبة بن عبد الحميد بن طلق، وابنه هوذة بن
قيس، وغيرهم. قال ابن معين، وأحمد بن عبد الله: ثقة. روى له:
أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (3) .
وطلق بن علي بن المنذر بن قيس بن عمرو بن عبد الله بن عمرو بن
عبد العزى الحنفي، أبو علي اليمامي، أحد الوافدين الذين قدموا على
رسول الله، وعمل معه في بناء المسجد. روى عنه: ابنه قيس،
وعبد الله بن النعمان، وعبد الرحمن/بن عليّ بن شيبان، وعبد الله بن
بدر. روى له: أبو داود، والنسائي، والترمذي، وابن ماجه (4) .
قوله: " قدمنا على النبيّ- عليه السلام- " وذلك حين قدم مع وفد بني
حنيفة فيهم مسيلمة الكذاب لعنه الله، وكانوا بضعة عشر رجلاً، وفيهم
طلق بن علي، فأنزلوا في دار رملة بنت الحارث، وكان ذلك في السنة
الأولى من الهجرة.
قوله: " هل هو [إلا] مضغة منه " " المُضغة " - بضم الميم-: القطعة
من اللحم قدر ما يمضغ، وجمعها " مُضغ "، و " البضعة " - بفتح الباء
__________
(1) في الأصل: " رواه " خطأ.
(2) المصدر السابق (14/3175) .
(3) المصدر السابق (24/4910) .
(4) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (2/240) ، وأسد الغابة
(3/92) ، والإصابة (2/232) .(1/424)
وكسرها-: القطعة من اللحم، والمعنى: أنه جزء منه كما في الحديث:
" فاطمة بضعة مني " (1) أي: جزء مني كما أن القطعة من اللحم.
وأخرجه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه. وفي لفظ النسائي في الصلاة،
وهو رواية لأبي داود كما نذكره الآن.
واعلم أن هذا الحديث " (2) له أربع طرق: أحدها عند أصحاب السنن
إلا ابن ماجه عن ملازم بن عمرو، عن عبد الله بن بدر، عن قيس بن
طلق بن علي، عن أبيه، عن النبي- عليه السلام-: " أنه سئل عن
الرجل يمس ذكره في الصلاة فقال: " هل هو إلا بضعة منك ". ورواه
ابن حبان في " صحيحه "، وقال الترمذي: وهذا الحديث أحسن شيء
رُوي في هذا الباب.
الثاني: أخرجه ابن ماجه عن محمد بن جابر، عن قيس بن طلق به.
ومحمد بن جابر ضعيف، قال الفلاس: متروك، وقال ابن معين: ليس
بشيء.
الثالث: عن عبد الحميد بن جعفر، عن أيوب بن محمد العجلي،
عن قيس بن طلق به. وهو عند ابن العدي (3) . وعبد الحميد: ضعفه
الثوري. والعجلي: ضعفه ابن معين.
الرابع: عن أيوب بن عتبة اليمامي، عن قيس بن طلق، عن أبيه،
وهو عند أحمد. أيوب بن عتبة وقال ابن معين: ليس بشيء. وقال
النسائي: مضطرب الحديث. وبالطريق الأول رواه الطحاوي في " شرح
الآثار ". وقال: هذا حديث مستقيم الإسناد، غير مضطرب في إسناده
ولا متنه. ثم أسند عن علي بن المديني أنه قال: حديث ملازم بن عمرو
__________
(1) البخاري: كتاب فضائل الصحابة، باب: مناقب قرابة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
(3714) ، مسلم: كتاب فضائل الصحابة، باب: فضائل فاطمة بنت النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (93/2449) .
(2) انظر: نصب الراية (1/60- 69) .
(3) كذا.(1/425)
أحسن من حديث بُسرة. وأخرج الطحاوي عن عليّ بن أبي طالب أنه
قال: " ما أبالي مسست أنفي أو ذكري ". وأخرج عن ابن مسعود نحو
ذلك، وأخرج عن عمار بن ياسر أنه قال: " إنما هو بضعة منك، وأنّى
لكفك موضعاً غيره؟ " ثم أخرج عن حذيفة وعمران بن حصين: " كانا
لا يريان في مس الذكر وضوءاً ". وقال: وما رووا عن ابن عباس أنه
قال: " فيه الوضوء ". فقد رُوي عنه خلافه. ثم أخرج عنه أنه قال: " ما
أبالي إياه مسستُ أو أنفي ". وأسند إلى الزبير بن عدي، عن مصعب
ابن سعد مثله. وقال فيه: " قم فاغسل يدك ". وكذلك أخرج أبو بكر
ابن أبي شيبة في " مصنفه " عن ابن مسعود: " إن علمت أن منك بضعة
نجسة فاقطعها "، وكذا عن سعد بنحوه. وعن حذيفة: " ما أبالي إن
مسست ذكري أو أذني ". وعن عبد الله: " ما أبالي مسست ذكري أو
أُذني، أو إبهامي أو أنفي ". وعن عمار بن ياسر: " ما هو إلا بضعة
منك " كما أخرج الطحاوي. وعن عمران بن حصين: " ما أبالي إياه
مسستُ أو بطن فخذي " يعني: ذكره. وعن عليّ: " سئل عن الرجل
يمس ذكره؟ قال: لا بأس ". وعن طاوس، وسعيد بن جبير: " من
مس ذكره وهو لا يريد، فليس عليه وضوء ". وعن أبي أمامة: " أن
النبي- عليه السلام- سُئل عن مس الذكر فقال: هل هو إلا حذوة
منك؟ ". والحُذوة بضم الحاء المهملة، وقيل بكسرها وسكون الذال
المعجمة: قطعة من اللحم، وكذلك الحذية، وحكى صاحب " التنقيح ":
اجتمع سفيان وابن جريج فتذاكرا مس الذكر، فقال ابن جريج: يتوضأ
منه. وقال سفيان: لا يتوضأ منه. أرأيت لو أمسك بيده منيا كان عليه؟
قال ابن جريج: يغسل يده. قال: فأيهما أكبر، المني أو مس الذكر؟
فقال: ما ألقاها عليك إلا الشيطان.
فإن قيل: حديث طلق بن عليّ منسوخ، فإن قدومه كان في أول سنة
من سنيّ الهجرة، ثم رجع إلى بلده، ثم لا يعلم له رجوع إلى المدينة.(1/426)
وحديث أبي هريرة ناسخه؛ لأن إسلام أبي هريرة في سنة سبع من
الهجرة، فكان خبره بعد خبر طلق بسبع ستين. قلت: قد مضى أن في
رواية أبي هريرة يزيد بن عبد الملك، وهو واهٍ، منكر الحديث/وأما عدم
العلم برجوع طلق إلى المدينة لا يُوجب عدم رجوعه إليها بعد إسلام
أبي هريرة، فافهم.
فإن قيل: قد ذكر البيهقي عن ابن معين أنه قال: قد أكثر الناس في
قيس بن طلق ولا يحتج بحديثه. قلت: ذكر البيهقي ذلك بسند فيه محمد
ابن الحسن النقاش المفسر، وهو من المتهمين بالكذب. وقال البرقاني:
كل حديثه مناكير. وليس في تفسيره حديث صحيح. وروى ابن النقاش
كلام ابن معين هذا عن عبد الله بن يحيى القاضي السرخسي، وعبد الله
هذا قال فيه ابن عدي: كان متهماً في روايته عن قوم أنه لم يلحقهم.
وقد روى عن ابن معين أنه وثق قيساً بخلاف ما ذكر عنه في هذا السند
الساقط. وصحح حديثه هذا ابن حبان وابن حزم. وأخرجه الترمذي،
وقال: هذا الحديث أحسن شيء في هذا الباب كما ذكرنا.
فإن قيل: فقد قال الشافعي: سألنا عن قيس فلم نجد من يعرفه بما
يكون لنا فيه قبول خبره. وقد حكى الدارقطني أيضاً في " سننه " عن ابن
أبي حاتم، أنه سأل أباه وأبا زرعة عن هذا الحديث فقالا: قيس بن طلق
ليس ممن تقوم به حجة، ووهناهُ ولم يثبتاه. قلت: هو معروف، روى
عنه تسعة أنفس، ذكرهم صاحب الكمال، وذكرنا أكثرهم في ترجمته،
وذكره ابن حبان في " الثقات ". وأخرج له ابن خزيمة وابن حبان في
" صحيحيهما "، والحاكم في " المستدرك ". وروى له أصحاب السنن
الأربعة.
فن قيل: قد روى حديث بسرة جماعة من الصحابة، وكثرة الرواة
مؤثرة في الترجيح. وحديث طلق بن علي لا يحفظ من طريق يوازي هذه(1/427)
الطرق، وهو حديث فرد في الباب. قلت. كما وجد اختلاف الرواة في
حديثها، فكذلك وجد في حديث طلق نحو ذلك، ثم إذا وجد للحديث
طريق واحد صحيح، سالم من شوائب الطعن، تعين المصير إليه ولا
غيره باختلاف الباقين، وقد يقال: إن كثرة الرواة لا أثر لها في باب
الترجيحات؛ لان طريق كل واحد منهما غلبه الظن، فصار كشهادة
شاهدين مع شهادة أربعة. وقد يقال: إن بُسرة غير مشهورة لاختلاف
الرواة في نسبها؛ لأن بعضهم يقول: هي كنانية، وبعضهم يقول: هي
أسدية. ولو سلم عدم جهالتها فليست توازي طلقاً في شهرته، وكثرة
روايته، وطول صحبته، وبالجملة فحديث النساء إلى الضعف لا يوازي
حديث الرجال " (1) .
ص- قال أبو داود: رواه هشام بن حسان، والثوري، وشعبة، وابن
عيينة، وجرير الرازي، عن محمد بن جابر، عن قيس بن طلق، [عن أبيه
بإسناده ومعناه. قال: " في الصلاة "] (2) .
ش - هشام بن حسان أبو عبد الله البصري القُردُوسي، والقراديس:
هو قردوس بن الحارث بن مالك بن فهم بن غنم بن دوس بن عُدثان،
والقراديس والحراميز والعفاة، ولقيط وعرقان إخوة بني الحارث بن مالك
ابن فهم، والقسامل من ولد عمرو بن مالك بن فهم، والأشاقر من ولد
مالك بن عمرو بن مالك بن فهم، ويقال: إنه من العتيك كان نازلاً في
القراديس، ويقال: مولاهم. سمع: الحسن، وابن سيرين، وعطاء
ابن أبي رباح، وغيرهم. روى عنه: معمر، وابن جريج، والثوري،
وشعبة، والحمادان، وجماعة آخرون. وقال أحمد بن عبد الله: هو
بصري ثقة، حسن الحديث 0 توفي سنة سبع وأربعين ومائة. روى له
الجماعة (3)
__________
(1) إلى هنا انتهى النقل من نصب الراية.
(2) غير موجود في سنن أبي داود.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (30/6572) .(1/428)
والثوري سفيان، وشعبة بن الحجاج، وسفيان بن عيينة، وجرير بن
عبد الحميد الرازي، ذكروا.
ومحمد بن جابر اليمامي السُّحيمي أصله كوفي، يكنى أبا عبد الله.
روى عن: قيس بن طلق، وحماد بن أبي سليمان، وعُمير بن سعيد
النخعي، وعبد العزيز بن رفيع، وغيرهم. روى عنه: عبد الله بن
عوف، وأيوب السختياني، وسفيان الثوري، وابن عيينة، وشعبة،
ووكيع، وغيرهم. وعن ابن معين: محمد بن جابر كان أعمى، واختلط
حديثه، وهو ضعيف. وقال عمرو بن علي: صدوق كثير الوهم، متروك
الحديث. وقال النسائي: ضعيف. وعن إسحاق بن [أبى] إسرائيل مع ما
تكلم فيه من تكلم يكتب حديثه. روى له أبو داود (1) .
قوله: " رواه " أي: روى هذا الحديث وهو حديث طلق، وفي هذه
الرواية قال: " في الصلاة "، وهي رواية النسائي أيضاً.
/170- ص- حدثنا مسدد، نا محمد بن جابر، عن قيس بن طلق
بإسناده ومعناه قال: " في الصلاة " (2) .
ش- أشار بهذا إلى طريق آخر، فإنه رواية مسدد بن مسرهد، عن
محمد بن جابر، عن قيس. وفي هذه الرواية أيضاً قال: " وفي الصلاة "
ورواية الزيادة أبلغ؛ لأن المس إذا لم يكن ناقضاً في الصلاة ففي خارجها
أولى.
***
64- باب: الوضوء من لحوم الإبل
أي: هذا باب في بيان الوضوء من لحوم الإبل.
__________
(1) المصدر السابق (24/5110) .
(2) الترمذي: كتاب الظهارة، باب: ما جاء في الوضوء من مس الذكر (85) ،
النسائي: كتاب الطهارة، باب: ترك الوضوء من ذلك (1/101) ، ابن
ماجه: كتاب الطهارة، باب: الرخصة في ذلك (483) .(1/429)
171- ص- حدّثنا عثمان بن أبي شيبة قال: أنا أبو معاوية قال: أنا
الأعمش، عن عبد الله بن عبد الله الرازي، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى،
عن البراء بن عازب قال: " سُئل رسولُ الله- عليه السلام- عن الوضوء من
لُحوم الإبل قال (1) : توضؤوا منها، وسُئل عن لُحوم الغنم فقال: لا
توضؤوا منها. وسُئل عن الصلاة في مبارك الإبل فقال: لا تُصلُوا في مبارك
الإبل، فإنها من الشياطين. وسُئل عن الصلاة في مرابض الغنم فقال.
صلوا فيها فإنها بركة " (2) .
ش- عبد الله بن عبد الله الرازي قاضي رقي، أصله كوفي. روى
عن: جابر بن سمرة، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وسعيد بن جبير.
روى عنه: الأعمش، وفطر بن خليفة، وحجاج بن أرطأة، وغيرهم.
وعن الأعمش: كان ثقة لا بأس به. وقال العجلي: ثقة. روى له:
أبو داود، والترمذي، وابن ماجه (3) .
" (4) واختلف العلماء في أكل لحم الجزُور، فمذهب الأكثرين إلى أنه
لا ينقض الوضوء، وممن ذهب إليه الخلفاء الأربعة، وابن مسعود، وأبي
ابن كعب، وابن عباس، وأبو الدرداء، وأبو طلحة، وعامر بن ربيعة،
وأبو أمامة، وجماهير التابعين، وأبو حنيفة، ومالك، والشافعي،
وأصحابهم، وذهب إلى انتقاض الوضوء به: أحمد بن حنبل، وإسحاق
ابن راهويه، ويحيى بن يحيى، وأبو بكر بن المنذر، وابن خزيمة،
واختاره البيهقي، وحكي عن أصحاب الحديث مطلقاً. وحكي عن
جماعة من الصحابة، واحتج هؤلاء بأحاديث الباب " (5) .
__________
(1) في سنن أبي داود: " فقال ".
(2) الترمذي: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في الوضوء من لحوم الإبل (81) ،
ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في الوضوء من لحوم الإبل (494) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (15/3367) .
(4) انظر: " شرح صحيح مسلم " (4/48) .
(5) إلى هنا انتهى النقل من " شرح صحيح مسلم ".(1/430)
والجواب عن هذا: أن الوضوء متأول على الوضوء الذي هو النظافة
ونقاء الزهومة (1) ، كما رُو: " توضؤوا من اللبن فإن له دسماً "،
ومعلوم أن في لحوم الإبل من الحرارة وشدة الزهومة ما ليس في لحوم
الغنم، فكان معنى الأمر بالوضوء منه منصرفاً إلى غسل اليد، لوجود
سببه دون الوضوء، الذي هو من أجل رفع الحدث لعدم سببه. كذا قال
الخطابي (2) .
فيا ليت شعْري! لماذا لم يأولوا هكذا الوضوء الذي في مس
الذكر، فهل كان هناك حدث حتى يرفعه الوضوء؟ وقال الشيخ
محيي الدين (3) : " ومذهب أحمد أقوى دليلاً وإن كان الجمهور على
خلافه، وقد أجاب الجمهور عن هذا الحديث بحديث جابر- رضي الله
عنه-: " كان آخر الأمرين من رسول الله: ترك الوضوء مما مست النار "،
ولكن هذا الحديث عام، وحديث الوضوء من لحوم الإبل خاص،
والخاص مقدم على العام ".
قوله: " في مبارك الإبل " المبارك: جمع مبرك، وهو الموضع الذي
تبرك فيه الإبل. وقال الخطابي (4) : " إنما نهى عن الصلاة في مبارك
الإبل؛ لأن فيها نفاراً وشراداً، لا يؤمن أن تتخبط المصلي إذا صلى
بحضرتها، أو تُفسد عليه صلاته، وهذا المعنى مأمون من الغنم لما فيها
من السكون، وقلة النفار ".
قلت: قد علل النبي- عليه السلام- في نهيه عن الصلاة في مبارك
الإبل بقوله: " فإنها من الشياطين "، والتأويل في مقابلة التعليل غير
مفيد. ثم معنى قوله: " فإنها من الشياطين ": من مأوى الشياطين،
والضمير يرجع إلى المبارك لا إلى الإبل؛ لأن الإبل ليست من الشياطين.
__________
(1) الريح النتنة.
(2) معالم السنن (1/58) .
(3) " شرح صحيح مسلم " (4/49) .
(4) معالم السنن (1/58) .(1/431)
وإنما قلنا هكذا لأن الشياطين تأوي إلى المزابل، والمواضع التي فيها القذر،
وللشياطين مآوي ومنازل، ومن جملتها مبارك الإبل، وكلمة " من " تدل
على التبعيض.
فن قلت: مرابض الغنم أيضاً فيها الزبل؟ قلت: قد عللها صاحب
الشرع بقوله: " فإنها بركة " والضمير هاهنا يرجع إلى الغنم؛ لأن عين
الغنم بركة، وقد سقط هاهنا رعاية ذاك المعنى، لكون الغنم بركة، وكل
موضع فيه بركة لا تأوي إليه الشياطين، وكيف وقد ورد " ما من نبي إلا
وقد رعى الغنم ".
فإن قلت: ما حكم لحم البقر في ذلك؟ قلت: قد روى أبو بكر بن
أبي شيبة في " مصنفه ": حدّثنا وكيع، عن (1) /سفيان، عن منصور،
عن إبراهيم قال: " ليس في لحوم الإبل والبقر والغنم وضوء ".
قوله: " في مرابض الغنم " المرابض: جمع مربض- بفتح الميم- من
ربض في المكان يربض إذا لصق بها وأقام ملازماً لها، وفي " الصحاح ":
وربوض الغنم والبقر والفرس، والكلب مثل بروك الإبل، وجثوم الطير.
يقال: ربضت الغنم مربض بالكسر، ربوضاً وأربضتها أنا.
وهذا الحديث أخرجه الترمذي، وابن ماجه مختصراً، وكان أحمد بن
حنبل، وإسحاق بن إبراهيم الحنظلي يقولان: قد صح في هذا الباب
حديث البراء بن عازب، وحديث جابر بن سمرة. وحديث جابر بن
سمرة أخرجه مسلم في " صحيحه "، ولفظه: " أن رجلاً سأل رسول
الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: إن شئت فتوضأ، وإن شئت فلا
تتوضأ. قال: أنتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: نعم، فتوضأ من لحوم
__________
(1) مكررة في الأصل.(1/432)
الإبل. قال: أصلي في مرابض الغنم؟ قال: نعم. قال: أصلي في
مبارك الإبل؟ قال: لا " (1) .
***
65- باب: الوضوء من مس اللحم النّيء وغسله
أي: هذا باب في بيان الوضوء عند لمس الرجل اللحم النّيء، النّيءُ:
هو الذي لم يطبخ أو طبخ أدنى طبخ ولم ينضج. يقال: ناء اللحم ينيء
نيئاً بوزن ناع ينيع نيعاً، فهو نيءٌ كنيع بالكسر هذا هو الأصل، وقد تترك
الهمزة وتُقلب ياء فيقال: " نيّ " مشدداً.
172- ص- حدثنا محمد بن العلاء وأيوب بن محمد الرّقي وعمرو بن
عثمان الحمصي، المعنى، قالوا: حدثنا مروان بن معاوية قال: أخبرنا هلال
ابن ميمون الجُهني، عن عطاء بن يزيد الليثي- قال هلال: لا أعلمه إلا عن
أبي سعيد- وقال أيوب وعمرو: أراه عن أبي سعيد الخدري: " أن النبي
- عليه السلام- مر بغلام يسلخُ (2) شاة، فقال له رسولُ الله: تنح حتى
اريك، فأدخل يده بين الجلد واللحم فدحس بها حتى توارتْ إلى الإبط، ثم
مضى فصلى للناس ولم يتوضأ " (3) .
ش- أيوب بن محمد بن زياد الوزان أبو سليمان الرقي، مولى ابن
عباس، كان يزنُ القطن. في الوادي. وروى عن: يعلى بن الأشدق.
وسمع: مروان بن معاوية الفزاري، ومُعمر بن سليمان، وعيسى بن
يونس، وغيرهم. روى عنه: أبو داود، والنسائي، وابن ماجه،
وأبو حاتم الرازي، وغيرهم. وقال يعقوب بن سفيان: شيخ لا بأس
به. توفي في ذي القعدة سنة تسع وأربعين ومائتين (4) .
__________
(1) مسلم: كتاب الحيض، باب: الوضوء من لحوم الإبل (36/970) .
(2) في سنن أبي داود: " وهو يسلخ ".
(3) ابن ماجه: كتاب الذبائح، باب: السلخ (3179) .
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (3/623) .
28. شرح سنن أبي داوود 1(1/433)
وعمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار أبو حفص القرشي الحمصي
سمع: أباه، ومروان بن معاوية، والوليد بن مسلم، وبقية بن الوليد،
وغيرهم. روى عنه: أبو زرعة، وأبو حاتم، وأبو داود، والنسائي،
وابن ماجه، وغيرهم. قال أبو حاتم: صدوق. مات سنة خمسين
ومائتين بحمص (1) .
ومروان بن معاوية بن الحارث بن أسماء بن خارجة بن عيينة، أبو عبد الله
الفزاري الكوفي، سكن مكة، ثم صار إلى دمشق، ومات بها سنة
ثلاث وتسعين ومائة قبل التروية بيوم فجأة. سمع: سليمان التيمي،
وحميدا (2) الطويل، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وعاصماً الأحول،
والأعمش، وجماعة آخرين كثيرة. روى عنه: قتيبة بن سعيد، وأحمد
ابن حنبل، وابن معين، وإسحاق بن راهويه، وجماعة آخرون كثيرة.
قال ابن معين: ثقة. قال أحمد: ثبت حافظ. وقال أبو حاتم: صدوق
صدوق (3) ، لا يُدفعُ عن صدق، وتكثر روايته عن الشيوخ المجهولين.
وقال ابن المديني: ثقة فيما روى عن المعروفين، وضعفه فيما روى عن
المجهولين. روى له الجماعة (4) .
وهلال بن ميمون أبو علي، ويقال: أبو المغيرة الجُهني الرملي.
سمع: سعيد بن المسيب، وعطاء بن يزيد، ويعلى بن شداد، وغيرهم.
روى عنه: مروان بن معاوية، وأبو معاوية الضرير، ووكيع بن الجراح.
قال ابن معين: ثقة. وقال أبو حاتم: ليس بقوي، يكتب حديثه. روى
له أبو داود، وابن ماجه (5) .
قوله: " أراه عن أبي سعيد " أي: أظنه.
قوله: " تنح حنى أريك " معناه: حتى أعلمك، ومنه قوله تعالى:
(وأرنا مناسكنا) (6) .
__________
(1) المصدر السابق (22/4408)
(2) في الأصل: " حميد ".
(3) كذا بالتكرار، وفي " الجرح والتعديل " (8/1246) : " صدوق " واحدة.
(4) المصدر السابق (27/5877) .
(5) المصدر السابق (30/6630) .
(6) سورة البقرة: (128) .(1/434)
قوله: " فدحس بها " أي: دس يده بين الجلد واللحم كما يفعل
السلاخ، والدحس: إدخال اليد بين جلد الشاة ولحمها، والدحس
والدسّ/متقاربان.
قوله: " حتى توارت " أي: حتى غابت " إلى الإبط ".
قوله: " ولم يتوضأ " قال الشيخ زكي الدين: " معنى الوضوء في هذا
الحديث: غسل اليد " 0 قلت: الظاهر أن المراد: لم يتوضأ الوضوء
الشرعي، والتبويب يدل على هذا.
ص- قال أبو داود: زاد عمرو في حديثه: " يعني: لم يمس ماءً ". وقال:
عن هلال بن ميمون الرملي.
قال أبو داود: رواه عبد الواحد بن زياد، وأبو معاوية عن هلال، عن
عطاء، عن النبي- عليه السلام- مرسلاً لم يذكرا (1) أبا سعيد- رضي الله
عنه-.
ش- عبد الواحد بن زياد أبو بشر البصري، قد ذكر. وأبو معاوية
الضرير، وعطاء بن يزيد.
قوله: " زاد عمرو (2) " إشارة إلى رواية أخرى فيها زيادة.
قوله: " لم يمس ماءً "، وقوله: " رواه عبد الواحد " إشارة إلى رواية
أخرى، وفيها إرسال، وهذا الحديث أخرجه ابن ماجه أيضاً.
***
66- باب: ترك الوضوء من مس الميتة
أي: هذا باب في بيان ترك الوضوء من مس الميتة، وهي التي تموت
بلا ذبح.
173- ص- حدثنا عبد الله بن مسلمة قال: نا سليمان- يعني: ابن بلال
__________
(1) في سنن أبي داود: " لم يذكر " خطأ.
(2) في الأصل: " أبو عمرو " خطأ.(1/435)
- عن جعفر، عن أبيه، عن جابر: " أن النبي- عليه السلام- مرّ بالسوق
داخلا من بعض العالية والناس كنفتيْه، فمر بجدْي أسك ميت، فتناولهُ
فاخذ بأذنه ثم قال: أيكم يحب أن هذا له؟ " (1) وساق الحديث.
ش- سليمان بن بلال أبو محمد، أو أبو أيوب القرشي التيمي المدني،
مولى عبد الله بن أبي عتيق محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق.
سمع: شريك بن عبد الله بن أبي نمر، ويحيى الأنصاري، وعبد الله بن
دينار، وجعفر بن محمد، وغيرهم. روى عنه: ابن المبارك، وابن
وهب، وأبو عامر العقدي، وعبد الله بن مسلمة، وغيرهم. وقال ابن
معين: ثقة، صالحُ الحديث. وقال أحمد: لا بأس به. توفي بالمدينة
سنة اثنتين وسبعين ومائة (2) .
وجعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب القرشي
الهاشمي، أبو عبد الله المدني الصادق. روى عن: أبيه، ومحمد بن
المنكدر، ونافع مولى ابن عمر، والزهري، والقاسم بن محمد،
ومسلم بن أبي مريم المدني، وعطاء بن أبي رباح. روى عنه: يحيى بن
سعيد الأنصاري، ومالك بن أنس، والثوري، وابن عيينة، وشعبة،
ويحيى بن سعيد القطان، وسليمان بن بلال، وجماعة آخرون كثيرة.
قال ابن معين: هو ثقة. وقال أبو حاتم: ثقة لا يُسألُ عن مثله. روى
له الجماعة إلا البخاري (3) .
ومحمد بن علي والد جعفر المعروف بالباقر أبو جعفر المدني. روى
عن: أبي سعيد الخدري، وعبد الله بن عباس، وأبي هريرة، وعبد الله
ابن جعفر بن أبي طالب، ومحمد ابن الحنفية، وعبيد (4) الله بن
أبي رافع. روى عنه: أبو إسحاق الهمْداني، وعمرو بن دينار،
__________
(1) مسلم: كتاب الزهد والرقائق (2957) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (11/2496) .
(3) المصدر السابق (5/950) .
(4) في الأصل: " عبد " خطأ.(1/436)
والزهري، وعطاء بن أبي رباح، والأعرج، وهو أسنُ، وابنه جعفر بن
محمد، وابن جريج، والأوزاعي، وآخرون. روى له الجماعة (1) .
قوله: " في بعض العالية " العالية واحدة العوالي، وهي أماكن بأعلى
أراضي المدينة، أدناها من المدينة على أربعة أميال، وأبعدها من جهة نجد
ثمانية، والنسب إليها عُلوي على غير قياس.
قوله: " والناس كنفتيه " جملة وقعت حالاً من الضمير الذي في " مر "،
وكذا قوله: " داخلاً " حال منه، ومعنى " كنفتيه " ناحيتيه، وفي لفظ
" كنفيه " أي: جانبيه، والمعنى: محيطون به من جانبيه.
قوله: " فمر بجدي أسك " الجدي بفتح الجيم وسكون الدال: من ولد
المعز، و " الأسك " بفتحتين وتشديد الكاف: الصغير الأذن، وقيل:
صغير الأذنين. ملتصقهما وقيل: الذي لا أذنان له، والذي قطعت أذناه،
وهو أيضاً: الأصم الذي لا يسمع. وقال ابن الجوزي في " جامع
المسانيد ": " وفي لفظ: أصك بالصاد ".
قوله: " وساق الحديث " وتمامه في " صحيح مسلم "، ولفظه: " مر
رسول الله داخلاً في بعض العالية والناس كنفتيه، فمر بجدي أسك ميت،
فتناوله فأخذ بأذنه، ثم قال: أيكم يحب هذا له بدرهم؟ فقالوا: ما
نحب أنه لنا بشيء، وما نصنع به؟ قال: أتحبون أنه لكم؟ قالوا: والله
لو كان حيا كان عيباً فيه؛ لأنه أسك، فكيف وهو ميت؟ قال: فوالله
للدنيا أهونُ على الله من هذا عليكم ".
وفي " مسند أحمد ": ثنا عفان قال: ثنا وهيب قال: ثنا جعفر، عن
أبيه، عن جابر: " أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتى العالية فمر بالسوق، فمر
بجدي أسك ميت، فتناوله فرفعه، فقال: بكم تحبون أن هذا لكم؟
قالوا: ما نحب أنه لنا بشيء، وما نصنع به؟ قال: بكم تحبون أنه لكم؟
قالوا: والله لو كان حيا لكان عيباً فيه [أنه] (2) أسك، فكيف وهو
__________
(1) المصدر السابق (26/5478) .
(2) زيادة من " المسند ".(1/437)
ميت؟ قال: فوالله الدنيا (1) أهون/على الله عز وجل من هذا
عليكم " (2) . وقد ذكره مسلم في " صحيحه " في كتاب الزهد، وإنما ذكره
أبو داود هاهنا بياناً: أن من مس الميتة لا يحب عليه الوضوء، فإنه- عليه
السلام- لما تناول الجدي الميت بأذنه لم يتوضأ بعد ذلك، ولذلك بوب
بقوله: باب ترك الوضوء من مس الميتة.
***
67- باب: ترك الوضوء مما مسته (3) النار
أي: هذا باب في بيان ترك الوضوء في حق من تناول ما مسته النار.
174- ص- حدثنا عبد الله بن مسلمة قال: نا مالك، عن زيد بن أسلم،
عن عطاء بن يسار، عن ابن عباس: " أن رسول الله- عليه السلام- كل
كتْف شاة، ثم صلى ولم يتوضأ " (4) .
ش- الكتْف والكتف مثل الكذْب والكذب، وهذا الحديث وأمثاله
ناسخة للأحاديث الواردة بالوضوء مما مست النار، وذهب جماهير
العلماء من السلف والخلف إلى أنه لا ينتقض الوضوء بأكل ما مسته النار،
وهو مذهب أبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد، وأبي ثور،
وغيرهم. وذهبت طائفة إلى وجوب الوضوء الشرعي وضوء الصلاة بأكل
ما مسته النار، وهو مروي عن عمر بن عبد العزيز، والحسن البصري،
والزهري، وأبي قلابة، واحتجوا بحديث: " توضؤوا مما مست النار "،
واحتج الجمهور بهذا الحديث وأمثاله. وهذا الحديث أخرجه البخاري
ومسلم.
175- ص- حدثنا عثمان بن أبي شيبة ومحمد بن سليمان الأنباري،
المعنى، قالا: ثنا وكيع، عن مسعر، عن أبي صخرة جامع بن شداد، عن
__________
(1) كذا، وفي المسند: " للدنيا ".
(2) مسند أحمد (3/365) .
(3) في سنن أبي داود: " مست ".
(4) البخاري: كتاب الوضوء، باب: من لم يتوضأ من لحم الشاة والسويق
(207) ، مسلم: كتاب الحيض، باب: نسخ الوضوء مما مست النار
(354) ، ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: الرخصة في ذلك (488) .(1/438)
المغيرة بن عبد الله، عن المغيرة بن شعبة قال: " ضفْتُ النبي- عليه السلام-
ذات ليلة، فأمر بجنب فشُوي، وأخذ الشفْرة فجعل يحُز لي بها منه قال:
فجاء بلالٌ فآذنه بالصلاة قال: فألقى الشفْرة، وقال: ما له تربتْ يداه؟ وقام
يُصلّي ". زاد الأنباري: " وكان شاربي وفى، فقصهُ [لي] (1) على سواك "
أو قال: " أقُصُه لك على سواك؟ (2) .
ش- مسعر بن كدام.
وجامع بن شداد المحاربي أبو صخرة، ويقال: أبو صخر الكوفي.
روى عن: طارق بن عبد الله المحاربي، وصفوان بن مُحرز، والأسود
ابن هلال، وحُمران بن أبان، وغيرهم. روى عنه: الأعمش،
ومسعر، والثوري، وغيرهم. قال ابن معين وأبو حاتم: ثقة. توفي
سنة سبع وعشرين ومائة. روى له الجماعة (3) .
والمغيرة بن عبد الله اليشكري، سمع: المغيرة بن شعبة، وأباه،
والمعرور بن سُويد، وعبد الله بن الحارث. روى عنه: جامع بن
الشداد، وواصل الأحدب، وعلقمة بن مرثد. روى له: أبو داود،
والترمذي، والنسائي (4) .
قوله: " ضفتُ النبي " من ضافه يضيفه، يقال: ضفت الرجل إذا نزلت
به في ضيافته، وأضفته إذا أنزلته، وتضيفته إذا نزلت به، وتضيفني إذا
أنزلني.
قوله: " ذات ليلة " أي: ضفت النبي- عليه السلام- مدة، التي هي
ليلة. وقد ذكرنا الكلام في " ذات يوم "، و " ذات ليلة " ونحوهما في
أوائل الكتاب.
قوله: " فأمر بجنب فشُوي " الجنب جنب الشاة، وهي القطعة العظيمة
منها، والجنب: القطعة من الشيء يكون معظمه أو شيئاً كبيراً منه.
__________
(1) زيادة من سنن أبي داود.
(2) تفرد به أبو داود.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (4/889) .
(4) المصدر السابق (28/6134) .(1/439)
قوله: " وأخذ الشفرة " الشفرة- بسكون الفاء-: السكن العريضة 0
قوله: " فجعل يحُزُّ " اعلم أن " جعل " جارٍ مجرى أفعال القلوب في
مجرد الدخول على المبتدأ والخبر، لا في غيره من الأحكام وهي تسعة
منها " جعل "، و " يحز " من حز- بالحاء المهملة- إذا قطع، ويقال:
الحزّ: القطع في الشيء من غير إبانة. يقال: حززت العود أحزه حزا،
والضمير في " بها " يرجع إلى " الشفرة "، وفي " منه لما إلى " الجنب ".
قوله: " فآذنه " بالمد أي: أعلمه من أذن إيذاناً.
قوله: " تربت يداه " كلمة تقولها العرب عند اللوم والتأنيب. ومعناه:
الدعاء عليه بالعقر والعدم، وقد يطلقونها في كلامهم، وهم لا يريدون
وقوع الأمر كما قالوا: " عقرى حلقى "، فإن هذا الباب لما كثر في
كلامهم، ودام استعمالهم له في خطابهم صار عندهم بمعنى اللغو
كقولهم: " لا والله "، و " بلى والله "، وذلك من لغو اليمين الذي لا
اعتبار به، ولا كفارة فيه؟ ويقال: ترب الرجل إذ افتقر، وأترب إذا
استغنى، ومثل هذا قوله- عليه السلام-: " فعليك بذات الدين تربت
يداك ".
وقال ابن الأثير (1) : " إن هذا دعاء له، وترغيب في استعماله فما
تقدمت الوصية به، وكثيراً ترد للعرب ألفاظ/ظاهرها الذم، وإنما يريدون
بها المدح كقولهم: لا أب لك ولا أم لك، وهوتْ أمه، ولا أرض لك
ونحو ذلك، ومنه حديث أنس- رضي الله عنه-: " لم يكن رسول الله
سباباً، ولا فحاشاً، كان يقول لأحدنا عند المعاتبة: ترب جبينُه ".
وقيل: أراد به الدعاء له بكثرة السجود، فأما قوله لبعض أصحابه: " ترب
نحرُك "، فقتل الرجل شهيداً، فإنه محمول على ظاهره " (2) .
__________
(1) النهاية (1/184- 185) .
(2) إلى هنا انتهى النقل من النهاية.(1/440)
قوله: " وقام يُصلي " المعنى: قام يشرع في الصلاة؛ لأن حالة القيام لا
يكون مصليا، وإنما يكون شارعاً.
فإن قيل: هذا مخالف لقوله: " إذا حضر العشاء وأقيمت الصلاةُ،
فابدؤا بالعشاء: قلنا: ليس كذلك، " (1) لأن هذا للصائم الذي قد
أصابه الجوع، وتاقت نفسه إلى الطعام، فأمر أن يصيب من الطعام قدر
ما يُسكن شهوته، لتطمئن نفسه في الصلاة، ولا تنازعه شهوة الطعام،
وهذا فيمن (2) أحضره الطعام أو أن العادة غداء وعشاء يكون متماسكاً في
نفسه يزعجه الجوع، ولا تعجله عن إقامة الصلاة وإيفاء حقها ".
قوله: " وكان شاربي وفى " أي: كثيراً وافراً من وفي الشيء بالتشديد،
ووفى بالتخفيف أيضاً إذا تم ذلك.
قوله: " فقصه " أي: قطعه من القص، ويستفاد من الحديث فوائد،
الأولى: استحباب إكرام الضيف وإطعامه من خيار الطعام.
والثانية: ترك استخدامه.
والثالثة: المبادرة إلى الطاعة.
والرابعة: جواز الدعاء لرجل بكلمة ظاهرها الذم.
والخامسة: فيه دلالة على [أن] الأمر بالوضوء مما غيرت النار أمر
استحباب لا أمر إيجاب.
السادسة: جواز قطع اللحم بالسكين، فإن قيل: جاء النهي. فيه في
بعض الحديث: " وأمرنا بالنهش " قلنا: المراد من ذلك كراهة زي العجم،
واستعمال عادتهم في الأكل بالأخلة والبارجين على مذهب النخوة والترفه
عن مس الأصابع الشفتين والفم، وأما إذا كان اللحم طابقاً أو عضواً كبيراً
كالجنب ونحوه، لا يكره قطعه بالسكن، وإصلاحه به والحزُ
__________
(1) انظره في معالم السنن (1/58) .
(2) في الأصل: " وأما إذا "، وما أثبتناه من معالم السنن.(1/441)
منه، وإذا كان عُراقاً أو نحوه فنهشه مستحب على مذهب التواضع وطرح
الكبر.
السابعة (1) : استحباب قطع الشارب إذا طال وتجاوز عن حده،
والحديث أخرجه الترمذي، وابن ماجه (2) .
176- ص- حدثنا مسدد قال: ثنا أبو الأحوص قال: ثنا سماك، عن
عكرمة، عن ابن عباس قال: " كل رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتفاً ثم مسح يده بمسْح
كان تحته، ثم قام فصلى " (3) .
ش- مسدد بن مسرهد، وأبو الأحوص: عوف بن مالك، وسماك
ابن حرب، وعكرمة مولى ابن عباس.
قوله: " كتفاً " الكتف: عظم عريض يكون في أصل كتف الحيوان من
الناس والدواب، وهو بكسر الكاف، وسكون التاء، وفتح الكاف،
وكسر التاء، مثل كذْب وكذب.
قوله: " بمسْح " المسح بكسر الميم وسكون السين: البلاسُ (4) ،
والجمع " مسوح " و " أمساح ".
قوله: " كان تحته " صفة للمسح.
وفيه فوائد، الأولى: جواز مسح اليد بالمسح وبأي شيء كان.
والثانية: جواز استفراش المسح.
والثالثة: الاكتفاء بالمسح عقيب الطعام بدون الغسل. وأخرج هذا
الحديث ابن ماجه أيضاً.
177- ص- حدثنا حفص بن عمر النمري قال: ثنا همام، عن قتادة،
__________
(1) في الأصل: " السادسة ".
(2) ذكر صاحب التحفة (8/11530) أن هذا الحديث لم يخرجه إلا الترمذي في
" الشمائل "، والنسائي في " الكبرى " فقط، والله أعلم.
(3) ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: الرخصة في ذلك (488) .
(4) البلاس: ثوب من الشعر غليظ.(1/442)
عن يحيى بن يعمر، عن ابن عباس: " أن النبي- عليه السلام- انْتهس من
كتف، ثم صلى ولم يتوضأ " (1) .
ش- حفص بن عمرو بن الحارث بن سخبرة، وهمام بن يحيى بن
دينار، وقتادة بن دعامة.
ويحيى بن يعمر أبو سليمان، أو أبو سعيد، أو أبو عدي البصري
المروزي قاضيها أيام فتنة ابن مسلم. سمع: عبد الله بن عباس، وعبد الله
ابن عمر، وجابر بن عبد الله، وأبا هريرة، وأبا سعيد الخدري،
وأبا الأسود الديلي. وروى عن: أبي موسى، والنعمان بن بشير،
وعائشة أم المؤمنين. وروى عنه: عبد الله بن بريدة، إسحاق بن سويد،
ويحيى بن عقيل، وعطاء الخراساني. قال أبو زرعة وأبو حاتم: ثقة.
روى له الجماعة (2) .
قوله: " انتهس " النهس- بالسين المهملة-: أخذ اللحم بأطراف
الأسنان، والنهش- بالمعجمة-: الأخذ بجميعها. وقال الأصمعي:
كلاهما واحد. وقيل: هو بالمهملة أبلغ منه بالمعجمة. وقيل: النهس:
سرعة الأكل. وقيل: نهس الرجل والسبُع نهساً/: قبض عليه ثم نثره.
وقد أخرج البخاري ومسلم من حديث عطاء بن يسار عنه: " أن رسول الله
آكل كتف شاة، ثم صلى ولم يتوضأ ".
178- ص- حدثنا إبراهيم بن الحسن الخثْعمي قال: نا حجاج قال ابن
جريج: أخبرني محمد بن المنكدر قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول:
" قربتُ للنبي- عليه السلام- خُبزاً ولحماً، فأكل ثم (3) دعا، فدعا بوضوء
فتوضأ (3) ، ثم صلى الظهر، ثم دعا بفضل طعامه، فأكل ثم قام إلى الصلاة
ولم يتوضأ " (4) .
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (32/6952) .
(3) في سنن أبي داود: " ثم دعا بوضوء فتوضأ به ".
(4) تفرد به أبو داود.(1/443)
ش- إبراهيم بن حسن بن الهيثم المقسمي الخثعمي (1) البصري. روى
عن: الحارث بن عطية، وحجاج بن محمد. روى عنه: أبو داود،
والنسائي، وموسى بن هارون. قال أبو حاتم: هو صدوق، وكتب
عنه (2) .
وحجاج بن محمد الأعور، وابن جريج عبد الملك بن عبد العزيز،
وقد ذكر.
ومحمد بن المنكدر بن عبد الله بن الهُدير بن عبد العزى بن عامر بن
الحارث بن حارثة بن سعد بن تيم بن مرة، أبو بكر، أو أبو عبد الله
القرشي التيمي. روى عن: أبي قتادة، وأبي هريرة، وعبد الله بن
عمر، وسفينة، وأبي رافع، وأسماء بنت أبي بكر. وسمع: عبد الله
ابن الزبير، وجابر بن عبد الله، وأنس بن مالك، وعائشة، وأميمة،
وغيرهم. روى عنه: جعفر بن محمد الصادق، وعمرو بن دينار، وزيد
ابن أسلم، ومالك بن أنس، وابن جريج، وابنه المنكدر، وجماعة
آخرون. توفي سنة إحدى وثلاثين ومائة. روى له الجماعة (3) .
قوله: " قرّبتُ " بتشديد الراء.
قوله: " ثم دعا " أي: ثم دعا عقيب الطعام.
وقوله: " فدعا بوضوء " يجوز أن يكون تفسيراً لقوله: " ثم دعا "
والمعنى: لما فرغ من الطعام طلب الوضوء، ويجوز أن يكون " دعا "
الأول من الدعاء إلى الله تعالى بالشكر، والثناء، وبالدعاء لجابر حيث
قرّب له الطعام، ويكون " دعا " الثاني بمعنى: الطلب، والمعنى: لما
أكل ودعا طلب الوضوء، و " الفاء " في الأول الفاء التفسيرية. وفي
الثاني للعطف المفيد للترتيب، و " الوضوء " بفتح الواو: الماء الذي
__________
(1) في الأصل: " القسمي العبشمي " خطأ.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (2/163) .
(3) المصدر السابق (26/5632) .(1/444)
يُتوضأ به. ويستفاد من هذا الحديث فوائد، الأولى: جواز الجمع بين
الطعامين.
والثانية: جواز العود إلى فضلة الطعام.
والثالثة: جواز ترك الوضوء مما مست النار
179- ص- حدثنا موسى بن سهل أبو عمران الرملي قال: نا عليّ بن
عياش قال: نا شعيب بن أبي حمزة، عن محمد بن المنكدر، عن جابر قال:
" كان آخرُ الأمرين أن (1) رسول الله- عليه السلام- ترك الوُضوءُ مما غيرت
النارُ " (2) .
قال أبو داود: هذا اختصار من الحديث الأول.
ش- موسى بن سهل بن قادم أبو عمران الرملي. سمع: علي بن
عياش الحمصي، وحجاج بن إبراهيم الأزرق، وعبد الملك بن حكم،
وجماعة آخرين. روى عنه: أبو داود، والنسائي، وأبو حاتم، وابنه
عبد الرحمن، وأبو بكر بن خزيمة، وغيرهم. قال أبو حاتم: صدوق.
مات سنة إحدى وستين ومائتين (3) .
وعلي بن عياش- بالشين المعجمة- ابن مسلم الحمصي الألهاني
أبو الحسن، يُعرف بالبكاء. روى عن: شعيب بن أبي حمزة، وعبد الرحمن
ابن ثابت، ومحمد بن مهاجر، ومعاوية بن يحيى، وغيرهم. روى
عنه: أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، والبخاري، وأبو زرعة
الدمشقي، وغيرهم. قال أحمد بن عبد الله: هو ثقة. مات سنة ثمان
عشرة ومائتين، وهو ابن ست وسبعين سنة. روى له الجماعة (4) .
وشعيب بن أبي حمزة، واسم أبي حمزة: دينار القرشي الأموي،
__________
(1) في سنن أبي داود: " من ".
(2) النسائي: كتاب الطهارة، باب: ترك الوضوء مما غيرت النار (1/107) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (29/6264) .
(4) المصدر السابق (21/4116) .(1/445)
مولاهم الحمصي. سمع: نافعاً، والزهري، ومحمد بن المنكدر،
ومحمد بن الوليد، وغيرهم. روى عنه: بقية بن الوليد، وأبو حيوة
شريح بن يزيد، وعليّ بن عياش، وغيرهم. وقال أبو حاتم: ثقة.
مات سنة ثنتين وسبعين ومائة. روى له الجماعة (1) .
قوله: " كان آخر الأمرين " الأمران هما: الوضوء مما مسته النار،
وترك الوضوء منه، و " آخر " مرفوع على أنه اسم " كان "، وخبره قوله:
" أن رسول الله "، والمعنى: أن هذا الحديث ناسخ لحديث الوضوء مما
مست النار، وهو حديث صحيح. ورواه النسائي أيضاً وغيرهما من أهل
السنن. واحتج الجمهور بذلك على ترك الوضوء مما مسته النار.
180- ص- حدثنا أحمد بن عمرو بن السرج قال: نا عبد الملك بن
أبي كريمة. قال ابنُ السرح: من (2) خيار المسلمين، حدّثني/عبيد بن
ثمامة المرادي قال: قدم علينا مصر عبدُ الله بن الحارث بن جزء الزبيدي من
أصحاب النبي- عليه السلام- فسمعته يحدث في مسجد مصر قال: " لقد
رأيتُني سابع سبعة أو سادس ستة مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في دار رجل، فمر بلال
فناداه بالصلاة فخرجْنا، فمررنا برجل وبُرمتُهُ على النار، فقال له رسولُ الله:
" أطابتْ بُرْمتك؟ قال: نعم بأبي وأمي (3) ، فتناول منها بضعة فلم يزل
يعْلُكُها حتى أحرم بالصلاة وأنا انظر إليه " (4) .
ش- عبد الملك بن أبي كريمة البصري. روى عن: عُبيد بن ثمامة.
روى عنه: أبو الطاهر أحمد بن عمرو المذكور. روى له: أبو داود.
وعُبيد بن ثمامة المرادي. سمع عبد الله بن الحارث، روى عنه عبد الملك
المذكور، روى له أبو داود (5) .
__________
(1) المصدر السابق (12/2747) .
(2) في سنن أبي داود: " ابن أبي كريمة من خيار المسلمين ".
(3) في سنن أبي داود: " بأبي أنت وأمي ".
(4) تفرد به أبو داود.
(5) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (18/3552) .(1/446)
وعبد الله بن الحارث بن جزء بن عبد الله بن معدي كرب الزُبيدي
أبو الحارث، شهد فتح مصر واختط بها وسكنها. روى عنه: عبد الملك
المذكور، ومسلم بن يزيد الصدفي، وعقبة بن مسلم التجيبي، ويزيد بن
أبي حبيب، وغيرهم من أهل مصر، وكان قد عمي، وهو آخر من مات
بمصر من أصحاب النبي- عليه السلام- سنة خمس أو سبع أو ثمان
وثمانين. وقال أحمد بن محمد بن سلامة: كانت وفاته بأسفل مصر
بالقرية المعروفة بسقط القدور. روى له: أبو داود، والترمذي، وابن
ماجه (1) .
قوله: " قال ابن السرح: من خيار المسلمين " أي: قال ابن السرح
المذكور: أن عبد الملك المذكور من خيار المسلمين.
قوله: " لقد رأيتُني " بضم التاء، أي: لقد رأيت نفسي.
قوله: " سابع سبعة " مفعول ثان لرأيت، ومعنى سابع سبعة: إما
واحد من السبعة أو مصير الستة سبعة، وهكذا القاعدة في المفرد في المتعدد
باعتبار تصييره. تقول الثاني والثالث والرابع إلى العاشر، فإنها أسماء
موضوعة لواحد من المعدود باعتبار ذلك العدد المشتق ذلك الاسم منه،
كالثالث مثلاً، فإنه مشتق من الثلاثة لواحد، إما باعتبار أنه أحد الثلاثة
أو باعتبار أنه مصير ما دونها عليها زائدة، وهكذا القياس في الباقي فافهم.
قوله: " أو سادس ستة " شك من الراوي.
قوله: " وبُرْمته على النار " جملة وقعت حالاً من الرجل، البُرمة- بضم
الباء، وسكون الراء-: القدر مطلقاً، وجمعها: " برام " بكسر الباء،
وهي في الأصل: المتخذة من الحجر المعروف بالحجاز واليمن.
قوله: " أطابت بُرمتك " أي: أطاب ما في بُرمتك، ذكر المحل وأراد
به الحال، وطيب ما فيها كناية عن استوائها، والهمزة فيه للاستفهام.
__________
(1) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (2/280) ، وأسد الغابة
(3/203) ، والإصابة (2/291) .(1/447)
قوله: " بأبي وأمي " الباء فيه متعلقة بمحذوف تقديره: فديتك بأبي وأمي
وحُذف هذا المقدر تخفيفاً لكثرة الاستعمال، وعلم المخاطب به، ويجوز
أن يكون " بأبي " في محل الرفع على الخبرية، والمبتدأ محذوف تقديره:
أنت مُفدى بأبي وأمي.
قوله: " بضعة " بفتح الباء، أي: قطعة
قوله: " فلم يزل يعلكها " أي: يلوكها في فمه، والعلك مضغ ما لا
يطاوع الأسنان، من باب نصر ينصر.
قوله: " حتى أحرم بالصلاة " أي: شرع فيها، ومنه تكبيرة الإحرام؟
لأنها تحرم كل شيء خلاف الصلاة.
قوله: " وأنما انظر إليه " جملة وقعت حالاً. ويستفاد منه ثلاث فوائد،
الأولى: أن الرجل يباح له أن يسأل من صاحبه الذي بينهما انبساط أن
يطعمه أو يسقيه.
والثانية: فيه جواز ترك غسل اليد مما مسته النار.
والثالثة: جواز ترك المضمضة أيضاً بعد الطعام.
181- ص- (1) حدّثنا مسدد قال: نا يحيى، عن شعبة قال: حدّثني
أبو بكر بن حفص، عن الأغر، عن أبي هريرة قال: قال رسولُ الله- عليه
السلام-: " الوُضوءُ مما أنضجت النارُ " (2) .
ش- يحيى القطان، وأبو بكر هو: عبد الله بن حفص بن سعد بن
أبي وقاص، وقد ذكر.
والأغر: أبو مسلم المدني، واسمه: سلمان. سمع أبا هريرة،
وأبا سعيد، وكانا اشتركا في عتقه فهو مولاهما. روى عنه:
__________
(1) وقع هذا الحديث في سنن أبي داود تحت " باب التشديد في ذلك "، وهي
نسخة كما سيذكر المصنف.
(2) تفرد به أبو داود.(1/448)
أبو إسحاق، وأبو جعفر الفراء، وهلال بن يساف، وعطاء بن السائب،
وعليّ بن أقمر، والزهري، وشعبة، وغيرهم. روى له الجماعة إلا
البخاري (1) .
قوله: " الوضوء " مبتدأ وخبره محذوف، والتقدير: الوضوء واجب،
ويجب مما أنضجت النار، وقد بينا أن هذا الحديث وأمثاله منسوخة، أو
يحمل الوضوء على غسل اليدين والفم، وفي بعض النسخ على أول هذا
الحديث: " باب التشديد في ذلك ". وكان ينبغي لأبي داود/أن يذكر
الأحاديث المنسوخة أولاً، ثم يذكر النواسخ كما ذكرها مسلم هكذا،
وغالب المحدثين يذكرون الأحاديث التي يرونها منسوخة ثم يعقبونها
بالنواسخ.
182- ص- حدثنا مسلم بن إبراهيم قال: نا أبان، عن يحيى- يعني:
ابن أبي كثير- عن أبي سلمة، أن أبا سفيان بن سعيد بن المغيرة حدثه، أنه
دخل على أمّ حبيبة فسقتْهُ قدحاً من سويق، فدعا بماء فتمضمض. قالت: يا
ابن أخي، ألا تتوضأ (2) ؟ إن رسول الله- عليه السلام- قال: " توضّؤُوا مما
غيرت النارُ، أو مست النارُ " (3) (4) .
ش- مسلم بن إبراهيم القصاب، وأبان بن يزيد العطار، ويحيى بن
أبي كثير: أبو نصر اليمامي، وأبو سلمة: عبد الله بن عبد الرحمن
القرشي.
وأبو سفيان بن سعيد بن المغيرة بن الأخنس بن شريق الثقفي. روى
عن أم حبيبة أم المؤمنين، وهو ابن أخيها. روى عنه أبو سلمة بن
عبد الرحمن، حديثه في أهل الحجاز. روى له أبو داود والنسائي (5) .
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (11/2439) .
(2) في سنن أبي داود: " توضأ ".
(3) زيد في سنن أبي داود: " قال أبو داود: في حديث الزهري: يا ابن أخي ".
(4) النسائي: كتاب الطهارة، باب: الوضوء مما غيرت النار (1/107) .
(5) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (33/7402) .
29* شرح سنن أبي داوود 1(1/449)
وأم حبيبة رملة بنت أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية، أم المؤمنين
أم حبيبة الأموية، هاجرت مع زوجها عبد الله بن جحش إلى أرض الحبشة
فتوفي، فتزوجها رسول الله سنة ست، ويقال: سبع. رُوي لها عن
رسول الله خمسة وستون حديثاً، اتفقا على حديثين، ولمسلم مثلها.
روى عنها: أخواها معاوية، وعنبسة، وابن أخيها عبد الله بن عتبة بن
أبي سفيان، وعروة بن الزبير، وأبو المليح عامر بن أسامة، وأبو صالح
السمان، وأبو سفيان بن سعيد المذكور، وغيرهم. توفيت سنة أربع
وأربعين. روى لها الجماعة (1) .
قوله: " قدحاً من سويق " القدح: الذي يؤكل فيه، والسويق معروف.
قوله: " أو مست النار " شك من الراوي، والمفعول في " غيرت "
و" مست " محذوف، والتقدير: غيرته ومسته. والحديث أخرجه النسائي
أيضاً وهو منسوخ كما ذكرنا.
***
68- باب: الوضوء من اللبن
أي: هذا باب في بيان الوضوء من شرب اللبن.
183- ص- حدّثنا قتيبة بن سعيد قال: نا الليث، عن عُقيل، عن
الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس: " أن النبيّ- عليه
السلام- شرب لبناً، فدعا بماء، فتمضْمض ثم قال: إن له دسماً " (2) .
__________
(1) انظر ترجمتها في: الاستيعاب بهامش الإصابة (4/303) ، وأسد الغابة
(7/115) ، والإصابة (4/305) .
(2) البخاري: كتاب الوضوء، باب: هل يمضمض من اللبن (211) ، مسلم:
كتاب الحيض، باب: نسخ الوضوء مما مست النار (95/358) ، الترمذي:
كتاب الطهارة، باب: في المضمضة من اللبن (89) ، النسائي: كتاب
الطهارة، باب: المضمضة من اللبن (1/109) ، ابن ماجه: كتاب الطهارة،
باب: المضمضة من شرب اللبن (498) .(1/450)
ش- الليث بن سعد.
وعقيل- بضم العين- بن خالد بن عقيل- بالفتح- الأيْلي (1)
أبو خالد الأموي، مولى عثمان بن عفان. روى عن: أبيه، وعكرمة
مولى ابن عباس، والزهري، وغيرهم. روى عنه: يونس بن يزيد
الأيلي (1) ، والليث بن سعد، ونافع بن يزيد، وجماعة آخرون. قال
أبو زرعة: صدوق، ثقة. توفي بمصر فجأة سنة أربع وأربعين ومائة
روى له الجماعة (2)
والزهري: محمد بن مسنم.
وعبيد الله بن عبد الله بن أبي ثور القرشي النوفلي مولاهم. سمع:
عبد الله بن عباس، وصفية بنت شيبة. روى عنه الزهري. روى له
الجماعة (3) .
قوله: " دسماً " منصوب على أنه اسم " إن "، وهو الدهن، تقول
فيه: دسم الشيء بالكسر. وفيه استحباب المضمضة من شرب اللبن.
وقالت العلماء: وكذلك غيره من المأكول والمشروب ليتطهر فمه لقراءة
القرآن وغيرها، ولئلا يبقى منه بقايا يبتلعها في حال الصلاة.
وقال الشيخ محيي الدين: " (4) واختلف العلماء في استحباب غسل
اليدين قبل الطعام وبعده، والأظهر استحبابه أولاً إلا أن يتيقن نظافة اليد
من النجاسة والوسخ، واستحبابه بعد الفراغ إلا أن لا يبقى على اليد أثر
الطعام بأن كان يابساً أو لم يمسه بها. وقال مالك: لا يستحب غسل اليد
للطعام إلا أن يكون على اليد أولا قذراً أو يبقى عليها بعد الفراغ رائحة " 0
__________
(1) في الأصل: " الأبُلي " خطأ.
(2) - انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (20/4001) .
(3) المصدر السابق (19/3650) .
(4) انظر: " شرح صحيح مسلم " (4/46) .(1/451)
وهذا الحديث أخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن
ماجه.
184- ص- (1) حدثنا عثمان بن أبي شيبة، عن زيد بن الحُباب، عن
مُطيع بن راشد، عن توبة العنبري، أنه سمع أنس بن مالك (2) : " أن
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شرب لبناً فلم يتمضمض، ولم يتوضأ وصلى " (3) .
وقال زيد: دلّني شعبةُ على هذا الشيخ
ش- مطيع بن راشد. روى عن توبة، روى عنه زيد بن الحباب،
روى له أبو داود (4) .
وتوبة بن أبي الأسد: كيسان العنبري أبو المُورعّ البصري، وقيل: توبة
ابن أبي المُورع، جد عباس بن عبد العظيم. سمع: أنس بن مالك،
والشعبي، وعكرمة مولى ابن عباس، ونافعاً، وغيرهم./روى عنه:
الثوري، وشعبة، وحماد بن سلمة، وغيرهم. قال أبو حاتم: ثقة.
مات في الطاعون سنة إحدى وثلاثين ومائة. روى له: البخاري،
ومسلم، وأبو داود، والنسائي (5) .
وفي هذا الحديث دليل على أن الرجل إذا شرب لبناً ونحوه ولم
يتمضمض لا بأس عليه، وفيه دليل على أن الحديث الذي فيه المضمضة من
اللبن منسوخ، وفي " المصنف ": حدثنا وكيع، عن مالك بن مغول،
عن طلحة قال: سالت أبا عبد الرحمن عن الوضوء من اللبن؟ قال:
من شراب سائغ للشاربين؟
__________
(1) وقع هذا الحديث في سنن أبي داود تحت: " باب الرخصة في ذلك " كما
سيذكر المصنف.
(2) في سنن أبي داود: " ... أنس بن يقول ".
(3) تفرد به أبو داود.
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (28/6013) .
(5) المصدر السابق (4/809) .(1/452)
وحدثنا محمد بن فضيل، عن عطاء بن السائب قال: كان
أبو عبد الرحمن في المسجد فأتاه مُدرك بن عمارة بلبن فشربه، فقال
مُدرك: هذا ماء فمضمض. قال: من أي شيء؟ أمن السائغ الطيب؟
وفي بعض النسخ على رأس الحديث: " باب الرخصة في ذلك "، أي
في ترك المضمضة عن شرب اللبن.
69- باب الوضوء من الدم
أي: هذا باب في بيان الوضوء من دم يخرج من الرجل.
185- ص- حدثنا أبو توبة الربيع بت نافع قال: نا ابن المبارك، عن
محمد بن إسحاق قال: حدثني صدقة بن يسار، عن عقيل بن جابر، عن
جابر قال: " خرجنا مع رسول الله- يعني في غزوة ذات الرقاع- فأصاب
رجلٌ امرأة رجلٍ من المشركين، فحلف أن لا أنتهي حتى أهريق دماً في
أصحاب محمد، فخرج يتبعُ أثر النبيّ- عليه السلام- فنزل النبيُّ- عليه
السلام- منزلا وقال: منْ رجلٌ يكلؤُنا؟ فانتُدب رجلٌ من المهاجرين ورجل
من الأنصار قال: كونا بفم الشعب. قال. فلما خرج الرجلان إلى فم
الشّعب، اضْطجع المُهاجري، وقام الأنصاريُ يُصلي، واتى الرجلُ، فلما
رأى شخْصهُ عرف أنه ربيئةً للقوم فرماه بسهمٍ، فوضعهُ فيه ونزعهُ حتى
قضى ثلاثة أسهم، ثم ركع وسجد، ثم انتبه صاحبُهُ، فلما عرف أنه قد
نذرُوا به هرب، ولما رأى المهاجري ما بالأنصاري من الدماء قال: سبحان الله
ألا أنبهتني أول ما رمى؟ قال: كنتُ في سورةٍ أقراها فلم أحب أن أقطعها " (1) .
ش- ابن المبارك هو عبد الله، ومحمد بن إسحاق بن يسار.
وصدقة بن يسار الجزري المكي، سكن مكة روى عن: عبد الله بن
عمر، والقاسم بن محمد، وطاوس بن كيسان. روى عنه: ابن جريج،
__________
(1) تفرد به أبو داود.(1/453)
ومالك، والثوري، وشعبة، وغيرهم. قال ابن معين: ثقة. وقال
أبو حاتم: صالح. توفي في أول خلافة بني العباس. روى له: مسلم،
وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه (1) .
وعقيل- بفتح العين- ابن جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام
الأنصاري المدني، روى عن: أبيه، روى عنه: صدقة بن يسار، روى
له أبو داود (2)
قوله: " في غزوة ذات الرقاع " كانت في سنة أربع من الهجرة. وذكر
البخاري أنها كانت بعد خيبر؛ لأن أبا موسى الأشعري جاء بعد خيبر،
وسميت الغزوة باسم شجرة هناك، وقيل باسم جبل هناك فيه بياض وسواد
وحمرة، يُقال له الرقاع، فسميت به. وقيل: سميت بذلك لرقاع كانت
في ألويتهم، وقيل: سميت بذلك لأن أقدامهم نُقبت فلفوا عليها الخرق،
وهذا هو الصحيح؛ لأن أبا موسى حاضر ذلك مشاهده، وقد أخبر به.
قوله: " حتى أهريق " أي: أريق، والهاء فيه زائدة.
قوله: " أثر النبي " بفتح الهمزة، والثاء، ويجوز بكسرها وسكون الثاء.
قوله: " من رجل " " من " هاهنا استفهامية، أي: أيُّ رجل يكلؤنا؟
أي: يحرسنا؟ من كلاً يكلاً كلاءةً من باب فتح يفتح، كلأته أكلؤه فأنا
كالىء وهو مكلوء، وقد تخفف همزة الكلاءة وتقلب ياء، فيقال كلاية.
قوله: " فانتدب " يقال: ندبه للأمر فانتدب له، أي: دُعي له
فأجاب، فالرجلان هما عمّار بن ياسر، وعباد بن بشر، ويقال:
الأنصاري هو عمارة بن حزم، والمشهور الأول.
قوله: " بفم الشعب " الشعب بكسر الشين: الطريق في الجبل،
وجمعه " شعاب ".
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (13/2871) .
(2) المصدر السابق (20/3995) .(1/454)
قوله: " وقلم الأنصاري ": وهو عباد بن بشر.
وقوله: " فصلى " جملة وقعت حالاً من " الأنصاري ".
قوله: " ربيئة " الربيئة- بفتح الراء وكسر الباء- هو العين والطليعة
الذي ينظر للقوم لئلا يدهمهم عدو، ولا يكون إلا على جبل أو شرف-
ينظر منه، من ربأ يربأ، من باب فتح يفتح، يقال:/يربأ أهله، أي:
يحفظهم من عدوهم، وارتبأت الجبل، أي: صعدته.
قوله: " فرماه " الضمير المرفوع فيه يرجع إلى الرجل المشرك، والضمير
المنصوب يرجع إلى الأنصاري.
قوله: " حتى قضى ثلاثة أسهم " أي:- حتى كمل ثلاثة أسهم؛ لأن
القضاء في اللغة على وجوه، ومرجع الجمع إلى انقطاع الشيء وتمامه،
وكلما أحكم عمله فقد قضى، ومنه القضاء المقرون بالقدر.
قوله: " قد نذروا به " بفتح النون وكسر الذال المعجمة أي: علموا به،
وأحسوا بمكانه.
قوله: " ألا أنبهتني " يجوز " ألا " بفتح الهمزة والتخفيف، ويكون
بمعنى الإنكار عليه عدم إنباهه، ويجوز بالفتح والتشديد، ويكون بمعنى
" هلا " بمعنى اللوم والعتب على ترك الإنباه.
قوله: " أول " نصب على الظرفية، أي: في أول ما رمى، و " ما "
مصدرية، والمعنى: في أول رميه إياه.
قوله: " كنت في سورة أقرأها " وكانت سورة الكهف- حكاه البيهقي.
وهذا الحديث صحيح رواه ابن حبان في " صحيحه " في النوع الخمسين من
القسم الرابع. ورواه الحاكم في " المستدرك " وصححه، وعلّقه البخاري
في " صحيحه " في كتاب الوضوء فقال: ويذكر عن جابر بن عبد الله:
" أن النبي- عليه السلام- كان في غزوة ذات الرقاع، فرُمي رجل بسهم
فنزفه الدم، فركع وسجد ومضى في صلاته ". ورواه الدارقطني في
" سننه "، والبيهقي في كتاب " دلائل النبوة "، واحتج الشافعي ومن معه(1/455)
بهذا الحديث: أن خروج الدم وسيلانه من غير السبيلين لا ينقض الوضوء،
فإنه لو كان ناقضاً للطهارة لكانت صلاة الأنصاري تفسد بسيلان الدم أول
ما أصابته الرمية ولم يكن يجوز له بعد ذلك أن يركع ويسجد، وهو
محدث.
واحتجت أصحابنا بأحاديث كثيرة، وأقواها وأصحها: ما روى البخاري
في " صحيحه " عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت:
" جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي- عليه السلام- فقالت: يا
رسول الله، إني امرأة أستحاض فلا أطهر، أفأدع الصلاة؟ قال: " إنما
ذلك عرق وليست بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا
أدبرت فاغسلي عنك ". قال هشام: قال أبي: ثم توضئي لكل صلاة
حتى يجيء ذلك الوقت (1) .
فإن قيل: قوله: " ثم توضئي لكل صلاة " من كلام عروة قلنا: بل
هو من كلام النبي- عليه السلام- ولكن الراوي علقه، إذ لو كان من
كلام عروة لقال: ثم تتوضأ لكل صلاة. فلما قال: توضئي شاكل ما
قبله في اللفظ، وأيضاً فقد رواه الترمذي فلم يجعله من كلام عروة ولفظه:
" وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وتوضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك
الوقت " وصحّحه (2) ، وأما احتجاج الشافعي بذاك الحديث مشكل جدا؛
لأن الدم إذا سال أصاب بدنه وجلده، وربما أصاب ثيابه، ومع إصابة
شيء من ذلك وإن كان يسيرًا لا تصح الصلاة عنده، ولئن قالوا: إن الدم
كان يخرج من الجراحة على سبيل الذرق (3) حتى لا يصيب شيئاً من ظاهر
بدنه. قلنا: إن كان كذلك فهو أمر عجب، وهو بعيد جدا.
وقوله: " في الدماء " يدل على أن الدم أصاب ثوبه أو بدنه أو كليهما،
__________
(1) البخاري: كتاب الوضوء، باب: غسل الدم (228) .
(2) الترمذي: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في المستحاضة (125) ، وانظر
تعليق الشيخ أحمد شاكر.
(3) الذرق: خُرءُ الطائر.(1/456)
ولم يُصب الأرض، والسهام كانت ثلاثة، فالظاهر أنها أصابت ثلاثة
مواضع، وذلك يدل على كثرة الدم، فلما لم يدل مضيه على جواز
الصلاة مع النجاسة، كذلك لا يدل على أن خروج الدم لا ينقض الوضوء،
على أنا نقول: إن هذا فعل واحد من الصحابة، ولعله كان مذهباً له، أو
لم يعلم بحكمه، والله أعلم.
وهاهنا قاعدة وهي: أن تقليد الصحابي واجب أم لا؟ فالشافعي في
قوله الجديد لا يُقلد أحداً منهم أصلاً، سواء كان مما يدرك بالقياس أو لا
يدرك وجوباً ولا جوازا، وجوز بعض الشافعية التقليد من غير وجوب.
وقال أبو سعيد البرذعي من أصحابنا: تقليد الصحابي واجب، يُتركُ به
القياس. وقال الكرخي وجماعة من أصحابنا: يجب تقليده فيما لا يُدركُ
بالقياس، وفيما يدرك بالقياس لا يجب. وهذا كله إنما هو في كل ما
ثبت عنهم من غير خلاف بينهم، وأما إذا ثبت الخلاف بينهم فلا يجب
تقليده إجماعاً، وإذا كان كذلك فكيف يقلد الشافعيُّ الأنصاري في صلاته
بالدم الخارج منه، وقد خالفه في ذلك جماعة من الصحابة مثل عمر،
وعثمان، وعلي، وابن مسعود، وابن عباس، وابن عمر، وثوبان،
وأبو (1) الدرداء، وزيد بن ثابت، وأبو موسى الأشعري رُوي عنهم أنهم
قالوا بمذهبنا، وهؤلاء فقهاء الصحابة متبع لهم في فتواهم فيجب
تقليدهم، وقد قيل: إنه مذهب العشرة/المبشرة، وقد روى مالك في
" الموطأ ": حدثنا نافع عن ابن عمر: " أنه كان إذا رعف رجع فتوضأ
ولم يتكلم، ثم رجع وبنى على ما قد صلى ".
وروى الشافعي في " مسنده ": حدثنا عبد المجيد، عن ابن جريج،
عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر: " أنه كان يقول: من أصابه
رعاف، أو مذي أو قيء انصرف فتوضأ، ثم رجع فبنى ". وقال النووي
في " الخلاصة ": ليس في نقض الوضوء وعدم نقضه بالدم والقيء
والضحك في الصلاة حديث صحيح.
__________
(1) كذا.(1/457)
70- باب: الوضوء من النوم
أي: هذا باب في بيان الوضوء من النوم.
186- ص- حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل قال: نا عبد الرزاق قال:
نا ابن جريج قال: أخبرني نافع قال: نا عبد الله بن عمر: " أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
شُغل عنها ليلة فأخّرها حتى رقدنا في المسجد، ثم استيقظنا، ثم رقدنا، ثم
استيقظنا، ثم رقدنا، ثم خرج علينا فقال: ليس أحد ينتظرُ الصلاة
غيركُم " (1) .
ش- عبد الرزاق بن همام، ونافع مولى- ابن عمر.
قوله: " شُغل عنها " أي: عن العشاء الآخرة.
قوله: " الصلاة " أي: صلاة العشاء، والألف واللام فيه للعهد.
ويستفاد من هذا الحديث فوائد، الأولى: أن نوم الجالس ممكناً مقعده (2)
لا ينقض الوضوء، ومحمل الحديث هذا وهو مذهب الأكثرين،
والصحيح من مذهب الشافعي.
" (3) وقد اختلف العلماء في النوم، فمذهب البعض: أن النوم لا
ينقض الوضوء على أي حال كان، وهذا محكي عن أبي موسى الأشعري،
وسعيد بن المسيب، وأبي مجلز، وحميد الأعرج، والشيعة. ومذهب
البعض أنه ينقض بكل حال، وهو مذهب الحسن البصري، والمزني،
وأبي عبيد القاسم بن سلام،- وإسحاق بن راهويه، وهو قول غريب
للشافعي قال ابن المنذر: وبه أقول. قال: وقد روي معناه عن ابن
عباس، وأبي هريرة. ومذهب البعض أن كثيره ينقض بكل حال وقليله لا
ينقض بكل حال، وهو مذهب الزهري، وربيعة، والأوزاعي، ومالك،
وأحمد في رواية. ومذهب البعض: أنه إذا نام على هيئة من هيئات
المصلين كالراكع والساجد والقائم والقاعد لا ينتقض وضوؤه سواء كان في
__________
(1) البخاري: كتاب مواقيت الصلاة، باب: النوم قبل العشاء لمن غُلب (570) ،
مسلم: كتاب المساجد، باب:- وقت العشاء وتأخيرها (221/639) .
(2) كذا.
(3) انظره في: " شرح صحيح مسلم " (4/73- 74) .(1/458)
الصلاة أو لم يكن، وإن نام مضطجعاً أو مستلقياً على قفاه انتقض، وهو
مذهب أبي حنيفة، وداود، وقول غريب للشافعي. ومذهب البعض أنه
لا ينقض إلا نوم الراكع والساجد، روي هذا عن أحمد. ومذهب البعض:
أنه لا ينقض إلا نوم الساجد، روي هذا عن أحمد أيضاً. ومذهب
البعض أنه لا ينقض النوم في الصلاة بكل حال،- وينقض خارج الصلاة،
وهو قول ضعيف للشافعي. ومذهب البعض: أنه إذا نام جالساً ممكناً
مقعدته من الأرض لم يُنقضْ وإلا انتقض سواء قل أو كثر، وسواء كان في
الصلاة أو خارجها، وهو مذهب الشافعي " (1) .
الثانية: أنه يستحب للإمام والعالم إذا تأخر عن أصحابه، أو جرى منه
ما يظن أنه يشق عليهم أن يعتذر إليهم، ويقول لهم: لكم في هذا
مصلحة من جهة كذا وكذا، أو كان لي عذر أو نحو هذا.
الثالث: فيه استحباب تأخير العشاء.
والحديث أخرجه البخاري، ومسلم.
187- ص- حدثنا شاذ بن فياض قال: ثنا هشام الدستوائي، عن قتادة،
عن أنس قال: " كان أصحابُ رسول الله ينتظرون العشاء الآخرة حتى تخْفق
رُؤُوسُهم، ثم يصلُون ولا يتوضؤون " (؟) .
ش- شاذ بن فياض أبو عُبيدة اليشكري واسمه: هلال، وشاذ لقب
غلب عليه. سمع: شعبة، وأبا حفص عمر بن إبراهيم العبدي. روى
عنه: عمرو بن علي الصيرفي، وعلي بن عبد العزيز البغوي، ومعاذ بن
المثنى، وغيرهم. روى له أبو داود (3) .
__________
(1) إلى ها انتهى النقل من " شرح صحيح مسلم ".
(2) مسلم: كتاب الحيض، باب: الدليل على أن نوم الجالس لا ينقض الوضوء
(376) ، الترمذي: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في الوضوء من النوم
(78) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (2/2682) .(1/459)
وهشام بن أبي عبد الله الربعي الدستوائي البصري، وقد ذكر.
قوله: " حتى تخفق رؤوسهم " أي: تسقط أذقانهم على صدورهم،
وهذا لا يكون إلا عن نوم مثقل، وهذا يدل على أن عين النوم ليس
بحدث، ولو كان حدثاً لاستوت فيه الأحوال كسائر الأحداث، ويؤيد
ذلك قوله:/ " كان أصحاب رسول الله ينتظرون العشاء الآخرة حتى
تخفق رؤوسهم " وذلك كثر عندهم حتى صار كالعادة لهم، ولم يكن
نادراً في بعض الأحوال، وفي وصف العشاء بالآخرة دليل على جواز
وصفها بها، وأنه لا كراهة فيه خلافاً لما يُحكى عن الأصمعي من كراهة ذلك.
وأخرجه مسلم من وجه آخر قال: " كان أصحاب رسول الله ينامون ثم
يصلون ولا يتوضؤون ".
ص- قال أبو داود: زاد قيه شعبة عن قتادة قال: " كُنا على (1) عهد
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ". ورواه ابن أبي عروبة عن قتادة بلفظ آخر.
ش- أي: زاد في هذا الحديث شعبة بن الحجاج، عن قتادة بن دعامة:
" كنا على عهد رسول الله "، والعهد بمعنى: الزمان والمدة. وقال في
" المطالع ": قولهم: " على عهد رسول الله " أي: على زمانه ومُدته.
قوله: " ورواه " أي: روى هذا الحديث أيضاً ابن أبي عروبة، واسمه:
سعيد، واسم أبي عروبة: مهران، وقد ذكرناه.
188- ص- حدّثنا موسى بن إسماعيل وداود بن شبيب قالا: نا حماد
ابن سلمة، عن ثابت البناني، أن أنس بن مالك قال: " أقيمت صلاةُ العشاء
فقام رجلٌ فقال: يا رسول الله، إن لي حاجة، فقام يناجيه حتى نعس القومُ أو
بعضُ القوم، ثم صلى بهم ولم يذكروا (2) وضوءا " (3) .
ش- ثابت بن أسلم أبو محمد البناني العابد البصري، وبنانة هم
__________
(1) في سنن أبي داود: " كنا نخفق على ".
(2) في سنن أبي داود: " يذكر ".
(3) البخاري: كتاب الأذان، باب: الإمام تعرض له الحاجة بعد الإقامة (642) ،
مسلم: كتاب الحيض، باب: الدليل على أن نوم الجالس لا ينقض الوضوء (376) .(1/460)
بنو سعد بن لؤي بن غالب. سمع: عبد الله بن عمر، وعبد الله بن
الزبير، وأنس بن مالك، وأبا برزة الأسلمي، وعبد الله بن مغفل، ومن
التابعين: أبا رافع الصائغ، وأبا عثمان النهدي، ومطرف بن عبد الله بن
الشخير، وغيرهم. روى عنه: يونس بن عبيد، وحميد الطويل،
والثوري، والحمادان، وشعبة، وغيرهم. قال أحمد وابن معين
وأبو حاتم: إنه ثقة ولا خلاف فيه، وكان من زهده أنه رُؤي يُصلي في
قبره. توفي سنة ثلاث وعشرين ومائة. روى له الجماعة (1) .
قوله: " فقام يناجيه " من المناجاة، وهي التحدث سرا.
قوله: " أو بعض القوم " شك من الراوي. ويستفاد من الحديث فوائد،
الأولى: جواز مناجاة الرجل الرجل بحضرة الجماعة، وإنما نُهي عن ذلك
بحضرة الواحد.
الثانية: جواز الكلام بعد إقامة الصلاة لا سيما في الأمور المهمة،
ولكنه مكروه في غير المهمة.
الثالثة: فيه دليل على تقديم الأهم فالأهم من الأمور عند ازدحامها،
فإنه- عليه السلام- إنما ناجاه بعد الإقامة في أمر مهم من أمور الدين،
مصلحته راجحة على تقديم الصلاة.
الرابعة: فيه دليل على أن نوم الجالس لا ينقض الوضوء، وهذه هي
المسألة المقصودة من الباب.
والحديث أخرجه البخاري ومسلم من حديث عبد العزيز بن صهيب،
عن أنس، وليس في رواية مسلم: " ولم يذكروا وضوءاً ".
189- ص- حدثنا يحيى بن معين وهناد بن السري وعثمان بن أبي شيبة
عن عبد السلام بن حرب- وهذا لفظ حديث يحيى- عن أبي خالد
الدالاني، عن قتادة، عن أبي العالية، عن ابن عباس: " أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (4/811) .(1/461)
كان يسجدُ وينامُ وينفخُ، ثم يقومُ فيصلّي ولا يتوضأ. فقلت له: صليت ولم
تتوضأ وقد نمت؟ وقال (1) : " إنما الوضوءُ على من نام مُضطجعاً " (2) .
ش- عبد السلام بن حرب المُلائي أبو بكر الكوفي. سمع أيوب
السختياني، ويونس بن عبيد، وأبا خالد الدالاني، وهشام بن حسان.
روى عنه: عبد الرحمن بن محمد، وأبو نعيم، وأبو سعيد الأشج،
وغيرهم. قال ابن معين: صدوق. وقال أبو حاتم: ثقة. توفي سنة
ست أو سبع وثمانين ومائة. روى له الجماعة (3) .
وأبو خالد يزيد بن عبد الرحمن بن أبي سلامة أبو خالد الأزدي
الدالاني، كان ينزل في بني دالان، ودالان بطن من همدان، ولم يكن
منهم. سمع: قتادة، وأبا عبيدة بن حذيفة، وعون بن أبي جحيفة،
وغيرهم. روى عنه: شعبة، والثوري، وزهير بن معاوية، وغيرهم.
قال ابن معين: ليس به بأس. وقال أبو حاتم: صدوق ثقة. روى له:
أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (4) .
وبه استدل أصحابنا أن من نام قائماً أو قاعداً/أو راكعاً أو ساجداً لا
ينقض وضوؤه، وكذا لو نام خارج الصلاة قائماً أو قاعداً. وقال الشافعي:
ينقض في هذه الهيئات، وله قولان في القاعد، وبه قال أحمد في رواية،
وعن مالك: لو طال في الركوع والسجود ينقض. وعن أحمد مثله،
وعن أبي يوسف: إذا تعمد النوم في الصلاة ينقض.
والحديث بإطلاقه حجة عليهم؛ لأنه قصر انتقاض الوضوء على نوم
الاضطجاع بقوله: " إنما الوضوء على من نام مضطجعاً "، وهذا الحصر
في أجناس النوم؛ لأن الوضوء ينتقض بعين النوم أيضاً، والنوم متكئاً أو
__________
(1) كذا، وفي سنن أبي داود: " فقال ".
(2) الترمذي: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في الوضوء من النوم (77) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (18/3418) .
(4) المصدر السابق (33/7336) .(1/462)
مستنداً إلى شيء لو أزيل لسقط في معنى النوم مضطجعاً؛ لأن العلة
استرخاء المفاصل، فيوجد ذلك في هذه الهيئات دون غيرها.
وأخرج هذا الحديث الترمذي، وأحمد في " مسنده "، والطبراني في
" معجمه "، وابن أبي شيبة في " مصنفه "، والدارقطني في " سننه ".
ص- زاد عثمان وهناد: " فإنه إذا اضطجع- وقد نام (1) - استرختْ
مفاصلُهُ ".
قال أبو داود: قوله: " الوضوء على من نام مضطجعاً " هو حديث منكر،
لا يرويه (2) إلا أبو خالد يزيد الدالاني، عن قتادة. وروى أوله جماعة عن
ابن عباس لم (3) يذكروا شيئاً من هذا. قال: " كان النبيُ- عليه السلام-
محفوظاً، وقالت عائشة- رضي الله عنها-: قال النبي- عليه السلام-:
" تنامُ عيناي ولا ينامُ قلبي ". وقال شعبة: إنما سمع قتادة من أبي العالية أربعة
أحاديث، حديث يونس بن متى، وحديث ابن عمر في الصلاة، وحديث
" القضاةُ ثلاثة "، وحديث ابن عباس: " حدثني رجال مرضيون منهم عمر،
وأرضاهم عندي عمر ".
قال أبو داود: " وذكرتُ حديث يزيد الدالاني لأحمد بن حنبل فقال: ما
ليزيد الدالاني يدخل على أصحاب قتادة (4) ؟.
ش- زاد عثمان بن أبي شيبة: وهناد بن السري في حديث ابن عباس:
" فإنه إذا اضطجع وقد نام استرخت مفاصله ". ورواه البيهقي في
" سننه " (5) ولفظه فيه: " لا يحب الوضوء على من نام جالساً أو قائماً أو
ساجداً حتى يضع جنبه، فإنه إذا اضطجع استرخت مفاصله ". وقال
__________
(1) غير موجود في سنن أبي داود.
(2) في سنن أبي داود: " لم يروه ".
(3) في سنن أبي داود: " ولم ".
(4) في سنن أبي داود: " وذكرت.... لأحمد بن حنبل فانتهرني استعظاماً،
وقال: ... على أصحاب قتادة؟ ولم يعبأ بالحديث ".
(5) (1/ 121)(1/463)
ابن عدي مسنداً عن مهدي بن هلال: ثنا يعقوب بن عطاء بن أبي رباح،
عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" ليس على من نام قائماً أو قاعداً وضوء حتى يضطجع جنبه إلى
الأرض " (1) . وأخرج ابن عدي أيضاً ثم البيهقي من جهته عن بحر بن
كنيز السقاء، عن ميمون الخياط، عن أبي عياض، عن حذيفة بن اليمان
قال: " كنتُ في مسجد المدينة جالساً أخفق، فاحتضنني رجل من خلفي
فالتفت، فإذا أنا بالنبي- عليه السلام. فقلت: يا رسول الله، هل
وجب عليّ وضوء؟ قال: لا حتى تضع جنبك ". قال البيهقي: تفرد به
بحر بن كنيز السقاء، وهو ضعيف لا يحتج بروايته (2) .
قوله: " هو حديث منكر " إلى آخره، قد عرفت أن المنكر هو الحديث
الذي ينفرد به الرجل ولا يعرف متنه من غير روايته، لا من الوجه الذي
رواه منه ولا في وجه آخر.
قلت: كيف يكون هذا منكراً، وقد استدل به ابن جرير الطبري أنه لا
وضوء إلا من نوم اضطجاع، وصحح هذا الحديث، وقال: الدالاني لا
يرفعه إلا عن العدالة والأمانة، والأدلة تدل على صحة خبره. وروى
مغيرة بن زياد، عن عطاء، عن ابن عباس قال: " من نام وهو جالس
فلا وضوء عليه، ومن اضطجع فعليه الوضوء " (3) . وقال قتادة عن ابن
عباس: " الذي يخفق رأسه لا يجب عليه الوضوء حتى يضع جنبه ".
وروى هشام بن عروة، عن نافع، عن ابن عمر: " أنه كان يستثقل نوماً
وهو جالس ثم يقوم إلى الصلاة ولا يتوضأ، وإذا وضع جنبه يتوضأ ".
وروى عبدة، عن عبد الملك، عن عطاء قال: " إذا نام الرجل في
الصلاة قائماً أو قاعداً أو ساجداً أو راكعاً فليس عليه وضوء إلا أن يضع
جنبه ". وروى يزيد بن قسيط أنه سمع أبا هريرة يقول: " من جلس
__________
(1) الكامل (8/229) .
(2) الكامل (2/235) ، البيهقي (1/120) .
(3) السنن الكبرى للبيهقي (1/120) .(1/464)
فنام فليس عليه وضوء حتى يضطجع "./وقال عكرمة وإبراهيم:
" الوضوء حتى يضع جنبه ". وروى أيوب، عن ابن سيرين: " أنه كان
ينام وهو قاعد ثم يصلي ولا يتوضأ ".
قوله: " كان النبي- عليه السلام- محفوظاً " يريد بهذا أن نومه- عليه
السلام- في سجوده ما كان يضره؛ لأنه كان محفوظاً من الله تعالى،
وغيره ليس بمحفوظ، يخاف عليه من خروج ريح ونحوه.
قوله: " وقالت عائشة " إلى آخره دليل آخر على أن نومه- عليه
السلام- ما كان كنوم غيره؛ لأنه- عليه السلام- كان ينام عينه ولا ينام
قلبه، بمعنى: أن ذهنه ما كان يغيب عنه، بل كان حاضراً في نومه ويقظته
بخلاف غيره، وأشار بهذين الكلامين أن هذا من خصائص النبي- عليه
السلام-، فلا يبقى وجهٌ للاحتجاج به في عدم انتقاض النوم في الهيئات
التي ذكرناها. قلنا: سلمنا أنه- عليه السلام- كان محفوظاً وأنه عينه
تنام ولا ينام قلبه، ولكن لا نسلم ترك الاحتجاج به، وكيف وقد وردت
أدلة أخرى مثلها يؤيد بعضها بعضاً تدل على صحة ما ذهبنا إليه.
قوله: " وقال شعبة " إلى آخره، إشارة إلى أن حديث قتادة منقطع.
وقال الترمذي: وقد رواه سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن ابن عباس
قوله، ولم يذكر فيه أبا العالية ولم يرفعه، وقال أبو القاسم البغوي:
يقال: إن قتادة لم يسمع هذا الحديث من أبي العالية. وقال الدارقطني:
تفرد به يزيد الدالاني، عن قتادة ولا يصح، وذكر ابن حبان أن يزيد
الدالاني كان كثير الخطأ، فاحش الوهم يخالف الثقات في الروايات،
حتى إذا سمعها المبتدئ في هذه الصناعة علم أنها معمولة أو مقلوبة، لا
يجوز الاحتجاج به إذا وافق الثقات، فكيف إذا انفرد عنهم بالمعضلات؟
وقال البيهقي: فأما هذا الحديث فإنه قد أنكره على يزيد الدالاني جميع
الحفاظ، وأنكر سماعه من قتادة أحمد بن حنبل، والبخاري، وغيرهما،
ولعل الشافعي وقف عليه حتى رجع عنه في الجديد. قلنا: ذكر أبو داود
هاهنا ناقلاً عن شعبة: أن قتادة سمع من أبي العالية أربعة أحاديث، وذكر
30. شرح سنن أبي داوود 1(1/465)
في كتاب السنة في حديث: " لا ينبغي لعبد أن يقول: أنا خير من يونس
ابن متى " أن قتادة لم يسمع من أبي العالية إلا ثلاثة أحاديث (1) ، وهذا
اختلاف كما ترى.
فإن قيل: قول من يقول: إن قتادة سمع من أبي العالية حديث ابن
عباس إثبات، وقول من يقول: لم يسمع نفي، والنفي مقدم على
الإثبات. قلنا: هذا لا يمشي في هذا المقام؛ لأن قول مدعي الإثبات قد
تأيد بالأدلة التي ذكرناها. وقول الدارقطني: " تفرد به يزيد الدالاني،
عن قتادة، ولا يصح " غير صحيح؛ لأن مذهب الفقهاء والأصوليين قبول
رفع العدل وزيادته، ويزيد قد وثّقه أبو حاتم وغيره. وقال ابن معين:
ليس به بأس. وقال ابن عدي: له أحاديث صالحة، وفي حديثه لين إلا
أنه مع لينه يكتب حديثه. وروى له أبو داود، والترمذي، والنسائي،
وابن ماجه. وبهذا يُردُّ قولُ ابن حبان أيضاً. وقول البيهقي: " قد أنكره
على يزيد جميع الحفاظ " مجرد دعوى لا يلتفت إليه. وقوله: " وأنكر
سماعه من قتادة: أحمد بن حنبل، والبخاري " غير صحيح لأن صاحب
" الكمال " ذكر أنه سمع قتادة. وقول أبي داود: " وذكرت حديث يزيد
الدالاني لأحمد بن حنبل فقال: ما ليزيد الدالاني يُدخل على أصحاب
قتادة " لا يدل على رده حديث يزيد، ولا على تضعيفه.
190- ص- حدثنا حيوة بن شريح في آخرين قالوا: نا بقية، عن
الوضين بن عطاء، عن محفوظ بن علقمة، عن عبد الرحمن بن عائذ، عن
علي بن أبي طالب قال: قال رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وكاءُ السه العينان، فمن نام
فليتوضأ " (2) .ً
__________
(1) روى أبو داود الحديث في باب التخيير بين الأنبياء- عليهم الصلاة والسلام-
(4669) ، ولم أجد في نسختنا ما نقله المصنف عنه، وقول أبي داود هذا قد
ذكره الزيلعي في " نصب الراية " (1/44- 45) ، فلعل المصنف قد نقله منه،
والله أعلم.
(2) ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: الوضوء من النوم (477) .(1/466)
ش- بقية بن الوليد.
والوضين بن عطاء بن كنانة بن عبد الله بن مصدع الخزاعي، أبو كنانة،
أو أبو عبد الله الدمشقي. روى عن: بلال بن سعد، ومحفوظ بن
علقمة، وسالم بن عبد الله بن عمر، وعطاء بن أبي رباح، وغيرهم.
روى عنه: بقية بن الوليد، وصدقة بن عبد الله السمين، ويحيى بن
حمزة، ومحمد بن عمر الواقدي، والحمادان، وغيرهم. قال: أحمد
ابن حنبل: هو ثقة/. توفي سنة تسع وأربعين ومائة. روى له:
أبو داود، وابن ماجه (1) .
ومحفوظ بن علقمة أبو جنادة الحضرمي الحمصي. روى عن: أبيه،
وعبد الرحمن بن عائذ. روى عنه: الوضين بن عطاء، وثور بن يزيد،
وأبو يحيى محمد بن راشد الخزاعي. قال ابن معين: ثقة. وقال
أبو زرعة: لا بأس به. روى له: أبو داود، وابن ماجه (2) .
وعبد الرحمن بن عائذ الثمالي الأزدي أبو عبد الله أو أبو عُبيد الله
الشامي الحمصي، يقال: إن له صحبة. روى عن: عمر بن الخطاب،
وعلي بن أبي طالب، ومعاذ بن جبل، وغضيف بن الحارث، وعوف بن
مالك، وأبي ذر الغفاري، وعبد الله بن عمرو، وجماعة آخرين. روى
عنه: محفوظ بن علقمة، وسليم بن عامر، ويحيى بن جابر الطائي،
وسماك بن حرب، وشريح بن عبيد. روى له: أبو داود، والترمذي،
وابن ماجه (3) .
قوله: " في آخرين " قد مر الكلام فيه مرة.
قوله: " وكاء السه " مبتدأ، و " العينان " خبره. السه: حلقة الدبر،
وهو من الاست، وأصلها سته بوزن فرس، وجمعها أستاه كأفراس
فحذفت الهاء وعوض منها الهمزة فقيل: است، فإذا رددت إليها الهاء
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (9/ 6689) .
(2) المصدر السابق (27/5809) .
(3) المصدر السابق (17/3863) .(1/467)
وهي لامها وحذفت العين التي هي التاء، انحذفت الهمزة التي جيء بها
عوض الهاء، فتقول: سه بفتح السين، ويروى: وكاء الست بحذف
الهاء وإثبات العين، والمشهور الأول، و " الوكاء " بكسر الواو: الحفظ
الذي تُشد به الصُّرة والكيس وغيرهما، ومعنى الحديث: أن الإنسان مهما
كان مستيقظاً كانت إسته كالمشدودة الموكئ عليها، فإذا نام انحل وكاؤها،
كنى بهذا اللفظ عن الحدث وخروج الريح، وهو من أحسن الكنايات
وألطفها، حيث جعل اليقظة للإست كالوكاء للقربة، كما أن الوكاء يمنع
ما في القربة أن يخرج، كذلك اليقظة تمنع الاست أن تحدث إلا باجتهاد،
وكنى بالعين عن اليقظة؛ لأن النائم لا عين له تبصر.
" (1) وقد استدل بهذا الحديث من زعم أن قليل النوم وكثيره ناقض،
وعلى أي هيئة كانت. والجواب: أن هذا النوع لا يُسمى نوماً مطلقاً،
وإنما يُسمى نعاساً، وذلك لأنه إذا وُجد منه النوم عُدم معه التماسك
أصلاً، على أن الحديث معلول بوجهين، أحدهما: بقية فيه مقال،
والثاني: الانقطاع، فذكر ابن أبي حاتم عن أبي زرعة في كتاب " العلل "
وفي كتاب " المراسيل ": أن ابن عائذ عن علي مرسل، وزاد في " العلل ":
أنه سأل أباه وأبا زرعة عن هذا الحديث فقالا: ليس بقوي. وأخرج هذا
الحديث ابن ماجه أيضاً، وأخرجه البيهقي عن بقية أيضاً: " العين وكاء
السه، فإذا نامت العين استطلق الوكاء " (2) . ورواه الطبراني في " معجمه "
وزاد: " فمن نام فليتوضأ "، وهو معلول بوجهين أيضاً، أحدهما:
الكلام في أبي بكر بن أبي مريم، قال أبو حاتم وأبو زرعة: ليس
بالقوي. والثاني: أن مروان بن جناح رواه عن عطية بن قيس، عن
معاوية موقوفاً " (3) .
__________
(1) انظر: نصب الراية (1/45- 46) .
(2) السنن الكبرى (1/118) .
(3) إلى هنا انتهى النقل من نصب الراية.(1/468)
71- باب: الرجل يطأ الأذى
أي: هذا باب في بيان حكم الرجل الذي يطأ الأذى، أي: النجاسة،
وفي بعض النسخ: " يطأ الأذى برجله ".
191- ص- حدثنا هناد بن السري وإبراهيم بن أبي معاوية، عن
أبي معاوية ج، قال: ونا عثمان بن أبي شيبة قال: حدّثني شريك وجرير
وابن إدريس، عن الأعمش، عن شقيق قال: قال عبد الله: " كنا لا نتوضأ
من موطئ، ولا نكفُ شعراً ولا ثوباً " (1) .
قال إبراهيم بن أبي معاوية فيه: عن الأعمش، عن شقيق، عن مسروق،
أو حدثه عنه قال: قال عبد الله، وقال هناد، عن شقيق أو حدثه عنه. قال:
قال عبد الله.
ش- إبراهيم هو: ابن محمد بن خازم، وهو أبو معاوية الضرير،
وقد ذكرنا ترجمته. روى عن: أبيه، وأبي بكر بن عياش، ويحيى بن
عيسى الرملي. روى عنه: أبو داود، وعليّ بن الحسين، وأبو حصين
الرملي. قال أبو زرعة: لا بأس به، صدوق صاحب سُنة. توفي سنة
ست وثلاثين ومائتين.
وشريك بن عبد الله النخعي، وجرير بن عبد الحميد الرازي.
وابن إدريس هو عبد الله بن إدريس بن يزيد بن عبد الرحمن بن الأسود
أبو محمد الأودي الكوفي. سمع: أباه، وربيعة بن عثمان، ويحيى بن
سعيد الأنصاري، والأعمش، وغيرهم./روى عنه: مالك بن أنس،
وعبد الله بن المبارك، وأحمد بن عبد الله بن يونس، وأحمد بن حنبل،
وابنا أبي شيبة، وغيرهم. قال ابن معين: ثقة في كل شيء. روى له
الجماعة (2)
__________
(1) ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: كف الشعر والثوب في الصلاة
(1041) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (14/3159) .(1/469)
وشقيق بن سلمة، وعبد الله بن مسعود- رضي الله عنه-.
قوله: " من موطئ " الموطئ: ما يوطأ من الأذى في الطريق، وأصله
الموطوء بالواو.
قوله: " ولا يكف شعراً ولا ثوباً " أي: لا نقيهما من التراب إذا صلينا
صيانة لهما عن التتريب، ولكن نرسلهما حتى يقعا بالأرض فيسجدا مع
الأعضاء. والمراد من الحديث: أنهم كانوا لا يعيدون الوضوء للأذى إذا
أصاب أرجلهم لا أنهم كانوا لا يغسلون أرجلهم ولا ينظفونها من الأذى إذا
أصابها.
قوله: " قال إبراهيم بن أبي معاوية فيه " أي: في هذا الحديث عن
سليمان الأعمش، عن شقيق، عن مسروق، عن عبد الله.
قوله: " أو حدثه عنه " يقرأ بوجهين، الأول: على صيغة المعلوم،
والمعنى: أو حدث شقيق الحديث عن مسروق قال: قال عبد الله.
والثاني: على صيغة المجهول ويكون الضمير المنصوب في حدثه راجعاً
إلى شقيق، والمعنى: حدثه محدث عن مسروق، عن عبد الله.
قوله: " وقال هناد: عن شقيق أو حدثه عنه " يجوز في " أو حدثه عنه "
الوجهان المذكوران فافهم.
ومسروق بن الأجدع بن مالك بن أمية بن عبد الله بن مُر بن سلمان بن
الحارث بن سعد بن عبد الله بن وداعة أبو عائشة الهمداني الكوفي. روى
عن: أبي بكر الصدّيق، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب.
وسمع: عمر بن الخطاب، وعبد الله بن مسعود، وخباب بن الأرت،
وزيد بن ثابت، وعبد الله بن عمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة،
وعائشة الصديقة. وروى عن معاذ بن جبل. روى عنه: أبو وائل شقيق
ابن سلمة (1) وهو أكبر منه، وإبراهيم النخعي، وغيرهم. وقال
__________
(1) في الأصل: " وأبو وائل وشقيق بن سلمة " كذا.(1/470)
أحمد بن عبد الله: تابعي ثقة، توفي سنة ثلاث وستين. روى له
الجماعة (1)
وحديث عبد الله هذا أخرجه ابن ماجه أيضاً.
***
72- باب: فيمن يحدث في صلاته (2)
أي: هذا باب في بيان حكم من يصيبه الحدث في الصلاة.
192- ص- حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: نا جرير بن عبد الحميد،
عن عاصم الأحول، عن عيسى بن حطان، عن مسلم بن سلام، عن علي بن
طلق قال: قال رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا فسى أحدُكُم في الصلاة فلينصرفْ،
وليتوضأ (3) ، وليُعد الصلاة " (4) .
ش- عيسى بن حطان- بكسر الحاء المهملة وتشديد الطاء- الرقاشي.
روى عن: علي بن أبي طالب، وعبد الله بن عمرو، ومصعب بن
سعد، ومسلم بن سلام. روى عنه: عاصم الأحول، ويزيد بن عياض،
وعليّ بن زيد، وغيرهم. روى له أبو داود، والترمذي (5) .
ومسلم بن سلام الحنفي أبو عبد الملك. روى عن طلق بن علي. روى
عنه عيسى بن حطان. روى له: أبو داود، والترمذي (6) .
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (27/5902) .
(2) في سنن أبي داود: " الصلاة ".
(3) في سنن أبي داود: " فليتوضأ ".
(4) النسائي: الكبرى، كتاب عشرة النساء (9024، 9025، 9026) ، فكر
حديث علي بن طلق في إتيان النساء في أدبارهن، الترمذي: كتاب الرضاع،
باب: في كراهية إتيان النساء في أدبارهن (1164، 1166) ، ويأتي برقم
(976) .
(5) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (22/4620) .
(6) المصدر السابق (27/5930) .(1/471)
وعلي بن طلق الحنفي اليمامي الصحابي، روى عنه مسلم بن سلام.
روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي (1) .
قوله: " إذا فسى " من فسى يفسو فسواً، والاسم الفساء بالمد، وبهذا
الحديث استدل الشافعي، ومالك، وأحمد: أن المصلي إذا أصابه الحدث
يتوضأ ويعيد الصلاة. وقال أصحابنا: يتوضأ ثم يبني على صلاته،
و" (2) استدلوا بما أخرجه ابن ماجه في " سننه " (3) في الصلاة عن
إسماعيل بن عياش، عن ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة
قالت: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من أصابه قيء أو رعاف أو قلس أو مذي
فلينصرف فليتوضأ، ثم لبين على صلاته، وهو في ذلك لا يتكلم ".
ورواه الدارقطني في " سننه " (4) ولفظه قال: " إذا قاء أحدكم في
صلاته، أو قلس فلينصرف، فليتوضأ، ثم لبين على ما مضى من صلاته
ما لم يتكلم "، قال الدارقطني: الحفاظ من أصحاب ابن جريج يروونه
عن ابن جريج، عن أبيه، عن النبي- عليه السلام- مرسلاً.
ورواه ابن عدي أيضاً في " الكامل " (5) . ورواه عبد الرزاق عن ابن
جريج مرسلاً. وقال: هذا هو الصحيح.
وبما رواه الدارقطني (6) أيضاً عن عمر بن رياح: ثنا عبد الله بن
طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس قال: " كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا رعف
في صلاته توضأ، ثم بنى على ما بقي من صلاته ".
وأخرج ابن أبي شيبة في " مصنفه " نحو هذا الحديث موقوفاً على عمر
ابن الخطاب، علي بن أبي طالب، وأبي بكر الصّدّيق، وسلمان،
__________
(1) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (3/69) ، وأسد الغابة
(4/125) ، والإصابة (2/510) .
(2) انظر: نصب الراية (2/61- 62) .
(3) كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في البناء على الصلاة (1221) .
(4) (1/153- 154) .
(5) (1/480- ترجمة إسماعيل بن عياش) .
(6) (1/156- 157) .(1/472)
وابن عمر، وابن مسعود. ومن التابعين عن علقمة، وطاوس، وسالم
ابن عبد الله، وسعيد بن جبير، والشعبي، وإبراهيم النخعي، وعطاء،
ومكحول، وسعيد بن المسيب.
والجواب عن هذا الحديث: أن هذا محمول على من تعمد ذلك،
وعند ذلك نحن نقول/أيضاً بعدم جواز البناء، على أن ابن القطان قال
في كتابه: وهذا حديث لا يصح، فإن مسلم بن سلام الحنفي مجهول
الحال. وقال الترمذي: سمعت محمداً يقول: لا أعرف لعلي بن طلق
غير هذا الحديث " (1) . وقال صاحب " الكمال " في ترجمة علي بن
طلق: روى عن النبي- عليه السلام- حديث: " لا تأتوا النساء في
أعجازهن "، وهذا يقوي كلام ابن القطان: إن هذا الحديث لا يصح.
***
73- باب: في المذي
أي: هذا باب فيْ بيان حكم المذي، المذي: بفتح الميم، وسكون
الذال المعجمة، وبكسر الذال، وتشديد الياء، وبكسر الذال وتخفيف
الياء، حكي ذلك عن ابن الأعرابي، وهو الماء الرقيق الذي يخرج عند
المداعبة والتقبيل. وقال ابن الأثير (2) : " هو البلل اللزج الذي يخرج من
الذكر عند ملاعبة النساء، ولا يحب فيه الغسل، وهو نجس يجب غسله
وينقض الوضوء ".
وقال غيره: يقال فيه: مذى الرجل وأمذى ومذَّى بالتشديد. والودي
بفتح الواو، وسكون الدال المهملة: ماء رقيق يخرج من الذكر بعد البول.
وقال ابن الأثير (3) : " الودي بسكون الدال وبكسرها، وتشديد الياء:
البلل اللزج الذي يخرج من الذكر بعد البول، ويقال: ودى، ولا يقال:
أودى. وقيل: التشديد أصح وأفصح من السكون ".
والمني بتشديد الياء: ماء خاثر أبيض، يتولد منه الولد، وينكسر به الذكر.
193- ص- حدثنا قتيبة بن سعيد قال: ثنا عبيدة بن حميد الحذاء، عن
__________
(1) إلى هنا انتهى النقل من نصب الراية
(2) النهاية (4/312) .
(3) النهاية (5/168) .(1/473)
الركين بن الربيع، عن حصين بن قبيصة، عن عليّ- رضي الله عنه- قال:
" كنتُ رجلاً مذاءً، فجعلتُ أغتسلُ حتى تشقق ظهري. قال: فذكرتُ
ذلك للنبيّ- عليه السلام- أو ذُكر له، فقال رسولُ الله عليه السلام: لا
تفعلْ، إذا رأيت المذي فاغسلْ ذكرك، وتوضأ وضوءك للصلاة، فإذا
فضخْت الماء فاغْتسلْ " (1) .
ش- عبيدةُ- بفتح العين، وكسر الباء الموحدة- ابن حميد بن صهيب
أبو عبد الرحمن الكوفي الحذاء التيمي، وقيل: الليثي، وقيل: الضبي.
سمع: عبد العزيز بن رفيع، والأعمش، ومنصور بن المعتمر،
وغيرهم. روى عنه: الثوري، وأحمد بن حنبل، وعمرو بن محمد
الناقد، وجماعة آخرون. قال ابن سعد: كان ثقة. وقال الساجي:
ليس بالقوي في الحديث، وهو من أهل الصدق. توفي سنة تسعين
ومائة، ومولده سنة تسع ومائة. روى له الجماعة (2) .
والركن بن الربيع بن عُميلة الفزاري أبو الربيع الكوفي. روى عن: أبيه،
وعبد الله بن عمر بن الخطاب، وعبد الله بن الزبير، وعكرمة، وحصين
ابن قبيصة. روى عنه: الثوري، وشعبة، وشريك، وزائدة، وغيرهم.
قال ابن معين: ثقة. وقال أبو حاتم: صالح. روى له الجماعة (3)
وحصن بن قبيصة الفزاري الكوفي. سمع: علي بن أبي طالب،
وعبد الله بن مسعود. روى عنه: الركين بن الربيع، والقاسم بن
عبد الرحمن. روى له: أبو داود، والنسائي، وابن ماجه (4) .
__________
(1) البخاري: كتاب العلم، باب: من استحيا فأمر غيره بالسؤال (132) ،
مسلم: كتاب الحيض، باب: المذي (303) ، النسائي: كتاب الطهارة،
باب: ثواب من توضأ كما أمر (1/97) ، وكتاب الغسل والتيمم، باب:
الوضوء من المذي (1/214) من طريق محمد ابن الحنفية عن أبيه به.
وأخرجه الترمذي: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في المني والمذي (114) ،
وابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: الوضوء من المذي (504) من طريق عبد
الرحمن بن أبي ليلى، عن علي به. وأخرجه النسائي: كتاب الطهارة،
باب: الغسل من المني (1/111) من طريق حصين بن قبيصة، عن علي به.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (19/3752) .
(3) المصدر السابق (9/1925) .
(4) المصدر السابق (6/1365) .(1/474)
قوله: " مذاء " المذاء فعال للمبالغة في كثرة المذي، وقد مذى الرجل
يمذي من باب ضرب يضرب، وأمذى والمذاء المماذاة فعال منه.
قوله: " حتى تشقق طهري " من تشقق الجلد يتشقق تشققاً.
قوله: " أو ذُكر له " شك من الراوي.
قوله: " فإذا فضخت الماء " بالفاء والضاد والخاء المعجمتين بمعنى دفقت.
وأخرج هذا الحديث البخاري ومسلم من حديث محمد بن عليّ- وهو
ابن الحنفية- عن أبيه بنحوه مختصراً، وأخرجه النسائي، والترمذي،
وابن ماجه من حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي، وقال الترمذي:
هذا حديث حسن صحيح.
واعلم أن خروج المذي لا يوجب الغسل بالإجماع. وقال أبو حنيفة
والشافعي وأحمد وجماهير العلماء: إنه يوجب الوضوء، وإنه نجس لهذا
الحديث.
ويستفاد من هذا الحديث فوائد، الأولى: أنه لا يوجب الغسل ويوجب
الوضوء.
الثانية: أن الماء إذا خرج على وجه الدفق يجب عليه الغسل.
الثالثة: أن الرجل ينبغي بل يجب عليه أن يسأل عن أمور دينه، وإن
كان فيه بشاعة بترك الحياء.
194- ص- حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن أبي النضر، عن
سليمان بن يسار، عن المقداد بن الأسود: أن علي بن أبي طالب- كرم الله
وجهه (1) - أمره أن يسأل (2) رسول الله عن الرجل إذا دنى من أهْله فخرج
منه المذيُ/ماذا عليه؟ فإن عندي ابنته، وأنا (3) أستحي أن أسأله. قال
__________
(1) كذا، وفي سنن أبي داود: " رضي الله عنه "، وتقدم التنبيه على هذه الكلمة
(ص/182) .
(2) في سنن أبي داود: " يسأل له ".
(3) كلمة " أنا " غير موجودة في سنن أبي داود.(1/475)
المقدادُ: فسألتُ رسول الله يكنً عن ذلك، فقال: " إذا وجد أحدُكُم ذلك
فلينضحْ فرجهُ، وليتوضأ وضوءهُ للصلاة " (1) .
ش- مالك بن أنس.
وأبو النضر سالم بن أبي أمية: أبو النضر المدني القرشي التيمي، مولى
عمر بن عبيد الله التيمي، وكاتبه. روى عن: أنس بن مالك، وعبد الله
ابن أبي أوفى، وعوف بن مالك، والسائب بن يزيد، وسعيد بن
المسيب، وجماعة آخرين. روى عنه: مالك، والثوري، والليث،
وغيرهم. وقال أحمد بن عبد الله: مدني ثقة، رجل صالح. توفي سنة
تسع وعشرين ومائة. روى له الجماعة (2) .
وسليمان بن يسار: أبو أيوب الهلالي أخو عطاء، وعبد الملك،
وعبد الله موالي ميمونة زوج النبي- عليه السلام-. سمع: عبد الله بن
عباس، وأبا هريرة، وجابر بن عبد الله، والمقداد بن الأسود، وغيرهم.
روى عنه: عمرو بن دينار، والزهري، ويحيى الأنصاري، وصالح بن
كيسان، ونافع مولى [ابن] عمر، وجماعة آخرون. قال ابن سعد:
كان ثقة، عالماً رفيعاً فقيهاً، كثير الحديث. مات سنة سبع ومائة، وهو
ابن ثلاث وسبعين سنة. روى له الجماعة (3) .
والمقداد بن الأسود هو: المقداد بن عمرو بن ثعلبة بن مالك بن ربيعة
ابن ثمامة البهراني الكندي، يكنى أبا الأسود، أو أبو (4) عمرو، أو
أبو (4) سعيد وإنما قيل ابن الأسود لأنه كان في حجر الأسود بن عبد يغوث
ابن وهب بن عبد مناف بن زهرة، شهد بدراً والمشاهد كلها. روي له عن
رسول الله اثنان وأربعون حديثاً، اتفقا على حديث واحد، ولمسلم ثلاثة.
__________
(1) النسائي: كتاب الطهارة، باب: ما ينقض الوضوء وما لا ينقض الوضوء من
المذي (1/97) ، ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: الوضوء من المذي (505) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (10/2141) .
(3) المصدر السابق (12/2574) .
(4) كذا.(1/476)
روى عنه: علي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، وابن عباس،
والسائب بن يزيد، وطارق بن شهاب، وغيرهم. مات بالجُرف وهو
على عشرة أميال من المدينة، ثم حمل على رقاب الرجال إليها سنة ثلاث
وثلاثين في خلافة عثمان، وهو ابن سبعين سنة، وصلى عليه عثمان.
روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (1) .
قوله: " فلينضح " المراد بالنضح هاهنا: الغسل، يدل عليه الحديث
الذي قبله: " فاغسل ذكرك ". قال الشيخ محيي الدين (2) : " النضح
يكون غسلاً ويكون رشا، وقد جاء في الرواية الأخرى: " يغسل ذكره "
فتعين حمل النضح عليه ".
وأخرجه النسائي وابن ماجه. وقال الإمام الشافعي: حديث سليمان
ابن يسار، عن المقداد مرسل، لا نعلم سمع منه شيئاً. وقال البيهقي:
هو كما قال. وقد رواه بكير بن الأشج، عن سليمان بن يسار، عن ابن
عباس من قصة علي، والمقداد موصولاً.
قلت: قد ذكر صاحب " الكمال " أن سليمان بن يسار سمع المقداد بن،
الأسود كما ذكرناه الآن. ويستفاد من هذا الحديث فوائد، الأولى: أن
المذي يوجب الوضوء ولا يوجب الغسل.
والثانية: جواز الاستنابة في الاستفتاء.
والثالثة: يجوز الاعتماد على الخبر المظنون مع القدرة على المقطوع به،
فإن عليا- رضي الله عنه- اقتصر على قول المقداد مع تمكنه من سؤال
النبي- عليه السلام-.
والرابعة: فيه استحباب حُسن العشرة مع الأصهار، وأن الزوج
__________
(1) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (3/472) ، وأسد الغابة
(5/251) ، والإصابة (3/454) .
(2) انظر: " شرح صحيح مسلم " (3/213) .(1/477)
يستحب له أن لا يذكر شيئاً يتعلق بجماع النساء والاستمتاع بهن بحضرة
أبيها وأخيها وابنها وغيرهم من أقاربها، ولهذا قال علي- رضي الله
عنه-: " فإن عندي ابنته وأنا أستحي ".
195- ص- وثنا أحمد بن يونس قال: نا زهير قال: نا هشام بن عروة،
عن عروة: أن علي بن أبي طالب قال للمقداد، وذكر نحو هذا، قال:
" فسأله المقدادُ، فقال رسولُ الله: ليغْسلْ ذكره وأنثييْه " (1) .
ش- زهير بن معاوية الكوفي.
قوله: " نحو هذا " أي: نحو الطريق المذكور.
قوله: " أنثييه " الأنثيان الخصيتان. وأخرجه النسائي ولم يذكر " أنثييه ".
وقال أبو حاتم الرازي: عروة بن الزبير عن علي مرسل. وقيل في غسل
الأنثيين: إنه استطهار بزيادة التطهر؛ لأن المذي ربما انتشر فأصابها،
ويُقال: إن الماء البارد إذا أصاب الأنثيين رد المذي، وكسر من غربه،
فلذلك أمره بغسلهما.
ص- قال أبو داود: رواه الثوري رحمه الله/وجماعة عن هشام بن
عروة، عن أبيه، عن المقداد، عن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه-، عن
النبي- عليه السلام- قال فيه: " والأنثيين " (2) .
ش- أي: روى هذا الحديث سفيان الثوري وغيره من الرواة عن هشام
ابن عروة، عن أبيه الزبير بن العوام (3) ، عن المقداد، عن عليّ بن
أبي طالب- رضي الله عنه- عن النبي- عليه السلام-
__________
(1) النسائي: كتاب الطهارة، باب: ما ينقض الوضوء وما لا ينقض الوضوء من
المذي (1/96) .
(2) غير موجود في سنن أبي داود، وفيه بدل منه: " حدثنا عبد الله بن مسلمة
القعنبي، قال: حدثنا أبي، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن حديث
حدثه عن علي بن أبي طالب قال: قلت للمقداد، فذكر معناه.
قال أبو داود: رواه المفضل بن فضالة وجماعة والثوري وابن عيينة، عن
هشام، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب. ورواه ابن إسحاق، عن هشام بن
عروة، عن أبيه، عن المقداد، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لم يذكر " أنثييه ".
(3) كذا، ولعل الجادة: " عن أبيه عروة بن الزبير ".(1/478)
قوله: " قال فيه " أي: قال أبو داود فيما روى الثوري وغيره:
" والأنثيين "، والمعنى: ليغسل ذكره والأنثيين.
196- ص- حثثنا مسدد قال: ثنا إسماعيل قال: ثنا محمد بن إسحاق
قال: حدثني سعيد بن عبيد بن السباق، عن أبيه، عن سهل بن حنيف قال:
" كنتُ ألقى من المذي شدةً، وكنتُ أكثرُ من (1) الاغتسال، فسألتُ رسول الله
عن ذلك فقال: " إنما يُجزئك من ذلك الوُضوءُ ". قلتُ: يا رسول الله،
فكيف بما يصيبُ ثوبي منه؟ فقال: " يكفيك أن تأخذ كفا من ماء، فتنضح
بها من تحت (2) ثوبك حيثُ ترى أنه أصابهُ " (3) .
ش- إسماعيل هذا هو ابن علية، وعلية أمه، واسم أبيه: إبراهيم بن
سهم بن مقسم البصري، أبو البشر الأسدي، أسد خزيمة مولاهم أصله
من الكوفة. سمع: عبد العزيز بن صهيب، وأيوب السختياني،
وحميدا (4) الطويل، وغيرهم. روى عنه: ابن جريج، وابن حنبل،
وابن معين، وابن أبي شيبة، وغيرهم. توفي ببغداد سنة أربع وتسعين
ومائة. روى له الجماعة (5) .
وسعيد بن عُبيد بن السباق أبو السباق الثقفي. روى عن: أبيه،
وأبي هريرة، وأبي سعيد الخدري، وغيرهم. روى عنه: الزهري،
وإسماعيل بن محمد، وابن إسحاق، وغيرهم. روى له: أبو داود،
والترمذي، وابن ماجه (6) .
وأبوه عبيد بن السباق الحجازي. روى عن: سهل بن حنيف، وأسامة
ابن زيد، وزيد بن ثابت، وغيرهم. روى عنه: ابنه سعيد،
__________
(1) في الأصل: " منه "، وما أثبتناه من سنن أبي داود.
(2) كلمة " تحت " غير موجودة في سنن أبي داود.
(3) الترمذي: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في المذي يصيب الثوب (115) ،
ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: الوضوء من المذي (506) .
(4) في الأصل: " حميد ".
(5) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (3/417) .
(6) المصدر السابق (10/2322) .(1/479)
وأبو أمامة بن سهل بن حنيف، والزهري، وغيرهم. روى له الجماعة (1)
وسهل بن حنيف بن وهب الأنصاري المدني أبو ثابت، أو أبو سعيد،
أو أبو الوليد، شهد بدراً والمشاهد كلها. رُوي له عن رسول الله أربعون
حديثاً، اتفقا على أربعة أحاديث، ولمسلم حديثان. روى عنه: ابنه
أبو أمامة بن سهل، وأبو وائل الأسدي، وعبد الرحمن بن أبي ليلى،
وغيرهم. توفي بالكوفة سنة ثمان وثلاثين، وصلى عليه علي بن أبي طالب،
وكبر عليه ستا وقال: هو من أهل بدر. روى له الجماعة (2) .
قوله: " إنما يجزئك " أي: يكفيك.
قوله: " فتنضح " أي: تغسل، وقيل: معناه: ترش بها، وأخرجه
الترمذي وابن ماجه. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، ولا
نعرف (3) مثل هذا إلا من حديث محمد بن إسحاق.
197- ص- حدثنا إبراهيم بن موسى قال: ثنا عبد الله بن وهب قال: نا
معاوية بن صالح، عن العلاء بن الحارث، عن حرام بن حكيم، عن عمه
عبد الله بن سعد قال: " سألت رسول الله عما يوجبُ الغسل؟ وعن الماء
يكونُ بعد الماء؟ فقال: " ذاك المذيُ، وكل فحْل يمْذي، فتغسلُ من ذلك
فرجك وأنثييك، وتوضأ وضُوءك للصلاة " (4) .
ش- معاوية بن صالح بن معاوية بن عبيد الله بن يسار، أبو عبيد الله
الأشعري الدمشقي. روى عن: محمد بن سهل الدمشقي، ويحيى بن
معين، ومحمد بن بشار بندار، وغيرهم. روى عنه: أبو حاتم،
__________
(1) المصدر السابق (19/3717) .
(2) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (2/92) ، وأسد الغابة
(2/470) ، والإصابة (2/87) .
(3) في الأصل: " ولا نعرفه ".
(4) تفرد به أبو داود.(1/480)
وأبو زرعة، وأبو عوانة، والنسائي، وقال: لا بأس به. توفي بدمشق
سنة ثلاث وستين ومائتين (1) .
والعلاء بن الحارث بن عبد الوارث، أبو وهب الدمشقي. روى عن:
مكحول، والقاسم بن عبد الرحمن، وحكيم بن حرام (2) ، وغيرهم.
روى عنه: الأوزاعي، ومعاوية بن صالح، ومعاوية بن يحيى، وغيرهم.
قال أحمد بن حنبل: هو صحيح الحديث. وقال ابن المديني: ثقة.
توفي سنة ست وثلاثين ومائة، وهو ابن سبعين سنة. روى له الجماعة
إلا البخاري (3) .
وحرام- بالحاء والراء المهملتين- ابن حكيم بن خالد بن سعد بن
حكم الأنصاري. روى عن: أبي هريرة، وعمه عبد الله بن سعد،
وأبي ذر الغفاري، وأنس بن مالك، وغيرهم. روى عنه: العلاء بن
الحارث، وزيد بن واقد، وعبد الله بن العلاء بن زيد،/وغيرهم.
قال العجلي: ثقة. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن
ماجه (4) .
وعبد الله بن سعد الأنصاري عم حرام بن حكيم الدمشقي عداده في
أهل الشام، يقال: إنه شهد القادسية، وكان يومئذ على مقدمة الجيش.
روى عنه: حرام بن حكيم، وخالد بن معدان. روى له: أبو داود،
والترمذي، وابن ماجه (5) .
قوله: " وعن الماء يكون بعد الماء " أي: وسألته أيضاً عن المذي يكون
بعد البول.
قوله: " وذاك " إشارة إلى الماء يكون بعد الماء.
قوله: " وكل فحل " مبتدأ، وخبره: قوله: " يمذي " يجوز أن يكون
من أمذى ومن مذى بالتخفيف، ومذى بالتشديد.
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (28/6059) .
(2) كذا، والجادة: " حرام بن حكيم ".
(3) المصدر السابق (22/4560) .
(4) المصدر السابق (5/1153) .
(5) المصدر السابق (15/3299) .
31. شرح سنن أبي داوود 1(1/481)
قوله: " فتغسل من ذلك " مضارع مرفوع، ولكن بمعنى الأمر، وكذلك
قوله: " وتوضأ " وأصله تتوضأ حذفت منه إحدى التاءين للتخفيف كما
في (ناراً تلظى) (1) أصله " تتلظى ". وروى هذا الحديث أحمد في
" مسنده ". قال عبد الحق في " أحكامه ": " إسناده لا يحتج به ".
198- ص- حدّثنا هارون بن محمد بن بكار قال: نا مروان بن محمد
قال: أنا الهيثم بن حميد قال: نا العلاء بن الحارث، عن حرام بن حكيم،
عن عمه: " أنه سأل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما يحل لي من امرأتي وهي حائض؟ قال:
لك ما فوق الإزار ". وذكر مؤاكلة الحائض أيضاً، وساق الحديث (2) .
ش- هارون بن محمد بن بكار بن بلال (3) العامري الدمشقي. روى
عن: مروان بن محمد، وأبيه محمد بن بكار، ومحمد بن عيسى،
وغيرهم. روى عنه: أبو داود، والنسائي، وأبو حاتم الرازي، وقال:
صدوق. وقال النسائي: لا بأس به (4) .
ومروان بن محمد بن حسان، أبو بكر الدمشقي. سمع: سعيد بن
عبد العزيز، ومالك بن أنس، والهيثم بن حميد، وغيرهم. روى عنه:
صفوان بن صالح، وهشام بن خالد الأزرق، وعبد الله بن أحمد بن
__________
(1) سورة الليل: (14) .
(2) الترمذي: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في مؤاكلة الحائض وسؤرها (133) .
تنبيه: في سنن أبي داود ذُكر حديث بعد هذا، وقد سقط من نسختنا، وهو:
حدثنا هشام بن عبد الملك اليزني، حدثنا بقية بن الوليد، عن سعد الأغطش
- وهو: ابن عبد الله- عن عبد الرحمن بن عائذ الأزدي، قال هشام: وهو
ابن قرط أمير حمص، عن معاذ بن جبل قال: " سألت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عما
يحل للرجل من امرأته وهي حائض؟ قال: فقال: ما فوق الإزار، والتعفف
عن ذلك أفضل ".
قال أبو داود: ولي هو- يعني الحديث- بالقوي.
(3) في الأصل: " بكار ".
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (30/6523) .(1/482)
ذكوان، وجماعة آخرون. قال أبو حاتم: ثقة. روى له: مسلم،
وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه (1) .
والهيثم بن حميد أبو أحمد الغساني مولاهم الدمشقي. سمع: العلاء
ابن الحارث، ويحيى بن الحارث، والنعمان بن المنذر، والأوزاعي،
وغيرهم. روى عنه: مروان بن محمد، وعبد الله بن يوسف،
وأبو توبة الربيع بن نافع، وغيرهم. قال ابن معين: ثقة. وقال
النسائي: ليس به بأس. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي،
وابن ماجه (2) .
قوله: " وهي حائض " جملة اسمية وقعت حالاً من قوله: " امرأتي "
يقال: حاضت المرأة تحيض حيضاً ومحيضاً فهي حائض وحائضة، والجمع
" حيض " و " حوائض "، والحيض في اللغة: السيلان، يقال: حاضت
السمُرة إذا خرج منها الصمغ، وحاضت الأرنب إذا خرج منها الدم،
وفي الشرع: دم ينفضه رحم امرأة سليمة عن الداء والصغر.
قوله: " لك ما فوق الإزار " أي: لك أن تستمتع بما فوق الإزار، وما
تحت الإزار ليس له أن يستمتع به، وهو من السرة إلى الركبة؛ لأن
عادتهن أن يشددن الأزر في وسطهن أيام حيضهن، وبهذا احتج أبو حنيفة
أن قربان ما تحت الإزار حرام، وبه قال مالك، والشافعي، وأبو يوسف
في رواية، وقال محمد: لا يجتنب إلا موضع الدم، وبه قال أحمد،
وداود، وأصبغ، وأبو إسحاق، وعليّ بن أبي هريرة، وأبو يوسف في
رواية، والحديث حجة عليهم.
قوله: " وذكر مؤاكلة الحائض " أي: ذكر عبد الله بن سعد في حديثه
مؤاكلة الحائض، أي: أكل الطعام معها، وساق الحديث، وهو ما رواه
الترمذي: حدثنا عباس العنبري ومحمد بن عبد الأعلى قالا: نا
عبد الرحمن بن مهدي، نا معاوية بن صالح، عن العلاء بن الحارث،
__________
(1) المصدر السابق (27/5876) .
(2) المصدر السابق (30/6643) .(1/483)
عن حرام بن معاوية، عن عمه عبد الله بن سعد قال: سألت النبي
- عليه السلام- عن مؤاكلة الحائض فقال: " واكلها " قال: وفي الباب
عن عائشة وأنس. قال أبو عيسى: حديث عبد الله بن سعد حديث حسن
غريب، وهو قول عامة أهل العلم، لم يروا بمؤاكلة الحائض بأساً.
وسيجيء له باب عقد [هـ] له أبو داود.
***
/74- باب: في الإكسال
أي: هذا باب في بيان حكم الإكسال، من أكسل الرجل إذا جامع ثم
أدركه فتور فلم ينزل، ومعناه: صار ذا كسل، وفي كتاب العين: كسل
الفحل إذا فتر عن الضراب.
199- ص- حدثنا أحمد بن صالح قال: ثنا ابن وهب قال: أخبرني
عمرو- يعني ابن الحارث- عن ابن شهاب قال: حدثني بعض من أرضى،
أن سهل بن سعد الساعدي أخبره، أن أبي بن كعب أخبره: " أن رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما جعل ذلك رخصة للناس في أوّل الإسلام لقلة الثياب، ثم أمرنا
بالغُسل، ونهى عن ذلك " (1) .
قال أبو داود: يعني: " الماء من الماء ".
ش- أحمد بن صالح المصري المعروف بابن الطبري قد ذكر. وابن
وهب هو عبد الله بن وهب، وعمرو بن الحارث المصري، وابن شهاب
هو محمد بن مسلم الزهري.
وأُبي بن كعب بن قيس (2) الأنصاري، أبو المنذر، أو أبو الطفيل.
رُوي له عن رسول الله مائة حديث وأربعة وستون حديثاً، اتفقا منها على
__________
(1) الترمذي: كتاب الطهارة، باب: ما جاء أن الماء من الماء (110) ، ابن
ماجه: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في وجوب الغسل إذا التقى الختانان
(609) .
(2) في الأصل: " بن المنذر " كذا.(1/484)
ثلاثة أحاديث، وانفرد البخاري بأربعة ومسلم بسبعة. روى عنه:
أبو أيوب الأنصاري، وعبد الله بن عباس، وأبو موسى الأشعري،
وغيرهم من الصحابة، ومن التابعين: سُويد بن غفلة، وزر بن حبيش،
وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وغيرهم. مات سنة تسع عشرة، وقيل:
سنة عشرين أو اثنتين وعشرين أو ثلاثين بالمدينة، شهد بدراً والعقبة الثانية.
روى له الجماعة (1) .
قوله: " إنما جعل ذلك " أي: " الماء من الماء " كما فسره أبو داود
بقوله: " يعني: الماء من الماء ".
والحاصل: أن وجوب الغسل كان في إنزال الماء لا غير، وذلك كان
في أول الإسلام رخصة لقلة ثياب الناس، ثم نسخ ذلك، وأمر بالغسل
بالإكسال، وإن لم ينزل، وقد بقي على المذهب الأول جماعة من
الصحابة لم يبلغهم خبر التقاء الختانين، منهم: سعد بن أبي وقاص،
وأبو أيوب الأنصاري، وأبو سعيد الخدري، ورافع بن خديج، وزيد بن
خالد، وممن ذهب إلى قولهم: سليمان الأعمش، ومن المتأخرين: داود
ابن علي. ومن الناس من ادعى أن التنصيص على الشيء باسمه العلم
يوجب نفي الحكم عما عداه؛ لأن الأنصار فهموا عدم وجوب الاغتسال
بالإكسال من قوله- عليه السلام-: " الماء من الماء " أي: الاغتسال
واجب بالمني، فالماء الأول هو المطهر، والثاني هو المني، و " من "
للسببية، والأنصار كانوا من أهل اللسان وفصحاء العرب، وقد فهموا
التخصيص منه حتى استدلوا به على نفي وجوب الاغتسال بالإكسال لعدم
الماء، ولو لم يكن التنصيص باسم الماء موجباً للنفي عما عداه لما صح
استدلالهم على ذلك. ومذهب الجمهور أن التنصيص باسم الشيء لا يدل
على نفي الحكم عما عداه؛ لأن قوله تعالى: (ولا تقُولن لشيء إني
__________
(1) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (1/47) ، وأسد الغابة (1/61) ،
والإصابة (1/19) .(1/485)
فاعلٌ ذلك غداً* إلا أن يشاء اللهُ) (1) أي: إلا أن تقول: إن شاء الله،
لم يدل على تخصيص الاستثناء بالغد دون غيره من الأوقات في المستقبل
كبعد الغد، وبعد شهر، أو سنة ونحوها. وكذا قوله- عليه السلام-:
" لا يبولن أحدكم في الماء الدائم، ولا يغتسلن فيه من الجنابة " (2) لم
يدل على التخصيص بالجنابة دون غيرها من أسباب الاغتسال كالحيض
والنعاس، وأما استدلال الأنصار على انحصار الغسل على الماء، فليس
من دلالة التنصيص على التخصيص، بل باللام المعرفة الموجبة للاستغراق
عند عدم المعهود، فيصير المعنى: جميع الاغتسالات المتعلقة بالمني منحصر
فيه لا يثبت لغيره، فلا يحب الغسل بالإكسال لعدم الماء، لكن نحن
نقول: إن الماء تارة يثبت عياناً كما في حقيقة الإنزال، ومرة دلالة كما في
التقاء الختانين، فإنه سبب لنزول الماء، فأقيم مقامه لكونه أمراً خفيا كالنوم
أقيم مقام الحدث، لتعذر الوقوف عليه.
200- ص- حدّثنا محمد بن مهران الرازي قال: ثنا مُبشر الحلبي، عن
محمد أبي غسان، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد قال: حدثني أبي بن
كعب أن الفتيا التي كانوا يفتُون أن الماء من الماء كأنتْ رُخصةً رخّصها
رسولُ الله/في بدء الإسلام، ثم أمر بالاغتسال بعدُ (3) .
ش- محمد بن مهران الجمال أبو جعفر الرازي. سمع: معتمر بن
سليمان، وجرير بن عبد الحميد، وعيسى بن يونس، وفضيل بن عياض،
وبهز بن أسد، ومبشرا (4) الحلبي، وغيرهم. روى عنه: أبو زرعة،
وأبو حاتم، والبخاري، ومسلم، وأبو داود، وغيرهم. توفي أول سنة
تسع وثلاثين ومائتين (5) .
__________
(1) سورة الكهف: (23، 24) .
(2) تقدم برقم (58) .
(3) انظر الحديث السابق.
(4) في الأصل: " مبشر ".
(5) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (26/5637) .(1/486)
ومبشر بن إسماعيل أبو إسماعيل الحلبي الكلبي مولاهم. سمع:
الأوزاعي، وشعيب بن أبي حمزة، وتمام بن نجيح، وغيرهم. روى
عنه: عثمان بن أبي شيبة، وزياد بن أيوب، ودُحيم، ومحمد بن مهران،
وغيرهم. قال ابن سعد: كان ثقة مأموناً. مات بحلب سنة مائتين.
روى له الجماعة إلا النسائي (1) .
ومحمد بن مطرف بن داود بن مطرف بن عبد الله بن سارية، أبو غسان ح
الليثي المدني، من مدينة الرسول، نزل عسقلان الشام. وسمع:
أبا حازم سلمة بن دينار، وصفوان بن سُليم، ومحمد بن المنكدر، وابن
عجلان، وغيرهم. روى عنه: الثوري، وان المبارك، ومبشر الحلبي،
وغيرهم. قال أحمد: ثقة. وقال ابن حبان: ثبت ثقة. وقال النسائي:
لا بأس به، وكذا قال أبو داود. روى له الجماعة (2) .
وأبو حازم سلمة بن دينار الأعرج.
قوله: " إن الفُتيا " قال في " الصحاح ": استفتيت الفقيه في مسألة
فأفتاني، والاسم: الفتيا والفتوى، ويسمى به لأنه يقوي السائل، ومنه
الفتى وهو الشاب القوي، والفتيُّ من الإبل القويّ.
قوله: " كانت رخصة في بدء الإسلام " أي: في ابتداء الإسلام، ثم
نسخ وأمر بالاغتسال، وكل شيء يكون ثابتاً على أعذار العباد تيسيراً يسمى
رخصة من الرخْص وهو الناعم، والرخصة في الأمر خلاف التشديد.
وأخرجه الترمذي وابن ماجه بنحوه. وقال الترمذي: هذا حديث حسن
صحيح.
201- ص- حدثنا مسلم بن إبراهيم الفراهيدي قال: ثنا هشام وشعبة،
عن قتادة، عن الحسن، عن أبي رافع، عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن
__________
(1) المصدر السابق (27/5767) .
(2) المصدر السابق (26/5614) .(1/487)
النبي- عليه السلام- قال: " إذا قعد بين شُعبها الأربع، وألزق الختان
بالختان، فقدْ وجب الغُسلُ " (1) .
ش- هشام بن أبي عبد الله سنبر أبو بكر الدستوائي، وشعبة بن
الحجاج، وقتادة بن دعامة، والحسن البصري.
وأبو رافع اسمه: نفيع الصائغ المدني، أدرك الجاهلية ولم ير النبي
- عليه السلام- انتقل إلى البصرة. روى عن أبي بكر الصديق، وسمع:
عمر بن الخطاب، وعثمان، وعليا، وابن مسعود، وزيد بن ثابت،
وأبا موسى الأشعري، وأبا هريرة، وحفصة زوج النبي- عليه السلام-.
روى عنه: الحسن البصري، وثابت البناني، ومروان الأصفر، وغيرهم.
قال ابن سعد: كان ثقة. وقال أبو حاتم: ليس به بأس. روى له
الجماعة (2) .
قوله: " بين شعبها الأربع " وفي رواية: " أشعُبها " الشُعب: النواحي،
جمع " شُعبة "، والأشعُب جمع " شعب ". قال ابن الأثير (3) :
" الشُعْبة: الطائفة من كل شيء، والقطعة منه " 0 وفي " الصحاح ":
الشُعْبة: الفرقة. واختلفوا في المراد بالشُّعب الأربع، فقيل: هي اليدان
والرجلان، وقيل: الرجلان والفخذان. وقيل: الرجلان والشفران.
واختار القاضي عياض أن المراد: شعب الفرج الأربع، أي: نواحيه
الأربع، وكأنه يحوم على طلب الحقيقة الموجبة للغسل، والأقرب أن
يكون المراد اليدين والرجلين، أو الرجلين والفخذين، ويكون الجماع
__________
(1) البخاري: كتاب الغسل، باب: إذا التقى الختانان (291) ، مسلم:
كتاب الحيض، باب: نسخ الماء من الماء (87، 348) ، النسائي: كتاب
الطهارة، باب: وجوب الغسل إذا التقى الختانان (1/110- 111) ، ابن
ماجه: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في وجوب الغسل إذا التقى الختانان
(610) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (30/6467) .
(3) النهاية (2/477) .(1/488)
مكنى عنه بذلك، [و] يكتفي بما ذكر عن التصريح، وإنما رجح هذا
لأنه أقرب إلى الحقيقة في الجلوس بينهما، وأما إذا حُمل على نواحي
الفرج فلا جلوس بينهما، وقد يكتفي بالكناية عن التصريح لا سيما في
أمثال هذا المكان، الذي يستحي من التصريح بذكرها، وأيضاً فقد نقل
عن بعضهم أنه قال: الجهد من أسماء النكاح، فلا يحتاج أن يجعل
قوله: " قعد بين شعبها الأربع " كناية عن الجماع، فإنه صرح به بعد
ذلك، وهو قوله: " ثم جهدها "، وهذا في رواية البخاري ومسلم،
وفي رواية أبي داود أيضاً يصرح بذلك بقوله: " وألزق الختان بالختان "
وليس في رواية الصحيحين ذلك، وفي لفظ لمسلم: " وإن لم ينزل "،
والضمير في " شعبها " يرجع إلى المرأة، وإن لم يمض ذكرها، لدلالة
السياق عليه كما في قوله تعالى/: (حتى توارتْ بالحجاب) (1) .
قوله: " وألزق الختان " أي: موضع الختان؛ لأن الختان اسم للفعل،
أي: ألزق موضع الختان بموضع الختان منها، ومعنى الحديث: أن إيجاب
الغسل لا يتوقف على نزول المني، بل متى غابت الحشفة في الفرج وجب
الغسل عليهما وإن لم ينزل، وهذا لا خلاف فيه اليوم، وقد كان فيه
خلاف لبعض الصحابة ومن بعدهم كما ذكرناه، ثم انعقد الإجماع على
ما ذكرناه، والدبر مثل القبل مُطلقاً، ويجب على المفعول به أيضاً،
وشرط الإنزال في البهيمة والميتة عندنا خلافاً للشافعي ومالك وأحمد، ولو
أولج الحشفة بخرقة إن وجد لذة يجب وإلا فلا، وعندهم يجب مطلقاً،
ولو غيب بعض الحشفة لا يترتب عليه شيء بالإجماع إلا في وجه شاذ
للشافعية أن حكمه حكم الكل، وقال الشيخ محيي الدين (2) : " إذا كان
الذكر مقطوعاً، فإن بقي منه دون الحشفة لم يتعلق به شيء من الأحكام،
وإن كان الباقي قدر الحشفة فحسب تعلقت الأحكام بتغييبه بكماله، وإن
كان زائداً على قدر الحشفة ففيه وجهان مشهوران، أصحهما: أن الأحكام
__________
(1) سورة ص: (32) .
(2) انظر: " شرح صحيح مسلم " (4/41) .(1/489)
تتعلق بقدر الحشفة منه. والثاني: لا يتعلق بشيء من الأحكام إلا بتغييب
جميع الباقي ".
202- ص- حد ثنا أحمد بن صالح قال: نا ابن وهب قال: أخبرني
عمرو، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي سعيد
الخدري، أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الماءُ من الماء " (1) ، وكان أبو سلمة يفعل
ذلك.
ش- عمرو بن الحارث. قد ذكرنا أنه منسوخ عند جمهور الصحابة ومن
بعدهم، ويعنون بالنسخ أن الغسل من الجماع بغير إنزال كان ساقطاً، ثم
صار واجباً. وذهب ابن عباس وغيره إلى أنه ليس بمنسوخ، بل المراد به
نفي وجوب الغسل بالرؤية في النوم إذا لم ينزل، وهذا الحكم باق بلا
شك. وهذا نسخ السُّنة بالسُّنة، وهذا على أربعة أوجه، أحدها: نسخ
السُّنة المتواترة بالمتواترة.
والثاني: نسخ خبر الواحد بمثله.
والثالث: نسخ الآحاد بالمتواتر.
والرابع: نسخ المتواتر بالآحاد.
فالثلاثة الأولى جائزة بلا خلاف، وأما الرابع فلا يجوز عند الجمهور.
وقال بعض أهل الظاهر: يجوز. وأخرجه مسلم ولفظه: " إنما الماء من
الماء ".
قوله: " وكان أبو سلمة " عبد الله بن عبد الرحمن " يفعل ذلك " أي:
يرى وجوب الغسل من إنزال المني.
__________
(1) مسلم: كتاب الطهارة، باب: إنما الماء من الماء (343) .(1/490)
75- باب: الجنب يعود
أي: هذا باب في بيان حكم الجنب الذي يعود إلى الجماع قبل الغسل.
203- ص- حدثنا مسدد بن مسرهد قال: ثنا إسماعيل قال: [ثنا]
حميد الطويل، عن أنس بن مالك قال: " كان (1) رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طاف على
نسائه في غُسلٍ واحد " (2) .
ش- إسماعيل هو ابن علية، وقد ذُكر، وكذلك حميد بن أبي حميد
الطويل.
قوله: " طاف " من طا حول الشيء إذا دار.
قوله: " في غسل واحد " بضم الغين، فإن قيل: كيف يكون الغسل
ظرفاً للطواف، وعين الطواف لا يوجد في عين الغسل؟
قلت: هذا ظرف مجازي نحو قوله تعالى: (ولكُمْ في القصاص
حياةٌ) (3) ، ويجوز أن تكون " في " للتعليل، نحو قوله تعالى:
(فذالكُن الذي لُمْتُنني فيه) (4) ، ثم طوافه- عليه السلام- على نسائه
بغسل واحد، محمول على أنه كان برضاهن، أو رضا صاحبة النوبة إن
كانت نوبة واحدة، وهذا التأويل يحتاج إليه من يقول: كان القسم واجباً
على النبي- عليه السلام- في الدوام كما يجب علينا، وأما من لا يوجبه
فلا يحتاج إلى تأويل، فإن له أن يفعل ما شاء.
__________
(1) كذا، وفي سنن أبي داود: " - أن "، وهو الجادة.
(2) البخاري: كتاب الغسل، باب: إذا جامع ثم عاد (268) ، مسلم: كتاب
الحيض، باب: جواز نوم الجنب واستحباب الوضوء له وغسل الفرج إذا أراد
أن يأكل أو يشرب أو ينام أو يجامع (309) ، الترمذي: كتاب الطهارة،
باب: ما جاء في الرجل يطوف على نسائه بغسل واحد (140) ، النسائي:
كتاب الطهارة، باب: إتيان النساء قبل إحداث الغسل (1/143، 144) ،
ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: ما جاء فيمن يغتسل من جميع نسائه غسلاً
واحداً (588) .
(3) سورة البقرة: (179) .
(4) سورة يوسف: (32) .(1/491)
ويستفاد من هذا الحديث ثلاث فوائد، الأولى: أن غسل الجنابة ليس
على الفور، وإنما يتضيق على الإنسان عند القيام إلى الصلاة، وهذا
بالإجماع، فإن قيل: ما سبب وجوب الغسل؟ قلت: الجنابة مع إرادة
القيام إلى الصلاة، كما أن سبب الوضوء الحدث مع إرادة القيام إلى
الصلاة، وليس الجنابة وحدها كما هو مذهب بعض الشافعية، وإلا يلزم
أن يجب الغسل عقيب الجماع، والحديث ينافي هذا، ولا مجرد إرادة
الصلاة، وإلا يلزم أن يجب الغسل بدون الجنابة.
الثانية: عدم كراهة كثرة الجماع عند الطاقة.
والثالثة: عدم كراهة التزوج بأكثر من واحدة إلى أربع.
وأخرجه البخاري من حديث قتادة عن أنس قال: " كان النبي- عليه
السلام- يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار، وهن
إحدى عشرة. قال: قلت لأنس بن مالك: أو كان يطيقه؟ قال: كنا
نتحدث أنه أُعطي قوة/ثلاثين، وفي لفظ: " تسع نسوة ". وأخرج
مسلم من حديث هشام بن يزيد، عن أنس: " أن النبي- عليه السلام-
كان يطوف على نسائه بغسل واحد ". وأخرجه الترمذي، والنسائي،
وابن ماجه من حديث قتادة عن أنس. وقال: حديث حسن صحيح.
ص- قال أبو داود: هكذا رواه هشام بن زيد، عن أنس، ومعمر، عن
قتادة، عن أنس، وصالح بن أبي الأخضر، عن الزهري، كلهم عن أنس،
عن النبي- عليه السلام-.
ش- هشام بن زيد بن أنس بن مالك الأنصاري البصري. سمع جده.
روى عنه: عبد الله بن عون، وشعبة، وحماد بن سلمة. قال ابن
معين: ثقة. وقال أبو حاتم: صالح الحديث. روى له الجماعة (1) .
ومعمر هو ابن راشد أبو عروة، وقد ذكر.
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (30/6576) .(1/492)
وصالح بن أبي الأخضر اليماني (1) ، مولى هشام بن عبد الملك، قدم
البصرة فنزلها. روى عن: الزهري، ومحمد بن المنكدر، والوليد بن
هشام، وغيرهم. روى عنه: النضر بن شميل، وعكرمة بن عمار،
وأبو داود الطيالسي، وغيرهم. قال ابن معين: ليس حديثه عن الزهري
بشيء. وقال الترمذي: يضعف في الحديث، ضعفه يحيى القطان وغيره.
وقال ابن عدي: في حديثه بعض مناكير، وهو من الضعفاء الذين يكتب
حديثهم. روى له: أبو داود، والترمذي، وابن ماجه (2) .
***
76- باب: الوضوء لمن أراد أن يعود
أي: هذا باب في بيان الوضوء لمن أراد أن يعود إلى الجماع مرة أخرى
قبل الغسل.
204- ص- حدثنا موسى بن إسماعيل قال: ثنا حماد، عن
عبد الرحمن بن أبي رافع، عن عمته سلمى، عن أبي رافع: " أن النبي
- عليه السلام- طاف ذات ليلة (3) على نسائه، يغتسلُ " عند هذه وعند هذه،
فقلت (4) : يا رسول الله! ألا تجعلُهُ غسلاً واحداً؟ قال. هذا أزكى،
وأطيبُ، وأطهرُ " (5) .
ش- حماد بن سلمة، وعبد الرحمن بن أبي رافع قد ذُكر.
وأبو رافع مولى النبي- عليه السلام- يقال: اسمه إبراهيم، ويقال:
__________
(1) كذا، وفي تهذيب الكمال: " اليمامي "، وقال محققه: " جاء في حاشية
نسخة المؤلف تعليق له يتعقب فيه صاحب الكمال بقوله: " كان فيه اليماني
وهو وهم ".
(2) المصدر السابق (13/2795) .
(3) في سنن أبي داود: " يوم ".
(4) في سنن أبي داود: " قال: فقلت له ".
(5) ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: فيمن يغتسل عند كل واحدة غسلاً (590) .(1/493)
أسلم، ويقال: هرمز، ويقال: ثابت القبطي. روى له: أبو داود،
والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (1) .
وسلمى هي أخت أبي رافع. روى عنها ابن أخيها عبد الرحمن
المذكور. روى لها: أبو داود، وابن ماجه (2) .
قوله: " هذا أزكى " أي: أمدح إلى الله، و " أطيب " للقلب،
و" أطهر " للبدن، فالأول اسم تفضيل للمفعول، والآخران للفاعل فافهم.
ويستفاد من الحديث فائدتان، الأولى: عدم كراهة كثرة الجماع عند
الطاقة.
والثانية: استحباب الغسل عند كل جماع.
ص- قال أبو داود: وحديث أنس أصح من هذا.
ش- أراد بحديث الأنس (3) الذي في الباب الذي قبله، وعبارته تشعر
أن هذا صحيح، وذاك أصح منه. وأخرجه النسائي وابن ماجه.
205- ص- حدثنا عمرو بن عون قال: ثنا حفص بن غياث، عن عاصم
الأحول، عن أبي المتوكل، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي- عليه
السلام- قال: " إذا أتى أحدُكُم أهله، ثم بدا له أن يُعاود فليتوضأ بينهما
وُضوءا " (4) .
ش- عمرو بن عون الواسطي البزار، وعاصم بن سليمان الأحول.
__________
(1) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (4/68) ، وأسد الغابة
(6/106) ، والإصابة (4/67) .
(2) انظر ترجمتها في: تهذيب الكمال (35/7861) .
(3) كذا.
(4) مسلم: كتاب الحيض، باب: جواز نوم الجنب واستحباب الوضوء له وغسل
الفرج إذا أراد أن يأكل أو يشرب أو ينام أو يجامع (27/308) ، الترمذي:
كتاب الطهارة، باب: ما جاء في الجنب إذا أراد أن يعود توضأ (141) ،
النسائي: كتاب الطهارة، باب: في الجنب إذا أراد أن يعود (1/142) ، ابن
ماجه: كتاب الطهارة، باب: في الجنب إذا أراد العود توضأ (587) .(1/494)
وأبو المتوكل اسمه: عليّ بن دُؤاد- بضم الدال- الناجي من بني سامة
ابن لؤي. روى عن: عبد الله بن عباس، وأبي سعيد الخدري، وجابر
ابن عبد الله. روى عنه: بكر بن عبد الله المزني، وقتادة، وعاصم
الأحول، وغيرهم. قال ابن معين وأبو زرعة: ثقة. وقال البخاري:
له نحو خمسة عشر حديثاً (1) .
قوله: " إذا أتى أحدكم أهله " كناية عن الجماع.
قوله: " ثم بدا له " أي: ثم ظهر له أن يعاود في الجماع " فليتوضأ
بينهما " أي: بين الجماعين " وضوءاً "، " (2) وهذا الوضوء ليس بواجب
عند الجمهور. وقال ابن حبيب المالكي وداود الظاهري: إنه واجب لظاهر
الأمر. قلنا: يدل على عدم الوجوب ما رواه أبو داود، والترمذي،
وغيرهما: " أنه- عليه السلام- كان ينام وهو جنب ولا يمس ماء " (3) ،
وحديث الطواف أيضاً. والمراد من الوضوء: الوضوء الكامل، مثل
وضوء الصلاة؛ لأن المطلق ينصرف إلى الكامل، وأما الحديث الذي رواه
ابن عباس: " أن النبي- عليه السلام- قام من الليل فقضى حاجته، ثم
غسل وجهه ويديه، ثم نام ". فالمراد من قضاء الحاجة الحدث، وكذا
قاله القاضي عياض، واختلف العلماء في حكمة هذا الوضوء، فقيل:
لأنه يخفف الحدث، فإنه يرفع الحدث عن أعضاء الوضوء. وقيل:
ليبيت على إحدى الطهارتين، خشية أن يموت في منامه. وقيل:/لعله
أن ينشط إلى الغسل إذا نال الماء أعضاءه ". وأخرجه مسلم، والترمذي،
والنسائي، وابن ماجه.
***
77- باب: الجنب ينام
أي: هذا باب في حكم الجنب الذي ينام على الجنابة.
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (20/4066) .
(2) انظر: " شرح صحيح مسلم " (3/218) .
(3) يأتي برقم (213) .(1/495)
206- ص- حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن عبد الله بن دينار،
عن عبد الله بن عمر، أنه قال: ذكر عمرُ بن الخطاب لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه
تُصيبُهُ جنابة من الليل، فقال (1) رسولُ الله: " توضأ، واغسل ذكرك، ثم
نم " (2)
ش- عبد الله بن دينار القرشي العدوي المدني، مولى عبد الله بن عمر
ابن الخطاب. سمع منه، ومن أنس بن مالك، وأبا صالح ذكوان،
ونافعاً، وغيرهم. روى عنه: ابنه عبد الرحمن، ويحيى بن سعيد
الأنصاري، وابن عجلان، ومالك بن أنس، والثوري، وابن عيينة،
وشعبة، وغيرهم. قال ابن حنبل: ثقة مستقيم الحديث. توفي سنة سبع
وعشرين ومائة. روى له الجماعة (3) .
قوله: " توضأ " قد ذكرنا أن المراد منه الوضوء الكامل، وإنما أمر أيضاً
بغسل الذكر ليتطهر عن النجاسة، وليخف الحدث.
قوله: " ثم نم " أصله نام؛ لأنه من ينام، فحذفت الألف لالتقاء (4)
الساكنين؛ لأن آخر الأمر مجزوم كما عرف. وأخرجه مسلم والبخاري
والنسائي.
***
78- باب: الجنب يأكل
أي: هذا باب في بيان الجنب إذا أكل شيئاً.
207- ص- حدثنا مسدد وقتيبة قالا: ثنا سفيان، عن الزهري، عن
__________
(1) في سنن أبي داود: " فقال له ".
(2) البخاري: كتاب الغسل، باب: الجنب يتوضأ ثم ينام (290) ، مسلم:
كتاب الحيض، باب: جواز نوم الجنب (306) ، النسائي: كتاب الطهارة،
باب: وضوء الجنب (1/139)
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (14/3251) .
(4) في الأصل: " للالتقاء ".(1/496)
أبي سلمة، عن عائشة: " أن النبي- عليه السلام- كان إذا أراد أن ينام وهو
جنب، توضأ وُضوء الصلاة (1) " (2) .
ش- قوله: " وهو جنب " جملة وقعت حالاً عن الضمير الذي في
" ينام ". وأخرجه مسلم، وابن أبي شيبة في " مصنفه "، وروى بإسناده
إلى عائشة قالت: " إذا أراد أحدُكم أن يرقد وهو جنب فليتوضأ، فإنه لا
يدري لعله يُصاب في منامه ". وبإسناده إلى شداد بن أوس قال: " إذا
أجنب أحدكم من الليل، ثم أراد أن ينام فليتوضأ، فإنه نصف الجنابة ".
208- ص- حدثنا محمد بن الصباح البزاز قال: نا ابن المبارك، عن
يونس، عن الزهري بإسناده ومعناه. زاد: " فإذا أراد أن يأكل وهو جنب
غسل يداه (3) " (4) .
ش- يونس هو ابن يزيد الأيلي، وقد ذكر.
قوله: " بإسناده ومعناه " أي: بإسناد الحديث المذكور ومعناه، ولكنه
زاد في هذه الرواية: " فإذا أراد " أي: الجنب " أن يأكل شيئاً غسل يديه "
وأخرجه النسائي ولفظه: " وإذا أراد أن يأكل أو يشرب قالت: غسل يديه
ثم يأكل ويشرب "، وأخرجه ابن ماجه ولفظه: " أن النبي- عليه
السلام- كان إذا أراد أن يأكل وهو جنب غسل يديه ".
وفي " المصنف " قال علي: " إذا أجنب الرجل، فأراد أن يطعم أو
ينام، توضأ وضوءه للصلاة ". وعن ابن عمر: " أنه كان إذا أراد أن
__________
(1) في سنن أبي داود: " وضوءه للصلاة ".
(2) مسلم: كتاب الحيض، باب: جواز نوم الجنب واستحباب الوضوء له وغسل
الفرج إذا أراد أن يأكل أو يشرب أو ينام أو يجامع (21/305) ، النسائي:
كتاب الطهارة، باب: اقتصار الجنب على غسل يديه إذا أراد أن يأكل
(1/138) ، ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: من قال: لا ينام الجنب
حتى يتوضأ وضوءه للصلاة (584) .
(3) كذا، وفي سنن أبي داود: " يديه ".
(4) انظر الحديث السابق.
32. شرح سنن أبي داوود 1(1/497)
يأكل أو ينام وهو جنب، غسل وجهه ويديه ومسح برأسه ". وعن
أبي الضحى: " سئل أيأكل الجنب؟ قال: نعم، ويمشي في الأسواق ".
وعن سعيد بن المسيب قال: " إذا أراد الجنب أن يأكل غسل يديه ومضمض
فاه ". وعن إبراهيم قال: " يشرب الجنب قبل أن يتوضأ ".
ص- قال أبو داود: رواه ابن وهب عن يونس فجعل قصة الأكل قول
عائشة مقصوراً. ورواه صالح بن أبي الأخضر عن الزهري كما قال ابن
المبارك، إلا أنه قال: عن عروة أو عن أبي سلمة. ورواه الأوزاعي، عن
يونس، عن الزهري، عن النبي- عليه السلام- كما قال ابن المبارك.
ش- أي: روى هذا الحديث عبد الله بن وهب، عن يونس بن يزيد
فجعل قصة الأكل وهي قوله: " إذا أراد أن يأكل " مقصوراً عليها. ورواه
أيضاً صالح بن أبي الأخضر اليماني (1) عن الزهري كما قال عبد الله بن
المبارك، إلا أنه قال: عن عروة أو عن أبي سلمة، شك الراوي فيه.
قوله: " ورواه الأوزاعي " أي: روى هذا الحديث الأوزاعي، عن
يونس، عن الزهري، عن النبي- عليه السلام- كما قال ابن المبارك.
والأوزاعي هو: عبد الرحمن بن عمرو بن يُحمد أبو عمرو، الشامي
الأوزاعي، كان يسكن دمشق خارج باب الفراديس، ثم تحول إلى بيروت
فسكنها مُرابطاً إلى أن مات بها. سمع: عطاء بن أبي رباح، ونافعاً
مولى ابن عمر، والزهري، وقتادة، ومحمد بن بشار، وإسحاق بن
عبد الله، وغيرهم. روى عنه: الزهري، وقتادة، ويحيى بن أبي كثير،
ومالك بن أنس، والثوري، وابن المبارك، ويحيى القطان/، ووكيع بن
الجراح، وشعبة، وجماعة آخرون كثيرة. ولد سنة ثمان وثمانين ومات
في سنة سبع وخمسين ومائة. روى له الجماعة (2) .
والأوزاعي قرية بدمشق نسب إليها، وقيل: لأنه من أوزاع القبائل.
__________
(1) كذا، وهو وهم، وتقدم التنبيه عليه قريباً.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (17/3918) .(1/498)
79- باب: من قال الجنب يتوضأ
أي: هذا باب في بيان من قال: إن الجنب إذا أراد أن يأكل أو ينام
يتوضأ.
209- ص- حثثنا مسدد قال: نا يحيى قال: نا شعبة، عن الحكم، عن
إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة: " أن النبي- عليه السلام- كان إذا أراد
أن يأكل، أو ينام توضأ " - تعني وهو جنب (1) -.
ش- يحيى القطان، والحكم بن عُتيبة، وإبراهيم النخعي، والأسود
ابن يزيد. وأخرجه النسائي، وابن ماجه، ومسلم، ولفظه: " توضأ
وضوءه [للصلاة] (2) "، وفي لفظ للنسائي: " وضوءه للصلاة ".
210- ص- حدثنا موسى بن إسماعيل قال: نا حماد قال: أنا عطاء
الخراساني، عن يحيى بن يعمر، عن عمار بن ياسر: " أن النبي- عليه
السلام- رخص للجنب إذا أكل، أو شرب، أو نام أن يتوضأ " (3) .
ش- حماد بن سلمة.
وعطاء بن أبي مسلم الخراساني، واسم أبي مسلم: عبد الله، ويقال:
ميسرة الأزدي أبو أيوب، ويقال: أبو عثمان، ويقال: أبو محمد،
ويقال: أبو صالح البلخي، سكن الشام. روى عن: معاذ بن جبل،
وكعب بن عجرة، وعبد الله بن عباس، وأنس بن مالك. وسمع:
سعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير، وعكرمة، ونافعاً، والزهري،
وغيرهم. روى عنه: عطاء بن أبي رباح، وابن جريج، ومالك،
وشُعبة، وجماعة آخرون. قال ابن معين وأبو حاتم: ثقة. توفي بأريحا
__________
(1) انظر الحديث السابق.
(2) زيادة من " صحيح مسلم "، والظاهر أنها ساقطة من نسخة المصنف ليتفق
وإيراده للفظ النسائي.
(3) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما ذكر في الرخصة للجنب في الأكل والنوم
إذا توضأ (613) .(1/499)
فحمل ودفن ببيت المقدس سنة خمس وثلاثين ومائة. وولد سنة خمسين.
روى له: مسلم، وأبو داود، والنسائي، والترمذي، وابن ماجه (1)
ص- قال أبو داود: بين يحيى بن يعمر وعمار بن ياسر في هذا
] الحديث] (2) رجل. وقال عليّ بن أبي طالب، وابن عمر، وعبد الله بن
عمرو: " الجنب إذا أراد أن يأكل توضأ ".
ش- أشار بهذا أبو داود إلى أن هذا الحديث منقطع، والمنقطع: كل ما
لا يتصل إسناده سواء كان يُعزى إلى النبي- عليه السلام- أو إلى غيره،
قاله ابن عبد البر.
قوله: " وقال عليّ " ... إلى آخره، ذكرناه آنفاً ناقلاً عن " المصنّف "
لابن أبي شيبة. وأخرج الترمذي حديث يحيى بن يعمر عن عمار، وفيه:
" وضوءه للصلاة "، وقال: هذا حديث حسن صحيح.
***
80- باب: الجنب يؤخر الغسل
أي: هذا باب في بيان الجنب الذي يؤخر الاغتسال.
211- ص- حدثنا مسدد قال: نا المعتمر ح، ونا أحمد بن حنبل قال:
ثنا إسماعيل بن إبراهيم قالا (3) : نا بُردُ بن سنان، عن عُبادة بن نُسي، عن
غضيف بن الحارث قال: قلتُ لعائشة: أرأيت رسول الله- عليه السلام-
كان يغتسلُ من الجنابة في أول الليل أمْ (4) في آخره؟ قالت: ربما اغتسل في
أول الليل، وربما اغتسل في آخره. قلتُ (5) : الحمدُ لله الذي جعل في الأمر
سعةً، قلتُ: أرأيت رسول الله كان يوترُ في (6) أول الليل أم في آخره؟
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (20/3941)
(2) زيادة من سنن أبي داود
(3) في الأصل: " قال "، وما أثبتناه من سنن أبي داود.
(4) في سنن أبي داود: " أو ".
(5) في سنن أبي داود: " قلت: الله أكبر، الحمد لله ... ".
(6) غير موجودة في سنن أبي داود.(1/500)
قالت: ربما أوتر في أول الليل وربما أوتر في آخره. قلتُ: اللهُ كبرُ، الحمدُ
لله الذي جعل في الأمر سعة. قلتُ: أرأيت رسول الله كان يجهرُ بالقرآن أم
يخْفتُ به؟ قالت: ربما جهر به، وربما خفت. قلتُ: اللهُ كبرُ، الحمد لله
الذي جعل في الأمر سعة (1) .
ش- المعتمر بن سليمان، وإسماعيل بن إبراهيم المشهور بابن علية.
وبُرد بن سنان الشامي أبو العلاء الدمشقي، سكن البصرة. سمع:
عبادة بن نسي، ومكحولاً، ونافعاً، وغيرهم. روى عنه: الثوري،
والأوزاعي، والحمادان، وشريك النخعي، وابن عيينة، وغيرهم. وقال
ابن معين: ثقة. وقال أبو زرعة: لا بأس به. مات سنة خمس وثلاثين
ومائة. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (2) .
وغُضيف- بضم الغين وفتح الضاد المعجمتين- ويقال: بالظاء
المعجمة (3) ، وسكون الياء آخر الحروف، وفي آخره فاء، ابن الحارث
أبو أسماء السكوني الحمصي، ويقال: الثمالي، ويقال: اليماني،
ويقال: الكندي، أدرك زمان النبي- عليه السلام-، مختلف في صحبته
سمع: عمر بن الخطاب، وبلالاً، وأبا ذر، وأبا الدرداء، وعائشة
الصديقة. روى عنه: ابنه عبد الرحمن، وعبادة بن نسي، ومكحول،
وغيرهم. قال ابن سعد: كان ثقة، مات أيام مروان بن الحكم/روى
له: أبو داود، والنسائي، وابن ماجه (4) .
قوله: " أرأيت " بكسر التاء بمعنى: أخبريني.
__________
(1) النسائي: كتاب الطهارة، باب: ذكر الاغتسال أول الليل (1/125) ، وكتاب
الغسل والتيمم، باب: الاغتسال أول الليل (1/199) ، ابن ماجه: كتاب
إقامة الصلاة، باب: ما جاء في القراءة في صلاة الليل (1354) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (4/655) .
(3) كذا، والذي في مصادر الترجمة " بالطاء المهملة ".
(4) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (3/185) ، وأسد الغابة
(4/340) ، والإصابة (3/186) ، وتهذيب الكمال (23/4693) .(1/501)
قوله: " ربما اغتسل " " رب " حرف خلافاً للكوفيين في دعوى أسميته،
وليس معناه التعليل دائماً خلافاً للأكثرين، ولا التكثير دائماً خلافا
لدرستويه، بل يرد للتكثير كثيراً، وللتعليل قليلاً، فمن الأول نحو:
(رُبما يود الذين كفرُوا لوْ كانُوا مُسْلمين) (1) ، ومن الثاني قوله:
ألا رب مولود وليس له أب ... وذي ولد لم يلده أبوان
ولها صدر الكلام، وتنكير مجرورها، وإذا دخلها " ما " تكفها عن
العمل، وتهيئها للدخول على الجمل الفعلية، وفعلها ماض لفظاً ومعنى،
وقد تدخل الاسمية، وقيل: لا تدخل أصلاً.
قوله: " سعة " بكسر السين أصلها، وفتحت لأجل حرف الحلق،
وأصلها وسعة كوعدة حذفت الواو تبعاً لفعلها، وحركت السين للابتداء
من وسعه الشيء يسعُه سعة فهو واسع، ووسُع بالضم وساعة فهو وسيع،
والوُسعْ والسعة: الجدة والطاقة.
قوله: " يوتر " من أوتر يوتر إذا صلى الوتر، والوتر بكسر الواو
وفتحها: الفرد.
قوله: " الله أكبر " إنما قال ذلك استعظاماً لقدر هذا الأمر والشأن وفرحاً
بسعته، وابتهاجاً بمشروعيته.
قوله: " يجهر بالقرآن " من يجهر بالقول إذا رفع به صوته فهو جهير،
وأجهر فهو مجهر إذا عرف بشدة الصوت، وكذلك المجهر بكسر الميم.
قوله: " أم يخفت به " من الخفت، وهو ضد الجهر من باب ضرب
يضرب. ويستفاد من هذا الحديث فوائد، الأولى: جواز تأخير الغسل
إلى وقت الصلاة.
الثانية: جواز تأخير الوتر إلى آخر الليل، وبه احتج أصحابنا أن
المستحب تأخير الوتر إلى آخر الليل لمن يثق بالانتباه، وإن لم يثق فأول
الليل أفضل كما في صحيح مسلم: " من خاف أن لا يقوم آخر الليل
__________
(1) سورة الحجر: (2) .(1/502)
فليوتر أوله، ومن طمع أن يقوم آخره فليوتر آخر الليل، فإن صلاة آخر
الليل مشهودة " (1) ، وفيه دليل صريح على التفصيل الذي ذكره أصحابنا
وهو الصواب، وتحمل باقي الأحاديث المطلقة على هذا التفصيل.
الثالثة: ثبوت الخيار للقارئ بين أن يجهر به وبين أن يخافت، فقيل:
الجهر أفضل، وقيل: الإخفاء أفضل، والصحيح: أنه مقيد باعتبار زمان
القارئ ومكانه وحاله، فيراعى الجهر والإخفاء بحسب هذا الاعتبار.
وأخرجه النسائي مقتصراً على الفصل الأول، وابن ماجه مقتصراً على
الفصل الأخير، ورواية الوتر أخرجه البخاري مختصراً ومسلم كما ذكرنا.
212- ص- حدثنا حفص بن عمر النمري قال: نا شعبة عن علي بن
مُدرك، عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير، عن عبد الله بن نُجي، عن أبيه،
عن علي بن أبي طالب، عن النبي- عليه السلام- قال: " لا تدخلُ الملائكةُ
بيتاً فيه صُورة ولا كلب ولا جُنُبٌ " (2) .
ش- علي بن مدرك أبو مدرك النخعي الكوفي. روى عن: عبد الرحمن
ابن يزيد النخعي، وأبي زرعة، وإبراهيم النخعي، وغيرهم. روى عنه:
الأعمش، وشعبة، والمسعودي. قال مطين: مات سنة عشرين ومائة.
روى له الجماعة (3) .
وأبو زرعة اسمه: هرم بن عمرو بن جرير، وقد مضى ذكره.
وعبد الله بن نُجي بن سلمة بن حشْم- بالحاء المهملة والشين المعجمة-
ابن أسد بن خُليْبة- بضم الخاء المعجمة، وبعد اللام ياء آخر الحروف،
ثم باء موحدة- الحضرمي الكوفي. قال الدارقطني: لا بأس به. وقال
__________
(1) مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: من خاف أن لا يقوم من آخر
الليل فليوتر أوله (755/162) من حديث جابر بن عبد الله.
(2) أخرجه أبو داود في كتاب اللباس، باب: في الصور (4152) ، والنسائي:
كتاب الطهارة، باب: في الجنب إذا لم يتوضأ (1/141) ، وكتاب الصيد
والذبائح، باب: امتناع الملائكة من دخول بيت فيه كلب (7/185) ، ابن
ماجه: كتاب اللباس، باب: الصور في البيت (3650) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (21/4133) .(1/503)
البخاري: فيه نظر. روى عن: علي بن أبي طالب، وعن أبيه عن
علي، وعن عمار بن ياسر، والحسين (1) بن علي. روى عنه: أبو زرعة،
وجابر الجعفي، والحارث العكلي. روى له: أبو داود، والنسائي،
وابن ماجه (2) .
ونُجي المذكور روى عن علي بن أبي طالب. روى عنه ابنه عبد الله،
روى له: مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه (3) .
قوله: " الملائكة " جمع " ملاءَك " على الأصل كالشمائل جمع
" شماءَل "، وليس جمع " ملك "؛ لأن فعلاً لا تجمع على فعائل، ولكن
ملك أصله ملاءك، ترك الهمزة لكثرة الاستعمال، فلما أريد جمعه رد
إلى الأصل كما أن الشمائل- وهي الرياح- جمع " شماءل " بالهمز في
الأصل لا جمع شمال لأن فعالاً لا تجمع على فعائل، واشتقاقه من
الألوكة وهي الرسالة، يقال: ألكني إليه/أي: أرسلني إليه، سمي
الملك ملكاً لأنه رسول من الله تعالى، وإلحاق التاء فيه دلالة على أن كل
جمع مؤنث.
واعلم أنه لا خلاف بين العقلاء أن أشرف الرتبة للعالم العلوي هو
وجود الملائكة فيه، كما أن أشرف الرتبة للعالم السفلي هو وجود الإنسان
فيه، واختلفوا في ماهية الملائكة، فقيل: إنهم أجسام لطيفة هوائية،
تقدر على التشكل بأشكال مختلفة، مسكنها السموات، وهو قول أكثر
المسلمين. وقالت الفلاسفة: إنهم جواهر قائمة بأنفسها ليست بمتحيزة
البتة، فمنهم من هي مستغرقة في معرفة الله، فهم الملائكة المقربون،
ومنهم مدبرات هذا العالم إن كانت خيرات فهم الملائكة الأرضية، وإن
كانت شريرة فهم الشياطين.
قوله: " فيه صورة " قال الزهري: النهي الذي ورد فيها على العموم
سواء كانت رقماً في ثوب أو غير رقم، وسواء كانت في حائط أو ثوب
__________
(1) في الأصل: " الحسن " خطأ.
(2) المصدر السابق (16/3614) .
(3) المصدر السابق (29/6388) .(1/504)
أو بساط ممتهن أو غير ممتهن، وكذلك استعمال ما هي فيه عملاً بظاهر
الأحاديث. وقال آخرون: يجوز منها ما كان رقماً في ثوب سواء امتهن
أو لا، وسواء عُلق في حائط أو لا، وكرهوا ما له ظل، أو كان مصوراً
في الحيطان وشبهها، سواء كان رقماً أو غيره. وأجمعوا على منع ما كان
له ظل، ووجوب تغييره، وأما تصوير صورة الشجر ونبات الأرض وغير
ذلك مما ليس فيه صورة حيوان، فليس بحرام. وقال أصحابنا: إن كانت
معلقة على حائط، أو ثوب ملبوس أو عمامة أو نحو ذلك مما لا يُعد
ممتهناً، فهو حرام، وإن كانت في بساط يُداس، ومخدة ووسادة ونحوها
مما يمتهن، فليس بحرام، ولكن هل يمنع دخول ملائكة الرحمة ذلك
البيت؟ فيه كلام نذكره، وبه قال الشافعي، ومالك، والثوري،
وجمهور العلماء. وقال القاضي عياض: إلا ما ورد من لُعب البنات،
لصغار البنات، والرخصة في ذلك، لكن كره مالك شراء الرجل لابنته
ذلك، وادعى بعضهم أن إباحة اللُّعب لهن منسوخ بهذه الأحاديث.
وأما سبب امتناع الملائكة من بيت فيه صورة، فهو كونها معصية
فاحشة، وفيها مضاهاة لخلق الله تعالى، وبعضها في صورة ما يعبد من
دون الله تعالى، وأما سبب امتناعهم من بيت فيه كلب، لكثرة أكله
النجاسات، ولأن بعضها سُمي شيطاناً كما جاء به الحديث، والملائكة
ضد الشياطين، ولقبح رائحة الكلب، والملائكة تكره الرائحة القبيحة،
ولأنها منهي عن اتخاذها، فعوقب متخذها بحرمانه دخول الملائكة بيته،
وصلاتها فيه، واستغفارها له، وتبريكها عليه وفي بيته، ودفعها أذى
الشيطان، ولقد طرق سمعي عن بعض أساتذتي الكبار أن السبب في
امتناع الملائكة من بيت فيه كلب، أن الكلب قد خلق من بزاق الشيطان،
وذلك حين كان آدم- عليه السلام- جسداً ملقى، أتى إليه الشيطان
وراءه، ثم جمع الخيول، وكانت الخيول سكان الأرض حينئذ فقال لها:
إن الله تعالى خلق خلقاً عجيباً يريد أن يملكه الأرض وما فيها فمتى حكم
فيها سخركُن وذلّلكُن، فهلم نهُدُه ونستريح منه، فجاءت والشيطان
__________(1/505)
يقدمها إلى أن قربت من جسد آدم، فبزق نحو آدم بزقة، فانتثر بزاقه،
فخلق الله تعالى الكلاب من بزاقه المنثور ذلك، فحملت على الخيول
وصاحت إلى أن ولّت هاربة، فمن ذلك الوقت تألف الكلاب بني آدم،
والملائكة تبغضها، لكونها مخلوقة منه، فلأجل ذلك لا يدخلون بيتاً فيه
كلب.
وقال الخطابي (1) : " إنما لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب أو صورة مما
يحرم اقتناؤه من الكلاب والصور، فأما ما ليس بحرام من كلب الصيد
والزرع والماشية والصور التي تمتهن من البساط والوسادة وغيرهما، فلا
يمتنع الملائكة بسببه ".
وقال الشيخ محيي الدين (2) : " الأظهر أنه عام في كل كلب وكل
صورة، وأنهم يمتنعون من الجميع لإطلاق الأحاديث، ولأن الجرو الذي
كان في بيت النبي- عليه السلام- تحت السرير كان له فيه عذر/ظاهر،
فإنه لم يعلم به، ومع هذا امتنع جبريل- عليه السلام- من دخول
البيت، وعلل بالجرو، ولو كان العذر في وجود الصورة والكلب لا
يمنعهم لم يمتنع جبريل- عليه السلام-. وأما هؤلاء الملائكة الذين لا
يدخلون بيتاً فيه كلب أو صورة فهم ملائكة يطوفون بالرحمة والتبريك
والاستغفار، وأما الحفظة فيدخلون في كل بيت ولا يفارقون بني آدم في
حال؛ لأنهم مأمورون بإحصاء أعمالهم وكتابتها ".
قوله: " ولا جنب " إنما يمتنع الملائكة عن البيت الذي فيه جنب لكونه
بعيداً عن التلاوة والعبادة، متصف بالنجاسة الحكمية، والملائكة يكرهون
ذلك، والمراد منه أيضاً: الملائكة غير الحفظة؛ لأن الحفظة لا يفارقون بني
آدم جنباً وغيره.
فإن قيل: قد مضى في الرواية: " أنه- عليه السلام- كان يغتسل تارة
آخر الليل "، ورخص للجنب أيضاً أن ينام قبل الاغتسال، فما
__________
(1) معالم السنن (1/65) .
(2) شرح صحيح مسلم (14/84) .(1/506)
التوفيق بينهما؟ قلت: المراد بالجنب الذي لا يدخل الملائكة بيتاً هو فيه،
هو الذي يجنب فلا يغتسل، ويتهاون به، ويتخذه عادة، وأما الجنب
الذي لا يتخذ هذا عادة، ولا يترك الاغتسال إلى أن تفوته الصلاة لا يضر
دخول الملائكة البيت، فإنه- عليه السلام- " كان ينام وهو جنب من
غير أن يمس ماء " (1) ، كما جاءت في رواية عائشة- رضي الله عنها-.
وأخرج البخاري ومسلم هذا الحديث وليس فيه: " ولا جنب "، وكذلك
رواية ابن ماجه. ورواية النسائي مثل رواية أبي داود.
213- ص- حدثنا ابن كثير قال: أنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن
الأسود، عن عائشة قالت: " كان رسولُ الله ينامُ وهو جنب من غير أن يمس
ماءً " (2) ، (3) .
ش- ابن كثير هو: محمد بن كثير البصري، وسفيان الثوري،
وأبو إسحاق السبيعي، والأسود بن يزيد.
قوله: " وهو جنب " جملة وقعت حالاً من الضمير الذي في " ينام ".
فإن قيل: هذا يعارض الأحاديث المتقدمة التي فيها الوضوء، قلت:
الجواب عن ذلك من ثلاثة أوجه، الأول: أن الحديث فيه مقال، فقال
يزيد بن هارون: وهم أبو إسحاق في هذا- يعني في قوله: " من غير أن
يمس ماء " - وقال الترمذي: " يرون أن هذا غلط من أبي إسحاق ".
وقال البيهقي: طعن الحُفاظ في هذه اللفظة. وقال الثوري: فذكرت
الحديث يوماً- يعني حديث أبى إسحاق- فقال لي إسماعيل: يا فتى،
__________
(1) انظر الحديث الآتي.
(2) الترمذي: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في الجنب ينام قبل أن يغتسل
(118، 119) ، ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: في الجنب ينام كهيئته لا
يمس الماء (581، 582، 583) .
(3) تنبيه: ذُكر في سنن أبي داود بعد هذا الحديث ما يلي: " قال أبو داود:
حدثنا الحسن بن علي الواسطي قال: سمعت يزيد بن هارون يقول: هذا
الحديث وهم، يعني: حديث أبي إسحاق ".(1/507)
يشذ هذا الحديث شيء. فثبت بما ذكرنا أن هذا حديث ضعيف، فإذا ثبت
ضعفه لم يبق فيه ما يتعرض به على غيره.
والثاني: على تقدير الصحة: أن المراد من غير أن يمس ماء للغسل.
والثالث: أن المراد أنه كان في بعض الأوقات لا يمس ماء أصلاً لبيان
الجواز، إذ لو واظب عليه لتوهم وجوبه.
***
81- باب: الجنب يقرأ (1)
أي: هذا باب في بيان الجنب يقرأ.
214- ص- حدثنا حفص بن عمر قال: شعبة، عن عمرو بن مرة، عن
عبد الله بن سلمة قال: دخلتُ على علي أنا ورجلان: رجلٌ منا ورجل من
بني أسد أحسبُ، فبعثهُما علي وجهاً، وقال: إنكما علجان، فعالجا عن
دينكُما، ثم قام فدخل المخْرج، ثم خرج فدعا بماء فأخذ منه حفنةً، فتمسح
بها، ثم جعل يقرأ القرآن، فاً نكروا ذلك، فقال: إن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان
يخرجُ من الخلاء فيُقرئنا القرآن، ويأكل معنا اللحم، ولم يكن يحجُزُه أو
يحْجره (2) عن القرآن شيءٌ ليس الجنابة (3) .
ش- عمرو بن مرة بن عبد الله بن طارق، أبو عبد الله الكوفي
سمع: عبد الله بن أبي أوفى، وسعيد بن المسيب، وعبد الرحمن بن
أبي ليلى، وجماعة آخرين. روى عنه: الأعمش، والثوري، وشعبة،
وغيرهم. مات سنة عشر ومائة. روى له الجماعة (4) .
__________
(1) في سنن أبي داود: " باب في الجنب يقرأ القرآن ".
(2) في سنن أبي داود: " يحجبه أو يحجزه "، وأشار المصنف إلى أنها رواية.
(3) الترمذي، كتاب الطهارة، باب: ما جاء في الرجل يقرأ القرآن على كل حال
ما لم يكن جنباً (146) ، النسائي: كتاب الطهارة، باب: حجب الجنب من
قراءة القرآن (265، 266) ، ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في
قراءة القرآن على غير طهارة (594) .
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (22/4448) .(1/508)
وعبد الله بن سلمة- بكسر اللام- المرادي الكوفي. روى عن عمر
ابن الخطاب، وسمع: علي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود،
وعمار بن ياسر، وغيرهم. روى عنه: عمرو بن مرة، وأبو إسحاق
السبيعي. وقال أحمد بن حنبل: لا أعلم روى عنه غيرهما. وقال أحمد
ابن عبد الله: هو تابعي ثقة. وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به.
روى له: أبو داود، والترمذي، وابن ماجه (1) .
قوله: " ورجلان " عطف على الضمير المرفوع المنفصل الذي أوتي به
ليصح/العطف على ما قبله.
قوله: " وجهاً " أي: جهة من الجهات، وهو النحو والمقصد الذي
يستقبله، وانتصابه بنزع الخافض، أي: في وجه أو أوجه.
قوله: " إنكما علجان " العلج- بفتح العين وكسر اللام- هو الضخم
القوي. وقال الخطابي (2) : " يريد الشدة والقوة على العمل، يقال:
رجل علج، وعُلج- بتشديد اللام- إذا كان قوي الخلقة، وثيق البنية ".
قوله: " فعالجا " أي: جاهدا وجالدا لأجل دينكما، وكلمة " عن "
للتعليل نحو قوله: (وما كان اسْتغْفارُ إبْراهيم لأبيه إلا عن موْعدة) (3) ،
ويجوز أن يكون حالاً، والمعنى: عالجا مقيمين دينكما، أي: مقيمين
أموره ومحصلين ما ينبغي له.
قوله: " فدخل المخرج " بفتح الميم وهو الخلاء، سمي به لأنه موضع
خروج البول والغائط.
قوله: " فتمسح بها " أي: توضأ بها بمعنى: غسل يديه. وقال ابن
الأثير: " يقال للرجل إذا توضأ: تمسح ".
قوله: " فأنكروا ذلك " أي: كونه قرأ القرآن بلا وضوء كامل، فلما
أنكروا على عليّ ذلك قال: " إن رسول الله مع كان يخرج من
__________
(1) المصدر السابق (15/3313) .
(3) سورة التوبة (114) .
(2) معالم السنن (1/66) .(1/509)
الخلاء فيقرئنا القرآن " أي: يعملنا القرآن عقيب خروجه من غير اشتغال
بالوضوء.
قوله: " ويأكل معنا اللحم " أشار به إلى أن أكل ما مسته النار لا يوجب
الوضوء لقراءة القرآن، ولا للصلاة أيضاً، ولأجل هذا قال: ولم يكن
يحجره أي: يمنعه " عن القرآن " أي: عن قراءة القرآن " شيء ليس
الجنابة "، ويحجره من حجره إذا منعه، وحجر عليه إذا منعه من التصرف،
وفي بعض الرواية: " يحجزه " بالزاي، من حجزه يحجزه حجزا،
بمعنى منعه أيضاً، وكلاهما من باب نصر ينصر، وفي بعض الرواية:
" يحجبه " من حجب إذا منع أيضاً.
وقوله: " ليس الجنابة " بمعنى (1) غير الجنابة، وحرف " ليس " له ثلاثة
مواضع، أحدها: أن يكون بمعنى الفعل، وهو يرفع الاسم وينصب
الخبر، كقولك: ليس عبدُ الله جاهلاً. ويكون بمعنى " لا " كقولك:
رأيت عبد الله ليس زيداً، تنصب به زيدا كما تنصب بلا، ويكون بمعنى
" غير " كقولك: ما رأيت أكرم من عمرو ليس زيد، أي: غير زيد،
وهو يجر ما بعده. ويستفاد من الحديث فائدتان، الأولى: جواز قراءة
القرآن للمحدث.
والثانية: فيه دليل على حرمة قراءته على الجنب، وكذلك الحائض؛
لأن حدثها أغلظ من حدث الجنابة. وكان أحمد يرخص للجنب أن يقرأ
الآية ونحوها. وكذلك قال مالك في الجنب: إنه يقرأ الآية ونحوها.
وقد حكي عنه أنه قال: تقرأ الحائض ولا يقرأ الجنب؛ لأن الحائض إذا لم
تقرأ نسيت القرآن؛ لأن أيام الحيض تتطاول، ومدة الجنابة لا تطول.
ورُوي عن ابن المسيب، وعكرمة أنهما كانا لا يريان بأساً بقراءة الجنب
القرآن، والجمهور على تحريمه " (2) .
وأخرج الترمذي هذا الحديث، والنسائي، وابن ماجه مختصراً، وقال
__________
(1) انظر: معالم السنن (1/66) .
(2) إلى هنا انتهى النقل من معالم السنن.(1/510)
الترمذي: حديث حسن صحيح. وذكر أبو بكر البزار: انه لا يروى عن
عليّ إلا من حديث عمرو بن مرة، عن عبد الله بن سلمة. وحكى
البخاري عن عمرو بن مرة: " كان عبد الله- يعني: ابن سلمة- يحدثنا
فنعرف وننكر، وكان قد كبُر لا يتابع في حديثه. وذكر الشافعي هذا
الحديث، وقال: وإن لم يكن أهل الحديث يثبتونه. وقال البيهقي: وإنما
توقف الشافعي في ثبوت هذا الحديث؛ لأن مداره على عبد الله بن سلمة
الكوفي، وكان قد كبُر، وأنكر من حديثه وعقله بعض النكرة، وإنما روى
هذا الحديث بعد ما كبُر، قاله شعبة. وذكر الخطابي: أن الإمام أحمد بن
حنبل كان يوهن حديث عليّ هذا، ويضعف أمر عبد الله بن سلمة.
قلت: قد ذكره ابن الجوزي في " الضعفاء والمتروكين ". وقال: قال
النسائي: يعرف وينكر. أقول: قد قال الحاكم: إنه غير مطعون فيه.
وقال العجلي: تابعي ثقة. وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به، كما
ذكرنا في ترجمته.
***
82- باب: الجنب يصافح
أي: هذا باب في بيان الجنب يصافح الطاهر، ويصافح من صافح
مصافحةً، وهي مُفاعلة من إلصاق صفح الكف بالكف، وإقبال الوجه
بالوجه.
215- ص- حدّثنا مسدد قال: نا يحيى عن مسعر، عن واصل، عن
أبي وائل، عن حذيفة: " أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لقيهُ، فأهْوى إليه فقال: إني جُنبٌ،
فقال: " إن المُسلم ليس بنجسٍ (1) " (2) .
__________
(1) كذا، وفي الشرح وسنن أبي داود: " لا ينجس ".
(2) مسلم: كتاب الحيض، باب: الدليل على أن المسلم لا ينجس (371) ،
النسائي: كتاب الطهارة، باب: مماسة الجنب ومجالسته (1/145) ، ابن
ماجه: كتاب الطهارة، باب: مصافحة الجنب (535) .(1/511)
/ش- يحيى القطان، ومسعر بن كدام.
وواصل بن حيان الأحدب الأسدي الكوفي. سمع: المعرور بن
سويد، وأبا وائل، ومجاهداً، وغيرهم. روى عنه: مسعر، والثوري،
وشعبة، وغيرهم. قال ابن معين: ثقة. وقال أبو خاتم: صدوق
صالح الحديث. توفي سنة عشرين ومائة. روى له الجماعة (1) .
وأبو وائل شقيق بن سلمة، وحذيفة بن اليمان.
قوله: " فأهوى إليه " أي: أهوى إليه يده، أي: أمالها إليه، يقال:
أهوى يده إليه وأهوى بيده إليه، ويترك المفعول كثيراً.
قوله: " إن المسلم لا ينجس " (2) بضم الجيم وفتحها، وفي ماضيه
لغتان: نجس ونجُس بكسر الجيم وضمها، فمن كسرها في الماضي فتحها
في المضارع، ومن ضمها في الماضي ضمها في المضارع أيضاً. وأخرجه
مسلم والنسائي وابن ماجه بنحوه.
هذا الحديث أصل عظيم في طهارة المسلم حيا وميتاً، فأما الحي فطاهر
بإجماع المسلمين، وأما الميت ففيه خلاف، وعن بعض أصحابنا أنه غير
طاهر فلذلك يغسل، والصحيح أنه طاهر، وهو قول الشافعي في
الصحيح لإطلاق الحديث، وغسل الميت أمر تعبدي لا لكونه نجساً،
والكافر حكمه [حكم] المسلم عند الجمهور. وقال بعض الظاهرية: إن
المشرك نجس بظاهر قوله تعالى: (إنّما المُشْركُون نجس) (3) قلنا:
المراد به نجاسة الاعتقاد، والاستقذار، وليس المراد أن أعضاءهم نجس
كنجاسة البول والغائط ونحوهما، فإذا ثبت طهارة للآدمي مسلماً كان أو
كافراً استوى فيه أن يكون طاهراً أو محدثاً أو جنب أو حائضاً، ويكون
سؤرهم وعرقُهم ولعابُهم ودمعهم طاهرة بالإجماع.
216- ص- حدثنا مسدد قال: ثنا يحيى وبشر، عن حميد، عن بكر،
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (30/6662) .
(2) كذا، وفي المتن: " ليس بنجس ".
(3) سورة التوبة (28) .(1/512)
عن أبي رافع، عن أبي هريرة قال: لقيني رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في طريق من طُرق
المدينة وأنا جُنب، فاخْتنسْتُ، فذهبت فاغْتسلتُ، ثم جئتُ، فقال: أين
كنتً يا أبا هريرة؟ قال (1) : إني كنتُ جنباً، فكرهتُ أن أجالسك على غير
طهارةٍ، فقال: " سُبحان الله! إن المسلم لا ينجُسُ " (2) (3) .
ش- بشر بن المفضل، وحميد الطويل، وبكر بن عبد الله المزني،
وأبو رافع نفيع، وقد ذكروا.
قوله: " فاختنستُ " أي: تأخرت وانقبضت، ومنه خنس الشيطان،
وهو بالخاء المعجمة والنون. وفي رواية: " فانخنست " بهذا المعنى أيضاً،
ولكن الفرق بينهما أن الأول من باب الافتعال، والثاني من باب الانفعال.
وأخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، ولفظ
البخاري والترمذي: " فانبجست "، وفي لفظ البخاري: " فانخنست "،
وفي لفظ له: " فانسللت "، ولفظ مسلم، والنسائي، وابن ماجه:
" فانسل ".
وقوله: " فانبجست " بالنون وبعدها باء موحدة، يعني: اندفعت منه،
ومنه قوله تعالى: (فانبجستْ منْهُ اثنتا عشْرة عيْناً) (4) أي: جرت
واندفعت. ورُوي: " فانتجست " بالنون والتاء ثالث الحروف والجيم،
أي: اعتقدت نفسي نجساً ومعنى منه: من أجله، أي: رأيت نفسي نجساً
__________
(1) في سنن أبي داود: " قال: فلت ".
(2) البخاري: كتاب الغسل، باب: عرق الجنب وأن المسلم لا ينجس (283) ،
مسلم: كتاب الحيض، باب: الدليل على أن المسلم لا ينجس (371) ،
الترمذي: كتاب الطهارة، باب: في مصافحة الجنب (121) ، النسائي:
كتاب الطهارة، باب: مماسة الجنب ومجالسته (1/145) ، ابن ماجه: كتاب
الطهارة، باب: مصافحة الجنب (534) .
(3) تنبيه: زيد في سنن أبي داود: " وقال في حديث بثر: حدثنا حميد،
حدثني بكر ".
(4) سورة الأعراف: (160) .
33. شرح سنن أبي داود 1(1/513)
بالإضافة إلى طهارته وجلالته. ورُوي: " فانتجشت " بالنون والتاء ثالث
الحروف والشين المعجمة من النجش، وهو الإسراع. ورُوي:
" فانبخست " بالنون والباء الموحدة، والخاء المعجمة، والسن المهملة،
واستبعده بعضهم. وقال غيره: النجس: النقص، فكأنه ظهر له نقصانه
عن مماشاة رسول الله لما اعتقده في نفسه من النجاسة.
قوله: " فقال: سبحان الله " إنما قال ذلك تعجباً من حاله، و " سبحان "
علمٌ للتسبيح، كعثمان علم للرجل، فإذا قلت: سبحان من هذا الأمر،
كأنك قلت: أسبح الله تسبيحاً من هذا الأمر، وهذا يقال عند العجب
كأنك قلت: أتعجب من هذا الأمر، ومن غاية العجب أسبح الله،
و" سبحان " إذا كان مضافاً نحو: " سبحان الله " فليس بعل؛ لأن العلم
لا يضاف، وإذا لم يكن مضافاً فهو علم غير منصرف للعلمية، والألف
والنون، وانتصابه بفعل محذوف، والتقدير: أسبح الله تسبيحاً.
ويستفاد من هذا الحديث أربع فوائد، الأولى: تأخير الغسل؛ لأنه
- عليه السلام- ما أنكر عليه ذلك لما سأله: " أين كنت؟ " وأخبره
أبو هريرة بما أخبره.
/والثانية: أن الجنب طاهر.
والثالثة: استحباب احترام أهل الفضل وتوفيرهم ومصاحبتهم على
أكمل الهيئات، وأحسن الصفات.
الرابعة: أن العالم إذا رأى من تابعه في أمر يخاف عليه فيه خلاف
الصواب سأله عنه، وبيّن له الصواب وحكمه.
***
83- باب: الجنب يدخل المسجد
أي: هذا باب في بيان حكم الجنب إذا دخل المسجد.
217- ص- حدثنا مسدد، نا عبد الواحد بن زياد قال: نا فُليت بن خليفة
قال: حدثتني جسْرةُ بنتُ دجاجة قالت: سمعت عائشة- رضي الله عنها-(1/514)
تقول: " جاء رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ووجوهُ بيوت أصحابه شارعةٌ في المسجد، فقال:
" وجّهوا هذه البيوت عن المسجد "، ثم دخل النبيُ- عليه السلام- ولم
يصنع القومُ شيئاً، رجاء أن تنزل لهم رُخصةٌ، فخرج إليهم بعد فقال:
" وجّهوا هذه البيوت عن المسجد، فإني لا احل المسجد لحائض ولا
جنب " (1) .
ش- عبد الواحد بن زياد أبو بشر البصري.
وفليت بن خليفة العامري، ويقال: أفلت. روى عن جسرة بنت
دجاجة. روى عنه الثوري وغيره. روى له: أبو داود، والترمذي (2) .
وجسرة- بفتح الجيم، وسكون السين المهملة- بنت دجاجة العامرية
الكوفية. روت عن عائشة زوج النبي- عليه السلام- روى عنها أفلت
ابن خليفة. قال أحمد بن عبد الله: تابعية ثقة. روى لها: أبو داود،
والنسائي، وابن ماجه (3) .
وقال (4) الشيخ تقي الدين في " الإمام ": رأيت في كتاب " الوهم
والإيهام " لابن القطان المقروء عليه دجاجة بكسر الدال وعليها " صح "،
وكتب الناسخ في الحاشية بكسر الدال بخلاف واحدة الدجاج.
قوله: " ووجوه بيوت أصحابه " وجوه البيوت أبوابها، ولذلك قيل
لناحية البيت التي فيها الباب وجه الكعبة، وهو مبتدأ.
وقوله: " شارعة " خبره، والجملة محلها النصب على الحال، ومعنى
شارعة في المسجد: مفتوحة فيه، يقال: شرعت الباب إلى الطريق،
أي: أنفدته إليه، والشارع: الطريق الأعظم.
قوله: " وجهوا هذه البيوت " أي: اصرفوا وجوهها عن المسجد،
__________
(1) تفرد به أبو داود.
تنبيه: زيد في سنن أبي داود: " قال أبو داود: هو فليت العامري ".
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (3/547) .
(3) المصدر السابق (35/7804) .
(4) انظره في نصب الراية (1/194) .(1/515)
يقال: وجهت الرجل إلى ناحية كذا إذا جعلت وجهه إليها، ووجهته عنها
إذا صرفته عن جهتها إلى جهة غيرها.
قوله: " رجاء أن ينزل لهم رخصة " أي: لترجى نزول الرخصة،
ونصبه على أنه مفعول له، و " أن " مصدرية محلها الجر بالإضافة،
و" رخصة " مرفوع بقوله: " تنزل " المجهول.
قوله: " فخرج إليهم بعد " أي: بعد ذلك، وقد عرف أن قبل وبعد إذا
قطع عن الإضافة يصير حدا ينتهى إليه، ويبنى على الضم.
قوله: " فإني لا احل " من الإحلال بمعنى الحل الذي هو ضد الحرام،
والألف واللام في المسجد للعهد، وهو مسجد النبي- عليه السلام-
وحكم غير. مثل حكمه، ويجوز أن يكون للجنس، ويدخل في هذا
الحكم جميع المساجد وهو أوْلى، وإنما قدم الحائض للاهتمام في المنع
والحرمة؛ لأن نجاستها أغلظ، والنفساء مثل الحائض.
وقوله: " لا أحل المسجد لحائض ولا جنب " بإطلاقه يتناول الدخول
والمرور واللبث فيه، وعن الشافعي ومالك جواز المرور عابر سبيل. وعن
أحمد جواز لبث الجنب فيه بوضوء، والحديث بإطلاقه حجة عليهم.
وأخرج البخاري هذا الحديث في " التاريخ الكبير "، وفيه زيادة، وذكر
بعد حديث عائشة- رضي الله عنها- عن النبي- عليه السلام-:
" سدوا هذه الأبواب إلا باب أبي بكر "، ثم قال: وهذا أصح. وقال
ابن القطان في " كتابه " (1) : قال أبو محمد عبد الحق في حديث جسرة
هذا: إنه لا يثبت من قبل إسناده، ولم يبين ضعفه، ولست أقول: إنه
حديث صحيح، وإنما أقول: إنه حسن، فإنه يرويه عبد الواحد بن زياد،
وهو ثقة لم يذكر بقادح، وعبد الحق احتج به في غير موضع من كتابه.
وقال الخطابي: وضعفوا هذا الحديث وقالوا: أفلت راويه مجهول، لا
يصح الاحتجاج بحديثه. قلت: هذا غير مُسلم، فإن أفلت أو فُليت كما
__________
(1) انظره في نصب الراية (1/194) .(1/516)
ذكرنا روى عنه الثوري، وعبد الواحد بن زياد. وقال أحمد بن حنبل:
ما أرى به بأساً. وسئل عنه أبو حاتم الرازي. فقال: شيخ. وحكى
البخاري: أنه سمع من جسرة بنت دجاجة قال: وعند جسرة عجائب.
وذكر ابن حبان: جسرة في كتاب " الثقات "، قال: وروى عنها أفلت
أبو حسان، وقدامة العامري. ويؤيد هذه الرواية ما رواه ابن ماجه في
" سننه " عن أبي بكر بن أبي شيبة والطبراني في " معجمه "، عن أم سلمة
قالت: دخل رسولُ الله- عليه السلام- صرحة هذا المسجد/فنادى
بأعلى صوته: " إن المسجد لا يحل لجنب ولا لحائض " (1) .
***
84- باب: في الجنب يصلي بالقوم وهو ناسي
أي: هذا باب في بيان الجنب الذي يصلي بالجماعة، والحال أنه
ناسي، وفي بعض النسخ: " وهو ساه "، والفرق بين السهو والنسيان:
أن السهو ترك الشيء عن غير علم، يقال: سهى فيه وسهى عنه،
والثاني يستعمل في الترك مع العلم، والنسيان خلاف الذكر والحفظ.
218- ص- حدثنا موسى بن إسماعيل قال: نا حماد، عن زياد الأعلم،
عن الحسن، عن أبي بكرة: " أن رسول الله- عليه السلام- دخل في صلاة
الفجر فأومأ بيده أن مكانكم، ثم جاء ورأسهُ يقطُرُ، فصلى بهم " (2) .
ش- زياد الأعلم هو زياد بن حسان بن قرة الأعلم البصري الباهلي،
نسيب عبد الله بن عون، وقيل: ابن خالة يونس بن عبيد. روى عن:
أنس بن مالك، والحسن البصري، ومحمد بن سيرين. روى عنه:
عبد الله بن عون، وأشعث بن عبد الملك، وحماد بن زيد، وسعيد بن
أبي عروبة، وهمام بن يحيى، وغيرهم. قال أحمد: ثقة ثقة. روى
له: البخاري، وأبو داود، والنسائي (3) .
__________
(1) إلى هنا انتهى النقل من نصب الراية.
(2) تفرد به أبو داود.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (9/2035) .(1/517)
وأبو بكرة نفيع بن الحارث بن كلدة بن عمرو بن علاج بن أبي سلمة،
وإنما كني أبا بكرة لأنه تدلى إلى النبي- عليه السلام- ببكرة فكني بذلك،
وأعتقه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. رُوي له عن رسول الله - عليه لسلام- " مائة
حديث (1) واثنان وثلاثون حديثاً، اتفقا علي ثمانية، وانفرد البخاري
بخمسة، وانفرد مسلم بخمسة. روى عنه: ابناه عبد الرحمن ومسلم،
والحسن البصري، وريعي بن حراش، والأحنف بن قيس، وكان ممن
اعتزل يوم الجمل، ولم يقاتل مع أحد من الفريقين " مات بالبصرة سنه
إحدى وخمسين. روى له الجماعة (2) .
قوله: " دخل في صلاة الفجر " المراد منه: قام في مقامه للصلاة،
وتهيأ للإحرام بها، يدل عليه رواية مسلم: فأتي رسول الله حتى إذا قال
في مصلاه قبل أن يكبر ذكر فانصرف "، وهذا صريح في أنه لم يكن كبر
ودخل في الصلاة، وفي رواية البخاري: " وانتظرنا تكبيره ". قال
النووي: " يحتمل أنهما قضيتان وهو الأظهر ". قلت: هذا وهم يرده
رواية مسلم.
قوله: " فأومأ بيده " أي: أشار بها.
قوله: " أن مكانكم " " أن " مفسرة مثل قوله تعالى: (فأوحينا (3) إليه
أن اصْنع الفُلك) (4) ، و " مكانكم " منصوب بفعل محذوف تقديره:
لازموا مكانكم، أو اثبتوا في مكانكم، فعلى الأول: مفعول به، وعلى
الثاني: مفعول فيه.
قوله: " ثم جاء " فيه حذف، والتقدير: ذهب واغتسل ثم جاء،
وكذلك فيه حذف قبل قوله: " فأومأ "، والتقدير: " دخل في صلاة
الفجر، ثم تذكر أن عليه غسلاً، ثم أومأ بيده ".
__________
(1) في الأصل: " حديث حد " كذا.
(2) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (3/567) ، وأسد الغابة
(6/38) ، والإصابة (3/571) .
(3) في الأصل: " وأوحينا ".
(4) سورة المؤمنون: (27) .(1/518)
قوله: " ورأسه يقطر " جملة اسمية وقعت حالاً من الضمير الذي في
" جاء ".
وقوله: " فصلى بهم " أي: صلي بهم صلاة مبتدأة بتكبير جديد، وكذا
قال ابن حبان في " صحيحه ": أراد بتكبير محدث لا أنه صلى بالشروع
الذي قبله كما زعمه البعض، فإن هذا زعم فاسد لما ذكرنا أنه صرح في
رواية مسلم: " قبل أن يكبر "، ولأن خلو مكان الإمام لا يجوز، وتفسد
به صلاة الإمام والقوم كما عرف في الفقه.
فإن قيل: قد صرح أبو داود في رواية أخرى: " وكبر "، فهذا يدل
على أنه شرع في الصلاة وكبر، ثم ذهب واغتسل. قلت: هذا لا يدل
على أنه صلى بهم بهذه التكبيرة، والظاهر أنه صلى بهم بتحريمة مبتدأة لما
ذكرنا، على أن هذه الرواية مرسلة على ما نذكره. وقال الخطابي: " فيه
دلالة على أنه إذا صلى بالقوم وهو جنب وهم لا يعلمون بجنابته أن
صلاتهم ماضية، ولا إعادة عليهم، وعلى الإمام الإعادة، وذلك أن
الظاهر من حكم لفظ الخبر أنهم قد دخلوا في الصلاة معه، ثم استوقفهم
إلى أن اغتسل وجاء، فأتم الصلاة بهم، وإذا صح جزء من الصلاة حتى
يجوز البناء عليه، جاز سائر أجزائها، وهو قول عمر بن الخطاب، ولا
يعلم له مخالف من الصحابة في ذلك، وإليه ذهب الشافعي.
قلت: يُرد هذا بما أجبنا الآن عن السؤال المذكور. وقوله: " وإذا
صح جزء من الصلاة " إلى آخره، لا نسلم أن هذا الجزء وقع صحيحاً؛
لأن بمجرد ذهابه- عليه السلام- بطل حكم ذلك الشروع، على تقدير
صحة وجود الشروع؛ لأنه ذهب بلا استخلاف، وخلّى مكانه، وذا مما
يفسد الشروع، فإذا فسد ذلك الجزء يصير البناء عليه فاسداً/؛ لأن البناء
على الفاسد فاسد، والصلاة لا تتحرى صحة وفساداً، بل الحق أنه- عليه
السلام- صلى بهم بتحريمة مبتدأة كما ذكرنا، فإذن لم يبق لدعواه
حجة، وقوله: " وهو قول عمر، ولا يعلم له مخالف من الصحابة "
غير صحيح؛ لأن الدارقطني أخرج في " سننه " عن عمرو بن خالد،(1/519)
عن حبيب بن أبي ثابت عن عاصم بن ضمرة، عن علي: " أنه صلى
بالقوم وهو جنب فأعاد، ثم أمرهم فأعادوا ". وروى عبد الرزاق في
" مصنفه ": أخبرنا إبراهيم بن يزيد المكي، عن عمرو بن دينار، عن
أبي جعفر: " أن عليا صلى بالناس وهو جنب أو على غير وضوء فأعاد،
وأمرهم أن يعيدوا ". وروى عبد الرزاق أيضاً: أخبرنا حسين بن مهران،
عن مطرح، عن أبي المهلب، عن عبيد الله بن زحر، عن عليّ بن
يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة قال: " صلى عمر بالناس وهو جنب
فأعاد ولم يعد الناس، فقال له علي: قد كان ينبغي لمن صلى معك أن
يعيدوا، قال: فرجعوا إلى قول علي- رضي الله عنه ". قال القاسم:
وقال ابن مسعود مثل قول عليّ- رضي الله عنهما- ويستفاد من حديث
أبي بكرة فوائد، الأولى: جواز النسيان في العبادات على الأنبياء- عليهم
السلام-، ألا ترى أنه- عليه السلام- صرح في رواية أخرى بقوله:
" إنما أنا بشر مثلكم " (1) ؟
والثانية: أن الإمام إذا أقام الصلاة، ثم ظهر أنه محدث ومضى ليزيل
حدثه، أي حدث كان، وأتى لا يحتاج إلى تجديد إقامة ثانية، لأن ظاهر
الحديث لم يدل على هذا.
والثالثة: فيه دليل على طهارة الماء المستعمل، وهو الصحيح من
المذهب أنه طاهر غير طهور.
وقال الخطابي: " فيه دليل على أن افتتاح المأموم صلاته قبل الإمام لا
يبطل صلاته ". قلت: لا دليل فيه على ذلك؛ لأنه لايح (2) إما أن
يكون ذهابه- عليه السلام- للاغتسال قبل التحريمة كما هو الصحيح، أو
بعدها على زعمهم، فإن كان قبلها فليس فيه افتتاح، لا من الإمام ولا
من القوم، وإن كان بعدها فهم افتتحوا بافتتاحه- عليه السلام- الجديد.
وقال الشافعي: من أحرم قبل الإمام فصلاته باطلة.
__________
(1) انظر الحديث الأتي.
(2) كذا، ولعلها بمعنى " لا يخرج ".(1/520)
219- ص- حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: نا يزيد بن هارون قال: أنا
حماد بن سلمة بإسناده ومعناه. قال في أوله: " فكبر "، وقال في آخره:
" فلما قضى الصلاة قال: إنما أنا بشر، وإني كنتُ جنباً " (1) .
ش- أي: بإسناد الحديث الأول ومعناه.
قوله: " فكبّر " أجبنا عنه آنفاً. وقال البيهقي في باب: " من أدى
الزكاة فليس عليه أكثر من حق ": حماد بن سلمة ساء حفظه في آخر
عمره، فالحفاظ لا يحتجون بما يخالف فيه. وقال في باب: " من مر
بحائط إنسان ": ليس بالقوي. وقال في باب: " من صلى وفي ثوبه
أذى ": مختلف في عدالته. والعجب ثم العجب من البيهقي كيف أطلق
هذا القول في حماد مع جلالته، ثم ناقض نفسه فحكم بصحة هذا
الحديث مع أن في سنده حماداً هذا.
قوله: " وقال في آخره " أي: في آخر الحديث. ومعنى قوله: " إنما
أنا بشر مثلكم " (2) إعلام منه أنه مثلهم في النسيان، وأنه يعرض عليه كما
يعرض عليهم.
وقوله: " وإني كنت جنباً " خارج مخرج الاعتذار والتعليل، لذهابه
وتركه إياهم وهم ينتظرونه.
ص- قال أبو داود: رواه أيوب، وابن عون، وهشام عن محمد (3) قال:
" فكبر، ثم أوما (4) إلى القوم أن اجْلسُوا، فذهب فاغتسل ".
ش- أي: روى هذا الحديث أيضاً بالإرسال: أيوب السختياني،
وعبد الله بن عون، وهشام بن حسان البصري، عن محمد بن سيرين.
وعبد الله بن عون بن أرطبان البصري، أبو عون المزني، وأرطبان
مولى عبد الله بن مغفل صاحب النبي- عليه السلام-. رأى أنس بن
__________
(1) تفرد به أبو داود
(2) كلمة " مثلكم " غير موجودة في نص الحديث.
(3) في سنن أبي داود: " عن محمد مرسلاً، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال ".
(4) في سنن أبي داود: " أومأ بيده ".(1/521)
مالك ولم يثبت له منه سماع. وسمع: القاسم بن محمد بن أبي بكر
الصّدّيق، وموسى بن أنس بن مالك، وهشام بن زيد، والحسن البصري،
وغيرهم. روى عنه: الأعمش، وشعبة، والثوري، وابن المبارك،
ويحيى القطان، وغيرهم. وكان من الزهد على جانب عظيم. رُوي عن
خارجة: صحبت ابن عون أربعاً وعشرين سنة، فما أعلم أن الملائكة
كتبت عليه خطيئة. توفي سنة إحدى وخمسين ومائة. روى له الجماعة (1) .
قوله: " ثم أومأ إلى القوم أن اجلسوا " /دليل قاطع على أنهم لم
يكونوا في الصلاة، وبهذا سقط قول من قال: إن قوله- عليه السلام-:
" مكانكم " دليل على أنهم كانوا في الصلاة، بل معناه: لا تتفرقوا حتى
أرجع إليكم، فإن قيل: وقد جاء في رواية أيضاً: " ولم نزل قياماً
شطره " قلنا: فعل القوم لا يعارض قوله- عليه السلام-، ويحتمل أن
الذين فهموا منه أن اجلسوا جلسوا، ومن لم يفهم بقي قائماً، فافهم.
ص- وكذلك رواه مالك عن إسماعيل بن أبي حكيم، عن عطاء بن
يسار: " أن رسول الله- عليه السلام- كبر في صلاته (2) ".
ش- أي: كما روى ابن سيرين مرسلاً، كذلك رواه بالإرسال مالك
ابن أنس، عن إسماعيل بن أبي حكيم القرشي الأموي المدني، مولى
عثمان بن عفان، وهو أخو إسحاق. روى عن: القاسم بن محمد بن
أبي بكر، وعمر بن عبد العزيز، وسعيد بن المسيب، وآخرين. روى
عنه: مالك بن أنس، ويحيى القطان، ومحمد بن إسحاق بن يسار،
وغيرهم. قال ابن معين: ثقة. وقال أبو حاتم: يكتب حديثه. توفي
سنة ثمانين ومائة. روى له: مسلم، وابن ماجه، والنسائي (3) .
ص- قال أبو داود: وكذلك نا مسلم بن إبراهيم قال: نا أبان، عن يحيى،
عن الربيع بن محمد، عن النبي- عليه السلام-: " انه كبر ".
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (15/3469) .
(2) في سنن أبي داود: " صلاة ".
(3) المصدر السابق (3/437) .(1/522)
ش- هذا أيضاً مرسل، ومسلم بن إبراهيم القصاب، وأبان بن يزيد
العطار، ويحيى بن أبي كثير صالح الطائي، والربيع بن محمد، قال
الذهبي: الربيع بن محمد أرسل، وعنه يحيى بن أبي كثير. روى له
أبو داود (1) . لم أقف عليه في كتاب " الكمال ".
220- ص- حثثنا عمرو بن عثمان الحمصي قال: نا محمد بن حرب
قال: ثنا الزبيدي ح قال: ونا عياش بن الأزرق قال: نا ابن وهب، عن
يونس ج، قال: ونا مخلد بن خالد (2) قال: نا إبراهيم بن خالد إمام مسجد
صنعاء، قال: نا رباح، عن معمر ح، ونا مؤمل بن الفضل قال: نا الوليد،
عن الأوزاعي كلهم عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال:
أقيمت الصلاةُ فصفّ (3) الناسُ صفُوفهم، فخرج رسولُ الله- عليه
السلام- حتى إذا قام في مقامه ذكر أنه لم يغتسلْ، فقال للناس: " مكانكُم!
ثم رجع إلى بيته، فخرج علينا ينْطفُ رأسُه قد (4) اغتسل ونحنُ صفوف "
وهذا لفظ ابن حرب. وقال عياش في حديثه: " فلم نزلْ قياماً ننتظرُهُ حتى
خرج علينا، وقد اغتسل " (5) .
ش- محمد بن حرب الأبرش الخولاني الحمصي، أبو عبد الله.
سمع: الأوزاعي، والزبيدي، ومحمد بن زياد الألهاني، وغيرهم.
روى عنه: عبد الأعلى بن مُسهر، وعمرو بن عثمان، والربيع بن روح
الحمصي، وجماعة آخرون. وقال أبو حاتم: صالح الحديث. وقال
أحمد: ليس به بأس. وقال أحمد بن عبد الله: هو شامي ثقة (6) .
__________
(1) المصدر السابق (9/1870) .
(2) في الأصل: " محمد بن خالد " خطأ.
(3) في سنن أبي داود: " وصف ".
(4) في سنن أبي داود: " وقد ".
(5) البخاري: كتاب الغسل، باب: إذا ذكر في المسجد أنه جُنب خرج كما هو
ولا يتيمم (275) ، مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: متى يقوم
الناس للصلاة (605) ، النسائي: كتاب الإمامة، باب: إقامة الصفوف قبل
خروج الإمام (2/88) ، ويأتي برقم (523) .
(6) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (25/5138) .(1/523)
والزُّبيدي- بضم الزاي، وفتح الباء الموحدة- هو محمد بن الوليد بن
عامر الزُبيدي، أبو الهُذيل الشامي الحمصي. سمع: نافعاً، والزهري،
وسعيداً (1) المقبري، وغيرهم. روى عنه: الأوزاعي، ومحمد بن
حرب، وبقية بن الوليد، وجماعة آخرون. قال النسائي: ثقة، وكذا
قال أبو زرعة. مات سنة ثمان وأربعين ومائة. روى له الجماعة (2) .
روى (3) عن: أبي بكر، وعمر، وسمع: معاذاً، وعبد الله بن
مسعود، ومعاوية بن أبي سفيان. روى عنه: أبو إدريس الخولاني،
وشهر بن حوشب، وأبو قلابة، وغيرهم. وقال أحمد بن عبد الله:
تابعي ثقة من كبار التابعين. روى له: أبو داود، والترمذي، وابن ماجه.
وعياش بن الأزرق، أبو النجم نزيل أذنة. روى عن عبد الله بن
وهب. روى عنه أبو داود. قال أحمد بن عبد الله: بصري ثقة، وقد
كتبت عنه (4) .
ويونس بن يزيد.
ومحمد (5) بن خالد بن خلي الحمصي. روى عن: أبيه، وابن عيينة،
وبشر بن شعيب، وغيرهم. روى عنه: أبو داود، والنسائي وقال:
ثقة. وقال ابن أبي حاتم: كتبنا عنه بحمص وهو صدوق (6) .
__________
(1) في الأصل: " سعيد ".
(2) المصدر السابق (26/5673) .
(3) كذا، وجاء هذا النص في الأصل كالتالي: " ... أبو الهذيل الشامي
الحمصي، روى عن أبي بكر ... " ثم ألحق في الهامش قوله: " سمع
نافعاً، ... " إلى قوله: " روى له الجماعة "، ووضع علامة الإلحاق قبل
قوله: " روى عن أبي بكر ... "، فلعله نسي أن يضرب على هذا النص،
والله أعلم.
(4) المصدر السابق (22/4598) .
(5) كذا ترجم المصنف لمحمد بن مخلد تبعاً للخطأ الموجود في السند، والذي في
سند الحديث هو مخلد بن خالد بن يزيد الشعيري أبو محمد نزيل طرسوس،
قال أبو حاتم: لا أعرفه، وقال أبو داود: ثقة، وكذا قال ابن حجر في
" التقريب "، وانظر ترجمته في: تهذيب الكمال (27/5834) .
(6) المصدر السابق (25/5176) .(1/524)
وإبراهيم بن خالد بن عبيد أبو محمد القرشي، المؤذن بمسجد صنعاء.
سمع: عمر (1) بن عبد الرحمن، ورباح بن زيد، والثوري، وغيرهم.
روى عنه: أحمد بن حنبل، وأبو داود، والنسائي، وغيرهم. وقال ابن
معين: ثقة (2) .
ورباح بن زيد القرشي مولاهم الصنعاني. سمع: معمر بن راشد،
وعمر بن حبيب، وعبد العزيز بن حوران. روى عنه: ابن المبارك،
وعبد الرزاق بن همام، وأبو ثور، وغيرهم. قال أبو حاتم: جليل
ثقة. توفي سنة سبع وثمانين ومائة، وهو ابن إحدى وثمانين. روى له
أبو داود (3) .
ومعمر بن راشد، ومؤمل بن/الفضل بن مجاهد، والوليد بن مسلم
الدمشقي، والأوزاعي عبد الرحمن، والزهري محمد بن مسلم،
وأبو سلمة عبد الله بن عبد الرحمن، هذه أربع أسانيد كلهم عن الزهري.
قوله: " ينطف رأسه " جملة وقعت حالاً، وكذلك قوله: " قد
اغتسل "، ولذلك ذكر بلفظة " قد "، وكذلك قوله: " ونحن صفوف "
فهذه أحوال متداخلة أو مترادفة، و " ينطف " بكسر الطاء وضمها لغتان
مشهورتان، أي: يقطر.
قوله: " فلم نزل قياماً " أي: قائمين، كصيام جمع " صائم ".
قوله: " ننتظره " وقع حالاً من الضمير الذي في " لم نزل " أي: لم
نزل قائمين منتظرين إياه.
قوله: " حتى خرج علينا وقد اغتسل " هنا وقع الماضي حالاً " بالواو "،
وكلمة " قد "، وقد تقع " بالواو " بدون " قد " لا صريحاً ولا مضمراً،
بل بعضهم ما أوجبوا " قدْ " في الماضي المثبت إلا عند عدم الواو، فإذا
وجد الواو لا يحتاج إلى " قد ". وأخرجه البخاري، ومسلم،
__________
(1) في الأصل: " عمرو " خطأ.
(3) المصدر السابق (9/1844) .
(2) المصدر السابق (2/1844) .(1/525)
والنسائي، وفي لفظ البخاري: " ثم خرج إلينا ورأسه تقطر، فكبر
فصلينا معه "، وفي لفظ لمسلم: " حتى خرج إلينا وقد اغتسل فنطف
رأسُه ماء، فكبر فصلى بنا "، وهذا رواية البخاري ومسلم تنطق بأنه كبر
بعد أن جاء، فدل على أنه ما كبر أولاً، ولا يلزم أن يكون الشروع مرتين،
وهذا غير مفيد؛ لأنه لا يخلو إما أن يكون أفسد الشروع الأول أو لا،
فإن أفسده فهو يساعدنا على الخصم، وإن لم يفسده فلا فائدة في الشروع
الثاني، والنبي- عليه السلام- ما يصدر منه شيء غير مفيد شرعاً؛ لأن
أقواله وأفعاله وأحواله جميعها شرعٌ فافهم، فإنه كلام دقيق، وبيان حقيق.
***
85- باب: الرجل يجد البلة في منامه
أي: هذا باب في بيان حكم الرجل الذي يجد البلل في منامه.
" البلة " بكسر الباء: النداوة، ص وبالضم: ابتلال الرّطب، وبالفتح: الريح
الذي فيها بلل.
221- ص- حدثنا قتيبة بن سعيد قال: نا حماد بن خالد الخياط، قال:
[حدثنا] عبد الله العُمري، عن عبيد الله، عن القاسم، عن عائشة قالت:
سُئل النبيُ- عليه السلام- عن الرجل يجدُ البلل ولا يذكُرُ احتلاماً؟ قال:
يغتسلُ. وعن الرجل يرى أنْ قد احتلم، ولا يجدُ البلل؟ قال: لا غُسْل
عليه. فقالت أمُ سُليم: المرأةُ ترى ذلك، أعليها الغُسلُ؟ قال: " نعم، إنما
النساءُ شقائقُ الرجال " (1) .
ش- حماد بن خالد الخياط، أبو عبد الله القرشي البصري، سكن
بغداد، وأصله مدني. سمع: مالك بن أنس، وابن أبي ذئب، وعبد الله
ابن عمر العمري، ومعاوية بن صالح. روى عنه: أحمد بن حنبل،
ويحيى بن معين، وأبو بكر بن أبي شيبة، وغيرهم. قال ابن معين:
__________
(1) الترمذي: كتاب الطهارة، باب: ما جاء فيمن تستيقظ فترى بللاً (113) ،
ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: من احتلم ولم ير بللاً (612) .(1/526)
صالح الحديث، ثقة. وقال أبو زرعة: شيخ ثقة روى له الجماعة إلا
البخاري (1) .
وعبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب، أبو عبد
الرحمن القرشي العدوي، أخو عبيد الله وإخوته، سمع: نافعاً مولى ابن
عمر، وخبيب بن عبد الرحمن، وأبا الزبير، والقاسم بن غنام البياضي،
والزهري، وغيرهم. روى عنه: منصور بن سلمة الخزاعي، وقراد أبو نوح،
وأبو نعيم، ووكيع، وغيرهم. وقال ابن المديني: ضعيف. وعن ابن
معين: ليس به بأس، يكتب حديثه. وعن أحمد بن حنبل: صالح، وعن
صالح بن محمد: لين، مختلط الحديث. توفي بالمدينة سنة إحدى وسبعين
ومائة. روى له الجماعة إلا البخاري، ورواية مسلم عنه مقروناً (2)
وعبيد الله هو أخو عبد الله المذكور، وقد ذكرناه، والقاسم بن محمد
ابن أبي بكر الصديق ذكر.
وأم سُليم بنت ملحان بن خالد بن زيد، أم أنس بن مالك الأنصارية،
يقال: اسمها: سهْلة، ويقال: رُميلة، ويقال: أنيفة، ويقال: رُميثة،
ويقال: الرميصاء. رُوي لها عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أربعة عشر حديثاً،
اتفقا على حديث واحد، وللبخاري آخر، ولمسلم حديثان. روى عنها:
ابنها أنس، وعبد الله بن عباس. روى لها: أبو داود، والترمذي،
والنسائي (3) .
قوله: " ولا يذكر احتلاماً " الاحتلام من الحلم، وهو عبارة عما يراه
النائم في نومه من الأشياء، يقال: حلم- بالفتح- إذا رأى، وتحلّم إذا
ادعى الرؤيا كاذباً.
قوله: " أعليها " الهمزة للاستفهام.
قوله: " شقائق الرجال " /أي: نظائرهم وأمثالهم في الأخلاق
والطباع، كأنهن شققن منهم، ولأن حواء خلقت من آدم عليهما السلام،
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (7 / 1479) . (2) المصدر السابق (15/ 3440) .
(3) انظر ترجمتها في: الاستيعاب بهامش الإصابة (4/455) ، وأسد الغابة
(7/345) ، والإصابة (4/461) .(1/527)
والشقائق جمع " شقيقة "، ومنه شقيق الرجل أخوه لأبيه وأمه، ويجمع
على أشقاء بتشديد القاف. وقوله- عليه السلام- هذا خارج مخرج
التعليل في وجوب الغسل على المرأة إذا وجدت بللاً ولم تتذكر احتلاماً.
وأخرجه الترمذي، وابن ماجه، وقال الترمذي: وإنما روى هذا الحديث
عبد الله بن عمر، عن عبيد الله بن عمر، وعبد الله بن عمر ضعفه يحيى
ابن سعيد من قبل حفظه، وهو قول غير واحد من أهل العلم من
أصحاب النبي- عليه السلام- والتابعين، أنه إذا استيقظ الرجل فرأى بلة
أنه يغتسل، وهو قول سفيان وأحمد.
قلت: وهو قول أبي حنيفة وأصحابه أيضاً. وقال بعض أهل العلم من
التابعين: إنما يجب عليه الغسل إذا كانت البلة بلة نطفة، وهو قول
الشافعي، وإسحاق. وإذا رأى احتلاماً ولم ير بلة فلا غسل عليه عند
عامة أهل العلم.
***
86- باب: المرأة ترى ما يرى الرجل
أي: هذا باب في بيان حكم المرأة التي ترى في منامها ما يرى الرجل
من الاحتلام.
222- ص- ثنا أحمد بن صالح قال: ثنا عنبسة، عن يونس، عن ابن
شهاب قال: قال عروة، عن عائشة، أن أم سليم الأنصارية- وهي أم أنس
ابن مالك- قالت: " يا رسول الله، إن الله لا يستحي من الحق، أرأيت المرأة
إذا رأتْ في النوم ما يرى الرجل أتغتسلُ أو لا (1) ؟ قالت عائشةُ: فقال
النبيُ- عليه السلام -: " نعم، فلتغتسلْ إذا وجدت الماء "، قالت عائشةُ:
فأقبلتُ عليها فقلت: أف لك، وهل ترى ذلك المرأةُ؟ فأقبل علي رسولُ الله
فقال: " تربتْ يمينُك يا عائشة، ومن أين يكونُ الشبهُ؟ " (2) .
__________
(1) في سنن أبي داود: " أم لا ".
(2) البخاري: كتاب العلم، باب: الحياء في العلم (130) ، مسلم: كتاب-(1/528)
ش- أحمد بن صالح المعروف بابن الطبري.
وعنبسة بن خالد بن يزيد ابن أبي النجاد، الأيلي الأموي مولاهم،
أبو عثمان ابن أخي يونس بن يزيد. روى عن يونس هذا، ورجاء بن
جميل. روى عنه: ابن وهب، وأحمد بن صالح. توفي بأيلة سنة ثمان
وتسعين ومائة. روى له: البخاري، وأبو داود (1) .
ويونس بن يزيد بن أبي النجاد بالنون، وقد مر، وعروة بن الزبير.
قوله: " إن الله لا يستحي " من الحياء، وهو تغير وانكسار يعتري الإنسان
من تخوف ما يعاب به ويُذم، واشتقاقه من الحيوة، يُقال: حيى الرجل
كما يقال نسي.
فإن قلت: كيف جاز وصف القديم سبحانه به، ولا يجوز عليه العير
والخوف والذم؟ وورد من حديث سلمان قال: قال رسول الله- عليه
السلام-: " إن الله حيى كريم، يستحي إذا رفع إليه العبد يديه أن يردهما
صفراً حتى يضع فيهما خيرا ".
قلت: هذا جار على سبيل الاستعارة التبعية التمثيلية شبه ترك الله
تخييب العبد، ورد يديه إليه صفراً بترك الكريم، ورده المحتاج حياء،
فقيل: ترك الله الرد حياء كما قيل: ترك الكريم رد المحتاج حياءً، فأطلق
الحياء ثمة كما أطلق الحياء هاهنا، فلذلك استعير ترك المستحي لترك
الحق، ثم نفي عنه (2) ، وفي " يستحي " لغتان، أفصحهما باليائين.
__________
الحيض، باب: وجوب الغسل على المرأة بخروج المني منها (314) ، الترمذي:
كتاب الطهارة، باب: ما جاء في المرأة ترى في المنام مثل ما يرى الرجل
(122) ، النسائي: كتاب الطهارة، باب: غسل المرأة ترى في منامها ما يرى
الرجل (1/113) ، ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: في المرأة ترى في
منامها ما يراه الرجل (600) من حديث أم سلمة.
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (22/4529) .
(2) بل وصف الله نفسه بالحياء على سبيل الحقيقة، اعتقاد أهل السنة والجماعة:
(ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) ، وانظر: " العقيدة الواسطية "
لشيخ الإسلام ابن تيمية.
34. شرح سنن أبي داوود 1(1/529)
قوله: " أرأيت " بمعنى: أخبرني، والألف في قوله: " أتغتسل "
للاستفهام.
قوله: " فأقبلت عليها " أي: على أم سليم.
قوله: " فقلت: أفّ لك " معناه: الاستقذار والاحتقار لما قالت، وهي
صوت إذا صوت به الإنسان علم أنه متضجر متكره. وقيل: أصل الأف
من وسخ الإصبع إذا فُتل، وقد أففت بعده تأفيفاً وأففت به، إذا قلت له:
أف لك، وفيها لغات هذه أفصحها وأكثرها استعمالاً، ويقال: أصل
الأف وسخ الأظفار. وقال بعضهم: فيها عشر لغات: أف، وأف،
وأُف (1) بضم الهمزة مع كسر الفاء وفتحها وضمها بغير تنوين،
وبالتنوين، فهذه ست، والسابعة: " إف " بكسر الهمزة وفتح الفاء،
والثامنة: " أفْ " بضم الهمزة وإسكان الفاء، والتاسعة: " أفي " بضم
الهمزة وبالياء، و " أفه " بالهاء، هذه لغات مشهورة/ذكرهن كلهن ابن
الأنباري، فمن كسره بناه على الأصل، ومن فتحه طلب الخفة، ومن
ضم أتبع، ومن نون أراد التنكير، ومن لم ينون أراد التعريف، ومن
خفف الفاء حذف أحد المثلين تخفيفاً، ومن زاد التاء كأنه أضافه إلى
نفسه، ومن زاد الهاء كأنه وقف عليها كما في " قِ " يقال: " قه ".
قوله: " تربت يمينك " من ترب الرجل إذا افتقر، أي: لصق بالتراب،
وأترب إذا استغنى، " (2) وهذه الكلمة جارية على ألسنة العرب لا يريدون
بها الدعاء على المخاطب، ولا وقوع الأمر بها كما يقولون: قاتله الله،
وقيل: معناه لله درك. وقيل: أراد بها المثل ليرى المأمور بذلك الجد،
وأنه إن خالفه فقد أساء، وقال بعضهم: هو دعاء على الحقيقة، فإنه قد
قال لعائشة: " تربت يمينك "؛ لأنه رأى الحاجة خيراً لها، والأول
الوجه، ويعضده قوله في حديث خزيمة: " أنعم صباحاً، تربت يداك "،
فإن هذا دعاء له، وترغيب في استعماله ما تقدمت الوصية به،
__________
(1) في الأصل: " وأوف ".
(2) انظر: النهاية (1/184- 185) .(1/530)
ألا تراه قال: " أنعم صباحاً "، ثم عقبه بقوله: " تربت يداك "؟
وكثيراً يرد للعرب ألفاظ ظاهرها الذم، وإنما يريدون بها المدح، كقولهم:
لا أب لك، ولا أم لك، وهوتْ أمُّه، ولا أرض لك، ونحو ذلك " (1) .
قوله: " ومن أين يكون الشبه؟ " بفتح الشين والباء يقال: بينهما شبه
أي: مشابهة. والمعنى: أن ماء الرجل إذا غلب ماء المرأة يكون شبه الولد
للأب وبالعكس للأم، ولو لم يكن للأم ماء ما كان يشبه الولد الأم
أصلاً كما في " صحيح مسلم " من حديث طويل: " ماء الرجل أبيض،
وماء المرأة أصفر، فإذا اجتمعا فعلا منيُّ الرجل مني المرأة أذكرا بإذن الله
تعالى، وإذا علا منيّ المرأة منيّ الرجل أنثا بإذن الله "، وهذا الحديث
أخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه من
حديث أم سلمة- رضي الله عنها-.
وهاهنا مسائل فقهية، استيقظ رجل فوجد على فراشه أو فخذه بللاً،
هذا على وجهين، تذكر الاحتلام أم لا، فإن تذكر فعلى أربعة أوجه:
تيقن أنه مني، أو تيقن أنه مذي، أو شك أنه منى أو مذي، ففي الكل
الغسل، وليس في هذا إيجاب الغسل بالمذي، بل بالمني؛ لأن الظاهر أنه
مني ثم رق بطول المدة، وإن تيقن أنه ودي لا غسل عليه، وإن لم يتذكر
الاحتلام فعلى الأوجه الأربعة أيضاً، فإن تيقن أنه ودي، أو تيقن أنه
مذي، لا يجب الغسل، وإن تيقن أنه مني يحب الغسل، وإن شك أنه
مني أو مذي، قال أبو يوسف: لا يجب قياساً حتى يتيقن بالاحتلام،
وقالا: يجب استحساناً.
ص- قال أبو داود: وكذلك رواه عُقيل، والزبيدي، ويونس، وابن أخي
الزهري، وابن أبي الوزير، عن مالك، عن الزهري، ووافق الزهر في مسافع
الحجبي، قال: عن عروة، عن عائشة، وأما هشام بن عروة فقال: عن
__________
(1) إلى هنا انتهى النقل من النهاية.(1/531)
عروة، عن زينب بنت أبي سلمة، عن أم سلمة، أن أم سليم جاءت (1)
رسول الله- عليه السلام-.
ش- عُقيل- بضم العين- مولى عثمان بن عفان، وقد ذكر.
والزُّبيدي- بضم الزاي- هو محمد بن الوليد، ويونس بن يزيد
وابن أخي الزهري اسمه: محمد بن عبد الله بن مسلم. روى عن
عمه الزهري. وروى عنه: معقل، والقعنبي، وطائفة. وقال الذهبي:
كذّبه ابن معين، ووثّقه أبو داود وغيره. مات سنة سبع وخمسين ومائة.
روى الجماعة (2)
وابن أبي الوزير: إبراهيم بن عمر بن مطرف الهاشمي مولاهم المكي،
أبو عمرو بن أبي الوزير، نزل البصرة. سمع: مالك بن أنس،
وشريكاً، وابن عيينة، وغيرهم. روى عنه: علي بن المديني، وابن
المثنى، وابن بشار، وغيرهم. قال أبو حاتم: لا بأس به. مات سنة
ثلاث وثلاثين ومائتين. روى له الجماعة إلا مسلماً (3) .
ومُسافع- بضم الميم، وبالسين المهملة، وبكسر الفاء- ابن عبد الله
الأكبر بن شيبة بن عثمان بن أبي طلحة عبد الله بن عبد العزيز بن عثمان
ابن عبد الدار بن قُصي، أبو سليمان القرشي الحجبي المكي. سمع:
عبد الله بن عمرو، وعروة بن الزبير، وعمته صفية بنت شيبة،
والزهري. روى عنه: مصعب بن شيبة، ورجاء أبو يحيى، ومنصور بن
صفية، والزهري. قال ابن سعد: كان قليل الحديث. وقال أحمد بن
عبد الله: تابعي ثقة. روى له: مسلم، وأبو داود، والترمذي (4)
وزينب بنت أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد، وأمها: أم سلمة زوج
النبي- عليه السلام-، ولدت بأرض الحبشة، كان/اسمُها برّة،
__________
(1) في سنن أبي داود: " جاءت إلى ".
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (25/5375)
(3) المصدر السابق (2/218) .
(4) المصدر السابق (27/5887) .(1/532)
فسماها رسولُ الله زينب (1) ، روى لها البخاري حديثاً ومسلم آخر،
وقد رويا لها عن أمها وغيرها. روى عنها القاسم بن محمد، وعروة بن
الزبير، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وعبيد الله بن عبد الله، والشعبي.
روى لها: أبو داود، والترمذي، والنسائي (2) .
وأم سلمة اسمها: هند بنت أبي أمية، واسمه حذيفة، ويقال: سهيل
ابن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، أم سلمة المخزومية، أم المؤمنين،
كانت قبل النبي عند أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد. رُوي لها عن
رسول الله ثلاثمائة وثمانية وسبعون حديثاً، اتفقا على ثلاثة عشر حديثاً،
ولمسلم مثلها، هاجرت الهجرتين: هجرة الحبشة، وهجرة المدينة. روى
عنها: ابنها عمر، وابنتها زينب، وسعيد بن المسيب، وأبو بكر بن
عبد الرحمن، وكُريب مولى ابن عباس، وجماعة آخرون، توفيت سنة
تسع وخمسين، وصلى عليها أبو هريرة. روى لها الجماعة (3) .
ويستفاد من هذا الحديث فوائد، الأولى: ترك الاستحياء لمن تعرض له
مسألة، والامتناع، وقد قالت عائشة: " نعم النساءُ نساءُ الأنصار، لم
يمنعهن الحياءُ أن يتفقهن في الدين ".
والثانية: وجوب الغسل على الرجل والمرأة جميعاً إذا احتلم ووجد الماء.
والثالثة: إثبات أن المرأة لها ماء.
والرابعة: إثبات القياس، وإلحاق حكم النظير بالنظير.
والخامسة: أن الخطاب إذا ورد بلفظ الذكور كان خطاباً للنساء، إلا
مواضع الخصوص التي قامت أدلة التخصيص فيها.
__________
(1) البخاري: كتاب الأدب، باب: تحويل الاسم إلى اسم أحسن منه (6192) ،
مسلم: كتاب الآداب، باب: استحباب تغيير الاسم القبيح إلى حسن....
(17/2141) .
(2) انظر ترجمتها في: الاستيعاب بهامش الإصابة (4/319) ، أسد الغابة
(7/131) ، الإصابة (4/317) .
(3) المصادر السابقة (4/421) ، (7/289) ، (4/423) .(1/533)
87- باب: مقدار الماء الذي يجزئ به الغسل
أي: هذا باب في بيان مقدار الماء الذي يكتفى به في الغسل.
223- ص- حدّثنا عبد الله بن مسلمه، عن مالك، عن ابن شهاب، عن
عروة، عن عائشة: " أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يغتسلُ من إناء (1) هو الفرقُ من
الجنابة " (2) .
ش- الفرق: بفتح الفاء والراء وبإسكانها " لغتان، والفتح أفصح
وأشهر، وزعم الباجي أنه الصواب، وليس كما زعم، بل هما لغتان.
قال سفيان: الفرق ثلاثة آصع. وقال ابن الأثير (3) : " الفرقُ بالتحريك
مكيال يسع ستة عشر رطلاً، وهي اثنى عشر مُدا، وثلاثة آصع عند أهل
الحجاز، وقيل: الفرق خمسة أقساط، والقسْط: نصف صاع، فأما
الفرق بالسكون فمائة وعشرون رطلاً ".
وقال أصحابنا في كتب الفقه: الفرق: ستة وثلاثون رطلاً، ذكره
صاحب " الهداية "، ثم علله بقوله: لأنه أقصى ما يُقدر به.
واعلم أن المراد لمن كلمة " من " في قوله: " من إناء " بيان الجنس،
والإناء الذي هو القرف الذي يستعمل منه الماء، وليس المراد أنه يغتسل
بملاء الفرق، بدليل الحديث الآخر: " كنت أغتسلُ أنا ورسولُ الله من
قدح يقال له الفرق "، وبدليل الحديث الآخر: " يغتسل بالصاع ".
واعلم أيضاً أن العلماء أجمعوا على أن الماء الذي يجزئ من الغسل
والوضوء غير مقدر، بل يكفي فيه القليل والكثير إذا وجد شرط الغسل،
__________
(1) في سنن أبي داود: " إناء واحد ".
(2) البخاري: كتاب الغسل، باب: غسل الرجل مع امرأته، مسلم: كتاب
الحيض، باب: القدر المستحب من الماء في غسل الجنابة، وغسل الرجل
والمرأة في إناء واحد في حالة واحدة وغسل أحدهما بفضل الأخر (319) ،
النسائي: كتاب الطهارة، باب: ذكر القدر يكتفي به الرجل من الماء للغسل
(1/127) .
(3) النهاية (3/437) .(1/534)
وهو جريان الماء على الأعضاء؛ لأن الغسل هو الإسالة، فإذا لم يسل
يصير مسحاً وذا لا يجوز. وقال الشافعي: وقد يرفق بالقليل فيكفي،
ويحرق بالكثير فلا يكفي، وقالت العلماء: المستحب أن لا ينقص في
الغسل عن صاع، ولا في الوضوء عن مد، وقد ذكرنا الخلاف في
الصاع، وأجمعوا أيضاً على النهي عن الإسراف في الماء، ولو كان على
شاطئ البحر، ثم الأظهر أنه كراهة تنزيه لا تحريم، خلافاً لبعض
الشافعية.
ص- قال معمر عن الزهري في الحديث، قالت: " كنتُ أغتسل أنا
ورسولُ الله من إناء واحد، فيه قدْرُ الفرق ".
ش- أي: قالت عائشة في هذه الرواية.
قوله: " فيه قدر الفرق " أي: يسع فيه ماء قدر الفرق، وإذا فرضنا أنه
- عليه السلام- اغتسل هو وعائشة بقدر الفرق، يكون قدر الماء الذي
استعمل كل منهما بالتقريب ثمانية أرطال، لأن الفرق ستة عشر رطلاً كما
فسره احمد بن حنبل، وهي صاع عند أبي حنيفة ومحمد.
ويستفاد من الحديث جواز اغتسال الرجل والمرأة من إناء واحد، وقد مر
الكلام فيه، ويستفاد أيضاً الاكتفاء بالصاع كما قررنا. وأخرجه البخاري،
ومسلم/والنسائي.
ص- قال أبو داود: روى ابن عيينة نحو حديث مالك.
قال أبو داود: سمعت أحمد بن حنبل يقول: " الفرق ستة عشر
رطلاً " (1) .
__________
(1) في سنن أبي داود: " وسمعته يقول: صاع ابن أبي ذئب خمسة أرطال وثلث،
قال: فمن قال ثمانية أرطال قال: ليس ذلك بمحفوظ، قال: وسمعت أحمد
يقول: من أعطى في صدقة الفطر برطلنا هذا خمسة أرطال وثلثا فقد أوفى،
قيل: الصيحاني ثقيل. قال: الصيحاني أطيب، قال: لا أدري ".(1/535)
ش- أي: روى سفيان بن عيينة نحو حديث مالك بن أنس، عن
الزهري، عن عروة بن الزبير، عن عائشة- رضي الله عنها-.
***
88- باب: الغسل من الجنابة
أي: هذا باب في بيان الاغتسال من الجنابة، الغُسل- بضم الغين-
اسم الاغتسال، وبالفتح المصدر، وبالكسر الشيء الذي يُغسلُ به كالسدر
والأشباه.
224- ص- حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي قال: نا زهير قال: ثنا
أبو إسحاق قال: حدّثني سليمان بن صُرد، عن جبير بن مطعم، أنهم ذكروا
عند رسول الله- عليه السلام- الغُسْل منً الجنابة، فقال رسول الله: " أما أنا
فأفيضُ على رأسي ثلاثاً، وأشار بيديه كلتيْهما " (1) .
ش- زهير بن معاوية بن حُديجْ، وأبو إسحاق عمرو بن عبد الله
السبيعي، وقد ذُكرا.
وسليمان بن صُرد- بضم الصاد، وفتح الراء- ابن الجون بن أبي الجون
ابن منقذ بن ربيعة الخزاعي. رُوي له عن رسول الله- عليه السلام-
خمسة عشر حديثاً، اتفقا على حديث واحد، وانفرد البخاري بحديث.
روى عنه: عدي بن ثابت، وأبو إسحاق السبيعي المذكور، نزل الكوفة
وقُتل بعين الوردة من الجزيرة سنة خمس وستين أميراً للتوابين. روى له
الجماعة (2)
__________
(1) البخاري: كتاب الغسل، باب: من أفاض على رأسه ثلاثاً (254) ، مسلم:
كتاب الحيض، باب: استحباب إفاضة الماء على الرأس وغيره ثلاثاً (327) ،
النسائي: كتاب الطهارة، باب: ذكر ما يكفي الجنب من إفاضة الماء على
رأسه (1/135) ، ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: في الغسل من الجنابة
(575) .
(2) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (2/63) ، وأسد الغابة
(2/449) ، والإصابة (2/75) .(1/536)
وجبير بن مطعم بن عدي أبي نوفل القرشي المدني، قدم على النبي
- عليه السلام- في فداء أسارى بدر وهو مشرك، ثم أسلم بعد ذلك قبل
عام خيبر، وقيل: أسلم يوم الفتح. رُوي له عن رسول الله ستون
حديثاً، اتفقا على ستة، وانفرد البخاري بحديث ومسلم بحديث. روى
عنه: ابناه محمد ونافع، وسليمان بن صُرد، وسعيد بن المسيب،
وغيرهم. مات بالمدينة سنة أربع وخمسين. روى له الجماعة (1) .
قوله: " أما أنا " كلمة " أما " بالفتح والتشديد حرف شرط وتفصيل
وتوكيد، والدليل على الشرط لزوم الفاء بعدها نحو: (فأما الذين آمنُوا
فيعْلمُون) (2) ، والتفصيل مثل قوله تعالى: (أما السفينة فكانتْ
لمساكين) (3) ، (وأما الغُلامُ) (4) ، (وأما الجدارُ) (5) . وأما
التوكيد فقد ذكره الزمخشري، فإنه قال: فائدة: " أما " في الكلام أن
تعطيه فضل توكيل تقول: زيد ذاهب، فإذا قصدت توكيد ذلك، وأنه لا
محالة ذاهب، وأنه بصدد الذهاب، وأنه منه عزيمة. قلت: أما زيد
فذاهب. وهاهنا أيضاً للتأكيد فافهم.
وأما " أما " بالفتح والتخفيف على وجهين، الأول: أن يكون حرف
استفتاح بمنزلة " ألا " ويكثر ذلك قبل القسم. والثاني: أن يكون بمعنى
حقا.
قوله: " فأفيضُ " من أفاض الماء إذا سكبه، وثُلاثيه فاض، من فاض
الماء والدمع وغيرهما، يفيض فيضاً إذا كثر.
قوله: " ثلاثاً " أي: ثلاث أكف، وهكذا في رواية مسلم، والمعنى:
ثلاث حفنات، كل واحدة منهن ملء الكفين جميعاً.
قوله: " وأشار بيديه " من كلام جُبير بن مطعم، أي: أشار رسول الله
__________
(1) المصادر السابقة (1/230) ، (1/323) ، (1/225) .
(2) سورة البقرة: (26) .
(3) سورة الكهف: (79) .
(4) سورة الكهف: (80) .
(5) سورة الكهف: (81) .(1/537)
بيديه الثنتين، كما قلنا: إن كل حفنة ملء الكفيّن، وهذا هو المسنون في
الغسل، وعليه إجماع العلماء، وأما الفرض فيه غسل سائر البدن
بالإجماع، وفي المضمضة والاستنشاق خلاف مشهور. وأخرجه البخاري
ومسلم والنسائي وابن ماجه.
225- ص- ونا محمد بن المثنى قال: ثنا أبو عاصم، عن حنظلة، عن
القاسم، عن عائشة قالت: كان رسولُ الله- عليه السلام- إذا اغْتسل من
الجنابة دعا بشيء (1) نحو الحلاب، فاخذ بكفه (2) فبدا بشقّ رأسه الأيمن ثم
الأيسر، ثم أخذ بكفيْه فقال بها على رأسه (3) .
ش- أبو عاصم هذا هو الضحاك بن مخلد أبو [عاصم] النبيل البصري.
وحنظلة بن أبي سفيان بن عبد الرحمن بن صفوان بن أمية القرشي
الجُمحي المكي. سمع: القاسم بن محمد، وسالم بن عبد الله بن
عمر، وعطاء بن أبي رباح، وطاوساً، ومجاهداً، وغيرهم. روى عنه:
الثوري، وابن المبارك، ووكيع، وأبو عاصم النبيل، وغيرهم. قال
أحمد بن حنبل: ثقة ثقة./وقال ابن معين: ثقة حجة. مات سنة
إحدى وخمسين ومائة. روى له الجماعة إلا ابن ماجه (4) .
قوله: " نحو الحلاب " " الحلاب " بكسر الحاء المهملة: إناء يملاؤه قدر
حلبة ناقة. ويقال لها أيضاً المحلب بكسر الميم، وترجم البخاري عليه
" من بدأ بالحلاب أو الطيب عند الغسل "، فدل على أنه عنده ضرب من
الطيب، وهذا لا يُعرف في الطيب، والمعروف حب المحلب بفتح الميم
واللام، وألفاظ الحديث ظاهرة في أنه الإناء. وقال بعضهم: يحتمل أن
__________
(1) في سنن أبي داود: " بشيء من "
(2) في سنن أبي داود: " فأخذ بكفيه ".
(3) البخاري: كتاب الغسل، باب: من بدأ بالحلاب أو الطيب قبل الغسل (258) ،
مسلم: كتاب الحيض، باب: صفة غسل الجنابة (318) ، النسائي: كتاب
الغسل والتيمم، باب: استبراء البشرة في الغسل من الجنابة (1/206) .
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (7/1561) .(1/538)
يكون البخاري ما أراد إلا الجُلاب- بالجيم المضمومة، وتخفيف اللام-
وهو ماء الورد، فارسي مُعرب؛ لأن " كل " عندهم الورد، و " آب "
المل، فلما عُرب أبدل من الكاف جيم، والمحفوظ في البخاري بالحاء
المهملة، وهو بها أشبه؛ لأن الطيب لمن يغتسل بعد الغسل أليق منه قبله
وأولى؛ لأنه إذا بدأ به ثم اغتسل أذهبه الماء، وقال ابن الأثير في باب
الجيم مع اللام (1) . " وفي حديث عائشة: كان إذا اغتسل من الجنابة دعا
بشيء نحو الجلاب. قال الأزهري: أراد بالجُلاب ماء الورد، والله
أعلم ". قلت: الذي تشهد به العبارة " من السياق والسباق أن المراد به
الإناء، يتأمله من له ذوق في طرق التركيب.
قوله: " فبدأ بشق رأسه الأيمن " الشق- بكسر الشين، وتشديد القاف
بمعني: الجانب، وبمعنى: نصف الشيء، ومنه: " تصدقوا ولو بشق
تمرة " أي: نصفها.
وقوله: " الأيمن " صفة للشق، وكذلك الأيسر.
قوله: " فقال ما " أي: بالكفين، واعلم أن العرب تجعل القول عبارة
عن جميع الأفعال، وتطلق على غير الكلام فتقول: قال بيده، أي:
أخذ. وقال برجله، أي: مشى. وقالت له العينان: سمعاً وطاعة،
أي: أومأت- والمعنى هاهنا قال بكفيه على رأسه، أي: وقلب. وفي
حديث آخر: " فقال بثوبه " أي: رفعة، وكل ذلك على المجاز،
والاتساع، ويُقال: إن " قال " تجيء لمعان كثيرة بمعنى: أقبل، ومال،
واستراح، وذهب، وغلب، وأحبّ " وحكم، وغير ذلك. وسمعت
أهل مصر يستعملون هذا في كثير من ألفاظهم، ويقولون: أخذ العصا
وقال به كذا، أي: ضرب به. وجمع كفه وقال بها في رقبته، أي:
لكمها، وأخذ الجندة وقال بها على جسمه، أي: لبسها، وغير ذلك،
__________
(1) النهاية (1/282) .(1/539)
يقف على ذلك من يتأمل في كلامهم، ولذلك رأيتهم أفصح من أهل
الشام وحلب وديار بكر، ولا سيما المولدون فيها.
226- ص- وثنا يعقوب بن إبراهيم قال: نا عبد الرحمن- يعني: ابن
مهدي- عن زائدة بن قدامة، عن صدقة قال: نا جُميع بن عُمير أحدُ بني
تيم بن ثعلبة قال: دخلت مع أمي وخالتي على عائشة فسألتْها إحداهما:
كيف كنتُم تصنعُون عند الغُسل؟ فقالت عائشةُ: كان رسولُ الله يتوضأُ
وضُوءه للصلاة، ثم يُفيضُ على رأسه ثلاث مرات ونحنُ نُفيضُ على
رُؤُوسنا خمساً من أجْل الضفْر (1)
ش- يعقوب بن إبراهيم بن كثير بن زيد بن أفلح الدورقي أبو يوسف
العبدي، أخو أحمد بن إبراهيم، وكان الأكبر، سكن بغداد، رأى
الليث بن سعد. وسمع: ابن عيينة، ويحيى القطان، وأبا (2) عاصم
النبيل، وعبد الرحمن بن مهدي، وغيرهم. روى عنه: أبو زرعة،
وأبو حاتم، والبخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي،
وابن ماجة، وجماعة آخرون. وكان حافظاً ثقة متقناً، صنف المسند.
مات سنة ثنتين وخمسين ومائتين (3) .
وصدقة بن سعيد الحنفي، سمع جُميع بن عُمير. روى عنه:
عبد الواحد بن زياد، وأبو بكر بن عياش، وزائدة. قال البخاري: يعد
في الكوفيين. روى له: أبو داود، وابن ماجه (4) .
وجميع بن عُمير التيمي أحدُ بني تيم الله الكوفي، روى عن: عبد الله
ابن عمر، وعائشة الصّدّيقة. روى عنه: صدقة بن سعيد، والعلاء بن
صالح، وحكيم بن جبير، وغيرهم. قال البخاري: فيه نظر. قال
__________
(1) النسائي: كتاب الطهارة، باب: ذكر غسل الجنب يديه قبل أن يدخلهما الإناء
(1/133) ، ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في الغسل من الجنابة
(574) .
(2) في الأصل: " أبى " خطأ.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (32/7083) .
(4) المصدر السابق (13/2862) .(1/540)
عبد الرحمن: سألت أبى عنه فقال: من عتق الشيعة، محله الصدق،
صالح الحديث، كوفي تابعي. روى له: أبو داود، والترمذي،
والنسائي، وابن ماجه (1) .
قوله: " يتوضأ وضوءه للصلاة " /أي: الوضوء الكامل، وبذا قالت
العلماء؛ اللهم إلا إذا كان في مستجمع الماء فيؤخر رجليه، ثم إذا خرج
منه يغسلهما.
قوله: " من أجل الضفر " الضفر- بفتح الضاد المعجمة، وسكون
الفاء- وهي الذوائب المضفورة، وضفر الشعر: إدخال بعضه في بعض،
وبهذا يستفاد أن المرأة إذا استعملت الماء أكثر من الرجل لأصل شعرها لا
بأس عليها، ويدخل في هذه الطائفة الذين يضفرون شعورهم مثل النساء.
وأخرجه النسائي وابن ماجه.
227- ص- حدثنا سليمان بن حرب الواشحي ح، وثنا مسدد قال: ثنا
حماد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: " كان رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
إذا اغتسل من الجنابة " قال سليمانُ: يبدأ فيُفرغُ بيمينه (2) ". وقال مسدد:
" غسل يد، فصبّ الإناء على يده اليُمْنى "، ثم اتفقا: " فيغسلُ فرجه ".
قال مسدد: " يُفرغُ على شماله، وربما كنتْ عن الفرج، ثم يتوضأ
كوضُوئه (3) للصلاة، ثم يُدخلُ يده (4) في الإناء، فيُخللُ شعْره، حتى إذا
رأى أنه قد أصاب البشْرة، أو أنْقى البشْرة، أفرغً على رأسه ثلاثاً، وإذا
فضل فضْلة صبّها عليه " (5) .
__________
(1) المصدر السابق (5/966) .
(2) في سنن أبي داود: " بيمينه على شماله ".
(3) في سنن أبي داود: " وضوءه ".
(4) في سنن أبي داود: " يديه ".
(5) البخاري: كتاب الغسل، باب: هل يُدخل الجنب يده في الإناء قبل أن
يغسلها إذا لم يكن على يده قذر غير الجنابة؟ ... (262) ، وباب: تخليل
الشعر (272) ، مسلم: كتاب الحيض، باب: صفة غسل الجنابة (316) ،
الترمذي: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في الغسل من الجنابة (104) ،
النسائي: كتاب الغسل والتيمم، باب: الابتداء بالوضوء في غسل الجنابة
(1/ 205) .(1/541)
ش- قوله: " يُفرغُ " من أفرغ الإناء إذا أقلب ما فيه.
قوله: " ثم اتفقا " أي: سليمان ومُسدد.
قوله: " وربما كنتْ " بفتح النون المخففة من كنيتُ عن الأمر وكنوت
عنه، إذا ورّيتُ عنه بغيره.
قوله: " فيخلل شعره " إنما فعل ذلك ليلين الشعر ويرطبه، فيسهل عليه
مرور الماء.
قوله: " أصاب البشرة " البشرة ظاهر الجلد، وتجمع على أبشار.
قوله: " أو أنقى " من الإنقاء.
" (1) وهذه الصفة المفعولة في الغسل هي المسنونة عند عامة العلماء،
ولم يشترط أحد الدلك فيه ولا في الوضوء إلا مالك والمزني، وأما
الوضوء فإنه سُنّة أيضاً، حتى لو أفاض الماء على جميع بدنه من غير
وضوء صح غسله خلافاً لداود الظاهري، ولكن الأفضل أن يتوضأ
ويُحصل الفضيلة بالوضوء قبل الغسل وبعده، وإذا توضأ به أولاً لا يأتي به
ثانياً، واتفق العلماء على أنه لا يستحب الوضوءان، ثم الوضوء ينبغي أن
يكون مثل وضوء الصلاة كما جاء في روايات عائشة في الصحيحين
وغيرهما. وقد جاء في أكثر روايات ميمونة: " توضأ ثم أفاض الماء
عليه، ثم تنحى فغسل رجليه "، وفي رواية من حديثها رواها البخاري:
" توضأ وضوءه للصلاة غير قدميه، ثم أفاض الماء عليه، ثم نحى قدميه
فغسلهما، "، وهذا تصريح بتأخير غسل القدمين.
وقال الشيخ محيي الدين: " وللشافعي قولان، أصحهما: أنه يكمل
وضوءه (2) بغسل القدمين. والثاني: أنه يؤخر غسل القدمين، فعلى
القول الضعيف تتأول روايات عائشة، وأكثر روايات ميمونة على أن المراد
بوضوء الصلاة أكثره وهو ما سوى الرجلين كما بينته ميمونة في رواية
البخاري " (3) .
(1) انظر: " شرح صحيح مسلم " (3/229) .
(2) في الأصل: " وضوء "، وما أثبتناه من " شرح صحيح مسلم ".
(3) إلى هنا انتهى النقل من شرح صحيح مسلم.(1/542)
قلت: مذهب أبي حنيفة أنه لا يؤخرهما إلا إذا كانا في مستجمع الماء،
وتتأول روايات تأخير الرجلين على أنهما كانا في مستجمع الماء، فلذلك
غسلهما بعد الفراغ، أو يكون ذلك لإزالة طين أو نحو ذلك، لا لأجل
الجنابة. والحديث أخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي.
228- ص- حدثنا عمرو بن علي الباهلي قال: نا محمد بن أبي عدي
قال: ثنا سعيد، عن أبي معشر، عن النخعي، عن الأسود، عن عائشة
قالت: " كان رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أراد أن يغتسل من الجنابة بدأ بكفيْه فغسلهُما،
ثم غسل مرافقهُ، وأفاض عليهما (1) الماء، فإذا أنقاهما أهوى بهما إلى
حائطٍ، ثم يستقبلُ الوُضوء، ويفيضُ الماء على رأسه " (2) .
ش- عمرو بن علي بن بحر بن كنيز- بالنون والزاي- أبو حفص
الصيرفي الفلاس الباهلي البصري. روى عن: يزيد بن زريع، ومعتمر
ابن سليمان، ويحيى القطان، ووكيع، وغيرهم. روى عنه: أبو زرعة،
وأبو حاتم، والبخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي،
وابن ماجه، وعبد الله بن أحمد، وغيرهم. توفي سنة تسع وأربعين
ومائتين (3) .
/ومحمد بن أبي عدي، واسم أبي عدي: إبراهيم السلمي، يكنى:
أبا عمرو مولاهم البصري. سمع: سليمان التيمي، ويونس بن عُبيد،
ومحمد بن إسحاق بن يسار، وغيرهم. روى عنه: أحمد بن حنبل،
ومحمد بن المثنى، وابن بشار، وعمرو بن علي الباهلي، وغيرهم. قال
ابن سعد: وكان ثقة. مات بالبصرة سنة أربع وتسعين ومائة (4) .
وسعيد بن أبي عروبة، وأبو معشر زياد بن كليب، والنخعي إبراهيم،
والأسود بن يزيد.
قوله: " أهوى بهما إلى حائط " أي: مدهما نحوه، يُقال: أهوى بيده
إليه، أي: مدها نحوه.
__________
(1) في سنن أبي داود: " عليه ".
(2) تفرد به أبو داود.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (22/4416) .
(4) المصدر السابق (24/5029) .(1/543)
229- ص- حدثنا الحسن بن شوكر قال: ثنا هشيم، عن عروة
الهمداني قال: نا الشعبي قال: قالت عائشةُ- رضي الله عنها-: " لئنْ
شئتُم لأريتُكُم أثريد رسول الله في الحائط حيث كان يغتسلُ من الجنابة " (1)
ش- الحسن بن شوكر البغدادي أبو علي. روى عن: إسماعيل بن
جعفر، وإسماعيل ابن علية، ويوسف بن عطية، وخلف بن خليفة،
وغيرهم. روى عنه: أبو داود، ومحمد بن المنادي، وأبو أحمد
العبدوس، وغيرهم (2) .
وهشيم بن بشير.
وعروة بن الحارث أبو فروة الهمداني الكوفي، يعرف بأبي فروة الأكبر.
روى عن: أبي عمرو الشيباني، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وأبي زرعة
وغمرهم. روى عنه: الأعمش، والثوري، وابن عيينة، وشعبة،
وغيرهم. قال ابن معين: ثقة. روى له: البخاري، ومسلم،
وأبو داود، والنسائي (3) .
قوله: " لأريتكم " اللام فيه للتأكيد، و " الأثر " بفتح الهمزة، والثاء:
ما بقي من رسم الشيء، والأثر بضم الهمزة وسكون الثاء: أثر الجراح
تبقى بعد البرء، وهذا مرسل؛ لأن الشعبي لم يسمع من عائشة.
230- ص- وثنا مسدد بن مسرهد قال: ثنا عبد الله بن داود، عن
الأعمش، عن سالم، عن كريب قال: نا ابن عباس، عن خالته ميمونة
قالت: وضعتُ للنبي- عليه السلام- غُسلاً يغتسلُ به (4) من الجنابة، فأكفأ
الإناء على يده اليمني فغسلهما (5) مرتين أو ثلاثاً، ثم صب على فرجه،
__________
(1) تفرد به أو داود.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (6/1237) .
(3) المصدر السابق (20/3903) .
(4) كلمة " به " غير موجودة في سنن أبي داود.
(5) في سنن أبي داود: " فغسلها ".(1/544)
فغسل فرجه بشماله، ثم ضرب بيده الأرض فغسلهما (1) ، ثم
مضْمض (2) واسْتنشقً وغسل وجهه ويديْه، ثم صب على رأسه وجسده،
ثم تنحى ناحيةً فغسل رجليْه، فناولتُه المنديل فلم يأخذه، وجعل ينقضُ الماء
عن جسده "، فذكرتُ ذلك لإبراهيم فقال: كانُوا لا يرون بالمنديل بأساً،
ولكن كانوا يكرهُون العادة.
قال مسددٌ: قلتُ لعبد الله بن داود: كانوا يكرهُونه للعادة؟ فقال: هكذا
هو، ولكن وجدته في كتابي هكذا (3) .
ش- عبد الله بن داود الخُريبي، وسالم بن أبي الجعد.
وكريب بن أبي مسلم القرشي الهاشمي، مولى عبد الله بن عباس،
أدرك عثمان بن عفان، وزيد بن ثابت. وسمع: ابن عباس، وأسامة بن
زيد، ومعاوية بن أبي سفيان، وعائشة، وأم سلمة، وميمونة زوجات
النبي- عليه السلام-، وأم الفضل بنت الحارث. روى عنه: ابناه
محمد ورشدين (4) ، وعمرو بن دينار، والزهري، وسالم بن أبي الجعد،
وجماعة آخرون. قال ابن معين: ثقة. مات بالمدينة سنة ثمان وتسعين.
روى له الجماعة (5) .
وميمونة بنت الحارث بن حزن بن بحير بن الهرم بن رُويبة بن عبد الله
__________
(1) في سنن أبي داود: " فغسلها ".
(2) في سنن أبي داود: " تمضمض ".
البخاري: كتاب الغسل، باب: الوضوء قبل الغسل (249) ، مسلم: كتاب
الحيض، باب: صفة غسل الجنابة (317) و (337) ، الترمذي: كتاب
الطهارة، باب: ما جاء في الغسل من الجنابة (103) ، النسائي: كتاب
الطهارة، باب: غسل الرجلين في غير المكان الذي يغتسل فيه (1/137) ،
وكتاب الغسل والتيمم، باب: الاستتار عند الاغتسال (1/200) ، وباب:
إزالة الجنب الأذى عنه قبل إفاضة الماء عليه (1/204) ، وباب: مسح اليد
بالأرض بعد غسل الفرج (1/204) ، وباب: الغسل مرة واحدة (1/208) ،
ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: المنديل بعد الوضوء وبعد الغسل (467) ،
وباب: ما جاء في الغسل من الجنابة (573) .
(4) في الأصل: " رشيد " خطأ.
(5) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (24/4970) .
35. شرح سنن أبي داوود 1(1/545)
ابن هلال الهلالية أم المؤمنين، تزوجها رسول الله سنة ست من الهجرة.
رُوي لها عن رسول الله- عليه السلام- ستة وأربعون حديثاً، اتفقا على
سبعة، وللبخاري حديث، ولمسلم خمسة. روى عنها: عبد الله بن
عباس، ومولاه كُريب، وعبد الله بن شداد بن الهاد، وجماعة آخرون.
توفيت سنة إحدى وخمسين، وصلى عليها ابن عباس وماتت بسرف،
وهو ماء بينه وبين مكة تسعة أميال، وقيل: اثنا عشر ميلاً. روى لها
الجماعة (1) .
قوله: " وضعت للنبي- عليه السلام- غسلاً " الغُسل- بضم العين-:
الماء الذي يُغتسل به، كالأكل- بضم الهمزة- لما يؤكل، وهو الاسم
أيضاً من غسلته. وقد ذكرنا مثل ذلك مرة، وأن الغسل- بالفتح-
المصدر، وبالكسر: ما يغسل به من خطْمي وغيره.
قوله: " فأكفأ الإناء " من قولهم: كفأت الإناء وأكفأته إذا قلبته وكببته.
قوله: " ثم تنحى ناحية " أي: تعمد ناحية وتوجه إليها، وقد مر
الكلام في سبب تأخير غسل رجليه.
قوله: " فناولته المنديل " بكسر الميم. قال ابن فارس: لعله مأخوذ من
الندل وهو النقل. وقال غيره: مأخوذ من الندل وهو الوسخ؛ لأنه يُنْدل
به. ويقال: تندلت بالمنديل. قال الجوهري: ويقال أيضاً: تمندلت به،
وأنكرها الكسائي.
قوله: " فلم يأخذه " أي: المنديل، هذا يدل على أن ترك تنشيف
الأعضاء مستحب. وقالت الشافعية: فيه خمسة أوجه، أشهرها: أن
المستحب تركه ولا يقال فعله مكروه. والثاني: أنه مكروه. والثالث: أنه
مباح يستوي فعله ونزكه. والرابع: أنه مستحب لما فيه من الاحتراز عن
الأوساخ، وهو قول علمائنا أيضاً. والخامس: يكره في الصيف دون
الشتاء./
__________
(1) انظر ترجمتها في: الاستيعاب بهامش الإصابة (4/404) ، وأسد الغابة
(7/272) ، والإصابة (4/411) .(1/546)
وقال الشيخ محيي الدين (1) : " وقد اختلفت الصحابة وغيرهم في
التنشيف على ثلاثة مذاهب، أحدها: أنه لا بأس به في الوضوء
والغسل، وهو قول أنس بن مالك، ومالك، والثوري.
والثاني: أنه مكروه فيهما، وهو قول ابن عباس، وابن أبي ليلى.
والثالث: يكره في الوضوء دون الغسل، وهو قول ابن عباس. وقد
جاء في ترك التنشيف هذا الحديث، والحديث الآخر في الصحيح أنه
- عليه السلام- اغتسل وخرج ورأسه يقطر ماء. وأما فعل التنشيف فقد
رواه جماعة من الصحابة من أوجه لكن أسانيدها ضعيفة.
قال الترمذي: لا يصح في هذا الباب عن النبي- عليه السلام-
شيء، وقد احتج بعض العلماء على إباحة التنشيف بقول ميمونة في هذا
الحديث: " وجعل ينفض الماء عن جسده "، فإذا كان النفض مباحاً كان
التنشيف مثله أو أولى، لاشتراكهما في إزالة الماء ".
قوله: " فذكرت ذلك القائل لهذا الكلام هو الأعمش، وإبراهيم هو
النخعي.
قوله: " كانوا يكرهون العادة " أي: كانوا يكرهون أن يجعلوا المنديل
عادة، وفي " المصنف ": حدثنا وكيع، عن الأعمش، عن إبراهيم
قال: " إنما يكرهون المنديل بعد الوضوء مخافة العادة ".
وأخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه،
وليس في حديثهم قصة إبراهيم.
231- ص- حدثنا حسين بن عيسى الخراساني قال: ثنا ابن أبي فديك،
عن ابن أبي ذئب، عن شعبة: أن ابن عباس، كان إذا اغتسل من الجنابة
يُفرغُ بيده اليُمنى على يده اليُسرى سبع مرار، ثم يغسلُ فرجه، فنسي مرةً
كم أفرغ، فسألني فقلتُ: لا أدري، فقال: لا أم لك، وما يمنعُك أن تدري؟
__________
(1) شرح صحيح مسلم (1/333-332) .(1/547)
ثم يتوضأ وُضوءه للصلاة، ثم يُفيض على جلده الماء ثم يقولُ: هكذا كان
رسولُ الله يتطهرُ (1) .
ش- ابن أبي فديك محمد بن إسماعيل بن مسلم بن أبي فديك الديلي
مولاهم المدني، أبو إسماعيل، واسم أبي فديك: دينار. سمع: أباه،
وسلمة بن وردان، وهشام بن سعد، وابن أبي ذئب، وغيرهم. روى
عنه: الشافعي، وأحمد بن صالح المصري، وأحمد بن حنبل، وجماعة
آخرون. مات سنة مائتين. روى له الجماعة (2) .
وابن أبي ذئب: محمد بن عبد الرحمن القرشي.
وشعبهْ القرشي الهاشمي: مولاهم أبو عبد المدني، ويقال: أبو يحيى
مولى عبد الله بن عباس بن عبد المطلب. سمع ابن عباس. روى عنه:
بكير بن الأشج، وابن أبي ذئب، وحفص بن عمر، وغيرهم. قال ابن
معين: ليس به بأس (3) . وقال مالك: ليس بثقة. وقال النسائي: ليس
بالقوي. توفي في وسط خلافة هشام بن عبد الملك (4) .
قوله: " كم أفرغ " أي: كم أفرغ الماء.
قوله: " لا أمّ لك " ذم وسب، أي: أنت لقيط لا يعرف (5) لك أم،
وقد قيل: قد تقع مدحاً بمعنى التعجب منه، وفيه بعد.
قوله: " يتطهر " أي: من الجنابة. وقال الشيخ زكي الدين: شعبة هذا
ضعيف لا يحتج بحديثه.
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (24/5068) .
(3) في الأصل: " صالح "، وما أثبتناه من تهذيب الكمال، وبقية كلامه: " وهو
أحب إلي من صالح مولى التوأمة ... "، فلعله سبق قلمه إلى هذا، والله
أعلم.
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (12/2741) .
(5) في الأصل: " تعرف ".(1/548)
232- ص- حثثنا قتيبة بن سعيد قال: نا أيوب بن جابر، عن عبد الله
ابن عُصم، عن ابن عمر قال: كانت الصلاةُ خمسين والغُسلُ من الجنابة
سبع مرات (1) ، وغُسلُ البول من الثوب سبع مرار، فلم يزلْ رسولُ الله
يسألُ حتى " جُعلت الصلاةُ خمساً، والغُسل من الجنابة مرة، وغُسلُ للبول من
الثوب مرة (2) .
ش- أيوب بن جابر اليمامي أخو محمد السُحيمي أبو سليمان الحنفي
المدني. روى عن: عبد الله بن عاصم (3) ، وأبي إسحاق السبيعي،
وحماد بن أبي سليمان، وغيرهم. روى عنه: قتيبة، وأبو داود
الطيالسي، وخالد بن مرداس، وغيرهم. قال ابن معين والنسائي:
ضعيف. وقال ابن عدي: هو ممن يكتب حديثه وقال زكي الدين في
" كتابه ": لا يحتج بحديثه (4) .
وعبد الله بن عصم ويُقال: ابن عصمة أبو علوان الحنفي. سمع: عبد الله
ابن عمر، وابن عباس، وأبا سعيد الخدري. روى عنه: شريك بن
عبد الله، وإسرائيل، وأيوب بن جابر. قال ابن معين: هو ثقة. وقال
أبو زرعة: كوفي ليس به بأس. روى له: أبو داود، والترمذي (5) .
قوله: " كانت الصلاة خمسين " أي: خمسين صلاة في اليوم والليلة،
وقد خفف الله تعالى عن هذه الأمة بسؤال النبي- عليه السلام-/ليلة
المعراج، وذلك كما رُوي في قصة المعراج: أن الله تعالى عرض على
عبده محمد وعلى أمته الصلوات ليلتئذ خمسين صلاة في كل يوم وليلة،
ثم لم يزل يختلف بين موسى وربه حتى وضعها الرب جل ذكره إلى
خمسٍ وقال: " هي خمسون، الحسنة بعشرة أمثالها "، وأما تخفيف
الغسل من الجنابة إلى مرة، وتخفيف غسل البول من الثوب إلى مرة،
__________
(1) في سنن أبي داود: " مرار ".
(2) تفرد به أبو داود.
(3) كذا، وقد اختلف في اسمه كما سيأتي، ولم يذكر فيه: " عاصماً ".
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (3/609) .
(5) المصدر السابق (15/3426) .(1/549)
فلم يذكر في قصة المعراج، فلعل هذا قد كان في وقت آخر. وروى هذا
الحديث أحمد في " مسنده " قال: حدّثنا حسين بن محمد، نا أيوب بن
جابر، عن عبد الله بن عصمة، عن ابن عمر قال: " كانت الصلاة "
الحديث. وقال ابن الجوزي في " جامع المسانيد ": عبد الله بن عصمة
ضعيف. قال ابن حبان: منكر الحديث، يحدث عن الأثبات بما لا يشبه
أحاديثهم، حتى سبق إلى القلب أنها موهونة أو موضوعة، وأما أيوب بن
جابر فقال يحيى بن معين: ليس بشيء.
233- ص- حدثنا نصر بن عليّ قال الحارث بن وجيه قال: ثنا مالك بن
دينار، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة قال: قال رسولُ الله: " إن تحت
كُل شعرةٍ جنابةً، فاغسلُوا الشعْر، وأنقُوا البشرة (1) " (2) .
ش- الحارث بن وجيه الراسبي، روى عن مالك بن دينار،
وروى عنه نصر بن علي، والمقدمي. وقال الذهبي: ضعفوه. روى له:
أبو داود، والترمذي (3) .
ومالك بن دينار أبو يحيى البصري الزاهد الناجي، مولى امرأة من بني
ناجية بن سامة (4) بن لؤي، كان أبوه من سبْي سجستان. سمع: أنساً،
والحسن البصري، والقاسم بن محمد بن أبي بكر، وسعيد بن جبير،
وغيرهم. روى عنه: أبان بن يزيد العطار، وهمام بن يحيى، والحارث
ابن وجيه، ووهب بن راشد، وغيرهم. قال النسائي: ثقة. مات سنة
تسعة وعشرين ومائة. روى له: الترمذي، وأبو داود، والنسائي (5) .
قوله: " البشرة " وهي ظاهر الجلد.
__________
(1) في سنن أبي داود: " البشر ".
(2) الترمذي: كتاب الطهارة، باب: ما جاء أن تحت كل شعرة جنابة (106) ،
ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: تحت كل شعرة جنابة (597) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (5/1051) .
(4) في الأصل: " أسامة " خطأ.
(5) المصدر السابق (27/5737) .(1/550)
" (1) وظاهر الحديث يوجب نقض القرون والضفائر إذا أراد الاغتسال،
من الجنابة؛ لأنه لا يكون شعره كله شعرة شعرة مغسولاً إلا بنقضها،
وإليه ذهب إبراهيم النخعي. وقال عامة أهل العلم: إيصال الماء إلى
أصول الشعر وإن لم ينقض شعره يجزئه، وبهذا احتج أبو حنيفة على أن
المضمضة والاستنشاق فرضان في الجنابة "
وقال الخطابي (1) : " زعم من يحتج بفرضية المضمضة من الجنابة أن
داخل الفم من البشرة، وهذا خلاف قول أهل اللغة؛ لكن البشرة عندهم
هي ما ظهر من البدن، وأما داخل الأنف والفم فهو الأدمة، والعرب
تقول: فلان مؤدم مبشر، إذا كان حسن الظاهر مخبوء الباطن ".
قلت: الذي احتج بفرضية الاستنشاق من الجنابة استدل بقوله- عليه
السلام-: " إن تحت كل شعرة جنابة "، وفي الأنف شعور، وأما
المضمضة فلأن الفم من ظاهر البدن، بدليل أنه لا يقدح في الصوم،
فيطلق عليه ما يطلق على البدن، فبهذا الاعتبار فرضت المضمضة لا باعتبار
ما قاله الخطابي. وأخرجه الترمذي وابن ماجه.
ص- قال أبو داود: الحارث بن وجيه حديثه منكر، وهو ضعيف.
ش- كذا قال الترمذي: حديث الحارث بن وجيه حديث غريب لا
نعرفه إلا من حديثه، وهو شيخ ليس بذاك القوي. وذكر الدارقطني أنه
غريب من حديث محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، تفرد به مالك بن
دينار، وعنه الحارث بن وجيه. وذكر الترمذي أيضاً أن الحارث تفرد به
عن مالك بن دينار.
234- ص- حدثنا موسى بن إسماعيل قال: ثنا حماد قال: أنا عطاء بن
السائب، عن زاذان، عن علي، أن رسول الله- عليه السلام- قال: " من
ترك موضع شعرة من جنابة لم يغْسلها فُعل بها (2) كذا وكذا من النار ". قال
__________
(1) معالم السنن (1/69) .
(2) في سنن أبي داود: " به ".(1/551)
عليّ: فمن ثمّ عاديتُ رأسي، فمن ثم عاديتُ رأسي ثلاثاً، وكان يجُزُّ
شعْره (1) .
ش- حماد بن سلمة.
وعطاء بن السائب بن مالك، ويقال: ابن السائب بن يزيد أبو السائب،
ويقال: أبو يزيد، ويقال: أبو محمد، ويقال: أبو زيد الثقفي الكوفي.
رأى عبد الله بن أبي أوفى، وأنس بن مالك. سمع: أباه، وأبا عبد الرحمن
السلمي، وسعيد بن جبير، وعكرمة، وزاذان أبا عمر. روى عنه:
الأعمش، والثوري، والحمادان، وأبو عوانة، وغيرهم. قال ابن
حنبل: ثقة رجل صالح. قال ابن عدي: اختلط في آخر عمره. روى
له الجماعة. روى له: البخاري، ومسلم في المتابعات (2) .
وزاذان الكندي أبو عبد الله، ويُقال: أبو عمر مولاهم الكوفي، سمع
خطبة عمر بن الخطاب بالجابية، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن
مسعود، وعبد الله بن عمرو، والبراء بن عازب، وسلمان الفارسي،
وعائشة، وجرير بن عبد الله. روى عنه: أبو صالح ذكوان، وعمرو بن
مرة، وعطاء بن السائب، وجماعة آخرون. قال ابن معين: ثقة.
توفي سنة اثنتين وثمانين. روى له الجماعة إلا البخاري (3) .
قوله: " ثلاثاً " أي: قال علي: فمن ثم عاديت رأسي ثلاث مرات.
قوله: " وكان يجز " /أي: يقص، من جز يجز جزا، والجزُ: قص
الشعر والصوف، وبهذا الحديث احتج أبو حنيفة أيضاً على فرضية
المضمضة والاستنشاق من الجنابة. وأخرجه ابن ماجه أيضاً.
__________
(1) ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: تحت كل شعرة جنابة (599) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (20/3934) .
(3) المصدر السابق (9/1945) .(1/552)
شرح
سنن أبي داوود
تأليف
الإمام أبي محمد محمود بن أحمد بن موسى
بدر الدين العيني
المتوفى سنة 855 هـ
تحقيق
أبي المنذر خالد بن إبراهيم المصري
المجلد الثاني
مكتبة الرشد
الرياض(2/1)
بسم الله الرحمن الرحيم
جميع الحقوق محفوظة
الطبعة الأولى
1420 هـ - 1999 م
مكتبة الرشد للنشر والتوزيع
المملكة العربية السعودية الرياض طريق الحجاز
ص ب 17522 الرياض 11494 هاتف 4583712
تلكس 405798 فاكس 4579981
فرع القصيم بريدة حي الصفراء - طريق المدينة
ص ب 2376 هاتف 2242214 فاكس 3241258
فرع المدينة المنورة - شارع أبي ذر الغفاري - هاتف 8340600
فرع مكة المكرمة هاتف 585401 / 05 - 583506 / 05
فرع ابها شارع الملك فيصل هاتف 5322043 / 05
فرع الدمام شارع بن خالدون مقابل الإستاد الرياضي هاتف 8282175(2/2)
شرح
سنن أبي داود
2(2/3)
89- باب: الوضوء بعد الغسل
أي: هذا باب في بيان الوضوء بعد الغسل من الجنابة.
235- ص- حدَثنا عبد الله بن محمد النُّفَيلي قال: نا زهير، قال: نا
أبو إسحاق، عن الأسود، عن عائشة قالت: كان رسولُ اللهِ - عليه السلام-
يَغتسلُ ويُصلَي الركعتين وصَلاةَ الغَدَاة، ولا أرَاهُ يُحدِثُ وُضوءاً بعدَ
الغُسلِ " (1) .
ش- زهير بن معاوية، وأبو إسحاق السبيعي، والأسود بن يزيد.
قوله: " ويصلي الركعتين " المراد بهما: سُنَة الفجر، وصلاة الغداة
صلاة الصبح، وقد تكلمنا بما يناسبه بما فيه الكفاية. وأخرج الترمذي،
والنسائي، وابن ماجه عن عائشة قالت: " كان رسول الله لا يتوضأ بعد
الغسل "، وفي حديث ابن ماجه: " بعد الغسل من الجنابة ".
***
90- باب: المرأة هل تنقض شعرها عند الغسل؟
أي: هذا باب في بيان أن المرأة هل تنقض شعر رأسها عند الغسل من
الجنابة.
236- ص- ثنا زهير بن حرب وابن السرج قالا: ثنا سفيان بن عيينة،
عن أيوب بن موسى، عن سعيد بن أبي سعيد، عن عبد الله بن رافع مولى
أم سلمة، عن أم سلمة: " أن امرأة " (2) ، وقال زهير: " أنها قالت:
يا رسولَ الله، إني امرأة أشُد ضُفرَ رَأسي، أفَأنقضُه للجنابة، قال: إنما
يكفيك أن تحفني عليه ثلاثاً ".
وقالَ زهير: " تُحثِي عليه ثلاثَ حَثَيَات من ماء، ثم تُفيضي على سَائر
جَسَدِكِ، فإذا أنتِ قد ظهُرتِ " (3) . "
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) في سنن أبي داود: " أن امرأة من المسلمين ".
(3) مسلم: كتاب الحيض، باب: حكم ضفائر المغتسلة (58 /330) ، الترمذي:-(2/5)
ش- ابن السرح هو أحمد بن عمرو بن السرح.
وأيوب بن موسى بن عمرو بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس
ابن عبد مناف القرشي الأموي أبو موسى المكي، وهو ابن عم إسماعيل
ابن أمية. سمع: عطاء بن أبي رباح، وسعيداً (1) المقبري، والزهري،
ونافعاً، وغيرهم. روى عنه: الثوري، وابن عيينة، وشعبة، وابن
جريج، والأوزاعي، وغيرهم. وقال أحمد، وابن معين، وأبو زرعة:
ثقة. وقال أبو حاتم: صالح الحديث. روى له الجماعة (2) .
وسعيد بن أبي سعيد المقبري: أبو سَعد المدني، واسم أبي سعيد:
كيسان، نسب إلى مقبُرَة بالمدينة كان مجاوراً لها، وكان مكاتباً لامرأة من
أهل المدينة من بني ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة. روى عن: سعد
ابن أبي وقاص، وجبير بن مطعم. وسمع: عبد الله بن عمر،
وأبا هريرة، وأبا سعيد الخدري، وعبد الله بن رافع، وغيرهم. روى
عنه: أبو حازم سلمة بن دينار، ومحمد بن عجلان، ومالك بن أنس،
والليث بن سعد، وشعبة، وجماعة آخرون. قال أحمد بن حنبل: لا
بأس به. وقال أبو زرعة: ثقة 0 وقال أبو حاتم: صدوق. وقال ابن
سعد: ثقة كثير الحديث، ولكنه كبر وبقي حتى اختلط قبل موته. روى
له الجماعة (3)
وعبد الله بن رافع: أبو رافع المدني المخزومي، مولى أم سلمة زوج
النبي- عليه السلام-. سمع: أبا هريرة، وأم سلمة. روى عنه:
سعيد المقبري، والقاسم بن عباس الهاشمي، ومحمد بن إسحاق بن
__________
- كتاب الطهارة، باب: هل تنقض المرأة شعرها عند الغسل؟ (105) ،
النسائي: كتاب الطهارة، باب: ذكر ترك المرأة نقض ضفر رأسها عند
اغتسالها من الجنابة (241) ، ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في
غسل النساء من الجنابة (603) .
(1) في الأصل: " سعيد " 0
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (3/626) .
(3) المصدر السابق (10/2284) .(2/6)
يسار، وغيرهم. قال أبو زرعة: مديني ثقة. وقال أحمد بن عبد الله:
تابعي ثقة. روى له الجماعة (1) .
قوله: " أشد ضفر رأسي " بسكون الفاء، أي: فتل الشعر وإدخال
بعضه في بعض، ويقال بفتح الفاء وهو الشيء المضفور. وقال الشيخ
محيي الدين (2) : " هو بفتح الضاد وإسكان الفاء، هذا هو المشهور
المعروف في رواية الحديث، والمستفيض عند المحدثين والفقهاء وغيرهم،
ومعناه: احكم فتل شعري. وقال الإمام ابن بري في الجزء الذي صنفه
في لحن الفقهاء: من ذلك قولهم في حديث أم سلمة: " أشد ضفر
رأسي " يقولونه بفتح الضاد، وإسكان الفاء، وصوابه ضم الضاد والفاء
جمع " ضفيرة "، كسفينة وسُفُن. وهذا الذي أنكره ليس كما زعمه بل
الصواب جواز الأمرين، ولكل واحد منهما معنى صحيح، ولكن يترجح
ما قدمناه لكونه المروي المسموع في الروايات الثابتة المتصلة ".
قوله: " أن تحفني " من حفن حفنة، والحفنة: ملء الكفين من أي شيء
كان.
قوله: " ثلاثا " أي: ثلاث حفنات.
قوله: " تحثي " من حثيت / وحثوت بالياء والواو لغتان، يقال: حثى يحثو
حثواً ويحثي حثياً، ومعنى ثلاث حثيات: ثلاث غرف بيديه واحدها حثية.
قوله: " فإذا أنت فد طهرت " الفاء فيه زائدة لازمة عند الفارسي؛ لأن
كلمة " إذا " للمفاجأة، و " إذَا " التي للمفاجأة تختص بالجمل الاسمية،
ولا تحتاج إلى جواب، ولا تقع في الابتداء، ومعناها الحال لا الاستقبال،
نحو: خرجت، فإذا الأسد بالباب ومنه: (فَإذَا هِيَ حَبَةٌ تَسعَى) (3) ،
وبعضهم يجعلون هذه (4) الفاء عاطفة، وعند أَبي إسحاق للسببية المحضة
كفاء الجواب.
__________
(1) المصدر السابق (14/3255) .
(3) سورة طه: (20) .
(2) " شرح صحيح مسلم " (4/11) .
(4) في الأصل: " هذا ".(2/7)
ثم اعلم (1) " أن مذهب الجمهور: أن ضفائر المغتسلة إذا وصل الماء
إلى جميع شعرها ظاهره وباطنه من غير نقض لم يحب نقضها، وإن لم
يصل إلا بنقضها وجب نقضها، وحديث أم سلمة محمول على أنه كان
يصل الماء إلى جميع شعرها من غير نقض؛ لأن إيصال الماء واجب،
وحكي عن النخعي وجوب نقضها بكل حال. وعن الحسن وطاوس
وجوب النقض في غسل الحيض دون الجنابة، وإذا كان للرجل ضفيرة فهو
كالمرأة ".
ويستفاد همن هذا الحديث أن الدلك ليس بشرط، وهو قول عامة الفقهاء
إلا مالك فإنه شرطه في الغسل والوضوء جميعاً، وأن الفيضة الواحدة من
الماء إذا عمت تجزئه، وأن الغسلات الثلاث إنما هي على الاستحباب،
وليست على الوجوب، كذا قاله الخطابي (2) . والحديث أخرجه مسلم،
والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
237- ص- حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح قال: حدثني ابن نافع-
يعني: الصائغ، عن أسامة، عن المقبري، عن أم سلمة: " أن امرأةً جاءت
أم سَلَمةَ (3) بهذا الحديث قال: قالت فسألت لها النبيَ- عليه السلام-
بمعناه، قال فيه: " واغمِزِي قُرُونَكِ عندَ كل حَفنَة " (4) .
ش- ابن نافع هو: عبد الله بن نافع الصَائغ، المدني، أبو محمد
القرشي المخزومي. سمع: مالك بن أنس، وهشام بن عروة،
وأبا المثنى، وغيرهم. روى عنه: دُحيم، ومسلم بن عمرو الحذاء،
وعبد الوهاب بن بخت (5) ، وغيرهم. قال ابن معين: ثقة 0 مات
__________
(1) انظر: " شرح صحيح مسلم " (4/12) . (2) معالم السنن (1/70) .
(3) في سنن أبي داود: " جاءت إلى أم سلمة ". (4) تفرد به أبو داود.
(5) كذا، والذي في تهذيب الكمال: " بكر بن عبد الوهاب ابن أخت الواقدي "،
ولم يرد ذكر لعبد الوهاب بن بخت فيمن روي عن ابن نافع، ولعله سبق
قلم، والله أعلم.(2/8)
بالمدينة في رمضان سنة ست ومائتين. روى له: أبو داود، والنسائي،
والترمذي، وابن ماجه (1) .
وأسامة بن زيد، والمقبري سعيد بن أبي سعيد، وقد مر قريباً.
قوله: " بهذا الحديث " متعلق بمحذوف تقديره: روى أسامة بهذا
الحديث المذكور، والضمير الذي في " قال " يرجع إلى أسامة أيضا،
والذي في " قالت " إلى المرأة، والذي في " سألت " إلى أم سلمة.
وقوله: " لها " أي: لأجلها، أي: لأجل المرأة التي جاءت أم سلمة.
قوله: " بمعناه " كذلك متعلق بمحذوف، أي: رواه بمعنى الحديث
المذكور، ولكن زاد في هذه الرواية: " واغمزي قرونك " واحدها " قرن "
وهو شيء مجموع من الشعر، والغمز: التحريك بشدة. وقال ابن
الأثير (2) : " القرون: الشعور، وكل ضفيرة من ضفائر الشعر قرن بفتح
القاف، وسكون الراء ". وقال (3) : ومعنى " اغمزي قرونك ": اكبسي
ضفائر شعرك عند الغسل، والغمز: العصر والكبس باليد.
238- ص- حدَثنا عثمان بن أبي شيبة قال: نا يحيى بن أبي بُكير قال:
نا إبراهيم بن نافع، عن الحسن بن مسلم، عن صفية بنت شيبة، عن عائشةَ
قالت: " كانت إِحدَانَا إذا أصابَتهَا جَنَابةٌ أخَذت ثلاثَ حَفَنَات، هكذا تعني
بكفيها جميعاً، " فتصُب على رأسهَا، وأخذت بيد واحدة فصًبَتهَا على هذا
الشِّقَ، والأخرى على الشّقِّ الآخَرَِ " (4) .
ش- يحيى بن أبي بكير، واسم أبي بكير: نسر- بالنون والسين
المهملة- ابن أسِيد- بفتح الهمزة، وكسر السين- ويقال: ابن بشر
- بالباء الموحدة والشين المعجمة- أبو زكرياء الكرماني. روى عن: إبراهيم
ابن طهمان، وإبراهيم بن نافع، وزائدة بن قدامة، وغيرهم. روى عنه:
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (16/3609) .
(2) النهاية (4/51) .
(3) النهاية (3/385) .
(4) البخاري: كتاب الغسل، باب: من بدأ بشق رأسه الأيمن في الغسل (277) .(2/9)
محمد بن سعيد الأصبهاني، وأبو بكر بن أبي شيبة، وأخوه عثمان بن
أبي شيبة، وغيرهم. وقال ابن معين: ثقة. توفي سنة ثمان ومائتين.
روى له الجماعة (1)
وإبراهيم بن نافع المخزومي المكي. سمع: عطاء بن أبي رباح،
والحسن بن مسلم، وأبا يسار، وسليمان الأحول. روى عنه: الثوري،
وأبو نعيم، ويحيى بن أبي بكرِ، وجماعة آخرون. وقال أحمد ويحيى:
هو ثقة. روى له الجماعة (2) .
والحسن بن مسلم بن يناق المكي، سمع: طاوساً، ومجاهداً،
وصفية بنت شيبة. روى عنه: حميد الطويل، والحكم بن عيينة، وابن
جريج، وغيرهم. قال أبو زرعة وابن معين: ثقة. قال أبو حاتم:
صالح الحديث. روى له الجماعة إلا الترمذي (3) .
قوله: " وأخذت بيد واحدة " /أي: غرفة أخرى فيكون مجموع هذا
الغسل من ثلاث حفنات وغرفتين، الحفنات الثلاث على الرأس،
والواحدة من الغرفتين على الشق الأيمن، والأخرى على الأيسر.
وأخرجه البخاري بنحوه.
239- ص- حدثنا نصر بن علي قال: نا عبد الله بن داود، عن عمر بن
سويد، عن عائشةَ بنت طلحةَ، عن عائشةَ- رضي الله عنها- قالت: " كُنا
نَغتسلُ وعلينا الضَّما " ونحنُ مع رسول الله- علمه السلام- مُحلاتٌ
ومُحرماتٌ " (4) .
ش- عبد الله بن داود الخُريبي.
وعمر بن سويد الثقفي. سمع عائشة بنت طلحة. روى عنه:
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (31/6797) .
(2) المصدر السابق (2/260) . (3) المصدر السابق (6/1275) .
(4) تفرد به أبو داود.(2/10)
عبد الله بن المبارك، وأبو نعيم، ووكيع. وقال ابن معين: ثقة. روى
له أبو داود (1) .
وعائشة بنت طلحة بن عبيد الله القرشية التيمية أم عمران المدنية.
وأمها: أم كلثوم بنت أبي بكر الصِّدِّيق، نزوجها عبد الله بن عبد الرحمن
ابن أبي بكر الصَديق، ثم خلف عليها مصعب بن الزبير فقتل عنها،
وخلف عليها عمرو بن عبد الله بن معمر التيمي. روت عن عائشة
الصديقة. روى عنها: ابنها طلحة بن عبد الله، وابن أخيها طلحة بن
يحيى، ومعاوية بن إسحاق، وعمر بن سُويد، وآخرون. وكانت من
أجمل نساء قريش، أصدقها مصعب بن الزبير ألف ألف درهم. قال ابن
معين: ثقة حجة. روى لها الجماعة (2)
قوله: " وعلينا الضماد " جملة اسمية وقعت حالاً من الضمير الذي في
" تغتسل "، والضِّماد- بكسر الضاد-: خرقة يُشد بها العضو المؤوف،
ثم قيل: لوضع الدواء على الجرح وغيره وإن لم يُشد. وقال الشيخ زكي
الدين: الضِّماد: هو لطخ الشعر بالطيب وما يلبده ويسكنه، وأصله من
الضمد، وهو الشد.
قوله: " ونحن " مبتدأ وخبره قوله: " محلات "، والجملة أيضاً
موضعها النصب على الحال، و " المُحلات " جمع " مُحلة " بمعنى ضد
المحرمة، مُفعِلَة من أحلّت إذا خرجت من الإحرام، وأحرمت إذا دخلت
في الإحرام، والمعنى من هذا الحديث: أن الماء إذا بلغ أصول الشعر لا
يحتاج إلى نقض الضفائر، ولا الضمادات التي عليها.
240- ص- حدَثنا محمد بن عوف قال: قرأت في أصل إسماعيل قال
ابن عوف: وثنا محمد بن إسماعيل، عن أبيه قال: حدَّثني ضمضم بن
زرعة عن شريح بن عُبيد قال: أفتاني جُبير بن نفير عن الغُسلِ من الجَنابةِ،
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (21/4252) .
(2) المصدر السابق (35/7888) .(2/11)
أن ثوبانَ حدثَهُم أنهم استَفتَوا النبيَ- عليه السلام- عن ذلك فقال: " أمَا
الرجلُ فلينشر رأسَهُ فليغسلهُ حتى يبلغِ أصولَ الشعر، وأمَا المرأةُ فلا عَلَيهَا
أن لا تَنقُضَهُ، لِتغرِف علىَ رأسِهَا ثَلاث غَرَفَاتٍ بكفَّيهًا " (1) .
ش- إسماعيل هذا هو ابن عبد الكريم بن معقل بن منبه بن كامل بن
شيخ الصنعاني، أبو هاشم. روى عن: عمه عبد الصمد بن معقل،
وإبراهيم بن عقيل، وابن أبي رواد، وغيرهم. روى عنه: الحسن بن
الصباح، ومحمد بن عبد الله بن نمير، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن
راهويه، وغيرهم. قال ابن معين: ثقة، رجل صدق، والصحيفة التي
يرويها عن وهب عن جابر ليست بشيء، إنما هو كتاب وقع إليهم، ولم
يسمع وهب من جابر شيئاً. توفي باليمن سنة عشر ومائتين. روى له
أبو داود (2) .
ومحمد بن إسماعيل بن عياش النصري- بالنون- الحمصي. روى
عن أبيه، روى عنه: محمد بن عوف الطائي، وأبو زرعة الرازي،
وعمر بن إسحاق، وأبو داود، وغيرهم. قال عبد الرحمن: سألت أبي
عنه فقال: لم يسمع من أبيه شيئاً، حملوه على أن يحدث فحدّث (3) .
وأبوه إسماعيل بن عياش بن سُليم قد ذكرناه.
وضمضم بن زرعة الحضرمي الحمصي، وقيل: الدمشقي. روى عن
شريح بن عُبيد. روى عنه: إسماعيل بن عياش، ويحيى بن حمزة.
قال ابن معين: ثقة. وقال أبو حاتم: ضعيف. روى له أبو داود (4) .
وشريح بن عُبيد بن شريح بن عبد بن عريب الحضرمي، وقيل:
المقدامي أبو الصلت الشامي الحمصي. روى عن: معاوية بن أبي سفيان،
__________
(1) تفرد به أبو داود..
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (3/463) .
(3) المصدر السابق (24/5067) .
(4) المصدر السابق (13/2942) .(2/12)
وفضالة بن عبيد، وأبي ذر الغفاري، وعقبة بن عامر، وأبي الدرداء،
وثوبان مولى النبي- عليه السلام- وغيرهم، ومن التابعين عن جبير بن
نفير، وكثير بن مرة، ويزيد بن خُمير، وغيرهم. روى عنه: ضمضم
ابن زرعة، وصفوان بن عمرو، وثور بن يزيد، وغيرهم. قال ابن
العجلي: تابعي ثقة. روى له: أبو داود/، وابن ماجه (1) .
وجبير بن نفير الحضرمي الحمصي، قد ذكرناه، وكذلك ثوبان مولى
النبي- عليه السلام-.
قوله: " عن ذلك " أي: عن الغسل من الجنابة.
قوله: " أما الرجل " أمّا هاهنا للتفصيل، يفصل به ما أُجمل من حكم
الرجل والمرأة في الغُسل.
قوله: " فلينشر رأسه " أي: شعر رأسه، من النشر الذي هو ضد
الطي.
قوله: " فلا عليها أن لا تنقضه " أي: فلا بأس عليها، أو فلا حرج
عليها أن لا تنقض شعرها، والمراد منه: أنها لا تحتاج إلى بَلِّ ضفائرها إذا
بلغ الماء إلى أصولها؛ لأن في ذلك حرجاً، بخلاف الرجل كما في
حديث أم سلمة، حيث لم يأمرها بنقض ضفائرها، وإنما أمرها بثلاث
حفنات عليها، وهذا الباب كله في هذا المعنى.
***
91- باب: الجنب يغسل رأسه بالخِطمِيِّ (2)
أي: هذا باب في بيان الجنب الذي يغسل رأسه بالخِطمي. قال
الجوهري: هو بكسر الخاء. قال الأزهري: هو بفتح الخاء. قال: ومن
قال خِطمي بالكسر فقد لحن، وهو نبات مشهور، له نور أحمر مثل
الورد الأحمر.
__________
(1) المصدر السابق (12/2726) .
(2) في سنن أبي داود زيادة: " أيجزئه ذلك؟ "(2/13)
241- ص- حدَّثنا محمد بن جعفر بن زياد قال: نا شريك، عن قيس
ابن وهب، عن رجلِ من سُواءة (1) ، عن عائشة، عن النبي- عليه السلام-:
" أنه كان يَغسلُ رأسه بالخطميَ وهو جُنبٌ، يَجتزي بذلك، ولا يَصب عليه
الماءَ " (2) .ً
ش- محمد بن جعفر بن زياد بن أبي هاشم الوركاني الخراساني،
يكنى أبا عمران، سكن بغداد. روى عن: إبراهيم بن سعد، وشريك
ابن عبد الله، وأيوب بن جابر الحنفي، ومالك بن أنس، وغيرهم.
روى عنه: ابن معين، ومسلم، وأبو يعلى الموصلي، وأبو داود،
وجماعة آخرون. وقال ابن معين: ثقة. توفي في سنة ثمان وعشرين
ومائتين ببغداد (3) .
وشريك بن عبد. الله النخعي.
وقيس بن وهب الهمداني الكوفي. روى عن: أنس بن مالك، ومُرة
الطيب، وأبي عبد الرحمن السلمي، وغيرهم. روى عنه: الثوري،
وشريك، وإسرائيل بن يونس، وغيرهم. قال أحمد، وابن معين:
ثقة. روى له: مسلم، وأبو داود، وابن ماجه (4)
قوله: " عن رجل من سُواءة " مجهول، وبنو سواءة بضم السين
المهملة، وهو سواءة بن عامر بن صعصعة، مات بالكوفة سنة أربع
وسبعين.
قوله: " وهو جنب " جملة وقعت حالاً من الضمير الذي في " يغسل ".
قوله: " يجتزي بذلك " أي: يكتفي به، والمعنى: أنه كان يكتفي بالماء
الذي يغسلُ به الخطمي، وينوي به غسل الجنابة، ولا يستعمل بعده ماءً
آخر يخص به الغسَل، كذا قال ابن الأثير (5)
__________
(1) في سنن أبي داود: " من بني سواءة بن عامر ".
(2) تفرد به أبي داود
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (24/5116) .
(4) المصدر السابق (24/4926) .
(5) النهاية (2/51) .(2/14)
قلت: يجزئه وإن لم ينوبه لإطلاق الحديث، وإطلاق كل ما روي
في هذا الباب من الآثار. وفي المصنف (1) : حدَّثنا أبو بكر قال:
نا أبو الأحوص، عن أبي إسحاق، عن الحارث بن الأزمع قال: قال
عبد الله: من غسل رأسه بالخِطمي وهو جنب فقد أبلغ الغسل ".
وقال الحارث: ولكن لا يعيد ما سال من الخطمي على رأسه أيضاً.
وفيه عن ابن عباس قال: تجزئه أن لا يُعيد على رَأسه الغسل. وعن سعيد
ابن جبير في الجنب: يغسل رأسه بالسدر؟، قال: لا يغسل رأسه.
***
92- باب: فيما يفيض بين المرأة وبين الرجل
أي: هذا باب في بيان ما يفيض بين الرجل والمرأة من الماء، من فاض
الماء، والدمع وغيرهما، يفيض فيضاً إذا كثر.
242- ص- حدثنا محمد بن رافع قال: نا يحيى بن اَدم قال: نا شريك،
عن قيس بن وهب، عن رجل من بني سواءة بن عامر، عن عائشة فيما
يَفيضُ بين الرجلِ والمرأةِ من الماء قالت: " كان رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأخذُ كفا من
ماَءٍ يَصُبُّ على الماءِ، [ثم يأخذُ كَفا من ماءٍ] (2) ، ثم يَصُبهُ عَلَيهِ " (3) .
ش- محمد بن رافع النيسابوري، ويحيى بن اَدم بن سليمان الكوفي،
وشريك النخعي، وفيه أيضاًَ رجل مجهول ... (4) .
93- باب: في مؤاكلة الحائض ومجامعتها
أي: هذا باب في بيان مؤاكلة الحائض، المؤاكلة والمجامعة كلتاهما من
باب المفاعلة، ذكرهما ليدل على فعل الاثنين؛ لأن باب المفاعلة لنسبة
__________
(1) (1/70- 71) . (2) زيادة من سنن أبي داود.
(3) تفرد به أبو داود.
(4) بَيَضَ له المصنف قدر ثلاثة أسطر، ولم يكتب شيئاً.(2/15)
أصل الفعل إلى أحد الأمرين/متعلقاًَ بالآخر للمشاركة صريحاًَ، فيجيء
العكس ضمناَ، نحو: ضاربته، وشاركته، ولأجل ذلك [جُعل] غير
المتعدي متعدياَ نحو: كارمته.
243- ص- حدَّثنا موسى بن إسماعيل قال: نا حماد قال: أنا ثابت
البناني، عن أنس بن مالك: " أن اليهودَ كانت إذا حَاضت منهم امرأةٌ (1)
أخرجُوهَا من البيت، ولم يُؤَاكلُوها، ولم يُشَارِبُوها، ولم يُجَامِعُوها في
البيت، فسئِلَ رسول الله- عليهَ السلام- عن ذلك، فأنزلَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ:
(وَيَسألُونَكَ عَنِ المَحيضَ قُل هُوَ أذى فَاعتَزِلُوا النَسَاءَ فِي المَحِيضِ..0) (2)
إلى آخرِ الآية، فقال رَسولُ الله- عليه السلام-: جَامعُوهُنَ فِي البُيُوتِ،
واصنَعُوا كلًّ شيء غيرَ النكاح، فقالت اليهودُ: ما يُريد هذا الرجلُ أن يَدعَ
شَيئاً من أمرِنَا إلا خَالَفَنَا فيه. فجاءَ أسيد بنُ حُضيرٍ، وعَباد بنُ بشر إلى النبيِّ
- عليه السلام- فقالا. يا رسولَ اللهِ، إن اليهودَ تقولُ كَذاَ وكذَا، أفَلا
نَنكِحُهُنَّ فِي المحيضِ؟ فَتَمَعَّرَ وَجهُ رسول اللهِ حتى ظَنَنَا أنه قد وَجدَ عليهما،
فخرجَا فاستقبلتهما هَدِيَّةٌ من لَبن إلىَ رسول الله، فَبعثَ في آثَارِهمَا،
فسقاهُمَا، فظننَا أنه لم يَجِد عليهما " (3) .ً
ش- أُسَيد بن حضير- بضم الهمزة والحاء المهملة، وفتح السين
والضاد المعجمة- بن سماك بن عتيك بن رافع الأنصاري الأشهلي، أحد
النقباء ليلة العقبة، يكنى أبا يحيى، أو أبا حُضَير، أو أبا عتيك، أو
أبا عيسى، أو أبا عتيق، أو أبا عمرو. رُوي له عن رسول الله- عليه
السلام- ثمانية عشر حديثاً، اتفقا على حديث واحد، وانفرد البخاري
__________
(1) في سنن أبي داود: " المرأة ". (2) سورة البقرة: (222) .
(3) مسلم: كتاب الحيض، باب: جواز غسل الحائض رأس زوجها ... (302) ،
الترمذي: كتاب التفسير، باب: ومنِ- سورة البقرة (2977) ، النسائي:
كتاب الطهارة، باب: تأويل قول الله عز وجَل: (ويسألونك عن المحيض)
(1/152) وفي كتاب الحيض، باب: ما ينال من الحائض (1/187) ، ابن
ماجه: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في مؤاكلة الحائض وسؤرها (644) .(2/16)
بآخر. روى عنه: أنس بن مالك، وأبو سعيد الخدري، وكعب بن
مالك، وعائشة الصَديقة، وعبد الرحمن بن أبي ليلى. توفى بالمدينة
سنة عشرين. وصلى عليه عمر بن الخطاب. واختلف في شهوده البدر (1)
روى له الجماعة (2) .
وعبَّاد بن بشر بن وَقش الأنصاري، أسلم على يدي مصعب بن عمير
قبل الهجرة، قبل إسلام معاذ وأسيد بن الحضير، شهد بدراً وما بعدها،
قتل يوم اليمامة شهيداً سنة إحدى عشرة عن خمس وأربعين سنة (3) .
عبّاد بتشديد الباء الموحدة، وبشر بالشن المعجمة، ووَقش بفتح الواو
وسكون القاف، وفي آخره شين معجمة.
قوله: " إن اليهود " اليهود جمع " يهودي "، كما أن الروم جمع
" رومي "، قيل: إنهم ينسبون إلى يهوذا بن يعقوب، وقيل: من التهود،
من هاد يهود إذا تاب، ومنه قوله تعالى: (إِنَا هُدنَا إِلَيكَ) (4) .
قوله: " عن ذلك " أي: عما يفعله اليهود بالحائض.
قوله: " فأنزل الله عَر وجَلَّ: (وَيَسألُونَكَ عَنِ المَحِيضِ) أي: أسيد
ابن حضير وعباد بن بشر، قال السدي: ثابت بن الدحداح، والمراد من
المحيض الأول: الدم، يقال: حاضت المرأة تحيض حيضاً ومحيضاً، كما
يُقال: سار يسير سيراً ومسيراً، والأذى هو: القذر. وأما المحيض الثاني
فقد اختلفوا فيه، فقال الشافعي: هو نفس الدم. وقال بعضهم: هو
الفرج؛ لأنه موضع الحيض كما سُمي موضع البيتوتة بيتاً، وموضع
القيلولة مقيلاً، ويكون تقديره: اعتزلوهن ولا تقربوهن في الفرج. وقال
__________
(1) كذا.
(2) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (1/53) ، وأسد الغابة
(1/111) ، والإصابة (1/49) .
(3) المصادر السابقة (2/452) ، (3/150) ، (2/263)
(4) سورة الأعراف: (156) .
2 * شرح سنن أبي داوود 2(2/17)
آخرون: هو زمن الحيض، تقديره: اعتزلوا النساء في زمان حيضهن.
وقد ذكرنا الاختلاف في القربان فيما تحت الإزار مرة.
قوله: " واصنعوا كل شيء " من التقبيل واللمس والمعانقة والاستمتاع
غير النكاح، والمراد من النكاح: الوطء، والقرائن تدل عليه، وقد
اختلف أن أصل النكاح في العقد أو الوطء، والأصح أنه أصل في العقد،
ويستعمل في الوطء، وكذا المراد من قوله: " أفلا ننكحهن " (1) الوطء
بدلالة القراَن.
قوله: " فتمعَّر وجه رسول الله " بفتح التاء ثالث الحروف، وبعدها عين
مهملة مفتوحة مشددة ورآء، أي: تغير، والأصل فيه قلة النضارة،
وعدم إشراق اللون، ومنه: المكان الأمعر، وهو الجدب الذي ليس فيه
خصب.
قوله: " حتى ظننا أنه قد وجد عليهما " ظننا هذا من الظن الذي بمعنى
الحسبان، وظننا الثاني من الظن الذي بمعنى العلم واليقين، والعرب تجعل
الظن مرة حسباناً، ومرة علماً ويقيناً، وذلك لاتصال طرفيه بهما، فمبدأ
العلم ظن، وآخره يقين. قال الله تعالى: (الَّذِينَ يَظُنُّونَ أنّهُم مُلاقُوا
ربِّهِم) (2) معناه: يوقنون. وقوله: " وجد " من وجد عليه يحد وجداً
وموجدة إذا غضب.
ويستفاد من هذا الحديث فوائد، الأولى: جواز مؤاكلة الحائض
والمشاربة والمجالسة، والاستمتاع بها من كل وجه غير الوطء.
والثانية: كراهة إتيان خبر إلى مسلم بما فيه يكرهه أو يسوءه.
والثالثة: جواز قبول الهدية.
الرابعة: استحباب تفريق الهدية، فإن كان طعاماً يستحب إطعامه لمن
حضره، أو يفرقه على أصحابه أو جيرانه.
__________
(1) في الأصل: " ننحكهن " وهو سبق قلم.
(2) سورة البقرة: (46) .(2/18)
والحديث أخرجه مسلم، والترمذي، والنسائي.
244- ص- حدثنا مسدد قال: نا عبد الله بن داود، عن مسعر، عن
المقدام بن شريح، عن أبيه، عن عائشةَ قالت: " كُنتُ أتَعرقُ العَظمَ وأنا
حائض وأعطيه (1) النبيَ- عليه السلام- فيضِعُ فَمَهُ في الموضع الذي فيه
وَضعتُهُ، وأشربُ الشَرابَ فأنَاوِلَهُ، فيضَعُ فمهُ فِي الموضع الذي كنتُ
أشربُ منهُ " (2) .
ش- مسعر بن كدام، وشريح بن هانئ.
قوله: " أتعرق " من التعرق، من العرق بفتح العين وسكون الراء،
وهو العظم عليه بقية اللحم، يقال منه: عَرَقتُهُ- مخففاً- وتعرقته
واعترقته إذا أخذتَ ما عليه من اللحم بأسنانك.
قوله: " وأنا حائض " جملة اسمية وقعت حالاً من الضمير الذي في
" أتعرق ".
ويستفاد من الحديث: جواز مؤاكلة الحائض ومشاربتها. وأخرجه مسلم
والنسائي، وابن ماجه.
245- ص- حدثنا محمد بن كثير قال: نا سفيان، عن منصور بن
عبد الرحمن، عن صفيةَ، عن عائشةَ قالت: " كانَ رسولُ اللهِ يَضعُ رأسَهُ في
حِجرِي، فَيقرا وأنا حَائِض " (3) .
__________
(1) في سنن أبي داود: " فأعطيه " 0
(2) مسلم: كتاب الحيض، باب: جواز غسل الحائض رأس زوجها (14/300) ،
النسائي: كتاب الطهارة، باب: سؤر الحائض (1/56) ، ابن ماجه: كتاب
الطهارة، باب: ما جاء في مؤاكلة الحائض وسؤرها (643) .
(3) البخاري: كتاب الحيض، باب: قراءة الرجل في حجر امرأته وهي حائض
(297) ، مسلم: كتاب الحيض، باب: جواز غسل الحائض رأس زوجها
وترجيله وطهاره (15/301) ، النسائي: كتاب الطهارة، باب: في الذي
يقرأ القرآن ورأسه في حجر امرأته (1/147) ، ابن ماجه: كتاب الطهارة،
باب: الحائض تتناول الشيء من المسجد (634) .(2/19)
ش- محمد بن كثير العبدي البصري، وسفيان الثوري.
ومنصور بن عبد الرحمن بن طلحة بن الحارث بن طلحة بن أبي طلحة
ابن عبد العزَى بن عثمان العبدري الكي 0 سمع: أمه صفية بنت شيبة،
وخاله مسافع بن شيبة، وسعيد بن جبير. روى عنه: ابن جريج،
وأيوب بن موسى، والثوري، وابن عيينة، وغيرهم. وقال أبو حاتم:
صالح الحديث. وقال هشام بن محمد: شيخ كبير، كان ثقة قليل
الحديث. روى له الجماعة إلا الترمذي (1) .
وصفية بنت شيبة الحاجب قد ذكرناها، ومنصور هذا ابنها.
قوله: " في حجري " الحجر- بكسر الحاء، وسكون الجيم- معروف.
ويستفاد من الحدَيث جواز قراءة القرآن مضطجعاً ومتكئاً على الحائض.
وأخرجه البخاري، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه.
***
94- باب: الحائض تناول شيئاً لمن كان في المسجد (2)
أي: هذا باب في بيان حكم الحائض تناول شيئاً لمن كان في المسجد.
246- ص- حدَّثنا مسدد قال: ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن ثابت
ابن عبيد، عن القاسم، عن عائشةَ قالت: قالَ لي رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نَاوِليني
الخُمرَةَ مِن المسجد، فقلتُ: إِني حَائض، فقال رسولُ اللهَ: إن حَيضًتَك
ليست في يَدِكِ " (3) .
ش- أبو معاوية الضرير.
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (28 /6197) .
(2) في سنن أبي داود: " باب في الحائض تناول من المسجد " 0
(3) مسلم: كتاب الحيض، باب: جواز غسل الحائض رأس زوجها (298) ،
الترمذي: كتاب الطهارة، باب: في الحائض تتناول الشيء من السجد
(134) ، النسائي: كتاب الحيض، باب: استخدام الحائض (1/192) ،
ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: الحائض تتناول الشيء من المسجد (632) .(2/20)
وثابت بن عبيد الأنصاري الكَوفي، مولى زيد بن ثابت. سمع:
عبد الله بن عمر، وزيد بن ثابت، والمغيرة بن شعبة، والبراء بن
عازب، وأنس بن مالك، والقاسم بن محمد بن أبي بكر، وأبا جعفر
الأنصاري. روى عنه: ابن سيرين، وابن أبي ليلى، والأعمش،
والثوري، وغيرهم. قال أحمد ويحيى: ثقة. روى له: مسلم،
وأبو داود، والترمذي، والنسائي (1) .
قوله: " الخُمرة " بضم الخاء المعجمة وإسكان الميم. قال الهروي: هي
هذه السجادة، وهي مقدار ما يضع الرجل عليه وجهه في سجوده من
حصير أو نسيجة خُوص، ونحوه من النبات، ولا تكون خمرة إلا في
هذا المقدار، وسميت خمرة لأن خيوطها مستورة بسعفها ". وقال
الخطابي (2) : " هي السجادة يسجد عليها المصلي ". وقد جاء في رواية
أبي داود عن ابن عباس قال: " جاءت فأرة فأخذت تجر الفتيلة، فجاءت
بها فاًلقتها بين يدي رسول الله على الخمرة التي كان قاعداً عليها،
فأحرقت منها مثل موضع الدرهم ". فهذا تصريح بإطلاق الخمرة على ما
زاد على قدر الوجه، وسميت خمرة لأنها تخمر الوجه أي: تغطيه.
وأصل التخمير: التغطية. ومنه خمار المرأة، والخمر لأنها تغطىِ العقل.
قوله: " من المسجد " متعلق بقوله: " قال " لا بقوله: " ناوليني "،
ولا " بالخمرة "، والمعنى: أنه- عليه السلام- قال ذلك لها وهو في
المسجد لتناوله إياها من خارج المسجد، لا أن النبي- عليه السلام-
أمرها أن تخرجها له من المسجد؛ لأنه- عليه السلام- كان في المسجد
معتكفاً/وكانت عائشة في حجرتها وهي حائض، ويدل على ما قلنا:
قوله: " إن حيضتك ليست في يدك " لأنها خافت من إدخال يدها المسجد،
ولو كان أمرها بدخول المسجد لم يكن لتخصيص اليد معنى. فإن قيل:
ما معنى تعلق " مِن " ب " قال "، وما محلها من الإعراب؟ قلت: قد
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (4/822) .
(2) معالم السنن (1/71) .(2/21)
عرفت أن " مِن " لابتداء الغاية في المكان بالإجماع، وفي الزمان مختلف
فيه، والمعنى: قال لها النبي- عليه السلام- قولاً ابتداؤه من المسجد،
كما في قوده: (أسرَى بعَبده لَيلاً مَنَ المَسجدِ الحَرَام) (1) أي: أسراه
إسراءً ابتداؤه من المسجدَ الحرَاَم. وأما محلهَا فهو النصب على الحال،
والتقدير: قال لها قولاَ حال كونه صادراً ابتداؤه من المسجد.
قوله: " إن حيضتك ليست في يدك " بفتح الحاء هو المشهور في الرواية،
وهو الصحيح. وقال الخطابي: المحدثون يقولونها بفتح الحاء، وهو
خطأ، وصوابها بالكسر أي: الحالة والهيئة. وأنكر القاضي عياض هذا
على الخطابي قال: الصواب هنا ما قال المحدثون من الفتح؛ لأن المراد
الدم وهو الحيضة بالفتح بلا شك، لقوله- عليه السلام-: " ليست في
يدك " معناه: أن النجاسة التي يُصان عنها المسجد- وهي دم الحيض-
ليست في يدك، وهذا بخلاف حديث أم سلمة: " فأخذت ثياب حِيضتي "
فإن الصواب فيه الكسر.
قلت: لِمَا قاله الخطابي وجه؛ لأن قوله- عليه السلام-: " إن
حيضتك ليست في يدك " هي الحال التي تلزمها الحائض من التجنب
والتحيض كما يقال: القِعدة والجلسة، يراد بها حال القعود والجلوس،
والحَيضة- بالفتح- هي الدُفعة الواحدة من دفعات دم التحيض.
ويستفاد من الحديث أن للحائض أن تتناول الشيء من المسجد، وتُناول
الشيء أيضاً لمن في المسجد، وأن من حلف لا يدخل داراً أو مسجداً لا
يحنث بإدخال يده فيه، وكذلك بعض جسده ما لم يدخله بجميع بدنه.
والحديث أخرجه مسلم، والترمذي، والنسائي. وأخرجه ابن ماجه
من حديث عبد الله البهيّ عن عائشة- رضي الله عنها-.
***
__________
(1) سورة الإسراء: (1) .(2/22)
95- باب: في الحائض لا تقضي الصلاة
أي: هذا باب في بيان أن الحائض ليس عليها أن تقضي الصلاة،
وتقضي الصوم.
247- ص- حدثنا موسى قال: نا وهيب قال: نا أيوب، عن أبي قلابة،
عن معاذة: أن امرأةً سألت عائشةَ: أتَقضِي الحَائضُ الصلاةَ؟ فقالت:
" أحَرُوريَّةٌ أنت؟ لقد كُنَّا نَحيضُ عندَ رسولِ اللهِ فلا نَقضِي، ولا نُؤمَرُ
بالقضاءَِ " (1) .
ش- موسى بن إسماعيل البصري، ووهيب بن خالد، وأيوب
السختياني، وأبو قلابة عبد الله بن زيد بن عمرو، وقيل: ابن عامر بن
نائل بن مالك أبو قلابة الجرمي البصري. سمع: ثابت بن الضحاك
الأنصاري، وأنس بن مالك، وأبا أمية أنس بن مالك الكعبي، ومالك
ابن الحويرث الليثي، والنعمان بن بشير، وعمرو بن سلمة الجرمي.
روى عنه: أيوب السختياني، وقتادة، ويحيى بن أبي كثير، وحميد
الطويل، وعاصم الأحول، وغيرهم. قال ابن سعد: كان ثقة كثير
الحديث. توفي بالشام سنة أربع ومائة. روى له الجماعة (2) .
ومعاذة بنت عبد الله العدوية البصرية أم الصهباء. سمعت عائشة
أم المؤمنين. روى عنها: أبو قلابة، وقتادة، وعاصم الأحول،
إسحاق بن سويد. قال ابن معين: ثقة حجة. روى لها الجماعة (3) .
__________
(1) البخاري: كتاب الحيض، باب: لا تقضي الحائض الصلاة (321) ، مسلم:
كتاب الحيض، باب: وجوب قضاء الصوم على الحائض (67/335،
68/335) ، الترمذي: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في الحائض أنها لا
تقضي الصلاة (130) ، النسائي: كتاب الطهارة، باب: سقوط الصلاة عن
الحائض (1/191) ، ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: الحائض لا تقضي
الصلاة (631) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (14/ 3283) .
(3) المصدر السابق (35/7932) .(2/23)
قوله: " أحرورية أنت؟ " الهمزة فيه للاستفهام على سبيل الإنكار،
أي: هذه طريقة الحرورية وبئست الطريقة. الحرورية: طائفة من الخوارج
نسبوا إلى حروراء، قرية على ميلين من الكوفة تمد وتقصر، كان أول
اجتماعهم فيها، وكانوا أنكروا عَلَى عَليٍّ - رضي الله عنه-
تحكيمه أبا موسى الأشعري في أمر معاوية وقالوا له: شككت في أمر الله،
وحكمتَ عدوك، وطالت خصومتهم، ثم أصبحوا يوماً وقد خرجوا
براية وهم ثمانية آلاف، وأميرهم ابن الكولة، فبعث عَلي فقاتلهم،
وكان عندهم من التشدد في الدين ما هو معروف، فلما رأت عائشة-
رضي الله عنها- هذه المرأة تشدد في أمر الحيض، شبهتها بالحرورية
وتشددهم في دينهم. وقيل: إنها خالفت السُّنَّة، وخرجت عز الجماعة
كما خرجوا عن جماعة المسلمين، وقيل: كانوا يرون على الحائض قضاء
الصلاة، وشذّوا في ذلك عن سلف الأمة/فخشيت عائشة- رضي الله
عنها- أن تكون تعتقد مذهب الحرورية في ذلك، فقرعت لها الحجة التي
لا يجوز خلافها.
قوله: " فلا نقضي " أي: الصلاة، ولا يأمرنا به النبي- عليه السلام-
وهذا بإجماع العلماء أن الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؛ لأن
في قضائها حرجاًَ، لأنها خسس مرات في اليوم والليلة بخلاف الصوم،
فإنه في السنة مرة واحدة. والحديث أخرجه البخاري، ومسلم،
والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
248- ص- حدثنا الحسن بن عمرو قال: أنا سفيان بن عبد الملك، عن
ابن المبارك، عن معمر، عن أيوب، عن معاذة العدوية، عن عائشة بهذا (1) ،
وزاد فيه: " فنؤمر بقضاءِ الصومِ، ولا نُؤمرُ بقضاءِ الصلاةِ " (2) .
ش- سفيان بن عبد الملك المروزي صاحب ابن المبارك. روى عنه:
__________
(1) في سنن أبي داود: " بهذا الحديث. قال أبو داود: وزاد ...
(2) انظر الحديث السابق.(2/24)
الحسن بن عمرو، وعبد الله بن عثمان، ووهب بن زمعة، وإسحاق بن
راهويه. روى له: أبو داود، والترمذي. توفي قبل المائتين (1) .
وابن المبارك هو عبد الله بن المبارك، ومعمر بن راشد، وأيوب
السختياني.
قوله: " بهذا " أي: بهذا الحديث، ولكن زاد فيه في هذه الرواية:
" فنؤمر بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة ".
***
96- باب: في إتيان الحائض
أي: هذا باب في بيان إتيان الحائض، أي: قربانها.
249- ص- حدثنا مسدد قال: نا يحيى، عن شعبة قال: حدَّثني الحكم،
عن عبد الحميد بن عبد الرحمن، عن مقسم، عن ابن عباس، عن النبي
- عليه السلام- في الذي يأتي امرأتَهُ وهي حَائض، قال: " يَتصدقُ بدينار أو
بنصفِ دِينار " (2) .
ش- يحيى القطان، والحكم بن عُتيبة.
وعبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب بن نفيل القرشي
الهاشمي العدوي، أبو عمر المدني، عامل عمر بن عبد العزيز على
الكوفة. رأى عبد الله بن عباس وسأله، وروى عن حفصة زوج النبي
- عليه السلام-. وسمع: محمد بن سعد بن أبي وقاص، ومسلم بن
يسار، ومقسما (3) مولى ابن عباس، ومكحولاً. روى عنه: ابنه عمر،
والزهري، والحكم بن عتيبة، وإسحاق بن راشد، وغيرهم. قال
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (11/2410) .
(2) الترمذي: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في الكفارة في ذلك (136) ،
النسائي: كتاب الطهارة، باب: ما يجب على من أتى حليلته (1/153) ،
ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: في كفارة من أتى حائضاً (640) .
(3) في الأصل: " مقسم ".(2/25)
عبد الله بن أبي داود: هو ثقة. روى له: البخاري، ومسلم،
وأبو داود، والترمذي. توفي بحران في خلافة هشام بن عبد الملك (1) .
ومقسم بن بُجرة، ويُقال: ابن نجدة أبو القاسم، ويقال: أبو هاشم
الهاشمي، مولى عبد الله بن الحارث بن نوفل الهاشمي، ونسب إلى ابن
عباس للزومه له، وروايته عنه. سمع: عبد الله بن عباس، وعائشة،
وأم سلمة، ومعاوية بن أبي سفيان. روى عنه: الحكم بن عُتيبة،
وعمران بن أبي أنس، وعبد الكريم بن مالك الحراني، وغيرهم. قال
أبو حاتم: صالح الحديث، لا بأس به. توفي سنة إحدى ومائة. روى
له الجماعة (2) .
قوله: " في الذي " أي: في الرجل الذي يأتي امرأته، أي: يقربها
ويغشاها.
قوله: " وهي حائض " جملة وقعت حالاً عن المرأة.
وروى هذا الحديث: النسائي، والترمذي، وابن ماجه، والبيهقي (3) ،
ثم أعله البيهقي بأشياء منها: أن جماعة رووه عن شعبة موقوفاً على ابن
عباس، وأن شعبة رجع عن رفعه. ومنها: أنه رُوي مرسلاً. ومنها: أنه
روي معضلاً كما يجيء الآن. ومنها: أن في متنه اضطراب؛ لأنه رُوي
" بدينار أو نصف دينار " على الشك. ورُوي " يتصدق بدينار، فإن لم
يجد فبنصف دينار ". وروي فيه التفرقة بين أن يصيبها في الدم أو في
انقطاع الدم. وروي: " يتصدق بخمسي دينار ". وروي: " يتصدق
بنصف دينار ". وروي: " إذا كان دماً أحمر فدينار، وإذا كان أصفر
فنصف دينار ". وروي: " إن كان الدم عبيطاً فليتصدق بدينار، وإن كان
صفرة فنصف دينار ". والجواب عن ذلك كله أن الحاكم أخرجه في
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (16/3724) .
(2) المصدر السابق (28 /6166) .
(3) السنن الكبرى (1/314: 319) .(2/26)
" مستدركه " (1) وصحَّحه، وكذا صحَّحه ابن القطان، وذكر الخلال،
عن أبي داود: أن أحمد قال: ما أحسن حديث عبد الحميد- يعني: هذا
الحديث-. قيل له: تذهب إليه؟ قال: نعم، إنما هو كفارة. ولئن
سلمنا أن شعبة رجع عن رفعه، فإن غيره رواه عن الحكم مرفوعاً، وهو
عمرو بن قيس الملائي إلا أنه أسقط عبد الحميد، وكذا أخرجه من طريقه
النسائي، وعمرو هذا ثقة، وكذا رواه قتادة عن الحكم مرفوعاً، وهو
أيضاً أسقط عبد الحميد، وأما ما رُوي فيه من لا خمسي دينار، أو عتق
نسمة "، وغير ذلك، فما منها شيء يعول عليه، فلا يطعن به/على
حديث مقسم، وأيضاً مقتضى قواعد الفقه وأصوله: أن رواية الرفع أشبه
بالصواب؛ لأنها زيادة ثقة، وهذا مقتضى صناعة الحديث؛ لأن رواته
أكثر. ثم حكم هذا الحديث أنه قد ذهب إلى إيجاب الكفارة عليه جماعة
من العلماء، منهم: قتادة، والأوزاعي، وأحمد بن حنبل، وإسحاق
ابن راهويه، والشافعي في القديم، وقال في الجديد: لا شيء عليه،
ولا ينكر أن يكون فيه كفارة؛ لأنه وطء محظور كالوطء في رمضان.
وقال أكثر العلماء: لا شيء عليه ويستغفر الله، وهو قول أصحابنا أيضاًَ،
والصدقة محمولة على الاستحباب، إن أراد تصدق وإلا لا. وعن الحسن
أنه قال: عليه ما على من واقع أهله في رمضان.
ص- قال أبو داود: هكذا الرواية الصحيحة: " دينار أو نصف دينار "،
وربما لم يرفعه شعبة.
ش- أشار بهذا الكلام إلى أن الحديث فيه اضطراب، وأنه موقوف على
شعبة، وقد أجبنا عن ذلك.
250- ص- حدثنا عبد السلام بن مُطَهّر قال: نا جعفر- يعني: ابن
سليمان- عن علي بن الحكم البُناني، عن أبي الحسن الجزري، عن مقسم،
__________
(1) (1/171) .(2/27)
عن ابن عباس قال: " إذا أصَابَها في الدمِ (1) ، فدينارٌ، وإذا أصَابَهَا في
انقِطاع الدَّمِ فنصفُ دينارٍ " (2) .
ش- عبد السلام بن مطهر بن حسام بن مصك بن ظالم أبو طفر
الأزدي البصري. روى عن: شعبة، وجعفر بن سليمان، وغيرهما.
روى عنه: البخاري، وأبو داود، وأبو زرعة، وغيرهم. توفي سنة
أربع وعشرين ومائتين (3) .
وجعفر بن سليمان أبو سليمان الضُّبَعي مولى بني الحريش، كان ينزل
في بني ضَبيعة فنسب إليهم. سمع: مالك بن دينار، ومحمد بن
. المنكدر، ويزيد الرِّشك، وابن جريح، وعير هم. روى عنه: الثوري،
وابن المبارك، وأبو الوليد الطيالسي، ومسدد، وغيرهم. وقال ابن
حنبل: لا بأس به. وقال ابن معين: ثقة. وقال ابن سعد: كان ثقة،
وبه ضعف، وكان يتشيع. توفي في رجب سنة ثمان وتسعين ومائة.
روى له الجماعة إلا البخاري (4) .
وعلي بن الحكم البناني أبو الحكم البصري. سمع: عطاء بن
أبي رباح، ونافعاً، وأبا نضرة العبدي، وغيرهم. روى عنه: معمر بن
راشد، وشعبة، وحماد بن سلمة، وغيرهم. قال أحمد: ليس به بأس
وقال أبو حاتم: صالح الحديث 0 وقال ابن سعد: كان ثقة، له
أحاديث. توفي سنة إحدى وثلاثين ومائة 0 روى له: البخاري،
وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه (5) .
وأبو الحسن الجزري. روى عن: عمرو بن مرة، ومقسم. روى عنه
علي بن الحكم. روى له: أبو داود، والترمذي. وذكره الذهبي في
الكنى. واقتصر على ما ذكرناه (6) .
__________
(1) في سنن أبي داود: " في أول الدم ".
(2) انظر الحديث السابق.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (18/3426)
(4) المصدر السابق (5/943) .
(5) المصدر السابق (20/4057) .
(6) المصدر السابق (33/7311) .(2/28)
والجزري بفتح الجيم والزاي، وكسر الراء، نسبة إلى الجزيرة، هذا
موقوف.
قوله: " فدينار " أي: فالواجب دينار عند من يقول بوجوبه، أو
المستحب دينار عند من يقول باستحبابه، وأسند البيهقي (1) عن ابن
جريج، عن أبي أمية عبد الكريم، عن مقسم، عن ابن عباس قال: قال
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا أتى أحدكم امرأته في الدم فليتصدق بدينار، وإذا
وطئها وقد رأت الطهر ولم تغتسل فليتصدق بنصف دينار "، ثم رواه عن
سعيد بن أبي عروبة، عن عبد الكريم، عن مقسم، عن ابن عباس:
" أنه- عليه السلام- أمره أن يتصدق بدينار أو نصف دينار " (2) . وفسر
ذلك مقسم فقال: إن غشيها في الدم فدينار، وإن غشيها بعد انقطاع الدم
قبل أن تغتسل فنصف دينار.
قلت: هذا شاهد لرواية الحكم، عن عبد الحميد المذكورة أول الباب،
وشاهد أيضاً على أن رواية أبي الحسن الجزري، عن مقسم، عن ابن عباس
محمولة على السماع.
- ص- قال أبو داود:/وكذلك قال علي بن بذيمة، عن مقسم، عن
النبي- عليه السلام- مرسلاً/ (3) قال: وكذلك قال ابن جريج عن
عبد الكريم، عن مقسم.
ش- علي بن بذيمة- بالباء الموحدة، والذال المعجمة- الجزري
الحراني أبو عبد الله السوائي، مولى جابر بن سمرة، أصله كوفي، نزل
حران. سمع: أبا عبيدة بن عبد الله بن مسعود، وسعيد بن جبير،
وعكرمة مولى ابن عباس. روى عنه: الأعمش، والثوري، وشعبة،
وشريك، وجماعة آخرون. قال ابن معين وأبو زرعة:/هو ثقة.
توفي بخراسان سنة ست وثلاثين ومائة. روى له الجماعة (4) .
__________
(1) السنن الكبرى (1/316) .
(2) نفسه (1/317) .
(3) ما بين الشرطتين المائلتين ذكر في سنن أبي داود عقب الحديث الأتي.
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (20/4028)(2/29)
وعبد الكريم (1) هو ابن أبي المخارق- واسمه: قيس- أبو أمية
البصري، نزل مكة. روى عن: أنس بن مالك، وطاوس، ومجاهد،
وعطاء بن أبي رباح، وغيرهم. روى عنه: ابن جريج، والثوري،
ومالك، وابن عيينة، وغيرهم 0 قال أيوب: هو غير ثقة. وكان
ابن عيينة أيضاً يستضعفه. وقال البيهقي: غير محتج به. قلت: ذكر
الإمام عن الرقيبي أنه قال: عبد الكريم هذا هو ابن مالك أبو سعيد
الجزري. وكذا ذكر المزي هذا الحديث في ترجمة عبد الكريم الجزري،
عن مقسم، ويشكل هذا على رواية البيهقي التي ذكرناها، فإن فيها
أبو أمية عبد الكريم البصري، ثم قال: أبو أمية غير محتج به. قلت:
كيف لا يحتج به، وقد روى عنه ابن جريج، والسفيانان، وغيرهم؟
وأخرج له الحاكم في " المستدرك "؟ واحتج به مسلم فيما ذكره صاحب
الكمال؟ واستشهد به البخاري في " الصحيح " في " باب التهجد "؟
فقال: قال سفيان: وزاد عبد الكريم أبو أمية: " ولا حول ولا قوة إلا
بالله ".
وأما عبد الكريم بن مالك فهو أبو سعيد الجزري الأموي، مولى لآل
عثمان بن عفان أو معاوية بن أبي سفيان، وهو ابن عم خُصيف،
وخصاف- أصله من إصطخر تحول إلى حران، وابن أنس بن مالك،
وسمع: عكرمة، ومجاهدا، وطاوساً، وغير هم. روى عنه: ابن
جريج، ومالك بن أنس، والثوري، وابن عيينة، وجماعة آخرون.
قال أحمد بن حنبل: هو ثقة ثبت، هو أثبت من خصيف في الحديث.
وقال ابن معين وأبو حاتم وأبو زرعة: ثقة. توفي سنة سبع وعشرين
ومائة. روى له الجماعة (2) .
251- ص- حدثنا محمد بن الصباح قال: نا شريك، عن خصيف،
عن مقسم، عن ابن عباس، عن النبط- عليه السلام- قال: " إذا وَقعَ
الرجلُ بأهلِهِ وهي حَائض، فليَتَصدق بنصفِ دينار " (3) .
__________
(1) المصدر السابق (18/3506) . (2) المصدر السابق (18 /3504) .
(3) انظر الحديث السابق.(2/30)
ش- شريك النخعي.
وخصيف - بضم الخاء المعجمة، وفتح الصاد المهملة- ابن
عبد الرحمن الجزري أبو عون الحراني الخِضرمي- بالخاء المعجمة
المكسورة- الأموي، مولى عثمان بن عفان، وَيقال: مولى معاوية، وله
أخ اسمه خصاف، وكانا توأمين، وخصيف أكبرهما. رأى أنس بن
مالك، وروى عنه. وسمع: سعيد بن جبير، ومجاهداً، وغيرهم.
روى عنه: محمد بن إسحاق، وابن جريج، والثوري، وغيرهم. قال
ابن معين: ثقة. وقال النسائي: صالح. توفي سنة ست وثلاثين ومائة.
روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة (1) .
قوله: " إذا وقع الرجل بأهله " أي: جامعها، وقوله: " وهي حائض "
جملة وقعت حالاً عن الأهل، والأمر فيه محمول على الاستحباب عند
الجمهور كما مر.
ص- قال أبو داود: ورواه الأوزاعي، عن يزيد بن أبي مالك، عن
عبد الحميد بنِ عبد الرحمن، عن النبي- عليه السلام- قال: " أمَرَهُ أن
يَتصدقَ بخُمسي دِينارٍ (2) .
ش- الأوزاعي عبد الرحمن، وقد مر ذكره. ويزيد بن أبي مالك،
واسم أبي مالك هانئ الدمشقي. وقد ذكرناه.
قوله: " ورواه " أي: روى هذا الحديث الأوزاعي، وهذا معضل،
وقد عرفت أن المعضل عبارة عما سقط من إسناده اثنان فصاعداً، وهو نوع
خاص من المنقطع، فكل معضل منقطع، وليس كل منقطع معضلاً،
وقوم يسمونه مرسلاً.
***
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (8 /1693) .
(2) في سنن أبي داود زيادة: " وهذا معضل "، وقد ذكره المصنف أثناء شرحه.(2/31)
97- باب: في الرجل يصيب من امرأته دون الجماع (1)
أي: هذا باب في بيان حكم الرجل الذي يستمتع بامرأته الحائض بما
هو غير الجماع من المضاجعة والملامسة والتقبيل، وغير ذلك.
252- ص- ثنا يزيد بن خالد بن عبد الله بن موهب قال: حدَثني الليث،
عن ابن شهاب، عن حبيب مولى عروة، عن نَدبَةَ مولاة ميمونة، عن
ميمونةَ، أن النبيَّ- عليه السلام- كان يُباشرُ المرأةَ من نسائه وهي حائض إذا
كان عليها إِزَازٌ إلى أنصاف الفَخِذِ والركبتين، تَحتَجِزُ بَه (2) .
ش- الليث بن سعد، وابن شهاب الزهري.
وحبيب الأعور القرشي الحجازي مولى عروة. روى عن: أسماء بنت
أبي بكر، وابنها عروة، وندبة مولاة ميمونة. روى عنه: الزهري،
وعبد الله بن عروة بن الزبير، وعبد الواحد بن ميمون، وغيرهم. قال
ابن سعد: مات قديماً في آخر سلطان بني أمية، وكان قليل الحديث.
روى له: أبو داود، والنسائي،/والترمذي (3) .
ونَدبَةُ- بالنون المفتوحة، وسكون الدال المهملة، وفتح الباء الموحدة-
وقال معمر: بضم النون. وقال يونس: بضم الباء الموحدة في أولها،
وسكون الدال وفتح الياء آخر الحروف، ووقع في كتاب عبد الله بن الربيع
التميمي: نَدَبَة- بفتح النون، وفتح الدال [وفتح] (4) الباء الموحدة،
مولاة ميمونة زوج النبي- عليه السلام-. روى عنها حبيب مولى عروة.
روى لها: أبو داود، والنسائي (5) .
__________
(1) في سنن أبي داود: " باب في الرجل يصيب منها ما دون الجماع ".
(2) النسائي: كتاب الطهارة، باب: مباشرة الحائض (1/151- 152) ، وكتاب
الحيض، باب: ذكر ما كان النبي يصنعه إذا حاضت إحدى نسائه
(1/189) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (5/1105) .
(4) غير واضحة في الإلحاق، وهى أقرب إلى ما أثبتناه.
(5) المصدر السابق (35/7939) .(2/32)
قوله: " كان يباشر المرأة " من المباشرة التي بمعنى الملامسة، وأصله: من
لمس بشرة الرجل بشرة المرأة، وقد ترد بمعنى الوطء في الفرج وخارجاً
منه. والمراد هاهنا: المعنى الأول بالإجماع.
قوله: " إلى أنصاف الفخذ " الأنصاف جمع " نصف "،وإنما جمعه
باعتبار وقوع الفخذ معرفاً بلام الجنس.
قوله: " تحتجز به " أي: تمتنع المرأة بالإزار عن الجماع. وهذه الجملة
في محل الرفع على أنها صفة للإزار، ويحوز أن تكون حالاً من المرأة،
ويؤيده ما ورد في بعض الرواية: " محتجزة به " أي: حال كون المرأة
ممتنعة بالإزار، وثلاثيه حجزه يحجزه حجزاً، أي: منعه من باب نصر
ينصُر، ومنه الحاجز وهو الحائل بين الشيئين، وحُجزة الإزار معقده،
وحجزة السراويل التي فيها التكة.
ثم حكم هذا الباب، فاعلم أن مباشرة الحائض أقسام، أحدها: حرام
بالإجماع، ولو اعتقد حله يكفر، وهو أن يباشرها في الفرج عامداً، فإن
فعله غير مستحل يستغفر الله تعالى، ولا يعود إليه، وهل تجب عليه
الكفارة أو لا؟ قد ذكرناه مفصلاً.
الثاني: المباشرة فيما فوق السرة وتحت الركبة بالذكر، أو بالقبلة، أو
المعانقة، أو اللمس، أو غير ذلك، فهذا حلال بالإجماع إلا ما حكي
عن عَبيدة السلماني وغيره من أنه لا يباشر شيئاً منها فهو شاذ منكر، مردود
بالأحاديث الصحيحة المذكورة في " الصحيحين " وغيرهما، في مباشرة
النبي- عليه السلام- فوق الإزار.
والثالث: المباشرة فيما بين السرة والركبة في غير القبل والدبر، فعند
أبي حنيفة حرام، وهو رواية عن أبي يوسف، وهو الوجه الصحيح
للشافعية، وقول مالك، وقول أكثر العلماء منهم: سعيد بن المسيب،
وشريح، وطاوس، وعطاء، وسليمان بن يسار، وقتادة. وعند محمد
ابن الحسن وأبي يوسف في رواية " يجتنب شعار الدم فقط ". وممن ذهب
3* شرح سنن أبي داوود 2(2/33)
إليه عكرمة، ومجاهد، والشعبي، والنخعي، والحكم، والثوري،
والأوزاعي، وأحمد، وأصبغ، وإسحاق بن راهويه، وأبو ثور، وابن
المنذر، وداود. وهذا أقوى دليلاً لحديث أنس- رضي الله عنه-:
" اصنعوا كل شيء إلا النكاح ". واقتصار النبي- عليه السلام- في
مباشرته على ما فوق الإزار محمول على الاستحباب، والله أعلم.
253- ص- حدثنا مسلم قال: أنا شعبة، عن منصور، عن إبراهيم،
عن الأسود، عن عائشةَ قالت: " كان رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأمُرُ إحدَانَا إذا كانت
حَائِضاً أن تَتَّزِرَ، ثم يُضَاجِعُهَا زوجُها، وقال مرة: َ يُباشِرُهَا " (1) .
ش- مسلم بن إبراهيم القصاب، وشعبة بن الحجاج، ومنصور بن
المعتمر، وإبراهيم النخعي، والأسود بن يزيد.
قوله: " أن تَتَّزر " أي: تشد إزاراً، وفي رواية مسلم: " تأتزر "،
والمعنى: تستر سرتها وما تحتها إلى الركبة.
قوله: " يضاجعها " أي: ينام معها.
وقوله: " يباشرها ": يستمتع بها من وجوه الملامسة والتقبيل، ونحو
ذلك. وأخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة
بمعناه مختصراً ومطولاً.
254- ص- حدَّثنا مسدد قال: نا يحيى، عن جابر بن صُبح قال:
سمعت خلاساً الهجري قال: سمعتُ عائشةَ تقولُ: " كُنتُ أنا ورسولُ الله
نَبِيتُ فِي اَلشِّعَارِ الوَاحدِ، وأنا حائض طَامِث، فإن أصابَهُ مِني شيء غَسَل
__________
(1) البخاري: كتاب الحيض، باب: مباشرة الحائض (300) ، مسلم: كتاب
الحيض، باب: مباشرة الحائض فوق الإزار (293) ، الترمذي: كتاب
الطهارة، باب: ما جاء في مباشرة الحائض (132) ، النسائي: كتاب
الطهارة، باب: مباشرة الحائض (1/151) ، ابن ماجه: كتاب الطهارة،
باب: ما للرجل من امرأته إذا كانت حائضاً (363) .(2/34)
مَكانَهُ لم يَعدُه صَلَى (1) فيه، وإن أصَابَ- يعني: ثوبَه- منه شيءٌ غَسَلَ
مَكَانَه لم يَعدُهُ، صَلَى (1) فيه " (2) .
ش- يحيى القطان.
وجابر بن صُبح الراسبي أبو بشر البصري. روى عن: خلاس بن
عمرو الهجري، والمثنى بن عبد الرحمن، وأمية بن عبد الرحمن،
وغيرهم. روى عنه: شعبة، ويحيى القطان، وعيسى بن يونس،
وغيرهم. قال ابن معين: ثقة. روى له: أبو داود، والترمذي،
والنسائي (3) .
وخِلاس- بالخاء المعجمة- ابن عمرو الهَجَري- بفتح الهاء والجيم-
البصري. سمع: عمار بن ياسر، وابن عباس، وعائشة، وأبا رافع
الصائغ. وروى عن: علي بن أبي طالب، وأبي هريرة. روى عنه:
مالك بن دينار، وقتادة، وعوف الأعرابي، وداود بن أبي هند. قال
أحمد ويحيى: هو ثقة./وقال أبو حاتم: يقال: وقعت عنده صحف
عن عليِّ وليس بقوي. وقال ابن عدي: له أحاديث صالحة، ولم أر
بعامة حديثه بأساً. روى له: البخاري ومسلم مقروناً، وأبو داود،
والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (4) .
قوله: " في الشعار الواحد " الشعار بكسر الشين: هو الثوب الذي يلي
الجسد، لأنه يليَ شعره، والدثار: الثوب الذي فوق الشعار، ومنه
حديث الأنصار: " أنتم الشعار، والناس الدثار " أي: أنتم الخاصة
والبطانة.
__________
(1) في سنن أبي داود: " ولم يعدُه ثم صلى "، وقبل كلمة " صلى " في الأصل
في الموضعين بياض، فلعله كتب " ثم " ثم حكها، والله أعلم.
(2) النسائي: كتاب الطهارة، باب: مضاجعة الحائض (1/150- 151) ،
وكتاب الحيض، باب: نوم الرجل مع حليلته في الشعار الواحد وهي حائض
(1/188) ، وكتاب القبلة، باب: الصلاة في الشعار (2/73) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (4/869) .
(4) المصدر السابق (8/1744) .(2/35)
قوله: " وأنا حائض " جملة اسمية وقعت حالاً عن الضمير المرفوع
المنفصل، المعطوف عليه " رسول الله ".
قوله: " طامث " من طَمَثَت المرأة تطمث طمثاً إذا حاضت، من باب
نصر ينصر، وطَمِثَت- بالكسَر- فهي طامث، من باب علم يعلم،
ويجوز طامثة أيضاًَ كما يحوز حائض وحائضة، والوجه فيه أن الصفة التي
لا يوصف بها الذكور يحوز فيها ترك التاء عند توصيف المؤنث لعدم
الالتباس، ويحوز إتيان التاء على الأصل، وبعضهم تأول الحائض
والطامث بذات الحيض وذات الطمث كما يقال: لابن وتَامر بمعنى ذو لبن،
وذو تمر، وأما قولها: " أنا حائض طامث " من باب التأكيد اللفظي،
ولا اعتبار لاختلاف الحروف؛ لأن الاعتبار لاتحاد المعنى.
قوله: " فإن أصابه مني شيء " أي: فإن أصاب الشعار مني شيء غسل
موضع ما أصابه من ذلك.
قوله: " لم يَعدُه " أي: لم يعدُ الموضع المصاب، بمعنى لم يتجاوز
ذلك الموضع في الغسل، بل يقتصر على غسل موضع الإصابة.
قوله: " وإن أصاب يعني: ثوبه " أي: ثوب رسول الله " منه " أي:
من دم الحيض، كذلك يقتصر على غسل مكانه، ثم صلى فيه.
255- ص- حدَّثنا عبد الله بن مسلمة قال: نا عبد الله- يعني: ابن عمر
ابن غانم، عن عبد الرحمن- يعني: ابن زياد- عن عمارة بن غراب، أن
عمةً له حدثته، أنها سألت عائشةَ- رضي الله عنها- فقالت: إِحدَانَا تَحيضُ
وليس لها ولِزَوجهَا إلا فِراشٌ واحدٌ. قالت: أخبِرُكِ ما (1) صنعَ رسولَ الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ دخل فمضىَ إلى مسجده- قال أبو داودَ: تعني: مسجدَ بَيته- فلم
ينصرف- حتى غَلَبتنِي عَينيَّ فأوجَعَهُ (2) البردُ، فقال ادنِي مني. فقلَتَ: إني
حائضٌ. فقال: وإن، اكشِفِي عن فَخِذَيكِ، فكَشفتُ فَخِذِي، فوضَعَ خَلَّد
وصدرَه على فَخِذِيٌ وحَنَيتُ عليه حتى دَفِئَ ونَامَ (3) .
__________
(1) في سنن أبي داود: (بما) .
(2) في سنن أبي داود: " وأوجعه ".
(3) تفرد به أبو داود.(2/36)
ش- عبد الله بن عمر بن غانم أبو عبد الرحمن النميري. ويُقال:
الرعيني، نزل إفريقية وقُضي بها. روى عن: يونس بن يزيد الأيلي،
ومالك بن أنس، وداود بن قيس، وإسرائيل بن يونس. روى عنه:
موسى بن إسماعيل، وعبد الله بن مسلمة، وحجاج بن المنهال. سئل
عنه أبو حاتم فقال: مجهول. وقال أبو سعيد بن يونس: أحد الثقات
الأثبات. روى له البخاري، وأبو داود، والترمذي (1) .
وعبد الرحمن بن زياد الأفريقي ذُكر.
وعمارة بن غراب اليحصبي روى عن عمة له عن عائشة. روى عنه
عبد الرحمن بن زياد. روى له أبو داود (2) .
قوله: " فقال: وإنِ " معناه: ادني مني وإن كنت حائضاً.
وقوله: " اكشفي عن فخذيك " كلام مبتدأ برأسه.
قوله: " وحنيتُ عليه " من حنى يحني ويحنو حنواً، وحنيت وحنوت.
وفسره الشيخ زكي الدين بمعنى: عطفته.
قلت: نعم، حنيت عليه بمعنى: عطفت عليه، ولكن المعنى هاهنا
ليس ذلك، بل المعنى: من يحني عليه يكب عليه، وإنما فعلت عائشة
هكذا ليدفأ رسول الله- عليه السلام-.
قوله: " حتى دفئ " من دفئ الرجل دفأة مثل كِره كراهة، وكذلك دفئ
دفأ مثل ظمئ ظمأ، والاسم: الدفء بالكسر وهو السخونة، والدفء
أيضاً الذي يدفئك، والجمع " الأدفاء ". ويستفاد من الحديث جواز
الاستمتاع بالحائض غير الجماع.
256- ص- ثنا سعيد بن عبد الجبار قال: نا عبد العزيز- يعني: ابن
محمد- عن أبي اليمانِ، عن أم ذرّة، عن عائشةَ أنها قالت: كُنتُ إذا
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (15/3443)
(2) المصدر السابق (21/4194) .(2/37)
حضتُ، نزلتُ عن المثَال على الحَصير، فلم نقرب رسولَ الله، ولم نَدنُ منه
حتى نَطهُرَ (1) .ًَ
ش- سعيد بن عبد الجبار بن يزيد أبو عثمان القرشي الكرابيسي
البصري، نزل مكة. روى عن: مالك بن أنس، وعبد العزيز الدراوردي
وحرب بن أبي العالية، وغيرهم. روى عنه: أبو زرعة،/وأبو حاتم،
ومسلم، وأبو داود، وغيرهم. قال الخطيب: كان ثقة توفي بالبصرة
سنة ست وثلاثين ومائتين (2) .
وأبو اليمان ويقال: كثير بن جريج الرَّحَّال المديني، روى عن شداد بن
أبي عمرو، وحماس (3) ، وأم ذرّة. روى عنه: عبد العزيز الدراوردي،
وأبو هاشم الزعفراني. روى له أبو داود (4) .
وأم ذرة روت عن عائشة روى عنها الدراوردي. قال أحمد بن عبد الله:
تابعية ثقة. روى لها أبو داود (5) .
قوله: " نزلت عن المثال " المثال بكسر الميم الفِراش. وهذا الحديث لا
يدل على منع الاستمتاع بالحائض بما دون الجماع؛ لأنه- عليه السلام-
تارة كان يباشرهن وهن حُيض، وتارة لا يدنو منهن، بحسب وقته، وبه
تمسك عَبيدة السلماني ومن تبعه في أن الرجل لا يباشر شيئاً من الحائض
قط، وهو مردود كما قررناه آنفاً.
257- ص- ثنا موسى بن إسماعيل قال: نا حماد، عن أيوب، عن
عكرمة، عن بعض أزول النبي- عليه السلام- أن النبيَّ- عليه السلام-
كان إذا أرادَ من الحَاَئِضِ شيئاً ألقَى على فَرجِهَا شيئاً (6) .
ش- أراد بالشيء الاستمتاع بها غير الجماع، وهذا أيضاً حجة لمحمد
ابن الحسن ومن تبعه أن الاجتناب مخصوص بالفرج ليس إلا.
__________
(1) تفرد به أبو داود. (2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (10/2304) .
(3) في تهذيب الكمال: " روى عن شداد بن أبي عمرو بن حماس، عن أبيه ".
(4) المصدر السابق (34/7711) . (5) المصدر السابق (35/7975) .
(6) تفرد به أبو داود.(2/38)
258- ص- حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: ثنا جرير، عن الشيباني،
عن عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه، عن عائشةَ قالت: كان رسولُ اللهِ
- عليه السلام- يأمُرُنَا في فَوح حَيضَتنَا أن نَتَّزرَ، ثم يُباشِرُنَا، وأيُّكُم كان
يَملِكُ إِربَه [كما] كان رسولُ اللهِ- علَيه السلامَ- يملكُ إِربهُ؟ (1) .
ش- جرير بن عبد الحميد الرازي.
والشيباني: سليمان بن فيروز، ويقال: ابن عمرو، ويقال: ابن
خاقان، وهو ابن أبي سليمان الكوفي، أبو إسحاق الشيباني مولى بني
شيبان. سمع: عبد الله بن أبي أوفى، وسعيد بن جبير، والشعبي،
وإبراهيم النخعي، وعبد الرحمن بن الأسود. روى عنه: أبو إسحاق
السبيعي، وعاصم الأحول، والثوري وشعبة، وابن عيينة، وجرير
ابن عبد الحميد، وغيرهم. وقال ابن معين: ثقة حجة. مات سنة ثمان
وثلاثين ومائة. روى له الجماعة (2) .
وعبد الرحمن بن الأسود بن يزيد بن قيس، أبو حفص الكوفي أدرك
عمر بن الخطاب، وسمع: عائشة زوج النبي- عليه السلام-، وأباه،
وعلقمة بن قيس، وغيرهم. روى عنه: أبو إسحاق السبيعي،
والشيباني، ومحمد بن إسحاق، وغيرهم. قال ابن معين: ثقة. روى
له الجماعة (3) .
قوله: " في فَوح حيضتنا " فوح الحيض- بالحاء المهملة- مُعظمه وأوله،
ومثله فوعة الدم يقال: فاع وفاح بمعنى واحد، ومنه: " فإن شدة الحر
__________
(1) البخاري: كتاب الحيض، باب: مباشرة الحائض (302) ، مسلم: كتاب
الحيض، باب: مباشرة الحائض فوق الإزار (293) ، الترمذي: كتاب
الطهارة، باب: ما جاء في مباشرة الحائض (132) ، النسائي: كتاب
الطهارة، باب: مباشرة الحائض (286، 287) ، ابن ماجه: كتاب الطهارة،
باب: ما للرجل من امرأته إذا كانت حائضاً (635) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (11/2525) .
(3) المصدر السابق (16/3758) .(2/39)
من فوح جهنم "، وهو شدة غليانها وحرّها، وقوله: " احبسوا صبيانكم
حتى يذهب فوعة العشاء " أي: أوله، وفوعة الطيب أول ما تفوح منه،
ويُروى بالغين المعجمة لغة فيه، وفي رواية مسلم: " في فور حيضتنا "
بفتح الفاء وإسكان الواو، ومعناه أيضاً معظمها، ووقت كثرتها، والحيضة
هاهنا بفتح الحاء أي: الحيض.
قوله: " إربه " أكثر الروايات فيه بكسر الهمزة وسكون الراء، ومعناه:
عضوه الذي يستمتع به الفرج. ورواه جماعة بفتح الهمزة والراء، ومعناه:
حاجته، وهي شهوة الجماع، واختار الخطابي هذه الرواية وأنكر الأولى
وعابها على المحدثين. وفي رواية: " أيكم أملك لنفسه "، والمقصود أنه
- عليه السلام- أملككم لنفسه، فيأمن مع هذه المباشرة الوقوع في
المحرم، وهو مباشرة فرج الحائض. وأخرجه البخاري، ومسلم،
والترمذي، والنسائي، وابن ماجه من حديث إبراهيم بن يزيد النخعي عن
الأسود.
***
98- باب: المرأة تُستحاض ومن قال: تدع الصلاة في
عدة الأيام التي كانت تحيض
أي: هذا باب في بيان حكم المرأة التي تستحاض، من الاستحاضة
وهي جريان الدم في غير أوانه.
فوله: " ومن قال: تدع الصلاة " أي: تتركها.
259- ص- ثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن نافع، عن سليمان
ابن يسار، عن أم سلمة زوج النبي- عليه السلام- أن امرأة كانت تُهرَاق
الدمَ (1) على عهدِ رسول الله- عليه السلام-، فاستفتَت لها أمُّ سَلمةَ رسولَ اللهِ
فقال: " لِتَنظُر عِدَّةَ اللياَلِي والأيام التي كانت تَحِيضُهُنَ من الشهرِ قَبلَ أن
__________
(1) في سنن أبي داود: " الدماء "، وسيذكر المصنف أنه رواية.(2/40)
يُصيبَها الذي أصَابَهَا، فلتترُكِ الصلاةَ قدرَ ذلك من الشهر، فإذا خَلَّفت
ذلكَ فلتغتسِل ثم لِتَستثفِر بثوب، ثم لِتُصَلِّي (1) " (2) .
ش- قوله: " تهراق " كَذا جاء على ما لم يسم فاعله، و " الدم "
منصوب، وفي رواية: " الدماء " أي: تهراق هي الدم، وانتصاب
" الدم " على التمييز وإن كان معرفة، وله نظائر، أو يكون اجري مجرى
نفست المرأة غلاماً، ونتج الفرس مُهراً، ويجوز/رفع الدم على تقدير:
تهراق دماؤها، ويكون الألف واللام بدلاً من الإضافة كقوله تعالى: (أو
يَعفَوَ الَذي بيَده عُقدَةُ النكَاح) (3) أي: عقدة نكاحه أو نكاحها،
و" الهاء " فَيه زَائدة:، وأصله تراق، من الإراقة.
قوله: " على عهد رسول الله " أي: في زمانه وأيامه.
قوله: " لتنظر عدة الليالي والأيام " أي: لتحسب عدد الليالي والأيام
التي كانت تحيض فيها " قبل أن يصيبها الذي أصابها "، وهو الاستحاضة
فلتترك الصلاة قدر ذلك، أي: قدر ما كانت تراه قبل ذلك، مثلاً إن
كانت عادتها من كل شهر عشرة أيام إما من أولها وإما من أوسطها وإما
من آخرها، تترك الصلاة عشرة أيام من هذا الشهر نظير ذلك، " فإذا
خلَّفت ذلك " بتشديد اللام، أي: تركت قدر الليالي والأيام التي كانت
تحيض فيهن فلتغتسل؛ لأن قدر ذلك من أيام حيضها فيما مضى، هو
حيضها أيضاً في هذا الوقت، فإذا خرج هذا خرجت هي من الحيض
ودخلت في حكم الاستحاضة. والاستحاضة لا تمنع الصلاة ولا الصوم
ولا الوطء، ونحو ذلك، ولكنها تغتسل ثم تصلي.
ثم اعلم أنه لا يحب على المستحاضة الغسل لشيء من الصلوات، ولا
__________
(1) في سنن أبي داود: " لتصل فيه ".
(2) النسائي: كتاب الطهارة، باب: ذكر الاغتسال من الحيض (1/119) ،
وكتاب الحيض (1/182) ، ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في
المستحاضة التي قد عدت أيام إقرائها قبل أن يستمر بها الدم (623) .
(3) سورة البقرة: (237) .(2/41)
في وقت من الأوقات إلا مرة واحدة في وقت انقطاع حيضها، وبهذا قال
جمهور العلماء من السلف والخلف، وهو مروى عن عليّ، وابن مسعود،
وابن عباس، وعائشة، وهو قول عروة بن الزبير، وأبي سلمة بن
عبد الرحمن، ومالك، وأبي حنيفة، وأحمد. وروي عن ابن عمر،
وابن الزبير، وعطاء بن أبي رباح أنهم قالوا: يحب عليها أن تغتسل لكل
صلاة، ورُوي هذا أيضاً عن عثمان، وابن عباس، ورُوي عن عائشة:
أنها تغتسل كل يوم غسلاً واحداً، وعن ابن المسيب والحسن قالا: تغتسل
من صلاة الظهر إلى صلاة الظهر دائماً. ودليل الجمهور: أن الأصل عدم
الوجوب، فلا يجب إلا ما ورد الشرع بإيجابه، ولم يصح عن النبي
- عليه السلام- أنه أمرها بالغسل إلا مرة واحدة عند انقطاع حيضها، وهو
قوله- عليه السلام-: " إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت
فاغتسلي " (1) ، وليس في هذا ما يقتضي تكرار (2) الغسل. وأما
الأحاديث التي وردت هاهنا وفي " سنن البيهقي " أيضاً وغيرهما، أن
النبي- عليه السلام- أمرها بالغسل، فليس فيها شيء ثابت، قد بينوا
ضعفها.
فوله: " ثم لتستثفر " أي: لتشد فرجها بخرقة عريضة، توثق طرفها
في حقب تشده على وسطها بعد أن تحتشي كرسفاً فيمتنع بذلك الدم،
ويحتمل أن يكون ذلك مأخوذاً من ثفر الدابة الذي يجعل تحت ذنبها،
ويقال معناه: فلتستعمل طيباً يُزيل به هذا الشيء عنها، لأن الاستثفار مثل
الاستذفار تقلب الثاء ذالاً، ويسمى الثوب طيباً؛ لأنه يقوم مقام الطيب
في إزالة الرائحة.
فإن قيل: من أين كانت تحفظ هذه المرأة عدد أيامها التي كانت تحيضها
أيام الصحة؟ قلت: لو لم تكن تحفظ ذلك لم يكن لقوله- عليه
السلام-: " لتنظر عدد (3) الأيام والليالي التي كانت تحيضهن من الشهر
__________
(1) يأتي بعد سبعة أحاديث.
(3) كذا، ولفظ الحديث: " عدة ".
(2) غير واضحة في الأصل.(2/42)
قبل أن يصيبها الذي أصابها " معنى، إذ لا يحوز أن يردها إلى رأيها
ونظرها في أمر هي غير عارفة بكنهه.
فإن قيل: فمن لم تحفظ عدد أيامها؟ قلت: هذه مسألة مشهورة في
الفروع، وهي أنه تحسب في كل شهر عشرة أيام حيضها، ويكون الباقي
استحاضة، وقد عرفت حكم الاستحاضة أنها لا تمنع الصلاة، والصوم،
والطواف، والقربان، ونحو ذلك، إلا أنها تتوضأ لوقت كل صلاة عندنا
وعند الشافعي لكل صلاة، وهو خلاف مشهور.
260- ص- حدَثنا قتيبة بن سعيد ويزيد بن خالد بن عبد الله بن موهب
قالا: ثنا الليث عن نافع، عن سليمان بن يسار، عن رجل أخبره عن أمِ سلمةَ
أن امرَأةً كانت تُهرَاقُ الدَّمَ، فذكر معناه قال: فإذَا خَلَّفَت ذلك، وحضَرَت
الصلاةُ، فلتغتسل. وساق معناه (1) .
ش- في إسناد هذه الرواية رجل مجهول. وأخرجه النسائي، وابن
ماجه.
261- ص- حدَّثنا يعقوب بن إبراهيم قال: نا ابن مهدي قال: نا صخر
ابن جويرية، عن نافع بإسناد الليث بمعناه قال: " فلتترُك الصلاةَ قَدرَ ذلك،
ثم إذا حَضَرَتِ الصلاةُ فلتغتسل، ولتَستَثفِر (2) بثوبٍ وتُصًلِّي " (3) .
ش- يعقوب بن إبراهيم الدورقي، وابن مهدي هو عبد الرحمن بن
مهدي العنبري البصري.
وصخر بن جويرية البصري، أبو نافع التميمي، مولاهم. سمع:
أبا رجاء العطاردي، ونافعاً مولى ابن عمر، وعبد الرحمن بن القاسم،
وغيرهم. روى عنه: أيوب السختياني، وابن المبارك، وابن مهدي،
__________
(1) انظر الحديث السابق.
(2) في سنن أبا داود: " ولتستذفر بثوب ثم تصلي ".
(3) انظر الحديث السابق.(2/43)
وغيرهم. وقال أحمد بن حنبل: شيخ ثقة. روى له: البخاري،
ومسلم، وأبو داود، والترمذي (1) .
262- ص- حدثنا موسى بن إسماعيل قال: أنا وهيب، قال: نا أيوب،
عن سليمان بن يسار، عن أم سلمةَ بهذه القصة، قال فيه: " ولتدع (2) فيه
الصلاةَ، وتَغتسِل فيما سوى ذلك، وتَستَثفِر (3) بثوبِ وتُصَلِّي " (4) .
ش- وهيب بن خالد البصري، وأيوب السختياني.
قوله: " وتغتسل فيما سوى ذلك " معناه: إذا استوفت عدد تلك الأيام
اغتسلت مرة واحدة، وصار حكمها حكم الطواهر كما ذكرناه.
ص- قال أبو داود: سَمَى المرأةَ التي كانت استُحيضَت حمادُ بنُ زيدِ،
عن أيوبَ في هذا الحديث قال: " فاطمة بنت أبي حبيشَ ".
ش- حماد بن زيد فاعل لقوله: " سمى ". وأيوب السختياني،
/وفاطمة بنت أبي حُبيش، واسم أبي حبيش: قيس بن المطلب بن أسد بن
عبد العزى بن قصي القرشية الأسدية. روت عن النبي- عليه السلام-
حديث الاستحاضة، روى عنها عروة بن الزبير 0 روى لها: أبو داود،
والنسائي (5) .
263- ص- حدَّثنا قتيبة بن سعيد قال: نا الليث، عن يزيد بن
أبي حبيب، عن جعفر، عن عراك، عن عروةَ، عن عائشةَ أنها قالت: إن
أمَ حبيبةَ سألت رسولَ اللهِ- عليه السلام- عن الدَّم، فقالت عائشةُ: رأيت (9)
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (13/2854) .
(2) في سنن أبي داود: " وتدع ". (3) في سنن أبي داود: " وتستذفر ".
(4) انظر الحديث السابق.
(5) انظر ترجمتها في: الاستيعاب بهامش الإصابة (4/383) ، وأسد الغابة
(7/218) ، والإصابة (4/381) .
(6) في سنن أبي داود: " فرأيت ".(2/44)
مركَنَها مَلآنَ دَماً، فقال لها رسولُ الله: امكُثي قَدرَ ما كانت تَحبسُك
حَيضَتُكِ، ثم اغتسِلي " (1) .ً
ش- يزيد بن أي حبيب، واسم أبي حبيب: سويد المصري أبو رجاء.
سمع: عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي، وأبا الطفيل، وراشد بن
جندل، وعراك بن مالك، وغيرهم. روى عنه: سليمان التيمي،
والليث بن سعد، ويحيى بن أيوب، وجماعة آخرون. قال ابن سعد:
هو مولى لبني عامر بن لؤي من قريش، وكان ثقة، كثير الحديث، مات
سنة ثمان وعشرين ومائة. روى له الجماعة (2) .
وجعفر بن ربيعة بن شرحبيل بن حسنة المصري أبو شرحبيل، رأى
عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي. وسمع: عراكا ويعقوب بن
عبد الله بن الأشج، وغيرهم. روى عنه: الليث بن سعد، ويزيد بن
أبي حبيب، ويحيى بن أيوب، وغيرهم. مات سنة ست وثلاثين ومائة.
روى له الجماعة (3) .
وعراك بن مالك الغفاري المدني. سمع: عبد الله بن عمر، وأبا هريرة،
ونوفل بن معاوية، وعائشة، وزينب بنت أبي سلمة، وعروة بن الزبير،
وغيرهم. روى عنه: سليمان بن يسار، وجعفر بن ربيعة، وابنه خثيم
ابن عراك، وغيرهم. توفي بالمدينة في خلافة يزيد بن عبد الملك. روى
له الجماعة (4) .
قوله: " إن أم حبيبة " هي بنت جحش، كانت تحت عبد الرحمن بن
عوف، وكذا صرح مسلم في روايته. وقال ابن عبد البر: بنات جحش
ثلاث: زينب وأم حبيبة وحمنة زوج طلحة بن عبيد الله، كن يستحضن
__________
(1) مسلم: كتاب الحيض، باب: المستحاضة وغسلها وصلاتها (65/334) ،
النسائي: كتاب الطهارة، باب: ذكر الاغتسال من الحيض (1/119) ،
وكتاب الغسل، باب: المرأة يكون لها أيام معلومة تحيضها كل شهر (1/182) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (32/6975) .
(3) المصدر السابق (5/939) . (4) المصدر السابق (19/3893) .(2/45)
كلهن. وقيل: إنه لم يستحض منهن إلا أم حبيبة. وقال الدارقطني:
قال إبراهيم الحربي: الصحيح أنها أم حبيب بلا هاء، واسمها: حبيبة.
وقال ابن الأثير: يقال لها أم حبيبة، وقيل: أم حبيب، والأول أكثر.
قوله: " رأيت مِركنها " بكسر الميم وفتح الكاف، وهو الإجانة التي
تُغسل فيها الثياب.
قوله: " ملآن " وروى " مَلأَى " أيضاً، وكلاهما صحيح، فالأول على
لفظ المركن، وهو مذكر، والثاني على معناه وهو الإجانة، والمعنى:
أنها كانت تغتسل في المركن، فتجلس فيه، وتصب عليها الماء، فيختلط
الماء المتساقط عنها بالدم، فيحمر الماء، ثم إنها لا بد كانت تنظف بعد
ذلك عن تلك الغُسالة.
قوله: " امكثي قدرَ مأ كانت تحبسك حيضتك ثم اغتسلي " فيه دليل على
وجوب الغسل على المستحاضة إذا انقضى زمن الحيض، وإن كان الدم
جارفاً، وهذا مجمع عليه وقد بيناه فوق.
ص- قال أبو داود: رواه قتيبة بين أضعاف حديث جعفر بن ربيعة في
آخرها. ورواه عليّ بن عياش، ويونس بن محمد، عن الليث فقالا: جعفر
ابن ربيعة.
ش- أي: روى قتيبة بن سعيد هذا الحديث بين أثناء حديث جعفر بن
ربيعة المذكور. ورواه علي بن عياش- بالياء آخر الحروف، والشن
المعجمة- الألهاني البصري 0
ويونس بن محمد بن مسلم المؤدب أبو محمد البغدادي. سمع: عبيد الله
ابن عمر، والليث بن سعد، وصالح بن رومان، وغيرهم 0 روى عنه:
أحمد بن حنبل، وعليّ بن المديني، وأبو بكر بن أبي شيبة، وغيرهم.
وقال يعقوب بن شيبة: ثقة ثقة. روى له مسلم، وأبو داود،
والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (1) .
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (32/7184) .(2/46)
264- ص- حدثنا عيسى بن حماد قال: نا الليث، عن يزيد بن
أبي حبيب، عن بكير بن عبد الله، عن المنذر بن المغيرة، عن عروة بن الزبير،
أن فاطمةَ بنت أبي حُبيش حدثته، أنها سألت رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَا فَشَكت إليه
الدَّمَ، فقال لها رسولُ الله: " إنما ذلك عِرقٌ فانظُرِي إذا أتَاك (1) قُرؤُكِ فلا
تُصلي، فإذا مَرَّ قُرؤُكِ فتَطًفَرِي ثم صَلَي ما بين القُرء إلى القُرءِ " (2) .
ش- عيسى بن حماد بن مسلم بن عبد الله (3) أبو مُوسى التجيبي
مولاهم، مولى بني سعد، من تُجِيب المصري، يلقب زُغبة وهو أخو
أحمد بن حماد 0 سمع: الليث بن سعد، وهو آخر من حدث عنه من
الثقات، وعبد الله بن وهب، وعبد الرحمن بن القاسم، وغيرهم.
روى عنه: أبو زرعة، وأبو حاتم، وقال: ثقة رضي، ومسلم،
وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، وغيرهم. مات سنة ثمان وأربعين
ومائتين (4) .
وبكير بن عبد الله بن الأشج أبو عبد الله المخزومي مولاهم. روى عن:
السائب بن يزيد، وربيعة بن عباد، وكُريب، وغيرهم. روى عنه:
يزيد بن أبي حبيب، وعمرو بن الحارث، والليث بن سعد، وغيرهم.
قال أحمد بن حنبل: ثقة صالح. وقال ابن معين وأبو حاتم: ثقة.
روى له الجماعة (5) .
والمنذر بن المغيرة. روى عن عروة بن الزبير/، روى عنه بكير بن
__________
(1) في سنن أبي داود: " أتى ".
(2) النسائي: كتاب الطهارة، باب: ذكر الاغتسال من الحيض (1/116) ،
وباب: ذكر الأقراء (1/121) ، وباب: الفرق بين دم الحيض ودم الاستحاضة
(1/123) ، وكتاب الحيض (1/183، 185) ، وكتاب الطلاق (6/211) .
(3) في الأصل: " عبيد الله " خطأ.
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (22/4622) .
(5) المصدر السابق (4/765) .(2/47)
عبد الله الأشج. قال أبو حاتم: مجهول ليس بمشهور. روى له:
أبو داود، والنسائي، وابن ماجه (1) .
قوله: " فشكت إليه الدم " أي: سيلان الدم الخارج عن العادة.
فوله: " إنما ذلك عرق " أي: دم عرق؛ لأن الدم ليس بعرق، وإنما
حذف المضاف توسعاً يريد أن ذلك علة حدثت بها من تصدع العرق
فاتصل الدم، وليس بدم الحيض الذي يدفعه الرحم لميقات معلوم. وقد
قلنا: إن الاستحاضة: جريان الدم من فرج المرأة في غير أوانه، ولكنه
يخرج من عرق يقال له: العَاذِل- بالعين المهملة، وكسر الذال المعجمة-
بخلاف دم الحيض، فإنه يخرج من قعر الرحم.
فوله: " فانظري إذا أتاك قرؤك " أي: حيضك الذي هو أيام معدودة فلا
تصلي فيها.
قوله: " فإذا مرّ قرؤك " أي: حيضك المعروف فتطهري، أي:
فاغتسلي، ثم صلي ما بين القرء إلى القرء، أي: ما بين الحيض الماضي
إلى الحيض الآتي؛ لأن ما بينهما استحاضة، فلا تمنع الصلاة والصوم
ونحوهما. وفيه حجة لأبي حنيفة على الشافعي، حيث حمل القرء على
الحيض في باب العدة، والشافعي على الطهر، وهو من الأضداد،
يُحمل على الحيض والطهر كالجون يحمل على الأسود والأبيض، وفيه
لغتان: ضم القاف وفتحها، ويجمع على أقراء وقروء. والأصل في
القرء: الوقت المعلوم، فلذلك وقع على الضدين؛ لأن لكل منهما وقتاَ،
وأقرأتِ المرأةُ إذا طهرت وإذا حاضت. والحديث أخرجه النسائي أيضاً.
265- ص- حدَثنا يوسف بن موسى قال: نا جرير، عن سُهيل- يعني:
ابن أبي صالح- عن الزهري، عن عروةَ بن الزبير قال: حدثتني فاطمة بنت
أبي حبيشٍ أنها أمرت أسماءَ، أو أسماءُ حدثتني أنها أمرتهَا فاطمةُ بنتُ
__________
(1) المصدر السابق (28 /6184) .(2/48)
أبي حُبيش أن تَسألَ لها رسولَ الله، فَا " مرَهَا أن تَقعُدَ الأيامَ التي كانت تَقعُدُ،
ثم تَغتسِلُ (1) .
ش- يوسف بن موسى بن راشد: أبو يعقوب القطان الكوفي، نزل
الريَّ ثم انتقل إلى بغداد، ومات بها سنة خمس ومائتين. سمع: جريراً،
وابن عيينة، ووكيعاً، وغيم هم. روى عنه: البخاري، وأبو داود،
والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وغيرهم. وكتب عنه ابن معين
وقال: صدوق (2) .
وجرير بن عبد الحميد، وسهيل بن أبي صالح: ذكوان السمان.
وأسماء بنت أبي بكر الصَدَيق زوجة الزبير بن العوام، هاجرت إلى
المدينة وهي حامل بعبد الله بن الزبير. رُوي لها عن رسول الله ستة
وخمسون حديثاً، اتفقا على أربعة عشر حديثاً، وانفرد البخاري بأربعة
ومسلم بمثلها. روى عنها: عبد الله بن عباس، وابناها: عبد الله
وعروة، وأبو واقد الليثي، وجماعة آخرون. توفيت بمكة في جمادى
الأولى سنة ثلاث وسبعين بعد قتل ابنها عبد الله بيسير، وكانت قد بلغت
مائة سنة لم يسقط لها سنن، ولم يُنكر من عقلها شيء. روى لها
الجماعة (3) .
قوله: " فأمرها أن تقعد الأيام التي كانت تقعد " يعني: قبل ذلك، فلا
تصلي فيها ولا تصوم، ثم إذا خرجت تلك الأيام تغتسل ويكون حكمها
بعد ذلك حكم الطاهرات.
ص- قال أبو داود: روى (4) قتادة عن عروة بن الزبير، عن زينب، أن
__________
(1) انظر الحديث السابق.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (32/7159) .
(3) انظر ترجمتها في: الاستيعاب بهامش الإصابة (4/232) ، وأسد الغابة
(7/9) ، والإصابة (4/229) .
(4) في سنن أبي داود: " ورواه ".
4. شرح سنن أبي داوود 2(2/49)
أم حبيبة بنت جحش استحيضت فأمَرَها النبيُ- عليه السلام- أن تَدع
أقرَاءَهَا (1) ، ثم تَغتسِلَ وتُصلِّيَ.
ش- زينب هي أم المؤمنين بنت جحش، وقد ذكرناها.
قوله: " أن تدع أقراءها " أي: حِيضها التي كانت لها عادة، فإذا
انقطعت تغتسل وتصلي.
ص- وزاد (2) ابن عيينة في حديث الزهري، عن عمرةَ، عن عائشة أن
أم حبيبةَ كانت تُستَحاضُ، فساً لت النبيَّ- عليه السلام- فأمَرَهَا أن تَدع
الصلاةَ أيامَ أقرائها.
وهذا وهم من ابنِ عيينة، ليس هذا في حديث الحفاظ عن الزهري، إلا ما
ذكر سُهيل بن أبي صالح.
ش- زاد سفيان بن عيينة في حديث محمد بن مسلم الزهري، عن
عمرة، عن عائشة، والذي زاده ابن عيينة هو قوله: " عن عمرة ".
وقال أبو داود: وهذا وهم من ابن عيينة ليس هذا: يعني: ذكر عمرة-
في حديث الحفاظ، عن الزهري، وليس فيه إلا ما ذكره سهيل بن
أبي صالح، عن الزهري، عن عروة بن الزبير.
قلت: قد وقع/في رواية مسلم كلاهما- أعني عروة وعمرة- حيث
قال: ونا محمد بن سلمة المرادي قال: نا عبد الله بن وهب، عن عمرو
ابن الحارث، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، وعمرة بنت
عبد الرحمن، عن عائشة زوج النبي- عليه السلام- الحديث. وفي
رواية عن ابن شهاب، عن عمرة بنت عبد الرحمن، عن عائشة. وقال
الشيخ محيي الدين (3) : " وقع في هذه الرواية- أي الرواية الأولى-
__________
(1) في سنن أبي داود: " أن تدع الصلاة أيام أقرائها ".
(2) في سنن أبي داود: " قال أبو داود: لم يسمع قتادة من عروة شيئاً،
وزاد.. " 0
(3) شرح مسلم (4/24) .(2/50)
عن عروة وعمرة وهو الصواب، وكذلك رواه ابن أبي ذئب، عن
الزهري، عن عروة وعمرة، وكذلك رواه يحيى بن سعيد الأنصاري عن
عروة وعمرة، كما رواه الزهري وخالفهما الأوزاعي، فرواه عن الزهري،
عن عروة، عن عمرة- يعني: جعل عروة راوياً عن عمرة ".
وعمرة بنت عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة الأنصارية المدنية. سمعت:
عائشة، وأم هاشم بنت حارثة بن النعمان. روى عنها: عروة بن
الزبير، وأخوها محمد بن عبد الرحمن، وابنها أبو الرجال محمد بن
عبد الرحمن، ويحيى، وعبد ربه، وغيرهم. قال ابن معين: ثقة
حجة. توفيت سنة ثمان وتسعين. روى لها الجماعة (1) .
ص- وروت قَمير، عن عائشة: " المُستَحَاضَةُ تَتركُ الصلاةَ أيامَ أقرَائِهَا،
ثم تَغتسلُ.
ش- قمير- بفتح القاف، وكسر الميم- امرأة مسروق بن الأجدع.
روت عن عائشة - رضي الله عنها-، روى عنها عامر الشعبي. قال
أحمد بن عبد الله: تابعية ثقة. روى لها أبو داود (2) .
ص- قال عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه: إن النبي- عليه السلام-
أمَرَهَا أن تَترُكَ الصلاةَ قَدرَ أقرائِهَا.
ش- أي: أمر المستحاضة أن تترك الصلاة قدر حيضها التي كانت عادة
لها (3) قبل ذلك، ثم تغتسل وتصلي.
ص- وروى أبو بشر جعفر بن أبي وحشية، عن عكرمة، عن النبيِّ- عليه
السلام-، أن أم حبيبة بنت جحش استُحِيضَت فذكر مثله.
ش- جعفر هذا هو ابن إياس، وهو ابن أبي وحشية الواسطي،
__________
(1) انظر ترجمتها في: تهذيب الكمال (35/7895) .
(2) المصدر السابق (35/7912) . (3) في الأصل: " له ".(2/51)
وقيل: البصري أبو بشر اليشكري. سمع: طاوساً، وعكرمة مولى ابن
عباس، وعطاء بن أبي رباح، وغيرهم 0 روى عنه: أيوب السختياني،
والأعمش، وداود بن أبي هند، وغيرهم. قال أحمد بن حنبل
وابن معين وأبو حاتم: ثقة. وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به.
توفي سنة أربع وعشرين ومائة. روى له الجماعة (1) .
قوله: " فذكر مثله " أي: مثل ما مضى من الرواية، وهي أن تترك
الصلاة قدر أقرائها.
ص- وروى شريك عن أبي اليقظان، عن عدي بن ثابت، عن أبيه، عن
جده، عن النبيِّ- عليه السلام-: " المُستَحَاضَةُ تَدعُ الصلاةَ أيامَ أقرائهَا، ثم
تَغتسلُ وتُصَلِّي ".
ش- شريك بن عبد الله النخعي.
وأبو اليقظان عثمان بن عمير الكوفي. روى عن: أنس بن مالك،
وزيد بن وهب، وأبي وائل، وزاذان الكندي، وعدي بن ثابت،
وغيرهم. روى عنه: الأعمش، وشريك، والثوري، وغيرهم. قال
ابن معين: ليس حديثه بشيء. وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث، منكر
الحديث. كان شعبة لا يرضاه. روى له: أبو داود، والترمذي،
وابن ماجه (2) .
وعدي بن ثابت الأنصاري الكوفي، وجده لأمه عبد الله بن يزيد
الأنصاري الخطمي. سمع: جده، والبراء بن عازب، وعبد الله بن
أبي أوفى، وسعيد بن جبير، وغيرهم. روى عنه: الأعمش، ومسعر،
وشعبة، وغيرهم. قال أحمد بن حنبل: هو ثقة. وقال أبو حاتم:
صدوق، وكان إمام مسجد الشيعة وقاضيهم. روى له الجماعة (3) .
__________
(1) المصدر السابق (5/932)
(3) المصدر السابق (19 / 3883) .
(2) المصدر السابق (19/3851) .(2/52)
وثابت هو: ابن عُبيد بن عازب، ابن أخي البراء بن عازب، يروي
عن أبيه، عن النبي- عليه السلام- في المستحاضة. ولأبيه صحبة.
روى عنه ابنه عدي بن ثابت، ذكره ابن حبان في " الثقات " (1) .
ص- وروىٍ العلاء بن المسيب عن الحكم، عن أبي جعفر: أن سودةَ
استُحيضَت فا " مرهَا رسولُ الله- عليه السلام- إذَا مَضَت أيامُها اغتسَلَت
وصَفَت.
ش- العلاء بن المسيب بن رافع التغلبي الكوفي، ويقال: الكاهلي.
روى عن: أبيه، وخيثمة بن عبد الرحمن، وعطاء بن أبي رباح،
وإبراهيم النخعي، وغيرهم. روى عنه: الثوري، وأبو عوانة، وعطاء
ابن مسلم. قال ابن معين: هو ثقة مأمون. روى له: البخاري،
ومسلم، والترمذي (2) .
والحكم: هو ابن عتيبة، وقد ذُكر.
/وأبو جعفر محمد بن عليّ بن حسين بن علي بن أبي طالب المعروف
بالباقر، وقد ذكرناه.
وسودة بنت زمعة بن أبي قيس بن عبد شمس القرشية العامرية
أم المؤمنين، يقال: كنيتها: أم الأسود، زوج رسول الله- عليه السلام-.
روى عنها عبد الله بن عباس. توفيت في آخر خلافة عمر- رضي الله
عنه- روى لها البخاري حديثين، وروى لها أبو داود، والنسائي (3) .
قوله: " إذا مضت أيامها " أي: أيامها التي كانت لها عادة.
ص- وروى سعيدُ بنُ جُبيرٍ، عن عَليّ وابنِ عباس- رضي الله عنهم-:
المُستحاضةُ تَجلِسُ أيامَ قُرئِهَا.
ش- أي: أيام حيضها، فإذا انقطعت تغتسل وتصلي.
__________
(1) المصدر السابق (4/822) .
(2) المصدر السابق (22/4588) .
(3) انظر ترجمتها في: الاستيعاب بهامش الإصابة (4/323) ، وأسد الغابة
(7/159) ، والإصابة (4/338) .(2/53)
ص- وكذلك رواه عَمار مولى بني هاشمٍ، وطلقُ بنُ حَبيبٍ، عن ابن
عباسٍ، وكذلك رواه مَعقِل الخثعميُ، عن علي- رضي الله عنه-، وكذلك
رَوَى الشعبيُ عن قَميرٍ امرأةِ مَسروقٍ، عن عائشةَ- رضي الله عنها-.
ش- عمار بن أبي عمار الهاشمي مولاهم أبو عمرو، ويقال: أبو عمر،
ويقال: أبو عبد الله. سمع: أبا قتادة الأنصاري، وأبا هريرة،
وأبا حبة البدري، وعبد الله بن عباس، وغيرهم.روى عنه: عطاء بن
أبي رباح، ويونس بن عبيد، وخالد الحذاء، وغيرهم. قال ابن حنبل،
وأبو زرعة، وأبو حاتم: ثقة. روى له الجماعة إلا أبا داود (1) .
ومعقل الخثعمي، وقال ابن أبي حاتم: زهير بن معقل. والأول
أصح. روى عن: علي بن أبي طالب. روى عنه: محمد بن أبي إسماعيل
الكوفي. روى لهَ أبو داود (2) .
ص- قال أبو داود: وهو قولُ الحسنِ، وسعيد بن المسيب، وعطاء،
ومكحولٍ، وإبراهيمَ، وسالمٍ، والقاسم: إن المُستحَاضًةَ تَدع الصلاة (3) .
ش- أي: في أيام عادتها وفي غيرها كالطاهرات، وكل هذا ذكره
أبو داود تأكيداً على أن هذا الحكم إجماع وليس فيه خلاف بين السلف
والخلف، ولم يخالف فيه إلا الخوارج، نعم استحب فيه بعض السلف إذا
دخل وقت الصلاة أن تتوضأ، وتستقبل القِبلة، وتذكر الله تعالى،
وأنكره بعضهم.
الحسن البصري، وعطاء بن أبي رباح.
ومكحول بن زبر، ويقال: ابن أبي مسلم بن شاذك بن سند بن شروان
ابن بردك بن بعوث بن كسرى الكابلي، من سَبي كابل. وقال ابن ماكولا:
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (21/4167) .
(2) المصدر السابق (28/6096)
(3) في سنن أبي داود: " تدع الصلاة أيام أقرائها. قال أبو داود: لم يسمع قتادة
من عروة شيناً ".(2/54)
اسم أبي مسلم: شهراب أبو عبد الله الدمشقي الهذلي مولى امرأة من
هذيل. سمع: أنس بن مالك، وأبا هند الداري، وواثلة بن الأسقع،
وأبا أمامة، وغيرهم. روى عنه: الزهري، والأوزاعي، ومحمد بن
إسحاق بن يسار، ومحمد بن عجلان، وجماعة آخرون. روى له:
مسلم، وابن ماجه. واستشهد به البخاري. وتوفي سنة ثمان عشرة
ومائة بدمشق (1) .
وإبراهيم النخعي.
وسالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، أبو عمر القرشي العدوي
المدني. سمع: أباه، وأبا هريرة، وأبا أيوب الأنصاري، ورافع بن
خديج، وعائشة أم المؤمنين. ومن التابعين: القاسم بن محمد،
وعبد الله بن محمد بن عتيق. روى عنه: عمرو بن دينار، والزهري،
ونافع مولى أبيه، وجماعة آخرون كثيرة. وقال أحمد بن عبد الله، وابن
سعد: ثقة كثير الحديث، ورع. توفي سنة ست ومائة (2) .
والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصِّديق- رضي الله عنه-.
***
99- باب: إذا أقبلت الحيضة تدع الصلاة (3)
أي: هذا باب في بيان أن حيضة المستحاضة إذا أقبلت تترك الصلاة
ونحوها، وليس في بعض النسخ " باب ".
266- ص- حدَّثنا أحمد بن يونس، وعبد الله بن محمد النفيلي، قالا:
ثنا زهير قال: نا هشام بن عروة، عن عروةَ، عن عائشةَ: أن فاطمةَ بنتَ
أبي حُبيشِ جَاءَت رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت: إِنِّي امرأةٌ أستَحَاضُ فَلا أطهُرُ،
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (28 / 6168) .
(2) المصدر السابق (10/2149) .
(3) في سنن أبي داود: " باب من روى أن الحيضة إذا أدبرت لا تدع الصلاة ".(2/55)
أفَأدعُ الصلاة؟ قال: " إنما ذلك عرقٌ ولَيست بالحيضة، فإذا أقبَلَت الحَيضَةُ
فَدَعِي الصلاةَ، وإذا أدبرت فَاغسِلِيَ عَنكِ الدَمَ، ثم صلى " (1) .
ش- زهير بن معاوية بن حديج
قوله: " أستحاض " على بناء المفعول، كما يقال: استُحِيضت، ولم
يين هذا الفعل للفاعل كما في قولهم: نفست المرأة، ونتجت الناقة.
وأصل الكلمة من الحيض، والزوائد للمبالغة، كما يقال: قرَّ في المكان،
ثم يراد للمبالغة فيه فيقال: استقر.
قوله: " أفأدع " سؤال عن استمرار حكم الحائض في حالة دوام الدم
وإزالته، وهو كلام من تقرر عنده أن الحائض ممنوعة من الصلاة.
قوله: " إنما ذلك عرق " أي: دم عرق، وقد مر الكلام فيه.
قوله: " وليست بالحيضة " يجوز فيه فتح الحاء بمعنى الحيض، ويجوز
كسرها بمعنى الحالة، والأول أظهر، وأما في قوله: " فإذا أقبلت الحيضة "
يحوز الوجهان جوازاَ حسناً.
قوله: " وإذا أدبرت " /المراد بالإدبار: انقطاع الحيض.
قوله: " فاغسلي عنك الدم ثم صلي " مشكل في ظاهره؛ لأنه لم يذكر
الغسل، ولا بد بعد انقضاء الحيض من الغسل. والجواب عنه: أنه وإن
لم يذكر في هذه الرواية، فقد ذكر في رواية أخرى صحيحة قال فيها:
" فاغتسلي ". وحمل بعضهم هذا الإشكال على أن جعل الإدبار انقضاء أيام
الحيض والاغتسال، وجعل قوله: " واغسلي عنك الدم " محمولاً على
دم يأتي بعد الغسل. والجواب الأول أصح.
فإن قيل: ما علامة إدبار الحيض وانقطاعه، والحصول في الطهر؟
__________
(1) البخاري: كتاب الحيض، باب: الاستحاضة (306) ، مسلم: كتاب
الحيض، باب: المستحاضة وغسلها وصلاتها (62/333) ، الترمذي: كتاب
الطهارة، باب: ما جاء في المستحاضة (125) ، النسائي: كناب الطهارة،
باب: ذكر الاغتسال من الحيض (1/116) ، ابن ماجه: كتاب الطهارة،
باب: ما جاء في المستحاضة ... (620) .(2/56)
قلت: أما عند أبي حنيفة وأصحابه الزمان والعادة هو الفَيصل بينهما، فإذا
أضلت عادتها تحرت، وإن لم يكن لها ظن أخذت بالأقل، وأما عند
الشافعي وأصحابه اختلاف الألوان هو الفَيصل، فالأسود أقوى من
الأحمر، والأحمر أقوى من الأشقر، والأشقر أقوى من الأصفر،
والأصفر أقوى من الأكدر، إذا جعلناهما حيضاً، فتكون حائضاً في أيام
القوي، مستحاضة في أيام الضعيف، والتمييز عنده بثلاثة شروط:
أحدها: أن لا يزيد القوي على خمسة عشر يوماً. والثاني: أن لا ينقص
عن يوم وليلة ليمكن جعله حيضاً. والثالث: أن لا ينقص الضعيف عن
خمسة عشر يوماً ليمكن جعله طُهراً بين الحيضتين، وبه قال مالك،
وأحمد.
وقال الشيخ محيي الدين: علامة انقطاع الحيض والحصول في الطهر،
أن ينقطع خروج الدم والصفرة والكدرة، وسواء خرجت رطوبة بيضاء،
أم لم يخرج شيء أصلاَ 0
قال البيهقي وابن الصباغ: التَرِيّةُ رطوبة خفية، لا صفر فيها ولا كدرة،
تكون على القطنة أثر لا لون، وهذا يكون بعد انقطاع الحيض. والترية
بفتح التاء المثناة من فوق وكسر الراء وبعدها ياء آخر الحروف مشددة.
ثم اعلم: أنها إذا مضى زمن حيضها وجب عليها أن تغتسل في الحال
لأول صلاة تدركها، ولا يجوز لها بعد ذلك أن تترك صلاة أو صوماً،
ويكون حكمها حكم الطاهرات، ولا تستطهر بشيء أصلا، وبه قال
الشافعي، وعن مالك ثلاث روايات: الأولى: تستطهر ثلاثة أيام، وما
بعد ذلك استحاضة. والثانية: تترك الصلاة إلى انتهاء خمسة عشر يوماً،
وهي أكثر مدة الحيض عنده. والثالثة: كمذهبنا.
ويستفاد من هذا الحديث فوائد: الأولى: فيه جواز استفتاء المرأة بنفسها
ومشافهتها الرجال فيما يتعلق بالطهارة وأحداث النساء، وجواز استماع
صوتها عند الحاجة.(2/57)
الثانية: فيه نهي للمستحاضة عن الصلاة في زمن الحيض، وهو نهي
تحريم، ويقتضي فساد الصلاة هنا بإجماع المسلمين، ويستوي فيها الفرض
والنفل لظاهر الحديث، ويتبعها الطواف، وصلاة الجنازة، وسجدة
التلاوة، وسجدة الشكر.
الثالثة: فيه دليل على نجاسة الدم.
الرابعة: أن الصلاة تجب بمجرد انقطاع دم الحيض.
والحديث أخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي،
وابن ماجه.
267- ص- حدثَّنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن هشام بإسناد
زُهَير ومعناه قال: فَإذَا أقبلَت الحَيضَةُ فاتركي الصلاةَ، فَإذَا ذهب قَدرُهَا
فاغسِلِي عَنكِ الدَّمَ وصًلِّي (1)
ش- " قدرها " - بالدال المهملة الساكنة- أي: قدر وقتها، وصحف
بعض الطلبة هذه اللفظة فقال: إذا ذهب قذرها- بالذال المعجمة- وهذا
غلط، والصحيح: أن المراد منه قدر الأيام التي كانت تحيض فيها ردا إلى
أيام العادة، والحديث بلفظه يدل على أن هذه المرأة كانت مُعتادة كما جاء
في رواية أخرى: " ولكن دع (2) الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين
فيها، ثم اغتسلي وصلي ". واستدل به أبو حنيفة في أن الرد إلى أيام
العادة سواء كانت مميزة أو غير مميزة، وبه قال الشافعي في أحد قوليه،
وأما إذا لم يكن لها عادة تعتمد عليها تجعل لها من كل شهر عشرة أيام
حيضاً، والباقي استحاضة، كما عرف في الفروع.
268- ص- حدَّثنا (3) موسى بن إسماعيل قال: نا أبو عقيل، عن بهية
قالت: سمعتُ امرأة تسألُ عائشةَ عن امرأة فَسَدَ حَيضُهَا وأهرِيقَت دماً،
__________
(1) انظر الحديث السابق.
(2) كذا.
(3) جاء هذا الحديث في سنن أبي داود تحت " باب من قال: إذا أقبلت الحيضة تدع
الصلاة ".(2/58)
فَأمَرَني رسولُ الله أن آمُرَهَا فَلتنظُر قَدرَ مَا كَانَت تَحيضُ في كُلِّ شَهر
وَحَيضَهَا مُستقيمٌ،/فَلتَعتَدَّ بقَدر ذلك من الأيَّامِ، ثم لتًدعَ الصَلاةَ فيهنَّ أوَ
بِقَدرِهِنَّ، ثم لتغتَسِل، ثم لتَستثفِر بِثوبِ، ثم لِتُصلِّي (1) .
ش- أبو عقيل- بفتح العين- هو يحيى بن المتوكل الضرير- الحذاء
المدني مولى بُهية، قدم بغداد ومات بها سنة تسع وستين ومائة. روى عن:
مولاته، والقاسم بن عبيد الله بن [عبد الله بن] عمر بن الخطاب،
وعمر بن عبيد الله. روى عنه: ابن المبارك، وأبو نعيم، وأبو الوليد
الطيالسي، وغيرهم. قال ابن معين: ليس بشيء في رواية عباس، وفي
رواية عثمان ليس به بأس. وقال النسائي: ضعيف. روى له: مسلم،
وأبو داود (2) .
بُهيَةُ- بالباء الموحدة وتشديد الياء آخر الحروف- روت عن أبيها، عن
النبي- عليه السلام-.
قوله: " فسد حيضها " بمعنى: خرج عن العادة واستمرت عليه.
وقوله: " فلتنظر قدر ما كانت تحيض " يدل على أنها كانت معتادة.
قوله: " وحيضها مستقيم " جملة اسمية وقعت حالاً، عن الضمير
الذي في " تحيض ".
قوله: " بقدر ذلك " أي: بقدر ما كانت تحيض في كل شهر وحيضها
مستقيم، " ثم لتدع الصلاة " أي: لتتركها فيهن، أي: في الأيام التي
مثل قدر الأيام التي كانت تحيض فيها.
وقوله: " أو بقدرهن " شك من الراوي، والمعنى: ثم لتدع الصلاة
بقدرهن، أي: بقدر الأيام التي كانت تحيض فيها، التي هي كانت عادة
لها. ومعنى الاستثفار قد ذكرناه.
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (31/6908) .(2/59)
269- ص- حدثنا ابن أبي عقيل، ومحمد بن سلمة المصريان قالا: نا
ابن وهب، عن محمرو بن الحارث، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير
وعمرة، عن عائشة: أن أمَّ حَبيبةَ بنتَ جَحشِ خَتنَةَ رسولِ الله، وتحتَ
عبد الرحمنِ بنِ عَوف استُحيضَت سَبع سنين (1) ، فقال رسولُ اَلله: " إن
هذه لَيست بالحَيضَةِ، وً لكن هَذا عِرق فاغتسَلِي وصَلِّي " (2) .
ش- ابن أبي عقيل اسمه: عبد الغني بن أبي عقيل أبو جعفر المصري،
واسم أبي عقيل: رفاعة بن عبد الملك، رأى الليث بن سعد وحكى عنه،
وسمع: ابن عيينة، وبكر بن مُضر، والمفضل بن فضالة، وغيرهم.
روى عنه: أبو داود، والطحاوي 0 توفي في ربيع الأول في سنة خمس
وخمسين ومائتين (3) .
ومحمد بن سلمة بن عبد الله بن أبي فاطمة أبو الحارث المرادي الجملي
مولاهم. روى عن: عبد الله بن وهب، وعبد الله بن كليب، وحجاج
ابن سليمان، وغيرهم. روى عنه: أبو حاتم الرازي، وأبو داود،
وابنه عبد الله، والنسائي، وابن ماجه، وغيرهم. توفي سنة ثمان
وأربعين ومائتين (4) .
وعمرة بنت عبد الرحمن، وقد ذكرناها.
قوله: " خَتنة " بفتح الخاء والتاء المثناة من فوق، ومعناه: قريبة زوج
النبي- عليه السلام- قال أهل اللغة: الأختان جمع " ختن "، وهم
__________
(1) في سنن أبي داود بعد قوله: " سبع سنين ": " فاستفتت رسول الله ".
(2) البخاري: كتاب الحيض، باب: عرق الاستحاضة (327) ، مسلم: كتاب
الحيض، باب: المستحاضة غسلها وصلاتها (63/334) ، النسائي: كتاب
الطهارة، باب: ذكر الاغتسال من الحيض (1/116) ، ابن ماجه: كتاب
الطهارة، باب: ما جاء في المستحاضة إذا اختلط عليها الدم فلم تقف على أيام
حيضها (626) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (18/3488) .
(4) المصدر السابق (25/5254) .(2/60)
أقارب زوجة الرجل، والأحماء: أقارب زوج المرأة، والأصهار: يعم
الجميع.
قوله: " وتحت عبد الرحمن بن عوف " معناه: أنها زوجته فعرفها بشيئين:
أحدهما: كونها أخت أم المؤمنين زينب بنت جحش، زوج النبي- عليه
السلام-. والثاني: كونها زوجة عبد الرحمن.
قوله: " ليست بالحيضة " يحوز فيها كسر الحاء وفتحها كما ذكرناه مرة.
قوله: " ولكن هذا عرق " أي: دم عرق.
والحديث أخرجه البخاري، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه.
ص- قال أبو داود: زَادَ الأوزاعي في هذا الحديث: عن الزهري، عن
عروةَ، وعمرةَ: أن (1) عائشةَ قالت: استُحيضَت أم حَبيبةَ بنتُ جحش وهي
تحتَ عبد الرحمنِ بنِ عوف سَبع سنين، فأمًرَهَا النبيُّ- عليه السلام- قال:
" إذا أقبَلَت الحَيضَةُ فَدَعِي الصلاةَ، َ وَإِذَا أدبَرَت فَاغتَسِلِي وَصَلِّي " (2) .
ش- قال الخطابي (3) : هذا خلاف الأول، وهو حكم المرأة التي تميز
دمها، فتراه زماناً أسود ثخيناً فذلك إقبال حيضها، ثم تراه رقيقاً مشرقاً
فذلك حين إدبار الحيضة، ولا يقول لها رسول الله هذا القول إلا وهي
تعرف إقبالها وإدبارها بعلامة تفصل بها بين الأمرين.
قلت: ظاهر اللفظ لا يدل على هذا، وإنما هي تعرف إقبالها وإدبارها
بالزمان والعادة كما قررناه مرة.
ص- قال أبو داود: ولم يذكر هذا الكلامَ أحد من أصحاب الزهري غيرُ
الأوزاعي.
ش- المراد من " هذا الكلام " هي الزيادة التي زادها عبد الرحمن
__________
(1) في سنن أبي داود: " عن "
(3) معالم السنن (1/75) .
(2) انظر الحديث السابق.(2/61)
الأوزاعي في حديث الزهري عن عروة بن الزبير، وعمرة بنت
عبد الرحمن.
ص- ورواه عن الزهري عمرو بن الحارث، والليث،/ويونس، وابن
أبي ذئب، ومعمر، وإبراهيم بن سعد، وسليمان بن كثير، وابن إسحاق،
وابن عيينة، لم يذكروا هذا الكلام، وإنما هذا اللفظ حديث هشام بن عروة،
عن أبيه، عن عائشة، وزاد ابن عيينة فيه أيضاً: أمَرهَا أن تَدع الصلاةَ أيامَ
أقرَائِهَا.
ش- أي: روى هذا الحديث الذي تلا زيادة الأوزاعي عن الزهري:
عمرو بن الحارث المصري، والليث بن سعد، ويونس بن يزيد، ومحمد
ابن عبد الرحمن بن أبي ذئب، ومعمر بن راشد، وإبراهيم بن سعد
الزهري، وسليمان بن كثير أبو داود العبدي البصري أخو محمد، كان
أكبر من أخيه بخمسين سنة. سمع: الزهري، ويحيى الأنصاري، وداود
ابن أبي هند. روى عنه: عبد الرحمن بن مهدي، وعبد الصمد بن
عبد الوارث، وأبو الوليد، وغيرهم. قال ابن معين: ضعيف. وقال
أبو حاتم: يكتب حديثه. روى له الجماعة، وابنُ عيينةَ.
وابن إسحاق هو محمد بن إسحاق بن يسار، وسفيان بن عيينة.
قوله: " لم يذكروا هذا الكلام " أي: زيادة الأوزاعي.
قوله: " وزاد ابن عيينة فيه " أي: زاد سفيان بن عيينة في هذا الحديث
أيضاً: " أمرها أن تدع الصلاة أيام أقرائها " أي: أمرها رسول الله أن
تترك الصلاة أيام حيضها.
ص- قال أبو داود: وهو وهم من ابنِ عُيينةَ، وحديث محمد بن عمرو،
عن الزهري فيه شيء يقرب من الذي زاد الأوزاعي في حديثه.
ش- أي: الذي زاد ابن عيينة هو وهم منه، وحديث محمد بن عمرو
الذي يأتي الآن فيه شيء يقرب من الذي زاد عبد الرحمن الأوزاعي في
حديثه من قوله: " إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغتسلي(2/62)
وصلي " وجه القُرب: أن في زيادة الأوزاعي الإقبال والإدبار، وفي
حديث محمد بن عمرو الذي يأتي ذكر الأسود وغيره، ولا شك أن
الأسود يكون في أيام الإقبال، وغير الأسود يكون في أيام الإدبار،
فافهم.
270- ص- حدَثنا محمد بن المثنى قال: نا ابن أبي عدي، عن محمد-
يعني: ابن عمرو- قال: حدثني ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن
فاطمة بنت أبي حُبَيش: أنها كانت تستحاض، فقال لها النبي- عليه
السلام-: " إذا كان دَمُ الحَيضةِ فإنه دَمٌ أسودُ يُعرفُ، فإذا كان ذلك فأمسكي
عن الصلاةِ، وإذا (1) كان الآخرُ فتوضئِي وصَلِّي، فإنما ذلك عِرقٌ " (2) .
ش- ابن أبي عدي هو محمد بن إبراهيم بن أبي عدي.
ومحمد بن عمرو بن حلحلة الديلي المدني. روى عن: الزهري،
وعطاء بن يسار، ووهب بن كيسان، وغيرهم. روى عنه: مالك بن
أنس، والوليد بن كثير، وابن إسحاق، وغيرهم. وعن ابن معين أنه
ثقة. روى له: البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي.
قوله: " إذا كان دم الحيضة " بمعنى: إذا وجد، ف " كان " هاهنا تامة،
فلذا لا تحتاج إلى الخبر.
قوله: " فإنه دم أسود " تفسير لدم الحيضة، أي: أن دم الحيضة دم
أسود.
وقوله: " يعرف " في محل الرفع؛ لأنه صفة للدم.
قوله: " فإذا كان ذلك " أي: إذا كان الموجود دماً أسودَ، فأمسكي عن
الصلاة؛ لأنها تكون أيام الحيض.
قوله: " وإذا كان الآخر " أي: غير الأسود، بأن كان أصفر، أو أشقر،
__________
(1) في سنن أبي داود: " فإذا ".
(2) أخرجه النسائي: كتاب الطهارة، باب: ذكر الاغتسال من الحيض (1/116) .(2/63)
أو أكدر؛ لأن غير الأسود أعم " فتوضئي وصلي " لأنها أيام الاستحاضة،
وعلل ذلك بقوله: " فإنما ذلك عرق " أي: دم عرق انفجر، لا دم
حيض، فلا يمنع أحكام الطاهرات. وبهذا تمسك الشافعي في الرد إلى
التمييز وهو أقوى دليله، ونحن نقول: لا اعتبار للتمييز، وإنما الاعتبار
للزمان كما قررناه. والحديث أخرجه النسائي أيضاً.
ص- قال ابن المثنى: نا ابن أبي عدي من كتابه هذا (1) ، ثم حدثنا به بعد
حفظاً قال: نا محمد بن عمرو، عن الزهري، عن عُروةَ، عن عائشةَ: أن
فاطمةَ كانت تسُتحَاض، فذكر معناه.
ش- أي: قال محمد بن المثنى، والمقصود أن محمد بن إبراهيم بن
أبي عدي قد حدث بهذا محمد بن المثنى، عن كتابه أولاً، ثم حدثه بعد
ذلك من جهة حفظه، و " حفظاً " نصب على التمييز.
ص- قال أبو داود: وقد روى أنس بن سيرين، عن ابن عباس في
المُستحاضَة قال: إذا رأت الدمَ البَحرَاني فلا تصلِّى، وإن (2) رأت الطُّهرَ
ولو ساعة/فلتغتسل وتُصلَي.
ش- أنس بن سيرين البصري أبو موسى، أو أبو عبد الله، أو
أبو حمزة الأنصاري مولى أنس بن مالك، أخو محمد، ومعبد،
ويحيى، وحفصة، وكريمة، وكنية سيرين: أبو عمرة، يقال: إنه لما ولد
ذهب به إلى أنس بن مالك فسماه أنساً، وكناه بأبي حمزة، ولد لسنة
بقيت من خلافة عثمان، ودخل على زيد بن ثابت. وسمع: ابن عباس،
وابن عمر، وأنس بن مالك، وغيرهم. روى عنه: أيوب السختياني،
وعبد الله بن عون، ويونس بن عبيد، وجماعة آخرون. قال ابن معين:
ثقة. مات سنة عشر ومائة. روى له الجماعة إلا الترمذي (3) .
قوله: " إذا رأت الدم البحراني " أراد به الدم الغليظ الواسع الذي
__________
(1) في سنن أبي داود: " هكذا ".
(2) في سنن أبي داود: " إذا "
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (3/566) .(2/64)
يخرج من قعر الرحم، ونسب إلى البَحر لكثرته وسَعته، والتبحر:
التوسع في الشيء والانبساط فيه.
قوله: " ولو ساعة " أي: ولو كان الطهر ساعة، والمراد منه: أنها
خرجت عن الدم الذي كان حيضها ولو ساعة فلتغتسل وتصلي؛ لأنها
تلحق الطاهرات حينئذ، وبه تمسك الشافعي أيضاً، وعندنا الاعتبار للزمان
كما في حديث أم سلمة وهو أقوى.
ص- وقال مكحول: إن النِّساءَ لا تَخفَى عليهن الحَيضةُ، إن دَمَها أسودُ
غليظٌ، فإذا ذهبَ ذلك وصارت صفرة رقيقة فإنها مُستحاضة، فلتغتسل
ولتصلِّي.
ش- أي: لا يخفى عليهن دم الحيض؛ لأن دم الحيض أسود ثخين،
فإذا ذهب ذلك وصارت الحيضة صفرة رقيقة، أو شقرة، أو كدرة، فإنها
ح (2) تكون مستحاضة، فيصير حكمها حكم الطاهرات بعد الغسل،
ومكحول أيضاً اعتبر التمييز كابن عباس.
ص- قال أبو داود: ورَوى حمادُ بنُ زيد، عن يحيى بن سعيد، عن
القَعقاع بنِ حكيم، عن سعيد بن المسيب في المستحاضة: إذا أقبلت الحيضةُ
تَركتِ الصلاةَ، وإذا أدبرت اغتسَلَت وصَلَت.
ش- يحيى القطان.
والقعقاع بن حكيم الكناني المدني. روى عن: عبد الله بن عمر،
وجابر بن عبد الله، وأبي صالح السمان، وغيرهم. روى عنه: سعيد
المقبري، ومحمد بن عجلان، وسهيل بن أبي صالح، وغيرهم. قال
ابن حنبل: ثقة. روى له الجماعة إلا البخاري.
قوله: " إذا أقبلت الحيضة " قد ذكرنا أن المراد من إقبالها أيام حيضها التي
كانت لها عادة، ومن إدبارها زمان انقطاعها، وهذا سعيد قد أخذ
الاعتبار بالأيام لا بالتمييز كما هو مذهبنا.
__________
(1) أي: " حينئذ ".
5* شرح سنن أبي داوود 2(2/65)
ص- قال أبو داود: وروى سُمي وغيرُه، عن سعيد بن المسيب: تَجلسُ
أيامَ أقرائِهَا.
ش- سُمي القرشي المخزومي المدني، مولى أبي بكر بن عبد الرحمن
ابن الحارث بن هشام. سمع: مولاه أبا بكر، وسعيد بن المسيب،
وأبا صالح ذكوان. روى عنه: يحيى الأنصاري، ومالك، والثوري،
وابن عيينة، وغيرهم. قال ابن حنبل وأبو حاتم: ثقة 0 قتلته الخوارج
بقديد سنة إحدى وثلاثين ومائة. روى له الجماعة.
قوله: " تجلس أيام ألرائها " أي: أيام حيضها، وهذا أيضاً اعتبار
بالزمان.
ص- وكذلك رواه حماد بن سلمة، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن
المسيب.
ش- أي: كما روى سُمي رواه حماد بن سلمة، عن يحيى بن سعيد
القطان، عن ابن المسيب، أنها تجلس أيام أقرائها.
ص- قال أبو داود: روى يونس، عن الحسن: الحائض إذا مَدَ بها الدمُ
تَمسِك بعدَ حيضِهَا يوماً أو يومين فهي مستحاضة.
ش- أي: روى يونس بن عبيد البصري، عن الحسن البصري:
الحائض إذا مد بها الدم تمسك. والمعنى: أنها إذا انقطع منها الدم الذي
كان عادتها، تمسك بعده يوماً أو يومين، بمعنى: أنها تستنظر يوماً أو
يومين، ثم تغتسل وتصلي، وبه أخذ مالك في رواية.
ص- وقال التيميُّ، عن قتادة: إذا زادت (1) على أيام حيضِها خمسة أيام
فلنصل.
ش- أي: قال سليمان التيمي، عن قتادة بن دعامة: إذا زادت على
أيام حيضها خمسة أيام فلتصل، والمعنى: أنها تستنظر بعد
__________
(1) في سنن أبي داود: " زاد ".(2/66)
انقطاع دم حيضها خمسة أيام، ثم تغتسل وتصلي، وهذا كله لأجل
الاحتياط.
/ص- قال التيميُ: فجعلتُ أنقصُ حتى بلغتُ يومين، قال: إذا كان
يومين فهو من حَيضِها.
ش- أي: قال سليمان التيمي: فجعلت أنقص من خمسة أيام حتى
بلغت يومين. قال قتادة: إذا كان يومين فهو من حيضها، بمعنى: أن
اليومين لا يحسبان من الاستنظار، لأنهما من أيام الحيض، بل عليها أن
تمسك وتستنظر بما فوق اليومين إلى خمسة أيام.
ص- وسُئِلَ ابنُ سيرينَ عنه فقال: النساء أعلمُ بذلك.
ش- أي: سئل محمد بن سيرين عن الحكم المذكور فقال: النساء
أعلم بذلك، لأنهن أخبرُ بأحوالهن، ويفوض إليهن حكم الاستنظار
وغيره.
271- ص- نا زهير بن حرب وغيره قالا: نا عبد الملك بن عمرو قال:
نا زهير بن محمد، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن إبراهيم بن محمد
ابن طلحة، عن عمه عمران بن طلحة، عن أمه حمنة بنت جحش قالت:
كنتُ أستحاضُ حَيضةً كثيرةً شديدةً، فأتيتُ رسولَ اللهِ- عليه السلام-
أستفتيه واخبرهُ، فوجدتُه في بيتِ أختي زينبَ بنت جحش، فقلت: يا
رسوَل الله، إني امرأة أستحاضُ حيضةً كثيرةً شديدةً فما ترى فيها؟ قد
مَنعتني الصَلاةَ والصومَ. قال: " انعتُ لك الكُرسُفَ، فإنه يُذهبُ الدم ".
قالت: هو كثرُ من ذلك. قال: " فاتخِذي ثوباً ". قلت (1) : هو أكثر من
ذلك، قالت: إنما أثُجُ ثَجا. قال رسول الله- عليه السلام-: " سآمرك
بأمرين، أيهما فعلت أجزأ عنك من الآخر، دان قَويتِ عليهما فأنت أعلمُ "
فقال (2) لها: " إنما هذه رَكضة من رَكَضَات الشيطان، فتحيضِي ستةَ أيام أو
سبعةَ أيامٍ في علم اللهِ، ثم اغتسلِي حتى إذا رَأيتِ أنكَ قد طَهُرتِ واستنقيتِ
__________
(1) في سنن أبي داود: " فقالت ".
(2) في سنن أبي داود: " قال ".(2/67)
فصلِّي ثلاثاً وعشرين ليلةً، أو أربعاً وعشرين ليلةً وأيامها وصومي، فإن
ذلك يجزئك، وكذلك فافعلي كل (1) شهرٍ كما تَحيَّضُ النساءُ وكما
يَطهُرنَ ميقاتَ حَيضهن وطُهرهن، فإن (2) قَويت على أن تُؤَخِّري الظهر
وتُعجلي العصرَ فتغَتسلين فتجمعين (3) بين الصلاتين الظهرِ والعصرِ،
وتؤخرين المغربَ وتُعجِّلين العشاءَ، ثم تغتسلين وتجمعين بين الصلاتين
فافعلي، وتغتسلين مع الفجرِ فافعلي، وصومي إن قدرت على ذلك " 0 قال
رسول الله: " وهذا أعجبُ الأمرينِ إليَّ " (4) .
ش- عبد الملك بن عمرو بن قيس أبو عامر العقدي البصري. سمع:
مالك بن أنس، والثوري، وشعبة، وغيرهم. روى عنه: أحمد بن
حنبل، وابن معين، وإسحاق بن راهويه، وغيرهم. وقال ابن معين:
ثقة. وقال أبو حاتم: صدوق 0 مات سنة خمس ومائتين 0 روى له
الجماعة.
وزهير بن محمد أبو المنذر العنبري المروزي. سمع: ابن المنكدر،
وهشام بن عمار، وزيد بن أسلم، وجماعة آخرين. روى عنه:
عبد الرحمن بن مهدي، والوليد بن مسلم، وأبو عامر العقدي،
وجماعة آخرون. قال ابن حنبل: مستقيم الحديث. وقال ابن معين:
صالح. وقال أبو حاتم: محله الصدق، في حفظه سوء، وكان حديثه
بالشام أكثر من حديثه بالعراق لسوء حفظه. روى له الجماعة إلا النسائي.
وعبد الله بن محمد بن عَقيل- بفتح العين- ابن أبي طالب، وإبراهيم
ابن محمد بن طلحة بن عبيد الله القرشي.
__________
(1) في سنن أبي داود: " فافعلي في كل ".
(2) في سنن أبي داود: " وإن " 0
(3) في سنن أبي داود: " وتجمعين ".
(4) أخرجه الترمذي: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في المستحاضة أنها تجمع بين
الصلاتين بغسل واحد (128) ، ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: ما جاء
في البكر إذا ابتدأت مستحاضة أو كان لها أيام حيض فنسيتها (627) .(2/68)
وعمران بن طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن كعب الليثي المدني
سمع: أباه، وأمه حشة بنت جحش، وعليّ بن أبي طالب. روى عنه:
ابنا أخويه معاوية بن إسحاق، وإبراهيم بن محمد. روى له: أبو داود،
والترمذي، والنسائي.
وحمنة- بالحاء المهملة- بنت جحش الأسدية أخت زينب زوج النبي-
عليه السلام- كانت تحت مصعب بن عمير، فقتل عنها يوم أُحُد،
فتزوجها طلحة بن عبيد الله، وهي التي كانت تستحاض. روى عنها:
ابنها عمران بن طلحة. روى لها: أبو داود، والترمذي، وابن ماجه.
قوله: " أستحاض " على صيغة المجهول، وقد ذكرنا وجهه مرة.
قوله: " أنعت " أي: أصف لك " الكرسف " - بضم الكاف- وهو
القطن.
قوله: " فإنه يذهب الدم " وهذا من إخباره/- عليه السلام- بالحكمة؛
لان من طبيعة القطن أن ينشف الرطوبات، ولا سيما العتيق منه.
قوله: " هو أكثر من ذلك " أي: دمي أكثر من أن يذهب بالقطن.
قوله: " أثج ثجاً " الثج: شدة سيلان الدم، ومفعول " أثج " محذوف
تقديره: أثجه ثجاً. وذكر المصدر أيضاً ينبئ عن كثرة الدم.
قوله: " إنما هي ركضة من ركضات الشيطان " أصل الركض: الضرب
بالرجل والإصابة بها، يريد به الإضرار والإفساد، كما تركض الدابة
وتصيب برجلها، والمعنى: أن الشيطان قد وجد بذلك طريقاً إلى التلبيس
عليها في أمر دينها، ووقت طهرها وصلاتها، حتى أنساها ذلك، فصار
في التقدير كأنه ركضة نالتها من ركضاته، وأضيف النسيان إلى الشيطان
كما في قوله تعالى: (فَأنسَاهُ الشَّيطَانُ ذكرَ ربه) (1) ، وقيل: هو
حقيقة، وأن الشيطان ضربها حتى فتق عرقهاَ.
__________
(1) سورة يوسف: (42) .(2/69)
قوله: " فتحيضي " بتشديد الياء، أي: اقعدي أيام حيضك عن الصلاة،
والتزمي ما يجب على الحائض. وقال الجوهري: تحيّضت أي: قعدت
أيام حيضتها عن الصلاة. وإنما قال: " ستة أيام أو سبعة أيام " إما على
احتمال أن تكون هذه المرأة قد ثبت لها فيما تقدم أيام ستة أو سبعة، إلا
أنها قد نسيتها فلا تدري أيهما كانتا، فأمرها أن تتحرى وتجتهد أمرها على
ما تيقنته من أحد العددين، ويؤيد هذا الوجه قوله: " في علم الله " أي:
فيما علم الله من أمرك من ستة أو سبعة، وإما أن يكون لا على وجه
التخيير بين الستة والسبعة، لكن على اعتبار حالها بحال مَن هي مثلها من
نساء أهل بيتها، فإن كانت عادة مثلها منهن أن تقعد ستا قعدت ستا، وإن
كان سبعاً فسبعاً.
قوله: " كما تحيّضَ النساء " بتشديد الياء أيضاً، أي: كما تقعد النساء
أيام حيضهن عن الصلاة، ويحوز أن تكون " ما " في " كما " في
الموضعين مصدرية، والمعنى: كتحيّضهن وطهرهن.
قوله: " ميقات حيضهن " نصب على الظرفية، أي: كما تحيّض النساء
ميقات حيضهن، وكما يطهرن ميقات طهرهن، والميقات مِفعال بمعنى
الوقت هاهنا، أصله: موقات، قلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها.
واعلم: أن حكم هذا الحديث هو خلاف الحكم الذي في حديث
أم سلمة، وخلاف الحكم الذي في حديث عائشة، وإنما هي امرأة مبتدأة
لم يتقدم لها أيام، ولا هي مميزة لدمها، وقد استمر بها الدم حتى غلبها،
فرد رسول الله أمرها إلى العرف الظاهر، والأمر الغالب من أحوال
النساء، يدل على ذلك قوله- عليه السلام-: " كما تحيّض النساء،
وكما يطهرن ميقات حيضهن وطهرهن ".
وقال الخطابي: وقد ترك بعض العلماء القول بهذا الحديث؛ لاس
ابن عقيل راويه ليس بذاك 0 وقال البيهقي: تفرد به عبد الله بن محمد بن
عقيل، وهو مختلف في الاحتجاج به. وقال ابن منده: حديث حمنة لا(2/70)
يصح عندهم بوجه من الوجوه؛ لأنه من رواية ابن عقيل، وقد أجمعوا
على ترك حديثه.
قلت: أخرجه الترمذي، وابن ماجه، وقال الترمذي: هذا حديث
حسن صحيح. وقال أيضاً: سالت محمداً- يعني: البخاري- عن
هذا الحديث فقال: هو حديث حسن. وكذا قال أحمد بن حنبل: هو
حديث حسن صحيح. والعجب من ابن منده هذه الدعوى، فإن أحمد،
وإسحاق، والحميدي، كانوا يحتجون بحديث ابن عقيل، وحَسَّن
البخاري حديثه، وصحَّحه ابن حنبل، والترمذي كما ذكرنا.
ص- قال أبو داود: روى هذا الحديثَ عمرو (1) بن ثابت، عن ابن
عقيل قال: فقالت (2) حمنة: فقلت: هذا أعجبُ الأمرين إليَّ. لم يجعله
كلام النبي- عليه السلام- جعله كلام حمنة (3)
ش- عمرو بن ثابت هو أبو ثابت، ويعرف بابن أبي المقدام، كوفي
لا يحتج بحديثه. قال أبو داود: كان عمرو بن ثابت رافضيا خبيثاً،
وذكره عن يحيى بن معين وعنه ليس بشيء، وعنه ليس بثقة ولا مأمون.
وقال النسائي: متروك. وقال ابن حبان: يروي الموضوعات/. وقال
ابن المبارك: لا تحدثوا عنه، فإنه كان يسب السلف.
قوله: " لم يجعله كلام النبي " أي: لم يجعل قوله: " هذا أعجب
الأمرين إليّ " كلام النبي- عليه السلام-، وإنما جعله كلام حمنة بنت
جحش.
** *
__________
(1) في سنن أبي داود: " ورواه عمرو ... ". (2) في الأصل: " فقال ".
(3) زاد في سنن أبي داود: " قال أبو داود: وعمرو بن ثابت رافضي، رجل سوء
ولكنه كان صدوقاً في الحديث، وثابت بن المقدام رجل ثقة، وذكره عن يحيى
ابن معين. قال أبو داود: سمعت أحمد يقول: حديث ابن عقيل في نفسي
منه شيء ".(2/71)
100- باب: ما (1) روي أن المستحاضة تغتسل لكل صلاة
أي: هذا باب في بيان ما رُوي عن النبي- عليه السلام- أن المرأة
المستحاضة تغتسل لكل صلاة، وقد ذكرنا أن النبي- عليه السلام- ما
أمرها إلا بالغسل مرة واحدة عند انقطاع حيضها، والذي رُوي هاهنا وفي
غيره من أنه- عليه السلام- أمرها أن تغتسل لكل صلاة فليس بثابت،
على ما يجيء إن شاء الله تعالى.
272- ص- ثنا ابن أبي عقيل، ومحمد بن سلمة المرادي قالا: نا ابن
وهب، عن عمرو بن الحارث، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير،
وعمرة بنت عبد الرحمن، عن عائشة زوج النبي- عليه السلام-: أن
أم حبيبةَ بنتَ جحشٍ خَتنةَ رسول الله، وتحتَ عبد الرحمنِ بنِ عوف
استُحيضت سبعَ سنين، فاستفتت اَلنبيَ- عليه السلاَم- في ذلك، فقالً
رسولُ الله- عليه السلام-: " إنَ هذه ليست بالحَيضَة، ولكن هذا عِرقٌ،
فاغتسِلي وَصَلِّي "، فكانت (2) تغتسلُ في مركن في حُجَرة أختها زينب بنت
جحشٍ حتى تَعلوَ حُمرةُ الدم الماءَ (3) .ًًَ
ش - قد مر الكلام في هذا الحديث مستوفى، وإنما كرره لأجل زيادة
في آخره.
273- ص- حدثنا أحمد بن صالح قال: نا عنبسة قال: ثنا يونس، عن
ابن شهاب قال: أخبرتني عمرة بنت عبد الرحمن، عن أم حبيبة بهذا
الحديث قالت عائشةُ: فكانت تغتسلُ لكل صلاة (4) .
ش- أحمد بن صالح المعروف بابن الطبًري، وعنبسة بن خالد،
ويونس بن يزيد الأيلي.
قوله: " فكانت تغتسل لكل صلاة " كان تطوعاً منها غير ما أمرت به،
__________
(1) في سنن أبي داود: " من ".
(2) في سنن أبي داود " قالت عائشة: فكانت ... ".
(3) تقدم برقم (269) .
(4) انظر الحديث السابق.(2/72)
وذلك واسع لها، كذا قاله ابن عيينة، والليث بن سعد وغيرهما، وما
أمرها رسول الله إلا أن تغتسل وتصلي، وليس فيه أنه أمرها أن تغتسل
لكل صلاة، كذا قاله الشافعي- رضي الله عنه-.
274- ص- حدَّثنا يزيد بن خالد بن عبد الله بن موهب الهمداني قال:
حدثني الليث بن سعد، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة بهذا
الحديث قال فيه: فكانت تغتسل لكل صلاة (1) .
ش- قد مر الكلام في بيان رواته ومعناه.
ص- قال أبو داود: رواه القاسم بن مَبرُور، عن يونس، عن ابن شهاب،
عن عمرة، عن عائشة، عن أمِّ حبيبةَ بنت جحشٍ، وكذلك رواه معمرٌ، عن
الزهري، عن عمرةَ، عن عائشةَ، وربما قَال معمر: عن عمرةَ، عن أم حبيبة
بمعناه، وكذلك رواه إبراهيم بن سعد، وابنُ عيينة، عن الزهري، عن
عمرةَ، عن عائشة، وقال ابن عيينةَ في حديثه: ولم يقل أن النبي- عليه
السلام- أمَرَهَا أن تغتسلَ. وكذلك رواه الأوزاعي أيضاً عن الزهري فيه
أيضاً: وكانت (2) تغتسلُ لكل صلاةٍ.
ش- أي: روى هذا الحديث القاسم بن مبرور الأيلي ابن أخي طلحة
ابن عبد الملك، أحد الفقهاء، يروي عن يونس بن يزيد، وهشام بن
عروة. وروى عنه: خالد بن نِزار، وخالد بن حميد المَهري. توفي
بمكة سنة ثمان أو تسع وخمسين ومائة، وصلى عليه الثوري. روى له
أبو داود، والنسائي (3) .
275- ص- حدثنا محمد بن إسحاق المسيبي قال: نا أبي، عن ابن
أبي ذئب، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير [و] عن عمرةَ بنت
__________
(1) انظر الحديث السابق.
(2) في سنن أبي داود: " ورواه الأوزاعي أيضا قال فيه: قالت عائشة: فكانت ".
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (23/4818) .(2/73)
عبد الرحمن، عن عائشةَ: أن أم حبيبةَ استُحيضت سبعَ سنين، فأمرَهَا
رسولُ اللهِ- عليه السلام- أن تَغتسلَ، وكانت (1) تغتسلُ لكل صلاة (2) .
ش- محمد بن إسحاق بن محمد بن عبد الرحمن بن عبدًا لله بن
المسيب بن أبي السائب بن عابد- بالباء الموحدة- ابن عبد الله بن عمر بن
مخزوم، أبو عبد الله المسيبي المخزومي المدني، سكن بغداد، وكان أبوه
أحد القراء بمدينة رسول الله. سمع: أباه، ومحمد بن فليح الخزاعي،
وعبد الله بن نافع، وغيرهم. روى عنه: مسلم، وأبو داود، ومحمد
ابن عبدوس، وجماعة آخرون. وقال إبراهيم بن إسحاق: كان ثقة.
توفي سنة ست وثلاثين ومائتين.
وأبوه إسحاق بن محمد المذكور، روى عن: ابن أبي ذئب، ونافع
ابن عبد الرحمن. روى عنه: ابنه محمد، وإسماعيل / بن عبد الكريم
الصنعاني، وخلف بن هشام المقرئ. روى له أبو داود.
وابن أبي ذئب محمد بن عبد الرحمن القرشي، وقد مر.
276- ص- حدثنا هناد بن السري، عن عبدة، عن ابن إسحاق، عن
الزهري، عن عروةَ، عن عائشةَ: أن أمَّ حبيبةَ بنتَ جحش استُحيضَت فيِ
عهد رسول اللهِ- عليه السلام-، فأمرهَا بالغسلِ لكلً صلاةَ، وساق
الحَدَيثَ (3)
ش- عبدة بن سليمان بن حاجب بن زرارة الكلابي أبو محمد
الكوفي، قيل: اسمه عبد الرحمن، وعبدة لقب. سمع: هشام بن
عروة، ويحيى بن سعيد الأنصاري، والأعمش، وابن إسحاق،
__________
(1) في سنن أبي داود: " فكانت ".
(2) النسائي: كتاب الطهارة، باب: ذكر الأقراء (1/183) ، ابن ماجه: كتاب
الطهارة، باب: ما جاء في المستحاضة إذا اختلط عليها الدم فلم تقف على أيام
حيضتها (626) .
(3) انظر الحديث السابق.(2/74)
وغيرهم. روى عنه: أحمد بن حنبل، وابنا أبي شيبة، وهناد بن السري،
وغيرهم. وقال أحمد: ثقة ثقة وزيادة مع صلاح، وكان شديد الفقر
مات بالكوفة في رجب سنة ثمان وثمانين ومائة (1) .
وابن إسحاق هو محمد بن إسحاق بن يسار، وقد تقدم الاحتجاج
بحديثه، وقال البيهقي: رواية ابن إسحاق عن الزهري غلط، لمخالفتها
سائر الروايات عن الزهري، ولكن يمكن أن يقال: إن كان هذا مخالفة
الترك فلا تناقض في ذلك، دان كان مخالفة التعارض فليس كذلك، إذ
الأكثر فيه السكوت عن أمر النبي- عليه السلام- لها بالغسل عند كل
صلاة، وفي بعضها أنها فعلته هي، وقد تابع ابن إسحاق سليمان بن كثير
لما يجيء الآن.
ص- قال أبو داود: ورواه أبو الوليد الطيالسي، ولم أسمعه منه عن
سليمان بن كثير، عن الزهري، عن عروةَ، عن عائشةَ: استُحيضت زينبُ
بنتُ جحشِ فقال النبي- عليه السلام -: " اغتسِلي لكل صلاة " وساقَ
الحديثَ.
ش- أي: روى هذا الحديثَ أبو الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي،
وهذه الرواية شاهدة لرواية ابن إسحاق عن الزهري، ويرد بهذا ما قاله
البيهقي رواية ابن إسحاق عن الزهري غلط كما قلنا.
ص- قال أبو داود: ورواه عبدُ الصمد، عن سليمان بن كثير قال:
توضَّئي لكل صَلاةِ.
ش- أي: روى هذا الحديث عبد الصمد بن عبد الوارث بن سعيد بن
ذكوان التنوري، أبو سهل البصري التميمي. سمع: أباه، وسليم بن
حبان، وحماد بن سلمة، وغيرهم. روى عنه: أحمد بن حنبل،
وإسحاق بن راهويه، وابن المثنى، وغيرهم. قال أبو حاتم: صدوق
صالح الحديث. مات سنة سبع ومائتين. روى له الجماعة.
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (18 /3613) .(2/75)
ص- وهذا وهم من عبد الصمد، والقولُ فيه قولُ أبي الوليد.
ش- أي: قوله: " توضئي لكل صلاة " وهمٌ من عبد الصمد،
والقول في الحديث قول أبي الوليد الطيالسي.
قلت: ذكر هذا في حديث حماد أخرجه النسائي، وابن ماجه، وقال
مسلم في " صحيحه ": وفي حديث حماد بن زيد زيادة حرف تركنا ذكره
وهي: " توضئي لكل صلاة ". وقال الشيخ محيي الدين: وأسقطها
مسلم لأنها مما انفرد به حماد.
قلنا: لم ينفرد حماد بذلك عن هشام، بل رواه عنه أبو عوانة أخرجه
الطحاوي في كتاب " الرد على الكرابيسي " من طريقه بسند جيد، ورواه
عنه أيضاً حماد بن سلمة أخرجه الدارمي من طريقه، ورواه عنه أيضاً
أبو حنيفة، وأخرجه الطحاوي من طريق أبي نعيم، وعبد الله بن يزيد
المقرئ، عن أبي حنيفة، عن هشام. وأخرجه الترمذي وصحَّحه من
طريق وكيع، وعَبدة، وأبي معاوية، عن هشام، وقال في آخره: وقال
أبو معاوية في حديثه: وقال: " توضئي لكل صلاة ". وقد جاء الأمر
بالوضوء أيضاً فيما أخرجه البيهقي في " باب المستحاضة إذا كانت مميزة "
من حديث محمد بن عمرو، عن ابن شهاب، عن عروة، عن فاطمة
بنت أبي حبيش (1) إلى آخره. على أن حماد بن زيد لو انفرد بذلك لكان
كافياً لثقته وحفظه، لا سيما من هشام، وليس هذا مخالفة، بل زيادة
ثقة، وهي مقبولة، لا سيما من مثله.
277- ص- حدَّثنا عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج أبو معمر قال: نا
عبد الوارث، عن الحسين، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة قال:
أخبرتني زينب بنت أبي سلمةَ، أن امرأةً كانت تُهراقُ الدَّمَ، وكانت تحتَ
عبد الرحمن بن عوف، أن رسولَ الله أمرها أن تَغتسلَ عندَ كلِّ صلاة
وتُصًلِّيَ (2) .ًًَ
__________
(1) في الأصل: " جحش " خطأ، وانظر: السنن الكبرى (1/323) .
(2) تفرد به أبو داود.(2/76)
ش- عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج، واسمه: ميسرة المِنقَرِيُّ
التميمي مولاهم البصري، أبو معمر المقعد. سمع: عبد الوارث بن
سعيد، وملازم بن عمرو، والدراوردي، وغيرهم. روى عنه:
عبد الصمد بن عبد الوارث، وأبو حاتم الرازي، والبخاري، ومسلم،
وأبو داود، وجماعة آخرون. قال أبو زرعة: كان ثقة حافظاً. وقال
أبو حاتم: صدوق متقن قوي الحديث،/غير أنه لم يكن يحفظ، وكان
له قدر عند أهل العلم. توفي سنة أربع وعشرين ومائتين (1) .
وعبد الوارث بن سعيد التميمي.
وحسين بن ذكوان المكتب المعلم البصري العوذي. سمع: عبد الله بن
بريدة، وقتادة، ويحيى بن أبي كثير، وغيرهم. روى عنه: شعبة،
وابن المبارك، ويحيى القطان، وعبد الوارث بن سعيد، وغيرهم. قال
ابن معين وأبو حاتم: ثقة. وقال أبو زرعة: ليس به بأس. روى له
الجماعة (2) .
وأبو سلمة عبد الله بن عبد الرحمن.
قوله: " تهراق " على بناء المجهول، وأصله تراق. و " الدم " نصب
على التمييز، وقد مر نظيره. قال الخطابي (3) : هذا الحديث ليس فيه
ذكر حال هذه المرأة، ولا بيان أمرها وكيفية شانها في استحاضتها، وليس
كل امرأة مستحاضة يحب عليها الاغتسال لكل صلاة، وإنما هي فيمن
تبتلى، وهي لا تميز دمها، أو كانت لها أيام فنسيتها فهي لا تعرف
موضعها، ولا عددها، ولا وقت انقطاع الدم عنها في أيامها المتقدمة،
فإذا كانت كذلك، فإنها لا تدع شيئاً من الصلاة، وكان عليها أن تغتسل
عند كل صلاة؛ لأنه قد (4) يمكن أن يكون ذلك الوقت قد صادف زمان
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (15/3449) .
(2) المصدر السابق (6/1309) . (3) معالم السنن (1/77- 78) .
(4) في الأصل: " ور "، وما أثبتناه من معالم السنن.(2/77)
انقطاع دمها، فالغسل عليها عند ذلك واجب، ومن كان هذا حالها من
النساء لم يأتها زوجها في شيء من الأوقات، لإمكان أن تكون حائضاً،
وعليها أن تصوم شهر رمضان كله مع الناس وتقضيه بعد ذلك، لتحيط
علماً بأن قد استوفت عدد ثلاثين يوماً في وقت كان لها أن تصوم فيه،
وإن كانت حاجَّةً طافت طوافين بينهما خمسة عشر يوماً، لتكون على يقين
من وقوع الطواف في وقت حكمها فيه حكم الطهارة.
قلت: هذا على مذهب من رأى أن أكثر الحيض خمسة عشر يوما،
وعلى مذهب من رأى أن أكثره عشرة أيام طافت طوافين بينهما عشرة أيام.
وقال البيهقي في هذا الحديث: وروينا عن أبي سلمة أنها تغتسل غسلاً
واحداً، وهو لا يخالف النبي- عليه السلام- فيما يرويه عنه.
قلت: كأنه أشَار بهذا الكلام إلى تضعيف هذا الحديث، وإلى أن ما
نقل عنه من أنه أفتى بالغسل عند كل صلاة غير صحيح عند [هـ] ،
ولقائل أن يقول: العبرة لما روى الراوي لا لرأيه. وقد عرف هذا من
مذهب المحدثين.
ص- وأخبرني أن أم بكر أخبرته، أن عائشةَ- رضي الله عنها- قالت:
إن رسولَ الله قال في المرأة ترى ما يَريبها بعدَ الطهرِ: " إنما هو عِرق " (1) أو
قال: " عُروقٌ ".
ش- أي: قال يحيى بن أبي كثير: أخبرني أبو سلمة، أن أم بكر
- ويقال أم أبي بكر- أخبرته الحديث.
قوله: " ما يريبها " من رابني الشيء، وأرابني، بمعنى: شككني.
وقيل: أرابني في كذا، أي: شككني وأوهمني الريبة فيه، فإذا استيقنته
قلت: رابني بغير ألف. ومنه الحديث: " دع ما يريبك إلى ما لا يريبك "
يروى بفتح الياء وصمها، أي: دع ما يشك فيه إلى ما لا يشك.
__________
(1) في سنن أبي داود: " إنما هي أو قال: إنما هو عرق ".(2/78)
قوله: " بعد الطهر " يعني: بعد انقطاع دم الحيض وبعد خروجها عن
أيام الحيض، ويقال: معنى " بعد الطهر " بعد الغسل، وهو الأظهر.
قوله: " عرق " أي: دم عرق، أو دماء عروق.
ص- قال أبو داود: في حديث ابن عقيل الأمران جميعاً قال: " إن
قَويتِ فاغتسِلي لكل صلاة، وإلا فاجمعِي "، كما قال القاسم في حديثه
ش- حديث ابن عقيل هو الذي رواه زهير بن محمد، عن عبد الله بن
محمد بن عقيل المذكور فوق.
قوله: " وإلا فاجمعي " يعني: بين الصلاتين الطهر والعصر، والمغرب
والعشاء، كما قال القاسم بن محمد بن أبي بكر- رضي الله عنهم-.
ص- وقد رُوي هذا القول عن سعيد بن جبير، عن عليّ وابن عباس
- رضي الله عنهم.
ش- أي: القول بالاغتسال عند كل صلاة، وفي " المصنف " (1) :
حدَّثنا وكيع قال: نا الأعمش، عن المنهال، عن سعيد بن جبير قال:
كنت عند ابن عباس، فجاءت امرأة بكتاب فقرأته فإذا فيه: إني امرأة
مستحاضة، وأن عليا قال: تغتسل لكل صلاة. فقال ابن عباس: ما
أجد لها إلا ما قال علي.
وحدَّثنا محمد بن يزيد، عن أبي/العلاء، عن قتادة: أن عليا وابن
عباس قالا في المستحاضة: تغتسل لكل صلاة (2) .
حدَّثنا (3) حفص بن غياث، عن ليث، عن الحكم، عن علي في
المستحاضة: تؤخر من الظهر وتعجل من العصر، وتؤخر المغرب وتعجل
العشاء. قال: وأظنه قال: وتغتسل. قال: فذكرت ذلك لابن الزبير
وابن عباس فقالا: ما نجد لها إلا ما قال عليّ.
***
__________
(1) (1/127) .
(2) نفسه.
(3) نفسه.(2/79)
101- باب: من قال تجمع بين الصلاتين وتغتسلُ لهما غسلاً
أي: هذا باب في بيان قول من قال: إن المستحاضة تجمع بين
الصلاتين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، وتغتسل لهما غسلاً
واحداً.
278- ص- حدَثنا عبيد الله بن معاذ قال: نا أبي قال: ثنا شعبة،
عن عبد الرحمن بن القاسمِ، عن أبيه، عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:
استُحيضت امرأةٌ على عهد رسول الله فأمرَت أن تُعَجِّلَ العصرَ وتُؤخر
الظُهَرَ، وتغَتسلَ لهما غُسلاَ، وأن تؤخر المغَربَ وتُعجل العِشاءَ، وتَغتسَلَ
لهما غُسلاً، وتغتسلَ لصلاة الصبحِ (1) ، فقلت لعبد الرحمن: أعن النبيَ
- عليه السلام؟ فقال: لا (2) أحدثك عن النبي- عليه السلام- بشيءَ (3) .
ش- عبيد الله بن معاذ العنبري البصري، وأبوه: معاذ بن معاذ بن
حسان، وقد ذكرناهما.
وعبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق القرشي التيمي،
أبو محمد الفقيه الرضا ابن الرضا، وأمه: أسماء بنت عبد الرحمن بن
أبي بكر الصِّدِّيق. ولد في حياة عائشة زوج النبي- عليه السلام- وهي
عمة أبيه. روى عن: أبيه، وأسلم مولى عمر، ونافع مولى ابن عمر،
وغيرهم. روى عنه: يحيى بن سعيد الأنصاري، وسماك بن حرب،
والثوري، وابن عيينة، وشعبة، والأوزاعي، وجماعة آخرون. قال
أحمد: ثقة، ثقة، ثقة. مات بالشام سنة ست وعشرين ومائة. روى
له الجماعة.
قوله: لا على عهدِ رسولِ الله " أي: في زمانه وأيامه، وإنما أمرها
__________
(1) في سنن أبي داود: " لصلاة الصبح غسلاً ".
(2) في سنن أبي داود: " لا أحدثك إلا عن ... ".
(3) النسائي: كتاب الحيض، باب: جمع المستحاضة بين الصلاتين وغسلها إذا
جمعت (1/184) .(2/80)
- عليه السلام- بتعجيل العصر وتأخير الظهر والاغتسال لهما غسلاَ
واحداَ، لما رأي أن الأمر قد طال عليها، وقد جهدها الاغتسال لكل
صلاة، ورخص لها في الجمع بين الصلاتين بغسل واحد كالمسافر الذي
رخص له في الجمع بين الصلاتين على مذهب من يرى ذلك. وفيه حجة
لمن رأى للمتيمم أن يجمع بين صلاتي فرض بتيمم واحد؛ لأن علتهما
واحدة، وهي الضرورة، وإليه ذهب أبو حنيفة وأصحابه، وهو قول
سفيان الثوري، ورُوي ذلك عن ابن المسيب والحسن والزهري.
قوله: " فقلت لعبد الرحمن " القائل شعبة بن الحجاج. والحديث
أخرجه النسائي أيضاً.
279- ص- حدثنا عبد العزيز بن يحيى قال: حدَّثني محمد بن سلمة،
عن محمد بن إسحاق، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة:
أن سهلة بنت سهيل استُحيضت فأتت النبيَ- عليه السلام- فأمَرهَا أن
تَغتسلَ عندَ كلِّ صلاة، فَلما جَهَدَهَاَ ذلك أمَرهَا أن تَجمعَ بين الظهرِ
والعصرِ بغُسلِ، والمغربَ والعشاءِ بغسلِ، وتغتسلَ للصبح (1) .
ش- عبد العزيز بن يحيى أبو الأصبغ الحراني، ومحمد بن سلمة
الباهلي الحراني.
قوله: " فلما جهدها " أي: فلما شق عليها الاغتسال. من جهِده
الشيء- بكسر الهاء-: جهَدا بالفتح، والجُهد- بالضم-: الطاقة،
وقيل: هما لغتان في الوسع والطاقة. وحال هذه المرأة مثل حال المرأة
التي في الحديث السابق، ويحتمل أن تكون هي إياها، ويحتمل أن تكون
غيرها، ولكن علتاهما واحدة.
ص- قال أبو داود: ورواه ابنُ عيينةَ، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن
أبيه: أن امرأةَ استُحِيضت، فسألتِ النبيَّ- عليه السلام- فأمرَها بمعناه.
__________
(1) النسائي: كتاب الحيض، باب: جمع المستحاضة بين الصلاتين وغسلها إذا
جمعت (1/185) .
6. شرح سنن أبي داوود 2(2/81)
ش- أي: روى هذا الحديث سفيان بن عيينة.
قوله: " بمعناه " أي: بمعنى هذا الحديث.
280- ص- حدَّثنا وهب بن بقية قال: نا خالد، عن سهيل بن
أبي صالح، عن الزهري، عن عروةَ بن الزبير، عن أسماء بنت عميس
قالت: قلتُ: يا رسولَ الله، إن فاطمةَ بنتَ أبي حُبيش استُحيضت منذُ كذا
وكذا، فلم تصَلِّ، فقال النَبيُّ- عليه السلام-: " سُبحًانَ اللهَ!! هذا (1) من
الشيطان، لتجلس في مركن، فإذا رأت صَفارة (2) فوقَ الماء فلتغتسل
للظهرِ وَالعصرِ غسلاً واحَداً، وتغتسلُ للمغرب والعشاء غُسلاً واحداً،
وتغتسلُ للفجرِ غسلا (3) ، وتَوضأ فيما بين ذلك " (4) .
ش-/خالد هو: ابن عبد الله الواسطي الطحان.
قوله: " منذ كذا وكذا " اعلم أن مذ ومنذ لهما ثلاث حالات: إحداها:
أن تليهما اسم مجرور، فقيل: هما اسمان مضافان، والصحيح أنهما
حرفا جر بمعنى " من " إن كان الزمان ماضياً، وبمعنى " في " إن كان
حاضراَ، وبمعنى " من " و " إلى " جميعاً معدوداَ، نحو: ما رأيته منذ
يوم الخميس، أو مذ يومنا، أو عامنا، أو مذ ثلاثة أيام. والثانية: أن
يليهما اسم مرفوع، نحو: مذ يوم الخميس، ومنذ يومان. قال المبرد
وابن السراج والفارسي: مبتدآن وما بعدهما خبر، ومعناهما: الأمد إن
كان الزمان حاضراَ أو معدوداَ، وأول المدة إن كان ماضياً. وقال الأخفش
والزجاج: ظرفان مخبر بهما عما بعدهما، ومعناهما: بين وبن
مضافين، فمعنى: ما لقيته مذ يومان، بيني وبن لقائه يومان. وقال أكثر
الكوفيين: ظرفان مضافان لجملة حذف فعلها وبقي فاعلها، والأصل مذ
كان يومان. الثالثة: أن تليها الجمل الفعلية أو الاسمية، كقوله: ما زال
__________
(1) في سنن أبي داود: " إن هذا ". (2) في سنن أبي داود: " صفرة ".
(3) في سنن أبي داود: " غسلا واحداً وتتوضأ ".
(4) تفرد به أبو داود.(2/82)
مذ عقدت يداه إزاره. وقوله: وما زلت أبغي المال مذ أنا يافع.
والمشهور أنهما حينئذ ظرفان مضافان، فقيل: إلى الجملة، وقيل: إلى
زمن مضاف إلى الجملة، وقيل: مبتدآن.
قوله: " سبحان الله " قد مر الكلام فيه، وأنه إنما ذكره تعجباً.
قوله: " هذا من الشيطان " له معنيان: الأول: مجازي، وهو أنه
أنساها أيام حيضها حتى حصل لها تلبس في أمر دينها ووقت طهرها
وصلاتها. والثاني: حقيقي، بمعنى: أنه ضربها حتى فتق منها عرق
الاستحاضة، كما قلنا في الحديث المتقدم.
قوله: " في مركن " بكسر الميم، وهي الإجانة.
قوله: " صفارة " وفي بعض الرواية: " صفرة "، وفيه حجة لمن اعتبر
التمييز؛ لأن رؤيتها الصفرة دليل على انقطاع دم الحيض.
قوله: " وتوضأ فيما بين ذلك " برفع الهمزة، أي: تتوضأ، فحذفت
إحدى التائين للتخفيف، كما في (نَاراً تَلَظَّى) (1) ، والمعنى: أنها إذا
أرادت أن تصلي فيما بين الصلوات صلاة أخرى تتوضأ، ولا تكتفي
باغتسالها؛ لأنه للفرائض المختصة بالأوقات الخمس.
ص- قال أبو داود: رواه مجاهد، عن ابن عباس: لما اشتد عليها الغُسلُ
أمرها (2) أن تجمعَ بينَ الصلاتينِ.
ش- أي: روى هذا الحديث مجاهد بن جبر، عن ابن عباس وقال:
لما اشتد عليها، أي: على فاطمة بنت أبي حبيش، وهذا الكلام من ابن
عباس خرج مخرج التعليل لأمره- عليه السلام- إياها بالجمع بين الظهر
والعصر، وبن المغرب والعشاء، تيسيراَ لها ورخصة كما في المسافر.
ص- ورواه إبراهيم، عن ابن عباس، وهو قول إبراهيم النخعي، وعبد
الله ابن شداد.
__________
(1) سورة الليل: (14) . (2) كلمة " أمرها " غير موجودة في سنن أبي داود.(2/83)
ش- أي: روى هذا الحديث إبراهيم النخعي، عن ابن عباس، وهو
قول إبراهيم، وعبد الله بن شداد بن الهاد، واسم الهاد: أسامة بن
عمرو بن عبد الله بن جابر بن بشر، وإنما سمي الهاد لأنه كان يوقد ناره
للأضياف ولمن سلك الطريق، أبو الوليد الليثي المدني، وقيل: الكوفي،
وأمه: سلمى بنت عميس الخثعمية أخت أسماء، كانت تحت حمزة بن
عبد المطلب، فولدت له ابنته عُمارة، وقيل: فاطمة، وقتل عنها حمزة
يوم أُحُد فتزوجها شداد، فولدت له عبد الله، وهو ابن خالة عبد الله بن
عباس، وخالد بن الوليد. سمع: عمر، وابنه عبد الله بن عمر،
وعليا، وابن عباس، ومعاذاَ، وأباه، وعائشة، وأم سلمة. وروى عن
النبي- عليه السلام- مرسلاً. روى عنه: طاوس، والشعبي، ومحمد
ابن سعد، وعكرمة، وجماعة آخرون كثيرة. قال أبو زرعة: مدني ثقة.
توفي في ولاية الحجاج على العراق، ويقال: قتل يوم دُجَيل سنة اثنين
وثمانين. روى له الجماعة (1) .
واعلم أن المستحاضات على عهد رسول الله خمس: حمنة بنت جحش
أخت زينب بنت جحش زوج رسول الله، وأختها أم حبيبة وقيل: أم حبيب
بغير هاء، وقد ذكرناه، وفاطمة بنت أبي حُبَيش القرشية الأسدية، وسهلة
بنت سهيل القرشية العامرية، وسودة بنت زمعة زوج رسول الله. وقد
ذكر بعضهم أن زينب بنت جحش استحيضت والمشهور خلافه، وإنما
المستحاضات أختاها.
***
102- باب: من قال: تغتسل مرة (2)
أي: هذا باب في بيان من قال: إن المستحاضة تغتسل مرة واحدة.
281- ص- حدثنا محمد بن جعفر بن زياد. قال: ونا عثمان بن
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (15/3330) .
(2) في سنن أبي داود: " باب من قال: تغتسل من طهر إلى طهر ".(2/84)
أبي شيبة/قال: نا شريك، عن أبي اليقظان، عن عدي بن ثابت، عن أبيه،
عن جده، عن النبي- عليه السلام- في المُستحاضة: تَدَعُ الصلاةَ أيامَ
أَقرائِهَا، ثم تغتسل وتُصَفَي، والوُضوءُ عندَ كلِّ صَلاة. وزاد عثمانُ:
وتصومُ وتصلي (1) .
ش- شريك: النخعي، وأبو اليقظان: عثمان بن عمير.
قوله: " تدع الصلاة " أي: تترك الصلاة أيام حيضها. والأقراء جمع
" قرء "، وهي بمعنى الحيض، وفيه حجة لأبي حنيفة.
قوله: " وزاد عثمان " هو ابن أبي شيبة. وأخرجه الترمذي، وابن
ماجه. وقال الترمذي: هذا حديث قد تفرد به شريك عن أبي اليقظان،
وسألت محمداَ- يعني: البخاري- عن هذا الحديث فقلت: عدي بن
ثابت، عن أبيه، عن جده، جد عدي ما اسمه؟ فلم يعرف محمدٌ
اسمَه. وذكرت لمحمد قول يحيى بن معين أن اسمه دينار فلم يعبأ به.
انتهى.
وقد قيل: إنه جده أبو أمه عبد الله بن يزيد الخطمي. قال الدارقطني:
ولا يصح من هذا كله شيء. وقال أبو نعيم: وقال غير يحيى اسمه قيس
الخطمي، وقيل: لا يعلم مَن جده. قلت: ذكر ابن حبان في " الثقات "
أن ثابتاً (2) هو ابن عبيد بن عازب ابن أخي البراء بن عازب، وقد
ذكرناه. وقال الشيخ زكي الدين: وشريك تكلم فيه غير واحد،
وأبو اليقظان لا يحتج بحديثه.
قلت: قد تقدم أن ابن معين قال: شريك صدوق ثقة. وقال أحمد بن
عبد الله العجلي: كوفي ثقة. وأما أبو اليقظان فقد أخرج له أبو داود،
والترمذي، وابن ماجه.
__________
(1) الترمذي: كتاب الطهارة، باب: ما جاء أن المستحاضة تتوضأ لكل صلاة
(126) ، ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في المستحاضة التي قد
عدت أيام إقرائها قبل أن يستمر بها الدم (625) .
(2) في الأصل: " ثابت ".(2/85)
282- ص- حدَّثنا عثمان بن أبي شيبة قال: نا وكيع، عن الأعمش،
عن حبيب بن أبي ثابت، عن عروةَ، عن عائشةَ قالت: جاءت فاطمة بنت
أبي حُبيش إلى النبيِّ- عليه السلام- فذكر خَبَرَها- قال: " ثم اغتسلي
وصَلِّي وتوضّئِي. (1) لكلِّ صلاة وَصَلِّي " (2) .
ش- عروة هذا قيل: عروة المزني. وقيل: عروة بن الزبير.
قوله: " وتوضئي لكل صلاة " أي: لوقت كل صلاة، واللام للتوقيت
كما في قوله تعالى: (أَقِم الصلاة لِدُلُوك الشمسِ) (3) ، وبه أخذ
أبو حنيفة أن المستحاضة ومَن بمعناها يتوضؤوَن لوقت كل صلاة، فيصلون
به في ذلك الوقت ما شاؤا من الفرائض والنوافل، فإذا خرج الوقت بطل
وضوءهم، وبه قال أحمد. وقال الشافعي: يتوضؤون لكل فرض على
حدته، ولهم أن يصلوا النوافل كلها تبعاً. وقال مالك: لا يجب
الوضوء، وإنما هو مستحب لكل صلاة.
283- ص- حدَّثنا أحمد بن سنان القطان الواسطي قال: نا يزيد، عن
أيوب بن أبي مسكين، عن حجاج، عن أم كلثوم، عن عائشةَ في المستحاضة:
تغتسلُ مرة واحدة، ثم تَوضأ إلى أيام أقرائِهَا (4) .
ش- أحمد بن سنان بن أسد بن حبان- بكسر الحاء- أبو جعفر
القطان الواسطي. سمع: يحيى القطَان، ووكيعاً، وأبا معاوية،
وغيرهم. روى عنه: ابن المثنى، وأبو حاتم، والبخاري، ومسلم،
وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه. قال أبو حاتم: هو ثقة
صدوق. مات سنة ثمان وخمسين ومائتين.
ويزيد بن هارون الواسطي.
__________
(1) في سنن أبي داود: " ثم اغتسلي، ثم توضئي ".
(2) ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في المستحاضة التي قد عدت أيام
أقرائها قبل أن يستمر بها الدم (624) .
(3) سورة الإسراء: (78) .
(4) تفرد به أبو داود.(2/86)
وأيوب بن أبي مسكين القصاب، ويقال: أيوب بن مسكين أبو العلاء
الواسطي التميمي. روى عن: قتادة، وعبد الله بن شبرمة، ويحيى بن
دينار. روى عنه: هشيم، ويزيد بن هارون، ومحمد بن يزيد. قال
أحمد بن صالح: رجل صالح ثقة. وقال ابن حنبل: لا بأس به.؛ لأن
أحاديثه ليست بالمناكير، وهو ممن يكتب حديثه 0 روى له: أبو داود،
والترمذي.
وحجاج بن أرطأة بن ثور بن هبيرة بن شراحيل بن كعب بن سلامان
الكوفي، أبو أرطأة النخعي. سمع من الشعبي حديثاً واحداً، وسمع
عطاء، والزهري، وقتادة، وجماعة آخرين. روى عنه: الثوري،
وشعبة، وابن المبارك، وجماعة آخرون. قال أبو زرعة: صدوق مدلس.
وقال أبو حاتم: صدوق يدلس عن الضعفاء، يكتب حديثه. وقال ابن
معين: صدوق وليس بالقوي. وقال النسائي: ليس بالقوي. مات
بخراسان مع المهدي، وقيل: بالريّ. روى له مسلم مقروناً بعبد الملك،
وأبو داود، والترمذي، والنسائي.
وأم كلثوم الليثية، أو المكية، روت عن عائشة، روى عنها عبد الله بن
عبيد بن عمير، روى لها: أبو داود، والترمذي.
قوله: " ثم توضأ " أي: تتوضأ، حذفت إحدى التائين.
284- ص- وحدَثنا أحمد بن سنان الواسطي قال: نا يزيد، عن أيوب
أبي العلاء، عن ابن شبرمة، عن امرأة مسروق، عن عائشةَ، عن النبي
- عليه السلام- مثله (1) .
ش- ابن شبرمة: هو عبد الله بن شبرمة بن الطفيل بن حسان بن المنذر
الكوفي الضبي، فقيه أهل الكوفة، عداده في التابعين، وهو عم عمارة
ابن القعقاع وعمارة أكبر منه. روى عن: الشعبي، وابن سيرين، وأبي
زرعة، وغير هم. روى عنه: الثوري، وابن عيينة، وشعبة، وجماعة
آخرون. قال الثوري: ثقة. وقال أبو حاتم: كوفي ثقة. مات سنة
__________
(1) تفرد به أبو داود.(2/87)
/أربع وأربعين ومائة. روى له: مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن
ماجه.
وامرأة مسروق هي قَمير، وقد ذُكرت.
قوله: " مثله " أي: مثل الحديث الماضي، ولكن كان ذاك موقوفاً وهذا
مرفوع.
ص- قال أبو داود: وحديثُ عديِّ بنِ ثابتٍ والأعمش عن حبيب وأيوب
أبي العلاء كلها ضعيفة، لا يصح منها شيءٌ
ش- حديث عدي الذي أخرجه ابن أبي شيبة، وحديث الأعمش،
أخرجه وكيع، وحديث أيوب بن أبي مسكين الذي أخرجه أحمد بن سنان.
ص- ودل على ضعف حديث الأعمش عن حبيب هذا الحديثُ، أوقفه
حفصُ بن غياث عن الأعمش، وَأنكر حفصُ بن غياث أن يكونَ حديثُ
حبيب مرفوعاً، وأوقفه أيضا أسباط عن الأعمشِ موقوفاً على عائشة ورواه
ابنُ داوَد عن الأعمشِ مرفوعاً أوله، وأنكر أن يكون فيه الوضوء، ودل على
ضعف حديث حبيب هذا أن روايةَ الزهري، عن عروةَ، عن عائشةَ قالت:
" فكانت تغتسَلُ لكل صلاةٍ " في حديث المستحاضة.
ش- أشار بهذا الكلام إلى تضعيف حديث الأعمش.
الحاصل في بيان ضعف حديث الأعمش: أن حفص بن غياث أنكر أن
يكون هذا الحديث مرفوعاً وأوقفه عن الأعمش على عائشة، وكذلك أوقفه
أسباط عن الأعمش على عائشة، ورواه ابن داود عن الأعمش مرفوعاً إلى
النبي- عليه السلام- أوله، وأنكر أن يكون فيه الوضوء، فيكون معلولاً
من جهة المتن ومن جهة الإسناد، وكذا علله البيهقي.
قلت: إن كان حفص وأسباط روياه موقوفاً على عائشة، فكذلك رواه
وكيع، وسعيد بن محمد الوراق، وعبد الله بن نمير، والجُريري مرفوعاً،
فتُرجح رواياتهم؛ لأنها زيادة ثقة، ولأنهم أكثر عدداً، ومثل هذا ذكر(2/88)
الدارقطني، وتُحمل رواية من أوقفه على عائشة أنها سمعته من النبي
- عليه السلام-، فروته مرة، وأفتت به مرهَ أخرى.
قوله: " ودل على ضعف حديث حبيب ... " إلى آخره. دليل آخر على
تضعيفه، وكذا علل البيهقي في تضعيفه.
قلنا: هذا لا يدل على ضعف حديث حبيب؛ لأن الاغتسال لكل
صلاة في رواية الزهري مضاف إلى فعلها، ويحتمل أن يكون اختياراَ
منها، والوضوء لكل صلاة في حديث حبيب مروي عنه- عليه السلام-،
ومضاف إليه وإلى أمره.
وحفص بن غياث بن طلق النخعي، وقد ذكر.
وأسباط بن محمد بن عبد الرحمن بن خالد بن ميسرة القرشي
أبو محمد الكوفي. سمع: أبا إسحاق الشيباني، والأعمش، وعمرو
ابن قيس الملائي، وغيرهم. روى عنه: أحمد بن حنبل، وقتيبة، وابن
أبي شيبة، وغيرهم. قال ابن معين: هو ثقة. وقال أبو حاتم:
صالح. توفي بالكوفة في المحرم سنة مائتين. روى له الجماعة.
وابن داود هو: عبد الله بن داود الخُرَيبي أبو محمد البصري، وقد
ذكرناه.
قوله: " فكانت تغتسل " أي: قالت عائشة: فكانت المستحاضة تغتسل
لوقت كل صلاة، واللام للتوقيت.
ص- وروى أبو اليقظان، عن عدي، عن أبيه، عن علي وعمار مولى بني
هاشم، عن ابن عباس.
ش- أبو اليقظان: عثمان بن عمير، وعمار بن أبي عمار الهاشمي.
والمعنى: أن حديث حبيب هذا رواه عدي، عن أبيه، عن علي بن
أبي طالب- رضي الله عنه- موقوفاً، ورواه عمار، عن ابن عباس
أيضاً موقوفاً.(2/89)
ص- وروى عبد الملك بن ميسرة، وبيان، والمغيرة، وفراس، ومجالد،
عن الشعبي حديث قَمِير، عن عائشةَ: توضئِي لكل صلاةٍ.
ش- عبد الملك بن ميسرة الهلالي العامري الكوفي أبو زيد الزراد.
سمع: عبد الله بن عمر، والنزال بن سبرة، وزيد بن وهب، وجماعة
آخرين. روى عنه: الأعمش، ومسعر، وشعبة، وغيرهم. وقال ابن
معين وأبو حاتم: ثقة. توفي في زمن خالد بن عبد الله. روى له
الجماعة.
وبيان بن بشر الأحمسي البجلي أبو بشر الكوفي المعلم. سمع: أنس
ابن مالك، والشعبي، وطلحة بن مصرف، وغيرهم. روى عنه:
الثوري، وشعبة، وأبو عوانة، وجماعة آخرون. قال أحمد وأبو حاتم:
ثقة. روى له الجماعة.
والمغيرة بن مقسم أبو هشام الضبي الكوفي. سمع: أبا وائل،
والشعبي، والنخعي، وغيرهم. روى عنه: الثوري، وشعبة،
وأبو عوانة، وغيرهم. قال ابن معين: هو ثقة مأمون، وكان أعمى.
توفي سنة/ست وثلاثين ومائة.
وفراس بن يحيى الهمداني أبو يحيى الكوفي المكتب. روى عن:
الشعبي، وأبي صالح السمان، وعطية بن سعد. روى عنه: الثوري،
وسعيد، وشيبان بن عبد الرحمن، وشريك النخعي، وغيرهم. قال ابن
معين: ثقة. وقال أبو حاتم: شيخ، ما بحديثه بأس. روى له الجماعة.
ومجالد بن سعيد بن عمير الهمداني أبو عمير الكوفي. روى عن:
قيس بن أبي حازم، والشعبي، ومرة الهمداني، وغيرهم. روى عنه:
الثوري، وابن عيينة، ويحيى القطان، وجماعة آخرون. وقال ابن
معين: ضعيف الحديث، واهي الحديث. وقال ابن حنبل: ليس بشيء.
مات سنة أربع وثلاثين ومائة. روى له الجماعة إلا البخاري.
ص- ورواية داود وعاصم عن الشعبي عن قَمير، عن عائشةَ: تغتسلُ
لكلِّ يومٍ مرةً.(2/90)
ش- " رواية " مبتدأ، وخبره: قوله: " تغتسل لكل يوم مرة "،
وسيجيء أنه في حديث عاصم: " تغتسل عند الظهر "، ويكون اغتسالها
في كل يوم مرة واحدة، ولكن عند الظهر.
وداود هو ابن أبي هند البصري، وعاصم بن سليمان الأحول،
والشعبي هو عامر، وقمير امرأة مسروق، وعائشة الصِّدَيقة- رضي الله
عنها-.
ص- وروى هشام بن عروة، عن أبيه: أن المستحاضةَ توضأ لكل صلاةٍ.
ش- " توضأ " بالرفع، وأصله تتوضأ، وقد مر غير مرة.
ص- وهذه الأحاديث كلها ضعيفة، إلا حديث قمير، وحديث عمار
مولى بني هاشم، وحديث هشام بن عروة، عن أبيه.
ش- هذه إشارة إلى الأحاديث التي تقدمت، التي فيها ذكر الوضوء.
ص- والمعروف عن ابن عباس الغسل.
ش- يعني رواية الغسل عن ابن عباس هي المعروفة دون رواية الوضوء،
فافهم.
103- باب: من قال المستحاضة تغتسل من طهر إلى طهر
أي: هذا باب في بيان قول من قال: إن المستحاضة تغتسل من طهر
إلى طهر.
285- ص- ثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن سُمي مولى
أبي بكر، عن القعقاع، وزيد بن أسلم أرسلاه إلى سعيد بن المسيب يسأله:
كيف تَغتسلُ المستحاضةُ؟ قال: تَغتسلُ من طهر إلى طهر، وتوضأ لكل
صلاة، فإن غَلَبَهَا الدمُ استثفَرت بثوبٍ (1) . "
__________
(1) تفرد به أبو داود.(2/91)
ش- الضمير المرفوع في " أرسلاه " يرجع إلى القعقاع بن حكيم وزيد
ابن أسلم مولى عمر [بن] الخطاب، والضمير المنصوب يرجع إلى سُمي
مولى أبي بكر الصِّدِّيق.
قوله: " من طهر إلى طهر " بالطاء المهملة فيهما، والمعنى: من وقت
انقطاع دم الحيض. وقال أبو داود: قال مالك: إني لأظن حديث ابن
المسيب " من ظهر إلى ظهر ". يعني: أظنه بالظاء المعجمة، إنما هو " من
طهر إلى طهر " بالطاء المهملة، ولكن الوهم دخل فيه فقلبه الناس: " من
ظهر إلى ظهر ".
وقال الخطابي (1) : لأنه لا معنى للاغتسال من وقت صلاة الظهر إلى
مثلها من الظهر، ولا أعلمه قولاً لأحد من الفقهاء، وإنما هو من طهر
إلى طهر- يعني: بالمهملة فيهما- وهو وقت انقطاع دم الحيض، وقد
يجيء ما رُوي من الاغتسال من ظهر إلى ظهر بالمعجمة فيهما في بعض
الأحوال لبعض النساء، وهو أن تكون المرأة قد نسيت الأيام التي كانت
عادتها، ونسيت الوقت أيضاً، إلا أنها تعلم أنها كل ما انقطع دمها في
أيام العادة كان وقت الظهر، فهذه يلزمها أن تغتسل عند كل ظهر،
وتتوضأ لكل صلاة ما بينها وبين الظهر من اليوم الثاني، فقد يحتمل أن
يكون سعيد بن المسيب إنما سئل عن امرأة هذه حالها، فنقل الراوي
الجواب، ولم ينقل السؤال على التفصيل.
قوله: " وتوضأ " أصلها: تتوضأ، وقد مر مثله غير مرة.
ومعنى " استثفرت بثوب " شدّت فرجها بثوب، وقد مر على التفصيل.
ص- قال أبو داود: ورُوي عن ابن عمر، وأنس بن مالك: تغتسلُ من
طُهرٍ إلى طُهر، وكذلك رواه داود، وعاصم، عن الشعبي، عن امرأته، عن
قمير، عن عائشة، إلا أن داود قال: كل يومٍ. وفي حديث عاصم قال: عندَ
الَطهرِ، وهو قول سالم بن عبد الله، والحسن، وعطاء.
__________
(1) معالم السنن (1/79- 80) .(2/92)
ش- داود هو ابن أبي هند/البصري، وقد ذكر، وعاصم هو أبن
سليمان الأحول البصري، وسالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب،
والحسن البصري، وعطاء بن أبي مسلم الخراساني.
***
104- باب: من قال: تغتسل كل يوم مرة، ولم يقل: عند الطهر
أي: هذا باب في بيان قول من قال: تغتسل المستحاضة كل يوم مرة
واحدة.
286- ص- حدَّثنا أحمد بن حنبل قال: نا عبد الله بن نُمير، عن محمد
ابن أبي إسماعيل، عن معقل الخثعمي، عن عليّ قال: المستحاضةُ إذا
انقضَى حيضُها اغتسلت كلَّ يومٍ، واتخذت صُوفةً فيها سمن أو زيتٌ (1) .
ش- عبد الله بن نمير أبو هشام الكوفي.
ومحمد بن أبي إسماعيل، واسم أبي إسماعيل راشد الكوفي أخو
إسماعيل وعمرو. روى عن: الشعبي، وأبي الضحى مسلم بن صبيح،
وعبد الرحمن بن هلال. روى عنه: الثوري، ويحيى القطان،
وعبد الواحد بن زياد، وغيرهم. مات سنة اثنتين وأربعين ومائة. روى
له: مسلم، وأبو داود، والنسائي.
ومعقل الخثعمي- بالعين المهملة، ثم القاف- قد ذُكر.
وإنما أمر علي- رضي الله عنه- بالاغتسال كل يوم لأجل الاحتياط،
وأما الصوفة التي فيها السمن أو الزيت فإنها مما يدفع الدم وينشفه.
***
105- باب: من قال: تغتسل في الأيام
أي: هذا باب في بيان قول من قال: تغتسل المستحاضة في الأيام.
287- ص- حدَثنا عبد الله بن مسلمة قال: ثنا عبد العزيز- يعني: ابن
__________
(1) تفرد به أبو داود.(2/93)
محمد-، عن محمد بن عثمان، أنه سأل القاسم عن المستحاضة قال: تَدعُ
الصلاة أيامَ أَقرائهَا، ثم تغتسلُ فَتصلِّي، ثم تغتسل في الأيامِ (1) .
ش- عبد العزيز بن محمد الدراوردي.
ومحمد بن عثمان بن عبد الرحمن بن سعيد بن يربوع القرشي المخزومي
المدني. سمع: القاسم بن محمد، وسالم بن عبد الله، وسعيد بن
المسيب، وجده عبد الرحمن، وابن أبي سندر. روى عنه: عبد العزيز
ابن محمد الدراوردي، وحاتم بن إسماعيل، وصفوان بن عيسى. قال
أحمد: هو ثقة. وقال أبو حاتم: شيخ مدني محله الصدق. روى له
أبو داود.
قوله: " أيام أقرائها " أي: أيام حيضها.
قوله: " ثم تغتسل في الأيام " معناه: كل يوم، وحكم هذا الباب
والذي قبله في المعنى على السواء، فافهم.
ص- قال أبو داود: ورواه المسور بن عبد الملك بن سعيد بن عبد الرحمن
ابن يربوع قال: إنما هو " من طَهر إلى طهر " فقلبها الناس " من ظهر إلى
ظهر ". قال مالك: إني لأظن حديث سعيد بن المسيب " بن طُهر إلى طُهر "
إنما هو " من ظهر إلى ظهر "، ولكن الوهم دخل فيه فقلبها الناس فقالوا ":
من طُهر إلى طُهر.
ش- أي: روى هذا الحديث المسور ولكن قال: إنما هو من طهر إلى
طهر بالمهملة فيهما.
قوله: " فقلبها الناس " أي: صحفوها وجعلوها من ظهر إلى ظهر
بالمعجمة فيهما، وقد مر الكلام فيه.
__________
(1) تفرد به أبو داود.(2/94)
106- باب: فيمن قال: توضأ لكل صلاة
أي: هذا باب في بيان قول من قال: إن المستحاضة تتوضأ لكل صلاة.
88 2- ص- حدَّثنا ابن المثنى فال: نا ابن أبي عدي، عن محمد- يعني:
ابن عمرو- قال: نا ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن فاطمة بنت
أبي حبيش: أنها كانت تُستحاضُ، فقالَ لها النبيُ- عليه السلام-: " إذا
كان دَمُ الحَيضِ فإنه دَمٌ أسودُ يُعرفُ، فإذا كان ذلك فاع مسكِي عن الصلاة،
فإذا كان الآخرُ فتوضَّئِي وصَلي " (1) .
ش- ابن المثنى هو محمد بن المثنى، وابن أبي عدي هو محمد بن
أبي عدي، ومحمد بن عمرو بن حلحلة الديلي.
قوله: " تُستحاض " على صيغة المجهول.
قوله: " فإذا كان الآخر " أي: غير الا سود، وهو يشمل سائر الألوان
غير الأسود، وقد مضى الكلام فيه عندما تقدم الحديث.
ص- قال أبو داود: قال ابن المثنى: ونا به ابن أبي عدي حفظاً فقال: عن
عروةَ، عن عائشة أن فاطمةَ. قال أبو داود: روي عن العلاء بن المسيب،
وشعبة، عن الحكم، عن أبي جعفر، قال العلاء: عن النبي- عليه السلام-
وأوقفه شعبة على أبي جعفر: توضئي لكل صلاة.
ش- " حفظاً " نصب على التمييز. وقد تقدم هذا مرة من أن ابن
أبي عدي قد حدث بهذا ابن المثنى عن كتابه مرة، وعن حفظه أخرى.
والعلاء بن المسيب/بن رافع الكوفي، والحكم بن عُتَيبة، وأبو جعفر
محمد بن علي الباقر، وقد ذكر غير مرة.
__________
(1) النسائي: كتاب الطهارة، باب: ذكر الاغتسال من الحيض (1/116) ،
و (1/121، 123، 181، 183، 185) ، وكتاب الطلاق (6/211) ،
وتقدم برقم (264) .(2/95)
107- باب: فيمن لم يذكر الوضوء إلا عند الحدث
أي: هذا باب في بيان قول من لم يذكر الوضوء للمستحاضة إلا عند
الحدث.
289- ص- حدَّثنا زِياد بن أيوب قال: نا هشيم. قال: أنا أبو بشر، عن
عكرمة: أن أم حبيبةَ بنت جحش استحيضت فأمَرَهَا النبيُ- عليه السلام-
أن تَنتَظرَ أيامَ أقرائهَا، ثم تغتسلُ وتُصَلَي، فإن رَأت شيئاً من ذلك تَوضأت
وَصَلَت (1) .
ش- زياد بن أيوب البغدادي، وهشيم بن بشير، وأبو بشر جعفر بن
إياس الواسطي.
قوله: " أيام أقرائها " أي: أيام حيضها، فإذا خرجت أيام حيضها
تغتسل وتصلي، فإن رأت بعد ذلك شيئاً توضأت وصلت، ولا يُنتقضُ
وضؤوها إلا بخروج الوقت عند أبي حنيفة ومحمد، وعند أبي يوسف
ينتقض بالدخول أيضا، وقال زفر: ينتقض بالدخول والخروج، وهو
مذهب أحمد في أصح الروايتين عنه، وقد عرف في الفروع، وهذا
الحديث مرسل.
ص- قال أبو داود: وهو قولُ مالكِ وربيعةَ.
ش- أي: المذكور من الحكم هو قول مالك وربيعة بن أبي عبد الرحمن
المدني القرشي. وقال الخطابي: الحديث لا يشهد لما ذهب إليه ربيعة،
وذلك أن قوله: " فإن رأت شيئاً من ذلك توضأت وصلت " يوجب عليها
الوضوء ما لم تتيقن زوال تلك العلة وانقطاعها عنها، وذلك لأنها لا تزال
ترى شيئاً من ذلك أبدا إلا أن تنقطع عنها العلة، وقد يحتمل أن
يكون قوله: " فإن رأت " بمعنى: فإن علمت شيئاً من ذلك، ورؤية
الدم لا تدوم أبداً، وقال أهل التفسير في قوله تعالى: (وَأرِنَا
__________
(1) النسائي: كتاب الحيض، باب: ذكر الاستحاضة وإقبال الدم وإدباره
(1/181) .(2/96)
مَنَاسكَنَا) (1) معناه: علمنا، وقول ربيعة شاذ وليس العمل عليه، وهذا
الحدَيث منقطع، وعكرمة لم يسمع من أم حبيبة بنت جحش. قلت:
كلام الخطابي ليس عن تروّ؛ لأن معنى قوله: " توضأت وصلت "
يوجب عليها الوضوء بعد انقطاع أيام عادتها عند كل وقت، سواء تيقنت
زوال تلك العلة أو لا، وقوله: " قول ربيعة شاذ " غير صحيح؛ لأن
مذهب ربيعة أنه لا يرى عليها وضوءاَ عند كل صلاة إلا أن يصيبها حدث
هو عين مذهب أبي حنيفة وأصحابه؛ لأن أبا حنيفة أيضاً لا يرى عليها
الوضوء عند كل صلاة، وإنما يرى عليها الوضوء عند كل وقت صلاة،
فإذا خرج الوقت بطل وضوؤها كما ذكرنا.
290- ص- ثنا عبد الملك بن شعيب قال: ثنا عبد الله بن وهب قال:
حدَّثني الليث، عن ربيعة، أنه كان لا يَرَى على المُستَحَاضَة وُضوءا عندَ كلِّ
صلاةِ إلا أن يُصِيبَهَا حَدَثٌ غيرُ الدَّم، فَتَوَضأ (2) .
ش- عبد الملك بن شعيب بن الليث بن سعد المصري، أبو عبد الله
الفهمي. روى عن: أبيه، وعبد الله بن وهب. روى عنه: أبو حاتم
وقال: صدوق، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، وغيرهم. مات سنة
ثمان وأربعين ومائتين.
قوله: " حدث غير الدم " مثل خروج الريح والغائط والبول ونحوها.
***
108- باب: المرأة ترى الكدرة والصفرة
أي: هذا باب في بيان المرأة التي ترى الكدرة والصفرة.
291- ص- حدَّثنا موسى بن إسماعيل قال: نا حماد، عن قتادة، عن
أم الهذيل، عن أم عطية- وكانت بَايعت النبيَّ- عليه السلام- قالت: كُنَّا
لا نَعُدُّ الكُدرةَ والصُّفرَةَ بعدَ الطُّهرِ شيئاً (3) .
__________
(1) سورة البقرة: (128) .
(2) تفرد به أبو داود.
(3) البخاري: كتاب الحيض، باب: الصفرة والكدرة في غير أيام الحيض (326) =
7* شرح سنن أبى داوود 2(2/97)
ش- حماد بن سلمة.
وأم الهذيل: حفصة بنت سيرين الأنصارية البصرية، أخت محمد
وإخوته. سمعت: أنس بن مالك، وأم عطية الأنصارية. روى عنها:
محمد وإخوته، [وأيوب] السختياني، وعاصم الأحول، وهشام بن
حسان، وخالد الحذاء. روى لها الجماعة. قال ابن معين: ثقة حجة.
وقال أحمد بن عبد الله: هي ثقة.
وأم عطية قال أحمد: اسمها نسيبة وقال غيره: نُسَيبة بنت كعب.
ويقال: بنت الحارث الأنصارية. رُوي لها عن رسول الله أربعون حديثاً،
اتفقا على ستة، وللبخاري حديث، ولمسلم آخر. روى عنها: ابن
سيرين، وأخته حفصة. روى لها الجماعة. نزلت البصرة وسكنتها.
قوله: " كنا لا نعد الكدرة والصفرة " الكُدرة: اسم الكَدَر،
والكُدُورة: من كدر الماء بالضم يكدر، وجاء كَدِرَ يكدَر مثل عَلمَ يعلَم،
والكدر خلاف الصفو، يقال فيه: مثل فخِذ وفَخذ، والصفرة: لون
الأصفر، وقد اصفر الشيء واصفار، وصفَّره غيره، واختلف الناس في
الصفرة والكدرة بعد الطهر والنقاء، فروي عن عليّ- رضي الله عنه-
/أنه قال: ليس ذلك بحيض، ولا يترك لها الصلاة، ولتتوضأ ولتصل،
وهو قول سفيان الثوري، والأوزاعي. وقال سعيد بن المسيب: إذا رأت
ذلك اغتسلت وصلت، وبه قال أحمد بن حنبل. وعن أبي حنيفة: إذا
رأت بعد الحيض وبعد انقطاع الدم الصفرة أو الكدرة يوماً أو يومين ما لم
تجاوز العشرة فهو من حيضها، ولا تطهر حتى ترى البياض خالصاً.
واختلف قول أصحاب الشافعي في هذا، فالمشهور من مذهب أصحابه
أنها إذا رأت الصفرة أو الكدرة بعد انقطاع دم العادة ما لم تجاوز خمسة
__________
النسائي: كتاب الحيض، باب: الصفرة والكدرة (1/186) ، ابن ماجه:
كتاب الطهارة، باب: ما جاء في الحائض ترى بعد الطهر الكدرة والصفرة
(647) .(2/98)
عشر يوماً فإنها حيض. وقال بعضهم: إذا رأتها في أيام العادة كانت
حيضاً، ولا يعتبر بها فيما جاوزها، فأما البكر إذا رأت أول ما رأت الدم
صفرة أو كدرة فإنهما لا يعدان في قول أكثر الفقهاء حيضا، وهو قول
عائشة، وعطاء. وقال بعض أصحاب الشافعي: حكم المبتدأة بالصفرة
والكدرة حكم الحيض، وحجة أصحابنا ما رواه مالك. وعند محمد بن
الحسن في موطئهما، عن علقمة بن أبي علقمة، عن أمه مولاة عائشة
قالت: كانت النساء يبعثن إلى عائشة بالدرجة فيها الكرسف فيه الصفرة
من دم الحيضة يسألنها عن الصلاة، فتقول لهن: لا تعجلن حتى ترين
القَصة البيضاء، تريد بذلك الطهر من الحيضة. ورواه عبد الرزاق في
" مصنفه " (: أخبرنا معمر، عن علقمة بن أبي علقمة به سواء. وأخرجه
البخاري في " صحيحه " تعليقاً ولفظه: قال: وكن النساء يبعثن إلى
عائشة بالكرسف فيه الصفرة، فتقول: لا تعجلن حتى ترين القصة
البيضاء.
وفي " المصنف " (1) : ثنا عبد الأعلى بن عبد الأعلى، عن محمد بن
إسحاق، عن فاطمة بنت المنذر، عن أسماء بنت أبي بكر قالت: كنا
في حجرها مع بنات أبيها، فكانت إحدانا تطهر، ثم تصلي، ثم تنكس
بالصفرة اليسيرة فنسألها، فتقول: اعتزلن الصلاة ما رأيتن ذلك، حتى لا
ترين إلا البياض خالصاً. والقَصّةُ- بالقاف المفتوحة، وتشديد الصاد
المهملة- هي الجص. وقول عائشة أقوى من قول أم عطية؛ لأنها أعلم
وأدرى وأقرب إلى الرسول- عليه السلام-، وحديث أم عطية أخرجه
البخاري، والنسائي، وابن ماجه، ولكن ليس فيه " بعد الطهر ". فإن
قيل: ما حكم الخُضرة؟ قلت: الصحيح إن كانت المرأة من ذوات الأقراء
تكون حيضاً، ويحمل على فساد الغذاء، وإن كانت كبيرة لا ترى غير
الخضرة يحمل على فساد المنبت فلا يكون حيضاً.
__________
(1) ابن أبي شيبة (1/94) .(2/99)
292- ص- حدَّثنا مسدد قال: نا إسماعيل قال: أنا أيوب، عن محمد
ابن سيرين، عن أم عطية بمثله. قال أبو داود: أم الهذيل هي حفصة، كان
ابنها اسمه هذيل، واسم زوجها عبد الرحمن (1) .
ش- إسماعيل ابن علية، وأيوب السختياني. أشار بهذا أبو داود إلى
طريقة أخرى في التخريج.
109- باب: المستحاضة يغشاها زوجها
أي: هذا باب في بيان حكم المستحاضة التي يقربها زوجها.
293- ص- حدَثنا إبراهيم بن خالد قال: نا مُعلى- يعني: ابن منصور-
عن عليّ بن مسهر، عن الشيباني، عن عكرمة قال: كانت أمُّ حبيبةَ
تُستحاضُ، وكان زوجُها يَغشَاهَا (2) .
ش- إبراهيم بن خالد بن أبي اليمان الكلبي.
ومُعلى بن منصور أبو يعلى الرازي، سكن بغداد. روى عن: مالك
ابن أنس، والليث بن سعد، وحماد بن زيد، وابن عيينة، وأبي يوسف
القاضي، وغيرهم. روى عنه: زهير بن حرب، وأبو قدامة السرخسي،
وأبو ثور، والبخاري في غير " الجامع "، وغيرهم. قال أحمد بن
حنبل: كان يحدث بما وافق الرأي، وكان كل يوم يخطئ في حديثين
وثلاثة. وفي لفظ: كان يكتب الشُّرُوطَ، ومن كتبها لم يَخلُ [من] أن
يكذب. وقال أحمد بن عبد الله: ثقة، صاحب سُنَة. وقال ابن معين:
ثقة. وقال ابن سعد: كان صدوقاً، صاحب حديث ورأي وفقه.
__________
(1) البخاري: كتاب الحيض، باب: الصفرة والكدرة في غير أيام الحيض
(326) ، النسائي: كتاب الحيض، باب: الصفرة والكدرة (1/186) ، ابن
ماجه: كتاب الطهارة، باب: ما جاء في الحائض ترى بعد الطهر الصفرة
والكدرة (647،.
(2) تفرد به أبو داود(2/100)
توفي سنة إحدى عشرة ومائتين. روى له: أبو داود، والترمذي، وابن
ماجه 0
وعلي بن مسهر أبو الحسن الكوفي القرشي، قاضي الموصل، أخو
عبد الرحمن. سمع: إسماعيل بن أبي خالد، وأبا إسحاق الشيباني
وبشيراً، وابن جريج، والأعمش، وغيرهم. روى عنه: الحسن بن
الربيع، وبشير بن آدم، وزكريا بن عدي/، وغيرهم. قال ابن معين:
ثقة. وقال أبو زرعة: صدوق ثقة. مات سنة تسع وثمانين ومائة. روى
له الجماعة.
والشيباني هو أبو إسحاق.
قوله: " وكان زوجها يغشاها " من غشيها غشياناً، إذا جامعها.
واعلم أن المستحاضة لها حكم الطاهرات في معظم الأحكام، فيجوز
لزوجها وطؤها في حال جريان الدم عند الجمهور، وهو المنقول عن:
ابن عباس، وابن المسيب، والحسن البصري، وعطاء، وسعيد بن
جبير، وقتادة، وحماد بن أبي سليمان، وبكر بن عبد الله المزني،
والأوزاعي، والثوري، وأبي ثور، ومالك، والشافعي. قال ابن
المنذر: وبه أقول. وعن عائشة: إنما (1) لا يأتيها زوجها، وبه قال
النخعي والحكم، وكرهه ابن سيرين، وقال أحمد: لا يأتيها إلا أن
تطول. وفي رواية: إلا أن يخاف زوجها العنت. واستدلت الجمهور
بهذا الحديث، وإسناده حسن، ورواه البيهقي أيضاً وغيرهما.
294- ص- نا أحمد بن [أبي] سُريج الرازي قال: أخبرني عبد الله بن
الجهم قال: نا عمرو- يعني: ابن أبي قيس- عن عكرمة، عن حمنة بنت
جحش: أنها كانت مُستحاضة، وكان زوجُها يُجَامعُهَا (2) .
ش- أحمد بن أبي سُريج- بالسين المهملةَ والجيم- وهو أحمد بن
الصباح النهشلي أبو جعفر الدارمي الرازي، يعد في البغداديين. سمع:
إسماعيل ابن علية، ووكيعاً، ومروان بن معاوية، وغيرهم. روى عنه:
__________
(1) كذا.
(2) تفرد به أبو داود.(2/101)
أبو زرعة، وأبو حاتم، والبخاري، وأبو داود، والنسائي. وقال
أبو حاتم: صدوق.
وعبد الله بن جهم أبو عبد الرحمن الرازي. روى عن: عمرو بن
أبي قيس، وزكريا بن ملازم، وعكرمة بن إبراهيم، وغيرهم. روى عنه:
أحمد بن أبي سريج، ويوسف بن موسى، ونوح بن أنس، وغيرهم.
قال أبو زرعة: كان صدوقاً، رأيته ولم أكتب عنه. روى له أبو داود.
وعمرو بن أبي قيس الرازي كوفي، نزل الري. روى عن: عاصم بن
بهدلة، وسماك بن حرب، ومحمد بن المنكدر، وأيوب السختياني،
وغيرهم. روى عنه: إسحاق بن سليمان، ومحمد بن سعيد، والسندي
ابن عبدون، وغيرهم. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي،
وابن ماجه. وقال الشيخ زكي الدين: في سماع عكرمة عن أم حبيبة
وحمنة نظر، وليس فيهما ما يدل على سماعه منهما، والله أعلم.
***
110- باب: وقت النفساء
أي: هذا باب في بيان وقت النفساء، يقال: امرأة نفساء، إذا ولدت،
وجمعها " نفساوات " مثل عشراء تجمع على " عشراوات "، وامرأتان
نفساوان، أبدلوا من همزة التأنيث واواَ، وقد نفست المرأة بالكسر،
ويقال أيضاً: نُفسَت المرأةُ غلاماً على ما لم يسم فاَعله، والولد منفوس
والنفاس ولادة الَمرأةَ. وقالت الفقهاء: النفاس: دم يعقب الولد، وفي
" المغرب ": والنفاس أيضاً جمع " نفساء ".
295- ص- حدثنا أحمد بن يونس قال: نا زهير قال: نا علىّ بن
عبد الأعلى، عن أبي سَهل، عن مسة، عن أم سلمة: كانتِ النفساء على
عهد رسول الله- عليه السلام- تقعد بعدَ نفَاسهَا أربعين يوماً أو أربعين
ليلة وكما نُطلِي على وجوهِنَا الوَرسَ، تعني: من اَلكَلَفِ (1) .
__________
(1) الترمذي: كتاب الطهارة، باب: ما جاء كم تمكث النفساء (139) ، ابن
ماجه: كتاب الطهارة، باب: النفساء كم تجلس (648) .(2/102)
ش- أحمد بن يونس بن زهير الضبي، وزهير بن معاوية.
وعلي بن عبد الأعلى الأحول أبو الحسن الكوفي الثعلبي. روى عن:
أبيه، وأبي سَهل، والحكم بن عتيبة. روى عنه: شجاع بن الوليد،
وزهير بن معاوية، وعمرو بن أبي قيس، وغيرهم. قال أحمد بن حنبل:
ليس به بأس. وقال البخاري: ثقة. روى له: أبو داود، والترمذي،
والنسائي، وابن ماجه.
وأبو سهل: كثير بن زياد البُرساني الأزدي، بصري الأصل، سكن
بلخ. سمع: الحسن البصري، وأبا سمية، ومُسّة. روى عنه: غالب
ابن سليمان، وحماد بن زيد، وعمر بر الرماح، وجماعة آخرون 0 قال
ابن معين: ثقة. وقال أبو حاتم: لا بأس به. روى له: أبو داود،
والترمذي، وابن ماجه.
ومُسّة الأزدية: أم بُسَّة، روت عن: أم سلمة أم المؤمنين. روى عنها:
كثير بن زياد. روى لها: أبو داود، والترمذي، وابن ماجه.
قوله: " على عهد رسول الله " أي: في زمانه وأيامه.
قوله: " بعد نفاسها " أي: بعد ولادتها.
قوله: " وكنا نطلي " من طليت الشيء بالدهن وغيره طلياً، وتطليت
به، وأطليت به.
و" الوَرس " بفتح الواو وسكون الراء، وفي آخره سين مهملة: نبت
يكون باليمن،/يخرج على الرَّمث بين الشتاء والصيف، والرمث
- بكسر الراء، وسكون الميم، وبعدها ثاء مثلثة-: مرعى من مراعي الإبل،
وهو من الحَمض، وأورس الرّمثُ أي: اصفر ورقه بعد الإدراك، فصار
عليه مثل المُلاء الضُفر، والحمض ماء ملح وأمر من النبات. وقال
الجوهري: الوَرس نبت أصفر يكون باليمن تتخذ منه الغُمرة للوجه،
تقول فيه: أورس المكان فهو وارس، ولا يقال: مورس، وهو من(2/103)
النوادر. وقال ابن الأثير: الوَرسُ: نبت أصفر يُصبغ به. قلت: وفي
البلاد الشمالية يصبغون به الأقراص والخشلنانج.
قوله: " من الكَلَف " الكلف: شيء يعلو الوجه كالسمسم، وهو لون
بين السواد والحمرة، وهي حمرة كدرة تعلو الوجه، وهو بفتح الكاف
واللام.
وبهذا الحديث تمسك أصحابنا في أكثر النفاس أربعون يوماً، وهو قول
أكثر أهل العلم، وقد رُوي ذلك عن: عمر بن الخطاب، وابن عباس،
وأنس بن مالك، وهو قول سفيان الثوري، وأحمد بن حنبل، وإسحاق
ابن راهويه. وقال أبو عبيد: وعلى هذا جماعة الناس. ورُوي عن
الشعبي وعطاء أنهما جعلا النفاس أقصاه شهرين، وإليه ذهب الشافعي.
وحكي عن مالك أنه كان يقول به في الأول ثم رجع عنه، وقال: تسأل
النساء عن ذلك، ولم يحد فيه حدا. ومما احتج به أصحابنا على
مخالفيهم: ما رواه ابن ماجه بإسناده إلى أنس: أن رسول الله- عليه
السلام- وَقَّت للنفساء أربعين يوماً، إلا أن ترى الطهر قبل ذلك. ورواه
الدارقطني في " سننه "، وما رواه الحاكم في " مستدركه " بإسناده إلى
عثمان بن أبي العاص قال: وَقتَ رسول الله للنفساء أربعين يوماً. ورواه
الدارقطني في " سننه "، وما رواه الطبراني في " معجمه الوسط " بإسناده
إلى جابر قال: وَقَّت للنفساء أربعين يوماً دماً. أخرجه ابن عدي في
" الكامل " بإسناده إلى أبي الدرداء وأبي هريرة قالا: قال رسول الله:
" تنتظر النفساء أربعين يوماً، إلا أن ترى الطهر قبل ذلك، فإن بلغت
أربعين يوماً ولم تر الطهر فلتغتسل وهي بمنزلة المستحاضة ".
وحديث مُسة أخرجه الترمذي، وابن ماجه، وقال الترمذي: لا نعرفه
إلا من حديث أبي سهل عن مُسة الأزدية.
وقال الخطابي: وحديث مسة أثنى عليه محمد بن إسماعيل.
ورواه الحاكم في " المستدرك " وقال (حديث صحيح الإسناد ولم(2/104)
يخرجاه. ورواه الدارقطني والبيهقي في " سننهما "، وقال عبد الحق في
" أحكامه ": أحاديث هذا الباب معلولة وأحسنها حديث مُسة الأزدية. ولا
يلتفت في ذلك إلى كلام ابن القطان حيث قال: وحديث مُسة معلول؛
لأن مُسة لا يعرف حالها ولا عينها، ولا تعرف في غير هذا الحديث. ولا
إلى كلام ابن حبان في كتاب " الضعفاء " أن كثير بن زياد يروي الأشياء
المقلوبات، فاستحق مجانبة ما انفرد به من الروايات لأن البخاري أثنى
على هذا الحديث وقال: مُسة هذه أزدية، وكثير بن زياد ثقة، وكذا قال
ابن معين: ثقة. كما مر.
296- ص- حدثنا الحسن بن يحيى قال: نا محمد بن حاتم قال: نا
عبد الله بن المبارك، عن يوِنس بن نافع، عن كثير بن زياد أبي سهل قال:
حدثتني الأزِدية قالت: حَججتُ فدخلتُ على أمِّ سلمةَ فقلتُ: يا أم المؤمنين
إن سَمُرةَ بن جُندب يأمرُ النِّساءَ يقضينَ صلاةَ المَحيضِ، فقالت: لا تَقضينَ،
كانت المرأةُ من نساًء النبيِّ- عليه الَسلام- تقعدُ في النفاس أربعين ليلَةً لا
يأمرُها النبيُّ- عليه الَسلام- بقضاءِ صلاةِ النفاسِ (1) .
ش- الحسن بن يحيى الرُّزِّي روى عن: عبد الله بن عبد الرحمن،
ومحمد بن حاتم الجرجرائي، ومحمد بن بلال. روى عنه: أبو داود،
وحجاج بن الشاعر، وأحمد بن عمرو البزار، وغيرهم. ومحمد بن
حاتم بن يونس الجرجرائي المعروف بحبي- بكسر الحاء المهملة وبعدها باء
موحدة- روى عن: عبد الله بن المبارَك. روى عنه: أبو داود، وجعفر
ابن محمد القطان 0 قال أبو حاتم: وكان صدوقاً، وروى النسائي عن
رجل عنه. مات سنة خمس وعشرين ومائتين.
/ويونس بن نافع الخراساني أبو غانم. روى عن: عمرو بن دينار،
وأبي سهل كثير بن زياد. روى عنه: ابن المبارك، ويحيى بن واضح،
ومعاذ بن أسد، وعتبة بن عبد الله المروزي. روى له: أبو داود، والنسائي.
__________
(1) تفرد به أبو داود.(2/105)
وهذا الحديث حُجة أيضاً لأصحابنا على مخالفيهم، وقال ابن القطان
في " كتابه ": أزواج النبي- عليه السلام- لم يكن منهن نفساء معه إلا
خديجة، ونكاحها كان قبل الهجرة، فلا معنى لقولها: " كانت المرأة "
إلا أن تريد بنسائه غير أزواجه من بنات وقريبات وسريته مارية.
- ص- قال محمد بن حاتم: واسمها مُسة، وتكنى أم بَسةَ.
ش- محمد بن حاتم المذكور.
قوله: " واسمها " أي: اسم الأزدية " مُسة " بضم الميم، وتكنى:
أم بَسة بفتح الباء الموحدة.
111- باب: الاغتسال من المحيض
أي: هذا باب في بيان اغتسال الحائض من المحيض، أي: الحيض.
297- ص- حدَثنا محمد بن عمرو الرازي قال: نا سلمة- يعني: ابن
الفضل- قال: حدَثني محمد- يعني: ابن إسحاق- عن سليمان بن سحيم
عن أمية بنت أبي الصلت، عن امرأة من غفار وقد سماها لي قالت:
فأردفني النبيُّ- عليه السلام- على حَقِيبةِ رَحله. قالت: فوالله لَنَزَلَ (1)
رسولُ الله إلى الصبح فأناخ، ونزلتُ عن حَقيبةَ رَحله، فإذا بهاَ دَمٌ منَي،
وكانت أول حَيضةٍ حِضتُها، قالت: فتقبضت إلَى النَاقَة واستَحيَيتُ، فلما
رأى رسولُ الله ما بي، ورأى الدمَ قال: " مَا لك؟ لَعَلَكَ نُفستِ " قلت:
نعم. قال: " فَأَصلحِي من نفسك، ثم خُذِي إناءً مَن ماء فاطَرَحَي فيه ملحاً،
ثم اغسلي ما أصاب الحقيبةَ منَ الَدم، ثم عُودي لمَركَبِك ". قالت: فلمَا فَتحَ
رسولُ اللهِ خيبرَ رضَخَ لنا من الفَيءِ. قال: َ وكانت لاَ تَطهرُ من حَيضَة إلا
جعلت في طُهورِهَا مِلحاً، وأوصت به أن يُجعلَ في غُسلِهَا حين مَاتَت (2) .
ش- محمد بن عمرو بن بكر بن سالم، وقيل: بكر بن مالك بن
__________
(1) في سنن أبي داود: " لم يزل ".
(2) تفرد به أبو داود.(2/106)
الحُباب الطّلاس العدوي عدي تميم الرازي التميمي أبو غسان المعروف
بزُنَيج صاحب الطيالسة. سمع: جرير بن عبد الحميد، وعبد الرحمن
ابن مغراء (1) الدوسي، وجابر بن إسماعيل، وسلمة بن. الفضل،
وغيرهم. روى عنه: البخاري، ومسلم، وأبو زرعة، وأبو حاتم
وأبو داود، والترمذي، وغيرهم. مات سنة أربع ومائتين.
وسلمة بن الفضل أبو عبد الله الأبرش الأزرق الرازي، قاضي الري.
سمع: أيمن بن نابل (2) ، ومحمد بن إسحاق، وإسحاق بن راشد،
وغيرهم. روى عنه: يوسف بن موسى القطان، ويحيى بن معين،
ومحمد بن عيسى الدامغاني، وغيرهم. قال ابن معين: وكان يتشيع
وكتبت عنه، وليس به بأس. وقال البخاري: عنده مناكير. وقال
أبو حاتم: محله الصدق، في حديثه إنكار، ليس بالقوي، لا يمكن أن
أطلق لساني فيه بأكثر من هذا، يكتب حديثه ولا يحتج به. وقال محمد
ابن سعد: كان ثقة صدوقاً، وهو صاحب مغازي محمد بن إسحاق.
وتوفي بالري، وقد أتى عليه مائة وعشرون سنة (3) [مات] بعد التسعين
ومائة. روى له: أبو داود، والترمذي، ومحمد بن إسحاق بن يسار.
وسليمان بن سُحَيم- بضم السين، وفتح الحاء المهملتين- أبو أيوب
المدني الخزاعي، مولى بني كعب من خزاعة. روى عن: إبراهيم بن
عبد الله بن مَعبد بن عباس، وطلحة بن عبيد الله بن كَرِيز. روى عنه:
ابن جريج، ومحمد بن إسحاق، وابن عيينة، وغيرهم. قال أحمد بن
حنبل: ليس به بأس. توفي في خلافة أبي جعفر المنصور. وقال ابن
سَعد: وكان ثقة، له أحاديث. روى له الجماعة إلا الترمذي.
وأُمَية بنت أبي الصلت- بضم الهمزة، وفتح الميم، وتشديد الياء آخر
__________
(1) في الأصل: " مغر ".
(2) في الأصل: " نايل ".
(3) في تهذيب الكمال (11/309) : " مائة وعشر سنين "، وكذا في طبقات ابن
سعد (7/381) .(2/107)
الحروف- والصحيح أنها أمنة- بفتح الهمزة، وكسر الميم، وفتح النون-
وهي أم سليمان بن سحيم المذكور.
قوله: " من غفار " وفي بعض النسخ: " من بني غفار ".
قوله: " على حقيبة رَحله " الحقيبة- بفتح الحاء وكسر القاف-: الوعاء
الذي يجمع فيه الرجل متاعه، وتُشَدّ في مؤخَّر الرَّحل، وجمعها:
حقائب، وحقب /مثل: سفينة، وسفائن، وسفن، والرَّحلُ: الذي
يركب عليه على الإبل، وهو الكَور، وهو له كالسرج للفرس.
قو له: " فأناخ " أي: راحلته.
قوله: " فإذا بها " أي: بالحقيبة، وهي فاء المفاجأة، وارتفاع " دم "
على أنه مبتدأ، وقوله: " بها " مقدماً خبره.
وقوله: " مني " في محل الرفع على أنه صفة لقوله: " دم " ومتعلقه
محذوف، أي: دم حاصل مني.
قوله: " وكانت أول حيضة " الضمير الذي في " كانت " يرجع إلى
الدم، والتأنيث باعتبار الحيضة، وانتصاب " أول " على أنه خبر " كانت ".
قوله: " حِضتها " في محل الجر على أنه صفة " حيضة ".
قوله: " فتقبضت إلى الناقة " أي: انزويت، وذلك لأجل استحيائها.
قوله: " ما بي " أي: من التقبض والانزواء والاستحياء.
قوله: " لعلك نُفست " بضم النون وكسر الفاء، بمعنى: حضتِ،
وجاء فتح النون أيضاً، وقال ابن الأثير: يقال: نُفسَت المرأةَ- بضم
النون وفتحها- فهي منفوسة، ونفساء إذا ولدت، فأَما الحيض فلا يقال
فيه إلا نَفِسَت بالفتح.
قوله: " فاطرحي فيه ملحاً " قيل: الملح المطعوم، أمرها به لأجل
المبالغة ير التنقية، ويحوز أن يكون المراد: المِلح الذي يظهر في الأراضي
السبخة والأحجار التي تملح، وهو غير المطعوم، وذلك لما فيه من قوة
الجلاء والتنقية.(2/108)
قوله: " فلما فتح رسول الله خيبر " وكان فتح خيبر في صفر في سنة سبع
من الهجرة، وسميت خيبر باسم رجل من العماليق نزلها، وهو خيبر بن
قانية بن مهلاسل، وبينها وبين المدينة ثمانية بُرد.
قوله: " رضخ لنا من الفيء " الرضخ- بالضاد والخاء المعجمتين-:
العطية القليلة، والفيء: الغنيمة.
ويستفاد من هذا الحديث فوائد، الأولى: جواز إرداف الرجل المرأة
على مركوبه.
الثانية: جواز استعمال الملح في غسل الثوب، وتنقيته من الدم، وفي
معناه سائر المطعومات حتى إنه يجوز غسل الثياب بالعسل إذا كان ثوباً من
إبريسم يفسده الصابون، وبالخل إذا أصابه الحبر ونحوه، ويجوز على هذا
التدلك بالنخالة، وغسل الأيدي بدقيق الباقلاء والترمس ونحوهما من
الأشياء التي لها قوة الجلاء، وعن يونس بن عبد الأعلى: دخلت الحمام
بمصر فرأيت الشافعي يتدلك بالنخالة.
وفي " المصنف ": حدثنا أبو بكر قال: نا أبو أسامة، عن مسعر،
عن حماد، عن إبراهيم، أنه كان لا يرى بأساً أن يغسل الرجل يده بشيء
من الدقيق والسويق.
حدثنا أبو أسامة، عن زائدة، عن أبي معشر قال: أكلت مع إبراهيم
سمكاً، فدعى لي بسويق فغسلت يدي.
وحدثنا يزيد بن هارون، عن حبيب، عن عمرو بن هرم قال: سئل
جابر بن زيد، عن الرجل يغسل يده بالدقيق والخبز من الغَمرِ فقال: لا
بأس بذلك. وجاءت فيه الكراهة أيضاً، قال ابن أبي شيبة: حدثنا ابن
مهدي، عن مبارك، عن الحسن أنه كان يكره أن يغسل يده بدقيق أو
بطحين.
الثالثة: وجوب غسل دم الاستحاضة.
الرابعة: جواز الرضخ من الغنيمة للنساء ومَن في معناهن.(2/109)
298- ص- حدَّثنا عثمان بن أبي شيبة قال: نا سَلام بن سُلَيم، عن
إبراهيم بن مهاجر، عن صفية بنت شيبة، عن عائشةَ قالت: دخلَت أسماء
على رسول الله فقالت: يا رسولَ الله، كيف تَغتسِلُ إِحدَانا إذا طَهُرَت من
المَحِيضِ؟ قَالَ: " تأخذُ سدرَهَا ومَاَءَهَا فتوضأ، وتَغسلُ رَأسَهَا، وتُدَلكُه
حتى يَبلغَ الماءُ أصولَ شعرِهًا، ثم تُفيضُ على جَسَدهَا، ثم تاً خُذ فِرصَتها
فَتَطَّهَر بها ". قالت: يا رسولَ الله، كَيف أتَطَهَّر بها؟ َ قالت عائشةُ: فَعَرَفتُ
الذي يَكنِي عنه رسولُ اللهِ، فقلتَ لها: تَتَبَعِينَ آثَارَ (1) الدم (2) .
ش- سَلام بن سليم أبو الأحوص الكوفي الحنفي الجشمي مولاهم،
وذكر كثيراً في الكتاب بكنيته أبي الأحوص، وسنذكر ترجمته فيما بعد
عندما يذكره أبو داود بقوله أبو الأحوص لا غير.
/وإبراهيم بن مهاجر بن جابر البجلي أبو إسحاق الكوفي. سمع:
طارق بن شهاب، ومجاهد بن جبر، وإبراهيم النخعي، وصفية بنت
شيبة، وغيرهم. روى عنه: الثوري، وشعبة، وشريك، والأعمش،
وسلام بن سُليم. قال سفيان: لا بأس به. وكذا قال أحمد، وقال
يحيى القطان: لم يكن بقوي. وقال أحمد بن عبد الله: هو كوفي جائز
الحديث. وقال ابن عدي: هو عندي أصلح من إبراهيم الهجري،
وحديثه يكتب في الضعفاء. روى له الجماعة إلا البخاري.
قوله: " دخلت أسماء " وهي بنت شكَل كذا وقع في " صحيح مسلم "
بالشين المعجمة والكاف المفتوحتين. قال الشيخ محيي الدين: هذا هو
الصحيح المشهور. وحكى فيه صاحب " المطالع " إسكان الكاف. وقال
__________
(1) في سنن أبي داود: " تتبعين بها آثار ".
(2) البخاري: كتاب الحيض، باب: دلك المرأة نفسها إذا تطهرت من المحيض
(314) ، مسلم: كتاب الحيض، باب: استعمال المغتسلة من الحيض فرصة
من مسك في موضع الدم (332) ، النسائي: كتاب الطهارة، باب: ذكر
العمل في الغسل من الحيض (1/135) ، ابن ماجه: كتاب الطهارة، باب:
في الحائض كيف تغتسل (642) .(2/110)
الخطيب في كتابه " الأسماء المبهمة ": إن اسمها أسماء بنت يزيد بن
السكن التي كان يقال لها: خطيبة النساء. وروى الخطيب حديثاً فيه
تسميتها بذلك، والله أعلم.
قوله: " من المحيض " أي: الحيض.
قوله: " فتوضأ " أي: تتوضأ، حذفت إحدى التائين، أي: توضأ
وضوء الصلاة.
قوله: " ثم تأخذ فرصتها " الفِرصة- بكسر الفاء، وسكون الراء،
وبالصاد المهملة- وهي قطعة من قطن أو صوف تُفرصُ، أي: تقطع،
وقد طيبت بالمسك أو بغيره من الطيب فتتبع بها المرأة أثر الدم، ليقطع عنها
رائحة الأذى.
قوله: " يكني عنه " بفتح الياء وسكون الكاف من الكناية.
قوله: " آثار الدم " الآثار جمع " أثر "، وأثر الشيء: ما بقي من
رسمه، وفي بعض النسخ: " تتبعين أثر الدم " موضع الآثار.
ويستفاد من هذا الحديث فوائد، الأولى: استحباب استعمال السدر
لأجل التنقية.
الثانية: استحباب دلك رأسها حتى يبلغ الماء أصول شعرها.
الثالثة: استحباب أن تأخذ شيئاً من مسك أو طيب فتجعله في قطنة أو
خرقة أو نحوهما، فتتبع بها آثار الدم، وهو عام يتناول جميع المواضع
التي أصابها الدم من بدنها، والذي ذكره المحدثون وشراح الحديث أنها
تأخذ الفِرصة الممسكة وتدخلها في فرجها بعد اغتسالها، وما قلنا أعم
وأشمل بظاهر الحديث، والنفساء في معنى الحائض.
الرابعة: استحباب استعمالها بعد الغسل لدلالة صريح الحديث هكذا،
وبهذا يرد قول من قال: تستعملها قبل الغسل.
والحديث أخرجه البخاري، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه، ولكن
بعبارات مختلفة.(2/111)
299- ص- حدَثنا مسدد بن مسرهد قال: نا أبو عوانة، عن إبراهيمِ بن
مهاجر، عن صفية بنت شيبة، عن عائشةَ أنها ذكَرت نساءَ الأنصار، فأثنت
عليهِنَّ قالت لهن معروفاً، قالت: دَخلَت امرأة منهنَ على رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فذكر معناه، إلا أنه قال: " فرصةً مُمَسَّكةً ". قال مسدد: كان أَبو عوانةَ
يقول: " قَرصة "، وكان أبو الأحوص يقول: " قَرضَةً " (1) .
ش- أبو عوانة الوضاح، وأبو الأحوص عوف بن مالك، وقد ذُكرا.
قوله: " معروفاً " أي: قولاً معروفاً.
قوله: " فرصة ممسكة " أي: مطيبة بالمسك أو بغيره من الطيب، تتبع
بها أثر الدم لينقطع رائحة الأذى. وقال بعضهم: الممسكة على معنى
الإمساك دون الطيب، يريد أنها تُمسكها بيدها فتستعملها، وقال: متى
كان المسك عندهم بالحال الذي يمتهن في هذا؟! وقيل: ممسكة مُتحملة،
يعني: تحمليها معك. وقيل: الممسكة الخَلِقُ التي أمسكت كثيراَ، فإنه
أراد أن لا تستعمل الجديد من القطن وغيره للارتفاق به، ولأن الخَلِقَ
أصلح لذلك. ورواه بعضهم بكسر السن، أي: ذات مساك. وروي:
" فرصة من مِسك " بكسر الميم، أي: قطنة من المسك الطيب المعلوم.
ورواه بعضهم بفتح الميم، أي: قطعة جلد فيه شعر. والأول أظهر لقوله
في بعض الأحاديث: " فإن لم تجد فطيباً غيره، فإن لم تجد فالماء كاف "
ووقع في كتاب عبد الرزاق: يعني: بالفرصة المسك. وقال بعضهم:
الذريرة. واختلف العلماء في الحكمة في استعمال المسك/، فالصحيح
المشهور أن المقصود به تطييب المحل، ودفع الرائحة الكريهة، وحكى
الماوردي عن البعض: أن المراد منه كونه أسرع إلى علوق الولد، ثم قال.
فإن قلنا بالأول فتستعمل عند عدم المسك ما يقوم مقامه في طيب الرائحة،
وإن قلنا بالثاني فتستعمل ما يقوم مقامه في ذلك من القُسط والأظفار
وشبههما.
__________
(1) انظر التخريج السابق.(2/112)
وقال الشيخ محيي الدين (1) : قول من قال: إن المراد الإسراع في
العلوق ضعيف وباطل، فإنه على مقتضى قوله: ينبغي أن يخص به ذوات
الزوج الحاضر الذي يتوقع جماعه في الحال، وهذا شيء لم يصر إليه أحد
نعلمه، وإطلاق الأحاديث يرد على من التزمه، بل الصواب أن المراد
تطييب المحل، وإزالة الرائحة الكريهة، وأن ذلك مستحب لكل مغتسلة
من الحيض أو النفاس، سواء كانت ذات الزوج أو غيرها.
قوله: " كان أبو عوانة يقول: قرصة " بفتح القاف، وسكون الراء،
وبالصاد المهملة، أي: شيئاً يسيرا مثل القرصة بطرف الإصبعين.
قوله: " وكان أبو الأحوص يقول: قرضةً " بفتح القاف، وسكون
الراء، وبالضاد المعجمة، أي: قطعة من القَرض القطيع. وحكي هذا
عن ابن قتيبة أيضاً، والمشهور الرواية الأولى، وهي " الفِرصة " بكسر
الفاء، وسكون الراء، وبالصاد المهملة.
300- ص- حدثَنا عبيد الله بن معاذ بن معاذ العنبري قال: حدثَّني
أبي قال: ثنا شعبة، عن إبراهيم بن مهاجر، عن صفية بنت شيبة، عن
عائشة أن أسماءَ سألت رسولَ الله- عليه السلام- بمعناه؟ قال: " فِرصة
مُمسكةً " قالت: قلتُ: وكيف تَطهَرُ (2) بها؟ قال: " سُبحانَ اللهِ تَطَهَرِي
بها، واستَترِي بثوب "، وزاد: وسألته عن الغسل من الجَنابة فقال:
" تأخُذينَ ماءك فَتَطَّهَرِينً أحسنَ الطهورِ وأبلَغَهُ، ثم تصبِّينَ على رأسَكِ الماءَ،
ثم تُدلِّكينَهُ حتى يَبلغَ شُؤونَ رأسك، ثم تُفيضينَ عليك المَاءَ ". قالَ: وقالت
عائشةُ: نِعمَ النساءُ نساءُ الأنصَارَ، لم يَكنَ يمنعهُنّ الحياءُ أن يَسألن عن
الدينِ، ويَتفقهنَ (3) فيهِ (4) .
__________
(1) شرح صحيح مسلم (4/13- 14) . (2) في سنن أبي داود: " أتطهر ".
(3) في سنن أبي داود: " وأن يتفقهن ".
(4) البخاري: كتاب الحيض، باب: دلك المرأة نفسها إذا تطهرت من المحيض
تعليقاً، النسائي: كتاب الطهارة، باب: ذكر العمل في الغسل من الحيض
(1/135) .
8* شرح سنن أبي داوود 2(2/113)