مولاها، فلما نسيها كأنه كفر تلك النعمة، فبالنظر إلى هذا المعنى كان أعظم جرمًا، فلما عدَّ إخراج القذاة التي لا يؤبه لها من الأجور تعظيمًا لبيت الله تعالى عدَّ أيضًا النسيان من أعظم الجرم تعظيمًا لكلام الله تعالى، كأنَّ فاعل ذلك عدَّ الحقير عظيمًا بالنسبة إلى العظيم، فأزاله عنه، وصاحب هذا عدَّ العظيم حقيرًا، فأزاله عن قلبه.
وقال الشيخ ولي الدِّين العراقي في "شرح سنن أبي داود":
"استدلَّ بهذا الحديث على أنَّ نِسيان القرآن من الكبائر، وقد صرَّح بذلك صاحب "العُدَّة" من أصحابنا وتوقف فيه الرافعي، وهذا الكلام المحكي عن صاحب "العدَّة" ظاهره أنه في نسيان جميع القرآن، ويحتمل أنه أراد به أي جزء من القرآن، وهذا الحديث يدل عليه كقوله: "من نسي سورة من القرآن أو آية" وهذا يحتمل أنه شك من الراوي في اللَّفظ الذي قاله النَّبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ويحتمل أن يكون تنويعًا من النَّبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأنَّ الوعيد يترتب على كل منهما.
قال: " وهذا الحديث -إن صحَّ- يقتضي أنَّ هذا أكبر الكبائر ولا قائل به، وقد يحمل نسيانها على رفضها ونبذها، كما في قوله تعالى: {أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا} وهذا يقتضي الكفر وهو أكبر الكبائر ولا قائل به، [وقد يحمل على الذنوب المتعلقة بالنسيان وقد يحمل على(2/735)
الذنوب التي اطَّلع عليها في ذلك الوقت. فإن قلت: كيف يكون النسيان ذنبًا وهو مرفوع عن هذه الأمة؟ قلتُ: المعدود ذنبًا هو التفريط في محفوظه من القرآن بترك تعاهده ودرسه، فإنه سبب ظاهر للنسيان" انتهى كلام الشيخ ولي الدِّين.
وأقول: يحتمل أنَّ المراد بالذنوب التي عرضت الصغائر فيكون نسيان ما أوتيه الإنسان من القرآن أعظم الصَّغائر والمراد الذنوب التي خصَّت بها هذه الأمة بدليل قوله: " ذُنوب أمَّتي " فإنَّ الأمم السابقة ما كُلِّفُوا حفظ كتبهم، بل ولا تيسَّر لهم ذلك، فلا يدخل الذنُوب التي اشتركت فيها الأمم كالقتل والزنا والسَّرقة وسائر الكبائر، ويكون نسيان القرآن أعظم الذنوب لم تحرَّم إلاَّ في هذه الشريعة كالتصوير، ولبس الحرير، وكشف العورة، والله أعلم.
وقال الدارقطني في "العلل": " هذا الحديث غير ثابت؛ لأنَّ ابن جريج لم يسمع من المطلب شيئًا ويقال: كان يدلسه عن أبي سبَرة أو غيره من الضعفاء.(2/736)
813 -[2917] "من قرأ القرآن فليسأل الله به".(2/736)
قال الطيبي: "يحتمل وجهين:
أحدهما: أنه كلَّما قرأ آية رحمة يسأل من الله، وآية عذاب يتعوَّذ منها إلى غير ذلك.
والثاني: أنه يدعو بعد الفراغ من القراءة بالأدعية المأثورة.(2/737)
814 -[2918] "مَا آمَن بِالقُرآنِ مَنِ اسْتَحلَّ مَحَرمَهُ".(2/737)
قال الطيبي: " من استحل ما حرَّم الله تعالى في القرآن فقد كفر مطلقًا، فخصَّ ذكر القرآن لعظمته وجلالته ".(2/738)
815 -[2919] "الجَاهِرُ بِالقُرآنِ كَالجَاهِرِ بِالصَّدَقَةِ والمُسِرُّ بالقُرآنِ، كَالمسِرِّ بالصَّدَقَةِ".
قال الطيبي: "شبَّه القرآن جهرًا وسرًّا بالصَّدقَةِ جهرًا وسرًّا ووجه الشبه ما ذكره الشيخ محيي الدِّين النووي حيث قال: جاءت آثار بفضيلة رفع الصَّوت بالقرآن وآثار بفضيلة الإسرار".
قال العلماء: والجمع بينهما أن الإسرار أبعد من الرياء، فهو أفضل في حق من يخاف ذلك، فإن لم يخفْ فالجهر أفضل بشرط أن لا يؤذي غيره من مُصلِّ، أو نائم أو غيرهما".(2/738)
816 -[2921] "كَانَ يَقرأ المُسبِّحاتِ".(2/738)
قال الطيِّبي: "هي كل سُورة افتتحت بسُبحان، وسبَّح، ويسبح.
"يقول: إنَّ فيهنَّ آيةً خيرٌ من ألفِ آيةٍ".
قال الحافظ عماد الدِّين بن كثير: " [هي مبهمة] .
وقال الطيبي: "هي مبهمة كإخفاء ليلة القدر في رمضان، وساعة الإجابة في يوم الجمعة".(2/739)
817 -[2922] "مَن قال حينَ يصبح ثلاثَ مرَّاتٍ أعُوذ باللهِ السَّمِيعِ العَلِيمِ".
في تفسير ابن مردويه رواية ولذلك لم يشرح حديث من قال حين يصبح إلى آخره.(2/739)
818 -[2923] "فإذا هي تَنْعتُ" أي تصف.(2/739)
قال الطيبي: "ويحتمل وجهين:
أحدهما: أن يقول كانت قراءته كيت وكيت.
والثاني: أن تقرأ مرتلة مبيِّنة كقراءة النَّبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.(2/740)
819 -[2924] . "سعةً" لعله بفتح السين.
حدثثا محمَّد بن الحسين بن أبي يزيد الهمداني عن عمرو بن(2/740)
قيس عن عطيَّة عن أبي سعيد قال: " قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يقول الرَّبُ عزَّ وجلَّ: من شغله القرآنُ عن ذِكْرِي ومسألتِي أعطيتهُ أفض ما أعطي السَّائلين ... الحديث".
هذا الحديث أورده ابن الجوزي في الموضوعات، من حديث عمر بن الخطاب.
وقال الحافظ ابن حجر في "أماليه على الأذكار" إنَّه حديث حسن، وأنَّ ابن الجوزي لم يصب، وقد بسطت الكلام على ذلك في التعقبات على "الموضوعات" وقال الشيخ عز الدِّين ابن عبد السلام في أماليه: "هذا الحديث يدل على تقديم الذكر على الدعاء، وقوله تعالى: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ}(2/741)
{ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} .
هذه الآيات تدل على الأمر بالدعاء.
قال ووجه الجمع بين الظواهر: أنَّ الأوقات على ثلاثة أقسام:
وقت دلَّ الدليل الشرعي على أنَّ الدعاء فيه أفضل كوقت السجود، فيقدم الدعاء، ويكون راجحًا، ووقت دلَّ الدليل على أنَّ الذكر أفضل كوقت الركوع لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أمَّا الركوع فعظموا فيه الرَّب، وأما السُّجود فأكثروا فيه من الدعاء" فيقدم الذكر، ووقت لم يدل فيه دليل على أحدهما فيقدم الذكر لقوله: " من شغلهُ ذكري عن مسألتي " وفي تاريخ ابن عساكر عن سفيان بن عيينة أنه قال لأصحاب الحديث: بم تشبهون حديث النَّبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " ما شغل عبدي ذكري عن مسألتي إلاَّ أعطيته أفضل ما أعطي السَّائلين " فقالوا له: تقول من يرحمك الله قال: بقول الشَّاعر:
وفتى خلا من ماله ... ومن المرؤة غير خال
أعطاك قبل سُؤاله ... وكفاك مكروه السؤال(2/742)
"أبواب القراءات"(2/743)
821 -[2927] "كان رسولُ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقطِّعُ قِرَاءَتَهُ، يقرأُ:
{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) } {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) } ثم يقفُ".
قال الطيبي: " هذه الرواية ليست بسديدة في الألسنة، ولا بمُرضِية في اللَّهجة العربية، بل هي صيغة لا يكاد يرتضيها أهل البلاغة، وأصحاب اللِّسان فإنَّ الوقف الحسن ما اتَّفق عنده الفصل والوقف التام من أول الفاتحة عند قوله: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) } .
وكان النَّبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أفصح النَّاس لهجة وأتمهم بلاغة، وإنما كان يقف على الآية ليبين للمستمعين رؤس الآي ولو لم يكن لهذه العلة لما وقف على [رب] العالمين، ولا على: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} لأنَّ الوقف عليهما قطع للصَّفة عن الموصوف.(2/743)
822 -[2942] "بئسَ مَا لأَحَدِهِم أَنْ يَقُولَ".
قال الطيبي: " ما نكرة موصوفة، وأن يقول مخصوص بالذم؛ أي: بئس شيئًا كائنًا للرَّجل، قوله: " نسيت بل هو نُسِّي " إضراب عن القول بنسبة النسيان إلى نفسه.
"واسْتَذكِرُوا القُرآن" قال الطيبي: " السين للمبالغة، أي اطلبوا من أنفسكم المذاكرة به، والمحافظة على قراءته. وهو عطف من حيث المعنى على قوله: " بئسما لأحدهم أن يقول ": [أي] لا تقصروا في معاهدة القرآن، واستذكروه.
"لهو أشدُّ تفَصِّيًا" أي: تفلتًا، وأصل التفَصِّي من الشيء، التخلص منه تقول: تفصَّيتُ من الديون، إذا خرجت منها.
"من صُدُورِ الرِّجالِ من النَّعَمِ من عُقلِهِ" "من" الأولى متعلقة بـ "تفصيَّا"، والثانية بـ "أشد"، والثالثة: بـ "تفصِّي " مقدرًا، أي: من تفصِّي النعم من عقلها، وذكر الضمير على أحد اللغتين. والعقل: جمع عقال؛ مثل كتاب، وكتب، وهو الحبل الذي يشد به ذراع البعير.(2/744)
823 -[2943] "أساورهُ" أي: أنازعه.
"لَبَّبْتُهُ بِرِدَائِهِ"
قال في النِّهاية: " يقال: لبَبْتُ الرَّجُلُ إذا جعلْتَ في عُنُقِهِ ثوبًا وجررْته به "(2/745)
824 -[2946] "لم يفْقَهْ" أي: لم يفهم ظاهر معاني القرآن.(2/745)
825 -[2948] "الحال المُرتَحِلُ".
قال في النِّهاية: "هو الذي يختم القرآن بتلاوته، ثم يفتتح التِّلاوة من أوَّله، شبه بالمسافر يبلغ المنزل فيحلَّ فيه، ثم يفتتح سيره، أي يبتدِؤُهُ، وقيل: أراد بالحالِّ المرتحل الغازي الذي لا يقف عن غزوٍ إلاَّ عقبه بآخر".(2/746)
"أبواب تفسير القرآن"
"فصلَّى كُلُّ رجُلٍ مِنَّا على حيَالِهِ" قال في النهاية: " أي تلقاء وجهه ".(2/747)
827 -[2979] "صِمَامًا واحدًا" قال في النِّهاية: " أي في مسلك واحد، والصِّمام: ما يسد به الفُرْجة، فَسُمِّي به الفرج، ويجوز أن يكون على حذف المضاف؛ أي موضع صِمام، ويُروَى بالسِّين.(2/747)
828 -[2980] "حوَّلْتُ رَحْلِي البَارحَةَ".(2/747)
قال في النِّهاية: " كَنَّى بِرحله عن زوجَتهِ أرادَ به غِشْيانها في قُبُلهَا من جهَّة ظهرها؛ لأنَّ المجامع يعلُو المَرأةَ وَيركَبُهَا مما يلي وجهَهَا، فَحَيْثُ رَكبهَا من جهَةِ ظَهْرهَا كَنَّى عنه بتحويل رَحْلِهِ، إما أن يريد به المنزل والمأوى، وإما أن يريد به الرَّحل الذي [يركَّبُ على الإبل، وهو الكور] .(2/748)
829 -[2981] "لا ترجع إليك أبدًا آخر ما عليك ... فقالَ سَمْعًا لربِّي وطاعةً".(2/748)
830 -[2982] "فأمَلتُ عَليَّ" بالتشديد.(2/749)
831 -[2988] "إنَّ [للشَّيطانِ] لمَّةَّ بَابنِ آدمَ، وللملَكِ لَمَّةً" قال في النِّهاية: " اللَّمة الهمَّة، والخطرة تقع في القلب، أراد إلمام الملك أو الشيطان به، والقُرْب منه، فما كان من خطرات الخير فهو من الملك، وما كان من خطرات الشَّرِّ فهو من الشَّيطان".(2/749)
832 -[3007] "تحت جحفته" هي الترس.(2/749)
833 -[3010] "فكلَّمهُ كِفَاحًا"
أي: مواجهة ليس بينهما حجاب، ولا رسول.(2/750)
83 -[3011] "أنَّ أرواحهم في طيرٍ خُضْرٍ، تسرَحُ فِي الجنَّةِ حيثُ شَاءَت".(2/750)
قال الشيخ كمال الدين الزملكاني في كتابه المسمَّى "تحقيق الأولى من أهل الرفيق الأعلى: " في هذا الحديث دليلان على مسألتين من مسائل أصول الدِّين.
إحداهما: أنَّ الجنَّة والنَّار مخلوقتان موجودتان في وقتنا هذا، وهو مذهب أهل السنة، وأكثر المسلمين، وقال به من المعتزلة: الجُبائي وأبو الحسين البصري، وآيات القرآن شاهدة بذلك كثيرة جدًا، والأحاديث الدالة على ذلك كثيرة صحيحة.
وقد أجمعت الأمة في الصَّدر الأول على ذلك، والمخالف فيه محجوج بالإجماع قبل ظهور الخلاف، فلا عبرة بخلافه لتقدم الإجماع.
والثانية: في الروح ومفارقتها البدن وبقائها بعده وتنعُّمها في البرزخ. قال القاضي عياض: "في هذا الحديث أرواح الشهداء".
وفي حديث كعب بن مالك: " إنَّما نسمة المؤمن ".(2/751)
قال والنَّسمة تطلق على ذات الإنسان جسمًا وروحًا وتطلق على الروح مفردة، وهو المراد هنا؛ لأنها في الحديث الآخر مفسَّر: بالروح، ولأنَّ الجسم يفنى ويأكله التراب، ولقوله في الحديث: "حتَّى يرجعه الله إلى جسده يوم القيامة" وعلى هذا فالحياة المذكورة في الآية محمولة على ما حصل للروح، إذ روح غير الشهيد ممن يؤخر للحساب لا يدخل الجنة عند مفارقتها للبدن فقد ورد: " أرواح المؤمنين على أفنية قُبُورهم ".
وورد عرض مقعد المؤمن عليه من الجنَّة بكرة وعشيًّا، وفي بعض ألفاظ هذا الحديث: " أنَّ أرواح المؤمنين ".
قال القاضي عياض: " فيحمل على المؤمنين الذين يدخلون الجنَّة بغير عذاب، فهم يدخلونها الآن، وقد قيل أنَّ هذا المُنعَّم، والمعذَّب من الأرواح جزء من الجسد تبقى فيه الروح، فهو الذي يتألم ويعذَّب ويلتذ وينعَّم، وهو الذي يقول: " رب ارجعُون " وهو الذي يسرح في الجنة.
فيمكن أن يكون هو الذي يجعل طائرًا أو في جوف طائر. فإن قيل(2/752)
فإذا كان الشَّهيد حيًّا فهل هي تحدث له عقب موته، وما الفرق بين حياته وبين حياة من يعذَّب في قبره ويُنعَّم؟ قلتُ: قد قدمنا الجواب عن هذا في أثناء الكلام، وذكرنا أنَّ الحياة راجعة إلى الروح وكونها مختصَّة بهذا النَّعيم أو إلى بعض أجزاء البدن وفيه الروح وغير روح الشهيد، ممن يوقف للحساب لا يحصُل لها ذلك ويبين امتياز حياة الشهيد عن حياة غيره.
قال الغزالي: " الذي يشهد له طرق الاعتبار وتنطق به الآيات والأخبار أنَّ الموت معناه تغيُّر حال فقط، وأنَّ الروح باقية بعد مفارقة الجسد، إمَّا منعَّمة، وإمَّا معذَّبة، ومعنى مفارقتها للجسد انقطاع تصرُّفها فيه.
قال: وحقيقة الإنسان نفسه وروحه، وهي باقية، نعم تغير حاله من وجهين:
أحدهما: أنه سلب منه أعضاؤه وأهله، وولده، وجميع أمواله، فلا فرق بين سلب هذه من الإنسان، أو سلب الإنسان منها، فالمؤلم هو الفراق، فمعنى الموت سلب الإنسان عن أمواله بإزعاجه إلى عالم آخر لا يناسب هذا العالم، فيعظم تحسُّره على ما كان يأنس إليه من ذلك، ومن كان لا يفرح إلاَّ بذكر الله تعالى ولا يأنس إلاَّ به فإنه يعظَّم نعيمه وتتم سعادته؛ لأنه خُلِّي بينه وبين محبوبه، وقطعت عنه العلائق(2/753)
والشواغل.
والثاني: أنه ينكشف له ما لم يكن مكشوفًا، فمنه حسناته وسيِّئاته، وعندها يتحسَّر على ما فرط، ثم عند الدفن قد تُردُّ روحه إلى الجسد لنوع من العذاب وقد يعفي عنه. نعم، ولا يمكن كشف الغطاء عن كُنه حقيقة الموت، إذ لا يعرف الموت من لا يعرف الحياة، ومعرفة الحياة بمعرفة حقيقة الروح في نفسها وإدراك ماهية ذاتها، ولم يؤذن لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن
يتكلم فيها ولا أن يزيد على أن يقول: " الروح من أمر ربي " ولكن بالموت ينتقل [إما] إلى سعادة وإما إلى شقاوة، وكل ما سوى الله تعالى ذكره، والأنس به فلا بد من فراقه عند الموت لا محالة.
قال عبد الله بن عمرو: " إنما مثل المؤمن حين مفارقته روحه مثل رجل كان في سجن فأخرج منه ".
وهذا الذي ذكره حال من تجافي عن الدنيا ولم يكن أنسه إلاَّ بذكر الله [تعالى] وكانت شواغل الدنيا تحجُبه عن محبُوبه، وفي الموت خلاصهُ من جميع المؤذيات وانفراده بمحبُوبه من غير عائق وما أجدر ذلك بأن يكون منتهى النَّعيم واللذات، وأكمل اللذات للشهداء الذين قتلوا في سبيل [الله] ؛ لأئَهم ما أقدموا على القتال إلاَّ قاطعين التفاتهم عن علائق الدنيا، مشتاقين إلى الله تعالى، راضين بالقتل فِي(2/754)
طلب مرضاته، فإن نظر إلى الدنيا فقد باعها طوعًا بالآخرة، والبائع لا يلتفت قلبُه إلى المبيع، وإن نظر إلى الآخرة فقد اشتراها، وتشوق إليها، فما أعظم فرحُه بما اشتراه إذا رآه، وما أقلَّ التفاته إلى ما باعه، إذا فارقه، وتجرُّد القلب لحبِّ الله تعالى قد يتَّفق في بعض الأحوال ولكن لا يدركه الموت عليه، فيتغير، والقتال سبب للموت فكان سببًا لإدراكه على مثل هذا الحال، فلهذا عظم النَّعيم، إذ معنى النَّعيم أن ينال الإنسان ما يريده، قال الله تعالى: {مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا} فكان هذا أجمع عبارة لمعاني لذَّات الجنَّة، وأعظم العذاب أن يمنع الإنسان عن مراده كما قال تعالى: {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ} فكان هذا أجمع عبارة لعقوبات أهل جهنَّم، وهذا النَّعيم يدركه الشَّهيد كما انقطع نفسه من [غير] تأخير، وهذا أمر انكشف لأرباب القُلوب، وإن أردت عليه شهادة من جهة السَّمع، فجميع أحاديث الشُّهداء تُدل عليه.
وكل حديث يشتمل على التعبير عن منتهى نعيمهم بعبارة أخرى وهذا الذي ذكره الغزالي مع ما قدَّمناه يوضح لك ما بين حال الشَّهيد وحياته، وبين حال سائر الموتى. وقال أبو الحكم بن برَّجان: "حياة(2/755)
الشُّهداء عند ربهم كاملة، بالإضافة إلى حياتهم في الدُّنيا مخلصة من خبث الأجساد الدنيويَّة وظلماتها، مطهَّرة من أرجاسها، سالمة من الأضداد، متَّصلة بالحياة الأخرويَّة اتِّصالاً صحيحًا، لكنها إنما تتم بوجودها في أجسادها يوم بعثها، ويكمَّل الكمال الذي أُهِلَّت له بدخولها في دار الحيوان، في جوار الحي الذي لا يموت" فهذا الكلام من هذا الرَّجل يدل على أنه أراد أنَّ حياة الشَّهيد في البرزخ أكمل من حياته في الدُّنيا، ويكون عند رد رُوحه إلى جسده أكمل، قال: وينبغي أن يكون معنى قوله "في حواصل خضر" أنَّ الشَّهيد يطير في دار البرزخ لا أنه على صورة طائر؛ بل على صُورته التي كان عليها في الدُّنيا وأحسن، تطير فيما هنالك، وذكر الحواصل إعلامًا بأنهم أحياء، وأنَّ أرواحهم حاصلة في حقائق أجسادهم الدنيوية، وهو أظهر من أن يكون في صُورة طائر لما جاء أنَّ الله خلق الإنسان في أحسن تقويم ولو كانوا على صُورة طائر لكان ضربًا من المسخ ولخرج عن طريق الإكرام. انتهى كلامه.
وهذا الذي ذكره من رجوع رُوحه إلى غير الجسد وإلى صُورة مثل صُورته لم أقف عليه لغيره، وإنما قاله على سبيل البحث، وهو(2/756)
بحث حسن لو ساعد عليه النقل عن العُلماء، وفي حديث جعفر بن أبي طالب: "أنَّ الله عوَّضه عن يدَيهِ جناحين من ياقوت يطير بهما في الجنَّة وإنه مرَّ به في نفر من الملائكة يبشرون أهل بيته بالمطر" فيحتمل أنه مرَّ به في صورته ويحتمل أنه مرَّ به في صورة طائر [لقوله: يطير مع الملائكة، ويحتمل أنه إنما جُعل في صُورة طائر] فرَّق بين حياة البرزخ وحياة البعث، وإن كان الشَّهيد حيًّا في الحالتين، ورأيت في "كتاب الجهاد" لابن المبارك حديثًا عن النَّبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: " إذا استشهد الشَّهيد أخرج الله له جسدًا كأحسن جسد، ثم أمر بروحه فأدخل فيه فينظر إلى جسده الذي خرج منهُ كيف يصنع به، وينظر إلى من حوله ممن يتحزَّن عليه، فيظن أنهم يسمعونه أو يرونهُ".
فإن صحَّ هذا الحديث أو كان مما تقوم به الحجة فهوَ ظاهر في ما ذكرنا، والله أعلم. انتهى كلام الزملكاني.(2/757)
835 -[3020] "واليمين الغموسُ" هي الكاذبة الفاجرة كالتي(2/757)
يقتطع بها الحالف مال غيره، سُمِّيت غموسًا؛ لأنها تغمس صاحبها في الإثم، وفي النَّار، وفعُول للمبالغة. "يمين صبرٍ" هي التي لزم بها، وحبس عليها، وكانت لازمة لصاحبها من جهة الحكم، ويقال لها مصبُورة، وإن كان صاحبها في الحقيقة هو المصبور؛ لأنه إنما صبر من أجلها، أي حبس، فوصفت بالصبر، وأضيفت إليه مجازًا.(2/758)
837 -[3036] "ضَجْنَانَ" بفتح الضَّاد المعجمة وسكون الجيم ونونين بينهما ألف، موضع أو جبل بين مكة والمدينة.
"ضَافِطةٌ" بضاد معجمة وفاء، وطاء مهملة جمع ضافط، وهو(2/758)
الذي يجلب الميرَة والمتاع إلى المدن.
"منَ الدَّرمَكِ" هو الدقيق الحوَّارى.
"اخْتَرَطَ سَيْفَهُ" أي: سلَّه من غمده، وهو افتعل من الخرط.(2/760)
838 -[3047] "حتَّى تأطِرُوهم أطرًا" بالطاء، والراء المهملتين، أي: تعطفوهم، وتثنوهم.
قالى في النِّهاية: "ومن غريب ما يحكي فيه عن نِفْطويه، قال:(2/760)
إنه بالظاء المعجمة من باب ظأر، ومنه الظَّئر المُرضِعَة، وجعل الكلمة مقلُوبة فقدم الهمزة على الظاء".(2/761)
839 -[3058] "قال: لا، بل أجرُ خمسين منكُمْ".
قال الطيبي: فِيه تأويلان:
أحدهما: أن يكون أجر كل واحد منهم على تقدير أنه غير مبتلى ولم يضاعف أجره.
والثاني: أن يراد أجر خمسين منهم ممن لم يبتلوا ببلائه.
وقال الشيخ كمال الدِّين الزملكاني: " فإن قيل كيف يجمع بين هذا الحديث، وبين قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم"؟ قلنا: هذا لا يمنع تفضيل الأوَّلين على هؤلاء؛ لأنَّ(2/761)
غاية ما في هذا أنَّ هؤلاء الأخيرين يعملون على [مشقة] شديدة، إذ القابض على دينه كالقابض على الجمر، فيضاعف ثواب العامل منهم على عمله لقلة من يعمل ذلك العمل، ولا يلزم من ذلك أفضليته على من تقدَّم، بل يكُون ذلك العمل الخاص الذي عمله هذا المتأخر مضاعف الثواب لقلة الأعوان عليه، كما قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنَّكم تجدون على الخير أعوانًا ولا تجدُون على الشر أعوانًا".
ويمتاز المتقدم بأمور لا يجدها المتأخر توازي هذه المضاعفة في هذه الأعمال الخاصَّة وتفضلها بأضعاف كثيرة، كيف وقد قال النَّبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حق الأوَّلين: " لو أنفق أحدكم مثل أُحْد ذهب " ما بلغَ مُدَّ أحدهم، ولا نصيفه " فصحَّ أنَّ خير القرون قرن النَّبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لرُؤيتهم له.
وصلاتهم خلفه، وغزوهم بين يديه وغير ذلك انتهى.
وقال الشيخ عز الدِّين ابن عبد السلام في أماليه: "حمل هذا(2/762)
الحديث على الإطلاق خطأ، بل هو مبنيٌّ على قاعدتين:
إحداهما: أنَّ الأعمال تشرف بثمراتها.
الثانية: أنَّ الغريب في أول الإسلام هو كالغريب في آخره، وبالعكس لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "بدأ الإسلام غريب وسيعُود كما بدأ، فطوبى للغرباء".
"من أمَّتي" أي المتفردين بالتقوى دُون أهل زمانه، إذا تقرر ذلك فنقول: الإنفاق في أول الإسلام أفضل لقوله عليه السلام لخالد: " لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبًا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه " أي: مد الحنطة، وسبب ذلك أنَّ تلك النفقة أثمرت في فتح الإسلام وإعلاء كلمة الله ما لا تثمره غيرها وكذلك الجهاد بالنفوس لا يصل المتأخرون فيه إلى فضل المتقدمين وقلَّة أنصارهم، فكان جهادهم أفضل؛ لأنَّ بذل النَّفس مع النصرة، ورجاء الحياة ليس كبذلها مع عدمها، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام. "أفضل الجهاد كلمة حق عند سُلطان جائر" لأنه أَيِسَ من حياته، وأما النَّهي عن المنكر بين ظُهور المسلمين وإظهار(2/763)
شعائر الإسلام فإنَّ ذلك شاق على المتأخرين لعدم المعين وكثرة النكير، فهم كالمنكر على الملك الجائر، ولذلك علل عليه الصلاة والسلام بكون القابض على دينه كالقابض على الجمر والقابض على الجمر لا يستطيع دوام ذلك لمزيد المشقة فكذلك المتأخر في دينه، وأما المتقدمون فليسوا كذلك لكثرة المعين، وعدم المنكر فعلى هذا يُنزَّل الحديث " انتهى.(2/764)
840 -[3059] "ففقَدُوا جامًا من فضلة مخوصًا بالذَّهب".
قالى في النِّهاية: " أي عليه صفائح الذهب مِثل خُوص النَّخل ".(2/764)
841 -[3076] "لمَّا خلق الله آدم مسَحَ ظهرَهُ".(2/764)
قال البيضاوي: " يحتمل أن يكون الماسح هو الموكل على تصوير الأجنة وتخليقها، وجمع موادها وإعداد عددها، وإنما أسند إلى الله تعالى من حيث هو الآمر به كما أسند إليه التوفي في قوله تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ} والمتولي لها هو الملائكة لقوله تعالى: {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ} ويحتمل أن يكون الماسح الباري تعالى، والمسح من باب التمثيل، وقيل هو من المساحة بمعنى التقدير، كأنه قال قدَّر ما في ظهره من الذرية فسقط من ظهره.
"كل نسْمَةٍ".
قال الطيبي: " النسمة: كل ذي روح، وقيل كل ذي نفس، مأخوذة من النسيم.
"هوَ خالقُهَا" قال الطيبي: "صفة "نسمة" ذكرها لتعلق به إلى يوم(2/765)
القيامة.
وقوله: " وجعل بيْنَ عَيْنَيْ كُلَّ إِنْسَانٍ منْهُمْ وَبِيصًا" إيذانًا بأنَّ الذرية كانت في صُورة إنسان على مقدار الذرِّ، والوبيص: البريق واللمعان، وفي ذكره تنبيه على الفطرة السَّليمة الأصلية.
"فرأى رجُلاً منهُمْ فأعجَبَهُ وبِيصُ ما بينَ عَيْنَيْهِ"
قال الطيبي: " في تخصيص العجب من وبيص داود: إظهار كرامة من كراماته، ومدح له، فلا يدل على تفضيله على الغير؛ فإنَّ في الأنبياء من هو أفضل وأكثر كرامة، قال: وفيه إشارة إلى حديث "يهرم بن آدم، ويشِبَّ منه اثنتان: الحرص على المال، والحرص على العُمر".
قُلتُ: الذي عندي في توجيه حب آدم الحياة، وموسى، ونحوهما أنهم لم يحبوا الحياة لذاتها، ولا كراهة للموت، معاذ الله، ولكن حُبِّب إليهم عبادة الله، ومحلها دار الدنيا، وبالموت ينقطع التكليف بالعبادة، فأحبُّوا طول البقاء ليستكثروا من العبادة.(2/766)
842 -[3581] "يَهْتِفُ بِربِّهُ" أي يصيح به، ويدعوه، فأتاه(2/766)
أبو بكْرٍ فأخذ رِدَاءهُ فألقاهُ على منكبَيْهِ ثُمَّ التَزَمَهُ من ورائه فقال: يا نَبيَّ الله! كفاك مُناشدتُك ربَّك، إنَّه سيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَك". قاله السبكي.(2/767)
843 -[3087] "فإنَّما هنَّ عَوَانٍ عنْدَكُمْ" قال في النِّهاية: "أي(2/767)
أسرى، أو كالأسرى".
"عن زيد بن يُثَيعٍ".(2/768)
844 -[3094] "لو علمنا أيُّ المَالِ خيرٌ فَنَتَّخذهُ".
قال الطيبي: " لو للتمني ولذلك نصب فنتخذه "وأي" رفع بالابتداء، والخير: خبر، والجملة سادَّة مسَد الفعلين لـ "علمنا" تعليقًا.(2/768)
845 -[3102] "فخرجت قُرَيْشٌ مُغيثين لِعِيرهم".(2/768)
قال في النهاية: " أي: مُغوثين، فجاء به على الأصل ولم يُعِله كاستحوذ، واستنوق.
قال: ولو رُوى "مُغَوِّثين" بالتشديد من غوَّث بمعنى أغاث لكان وجهًا".
"بعث إليَّ أبو بكرٍ الصِّدِّيق مَقْتَلَ أهْلِ اليَمَامَةِ" قال الطيبي:(2/769)
"مقتل: ظرف زمان؛ أي أيام قتل أهل اليمامة، واليمامة بلاد الحر".
"قد اسْتَحر" قال في النِّهاية: " أي كثُر واشتدَّ وهو استَغْفَلَ من الحَرِّ الشَّديد ".
"هُوَ والله خيرٌ". قال الطيبي: " ردٌّ لقوله: كيف أفعل شيئًا لم يفعله رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وإشعار بأنَّ من البِدَعِ ما هو حسن وخير.
"والعُسُبِ" جمع عسيب، وهو سعف النخل.
"واللخافِ" جمع لخفة، وهي الحجارة البيض الرقاق".(2/770)
847 -[3104] "فأرسل إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف".(2/770)
قال السخاوي في "شرح الرائية" قيل: ما قصد عثمان بإرساله إلى حفصة وإحضاره الصحف وقد كان زيدٌ ومن أضيف إليه(2/771)
حفظة؟ قلت الغرض بذلك سد باب المقالة وأن يزعم زاعم أنَّ في المصحف قرآنًا لم يكتب، ولئلا يرى إنسان فيما كتبوه شيئًا مما لم يقرأ به فينكره، فالصحف شاهد بصحة جميع ما كتبوه.
"ما اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ أَنْتُمْ وزيد بن ثَابِتٍ فاكتُبُوهُ بِلسَانِ قرَيشٍ فإنَّما نزل بلسانهم".
قال الطيبي: " فإن قلت كيف الجمع بين هذا، وبين قوله: " أنزل القرآن على سبعة أحرف ". أي لغات، قلت: الكتابة والإثبات في المصحف بلغة قريش لا يقدح في القراءة بتلك اللغات.
وقوله: " إنما أنزل [بلسانهم، يريد به أنَّ أول ما أنزل] بلغة قريش وهي الأصل ثم خفف ورخَّص أن يقرأ بسائر اللغات.(2/772)
848 -[3107] "من حالِ البَحر".(2/772)
قال في النِّهاية: "الحالُ: الطين الأسود كالحمأة".(2/773)
849 -[3109] "أين كان ربُّنَا قبلَ أن يَخْلُقَ خَلْقَهُ؟ قَالَ: كان في عَمَاء".
قال في النِّهاية: " العماء بالفتح والمد: السَّحاب.
قال أبو عبيد: لا يُدْرَى كيْفَ كان ذلك العماء.
قال: وفي رواية: "كان في عمًى" بالقَصْر، ومعناه ليس معه شيء وقيل: هو كل أمرٍ لا تُدركه عُقُول بني آدم، ولا يبْلُغُ كُنْهَهُ الوَصْفُ والفِطَنُ وَلاَ بُدَّ في قوله: "أيْنَ كَانَ رَبُّنَا" من مُضاف محذوف، كما حذف في قوله: {جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} ونحوه فيكون(2/773)
التَّقدير أين كان عرْش ربِّنا؟ ويدل عليه قوله: " وَكَان عرشه على الماء ".
قال الأزهري: نحنُ نؤمن به ولا نكَيِّفه بصفة: "أي نُجْرِي اللَّفظ على ما جاء عليه من غير تأويلٍ" انتهى.(2/774)
850 -[3116] "إِلا في ذِرْوَةٍ" بكسر الذال المعجمة، أي: ثروة.(2/774)
851 -[3117] "مخاريق" قال في النِّهاية: "جمع مِخْراق، وهو(2/774)
في الأصل ثوب يُلف ويضْرِب به الصبيان بعضهم بعضًا، أراد أنها آلة يزجر بها السحاب ويسوقه".
"عِرقَ النّساء" قال في النِّهاية: " بوزن العصا: عِرْق يخرج من الوَرِكِ فيستبْطِن الفخِذَ.
قال: والأفصح أن يقال له النَّسا.
لا عِرق النِّساء".(2/775)
852 -[3127] "اتَّقُوا فِرَاسَةَ المُؤمِنِ".
قال في النِّهاية: " الفراسة تقال على معنيين، أحدهما: ما دلَّ ظاهر هذا الحديث عليه، وهو ما يُوقِعُهُ الله تعالى في قلوب أوليائه، فيعلمون أحوال بعض النَّاس بنوع من الكرامات وإصابة الظَّن والحدْس.
والثاني: نوع يُتَعلَّم بالدلائل والتجارب والخَلق والأخلاق، فيُعْرَفُ به أحوال النَّاس، وللنَّاس فيه تصانيف قديمة وحديثة".(2/775)
853 -[3130] "مُضْطَرِبُ" قال في النِّهاية: "هو مُفْتَعِل من(2/775)
الضَّربِ والطاء بدلٌ من تاءِ الافتعال.
والضرب من الرِّجال الخفيف اللحم الممشُوق، المُسْتَدِقّ".
"رَجِلِ الرَّأْسِ" أي شعره ليس شديد الجُعُودَة ولا شديد السبُوطة بل بينهما.
"كأنَّّهُ من رِجَالِ شَنؤةَ" بشين معجمة مفتوحة ثم نون ثم واو، ثم همز ثم هَاء، قبيلة معروفة.(2/776)
854 -[3131] "فَارْفَضَّ عَرَقًا" أي جرى عرقه وسال.
"قال جِبْرِيلُ بِإِصْبُعِهِ" من إطلاق القول على الفِعل.
قال في النِّهاية: "العرب تَجْعَل القَوْلَ عبارة عن جميع الأفعال،(2/776)
وتُطلقه على غير الكلام، واللسان، فتقول قال بيده: أي أخذ: وقال برجله: أي مشى. وقالت له العينانِ سمْعًا وطاعة؛ أي أومأت.
وقال بالماء على يده: أي قلب، وقال بثوبه: أي رفعه وكلُّ ذلك على المجاز والاتِّساع.(2/777)
855 -[3138] "يَطْعَنُهَا" بضم العَين.
"بِمِخصَرَةٍ". قال في النِّهاية: " المِخْصرة: ما يخْتَصره الإنسان بيده فيُمسكه من عصى، أو عُكَّازةٍ، أو مِقْرَعَةٍ، أو قضيب ".(2/777)
856 -[3144] "مَن احْتَجَ بالقرآن فقد أفْلجَ" بفاء، ولام،(2/777)
وجيم، أي غلب.(2/778)
857 -[3147] "ثُمَّ رَجَعَا عَوْدَهُمَا علَى بَدْئِهِمَا".
قال أبو حيان في الارتشاف: رجع عوده على بدئه عند الكوفيين، منصوب على المصدر أي عاد على بدئه، وأجاز بعضهم نصْبه على المفعول أي رد عوده على بدئه، وأما عند أصحابنا فعلى الحال على التقديرات الثلاث في كلمته: فاهُ إلى فيَّ، على اختلاف قائلها، وإذا انتصب على الحال لم يجُز تقديم المجرور عليه؛ لأنه من صلته، وإن كان مفعولاً جاز، ويجوز رفع عوده فاعلاً برجع، أو مبتدأ خبره: على بدئه، وعلى هذين يجوز تقديم على عوده.
وقال الرضي: " قولهم على بدئه " متعلق بـ "عوده" أو بـ "رجع"(2/778)
والحال مؤكدة، والبدء مصدر بمعنى الابتداء، جعل بمعنى المفعُول؛ أي عائدًا على ما ابتدأه ويجوز أن يكون عوده مفعولاً مطلقًا لرجع؛ أي رجع على بدئه عوده المعهود؛ كأنه عهد منه أن لا يستقر على ما ينتقل إليه، بل يرجع إلى ما كان عليه قبلُ، فيكون نحو قوله تعالى: {وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ} .
وقال أبو علي الفارسي: " إنَّ هذا المصدر منصوب على أنه مفعول مطلق للحال المقدر أي رجع عائدًا [عوده] وهو مضاف إلى الفاعل.(2/779)
858 -[3148] "أنا سيد ولد آدم يوم القيامة"(2/779)
قال النووي: " قال الهروي: السيد هو الذي يفوق قومه في الخير، وقال غيره: هو الذي يفزع إليه في النوائب والشدائد فيقوم بأمور ويتحمل عنهم مكارههم، ويدفعها عنهم، والتقييد بيوم القيامة مع أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سيدهم في الدنيا والآخرة معناه: أنه يظهر يوم القيامة سؤدده بلا منازع، ولا معاند بخلاف الدنيا فقد نازعه فيها ملوك الكفار، وزعماء المشركين، وهو قريب من معنى قوله تعالى: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (16) } مع أنَّ الملك له قبل ذلك لكن كان في الدنيا من يدَّعي الملك، أو من يضاف إليه مجازًا فانقطع كل ذلك في الآخرة".
"ولا فخْرَ" قال الطيبي: "حال مؤكدة؛ أي أقول هذا ولا أفخر"
وقال التوربشتي: " الفخر ادِّعاء العظم، والمباهاة بالأشياء الخارجة عن الإنسان كالمال، والجاه ".
وقال النووي: " فيه وجهان:
أحدهما: قاله امتثالاً لأمر الله تعالى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} .
والثاني: أنه من البيان الذي يحث عليه تبليغه إلى أمته ليعرفوه
ويعتقدوه ويعملوا بمقتضاه في توقيره - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقال في النِّهاية: [أي في(2/780)
قوله: أنا سيد ولد آدم]- قاله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إخبارًا عما أكرمه الله تعالى من الفضل والسُّؤدد، وتحدثًا بنعمة الله تعالى عنده، وإعلامًا لأُمَّته ليكون إيمانُهُمْ به على حسبه ومُوجبه، ولهذا أتْبَعه بقوله: ولا فخر، أي أنَّ هذه الفَضيلة التي نِلْتُهَا كرَامة من الله تعالى لم أنَلْهَا من قِبل نفسي، ولا بلغتها بقُوَّتي، فليس لي أن أفتخر بها ".
"وَبيَدِي لِوَاءُ الحمْدِ". قال في النِّهاية: " اللواء: الرَّاية، ولا يُمسكُهَا إلا صاحب الجَيْش ".
وقال الطيبي: " يريد به انفراده بالحمد يوم القيامة وشهرته على رؤوس الخلائق.
ويحتمل أن يكون بيده لواء يوم القيامة حقيقةً يسمى لواء الحمد، وعليه كلام التوربشتي حيث قال: " لا مقام من مقامات عباد الله الصالحين أرفع، وأعلى من مقام الحمد ودونه تنتهي سائر المقامات، ولمَّا كان نبينا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أحمد الخلائق في الدنيا والآخرة أعطي لواء الحمد ليأوي إلى لوائه الأولون، والآخرون، وإليه أشار بقوله: " آدم فمن دُونه تحت لوائي ".
ولهذا المعنى افتتح كِتابه بالحمد، واشتق اسمه من الحمد، فقيل: محمَّد وأحمد، وأقيم يوم القيامة المقام المحمُود، ويفتح عليه في ذلك المقام من المحامد ما لم يفتح على أحد قبْلَهُ، ونعت أمَّته في الكتب الحمادُون.
"وَمَا مِنْ نبِيٍّ يَوْمَئذ". قال في الطَّيِّبي: "نبي نكرة وقعت في(2/781)
سياق النَّفي وأدخل عليه "منْ" الاستغراقية فيفيد استغراق الجنس.
وقوله: "آدم فمن سِواه"، بدل أو بيان من محله، و"منْ" فيه موصُولة، و"سواه" صِلة، وصحَّ، لأنه ظرف، وأوثر الفاء التفصيلية في "فمن" على الواو، للترتيب، على منوال قولهم: الأمثل فالأمثل.
"مَا حَلَّ بها عن دين الله" أي: دافع وجادل، من المِحال، بالكسر، وهو الكيد، وقيل المكر وقيل القوة، والشِدَّة، وميمه أصليَّة.
"فَأُقَعْقِعُهَا" أي: أحركها لتصوت، والقعقعة، حكاية حركة لشيء يسمع له صوت.(2/782)
859 -[3149] "قال يَا مُوسى إنَّك على علم من علم الله علمك الله لا أعلمهُ وأنا على علم من علم الله علمنيه لا تعلمه".(2/782)
"قال: بغير نوْلٍ" أي بغير أجر ولا جعل، وهو مصدر ناله ينوله: إذا أعطاه.(2/783)
860 -[3151] "جَلَسَ على فَروَةٍ بَيضَاءَ" قال في النِّهاية: " الفروة الأرض اليابسة، وقيل: الهشيم اليابسُ من النَّباتِ ".
"فاهتزَّت تحته خضراء". قال الطيبي: " إنها تمييز أو حال ".(2/784)
861 -[3151] "نغفًا" بفتح النون، والغين المعجمة وفاء، دود يكون في أنوف الإبل، والغنم، واحدها نغفة.
"وتَشْكُرُوا شُكْرًا" قال في النهاية: " أي تسمن وتمْتلي شحمًا.
يقال: شكرت الشاةُ تَشْكر شَكَرًا، بالتَّحريك إذا سمنتْ وامْتَلأَ ضَرْعُهَا لَبَنًا".(2/784)
862 -[3156] "فيشرئبون" أي: يرفعون رُؤسهم لينظروا إليه وكل رافع رأسه مشرائب أي غريب من بين الصفوف؛ [فيضجع ويذبح] .
"ترحًا" هو ضد الفرح، كحُضْر الفرس بضم الحاء المهملة وسكون الضاد المعجمة، وراء: أي عدوه، ثم كشد الرجل: أي عدوه.(2/785)
863 -[3169] "فَيئس القَوم" أي: سكتوا [حتَّى ما أبْدَوا(2/785)
بِضَاحِكَةٍ] .(2/786)
864 -[3177] "الخندمة" قال أبو موسى المديني: أظنه جبلاً، وقال في النِّهاية: "هُو جبلٌ معروف عند مكة".(2/786)
865 -[3179] "فَتَلَكَّأَتْ" أي توقفت، وتباطأت أن تقولها.(2/786)
"وتنكَصَت". قال في النِّهاية: " النُّكُوص الرُّجوع إلى وراء وهو القَهْقَرَي ".
"سَابغَ الألْيَتَيْنِ" أي تامَّهما، وعظيمهما.
"خَدَلًّج السَّاقَيْنِ" أي عظيمهما] .(2/787)
866 -[3180] "أَبْنُوا أَهْلِي" أي اتَّهمُوها.(2/787)
"فَبَقَرَت لِي الحَدِيثَ" بالباء الموحدة، وقاف، وراء، أي فتحته وكشفته.
"حَتَّى أسْقَطُوا لها به". قال في النِّهاية: " يعني الجارية: أي سبُّوهَا، وقَالُوا لها من سقط الكلام، وهو رَديئُهُ ".
"ما كَشفتُ كنِفَ أُنثى". قال في النِّهاية: " يجوز أن يكون بكسْر الكاف وسكون النون، من الكنف، وهو الوعاء، وبالفتح والتحريك من الكنف وهو الجانب والناحيَة" أي أقرت.
"يَسْتَوْشِيهِ" أي يستخرج الحديث بالبحث عنه.(2/789)
867 -[3185] "وَسَأَبلّها ببلالِها". قال في النِّهاية: "أي(2/789)
أصِلكم في الدنيا، والبلال: جمع بلل، وقيل هو كُلُّ ما بَلَّ [الحلق من ماءٍ] ، أو لبن، أو غيره".(2/790)
868 -[3186] "يَا صَبَاحَاهُ". قال في النِّهاية: " هذه كلمةٌ يقولها المُستغيث، وأصلُهَا إذا صاحوا للغارة؛ لأنهم أكثر ما كانوا يغيرون عند الصَّباح، ويُسَمُّون يوم الغارة يوم الصَّباح، فكأنَّ القائل يا صباحاه.
يقولُ قد غشِينَا العَدُوُّ، وقيل: إنَّ المُتقاتلين كانوا إذا جاء اللَّيلُ يَرْجعُون عن القتال، فإذا عادَ النَّهار عاوَدُوهُ، فكأنه يريد بقوله يا صباحاه: قد جاءْ وقتُ الصَّباح فتأهَّبُوا للقتال ".(2/790)
- 3188 "إنَّ ما حمله عليه الجزع". قال في النِّهاية: "يروى بالجيم والزَّاي وهو الخوف، وقال ثعلب: إنما هو بالخاء والرَّاء وهو الضعف والانكسار في مناجيته. كلمة في مناجيته لم ترو في النهاية ولم يظهر لي وجهها فليتأكد.
- 3192 " {الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) } " بنون وحاء مهملة بعدها باء موحدة؛ أي مراهنته لقريش بين الروم، والفرس.(2/791)
869 -[3195] "لاَ تَبيعُوا القينات" أي الإماء المغنيات.
- 3200 "طَلْحَةُ مِمَّنْ قَضى نحْبَهُ". قال في النِّهاية: "النَّحْب:(2/791)
النَّذْرُ، كأنه ألزم نفسه أن يصدقَ أعداء الله في الحرب فوفَى به.
وقيل: الموت، كأنه ألزم نفسه أن يقاتل حتى يموت".(2/792)
871 -[3205] "فَجَلَّلَهُمْ" أي غشاهم.(2/792)
872 -[3220] "قُولُوا اللَّهُمَّ صَل على محمَّد، وعَلَى آل محمَّدٍ"(2/792)
قال الرافعي في تاريخ قزوين: " قولنا: اللَّهم صلِّ على محمَّد قيل في تفسيره: عظِّم محمَّدًا في الدنيا بإعلاء ذكره وإدامة شرعه وفي الآخرة بتشفيعه في أمته وإجزال مثوبته وإبداء فضله للأولين [والآخرين] بالمقام المحمود، وتقديمه على كافة المؤمنين بالشُّهود وهذه أمور قد أنعم الله تعالى بها عليه لكن لها درجات ومراتب، وقد يزيدها الله تعالى بدعاء المصلين عليه.
ويذكر أنَّ أصل الصلاة في اللِّسان التعظيم.
والآل في قولنا: "اللَّهمَّ صلِّ على محمَّد وعلى آل محمَّد" فسره الشافعي في رواية حرملة ببني هاشم، وبني المطلب، ويوافقه ما ورد في الحديث: "لا تحل الصدقة لمحمَّد ولا لآل محمَّد" فيدخل في "آله" زوجاته، ألا ترى إلى قول عائشة رضي الله عنها: "كُنَّا آل محمَّد نمكث شهرًا ما نستوقد نارًا" وأيضًا فأصل "آل" أهل، ولذلك إذا صُغر قيل: أهيل، ردًا إلى الأصل، ولا شكَّ في وقوع اسم الأهل على الزوجة. انتهى.(2/793)
873 -[3221] "أُدرَةٌ" بالضم نفخة في الخصيبة.(2/793)
"وَطَفِقَ بِالحَجَرِ ضَرْبًا"
قال الطيبي: " بالحَجَرِ متعلق بخبر "طفق"؛ أي طفق يضرب بالحجر ضربًا ".
"إِنَّ بالحجر لَنَدبًا" قال في النِّهاية: "النَّدْبُ بالتحريك أثر الجُرح إذا لم يرتفع عن الجلد، فشُبِّه به أثر الضرب في الحجر".(2/794)
874 -[3223] "علَى صفْوَانٍ" قال في النهاية: "هُو الحَجَرُ(2/794)
الأمْلَسُ، وجمعه صُفيٌّ، وقيل: هو جمع، واحدُهُ صَفْوَانَةٌ".(2/795)
875 -[3233] "أتانِي اللَّيْلَةَ رَبِّي تَبَارَكَ وَتَعَالَى في أَحْسَنِ صُوَرَةٍ" قال في النِّهاية: " الصُّورة ترِدُ في كلام العَرَب على ظاهرها، وعلى معنى حقيقة الشيء وهيْئَتِهِ [وعلى معنى صفته، يقال: صُورَةُ الفِعل كذا وكذا: أي هيئتهِ] . وصورة الأمر كذَا وكذا: أي صِفتُهُ فيكون المراد بما جاء في الحديث أنه أتاه في أحسنِ صِفته.
ويجوز أن يعُود المعنى إلى النَّبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أي أتاني ربي وأنا في أحسن صُورة. وتجري معاني الصورَةِ كلِّها عليه، إن شئت ظاهرها أو هيئاتِهَا، أو صِفتها فأما إطلاق ظاهر الصُّورة على الله تعالى فلا،(2/795)
تعالى الله عن ذلك عُلُوًّا كبيرًا".
وقال البيضاوي: " إذا كان ذلك رؤيا رآها في المنامِ فلا إشكال إذ الرائي قد يرى غير المتشكل متشكلاً، ويرى المتشكل غير متشكل ثم لا يعد ذلك خللاً في الرؤيا ولا في خلل الرائي بل له أسباب أخر تذكر في علم المنامات، ولولا تلك الأسباب لما افتقرت رؤيا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام إلى التعبير وإذا كان ذلك في اليقظة فلا بد من التأويل، فنقول: صُورة الشيء ما يتميز به الشيء عن غيره سواء كان عين ذاته أو جزئه المميز، وكما يطلق ذلك في الجثث يطلق في المعاني، فيقال: صُورة المسألة كذا، وصورة الحال كذا، وصُورته تعالى -والله أعلم-.
ذاته المخصوصة المنزهة عن ممثالة ما عداه من الأشياء، كما قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} البالغة إلى أقصى مراتب الكمال.
وقال المطُهَّري: "إذا أجريت الصُورة على الله تعالى ويراد به الصفة، كان المعنى: إنَّ ربي تعالى كان أحسن إكرامًا، ولطفًا ورحمة عليَّ من وقت آخر.
وإذا أجريت على النَّبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كان المعنى: أنا في تلك الحالة كنت في أحسن صُورة، وصِفة من غاية إنعامه ولطفه تعالى عليَّ
وقال التوربشتي: " مذهب أكثر أهل العلم من السلف، في أمثال هذا الحديث أن نؤمن بظاهره، ولا يفسر بما يفسر به صفات الخلق، بل ينفي عنه الكيفية ويوكل علم باطنه إلى الله تعالى فإنه سُبحانه وتعالى(2/796)
يُري رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما يشاء من وراء أستار الغيب مما لا سبيل لأحدٍ إلى إدراك حقيقته بالجد والاجتهاد، فالأولى: أن لا يتجاوز هذا الحد فإنَّ الخطب فيه جليل والإقدام على منزله اضطربت عليها أقدام الراسخين شديد، ولأن نرى أنفسنا أحقاء بالجهل والنقصان أزكى وأسلم وهذا لعمر الله هو المنهج الأقوم والمذهب الأحوط.
"فيمَ يَخْتَصِمُ المَلأُ الأعلى". قال في النِّهاية: " يريد الملائكة المقرَّبين " وقال التوربشتي: " المراد [بالاختصام] التقاوُل الذي كان بينهم في الكفارات والدرجات، شبه تقاولهم [في ذلك وما يجري بينهم عن السُّؤال والجواب بما يجري بين المتخاصمين.
وقال البيضاوي: " اختصامهم إما عبارة عن تبادرهم إلى كتب تلك الأعمال، أو الصعود بها إلى السماء، وإمَّا عن تقاولهم في فضلها، وشرفها، وأناقتها على غيرها، وإما عن اغتباطهم النَّاس بتلك الفضائل لاختصاصهم بها وتفضيلهم على الملائكة بسببها مع تهافتهم في الشَّهوات، وتماديهم في الجنايات.
"فوَضَعَ يَدَهُ بين كتفي". قال البيضاوي: "هو مجاز عن تخصيصه إياه بمزيد الفضل عليه وإيصال فيضه إليه؛ لأنه من ديدن(2/797)
الملوك إذا أرادُوا أن يدنو إلى أنفسهم بعض خدمهم، ويسرهم بعض أحوال مملكتهم يضعُون يدهم على ظهره تلطفًا به، وتعظيمًا لشأنه، وتنشيطًا له في فهم ما يقول، فجعل ذلك حيث لا يد ولا وضع حقيقة كناية عن التخصيص بمزيد الفضل والتأييد وتمكين الملهم في الروع.
وقوله: "حتى وَجَدْت بردَهَا بينَ ثَدْيَيَّ" كناية عن وصول ذلك الفيض إلى قلبه وتأثره عنه، ورسُوخه فيه، وإتقانه له، يقال ثلج صدره، وأصابه برد اليقين لمن تيقن الشيء وتحققه.
وقوله: "فعلِمْت ما في السَّموات وما في الأرض" يدل على أنَّ وصول ذلك الفيض صار سببًا لعِلمِهِ، وفي بعض طرق الحديث زيادة.
{وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} على سبيل الاستشهاد، والمعنى أنه تعالى كما أرى إبراهيم عليه السلام ملكوت السموات والأرض، وكشف له ذلك، فتح عليَّ أبواب الغيوب حتى علمته ما فيها من الذَّوات، والصفات، والظواهر والمغيبات.
"في الكفَّاراتِ" قال في النهاية: " هي عبارة عن الغفلة، والخَصْلَة الَّتِي من شأنها أن تُكفِّر الخطيئة: التي تسْتُرُهَا وتَمْحُوهَا وهي فعَّالَة للمبالغة، ضَرَّابَة، وهيِ منِ الصِّفات الغالبة في باب الاسميَّة ".
"من فعل ذلك عاش بِخيْرٍ".
قال البيضاوي: " هو من قوله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} أي لنرزقنه في الدنيا حياةً طيبة، وذلك أنَّ المؤمن مع العمل الصَّالح موسرًا كان أو معسرًا [يعيش عيشًا(2/798)
طيبًا، إن كان موسرًا فلا يقال فيه، وإن كان معسرًا] فمعه ما يطيب عيشه، وهو القناعة والرضى بقسمة الله [تعالى] .
وأما الفاجر فأمره على العكس، إن كان معسرًا فلا إشكال في أمره، وإن كان موسرًا فالحرص لا يدعه أن يَتَهَنَّى بعيشه، قال: ومعنى قوله: "ومات بخيرٍ" أنه يأمن في العاقبة ويكون له روح، وريحان إذا بلغت الحلقوم ويقال: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي (30) } .
"وَإِذا أَرَدْتَ بعبادِك فِتْنَةً فاقْبِضني إليك غير مفْتُونٍ". قال المُطهَّري: " إذا أردت أن تضل قومًا عن الحق قدِّر موتي غير مفتون أي: غير ضال.
"وَالدَّرَجَاتُ؛ إفشَاءُ السَّلاَمِ". قال الطيبي: " مبتدأ أو خبر، أي ما يرفع به الدرجات أو يوصل إلى الدرجات العالية هذه الخصال الثلاث ".(2/799)
876 -[3238] ["جَاءَ يَهُودِيٌّ فقال: يا محمَّد إنَّ الله يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ على إصبع ... الحديث"] .(2/799)
877 -[3243] "كَيْف أنعَمُ" قال في النِّهاية: " أي كيف أتنعَّم، من النَّعمة، بالفتح، وهي المسرَّة والفرح والتَّرَفُّه ".(2/800)
878 -[3245] "فلا أدري أرفَعَ رأسه قبْلِي أم كان ممَّن استثْنى الله. من قال: أنا خيرٌ من يُونس بن مَتَّى فقد كذبَ".(2/800)
879 -[3246] "وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تنْعَموا فَلا تَبأسُوا أَبدًا".(2/800)
قال في النِّهاية: "بؤس، يَبْؤُس، بالضم فيهما بأسًا، إذا اشتد".(2/801)
880 -[3253] "مَا ضَلَّ قومٌ بعدَ هُدًى كَانُوا عَلَيْهِ إِلاَّ أُوْتُوا الجَدَلَ".
قال الطيبي: "أوتوا" حال، وقد مقدرة والمستثنى منه أعم عام الأحوال وصاحبها الضمير المستقر، في خبر كان، والمعنى: ما ضلَّ قوم مهديون كائنين على حال من الأحوال إلاَّ على إيتاء الجدل، يعني من ترك سبيل الهدى وركب متن الضلال، عارفًا بذلك لا بد أن يسلك طريق العِناد واللجَاج ولا يتمشى له ذلك إلاَّ بالجَدَل.
وقال البيضاوي: " المراد بهذا الجدل العِناد، والمراء والتعصُّب،
ثم تلا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هذه الآية: {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} .(2/801)
قال الطيبي: " فإن قلت: كيف طابق هذا المعنى معنى الآية حتى استشهد بها؟ قلت: من حيث إنهم عرفوا الحق بالبراهين الساطعة ثم عاندوا وانتهزوا مجالاً للطعن، فلما تمكنوا مما التمسوه جادلوا الحق بالباطل، وهكذا دأب الفرقة الزائفة من الزنادقة وغيرها ".(2/802)
881 -[3254] "فَأحصَّت كل شيءٍ" أي: أذهبته.
"إِذا رأى مخيلةً" قال في النِّهاية: "المخيلة: موضع الخَيْل،(2/802)
وهو الظنُّ، كالمظِنَّة، وهي السحابة الخليقة بالمطر.
ويجوز أن تكون مُسَمَّاةً بالمخيلة التي هي مصدرٌ كالمحبسة من الحَبْسِ".(2/803)
883 -[3258] "اغْتِيْلَ" قال في النِّهاية: "الاغتيال أن يُخدع، ويُقتل في موضع لا يراه فيه أحدٌ".
["اسْتُطِيرَ" أي ذهب فيه بسرعة كأنَّ الطير حملته أو اغتاله أحد] .(2/803)
"كُلُّ عظم لم يُذكَرُ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ" في رواية مسلم: " كُلُّ عَظم ذُكِر اسمُ الله عَلَيْهِ ".
قال بعضهم: رواية مُسلِمٍ في حق المؤمنين، ورواية المصنف في حق غيرهم.
قال السُّهيلي: " وهذا قول صحيح تعضده الأحاديث ".(2/804)
884 -[3261] "مَنُوطًا" أي معلقًا.
"بِالثُّرَيَّا" قال ابن يعيش في شرح المفصَّل: " الثريَّا تصفير [الثروى فُعْلَى] من الثروة، قيل لها ذلك لكثرة كواكبها، وهي سبعة، أو نحوها، قال الشَّاعر:
خليلي أني للثريا لحاسد ... وإني على ريب الزمان لواجد(2/804)
تجمَّع منها شملها وهي سبعة ... وأُفْقِدُ من أحببته وهو واحد وأصلها ثريوا، فاجتمعت الواو والياء، وقد سبق الأول منهما بالسكون فقلبت الواو ياء، وأدغمت الياء في الياء على حدِّ سيِّد، وميِّت، ثم دخلت عليها الألف، واللام للعهد ثم غلب اللفظ على هذه الكواكب دون سائر ما يوصف بالثروة، والكثرة انتهى.(2/805)
885 -[3262] "نَزَرْتَ رَسولَ اللهِ" أي ألححت عليه في المسألة.
"فَما نشِبْتُ" أي: لبثت.(2/805)
886 -[3263] "هئيئًا، مريئًا" قال أبو حيان في الارتشاف:(2/805)
"قال سيبويه: "هنيئًا مريئًا" صفتان نصبوهما على نصب المصادر المدعو بها في الفعل غير المستعمل إظهاره للدلالة التي في الكلام عليه، كأنهم قالوا: ثبت ذلك هنيئًا مريئًا وهناه هنيئًا ففي تقدير ثبت يكون حالاً مبنية وفي تقديره "هناه" يكون حالاً مؤكَّدة وأجاز أبو البقاء العكبري أن يكون مصدرين جاءا على وزن فعيل كالصَّهيل والنَّكير.
"مريئًا" تابع لهنيء وزعم بعضهم أنَّ مريئًا يستعمل وحده غير تابع لهنيءٍ ولا يحفظ ذلك. وإذا قلت هنيئًا مريئًا، فمري، صفة لهنيء عند بعضهم، وبه قال أبو الحسن الحوفي.
وذهب الفارسي إلى أنَّ مريئًا انتصب انتصاب هنيئًا، التقدير عنده: ثبت مريئًا(2/806)
887 -[3270] "عبيَّة الجاهلية" قال في النِّهاية: "يعني الكِبْر(2/806)
وتُضم عينُها وتكسر، وهي فُعُّولة أو فُعِّيلة، فإن كانت فُعُّولة فهي من التبعية، لأنَّ المُتَكَبر ذو تكلُّف وتبعية خلا من استرسل على سجيَّتِهِ، وإن كانت فُعِّيلة فهي من عُبَاب الماء، وهو أوله وارتفاعهُ، وقيل: " إنَّ اللام قُلبت ياءً كما فعلوا في: تقضِّي البازي ".(2/807)
888 -[3272] "لاَ تَزَالُ جَهَنَّمُ تَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ حتَّى يَضَعَ فِيهَا ربُّ العزَّة قَدَمَهُ".
قال في النِّهاية: " أي الذين قدَّمَهُمْ لها من شِرَارِ خَلْقِهِ، فهُمْ قَدَمُ اللهِ للنَّار، كما أنَّ المسلمين قدَمُهُ للجنَّةِ. والقدم: كلُّ ما قدمت من خير(2/807)
أو شر.
وقيل: وضع القدم على الشيء مثَل للرَّدع والقمع، فكأنه قال: يأتيها أمْرُ اللهِ فيُكفها عن طلب المزيد.
"وقيل أراد به تسكين فَوْرَتهَا كما يقال للأمر تُريد إبطاله؛ وضعته تحت قدَمِي".
"فَتَقُولُ: قطْ. قَطْ".
قالَ في النِّهاية: "بمعنى حسب، وتكرارها للتأكيد، وهي ساكنة الطاء مخفَّفة".
"ويُزْوى" بالزاي، أي يجمع، ويطوى، ويضم.(2/808)
889 -[3273] "عَلَى الخَبِيرِ سَقَطَتْ".
قال في النِّهاية: " أي على العارف به وقعت، وهو مثَل سائرٌ للعربِ ".(2/808)
"غنته الجرادتان".
قال في النِّهاية: "هُمَا مُغَنِّيتَان كانتا بمكة في الزَّمن الأوَّل، مشهورتان بِحُسْن الصَّوْتِ والغناء".
"خُذْهَا رَمَادًا رِمْدِدًا". قال في النِّهاية: " الرِّمْدِد بالكسر، المُتَناهي في الاحتراق والدِّقة، كما يقال ليلٌ ألْيَل، ويَوْمٌ أيْوَم، إذا أرادُوا المبالغة".(2/809)
990 -[3276] "المُقْحِمَاتِ" قال في النِّهاية: "أي الذُّنُوب العظام التي تُقْحِمُ أصحابها في النَّار: أي تُلقيهم فيها".(2/809)
891 -[3278] "قَفَّ لَهُ شَعْرِي" أي قام من الفزع.(2/809)
892 -[3283] "فِي حُلَّةٍ من رَفْرَفٍ" هو الديباج الرقيق الحسَن الصنعة، وجمعه رفارف، وقيل هو جمع، واحده رفرفة.(2/810)
893 -[3284] عن ابن عباس: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ} . زاد ابن جرير قال: " هو الرَّجل يلم بالفاحشة ثم يتوب، قال النَّبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنْ تَغْفِرْ اللَّهُمَّ تَغْفِرْ جَمَّا، وَأيُّ عبدٍ لَكَ لاَ ألَمَّا" قال ابن الشجري في(2/810)
أماليه: " أي لم يلم بالذنوب " وهذا مما تمثل به النَّبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من أشعار الجاهلية، أخرج ابن جرير في تفسيره: " عن مجاهد قال: كان أهل الجاهلية يطوفون بالبيت وهم يقولون:
إن تَغْفِر اللَّهُمَّ تَغْفِرْ جَمَّا ... وَأَيُّ عَبْدٍ لَكَ لاَ أَلَمَّا
وقال البيضاوي: " البيت لأميَّة بن أبي الصلت أنشده النَّبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} إنشاء الشعر، لا إنشاده.
وقال الطيبي: "وجه مطابقة الآية وتفسيرها للبيت، أن يقال أنَّ الشرط والجزاء في البيت متحدان، فيدل على كمال الاتحاد الغفران ونهايته، ومجيئهما مضارعين للدلالة على الاستمرار وأنَّ هذا من شأنه تعالى، وكذا الاعتراض بـ "اللَّهمَّ" يدل على فخامة الشأن، أي من شأنك اللَّهمَّ أن تغفر غفرانًا كثيرًا للذنوب العظيمة".(2/811)
894 -[3291] "لَقَد قرأتُهَا على الجِنِّ ليْلَةَ الجِنِّ فَكَانوا أَحْسَنَ مَردُودًا مِنْكُمْ" قال الشيخ كمال الدِّين الزملكاني: "ههنا دقيقة لا بد(2/811)
من التنبيه عليها، وهي أنَّ هذا القول من النَّبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يكن تفضيلاً لحال الجن على حال الإنس ولا لأدبهم على أدب الصحابة بل هو تفضيل للجواب على الجواب فإنَّ من عصر النَّبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من البِشر منهم من أجاب فردوهم المخالفون، والمؤمنون سمعوا وأنصتوا وامتثلوا قوله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (204) } .
فالصحابة العارفون بالله تعالى أنصتوا لكلامه وتدبروا معانيه وائتمروا بأمره، وانتهوا عن نهيه فلم يقتصروا على عدم التكذيب بل زادُوا عليه بالفهم والعقل، والكفار أجابوا بالرد والتكذيب، والجن اقتصروا على الإيمان فأجابوا بعدم التكذيب [فكان] هذا الجواب أحسن من ذلك الجواب وليس في الحديث ما يدُل على أنَّ جوابهم أحسن من سكوت الصحابة رضي الله عنهم " انتهى.(2/812)
895 -[3296] "رُمُصًا" قال في النِّهاية: " الرمص هو البياض الذي تقْطعه العين، ويجتمع في زوايا الأجفان ".(2/813)
896 -[3297] "شَيَّبَتْني هُودٌ" روى البيهقي، وابن عساكر عن أبي القاسم القشيري، قال: سمعتُ الشيخ أبا عبد الرَّحمن السلمي يقول: سمعتُ أبا علي الشبوي يقول: "رأيتُ النَّبيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في(2/813)
المنام فقلت له رُوِي عنك أنَّك قلت شيبتني هود؟ قال: نعم، فقلتُ له ما الذي شيبك منها، قصص الأنبياء أو هلاك الأمم؟ فقال لاَ، ولكن قوله: "فاستقم كما أمرت".
"والواقعة، والمرسلات، و {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ (1) } و {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1) }(2/814)
897 -[3298] "هذا العَنَانُ" بفتح العين السحاب، الواحدة عنانة.
"رَوَايَا الأرض" قال في النِّهاية: "الرَّوايا من الإبل: الحوَامِل(2/814)
للماء، واحدتُهَا رَاويَة فشبَّه الصحابة بها وبه سُمِّيت المزاده روايه وقيل بالعكس".
"فَإِنَّهَا الرَّقِيعُ" بالقاف.
قال في النِّهاية: "كل سماءٍ يُقال لها رقِيع، وقيل: الرقيعُ اسمُ سماءِ الدُّنيا".
"وَمَوْجٌ مَكْفوفٌ".
قال الشيخ عز الدِّين ابن عبد السلام في أماليه: "معناه أنَّها للطافتها تخترق كما يخترق الماء".(2/815)
898 -[3299] "قَالَ: أَنْتَ بِذاكَ؟ " قال في النِّهاية: "أي المُبتلى(2/815)
بذاك".
"وَحْشَي" قال في النِّهاية: " يقال: رجُلٌ وَحْشِيٌّ بالسكون، إذ كان جائعًا لا طعام له، قال: وفي رواية الترمذيِّ: "وحشى" كأنه أراد جماعةً وحْشى ".(2/816)
899 -[3300] "شَعِيرَةٌ" هو ضرب من الحلي أمثال الشعير.
"لزَهِيدٌ" أي قليل الشيء.(2/816)
900 -[3305] "رَوْضةَ خَاخٍ" بخاوين معجمتين موضع بين(2/816)
مكة والمدينة.
"تَتَعَادَى" أي تعدُوا.
"منْ عِقَاصِهَا" قال في النِّهاية: " أي ضفائرها، جمع عقِيصَة، وعِقْصة، وقيل: هو الخيط الذي يُعْقَصُّ به أطراف الذَّوائب، والأول الوَجْهِ ".
"مُلْصَقًا في قرَيْشٍ". الملصق: هو الرَّجل المقيم في الحي وليس منهم بنسب ".
"وَمَا يُدريك لعلَّ الله اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ، فقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ"
قال ابن القيم في كتابه المسمَّى بـ "فوائد شتى ونكت حسان": أشكل على كثير من النَّاس، معناه، فإنَّ ظاهره إباحة كل الأعمال لهم وتخيرهم فيما شاؤوا منها، وذلك ممتنع فقالت طائفة منهم ابن(2/817)
الجوزي: ليس المراد من قوله: "اعْمَلُوا" الاستقبال، وإنما هو للماضي، وتقديره، أي: عمل كان لكم فقد غفرته قال: ويدل على ذلك شيئان:
أحدهما: أنه لو كان للمستقبل كان جوابه قولهُ: سأغفر لكم.
والثاني: أنه كان يكون إطلاقًا في الذنوب، ولا وجه لذلك.
وحقيقة هذا الجواب إنِّي قد غفرت لم بهذه الغزوة ما سلف من ذنوبكم، لكنَّه ضعيف من وجهين:
أحدهما: أنَّ لفظ " اعملوا " يأباهُ؛ فإنه للاستقبال دون الماضي، وقوله: " قد غفرتُ لَكُمْ " لا يوجب أن يكون "اعملوا" مثلهُ؛ فإنَّ قوله: "قد غفرتُ لكُمْ" تحقيق لوقوع المغفرة في المستقبل، كقوله: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ} ونظائره.
الثاني: أنَّ نفس الحديث يرده، فإنَّ سببه قصَّة حاطب وتجسسه على النَّبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وذلك ذنب واقع بعد غزوة بدر لا قبلها، وهو سبب الحديث فهو مراد منه قطعًا، فالذي يظهر في ذلك -والله أعلم- أنَّ هذا خطاب لقوم قد علم الله سبحانه وتعالى أنهم لا يفارقون دينهم، بل يموتون على الإسلام، وأنهم قد يقارفون بعض ما يقارفه غيرهم من الذنوب، ولكن لا يتركهم سبحانه مُصرِّين عليها، بل يوفقهم لتوبة نصوح واستغفار وحسنات تمحُو أثر ذلك.
ويكون تخصيصهم بهذا دون غيرهِم، لأنه قد تحقق ذلك فيهم،(2/818)
وأنهم مغفور لهم، ولا يمنع ذلك كون المغفرة حصلت بأسباب تقوم بهم كما لا يقتضي ذلك أن يعطلوا الفرائض، وثوقًا بالمغفرة، فلو كانت قد حصلت بدون الاستمرار على القيام بالأوامر لما احتاجوا بعد ذلك إلى صلاة، ولا صيام، ولا حج، ولا زكاة، ولا جهاد، وهذا محال.
ومن أوجب الواجبات التوبة بعد الذنب فضمان المغفرة لا يوجب تعطيل أسباب المغفرة ونظير هذا قوله في الحديث الآخر: " أذنب عبد ذنبًا فقال: أي رب أذنبتُ ذنبًا فاغفره لي، فغفر له، ثم مكث ما شاء الله أن يمكث ثم أذنب ذنبًا آخر فقال: أي رب أصبت ذنبًا فاغفره لي، فغفر له ثم مكث ما شاء الله أن يمكث ثم أذنب ذنبًا آخر، فقال رب أصبت ذنبًا فاغفره لي، [ثم مكث ما شاء الله أن يمكث ثم أذنب ذنبًا آخر فقال رب أصبت ذنبًا فاغفره فقال الله علم عبدي أنَّ له ربًا يغفر الذنُوب ويأخذ به قد غفرتُ لعبدي فليعمل ما شاء " فليس في هذا إطلاق وإذن منه سبحانه له المحرمات والجرائم، وإنما يدل على أنه يغفر له ما دام كذلك، إذا أذنب تاب.
واختصاص هذا العبد بهذا لأنه قد علم أنه لا يصر على ذنب، وأنه كلما أذنب تاب، حكم يعم كل من كانت حاله حاله لكن ذلك العبد مقطوع له بذلك كما قُطِعَ به لأهل بدر.(2/819)
وكذلك كل من بشره رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالجنة أو أخبره بأنه مغفورٌ له، لم يفهم منه هو ولا غيره من الصحابة إطلاق الذنوب والمعاصي له ومسامحته بترك الواجبات، بل كان هؤلاء أشد اجتهادًا وحذرًا، وخوفًا بعد البشارة منهم قبلها، وكالعشرة المشهود لهم بالجنة.
وقد كان الصديق شديد الحذر والمخافة، وكذلك عمر، فإنهم علموا أنَّ البشارة المطلقة مقيَّدة بشروطها والاستمرار عليها إلى الموت، ومقيَّدة بانتفاء موانعها ولم يفهم أحد منهم من ذلك الإطلاق الإذن فيما شاؤوا من الأعمال " انتهى.(2/820)
901 -[3315] "كَسَعَ رَجُلاً" أي ضرب دُبره بيده.
"دَعوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ". قال في النِّهاية: "أي مذمومة في الشرع مُجْتَنَبةٌ مكروهة.(2/820)
كما يُجتنَبُ الشيءُ المُنْتِن يريد قولهم: يا آل فُلان".(2/821)
902 -[3318] "أُهبَةً" -بفتحات- جمع إهاب، وهو الجلد قبل(2/821)
الدباغ.(2/822)
903 -[3320] "ثَمَانِيةُ أَوْ عَالٍ" قال في النِّهاية: أي: ملائكة(2/822)
على صُورة الأوعال، وهيِ تُيُوس الجَبَل واحدُهَا: وَعِلٌ بكسر العيْنِ".(2/823)
904 -[3322] "فروَةُ وَجْهِهِ" قال في النِّهاية: " أي جلدته استعارهَا من الرَّأس للوِجه ".(2/823)
905 -[3325] "فجئثت" بجيم، ثم همزة، ثم مثلثة، أي فزعت(2/823)
منه وخفت، ويروى بتقديم المثلثة على الهمزة، وبمثلتين.
قال الحربي: جعل الهمزة ثاء.(2/824)
906 -[3340] "لَقِنًا" أي فهمًا، حسن التلقن لما يسمعه.(2/824)
907 -[3343] "رَجُلٌ عَارمٌ" أي خبيث شرير.(2/825)
908 -[3349] "فزبره" أي نهره وأغلظ له في القول.(2/825)
909 -[3368] "وَكِلْتَا يَدَيْ رَبِّي يَمِيْنٌ".
قال في النِّهاية: " أي: أنَّ يديه تبارك وتعالى بصفة الكمال، أي لا نقص في واحدة منهما، لأنَّ الشِّمال تنقُصُ عن اليمين وكلُّ ما جاء في القرآن والحديث من إضافة اليدِ، والأيدي، واليمين وغير ذلك من أسماء الجوارح إلى الله تعالى فإنَّما هو على سبيل المجازِ والاستعارة.
والله تعالى مُنزَّهٌ عن التَّشْبيهِ والتَّجسيم ".(2/826)
" أبوابُ الدَّعوات "(2/827)
910 -[3370] "لَيْسَ شيء أكرم على الله من الدُّعاء"
قال الطيبي: " أكرم بالنصب خبر ليسَ.(2/827)
911 -[3371] "الدُّعاء مُخُّ العِبادَة"
قال في النِّهاية: " مُخُّ الشيء: خالصه، وإنما كان مُخَّها لأمرين: أحدهما: أنه امتثال أمرِ الله تعالى حيث قال: " ادعُونِي " فهو مَحْضُ العِبَادَة، وخالصُهَا.
والثاني: أنه إذا رأى نجاح الأمور من الله قطع أمله عن سواه ودعاه لحاجته وحدَهُ، وهذا هو أصل العبادة، ولأنَّ الغرض من العبادة الثوابُ عليها وهو المطلوب الدُّعاء".(2/827)
وقال الحكيم في نوادر الأصول: " إنما صار مخًا [لها] لأنه تبرَّؤ من الحول والقوة واعتراف بأنَّ الأشياء كلها له وتسليم إليه ثم يسأله.(2/828)
912 -[3372] "الدُّعاء هُوَ العِبادة".
قال الطيبي: " أتى بضمير الفصل، والخبر المعرف باللام ليدل على القصد وأنَّ العبادة ليست عين الدُعاء.
"ثُمَّ قرَأَ: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي} الآية".
قال البيضاوي: " لما حكم بأنَّ الدَّعاء هو العبادة الحقيقيَّة التي تستأهل أن تسمَّى عبادة من حيث إنه يدُل على أنَّ فاعله مقبل بوجهه إلى الله تعالى معرض عمَّن سِواه لا يرجُو ولا يخاف إلاَّ منه استدل عليه بالآية، فإنها تدُل على أنه أمر مأمُور به إذا أتى به المكلف قُبل منه لا محالة وترتب عليه المقصود، ترتب الجزاء على الشرط، والمسبَّب على السبب، وما كان كذلك كان أتم العبادات وأكملها".(2/828)
913 -[3373] "من لم يسْأَلِ الله يَغْضَبْ عليه".
قال الطيبي: "وذلك لأنَّ الله تعالى يحب أن يُسأل من فضله، فمن لم يسأله يبغضه، والمبغُوض مغضوب عليه لا محالة".(2/829)
914 -[3375] "أَتَشَبَّثُ بِهِ" أي أتعلق به.
"لا يَزَالُ لِسانكَ رَطْبًا من ذكْرِ اللهِ".
قال الطيبي: " رطوبة اللسان [عبارة] عن سهولة جريانه كما أن يبسه عبارة عن ضده، ثم إنَّ جريان اللِّسان حينئذٍ عبارة عن مُداومة الذكر قبل ذلك، فكأنه قيل داوم الذكر فهو من أسلوب قوله تعالى: {وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102) } .(2/829)
915 -[3377] "أَلاَ أُنبِّئكم بِخَيْرِ أعمَالِكمْ ... الحديث".
قال الشيخ عز الدِّين بن عبد السلام في القواعد: " هذا الحديث يدل على أنَّ الثواب لا يترتب على قدر النصب في جميع العبادات بل قد يأجر الله تعالى على قليل الأعمال أكثر مما يأجر على كثيرها، فإذًا الثواب يترتب على تفاوت الرتب في الشرف ".
"وخَيْرٌ لكم مِنْ إنفاق الذَّهبِ".
قال الطيبي: " مجرور عُطف على "خير أعمالكم" من حيث المعنى؛ لأنَّ المعنى ألا أنبئكم بما هو خيرٌ لكم من بذل أموالكم ونفُوسكم ".(2/830)
916 -[3379] "آلله ما أجلسكم".(2/830)
قال الطيبي: " هو بالنصب؛ أي أتقسمون بالله؟ فحذف الجار، وأوصل الفعل، ثم حذف الفعل ".
"خَرَج على حلقةٍ من أصحابه" بسكون اللام والجمع حِلق، بكسر أوله كبدرة، وبدار، وقِصعة، وقِصع قاله الأصمعي.
وقال غيره: الجمع حلق بالفتح، وهو جمع خارج عن القياس، قال ثعلب كلهم يجيزه على ضعفه.
وقال أبو عمر: الواحد حلَقَة بالتحريك والجمع حلق وَحَلقات.
وعن الشيباني: ليس في الكلام حلقه، إلاَّ قولك حلقة جمع حالق.(2/831)
917 -[3380] "كَانَ عَليْهِمْ تِرَةً" أي تبعه.(2/831)
- 3380 "أفضل الذِّكر لا إله إلاَّ الله وأفضل الدُّعاء الحمد لله".
قال الطيبي: " قال بعض المحققين إنما جعل التهليل أفضل الذكر لأنَّ لها تأثيرًا في تطهير الباطن عن الأوصاف الذميمة التي هي معبودات في الظاهر.
قال الله تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} فيفيد نفي عموم الآلهة بقوله: " لا إله، ويثبت الواحد بقوله: " إلاَّ الله " ويعود الذكر من ظاهر لسانه إلى باطن قلبه فيتمكن فيه ويستولى على جوارحه، وجد حلاوة هذا من ذاق. وأطلق الدعاء على الحمد من باب المجاز ولعله جعل أفضل الدعاء من حيث أنه سؤال لطيف يدق مسلكه.
ومن ذلك قول أميَّة بن أبي الصَلت حين خرج إلى بعض الملوك يطلب نائله.
إذا أثنى عليك المرء يومًا ... كفاه من تعرضه الثناء(2/832)
وقال المظهري: " إنما كان التهليل أفضل الذكر؛ لأنه لا يصح الإيمان إلاَّ به، وإنما جعل "الحمد" أفضل الدُعاء؛ لأنَّ الدعاء عبارة عن ذكر الله، وأن [يطلب] منه حاجته، و"الحمد لله" يشملها؛ فإنَّ من حمد الله إنما يحمده على نعمته، والحمد على النعمة طلب مزيد.
قال تعالى: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} .
قال الطيبي: " ويمكن أن يكون قوله: " الحمد لله " منِ باب التلميح والإشارة إلى قوله: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} وأي دعاء أفضل، وأكمل، وأجمع من ذلك! ".
وفي نوادر الأصول للحكيم الترمذي من طريق الجارود قال: كان وكيع يقول: الحمد لله، شكر لا إله إلاَّ الله.
قال الحكيم: فيا لها من كلمة لوكيع لأنَّ لا إله إلاَّ الله أعظم النعم فإذا حمد الله عليها كان في كلمة الحمد قول لا إله إلاَّ الله متضمنة، مشتملة عليها الحمد لله ".(2/833)
918 -[3390] "وَأمْسَيْنَا، وأمسى المُلكُ لله والحمد لله" قال(2/833)
المظهري: " عطف على "أمسينا وأمسى الملك لله " وأمسى إذا دخل في المساء، وأمسى [إذا صار، يعني] دخلنا في المساء، وصرنا نحن، وجميع الملك، وجميع الحمد لله ".
وقال الطيبي: " الظاهر أنه عطف على قوله: " الملك لله " ويدل عليه قوله بعد "له الملك وله الحمد [وقوله] :
"وَأمسى الملك لله" حال من "أمسينا" إذا قلنا أنه فعل تام، ومعطوف على "أمسينا" إذا قلنا أنه ناقص والخبر محذوف لدلالة الثاني عليه، أو خبر، والواو فيه كما في قول الحماسي:
فلما صرح الشر ... فأمسى وهو غير ثان
قال أبو البقاء: "أمسى" هنا ناقصة، والجملة بعدها خبر لها.
فإن قلت: خبر كان مثل المبتدأ، وخبر المبتدأ لا يجوز أن تدخل عليه الواو؟ قيل: الواو إنما دخلت في خبر كان، لأنَّ اسم كان يشبه ْالفاعل، وخبرها يشبه الحال.
وقوله: " لا إله إلاَّ الله وحدَهُ لا شريك له " عطف على "الحمد لله" على تأويل، و"أمسى" الفردانية، والوحدانية مختصين بالله.(2/834)
فإن قلت: ما معنى "أمسى الملك لله".
والملك له أبدًا، وكذلك الحمد؟ قلت: هو بيان حال القائل أي عرفنا أنَّ الملك، والحمد لله لا لغيره، فالتجأنا إليه واستغنينا به، وخصَّصناه بالعبادة، والثناء عليه والشكر له ".
"وأعوذ بِكَ من الكَسَلِ".
قال التوربشتي: " هو التثاقل عما لا ينبغي التثاقل عنه، ويكون ذلك لعدم انبعاث النَّفس للخير مع ظهور الاستطاعة ".
"وَسُوءِ الكِبرِ" قال في النِّهاية: " يُروى بسكون الباء وفتحها فالسُّكون، بمعنى البطر، والفتح بمعنى الهرم، والخرف ".
قال المظهري: " والفتح أصح ".(2/835)
919 -[3391] "اللَّهمَّ بكَ أصبَحْنَا" قال الطيبي: " الباء متعلقة بمحذوف، وهو خبر أصح " ولا بد من تقدير مُضاف، أصبحنا(2/835)
ملتبسين نعمتك أي بحياطتك، وكلآتك، وبذكرك، واسمك "وبك نَحْيَا، وبكَ نَمُوتُ" قال النووي: "أي أنت تحييني، وأنت تميتني، وإليك المصير". قال في النهاية: " أي إليك المرجِع يقال: صرتُ إلى فلان، أصِير مصيرًا. وهو شاذٌّ والقياس مصارا مثل، معاش ".
" وَإِليك النُّشُورُ " يقال: نشر الميت، ينشر نشورًا، إذا عاش بعد الموت.(2/836)
920 -[3392] "ومليكَهُ".
قال الطيبي: "فعيلة، بمعنى فاعل للمبالغة، كالقدير، بمعنى القادر".
"وَمن شرِّ الشَّيطانِ وشِركِهِ"
قال في النِّهاية: " يُروى بكسر الشين، وسكون الراء؛ أي ما يدعُو إليه، ويُوسْوِسُ به من الإشراك بالله تعالى.
وبفتح الشين، والراء: أي حبائله ومصائده. واحدها شرَكة ".
قال الطيبي: "فالإضافة على الثاني محضة، وعلى الأول إضافة(2/836)
المصدر إلى فاعله".(2/837)
921 -[3393] "أَلاَ أَدُلُّكَ على سيِّدِ الاسْتِغْفارِ".
قال الطيبي: " السيد، مستعار من الرئيس المقدم الذي يصمد إليه في الحوائج، ويرجع إليه في الأمور كهذا الدعاء الذي هو جامع لمعاني التوبة كلها. [وقوله] .
"وَأنا عَبْدُكَ" "يجوز أن تكون مؤكدة، وأن تكون مقررة؛ أي أنا عابد لك، وينصره عطفُ".
"وَأنا على عهدك ووعدك ما استطعت". قال البغوي في شرح السنة: " يريد أنا على ما عاهدتك عليه، وواعدتك من الإيمان بك، وإخلاص الطاعة لك. وقد يكون معناه: إنِّي مقيم على ما عاهدتك على أمرك ومتمسِّك ومتنجِّز وعدك في المثوبة، والأجر عليه، واشتراط الاستطاعة في ذلك معناه الاعتراف بالعجز، والقصور عن كنه(2/837)
الواجب من حقه عزَّ وجل ".
قال الطيبي: " ويجوز أن يُراد بالعهد، والوعد، ما في قوله تعالى {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا} .
"وأبوءُ لكَ" قال في النِّهاية: "أي ألتزم، وأرجع وأُقِرُّ".(2/838)
922 -[3394] "مُت على الفطرةِ" أي دين الإسلام.
"تقول: اللَّهمَّ أَسلمتُ نفْسِي إليك ووجَّهت وجهي إليك، وفوَّضت أمرِي إليك رغبةً ورهْبةً إليك، وألجأتُ ظهري إليك لا مَلْجأ، ولا منجى مِنكَ إلاَّ إليكَ".
قال القرطبي: "المراد بالنفس هنا الذات، وبالوجه القصد".(2/838)
وقال الطيبي: " في هذا النظم عجائب وغرائب لا يعرفها إلاَّ المتقن من أهل البيان، فقوله: " أسلمتُ نفسي " إشارة إلى أنَّ جوارحه منقادَة لله تعالى في أوامره، ونواهيه.
وقوله: " وَجَّهْتُ، وجْهِي " إلى أنَّ ذاته، وحقيقته مخلصة له بريئة من النفاق.
وقوله: " وَفوَّضْتُ " إلى أنَّ أمُوره الخارجة، والداخلة مفوضة إليه، لا مدبر لها غيره.
وقوله: " ألجأتُ ظَهرِي إليكَ " بعد قوله: " وفوَّضتُ أمري " أي أنه بعد تفويض أموره التي مفتقر إليها وبها معاشه وعليها مدار أمره يلجأ إليه مما يضره ويؤذيه من الأسباب الداخلة، والخارجة.
ثم قوله: "رغبةً، ورهبةً" منصوبان على المفعول [له] على طريقة اللف، والنشر؛ أي: " فوَّضت أمري إليك " رغبةً، و"ألجأت ظهري" من المكاره والشدائد إليك، رهبةً منك؛ لأنه لا ملجأ، ولا منجى مِنْكَ إلاَّ إليْكَ".
وقوله: " رغبةً، ورهبَةً إليكَ " من باب قوله: متقلدًا سيفًا ورمحًا و" ملجأ " مهموز، و" منجا " مقصُور، هُمَز للازدواج " انتهى.
وقال الحافظ ابن حجر: " قد رواه أحمد، والنسائي بلفظ: " رهبةً منك، ورغبةً إليك ". وزاد النسائي في أوله: " بسمِ اللهِ ".
قال البراءُ، فقُلتُ: " ورسُولك الذي أرْسلتَ فطعَن بِيدِهِ في صدري " لفظ النسائي: "فوضع يده في صدري ثم قال: ونبيِّك الذي(2/839)
أرسلتَ" في رواية، فقال: "قل ونبيِّك".
قال في فتح الباري: " أولى ما قيل في الحكمة في رده - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، على من قال: " الرسُول " بدل "النبي" أنَّ ألفاظ الأذكار توقيفية، ولها خصائص، وأسرار لا يدخلها القياس، فيجب المحافظة على اللَّفظ الذي وردت به وهذا اختيار المازري.
قال: فيقتصر فيه على اللَّفظ الوارد بحُروفه، وقد يتعلق الجزاء بتلك الحروف، ولعله أوحى إليه بهذه الكلمات فيتعيَّن أداؤها بحروفها ".
ورواه منصور بن المعتمر، عن سعد بن عبيدة عن البراء".
قال الحافظ بن حجر: كذا قال الأكثر وخالفهم إبراهيم بن طهمان فقال: عن منصور عن الحكم عن سعد بن عبيدة زاد في الإسناد الحكم، أخرجه النسائي، وقد سأل ابن أبي حاتم عنه أباه فقال:
هذا خطأ ليس فيه الحكم فهو من المزيد في متَّصل الأسانيد".(2/840)
923 -[3396] "وَآوَانَا" قال النووي: " قيل: معناه هنا رحمنا، وقوله: " فكمْ ممَّن لا كافي له ولا مُؤوِي " أي لا رَحم له ولا عاطف عليه ".
وقال المظهري: " الكافي، والمؤوي هو الله تعالى، يكفي بعض الخلق شر بعض، ويهيِّى لهم المأوى، والمسكن ".(2/841)
924 -[2399] "يتوسد يمينه" أي يجعلها تحت رأسه.(2/841)
925 -[3401] "فلينفضه بصنفة إزاره" بفتح الصَّاد المهملة،(2/841)
وكسر النون طرفه مما يلي طُرَّته.
"فإنه لا يدري ما خلفه عليه". قال في النِّهاية: " لعلَّ هامَّةً دبَّت فصارت فيه بعده، وخِلاف الشيء: بعده ".(2/842)
926 -[3402] "نَفثَ فيهِمَا".
قال في النِّهاية: " النَّفث بالفم شبيه بالنَّفْخ وهو أقلُّ من التَّفْل؛ لأنَّ التَّفْل لا يكون إلاَّ ومعه شيءٌ من الرِّيق ".(2/842)
927 -[3407] "يَهُبَّ" أيْ يستيقظ.(2/842)
928 -[3408] "مَجلَ يديْهَا" قال في النِّهاية: "يقال: مَجَلَت يدُه، تمْجُل، مَجْلاً، ومجِلت إذا ثَخُنَ جِلْدُهَا وتعجَّر، وظهر منها ما يُشْبِه البَثْر من العمل بالأشياى الصُّلبة الخَشِنَة".(2/843)
929 -[3410] "خَلَّتَانِ" أي خصلتان.(2/843)
"لا يُحْصِيهِمَا" أي لا يحافظ عليهما.(2/844)
930 -[3412] "مُعَقِّبَاتٌ لا يَخيبُ قَائِلهُنَّ".
قال في النِّهاية: " سُمِّيَتْ مُعَقَّبات لأنها عاودتْ مرَّة بعد مرَّة، أو لأنها تقال عقِب الصَّلاَةِ، والمُعَقِّب من كل شيءٍ: ما جاءَ عَقِبَ مَا قَبْلَهُ ".(2/844)
931 -[3414] "من تَعَارَّ" قال في النِّهاية: " أي استيقظ، ولا يكُون إلاَّ يقظةً مع كلامٍ.
وقيل: تمطَّى وأنَّ ".(2/845)
932 -[3416] "فأسْمَعُهُ الهَوِيَّ من اللَّيلِ" قال في النِّهاية:
"الهَوِي بالفتح: الحينُ الطَّويل من الزَّمانِ، وقيل: هو مُخْتَصٌّ باللَّيلِ".
-3417 "الحَمْد للهِ الَّذِي أَحْيَا نَفْسِي بَعْدَ مَا أَمَاتَهَا".(2/845)
قال في النِّهاية: " سمَّى النَّوم موتًا، لأنه يزول معه العقل والحركةُ، تمثيلاً، وتشبيهًا لا تحقيقًا. وقيل: الموت في كلام العرب يطلق على [السكون] ".(2/846)
934 -[3419] "وتَلُمَّ بِهَا شَعْثِي" أي تجمع بها ما تفرق من(2/846)
أمري.
"كما تجير بين البحور" أي تفصل بينهما وتمنع أحدها من الاختلاط بالآخر والبغي عليه.
"وَمن دعوة الثُّبُور". قال في النِّهاية: " هو الهلاك ".
"اللَّهمَّ ذَا الحَبْلِ الشَّدِيدِ" قال في النِّهاية: " هكذَا يرويه المحدِّثُون بالباء الموحدة، والمراد به القرآن، أو الدِّين أو السَّببُ. ومنه قوله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ} . وصفَه بالشِّدَّة لأنها من صفات الحِبال، والشِّدة في الدِّين، الثَّبات والاستقامة. وقال الأزهري: "الصَّواب الحيْل بالياء [المثناه] التحتية، وهو القوَّة، يقال: حَوْل وَحَيْل، بمعنى ".
"سِلمًا" أي صلحًا.
"سبحانَ الَّذِي تَعَطَّفَ بالعِزِّ". قال في النِّهاية: " أي تردَّى بالعِزِّ العِطاف والمِعْطَفُ: " الرَّداءُ، وقد تعطَّفَ به، وتعطَّفَهُ، وسمَّى عِطافًا لوُقُوعِهِ على عطفي الرَّجل، وهما ناحِيَتَا عُنُقه، والتَّعطُف في حقِّ الله مجازٌ يُرادُ بهِ الاتِّصاف، كأنَّ العِزَّ شَمِلَهُ شُمُول الرِّداء".
"وقال به" أي أحبه، واختصَّه لنفسه، كما يقال: فلان يقول بفلان، أي: بمحبته، واختصاصه، وقيل: معناه حكم به، فإنَّ القول(2/847)
يستعمل في معنى الحكم. وقال الأزهري: معناه: غلب به".(2/848)
935 -[3426] "من قال، يعْنِي إِذا خرجَ مِنْ بَيتِهِ: بسم الله توكَّلتُ على الله، لا حول ولا قُوَّةَ إِلاَّ باللهِ".
"يقال له كفيت ووقيت، وتنحى عنه الشيطان".
قال الطيبي: " فيه، لف، ونشر، فإنَّ العبد إذا استعان بالله، وباسمه المبارك فإنَّ الله يهديه، ويرشدُهُ، ويعينه في الأمُور الدينيَّة، والدنيوية وإذا توكل على الله، وفوَّض أمره إليه كفاه فيكون هو حسبه {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} ، ومن قال: " لا حول ولا قوَّة إِلاَّ بالله " وقاه الله شرَّ الشيطان، ولا يسلط عليه.(2/848)
936 -[3428] "مَن دخل السُّوق فقَالَ: ... الحديث".(2/848)
قال الطيبي: " إنما خصَّ السوق بالذِّكر؛ لأنه مكان الاشتغال عن الله وعن ذكره بالتجارة، والبيع، والشراء، فمن ذكر الله تعالى فيه دخل في زمرة من قيل في حقه: {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} ".(2/849)
937 -[3431] "إلاَّ عُوفِي من ذلك البلاء كائنًا ما كان".
قال الطيبي: " هو حال من الفاعل هذا [هو الوجه] " وذهب المظهري: إلى أنه حال من المفعول.(2/849)
938 -[3433] "فكثُر فيهِ لغَطُهُ".(2/849)
قال التُورَبشتِي: "اللَّغط -بالتحريك-[الصَّوت] وأراد به الهزا من القول، وما لا طائل تحته من الكلام، فأحل ذلك محل الصَّوت العرِّي عن المعنى".(2/850)
339 -[3438] "اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ".(2/850)
قال التُوربشتي: " الصَّاحب هو الملازم وأراد بذلك مصاحبة الله إيَّاه بالعناية، والحفظ، والاستئناس بذكره، والدفاع لما ينوبه من النوائب ".
"والخَليفةُ في الأَهْلِ" ينوب الخليفة هو الذي عن المستخلف، يعني: أنت الذي أرجوه وأعتمد عليه في سفري، وغيبتي عن أهلي، بأن يكُون معيني وحافظي، وأن تلم شعثهم، وتداوي سقمهم، وتحفظ عليهم دينهم، وأمانتهم ".
"اللَّهمَّ اصْحَبْنَا بِصحْبته، وأقْلِبْنَا بِذِمَّة". قال في النِّهاية:
"أي: احفظنا بحفظِك في سفَرِنَا وَأَرْجعْنَا بأَمَانِكَ، وعهدِك إِلَى بلدنا".
"أَزْوِ" أي أطو.
"من وَعْثَاءِ السَّفَرِ" أي شدَّته ومشقته، وأصله من الوعث وهو الرَّمل.
والمشي فيه يشتد على صاحبه، ويشق عليه ووقع في رواية المستدرك: "من وعثا السفر" قال أبو زرعة: وكان أبو هريرة رجلاً عربيًا،(2/851)
لو أراد أن يقول "وعثاء السفر" لقال.
"وكآبَةِ المنقلَبِ" الكآبة: تغير النفس بالإنكاد من شِدَّة الغم، والحزن؛ المعنى أن يرجع من سفره بأمرٍ يحزنه إما إصابة في سفره، وإما قدم عليه، مثل أن يعُود غير مقضي الحاجة، أو أصابت ماله آفة، أو يقدم على أهله فيجدهم مرضى أو قد فقد بعضهم.(2/852)
940 -[3439] "ومَن الحَوْر بعْد الكَوْر".
قال في النِّهاية: "أي من النُّقصان بعد الزِّيادة، وقيل من فساد أمورنا بعد صلاحها. وقيل من الرُّجُوع عن الجماعة بعد أن كان منهم، وأصله من نَقْضِ العِمَامَة بعد لفِّها". ويروى: " الحَوْرِ بَعْدَ الكَوْنِ ".
قال الزمخشري في الفائق: " أي الرجوع بعد الحُصول على حالة جميلة يريد التراجع بعد الاقبال ".(2/852)
941 -[3440] " آيِبونَ، عابِدُون، لرَبِّنَا حَامِدُونَ ".(2/852)
قال الطيبي: "يجُوز أن يتعلق "لربنا" بقوله: " عابدُون "؛ لأنَّ عمل اسم الفاعل ضعيف فيقوي، أو بـ "حامدون" ليفيد التخصيص أي نحمد ربنا لا نحمده غيره، قال: وهذا أولى؛ لأنه كالخاتمة للدعاء ".(2/853)
942 -[3441] "أوضَعَ رَاحِلَتَهُ" أي حملها على سُرعة السَّير.(2/853)
943 -[3445] "على كُلِّ شَرفٍ" أي مكان مرتفع.(2/853)
944 -[3456] "غيرُ مُودَّعٍ" قال في النِّهاية: " أي غير متروك الطَّاعة، وقيل: هو من الوداع وإليه يرجع ".
"ولا مُسْتغنًى عنْه رَبُّنا". قال في النِّهاية: " بالنصب على النداء، والرفع على الابتداء، المؤخر؛ أي ربنا غير مودع، ويجوز أن يكون الضمير للحمد؛ أي ولا يستغنى عن الحمد ".(2/854)
945 -[3462] "وأنَّها قِيعَانٌ" جمع قاع وهو المستوى من الأرض.(2/854)
"وأَنَّ غِراسها سُبْحَان اللهِ والحَمْدُ للهِ ولا إله إلاَّ الله، والله أَكْبَرُ".
قال الطيبي: " في هذا إشكال؛ لأنَّ ظاهره يدل على أنَّ أرض الجنة خالية عن الأشجار، والقُصُور، وقوله تعالى: {أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) } يدل على أنها غير خالية، لأنها إنما سُمِّيت جنة لأشجارها المتكاثفة، المظلة بالتفاف أغصانها وتركيب الجنة دائر على معنى الستر، وأنها مخلوقة معدة للمتَّقين.
قال: والجوابُ: أنها كانت قيعانًا، ثم إنَّ الله تعالى أوجد بفضله، وسعة رحمته، فيها أشجارًا وقصُورًا على حسب أعمال العاملين، لكل عامل ما يختص بحسب عمله، ثم إنَّ الله لما يسره لما خلق له من العمل لينال به ذلك الثواب، جعله كالفارس لتلك الأشجار على سبيل المجاز إطلاقًا للسبب على المسبب ".(2/855)
946 -[3467] "كلمتَانِ خَفِيْفَتَانِ علَى اللِّسانِ ثَقِيلَتَانِ في الميزان".
قال الطيبي: " الخفة، مستعارة من السُهُولة، شبه سُهُولة جريان الكلمتين على اللِّسان بما يخفف على الحامل من بعض الأمتعة، فلا يتعبه كالشيء الثقيل، فذكر المشبه به وأراد المشبه، وأما الثقل فعلى(2/855)
الحقيقة عند علماء أهل السنة؛ إذ الأعمال تتجسَّم حينئذٍ".(2/856)
347 -[3468] "وإنْ كَانَتْ أكثر من زَبَدِ البَحْرِ".
قال الطيبي: " هذا وأمثاله، نحو: " ما طلعت عليه الشمس كنايات عبر بها عن الكثرة عرفًا ".(2/856)
948 -[3474] " من قال في دُبُر صلاةِ الفَجْرِ، وهُوَ ثاني رِجْلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّم، لا إِلهَ إلاَّ الله وحده لا شريكَ لَة، لَهُ المُلكُ، ولهُ الحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كلِّ شيءٍ قَدِيرٌ عشْرَ مَرَّاتٍ "،(2/856)
949 -[3475] "لقد سأل الله باسمه الأعظم".
قال المظهري: "قيل الاسم الأعظم هنا بمعنى العظيم، وليس أفعل التفضيل؛ لأنَّ جميع أسمائه عظيم، وليس بعضها أعظم من بعض.
وقيل: بل هو للتفضيل؛ لأنَّ كل اسم فيه أكثر تعظيمًا لله فهو أعظم من الرَّحيم، والله أعظم من الرَّب، فإنه لا شريك له في تسميته به لا بالإضافة، ولا بدونها. وأما الرَّب فيضاف إلى المخلوقات، كما يقال: رب الدار".
"الذي إذَا دُعِي به أجاب، وإذا سئِلَ به أعطى".
قال الطيبي: " فإن قلت ما الفرق بين الجملة الأولى، والثانية؟
قلتُ: الأولى أبْلغ؛ فإنَّ إجابة الدعاء تدل على شرف الداعي(2/857)
ووجاهته عند المجيب فيتضمَّن أيضًا قضاء حاجته بخلاف السؤال".(2/858)
950 -[3479] "ادْعُوا الله وَأَنْتُمْ مُوْقِنُونَ بِالإجَابِة".
قال التوربشتي: " فيه وجهان:
أحدهما أن يقال: كونوا أوان الدعاء على حالة تستحقون فيها الإجابة، وذلك بإتيان المعروف، واجتناب المنكر، وغير ذلك من مراعاة أركان الدعاء، وآدابه، حتى تكون الإجابة على قلبه أغلب من الرد.
والثاني: ادعُوهُ معتقدين لوقوع الإجابة، لأنَّ الداعي إذا لم يكن متحققًا [في الرجاء] لم يكن رجاؤه صادقًا، وإذا لم يكن رجاؤه صادقًا لم يكُن الدُعاء خالصًا، والداعي مخلصًا، فإنَّ الرجاء هو الباعث على الطلب، ولا يتحقق الفرع إلاَّ بتحقق الأصل ".(2/858)
951 -[3484] "وَضَلَعِ الدَّيْنِ" بالتحريك، قال في الغريبين:(2/858)
"يعني ثقله حتى يميل بصاحبه عن الاستواء، والاعتدال، والضلع الاعوجاج".
"وغلبة الرِّجالِ".
قال التوربشتي: "كأنه يريد به هيجان النفس من شدَّة الشبق، وإضافته إلى المفعول أي يغلبهم ذلك إلى هذا المعنى بسبق فهمي، ولم أجد في تفسيره نقلاً".
وقال الطيبي: " أي قهرهم للدائن وغلبتهم عليه بالتقاضي، وليس له ما يقضي دينه فإضافته إلى الفاعل ".(2/859)
952 -[3492] "ومن شرِّ مَنِييِّ".(2/859)
قال المظهري: " أي من شر غلبة منيي حتى لا أقع في الزنا، والنظر إلى المحارم ".(2/860)
953 -[3497] "لِيَعزِم المسألَةَ" أي يجزمها، ويقطعها.(2/860)
954 -[3499] ["أيّ الدعاء أسمع، قال: جوف اللَّيل الآخر"] .(2/860)
955 -[3502] "اللَّهمَّ اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ".(2/860)
قال البيضاوي: " أي اجعل لنا قسمًا ونصيبًا قال، وقوله: " ومن اليقين ما تهوِّن علينا مُصيبات الدنيا" أيْ ارزقنا يقينًا بك، وبأن لا مرد لقضائك، وقدرك وأن لا يصيبنا إلاَّ ما كتبه علينا، وأنَّ ما قدرته لا يخلو عن حكمة، ومصلحة، واستجلاب مثوبة تهون به مُصيبات الدنيا.
"وَمَتِّعْنَا بِأَسمَاعِنَا، وَأَبْصَارِنَا، وَقُوَّتِنَا، مَا أَحْيَيْتَنَا وَاجْعَلْهُ الوَارِثَ مِنَّا".
قال: الضمير في "اجعله" للمصدر كما في قولك: زيدٌ أظنه منطلق، أي اجعل الجعل. و"الوارث" هو المفعول الأول، و"منَّا" في موضع المفعول الثاني، على معنى واجعل الوراث من نسلِنَا، لا كلالة عنَّا، كما قال تعالى، حكاية عن دعوة زكريا: {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آَلِ يَعْقُوبَ} وقيل: الضمير للتمتع الذي دل عليه، ومتِّعنا، ومعناه: اجعل تمتعنا بها باقيًا عنَّا مورُوثًا لمن بعدنا، أو محفوظًا لنا إلى يوم الحاجة.
وهو المفعول الأول، "والوارث" مفعول ثان، و"منَّا" صلة له.
وقيل: الضمير لما سبق من الأسماع، والأبصار، والقوة، وإفراده، وتذكيره على تأويل المذكور، كما في قول رؤبة:
فيها خطوط من سواد وبلق ... كأنه في الجلد توليع البهق
والمعني بوراثتها لزومها له عند موته لزوم الوارث له.(2/861)
"واجعل ثَأرَنَا عَلَى مَنْ ظَلَمَنَا" أي: مقصورًا عليه، ولا تجعلنا ممن تعدَّى في طلب ثأره فأخذ به غير الجاني، كما كان معهودًا في الجاهلية، أو اجعل إدراك ثأرنا على من ظلمنا فندرك منه ثأرنا.
"ولا تجعل مُصيبتنا في ديننا"
قال المظهري: "أي لا تصيبنا بما ينقص ديننا من أكل الحرام أو اعتقاد سوء، أو فترة في العبادة".
"وَلاَ تَجعلِ الدُّنيا أكبرَ هَمِّنَا"
قال الطيبي: " فيه أنَّ قليلاً من الهمِّ مما لا بد منه من أمر المعاش مرخص، بل مستحب ".
"ولا تُسلِّطْ علينا من لا يَرْحَمُنَا".
قال الطيبي: "أي لا تجعلنا مغلوبين للظلمة، والكفار".
ويحتمل أن يراد لا تجعل الظالمين علينا حاكمين فإنَّ الظالم لا يرحم الرعية".
ويحمل: "من لا يرحمنا" على ملائكة العذاب في القُبُور وفي النَّارِ.(2/862)
956 -[3507] "إِنَّ لله تسعة، وتسعين اسمًا، مائة غير واحد"(2/862)
قال الرافعي في أماليه: " إنما قال مائة غير واحد لئلا يتوهم أنه على التقريب، وفيه فائدة رفع الاشتباه، فقد يشبه في الخط تسعة وتسعين، بسَبْعَة وسبعين ".
"من أحصاها دخل الجنة".(2/863)
قال الخطابي: الإحصاء في هذا يحتمل وجوهًا:
أحدها: أن يعدَّها حتى يستوفيها؛ يريد أنه لا يقتصِر على بعضها لكن يدعُو الله بها كلهَا ويثني عليه بجميعها فيسْتَوْجب الموعُود عليها من الثواب.
الثاني: المراد بالإحصاء، الإطاقة، كقوله تعالى: {عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ} حديث: "استقيمُوا، ولن تحصُوا" أي تبلغوا كنه الاستقامة، والمعنى من أطاق القيام بحق هذه الأسماء، والعمل بمقتضاها، وهو أن يعتبر معانيها، فيلزم نفسه بواجبها، فإذا قال: الرزَّاق، وثق بالرزق، وكذا سائر الأسماء.
الثالث: المراد الإحاطة بمعانيها من قول العرب: فلان ذو حصَافة؛ أي: [ذُو] عقل، ومعر فة. انتهى.
قال ابن الجوزي في غريب الحديث: "فيه خمسة أقوال:
أحدها: من استوفاها حفظها.
والثاني: من أطاق العمل بمقتضاها، مثل: أن يعلم أنه سميع، فيكف لسانه عن القبيح، وأنه حكيم، فيُسلِّم لحكمته.
والثالث: من عقل معانيها.(2/866)
والرابع: من أحصاها علمًا وإيمانًا، قاله الأزهري.
والخامس: أن يكون المعنى من قرأ القرآن حتى يختمه لأنها فيه، زاد في النهاية.
وقيل: من استخرجها من كتاب الله، وأحاديث رسوله، لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يعدَّها لهم، إلاَّ ما جاء في روايةٍ عن أبي هريرة وتكلَّموا فيها، وقيل: أراد من أخطر ببَاله عند ذكرها معناهَا، [وتفكَّر] في مَدْلُولَهَا مُعَظِّمًا لمُسَمَّاها، ومُقَدِّسًا ومعتبرًا بمعانيها، ومُتَدَبِّرًا، راغبًا فيها وراهبًا".
وقال القرطبي: " المرجو من كرم الله تعالى أنَّ من حصل له إحصاء هذه الأسماء على إحدى هذه المراتب مع صحة النية أنه يدخل الجنة، وقال النووي: " معنى أحصاها حفظها هكذا فسَّره البخاري، والأكثرون، ويؤيِّده أنه ورد في رواية في الصحيح: "من حفظها دخل الجنة".
قال الطيبي: " أراد بالحفظ القراءة بظهر القلب، وقد اختلف في هذا العدد هل المراد به حصر الأسماء في هذه العِدَّة، أو أنها أكثر من ذلك ولكن اختصَّت هذه بأنَّ من أحصاها دخل الجنَّة.(2/867)
فذهب الجمهور إلى الثاني، ونقل النووي اتفاق العلماء [عليه] قال: فالمراد الإخبار عن دخول الجنة [بإحصائها] لا الإخبار(2/871)
بحصر الأسماء، وأما الحكمة في القصر على العدد المخصوص، فذكر الفخر الرازي عن الأكثر أنه تعبد لا يعقل معناه، كما قيل في عدد الصلوات، وغيرها.
وقال أبو خلف محمَّد بن عبد الملك الطبري: "إنما خصَّ هذا العدد إشارة إلى أنَّ الأسماء لا تؤخذ قياسًا وقيل: الحكمة فيه أنَّ معاني الأسماء ولو كانت كثيرة جدًا موجودة في التسعة والتسعين المذكورة، وقيل: الحكمة فيه أنَّها في القرآن، كما في بعض طرقه، وقال قوم: الأسماء الحسنى مائة على عدد درجات الجنَّة استأثر الله منها بواحد وهو الاسم الأعظم، فلم يطلع عليه أحدًا فكأنه قيل: مائة، لكن واحد منها عند الله.
وقال بعضهم: ليس الاسم الذي يكمل المائة مخفيًا بل هو الجلالة، وبه جزم السهيلي فقال: الأسماء الحسنى مائة على عدد درجات الجنة الذي يكمل المائة الله، ويؤيِّده قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} فالتسعة والتسعون لله فهي زائدة عليه وبه يكمل المائة" انتهى.(2/872)
وقد روي من غير وجه عن أبي هريرة، قال الحافظ ابن حجر، رواه عن أبي هريرة أيضًا همَّام بن منبه عند مسلم، ومحمَّد بن سِيرين عنده، وأبو سلمة بن عبد الرَّحمن عند أحمد، وابن ماجه، وعطاء بن يسار وسعيد المقبري وسعيد بن المسيب وعبد الله بن شقيق، ومحمَّد بن جبير بن مطعم، والحسن البصري، أخرجها أبو نعيم،(2/873)
وعراك بن مالك عند البزار وغيره، وذكر ابن عطية في تفسيره أنه تواتر عن أبي هريرة، فقال: لم يتواتر الحديث من أصله وإن خرج في الصحيح، ولكنه تواتر عن أبي هريرة: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} .
قال الطيبي: هو مبتدأ، "الله" خبره، "لا إله إلاَّ هو" صفته، و"الرَّحمن" إلى آخره خبر بعد خبر، والجملة مُستأنفة، إما لبيان كمية تلك الأعداد أنها ما هي في قوله: "إنَّ لله تسعةً وتسْعِيْنَ اسمًا" وذكر الضمير نظر إلى الخبر، وإما بيان لكيفيَّة الإحصاء في قوله: "من أحصَاهَا دَخَلَ الجنَّةَ" وأنه كيف يحصى فالضمير راجع إلى المسمى الدال عليه قوله: " الله " كأنه لما قيل: "إنَّ لله تسعةً وتسعِيْنَ اسمًا" سئل وما تلك الأسماء، فأُجِيبَ: هو الله [ولما قيل من أحصاها دخل الجتة سئل كيف يحصيها فأجيب هو الله] فعلى هذا يكون الضمير ضمير الشأن، والله مبتدأ، وقوله: "الَّذِي لا إلهَ إلاَّ هوَ" خبر، والجملة خبر الأول، ويجوز أن يكون الرَّحمن خبره والموصُول مع الصلة صفة الله:(2/874)
" {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} " اسمان بنيا للمبالغة من الرَّحمة، وهي في اللغة رقة قلب وانعطاف يقتضي التفضل، والإحسان على من رق له، وأسماء الله تعالى وصفاته إنما تؤخذ باعتبار الغايات التي هي أفعال دون المباديء التي تكون انفعالات، فرحمة الله للعباد إما إرادة الإنعام عليهم ودفع [ضرِ] الضرر عنهم فتكون الإسمان من صفات الذات، أو نفس الإنعام، والدفع فيعودان إلى صفات الأفعال،(2/875)
والرَّحمن أبلغ من الرَّحيم لزيادة بنائه.
"الملك" معناهُ ذو الملك، وهو إذا كان عبارة عن(2/876)
القدرة على التصرف كان من صفات الذات، كالقادر، وإذا كان عبارة عن التصرف في الأشياء بالخلق والإبداع والإماتة، والإحياء، كان من أسماء الأفعال كالخلق، وعن بعض المحققين "الملك" هو الغني مطلقًا في ذاته وفي صفاته عن كل ما سواهُ، ويحتاج إليه كل ما سواه.
"القُدُّوسُ" فعول من القدس، وهو الطهارة، والنزاهة ومعناهُ المنزه عن سمات النقص، وموجبات الحدوث بل المبرَّأ أن يدركه حس، أو يتصوره خيال، أو يسبق إليه وهم، أو يحيط به عقل وهو من أسماء التنزيه.(2/877)
"السَّلام" مصدر نعت به، والمعنى ذو السلام من كل آفة،(2/878)
ونقيصة، أي الذي سَلم ذاته عن الحُدُوث والعيب، وصفاته عن النقص، وأفعاله عن الشرِّ المحض، فإن ما تراه من الشرور فهي مقضيَّة لا لأنها كذلك بل لما يتضمَّنه من الخير الغالب الذي يؤدي تركه إلى شر عظيم، فالمقتضي، والمفعول بالذات هو خير، والشر داخل تحت القضاء، وعلى هذا يكون من أسماء التنزيه.
والفرق بينه وبين القدوس، أنَّ القدوس يدل على براءة الشيء من نقص تقتضيه ذاته وتقُوم به فإنَّ القدس، طهارة الشيء في نفسه ولذلك جاء الفعل منهُ على فعُل بالضم، و"السلام" يدل على نزاهته عن نقص يعتريه لعروض آفه، أو صدور فعْل، ويقرب منه ما قيل: " القدُّوس " فيما لم يزل وَالسلام فيما لا يزال، وقيل: معناه: مالك تسليم العباد، من المخاوف، والمهالك، فيرجع إلى القدرة، فيكون من صِفات الذات، وقيل ذُو السلام على المؤمنين في الجنان كما قال تعالى: {سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (58) } فيكون مرجعه إلى الكلام القديم.(2/879)
"المؤمن" هو في الأصل الذي يجعل غيره آمنًا، ويقال:(2/882)
للمصدق من حيث أنه جعل الصِّدق أمنًا من التكذيب، والمخالفة، وإطلاقه على الله تعالى باعتبار كل واحدٍ من المعنيين صحيح فإنه تعالى المصدق بأنَّ صدق رسله، بقوله: الصِّدق فيكون [مرجعه] إلى الكلام أو بخلق المعجزات، وإظهارها عليهم فيكون من أسماء الأفعال، وقيل: معناه الذي آمن البريَّة بخلق أسباب الأمان، وسد أبواب المخاوف، وإفادة آلاتٍ يدفع بها المضار فيكون أيضًا من أسماء الأفعال، وقيل: معناه؛ أنه يؤمن عباده الأبرار يوم العرض من الفزع(2/883)
الأكبر إما بقول مثل: {أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) } ، أو بخلق الأمن، والطمأنينة فيرجع إلى الكلام، أو الخلق.
"المُهَيْمِنُ" الرقيب المبالغ في المراقبة والحفظ.
من قولهم: هيمن الطائر إذا نشر جناحه على فرخه صيانة له هكذا قاله الخليل.
فإن قيل: كيف يجعله مُرادفًا "للرقيب" والمستفاد من أحد المترادفين غير المستفاد من الآخر فلا يكون في إحصاء المباني فائدة لأنَّ(2/884)
فضيلة هذه الأسامي لما تحتها من المعاني فإذا دلَّ عليه بلفظ لم يكن للدلالة عليه بلفظ آخر مزيد فضل.
قلتُ لا أجعله مُرادفًا إذ في "المهيمن" من المبالغة باعتبار الاشتقاق، والزنة ما ليس في الرقيب فهما كالغافر والغفور، والرَّحمن والرَّحيم، ومعناه الشاهد؛ أي العالم الذي لا يعزب عنه مثقال ذرَّة فيرجع إلى العلم والذي يشهد على كل نفس بما كسبت فيرجع إلى القول، وقيل: أصْلُهُ مُؤتمن فقلبت الهمزة هاء كما قلبت في هرقت، وهناك، ومعناه الأمين الصَّادق وعده.
وقيل: هو القائم على خلقه بأعمالهم وأرزاقهم، وآجالهم، فيرجع إلى القدرة.
قال الغزالي: " المهيمن " اسم لمن استجمع ثلاث خصال، العلم بحال الشيء، والقدرة التَّامة على مراعاة مصالحه، والقيام عليها، وهو كالشرح، والتفصيل للقول الأول، فإنَّ المراقبة، والمبالغة في الحفظ إنما تتم بهذه الثلاثة، وإن صحَّ وصفهُ لهذا كان من الأسماء المركبة من صِفات المعنى، والفِعل.
"العزيز" الغالب من قولهم عزَّ إذا غلب، ومرجعه إلى القدرة(2/885)
المتعالية عن المعارضة فمعناه مركب من وصف حقيقي، ونعت تنزيهي، وقيل: القوي الشديد، مق قولهم عزَّ يعزُّ إذا قوى واشتدَّ وقيل: عديم المثل فيكون من أسماء التنزيه وقيل: هو الذي تتعذر الإحاطة بوصفه، ويعسُر الوُصول إليه.
"الجبَّارُ" بناء مبالغة من الجبر وهو في الأصل إصلاح الشيء بضرب من القهر، ثم يطلق تاره في الإصلاح المجرَّد، وتارةً في القهر(2/887)
المجرَّد ثم تجوَّز عنه لمجرد العُلو؛ لأنَّ القهر سبب عنه، وكذلك قيل: الجبار هو المصلح لأمور العباد، والمتكفل بمصالحهم فهو إذنْ من أسماء الأفعال، وقيل: معناه حامل العباد على ما يشاء لا انفكاك لهم عمَّا شاء مِن الأخلاق والأعمال والأرزاق، والآجال فمرجعه أيضًا إلى الفعل وقيل: معناه المتعالي عن أن يناله كيد الكائدين ويؤثر فيه قصد القاصدين فيكون مرجعه إلى التقديس، والتنزيه.(2/889)
"المُتَكبِّر" وهو الذي يرى غيره بالإضافة إلى ذاته، نظر المالك إلى عبده وهو على الإطلاق لا يتصوَّر إلاَّ لله تعالى، فإنه المتفرد(2/890)
بالعظمة، والكبرياء بالنسبة إلى كل شيء من كل وجه، ولذلك لا يطلق على غيره إلاَّ في معرض الذم.
فإن قيل هذا اللَّفظ من باب التفعل ووضعه للتكلف في إظهار ما لا يكون فينبغي أن لا يطلق على الله تعالى.
قلتُ: لما تضمَّن التكلف بالفعل مبالغة فيه أطلق اللَّفظ، وأريد به مبالغة، ونظير ذلك فيه شائع في كلامهم مع أنَّ التفعل جاء لغير التكلف كثيرًا كالتعمُّم، والتقمُّص.
" {الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ} " قيل: أنها أسماء مترادفة وهو(2/891)
وهم، فإنَّ الخالق من الخلق وأصْلُهُ التقدير المستقيم، ويستعمل بمعنى الإبداع، وهو إيجاد الشيء من غير أصله، لقوله تعالى: {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} وبمعنى التكوين، كقوله تعالى: {خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ} ، وقوله: {وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ} . " والباري ".(2/893)
من البراء، وأصله خلوص الشيء من غيره إمَّا على سبيل التقصِّي منه، وعليه قولهم: برىء فلان من مرضِه، والمديُون من دينه، واستبرأت الجارية رحمها، وإما على سبيل الإنشاء، ومنه: برأ الله النسمة وهو الباريء لها، وقيل: البارى هو الذي خلق الخلق بريئًا من التفاوت، والتنافر المخلين بالنظام الكامل، وهو أيضًا مأخوذ من معنى التقصِّي.
"والمصور" مبدع صُوَر المخترعات، ومزيِّنها(2/894)
ومرقبها فإنَّ الله سُبحانه خالق كل شيء، بمعنى أنه مقدِّره، ومُوجده من أصله، ومن غير أصل، وباريه بحسب ما اقتضته حكمته، وسبقت به كلمته من غير تفاوُت، واختلال، ومُصَوره بصُورة يترتب عليها خواصه،(2/895)
ويتم بها كماله، وثلاثتها من أسماء الأفعال، اللَّهمَّ إلاَّ إذا فسِّر الخالق بالمقدِّر فيكون من صفات المعاني لأنَّ مرجع التقدير إلى الإرادة وإن فسِّر الخالق بالمقدر فوجه الترتيب ظاهر لأنه يكون التقدير أولاً، ثم الإحداث على الوجه المقدر ثانيًا، ثم التسوية، والتصوير ثالثًا.
وإن فسر بالموجد، فالإسمان الآخران كالتفصيل له فإنَّ الخالق هو الموجد بتقدير، [واختيار] سواء كان الموجد مادَّة، أو صُورة، ذاتًا، أو صِفة.
"الغفَّار" "في الأصل بمعنى الستَّار، من الغفر، بمعنى ستر الشيء بما يصونه، ومنه المِغْفَرُ، ومعناهُ أنه يستر القبائح، والذنوب بإسبال الستر عليها في الدنيا، وترك المؤاخذة بالعفو عنها في العقبى، ويصون العبد من أوزارها، وهو من [أسماء] الأفعال، وقد جاء التوقيف(2/896)
في التنزيل بالغفار، والغفور. والغافر. والفرق بينها، أنَّ الغافر يدُل على اتصافه بالمغفرة مُطلقًا، والغفَّار، والغَفُور يدلاَّن عليه مع المبالغة، والغفار أبلغ لما فيه من زيادة الثناء، ولعلَّ المبالغة في الغفور، باعتبار الكيفية، وفي الغفار باعتبار الكميَّة وهو قياس المشدد للمبالغة في النعوت، والأفعال، وقال بعض الصَّالحين: أنه غافر لأنه يزيل معصيتك من ديوانك، وغفور لأنه ينسِي الملائكة أفعالك، وغفار لأنه ينسيكَ ذنبك حتى كأنك لم تفعله، وقال آخر: أنه غافر لمن له علم اليقين، وغفُور لمن له عين اليقين، وغفار لمن له حق اليقين ".
"القهَّار" هو الذي لا موجود إلاَّ وهو مقهور تحت قدرته مسخر لقضائه عاجز في قبضته، ومرجعُه إلى القدرة فيكون من [صفات](2/897)
المعنى، وقيل هوَ الذي أذلَّ الجبابرة، وقصم ظهورهم بالإهلاك ونحوه فهو إذَنْ من أسماء الأفعال.
"الوهَّاب" كثير النَعم دائم العطاء، وهو من أسماء الأفعال.(2/898)
" الرزَّاق " خالق الأرزاق والأسباب الذي يتمتع بها.
"الفتَّاح" الحاكم بين الخلائق من الفتح، بمعنى الحكم،(2/899)
ومرجعه إما إلى القول القديم، أو الأفعال المنصفة للمظلومين، من الظلمة، وقيل: هو الذي يفتح خزائن الرَّحمة على أصناف البريَّة قال تعالى: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا} ، وقيل: معناه مبدع الفتح، والنصرة، وقيل هُو الذي فتح على النفوس باب توفيقه، وعلى الأسرار باب تحقيقه.
"العليم" بناء للمبالغة من العِلم، وهو من صِفات الذات.(2/900)
"القابض الباسط" "مضيق الرزق على من أراد، وموسعه لمن(2/901)
يشاء وقيل هو الذي يقبض الأرواح عن الأشباح عند الممات، وينشر الأرواح في الأجساد عند الحياة، وقيل: قبض القلوب، وبسْطها تارة بالضلال، والهدى وأخرى بالخشية، والرجاء، وهما من صِفات الأفعال، وإنما يحسُن إطلاقها معًا ليدُل على كمال القدرة، والحكمة".
"الخافض الرافع" هو الذي يخفض القسط، ويرفعه أو يخفض(2/902)
الكفار بالخِزي، والصَّغار، ويرفع المؤمنين بالنصر، والإعزار، أو يخفض أعداءه بالإبعاد، ويرفع أولياءه بالتقريب، والإسعاد أو يخفض أهل الشقاء بالطبع، والإضلال ويرفع ذوي السَّعادة بالتوفيق، والإرشاد وهما من صِفات الأفعال".
"المُعِزُّ، المُذل" الإعزاز جعل الشيء ذا كمال يصير بسببه مرغوبًا فيه، قليل المثال والإذلال جعله ذا نقيصة بسببها، يرغب عنه(2/904)
ويسْقط عن درجات الاعتبار.
"السميع البصير" "هما من أوصاف الذات، والسمع؛ إدراك المسْمُوعات حال حدوثَهَا، والبَصر إدراك المبصرات حال وجُودها، وقيل أنهما في حقه تعالى صِفتان تنكشف بهما المسْمُوعَات، والمبصرات انكشافًا تامًّا، ولا يلزم من افتقار هذين النوعين مِن الإدراك فينا إلى آلة افتقارهما إليه بالنسبة إلى الله تعالى لأنَّ صفاته تعالى مخالفة لِصفات المخلُوقين بالذات وإن كانت تشاركها فإنما تشاركها بالعوارض، وفي بعض اللوازم ألا ترى أنَّ صفاتنا عارضة، معرضة للآفة، والنقصان وصفاته تعالى مقدسة عن ذلك".
"الحكم" "الحاكم الذي لا مردَّ لقضائه، ولا معقِّب لحكمه،(2/905)
ومرجعُه إلى القول الفاصل بين الحق، والباطل، والبر، والفاجر، والمبين لكل نفس جزاء ما عملت من خير أو شر، وإما إلى الفِعل الدال على ذلك كنصْب الدلائل، والأمارات الدالة عليه".
"العدل" معناه البالغ في العدل، وهو الذي لا يفعل إلاَّ ما له فعله، مصدر به للمبالغة، وهو من صفات الأفعال".
"اللطيف" قيل: معناه الملطف، أي المحسن، الموصل(2/906)
للمنافع برفع كالجميل؛ فإنه بمعنى المجمل فيكون من أسماء الأفعال، وقيل: معناه العليم بخفيات الأمُور، ودقائقها، وما لطف منها.
وقيل: هو في الأصل ضد الكثيف، ومن خواصه أن لا يحسَّ به فإطلاقه على الله تعالى باعتبار أنه متعال عن أن يحسَّ به فيكون من الصِّفات التنزيهيَّة، وعليه قوله: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} ، ثم قال: {وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (103) } .
العليم ببواطن الأشياء من الخبرة، وهو العِلم بالخفايا الباطنة، وقيل: هو المتمكن من الأخبار عمَّا عمله ".
"الحليم" الذي لا يستفزه غضب ولا يحمله غيظ على استعجال(2/907)
العُقُوبة، والمسارعة إلى الانتقام وحاصله راجع إلى التنزيه عن(2/908)
العجلة".
"العظيم" هو البالغ أقصى مراتب العظمة، وهو الذي لا يتصوَّره عقل ولا يحيط بكنهه بصيرة، وحاصلهُ يرجع إلى التنزيه، والتعالي عن إحاطة العُقُول بكنه ذاته".
"الغفُور" كثير المغفرة.(2/909)
"الشكُور" هو الذي [يعطي الثواب] الجزيل على العمل القليل فيرجع إلى الفعل، وقيل: هو المثني على العُبَّاد، والمطيعين، فيرجع إلى القول وقيل: المُجازي عباده على شكرهم فيكون الاسم من قبيل الازدواج كما سمَّى جزاء السيِّئة، سيِّئة".
"العليُّ" معناه البالغ في علوِّ الرتبة إلى حيث لا رتبة إلاَّ وهي(2/910)
منحطة عنه، وهو من الأسماء الإضافية.
"الكبير" معناه العالي الرتبة إما باعتبار أنه أكمل الموجُودات،(2/911)
وأشرفها من حيث أنه أزلي، غني على الإطلاق، وما سِواه حادث بالذات نازل في حضيض الحاجة، والافتقار، وإما باعتبار أنه كبير عن مُشاهدة الحواس، وإدراك العقول، وعلى الوجهين فهو من أسماء التنزيه.
"الحفيظ" الحفظ صون الشيء عن الزوال، والاختلال إما في(2/912)
الذِّهن، وبإزائه النسيان، وإما في الخارج، وبإزائه التضييع، والحفيظ؛ يصح إطلاقه على الله تعالى بكل واحد من الاعتبارين فإنَّ الأشياء كلها محفُوظة في علمه تعالى لا يمكن زوالها عنه بسهو أو نسيانٍ، فإنه تعالى يحفظ الموجودات، من الزوال، والاختلال ما شاء، ويصُون المتضادات بعضها عن بعض، ويحفظ على العباد أعمالهم، ويحصى عليهم أقوالهم، وأفعالهم".
"المُقِيتُ" "خالق الأقوات البدنِية والروحانية وموصلها إلى(2/913)
الأشباح، والأرواح فهو من صِفات الأفعال، وقيل: هو المقتدر بلغة قريش وقيل: الشاهد والمُطَّلع على الشيء فهو على الوجهين من صفات الذات".
"الحسيب" "الكافي في الأمور من أحسبني، إذا كفاني، فعيل،(2/914)
بمعنى مفعل كأليم، وقيل: المحاسب يحاسب الخلائق يوم القيامة، فعيل بمعنى مفاعل كالجليس، والنديم، فمن جمعه بالمعنى الأول إلى الفعل، وبالمعنى الثاني إليه، أن جعل المحاسبة عبارة عن المكافأة وإني القول إن أريد بها السُؤال والمعاتبة، وتعداد ما عملوا من الحسنات، والسيئات، وقيل الشريف، والحسب الشرف".
"الجليل" "المنعُوت بنعوت الجلال، وهي من الصفات(2/915)
التنزيهيَّة، كالقدوس".
"والغني" قال الإمام الرازي: الفرق بينه وبين الكبير، والعظيم؛ أنَّ الكبير اسم الكامل في الذات، والجليل؛ اسم الكامل في الصفات.
"والعظيم"؛ اسم الكامل فيهما
"الكريم" المفضل الذي يعطى من غير مسألة ولا وسيله،(2/916)
وقيل: المتجاوز لا يستقصي في العقاب، وقيل: المقدس عن النقائص، والعُيُوب من قولهم كرائم الأموال، لنفائسها.
"الرقيب".(2/917)
الحفيظ" الذي يراقب الأشياء ويلاحظها، فلا يعزب عنه مثقال ذرَّة.
"المُجيب" هو الذي يجيب دعوة الدَّاعي إذا دعاه ويسعف(2/918)
السائل إذا ما التمسه واستدعاه.
"الواسع" "فسِّر بالعالم، المحيط علمه بجميع المعلومات(2/919)
كليها، وجزئيها موجودها، ومعدومها، وبالجواد؛ الذي عمَّت نعمته، وشملت رحمته كل بر وفاجر ومؤمن، وكافر".
"وبالغني" التام الغني المتمكن مما يشاء.
وعن بعض العارفين، الواسع الذي لا نهاية لبرهانه، ولا غاية لسُلطانه، ولا حد لإحسانه.
"الحكيم" "ذو الحكمة وهو عبارة عن كمال العِلم، وإحسان العمل والإتقان فيه.
وقد يستعمل بمعنى العليم، والمحكم، وقيل هو مبالغة الحاكم فعلى الأوَّل مركب من صفتين:
أحدهما: من صفات الذات والأخرى من صِفات الأفعال، وعلى الثاني يرجع إلى القول.
"الودُود" "مبالغة الواد، ومعناه الذي يحب الخير لجميع(2/920)
الخلائق، ويحسن إليهم في الأحوال كلها، وقيل: المحب لأوليائه وحاصِلهُ يرجع إلى إرادة مخصُوصَة".
"المجيد" "مبالغة الماجد من المَجْدِ، وهو سعة الكرم.(2/921)
قال القشيري: "قيل هو بمعنى العظيم الرفيع القدر، فهو فعِيل بمعنى مفعل، وقيل: معناه الجزيل العطاء فهو فعيل بمعنى فاعل وكل وصف من أوصافه يحتمل معنيين فمن أثنى عليه بذلك الوصف فقد أتى بالمعنيين، وكل من قال له مجيد فقد وصفه بأنه عظيم رفيع القدر، وأنه مُحسن جزيل البِر".
"الباعث" هو الذي يبعث من في القُبُور، وقيل: باعث الرُسل(2/922)
إلى الأمم، وقيل: باعث الهمم إلى الترقي في ساحات التوحيد، وهو من صفات الأفعال.
"الشَّهيد" "من الشهود، وهو الحضور، ومعناه العليم بظاهر الأشياء، وما يمكن مشاهدتها، كما أنَّ الخبير؛ هو العليم بباطن الأشياء،(2/923)
وما لا يمكن الإحساس بها وقيل: مبالغة الشاهد، والمعنى أنه تعالى يشهد على الخلق يوم القيامة، وهو على الوجهين من صِفات المعاني لأنَّ مرجعه إما إلى العلم، أو إلى الكلام.
"الحق" " الثابت، وهو من صفات الذات، وقيل معناه المحق؛ أي: المظهر للحق أو الموجد للشيء حسب [ما] تقتضيه الحكمة فيكُون من صفات الأفعال ".
"الوكيل" "القائم بأمور العباد، وبتحصيل ما يحتاجُون إليه،(2/924)
وقيل: الموكول إليه تدبير البريَّة"
"القَوي المتين" القوة، القدرة التامَّة البالغة إلى الكمال،(2/925)
والمتانة؛ شدة الشيء، واستحكامه، ومرجعها إلى الوصف بكمال القدرة وشدتها.
"الولي" المحب الناصر، وقيل متولي أمر الخلائق.
"الحميد" المحمُود المستحق للثناء فإنه [الموصوف(2/926)
بكل] كمال والمولي لكل نوال.
"المحصِي" العالم الذي يحصي المعلومات ويحيط بها إحاطة العاد ما يعده، وقيل: القادر الذي لا يشذ عنه شيء من المقدُورات.
"المُبدي المُعيد" المُبدي المظهر للشيء من العَدم إلى الوُجود، وهو بمعنى الخالق المنشي، والإعادة خلق الشيء بعدما عدم.
"المُحيي المميت"(2/927)
الأحياء خلق الحياة في الجسم، والإماتة إزالتها عنه.
"الحي" ذو الحياة وهي صفة حقيقيَّة قائمة بذاته لأجلها صحَّ لذاته أن يعلم، ويقدر.
"القيُّوم" القائم بنفسه، المقيم لغيره.(2/928)
"الواجد الماجد" الذي يجد كل ما يطلبُه، ويريده، ولا يعوزه شيء من ذلك، وقيل: الغني؛ مأخوذ من الوجد، "الماجد"؛ بمعنى المجيد إلاَّ أنَّ في المجيد مبالغة ليست في الماجد.
"الواحد" هو الذي لا ينقسم بوجه، ولا مشابهة بينه وبين غيره(2/929)
بوجه، ووقع فِي سُنَن ابن ماجه زيادة الأحد، ولم يقع في رواية المصنف وقد ذكرت الفرق بين الواحد والأحد في التعليق الذي على سُنَنِ ابن ماجه.
"الصَّمدُ" السيد الذي يصمد إليه في الحوايج، وقيل: المنزه عن الآفات، وقيل: الذي لا يطعم، وقيل: الباقي الذي لا يزول.(2/930)
"القادر، المقتدر" معناهما ذو القدرة إلاَّ أنَّ المقتدر أبلغ لزيادة البناء.
"المقدم، المؤخر" "هو الذي يقدم الأشياء بعضها على بعض(2/931)
إما بالوجود كتقديم الأسباب على مسبِّباتها، أو بالشرف والقربة كتقديم الأنبياء المرسلين والصَّالحين من عباده على من عداهم، أو بالمكان كتقديم الأجسام العلوية على السفلية، والصاعدات منها على الهابطات، أو بالزمان، كتقديم الأطوار والقرون بعضها على بعض".
"الأوَّل" "السابق على الأشياء كلها فإنه موجدها، ومعيدها".
"الآخر" الباقي وحده بعد أن يفنى الخلق كله.
"الظَّاهر" الجلي وجوده بآياته الباهرة.(2/932)
"الباطن" المحتجب كنه ذاته عن نظر الخلق بحجب كبريائه.
" الوالي " الذي تولَّى الأمور، وملك الجمهُور.
"المُتَعال" البالغ في العلا والمرتفع عن النقائص.
"البر" المحسِن.(2/933)
"التواب" القابل توبة عباده، وقيل: الذي يُيَسِّر للمُذنبِين أسباب التَّوبة ويوفقهم لها.
"المنتقم" المعاقب للعُصاة.
"العَفُوُّ" الذي يمحو السيِّئات ويتجاوز عن المعاصي وهو أبلغ(2/934)
من الغفور؛ لأنَّ الغفران، ينبئ عن الستر، والعفو؛ ينبىء عن المحو.
"الرَّؤوف" ذو الرَّأفة، وهي شِدَّة الرَّحمة فهو أبلغ من الرَّحيم بمرتبة، ومن الرَّاحِم بمرتبتين وقيل: الفرق بين الرأفة والرَّحمة أنَّ الرأفة إحسان مبدؤه شفقة المحسِن، والرَّحمة؛ إحسان مبدؤه فاقة المحسِن إليه.
"مالك الملك"
هو الذي تنفذ مشيئته في مُلكه، تجري الأمور فيه(2/935)
على ما يشاء لا مردَّ لقضائه ولا معقب لحكمه".
"ذُو الجلال، والإكرام" هو الذي لا شرف ولا كمال إلاَّ وهو لهُ،(2/936)
ولا كرامة، ولا مكرمة إلاَّ وهي منه".
"المقسِط" العادل، الذي ينتصف للمظلومين ويدرأ بأس الظلمة عن المستضعفين.
"الجامع" المؤلف بين شتَّات الحقائق المختلفة.
"الغني والمغني" الذي يستغني عن كلِّ شيء لا يحتاج إليه في(2/937)
ذاته، ولا في شيء من صِفاته.
"المُغني" الذي وفر على كل شيء ما يحتاج إليه حسب ما اقتضته حكمته، وسبقت به كلمته، فأغناه من فضله.
"المانع" الذي يدفع أسباب الهلاك والنقصان في الأبدان، والأديان.
"الضَّار، النَّافع" هما كوصف واحد، وهو الوصف بالقدرة التامَّة الشاملة فهو الذي يصدر عنه النفع، والضر، ولا خير، ولا شر، ولا نفع، ولا ضر إلاَّ وهو صادر عنه منسوب إليه.
"النور" هو الظاهر بنفسه المظهر لغيره.(2/938)
"الهادي" هو الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى.
"البديع" المبدع، وهو الذي أتى بما لم يسبق إليه.(2/939)
وقيل: هو الذي لم يعهد له مثل في ذاته ولا نظير في صفاته، ومرجعه بالمعنى الأول إلى صِفات الأفعال، وبالمعنى الثاني إلى صفات التنزيه.
"الباقي" الدائم الوجود الذي لا يقبل الفناء.
"الوارث" الباقي بعد فناء الموجودات، فترجع إليه الأملاك بعد فناء الملاك، وهذا بالنظر العامي، وأما بالنظر الحقيقي فهو المالك على الإطلاق من أزل الأزال إلى أبد الآباد لم يتبدَّل ملكه ولا يزال كما قيل.
"الوارث" الذي يرث بلا توريث أحد.(2/940)
"الباقي" الذي ليس لملكه أمد.
"الرَّشيد" "الذي تساق تدابيره إلى غاياتها على سنن السداد من غير استشاره، وإرشاد، وقيل: هو المرشد فعيل بمعنى مفعل، كالأليم، والوجيع".
"الصَّبُور" الذي لا يعجَل في مؤاخذة العُصَاة ومعاقبة المذنبين.
وقيل: هو الذي لا تحمله العجلة على المنازعة إلى الفعل قبل أوانه، وهو أعم من الأوَّل.
والفرق بينه، وبين الحليم، أنَّ الصَّبُور يشعر بأنه يعاقب(2/941)
بالآخرة، بخلاف الحليم".
"هذا حديث غريب حدثنا به غير واحد عن صفوان ابن صالح، ولا نعرفه إلاَّ من حديث صفوان بن صالح".
قال الحافظ ابن حجر: لم ينفرد به صفوان، فقد أخرجه البيهقي من طريق موسى بن أيوب النصيبي وهو ثقة عن الوليد أيضًا، [وقد روى] هذا الحديث من غير وجه عن أبي هريرة عن النَّبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولا نعْلَم في كبير شيء من الروايات ذكر الأسماء إلاَّ في هذا الحديث، وقد روي آدم بن أبي إيَّاس هذا الحديثما بإسناد غير هذا عن أبي هريرة عن النَّبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وذكر فيه الأسماء، وليس له إسناد صحيح".
قال الحافظ ابن حجر: وقع سَرد الأسماء في رواية زُهير بن محمَّد عن موسى بن عقبة عند ابن ماجه، وهذان الطريقان(2/942)
يرجعان إلى رواية الأعرج وفيهما اختلاف شديد في سرد الأسماء وزيادة، ونقص، ووقع سَرد الأسماء أيضًا في طريق ثالثة أخرجها الحاكم في المستدرك وجعفر الفريابي في الذكر من طريق عبد العزيز بن الحصَين عن أيوب عن محمَّد بن سيرين عن أبي هريرة، واختلف العلماء في سَردِ الأسماء هل هو مرفُوع، أو مدرج في الخبر من بعض الرُواة، فمشى كثير منهم على الأول، وذهب آخرون إلى أنَّ التعيين مدرج لخلو أكثر الروايات عنه، ونقله عبد العزيز النخشبي عن كثير من العُلماء.
قال الحاكم -بعد تخريج الحديث من طريق صفوان بن صالح عن الوليد بن مسلم-: صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه بسياق الأسماء، والعِلة فيه عندهما تفرد الوليد بن مسلم، قال: ولا(2/943)
أعلم خلافًا عند أهل الحديث، أنَّ الوليد أوثق وأحفظ، وأجل، وأعلم من بشر بن شعيب وعلي بن عياش، وغيرهما من أصحابِ شعيب.
قال الحافظ ابن حجر: يشير إلى أنَّ بشرًا وعليًّا وأبا اليمان رووه عن شعيب بدون سياق الأسماء، فرواية أبي اليمان عند البخاري، ورواية علي عند النسائي، ورواية بشر عند البيهقي، قال: وليست العِلة عند الشيخين تفرد الوليد فقط بل الاختلاف عليه، والاضطراب، وتدليسه واحتمال الإدراج.
قال البيهقي: يحتمل أن يكون التعيين وقع من بعض الرواة في الطريقين معًا، ولهذا وقع الاختلاط الشديد ولهذا الاحتمال ترك ْالشيخان تخريج التعيين ".(2/944)
957 -[3510] "إذا مَرَرْتُمْ بِرياضِ الجنَّةِ فَارْتَعُوا". قال في(2/944)
النهاية: " أراد برياض [الجنة] ، ذِكرَ الله وشبَّه الخوض فيه بالرَّتع في الخِصْب ".
"حِلَقُ الذِّكْرِ" قال في النهاية: " بكسر الحاء وفتح اللام: جمع حلقة مثل قَصْعَة وقِصَع، وَهي جماعة من الناس. يستديرون كحَلْقة الباب وَغيره.
قال الجوهري: " جمع الحَلقة حَلَق، بفتح الحاء على غير قياس " وعن أبي عمران الواحد حَلَقه بالتحريك، والجمع حَلَق بالفتح ".(2/945)
958 -[3511] "فليقل إِنَّا لله وإنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ". قال الرافعي في تاريخ قزوين: " كلمة إنَّا لله إقرار بأنه المالك يفعَل في ملكه ما يشاء.
وإنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ إقرار [إليه] بالفناء، والبعث، وقيل: معناه نرجع(2/945)
إليه ليكشف عنا مَا أصَابنا".
"فأجُرْني فيهَا" بالقصر وضم الجيم قال الرافعي: " يقال: آجره الله، يأجره، أي أثابه، والأجر، الثواب. وذكر بعضهم أنه يقال آجره بالمد أيضًا بهذا المعنى، وأن الأصمعي أنكره، [فإن] جوّز، فيجوز، أجرني، بالمد، وَأما من الأول فتسكن الهمزة، وتضم الجيم ".(2/946)
959 -[3516] "اللهم خِرْ لِي واخْتَرْ لِي" أي اختر لي أصلح الأمرين، واجعل لي الخيرة فيه.(2/946)
960 -[3517] "الوضوء شطر الإيمان". قال النووي: " أصل الشطر النصف، قيل معناه أن الأجر في الوضوء ينتهي إلى نصف أجر الإيمان، وقيل المراد بالإيمان الصلاة، قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ(2/946)
لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} والطهارة شرط في صحتها فصارت كالشطر، وليس بلازم في الشطر أن يكون نصفًا حقيقيًا".
"وسبحان الله، والحمد لله تملآن، أو تملأ". ضبط بالمثناة من فوق، فالأول: ظاهر، وَالثاني: فيها ضمير الجملة.
"ما بين السموات والأرض". أي لو قدر ثوابهما جسْما لملأ ذلك.
"والصَّلاة نورٌ". أي تمنع من المعَاصي وتنهي عن الفحشاء، والمنكر، وتهدي للصَواب كالنور، وقيل: أراد بالنور الأمر الذي يهتدي به صاحبه يوم القيامَة.
"والصدقة برهان". أي دليل على إيمان فاعلها.
"وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ". أي الصبر على طاعة الله، وعلى اجتناب معَاصِيه وعلى النائبات، والمكاره. لا يزال صَاحبه مستضيئًا مهتديًا مستمرًا على الصواب.
"والْقرآنُ حُجَّةٌ لَكَ أوْ عَليْكَ". معناه أنه ينتفع به إن تلاه وَعمل به وإلا فهو وبال عليْه.
"كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَائِعٌ نَفْسهُ فَمُعْتقُهَا، أَوْ موبِقُهَا". معناه كل إنسان يَسْعى بنفسِه فمنهُم من يبيعهَا من الله بطاعته فيعتقهَا، ومنهم يبيعهَا من الشيطان والهوَى فيهلكهَا، قال الطيبي: "كل الناس يغدو مجمل(2/947)
والفاء في قوله: فبائع؛ تفصيلية، وفي قوله: فمعتقهَا سببيّة".
وقال الأشرفي: "بائع نفسه خبر، أي هو يشتري نفسه، بدليل قوله: فمعتقهَا، وَالإعتاق إنما يكون من المشتري، وَهو محذوف المبتدأ فإنه يحذف كثيرًا بعْد إلغاء الجزائيّة،
وقوله: "فمعتقها" خبر بعْد الخبر، وَيجوز أن يكون بدل بعض من قولهِ فبائع نفسه".(2/948)
961 -[3519] "التَّسْبيحُ نِصفُ الْمِيزانِ، والحَمْد لله يَمْلَؤُهُ"
قال الطيبي فيه وجهان: "أحدهما أن يراد التسوية بين التسبيح والتحميد بأن كل وَاحد منهما يأخذ نصف الميزان، فيملآن الميزان معًا، وذلك لأن الأذكار التي هي أم العبادات البدنية، والغرض الأصْلي من شرعهَا ينحصر في نوعين: أحدهما: التنزيه، وَالآخر التمجيد. والتسبيح يستوعب القسم الأول، والتحميد [يتضمّن] القسْم الثاني.(2/948)
وَثانيهما أن المراد بيَان تفضِيل الحمد على التسبيح، وَأن ثوابه ضِعف ثواب التسْبيح لأن التسْبيح نصف الميزان والحمد لله وحده تملآن لأن الحمد المطلق إنما يستحقه من كان يتبرأ عن النقائص منعُوتًا بنعوت الجلال، وَصِفات الإكرام فيكون الحمد شاملاً للأمرين، وَأعلى القسمين حتى تخلص إليه، أي تصِل ".
"وَالصَّوْمُ نِصْفُ الصّبْرِ، والطُّهُورُ نِصْفِ الإيمانِ". قالَ في النهاية: " لأن الإيمان يطهر نجاسَة الباطن، وَالطهور يطهر نجاسة الظاهر ".(2/949)
962 -[3520] "وَلَكَ رَبِّ تُرَاثي". قال في النهايهَ: "هو ما يُخَلِّفه الرّجُل لوَرَثتِه، والتاء فيه بدَل من الواو" قلت: كأنه يريد أنه لا يورث، وأن ما يخلفه صَدقة لله.(2/949)
963 -[3522] "إلاّ وَقَلْبُه يَيْنَ أُصْبُعينِ من أصَابِع الله تعَالى".
قال في النهاية: "الأصابع: جمع أصبع، وَهي الجَارحةُ. وذلك من صفات الأجسَام، تعالى الله عن ذلك وتقدّس. وَإطلاقُهَا عليه مجازٌ، كإطلاق اليدِ، وَاليمينِ، والعَينِ والسّمع، وَهو جاري مَجْرى التمثيل، والكِنايَة عن سُرْعَة تَقَلَّب القُلُوب، وإن ذلك أمرٌ معقُود بمشيئةِ الله تعالى، وتخصِيصُ ذكر الأصابع كِنايَةٌ عن إجراء القُدْرَة، والبَطْشِ؛ لأن ذلك باليَدِ، وَالأصَابعُ أجزاؤُهَا".(2/950)
964 -[3523] "وَرَبَّ الشَّياطينِ وَمَا أضَلَّتْ". كان الأصل،(2/950)
وما أضلوا لكن رُوعي أظلت، وأقلت، للازدواج.(2/951)
965 -[3524] "إذا كَرَبهُ أمْر"ٌ. أي أصابه كرب بسَببه.(2/951)
966 -[3524] "ألِظُّوا بِيَاذا الْجَلالِ وَالإكْرَامِ". أي الزمُوه، وَاثبتوا عليه، وأكثروا من قوله، والتلفظ به في دعائكم.(2/951)
967 -[3529] "وأَنْ أقْتَرِفَ". أي أكسب.(2/951)
968 -[3534] "حدثنا قتيبة، حدثنا الليث عن الجلاح أبي كثير، عن أبي عبد الرحمن الحلبي، عن عمارة بن شبيب(2/951)
السبَائي، قال: قالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: من قالَ: لا إله إلاّ الله وَحْدهُ لاَ شَرِيكَ لهُ لهُ الْمُلْكُ، وَلهُ الْحمدُ يُحييْ، وَيُميتُ، وَهو على كُلِّ شَيْءٍ قَديرٌ عَشْرَ مَرَّاتٍ إثْرِ الْمَغْرِبِ بَعثَ الله لهُ مَسْلَحةً يَحْفَظُونهُ من الشِّيَاطينِ حتى يصبحَ وكتب له بهَا عشر حسَنات موجبَات، ومحى عنه عشر سيئات موبقات، وَكَانتْ لهُ تعدلُ عَشْرِ رِقَابٍ مُؤمِناتٍ".
"هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث ليث بن سَعد وَلا نعرف لعمارة بن شبيب سَماعا من النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -".
قلت: أخرجه ابن أبي الدنيَا في كتاب "الدعاء" بزيادَة في سَنده، ومتنه، قال: أخبرت عن أبي عبيد الله ابن أخي ابن وَهب، أخبرنا ابن(2/952)
وهب، أخبرني عمرو بن الحارث عن الجلاح، أن أبا عبد الرحمن المغافري حدثه عن عمار السبائي أن رجلاً من الأنصَار حدثه، أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: " من قالَ بعد المَغْرِبِ، أو الصبح لاَ إلهَ إلاّ الله وَحْدهُ لا شَرِيكَ لهُ، لهُ المُلْكُ، وَلَهُ الْحمدُ، يُحْيي، وَيُميتُ، وهو على كُلِّ شَيْءٍ قَديرٌ عَشْرَ مَرَّاتٍ، بَعَثَ الله لهُ مَسْلَحةً يَحرسُونهُ حتى يَصْبِح، أو من حين يُصْبِح حتى يُمسي، وكتب الله له بهَا عَشْرَ حَسنات موجبَات، ومحي عَنْهُ عَشَر سَيئاتٍ موجبَات".
قال الحافظ ابن حجر في الإصَابَة: " عمارة بن شبيب السبَائي؛ بفتح المهملة، وَالموحدة وَهمزة مكسُورَة مقصُورَة، مختلف في صحبته وَقيل: عمار، قال ابن السكن له صحبة، وقال ابن يونس: حديثه معلول، وَبين البخاري علته في تاريخه، وذكره في الصحَابَة، وقال ابن حبان: من قال أن له صحبَة فقد وَهم، قَال أبو عمر مَات سنة خمسين، وقال ابن أبي حاتم، قلت لأبي: له صحبَة، قال: مَا أدري، كتبناه على الظن في الوحدان، وصحف ابن فتحون اسم أبيه، فقال: عمارة بن(2/953)
حبيب، وصحفه أبو علي البكري، فقال: عمَارة بن ثُبَيْت، بمثلثه ثم موحدة مصغر، وَآخره مثناة، وَهو تصحِيف أيضًا، والصواب شبيب بالمعجمة، انتهى".
"بَعثَ الله لهُ مَسْلَحةً". هم القوم الذين يحفظون الثغور من العدو، سمّوا مَسْلحة، لأنهم يكونون ذوي سلاح.(2/954)
969 -[3536] "بِصَوْتٍ جَهُوريٍّ". أي شديد عال والواو زائدة، وهو منسوب إلى جَهور بصوته.(2/954)
"هَاؤُمُ".
"جِلْفٍ". هو الأحمق.(2/955)
970 -[3537] "ما لم يُغَرْغِر". أي ما لم تبلغ روحه حلقومه، فيكون منزلة الشيء الذي يتغرغر به المريض.(2/955)
971 -[3540] "بِقُرابِ الأرْضِ". قال في النهاية: " أي بما يُقارِب مَلأَهَا، وهو مصدر: قارب، يُقارِب ".(2/955)
972 -[3543] "إنَّ رَحْمتي تَغْلِبُ غَضَبي". قال في النهاية:(2/955)
"هو إشارَة إلى سعَة الرحمة، وشمولها الخلق، كما يقال: غلب على فلان الكرم؛ أي هو أكثر خصَاله، وإلا فرحمة الله، وغضبه صفتان راجعتان إلى إرادته الثواب، والعقاب، وصفاته لا توصف بقلبة إحداهما الأخرى، وإنما هو على سبيل المجَاز للمبالغة".(2/956)
973 -[3545] "رَغِمَ أنفُ رَجُلٍ". أي ذل، وعجز.(2/956)
974 -[3548] "إنَّ الدّعاءَ يَنْفعُ مِمَّا نَزلَ، ومِمَّا لم يَنْزلْ". قال التوربشتي: "أما نفعه فصَبره عليه، وتحمله لهُ، ورضاه به حتى لا يكون هريرة.(2/956)
في نزوله متمنيا خلاف مَا كان، وَأما نفعه مما لم ينزل فهو أن يصرفه عنه، أو يمدّهُ قبل النزول بتأييد من عنده حتى يَخف معَه أعبَاء ذلك إذا نزل به".(2/957)
97 -[3549] "عَلَيْكُمْ بِقِيامِ اللّيْلِ فَإنَّهُ دَأْبُ الصّالِحينَ". قال في النهاية: " الدَأْبُ: العادةُ والشَّأنُ، وقد يُحرَّك، وأصله من دَأب فِي العَملِ إذا جَدَّ وتَعِب، إلاَّ أنّ العَرب حَوَّلَت مَعْنَاهُ إلى العَادَةِ، والشأنِ ".
"قَبْلَكُمْ". قال الطيبي: " أي هي عبَادة قديمَة واظب عليَها الأنبيَاء، والأولياء [السابقون] ".
"وَمَنْهاةٌ عن الإثْمِ". قال في النهاية: "أي حالةٌ عَن الإثم، وهي(2/957)
مَكانٌ مُخْتصٌّ بذلك. وهي مغفلة من النَّهي، وَالميم زائدة".
"ومَطْرَدَةُ لِلدَّاءِ عن الْجَسدِ". قال في النهاية: "أي أنها حالةٌ من شَأْنها إبعَادُ الدَّاء، أو مكانٌ مختص به ويعرف، وَهوَ مَفْعَلة من الطَّرد" [وَقال الموفق عبد اللطيف البغدادي] .
" ومُكفَرةٌ لِلسَّيئَاتِ " قال البيضاوي: " أي خصلة تكفر سيّئاتكم ".(2/958)
978 -[3551] "وَامُكُر لي، وَلا تَمْكر عَليَّ"؛ قال في النهاية: "مَكْرُ الله إيقاِعُ بَلائه بأعدَائه دون أوليائه. وَقيل: هو اسْتِدْرَاج العبد بالطاعَاتِ، فيَتَوَهَّم أنها مقبُولةٌ، وَهيَ مردودةٌ. والمعنى ألْحِقْ مَكرَك بأعدائي لا بي. وأصلُ المَكْرُ: الخِدَاعُ".
"مخْبِتًا". قال في النهاية: "أي خاشعًا مُطيعًا، والإخْبَاتُ:(2/958)
الخُشوع، والتَّواضُع، وقد أخْبتَ لله يُخْبِتُ".
"أوَّاهًا". قال في النهاية: "الأوّاه: المتأوّه المُتَضرّع. وقيل هو الكثير البكاء. وقيل الكثير الدُعاء".
"مُنِيبًا". قال في النهاية: " الإنابة: الرجوع إلى الله تعَالى بالتَّوبَة، يقال: أناب، يُنيب، إنَابَةً فهو منيب إذا أقبل ورجع ".
"وَاغْسلْ حَوْبَتي". أي إثمي.
"وَثبِّتْ حُجَّتي". قال في النهاية: "أي قَوْلي، وتصديقي في الدُّنيا وعنْد جواب الملَكَيْن في القَبْر".
"وَاسْلُلْ سَخِيمةَ صَدْرِي". قال في النهاية: " هي الحقد في النفس ".(2/959)
979 -[3553] "عِدْلَ أرْبعِ رِقابٍ من وَلَدِ إسْماعِيلَ". قال الطيبي: "من ولد" صفة رقاب، المعنى حصَل له من الثواب مثل مَا لو اشترى من أولاد إسْمعِيل وأعتقهُم، وإنما خصْهُ لأنه أشرَف الناس".
وفي النهايَة: "العِدْل بالكسر وبالفتح. وهما بمعنى المِثْل. وَقيْل:(2/959)
بالفتح مَا عدَلَه من جنْسِه، وبالكسْر مَا ليسَ من جنْسِه. وَقيل بالعَكس".(2/960)
980 -[3556] " [إن الله حيي كريم، يسْتحي إذا رفع الرجل إليه يَديه] أن يردهما صِفرا ". أي خاليين.(2/960)
981 -[3557] "أحد، أحد". قال في النهاية: "أي أشار بإصبع وَاحدة لأن الذي تدعُو إليه وَاحد، وِهو الله تعَالى".(2/960)
982 -[3559] "مَا أصَرَّ من اسْتَغْمْر". قال في النهاية: " أصرَّ على الشيء، يُصِرُّ، إصْرَارًا إذا لزِمه، ودَاوَم عليه وثبت عليه. وَأكثر مَا يُسْتَعْمَل في الشرِّ والذنوب، يعني من أَتْبَع الذنب بالاستغفارِ فليس(2/960)
بمُصِرٍّ عليه، وإن تكرر منه".
"ولو فعَله في اليَوْمِ سَبْعينَ مَرَّةً". قال البيهقي في شعب الإيمان: قال الشيخ أبو بكر محمد بن علي الشاشي: المراد بالسبعين هنا الكثرة، لا عدد السبعين بعينه.
"كَانَ في كَنْفِ اللهِ": أي في ظل رَحمته.(2/961)
983 -[3563] "لَو كَانَ عَليْكَ مِثْلُ جَبلِ صِيرٍ". وفي نسْخة صبرٍ وصوب الأول، قال في النهاية: " هذه الكلمة جاءت في حَدِيثين لِيَعلى، ومعَاذ: أمَّا عليّ فهو [صير] ، وهو جبل لِطَيء، وَأما معَاذ، فصبِيرٍ، وَهو اسم جَبَل باليَمَن كذا كذا فرق بينهما بعضهم ".(2/961)
984 -[3565] "لا يُغَادرُ". أي لا يترك.(2/961)
985 -[3567] "مِن أرْذَلِ العُمرِ". أي آخره في حال الكبر، والعجز، وَالخوف.(2/962)
986 -[3570] "حدثثا أحمد بن الحسَن، حدثثا سُليمان بن عبد الرحمن الدمشقي، حدثنا الوليد بن مُسْلم، حدثنا ابن جريج عن عطاء بن أبي رَباح، وعكرمة مولى ابن عباس، عن ابن(2/962)
عباس، قال: بَيْنما نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، إذْ جَاءهُ عَليُّ بن أبي طَالِبٍ، فقال: أنت بأبي، وأُمِّي لقد تَفلَّتَ هذا القُرْآن من صَدْري".(2/963)
الحديث، هذا الحديث أورده ابن الجوزي في الموضُوعات".(2/964)
987 -[3571] "سَلوا الله من فَضْلِه فَإنَّ الله يُحبُّ أنْ يُسألَ، وَأفْضلُ العِبَادَةِ انْتظارُ الفَرَجِ". قال المظهري: " يعني إذا نزل بأحد بَلاء فترك الشكايَة، وَصبر، وَانتظر الفرج فذلك أفضل العبَادات، لأن الصّبر في البلاء انقيَاد لقضاء الله وإنما استتبع انتظار الفرج.
قوله: " يحب أن يسأل " لأن المراد بقوله: سلوا الله من فضله ادعُوا الله لإذهاب البلاء، والحزن، وانتظروا الفرج، ولا تستعجلوا في طلب إجابة الدُعاء ".(2/964)
988 -[3573] "إذًا نُكْثر، قال: الله أكْثرُ". قال الطيبي: "أي(2/964)
أكثر إجابَة مِن دعائكم، المعنى إن إجابة الله في بابهَا أكثر، وأبلغ من دعائكم في بابه وهو قريب من قولهم: العسل أحلى من الخل، والصيف أحر من الشتاء، وإنما قال أكثر بالثاء المثلثة مشاكلة لقول: نكثر".(2/965)
989 -[3577] "أستَغْفِرُ الله العظيم الّذِي لا إلهَ إلا هو الحيُّ القَيُّومُ". قال الطيبي: " يجوز في الحي القيوم النصب، صفة الله تعالى أو مدحًا، وَالرفع بدلاً من الضّمير، أو خبر مبتدأ محذوف على المدح ".
"من الزَّحف". هو الجيش الدهم الذي يرى لكثرته كأنه يزحف، أي يدب، دبيبًا.(2/965)
990 -[3579] "أقْرَب مَا يكُون الرَّب من العَبْدِ في جَوْفِ الليْلِ الآخرِ". قال الطيبي: " الآخر: صفة لجوف الليل، على أن ينصف الليل ويجعل لكل نصف جوف، والقرب يحصُل في جوف النصْف(2/965)
الثاني، فابتداؤه يكون من الثلث الآخر، وَهو وقت القيام للتهجّد. قال:
وقوله: " في جوف الليل " يحتمل أن حالاً من الرب؛ أي قائلاً في جوف الليل: " من يدعوني فأستجيب [له] " سَدت مسَدّ الخبر، أو من العَبْد أي قائما في جوف الليل داعيًا، مستغفرًا على نحو قولك ضربني زيدًا قائمًا، ويحتمل أن يكون خبرًا الأقرب.
فإن قلت مَا الفرق بين قوله في هذا الحديث: " أقْرَبُ مَا يكُوُن الرَّب من العَبْدِ " وفي الحديث الآخر: "أقرب مَا يكون العبد من ربه وَهو سَاجد". قلت: " رحمة الله سابقة، فقرب رَحمة الله من المحسنين سَابق على إحسَانهم، [فإذا سجدُوا] قربوا من ربهم بإحسَانهم، كما قال تعَالى: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (19) } وَفيه أن توفيق الله، وَلطفه، وإحسَانه سَابق على عمل العَبْد، وسبَب له، وَلولاه لم يصْدر من العَبْد خير قط. وَفي قوله: " فإن اسْتَطَعْتَ " إشارة إلى تعظيم شأن الذكر، وتفخيمه، وفوز من يستعد به، وَمن ثمّ قالَ: " أنْ تكُونَ مِمَّنْ يَذْكُرُ الله " أي تنخرط في زمرة الذاكرين الله، ويكُون لك مسَاهمة فيهم وَهو أبلغ مما لو قيل: إن استطعت أن تكون ذاكرًا".(2/966)
"عن أمه حُمَيْضَةَ". بضم الحاء المهملة، وفتح الميم، وَالضاد المعجمة بينهما تحتِية ساكنة.
"عنْ جدتها يُسَيْرة". بمثناة تحتية مصغر.(2/967)
991 -[3583] "عَليْكُنَّ بالتَّسْبيح، والتَّهْليل وَالتّقْديسِ". قال الحكيم، في نوادره: "التهليَل هو التوحيد والتقديس، التنزيه، وَهو التطهير، قالَ: والفرق بينه وبين التسْبيح، أن التسْبيح للأسْماء،
والتقديس للآلاء وكلاهُما يؤدّيان إلى الطهر".(2/967)
992 -[3585] "خيْرٌ الدُّعَاءِ، دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ". قال الطيبي: "الإضافة فيه أن يكون بمعنى اللام أي دعاءً خصّ بذلك اليوم، وَقوله:(2/967)
"وَخَيْرُ مَا قُلْتَ" بمعنى خير مَا دعوت، بيَان له، فالدعاء له؛ قوله "لا إلهَ إلا الله ... " إلى آخره. فإن قيل هُوَ ذكرٌ ليس بدعاء، أجيب بوجهين: أحدهما: أنه على سَبيل التعريض تجنبًا من التصْريح مُراعاة للأدب، وقد قيل لسُفيان هذا الثناء، فأين الدعاء فأنشد قول أمية بن أبي الصلت:
إذا أثنى عليك المرء يومًا ... كفاه من تعرضه الثناء
والثاني: الاشتغال بخدمة المولى، والإعراض عن الطلب اعتماد على كرمه فإنه لا يضيع أجر المحسنين، والفرق بين الوجهَين أن الذاكر في الأولى وإن لم يصَرّح بالطلب فهو طالب بما هو أبلغ من التصْريح بخلاف الثاني انتهى".
وروى البيهقي في "شعب الإيمان" من طريق يعقُوب بن سُفيان قالَ: حدثنا الحسين بن الحسَن المروزي قال: سألت سُفيان بن عيينة عن تفسير قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أكثر دعائي، ودعاء الأنبياء قبلي بعرفة لا إله إلا الله وَحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وَهو على كل شيء قدير" وإنما هو ذكر ليس [فيه] دعاء، قال سُفيان: تعرف حديث منصور عن مَالك بن الحارث: يقول الله تبارك وتعَالى: "من(2/968)
شغله ذكري عن مسئلتي أعطيته أفضل مَا أعطي السائلين" قلت: نعَم، قال: ذاك تفسير هذا، ثم قال: أتدري ما قال أمية بن أبي الصلت حين أتى ابن جدعان يطلب نائله، ومعروفه؟ قلت: لا، قال: لما أتاه قال:
أأذكر حاجتي أم قد كفاني ... ثناؤك إن شيمتك الحياء
إذا أثنى عليك المرء يومًا ... كفاه من تعرضه الثناء
قال سُفيان: هذا مخلوق حين ينسَب إلى الجود قيل يكفيك من تعرضه الثناء عليك حتى تأتي على حاجتنا فكيف بالخالق ".(2/969)
993 -[3586] "أسْألُكَ من صَالِحِ مَا تُؤتي النَّاسَ من المَالِ، وَالأهْلِ، وَالوَلدِ". قال الطيبي: " منْ -الأولى- زائدة على مذهب الأخفش، (ويجُوز أن تكون بمعنى البعض) ومِنْ -الثانية-: بيان مَا.
وَقوله: "غَيْرِ الضَّالِّ " مجرور بدل من كل وَاحد من المال، والأهل،(2/969)
وَالولد، على سَبيل المبدل، والضال هنا يحتمل أن يكون للنسْبَة أي غير ذي ضلال".(2/970)
994 -[3591] "من مُنْكراتِ الأخْلاقِ، وَالأعْمالِ والأهواءَ".
قال الطيبي: " الإضافة في القرينتين الأوليين إضافة الصفة إلى الموصوف، والثالثة: بمعنى، لأن الأهواء كلها منكرة ".(2/970)
995 -[3596] "المستهترون في ذكر الله". قال في النهاية:
"يعني الذين أولعُوا به".(2/970)
996 -[3600] "فُضْلاً". قال في النهاية: "أي زائدة عن(2/970)
الملائكة المُرَتَّبين مع الخلائق، ويُروى بسُكون الضاد وضمّهَا، قال بعضهم: والسكون أكثر وأصْوَب، وهما مَصْدر بمعنى الفَضْلة، والزيادة".
"هَلُمُّوا". أي تعالوا، فيحفّون بهم، أي يطوفون بهم ويدُورُون حولهُم.
"هُمُ القَوْمُ لا يَشْقَى لَهُمْ جَلِيسٌ". قال الطيبي: "بمعنى أن مجالستهم مؤثرة في الجليس، فإذا لم يكن للجليس نصيب مما أصابهم كان محرومًا فيشقى، فإذًا لا يستقيم وصفًا لقوم بهذه الصفة، ولو قيل هم قوْم يسعد بهم جليسهم لم يكن بهذه الحيثية".(2/971)
997 -[3602] "لِكُلِّ نبيٍّ دَعْوَةٌ مُسْتجابةٌ". أي في حق أمته،(2/971)
فكل من الأنبياء نالهَا في الدنيَا بإهلاك قومه.
"وَإنِّي اخْتَبَأتُ دَعْوَتِي". أي ادخرتها، وجعلتهَا خبيئة.
"وَهِي نَائِلةٌ". أي واصلة.
"من مَاتَ". في محل النصب على أنه مفعُول نائلة.
"لا يُشْرِكُ بِالله ". نصب على الحال من فاعل مَات.(2/972)
998 -[3603] "أنا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي". قال البيضاوي:(2/972)
"يصح إجراء الظن على ظاهِره؛ أي أعامله على حسب ظنه، وأفعل به مَا يتوقعه مني، والمراد الحث على تغليب الرجاء على الخوف وحسن الظن بالله، ويجوز أن يفسّر بالعِلم والمعنى أنا عند يقينه بي وعلمه بأن مصيره إليّ، وحسابه عليّ، وأن ما قضيت له من خير وشرّ فلا مَرد له، "لا مُعطي لما منعت، ولا مَانع لما أعطيت". أي إذا تمكن العبد في مقام التوحيد ورسخ في الإيمان والوثوق بالله تعَالى قرب منه وَرفع دونه الحجاب بحيث إذا دعاه أجاب، وإذا سأله استجاب.
"وَأنا معَهُ حِينَ يَذْكُرني". أي بالتوفيق، والمعُونة أو أسمع ما يقول.
"فإن ذَكَرني في نَفْسِهِ". أي سرًّا أو خفية إخلاصًا، [وتجنبًا] للرياء.
"ذكَرتُه في نفسِي". أي أُسِرُّ بثوابه على منوال عَمله، وأتولى بنفسِي إثابته لا أَكله إلى أحَد من خلقي.
"وَإنْ ذَكَرني في مَلأٍ ذَكَرتهُ في مَلأٍ خَيْرٍ منْه". أي ملأ من الملائكة المقربين، وأرواح المرسلين، والمراد منه مجازاة العبد بأحسَن مما فعَلهُ وأفضل مما جاء به" انتهى كلام البيضاوي، قال الطيبي:(2/973)
"وإنما قيده بقوله، وَأروَاح المرسلين لئلا يسْتدل بهذا الحديث على أن الملائكة أفضل من البشر، على أن المراد من الملأ الملائكة فحسب".
قال: وقوله: "ذَكَرتهُ في نَفْسِي" جاء على سَبيل المشاكلة.
"وَإن اقْتَرَبَ مني شبرًا اقْتَرَبْتُ مِنْهُ ذِرَاعًا" إلى آخره. قال النووي: " هذا من أحاديث الصفات ويستحيل إرادَة ظاهِره، ومعناه: من تقرب إلىّ بطاعتي تقربت إليه برحمتي، وَإن زاد، زدته ".(2/974)
999 -[3604] "لذعته حُمةٌ". قال في النهاية: " هي بالتخفيف: السَمُّ، وَقد تشَدّد، وأنكره الأزهري، ويُطْلَق على إِبْرة العَقْرب للمُجاورَة لأنّ السمَّ منهَا يَخْرج، وأصلُها حَموٌ وحُمَيٌ بوزن صُرَدْ. والهاء فيهَا عوض من الواو المحذوفة والياء ".(2/974)
1000 -[3604] "اللَّهُمَّ مَتِّعني بِسمعي، وَبَصري، وَاجْعَلْهما الوارث مِنِّي". ذكر أن المراد بالسمع، والبصر هنا، أبو بكر، وَعمر(2/974)
لقوله في الحديث الآتي، هذان السمع، والبصَر.(2/975)
1001 -[3604] "حتى يْسألَ شِسْعَ نَعْلهِ". هو أحد سيور النعل، وَهو الذي يدخل بين الإصبعين، ويدخل طرفه في الثقب الذي هو صَدر النعل المشدود في الزمَام، والزمَام السير الذي يدخل فيه الشسع".(2/975)
"أبَواب المناقب"(2/976)
1002 -[3607] "كَمَثلِ نَخْلَةٍ في كَبْوَةٍ". قال في النهاية: "قال شَمِر: لم تُسْمع الكَبْوةَ، ولكنا سَمِعْنا الكِبَا، والكُبَة، وَهي الكُنَاسَة والتُّراب الذي يُكْنَس من البَيْت. وقال غيره: [الكُبَة] من الأسماء الناقصة، أصْلها: كُبْوَة، مثل قُلَةٌ، وَثُبَة؛ أصلها قُلْوَة، وثُبْوَة.
وَيقال للَّربْوة، كُبْوَة بالضم. قال الزمخشري: الكِبَا: الكُنَاسَة، وجَمْعُهَا: أكْبَاء. والكُبَة بوزن قُلَة، وَظُبَة نحوها، وأصْلهَا: كبوة وعلى الأصل جاء الحديث، إلا أنّ المُحَدِثَ لم يضْبط الكلمة فجعَلها كَبْوة بالفتح، فإن صحَّت الرِّوايَة بهَا فَوَجْهِه أن تُطْلق الكَبْوَة. وَهي المرَّة الواحِدة من الكَسْح على الكُسَاحَة، والكُنَاسَة".(2/976)
1003 -[3609] "مَتَى وَجبت لَكَ النُّبُوةُ؟ قال: وَآدمُ بَيْنَ الرُّوحِ،(2/976)
والْجَسَدِ". قال الرافعي: هو معنى قوله: أنا أول الناس خروجًا.
وقال السبكي: " أنا أوّل من تنشق عنه الأرض إذا بعثوا كنت أمام النبيين ".
قال التوربشتي: " هو بكسْر الهمزة وَالذي يفتحهَا، وينصبه عَلى الظرف، فإنه لم يصب ".
- 3613 "وَصَاحب شفاعتهم" قال الرافعي في تاريخ قزوين: " يجوز أن يقال معناه، وصَاحب الشفاعة [العَامّة بينهم، ويجوز أن يريد وصَاحب الشفاعة] لهُم ".(2/977)
1004 -[3616] "وأنا أول شافع وأنا أول مشفع". قال(2/977)
الرافعي: " فيه دليل على أن غيره يشفع، ويشفع وكونه أولاً في الشفاعَة، والتشفيع يبين علوّ مرتبته ".(2/978)
1005 -[3618] "حتَّى أنكرْنا قُلُوبَنا". قال التوربشتي: " يريد أنهم لم يجدُوا قلوبهم على مَا كانت عليه من الصّفا، والألفة والرقة لإنقطاع مَادَّة الوحي، وفقدان مَا كانوا يمدّون به من قبل الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من التأييد والتعليم، وَلم يرد أنهم لم يجدُوهَا على ما كانت عليه من التصديق ".(2/978)
1006 -[3619] "خَذْق الفِيلِ". بخاء، وذال معجمتين(2/978)
وقاف؛ أي روثه.
"محيلا". بحاء مهْملة؛ أي متغيرًا.(2/979)
1007 -[3620] "عن أبي بكر بن أبي موسى الأشعري، عن أبيه، قال: خَرَجَ أبو طالبٍ إلى الشَّام، ومَعَه النبيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في أشْياخٍ من قُرَيْش فَلمَّا أشْرفُوا على الرَّاهب ... " الحديث.(2/979)
1008 -[3623] "بالطّويلِ البَائنِ". أي المفرط طولاً الذي يعد عن قد الرجال الطوَال.
"ولا بِالأبْيَضِ الأمْهَقِ". هو الكريه البيَاض كلون الجص، يريد أنه كان نيّر البيَاض.
"ولا بالأدم". هو الأسمر الشديد.(2/980)
1009 -[3632] "كفلق الصُّبح". بفتح الفاء، وَاللام ضؤه،(2/980)
وإنارته.
"صلصَلة". هي صَوت الحدِيد إذا حرَّك.
"فَيفْصمُ عَنهُ". بالفاء، أي يقطع.
"وَإنَّ جَبِينه لَيَتَفصَّدُ عرقًا". بالفاء، أي يسيل تشبيهًا في كثرته بالفصَاد.
"وعرقًا". منصوب على التمييز.(2/981)
1010 -[3637] "ضخم الكرادِيس". هي رؤوس العظام، واحدهَا كردوس، وَقيل: هي ملتقى كل عظمين، كالركبتين، وَالمرفقين، والمنكبين أرَاد أنه ضخم الأعضاء.(2/981)
"تَكفَّأ". تميل.(2/982)
1011 -[3638] "أجردَ ذُو مَسْربَة". قال في النهاية: " الأجْرد؛ الذي ليس على بدنه شَعَر، وَلم يكن كذلك، وإنما أراد به أن الشَّعر كان في أمَاكن من بدنه كالمسْرُبَة، والسَاقَين فإن ضِدّ الأجْرَد الأشْعَرُ، وهو الذي على جميع بدَنه شَعَرٌ ".
"لهَجَة". هو اللسان.
"وأليَنُهم عَرِيكةً". قال في النهاية: " العَرِيكةُ: الطَّبيعة. يقال: فُلان ليِّن العرِيكة، إذا كان سَلِسًا، مُطَاعًا، منْقَادًا، قليل الخلاف، والنُّفُور ".(2/982)
1012 -[3639] "ما كان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْرُدُ سَرْدكَمْ". قال في النهاية:(2/982)
"أي لم يكن يتابع الحديث ويَسْتَعجل فيه".
"فَصْلٌ". أي بَيّن ظاهر يفصل بين الحق، والبَاطل.(2/983)
1013 -[3643] "مِثْلُ زِرِّ الْحَجَلةِ". قال في النهاية: " الزِّرُّ: وَاحِدُ الأزْرَار التي تُشَد بهَا الكَلَلُ، والسّتورُ على مَا يكون في حَجَلة العَروس، وقيل إنما هو بتقديم الراء على الزاي، ويريد بالحَجَلة القبجَة، مأخوذ من أرَزَّت الجَرادة إذا كبست ذنَبهَا في الأرض فباضَت قالَ: وَيشهَد له قوله: في الحديث الذي يليه:(2/983)
1014 -[3644] "غُدَّةً حَمْراءَ مثل بيضَةِ الحمَامَة" انتهى،(2/983)
"وغدة" بالدال المهملة وصحفهَا بعض أهل عصرنا بالزاي، وسألني عنها فقلت له: إنما هي بالدال.(2/984)
1015 -[3645] "حُمُوشةٌ". بحاء مهمَلة، وشين معجَمة، أي دقة.(2/984)
1016 -[3646] "ضليع الفَمِ". قال فيِ النهاية: " أيْ عظيمة.
وقيل واسِعَة والعَربُ تحمد عِظَمَ الفَمِ، وتذمُّ صِغره ".
"أشْكَلُ العَينينِ". قال في النهاية: " أي في بَيَاضها شيء من حُمْرة، وهو محمودٌ محبوبٌ ".
"منهوس العقب". قال في النهاية: "يروى بالسين وبالشين(2/984)
أيضًا".(2/985)
1017 -[3648] "كأنَّ الشّمسَ تجري في وَجْههِ". قال الطيبي: " شبه جريَان الشمس في فلكها، بجريان الحسن في وَجهه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وفيه عكس التشبيه للمبَالغة، قال: ويحتمل أن يكون من بَاب تناهي التشبيه جعل وَجهه مقرًّا ومكَانًا للشمس ".(2/985)
1018 -[3655] "ولو كنت متخذًا خليلا لاتخذت ابن أبي قحافة خليلاً". قال البيضاوي: " الخليل الصّاحب الوادّ الذي يفتقر إليه ويعتمد في الأمُور عليه فإن أصل التركيب للحاجَة، والمعْنى لو كنت(2/985)
متخذًا من الخلق خليلا أرجع إليه الحاجات وَأعتمد عليه في المهمّات لاتخذت أبا بكر، ولكن الذي ألجأ إليه وَأعتمد عليه في جملة الأمور، وَمجامع الأحوال هو الله تعَالى".(2/986)
1019 -[3658] "وأنعما". قال في النهَاية: " أي زاد فَضَلا، يقال: أحسَنْتَ إلي وَأنْعَمْتَ: أي زِدتَ عليّ الإنْعام. وَقيل: معناه صَار إلى النعيم وَدخلا فيه كما يقال: أَشْمَلَ، إذا دَخل في الشِّمال ".
وفي تاريخ ابن عسَاكر في آخر الحديث فقلت لأبي سَعِيد، ومَا أنعما، قال: وَأهل ذلك هما، ومن طريق آخر، قال: أتدري مَا أنعما، قال لا، قال: وحق لهما. ومن طريق أحمد بن حنبل سمعتُ سفيَان بن عيينة يقول: وأنعما؛ قال: وَأهلا، ومن طريق خالد بن محمد بن(2/986)
خالد قال: سمعت أبا عبيد القاسم ابن سَلام يقول: معنى قوله في هذا الحديث: وأنعما؛ يعني وأرفعا.(2/987)
1020 -[3664] "هَذان سَيِّدَا كهولِ أهْلِ الجنَّةِ". قال الطيبي: "اعتبر مَا كانوا عليه في الدنيَا وإلاّ فليس في الجنة كهل" كقوله تعالى: {وَآَتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ} وقال في النهاية: "الكهل من الرجَال من زاد على ثلاثين إلى تمام الخمسين، وَقيل أراد بالكهْل هنا الحليم العاقل؛ أي أن الله يدخل أهل الجنة حلماء، وعقلاء".(2/987)
1021 -[3671] "هَذان السَّمْعَ والبَصَرُ". قال البيضاوي: "أي(2/987)
هما في المسْلمين بمنزلة السمّع، والبصَر في الأعضاء، أو منزلتهما في الدين منزلة السمع، والبصر في الجسَد، أو هما من في العزة كالسمع، والبصر، ويحتمل أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَماهما بذلك لشدة حِرصهما على استماع الحق واتباعه وتهَالكهما على النظر في الآيات المبينة في الأنفس، والآفاق، والتأمل فيهَا، والإعتبار بهَا".(2/988)
1022 -[3672] "إنكن أنتن صَواحب يوسف". قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام في أمَاليه: " كيف يصح التشبيه بصواحب يوسف مع أن القضيتين متباينتان لا سيما بأتم أنواع التشبيه؟ قال: والجواب: أن(2/988)
التشبيه وقع باعتبار المكر الموجود في القضيتين، لأن المكر هو أن يكون الظاهر مخالفًا للباطن، وصَواحب يوسف أتين زليخا، ليعتبْنهَا ومقصودهن أن يدعون يوسف لأنفسهن، وَهذا مكر، وعائشة رضي الله عنها كان مرادهَا أن لا يتطير الناس بابيهَا لوقوفه مكان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -".(2/989)
1023 -[3673] "حدثنا نصر بن عبد الرحمن الكوفي، حدثنا أحمد بن بشير عن عيسى بن ميمون الأنصاري عن القاسم بن محمد عن عائشة قالت: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لا ينبغي لقوم فيهم أبو بكر أن يؤمّهم غيره". أورد ابن الجوزي هذا الحديث في الموضوعات، وترجم عليه باب إمَامة من اسمه أبو بكر في كل من يكون اسْمه أبا بكر وهذا فهم عجيب بل هو خاص بالصديق رضي الله عنه كما فهمه الترمذي، قال المظهري: "هذا دليل على فضله على جميع(2/989)
الصَحابة. فإذا ثبت هذا فقد ثبتت خلافته فإن خلافة المفضول مع
وجود الفاضل لا تصحّ".(2/990)
1024 -[3674] "من أنفقَ زَوْجَينِ". قال في النهاية: " الأصْلُ
في الزوج: الصِّنف، والنَّوع من كل شيء، وكل شيئين مُقْترِنَين؛ شكلين
كانا أو نقيضين فهما زوجَان وكلُّ واحد منهما زوج. يريد من أنفق
صِنْفَين من مَاله في سبيل الله ".(2/990)
1025 -[3675] "ووافقَ ذلكَ مالاً". أي صَادف أمْره بالتصدق(2/990)
حصُول مَال عنده.
"فقال: يَا أبا بكر ما أبقيت. لأهلك؟ فقال: أبقيت لهُم الله ورَسُوله". قال البيهقي في شعَب الإيمان: " أخبرنا أبو عبد الرحمن السُلمي قال سُئل الأستاذ أبو سَهْل محمد بن سليمان عن هذا فقال: هو التجريد لله بالكلية، وإدخال الرسُول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيه لمكان الإيمان، وحقيقة التعَلق بالسبب في الوصول إلى المسبب، الأعلى وأن إليه إنقطاعه، فإذا كمل توكل المتوكل، تحقق فيه، أخبر إن شاء عن السبب وَإن شاء عن المسبب لأن الكل عنده وَاحد لتعلق الفروع في الكل بالأصل".(2/991)
1026 -[3680] "فأما وزيراي من أهل السماء فجبريل وميكائيل". قال الطيبي: " فيه دلالة ظاهرة على فضله صلوات الله وسلامه عليه [على] جبريل ومكائيل. والوزير من الوزر، وهو(2/991)
الثقل، فإنه يتحمل عن الملك أوزاره، ومؤنه".(2/992)
1027 -[3681] "اللهم أعز الإسلام بأحب هذين الرجلين إليك". قال الطيبي: " أي قوِّهِ وانْصُره ".(2/992)
1028 -[3682] "إنّ الله جَعَل الحق على لسَان عمر". قال الطيبي: " ضمن "جعل " معنى "أجرى" فعدّاه بـ "عَلى" ومنه معنى ظهور الحق، واستعلائه على لسَانه، وَفي وضع "الجعل" موضع "أجرى" إشعَار بأن ذلك خليق ثابت مُستقر ".
"مَا نزلَ بِالنَّاسِ أمرٌ قَطٌ فَقالوا فيهِ وقال فيه عُمرُ إلا نزلَ فيهِ القُرْآنُ على نحو مَا قال عُمرُ".....(2/992)
1029 -[3689] "يا بِلالُ بِمَ سَبَقْتني إلى الجنَّةِ مَا دَخَلْتُ الجنَّةَ قَطُّ إلا سَمِعْتُ خَشْخَشتكَ أمَامي". قال العراقي في شرح التقريب: "إن قيل مَا معنى رؤياه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لبلال أمَامَهُ في الجنة كلما دخل مع كونه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أول من يدخل الجنة فكيف معنى تقدم بلال عليه في هذه الرؤيَا؟ فالجواب: أنه لم يقل في هذه الرؤيا أنه يدخلهَا قبله في القيامَة وإنما رَآه أمامهُ في مَنامِه، وأما الدخول حقيقة فهو - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أول من يدخلهَا مُطلقًا وأما هذا الدخول فالمراد به سَريَان الروح في حالة النوم فلا إشكال في ذلك".
" خَشْخَشتكَ ". قال في النهاية: " الخَشْخَشة: حركة لها صوت كصَوْت النحاس ".(2/993)
1030 -[3690] "إنِّي كُنْتُ نَذرْت إنْ رَدَّكَ الله سَالمًا، أنْ أضْربَ(2/993)
بَيْنَ يَديْكَ بِالدُّفِّ". قال التوربشتي: " إنما مكنها من ضرب الدف بين يدَيه لأنهَا قد نذرت، فدل نذرهَا على أنها عدّت انصرَافه عل حال السلامة نعمة من نعم الله عليهَا فانقلبَ الأمر فيه من صيغة اللهو إلى صيغة الحق ومن المكروه إلى المسْتحبّ "، وفي النهاية: " الدُّف؛ بالضم وَالفتح ".(2/994)
1031 -[3691] "فسَمعْنا لَغطًا". هو الصّوت الشدِيد الذي لا(2/994)
يفهم.
" تُزْفنُ " بزاي، وفاء، ونون؛ أي ترقص.
"فَانفضَّ النَّاسُ عَنْها". أي تفرق النظارَة الذين كانوا حول الحبشية الراقِصَة عنها، لمهَابَة عمر رضي الله عنه، والخوف من إنكاره عليهم.(2/995)
1032 -[3693] "قد كاد يكون في الأمم مُحَدَّثون". قال في النهاية: " جاء في الحديث تفسِيره: أنهم المُلْهَمُون. وَالمُلْهَم هو الذِي يُلْقَى في نفسِه الشيء فيُخْبِر بِه حَدْسًا، وفِراسَة، وَهو نوع يَخْتَصُّ به من يشاء من عباده الذين اصطفاهم مِثْلَ عُمِر، كأنَّهم حُدِّثو بشيء فقالوهُ ".
"فإنْ يَكُن في أمتي أحدٌ فعُمرُ". قال التوربشتي: " لم يرد هذا القول مورد التردد، فإن أمته أفضل الأمم وإذا كانوا [موجودين] في غيرهم من الأمم فبالأحرى أن يكونوا في هذه الأمّة أكثر عددًا، أو أعلى رتبة، وإنما ورد مورد التأكيد، والقطع به، ولا يخفي على ذي الفهم محْمله، يقول الرّجُل إن يكن لي صَديق فهو فلان يريد بذلك اختصَاصه بالكمال في صَداقته لا نفي الأصْدِقاء".(2/995)
1033 -[3695] " [يَوْمَ] السَّبع". قال في النهاية: "قال(2/995)
ابن الأعرابي: السَّبْع بسكون الباء الموضع الذي يكونُ إليه المحْشَر يَوْم القيامَة، أراد مَنْ لهَا يوم القيامةِ، والسَّبعْ أيضًا: الذُّعرُ سبَعْتُ فلانًا، إذا ذَعَرْته. وسَبعَ الذئبُ الغنم إذا فرسَهَا أي من لها يومَ الفَزَع. وَقيل: هذا التأويل يفْسُدُ بقول الذئب في تَمام الحديث:
"يَوْمَ لا رَاعِي لَها غيْري". والذئب لا يكونُ لها رَاعٍ يوم القيامَة.
وقيل أرادَ من لهَا عِنْدَ الفِتَن حين يتركها الناسُ همَلا لا رَاعِي لَهَا نُهْبَةً للذئاب، والسَّبَاع، فجعل السبُع لها راعيًا إذ هُو مُنْفَردٌ بهَا، ويكُونُ حينئذ بضم الباء. وهذا إنذارٌ بما يكون من الشَّدَائدِ والفِتَن التي يُهْملُ الناسُ فيهَا موَاشِيهَم فتسْتَمْكن منها السِّباع بلا مَانِع. وقال أبو عبيدة: "يوم(2/996)
السبْع عيْدٌ كان لهم في الجاهليَّة يشتَغِلون بعِيدِهم ولَهْوهِم، وليس بالسَّبُع الذي يَفْتَرسُ الناسَ". قال أبو موسى: " وأملاه أبو عامر العبْدَري الحافظ، بضم الباءِ، وكان من العِلْم، وَالإتقَان بمكَانٍ ".(2/997)
1034 -[3700] "من جيش العسرة". هو جيش غزوَة تبوك لأنهَا كانت في شدة الحر، وجَدب البلاد.
"بأحْلاسِها وأقْتابهَا". الحلس؛ كساء رقيق يجعل تحت البردعَة، والقتب للجمل، كالإكاف لغيره.
"مَا على عُثمانَ مَا عَملَ بَعْدَ هَذه". قال المظهري: " أي ما عليه أن يعمل بعد هَذِه من النوافل دون الفرائض لأن تلك الحسَنة تكفيه عن جميع النوافل ".
وقال الطيبي: "المعْنى لا على عثمان بأس الذي عمل بعد هذه من الذنوب، فإنهَ مغفُورة مكفرة ونحوه قوله: "الله قد اطلع على أهل بدر(2/997)
فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم".(2/998)
1035 -[3702] "بيعَةِ الرَّضْوانِ". هي البيعة التي جرت تحت الشجَرة عام الحديبيَة، سميت بذلك لما نزل في أهلهَا: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ} الآية.
"إن عُثمانَ في حَاجةِ الله، وحَاجةِ رَسولهِ ". قال الطيبي: "هو من باب قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} " في أن رسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بمنزلةٍ عند الله ومكانةٍ كأن حاجته، حاجته، تعالى عن الاحتياج علوًا كبيرًا.(2/998)
1036 -[3703] "شَهدْتُ الدَّارَ". أي حضرت دار عثمان التِي(2/998)
حاصرُوه فيهَا.
"رُومة". بضم الراء اسم بئر بالمدينة.
"يَجْعَلْ دَلْوَة مع دِلاءِ المسْلمين". قال الطيبي: " مَعَ هو المفعول الثاني. "ليجعل"؛ أي يجعَل دلوه مصَاحبًا، وواحدًا من دلاء المسلمين، وَهو كناية عن التوقف، التسْبيل ".
"بِخْيَرٍ" الباء، باء البدَل، تتعلق بيشتري، وليسَت مثلها في قوله: اشتريت هذا بدرهم، المعنى من يشتريها بثمن ثم يبدلها بخير منهَا.
" [من] ماءِ البَحْرِ". أي ما فيه ملوحة كماء البحر، وَالإضافة فيه للبيَان، أي ماء شبيه ماء البحر.
"اللَّهُمَّ نَعَمْ". قال المظهري: " قد يؤتى باللهم قبل كلمتي الجحد، والتصديق في جواب المستفهم كقولهم اللهم لا، ونعَم تمكينًا للجواب ".
"بالحَضِيض". هو قرار الأرض، وأسفل الجبل.(2/999)
1037 -[3704] "مُقنَّعٌ في ثَوْبٍ". أي مطيلس.(2/1000)
1038 -[3705] "يُقَمِّصُكَ قَميصًا". استعار القميس للخلافة ورشحهَا، بقوله: " فإنْ أرَادُوكَ على خَلْعِه فَلا تَخْلعهُ لَهُمْ ". قال في الأساس: " ومن المجاز قمصّه الله وَشي الخلافة وتقمص لباس العروس ".(2/1000)
1039 -[3706] " [لك أجْرُ رَجلٍ شَهدَ بَدْرًا، وسَهمهُ] ".(2/1000)
1040 -[3710] "على بَلْوى تُصِيبهُ". قال البيضاوي: " "على" هنا بمعنى مع ".(2/1001)
1041 -[3711] "قد عَهدَ إليَّ عهدًا، فأنا صَابرٌ عَليْهِ". قال(2/1001)
الطيبي: " أي أوصاني بأن أصبر، ولا أقاتل، ولا يجوز أن يقال الوصية هي قوله: " فإن أرادوك على خلعه فلا تخلعه " فإن ذلك يوهم المقاتلة معهم للدفع ".
1041 م - 3714 "من كُنْتُ مَوْلاَهُ فعَليٌّ مَوْلاهُ". أراد بذلك ولاء الإسلام، كقوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ (11) } وقيل: سبب ذلك أن أسَامة قال لعَلي لسْت مولاي إنما مولاي رسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذلك.(2/1002)
1042 -[3719] "وَلا يؤدِّي عَنِّي إلا أنا، أوْ عَليٌّ". قال الطيبي: "كان الظاهر أن يقال لا يودي عني إلا علي فأدخل أنا تأكيدًا لمعنى(2/1002)
الاتصَال في قوله عليٌّ مني، وأنا من عليّ".
وقال التوربشتي: " كان من دأب العَرب إذا كان بينهم مقاوَلة في نقض وإبرام وصُلح، ونبذ عهد أن لا يودي ذلك إلا سيد القوم، أو من يليه من ذوي قرابته، القريبة، ولا يقبلُونه من سواهم ".(2/1003)
1043 -[3721] "حدثنا سُفيان بن وكيع، حدثنا عبيد الله بن موسى، عن عيسى بن عمر، عن السدي، عن أنس بن مَالك، قال: " كان عِنْدَ النبيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَيْرٌ فقال: اللهُمَّ ائتنِي بأحَبِّ خَلْقكَ إلَيْكَ يأكُلُ مَعي هذا الطَّيرَ. فجاء عليٌّ فأكلَ مَعهُ ". هذا أحد الأحاديث التي انتقدهَا الحافظ سِراج الدين القزويني على المصَابيح،(2/1003)
وزعم أنه موضوع، وقالَ الحافظ صَلاح الدين العلائي: " ليسَ بموضوع بل له طرق كثيرة غالبهَا وَاه، ومنهَا مَا فيه ضعف قريب، وربما يقوي بعض منهَا بمثله إلى أن ينتهي إلى درجة الحسن " والسدي إسماعيل احتج به مسلم، والناس، وعيسَى بن عُمَر هو الأسَدي، الكُوفي، القاري، وثقة يحيى بن معين وغيره، ولم يُتَكلم فيه وَعبيد الله بن موسى مشهور من رجال الصحيحين، وقد تابعه على روايته عن عيسَى بن عمر مسهر بن عبد الملك، أخرجه النسائي في خصَائص علي، ومُسْهر هذا وثقة ابن حبّان، والحسَن بن حماد الورّاق وقال النسَائي ليسَ بالقويّ، وقال البخاري، فيه بعض النظر وعلى هذا فيصْلح حديثه متابعًا، وقد روَاهُ الحاكم في المسْتدرك من ْطريق محمّد بن أحمد بن عيَاض، حدثنا أبي حدثنا يحيى بن حسّان، عن سُليمان بن بلال عن يحيى بن سعِيد عن أنس أطول ممّا تقدم وكل(2/1004)
رجال هذا ثقات، لكن أحمد بن عياض لم أر من تكلم فيه بتوثيق، ولا جرح، وابنه محمد مشهُور صَدوق، روى عن حرملة، وجماعة، ورواه عنه الطبَراني، وَطائفة، فهذان الطريقان أمثل مَا روى فيه وقد سَاق ابن الجوزي في العِلل المتناهيَة للحديث طرقًا كثيرة عن أنس واهِيَة، وقال الحاكم في المستدرك: " روَاه عن أنس جماعَة أكثر من ثلاثين نفسًا ثم صحت الرواية عن علي، وأبي سعيد، وسفينة " ولم يذكر طرق أحاديث هؤلاء، وخرج أبو بكر بن مردوية في طرق هذا الحديث جزءً، وقال ابن طاهر الحافظ: كل طرقه باطِله معلولة وهو غلو منه في مقابلة تساهُل الحاكم، والحُكم على الحديث بالوضع بعيد جدًّا، ولذلك لم يذكرُه أبو الفرج في كتاب الموضوعات انتهى.
قال التوربشتي: قوله: " بأحب خَلْقَكَ إلَيْكَ " مؤوّل، أي بمن هو من أحب خلقك إليك فيشاركه غيره، وَهم المفضلون بإجماع الأمّة، وهذا مثل قولهم: فلان أفضل الناس، وأعقلهم، أي من أفضلهم، وأعقلهم ومما يبين لك أن حمله على العموم غير جائز أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من جملة خلق الله ولا جائز أن يكون أحبّ إلى الله منه، أو يؤول على أنه أراد به أحبّ خلقه إليه من بني عمّه، وذويه، وقد كان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يطلق القول، وَهو يريد تقييده، ويُعِم به ويريد تخصِيصه فيعرفه ذُو الفهم بالنظر إلى الحال،(2/1005)
أو الوقت، أو الأمر الذي هو فيه.(2/1006)
1044 -[3723] "حدثنا إسماعيل بن موسى، حدثنا محمد بن عمر الرومي، حدثنا شَرِيك، عن سَلمة بن كهيل، عن سُويد ابن غفلة، عن الصُنابحي عن علي قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أنا دار الحكمة، وَعلي بابها". "هذا حديث غريب منكر، وروى بعضهم هذا الحديث عن شَرِيك ولم يذكروا فيه عن الصُنابحي ولا يعرف هذا الحديث عن أحد من الثقات غير شَرِيك وفي الباب عن ابن عباس".(2/1006)
هذا أحد الأحاديث التي انتقدَها الحافظ سراج الدين القزويني على المصَابيح، وزعم أنه موضُوع وقال الحافظ صَلاح الدين العلائي في أجوبته: " هَذا الحديث ذكره أبو الفرج ابن الجوزي في الموضوعات من طرق عدة وجزم ببطلان الكل "، وكذلك قال بعده جماعة، منهم الذهبي في الميزان، وَغيره، والمشهور به رواية أبي الصلت عبد السلام بن صَالح الهروي عن أبي معَاويَة، عن الأعمش، عن [مجاهِد] ، عن ابن عباس مرفوعًا، وعبد السلام هذا تكلم فيه كثير، قال النسائي: ليسَ بثقة، وقال الدارقطني، وَابن عدي: متهم، زاد الدارقطني: رافضيّ، وقال أبو حاتم: لم يكن عندي بصَدُوق وضرب أبو زُرعة على حديثه، ومع ذلك فقد قال: قال الحاكم:(2/1007)
حدثنا الأصم، حدثنا عباس يعني الدوري قال: سألت يحيى بن معين عن أبي الصلت، فقال ثقة فقلت: أليس قد حدّث عن أبي معَاويَة حديث أنا مدينة العِلم، فقال: قد حدث به محمد بن جعفر الفيدي وَهو ثقة عن أبي معَاويَة، وكذلك روى صَالح جزرَة أيضًا عن ابن معين، ثم سَاقه الحاكم من طريق محمد بن يحيى بن الضريس، وَهو ثقة حافظ عن محمد بن جعفر الفيدي عن [أبي] معَاويَة".
وَقالَ أبو العباس أحمد بن محمد بن محرز: سَألت يحيى بن معين عن أبي الصلت، فقال: ليسَ ممن يكذب، فقيل له في حديث أبي معاويَة: " أنا مدينة العِلم " فقال هو من حديث أبي معاويَة أخبرني ابن نمير قال: حدث به أبو معاوية قديمًا ثم كف عنه، وكان أبو(2/1008)
الصلت رَجلا مُوسرًا يطلب هذه الأحاديث، ويلزم المشايخ، قلت: فقد برىء أبو الصلت عبد السلام من عهدته وأبو معاوية ثقة مأمون من كبار الشيوخ، وحفاظهم المتفق عليهم، وقد تفرد به عن الأعمش فكان مَاذا؟ وأي استحالة في أن يقول لله مثل هذا في حق علي، وَلم يأت كل من تكلم في الحديث وجزم بوضعه بجواب عن هذِه الروَايات الصحيحَة عن يحيى بن معين، ومَع ذلك فله شاهِد قوي روَاه الترمذي من حديث علي، ورواه أبو موسى الكجّي وغيره عن محمد بن عمر ابن الرومي، وَهو ممن روى عنه البخاري في غير الصحيح، وقد وثقه ابن حبان وضعفه أبو داود، وقال أبو زرعَة: فيه لين، وقال الترمذي ورى بعضهم هذا عن شَريك، فقد برئ محمد بن الرومي من التفرد به وشَرِيك هو ابن عبد الله النخعي القاضي، احتج به مسْلم، وعلق له البخاري ووثقه يحيى بن معين، وقال العجلي ثقة حسن الحديث.
وقال عيسَى بن يونس مَا رأيت أحدًا قط أوْرَع في علمه من شَرِيك فعَلى هذا يكون تفرده حسنًا، فكيف إذا انضم إلى حديث أبي معَاوَية المتقدم، ولا يرد عليه روايَة من أسقط منه الصُنابحي، لأن سُويد بن غفلة تابعي مخضرم أدرك الخلفاء الأربعة، وسمع منهم فَذِكْرُ الصُنابحي فيه من المزيد في متصل الأسَانيد، ولم يأت أبو الفرج، ولا غيره بعله(2/1009)
قادحَة في حديث شَرِيك سوَى [دعوى] الوضع دفعًا بالصدر. انتهى كلام العلائي.
وقال الحافظ ابن حجر في أجوبته: " حديث ابن عباس أخرجه ابن عبد البر في كتاب الصحابة المسمى بالاستيعَاب ولفظه: " أنا مدينة العلم، وعلي بابهَا فمن أراد العِلم فلياته من بابه " وصححه الحاكم، وأخرجه الطبراني من حديث ابن عباس بهذا اللفظ، وَرجاله رجال الصحيح إلا عبد السلام الهروي فإنه ضعيف عندهم ". وقال في جواب فتيا رُفِعَت إليه في هذا الحديث. قال الطيبي: " تمسّك الشيعَة بهذا الحديث على أن أخذ العِلم، والحكمة مختص به لا يتجاوزه إلى غيره إلا بواسطته لأن الدار إنما يدخل إليها من بابهَا، ولا حجة لهم فيه إذ ليسَ دار الجنة بأوسع من دار الحكمة، ولها ثمانية أبواب ".(2/1010)
1045 -[3726] "ولكنَّ الله انْتجَاهُ". أي أمرني أن أناجيه.(2/1010)
1046 -[3727] "حدثنا علي بن المنذر، حدثنا ابن فضيل(2/1010)
عن سَالم بن أبي حفصَة عن عطِيّة، عن أبي سعيد قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعَليٍّ: "يَا عَليُّ لا يَحلُّ لأحدٍ يجنبُ في هذا المسجد غيري، وَغيْرَكَ". قال علي بن المنذر: قلت لضرَارِ بن صُرَّدَ مَا معنى هذا الحديث؟ قال: " لا يحل لأحد يَسْتطْرقهُ جُنبًا غيري، وغيرُكَ "
"هذا حديث حسن غريب لا نعَرِفهُ إلا من هذا الوجْهِ، وقد سَمعَ محمدُ بن إسماعيلَ مني هذا الحديث، واستغْربه". هذا أحد الأحاديث التي انتقدها الحافظ سراج الدين القزويني على المصَابيح، وزعم أنه موضُوع، وقال الحافظ صَلاح الدين العَلائي في أجوبته: " هذا الحديث ليس من الحسان قطعًا بل هو حديث ضعيف وَاه لكنه لا ينتهي إلى الوضع "، وقد حسّنه الترمذي وسَالم بن أبي حفصَة، وعطية العَوفي، كل منهما شيعي ضعيف، قال النسائي في سالم: "ليسَ بثقة"، وقال عمر الفلاس فيه: "ضعيف يفرط في التشيع"، وكان هشيم يتكلم في عطية العَوفي، وضَعّفه أحمد بن حنبل، وعلي بن المديني، والنسائي، والجماعَة والعجب من تحسين الترمذي له وَقد تفرد به هذان وضرار(2/1011)
بن صرد [أحد] المتهمين بالكذب، وممَا يدُل على نكارة هذا الحديث أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يختص عن الأمة بشيء من الرخص فبما يقتضي تعظيم حرمَات الله، والقيام بإجلاله أصلاً، وإنما كان ترخصه في الأمور الدنيوية، كإباحة مَا وراء الأربع في النكاح، ونحو ذلك، فلم يكن - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يترخص لهم بإباحة الجلوس في المسجد حال الجنَابة أبدًا".
انتهى.
وقال الحافظ ابن حجر في أجوبته: السبب في ذلك أن بيته كان مجاور المسْجد، وبابه من داخل المسجد كبيت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، [وقد ورد] من طرق كثيرة صحيحة أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما أمر بسد الأبواب الشارعة في المسجد إلا باب علي شق على بعض من الصحابة فأجابهم بعذر في ذلك، وقد وقع في بعض الطرق من حديث أبي هريرة أن سكنى علي كانت مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في المسجد يعني مجاورَة المسجد وورد لحديث أبي سعيد شاهد من حديث سَعد بن أبي وقاص أخرجه البزار من رواية خارجة بن سعد عن أبيه، ورِواته ثقات " انتهى.
ْقال الطيبي: "الظاهر أن يقال أن يجنب ليكون فاعلا، لقوله لا(2/1012)
يحل، وفي المسْجد ظرف ليجنب".(2/1013)
1047 -[3731] "أنت مني بمنزلة هَارون من مُوسى". قال النووي: " ليس فيه دلالَة على استخلافه من بعده كما توهمه الرافضة لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال هذا حين استخلفه على المدينة في غزوة تبوك ويؤيد هذا أن هارُون المشبه به لم يكن خليفة بعد موسى لأنه توفي قبل وفاة موسى بنحو أربعين سنة، وإنما استخلفه حين ذهب إلي الميقات للمناجاة".
وقال الطيبي: " "مني" خبر المبتدأ، و"من" اتصالية، ومتعلق الخبر خاصّ، والباء زائدة، كما في قوله تعالى: {فَإِنْ آَمَنُوا بِمِثْلِ مَا آَمَنْتُمْ بِهِ} أي فإن آمنوا إيمانًا مثل إيمانكم، يعني أنت متصل بي، ونازل مني منزلة هارُون من موسى، وفيه تشبيه، وَوجه التشبيه مبهم لم يفهم أنه رضي الله عنه فيم شبهه به صَلوات الله وسلامه عليه، فبين قوله: " إلا أنه لا نَبيَّ بَعْدِي " أن اتصالهُ به ليسَ من جهة النبوة فبقي الاتصال من جهَة الخلافة لأنها تلي النبوة في المرتبة ثم إما أن يكون في(2/1013)
حياته، أو بعد مماته لأن هَارون عليه السلام مات قبل موسى فتعين أن يكون في حياته عند مسِيره إلى غزوَة تبوك".(2/1014)
1048 -[3732] "حدثنا محمد بن حميد الرازي، حدثنا إبراهيم ابن المختار عن شعبَة عن أبي صَالح عن عَمرو بن ميمون عن ابن عباس، أن رسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر بِسَدِّ الأبْوابِ إلا بابَ عَليٍّ".(2/1014)
1049 -[3738] "أوْجَبَ طَلْحةُ". أي عمل عملا أوجب له الجنة.(2/1014)
1050 -[3744] "وأن حواري الزيير". أي خاصّتي من(2/1014)
أصحابي، وناصري، قال القاضي عياض: " اختلف في ضبطه، فضبطهُ جماعَة من المحققين بفتح الياء المشدّدَة، وضبطه أكثرهم بكسْرهَا ".(2/1015)
1051 -[3753] "الحَزَوَّرُ". هو الذي قارب البلوغ، والجمع حَزَاوِرة.(2/1015)
1052 -[3756] "سَهرَ مَقْدَمَهُ المدينةَ" قال الطيبي:(2/1015)
"مقدمة، مصْدر ميميّ ليسَ بظرف لعَمله في المدينَة، ونصبه عَلى الظرف على تقدير مُضاف وهو الوقت، والزمان".
"لَيْلَةً". بدل البعض من المقدر أي سَهرَ، ليلة من الليَالي، وقت قُدومه المدِينة.(2/1016)
1053 -[3758] "بِوجوهٍ مبْشرَةٍ". قال التوربشتي: "هو بضم الميم وسكون الباء، وفتح الشين، يريد بوجوه عليهَا البشر".
"فإنما عَمَّ الرَّجُلِ صِنْوُ أبيهِ". قال في النهاية: " الصِّنْوُ: المِثْل. وأصْلُهُ أن تَطْلُع نَخْلَتان من عِرْق وَاحدٍ. يُريدُ أن أصل العباس وَأصْلَ أبي وَاحد، وهو مثلُ أبي، وَجمعه صِنْوان".(2/1016)
1054 -[3762] "اللهُمْ احْفَظهُ في وَلَدِهِ". قال الطيبي: "أي(2/1016)
أكرمه وَراع أمْرهُ كيلا يضيع في شأن وَلده، وهذا معنى رواية رزين": "واجعل الخلافة باقية في عقبه".
"رأيتُ جَعْفَرًا يَطِيرُ في الجنَّةِ مَعَ الملائِكَةِ".(2/1017)
1055 -[3763] "ما احتذى النِّعالَ". أي انتعل.
"ولا رَكبَ المطَايَا". جمع مطية وهي الناقة التي يركب مطاهَا؛ أي ظهرها ويقال يمطى بهَا في السير، أي يمدّ.
"ولا رَكبَ الكُور". بضم الكاف وهو رحل الناقة بأداته، قال في النهاية: "وكثير من الناس يفتح الكاف وهو خطأ".(2/1017)
"بَعْدَ رَسُولِ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أفضلُ من جَعْفرٍ".(2/1018)
1057 -[3765] "عن البراء بن عازب أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لجعفر ابن أبي طالب: " أشْبَهتَ خَلْقي، وخُلُقي ".(2/1018)
1058 -[3768] "الحسَنُ، وَالحسينُ سَيِّدَا شَبابِ أهْلِ الجنَّةِ".
قال ابن الحاجب في أماليه: " هذا الحديث فيْه إشكال لأن قوله: شباب أهل الجنة يفهم منه أن الجنة فيها شباب وَغير شبَاب، وليس الأمر كذلك بل كل من فيهَا شباب على مَا وردت به الأخبار، والدليل على أنه يفهم منه ذلك لو لم يكن كذلك لم يكن للتخصيص فائدة إذ ذكر الشباب يقع ضائعًا وكان ينبغي أن يقال سَيِّدا أهل الجنة، قال: وَيجاب بأمور أحدهَا -وَهو الظاهر-: أنه سَماهُم باعتبار مَا كانوا عليه عند مفارقة الدنيَا ولذلك يصح أن يقال للصغير يموت من صغار أهل الجنة، والشيخ المحكوم بصَلاحه من شيوخ أهل الجنة فهما [سيدا] شباب أهل الجنة بهذا الاعتبار، وَحسن الإخبار عنهما بذلك، وإن كانا لم ينتقلا عن الدنيا(2/1018)
شابين لأنهما كانا عند الإخبار كذلك. الثاني: أن يراد أنهما سيدا شباب أهل الجنة باعتبار ذلك الوقت الذي كانا فيه شابين ولا يرد على الوجه الأول وَالثاني إلزام أنهما سيّدا المرسلين لأنهما شباب في الجنة، لأنهم غير داخلين في شباب أهل الجنة على المعنين جميعًا. الثالث: أن أهل الجنة وإن كانوا شبَابًا كلهم إلا أن الإضافة هنا إضافة توضيح باعتبار بيان العَام بالخاص كما تقول جميع القوم، وكل الدرَاهم لأن كل، وجميعًا يصلحَان لكل ذي آحاد فإذا قلت: القوم، والدرَاهم فقد خصصته بعد أن كان شائعًا فكذلك شباب وَإن كان أهل الجنة كلهم شباب، إلا أنه يصح إطلاقهُ على من في الجنة، وعلى من في غيرهَا فخصص شياعه، تقول [أهل] الجنة، كما خصص شيَاع كل وجميع بالقوم، والدراهم لمَّا كان هو مقصود المتكلم دون غيره، ويرد على هذا إلزام سيَادتهم المرسَلين لأنهم داخلون على هذا التأويل، وجوابه: أنه عام خصّص عُلم تخصِيصه بالإجماع فإنّ المرسَلين أفضل من غيرهم بالإجماع انتهى".
[وقال النووي في فتاويه] وقال المُظهَّري مَعناه هما أفضل من مات شابًا في سَبيل الله من أصحَاب الجنة، ولم يرد أنهما من الشباب، لأنهما ماتا وقد كهلا بل ما يفعَله الشباب من المروة كما تقول فلان فتى، وإن كان شيخًا، تشير إلى مودته، وفتوته، أو أنهما سيدا أهل الجنة سوى الأنبياء، والخلفاء الراشدين وذلك لأن أهل الجنة كلهم في سن واحد، وَهو الشباب وَليسَ فيهم شيخ ولا كهل، وقال الطيبي: "يمكن أن يراد(2/1019)
هما الآن سيدا شبابهم مِن أهل الجنة من شباب هذا الزمان".(2/1020)
1059 -[3770] "هُمَا رَيْحانتايَ في الدُّنيَا". قال الزمخشري في الفائق: "أن من رِزق الله الذي رزقنيه، ويجوز أن يراد به المَشْمُوم لأن الأولاد يشمون، ويقبَّلون [كلا منهم] فكأنهم من جملة الرياحين التي أنبتها الله تعالى"، وفي النهاية: " الريحان يُطلقُ على الرَّحمة، والرزق، والرَّاحة، وبالرزق سُمّي الولد رَيّحانًا ". وقال الطيبي: موقع "من الدنيا" من هنا كموقعها في قوله: " حبب إليَّ من الدنيا الطيب والنساء " [أي] نصيبي، ونَصبَ ريحانتي على المدح.(2/1020)
1060 -[3780] "نُضدَتْ". أي جعل بعضهَا فوق بعض.(2/1020)
1061 -[3784] "عن ابن عباس قال: كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَاملَ الحَسَن بن عَليٍّ على عَاتقه فقالْ رَجُل: نعمَ المرَكَبُ رَكِبْتَ يَا غُلامُ فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَنِعْمَ الرَّاكبُ هو".(2/1021)
1062 -[3788] "إني تارك فيكم ما إن تمسّكتم به". قال الطيبي: "مَا" موصُولة، والجملة الشرطية صِلتها، ومعنى التمسك بالقرْآن العمل بما فيه وهو الائتمار بأوامره، والانتهاء عن نواهيه، والتمسك بالعترة محبتهم والاهتداء بهُدَاهم وسيرِهم، وفي إشارَة إلى أنهُمَا بمنزلة التوأمين، الخليفتين عن رسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -".(2/1021)
1063 -[3785] "أعْطِيَ سَبْعَةَ نُجبَاءَ". قال في النهاية:(2/1021)
"النجيب: الفاضل من كل حَيَوان".
"رُقباءَ". قال في النهاية: " أي حَفَظه يكونون معَه ".
"وأُعْطيتُ أنا أربعةَ عَشرَ". في فوائد تمام، وتاريخ ابن عساكر من طريق عبد الله بن مُلَيْل عن علي سبعَة من قريش، وسبعة من المهاجرين وذكر فيهم أبا ذر، وحذيفة، والمقداد، وَلم يذكر مصعبًا.(2/1022)
1064 -[3789] "أحبّوا الله لما يغذوكم من نعمه". قال الحليمي هذا يحتمل أن يكون عامًا لأنعُمه كلهَا، وأن يكون اسْمًا لغذاء الطعام، والشراب حقيقه ولما عداهما من التوفيق، وَالهداية، ونصب أعلام هذه المعرفة، وخلق الحواس، والعقل مجازًا، أو يكون جميع ذلك بالاسم مرادًا فقد قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ثلاث من كن فيه فقد وجد حلاوَة الإيمان" وفي بعض الروايات طعم الإيمان، وإنما يكون الطعم(2/1022)
للأغذية، ومَا يجري مجراهَا فإذا جاز الإيمَان بالطعم جازت تسْميته غدا دخَل الإيمان في جميع نعم الله عز وجل في هذا الحديث والله أعلم.
قال: " ومحبّة الله، اسم لمعان كثيرة، أحدهَا الاعتقاد أنه عزَّ اسمه محمود من كل وجه لا شيء من صفاته إلا وهو مدحة له. الثاني: الاعتقاد أنه محسن إلى عبَاده منعم متفضل عليهم. الثالث: الاعتقاد أن الإحسان الواقع منه أكبر، وَأجل من أن يقضي قول العبد، وَعمله وإن حسنا، وكثرًا شكره. الرابع: أن لا يستثقل العبد قضايَاه، ويستكثر تكاليفه.
الخامس: أن يكون في عامة الأوقات مشفقًا وجلاً من إعراضه عنه وسلبه معرفته التي أكرمه بهَا، وتوحيده الذي حلاه وزيّنه له. السادس: أن تكُون آمَاله منعقدة به لا يرى في حال من الأحوال أنه غني عنه. السابع: أن يحمله تمكن هذه المعاني في قلبه على أن يديم ذكره بأحسن ما يقدر عليه. الثامن: أن يحرص على أداء فرائضه، والتقرب إليه من نوافل الخير بما يطيقه. التاسع: أن يسمع من غيره ثناء عليه، وعرف منه تقربًا إليه، وجهادًا في سَبيله سرًّا أو إعلانًا مَالاه ووالاهُ. العاشر: أنه إن سمع من أحد ذكرًا له أعانه بما يحكى عنه أو عرف منه غيا عن سبيله سرّا، أو علانية، باينه، وناوَاه، فإذا استجمعت هذه المعاني في قلب أحد فاستجماعهَا هو المشار إليه باسم محبة الله تعَالى، وَهي وإن تذكر مجتمعة في موضع فقد جاءت متفرقة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -فمن دونه " انتهى.(2/1023)
1065 -[3790] "وأفرضهم زيد بن ثابت، وأقرؤهم أُبي بن(2/1023)
كعب". قال الطيبي وغيره: " لا يحل هذا على أفضليتها على أبي بكر، وعمر مثلاً لأن لهُما فضائل لم تكن لغيرهما من الصحَابة، ولا يلزم أن يكون في الفاضل جميع خصال المفضول ".
"وأمينُ هذه الأمَّةِ أبو عبَيْدَة بن الجرَّاحِ". قال الطيبي: " أي هو الثقة المرضي، والأمانة مشتركة بينه وبين غيره من الصحَابة، لكن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خصّ بعضهم بصِفات غلبت عليه وكان بهَا أخصّ ".(2/1024)
1066 -[3792] "عن أنس بن مالك قال: قال رسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأُبي بن كعب: " إن الله أمرني أن أقْرأ عَليْكَ: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا} " قال: وسمَّاني؛ قال: "نعم" فبكى".(2/1024)
1067 -[3794] "عن أنس بن مالك قال: جمع القرآن على عهد رسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أربعة كلهم من الأنصار، أبيُّ بن كَعْب، وَمُعاذُ بن جَبل، وزَيْدُ بن ثابتٍ، وَأبو زَيْدٍ قُلْتُ لأنَسٍ: من أبو زيد؟ قال: أحد عمومتي ... ".(2/1025)
1068 -[3796] "فأشْرف لَهَا النَّاسُ". أي تطلعوا لهَا.(2/1025)
1069 -[3797] "إنَّ الجنَّةَ لتَشْتاقُ إلى ثَلاثةٍ". قال الطيبي: "سبيل اشتياق الجنة إلى هؤلاء الثلاثة سَبيل اهتزاز العرش لموت سَعد".(2/1026)
1070 -[3798] "مَرحبًا بالطَّيِّبِ المُطَيَّبِ". قال في النهاية: "أي الطاهر، المطَهَّر".(2/1026)
1071 -[3801] "ما أظلَّتِ الخَضْراء". أي السماء.
"ومَا أقَلتِ الغَبْراءُ". أي [حملت] الأرض.(2/1026)
"أصْدقَ من أبي ذرٍّ". قال في النهاية: "أراد أنه مُتَناهٍ في الصدق إلى الغاية، فجاء به على اتساع الكلام والمجاز".
"شِبْهَ عيسى بن مَريمَ". قال في المشكاة: "يعني في الزهد".(2/1027)
1073 -[3805] "بهدي عمار". أي سيروا بسيرته.
"وتمسّكوا بعهد ابن مسعود". قال التوربشتي: " يريد ما يعهد إليهم ويوصيهم به، وأرى أشبه الأشياء بما يراد من عهده أمر الخلافة فإنه أول من شهد بصحتها وأشار إلى استقامتها من أفاضل الصحَابة، وَأقام عليهَا الدليل، فقال؛ لا نؤخر من قدّم رسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -"،(2/1027)
"ألا نرضى لدنيَانا من رضيه لديننا". قال: " ومما يؤيد هذا التأويل المناسَبة الواقعَة بين أول الحديث، وآخره، ففي أوله: "اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر، وَعمر" وفي آخره: "وتمسكوا بعهد ابن مسعُود" وَمما يدل على صحة ما ذهبنا إليه قوله في حديث حذيفة أيضًا: "إن أستخلف عليكم فعصيتموه عذبتم، ولكن إذا حدثكم حذيفة فصدقوه" وهَذا إشارَة إلى مَا أسرّ إليه من أمر الخلافة في الحديث الذي نحن فيه ".(2/1028)
1074 -[3807] "أقْربُ النَّاس هَدْيًا ودَلا، وسَمْتًا". قال البيضاوي: " الدل قريب من الهدي والمراد به السكينة، وَالوقار، ومما يدل على كمال صَاحبه من ظواهر أحواله، وحسن مقاله، وبالسمت القصد في الأمور، وبالهدى من حسن السيرة وسلوك الطريقة المرضية".
"أنَّ ابن أُمِّ عَبْدٍ". هو عبد الله بن مسعود.(2/1028)
1075 -[3808] "لأمرتُ ابن أُمِّ عَبْدَ". قال التوربشتي: "لا بد(2/1028)
من تأويله أنه أراد تأميره على جيش، أو نحوه ولا يجوز أن يحمل على
غير ذلك فإنه لم يكن من قريش وقد نصّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على أن هذا الأمر في قريش".(2/1029)
1076 -[3810] "خذوا القرآن من أربعَة". قال النووي: "قالوا هؤلاء الأربعة تفرغوا لأخذ القرآن عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مشافهَة، وغيرهم اقتصروا على أخذ بعضهم عن بعض أو أن هؤلاء تفرغوا لأن يؤخذ عنهم، أو أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أراد الإعلام بما يكون بعد وفاته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من تقديم هؤلاء الأربعة، أو أنهم أقرأ من غيرهم ".(2/1029)
1077 -[3811] "وابن مَسْعُود صَاحبُ طهُور رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَنَعْليهِ". قال البيضاوي: "يريد أنه كَان يخدم الرسُول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ويلازمه(2/1029)
في الحالات كلها فيهيء طهوره، ويحمل معَه المطهَرة إذا قام إلى الوضوء، ويأخذ نعله، وَيضعهَا إذا جلس، وَحِين ينهض" انتهى.
"وَحُذَيْفةُ صَاحبُ سرِّ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -". قال الطيبي: " قيل من تلك الأسرار أسماء المنافقين وأنسابهم، أسرّ بهَا رَسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إليه".(2/1030)
1078 -[3817] "وقد أصْمَتَ". قال في النهاية: " يقال صَمَت العَليل وَأصْمَتَ فهو صَامِتٌ، ومُصْمت، إذا اعتقِلَ لسَانِه ".(2/1030)
1079 -[3824] "اللهمَّ عَلِّمهُ الحِكمةَ". قال الطيبي: "الظاهر(2/1030)
أن يراد بهَا السنة لأنها إذا قرنت بالكتاب يراد بها الحكمة قال تعالى: {وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} ".(2/1031)
1080 -[3828] "ياذا الأذنين". قال في النهاية: " قيل معناه الحض على حسن الاستماع والوعي لأن السمع بحاسية الأذن ومن خلق الله له أذنين فأغفل الاستماع، ولم يحسن الوعي لم يعذر، وَقيل: أن هذا القول من جملة مزحه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولطيف أخلاقه، كما قال للمرأة عن زوجها: ذاك الذي في عينيه بيَاض ".(2/1031)
1081 -[3830] "عن أنس قال: كناني رسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِبَقْلة كُنْتُ أجْتَنِيهَا". قال في النهاية: " أي كناه أبا حمزة".
قال الأزهري: " البقلة التي جناها أنس كان في طعمها لذع فسميت حمزة بفعلها يقال: رمانة حامزة؛ أي فيها حموضة ".(2/1031)
1082 -[3844] "أسلم الناس، وآمن عمرُو بن العَاص". قال
في النهاية: " كان هذا إشارة إلى جماعة آمنوا معه خَوْفًا من السيف، وأن عَمْرًا كان مُخلِصًا، وهذا من العامِّ الذي يُراد به الخاصّ ".
وقال الطيبي: " التعريف في الناس للعهد، والمعهود مُسْلمة الفتح ".(2/1032)
1083 -[3848] "اهتزَّ عَرْشُ الرَّحْمنِ". قال النووي:
"اختلفوا في تأويله، فقال قوم هو على ظاهره، واهتزاز العرش تحركه فرحًا بقدوم روح سَعْد، وَجَعَل الله في العرش تمييزًا، ولا مَانع منه، وهذا القول هو المختار، وقيل: المراد اهتزاز أهل العرش، وَهم حملته، وغيرهم من الملائكة فحذف المضاف وَالمراد بالاهتزاز(2/1032)
الاستبشار وَمنه قول العَرب فلان يهتز بالمكارم لا يريدون اضطراب جسمه وحركته، وَإنما يريدون ارتياحه إليها، وَإقباله عليها".
وقال الحربي: "هو كنايَة عن تعظيم شأن وفاته والعرب تنسب الشيء العظيم إلى أعظم الأشياء فتقول: أظلمت لموت فلان الأرض، وقامت له القيامَة".(2/1033)
1084 -[3853] "وهو يَهْدبُها". بالدال المهملة؛ أي يجتنيهَا.(2/1033)
1085 -[384] "ذي طمرين". تثنية طمر وَهو الثوب الخلق.
"لا يؤبَهُ لهُ". أي لا يبالى به، ولا يلتفت إليه لحقارته.(2/1033)
"لَو أقْسم على الله لأبَرَّة منْهم البَراء بن مَالك".(2/1034)
1086 -[3855] "لقد أعطيتَ مِزْمَارًا من مَزَامير آل دَاودَ". قال البيضاوي: " المزمار هنا مستعار للصوت الحسن والنغمة الطيبة، أي أعطيت حسن صوت يشبه بعض الحسن الذي كان لصوت داود، والمراد بآل دواد، داود نفسه وآل مفخم إذ لم يكن له آل مشهور يحسن الصّوت، والمشهور به هو نفسه".
وفي النهاية: " شبَّه حُسْن صَوته، وحلاوَة نَغْمَته بصوت المِزْمَارِ وداود هو النبيّ، وإليه المنتهى في حسن الصوت بالقراءة. والآل مُقْحَمةٌ، قيل: معناها هنا الشخصُ ".(2/1034)
1087 -[3859] "خَيْر النَّاس قَرني، ثمَّ الذين يَلونَهمْ". قال(2/1034)
في النهاية: " يعني الصحَابة، ثم التابعين. والقرن: أهل كل زمان وهو مقدار التوسط في أعمار أهل كل زمَان مأخوذ من الاقتران، فكأنه المِقدار الذي يقترن فيه أهل ذلك الزمان في أعمارهم، وأحوالهم، وقيل: القرن، أربعون سنة، وقيل مائة، وقيل هو مُطَلَق من الزمَان وهو مصدر: قَرَن، يَقْرن ".
"ثمَّ يأتي قَوْم بَعْدَ ذلكَ تَسْبِق أيمانهم شَهادَتهمْ، أو شهادَتِهمْ أيْمانهمْ".(2/1035)
1088 -[3861] "لا تسبوا أصحابي". أحسن ما قيل فيه أنه خطاب.(2/1035)
1089 -[3862] "الله الله في أصْحَابي". قال الطيبي: "أي اتقوا(2/1035)
الله ثم اتقوا الله في حق أصحابي لا تنقصوا من حقهم، ولا تسبوهم، أو التقدير أذكركم الله، وأنشدكم في حق أصحابي، وتعظيمهم، وتوقيرهم".
"من أحَبَّهم فَبِحبِّي أحَبَّهُمْ". أي بسبب حبه إياي أحبهم أي إنما أحبهم لأنه يحبني، وإنما أبغضهم لأنه يبغضني والعياذ بالله فحق لذلك قول من قال: من سبهم فقد استوجب القتل في الدنيا" انتهى.(2/1036)
1090 -[3866] "إذا رأيْتُم الذِينَ يَسُبُّونَ أصْحابي، فقولوا لَعْنةُ الله على شَرِّكُمْ". قال الطيبي: " هذا من الكلام المنصف الذي كل من سمعه من مُوال أو منافر قال لمن خطب به قد أنصفك صَاحبك ومنه بيت حسان:
أتهجوه ولست له بكفوء ... فشركما لخيركما الفداء"(2/1036)
1091 -[3867] "فإنها بضعَة مني". قال في النهاية: "هي(2/1036)
بالفتح القطعَة من اللحم وقد تكسر أي أنها جزء منّي، كما أن القطعة من اللحم [جزء من اللحم] ".
"يَريبُنْي مَا رَابهَا". أي يسؤني ما يسؤها ويزعجني ما أزعجها.(2/1037)
1092 -[3869] "ويُنْصبُني ما أنْصَبهَا". أي يتعبني ما أتعبها.
"وحمامّتي". بحاء مهملة، وميم مشدودة، قال في النهاية: "حامّة الإنسان: خاصَّتهُ ومن يَقْرُب منه. وهو الحميم أيضًا".(2/1037)
1093 -[3871] "أذْهبْ عَنْهمُ الرِّجْسَ، وطَهِّرهُمْ تَطْهيرًا". قال(2/1037)
الطيبي: "استعار للذنوب الرجس، وللتقوى الطهر، لأن عرض المقترف يتلوث بهَا، ويتدنس. كما يتلوث بدَنه بالأرجاس وأما الحسان فالعرض منها نقي مصون كالثوب الطاهر".(2/1038)
1094 -[3872] "إني إذًا لبذْرَةٍ". بفتح الموحدة، وكسْر الذال(2/1038)
المعجمة، وراء، قال في النهاية: " البذر: الذي يغشى السر، ويظهر مَا يسْمعه "(2/1039)
1095 -[3879] "يحيى بن دُرُستَ". بضم الدال المهملة، والراء وسكون السين المهملة.(2/1039)
1096 -[3883] "مَا أشْكل عليْنا أصحَابَ رَسُولِ الله". بالنصب(2/1039)
على الاختصاص.(2/1040)
1097 -[3885] "على جيش ذات السلاسل". قال في النهاية: "هو بضم السين الأولى، وكسر الثانية: ماء بأرض جذام".(2/1040)
1098 -[3888] "أعزُبْ". بالعين المهملة، وزاي؛ أي أبعد.
"مَقْبُوحًا منبوحًا". قال في النهاية: "أي مبعَدًا".(2/1040)
1099 -[3875] "ما غِرتُ على أحد مَا غِرتُ على خَدِيجَةَ"(2/1040)
قال الطيبي: "ما الثانية: يجوز أن تكون مصدرية، أو موصُولة، أي ما غرت مثل غيرتي، أو مثل الذي غرتها".(2/1041)
1100 -[3876] "بَبيْتٍ في الجنة من قَصَب". قال في النهاية: "أراد من زمردة، [أو لؤلؤة] مجوّفة". وقال في حرف القاف "القصب في هذا الحديث، لؤلؤ مُجَوّف، وَاسع كالقصر المنيف، والقَصَب من الجوهر: ما استطال منه في تجويف ".
"لا صخب فيه". هو الضجة، واضطراب الأصْوات للخصَام.
"ولا نصَبَ". أي ولا تعب، قال البغوي في شرح السنة: " نفي عن البيت الصخب والنصَب؛ لأنه مَا من بيت في الدنيَا يسكنه قوم إلا كان بين أهله صخب وجلبَة، وإلا كان في بنائه وإصلاحه نصب وتعب، فأخبر أن قصور الجنة خالية عن هذه الآفات ".(2/1041)
1101 -[3877] "خَيْر نِسَائِهَا خَديجة بِنْت خَوَيْلَدٍ، وخَيْرُ(2/1041)
نِسائِهَا مَريمُ بِنتُ عِمْرَان". قال الطيبي: "الضمير في الثاني عائد إلى الأمة التي كانت فيها مريم، وفي الأول إلى هذه الأمة" انتهى.
وفي مسند الحارث من طريق حماد عن هشام بن عروة عن أبيه، قال: قال رسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "خَدِيجَةُ خَيْرُ نِسَاءِ عَالمهَا، ومَرْيمُ خَيْرُ نِسَاء عَالمها، وفاطمة خير نساء عالمها". قال الحافظ ابن حجر:
"هذا مرسل صحيح الإسناد، وهو يفسر حديث الترمذي ".(2/1042)
1102 -[3878] "حَسْبُكَ" مبتدأ "من نِساءِ العَالمينَ" متعلق به.(2/1042)
"مريم" خبره، الخطاب إمَّا عام أو للإنس. أي: كافيك معرفتك فضلهن من معرفة سائر النساء. قاله الطيبي.(2/1043)
1103 -[3903] "عن أنس، عن أبي طلحة قال: قال لي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أقْرئ قَوْمكَ السلام، فإنَّهمْ مَا عَلِمْتُ أعِفة صُبر" قال في مسند الطيالسي: " من ذا الطريق عن أنس قال: دخل أبو طلحة على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في شكواه الذي قبض فيه، فقال فذكره.
"أقرئ قومك السلام" قال في النهاية: " يقال: أقْرِىء فُلانًا السلام، وإقْرَأ عليه السلام، كأنه حين يُبَلِّغه سَلامه يَحْمِله على أن يَقرأ السَّلام ".
"فإنهم ما علمت أعفة صبر". قال الطيبي: "أعفة؛ جمع عفيف مرفوع خبر إن، و"ما علمت" معترضة. و"ما" موصُولة، والخبر(2/1043)
محذوف، أي الذي علمت منهم أنهم كذلك يتعففون عن السؤال، ويتحملون الصبر عند القتال وهو مثل الحديث الآخر، ويكثرون عند العف.(2/1044)
1105 -[3907] "الأنصار كَرِشي، وعَيْبَتِي". قال في النهاية: "أراد أنهم بطانته، وموضع سِرَّه، وأمانَتِهِ، والذين يعْتَمد عليهم في أموره، واستعار الكَرِش، والعيْبَة لذلك؛ لأن المُجْترَّ يجمع عَلَفه في كَرِشه، والرجل يضع ثيابه في عيبته، وقيل: [أراد] بالكَرِش الجماعة. أي جماعتي وصحابتي، ويقال: عليه كرِشٌ من الناس: أي جماع".(2/1044)
1106 -[3908] "اللهُمَّ أذقْتَ أَوَّلَ قُرَيْشٍ نكالاً" أي عقوبة يوم(2/1044)
بدر، والأحزاب.(2/1045)
1107 -[3918] "ولأوَائِهَا" هي الشدة، وضِيق المعيشة.(2/1045)
1108 -[3920] "وتُنصِّع طَيِّبهَا" بنون ثم صاد، وعين مهملتين، أي تخلصه، ويروى تنصح طيبها؛ أي تظهر، ويروى بالباء الموحدة، والضاد المعجمة، كذا ذكره الزمخشري، وقال: هو من أبضعته بضاعة إذا دفعتها إليه، يعني أن المدينة تعطي طيبها ساكنها، والمشهور الأول، وروي بالضاد، والخاء المعجمتين، وبالحاء المهملة(2/1045)
من النضح، والنضح؛ وهو رش الماء.(2/1046)
1109 -[3921] "ما ذَعرتُهَا" أي ما نفرتها.(2/1046)
1110 -[3922] "هذا جَبَل يُحِبُّنَا ونُحبُّهُ" قال الخطابي: " هذا محمولٌ على المجاز، أراد يحبّنا أهله، ونحب أهلهُ، وهم الأنصار ".
وقال البغوي في شرح السنة: " الأولى إجراؤه على ظاهره ولا ينكر وصف الجمادات بحبّ الأنبياء والأولياء وأهل الطاعة، كما حنَّ الجذع لفراقه، وكما أخبر - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن حجرًا كان يسلم عليه قبل الوحي(2/1046)
فلا ينكر أن يكون جبل أحد وجميع أجزاء المدينة كانت تحبه، وتحن إلى لقائه حالة مفارقته".
وقال الطيبي: " هذا هو المختار ولا محيد عنه ".
وقال التوربشتي: " لعله أراد بالجبل أرض المدينة كلها، وإنما خص الجبل بالذكر لأنه أول ما يبدُو من أعلامها له ".(2/1047)
1111 -[3923] "أو قِنسْرينَ" بكسر القاف.(2/1047)
1112 -[3925] "على الحزْوَرةِ" قال في النهاية: "هي موضع بمكة عند باب الحنَّاطِين وهو بوزن قَسْورَة".(2/1047)
قال الشافعي: " الناس يشددون الحزورة والحديبية وهما مخففان ".
وفي الأمثال للميداني: " أن وكيع بن سلمة بن زهير بن إياد -وكان وَلي أمر البيت بعد جُرْهُم- بنى صَرْحًا بأسْفل مكة، وجعل فيه أمَةً له يقال لها حزوَرة، وبها سميت حزورَة مكة".(2/1048)
1113 -[3932] "لأنا بهم أو ببعْضهمْ، أوْثقُ مِنِّي بِكُمْ، أو بِبَعْضُكُمْ" قال المظهري: " المعنى، وثوقي، واعتمادي بهم، أو ببعضهم أكثر من وثوقي بكم، أو ببعضكم ". وقال الطيبي: " المخاطب بقوله بكم، أو ببعضكم قوم مخصُوصُون دعُوا إلى الإنفاق في سبيل الله فتقاعسوا عنه فهو كالتأنيب والتعيير، يدل عليه قوله في الحدث الآخر: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ} فإنه جاء عقب قوله: {هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ} ".(2/1048)
"1114- 3934 أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نظر إلى اليمن، فقال: اللهم أقبل بقلوبهم" زاد الطبراني: " ونظر قبل العراق فقال: اللهم أقبل بقلوبهم، [ونظر قبل الشام] فقال: اللهم أقبل بقلوبهم " ثم أخرج من طريق منصور بن زاذان، عن قتادة، عن أنس قال: دعَا رسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأمته فقال: " اللهمَّ أقبل بقلوبهم على دينك، وحط من ورَائهم برحمتك ".
قال الطبراني: " ولم يذكر زيد بن ثابت ".(2/1049)
1115 -[3935] "وأَرَق أفئدة" قال في النهاية: "ألين، وأقبل للموعظة. والمراد بالرِّقة ضد القسوة، والشِّدة".(2/1049)
"الإيمانُ يمانٍ، والحِكمةُ يمانيَّة" قال في النهاية: " إنما قال ذلك لأن الإيمان بَدَأ بمكة وهي من تهامة، وتهامةُ من أرض اليمن، ولهذا يقال الكعبة اليمانية، وقيل: إنه قال هذا القول وهو بتبوك ومكة والمدينة يومئذ بينه وبين اليمن، فأشار إلى ناحية اليمن، وهو يريد مكة والمدينة.
وقيل: أراد بهذا القول الأنصار؛ لأنهم يمانيّون، وهُم نَصَرُوا الإيمان، والمؤمنين وآوَوْهم، فَنُسِبَ الإيمانُ إليهم ".(2/1050)
1116 -[3936] "المُلْك في قُرَيْشٍ، والقَضَاءُ في الأنصَارِ، والأذان في الحبشة" قال في النهاية: "خص القضاء بالأنصار لأن أكثرهم فقهاء، منهم معاذ بن جبل، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت وغيرهم".(2/1050)
1117 -[3937] "الأزدِ" قال التوربشتي: " هو بسكون الزاي، ويقال: الأسد، بسكون السين، وهو بالسين أفصح. أبو حيٍّ من اليمن، وهما أزدان، أزد شنوءة، وأزد عمان ".
وقال البيضاوي: "المراد في الحديث أزد شنؤة".
"أزد الله في الأرض" قال الطيبي: "يحتمل وجوهًا: أحدها(2/1050)
اشتهارهم بهذا الاسم بأنهم ثابتون في الحرب لا يفرون، ولهذا قال البيضاوي: إضافتهم إلى الله من حيث أنهم حزبه، وأهل نصرة رسوله.
والثاني: أن تكون الإضافة للاختصاص، والتشريف، كبيت الله، وناقة الله. والثالث: أن يراد به الشجاعة والكلام على التشبيه، أي الأزد أسد الله، فجاء به، إما مشاكلة، أو قلب السين زايًا".(2/1051)
1118 -[3944] "في ثَقيفٍ كذَّاب، ومُبِيرٌ" أي مهلك، أشار بالكذاب إلى المختار بن أبي عبيد الثقفي الذي ادعى النبوة وبالمبير إلى الحجاج.(2/1051)
1119 -[3947] "والأشْعرونَ" قال الطيبي: " سقوط الياء في جامع الترمذي " قال الجوهري: "تقول العرب جأتك الأشعَرون بحذف الياء".(2/1052)
1120 -[3948] "أسْلَم سَالمهَا الله، وغِفَارُ غَفَرَ اللهُ لَهَا، وعُصَية عَصَتِ الله ورسولهُ". قال في النهاية: "سالمها الله من المُسالمة(2/1052)
وترك الحرب. يحتمل أن يكون دعاء وإخْبار: إما دعاء لها أن يُسَالِمهَا الله ولا يأمر بحَرْبهَا، وأخبرَ أن الله قد سَالمهَا ومنَع من حربها". "وغفر الله لها" يحتمل أن يكون دعا لها بالمغفرة أو إخبار أن الله قد غفر لها".
وقال الطيبي: " يحتمل أن يكونا خبرين وأن يحمل على الدعاء لهُما، وأما قوله: " وعُصيَّة عصت الله ورسوله " [فهو] إخبار ولا يجوز حمله على الدعاء ".
وقال البغوي: " قيل إنما دعا لأسلم وغفار؛ لأن دخولهما في الإسلام كان من غير حرب، وكانت غفار توبن -أي تتهم- بسرقة الحجاج، فدعا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بأن يمحو عنها تلك السيئة، ويغفرها لهم. وأما عُصَيَّة فهُم الذين قتلوا القُرَّاء ببئر معونة فكان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقنت عليهم ".
وقال القاضي عياض: " هذا من حسن الكلام، والمجانسة في الألفاظ ".(2/1053)
1121 -[3954] "طُوبى للشَّام" قال في النهاية: "المراد(2/1053)
بطوبى في هذا الحديث فُعْلَى من الطّيب، لا الجنة ولا الشجرة التي فيها كما يراد في غيره من الأحاديث".
قال مؤلفه رحمه الله تعالى عليه: آخر ما علقته على جامع الترمذي رحمه الله فرغت من تأليفه يوم الأربعاء، سلخ رجب، سنة أربع وتسعمائة. [انتهى، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
آخر ما علقه الإمام العلامة المجتهد الشيخ جلال الدين السُّيوطي تغمده الله برحمته، وكان الفراغ من كتابته في غرة رجب الفرد سنة 1122 هـ] .(2/1054)
الخاتمة
وبعد، فهذا ما وسعه الجهد وسمح به الوقت، وجاد به القلم، وتمكن منه الفهم وعذرى أني لم أدخر وسعًا في إخراج هذا الكتاب على أكمل صورة، فإن يكن صوابًا فمن الله، وإن يكن فيه نقص أو قصور فمني، وهو من سمة بني آدم والكمال لله وحده، وأرجو ممن عثر في هذا العمل على سقطة لسان أو سبق قلم، أو قصور في العبارة، أو نقص في الفهم، أن ينبهني على ذلك وله جزيل الشكر والدعاء، وسيجد أذنًا صاغية، وقلبًا مفتوحًا وأسأل الله تبارك وتعالى أن ينفعني بهذا العمل وينفع به من قرأه، وأن يكتب لي الأجر فيه، وقد رأيت في هذه الجولة التي قضيتها في رحاب هذا السفر المبارك أن أضمن هذه الخاتمة بعض الأمور التي توصلت إليها من خلال البحث وهي تتلخص فيما يلي:
1- يعتبر "قوت المغتذي" الشرح الرابع للسيوطي على كتب السنة بعد الصحيحين والموطأ وسنن أبي داود، ففي الصحيحين ضبَط الألفاظ، وتفسير الغريب، وبيان اختلاف الروايات وكذا الموطأ إلا أنه صرّح فيه بأنه أوسع منهما ولخص في مرقاة الصعود في شرح سنن أبي داود معالم السنن للخطابي وأما في قوت المغتذي فنوّع مصادره، وعدد أغراضه، التي عالج فيها مقاصده التي توخّاها في هذا الشرح، فكان شرحًا أو تعليقًا وسطًا بين الإيجاز المخل والشرح المطول.
ْ2- تعدُّد أصناف مصادره التي اعتمد عليها يُظهر مقدار ثراء مادة هذا الشرح.
3- حوى فيه ثلاثة شروح مشهورة من شروح الجامع العارضة(2/1055)
للقاضي ابن العربي، والنفح الشذي لابن سيد الناس، وتكملته للعراقي.
4- تميُّز أسلوب السيوطي في هذا الكتاب جعله في متناول طلاب العلم عامة وأهل الحديث خاصة وابتعد عن التكلف أو ضعف العرض.
5- أهمية المقدمة وغزارة المعلومات التي ضمنها السيوطي فيها والخاصة بالجامع وعنايته بشرح مصطلحات الترمذي في حكمه على الأحاديث والتي توضح مراده فيها.
6- ضرورة العناية بمثل هذه التعليقات المفيدة التي توضّح المبهم من الغريب في المتن، والتنكيت على الرواة حيث تظهر تفرُّد أحد المصنفين الستة دون غيره بتخريج حديث ذلك الراوي.
وبعد: فأحمد الله عز وجل وأشكره حمدًا كثيرًا كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، حمدًا كثيرًا طيبًا ملء السموات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شاء ربنا من شيء بعد، على ما وفق وأعان من إعداد هذا البحث، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وبارك على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
* * *(2/1056)