وعن أشعث بن عبد الملك عن ابن سيرين عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى بهم فسها، فسجد سجدتين ثم تشهد ثم سلم" رواه أبو داود، والترمذي وحسنه والحاكم وقال: على شرطهما، وقال البيهقي: تفرد بهذا الحديث أشعث الحمراني، ثم تكلم عليه وخطأه.
وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى ثلاثاً أم أربعاً؟ فليطرح الشك، وليبن على ما استيقن، ثم ليسجد سجدتين قبل أن يسلم، فإن كان صلى خمساً شفعن له صلاته، وإن كان صلى إتماماً لأربع كانتا ترغيماً للشيطان)) رواه مسلم.
وعن ابن عباس -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سمى سجدتي السهو المرغّمتين".
المرغمتين.
سمى سجدتي السهو المرغمتين، رواه أبو داود وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وصححه، وفي إسناده ضعف.
وعن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال إبراهيم: زاد أو نقص، فلما سلم قيل له: يا رسول الله أحدث في الصلاة شيء؟
أحَدَث.
أحَدَث في الصلاة شيء؟ قال: وما ذاك؟ قالوا: صليت كذا وكذا، قال: فثنى رجليه واستقبل القبلة، فسجد سجدتين ثم سلم، ثم أقبل علينا بوجهه فقال: ((إنه لو حدث في الصلاة شيء أنبأتكم به، ولكن إنما أنا بشر أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني، وإذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب، فليتم عليه، ثم ليسجد سجدتين)) متفق عليه.
وفي لفظ للبخاري: ((فليتم عليه ثم يسلم، ثم ليسجد سجدتين)) وفي لفظ لمسلم: ((فإذا زاد الرجل أو نقص فليسجد سجدتين)) وله عن عبد الله: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سجد سجدتي السهو بعد السلام والكلام.
وعن عبد الله بن بحينة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قام في صلاة الظهر وعليه جلوس، فلما أتم الصلاة سجد سجدتين يكبر في كل سجدة وهو جالس، قبل أن يسلم وسجد الناس، مكان ما نسي من الجلوس" متفق عليه.(25/5)
وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلى الظهر خمساً، فقيل له: أزيد في الصلاة؟ فقال: ((وما ذاك؟ )) قالوا: صليت خمساً، فسجد سجدتين بعد ما سلم. متفق عليه.
ولم يقل مسلم: "بعد ما سلم".
وعن عبد الله بن جعفر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من شك في صلاته فليسجد سجدتين بعدما يسلم)) رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن خزيمة في صحيحه من رواية مصعب بن شيبة، وهو متكلم فيه، وقد روى له مسلم، وقال البيهقي: إسناد هذا الحديث لا بأس به.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: سجود السهو
باب سجود السهو، وبعض من ألف في أحاديث الأحكام يضيف والتلاوة والشكر، باب سجود السهو وسجود التلاوة وسجود الشكر، والمؤلف -رحمه الله تعالى- اقتصر على سجود السهو لأنه هو المتعلق بالصلاة، أما سجود التلاوة فمتعلق بالقراءة، وسجود الشكر متعلق بتجدد النعم.
يقول -رحمه الله تعالى-:
باب: سجود السهو
السهو والغفلة والنسيان معانيها متقاربة، والسهو المراد به هنا الذي يسبب الزيادة أو النقصان من الصلاة أو الشك فيها، الزيادة والنقصان والشك.
قال -رحمه الله-:
"عن محمد بن سيرين" باب سجود السهو من إضافة المسبب إلى سببه، فالسبب هو السهو والمسبب هو السجود.
قال: "عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: صلى النبي -صلى الله عليه وسلم- إحدى صلاتي العشي" العشي: هو النصف الثاني من النهار، ويراد بإحدى صلاتي العشي إما الظهر وإما العصر، وجاء بهذا اللفظ إحدى صلاتي العشي إما الظهر وإما العصر.
قال هنا: "قال محمد -وهو ابن سيرين الراوي عن أبي هريرة-: "وأكثر ظني العصر" وجاء في بعض الروايات عند مسلم العصر من دون شك، قال: "وأكثر ظني أنها العصر" والحكم لا يختلف سواءً كانت الظهر أو العصر.(25/6)
"صلى" هذه الصلاة إما الظهر وإما العصر أو العصر بدون شك، وهي إحدى صلاتي العشي، صلاها ركعتين، صلى ركعتين ثم سلم، وحينئذٍ بقي عليه ركعتان، يعني الإنسان ينسى ركعة أو يزيد ركعة، لكن ينسى ركعتين هذا سهو شديد، لكنه في هذه الحالة هو الكمال في حقه -عليه الصلاة والسلام- لأنه تشريع، ولو لم ينسَ النبي -عليه الصلاة والسلام- ولم يسهُ لوقع الناس في حرج عظيم؛ لأن النسيان والسهو والغفلة لا يعرى منها أحد من البشر، فلو لم يحصل هذا من النبي -عليه الصلاة والسلام- لوقع الناس في حرج شديد، كما أنه -عليه الصلاة والسلام- لو لم تفته صلاة الصبح يعني خرج وقتها وهو نائم، فماذا عن حال أهل التحري؟! لو لم يحصل هذا من النبي -عليه الصلاة والسلام- والحيطة والحرص إذا فاتته صلاة الصبح لا سيما إذا خرج وقتها، يصابون بغم شديد، لكن إذا ذكروا أن النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو أكمل الخلق وأعلم الخلق وأخشى الناس لله -جل وعلا- هان عليهم الأمر، وإن كان ليس بالهين، ويفرق حينئذٍ بين أن يحتاط الإنسان لصلاته، ثم تفوته بعد تمام الاحتياط ببذل الأسباب وانتفاء الموانع، وبين أن يفرط، إذا فرط التبعة لاحقة له ولو كان نائماً، يعني رفع القلم عن ثلاثة منهم النائم حتى يستيقظ، ليس معنى هذا أنه يبذل الأسباب للفوات، لفوات الصلاة والنوم عنها، بأن يسهر مثلاً، ولا يترك أحداً يوقظه، لا يكل أمر الإيقاظ إلى أحد، هذا لا شك أنه ملوم ومفرط، لكن إذا بذل الأسباب نام مبكراً ووكل أمر الإيقاظ إلى أحد، أو جعل منبهاً ينبهه للصلاة فلم يستيقظ في هذه الحالة لا يلام ((رفع القلم عن ثلاثة)).
"صلى إحدى صلاتي العشي ركعتين ثم سلم، ثم قام إلى خشبة في مقدم المسجد" الرسول -عليه الصلاة والسلام- وقر في نفسه شيء، لكن ما هذا الشيء؟
سها عنه النبي -عليه الصلاة والسلام- فلم يدركه، فقام إلى خشبة في مقدم المسجد، وفي بعض الروايات: "وشبك بين أصابعه".(25/7)
"فوضع يده عليها" على الخشبة "وفيهم" يعني في القوم المأمومين "أبو بكر وعمر فهابا أن يكلماه" لما رأيا عليه من علامات الاستنكار للوضع، مما وقر في قلبه أن الصلاة فيها خلل، لكن ما هذا الخلل؟ استثبت الناس، وأبو بكر وعمر أقرب الناس إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهما وزيراه ومستشاراه في الأمور العامة، لا سيما ما يتعلق بالدين، هابا أن يكلماه، والهيبة هذه جعلت له -عليه الصلاة والسلام- ونصر بالرعب مسيرة شهر، بعض الروايات مسيرة شهرين، الهيبة له -عليه الصلاة والسلام-، وإن كان ليس بصاحب بطش، بل هو أحسن الناس خلقاً -عليه الصلاة والسلام-، لكنها هيبة التمسك بالدين علماً وعملاً، وهكذا حال من يرث الميراث النبوي بقدر إرثه من العلم والعمل تكون الهيبة له في قلوب الناس، وتجد بعض أهل العلم عرف بدماثة الخلق، ومع ذلك يهابه الناس هيبة عظيمة، وذلك إنما يكون بقدر الإرث النبوي من العلم والعمل، وهذا مشاهد ومجرب، كم من سؤال بيتناه لنسأل عنه بعض أهل العلم، ثم إذا ذهبنا نسيناه، نحن نكرره ونردده، وقد يكون معنا أكثر من سؤال ننسى بعض ونذكر بعض، كل هذا من هيبة أهل العلم الذين يقتفون الأثر النبوي.
قال: "فهابا أن يكلماه" وكم رأينا من المسئولين الكبار من يعرق جبينهم في الليالي الشاتية إذا قابلوا المحققين من أهل العلم.
"وفيهم أبو بكر وعمر، فهابا أن يكلماه، وخرج سرعان الناس" أو سُرعان الناس أهل العجلة الذين ينتظرون السلام ليخرجوا بسرعة، هؤلاء سرعان الناس، ولكل قوم وارث، تجد الآن انظر إلى الأبواب بعد السلام مباشرة تجدها مكتظة بالسرعان.
"فقالوا: أقصرت الصلاة؟ " يناجي بعضهم بعضاً، أقصرت الصلاة؟ عندهم خبر أن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما صلى إلا ركعتين، لكن الزمن زمن تشريع، احتمال أن تكون الصلاة ردت إلى أصلها "أول ما فرضت الصلاة ركعتين، ثم زيد في الحضر، وأقرت في السفر" فاحتمال أن تكون ردت إلى أصلها ركعتين.(25/8)
"فقالوا: أقصرت الصلاة؟ " يعني ما جاء في ذهن واحد منهم أن النبي -عليه الصلاة والسلام- هؤلاء السرعان أن النبي -عليه الصلاة والسلام- نسي، وإلا لو تطرق إلى أذهانهم أن النبي -عليه الصلاة والسلام- نسي ما خرجوا؛ لأنه يذكر فيذكر أو يذكر بنفسه ثم يتم صلاته، هؤلاء جزموا بأن الصلاة قصرت، ردت إلى أصلها ركعتين.
"ورجل يدعوه النبي -صلى الله عليه وسلم- ذا اليدين" يصفه ويلقبه بذي اليدين، في يديه طول، وهو غير ذي الشمالين، وقال الزهري: هما واحد ذو اليدين هو ذو الشمالين، ووهمه أهل العلم.
المقصود أن الذي عندنا ذو اليدين، واسمه الخرباق، الخرباق بن عمرو أو عمر "فقال للنبي -عليه الصلاة والسلام-: أنسيت أم قصرت؟ " أو قصُرت "فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((لم أنس ولم تقصر)) " يريد أن يتأكد أنسيت أم قصرت؟ فقال: ((لم أنس ولم تقصر)) يعني هذا على غلبة ظنه، أما كونها تقصر فهذا حكم شرعي مجزوم به أنها لم تقصر، وأما نفي النسيان فبناء على غلبة الظن، فللإنسان أن ينفي على غلبة ظنه، بل له أن يحلف على مقتضى غلبة ظنه، كما قال المجامع في رمضان: "والله ما بين لابتيها أهل بيت أفقر منا" هل عنده إحصاء دقيق ونظر أكيد في جميع بيوت المدينة، وما بين لابتيها أنه لا يوجد بيت أفقر منهم، إنما هذا على غلبة ظنه، وحلف ولم ينكر عليه ولم يلزم بكفارة.
فالنبي -عليه الصلاة والسلام- نفى على غلبة ظنه ((لم أنس ولم تقصر)).
"قال: بلى" ذو اليدين "قال: بلى، قد نسيت" لأن الأول قصرت الصلاة حكم شرعي لا يمكن أن يكون إلا من قبله -عليه الصلاة والسلام- وقد نفاه، إذاً ما في قصر، وما دام ما فيه قصر والاستقراء يدل على أن ما حدث في الصلاة سببه أحد أمرين النسيان أو القصر انتفى واحد فتعين الثاني، انتفى القصر الذي نفاه النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو حكم شرعي تعين الثاني، لماذا لما قال: ((لم أنس ولم تقصر)) وهو معصوم -عليه الصلاة والسلام-، ونفى حصول القصر وحصول النسيان لماذا أثبت النسيان وأضرب عن القصر؟ لماذا؟(25/9)
لأن القصر تبليغ عن الله -جل وعلا-، والنبي -عليه الصلاة والسلام- معصوم عن الخطأ فيه، ما يمكن أن يقول: لم تقصر وقد قصرت، لكن النسيان؟ الواقع يدل على أن النبي كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((إنما أنا بشر أنسى كما تنسون)) فترك المجزوم به المقطوع به المنفي شرعاً على لسان المعصوم وهو القصر وهو أنه لم يحصل، وأبقى الممكن وهو النسيان؛ لأنه لما قال: ((لم أنسَ ولم تقصر)) قال: بلى قد نسيت، أولاً: الاستقراء حصر الأمر في شيئين القصر والنسيان، انتفى القصر لنفي النبي -عليه الصلاة والسلام- له، وهو شرع ينتفي بنفيه؛ لأنه معصوم في التبليغ، وبقي النسيان المحتمل، فقال: بلى قد نسيت، واستثبت من الصحابة -رضوان الله عليهم- " ((أكما يقول ذو اليدين؟ )) " قالوا: نعم "فأومأوا أي: نعم" وفي رواية: فقالوا: نعم.
"أومأوا" يعني إشارة، وعلى هذا لم يتكلموا وإنما أشاروا إشارة مفهمة، وفي الرواية الأخرى: فقالوا: نعم، ويمكن حملها على الإشارة؛ لأن القول كما يكون باللسان باللفظ يكون بالفعل أيضاً، فقال بيديه هكذا.
الإمام إذا غلب على ظنه شيء هل يرجح بقول واحد أو لا بد من مرجح؟ الإمام قال: لم أنس ولم تقصر جازم، فهل رجع إلى قول واحد، أو لا بد من مرجح؟ في حال الشك يرجع إلى قول واحد؛ لأن الشك مستوي الطرفين عنده، فيرجع إلى المرجح الواحد، لكن في حال غلبة الظن أو الجزم واليقين لا يكفي واحد، ولذلك قال: ((أصدق ذو اليدين؟ )) فأومأوا أي: نعم، ما الذي حصل بعد ذلك؟ فصلى ركعتين، استقبل القبلة فنهض إلى الثالثة "صلى ركعتين ثم سلم" يعني بعد التشهد، يعني أكمل صلاته بالركعتين الأخريين والتشهد ثم السلام، ثم كبر "فسجد مثل سجوده" الذي يسجده في الصلاة داخل الصلاة، مثل سجوده، وهذه المثلية تقتضي المطابقة بالقول والفعل، بمعنى أن الوقت والطول واحد مثل سجود الصلاة، والقول أيضاً يشمل سجود السهو ما جاء من قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((اجعلوها في سجودكم)) سبحان ربي الأعلى، فإذا سجد للسهو يقول: سبحان ربي الأعلى.(25/10)
"فسجد مثل سجوده أو أطول" لئلا يقول قائل: إن السجود في الصلاة ركن وهذا جبران، لا يساوي الركن فيكفي مجرد مسمى السجود نومئ أو ننقر السجود نقر؟ لا، نقول: مثل سجوده أو أطول.
"ثم رفع رأسه -عليه الصلاة والسلام- فكبر ثم وضع رأسه فكبر" يكبر للانتقال لهذا السجود، كما أنه يكبر التكبيرة الأولى التي هي بمثابة تكبيرة الإحرام لهذا السجود، ثم يكبر حين ينهض، ثم يكبر حين يسجد، ثم يكبر حين ينهض، ثم يسلم "ثم وضع رأسه فكبر، فسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع رأسه وكبر" يعني ثم سلم كما في الروايات الأخرى.
"متفق عليه، وهذا لفظ البخاري، وفي لفظ له" يعني البخاري في صحيحه في آخره "فربما سألوه ثم سلم" يعني فربما سألوه؛ لأن هذه الرواية الأولى ما فيها ثم سلم، فربما سألوه يعني عن السلام فأجابهم بقوله: ثم سلم، والمسئول هنا الراوي أبو هريرة، فيقول: نبئت أن عمران بن حصين إما أبو هريرة أو محمد بن سيرين الراوي عنه "فيقول: نبئت أن عمران بن حصين قال: ثم سلم" سيأتي في حديث عمران بن حصين مما حكم بشذوذه أنه قال: ثم تشهد، ثم سلم، يعني بعد أن سجد للسهو تشهد ثم سلم، كما سيأتي في الحديث الثالث.
وفي بعض روايات مسلم: صلاة العصر بغير شك، يعني إحدى صلاتي العشي شك، إما الظهر وإما العصر شك، لكنه قال: في بعض روايات مسلم: صلاة العصر بغير شك.
قال: "ورواه أبو داود، وفيه: فأقبل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على القوم فقال: ((أصدق ذو اليدين؟ )) فأومأوا: أي نعم" إيماء دون كلام، وحصل الكلام من ذي اليدين ومن النبي -عليه الصلاة والسلام-، حصل الكلام من النبي -عليه الصلاة والسلام- ومن ذي اليدين في أثناء الصلاة، في منتصف الصلاة، ولهذا يقول أهل العلم: إن الكلام إذا كان لمصلحة الصلاة عند من يظن الفراغ منها يعني إذا كان يظن أن الصلاة قد انتهت وفرغ منها، والكلام لمصلحتها فإنه لا يؤثر.
"قال أبو داود: ولم يذكر فأومأوا إلا حماد بن زيد" غيره يقول: فقالوا: نعم، وهذا كلام، كما أنه يمكن حمل الرواية الأخرى على الأولى، وأن القول كما يكون بالقول يكون بالفعل كما في قوله: فقال بيديه هكذا، يعني ضرب بهما الأرض.(25/11)
"وفي رواية لأبي داود: "كبر ثم كبر وسجد" كبر ثم كبر وسجد، لكن هذه الرواية شاذة كما قرر ذلك أهل العلم، إيش معنى كبر؟ كبر تكبيرة الإحرام، ثم كبر تكبيرة السجود ثم سجد، كبر ثم كبر وسجد، يراد من هذه الرواية أن التكبيرة الأولى تكبيرة إحرام، والثانية تكبيرة السجود، ولكن هذه الرواية شاذة كما قرر ذلك أهل العلم.
"وانفرد بها حماد بن زيد أيضاً، وفي لفظ له -يعني لأبي داود- قال: ولم يسجد سجدتي السهو حتى يقنه الله ذلك" إما بوحي أو بخبر من يقطع بخبره، يعني اجتماع الصحابة على ذلك، ومع ذلك فهذه الزيادة ضعيفة جداً؛ لأن في إسنادها محمد بن كثير الصنعاني وهو ضعيف.
قال في الحديث الثاني: "وعن عمران بن حصين -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلى العصر فسلم في ثلاث ركعات" في حديث أبي هريرة: صلى ركعتين وهي مترددٌ فيها هل هي العصر أو العصر والظهر أو الظهر متردد فيها، وجاء رواية تدل على العصر دون شك.
في حديث عمران بن حصين أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلى العصر -وهي في صحيح مسلم- فسلم في ثلاث ركعات، ثم دخل منزله فقام رجل يقال له: الخرباق، الخرباق هذا اسمه، ولقبه ذو اليدين، وكان في يديه طول، فقال: يا رسول الله، فذكر له صنيعه، يعني قال: إنك سلمت عن نقص، هل يمكن أن يقال له في هذه الصورة قصرت الصلاة أم نسيت؟ يمكن؟ لأن القصر لا يكون إلى ثلاث ركعات، القصر يكون إلى ركعتين كما في الرواية الأولى أو الحديث الأول، لكن لا يكون قصر إلى ثلاث ركعات، ولذلك قال: ذكر له صنيعه، يعني ما قال: أقصرت الصلاة أو نسيت، إنما قال له: صليت ثلاث ركعات، وخرج غضبان يجر رداءه، حتى انتهى إلى الناس، من الذي خرج؟ النبي -عليه الصلاة والسلام-، خرج غضبان يجر رداءه، وهكذا إذا حزبه أمر أو حدث حادث كما في الكسوف خرج -عليه الصلاة والسلام- يجر رداءه يظن أنها الساعة، وفي وقتنا يخرجون للفرجة والتنزه لرؤية الكسوف، والله المستعان.(25/12)
خرج غضبان يجر رداءه، حتى انتهى إلى الناس، فقال: ((أصدق هذا؟ )) يعني ذا اليدين، قالوا: نعم، فصلى ركعة ثم سلم، صلى ركعة تمام صلاته الرباعية سلم من ثلاث فصلى ركعة ثم سلم، ثم سجد سجدتين ثم سلم، وليس فيها تشهد بعد سجود السهو. رواه مسلم.
يعني في هذا أنه إذا سلم عن نقص فإن السجود يكون بعد السلام، والعلماء يختلفون في موضع السجود، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
بعد السلام، السجود يكون بعد السلام، إذا سلم عن نقص كما في هذا سلم عن نقص منهم من يقول: إن السجود كله -سجود السهو كله- قبل السلام؛ لأنه من تمام الصلاة، متمم للصلاة، وما كان كذلك فحكمه حكم الصلاة يكون قبل سلامها في أثنائها.
ومنهم من يقول: إن سجود السهو كله بعد السلام؛ لماذا؟ لأنه قدر زائد على الصلاة فيكون بعد السلام منها.
ومنهم من يقول: إذا كان السجود لنقص في الصلاة كان قبل السلام، وإن كان لزيادة كان بعد السلام، إذا كان لنقص كان قبل السلام لجبر هذا النقص، وإذا كان لزيادة كان بعد السلام لئلا يجتمع في الصلاة زيادتان، وهذا قول مالك.
الأول وهو أن السجود كله قبل السلام هذا معروف عند الشافعية، والثاني بعد السلام معروف عند الحنفية، والتفريق بين الزيادة والنقص معروف عند المالكية، ويميل إليه شيخ الإسلام -رحمه الله-.
منهم من يرى أن السجود كله قبل السلام إلا فيما ورد، وذلك في صورتين:
الأولى: ما جاء في حديث ذي اليدين وهو السلام عن نقص، إذا سلم عن نقص فرق بين أن يكون السجود لنقص وبين أن يكون السلام عن نقص.
الآن في قصة ذي اليدين زيادة وإلا نقص؟
طالب: نقص.
زيادة في الصلاة وإلا نقص في الصلاة؟
طالب:. . . . . . . . .
زيادة، هو سلم عن نقص، في السلام الأول عن نقص، لكن لما أتمها وأتى بالركعتين صار في صلاته زيادة، زيادة السلام الأول، وزيادة الكلام والقيام والقعود والاتكاء على الخشبة كل هذا زيادة في الصلاة، فهذه زيادة في الصلاة فتكون بعد السلام، وهذا من أدلة من يقول: إن السجود للزيادة مطلقاً يكون بعد السلام، وللنقص يكون قبله، ففرق بين أن نقول: سلم عن نقص، وأن نقول: الصلاة مشتملة على زيادة، ففي حديث ذي اليدين سلم عن نقص وفيها زيادة.(25/13)
التفريق وهو رأي المالكية إذا كان السجود لزيادة كان بعد السلام، وإذا كان لنقص كان قبل السلام، وعرفنا السبب والعلة.
ومنهم من يرى وهو القول الرابع الاقتصار على موارد النصوص، فيكون السجود كله قبل السلام إلا فيما ورد فيه النص، فيما ورد فيه النص في مسألتين: الأولى: السلام عن نقص كما في قصة ذي اليدين، والثاني: إذا بنى الإمام على غالب ظنه، فإنه يسجد بعد السلام.
قال بعد ذلك ...
مع أنهم يتفقون على أنه لو كان سجوده باستمرار قبل السلام أو بعد السلام باستمرار أن الصلاة صحيحة، وأن السجود مجزئ مطلقاً سواءً كان قبل السلام أو بعده، لكن الكلام في الأفضل.
قال: "وعن أشعث بن عبد الملك عن ابن سيرين عن خالد الحذاء".
طالب:. . . . . . . . .
عن خالد ....
طالب:. . . . . . . . .
في المسائل يأتي بعد في نهاية الكلام.
"وعن أشعث بن عبد الملك عن ابن سيرين عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى بهم فسها فسجد سجدتين ثم تشهد" يعني بعد سجود السهو صلى بهم، وهذه رواية للحديث الذي قبله، الحديث حديث عمران بن حصين، وهذا أيضاً حديث عمران بن حصين "صلى العصر فسلم في ثلاث ركعات، ثم دخل منزله، فقال رجل يقال له الخرباق ... إلى آخره، قال في الأخير: "ثم سلم ثم سجدتين ثم سلم" الرواية الثانية تقول: "فسجد سجدتين ثم تشهد ثم سلم" فالرواية الأولى ليس فيها تشهد بعد سجود السهو، وجميع ما ورد في الباب ليس فيه تشهد إلا في هذه الرواية لحديث عمران، وهي رواية شاذة.
"ثم تشهد ثم سلم" رواه أبو داود والترمذي وحسنه والحاكم وقال: على شرطهما، وقال البيهقي: تفرد بهذا الحديث أشعث الحمراني، ثم تكلم عليه وخطأه" وهذه من أخطائه، فالرواية شاذة، ولا تشهد بعد سجود السهو؛ لأنها مخالفة لرواية الأكثر، رواية الأرجح، الرواية التي قبلها في صحيح مسلم، حديث عمران في صحيح مسلم وليس فيه تشهد، الرواية رواية أشعث بن عبد الملك الحمراني، وهو متكلم فيه عند أهل العلم، وهذه من أخطائه، محسوبة من أخطائه.(25/14)
"قال البيهقي: تفرد بهذا الحديث" يعني بهذه الزيادة التي فيها التشهد بعد سجود السهود "تفرد بها أشعث الحمراني، ثم تكلم عليه وخطأه".
ثم قال:
"وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى ثلاثاً أم أربعاً؟ فليطرح الشك، وليبن على ما استيقن، ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم، فإن كان صلى خمساً شفعن له صلاته، وإن كان صلى إتماماً لأربع كن ترغيماً للشيطان)) رواه مسلم".
يقول -رحمه الله تعالى:
"وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا شك أحدكم في صلاته)) " إذا شك إذا تردد هل صلى ركعتين أو ثلاث؟ صلى ركعة أو ركعتين؟ صلى ثلاث أو أربع؟ يبني على المتيقن وهو الأقل؛ لأن الشك لا يرفع اليقين، والواحدة متيقنة، والثانية مشكوك فيها في الصورة الأولى، الركعتان متيقنتان، والثالثة مشكوك فيها في الصورة الثانية والثلاث متيقنة، والرابعة مشكوك فيها في الصورة الثالثة، فالشك لا يرفع اليقين يبني على الأقل؛ لأنه المتيقن، هو يجزم أنه صلى ركعتين، لكن تردد في الثالثة فيبني على اليقين حينئذٍ.(25/15)
وقلنا: إن كنتم تذكرون في الوضوء: تردد هل غسل العضو مرتين أو ثلاثاً؟ تردد في غسل العضو مرتين أو ثلاثاً؟ الجادة قاعدة المذهب وهي الموافقة للقاعدة العامة كما هنا أنه يبني على الأقل، فيجعلهما غسلتين، يزيد ثالثة، والذي رجحناه في وقته واستظهرناه أنه يبني على الأكثر، والفرق بين الصورتين ظاهر؛ لأن التردد في الصلاة بين أمرين بين ركعتين أو ثلاث إن قلنا يأخذ بالأقل وزاد في الصلاة زيادة عن غير عمد وجبرها بسجود السهو على مقتضى الحديث فقد أتى بما طلب منه، وإن بنى على الأكثر عرض صلاته للبطلان، بأن صلى الثنائية أو صلى الثلاثية ركعتين، أو صلى الرباعية ثلاثاً، هنا يعرض صلاته للبطلان، لكن في الوضوء؟ إذا تردد هل غسل اثنتين أو ثلاث؟ وقلنا: تبني على الأكثر اجعلها ثلاث، افترض أنها صارت اثنتين ما الذي يصير؟ يبطل الوضوء؟ الوضوء صحيح وشرعي، توضأ النبي -عليه الصلاة والسلام- مرتين مرتين، لكن إذا قلنا: تبني على الأقل وتزيد افترض أنك تعديت المشروع؛ لأنك بين أمرين، إما أن توافق المشروع أو تخرج عنه ولا ثالث لهما، يعني في حال التردد وهما على حد سواء، الشك أنت إما أن تكون وافقت الشرع بأن زدت ثالثة فوقعت موقعها، ويكون وضوءاً شرعياً، أو تكون زدت رابعة وخرجت عن حيز السنة إلى البدعة، ووضوؤك صحيح فيما لو بنيت على الأكثر، بينما صلاتك لو بنيت على الأكثر صلاتك حينئذٍ باطلة، تبطل صلاتك إذا لم تكن وافقت ما في نفس الأمر، ولن تستطيع موافقة ما في نفس الأمر لأن هذا غيب، فأنت في الصلاة إذا لم توافق ما في نفس الأمر وهذا دونه الاستحالة، لا يمكن أن توافق ما في نفس الأمر وأنت شاك إلا إذا فيما بعد لو قال لك: إنك صليت، لو خلفك مجموعة من الناس جالسين وضبطوا صلاتك، ثم بعد ذلك قالوا لك: صليت ركعتين، أما في غير هذه الحالة ما يمكن.(25/16)
المقصود أن هذه المسألة ((إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى ثلاثاً أم أربعاً؟ فليطرح الشك، وليبن على ما استيقن)) وهو الأقل؛ لأنه لو بنى على الأكثر احتمال أن تكون صلاته ناقصة فتكون باطلة، لكن في الوضوء احتمال أن يكون عدد الغسلات ناقصاً فيكون الوضوء باطل وإلا صحيح؟ صحيح وشرعي، لكن إذا قلنا: يبني على الأقل ويزيد احتمال أن يخرج عن المشروع فيدخل في حيز الابتداع.
قال: ((إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى ثلاثاً أم أربعاً؟ فليطرح الشك)) يلغي الشك ((وليبن على ما استيقن)) وهو الأقل ((ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم)) طيب في الصورة الثانية من مواضع السجود بعد السلام قالوا: إذا بنى الإمام على غالب ظنه، وهنا تردد وبنى على اليقين وسجد قبل السلام، وقالوا: إذا بنى الإمام على غالب ظنه سجد بعد السلام، ما الفرق بينهما؟
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم.
طالب:. . . . . . . . .
نعم.
طالب:. . . . . . . . .
بخلاف الشك، يعني هنا شك تردد مستوي الطرفين، وهناك غالب ظن، يعني تردد هل صلى ركعتين أو ثلاث؟ واستمر عنده التردد، لم يترجح عنده شيء، يبني على الأقل، لكن قال: صليت اثنتين أو ثلاث، لكن غلب على ظنه أنها ثلاث يستمر خلاص، ما يبني على الأقل في هذه الحالة، يبني على غالب ظنه، والظن يترجح لأن غلبة الظن لا تعطي يقيناً، لكن كيف يصل غلبة الظن في هذه الحالة إلى اليقين؟ في صورة ما إذا كان إماماً ولم يسبح به أحد، إذا كان إمام ولم يسبح به أحد، فعدم تسبيحهم وموافقتهم لهم يجبر هذا النقص، فيكون كالمتيقن، فيبني على غالب ظنه وحينئذٍ يسجد للسهو بعد السلام.(25/17)
قد يقول قائل: إن الناس قد يوافقون الإمام ولو كانوا ألف في حال الغفلات، يعني قبل سنتين يعني في فورة الأسهم صلى إمام صلاة الظهر وجهر بالناس في القراءة وأمنوا؛ لأنهم كلهم منشغلين بما هم بصدده، يعني يصلون في صالة بنك، وهم يشاهدون الشاشات أمامهم كلهم وهم يصلون، ولما سلم احتمال سلم الثانية أو لم يسلم قام السرعان إلى الشاشات كما نشاهده في المسارعة لتقبيل الحجر إذا سلم الإمام، وبالفعل حصل، جهر في صلاة الظهر وأمنوا، وسمع من يقول: آمين وهو ساجد، يعني حينما يقول أهل العلم: إن سكوت المأمومين يجبر هذا النقص، يعني نقص الظن عن اليقين؛ لأن الظن للاحتمال الراجح، واليقين الذي لا يحتمل النقيض، فإذا كان وراءه جماعة وما سبحوا يعني ترجح هذا الظن الغالب، ففرق بين مسألتنا ومسألة عمل الإمام بغالب ظنه.
قال: ((ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم)) الصورة الثانية التي ذكرناها: إذا بنى الإمام على غالب ظنه يعني ترجح عنده أحد الأمرين، فإنه يسجد للسهو بعد السلام.
((فإن كان صلى خمساً شفعن له)) يعني في الصلاة الرباعية تردد هل صلى ثلاث أو أربع؟ قلنا: يطرح الشك ويبني على المتيقن وهو ثلاث يأتي برابعة، واحتمال أن تكون هذه الرابعة خامسة، وهاتان السجدتان يشفن صلاته؛ لأنهما بمثابة ركعة، يشفعن صلاته، لكن لو كان يوتر بثلاث أو بخمس أو بسبع أو بتسع ثم تردد هل صلى ركعتين أو ثلاث وطرح الشك ثم بعد ذلك زاد ركعة فاحتمال أن يكون صلى ثلاثاً أو صلى أربعاً في حال الوتر حينما أراد أن يوتر بثلاث أو خمس تردد بين ركعتين أو ثلاث، قلنا: يطرح الشك، ويبني على ما استيقن، ثم بعد ذلك يسجد سجدتين قبل أن يسلم، نعم فإن كان صلى أربعاً وهو يريد أن يوتر بثلاث أوترن له صلاته؛ لأن عندنا شفعن له صلاته؛ لأن الصلاة شفع، إذا كان صلى أربعاً وهو يريد الوتر بثلاث أو صلى ستاً وهو يريد الوتر بخمس سجد سجدتين قبل أن يسلم أوترن له صلاته؛ لأنه يطلب وتر ما يطلب شفع.(25/18)
((وإن كان صلى إتماماً لأربع)) في هذه الصورة أو خمساً في الوتر ((كانتا ترغيماً للشيطان)) والترغيم ورغم أنفه يعني لصق أنفه بالرغام كغراب، رغام هو التراب، ومنهم من يقول: التراب المبتل، الطين، لصق أنفه بالطين ترغيماً له ((ترغيماً للشيطان)) رواه مسلم.
قال بعد ذلك:
"وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سمى سجدتي السهو المرغمتين" يعني هل هذا حديث مستقل؟ يعني أن النبي -عليه الصلاة والسلام- في يوم من الأيام قال: عليكم بالمرغمتين، قالوا: وما المرغمتان؟ قال: السجدتان للسهو، سماهما مرغمتان؟ أو قال: المرغمتان سجدتا السهو، أو أن ابن عباس أخذه من الحديث السابق، وما جاء في معناه؟ ((كانتا ترغيماً للشيطان))؟ يحتمل، والحديث في أصله ضعف، لكن له ما يشهد له من الحديث السابق، يعني حديث ابن عباس رواه أبو داود وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وصححه، وفي إسناده ضعف.
على كل حال حديث ابن عباس ضيف، لكن له شاهد من حديث أبي سعيد الذي قبله ((كانتا ترغيماً للشيطان)) فهما مرغمتان للشيطان، فسماهما مرغمتين، سجدتي السهو مرغمتين، إما أن يكون ابتداءً سماهما كذلك، يعني جاء بسجود السهو كمبتدأ وأخبر عنهما بأنهما المرغمتان، أو أن هذه التسمية فهمت من الحديث السابق؟
وعلى كل حال الحديث السابق في صحيح مسلم، وهما ترغمان الشيطان إرغاماً للشيطان، فحديث أبي سعيد الخدري يشهد لحديث ابن عباس في هذه التسمية، وسواءً قلنا: إن حديث ابن عباس مستقل، يعني سمع ابن عباس النبي -عليه الصلاة والسلام- يسميهما كذلك، أو أنه في ضمن الحديث السابق، ما دام أخبر عنهما أنهما ترغيماً للشيطان فهما مرغمتان.
أرغم يرغم ترغيماً، هذا المصدر ((ترغيماً للشيطان)) والمصدر يؤخذ منه اسم الفاعل واسم المفعول، فالسجدتان مرغمتين اسم فاعل، والشيطان مرغم اسم مفعول، والفعل أصل المادة أرغم، والمصدر الترغيم، فاشتقاقاتها يمكن استعمالها فيما ذكره ابن عباس، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
يقول: ما معنى الحديث مع السند؟
إيش الحديث؟ مفهوم هذا وإلا؟ لا بد من ....
هو يقول: نرجو توضيح ذلك.
وأنا أقول: أرجو توضيح ذلك.
طالب: يا شيخ -أحسن الله إليك- الذي يسجد قبل الصلاة في موضع يسجد له بعد الصلاة؟
ما عليه شيء.
طالب: حتى في المواضع ... ؟
حتى في المواضع يتفقون على هذا إلا أنه خلاف الأولى ....(25/19)
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: المحرر – كتاب الصلاة (26)
الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هذا يقول: ما حكم توزيع مثل هذه المنشورات؟
يعني مشتملة على أدعية وأذكار بعضها له أصل، وبعضها لا أصل له.
ما حكم توزيع هذه المنشورات بدون ذكر أي مصدر من الكتاب والسنة، وتبادلها في الجوالات؟
الخبر هذا بطوله بهذا الترتيب لا أصل له، لكن قد يوجد لبعض مفرداته ما له أصل، وهو بهذا السياق الكامل لا يجوز سياقه على أنه مرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، فلا تجوز نسبته إليه بهذا الترتيب، لكن بعض مفرداته صحيحة ولها أصل، وكثير منها لا أصل له.
يقول: ماذا يفعل المسبوق إذا سلم الإمام وسجد للسهو بعده هل يتابعه أم يقضي؟
يتابع الإمام يسجد للسهو معه.
هل قيام الإمام للركعة الثالثة في التراويح يبطل صلاته؟ وكيف نجيب عن فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يصلي عن أربع فلا تسأل عن حسنهن وطولهن؟
الفقهاء يقولون: عملاً بحديث: ((صلاة الليل مثنى مثنى)) يقولون: إذا قام إلى ثالثة في التراويح فكقيامه إلى ثالثة في الفجر، هذه ركعة باطلة؛ لأن صلاة الليل مثنى مثنى، وأما ما جاء في حديث عائشة: "أنه يصلي أربعاً فلا تسأل" يعني بسلامين، ثم يستريح، ولذا سمي التراويح، ثم يصلي أربعاً بسلامين فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يوتر بثلاث، لكن إذا أراد أن يوتر بثلاث أو بخمس أو بسبع أو بتسع فله أن يجمعها بسلام واحد؛ لأن هذا وتر، وقد ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه أوتر بخمس، بسبع، بتسع، وذكر عنه أنه أوتر بثلاث يعني بسلام واحد.
يذكر بعض أهل العلم أنه إذا سجد الإمام للسهو قبل السلام فإن المصلي يسجد معه، ثم إذا قضى ما عليه وكان سهو الإمام قد أدركه المسبوق فإنه يسجد للسهو مرة أخرى؛ لأن السجود الأول في غير محله؟(26/1)
لا، لا يسجد، يكفيه السجود الأول، لكن لو سها فيما يقضيه من صلاته، وقد سجد مع الإمام السهو الأول، مقتضى قول أهل العلم: ومن سها مراراً كفاه سجدتان، أن سجوده مع الإمام يكفي، ولا يحتاج أن يسجد مرة ثانية، ونظير ذلك فيما لو سها في صلاته ثم سجد للسهو، ثم سها بعد السهو، بأن قام وجاء بزيادة ركعة يسجد ثانية للسهو أو يكفيه سجدتان؟ يكفيه سجدتان عند أهل العلم.
يقول: حفظ الحديث مع الراوي والسند ما معنى السند مثال ذلك جزاكم الله خيراً؟
يعني في الحديث الأول في صحيح البخاري حديث: ((إنما الأعمال بالنيات)) يرويه البخاري عن طريق شيخه الإمام عبد الله بن الزبير الحميدي، قال: حدثنا سفيان عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم التيمي عن علقمة بن وقاص الليثي عن عمر بن الخطاب قال: سمعت عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- على المنبر يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إنما الأعمال بالنيات)) فالسند الرواة، هذه السلسلة التي يذكرها المحدث بدءاً بشيخه وانتهاءً بالنبي -صلى الله عليه وسلم- هذا هو السند، والمتن هو المقول للنبي -عليه الصلاة والسلام-.
يقول: من خلال الأحاديث في سجود السهو كيف يكون سجود السهو؟ ما الراجح في ذلك؟
ذكرنا بعض الصور، وبعض أقوال أهل العلم، ويأتي تتمتها -إن شاء الله- في درس اليوم.
يقول: أشكل عليَّ تفسير قوله تعالى: {بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ} [(20) سورة الرحمن]؟
بين البحرين المالح والحلو برزخ، حاجز، لا يبغي أحدهما على الآخر، لا يختلط لا يمتزج المالح بالحلو، ولا بالعكس، فبينهما برزخ، وإن كان غير مرئي ومنظور إلا أنه لا يختلط هذا بهذا، وقد يوجد في بعض البحار عين تنبع من أسفله حلوة وهو مالح، فالذي أمسك هذا عن هذا هو الله -جل وعلا-، كما أنه يمسك أنهار الجنة ويجعلها تجري بغير أخدود.
أنهارها في غير أخدود جرت ... سبحان ممسكها عن الفيضانِ
ما حكم الدعاء بدون رفع اليدين قبل الصلاة أو في أوقات الإجابة؛ لأنه لا يريد أن يراه أحد؟(26/2)
على كل حال إذا سجد في سجوده يدعو، وهذا من مواطن الإجابة، وإذا دعا خارج الصلاة فالأصل أن يرفع يديه، وفي المسألة ما يقرب من مائة حديث في رفع اليدين في الدعاء، وجمعت في رسائل، وفي أجزاء من قبل أهل العلم.
هذا يسأل عن سؤال طرح قديماً، ثم نسي بعد ذلك، حينما أذعن الناس للنظريات في قوله -جل وعلا-: {وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا} [(16) سورة نوح].
في يقول أهل العلم للظرفية، فيهن نوراً، جعل القمر فيهن يعني أنه مظروف بالنسبة للسماوات، وهذا قول جماهير المفسرين، وإذا كان الأمر كذلك فلن يستطيع أحد الوصول إلى القمر، وإذا كان المراد "فيهن" يعني نوره فيهن، فعلى كل حال المسألة قابلة للنظر، وكلام أهل العلم في هذا واضح.
فهل القمر في السماوات السبع أم هو في السماء الدنيا؟ وما صحة الصعود على سطح القمر؟
هم ادعوا ذلك وصدقهم الناس، ثم وجد من يكذب منهم، من الأمريكان والروس من يكذب هذه النظريات.
يقول: هل ورد في السنة قول: الله أكبر بعد السلام من الصلاة؛ لأننا نسمع بعض المصلين وخاصة من الجنسية الباكستانية يقولون: الله أكبر بعد الصلاة مباشرة؟
دليل ذلك ومستمسك من يبدأ بالتكبير قول ابن عباس: "ما كنا نعرف انقضاء صلاة النبي -عليه الصلاة والسلام- إلا بالتكبير" والمراد به الذكر الذي يجهر به بعد السلام، ما هو أعم من التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير.
يقول: نريد شرحاً وافياً للصلاة في أوقات النهي؟
هذه مسألة طرقناها مراراً، ومرت علينا في الكتاب، وبسطت من أرادها يراجع الأشرطة التي سجلت فيها.
يقول: ما هي الطبعة المحققة التي توصون بها للكتب التالية:
الموطأ للإمام مالك؟
الموطأ معروف أنه روايات كثيرة، أشهرها رواية يحيى بن يحيى الليثي، وكانت مطبوعة قديمة في مصر مع بعض الشروح، ثم طبعت بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، ثم طبعت بتحقيق بشار عواد معروف، وهناك تحقيقات كثيرة لهذه الرواية، واعتمادنا في شرح الكتاب على تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، وإن كان بشار أبدى بعض الملاحظات على هذه الطبعة كملاحظاته على تحقيقه لسنن ابن ماجه.
على كل حال هي في الجملة جيدة، طبعة محمد فؤاد عبد الباقي للموطأ جيدة.
المدونة للإمام مالك؟(26/3)
طبعت المدونة قديماً بمصر في المطبعة الخيرية في أربعة مجلدات، ثم طبعت في ستة عشر جزءاً في مطبعة الساسي وكلاهما جيد، هما طبعتان جيدتان الطبعات القديمة، ثم بعد ذلك طبع بمطبعة الكليات الأزهرية بتحقيق محمد زهري النجار وهي دون ... لا غلط هذا الأم للشافعي.
المقصود أن المدونة طبعت قديماً بالمطبعة الخيرية ومطبعة الساسي، وكلاهما طيب يعتمد عليه.
أحكام الأحكام لابن دقيق العيد؟
من أراده مفرداً فعليه بمطبعة أنصار السنة بتحقيق الشيخ أحمد شاكر ومحمد حامد الفقي، ومن رجع إليه مع حاشية الصنعاني فالمطبعة السلفية في أربعة مجلدات بتحقيق الشيخ علي الهندي -رحمه الله-، هاتان الطبعتان ممتازتان يعني، يبقى أن الطبعة المنيرية لأحكام الأحكام لابن دقيق العيد فيها أغلاط فلا يعتمد عليها.
يقول: ما رأيكم في كتاب الأم بتحقيق رفعت فوزي المطبوعة بدار الوفاء؟ وهل هناك أجود منها؟
المعروف أن أفضل الطبعات لكتاب الأم هي طبعة بولاق، هي طبعة جيدة ومتقنة، ويعتمد عليها من قبل طالب العلم، أما الطبعات الحديثة أعرف منها طبعة الذي أشرت إليها قريباً الكليات الأزهرية تحقيق محمد زهري النجار يعني دون طبعة بولاق، وأما ما بعدها من الطبعات فلم أطلع عليه.
يقول: نريد من فضيلتك أهم كتاب معتمد في كل مذهب من المذاهب الأربعة؟
التفصيل في هذا مع طبعات هذه الكتب موجود في أشرطة سميت: "كيف يبني طالب العلم مكتبته".
يقول: هل ذي طوى هو ما يسمى الآن جرول، كما قال لي بعض الكبار في السن؟
كتب المناسك تقول: إن المراد بذي طوى هو الزاهر وليس بجرول.
يقول: أيهما أولى بالابن أن يكون قريباً من والده في نفس المدينة ويباشر خدمته أم يشتغل ببعض القرب متعدية النفع حتى لو اضطر إلى الإقامة في مدينة أخرى، لا سيما وأنه من كسب أبيه، وسينال والده من البر الشيء العظيم؟(26/4)
على كل حال هذا راجع إلى الأب، فإن كان والده يرضى ببعده عنه نظراً لما يقوم به من أعمال يرجو ثوابها فالأمر إليه، وإن كان لا يرضى فلا، الله -جل وعلا- امتن على الوليد بن المغيرة بالبنين، بكثرتهم أو بكونهم شهود عنده؟ {وَبَنِينَ شُهُودًا} [(13) سورة المدثر] يعني الأب تكون فائدته إذا كان ابنه بعيداً عنه أقل، والأب في الجملة أو الأب هذا الأصل فيه أنه يحب أن يرى ابنه في كل وقت يراه حوله؛ لأن فائدة الابن إعانة الأب، وإذا كان بعيداً عنه تعذرت هذه الإعانة، فعليه أن يكون قريباً من والده ولو قل نفعه المتعدي إلا إذا كان أبوه من يشجعه على هذا، ويشد من أزره، ويرى أن هذا أفضل وأنفع للطرفين فالأمر لا يعدوه.
هذا يقول: في حالة السجود تكون الكوفية على الجبهة -الكوفية يعني الطاقية وما في حكمها- فهل يزيله أو لا بأس به؟
أهل العلم يقولون: إن السجود على المتصل بالمصلي مكروه، لكن كما قرر أهل العلم أن الكراهة تزول لأدنى حاجة، فإذا احتيج أن يسجد عليها لكون موضع السجود لا يمكن من الخشوع وحضور القلب، إما لشدة حرارة أو شدة برودة، أو وجود ما يؤذي في المكان المسجود عليه فلا مانع -إن شاء الله تعالى-.
يقول: ممكن أن تشرح لي البيت الذي جمع وفيات الأئمة الأربعة؟
فنعمانهم قن وطعق لمالك ... وللشافعي در ورام لابن حنبل
هذا على حساب الجُّمل المعروف عند أهل العلم، يعني تكتب الحروف الأبجدية أبجد هوز حطي كلماً صعفس ... إلى آخره، ثم تقطعها كل حرف بمفرده إلى أن تتم الثمانية وعشرون حرفاً، ثم تجعل العشرة الأولى للآحاد إلى العشرة، واحد، اثنين، ثلاثة، أربعة ... إلى آخره، ثم العشرة الثانية للعشرات، ثم البقية للمئات.
يقول: هناك سؤال خارج الموضوع -رجاء الإجابة يا شيخ- وهو في ألفية العراقي هل يمكن أن نقول: إنه كان الأولى على العراقي الترضي على الصحابة والآل، كما قال:
. . . . . . . . . ... على نبي الخير ذي المراحم
لأنه يترتب عليه عقيدة، الرجاء تصويبي في هذا الاستشكال؟(26/5)
على كل حال الأكمل أن يردف الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- بآله وأصحابه هذا الأكمل، لكن الامتثال امتثال الأمر إنما يتم بقولك: صلى الله عليه وسلم، أو عليه الصلاة والسلام، فلا شك أن ما أشرت إليه هو الأكمل، لكن لما لم يحصل لا إشكال ولا استشكال -إن شاء الله تعالى-.
يقول: انتشر في الآونة الأخيرة من يدخل بالجوال في المسجد ويزعج المصلين بمعازفه، فهل يجوز أن يعاقب إمام المسجد من يسمع منه ذلك، بأن يتصدق بمال أو يصوم؟ وإن كان الجواب: لا، فكيف نحل هذه المشكلة؟
هذه المشكلة لا شك أنها معضلة وليست مشكلة فقط، ونسمعه في المتلزَم، نسمعه في المطاف، نسمعه والناس يصلون، والناس يطوفون، والناس سجود في العشر الأواخر يرجون ليلة القدر ونسمع هذا، وبعضهم يتركه، بناءً على أن إقفاله مخل بالصلاة، على كل حال هذه مشكلة، ويتذرع كثير من الناس بأنها مما عمت به البلوى، وحصل الإنكار بكثرة وبقوة وبشدة في أول الأمر، ثم أيس الناس وتركوه؛ لماذا؟ لأن الإنكار في كثير من الأحوال لا قيمة له، فكثير ممن يستعمل هذه الآلات على هذه النغمات المحرمة من الأعاجم، تجد إمام المسجد يتكلم، بعض الجماعة -جزاهم الله خير- يتكلمون، لكن دون جدوى، فأيس الناس وتركوه، ولذلك قل أن تجد من ينكر، كانوا في أول الأمر إذا سمعوا فزعوا تكلموا، تكلم أكثر من واحد، ثم بعد ذلك صار الصوت يتضاءل ويخفت إلى أن انتهى في كثير من الأحيان، وعلى هذا لا بد من الإنكار؛ لأن هذا منكر ومعلن لا بد أن يكون إنكاره أقوى منه حتى يزول، ولا بد من التواصي على ذلك.
أما العقوبات التي يذكرها يعني يتصدق بمال أو يصوم هذه لا يملكها إمام المسجد، الإمام له أن يعزر، وأما من عداه ليس المراد به إمام المسجد، إنما إمام المسلمين ولي الأمر هو الذي له أن يعزر، وأما من عداه فلا.
يقول: ما حكم السجود بالقفازات للرجل ولا يسجد على يديه مجردة؟
هذا مثل ما قلنا في الكوفية أو الطاقية، هذا متصل يكره السجود عليه، لكن إذا وجد ما يدعو إلى ذلك انتفت الكراهة.
يقول: ما حكم لبس القلنسوة والعمامة السوداء في غير وقت جهاد، وهل فيها تشبه بالرافضة؟(26/6)
على كل حال الأصل في العمامة النبي -عليه الصلاة والسلام- لبس العمامة، فمن أهل العلم من يرى أنها سنة اتباعاً له -عليه الصلاة والسلام- واقتداءً به، ومنهم من يقول: إنها تبعاً للباس والألبسة عرفية، فإذا كانت من عرف البلد وإلا فلا.
الأسئلة كثيرة، ومع ذلك تؤجل إن وجد لها وقت وإلا ينظر لها وقت آخر -إن شاء الله تعالى-، وبقي من أحاديث الباب أربعة أحاديث، لا بد من إكمالها في سجود السهو.
أظن الباب قرئ كاملاً.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"وعن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- -قال إبراهيم: زاد أو نقص-" يعني شك إبراهيم النخعي الراوي عن علقمة عن ابن مسعود هل قال ابن مسعود: زاد النبي -عليه الصلاة والسلام- في صلاته أو نقص منها؟ "فلما سلم قيل له: يا رسول الله أحدث في الصلاة شيء؟ " يعني لوقوع الخلل إما الزيادة وإما النقصان، أحدث في الصلاة شيء؟ وهذا من أدب السؤال، ومن أدب التعامل مع الغير، ألا ترى إلى قوله -عليه الصلاة والسلام- للذي دخل المسجد قال له: ((هل صليت ركعتين؟ )) فإذا وجد ما يُستنكر يستفهم عنه قبل الإنكار، كم من واحد وقع في إشكال خصومة مع من يُنكر عليه بسبب المباشرة في الإنكار، ما يدريك لعل له عذر، يعني رأيت شخصاً يصلي جالساً الفريضة، وعليه علامات القوة والنشاط، ما تقول له: قم فصل قائماً، تقول: لماذا؟ عسى ما شر على ما يقول العوام، لماذا تصلي جالساً؟ سلامات، ثم يبدي لك ما عنده، فإذا أبدى ما عنده وكان فيه ما ينكر وجهته إلى القول الصحيح والفعل الصحيح، أما تقول: قم صلاتك باطلة تصلي جالساً وأنت نشيط، وما يدريك أنه نشيط؟ النبي -عليه الصلاة والسلام- رآه يدخل، فجلس فقال له: هل صليت ركعتين؟ ما قال: صل ركعتين، وهذا لا شك أنه أدب شرعي رفيع؛ لأن الإنكار بطريق السؤال مقبول خفيف على النفس.(26/7)
لو تذهب إلى شيخ سمعت عنه أنه أفتى بقول شاذ مثلاً، وتقول له: فتواك غير صحيحة، أفتيت بقول شاذ، بقول مرجوح، هذا في الغالب لا يستجيب لك؛ لأن النفس لها حظوظ، وفي الغالب أن صاحبها يراعيها، لكن لو قلت: ما رأيك في كذا وبقول كذا؟ ثم إذا عرفت أنه بالفعل أفتى بكذا، ما رأيك في القول الآخر؟ وهل تعرف له دليلاً؟ وهل هو راجح أو مرجوح؟ يناقشه في القول الآخر، ثم بعد ذلك إذا أصر ناقشه في قوله؛ لأن النفوس لا سيما في أوقاتنا وأزماننا مدخولة، والحق ثقيل، يعني لو أن الإنسان خالف آية أو حديث صحيح صريح في الدلالة يصعب عليه أن يقبل منك الاستدراك ولو بالآية والحديث الصحيح، ولو كان ممن ينتسب إلى العلم؛ لأن النفوس الآن ما صارت تقبل الحق بسهولة، الحق ثقيل ومر، والانتصار للنفس جبلي، فعلى هذا على الإنسان أن يسلك المسلك المناسب، يدخل إلى قلب المخاطب أولاً، ثم يقول ما شاء، يعني بعض أهل العلم ممن هم مرجع تجد بعضهم إذا جاءه بعض الشباب ولد عندهم بعض الأمور التي يستنكرونها، ويطلبون من الشيخ تغييرها يأتون بأسلوب غير مناسب، ثم الشيخ قد لا يوفق في احتوائهم، وإزالة ما في نفوسهم، وتخفيف ما عندهم؛ لأن الداعي لهم على مثل هذا الكلام هو الغيرة، وكل مطالب بما يناسبه على الطالب أن يحترم هذا الشيخ، ويبلغه بالمنكر بالأسلوب المناسب، ويطالبه بالأسلوب المناسب، على الشيخ أيضاً أن يحتوي هذا الشاب هذا الغيور ويوجهه بالأسلوب المناسب، فإذا احتواه بالأسلوب المناسب ولج إلى قلبه يملي عليه ما شاء، المسألة تهون بعد هذا الأمر، لكن الإشكال كله في الوسائل، في وسيلة التبليغ من قبل الشاب، وفي الرد من قبل الشيخ، يعني الشباب إذا جاءوا من أجل أمر رأوه منكراً ودماؤهم تغلو، تغلي دماؤهم وتفور غيرة لله، وعلى محارم الله يأتون إلى الشيخ بأسلوب قوي، وقد يبادرونه بـ (اتق الله يا شيخ) هذا الأسلوب ما هو مناسب، لكن الشيخ أيضاً عليه أنه إذا قيل له: اتق الله يتقي الله، هو مخاطب وهم مخاطبون، ولا يؤاخذهم بما تكلموا به من أسلوب غير مناسب، فعليه أن يؤدي ما عليه، ثم بعد ذلك الشيخ يدعو لهم ويرحب بهم، ويعرف أنه ما جاء بهم إلا الغيرة، ويوافقهم على بعض ما(26/8)
يقولون؛ لأن بعض الشيوخ نظراً لما يشاع ويذكر وبعض النماذج من الشباب لا شك أنهم أساءوا إلى بعض، تجده ما عنده استعداد يسمع، نقول: لا بد أن تسمع، أنت الآن صلة بين هؤلاء الذين لا يصلون إلى ولاة الأمر، وبين ولاة الأمر الذين يسمعون لك، أنت عليك كفل من المسئولية، بلغك هذا المنكر لا بد من إنكاره، أو إقناعهم أنه ليس بمنكر، لكن لا بد من التلطف في الخطاب من الجانبين.
وهنا يقول: "فلما سلم قيل له: يا رسول الله أحدث في الصلاة شيء؟ " يعني هل هناك تشريع جديد يقتضي أن تكون الصلاة الرباعية ثلاث أو الثلاثية أربع؟ لأنه ما يدرى هل زاد أو نقص؟ "قال: ((وما ذاك؟ )) قالوا: صليت كذا وكذا، فثنى رجليه" يعني بعد أن استقبل المأمومين بوجهه بعد السلام، وقيل له ما قيل "ثنى رجليه، واستقبل القبلة، فسجد سجدتين، ثم سلم" زاد أو نقص؟ إما زاد سجدة، أو نقص واجب كالتشهد الأول مثلاً يكفيه حينئذٍ أن يستقبل القبلة ويسجد سجدتين ويسلم، لكن إن كان نقص ركعة لا بد من الإتيان بها، إن كان نقص ركعة أو سجدة أو ركن من أركان الركعة لا بد من الإتيان به.
"ثم أقبل علينا بوجهه فقال: ((إنه لو حدث في الصلاة شيء أنبأتكم به)) " هذا التبليغ الذي يجب عليه، ولا يجوز تأخيره عن وقت الحاجة ((إنه لو حدث في الصلاة شيء أنبأتكم به، ولكن إنما أنا بشر أنسى كما تنسون)) وجاء النهي في صحيح البخاري عن قول: نسيت آية كذا، ولكن ليقل: أنسيت أو نسيت، يعني في الأمور العادية، في غير القرآن تقول: نسيت، لكن في القرآن على وجه الخصوص تقول: نُسيت أو أنسيت؛ لئلا تدخل في قول الله -جل وعلا-: {كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى} [(126) سورة طه] لكنك أنسيت.
((فإذا نسيت فذكروني، وإذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب، فليتم عليه، ثم ليسجد سجدتين)) ليتحرى الصواب، وتحري الصواب إن كان الخلل بشك وتردد يبني على ما استيقن، يأخذ بالأقل لأنه المتيقن، وإن كان فيه غلبة ظن فإنه يعمل بغالب ظنه ويسجد للسهو، في الصورة الأولى يسجد قبل السلام، في الصورة الثانية يسجد بعد السلام.(26/9)
"متفق عليه، وفي لفظ للبخاري: ((فليتم عليه ثم يسلم ثم ليسجد سجدتين)) " إذا تحرى الصواب وبنى على غالب ظنه فإنه يسجد بعد السلام ((ثم يسلم ثم ليسجد سجدتين)).
"وفي لفظ لمسلم: ((فإذا زاد الرجل أو نقص فليسجد سجدتين)) وله عن عبد الله -يعني لمسلم- عن عبد الله بن مسعود أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سجد سجدتي السهو بعد السلام والكلام" بعد السلام سجد سجدتي السهو بعد السلام؛ لأنه حينئذٍ بنى على غالب ظنه وتحرى الصواب يسجد حينئذٍ بعد السلام.
قال: "وعن عبد الله بن بحينة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قام في صلاة الظهر وعليه جلوس" يعني للتشهد الأول "قام في صلاة الظهر وعليه جلوس" يعني صلى ركعتين ثم قام ولم يجلس للتشهد الأول، "فلما أتم صلاته سجد سجدتين، يكبر في كل سجدة وهو جالس قبل أن يسلم وسجد الناس معه، مكان ما نسي من الجلوس" إذا نسي التشهد الأول وقام إلى الثالثة يقول أهل العلم: إن كان لم يستتم قائماً فإنه حينئذٍ يجب عليه الرجوع ليأتي بهذا الواجب، إن كان قد استتم قائماً كره الرجوع، وإن شرع في القراءة حرم الرجوع، والسجود إذا كان لم يستتم قائماً إنما شرع في القيام ولم يستتم هذا لا يحتاج إلى سجود سهو.
إن استتم قائماً وكره له الرجوع هذا يسجد للسهو، سواء استمر في قيامه كما هو الأصل، أو رجع مع الكراهة فإن هذا لا يعفيه عن سجود السهو، وكذلك من باب أولى إذا شرع في القراءة وحرم عليه الرجوع وترك التشهد الأول والجلوس له، فإنه يسجد للسهو قبل السلام، كما في حديث عبد الله بن بحينة.
الحديث دليل على أن التشهد الأول والجلوس له من واجبات الصلاة، وليس من الأركان ولا من السنن المستحبات؛ لماذا؟ لأنه لو كان ركناً ما أجزأ عنه سجود السهو، لا بد من الإتيان به، ولو كان مستحباً لما لزم فيه سجود السهو، ما لزم فيه سجود السهو.(26/10)
قال: "وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلى الظهر خمساً، فقيل له: أزيد في الصلاة؟ فقال: ((وما ذاك؟ )) قالوا: صليت خمساً، فسجد سجدتين بعد ما سلم، متفق عليه، ولم يقل: بعد ما سلم" هذا الحديث مع حديث ابن مسعود الذي قبل الذي قبله، صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال إبراهيم: زاد أو نقص هل هو في قصة واحدة أو في قصتين؟ يعني في الطريق الأول إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود الشك، زاد أو نقص، في الثاني: وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلى الظهر خمساً، جزم بالزيادة، فقيل له: أزيد في الصلاة؟ فقال: ((وما ذاك؟ )) قالوا: صليت خمساً، فسجد سجدتين بعد ما سلم، متفق عليه، وهناك في الطريق الأول: ((ثم يسلم ثم ليسجد سجدتين)) ((فليتم ما عليه ثم ليسجد سجدتين)) لا يمكن أن يتم إلا بالسلام، كلاهما في الحديثين، في حديثي ابن مسعود في القصتين، أو هما قصة واحدة؛ لأنه في الأولى بالشك زاد أو نقص، والثانية من غير شك زيادة، صلى الظهر خمساً.
"قالوا: صليت خمساً، فسجد سجدتين بعد ما سلم" يعني هل هذا الحديث يجري على قول من يقول: إن سجود السهو كله قبل السلام إلا في صورتين إلا في صورتين: أولاهما إذا سلم عن نقص كما في قصة ذي اليدين، والثانية: إذا بنى على غالب ظنه وتحرى، تحرى الصواب كما في حديث ابن مسعود الأول.
الحدث الثاني لابن مسعود هل هو يضيف صورة ثالثة أو هو دليل من يقول: إن السجود للزيادة هو بعد السلام مطلقاً؟ يعني حديث ابن مسعود الأخير زاد خامسة هل هو زيادة صورة ثالثة لمن يقول: إن السجود بعد السلام في صورتين، وما عداه قبل السلام؟ أو هو يقرر قول من يقول: إن السجود عن الزيادة يكون بعد السلام، وعن النقص يكون قبل السلام كما يقوله مالك ويميل إليه شيخ الإسلام -رحمه الله-؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يقرر القول الثالث قول مالك، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(26/11)
لا يملك إلا أن يسجد بعد السلام؛ لماذا؟ لأنه سلم، صلى الظهر خمساً، فقيل له: أزيد في الصلاة؟ أكيد أنه سلم، يعني هل قيل له ذلك قبل أن يسلم أو بعده؟ نعم الذي يغلب على الظن أنه بعد ما سلم، أما قبل السلام فالتسبيح، لكن إذا سلم يكلم المأموم ويكلمه المأموم بناءً على أن الصلاة قد تمت، كما حصل في حديث ذي اليدين، الكلام ما أثر في الصلاة؛ لماذا؟ لأنها على ظن التمام، فمن تكلم في صلاته ظاناً أنها قد انتهت صلاته لا تبطل.
هنا قالوا له: أزيد في الصلاة؟ قال: ((وما ذاك؟ )) قالوا: صليت خمساً، فسجد سجدتين بعد ما سلم، وهنا كونه سجد بعد السلام لأنه لا خيار له في ذلك، ما يمكن أن يسجد قبل السلام في مثل هذه الصورة، لكن لو تذكر أنه صلى خمساً أو ذكر قبل أن يسلم أنه صلى خمساً، فمقتضى قول مالك أن السجود أيضاً يكون بعد السلام، ومقتضى قول من يقول: إن السجود كله قبل السلام إلا في صورتين أن يكون السجود قبل السلام، فهل في هذا الحديث ما يؤيد القول بأن السجود للزيادة بعد السلام مطلقاً، أو يؤيد قول من يقول: إن السجود بعد السلام إنما يكون في صورتين؟ وهذه الصورة لا ترد؛ لأنه ليس في وسعه إلا أن يصنع هذا، كما لو نسي التشهد الأول، يعني لو نسي التشهد الأول وقام وكمل الثالثة والرابعة وسلم ثم لما سلم قيل له: نسيت التشهد الأول، متى يسجد بعد السلام؛ لأنه الآن ما في خيار، وتبعاً لذلك هل نقول: إن السجود لترك التشهد الأول بعد السلام نظراً لحدوث مثل هذه الصورة، أو نقول: قبل السلام؟ هو قبل السلام لحديث عبد الله بن بحينة، لكن لو حصل أنهم ما نبهوه إلا بعد أن سلم لا خيار له أن يسجد إلا بعد السلام، وهذه الصورة في حديث ابن مسعود قد لا ترد على من يخصص السجود بعد السلام في الصورتين فقط.
"متفق عليه، ولم يقل: بعد ما سلم" الحديث متفق عليه، ولم يقل: بعد ما سلم، من الذي قال: بعد ما سلم؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
بعد ما سلم كذا؟
طالب:. . . . . . . . .
كل الطبعات كذا؟
طالب:. . . . . . . . .(26/12)
إيه لأن السياق عندنا خطأ، لا بد منها؛ لأنه لما يقول: متفق عليه ولم يقل: بعد ما سلم، يقال للمؤلف: من أين أتيت بقولك: بعد ما سلم؟ ولما قال: ولم يقل مسلم: بعد ما سلم، يكون المؤلف اعتمد رواية البخاري، ونبه على ما في رواية مسلم من مخالفة.
بعد هذا يقول:
"وعن عبد الله بن جعفر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من شك في صلاته)) " أولاً: الحديث ضعيف؛ لأن فيه عبد الله بن مسافع، وهو مجهول الحال، لم يذكروا فيه جرحاً ولا تعديلاً، في إسناده عبد الله بن مسافع مجهول الحال، لم يذكر فيه جرح ولا تعديل، يعني يذكر في الجرح والتعديل لابن أبي حاتم وفي تاريخ البخاري ولا يذكرون فيه جرحاً ولا تعديلاً، وقاعدة الشيخ أحمد شاكر أن مثل هذا ثقة، إذا لم يذكر فيه جرح وتعديل يكون ثقة عند البخاري وعند ابن أبي حاتم، وكثيراً ما يقول: ذكره البخاري في تاريخه ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً فهو ثقة، يقوله الشيخ أحمد شاكر، وأحياناً يقول: وهذه أمارة توثيقه.
لكن الكلام ليس بصحيح، قد يذكره البخاري ولا يستحضر فيه وقت كتابته جرح ولا تعديل يبقى أنه مجهول، وقد يُذكر في كتاب الجرح والتعديل بدون جرح ولا تعديل، ويكون كما نص ابن أبي حاتم في المقدمة أنه قال: "وقد أذكر الرجل ولا أذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً علي أن أقع له أو فيه جرحاً أو تعديلاً" يعني كأنه بيض له، فقول الشيخ أحمد شاكر ضعيف في هذا، والصواب أنه مجهول، يكون مجهول الحال إذا لم يُذكر فيه جرح ولا تعديل.(26/13)
هذا عبد الله بن مسافع، وفيه أيضاً ما قاله المؤلف أنه من رواية مصعب بن شيبة، وهو متكلم فيه، قالوا: وقد روى له مسلم، مصعب بن شيبة يقول الحافظ في التقريب: لين الحديث، يعني لا بد له من متابع وإلا فلا يقبل حديثه، والضابط في مثل هذا أن لا يكون له من الحديث إلا القليل، ولا يثبت فيه ما يترك حديثه من أجله، قال: فإن توبع فمقبول وإلا فلين، طيب مصعب بن شيبة هذا قال المؤلف: روى له مسلم، ولا شك أن هذا توثيق عملي، تخريج أحد الشيخين لحديث الراوي توثيق عملي، لا سيما إذا كان الخبر يدور عليه، يعني لم يتابع عليه، ومثل هذا يخرج له مسلم في الشواهد، يخرج له مقرون لا يخرج له أصل، المقصود أن الحديث ضعيف.
"وعن عبد الله بن جعفر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من شك في صلاته فليسجد سجدتين بعد ما يسلم)) " يعني تقدم لنا أن من تردد في صلاته وشك هل صلى كذا أو صلى كذا؟ يبني على اليقين، وهنا ما فيه تعرض للبناء على الأقل أو على الأكثر، وإنما فيه التنصيص على أن السجود بعد السلام، وعلى كل حال الحديث ضعيف لا يعارض به ما تقدم.(26/14)
يقول: "رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن خزيمة في صحيحه، من رواية مصعب بن شيبة، وهو متكلم فيه، وقد روى له مسلم" يعني التنصيص على الراوي مصعب بن شيبة وترك عبد الله بن مسافع، وهو أشد ضعفاً منه، لا شك أن هذا قصور في الحكم من المؤلف، والأصل أن يورد العلة الأقوى، يعني قد يكون في الحديث علل، ثلاث علل، أربع علل، خمس علل، لكن لا تستوعب في التخريج، فيقتصر على بعضها، على الناقد أن يذكر أقوى هذه العلل إن لم يستوعب العلل عليه أن يذكر أقواها؛ لأنه إذا اقتصرنا على مصعب بن شيبة، وقلنا: إنه لين، وجدنا له متابع خلاص قبلنا الحديث، لكن يبقى علل أخرى، لو اقتصر المؤلف على عبد الله بن مسافع وهو مجهول الحال، ووجدنا ما يرفع هذه الجهالة، هل نحتاج إلى الكلام في مصعب؟ يعني إذا وجدنا ما يرفع الجهالة عن عبد الله بن مسافع، وجدنا توثيق له، يبقى الكلام في مصعب، فالعلل إذا كانت متداخلة يقتصر على أقواها، وإذا كانت متباينة لا بد من ذكرها، وهذا يذكرنا في حديث الخط في السترة الذي تقدم، مثلوا به للمضطرب، ابن الصلاح مثل به للمضطرب، ويستحضر الباحث أن هذا الحديث مضطرب يروى على نحو عشرة أوجه مختلفة، فإذا أمكنه الترجيح ونفي الاضطراب، إذا لم يذكر فيه إلا الاضطراب إذا لم يذكر فيه إلا الاضطراب، وتمكن الباحث من الترجيح، ونفي الاضطراب مباشرة، يبي يقول: الحديث حسن، كما فعل ابن حجر، قال: ولم يصب من زعم أنه مضطرب بل هو حديث حسن، لكن لو ذكرت العلة الأخرى وهي: أن أبو عمرو أو أبو محمد عمرو بن حريث، أو أبو عمرو محمد بن حريث، يعني روي على أوجه كثيرة، فيه ضعف، فيه جهالة، يعني ما يكفي أن ينتفي الاضطراب، لا بد أن تنتفي العلة الأخرى، يعني كما تقدم الحديث ابن حجر صب جل همه على نفي الاضطراب وانتفى عنده، وغفل عن تضعيف بعض رواته، ولا شك أن الاقتصار على بعض العلل يوقع في مثل هذا، كما تقدم للحافظ.(26/15)
قال: "من رواية مصعب بن شيبة، وهو متكلم فيه، وقد روى له مسلم" يعني أن الباحث حينما يسمع هذا الكلام يقول: متكلم فيه ثم ماذا إذا تكلم فيه وقد خرج له مسلم؟ أقل أحوال الحديث أن يكون حسناً، لكن لو أن المؤلف -رحمه الله تعالى- أشار إلى العلل الأخرى، وتضافرت هذه العلل على تضعيفه، لا بد أن يبحث ما يرفع جميع هذه العلل ليثبته، وإلا من خلال النظرة العابرة في كلام المؤلف يقول: من رواية مصعب بن شيبة وهو متكلم فيه، وقد روى له مسلم، ثم ماذا إذا تكلم فيه من تكلم وقد خرج له مسلم؟ لكن لو وجدت العلل الأخرى ما يمكن يتجه مثل هذا الكلام؛ لأنه إن لم يضعف بهذه العلة ضعف بغيرها.
"وقال البيهقي: إسناد هذا الحديث لا بأس به" لماذا؟ لأن تضعيفه من أجل مصعب بن شيبة وقد خرج له مسلم يمكن أن ينازع في سبب هذا التضعيف؛ لأن كلام من تكلم وقد خرج له في الصحيح لا شك أن النفوس تميل إلى الإثبات، يعني ثبوت الخبر بهذا الراوي الذي خرج له مسلم وإن مس بنوع من التجريح هذه مسألة.
المسألة الثانية: أن البيهقي لا شك أنه اطلع على العلة الأخرى وهي جهالة حال عبد الله بن مسافع، ولعله يرى أن مجهول الحال إذا لم يروِ ما يخالف به أو يعد من المنكرات أو الشواذ ما يشذ به أن روايته تكون مقبولة، وهذا منهج عند بعض المحدثين كابن حبان مثلاً.
لعله رأى في مثل هذا الحديث لما اشتمل عليه من حكم قد يكون فيه نوع مخالفة ونوع موافقة؛ لأنه ((من شك في صلاته فليسجد سجدتين)) ما فيه أنه يبني على اليقين ويزيد ركعة، أو أنه يتحرى الصواب، ومعلوم أنه إذا تحرى الصواب وغلب على ظنه؛ لأن الشك والظن فيهما نوع تداخل ونوع تباين، قد يطلق الشك ويدخل فيه الظن، ففي القاعدة اليقين لا يزول بالشك، قالوا: يدخل في الشك غلبة الظن، يدخل في الشك هنا غلبة الظن، فمن تيقن أنه أحدث مثلاً ثم غلب على ظنه أنه توضأ بعد الحدث يكفي وإلا ما يكفي؟ يكفي أنه غلب على ظنه أنه توضأ أو نقول: إن اليقين أنه أحدث؟ نعم عندهم في القاعدة من فروعها أنه لا يكفي، فاليقين لا يزول بالشك، وأدخلوا فيه غلبة الظن، لا يكفي غلبة الظن في مثل هذا، ما دام تيقن أنه أحدث لا بد أن يتيقن أنه توضأ.(26/16)
((من شك في صلاته)) ثم تردد في ذلك وبنى على الأقل لأنه المتيقن، وزاد رابعة إن تردد هل صلى ثلاثاً أو أربعاً فليسجد سجدتين بعد ما يسلم، وهذا في هذه الصورة يؤيد قول المالكية، وإن كان الشك المراد به ما هو أعم من مجرد غلبة الظن وتحرى فليسجد سجدتين بعد ما يسلم، وهذا يكون متفق مع الرواية السابقة.
اللهم صل على محمد وعلى آله وسلم ...
نكمل الأسئلة، أسئلة الإنترنت.
هنا يقول: أنا طالب في الهند، وعندنا نحن الطلاب العرب إشكالية في اتباع السعودية أو الهند بالنسبة لرمضان أو الأعياد أو غيرها من الأيام الهامة في السنة أفتونا؟
على كل حال بالنسبة للرؤية، رؤية الهلال على الخلاف بين أهل العلم في مسألة اتحاد المطالع واختلاف المطالع، فالذي يقول باتحاد المطالع ما في إشكال، يتبع البلد الذي يعتمد المقدمات الشرعية، ويعمل برؤية الهلال أياً كان في أي بلد، في أي جهة من الدنيا، هذا على القول باتحاد الطالع، وعلى القول باختلاف المطالع ينظر إلى البلد الذي هو فيه إن كانت مقدماته شرعية وإلا فينظر إلى أقرب بلد يعمل بالمقدمات الشرعية والوسائل الشرعية.
من يحدث وضوءاً حال طهره ليصلي هل يشمله الحديث في هذه النكتة التي ذكرتم؟
ما أدري لعله يقصد الصلاة صلاة سنة الوضوء، إنما يحدث هو على وضوء فيتوضأ ليصلي الصلاة التي جاء الترتيب عليها، أقبل عليها بقلبه ووجهه وجبت له الجنة، إذا توضأ ليصلي هذه الصلاة حصل له ما ذكر -إن شاء الله تعالى-.
إذا صليت الجهرية سرية وأنا ناسي وقال أحد المصلين: سبحان الله وجهرت، هل أسجد للسهو؟
لا، لا تسجد للسهو.
يقول: في حديث: ((إذا قدم العشاء فابدءوا بالعشاء قبل أن تصلوا المغرب)) هل هو مسوغ إذا كان المرء يصوم نافلة اثنين وخميس والمغرب صلاة لا ينتظر وقت بين الأذان والإقامة يؤخر صلاة الجماعة ويجلس يأكل مثلاً شاب صغير السن وجائع، هذا ما فهمته أمس، لكن تكرار هذا الأمر أليس خطأ؟ هو صام نافلة لكنه يتأخر عن الفريضة لأجل طعام الإفطار أفيدونا ... إلى آخره.(26/17)
على كل حال إذا قدم العشاء سواءً كان صائماً أو غير صائم والنفس تتوق إليه، ودخوله في الصلاة من غير أن يكسر هذه النهمة بحيث ينشغل بعشائه وطعامه وجوعه عن صلاته هذا يقدم الأكل، وإذا كان تقديمه الصلاة لا يؤثر على خشوعه وإقباله على صلاته هذا يقدم الصلاة.
يقول: متى تستأنفون درس شرح ألفية العراقي -رحمه الله تعالى-؟
على كل حال يحدد في وقته ويعلن عنه، الآن ما بقي فيه إلا الشيء اليسير -إن شاء الله تعالى- وتكمل.
رجل نذر أن يصلي ألف ركعة وصيام شهرين متتابعين فصام الشهرين ولم يقو على صلاة ألف ركعة في الشهرين، كيف يعمل؟
يصلي هذه الألف ركعة على مدى عمره حسب استطاعته.
يقول: هل العمرة واجبة؟ وما دليل ذلك من الكتاب والسنة؟ هل على أهل مكة عمرة؟
العمرة يختلف فيها أهل العلم، والقول المرجح أنها واجبة ((حج عن أبيك واعتمر)) وجاء الأمر بإتمامها كإتمام الحج، وهذا دليل وجوبها عند أهل العلم.
يقول: هل على أهل مكة عمرة؟
ليس لهم عمرة؛ لأن العمرة الزيارة، وأهل البلد لا يزورون بلدهم هذا من جهة، الأمر الثاني: أن قوله: {ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [(196) سورة البقرة] هل هو يعود إلى التمتع أو يعود إلى الهدي المرتب على التمتع؟ مسألة خلافية، منهم من يقول: إن التمتع ليس لأهل مكة؛ لأنهم لا عمرة عليهم، والضمير يعود على هذا، ومنهم من يقول: إن لهم أن يتمتعوا ويعتمروا لكن لا يلزمهم هدي.
يقول: تقدمت أختي لزميلتها في الكلية قبل ثمانية أشهر لخطبتها لي، وأخبرتها برغبتنا في ذلك، وقبل أسبوع كررنا عليهم، فأخبرونا أنه في هذه الفترة بعد أن كلمتهم أختي تقدم لهم شاب وخطب عندهم، وهم لا يريدونه، ولا يرغبون فيه، والبنت لا تريده، ولم يردوا عليه إلى الآن، فهل علي إثم؟ وهل خطبة على خطبة المسلم مع العلم أن أختي كلمتها قبل أن يتقدم لهم هذا الشخص؟
ما دام تقدمتم عليه فالظاهر أنكم أحق بها منه، الأمر الثاني: أنه ما باب الاحتياط ما دام تجزمون أنهم لا يريدونه يردونه صراحة ثم تقدم، وهذا أحوط، وإلا لو تقدمت مرة ثانية، وأنت تعرف أنك تقدمت قبله، وهم لا يريدونه لا شيء عليك -إن شاء الله تعالى-.(26/18)
يقول: هل يجوز للمرأة الحائض أن تقرأ أذكار الصباح والمساء؟
نعم تقرأ الأذكار ما لم تكن من القرآن، أما إذا كانت هذه الأذكار من القرآن كآية الكرسي والمعوذتين وغيرهما فإنها لا تقرأها عند جمع من أهل العلم، ومنهم من يرى أنها تقرأ؛ لأنه لا يراد بها التلاوة، وإنما يراد بها الذكر.
إذا نسي الإمام التشهد الأول واعتدل في القيام ثم رجع هل صلاته صحيحة؟
نعم صلاته صحيحة، لكن يكره الرجوع إذا لم يشرع في القراءة.
قال: ما هي مسافة القصر في السفر؟ ومتى تحتسب؟
منهم من يرى أن السفر مطلق، وبالإطلاق جاءت النصوص من الكتاب والسنة، ولكن يرد في ذلك إلى العرف ليتحقق الوصف المؤثر الذي هو السفر، فمرد ذلك إلى العرف، لكن الأعراف متباينة ومتفاوتة، وكثير من البلدان ليس فيها عرف معين، مما تسبب في تضييع العبادات من الصلاة والصيام وغيرهما، فلذا رجح جمع من أهل التحقيق مذهب الجمهور في التحديد، سواءً كان ذلك في المسافة أو في المدة.
يقول: هل الذهاب إلى مكة يعتبر سفر ويجوز القصر فيه؟
لا أدري من أين؟ الذهاب إلى مكة من أين؟
هل جدة تعتبر ميقات؟
ليست بميقات إلا لمن حاذت ميقاته كأهل سواكن من السودان.
من أين يحرم أهل جدة بالعمرة؟
من حيث أنشئوا من بيوتهم من جدة.
إنسان في جدة نوى الحج ولم يلبس ثياب الإحرام إلا في مكة ماذا عليه؟
عليه أن يلبس ثياب الإحرام من حيث أنشأ، من حيث أنشأ من جدة، وحينئذٍ يلزمه هدي عند جمهور أهل العلم.
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه.(26/19)
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: المحرر – كتاب الصلاة (27)
الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سم.
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا وللحاضرين والمستمعين.
قال الإمام ابن عبد الهادي -رحمه الله تعالى- في كتابه المحرر:
باب: صلاة التطوع
عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أي الصلاة أفضل؟ قال: ((طول القنوت)) رواه مسلم.
وفي رواية لأحمد وأبي داود من رواية عبد الله بن حبشي الخثعمي قال: ((طول القيام)).
وعن ربيعة بن كعب الأسلمي -رضي الله عنه- قال: كنت أبيت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فأتيته بوضوئه وحاجته، فقال لي: ((سل)) فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة، فقال: ((أو غير ذلك؟ )) قلت: هو ذاك، قال: ((فأعني على نفسك بكثرة السجود)) رواه مسلم.
وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: حفظت من النبي -صلى الله عليه وسلم- عشر ركعات: ركعتين قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب في بيته، وركعتين بعد العشاء في بيته، وركعتين قبل صلاة الصبح، وكانت ساعة لا يدخل فيها على النبي -صلى الله عليه وسلم-.
ساعة.
وكانت ساعة لا يدخل على النبي -صلى الله عليه وسلم- فيها.
وساعة. . . . . . . . .
وكانت ساعة لا يدخل على النبي -صلى الله عليه وسلم- فيها.
حدثتني حفصة أنه كان إذا أذن المؤذن وطلع الفجر صلى ركعتين. متفق عليه، وهذا لفظ البخاري، وفي لفظ لمسلم قالت: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا طلع الفجر لا يصلي إلا ركعتين خفيفتين" وفي رواية لهما: "وركعتين بعد الجمعة في بيته.
وعن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان لا يدع أربعاً قبل الظهر، وركعتين قبل الغداة. رواه البخاري.
وعنها قالت: لم يكن النبي -صلى الله عليه وسلم- على شيء من النوافل أشد منه تعاهداً على ركعتي الفجر. متفق عليه، واللفظ للبخاري.
ولمسلم: ((ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها)).(27/1)
وعن أم حبيبة -رضي الله عنها- قالت: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((من صلى اثنتي عشرة ركعة في يوم وليلة بني له بهن بيت في الجنة)) وفي رواية: ((تطوعاً)) رواه مسلم.
وقد رواه الترمذي وصححه والنسائي وفيه: ((أربعاً قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل صلاة الفجر)) قال النسائي: ((قبل الصبح)) وذكر ركعتين قبل العصر بدل ركعتين بعد العشاء.
وعن أم حبيبة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من حافظ على أربع ركعات قبل الظهر، وأربع بعدها حرمه الله على النار)) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والنسائي والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح غريب.
وعن عاصم بن ضمرة عن علي -رضي الله عنه- قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي قبل العصر أربع ركعات، يفصل بينهن بالتسليم على الملائكة المقربين، ومن تبعهم من المسلمين والمؤمنين. رواه أحمد والترمذي وحسنه، وعاصم وثقه أحمد وابن المديني وابن خزيمة وغيرهم، وتكلم فيه غير واحد من الأئمة.
وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((رحم الله امرأ صلى قبل العصر أربعاً)) رواه أحمد وأبو داود وابن خزيمة في صحيحه والترمذي وقال: حسن غريب، ووهى أبو زرعة رواته.
يكفي، حسبك.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: صلاة التطوع
وذلك بعد ما أنهى الكلام على صلاة الفريضة أردف ذلك بصلاة التطوع.(27/2)
والصلاة مضى تعريفها، وهي مضافة على التطوع من إضافة المصدر إلى مفعوله، والأصل صلاة المرء أو صلاة المسلم التطوع، والتطوع تفعّل، والأصل في هذه الصيغة أنها تحتاج إلى شيء من الاكتساب، وشيء من المشقة، من تفعل، مثل التكسب في الارتزاق يحتاج إلى شيء من المعاناة، والتطوع هو فعل الطاعة، فعل الطاعة هذا الأصل فيه، سواءً كانت واجبة أو مستحبة، ولكن العرف الخاص حمل هذه اللفظة على ما عدا الواجبات من النوافل والمستحبات، ويجمع أهل العلم على أن الصلوات الخمس فرائض، وكذلك الجمعة إلا في خلاف شاذ لا يلتفت إليه، ويختلفون فيما عدا ذلك كصلاة الكسوف والوتر والعيدين وتحية المسجد، فالخلاف معروف بين أهل العلم، فأما بالنسبة لتحية المسجد قد مضى الحديث فيها، وأن من أهل العلم من أوجبها، وعامة أهل العلم على أنها مستحبة، وصلاة الكسوف نقل النووي -رحمه الله تعالى- الإجماع على أنها سنة، وقال أبو عوانة في صحيحه بوجوبها، وترجم في صحيحه فقال: باب وجوب صلاة الكسوف، وصلاة العيد يختلف أهل العلم في حكمها، فمنهم من يقول: سنة كما هو المعروف عند المالكية، ومنهم من يقول بوجوبها كالحنفية، ومنهم من يقول بأنها فرض كفاية كالحنابلة وقول للشافعية، هذا بالنسبة لصلاة العيد، وصلاة الكسوف مضى الحديث فيها، والوتر جماهير أهل العلم على أنه سنة، وأوجبه الحنفية للأمر به، والأمر محمول على الاستحباب عند جمهور أهل العلم على ما سيأتي تقرير ذلك كله -إن شاء الله تعالى-؛ لأنه كان -عليه الصلاة والسلام- يصليه على الراحلة، وكان لا يفعل ذلك في المكتوبة، فدل على أن الوتر ليس مكتوباً، ليس بواجب، وإن جاء الأمر به على جهة الاستحباب والندب.(27/3)
التطوع من أهل العلم من يرى أن التطوع بالصلاة أفضل الأعمال بعد الفرائض ((الصلاة خير مستكثر منه)) ((أعني على نفسك بكثرة السجود)) ومنهم من يرى أن النفع المتعدي أفضل من نوافل العبادات الخاصة، فيقدمون التطوع بالجهاد لأن فيه النفع العام للإسلام والمسلمين، ثم يليه التطوع بالعلم تعلماً وتعليماً، وعلى هذا لو أن إنساناً انشغل عن بعض النوافل من صلاة أو صيام أو حج انشغل بجهاد كان الجهاد في حقه أفضل، ولو أنه انشغل أو اشتغل بتعلم العلم وتعليم العلم لكان هذا أفضل في حقه، لكن الشريعة جاءت بتنوع العبادات، وطلبت من المسلم أن يضرب من كل واحدة منها بسهم، تنوع العبادات من مقاصد الشرع، فلا يليق بطالب علم أن ينصرف إلى طلبه أو معلم أن ينصرف لتعليم العلم وينشغل عن بقية النوافل؛ لأن هذه النوافل وهذه التطوعات سواءً كانت من الصيام أو الصدقة أو الصيام أو الحج كلها مما يعين على طلب العلم وتحصيله، والانفكاك بين هذه العبادات غير متصور إلا في حال ضيق الوقت، وعند الشح في الوقت ينبغي أن يفاضل بين هذه العبادات وإلا ففي حال السعة على المسلم أن يضرب بسهم وافر من جميع أنواع العبادات، ولا يقتصر على العلم، ويقول: أطلب العلم ليل نهار، ثم بعد ذلك لا يتسنى له أن يصلي ركعتين في وقت فراغه، أو يصوم يوماً من أيام الدهر نافلة ((ومن صام يوماً في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً)).(27/4)
وقل مثل هذا في جميع العبادات في الجملة أهل العلم يكادون يتفقون على أن العبادات التي يتعدى نفعها أفضل من العبادات التي يقصر نفعها على صاحبها، مع أننا لو نظرنا إلى أركان الإسلام لوجدنا أن الشهادتين والصلاة هما الركنان الأول والثاني مع أن نفعهما قاصر على الشخص، والركن الثالث هو الزكاة التي يتعدى نفعها، فهذه القاعدة ليست على إطلاقها، ومع ذلك قد يعرض لبعض العبادات المفوقة ما يجعلها فائقاً بالنسبة لبعض الأشخاص وبالنسبة للأوقات والأماكن، فالقول بالتفضيل المطلق يحتاج إلى تقييد، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يسأل عن أفضل الأعمال ويجيب بأجوبة مختلفة؛ لأن الأجوبة تختلف باختلاف أحوال السائلين، فدل على أنه قد يندب للإنسان أن يتفرغ لطلب العلم، ويقال له: لا تصم نافلة، لما يتميز به من مؤهلات تؤهله أن يكون من المراجع لهذه الأمة، ومن العلماء الذين يرفعون الجهل عنها، ويقومون بحق الله في هذا العلم العظيم، ومنهم من يقال له: التفت إلى الصيام، ومنهم من يقال: التفت إلى الصدقة والنفقات، كل إنسان بحسب حاله، فإذا وجد الشخص الذي لديه الأهلية التامة لحمل العلم يقال له: اتجه إلى العلم، أفضل لك من نوافل العبادات الأخرى، وإذا كانت الأدوات عنده أقل، وقد يتعب في تحصيل العلم، وقد لا يدرك شيئاً يستحق ما يبذل فيه من وقت على أنه قد ضمن له الأجر ولو لم يحصل علماً ((من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة)) ومع ذلك إذا وجد من هذا النوع من أدواته متوسطة أو أقل من المتوسط ويرجى نفعه في أبواب أخرى من أبواب الدين يوجه إليه، ويقال: هذا أفضل في حقك، إذا وجدنا شخصاً ضعيف البنية هل نقول له: إن الجهاد أفضل في حقك؟ أو نقول: طلب العلم لا سيما إذا لحظنا عليه شيء من الذكاء، وشيء من الحفظ والفهم؟ كل إنسان يوجه إلى ما يناسبه.
وعلى هذا القول بالإطلاق إن أفضل العبادات كذا يحتاج إلى مزيد عناية، والنظر في الأحوال المحتفة بالشخص والمكان والزمان، والله المستعان.
باب: صلاة التطوع
يقول -رحمه الله تعالى-:(27/5)
"عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- عنهما" لأنه هو وأبوه مسلمان، فيترضا عنهما "قال: سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أي الصلاة أفضل؟ قال: ((طول القنوت)) رواه مسلم، وفي رواية لأحمد وأبي داود من رواية عبد الله بن حبشي الخثعمي قال: ((طول القيام)) ".
أفضل الصلاة طول القيام، وقد يفسر القنوت بالقيام لأن للقنوت معاني، له أكثر من معنى، فهل يمكن أن يقال: أفضل الصلاة طول القنوت يعني الدعاء دعاء القنوت المعروف؟ يعني خير ما تفسر به السنة السنة، والحديث رواية أحمد وأبي داود بإسناد جيد لا بأس به، فيفسر به القنوت المذكور في حديث جابر، فيكون المراد بالقنوت في حديث جابر هو القيام المذكور في رواية عبد الله الخثعمي.
الحديث دليل على أن تطويل القيام أفضل الصلاة، ومفهومه أن طول القيام أفضل من طول الركوع والسجود، طيب هذا طول القنوت وطول القيام هل يختص بالنافلة والتطوع أو يشمل الفريضة؟ لأنه جعله في صلاة التطوع، المؤلف ذكر الحديث في صلاة التطوع، ولم يذكره في صلاة الفريضة، هذا إذا كان المصلي فريضة إمام فقد جاء الأمر بالتخفيف، أما إذا صلى لنفسه فليطول ما شاء، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يصلي بالصحابة، وصلى بهم الصلاة المتوسطة هذا في غالب أحواله، وقد يطيل أحياناً، وقد يخفف لأمر عارض، أما بالنسبة للمنفرد إذا صلى فليطول لنفسه ما شاء، وعرف عنه -عليه الصلاة والسلام- تطويل صلاة النافلة، ولذا الطول يناسب النافلة والحديث عنه يناسب النافلة، ولذا أدرجه المؤلف في صدر صلاة التطوع في أول الباب.(27/6)
صلى النبي -عليه الصلاة والسلام- بالليل بالبقرة ثم النساء ثم آل عمران، يعني أكثر من خمسة أجزاء في ركعة واحدة، وقام -عليه الصلاة والسلام- حتى تفطرت قدماه، وهذا يؤيد ما جاء في هذا الحديث من طول القيام وطول القنوت، مع أنه -عليه الصلاة والسلام- كان قيامه وركوعه وسجوده قريباً من السواء، فلا يتصور أن إنساناً يقرأ في ركعة خمسة أجزاء ينقر الركوع والسجود، فإذا أطال القيام وأطال القنوت يطيل الركوع والسجود إلا إذا كان لا يطيق ذلك؛ لأن بعض الناس قد يطيل القيام، ولكنه لا يطيل الركوع، قد يطيل القيام لكنه لا يطيل السجود، وبعض الناس بالعكس، يطيل الركوع، يستطيع إطالة الركوع السجود لكنه لا يستطيع أن يطيل القيام و {لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [(286) سورة البقرة].
إذا عرف هذا فقد اختلف أهل العلم في المفاضلة بين طول القيام، وفيه حديث الباب: ((أفضل الصلاة طول القنوت)) الذي هو القيام، وليس فيه مستمسك لمن يطيل القنوت في الوتر ويكثر الدعاء، ويكرر ويمل ويشق على المأمومين استدلالاً بهذا الحديث؛ لأن المراد بالقنوت هنا ما فسره الحديث الآخر وهو القيام.(27/7)
أيهما أفضل طول القيام وفيه حديث الباب أو السجود و ((أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد))؟ أيهما أفضل؟ من أهل العلم من فضل طول القيام لورود هذا الحديث، ومنهم من فضل طول السجود ليقرب من ربه، وليسأل ربه ما شاء، فقمن أن يستجاب ((وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء، فقمن أن يستجاب لكم)) وبعض الناس يستروح إلى طول القيام؛ لأنه يتلذذ بالقراءة، ويستمتع بها، ويخفف بقية الصلاة، وبعضهم بالعكس تجده حريص على الدعاء، وهذا يوجد عند بعض المسلمين تجده حريص على الدعاء ويطيله ويكثره، ويطيل السجود تبعاً له، ويخفف القيام إما لقلة محفوظه، أو لثقل القرآن عليه، يعني بعض الناس الله -جل وعلا- يسر القرآن {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ} [(17) سورة القمر] لكن هذا بالنسبة لكثير من الناس لا، الذي لم يتجاوز مرحلة المجاهدة ليصل إلى التلذذ بالقرآن، فالقرآن عليه ثقيل، وهذا موجود في بعض طلاب العلم، تجده يمر عليه اليوم واليومان والثلاثة ما فتح المصحف، وبعض طلاب العلم يحرص حرصاً شديداً على أن يحفظ القرآن، ولا شك أن هذا خير عظيم، لكنه إذا حفظه وضمن حفظه هجره، وهذا نسأل الله العافية جاء ذمه يعني هجر القرآن، فعلى الإنسان أن يكون متوازناً في عبادته.
من فضل طول القيام لحديث الباب أو فضل طول السجود مع تخفيف القيام أو العكس لحديث: ((أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد)) على كل حال يستدل بهذين الحديثين، ومنهم من يوفق بين هذه الأحاديث فيقول: القيام أفضل؛ لأن ذكره أفضل وهو القرآن، والسجود أفضل لما جاء فيه؛ لأنه أقرب إلى الخضوع والتذلل والانكسار والانطراح بين يدي الله -عز وجل-، بخلاف القيام، والنتيجة إذا كان هذا أفضل بذكره وهذا أفضل بهيئته نعود إلى مسألة التوازن، فيأخذ من طول القيام لفضل الذكر، ويأخذ من طول السجود لفضل الحال والهيئة.
قال -رحمه الله-:(27/8)
"وعن ربيعة بن كعب الأسلمي" وقد يقال له: ربيعة بن مالك، وقد ينسب إلى أبيه أحياناً وإلى جده، هو ربيعة بن كعب الأسلمي -رضي الله عنه- "قال: كنت أبيت مع النبي -صلى الله عليه وسلم-" هذا من فقراء المسلمين من أهل الصفة، يخدم النبي -عليه الصلاة والسلام-، وقد يبيت عنده، يقول: "كنت أبيت مع النبي -صلى الله عليه وسلم-" والصيغة تدل على الاستمرار، يبيت عنده باستمرار، هذا الأصل في هذه الصيغة لكنها جاءت للدلالة على الفعل ولو مرة واحدة، على كل حال الصيغة تدل على أنه قريب من النبي -عليه الصلاة والسلام-، وقد يبيت عنده فيأتيه بوضوئه وحاجته.
"كنت أبيت مع النبي -عليه الصلاة والسلام-" بهذه المثابة وهو القرب من النبي -عليه الصلاة والسلام-، فيأتيه بوضوئه الماء الذي يتوضأ به، وحاجته يعني ما يحتاج إليه "فقال لي: ((سل)) " يعني من باب المكافأة، ((من صنع إليكم معروفاً فكافئوه، فإن لم تجدوا فادعوا له)).
"فقال لي: ((سل)) " وهي مخففة من اسأل، وجاءت في القرآن مخففة، وجاءت أيضاً على أصلها (واسأل).
" ((سل)) فقال: أسألك مرافقتك في الجنة" ما قال: اسأل البستان الفلاني، أو الأرض الفلانية، أو الوظيفة الفلانية، همم القوم تختلف عن همم كثير من المسلمين في عصرنا وما قبله بدهور، لكن ماذا سأل؟ قال: أسألك الأرض المجاورة للمسجد في المنطقة المركزية؟ لا، الدنيا لا تزن عند الله جناح بعوضة، وهكذا ينبغي أن تكون في عرف أوليائه.(27/9)
"أسألك مرافقتك في الجنة" شيء عظيم يسأل الجنة، هو صحابي جليل يفعل الواجبات، ويترك المحرمات، ويخدم النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهو حري وخليق بأن يدخل الجنة، ولا نجزم لأحد بشيء، لكن سأل النبي -عليه الصلاة والسلام- مرافقته، وهل يلزم من مسألته مرافقته أن يكون معه في درجته، أو يكون في مسمى الجنة وعمومها، ولا يلزم أن يكون معه، لكن المرافقة تدل على المنزلة، ما قال: أسألك الجنة، أو تسأل الله لي الجنة، أولاً: النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يملك -عليه الصلاة والسلام- أن يدخله الجنة؛ لأن هذا لله -جل وعلا-، لكن النبي -عليه الصلاة والسلام- يسأل ربه، ويشفع لمثل هذا أن يدخل الجنة، وله الجاه العظيم عند الله -جل علا- أن يشفعه في هذا وأمثاله، لكن لا يملك تلقائياً أن يدخل أحداً الجنة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((لن يدخل أحدكم عمله الجنة)) قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ((ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته)) فهو يسأل مرافقته في الجنة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يدعو له، لكن هل يكفي أن يعتمد الإنسان على دعاء غيره من غير بذل سبب منه؛ لأن ترتب الأمور أو ترتب الآثار على أعمالها أو ترتب المسببات على أسبابها لا بد من توافر سبب وانتفاء مانع، ولا يمكن أن يحصل الإنسان على ما يريد بسبب غيره دون أن يبذل جهداً من نفسه؛ لأنه مأمور بأوامر ومنهي عن نواهي، وجاءت خصال موصلة إلى الجنة، لكن من فعلها تضمن له الجنة ولو ارتكب مانع أو قصر في واجب؟ قد يكون أهم من هذا الذي هو سبب في دخول الجنة ((من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)) ((ومن قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)) ((ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)) لكن هل ينال هذه الفضائل من ينام عن الصلوات؟ هذا بذل هذه الأسباب وموعود بالمغفرة، لكن لا بد من انتفاء الموانع، ولا بد من بذل الأسباب المعينة.(27/10)
ولذلك قال: "فقال: ((أو غير ذلك؟ )) " أما تسأل غير هذا؟ أليس حاجة أيسر من هذه؟! لأنه لو قال: الأرض الفلانية قال: خذ "قلت: هو ذاك" يعني ما عندي غير هذا، ما عندي غير الجنة، الهمة محددة، وهي دخول الجنة، ومن لازمها النجاة من النار، وإذا دخل الجنة تنعم بنعيمها الذي أعظمه رؤية الباري -جل وعلا-، التلذذ برؤية الله -جل وعلا-، وما يتبع ذلك من النعيم المقيم، وفي ضمنه النجاة من العذاب الأليم الأبدي السرمدي.
"قلت: هو ذاك، قال: ((فأعني على نفسك بكثرة السجود)) " فالكثرة مطلوبة، والسجود كناية عن الصلاة، يعني أكثر من الصلاة، ومن لازم الصلاة السجود ((أعني على نفسك بكثرة السجود)) وهذا يدل على أنه لا حد محدد للركعات التي يتطوع بها الإنسان من النوافل المطلقة في ليل أو نهار، ما في حد محدد: ((أعني على نفسك بكثرة السجود)) وكلما كان أكثر كانت الإجابة أقرب.
الكثرة -كثرة السجود- هل تنافي طول السجود؟ نعم؟ تنافي وإلا ... ؟
طالب:. . . . . . . . .(27/11)
لأن الكثرة يراد بها في العدد، والطول في الوقت، فهل الأفضل أن يسجد سجدة واحدة في خمس دقائق، أو يسجد خمس سجدات في خمس دقائق؟ في الحديث يقول: ((فأعني على نفسك بكثرة السجود)) لأنه أثر عن بعض السلف أنه يتطوع في اليوم والليلة بعدد كبير وكثير من الركعات، منهم من يتطوع بثلاثمائة ركعة، وإذا اعتبرنا الركعة بدقيقة في أقل ما يجزئ فيحتاج إلى خمس ساعات متواصلة، وذكر ابن المطهر الحلي الرافضي في كتاب: منهاج الكرامة عن علي -رضي الله عنه- أنه كان يتطوع في اليوم والليلة بألف ركعة، لكن شيخ الإسلام قال: الوقت لا يستوعب، لكن ثلاثمائة كما يذكر عن الإمام أحمد -رحمه الله- وعن غيره من السلف، الحافظ عبد الغني المقدسي ثلاثمائة، هل هذا هو الأفضل أو الأفضل أن يصلي بدل الثلاثمائة أقل لكن على طريقة أطول، بدلاً من أن يصلي الركعة بدقيقة يصليها بثلاث دقائق، وبدلاً من الثلاثمائة يصلي مائة، وصفة صلاته -عليه الصلاة والسلام- هي الطول، والحديث يدل على الكثرة، ولعلنا نعود إلى ما ذكرناه وقررناه سابقاً أن على كل إنسان أن يفعل ما يناسبه ويميل إليه، ليأتي إلى هذه العبادة وهو منشرح الصدر، فبعض الناس ميله إلى التخفيف مع الكثرة، وبعضهم ميله إلى التطويل مع التقليل، وكل إنسان يفعل الأرفق به، وما يعينه على لزوم هذه العبادات الذي يعينه على لزومها، لو قيل للإنسان: صل مائة ركعة، يمكن يصلي يوم ولا يصلي يوم ثاني، يعني بالتدريج، يصلي ما كتب له حسب ما يتيسر، وحسب فراغه، وحسب نشاطه يصلي، ولكن لا ينسى هذه الوصية: ((فأعني على نفسك بكثرة السجود)).
قوله: ((بكثرة السجود)) يدل على أنه لا حد محدد لا يزاد عليه ولا ينقص في صلاة التطوع، سواءً كانت بالليل أو بالنهار، وسيأتي في حديث عائشة أنه -عليه الصلاة والسلام- ما كان يزيد على إحدى عشرة ركعة، ويأتي ما فيه مع استحضار هذا الحديث -إن شاء الله تعالى-.
"رواه مسلم".(27/12)
"وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: حفظت من النبي -صلى الله عليه وسلم- عشر ركعات" يعني يمكن أن يقال: إنه حفظ هذه العشر من مرة واحدة فلا يدل على لزوم العشر، أو أنه من تكررها حفظها ابن عمر؟ لا سيما وأنه يوجد ما يخالف هذا الحديث في العدد، حفظت من النبي -صلى الله عليه وسلم- عشر ركعات، وهل الذي يحفظ القول أو الفعل؟ يعني هل رأى النبي -عليه الصلاة والسلام- يفعلها أو سمعه يحث عليها؟ يعني الحفظ خاص بالقول أو يعم القول والفعل؟ يعم القول والفعل.
"حفظت من النبي -صلى الله عليه وسلم- عشر ركعات: ركعتين قبل الظهر، وركعتين بعدها" وسيأتي في حديث أم المؤمنين أنها أربع ركعات قبل الظهر، وركعتين بعدها، ويأتي أيضاً ما يدل على أنها أربع ركعات قبل الظهر، وأربع ركعات بعدها، وعلى هذا تكون الرواتب المتعلقة بالفرائض الخمس عشر على حديث ابن عمر، أو اثنتا عشرة، أو أربعة عشرة.
والحكمة من شرعيتها أنها يرقع بها الخلل التي في الفرائض، فأول ما يحاسب عليه العبد من دينه الصلاة، فإن وجدت تامة فقد أفلح وأنجح، وإن وجدت ناقصة قال الله -جل وعلا-: ((انظروا هل لعبدي من تطوع؟ )) من أجل أن يكمل النقص من التطوع، وهكذا في جميع العبادات إذا وجد خلل في الفرض يكمل من التطوع، فالصلاة المفروضة يكمل نقصها من التطوعات، هذا يجعل المسلم يحرص على التطوع؛ لأن النقص والخلل والسهو والغفلة أمور ملازمة للإنسان مهما بذل وحرص على الكمال، فإن الخلل لا بد أن يقع؛ فليحرص على ما يكمل به هذا النقص، وهذا الخلل من الرواتب المذكورة ومن غيرها؛ لأنها قد لا تفي هذه الرواتب برفع الخلل الواقع في الفريضة وقل مثل هذا في الزكاة، ومثل هذا في الصيام في الحج وغيرها.(27/13)
وهنا مسألة يكثر السؤال عنها، وهي أن من استؤجر على عمل موظف، سواءً كان في وظيفة إدارية عادية يحصل منه خلل، يحصل منه خلل في وقت الدوام، تفريط، ثم يقول بعد ذلك: أنا آخذ بعض العمل لأشتغل به في البيت نكمل النقص، ويوجد هذا في المعلمين، ولا سيما بعض الشيوخ الذين يعلمون العلم الشرعي فتجده مدرس تفسير وإلا مدرس حديث وإلا مدرس قرآن وإلا مدرس عقيدة أو غيرها من التخصصات، تجده في عمله الوظيفي عنده شيء من التقصير والتفريط، تجده يتراخى، يعرف أن المحاضرة دخلت فيمر على فلان في مكتب فلان أو على وكيل وإلا عميد وإلا رئيس قسم وإلا شيء ويأخذ عنده بيالة شاي ولو تأخر خمس دقائق أو شيء من هذا، أو في أثناء الدرس تجده يتشاغل بأمور مفضولة على حساب الواجب، ثم يقول بعد ذلك: أنا عندي دروس في المغرب في آخر النهار، أنا عندي نفع وبذل لعله يرقع هذا من هذا، هذه وجهة نظر.
وبعضهم تجده يحرص على أداء الواجب المحاضرة من أولها إلى آخرها جادة في صميم المنهج، لكن ليس له بذل غير ذلك، أيهما أفضل؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
الثاني أو الأول؟
طالب:. . . . . . . . .(27/14)
أولاً: الكمال لا يمكن أن يتصور أو يتوقع من أحد، وإذا كان للإنسان بذل قدر زائد على الواجب فلا بد أن يكون له تبعات، وهذه التبعات قد تؤثر على العمل الأصلي، وإذا نظرنا إلى النوعيات التي تستفيد منه في العمل الأصلي وفي العمل التطوعي، تجده يحضر عنده في العمل الأصلي من يستفيد ومن لا يستفيد، إضافة إلى أن العمل الأصلي فيه ما يدعو إلى شيء من الخلل، يعني أخذ الحضور مثلاً، معاتبة طالب نائم وإلا منشغل وإلا كذا، هذه مطلوبة من المدرس، لكنها على حساب العمل يعني، بينما عمله التطوعي تجده صافي لطلاب ينتفعون، ما جاءوا إلا للانتفاع والنية والإخلاص فيه أقرب، لكن مع ذلك مهما بذل يجب عليه أن يسعى لإبراء ذمته من عمله الأصلي الذي يأخذ عليه أجراً، يجب عليه أن يسعى لإبراء ذمته، لكن إذا حصل خلل من غير قصد ولا تفريط، ثم كان له عمل تطوع بذل في غير الوقت الأصلي فإنه على الجادة على القاعدة، يكمل له العمل الأصلي -إن شاء الله تعالى-، لكن لا يقول: أنا ما عندي طلاب في الجامعة، طلاب يعني ولو عشرة بالمائة طلاب علم، فأوفر الجهد والتحضير والاهتمام لدروس المسجد، نقول: لا يا أخي، أنت عملك الأصلي هو الذي تأخذ عليه أجراً، إذا كنت لا تطيق الجمع بين الأمرين فلا يجوز لك أن تفرط في العمل الذي تأخذ عليه أجراً، وإن نازعتك نفسك وعجزت عن المقاومة ففي مجالات أخرى يعني، بإمكانك أن تستقيل أو تتقاعد أو .. ، ثم تتجه إلى ما تراه أنفع.
على كل حال القاعدة مطردة، العمل التطوعي يكمل منه العمل الواجب، وهذه هي الحكمة من مشروعية هذه النوافل، في حديث ابن عمر عشر ركعات وفي حديث أم المؤمنين اثنتي عشرة ركعة، فإذا جمعنا هذه الركعات العشر مع الفرائض السبع عشرة نحتاج إلى تكميل الأربعين إلى ثلاث عشرة، ابن القيم -رحمه الله- يقول: "من طرق الباب أربعين مرة يوشك أن يفتح له" "كيف؟ سبع عشرة الفرائض، وثنى عشرة الرواتب وإحدى عشرة صلاة الليل، كم يكون المجموع؟ يكون المجموع أربعين، وإذا قلنا: إن الرواتب عشر على حديث ابن عمر يحتاج في صلاة الليل أن يصلي ثلاث عشرة، وهي ثابتة عن النبي -عليه الصلاة والسلام- في الصحيح.(27/15)
"حفظت من النبي -صلى الله عليه وسلم- عشر ركعات" خفي عليه ما زاد في حديث أم المؤمنين، من الركعتين اللتين قبل صلاة الظهر، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ، فالمرجح أن الرواتب اثنتا عشرة ركعة، ركعتين قبل الظهر، وفي حديث أم المؤمنين أربع ركعات على ما سيأتي، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب في بيته، لم تذكر العصر لأنه لا راتبة لها، فالظهر لها راتبة قبلية وبعدية، ووقت الراتبة القبلية من دخول الوقت إلى الشروع في الصلاة، والبعدية من الفراغ من الصلاة، وأذكارها إلى خروج الوقت، وقد تقضى القبلية بعد الصلاة وبعد الراتبة البعدية لأنها مقضية مقضية، فإذا أخرت يعني جاءوا ناس يصلون صلاة الظهر فاتته الراتبة، صلى الظهر ثم يصلي ركعتين الراتبة البعدية، ثم بعد ذلك يقضي الراتبة القبلية الأربع ركعات أو الركعتين على ما جاء في حديث ابن عمر وأم المؤمنين؛ لماذا؟ لأنه لو قدم الراتبة القبلية لصارت الراتبة البعدية قضاء، فتؤدى المؤداة قبل المقضية، فالظهر لها راتبة قبلية وبعدية، طيب العصر؟ العصر ما ذكرت في الحديث؛ لأنها ليس لها سنة راتبة، ليس لصلاة العصر سنة راتبة، وجاء الحث على ما سيأتي على أربع ركعات قبل العصر، وسيأتي الكلام فيها، وصلى النبي -عليه الصلاة والسلام- راتبة الظهر لما شغل عنها بعد صلاة العصر، وهو وقت نهي، وجاء ما يدل على اختصاصه بذلك؛ لأنه -عليه الصلاة والسلام- إذا عمل عملاً أثبته، فالآن عندنا الصلاة الأولى أي الصلوات؟ نعم؟ الظهر، جاءت تسميتها في النصوص الصلاة الأولى؛ ولماذا صارت أولى؟
طالب:. . . . . . . . .
أول صلاة صلاها النبي -عليه الصلاة والسلام- مع جبريل حينما علمه الأوقات، فالظهر هي الأولى، والثانية العصر، الأولى لها راتبة قبلية وبعدية، والعصر ليس لها راتبة لا قبل ولا بعد.(27/16)
"وركعتين بعد المغرب في بيته" تنصيص، فراتبة المغرب الأفضل أن تكون في البيت، وسئل الإمام أحمد أيجزئ صلاة راتبة المغرب في المسجد؟ قال: أرجو، يعني في إجزائها شك، النبي -عليه الصلاة والسلام- واظب على فعلها في البيت، لكن كثير من الناس لا يتيسر له أن يذهب إلى البيت بعد صلاة المغرب، قد يكون مرتبط بعمل، مرتبط بدرس في المسجد، أو بعمل في جهة من الجهات، أو على موعد مع فلان أو فلان، أو يذهب إلى محله وتجارته، فهل الأفضل له أن يصليها في المسجد؟ أما إذا كان عنده درس في المسجد فلا خيار، يعني يصليها في المسجد، لكن إذا كان له محل تجارة أو عمل وظيفي يذهب إليه بعد صلاة المغرب أو مدعو عند صديق أو قريب هل يصليها في المسجد أو يصليها في محله في متجره في محل وظيفته في بيت من دعاه؟
طالب:. . . . . . . . .
الأفضل أن يصليها في محله في تجارته في دكانه في مكتبه في المحل الذي دعي إليه للضيافة مثلاً، أو يصليها في المسجد؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني ما البديل للبيت؟ هل نقول: إن الدكان في ملكه شبيه بالبيت، أو نقول: إنه محل عام يدخل ويخرج منه فهو شبيه بالمسجد؟ لأن الصلاة في البيت شرعت لحكم، منها: أولاً: أنه أخفى عن أعين الناس، ومنها: من أجل أن يقتدي به النساء والأطفال، ويتعلمون الصلاة من صلاته في بيته، فعلى هذا إذا لم يتيسر له أن يصليها في بيته يصليها في المسجد، وإذا كان على موعد وخشي أن يتأخر عليه فأراد أن يصليها على رحلته يستغل الطريق يصليها على راحلته وإلا لا؟
طالب:. . . . . . . . .
ماشية، إذا هو واقف يصلي في المسجد، وهو ماشي الدوام باقي عليه خمس دقائق ما في فرصة أنه يصلي في المسجد، يصلي في الطريق في السيارة وإلا ما يصلي؟ هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
النبي -عليه الصلاة والسلام- ما صلى على الدابة في الحضر، إنما صلاها في السفر، لكن إذا خشي فواتها أو تضييعها في مثل هذا ألا يتجه أن يقال له: النفل مبني على التخفيفـ، له أن يصليها في سيارته على دابته استغلالاً للوقت؛ لئلا يضيع شيء من الواجب، ولا تضيع الراتبة أيضاً.(27/17)
صلى بجواري أمس في المسجد الحرام صلاة الجمعة شخص، فلما سلم قام وصلى تسليمتين، ولا صلى على الجنائز، يقول: لا بد أن أصلي هذه الركعات لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- ذكر عنه أنه كان يصلي بعد الجمعة أربع ركعات على ما سيأتي، يعني إذا كان في المسجد، فهل يفرط في صلاة الجنازة من أجل هذه الركعات الأربع؟ جنائز، وهذا يدخل في باب المفاضلة بين العبادات وهو أمر مهم، هل نقول لمثل هذا: صل على الجنائز وصل الصلوات هذه لئلا يفوتك دوامك لأنه عسكري، والأمر عندهم أشد من المدنيين، صلها على السيارة تلحق، تحصيلاً لهذه القراريط بعدد الجنائز التي يصلى عليها، أو نقول: إن هذه من الأمور المستثناة شرعاً فلا يعارض بها الدوام؟ يعني الدوام هل واحد من الموظفين وقع عقد وفيه استثناء وقت الصلاة؟ ما في أحد يوقع على هذا، لكنه مستثنى شرعاً، إذا أذن تطبق القلم وتمشي تصلي، ولا أحد يستطيع أن يعارضك في هذا، وأنت في وسط الدوام، هذا مستثنى شرعاً، فهل مما يستثنى أيضاً ما يلتحق بهذه الفرائض من نوافلها، يعني ولو أدى ذلك إلى التأخر، يعني هذه أمور عملية يحتاجها الناس كلهم، كل من هو مرتبط بعمل يحتاج مثل هذه المسائل.
الفريضة مستثناة شرعاً لكن النافلة؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
أولى من النافلة، النافلة راتبة ونص عليها ومحفوظة عن النبي -عليه الصلاة والسلام- ولم يخل بها، فهل هي مما يلتحق بالفرائض؟ طيب أذكار الصلاة تقول: العمل أولى؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ما هي بسيطة يا أخي تأخذ عند بعض الناس وقت، تأخذ وقت عند بعض الناس، وهو بالإمكان أن يقولها وهو في طريقه، لكن الأصل أنها مرتبطة بالصلاة بمكانها، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقولها وهو جالس، هذه الأمور لا شك أنها مستثناة شرعاً، وليس لأحد أن يطالب، يعني يقول: لماذا تأخرت خمس دقائق؟ صليت الراتبة يلام على ذلك وإلا ما يلام؟ لا يلام على ذلك.(27/18)
وركعتين بعد المغرب في بيته ما نص على البيت في راتبة الظهر القبلية ولا البعدية مما يدل على أنها في المسجد، كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يفعلها في المسجد، ولو فعلها في بيته لعموم حديث: ((أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة)) لكان أفضل، لكن يبقى أن التنصيص على ركعتي المغرب في البيت يدل على أهمية صلاتها في البيت.
وكذلك ركعتين بعد العشاء في بيته "وركعتين قبل صلاة الصبح" ركعتين قبل صلاة الصبح في بيته أيضاً، ترك التنصيص على البيت في ركعتي الصبح لظهور أمرها، ما كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يصليها في المسجد، يصلي التهجد ثم يضطجع وقد ينام، فإذا أذن بلال بالصلاة صلى الركعتين ثم اضطجع، وسيأتي حكم الاضطجاع بعد الركعتين حتى يؤذنه بلال بالصلاة، فكان يصلي الركعتين في بيته، وقد يتعارض فعل هاتين الركعتين في البيت مع التبكير إلى الصلاة والقرب من الإمام والصف الأول وميامن الصفوف، يكون هناك تعارض، فما الذي يقدم؟ هل يصلي ركعتي الفجر في بيته ونقول: أفضل ولو فاتك الصف الأول ولو بعدت عن الإمام لا سيما إذا كان المسجد بعيداً؟ أو نقول: أقرب من الإمام وصف في الصف الأول قريب منه واستمع لقراءته وبكر للصلاة واقرأ ما كتب لك قبل الصلاة ويكون بمجموع هذه الفضائل أفضل مما لو صلاها في بيته؟ الأصل الاقتداء بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، فما فعله -عليه الصلاة والسلام- هو الأكمل، فيصلي الركعتين في بيته، ثم يأتي إلى الفريضة.
"وركعتين قبل صلاة الصبح" أولاً: بعد طلوع الصبح يبدأ وقت النهي، فإذا طلع الصبح فلا صلاة إلا ركعتي الصبح فقط، فلو صلاها في بيته وجاء إلى المسجد ووجد الصلاة ما أقيمت يصلي ركعتين اللي هي تحية المسجد؛ لأن الوقت موسع، ونازع بعضهم في كونه من أوقات النهي، وأن النهي يبدأ من الصلاة كالعصر، لكن المرجح أن النهي يبدأ قبل الصلاة من طلوع الصبح.
"وركعتين قبل الصبح" ومعلوم أنها في البيت "وكانت ساعة" وكانت هذه الساعة ساعة "لا يدخل على النبي -صلى الله عليه وسلم- فيها أحد" يصلي فيها هاتين الركعتين، ويضطجع على شقه الأيمن حتى يؤذن للصلاة من قبل المؤذن.(27/19)
"حدثتني حفصة" من الذي يقول: حدثتني؟ ابن عمر وهو إيش؟ أخوها "حدثتني حفصة بنت عمر أم المؤمنين -رضي الله عنهما-: أنه كان إذا أذن المؤذن وطلع الفجر صلى ركعتين" هما راتبة الصبح "متفق عليه، وهذا لفظ البخاري، وفي لفظ لمسلم، قالت: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا طلع الفجر لا يصلي إلا ركعتين خفيفتين" هذا يدل على أن النهي يبدأ من طلوع الفجر، وعلى هذا إذا طلع الفجر فلا صلاة غير هاتين الركعتين، وذكر عن بعض الصحابة أنه كان يقضي الوتر في هذا الوقت، لكن لا كلام لأحد معه -عليه الصلاة والسلام- الذي انتهى وتره إلى السحر، يعني قبل طلوع الفجر، وإذا طلع الفجر فلا صلاة إلا ركعتي الفجر، وعلى هذا من فاته الوتر يقضيه إذا خرج وقت النهي بارتفاع الشمس.
"كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا طلع الفجر لا يصلي إلا ركعتين خفيفتين" خفيفتين حتى قالت عائشة -رضي الله عنها-: "لا أدري أقرأ بفاتحة الكتاب أم لا؟ " تعني النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهذا مبالغة في التخفيف، يصلي ركعتين خفيفتين، تقول عائشة -رضي الله عنها-: "لا أدري أقرأ بفاتحة الكتاب أم لا؟ " وتخفيف ركعتي الفجر هو السنة، وسيأتي ما يقرأ فيهما.
"وفي رواية لهما -يعني للبخاري ومسلم يعني من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما-: "وركعتين بعد الجمعة في بيته" يعني متصلة بحديثه السابق، نعم؟ متصلة بحديثه السابق، فقوله: حفظت من النبي -عليه الصلاة والسلام- عشر ركعات: ركعتين وركعتين وركعتين وركعتين وركعتين، هذه عشر، ثم قال: "وركعتين بعد الجمعة في بيته" كم يكون المجموع؟ يكون المجموع ثنتي عشرة، العشر، وركعتين بعد الجمعة،
العد الإجمالي يختلف مع العد التفصيلي، يقول: حفظت من النبي -عليه الصلاة والسلام- عشر ركعات، ثم عد ثنتي عشر ركعة، فقوله: "عشر ركعات" يعني المتكررة في كل يوم، يعني ما يتكرر في كل يوم، وأما الجمعة فلا تتكرر، فلا تحسب مع العد الإجمالي.(27/20)
"ركعتين بعد الجمعة" وجاء ما يدل على أنها أربع ركعات، وجاء ما يدل على أنها ست، ابن القيم -رحمه الله- يجمع بين هذه الروايات بأنه إن صلاها في المسجد صلى أربعاً، وإن صلى في البيت صلاها ركعتين، ولذا قال: "وركعتين بعد الجمعة في بيته" والجمعة ليست لها راتبة قبلية، ليست كالظهر.
إفراد الركعتين بعد الجمعة في بيته ألا يمكن أن يشملها ما تقدم ركعتين بعدها، يعني بعد الظهر، ويكتفى عن إفراد الجمعة؟ أو نقول: إن الجمعة وقت مستقل كالصبح؟ ولذا لا تجمع ولا يجمع إليها، لا تجمع مع العصر ولا تجمع العصر معها، فهي وقت مستقل، ولذلك أفردت راتبتها، وإلا لو كانت قائمة مقام الظهر، أو هي الظهر والخطبتان عن الركعتين الأوليين لما احتاج إلى التنصيص إلى قوله: "وركعتين بعد الجمعة في بيته.
قال -رحمه الله-: "وعن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان لا يدع أربعاً قبل الظهر وركعتين قبل الغداة" رواه البخاري" هذا لا شك أنه يدل على تأكد الأربع قبل صلاة الظهر، وهي التي جاء فيها: "أربع ركعات بعد الزوال لا يرد الدعاء بعدها" وأما ركعتي الصبح فالتأكيد عليها جاء في أحاديث منها أنه كان لا يدعها سفراً ولا حضراً.
"وعنها" يعني عن عائشة -رضي الله عنها- "قالت: لم يكن النبي -صلى الله عليه وسلم- على شيء من النوافل أشد منه تعاهداً على ركعتي الفجر" متفق عليه، واللفظ للبخاري" يذكر عن الحسن البصري أنه أوجب ركعتي الفجر، ولكن عامة أهل العلم على أنها سنة، من الرواتب ومؤكدة؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يكن ليدعها لا في سفره ولا حضره كالوتر، ولم يكن على شيء من النوافل أشد منه تعاهداً على هاتين الركعتين.
"متفق عليه، واللفظ للبخاري، ولمسلم: ((ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها)) " وهذا أيضاً يدل على تأكدها.(27/21)
((خير من الدنيا وما فيها)) يعني النفوس معلقة بالدنيا وزخرفها وأعناق الناس تشرئب إليها وإلى أربابها وأصحابها، بغض النظر عن هاتين الركعتين، وما هو أهم من هاتين الركعتين من الفرائض، يعني هل نظرة عموم الناس إذا رأوا رجلاً ثرياً يمتطي سيارة فاخرة، يعني يدخل في قلوبهم من الهيبة مثل ما يدخل قلوبهم من شخص لا تفوته تكبيرة الإحرام؟ لا، وعلى هذا لو أن شخص أدرك ركعتي الفجر قبل صلاة الصبح لو عرضت عليه الدنيا يوافق وإلا ما يوافق؟ يعني لو قيل له: هذا ألف أو مليون بها الركعتين، ألا يمكن أن يقول: نأتي بركعتين بدقيقتين غير هاتين الركعتين؟! والمليون متى يجمع؟ يعني هذا في حسابات الناس العادية، هذا في حساباتهم العادية، لكن ومع ذلك: ((ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها)) بما فيها من الأموال كلها، ومن المتع كلها، ومن زينتها وزخرفها، وجميع ما يستمتع به الناس ويستلذون به كله لا يعادل ركعتي الفجر، والدنيا كلها لا تزن عند الله جناح بعوضة، لكن هل الناس يقدرونها قدرها، بل العكس وجد من يعبدها من دون الله، وجد من يعبد الدرهم والدينار، وجد من يعبد الوظيفة، وجد من يعبد المركز الاجتماعي وغير ذلك، وحب الشرف، وحب المال، هذه من أعظم ما يقضي على دين المرء: ((وما ذئبان جائعان أرسلا في زريبة غنم بأفسد لهما من حب الشرف والمال لدين المسلم)) يعني التهالك على حب الشرف، وحب المال، حب الرئاسات، حب الجاه هذا هو الذي أهلك الناس، وتجد بعض الناس متماثل مستقيم قبل أن يملك شيء من الدنيا، أو قبل أن يحصل له شيء من المنصب أو الجاه، ثم بعد ذلك تجده يتنازل شيئاً فشيئاً إلى أن يفقد أغلى ما يملك، وبعض طلاب العلم نسوا القرآن، نسوه، حفظوه ثم نسوه؛ لماذا؟ لأنهم اشتغلوا، إما بمساهمات عقارية أو أسهم أو غيرها، تجده يلتحق بهذه الأعمال ثم ينسى نفسه، وينسى ربه، وينسى دينه، وينسى أسرته، كم تقدر الكارثة والخسارة إذا نسي القرآن بعد أن حفظه؟ أو صلى صلاة لا يعقل منها شيء، أو فرط فيما أؤتمن عليه من أسرة من زوجة من أولاد من بنين وبنات، وعمل ووظيفة واجبة، يفرط فيها من أجل حطام الدنيا، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((ركعتا الفجر خير من(27/22)
الدنيا وما فيها)) يعني لو أن شخصاً جاء قبل صلاة الصبح مع الأذان وبإمكانه الوقت يستوعب إلى هاتين الركعتين وعشر ركعات بخمس تسليمات، ثم صلى ركعتين، وجاء قال واحد: هذا مليون، قال: هات، نصلي غيرهن، ثم صلى ركعتين، وقال الثاني كذلك، والثالث والخامس قال: تقضى بعد صلاة الصبح أو بعد طلوع الشمس، كل هذا لا يعدل شيئاً عند الله -جل وعلا-.
وهل يؤثر في النية -في نية الإنسان-؟ لأن بعض الناس من باب الفضول إذا حج شخص قال: كم تبيع علي الحجة؟ خسرت خمسة آلاف أعطيك مائة ألف، ثم قال: لا مانع، وهو يريد أن يختبره، هل يؤثر على نيته بعد الفراغ من العبادة أو لا يؤثر؟ نعم؟ إذا كان الندم على المعصية توبة، فالندم على العبادة بعض الناس يحج وإذا رجع من الحج قال: ليتني ما حجيت، والله تعبنا تعب شديد، ليتني ما حجيت ها السنة، هذا لا شك أنه يخدش في العمل، فكيف بالمساومة في أمور الدنيا؟! لأنه يوجد في فضول الناس، فضول عوام الناس وقد يوجد عند بعض الملتزمين كم تبيع علي حجك؟ كم تبيع علي صيامك؟ كم؟ كل هذا من العبث بالدين والدنيا كلها لا شيء بالنسبة لهاتين الركعتين، فما بالكم بما هو أعظم منهما مما افترض الله على الإنسان؟! والله المستعان.
سعيد بن المسيب جاءه من يخطب ابنته لابن الخليفة، ويقول له: جاءتك الدنيا بحذافيرها، قال: كيف؟ قال: ابن الخليفة يخطب البنت، جاءتك الدنيا بحذافيرها، قال: إذا كانت الدنيا لا تزن عند الله جناح بعوضة فما ترى أن يقص لي من هذا الجناح؟!
الدنيا كلها ما في يد الخليفة وما في أيدي الناس، وما في أيدي الملوك في سائر الأقطار كله لا يزن عند الله جناح بعوضة، ماذا يقص لسعيد بن المسيب الذي يعرف حقيقة الدنيا ويعرف حقيقة الآخرة؟! ماذا يقص له من هذا الجناح؟ لكننا في غفلة، نحن في غفلة عما خلقنا له، والله المستعان.
قال -رحمه الله-:(27/23)
"وعن أم حبيبة -رضي الله عنها- قالت: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((من صلى)) " أم حبيبة بنت أبي سفيان أخت معاوية واسمها: رملة، تزوجها النبي -عليه الصلاة والسلام- وهي بالحبشة مهاجرة بعد أن ارتد زوجها، وجاء ما يدل على أن أبا سفيان جدد العقد للنبي -عليه الصلاة والسلام- بعد أن أسلم على الكلام الذي عرف وذكره أهل العلم في الطعن في حديث التجديد، ولكن لا يمنع ما دام في صحيح مسلم، لا يمنع أن يجدد العقد، وإن كان العقد صحيحاً سارياً من باب جبر الخاطر؛ لأنه كبير قوم، ويرى أن ابنته أخذت من غير إذنه وقهراً عنه، لا يمنع أن يعطى مثل هذا جبراً لخاطره، كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((من دخل بيت أبي سفيان فهو آمن)).
"-رضي الله عنها- قالت: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((من صلى اثنتي عشرة ركعة في يوم وليلة بني له بهن بيت في الجنة)) وفي رواية: ((تطوعاً)) " التطوع يخرج الفرض؛ لأن من اقتصر على الفرائض يقول: أنا صليت ثنتي عشرة ركعة في يوم وليلة وزدت خمس ألا يحصل لي هذا الوعد يبنى لي بيت في الجنة، الرواية تقول: ((تطوعاً)) والتطوع لا يكون إلا بعد أداء الفريضة.(27/24)
((من صلى ثنتي عشرة ركعة في يوم وليلة بني له بهن بيت في الجنة)) وهذا يدل .. ، الصيغة ((من صلى)) ((بني)) هل تدل على الملازمة أو أنه في كل يوم يبنى له بيت في الجنة؟ جواب الشرط بني مرتب على صلى، جواب الشرط بني له بهن بيت في الجنة مرتب على من صلى، فإذا صلى ثنتي عشرة ركعة بني له بيت في الجنة، ثم إذا صلى ثنتي عشرة ركعة بني له بيت في الجنة، قد يقول قائل: في كل يوم يبنى للمسلم بيت في الجنة؟ أو يكفيه أنه إذا لزم هذه الثنتي عشر الركعة يبنى له بيت واحد في الجنة ولو طول عمره؟ وماذا عما لو أخل في بعض الأيام؟ إذا قلنا: إنه للملازمة والدوام والاستمرار إذا أخل ولو في يوم من الأيام ما حصل له بيت في الجنة، وإذا قلنا: إن فضل الله واسع، وما عنده لا يمكن أن يحد، رتبنا الجواب على الشرط، وقلنا: إنه بمجرد ما يصلي ثنتي عشرة ركعة يبنى له البيت في الجنة، وفضل الله واسع، يعني ولا يقال: الإنسان يعمر مائة سنة وفيها كم من يوم؟ السنة ثلاثمائة وخمسين، وعشرين سنة سبعة آلاف، إذا ضربتها في متوسط العمر مثلاً السبعين احذف منها الخمس عشرة قبل البلوغ يبقى خمس وخمسين اضرب السبعة آلاف في ثلاثة عشرين ألف، كم يبنى له؟ حدود عشرين ألف بيت، يقول: وين المساحة التي بتأخذ كل واحد عشرين ألف بيت؟ أولاً: عموم الناس كثير منهم لا يحافظ على هذه الصلوات رغم ما ورد في فضلها، الأمر الثاني: أن آخر من يدخل الجنة، يخرج من النار ويدخل الجنة آخرهم ماذا أعد له في الجنة؟ يقال له: تمن، فتنقطع به الأماني ما يعرف المسكين، فيقال: أيرضيك أن يكون لك ملك أعظم ملك في الدنيا؟ فيقول: إي وربي، فيقال: هو لك ومثله ومثله وعشرة أمثاله، هذا آخر من يدخل الجنة ويخرج من النار، عشرة أمثال أعظم ملك في الدنيا، تصور ملك هارون الرشيد، عشرة أمثاله لآخر من يخرج من النار ويدخل الجنة، يعني نتكاثر عشرين ألف بيت أو ثلاثين ألف بيت؟! فما عند الله لا يحد وخزائنه ملأى، لا تغيظها النفقة، يعني ماذا أنفق منذ أن خلق الخليقة؟ يده سحاء الليل والنهار، وفي الحديث القدسي: ((لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم اجتمعوا في صعيد واحد وسألوا فأعطى كل واحد مسألته ما نقص من ملكه شيء))(27/25)
لكن على الإنسان أن يبذل، يسمع مثل هذه الأمور ويفرط، يسمع أحاديث الترغيب فيها الأمور العظيمة التي لا يمكن أن تقدر بحساباتنا ويفرط، ويسمع بالمقابل الأهوال الشديدة ويفرط أيضاً فيترك الواجبات ويفعل المحرمات، وصنيعه صنيع المكذب، لكن الشهوة غلبته والكسل ففرط في جنب الله، ثم يجد جزاءه يوم لا ينفع مال ولا بنون.
"رواه مسلم، وقد رواه الترمذي وصححه، والنسائي وفيه" الحديث الإجمالي: ((من صلى ثنتي عشرة ركعة في يوم وليلة بني له بيت في الجنة)) هذا مجمل، فصل في رواية الترمذي والنسائي فقيل: ((أربعاً قبل الظهر وركعتين بعدها)) وهو مطابق لحديث ابن عمر وشاهد له في الجملة إلا فيما يتعلق بما قبل صلاة الظهر ففي حديث ابن عمر ركعتين وفي حديث أم حبيبة أربع.
((أربعاً قبل الظهر وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل الفجر)) قال النسائي: ((قبل الصبح)) والفجر صلاة الفجر وصلاة الصبح إلا أن قوله: قبل الصبح يحتمل أن يكون قبل طلوعه، لكن رواية الترمذي مفسرة.
"وذكر ركعتين قبل العصر بدل ركعتين بعد العشاء" لكن هذه الرواية خطأ، شاذة غير محفوظة، فالمحفوظ أنها بعد العشاء وليست قبل العصر.
ثم قال -رحمه الله-:
"وعن أم حبيبة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من حافظ على أربع ركعات قبل الظهر وأربع بعدها حرمه الله على النار)) " في حديثها الأول: ((أربع قبل الظهر وركعتين بعدها)) وفي حديثها الثاني: ((أربع قبل الظهر وأربع بعدها)) فهل نقول: إن الرواتب عشر كما جاء في حديث ابن عمر؟ أو ثنتي عشرة كما جاء في الرواية الأولى من حديث أم حبيبة، أو في حديثها الثاني أربع قبل الظهر وأربع بعدها فتكون الرواتب أربع عشرة؟ منهم من يرجح حديث ابن عمر، وهذا هو المشهور عند الحنابلة أن الرواتب عشر، ومنهم من يرجح حديث أم حبيبة فيقول: إن الراتب اثنتا عشرة عملاً بالزيادة، وأما أربع قبل الظهر وأربع بعدها فالذي يظهر أن الأربع بدلاً من الثنتين بعد الظهر ليست من الرواتب؛ لأنه في حديثها الآخر ركعتين، في حديث ابن عمر ركعتين بعد الظهر.(27/26)
((حرمه الله على النار)) يعني منعه وحجبه عن دخولها، والمحرم هو الممنوع ((حرمه الله على النار)) فماذا يكون مآله؟ الجنة.
"رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والنسائي والترمذي، وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب".
ثم قال: "وعن عاصم بن ضمرة عن علي -رضي الله تعالى عنه- قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي قبل العصر أربع ركعات" وجاء أيضاً في الحديث الذي يليه: ((رحم الله امرأ صلى أربعاً قبل العصر)) "أربع ركعات يفصل بينهن بالتسليم على الملائكة المقربين ومن تبعهم من المسلمين والمؤمنين" فيدل على أن هذه الأربع تكون بسلامين.
"رواه أحمد والترمذي وحسنه، وعاصم بن ضمرة هذا تكلم فيه أهل العلم" فوثقه جمع وضعفه تكلم فيه آخرون، قال: "وثقه أحمد وابن المديني وابن خزيمة وغيرهم، وتكلم فيه غير واحد من الأئمة".
المعلق محقق الكتاب سليم الهلالي هو جيد معروف بالتحقيق في هذا المجال، لكن علق على قوله: "وثقه أحمد" قال: إن كان يعني ابن حنبل فلم أر هذا التوثيق صريحاً عنه، نعم قال عنه كما في إكمال تهذيب الكمال: عاصم عندي حجة، وأي توثيق أعظم من هذا وأقوى منه؟
إن كان يعني ابن حنبل فلم أر هذا التوثيق صريحاً عنه، نعم قال عنه: عاصم عندي حجة، هذا توثيق وإلا لا؟ حجة أعظم من ثقة، وأي تصريح فوق هذا؟!
"وثقه أحمد وابن المديني وابن خزيمة وغيرهم، وتكلم فيه غير واحد من الأئمة" يقول المعلق: كابن المبارك والجوزجاني وابن حبان، وأين هؤلاء ممن تقدم من أحمد وابن المديني وابن خزيمة، تكلم فيه ابن المبارك، تكلم فيه الجوزجاني وابن حبان، هؤلاء لا يعدلون بالأئمة كأحمد وابن المديني، فأقل الأحوال أن يكون الحديث حسناً.(27/27)
هذه الأربع الركعات قبل صلاة العصر ليست من الرواتب، بل هي من النوافل المطلقة التي ينبغي للمسلم أن يحرص عليها لينال هذه الدعوة: ((رحم الله امرأ صلى أربعاً قبل العصر)) فلا يفرط فيها إلا محروم؛ لأن من من المسلمين يستغني عن رحمة الله؟ نعم ليست من الرواتب كما هو الشأن في الأربع قبل الظهر، أو كراتبة المغرب البعدية أو راتبة العشاء أو غيرها من الرواتب، ليست بمثابتها لكنها مشروعة، والفرق بين الرواتب وغيرها من النوافل المطلقة أن الرواتب آكد، ولذا منها ما يلزم ويلازم في السفر والحضر كركعتي الصبح، ومنها ما المرجح تركه في السفر كبقية الرواتب، فما كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يلازم في سفره إلا الوتر وركعتي الصبح، فلم يكن يتركهما سفراً ولا حضراً، وجاء عن ابن عمر -رضي الله عنهما- ترك الرواتب، وقوله: "لو كنت مسبحاً لأتممت" يعني أن المسافر الرخصة الإلهية في حقه أنه يتخفف من بعض الفريضة الرباعية تقصر ولا تتم، فكونه لا يتنفل أرفق به وأقرب إلى مقاصد الشرع لما يشتمل عليه السفر من المشقة، لكن الرواتب المطلقة السنن النوافل المطلقة غير الرواتب هذه لو استكثر منها الإنسان باعتبار أن ما جاء وما ورد إنما هو في الرواتب دون المطلق فلو استكثر منه الإنسان كل ركعة بأجرها، وليحرص الإنسان على لزوم هذه الرواتب، ولزوم الإكثار من التعبد في الحضر؛ لأنه إذا مرض أو سافر يكتب له ما كان يعمله صحيحاً مقيماً، فإذا كان في حال الصحة وفي حال الإقامة مفرط، فماذا يكتب له في السفر؟ ماذا يكتب له في حال السفر؟ لا شيء، اللي ما يعمل في الحضر ما يكتب له في السفر؛ لأنه يكتب له ما كان يعمله صحيحاً مقيماً، فإذا مرض إن كان له سابقة في حال صحته فإنه يكتب له ما كان يعمله في تلك الحال.(27/28)
يعني نظير ذلك يعني في أمورنا العادية والاختبارات لأن التنظير لا سيما في هذه الأيام يرسخ، مع الاختبارات بعض الجهات تقسم الاختبار إلى قسمين شفوي وتحريري، فيختبر بنصف الدرجة على التحريري والنصف الثاني على الشفوي، بعض الناس يختبر الشفوي ويضيق الوقت على التحريري أو يريد المدرس أن يتخفف؛ لئلا يصحح الأوراق الكثيرة فيعطي يقول: خلاص الذي لا يريد الاختبار التحريري نضاعف له درجة الشفوي، لأن المسألة نظام لا بد أن يختبر تحريري، فيخير الطلاب يقول: الذي لا يريد أن يختبر التحريري نضعف له الدرجة، واحد من الطلاب قال: أنا لا أريد التحريري، أنا يكفيني ضاعف لي الدرجة، ويصر على المدرس، والمدرس يقول: ليس من مصلحتك، اختبر تحريري أفضل لك، يقول: لا لا، ضاعف لي الشفوي، يصر عليه وهو آخذ صفر في الشفوي، مثل الذي يفرط في النوافل في وقت الحضر وفي وقت الصحة صار آخذاً صفر، وماذا يكتب له إذا مرض أو سافر؟ لا يكتب له شيء، فعلى الإنسان أن يغتنم العمر، يغتنم الشباب، يغتنم الصحة، يغتنم الفراغ، ليكتب له من بعد إذا احتاج إلى شيء من ذلك إذا فيه عنده رصيد ينفعه إذا مرض أو سافر أو ضعف أو عجز، والله المستعان.
((رحم الله امرأ صلى أربعاً قبل العصر)) وهي بسلامين كما يدل له قوله: "يفصل بينهن بالتسليمة على الملائكة المقربين ومن تبعهم من المسلمين والمؤمنين".
"رواه أحمد وأبو داود وابن خزيمة في صحيحه والترمذي وقال: حسن غريب، ووهى أبو زرعة رواته" وهى أبو زرعة رواته، وابن خزيمة صححه، وحسنه الترمذي، وعلى كل حال المتجه أنه حسن.
يقول: ما معنى ما جاء في ساعة الجمعة من قوله: وهو قائم يصلي؟ هل هذا وصف بأن يكون قائم أو يصلي؟ وكذلك لو دخل الإنسان المسجد قبل المغرب هل يأخذ حكم أنه في صلاة، أم لا بد أن يصلي العصر ويمكث في المسجد إلى صلاة المغرب؟
على كل حال "قائم يصلي" منهم من يقول، هو وقت نهي على كل حال، ساعة الاستجابة في آخر ساعة من الجمعة هي وقت نهي، ويكون معنى قوله: قائم يصلي إما أن نقول: المراد بالصلاة الصلاة اللغوية يعني يدعو أو ينتظر الصلاة، والذي ينتظر الصلاة هو في صلاة ما دام ينتظرها.(27/29)
ما صحة حديث: ((رحم الله امرأ صلى أربعاً قبل العصر))؟
أقل أحواله الحسن.
يقول: هل ركعتي الوضوء وقراءة قل هو الله أحد بعد السورة مع الفاتحة سنة في الصلاة؟
هي هذه المسألة التي بحثناها في الدورة السابقة، وقلنا: إن من يثبت أن ركعتي الوضوء سنة لا بد أن يثبت أن قراءة قل هو الله أحد سنة.
يقول: إذا وجد لدى شخص بعض الملاحظات وبعض التحذيرات من بعض العلماء الأجلاء فهل نقوم نحن كطلبة علم بتحذير الشباب منه؟
الخطأ لا يعالج بالخطأ، فإذا كان لديه نفع ينتفع منه بقدر الإمكان، ومع ذلك تسدى إليه النصيحة، فالدين النصيحة.
هل يجوز للمسلم إذا نذر أن يذبح شاة أن يأكل منها؟
على حسب ما نواه، فإن كان نواها للفقراء فلا يجوز له أن يأكل منها، وإن نوى مجرد الذبح وأنه يدخل في المنذور عليهم فلا مانع على حسب نيته.
يقول: موسوعة زغلول في أطراف الحديث وذيلها ما رأيكم فيها؟
نافعة، مرتبة على الحروف، وفيها جمع جيد من الأحاديث، وإن كانت ليست من الدقة بالمحل المرجو، لكنها ينتفع منها طالب العلم.
وما هي أهم الكتب في معرفة طرق الحديث في الكتب الستة؟
أهم الكتب تحفة الأشراف.
ما هي الكتب الجامعة للمسائل الفقهية؟
إن أردت من كتب الفقهاء فهناك المغني والمجموع والمحلى، جامعة مسائل كثيرة جداً، وإن أردت فقه السلف ففي كتب السنة من الجوامع والمصنفات وغيرها.
يقول: الجمع بين الحديث الصحيح عن الرسول -عليه الصلاة والسلام-: ((لا يبقى على رأس مائة ممن هو على وجه الأرض اليوم)) أو كما قال -عليه الصلاة والسلام- وبين حديث فاطمة بنت قيس وكون الدجال موجوداً في زمن الرسول -عليه الصلاة والسلام- وسيبقى؟
أولاً: إذا كان المقصود به حديث الجساسة، وهو حديث صحيح في صحيح مسلم فلا تعارض بين الحديثين، فالحديث ينص على أنه لا يبقى على وجه الأرض ممن هو على ظهرها، أما من كان في البحر كما جاء في حديث الجساسة فلا يدخل في هذا الحديث، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.(27/30)
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: المحرر – كتاب الصلاة (28)
الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
هذا يقول: كيف يجاب عمن قال: إنه لا يشترط الجمع بين الصلاة والسلام على النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأن الواو في الآية لا تدل إلا على مطلق الجمع، كقوله تعالى: {وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ} [(43) سورة البقرة]؟
يعني هل هذا إشكال؟ يعني هذا الكلام يرد لو قيل: إن السلام لا يصح إلا بعد الصلاة، قيل: إن الواو لا تدل على الترتيب، وإنما هي لمطلق الجمع، لو قال أحد: إنه لا يجوز يعني يقال: سلم الله وصلى عليه لأنه هكذا جاء في الآية الصلاة مقدمة على السلام، فحينما يقول: إن الواو لا تدل إلا على مطلق الجمع إنما يريدون به رد من يقول: إنها تقتضي الترتيب، هي لا تقتضي الترتيب، وإنما هي لمطلق الجمع، ولو كان الكلام هذا في آية الوضوء، وأن الواو لا تقتضي الترتيب، وإنما هي لمطلق الجمع كان له وجه، على أن الترتيب جاء من أدلة أخرى، لكن الكلام ليس في محله هنا، لا يشترط الجمع بين الصلاة والسلام، ومن اشترط الجمع بين الصلاة والسلام؟ قال من قال كالنووي: إنه يكره إفراد الصلاة عن السلام أو العكس في انتقاده للإمام مسلم حينما أفرد الصلاة دون السلام في مقدمة صحيحه، قال: يكره، ما قال: يحرم ولا يجوز ولا يجزي، لا، ما قال هذا، وأهل العلم لا يطلقون الكراهة كما أطلقها النووي، بل يرون أن من كان هذا ديدنه لا يتم امتثاله للآية، والآية أقل أحوالها الاستحباب، وأما من كان يصلي أحياناً ويسلم أحياناً ويجمع بينهما أحياناً فلا تتجه الكراهة في حقه.
هذا يقول: ما صحة هذا الدعاء: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك نبي الرحمة يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي في حاجتي هذه فتقضيها اللهم شفعه ... ؟(28/1)
المعروف أن هذا في جامع الترمذي في قصة الأعمى الذي وجهه النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يقول: ((اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة)) والحديث ضعيف عند أهل العلم، لا تقوم به حجة.
يقول: الذي يصلي أربع ركعات قبل الظهر وبعدها أربعاً هل الشرط هنا المحافظة عليها أم ماذا؟
معلوم أنه جاء في حديث ابن عمر أنهما ركعتان قبلها وركعتان بعدها، وفي حديث أم المؤمنين أم حبيبة أربع ركعات قبلها وركعتان بعدها، وفي حديثها الآخر أربع ركعات وأربع ركعات، هذا يدل على التنوع، فلو أن إنساناً فعل هذا مرة وهذا مرة وهذا مرة لكان أصاب السنة.
يقول: أحياناً يبقى وقت على إقامة الفجر إن صليت فيه السنة لم أدرك تكبيرة الإحرام، وأحياناً لا أدرك الركعة الأولى علماً أني أخرج من البيت قبل الإقامة، فهل أصلي السنة أم أستفيد من الوقت في الطريق؟
يعني إذا غلب على ظنك أنه يفوتك شيء من الصلاة فلا شك أن الفريضة أهم من النافلة، وإذا كان يغلب على ظنك أنك إذا صليت النافلة في البيت أدركت الصلاة كاملة فهذه هي السنة.
يقول: أرجو تبيين صحة ما ثبت في أويس القرني وهل هناك من تكلم فيما ورد في أويس من الأئمة المتقدمين؟
أولاً: قصته في صحيح مسلم وليس لأحد كلام مع ما في الصحيحين؛ لأن الأمة تلقتهما بالقبول، وإذا تطاولنا على الصحيحين فماذا يبقى لنا؟!
يقول: ما صحة قول معاذ بن جبل -رضي الله عنه-: عليكم بالعلم فإن طلبه عبادة، وتعلمه لله خشية، وبذله لأهل ... يقول: وتعليمه لمن لا يعمله صدقة، والبحث عنه جهاد، ومذاكرته تسبيح؟
هذا الحديث واهي مرفوعاً لا يصح ولا يثبت، وأما بالنسبة لكونه من قول معاذ فهو ضعيف على كل حال، أما رفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يصح.
هل يشترط في مسائل الاعتقاد أن تكون مسائل إجماع؟
أما ما أجمع عليه سلف الأمة وأئمتها فلا يجوز البحث فيه، يسلم ولا يناقش من حيث ثبوته، أما من حيث معناه فيقتفى في ذلك بفهم السلف، وأما ما جاء عنهم من اختلاف معتبر فلمن لديه أهلية النظر أن ينظر ويرجح في أقوالهم لا بد أن يكون الخلاف معتبراً.
هل ثبت شيء في فضل أربع ركعات قبل الزوال؟(28/2)
أربع ركعات بعد الزوال التي يجاب بعدها الدعاء، وأما قبل الزوال فهي صلاة الضحى، وسيأتي الكلام فيها -إن شاء الله تعالى-.
يقو: ما رأيك في كتاب فتح الباري مع تعليقات البراك؟
الكلام في فتح الباري معروف إذا كان الرأي في الكتاب أو في الطبعة؟ إذا كان الطبعة التي عليها تعليق شيخنا الشيخ عبد الرحمن البراك فهي طبعة طيبة بتحقيق نظر الفريابي من أفضل الطبعات، لكنها لم تصل إلى حد الكمال الذي يرضى به صاحب التحقيق، والكتاب ما زال بمزيد حاجة إلى عناية، وجمع نسخ خطية؛ لأنهم لم يعتمدوا على نسخ خطية، وتعليقات البراك لا شك أنه علق على مسائل لم يستوعب ما في الكتاب، كما أن الشيخ ابن باز -رحمه الله تعالى- لم يستوعب، وفيه مسائل كثيرة لم يعلق عليها.
طابع الكتاب انتقى مسائل من الكتاب وعرضها على الشيخ عبد الرحمن وعلق عليها، يعني ما قرأ الكتاب كاملاً على الشيخ.
أفضل طبعة لتحفة الأشراف؟ وهل يوجد كتاب في الأطراف غيره؟
أطراف الغرائب والأفراد لابن طاهر، وهناك أيضاً أطراف المسند للحافظ ابن حجر، وأطراف المسانيد الثمانية والعشرة، المقصود أن هناك كتب أطراف كثيرة، وأنفسها كتاب تحفة الأشراف، وأفضل طبعة له هو طبع مرتين الأولى الطبعة الهندية، وهي نفيسة وعليها اعتمادنا ومعولنا؛ لأنها أول طبعة للكتاب، ثم بعد ذلك جاءت طبعة الشيخ الدكتور بشار عواد وهي جيدة فيها عناية، وفيها ترقيم جيد.
يقول: هل من صلى الرواتب عشراً خطأ أم هذا من قبيل اختلاف التنوع؟
أقول: لو فاضل الإنسان وغاير بين هذه الأعداد فيوم صلى عشر، ويوم صلى اثنتي عشرة، ويوم صلى أربع عشرة، أصاب السنة -إن شاء الله-.
يقول: من صام الاثنين والخميس من كل شهر ولم ينوِ بها صيام ثلاثة أيام من كل شهر تجزئ؟
تجزئ نعم؛ لأنه صام الثلاثة وزيادة.
يقول: عن العلماء المتأولين في باب الأسماء والصفات مع موافقتهم لأهل السنة والجماعة في أبواب الاعتقاد الأخرى، هل يدخلون في مسمى أهل السنة والجماعة؟(28/3)
يعني مسمى أهل السنة والجماعة يطلق بإطلاقات، يعني في باب الأسماء والصفات لا يمكن أن يسموا من أهل السنة والجماعة، يعني في باب القدر يسمون من أهل السنة والجماعة، في باب الصحابة يسمون من أهل السنة والجماعة، يعني في مقابل الرافضة، في باب أهل البيت يسمون من أهل السنة والجماعة في مقابل النواصب وهكذا، أما بالإطلاق فلا.
وعلى كل حال هم متفاوتون، فمثل الرازي وهو منظر في هذا الباب، ومؤسس ومؤصل يختلف حكمه عن حكم النووي الذي تلقى المذهب من غير نظر ولا روية ولا .. ، فأقره كما هو، هذا يختلف عن ذاك، والله المستعان، ولا أعذر النووي في هذا، لكنني لا أقول: إنه مثل الرازي.
يقول: أنا أحفظ قصار السور وأقرأ في قيام الليل هل هذا العمل صحيح أفيدونا؟ وإذا طولت السجود أكثر من القيام؟
لا مانع أن تطول السجود؛ لأنه: ((أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد)) لأنك لا تقرأ كثيراً من القرآن بل تقرأ ما تيسر منه من قصار السور هذا العمل صحيح ولا إشكال فيه، لكن إن أطلت القيام ولو بواسطة القراءة من المصحف أحياناً تطيل القيام، وأحياناً تطيل السجود، وأحياناً تطيل هذا وهذا، وأحياناً تخفف، هذا كله عمل صحيح، وعليك أن تفعل الأرفق بك لئلا تمل، فإن الله لا يمل حتى تملوا.
يقول: هل يمكن أن تندرج أربع ركعات بعد الطهر التي ثوابها التحريم عن النار بنية ركعتين بعد الظهر المجموعة في حديث ابن عمر وأم حبيبة وأن ثوابها بناء بيت ... ؟
نعم؛ لأنها ركعتان وزيادة.
يقول: ورد عدد من الآيات في ذكر القيام مع السجود مثل: {سُجَّدًا وَقِيَامًا} [(64) سورة الفرقان] {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ} [(218 - 219) سورة الشعراء] ولعل الحكمة هي التي ذكرتموها.
أن أفضل ما في الصلاة القيام الذي هو طول القنوت والسجود وهو أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، وقد يعبر عن الشيء .. ، هنا المراد بها الصلاة في الآيتين، المراد بها الصلاة بجملتها بما في ذلك الركوع والجلوس، إضافة إلى القيام والسجود، لكن قد يعبر عن الشيء ببعضه الأهم.(28/4)
يقول: بالنسبة للسنة بعد الظهر هل تكون ست ركعات ركعتين للسنة الراتبة وأربع ركعات بالنسبة لحديث أم حبيبة؟
لا، تتداخل هي أربع.
يقول: ما هي صفة السنة فيمن صلى قبل الظهر أربعاًَ؟ هل هي متصلة دون فصل؟
لا، يفصل بينهما بسلام.
وقفنا على حديث أنس.
طالب: نعم يا شيخ على حديث أنس.
على حديث أنس؟
سم.
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين.
قال الإمام ابن عبد الهادي -رحمه الله تعالى- في كتابه المحرر:
وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: كنا نصلي على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ركعتين بعد غروب الشمس قبل صلاة المغرب، فقلت له: أكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاهما؟ قال: كان يرانا نصليهما فلم يأمرنا ولم ينهنا" رواه مسلم.
وعن عبد الله بن مغفل المزني -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((صلوا قبل صلاة المغرب)) قال في الثالثة: ((لمن شاء)) كراهية أن يتخذها الناس سنة. رواه البخاري وابن حبان، وزاد: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى قبل المغرب ركعتين.
وعن زرارة بن أبي أوفى أن عائشة -رضي الله عنها- سئلت عن صلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في جوف الليل؟ فقالت: كان يصلي العشاء في جماعة، ثم يرجع إلى أهله فيركع أربع ركعات، ثم يأوي إلى فراشه وينام" رواه أبو داود، وفي سماع زرارة من عائشة نظر.
وعنها -رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخفف في الركعتين اللتين قبل صلاة الصبح حتى إني أقول: هل قرأ بأم الكتاب أم لا؟ متفق عليه.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قرأ في ركعتي الفجر: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [(1) سورة الكافرون] و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [(1) سورة الإخلاص].(28/5)
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يقرأ في ركعتي الفجر في الأولى منهما: {قُولُواْ آمَنَّا بِاللهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [(136) سورة البقرة] الآية التي في البقرة، وفي الآخرة منهما: {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللهِ آمَنَّا بِاللهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [(52) سورة آل عمران] رواهما مسلم.
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا صلى ركعتي الفجر اضطجع على شقه الأيمن. رواه البخاري.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا صلى أحدكم الركعتين قبل صلاة الصبح فليضطجع على جنبه الأيمن)) رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وقال: حديث حسن غريب صحيح.
وقد تكلم أحمد والبيهقي وغيرهما في هذا الحديث، وصححوا فعله الاضطجاع لا أمره به.
وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رجلاً سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن صلاة الليل؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى)) متفق عليه.
وعنه -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((صلاة الليل والنهار مثنى مثنى)) رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه والنسائي وابن حبان، وصححه البخاري.
وقال أحمد في رواية الميموني وغيره عنه: إسناده جيد.
وقال النسائي: وهذا الحديث عندي خطأ.
وقال الترمذي: اختلف أصحاب شعبة في حديث ابن عمر فرفعه بعضهم، ووقفه بعضهم.
وقال الدارقطني: الصحيح ذكر صلاة الليل دون ذكر النهار.
يكفي، حسبك.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(28/6)
"وعن أنس بن مالك -رضي الله تعالى عنه- قال: كنا نصلي على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ركعتين بعد غروب الشمس قبل صلاة المغرب، فقلت له: أكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاهما؟ قال: كان يرانا نصليهما فلم يأمرنا ولم ينهنا" وهذا الأسلوب يقال له: التقرير، وهو نوع من أنواع السنن؛ لأن السنة ما أثر عن النبي -عليه الصلاة والسلام- من قول أو فعل أو تقرير، فثبتت هذه السنة قبل صلاة المغرب بتقريره -عليه الصلاة والسلام-، والحديث الذي يليه فيه الأمر بهذه الصلاة قبل صلاة المغرب.
قال: "قال: كان يرانا نصليهما فلم يأمرنا ولم ينهنا" وتقريره -عليه الصلاة والسلام- تشريع بخلاف تقرير غيره؛ لأنه يعتريه ما يعتريه، ولو كان من أفضل الناس وأعلم الناس وأتقى الناس، لا ينسب إليه حكم شرعي بأننا نراه رأى كذا ولم ينكره، أو فعل بحضرته كذا ولم ينكر، بهذا يُرد على من يستدل على تحليل بعض الأمور لأننا رأينا الشيخ فلاني حضر كذا ولم ينكر، فالتقرير شرع إذا كان من النبي -عليه الصلاة والسلام- الذي لا يمكن أن يقر على باطل ولا يقر على خطأ، أما غيره فتقريره يحتمل أنه سكت درءاً لمفسدة، أو خوفاً على نفسه، أو جلباً لمصلحة أعظم، فلا يكون بذلك التقرير شرعياً، لا يكون التقرير شرعياً، أما تقريره -عليه الصلاة والسلام- فهو أحد أوجه السنن التي ترفع إليه -عليه الصلاة والسلام-، ما أثر عنه من قول أو فعل أو تقرير أو وصف، أوصافه -عليه الصلاة والسلام- سنة، شرع، والمقصود بذلك الأوصاف الاختيارية، أما الأوصاف الإجبارية كونه ربعة هل نقول: السنة أن يكون الإنسان ربعة؟ نعم؟ هل يمكن أن يقال هذا؟ لا، هذا ليس بيد الإنسان، أما المقصود بالصفة التي تنسب إلى الشرع ويقتدى به -عليه الصلاة والسلام- فيها إنما هي الصفات الاختيارية، التي يستطيع الإنسان فعلها ويستطيع تركها.(28/7)
"وعن عبد الله بن مغفل المزني -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((صلوا قبل صلاة المغرب)) قال في الثالثة: ((لمن شاء)) كراهية أن يتخذها الناس سنة" الأمر بها من المعلوم أن صلاة المغرب تسن المبادرة بها، بمجرد ما يغيب القرص، ويتأهب الإنسان للصلاة السنة أن يبادر بها، ولذا صلى جبريل بالنبي -عليه الصلاة والسلام- في اليوم الأول، وفي اليوم الثاني في أول وقتها، ما صلى في اليوم الأول في أول الوقت، والثاني في آخر الوقت كما فعل في الصلوات الأخرى، فتسن المبادرة بها، ولذا يرى الشافعي وجمع من أهل العلم أنه ليس لها إلا وقت واحد.
هذه السنة، وهذه المبادرة بصلاة المغرب قد يقول قائل: إنه لا يشرع للإنسان أن يتشاغل بعبادة أخرى، عليه أن يبادر بها، فلا يتنفل ولا يصلي لئلا يسبب ذلك تأخير في صلاة المغرب، فجاءت السنة التقريرية والقولية، فأمر بها النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((صلوا قبل المغرب)) وفي الأخير: كراهية أن يتخذها الناس سنة.(28/8)
الأمر كما هو معروف الأصل فيه أنه للوجوب، وقد يصرف عن الوجوب إلى الاستحباب، وقد يرد الأمر ويراد به الإباحة، لا سيما إذا كان بعد حظر، فالأمر هنا لا يراد به التقرير، السنة كغيرها من السنن التي جاء الحث عليها كالركعتين بعدها، والركعتين بعد العشاء، والركعتين قبل الفجر والرواتب، والصلاة قبل العصر وغيرها من السنن، هذه لئلا يظن أنه لا يجوز التنفل قبلها؛ لاستحباب المبادرة بها، وجاء هذا الأمر متعقباً لذلك الحث على تعجيل صلاة المغرب؛ لئلا يظن أنه لا يجوز الصلاة قبلها، فجاء هذا الأمر، ولذا قال في الأخير: "كراهية أن يتخذها الناس سنة" يعني كراهية أن يتخذها الناس سنة إيش معنى الأمر أجل؟ لأن الإنسان قد يرى في هذا شيء من التناقض على ضوء ما عرفه من القواعد التي تعينه على التعامل مع النصوص هذا أمر، وأقل الأحوال أن يكون مستحباً، فكيف يقال: "كراهية أن يتخذها الناس سنة"؟ الحكمة والعلة ما ذكرنا أن المغرب تسن المبادرة بها، فخشية أن يظن بعض الناس أنه لا يجوز الاشتغال بغيرها قال: ((صلوا قبل صلاة المغرب)) يعني كأنه إذن في أن يصلى قبل صلاة المغرب ولو تأخرت صلاة المغرب قليلاً؛ لأن مثل هذا التأخر لا يضر، ولا يعوق عن تحصيل الصلاة في أول وقتها، ولا عن المبادرة بها، فدل على أن هذا الأمر ليس من أجل أن تتخذ سنة كغيرها من السنن التي جاء الحث عليها، وإنما هي لإزالة .. ، وإنما الأمر جاء لإزالة لبس، وإلا مثل ما ذكرنا قد يقول قائل: أمر ((صلوا قبل صلاة المغرب)) وأقل الأمر الاستحباب، فكيف يقول: "كراهية أن يتخذها الناس سنة؟ " يعني سنة راتبة، كما جاء في حديث ابن عمر وأم حبيبة وغيرهما.(28/9)
"رواه البخاري وابن حبان" لكن ابن حبان زاد: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى قبل المغرب ركعتين" هذه الزيادة عند ابن حبان من فعله -عليه الصلاة والسلام-، يعني ثبتت بتقريره وثبتت بقوله، لكنها لم تثبت بفعله -عليه الصلاة والسلام-؛ لأن هذه الزيادة عند ابن حبان محكوم عليها عند أهل العلم بالشذوذ، وأما السنة التقريرية والقولية فهما ثابتتان في الصحيحين، فالتقريرية في صحيح مسلم، والأمر في صحيح البخاري، وأما بالنسبة لزيادة ابن حبان من فعله -عليه الصلاة والسلام- الذي يرى بعض أهل العلم إثباتها، وأن هذه السنة ثبتت بقوله وفعله وتقريره، وتضافرت عليها أنواع السنن، هذا لو ثبتت زيادة ابن حبان، لكنها محكوم عليها بالشذوذ.
ثم قال -رحمه الله تعالى-: "وعن زرارة بن أبي أوفى أن عائشة -رضي الله عنها-" زرارة في نسبته أبي، ابن أبي أوفى وإلا ابن أوفى؟
طالب:. . . . . . . . .
هي موضوعة بين قوسين، وليست في بعض النسخ، لكن الصواب؟ ما في أحد معه التقريب وإلا شيء؟ موجود التقريب عندكم؟
طالب:. . . . . . . . .
هاته؛ لأنه وضعها بين قوسين، وقال: ليس في باء، وماذا عن بقية النسخ؟
طالب:. . . . . . . . .
عندك يا أخ؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني وضعها بين قوسين؟ هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
من إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
ويش فيه؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه.
طالب: يقول: وفي رواية زرارة عن أوفى عن سعد بن هشام هي المحفوظة.
ما لقيته؟
طالب:. . . . . . . . .
ويش يقول؟
طالب:. . . . . . . . . ورواية زرارة بن أبي أوفى.
نمشي على هذا حتى نجد غيره، أنا اللي في حفظي غير هذا بدون أبي.(28/10)
قال: "وعن زرارة بن أبي أوفى أن عائشة -رضي الله عنها- سُئلت عن صلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في جوف الليل؟ فقالت: كان يصلي صلاة العشاء في جماعة، ثم يرجع إلى أهله فيركع أربع ركعات، ثم يأوي إلى فراشه وينام" معلوم أنه إذا صلى العشاء صلى ركعتين في بيته، وهنا تقول: "كان يصلي صلاة العشاء في جماعة، ثم يرجع إلى أهله فيركع أربع ركعات، ثم يأوي إلى فراشه وينام" رواه أبو داود، وفي سماع زرارة من عائشة نظر" هو لم يسمع من عائشة، فالخبر منقطع، ويبقى أن الراتبة ركعتان فقط بعد العشاء، ولا يمنع أن يزيد على ذلك كما جاء في حديث ابن عباس ما شاء الله أن يزيد، لكن ليس على سبيل الثبوت، وليست براتبة أربع ركعات، وإنما هي ركعتان على ما تقدم، والخبر ضعيف للانقطاع بين زرارة وعائشة، ولذا يقول المؤلف: "وفي سماع زرارة من عائشة نظر".
يقول: "أخرجه أبو داود من طريق بهز بن حكيم حدثنا زرارة بن أوفى به" المعلق.
طالب:. . . . . . . . .
عندك عندك، هي نسخة الهلالي اللي معك؟
طالب:. . . . . . . . .
شوف رقم (319) عندك عندك الحديث.
طالب:. . . . . . . . .
في الحاشية، ما هو بيعلق على الحديث برقمه؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم ضعيف أخرجه أبو داود من طريق بهز بن حكيم حدثنا زرارة بن أوفى به، بدون أبي، فيه أبي أوفى؟
طالب:. . . . . . . . .
قلت: وهذا سند ضعيف لانقطاعه، قال المزي في تهذيب الكمال: روى عن عائشة أم المؤمنين، والمحفوظ أن بينهما سعد بن هشام.
على كل حال الخبر منقطع، وفيه أيضاً بهز بن حكيم، وكلام أهل العلم فيه معلوم.(28/11)
قال -رحمه الله-: "وعنها -رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخفف الركعتين قبل صلاة الصبح حتى إني أقول: هل قرأ بأم الكتاب أم لا؟ " هاتان الركعتان هما راتبة الصبح، وهما من الرواتب المؤكدة أكثر من غيرهما؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- يحرص عليهما ويداوم عليهما سفراً وحضراً، ويذكر عن الحسن البصري القول بوجوبهما، وهما خير من الدنيا وما فيها، لكن مع ذلك هما ركعتان خفيفتان؛ لأنه قد يقول قائل: ما دامت هذان الركعتان خيراً من الدنيا وما فيها لماذا لا نطيلها؟ نطيل هاتين الركعتين ليكون هناك مقابل لهذا الفضل العظيم، نقول: لا، المقابل هو الاقتداء، والعمل إنما يكون تقويمه حسب الاتباع للنبي -عليه الصلاة والسلام- الاقتداء به.
النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يخفف الركعتين اللتين قبل صلاة الصبح، ومثلهما تخفيف الركعتين إذا دخل المصلي والإمام يخطب الجمعة يصلي ركعتين وتجوز فيهما يعني خففهما، فهاتان السنتان السنة فيهما التخفيف، وهذا قول عامة أهل العلم، وأن هذا هو المشروع في هاتين الركعتين، والحنفية يرون تطويل هاتين الركعتين، لكن العبرة بما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.
مبالغة في التخفيف، لكن مع استيفاء الأركان والواجبات، ليس معنى هذا أن هاتين الركعتين تنقران كنقر الغراب، لا، أو يتساهل في الواجبات أو الأركان ليس هذا معنى التخفيف، وإما التخفيف مع التمام، والإجزاء ولا يكون الإجزاء إلا بفعل الأركان والواجبات.
قد يتخفف من بعض السنن، لكن الأركان والواجبات لا بد من الإتيان بها، ولو اقتضى ذلك شيء من التطويل النسبي؛ لأن الذي يأتي بالأركان والواجبات لا بد أن تستغرق معه وقت، وقولها: "حتى إني أقول: هل قرأ بأم الكتاب أم لا؟ " لا بد من قراءة أم الكتاب؛ لأنها ركن من أركانها، وتردد عائشة في قراءتها إنما هو من باب المبالغة في تخفيف هاتين الركعتين، وبعد ذلك يقرأ ما تيسر بعد الفاتحة بسورتي الإخلاص، أو بآية البقرة وآية آل عمران، على ما سيأتي في الأحاديث اللاحقة.(28/12)
هاتان الركعتان ركعتا الفجر هذه صفتهما التخفيف، ويصلي هاتين الركعتين في بيته كما كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يفعل، ولو اقتضى ذلك التأخر عن المبادرة بعد الأذان مباشرة؛ لأن المبادرة المأمور بها مبادرة إجمالية لا يخل بها ما فعله النبي -عليه الصلاة والسلام-، ويقتدي به المسلم فيه؛ لأن النظر لا بد أن يكون واسعاً شاملاً للنصوص كلها، فلا ننظر إلى نص ونترك نصوص أخرى، فأفضل الصلاة صلاة داود على ما سيأتي ينام نصف الليل، هل نقول: إنه ينام نصف الليل من مغيب الشمس؟ الليل يبدأ من غروب الشمس، فكونه ينام نصف الليل هل يقتضي ذلك أن يكون من غروب الشمس؟ لا، على ما سيأتي، ينام نصف الليل الذي يتاح فيه النوم، ويبادر إلى الصلاة حينما يسمع النداء، لكن بعد أن يؤدي ما جاء في النصوص الأخرى كهاتين الركعتين، ثم إذا جاء إلى المسجد وهناك بقية من وقت والوقت وقت كراهة يصلي تحية المسجد؛ لأن وقت الكراهة في هذا موسع وليس بمضيق، تفعل فيه ذوات الأسباب.
الاضطجاع بعد هاتين الركعتين سيأتي الكلام فيه.(28/13)
"وعن أبي هريرة -رضي الله عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قرأ في ركعتي الفجر: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [(1) سورة الكافرون] و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [(1) سورة الإخلاص] " قرأ سورتي الإخلاص ليفتتح نهاره بالإخلاص، بالإقرار والاعتراف بالتوحيد بأنواعه، كما تقرأ هاتان السورتان في آخر الصلاة، في آخر ركعتين من قيام الليل في الوتر بعد سبح يقرأ: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [(1) سورة الكافرون] و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [(1) سورة الإخلاص] على ما سيأتي، تقرءان أيضاً في ركعتي الطواف، وفي ركعتي المغرب على ما سيأتي -إن شاء الله تعالى-، وليستا بحتم، ولم يكن فعلهما ديمة منه -عليه الصلاة والسلام-، أحياناً يقرأ، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قرأ في ركعتي الفجر: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [(1) سورة الكافرون] و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [(1) سورة الإخلاص] وقرأهما في ركعتي الطواف كما في حديث جابر في صحيح مسلم في صفة حج النبي -عليه الصلاة والسلام- لكنه في بعض الروايات قدم {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [(1) سورة الإخلاص] على {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [(1) سورة الكافرون] لكن الأصل تقديم الأول في القرآن، وعلى هذا جاء أكثر الروايات، قرأ: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [(1) سورة الكافرون] و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [(1) سورة الإخلاص].(28/14)
ثم بعد ذلك حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يقرأ في ركعتي الفجر في الأولى منهما: {قُولُواْ آمَنَّا بِاللهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا} [(136) سورة البقرة] الآية التي في البقرة، وهذه لا اختلاف فيها في الروايات، آية البقرة لا اختلاف فيها، إنما الرواة والروايات اختلفت في قراءة آية آل عمران، آل عمران فيها ثلاث آيات كلها ختمت بقوله: {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللهِ آمَنَّا بِاللهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [(52) سورة آل عمران] لكن (آمنا بالله) في آية أو في آيتين؟ آية (52) شوف المصحف عندك آية (52) من سورة آل عمران.
نعم؟ {فَلَمَّا أَحَسَّ} [(52) سورة آل عمران].
طالب: {قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللهِ آمَنَّا بِاللهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [(52) سورة آل عمران].
هل المقصود هذه الآية؟ شوف أربعة وستين.
طالب:. . . . . . . . .
أربعة وستين، وأربعة وسبعين؟
طالب: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [(64) سورة آل عمران].
لكن ما فيها آمنا، (آمنا بالله).
طالب:. . . . . . . . .
شوف الآية التي في أول الصفحة (61).
طالب:. . . . . . . . .
طيب ما المقصود في الآية الثانية التي في آل عمران؟ لأن قوله: {آمَنَّا بِاللهِ} [(52) سورة آل عمران] يدل على أنها {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى} وأكثر الروايات على {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء} [(64) سورة آل عمران] أربعة وستين.
طيب الآية الأخيرة في آخر الجزء ألا تغني عن آية البقرة لأني أريد أن أتوصل إلى شيء أعطني المصحف.(28/15)
{قُلْ آمَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [(84) سورة آل عمران] يعني ألا تغني هذه عن آية البقرة؟ هو قرأ آية البقرة وقرأ آية آل عمران، هل المراد بآية آل عمران هذه أو {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ} [(64) سورة آل عمران] أو {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى} [(52) سورة آل عمران] نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هو جاء هذا وهذا، قوله: {آمَنَّا بِاللهِ} [(52) سورة آل عمران] يدل على أنها {فَلَمَّا أَحَسَّ} [(52) سورة آل عمران] وفي صحيح مسلم: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ} [(64) سورة آل عمران] نص عليها، فالقراءة قراءة آيتين من سورتين هذا ثابت بهذا الحديث، فلو قرأ الإنسان في الركعة الأولى آية من سورة وآية من سورة هذا ما فيه إشكال، ومشروعيته مأخوذة من هذا الحديث، لكن لو قرأ آية من سورة وآية أخرى ليست التي بعدها من نفس السورة، قرأ آية الكرسي في الركعة الأولى، و {آمَنَ الرَّسُولُ} [(285) سورة البقرة] ... إلى آخر السورة في الركعة الثانية.
طالب: من باب أولى يا شيخ.
كيف من باب أولى؟
طالب:. . . . . . . . .(28/16)
إيه لأن بعضهم يستنبط من هذا أنه لا يجوز الإخلال بالترتيب في سورة واحدة، فإذا قرأ بآية من سورة، وأراد أن يقرأ من نفس السورة لا ينتقل إلى غير التي بعدها؛ لأنه هنا قرأ .. ، بإمكانه أن يقرأهما من سورة واحدة، شوف صفحة (21) مع (61) {قُولُواْ آمَنَّا بِاللهِ} [(136) سورة البقرة] وهنا {قُلْ آمَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا} [(84) سورة آل عمران] وهنا {وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا} [(59) سورة المائدة] يعني الفروق يسيرة يعني ما تخل بالمعنى المطلوب الذي من أجله شرعت قراءة هذه الآية في هذا المكان، وليس للإنسان أن يعترض على ما ورد، لكن المسألة مسألة تقرير حكم شرعي، نقول: ما دام قرأ بآية البقرة مع إمكانه أن يقرأ بآية آل عمران لتكون الآيتين معاً من سورة آل عمران، فلماذا يفرق آيتين من سورتين ويترك آيتين من سورة واحدة؟ إلا لأنه عند بعضهم هو الذي استنبط هذا أنه لا ينبغي أن يقرأ من سورة شيئاً ويقرأ من السورة الأخرى شيئاً آخر، يقرأ من السورة نفسها آية أخرى غير تابعة لها، يعني يفصل، يعني أنت افترض أنه قرأ آية الكرسي في الركعة الأولى، ثم في الركعة الثانية قرأ آخر السورة: {لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [(286) سورة البقرة] يعني الإشكال فهم وإلا ما فهم؟ له وجه وإلا ما له وجه؟ يعني هذا الاستنباط قريب وإلا بعيد؟ لأن بعضهم يقول: لو كان قراءة آيتين غير متتابعتين في ركعتين من سورة واحدة لو كان سائغاً لفعله النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لقرأ الآيتين من آل عمران، ما قرأ آية من البقرة وآية من آل عمران، وفي آل عمران ما يقوم مقامها.
نقول: مثل هذا وإن كان يعني الاستدلال فيه شيء من البعد، والأصل في هذه الأمور التوقيف، وعموم قوله: ((ثم اقرأ بما تيسر)) يدل على أنه لا مانع من أن يقرأ آيات ولو كانت غير متتابعة من سورة واحدة، لكنه في القراءة الواحدة في الركعة الواحدة لا يجوز له أن يفعل هذا، يعني لا يجوز له في ركعة واحدة أن يقرأ آية الكرسي ثم يقرأ آخر السورة، لا يجوز.(28/17)
في ليلة من ليالي رمضان قبل صلاة التراويح قام شخص من الدعاة وتكلم عن قصة موسى مع بنتي صاحب مدين، والفوائد المستنبطة من هذه القصة، وأطال فيها، ثم أشار إلى الإمام وقال: لو قرأت القصة من سورة القصص، والإمام يقرأ في صلاة التراويح بعد سورة القصص، بعدها بجزأين أو ثلاثة، فقرأ هذه القصة من سورة القصص في صلاة التهجد، قرأ هذه القصة كاملة من سورة القصص، ثم شرع في قراءته التي وقف عليها، مثل هذا لا يسوغ، مثل هذا في ركعة واحدة لا يسوغ بحال؛ لأن هذا يخل بالترتيب، وترتيب الآيات توقيفي، يعني إذا اختلف الناس في ترتيب السور وأنه يجوز التقديم والتأخير عند بعضهم من غير كراهة كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- حينما قرأ بالبقرة ثم النساء ثم آل عمران، ومنهم من يقول: يكره الإخلال بالترتيب الذي أجمع عليه الصحابة ووافق العرضة الأخيرة، مثل صنيع هذا الإمام الذي أشار إليه هذا الشخص من الدعاة لا يسوغ؛ لأنه إخلال بترتيب الآيات والترتيب توقيفي، لكن لو قرأ القصة في سورة القصص لموسى مع بنتي صاحب مدين في الركعة الأولى، وفي الركعة الثانية قرأ ما وقف عليه في قراءته ما في إشكال، هذا لا إشكال فيه.
أسأل الإخوان هل لقول من قال: إنه لا تقرأ آيات غير متتابعة من سورة واحدة في ركعتين، عرفنا أنه في ركعة واحدة لا يسوغ إطلاقاً، لكن في ركعتين لو قرأ آية الكرسي ثم قرأ آخر السورة في الركعة الثانية من السورة نفسها؟
استنبط بعضهم من هذه القراءة للنبي -عليه الصلاة والسلام- في ركعتي الفجر أن مثل هذا غير سائغ، ولو كان سائغاً لفعله النبي -عليه الصلاة والسلام-، وجعل الآيتين من آل عمران، ولكن مثل هذا الاستدلال قد لا يكون من القوة بحيث يمنع القراءة التي أشار إلى منعها، يعني الاستدلال هو مجرد استرواح وميل، وليس بنص قاطع في المسألة يمنع من أجله قراءة آيات غير متتابعة في ركعتين.(28/18)
قلنا: إنه في الرواية الأخرى وهي في صحيح مسلم النص على {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ} [(64) سورة آل عمران] آية (64) {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} [(64) سورة آل عمران] ... إلى آخره، وسواءً قرأ بسورتي الإخلاص أو بهاتين الآيتين على الروايتين فالأمر في ذلك واسع، وله أصل.
طالب:. . . . . . . . .
إيه.
طالب:. . . . . . . . .
إيه بعضهم ينظر إلى التناسب يقرأ في الركعة الأولى {فَإِذَا جَاءتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى} [(34) سورة النازعات] وفي الركعة الثانية: {فَإِذَا جَاءتِ الصَّاخَّةُ} [(33) سورة عبس] ينظر إلى التناسب بين الآيات، ويقرأ في الركعة الأولى: {لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} [(1) سورة القيامة] وفي الركعة الثانية: {لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ} [(1) سورة البلد] بعضهم يستروح إلى هذا وليس له أصل، لكنه داخل في عموم ما تيسر، يعني لا يتعبد بأن هذا مطلوب شرعاً، وأن له خصيصة، وأن له ميزة، لا، إلا إذا ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأما كونه يقرأ وهذا اتفاقاً من غير اعتقاد أنه أفضل من غيره هذا ما فيه إشكال.
قال -رحمه الله تعالى-:
"وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا صلى ركعتي الفجر اضطجع على شقه الأيمن. رواه البخاري" يعني يضطجع حتى يؤذنه بلال بالإقامة؛ لأنه -عليه الصلاة والسلام- أحيا ليله، وإن لم يكن الليل كله؛ لأنه كما جاء أنه لم يحفظ عنه أنه أحيا ليلة كاملة، وإن كان -عليه الصلاة والسلام- إذا دخلت العشر اجتهد، وشد المئزر، وطوى الفراش، وفارق أهله واعتزلهم، لكنه لم يحفظ عنه أنه قام ليلة كاملة، لكنه يقوم حتى تتفطر قدماه، فيضطر إلى شيء من الراحة، وأحياناً يضطجع قبل الفجر، وفي حديث الباب: يضطجع بعد الفجر.
"كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا صلى ركعتي الفجر اضطجع على شقه الأيمن" هذا من فعله -عليه الصلاة والسلام- في البخاري، فماذا عن الأمر بالاضطجاع في الحديث الذي يليه؟(28/19)
"وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا صلى أحدكم الركعتين قبل صلاة الصبح فليضطجع على جنبه الأيمن)) " يعني في الركعتين قبل صلاة المغرب ثبت القول وثبت التقرير ولم يثبت الفعل، وهنا في الاضطجاع ثبت الفعل والخلاف في الأمر بالاضطجاع في الحديث الثاني في حديث أبي هريرة يأتي الكلام فيه.
فمن فعله -عليه الصلاة والسلام- لا إشكال في ثبوته؛ لأنه في البخاري، والأمر بالاضطجاع محل خلاف، وحكم جمع من الحفاظ بعدم ثبوت الأمر به: ((فليضطجع)).
يقول شيخ الإسلام: أخطأ فيه عبد الواحد بن زياد، فهو خطأ، وإن استروح بعضهم ومال إلى ثبوت الخبر، ومنهم محقق الكتاب يقول: صحيح، وأجلب عليه بكل ما أوتي من اطلاع على المصادر والمراجع، ورد على من ضعفه.
على كل حال الخبر من حيث الإسناد يمكن تصحيحه، لكن من حيث المتن والأمر في ذلك أولاً وآخراً لطلاب العلم أو للأئمة في مثل هذا؟ للأئمة ليس لطلاب العلم.
قال: " ((إذا صلى أحدكم الركعتين قبل صلاة الصبح فليضطجع على جنبه الأيمن)) رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح غريب، وقد تكلم أحمد والبيهقي وغيرهما في هذا الحديث، وصححوا فعله للاضطجاع لا أمره به" أو بها، الضجعة.
الآن عندنا تكلم فيه أحمد والبيهقي، وشيخ الإسلام قال: إنه غلَط، تفرد به عبد الواحد بن زياد وغلِط فيه، وأيضاً أئمة كبار قالوا بتضعيفه، وأنه خطأ من راويه عبد الواحد بن زياد، وعبد الواحد بن زياد وإن كان يحتج به لكنه مع ذلك لا يمنع أن يخطئ كما أخطأ غيره، أخطأ مالك، ووهم ابن عباس، يعني في الرأي لا في الرواية، قد يهم الراوي في الرأي، لكن الصحابي يهم في رواية؟ كلهم عدول ثقات، ضابطون، لكن قد يهم في الرأي يكون فهمه كما أخبر ابن عباس أن النبي -عليه الصلاة والسلام- تزوج ميمونة وهي خالته وهو محرم، وهمه الأئمة لأن ميمونة نفسها قالت: إنه تزوجها وهو حلال.(28/20)
على كل حال مثل هذا التضعيف لا يكفي فيه مجرد النظر في الإسناد، فقد يخطئ الراوي وإن كان مقبولاً في الجملة، لا سيما إذا عارضه من هو أكثر أو أوثق منه وأحفظ، ومع ذلك حكم الإمام البخاري بوصل: ((لا نكاح إلا بولي)) مع أن ممن أرسله شعبة وسفيان، فلا يعني أن الحافظ الضابط يكون قوله مقبولاً باطراد مقدماً على غيره باستمرار، بل قد تدل القرائن على أن غيره حفظ ما لم يحفظه، أو ضبط ما لم يضبطه، وعلى كل حال الحديث مختلف فيه هذا الاختلاف، والسنة ثابتة بفعله -عليه الصلاة والسلام-، مطرداً، كان يضطجع -عليه الصلاة والسلام-، وهنا يقول: ((إذا صلى أحدكم الركعتين قبل صلاة الصبح فليضطجع على جنبه الأيمن)) السنة ثابتة بفعله -عليه الصلاة والسلام-، وأما الأمر فمختلف فيه، والأمر يفيد تأكد هذه السنة ولا يدل على الوجوب.
الناس في هذه السنة أو بإزائها اختلفت أقوالهم وتباينت، فمنهم من يراها بدعة، كما ذكر عن ابن عمر، وكان يحصب من يضطجع، ومنهم من يراها واجبة، بل شرط لصحة صلاة الفجر كابن حزم، يقول: إذا لم يضطجع صلاته باطلة، وهو نظير قوله فيما إذا لم يصل الصبح يوم النحر مع الإمام فإن حجه ليس بصحيح، حديث عروة بن مضرس من صلى صلاتنا هذه، أو شهد صلاتنا هذه، يقول: إذا لم يشهدها مع الإمام حجه ليس بصحيح.
وهنا يقول: إذا لم يضطجع قبل صلاة الصبح فصلاة الصبح باطلة، طيب كيف يصحح؟ كيف يصلي صلاة صحيحة عند ابن حزم؟ صلى ركعتي الصبح ولم يضطجع وصلى صلاة الفجر إذاً عليه أن يعيد ركعتي الفجر، ثم يضطجع بعدها، ثم يصلي الصبح؛ لتكون الصلاة صحيحة عند ابن حزم، ولا شك أن هذا قول باطل، لا حظ له من النظر، عامة أهل العلم يرون أنه إن صلاها في بيته اضطجع، كما كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يفعل، وإن صلاها في المسجد فلا، وهو الذي كان ابن عمر يحصب من اضطجع، يعني في المسجد.
يقول: "رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح غريب، وقد تكلم أحمد والبيهقي وغيرهما في هذا الحديث، وصححوا فعله للاضطجاع لا أمره به".(28/21)
يقول: هنا أعله الإمام أحمد، نقل ابن عبد البر في التمهيد عن الأثرم قوله: سمعت أحمد بن حنبل يسأل عن الاضطجاع بعد ركعتي الفجر؟ فقال: ما أفعله أنا، فإن فعله رجل .. ثم سكت، كأنه لم يعبه إن فعله، قيل له: لما لم تأخذ به؟ قال: ليس فيه حديث يثبت، ولعله يقصد الأمر به، وإلا الفعل فهو ثابت، وذكر أبو بكر الأثرم من وجوه عن ابن عمر أنه أنكره، وقال: إنها بدعة، وقد ادعى شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- بطلان هذا الحديث، فقال ابن القيم في زاد المعاد: سمعت ابن تيمية يقول: هذا باطل وليس بصحيح، وإنما الصحيح عنه الفعل لا الأمر به، والأمر تفرد به عبد الواحد بن زياد وغلط فيه.
ثم قال بعد ذلك:
"وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رجلاً سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن صلاة الليل" يعني يسأل عن حكمها أو عن كيفيتها أو عن عددها؟ "سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن صلاة الليل؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((صلاة الليل مثنى مثنى)) " يعني ركعتين ركعتين، وهذا أسلوب حصر، وليست ثلاث ثلاث، ولا أربع أربع، ولا خمس خمس، إنما هي مثنى مثنى، ولذا يقول أهل العلم: إنه لو قام إلى ثالثة في صلاة الليل كالتراويح فكأنما قام إلى ثالثة في فجر، يعني يجب عليه أن يرجع إلى التشهد.
((صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى)) ((فإذا خشي أحدكم الصبح)) هذا يدل على أن صلاة الليل والوتر إنما ينتهي وقتهما بطلوع الصبح.
((فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى)) فهم بعضهم أن الوتر بواحدة لا يشرع إلا لمن خشي الصبح فيصلي واحدة، أما إذا لم يخش الصبح فلا يصلي واحدة، مع أنه سيأتي ما يدل على الوتر بواحدة، وعلى هذا يكون هذا تحديد للوقت لا للعدد، إذا خشي كون الوقت ينتهي بطلوع الصبح، ولذا جاء في الحديث: "وانتهى وتره إلى السحر".
((فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى)) متفق عليه.(28/22)
هذا بالنسبة لصلاة الليل لا يجز الزيادة على ركعتين إلا إذا أراد أن يوتر بثلاث أو خمس أو سبع أو تسع، فله أن يجمعها بسلام واحد فقد ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه أوتر بالثلاث وبالخمس وبالسبع وبالتسع، لا يجلس إلا في آخرها في الثلاث والخمس والسبع، وأما بالنسبة للتسع فيجلس بعد الثامنة لا يسلم، ثم يسلم بعد التاسعة، ويكون هذا مخصوصاً من حديث الباب: ((صلاة الليل مثنى مثنى)).
((توتر له ما قد صلى)) تقدم في سجود السهو أنه إذا تردد هل صلى ركعتين أو ثلاث؟ يبني على الأقل المتيقن، ثم يسجد سجدتين يشفعن له صلاته، يعني إن كانت صلاته صحيحة تامة كانتا ترغيماً للشيطان، وإن كانت زائدة شفعن له صلاته، يعني إن كان صلى الظهر خمس هاتان الركعتان شفعن له صلاته، وهنا الركعة واحدة توتر له، فإذا شك هل صلى أراد أن يوتر بسبع مثلاً ثم صلى ركعتين أو ثلاث فتردد، قلنا: يبني على الأقل، فإذا سلم احتمال أن يكون سلم عن سبع واحتمال أن يكون سلم عن ثمان، فيركع فيسجد سجدتين إن كانت الصلاة سبعاً كانتا ترغيماً للشيطان، وإلا شفعن له صلاته أو أوترن له صلاته؟ أوترن له صلاته، يعني هناك المطلوب الشفع فتكون سجدتا السهو شفاً لصلاته، وهنا المطلوب الوتر فتكون السجدتان وتراً لصلاته.
توتر له ما قد صلى.
خلونا نشوف زرارة هذا.(28/23)
زرارة بضم أوله ابن أوفى، ما في أبي، ما أدري يعني لا توجد في بعض النسخ ويضيفونها بين قوسين من دون الرجوع إلى المراجع، زرارة بن أوفى العامري الحرشي بمهملة وراء مفتوحتين، ثم معجمة أبو حاجب البصري قاضيها ثقة عابد من الثالثة، مات فجأة في الصلاة، يعني في صلاة الصبح سمع الإمام يقرأ: {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ} [(8) سورة المدثر] فمات فجأة، والآية لها شأن عظيم عند أرباب القلوب الحية، لكن نقرأها كما نقرأ قام زيد أو ضرب زيد عمراً، لا فرق، وبعضهم يقول: زرارة بن أوفى هل أول مرة يسمع هذه الآية؟ لماذا ما مات أول ما سمعها؟ وما قرأ هذه الآية قبل ذلك؟ لماذا لم يمت عند قراءتها؟ نقول: يا أخي هذا يمكن يجري على قول من يقول: إن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، وأما القول المعتمد عند أهل السنة أن الإيمان يزيد وينقص فيصل إلى الغاية في بعض الأوقات كما هنا وقد ينقص، فلا تؤثر مثل هذه الآية تأثيرها فيما أثرته حينما زاد.
قال -رحمه الله تعالى-:
"وعنه -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((صلاة الليل والنهار مثنى مثنى)) رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه والنسائي وابن حبان، وصححه البخاري" ثم ضعفه بعضهم، فهل نقول: إن تصحيح البخاري هنا يقضي على تضعيف غيره؟ الإمام أحمد ضعف الحديث وابن معين ضعف الحديث، وشيخ الإسلام ابن تيمية ضعف الحديث، فهل نقول: إنه لا نظر لأحد مع الإمام البخاري، وهذه مسألة ذكرتها أكثر من مرة، وأن قول الإمام البخاري لا يعارض بقول أحد كائن من كان إذا كان في صحيحه، أما إذا كان خارج الصحيح فقوله كقول غيره، يعني ليس بأرجح من قول الإمام أحمد أو قول ابن معين أو قول غيرهما من الأئمة فلا نخلط؛ لأنه قد يقول قائل: ما دام صححه البخاري ليش ننظر في قول غيره؟ نقول: لو قال: أخرجه البخاري سلمنا، ما عارضناه بتضعيف أحد كائناً من كان، لكن صححه البخاري، سأله الترمذي أو سأله فلان، وقال: صحيح، أو صححه في تاريخه، لا، نقول: قوله كقول غيره من الأئمة، لماذا القدسية؟ لأي شيء؟ هل هي للبخاري؟ لا، القدسية لكتابه الذي تلقته الأمة بالقبول، وهو أصح كتاب عندنا بعد كتاب الله -جل وعلا-.(28/24)
"وعنه -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((صلاة الليل والنهار مثنى مثنى)) " الحديث السابق المتفق عليه ((صلاة الليل مثنى مثنى)) لماذا لم يخرج البخاري ومسلم النهار، صلاة الليل والنهار، لماذا أعرض البخاري ومسلم عن هذه اللفظة؟ هل هي لأن فيها علة فتركاها؟ أو لكونهما لم يستوعبا الصحيح، وإنما اقتصرا على ما هو في المرتبة العليا منه؟ يعني هل يمكن أن تعل رواية أحمد وأبي داود وغيرهما من الأئمة بعدم تخريج الشيخين لها لا سيما إذا كانت جزء من حديث مخرج في الصحيح؟ أما إذا كان حديث مستقل ما خرجه البخاري هذا ما فيه إشكال؛ لأن البخاري ومسلماً نصا على أنه ليس كل حديث صحيح خرجاه في كتابيهما، وإنما تركا من الصحيح ما هو أكثر خشية الطول، خشية أن تطول هذه الكتب، فلا يعترض على حديث في أبي داود أو في المسند لأنه لم يخرجه البخاري، هذا لا يرد، لكن لفظة خرج البخاري جملة الحديث سواها لماذا أعرض عن هذه اللفظة؟ أو خرج مسلم الحديث دونها لماذا أضرب عن هذه اللفظة؟ نعم قد لا تكون على شرطه، وإن صححها خارج صحيحه لكنها ليست على شرطه في صحيحه، وهذا لا يقدح فيها، وهنا: ((صلاة الليل والنهار مثنى مثنى)) طيب مقتضى الحديث أنك لا تتنفل بأكثر من ركعتين في الليل هذا لا إشكال فيه؛ لأن الخبر في الصحيحين، أما في النهار تصلي أربع ركعات قبل الظهر أو قبل العصر بسلام واحد، أو صلاة الضحى تصليها أربع بسلام واحد؟ لأن هذه اللفظة لم تثبت، وإذا لم تثبت فمفهوم قوله: ((صلاة الليل مثنى مثنى)) أن صلاة النهار تجوز الزيادة فيها على اثنتين، وإذا صححنا هذه اللفظة وقلنا: ((صلاة الليل والنهار مثنى مثنى)).(28/25)
النسائي نص على أن هذه اللفظة خطأ، الإمام أحمد كذلك، يحيى بن معين كذلك، شيخ الإسلام ابن تيمية، جمع من الحافظ نصوا على أنها خطأ، وأزيد فأقول: أن فيه ظرف غير الليل والنهار؟ نعم؟ فلماذا نقول: صلاة الليل والنهار؟ لماذا لا نقول: الصلاة مثنى مثنى؟ يعني التنصيص على الليل في رواية الصحيحين المتفق عليها تخرج النهار لأنه في قسيم؛ لكن إذا قيل: صلاة الليل والنهار مثنى مثنى، هل فيه قسيم يخرج بهذا الحصر؟ ليس فيه قسيم، لو أريد ذلك لقيل: الصلاة مثنى مثنى.
المعلق -وفقه الله- أجلب على هذه الرواية وصححها، ورد بقوة على كل من ضعفها، ولا شك أنه من أهل العناية وأهل الخبرة وأهل الدراية في هذا الباب، لكن قوله لا يعارض به قول الأئمة.
يقول هنا: "رواه أحمد والبخاري والترمذي وابن ماجه والنسائي وابن حبان، وصححه البخاري" يعني هل تضافُر هذه الكتب على تخريج هذه الرواية دليل على قوتها؟ إذا كانوا يستدلون على قلة التخريج في دواوين الإسلام لا سيما إذا استقل به من كثرت عنده الضعاف على توهين الرواية، يعني لو استقل به ابن ماجه مثلاً استروحنا وملنا إلى ضعفه، لكن أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه والنسائي وابن حبان، وصححه البخاري، كونهم كلهم يخرجونه هل يدل على قوته أو لا؟ لا يدل على قوته؛ لماذا؟ لأنهم لم يشترطوا الصحة، بل يجمعون الصحيح والضعيف والحسن، بل قد يخرجون شديد الضعف.
وقال أحمد في رواية الميموني وغيره عنه: إسناده جيد.
وهناك في رواية الأثرم: ضعف.
"وقال النسائي: وهذا الحديث عندي خطأ، وقال الترمذي: اختلف أصحاب شعبة في حديث ابن عمر فرفعه بعضهم، ووقفه بعضهم" وتقدم بنا مراراً أنه إذا اختلف في رفع الحديث ووقفه فالحكم في هذا لإيش؟ للقرائن؟ الحكم للقرائن؛ لأن من أهل العلم من رجح الرفع مطلقاً لأنه زيادة ثقة، ومنهم من رجح الوقف مطلقاً لأنه هو المتيقن، والرفع مشكوك فيه، ومنهم من حكم للأكثر، ومنهم من حكم للأحفظ، لكن الأئمة ليس عندهم قاعدة مطردة يحكمون بالوقف أو بالرفع أو بالوصل أو بالإرسال مطلقاً، بل يكلون الأمر للقرائن، وهذا إنما يكون للراسخين في هذا الشأن.(28/26)
"وقال النسائي: وهذا الحديث عندي خطأ، وقال الترمذي: اختلف أصحاب شعبة في حديث ابن عمر فرفعه بعضهم، ووقفه بعضهم، وقال الدارقطني: الصحيح ذكر صلاة الليل دون ذكر النهار" والدارقطني إمام يعني له شأن في العلل كالنسائي، يرون أن هذه اللفظة خطأ، وأحمد اختلف القول عنه، مرة جود الإسناد، ومرة حكم بالضعف وتجويد الإسناد لا يعني قوة المتن، يعني كونه قال: إسناده جيد، هل يعني أنه محفوظ؟ يلزم أن يكون محفوظ؟ لا يلزم، ولذا قال النسائي: هذا الحديث عندي خطأ.
الخلاصة أن من يقول بثبوت هذه الرواية يقول: إن صلاة الليل والنهار مثنى مثنى، لا تجوز الزيادة عليهما على الركعتين، لا في ليل ولا في نهار، إلا ما دل الدليل عليه من الفرائض والوتر، وما عدا ذلك يبقى على كونه مثنى مثنى، وإذا قلنا: صلاة الليل مثنى مثنى مفهومه أن صلاة النهار تجوز الزيادة فيها على الركعتين.
طالب:. . . . . . . . .
إذا قلنا بصحة "والنهار" قلنا: لا تجوز الزيادة على ركعتين، بعضهم يرجح قبول هذه الزيادة؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى أربع ركعات يسلم بينهن، وركعتين بعد الظهر وركعتين بعد المغرب، ركعتين بعد العشاء، ركعتين قبل الفجر، كلها ركعتين ركعتين، ولو كانت الزيادة جائزة لزاد، لماذا اقتصر على ركعتين؟ لأن صلاة الليل والنهار مثنى مثنى، لكن ليس في هذا ما يدل على الحصر؛ لأن مجرد الفعل لا يدل على الحصر، ولا على أن الزيادة لا تجوز إذا وجد ما يدل عليها.
المعلق أطال في توثيق الراوي، أطال في توثيق راويه علي بن عبد الله الأزدي البارقي؛ لأنه علق على قول النسائي في المجتبى: "وهذا الحديث عندي خطأ" قلت: وهذا سند صحيح رجاله ثقات رجال مسلم، وعلي بن عبد الله الأزدي البارقي ثقة.
لكن هل التخطئة تدور مع توثيق الراوي وتضعيفه أو لدلالات أخرى خارجة تدل على أن هذا الراوي الثقة حفظ وضبط أو أخطأ؟ أما كون الراوي ليس بثقة ضعيف فهذا يضعف الخبر من أجله مباشرة، وهذا لآحاد طلاب العلم، لكن الإشكال فيما إذا كان الإسناد كله ثقات، وحكم بعض أهل العلم بأن هذا الراوي الثقة أخطأ، يعني إذا جئنا بشيء من أخطاء الإمام مالك، أخطأ في لفظة في اسم راوٍ من الرواة.(28/27)
. . . ... ومالك سمى ابن عثمان عمر
خالفه الأئمة كلهم يقولون: عمرو، هل نبحث لتقرير هذا الخطأ في ترجمة مالك، وأنه ثقة أو غير ثقة؟ نعم، يعني إذا أردنا أن نرجح مثلاً ابن عثمان هذا عمرو وإلا عمر؟ مالك يعرفه بشخصه، ويشير إلى بيته، وغيره من الأئمة يعرفونه، ومالك نجم السنن، ولا يحتاج إلى أن ترجع إلى المصادر لتعرف ثقة مالك أو غيره؛ لأن الشهرة والاستفاضة في هذا كافية.
وصححوا استغناء ذي الشهرة عن ... تزكية كـ (مالك) نجم لسنن
يعني إذا أردنا أن ننظر في ترجمة ابن عثمان هذا هل هو عمر أو عمرو؟ يعني ننظر في ترجمة مالك هل هو ثقة أو ليس بثقة لنقول: إن مالك ثقة فكلامه صحيح؟ لا نحتاج إلى أن نرجع، لكن الكلام في هل هناك قرائن دلت على أن الإمام مالك أخطأ؟ فمالك يخطئ، حفظ عنه أخطاء وهو نجم السنن، وغيره أخطأ، ولا يوجد معصوم، لكن كوننا نصحح أخبار يُذكر فيها مالك وغيره من الأئمة الثقات بناء على غلبة الظن، ولذا لا يقطعون بثبوت ما يرويه الثقة لأنه قد يخطئ، لكنه صحيح يجب العمل به، فكون المحقق -وفقه الله- يعلق على كلام النسائي: "وهذا الحديث عندي خطأ" هو ما قال: ضعيف لضعف علي بن عبد الله الأزدي البارقي لتقول: لا، صحيح لأن علي بن عبد الله الأزدي ثقة، قال: خطأ، وقد يخطئ وهو ثقة، يعني لا يخفى عليه أمر علي بن عبد الله الأزدي لنقول: هذا سند صحيح رجاله ثقات رجال مسلم، وعلي بن عبد الله الأزدي البارقي ثقة، يعني مثل ما ذكرنا في خطأ مالك لا نبحث في ترجمة مالك هل هو ثقة أو غير ثقة؟ يعني الإمام النسائي -رحمه الله- ما يعارض في كون البارقي هذا ثقة، لكن مع كونه ثقة يخطئ، وهذا هو المدار في المسألة، يعني هل الضعف جاء من قبل تضعيف بعض رواته، أو لكون بعض رواته أخطأ وهو ثقة، نعم وهذا أمر لا يدركه طلاب العلم، وهذا الذي نؤكد عليه مراراً، وأن هذا لا يمكن أن يتداوله طلاب العلم فيما بينهم إنما هو للأئمة الذين وصلوا إلى حد يعرفون ما صح وما لم يصح، وما يمكن أن ينسب إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وما لا يمكن أن ينسب، وإن كان رواته ثقات، وقد يكون محفوظاً وإن كان في رواته بعض الطعن.(28/28)
ثم قال: قال علاء الدين مغلطاي في إكمال تهذيب الكمال: "ولما ذكره ابن خلفون في كتاب الثقات قال: هو ثقة، قاله أحمد بن صالح وغيره" نعم كون الراوي ثقة يعني مظنة لأن يكون ضبط الخبر، وهذا هو الأصل، لكن قد يأتي ويرد على خلاف الأصل مما يدل له الإجماع على أنه لا يوجد معصوم إلا النبي -عليه الصلاة والسلام-.
ثم قال: "قال ابن عدي في الكامل: وثقه ابن حبان والعجلي ومسلم والبيهقي، وقال ابن عدي في الكامل: ليس له كثير حديث، وهو عندي لا بأس به، وقال الذهبي: وقد احتج به مسلم، ما علمت لأحد فيه جرح وهو صدوق، وقال الحافظ في التقريب: صدوق ربما أخطأ" يعني مع هذه التوثيقات خلص الحافظ ابن حجر في التقريب أنه صدوق ربما أخطأ، وكأن الحافظ -رحمه الله- استحضر هذه الرواية، وبعض الروايات التي حصل فيها شيء من الخطأ.
ابن عمر -رضي الله عنهما- هو الراوي للحديث يقول سعيد بن جبير: كان ابن عمر -رضي الله عنهما- لا يصلي أربعاً لا يفصل بينهن إلا المكتوبة.
يقول البيهقي في الخلافيات: وهذا الحديث صحيح رواته ثقات، احتج مسلم بعلي بن عبد الله البارقي الأزدي، والزيادة من الثقة مقبولة، يعني زيادة لفظة: "والنهار".
ثم نقل كلام من قوى هذه الرواية وشدها وكلها تدور على توثيق الراوي البارقي.
يقول: وأما قول النسائي: وهذا الحديث عندي خطأ فيرد بقوله نفسه في السنن الكبرى: هذا إسناد جيد، ولكن أصحاب ابن عمر خالفوا علياً الأزدي، يعني هل يمكن أن يرد على النسائي في قوله: خطأ بقوله في السنن الكبرى: هذا إسناد جيد، ولكن أصحاب ابن عمر خالفوا علياً الأزدي؟ أو هذا يؤيد كلامه؟ يؤيد كلامه، هذا يؤيد كلامه ما يخالفه، ولا يرد عليه بكلامه من نفسه.
يعني علينا أن نفهم تصرفات الأئمة ومغازي كلامهم ومقاصدهم.
وقوله: وأما قول النسائي: وهذا الحديث عندي خطأ فيرد بقوله نفسه في السنن الكبرى: إسناده جيد، هذا إسناد جيد بلا شك، يعني من حيث ثقة الرواة والاتصال جيد، لكن الإشكال كله في هل ضبط راويه وأداه على الوجه الصحيح كما سمعه أو أخطأ فيه؟ ولكن أصحاب ابن عمر خالفوا علياً الأزدي، فهذا يؤيد كلامه في أن راويه أخطأ فيه.(28/29)
قلت: لم يخالفوا البارقي أصحاب ابن عمر، وإنما زاد عليهم، والزيادة من الثقة مقبولة، مع أن التذكير بأن الصلاة النبي -عليه الصلاة والسلام- في النهار مثنى مثنى كما تقدم، فهذا ينفي المخالفة، ويؤيد قول من صحح الحديث.
صلاة النبي -عليه الصلاة والسلام- في النهار مثنى مثنى؛ لأنها ركعتين، صلى ركعتين بعد كذا، وركعتين بعد كذا، وصلى ركعتين، هل هذا يقتضي أن الجمع بين أربع ركعات لا يجوز، يعني مجرد فعله؟ لا سيما إذا قلنا: إن هذه الزيادة خطأ، وأن مفهوم صلاة الليل مثنى مثنى، أن صلاة النهار تخالف صلاة الليل؟ وبهذا أيضاً نرد على من أعل هذا الزيادة بالشذوذ كالإمام الدارقطني، فإنه قال في العلل: ذكر النهار فيه وهم، وممن أعله الإمام يحيى بن معين، يعني إذا أعله الإمام أحمد على طالب العلم أن يتوقف، إذا وافقه يحيى بن معين يزداد في التوقف، إذا قال الدارقطني: ذكر النهار وهم، عليه أن يعيد النظر، وكلما زاد واحد من الأئمة الكبار الجبال وليس معنى هذا أننا يعني أخونا المحقق -وفقه الله- يعني له خبرة وله معرفة وله دراية وله يد في هذا الباب، لكن كلما أورد كلام من أئمة رد عليه بهذه السهولة.
وبهذا نرد على من أعل، ترد على الدارقطني! يعني رديت على النسائي، رديت على أحمد، رديت على شيخ الإسلام حتى نرد على الدارقطني؟
الذي أعله بالشذوذ فإنه قال: ذكر النهار وهم، وممن أعله الإمام يحيى بن معين، فقال ابن عبد البر في التمهيد: وكان يحيى بن معين يخالف أحمد في حديث علي الأزدي ويضعفه ولا يحتج به، ويذهب مذهب الكوفيين في هذه المسألة، ويقول: إن نافعاً وعبد الله بن دينار وجماعة رووا هذا الحديث عن ابن عمر ولم يذكروا فيه: "والنهار".(28/30)
في كلام طويل يعني على من يتصدى لتحقيق كتب أهل العلم أن يتعامل معه بالأسلوب المناسب، وأيضاً من باب ذكر الفضل لأهله المحقق يعني من أهل الخبرة والدراية، وله يد، وله جود في هذا المجال، وله أيضاً احترام وتقدير لأهل العلم فلا يكاد يذكر أحداً إلا ويقول: -رحمه الله-، ويتعامل معهم معاملة مناسبة، لكن أنا لفت نظري أنه تتبع هؤلاء الأئمة ويرد به على كذا، ويرد على فلان، ثم يرد على الدارقطني، ويرد على .. ، هذا أسلوب في تقديري لا يناسب في تجاه هؤلاء الأئمة، وإن كان يعني له رأيه، ولا يعترض عليه لا سيما وأنه من أهل هذا الشأن.
بقي أن أقول: وكذا تقدم الرد على من زعم أن شعبة لم يرفعه إلى آخره .. ، وبقي أن أقول: لقد ضعف شيخ الإسلام ابن تيمية -قدس الله روحه ونور ضريحه- الحديث في مجموع الفتاوى فقال: وقد ضعف أحمد وغيره من العلماء حديث البارقي، ولا يقال: هذه زيادة من الثقة فتكون مقبولة لوجوه:
الأول: أن هذا متكلم فيه.
الثاني: أن ذلك إذا لم يخالف الجمهور، وإلا فإذا انفرد عن الجمهور ففيه قولان في مذهب أحمد وغيره ... إلى آخره.
وفيما قاله أحمد -رحمه الله- نظر، أما قوله: وقد ضعف أحمد وغيره من العلماء حديث البارقي فمردود بقول الإمام أحمد نفسه كما نقل المصنف عنه من رواية الميموني: إسناده جيد، وقلنا: إن كلمة إسناده جيد لا تعارض التضعيف.
وكذا ذكره عنه ابن رجب الحنبلي في فتح الباري، بل ذكر ابن رجب أن الإمام أحمد في روايته عنه توقف في حديث الأزدي، وهذه أيضاً لا تعارض التضعيف.
ومردود أيضاً بتصحيح الحفاظ بعده كالإمام البخاري والخطابي والبيهقي والنسائي في أحد قوليه، النسائي يعني في قوله في السنن الكبرى حينما قال: إسناد جيد، ولكن أصحاب ابن عمر خالفوا علياً الأزدي، هذا ما يمكن أن يرد به على أحد.
والنسائي في أحد قوليه، والحاكم والنووي وابن الملقن وغيرهم، وأما رده بأن يكون الحديث صحيحاً بناءً على أنه زيادة ثقة؛ لأن علياً البارقي متكلم فيه فغير صحيح؛ لأن علياً لم يتكلم فيه أحد بجرح، ابن حجر ماذا قال؟ صدوق يخطئ، أو ربما أخطأ، المقصود أنه له أخطاء.(28/31)
والعلة الثانية إذا لم يخالفه الجمهور يقول: تقدم الرد عليها، وجملة القول: إن الحديث صحيح بلا ريب، وتتأكد صحته بفعل النبي -صلى الله عليه وسلم- لصلاة التطوع في النهار مثنى مثنى، وبفعل ابن عمر كما تقدم.
ثم بقي بعد ذلك اختلاف وجهات النظر نظر الحافظ في قبول زيادة البارقي، فمن قبلها صحح الحديث ومن لا فلا، والله أعلم.
ختام طيب يعني بالنسبة للأئمة والتفويض بالنسبة لمن صحح ومن ضعف، لكنه بعد أن رد على هؤلاء الكبار الجبال.
وقلنا: إنه من حيث المتن: ((صلاة الليل والنهار)) قلنا: إنه لا قسيم لليل والنهار، يعني حينما يقال: ((صلاة الليل مثنى)) له قسيم النهار يخرج بذلك، لكن صلاة الليل والنهار هل يوجد قسيم لينص على الليل والنهار؟ لا، وإنما يقال: الصلاة مثنى مثنى، لو أريد الصلاة بعمومها في الليل والنهار لقيل: الصلاة مثنى مثنى.
"وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل)) ".
((أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم)) هذا بالنسبة للأشهر، وأما بالنسبة لعموم الصيام فقد جاء ((أفضل الصيام صيام داود يصوم يوماً ويفطر يوماً)) وسيأتي الكلام عليه في كتاب الصيام -إن شاء الله تعالى-.
((وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل)) لأنها مشهودة، وفي آخر الليل، في جوف الليل النزول الإلهي ووقت من أوقات إجابة الدعاء هل من سائل؟ هل من داع؟ هل من مستغفر؟ لا شك أن هذا يجعل هذا الوقت أفضل من غيره فيحرص عليه، ومع الأسف الحرمان ظاهر لكثير من المسلمين، بل لبعض ممن ينتسب إلى العلم، تجده يبتلى بالسهر ويسهر إلى وقت متأخر من الليل، فإذا أراد أن يصلي عجز، قيد، ما الذي قيده كثرة القيل والقال، يعني لو أحيا ليله بعبادة مثلاً تعلم علم، مدارسة قرآن كما كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يفعل في رمضان يعان على قيام الليل، لكن قيل وقال، مباح يجره إلى مكروه، وقد يجره إلى محرم، والوقت إذا طال صار للشيطان فيه نصيب، ما لم يكن مشغولاً بذكر الله، وما يعين على ذكره.(28/32)
((وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل)) رواه مسلم، ورواه النسائي من رواية شعبة مرسلاً.
ولكنه موصول عند مسلم فهو صحيح، والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
هذا يقول: قرأت حديثاً كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((إنما الدنيا لأربعة: رجل رزقه الله علماً ومالاً فهو أفضلهم منزلة، ورجل رزقه الله علماً ولم يرزقه مالاً فهما في المنزلة سواء)).
ويش لون؟
لكنه مع ذلك يتمنى أن لو كان له مال فلان فيصنع مثل ما صنع فلان فهما في المنزلة سواء.
وكان عبد الله بن المبارك جمع بينهما والجهاد، والليث كان تاجراً، هل الجمع أفضل إذا رأى الإنسان الاستطاعة أو التفرغ للعلم كما هو عمل العلماء وأقوالهم؟
على كل حال الأصل التفرغ لما خلق له الإنسان، وهو تحقيق العبودية لله -جل وعلا-، لكن عليه أن يسعى في تحصيل ما يعينه على تحقيق هذا الهدف، ونعم المال الصالح للرجل الصالح، فعلى الإنسان أن يسدد ويقارب.
كيف الجمع بين حديث ابن عمر وحديث أم حبيبة؟
في حديث ابن عمر الرواتب عشر ركعات، وفي حديث أم حبيبة ثنتا عشرة، وقلنا: إن هذا إما أن يؤخذ بالأكثر فيدخل فيه حديث ابن عمر، وهذا إذا فعله الإنسان لا شك أنه أحوط، وإن فعل هذا أحياناً وفعل هذا تارة فلا بأس -إن شاء الله تعالى-.
هل تفعل الأربع ركعات قبل الظهر بتسليمتين؟
نعم جاء النص على أنه يسلم بينهما.
يقول: إن فاتتني ركعتا الفجر فمتى أقضيها؟
إن قضيتها بعد أذكار الصلاة ففي السنة التقريرية ما يدل على أنها تقضى بعد الصلاة، وإن أخرتها إلى أن يخرج وقت النهي وصليتها قبل صلاة الضحى كان ذلك قضاء مناسباً.
يقول: تفوتني بعض الأحيان بعض النوافل الراتبة فمثلاً أقضي راتبة المغرب بعد العشاء، فهل عملي صحيح؟
أهل العلم يقولون: إن الراتبة تنتهي بخروج الوقت، ينتهي وقتها بخروج الوقت، وكثيراً ما يقولون: سنة فات محلها، لكن لو صلى بعد راتبة العشاء الركعتين صلى ركعتين من باب التعويض والازدياد من الأجر في مقابل ما فاته من أجل تضييع الراتبة كان له وجه.
يقول: أين موضع نظري بين السجدتين؟ هل على السبابة أم موضع السجود؟(28/33)
على موضع السجود وإذا كان في التشهد وأخذ يحركها يرمي بطرفه إليها إلى السبابة، ومنهم من يقول: ينظر إلى تجاه وجهه كما قال الإمام مالك: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [(144) سورة البقرة] والأكثر على أنه ينظر موضع سجوده؛ لأنه أعون على الخشوع.
يقول: يوجد مستشفى يعطي كرت تخفيض قيمته مائة ريال تستفيد منه لتخفيض الكشف عند الطبيب والتحاليل والأشعة ولمدة عام، وإذا لم يستخدم ينتهي بعد عام كامل، فما الحاكم؟
يقصد الحكم، الحكم في شراء هذا الكرت المائة معلومة، ومقابلها معلوم وإلا مجهول؟ مجهول، إذاً هذا هو التأمين بعينه.
يقول: ذكرتم أنه إذا أتى موعد الصلاة في وقت العمل مسموح لنا شرعاً أن نتوقف عن العمل، ونذهب إلى الصلاة، ماذا عن المعلمين الذين يُدرّسون وقت صلاة الظهر؟
أولاً: بعض الموظفين يفرح بمثل هذا الكلام، وأنه بمجرد ما يسمع: الله أكبر يترك العمل ويذهب إلى المسجد، وبقية الأوقات لا يذهب إلا بعد الإقامة إذا كان في بيته وبين أولاده، هذا استغلال لمثل هذا الكلام، ولا شك أن الأصل الشرعي موجود، لكن يبقى أن على الإنسان أن يحرص على براءة ذمته، ولا يكون براءة الذمة في مقابل العمل، وإذا لم يكن ثم عمل لم يحرص على إبراء الذمة، يكون هذا الظاهر منه التنصل من العمل لا المبادرة إلى الصلاة.
أما بالنسبة للمعلمين الذين يدرسون وقت صلاة الظهر الأصل أنه متى سُمع النداء كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام- في حديث ابن أم مكتوم: ((أتسمع النداء؟ )) قال: نعم، قال: ((أجب، لا أجد لك رخصة)) فعليهم أن يتوقفوا عن التدريس، وأن تجعل مواعيد الدروس في غير وقت الصلاة، وينتهي الدرس مع الأذان، ويستأنف الذي بعده بعد الصلاة.
يعني كثيراً ما يسأل عن الجمع، الجمع بين الصلاتين؛ لماذا؟ والله المحاضرة تستوعب الوقتين، تستوعب من الأذان إلى أن يخرج الوقت، ولا نستطيع أن نترك المحاضرة طيب، يعني الدين هو الذي يُخضَع لهذا الدراسة، الدراسة إن كانت من أجل الدين فالصلاة عمود الدين، وإن كانت الدراسة من أجل الدنيا فلا خير في دنيا تعوق عن تحصيل الدين، والله المستعان.
يسأل عن الجمع لأن المدرس ما يمكنه من الصلاة وقت الدرس، هذا ليس بكلام، يخرج مهما ترتبت الآثار، ولا يخرج الصلاة عن وقتها ...(28/34)
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: المحرر – كتاب الصلاة (29)
الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هذا يسأل عن كتاب التمييز للإمام مسلم، هل هو مطبوع؟ وهل هناك شروح عليه؟ مع أني بحثت عنه ولم أجده؟
الموجود منه مطبوع، القطعة الموجودة منه مطبوعة، وعليه شروح مسجلة لبعض المشايخ.
يقول: ما كيفية عقد التسبيح باليد؟
عقد التسبيح هو عد هذه التسبيحات وغيرها من الأذكار بالأصابع، بالأنامل، فإن شئت أن تجعل إبهامك على العقد مع كل ذكر سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، وإن شئت ألا تجعله، المقصود من ذلك هو ضبط العدد، وإذا قلت: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر من غير وضع الإبهام على هذه العقد فلا يمنع من ذلك -إن شاء الله تعالى-؛ لأن المقصود ضبط العدد؛ لئلا يزاد على المشروع.
يقول: هل يمكن الجمع بين حديث ابن عمر أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يصلي قبل الظهر ركعتين وبين حديث عائشة أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان لا يدع أربعاً قبل الظهر يعني يقال: إذا صلى في البيت صلى أربعاً، وإذا صلى في المسجد صلى ركعتين.
النظر يقتضي خلاف ذلك، وإن كانت رواية عائشة تدل على صنيعه في البيت، ورواية ابن عمر تدل على المسجد، لكن القاعدة أن البيت أفضل فتكون المضاعفة في المسجد أفضل كما في الجمعة إذا صلى في المسجد صلى أربعاً، وإذا صلى في البيت صلى ركعتين.
يقول: صلاة المضطجع على النصف من صلاة القاعد، فهل تطوع المضطجع يصح؟ وما كيفيته؟
((صلاة القاعد على النصف من أجر صلاة القائم)) سواءً كان يطيق القيام ويستطيعه أو لا يستطيعه هذا في النافلة، وأما الفريضة فلا تصح إلا من قيام مع القدرة، النافلة أمرها أخف، فإذا تعب من الصلاة، وأراد أن يصلي وهو مضطجع وإن كان قادراً على القعود فلا مانع من ذلك، لكن يستقبل القبلة ويومئ بركوعه وسجوده، ويكون له ربع الأجر، نصف النصف.
مع ضيق الوقت وكثرة المشاغل، فبماذا تنصحون بحفظ عمدة الأحكام أو بلوغ المرام؟ مع كثرة الوصية به، أو المحرر مع العلم أني ليس بقوي الحفظ مع كثرة مشاغلي في الحياة اليومية؟(29/1)
أولاً: العمدة كل أحاديثها صحيحة، فيحرص عليها طالب العلم، والبلوغ فيه أحاديث لا توجد في العمدة مما يحتاجه طالب العلم، والمحرر فيه أحكام وتنبيهات على الأحاديث، وبيان لبعض العلل لا توجد في البلوغ، فلو أن طالب العلم أراد أن يجمع بين هذه الكتب في مصنف واحد، ويذكر زوائد كل واحد على الثاني فبهذه المعاناة تثبت هذه الفوائد.
يقول: هل هناك نص يدل على أن المسافر لا يصلي السنن الرواتب عدا ركعتي الصبح؟
مفهوم قوله: "وكان لا يتركها سفراً ولا حضراً" أنه يترك غيرها في السفر، مع أنه يلازمها في الحضر، إذاً السفر لا يحافظ عليها بل يتركها، وما أثر عن ابن عمر: "لو كنت مسبحاً لأتممت".
يقول: أنا طالب علم أطلب العلم منذ فترة، ولكني أتعب في حفظ المتون لكثرتها ولقلة الوقت، ولكني في الفهم والتلخيص جيد.
الزم، الذي يتيسر لك ويسهل عليك الزمه، لخص الكتب واشرحها من الكتب الأخرى، وحاول أن تفهم جملها.
يقول: سمعنا ترجيحكم لألفية العراقي على السيوطي مع أن ألفية العراقي يوجد في بعضها أبيات خلل، وبعض المعاصرين أصلحها، وأثبت ما أصلحه في المتن.
أولاً: إدخال الإصلاح في المتن هذا خطأ وتعدي على الكتاب، الإصلاح من أراد أن يصلح فليصلح خارج المتن، يعلق يقول: كذا قال الناظم، ولو قال كذا لكان أولى، كما يقوله كثير من الشراح، إذا تعرضوا لشرح النظم.
يقول: هل الحاكم في مستدركه سود كتابه لينقحه ثم عاجلته المنية كما ذكر ذلك الحافظ ابن حجر، وبذلك وقع في المستدرك من الأحاديث الضعيفة والواهية وغيرها؟
نعم هو حرر الربع الأول أكثر من ثلاثة الأرباع، ولذا تجدون الربع الأول أمتن من بقية الكتاب، ولعل هذا هو السبب.
يقول: رجل تزوج ثلاث نساء وابن عم الزوجة الثالثة تزوج ابنة الرجل، أبناؤهم هل يحرمون على زوجة جدهم لأمهم وابنة عم أبيهم؟
إيش دخل هذا بهذا؟ متصورة المسألة؟ رجل تزوج ثلاث نساء هذا لا بد من الاستفصال، السائل لا بد أن يحضر، بهذا الاختصار لا يمكن الجواب.
يقول: توفي أبي -رحمه الله- فهل يلزمني تسميته في نيتي عند فعل العمل الصالح أم لا؟ علماً أنني من كسبه وبالتالي كل أعمالي تكتب له.(29/2)
هو السبب في وجودك، ولا شك أنك من كسبه، وله أجر على نيته في وجودك، ولكن الدعاء له وتخصيصه بالدعاء هذا هو المأثور ((أو ولد صالح يدعو له)) فلا بد من الزيادة على السبب في إيجادك، لا بد من أن تخصه بأعمال صالحة.
صلاة النافلة في البيت هل تشمل بيت الوالد أو بيت الجار المراد زيارته بعد الفرض؟
أما بيت الوالد فهو بيت، وكذلك بيت الولد من باب أولى.
لفظ بأبي أنت وأمي يا رسول الله، هل الباء هنا للقسم؟
لا، ليست للقسم، متعلقة بمحذوف تقديره: أفديك بأبي وأمي.
التسمية عند الوضوء.
مختلف في ثبوت الحديث فيها، وأكثر أهل العلم على تضعيفه.
يقول: يقول بعض العلماء بجواز ذكر الإنسان بما يكره من باب الشكوى والفتيا؟
إذا كان ذلك بغير قصد الغيبة استنباطاً من بعض الأحاديث، يعني حديث امرأة أبي سفيان قالت: رجل شحيح، يعني يذكر الرجل بما فيه لا يزاد عليه، وهذا البيان للحاجة، الحاجة تدعو إلى ذلك، فاستثني من تحريم الغيبة من ذكر الإنسان بما يكره في حال غيبته أمور منها هذا الشكوى، الفتيا، الجرح بالنسبة للرواة والشهود، كل هذا مستثنى لمصلحة راجحة.
أم نذرت إذا شفى الله ابنتها أن تذبح كل سنة ذبيحة، وشفى الله ابنتها، وأصبحت تذبح كل سنة إلى أن ماتت، وقبل موتها أوصت ابنتها بهذا العمل إلى السنتين الماضيتين تعسر عليها؟
لا، التكليف انقطع بوفاتها، فلا يلزم النذر بعد وفاتها، يكفي ما ذبحته في حياتها.
يقول: هل تقرير الصحابي في الحجية كتقرير النبي -عليه الصلاة والسلام-؟
لا، تقرير الصحابي ليس بحجة؛ لأنه قد يسكت لمصلحة راجحة لا لبيان الجواز كتقريره -عليه الصلاة والسلام-، وإذا اختلف في قوله الصريح هل هو حجة أو ليس بحجة فالتقرير لا يختلف فيه.
يقول: ما حكم حلق أو تخفيف الشعر المسمى بالخنفقة -هي العنفقة- الواقع فوق اللحية وتحت الشفتين؟
هي من اللحية فلا يجوز التعرض لها.
صحة حديث: ((اللهم أجرني من النار)) الذي نقوله بعد صلاة الفجر والمغرب؟
الحديث ضعيف.
هل ترك دعاء الاستفتاح تخفيفاً أفضل وأقرب للسنة، أم ذكر دعاء الاستفتاح كالفريضة وبقية النوافل؟(29/3)
لعله يقصد في راتبة الفجر، السائل لعله يقصد في راتبة الفجر؛ لأنه يقول: كالفريضة وبقية النوافل؛ لأن راتبة الفجر سنة الفجر ركعتي الفجر يسن تخفيفها، حتى قالت عائشة: "لا أدري أقرأ بأم الكتاب أم لا" يقرأ كل ما تطلب قراءته، لكنه لا يزيد على الاستفتاح، أخصر الاستفتاحات مثلاً، ولا يزيد على ما شرعت قراءته من سورة الإخلاص أو الآيتين المذكورتين.
يقول: نريد مثالاً على الأوصاف الاختيارية للنبي -عليه الصلاة والسلام-؟
يعني الشمائل مليئة من الأمثلة منها الاختياري، ومنها الاضطراري والإجباري، يعني ما يتعلق بأوصافه الخُلقية كلها اختيارية، وما يتعلق بأوصافه الخَلقية كلها إجبارية.
يقول: نجد بعض الخطباء إذا انتهى من خطبته ودخل في الصلاة قرأ بآيات لها علاقة بموضوع الخطبة علماً أن هذا الفعل يتكرر مع كل خطبة، فما حكم هذا الفعل؟
لو قرأ هذه الآيات في الخطبة واقتصر على ما تشرع وتسن قراءته في صلاة الجمعة، أو في صلاة العيد كان أتبع للسنة.
أرجو إعطائي مثلاً يشرح لي علم أصول الفقه؛ لأن أكثر المصنفات تشرح كلاماً طويلاً بينما لو كان هناك مثال لاتضح المقال؟
يعني يريد في كتاب يهتم بالأمثلة أو نورد له مثال؟ وعلى أي مسألة تورد؛ لأن أكثر المصنفات تشرح كلاماً طويلاً، ويش تشرح كلام يعني بدون أمثلة؟ كتب الأصول كلها فيها أمثلة.
يقول: ما هي السنة لمن جاء مبكراً يوم الجمعة هل يطيل في الصلاة أو يكثر منها أو يكثر من القرآن؟
كلها عبادات فاضلة، وكلها فعلها الصحابة وسلف هذه الأمة، والتنوع مطلوب.
هل يجوز لي أن أفتح على إمام أخطأ في قراءته، وأنا لست بمأموم وراءه، علماً بأن ذلك بعد الصلاة، وهم جماعة ثانية؟
لك ذلك، لك أن تفتح عليه لا سيما إذا لم يوجد من يفتح عليه.
يقول: هل تخصص سنة الاضطجاع بما إذا صليت سنة الفجر في البيت؛ لفعل النبي -صلى الله عليه وسلم-؟
نعم ولا تفعل في المسجد؛ لأن ابن عمر كان يحصب من يفعلها.
هل قال أحد بوجوب تحية المسجد من أصحاب القرون المفضلة؟
لا أعلم أحداً قال بذلك، وعامة أهل العلم على استحبابها، ووجد من يقول من المتأخرين.
هذا يقول: هل يجوز لي أن أقص من شعر حاجبي لأنه طويل؟(29/4)
إذا كان يؤذيك وينزل إلى العينين وتتأذى به ويقذرك به الناس فلا مانع وإلا فلا.
هل رفع اليدين للدعاء بين الخطبتين مشروع؟
أما بالنسبة أثناء الخطبة فليس بمشروع إلا إذا استسقى الخطيب، إذا استسقى الخطيب يرفع يديه، ويرفع المأمومين أيديهم، وأما بين الخطبتين فالأمر فيه سعة.
يقول: هل يقال: إنه عندما يكون الجهاد فرض عين أن طلب العلم أفضل من دفع العدو الصائل؟
لا، لا يمكن أن يقال هذا، لا يمكن أن يقال مثل هذا، ولو قيل بمثل هذا لضاعت حقوق الناس، حقوق الأفراد وحقوق الأمة، دفع الصائل لا بد أن يدفع.
سم.
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين.
قال الإمام ابن عبد الهادي -رحمه الله تعالى- في كتابه المحرر:
وعن زيد بن خالد الجهني -رضي الله عنه- أنه قال: لأرمقن صلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الليلة، فصلى ركعتين خفيفتين، ثم صلى ركعتين طويلتين طويلتين طويلتين، ثم صلى ركعتين وهما دون الركعتين اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم أوتر، فذلك ثلاث عشرة ركعة. رواه مسلم.(29/5)
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا قام من الليل يتهجد قال: ((اللهم لك الحمد أنت قيم السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد لك ملك السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت الحق، ووعدك الحق، ولقاؤك حق، وقولك حق، والجنة حق، والنار حق، والنبيون حق، ومحمد حق، والساعة حق، اللهم لك أسلمت وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت، وما أعلنت، أنت المقدم، وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت أو لا إله غيرك)) قال سفيان: وزاد عبد الكريم أبو أمية: ((ولا حول ولا قوة إلا بالله)) متفق عليه، ولفظه للبخاري، وفي لفظ لهما: ((أنت رب السماوات والأرض)) ((بدل لك ملك السماوات والأرض)) وفي آخره: ((أنت إلهي لا إله إلا أنت)) وفي لفظ لمسلم: ((أنت قيام السماوات والأرض)) وللنسائي في آخره: ((ولا حول ولا قوة إلا بالله)) وعند ابن ماجه: ((ولا حول ولا قوة إلا بك)).
وعن أم سلمة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- استيقظ ليلة فقال: ((سبحان الله، ماذا أنزل الليلة من الفتنة؟ ماذا أنزل من الخزائن؟ من يوقظ صواحب الحجرات؟ يا رب كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة)) رواه البخاري.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يا عبد الله لا تكن مثل فلان كان يقوم من الليل فترك قيام الليل)) متفق عليه.
وعن عاصم بن ضمرة عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يا أهل القرآن أوتروا، فإن الله وتر يحب الوتر)) رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة في صحيحه، والترمذي وقال: حديث حسن غريب، وعاصم مختلف فيه، ولقد أبعد من قوى هذا الحديث بقوله: بعد ذكره، وعاصم يخرج له الحاكم في المستدرك، فإنه يخرج فيه للضعيف والثقة والمتروك والمتهم.
وعن الحجاج بن أرطأة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن الله قد زادكم صلاة وهي الوتر)) رواه أحمد، وحجاج غير محتج به، ولم يسمعه من عمرو.(29/6)
وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الله زادكم صلاة إلى صلاتكم هي خير لكم من حمر النعم ألا وهي الركعتان قبل صلاة الفجر)) رواه البيهقي بإسناد صحيح.
وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً)) متفق عليه.
وعن أبي سلمة -رضي الله عنه- قال: سألت عائشة -رضي الله عنها- عن صلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ فقالت: كان يصلي ثلاث عشرة ركعة: يصلي ثمان ركعات ثم يوتر ثم يصلي ركعتين وهو جالس، فإذا أراد أن يركع قام فركع، ثم يصلي ركعتين بين النداء والإقامة من صلاة الصبح" رواه مسلم.
وعن مسروق قال: سألت عائشة عن صلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالليل؟ فقالت: سبع وتسع وإحدى عشرة، سوى ركعتي الفجر" رواه البخاري.
وعن طلق بن علي -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لا وتران في ليلة)) رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن حبان والترمذي، وقال: حديث حسن غريب.
وعن أبي بن كعب -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوتر بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [(1) سورة الأعلى] و {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [(1) سورة الكافرون] و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [(1) سورة الإخلاص] رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والنسائي، وزاد: "لا يسلم إلا في آخرهن".
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة، يوتر من ذلك بخمس، لا يجلس في شيء إلا في آخرها" رواه مسلم.
وعنها قالت: من كل الليل قد أوتر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أول الليل وأوسطه وآخره، فانتهى وتره إلى السحر" متفق عليه، واللفظ لمسلم.
وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((أوتروا قبل أن تصبحوا)) رواه مسلم.
وروى عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله، ومن طمع أن يقوم آخره فليوتر آخره، فإن صلاة آخر الليل مشهودة، وذلك أفضل)).(29/7)
وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا طلع الفجر فقد ذهب كل صلاة الليل والوتر، فأوتروا قبل طلوع الفجر)) رواه الترمذي، وقال: سليمان بن موسى تفرد به على هذا اللفظ، ولم نر أحداً من المتقدمين تكلم فيه، وهو ثقة عند أهل الحديث، وقال البخاري: عنده مناكير، وقال النسائي: ليس بالقوي في الحديث، وقال ابن عدي: هو عندي ثبت صدوق.
وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من نام عن الوتر أو نسيه فليصل إذا أصبح أو إذا ذكر)) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي، وقد ضعفه بعض الأئمة، وروي مرسلاً، وإسناد أبي داود لا بأس به، وقد روى ابن حبان من حديث أبي سعيد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من أدرك الصبح ولم يوتر فلا وتر له)).
حسبك، يكفي.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"وعن زيد بن خالد الجهني -رضي الله عنه- أنه قال: لأرمقن صلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الليلة" لأرمقن يعني لأتتبعن وأرصدن؛ لماذا؟ لماذا يتتبع صلاة النبي -عليه الصلاة والسلام- ويرصدها ويتابعه في جميعها؟ ليعمل؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- هو القدوة وهو الأسوة، فعلى المسلم أن يقتدي به ويأتسي، وقد انتهت الاقتداء بأفعاله مباشرة بموته -عليه الصلاة والسلام-، ولم يبق إلا العمل بما أثر عنه -عليه الصلاة والسلام- من قول أو فعل.
"لأرمقن صلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الليلة" يعني في هذه الليلة؛ لأنه سمع أحاديث رأى أن في بعضها ما يخالف بعضاً، والأمر كذلك على ما سيأتي في صلاة الليل.(29/8)
"فصلى ركعتين خفيفتين" كان يفتتح صلاته -عليه الصلاة والسلام- صلاة الليل بهاتين الركعتين الخفيفتين، فمن اعتبرهما قال: أوتر بثلاث عشرة، ومن لم يعتبرهما كما في حديث عائشة قال: أوتر بإحدى عشرة، لا يزيد على إحدى عشرة، وكأن هاتين الركعتين المتميزتين بالخفة لا تلحقان بقيام الليل؛ لأن صفة قيام الليل الطول، كما قالت عائشة: "فلا تسأل عن حسنهن وطولهن" وهنا يقول: "ثم صلى ركعتين طويلتين طويلتين طويلتين" تأكيد "ثم صلى ركعتين وهما دون الركعتين اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما" يعني صلى الركعتين الأوليين خفيفتين، ثم صلى الركعتين الأوليين اللتين بعد الخفيفتين طويلتين طويلتين طويلتين، ثم صلى ركعتين طويلتين طويلتين، يعني هما دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين طويلتين وهما دون اللتين قبلهما ... إلى آخره.
فصلاته -عليه الصلاة والسلام- متدرجة أولها أطولها، وهكذا في صلاة الفريضة تكون الركعة الأولى أطول من الثانية، وجاء في صلاته للكسوف أنه كبر فقام قياماً طويلاً نحواً من سورة البقرة، ثم ركع، ركع ركوعاً طويلاً ثم رفع فقرأ، وقام قياماً طويلاً دون القيام الأول، ثم ركع ركوعاً دون الركوع الأول ثم رفع، ثم سجد سجوداً طويلاً، ثم على هذه الصفة، وكل ركن من أركانها دون الذي قبله، هذه القاعدة في صلاته -عليه الصلاة والسلام-، ونجد بعض الأئمة يخالف هذه السنة، تجده يقرأ في الأولى سورة، ثم يقرأ في التي تليها سورة أطول منها، يعني لا يرد على هذا الشيء اليسير، يعني الفرق إذا كانت الثانية أحياناً مماثلة للركعة الأولى، أو أزيد منها بشيء يسير، فمثلاً سبح والغاشية، الغاشية أطول من سبح بشيء يسير، والمعوذتان متساويتان، لكن هذه الجادة عنده -عليه الصلاة والسلام-، أن الأولى سواءً كانت في الفريضة أو في النافلة أطول من التي بعدها، ولذا قال ... ، فإذا اعتبرنا صلى ركعتين خفيفتين من التهجد صارت ثلاث عشرة كما قال الصحابي، وإذا لم نعتبر صارت إحدى عشر كما قالت عائشة.(29/9)
"ثم صلى ركعتين طويلتين طويلتين طويلتين" هذا تأكيد "ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما" هما طويلتان طويلتان بالفعل، لكنهما دون اللتين قبلهما "ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما" هما طويلتان لكنهما دون الثالثة والرابعة "ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما" الخامسة والسادسة "ثم صلى ركعتين ... " إلى آخره "ثم أوتر" أوتر بكم؟ إذا قلنا: ثلاث عشرة أوتر بواحدة وإلا بثلاث؟ في حديث عائشة أوتر بثلاث، وهنا الحصر ثلاث عشرة، يحدد لنا العدد، لكن على اعتبار الركعتين أو عدم اعتبار الركعتين، إذا اعتبرنا الركعتين الخفيفتين، ثم الركعتين الطويلتين، ثم الركعتين الطويلتين، ثم الركعتين الطويلتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم يكون حينئذٍ أوتر بواحدة، وإذا قلنا: إنه لم يعتبر هاتين الركعتين الخفيفتين يكون أوتر بثلاث، فيكون الحديث مطابقاً لحديث عائشة -رضي الله عنه- لأنه قال: "ثم أوتر، فذلك ثلاث عشرة ركعة".
والوتر كما يطلق على الواحدة يطلق على الثلاث ويطلق على الخمس ويطلق على السبع ويطلق على التسع، كلها وتر، وهو ما يقابل الشفع.
الفردي من الأعداد وتر، والزوجي من الأعداد شفع، وقوله: "ثم أوتر" هذا الحصر يدل على ثلاث عشرة بدون زيادة، فإن كان اعتبر الركعتين الخفيفتين يكون أوتر بواحدة، وإن لم يعتبر الركعتين الخفيفتين وأنها كالاستفتاح للصلاة يكون أوتر بثلاث ليطابق حديث عائشة.
"رواه مسلم".(29/10)
"وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا قام من الليل يتهجد" يتهجد، والتهجد جاء الحث عليه في نصوص الكتاب والسنة {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} [(16) سورة السجدة] {كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} [(17) سورة الذاريات] {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [(9) سورة الزمر] يعني ويش ارتباط التعقيب هذا بالتهجد بالقيام؟ يدل على أن الذي لا نصيب له من قيام الليل يكون نصيبه من العلم الحقيقي النافع المثمر بقدر نصيبه من هذه الصفة التي هي دأب الصالحين، يكون نصيبه من العلم المثمر {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [(9) سورة الزمر] {كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} [(17) سورة الذاريات] {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} [(16) سورة السجدة] ومع الأسف أن هذه الصلاة من أثقل الأشياء على النفس؛ لأنها إما أن يكون الإنسان نائماً فيصعب عليه القيام، أو يكون قائماً مستيقظاً فلا يعان إن لم يكن استيقاظه في طاعة، إذا كان سهره في طاعة فإنه يعان؛ لأنه إذا نظر في أمره لماذا سهر ليله؟ سهر لدراسة العلم وتحفظ العلم وفهم العلم، وهذا أشق من الصلاة، فيعان على الصلاة، سهر لقراءة القرآن، سهر في أمر من أمور المسلمين العامة يعان على قيام الليل، أما إذا سهر في القيل والقال، وفيما لا ينفع بل قد يضر فإن هذا التجربة أثبتت أن مثله لا يعان.(29/11)
"إذا قام من الليل يتهجد قال: ((اللهم لك الحمد أنت قيم السماوات والأرض ومن فيهن)) " هذا الذكر هل هو ذكر استفتاح أو قبل الدخول في الصلاة؟ إذا قام من الليل يتهجد، اللفظ يحتمل أنه بعد دخوله في الصلاة، ويحتمل أنه إذا أراد الصلاة قام من الليل قبل أن يشرع في الصلاة ((اللهم لك الحمد أنت قيم السماوات والأرض)) فمن ذكره قبل شروعه في صلاته فقد أحسن، ومن جعله استفتاحاً لصلاته فقد أحسن.
((اللهم لك الحمد أنت قيم السماوات والأرض ومن فيهن)) يعني أنت القائم بهن، ولولاك سبحانك وتعاليت لما قام شيء من ذلك.
((ولك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن)) حجابه النور {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [(35) سورة النور].
((أنت نور السماوات والأرض، ولك الحمد لك ملك السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت الحق)) وما يعبد من دونك فهو الباطل ((ووعدك الحق)) الذي لا يخلف ((ولقاؤك حق)) الذي لا شك فيه ولا مرية، ((وقولك حق)) وهو الصدق الذي لا يعتريه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ولا يعتريه كذب ولا شك، ((والجنة حق، والنار حق)) وكل هذا اعتقاد أهل الحق ((والجنة حق، والنار حق، والنبيون حق)) لا بد من الإيمان بهذه الأمور ((ومحمد حق)) لا بد من الإيمان به على جهة التفصيل، وإن كان الإيمان بالنبيين قبله تفصيلاً فيما فصل وإجمالاً فيما أجمل ((والساعة حق)) لا ريب فيها، ولا يعلم متى تكون إلا الله -جل وعلا-، {أَكَادُ أُخْفِيهَا} [(15) سورة طه] يعني مبالغ في إخفائها حتى عن نفسه -جل وعلا-.
((لك أسلمت وبك آمنت)) لك أسلمت واستسلمت بجوارحي وأقوالي وأفعالي وإراداتي ((وبك آمنت)) صدقت وأيقنت ((وعليك توكلت)) وفوضت جميع أموري إليك لا على غيرك ((وإليك أنبت)) لك رجعت ((وبك خاصمت)) يعني جعلت عدتي في خصومتي ما توجهني به من نصوصك من الكتاب أو السنة ((بك خاصمت)) وخاصمت أيضاً من يشككني فيك.
((وإليك حاكمت)) {إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ} [(57) سورة الأنعام] {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [(65) سورة النساء].(29/12)
((فاغفر لي)) هذا تحميد وتمجيد كله بين يدي هذا الدعاء ((فاغفر لي ما قدمت وما أخرت)) وحري بدعاء يقدم له بهذا التحميد والتمجيد على ما تقدم ((إذا دعا أحدكم ربه فليحمده وليمجده)).
((فاغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، أنت المقدم وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت، أو لا إله غيرك)) قال سفيان: وزاد عبد الكريم أبو أمية: ((ولا حول ولا قوة إلا بالله)) متفق عليه، ولفظه للبخاري" عبد الكريم أبو أمية هذا؟ التقريب موجود؟
طالب:. . . . . . . . .
هاته.
وزاد عبد الكريم أبو أمية: ((ولا حول ولا قوة إلا بالله)) لأن عبد الكريم بن أبي المخارق كنيته أبو أمية وهو ضعيف، وزاد عبد الكريم أبو أمية: ((ولا حول ولا قوة إلا بالله)) ومقتضى ترتيب المؤلف أن هذه اللفظة موجودة في لفظ البخاري.
"متفق عليه، ولفظه للبخاري، وفي لفظ لهما: ((أنت رب السماوات والأرض)) " يقول: عبد الكريم بن أبي المخارق بضم الميم وبالخاء المعجمة، أبو أمية المعلم البصري، نزيل مكة، واسم أبيه قيس، وقيل: طارق، ضعيف، له في البخاري زيادة -التي عندنا-، له في البخاري زيادة في أول قيام الليل من طريق سفيان عن سليمان الأحول عن طاوس عن ابن عباس في الذكر عند القيام، قال سفيان: زاد عبد الكريم فذكر شيئاً، وهذا موصول وعلم له المزي علامة التعليق، وليسه هو معلقاً، وله ذكر في مقدمة مسلم، وما روى له النسائي إلا قليلاً، من السادسة أيضاً، مات سنة ست وعشرين، وقد شارك الجزري في بعض المشايخ، فربما التبس على من لا فهم له.
يعني تعقيب المؤلف بقوله: "متفق عليه، ولفظه للبخاري" أن هذه اللفظة في البخاري، والذي نعرف أن عبد الكريم بن أبي المخارق أبا أمية هذا معروف ضعفه، ولذلك نص عليه الحافظ هنا، كلامه جيد، يعني التنصيص على هذه الزيادة يرفع هذا اللبس من قرب وإلا الرجوع إلى المصادر يبين، لكن في مثل الدرس ينفعنا كثيراً هذا.(29/13)
قال: عبد الكريم بن أبي المخارق أبو أمية المعلم البصري نزيل مكة واسم أبيه قيس، وقيل: طارق، ضعيف، له في البخاري زيادة في أول قيام الليل من طريق سفيان؛ لأنه قال: قال سفيان: وزاد عبد الكريم أبو أمية: ((ولا حول ولا قوة إلا بالله)) قال سفيان: زاد عبد الكريم فذكر شيئاً، وهذا موصول، وعلّم له المزي علامة التعليق، وليسه هو معلقاً؛ لأنه ماذا قال؟ وزاد؛ لأنه قال: قال سفيان، هل هو بالسند المتقدم فيكون موصولاً أو استئناف كلام قال سفيان لا علاقة له بالسند المتقدم فيكون معلقاً.
الحافظ يرى أنه موصول؛ لماذا؟ هاه؟ هو موصول بالسند المتقدم على رأي ابن حجر، لكنه معلق على رأي المزي، علّم عليه علامة التعليق؛ لماذا؟ لأن القاعدة عند ابن حجر: أنه إذا أردف القول أردف الخبر المتصل بالقول بدون الواو، فيكون حينئذٍ بالسند المتقدم، وحيث يريد التعليق يأتي بالواو؛ لأنه لو أراد التعليق لقال: وقال سفيان، هذه القاعدة عند ابن حجر، والحافظ المزي -رحمه الله- قال: إنه معلق، يعني ليس بالسند المتقدم.
ما الحكم في مثل هذا؟ يعني هل نرجح كلام ابن حجر أو كلام المزي؟ في هذا الموضع على وجه الخصوص يعني ابن حجر ظهر له بالاستقراء قال: وحيث يريد التعليق يأتي بالواو، والعيني قال: لا دليل على ذلك، يأتي بواو أو ما يأتي بواو هو معلق على كل حال، ولا فرق، والقاعدة وإن كانت يعني ظهرت لابن حجر بالاستقراء والتتبع، وهو من أعرف الناس بالصحيح، لكن لها ما يخرمها حتى عند ابن حجر.
هنا ما المرجح قول ابن حجر وإلا قول المزي؟ ما الذي نرجحه في هذا الموضع دعونا من المواضع الأخرى؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
قول من؟
طالب:. . . . . . . . .
المزي؛ لماذا؟
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه؛ لأن البخاري يتساهل في التعاليق، ولا يتساهل في الأصول، فكون الزيادة تذكر عن هذا الراوي الضعيف يدل على أن البخاري أوردها على جهة التعليق، فالبخاري يتساهل في المعلقات، ولا يتساهل في الأصول، فالمرجح هنا قول المزي -رحم الله الجميع-.(29/14)
"وفي لفظ لهما" يعني للبخاري ومسلم: ((أنت رب السماوات والأرض)) بدل: ((لك ملك السماوات والأرض)) وفي آخره: ((أنت إلهي لا إله إلا أنت)) وفي لفظ لمسلم: ((أنت قيام)) بدل قيم، وجاء في آية الكرسي: (القيوم) فهو قيوم وهو قيام وهو قيم.
((أنت قيام السماوات والأرض)) وللنسائي في آخره: ((ولا حول ولا قوة إلا بالله)) وعند ابن ماجه: ((ولا حول ولا قوة إلا بك)).
هذا الذكر بهذه الألفاظ المختلفة التي بعضها في البخاري فقط، وبعضها في الصحيحين، وبعضها في مسلم، وبعضها عند النسائي، وبعضها عند ابن ماجه، إذا أردنا أن نقول هذا الذكر نلفق بين هذه الروايات وإلا نرجح بين هذه الألفاظ؟ نرجح وإلا نلفق؟ يعني في وصية النبي -عليه الصلاة والسلام- لأبي بكر حينما سأله دعاء يدعو به في صلاته، قال: ((رب إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً)) وفي رواية: ((كبيراً)) نقول: كثيراً كبيراً؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا لا، افترض أنه ما يختلف.
طالب:. . . . . . . . .
نأتي باللفظين معاً؟ يعني هل نقول: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال اللفظين أو قال أحدهما؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني مثل ما عندنا الألفاظ كثيرة، والاختلاف موجود، منها ما في الصحيحين، ومنها ما تفرد به البخاري، ومنها ما تفرد به مسلم، ومنها ما عند النسائي، وفيها ما هو عند ابن ماجه.(29/15)
الأصل أن نرجح ولا نلفق، الأصل الترجيح في مثل هذا إلا إذا كان المحفوظ أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قاله في مناسبات متعددة، وبعض الرواة حفظ ما لم يحفظه غيره، فنجمع بين رواياتهم، أما إذا قال: ولا حول ولا قوة إلا بالله، وعند ابن ماجه: ((ولا حول ولا قوة إلا بك)) نرجح ما في الصحيح على ما في ابن ماجه، أيضاً ((ولا حول ولا قوة إلا بالله)) عند النسائي وعند ابن ماجه: ((إلا بك)) ((أنت قيام)) هذه عند مسلم، وفي الصحيحين: ((قيم)) أو نقول: ما في القرآن أصح ونقول: أنت قيوم؟ يعني هل في هذا مجال للنظر وإلا ما في مجال؟ نعم؟ يعني هل لنا أن نغير هذه اللفظة ونقول: اللهم لك الحمد أنت قيوم كما جاء في آية الكرسي؟ أو نقول: في الصحيحين: ((أنت قيم)) وإن كان في مسلم: ((قيام)) وإن كان في آية الكرسي (قيوم) لأن كل موضع له ما يخصه، كل موضع له ذكر يقتصر فيه على أصح ما ورد فيه، وما يمكن أن يضاف إليه مما لا يعارضه، يعني لو فرضنا أن هناك جملة ما حفظها الرواة عند هؤلاء، وحفظت عند غيرهم مما لا تعارض مما لا يوجد بديل لها في هذه الروايات نضيفها، نقول: من حفظ حجة من لم يحفظ، وقد يعلل بعض أهل العلم مثل هذه اللفظة بأنه ما تركها البخاري ومسلم أو أعرضوا عنها إلا لما فيها، لكن مثل هذه الأمور يعني التي توجد يعني نكرر أنت قيام أنت قيوم؟ لا ما يمكن.
قال -رحمه الله-:
"وعن أم سلمة -رضي الله عنها- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- استيقظ ليلة فقال: ((سبحان الله)) " تنزيه لله -جل وعلا- ((ماذا أنزل؟ )) الضمير يعود إلى الله -جل وعلا- ((ماذا أنزل الليلة من الفتنة؟ )) والنبي -عليه الصلاة والسلام- يرى مواقع الفتن بين البيوت كمواقع النبل ((ماذا أنزل الليلة من الفتنة؟ )) نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن ((ماذا أنزل من الخزائن؟ )) من الخزائن من الأجور، من الأرزاق، شيء عظيم لا يقدر قدره إلا الله -جل وعلا-، فعلينا أن نتقي الفتن، ونتعرض لهذه الخزائن.(29/16)
((من يوقظ صواحب الحجرات؟ )) يعني زوجاته -عليه الصلاة والسلام- ((من يوقظ صواحب الحجرات؟ )) {قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} [(6) سورة التحريم] والرجل يقوم من الليل يوقظ زوجته إن أبت نضح في وجهها الماء والعكس، كل واحد يحرص على صاحبه، ويتمنى له ويحب له من الخير ما يحبه لنفسه ((من يوقظ صواحب الحجرات؟ )) للتعرض لهذه الخزائن.
((يا رب كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة)) نسأل الله العافية، تجدها كاسية عليها فاخر الثياب، وهي عارية في الحقيقة؛ لأن هذه الثياب وإن كانت من أغلى الثياب قيمة، ومن أجملها لكنها لا تستر، والواقع يشهد بذلك، وإذا كانت عارية في الدنيا، وإن كانت في عرف الناس كاسية فكيف تكون يوم القيامة؟ عارية يوم القيامة.
من العلماء من يقول: رب كاسية في الدنيا من نعم الله عارية عن شكرها، لكن لما رأينا ورأى غيرنا ما حصل في عصرنا هذا لا يمكن أن يوجد الذي في عصرنا من التبرج والتبذل والتفسخ لا يمكن أن يوجد في العصور المتقدمة، وتأباه الفطر السليمة، وما وجد في بلدان المسلمين حتى اختلطوا بغيرهم بواسطة الاستعمار، ثم بعد ذلك الغزو بكافة آلاته، يعني تعجب من امرأة جاءت لتصلي في أقدس بقعة، وتجدها كاسية عارية، يرى ما تحت الثياب -نسأل الله السلامة والعافية-، وهذا من الفتن، فعلى المسلمة أن تبدأ بنفسها، وعلى ولي أمرها إن لم تنصع لأوامر الله أن يأطرها على الحق، ولا يقال: هذا تدخل في شؤونها، لا، هذا شأنه هو، هذا عرضه، هذه مسئوليته، راع عنها، راع عليها، ومسئول عنها.(29/17)
((يا رب كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة)) يعني تبرج الجاهلية الأولى نراه في مواطن العبادة، نرى تبرج الجاهلية الأولى، القرطبي في تفسيره يقول: "ومن مظاهر تبرج الجاهلية الأولى شق القميص من الجانبين" يعني هذا يوجد عند نساء المسلمين وإلا لا؟ هذا الكثير الغالب، هذا هو الكثير الغالب، قد لا تجد قميص غير مشقوق من الجانبين، ثم يتدرجون الناس، بعضهم يكتفي بالشبر، وبعضهم يزيد -نسأل الله السلامة والعافية-، وهذا الشبر إذا تعرضت لطلوع أو نزول ارتفع، وكانت النساء تركب الإبل ولا يرى منها شيء، والآن إذا طلعت أو نزلت نزلة خفيفة ظهر ما يحرم ظهوره، وما تحرم رؤيته على غير المحارم، فكيف إذا ركبت السيارة مثلاً؟! والله المستعان.
"رواه البخاري".
"وعن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يا عبد الله لا تكن مثل فلان كان يقوم من الليل فترك قيام الليل)) متفق عليه" هذه وصية من المصطفى -عليه الصلاة والسلام- لعبد الله بن عمرو بن العاص ولغيره، يعني إذا كانت المواجهة لعبد الله فغيره في حكمه.
((يا عبد الله لا تكن مثل فلان)) فلان ما الذي يغلب على الظن أن النبي -عليه الصلاة والسلام- سماه أو لم يسمه؟ وهل الأفضل في مثل هذا أن يسمى أو لا يسمى؟ الرواة كلهم تواطئوا على عدم ذكر اسمه، لكن هل سماه النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ لا يا عبد الله لا تكن مثل زيد كان يقوم الليل فترك قيام الليل؟ الرواة لم يذكروه ستراً له، فهل سماه النبي -عليه الصلاة والسلام- أو لم يسمه؟(29/18)
يعني لو أراد النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يمثل بمجهول لقال: لا تكن كمن كان يقوم الليل فترك قيام الليل، يأتي بصيغة إبهام الموصول، أما فلان فهو محدد شخص بعينه، والتكنية عنه لا شك أنها للستر عليه من جهة، لكن هل يقال: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- ستر عليه؟ لأن بعضهم يأخذ من مثل هذا النص الستر على أهل المخالفات ((من ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة)) هذا مفروغ منه، لكن هل المصلحة بالنسبة له -عليه الصلاة والسلام- أن يستر عليه لا سيما أنه فعل فعلاً أو ترك مندوباً، يعني ما يذم به في الجملة ولا يقدح به، إنما ترك الأفضل وترك المندوب وتسميته من قبله -عليه الصلاة والسلام- تجعل فلان هذا يراجع نفسه، ولن يترك قيام الليل بعد هذا، بينما لو أخفي وستر عليه يعني الستر عليه فيما بعد هذا ما فيه إشكال، لكن الكلام في لفظه -عليه الصلاة والسلام-، نحن ما عندنا إلا هذا اللفظ مثل فلان، لكن ما الذي يتجه أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: لا تكن مثل فلان، لو أراد الإبهام لقال: لا تكن كمن كان يقوم الليل فترك قيام الليل، والتسمية لا شك أن فيها حث لعبد الله من جهة، وحث لهذا الشخص الذي كان يقوم الليل ثم تركه، لا سيما والمسألة في فضيلة من الفضائل.
يعني ما يقال: لا تكن مثل زيد كان عفيفاً فصار فاجراً، هذا ما يمكن أن يقال، لكن ما يمنع أن تقول: والله فلان كان يتقدم إلى المسجد فصار يتأخر ما يأتي إلا قبيل الإقامة مثلاً، فإذا سمع فلان بادر، هذه نصيحة له ولغيره، لكن الذم الذي يأثم به هو القدح فيه بما يقدح فيه.(29/19)
قد يقول قائل: إن مثل هذا الكلام يسوؤه، يعني لو مثلاً قلنا: تنصح لك طالب علم أو شيخ يوجه له واحد من طلابه النابهين يقول: لا تكن مثل عبد الله أو عبد العزيز مثلاً لا يعتني بعلم العربية، هو طالب علم ويعتني بالكتاب والسنة، لكنه أهمل هذا الجانب من العلم من العلوم المهمة، لا تكن مثل زيد لا يهتم بالعربية، أو كان يهتم بالعربية ثم تركها، هذا فيه قدح؟! يعني في تسميته شيء؟ هل في تسميته شيء؟ هذا يجعل الموجه إليه الكلام يهتم أكثر، ويجعل الثاني أيضاً يرجع إلى ما ترك، فالاستدلال بالستر عليه من قبل النبي -عليه الصلاة والسلام- أولاً: لم يسم في رواية من الروايات، وقلنا: عن النبي -عليه الصلاة والسلام- لو أراد الإبهام لجاء بلفظ الإبهام كمن كان يقوم كذا، وهذا الذي يظهر، وإن كان الشراح قالوا: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما سماه، لكن السياق والواقع يظهر -والله أعلم- أنه بدلاً من أن يقول: لا تكن كمن كان يقوم مثل فلان أنه سماه، لكن الرواة تركوه ستراً عليه.
ووجد أناس سماهم النبي -عليه الصلاة والسلام- بأعيانهم فتركهم الرواة، يعني النبي -عليه الصلاة والسلام- سمى بعض المنافقين لحذيفة فترك تسميتهم، وكان عمر يقول: هل سماني لك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ لأن التسمية من قبله -عليه الصلاة والسلام- فيها فائدة، وأما من جهة غيره ولا يظن به أنه يتشفى بعرضه، أو يتنقص أو يفعل كذا، لا أبداً، لا سيما إذا كان الترك أو الفعل الذي ذكر هو من باب التشجيع لا من باب القدح، هو من باب التشجيع، هو يشجع عبد الله بن عمرو ((لا تكن مثل فلان)).(29/20)
قال في حق عبد الله بن عمر -رضي الله عنه-، ويخلط بعضهم بين هذا الحديث وبين حديث عبد الله بن عمر: ((نعم الرجل عبد الله لو كان يقوم من الليل)) فكان عبد الله لا ينام من الليل إلا قليلاً، فكان بعد ذلك لا ينام من الليل إلا قليلاً، يعني هل قالها بحضرته أو بغيبته؟ يحتمل أنه حاضر أو غائب ونقل إليه، ثم امتثل ابن عمر، ابن عمر سريع الامتثال -رضي الله عنه وأرضاه-، ((كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل)) فكان ابن عمر يقول: "إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح" هذا مقتضى كونك غريب أو عابر سبيل.
((لا تكن مثل فلان كان يقوم من الليل فترك قيام الليل)) وفي هذا حث لعبد الله بن عمرو، وفي طيه حث لمن ترك قيام الليل إلى أن يعود إلى قيام الليل، في شيء؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يتصرفون، إيه، إذا رأوا الستر على فلان ما المانع؟ لا سيما وأنه لا يترتب على ذكره فائدة، انتهت الفائدة من الحديث، فلان خلاص سمع هذا الحديث وامتثل، الرواة ما لهم علاقة كثير من الرواة يبهمون، ثم إذا فتشت في الطرق الأخرى وجدت التسمية، وكتب المبهمات مملوءة، المستفاد ثلاث مجلدات لابن الحافظ العراقي، المبهمات موجودة، في القرآن موجود مبهمات، ثم بعد ذلك تفسر في السنة أو في الآثار، وهنا يأتي بطريق مبهم وفي طريق آخر مسمى، لا سيما إذا لم يترتب على ذكره فائدة.
قال -رحمه الله-: "وعن عاصم بن ضمرة عن علي بن أبي طالب" وتقدم نظير هذا الإسناد في رقم (315).
"عن عاصم بن ضمرة عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي قبل العصر أربع ركعات" وعاصم وثقه أحمد وابن المديني وابن خزيمة وغيرهم، وتكلم فيه غير واحد من الأئمة" وعرفنا من تكلم فيه كابن المبارك والجوزجاني وابن حبان.(29/21)
وهنا قال: "عن عاصم بن ضمرة عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يا أهل القرآن أوتروا، فإن الله وتر يحب الوتر)) رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة في صحيحه، والترمذي وقال: حديث حسن غريب، وعاصم مختلف فيه" هناك قال: وعاصم وثقه أحمد وابن المديني وابن خزيمة وغيرهم، وتكلم فيه غير واحد من الأئمة، وهنا قال: وعاصم مختلف فيه "ولقد أبعد من قوى هذا الحديث بقوله بعد ذكره: وعاصم يخرج له الحاكم في المستدرك، فإنه يخرج فيه للضعيف والثقة والمتروك والمتهم" يعني اختلف كلامه على عاصم وإلا ما اختلف؟ نعم فيه نوع اختلاف، قال هناك: عاصم .. ، لما قدم التوثيق وذكر الأئمة الذين وثقوه كأنه يستروح إلى قوته، وثقه أحمد وابن المديني وابن خزيمة وغيرهم، وتكلم فيه غير واحد من الأئمة، وهنا: "عاصم مختلف فيه ولقد أبعد" يعني كأنه يستدل لضعفه "ولقد أبعد من قوى هذا الحديث بقوله بعد ذكره: وعاصم يخرج له الحاكم في المستدرك، فإنه يخرج للضعيف والثقة والمتروك والمتهم" يعني اختلفت لهجة المؤلف في كلامه على عاصم في الموضع الأول وفي الموضع الثاني.
أولاً: الحديثان لهما شواهد لا الأول ولا الثاني، وأقل الأحوال أن يكون الأول والثاني كلاهما من قبيل الحسن، وكثرة الطرق تدل على أن للحديث أصلاً، ما الذي جعل المؤلف -رحمه الله تعالى- يجعل الكلام في هذا الموضع في عاصم أقوى منه في الموضع الأول؟ لأن العلماء إذا نظروا في أحوال الرواة ينظرون إلى المرويات مع رواتها، وهناك يروي حديث: "يصلي قبل العصر أربع ركعات، يفصل بينهن بالتسليم" ... إلى آخره، هذا الحديث حسن، وما فيه إشكال؛ لأنه جاء الحث، له ما يشهد له: ((رحم الله امرأً صلى قبل العصر أربعاً)) وهنا فيه الأمر: ((يا أهل القرآن أوتروا، فإن الله وتر يحب الوتر)) والنصوص تدل على أن الوتر ليس بواجب، ومقتضى الأمر الوجوب.(29/22)
((يا أهل القرآن)) المراد بهم المسلمون، الذين يتدينون بتعظيم القرآن، والعناية بالقرآن ((أوتروا)) يعني صلوا صلاة الوتر، وهذا أمر والأصل في الأمر الوجوب، وقال بوجوبه الحنفية، قال بوجوب الوتر الحنفية، وعامة أهل العلم على أنه مستحب ليس بواجب، وسيأتي ما يدل على الاستحباب، ومن أظهر الأدلة على أنه ليس بواجب كون النبي -عليه الصلاة والسلام- صلاه على راحلته، وكان -في نفس الحديث- لا يفعل ذلك في الفريضة، فدل على أن الوتر ليس بواجب، ليس من الفريضة.(29/23)
((أوتروا فإن الله وتر يحب الوتر)) منهم من يقول: إن الأمر مصروف للاستحباب بالعلة، العلة يعني من نفس الحديث مصروف، الله وتر يحب الوتر، هذه العلة تدل على استحباب الوتر، يعني لو أكلت مثلاً تمر تقطع على وتر، واحدة، ثلاث، خمس، سبع؛ لأن الله وتر يحب الوتر، وهكذا في جميع الأفعال، لكن إذا تعارضت هذه العلة مع نصوص أخرى، احتجت منديل تنظف ما يحتاج إلى تنظيف فما كفى، احتجت ثاني انتهى، تأخذ ثالث وإلا ما تأخذ؟ أو نقول: إن هذا من باب إضاعة المال؟ في الاستجمار قال: ((أبغني ثالثاً)) ائت بثالث، ولا يجزئ إلا ثلاثة؛ لأن هذا إزالة نجاسة، بقاؤها مؤثر في الصلاة، لكن إزالة مخاط مثلاً، أو ما أشبهه، أو عصرت حبة وإلا بثرة وما انتهت بمنديل واحد طلبت ثاني، تطلب ثالث بعد أن انتهت؟ تقول: إن الله وتر يحب الوتر؟ أو نقول: هذا معارض بنهى عن إضاعة المال؟ يعني ولو كان شيئاً يسير لكنه مال، يعني العلة تدل على الاستحباب: ((فإن الله وتر يحب الوتر)) هذا في عموم الأشياء، الله وتر يحب الوتر، لكن إذا عورضت هذه المحبة بكراهية من الله -جل وعلا-: ((ويكره قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال)) أما إذا كان المال له شأن وله وقع فهذا لا شك في منعه، ولا يلزم في ذلك الوتر إذا كان له أثر، أما إذا لم يكن له أثر مثل المنديل وما أشبهه فالمتجه عندي أنه لا يستحب الوتر في مثل هذا، بل يبقى كما هو ليستفاد منه في أمر آخر؛ لأنه مال مهما قل، لكن من قال: إن الله وتر يحب الوتر والاستجمار ثلاث، وما أشبه ذلك يمكن أن يوجه، فالعلة بمحبة الوتر من قبله -جل وعلا- تدل على أن الوتر مستحب، وليس بواجب وإن جاء بصيغة الأمر.
"رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة في صحيحه، والترمذي وقال: حديث حسن غريب" يستروح بعض طلاب العلم، بل بعضهم وضع دراسة على جامع الترمذي فيما قال فيه: حديث حسن غريب، وأنه بمثابة ضعيف، وأن كل ما يقول فيه: حديث حسن غريب أنه ضعيف، ولكن كل حديث يقوى بشواهده يعني بطريقه هذا يمكن أن يقال: ضعيف، لكن مع ذلك بشواهده يصل إلى درجة الحسن.(29/24)
"وعاصم مختلف فيه، ولقد أبعد من قوى هذا الحديث" يعني إذا كنا نقوي الراوي ومن ورائه ما يرويه بتخريج البخاري لهذا الراوي، وفلان خرج له البخاري، يعني جاز القنطرة، فلان خرج له مسلم، فهل نقوي راوٍ أو مرويه بكونه يخرج له الحاكم في المستدرك؟ لا؛ لماذا؟ لأنه يخرج للضعفاء، بل يخرج لشديدي الضعف، بل قد خرج لمن رمي بالوضع، يعني كما نقول: خرج له ابن ماجه، أو خرج له الترمذي يتقوى بتخريج الترمذي أو ابن ماجه؟ لا، خرج ابن ماجه لمن وصف بوضع الحديث، وكذلك الترمذي، المصلوب خرج له الترمذي وضاع.
"ولقد أبعد من قوى هذا الحديث بقوله بعد ذكره: وعاصم يخرج له الحاكم في المستدرك" بعض الناس بعض أهل العلم إذا خرج الحديث قال: خرجه الحاكم في صحيحه؛ لأنه مستدرك على الصحيحين، فمن باب التجوز أن يقال: صحيح الحاكم، لكن الواقع يشهد بأن فيه أحاديث كثيرة جداً جداً ضعيفة، بل فيه أحاديث موضوعة، وفيه أحاديث أمثل منها حسنة، وفيه الصحيح.
قال: "فإنه يخرج للضعيف والثقة" الضعيف يعني ليس بشديد الضعف، ويخرج للثقة، وهذا هو الأصل في كتابه، وهو شرطه الذي اشترطه في مقدمة صحيحه، وأنا أستعين الله على إخراج أحاديث رواتها ثقات، احتج بمثلها الشيخان، لكن هذا من وجهة نظره، وفيه من الضعيف الشيء الكثير.
"فإنه يخرج فيه للضعيف والثقة والمتروك" شديد الضعف الذي لا يستفاد من وجوده ولا من روايته، لا يتقوى ولا يقوى به، والمتهم كذلك شديد الضعف، والمتهم حديثه يقال له: متروك، فالحديث متروك، والراوي متهم، ومتى يتهم الراوي بالكذب؟ إذا كان يكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ لا، ما يقال له: متهم، يقال له: كذاب أو يكذب أو وضاع أو دجال على حسب مرتبته، ويتهم بالكذب إذا كان يزاول الكذب، يكذب في أحاديثه مع الناس، ولم يعرف عنه أنه كذب على النبي -عليه الصلاة والسلام- هذه مظنة لأن يكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام- فيتهم به، وإذا تفرد بحديث يخالف فيه القواعد العامة، والنصوص المعروفة من نصوص الشرع يتهم راويه الذي يدور عليه بالكذب.
قال -رحمه الله-:(29/25)
"وعن الحجاج بن أرطأة" وهو ضعيف أيضاً "عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن الله قد زادكم صلاة وهي الوتر)) رواه أحمد، وحجاج بن أرطأه ضعيف، لا يحتج به، ولم يسمعه من عمرو" والخلاف في عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده معروف عند أهل العلم، والذي يراه كثير من أهل التحقيق أنه إذا صح السند إليه أن حديثه حسن، لكن السند لم يصح إليه فهو ضعيف، ولكن له شواهد، ذكرها المحقق، وأطال في تقوية الحديث، وحكم عليه بأنه صحيح، وهو في الحقيقة لا يصل إلى درجة الصحيح، بل هو حسن لغيره.
قال: ((إن الله قد زادكم صلاة وهي الوتر)) والصلوات المفروضة كما هو معلوم خمس، وهن خمسون من حيث الأجر، ((لا يبدل القول لدي)) كما في حديث الإسراء، لا يبدل، كيف يزاد والقول لا يبدل؟ نعم؟ لا يزاد في الفرض على خمس، من صلاة الجمعة وصلاة الكسوف والصلوات الواجبة والعيد، الجمعة من الخمس؛ لأن في يوم الجمعة خمس لا تزيد، لكن بالنسبة لصلاة العيد وصلاة الكسوف على ما سيأتي الكلام فيهما، هل علي غيرها؟ قال: ((لا، إلا أن تطوع)) يعني غير الخمس، فالنصوص تدل على ألا فرض غير الخمس، وهنا ((زادكم صلاة وهي الوتر)) والزيادة هذه قد تكون واجبة كما يقول الحنفية، وقد تكون مستحبة كما هو قول جماهير أهل العلم.
قال: "وحجاج غير محتج به ولم يسمعه عن عمرو".
ثم قال: "وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الله زادكم صلاة إلى صلاتكم هي خير)) " من إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
اضبطوها؛ لأن المعنى يختلف، حمْر والحُمُر؟ هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
حمْر جمع أحمر، وحُمُر جمع حمار.
طالب:. . . . . . . . .
بالسكون حمْر، والمحقق ضبطها بالضم من حُمْر، طيب النَعم وإلا النِعم؟
طالب:. . . . . . . . .
والمحقق ضبطها بإيش؟
طالب:. . . . . . . . .(29/26)
يعني انقلب المعنى رأساً على عقب، النِعم جمع نعمة، أي نعمة حمراء؟ أو المقصود النَعم وهي الأنعام وحمرها أفضلها عند العرب؟ هي خير من أفضل المقتنيات عند العرب ((ألا وهي الركعتان قبل الفجر)) وجاء قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((هي خير من الدنيا وما فيها)) فإذا كانت أفضل المقتنيات فلتكن خير من الدنيا وما فيها، وبهذا يلتئم الحديثان.
"رواه البيهقي بإسناد صحيح" والمحقق قال: حسن؛ لأن فيه عمر بن محمد بن بَجير أو بُجير، حافظ، يقول: كبير صدوق، وفيه أيضاً العباس بن الوليد شيخه الخلال صدوق، ولا يرقى بمثل هذا الإسناد إلى الصحة، رواه البيهقي بإسناد صحيح، فهو حسن ليس بصحيح.
قال: "وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً)) " هذا الأمر متفق عليه، جاء في الخبر أن من كان يثق من نفسه أن يقوم آخر الليل فليجعل صلاته في آخر الليل؛ لأن صلاة آخر الليل مشهودة، ومع ذلك يجعل آخر صلاته في آخر الليل هو الوتر، ((اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً)) هذا الذي يغلب على ظنه أنه يقوم من آخر الليل، لكن الذي لا يضمن ولا يغلب على ظنه ولا يؤنس من نفسه أنه يقوم آخر الليل يوتر قبل أن ينام، وقد جاء في حديث أبي هريرة: أوصاني خليلي -عليه الصلاة والسلام- بثلاث، وأن أوتر قبل أن أنام؛ لماذا؟ لأنه قد لا يضمن القيام في آخر الليل، فإذا أوتر أو إذا صلى في أول الليل وأوتر، ثم تيسر له القيام في آخر الليل الحديث يدل على أنه يصلي وإلا ما يصلي أصلاً؟ لأنه ختم صلاته بالوتر ((اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً))؟ هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني مقتضى هذا الحديث أنه ما دام أوتر أنه لا صلاة بعد الوتر، فعلى هذا لا يصلي، لكن ثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى بعد الوتر، فعلى هذا من أوتر قبل أن ينام ثم استيقظ من الليل بين أمرين أو ثلاثة أمور: إما ألا يصلي امتثالاً لهذا الحديث، أو يصلي اغتناماً للوقت؛ لأن آخر الليل مشهود، وجاء الحث عليه ووقت النزول الإلهي فيقع في مخالفة هذا الحديث، لكن الإشكال يرتفع إذا عرفنا أن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى بعد الوتر على ما سيأتي.(29/27)
يبقى النظر في هل يبقى على وتره الأول ولا يوتر ثانية؛ لأنه سيأتي حديث: ((لا وتران في ليلة)) أو ينقض الوتر الأول بصلاة ركعة في بداية صلاته ثم يصلي ما كتب له ثم يوتر؟ وهذا كان يفعله ابن عمر، ينقض الوتر الأول وقال به بعض العلماء، لكن حديث: ((لا وتران في ليلة)) يرد هذا التصرف، يرد هذا الفعل؛ لأنه يكون حينئذٍ أوتر ثلاث مرات.
((اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً)) ويأتي توضيح الحديث في أحاديث لاحقة -إن شاء الله تعالى- لها ارتباط به.
"وعن أبي سلمة -رضي الله عنه-" أبو سلمة من؟ ابن عبد الرحمن، أبو سلمة بن عبد الرحمن، التابعي -رحمه الله- "قال: سألت عائشة -رضي الله عنها- عن صلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقالت: "كان يصلي ثلاث عشرة ركعة" وفي حديثها الصحيح: "ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة" فيتجه النفي نفي الزيادة على الغالب الكثير أنه يصلي إحدى عشرة، وقد ثبت عنه أنه صلى ثلاث عشرة، وثبت عنه أنه صلى أكثر، وهنا من حديث عائشة، ما يقال: إن عائشة ما حفظت إلا إحدى عشر، حفظت أيضاً كان يصلي ثلاث عشرة ركعة.
"يصلي ثمان ركعات، ثم يوتر، ثم يصلي ركعتين وهو جالس" وهذا فيه ما يوضح الأمر في قوله: ((اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً)) وأنه للاستحباب، وأنه لا يمنع من الصلاة بعد الوتر "ثم يصلي ركعتين وهو جالس" ويوضح أيضاً المراد بقولها: "ما زاد" أو ما كان يزيد في رمضان ولا غيره ... إلى آخره أن هذا هو الكثير الغالب من حاله -عليه الصلاة والسلام-.(29/28)
"كان يصلي ثلاث عشرة ركعة، يصلي ثمان ركعات ثم يوتر" يعني جاء تفصيلها ثمان ركعات يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، يعني بسلامين، ثم يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يوتر بثلاث، فكونها تقول: أربع لأنه يصلي ركعتين طويلتين ثم يسلم، ثم يصلي طويلتين ثم يسلم، ثم يرتاح، يفصل؛ لأنها قالت: "ثم يصلي أربعاً" ولذا يستحب أهل العلم هذه الاستراحة، وهذه الراحة بعد أربع ركعات، ثم بعد أربع ركعات؛ لأنها صلاة طويلة، فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، وهناك قال: طويلتين، طويلتين طويلتين، فهو يحتاج إلى راحة، وسميت التراويح بهذا الاسم لأنهم يرتاحون بعد كل تسليمتين.
"يصلي ثمان ركعات ثم يوتر" يحتمل أنها ثمان ركعات بسلام واحد، لكن حديث: ((صلاة الليل مثنى مثنى)) يرد هذا الفهم كما أنه يرد فهم من قال: إنه يصلي أربع بسلام واحد؛ لأن صلاة الليل مثنى مثنى، نعم إذا أراد أن يوتر بثلاث بسلام واحد يوتر بخمس بسلام واحد، يوتر بتسع بسلام واحد، على ما سيأتي هذا وتر، ويخفى على كثير حتى من طلاب العلم التفريق بين التهجد والوتر.
يقول أهل العلم: أكثره إحدى عشرة، يعني حتى في كتب الفقهاء الذين يرون صلاة التراويح عشرين يقولون: أكثره إحدى عشرة، ويسن التراويح وهي عشرون ركعة، كيف أكثره إحدى عشرة، والتراويح عشرون؟ يعني توجد في كتاب واحد هذا الكلام، يعني أقله ركعة وأدنى الكمال ثلاث وأكثره إحدى عشرة، ثم يأتون إلى الصلوات والتهجد وصلاة التراويح، منهم من يقول: عشرون، ومنهم من يقول: ست وثلاثون، ومنهم من يقول: أربعون، كيف وأكثره إحدى عشرة؟ لأن هذه صلاة نفل مطلق تهجد، وهذا وتر.
"كان يصلي ثلاث عشرة ركعة، يصلي ثمان ركعات ثم يوتر، ثم يصلي ركعتين وهو جالس، فإذا أراد أن يركع قام فركع، ثم يصلي ركعتين بين الليل والإقامة" المقصود بين الأذان والإقامة بعد انتهاء الليل بالأذان وبين الإقامة من صلاة الصبح، وهذه ركعتا الفجر.
طالب:. . . . . . . . .
بين النداء؟ ويش عندكم؟
طالب:. . . . . . . . .
كلكم؟
طالب:. . . . . . . . .
ويش عندك؟
طالب: الليل.
إيه، لا غلط هذا، حتى معناها ما فيه إشكال، لكن الكلام في الثابت.(29/29)
الليل ينتهي بالنداء، يعني من حيث المعنى ما في إشكال، لكن العبرة بالثابت.
"رواه مسلم".(29/30)
"وعن مسروق قال: سألت عائشة عن صلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالليل؟ فقالت: "سبع وتسع وإحدى عشرة سوى ركعتي الفجر" عائشة قالت: إن صلاته بالليل سبع، وقالت: صلاته بالليل تسع، وصلاته بالليل إحدى عشرة، صلاته بالليل ثلاث عشرة، وكل هذا جائز، وينبغي النظر والتوازن بين الكمية والكيفية، فإذا أطال القيام والركوع والسجود يقلل الركعات، وإذا خفف القراءة وخفف القيام والركوع والسجود يكثر من الركعات، والقيام يحسب بالوقت لا بالعدد، بدليل: {قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا} [(2) سورة المزمل] المقصود أن قيام الليل حسابه بالوقت، فإذا قمت ساعة أو ساعتين أو ثلاث ساعات حسب ما يتيسر لك، هذا الظرف من الزمان إن صليت فيه ثلاث ركعات طويلة، أو خمس ركعات طويلة دون الثلاث أو سبع طويلة دون الخمس أو تسع طويلة دون السبع، لكنها تستوعب الوقت، يعني هل يتصور أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى إحدى عشرة ركعة حينما قرأ الفاتحة بعد الفاتحة البقرة والنساء وآل عمران في الركعة الأولى، وركع نحواً من قيامه، وسجد نحواً من قيامه، هل يتصور؟ هذه الركعة لا يكفيها ساعة ولا ساعتين، هذه الركعة لا يكفيها ساعتان، يعني خمسة أجزاء وزيادة مع الركوع الطويل مع السجود الطويل بالترتيل لا يكفيها ساعتين، فهل يقال: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى إحدى عشرة على هذه الصفة؟ لا، لا يمكن، مستحيل، الوقت لا يستوعب، وقد ثبت عنه أنه في صحيح البخاري صلى سبع، وصلى تسع، وصلى إحدى عشرة، وأوتر بثلاث على ما سيأتي، صلى ثلاث، وصلى ثلاث عشرة، في المسند ما يدل على أنه صلى خمس عشرة، فالمسألة مسألة وقت، فهل نقول: إن من لزم الإحدى عشرة أفضل مطلقاً من غيره؟ نعم إذا لزم الإحدى عشرة وهي أكثر أحواله -عليه الصلاة والسلام- بهذه الكمية مع الكيفية التي جاءت صفتها من صلاته -عليه الصلاة والسلام- نقول: نعم أكمل وأفضل هذا الغالب من حاله -عليه الصلاة والسلام-، مع أنه إذا نوع صلى في ليلة ثلاث طويلة طويلة، أو صلى خمس طويلة، أو سبع طويلة، أو تسع أو صلى إحدى عشرة، أو خفف وصلى ثلاث عشرة، أو زاد على ذلك ((أعني على نفسك بكثرة السجود)) إذا قال: أنا لا أحفظ إلا المعوذتين(29/31)
ولا أقرأ في المصحف، ماذا نقول له؟ كرر، صلي ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ولو إلى مائة ركعة بالمعوذتين ويش المانع؟ لأن صلاة الليل مثنى مثنى، وجاء: ((فإذا خشيت الصبح فأوتر بواحدة)) وفيه أيضاً ((أعني على نفسك بكثرة السجود)) كثرة، إيش معنى كثرة؟ الكثرة في العدد، مع أنه جاء عنه -عليه الصلاة والسلام- الأعداد المتفاوتة، فدل على أنه لا حد في صلاة الليل، لا للأعلى، وأما بالنسبة للأدنى فواحدة، وهذا أدنى ما يطلق عليه الوتر، والثلاث أدنى الكمال، على ما سيأتي تقريره -إن شاء الله تعالى-.
قال -رحمه الله-: "وعن طلق بن علي -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لا وتران في ليلة)) " يعني ليس للمسلم وهذا نفي يراد به النهي في ليلة واحدة، قد يقول قائل: إن المغرب وتر، وفي آخر الليل في آخر الصلاة وتر هذان وتران، نقول: المغرب وتر النهار، وليس وتر الليل، وإن وقعت في الليل؛ لأنه جاء في حديث عائشة: "فرضت الصلاة ركعتين ركعتين، فزيد في الحضر، وأقرت صلاة السفر، إلا المغرب فإنها وتر النهار، وإلا الفجر فإنها تطول فيها القراءة" فلا يقال: إن المغرب ترد أنها وتر، وآخر الصلاة بالليل وتر فنقع في المنفي هنا، وهو في الحقيقة منهي عنه ((لا وتران)) يعني لا يوتر أحدكم وترين في ليلة واحدة، و (لا) هذه نافية، نافية للجنس وإلا نافية للوحدة؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
النافية للجنس يبنى ما بعدها على الفتح، وهنا: وتران، يعني لو فتحنا لقلنا: لا وترين، نعم؟ هنا إيش فيه؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
(لا إله) مبني على الفتح (إلا الله) نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
على لغة من يلزم المثنى الألف، أو يقال: مرفوع بمقدر لا يكون وتران في ليلة، أو لا يوجد وتران في ليلة، وهذا النفي يراد به النهي، النفي وهذا يراد به النهي، فلا يجوز أن يوتر المرء مرتين، وبهذا يرد على من قال بنقض الوتر، بأن يصلي إذا قام من الليل يصلي ركعة تنقض وتره الأول كما أثر عن ابن عمر، فعلى هذا إذا أوتر في أول الليل فإنه إذا تيسر له القيام في آخره فإنه يصلي ما تيسر له ولا يوتر بعده ثانية، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.(29/32)
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: المحرر – كتاب الصلاة (30)
الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هذا يقول: كيف تعالج نفسك بطاقة الشفاء الموجودة في أسماء الله الحسنى، اكتشف الدكتور إبراهيم كريم أن أسماء الله الحسنى لها طاقة شفائية لعدد ضخم من الأمراض، وبواسطة أساليب القياس الدقيقة داخل جسم الإنسان، واكتشف أن لكل اسم من أسماء الله الحسنى طاقة تحفز جهاز المناعة للعمل بكفاءة مثلى في عضو معين في جسم الإنسان، واستطاع الدكتور إبراهيم بواسطة تطبيق قانون الرنين أن يكتشف أن مجرد ذكر اسم من أسماء الله الحسنى يؤدي إلى تحسين في مسارات الطاقة الحيوية داخل جسم الإنسان، وبعد أبحاث استمرت ثلاث سنوات توصل إلى ما يلي:
الأذن: اسم الله السميع، يعني تضع يدك على أذنك وتقول: السميع، العظام: اسم الله النافع، العمود الفقري: الجبار، الركبة: الرءوف، الشعر: البديع، قشرة الشعر: جل جلاله، العضلات ... إلى آخره.
يقول: ويشير الدكتور إلى أن أول شخص تجرى عليه الأبحاث حيث عالج عينيه من الالتهاب، وانتهى باسم النور والبصير والوهاب، وخلال عشر دقائق تم الشفاء، وأزيل احمرار العين، ويلاحظ أن نفس أسماء الله الحسنى تستخدم للوقاية، وقد اكتشف أن طاقة الشفاء تتضاعف عند تلاوة آيات الشفاء الست بعد التسبيح بأسماء الله وهذه الآيات الست: {وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ} [(14) سورة التوبة] {وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ} [(57) سورة يونس] {فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ} [(69) سورة النحل] {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء} [(82) سورة الإسراء] {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [(80) سورة الشعراء] {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء} [(44) سورة فصلت].
يقول: طريقة العلاج وضع اليد على الألم وذكر التسبيح المذكور.
التسبيع، هو كتبها بالحاء التسبيح، ولعله يريد التسبيع، يعني سبع مرات.
ويكرر ذلك حتى يأذن الله ويزول الألم، نرجو التعليق على هذا الورقة، والتي انتشرت بين أوساط المسلمين.(30/1)
لا شك أن مثل هذه الورقة وهذه الدعوى سوف تلقى قبولاً بين الناس؛ لأن الناس يهمهم أمر الشفاء والعلاج، ويتشبث المريض بأدنى سبب، وجعل هذه الأمور سبباً ولم يرد في النص كونها سبباً، ولا سبق إليه من قبل النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولا أهل القرون المفضلة ولو كان خيراً لسبقونا إليه، قد يقول بعضهم: إن هذا من الأسباب التجريبية التي إذا جربت ونفعت صارت سبباً كغيرها من أنواع العلاج، لكن هذا علاج بنصوص، نصوص شرعية، نعم يقول الله -جل وعلا-: {وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [(180) سورة الأعراف] أنت تتوسل إلى الله -جل وعلا- بأسمائه الحسنى، وتدعو الله -جل وعلا- أن يشفيك من غير أن تخصص شيئاً لم يخصصه الله -جل وعلا- ولا رسوله، فالتخصيص يحتاج إلى تنصيص، هذا من جهة، الأمر الثاني: أن الأسماء الحسنى نعم هذه كيفية حصرها والمراد التسعة والتسعين كيفية حصرها لا يثبت، يعني التنصيص على التسعة والتسعين جاء: ((إن لله -جل وعلا- تسعة وتسعين اسماً مائة إلا واحد)) هذا في الصحيح، لكن تعيينها عند الترمذي وغيره لا يثبت، فالتعيين أو التخصيص بهذه الأسماء دون غيرها فيه شيء من التحكم.(30/2)
قد يقول قائل: إن الناس جربوا آيات لأنواع من الأمراض فشفوا بإذن الله، ويكون هذا من باب الإثبات بالتجربة على ما يقولون، لكن الأصل في هذا الباب أعني في باب العلاج بالنص أما عموم الرقى أمرها واسع ما لم تكن شركاً، وتخصيص كل اسم من أسماء الله -جل وعلا- أو آية من الآيات ينتزع منها الإنسان مناسبة لهذا المرض هذا يحتاج إلى دليل، وإن كان ابن القيم -رحمه الله- قد يفعل مثل هذا، وذكر في القسم الطب من زاد المعاد ذكر آيات، وذكر أشياء يقول: إنها مجربة جربت وخصصها لبعض الأمراض وبعض الأوجاع، لكن الأصل أن الاقتداء بالنبي -عليه الصلاة والسلام- فلا يتوسع في مثل هذا {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء} [(82) سورة الإسراء] (من) هذه بيانية وإلا تبعيضية؟ من يقول: إنها بيانية يقول: كل القرآن على حد سواء، كله شفاء، يعني بإمكانه أن يقرأ: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [(1) سورة المسد] على مريض ويشفى، هذا إذا قلنا: إن (من) بيانية، وإذا قلنا: إنها تبعيضية فآيات الرقية غير آيات الأحكام، وآيات الأحكام غير آيات المواعظ والقصص، يعني بعض الإخوان اجتهد ودعي لرقية شخص مريض وعرف عنه ارتكاب بعض المحرمات، يعني يتساهل في شرب الخمر، يتساهل في الزنا -نسأل الله السلامة والعافية-، وعنده بعض المنكرات الكبائر، فقرأ عليه آية الفرقان وينفث عليه، ويقرأ {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا} [(68) سورة الفرقان] ثم ينفث عليه، هذا لا يريدها رقية، إنما يريدها موعظة له، الرجل على فراش الموت لعله أن يتوب، فهذه التصرفات لا شك أنها ليست مرضية؛ لأن هذا يعني وإن كان الهدف طيب، لكن الهدف لا يبرر أن يرتكب أمر غير مشروع، وجاء بالنصوص التي تحرم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ} [(90) سورة المائدة] نصوص كلما لوحظ على هذا الشخص جاء بنص ونفث عليه به، ولا شك في أن قصد هذا الراقي طيب ومعروف بالرقية، لكنه استغل الظرف الموجود بالموعظة، نقول: مثل هذا(30/3)
القصد الطيب لا يبرر إلى الغاية التي يريد أن يصل إليها، فالدعوة لها شأن، والرقية والعلاج له شأن.
يقول: عندي بعض الإشكالات، قلتم في حديث ابن عباس أمس أن المرجح قول المزي في زيادة عبد الكريم أبي أمية -ما هو ابن أمية- أن رواية سفيان معلقة؛ لأن الرجل ضعيف، والبخاري يتساهل في التعاليق ولا يتساهل في غيرها، يقول: شيخنا أليست تعاليق البخاري بصيغة الجزم صحيحة أم أن صحتها تنتهي إلى الراوي وما بعده فبحسبه؟
نعم الجزم بصحتها إلى علقت عنه، ويبقى النظر فيمن أبرز ولو جزم بها، يعني صحتها إلى من نسبت إليه، ثم بعد ذلك النظر فيما أبرز.
أم أن صحتها تنتهي إلى الراوي وما بعده فبحسبه؟ ثم ألا يرجح قول ابن حجر أنها تابعة للحديث الذي قبله ألا يرجح ذلك الشواهد والمتابعات لهذه الرواية مما جعل البخاري يرويه عن عبد الكريم مع ضعفه، ولهذا نظائر في كتابه؟
خلونا نشوف التقريب، ما أدري ويش رمز ابن حجر؟ هذا هو؟
في ترجمة عبد الكريم بن أبي المخارق أبي أمية حتى ابن حجر في التقريب مع كونه يقول: هذا موصول، مع كونه يقول: موصول الرمز خ. ت، خت، يعني تعليقاً، الرمز؛ لأن ابن حجر يرمز للرواة الذين يذكرهم من رجال الكتب الستة برمز من خرج لهم في كتابه، فقال: خاء تاء، خرجه البخاري تعليقاً، إضافة إلى أن اختيار المزي أنه معلق.
قلتم في حديث: ((لا وتران في ليلة)) ألا يحتمل أن تكون نافية للجنس، وأن نصبها بالألف على لغة من يلزم المثنى الألف في جميع الأعاريب ألا ينفي كون الاسم (لا) مثنى، والتثنية تنافي الجنسية وتعين الوحدة كقولنا: لا رجل في الدار بل رجلان؟
نعم صحيح، كلامه صحيح.
بقي في الباب أحاديث عدتها ثلاثة عشر أو أربعة عشر، نأتي على نهايتها في درس الغد -إن شاء الله تعالى-.(30/4)
لكن الذي يشكل أنه غداً يفتتح المؤتمر، وسوف يكون كما كان في غيره من المؤتمرات تكون الطرق الموصلة إلى المكان المراد قد يكون فيها صعوبة ووعورة، فلو حرصنا على إنجاز الباب، ويكون هذا الدرس عن درسين تلافينا المشقة الحاصلة؛ لأن كثير من الإخوان يمكن لا يصل إلى الدرس، مثل درس مضى في جامع المهاجرين، الإخوان ما وصلوا؛ لأن فيه مؤتمر، وغداً يفتتح المؤتمر الظهر ما ندري عاد ويش يصير؟ هم من يومين والشوارع فيها شيء من التنظيم، فلعلنا نأتي على بقية الباب، وتعفوننا ونعفيكم أيضاً من الحضور خشية المشقة درءاً للمشقة، وخشية أن يبقى في الباب شيء، وإذا وقفنا على الباب الذي يليه: باب سجود التلاوة والشكر نكون قد وفينا بما قررنا -إن شاء الله تعالى-.
سم.
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
اللهم اغفر لشيخنا وللحاضرين والمستمعين يا رب العالمين.
قال الإمام ابن عبد الهادي في كتابه المحرر:
وعن أبي بن كعب -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوتر بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [(1) سورة الأعلى] و {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [(1) سورة الكافرون] و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [(1) سورة الإخلاص] رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والنسائي، وزاد: "ولا يسلم إلا في آخرها".
آخرها وإلا آخرهن؟
سم يا شيخ.
آخرها وإلا آخرهن؟
لا في آخرها.
نعم.
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة يوتر من ذلك بخمس، لا يجلس في شيء إلا في آخرها" رواه مسلم.
وعنها -رضي الله عنها- قالت: "من كل الليل قد أوتر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أول الليل، وأوسطه، وآخره، فانتهى وتره إلى السحر" متفق عليه، واللفظ لمسلم.
وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((أوتروا قبل أن تصبحوا)) رواه مسلم.
وروى عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر أولُه)).
أولَه، أولَه.(30/5)
((فليوتر أولَه، ومن طمع أن يقوم آخره فليوتر آخره، فإن صلاة آخر الليل مشهودة، وذلك أفضل)).
وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا طلع الفجر فقد ذهب كل صلاة الليل والوتر، فأوتروا قبل طلوع الفجر)) رواه الترمذي، وقال: سليمان بن موسى تفرد به على هذا اللفظ، ولم نر أحداً من المتقدمين تكلم فيه، وهو ثقة عند أهل الحديث، وقال البخاري: عنده مناكير، وقال النسائي: ليس بالقوي في الحديث، وقال ابن عدي: هو عندي ثبت صدوق.
وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من نام عن الوتر أو نسيه فليصل إذا أصبح أو ذكر)) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي، وقد ضعفه بعض الأئمة، وروي مرسلاً، وإسناد أبي داود لا بأس به، وقد روى ابن حبان من حديث أبي سعيد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من أدرك الصبح ولم يوتر فلا وتر له)).
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "أوصاني خليلي -صلى الله عليه وسلم- بثلاث لا أدعهن حتى أموت: صوم ثلاثة أيام من كل شهر، وصلاة الضحى، ونوم على وتر" متفق عليه، ولفظه للبخاري، وروى مسلم نحوه من حديث أبي الدرداء، وأحمد والنسائي نحوه من حديث أبي ذر.
وعن أم هانئ بنت أبي طالب قالت: ذهبت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عام الفتح فوجدته يغتسل وفاطمة ابنته تستره بثوب، قالت: فسلمت عليه، فقال: ((من هذه؟ )) فقلت: أم هانئ بنت أبي طالب، فقال: ((مرحباً بأم هانئ)) فلما فرغ من غسله قام فصلى ثماني ركعات ملتحفاً في ثوب واحد، فلما انصرف قلت: يا رسول الله زعم ابن أمي علي بن أبي طالب أنه قاتل رجلاً أجرتَه.
أجرتُه.
أنه قاتل رجلاً أجرتُه فلان ابن هبيرة، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((قد أجرتُ من أجرتِ يا أم هانئ)) قالت أم هانئ: وذلك ضحى" متفق عليه، واللفظ لمسلم.
وعن زيد بن أرقم أنه رأى قوماً يصلون من الضحى في مسجد قباء، فقال: أما لقد علموا أن الصلاة في غير هذه الساعة أفضل، إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((صلاة الأوابين حين ترمض الفصال)) رواه مسلم.(30/6)
وروى عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي الضحى أربعاً، ويزيد ما شاء الله.
وله عن عبد الله بن شقيق قال: قلت لعائشة: هل كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي الضحى؟ قالت: "لا، إلا أن يجيء من مغيبه".
وعن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: ما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي سبحة الضحى قط، وإني لأسْبحها.
أسَبحها.
لأسبحها.
نعم يعني لأصليها.
وإني لأسبحها، وإن كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليدع العمل وهو يحب أن يعمل به خشية أن يعمل به الناس فيفرض عليهم. رواه مسلم أيضاً.
وعن مورق قال: "قلت لابن عمر: أتصلي الضحى؟ قال: لا، قلت: فعمر؟ قال: لا، قلت: فأبو بكر قال: لا. قلت: فالنبي؟ قال: لا إخاله" رواه البخاري.
وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعلمنا الاستخارة في الأمور كما يعلمنا السورة من القرآن، يقول: ((إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري -أو قال: عاجل أمري وآجله- فاقدره لي ويسره لي، ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري -أو قال: عاجل أمري وآجله- فاصرفه عني، واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان، ثم أرضني به)) قال: ويسمي حاجته. رواه البخاري، ورواه الترمذي عن الشيخ الذي رواه عنه البخاري، وعنده: ((ثم أرضني به)) وعند أبي داود وهو رواية للبخاري: ((ثم رضني به)).
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(30/7)
"وعن أبي بن كعب -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوتر بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [(1) سورة الأعلى] و {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [(1) سورة الكافرون] و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [(1) سورة الإخلاص] رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والنسائي، وزاد: "لا يسلم إلا في آخرهن".(30/8)
يعني بسلام واحد، وهذا إذا أوتر بثلاث، إذا أوتر بثلاث قرأ بالركعة الأولى بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [(1) سورة الأعلى] وفي الثانية: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [(1) سورة الكافرون] وفي الثالثة: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [(1) سورة الإخلاص] وربما أضاف إليها المعوذتين كما جاء في بعض الأحاديث أنه كان يوتر بـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [(1) سورة الإخلاص] والمعوذتين، يعني في الركعة الأخيرة، إذا أوتر بثلاث يقرأ بهذه السور الثلاث، وإذا أوتر بخمس يزيد عليها سورتين في الأولى والثانية، وإذا أوتر بسبع يزيد أربع سور أو ما تيسر من القرآن في الركعات الأربع، وإذا أوتر بتسع يزيد على ذلك ست لتكون قراءة هذه السور الثلاث في الركعات الثلاث الأخيرة، فإذا أوتر بثلاث فلا إشكال، وإذا أوتر بخمس زاد في الركعتين الأوليين غير هذه السور، وهكذا إذا أوتر بسبع أو تسع لتكون هذه السور الثلاث مما يختم به قيام الليل، فالوتر هو آخر قيام الليل، ((اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً)) كما تقدم، والتزام هذه السور في الغالب اقتداءً بالنبي -عليه الصلاة والسلام- هو السنة، وإذا أخل بها أحياناً لئلا يظن تعينها وتحتمها لا سيما للأئمة الذين يؤمون الناس في قيام رمضان، لو تركوها في بعض الليالي؛ لئلا يظن بعض العامة أنها حتم لازم كالفاتحة، وقد ظن ذلك بعضهم، فلما قرأ الإمام بسورة بدل سبح فتح عليه بعضهم، قال: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [(1) سورة الأعلى] لأنه يظن أن قراءة هذه السور الثلاث لازمة، ولذا ينبغي ألا يربى الناس على عدم ترك السنن أحياناً لئلا يظن وجوبها، كقراءة السجدة في صلاة الصبح من يوم الجمعة، جاء رجال الحسبة إلى بعض الفلاحين ووجدوهم يشتغلون يعملون وقت الصلاة، فقالوا لهم: الجمعة، قالوا: لا اليوم ما هو بجمعة؛ لماذا؟ ما سجد الإمام، والشيخ الألباني -رحمه الله- ذكر أنه قُدم لصلاة الصبح في يوم الجمعة فقرأ من أول سورة الكهف، فلما بلغ ما يوازي السجدة من سورة آلم السجدة سجد بعض الناس تلقائياً، آلياً، فترك السنن من أجل هذه الهدف وهذا المقصد سنة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- قد يترك بعض ما يأمر به من(30/9)
أجل ألا يتعود الناس مثل هذا الأمر فيشبهوه بالواجبات، فإذا قرأ سبح، و {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [(1) سورة الكافرون] و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [(1) سورة الإخلاص] في غالب الليالي يكون طبق السنة، وإذا ترك ذلك في بعض الليالي لا سيما إذا كان إماماً فإنه يكون قد طبق السنة، وحصل ما هو أعلى منها؛ لئلا يظن غير الواجب واجباً كما ذكرنا.
قراءة سورتي الإخلاص في الوتر في آخره، وفي ركعتي الصبح على ما تقدم، وفي ركعتي الطواف، وفي بعض الصلوات كركعتي راتبة المغرب مثلاً، كل هذا من أجل أن يفتتح ويختتم أعماله بإخلاص، فركعتا الصبح هما أول الأعمال في اليوم، وركعتي المغرب هما أول الصلوات بعد الفريضة بالنسبة لليل، والوتر ختام صلاة الليل.
وبالنسبة لركعتي الطواف أبدى بعضهم مناسبة وهي أنه لما طاف بهذا البيت وهو من الحجارة قد يخيل لبعض الناس أن هذه الحجارة لها شأن، أو لها شيء من حقوق الرب -جل وعلا-؛ لأنه يطاف بها وتعظم، فقراءة سورتي الإخلاص تنفي هذا الوهم.
"لا يسلم إلا في آخرهن" الحنابلة يقولون: أدنى الكمال بالنسبة للوتر ثلاث ركعات بسلامين، وهنا يقول: "لا يسلم إلا في آخرهن" نعم جاء التشبيه تشبيه الوتر بصلاة المغرب، فلا يجلس بعد الثانية كما يجلس بعد الثامنة إذا أوتر بتسع يجلس بعد الثامنة، لكن إذا أوتر بثلاث لا يجلس بعد الثانية؛ لئلا يشبهها بصلاة المغرب، وكذلك إذا أوتر بخمس، أو أوتر بسبع لا يجلس إلا في آخرهن.
لكن إن سلم من ركعتين، ثم جاء بالثالثة عملاً بحديث: ((صلاة الليل مثنى مثنى)) كان له وجه، ويختاره جمع من أهل العلم.
"وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة" حديثها السابق: "كان يصلي ثلاث عشرة ركعة، يصلي ثمان ركعات ثم يوتر" يوتر بكم؟ ثلاث عشرة، يصلي ثمان ركعات ثم يوتر؟
طالب: ثلاث.
يعني بثلاث، ثم يصلي ركعتين وهو جالس، فإذا أراد أن يركع قام ... إلى آخره.(30/10)
وسبق أيضاً حديث الوتر بثلاث عشرة، وافتتاحه بركعتين خفيفتين، حديث زيد بن خالد: "لأرمقن صلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلى ركعتين خفيفتين، ثم صلى ركعتين طويلتين ... إلى آخره، ثلاث عشرة ركعة، فإما أن تعد الركعتان ويكون الوتر خمس، أو لا تعد الركعتان الخفيفتان، فإما أن يبدأ بركعتين خفيفتين ويصلي ثمان لا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يوتر بثلاث، ثم يصلي ركعتين بعد ذلك جالساً، أو يصلي كما في الحديث الذي معنا: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي من الليل ثلاث عشرة، يوتر من ذلك بخمس، يعني يصلي ثمان فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يوتر بخمس.(30/11)
يعني إذا أمكن الجواب عن الحديث الأول وما جاء في الإجمال أنه كان يصلي ثلاث عشرة أمكن الجواب عنه والجمع بينه وبين حديث: ما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يزيد في رمضان ولا غيره عن ثلاث عشرة بأن الركعتين الأوليين لا تحتسبان من صلاة الليل، وكذلك ما يصلي في آخره غير محتسبة، فكيف نصنع بهذه الرواية؟ في صحيح مسلم: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة، يعني الثمان لا تسأل عن حسنهن وطولهن كما جاء في حديثها الآخر، ثم يوتر بخمس، هل نستطيع أن نقول: إنه يفتتح الصلاة بركعتين خفيفتين، أو يصلي ركعتين بعد الوتر؟ لأنهم لما أرادوا أن يوفقوا بين حديثها الذي كان غالباً ما يفعله النبي -عليه الصلاة والسلام- إحدى عشرة، وما كان يزيد عليه في رمضان ولا في غيره، حاولوا أن يوفقوا بينه وبين الأحاديث الأخرى، كان يفتتح في صلاة الليل بركعتين خفيفتين فهذه لا تعد في الحساب، وتبقى الإحدى عشرة يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يوتر بثلاث، وأوتر صلى إحدى عشرة، ثم صلى ركعتين جالساً، لكن كيف نجيب عن هذا؟ هل في ركعتين خفيفتين في أوله؟ هل فيه ركعتين صلاهما وهو جالس؟ ما في، إذاً الصلاة بثلاث عشرة ثابتة عن عائشة -رضي الله عنها-، وهي التي ثبت عنها أنه لا يزيد على إحدى عشرة، فيحمل حديث لا يزيد على إحدى عشرة أن هذا غالب أحواله، بدليل أنها هي روت ثلاث عشرة، بحديث لا يمكن الجواب عنه، يعني إذا أجبنا عن الحديثين السابقين لا نستطيع أن نقول: إنه كان يصلي من الليل ثلاث عشرة يأتي بركعتين خفيفتين، ثم يصلي ست لا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يوتر بخمس، هل نستطيع أن نقول هذا؟ لا، كان يصلي من الليل ثلاث عشرة ويوتر من ذلك بخمس، وعادته -عليه الصلاة والسلام- أنه يصلي أربعاً، فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يوتر بخمس، في حديثها الآخر: ثم يوتر بثلاث.(30/12)
"لا يجلس في شيء إلا في آخرها" تعني آخر الخمس، يعني في آخر الوتر لا في آخر الثلاث عشرة؛ لأنه يفصلها كما جاء في الحديث المفسر يصلي أربعاً والأربع بسلامين؛ لأن صلاة الليل مثنى مثنى، ثم يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يوتر إما بثلاث وإما بخمس، ولو أوتر بسبع بعد ذلك الوتر بابه مفتوح يعني إلى الإحدى عشرة.
"رواه مسلم".
"وعنها قالت: "من كل الليل قد أوتر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أول الليل، وأوسطه، وآخره، فانتهى وتره إلى السحر" يعني استقر وتره في آخر الليل، وغايته طلوع الفجر على ما سيأتي في الأحاديث اللاحقة.
يعني نظير ذلك اعتكف النبي -عليه الصلاة والسلام- في العشر الأول، ثم اعتكف في العشر الأواسط، ثم استقر اعتكافه في العشر الأخيرة من رمضان، وهنا: "من كل الليل قد أوتر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أول الليل قبل أن ينام، ومن أوسطه بعد أن نام شيئاً ثم انتبه فصلى وأوتر، ثم بعد ذلك نام، ومن آخره فانتهى وتره إلى السحر" يعني وقت النزول الثلث الأخير من الليل انتهى وتره إلى السحر، وهو وقت الاستغفار بعد الوتر يستغفر المصلي الموفق، وجاء مدح المستغفرين بالأسحار.
"متفق عليه، واللفظ لمسلم".(30/13)
جاء مدح قيام داود، ينام نصف الليل، ثم يقوم الثلث، ثم ينام السدس، السدس الأخير الذي نامه واقع في حيز الثلث الأخير الذي هو وقت النزول الإلهي وإلا غير واقع؟ يعني هل الأفضل أن ينام السدس الأخير أو يتعرض للنفحات الإلهية؟ قال: ((أفضل القيام قيام داود، ينام نصف الليل، ثم يقوم ثلثه، ثم ينام السدس)) هذا مفضل بالنص، لكن أيضاً جاء الحث على التعرض لرحمة الله في الثلث الأخير بما فيه السدس الأخير؛ لأننا إذا قلنا: يقوم من نصف الليل كقيام داود نصف قيامه في غير وقت النزول، لا سيما إذا اعتبرنا الليل من غروب الشمس، لكن إذا اعتبرنا الليل من صلاة العشاء؛ لأنه لا يتمكن من النوم نصف الليل إلا من صلاة العشاء، فيكون الليل محسوباً من صلاة العشاء إلى طلوع الفجر، يعني من صلاة العشاء افترض من الساعة التاسعة مثلا ًنام والأذان الرابعة يعني سبع ساعات، اقسم السبع على اثنين، يعني ينام من تسع إلى اثنا عشر ونصف، ثم يقوم ثلثي ما تبقى وينام ثلثه، إذا قام من الليل في الساعة الثانية عشرة والنصف كم يبقى على أذان الصبح؟ ثلاث ساعات ونصف، إذا حسبنا الليل في حديث النزول من غروب الشمس، وفي حديث مدح قيام داود من صلاة العشاء تطابق الحديثان، فصار نصف الليل بالنسبة لقيام داود موافق لثلثه في حديث النزول؛ لماذا؟ لأننا حسمنا ساعتين بعد غروب الشمس، من غروب الشمس على صلاة العشاء، هذا ليس من الليل على حديث قيام داود، واضح وإلا ما هو بواضح؟ يحتاج إلى إعادة؟
طيب.(30/14)
الآن إذا حسبنا الليل من سبع إلى أربع وعشر صار عندنا كم الليل؟ تسع ساعات وعشر دقائق، نصفه يبدأ أربع ساعات ونصف من سبع يبدأ من إحدى عشر ونصف، وإذا حسبناه من صلاة العشاء على قيام داود يبدأ من اثني عشر ونصف الذي هو الثلث، هل يمكن أن نحسب نصف الليل في قيام داود من مغيب الشمس؟ ما يمكن، مستحيل، لا يمكن أن ينام أحد من غروب الشمس فتفوته صلاة المغرب والعشاء، إنما ينام ما يمكنه فيه النوم، وهو من صلاة العشاء، فإذا حسبنا هذا المقدار من صلاة العشاء إلى طلوع الصبح، وقارناه بالليل في الأعراف كلها، في عرف أهل الهيئة، وفي عرف المتشرعة، وفي عرف عامة الناس أنه يبدأ من غروب الشمس، فإذا حسبناه من غروب الشمس ثلثي الليل إلى اثنا عشر ونصف وحسبنا نصف الليل من صلاة العشاء إلى اثنا عشر ونصف تطابق النصف مع الثلثين، فيكون القيام على مدح قيام داود -على قيام داود- موافق للنزول الإلهي، لكن يبقى أنه إذا نام قام من نصف الليل إلى .. ، اللي هو ثلث الليل الحقيقي، وبقي السدس يكون نام في وقت السحر الذي هو وقت الاستغفار، وأيضاً هو جزء من وقت النزول الإلهي، فمدحه على لسان النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأنه أفضل القيام يؤثر وإلا ما يؤثر؟ النوم مؤثر وإلا غير مؤثر؟ نقول: من قام على قيام داود يكفيه وهو أفضل القيام، إذا أراد أن يقوم من نصف الليل يكفيه، ثم بعد ذلك نام بنية الاستعانة على وظائف اليوم التالي هو في عبادة، لكن الإشكال من يسهر نصف الليل، ثم يسهر ثلثه، ثم ينام سدسه هنا الإشكال، كما هو حالنا ووضعنا الآن، يعني هذا حال كثير من الناس حتى من طلبة العلم، يعني بدلاً من أن ينام نصف الليل يسهر نصف الليل، وبعض الناس ينام بعد نصف الليل، لكن بعضهم لا، يضيف إليه الثلث يسهر، فإذا بقي على الصبح ساعة قال: أنام، وأقوم قبل الأذان فأوتر، هذا يضحك على نفسه، هذا لا شك أنه ما أوجد الأسباب ولا سعى في انتفاء الموانع للقيام، فمثل هذا إذا احتاج إلى مثل هذا السهر عليه أن يوتر قبل أن ينام وإلا سوف يفوته الوتر، كما سيأتي في حديث من خاف ألا يقوم من آخر الليل، مع أن السهر مذموم، مكروه، يكره النوم قبلها والحديث بعدها، يعني صلاة العشاء،(30/15)
وثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه سهر في مصالح الأمة، وفيما ترجحت مصلحته، فلا يمنع السهر بإطلاق، والسهر في العلم أفضل من النوم، السهر في العلم، وباب: السمر في العلم كما في صحيح البخاري هذا أفضل من النوم، لكن يبقى أن السهر في القيل والقال هو المكروه.
"وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((أوتروا قبل أن تصبحوا)) " يقال: أصبح أي دخل في الصبح، كما يقال: أظلم دخل في الظلام، وأتهم دخل في تهامة، وأنجد وهكذا.
((تصبحوا)) هو مضارع أصبح ((قبل أن تصبحوا)) يعني تدخلوا في وقت الصبح، فإذا دخل وقت الصبح انتهى وقت الوتر، وعلى هذا إذا طلع الصبح قبل أن يوتر الإنسان خلاص انتهى وقته، إن كان مفرطاً يقول: خلاص انتهى وقته، فإن قضاه لا سيما إذا كان معذوراً في فواته قضاه ما بعد طلوع الشمس إلى زوالها على أن يقضيه شفعاً لا وتراً، وكان النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا نام عن وتره صلى في الضحى ثنتي عشرة ركعة، على ما سيأتي.
إذا شرع في الوتر وفي نيته أن يوتر بتسع، شرع فيه ثم سمع المؤذن دليل على أنه طلع الصبح خرج وقت الوتر يكمل وتره، لكن بأقل ما يمكن، إذا كان ما أتم ركعة يوتر بركعة، إن كان أتم ركعة وشرع في الثانية يوتر بثلاث، ويكون وتره أداءً، ما دام كبر قبل طلوع الصبح يكون أداء، كما لو كبر في صلاة الصبح قبل طلوع الشمس، أو كبر في صلاة العصر قبل غروبها.
"وروى -يعني مسلم- عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله)) " من خاف أن لا يقوم من آخر الليل إما لكون نومه ثقيلاً لا يستطيع إذا نام ما استطاع أن يقوم، أو لكونه احتاج إلى السهر، أو لكونه مريضاً، أو مثقلاً بما يدعوه إلى الإخلاد إلى الراحة مثل هذا يوتر من أول الليل.(30/16)
((من خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله ومن طمع)) يعني غلب على ظنه ((أن يقوم آخره فليوتر آخره)) لكن هناك طمع غلبة ظن مؤيدة، وهناك غلبة ظن بل هي وهم ليست بغلبة ظن، يتوهم الإنسان وتسول له نفسه وتمنيه أنه يقوم ولا يقوم، وما ذلكم إلا لأنه فرط في بذل الأسباب وانتفاء الموانع، فالذي سهر السهر الطويل، ويمني نفسه فينام ساعة، ثم يقول: إنه يقوم ليوتر هذا وهم، وليس بغلبة ظن، ولا طمع حقيقي.
((ومن طمع أن يقوم آخره فليوتر آخره، فإن صلاة آخر الليل مشهودة)) تشهدها الملائكة ((وذلك أفضل)) لا شك أن صلاة آخر الليل أفضل، أفضل الصلاة الصلاة في جوف الليل بعد المكتوبة؛ لأنها مشهودة، والبال فارغ من أعمال الدنيا وأشغالها، ومن هواجسها ووساوسها وخطراتها، يكون الإنسان قد ارتاح بدنه، وارتاح ذهنه، وتفرغ لهذه العبادة.
"وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا طلع الفجر فقد ذهب كل صلاة الليل والوتر، فأوتروا قبل طلوع الفجر)) " يعني يشهد له ما تقدم ((أوتروا قبل أن تصبحوا)) وانتهى وتره إلى السحر، وهنا الحديث بهذا اللفظ مضف.
((إذا طلع الفجر فقد ذهب كل صلاة الليل والوتر، فأوتروا قبل طلوع الفجر)) يعني جاء عن بعض السلف أنه يقضي الوتر ما بين طلوع الصبح وصلاة الفجر، لكن مع هذه النصوص لا يمكن أن يقال بأنه يقضى بعد طلوع الصبح، والحديث بهذا اللفظ ضعيف عند أهل العلم، لكن له شواهد كثيرة.
على كل حال قضاء الوتر من فاته الوتر بعضهم يفرق بين من فاته تفريطاً، ومن فاته من غير تفريط، فمن فاته من غير تفريط يقضي، ومن فاته مفرطاً فأنه لا يقضي كما يقول بعضهم في الفرائض، بعضهم يقول: الفريضة إذا فاتت عن عمد وإصرار فإنه لا يقضيها.
ونقل ابن حزم على ذلك الإجماع، مع أنه نقل الإجماع على ضده أنها تقضى، ولو فرط ولو تعمد، نقل الإجماع على أنها تقضى، وهو قول عامة أهل العلم أنها تقضى، فإذا أمر غير مفرط بالقضاء فلأن يؤمر المفرط من باب أولى.
يقول: "رواه الترمذي".(30/17)
يقول: " ((إذا طلع الفجر فقد ذهب كل صلاة الليل والوتر، فأوتروا قبل طلوع الفجر)) رواه الترمذي، وقال: سليمان بن موسى تفرد به على هذا اللفظ، ولم نر أحداً من المتقدمين تكلم فيه، وهو ثقة عند أهل الحديث، وقال البخاري: عنده مناكير" يعني سليمان بن موسى راوي هذا الحديث عنده مناكير "وقال النسائي: ليس بالقوي في الحديث، وقال ابن عدي: هو عندي ثبت صدوق" طيب يقول: لم نر أحداً من المتقدمين تكلم فيه، قول البخاري وهو شيخ للترمذي: "عنده مناكير" ألا يستدرك به على قوله: لم نر أحداً من المتقدمين تكلم فيه؟ أو البخاري ليس بمتقدم بالنسبة له؟ أو لم يطلع على قوله؟ الترمذي يعتمد قول البخاري، ويقلده ويسأله عن الرواة وعن الأحاديث، فهل قوله: لم نر أحداً من المتقدمين تكلم فيه يستدرك عليه بقول البخاري: عنده مناكير؟ أو نقول: إن البخاري ليس بمتقدم بالنسبة له هو شيخه؟ والمتقدمين من هم في طبقة شيوخ البخاري فمن فوقهم؟ أو أن الترمذي ما اطلع على قول البخاري؟ نقول: هذا أو ذا؟
طالب: العبارة من كلام ابن عبد الهادي وإلا من كلام الترمذي يا شيخ؟
وين؟
طالب: لم نر أحداً من المتقدمين تكلم فيه؟
الذي يظهر أنه من كلام الترمذي، عندك فاصل.
طالب:. . . . . . . . .
ويش يقول؟
طالب: كلام الترمذي يقول: وقال: سليمان بن موسى تفرد به على هذا اللفظ.
ولم نر أحداً من المتقدمين تكلم فيه.
طالب: هذا بس هذا كلام الترمذي؟
مفصول عندك؟
طالب: إيه مفصول بين قوسين يا شيخ، بين علامة تنصيص.
يعني حتى لو قلنا من كلام ابن عبد الهادي، يعني إذا كان من كلام ابن عبد الهادي ما له وجه إطلاقاً؛ لأن البخاري بالنسبة له متقدم، ويستحيل أن نقول: إنه لم يطلع عليه لأنه نقله، يعني كونه من كلام الترمذي أسهل.
على كل حال سواءً كان من كلام الترمذي أو من كلام ابن عبد الهادي هو مستدرك بقول البخاري: "عنده مناكير" وقول النسائي: "ليس بالقوي" يعني قول النسائي لا يمكن أن يستدرك به على الترمذي؛ لماذا؟ لأن الترمذي قبل النسائي، لكن يستدرك به على كلام ابن عبد الهادي، لا سيما وقد نقله، هذا مما يؤيد أن الكلام للترمذي.
عندك الترمذي؟
طيب.(30/18)
"وقال البخاري: عنده مناكير، وقال النسائي: ليس بالقوي في الحديث، وقال ابن عدي: هو عندي ثبت صدوق" على كل حال هو مختلف فيه، وقول البخاري: عنده مناكير لا شك أنه وإن كان عند غيره ليس بشديد إلا أنه بالنسبة لاصطلاح البخاري -رحمه الله- يعني لورعه قد يقول هذه الكلمة كما يقول: تكلموا فيه، أو فيه نظر، يعني البخاري عفيف في العبارة، فتدل على أنه فيه خلل.
"وقول النسائي: ليس بالقوي" يعني ضعيف، إن كان ليس بالقوي ضعيف "وقال ابن عدي: هو عندي ثبت صدوق" على كل حال هو بهذا اللفظ مضعف عند أهل العلم، الحديث بهذا اللفظ مضعف عند أهل العلم، وإن كان معناه صحيحاً له ما يشهد له.
"وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من نام عن الوتر أو نسيه فليصل إذا أصبح أو ذكر)) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي، وقد ضعفه بعض الأئمة، وروي مرسلاً، وإسناد أبي داود لا بأس به".(30/19)
قال: "قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من نام عن الوتر)) " هو داخل في عموم: ((من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك)) العموم يشمل، والخصوص: ((من نام عن الوتر أو نسيه فليصل إذا أصبح أو ذكر)) مفهومه أنه إذا تكره عمداً يعني هل لقوله: ((من نام عن صلاة أو نسيها)) مفهوم أنه إذا تركها عمداً لا يصليها؟ هل له مفهوم؟ ((من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها)) مفهومه أنه إذا تركها عمداً أنه لا يصليها إذا تاب؟ يمكن أن يستدل بهذا، يمكن، لكن الحديث حديث الباب هو جارٍ على عموم حال المسلم، أنه لن يترك الصلاة إلا نسياناً أو عن نوم، لن يترك الصلاة عمد ما دام وصف الإسلام لازماً له، ولذا بعض المغاربة في القرن السابع يقول: إن الخلاف في كفر تارك الصلاة خلاف نظري، لا يمكن أن يكون له وجود في الواقع، الخلاف في حكم تارك الصلاة هو خلاف نظري لا يمكن أن يتصور له وجود في الواقع، اللهم إلا إذا كان في آخر الزمان، في أيام الدجال، أو في .. ، كيف لو رأى حال المسلمين اليوم؟ كنا نسمع الفتاوى الشديدة قبل ثلاثين سنة، فلان يسأل يقول: ولده يتأخر عن الصلاة فيجاب بأن هذا الولد لا خير فيه، هذا يطرد، ولا يجوز مجالسته، ويجب هجره، وكان لائق في ذلك العصر؛ لأن هذا أسلوب من أساليب التأديب، والولد إذا عومل بهذه المعاملة تاب وأناب ورجع، أين يذهب؟ لكن الآن إذا قيل: يطرد من البيت وين يروح؟ يتلقفه ألف شيطان؛ لأن الناس في ذلك الوقت غايتهم غروب الشمس، يمكن يدبر نفسه والشمس طالعة، لكن إذا غابت الشمس وين يروح؟ لا هناك بيوت تستوعب، البيوت بقدر أهلها، ولا هناك استراحات ولا متنزهات، ولا شيء، تغيب الشمس يرجع إلى أهله على أي ذنب كان، يأتي تائباً منيباً وإلا ما يُفتح له، لكن اليوم تقول له: لا يجي؟! تطرده من البيت؟! تلقفه ألف شيطان، واستراحات ومتنزهات وأسفار في الداخل والخارج ولا رقيب ولا .. ، يروح كيفما شاء، والليل أفضل من النهار لمثل هؤلاء، يعني لا يظن أن هذه المدنية وهذا الترف وانفتاح الدنيا التي نعيشها خير من كل وجه، والرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((والله لا الفقر أخشى عليكم، لكن أخشى أن تفتح(30/20)
عليكم الدنيا فتنافسوها كما فتحت على من قبلكم، وتهلككم كما أهلكتهم)) والله المستعان.
((من نام عن الوتر أو نسيه)) لأنه لا يتصور أن مسلم لا سيما طالب علم يبي يترك الوتر عن عمد فضلاً عن أن يترك الفرض ((فليصل إذا أصبح)) ومعلوم أنه إذا أصبح حتى ترتفع الشمس هو في وقت نهي لا يصلى فيه إلا فريضة الوقت صلاة الصبح وراتبتها، وما عدا ذلك لا يصلى فيه، فمتى يقضى الوتر؟ يقضى كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- ضحى، فاته الوتر فصلاه ضحى ثنتي عشرة ركعة.
"رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي، وقد ضعفه بعض الأئمة، وروي مرسلاً، وإسناد أبي داود لا بأس به" والحديث له شواهد تشهد لمعناه، وأما لفظه فضعيف ضعفه بعض الأئمة، وروي مرسلاً، أنا ذهب نظري إلى الحديث الذي قبله.
يقول: "رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه، والترمذي، وقد ضعفه بعض الأئمة" لماذا؟ لأن فيه عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وهو مضعف، وأخوه عبد الله ثقة.
ثم قال الإمام المؤلف: "وروي مرسلاً، وإسناد أبي داود لا بأس به" وعلى كل حال النووي حسنه في المجموع، ولا يقل عن درجة الحسن.
يقول: "وقد روى ابن حبان من حديث أبي سعيد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من أدرك الصبح فلم يوتر فلا وتر له)) " ويش معنى لا وتر له؟ لأنه خرج وقته، ولا يمكن أن يصليه على هيئته وتراً وإنما يصليه شفع.
نظير ذلك من ذبح أو من أدى زكاة الفطر بعد الصلاة هي صدقة من الصدقات، لكن هل هي زكاة فطر؟ لا، ليست بزكاة فطر؛ لأنه فات محلها، لكنها صدقة له أجرها، وهنا: من فاته الوتر ولا يمكن أن يأتي به على صفته لا وتر له، وإنما له أجر الصلاة التي صلاها، وهي بالنسبة للوتر قضاء، وليس القضاء كالأداء، وهذا معنى النفي في قوله: ((لا وتر له)).
"وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: أوصاني خليلي -صلى الله عليه وسلم- بثلاث لا أدعهن حتى أموت: صوم ثلاثة أيام من كل شهر، وصلاة الضحى، ونوم على وتر" متفق عليه، واللفظ للبخاري، وله شاهد من حديث أبي الدرداء عند مسلم، ومن حديث أبي ذر عند أحمد والنسائي".
فالحديث مروي عن ثلاثة من الصحابة كلهم أوصاهم النبي -عليه الصلاة والسلام- بهذه الثلاثة؛ للدلالة على أهميتها.(30/21)
"أوصاني خليلي" حبيبي، والخلة أعظم درجات المحبة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً)) فكيف يقول أبو هريرة: خليلي؟ يعني الممنوع أن يتخذ الرسول -عليه الصلاة والسلام- غير ربه خليلاً، ولا يمنع أن يتخذ خليل -عليه الصلاة والسلام-؛ لأن أعظم أنواع المحبة بالنسبة له -عليه الصلاة والسلام-، هي لله -جل وعلا- ((ولكن الله اتخذني خليلاً)).
"بثلاث" يعني بثلاث خصال "لا أدعهن حتى أموت: صوم ثلاثة أيام من كل شهر" والحسنة بعشر أمثالها، كأنه صام الدهر كله، وجاء تبيينها إجمالها في مسلم وتبيينها في السنن الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر، وإن صام ثلاثة أيام فرقها من الشهر بأن صام الاثنين الأول والثاني والثالث صح في حقه أنه صام ثلاثة أيام من كل شهر.
"وصلاة الضحى" صلاة الضحى المنسوبة لوقتها، فوقتها الضحى، وهو من ارتفاع الشمس وخروج وقت النهي إلى زوال الشمس، وإن كان الأفضل أن تؤخر حتى ترمض الفصال على ما سيأتي.
"ونوم على وتر" فينام قبل أن يوتر؛ لأنه لا يثق من نفسه أنه يقوم في آخر الليل، والنبي -عليه الصلاة والسلام- عرف ذلك من عادته وحالته فأوصاه أن يوتر قبل أن ينام، وهذا فيه دليل على استحباب صلاة الضحى، وقد تباينت فيها الأقوال، وتباينت فيها الأخبار والآثار، على ما سيأتي في حديث عائشة أنه صلى وأنه لم يصل -عليه الصلاة والسلام-، وكذلك في حديث ابن عمر وصلاة الضحى جاءت وصية النبي -عليه الصلاة والسلام- لثلاثة من صحابته بها، وجاء في الحديث الصحيح: ((يصبح على سلامى كل أحد منكم صدقة)) يعني المفاصل ثلاثمائة وستين مفصل، كل مفصل عليه صدقة، لكن إن تصدق أجزأ، وإن نفع بنفع متعد يصلح بين الناس هذه صدقة، وكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، يعني الحمد لله فرض علينا أشياء وأوجب علينا أشياء، وندبنا إلى أشياء، وجعل لنا الحلول السهلة الميسرة.
تسبح ثلاثمائة وستين تسبيحة تنتهي، تحمد الله ثلاثمائة وستين أو تكبر، تذكر الله ثلاثمائة وستين تنتهي، ((ويجزئ من ذلك ركعتان تركعهما من الضحى)) فهذا دليل على فضل صلاة الضحى وأن شأنها عظيم.(30/22)
"متفق عليه، واللفظ للبخاري، وروى مسلم نحوه من حديث أبي الدرداء وأحمد والنسائي نحوه من حديث أبي ذر".
"وعن أم هانئ" بنت أبي طالب بنت عم النبي -عليه الصلاة والسلام- "قالت: ذهبت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عام الفتح سنة ثمان فوجدته يغتسل وفاطمة ابنته تستره بثوب، قالت: فسلمت عليه، قلت: السلام عليك يا رسول الله، فقال: ((من هذه؟ )) فقلت: أم هانئ" يعني أنا أم هانئ "فقالت: أم هانئ -بنت أبي طالب- فقال: ((مرحباً بأم هانئ)) " يعني ولم ينقل في طريق من الطرق أنه رد عليها السلام، قالت: السلام عليك يا رسول الله، قال: من هذه؟ قالت: أم هانئ؟ قال: ((مرحباً بأم هانئ)) ولا نقل في طريق من الطرق أنه قال: وعليك السلام يا أم هانئ، فمن أهل العلم من يرى أنه يجزئ مرحباً عن رد السلام لهذا الحديث، وسلمت فاطمة بنت الرسول -عليه الصلاة والسلام- عليه، فقالت: السلام عليك يا أبت، فقال: ((مرحباً بابنتي)) وهذا جعل بعض أهل العلم يقول: إن مرحباً تكفي، والله -جل وعلا- أمر برد السلام، نحيي بأفضل منها أو نردها على الأقل، فهل مرحباً أفضل من وعليكم السلام؟ نعم؟ أو توازيها؟ لا، لا توازيها، ولذا يرى بعضهم أنه لا بد من رد السلام، وإذا زيد مرحباً كان زيادة فضل، وكونه لم ينقل لا يعني أنه لم يقع، والحكم يثبت بنص واحد، ولا يلزم أن تتضافر النصوص على نقله، يعني في مواضع كثيرة ينقل السلام ولا ينقل رده.
يعني الملائكة لما قالوا لإبراهيم -عليه الصلاة والسلام- وعلى نبينا {فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ} [(25) سورة الذاريات] في سورة الذارايات، في الحجر {فَقَالُواْ سَلامًا} [(52) سورة الحجر] ما قال: سلام، نعم ما رد، هل معنى هذا أنه لم يرد أو يكفي النقل في موضع واحد عن بقية المواضع؟ يكفي، ولذلك من قال: السلام عليكم، تقول: وعليكم السلام فإذا زدت مرحباً كانت زيادة فضل، خلافاً لمن يقول: إن مرحباً تجزئ عن رد السلام، فقال: ((مرحباً بأم هانئ)) فلما فرغ من غسله قام فصلى ثماني ركعات وذلك ضحى، فمنهم من يقول: إن هذه صلاة الضحى لأنها وقعت في وقت الضحى، ومنهم من يقول: إن هذه صلاة الفتح.(30/23)
"قام فصلى ثماني ركعات ملتحفاً في ثوب واحد، فلما انصرف قلت: يا رسول الله زعم ابن أمي" هو أخوها الشقيق علي بن أبي طالب "زعم ابن أمي علي بن أبي طالب أنه قاتل رجلاً أجرته" رجل من المشركين أجارته أم هانئ، فأراد علي أن يقتله لأنه مشرك ما أسلم "زعم ابن أمي أنه قاتل رجلاً أجرته فلان ابن هبيرة، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((قد أجرت من أجرت يا أم هانئ)) " الآن يستطيع علي أن يقتله؟ لا يستطيع، وفي الحديث الصحيح: ((ويسعى بذمتهم أدناهم)) وإجارة الواحد والاثنين تكون للواحد من المسلمين حتى المرأة، أما الإجارة على سبيل العموم فهذه إنما هي للإمام فقط، الإجارة على العموم إنما هي للإمام، وأما إجارة الواحد والاثنين فهي لآحاد المسلمين ((ويسعى بذمتهم أدناهم)) يعني حتى المرأة تجير كما في هذا الحديث، ومنهم من يقول: إن المرأة لا تجير؛ لأن إجارتها إنما أجيزت بإجارة النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه قال: ((أجرت من أجرت يا أم هانئ)).
"قالت أم هانئ: وذلك ضحى" متفق عليه، واللفظ لمسلم".
"وعن زيد بن أرقم -رضي الله عنه- أنه رأى قوماً يصلون من الضحى في مسجد قباء" زيد بن أرقم رأى قوماً يصلون من الضحى في مسجد قباء "فقال: أما لقد علموا أن الصلاة في غير هذه الساعة أفضل" يعني لو تأخروا عن أول النهار، صلاة الضحى تبدأ من ارتفاع الشمس قيد رمح خروج وقت النهي إلى الزوال، لكن كلما تأخرت كانت أفضل.(30/24)
"أما لقد علموا أن الصلاة في غير هذه الساعة أفضل، إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((صلاة الأوابين حين ترمض الفصال)) " يعني الموظف والطالب قبل أن يخرج إلى عمله خشية أن تضيع عليه صلاة الضحى يصلي ركعتين؛ لأن وقت النهي قد ارتفع، أو نقول: الأفضل تنتظر حتى ترمض الفصال وتصلي صلاة الضحى في العمل؟ لا، نقول: تصليها في أول وقتها ولا تضيع شيء من العمل الموكول إليك، اللهم إلا إذا كان هناك فرصة تتاح لك نظاماً أن تترك العمل فيها وتصلي هاتين الركعتين، يعني كما هو شأن الطلاب لديهم فرص بين الدروس وبين المحاضرات يستطيع أن يصلي الضحى، فالأفضل أن يؤخروها، وابن القيم -رحمه الله- لما ذكر حال الأبرار وحال المقربين ذكر حالهم في طريق الهجرتين ذكر أن الأبرار إذا ارتفعت الشمس جلسوا في مصلاهم الذي صلوا فيه الصبح حتى ترتفع الشمس، ثم يصلون ركعتين وينصرفون، وأما بالنسبة للمقربين وهم أفضل منهم يقول: "يجلسون حتى ترتفع الشمس، ثم ينصرفون إن شاءوا صلوا، وإن شاءوا لم يصلوا" لأنهم إذا انصرفوا ينصرفون إلى عبادات، وأولئك ينصرفون إلى أعمال، أولئك إن لم يصلوا في مكانهم ما صلوا الضحى، والمقربون إن ما صلوا في مكانهم صلوا في الوقت الفاضل حين ترمض الفصال.
"إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((صلاة الأوابين حين ترمض الفصال)) " صلاة الأوابين هم التوابون الرجاعون إلى الله -جل وعلا-، المحاسبون لأنفسهم النادمون على ما فرط منهم حين ترمض يعني يصيبها حر الرمضاء من شدة الحر وقوة الشمس، الفصال جمع فصيل، وهو ولد الناقة الذي فصل عنها بالفطام، ولا يتحمل مثل ما تتحمل أمه، أو يتحمل الجمل الكبير، لا، لكنه يتحمل أكثر من بني آدم، يعني إذا أصابتهم حر الرمضاء فقد حان وقت صلاة الضحى الأفضل، وهي صلاة الأوابين.
"رواه مسلم".(30/25)
"وروى عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي الضحى أربعاً ويزيد ما شاء الله" فيه إثبات صلاة الضحى من فعله -عليه الصلاة والسلام-، إضافة إلى ما تقدم في حديث أم هانئ، هناك في حديث أم هانئ: صلى ثمان، ولذا يقولون: إن أكثرها ثمان ركعات، وهنا كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي الضحى أربعاً، ويزيد ما شاء الله ست، ثمان، عشر، أكثر.(30/26)
"وله عن عبد الله بن شقيق قال: قلت لعائشة هل كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي الضحى؟ قالت: "لا، إلا أن يجيء من مغيبه" يعني يجيء مسافر، وقد تخفف من كثير من السنن في السفر إذا جاء مجرد ما يصل وينقطع عنه الوصف المقتضي للتخفيف يصلي "إلا أن يجيء من مغيبه" فهنا نفت عائشة أنه كان يصلي الضحى إلا لمناسبة وهي المجيء من السفر، وأثبتت في الحديث الذي قبله أنه كان يصلي أربعاً، وفي حديثها اللاحق قالت: "ما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي سبحة الضحى قط" يعني الإثبات منقول، والنفي منقول، وتقول: "وإني لأسبحها" يعني لأصليها، يعني عائشة تخالف فعله -عليه الصلاة والسلام-؟ كونها ما رأت ما رأت، لكن لا يعني كونها ما رأت أنه ما صلى، بل قد يكون ثبت عندها أنه صلى بخبر غيرها، وهذا لا ينفي أنها ما رأت، ولذلك قالت: وإني لأسبحها، ولو لم يبلغها شيء من فعله -عليه الصلاة والسلام-، لا يمكن أن تخالفه وأن تفعل شيئاً لم يفعله -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه قد يقول قائل: إن هذه معاندة، ما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي سبحة الضحى قط، وإني لأسبحها، كيف؟ يعني هذه مصادمة، لكن كونها ما رأت لا يعني أنه لم يفعل، ولا يعني أنه لم ينقل إليها عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه فعل، ولذلك عملت بخبر من أخبرها عنه -عليه الصلاة والسلام- فقالت: "وإني لأسبحها" وذكرت العلة التي من أجلها كان يترك صلاة الضحى "وإن كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليدع العمل وهو يحب أن يعمل به خشية أن يعمل به الناس فيفرض عليهم" النبي -عليه الصلاة والسلام- من شفقته ورحمته ورأفته بأمته يترك الشيء خشية أن يفرض عليهم، وندم -عليه الصلاة والسلام- على دخول الكعبة لئلا يشق على أمته؛ لأن من رأى أو علم أو سمع أنه -عليه الصلاة والسلام- دخل الكعبة يحرص أشد الحرص على أن يدخل ثم يلحق الناس بذلك الضرر والمشقة.(30/27)
"وعن مورق قال: قلت لابن عمر -رضي الله عنهما-: أتصلي الضحى؟ قال: لا" ابن عمر الصحابي المقتدي المقتفي المؤتسي بأفعال النبي -عليه الصلاة والسلام- العادية فضلاً عن الشرعية تصلي الضحى؟ قال: لا، "قلت: فعمر؟ " يعني: أباه "قال: لا، قلت: فأبو بكر؟ قال: لا" يعني لا يصلون الضحى "قلت: فالنبي -صلى الله عليه وسلم-؟ قال: لا إخاله" يعني ما أظنه كان يصليها؛ لماذا؟ لأنه لو كان يصليها لصلاها أبو بكر، ولو كان يصليها لصلاها عمر، فعدم صلاة أبي بكر وعمر صلاة الضحى غلب على ظن ابن عمر أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان لا يصليها، وهذه النصوص فيها الإثبات وفيها النفي، ولذا يختلف أهل العلم في صلاة الضحى، وذكر ابن القيم -رحمه الله- فيها ستة أقوال، منهم من يرى أنها سنة مطلقاً، حديث عائشة: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي الضحى، حديث أبي هريرة أوصاني خليل -صلى الله عليه وسلم- بصلاة الضحى، حديث أبي ذر، حديث أبي الدرداء ((يصبح على سلامى كل أحد منكم صدقة ... ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى)) ألا يكفي هذا في تقرير شرعية صلاة الضحى؟ يكفي وإلا ما يكفي؟
طالب: بلى.
يقابل ذلك، يعني بهذه الأحاديث قال من قال: بسنية صلاة الضحى مطلقاً، ومنهم من قال: إنها تفعل إذا وجد سبب مناسب، النبي -عليه الصلاة والسلام- صلاها يوم الفتح للمناسبة، ويصليها إذا قدم من مغيبه لمناسبة، ولا يواظب عليها، ولا يداوم عليها، وحمل على ذلك أحاديث النفي.(30/28)
ومنهم من يرى أنها لا تصلى مطلقاً، وأنها بدعة، وعلى كل حال ما دام ثبتت الأحاديث الصحيحة الصريحة التي حفظ فيها رواتها ما حفظوا من النصوص التي تدل على طلبها واستحبابها، ومن أثبت حجة على من نفى، فالمرجح أنها سنة مطلقاً، وعلى المسلم أن يحافظ عليها؛ لتكون كفارة لما يلزمه من شكر هذه المفاصل، المفاصل هذه وجودها في البدن لا يقدر قدرها ولا يعرف قيمتها إلا من تصلب عنده أصبع، أنت تصور أن عندك إصبع ما ينثني واقف دايم، فضلاً عن كون الركبة متصلبة، أو كون اليد متصلبة، أو الظهر هذه نعم تحتاج إلى شكر، وكل مفصل منها يحتاج إلى كفارة، صدقة، والصدقات متنوعة والأبواب واسعة -ولله الحمد- وميسورة، لكن يجزئ ويغني عن ذلك كله ركعتان تركعهما من الضحى.
جاب الترمذي؟
طالب:. . . . . . . . .
ويش يقول؟
طالب:. . . . . . . . .
قال أبو عيسى: "وسليمان بن موسى تفرد به على هذا اللفظ، وروي عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا وتران بعد صلاة الصبح)) وهو قول غير واحد من أهل العلم، وبه يقول الشافعي ... إلى آخره، ليس من كلام الترمذي صار من كلام ابن عبد الهادي، لكن مما يستغرب أن ابن عبد الهادي يقول: لم نر أحداً تكلم فيه من أهل العلم، والبخاري يقول: عنده مناكير، والنسائي يقول ما يقول، وهو الذي ينقل هذا الكلام، هذا غريب يعني.
بعد هذا ختم المؤلف -رحمه الله تعالى- صلاة التطوع بصلاة الاستخارة، قال -رحمه الله-:(30/29)
"وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعلمنا الاستخارة" الاستخارة: طلب الخيرة، طلب خير الأمرين من الإقدام أو الإحجام، طلب خير الأمرين؛ لأن السين والتاء للطلب، طلب خير الأمرين من الإقدام على الأمر أو عن الإحجام عنه، أردت أن تتزوج تصلي صلاة الاستخارة، أردت أن تشتري هذا البيت تصلي صلاة الاستخارة، تشتري هذه السيارة تصلي صلاة الاستخارة، أما الواجبات فلا خيرة لأحد فيها، وأما المستحبات فإذا أراد أن يوازن واستغلق عليه الأمر، وأراد أن يطلب من الله -جل وعلا- خير الأمرين له، هذا الأمر واسع، لكن يبقى أن الاستخارة شرعية، وأن النبي -عليه الصلاة والسلام- يعلمها أصحابه كما يعلمهم السورة من القرآن.
يقول جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما-: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعلمنا الاستخارة في الأمور" كلها، في الأمور، يعلمنا الاستخارة في الأمور كما يعلمنا السورة من القرآن، في الأمور يعني الأمور المهمة أو في جميع الأمور؟ يعني (أل) هذه استغراقية وإلا عهدية؟ اللي يظهر أنها في جميع الأمور.
"يعملنا الاستخارة في الأمور كما يعلمنا السورة من القرآن" يعني يحفظهم إياها حرفاً حرفاً، كما علم ابن مسعود التشهد.
"كما يعلمنا السورة من القرآن، يقول: ((إذا هم أحدكم بالأمر)) " إذا هم، والهم مرتبة من مراتب القصد يسبقها الخاطر والهاجس وحديث النفس، ثم الهم ثم العزم، إذا هم استخار، ثم عزم.
((إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة)) وهي سنة قائمة بنفسها، تسمى ركعتا الاستخارة، فهل تدخل في غيرها من السنن؟ يعني جاء للصلاة فأدى ركعتين هما راتبة هذه الصلاة، ولتكن صلاة الصبح، صلى ركعتي الصبح تكفي عن ركعتي الاستخارة، أو نقول: هما ركعتان مقصودتان لذاتهما؟ لأنه يقول: ((فليركع ركعتين من غير الفريضة)) هما سنة كونها لا تدخل في صلاة الصبح لا تدخل في صلاة الصبح، هل يعني هذا أنها لا تدخل في راتبة الصبح؟
الأولى أن تفردا، لا راتبة الصبح ولا تحية مسجد ولا غيرها، هما ركعتان قائمتان، لكن كون تحية المسجد تدخل في ركعتي الاستخارة ظاهر.(30/30)
((من غير الفريضة، ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك)) يعني أطلب متوسلاً بعلمك خير الأمرين، فلا علم لي أنت الذي تعلم العواقب والخير المرتب على أحد الأمرين.
((وأستقدرك بقدرتك)) أطلب القدرة منك يا الله -جل وعلا- ((وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر)) انكسار وتوسل إلى الله -جل وعلا- بعلمه وقدرته، وانطراح بين يديه ((فإنك تقدر ولا أقدر)) اعتراف بالعجز ((وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب)) بعد هذه التوسلات يقول: ((اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي)) يعني في ديني ودنياي ((في عاجل أمري وآجله)) كما في الرواية الأخرى ((وعاقبة أمري)) أو قال: ((عاجل أمري وآجله)) يعني عاجلاً وآجلاً، في الدنيا والآخرة، إن هذا الأمر يعينني على أمر الدين والدنيا ((إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري)) أو قال: ((عاجل أمري وآجله، فاقدره لي ويسره لي)) فاقدره يعني: اكتبه لي ويسره لي؛ لأنه قد يقدر الشيء للإنسان لكن مع شيء من العسر، إذا استخار من أجل الزواج من فلانة، وعلم الله أن فيها خير له يطلب منه أن يقدرها له، وأن يكتبها من نصيبه، ثم بعد ذلك ييسرها له؛ لأنه قد يكون فيها خير له، وتكتب له وتقدر له لكن يطلب عليها أمور متعسرة، مهر غالي مرتفع، فتكون متعسرة، وقال: ((ويسره لي، ثم بارك لي فيه)) يعني إذا حصلت عليه كتبته لي وقدرته لي يسرته لي بارك لي فيه، فأنا لا أستغني عن بركتك، اللهم لا غنى بي عن بركتك، كما قال من؟ أيوب لما نزل عليه الجراد من الذهب أخذ يجمع يحثو، فعوتب في ذلك، فقال: اللهم لا غنى بي عن بركتك.(30/31)
((وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري)) أو قال: ((في عاجل أمري وآجله فاصرفه عني واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان، ثم رضني به)) يعني إذا تعلق بفلانة يريدها زوجة ثم يستخير ويرى أن الخير في تركها فلا تكتب له، ولا تيسر له، لكن قد يستمر متعلقاً بها، فتتكدر عليه حياته، ولذلك قال: ((فاصرفه عني)) لا تعلقه بي ((واصرفني عنه)) لا تعلقني به لأنه كونك أنت تصرف ترتاح من جهة، لكن كون الطرف الثاني لا يصرف يؤذيك ويقلقك، يرسل إليك الوسائط ويحرجك، أو يتأثم بسببك، وتتكدر عليه حياته، وهذا من النصح، ما يقول: علقها بي واصرفني عنها؛ لأن الإنسان يضع نفسه بهذه المنزلة؛ لأنه ليس الشأن أن تحِب الشأن أن تُحَب؛ لأنه قد تحب وتعذب بما تحب، لكن إن صارت المحبة من الطرفين تمت السعادة، وهنا إذا كان الانصراف من الطرفين تمت الراحة ((فاصرفه عني، واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان)) يعني في أي امرأة كانت، في أي دار كانت، في أي سارة أو دابة كانت.
((ثم أرضني به)) لأنه قد يستخير في الزواج بفلانة التي ذكرت عنده ومدحت ووصفت بأوصاف فائقة من الخلق والعلم والدين والجمال، وكل ما يطلبه الإنسان في الزوجة، ثم استخار فلم تقدر له وصرف عنها، وصرفت عنه، ثم خطب أخرى أو ذكرت له أخرى أقل منها بكثير، ثم استخار ووجه إلى هذه الأقل، يطلب مع ذلك الرضا؛ لئلا يذكر تلك في يوم من الأيام إذا نظر إلى هذه.
قال: " ((واقدر لي الخير حيث كان ثم أرضني به)) قال: ويسمي حاجته" هنا قال: "ويسمي حاجته" وهناك قال: ((ثم ليقل)) يصلي يركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل، يعني بعد السلام؛ لأن العطف بـ (ثم).
طالب: تراخي.
بعد السلام تراخي، يسمي حاجته بعد ما ينتهي وإلا أثناء الدعاء؟ لأنه لو كان بعد الفراغ من الدعاء لقال: ثم يسمي حاجته كما قال: ((ثم ليقل)) لكنه أثناء الدعاء ((اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر)) يعني شرائي هذا البيت، أو شرائي هذه السيارة، أو زواجي بفلانة، أو كذا ((خير لي في ديني)) ... إلى آخره، يسمي حاجته أثناء الدعاء.(30/32)
"رواه البخاري، ورواه الترمذي عن الشيخ الذي رواه عنه البخاري، وعنده: ((ثم أرضني به)) " بهمزة القطع؛ لأنه إذا حصل الرضا تمت الراحة؛ لأنه قد ينصرف الإنسان لأمر من الأمور، ثم يعود إذا لم يرض، " ((ثم أرضني به)) وعند أبي داود وهو رواية للبخاري: ((ثم رضني به)) " ثم ارضني بهمزة وصل التي في الأصل، وعند الترمذي ((ثم أرضني)) بهمزة قطع، وعند أبي داود وهو رواية للبخاري: ((ثم رضني به)) بالتضعيف، والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ومثل ما ذكرنا درس الغد يعني تعفوننا منه، ونعفيكم منه.
هنا يقول: بالنسبة لقوله: قائم يصلي ألا يصرف قوله: قائم بمعنى من كون المقصود انتظار الصلاة؟
هذا ذكرناه، وذكره بعض أهل العلم، ذكره الراوي لما قيل له: إن هذا ليس بوقت صلاة آخر صلاة، قال: من ينتظر الصلاة فهو في صلاة، يعني كأنه قائم يصلي، ومنهم من قال: إن الصلاة المراد بها الصلاة اللغوية وهي الدعاء، وهذا سبق أن أشرنا إليه.
يقول: لدي صديق هندي مسلم ووجدت معه كتاب فيه أذكار لم أسمع بها، يجلس يقرأ فيها كل ليلة، ولم أجد فيها ما نحن نفعله من أذكار الصباح والمساء، يذكر فيها الحسن والحسين -رضي الله عنهما- كثيراً، فهل تكون هذه شيعية أم لا؟
يعني تخصيص الحسن والحسين لا شك أنه من دون غيرهم من الصحابة فيه شم رائحة التشيع، وعلى كل حال الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وريحانتا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، على كل حال لا أحد يتكلم فيهما، هما سيدا شباب أهل الجنة، وسبطا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وريحانتاه، ولا أحد يتكلم فيهما، لكن تخصيصهما من دون غيرهما من أبي بكر وعمر وخيار الصحابة يعني يدل على أن هناك توجه.
يقول: هل السفر لصلاة على جنازة في مكة من السفر المنهي عنه؟
لا، هذا مثل سفر البر، وسفر الصلة، وسفر زيارة المريض، وما أشبه ذلك فهي من حقوق المسلم.
يقول: بالنسبة لفضل الجلوس بعد الفجر إلى شروق الشمس.(30/33)
هناك فرق بين شروق وإشراق، ما الفرق بينهما؟ الشروق هو البزوغ، والإشراق هو الانتشار انتشار النور، {وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا} [(69) سورة الزمر] وفي التقويم عندكم الشروق وليس الإشراق، فالتوقيت على البزوغ، فلا بد من انتظار الإشراق لا الشروق، وبعض الناس ينظر إلى التقويم وينظر إلى الساعات، ثم إذا حان الوقت قام يصلي وهو في وقت النهي الذي هو وقت البزوغ، وهنا يقول: إلى شروق الشمس يعني إلى إشراقها.
هل يحصله من انشغل لعارض بعد صلاة الفجر خارج المسجد، ثم أدرك الوقت قبل شروق الشمس؟
لا، إذا خرج عن مصلاه انتهى، اللهم إلا إذا خرج من المسجد لمصلحة راجحة، أدركته الصلاة وهو في طريقه إلى درس، فصلى في هذا المسجد، ثم ذهب إلى المسجد الذي فيه الدرس خشي على الفريضة أن تفوت هذا يحصل له الأجر -إن شاء الله تعالى-.
يقول: ذكر بعض أهل العلم أن حديث: ((بني له بيت في الجنة)) أن البيت واحد، ولكن ليس بيت من صلى يوماً واحداً من الأيام كمن يحافظ عليها، فبيت الأول على قدر صلاته، وبيت الثاني على قدر صلاته، وهذا ملاحظ الآن فليس البيت الشعبي كالبيت المسلح، وليس البيت المسلح كالفيلا وليست كالقصر وليست القصور بعضها كبعض؟
على كل حال عندنا جواب مرتب على شرط من فعل فله كذا، وإذا تحقق الشرط تحقق الجواب، ولا شك أن الجواب يتعدد بتعدد الشرط، وهذا هو الظاهر من اللفظ.
الحديث: ((اللهم أجرني من النار)) ضعيف بتقييده بعد صلاة الصبح والمغرب؟
وهكذا وقع السؤال، السؤال عن قول: ((اللهم أجرني من النار)) سبعاً بعد صلاة المغرب وبعد صلاة الصبح هذا مضعف عند أهل العلم.
يقول: أما مطلقاً فصحيح وصححه الشيخ الألباني؟
لأن الدعوة صحيحة.
ما رأيكم في من وهب صوتاً جميلاً، وأراد أن يخدم الإسلام بصوته، وذلكم بحداء بعض المنظومات العلمية مع الأخذ بالضوابط الشرعية في ذلك؟ وجزاكم الله خيراً.
المنظومات العلمية إذا أديت بصوت يسهل فهمه وحفظه مع أنه يعين السامع على الاستمرار هذا لا شك أنه لا إشكال فيه.
من صلى قبل أذان الظهر بخمس دقائق أربع ركعات بسلام واحد بحجة أن هذه سنة، وأن وقت النهي قد فات؟
لا الزوال لا يتم بخمس دقائق.(30/34)
يقول: نرجو توفير ميكرفونات عالية الجودة مع السماعات حتى يكون الصوت واضحاً جيداً؟
يقول: في الجزائر سائقو الشاحنات تفرض عليهم الشركة توقيت محدد بحيث يقلع قبل الفجر بساعة ويصل في الوقت المحدد له، وهذا الوقت يكون وقت الصلاة، وقد خرج بحيث تطلع الشمس، وهذا ما يفرض عليه ألا يقف في الطريق حتى يتسنى له الوصول في الوقت المحدد، علماً أن الطريق سريع ولا يستطيع تجنب حافة الطريق والصلاة، فماذا يفعل؟
عليه أن يقف للصلاة ولا يجوز له أن يؤخر الصلاة عن وقتها، ولا شك أنهم يطلبون الرزق، والرزق إنما يطلب من الله، وما عند الله لا ينال بسخطه، ولو اتفقوا على ذلك لأذعنت الشركة.
يقول: شاب متزوج في فرنسا وله إمكانيات الهجرة من حيث المال والأمور الأخرى التي تساعده على السكن في بلاد المسلمين، لكن والداه يرفضون ذلك ويلحون عليه في البقاء؛ لأنهم ليس لديهم سواه، وهو الذي يقوم بشأنهما وخدمتهما، فهل له أن يطيعهما؟ أم ماذا يفعل؟
كأن هذا الساكن في فرنسا وهو من المسلمين ولديه إمكانية الهجرة إلى بلاد المسلمين تجب عليه الهجرة، يجب عليه أن يهاجر، لكن معارضة وجوب الهجرة مع وجوب البر لا شك أنه تعارض بين واجبين، وإن كان والداه يتضرران بفقده ضرراً بالغاً فبقاؤه عندهما مع إمكانه المحافظة على دينه وعضه على دينه فمثل هذا لو بقي عندهما فيتجاوز عنه -إن شاء الله تعالى-.
ما الراجح في صلاة ركعتين بعد العصر؛ لأن هناك من يقول: إنها سنة مهجورة؟
النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس)) وكونه صلى راتبة الظهر بعد العصر جاء ما يدل على أنها خاصة به.(30/35)
يقول: أمي تشتغل في مدرسة في إحدى الدول، وتسكن في المدن، والبيت يبعد عن مكان عملها خمسون كيلو، ولها ابن واحد فقط يوصلها إلى عملها، ويرجعها يومياً من عملها، ونحن قد من الله علينا بالإسلام، ولكن في إحدى الأيام مرض الابن الذي يوصلها إلى مكان عملها، وهي تريد أن تذهب وليس فقط، ولكن لديها شغلاً هناك مهم وافق اليوم الذي مرض فيه الابن مرضاً شديداً جداً، وبطبع نظام الدولة لا تمانع من سياقة المرأة للسيارة، فهل تذهب مع السائق غير المسلم أو غير المؤتمن أو أنها تسوق بنفسها؟
مثل هذه تذهب مع مجموعة من النساء، الرفقة من النساء لأنه ليس بسفر، خمسين كيلو ليس بسفر، والمحظور الخلوة.
يقول: أنا طالب سعودي مبتعث في إحدى البلاد الغربية، ولي مدة لا تقل عن شهر، وأصلي الصلاة في وقتها، لكن هل يجوز لي أن أقصر الصلاة؟
هذه المدة عند جماهير أهل العلم إقامة وليست بسفر.
يقول: متى تستأنفون شرح ألفية العراقي؛ لأنني من المتابعين للشرح عن طريق موقع البث الإسلامي المباشر؟ وعلم الله ... إلى آخره.
شرح ألفية العراقي الآن ما بقي إلا أقل من الربع، والذي يغلب على الظن أننا لن نتمكن من إكماله إلا بين العيدين -إن شاء الله تعالى-.
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك.(30/36)
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: المحرر – كتاب الصلاة (31)
الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سم.
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين.
قال الإمام ابن عبد الهادي -رحمه الله تعالى- في كتابه المحرر:
باب: سجود التلاوة والشكر
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي، يقول: يا ويلي أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة، وأمرت بالسجود فأبيت فلي النار)) رواه مسلم.
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: (ص) ليست من عزائم السجود، وقد رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يسجد فيها. رواه البخاري.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقرأ في الجمعة في صلاة الفجر: {الم * تَنزِيلُ} [(1 - 2) سورة السجدة] السجدة، و {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ} [(1) سورة الإنسان] متفق عليه، ولفظه للبخاري.
وعن زيد بن ثابت -رضي الله عنه- قال: قرأت على النبي -صلى الله عليه وسلم-: {وَالنَّجْمِ} [(1) سورة النجم] فلم يسجد فيها. متفق عليه، ولفظه للبخاري أيضاً.
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سجد بـ {النَّجْمِ} [(1) سورة النجم] وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس، رواه البخاري وقال: كان ابن عمر يسجد على غير وضوء.
وعن خالد بن معدان أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((فضلت سورة الحج على القرآن بسجدتين)) رواه أبو داود في المراسيل، وقال: وقد أسند هذا ولا يصح.
وعن عطاء بن ميناء عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "سجدنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في: {إِذَا السَّمَاء انشَقَّتْ} [(1) سورة الانشقاق] و {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [(1) سورة العلق] رواه مسلم.
وعن علي -رضي الله عنه- قال: أنا أتعجب من حدبي لا يسجد في المفصل" رواه الحاكم بإسناد صحيح.(31/1)
وعن البراء -رضي الله عنه- قال: بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- خالد بن الوليد إلى أهل اليمن يدعوهم إلى الإسلام فلم يجيبوه، ثم إن النبي -صلى الله عليه وسلم- بعث علي بن أبي طالب، وأمره أن يقفل خالداً ومن معه، إلا رجل ممن كان مع خالد أحب أن يعقب مع علي فليعقب معه، قال البراء: فكنت ممن عقب معه، فلما دنونا من القوم خرجوا إلينا، فصلى بنا علي، وصفنا صفاً واحداً، ثم تقدم بين أيدينا، فقرأ عليهم كتاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأسلمت همدان جميعاً، فكتب علي -رضي الله عنه- إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بإسلامهم، فلما قرأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الكتاب خر ساجداً، ثم رفع رأسه فقال: ((السلام على همَدان، السلام على همَدان)) رواه البيهقي، وقال ...
الميم ساكنة.
((السلام على همْدان، السلام على همْدان)) رواه البيهقي، وقال: أخرج البخاري صدر هذا الحديث، ولم يسقه بتمامه، وسجود الشكر في تمام الحديث صحيح على شرطه.
وعن أبي عون الثقفي عن رجل لم يسمه أن أبا بكر -رضي الله عنه- لما أتاه فتح اليمامة سجد، رواه أبو بكر ابن أبي شيبة في كتاب الفتوح.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: سجود التلاوة والشكر
سجود التلاوة من إضافة المسبب إلى سببه، وكذلك ما عطف عليه، فهذا السجود سببه التلاوة، وأيضاً العطف على نية تكرار العامل، فكأنه قال: باب سجود التلاوة وسجود الشكر، فالسجود الثاني سببه أيضاً الشكر.(31/2)
سجود التلاوة المقصود بالتلاوة تلاوة آيات السجدة، وليس مطلق التلاوة؛ لأنك تقرأ الفاتحة ولا تسجد، تقرأ البقرة ولا تسجد، تقرأ آل عمران ولا تسجد، وتقرأ من القرآن تسعة أجزاء إلا ربعاً ثم تسجد في نهاية سورة الأعراف في الموضع الأول من مواضع سجود التلاوة، فالمراد بالتلاوة شيء خاص وهو ما فيه سجدة؛ لأن مقتضى الإضافة أن يسجد عند كل تلاوة، وهذا ليس بمراد قطعاً، وإنما السجود إنما هو إذا قرئت آية سجدة، نعم قد يقرأ ثم يركع، لكن ليس هذا هو المراد، إذا انتهى من قراءته ركع، لكن السجود هنا المضاف للتلاوة عند مرور آية فيها سجدة، وكذلك الشكر سجود الشكر عند ما تتجدد نعمة أو تندفع نقمة، يسجد المسلم شكراً لله تعالى عند تجدد النعم، وإلا فلا يزال المسلم يتقلب في نعم الله التي لا تعد ولا تحصى، فلو قيل بالشكر عند أي نعمة لم يزل المسلم ساجداً لله -جل وعلا-؛ لأن نعمه لا تنقطع، ولذا قالوا في الشكر أنه لا ينقطع؛ لأن النعم لا تنقطع، وكل نعمة تحتاج إلى شكر، إذاً لا يزال المسلم شاكراً، وهذا لا إشكال فيه، وإن لزم عليه التسلسل؛ لأن هذه النعمة تحتاج إلى شكر، والشكر نعمة يحتاج إلى شكر وهكذا، ولا يمتنع التسلسل في مثل هذا، لكن لا يقال بأنه كل ما وجد الشكر يوجد السجود، لا، وإنما هو عند النعم المتجددة، وأما النعم المطردة الدائمة فلا؛ لأنه يلزم على ذلك أن يكون المسلم في حال سجود دائماً، ومعلوم أن المسلم وحياة المسلم فيها وظائف متعددة، فإذا تجدد نعمة بهذا القيد نعمة بالميزان الشرعي.(31/3)
أقول: المراد بالنعم النعم بالميزان والتقدير الشرعي، وأيضاً النعم حسبما تقدره الفطر السليمة الموافقة للشرع؛ لأن بعض الناس قد يحصل له شيء وهو في تقديره نعمة، وهو في الحقيقة والواقع نقمة ليس بنعمة قد يحصل على سبب ييسر له معصية، هذا ليس بنعمة هذا نقمة، ييسر له معصية قد تتيسر له معصية فيظنها نعمة إن تيسرت له هذه الفعلة، فلا يجوز سجود الشكر حينئذٍ، لا يجوز، سمعتم ما سئل عنه كثيراً من السجود إذا تحقق هدف بالنسبة للاعب الكرة، وحصل هذا يسجدون، وأفتاهم من أفتاهم، لكن هذه ليست بنعم، إنما النعم التي تعين على طاعة الله -جل وعلا-، أو النعم التي هي من محض الطاعة، أو ما يعين على الطاعة مما هو نعمة بالفعل في الميزان الشرعي، قد يقول قائل: إن هذه اللعبة التي يفعلونها ويزاولونها قد تكون مما يعين على قوة البدن ونشاطه وإعداده لجهاد الأعداء، لكن كما قال: "لو كان خيراً لسبقونا إليه" سبقنا إليه الأخيار، خيار هذه الأمة الذين هم أحرص الناس على إعلاء كلمة الله، وليس الهدف فيما يظهر ومن خلال تصرفاتهم في هذه الرياضات التي يزاولونها الإعداد والاستعداد للجهاد، نعم قد تعين على صحة البدن وقوته ونشاطه، لكن الأمور بمقاصدها، ولا بد أن تكون أيضاً الوسائل شرعية {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ} [(60) سورة الأنفال] ((ألا إن القوة الرمي)) على كل حال السجود في مثل هذه الحالة ليس بمشروع، بل أفتى بعض الكبار بأنه مبتدع، ولا يجوز بحال، ونشرت الفتوى في الصحف، يعني نشر هذا ونشر هذا، يعني هذا ليس بسر.
باب: سجود التلاوة
عرفنا أن المراد بالتلاوة ما فيه آية سجدة، وفي القرآن بضع عشرة سجدة، منهم من قال: هي خمس عشرة سجدة، اعتداداً بسجدتي الحج و (ص) والمفصل، إذا جمعت هذه السجدات: في الأعراف والرعد والنحل والإسراء ومريم وفي الحج سجدتان، وفي النمل، وفي الفرقان، وأيضاً
طالب:. . . . . . . . .
(ص) نعم.
لا قبلها (آلم السجدة) نعم، ثم (ص) ثم فصلت، ثم سجدات المفصل في النجم والانشقاق واقرأ، هذه خمس عشرة.(31/4)
ومنهم من يرى أنها أربع عشرة، ويرى أن سجدة ص ليست من عزائم السجود على ما سيأتي، وإنما هي سجدة شكر، ومنهم من يرى أنها إحدى عشرة سجدة، فلا يعتد بسجدة (ص) ولا المفصل، ومنهم من يرى أنها أربع عشرة فيعتد بسجدة (ص) ولا يعتد بسجدة الحج الثانية، ويأتي ذكر هذه السجدات فيما بعد، هذا السجود سنة، سواءً كان سجود التلاوة أو سجود الشكر سنة عند عامة أهل العلم، وقال بوجوبه الحنفية، وشيخ الإسلام كأنه يميل إلى قول الحنفية، الحنفية يقولون: واجب وليس بفرض؛ لأن الواجب عندهم ما ثبت بدليل ظني، والفرض ما ثبت بدليل قطعي، لكن الأمر بالسجود ثبت بالقرآن، فهل يقال مثل هذا ظني؟ ولماذا لم يقل الحنفية أنه فرض لأنه ثبت بالقرآن؟ نعم النص ثبت بالقرآن من حيث الثبوت قطعي، لكن دلالته على المراد ظنية كدلالة {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [(2) سورة الكوثر] على وجوب صلاة العيد الثبوت قطعي لكن الدلالة ظنية عندهم، شيخ الإسلام -رحمه الله- كأنه يميل إلى قول الحنفية وأن السجود واجب.
السجود يرى أكثر أهل العلم على أنه صلاة يلزم له ما يلزم للصلاة؛ لأنه جزء من الصلاة، فحكمه حكم الصلاة، وعلى هذا يفتتح بتكبير ويختتم بتسليم، ويشترط له جميع شروط الصلاة، ومنهم من يرى أنه ليس بصلاة، وأن أقل ما يطلق عليه الصلاة ركعة كاملة بقيامها وركوعها وسجدتيها هذه صلاة، وما دون ذلك لا يسمى صلاة، ولذا كان ابن عمر يسجد على غير طهارة، علقه البخاري عنه، وهل نقول: إذا كان ابن عمر يسجد على غير طهارة أن جميع شروط الصلاة لا تلزم يسجد إلى غير القبلة؟ يسجد عارياً؟ يسجد متلبس بنجاسة؟ يسجد .. ، القرآن يقرأه غير الجنب على أي حال من أحواله، كما كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يفعل، ما لم يكن جنباً، فهل نقول: إنه يسجد على أي حال تبعاً للقراءة ما لم يكن جنباً؟(31/5)
على كل حال اشتراط الطهارة وغيرها من شروط الصلاة لا يوجد ما يدل عليه إلا أن هذه السجدة جزء من الصلاة فتأخذ حكمها عند أكثر أهل العلم، والذي يقول: إنه لا يشترط يستأنس بكون ابن عمر سجد على غير طهارة، وأنه لا يوجد ما يدل على اشتراط ما يشترط للصلاة من الشروط المعروفة، ويتفرع على هذا السجود في وقت النهي، سجود التلاوة في وقت النهي، الذي يقول: صلاة فإن قال بوجوب سجود التلاوة سجد في وقت النهي؛ لأن أحاديث النهي لا تتناول الواجبات، إنما هي في النوافل على أن الحنفية الذين يقولون بوجوب سجود التلاوة يرون أن الواجبات لا تفعل في أوقات النهي، فمن طلعت عليه الشمس وهو في صلاة الصبح تصح وإلا ما تصح؟ تبطل عندهم، فعلى هذا على قياس مذهبهم أنها لا تسجد وإن كانت واجبة؛ لأن النهي يتناول الواجبات كما يتناول النوافل، الذي يقول: إنه ليس بصلاة هذا ما عنده إشكال إلا أننا ينبغي أن نتنبه لأمر دقيق جداً في هذه المسألة، وهو أن النهي عن الصلاة في أوقات النهي لأن المشركين يرقبون الشمس، فيسجدون لها عند طلوعها وعند غروبها سجود ما هو بصلاة مجرد سجود؛ فلماذا لا يمنع السجود سجود التلاوة لترتفع المشابهة؟ أنتم معي وإلا ما أنتم معي؟ الذي يقول: السجود ليس بصلاة ما عنده مشكلة يسجد، يسجد في وقت النهي، والذي يقول أيضاً: إن ذوات الأسباب -وهي ذات سبب- حتى وإن قال: إنها صلاة فذوات الأسباب مخصصة من أحاديث النهي هذا ما عنده مشكلة، يسجد في وقت النهي، لكن الذي يقول: إن سجود التلاوة ليس بصلاة فلا يتناوله أحاديث النهي: "ثلاث ساعات كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نصلي فيهن، وأن نقبر فيهن موتانا" وهذه ليست بصلاة ((لا صلاة بعد العصر)) و ((لا صلاة بعد الصبح)) ... إلى آخره، الأحاديث كلها تنص على الصلاة وهذه ليست بصلاة، لكن إذا نظرنا إلى العلة التي من أجلها نهي عن الصلاة في هذه الأوقات قلنا: هو سجود المشركين، وهذه مشابهة لهم، يعني قد تكون الصلاة كاملة بما فيها من قيام وركوع وسجود أبعد من مشابهة المشركين من السجدة المفردة؛ لأن المشركين إذا طلعت الشمس ما يركعون ولا يقرؤون يخرون سجداً، ونظير هذا السعي الشديد بين العلمين(31/6)
بالنسبة للمرأة الفقهاء يقولون: المرأة لا تسعى؛ لماذا؟ خشية أن تتكشف ويظهر شيء من عورتها، لكن إذا نظرنا إلى أن السبب الأصلي في مشروعية السعي امرأة فلماذا لا تسعى المرأة؟ لماذا لا تسعى؟ ولماذا نسجد في وقت النهي؟ العلة لأن السجدة المفردة ليست بصلاة، والنهي إنما جاء عن الصلاة، لكن علة النهي الأصلية إنما هي من أجل من مشابهة من يسجد سجدة مفردة، وإذا سجدنا للتلاوة شابهناهم.
الآن عرفنا المسألتين؟ على قول من يقول: بأنها ليست بصلاة وتسجد في كل وقت وبدون شروط، يعني ألا يشكل عليه أن سبب النهي عن الصلاة في أوقات النهي مشابهة المشركين، وهم إنما يفعلون سجدة، وإذا صلينا صلاة كاملة كنا أبعد عن مشابهة المشركين في حالة ما إذا صلينا سجدة واحدة، النصوص تقول: ((لا صلاة)) والسجدة ليست بصلاة، هذا انتهينا منه وفرغنا منه، وقول وجيه، يعني لأن النصوص لا يدخل فيها السجدة المفردة، فتسجد في أي وقت، لكن إذا نظرنا إلى العلة الأصلية وهو النهي عن مشابهة المشركين؛ لأنهم يرقبون الشمس إذا طلعت سجدوا، وإذا غربت سجدوا، فإذا سجدنا في هذا الوقت تمت المشابهة بدقة، فما المخرج؟ وقل مثل هذا في سعي المرأة، السعي إنما شرع بين العلمين؛ لأن الأصل فيه أن امرأة سعت بين هذين العلمين، فلماذا لا تسعى المرأة؟ يعني أليس دخول السبب في النص قطعي؛ لماذا لا يقال: بأن سعي المرأة قطعي والنهي عن سجود التلاوة في أوقات النهي قطعي؟ في مخرج وإلا ما في؟ يعني إذا رأينا امرأة تسعى بين العلمين العادة جرت بأننا نقول: لا، المرأة ما عليها سعي، امشي مشياً، من يجيب؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
أيوه؟
طالب:. . . . . . . . .
بمفردها؟
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني لو أمنت المفسدة ولا يوجد من ينظر إليها، أغلقت أبواب المسعى، وقيل لها: يا الله اسعي، مشروع وإلا غير مشروع؟
طالب:. . . . . . . . .(31/7)
لكن قبل ذلك هل سعي أم إسماعيل تعبد أو رغبة أو رهبة؟ يعني إذا وجد مخوف سبع من السباع، فجرت امرأة خوفاً على نفسها من هذا السبع، أو رغبة في إدراك شيء يفوت فجرت، تمنع وإلا ما تمنع؟ نعم؟ ما تمنع يقال: يمكن تتكشفين؟ يخشى أن تتكشف؟ ما تمنع؛ لأن هذا ليس من باب التعبد، إنما هي شفقة على ولدها أن يهلك، فهي تبحث عمن يحمل الماء والطعام لتسقي ولدها خشية أن يموت فهي راغبة أو راهبة، فإذا حصل مثل هذا الظرف لامرأة خشيت على نفسها فهربت، أو رغبت في تحصيل أمر يفوت فسعت وجرت ما تلام، ويبقى أن الحكم المحكم عندنا أن لا تبدي المرأة شيئاً من زينتها، وما كان سبباً في إبداء الزينة فالوسائل لها أحكام الغايات، يبقى أن المرأة لا تسعى في المسعى، وإن كان السبب امرأة؛ لأن المرأة لم تتعبد بهذا السعي، وإنما جرت في هذا المكان رغبة أو رهبة، رغبة وطمعاً فيمن معهم ماء، أو رهبة وخوفاً على ولدها من أن يموت، هذا انتهينا منه هذا، حله سهل، لكن السجدة هل نكتفي بأننا نقول: إن النصوص التي جاءت بالنهي عن الصلاة في الأوقات الخمسة كلها نصت على الصلاة، والسجدة المفردة ليست بصلاة بغض النظر عن المشابهة وعدم المشابهة؟ نعم إذا لحظنا العلة وجدنا أن العلة تنطبق على السجدة المفردة أكثر من انطباقها على الصلاة، كيف نجيب؟ أو نقول: النصوص نهتنا عن الصلاة وهذه ليست بصلاة بغض النظر عن كونها مشابهة أو غير مشابهة، وهل مثل هذا الحكم مما يدور مع علته وجوداً وعدماً أو أن هذا الحكم شُرع لعلة، فثبت الحكم وارتفعت العلة.(31/8)
الرمل في الطواف شرع لعلة؛ لأنه في عمرة القضاء اجتمع كفار قريش من جهة الحطيم، وقالوا: يأتي محمد وأصحابه وقد وهنتهم حمى يثرب، فأمرهم النبي -عليه الصلاة والسلام- بالرمل إغاظة لهم، ونفياً لما اعتقدوه، هل يوجد من يقول: إن فلان أو علان أو المسلمون يأتون إلى مكة وهم مرضى فنرمل في الطواف إغاظة لهم؟ ارتفعت العلة، القصر في السفر أصل مشروعيته الخوف {إِنْ خِفْتُمْ} [(101) سورة النساء] ارتفعت العلة وبقي الحكم هل نقول في مثل هذا -أعني سجود التلاوة- ارتفعت العلة وبقي الحكم أو العلة قائمة؟ أو نقول: إذا كان في وقت نهي لا تسجد يا أخي الأمر فيه سعة، هذه سنة ولا تشابه المشركين بالسجود، فيقوى قول من يقول: إن سجود السهو كغيره من ذوات الأسباب لا يسجد في أوقات النهي، لا تفعل في أوقات النهي، وهذه المسألة تقدمت، يعني بحثناها فيما تقدم، لا سيما وأن أهل العلم ينصون على أن السبب دخوله في النص قطعي، فالسجود هو السبب في النهي، إذاً دخوله في النص قطعي.
الخلاصة: إذا قرأنا القرآن بعد صلاة العصر أو بعد صلاة الصبح لا سيما إذا قرب غروب الشمس إذا تضيفت للغروب، أو قرب بزوغ الشمس وطلوعها نسجد وإلا ما نسجد؟ إذا ما سجدت قال لك واحد: والله هذه ما هي بصلاة، السجدة المفردة ليست بالصلاة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((لا صلاة)) فالمنفي الصلاة، وإذا سجدت قال لك من يمنع: أنت الآن أشبهت المشركين، أنا أوافقك أنها ليست بصلاة لكنها سجود، والمشركون يسجدون للشمس، أو لما يقارنها من شيطان، الخلاصة نسجد وإلا ما نسجد؟ هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
نسجد؟ لأنها ليست بصلاة؟
طالب:. . . . . . . . .
ويش لون ....
طالب:. . . . . . . . .
لا ما يصلح، يعني اترك الآية، لا تقرأ الآية في هذا الوقت، يعني مثل ما قيل بالنسبة للصلاة في أوقات النهي، أحد يقول: لا تدخل المسجد في هذا الوقت، وبعضهم يقول: ادخل واستمر قائم لا تجلس، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يصلون ركوع وسجود؟
طالب:. . . . . . . . .
لا لا.
طالب:. . . . . . . . .(31/9)
عرفنا أنه ليس بصلاة، وأن أقل الصلاة ركعة، ومع ذلك دخوله في النص عن النهي .. ، عن الصلاة قطعي، لأننا إنما نهينا عن الصلاة في هذا الوقت لعدم مشابهة من يسجد للشمس، فإذا سجدنا أشبهناهم أكثر ممن يصلي صلاة كاملة التي جاء النهي عنها، تفكرون بحل؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
لا لا ما يشترط قصد، لا لا، لا اللي يقصد يكفر إجماعاً، لا لا ما يشترط قصد، المشابهة فقط، لا لا القصد لو حصل قصد انتهى الإشكال، لو حصل قصد كفر من يسجد، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يصليها إذا ذكرها، ولو في هذا الوقت لكن هذه الفريضة، ولذا جاء في الحديث الصحيح: ((من أدرك ركعة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح)) معناه أنه يتم صلاته يأتي بركعة وتكون صلاته كاملة، وفي الوقت أداء ((ومن أدرك ركعة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر)) فيصليها في هذا الوقت، الفريضة مفروغ منها إلا عند الحنفية يقولون: يقطعها إذا طلعت الشمس، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
سجود الشكر ما فيه إشكال يؤخر، لكن أنت تقرأ قرآن، تترك الآية كما قال بعضهم، أو تترك القراءة تقول: نقف على هذه الآية وإذا انتهى وقت النهي نستأنف؟ تترك آية؟
طالب:. . . . . . . . .
إذا ما سجدت، قال لك واحد: والله يا أخي الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((لا صلاة)) وهذه ليست بصلاة، المشابهة حاصلة ومنطبقة يعني تمام الانطباق على السجود المفرد.
طالب:. . . . . . . . .
يعني النهي عن الصلاة ذات القيام والقراءة والركوع والسجود كله من أجل السجود، فكيف بالسجود المفرد الذي يشابه المشركين من كل وجه مطابقة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
معروف مذهب الحنابلة أنه لا يسجد في أوقات النهي، هذا معروف عند الحنابلة، وهو مما ينبغي أن يكون مذهباً لجميع من يمنع فعل ذوات الأسباب في أوقات النهي، وهو قول الجمهور، لكن يعتري السجود ما لا يعتري ذوات الأسباب من كون السجود المفرد ليس بصلاة عندهم، هذا الذي يعتريه، وإلا عند من يقول: إنه صلاة حكمه حكم النافلة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(31/10)
يعني مثل ما رجحنا سابقاً أن الوقتين الموسعين أمرهما أيسر، والأوقات الثلاثة المضيقة هي التي يتحرى فيها أكثر من غيرها.
اللي وراه؟
طالب:. . . . . . . . .
نفس الكلام، هذا هو الذي رجحناه بالنسبة للصلاة لذوات الأسباب هذا الذي رجحناه سابقاً.
طالب:. . . . . . . . .
إيه.
طالب:. . . . . . . . .
نفس اللي قلناه في ذوات الأسباب.
هذا السجود سواءً كان للتلاوة أو للشكر عرفنا أنه سنة عند عامة أهل العلم، وقال بوجوبه الحنفية، وذكره كذكر سجود الصلاة لعموم: ((اجعلوها في سجودكم)) سبحان ربي الأعلى، هذه ذكر السجود، وعرفنا فيما تقدم أن لفظ: ((وبحمده)) لفظة منكرة، فيما ذكره أبو داود في سننه، وحكم عليها جمع من الحفاظ بأنها منكرة.
إذا زاد هل يدخل في ذلك الدعاء الذي جاء الحث عليه في السجود: ((أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا من الدعاء، فقمن أن يستجاب لكم)) يتناوله هذا اللفظ سجود التلاوة وسجود الشكر.
بقي من الأذكار ما يخص هذا السجود، جاء عند الترمذي أن صحابياً جاء إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- فقال له: رأيت كأني -يعني في النوم- أقرأ، فسجدتُ فسجدت شجرة، يعني بعض الناس ما يستوعب مثل هذا الكلام، سجدت شجرة فسمعتها تقول: اللهم اكتب لي بها أجراً، وحط عني بها وزراً، واجعلها لي عندك ذخراً، وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داود، يقول الصحابي: فسجد النبي -صلى الله عليه وسلم- فسمعته يقول ذلك.
هذا لا شك أن في لفظه غرابة، وقال الترمذي: حسن غريب، وبعض من له عناية بالترمذي يقول: إن الترمذي إذا اقتصر على لفظ: "حسن" من دون إضافة "صحيح" فالحديث عنده ضعيف، لا سيما إذا اقترن بذلك لفظ: "غريب".
على كل حال هذا الخبر وهذا الذكر عند الجمهور الذين يرون العمل بالضعيف في فضائل الأعمال، وهذا منها ما فيه مشكلة، ما فيه إشكال، والذي يقول: حسنه الترمذي ويعتمد على تحسين الترمذي أيضاً هذا ما عنده إشكال، وهو ذكر حسن في الجملة.
يقول -رحمه الله تعالى-:(31/11)
"وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي)) " يندب نفسه ((يقول: يا ويلي)) وفي لفظ: ((يا ويله)) وكلاهما في الصحيح، يقول: ((يا ويلي)) كما هنا أو يقول: ((يا ويله)) والمعنى واحد، لكن من باب الأدب أن لا يضيف الإنسان إلى نفسه لفظاً شنيعاً أو قبيحاً، إذا حكاه عن غيره كما قالوا: "هو على ملة عبد المطلب" يعني هل أبو طالب قال: "هو على ملة عبد المطلب؟ " لا، نسبه إلى نفسه، لكن الرواة يتحاشون أن ينسبون هذا القول القبيح الشنيع إلى أنفسهم، ومثله: ((يا ويله)) وإلا فالأصل أنه قال (الشيطان): ((يا ويلي)) هذا إذا لم يوقع في لبس، أما إذا أوقع في لبس فلا بد من التصريح باللفظ، قصة ماعز كل الرواة يقولون: قال ماعز: "إني زينت" ما قالوا: إنه زنى؛ لئلا يظن أن هذا لفظ ماعز، وحينئذٍ لا يلزم التصريح وإضافة الفعل إلى النفس لإقامة الحد، كلهم يقولون: "إني زنيت" الرواة كلهم؛ لأن هذا يترتب عليه لو جيء بقوله: "إنه زنى" لترتب عليه درء الحد؛ لأنه لم يصرح بإضافته إلى نفسه، وأما في مثل هذا فلا داعي لأن ينسب الشر إلى نفسه، واللفظ القبيح إلى نفسه، مع أنه لو نسبه إلى نفسه فالحاكي لا يأخذ حكم القائل، وحاكي الكفر ليس بكافر.
((أمر ابن آدم بالسجود فسجد)) يعني أمرنا بالسجود سواءً كان في الصلاة أو في التلاوة، أو في غيرهما من أنواع السجود ((فسجد)) يعني امتثل، والذي يمتثل الأوامر ويجتنب النواهي هذا هو التقي له الجنة ((فله الجنة)).(31/12)
((وأمرت بالسجود)) يعني لآدم ((فأبيت)) {إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى} [(34) سورة البقرة] ((فلي النار)) لأنه عصى ورفض الأمر الإلهي ((فهو في النار)) ومعصيته بترك واجب، أُمر به وهو السجود، وآدم {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} [(121) سورة طه] عصى بإيش؟ إذا كان إبليس معصيته بترك واجب فآدم معصيته بارتكاب محظور، وأيهما أشد معصية آدم أو معصية إبليس؟ معصية إبليس أشد، ويطرد القول بأن ترك المأمور أعظم وأشد من فعل المحظور شيخ الإسلام ابن تيمية، نظراً إلى معصية أدم ومعصية إبليس، يقول: إبليس عصى بترك مأمور، وآدم عصى بارتكاب محظور، ومعصية إبليس أشد، لكن معصية إبليس بترك المأمور اقترنت بكبر وغرور وإصرار، ومعصية آدم حفت بانكسار وتوبة، ففرق بين هذا وهذا، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ونسيان نعم، فرق بين هذا وهذا، ولذا لا يسوغ إطلاق القول بأن ترك المأمور أعظم من فعل المحظور مطلقاً كما يقول شيخ الإسلام، ولا قول الإمام أحمد ومن يقول بقوله من أكثر أهل العلم بأن ارتكاب المحظور أشد من ترك المأمور؛ لأن ترك المأمور فيه خيار، وارتكاب المحظور لا خيار فيه، ترك المحظور مقدور عليه، وأما فعل المأمور قد يكون مقدوراً عليه وقد يكون معجوزاً عنه، كما في قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه)) ما فيه خيار، يعني قد يقول قائل مثلاً: عندنا شخصان واحد حالق للحيته، والآخر لحيته بيضاء كالثغامة ولا يغيرها، أيهما أشد معصية؟ الحالق مرتكب لمحظور، وذاك تارك لمأمور ((غيروه)) نعم؟ مع أن ممن يرجح قول شيخ الإسلام لا يغير، فهل نقول: إن حلق اللحية باعتبارها ارتكاب محظور أسهل من ترك المأمور الذي هو التغيير بالشيب؟ لا يمكن أن يقول بهذا أحد إطلاقاً.(31/13)
ولذا المقرر في مثل هذه المسألة أن ينظر إلى كل متعارضين على حدة، يعني أنت الآن لا تستطيع أن تفعل المأمور إلا بارتكاب المحظور أو العكس، نقول: وازن، فاضل بينهما، أيهما أشد؟ فبعض المأمورات قطعاً أشد من كثير من المحرمات، وبعض المحرمات أشد بكثير من كثير من المأمورات، فلا يسوغ القول بإطلاق هذا ولا هذا، لا يسوغ القول بإطلاق هذا ولا هذا، بل تنظر عند التعارض وتفاضل بين هذا المحظور، يمكن تتجاوز بعض المحظورات بصدد تحقيق أمر عظيم من أمور الدين، لكن بالعكس أيضاً إذا تعارض واجب من الواجبات مع كبيرة أو موبقة من الموبقات لا شك أنك لا بد أن تضحي إذا لم يمكن الجمع بأحدهما، ولا شك أن المسألة مقررة عند التعارض، ما هو في حال السعة تقول: والله أنا أمرت بصلاة الجماعة أنا أسهل من كثير ممن يفعل كذا أو يفعل كذا، وتقول: ترك المأمور أسهل من فعل المحظور، تقول: أنا ما أصلي مع الجماعة ليش؟ والله ناس يشربون الخمر بعد وهذا محظور وأنا ترك مأمور أسهل، لا المسألة فيما إذا تعلق بك أنت، واضطررت إلى أحد أمرين، ولم تستطع التوفيق بينهما الآن وازن؛ لأن بعض الناس يسمع مثل هذا الكلام فإذا سمع الخلاف عند شيخ الإسلام هان عليه ارتكاب المحظورات، وإذا سمع قول غيره هان عليه ترك المأمورات، لا، لا هذا ولا هذا، هذه حدود الله فلا تعتدوها، فلا تقربوها، لكن عند التعارض ما استطعت أن توفق بينهما لا بد أن تضحي بأحدهما، وارتكاب أخف الضررين أمر مقرر شرعاً، كما هو معروف.
"رواه مسلم".(31/14)
"وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: (ص) ليست من عزائم السجود، وقد رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يسجد فيها، رواه البخاري" سجدة (ص) {وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ} [ص: 24] " داود -عليه السلام- لما جاءه الخصمان وفزع منهم، تسوروا المحراب، أمور مفزعة، وهو يصلي، فخر راكعاً، والمراد بالركوع هنا السجود {وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً} [(58) سورة البقرة] يعني ركعاً، فالسجود يأتي بمعنى الركوع، والركوع يأتي بمعنى السجود ((من أدرك ركعة من صلاة الصبح فقد أدرك الصبح)) وفي رواية: ((من أدرك سجدة)) قال الراوي: والسجدة إنما هي الركعة، فالركوع يأتي ويراد به السجود، والعكس: {خَرَّ رَاكِعاً} [ص: 24] يعني ساجداً، هذه السجدة من داود لا شك أنها سجدة توبة أو سجدة شكر، كما يقول أهل العلم، سجدها داود شكراً، وسجدها النبي -عليه الصلاة والسلام-.
"وقد رأيت النبي -عليه الصلاة والسلام- يسجد فيها" امتثالاً لقوله -جل وعلا-: {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [(90) سورة الأنعام] سجدها مما يدل على أنه يشرع السجود فيها، وليست من عزائم السجود، يعني لست من السجدات المؤكدة كغيرها من سجدات القرآن، وبعضهم يسميها سجدة شكر، على خلاف بينهم هل تسجد في الصلاة أو لا تسجد؟ هل تسجد سجدة (ص) في الصلاة أو لا تسجد؟ عند الحنابلة لا تسجد، بل العكس لو سجد بعضهم يبطلها، يبطل الصلاة؛ لأنها ليست سجدة تلاوة إنما سجدة شكر، وليست من العزائم، يعني أمرها أوسع، يعني لو سجد ما في إشكال يعني خارج الصلاة؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- سجد، ولو تركت السجود لا إشكال في ذلك؛ لأنها ليست من العزائم، وأما في الصلاة فتتقى بقدر الإمكان؛ لأن من أهل العلم من يبطل الصلاة بسجدة (ص)، ولو سجد أحد ما ثرب عليه؛ لعموم: "رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يسجد فيها" فهي من سجدات التلاوة، سواءً كانت شكر أو سجد من العزائم، وهي ليست من العزائم كما نص على ذلك حديث الباب.
"رواه البخاري".(31/15)
"وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقرأ في الجمعة في صلاة الفجر {الم * تَنزِيلُ} [(1 - 2) سورة السجدة] السجدة و {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ} [(1) سورة الإنسان] متفق عليه، واللفظ للبخاري" يعني فيسجد، ويسجد في الصلاة مما يدل على مشروعية سجود التلاوة، ومشروعيته في الصلاة أيضاً.
قال -رحمه الله-: "وعن زيد بن ثابت -رضي الله عنه- قال: قرأت على النبي -صلى الله عليه وسلم- {وَالنَّجْمِ} [(1) سورة النجم] فلم يسجد فيها".
هذه أولى سجدات المفصل، وهي سجدات معتبرة عند الحنابلة والحنفية والشافعية، سجدات المفصل في النجم والانشقاق واقرأ، المالكية لا يرون السجود في المفصل، وهو قول الشافعي القديم، أما قوله الجديد فسجدات المفصل الثلاث معتبرة، والمفصل كما هو معروف يبدأ من (ق) إلى آخر القرآن، أو الحجرات على خلاف بين أهل العلم، على كل حال الأكثر على أنه من (ق) والسجدات داخلة يعني على جميع الأقوال.(31/16)
"قرأت على النبي -صلى الله عليه وسلم-" فيه فضل لزيد بن ثابت ومزية كون النبي -عليه الصلاة والسلام- استمع لقراءته، قرأ "سورة النجم فلم يسجد فيها" متفق عليه، ولفظه للبخاري" والحديث الذي يليه: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سجد بـ (النجم) " هل فيه تعارض وإلا ما فيه تعارض؟ نعم؟ فيه تعارض وإلا ما فيه تعارض؟ قال: ولم يسجد فيها، والحديث الذي يليه كلاهما في البخاري، سجد النبي -عليه الصلاة والسلام- بالنجم، هل نقول: إن الإنسان مخير له أن يسجد وألا يسجد؟ أو نقول: إن عدم السجود من صوارف الأمر؟ من أدلة الجمهور الصارفة للأمر من الوجوب إلى الاستحباب، وعلى كل حال حديث زيد بن ثابت لم يسجد النبي -عليه الصلاة والسلام- لأن زيداً لم يسجد، والمستمع تبع للقارئ، فإذا سجد القارئ سجد المستمع، ولذا يقول أهل العلم: "يسجد المستمع دون السامع" إذا كان القارئ يصلح أن يكون إماماً له، يعني نفترض أن القارئ خلف المستمع يسجد وإلا ما يسجد؟ خلفه، قارئ يقرأ في آخر المسجد والمستمع في مقدمته؟ مقتضى قولهم إذا كان يصلح أن يكون إماماً له أنه لا يسجد، لو كان القارئ امرأة يسجد وإلا ما يسجد؟ إذا كان يستمع من شريط مسجل وإلا مذياع وإلا .. ، يسجد وإلا ما يسجد؟ لا يسجد؛ لأنه لا يصلح أن يكون إماماً له.(31/17)
"وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سجد بـ {النَّجْمِ} وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس" ابن عباس من صغار الصحابة السجود هذا كان بمكة وإلا بالمدينة؟ بمكة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- مات وابن عباس يناهز الاحتلام، يعني لما كان النبي -عليه الصلاة والسلام- بمكة وعمر ابن عباس ثلاث سنوات فأقل، فهذا المجزوم به أنه من مراسيل ابن عباس، وأكثر ما يرويه ابن عباس من هذا القبيل لأنه صغير، حتى قرر الغزالي في المستصفى أنه لا يروي مباشرة عن النبي -عليه الصلاة والسلام- إلا أربعة أحاديث فقط، لكن ابن حجر يقول: جمعت ما صرح فيه ابن عباس بالسماع من النبي -عليه الصلاة والسلام- أو بالرؤية فبلغ من ذلك أربعين حديثاً، منها الصحيح والحسن، يعني من الصحيح والحسن، يعني مما صرح فيه ابن عباس بالسماع أو الرؤية، سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أربعين حديث، الغزالي يقول: أربعة أحاديث، يعارض قول ابن حجر بقول الغزالي؟ لا، فرق بين حافظ وبين من بضاعته -بشهادته على نفسه- مزجاة، صرح الغزالي بأن بضاعته من الحديث مزجاة، وقد يصرح بعض أهل العلم أن بضاعته مزجاة من باب التواضع، فهل قول الغزالي من باب التواضع؟ وكيف نعرف أن هذا تواضع أو حقيقة؟ الواقع، يعني الغزالي يستشهد بموضوعات، أحاديث موضوعة، وأما الأحاديث الضعيفة والواهية فحدث ولا حرج، الإحياء مملوء منها، وبالفعل بضاعته مزجاة، لكن قد يقول إمام من أئمة المسلمين: إن بضاعته مزجاة، لكن الواقع يشهد بخلاف ذلك، فلا يعارض قول ابن حجر بقول الغزالي، لكن لو أبدا الغزالي وجهاً عند الشافعية وعارضه ابن حجر قلنا: نعم يعارض قول ابن حجر بقول الغزالي؛ لأنه أمكن منه في فقه الشافعية.(31/18)
"أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سجد بـ (النجم) " يعني سورة النجم "وسجد معه المسلمون" هذا ما فيه إشكال، هذا الأصل أنهم يقتدون به ويأتسون به -عليه الصلاة والسلام- "والمشركون" الحديث رواه البخاري، هل يقال: إن السبب في ذلك قصة الغرانيق؟ قصة الغرانيق باطلة، ومصادمة لأصل العصمة التي يتفق عليها أهل العلم في التبليغ، فهي باطلة، وإن رأى ابن حجر مثلاً .. ، الشيخ محمد بن عبد الوهاب أوردها في مختصر السيرة، وابن حجر قال: إن لها طرق يقوي بعضها بعضاً، لكن هذا الكلام ليس بصحيح؛ لأن ثقتنا بابن حجر يعني معارضة بما هو أعظم منها، وعصمة النبي -عليه الصلاة والسلام- المجمع عليها فيما يتعلق بالتبليغ، هذه مصادمة للعصمة، كونهم سجدوا نعم أعجبوا بنظم القرآن، والإنسان إذا أعجب بشيء تصرف على مقتضى هذا الإعجاب ولو كان مما يخالفه في قرارة نفسه، يعني قد تأخذ الإنسان الحال، ويغلب على أمره في بعض التصرفات، لأنه جاءه أمر لا يستطيع رده، فهؤلاء المشركون الذين سجدوا مع النبي -عليه الصلاة والسلام- لا شك أن المؤثر فيهم هو هذا الكلام، كلام الله الذي لو أنزل على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً.(31/19)
"والجن" ويش يدري ابن عباس أن الجن سجدوا؟ رآهم؟ قد يكون النبي -عليه الصلاة والسلام- أخبره بذلك، وإلا فلا سبيل له إلى معرفة ذلك "والإنس" يعني ممن حضر من عطف العام على الخاص من المسلمين والمشركين والجن والإنس، أحياناً يؤتى ببعض الألفاظ لتأكيد العموم، ولو لم يكن له حقيقة ولا وجود، لما مات إبراهيم انكسفت الشمس في اليوم الذي مات فيه إبراهيم، فقال الناس: انكسفت الشمس لموت إبراهيم، فخطب النبي -عليه الصلاة والسلام- فقال: ((إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته)) ما في أحد قال: إن الشمس تنكسف لحياة أحد، لكن من باب تتميم العموم والشمول، وإلا ما في أحد قال: إن الشمس تنكسف لحياة أحد، أيضاً قوله: "فلم يكونوا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول القراءة ولا في آخرها" هل في أحد قال: إن البسملة تقرأ في آخر القراءة؟ نعم؟ أقول: قد يؤتى ببعض الألفاظ لتأكيد العموم والشمول المنفي، فلا يوجد أحد يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم في آخر القراءة، نعم هناك من قال: تقرأ البسملة في أول القراءة، فالنفي نفي القراءة في آخر أو البسملة في آخر القراءة إنما هو لتأكيد الشمول المنفي، مثل: ((ولا لحياته)) ما في أحد قال: إنه للحياة تنكسف الشمس، قد يكون من أظلم الناس، من الجبابرة يعني إذا كانت الشمس على حد زعم أهل الجاهلية أنها تنكسف لموت عظيم، يعني مقتضى ذلك أنها تنكسف لولادة ظالم مثلاً فتنكسف لولادة ظالم، لكن ما أحد قال بهذا من المشركين، ولا يعرف ظلمه إلا بعد تحققه ... إلى آخره، المقصود أن مثل هذا والجن والإنس يعني من باب تتميم .. ، الجن قد يكون النبي -عليه الصلاة والسلام- قال له: إن الجن سجدوا، وفيهم المسلم والمشرك، فهم مثل الإنس، وأما عطف الإنس على الجن فمن باب تتميم الشمول المثبت.(31/20)
"رواه البخاري وقال -يعني البخاري في صحيحه تعليقاً-: "كان ابن عمر يسجد على غير وضوء" وهذا مثل ما أشرنا إليه سابقاً معلق عن ابن عمر، وهو يرى أن سجود التلاوة ليس بصلاة، فلا يشترط له ما يشترط للصلاة، لكن إذا أراد الإنسان أن يسجد، وفي نفسه شيء من هذا السجود، والخلاف عنده معتبر عند من يقول: إنه صلاة أو ليس بصلاة فقرأ آية سجدة، هل نقول: إذا كان عندك شيء من التردد هذا إذا كان يرى أنه صلاة لا بد أن يتوضأ، وإذا جزم بأنه ليس بصلاة كما كان ابن عمر يسجد على غير وضوء، لكن إذا قال: والله أئمة قالوا: إنه صلاة، فكوني أصلي بغير وضوء، ولا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ، هل نقول: إزالة لهذا الشك الذي في نفسك تيمم؟ يعني شيخ الإسلام يقول: إن صلاة الجنازة إذا خشي الإنسان أن ترفع الجنازة يتيمم، ولو كان بحضرة الماء، ولو لم يكن فاقداً للماء يتيمم، فهل نقول لمثل هذا تيمم واسجد ليزول ما في نفسك؟ أو نقول: إما هذا وإما .. ، إما صلاة أو غير صلاة، ما في نصف حل، لكن أحياناً قوة الخلاف تورث التردد في النفس، وهذا كل إنسان يجده من نفسه، فإذا وجد مثل هذا التردد هل نقول له: تيمم أو لا؟ ابن عمر كان يسجد على غير وضوء، هل نستطيع أن نقول لمثل هذا أنت لست بأحرص من ابن عمر، وهذا في حال التردد، يعني المسألة إذا جزم بأنها صلاة لا بد أن يتوضأ، لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ، وإذا جزم بأنه ليس بصلاة يصلي يسجد على غير وضوء، كما كان ابن عمر يفعل، لكن إذا قال: أئمة فلان وفلان وفلان قالوا: صلاة، وحصل عنده شيء من التردد هل يكتفى في مثل هذه الصورة بالتيمم ليرفع هذا التردد؟ والترجيح قد يكون بالقشة عند أهل العلم، يعني بأدنى شيء يحصل به الترجيح، يعني الذين لا يرون العمل بالضعيف مطلقاً يرجحون به، أو نقول: إنك فعلت فعلاً لا دليل عليه من الشرع، فإما كذا وإما كذا، يتيمم وإلا ما يتيمم؟ لأن الناس ثلاثة: شخص يترجح عنده أنه صلاة هذا يلزمه الوضوء بدون إشكال، وشخص يجزم بأنه ليس بصلاة فهذا لا يلزمه شيء كما كان ابن عمر يسجد على غير وضوء، وشخص يتردد وهذا موجود في النفوس، لا سيما بعض أهل التحري، أهل التحري يصعب عليه الترجيح في كثير(31/21)
من المسائل، يحصل عنده التردد لأدنى شيء، ويهاب الترجيح في المسائل العلمية، ويهاب أهل العلم وأقوال أهل العلم، مثل هذا هل يقال له: تيمم لترفع ما في نفسك؟ أو نقول: إن هذا عمل ليس عليه دليل شرعي فهو بدعة؟ من سجد مع النبي -عليه الصلاة والسلام- في سورة النجم من المسلمين وغيرهم هل يتصور أنهم كلهم على طهارة مع كثرتهم؟ لا، بعيد أن يكونوا كلهم على طهارة، الأمر الثاني: لم ينقل أن كل واحد منهم تيمم، فالذي يترجح عنده أنه ليس بصلاة هذا لا يتيمم كما كان ابن عمر يفعل، والذي يترجح عنده أنه صلاة فإنه يلزمه الوضوء، ولا واسطة بينهما.
مسألة صلاة الجنازة التي يقول شيخ الإسلام أنه إذا خشي أن ترفع أنه يتيمم هل نقول: إن هذه الصلاة بطهارة ناقصة مع وجود الأصل؟ يعني إذا لم يوجد الأصل الطهارة كاملة، إذا وجد الأصل فهذه الطهارة لا اعتبار لها، لكن هل نقول: إن الصلاة على هذا الوجه الناقص أفضل من عدمها؟ فنقول: تيمم وأدرك الصلاة، أو نقول: صلاة ليس عليها أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- فلا قيمة لها؟ هاه؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
حتى يتوضأ.
طالب:. . . . . . . . .
إيه لكن يقول هذا: أنا كسبان كسبان، ما علي خسارة، أنا أتيمم وأصلي أفضل من لا شيء، هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
ما في دليل على التيمم في مثل هذه الصورة، لكن هل نقول: إن قبلت وإلا ما خسرت شيء؟ النفي موجود ((لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ)) وهذه صلاة بالإجماع، ما هي مثل سجود التلاوة محل خلاف بين أهل العلم، وإن كان بعض النصوص لا يتناولها، يعني لا يتناول صلاة الجنازة مثل دعاء الاستفتاح، "أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول؟ قال: ((أقول)) " ما في دعاء استفتاح، ما تدخل في بعض النصوص.
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(31/22)
توقيف بلا شك ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)) لكن من قال بهذا القول هو من أحرص الناس على تحقيق القاعدة المأخوذة من حديث عائشة، وأشد الناس على البدع والمبتدعة، لكنه ليس بمعصوم، فهل نقول: إذا كنت لست على طهارة اجلس؟ قد يقول قائل مثل هذا فيما إذا دخل المسجد وهو على غير طهارة، هل الخيار بين أن يجلس أو يصلي بتيمم؟ هو الآن يتعبد بعبادة لم تشرع، عبادة غير مشروعة؛ لأن الصلاة بغير طهارة ليست بشرعية حتى أن الحنفية قالوا: إذا صلى بغير طهارة مع علمه بالحدث الأمر عظيم عندهم، يعني بعضهم يطلق الكفر لأنه مستخف مستهزئ هذا إذا صلى على غير طهارة، لكن لا يظن بمن قال: إنه يتيمم إذا خشي أن ترفع هذا ليس بمستهتر، إنما هو من باب الحرص على تحصيل الأجر، وكم من مريد للخير لا يصيبه، أو لم يصبه.
قال -رحمه الله- ...
وإلا نقف على هذا كم الساعة؟
لعلنا نقف على حديث خالد بن معدان، وننظر في بعض الأسئلة.
يقول: هل أذكار المساء تكون بعد صلاة العصر مباشرة أو بعد الغروب؟
هي جاء ذكر الأذكار في كثير من النصوص مقرونة بطلوع الشمس وقبل غروبها، فلو كانت بعد صلاة الصبح وقبل غروب الشمس سواء كان بعد صلاة العصر أو كلما تأخر يكون أولى ما لم تغرب الشمس.
يقول: أحد طلبة العلم ممن يشار إليه بالبنان قال في إحدى محاضراته: إن هناك فتوى شرعية للنساء بجواز ممارسة الرياضة داخل الأندية، واعتبرها تنشيط للجسد من مطالب الشريعة الإسلامية، مركزاً على الالتزام بالضوابط الشرعية، وأكد على وجوب الانفتاح في الخطاب الديني الموجه إلى هذه الفئة، فهل وافقه الصواب في قوله؟ وكيف نرد على من يدعو ... ؟(31/23)
لا شك أن مثل هذا فتح باب شر على المسلمين، وكلمة ضوابط شرعية قيود شرعية هذه كلها لا قيمة لها؛ لأنها تضبط الضوابط على الورق، ثم عند التطبيق قد تطبق في أول الأمر، ثم يتنازل عنها شيئاً فشيئاً، ولا شك أن هذه خطوات الشيطان التي حذرنا منها في آيات من القرآن، ومن نظر إلى واقع المرأة المسلمة في البلدان المجاورة رأى أن الأمر في أوله إنما حصل بهذا التدرج، ضوابط شرعية، ثم بعد ذلك والله هذا فيه تعسف، وهذا لا دليل عليه، وهذا يعوق عن تحصيل المقصود، الضوابط تعيق عن تحصيل المقصود، وعلى كل حال لا شك أن هذه من خطوات الشيطان، والله المستعان.
يقول: هل يمكن إثبات صفات الله -عز وجل- بالأحاديث التي رأى فيها النبي -عليه الصلاة والسلام- ربه في رؤيا منامية؟
نعم رؤيا الأنبياء وحي.
هل يستدل بقصة داود في شأن الخصمين على جواز التمثيل؟
لا يستدل بذلك؛ لأن الذي امتحنه هو الله -جل وعلا-، ومشروعية هذا التمثيل بالنص، وما عداه يبقى على أنه داخل في حيز الكذب لمخالفته الواقع.
هذا يقول: هل يسجد سجود التلاوة في أوقات النهي أم لا؟(31/24)
هذا الذي طولنا فيها، وكأنه ما استقر عنده شيء، وكثير من الإخوان يعتب على الطريقة في التعليم بمثل الأسلوب الذي نسلكه، وأننا نثير مسائل وإشكالات، ونطيل فيها وفي النهاية لا تحسم، المقصود أنه يسجد وإلا ما يسجد يعني في النهاية؟ أنا أقول: أنا بين يدي طلاب علم وطريقتنا ليست تلقين، وإنما هي تعليم، وليست تلقين، إحنا ما إحنا بنلقن مسائل، لسنا مع طلاب مبتدئين وصغار نلقنهم أحكام تلقين، لا، أنا في هذه المسائل افرض أني أتيت بمسألة وحسمتها لكن نظائرها ما الذي يحسمها؟ أنت خذ الطريقة، تعلم على هذه الطريقة وأنت بدورك أيضاً عليك كفل من البحث، أنت ما أنت بطالب مرحلة متوسطة أو ثانوية تقبل تلقين، لا، كان نأخذ متن صغير ونقول: أحفظوه يا الإخوان ونحلل ألفاظه وننتهي، أنا لا ألقن الطلاب، أنتم تعرفون هذا، وجاء كثير من هذه الأسئلة الراجح الراجح، طيب الراجح قد يلوح اليوم، يعني من خلال الكلام الكثير الذي قلناه قد يستروح الإنسان إلى قول، وافترض أنك رجحت وهو مال إلى غيره، وهو أهل لهذا الميل وهذا الاسترواح، فالمسألة ما هي مسألة معينة نطلب فيها راجح، لا، نحن نشرح طريقة للتعلم ثم التعليم، وطالب العلم ينبغي أن يكون محور أساس في العملية التعليمية، يعني المعلم مهم، الكتاب مهم، طالب العلم أيضاً ركن من أركان العملية التعليمة، لا بد أن يبحث بنفسه ويصل إلى القول الراجح بنفسه، إذا عجز بحث وما استطاع حينئذٍ له حل، فكثير من الإخوان يقول: والله فلان دروسه فيها شيء من السعة والاستطرادات، لكن في النهاية ما في قول راجح، لا في قول راجح، يعني في كثير من المسائل تسمعون القول الراجح، لكن في بعضها تترك الحرية لطالب العلم، وإذا رأيتم التأليف عند أهل العلم تجدهم يؤلفون للمتوسطين من غير ترجيح، الموفق لما ألف العمدة ألفها على القول الراجح عنده، وهذا مناسب للمبتدئين، لكن لما ألف المقنع للمتوسطين ما رجح، يأتي بروايتين مطلقتين، لما ألف لمن فوقهم مثل الكافي ما رجح، أطلق الروايات وهكذا، فطالب العلم عليه نصيب يعني في بعض أهل العلم حتى من المتقدمين يجعل على طالب العلم أكثر العبء، كيف يتربى طالب علم وهو يتلقى أحكام جاهزة؟ ما يتربى(31/25)
إطلاقاً، الراجح في كذا الراجح في كذا ينتهي الإشكال، وبدل من هذه الدروس التي يتعب عليها تذكر الأقوال الراجحة في مجلد واحد، ويبث بين طلاب العلم، ويقال: هذه آراء فلان واختياراته، ما ينفع هذا، هذا ما يربي لنا طلاب علم، يعني يعول عليهم في المستقبل أن يعلموا الناس، ولا يتوقع أن جميع من يحضر يكون معلم فيما بعد، ويكون متأهل، قد تأتي الشواغل، وقد تأتي الصوارف وينصرف إلى غير العلم، لكن نحن نحتاج إلى نخبة من طلاب العلم، ولو عشرة بالمائة ممن يحضر يحملون هذا العلم فيما بعد.
فقوله: هل يسجد في أوقات النهي أو لا يسجد؟
قلنا في الأخير: إن الأوقات المضيقة ينبغي أن يتحاشاها الإنسان، والأوقات الموسعة الأمر فيها سعة، مثل ما رجحنا في ذوات الأسباب.
يقول: هل هناك دليل يشترط وجوب إذن الإمام للجهاد؟
نعم، جاء في النصوص أنه جاء يستأذن النبي -عليه الصلاة والسلام- في الجهاد، فقال: ((أحي والداك؟ )) قال: نعم، قال: ((ففيهما فجاهد)) جاء يستأذن في الجهاد وأنه اكتتب في كذا، فقال: ((الحق بامرأتك)) المقصود أن الإذن لا بد منه، وإلا تكون المسألة فوضى.
هل من السنة في السيارة أن يقدم الذكور على الإناث في مقدمة السيارة أم لا ولو كانت الأم؟
يعني هناك نصوص تدل على تقديم الرجال على النساء، ونصوص تدل على تقديم الكبار على الصغار، ونصوص تدل على أن من سبق إلى شيء يعني من المباحات فهو أحق به كالمجالس.
يقول: هل وردت السنة بقول: سم لمن ناداه رجل؟ ومما هي مشتقة؟
قالوا: إنها مشتقة من سمعاً وطاعة، هكذا قالوا، وأما بالنصوص ما أعرف نص فيه سم.
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(31/26)
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: المحرر – كتاب الصلاة (32)
الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
وعن خالد بن معدان أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((فضلت سورة الحج على القرآن بسجدتين)) رواه أبو داود في المراسيل، وقال: وقد أسند هذا ولا يصح.
هذا الحديث مرسل، والمرسل ضعيف، فالحديث بهذا الإسناد ضعيف لأنه مرسل، لكن له شاهد من حديث عقبة بن عامر، وفي إسناده أيضاً ضعف، إلا أنه يتقوى به المرسل، فهو حديث حسن بالطريقين حديث حسن؛ لأن مما يتقوى به المرسل مجيئه من وجه آخر، يرويه غير رجال الإسناد الأول اللي هو المرسل، والصحابي عقبة بن عامر يروي هذا الحديث والطريق إليه غير طريق المرسل بسند آخر يختلف عنه تماماً، وهو وإن كان فيه ابن لهيعة، وفيه مشرح بن هاعان كلاهما فيه كلام لأهل العلم، لكنه لا يصل إلى درجة الضعف الشديد الذي لا يرتقي، فهو شاهد لحديث الباب فيرتقي به إلى درجة الحسن.
يقول: "وعن خالد بن معدان أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((فضلت سورة الحج على القرآن بسجدتين)) " ويقول: بسجدتي سورة الحج كما تقدم المالكية والشافعية والحنابلة خلافاً للحنفية الذين يرون أن الثانية ليست بسجدة، إنما هي أمر بالصلاة ذات الركوع والسجود.(32/1)
كون سورة الحج تفضل على القرآن يعني على غيرها من السور بهاتين السجدتين لا يعني أنها أفضل سورة في القرآن، فأعظم سورة في القرآن الفاتحة، وسورة الإخلاص ثلث القرآن، وكون الشيء يوجد له ميزة أو خصيصة أو يرجح من وجه لا يعني أنه أرجح من سائر الوجوه، وهذا على القول بأن القرآن يتفاضل، وهو الذي نصره شيخ الإسلام، وهو الذي تدل عليه النصوص، أعظم آية، أعظم سورة وهكذا، وإن كان بالنسبة لقائله وهو الله -عز وجل- واحد، وكله كلام الله -جل وعلا-، لكنه يتفاوت ويتفاضل كما دلت على ذلك النصوص، باعتبار المحتوى والمضمون، فمحتوى ومضمون سورة الإخلاص بما دلت عليه من التوحيد الذي هو أشرف معلوم أعظم من محتوى السورة التي قبلها {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [(1) سورة المسد].
ومن أهل العلم من يرى عدم التفضيل بين سور القرآن وآياته، لكن النصوص والأحاديث الصحيحة ترد عليه.
كون سورة الحج فضلت على سائر السور على سائر القرآن بسجدتين لا يعني أنها أفضل من غيرها، كما أن كون إبراهيم -عليه السلام- أول من يكسى يوم القيامة لا يعني أنه أفضل من محمد، فكون بعض الأشياء يمتاز بميزة أو بمنقبة أو بخصيصة لا يعني أنه أفضل من غيره مطلقاً، يعني في هذا الباب، في باب السجود هي فضلت على غيرها بسجدتين في أوائلها وفي آخرها، في أوائلها سورة في الصفحة الثالثة في الوجه الثالث، وفي الصفحة الأخيرة سجدة أخرى عند الجمهور، والحنفية لا يقولون بسجدة الحج الثانية، ويختلف عدد السجدات باعتبار هذه السجدة الثانية وعدم اعتبارها كما أنه يختلف العدد باعتبار سجدة (ص) على ما تقدم وعدم اعتبارها، ويختلف أيضاً العدد باعتبار سجدات المفصل وعدم اعتبارها مما مر ذكره بالأمس.
قال -رحمه الله-:
"وعن عطاء بن ميناء عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سجدنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في {إِذَا السَّمَاء انشَقَّتْ} [(1) سورة الانشقاق] و {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [(1) سورة العلق] رواه مسلم".(32/2)
رواه مسلم فدل على أن السجدتين في المفصل ثابتة عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، كما ثبت السجود في سورة النجم فسجدات المفصل ثابتة عن النبي -عليه الصلاة والسلام- خلافاً لمن لا يرى السجود فيها، وهو قول المالكية والقول القديم للإمام الشافعي، ومن عداهم يقول بسجود سور المفصل الثلاث على ما تقدم الخلاف فيه.
قال: "وعن علي -رضي الله تعالى عنه- قال: أنا أتعجب" من إيش؟ ويش عندك؟
طالب:. . . . . . . . .
"أتعجب من حدثني لا يسجد في المفصل".
كذا عندك؟
طالب:. . . . . . . . .
النسخة التي معنا وهي معتنىً بها، يقول: في جميع الأصول: "حدبي" "وأنا أنا أتعجب من حدبي لا يسجد في المفصل" وفي المستدرك: "حدثني" وهو الأصل، لكن المستدرك الإشكال فيه أن النسخة المطبوعة بالهند، وما تفرع عنها من طبعات لا يوثق به؛ لأنها كثيرة التصحيف والتحريف.
يقول: "أنا أتعجب من حدثني لا يسجد في المفصل" والذي في جميع الأصول لكتاب المحرر: "وأنا أتعجب من حدبي لا يسجد في المفصل" ويش معنى الحدبي؟ أنا أتعجب من حدثني أو ممن حدثني لا يسجد في المفصل هذا واضح معناه، ولعل الطابع لكتاب المستدرك التبس عليه المعنى فلم يفهم معناها، فقال: هي في صورة حدثني، أو يمكن من بعض النُسّاخ، المقصود أنه في المستدرك: "من حدثني" وفي جميع أصول المحرر: "من حدبي" يبقى ما معنى حدبي؟ قد يقول قائل: لماذا لا تكون لا حدبي ولا حدثني؟ من حديثي يعني يعتني بالحديث والرواية، ويقتفي أثر النبي -عليه الصلاة والسلام- كأنه قال: من أثري لا يسجد في المفصل، وقد ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- ذلك.
حدبي ويش معناها؟ ما فسرت عندكم؟
طالب: شيخ ما يمكن يكون اسم الرجل؟
هاه؟
طالب: ما يمكن يكون اسم الرجل؟
لا لا ما يظهر، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
ما أسمع.
طالب:. . . . . . . . .
جدي؟ احتمال، احتمال أن تكون لأن الصورة قريبة، فنحتاج إلى أن نرجع .. ، في قاموس وإلا شيء؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني محدودب الظهر من كثرة السجود، في كتاب هنا؟
طالب:. . . . . . . . .(32/3)
لا يسجد في المفصل، والسبب في ذلك أن السجود في المفصل في السور الثلاث كله ثابت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- على ما تقدم.(32/4)
يقول: "رواه الحاكم بإسناد صحيح" لكن كيف يكون الإسناد صحيحاً وقد رواه الحاكم من طريق عاصم بن أبي النجود عن زر بن حبيش عن علي؟ هو موقوف على كل حال، هو من قول علي -رضي الله عنه-، لكن لا يصل إلى درجة الصحيح فهو حسن للكلام المعروف في حفظ عاصم، يعني بالنسبة للحديث لا بالنسبة للقرآن، فهو إمام فيه؛ لماذا؟ لأننا نسمع من يتكلم في قراءته، ويلمز من يعتمد قراءة عاصم، وقد تكلم فيه من قبل أهل الحديث، ومر بنا مراراً في مناسبات أن حفظ بعض العلوم التي يتجه إليها الإنسان بكليته سهل، بينما حفظه لبقية العلوم التي لا يلتفت إليها قد يصعب عليه، يعني يسهل على بعض الناس الذي له عناية بالشعر أن يحفظ القصائد الطويلة؛ لأنه يهوى هذا الشعر، لكن لو وجه إلى حفظ القرآن عجز والعكس، كثير من طلاب العلم يحفظ القرآن ويتقنه ويجوده، لكن حفظه للسنة أو لغيرها أقل بكثير، ولا سيما أن القرآن يمكن ضبطه، وهو ميسر ومسهل {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} [(17) سورة القمر] لكن السنة مع انتشارها وسعتها وكثرتها الإحاطة بها دونها خرط القتاد، بل تفلتها باعتبار كثرة رواتها، وكثرة طرقها على كثير من المتعلمين حاشا الأئمة الحفاظ، فإنه في غاية الصعوبة، وقد يكون الشخص إماماً في باب ويتكلم فيه في أبواب، الإمام أبو حنيفة الإمام الأعظم عند السواد الأعظم من المسلمين إمام في الفقه والاستنباط، لكنه بالنسبة للرواية متكلم فيه، ابن إسحاق إمام أهل المغازي متكلم في روايته، وهكذا نجد من يتخصص في علم يتقنه ويضبطه، لكن إذا تكلم في علوم أخرى حصلت منه الأخطاء، وضُعّف بسببها، وهذا أمر مشاهد في المتقدمين والمتأخرين؛ لأن الإنسان إذا اهتم بشيء ضبطه وأتقنه، إذا التفت إليه وكانت له به حاجة فإنه يضبطه ويتقنه، في حديث اقتناء الكلب: ((من اقتنى كلباً نقص من أجره كل يوم قيراط)) إلا ما استثني، كلب صيد، أو ماشية، أو زرع، قال ابن عمر: "وكان أبو هريرة صاحب زرع" بعض المفتونين والذين يلتقطون مثل هذه الألفاظ، قال: إن ابن عمر يطعن في أبي هريرة، وما دام صاحب زرع كأن هذه الجملة أقحمها أو هذه الكلمة أقحمها وحاشا أبا هريرة أن يتقول على(32/5)
النبي -عليه الصلاة والسلام- ما لم يقل، لكن أبو هريرة صاحب زرع، يهمه مثل هذا اللفظ فيضبطه ويتقنه ويحفظه، بينما غيره الذي لا يحتاج إليه قد لا يحفظه، وضربنا مثل لأن هذه كثيراً ما تثار مثل الكلام في عاصم، مثل الكلام في بعض الأئمة ليطعن فيما يتقنه بما لا يتقنه، ذكرنا هنا في هذا المسجد لو جاء شخص وألقى محاضرة عن مرض من الأمراض، وذكر الأسباب، وقد تصل إلى عشرين، ثم ذكر أنواع من العلاج والحمية يفصلها إلى خمسين مثلاً المصاب بهذا المرض لن يفوته شيء هل يفرط بشيء من هذه الأدوية والعلاجات والحمية، وما يتعلق بذلك؟ لا يمكن، يعض عليها بالنواجذ، لن يفوته شيء منها؛ لماذا؟ لأنه محتاج إليها، بينما الأكثر الذين ليس لديهم حاجة ولم يصابوا بهذا المرض تجدهم يفرطون في كثير منها، فإذا سألت الواحد أعطاك واحد أو اثنين أو خمسة من العشرين بينما ولو كان أضعف الناس حافظة المحتاج المريض بهذا المرض لو كان أضعف الناس حافظة تجده يضبط كل ما قيل؛ لأن النفس مشرئبة إلى معرفة العلاج، مستروحة متشوفة إلى هذا العلاج فتجده يصادف من قلبه المحل المكين.
فالإنسان إذا احتاج إلى شيء لا شك أنه يضبطه ويتقنه، أصحاب المهن كل يتقن في مهنته ما يتقن، وبعضهم لو تدخل شخص ولو كان من العلماء في بعض الأبواب طبيب مثلاً من أمهر الأطباء تدخله مكتبة شرعية، ثم إذا خرج تقول له: ويش فيها من الكتب؟ كم يضبط من كتاب؟ يمكن يضبط كتاب أو كتابين قرأ أسمائهم وكذا، لكن لو تدخل طالب علم شرعي لا سيما إذا كانت له عناية بالكتب يمكن يفصل لك المكتبة واحداً واحداً ويذكر لك العدد، وكم تسوى من القيمة؛ لأنه صاحب اهتمام، صاحب شأن.
في الحديث الذي يليه يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(32/6)
"وعن البراء -رضي الله عنه- قال: بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- خالد بن الوليد إلى أهل اليمن يدعوهم إلى الإسلام فلم يجيبوه، ثم إن النبي -صلى الله عليه وسلم- بعث علي بن أبي طالب وأمره أن يقفل خالداً" يأمره بالرجوع، بالقفول إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- "ومن كان معه، إلا رجل ممن كان مع خالد أحب أن يعقب مع علي" يعني أحب أن يتخلف ويجلس مع علي -رضي الله عنه- "فليعقب معه، قال البراء: فكنت ممن عقب معه" يعني جلست معه "فلما دنونا من القوم خرجوا إلينا فصلى بنا علي، وصفنا صفاً واحداً، ثم تقدم بين أيدينا، فقرأ عليهم كتاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" يعني بعد ما سلم من صلاته قرأ عليهم الذين خرجوا إليهم "كتاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأسلمت همدان جميعاً" القبيلة كاملة، وإذا كانت بإهمال الدال -بالدال المهملة- فهي ساكنة الميم القبيلة، بخلاف همَذان بلد، اللي منها البديع وغيره "فأسلمت همدان جميعاً، فكتب علي -رضي الله عنه- إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بإسلامهم، فلما قرأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الكتاب خر ساجداً" وهذا هو الشاهد من الحديث في الترجمة، وهو سجود شكر "ثم رفع رأسه فقال: ((السلام على همدان، السلام على همدان)) " لأنهم أسلموا من غير قتال ولا عناء ولا كلفة، فسلم عليهم النبي -عليه الصلاة والسلام- مرتين، يقول المؤلف: " رواه البيهقي" يعني بتمامه، وإلا فأصله في البخاري، يعني دون قصة إسلام همدان وسجود الشكر.(32/7)
قال: "رواه البيهقي، وقد أخرج البخاري صدر هذا الحديث، ولم يسقه بتمامه، وسجود الشكر في تمام الحديث صحيح على شرطه" لأن الرواة الذين أخرج البيهقي الحديث من طريقهم خرج لهم البخاري في صحيحه، فالحديث أصله في البخاري، وبقيته صحيح على شرطه؛ لأن الرواة مخرج لهم في الصحيح، إلا أنه في الإسناد أبو إسحاق السبيعي، وهو معروف بالتدليس وقد عنعن، قد يقول قائل: إن الحديث على شرط البخاري، البخاري فيه أبو إسحاق معنعن من غير تصريح، فإذا وجدنا في البيهقي رواية أبي إسحاق بالعنعنة مثل ما وجدنا في البخاري، يعني المؤلف قال: سجود الشكر في تمام الحديث صحيح على شرطه؛ لأن الرواة الذين أخرج الحديث البيهقي من طريقهم كلهم في الصحيح حتى أبي إسحاق بالعنعنة موجودة في الصحيح، فهو على شرطه، لكن هل عنعنة أبي إسحاق مقبولة أو لا بد أن يصرح بالتحديث؟ وإذا قلنا: لا بد أن يصرح بالتحديث هل هذا في جميع المصنفات أو يستثنى من ذلك ما جاء في الصحيحين؟ فمعنعنات الصحيحين محمولة على الاتصال؛ لماذا؟ لأنهم قالوا: إنها وجدت مصرح بها في المستخرجات وغيرها، ولا شك أن الثقة بالصحيحين، وتلقي الأمة لهذين الكتابين بالقبول يجعلنا نتجاوز مثل هذا في الصحيحين بخلاف ما إذا وجدنا نظيره في غيرهما.(32/8)
كلام المؤلف مستقيم وإلا غير مستقيم؟ وسجود الشكر في تمام الحديث صحيح على شرطه، على شرط البخاري، نعم البخاري يخرج لأبي إسحاق وإن لم يصرح بالسماع، وهو في البيهقي عن أبي إسحاق بالعنعنة، وأبو إسحاق مدلس، فهو على شرطه من حيث الظاهر، في الصورة، لكن من حيث حمل معنعنات الصحيحين على الاتصال عند أهل العلم يجعل ما جاء في غير الصحيحين بالعنعنة يتوقف فيه حتى يوجد التصريح من هذا المدلس، يعني في مسلم كثير من حديث أبي الزبير عن جابر بالعنعنة، وأبو الزبير مدلس لا بد أن يصرح بالتحديث، فهل يقال: فيما خرجه مسلم من طريقه لا بد من التصريح؟ أبداً، كفانا المؤونة البخاري ومسلم، وأما إذا وجد مثل هذا في كتاب لم تشترط فيه الصحة، أو اشترطت فيه الصحة لكن لم تطبق كالصحاح غير الصحيحين، فإنه لا بد من التصريح، ولذا تجدون المحقق يقول: ضعيف بهذا التمام، يعني مسألة الشكر وما يتعلق بها سجود الشكر لا توجد في البخاري، وأما ما يوجد في البخاري فهذا لا إشكال فيه، طيب إذا كان الحديث في غير الصحيحين الحديث في البيهقي أو عند أبي داود أو الترمذي أو النسائي أو في المسند، وأصله في الصحيح يكفي أن يكون أصله في الصحيح؟ يكفي أو لا يكفي؟ نعم؟ نعم الذي في الصحيح منه صحيح، والزيادة التي لا توجد في الصحيح نعم لا يحكم لها بالصحة، وإنما تدرس ويحكم عليها بما يليق بها، وقد يقول قائل: إن كون أصل الحديث في الصحيح وأعرض صاحب الصحيح عن هذه الزيادة التي ذكرها غيره إعراض البخاري ومسلم عن بعض الألفاظ، أو بعض الجمل في بعض الأحاديث ويوردها غيرهم بعضهم يطعن في هذه الزيادة بمجرد إعراض البخاري أو مسلم عنها، وبعضهم يقول: لا، هذه زيادة والزيادة إن كان راويها ثقة فهي مقبولة، وعلى كل حال هذه من المسائل التي لا يحكم بها من حيث النظر لا في المتن ولا في الإسناد، وإنما النظر فيها للقرائن، القرائن المرجحة لثبوت هذه الزيادة وعدم ثبوتها، المقصود أن الشاهد من الحديث أن النبي -عليه الصلاة والسلام- لما بلغه إسلام همدان سجد شكراً، ولا شك أن هذه نعمة، وبهم يتقوى الإسلام، ويكثر سواد المسلمين، فهي نعمة حاصلة متجددة تقتضي الشكر، والشكر يعبر عنه بالسجود.(32/9)
"وعن أبي عون الثقفي عن رجل لم يسمه أن أبا بكر -رضي الله عنه- لما أتاه فتح اليمامة سجد" عن رجل لم يسمه هذا راوٍ يسمونه مبهم، مبهم وإلا مهمل وإلا مجهول؟ عن رجل لم يسمه؟ مبهم، والمهمل؟ لو قال: عن محمد ولم ينسبه، ولم يتميز من غيره صار مهملاً، عن رجل لم يسمه، مجهول لو قال: عن محمد بن عبد الله الأنصاري، وهو لم يروِ عنه إلا واحد صار مجهول العين، وإن روى عنه ثاني فأكثر ولم يضعف صار مجهول الحال، وهنا المهمل ألا يدخل في حيز الجهالة من باب أولى؟ المبهم هنا؟ يعني إذا كان محمد مهمل، ومحمد بن عبد الله الأنصاري يروي عنه شخص واحد مجهول، فكيف برجل لم يسم؟ هذا أدخل في باب الجهالة، وسمي مجهول الذات، لا مجهول العين، ولا مجهول الحال، أشد، مجهول الذات.
"أن أبا بكر -رضي الله عنه- لما أتاه فتح اليمامة سجد" فتح اليمامة كان بقتل مسيلمة الكذاب الذي ادعى النبوة، لا شك أن هذه نعمة من نعم الله -جل وعلا- أن قتل هذا الطاغية، سجد شكراً لله -جل وعلا-، لكن الخبر ضعيف؛ لأن فيه رجل لم يسم.
"ورواه أبو بكر ابن أبي شيبة في كتاب الفتوح" والمحقق يقول: أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف، فهل المراد الفتوح من كتاب المصنف، أو أن الفتوح كتاب مستقل؟ هو مخرج في المصنف، والمؤلف يقول: رواه أبو بكر ابن أبي شيبة في كتاب الفتوح، فهل الفتوح كتاب مستقل؟ أو كتاب من كتب المصنف له؟ يعني لو قيل: رواه البخاري في الأدب، واتفق أن الحديث مخرج في الأدب من صحيح البخاري وفي الأدب المفرد، حينئذٍ يكون ما في إشكال، وللبخاري كتاب في الأدب المفرد، وكتاب الأدب من الصحيح، ولا يمنع أن يكون لابن أبي شيبة كتاب اسمه: الفتوح، وأن يكون الفتوح كتاباً من كتب المصنف، وهذا يحتاج إلى مراجعة، أحد عنده القاموس وإلا المعجم؟
من أين جيء بهذا؟
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟
طالب: من كتاب العين يا شيخ.
ما في غيره؟
طالب:. . . . . . . . .
يقول: حدبي له معنيان: الناقة التي بدت حراقيفها، وبدا عظم ظهرها، والأرض التي ارتفعت، يعني احدودبت، نعم وحينئذٍ يكون الحدبي هو الذي أجهد نفسه في العبادة، فأشبه الناقة التي بدا عظم ظهرها من العجاف.
سم.
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(32/10)
إلا أن يكون رجل مقدر.
نعم.
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الإمام ابن عبد الهادي -رحمه الله تعالى- في كتابه المحرر:
باب: صلاة الجماعة
عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة)) متفق عليه.
وفي حديث أبي سعيد: ((بخمس وعشرين درجة)) رواه البخاري.
وفي حديث أبي هريرة: ((بخمس وعشرين جزءاً)) متفق عليه.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بحطب فيحتطب، ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها، ثم آمر رجلاً فيؤم الناس، ثم أخالف إلى رجال فأحرق عليهم بيوتهم، والذي نفسي بيده لو يعلم أحدهم أنه يجد عِرقاً سميناً ...
عَرقاً، عَرقاً سميناً بفتح العين.
عفا الله عنك.
والذي نفسي بيده لو يعلم أحدهم أنه يجد عَرقاً سميناً أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء. رواه البخاري وهذا لفظه، ولمسلم وليس عنده: ((أو مرماتين حسنتين)).
وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا تمنعوا إماء الله مساجد الله)) متفق عليه. ولأحمد وأبي داود والحاكم وقال: على شرطهما: ((لا تمنعوا النساء أن يخرجن إلى المساجد وبيوتهن خير لهن)).
وعن زينب الثقفية امرأة عبد الله قالت: قال لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا شهدت إحداكن المسجد فلا تمس طيباً)) رواه مسلم.
وعن أبي موسى -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن أعظم الناس أجراً في الصلاة أبعدهم إليها ممشىً فأبعدهم، والذي ينتظر الصلاة حتى يصليها مع الإمام أعظم أجراً من الذي يصليها ثم ينام)) وفي رواية: ((حتى يصليها مع الإمام في جماعة)) متفق عليه.
وروى هشيم عن شعبة عن عدي بن ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر)) رواه ابن ماجه والدارقطني، وإسناده على شرط مسلم، وقد أعل بالوقف.
يكفي، يكفي.(32/11)
هذا القاموس يقول: الحدب محركة، خروج الظهر ودخول الصدر والبطن، حدِب كفرح، وأحدب واحدودب وتحادب وهو أحدب وحدب، وحدور في صبب كحدب الموج والرمل.
مثل ما تقدم ما في شيء، الأحدب عرق مستبطن عظم الذراع، والحديبية والحديباء إلى آخره، ما في جديد، القاموس ما في جديد.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: صلاة الجماعة
صلاة الجماعة يعني الصلاة في الجماعة ومع الجماعة، وفيها أحاديث كثيرة، أورد المصنف منها قدراً لا بأس به، وهي مستوعبة في كتب السنة، والجماعة أقلها اثنان، واثنان فما فوقهما جماعة، واختلف العلماء بعد اتفاقهم على مشروعيتها في حكمها، فمنهم من يرى أن الجماعة شرط لصحة الصلاة، فمن صلى وحده مع قدرته على الصلاة مع الجماعة فصلاته ليست بصحيحة، وسيأتي حديث ابن عباس: ((من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر)) وهذا يقول به داود الظاهري، ويرجحه شيخ الإسلام ابن تيمية، ومنهم من يرى أن صلاة الجماعة واجبة على كل قادر مستطيع من الأحرار الرجال المكلفين، واجبة وليست بشرط، بمعنى أنه إذا صلى منفرداً فإنه يأثم وصلاته صحيحة، ومنهم من يرى أنها فرض كفاية إذا قام بها من يكفي سقطت الإثم عن الباقين، صار بحكمهم سنة، ومنهم من يرى أنها سنة مطلقاً، وأدلة هذه الأقوال تأتي ضمن أحاديث الباب.
من القرآن استدل من قال بوجوبها بأنها لم تسقط في حال الخوف، وحصل التسامح في أركان من أركان الصلاة وشروط ولم يتسامح في ترك الجماعة {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ} [(102) سورة النساء] ... إلى آخره، فلولا أن الجماعة واجبة لما أهدر بسببها هذه الواجبات من أركان وشروط، وتجوز وتسومح في مبطلات، فدل هذا على أهمية الجماعة {وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ} [(43) سورة البقرة] يعني إذا كانت الجماعة لا تسقط عن المسلمين في أحلك الظروف في حال الخوف فلئلا تسقط في حال الأمن من باب أولى.(32/12)
{وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ} [(43) سورة البقرة] استدل به بعضهم على وجوب الصلاة مع الجماعة، استدل به بعضهم {وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ} [(43) سورة البقرة] على وجوب صلاة الجماعة، لكن يرد عليه أمر مريم بهذا {يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} [(43) سورة آل عمران] فهل نقول: إن الجماعة واجبة عليها؟ اللفظ واحد إذا أوجبنا الجماعة بقوله -جل وعلا-: {وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ} [(43) سورة البقرة] قلنا: إن الجماعة واجبة على مريم، ولا شك أن هذا يحتاج إلى إثبات، والأصل أن المرأة ليس عليها جماعة في شرعنا، في شرع من قبلنا ما ندري عنهم، فإذا أوجبنا الجماعة بهذه الآية بآية البقرة أوجبنا الجماعة على مريم بآية آل عمران، وحينئذٍ يتم الاستدلال أو لا يتم؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هذه امرأة {وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} [(43) سورة آل عمران] نقول في شرعهم؟ نقول: في شرعهم تجب الجماعة على مريم؟ أقول: دلالة اللفظ في قوله: {وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ} [(43) سورة البقرة] على وجوب صلاة الجماعة كدلالتها في قوله: {وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} [(43) سورة آل عمران] نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
نقول: استدل بآية البقرة {وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ} [(43) سورة البقرة] من استدل بها على وجوب صلاة الجماعة، ولا إشكال عندنا في الدلالة، الإشكال فيما يرد على هذه الدلالة من قوله: {وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} [(43) سورة آل عمران] لأن اللفظ واحد يعني دلالتها على الجماعة كدلالة {وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} [(43) سورة آل عمران] على الجماعة.
طالب:. . . . . . . . .
هل نقول: إن في شرع من قبلنا الجماعة واجبة على النساء كوجوبها على الرجال؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يا الإخوان نقدر نمشي آية البقرة مثل ما مشاها غيرنا، لكن نريد ألا يُدخل علينا بشيء، ولا يُنقض حكمنا بشيء، ولا يُورد علينا شيء.(32/13)
طالب: حديث عائشة ....
هاه؟
طالب: حديث عائشة. . . . . . . . .
هو بيجي عندنا ((لا تمنعوا إماء الله بيوت الله)) بيجي أنهن لا يمنعن، لكن بيوتهن خير لهن، والكلام في وجوب الجماعة على النساء {وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} [(43) سورة آل عمران] كما قيل: {وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ} [(43) سورة البقرة] ما هو بالإشكال في كونها تحضر الجماعة، وتصح صلاتها مع الجماعة، لا، المسألة في وجوب الجماعة على النساء في شرع من قبلنا، أما في شرعنا فالأمر مقطوع به أن الجماعة لا تجب على المرأة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
لو قلنا: إن آية البقرة تتناول الرجال والنساء لعموم الخطاب وشموله، ولو جاء بلفظ التذكير يدخل فيه النساء، ثم نقول: إن النساء خصصن بالسنة هذا أمر سهل يعني، لكن الكلام {وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} [(43) سورة آل عمران] أمر لامرأة أن تركع مع الراكعين هل يجب عليها صلاة جماعة؟ هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
المقصود أن دلالتها على الجماعة كدلالة {وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ} [(43) سورة البقرة] على الجماعة.
طالب:. . . . . . . . .
{وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى} [(36) سورة آل عمران] نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
صحيح.
طالب:. . . . . . . . .
ولو في بيتها؟ تركع مع الراكعين مع بعدها عنهم؟
طالب:. . . . . . . . .
أنت إذا قلت: خرجت مع فلان، ويش يفهم من هذا؟
طالب:. . . . . . . . .
صح أنا معك، لكن إذا قلت: خرجت مع فلان، يعني أنت خرجت إلى جهة اليمين أنت خرجت إلى المدينة وهو خرج إلى اليمن، أنت خرجت معه وإلا ما خرجت؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
عندنا ورد ما يدل على عدم الوجوب، وأن بيتها خير لها، لكن {وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} [(43) سورة آل عمران]؟
طالب:. . . . . . . . .
حتى في شرع من قبلنا: {وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} [(43) سورة آل عمران]؟
طالب:. . . . . . . . .
مثل قوله: {وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ} [(43) سورة البقرة] نفس الشيء.
طالب: يا شيخ ما تأخذ على أنه في وقت تأخذ من أوقات الصلاة. . . . . . . . .؟(32/14)
إذا قلنا مثل هذا قال الذي يقول بالسنية: أنا بصلي بالبيت وأركع مع الراكعين هم يصلون في المسجد وأنا أصلي بالبيت، وأكون ركعت مع الراكعين، صح وإلا لا؟
طالب: صحيح.
نفس الشيء، إحنا عندنا من الأدلة ما يكفي، لكن هذا مما استدل به بعض أهل العلم، ونريد دليل لا يورد عليه إيراد، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نقول: شرعنا يختلف عن شرع من قبلنا، ونقول: إن دلالة آية البقرة على وجوب صلاة الجماعة كدلالة آية آل عمران على وجوب الجماعة على مريم، وينتفي الإيراد من أصله، ويكون ذاك شرع من قبلنا، وشرعنا لا يوجب الجماعة على المرأة.
طالب:. . . . . . . . .
لا ما يلزم، قد تكون معتكفة في المسجد ولا تصلي مع الجماعة ولا تلام.
طالب:. . . . . . . . .
لا قد تعتكف امرأة في المسجد ولا تلزمها صلاة الجماعة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
طيب.
طالب:. . . . . . . . .
وهذا اللي خايفين منه، إحنا خايفين من هذا الفهم؛ لأن قوله: {وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ} [(43) سورة البقرة] يقول: ما يلزم يصلي مع الجماعة، يصلي موافقاً لهم في الصورة في الوقت، في كذا، هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
الدلالة في هذه الآية كدلالتها بالحرف في الآية الأخرى، فإذا كانت آية البقرة تدل على وجوب الجماعة آية آل عمران تدل على وجوب الجماعة، هذا بالنسبة للرجال في شرعنا، وذاك بالنسبة للنساء في شرع من قبلنا.
طالب:. . . . . . . . .
إذا ما قلنا: إنها مأمورة بهذه الآية قلنا: لسنا مأمورين بتلك الآية.
طالب:. . . . . . . . .
يعني عندنا نصوص ستأتي نصوص يعني كثيرة في وجوب صلاة الجماعة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
أيوه.
طالب:. . . . . . . . .
طيب.
طالب:. . . . . . . . .
طيب.
طالب:. . . . . . . . .
مثل زكوا مع المزكين.
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
لكن هذه المرأة تركع مع الناس لا بد أن تركع مع الناس، تصلي مع الناس، هل المقصود الركوع وحده أو الصلاة؟
طالب:. . . . . . . . .
المقصود المأمور به الركوع فقط أو الصلاة؟
طالب: الصلاة.
الصلاة، إذاً صل مع المصلين، وأنت صل مع المصلين.
طالب: إيه، لكن الأمر واو الجماعة ....(32/15)
كيف؟
طالب: يقصد أنه الأمر للمفرد وهذا أمر للجماعة ....
أعرف، فهمت كلامه، أعرف ما في شيء.
طالب:. . . . . . . . .
لو قيل: اركع مع الراكعين ما تصلي مع الجماعة تقول: أنا أمرت وحدي؟
طالب:. . . . . . . . .
لكن ما يصلي مع الجماعة الواحد ذا؟
طالب:. . . . . . . . .
خلاص انتهى الإشكال، ما في فرق يا أخي أبداً، لو في تفسير القرطبي.
طالب: ما أدري، ما هو موجود، خليني أشوفه.
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
خطاب المرأة تركع مع الراكعين كما خوطبنا أن نركع مع الراكعين.
طالب:. . . . . . . . .
أقول: اللفظ واحد كوننا على ما تخمر في أذهاننا أن المرأة غير مطالبة نفسر الآية، والرجل مطالب نفسر الآية على فهمنا لا ما يكفي يا أخي، ما يكفي، لا بد أن يكون القائد النص، ما هو بما استقر في الذهن، ثم نأتي بالنصوص على فهمنا ما يصلح هذا، لا لا.
قال -رحمه الله تعالى-:
وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة)) متفق عليه.
((صلاة الجماعة)) يعني اثنين فأكثر ((أفضل من صلاة الفذ)) يعني الواحد الفرد ((بسبع وعشرين درجة)) متفق عليه.
وفي حديث أبي سعيد: ((بخمس وعشرين درجة)) رواه البخاري.
وفي حديث أبي هريرة: ((بخمس وعشرين جزءاً)) متفق عليه.
والجزء والدرجة بمعنى واحد، والاختلاف في العدد السبع والعشرين والخمس والعشرين تكلم فيه أهل العلم كثيراً، مع أنهم قالوا: إن الدرجة والجزء يفسرها ما جاء في بعض الروايات بخمس وعشرين صلاة، يعني خمسة وعشرين ضعف، كأن هذا صلى مرة وهذا صلى خمس وعشرين مرة، مع أنه لو صلى المنفرد خمس وعشرين مرة، أعاد الصلاة خمس وعشرين مرة يحصل له أجر الجماعة وإلا ما يحصل؟ لا يحصل؛ لأن الإعادة بدعة، الإعادة من غير مبرر بدعة، فيأثم بها، ويكون هذا الأمر قد فاته مما لا يستطيع استدراكه.(32/16)
سبع وعشرين وخمس وعشرين قالوا: إن السبع والعشرين تفرد بها ابن عمر، مع أنه جاء عنه بخمس وعشرين، كحديث أبي سعيد وأبي هريرة، والاختلاف في العدد جعل بعض أهل العلم قال: إن العدد لا مفهوم له، إنما المقصود أن صلاة الجماعة تفضل بأضعاف كثيرة على صلاة الفذ من غير تحديد لاختلاف العدد، ومنهم من التمس مما لا يدل عليه دليل إنما هو لمجرد رفع الاختلاف، فقال: السبع والعشرين للبعيد عن المسجد، والخمس والعشرين للقريب منه، ومنهم من قال: السبع والعشرين لمدرك الصلاة كلها مع الجماعة، والخمس والعشرين لمدرك بعضها، ومنهم من قال: السبع والعشرين للأعلم الأخشع، والخمس والعشرين لمن كان حاله بضد ذلك، طيب هذا الذي جاء إلى المسجد مع النداء وجلس ينتظر الصلاة وذاك الشخص الذي تأخر ولم يأت إلا بعد الإقامة ولم يدرك إلا ركعة بينهما تفاوت كبير، لكن افترض أن هذا المتقدم إلى الصلاة ما عقل من صلاته إلا العشر، لما كبر تكبيرة الإحرام جاءته الوساوس والخواطر والهواجس فلم يعقل من صلاته إلا العشر، والذي لم يدرك إلا ركعة أقبل على الصلاة بكليته وأتقنها واستحضرها من أولها إلى آخرها، يعني هناك وجوه كثيرة للتفاضل والتفضيل كثيرة، لا يعني أن الإنسان تقدم إلى الصلاة وحضر مع الجماعة من أولها أنه ضمن أنه أفضل من غيره، الذي جاءه متأخراً، ومع ذلك هو مطالب بأمور أخرى يحضر من أول الصلاة، بل من النداء، وينتظر الصلاة ليكون في صلاة، ومع ذلك إذا دخل في صلاته يقبل عليها ليحصل له الأجر كاملاً.
((بخمس وعشرين درجة)) أو ((بخمس وعشرين جزءاً)) الجزء هو الدرجة كما فسرته أو فسره الحديث الآخر.(32/17)
هذا الحديث يستدل به من يقول بأن الجماعة سنة وليست بواجبة؛ لأن صلاة الجماعة اشتركت مع صلاة الفرد بوصف وهو الفضل، فاق أحدهما الآخر في هذا الفضل، فصلاة الجماعة فاقت صلاة الفذ بهذا العدد واشتركا في الفضل، ولو كانت صلاة الجماعة واجبة لما ترتب على تركها فضل، نقول: هذا الكلام يمكن أن يورد على من يشترط الجماعة؛ لأننا إذا قلنا: إن الجماعة شرط صارت الصلاة دون جماعة باطلة، ولا فضل فيها ألبتة، فيرد عليه الفضل المثبت في هذا الحديث، لكن إذا قلنا: إن صلاة الجماعة واجبة، يأثم بتركها مع أن له فضل لصلاته بمفرده، له فضل من جهة، وعليه وزر من جهة، فالجهة منفكة، يعني هذا يرد على قول الظاهرية أن كل محظور يترتب عليه بطلان، بطلان المنهي عنه، لكن ما يرد على قول الجمهور أنه قد يأتي النهي ولا يقتضي البطلان إلا إذا عاد إلى ذات المنهي عنه أو إلى شرطه أو جزئه المؤثر الركن مثلاً، فإنه يبطل ببطلان هذا الركن، أو ببطلان ذلك الشرط، لكن شخص صلى في بيته أو في محله وعند هؤلاء الذين يقولون بأن صلاة الجماعة واجبة يقولون: له أجر على هذه الصلاة، له فضل، لكن فضل صلاة الجماعة أعظم بخمسة وعشرين ضعفاً، ويبقى أنه ترك ما وجب عليه فيأثم، فالصلاة صحيحة ومجزئة ومسقطة للطلب، ويترتب عليها ثوابها بقدر ما يعقل منها، إلا أنه أثم بتركه ما أمر به من الجماعة من أقوى أدلة من يقول بأن صلاة الجماعة سنة هذا الحديث مع حديث عتبان، أنه استأذن النبي -عليه الصلاة والسلام- في أن يصلي في بيته لأنه كبرت سنه وعمي، فأذن له النبي -عليه الصلاة والسلام- وزاره وصلى في بيته مكاناً يتخذه مسجداً، مع أنه جاء في حديث ابن أم مكتوم على ما سيأتي أنه استأذن النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو رجل أعمى وشاسع الدار، وفي طريقها هوام وأشجار ووادي وليس له قائد يلائمه، فأذن له، فلما انصرف، قال: ((أتسمع النداء؟ )) قال: نعم، قال: ((أجب، لا أجد لك رخصة)) مع أنه أذن لعتبان، عتبان لا يسمع النداء، ومكانه بعيد عن مسجد النبي -عليه الصلاة والسلام-، يعني أكثر من كيلوين؛ لأنه بين المسجد وبين قباء، تقدم أن تعرضنا لهذه المسألة في أي حديث؟ لعلنا أعجلناك؟ نعم؟ تقدم هذا حديث(32/18)
تكلمنا عليه وعرفنا المسافة التي بينه وبين مسجده -عليه الصلاة والسلام-، ولا فارق بينه وبين ابن أم مكتوم إلا أنه لا يسمع النداء، وابن أم مكتوم يسمع النداء، فلو قال ابن أم مكتوم: إنه لا يسمع النداء لعذره النبي -عليه الصلاة والسلام- كما عذر عتبان.
نعم.
في باب أسباب الغسل
"وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: خرجت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم الاثنين إلى قباء حتى إذا كنا في بني سالم وقف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على باب عتبان فصرخ به، فخرج يجر إزاره، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((أعجلنا الرجل ... )) إلى آخره، نعم في بني سالم، وحينئذٍ لا يسمع النداء، الحديث رقم (111).
عرفنا وجه استدلال من يقول بأن الجماعة سنة من هذا الحديث؟ لأننا نحتاج إلى أن نرجع إليه مرة ثانية؛ لأنه أثبت لمن صلى بمفرده فضلاً، أخذ ذلك من أفعل التفضيل، وأفعل التفضيل تقتضي أن يكون هناك شيئان اشتركا في وصف وهو الفضل، فاق أحدهما الآخر فيه، من صلى في الجماعة فاق من صلى بمفرده في هذا الفضل، لكنهما اشتركا في الفضل، فكيف يكون له فضل وقد ارتكب محرماً؟ نقول: هذا الإيراد يرد على من يقول باشتراط الجماعة، وأنها لا تصح صلاة الفذ مع قدرته على الجماعة، أما من يقول بالوجوب فلا تعارض بين الوجوب وبين الصحة، فتصح صلاة الفذ مع الإثم، تصح صلاته ويترتب عليها أجرها مع الإثم، أجرها بقدر ما عقل منها، فيها فضل عظيم، لكنه آثم بترك ما أوجب الله عليه.
قال -رحمه الله-: "وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((والذي نفسي بيده)) " الواو واو القسم ((والذي نفسي بيده)) هو الله -جل وعلا-، وفيه إثبات اليد لله -جل وعلا- على ما يليق بجلاله وعظمته، كثير من الشراح يقول: روحي في تصرفه، فراراً من إثبات اليد لله -جل وعلا- عند بعضهم، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يحلف على الأمور المهمة من غير استحلاف، وهو الصادق المصدوق.
يقول ابن القيم -رحمه الله-: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- حلف في نحو ثمانين موضعاً، وهذا منها.(32/19)
((والذي نفسي بيده لقد هممت)) الواو واو القسم ((الذي نفسي بيده)) مقسم به، مجرور بالواو، لقد اللام واقعة في جواب القسم (قد هممت) هذا هو جواب القسم، (قد) حرف تحقيق؛ لأنها دخلت على (هممت) على الماضي.
((لقد هممت)) قالوا: الهم هو العزم، وقيل: دونه، الهم من مراتب القصد التي ذكرناها مراراً مرت بنا.
مراتب القصد خمسٌ هاجس ذكروا ... فخاطر فحديث النفس فاستمعا
يليه هم فعزم كلها رفعت ... إلا الأخير ففيه الإثم قد وقعا(32/20)
((لقد هممت أن آمر بحطب)) آمر بحطب من أجل إيش؟ فأحرق عليهم بيوتهم ((أن آمر بحطب فيحتطب، ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها، ثم آمر رجلاً فيؤم الناس، ثم أخالف إلى رجال)) يعني آتيهم في بيوتهم على غرة؛ لأنهم يجزمون أن النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الوقت منشغل بالصلاة، وخالف إلى فلان إذا أتاه من حيث لا يحتسب على غرة ((ثم أخالف إلى رجال فأحرق عليهم بيوتهم)) وفي بعض الروايات: ((لا يشهدون الصلاة)) يعني لا يحضرون إلى الصلاة في المسجد ((لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم)) هذا مما استدل به من يقول بوجوب صلاة الجماعة؛ لأن الحديث تضمن عقوبة، ولا عقوبة إلا على ارتكاب محظور، أو ترك مأمور واجب فدل على وجوبها، جاء النهي عن التعذيب بالنار، منهم من يقول: إن الحديث قبل النهي، ومنهم من يقول: إن هذا خاص بالمتخلفين عن الجماعة ((أحرق عليهم بيوتهم)) الذين يقولون بعدم وجوب صلاة الجماعة لا شك أن الحديث فيه شدة على المتخلفين، وأي شيء أعظم من أن يُجمع الحطب وينوب في الصلاة التي هي قرة عين النبي -عليه الصلاة والسلام-، ثم يحرق عليهم بيوتهم، يعني الإنسان لا يجلد جلدة واحدة إلا لارتكابه محظور، فكيف يحرق عليه بيته بما فيه؟ لكن الذين يقولون بعدم الوجوب يقولون: إن هذا مجرد هم ولم ينفذ، الهم النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يهم إلا بما يجوز له فعله، وإذا جاز له فعل ما أقسم عليه وهو التحريق دل على أن الموجب لهذا التحريق، والسبب الذي من أجله هم النبي -عليه الصلاة والسلام- يدل على أن شأنه عظيم، وأنه ترك واجب وارتكاب محظور، قالوا: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما فعل، الجواب عنه بأنه جاء التعليل في بعض الروايات: ((لولا ما في البيوت من النساء والذرية)) يعني ممن لا تجب عليهم الجماعة، وهل يقال في مثل هذا: إنهم منهم كما سئل -عليه الصلاة والسلام- عن الجيش يبيت وفيهم النساء والذراري فقال: ((هم منهم))؟ يعني هم معهم ومنهم على الكفر، لكن هم بمفردهم لا يجوز قتلهم، وإذا تحصنوا بهم أو تترسوا بهم قتلوا معهم، لكن هنا هل يقال: النساء والذراري في البيوت هم منهم؟ لا، لا يقال: هم منهم؛ لأن هذا لا يجب عليهم، الصلاة لا تجب عليهم.(32/21)
قالوا: لو كانت صلاة الجماعة واجبة ما تركها النبي -عليه الصلاة والسلام-، يأمر رجل يؤم الناس ويترك الصلاة، ونقول: إن الصلاة واجبة؟ نقول: إنه ما ترك الجماعة -عليه الصلاة والسلام- لأنه سوف ينطلق برجال معهم حزم من حطب، وسوف يصلي بهم، إذاً صلى الجماعة، وكثيراً ما يسأل من قبل رجال الحسبة أنهم إذا انشغلوا بمحاصرة منكر يخشى من فواته، وترتب على ذلك فوات الجماعة نقول: يصلون جماعة؛ لأن هذا المنكر يفوت، لكن لو ترتب على ذلك فوات الوقت أو الجمعة، نقول: صلوها دفعات، كل اثنين يصلون جميعاً، على كل حال المنكر لا سيما الذي يفوت لا بد من مبادرته قبل أن يفوت، لا سيما إذا كان يترتب عليه ضرر على الآخرين، فلو خلا رجل بامرأة ليزني بها، أو برجل يريد قتله هذا لا بد من الحيلولة دونه ودون منكره، ولو ترتب على ذلك فوات الصلاة مع الجماعة، وهنا النبي -عليه الصلاة والسلام- ينطلق برجال لا يقال: إنه يترك الجماعة فكيف نستدل بفعله على وجوب الجماعة؟ نقول: لا، إنه يترك الجماعة إلى جماعة.
((ثم أخالف إلى رجال)) يعني لا يشهدون الصلاة ((فأحرق عليهم بيوتهم)) والذي جعله يعدل عما أقسم عليه -عليه الصلاة والسلام- هو ما جاء في بعض الروايات: ((لولا ما في البيوت من النساء والذرية)) قال بعضهم: إن هذا في حق المنافقين، لا في حق من يتخلف عن الصلاة.(32/22)
الجواب: أن المنافقين قد أعرض عنهم النبي -عليه الصلاة والسلام- وعن معاقبتهم، واكتفى منهم بالظاهر؛ لئلا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه؛ طيب النبي -عليه الصلاة والسلام- قتل المرتد، قتل الزاني المحصن؛ لماذا لا يقال: لئلا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه؟ بينما لو قتل أحد من المنافقين قال الناس: إن محمد يقتل أصحابه؟ وانظروا إلى الواقع، انظروا إلى واقع الناس اليوم، يعني لو حصل مضايقة أو مؤاخذة لشخص مستقيم هل يقوم معه الناس؟ من الذي سوف يقول: إن محمد يقتل أصحابه؟ هل يقوله المسلمون؟ لا، يقوله الكفار، لكن إذا حصل لأحد من أهل الخير والفضل والاستقامة مضايقة من سجن أو غيره هل يتحدث الناس أن المسلمين يقتلون أصحابهم، ويضيقون على أصحابهم؟ لن يتحدثوا بهذا أبداً؛ لأن الأمر لا يهمهم، لكن لو حصلت هذه المضايقة لشخص من المنافقين، أو شخص من أهل الشر والفساد تحدثت المنظمات والهيئات العالمية حقوق الإنسان وما حقوق .. ، وما أشبه الليلة بالبارحة، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- رجم الزاني المحصن، ولا في أحد بيقول: إن محمد يقتل أصحابه، وقتل المرتد، لكن لو قتل أحداً من المنافقين لوجدت المنظمات ويش تقول؟ نعم هذا الحاصل، ولكل قوم وارث؛ لئلا يقول مثلاً: إن محمداً يقتل أصحابه وقتل هذا ماعز راح، رجم؛ ليش ما قال الناس: إن محمداً يقتل أصحابه؟ لا لا، يعني إذا نظرنا إلى حقائق الأمور بعين البصيرة وجدنا أن لكل قوم وارث، الذين تكلموا في ذلك الوقت هم الذين يتكلمون اليوم.
((والذي نفسي بيده)) كذلك قسم آخر لأهمية الأمر، وعظم شأنه ((لو يعلم أحدهم)) هؤلاء المتخلفين لو يعلم ((أنه يجد عرقاً سميناً)) هو العظم إذا كان عليه لحم، وألذ أجزاء اللحم ما كان معه عظم.
((أو مرماتين حسنتين)) يعني إذا اختلط العظم بالسمن، وكان سميناً بالشحم، وكان على عظم صار أطعم ما في أجزاء البهيمة.
((أو مرماتين حسنتين)) المرماتين ما بين ضلعي الشاة، في بعض الشروح ظلفي، لكن الظلفين ما بينهن شيء، ليس بين الظلفين شيء، لكن ما بين الضلعين لا شك أنه من ألذ أنواع اللحم.(32/23)
((أو مرماتين حسنتين)) من الشراح من يقول: إن المرماتين ما يرمى به، وهو السهم لو وجد من هذا النوع شيء حسن لشهد العشاء، يعني لو وجد ما يدفعه من أمور الدنيا لأقبل عليه، لكنه عما ينفعه في آخرته غافل، " ((أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء)) رواه البخاري، وهذا لفظه، ومسلم وليس عنده: ((أو مرماتين حسنتين)) " ((أو مرماتين حسنتين)) ليست عند مسلم، وإنما هي لفظة البخاري.
طيب كثير من الشراح استروحوا ومالوا إلى أن هذا في حق المنافقين، وليس في حق غير المنافقين؛ لأنه لا يتصور أن يتخلف من غير المنافقين عن الصلاة من يستطيع الحضور إليها، وإذا وجد شيئاً من أمور الدنيا أقبل عليه، يعني ما بين الضلعين أو العظم الذي عليه لحم، هل هذا هو الذي يدفع المسلم لحضور الصلاة؟ يعني بعضهم يرجح أنه في المنافقين، لكن حتى على القول بأن المراد بالحديث المنافقون هل التحريق في الحديث من أجل النفاق، أو من أجل التخلف عن الصلاة؟ من أجل عدم شهودهم الصلاة، يعني حتى على القول بأن المراد بالحديث المنافقون وجه الاستدلال على وجوب صلاة الجماعة ظاهر، حتى على القول بأنهم المنافقون؛ لماذا؟ لأن التحريق وهذا التعذيب الذي تضمنه وهذه العقوبة التي تضمنها هذا الحديث إنما هو على عدم شهود الصلاة لا على النفاق، فدل على وجوب شهود الصلاة مع الجماعة.
هذا يقول: ما معنى قول صاحب الزاد في كتاب الصلاة: "باب الإمامة ولا تصح صلاة فاسق ككافر؟
ما قال كذا، ولا تصح صلاة فاسق ككافر لم يقل هذا "ولا تصح خلف فاسق ككافر" يعني الصلاة لا تصح خلف فاسق ككافر، يعني لا تصح إمامة الفاسق عند الحنابلة، وجاء في الحديث وهو ضعيف: ((ولا فاسقٌ مؤمناً)) على كل حال هذا القول مرجوح.
يقول: ومن المعلوم أن أهل السنة والجماعة يرون الصلاة خلف البر والفاجر، ومن لم ير ذلك فهو مبتدع؟
لا، القول بأن إمامة الفاسق لا تصح هذا قول معروف عند أهل العلم، لكن الجمع والأعياد والجهاد تصح خلف كل من له ولاية ولو كان فاسقاً، ولو كان فاجراً.
يقول: ما حكم رواية علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في التفسير؟
منقطعة.
ما حكم من صلى أربع ركعات سنة الظهر بتشهد واحد؟(32/24)
تقدم الكلام في رواية: ((صلاة الليل والنهار مثنى مثنى)) فإذا ثبتت فإن الصلاة لا تصح الأربع إلا بسلامين، وإذا لم تثبت فالأمر فيه سعة -إن شاء الله-.
ما حال حديث: ((الكمأة من المن، وهي شفاء للعين))؟
وهو في الصحيح.
وما معنى الكمأة؟
الكمأة نوع من أنواع اللي يسمونه الفقع، الذي يخرج في أيام الربيع.
يقول: ما هو الضابط الصحيح لحديث: ((زادك الله حرصاً ولا تَعُد)) أو تُعِد أو تَعْدُ؟
هذه تأتي -إن شاء الله- في موضعها قريباً -إن شاء الله تعالى-.
ما معنى حديث: "إن امرأتي لا ترد يد لامس"؟
منهم من قال: إن هذه كناية عن تساهلها في العرض، وإن لم يصل إلى حد يكون فيه الحد، وإلا لو كان الأمر كذلك لعد ديوثاً، ولأمر بفراقها إن لم ترتدع.
يقول: هل نقول: إن صلاة الرسول -عليه الصلاة والسلام- لراتبة الفجر في البيت ثم الذهاب إلى المسجد إن هذا الفعل خاص بالأئمة فقط دون المأمومين؛ لأن الواجب في حق المأمومين هو المبادرة إلى الصف الأول والتبكير إلى الصلاة؛ لقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((لو تعلمون ما في النداء)) ... إلى آخر الحديث؟
لا شك أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قدوة وأسوة للجميع، لكن من أفعاله ما يفعله باعتباره مشرعاً عاماً فيقتدي به كل مسلم، ومن أفعاله ما يفعله باعتباره إماماً في الصلاة فيقتدي به الأئمة، ومن أفعاله ما يفعله باعتباره سلطاناً وإماماً أعظم فيقتدي به الأئمة وولاة الأمر، ومثل هذا يمكن الجمع بين ما جاء من فعله وبين ما جاء من قوله من الحث على التبكير إلى الصلاة بأن يصلي ركعتي الصبح في بيته، ثم يضطجع، ثم يذهب إلى المسجد مبادراً مبكراً، ولا يلزم منه أن يضطجع حتى يستأذن للإقامة، كما كان النبي -عليه الصلاة والسلام-، ومثله صلاة الجمعة النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يخرج إلا للخطبة، لا يقول قائل: أنا أقتدي بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، ما أخرج إلا مع الإمام مع الخطبة، نقول: لا، أنت مأمور بالمبادرة.
يقول: لدينا جماعة في المسجد إذا تقابلوا في كل الفريضة في المسجد يتصافحون، فما حكم ذلك؟(32/25)
يعني إذا دخلوا المسجد تصافحوا بعد أن افترقوا ما في ما يمنع -إن شاء الله تعالى-، لكن وهم جلوس، لا، لكن إذا التقى المسلم بأخيه فصافحه جاء ما يدل عليه.
مؤذن يسأل عن وضع السجادة لحجز مكان له؛ لأنه قد يخرج للوضوء أو خدمة المسجد؟
المؤذن ما دام هو أول الناس حضوراً ووصولاً إلى المسجد فهو أحق بالمكان الذي يختاره، أحق بأفضل مكان، ثم إذا قام عنه وخرج ليعود إليه قريباً فهو أحق به، لكن إذا أذن وخرج إلى بيته، ثم جاء مع الإقامة هذا ليس بأحق بالمكان، لكن إذا قام عنه ليعود إليه قريباً فهو أحق به، والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
طالب: يا شيخ لو حجز المكان ورجع إلى الخلف؟
ما في بأس ما دام موجود في المسجد ما في إشكال.
طالب: عمال النظافة في المسجد يأخذون الأحذية ويضعونها في مكان وبعضهم يأخذها .... ؟
لا لا، ما يجوز، ما تحل لهم.
طالب: وجد مال في الحرم وتصرف بها ....
يضمن، يضمن إذا صرف شيء.
طالب:. . . . . . . . .
لا لا يضمن، يردها إلى مكان الودائع ...(32/26)
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: المحرر – كتاب الصلاة (33)
الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هذا يسأل يقول: ما القول الصحيح في سجود الشكر؟ هل يعمل به أم لا؟
نعم يعمل به، عند تجدد نعمة يسجد الإنسان شكراً لله -عز وجل-.
السؤال الثاني: هل الأفضل لطالب العلم أن يتخصص في فن معين أو يجمع جميع الفنون إذا كان عنده أهلية؟
نعم الأولى أن يتفنن ويأخذ من كل فن ما يحتاج إليه، هذا الأولى؛ لأن الصورة تكون عنده واضحة، أما إذا تخصص في فن معين، وأراد أن يفهم ما يريده من نصوص الكتاب، أو من نصوص السنة صار فهمه من وجهة نظر واحدة، ينظر إليها بعين واحدة، ولا بد من تعدد الأنظار، يعني الذي يتخصص في الحديث مثلاً كيف يتعامل مع النصوص وهو لا يعرف علوم الحديث؟ قد يعرف علوم الحديث لأنه تخصص في الحديث، يعني قد يتخصص في متون السنة، وقد يتخصص في الشروح، وقد يتخصص في الرواية، وقد يتخصص في الدراية، لكن نفترض أنه جمع بين هذه الأمور كلها، كيف يتعامل مع النصوص على طريقة أهل العلم عند التعارض؟ لا يحسن التعامل معها إلا إذا عرف أصول الفقه وقواعد الفقه وطرائق الفقهاء في التعامل مع النصوص من خلال مصنفاتهم، قد تمر عليه آية أو حديث تشتمل على مسألة عقدية كيف يتعامل معها ويعرف الموافق والمخالف ما لم يأخذ قسطاً كافياً من علم العقيدة؟ كيف يتعامل مع النصوص من تخصص مثلاً في الفقه وليست لديه الأهلية التامة فيما يتعلق بعلوم العربية وعلوم الآلة، لا بد من التفنن، لا بد من الأخذ من كل علم ما يكفيه لفهم نصوص الكتاب والسنة، وإلا فالأصل الكتاب والسنة، وما عدا الكتاب والسنة فهي وسائل لفهم الكتاب والسنة.
يقول: ما هي أفضل الطبعات في تحقيقات الكتب التالية:
تفسير البغوي:
أظن طبعة طيبة المحققة هي أفضل الطبعات من حيث الصحة، هذا من حيث الصحة، وأما بالنسبة لأندر الطبعات وأنفس الطبعات، فهي طبعة المنار التي طبعت مع تفسير ابن كثير.
فتح القدير للشوكاني:(33/1)
أنا معولي على الطبعة الأولى الحلبية الأولى، وأما التحقيقات والطبعات الجديدة التي ادعي تحقيقها فطبع أكثر من مرة، لكن لا أعرف عنها شيئاً.
الدر المنثور:
كذلك أنا عندي الطبعة الميمنية الأولى، وأحسب أن طبعة الدكتور عبد الله التركي جيدة فيما قيل لي، وإلا ما راجعتها أنا.
شرح الكوكب المنير لابن النجار:
هذا طبع طبعه الشيخ محمد حامد الفقي مطبعة أنصار السنة، وهذه الطبعة مثال لأبشع صور التحقيق، الخطأ والصواب حوالي سبعين صفحة، جدول الخطأ والصواب، وفي موضع واحد سقط أكثر من مائتي صفحة، طبعت فيما بعد، قد يقول قائل: إن النسخة التي اعتمد عليها ناقصة، نعم ناقصة، لكن ما يطبع الكتاب بهذه الطريقة، لا يمكن أن يطبع الكتاب بهذه الطريقة، لا بد من البحث عن نسخة كاملة، يعني الكتاب بأخطائه أشبه ما يكون بالطلاسم، وبعض الأخطاء مؤثرة في الحكم، ومضللة للطلاب، تسقط (لا) النافية، فيكون الكلام مثبتاً بعد أن كان منفياً، على كل حال طبعة الجامعة جامعة أم القرى في أربعة مجلدات جيدة في الجملة، عليها أشياء يسيرة، لكنها طيبة.
توضيح الأفكار للصنعاني:
طبعه الشيخ محي الدين عبد الحميد في مطبعة السعادة في مجلدين، وعلق عليه بتعليقات طيبة لا تسلم من الأخطاء اليسيرة وهي نافعة.
أسد الغابة لابن الأثير:
طبع في المطبعة الوهبية قبل مائة وأربعين سنة، في خمس مجلدات، ثم طبع بعد ذلك في مطبعة الشعب، وعليه تحقيقات وتعليقات جيدة.
الإصابة:
طُبع قديماً في الهند في كلكتا، ثم طبع مراراً بمصر، ثم طبعه البجاوي، وعليه تعليقات وتصويبات ومفهرس، يفيد طالب العلم في الفهرسة، الجزء الثامن فهارس.
تهذيب التهذيب لابن حجر:
طبع قديماً في الهند، طبعة فيها أخطاء كثيرة، لكن مازال الناس يعولون عليها، وما تفرع عنها، يعني ما طبع عنها، قد يجتهد بعض الناشرين ويصحح بعض الأشياء، لكن مازال الكتاب بحاجة إلى عناية، وهو قيد التحقيق على نسخة الحافظ ابن حجر.
يقول: هل أدرك فضيلة الجماعة إذا صليت مع زوجتي في المنزل؟(33/2)
الصلاة حيث ينادى بها، يعني في المساجد، فلا يجوز الصلاة في البيت مع القدرة على الصلاة في المسجد، لا سيما إذا كان يسمع النداء، لكن إذا فاتته الصلاة مع الجماعة، وصلى مع زوجته هذا أفضل من أن يصلي وحده.
هل تلزمني الجماعة إذا كنت مسافراً أو في غير بلدي؟
لا تلزمك إلا إذا سمعت النداء، فعليك أن تجيب.
هل الأفضل في العقيقة دعاء الناس إليها أم غير ذلك؟
إن وزعت أثلاثاً كما يقول أهل العلم يأكل ثلثاًَ، ويتصدق بثلث، ويهدي ثلثاً كان هذا أفضل وأطيب، لكن إذا طبخت ودعي إليها الأقارب ومن يحتاج إلى الأكل منها من الفقراء، وبعض الأصحاب، وجمع عليها الشمل في مثل هذه الصورة جيدة هذا لا بأس به -إن شاء الله-.
هل تغني طبعة الدكتور بشار على تحفة الأشراف عن طبعة عبد الصمد لأنها غير موجودة؟
يعني طالب العلم لو جمع بين الطبعتين كان أولى لأنه في كل واحدة ما لا يوجد في الأخرى، لكن إذا لم يجد إلا إحداهما فالذي يفوته شيء يسير ليس بكثير.
حديث عتبان بن مالك الذي رخص به -صلى الله عليه وسلم- الصلاة في داره أليس عتبان -رضي الله عنه- يقيم في الجماعة لقومه، وذلك في سياق الحديث ظاهر؟
عتبان أراد أن يصلي في بيته، وأراد من النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يصلي في مكان يتخذه مصلى.
ما هو القول في أجر مائة ألف صلاة؟ هل هي كل حدود الحرم أم هو خاص بالمسجد فقط؟
لا، هي في جميع الحرم، وهذا قول جمهور أهل العلم، لكن الصلاة في المسجد لها مزايا أيضاً، كثرة الجماعة والقدم والصلاة على الجنائز يحرص عليها طالب العلم.
إيش وقفت عليه؟
طالب: حديث عبد الله بن عمر.
((لا تمنعوا))؟
طالب: إيه.
سم.
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين.
قال الإمام ابن عبد الهادي -رحمه الله تعالى- في كتابه المحرر:
وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا تمنعوا إماء الله مساجد الله)) متفق عليه، ولأحمد وأبي داود والحاكم وقال: على شرطهما: ((لا تمنعوا النساء أن يخرجن إلى المساجد، وبيوتهن خير لهن)).(33/3)
وعن زينب الثقفية امرأة عبد الله قالت: قال لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا شهدت إحداكن المسجد فلا تمس طيباً)) رواه مسلم.
وعن أبي موسى -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن أعظم الناس أجراً في الصلاة أبعدهم إليها ممشى فأبعدهم، والذي ينتظر الصلاة حتى يصليها مع الإمام أعظم أجراً من الذي يصليها ثم ينام)) وفي رواية: ((حتى يصليها مع الإمام في جماعة)) متفق عليه.
وروى هشيم عن شعبة عن عدي بن ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر)) رواه ابن ماجه، والدارقطني، وإسناده على شرط مسلم، وقد أُعل بالوقف.
وعن نافع قال: أذن ابن عمر في ليلة باردة بضجنان، ثم قال: صلوا في رحالكم، فأخبرنا أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: كان يأمر مؤذناً يؤذن ثم يقول على إثره: ألا صلوا في الرحال في الليلة الباردة أو المطيرة في السفر، متفق عليه، وهذا لفظ البخاري.
وروى أبو داود من حديث ابن إسحاق عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنه- قال: نادى منادي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بذلك في المدينة في الليلة المطيرة والغداة القرة.
وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنه سئل عن الثوم؟ فقال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من أكل من هذه الشجرة فلا يقربنا ولا يصلي معنا)) متفق عليه، واللفظ لمسلم.
وعن يزيد بن الأسود -رضي الله عنه- أنه صلى مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاة الصبح بمنى، وهو غلام شاب، فلما صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا هو برجلين لم يصليا، فدعا بهما، فجيء بهما ترعد فرائصهما، فقال لهما: ((ما منعكما أن تصليا معنا؟ )) قالا: قد صلينا في رحالنا، قال: ((فلا تفعلا، إذا صليتم في رحالكم ثم أدركتم الإمام لم يصل فليصليا معه ...
فصليا، فصليا معه.
((فصليا معه، فإنها لكم نافلة)) رواه أحمد وهذا لفظه، وأبو داود والنسائي والترمذي وصححه.(33/4)
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- رجل أعمى فقال: يا رسول الله إنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد، فسأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يرخص له فيصلي في بيته، فرخص له، فلما ولى دعاه فقال: ((هل تسمع النداء بالصلاة؟ )) قال: نعم، قال: ((فأجب)) رواه مسلم.
يكفي، يكفي، بركة.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(33/5)
"وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا تمنعوا إماء الله مساجد الله)) متفق عليه، ولأحمد وأبي داود والحاكم وقال: على شرطهما: ((لا تمنعوا النساء أن يخرجن إلى المساجد، وبيوتهن خير لهن)) " في قوله: ((لا تمنعوا إماء)) النهي هذا موجه إلى أولياء الأمور من الزوج والأب، ومن ولي أمر امرأة فإنه يتوجه إليه الخطاب، فالزوج لا يجوز له أن يمنع زوجته، والأب لا يجوز له أن يمنع ابنته، والأخ لا يجوز له أن يمنع أخته، وإذا توجه الخطاب إليهم عرفنا أن المرأة ليس لها أن تخرج من بيتها إلا بإذن ولي أمرها الذي يتجه إليه الخطاب في هذا الحديث: ((لا تمنعوا)) لأنه لو لم يكن له شأن لما توجه النهي إليه، كيف يقال: لا تمنع وهو في الأصل ليس له أن يمنع؟ فلولا أنه في الأصل له أن يمنع لما توجه إليه النهي بـ ((لا تمنعوا)) فلا يجوز للمرأة أن تخرج من بيتها إلا بإذن زوجها، وإذا لم تكن متزوجة فلا تخرج إلا بإذن أبيها؛ لأنه هو ولي أمرها، وهو مالك أمرها، وهو الذي يقوم على مصالحها، وهو الذي يكفها ويكف عنها عما يشينها ويدنسها، وعارها عار له، وعرضها عرض له، فاتجه النهي إلى ولاة الأمور، فلا يجوز للأب أن يمنع ابنته، ولا يجوز للزوج أن يمنع زوجته إذا أرادت الخروج إلى المسجد، والإماء جمع أمة، والمراد بها المرأة، وهل يدخل في هذا الأمة الرقيقة، فلا يجوز لسيدها أن يمنعها أو أن هذا في الأحرار اللواتي أمرهن في الخدمة أقل من أمر الأرقاء؛ لأن الرقيقة مشغولة بخدمة سيدها، وإذا كان للسيد أن يمنع الرقيق من حضور ما يفوت مصلحته فلأن يمنع الرقيقة التي لا تجب الجماعة عليها أصلاً من باب أولى، فهل يقول: إن الإماء داخلات في النص الرقيقات أو أن هذا في الحرائر؟ الأمة كالعبد مشغولان بخدمة السيد، وخفف ورخص لهم في بعض الواجبات؛ لئلا يترتب على ذلك تفويت حق السيد.(33/6)
((لا تمنعوا إماء الله)) إماء الله جمع أمة، ودخول الرقيقة في اللفظ واضح، لكن هل المقصود الإماء بمعنى الرقائق أو النساء بدليل الرواية الثانية: ((لا تمنعوا النساء)) والنساء يشمل الأحرار والرقيقات، فهل للسيد أن يمنع الأمة من الخروج إلى المسجد إذا ترتب على ذلك تفويت مصلحة أو خشي مفسدة، هذا لا إشكال فيه، كما أن له أن يمنع زوجته إذا ترتب على ذلك ضرر، تضييع للأولاد مثلاً، ولا يوجد من يحضنهم، له أن يمنعها؛ لأن هذا مبرر، وجمهور أهل العلم على أن النهي للتحريم أو للكراهة؟ ((لا تمنعوا)) الأصل فيه التحريم، لكن باعتبار أن خروجها لأمر ليس بواجب حمله الجمهور على الكراهة، والكراهة عندهم تزول بأدنى حاجة، والصارف من التحريم إلى الكراهة، ما الصارف؟ قلنا: إن الخروج ليس لأمر واجب وإنما هو لأمر .. ، هل هو مستحب؟ الجماعة مستحبة بالنسبة للنساء أو مباحة؟ مباحة؛ لأنه يقول: ((وبيوتهن خير لهن)) ولو قيل: إن خروج المرأة للمسجد خلاف الأولى لما بعد لقوله: ((وبيوتهن خير لهن)).(33/7)
((لا تمنعوا إماء الله مساجد الله)) نعم يترتب على ذلك: ((لا تمنعوا إماء الله مساجد الله)) يترتب على حضور المرأة إلى المسجد بعض المصالح تسمع الذكر، تسمع قراءة الإمام، تضبط صلاتها؛ لأن بعض الناس يضبط الصلاة مع الجماعة، ولا يضبطها إذا صلى منفرداً، تتشجع للقيام مثلاً؛ لأن الإنسان إذا كان بمفرده قد لا يتشجع له، هناك مصالح مرتبة على حضور الجماعة، لكن بيتها خير لها؛ لأن الأصل أن المرأة مأمور بالقرار: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [(33) سورة الأحزاب] هذا هو الأصل، والخروج للحاجة، والحاجة تقدر بقدرها، وليست المرأة مهنتها ووظيفتها البروز والخروج، وإنما البروز على خلاف الأصل، ولذا يقال في بعض النساء: إنها برزة، ويش معنى برزة؟ يعني تخرج، ولو كان وصفاً غالباً لما قيل: برزة، ما يقال للرج: برزة؛ لأن الأصل فيه الخروج أن يخرج من بيته، لكن امرأة برزة الأصل: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [(33) سورة الأحزاب] لكن إذا كانت تخرج بكثرة قيل لها: برزة، ولا شك أن الحاجة مستثناة إذا وجد حاجة والحاجة تقدر بقدرها، بمعنى أنها لا يجوز أن تخرج أكثر من قدر الحاجة، وقد توسع الناس في خروج النساء وتساهل الناس فيه، وترتب على ذلك مضار ومفاسد لا تحصى، صارت العادة عند المرأة أن تخرج، ونزع عنها ما كان يعهد منها من حياء، وعهدنا النساء قبل ثلاثين سنة يعني قبل أن تفتح الدنيا عهدنا النساء يلزمن الجدران، حتى إذا ما وصلت البيت فإذا العباءة فيها أثر الجدار، والآن يتوسطن الطريق، والرجل هو الذي يحيد يميناً أو شمالاً، وتتكلم المرأة بكل طلاقة وصفاقة، تتكلم على الرجال، والرجل أحياناً يستحيي أكثر من المرأة، وما ذلكم إلا لأنه كثر الإمساس فقل الإحساس، وخير مال المرأة ألا ترى الرجال ولا يرونها.(33/8)
أذن للنساء أن يخرجن للصلاة تفلات غير متطيبات وغير متزينات، لا يلفتن أنظار الرجال، ولا يثرن الغرائز، فلا يفتن ولا يُفتن، لكن الواقع كذلك؟ لا والله، ويستدل بعض دعاة الاختلاط إلى ما يحصل في بيت الله الحرام بجوار الكعبة، فالمرأة تطوف مع الرجال، لكن من قال: إن الصورة الموجودة الآن شرعية مع هذا التبرج، ومع قلة الحياء؟! يستدل بها إذا كانت شرعية، أما غير الشرعي لا يستدل به، يعني المرأة بكامل زينتها وتلبس من الملابس وقد تتطيب، وتتكلم مع الآخرين مع رفع الصوت، ويستدل بهذا على جواز الاختلاط؟ أبداً، الشرع ما يقر مثل هذا، يعني كون الناس تساهلوا، تساهل النساء، تساهل أولياء الأمور، وتساهل أهل الغيرة في الإنكار، إنكار مثل هذه المظاهر حتى وصل الأمر إلى ما وصل إليه، فليس في هذا مستمسك ولا دليل لمن يقول بالاختلاط، ولو كانت الصورة الشرعية الموجودة في عهده -عليه الصلاة والسلام-، وفي صدر هذه الأمة ما قال أحد مثل هذا الكلام؛ لأنه لم يوجد اختلاط بمثل هذه الصورة إلا في هذا المكان الذي يستشعر فيه عظمة الرب من تعظيم الشعائر، والهم بالمعصية في هذا المكان يؤاخذ عليه ويعاقب عليه بخلاف غيره، فكيف يقاس غيره عليه؟!
((لا تمنعوا إماء الله مساجد الله)) ولأحمد وأبي داود والحاكم وقال: على شرطهما: ((لا تمنعوا النساء أن يخرجن إلى المساجد، وبيوتهن خير لهن)).
وعن زينب الثقفية امرأة عبد الله بن مسعود قالت: قال لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا شهدت إحداكن المسجد فلا تمس طيباً)).(33/9)
لا يجوز للمرأة أن تخرج من بيتها متطيبة متعطرة، وإذا خرجت من بيتها متطيبة فهي إيش؟ زانية، نسأل الله العافية، وأوجب عليها أهل الظاهر الغسل، ولا شك أن الطيب يلفت الأنظار، وإذا كان هذا المتعلق بحاسة الشم، وهي أضعف من حاسة البصر فكيف بما هو أشد من ذلك من التبرج، يلبسن ألبسة رقيقة تكشف ما تحتها، نعم على الرجل أن يغض البصر، ليس هذا بمبرر أن يرسل الإنسان بصره في النساء، لا، وكل واحد له ما يخصه من خطاب الشرع، يحرم على المرأة أن تتبرج، ويحرم على الرجل أن يرسل بصره، ولا شك أن على النساء الكفل الأعظم من هذا الشأن؛ لأنهن مباشرات للتبرج، متسببات لإغراء الرجال، فعليهن إثم المباشرة وإثم التسبب، وعلى الرجل إثم مباشرة إرسال بصره، وما يعقب ذلك مما هو أشد منه، فعلى الإنسان أن يتقي الله، لا سيما إذا جاء لعبادة، يعني تعجب من هذا الاضطراب، وهذه الازدواجية التي يعيشها كثير من الناس، تجده يأتي إلى مكان العبادة، تأتي إلى المسجد مع سائق بدون محرم إلى صلاة التهجد، تأتي متبرجة، تأتي متعطرة، تأتي بمنكرات يستشرفها الشيطان ويغري بها، والرجل يحضر إلى هذه الأماكن المقدسة المعظمة المشرفة ومع ذلك يرتكب محرمات، والإنسان إذا أراد أن يقدم إلى مثل هذه المواطن عليه أن يحاسب نفسه، هل هو في سفره هذا مأجور أو مأزور؟ وقد يكون مأجوراً من جهة ومأزوراً من جهة، لكن أيهما الغالب؟ ولا شك أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، فإذا كان لا يستطيع أن يقصر بصره ويغض بصره فإنه حينئذٍ لا يجوز له أن يعرض نفسه للتهم والفتن، فمثل هذا يجلس في بيته، لا يقول: يصلي في بيته، يصلي في مكان ليس فيه فتنة، فالواجب لا بد من الإتيان به ولا يتعذر بشيء، هذا بالنسبة للواجب، وأما المندوب فله ذلك، ولذا لما قال من قال: {ائْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي} [(49) سورة التوبة] يقول: إذا رأينا بنات بني الأصفر لن نصبر، قيل له: {أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ} [(49) سورة التوبة] لماذا؟ لأنه يتعذر بهذا المظنون في مقابل أمر واجب، لكن في مقابل أمر مستحب له ذلك، يحاسب نفسه ويقول: أنا والله لا أستطيع، ولا أستطيع أن أتحمل إثم في مقابل كسب، ومثل هذا لمن يريد(33/10)
الإنكار ويغشى الأسواق من أجل الإنكار إذا كان يتأثر بهذه المناظر لا يجوز له أن يغشى هذه الأماكن، لكن إذا استطاع أن ينكر من غير أن يتأثر هذا مأمور به، ((من رأى منكم منكراً فليغيره)) وهو مأجور على هذا.
((إذا شهدت إحداكن المسجد فلا تمس طيباً)) يعني من باب أولى ألا تتبرج، والمقصود من ذلك كله ألا تغري الرجال بها وتفتن الرجال.
يقول القرطبي فيما ذكرناه سابقاً من مظاهر تبرج الجاهلية الأولى شق القميص من الجانبين، ولو بحثت في أسواق المسلمين تبحث عن قميص ما فيه شق من الجانبين تعبت، كما أنك لو بحثت عن ملابس أطفال مناسبة شرعية ما تجد، أو ملابس ليس فيها صور ما تجد، هذه غربة، وهذه مسئولية من ولاه الله أمر مراقبة هذه الأمور في المداخل، لا يجوز إدخال ما فيه محظور، وهي مسئولية أيضاً من يباشر استيراد هذه الملابس، يعني قد يقول قائل: إن الشق يسير شبر، لكن مع المشي يزيد مع ركوب السيارة أو الدابة ما يبقى شيء مخفي، إذا أرادت أن تطلع على شيء مرتفع أو تنزل خرج أكثر من ذلك، ولا شك أن هذه من خطوات الشيطان، ومن تقليد الكفار والتشبه بهم، والله المستعان.
عرفنا أن المرأة لا يجب عليها جماعة، وأن الجماعة خاصة بالرجال، لكن إذا حضرت الجماعة أجزأتها الصلاة، وبيتها خير لها.
قال -رحمه الله-:(33/11)
"وعن أبي موسى -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن أعظم الناس أجراً في الصلاة أبعدهم إليها ممشى فأبعدهم)) " جاء في الحديث أن بني سلمة أرادوا أن ينتقلوا إلى جوار المسجد فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((بني سلمة دياركم تكتب آثاركم)) يعني ألزموا دياركم تكتب آثاركم، فأعظم الناس أجراً في الصلاة أبعدهم إليها ممشى، لما يترتب على ذلك من كثرة الخطى، المكفرات كثرة الخطى إلى المساجد، وكل خطوة حسنة، ويحط بها سيئة، فرق بين من يقدم إلى المسجد من عشر خطوات وبين من يقدم منها إلى المسجد من عشرين أو خمسين أو مائة خطوة، فالأبعد ممشى هو الأعظم أجراً، والأجر على قدر النصب، لكن ليعلم أن الممشى هذا إنما يرتب عليه الأجر إذا احتيج إليه من أجل الصلاة، فالمشقة لذاتها ليست مطلوبة شرعاً، المشقة لذاتها ليست من مطالب الشرع، لكن إذا اقتضتها عبادة ترتب عليها الأجر، وإذا كان لك طريقان إلى المسجد أحدهما قريب والثاني بعيد تسلك القريب أو البعيد؟ القريب هذا الأصل؛ لأن سلوكك البعيد ليس من متطلبات الصلاة، وإلا بالإمكان أن يدور الإنسان حول الحي، وبدلاً من أن يصل بعشرين خطوة يصل بألف خطوة، لكن هذا ليس مطلوب، والله -جل وعلا- عن تعذيب الإنسان نفسه غني، وبالإمكان إذا أراد الحج من نجد يذهب إلى الشرقية ثم يمسك جهة الشرق، ثم الشمال، ثم الغرب ويأتي، وبدلاً من أقل من ألف كيلو يمشي خمسة آلاف كيلو، من أجل الأجر، نقول: ما لك أجر، إلا بقدر ما تتطلبه هذه العبادة من بيتك إلى موضع العبادة، وما زاد على ذلك فليس فيه أجر.
((أبعدهم إليها ممشى)) لما يترتب على ذلك من كثرة الخطى التي رتب عليه الأجور ((فأبعدهم)) أبعدهم إليها ممشى ثم يليه من دونه، ثم يليه من دونه.(33/12)
((والذي ينتظر الصلاة حتى يصليها مع الإمام)) ينتظر الصلاة والمراد بذلك صلاة العشاء وغيرها من الصلوات، لكن قوله: ((أعظم أجراً من الذي يصليها ثم ينام)) هذا بالنسبة لصلاة العشاء؛ لأن النوم يكون بعد العشاء، وفي وقتنا هذا لو قيل بأن المراد بالصلاة صلاة الفجر ما بعد؟ لأن أكثر الناس اليوم يسهرون إلى صلاة الفجر، ثم يصلون وينامون، وبعضهم قد لا ينتظر الإمام؛ لأنه تعب من السهر، وهناك مساجد يعني في المنطقة الشرقية مساجد يمكثون بين الأذان والإقامة خمس وأربعين دقيقة صلاة الصبح، والليل قصير في الصيف، والجو حار، والناس يسهرون، ثم يحصل مشاكل، سمعنا كثير من الشكاوى والإشكالات في المسجد يدخل على أنه يبي يصلي جاء موقت على الإقامة خمس وعشرين دقيقة، ثم يقال له: انتظر ثلث ساعة بعد، هذا الثلث الساعة من أشق الأوقات على مثل هذا، لكن لو يعلم الذي ينتظر الصلاة حتى يصليها مع الإمام أعظم أجراً من الذي يصليها ثم ينام؛ لأن هذا في صلاة ما دام ينتظر الصلاة، وذاك استعجل وفوت أجر صلاة الجماعة وانتظار الصلاة الذي هو الرباط، وهو في صلاة مادام ينتظر الصلاة، ففوت على نفسه أجراً عظيماً.
قال: " ((والذي ينتظر الصلاة حتى يصليها مع الإمام)) يعني ولو تأخر ((أعظم أجراً من الذي يصليها ثم ينام)) وفي رواية: ((حتى يصليها مع الإمام في جماعة)) " أعظم أجراً يدل على أن الذي صلى قبل الإمام ثم نام له أجر، وهو مقتضى أفعل التفضيل "أعظم أجراً" أن له أجر، لكن الذي انتظر الإمام وصلى معه أعظم منه أجراً، ذاك له أجر لكن الذي انتظر الإمام أعظم، وهذا هو معنى حديث: ((صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة)) يعني صلاة الفذ فيها أجر، لكن صلاة الجماعة أفضل منها على ما تقدم، ولا يعني هذا أن صلاة الجماعة ليست بواجبة؛ لأنه استدل به من يقول باستحباب صلاة الجماعة، وصلاة الجماعة سنة لأن له أجر، نقول: نعم له أجر، لكن عليه وزر، والجهة منفكة، له أجر الصلاة، وعليه وزر ترك الجماعة.
"وفي رواية: ((حتى يصليها مع الإمام في جماعة)) متفق عليه".(33/13)
"وروى هشيم عن شعبة عن عدي بن ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر)) رواه ابن ماجه والدارقطني، وإسناده على شرط مسلم، وقد أُعل بالوقف" يعني من كلام ابن عباس.
أولاً: هشيم مدلس وقد عنعن هنا عن شعبة.
وفي الصحيح عدة كالأعمشِ ... وكهشيم بعده وفتشِ
يعني ممن رمي بالتدليس، هشيم مرمي بالتدليس، لكن الحديث له طرق يصل بها إلى درجة الصحيح.
"عن شعبة عن عدي بن ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس" فيه تعارض الرفع مع الوقف، لكن الذي رفعه أئمة حفاظ فقولهم مقدم على قول من وقفه، وقد يروى الحديث مرفوعاً، ينشط بعض الرواة فيرفعه، وقد لا ينشط في وقت من الأوقات فيوقفه على الصحابي، ولا يكون ذلك مؤثراً فيه؛ لأنه روي على الوجهين.
على كل حال الحديث صحيح: ((من سمع النداء فلم يأته)) فلا صلاة له إلا من عذر، هذا دليل وحجة من يقول بأن الجماعة شرط لصحة الصلاة عند القدرة على الحضور إليها، الجماعة شرط لصحة الصلاة، وعرفنا أنه قول داود، ويميل إليه، بل يرجحه شيخ الإسلام وابن القيم، يرون أن الذي لا عذر له فلم يصل مع الجماعة فإنه صلاته باطلة، والقول الثاني: أن الجماعة واجبة وليست بشرط، والثالث: أنها واجبة على الكفاية، والرابع: أنها سنة، وعرفنا أن الراجح من هذه الأقوال أنها واجبة على ما تقدم في حديث الهم بالتحريق، وأيضاً حديث ابن أم مكتوم وسيأتي.(33/14)
((فلا صلاة له)) إذا قلنا: إن الحديث صحيح فالنفي هنا: ((لا صلاة له)) الأصل أن النفي يتجه إلى حقيقة الصلاة، وإن لم يتجه -إن لم يمكن اتجاهه- إلى الحقيقة كما في قوله: ((صلِ فإنك لم تصلِ)) اتجه إلى الحكم، يعني لم تصلِ حكماً، نفياً للحقيقة الشرعية، إذا انتفت الحقيقة اللغوية أو الحقيقة العرفية ثبتت الحقيقة الشرعية، فيكون المنفي هنا حقيقتها الشرعية، يعني لا صلاة له على الخلاف بين أهل العلم، إما صحيحة يعني مجزئة، فتكون حينئذٍ صلاته باطلة، أو فلا صلاة كاملة، والكمال منه الكمال الواجب، ومنه الكمال المستحب، فالذي يقول: لا صلاة مجزئة هؤلاء هم من يقول باشتراط الجماعة للصلاة، والذين يقولون: لا صلاة كاملة الكمال الواجب هم الذين يقولون بوجوب صلاة الجماعة من غير اشتراط، والذين يقولون: لا صلاة كاملة الكمال المستحب المندوب هم الذين يقولون بأن صلاة الجماعة مستحبة، وعرفنا أن الراجح من هذه الأقوال بأن صلاة الجماعة واجبة لكنها ليست بشرط للصحة.
قال: "وعن نافع قال: أذن ابن عمر في ليلة باردة بضجنان" بضجنان جبل قالوا: قريب من مكة "في ليلة باردة" برداً يشق معه الحضور إلى الجماعة، ثم قال: "صلوا في رحالكم" ثم قال، ظاهره أنه بعد تمام الأذان بما فيه حي على الصلاة حي على الفلاح، ثم قال: "صلوا في رحالكم" فكأنه دعاهم إلى الصلاة ثم قال: "صلوا في رحالكم" هذا ما جعل ابن عباس يقول لمؤذنه إذا بلغت حي على الصلاة حي على الفلاح قال: صلوا في رحالكم؛ لتكون بديل عن حي على الصلاة حي على الفلاح، ويش ما معنى حي على الصلاة حي على الفلاح وهم يصلون في بيوتهم في منازلهم؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم تكون العزيمة حي على الصلاة وهي الأصل، يعني أن الذي لا يتضرر ولا يشق عليه الحضور ويرتكب العزيمة هذا هو الأصل، من يشق عليه الحضور فله الرخصة "صلوا في رحالكم" لأنه استشكل.(33/15)
"فأخبرنا أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يأمر مؤذناً يؤذن" يعني أذاناً تاماًَ "ثم يقول على إثره: ألا صلوا في الرحال في الليلة الباردة أو المطيرة في السفر" استشكل أن يقال: حي على الصلاة حي على الفلاح، صلوا في رحالكم، نقول: الأصل والعزيمة حي على الصلاة حي على الفلاح، لكن من يشق عليه ارتكاب العزيمة فله رخصة أن يصلي في رحله، ألا صلوا في الرحال في الليلة الباردة، فالبرد القر الشديد القارس، الذي يشق على المصلين {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [(78) سورة الحج] "صلوا في رحالكم" المطيرة إذا كان المطر يشق معه الحضور إلى الجماعة إلى المسجد "صلوا في رحالكم".
"في السفر" الباردة أو المطيرة في السفر هذا قيد مؤثر وإلا غير مؤثر؟ أو غالب أن المشقة إنما تكون في السفر مع المطر والبرد؟ لا شك أنه في السفر أشد منه في الحضر، لكن إذا وجدت المشقة فالنبي -عليه الصلاة والسلام- جمع بالمدينة من غير خوف ولا مطر، أراد ألا يحرج أمته، فإذا وجد الحرج ووجدت المشقة وجد الحكم، ولم يكن ذلك مرتبطاً بالسفر إلا أنه الغالب أن تكون هذه المشقة في السفر، والناس في هذه المسألة على طرفي نقيض، وقل أن يوجد المتوسط، وتجدون في أيام المطر مساجد تجمع ومساجد لا تجمع، مع أن هذه السنة "صلوا في رحالكم" قد أميتت، ما نسمعها، بل ما سمعناها في العمر كله، مؤذن يقول: "صلوا في رحالكم" مع أنها هي السنة أفضل من الجمع، من جمع الصلاتين، مع أن الجمع له مبرر، لكن هذا أفضل من الجمع "صلوا في رحالكم" لكن ماذا عن شخص جمع أو صلى برحله، ثم خرج إلى محله إلى تجارته يسوغ الجمع في هذه الصورة؟ جمع الصلاتين ثم خرج إلى نزهة واستراحة مع زملائه، أو إلى محله التجاري أو .. ، تجد بعض الناس يتذرع بأدنى شيء، فيجمع مع عدم المشقة، وتجد الناس يشق على نفسه وعلى غيره، وتوجد المشقة العظيمة التي لا تحتمل ومع ذلك يصر على عدم الجمع، ودين الله وسط بين الغالي والجافي.
هنا يقول: ألا صلوا في الرحال، هذا عن النبي -عليه الصلاة والسلام- في الليلة الباردة، أو المطيرة في السفر، يعني إذا وجد المبرر يصلي الناس في رحالهم في بيوتهم.(33/16)
متفق عليه، وهذا لفظ البخاري.
"وروى أبو داود من حديث ابن إسحاق عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنه- قال: نادى منادي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بذلك في المدينة في الليلة المطيرة والغداة والقرة".
بالليلة المطيرة يعني إذا وجد فيها المطر، والغداة يعني صلاة الصبح إذا وجد البرد الشديد، والقرة شديد البرد، والقر مقابل الحر، وهو البرد الشديد، فإذا وجد هذا المبرر فإنه ينادى بالصلاة في الرحال، والخبر فيه ابن إسحاق، رواه بالعنعنة وهو مدلس، لكنه شاهد أو طريق من طرق الحديث الذي قبله، يعني متابع له، يرتفع بالمتابع السابق.
قال -رحمه الله-:
وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنه سئل عن الثوم؟ فقال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من أكل من هذه الشجرة فلا يقربنا ولا يصلي معنا)) متفق عليه، واللفظ لمسلم.
((من أكل من هذه الشجرة)) يعني الثوم، ومثله البصل، وجاء في الحديث: ((من أكل ثوماً أو بصلاً)) ومثله الكراث، وأشد منه الدخان.
((فلا يقربنا ولا يصلي معنا)) وقد يقول قائل: هذه رخصة لمن أكل الثوم، ولمن أكل البصل، ولم شرب الدخان ألا يصلي مع الجماعة! ترى شخص عند باب المسجد يدخن، تقول له: صل؟ يقول: والله أنا ممنوع من دخول المسجد؛ لأني أؤذي المصلين وأؤذي الملائكة، دخولي يؤذي المصلين ويؤذي الملائكة فلا أدخل أصلي، ويتذرع بمثل هذا، ويظن أن هذا رخصة، لا، هذه عقوبة، منعه من المسجد عقوبة، لو كان يعي ما يقول، يعني أنت افترض أنك في مجلس زيد من الناس، في بيت زيد من الناس فقيل لك: يا فلان اخرج، ويش يكون موقفك؟ فكيف إذا منعت من بيت الله؟ لكن الموازين مختلة، الموازين ليست شرعية، يتذرع بأكل الثوم أو البصل أو شرب الدخان ليترك صلاة الجماعة، نقول: أنت معاقب محروم من دخول بيت الله، وإذا كان يحز في نفسك أن تمنع من دخول بيوت الناس، فكيف إذا منعت من بيت الله؟ وما شعورك إذا أقبلت إلى مدرستك أو جامعتك من أجل الاختبار وأوصد دونك الباب، ويش موقفك؟ نعم؟ ويش موقفك إذا وجدت الباب مغلق والطلاب يختبرون؟ يعني الاختبار أهم من الصلاة عندك؟(33/17)
((من أكل من هذه الشجرة)) جاء تسميتها بالخبيثة، أو وصفها بالخبيثة، ومع ذلك هي حلال وليست بحرام، وإن قال ابن حزم بتحريم أكل الثوم والبصل، لكن سئل النبي -عليه الصلاة والسلام- كما في صحيح مسلم: أحرام هما؟ قال: ((أنا لا أحرم ما أحل الله)) فيبقى أن الإنسان إذا وجدت الحاجة لأكل الثوم والبصل لعلاج يعني ذكر له الثوم مثلاً علاج، ولا سبيل إلى علاج ولا بد منه، ولا بديل عن الثوم يأكل ثوم، ويكون حينئذٍ معذور في ترك الجماعة، يعني نظير فيما لو مرض يوم الامتحان معذور يعطى عذر، ويختبر مرة ثانية، هذا عذر إذا كان محتاج إليه، أما أكله بدون حاجة فلا شك أنه يترتب عليه الحرمان العظيم من دخول المسجد، والحرمان مركب، العلة مركبة من شقين، وهي الأذى في المسجد ((فلا يقربن مسجدنا)) لا يصلي معنا فلا يؤذنا، مركبة من أمرين: الأذى والمسجد، فلو أكل مجموعة من الناس الثوم خارج المسجد نقول: لا يصلون جماعة؟ كلهم أكلوا ثوم؟ أو نقول: لا يأكلون ثوم لأن الجماعة قائمة؟ العلة مركبة من أمرين: ((فلا يقربن مسجدنا)) وأمر بإخراجه من المسجد الأمر الثاني: الأذى، فلو اتفق جماعة على أكل الثوم خارج المسجد في رحلة أو نزهة فأكلوا جميعاً ثوم وصلوا فلا إشكال.
لو دخل بمفرده وقد أكل الثوم بالمسجد، وأراد أن يصلي ركعتين نقول: اخرج عن المسجد؟ مع عدم وجود الأذى، ما يوجد من يتأذى به، نقول: هذا شق العلة، وأعظم من ذلك الحدث في المسجد مثلاً، جالس في المسجد عرض له ريح هل يرسل هذه الريح أو لا يرسلها؟ إذا وجد من يتأذى وفي المسجد لا يجوز بحال مثل الثوم بل أشد، لكن إذا وجدت الحاجة ولا يوجد من يتأذى؟ في حديث أبي هريرة: ((فلا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً)) قال ابن العربي في العارضة: وفيه جواز إرسال الريح في المسجد للحاجة، يعني قد يقول قائل: إن ما جاء في حديث أبي هريرة مغلوب، يعني ليس بطوعه واختياره، والمغلوب لا حكم له، فإذا كان مختاراً لا يجوز له ذلك، لكن مع ذلك ابن العربي يقول: يجوز إرسال الريح في المسجد للحاجة، أما إذا وجد من يتأذى فإنه لا يجوز؛ لأنه أشد من الثوم والبصل.
قال -رحمه الله تعالى-:(33/18)
"وعن يزيد بن الأسود -رضي الله عنه- أنه صلى مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاة الصبح بمنى" يعني بمسجد الخيف، صلى مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الصبح بمنى، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
تتأذى مما يتأذى منه ابن آدم، لكن العلة جاءت في الحديث مركبة، يعني الملائكة تتأذى من المصلي وهو في بيته يمنع؟ ما يمنع، والملائكة الكتبة يتأذون في كل وقت ولو لم يصل، فلا يمنع بجزء العلة، يعني يمنع بالعلة مركبة.
"وعن يزيد بن الأسود -رضي الله عنه- أنه صلى مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاة الصبح بمنى وهو غلام شاب، فلما صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإذا هو برجلين لم يصليا" في آخر المسجد، لما انصرف النبي -عليه الصلاة والسلام- رآهما لم يصليا "فدعا بهما فجيء بهما ترعد فرائصهما" تضطرب وترجف خوفاً ووجلاً، والنبي -عليه الصلاة والسلام- له هيبة عظيمة، وبقدر الإنسان من الإرث النبوي بقدر ما عند الإنسان من الإرث النبوي تحصل له هذه الهيبة، ولذا نجد بعض أهل العلم له هيبة عظيمة بقدر ما عنده من العلم والعمل، هيبة ليس بذي سلطان، وليست لديه قوة، بل قد يكون أضعف الناس جسماً، قد يكون أعمى فيهاب، نقول: هذا بقدر إرثه من النبوة في العلم والعمل تكون هذه الهيبة، والرسول -عليه الصلاة والسلام- نصر بالرعب، ورأينا بعض أهل العلم من لا حول له ولا قوة ولا طول ضعيف من كل وجه، ومع ذلك إذا جاءه المسئولون الكبار ترعد فرائصهم، والعرق يتصبب منهم في الليالي الشاتية، النبي -عليه الصلاة والسلام- مهيب، وكذلك من يرثه علماً وعملاً، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هذا لما عنده من قوة، أو لضعف الشخص الذي يهابه، لكن ما تجد شخص على مستواه يهابه، بل يوجد من هو أعلى مستوى في أمور الدنيا يهاب ممن بالنسبة لا شيء عنده من أهل العلم ومن طلاب العلم، يعني بعض الشيوخ تزور في نفسك عشرة أسئلة، فإذا وصلت نسيت خمسة أو ستة كلها من هيبة الشيخ، بل قد يكون الشيخ من أحسن الناس خلقاً، ومن أضعفهم تركيباً ما في ما يدعو إلى هيبته، لكن هذا الحاصل.(33/19)
"جيء بهما ترعد فرائصهما" لحمة بين المنكب وبين .. ، في جنب البدن، ترتجف عند حصول أمر مخوف، "فقال لهما: ((ما منعكما أن تصليا معنا؟ )) " لأن الذي يجلس والناس يصلون لا شك أنه ارتكب منكر، ترك الصلاة منكر، فلا يبادر بالإنكار حتى يعرف ما عند مرتكب المنكر من عذر، النبي -عليه الصلاة والسلام- لما رأى الداخل إلى المسجد، ثم جلس سأله: ((هل صليت ركعتين؟ )) قال: لا، قال: ((قم فصل الركعتين)) لا بد أن يسأل قبل.
" ((ما منعكما أن تصليا معنا؟ )) قالا: قد صلينا في رحالنا" يعني في منازلنا "قال: ((فلا تفعلا، إذا صليتم في رحالكم، ثم أدركتم الإمام لم يصل فصليا معه، فإنها لكم نافلة)) " يعني التي صليتم في رحالكم هي الفريضة والتي صليتموها مع الإمام لكما نافلة، سواءً كانت الصلاة الأولى جماعة أو فرادى، أنت استعجلت وصليت هذا الفرض، والثانية نفل.(33/20)
يكثر السؤال عن المساجد التي يصلى فيها على الجنائز، والجنائز تحضر قبل الصلاة بوقت قبل الصلاة، لا سيما صلاة العصر تحضر قبل الصلاة، ثم يأتي من يأتي بطريقه من الدوام إلى بيته ولا ينتظر الصلاة مع الجماعة باقي، باقي مدة، يقول: أصل إلى البيت وأصلي العصر، ويتوفر لي الوقت ولا أنتظر في هذا المسجد البعيد عن بيتي، فيفتات على الإمام وعلى الميت وعلى أهله فيصلي على الجنازة وينصرف، هذا يحصل ويكثر السؤال عنه، وواقع يعني ما هو بافتراض، يأتون من الدوام ثم يمرون المسجد الذي فيه الجنائز ويصلون على الجنائز وينصرفون إلى بيوتهم قبل الزحام إن كان هناك زحام ويتوفر لهم الوقت، والذي يبي ينام بعد العصر يطول له الوقت وهكذا، نقول: هذا افتيات، الفريضة هي الصلاة الأولى، والثانية نافلة، فكونه يفوت على هذا الميت كثرة من يشفع له في الفريضة ويفوت على الإمام بدلاً من أن تكون صلاته هي الواجبة تكون نافلة، وحينئذٍ لا يجوز أن يصلى في هذه الصورة قبل الإمام، لا يصلى عليه قبل الإمام؛ لأنه قال هنا: فإنها لكم نافلة، يعني الأولى هي الفريضة، والثانية نافلة، فإذا صليت الصلاة الأولى هي الفريضة والثانية نافلة، مقتضى ذلك أن من صلى على الجنازة قبل غيره ولو كان منفرداً هي الفريضة، والتي بعدها هي النافلة، وحينئذٍ يكون افتيات على الميت وعلى الإمام إمام المسجد وعلى .. ، فليس له أن يصلي قبل الإمام.(33/21)
((إذا صليتم في رحالكم ثم أدركتم الإمام لم يصل فصليا معه، فإنها لكم نافلة)) احتمال أن يكونا صليا جماعة في المنزل، واحتمال أن يكون صلى كل واحد منهما في منزله في الغداة، فليس فيه دليل على عدم الجماعة؛ لأنه احتمال، ولا يقاوم النصوص المحكمة التي لا احتمال فيها، هذه الصلاة -صلاة الصبح- وفيها إعادة صلاة الصبح وما بعد الصبح وقت نهي ((لا صلاة بعد الصبح)) والثانية نافلة، فكيف يتنفل في وقت النهي؟! هذا من أدلة من يقول بجواز فعل ذوات الأسباب في أوقات النهي؛ لأنها ذات سبب، ووجود الجماعة سبب لإعادة الصلاة كما في هذا الحديث، وهي في وقت نهي إذاً ذوات الأسباب تفعل في أوقات النهي، وعرفنا فيما تقدم أن هذا من أوقات النهي الموسعة، ولا إشكال حينئذٍ في أن تعاد الصلاة.
لو جاء إلى المسجد والجماعة تأخروا في صلاة الصبح أسفروا جداً، يعني لكونهم على مذهب من يرى الإسفار، والصلاة أديت الواجبة وبقيت النافلة في الوقت الضيق، هل يشمل هذا الحديث ما إذا ضاق الوقت أو أنه خاص بصلاته -عليه الصلاة والسلام-؟ الصورة الحاصلة وصلاة من يصلي في الوقت الذي يصلي فيه بغلس في الوقت الموسع، أو نقول: إن اللفظ ما فيه تفصيل؟ نعم الواقع النبي -عليه الصلاة والسلام- يصلي بغلس، فهل يشمل ما جاء في الحديث الصورة فيما إذا لو أخرت صلاة الصبح إلى أن ضاق وقتها؟ صارت في الوقت المضيق؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
ظاهر الخبر يشمله، لكن واقع القصة إنما وقعت في الوقت الموسع.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
ما يقصر العام، لكن عندنا معارض "ثلاث ساعات كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نصلي فيهن: حينما تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع".
"رواه أبو داود".
منهم من يقول: إن الصلاة الفريضة هي التي مع الجماعة، والأولى هي النافلة، ومنهم من يقول: يصلي صلاة موقوفة لا يدرى هي الفريضة أو النافلة؟ بل الله -جل وعلا- يكتب ما شاء، والحديث صريح في أن الأولى هي الفريضة والثانية نافلة.
وجاء عند أبي داود، لكنه ضعيف أن الأولى هي النافلة والثانية هي الفريضة.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟(33/22)
طالب:. . . . . . . . .
الأصل في الأمر الوجوب ((إذا صليتم في رحالكم ثم أدركتم الإمام فصليا معه)) الأصل فيه الوجوب، لكن كونها نافلة كيف يقال: يجب أن تصلي نافلة؟ يجب عليك أن تصلي نافلة؟
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
ويش لون؟
طالب:. . . . . . . . .
هو إذا لم يصل ترتب على ذلك أمور: منها أنه يساء به الظن؛ لماذا لم يصل مع الإمام؟ وأيضاً ما يوجد في ذلك من البغضاء والشحناء وتفرق الكلمة، وغير ذلك مما شرعت الجماعة لأجله.
نعم هل الأمر للوجوب أو للاستحباب؟ الأصل في الأمر الوجوب، لكن كونها نافلة صارف للأمر من الوجوب إلى الاستحباب.
"وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- رجل أعمى، فقال: يا رسول الله إنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد؟ " جاء في بعض الروايات: أنه ابن أم مكتوم، واسمه عبد الله في رواية الأكثر، وفي رواية: عمرو، المقصود أنه رجل أعمى من خيار الصحابة، ومن فضلائهم عاتب الله -جل وعلا- نبيه فيه، ومن أجله وبسببه في سورة عبس، هو الرجل الأعمى الذي أشير إليه في السورة، واستخلفه النبي -عليه الصلاة والسلام- على المدينة أكثر من مرة.
"رجل أعمى فقال: يا رسول الله إنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد" في بعض الروايات: إنه ليس لي قائد يلائمني، يعني يلازمني.(33/23)
"فسأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يرخص له فيصلي في بيته فرخص له" لأن العذر وجيه أعمى وبعيد شاسع الدار، وفي طريقه هوام وسباع، وليس له قائد يلائمه، هذا عذر في ترك الجماعة "فرخص له، فلما ولى دعاه" يعني مع وجود العذر في شيء آخر ما هو؟ "فقال: ((هل تسمع النداء بالصلاة؟ )) قال: نعم، قال: ((فأجب)) " وفي رواية: ((لا أجد لك رخصة)) فدل على أن حضور المسجد هو العزيمة ومع وجود العذر خوف أو مرض كما جاء في حديث ابن عباس: ((من سمع النداء فلم يأتِ فلا صلاة له إلا من عذر)) قيل: وما العذر؟ قال: ((خوف أو مرض)) نعم هذا عذر، لكن إذا كان يسمع النداء فعليه أن يجيب ((لا أجد لك رخصة)) مما يدل على وجوب صلاة الجماعة، وإذا لم يعذر هذا الأعمى البعيد الشاسع الدار الذي ليس له قائد يلائمه وفي مخاطر وهوام، فكيف يعذر الصحيح السليم القريب الذي لا يحتاج إلى من يقوده، وليس لديه خوف ولا مرض، كيف يعذر من هذه حاله ولا يعذر هذا الأعمى إذا كان يسمع النداء؟! أما إذا كان لا يسمع النداء فمفهوم الحديث أنه لا يلزمه الحضور، وسماع النداء من غير أسباب للإسماع ولا موانع، يعني المفترض أن يكون النداء بالصوت العادي بدون مكبر صوت، ولا يوجد موانع لا يدخل الغرفة ويغلق النوافذ ويشغل المكيف ويقول: أنا لا أسمع النداء، هذا مانع.
أيضاً من الموانع الأصوات التي تنتج من السيارات أو الطائرات أو المصانع أو غير ذلك هذه لا تمنع من سماع النداء وإن لم يسمع، وعلى هذا فالنداء بالصوت العادي وبدون موانع يمكن من مسافة كيلوين، يعني أكثر من كيلوين الصوت العادي لا يسمع، فعلى هذا من كانت المسافة بينه وبين المسجد كيلوين مثلاً وسمع صوت المؤذن بالمكبر لصلاة الصبح مثلاً لأن الجو هادئ يلزم وإلا ما يلزم؟ نعم؟ أكثر من كيلوين، يعني كيلوين ونصف؟
طالب: ما يلزم.(33/24)
لأنه لولا المكبر ما سمع، بينه وبين المسجد كيلو واحد وهو بجوار مصنع أو هو في مصنع يشتغل مع وجود هذا المانع يلزمه الإجابة؛ لأنه لولا هذا المانع لسمع النداء، ولو قيل: إنه إذا لم يسمع مطلقاً لا يلزمه النداء لقلنا: بالإمكان أن يجعل الإنسان في أذنه شيء يمنعه من السماع، وقلنا: إن الأصم لا تلزمه الإجابة ولو كان بطرف المسجد، لكن المسألة مفترضة في أمور عادية بدون أسباب ولا موانع، لا مكبرات صوت موجودة ولا موانع من أصوات مزعجة موجودة.
بعض الناس وهو مسافر يسمع النداء ويقول: المسافر لا تلزمه جمعة ولا جماعة فلا يصلي، عموم الخبر ((أتسمع النداء؟ )) قال: نعم، قال: ((أجب)) يشمل، يشمله إلا إذا كان هناك مشقة فالمشقة تجلب التيسير، أو كان هناك ما يفوت، هناك ما يفوت إذا ذهب إلى المسجد، هناك ما يخشى عليه، فالأعذار كثيرة ذكرها الفقهاء، ونحن نرى التوسع في هذه الأعذار، تجد العمارة فيها خمسة من الحراس أو ستة كلهم لا يصلون مع الجماعة في المسجد ويسمعون النداء، بل تجد من حراس المسجد من لا يشهد الجماعة، الآن في المساجد الكبيرة لا سيما في الحرمين مثلاً هناك حراس، عساكر كثر لا يصلون مع الجماعة، هل هذا مبرر؟ نعم كانت الأمور لا تحتاج إلى مثل هذا، والأمن موجود، لكن الآن يخشى من حوادث، ومن أشياء، ومن تصرفات، وقد وقع، فهذا أمر لا بد منه، لكنه يقدر بقدر الحاجة، الشخص الذي يرى أنه قدر زائد على المطلوب، أو أن مهمته لا تفوت بالصلاة يصلي مع الجماعة، مثل الشخص الذي يجلس عند الحجر الأسود والناس يصلون ويش يخشى عليه؟ هل يخشى أن يسطى على الحجر مثل ما فعل القرامطة ويحمل ويذهب به؟ أو يخشى من زحام الناس وتراصهم؟ الناس يصلون الآن، هناك توسع حقيقة غير مرضي، وللمسألة أصل، يعني للمسألة أصل ما في شك أن الحراسة مطلوبة كما هو الشأن في صلاة الخوف، يعني إذا وجد المبرر فلا مانع، لكن يكون بقدر الحاجة، الشخص الذي يرى أنه إن ما وكل إليه لا يفوت بالصلاة مع الجماعة مثل هذا لا يجوز له أن يترك الجماعة، والشخص الذي يرى أن ما وكل إليه من أمر يفوت بفعله الصلاة مع الجماعة هذا مبرر في ترك الجماعة.(33/25)
يقول: زوجتي تلح علي دائماً للذهاب بها إلى الحرم للصلاة فيه لعظم الأجر هناك، وتقول: لما تمنعني منه؟ ماذا قولكم؟
((لا تمنعوا إماء الله بيوت الله)) هذا الأصل، لكن إذا كنت تتضرر بذلك إذا كان لك أشغال أخرى بعد الصلاة وتعوقك عن تحصيلها فلك أن تعتذر بهذا.
كيف توجه حديث الرضاعة في الكبر "قالت: له لحية، قال: أرضعيه"؟
هذا خاص بسالم مولى أبي حذيفة، وتقول عائشة -رضي الله عنه-: بأن رضاع الكبير يحرم مطلقاً استدلالاً بحديث سالم مولى أبي حذيفة، والجمهور على أنه لا رضاعة بعد الحولين.
يقول: عرضت علي وظيفتين إحداهما في المدينة والأخرى في الرياض، ما الأفضل لي بالنسبة لطلب العلم؟
في كل خير، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون.
يقول: النوم بعد العشاء مرغب فيه؟ كان يكره النوم قبلها، والحديث بعدها -عليه الصلاة والسلام-، مرغب فيه من الشرع، والسهر من غير فائدة منهي عنه، فكيف توجه حال الناس اليوم في هذا الزمان حيث قلبت فيه الأمور؟
لا شك أن حال الناس قلب للسنن الإلهية، وهو خلاف الأصل، لكن إذا كان السهر على فائدة فلا مانع منه، والسمر في طلب العلم ترجم عليه البخاري في صحيحه، وأورد ما يدل عليه من السنة.
يقول: بعض المعتكفين في المساجد يحضر إليهم طعام يحتوي على بصل وثوم ويتم تناوله في المسجد هل يجوز هذا الأمر؟
إذا كان هناك فترة يزول بها الأثر قبل الصلاة اللاحقة فلا مانع منه -إن شاء الله تعالى- مع أنه في الجملة ينبغي أن يتقى، ينبغي لا أقول يجب إلا إذا حضرت الصلاة مع الجماعة.
يقول: لو تركت النزول في مصعد العمارة ونزلت بالدرج، هل هذا تكلف في تحصيل الخطوات؟
على كل حال إذا كان النزول أنفع لك من حيث الصحة فهذا هو الأصل، وإذا وجد ما ييسر لك النزول وهو أنفع لك وأيسر فلا شك أن تركه من باب تعذيب النفس، والله عنه غني.
يقول: على ماذا يحمل فعل بعض السلف من حجهم ماشين مع قدرتهم على الركوب؟ وهل الحج يختلف عن الصلاة في قضية قصد المشقة؟(33/26)
المشقة ليست مطلوبة لا في الحج ولا في غيره، لكن بعض أهل العلم يفضل المشي لأنه قدم في قوله -جل وعلا-: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا} يعني ماشين قدم {وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} [(27) سورة الحج] يعني ركبان، فكونه قدم في الآية قال بعضهم: إن الحج ماشياً أفضل، وكون النبي -عليه الصلاة والسلام- حج راكباً جعل بعض أهل العلم يرجح الحج راكباً، وما كان الله ليختار لنبيه إلا الأفضل -عليه الصلاة والسلام-.
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك.
طالب: صليت في مسجد ثم رجعت إلى الحي وهم ما زالوا يصلون ....
أنت تبي تدخل المسجد وإلا تروح بيتك؟
طالب: أروح البيت.
ادخل بيتك ولا عليك، لكن تجي المسجد لا، صل معهم ...(33/27)
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: المحرر – كتاب الصلاة (34)
الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هذا يقول: إذا تكلم أحد بعد الخطيب يوم الجمعة فلا تستمع له هل هذه المقالة للإمام أحمد؟ وما حكم ذلك؟
لا أدري هل قال الإمام أحمد ذلك أو لا؟ لكن الكلام والإمام يخطب خطبة الجمعة حرام، ودلت عليه النصوص الصريحة الصحيحة.
يقول: هل ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في الأذكار التي بعد الصلاة من التسبيح والتكبير والتحميد عشر مرات؟
نعم، يسبح ويكبر ويحمد عشراً عشراً، لكن المائة أكثر، يعني ما جاء في المائة أكثر، يسبح ثلاثاً وثلاثين، ويحمد ثلاثاً وثلاثين، ويكبر ثلاثاً وثلاثين، ويقول تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، هذا أكثر.
يقول: هل رمي النفايات والحيوانات الميتة على طريق الناس يدخل في حديث: ((اتقوا الملاعن))؟
إذا كانت نجسة فحكمها حكم البول والغائط، وإذا كانت مجرد قذر وأذى فلا شك أن إماطة الأذى عن الطريق صدقة، ووضعها إذا كان إماطتها صدقة فوضعها خطيئة.
يقول: ما أهم الكتب المتعلقة بعلوم الحديث؟ وهل يلزم طالب العلم المبتدئ الاهتمام بهذه الكتب؟
الكتب المتعلقة بعلوم الحديث كثيرة جداً للمتقدمين والمتأخرين منها المختصر، ومنها المتوسط، ومنها المبسوط، ذكرت بشيء من التفصيل مع مميزاتها في مناسبات كثيرة، لكن هذا يقول: هل يلزم طالب العلم المبتدئ الاهتمام بهذه الكتب؟
نعم علوم الحديث كغيره من العلوم يهتم به في جميع طبقات التحصيل، يهتم به المبتدئ والمتوسط والمنتهي والمبتدئ له كتب، والمتوسط له كتب، والمنتهي كذلك، وهذه تراجع في مظانها.
يقول: ما المقصود في الجرح التعديل؟ وما مقدار أهميته لطالب العلم؟
هذا الذي كتب السؤال لو كانت له عناية بعلوم الحديث ما سأل هذا السؤال، المقصود بالجرح والتعديل، جرح الرواة وتعديلهم، وأهميته لطالب العلم تكمن في توقف التصحيح والتضعيف عليه.
يقول: لو طلبت المرأة الخروج إلى المسجد فبين لها زوجها أن صلاتها في بيتها خير لها، وأقنعها حتى عزفت عن الذهاب هل هذا يعد منعاً؟(34/1)
هذا لا يعد بمنع إنما هذا توجيه بالنص، وإذا وجه الإنسان بالنص وامتثل النص خلاص، صارت الاستجابة لله ورسوله.
من أراد العمرة أي أنه نوى العمرة في مكة وليس هو من أهلها فما العمل؟
يخرج إلى أدنى الحل فيحرم بالعمرة ويأتي بها، حكمه كحكم أهل مكة إذا كان في مكة، وأما قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((حتى أهل مكة من مكة)) فهذا في الحج وليس بالعمرة، بدليل أن النبي -عليه الصلاة والسلام- لما أرادت عائشة أن تعتمر أعمرها أخوها عبد الرحمن من التنعيم، ولو كان يتناول المعتمر لما خرجت، ولما شق النبي -عليه الصلاة والسلام- على نفسه وعلى أصحابه في انتظارها.
يقول: سؤالي إذا صلى المسلم جالساً فهل يومئ بجذعه مع رأسه أم برأسه فقط، وكذا من صلى على الراحلة؟
نعم يومئ بجسده، يخفض بدنه قليلاً في الركوع، ويزيد عليه في السجود مع الرأس.
يقول: إن أحبت الثيب أن يقيم عندها سبعاً فعل وقضاهن للبواقي، نرجو التوضيح؟(34/2)
الأصل أن البكر إذا تزوجها على غيرها يقيم عندها سبعاً، والثيب يقيم عندها ثلاثاً، والفرق واضح، والنبي -عليه الصلاة والسلام- قال لأم سلمة: ((ليس بك هوان على أهلك، فإن شئت سبعت لك)) فالإشكال الذي يرد في مثل هذا إذا جلس عندها سبعاً، فهل يجلس عند البواقي سبعاً أو يحسم الثلاث؟ "سبعت لك ثم سبعت لنسائي" هل يحسم الثلاث باعتبار أن الثلاث مستحقة لها بالعقد وبالدخول، ثم يقسم لنسائه القدر الزائد على ذلك أربعاً أربعاً؟ هذا هو مقتضى النظر، لكن مفهوم الحديث ثم سبعت لنسائي أنه بعد ذلك يقسم سبعاً سبعاً لكل واحدة منهن، ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟ يعني باعتبارها تستحق الثلاث فأرادت أن يسبع لها يجلس عندها سبعاً كالبكر، ثم يقسم لنسائه البواقي، يجلس عند كل واحدة منهن أربع ليالي أو سبع؟ نعم؟ الثلاثة مستحقة لها، الثلاث الليالي مستحقة لها، فهل تحسم من السبع أو يقال: يقسم بينهن بالسوية سبع لها فسبع لسائر النساء كما جاء في الحديث، يعني مقتضى النظر أن تحسم الثلاث؛ لأنها مستحقة لها، ثم يقسم لباقي النساء أربعاً أربعاً، أربع ليالي أربع لكل واحدة منهن، ثم يعود إليها، لكن مقتضى الخبر: ((ثم سبعت لنسائي)) أنه يقيم عند هذه المرأة التي تزوج بها، وهي ثيب يقيم عندها سبع ليالي، ثم يقسم لسائر نسائه سبعاً سبعاً، وهذا هو مقتضى الخبر.
يقول: نود لو خصصتم لنا درس إضافي في فن علوم الآلة القصيرة يكون محفزاً ومنشطاً لطلاب العلم؟
على كل حال كتب المختصرات في أكثر العلوم موجودة مشروحة ومسجلة بإمكان طالب العلم أن يسمعها.
في أسئلة طويلة وتحتاج إلى شيء من التفصيل ومزيد من البيان كل سؤال يحتاج إلى درس.
يقول: هل يجوز للنساء زيارة القبور مع الضوابط الشرعية؟(34/3)
لا، لا يجوز للمرأة أن تزور القبور؛ لأن النهي واللعن ثابت، والأمر: ((فزورها)) أمر بعد الحظر هذا للرجال، وأخرج النساء منه ((لعن الله زوارات القبور)) وقال بعضهم بأن هذا صيغة المبالغة بالتضعيف بالتشديد يدل على التكرار والإكثار فيفهم منه أن الزيارات القليلة اليسيرة لا تدخل في اللعن، لكن لا شك أن ما منع بالجملة منع بالأفراد؛ لأن النهي إذا اتجه إلى شيء يتجه إلى جملته وأفراده كما هنا، لا سيما إذا كانت العلة في الأفراد موجودة كوجودها في الجمع.
نهى عن بيع المحفلات ما هي المحفلات؟
هي المصراة التي يحبس فيها اللبن حتى تعرض للبيع، فيظن المشتري أنها كثيرة اللبن.
يقول: ما الفرق بين التدليس والعيب؟
التدليس هو إخفاء العيب وإظهار السلعة على وجه لا عيب فيها.
يقول: إذا قال الإمام مسلم -رحمه الله تعالى-: قال أحمد في صحيحه فمن يقصد؟
يعني إذا قال الإمام مسلم في صحيحه: قال أحمد، وأحمد هو الراوي عن الجلودي راوي الصحيح، أحياناً كتب المتقدمين يذكر الراوي عن المؤلف، وقد يذكر الراوي عن الراوي، وهذه نادرة يعني وجدت مرات يسيرة في صحيحه، وهي مشكلة بلا شك عند من يقرأ وهو لا يعرف حقيقة الحال، لكن هذا هو المراد.
يقول: لو تشرحون كتاب مطولاً في أصول الفقه؟
عجزنا عن المحرر. . . . . . . . .، المحرر يحتاج إلى سنين طويلة.
يقول: نرجو توجيه الطلاب بحصر الأسئلة في موضوع الدرس؟
يقول: لعل ((سبعت لنسائي)) أي يُكمل لهن سبعاً على ما مضى من الثلاث لهن؟
كيف مضى من الثلاث لهن؟ يعني إن كان تزوج منهن الثيب، وأقام عندها ثلاثاً يُكمل لها أربعاً تكملة للثلاث التي قسم لها لما دخل بها، لكن ماذا عما لو كان بعضهن أبكار وسبع لهن يعني ما يقسم لهن شيء؟ مقتضى هذا أن البكر الذي قسم لها سبع ما لها شيء.
يقول: هل يجوز لمن أتى حاجاً أو معتمراً أن يخرج إلى الحل ويأتي بعمرة لغيره مع أن الصحابة لم يثبت عنهم ذلك غير عائشة -رضي الله عنها-؟
يكفي قوله: ((العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما)) واعتمرت عائشة -رضي الله عنها- بإذنه -عليه الصلاة والسلام- بعد عمرتها التي مع حجها.
يقول: ((إنما جعل الإمام ليؤتم به)) ...(34/4)
هذا في حديث اليوم -إن شاء الله تعالى-.
يقول: من أين أخذت العلة المركبة في منع من أكل الثوم؟
يعني جاء التنصيص على الأذى وعدم قربان المسجد، فصارت العلة مركبة من الأذى وقربان المسجد، فإذا وجد الأذى خارج المسجد، يعني صلوا جماعة في غير المسجد، في رحلة، في نزهة، في بيت مثلاً فاتتهم الصلاة، شخص وصف له الثوم مثلاً علاج، وأراد أن يصلي في بيته، وقال لأحد أولاده: تصدق علي، يُمنع؟ ما يمنع، حتى يأتي ويقرب المسجد، وإذا دخل المسجد وليس فيه من يتأذى هذا جزء العلة، كما قالوا في إرسال الريح عند الحاجة.
يقول: هل قول ابن رجب في شرح العلل: "إن حديث ابن أم مكتوم في الجماعة لم يقل به أحد من أهل العلم" مسلّم؟
لا، ليس بمسلّم؛ لأن الحديث ثابت وصحيح، ولا إشكال فيه، ولا ناسخ له.
يقول: هل يقتصر في التسبيح باليد اليمنى فقط أم بكلا اليدين؟
جاء في سنن أبي داود ما يدل على أن التسبيح يعقد باليمين، وفيه ضعف، لكن الأصول العامة تشهد له، الأصول العامة وأن اليمين تستعمل في مثل هذا، في ما يحترم، والذكر محترم فيعقد باليمين.
يقول ابن قدامه في العمدة: "إلا بنات العمات والخالات وأمهات النساء وحلائل الآباء والأبناء وأمهاتهن محرمات" ويش لون؟ إلا بنات العمات والخالات وأمهات النساء وحلائل الآباء والأبناء وأمهاتهن محرمات إلا البنات والربائب وحلائل الآباء ... ؟
لا لا، ما يمكن يأتي بمثل هذا الكلام، فلينقل بدقة، أو ليحضر الكتاب.
هل أكل الثوم والبصل في العموم مكروه؟
نعم مكروه؛ لأنه يصد عما طلب شرعاً، فإذا لم يكن ثم حاجة فأهل العلم يطلقون الكراهة وليس بحرام، وقد صرح النبي -عليه الصلاة والسلام- بذلك في الحديث الصحيح.
سم.
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
اللهم اغفر لشيخنا وللحاضرين والمستمعين.
قال الإمام ابن عبد الهادي -رحمه الله- في محرره:(34/5)
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إنما جُعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، ولا تكبروا حتى يكبر، وإذا ركع فاركعوا، ولا تركعوا حتى يركع، وإذا قال: سمع الله لمن حمده: فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد، وإذا سجد فاسجدوا، ولا تسجدوا حتى يسجد، وإذا صلى قائماً فصلوا قياماً، وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعون)) رواه أحمد وأبو داود، وهذا لفظه.
أجمعون عندك؟ أجمعون وإلا أجمعين؟ لأنه جاءت هذه وهذه، وكلها في الصحيح، لكن اللي في الكتاب؟
طالب: أجمعون.
في الكتاب أجمعين.
طالب: عندنا قيل: أجمعون.
في نسخة يعني في (طاء) يقول: أجمعون.
وعن البراء -رضي الله عنه- أنهم كانوا يصلون مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإذا ركع ركعوا، وإذا رفع رأسه من الركوع فقال: سمع الله لمن حمده لم نزل قياماً حتى نراه قد وضع وجهه بالأرض ثم نتبعه. متفق عليه، واللفظ لمسلم.
نعم في اللفظ: أجمعين أو أجمعون على ما سيأتي في إعرابه على الوجهين، يقول: فصلوا قعوداً أجمعين، هذا الذي أثبته في الأصل، قال في طاء: "وسنن أبي داود: أجمعون" وكلاهما صحيح، هذا ما فيه إشكال من حيث الصحة، لكن ما دام المؤلف يقول: رواه أحمد وأبو داود، وهذا لفظه الأصل أن يثبت اللفظ الموافق لما في سنن أبي داود، وعلى ما قرأه الشيخ.
نعم.
وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى في أصحابه تأخراً، فقال لهم: ((تقدموا فائتموا بي وليأتم بكم من بعدكم، ولا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله -عز وجل-)) رواه مسلم.
وعن زيد بن ثابت قال: احتجر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حجيرة بخصفة أو حصير، فخرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي فيها، قال: فتتبع إليه رجال وجاءوا يصلون بصلاته، قال: ثم جاءوا ليلة فحضروا، وأبطأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عنهم، قال: فلم يخرج إليهم، فرفعوا أصواتهم، وحصبوا الباب، فخرج إليهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مغضباً، فقال لهم: ((ما زال بكم صنيعكم حتى ظننت أنه سيكتب عليكم، فعليكم بالصلاة في بيوتكم، فإن خير صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة)) متفق عليه، واللفظ لمسلم.(34/6)
وعن جابر -رضي الله عنه- قال: صلى معاذ لأصحابه العشاء، فطول عليهم، فانصرف رجل منا فصلى، فأخبر معاذ عنه، فقال: إنه منافق، فلما بلغ ذلك الرجل دخل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأخبره ما قال معاذ، فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((أتريد أن تكون فتاناً يا معاذ؟ إذا أممت الناس فاقرأ بـ {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} [(1) سورة الشمس] و {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [(1) سورة الأعلى] و {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [(1) سورة العلق] {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} [(1) سورة الليل])) متفق عليه، واللفظ لمسلم أيضاً: وفي لفظ له: فانحرف رجل فسلم ثم صلى وحده وانصرف.
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: لما ثقل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جاء بلال يؤذنه بالصلاة، فقال: ((مروا أبا بكر فليصل بالناس)) قالت، فقلت: يا رسول الله إن أبا بكر رجل أسيف، وإنه متى يقم مقامك لا يُسمع الناس، فلو أمرت عمر، قال: ((مروا أبا بكر فليصل بالناس)) قالت: فقلت لحفصة: قولي له: إن أبا بكر رجل أسيف، وإنه متى يقم مقامك لا يُسمع الناس فلو أمرت عمر، فقالت له، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إنكن لأنتن صواحب يوسف، مروا أبا بكر فليصل بالناس)) قالت: فأمروا أبا بكر يصلي بالناس، قالت: فلما دخل في الصلاة وجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من نفسه خفة فقام يهادى بين رجلين، ورجلاه تخطان في الأرض، قالت: فلما دخل المسجد سمع أبو بكر حسه ذهب يتأخر، فأومأ إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: قم مكانك، فجاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى جلس عن يسار أبي بكر، قالت: فكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي بالناس جالساً وأبو بكر قائماً، يقتدي أبو بكر بصلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ويقتدي الناس بصلاة أبي بكر" متفق عليه.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا أم أحدكم الناس فليخفف، فإن فيهم الصغير والكبير والضعيف والمريض، فإذا صلى وحده فليصل كيف شاء)) وفي لفظ: ((وذا الحاجة)) وفي آخر: ((الضعيف والسقيم)) متفق عليه، واللفظ لمسلم.
ولم يقل البخاري: ((والصغير)).(34/7)
وعن عمرو بن سلمة الجُرمي قال ...
الجَرْمي، الجَرْمي.
الجَرَمي.
جرْمي، بالسكون جرْمي.
الجرْمي قال: كنا بماء ممر الناس، وكان يمر بنا الركبان فنسألهم ما للناس؟ ما للناس؟ ما هذا الرجل؟ فيقولون: يزعم أن الله -عز وجل- أرسله، أو أوحى إليه، أو أوحى الله بكذا، فكنت أحفظ ذلك الكلام، فكأنما يغري في صدري، وكانت العرب تلوم بإسلامهم الفتح فيقولون: اتركوه وقومه، فإن ظهر عليهم فهو نبي صادق، فلما كانت واقعة الفتح بادر كل قوم بإسلامهم، وبدر أبي قومي بإسلامهم، فلما قدم قال: جئتكم والله من عند النبي حقاً، فقال: صلوا صلاة كذا في حين كذا، وصلوا صلاة كذا في حين كذا، فإذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكم، وليؤمكم أكثركم قرآناً، فنظروا فلم يكن أحد أكثر قرآناً مني لمَّا كنت ...
لِمَا.
لِما أتلقى من الركبان، فقدموني بين أيديهم وأنا ابن ست أو سبع سنين، وكانت علي بردة، وكنت إذا سجدت تقلصت عني، فقالت امرأة من الحي: ألا تغطون عنا است قارئكم؟! فاشتروا، فقطعوا لي قميصاً، فما فرحت بشيء فرحي بذلك القميص، رواه البخاري، وعند أبي داود: وأنا ابن سبع سنين أو ثمان سنين، وعند النسائي: وأنا ابن ثمان سنين.
وعن عكرمة عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "يكره أن يؤم الغلام حتى يحتلم" رواه الأثرم والبيهقي، ولفظه: "ولا يؤم الغلام حتى يحتلم".
وعن أبي مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سلماً، ولا يؤمن الرجل الرجلَ في سلطانه، ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه)) وفي رواية: سناً بدل سلماً. رواه مسلم.
وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ليلني منكم أولو الأحلام والنهى، ثم الذين يلونهم)) ثلاثاً ((وإياكم وهيشات الأسواق)) رواه مسلم أيضاً.
يكفي، يكفي.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(34/8)
"وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إنما جعل الإمام ليؤتم به)) " (إنما) أداة حصر كأنه قال: ما جعل الإمام لشيء من الأشياء إلا ليؤتم به، ويقتدى به.
((إنما جعل الإمام ليؤتم به)) هذه وظيفة الإمام ((فإذا كبر)) تكبيرة الإحرام أو عموم التكبير فيشمل تكبيرات الانتقال ((فكبروا)).
((إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا)) الفاء هذه تفريعية، تفريع على ما تقدم، الكلام الأول قاعدة كلية، يتفرع عنها هذه الأجزاء من التكبير والركوع والسجود والأذكار وغيرها.
((فإذا كبر فكبروا)) العطف بالفاء عطف فعل المأموم على فعل الإمام بالفاء يدل على أنه يقع عقبه مباشرة، فيتضمن منع المسابقة والموافقة والتأخر عنه، ما قال: فإذا كبر ثم كبروا، لا، فإذا كبر فكبروا، يعني إذا انقطع صوته بالتكبير كبروا، العطف بالفاء يقتضي التعقيب، وحينئذٍ لا تجوز المسابقة، فإذا كبر قبل الإمام تكبيرة الإحرام لم تنعقد صلاته اتفاقاً، لكن إذا حصلت المسابقة بغير تكبيرة الإحرام فمن أهل العلم من يبطل الصلاة كالمسابقة بتكبيرة الإحرام، ومنهم من يقول: الصلاة صحيحة مع الإثم، وجاء في الحديث الصحيح: ((أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار، أو صورته صورة حمار)) يعني وعيد شديد، وبعض الناس يحسب لمثل هذا الوعيد ألف حساب، لكن لو جاء الأمر والنهي المجرد عن مثل هذا الوعيد الله غفور رحيم، لكن لو سلم الناس وبينهم شخص رأسه رأس حمار، هذه وقعت الطامة الكارثة الكبرى المسخ، مع أن أهل العلم يقررون أن مسخ القلوب أعظم من مسخ الأبدان، مسخ البدن عقوبة في الدنيا حصلت يمكن تكون كفارة، لكن ماذا عن مسخ القلوب؟ بحيث يرى الحق باطلاً والباطل حقاً -نسأل الله العافية-، وافتضح كثير ممن يتصدى لتوجيه الناس من خلال وسائل الإعلام؛ لأنه ممسوخ وهو لا يشعر، يأتي بكلام قد يخرج به من الدين وهو لا يشعر، والله المستعان.(34/9)
يصعب على الإنسان، يصعب على الجميع يعني لو وجد في جماعة يصلون لما سلموا وجدوا شخص رأسه رأس حمار، ما شعورهم وهم يرتكبون النواهي ويتركون الأوامر مع كل ارتياح! لكن إذا وجدت العقوبة في البدن أفاق الناس ((أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يجعل الله رأسه رأس حمار، أو يجعل صورته صورة حمار)) يستدل بهذا من يقول: إن الصلاة صحيحة مع الإثم؛ لأنه ما قال: صلاته باطلة أو عليه الإعادة، اكتفى بالعقوبة فقط.
((فإذا كبر فكبروا)) تكبيرة الإحرام تقدم أنها ركن من أركان الصلاة عند جمهور أهل العلم، والحنفية يقولون: شرط، وعرفنا ما بين القولين من فروق وفوائد مرتبة على الخلاف، وتقدم هذا في صفة الصلاة.
((كبر فكبروا)) معنى هذا أنه يقع تكبير المأموم بعد تكبير إمامه، لا قبله ولا معه ولا يتأخر عنه، وبعض الناس لا سيما إذا كان ساجداً يتأخر عن الإمام، ولا شك أن الباعث على ذلك الدعاء والإلحاح فيه ((أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد)) تجده يدعو يدعو إلى أن يقرب من السجدة الثانية، ولا يلحق بالإمام هذا مخالف؛ لأن أفعال المأموم عطفت على أفعال الإمام بالفاء التي تقتضي التعقيب، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
حتى على جبهته نعم إيه؛ لأن الأصل أن الذكر التكبير للقيام وللهوي تكبيرات الانتقال إنما وضعت للدلالة على الأفعال، فتكون مقارنة لها، ومقتضى ((كبر فكبروا)) يعني إذا ركع فاركعوا سيأتي، وإذا سجد فاسجدوا متى؟ سيأتي هذا -إن شاء الله تعالى- الحين.
((ولا تكبروا حتى يكبر)) مفهوم الجملة الأولى جملة الشرطية منطوقها أنه إذا كبر فكبروا، ومفهومها أن المأموم لا يكبر حتى يكبر إمامه، وهذا هو منطوق الجملة الثانية، فمنطوق الجملة الثانية مؤكد لمفهوم الجملة الأولى.
((ولا تكبروا حتى يكبر)) فهي جملة تأكيدية، يعني كون المأموم لا يكبر حتى يكبر الإمام مأخوذ من مفهوم الجملة الأولى الشرطية، وهو منطوق الجملة الثانية، فالجملة الثانية مؤكدة لمفهوم الجملة الأولى.(34/10)
((وإذا ركع فاركعوا)) إذا ركع إذا كبر فكبروا معناه إذا فرغ من التكبير فكبروا، كما هو الأصل في الفعل الماضي الفعل الماضي للدلالة على الحدث الذي وقع في الزمن الماضي وانتهى، فإذا فرغ الإمام من التكبير فكبروا، لكن قوله: ((وإذا ركع فاركعوا)) هل نقول: معناها إذا فرغ من الركوع فاركعوا كما قلنا في إذا كبر فكبروا؟ لا؛ لأن الفعل الماضي ذكرنا مراراً في مناسبات في دروس متقدمة يأتي ويراد به الفراغ من الفعل وهذا هو الأصل، ولذلك سمي ماضياً، ويأتي ويراد به الشروع في الفعل، ويأتي ويراد به إرادة الفعل، فإذا {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ} [(98) سورة النحل] يعني إذا أردت ((إذا دخل أحدكم الخلاء)) يعني إذا أراد الدخول.
((وإذا ركع فاركعوا)) هل المراد به إذا أراد الركوع اركعوا؟ نعم؟ إذا أراد الركوع؟ أبداً، معنى هذا أننا نركع قبله، هل يراد به الفراغ من الفعل؟ لا، معناه أننا لا نركع حتى يرفع من الركوع، إنما المراد به الشروع في الفعل، يعني إذا ركع بأن حنى ظهره وثناه وهصره ووضع يديه على ركبتيه مجرد ما يحصل ذلك اركعوا، يعني إذا شرع في الركوع اركعوا.
((إذا ركع فاركعوا، ولا تركعوا حتى يركع)) إذا ركع فاركعوا مثل ما يقال في الجملة السابقة، وأن فعل المأموم يقع بعد فعل إمامه لا يتقدم عليه ولا يوافقه، ولا يتأخر عنه.
((ولا تركعوا حتى يركع)) وهذه الجملة مؤكدة لمفهوم الجملة السابقة.
((وإذا قال: سمع الله لمن حمده)) يعني رفع من الركوع فقال: سمع الله لمن حمده ((فقولوا: اللهم ربنا ولك الحمد)) إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده، فقولوا: اللهم ربنا ولك الحمد، والحديث يدل على أن الإمام يقول: سمع الله لمن حمده، والمأموم يقول: ربنا ولك الحمد، أو اللهم ربنا ولك الحمد.(34/11)
وأهل العلم يختلفون فيمن يقول الجملة الأولى والجملة الثانية، فيرى الشافعية أن كل مصلٍ يقول: سمع الله لمن حمده، اللهم ربنا لك الحمد؛ لأنها ثبتت عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وقال: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) لكن مقتضى قوله: ((إذا قال ... فقولوا)) أن الإمام يقول: سمع الله لمن حمده، والمأموم لا يقولوها؛ لأنه قال: ((فقولوا: اللهم ربنا ولك الحمد)) فعطف فعل المأموم على فعل الإمام بالفاء، فدل على أنه لا يقال بينهما شيء، مجرد ما يقول الإمام: سمع الله لمن حمده فإن المأموم يقول: اللهم ربنا ولك الحمد، لكن هل يقول الإمام بعد قوله: سمع الله لمن حمده اللهم ربنا لك الحمد؟ ثبتت هذه عن النبي -عليه الصلاة والسلام- بصفته إمام، فالإمام يقول: سمع الله لمن حمده، والمنفرد يقول: سمع الله لمن حمده، والمأموم يقول: اللهم ربنا ولك الحمد، وكذلك يقولها كل مصلٍ من إمام ومأموم ومنفرد.
طيب لماذا لا يقول المأموم: سمع الله لمن حمده وقد ثبتت عن النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ ثبتت عنه -عليه الصلاة والسلام- بصفته إماماً، وعطف فعل أو قول المأموم على قول الإمام بالفاء، فدل على أنه لا واسطة بينهما بمجرد ما يقول الإمام: سمع الله لمن حمده يقول المأموم: ربنا ولك الحمد، ومثله الإمام والمنفرد، فقوله: اللهم ربنا ولك الحمد هذه يقولها كل مصلٍ، ويستقل الإمام بقوله: سمع الله لمن حمده، وهذا هو المعروف عند الحنابلة الجمع بينهما بالنسبة للإمام والمنفرد، وأما بالنسبة للمأموم فإنه لا يقول: سمع الله لمن حمده خلافاً للشافعية، والحنفية يقولون: الإمام له ذكر والمأموم له ذكر، الإمام له ذكر يختص به "سمع الله لمن حمده" كما أن للمأموم ذكراً يختص به وهو قوله: "اللهم ربنا ولك الحمد" ولا يقولها الإمام، وهو مقتضى الترتيب هنا، لكن ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه كان يقول: ((اللهم ربنا لك الحمد)) إلى آخر الذكر الذي تقدم.(34/12)
((اللهم ربنا لك الحمد)) وردت بصيغ أربع، هنا يقول: ((اللهم ربنا لك الحمد)) بإثبات اللهم بدون واو، وثبت الجمع بينهما في البخاري: ((اللهم ربنا ولك الحمد)) خلافاً لابن القيم الذي يقول: إنه لم يثبت الجمع بين اللهم والواو، وثبت أيضاً بحذف اللهم والواو: ((ربنا لك الحمد)) وبحذف اللهم وإثبات الواو: ((ربنا ولك الحمد)) فهي أربع صيغ.
((وإذا سجد فاسجدوا)) يعني مثلما قيل في ((وإذا ركع فاركعوا)) بحيث يقع السجود بعد شروع الإمام فيه، سجود المأموم يقع بعد شروع الإمام فيه إذا مكن جبهته وأعضائه السبعة من الأرض هوى المأموم للسجود من غير تأخر ولا مسابقة ولا موافقة.
((وإذا سجد فاسجدوا، ولا تسجدوا حتى يسجد)) وهذه الجملة كسابقتيها مؤكدة لمفهوم الجملة السابقة.
((وإذا صلى قائماً)) يعني كما هو الأصل في الفريضة ((صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب)) الأصل أن يصلي قائماً.
((فصلوا قياماً)) إذا صلى قائماً فصلوا قياماً؛ لأن الإمام جعل ليؤتم به ((وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعين)) وهذا تفريع عن القاعدة السابقة ((إنما جعل الإمام ليؤتم به)) وجاء التنصيص على العلة في قيام المأموم خلف إمامه وأنها مشابهة فارس والروم الذين يقومون على كبرائهم.
((وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعين)) رواه أحمد وأبو داود، وهذا لفظه.
أجمعين ((صلوا قعوداً أجمعين)) حال، و"أجمعون" تأكيد للضمير، ضمير الجمع الذي هو الواو في "فصلوا" فمن حيث الإعراب لا إشكال في كونها أجمعين أو أجمعون؛ لأنها إن كانت أجمعين فهي حال، وإن كانت أجمعون فهي تأكيد لضمير الجمع في فصلوا.
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
أيوه.
طالب:. . . . . . . . .
طيب.
طالب:. . . . . . . . .
يؤول، يؤول.
والحال إن عُرف لفظاً فاعتقد ... تنكيره معنىً "كوحدك اجتهد"(34/13)
صلاة الإمام من قعود أولاً: رأي المالكية أنها لا تصح إمامة القاعد، ولا يصح الاقتداء به لا من قيام ولا من قعود، انتهينا من هذا المذهب، وجاء فيه حديث، لكنه متفق على ضعفه، الحديث الذي معنا صحيح، وهو معارض بحديث متأخر عنه سيأتي، فكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي بالناس جالساً، وأبو بكر قائماً، وهذا في مرض موته -عليه الصلاة والسلام-، مما جعل الشافعية والحنفية يقولون: إن الحديث منسوخ، حديث الباب: ((صلوا قعوداً أجمعين)) هذا منسوخ؛ لأن العمل إنما يكون على مقتضى آخر الأمرين منه -عليه الصلاة والسلام-، وقوله هذا منسوخ بفعله، فكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي بالناس جالساً، وأبو بكر قائماً يقتدي بصلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ويقتدي الناس بصلاة أبي بكر، هل يقول قائل: إن أبا بكر قائم والناس كلهم جلوس؟ نعم؟ ما يمكن، الناس من قيام.(34/14)
الإمام أحمد -رحمه الله- يعمل بحديث الباب: ((وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعين)) طيب والحديث الثاني وهو المتأخر؟ يحمل هذا على حال وذاك على حال، فيقول: إذا افتتح إمام الحي -بهذه القيود- أن يفتتح إمام الحي يبتدئ الصلاة يفتتحها إمام الحي الصلاة قاعداً لعلة يرجى برؤها، ما يجاء بإمام حي مقعد، شخص مقعد يقال: صلِ بنا، نعينك إمام على شان نرتاح، تصير صلواتنا كلها من قعود، نقول: لا، هذا ما يرجى برؤه، ولا يعين ولا يقدم من الأصل إذا لم يكن إمام الحي ثابت، لكن إمام الحي يصلي بالناس عمره كله قائم، فأصيب بعلة يرجى برؤها، وافتتح الصلاة من قعود فإن المأمومين يصلون خلفه قعوداً؛ لأنهم صلوا خلف النبي -صلى الله عليه وسلم-، أرادوا القيام فأشار إليهم أن يجلسوا، والحديث الذي معنا ((فصلوا قعوداً أجمعين)) بهذه القيود: أن تفتتح الصلاة فلا يدخل الحديث اللاحق؛ لأن الصلاة افتتحها أبو بكر من قيام، الأمر الثاني: أن أبا بكر ليس هو إمام الحي، وإنما الإمام هو الرسول -عليه الصلاة والسلام-، فالصلاة لم تفتتح من قعود ولم يفتتحها الإمام إمام الحي، فلا تدخل في القيود التي ذكرها الإمام أحمد، والعلة يرجى برؤها، إذا كان يرجى برؤها، أما يؤتى بشخص مقطوع الرجلين، أو يؤتى بشخص علته لا يرجى برؤها ويقال: صلِ بالناس، هذا قد يفعله بعض الناس، يأتي به ليترخص به، يتحايلون، والناس للتنصل من التكاليف يتفننون في الحيل، في مزدلفة رأيت باص فيه خمسون راكباً، ومعهم عجوز واحدة، جاءوا ليترخصوا بها، نعم يتفننون، يعني يأتي بمقعد ويقول: صلِ بنا على شان نصلي .. ((فإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعين)) لا، لا بد أن تكون العلة يرجى برؤها، وليس لأي شخص إنما هو لإمام الحي الراتب، ويفتتح الصلاة من قعود، والعلة يرجى برؤها، حينئذٍ ينطبق على الحديث، من أين أتينا بهذه القيود في حديث الباب؟ ما في ما يدل عليها، ليس فيه ما يدل عليها، لكن هذه القيود أُتي بها لئلا يتعارض حديث الباب مع الحديث اللاحق، فالإمام أحمد -رحمه الله- يرى أن الحديث محكم، وأنه يعمل به بهذه القيود، والمالكية يقولون: لا تصح إمام القاعد مطلقاً، ولا يجوز الائتمام به لا من قيام ولا(34/15)
من قعود، والحنفية والشافعية يقولون: منسوخ، حديث الباب منسوخ بحديث الذي حصل في آخر أيامه -عليه الصلاة والسلام-، وسيأتي.
"وعن البراء -رضي الله عنه- أنهم كانوا يصلون مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإذا ركع ركعوا، وإذا رفع رأسه من الركوع فقال: ((سمع الله لمن حمده)) لم نزل قياماً حتى نراه قد وضع وجهه بالأرض، ثم نتبعه" يعني لا بد أن يتم السجود، لا يوافق الإمام فيهوي المأموم للسجود مع هوي إمامه، وهو مقتضى قوله: ((فإذا سجد فاسجدوا)).
"لم نزل قياماً حتى نراه قد وضع وجهه بالأرض ثم نتبعه" متفق عليه، واللفظ لمسلم".
ولا شك أنه يحصل مخالفات كثيرة من الأئمة ومن المأمومين، بعض الأئمة ينقطع صوته قبل أن يتحرك، يقول: سمع الله لمن حمده وهو راكع، فيسبق وبعضهم يقول: ألله أكبر وهو واقف قبل أن يسجد فيسبق إلى السجود، والمسابقة بين المأمومين موجودة بكثرة، لكن سبب ذلك الجهل، وإلا ما الفائدة من المسابقة؟ العبرة بمخالفة الإمام الذي في الأصل أن يكون عالم بأحكام الصلاة، ومتحمل للخلل الذي يقع بسببه في صلاة المأمومين، فكونه ينقطع صوته قبل أن يتحرك هذا يجعل المأمومين يسابقونه، أو على أقل الأحوال يوافقونه، المتحري يوافق وغيره يسابق، وقد يكون للآلات -هذه المكبرات- دور في مثل هذا، تجده يقول: الله أكبر ينقطع صوته من أجل لو هوى إلى السجود أو كبر أثناء هويه للسجود ضعف صوته، فهو يلاحظ ضعف الصوت على حساب خلل صلاة المأمومين، والأصل أن هذه الأذكار إنما وضعت للدلالة على الانتقال، فتكون مقارنة للأفعال، هذا الأصل، وما عدا ذلك يوقع المأموم في المخالفة.
"فإذا رفع رأسه من الركوع قال: سمع الله لمن حمده" يعني نرفع من الركوع ونقول: اللهم ربنا ولك الحمد على ما تقدم "ولم نزل قياماً حتى نراه قد وضع وجهه بالأرض ثم نتبعه" الآن إذا رفع رأسه من الركوع فقال: سمع الله لمن حمده لم نزل قياماً جواب إذا رفع، جوابه إذا رفع رفعنا، ثم لم نزل قياماً حتى نراه قد وضع وجهه بالأرض ثم نتبعه، وهذا فيه معنى ما تقدم.(34/16)
"وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى في أصحابه تأخراً" تأخراً والتأخر نسبي، لا يظن به التأخر الذي يزاوله كثير من المسلمين، ويفعله بعض المنتسبين إلى العلم وطلب العلم، يتأخرون ويتلومون ويترددون حتى إذا سمعوا الإقامة خرجوا إلى الصلاة، هذا تأخر نسبي، يعني يوجد في السلف من يقول: إن الذي لا يأتي إلى الصلاة حتى يدعى إليها إنه رجل سوء، يعني ما يأتي إلى المسجد حتى يسمع الأذان، فالتأخر نسبي، رأى شيئاً من التأخر اليسير عما عهد عليه أصحابه، فحثهم على التقدم "فقال لهم: ((تقدموا)) " أمر ((تقدموا فائتموا بي)) الأمر هذا للوجوب أو للاستحباب؟ هذا للوجوب ((تقدموا فائتموا بي)) نعم إدراك الجماعة والجماعة واجبة، لكن الجماعة تدرك بركعة، فالتقدم إلى الصلاة من أولها لا شك أنه من أفضل الأعمال، والمحافظة عليها من أولها والتقدم إليها، وانتظار الصلاة، وإدراك تكبيرة الإحرام كل هذا له شأن، لكن القول بالتأثيم لو جلس إلى أن بقي ركعة واحدة يأثم وإلا ما يأثم؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
مخالفة تقدموا، لكن تقدم نسبي، نعم؟
((ولا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله -عز وجل-)) هذا وعيد، لكن يتأخرون عن إيش؟ إذا قلنا: إن الجماعة واجبة، والجماعة تدرك بركعة فما زاد عن الركعة واجب وإلا ليس بواجب؟ هاه؟
طالب:. . . . . . . . .(34/17)
واجب لتدرك الجماعة لأنها واجبة، لكن ما زاد على الركعة، يعني لو تأخر إلى أن يبقى ركعة واحدة آثم وإلا غير آثم؟ يقول: أنتم تقولون: صلاة الجماعة واجبة وتقولون أيضاً بالإجماع: من أدرك ركعة أدرك الجماعة، يعني الخلاف فيما دون الركعة لو أدرك أي جزء من الصلاة، يعني يقول الحنابلة: "ومن كبر قبل سلام إمامه التسليمة الأولى أدرك الجماعة ولو لم يجلس" يقول: أنا أدركت الجماعة وأنتم تقولون: الجماعة واجبة، وما زاد على ذلك ليس بواجب، خلوه على الخلاف نقول: أدرك ركعة كاملة يأثم إذا تأخر إلى أن .. ؟ الأصل أنه لا يأثم، يعني مقتضى القواعد الشرعية أنه ما يأثم، ما دام جاء بالواجب لا يأثم، يبقى ما عدا ذلك مندوب، ولا إثم في تركه، لكن كون الإنسان يعرف بالتأخر، ونفسه تعتاد ذلك، والتأخر لا نهاية له، التأخر قد يتأخر هذه المرة عن تكبيرة الإحرام، ثم يتأخر عن الركعة الأولى، ثم يتكاسل عن الثانية، وهكذا يستدرج، كما قيل في: ((لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده، لعن الله السارق يسرق الحبل فتقطع يده)) يعني يستدرج حتى يسرق ما تقطع به اليد، وهذا أيضاً إذا تأخر واعتاد التأخر ((ولا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله -عز وجل-)) والجزاء من جنس العمل، فعلى الإنسان أن يأخذ بالعزيمة، وأن يأخذ ما أوتي بقوة لا بتراخي؛ لأن النفس ميالة إلى الكسل، فإذا تراخى وعود نفسه على هذا التراخي وتعذر وتلوم وأتى بالأعذار من خلال الأقوال فإنه سوف يجد نفسه لا محالة مؤخراً، كما أن من اعتاد الكذب ومن اعتاد الصدق، لا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً؛ لأن المسألة بالتعود والتدريج إذا النفس مرنت على هذا الأمر واعتادته صار من طبعها، صار من تركيبها، وهذا يمكن مر بالجميع، يعني الإنسان إذا فاته صلاة في يوم افترض أنه فاته ركعة من صلاة الصبح لا بد أن يفوته ركعات من الصلوات اللاحقة إلا إذا ندم على ما فاته واهتم للمستقبل، فإنه يعان عليه حينئذٍ، أما إذا فاتته من غير اكتراث، وقال: أدركت الجماعة لا بد أن يعاقب بفوات ركعات من الصلوات اللاحقة.(34/18)
((تقدموا فائتموا بي، وليأتم بكم من بعدكم)) يعني ممن يأتي بعد وفاتي يقتدون بالصحابة الذين رأوا النبي -عليه الصلاة والسلام-، يصلي فصلوا كما رأوه ((وليأتم بكم من بعدكم)) يعني في الزمن، أو من بعدكم في المكان؛ لأن بعض الناس من المأمومين لا يرى الإمام، وإنما يرى الصفوف المتأخرة، الصف الأول يرى الإمام فيقتدي بالإمام، الصف الثاني لا يرى الإمام فيقتدي بالصف الأول وهكذا، فيكون كل صف بمثابة الإمام لمن خلفه، وبهذا قال بعض العلماء، يقولون: إذا أدركت الصف الذي قبلك لم يرفع من الركوع أدركت الركعة؛ لأنه بالنسبة لك إمام، ويفهم من هذا الحديث ((وليأتم بكم من بعدكم)) يعني في المكان من خلفكم، فكل صف بمثابة الإمام للصف الذي يليه، وهذا في حالة ما إذا لم يسمع الإمام ولم ير، هذا قال به جمع من أهل العلم، لكن المقرر أنه إذا رفع الإمام انتهت الركعة لجميع المأمومين، انتهت الركعة بالنسبة لجميع المأمومين، وقوله: ((ليأتم بكم من بعدكم)) يعني إذا رأوكم بمثابة المبلغ حال ركوع الإمام لا حال فراغ الإمام من الركوع، والإنسان إنما يعمل بما يبلغه، ما تسمع صوت الإمام ولا ترى شخصه رأيت الذي أمامك ركع الذي أمامك كلهم ركعوا وركعت نعم صلاتك صحيحة، وأدركت الركعة، وأما بالنسبة للواقع هل الإمام ركع أو رفع؟ ما لك دعوة؛ لأنك إنما تكلف بما يبلغك، نعم إذا سمعت الصوت أو رأيت الصورة أنت مطالب بمتابعة الإمام، لكن أحياناً تكثر الجموع، ولا يوجد من يبلغ صوت الإمام، ولا توجد آلات، هل نقول: لا يقتدي بالإمام إلا من يراه؟ لا، يقتدي بالإمام وإذا رفع الناس رفع معهم، بغض النظر عن واقع الإمام؛ لأنه لا يكلف إلا ما يدرك بسمعه، ببصره، بحواسه.
((فائتموا بي، وليأتم بكم من بعدكم، ولا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله -عز وجل-)) والجزاء من جنس العمل {جَزَاء وِفَاقًا} [(26) سورة النبأ] {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ} [(46) سورة فصلت].
"رواه مسلم".(34/19)
"وعن زيد بن ثابت -رضي الله عنه- قال: احتجر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حجيرة" يعني حجرة صغيرة "بخصفة أو حصير" يعني محوطة بحاجز من سعف النخل حصير، يعني محصور، يعني منسوج بعضه على بعض "فخرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" هذه الحجيرة يخلو بها للصلاة والذكر، وينقطع بها عما يشغله "فخرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي فيها" يصلي فيها يعني في هذه الحجيرة، قال: "فتتبع إليه رجال" يعني جاء رجال يتتبعون فعله؛ ليقتدوا به، ويأتموا به -عليه الصلاة والسلام- "وجاءوا يصلون بصلاته" قال: "ثم جاءوا ليلة فحضروا، وأبطأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عنهم" يعني في ليلة من ليالي رمضان جاء أناس فصلوا بصلاته -عليه الصلاة والسلام-، فلما كان من الليلة القابلة كثر الجمع، وجاء عدد أكبر من الذي جاء البارحة فصلوا بصلاته، ثم لما جاءت الثالثة أو الرابعة كثروا حتى غص المسجد بهم، يعني ازدحموا في المسجد "فلم يخرج إليهم -عليه الصلاة والسلام- خشية أن تفرض عليهم" وهنا يقول: "جاءوا يصلون بصلاته" لا شك أن الصلاة خلف النبي -عليه الصلاة والسلام- أكمل، والصلاة خلف الأعلم والأخشع لا شك أنها أفضل من الصلاة خلف الجاهل أو الغافل الساهي قال: "ثم جاءوا ليلة فحضروا، وأبطأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عنهم، فلم يخرج إليهم، فرفعوا أصواتهم، وحصبوا الباب" يعني ارتفاع الأصوات قد يكون بسبب الكثرة، يعني تدخل المسجد الجامع وفيه عشرة صفوف قبل دخول الإمام تجد أصوات مرتفعة بالنظر إلى مجموعها لا بالنظر إلى أفرادها، فبالمجموع ترتفع الأصوات، وهذا يمكن تخريجه مع النهي عن رفع الصوت بحضرته -عليه الصلاة والسلام- يعني مجموع الأصوات لا يعني ارتفاع الأفراد، لا يعني ارتفاع أصوات الأفراد هذا يمكن تخريجه، لكن ماذا عن حصبوا الباب؟(34/20)
جاء عن الصحابة -رضوان الله عليهم- أنهم كانوا يقرعون بابه -عليه الصلاة والسلام- بالأظافر، إذا أرادوا الاستئذان عليه، وهنا حصبوه، يعني بحصيات صغيرة، ولا شك أن هذا قد يكون فيه ما فيه مما يخل بالأدب معه -عليه الصلاة والسلام-، لكن هذه الحصيات الصغيرة إذا قلنا: إنها غاية في الصغر بحيث تكون قريبة من القرع بالأظافر الذي كانوا يفعلونه فيمكن تخريجه على هذا.
"فخرج إليهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مغضباً" يعني مما يدل على .. ، هذا الغضب يدل على إيش؟ يدل على أن ارتفاع الأصوات مع حصب الباب شرعي وإلا غير شرعي؟ غير شرعي، إنما رفعوا أصواتهم وحصبوا الباب والداعي إلى هذا ما الداعي إليه؟ حرصهم على الخير، يعني لماذا جاءوا؟ ليصلوا بصلاته، الداعي إليه حرصهم على الخير، لكن هل يكفي نية الخير وقصد الخير عن إصابته؟ لا يكفي، ولذا قول من يقول: إن الوسائل أو الغايات تبرر الوسائل هذا الكلام ليس بصحيح، لا بد أن تكون الغاية شرعية والوسيلة شرعية، ولذا خرج إليهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مغضباً، وهم الذين أغضبوه.(34/21)
"فقال لهم: ((ما زال بكم صنيعكم)) " يعني هل الغضب بسبب التصرفات من رفع الأصوات وحصب الباب؟ أو لما رأى من حرصهم الذي يتسبب عنه فرض هذه الصلاة التي هي في الأصل نافلة؟ ((ذروني ما تركتكم، فإنما أهلك بني إسرائيل كثرةُ مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم)) ((وأعظم الناس جرماً من سأل عن شيء فحرم بسببه)) وهنا: "فقال لهم: ((ما زال بكم صنيعكم حتى ظننت أنه سيكتب عليكم، فعليكم بالصلاة في بيوتكم)) " النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى بهم الليلة الأولى والثانية والثالثة على اختلاف الرايات، ثم احتجب عنهم بعد ذلك خشية أن تفرض عليهم صلاة التراويح التي سميت فيما بعد صلاة التراويح، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- ما تركها رغبة عنها، وما تركها من أجل أن الجماعة لا تشرع فيها، وإنما تركها خشية أن تفرض عليهم، ولذا لما أُمنت هذه الخشية في عهد عمر -رضي الله تعالى عنه- جمع الناس على إمام واحد في صلاة التراويح، والنبي -عليه الصلاة والسلام- من شفقته ورأفته بأمته يخشى عليهم مثل هذا، فإذا فرض عليهم قد يعجزون عنه، فيأثمون بسبب ذلك، وهم في الأصل في سعة؛ فلماذا يضيقون على أنفسهم؟! وهذا هو الذي أثار الغضب عنده -عليه الصلاة والسلام-.
النبي -عليه الصلاة والسلام- لما دخل الكعبة ندم خشية أن يحرص الناس على دخولها فتلحقهم بذلك المشقة؛ لأن كل مسلم يقتدي به -عليه الصلاة والسلام-، والأمثلة والنظائر لهذا كثيرة؛ لأنه قد يقول قائل: النبي -عليه الصلاة والسلام- حث على أشياء ولم يفعلها، مثال ذلك قال: ((عمرة في رمضان تعدل حجة معي)) ومع ذلك ما اعتمر في رمضان -عليه الصلاة والسلام-؛ ليكون في الأمة شيء من التوازن؛ لأنه لو اجتمع الحث مع عمرته -عليه الصلاة والسلام- في رمضان كيف يكون الحال حال المسلمين في هذه الأماكن في هذه الأوقات؟! إذا تضافر القول مع الفعل لكن إذا وجد القول وجد من يقتدي به ويمتثل، لم يوجد الفعل وجد من يقول: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما اعتمر في رمضان، فيحصل بذلك التخفيف والتنفيس، لكن لو تضافر الفعل مع القول لاقتتل الناس على الاقتداء في هذه الأماكن، وأنتم ترون الزحام الذي يحصل في رمضان في المسجد الحرام.(34/22)
((ما زال بكم صنيعكم)) يعني من الحرص على هذه الصلاة خلفي ((حتى ظننت أنه سيكتب عليكم)) يعني ستفرض عليكم هذه الصلاة، ستفرض عليكم وتأثمون بتركها ((فعليكم بالصلاة في بيوتكم)) يعني صلاة النوافل صلاة المرء في بيته أفضل إلا المكتوبة، والمصالح العظيمة المترتبة على الصلاة في البيوت أولاً: عدم تشبيهها بالقبور ((لا تجعلوا بيوتكم قبوراً)) والأمر الثاني: الاقتداء، متى يتعلم النساء والصبيان الصلاة إذا لم يصل صاحب البيت في منزله؟ الصلاة في البيت لا سيما الرواتب راتبة المغرب وراتبة العشاء وراتبة الصبح والتهجد هذه يقتدي به ما في البيت من نساء وذرية، ويحسنون الصلاة قبل وجوبها بالنسبة للصبيان والنساء متى يتعلمن الصلاة؟ لأن التعليم بالفعل أبلغ من التعليم بالقول، وإذا أردت المثال فانظر إلى الأعمى كيف يرفع يديه إذا أراد أن يكبر، هل هو مثل المبصر؟ يختلف؛ لأن التعليم بالفعل والمشاهدة لا شك أنه أبلغ من أن يقال له: أرفع يديك، طيب كيف ترفع يديك؟ تفرق؟ تجمعهما؟ يعني قد يحصل من النصوص القدر المجزئ، لكن الصورة الكاملة التي توارثتها الأمة عن النبي -عليه الصلاة والسلام- في كيفية الرفع لا تدرك إلا بالمشاهدة.
تجد بعض العميان يعاني في المصافة معاناة شديدة، لا سيما إذا كان صاحب حرص على براءة ذمته، تجده كل شوية لامس الجار، إذا ركع لمس ركبته، وإذا سجد حط يده على شيء من بدنه، إذا جلس لمس ركبة الجار، مما يدل على أن التعليم بالفعل له أثره الكبير في ثبوت العلم، والنبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) وقال: ((خذوا عني مناسككم)) وصلى لهم -عليه الصلاة والسلام- من أجل .. ، التعليم على المنبر ليروه كيف يصلي -عليه الصلاة والسلام-؟(34/23)
((فعليكم بالصلاة في بيوتكم، فإن خير صلاة المرء في بيته إلا الصلاة المكتوبة)) أما بالنسبة للمكتوبة فحيث ينادى بها في المساجد ((أتسمع النداء؟ )) قال: نعم، قال: ((أجب لا أجد لك رخصة)) يعني حيث ينادى بها، وهذا يقوله النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو في مسجده الذي فيه المضاعفة الصلاة بألف صلاة، وأشار إليه ((صلاة في مسجدي هذا)) والصلاة في بيوت المدينة بالنسبة للنوافل أفضل من الصلاة في المسجد، حتى قال بعض أهل العلم: إن المضاعفات إنما هي في الصلوات المفروضة لا في النوافل، قد يقول قائل مثلاً: إن بيوت مكة وهي داخل الحرم فيها مضاعفة، فإذا صلينا في البيت أفضل من المسجد، لكن في المسجد النبوي المضاعفة في المسجد، قال: ((في مسجدي هذا)) فكيف يقال: إن صلاة المرء في بيته أفضل من صلاته في المسجد الذي فيه المضاعفة والمضاعفة خاصة بالمسجد؟ نقول: نعم هذا كلام من لا ينطق عن الهوى وهو في المدينة ((فإن خير صلاة المرء في بيته إلا الصلاة المكتوبة)) فإما أن يقال على ما قال بعض أهل العلم: إن المضاعفات في الفرائض أو يقال: إن المضاعفات في بيوت المدينة بالنسبة للنوافل حاصلة كمضاعفة الفريضة في المسجد، تكون صلاة في بيت بالمدينة أفضل من ألف صلاة في ما عداها، هذا بالنسبة للنوافل، وأما الفرائض فالمضاعفة في مسجدي هذا.
"متفق عليه، واللفظ لمسلم".
والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ويش فيها؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم يقول: صلاة التراويح صلاة التهجد في رمضان هل هي أفضل في البيت؟(34/24)
عموم الحديث يشملها، ويفعل ذلك بعض أهل العلم؛ لأن الصلاة في البيت أفضل من جهة؛ ولأن صلاتهم في بيوتهم أطول من صلاة الإمام في المسجد؛ لأن الإمام إذا صلى في المسجد صلاة التراويح أو صلاة التهجد فإنه يخفف بخلاف ما إذا صلى الإنسان لنفسه فليطول لنفسه ما شاء، وهم يفعلون ذلك لهذين الأمرين، لكن قد يعرض للمفوق ما يجعله فائقاً، فتكون صلاة النافلة في المسجد أفضل من أجل أن يقتدي به الناس؛ لأنه لو صلى الفريضة في رمضان صلاة العشاء وخرج فالناس يقتدون به يخرجون، ما يدرون إلى أين يذهب؟ قد يتركون الصلاة، ويقولون: لو كانت الصلاة مؤكدة ما خرج الشيخ وخلاها، وهو بيخرج إلى ما هو أفضل منها، من صلاته في بيته من جهة؛ ولأنه يطول لنفسه ما شاء، فبعض أهل العلم يرجح أن تكون صلاة الليل في رمضان في المسجد أفضل من الصلاة في البيت ليقتدى به؛ ولئلا يظن به ظن سوء.
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك ...(34/25)
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: المحرر – كتاب الصلاة (35)
الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
يقول: كيف الطريقة المثلى لضبط وحفظ كتاب المحرر، علماً بأنني أعتبر نفسي مبتدئاً؟
المحرر كغيره من المتون، فإذا بدأ الإنسان في التعلم على الجادة عند أهل العلم سهل عليه المحرر وغير المحرر، إذا كان حفظ الأربعين وحفظ العمدة، ثم بنى عليهما ما فوقهما من الكتب سواءً كان البلوغ أو المحرر، فالضبط سهل يعني، يحفظ في كل يوم خمسة أحاديث، ثم يراجعها من الغد، ويضيف إليها مثلها، وإذا كانت حافظه أكثر يحفظ عشرة، وإذا كانت أقل يحفظ حديثين أو ثلاثة.
يقول: جماعة المسجد يقدمونني إلى الصلاة إذا لم يكن هناك إمام، ولكني إذا تقدمت إلى الإمامة يأتيني الخوف والشعور أني لست بحافظ للسور التي أقرأها، علماً بأنني أحفظها مثل اسمي، فهل هذا يقدح في الإخلاص؟ وما العلاج لذلك؟
هذا أمر فطري، الإنسان إذا ما تعود على شيء يهابه، ويخاف منه ويخجل، يعتريه الخجل والوجل والخوف إذا لم يعتد ذلك، ثم يزول هذا شيئاً فشيئاً، هذا يزول بالتدريج، لكن إذا كانت هذه حاله ينوب عن الإمام في الشهر مرة أو مرتين هذا لن يزول عنده الخوف، حتى يصير إماماً معتاداً، أو ينوب عن إمام يسافر سفراً طويلاً لمدة شهر مثلاً بهذه الطريقة يزول -إن شاء الله تعالى-.
يقول: هل ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو في سفره أنه يصلي من الليل؟
نعم ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه لم يكن يدع الوتر ولا ركعتي الصبح لا في السفر ولا في الحضر.
هل من السنة أن يضل الشخص مغطياً لرأسه ولا يكشفه للناس؟
على كل حال الرأس ليس من العورة بالنسبة للرجل، لكنه من كمال المروءة والأدب ألا يبرز إلى الناس مكشوف الرأس، لا سيما إذا كانت عادتهم تغطية الرأس.
يقول: من صلى بين رافضيين هل يعتبر في حكم المنفرد خلف الصف؟
هؤلاء حكمهم حكم السواري، يعني إن أمكن ألا تصلي بينهم فهو أفضل، وإن صليت فالحكم حكم السارية للحاجة لا بأس -إن شاء الله-.
يقول: ماذا يفعل من نسي سجود السهو؟(35/1)
نسي سجود السهو إن لم تطل المدة يأتي به، وإن طالت المدة فيعذر في تركه -إن شاء الله- ما دام ناسياً.
يقول: هل الأفضل لمن أراد أن يصوم شعبان أن يصومه كاملاً أم يفطر آخر يومين أم نصفه؟
لا يجوز تقدم رمضان بيوم أو يومين هذا أمر مقر ومفروغ منه، والحديث فيه صحيح، بقي الحديث الآخر: ((إذا انتصف شعبان فلا تصوموا)) هذا يقويه بعض أهل العلم، ولكنه معارض بحديث: ((لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين)) مفهومه أن التقدم بثلاثة أيام أو أكثر لا بأس به، ومن كان له صوم يعتاده فلا مانع من أن يصومه في النصف الثاني من شعبان، ومن عليه صوم من رمضان سابق فلا مانع من أن يصومه في آخر شعبان.
يقول: ما المقصود بحديث: ((من صام يوماً في سبيل الله))؟
الإمام البخاري جعل هذا الحديث في أبواب الجهاد، باب الصوم في سبيل الله، ويريد به الجهاد، يعني وضعه في أبواب الجهاد، وجمع من أهل العلم يرون أن المراد بـ ((في سبيل الله)) مبتغياً بذلك وجه الله.
يقول: ما حكم من أخر تكبيرة الانتقال من السجود إلى أن استتم قائماً؟
لا شك أنه أساء وخالف السنة، لكن لا شيء عليه.
هل يعفى عن يسير النجاسات مع ضرب مثال؟
من النجاسات ما يعفى عن يسيره، ومنها ما لا يعفى عن يسيره، فالدم مثلاً عند من يقول به، والمذي عند من يقول بنجاسته يعفى عن يسيره، لكن بالنسبة للبول مثلاً قالوا يعني نازع الشافعية والحنابلة عما لا يدركه الطرف، فيما لا يدركه الطرف هل يعفى عنه أو لا؟ يقولون: كرؤوس الإبر؛ لأن نجاسة البول شديدة، واتقاؤه واجب.
يقول: في الحديث: ((لولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار)) يعني أبا طالب، يقول: وجاء في كتاب التوحيد: لولا الكلب لسرق الدار، أو سرقت الدار، كيف الجواب؟(35/2)
لا شك أن النبي -عليه الصلاة والسلام- سبب في تخفيف العذاب عن عمه أبي طالب، قد مات كافراً والكافر لا يغفر له، كما نص على ذلك في القرآن والسنة {إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} [(48) سورة النساء] ولكنه بشفاعة النبي -عليه الصلاة والسلام- وضع في ضحضاح من نار يغلي منه دماغه، ولولا شفاعة النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهذا حرف امتناع لوجود، يعني لولا وجود شفاعة النبي -عليه الصلاة والسلام- لكان عمه أبو طالب في الدرك الأسفل من النار.
قد يقول قائل: إن أبا طالب مشرك، ومعلوم أن المشركين في النار بلا شك، هذا أمر مقطوع به، لكن الذين في الدرك الأسفل من النار هم المنافقون، فهل هو مشرك أو منافق؟ هو مشرك بلا شك؛ لأنه يظهر الشرك، يعني ما يبطن الشرك ليقال: منافق، فهو مظهر للشرك فهو مشرك، والدرك الأسفل من النار للمنافقين، هذا فيه إشكال وإلا ما فيه إشكال؟ طيب كيف يجاب عنه؟
لا شك أن البلاغ {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [(15) سورة الإسراء] وبقدر هذا البلاغ تقوم الحجة، وأي بلاغ أبلغ مما وصل إلى أبي طالب منه -عليه الصلاة والسلام-، فقد قامت عليه الحجة بأجلى صورها، واعترف بأحقية هذا الدين، وأنه حق، وأن محمد صادق، ومع ذلك ما أسلم، فهذا يختلف حكمه عن عموم المشركين الذين بلغتهم الحجة مع شيء من الخفاء، أو مع عدم وضوح في الصورة عندهم، لكن هذا الصورة عنده مثل الشمس في رابعة النهار.
ولقد علمت بأن دين محمد ... من خير أديان البرية دينا
لولا المذمة أو حذار مسبة ... لوجدتني سمحاً بذاك مبينا
نسأل الله السلامة والعافية، فمثل هذا الذي ليس له أدنى شيء يستمسك به؛ لماذا لا يكون في الدرك الأسفل من النار؟ قد يقول قائل: إنه خدم الدين وخدم الرسول -عليه الصلاة والسلام-، نقول: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا} [(23) سورة الفرقان] لا قيمة له، ومع ذلكم شفع فيه النبي -عليه الصلاة والسلام-، وخفف عنه العذاب بسبب هذه الشفاعة.(35/3)
"لولا الكلب لسرقت الدار" لولا الكلب ماذا صنع الكلب؟ هل هو سبب مؤثر أو غير مؤثر؟ نعم؟ ليس بسبب، يعني هو كونه نبح هل معنى أنه خلّص الدار من السرقة؟ نبح الكلب فخاف السارق وهرب، هذا ليس بسبب، لكن النبي -عليه الصلاة والسلام- سبب، وفرق بين هذا وهذا، وحينئذٍ يقال: إن أبا طالب انتفع بالسبب، وأصحاب الدار انتفعوا عنده لا به، يعني فرق بين كلام الأشعرية الذين يقولون: إن الأسباب لا تنفع، وأن النفع يكون عندها لا بها، وبين كلام أهل السنة أن النفع يكون بها لا لذاتها، يعني لا تؤثر بذاتها كما يقول المعتزلة، لكنها يحصل بها نفع؛ لأن الله -جل علا- جعل فيها هذا النفع، فكون السراق يفرون إذا سمعوا صوت الكلب فتسلم الدار من السرقة لا بالكلب وإنما عند وجوده؛ لأنه لو لم يوجد مثلاً ووجد صوت غير صوت الكلب، أو انتبه صاحب الدار من غير صوت، فهذا السبب حقيقة غير مؤثر بخلاف الأسباب المؤثرة التي جعل الله فيها التأثير باطراد.
طالب:. . . . . . . . .
إيه، لكن هل في النصوص ما يدل على أن غير المنافقين لا يشاركونهم؟ ما في ما يدل، إنما هي للمنافقين في الأصل، لكن قد يبلغ المشرك من الظلم والجور مثل فرعون مثلاً، وما أكثر من يشبه فرعون؛ لماذا لا يستحقون هذه الدركة من دركات النار؟ لا سيما وأن أبا طالب ما فيه أدنى لبس ولا خفاء، وكأنه آمن بقلبه حينما قال: "ولقد علمت" وكفر وعاند وأصر وأبى أن ينطق بكلمة التوحيد.
يقول: إذا قرأ الإمام سورة في آخرها سجدة وسجد هل إذا رفع يركع أم لا بد أن يقرأ ثم يركع؟
لا، إن قرأ فهو آمن من اللبس، يعني يخشى من اللبس؛ لأنه إذا رفع من السجدة وقام إلى الركوع قد يسجد بعض الناس، إذا كبر للقيام ثم كبر للركوع قد يسجد بعض الناس، ودفعاً لهذا اللبس إذا قرأ آية أو آيتين من السورة التي بعدها أو من .. ، كان أفضل ليندفع هذا اللبس.
يقول: ذكرتم الوقت المضيق كم مدته ومتى يبدأ؟(35/4)
يعني بالنسبة لارتفاع الشمس من بزوغها إلى ارتفاعها، يعني فأطول أيام النهار لا يصل إلى ربع ساعة، وفي أقصرها قد يصل إلى عشر دقائق، ترتفع، لمدة عشر دقائق ترتفع الشمس، وكذلك الغروب إلا أنها إذا اصرفت الشمس ازدادت الكراهة، وما زالت الشمس بيضاء نقية فالوقت متسع، فإذا اصفرت الشمس زادت الكراهة ثم إذا تضيفت للغروب في آخر ربع ساعة مثل وقت البزوغ هذا، وكذلك إذا قام قائم الظهيرة، يعني إذا كانت الشمس في كبد السماء حتى تزول.
هل السواك باليد اليسرى أو اليمنى؟
عامة أهل العلم حتى قال شيخ الإسلام قال: "لا أعلم أحداً من الأئمة قال بالتسوك باليمين" مع أنه قيل به، وجده المجد ابن تيمية يقول بالتسوك باليمين، والسبب في ذلك هل هو من باب التعبد المحض، أو فيه شوب التنظيف وإزالة الوسخ؟ فإذا قلنا: إنه تعبد محض قلنا باليمين، وإذا قلنا: إنه إزالة وسخ وقذر فإنه يكون حينئذٍ بالشمال، مع أنه كان يعجبه -عليه الصلاة والسلام- التيمن في طهوره وتنعله وترجله وسواكه، لكن المراد بالتيمن هنا البداءة بالشق الأيمن من الفم لا باليد اليمنى.
طالب:. . . . . . . . .
هو مثل ما قلنا في طلوع الشمس إذا كان النهار أطول وإذا كان النهار أقصر يعني يتفاوت هذا، لكن ربع الساعة كافي.
هذا عنده سؤال أيضاً ثالث يقول: ما القول الصحيح في سدل اليدين أو قبضهما بعد الرفع من الركوع؟
الصحيح أن اليدين تقبضان بعد الرفع من الركوع، وفي صفة صلاته -عليه الصلاة والسلام- أنه إذا رفع إذا قام من الركوع ظل قائماً حتى يعود كل فقار إلى مكانه، ومكانه المقصود به الأقرب، وهو ما قبل الركوع، وجاء أيضاً في حديث وائل بن حجر ما يدل عليه.
ما قولكم في إطالة الدعاء في قنوت الوتر؟ وما هو الضابط؟
الضابط الحاجة، يعني إذا وجد حاجة إلى أدعية معينة يؤتى بها، وإلا فالأصل أن الإمام ينتقي جوامع الأدعية بحيث لا يشق على المأمومين.
إذا جاء الفعل الماضي في القرآن مخبراً عن المستقبل، فماذا يعني ذلك كما في قوله تعالى: {وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} [(22) سورة الفجر]؟
يعني تحقق الوقوع {أَتَى أَمْرُ اللهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ} [(1) سورة النحل].(35/5)
هل هناك دروس يوم الخميس والجمعة؟
ليس فيها دروس.
سم.
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
اللهم اغفر لشيخنا وللحاضرين والمستمعين.
قال الإمام ابن عبد الهادي -رحمه الله- في محرره:
وعن جابر -رضي الله عنه- قال: صلى معاذ لأصحابه العشاء فطول عليهم فانصرف رجل منا فصلى، فأخبر معاذ عنه، فقال: إنه منافق، فلما بلغ ذلك الرجل دخل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأخبره ما قال معاذ، فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((أتريد أن تكون فتاناً يا معاذ؟ إذا أممت الناس فاقرأ بـ (الشمس وضحاها) و {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [(1) سورة الأعلى] و {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [(1) سورة العلق] {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} [(1) سورة الليل])) متفق عليه، واللفظ لمسلم أيضاً: وفي لفظ له: فانحرف رجل فسلم ثم صلى وحده وانصرف.
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: لما ثقل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جاء بلال يؤذنه بالصلاة، فقال: ((مروا أبا بكر فليصلِ بالناس)) قالت، فقلت: يا رسول الله إن أبا بكر رجل أسيف، وإنه متى يقم مقامك لا يسمع الناس، فلو أمرت عمر؟ قال: ((مروا أبا بكر فليصلِ بالناس)) قالت: فقلت لحفصة: قولي له: إن أبا بكر رجل أسيف، وإنه متى يقم مقامك لا يسمع الناس، فلو أمرت عمر، فقالت له، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إنكن لأنتن صواحب يوسف، مروا أبا بكر فليصلِ بالناس)) قالت: فأمروا أبا بكر يصلي بالناس، قالت: فلما دخل في الصلاة وجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من نفسه خفة، فقام يهادى بين رجلين ورجلاه تخطان في الأرض، قالت: فلما دخل المسجد سمع أبو بكر حسه ذهب يتأخر، فأومأ إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: قم مكانك، فجاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى جلس عن يسار أبي بكر، قالت: فكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي بالناس جالساً، وأبو بكر قائماً، يقتدي أبو بكر بصلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ويقتدي الناس بصلاة أبي بكر. متفق عليه.(35/6)
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا أم أحدكم الناس فليخفف، فإن فيهم الصغير والكبير والضعيف والمريض، فإذا صلى وحده فليصلِ كيف شاء)) وفي لفظ: ((وذا الحاجة)) وفي آخر: ((الضعيف والسقيم)) متفق عليه، واللفظ لمسلم، ولم يقل البخاري: ((والصغير)).
وعن عمرو بن سلَمة الجُرمي قال:
سلِمة الجَرْمي، الجرْمي.
الجرْمي قال: كنا بماء ممر الناس، وكان يمر بنا الركبان فنسألهم ما للناس؟ ما للناس؟ ما هذا الرجل؟ فيقولون: يزعم أن الله -عز وجل- أرسله، أو أوحى إليه، أو أوحى الله بكذا، فكنت أحفظ ذلك الكلام، فكأنما يغري في صدري ...
يقر.
يغر في صدري.
يقر بالقاف.
بالقاف؟
يقر من القرار.
عندنا بالغين.
أو يقر.
فكأنما يقر في صدري، وكانت العرب تَلُوم بإسلامهم الفتح ..
تَلوم يعني تتأخر.
تلَوم بإسلامهم الفتح فيقولون: اتركوه وقومه فإن ظهر عليهم فهو نبي صادق، فلما كانت واقعة الفتح بادر كل قوم بإسلامهم، وبدر أبي قومي بإسلامهم، فلما قدم قال: جئتكم والله من عند النبي حقاً، فقال: ((صلوا صلاة كذا في حين كذا، وصلوا صلاة كذا في حين كذا، فإذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكم، وليؤمكم أكثركم قرآناً)) فنظروا فلم يكن أحد أكثر قرآناً مني لِما كنت أتلقى من الركبان، فقدموني بين أيديهم، وأنا ابن ست أو سبع سنين، وكانت علي بردة، وكنت إذا سجدت تقلصت عني، فقالت امرأة من الحي: ألا تغطون عنا است قارئكم؟! فاشتروا، فقطعوا لي قميصاً، فما فرحت بشيء فرحي بذلك القميص. رواه البخاري، وعند أبي داود: وأنا ابن سبع سنين أو ثمان سنين، وعند النسائي: وأنا ابن ثمان سنين.
وعن عكرمة عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "يكره أن يؤم الغلام حتى يحتلم" رواه الأثرم والبيهقي، ولفظه: "ولا يؤم الغلام حتى يحتلم".(35/7)
وعن أبي مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة، سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سلماً، ولا يؤمن الرجل الرجلَ في سلطانه، ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه)) وفي رواية: "سناً" بدل سلماً. رواه مسلم.
وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ليلني منكم أولو الأحلام والنهى، ثم الذين يلونهم)) ثلاثاً ((وإياكم وهيشات الأسواق)) رواه مسلم أيضاً.
يكفي، يكفي، بركة.
هذا قرأناه أمس.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"وعن جابر" وهو ابن عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري "-رضي الله تعالى عنه- قال: صلى معاذ لأصحابه العشاء" صلى معاذ لأصحابه وفي الحديث الآخر: "صلى لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" واللام بمعنى الباء.
"صلى معاذ بأصحابه" وهنا يتجه أن يقال: إنه صلى لأجلهم، وإلا فقد كان صلى خلف النبي -عليه الصلاة والسلام-، يعني إبدال الباء باللام هنا له وجه؛ لأنه صلى لأصحابه هو صلى بهم بلا شك إماماً بهم، وصلى أيضاً من أجلهم، وإلا فقد كان صلى خلف النبي -عليه الصلاة والسلام-، فقد كان معاذ يصلي العشاء مع النبي -عليه الصلاة والسلام- في مسجده، ثم يأتي إلى أصحابه فيؤمهم ويصلي بهم، وهذا من أقوى أدلة من يقول بصحة صلاة المفترض خلف المتنفل، أما بالنسبة لصلاة المتنفل خلف المفترض فالخلاف فيها أضعف، يعني الخلاف في صلاة المفترض خلف المتنفل يعني موجود عند أهل العلم، ومنصور عند كثير منهم، لكن صلاة المتنفل خلف المفترض هذه لا إشكال فيها، والأدلة عليها كثيرة، هذا الحديث مما يستدل به من يقول بصلاة المفترض خلف المتنفل، والدلالة فيه واضحة.(35/8)
الحنابلة عندهم أن المفترض لا يصلي خلف المتنفل؛ للاختلاف في النية، مع أن الاختلاف في النية يدخل في قوله: ((إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه)) أو الاختلاف الذي تجب مراعاته الاختلاف في الأفعال والأقوال دون النيات؛ لأنه فصّل في الحديث: ((إذا كبر فكبروا)) ((إذا ركع فاركعوا)) ((إذا قال: سمع الله)) ((إذا سجد فاسجدوا)) ... إلى آخره، يعني فصّل ما يجب فيه الموافقة، وأما النيات فلا تعرض لها؛ لأن الموافقة والمخالفة المقصود بها من حيث الظاهر؛ ولذا يصح أن يصلي الظهر خلف من يصلي العصر على هذا القول، وإلا فالمسألة واحدة عند الحنابلة، لا يصلي مفترض خلف متنفل، ولا من يصلي الظهر خلف من يصلي العصر ولا العكس؛ للاختلاف في النية، ولذا الجمهور يلزمون من يصلي من المسافرين -قل جماهير أهل العلم يعني ما يعرف مخالف إلا الشعبي ونفر يسير- من يأتم بمقيم من المسافرين يلزمه الإتمام لوجوب الموافقة في الظاهر، وأما بالنسبة للباطن في النيات فهذا الحديث وما جاء في معناه لا يدل على وجوب الموافقة فيه، وإن كان عموم: ((فلا تختلفوا عليه)) يشمل، لكن التفصيل في الحديث يدل على أن الموافقة وعدم الاختلاف إنما يكون في الأفعال والأقوال لأن التفصيل جاء في الأقوال والأفعال.
المسافر إذا صلى خلف المقيم يلزمه الإتمام، وإن ائتم بمقيم لزمه الإتمام، طيب إذا ائتم بمقيم والصورة واحدة مسافر نام عن صلاة العشاء فوجد الناس يصلون الصبح، صح أنه ائتم بمقيم، لكن هل يلزمه الإتمام أو لا؟ مسافر دخل المسجد لصلاة العشاء يريد أن يصلي ركعتين وائتم بمقيم وجد الناس يصلون تراويح، يصلون ركعتين يلزمه الإتمام أو لا يلزمه؟ طيب قولهم: إن ائتم بمقيم هذا مقيم، يعني هل المنظور له الإمام أو الصلاة؟
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
الأمران؟
طالب:. . . . . . . . .
إذا قلنا: الأمران يلزمه الإتمام، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(35/9)
نعم المنظور له الصلاة ((فلا تختلفوا عليه)) وصح أن من يصلي العشاء خلف من يصلي الصبح هذا مسافر وهذا مقيم ومثله إذا دخل لصلاة الظهر ووجد الإمام يصلي الجمعة، هل نقول: تصلي جمعة وتسقط عنك الظهر أو تصلي ظهر؟ الجمعة أفضل، لكن يلزمه إذا صلى الجمعة ألا يجمع معها العصر، وإن صلاها بنية الظهر جمع معها العصر، هذا الفرق.
من أوجه المخالفة بين الإمام والمأموم -وهذا لو كان في درس أمس كان أولى لكن ما يمنع أننا نأتي به- إذا خالف الإمام فترك سنة من السنن، ما رفع يديه لتكبيرة الإحرام أو للركوع أو للرفع منه، فلا تختلفوا عليه نقول: ما نرفع أيدينا؟ ما نرفع أيدينا لأن الإمام خالف؟ لا، العبرة بالسنة، ومن خالفها فلا عبرة به.
وهذه مسألة أيضاً يكثر السؤال عنها وهو إذا كان الإمام لا يجلس جلسة الاستراحة والمأموم يراها، نقول: يجلس جلسة الاستراحة، ولا يكون في هذا إخلال بالمتابعة؛ لأن العبرة بالسنة لا بمن ترك السنة.
"صلى معاذ لأصحابه العشاء فطول عليهم" معروف الحنابلة لا يجيزون مثل هذا؛ لأن صلاة المفترض خلف المتنفل لا تصح.
وعند أبي العباس ذلك جائز ... لفعل معاذ مع صحابة أحمدِ
يصلي بهم نفلاً وهم ذوو فريضة ... وقد كان صلى الفرض خلف محمدِ(35/10)
"فطول عليهم" طول عليهم في القراءة، وفي بعض الروايات: أنه قرأ سورة البقرة "فانصرف رجل منا" انصرف رجل أتى إلى المسجد ومعه ناضحان، النواضح هي الإبل التي يستقى عليها الماء "فصلى" "فانصرف رجل منا" يعني انفرد، نوى الانفراد وصلى، وإن كان اللفظ يحتمل أنه قطع صلاته وصلى منفرداً "فانصرف رجل منا فصلى، فأخبر معاذ -رضي الله عنه-" ولا شك أن مثل هذا التصرف إذا لم يعرف سببه قطع العمل {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [(33) سورة محمد] هذا لا يجوز بدون سبب ولا مبرر، يعني من دخل في التطوع يقال له: المتطوع أمير نفسه أو يقال له: {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [(33) سورة محمد]؟ يعني إذا صام يوم تطوع هل يقال له: أنت حر لأدنى سبب تفطر ولو من غير سبب؟ المتطوع أمير نفسه، أو نقول: لا، ما دام شرعت في العبادة لا يجوز لك أن تقطعها للنهي عن إبطال العمل؟ هذه مسألة خلافية بين أهل العلم، وهذا باستثناء الحج والعمرة إذا دخل فيهما لزمه الإتمام {وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ} [(196) سورة البقرة] وما عداهما يدخل فيه هذا الخلاف، يدخل في الخلاف.(35/11)
هذا الذي انصرف لهذا المبرر مسكين يستقي طول النهار، وخاف على نواضحه أن تضل وتضيع عليه، فقطع الصلاة، أو نوى الانفراد، واللفظ يحتمل "فانصرف رجل منا فصلى، فأخبر معاذ" فمعاذ استعظم هذا الأمر، مسلم يقطع الصلاة بعد أن دخل فيها! "فقال: إنه منافق" هذا الوصف الشنيع الذي أطلقه معاذ، وجاء نظيره في نصوص "دعني أضرب عنق هذا المنافق" في حديث عتبان: ذكروا فلان وقالوا: منافق، نفسه مع المنافقين، فرد عليهم النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن هل عاقبهم؟ لا شك أن هذا يؤذي من اتهم بهذا، لكن الحق لا يعدوه، يعني لو طالب بحقه قال: أنا لست بمنافق، فأريد حقي من هذا؟ أو يقال: إنه يكتفى بما يستحقه من عقوبة في الآخرة؟ لأنه إذا قال الإنسان لأخيه: يا كافر إن لم يكن مستحقاً لها لا شك أن المسألة يعني فيها إثم عظيم، هل يقال: إن مثل هذه الأمور لا تدخل فيما يتعلق بالقذف ولو لم يكن بصريح القذف أو بلفظه أو بحده إنما تعزير، مثل لو قال: يا حمار، أو يا كلب، يعزر على هذا، لكن لو قال: يا منافق يعزر وإلا ما يعزر؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هذا الأصل، لكن الأمر لا يعدوه، يعني وهذا حق آدمي إن طالب به عزر حسب ما يراه الإمام، لكن ما في مطالبة، وإذا كان الدافع لهذه الكلمة الغيرة يغتفر وإلا ما يغتفر؟ يعني ما جاء في النصوص كلها الدافع فيها الغيرة، دعني أضرب عنق هذا المنافق؛ لأنه قد يكون سبب الإطلاق اللبس، يعني أطلقه مع تأويل سائغ، هذا ليش ترك الصلاة؟ لماذا ترك الصلاة وانفرد؟ يعني في تقدير عموم الناس لا شك أنها مخالفة، لكن السبب ظاهر، والعذر واضح، رجل يستقي على نواضحه النهار، ويريد النوم، ثم تفتتح سورة البقرة، ولذا شدد النبي -عليه الصلاة والسلام- على معاذ.(35/12)
"فقال: إنه منافق، فلما بلغ ذلك الرجل دخل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأخبره ما قال معاذ" من قوله له: إنه منافق "فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((أتريد أن تكون فتاناً يا معاذ؟ )) " يعني تكون سبباً في فتنتهم، تُترك الصلاة من أجلك ومن أجل تطويلك؟! ولو لم تترك الصلاة بالكلية تترك الجماعة هذه فتنة، يعني صرف الناس عن الخير، عن الصلاة بالكلية، أو عن الصلاة في الجماعة هذه فتنة، هذا فتن للناس عن هذه الصلاة.
((أتريد أن تكون فتاناً يا معاذ؟ إذا أممت الناس فاقرأ)) بسور متوسطة ((بـ (الشمس وضحاها) و {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ} [(1) سورة الأعلى] و {اقْرَأ ْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [(1) سورة العلق] {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} [(1) سورة الليل])) هذه السور متوسطة، ليست من طوال المفصل، ولا من قصاره، سور متوسطة، هذه يحتملها الناس كلهم، حتى المريض يحتملها، والصغير وصاحب الحاجة يحتمل، لكن صاحب الحاجة المسكين الذي خشي على شيء من ماله أن يضيع أو على ولده، أو كان مريضاً، أو صغيراً لا يحتمل طول القيام يُقرأ بسورة البقرة! هذا بالنسبة للفريضة التي هي مطلوبة من جميع المكلفين، أما بالنسبة للنافلة، أو الإنسان يصلي لنفسه يطول ما شاء، النبي -عليه الصلاة والسلام- قام حتى تفطرت قدماه، وصلى بالبقرة ثم النساء ثم آل عمران، لكن قد يقول قائل: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى بصلاة المغرب بالأعراف، وصلى بالطور، صلى بالصافات، صلى بـ (ق) و (اقتربت) صلى بسور طويلة، وصلى في صبح الجمعة بـ (آلم) السجدة وسورة الإنسان.
أولاً: لم يكن عمله -عليه الصلاة والسلام- التطويل باستمرار، ولا يمنع أن يطول الإمام إذا رأى في المأمومين شيء من النشاط، وأنهم لا يكرهون ذلك، على أن لا يتخذ ذلك عادة، فالأعراف قرأها النبي -عليه الصلاة والسلام- مرة واحدة لبيان أن مثل هذا العمل شرعي وجائز إذا انتفت العلة ((فإن فيهم الصغير والكبير والمريض وذا الحاجة)) وإذا وجد مجموعة يرغبون في التطويل يطول بهم الإمام، ما في ما يمنع، والأدلة على ذلك ما ذكرنا من قراءة السور الطوال.(35/13)
وأيضاً كون النبي -عليه الصلاة والسلام- يقرأ بهذه السور، يقرأ بالصافات، ويقرأ بالأعراف، ويقرأ بكذا، ويقول لمعاذ: فاقرأ بالشمس وضحاها، و {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [(1) سورة الأعلى] ... إلى آخره، هذا أسلوب من أساليب العلاج الشرعي، فإذا رأيت شخصاً يطيل الصلاة تأمره أن يقرأ مثل هذه السور، وإذا وجدت شخصاً ينقر الصلاة ما تقول له: اقرأ هذه السور، تقول: قرأ النبي -عليه الصلاة والسلام- بالأعراف، قرأ بالصافات من أجل إيش؟ أن تعالج ما عنده من خلل، من الأصل عنده تخفيف ونقر للصلاة تقول له: اقرأ بالشمس وضحاها؟! يمكن يقسمها في ركعتين، يقول: امتثلت؛ لأنه من الأصل هو ميال إلى التخفيف، بينما لو وجدت شخص ميال إلى التثقيل والتشديد تعالجه بمثل هذه السور، وهكذا جاءت النصوص الشرعية إذا وجد شخص عنده غلو وتشدد تورد عليه نصوص الوعد من أجل إيش؟ أن تكسر ما عنده من حرارة، وإذا وجدت مرجئاً أو متساهلاً تعالجه بنصوص الوعيد، تعالجه بنصوص الوعيد، وهكذا جاءت النصوص للتكافؤ ولعلاج أوضاع الناس، سواءً كانت مجتمعات أو أفراد.
عبد الله بن عمرو يقوم الليل كله، ويقرأ القرآن في يوم، فقال له النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((اقرأ القرآن في شهر)) شهر يعني كل يوم جزء، قال: أطيق أكثر من ذلك، ويش الجزء؟ قال: ((اقرأ مرتين في الشهر)) قال: نطيق أكثر من ذلك، قال: ((ثلاث مرات في الشهر)) يعني يبدأ بمثل عبد الله بن عمرو لأنه مندفع بالأسهل، ثم قال له في النهاية: ((اقرأ القرآن في سبع ولا تزد)) مع أنه حث على الإكثار من القراءة، كل حرف عشر حسنات، هل في هذا تعارض؟ ما في تعارض، لو كان شخص هاجر للقرآن متى تقول له: اقرأ القرآن في شهر؟ عثمان يقرأ القرآن في ركعة يا أخي وين أنت؟ أقول: المقصود أن مثل هذا العلاج الشرعي ينبغي أن يواجه كل شخص بما يناسبه، والحمد لله عندنا النصوص كفيلة بمعالجة جميع الأمراض.(35/14)
لما قرأ سورة البقرة وانصرف هذا الرجل الذي تعب النهار كله في سقاية الماء على هاتين الدابتين، قال له: اقرأ بـ (الشمس وضحاها) و {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [(1) سورة الأعلى] و {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [(1) سورة العلق] {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} [(1) سورة الليل].
قال: "متفق عليه، واللفظ لمسلم أيضاً: وفي لفظ له: فانحرف رجل فسلم" انحرف رجل فسلم، ما قلنا: احتمال أن يكون قطع صلاته واحتمال أن يكون نوى الانفراد؟ نعم الآن النص قال: فسلم، سلم طيب أقيمت الصلاة وأنت في النافلة ما أتممت ركعة كاملة تقطع الصلاة بسلام أو بدون سلام؟ نعم؟ لأنه قال: فانحرف رجل فسلم ثم صلى وحده.
"وفي لفظ له -يعني لمسلم-: فانحرف رجل فسلم" وهذه يحتاجها كل إنسان، يكبر للنافلة ثم تقام الصلاة، خلاص ينوي قطع الصلاة ويلتحق بهم أو يسلم؟ مقتضى هذا أنه قال: فسلم، ثم صلى وحده وانصرف.
هذا فعل صحابي وليس من علمائهم ولا من مشاهيرهم، يكفي في الاحتجاج به، أو نقول: إنه في وقت التنزيل؟ نعم في وقت التنزيل لو لم يكن مشروعاً لأُنكر عليه، فعلى هذا من أقيمت الصلاة وهو في أول النافلة يسلم ثم يلتحق بهم.
"ثم صلى وحده وانصرف " قد يقول قائل: هذا الرجل فوت على نفسه سبع وعشرين درجة، ويكون في ذمة الله حتى يصبح، فوت سبعة وعشرين درجة على شان نواضح من أجل الدنيا؟! يعني من نعم الله أن جاءت مثل هذه النصوص، وإلا فالدنيا بحذافيرها لا تقوم بركعتي الصبح النافلة ليست الفريضة، لكن هذا تشريع للأمة إلى قيام الساعة، يعني لبين الأعذار الذي يجوز الانصراف بسببها من الصلاة، والانفراد.
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت ...
الحديث -الحديث الذي يلي هذا- حديث أبي هريرة، والأولى أن يكون بعد حديث جابر.(35/15)
"وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا أم أحدكم الناس فليخفف، فإن فيهم الصغير والكبير والضعيف والمريض، فإذا صلى وحده فليصل كيف شاء)) وفي لفظ: ((وذا الحاجة)) وفي آخر: ((الضعيف والسقيم)) متفق عليه، واللفظ لمسلم، ولم يقل البخاري ... " هذه هي العلة، علة الأمر في التخفيف ((إذا أم أحدكم الناس فليخفف)) إذا ائممت الناس فاقرأ بهذه السور القصيرة والمعنى واحد، والعلة؟ ((فإن فيهم الصغير)) الذي لا يحتمل، والكبير الذي ضعفت قواه من الكبر، والضعيف نضو الخلقة الذي لا يثبت طويلاً، والمريض الذي يخشى عليه أن يسقط ويقع ((فإذا صلى وحده فليصلِ كيف شاء)) يعني من غير أحد.
طيب، دخل وقت صلاة الصبح فقال: ما دام النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((إذا صلى وحده فليصلِ كيف شاء)) أنا أريد أن أقرأ عشرة أجزاء في صلاة الصبح، أطول كيف أشاء ما معي أحد، له ذلك وإلا ليس له ذلك؟ يعني ولو خرج الوقت؟ له أن يطول ما شاء ولو خرج الوقت؟ إذا أدرك ركعة أدرك الوقت، لكن إذا لم يدرك ركعة، طول الصلاة قرأ القرآن كامل، الركعة الأولى أخذت ثلاث ساعات أربع ساعات، وخرج الوقت، نقول: لا، أنت ما أدركت ركعة، وعلى هذا فوت الوقت، لكن في حال ما لو إذا أدرك ركعة ثم خرج الوقت نقول: أدركت الوقت، وتدخل في: ((فليصلِ كيف شاء)) لكن ليست هذه السنة، لكن هذا الأصل الذي معنا الحديث أصل في كونه يطول كيف يشاء إذا صلى وحده، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(35/16)
النافلة ما فيها إشكال، حتى لو صلى معه غيره يطول، النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى معه من صلى حذيفة وغيره وطول بالنسبة للنافلة، وابن عباس وغيرهم لكن بالنسبة للفريضة إذا صلى وحده كيف شاء يشمل النافلة والفريضة، والحديث في الفريضة ((إذا صلى وحده فليصلِ كيف شاء)) إذا أدرك ركعة كاملة من الوقت أدرك الوقت، وحينئذٍ تكون صلاته قضاء وإلا أداء؟ أداء، طيب إذا صارت أداء كلها أداء هذا القول المرجح عند أهل العلم، ولو كان بعضها خارج الوقت، ومنهم من يقول: ما أدركه في الوقت أداء، وما لم يدركه في الوقت قضاء، ثم جاء شخص وائتم به في الركعة الثانية بعد خروج الوقت، على القول بأن الصلاة كلها أداء نقول: هذا أدرك وإلا ما أدرك؟ ما أدرك، ولو كانت صلاة الإمام أداء، ولا شك أن مثل هذا خلاف يعني كونها كلها أداء خلاف القواعد المعروفة المقررة عند أهل العلم، لكنه على طريقة الانعطاف، مثل إيش؟ مثل من نوى صيام النفل من النهار، جاء الساعة التاسعة إلى البيت وقال: عندكم فطور؟ قالوا: ما عندنا، قال: أنا إذاً صائم، يكتب له الصيام من أول النهار وإلا من أثنائه؟ من أول النهار، والنية تنعطف حينئذٍ.
يقول: الذي يسلم حينما سمع الإقامة يجلس إذا كان قائماً حتى يسلم؟
لا، يسلم وهو قائم كالجنازة.
طالب:. . . . . . . . .
ويش هو؟
طالب:. . . . . . . . .
حكاية هذه.
طالب:. . . . . . . . .
ما جاء به، ومثله الشمس، والشمس.
طالب:. . . . . . . . .
عندك والشمس وضحاها، نفسها.
طالب:. . . . . . . . .
لا، أحياناً يشكل الزيادة ما هو بالنقص، هاه؟ الذي يشكل الزيادة ما هو بالنقص، النقص سهل يعني، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هو حذف واو القسم معروف، هو حذف واو القسم هنا، لكن حذف واو القسم كما حذف الكلمات التي بعدها، نعم، لكن الإشكال في الزيادة، يعني في حديث هرقل: "ويا أهل الكتاب".
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال الزيادة مشكلة، الزيادة ما هي بمثل النقص.
طالب:. . . . . . . . .
ينصرف إذا وجد مبرر ينصرف، إذا حس بمغص وإلا شيء ينصرف، يخفف ويمشي، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إذا أدرك ركعة.
طالب:. . . . . . . . .(35/17)
لكن عموم الحديث عموم، الحديث ما فيه إشكال، لكن هل هو الأفضل أو غير الأفضل؟ هذه مسألة ثانية، لكن من أدرك عموم ((من أدرك ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح)).
طالب:. . . . . . . . .
لكن الأصل في الحديث عموم، لكن هل هو الأفضل يعرض صلاته للخطر؟
طالب:. . . . . . . . .
لا شك أنه إذا قصد ذلك وتحراه تحرى طلوع الشمس وتحرى غروبها أشبه المشركين، إذا كان قد تحرى، إذا كان تحري، لكن إذا كان من غير تحري فأدرك الوقت.
طالب:. . . . . . . . .
إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
هو معروف من أدرك ركعة فقد أدرك الوقت.
طالب:. . . . . . . . .
يعني على الخلاف في أوائل الأوقات وأواخرها، هل ينتهي وقت صلاة العصر باصفرار الشمس أو بالغروب؟ ما لم تغرب الشمس في حديث عبد الله بن عمرو، ما لم تغرب الشمس.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
حديث عبد الله بن عمرو في مسلم، عندنا عندنا، مر بنا مراراً.
طالب:. . . . . . . . .
ما هو عندك؟
طالب:. . . . . . . . .
عندك رقم كم؟
طالب:. . . . . . . . .
ما لم تصفر الشمس، لكن محل إجماع أن الوقت يمتد وقت الاضطرار إلى غروب الشمس.
طالب:. . . . . . . . .
إيه، لكن وقت الاختيار ينتهي، إيش معنى اختيار؟ يلزم عليه إثم؟ يعني مثل ما قالوا في وقت صلاة العشاء، ووقت .. ، الأوقات كلها يعني في أوقات اختيار وأوقات اضطرار.
طالب:. . . . . . . . .
ولو كان وقت اضطرار لكنه وقت للصلاة يكون أداء ما يكون قضاء، ما يكون قضاء حتى تغرب الشمس.
طالب:. . . . . . . . .
مسألة الإثم مسألة ثانية، لكن الوقت يمتد إلى غروب الشمس، وتكون أداء إلى غروب الشمس.
طالب:. . . . . . . . .
ويش يقول؟
طالب:. . . . . . . . .
معروف هذا، هذا محفوظ هذا.
طالب:. . . . . . . . .
يقطع؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني يكملها يضيف إليها أخرى كما جاء في البيهقي وغيره ((فليضف إليها أخرى)) يعني ما هو معناه فقد أدرك الصلاة أو أدرك الوقت إنه خلاص يسلم من ركعة، فليتم يعني يكملها، يأتي بركعة في الصبح، ويأتي بثلاث في العصر، ومع ذلك كلها أداء.
طالب:. . . . . . . . .(35/18)
يعني إذا اصفرت الشمس بطلت صلاته؟
طالب:. . . . . . . . .
طيب اضطرار لكنها في الوقت، ما لم تغرب الشمس فهو وقت.
((فإن فيهم الصغير والكبير والضعيف والمريض، فإذا صلى وحده فليطول كيف شاء)) وفي لفظ: ((وذا الحاجة)) ولا شك أن النفوس تتعلق بأمور الدنيا، وصاحب الحاجة تعلق قلبه بحاجته، فلا يشغل بالتطويل فيصرف عن صلاته ويفتن عنها.
وفي آخر: ((الضعيف والسقيم)) ولم يقل البخاري: ((والصغير)) هذه من فوارق الروايات.
بعد ذلك أو قبله حديث عائشة -رضي الله عنها-، والأولى أن يضم إلى الحديث السابق، حديث أبي هريرة؛ لقوله: ((فإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعين)) وهنا صلى قياماً، في حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: لما ثقل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جاء بلال يؤذنه بالصلاة، فقال: ((مروا أبا بكر فليصلِ بالناس)) النبي -عليه الصلاة والسلام- ثقل وصعب عليه الخروج من بيته إلى المسجد، لا شك أن هذا عذر.
ثقل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جاء بلال يؤذنه بالصلاة كالعادة، كالمعتاد إذا حان وقت الإقامة جاء يستأذن هل يقيم وإلا لا؟
"فقال: ((مروا أبا بكر فليصلِ بالناس)) " وهو أولى الناس بالصلاة بعده -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه أفضل الأمة بعد نبيها، وإن جاء في الحديث الثاني: ((أقرأكم أبي)) وسيأتي في حديث: ((يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله)) ويأتي ما بينه وبين إمامة أبي بكر مع أن أبياً أقرأ منه.
" ((مروا أبا بكر فليصلِ بالناس)) قالت: فقلت: يا رسول الله إن أبا بكر رجل أسيف" لا يتحمل مثل هذا الموقف، ورجل بكاء، أسيف "وإنه متى يقم مقامك" (متى) هذه شرطية (متى أضع العمامة تعرفوني).
"إن أبا بكر رجل أسيف، وإنه متى يقم مقامك لا يسمع الناس، فلو أمرت عمر"
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
متى يقم.
طالب:. . . . . . . . .
لا يسمع الناس.
طالب:. . . . . . . . .
كثير، كثير، الشكل غلط، الشكل غلط.(35/19)
"لا يسمع الناس" هل هذا بالفعل هو الدافع لعائشة أن تقول للرسول -عليه الصلاة والسلام- هذا الكلام؟ لأنه رجل أسيف؟ لا؛ لأن من يقوم مقام الرجل الكبير بعده يحصل في نفوس الناس عليه، يتشاءم به الناس، فخشيت أن يحصل في قلوب المؤمنين لأبي بكر شيء من هذا الأمر، يعني الذي يخلف الرجل العظيم مثلاً بحيث يكون بينهما بون كبير شاسع لا شك أنه يتعرض للقالة، الثاني، ولذا يقولون: فلان أتعب من بعده، فهي خشيت أن يتخذ الناس ويكون في قلوبهم شيء من النفرة؛ لأنه قام مقام النبي -عليه الصلاة والسلام-.
"إن أبا بكر رجل أسيف متى يقم مقامك لا يسمع الناس، فلو أمرت عمر، قال: ((مروا أبا بكر فليصلِ بالناس)) قالت: فقلت لحفصة" بنت عمر من أمهات المؤمنين "قولي له: إن أبا بكر رجل أسيف، وإنه متى يقم مقامك لا يسمع الناس، فلو أمرت عمر، فقالت له" وهل القصد عند حفصة هو القصد والدافع عند عائشة؟ لا، الدافع عند حفصة -والله أعلم- بما في القلوب، لكن التعقيب ((إنكن لأنتن صواحب يوسف)) يدل على أن الظاهر غير مراد، وأن هناك شيء في خفايا القلوب.
عائشة خشيت أن يتشاءم الناس بأبي بكر، وحفصة ماذا؟ رجت، ما خشيت، رجت أن تكون منزلة أبيها عالية، يعني لا عائشة خشيت ألا يسمع الناس ولا حفصة خشيت هذه الخشية؛ بدليل: ((إنكن لأنتن صواحب يوسف)) يعني ما قال: والله أنا أبو بكر صحيح رجل أسيف، لكن مع ذلك وإن كان أسيف يصلي بالناس؛ لأنه أولى الناس.
"فقالت له، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إنكن لأنتن صواحب يوسف)) " صواحب يوسف أظهرن خلاف ما يبطن، بدءاً من امرأة العزيز التي قدمت ما قدمت للنساء، هل تريد إكرام النساء؟ أو تريد أن تطلعهن على عذرها إذا رأين يوسف -عليه السلام-؟(35/20)
((إنكن لأنتن صواحب يوسف، مروا أبا بكر)) إصرار على أبي بكر؛ لأنه أفضل الأمة بعد نبيها -عليه الصلاة والسلام-، وأمره والتنصيص عليه والتأكيد عليه في الإمامة في الصلاة إشارة وقرينة على إمامته بعده -عليه الصلاة والسلام- في أمور الدنيا، لا يوجد نص صريح، لكن التفضيل في نصوص كثيرة، وأنه أفضل الأمة، وخير الأمة بعد نبيها، والتأكيد على إمامته في الصلاة حتى قال من قال: رضيك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لديننا أفلا نرضاك لدنيانا؟!
ويزعم من يزعم الوصية لعلي مع أن علياً -رضي الله عنه- صح عنه أنه قال: "ما خصنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بشيء" إلا ما استثناه وذكره، وليس منها الإمامة، ما قال: مروا عليناً فليصلِ بالناس ((مروا أبا بكر فليصلِ بالناس)).
"قالت: فأمروا أبا بكر فصلى بالناس" امتثل -رضي الله عنه وأرضاه-، ما قال: أنا رجل أسيف ما أسمع الناس، وما قال: أنا ما تعودت الإمامة فأخجل، ومع الأسف أنه وجد ويوجد من طلاب العلم من تصلى الجمعة ظهر وهو موجود إذا تخلف الإمام، تصلى ظهر وهو موجود، طالب علم حافظ متخصص بالعلم الشرعي بالقرآن أو بالسنة ويصلون ظهر وهو موجود، بعض الناس يتعين عليه إذا لم يوجد غيره وهو قادر على ذلك، نعم الذي ما اعتاد تكون الأمور ثقيلة عليه، لكن الأمور المجزئة المسقطة للواجب والطلب يتقنها طلاب العلم عموماً، وأقول لطلاب العلم: عليكم أن تهتموا وأن تحتاطوا لمثل هذه المواقف، لا بد أن يؤهل الإنسان نفسه لهذا، مسجد مملوء بالمصلين فيه المئات يصلون ظهر بعد مضي ساعة من الوقت، وفي هذا المسجد أكثر من عشرين من خريجي الجامعات الشرعية؟ كارثة هذه.
" ((مروا أبا بكر فليصلِ بالناس)) فصلى بالناس" ما في تردد "قالت: فلما دخل في الصلاة وجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من نفسه خفة، فقام يهادى بين رجلين" يهادى بين رجلين، كان الصحابة أيضاً إذا مرضوا كان الواحد منهم يهادى بين الرجلين، ما قال: فرصة مثل ما نقول إذا وجد أدنى سبب فرح بهذا العذر ليتخلف عن الجماعة، ولا تتصور شعور كثير من الناس إذا جمع بين الصلاتين على شان ما يأتي يصلي مرة ثانية.(35/21)
"فقام يهادى بين رجلين، ورجلاه تخطان في الأرض، قالت: فلما دخل المسجد سمع أبو بكر حسه" عرف أن النبي -عليه الصلاة والسلام-، دخل المسجد من خلال حركة المشي، أو ما تلفظ به من ذكر ونحوه "سمع أبو بكر حسه ذهب يتأخر" ذهب هل المقصود به الذهاب المعروف؟ يكون هذه من أفعال؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، ذهب يتأخر، أنشأ يخطب، من أفعال الشروع.
"ذهب يتأخر، فأومأ إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: قم مكانك" يعني لا تتأخر، بعض الأحاديث فيها ما يدل على أنه تأخر "وما كان لابن أبي قحافة أن .. " هذا كلامه في بعض الروايات: "أن يصلي برسول الله -صلى الله عليه وسلم-" أو ما جاء في معناه، نعم يستدل به من يقول بتقديم الاحترام على امتثال الأمر، ويتوسعون في هذا، تجده يبتدع عبادة يزعم أنها من باب الاحترام والتعظيم للرسول -عليه الصلاة والسلام-، ويخالف أوامره الصريحة، هذا كله بحضرته -عليه الصلاة والسلام-، وبإقراره -عليه الصلاة والسلام- اكتسب الشرعية من الإقرار، فمن أين يكتسب الإنسان الذي يخالف النصوص الشرعية ويزعم أنه يحترم ويزعم أنه يحب .. ؟ من أين يكتسب الشرعية بعد وفاته -عليه الصلاة والسلام-؟ لأن هذه شبهة عندهم، فيرون أن الاحترام مقامه أعظم، التعظيم مقامه أعظم من مسألة الأمر والنهي، كيف تعصي وتقول: إنك تعظمه وتحترمه؟!
لو كان حبك صادقاً لأطعته ... إن المحب لمن يحب مطيعُ
"قم مكانك" يعني اثبت في مكانك "فجاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى جلس عن يسار أبي بكر" عن يساره، وهذا مقام الإمام، وفي هذا ما يدل على جواز القيام بجوار الإمام، ولو كانت هناك صفوف يعني يأتي شخص ما يجد مكان في المسجد، يصلي فذ خلف الصف أو يصلي بجوار الإمام؟ يصلي بجوار الإمام صلاته صحيحة، ولا يصلي فذاً.(35/22)
"قالت: فكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي بالناس جالساً وأبو بكر قائماً" ولما صلى بهم في داره جالساً قاموا أشار إليهم: أن اجلسوا، وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعين، وهذا تقدم، ويعارضه هذا الحديث، وهو متأخر عنه، وعرفنا المذاهب في هذه المسألة، المالكية يرون عدم صحة إمامة القاعد لا من قيام ولا من قعود، ما يصلى خلفه، والحنفية والشافعية يرون أنه يصلى خلف القاعد من قيام فقط، عملاً بهذا الحديث، وهو ناسخ للحديث السابق، والإمام أحمد يقول: يمكن الجمع بينهما، فإذا ابتدأ إمام الحي الصلاة قاعداً لعلة يرجى برؤها صلوا قعوداً، وإذا افتتحت الصلاة من قيام كما هنا افتتحها أبو بكر من قيام فإنهم يصلون خلفه قياماً، والقيود التي ذكرها الإمام أحمد استحسنها كثير من أهل العلم.
"وأبو بكر قائماً يقتدي أبو بكر بصلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ويقتدي الناس بصلاة أبي بكر" الأصل أن القدوة هو الرسول -عليه الصلاة والسلام- وهو الإمام، لكن القاعد ما يراه المأموم، إنما يرون القائم مثلهم، وأبو بكر قائم مثلهم "وصوته -عليه الصلاة والسلام- ضعيف لا يبلغهم، وصوت أبي بكر يبلغهم" وفي هذا استحباب اتخاذ من يبلغ الصوت عند ضعفه، ويقوم مقامه هذه المكبرات، ولا داعي للجمع بين المكبرات ومن يبلغ؛ لأن التبليغ قدر زائد على الحاجة، ومع الأسف أنك تجد في مساجد ما يصلي فيها ولا نصف صف، وتجد المكبرات على أعلى درجاتها، وقد يتخذون من يبلغ الصوت.
في بعض البلدان التي فيها من المسلمين يقول شخص: أنا صليت في مسجد ما فيه إلا أنا والإمام، أقيمت الصلاة ما أدري من أين أقيمت؟ وإذا ركع بلغ، وإذا رفع بلغ، نبحث، يوم سألت الإمام وين المؤذن اللي يبلغ؟ قال: شوفه في غرفة هناك، غرفة زجاجية هناك في آخر المسجد، إشكال، إشكال كبير يعني، مثل هذه التصرفات وبعض الشباب، بعض الناس يمرض إذا صلى في بعض المساجد، ترفع المكبرات على أعلى درجاتها، وما في أدنى مبرر، ومؤثرات على شان إيش؟ والله المستعان.
اللهم صلِ على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ويش هو؟
طالب:. . . . . . . . .
إلا.
طالب:. . . . . . . . .(35/23)
يقول السائل: إن أبا بكر كان إماماً ثم صار مأموماً، ولا إشكال في هذا كما في مسألة الاستخلاف والعكس الإمام يمكن أن يصير مأموم.
طالب:. . . . . . . . .
يعني الإمام تأخر عن المأمومين كلهم في تكبيرة الإحرام؟ الإمام تأخر والإجماع منعقد على أنه لا يجوز أن يتقدم المأموم على الإمام في تكبيرة الإحرام، الصورة القريبة من هذه في حال الاستخلاف، هل يجوز أن يستخلف المسبوق أو لا يجوز؟ نفسها، نفس الصورة اللي معنا، مسبوق كبر بعد إمامه بمدة بركعة أو ركعتين ثم طرأ للإمام ما يقتضي الاستخلاف الذين معه كلهم لا يقرؤون إلا هذا الشخص المسبوق يقدم وإلا ما يقدم؟ هو مسبوق حتى في تكبيرة الإحرام، نفس الصورة هذه، هو مسبوق بتكبيرة الإحرام، الحديث يدل على جواز مثل هذه الصورة.
طيب اثنان جماعة في مسجد ودخل ثالث ودفع المأموم إلى الأمام وأكمل الصلاة، إمام في اليسار ومأموم في اليمين دخل شخص بعدهما فدفع المأموم إلى الإمام، أو سحب الإمام خلف وأكمل الثاني، الصلاة صحيحة وإلا باطلة؟
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
ما استخلفه الإمام، أقول: مثل هذه الصورة لا تجوز ابتداءً، يعني ما يقال بها ابتداءً، لكن إذا وقعت؟ إذا وقعت صلوا وانتهوا، نقول: كون المأمون يصير إمام أو في حال الاستخلاف صحيح، والإمام يكون مأموم في صلاة أبي بكر صحيحة، فتصحح من أجل الحاجة، لا سيما إذا صلوا وانتهوا وتفرقوا يمكن أن تخرج على وجه صحيح، أما ابتداءً فلا.
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
يصلون، يكملون صلاتهم وهو يكمل، يصلي بهم على هيئة صلاة الإمام.
طالب:. . . . . . . . .
من هو؟
طالب:. . . . . . . . .
هذا الظاهر إيه.
اللهم صل على محمد ...
طالب:. . . . . . . . .
ويش لون؟
طالب:. . . . . . . . .
لا عموماً عموماً، شيء في النفس يجدونه إذا إنسان خلف شخص كبير لا شك أن الناس لا يتحملون ...(35/24)
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: المحرر – كتاب الصلاة (36)
الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هذا يقول: ذكر القرطبي -رحمه الله تعالى- في قوله تعالى في ذكر مريم: {وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} [(43) سورة آل عمران] أنه قد يكون شرْعٌ لهم أي أنها تصلي مع الجماعة، قال: قد يكون المعنى افعلي كفعلهم في الصلاة.
ثم قال: وهنا مسألة قد جاءت أحاديث في فضل مريم -عليها السلام- فمثلاً قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((خير نسائها مريم ابنة عمران، وخير نسائها خديجة بنت خويلد)) وقد جاء: ((كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا مريم ابنة عمران)) يقول: فهذا وصف لمريم بكمالها، وأنها مستثناة من نقص النساء، فلما كان حالها حال كمال مثل الرجل أمرت بالصلاة معهم، فهي أفضل من النساء فكأنها صارت بمنزلة الرجال، والله أعلم.
يقول: ما هي الطريقة السهلة لتعلم علم الفرائض؟ وهل تقرأ كتب المعاصرين أم كتب المتقدمين؟
تعلم الفرائض إما أن يكون على طريقة القرآن بالتبويب والتصنيف والتقسيم على الوارثين، أو يكون على طريق الأنصباء كما فعل صاحب الرحبية، وهو فعل كثير ممن صنف في علم الفرائض، وعلم الفرائض علم محدود يمكن الإحاطة به، فمن تعلمه على طريقة القرآن وصنف أبوابه على الوارثين، وذكر نصيب الأولاد من الذكور، ثم الإناث، ثم الوالد ثم الوالدة، ثم الزوج والزوجة وهكذا، وأحوال الإرث بالنسبة لكل واحد منهما، هذه طريقة القرآن، وهي طريقة سهلة.
والطريقة الثانية: تصنف وقد صنفت كتب على الأنصباء، فذكروا أصحاب الثلثين، ثم الثلث، ثم السدس، ثم النصف، ثم الربع، ثم الثمن، ثم العصبة، ثم ذوي الأرحام، وهكذا، وعلى كل حال الجاري عند أهل العلم تعليم الفرائض على منواله هي طريقة الرحبية المنظومة الرحبية مائة وسبعين بيت، أحاطت بعلم الفرائض في الجملة مع شروحها، فهي نافعة جداً على اختصارها وسهولة نظمها.(36/1)
كتب المعاصرين وكتب المتقدمين لا تختلف كثيراً بالنسبة لهذا الفن، إلا أن كتب المعاصرين قد وضحت بجداول، فإذا قرأ الرحبية مع شرح من شروحها للمتقدمين وأتقنها، ثم نظر في كتب المعاصرين استفاد كثيراً.
يقول: من آتاه الله حفظاً فحفظ القرآن والمتون هل يحفظ كتب أهل العلم الكبيرة إذا قرأها أم أنه يحدد في الكتاب ويحفظ ما حدده؟
إذا كانت الحافظة تسعف، لكن لا يضيع نفسه بحفظ كتاب كبير بحيث يعوقه عن النظر في كتب أخرى، يقتصر في حفظه على المتون، وينظر في الشروح والحواشي ويستفيد منها.
ما حكم شراء الذهب من المحلات عن طريق الشبكة أو بالتقسيط؟
شراء الذهب لا بد أن يكون يداً بيد، ولا ينفع التقسيط هذا ربا، ولا الشيك، ولا السحب بالبطاقة لأنه يتأخر، يعني يتأخر انتقاله إلى البائع، والشيك ولو كان مصدقاً لا يكفي، بل لا بد أن يكون يداً بيد.
إذا طهرت الحائض في وقت العصر فهل تلزمها صلاة الظهر مع العصر أم لا يلزمها سوى العصر فقط؟
قول الجمهور أنها تلزمها صلاة الظهر مع العصر؛ لأن وقت العصر وقت للصلاتين في حال من الأحوال فتلزمها من هذه الحيثية، وإلا فالأصل أنه لا يلزمها إلا التي طهرت في وقتها.
أما بالنسبة ... يقول: نرجو التفصيل في هذه المسألة لأنه كثر النزاع بين الأخوات من باب الحرص يفتين من باب الاحتياط؟
نعم الاحتياط في هذا مطلوب؛ لأنه قول معتبر عند أهل العلم.
هذا من استراليا يقول: هذا السؤال من زميل لي، وهو في استراليا معي، زوجته حامل، وتراجع مستشفى، وأعطوها بعض الفيتامينات، سمع زميلي عن تلك الفيتامينات أن فيها مشتقات من الخنزير -أجلكم الله- فاتصل بالشركة هنا في استراليا وسألهم عما إذا كان يحتوي ذلك الدواء على المشتقات الخنزيرية، وأخبروه أن نعم بها مشتقات من الخنزير، سألهم لما لا تكتبوا هذا على العلبة؟ قالوا: هذا نظام عالمي في مصانع الأدوية أنها غير ملزمة كغيرها من شركات الأغذية والمشروبات أن تكتب المواد المشتقة في التصنيع، بل يقول صاحبي: إنه سمع أن حتى بعض الكبسولات إن لم يكن كلها التي في السعودية تحتوي على هذه المادة الجلاتين، وهي مادة رئيسة لصناعة غلاف الكبسولة.(36/2)
هذا السؤال: هل يلزمنا في المستقبل أن نتصل بالشركات دائماً لنسألها هل يحتوي الدواء على مشتقات خنزيرية أم لا؟ لأن الصيدلي لا يعرف، وهم مجمعون أن الشركة لا يلزمها كتابة ذلك كما هو لا يلزم شركات أغذية أخرى، علماً أننا -ولله الحمد- محافظين لا نستسيغ أكله ومشتقاته أبداً.
لا شك أنه إذا غلب على الظن أو حتى وجد الشك أنه يوجد مادة محرمة في أي مأكول أو مشروب فإنه لا بد من التثبت من ذلك، وأقل ما فيه اتقاء الشبهة، أما إذا غلب على الظن يتعين السؤال عنه، بل يجب اجتنابه إذا غلب على الظن أن فيه شيء مما حرم الله -جل وعلا-، ولم يجعل الله شفاء أمة محمد فيما حرم عليها.
يقول: هل إذا رزقت بمولود أسجد لله شكراً؟
نعم تسجد لله شكراً لا سيما إذا كان بعد انقطاع طويل أو بعد عقم، أو بعد يأس أو شيء من ذلك، أما إذا كانت الولادات متتابعة فلا يتجه مثل هذا، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
تدخل إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
لا ما دامت الأصل المادة موجودة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
استحالة إلى إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
المهم أن التركيب موجود، يعني الاستحالة مثل كلب وقع في مملحة فصار ملح ما ترى كلب، أنت ترى ملح في لونه وطعمه وشكله هذه استحالة، أما كونه انتقل وصُنّع من مادة إلى مادة ما يكفي.
هل حديث: ((إن الملائكة لا تدخل بيت فيه جنب))؟
نعم صحيح، هذا من الجزائر.
وهذا أيضاً من الجزائر يقول: لدي سؤالان: الأول: أنا أسكن مع أخي يدعو إلى الفرق الصوفية، ماذا أفعل؟ أفيدونا بارك الله فيكم.
عليك أن تتعلم العقيدة الصحيحة، وتعرف عن الصوفية ما يجب إنكاره، ثم بعد ذلك تنكر على أخيك باللين والرفق، وتدعوه إلى الحق، عل الله أن يهديه على يديك.
والسؤال الثاني: أنا أطلب العلم بمفردي، أحفظ المتون، وأستمع إلى الأشرطة، وهل هذه الطريقة تخرج طالب علم قوي؟
هذه إذا لم يوجد غيرها نعم تخرج، لكن إذا وجد من يُجلس عليه من أهل العلم ويُمثل بين يديه فإنها لا تغني، بل لا بد من الأخذ عن الشيوخ مباشرة.
ما حكم السفر إلى بلاد الكفر للسياحة إذا كان الإنسان محصناً ومعه وزوجته؟(36/3)
الهجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام واجبة، فكيف بالانتقال من بلاد الإسلام إلى بلاد الكفر من غير ضرورة؟!
يقول: عندي سؤال خارج عن موضوع الدرس هذا من الجزائر: وهو أني أشرف في دورة حفظ القرآن الكريم، وكنت أعرض الحفظة، وفي ختام هذه الدورة سيقام حفل لتكريمهم، وسيشتمل هذا الحفل على التصوير، وعرض مسرحيتين وأناشيد، فهل يجوز لي الحضور مع أن حضوري معتبر نسبياً، فما نصيحتكم؟
لا يا أخي لا تحضر، إن حصل أن تنكر عليهم ويزال المنكر بسببك هذا هو الأصل، لكن إذا لم تستطع إزالة المنكر فلا تحضر.
أعمل أحياناً في الصيد البحري، وأخرج للصيد في قارب صغير من الصباح المبكر إلى قرابة وقت المغرب، ولضيق المكان واضطراب البحر أضطر أحياناً لصلاة الفريضة جالساً، فهل الأولى أن أصلي الظهر والعصر كل صلاة في وقتها جالساً، أو أؤخر صلاة الظهر وأصليها جمعاً مع العصر للإتيان بركن القيام، وهذا بعد خروجي من البحر في المساء، أفيدونا؟
نقول: يا أخي لا يجوز لك أن تؤخر الصلاة عن وقتها وأنت مقيم صحيح لهذا العذر، بل لك أن تؤخر صلاة الظهر إلى آخر وقتها، يعني إذا نزلت البحر من صلاة الصبح إلى آخر وقت الظهر كافي هذا، ثم تصليها في وقتها، ثم تصلي العصر في وقتها.
هذا من الهند يقول: هل نحصل على ثواب مجلس الذكر ونحن نستمع لكم في الهند؟
إن شاء الله تعالى، هذا إذا لم يتيسر الحضور فإن الحضور المتاح حول هذه الآلات المأمونة الضرر، المرجوة النفع يرجى أن يحصل به الثواب -إن شاء الله تعالى-.
يقول: اسأل في المسبوق لو كانت ركعة فاتته هل أقرأ سورة الفاتحة فقط، وإن كانت اثنتين هل أفعل الشيء نفسه يعني سورة الفاتحة فقط؟
أنت ما أدركته مع الإمام هو أول صلاتك، وما تقضيه بعد سلام الإمام هو آخر صلاتك، فإن فاتتك ركعة فالتي تقضيها بالنسبة لك هي الرابعة، تقرأ الفاتحة فقط، وإن زدت عليها فحسن، لكن ليست كالركعتين الأوليين، ومثل هذا لو فاتك ركعتان من صلاة الرباعية فما أدركته مع الإمام تقرأ فيه الفاتحة، وإن تيسر تقرأ معها سورة فهو الأصل، وإن لم تدرك ذلك فأنت معذور.(36/4)
تقول: أنا امرأة صليت الصلاة في المتنزه حينما رأيت النساء يصلين حول هذا الاتجاه في القبلة، فلما انتهيت رأيت أناس يصلون بخلاف قبلتي التي صليت عليها، فسألت فقيل: إن صلاتك عكس القبلة، فأعدت الصلاة، ثم بعد إعادتي للصلاة اتضح أن صلاتي الأولى هي الصحيحة، فما حكم صلاتي هل أعيدها؟
لا، لا تعيدين؛ لأن الصلاة الأولى ما دامت هي الصحيحة هي الفريضة.
ما هو العدد الذي تنعقد به صلاة الجمعة؟
من أهل العلم من يرى أن الأربعين هم العدد المحدد لصلاة الجمعة لكن الخبر الوارد في ذلك ضعيف، والصواب أنه لا عدد.
يقول: ما حكم الابتداء بالقراءة في الركعة الثانية من قوله: {فَذَرْنِي وَمَن يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ} [(44) سورة القلم]؟
الأولى أن المصلي يختار في تقسيم السورة ما يتم به المعنى، فإذا تم المعنى انتقل إلى معنى جديد يستأنف به الركعة الثانية.
ما حكم تقليد القراء في هذا النوع، وقد انتشر في مقطع سورة الفاتحة بقراءة الأولى بقراءة قارئ، والثانية بقراءة قارئ، والثالثة بنفس القارئ الأول وهكذا؟
إن كان المقصود بالقراء الذين يقرؤون القرآن على القراءات المعروفة عند أهل العلم السبع أو العشر فالتلفيق غير مرضي عند أهل العلم، بل على الإنسان أن يقرأ بقراءة واحدة من أول القرآن إلى آخره، وإذا أراد أن يقرأ بقراءة أخرى فلا يلفق بين قراءته، فكيف بصلاة واحدة يقرأ آية على قراءة عاصم، والآية الثانية على ورش، والثالثة على قالون، هذا تلفيق، والأصل أن القراءة تكون واحدة، ولا يلفق بين القراءات، لكن لو قرأها مرة السورة كاملة بقراءة قارئ والثانية بقراءة قارئ آخر لا بأس، ما لم يحدث تشويش؛ لأن هذه القراءات كلها صحيحة وثابتة ومتواترة.
ما حكم الألبسة التي يوجد بها الهيكل الخارجي لبعض الحيوانات مثل الفراشة والعصفور من غير تحديد لأعضائه بحيث من يراها يعرف أنها فراشة من شكلها، لكن دون رسم ملامح الوجه ولا جزئيات الأعضاء؟
الأولى اتقاء هذه الرسومات لذوات الأرواح، والصورة لا تتحقق إلا برسم الوجه الواضح.
يقول: ما الفرق بين التطريز والحاشية؟(36/5)
التطريز ما يكون في ثنايا الأقمشة، والحاشية ما يكون في أطرافها.
هذا من الإمارات يقول: لقد تلعثمت الليلة في قراءة الفاتحة في الركعة الأخيرة من صلاة العشاء، وأعدت الآية التي تلعثمت فيها، ولكن الإمام ركع قبل أن أكمل فركعت معه هل علي شيء الآن؟
لا، لا شيء عليك؛ لأنك لم تفرط، فأنت في حكم المسبوق.
يقول: من أبو عبيدة الوارد ذكره وأقواله كثيرة في كتب الغريب والتفسير؟
أبو عبيدة هو معمر بن المثنى اللغوي المشهور المعروف، وأبو عبيد القاسم بن سلام.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"وعن عمرو بن سلمة الجرْمي قال: كنا بماء" بماء يعني في مكان فيه ماء مورد "ممر الناس" يعني مكان مطروق، يمرون معه ذهاباً وإياباً من وإلى المدينة "ممر الناس، وكان يمر بنا الركبان" والماء في الغالب يجذب الناس، يجعل المارة المسافرين يرتادونه ذهاباً وإياباً.
"وكان يمر بنا الركبان" جمع راكب، كما يجمع الراكب على ركب، مثل صحب وصاحب "فنسألهم ما للناس؟ ما للناس؟ " يعني ما خبر الناس؟ وما بال الناس؟ "ما هذا الرجل؟ " يسألون عن النبي -عليه الصلاة والسلام- "فيقولون: يزعم أن الله -عز وجل- أرسله" يزعم هذا يحتمل أن يكون ممن لم يصدقه، وهذه عبارة تستعمل غالباً في الخبر المشكوك فيه، وقد تستعمل في القول المحقق وقد يقوله من يصدق النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنها تأتي بمعنى "يقول" وكثيراً ما يقول سيبويه في كتابه: زعم الكسائي ويوافقه، يعني قال الكسائي، وليست محققة في الكلام المظنون أو المشكوك فيه، بل تأتي لهذا وهذا.
"يزعم أن الله -عز وجل- أرسله، أو أوحى الله إليه بكذا" بكذا ثم يقرأ هذا المخبر ما سمعه من النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهذا الصبي عمرو بن سلمة يحفظ من أول ما يسمع، من أول مرة؛ لأن حافظته قوية، وهو بممر الناس، فإذا سئل هذا الوارد وهذا الوافد عما أوحي إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- يزعم أن الله أوحى إليه كذا فيذكر سورة أو آيات من سورة فيسمعها هذا الصبي فيحفظها.(36/6)
"فكنت أحفظ ذلك الكلام، فكأنما يقر في صدري" في بعض ألفاظ الصحيح "يغري في صدري" وإذا أغري الإنسان بالشيء حفظه واهتم به "فكأنما يقر في صدري، وكانت العرب تلَوم بإسلامهم الفتح" يتأخرون بإسلامهم ينتظرون الفتح، فإن غلب على قومه وتبعوه تبعهم الناس، وإن لم يغلب عليهم وغلبوه أراحوا الناس منه على حد زعمهم "وكانت العرب تلوم بإسلامهم الفتح، فيقولون: اتركوه وقومه، فإن ظهر عليهم فهو نبي صادق" لأنه قليل العدة قليل العدد من الأتباع بالنسبة لقومه، فإذا انتصر عليهم دل ذلك على أنه مؤيد من الله -جل وعلا-، وهذا علامة صدقه.
"فلما كانت وقعة الفتح وقد ظهر على قومه، ودخلوا في دين الله أفواجاً، بادر كل قوم بإسلامهم، وبدر أبي قومي بإسلامهم" يعني تقدم عليهم "فلما قدم قال: جئتكم والله من عند النبي -صلى الله عليه وسلم- حقاً" لكن هذا بعد الفتح ولو كان قبل الفتح لكان أفضل؛ لأن الآن ما بقي لأحد حجة "جئتكم والله من عند النبي -صلى الله عليه وسلم- حقاً، فقال: ((صلوا صلاة كذا في حين كذا)) " يعني في مواقيت الصلاة، صلاة الفجر من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ((وصلوا صلاة كذا في حين كذا)) صلاة الظهر مثلاً من الزوال إلى مصير ظل كل شيء مثله ((فإذا حضرت الصلاة)) ودخل وقتها ((فليؤذن أحدكم)) بدون شرط إلا أنه ينبغي أن يكون الأرفع صوتاً والأندى؛ لأن المقصود من الأذان الإعلام بدخول الوقت، وكلما كان الصوت أرفع كان أبلغ وأكثر تبليغاً لمن بعد.
((فليؤذن أحدكم)) فالأذان لا يشترط له شرط، لا أن يكون قارئاً، ولا أن يكون عالماً، ولا أن يكون كبيراً، ولا صغيراً، ولذا قال: ((أحدكم)).
((وليؤمكم أكثركم قرآناً)) الإمامة لها شروط، الأذان ليس له شروط، أهل العلم يشترطون أن يكون ثقة؛ لأن غير الثقة لا يهتم بالأوقات، ومع كونه ثقة يعني متدين وعارف بالأوقات أن يكون صيتاً؛ لأن هذا هو المقصود من الأذان، وكونه لا ينص عليه في قوله: ((أحدكم)) لا يعني أنه لا اعتبار له.
((وليؤمكم أكثركم قرآناً)) وسيأتي في حديث ابن مسعود: ((يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله)) وسيأتي ما فيه من كلام لأهل العلم.(36/7)
" ((وليؤمكم أكثركم قرآناً)) فنظروا فلم يكن أحد أكثر قرآناً مني" لماذا؟ لأن حافظته قوية، وينتبه لما يلقى فيسمع من الوافدين ويحفظ.(36/8)
يقول: "فلم يكن أحد أكثر قرآناً مني لِما كنت أتلقى من الركبان" يعني على ما مضى شرحه "فقدموني بين أيديهم وأنا ابن ست أو سبع سنين" التمييز شرط للإمامة بالإجماع؛ لأن غير المميز لا يعقل ما يفعل، والتمييز يحصل بفهم الخطاب، ورد الجواب عند أهل العلم، هذا بالنسبة لأفراد الناس، وأما بالنسبة للعموم فبسبع سنين؛ لأننا أمرنا أن نأمر الصبي بالصلاة لسبع سنين فدل على أن السبع وقت تمييز للعموم، أما بالنسبة للأفراد فقد يميز الصبي لخمس، وقد يميز لأربع، وقد لا يميز لعشر، فالأمور الخاصة ينظر فيها إلى الأحوال الخاصة، والأمور العامة ينظر فيها إلى العموم، يعني ما يحصل بها التمييز للعموم، ما يقال: والله ولدك مميز وهو ابن خمس سنين خليه يصلي معك اطلع به معك لأنه مميز، أو ابن ست سنين اذهب به إلى المسجد، وأمره بالصلاة، لا تأمره إلا إذا أكمل سبع سنين، ولا يقال: والله ولدك أبو عشر سنين ما ميز لا يصلي مع الناس، لا، ما يلزم العموم ينظر فيه ما يحصل به التمييز العمومي وهو سبع سنين، في الغالب سبع سنين الصبيان كلهم ميزوا، يندر من يتقدم، ويندر من يتأخر، لكن للخصوص؟ ما نقول: والله هذا الصبي ابن سبع سنين تصح إمامته مثل عمرو بن سلمة؛ لأن عمرو بن سلمة ميز لست سنين، وهذا ابن سبع لكن ما ميز، لكن يؤمر بالصلاة؛ لماذا يؤمر بالصلاة؟ ولو ادعى أبوه أنه لم يميز، ولو كانت حقيقته أنه لم يميز؛ لئلا يتذرع بعدم التمييز بعض الآباء، تجد صبيان يلعبون عند باب المسجد عمر الواحد منهم عشر سنين هذا لازم يدخل، يُضرب إذا لم يصلِ، قد يقول أبوه: إنه لم يميز، نقول: لا، هو يضرب عليها لعشر، ويؤمر لسبع على سبيل العموم؛ لئلا يتذرع بهذه الذريعة من يهمل أولاده عن الصلاة، يعني أولادك الآن يدرسون ليش ما يصلون؟ قال: والله ما ميزوا، يعني تعجب في هذا الأمر يقول لك: والله ما ميز، لكن ليش يميز في المدرسة؟ ليش ما تأخر عن الدراسة حتى يميز؟ يعني تجد في شباب المسلمين ثلاثين سنة مثلاً لا يصلي، ولا يُعرف في المسجد، ومتزوج وموظف ومعه سيارة، تقول لأبيه .. ، والله مسكين هذا، وهذا الحاصل، يقول لك: مسكين، احمد ربك على العافية، طيب خذ السيارة إذا صار مسكين، لا(36/9)
يدهس الناس في طريقه، كيف يغش به بيت من بيوت المسلمين ويزوج من بناتهم وهو مجنون على حد زعمك؟! أو إذا جاء الدين قلت: مجنون، وإذا جاءت أمور الدنيا صار من أعقل الناس؟! يعني هذه مسائل واقعية، فكون الناس يؤمرون، كون الصبيان يؤمرون كلهم لسبع لئلا يتذرع بالتمييز من يريد أن يتساهل بتربية أولاده على الفضل والدين، ويمرنهم على ذلك؛ لأن بعض الناس لا يهتم بأمر الصلاة، ولا يريد أن يشق عليه إذا كان يلهو أو يلعب ليش يقطع عنه اللعب، وإذا كان يتابع مسلسل وإلا شيء وعمره ثمان سنوات مسكين والله ما ميز، لكن خليه يتأخر عن الدراسة تشوفون مميز وإلا غير مميز؟
على كل حال الأمر العمومي ينظر فيه التمييز العمومي وهو سبع، والأمور الخاصة ينظر فيها إلى ما يميز به كل شخص بنفسه، ولذا الإمامة هنا لابن ست سنين أو سبع سنين، يصح سماع الحديث من المميز، وحدد جمهور أهل العلم التمييز بالنسبة للسماع بخمس سنين؛ لماذا؟ لأن محمود بن الربيع كما في صحيح البخاري عقل المجة التي مجها النبي -عليه الصلاة والسلام- في وجهه وهو ابن خمس سنين، وفي راية: ابن أربع سنين، هذا ميز، لكن هل كل الصبيان يميزون لخمس أو لست أو لسبع؟ ولذا الصواب أن صحة السماع تبدأ من التمييز، وتمييز كل إنسان بحسبه، فقد يميز لخمس، وقد يميز لست، وقد يميز لسبع، وقد لا يميز أبداً.
يقول ابن الصلاح: "ومن لا يبلغ حد التمييز فإنه لا يسمع لحديثه ولو بلغ الخمسين" فالأمور الخاصة يعني التعليم يعلم كل إنسان إذا ميز، واستطاع أن يتحمل العلم، وبالنسبة للصلاة المطلوبة من الجميع يؤمر بها لسبع، ولو ميز قبل ذلك لا يؤمر، ولو تأخر تمييزه عن السبع لا بد أن يؤمر ما لم يكن مجنوناً، قد يقول قائل: إن الأمور لا تنضبط بالنسبة للتعليم إذا رددناه إلى التمييز الخاص، أما بالنسبة للتعليم في المساجد على طريقة أهل العلم في صدر هذه الأمة فهذا ممكن ضبطه، يكتبون لابن خمس سنين: سمع، العلماء إذا أرادوا أن يكتبوا في الطباق أسماء من حضر الدرس وسمع الكتاب: سمع فلان وفلان وفلان بما فيهم ابن خمس سنين لأنه مميز، وأما من لم يبلغ الخمس فيقال: حضر، ولا يقال: سمع؛ لأن الخمس هي الحد عند الأكثر.(36/10)
الآن التعليم باعتباره إلزامي وباعتباره لجميع الناس أخذ منحى الأمر العام كالصلاة، الناس يجدون في الصفوف الأولى طلاب متفاوتين منهم من يستوعب لمرة، ومنهم من لا يستوعب أصلاً، لكن بالنسبة للتعليم الحالي والمقصود به رفع الأمية في القراءة والكتابة بغض النظر عن العلم لا سيما التعليم العام ما فيه إشكال يدخل ولو كان فهمه ضعيفاً، ويخرج مع غيره، وإن كان بعضهم يصلح أن يكون أستاذاً لبعض وهم في صف واحد، ولذا نقول: من الظلم للأذكياء أن يحشروا مع الأغبياء، ويخرجون في سن واحدة، يعني الشيخ حافظ الحكمي -رحمة الله عليه- التحق بمدرسة الشيخ عبد الله القرعاوي سنة ستين، وألف سلم الوصول ومعارج القبول سنة اثنين وستين، فمثل هؤلاء العباقرة الذين يمكن أن يخرج الواحد جامعي بخمس سنين، بل فوق مستوى الجامعي، يحشر مع طالب غبي فدم، يمكن لو درس خمسين سنة ما فهم شيء! ثم في النهاية يخرجون كلهم لاثنين وعشرين سنة أو ثلاث وعشرين سنة! هذا لا شك أن فيه ظلم للأذكياء، ولذا تجدون النبوغ قليل ونادر؛ لماذا؟ لأن هذا كبت، ما دام بينتظر مثل زميله ليش يكلف نفسه؟ لماذا يكلف نفسه؟ ولذا لو صنف الطلاب يعني يجعل سنة مثلاً يدرسون فيها، ومن خلالها يصنفون، تعليم ينتهي بخمس سنوات، تعليم ينتهي بعشر سنوات، تعليم ينتهي بخمس عشرة سنة، تعليم بعشرين سنة، ويش المانع؟ يصنف الطالب إلى أربعة أقسام، وما في شك أن هذا متعب بالنسبة للجهات المسئولة عن التعليم، لكن مردوده طيب، يعني يخرج في الأمة نابغين ونبهاء، لكن هذا النابغة إذا حشر مع الأغبياء تحطم، تجده يتضايق من الدرس بمضي خمس دقائق؛ لماذا؟ لأن المدرس يكرر من أجل أن يفهم هذا الغبي، طيب الثاني؟(36/11)
والإشكال أنه لو قيل: من فهم يطلع من الفصل على شان ما يتضايق كلهم يقولون: فهمنا ويطلعون، صحيح يعني المسألة تحتاج إلى إعادة نظر، الآن مضى على التعليم عندنا أكثر من سبعين سنة التعليم النظامي، وعلى وتيرة واحدة، ويلاحظ فيه الضعف المستمر، يعني كان الخريجون في السابق أقوى من الخريجين الآن، كله من أجل ملاحظة هؤلاء الأغبياء، وتدنى التعليم إلى مستواهم، والمفترض أن يرفع مستواهم إلى الأعلى، لا يدنى الأعلى إلى الأدنى.
هذا ابن ست سنين يحفظ، هذا لو جاء عندنا يخلى في مؤخرة الفصل مثل غيره، واسمه عمرو بعد يمكن بيصير في أواخر الفصل.
أقول: هذه المسألة لا بد من إعادة النظر فيها، فلا يحشر أذكى الناس مع أغباهم، الآن عنده كبار من قومه أبوه موجود؛ ليش ما يصلي؟ لأنه ما حفظ مثل الابن، يقول: لما كنت أتلقى من الركبان، فقدموني بين أيديهم وأنا ابن ست أو سبع سنين، التمييز محل إجماع لصحة الإمامة فغير المميز لا يصلح أن يكون إماماً مهما كان سنه، وبعضهم يشترط البلوغ للإمامة، وهذا جارٍ على قول من يقول بعدم صحة صلاة المفترض خلف المتنفل؛ لأن صلاة الصبي غير المكلف نفل وليست بواجبة، والصواب صحة إمامة المميز، والحديث نص صحيح صريح في ذلك.(36/12)
"وكانت علي بردة" يعني لا يملك غيرها، بردة قصيرة "وكنت إذا سجدت تقلصت عني" يعني ارتفعت، أنتم ترون بعض الإخوان الذين يقصرون الثياب إذا ركع خرج باطن الركبة، وإذا سجد خرج أكثر من ذلك، فعلى الإنسان أن يهتم بذلك، وأسوأ من ذلك اللباس المفصول من النصف، أما بالنسبة للرجال فالبنطلون وما فوقه اللي يسمونه البلوزة ما أدري ويش يسمونه؟ وكذلك بالنسبة للمرأة كذلك التنورة والبلوزة تنكشف إذا لم يكن عليها غيرها، يرتفع القميص الأعلى، وينكشف بعض العورة، وقد ينزل الأسفل في السجود، لا سيما إذا كان ضيقاً، فعلى الإنسان أن يهتم لأن هذا موضع عورة تبطل به الصلاة، ومع الأسف جاءنا سؤال من بلد من البلدان في جامعة من الجامعات يصلي الطلاب والطالبات جميعاً، تقول بعض الطالبات: إنها إذا سجدت انكشف ظهرها، يعني مقدمات غير شرعية يريدون لها نتائج شرعية، مثل هذا له حل؟ ليس له حل، هذا لا يجوز مع النساء فضلاً عن الرجال، هذا تبطل به الصلاة مع النساء فكيف مع الرجال؟ يعني أمور مضطربة، يعني غربة مستحكمة، المقدمات من أصلها ممنوعة فيكف بالنتائج؟ يعني هذا ما يخفى على عوام المسلمين مثل هذا الأمر، ثم بعد ذلك تزعم أنها طالبة علم، وتسأل هذا السؤال، والله المستعان.
"وكانت علي بردة، وكنت إذا سجدت تقلصت" يعني ارتفعت "تقلصت عني، فقالت امرأة من الحي " لأن النساء يصلين خلف الرجال "ألا تغطون عنا است قارئكم!؟ " يعني دبره، ولعلها تجوزت في الإطلاق، والمراد ما يقرب من ذلك وإلا لو خرج دبره بطلت صلاته.
"فاشتروا" يعني قطعة قماش "فقطعوا لي قميصاً" يعني يغطي العورة المطلوب سترها في الصلاة "فما فرحت بشيء فرحي بذلك القميص" صبي يفرح بمثل هذا، بل الكبير يفرح في أوقات الشدة والضيق، والناس إلى أن فتحت الدنيا عليهم يفرحون بمثل هذا، وما كان عند أحدهم إلا قميص واحد، ثوب واحد يغسله ويجلس ينتظر، يعني قبل أن تفتح الدنيا قبل خمسين أو ستين سنة موجود هذا، وهو موجود في بعض بلدان المسلمين الآن.(36/13)
"فما فرحت بشيء فرحي بذلك القميص" رواه البخاري، وعند أبي داود: وأنا ابن سبع سنين أو ثمان سنين" لكن الذي في البخاري: ابن ست أو سبع سنين، ولعل مرد ذلك إلى التقدير، يعني قُدر، قَدر سنه بكذا، مرة يقول: ست، ومرة يقول: سبع، ومرة يقول: ثمان؛ لأنهم ليست لهم عناية بالتواريخ تحديداً كما هو شأن اليوم في المواليد في المستشفيات بالساعة، وكانوا يحددون بالوقائع، متى ولد؟ ولد يوم حج فلان، متى حج فلان؟ الله أعلم، ما يدرى متى حج فلان، واحد ولد في منتصف رمضان، لكن من أي سنة ما يدري، أو ولد سنة -يعني بالوقائع- سنة الوقائع المعروفة مثلاً: سنة التربة مثلاً، أو سنة المليداء، أو سنة الجراب، هذا وقائع حصلت في الجزيرة، أو سنة الغرقة مثلاً، فهم يحددون بالوقائع من غير تحديد للسنة بعينها، الوقائع هذه معروفة مؤرخة، ضبطت بالتواريخ، لكن كون هذا المولود سنة كذا، ما يدرى في أولها، أو في آخرها، مما يتأثر به العمر، لا سيما وأن بعض الفقهاء يقول -وهذا موجود عند الحنابلة-: فإن بلغ في أثنائها، كيف يعرف أنه بلغ في أثناء الصلاة؟ "فإن بلغ في أثنائها، أو في وقتها المتسع أعاد" المسألة تحتاج إلى ضبط بالساعة على شان تعرف أنه بلغ في أثناء الصلاة أو في وقتها، وذلك في تمام خمس عشرة سنة إذا لم يسبق البلوغ بالإنزال أو الإنبات، فكانوا ماشيين على التقدير، فلان ولد .. ، النبي -عليه الصلاة والسلام- ولد عام الفيل، ما عندهم تواريخ، ثم بعد ذلك استمر الناس على طريقة العرب، يعني من عنده شيء من العلم تجد يضبط مواليد أولاده على كتبه، ورأينا كثيراً كتب مستعملة من أهل العلم تركات في يوم كذا ولد -على الكتاب- لي ولد أسميته فلان وهكذا، أهل العلم يضبطونه، أما عامة الناس فلا ضبط.
هذا يقول: ست سنين، سبع سنين، ثمان سنين، كله على سبيل التقدير، المقصود أنه مميز؛ لأن التمييز شرط لصحة الإمامة بالإجماع.(36/14)
طيب مصافة ابن ست سنين كونه يكون صف معك في الصف هو لم يؤمر بالصلاة أصلاً، إنما يؤمر بالصلاة إذا أكمل سبع سنين، بعض الناس يأتي بطفل عمره سنتان أو ثلاث ويجعله في الصف يؤذي الناس ولا يصلي، لا شك أن هذه إساءة، ومكانه فرجة ولو شغله؛ لأن وجوده مثل عدمه، لكن ابن سبع سنين مصافاته صحيحة على ما سيأتي؛ لأنه مأمور بالصلاة، فماذا عن ابن ست سنين؟ هل نقول: إن هذا صلح أن يكون إمام فمن باب أولى أن يصاف؟ أو نقول: إن كان مميزاً ورأينا منه علامات ضبط الصلاة تصح مصافاته، وإن كان دون سبع؟ أو نقول كما قال بعضهم: إنها لا تصح المصافاة إلا لابن سبع؛ لأنه لم يؤمر بالصلاة قبل ذلك؟ وعلى كل حال بعض الناس يسيء، يأتي بصبي طفل ويؤذي المصلين، وقد يتعدى ويعبث بالمصاحف وهذا موجود، وقد يمزق وأبوه ينظر إليه ولا ينكر عليه، أمام الصف الأول مصاحف يتقدم الطفل يأخذ هذا ويرمي هذا، وأبوه خاشع على حد زعمه، لما تقدم الابن قليلاً إلى المروحة هي جنب المصاحف قطع صلاته فوراً وذهب إليه لئلا تؤذيه، سبحان الله المصحف يُعبث به وأبوه ينظر لا يحرك ساكناً، وخشي عليه من المروحة تصيبه بأذى فيقطع صلاته! الأصل ألا يحضر مثل هذا إلى المسجد، هذا إذا حضر مع أمه لا بأس، النبي -عليه الصلاة والسلام- يسمع بكاء الصبي، لكن يحضر مع الأب ويشغل المصلين، لا؛ لأن الأم لو جلست له ولا صلت مع الناس ما فيه إشكال، الجماعة لا تلزمها، تسمع الذكر ودعوة المسلمين وقراءة القارئ، وتنشغل بولدها ما في .. ، لكن الأب الذي تلزمه الجماعة، ومن أغرب ما رأيت هنا في المسجد الحرام شخص جاء بطفل لصلاة الجمعة ويبكي منذ أن دخل إلى أن انتهت الخطبة، فأقيمت الصلاة وجلس الأب يسكت الولد، ما صلى مع الناس، الجمعة ما صلاها مع الناس على شان يسكته، ليش تجيبه يا أخي من الأصل؟ ويحصل من هذا الشيء الكثير، يعني أمور مقلقة، وكون الطفل يحضر مع أمه هذا لا إشكال فيه، لكن مع الأب ويؤذي المصلين الذين صلاة الجماعة عليهم واجبة، أما الأم يعني لو انشغلت به أثناء الصلاة ما في إشكال لأنها تصلي بعد ذلك، فيحصل تصرفات من بعض الآباء، ويظن أن هذا من خدمة أهله، وفي حاجة أهله، هذا ما هو بصحيح، يعني شخص(36/15)
يصلي مع الناس فيسمع صبيه مع أمه يبكي، ثم يطل عليها من خلال الحاجز ويأخذ الولد، يعني أمور والله ما تحصل من عاقل، يأخذ الولد ويسكته ويغير له ويرجعه لأمه، تحصل هذه من شخص جاء ليمثل بين يدي الله -جل وعلا-! يعني الأصل أن الأم في بيتها بيتها خير لها، يعني تنقلب الأمور كله من كثرة الدك على حقوق المرأة، وأن الرجل ظالم، وأنه كذا، يبي يظهر للناس مظهر أنه ما ظلم، وأنه قائم بحقوقه على أفضل وجه، والذي أجزم به أن هذا إذا خلا بزوجته من أشد الناس أذية لها؛ لأن هذه ردود فعل، ما تحصل من فراغ مثل هذه الأمور، وإلا لو كان سوياً مستقيماً معها في الخلوة لكان مستقيماً معها في الجلوة، لكن هذه ردت فعل حصلت من تقصير معه، يعني بين الناس يأخذ الطفل من أمه ويغير له أمام الرجال ويرجعه لأمه، يسكته وبعدين .. ، هذه ما هي بوظيفته، هذا قلب للفطر، والله المستعان.
فالأم لها مهمة لا يستطيع الرجل القيام بها، والأب له مهمة لا تستطيع الأم القيام بها، والمسئولية مشتركة، لكن كل عليه أن يقوم بدوره، فإذا قام الرجل بدور الأم لا شك أنه سوف يقصر بدوره، والله المستعان.
"وعند النسائي: وأنا ابن ثمان سنين".
ثم بعد هذا قال:
"وعن عكرمة عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "يكره أن يؤم الغلام حتى يحتلم" هذا الخبر رواه الأثرم والبيهقي، ولفظه: "لا يؤم الغلام حتى يحتلم" موقوف على ابن عباس لكنه ضعيف، بل ضعيف جداً؛ لأن في إسناده إبراهيم بن أبي يحيى شيخ الإمام الشافعي وهو متفق على ضعفه، بل قال الحافظ في التقريب: متروك، فلا يلتفت إليه.
ثم قال بعد ذلك:
"وعن أبي مسعود -رضي الله عنه-" أبو مسعود عقبة بن عمرو البدري نسبة إلى بدر لأنه سكنها ولم يشهد غزوة بدر في قول الجمهور، ولو قال البخاري: إنه شهدها، لكن عامة أهل العلم على أنه لم يشهدها، وإنما نسب إليها لأنه سكنها "-رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله)) " القومَ مفعول به مقدم، وأقرؤهم فاعل مؤخر، تأخير الفاعل حكمه؟ تأخير الفاعل وتقديم المفعول هنا حكمه جائز وإلا واجب؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(36/16)
واجب؛ لماذا؟ لأنه يشتمل على ضمير يعود على متأخر لفظاً ورتبة.
وشاع نحو: خاف ربه عمر ... وشذ نحو: زان نوره الشجر
مثل هنا.
((يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله)) الأقرأ هل هو الأحفظ كما تقدم في حديث عمرو بن سلمة، يعني الأكثر حفظ، أو الأجود قراءة؛ لأن الناس حيال القرآن يتفاوتون، قد يكون بعضهم يحفظ القرآن كاملاً وهو كثير الخطأ فيه، كثير اللحن والتحريف والتصحيف، ومنهم من حفظه قليل لكنه مجود ومتقن، ومنهم من يجمع بين الأمرين، ومنهم من يحفظ القليل مع التصحيف والتحريف، ولا شك أن المطلوب الجمع بين تجويد القراءة مع كثرة الحفظ، هذا أولى الناس بالإمامة.
ثم إذا تعارض التجويد مع كثرة المحفوظ فالوجه المأمور به في القراءة هو التجويد والترتيل والتدبر هذا هو الوجه المأمور به، فإذا عورض هذا الوجه المأمور به بكثرة محفوظ مع الإخلال بما أمر به، فلا شك أن الوجه المأمور به هو المنظور إليه والملاحظ، فإذا كان يحفظ جزءاً متقناً مجوداً يتدبر فيه أفضل ممن يحفظ جزأين على غير هذه الصفة؛ لأننا أمرنا بالترتيل، أمرنا بالتدبر، لا شك أن القراءة من غير تدبر ولا ترتيل محصلة لأجر الحروف، يعني كل حرف عشر حسنات، لكن القراءة بالتدبر والترتيل هي التي تترتب عليها الثمرة من الأمر بالقراءة، قراءة القرآن على الوجه المأمور به كما يقول شيخ الإسلام يحصل بها من الإيمان واليقين والطمأنينة والمعرفة والعلم ما لا يحصل بغيرها.
فتدبر القرآن إن رمت الهدى ... فالعلم تحت تدبر القرآنِ
فالتدبر شأنه عظيم، فإذا وجد من هذه حاله، من يتأثر في نفسه، ويؤثر في سامعه فهو أولى من غيره، وإن كان أكثر منه حفظاً.
يقول ابن القيم -رحمه الله-: "أهل القرآن هم أهل العناية به وقراءته وتدبره وترتيله وتعلمه وتعليمه ولو لم يحفظوه" وليس في هذا تقليل لشان الحفظ، لا، لكنه لفت واهتمام بشأن أهمله كثير من طلاب العلم بما فيهم الحفاظ.(36/17)
((يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله)) والمراد أحفظهم مع ضبطه وإتقانه وتجويده وتدبره، هذا أولى الناس بالإمامة، وقال به جمع من أهل العلم، وهو المؤيد بهذا الحديث وبالحديث السابق، ومنهم من يرى أن الأفقه أولى بالإمامة من الأقرأ؛ لماذا؟ يقولون: لأن ما يحتاج إليه في الصلاة من القراءة محدود، وما يحتاج إليه من الفقه في الصلاة غير محدود، فقد يعرض للإمام في صلاته شيء لا يستطيع معه التصرف إذا لم يكن فقيهاً ولو كان حافظاً للقرآن، وأيضاً النبي -عليه الصلاة والسلام- قدم أبا بكر في الصلاة مع قوله: ((أقرؤكم أبي)) والحديث: ((يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله)) جاء على الغالب من حال الصحابة أن الأقرأ هو الأفقه، إذ لا يوجد قارئ غير فقيه؛ لماذا؟ لأن طريقتهم في تعلم القرآن أنهم لا يتجاوزون العشر آيات حتى يتعلموا ما فيها من علم وعمل، فكان الأقرأ في عصر الصحابة هو الأفقه، لكن لو تخلف أحد الأمرين، إما أن يكون أقرأ غير أفقه أو أفقه غير أقرأ قالوا: يقدم الأفقه، وهذا قول أكثر أهل العلم، مع أن حديث الباب يرده؛ لماذا؟ لأنه قال: ((فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة)) يعني أكثر فقه الصلاة يوجد في القرآن وإلا ما يوجد؟ لا يوجد في القرآن، فقه الصلاة أكثره لا يوجد في القرآن وإنما يوجد في السنة، فأعلمهم بالسنة هو الأفقه، وفي الحديث: ((أعلمهم بالسنة)) الذي يساوي الأفقه -فقه الصلاة- مؤخر عن الأقرأ، يعني يمكن يتجه قول الأكثر في تقديم الأفقه لو لم ترد هذه الجملة، فالأعلم بالسنة وأحكام الصلاة غالبها في السنة، فالأعلم بالسنة هو الأفقه، فكأنه في الحديث قال: "يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فالأفقه" وهنا الأعلم بالسنة مؤخر عن الأقرأ.(36/18)
((فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة)) قد يقول قائل: إن التقديم بالقرآن حينما يتفاضل القراء فأقرؤهم هو الأولى، طيب إذا تساووا القراء فيرجح صاحب السنة الأعلم بالسنة، وهذا هو المفهوم من الحديث، فالمنظور إليه في الحديث قراءة القرآن وإتقان القرآن هذا بالدرجة الأولى، ولم يتعرض في الحديث بين قارئ غير فقيه وفقيه غير قارئ، إنما في الحديث الأقرأ، هذا بالدرجة الأولى، لكن وجد أكثر من أقرأ، عندنا عشرة حفاظ كلهم مجودون ومتقنون، يفاضل بينهم بالسنة، وليست حينئذٍ السنة مرتبة ثانية، وإنما هي مرجح عند التفاضل، ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟ لأنه في الحديث يقول: ((فإن كانوا في القراءة سواء)) المسجد يصلي فيه مائة، لكن منهم عشرة حفاظ على مستوى واحد يرجح بالسنة؛ لأنه يحتاج في صلاته إلى أحكامها، وهي موجودة في السنة، وعلى هذا فلو وجد شخص أميز منهم في القراءة فهو مقدم من غير نظر إلى وصف آخر.
((فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة)) هذا أيضاً مرجح، هجرة إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- لأن الصحابة اختلفوا في هجرتهم، فمنهم من هاجر قبله، ومنهم من هاجر معه، ومنهم من هاجر بعده، فالأقدم هو الأولى بالإمامة إذا تساووا في القرآن والسنة.
((فإن كانوا في الهجرة سواء)) يعني هاجروا إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- معاً فأقدمهم سلماً، وليس المراد الهجرة المقصورة على الهجرة إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، بل إلى آخر الزمان، من هاجر من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام قبل غيره فهو أولى بالإمامة ممن تأخرت هجرته عند التساوي.(36/19)
((فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سلماً)) يعني إسلاماً، أقدمهم إسلاماً، يعني هل الأولى التفضيل بقدم الإسلام أو بقدم الهجرة؟ في الحديث الأولى الهجرة؛ لأن إسلام الشخص مع إقامته في بلاد المشركين ينجيه هذا الإسلام إذا كان معذوراً، ويعفيه من وجوب الهجرة إذا كان من المستضعفين، لكنه مهما كان ومهما بلغ لن يكون بمنزلة من أقام بين المسلمين وفي بلاد المسلمين، ولذا لم تُجوّز الحيلة بنص قرآني إلا في الهجرة {لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً} [(98) سورة النساء] فيجب عليه أن يهاجر ولو احتال على الهجرة، فجعل الهجرة أولى بالتقديم ممن تقدم إسلامه وأقام بين أظهر المشركين.
ثم قال: ((ولا يؤمن الرجلُ الرجلَ في سلطانه)) هذا مستثنى مما تقدم، يعني رجل في بيته في مكانه في مقره لا يتقدم عليه إلا بإذنه ((ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه)) والإمام السلطان له الأولوية المطلقة، وفي حكمه من ينيبه، فإمام الحي المعين من قبل السلطان لا شك أنه نائب عن السلطان لا يجوز أن يفتات عليه، ومن ولي على عموم المساجد مثلاً له صلاحية السلطان وأحقية السلطان في هذا؛ لأن هذا الأمر وكل إليه فلا يفتات عليه، فهو نائب السلطان في هذا.
((ولا يؤمن الرجل الرجلَ في سلطانه، ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه)) يعني ما يوضع له في مكان جلوسه من شيء يجلس عليه، لا يأتي الزائر والضيف يجلس عليه إلا أن يأذن له، ويؤثره به.
في بعض الروايات: بدلاً سلماً سناً، يعني الأكبر، ولا شك أن السن له مدخل في التقديم شرعاً في أمور العبادات وفي العادات، وجاء عنه -عليه الصلاة والسلام-: ((كبر كبر)) يبدأ الكبير لما جاء عبد الرحمن بن سهل انطلق يتكلم لما قتل أخوه بخيبر، قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((كبر كبر)) لأن حويصة أكبر منه.
ثم بعد هذا قال -رحمه الله تعالى-:
"وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ليلني منكم أولو الأحلام والنهى، ثم الذين يلونهم)) ثلاثاً ((وإياكم وهيشات الأسواق)) رواه مسلم".(36/20)
((ليلني منكم)) ليكن الأقرب مني ومن الإمام في الصلاة ((أولو الأحلام)) أصحاب العقول والألباب ((والنهى)).
((ليلني منكم أولو الأحلام والنهى)) هؤلاء هم الأولى بالقرب من الإمام ((ثم الذين يلونهم)) والصحابي فهم أن هذه الأحقية يستحقها الكبير مطلقاً، مع أنها معارضة بـ ((من سبق إلى شيء فهو أحق به)) والذي في الحديث ليس المراد منه طرد الصغار عن أماكنهم القريبة من الإمام بقدر ما فيه من حث للكبار على التقدم إلى الصلاة، يعني لو وجدت شاب خلف الإمام، ثم جاء رجل كبير عاقل حازم هل من حقه أن يقيم هذا الشاب عن مكانه ويجلس مكانه لأن الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((ليلني منكم أولو الأحلام والنهى))؟ نعم الصحابي فهم ذلك، وأقام الصغير وأجلس الكبير، لكن عمومات النصوص الأخرى تدل على أن المفهوم من الحديث حث الكبار على التقدم، وإلا فالأصل أن من سبق إلى شيء مباح فهو أحق به.(36/21)
وينص أهل العلم على أنه ليس للوالد أن يقيم ولده فيجلس مكانه ليس له ذلك؛ لأنه سبق إلى أمر مباح متاح شرعاً له أن يجلس فيه، وبعض كبار السن يتصرف مع بعض الشباب ما يحصل منه مردود عكسي، وكم من شاب نفر من المسجد ومن الصلاة مع الجماعة، بل قد يترك الصلاة بالكلية لبعض تصرفات كبار السن، يتكلم عليه، ويتهجم عليه، ويسبه ويقيمه في النهاية من مكانه فيجلس فيه، هذه لها مردود ولو كان صغير السن، الصغار يفهمون، كثير من الكبار أظنهم ما يفهمون، هم يفهمون، ولا ينسون، تمكث معه هذه الحادثة إلى آخر عمره إذا حصل مثل هذا التصرف، وإذا صار سبباً في ترك الصلاة في المسجد أثم بذلك، وإن كان المباشر لا يعذر، إذا حصل لك قضية في المسجد شخص تعدى عليك أو الإمام تكلم عليك أمام الناس هل معنى هذا أنك تترك ما أوجب الله عليك؟ تعذر في هذا لأن الإمام .. ، تقول: ما أصلي في هذا المسجد وهذا الإمام موجود؟! لا شك أنك إذا تركت فهو متسبب آثم، وأنت مع ذلك مباشر عليك الإثم، إثم تركك الجماعة، فيجتمع التسبب والمباشرة، وكل عليه نصيبه من هذا، وكم من قضية حصلت من أناس معروفين يتصرف تصرف مع صبي يظنه لا يفهم، ثم يترك الصلاة، أو مع شخص في عقله .. ، لا يقال: مجنون لا تلزمه الصلاة، ويقال: هذا أمره أهون ما هو مشكل، لا، لكنه أحمق، يتصرف معه بعض التصرفات التي تجعله يترك الصلاة، نقول: هذا المتسبب آثم، وعليه أن يدرس تصرفاته والآثار المترتبة عليها، والمباشر عليه الإثم كله، كامل إثمه، ما ينقص من إثم ذلك شيء؛ لأنهم ولوا، ويحصل من بعض الأئمة تصرفات، ويصف نفسه مصف عمر يقول: عمر يقيم الصفوف بالدرة، تجده يضرب الناس بالعصا، يجعل نفسه مثل عمر هذا شاهدناه موجود، شخص كبير السن له أكثر من ستين سنة في الإمامة، وحصل مشاكل مع المصلين، وما زال.(36/22)
المقصود أن مثل هذه الأمور التي تنفر بعض الناس الإمام والمتصرف عليه كفل منها، والإنسان محاسب على ما يفعل سواءً كان متسبباً أو مباشراً، يقيم الناس بالعصا! هذا ليس لك، ونظيره شاب جلس على كرسي في محاضرة، شاب في العشرينات، وشخص كبير السن نعس أو شيء قال: قم، قم، يسأله ويجيب، ما زلت يا أخي إلى الآن ما بعد حصرمت على شان تزبزب، ويقول: إن الشيخ فلان يفعل هذا، يعني هل يقبل من هذا الشاب ما يقبل من الشيخ الكبير؟ وهل يقبل من هذا الإمام ما كان يصنعه عمر وهو خليفة المسلمين؟ بعض الناس يسمع بعض الناس فينزلها في غير منزلتها، وفي غير موضعها، قم شايب أكبر من جده يسأله ويخجله بين الناس، شاب ما زال في المرحلة الجامعية، يصف نفسه مع إمام من أئمة المسلمين، يقولون: إنه إذا لحظ على إنسان غفلة وإلا شيء قم، مثل هذا الإمام الذي قلنا: إن عمر يقيم الناس بالدرة، ويعدل الصفوف بالدرة، يعني تصرفات تقبل من شخص لكن ما تقبل من آخر، والناس منازل.
((ليلني منكم أولو الأحلام والنهى، ثم الذين يلونهم)) يعني أولو الأحلام والنهى عليهم أن يعرفوا مكانهم ومنزلتهم في الإسلام ليتقدموا إلى الصلاة ليكونوا قدوات، وإذا حصل من الإمام خلل في الصلاة ذكروه أولى من الصبيان، فهذا حث لهم على التقدم.(36/23)
((ثم الذين يلونهم)) ثلاثاً ((وإياكم وهيشات الأسواق)) المراد بها الهيشات والهوشات في الأصل الخصومات وارتفاع الأصوات، وهذا غير مقبول في الأسواق فكيف بالمساجد؟! ارتفاع الأصوات وكثرة اللغط والفتن التي تحصل في الأسواق لا تنقلوها إلى مساجدكم، وهذا يحتمله اللفظ، ويحتمل أيضاً أن يكون المراد بهيشات الأسواق من يحصل منهم هذا اللغط، ومن يحصل منه كثرة الأصوات واللغط هم ضد أولي الأحلام والنهى؛ لأن أولي الأحلام والنهى لا يحصل منهم لغط ولا أصوات، يتصفون بالحلم والرزانة والعقل، وأما هيشات الأسواق وما يحصل منهم فإن هؤلاء لا يمكنون من القرب من الإمام، لا بطردهم من هذا المكان كما قلنا في الأسواق، وإنما بقطع الطريق عليهم بتقدم أولي الأحلام والنهى، وكثيراً ما نجد من هذه صفته من أهل اللغط وارتفاع الأصوات تجده في مقدمة المسجد، يتقدم مع الأذان أو قبل الأذان، وتجد كلامه من صلى تحية المسجد أو الراتبة إلى الإقامة وهو في القيل والقال، يعني شيوخ كبار سن يتقدمون إلى الصلاة، ثم ينشغلون بفلان وعلان، وحصل بعض المواقف الطريفة يتكلمون ومكبر الصوت قد نسيه المؤذن ما أقفله، وكلامهم الذي يضحك منه الصبيان يصل إلى البيوت، هناك أمثلة ونماذج، لكن الله المستعان.
فالإنسان الذي تقدم إلى المسجد يرجو ما عند الله -جل وعلا- كيف يطلق لسانه بالغيبة والنميمة؟! يعني إذا كان لا يقرأ القرآن يستغل الوقت بالذكر، ينتظر الصلاة وهو الآن في صلاة ما دام ينتظر الصلاة، فعليه أن يستغل الوقت بالذكر إذا كان لا يحسن قراءة القرآن، وإذا كان يقرأ القرآن يشغل وقته بقراءة القرآن، أما الانشغال بالقيل والقال وسفاسف الأمور والأمور التي لا تعنيه و ((من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)).(36/24)
اثنان في مقدمة المسجد يسمونها روضة المسجد تقدما إلى الصلاة مع الأذان، فجاء شاب وصف جنب واحد منهما، وعليه ثوب جديد من ألبسة الشتاء، فلمسه الشيخ الكبير اللي جنبه وقال لصاحبه: ترى ها الشاب ما يعرف القماش، تراه يمكن مضحوك عليه، قالوا له: صوف وهو ما هو بصوف، وانتهى الوقت على هذا الثوب ها المسكين ذا، يمكن مرفوع عليه سعره على أنه صوف وهو ما هو بصوف، يعني من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه في عموم الأحوال في بيتك وفي سوقك فكيف إذا تقدمت إلى المسجد؟! وهذا أسهل من مسألة الغيبة والنميمة والكلام في أعراض الناس، والاستطالة في أعراضهم، وإذا تقدموا كثير منهم يتكلم في الإمام، وقل من يسلم من الأئمة من أمثال هؤلاء، يعني لا يُجحد أن في عوام المسلمين خير كبير وفضل وفضلهم ظاهر، وتقدمهم إلى الصلوات وحرصهم على الخير هذا موجود، لكن مع هذا الحرص ينبغي أن يستغل الوقت بما ينفع، والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
طالب:. . . . . . . . .
الطبعة الهندية.
طالب:. . . . . . . . .
الهندية، طبع بالهند مصور أظن دار الكتاب العربي خمسة مجلدات.
طالب:. . . . . . . . .
هذا إذا كنت تعرف قراءة الخط الفارسي، ما هو باللغة الفارسية لغة عربية، لكنها بالخط الفارسي.
طالب:. . . . . . . . .
ومثلها عون المعبود، كلها مطبوعات في الهند، لكن إذا لم تستطع فالطبعات الموجودة الطبعة السلفية بالمدينة فيها أغلاط لكن زين، لا بأس ...(36/25)
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: المحرر – كتاب الصلاة (37)
الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هذا يقول: في مسألة انتهاء وقت العصر يقول: الإجماع منعقد على أنه بغروب الشمس، والجمهور على أن للعصر وقتاً موسعاً ووقتاً مضيقاً، وأن من أوقع العصر ما بين الاصفرار وقبل غروب الشمس فإنه آثم وملام ومقصر؛ لحديث: ((تلك صلاة المنافقين يقعد أحدهم حتى إذا كانت الشمس بين قرني الشيطان)) وجاء في حديث أبي هريرة في المواقيت قول النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((وإن أول وقت صلاة العصر حين يدخل وقتها، وإن آخر وقتها حين تصفر الشمس)) رواه الترمذي وأحمد، في هذا الحديث وحديث عبد الله بن عمرو حرمة تأخير صلاة العصر إلى قبل الغروب لوصف النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه فعل المنافقين والنفاق محرم، فدل أن هذا الفعل لا يجوز، وأن صلاة العصر وقتها إلى الاصفرار لمن ليس لديه عذر، أما من كان له عذر فوقت العصر على غروب الشمس، وجاء في موطأ مالك أن عمر بن الخطاب كتب إلى عماله والعصر والشمس مرتفعة بيضاء نقية قدر ما يسير الراكب فرسخين أو ثلاثة قبل غروب الشمس، وجاء في آخره: "والعصر والشمس بيضاء نقية قبل أن يدخلها صفرة".
هذا الكلام الذي دعا إليه مع الكلام الذي حصل في وقت الدرس عدم فهم المراد من قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((وإذا صلى لنفسه فليطول ما شاء)).(37/1)
قال أهل العلم: إنه لو طول في القراءة حتى أخرج الصلاة عن وقتها أنها تكون أداء، حتى أخرجها، ويش معنى طولها حتى أخرجها عن وقتها؟ افترض أنه صلى العصر بعد دخول الوقت مباشرة هل هذا أخرها إلى الاصفرار أو صلاها في الوقت المختار؟ لكنه بدلاً من أن يقرأ ورقة قرأ عشرة أجزاء إلى أن خرج الوقت، ليس المراد بذلك أن تؤخر إلى آخر وقتها ثم يصلى باقيها بعد أن يخرج الوقت، هذا الكلام كله الذي دعا إليه، والذي حصل في الدرس كله الذي دعا إليه عدم فهم المراد من قول أهل العلم أخذاً من قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((فليطول لنفسه ما شاء)) أن له أن يطول لنفسه حتى يخرجها عن وقتها، وعموم ((فليطول لنفسه ما شاء)) يعني لو قال: أنا أقتدي بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، وأصلي لوحدي، ولا يوجد من يشق عليه التطويل فأقرأ في الركعة الأولى البقرة والنساء وآل عمران، خمسة أجزاء تحتاج إلى .. , في قراءته -عليه الصلاة والسلام- إلى أقل تقدير ساعتين، تحتاج إلى ساعتين هذه ركعة واحدة، وقد شرع في صلاة العصر من مصير ظل الشيء مثله، من دخول الوقت، ثم استمر وطول لنفسه ما شاء، هو ما راقب اصفرار الشمس، ولا أخر الصلاة إلى وقت الاضطرار، هو من أول وقتها شرع فيها، وامتثالاً لقوله: ((فليطول لنفسه ما شاء)) طول، يلام وإلا ما يلام؟ ما يلام، هذا مراد أهل العلم، ما هم بيقولون: انتظر إلى قرب غروب الشمس أو إلى وقت الاصفرار ثم صل ركعة قبل غروب الشمس وثلاث ركعات بعدها، هذا يرد فيه حديث: ((من أدرك ركعة قبل غروب الشمس فقد أدرك العصر)) يعني أدرك وقت العصر، لكن كونه معذور أو غير معذور هذه مسألة أخرى، كونه آثم أو غير آثم هذه مسألة ثالثة، المسألة المرتبة على قوله: ((فليطول لنفسه ما شاء)) أن يشرع في صلاة العصر أو صلاة الظهر أو أي صلاة من الصلوات ثم يستمر فيها إلى أن يخرج وقتها، يبدأ فيها في وقت الاختيار يصف مع الناس، أو يقول: فاتتني الصلاة الآن جيت الآن الساعة كم؟ أربع وربع وجدت الناس طالعين من صلاة العصر، ولا في جماعة يشق عليهم، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((فليطول لنفسه ما شاء)) فيقرأ مثلما قرأ النبي -عليه الصلاة والسلام- خمسة أجزاء في الركعة(37/2)
الأولى، هذا هو مراد أهل العلم حينما يتكلمون في هذه المسألة أخذاً من هذا الحديث: ((فليطول لنفسه ما شاء)).
بقي مسألة وهي أنه إذا طول لنفسه ما شاء، أو صار معذوراً فأخر الصلاة إلى آخر وقتها فصارت ركعة في الوقت، والثانية وما يليها خارج الوقت، أهل العلم يقولون: كلها أداء، طيب لو جاء شخص واقتدى به في الركعة الثانية التي هي خارج الوقت، الإمام يصلي أداء لكن المأموم؟ المأموم صلاته كلها خارج الوقت إذاً هي أداء، فيصح أن يقال في صلاة واحدة في وقت واحد أحدهما يؤدي والثاني يقضي.
يقول: هل الأفضل قبل خطبة الجمعة الصلاة والتطويل في القراءة والركوع والسجود يعني أو الذكر وقراءة القرآن؟
يعني ما يقابلها من أعمال الخير، الصحابة -رضوان الله عليهم- يأتون إلى الجمعة مبكرين منهم من يقرأ، ومنهم من يصلي، ومنهم من لا يزال يصلي حتى يدخل النبي -عليه الصلاة والسلام-، فالأمر في هذا واسع، وقيام الليل الأصل فيه الصلاة، لكن إذا استغل بعض الوقت في الذكر والتلاوة فهو قيام.
يقول: من يستغفر في قلبه بدون ذكر اللسان؟
هذا ليس بذكر، ولا يترتب عليه أحكام الذكر، وإنما هو تفكر، وهو مطلوب.
ما معنى حديث: ((تابعوا بين الحج والعمرة))؟ وما رأيكم في الذي ينكر على الذي يحج كل سنة؟
المتابعة بين الحج والعمرة بأن يحج كل سنة، والعمرة يكررها، حسب ما يتيسر له ولا يشق عليه، ولا يعوقه عن فضائل أعظم منها أجراً.
والذي ينكر على الذي يحج كل سنة هذا لا شك أنه مخالف لما جاء في فضل الحج والإكثار منه و ((الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)).
وفي الحج الماضي في إحدى الصحف ذُكر أعرابي من شمال المملكة حج سبعاً وتسعين حجة، أظن ما له نظير في التاريخ، سبع وتسعين حجة مائة إلا ثلاث، عمره مائة وثلاثون سنة، وكانت أمنيته أن يكمل المائة، فالله المستعان.
يقول: هل الأفضل رفع الذكر بعد الصلاة على كل حال؟
يعني رفع الصوت نعم يرفعون أصواتهم بالذكر، وبهذا يعلم الفراغ من الصلاة، كنا نعلم أو نعرف فراغه بالتكبير.
يقول: إنسان صلى بالناس وهو إمام وهو جالس على الكرسي، فلما أراد الركوع قام وركع، فهل للمأمومين أن يصلوا جلوساً؟
لا، ليس لهم أن يصلوا جلوساً.(37/3)
التكبير عند جلسة الاستراحة هل هو عند الجلوس لها أم عند القيام للركعة؟
هي للانتقال، للانتقال إلى القيام.
إنسان لبس الإحرام وقبل أن يلبي مات فهل يغسل ويكفن؟
إذا نوى الدخول في النسك فإنه يأخذ حكم من مات وهو محرم، وإذا كان لبس الإحرام وقبل أن ينوي الدخول في النسك فهو ما زال حلالاً، أما كونه يغسل يغسل نعم، يغسل ويكفن لكن لا يغطى رأسه ولا وجهه، ولو نوى الدخول في النسك.
يقول: هل يشترط لجهاد الدفع إذن الوالدين أو إذن الإمام؟
هذا حكمه حكم الصائل يدفع بكل وسيلة ممكنة.
يقول: إذا غزى الكفار بلاد المسلمين فهل يتعين الجهاد ويصبح فرض عين؟
من تعيُن الجهاد عند أهل العلم في ثلاث صور: إذا استنفره الإمام، وإذا حضر بين الصفين، وإذا دهمهم العدو، فإنه حينئذٍ يتعين في هذه الثلاث الصور.
يقول: في شرح كتاب عمدة الأحكام يقول: ذكرت في شرحك على كتاب عمدة الأحكام أن الصلاة في ثوب الحرير باطلة فهل مثل ذلك ينطبق على الثوب المغصوب أو المسروق ونحوهما؟
الصلاة في ثوب الحرير إذا كان شرط من شروط الصلاة، بمعنى أنه سترت به العورة، وستر العورة شرط من شروط الصلاة سواءً كان حريراً أو مغصوباً أو مسروقاً، المقصود أن النهي اتجه إلى شرط العبادة، فإن العبادة حينئذٍ تكون باطلة؛ لأنه فرق بين أن يتجه النهي إلى ذات العبادة أو إلى شرطها أو إلى جزئها المؤثر كالركن، أو إلى أمر خارج عن ذلك، فإذا اتجه النهي إلى ذات العبادة أو إلى شرطها أو إلى جزئها المؤثر فإن الصلاة حينئذٍ أو العبادة تكون باطلة، أما إذا عاد إلى أمر خارج فإن الصلاة تكون صحيحة مع التحريم، فرق بين أن يستر العورة بثوب حرير أو مغصوب أو مسروق وبين أن يلبس عمامة حرير أو مسروقة أو مغصوبة؛ لأن العمامة لا أثر لها في الصلاة، أو يلبس خاتم من ذهب صلاته صحيحة.
هل يكفي المرأة في غسل الجنابة مسح رأسها وخاصةً إذا كانت تجد مشقة في غسله وقت البرد؟
لا بد أن يصل الماء إلى أصول الشعر، ولا يلزم نقضه إذا وصل بدون النقض.(37/4)
يقول: صار لي حادث سيارة بسيارتي وهي مؤمن عليها، ولم أكن أعلم أن التأمين يقوم بإصلاحها، فهل يجوز لي أجعل أحد يصدمها متعمد لكي أقوم بتصليح الصدمة القديمة والجديدة، أم هذا احتيال عليهم؟
هذا لا يجوز بحال، الكلام في الصدمة الجديدة، أما الصدمة القديمة هذه لا يختلف فيها، الكلام في الصدمة الجديدة هل يجوز لك أن تصلحها من خلال التأمين؟ إذا كان الخطأ عليك لا يجوز بحال، وإذا كان الخطأ من غيرك عليك وهو مؤمن فأنت تطالبه بإصلاحها، ويكون هو خصمك، كونه يصلحها من جيبه أو من جهة من الجهات التي أمن عليها هذا لا يعنيك.
يقول: إذا علم المأموم بنجاسة ثوب الإمام ماذا يعمل؟ وهل يجوز له إخباره يعني بكلام يسير كما حصل من ذي اليدين؟
إذا علم المأموم بنجاسة ثوب الإمام، وطهارة الثوب شرط لصحة الصلاة، وإذا بطلت صلاة الإمام فجمع من أهل العلم يقول: تبطل صلاة مأموم ببطلان صلاة إمامه، فلا بد من أن يخبر كما أخبر جبريل النبي -عليه الصلاة والسلام- بما في حذائه -عليه الصلاة والسلام- من الأذى.
يقول: إنسان دخل مع إمام في صلاة المغرب وهو ناوٍ أن يصلي العشاء قصراً؛ لأنه مسافر وقد صلى المغرب من قبل، فدخل مع الإمام بنية العشاء قصراً وجمعاً، وكان مسبوقاً بركعة، فعندما سلم الإمام سلم معه، فهل فعله صحيح؟
فعله ليس بصحيح، في هذه الصورة يلزمه الإتمام.
يقول: ما السنة في الرد على الذي يعطس في تشميت العاطس أكثر من ثلاث مرات؟
يدعى له بالشفاء، ويخبر أنه مزكوم، ويدعى له بالشفاء.
هذا يقول: نرجو أن يقتصر على شرح الحديث وتخريجه وعدم الخوض في أمور العامة حتى لا يحصل شحناء وبغضاء من بعض طلبة العلم ويترتب عليه حدوث فجوة بين طلبة العلم وعوام الناس، وما يترتب عليه من ترك التناصح وترك الزيارة، ونرجو الزيادة في الشرح لأن الوقت يذهب، وما قطعنا في الشرح ما تتم به الحاجة، يقول: كلامنا هذا عن حب ورغبة في زيادة النفع وتحصيل الفائدة.
هذا يقصد الاستطرادات التي فيها التنبيه على بعض الأخطاء سواءً كانت بين طلبة العلم أو من عوام الناس، ما أدري هل هذه رغبة للجميع وإلا رغبة فرد؟ هذه رغبة من الجميع وإلا رغبة فرد؟
طالب:. . . . . . . . .(37/5)
هذا الذي نعرفه أن الإخوة كلهم يبغون هذا، أنا ما أدري كيف تحصل شحناء من هذا وترك الزيارة والتناصح وما أدري ويش؟ ويش لون؟
يقول: أورد البخاري -رحمه الله- حديث: ((من أدرك السجدة الأولى من العصر قبل أن تغرب الشمس فليتم صلاته)) نرجو توضيح دلالة المفهوم من هذا الحديث؟
هذا الحديث يفسره الرواية الأخرى: ((من أدرك ركعة)) ولما أورد الإمام مسلم الحديث باللفظين: "ركعة" و"سجدة" قال: قال الراوي: والسجدة إنما هي الركعة، فمن أدرك ركعة كاملة من صلاة الصبح أو من صلاة العصر فقد أدرك الصبح وأدرك العصر، ومفهومه أن من لم يدرك ركعة فإنه لا يدرك الوقت.
الركعة تطلق ويراد بها السجدة {وَخَرَّ رَاكِعاً} [ص: 24] وهو راكع وإلا ساجد؟ ساجد.
طالب:. . . . . . . . .
لا، يتم الصلاة لكن ما يدرك.
يقول: الصلاة في المسجد النبوي الشريف .. ، لأنني سمعت من أحد المشايخ بأنها بمائتين وخمسين صلاة، وذكر حديثاً أظنه في موطأ مالك ... ، ما رأيكم في قول من قال: إن المسافر ... انتهى هذا.
لكن مائتين وخمسين صلاة؟! هي بألف صلاة، الصلاة في مسجد النبي -عليه الصلاة والسلام- بألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام.
ما رأيكم في قول من قال: إن المسافر يترخص في السفر إذا قطع أربعين كيلو؛ لحديث: ((لا يحل لامرأة أن تسافر مسيرة يوم وإلا ومعها ذو محرم))؟
هذا رأي الإمام البخاري مسيرة يوم واحد، والجمهور على أنها مسيرة يومين ثمانين كيلاً.
يقول: لماذا لا يقال بانفكاك الجهة في الصلاة في الثوب الحرير؟
الجهة غير منفكة لأنك تتعبد بمحرم، يعني لو تركت هذا المحرم بطلت صلاتك، لكن لو تركت العمامة ما بطلت صلاتك، فرق بين هذا وهذا، فالجهة ليست منفكة.
سافر شخص إلى مدينة من مدن المملكة وحدد موعد الرجعة هل يقصر الصلاة أو يجمعها مع العلم أن معه جماعة من أصحابه؟
إذا كانت المدة تزيد على أربعة أيام فأكثر أهل العلم على أنه لا يترخص.
هذا يطلب الدعاء لأخيه المريض بمرض سرطان القولون يرجو الدعاء له؟
نسأل الله له الشفاء العاجل.
انتهى المقروء؟
طالب: انتهى يا شيخ.
سم.
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(37/6)
اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين.
قال الإمام ابن عبد الهادي -رحمه الله تعالى- في كتابه المحرر:
وعن قتادة عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((رصوا صفوفكم وقاربوا بينها، وحاذوا بالأعناق، فو الذي نفسي بيده إني لأرى الشياطين تدخل من خلل الصف كأنها الحذف)) رواه أحمد وأبو داود النسائي وابن حبان البستي، والحذف بالتحريك: غنم سود صغار من غنم الحجاز، الواحدة حذفة، قاله الجوهري.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((خير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها)) رواه مسلم.
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "صليت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات ليلة فقمت عن يساره فأخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- برأسي من ورائي فجعلني عن يمينه" متفق عليه.
وعن أنس -رضي الله عنه- قال: "صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بيت أم سليم، فقمت ويتيم خلفه وأم سليم خلفنا" متفق عليه، واللفظ للبخاري، ولمسلم: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى به وبامرأة فجعله عن يمينه، والمرأة خلفه.
وعن أبي بكرة -رضي الله عنه- أنه انتهى إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو راكع فركع قبل أن يصل إلى الصف، فذكر ذلك للنبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((زادك الله حرصاً ولا تعد)) رواه البخاري، وفي رواية لأحمد وأبي داود: أن أبا بكرة جاء رسول الله ...
جاء.
أن أبا بكرة جاء رسول الله ...
جاء ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- راكع.
أن أبا بكرة جاء ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- راكع فركع دون الصف، ثم مشى إلى الصف، فلما قضى النبي -صلى الله عليه وسلم- صلاته قال: ((أيكم ركع دون الصف ثم مشى إلى الصف؟ )) فقال أبو بكرة: أنا، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((زادك الله حرصاً فلا تعد)).
وعن هلال بن يساف عن عمرو بن راشد عن وابصة بن معبد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى رجلاً يصلي خلف الصف وحده فأمره أن يعيد الصلاة. رواه أحمد وحسنه، وأبو داود وهذا لفظه، وابن حبان في صحيحه، والترمذي وقال: حديث حسن.(37/7)
وقال ابن المنذر: ثبّت الحديث أحمد وإسحاق، وقال أبو عمر بن عبد البر: في إسناده اضطراب.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم بالسكينة والوقار، ولا تسرعوا، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا)) متفق عليه، واللفظ للبخاري، وفي لفظ لمسلم: ((صلِ ما أدركت، واقضِ ما سبقك)) ورواه أحمد عن ابن عيينة عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة: ((وما فاتكم فاقضوا)).
وقد وهم بعض المصنفين في قوله: إن لفظ القضاء مخرج في الصحيحين، وقال أبو داود: قال يونس الزبيدي وابن أبي ذئب وإبراهيم بن سعد ومعمر بن راشد وشعيب بن أبي حمزة عن الزهري: ((وما فاتكم فأتموا)) وقال ابن عيينة: عن الزهري وحده: ((فاقضوا)) وقال مسلم: أخطأ ابن عيينة في هذه اللفظة، ولا أعلم من رواها عن الزهري غيره، وفي قول أبي داود ومسلم نظر، فإن أحمد رواها عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري، وقد رويت من غير وجه عن أبي هريرة، وقال البيهقي: والذين قالوا: فأتموا أكثر وأحفظ وألزم لأبي هريرة -رضي الله عنه-، فهو أولى، والتحقيق أنه ليس بين اللفظين فرق، فإن القضاء هو الإتمام لغة وشرعاً. والله أعلم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فقد قال المصنف -رحمه الله تعالى-:
"وعن قتادة عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((رصوا صفوفكم)) " أمر بالتراص في الصف، وسد الخلل والفرج، وقال بعض أهل العلم بوجوبه، بوجوب التراص في الصف ((ألا تصفون كما تصف الملائكة)) وهم يتراصون في الصف.
((وقاربوا بينها)) قاربوا بين الصفوف، التراص يكون في الصف الواحد، والمقاربة بين الصفوف بألا يكون الصف الثاني بعيداً عن الصف الأول، يعني بقدر الحاجة، والمسافة بين الصف الأول والثاني المتر كافي، أو متر وشيء يسير، أما أن يجعل هناك مسافة بعيدة عن الصفين مخالف للمقاربة بينها.(37/8)
((وقاربوا بينها، وحاذوا بالأعناق)) في رواية: ((بالمناكب)) الأعناق: جمع عنق، وهو معروف الرقبة، والمنكب: المجتمع بين مفصل الكتف والعضد، والمحاذاة تكون بالبدن كله، بالرجلين والركبتين والمناكب؛ لأن بعض الناس يظن أن المحاذاة تكون بالرجلين فقط، مع أنه قد تكون الرجل ملصقة بالرجل ومع ذلك يوجد فجوة في الصف، بعض الناس يظن أن الحل لمسألة الفرج في الصفوف أن يباعد ما بين رجليه، لا، المحاذاة كما تكون بالأقدام والأكعب تكون أيضاً بالمناكب والأعناق.
قد يقول قائل: شخص طويل كيف يحاذي منكبه وعنقه بشخص قصير؟ ألا يتصور هذا؟ يمكن المحاذاة؟ يعني ليس المقصود الحرفية، المقصود ما يتضمنه معنى المحاذاة، المقصود به البدن كله، لا يجعل فجوة لا من أسفل ولا من أعلى، وحينئذٍ يكون الإنسان قد أخذ من الحيز من الصف بقدره من غير زيادة ولا نقصان؛ لأن النقص يؤثر على صلاته، يؤذيه، يعني لو حصل تراص لا يمكن الإنسان من الخشوع هذا خلل في الصلاة؛ لأن معنى ((رصوا صفوفكم)) هل معناه انضغطوا في الصف بحيث لا يدري الإنسان ماذا يصلي؟ بل يتمنى الفراغ من الصلاة؟ ليس المراد هذا أبداً، إنما المراد ما يحقق عدم الفرج التي تكون مكاناً للشياطين.
((وحاذوا بالأعناق، فو الذي نفسي بيده إني لأرى الشياطين تدخل من خلل الصف)) يعني في الفجوات والفرج التي تكون في الصف ((كأنها الحذف)) الحذف يقول المؤلف: "غنم سود صغار من غنم الحجاز الواحدة حذفة، قاله الجوهري" يعني موجودة الآن بهذا الاسم؟
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
بهذا الاسم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم، حتى بعض الشراح يقول: إنه يؤتى بها من اليمن، كأنها غنم جبلية يعني.
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
قالوا: إنها من غنم الحجاز، والحجاز يمتد "الواحدة حذفة، قاله الجوهري" والحديث رواه أحمد وأبو داود النسائي وابن حبان، وهذا يدل على تسوية الصفوف ورصها، بمعنى أنه لا يوجد فيها فرج تمكن الشيطان من تخلل الصفوف مما يحدث وسوسة للمصلين، وخللاً في صلاتهم.(37/9)
قال: "وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((خير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها)) " يعني أفضل صفوف الرجال أولها، الصف الأول ثم الذي يليه ثم الذي يليه إلى آخر صف، وشرها وأقلها أجراً لبعده عن الإمام؛ ولأنه ناشئ عن التأخر عن الصلاة، ناشئ عن التأخر عن الإجابة، والأول ناشئ عن المبادرة بالإجابة، والقرب من الإمام لا شك أن له أثراً في المأموم، لا سيما في الصلوات الجهرية، لا سيما في صلاة الفجر، فإنها مشهودة وقراءتها مشهودة.
((خير صفوف الرجال أولها)) وبعض الناس يأتي قبل الإقامة ويجلس في آخر المسجد حتى إذا أقيمت الصلاة صار في الصف الرابع أو الخامس، وبإمكانه أن يصف في الصف الأول، يصف في الصف الأول بإمكانه.
وهنا مسألة يسأل عنها كثيراً فيما إذا كان في آخر المسجد درس، فهل الأولى القرب من المعلم الذي يشرح الدرس مما يدل على رغبة في تحصيل العلم للقرب من منبعه ومصدره، أو يذهب إلى الصف الأول لا سيما وهو يسمع الدرس من خلال المكبر؟ لو افترضنا أن الدرس هناك، واستمر الدرس إلى إقامة الصلاة، هل نقول للطالب: اقرب من الدرس، كلما قربت من الشيخ كان أفضل، وهذا أدل على الحرص في طلب العلم أو نقول: حصل الصف الأول والعلم يصلك وأنت في مكانك من خلال المكبر؟ هذه مسألة يقع السؤال عنها كثيراً، فبعض الطلاب يجلس من أول الأمر في الصف الأول، ويترك الشيخ في مكانه في آخر المسجد، أو أقل الأحوال إذا أذن بادر بالذهاب إلى الصف الأول وترك الدرس، وأبعد عن المعلم، وإن كان يسمع الدرس من خلال المكبر، وقد يكون الأبعد عن الشيخ أوضح في السماع من القريب منه؛ لأن السماعات تكون على حيطان المسجد.
هذه يسأل عنها كثيراً، ومناسبتها هذا الحديث، هل نقول: اترك الدرس وابعد عن الشيخ ولو اقتضى الأمر ألا يكون عنده أحد؟ لأننا إذا قلنا بهذا امتثل جميع الطلاب، وذهبوا إلى الصف الأول، وتركوا الشيخ يتكلم وحده.(37/10)
فهل نقول: إن الجلوس بالقرب من الشيخ في حلقة الدرس أولى من المبادرة إلى الصف الأول، أو نقول: أذهب إلى الصف الأول وخير صفوف الرجال أولها، ولو ترتب على ذلك أن تبعد عن الشيخ؟ أحياناً يكون في المسجد مكان أرفق بالمصلي لا سيما مع الحاجة مما يترتب عليه ترك الصف الأول، الصف الأول مثل هذا المسجد ما فيه تكأة يتكي عليها، وقد يكون هناك كبار سن يحتاجون إلى أن يتكئوا، والاتكاء مطلوب من الجميع سواءً من الكبار أو من الصغار، لو قال: هذا ما فيه تكأة أذهب إلى آخر المسجد ولو ترتب على ذلك أني أترك الصف الأول؛ لأن هذا مما يعينني على طول المكث في المسجد، هل نقول له: اذهب واتكأ، أو نقول له: في مثل هذه الصورة يحق لك أن تحجز مكان في الصف الأول وتتكئ في آخره؟ إذا كان موجود في داخل المسجد له أن يحجز مكان وإلا ليس له أن يحجز؟ له أن يحجز، ولو ترتب عليه أن يخرج من المسجد ليعود إليه قريباً هو أحق بالمكان من غيره.
مسألة أخرى: وهي أنه إذا صلى ومكث في مصلاه يذكر الله إلى أن ترتفع الشمس كما كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يفعل، يعني ما زالت الملائكة تصلي عليه وتدعو له، هل المراد به المكان الذي أدى الصلاة فيه، أو أن المسجد كله مكان للصلاة؟ لا سيما إذا كان غير المكان الذي صلى فيه أرفق به وأعون له على الطاعة؟ قد لا يتحمل البقاء والمكث في مصلاه، وهو بحاجة إلى أن يتكئ مما يعينه على المكث، نقول: إذا كان أرفق به فلا يضر -إن شاء الله تعالى-.
((خير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها)) لو قال قائل: إن الصف الأول يترتب عليه الانشغال عن الصلاة، والصف الثاني والثالث يتفرغ الإنسان فيه إلى الصلاة، الصف الأول فيه انشغال عن الصلاة؛ لأن جدران المسجد منقوشة، ومزخرفة فينشغل بها المصلي، وإذا صلى في الصف الثاني ما رأى هذه النقوش وهذه الزخارف، أو الثالث أو الأخير مثلاً، أيهما أفضل؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
الصف الأول، لكن الأثر المرتب على العبادة نفسها ...
طالب:. . . . . . . . .(37/11)
جاهد نفسه، وينظر في محل السجود، لكن أحياناً لا يستطيع، النبي -عليه الصلاة والسلام- لما صلى بالخميصة خميصة أبي جهيم قال: ((كادت أن تفتنني)) وهو الرسول -عليه الصلاة والسلام- ((اذهبوا بها وآتوني بإنبجانية أبي جهيم)) يعني ما فيها خطوط ولا أعلام، لكن هذا الرسول -عليه الصلاة والسلام-! يعني إذا كان هناك فضل مرتب على العبادة نفسها، وفضل مرتب على مكانها أو زمانها فأيهما أولى بالمحافظة؟ ما رتب على العبادة نفسها؛ لأنه قد يعرض للمفوق ما يجعله فائقاً، والمرجوح ما يجعله راجحاً.
((خير صفوف الرجال أولها)) يعني هذا في الجملة ((وشرها آخرها)) يعني أقلها فضلاً آخرها، فتُتم الصفوف الأول فالأول، ولا يصف في الثاني وفي الأول فسحة أو فرجة، لا بد أن تُسد.
((من وصل صفاً وصله الله، ومن قطع صفاً قطعه الله)) أنت في الصف الثاني وجدت فرجة في الصف الأول أردت أن تصلها لتحصل على هذه الدعوة تتقدم إليها، لكن ما الذي يترتب على تقدمك؟ أنك قطعت الصف الثاني، فالوصل مأمور به، والقطع منهي عنه، وأيهما أولى ارتكاب المحظور أو ترك المأمور؟
طالب: لا يقطع بشيء منهما.
هو لا يقال بقاعدة مستمرة، وإن كان الأكثر يطلقون أن ارتكاب المحظور أشد من ترك المأمور؛ لأن فعل المأمور مقرون بالاستطاعة، وارتكاب المحظور ما فيه مثنوية، هنا أنت ترتب على فعلك صلة للصف، وقطع لصف، هل نقول: إنك تستحق الدعوة بالصلة وتستحق الدعوة عليك بالقطع؟ لأنه ترتب على فعلك الأمران.
يا الله يا الإخوان أجيبوا؟
طالب: القطع حاصل يا شيخ، القطع حاصل في الصف الأول أو الثاني كونه يسد الأول أفضل.
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم اجتمع الأمر والحظر فنرجح بينهما، نقدم الحظر يعني ما تقدم الصف الأول.
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب: أقدم الصف واللي ورائي يقدم ويسده.
هذا صحيح، لكن نريد من خلال قواعد منضبطة في الأوامر والنواهي، نريد قاعدة منضبطة تمشي مع الأوامر والنواهي، وقواعد أهل العلم للتعامل مع النصوص، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .(37/12)
نعم لا يشرع إتمام الصف الثاني أو الشروع في الصف الثاني حتى يتم الأول، يعني المسألة مفترضة فيمن كان في الصف الأول ورجع إلى الثاني هذا قطع صف، هذا قطع صف، والثاني ما دام فيه فرجة ولا يوجد من يسدها ليس مأمور بسدها، إنما مأمور إتمام الصفوف الأول فالأول، فلا يتجه مثل هذا الكلام، ويقال: إنه ارتكب محظور، لا، هو ارتكب مأمور، والمحظور الثاني وظيفة غيره، وظيفة من يأتي بعده، وإلا لقلنا: إن الإنسان يلزمه أن يصلي في أول صف يقف فيه، وهو الآخر، وهو مخالف لحديث: ((خير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها)).(37/13)
((وخير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها)) أولاً: بالنسبة لآخر صفوف الرجال لما يترتب عليه من أنه تأخر عن تلبية وإجابة النداء، ولما فيه من القرب من النساء اللواتي يصلين خلف الرجال، وهذه العلة موجودة في الصف الأول بالنسبة للنساء وهي القرب من الرجال، والنظر إليهم، والافتتان بهم، وسماع أصواتهم، فأين دعاة الاختلاط من هذه النصوص؟ يقولون: الاختلاط موجود في العبادات، النساء يصلين مع الرجال، يعني هذا التحذير من القرب من الرجال في هذا الموطن الذي الأصل فيه أن الرجل والمرأة على حد سواء، جاءوا لأداء عبادة، مقبلين بقلوبهم إلى الله -جل وعلا-، هل يقاس على هذا أماكن تهيأ للالتصاق بين الرجال والنساء، وإتاحة الفرص لهم في الحديث، وعقد العلاقات والصداقات في كرسي واحد، تجلس معه مدداً متطاولة في الدراسة، أو في العمل، أو في غيرهما؟ هل هذا مثل ما يكون في مواطن العبادات؟ لا والله، ولا يقول بهذا إلا مفتون، وإلا فما معنى: ((خير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها)) هذا إذا كان النساء يصلين خلف الرجال من غير فاصل، ومعلوم ما جاء في النصوص الأخرى من القيود على خروج المرأة إلى المسجد، يخرجن تفلات، متلفعات بمروطهن، مجتنبات للزينة والطيب، وكل ما يثير الرجال، بينما إذا قُرر الاختلاط كما هو الحاصل في بعض الأقطار، أو في سائر الأقطار في التعليم، وفي العمل، وفي غيرها، إذا قُرر فكل من الطرفين يسعى لجذب الآخر، هذا هو الحاصل، يسعى لجذب الآخر، وهذا مردوده السيئ على الدين والدنيا على حد سواء، وإن كانت الخسارة والكارثة إنما هي خسارة الدين، لكن أيضاً على حد زعمهم أن هذا أنفع وأوفر بدلاً من أن يجعل مصانع للرجال ومصانع للنساء، مدارس للرجال ومدارس للنساء يكون أوفر، من أين أوفر؟ يعني إذا تصور قرية فيها عشرة طلاب وعشر طالبات وقيل: بدلاً من أن يؤتى بمدرس ومدرسة يؤتى بمدرس أو مدرسة قد يتصور أن يكون هذا أوفر، لكن ماذا عن الملايين من الطلاب والطالبات الذي لا يكفي ألوف مؤلفة من المعلمين والمعلمات؟! يعني كيف يكون هذا أوفر مع إمكان أن الفصل من كل وجه وفي كل مجال مما يترتب عليه خير الدنيا والآخرة، ونحن نعيش في نعمة بسبب هذا الفصل،(37/14)
والكوارث والفساد الأخلاقي والمادي حتى على أمور الدنيا الضرر ظاهر، حتى على مسيرة العمل والدراسة ظاهر في الاختلاط، ودول الكفر تفكر جادة بفصل الجنسين عن بعض؛ لأنها جربت من الويلات، جربوا ما ترتب على الاختلاط من ضياع وفساد وإهدار للجهود والطاقات فيما لا ينفع، وهم يفكرون جادين في فصل الرجال عن النساء، وهم يغبطوننا، كثير منهم لا يصرح بهذا خشية أن نستمسك بما أمرنا به شرعاً.
((وخير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها)) هذا إذا كن خلف الرجال، لكن إذا كان النساء في مكان مستقل لا يرين الرجال، ولا يرونهن، هل نقول: إن خير الصفوف أولها والقرب من الإمام والقرب من الإمامة إذا اتخذت إمامة للنساء؟ عموم الحديث يشمل، وإن كانت العلة واضحة في أن كون خير صفوف النساء آخرها من أجل الابتعاد عن الرجال، لكن عموم الحديث يشمل فيما إذا كان هناك حاجز أو لم يكن، وأن المرأة تصلي في الصف المتأخر أفضل مطلقاً.
"رواه مسلم".
"وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: صليت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- ذات ليلة" وهي التي بات فيها عند خالته ميمونة بنت الحارث أم المؤمنين، وابن عباس في ذلك الوقت ابن عشر سنين؛ لأن سنه عند موته -عليه الصلاة والسلام- يناهز الاحتلام، يقارب الثالثة عشرة "فقمت عن يساره، فأخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- برأسي من ورائي" أدارني من ورائه "فجعلني عن يمينه" من ورائي يده من ورائي، وأدارني من ورائه حتى جعلني عن يمينه، وهذا هو الموقف بالنسبة للمأموم الواحد مع الإمام، يكون عن يمينه ولا يكون عن يساره، فإذا صلى الواحد مأموماً عن يسار الإمام وتركه الإمام حتى فرغ من صلاته فهل صلاته صحيحة أو باطلة؟ الأكثر على أن صلاته باطلة، ليست بصحيحة، وصححها بعض أهل العلم؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما أنكر أو ما قال لابن عباس: استأنف، وابن عباس إن كان قد كبّر .. ، إن كان لم يكبر هذا ما فيه إشكال، وإن كان قد كبر فأول صلاته معفو عنها للجهل، فيعذر الجاهل في مثل هذا، بينما من يعرف أن موقف المأموم الواحد يمين الإمام فإنه لا تصح صلاته عند أكثر أهل العلم.(37/15)
المأموم الواحد إذا صف عن يمين الإمام يكون بحذائه مساوياً له، كما يكون في الصف؛ لأنه هو مع الإمام صف، وحينئذٍ لا بد من المحاذاة، وقال بعض الشافعية يتأخر المأموم عن الإمام قليلاً، ولم يذكروا على ذلك دليلاً، اللهم إلا إن منزلة الإمام في الأصل التقدم على المأموم، هذا في الأصل أن الإمام يتقدم على المأموم، فإذا كان واحد يتقدم عليه يسيراً استصحاباً للأصل، وإلا فلا يوجد دليل يدل على أن المأموم يتأخر عن الإمام، والأصل في مثل هذه الحالة المصافة كالاثنين خلف الإمام.
"متفق عليه".
"وعن أنس -رضي الله عنه- قال: "صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بيت أم سليم" أم سليم دعته -عليه الصلاة والسلام- إلى طعام، فأكل من الطعام، ثم صلى في بيتها، يقول أنس: "فعمدت إلى حصير لنا قد اسود من طول ما لبس، فنضحته بالماء، فصلى عليه النبي -عليه الصلاة والسلام-" في بيت أم سليم أم أنس "فقمت ويتيم خلفه" يعني هذه الرواية فيها العطف على ضمير الرفع المتصل من غير فاصل، والأصل أن يقول: فقمت أنا، وجاء في بعض الروايات: فقمت أنا، على الأصل.
وإن على ضمير رفع متصل ... عطفت فافصل بالضمير المنفصل
أو فاصل ما وبلا فصل يرد ... في النظم فاشياً وضعفه اعتقد
هنا يقول: "فقمت ويتيم" الأصل أن يقال: فقمت أنا، للفصل بين الضمير، ضمير الرفع المتصل وما عطف عليه.
"ويتيم خلفه" يعني خلف النبي -عليه الصلاة والسلام-، وفي هذا صحة مصافة الصغير؛ لأن اليتيم لا يطلق إلا على الصغير، ولا يتم بعد احتلام، فتصح مصافة الصبي المميز، ويرى بعض أهل العلم أنها لا تصح لأن صلاته نافلة، وحينئذٍ يكون وجوده قدر زائد على هذه الصلاة التي هي فريضة، يعني تصح مصافاته في النافلة، لكن ما تصح في الفريضة، وهذه الصلاة التي صلاها النبي -عليه الصلاة والسلام- نافلة، ولا شك أن ما ثبت في النافلة ثبت في الفريضة هذا الأصل.(37/16)
"فقمت ويتيم خلفه، وأم سليم خلفنا" قال: "فصففت أنا واليتيم من ورائه" في بعض الروايات: "والعجوز من ورائنا" فدل على أن المرأة تصف خلف الرجال ولا تصاف الرجل، فإن صفت مع الرجال كما يحصل كثيراً في المسجد الحرام، يحصل كثير امرأة تصف بين الرجال، أو مجموع من النسوة يكن صفاً مع الرجال، يكملن صف الرجال، أو رجل يأتي متأخر جاهل ويصف مع النساء، يختلف أهل العلم فيما إذا صفت المرأة مع الرجل على ثلاثة أقوال، منهم من يبطل صلاة الاثنين، فالرجل بالنسبة للرجال فذ يصلي خلفهم، والمرأة صلت بجوار رجل، وبعضهم يفرق بين أن يكون أجنبياً أو من محارمها، والأصل في صف المرأة أن تكون خلف الرجال، فصفت في غير صفها فكأنها تقدمت عليهم، ومنهم من يقول: تبطل صلاة الرجل لأنه في حكم الفذ، ومنهم من يقول: تبطل صلاة المرأة، وعلى كل حال موقف المرأة من الصفوف خلف الرجال ولو كانت واحدة، فإنها تصلي خلفهم، فإذا صلت بجانب محرمها صلت المرأة بجانب محرمها ما صلت ورائه، وأنس محرم لأمه بلا شك؛ لماذا لم تصف ورائه؟ كثير من أهل العلم يقول: إذا صلت بجانب محرمها فإن صلاتها صحيحة، هو صلاته صحيحة.
إذا فاتت الرجل الصلاة مع الجماعة، ورجع إلى بيته، وأراد أن يصلي هو وزوجته هل الأفضل أن تصف بجانبه أو تصف ورائه؟ نعم؟ ورائه، قال: "وأم سليم خلفنا" هذا الأصل، لكن إن صفت بجانبه وهو محرم لها وهي محرم له فيرجى أن لا بأس بذلك، لكن الأصل أنها خلفه.
"متفق عليه، واللفظ للبخاري، ولمسلم: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى به" يعني بأنس "وبامرأة فجعله عن يمينه والمرأة خلفه" هنا في هذه الحادثة بدون اليتيم الذي ذُكر في الرواية السابقة، بدون اليتيم واسمه: ضميرة، فجعله عن يمينه والمرأة خلفه، فدل على أن المرأة تصف خلف الرجال، وأنه لا مانع من أن تصلي فذة فردة خلف الصف بخلاف الرجل.(37/17)
"وعن أبي بكرة -رضي الله عنه- أنه انتهى إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو راكع فركع قبل أن يصل إلى الصف، فذكر ذلك للنبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((زادك الله حرصاً)) " يعني ما الذي دعاه إلى أن يركع قبل الصف هو الحرص على إدراك الصلاة، فدعا له النبي -عليه الصلاة والسلام- بزيادة الحرص ((ولا تعد)) يعني الحرص من غير هذا النوع، الحرص على إدراك الصلاة، لكن من غير هذا النوع، لا تعد إلى مثل هذا الفعل فتركع دون الصف، أو لا تعد إلى التأخر عن الصلاة، أو لا تعد إلى الإسراع إلى الصلاة، ولذا قال في الرواية الأخرى -هذه الرواية للبخاري- وفي رواية لأحمد وأبي داود: "أن أبا بكرة جاء ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- راكع، فركع دون الصف، ثم مشى إلى الصف، فلما قضى النبي -صلى الله عليه وسلم- صلاته قال: ((أيكم ركع دون الصف ثم مشى إلى الصلاة؟ )) فقال أبو بكرة: أنا" يحتمل أن يكون سمع النبي -عليه الصلاة والسلام- مشيه، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يرى من ورائه كما يرى من أمامه في الصلاة، كما جاء ذلك في الحديث الصحيح، فقال أبو بكرة: أنا، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((زادك الله حرصاً)) يعني على ما ينفعك من أمور دينك ((ولا تعد)) لمثل هذا العمل، وفي رواية: ((لا تُعِد)) لأن صلاتك صحيحة، وفي رواية: ((فلا تَعْدُ)) لأن العدو خلاف السكينة والوقار الذي أمر به على ما سيأتي.
أبو بكرة أدرك النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو راكع فركع دون الصف فلحق به، وفي هذا دليل على سقوط قراءة الفاتحة عن المسبوق، وهو قول جماهير أهل العلم، أن المسبوق تسقط عنه الفاتحة، وذهب أبو هريرة والبخاري والشوكاني وبعض أهل العلم إلى أن المسبوق لا تسقط عنه الفاتحة، بل لا بد أن يأتي بها، فإذا أدرك الإمام راكع فاتته الركعة؛ لأنه لم يأتِ بالفاتحة، يصلي كما يصلي الإمام ثم بعد يأتي بالركعة، ودليل الجمهور هذا الحديث، وهو صريح في الدلالة على سقوط الفاتحة عن المسبوق، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ما في رواية تدل على أنه أمر بالإعادة.
طالب:. . . . . . . . .
إيه الأصل أنه ما أعاد، لو في شيء لبين.
قال -رحمه الله-:(37/18)
"وعن هلال بن يساف عن عمرو بن راشد عن وابصة بن معبد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى رجلاً يصلي خلف الصف وحده فأمره أن يعيد الصلاة" وفي هذا بطلان صلاة الفذ، الذي يصلي وحده خلف الصف؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- أمره أن يعيد الصلاة، وفي بعض الروايات: انتظره حتى سلم فقال له: استقبل صلاتك، يعني أعد صلاتك.
"رواه أحمد وحسنه، وأبو داود وهذا لفظه، وابن حبان في صحيحه، والترمذي وقال: حديث حسن، وقال ابن المنذر: ثبّت الحديث أحمد وإسحاق" ولا شك أن الحديث صحيح وثابت، وأما الاضطراب الذي قاله ابن عبد البر يقول: في إسناده اضطراب، فانتفى الاضطراب بترجيح بعض الروايات، والمحقق خرج الحديث وذكر روايات الحديث وأسانيده في عشر من الصفحات خمس ورقات، أطال في تخريجه، وأجاد وفقه الله، فيرجع إليه، فعلى كل حال الحديث ثابت.
عمل بهذا الحديث بعض العلماء، وهو صريح في الدلالة على بطلان صلاة الفذ خلف الصف، من أهل العلم -ولعلهم الأكثر- من يرى صحة صلاة الفذ خلف الصف، استدلالاً بأن الإمام يصلي منفرد في صف بمفرده، والمرأة صلت خلف الصف، وأبو بكرة رجع دون الصف، هذه أدلة من يقول بصحة صلاة الفذ خلف الصف، وهل يصلح واحد منها لمعارضة الحديث؟ قالوا: الإمام يصلي بمفرده في صف فليكن الآخر مثل الإمام، قياس مع الفارق، هذا موقفه الشرعي بفعل النبي -عليه الصلاة والسلام- وتقريره، هذا موقف الإمام، وأما بالنسبة لأبي بكرة فلم يصلِ ركعة فذاً، وأقل من ركعة لا يقال له: صلاة، وأما بالنسبة لموقف المرأة فالمرأة معزولة عن الرجال بنصوص السنة المتكاثرة المتظاهرة، فلا تصف مع الرجال، لكن لو كان صفوف من النساء وجاءت امرأة وصلت فذة وراء النساء، هل يقال: إن صلاتها باطلة كما يقال لرجل صلى خلف الرجال فذاً: باطلة؟ أو نقول: إن هذا خاص بالرجال؟ صلاة الرجل فذ خلف الصف ينافي المشروعية لصلاة الجماعة، والرجل مأمور بصلاة الجماعة، بينما المرأة لو نافى المشروعية من صلاة الجماعة فالمرأة أصلاً ليست مأمورة بصلاة جماعة، فلا تقاس على الرجل في مثل هذا.(37/19)
"وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا سمعتم الإقامة)) " هذا يدل على أن الإقامة تسمع، فلا مانع من أن تسمع سواءً كانت بالصوت العادي أو بمكبر الصوت؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((إذا سمعتم الإقامة)) ما قال للمؤذن إذا أقمت الصلاة فأخفض صوتك بقدر ما تسمع الحاضرين؛ لئلا تكون عوناً للكسالى في تأخرهم عن الصلاة، بل قال: ((إذا سمعتم الإقامة)) فدل على أن الإقامة تسمع، وحينئذٍ لا مانع من الإقامة بالمكبر ليكون عوناً على هؤلاء الكسالى للحضور إلى الصلاة؛ لأنه إذا لم يسمع الإقامة يفاجأ بالناس قد صلوا، وهو كسلان، كسلان من الأصل، يعني هل يتصور أنه إذا لم يسمع الإقامة يبي يبادر ويبكر؟ لا، فلنكن عوناً له على إدراك الصلاة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((إذا سمعتم الإقامة)) فدل على أن الإقامة تسمع، ولو كان من المقاصد ألا يسمع من خارج المسجد لقيل للمؤذن: أخفض صوتك، لا تسمع هؤلاء الكسالى فتعينهم على كسلهم، لا، قال: ((إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة)) مشي، ولا تأتوها وأنتم تسعون ((وعليكم بالسكينة والوقار)) التؤدة والطمأنينة وعدم الإسراع من أجل أن الإنسان إذا تطهر في بيته وخرج إلى الصلاة فهو في صلاة، فلا يأتي في مسيره إلى الصلاة بما يخالف الصلاة من الطمأنينة والسكينة والوقار، وأيضاً السرعة في المشي تقلل الخطى إلى المسجد، وللمصلي إذا مشى إلى الصلاة بكل خطوة حسنة، بكل خطوة يخطوها حسنة، ويحط عنه خطيئة، وأيضاً إذا أسرع في طريقه إلى الصلاة دخل إلى الصلاة وأثر البهر وتردد النفس يشغله عن الخشوع، بينما إذا جاء إلى الصلاة بسكينة ووقار دخل فيها مقبلاً عليها خاشعاً.
((وعليكم بالسكينة والوقار)) التؤدة الطمأنينة، وبعض الناس إذا جاء إلى الصلاة يكثر من الالتفات، ويكثر من التصرفات التي تلاحظ عليه، ومن الكلام بما لا ينفع، يعني هو مأمور بأن لا يأتي بما يخالف الصلاة من تشبيك الأصابع مثلاً؛ لأنه في صلاة ما دام يقصد الصلاة.(37/20)
((وعليكم بالسكينة والوقار، ولا تسرعوا)) لما يترتب على الإسراع من تقليل الخطى، وثوران النفس، والدخول في الصلاة مع الانشغال بتسكين هذا النفس، وعدم الإقبال على الصلاة.
((فما أدركتم فصلوا)) ما أدركتم مع الإمام فصلوا ((وما فاتكم فأتموا)).
((ما أدركتم فصلوا)) ((إذا أتيتم والإمام على حال فاصنعوا كما يصنع الإمام)) "ما أدركتم" (ما) من صيغ العموم سواءٌ كان أكثر من ركعة أو ركعة كاملة أو أقل من ركعة، ما أدركتموه فصلوا، وما فاتكم فأتموا، الذي تدركونه مع الإمام قل أو كثر صلوه، وهنا يسمى إدراك، وبهذا يستدل من يقول -وهم الأكثر-: على أن الجماعة تدرك بإدراك أي جزء منها ولو كان أقل من ركعة، وفي كتب الحنابلة: "من كبر قبل سلام إمامه التسليمة الأولى أدرك الجماعة ولو لم يجلس" أدرك أي جزء، وبهذا يقول الشافعية وجمع من أهل العلم، ومنهم من يقول: إن الصلاة لا تدرك إلا بما يسمى صلاة، وهي ركعة كاملة، وهذا ما يرجحه شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-.
وعلى هذا إذا دخل المسبوق والإمام في التشهد الأخير فهل يدخل مع الإمام أو ينتظر جماعة أخرى؟ لا سيما إذا كان يغلب على ظنه أنه يدرك أو أنه يحضر إلى المسجد جماعة أخرى الذي يقول: إن الجماعة لا تدرك إلا بإدراك ركعة يقول: ينتظر، والذي يقول: تدرك بإدراك أي جزء منها كما في قوله: ((فما أدركتم)) وهو قول الأكثر يقول: يدخل مع الإمام ((وإذا جاء أحدكم والإمام على حال فليصنع كما يصنع الإمام)) وهذا شامل لأي جزء من الصلاة، ولعل هذا هو الأظهر.
((وما فاتكم)) يعني صلاه الإمام قبل دخولكم معه في الصلاة ركعة أو ركعتين أو ثلاث ((فأتموا)) وعلى هذا أكثر الروايات، وجاء بدلاً من ((فأتموا)) ((فاقضوا)) كما يشير إليها المؤلف فيما بعد، وبهذه الرواية التي عليها الأكثر: "فأتموا" يكون ما يدركه مع الإمام هو أول صلاته، وما يقضيه هو آخر صلاته، وهذا قول المالكية والشافعية، والحنفية مع الحنابلة يقولون: إن ما يدركه مع المأموم هو آخر صلاته، وما يقضيه بعد ذلك هو أول صلاته لرواية: ((فاقضوا)).(37/21)
قال: "متفق عليه، واللفظ للبخاري، وفي لفظ لمسلم: ((صلِ ما أدركت واقضِ ما سبقك)) " اقضِ يعني تأتي بما سبقك على صفته، والقضاء يحكي الأداء، على هذا على رواية: ((فأتموا)) إذا وجدت الإمام في الركعة الثالثة من صلاة رباعية تكبر وتستفتح للصلاة، وتستعيذ وتبسمل ثم تقرأ الفاتحة وتركع مع الإمام الركعة الأولى بالنسبة لك، ثم تصلي الرابعة معه، وهي الثانية بالنسبة لك، ثم إذا سلم الإمام تأتي بالثالثة والرابعة، لكن على القول الثاني تصلي الثالثة لك مع ثالثة الإمام، والرابعة بالنسبة لك هي الرابعة بالنسبة للإمام، ثم إذا سلم الإمام تقوم لتأتي بالركعة الأولى والثانية ((وما فاتكم فاقضوا)) ((واقضِ ما سبقك)) لكن رواية: ((فأتموا)) أكثر.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"ورواه أحمد عن ابن عيينة عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة: ((وما فاتكم فاقضوا)) وقد وهم بعض المصنفين" وهو ابن الجوزي في التحقيق، التحقيق يعني في أدلة مذهب الحنابلة، التحقيق جمع فيه ابن الجوزي وهو من الحنابلة أدلة المذهب، واختصره ابن عبد الهادي في التنقيح.
"وقد وهم بعض المصنفين في قوله: إن لفظ القضاء مخرج في الصحيحين" والمؤلف عزاه لأحمد، نعم مخرج في الصحيحين "وقال أبو داود: قال يونس الزبيدي وابن أبي ذئب وإبراهيم بن سعد ومعمر وشعيب بن أبي حمزة عن الزهري" جمع "يونس وابن أبي ذئب وإبراهيم بن سعد ومعمر وشعيب عن الزهري ((وما فاتكم فأتموا)) وقال ابن عيينة واحده: عن الزهري: ((فاقضوا)) ".
ولذا قال مسلم: أخطأ ابن عيينة؛ لماذا؟ لأنه خالف الأكثر، الأكثر من الرواة عن الزهري قالوا: ((فأتموا)) ويرويه ابن عيينة فقط عن الزهري ((فاقضوا)) ولذا قال مسلم: أخطأ ابن عيينة في هذه اللفظة، ولا أعلم رواها عن الزهري غيره.
وفي قول أبي داود ومسلم نظر، فإن أحمد رواها عن عبد الرزاق، يعني ابن عيينة تابعه عليها عبد الرزاق عن معمر عن الزهري، تابعه يعني تابع ابن عيينة معمر عن الزهري، وعلى هذا يكون قد روي اللفظ على الوجهين عن معمر، عن معمر روي عنه عن اللفظين، وقد رويت من غير وجه عن أبي هريرة.(37/22)
"وقال البيهقي: والذين قالوا: "فأتموا" أكثر وأحفظ وألزم لأبي هريرة" هذه مرجحات، الكثرة يرجح بها، الحفظ يرجح به، ملازمة الشيخ مرجح، وعلى هذا فالمرجح من الروايتين: ((فأتموا)) وتبعاً لذلك يكون ما يدركه المسبوق مع الإمام هو أول صلاته "قال: فهو أولى، والتحقيق" يعني هذا من حيث الأثر، بقي من حيث النظر، من حيث المعنى، قال: "والتحقيق أنه ليس بين اللفظين فرق، فإن القضاء هو الإتمام لغة وشرعاً، والله أعلم".
{فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ} [(200) سورة البقرة] هل معناه أنه فاتكم النسك ثم قضيتموه بعد وقته؟ لا، إنما أديتموه في وقته، فالقضاء بمعنى الأداء {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} [(12) سورة فصلت] {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا} [(10) سورة الجمعة] هل معناه إذا قضيت بعد وقتها أو بعد سلام الإمام منها؟ لا، ليس المراد ذلك، وإنما المراد به التمام نفسه، وعلى هذا المرجح فيما يدركه المسبوق سواءً كان في جميع الصلوات، في الصلوات الخمس، في صلاة الكسوف، في صلاة الجنازة كلها ما يدركه المسبوق هو أول صلاته، وما يقضيه بعد سلام إمامه هو آخر صلاته، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
طالب:. . . . . . . . .
نعم لو كان معذوراً ...
طالب:. . . . . . . . .
من يصلي خلف الصف يؤمر بالإعادة.
طالب:. . . . . . . . .
لو صلى خلف الصف يؤمر بالإعادة كما أمره النبي -عليه الصلاة والسلام-.
طالب:. . . . . . . . .
ولو كان جاهل ولو لم يجد مساغاً، إذا لم يجد مساغاً واستطاع أن يتقدم ويصلي بجوار الإمام له ذلك، جاء الاختلاج الذي هو يسحب واحد من الصف هذا ما جاء فيه حديث ضعيف لا يصلح للاحتجاج، وهو اعتداء لهذا المختلَج، اعتداء عليه، وتفويت لأجر التقدم عليه.
طالب: ينتظر حتى يأتي أحد.
حتى يأتي أحد.
طالب:. . . . . . . . .
ولو انتهت الصلاة.
طالب: طيب يا شيخ بالنسبة للنساء في رمضان والزحام الذي يصير على الصحن، هل تبطل صلاة الواحد وهو يصلي مع الحريم؟(37/23)
على كل حال أوقات المواسم، وما يترتب عليها من خلل هذه معفو عنها عند عامة أهل العلم، حتى يسجد الرجل على ظهر أخيه في أوقات الزحام.
طالب:. . . . . . . . .
نعم يقول: "صلى أنس واليتيم خلف النبي -عليه الصلاة والسلام- والعجوز من ورائهم" هذا في نافلة، النوافل منها ما تشرع له الجماعة مطلقاً كالتراويح والكسوف هذه تشرع لها الجماعة مطلقاً، وبقية النوافل تباح الجماعة لكن لا على سبيل الاستمرار، ابن عباس صلى مع النبي -عليه الصلاة والسلام- نافلة، ابن مسعود صلى مع النبي -عليه الصلاة والسلام- نافلة، حذيفة صلى مع النبي، أنس صلى مع النبي نوافل، وصلى بعتبان نافلة، لكن لا على سبيل الاستمرار والدوام ...(37/24)
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: المحرر – كتاب الصلاة (38)
الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هذا يقول: هل تأثم الأم إذا منعت ولدها من الذهاب إلى المسجد؛ لأنه كلما ذهب إليه جلس يلعب ثم يعود إلى البيت، بعكس البيت فإنها تراقبه على الوضوء والصلاة؟(38/1)
ولي الأمر مأمور أن يأمر الولد بالصلاة إذا أتم سبع سنين، ويضربه عليها لعشر، ثم إن الصلاة في المسجد لا شك أنها تعود هذا الصبي وتمرنه على الصلاة مع الجماعة، والنظر فيما يفعله الكبار أثناء أداء الصلاة، ويعرف أحكام الصلاة من خلال أفعالهم، وهذه مصالح كبرى، لكن قد تكون هذه المصالح معرفة لمفاسد أو معارضة بمفاسد في أثناء طريقه في الذهاب إلى المسجد والإياب منه، ولذا نجد بعض الأخيار لا يلحق ولده في حلقات التحفيظ؛ لماذا؟ يقول: لأنه في طريقه إلى المسجد وفي أثناء وجوده في المسجد يتعرف على شباب وهؤلاء الشباب في بيوتهم مخالفات ومنكرات لا توجد عندنا، وقد يذهب معهم إلى بيوتهم بعد الدرس ويتعلل بأن الدرس تأخر، وحصل من هذا أشياء كثيرة، ولا شك أن الخير الموجود مشوب، وفيه دخن .... يعني خير كثير ولله الحمد، لكن يعتريه ما يعتريه حتى الدراسة النظامية فيها ما فيها من تلاقح أفكار الطلاب بعضهم مع بعض، تجد أسرة محافظة ليس في بيتها شيء من المخالفات يجلس ولدهم مع ولد أسرة أخرى عندهم أشياء كثيرة من المخالفات، ثم يتعلم منه ما يتعلم، فالواجب على كل حال في مثل هذه الظروف التسديد والمقاربة، عليك ألا تمنع ابنك من الخير، وعليك أن تراقبه لئلا يتضرر بمجالسة الآخرين، فإن أمكن أن تذهب معه إلى المسجد، ويرجع معك، تصحبه معك ذهاباً وإياباً إلى المسجد هذا هو الكمال، سواءً كان من أجل الصلاة أو من أجل حفظ القرآن، هذا هو الكمال، على أن مسائل الضغط الآن الموجود من بعض الناس قد لا يتيسر هذا لكثير من الناس؛ لأن بعض الناس يسخر له الولد بحيث يسهل قياده، وبعض الناس يتمرد ولده، وغلق الأبواب وإقفالها دون الأولاد ما هو متصور الآن، يعني لو أغلقته لئلا يخرج لن تغلقه إذا أراد الدراسة إلا لشخص يقول: أنا لا أحتاج ولا إلى الدراسة، وهذا لا يمكن، هذا صعب.(38/2)
أما بالنسبة إلى الصلاة فجاء عن بعضهم أنه لو أن أمه أمرته بالذهاب لصلاة الفجر فجن؛ لأن الظلام مؤثر على الأطفال، بل قد يؤثر على بعض الكبار، هل تأثم الأم أو لا تأثم؟ وهذا عكس مسألتنا، يعني إذا كان الولد من النوع اللي يخاف فألزمته أمه كما تفعل في المدرسة تخرجه من الباب وتغلق الباب دونه ليذهب قهراً إلى المدرسة، لو فعلت هذا بالنسبة للصلاة؟ وبعض الأمهات عندهن من الحرص ما يصل إلى هذا الحد، فجن الولد هل تأثم أو لا تأثم؟ هي فعلت ما أمرت به شرعاً فلا إثم عليها، لكن عليها أيضاً أن تنظر في عواقب الأمور، وتنظر في تركيب الولد وفي استعداده، وإذا كان يحتاج إلى من يؤنسه إلى المسجد فإنه لا بد أن يوجد له من هذا النوع، حتى لو انتظر الوالد، انتظر الجار، انتظر الأخ ينتظر ما في إشكال، فالمسألة مسألة تعويد وتمرين، فإذا كانت المفسدة المترتبة على هذا التعويد وعلى هذا التمرين أرجح، فدرء المفاسد مقدم على جلب المصالح، وحينئذٍ الضغط عليه بالذهاب إلى المسجد، يكون في بعض الأوقات التي لا ضرر فيها دون بعض؛ لأن صلاة هذا الطفل من أصلها سنة، وذهابه إلى المسجد قدر زائد أيضاً سنة كذلك، فإذا كان يتضرر بذلك ضرراً بالغاً، ومثل ما قُرر في مسألة تعارض الأوامر مع النواهي، صلاة الجماعة مأمور بها، وهي واجبة على المكلفين، الأحرار من الرجال، واجبة عليهم، لكن إذا كان في طريقه إلى هذا المسجد معصية كبرى تزيد في ضررها على تحقيق الأجر المرتب على الجماعة فإنه حينئذٍ درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، وإذا كانت هناك أعذار يعذر فيها عن ترك الجماعة فليكن هذا منها، لكن على كل حال على الإنسان ألا يتشبث بأوهام ما لم يكن هذا الأمر محققاً بالنسبة للطفل, فإنه لا يتذرع به، أما كونه يخشى عليه فهذا لا يكفي.
يقول: ذُكر بالأمس قول الحنفية والحنابلة أن ما يدركه المسبوق هو آخر صلاته وما يقضيه هو أول صلاته فهل يتفرع على هذا القول أن المسبوق لا يستفتح وأنه يتورك؟(38/3)
نعم، يصنع كما يصنع في آخر صلاته، وإذا قام إلى أولها فإنه يصنع ما كان يفعله في أول صلاته إلا التشهد الأخير فإنه في آخر الصلاة وهو المسبوق بالسلام؛ لئلا يقال: لماذا لا يسلم بعد؟ إذا انتهى من الركعة الرابعة التي أدركها يسلم لأن هذه أخر صلاته، ثم يأتي بما سبق به، وهذا لم يقل به أحد.
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا لا، لا اصطلاح حادث، هذه مصطلحات حادثة.
رجل صلى ركعتين سنة، وفي الركعة الأولى سجد ولم يركع واستمر وسجد للسهو هل عمله صحيح؟
لا، ليس بصحيح، ركعته باطلة، ركعته التي لم يركع فيها باطلة.
هل يسار الصف الأقرب أفضل من اليمين الأبعد؟
على كل حال توسط الإمام مطلوب، ولا يهجر يسار الصف، اليمين مرغب فيه، لكن اليسار لا يهجر، وجاء في حديث عند ابن ماجه وغيره، وفيه ضعف: ((من عمر شمال الصف كان له كفلان من الأجر)) لكنه مضعف عند أهل العلم، ويبقى أن توسط الإمام مطلوب، وإلا لو قيل بأن اليمين أفضل مطلقاً لكان المحراب في نهاية الصف من جهة اليسار من أجل أن يكون المأموم كله يمين.
يقول: هل يراعى في الدخول إلى منزل أو إلى مكان معين اليمين فاليمين أم الأكبر سناً؟
يبدأ بالأيمن فالأيمن، هذا إذا ترتبوا، أما إذا لم يترتبوا فكبر كبر.
هذه ورقة فيها اثنا عشر سؤالاً: يقول: هل قول الله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [(204) سورة الأعراف] شامل للصلاة وخارجها أم لا؟ علماً بأن عامة كتب التفسير تخص وجوب الإنصات في الصلاة والخطبة؟
اللفظ عام وإن كان المورد خاص، لكن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فيجب الإنصات في سماع القرآن.
هل لكتاب المحرر ميزة على البلوغ والمنتقى؟(38/4)
نعم، أحكام ابن عبد الهادي كأنها أقعد من أحكام ابن حجر والمجد، فهو إمام في هذا الباب ومعلل، يعني ابن حجر حافظ، وله يد طولى في الحديث وعلومه، لكن ابن عبد الهادي معلِل، يعني على طريقة أهل العلم الراسخين، ولا يعني هذا أنه طعن في ابن حجر، لا، لكن كتابه دون المحرر من هذه الحيثية، لكنه فوقه من حيث الزيادات، ودقة الترتيب، أما بالنسبة للمنتقى فكما هو معلوم ثلاثة أضعاف الكتابين، ثلاثة أضعاف البلوغ، وثلاثة أضعاف المحرر، فهو مفيد بهذه الزيادات التي يحتاجها طالب العلم مما لا يجده في المحرر والبلوغ.
هل من مختصر في الفقه له عناية بالدليل غير متقيد بالتزام مذهب معين؟(38/5)
بالنسبة للمتأهل الذي لديه أهلية النظر في الأدلة هذا لا يكفيه كتاب مختصر، وغير المتأهل لا ينصح بكتاب غير ملتزم بالمذهب، بل لا بد أن يكون أول الأمر على جادة واحدة، ثم بعد ذلك إذا تأهل ينظر في الأدلة ويرجح ما يراه راجحاً من حيث الدليل، أما التزام أو غير التزام بمذهب معين بالنسبة للمبتدئ هذا لا يصلح، كثير .. ، أشوف بعض الإخوان لهم عناية في كتاب الشوكاني الدرر البهية، يعني من بداية الأمر، ثم بعد ذلك يقرؤون في شرحه أو في الروضة الندية، نقول: لا يصلح هذا لطالب مبتدئ، هذا يضيع الطالب المبتدئ، لكن طالب منتهي ينظر في الأدلة له ذلك، والكتاب لا يلتزم بمذهب معين، ولذلك تجدون فيه ما لم يقل به أحد من الأئمة إلا نادراً في هذين الكتابين، كما أن في فتاوى شيخ الإسلام -رحمه الله- ما خالف فيه جماهير أهل العلم حتى نسب فيه إلى خرق الإجماع، ومع هذا فطالب العلم المبتدئ لا يصلح له هذا المنهج، عليه أن يتفقه على مذهب معين، وليأخذ كتاب معتمد في أي مذهب من المذاهب، نحن لا نلزم بمذهب الحنابلة ولا غيرهم، يعني ليأخذ مثلاً المنهاج للنووي، أو زاد المستقنع، أو مختصر خليل أو غيرها من المتون، فيأخذ هذا المتن يتصور مسائله، يستدل لهذه المسائل، يعني يفهم هذه المسائل أولاً ويتصورها، ثم يستدل لهذه المسائل، ويعرف من وافق وخالف بالأدلة ويكون فقيه بعد هذا، يكون هذا كأنه خطة بحث، لا أنه دستور ملزم لا يحاد عنه ليست الدعوة إلى هذا أبداً، لكن كتاب يكون على منهج واضح بين، يعني معتمد عند أهل العلم.
هل تجوز سرقة السارق وظلم الظالم؟
لا، لا تجوز سرقة السارق، ولا ظلم الظالم، الأول سارق، والثاني سارق أيضاً، والأول ظالم وظالمه ظالم، فالسرقة لا تجوز بحال، والظلم لا يجوز بحال، لكن إن عني بالسرقة هذه مسألة الظفر مثلاً مسألة الظفر سرق منه سلعة تقدر بألف، ثم ظفر له بسلعة تقدر بألف فسرقها منه، هذه يسميها أهل العلم مسألة الظفر التي لا يستطيع أن يقيم عليها دعوى، وهي مسألة مختلف فيها.
هل على طالب العلم أن يعتني بطبعات الكتب أم أن هذا فضول علم؟(38/6)
لا شك أن الطبعات التي من خلالها يُعرف الطبعة الصحيحة من السقيمة المصححة من المصحفة هذه مهمة بالنسبة لطالب العلم؛ لأنه قد يعتمد لجهله بذلك على طبعة فيها تصحيف وتحريف فلا يهتدي إلى الصواب، فعليه أن يعرف من الطبعات هذا القدر الذي يعينه على قراءة العلم على مراد المؤلفين، وكم من إنسان ضاع بسبب سوء الطباعة، أما القدر الزائد من ذلك بحيث يفني عمره بمعرفة الطبعات التي تكون قدراً زائد على تحقيق النسخة الصحيحة هذا لا شك أنه يعتني به أناس، ويهتمون به، وعرفوا بذلك، وشهروا به، لكن لا ينبغي أن يكون على حساب المضمون، بعض الناس يعرف عن الكتب أشياء كثيرة جداً، يمكن أن يكتب عن المحرر وطبعاته كتاباً، لكنه لا يعرف ما في مضمون المحرر، هذا خطأ، هذا لا شك أنه انشغال بالمفضول عن الفاضل.
من أتى عليه وقت المغرب والعشاء وهو في السفر فأخرها إلى أن وصل إلى بلده، فهل له القصر في بلده بعد الوصول؟
لا، الآن هو انتفى عنه الوصف المؤثر المقتضي للقصر.
يقول: وجدتُ امرأة صالحة، وأردت أن أتزوجها، لكن أهلها أهل سوء، فهل أقدم أم لا؟
أنت مأمور بالبحث عن المرأة الصالحة ((فاظفر بذات الدين تربت يداك)) لكن لا شك أن للبيئة والأهل لهم أثر عليها فيما بعد وعلى ولدها، اللهم إلا إذا أردت أن تنقطع عنهم انقطاعاً شبه كلي، ويقتصر في ذلك على الواجب بما يرفع القطعية فهذا ممكن، وإلا فالأثر لا بد منه على الولد.
هل إطلاق أن كل أحاديث الموطأ صحيحة إطلاق صحيح؟
لا، ليس بصحيح، فيه الضعيف، فيه المراسيل، وفيه البلاغات، لكنها موصولة، لكن يبقى أن فيه قدر ليس بصحيح، إنما الإطلاق هذا إجمالي ليس بتفصيلي.
يقول: هل يشترط في كتابة رسالة في الجوال البداءة بالسلام؛ لأن بعض السلام لا يرد عليك إن لم تفعل كحديث: ((من بدأ بالكلام فلا تجيبوه))؟
على كل حال البداءة بالسلام سنة وليست بواجبة.
يقول: هل يجوز استخراج عنصر كالصديوم مثلاً أو غيره من الخمر؛ لأنه قد ورد عليكم قبل الأمس سؤال عن أدوية يدخل في تركيبها أجزاء مستخرجة من الخنزير، وقد سألت طبيباً فقال: نعم هذا صحيح، لكنها عناصر مجردة كما لو استخرجت السكر من الخمر فهل هذا ... ؟(38/7)
لا يجوز، الخمر لا يجوز إمساكه، بل يجب إراقته، ولحم الخنزير لا يجوز إمساكه، بل يجب إتلافه.
ما رأيكم في الإمام أو غيره إذا أراد أن يسلم يقف بوجهه للقبلة بين التسليمتين؟
هم يقولون: يسلم تلقاء وجهه، ثم يلتفت في بقية السلام عن اليمين، ثم يسلم تلقاء وجهه ثم يلتفت ببقية سلامه إلى اليسار.
هل سؤال أهل العلم عن المشاكل الأسرية والاجتماعية مشروع، أم أن هذه ينبغي أن يسأل عنها الأطباء النفسيون والاستشاريون الاجتماعيون؟
لا، أهل العلم هم أهل العلم والاستشارة، وهم أهل المعرفة والخبرة؛ لأن مشاكل الأسر معروفة قاسم مشترك بين الجميع، لكن قد يكون التعامل مع بعض النفسيات يحتاج فيه إلى متخصص نفسي، لكن الأصل هو العلم الشرعي، وهذه الأمور طارئة، وكانت مشاكل المسلمين تحل من قبل علمائهم، ومن قبل عقلائهم وهذه العلوم طارئة على المسلمين.
سم.
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين.
قال الإمام ابن عبد الهادي -رحمه الله تعالى- في كتابه المحرر:
باب: صلاة المريض
عن عمران بن حصين -رضي الله عنه- قال: كانت بي بواسير فسألت النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الصلاة؟ فقال: ((صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب)) رواه البخاري.
وروى أبو بكر الحنفي، قال: حدثنا سفيان عن أبي الزبير عن جابر -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عاد مريضاً فرآه يصلي على وسادة، فأخذها فرمى بها، فأخذ عوداً ليصلي عليه فأخذه فرمى به، وقال: ((صلِ على الأرض إن استطعت، وإلا فأومئ إيماءً، واجعل سجودك أخفض من ركوعك)) رواه البيهقي والحافظ محمد بن عبد الواحد في المختارة، وقال أبو حاتم في رفعه: هذا خطأ إنما هو عن جابر قوله: إنه دخل على مريض.
وعن الحسن عن أمه قالت: رأيت أم سلمة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- تسجد على وسادة من أدم من رمد بها. رواه الشافعي.(38/8)
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي متربعاً" رواه النسائي والدارقطني والحاكم، وقال: على شرطهما، وقال النسائي: لا أعلم أحداً روى هذا الحديث غير أبي داود الحفري، وهو ثقة، ولا أحسبه إلا خطأ، كذا قال، وقد تابع الحفري محمد بن سعيد بن الأصبهاني وهو ثقة. والله أعلم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: صلاة المريض
بدأ المؤلف بعد أن انتهى من أبواب الصلاة التامة المطلوبة من الأسوياء الذين ليس لهم عذر شرع -رحمه الله تعالى- في من له عذر، فيستثنى له بعض ما تقدم مما يشترط للصلاة ويجب لها كالمريض والمسافر والخائف، بدأ بصلاة المريض، ثم المسافر، ثم صلاة الخوف، وكل هذه الأبواب الثلاثة فيها تجاوزات عن الصلوات العادية، فالمريض يتجاوز له عن بعض الأشياء الواجبة على السليم الصحيح، والمسافر يتجاوز له عن بعض ما يجب على المقيم، والخائف يتجاوز له عن بعض ما يجب على الآمن، فالمريض الذي يشق عليه أن يأتي بالصلاة على وجهها كما كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يصلي فإنه حينئذٍ يصلي على حسب حاله بما لا يشق عليه، وهل مجرد المشقة ووجود التألم كافي أم لا بد من زيادة المرض وتأخر البرء كما يقول بعضهم؟ قد يصلي الإنسان وهو يتألم لكن لا يزيد مرضه ولا يتأخر برؤه، فمثل هذا هل يعفى له عن بعض ما يجب على الصحيح السليم، أو لا بد أن يكون عمله الصلاة على الوجه المشروع مما يسبب زيادة في مرضه أو يؤخر البرء؟ قولان لأهل العلم.(38/9)
وعلى كل حال إذا وجدت المشقة التي يصعب معها العمل، ولو احتملت إذا كان يصعب معها العمل؛ لأن هناك أشياء توجد من زيد تحمله على أن يصلي في بيته، وتوجد من عمرو بل قد يوجد أشد منها فلا يعذر نفسه حتى يصلي مع الناس في المسجد على الوجه المأمور به، فهذا يتحمل وهذا لا يتحمل، فمن الذي برئت عهدته من سقوط الواجب بيقين؟ وقل مثل هذا في الأعمال، أعمال الدنيا الواجبة بعض الموظفين يتعلل ويتعذر بأدنى مرض، إذا زكم ما داوم، وبعضهم يحمل على نفسه بما يتضرر به، ودين الله وسط بين الغالي والجافي، والواحد من الصحابة يؤتى به يهادى بين الرجلين فيقف في الصف، وبعض الناس لأدنى سبب تجده يصلي في بيته، ويصلي جالساً مع قدرته على القيام، مع قدرته على الذهاب إلى المسجد، لا شك أن هذا تفريط، وإذا حمل على نفسه، وحضر مع الجماعة بما يتسبب عنه الزيادة في المرض، أو تأخر البرء لا شك أن هذا فيه إفراط، ودين الله -جل وعلا- وسط بين هذا وهذا، وكل إنسان يعرف من نفسه، فإذا كان مرضه يعوقه عن حضور الجماعة بحيث لا يستطيع الحضور بوجه هذا لا يمكن أن يكلف بحال، وإذا كان ذهابه إلى المسجد أو صلاته قائماً يترتب عليه زيادة في مرضه، الطبيب قال له: اجلس، أو قال له: لا تركع لا تسجد، أجرى عملية في عينه قال له: لا تركع، إذا ركعت زاد المرض، أو تأخر البرء، نقول له حينئذٍ: لا تركع ولا تسجد، وتجد بعض الناس يخالف ويركع ويسجد، وهذا لا شك أن الباعث عليه الحرص على أداء العبادة بيقين، لكن الشرع جاء بما يحقق المصالح دون ارتكاب أدنى مفسدة، دون ارتكاب المفاسد، فعلى الإنسان أن يتوسط في أموره، لا يجد العذر لنفسه لأدنى سبب فيترك الجماعة، ويترك بعض الواجبات من أجل أنه عنده نوع مرض، كما قيل مثل ذلك في الصيام، يعني وجد من السلف وهذا نادر، يعني ما عثر عن واحد بس، أو أثر عن واحد أنه أصيب في إصبعه فأفطر، ورئي يأكل قال: نعم أنا مريض هذا إصبعي، هذا مقبول؟ لا، هذا ليس بمقبول، هذا لم يقل به غيره إن صح عنه؛ لأنه استعمل المرض بإطلاقه {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا} [(184) سورة البقرة] وهذا نوع مرض، لكن هذا ليس بصحيح، المقصود بالمرض الذي يؤثر فيه الصيام، شخص مريض(38/10)
ونًُصح بالمشي، كبير سن لا يحضر مع الجماعة؛ لماذا؟ لأنه مريض، لكنه بعد هزيع من الليل تجده يجوب الشوارع يمشي، يروح يمين شمال يقول: الطبيب يقول لي: امشِ، هذا يدل على إيش؟ على زهد في عمل الآخرة، وحرص على أمر الدنيا، وإلا الذهاب إلى المسجد مشي ينفعك هذا إذا كنت نصحت بالمشي، فلا شك أن الناس بين إفراط وتفريط، والدين هو الوسط {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [(143) سورة البقرة] لا تحضر إلى المسجد إذا كان يزيد في مرضك، ولا تعذر نفسك فيما لا يضرك، وقل مثل هذا في الدوام أشرنا إلى أن بعض الناس لأدنى سبب ما يتردد في أن يتصل على المسئول يقول: والله أنا اليوم مريض، وقد يتمارض في صوته من أجل أن يُعذر، وبعض الناس يحمل على نفسه إلى أن يسقط في مقر عمله، فلا هذا ولا هذا.
باب: صلاة المريض
يقول -رحمه الله-: "عن عمران بن حصين -رضي الله عنه- قال: كانت بي بواسير" وهو ألم يصيب أو مرض يصيب المقعدة، وما زال معروفاً بهذا الاسم، ومثله بالنون نواسير، فهناك الباسور وهناك الناسور، فالفرق بينهما؟ ما الفرق بينهما؟
طالب:. . . . . . . . .
غيره.
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
هو أحدهما عفن، والثاني خروج خُراجات وأشياء تخرج من المقعدة، على كل حال هما من أمراض المقعدة.
عمران بن حصين كما ثبت في الخبر الصحيح لما مرض كان يُسلم عليه عياناً، يسمع سلام الملائكة، فاكتوى فانقطع التسليم، فندم ثم عاد التسليم.(38/11)
يقول: "كانت بي بواسير، فسألت النبي -عليه الصلاة والسلام- عن الصلاة، فقال: ((صلِ قائماً)) " هذا الأصل ((فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب)) القيام مع القدرة ركن من أركان الصلاة المفروضة ((صلِ قائماً)) ولا يجوز لك بحال أن تصلي قاعداً في الفريضة مع الاستطاعة؛ لأن مفهوم الشرط ((فإن لم تستطع فقاعداً)) مفهوم الشرط أنك إذا استطعت فلا تصل قاعداً، فإن لم تستطع الصلاة من قعود فصلِ على جنب، هذا بالنسبة للفريضة، الأصل أن اللفظ عام يشمل الصلوات كلها، يشمل الفريضة ويشمل النافلة ((صلِ قائماً)) لكن جاء الحديث الصحيح: ((صلاة القاعد على النصف من أجر صلاة القائم)) الحديث الأول عام في الفريضة والنافلة، والثاني لفظه كذلك عام في الفريضة والنافلة، وحينئذٍ يحصل التعارض التام، فكيف نرفع هذا التعارض؟ هذا له سبب وهو أن عمران بن حصين كان مريضاً فسأل النبي -عليه الصلاة والسلام- عن الصلاة، والصلاة تشمل الفريضة وتشمل النافلة، فأجابه بأن يصلي قائماً ((صلِ قائماً، فإن لم تستطع)) لأنك مريض صلِ قاعداً ((فإن لم تستطع فعلى جنب)) ويبقى اللفظ على عمومه حتى مع وجود السبب؛ لأنه ليس في السبب ما يدل على الفريضة، بينما صلاة القاعد على النصف من أجر صلاة القائم في سببه ما يدل على النافلة، وفي سببه ما يدل على القدرة على القيام، فالسبب كما في الشعب للبيهقي: أن النبي -عليه الصلاة والسلام- دخل المسجد والمدينة محمة -فيها حمى- فوجد الناس يصلون من قعود، فقال -عليه الصلاة والسلام-: ((صلاة القاعد على النصف من أجر صلاة القائم)) فتجشم الناس الصلاة قياماً، الحديث في فريضة وإلا في نافلة؟ في نافلة قطعاً؛ لأنهم لا يصلون الفريضة قبل أن يحضر -عليه الصلاة والسلام-.(38/12)
الحديث في القادر على القيام أو في العاجز عنه؟ في القادر على القيام؛ لأنهم تجشموا الصلاة قياماً، فقاموا استطاعوا، استطاعوا الصلاة من قيام، فدل على أن صلاة النافلة مع القدرة على القيام بنصف الأجر، وأن صلاة الفريضة لا تصح مع القدرة إلا من قيام لحديث عمران بن حصين، فيكون حديث عمران بن حصين مخصوص بالفريضة بدليل الحديث الثاني؛ لأن الحديث الثاني مخرج للنافلة، والاستطاعة الموجودة في الحديث -في حديث عمران- على بابها، بينما في النافلة بإمكانه أن يصلي قاعداً مع قدرته على القيام، لكن على النصف من الأجر، إن لم يستطع القيام في النافلة فأجره كامل كالفريضة، فيبقى حديث: ((صلاة القاعد على النصف)) مخصوص بالنافلة من باب قصر المسبب على سببه، وأهل العلم يطبقون على أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وبعضهم ينقل الإجماع على هذا، العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، لماذا قصرنا اللفظ العام على سببه، وما قلنا: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب؟ لوجود المعارض وهو حديث عمران بن حصين، فقلنا: إن حديث عمران بن حصين خاص بالفريضة، وحديث: ((صلاة القاعد على النصف)) خاص بالنافلة، يعني إذا صلى الفريضة لعدم قدرته على القيام صلاها قاعداً نقول: على النصف من أجر صلاة القائم؟ لا، صلى النافلة من قعود لعدم قدرته على القيام على النصف وإلا لا؟ لا، كامل، {لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [(286) سورة البقرة] {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [(16) سورة التغابن] وهذا اتقى الله ما استطاع.(38/13)
((فإن لم تستطع فعلى جنب)) فإن لم تستطع فقاعداً، يعني ينتقل إذا لم يستطع القيام ينتقل إلى القعود، يعني من أعجب ما رأيت -وهذه القصة قد لا تعجب الذي كتب أمس- شخص في مسجد كبير، والناس يصلون في مقدمة المسجد وبين الباب إلى مقدمة المسجد قريب من اثنا عشر أو خمسة عشر متر، دخلت أنا وهو مع الباب فركع الإمام فجرى جرياً على غير المعتاد وهو كبير سن، يجري، يسعى سعياً شديداً، فلما وصل إلى الصف تربع وجلس. . . . . . . . . إن هذا الحاصل، تربع وجلس، انتهت الصلاة جاءت صلاة الجنازة صلى قائماً على الجنازة، جهل جهل مطبق، يعني عموم الناس يحتاجون إلى من يوجههم، يعني يوجد هذا في عامة الناس، وهذا تقصير من طلاب العلم، تقصير من طلاب العلم، يعني يجري جريان أنا لا أطيقه حقيقة، وهو في السبعين من عمره جلس وتربع، لما انتهت الصلاة صلى قائماً على الجنازة، ورجع بسرعة لما سلم من الجنازة، يعني أليست هذه مسئولية طلاب العلم؟ أليس هذا تقصير من طلاب العلم أن يوجد بين ظهرانيهم مثل هذا؟ ألا يوجد في بيت هذا الشخص من المتعلمين من الذكور والإناث ما يعرف مثل هذه الأحكام؟ التقصير حاصل، والمسئولية كبيرة على طالب العلم الذي يعرف مثل هذه الأحكام، يتعين عليه أن يعلم مثل هذا.
((فإن لم تستطع فعلى جنب)) يعني على جنبك الأيمن، مستقبلاً بوجهك القبلة، تومئ برأسك، وتجعل السجود أخفض من الركوع، والإيماء بالرأس يتبعه أعالي البدن، يتبع الإيماء بالرأس أعالي البدن.(38/14)
بعد هذا إذا لم يستطع على جنب، الحديث ما فيه إلا المراتب: القيام، القعود، على جنب، تسقط الصلاة بعد هذا إذا لم يستطع الصلاة على جنب، من أهل العلم من يقول: خلاص هذه المراتب التي جاءت بها السنة، وما عدا ذلك تسقط، مع بقاء مناط التكليف الذي هو العقل، أما إذا ارتفع العقل هذا محل اتفاق أن الصلاة تسقط، وقد يرتفع العقل في بعض الأوقات دون بعض، وقد يرتفع الإدراك عن بعض الأشياء دون بعض، فتجد بعض الناس يفيق ويفقد عقله أحياناً مثل هذا تلزمه الصلاة في حال الإفاقة، بعض الناس يضبط بعض الأمور، يعرف أن وراءه صلاة، وأن عليه وضوء، لكن إذا دخل في الصلاة لا يضبط أعداد، ولا يعرف الركوع من السجود، يعني هذا عليه أن يفعل ما يستطيع.
هنا في المراتب الثلاث لم يذكر بعد الجنب بعد الصلاة على جنب شيء، مما جعل بعض أهل العلم وهو الذي يرجحه شيخ الإسلام ابن تيمية أنه إذا لم يستطع الصلاة على جنب تسقط عنه الصلاة، استنفد الخيارات الموجودة في الحديث، وفعل ما أمر به ((فإن لم تستطع فعلى جنب)) يعني فصلِ على جنب، بعد هذا ما فيه أمر، انتهى التكليف على هذا القول، ومنهم من يقول: إنه إذا كان العقل الذي هو مناط التكليف باقياً فإن الصلاة لا تسقط بحال، والتكاليف لا تسقط، يعني ما يستطاع منه لا يسقط، فيومئ ولو بطرفه وقلبه، يمر الآيات على قلبه، يمر الأذكار على قلبه، ويومئ بطرفه، وهل يومئ بإصبعه إذا استطاع؟ وهل الإصبع أوضح من الطرف وأقرب إلى الصورة أو لا؟ لأنهم يقولون: بطرفه مع إمرار الأذكار على قلبه، إذا كان يستطيع أن يصلي بإصبعه، الإصبع متصور حال الركوع ظاهرة، وحال السجود ظاهرة، وهي أوضح من الطرف، هل نقول: يصلي بإصبعه أو يصلي بطرفه؟ أهل العلم يقولون: بطرفه، يومئ بطرفه، ويمر القرآن والأذكار على قلبه، وينوي الانتقال بقلبه مع أن الصلاة بالإصبع أظهر وأوضح في الانتقال من القيام إلى الركوع إلى السجود، أيهما أولى؟
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .(38/15)
الإصبع؟ هو الأصبع أظهر في الفروق بين أجزاء الصلاة، يعني القيام واضح، والركوع واضح، والسجود واضح، لكن يبقى أن أهل العلم يقولون: بطرفه، اللهم إلا إذا كان مرادهم أن هذا أدنى شيء يعني المرحلة الأخيرة، قد يستطيع الصلاة بيده مثلاً، لكن أهل العلم إنما ينصون على الطرف مع إمرار القرآن والأذكار على القلب هذا قول أكثر أهل العلم، وإن قال بعضهم: إنها تسقط عنه إذا لم يستطع الصلاة على الجنب.
وهناك قاعدة عند أهل العلم: إذا قدر على بعض الواجب وعجز عن بعض هل يأتي بما يقدر عليه أو لا؟ إن كان المقدور عليه بمفرده عبادة فيأتي به، وإن كان المقدور عليه إنما ثبت تابعاً للعبادة فإنه لا يأتي به، الذي لا يستطيع القراءة نقول: حرك شفتيك؟ لا، تحريك الشفتين ليس قراءة، وإنما هو تابع للعبادة، الأصلع الذي لا شعر على رأسه إذا أراد التحلل قال بعضهم: المقدور عليه أن يمر الموسى على رأسه، ولو لم يكن فيه شعر، لكن هل إمرار الموسى مقصود لذاته؟ لا، هذا لا يأتي به، لكن إذا كان يقدر على شيء يقدر على القيام ولا يقدر على القراءة يلزمه القيام؛ لأنه مقصود لذاته، يقدر على القراءة ولا يقدر على القيام فإنه يأتي بالقراءة ويصلي قاعداً.
قال: "وروى أبو بكر الحنفي، قال: حدثنا سفيان عن أبي الزبير عن جابر -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عاد مريضاً فرآه يصلي على وسادة" عيادة المريض سنة، نقل الإجماع عليها النووي، وقال البخاري -رحمه الله تعالى- في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض، النووي نقل الإجماع على أن زيارة أو عيادة المريض سنة، وترجم الإمام البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض، ومعلوم أن النووي -رحمه الله تعالى- متساهل في نقل الإجماع، فليحرص طالب العلم على عيادة المريض، ولا يقتصر على مجرد السلام والسؤال عن الحال، بل يوجه هذا المريض، وينصح هذا المريض، ويعظ هذا المريض إن رأى عليه تقصير، ويبصره بأمور دينه وعباداته، ويوصيه بما ينفعه في آخرته.(38/16)
"النبي -عليه الصلاة والسلام- عاد مريضاً، فرآه يصلي" هذا على القول بأن الخبر مرفوع وإلا سيأتي قول من يقول: إن الرفع خطأ، وإنما هو من قول جابر -رضي الله عنه- موقوفاً عليه، وسواءً كان من قوله -عليه الصلاة والسلام- وفعله هو الذي عاد المريض أو جابر -رضي الله عنه- لأن الصحابة يقتدى بهم، وهم أحرص الناس على الاقتداء بالنبي -عليه الصلاة والسلام-.
"أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عاد مريضاً، فرآه يصلي على وسادة" بعض الناس يرى أنه لا بد أن يمكن جبهته من شيء، هو لا يستطيع السجود على الأرض فيأتي بوسادة يرفعها ويسجد عليها، أو بشيء آخر يسجد على طاولة مثلاً على ماسة مرتفعة، ورأينا من يسجد على جُمْعِه، يقول هكذا، وجد بعض الناس، لا يستطيع السجود لأنه أجرى عملية في عينيه فتجده يقول هكذا، هذا ليس بمشروع؛ لأن هذا ليس مقصود لذاته.
"فرآه يصلي على وسادة فأخذها فرمى بها" هذا التغيير، تغيير المنكر بالقلب؟ باليد؛ لأنه يستطيع ذلك، استطاع أن يغير المنكر بيده بحيث لم يترتب عليه أدنى مفسدة، وهذا هو المتعين مع القدرة عليه ((من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه)) لو رأيت شخصاً يصنع مثل هذا، إن كان أخذك منه ما يسجد عليه لا يترتب عليه مفسدة هذا هو الأصل، وإلا توجهه بأن هذا ليس بمشروع، وهذا تنطع وقدر زائد على المشروع بلسانك، إن خشيت من سطوته أو سطوة أعوانه فتغير بقلبك، وبإمكانك أن تهمس في أذن من يستطع التغيير، إما باليد أو باللسان.
"يصلي على وسادة، فأخذها فرمى بها، فأخذ عوداً ليصلي عليه" يعني يسجد عليه "فأخذه كذلك فرمى به وقال: ((صلِ على الأرض إن استطعت)) " هذا هو الأصل ((أمرت أن أسجد على سبعة أعظم)) هذا هو الأصل، يعني على الأرض إن استطعت.(38/17)
قد يقول قائل: هل في هذا دليل على أن الأصل السجود على الأرض دون الفرش؟ نعم هو الأصل، لكن السجود على الفرش النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى على الحصير، وصلى على الخمرة لا إشكال فيه، ليس فيه أدنى إشكال، وتجدون بعض طوائف البدع لا يصلون على الفرش، يعني إن صلى ببدنه لم يسجد على الفرش، وهذا من التنطع، والنبي -عليه الصلاة والسلام- صلى على الحصر، وصلى على الخمرة التي تكون بقدر الوجه واليدين، وترجم الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-: باب الصلاة على الحصير؛ لماذا ترجم البخاري باب الصلاة على الحصير؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم وجد من ينكر ذلك من بعض السلف استناداً إلى المشابهة باللفظ {وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا} [(8) سورة الإسراء] ما دام يشبه جهنم ولو بالاسم ما نصلي عليه، ترجم الإمام البخاري -رحمه الله-: باب الصلاة على الحصير للرد على هؤلاء، والنبي -عليه الصلاة والسلام- صلى على الحصير.
طالب:. . . . . . . . .
المقصود أنه صلى.
طالب:. . . . . . . . .
لا، ما يلزم، ما دام صلى الصلاة هي الصلاة، وصلى على الخمرة -عليه الصلاة والسلام-.
((صلِ على الأرض إن استطعت)) والأرض كلها مسجداً وطهوراً على ما تقدم في حديث الخصائص.
((وإلا فأومئ إيماءً)) يعني تومئ برأسك إيماءً ((واجعل سجودك أخفض من ركوعك)) ليتميز الركوع من السجود ليحصل هناك تمييز.
قال -رحمه الله-: رواه البيهقي، والحافظ محمد بن عبد الواحد المعروف بالضياء المقدسي في المختارة، يعني له الأحاديث المختارة، وهو كتاب انتقاه من كتب السنة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه ما في مانع أبداً، ما في ما يمنع لتصحيح الصلاة لما يتعلق بصلاته.
"وقال أبو حاتم في رفعه: هذا خطأ، إنما هو عن جابر قوله: إنه دخل على مريض ... الحديث".
فيه تعارض الرفع مع الوقف، وتقدم مراراً أن للعلماء أقوالاً أربعة:
أن الحكم لمن رفع؛ لأن معه زيادة علم، وهذا قول الأكثر.
الثاني: الحكم لمن وقف؛ لأنه المتيقن، يعني ذكر جابر مقطوع به في الخبر، لكن بعد جابر من ذكر النبي -عليه الصلاة والسلام- مشكوك فيه، فالوقف هو المتيقن.(38/18)
ومنهم من يقول: الحكم للأحفظ، ننظر في الرواة الذين رفعوه، والرواة الذين وقفوه، فإن كان من رفعه أحفظ حكمنا له، وإن كان من وقفه أحفظ حكمنا له.
ومنهم من قال: الحكم للأكثر، فإن كان من رفعه أكثر حكمنا له، وإن كان من وقفه أكثر حكمنا له.
ومنهم من يقول: لا هذا ولا ذاك، إنما يحكم لما تؤيده القرائن، فإن دلت القرائن على رجحان الرفع حكمنا برفعه، وإن دلت القرائن على رجحان الوقف حكمنا به، ومعلوم أن مثل هذا الحكم الذي هو بالقرائن إنما هو للأئمة، ومن كان في حكمهم ممن يحفظ كحفظهم، ويفهم كفهمهم، وليس هذا لآحاد المتعلمين؛ لأن من المتعلمين من يطالب بالحكم بالقرائن يطالب من لم يتأهل، وهذا لا شك أنه تضييع له من جهة، وتجرأة له من جهة؛ لأنه لا بد أن يخطئ أحداً من أهل العلم، وهو لم يدرك سر هذا الأمر، أما من تأهل فهذا فرضه، نظير ذلك الاجتهاد في الأحكام، المبتدئ ومن في حكمه فرضه تقليد أهل العلم، والمتأهل فرضه أن يدين الله بما يرجح عنده من حيث الدليل.
أبو حاتم رمي بالتشدد، ولذا تجدون في غالب الأحكام في تعارض الرفع مع الوقف، والوصل مع الإرسال أنه في الغالب يحكم بالوقف وبالإرسال، ولذا رمي بالتشديد، لكن الإمام البخاري مثلاً تجده مرة يحكم بالرفع، ومرة يحكم بالوقف، ومرة يحكم بالوصل، ومرة يحكم بالإرسال، وكذلك الإمام أحمد وغيرهما من الأئمة المعتدلين المتوسطين في أحكامهم، فتجد البخاري يحكم برفع حديث يحكم الإمام أحمد بوقفه والعكس، ولا تجد هذه صفة غالبة عند البخاري أو هذه، وكذلك الإمام أحمد وغيرهما ممن وُصف بالاعتدال، لكن الإمام أبا حاتم والدارقطني وغيرهما تجدهم يميلون ويستروحون إلى طرف دون آخر، بينما من تأخر من أهل العلم الذين لهم عناية بالحديث تجد نَفَسه خلاف ما ينحو إليه أبو حاتم، تجد في تعارض الرفع مع الوقف يحكمون بالرفع، تعارض الوصل مع الإرسال يحكمون بالوصل، هذه طريقة غالب المتأخرين؛ لأنهم جروا على قواعد: منها قبول زيادة الثقة مطلقاً، مع أنها تدخل في هذا الباب أن القبول والرد يتبع القرائن، منهم من ينقل عليها الاتفاق كالبيهقي والحاكم، لكن الاتفاق لا يُسلّم، وصنيع الأئمة كثير منهم على خلاف ذلك.(38/19)
"وعن الحسن عن أمه قالت: رأيت أم سلمة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- تسجد على وسادة أدم" هذا موقوف على أم سلمة "تسجد على وسادة أدم من رمد بها" هذا الخبر عن أم سلمة بالنسبة للذي قبله -حديث جابر- يرجح الرفع أو يرجح الوقف؟ نعم؟
طالب: الوقف.
مما يرجح به الوقف؛ لأنه لو كان مرفوعاً إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- وأم سلمة زوج النبي -عليه الصلاة والسلام- لكانت من أعرف الناس به، وإن كان الخبر ليس في بيتها، وإنما في بيت المريض الذي تمت عيادته كما في الخبر السابق، لكن في الغالب لا يخفى على أمهات المؤمنين، ويحصل لهن ما يحصل في حياته -عليه الصلاة والسلام-، فلو كان مما ينكر لأنكره عليهن، فهذا مما يرجح به أن الخبر السابق موقوف.
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب:. . . . . . . . .
الحسن البصري عن أمه رأيت أم سلمة، الخبر لأم سلمة.
"زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- تسجد على وسادة أدم" يعني من جلد "من رمد بها" لأن الذي به رمد في عينيه رمد لا يستطيع أن يسجد على الأرض.
"رواه الشافعي".(38/20)
قالوا: هذا موقوف حسن، الشافعي يرويه عن الثقة، عن الثقة عنده، وفي الغالب أنه إبراهيم بن أبي يحيى هو ثقة عند الإمام الشافعي، لكنه ضعيف جداً عند عامة أهل العلم، لكنه توبع من قبل هشيم وابن علية وحماد بن أبي سلمة فهو حسن، قد يقول قائل: إن إبراهيم بن أبي يحيى شديد الضعف لا يقبل الانجبار فيبقى على ضعفه، ويكون الحسن حديث غيره، الحسن ما يرويه غيره، فحديث شديد الضعف يقرر أهل العلم أنه لا يقبل الانجبار، يبقى على ضعفه، والمؤلف خرجه من رواية الشافعي، في مسند الشافعي عن الثقة عنده، والثقة شديد الضعف عند أهل العلم، توبع من قبل ثلاثة من الثقات، هل يرتفع حديثه إلى الحسن لوجود المتابع أو يبقى ضعيف لأنه لا يقبل الانجبار وينظر فيما عداه؟ يبقى ضعيف؛ لأنه لا يقبل الانجبار، وهذا قول أكثر أهل الاصطلاح، ومنهم من يرى أنه ينجبر، افترض أن هناك حديث رواه الشافعي أو الإمام أحمد بسند ضعيف جداً وهو مخرج من غير هذا الطريق في الصحيح في البخاري، هل نقول: إن حديث أحمد أو الشافعي ارتقى إلى الحسن، بل بعضهم يرقيه إلى الصحيح؛ لأن شاهده في الصحيح أو متابعه في الصحيح كما أشار إلى ذلك الحافظ ابن كثير في اختصار علوم الحديث؟ لأنه قد يرتقي درجتين ما يرتقي درجة واحدة، الأكثر على أنه يرتقي إلى الدرجة التي تليها بالمتابع، يعني بدلاً من أن يكون شديد الضعف يكتفى بكونه ضعيف، ويمكن بالتدرج أن نرقيه بطريق واحد طريق هشيم إلى الضعيف، ثم الطريقين طريق هشيم وابن أبي يحيى ارتقى إلى ضعيف بطريق ابن علية يرتقي إلى الحسن وهكذا، نرقيه درجة درجة، لكن الذي استقر عليه الاصطلاح عند المتأخرين أنه يبقى على ضعفه، وينظر فيما عداه، لكنه جاء من طريق أخرى بإسناد كذا، وهذه مسألة منهجية في التخريج ودراسة الأسانيد، يعني من حيث الواقع العملي لها أثر وإلا ما لها أثر؟ ما لها أثر، لكن من حيث المنهجية حينما تخرج كتاب نعم تقول: الحديث بهذا الإسناد ضعيف، أو ضعيف جداً؛ لأن فيه فلان وفلان، لكنه ورد عن فلان وفلان وفلان، وبهذه الطرق تكون النتيجة النهائية أنه حسن أو صحيح على حسب هذه الطرق كثرة وقلة، قوة وضعفاً.(38/21)
الآن حديث خبر جابر السابق سواءً كان مرفوعاً أو موقوفاً أن السجود على الوسادة أنه تكلف لا يشرع، وخبر أم سلمة زوج النبي -عليه الصلاة والسلام- كانت تسجد على وسادة، وهذا اجتهاد منها، ليس بمرفوع، ويبقى أن الإنسان يتقي الله ما استطاع، إن استطاع أن يسجد على الأرض فبها ونعمت وإلا فليومئ إيماءً، ولا يشرع السجود على وسادة.
طالب:. . . . . . . . .
الأصل أنه لا يفعل؛ لأنه لم يثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- شيء من ذلك.
"وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي متربعاً" الرسول -عليه الصلاة والسلام- صلى جالساً لعذر لما سقط فجحش شقه الأيمن، صلى جالساً، وصلى في النافلة جالساً بعد أن أوتر صلى ركعتين وهو جالس، كان يصلي جالس إذا كان متعباً فإذا جاء الركوع قام، لكن إذا صلى جالساً صلى المصلي جالساً ((صلِ قائماً فإن لم تستطع فقاعداً)) معلوم أن الجلوس في الصلاة إما أن يكون بين السجدتين، أو في التشهد الأول، أو في التشهد الثاني، فالجلوس بين السجدتين والتشهد الأول افتراش على ما سبق بيانه، والجلوس في التشهد الثاني تورك، هذه صفة الجلوس في الصلاة، الجلوس الأصلي، لكن الجلوس العارض الطارئ الذي هو على خلاف الأصل، الذي هو بدل عن القيام هل يكون مثل الجلوس الأصلي أو يخالفه؟ من أهل العلم من يرى أنه مثل الجلوس الأصلي، شُرع الجلوس في الصلاة افتراش أو تورك، والتورك خاص بالتشهد الأخير إذاً يجلس مفترشاً في الجلوس البديل عن القيام، ومنهم من يقول: لا بد من الاختلاف، فرق بين الجلوس الأصلي والجلوس الطارئ غير الأصلي، ولكل حالٍ من أحوال الصلاة صفة تخالف غيرها، فليجلس متربعاً كما جاء في هذا الخبر.
"عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي متربعاً" لا يصلي متربعاً بين السجدتين، ولا يصلي متربعاً في التشهد إنما يصلي متربعاً في الجلوس البديل عن القيام.
"رواه النسائي والدارقطني والحاكم، وقال: على شرطهما، وقال النسائي: لا أعلم أحداً روى هذا الحديث غير أبي داود الحفري، وهو ثقة، ولا أحسبه إلا خطأ".(38/22)
قوله: "على شرطهما" وهو من رواية أبي داود الحفري ولم يخرج له البخاري هل هذا الكلام مستقيم؟ لا يستقيم، يعني أبو داود الحفري خرج له مسلم، لكن لم يخرج له البخاري، إذاً الحديث ليس على شرطهما، وإنما هو على شرط مسلم دون البخاري.(38/23)
"وهو ثقة، ولا أحسبه إلا خطأ" طيب إذا كان الراوي ثقة هل لأحد من أهل العلم والإسناد صحيح أن يحكم بالخطأ؟ نعم الأئمة الجهابذة الحفاظ قد يقفون على علة لا يستطيعون التعبير عنها، وهذا هو التعليل عند الكبار، يجزم بأن هذا الحديث خطأ، لكن ما علته؟ ما يدري، ودليل ذلك أنه يقول: اذهب إلى فلان، بيقول لك: خطأ، لكن ما علته؟ ما يدري، كما حدث لبعضهم، يعني تسمع كلام ترى في إسناده ما ترى إشكال، لكن السمع ينبو عن سماعه، ولا يليق أن ينسب إلى من نُسب عنه، هذا وجد عند الأئمة التعليل بمثل هذا، أن هذا الكلام أليق بكلام فلان من كلام الرسول -عليه الصلاة والسلام-، يعني قد يقول عمر مثل هذا الكلام، قد يقوله الحسن البصري مثل هذا الكلام، ويكون له إسناد مركب إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- كله صحيح، فالإمام يحكم بأن هذا لا يثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- بل خطأ، لكن هل هذا لكل أحد؟ هذا ليس لكل أحد، إنما هو للأئمة الذين لهم يد وباع في هذا العلم من أهل التعليل، وليس كل إمام معللاً، بل الذين تكلموا في العلل نفر يسير من أهل العلم، ولا يعني هذا أنه يفتح الباب للعقول والأدمغة الممسوخة والفطر المتغيرة يقول: هذا ما يمكن أن يقوله الرسول -عليه الصلاة والسلام-، يعني وجد من ينتسب إلى العلم في العصور المتأخرة من نفى بعض الأحاديث الصحيحة بأنه لا يمكن أن يقوله الرسول -عليه الصلاة والسلام- أبداً هذا، وحديث الذباب لا يمكن أن يقوله النبي -عليه الصلاة والسلام- بصفته مبلغاً عن الله، شوف الجرأة! ويتطاول بعضهم حتى ينفي بعض الأحاديث الصحيحة بما وقع للكفار، وحديث: ((لا يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة)) لا يمكن أن يثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، والمرأة نجحت في قيادة الأمم في العصر الحديث، تاتشر قادت الإنجليز، وغاندي قادت الهند، وجولد مائير هزمت العرب، ضلال -نسأل الله السلامة والعافية-، ضلال، ولا يمكن أن يتشبث أمثال هؤلاء بأولئك الأئمة، أبو داود ثقة .. ، وهو ثقة ولا أحسبه إلا خطأ، ثم يأتي من يأتي يقول: الأئمة يقولون خطأ، نحن نقول: خطأ، هم رجال ونحن رجال، ولو تقول لهذا الشخص اقرأ الأربعين حفظ بدون أسانيد ما قرأ الأربعين،(38/24)
ويزعم نفسه إمام، ويحكم على النصوص بعقله! هذا هو الضلال، وهذا هو التضييع ((اتخذ الناس رؤوساً جهالاً)) وأمثال هؤلاء رؤوس، يعني ليسوا أتباع، الآن قواد يقودون جموع غفيرة من المسلمين، يتبعونهم في فتاويهم، والله المستعان.
قال: "ولا أحسبه إلا خطأ" كذا قال "وقد تابع الحفري محمد بن سعيد الأصبهاني وهو ثقة، والله أعلم".
وعلى هذا فالحديث صحيح.
إذا صلى الإنسان قاعداً في النافلة أو صلى قاعداً لعدم قدرته على القيام في الفريضة فإنه في محل القيام يصلي متربعاً كما جاء في هذا الحديث، والله أعلم.
طالب:. . . . . . . . .
ويش هو؟
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال يشير بطرفه إذا أراد الركوع أو السجود يحرك طرفه، وينوي بقلبه.
طالب:. . . . . . . . .
الركوع نعم.
طالب: والإصبع ....
ما شفت كلام صريح لأهل العلم، لكن المقصود ما يدل على اختلاف الحال.
يقول: رجل أعطي مالاً من أجل مشروع خيري فقام أحد المحسنين بهذا المشروع كله، فهل ينفق مال هذا الرجل بعمل خيري آخر أم لا بد أن ينفق في ذلك المشروع الأول؟
عليه أن يستأذن صاحب المال الذي دفعه، ويقول: والله سُبقنا إلى هذا المشروع، فما رأيك أن نصرفه في كذا، ولا يتصرف من تلقاء نفسه.
طالب العلم خاصة في الحديث يستلزم عليه حفظ رجال الأحاديث أم يكتفى بحفظ الحديث؟
على كل حال الرجال من علم الحديث، وبقدر إخلاله بفروع هذا العلم يكون الخلل ظاهر في هذا العلم، يعني لا يقال له: محدث، أو من أهل الحديث حتى يعتني بالمتون والأسانيد، وإذا أراد التفقه من الحديث لا يلزمه أن يحفظ الرجال، يحفظ الأحاديث الصحيحة، ويستنبط منها.
يقول: ما رأيكم في كتاب فضل الله الصمد في توضيح الأدب المفرد تأليف فضل الله جيلاني؟
كتاب جيد، يعني فيه فوائد، وشرح للأحاديث، لا سيما الأحاديث الذي تفرد بها الإمام البخاري في الأدب المفرد.
يقول: ما حكم شراء منازل أو أراضي عن طريق البنوك بالأقساط؟(38/25)
البنوك التي تتعامل بالربا لا يجوز التعامل معها إلا مع عدم وجود غيرها، أو وجود المشقة في التعامل مع غيرها، شريطة أن يكون العقد بينه وبين هذه البنوك صحيحاً، أن يكون العقد مع هذه البنوك صحيحاً، فلا يجوز له بحال أن يتعامل معها على عقد محرم، يشتري بأقساط، يشتري السلعة التي ملكوها ملكاً تاماً مستقراً بالأقساط، يقول: المنتهي بالهبة، ليس فيه هبة، إنما هي أقساط، هو شراء بالأقساط، هم يسمونها آجار تنتهي بهبة، وحقيقة الحال أنها أقساط، جميع القيمة تقسم على عدد الأشهر بحيث لا يبقى من القيمة شيء إلا أنهم يسمونها إجارة لئلا تطالبهم بنقل الملكية فتتصرف بالسيارة، تبقى السيارة باسمهم كالرهن، وهذا إذا كان المقصود به هذا مجرد إمساك الاستمارة باسمهم لئلا تتصرف فيها نظير الرهن، فهذا لا يظهر فيه شيء -إن شاء الله تعالى-.
يقول: امرأة أبوها عم لجدتي من أمي هل لي أن أتزوجها؟ فهي -هذه المرأة- ابنة عمي جدتك، فماذا لو كانت ابن عمك أنت؟
إذا كانت ابن عم جدتك فماذا لو كانت ابن عمك أنت؟ يجوز لك أن تتزوجها ما لم يكن هناك مؤثر آخر.
يقول: مؤذن في الحي لم يحفظ إلا جزء يسير والإمام دائماً غائب، وأنا أحفظ منه، وهو يقدمني يعني المؤذن لكنه زعلان من ذلك؟
ويش لون زعلان؟
ودائماً إذا شرعت في الركعة الثانية من تحية المسجد يقيم الصلاة، ويبقون الناس قياماً حتى أنتهي، فما رأي فضيلتكم؟
ويش سبب الزعل هذا؟ إذا صار يقدمك عليك أن تقول له: انتظر في الإقامة حتى أنتهي من النافلة، أما أن يقيم ثم يمكث الناس قياماً ينتظرون هذا الشخص إلى أن يسلم هذا ليس له وجه، نعم بقي الصحابة قياماً ينتظرون النبي -عليه الصلاة والسلام- حتى عاد إلى بيته واغتسل بعد إقامة الصلاة، لكن لا يحتمل هذا من كل أحد.
يقول: الذي يصلي مستلقياً على ظهره وبطرفه كيف يكون استلقاؤه ووضع رجليه؟
رجلاه إلى القبلة.
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
طالب: يا شيخ بالنسبة لرواية أبي بكرة ذكرها ابن حجر خفت أن تفوت الركعة رواية صحيحة يا شيخ، الرواية في حديث أبي بكرة قال: خفت أن تفوتني الركعة، هل هي رواية صحيحة يا شيخ ذكرها ابن حجر؟
هذا الواقع.(38/26)
طالب: لا هل الرواية صحيحة في كون أبي بكرة قال: خفت أن تفوتني الركعة؟
هذا هو الواقع؛ لماذا ركع؟ خاف أن تفوته الركعة، يعني ما تحتاج إلى تصريح هذه ...
طالب: هذا فيه دليل على إدراك الركعة.
هذا هو دليل الجمهور.
طالب:. . . . . . . . .
يرفع المصحف ويضعه على جبهته؟
طالب:. . . . . . . . .
هذا كله بدعة، حتى التقبيل ما ثبت.
طالب: رواية: ((لا تدخل الملائكة بيتاً فيه صورة ولا كلب ولا جنب))؟
هذه ثابتة.
طالب: ما تعارض أن النبي كان يبيت جنباً؟
إيه لا بد أن يمس ماءً.
طالب: يتوضأ.
يخفف الجنابة إيه.
طالب:. . . . . . . . .(38/27)
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: المحرر – كتاب الصلاة (39)
الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هذا يقول: ما رأيكم في الذي يهوّن من قدر الكليات الشرعية، ويقول: بأن طلابها طلاب دنيا لا طلاب علم؟
هذا الكلام ليس بصحيح، وليس على إطلاقه، يوجد فيها طلاب علم، وفيها كتب علم، وفيها علماء يعلمون العلم، فهذا الكلام التعميم فيه ليس بصحيح، بل فيها طلاب العلم، وفيها طلاب دنيا، يعني جاءوا من أجل الشهادة والوظائف هذا لا ينكر، وكثير منهم ممن جاء لطلاب الشهادات هو يجاهد نفسه في تصحيح النية، ونعرف منهم عدد أقلقهم هذا الأمر، وهم يحاولون ويجاهدون، ويسألون عن ترك الدراسة، ونقول لهم: إن الترك ليس بحل، الحل أن تجاهد، وإذا علم الله منك صدق النية أعانك، فهذا الكلام ليس بصحيح، فالكليات الشرعية فيها علماء، وفيها كتب علم تدرس، وفيها طلاب علم يدرسون العلم الشرعي، وفيها من في نيته دخن، سواءً كان من الطلاب أو من الأساتذة، وهذا معروف في جميع المرافق.
نعم طلاب العلم في حلق المساجد الذين لم يرتب على دراستهم شهادات ولا وظائف هذه لا شك أنها أقرب إلى الإخلاص، لكن لا يعني أن طلاب العلم النظامي في الكليات الشرعية ليسوا بمخلصين، هذا الكلام ليس بصحيح، هذا جزاف ومجازفة، وطلاب العلم الشرعي قبل الدراسة النظامية يوجد فيهم من يطلب العلم للدنيا؛ لأنه يعرف أنه إذا تعلم تعين إما قاضي وإلا مسئول وإلا شيء، يعني كان القضاة يؤخذون من حلق المساجد، ففيهم من يطلب لهذا القصد، لكنهم أقل منهم في الكليات التي جعلت الشهادات حتم، والوظائف حتم، ومرتبطة بهذه الشهادات، لا شك أن هذا ظهر في الدراسات النظامية، لكن التعميم ليس بصحيح.
ويقول: بأن طلابها طلاب دنيا لا طلاب علم، يقول: ودليل ذلك أن الشيخ عبد الكريم ترك التدريس بها؛ لأنه رأى أن طلابها طلاب شهادات؟(39/1)
هذا الكلام ليس بصحيح، وأنا آثرت الراحة بعد أن أمضيت ما يقرب من ثلاثين عاماً في التدريس، يعني أنا تعبت بنفسي، ورأيت أن التعليم في المسجد أرفق بي وأيسر؛ لأن المسجد بجوار البيت، والجامعة تحتاج إلى مشوار، ساعة رايح وساعة جاي، أو ساعة رايح وجاي، فلا شك أني آثرت التقاعد المبكر قبل تمام المدة النظامية بعشر سنوات؛ لأنه أرفق بي لا أكثر ولا أقل.
يقول: ما صحة مقولة: "لا إنكار في مسائل الخلاف"؟
هذا الخلاف إذا كان الخلاف معتبراً، وله دليل صحيح يسنده فإنه في مثل هذه الحالة لا إنكار فيه، اللهم إلا إذا كان وجود مثل هذا الخلاف يشوش على الناس، ويوجد إشكال بينهم، فإن هذا ينكر من هذه الحيثية، أما الخلاف الذي لا دليل عليه فوجوده مثل عدمه، والإنكار فيه متعين؛ لأن العبرة بما دل عليه الدليل.
يقول: هناك متن صغير اسمه: الواجبات المتحتمة بمعرفة ما يجب على كل مسلم ومسلمة، من كلام الشيخ محمد بن عبد الوهاب، فهل مؤلف هذا المتن هو المجدد نفسه أم جمعه أحد الأشخاص من كلامه؟
اسمه مكتوب على الكتاب، أصل الكلام من كلام الشيخ، من الأصول الثلاثة، ورتبه على طريقةٍ رآها الشيخ عبد الله بن إبراهيم القرعاوي، ومكتوب عليه اسمه.
ما حكم المضمضة بالماء البارد للصائم في مثل هذه الأيام؟
المضمضة إذا كانت في الوضوء فهي مطلوبة للصائم وغيره، لكن لا يبالغ كما نهي عن المبالغة بالاستنشاق إذا كان صائماً، وإذا كان المراد بها المضمضة من أجل التبرد فهذا يخشى من أن ينساب شيء إلى الحلق من غير حاجة فيفطر بسببه.
تقول هذه: حصلت على إرث من والدي فوهبته لأحد أولادي لكي يتزوج، فغضب بقية الأبناء، لكني لم ألتفت لهم، وأعطيت المال لهذا الولد لأنه الوحيد المحتاج إلى المال وإلى الزواج، وبقية الأولاد ليسوا بحاجة، فهل فعلي هذا يدخل في عدم العدل بين الأولاد؟
نعم هذا ليس بعدل بين الأولاد، بل لا بد من أخذ رأيهم في ذلك وإذنهم.
هل الزواج من شخص مكتوب للشخص المقدر له أم لا؟
نعم إذا تزوج رجل بامرأة فهو مكتوب لها، وهي مكتوبة له.(39/2)
هذه أم صفي الله من مصر تقول: هل يجوز الحديث بين الإخوة والأخوات في الماسنجر على الخاص سواءً لأمور الدعوة أو غيرها لأن هذا الأمر انتشر بين الإخوان كثيراً نريد رأيكم في الأمر؟
على كل حال إذا أمنت الفتنة حصل سؤال وجواب من غير فتنة، وذلك لمصلحة راجحة ما يظهر فيه إشكال -إن شاء الله تعالى- على أن يكون في مصلحة راجحة.
ما حكم لبس العباءة ذات الأكمام، وهي توضع على الرأس؟
العباءة ذات الأكمام لا شك أنها في الغالب أنها تبين حجم الجسم، في الغالب يعني لأن الأكمام نهايتها إلى الإبط هو بداية حجم الجسم، لكن لو كانت بدون أكمام سابغة وساترة لليدين والبدن كله لكانت أستر.
وما حكم إسبال الثوب إذا لم يكن خيلاء؟
هذا إذا لم يكن خيلاء فهو في النار، هذا إذا لم يكن هناك خيلاء وإذا كان هناك خيلاء فالأمر أعظم كما جاء الوعيد الشديد عليه.
ما حكم الصلاة ويكون أمام المصلين دولاب لوضع الكتاب وواجهة هذه الكتب من الزجاج بحيث تعكس صور المصلين؟
إذا كانت تشغل المصلين وتلهيهم عن صلاتهم فتجب إزالتها.
وربما تشغل المصلي؟
نعم إذا كانت تشغل لا بد من إزالتها.
رجل مات أبوه وهو صغير وتزوجت أمه برجل آخر، والمرأة التي ربته حتى كبر هي زوجة أبيه، فهل يجب عليه برها مثل بر الأم أم ماذا؟
عليه أن يرد عليها هذا المعروف، وبقدر ما يكون أثره على الأب يبرها؛ لأن برها من بر الأب، ولا تكون مثل الأم بحال.
رجل يتعاطى المخدرات، ويتاجر فيها، ويقع في معاكسات النساء، وبعض الأمور المحرمة فتم القبض عليه من قبل الحكومة، وبعدها تاب وصلح حاله وتوسوس له نفسه أحياناً بالذهاب لشراء المخدرات، وما شابه ذلك، وعندما يتذكر أنه مراقب من جهة الحكومة يرجع عن ذلك، فهل في فعله شيء؟ وما صحة حديث: "إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن"؟
هذا من كلام عثمان -رضي الله عنه وأرضاه-، وأما هذا الذي تنازعه نفسه إذا كان مجرد حديث نفس ولم يترتب عليه فعل فهذا معفو عنه، وإن ترتب عليه فعل لكنه خاف من الحكومة فعليه ذنبه.(39/3)
هذا من الإمارات يقول: أنا متيقن بما جاء في النصوص الشرعية بشأن العسل، ولكن أجد صعوبة في تناوله في الصباح فهو حار على معدتي هل بتكرار تناوله سيزول ذلك وبطني ومعدتي يكذبان؟
هذا الظاهر؛ لأنه شفاء كما قال الله -جل وعلا-، وقاله نبيه -عليه الصلاة والسلام-.
أم أتوقف عن ذلك لأنه لا يناسب بعض الأفراد؟
نعم قد لا يناسب بعض الأفراد لكنه في الجملة شفاء.
هل يجوز إظهار إتقان العمل للمسئول في مقر العمل مثلاً كأن أظهر أنني متقن لعملي لأنه هو المسئول عني في العمل؟ وهل يدخل هذا العمل في الرياء؟
هذا إذا كان العمل مما يبتغى به وجه الله فهذا لا شك أنه رياء، لكن إذا كان العمل بمقابل أجر دنيوي فلا مانع أن تظهر للمسئول أنك أتقنت وأظهرت عملك لا سيما إذا كنت في مجال الدفاع عن نفسك، فلا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم؛ لأن بعض الناس يسلط عليه بعض الأشخاص، فيحتاج إلى أن يبين ما عنده كما قيل لابن عمر -رضي الله عنه وأرضاه- إنه رجل عيي، فقال: كيف يكون عيياً من في جوفه كتاب الله؟
سم.
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين.
قال الإمام ابن عبد الهادي -رحمه الله تعالى- في كتابه المحرر:
باب: صلاة المسافر
عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "الصلاة أول ما فرضت ركعتين، فأقرت صلاة السفر، وأتمت صلاة الحضر" قال الزهري: فقلت لعروة: ما بال عائشة تتم؟ قال: تأولت ما تأول عثمان -رضي الله عنهما-. متفق عليه.
وللبخاري عنها قالت: "فرضت الصلاة ركعتين ثم هاجر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ففرضت أربعاً وتركت صلاة السفر على الأولى".
وعن عطاء عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "إن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقصر في السفر ويتم ويفطر ويصوم" رواه الدارقطني وقال: إسناده صحيح، وكلهم ثقات، والصحيح أن عائشة هي التي كانت تتم، كما رواه البيهقي بإسناد صحيح عن شعبة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة -رضي الله عنها- أنها كانت تصلي في السفر أربعاً، فقلت لها: لو صليت ركعتين؟ فقالت: يا ابن أختي إنه لا يشق علي".(39/4)
وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معاصيه)) رواه أحمد وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما، وأبو يعلى الموصلي ولفظه: ((إن الله -عز وجل- يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه)).
وروى شعبة عن يحيى بن يزيد الهنَّائي.
الهنائي.
الهنائي قال: سألت أنس بن مالك عن قصر الصلاة؟ فقال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ -شعبة الشاك- صلى ركعتين" رواه مسلم.
وقال ابن عبد البر في يحيى: ليس هو ممن يوثق به في ضبط مثل هذا الأصل.
وعن العلاء بن الحضرمي -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((مكث المهاجر بعد قضاء نسكه ثلاثاً)) متفق عليه.
وعن يحيى بن إسحاق سمعت أنس بن مالك يقول: "خرجنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- من المدينة إلى مكة، فكان يصلي ركعتين ركعتين حتى رجعنا إلى المدينة، قلت: أقمتم بها شيئاً؟ قال: أقمنا بها عشراً" متفق عليه. واللفظ للبخاري.
وعن ابن عباس -رضي الله عنه- قال: "أقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تسعة عشر يقصر، فنحن إذا سافرنا تسع عشر قصرنا ...
تسعة عشر.
تسعة عشر قصرنا، وإن زدنا أتممنا" وفي لفظ: "أقام النبي -صلى الله عليه وسلم- بمكة تسعة عشر يوماً" رواه البخاري.
وعند أبي داود: "أقام سبع عشرة بمكة يقصر الصلاة".
قال: وقال عباد بن منصور عن عكرمة عن ابن عباس: "أقام تسع عشرة" وعنده من رواية ابن إسحاق: "أقام بمكة عام الفتح خمس عشرة يقصر الصلاة" وقال البيهقي: اختلفت الروايات في تسع عشرة وسبع عشرة، وأصحها عندي رواية من روى تسع عشرة.
وعن جابر -رضي الله عنهما- قال: "أقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بتبوك عشرين يوماً يقصر الصلاة" رواه أحمد وأبو داود، وقال: غير معمر لا يسنده.
يكفي، بركة.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: صلاة المسافر(39/5)
والمسافر معذور لوجود المشقة في السفر في الجمع بين الصلاتين، وفي قصر الصلاة على ما تقدم بيانه في الدرس السابق، وهو من أهل الأعذار في الجملة، وإن كان بدنه سليماً صحيحاً معافى ليس كالمريض الذي تقدم الكلام فيه، ولا كالخائف الذي يأتي الكلام فيه.
المسافر: من السفر، مسافر اسم فاعل من سافر مسافرة، والأصل في المفاعلة أن تكون بين طرفين كالمضاربة والمقاتلة، لكن قد تأتي هذه الصيغة من طرف واحد، كما في قولهم: سافر زيد، وطارقت النعل، وما أشبه ذلك في أحرف خرجت عن هذه القاعدة، وإلا فالأصل أن المفاعلة تكون بين طرفين.
مسافر: من السفر وهو البروز والخروج من البلد، ومنه قيل للمرأة التي تكشف عن شيء من بدنها: سافرة، ومنه السفور وهو إبراز شيء من بدن المرأة، يقال له: سفور؛ لأنه يظهر ويبرز، ومثله السفر، فالوصف المؤثر المغير للأحكام هو السفر، وهو الذي علقت عليه الأحكام، وهو البروز والخروج من مكان الإقامة، ولذا لا يجوز الترخص إلا بعد السفور والبروز والخروج من البلد حتى يفارق عامر البلد لا بد من مفارقته ليترخص؛ ليتحقق الوصف المؤثر، وهذا قول جماهير أهل العلم، وإن كان بعضهم يرى أن له أن يترخص قبل أن يخرج من البلد إذا أزمع على الخروج، لكن الرخص إنما علقت بالسفر، فهو الوصف المؤثر، فلا يتحقق الترخص إلا بتحقق الوصف المؤثر، وعلى هذا إذا وصل إلى مطار البلد سواءً كان في سفره أو رجوعه، في ذهابه أو إيابه، مطار البلد المضاف إليه منه، وحينئذٍ لا يترخص حتى يركب وسيلة السفر التي هي الطائرة، ويصدق عليه الوصف، وما دام في المطار فإنه لا يصدق عليه الوصف أنه سافر، ولو كان المطار منفصلاً عن البلد لأنه جزء منه؛ لأنه قد يوجد فواصل في داخل البلد، ويوجد فواصل في أحياء البلد، فمنها -من أحياء البلد- ما يفصله عن البلد أرض بوار، ميتة، هذه لا تكفي في أن يقال: إنه سافر، ما دام هذا الحي جزء من هذا البلد، وما دام المطار يضاف إلى البلد، ولذا لا تستطيع أن تقول: إني سافرت وأنت في المطار، وإذا رجعت قيل: وصلنا إلى الرياض أو إلى جدة أو إلى غيرهما، إذا وصلت المطار، فهو جزء من البلد، والسفر إنما يبدأ بمفارقته، وإن كان منفصلاً عن البلد.(39/6)
الرخص التي تُستباح في السفر هي القصر -قصر الصلاة- والجمع بين الصلاتين الظهرين والعشاءين، والفطر في رمضان، والمسح ثلاثة أيام بلياليها، هذه رخص السفر، والجمهور على أن السفر له مدة وله مسافة، سيأتي ذكرها، وأطلق بعض أهل العلم الحكم تبعاً لإطلاق النصوص، فما دام يسمى مسافراً فله أن يترخص، ولو زادت المدة أو قصرت المسافة، وعامة أهل العلم على أنه لا يترخص إلا في سفر مباح، ولو كان للنزهة، ومنهم من قال: لا يترخص إلا في سفر طاعة كالحج والعمرة والغزو وطلب العلم، وما أشبه ذلك، ومنهم من أجازه في مطلق السفر؛ لأن النصوص ما قيدت حتى في سفر المعصية، وهذا هو المعروف عند الحنفية، وكأن شيخ الإسلام -رحمه الله- يميل إليه؛ لأن النصوص مطلقة، وعمدة الجمهور ومعولهم على أن العاصي لا يُعان على معصيته، ولا شك أن الترخص يوفر له الجهد، ويوفر له الوقت، فلا يعان على معصيته، والمضطر لأكل الميتة يشترط ألا يكون غير باغٍ ولا عادٍ، فإن كان باغياً أو عادياً عاصياً فإنه لا يباح له أن يترخص فيأكل من الميتة، ومن باب أولى ألا يترخص في عباداته، فلا يعان على معصيته بتوفير الجهد وتوفير الوقت، ولعل هذا هو الصحيح؛ لأن شرعية الرخص في السفر إنما هي للتخفيف؛ لأن السفر قطعة من العذاب كما جاء في الحديث الصحيح، والمشقة لازمة له في الأصل، وإن كان السفر في هذه الأزمان خفت مشقته كثيراً، وصار في بعض صوره متعة، وقد يكون بعض الناس في بيته وبين أولاده أكثر مشقة منه في السفر، وبأسفاره يتخلص من كثير من الأعباء التي يقوم بها في بلده، لكن علقت هذه الرخص بوصف وهو السفر، فإذا وجد هذا الوصف فإنه يوجد ما علق عليه.(39/7)
القصر كان مشروطاً بالخوف {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ} [(101) سورة النساء] وكان هذا في أول الأمر، ومشروعية القصر من أجل الخوف، ولكنها صدقة تصدق الله بها، فرُفعت العلة وبقي الحكم كالرمل في الطواف، مشروعية الرمل لأن المشركين قالوا: يقدم محمد وأصحابه وقد وهنتهم حمى يثرب، فرمل النبي -عليه الصلاة والسلام- وأمر به، فشرع الرمل في الطواف، ولذا في عمرة القضاء كانوا يرملون من الحجر الأسود إلى الركن اليماني، ويمشون بين الركنين؛ لأن المشركين لا يرونهم، ولكن في حجة الوداع كان يرمل من الحجر إلى الحجر؛ لأنه لا يوجد من يراقبهم، فلا داعي للمشي بين الركنين، هذه العلة التي من أجلها شرع الرمل ارتفعت وبقي الحكم؛ لأنه لا يوجد من يقول: يأتي المسلمين وقد أنهكهم السفر أو تعبوا من شيء من الأشياء كما قيل، ومثله مشروعية قصر الصلاة في السفر للسفر، وارتفع القيد الذي هو الخوف واستمر الحكم، فهي صدقة تصدق الله بها على عبادة فاقبلوا صدقته.
"عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "الصلاة أول ما فرضت ركعتين" فرضت الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- ليلة الإسراء خمسين، حصلت المراجعة بين النبي -عليه الصلاة والسلام- وبين ربه -جل وعلا- بمشورة موسى -عليه السلام- إلى أن صارت خمس صلوات، هذا أول فرضها وكانت ركعتين ركعتين.
"الصلاة أول ما فرضت ركعتين" فرضت عند جمهور أهل العلم الذين لا يرون وجوب القصر معناها: قدرت ركعتين، وعند من يرى الوجوب فرضت يعني وجبت، أو أوجبت ركعتين.(39/8)
قدرت ركعتين، وأوجبت الجمهور يرون أن القصر رخصة، وصدقة من الله -جل وعلا- على عباده، والأصل هو الإتمام؛ لأن الأصل هو الإقامة، والحنفية يرون وجوب القصر، طيب بما يستدل الحنفية؟ يستدلون بمثل هذا: "أول ما فرضت الصلاة ركعتين، فأقرت صلاة السفر" على الفرض الأول، أو على الفريضة الأولى كما سيأتي، والجمهور يقولون: على التقدير الأول، طيب لماذا لا يقول الحنفية: إن قصر الصلاة في السفر فرض؟ يقولون: واجب، مع أن اللفظ "فرضت" أما أن يستدلوا به بحرفيته، أو يقولون بما قاله الجمهور، أما أن النص يقول: "فرضت" وتقولون: واجبة وليست بفرض! فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر من رمضان، يقولون: زكاة الفطر واجبة وليست فريضة! الصحابي يقول: فرض رسول الله، وهنا فرضت؛ لأنهم يفرقون بين الفر ض والواجب، فالفرض ما ثبت بدليل قطعي، والواجب ما ثبت بدليل ظني عندهم.(39/9)
طيب إذا جئنا لآية القصر {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ} [(101) سورة النساء] وجئنا إلى آية السعي {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [(158) سورة البقرة] هل قول الحنفية في القصر مثل قولهم في السعي؟ يعني قولهم في القصر أشد من قول الجمهور، وقولهم في السعي أخف من قول الجمهور، لماذا لا يقولون: إن قوله {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ} [(101) سورة النساء] لا يدل على الوجوب وجوب القصر كما قالوا في السعي؟ وإن كان عندهم القول المرجح الوجوب في السعي، ومنهم من يقول بسنيته؛ لأن رفع الجناح يعني رفع الإثم، ورفع الإثم لا يعني ثبوت الإثم على الترك، يعني هذا يرد على الجمهور ويرد على الحنفية، فالجمهور يرون أن الآية .. ، وإن كان بعضهم يقول: إن الآية ليس فيها دليل على وجوب السعي من الأصل يعني، حتى من الجمهور يقولون: الدلالة من أمر خارج، وإن وجهت عائشة دلالة الآية على الوجوب بخلاف قول عروة، والمسألة معروفة، لكن الذي جرنا إلى الكلام عليها هو قوله: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ} [(101) سورة النساء] هذه الآية تدل وجوب وإلا مجرد رفع الجناح؟ ليس فيها ما يدل على الوجوب، يستدلون بمثل هذا الحديث: "أول ما فرضت الصلاة ركعتين" ويقولون: إن الفرض هو الواجب، وعرفنا تفريقهم بين الفرض والواجب مع أنه يلزمهم أن يقولوا: بأنها فريضة ما دام الصحابية تقول: فرضت، والصحابي يقول: فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر، لكن هذا لا شك أنه من باب إخضاع النصوص للاصطلاحات الحادثة، والاصطلاحات كلما قربت من اللفظ الشرعي كانت أصح وأدق، وإلا قد يوجد اصطلاحات سواءً كانت عرفية عند أهل العلم أو عرفية بالنسبة للعرف العام يعني اصطلاحية عند أهل العلم أو عرفية بالعرف العام، أو في عرف العرف الخاص عند أهل اللغة قد يكون هناك شيء من الاختلاف عن العرف الشرعي، وشيخ الإسلام -رحمه الله- يرى أن العرف الشرعي لا يلغي العرف اللغوي، بل يبقه كما هو ويزيد عليه بعض القيود، لا يمكن أن يؤتى بلفظة بعيدة في اللغة عن معناها الاصطلاحي تنقل من معنى لغوي بعيد جداً عن المعنى(39/10)
الاصطلاحي، إنما يكون فيها نوع اتصال بالمعنى الاصطلاحي، لو نظرنا مثلاً إلى الإيمان مثلاً أو إلى الصلاة أو إلى الإسلام أو إلى الزكاة، كلها الاصطلاحات الشرعية والحقائق الشرعية تحتوي وتشتمل على الاصطلاح اللغوي وزيادة.
في آية ياسين {فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ} [(14) سورة يس] في اصطلاح أهل الحديث العزيز: ما يرويه اثنان، تمنى صاحب فتح الملهم أن لو كان العزيز عندهم ما رواه ثلاثة؛ ليكون ذلك قريب من الاستعمال القرآني، والتعزيز كما يكون بثالث يكون بثاني، ويكون برابع أيضاً؛ لأن التعزيز هو التقوية، ولا شك أنه كلما قرب الاصطلاح العلمي من اللفظ الشرعي كان أولى وأحرى وأقرب إلى الإصابة.
هنا الفرق بين الفرض والواجب عند الحنفية لا شك أنه اصطلاح وهو اصطلاح حادث، وهو لمجرد التفريق بين الأمرين، يريدون به التيسير، تيسير الفهم على الطالب، ويوجد نظيره في المذاهب الأخرى في اصطلاحات أخرى، في الاصطلاح العام، عند عموم الناس، يعني في اللفظ الشرعي في القرآن {جِمَالَتٌ صُفْرٌ} [(33) سورة المرسلات] ولو طبقت هذا اللون على الألفاظ المتداولة من الألوان الموجودة الآن ما وجدت جمل أصفر، جمل أصفر بالمتداول بين الناس اليوم تجد وإلا ما تجد؟ لو قال شخص: والله أنا عمري كله أنا صاحب إبل من سبعين سنة ما وجدت جمل أصفر، هو باعتبار العرف العام -عرف الحقيقة العرفية بين الناس- نقول: كلامك صحيح، وإلا لو لم يقصد هذه الحقيقة العرفية قلنا: صادمت القرآن؛ لأن القرآن يثبت الجمالة الصفر.
وفي ألوان الإبل عند أهلها ما يختلف عن الحقائق بالنسبة للألوان عند عامة الناس، فيوجد الاتفاق ويوجد الاختلاف، والأمور العرفية الاصطلاحات لا مشاحة فيها، الاصطلاحات لا مشاحة فيها، لكن ما يترتب عليه خلل في حكم شرعي هذا لا يقر عليه مهما كان، يشاحح فيه، أما ما لا يترتب عليه خلل في حكم شرعي أو تغيير في أحكام شرعية هذا لا مشاحة فيه.(39/11)
"أول ما فرضت الصلاة ركعتين" يعني في ليلة الإسراء "فأقرت صلاة السفر" يعني استمرت، كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي في السفر ركعتين "وأتمت صلاة الحضر" يعني ما عدا المغرب، وما عدا الصبح، كما جاء في المسند من حديث عائشة "إلا المغرب فإنها وتر النهار، وإلا الصبح فإنها تطول فيها القراءة".
المغرب وتر النهار هل المغرب في النهار وإلا في الليل؟
طالب: في الليل.
نعم في الليل، لكن لقربها من النهار أضيفت إليه، كما أضيف عيد الفطر إلى رمضان، وإلا فهو في اليوم الأول من شوال ((شهرا عيد لا ينقصان)) العيد في شوال ما هو في رمضان، لكن لقربه منه، إلا المغرب فإنها وتر النهار، وإلا الصبح فإنها تطول فيها القراءة، هذه صفتها، فلا يجتمع طول القراءة مع كثرة عدد الركعات؛ لأن هذا يشق على المأمومين، وأتمت صلاة الحضر.
"قال الزهري: فقلت لعروة: ما بال عائشة تتم؟ قال: تأولت ما تأول عثمان" عثمان -رضي الله عنه- كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يقصر الصلاة وكذلك أبو بكر وعمر وعثمان في صدر خلافته، ثم إنه أتم بعد ذلك، أتم في السفر إما لكونه تأهل، أو لكونه باعتباره أميراً للمؤمنين فبلاد المسلمين هي بلاده، وهو مقيم في أي بلد يتبعه، ولعل هذا تأويله، وكذلك أم المؤمنين تأولت أن بيوت المؤمنين وبلاد المؤمنين بلد لها؛ لأنها أم المؤمنين، ولذلك قال: تأولت ما تأول عثمان، وإن كان سيأتي عنها من قولها إنه لا يشق علي، وقصر الصلاة إنما هو من أجل السفر الذي تصحبه المشقة غالباً.(39/12)
بالنسبة للقصر والإتمام هل يربط بالمشقة كما يربط الصيام؟ لا، النبي -عليه الصلاة والسلام- قصر الصلاة وهو مقيم في مكانه لم يجد به السير، ولا يشق عليه الإتمام، ولذا فإن الأفضل هو القصر، وعرفنا أن الحنفية يوجبونه، بينما الصيام مربوط بالمشقة إن ارتفعت المشقة فالصيام، فقد صام النبي -عليه الصلاة والسلام- وكان يسافر ومعه أصحابه منهم المفطر، ومنهم الصائم، ولا ينكر هذا على هذا، ولا هذا على ذاك، فدل على مشروعية الصوم في السفر إذا انتفت المشقة، وإذا وجدت المشقة ذهب المفطرون بالأجر، وإذا زادت المشقة فأولئك العصاة، وليس كذلك القصر، سواءً وجدت المشقة أم لم توجد ما دام الوصف الذي هو السفر موجوداً فإنه يقصر الصلاة على الخلاف الذي سيأتي ذكره في المسافة والمدة.
"متفق عليه".
"وللبخاري عنها" يعني عن عائشة "قالت: فرضت الصلاة ركعتين ثم هاجر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" دل على أن إتمام الصلاة في الحضر إنما كان بعد الهجرة، وكان في مكة يصلي ركعتين ركعتين، "ثم هاجر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ففرضت أربعاً، وتركت صلاة السفر على الأولى" في بعض النسخ: "على الأول" يعني على الفرض الأول، أو على الفريضة الأولى.
"وعن عطاء عن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقصر في السفر ويتم، ويفطر ويصوم" رواه الدارقطني، وقال: إسناده صحيح، وكلهم ثقات" إسناده صحيح، من حيث الإسناد لا إشكال فيه، ورواته كلهم ثقات، لكن هل هو بهذا اللفظ "يقصر ويتم، ويفطر ويصوم" بالياء في الأفعال الأربعة أو يقصر وتتم، يقصر النبي -عليه الصلاة والسلام- وتتم عائشة، ويفطر وتصوم عائشة؟ ولذلك قال المؤلف: والصحيح أن عائشة هي التي كانت تتم، كما رواه البيهقي بإسناد صحيح عن شعبة.
وأما النبي -عليه الصلاة والسلام- فإنه لم يحفظ عنه أنه كان يتم في السفر، نعم صام في السفر، لكن لم يحفظ عنه أنه كان يتم في السفر، والصحيح أن عائشة هي التي كانت تتم، كما " رواه البيهقي بإسناد صحيح عن شعبة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة -رضي الله عنها- أنها كانت تصلي في السفر أربعاً، فقلت لها: لو صليت ركعتين؟ فقالت: يا ابن أختي إنه لا يشق علي".(39/13)
ابن القيم تبعاً لشيخ الإسلام يرون أنه لا يثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه كان يتم، بل هذا كذب عليه، ولا يصح عن عائشة أنها كانت تتم معه -عليه الصلاة والسلام-، إذ كيف يظن بها أنها تخالفه؟ كيف يظن بأم المؤمنين الفقيهة العالمة العابدة الزاهدة أنها تخالف النبي -عليه الصلاة والسلام-؟
أما كونها تتم بعده هذا لا إشكال فيه، يعني بعد وفاته كانت تتم، وأنها تأولت مثل ما تأول عثمان، وكانت تقول: لا يشق عليه، لكن معه وتخالفه؟! شيخ الإسلام يرى أن هذا لا يصح عنها، ولا يمكن أن يظن بها مثل هذا، لكن ما دام ثبت عنها أنها أتمت بعده فلا يبعد أن تتم وهي معه؛ لأن المخالفة للنبي -عليه الصلاة والسلام- سواءً كانت في حياته بإقراره -عليه الصلاة والسلام- مما يكون صارفاً لمعنى فرضت إلى قدرت، فيكون هذا دليل للجمهور على أن القصر رخصة وليس بواجب، وإن كان هو الأفضل؛ لأنه هو الذي فعله النبي -عليه الصلاة والسلام-.
"أنها كانت تصلي في السفر أربعاً، فقلت لها -عروة ابن أختها-: لو صليت ركعتين؟ فقالت: يا ابن أختي إنه لا يشق علي" وتقدم أنها تأولت مثل ما تأول عثمان، يعني قد يعجب الإنسان من إتمام عثمان ومن إتمام عائشة، مع أنه لم يحفظ عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه أتم في السفر، ولعل في ذلك من الحكمة الإلهية ما يكون صارفاً لملازمته -عليه الصلاة والسلام- للإتمام، وقولها: "فرضت" من الوجوب إلى الاستحباب كما هو قول جماهير أهل العلم.(39/14)
في بعض المسائل التي يختلف فيها أهل العلم مثل هذه المسائل الكبرى في القصر والإتمام قد يحمل الإنسان الحرص كما حمل عثمان وعائشة -رضي الله عنهما- على الإتمام حينما يتردد، هل المسافة التي قطعتها مسافة قصر أو ليست مسافة قصر؟ هل المدة التي مكثتها مدة تقصر فيها الصلاة أو لا؟ ثم بعد ذلك بعد هذا التردد يقول: صلاتي إن أتممت فهي صحيحة عند عامة أهل العلم، عند الجماهير، وإن قصرت الصلاة فصلاتي مشكوك فيها عند الجمهور، وحينئذٍ يحمله مثل هذا التردد على الإتمام، فلعل ما حصل من عثمان وعائشة من هذا النوع، يعني هذا يجده كل إنسان من نفسه، يجده كل إنسان، يخرج إلى النزهة وليس هناك ما تحسب به المسافة، أو يتردد في دلالة النصوص، كما سيأتي تسعة عشر، سبعة عشر، خمسة عشر، أربعة أيام على ما يقول الجمهور، يتردد في هذه المدة.
بعضهم يكون عنده من الحزم والشجاعة والإقدام على القول الذي لا تردد فيه، ويعمل بمقتضى هذا الإقدام ولا يلتفت إلى غيره مثل هذا موجود في أهل العلم، لكن منهم أيضاً بالمقابل من يحمله الاحتياط، من يحمله الاحتياط على نوع من التردد، فيريد أن يخرج من عهدة الواجب بيقين، يعني شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- عنده شيء من الجرأة المستندة إلى النصوص والقواعد الشرعية لا يقال: جرأة من فراغ لا، مثل ما يوجد عند بعض الناس، لا ليس من فراغ، ولذلك تجدونه يفتي ويتكلم بكل ارتياح، ويجزم بما يريد بدون تردد، لكن بعض أهل العلم تجد عنده شيء من التردد بسبب قوة القول الثاني، أو عدم تحقق ما يطلبه أصحاب القول الأول لتطبيق ما يرونه من حكم.(39/15)
عندك مسألة زكاة الفطر دفعها من الأرز مثلاً عموم الناس لا يتردد في أن يدفع زكاة الفطر من الأرز لأنه طعام، وتدخل في عموم الطعام، لكن يقول بعضهم: كوني أدفع زكاة الفطر من شعير وهو أقل بكثير من الأرز إلا أنه مقطوع به، جاء به النص، فلماذا أعمد إلى شيء لم يرد به نص بخصوصه، وأترك ما جاء فيه النص؟ ألا يورد هذا بعض التردد من بعض الناس، وهل يلام على مثل هذا التردد؟ لا ما يلام على مثل هذا التردد، نعم من أوتي علماً .. ، هذا التردد لا يورث إمامة بحال، لا يمكن أن يكون إمام للناس وعنده مثل هذا التردد، لا بد من الشجاعة والإقدام على القول الصحيح؛ لأن الحق واحد لا يتعدد، لكن بعض الناس يقول: أنا لا بد أن أخرج من عهدة الواجب بيقين، وليس عندي من اليقين ما أرجح به هذا على هذا، فتجده يعمل بالأحوط، ولكن الاحتياط في بعض الأحوال في ترك الاحتياط الذي يراه بعض أصحاب الوسوسة، كما قال شيخ الإسلام: "إن الاحتياط إذا أدى إلى ارتكاب محظور، أو ترك مأمور فالاحتياط في ترك هذا الاحتياط" وهذه أمور لا شك أن الناس يتفاوتون فيها، تجد بعض الناس عنده شيء من الجرأة حتى أنه ينسب إلى مخالفة الجمهور لأنه عنده شذوذ وعنده كذا، فهذا أحد شخصين: إما أن يكون لديه من العلم الشرعي ما يجعله راسخاً في علمه، ويذهب إلى ما يراه بقوة وحزم وعزم دون تردد، فمثل هذا إذا كان يأوي إلى نصوص وإلى قواعد عامة نصوص الشريعة، وأن الشريعة لا تأتي بمثل هذا، هذا له ذلك، والأئمة كلهم على شيء من هذا.
يعني عند الإمام أحمد شيء من الورع أحياناًَ تجد في بعض ألفاظه ما يوحي بأنه لم يجزم بهذا الحكم، لكن غيره من الأئمة يجزمون.(39/16)
الشافعي أحياناً يقول: إن صح الحديث فهو مذهبي، فيه شيء من التردد تبعاً لتردده في مستند هذا الحكم، وهل يمكن أن نقول: إن مثل هذا التردد الذي يحمل على ارتكاب المفضول عند بعض أهل العلم، يعني قد يقول: أنا أتم الصلاة، لماذا تتم الصلاة والنبي -عليه الصلاة والسلام- ما حفظ عنه أنه أتم؟ قال: يا أخي ما أنا جازم أن هذه المسافة مسافة قصر، يعني مسافة القصر مختلف فيها، كوني صلاتي إذا صليت أربع عامة أهل العلم يبطلونها وإلا يصححونها؟ يصححونها، نعم قد أكون آثم عند الحنفية، لكن صلاتي صحيحة حتى عند الحنفية، لكن إذا صليت ركعتين يوجد من يبطل صلاتي وإلا ما يوجد؟ يوجد من يبطل صلاتي، إذاً أتم الصلاة.
ولذا تجدون بعض من ارتكب شيء من الجرأة والشجاعة والفتوى بقول حازم عازم تبعاً لإطلاق النصوص ترتب من الأثر على فتواه ما ضيع بسببه بعض العبادات، يذهب إلى بلد من البلدان يدرس أربع سنوات خمس سنوات ولا يزال يقصر ويجمع ويفطر في رمضان بناءً على أن النصوص مطلقة، يعني هل هي مطلقة إلى هذا الحد؟ لا يمكن، وترك تقييد النصوص إلى أفهام الناس المختلفة الذي بعضهم لديه أهلية، وبعضهم لا أهليه لديه، هل يمكن أن يترك مثل هذا الأمر إلى أفهام عموم الناس؟ وهذا ما جعل بعض أهل التحقيق من أهل الحديث أن يقول بقول الجمهور في تحديد المسافة والمدة وإن كان مستنده الشرعي ليس بقوي على ما سيأتي، لكن احتياطاً للعبادات، وخروجاً من عهدة الواجب بيقين، ولو ترك الأمر لأفهام الناس وتقييد الناس لضاعت العبادات، وقد حصل.
وقد كان الشيخ ابن باز كما نص على ذلك في فتاويه يفتي بقول شيخ الإسلام بإطلاق النصوص، وأنه ما دام مسافراً له أن يجمع، وله أن يقصر، وله أن يفطر، ويمسح ثلاثة أيام؛ لأن النصوص مطلقة، فما الداعي لتقييدها؟ يقول: ثم رأيت بعض التلاعب من بعض المسلمين إذا سافروا سنين طويلة رأيت أن الاحتياط للعبادة أن يعمل بقول الجمهور ولو لم يكن في أدلته ما يلزم المسلم بالتقييد، وهذا الكلام سيأتي -إن شاء الله تعالى-.(39/17)
"وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الله يحب أن تؤتى رخصه، كما يكره أن تؤتى معاصيه)) " الله -جل وعلا- يحب ويكره، وهاتان الصفتان ثابتتان له في نصوص الكتاب والسنة على ما يليق بجلاله وعظمته، يحب أن تؤتى رخصه، ويكره أن تؤتى معاصيه، يحب أن تؤتى رخصه؛ لماذا لم يلزم بذلك إذا كان يحب؟ وإذا كان يكره أن تؤتى معاصيه لماذا لم يمنع؟ لماذا يوجد العصاة؟ يوجدون تبعاً للإرادة الكونية، وأنه لا بد من وجودهم، ولا بد من مخالفة الإرادة الشرعية؛ لأنه وجد من يخالفها، وكتب عليهم مخالفتها، فالله -جل وعلا- يحب محبة شرعية وتوجد المعصية ويوجد مخالفة ما يحب تبعاً للإرادة الكونية القدرية.
يكره أن تؤتى معاصيه، يكره شرعاً لكنه أراد ذلك كوناً وقدراً، فهذا دليل على .. ، يعني إدخال الحديث في هذا الباب يدل على أن الترخص في السفر ليس بواجب، وإن كان محبوباً لله -جل وعلا-، ليس بواجب، وهذا هو المعروف عند المؤلف، وهو من الحنابلة والجمهور على ذلك.
يقول: "رواه أحمد وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما، وأبو يعلى الموصلي، ولفظه: ((إن الله -عز وجل- يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه)) " والرخص: جمع رخصة، والأصل فيها التيسير والتسهيل، والعزائم فيها التكليف، ومنها ما يشق، بعض التكاليف منها ما يشق، كما جاء في أن الجنة حفت بالمكاره، والعزيمة في الأصل ما جاء على وفق الدليل الشرعي من غير معارض راجح، والرخصة ما جاء على خلاف الدليل لمعارض راجح، المعارض دليل، لكن الأصل المنع، ثم رخص بهذا الممنوع لمعارض راجح، فالميتة محرمة رخص في أكلها للمضطر لوجود هذه الضرورة التي أبيحت بالنص.
"وروى شعبة عن يحيى بن يزيد الهنائي قال: سألت أنس بن مالك عن قصر الصلاة؟ فقال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ -شعبة الشاك- صلى ركعتين" رواه مسلم" والميل مقداره كيلوين إلا ثلثاً، الميل، أو ثلاثة فراسخ (أو) هذه للشك وليست للتخير، والذي شك في الأميال أو الفراسخ شعبة، روى شعبة عن يحيى بن يزيد الهنائي، فالشك منه.
"صلى ركعتين" رواه مسلم.(39/18)
هذا دليل من يقول: إن القصر والترخص يحصل لكل مسافر، سواءً كان السفر طويلاً أو قصيراً، يعني حدود خمسة كيلو، أو خمسة عشر كيلو على ثلاثة فراسخ، وهذه لا يقول بها الجمهور الذي يختلفون في المسافة هل هي مسيرة يوم كما يرجحها البخاري، ويقدر بأربعين كيلاً، أو مسيرة يومين قاصدين كما يقول به الشافعية والحنابلة، أو مسيرة ثلاثة أيام كما يقول الحنفية، فهي أربعين كيلو أو ثمانين أو مائة وعشرين، أما ثلاثة أميال خمسة كيلو ما قال به إلا أهل الظاهر، أهل الظاهر قالوا بأنه يقصر في السفر ولو قصُر، ولو بلغ ثلاثة أميال أو أقل، والحديث مخرج في صحيح مسلم، نعم تكلم فيه ابن عبد البر وهو في صحيح مسلم، تكلم ابن عبد البر في يحيى بن يزيد الهنائي قال: ليس هو ممن يوثق به في ضبط مثل هذا الأصل.
هو من رجال مسلم فجاز القنطرة عند أهل العلم، لكن الحديث محمول عند الجمهور على أنه إذا بلغ هذه المسافة، وفارق البلد في بداية سفر يبلغ المسافة، إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال بحيث يفارق عامر القرية وليست هذه هي الغاية ثلاثة أميال، وإنما الغاية المسافة المطلوبة عند الجمهور على هذا يحمل عند جمهور أهل العلم الذين يحددون بالمسافة.
قال: "وعن العلاء بن الحضرمي -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((مكث المهاجر بعد قضاء نسكه ثلاثاً)) ".
المهاجر الذي ترك مكة لله ورسوله، هاجر إلى الله ورسوله، لا يجوز له أن يقيم في مكة، لا يجوز له الإقامة في مكة، أذن له في ثلاثة أيام مما يدل على أن الأربعة إيش؟ إقامة، المهاجر الذي ترك البلد الذي هاجر منه لله ورسوله لا يجوز له أن يقيم فيه، وأذن للمهاجر المكث بعد قضاء نسكه ثلاثاً، مما يدل على أن الثلاثة الأيام أو ثلاث الليالي ليست إقامة، ومفهومه أن الأربع إقامة، والأربعة أيام هي المدة التي تسمى إقامة، ويحكم عليها بأحكام المقيم عند الأئمة الثلاثة عند المالكية والشافعية والحنابلة، وأما بالنسبة للحنفية فخمسة عشر يوماً على ما سيأتي.
"متفق عليه".(39/19)
لأن الإنسان، قد يقول: لماذا جيء بحديث: ((إن الله يحب أن تؤتى رخصه)) في باب قصر صلاة المسافر؟ في باب صلاة المسافر، وأيضاً مكث المهاجر ويش علاقته بصلاة المسافر؟ نقول: جيء بالحديث الأول ليبين أن الترخص ليس على سبيل الإلزام والوجوب، وجيء بالحديث الثاني ((مكث المهاجر)) على أن مفهوم الخبر يدل على أن الأربع ليال إقامة، وما دونها لا يسمى إقامة وهو في حكم السفر.
"متفق عليه".
"وعن يحيى بن أبي إسحاق سمعت أنس بن مالك يقول: "خرجنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- من المدينة إلى مكة فكان يصلي ركعتين ركعتين حتى رجعنا إلى المدينة، قلت: أقمتم بها شيئاً؟ قال: أقمنا بها عشراً" يعني في حجة الوداع دخل المدينة في اليوم الرابع وخرج في اليوم الرابع عشر، أقام بها عشراً، لكن الجمهور يقولون: إنه لم يقم في مكة إلا أربعة أيام، ما أقام بها عشر، يعني مجموع المدة في المناسك كلها، وفي المشاعر عشر، من اليوم الرابع إلى الرابع عشر عشر، لكنه أقام بمكة الرابع والخامس والسادس والسابع، يوم التروية خرج من مكة إلى منى، ما أقام بها، فلا يرد مثل هذا على قول الجمهور، إنما ينظرون إلى الإقامة في مكانه في مكة أقام بها أربعاً، ولذا يشترطون للترخص ألا تزيد المدة على أربعة أيام بلياليها.
"متفق عليه، واللفظ للبخاري".
"وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "أقام النبي -صلى الله عليه وسلم- تسعة عشر يقصر، فنحن إذا سافرنا تسعة عشر قصرنا، وإذا زدنا أتممنا" هذا رأي ابن عباس أن هذه المدة هي مدة السفر، وما عداها إقامة.(39/20)
"أقام النبي-صلى الله عليه وسلم- تسعة عشر يقصر" وهذا في عام الفتح، لما فتح مكة -عليه الصلاة والسلام- أقام بها يجمع العدة، يعد العدة لغزو ثقيف وهوازن، وهذا محمول عند أهل العلم على أنها ليست إقامة، وأنه في كل يوم يقول: يتم أمرنا ونذهب لغزوهم، والمسافر إذا لم يزمع الإقامة، بل ينتظر عملاً لا يدري ما نهايته وما غايته فإنه يكون مسافراً ولو أقام ما أقام، الذي لا يدري متى ينتهي؟ ولا يدري متى يرجع؟ ولا يدري متى يعود؟ هذا لا يزال يترخص، فنحن إذا سافرنا تسعة عشر قصرنا، وإذا زدنا أتممنا، هذا رأي ابن عباس فهم من هذا الحديث أن هذه المدة المحددة الفارقة بين الإقامة والسفر.
"وفي لفظ: "أقام النبي -صلى الله عليه وسلم- بمكة تسعة عشر يوماً" رواه البخاري، وعند أبي داود: "أقام بمكة سبع عشرة" هناك تسعة عشر وهنا سبع عشرة، لما ذكر التمييز يوماً مشى على القاعدة أنث الأول وذكر الثاني، ولما حذف التمييز جاز التذكير والتأنيث، أقام سبع عشرة يعني ليلة بمكة يقصر الصلاة، ولو قال: سبعة عشر لصح، ما دام ليس فيه تمييز ((من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال)).
"يقصر الصلاة" لا شك أن الرواية الراجحة: تسعة عشر، هذه أرجح الروايات، وجاء: سبع عشرة، ولعل من روى هذه المدة وهذا العدد لم يعتد بيوم الدخول ولا بيوم الخروج، ومن قال: تسعة عشر اعتد بهما.
قال: "وقال عباد بن منصور عن عكرمة عن ابن عباس: "أقام تسع عشرة" يعني ليلة "وعنده -أي عند أبي داود من رواية ابن إسحاق-: أقام بمكة عام الفتح خمس عشرة" وهذه الرواية مضعفة عند أهل العلم؛ لأن فيها ابن إسحاق وهو مدلس، وهو روى بالعنعنة، وكأن الراوي فهم أن المدة سبع عشرة لا تسع عشرة، سمع الرواية: سبع عشرة، فحذف يوم الدخول والخروج فصارت خمس عشرة، يعني لو جاء ثالث وقال: ثلاث عشرة، نقول: فهم خمس عشرة وحذف؟ إذاً لا تنتهي، ولذا حكموا على رواية: خمس عشرة بالضعف.
"يقصر الصلاة" وقال البيهقي: اختلفت الروايات في تسع عشرة وسبع عشرة، وأصحها عندي رواية من روى: تسع عشرة".(39/21)
"وعن جابر -رضي الله عنهما- قال: "أقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بتبوك عشرين يوماً يقصر الصلاة" رواه أحمد وأبو داود، وقال: غير معمر لا يسنده".
على كل حال هو صحيح، وإن كان يروى موصولاً ومرسلاً، لكن هو صحيح على كل حال، النبي -عليه الصلاة والسلام- في آخر عمره في السنة العاشرة غزا بنفسه وبصحابته غزوة تبوك، ذهب إليها لغزو الروم بما يسمى جيش العسرة؛ لأنه زمان عسرة، حر شديد، ووقت طيب الثمر، وكثر الاعتذار من المنافقين والتخذيل منهم، المقصود أنه ذهب إليهم -عليه الصلاة والسلام- وحصل في قلوب الروم من الرعب ما حصل، ولم يحصل منهم أدنى شيء على مشارف بلادهم، بل تبوك في ذلك الوقت من بلاد الشام، وهو ينتظر منهم شيء -عليه الصلاة والسلام-، فكونه أقام بتبوك عشرين يوماً يقصر الصلاة يجيب عنه الجمهور الذين يحددون المدة بأربعة أيام أنه ينتظر إغارتهم، فلا يدري هل يغيرون اليوم أو غداً، أو يغير عليهم أو يغيرون هم، فلم يزمع إقامة مدة معينة.
قال: "رواه أحمد وأبو داود، وقال: غير معمر لا يسنده" وأقام بعض الصحابة أشهر في بعض البلدان يقصرون الصلاة كلهم لعدم إزماعهم وإجماعهم على المقام مدة معينة، بل ينتظرون أمراً متى فرغ انتقلوا.(39/22)
هذا ما يتعلق بالقصر، وأما ما يتعلق بالجمع فسيأتي -إن شاء الله تعالى- في درس الغد، وعرفنا أن النصوص في الجملة تعلق الترخص بالسفر، فهو الوصف المؤثر ومتى وجد وجد ما رتب عليه من رخص، وعمل بإطلاق النصوص جمع من أهل العلم، ويرجحه شيخ الإسلام ابن تيمية، ويفتي به بعض العلماء المعاصرين، ولا شك أنه من حيث الدلالة في النصوص وضعف التقييدات والأجوبة التي أجيب بها عن بعض النصوص لا شك أن فيها ما فيها، يعني ليست بملزمة، ولذا لا يثرب على من قال بقول خلاف قول الجمهور، لا يثرب عليه، لكن مع ذلك قول الجمهور أحوط وأضبط للعبادات، ويمكن الإجابة عما يستدل به أصحاب القول الآخر، منهم من حدد بالمدة، ومنهم من حدد بالمسافة، ومنهم من حدد حتى المسافة بالمدة، يعني إذا قطعت المسافة بمدة لا تسمى سفراً، يعني مائة كيلو قطعت بساعة مثل في يومنا هذا، الساعة لا تعتبر سفر في عرف المتقدمين، وإن كانت المسافة مسافة قصر، ولذا ينص الفقهاء على أن مسافة القصر مسيرة يومين ولو قطعها في ساعة، فهم يعتدون بالمسافة بغض النظر عن المدة، ومنهم من يقول: إن المعتبر المدة، مدة السفر إذا كانت في الغالب تسمى سفر فمسيرة يوم أو يومين سفر عندهم، لكن المسافة تقطع في ساعة يعني ألف كيلو يقطع في ساعة الآن، فهذا لا يعتبر سفر عند بعض أهل العلم، وإن كان سفراً في عرف المتقدمين؛ لأنه يحتاج إلى استعداد، ويحتاج إلى زاد، ويحتاج إلى تعب ومشقة، وأما مسائل الجمع فستأتي غداً -إن شاء الله تعالى-، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول: ما الفرق بين أهل العلم عامة وعامة أهل العلم، وجماهير العلماء، وجمهور أهل العلم، وجمهور العلماء ... إلى آخره؟
إذا قيل: عامة أهل العلم فالمخالف قليل جداً، وإذا قيل: جماهير فهم قلة لكنهم أكثر مما إذا قيل: عامة أهل العلم، والجمهور يكون القول قول الأكثر، وإن خالف كثير.
طالب:. . . . . . . . .
ويش فيه؟
طالب:. . . . . . . . .
هذاك فهمه، فهمه من إقامته -عليه الصلاة والسلام- في مكة تسعة عشر، فهمه ما ووفق عليه -رضي الله عنه وأرضاه-.(39/23)
الحنفية قالوا: بخمسة عشر يوماً؛ لأنها أقل ما قيل في الحديث الصحيح بإقامته -عليه الصلاة والسلام- بمكة.
شخص عُرضت عليه وظيفتان في جدة وفي مكة، وأراد أن يستخير، هل يصلي لكل وظيفة صلاة؟
تكفي صلاة واحدة؛ لأنه إما أن يوجه إلى هذا أو هذا، اللهم إلا إذا لم يتبين له شيء وأراد أن يعيد الاستخارة فلا مانع.
هذا يقول: من طلب -حديث أبي ذر-: "من طلب علماً عشية عرفات يبتغي به وجه الله استغفر له الشمس والقمر والكوكب الدري" أين يمكن أن أجد هذا الحديث حيث أني بحثت عنه ولم أجده؟
هذا الحديث لا أعرفه.
يقول: شخص يداوم من مكة إلى الطائف يصلي الظهر هناك ثم يرجع فهل له أن يجمع فقط أم يقصر ويجمع؟ وهل هذا الجمع لخشية من النوم عن العصر أو السفر؟
وهل هذا الجمع من الخشية من النوم عن العصر أو السفر؟ اسأله هو.
وهل هذا الجمع من الخشية من النوم عن العصر أو السفر؟
على كل حال الآن الذي بين مكة والطائف وإن كان منصوصاً عليه في الصحيح من كلام ابن عباس بين مكة والطائف وبين مكة وجدة، وبين مكة وعسفان، هذه مسافة قصر عنده، لكن باعتبار تقارب البلدان الذي بين مكة وجدة الآن قرب أكثر من عشرين كيلو عن السابق، فما يصفو من مكة إلى جدة أكثر من ستين كيلاً، فليست مسافة قصر، وقل مثل هذا في مكة والطائف أقل من ثمانين كيلاً، فلا تكن مسافة قصر عند الجمهور، وحينئذٍ لا يترخص.
يقول: إذا طافت المرأة أو سعت بدون محرم هل تأثم؟
لا تأثم؛ لأنها لا توجد خلوة، لا خلوة ولا سفر يقتضي المحرم.
يقول: هل يجوز الأكل أثناء الطواف للصائم ولغير الصائم، وهل الطواف صلاة؟
يسير الشرب يذكرها أهل العلم أنه لا بأس به في الطواف كالنافلة، ولا شك أن الطواف يختلف عن الصلاة أبيح فيه الكلام، أبيح فيه ما لا يباح في الصلاة، فالأمر فيه أشد، فلا مانع إذا كان صائماً أن يتناول تمرة واحدة مثلاً أو كوباً من الماء يفطر به لا أرى ما يمنع من ذلك -إن شاء الله تعالى-.
يقول: ألا تعني الآية: {جِمَالَتٌ صُفْرٌ} [(33) سورة المرسلات] مشابهة الشرر للجمال حجماً؟ ويبقى اللون وصف للشرر، وهو لونه المعروف، وهو أسلوب مستعمل عند العرب؟(39/24)
{جِمَالَتٌ صُفْرٌ} [(33) سورة المرسلات] الآن صفر وصف للشرر أو وصف للجمالة؟ للجمالة بلا شك، ألوان الإبل من القدم وهي لا تطابق الألوان المتعارف عليها، علماً بأن الألوان إطلاقاتها عرفية، تختلف من وقت إلى آخر، إطلاقات الأولان عرفية تختلف من وقت إلى آخر، فمثلاً اللون البنفسجي معروف كان يسمى في السابق قرمزي، وموجود في كلام أهل العلم، يعني مر علينا في القرطبي وغيره، قرمزي، وأدركناه أيضاً عند عامة الناس يقولون: قرمزي، وهو البنفسجي، والآن ويش يسمونه الناس؟ موف، فالإطلاقات لا شك أنها تختلف من وقت إلى آخر.
يعني لو يقول شخص: ما رأيت جمل مثل التكاسي اللي لونها أصفر يكون كلامه صحيح وإلا لا؟ كلامه صحيح، لكن هل يقال: إنه خالف النص؟ عارض ما جاء في القرآن؟ أنكر ما جاء في القرآن؟ لا هو يتحدث عن إطلاق عرفي لا يريد به مخالفة النص، والله أعلم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
طالب: هناك معاصيه، وعندنا معصيته؟
كلها واردة.
طالب:. . . . . . . . .
كلها واردة.
طالب: بس بالنسبة للقصر الذي في الآية يكون قصر هيئة الذي هو صلاة الخوف يا شيخ وليس المقصود ....
قصر هيئة؟
طالب: إيه.
لا هو قصر صلاة.
طالب:. . . . . . . . .
لا، حتى في قصر، الرباعية تصلى ركعتين، النبي -عليه الصلاة والسلام- صلاها ركعتين، صلاة الخوف.
طالب: الأصل أنها ركعتين وليس كما قلنا الخوف؛ لأن المقصود بالخوف هي صلاة الخوف أي قصر هيئة؟
لا، عاد على الخلاف بين أهل العلم هل تصلى صلاة الخوف في الحضر وإلا لا؟ يأتي -إن شاء الله تعالى-.
طالب: يا شيخ بارك الله فيك إذا كان في سفر وهو غير جاد في السير يجمع ...
يجمع، يجمع ...(39/25)
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: المحرر – كتاب الصلاة (40)
الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير
سم.
بسم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
قال الإمام ابن عبد الهادي في كتابه المحرر:
وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر إلى وقت العصر، ثم نزل فجمع بينهما، فإن زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر ثم ركب" متفق عليه.
وعنه -رضي الله عنه- قال: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا كان في سفر فزالت الشمس صلى الظهر والعصر جميعاً ثم ارتحل" رواه الحافظ أبو نعيم في المستخرج على مسلم، ثم قال: "رواه مسلم ولم يروه بهذا اللفظ، وإنما لفظه: كان إذا أراد أن يجمع بين الصلاتين في السفر أخر الظهر حتى يدخل أول وقت العصر ثم يجمع بينهما".
وعن نافع أن ابن عمر كان إذا جد به السير جمع بين المغرب والعشاء بعد أن يغيب الشفق، ويقول: "إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا جد به السير جمع بين المغرب والعشاء" متفق عليه، ورواه أبو داود من رواية محمد بن فضيل عن أبيه عن نافع وعبد الله بن واقد أن مؤذن ابن عمر قال: الصلاة! قال: سر، سر، حتى إذا كان قبل غيوب الشفق نزل وصلى المغرب، ثم انتظر حتى غاب الشفق فصلى العشاء، ثم قال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا عجل به أمر صنع مثل الذي صنعت فسار في ذلك اليوم والليلة مسيرة ثلاث.
قال أبو داود: رواه ابن جابر عن نافع نحو هذا بإسناده، ورواه عبد الله بن العلاء بن زبر عن نافع قال: "حتى إذا كان عند ذهاب الشفق نزل فجمع بينهما".
وعن معاذ قال: "خرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في غزوة تبوك فكان يصلي الظهر والعصر جميعاً، والمغرب والعشاء جميعاً" رواه مسلم.
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى بالمدينة سبعاً وثمانياً الظهر والعصر، والمغرب والعشاء جميعاً. متفق عليه.
الظهر والعصر جميعاً.
الطالب: طيب هكذا عندي يا شيخ.
الظهر والعصر جميعاً، والمغرب والعشاء جميعاً.
الطالب: أحسن الله إليك.(40/1)
لأنه ما يمكن يجمع.
الطالب: الظهر والعصر جميعاً، والمغرب والعشاء جميعاً. متفق عليه.
ولمسلم: جمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء بالمدينة في غير خوف ولا مطر، قلت لابن عباس: لم فعل ذلك؟ قال: كي لا يحرج أمته، وفي لفظ له: في غير خوف ولا سفر.
وقد تكلم ابن سريج في قوله: "ولا مطر".
وروى الطحاوي من رواية الربيع بن يحيى الأشناني عن الثوري عن ابن المنكدر عن جابر قال: "جمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة للرخص من غير خوف ولا علة" والربيع بن يحيى روى عنه البخاري، وقد تُكلم فيه بسبب هذا الحديث.
وعن معاذ -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان في غزوة تبوك إذا ارتحل قبل زيغ الشمس أخر الظهر حتى يجمعها مع العصر يصليهما جميعاً، وإذا ارتحل بعد زيغ الشمس صلى الظهر والعصر جميعاً ثم سار، وكان إذا ارتحل قبل المغرب أخر المغرب حتى يصليها مع العشاء، وكان إذا ارتحل بعد المغرب عجل العشاء فصلاها مع المغرب. رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وقال: حديث حسن غريب. وقال أبو داود والترمذي والطبراني وابن يونس والسليماني والبيهقي والخطيب وغيرهم: تفرد به قتيبة، قال الخطيب: وهو منكر جداً، وقال الحاكم: هو حديث موضوع، وقتيبة ثقة مأمون، وقد تقدم جمع المستحاضة بين الصلاتين في باب الحيض. والله أعلم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
لما أنهى المصنف -رحمه الله تعالى- الأحاديث المتعلقة بالقصر أردفها بالأحاديث المتعلقة بالجمع، وكلاهما مما يهم المسافر.
قال -رحمه الله تعالى-:(40/2)
"وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر إلى وقت العصر" إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس قبل أن تزول إلى جهة المغرب بعد الزوال بعد أن يقوم قائم الظهيرة تذهب إلى جهة المغرب، وهذا هو الزوال وهو الدلوك الذي جاء ذكره في سورة الإسراء، سُمي هذا الوقت كما يقول أهل العلم دلوكاً لأن الناظر إلى الشمس في هذا الوقت تؤلمه عينه فيضطر إلى دلكها، قبل أن تزيغ الشمس وقبل أن يحين وقت صلاة الظهر أخر الظهر إلى وقت العصر؛ لأنه لا يستطيع أن يصلي لا ظهر مفردة ولا مجموعة قبل زوال الشمس؛ لأنه ليس وقت صلاة قبل الزوال فإذا زالت حان وقت الظهر، فإذا ارتحل قبل الزوال أخر الظهر إلى وقت العصر، ثم نزل فجمع بينهما جمع تأخير.(40/3)
"فإن زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر ثم ركب" وضع "والعصر" بين قوسين زيادة من بعض النسخ هذه ليست بصحيحة، وليس في الحديث ما يدل على جمع التقديم، فيه ما يدل على جمع التأخير، وليس فيه ما يدل على جمع التقديم، والجمع بين الصلاتين في السفر هو قول جمهور أهل العلم، وخالف فيه الحنفية فلم يروا الجمع إلا في عرفة ومزدلفة للنسك، وأول ما جاء من جمعه -عليه الصلاة والسلام- بين الصلاتين فحملوه على الجمع الصوري، والجمع الصوري أن يؤخر الصلاة الأولى إلى آخر وقتها، ثم يقدم الصلاة الثانية في أول وقتها، فيأتي بالصلاتين مجموعتين، وكل واحدة منهما في وقتها، ويظنون أن هذا من باب التيسير مع العمل بأحاديث التوقيت، مع أن ملاحظة أوائل الأوقات وأواخر الأوقات فيه مشقة عظيمة على خواص الناس فضلاً عن عوامهم، هذا فيه حرج عظيم على الخواص الذين يعرفون أوائل الأوقات وأواخرها فضلاً عن عوامهم، هذا رأي الحنفية في عدم مشروعية الجمع، وأنه لا يجوز إلا في عرفة ومزدلفة للنسك لا للسفر، ولذا يجمع كل أحد، كل حاج يجمع بينهما، والجمهور يرون أنه للسفر فلا يجمع بعرفة ولا مزدلفة إلا من تحقق فيه الوصف أنه مسافر، قد يقول قائل: النبي -عليه الصلاة والسلام- ما قال للناس بعرفة ولا مزدلفة: أتموا، ولا لا تجمعوا، فإن قوم سفر، كما قال بالمسجد الحرام لما صلى بهم يوم الفتح قال: ((أتموا)) الجمهور يقولون: إن مثل هذا لا يحتاج إلى تنبيه؛ لأنه معروف، ما يحتاج إلى أن ينبه على حكم كل مسألة في كل مناسبة، إذا عرفها الناس ونقلها من تقوم بهم الحجة لا يحتاج إلى تنبيه، فلا يجمع ولا يقصر إلا المسافر، ومن أهل العلم ممن يقول بجواز الجمع والقصر ويخصه بالمسافر يقول أيضاً: إن أهل مكة ومن سكن المشاعر له أن يجمع للنسك، يوافقون الحنفية على هذا، إذا عرفنا قول الحنفية بعدم الجمع بقي من عداهم ممن يقول بجواز الجمع بين الصلاتين في السفر، ومنهم -وهم الأكثر- المالكية والشافعية والحنابلة يقولون بجواز الجمع تقديماً وتأخيراً، جواز جمع التقديم وجواز جمع التأخير، والأوزاعي من الأئمة ورواية عند المالكية والحنابلة أنه يجوز جمع التأخير دون جمع التقديم، وأكثر الأدلة(40/4)
والنصوص المنقولة عن النبي -عليه الصلاة والسلام- في الجمع إنما تدل على جمع التأخير وليس في الصحيحين ما يدل صراحة على جواز جمع التقديم، إنما فيه أشياء مجملة أنه جمع بين الصلاتين، وجاء ما يدل على جمع التقديم بعد هذا الخبر عند الحاكم وعند أبي نعيم، وفي خارج الكتب التي التزم مؤلفوها الصحة، والذي اختلف فيها أهل العلم.
قال: "فإن زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر ثم ركب" يعني: لم يجمع معها العصر، ومفهومه أنه يجمع في جملته الأولى أنه يجمع جمع تأخير، والحديث متفق عليه، ولا إشكال في جمع التأخير، لكن الإشكال في جمع التقديم الذي يدل مفهوم الجملة الثانية على عدمه "صلى الظهر ثم ركب" النسخة التي فيها "والعصر" عندك والعصر؟
طالب: نعم.
أيه وضعها بين قوسين وهي موجودة في بعض النسخ، لكنها ليست صحيحة، زيادة مقحمة.(40/5)
قال: "وعنه -أنس -رضي الله عنه- قال: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا كان في سفر فزالت الشمس صلى الظهر والعصر جميعاً ثم ارتحل" هذا فيه دليل على جواز جمع التقديم، إذا كان في السفر، وهو مخالف لمفهوم الحديث السابق، الحديث السابق متفق عليه، ومفهومه يدل على عدم جمع التقديم، ومنطوق الرواية الثانية التي عند أبي نعيم كان في سفر فزالت الشمس صلى الظهر والعصر جميعاً ثم ارتحل، فمن يقول: المنطوق مقدم على المفهوم يقول بجواز جمع التقديم؛ لهذه الرواية، ومن يقول: إن ما في الصحيح مقدم على غيره مطلقاً قال بعدم جواز جمع التقديم، ولو كان جمع التقديم سائغاً لما عدل عنه البخاري ومسلم، قال: "رواه الحافظ أبو نعيم في المستخرج على مسلم ثم قال: رواه مسلم" المستخرج على مسلم الأصل في الاستخراج أن يعمد المستخرج إلى أحاديث الكتاب المستخرج عليه فيخرجها بأسانيده هو، يعمد إلى أحاديث الكتاب المخرج عليه فيخرج أحاديثه بأسانيده هو من غير طريق صاحب الكتاب الأصلي، فالمستخرج على مسلم لأبي نعيم الأصل أن المتون هي المتون الموجودة في مسلم، لكن الأسانيد أسانيد أبي نعيم لا أسانيد مسلم، وقد يلتقي مع مسلم في شيخه، لكن لا يلتقي بمسلم أبداً، لا يكون عن طريق مسلم إلا أنه قد يضيق عليه المخرج فلا يجد الحديث إلا عن طريق صاحب الكتاب وحينئذٍ إما أن يحذفه؛ لأنه لا يسمى استخراج فيكون ليس من شرط الكتاب، أو يحذف الإسناد كامل ويعلق الخبر، أو يخرجه من طريق صاحب الكتاب، وهذا لا شك أنه خلل في معنى الاستخراج.(40/6)
"رواه الحافظ أبو نعيم في المستخرج على مسلم" قد يقول قائل: وش معنى الاستخراج وهذا ذكر شيء لم يذكره مسلم؟ بل ذكره مسلم خلافه "رواه الحافظ أبو نعيم في المستخرج على مسلم ثم قال: رواه مسلم ولم يروه بهذا اللفظ" روى الحديث حديث أنس رواه لكن لم يرويه بهذا اللفظ، فعدول مسلم عن هذا اللفظ لا شك أنه يعل به هذا اللفظ، إذ لو كان ثابتاً لأخرجه مسلم في صحيحه، وهذه طريقة معروفة عند أهل العلم التعليل بإعراض الشيخين عن إخراج لفظة أو جملة من حديث أخرجا بقيته وأخرجا أصله، قد يقول قائل: إن هذه الزيادة في هذه الرواية خفيت على من روى الرواية الأولى، نعم نقول: خفيت على من روى الرواية الأولى لو أعرض عنها بالكلية، لكنه أشار إلى خلافها، فكيف تكون خفيت عليه؟! وإنما لفظه: "وكان إذا أراد أن يجمع بين الصلاتين في السفر أخر الظهر حتى يدخل أول وقت العصر ثم يجمع بينهما" هذا خلاف ما في هذه الرواية رواه مسلم ولم يروه بهذا اللفظ، نعم روى حديث أنس لكن هذا اللفظ الذي خرجه أبو نعيم في المستخرج هذا لا شك أنه لا يوجد عند الإمام مسلم، وهذه الرواية هي معول من يقول بجواز جمع التقديم، وعرفنا أنه هو المعروف عند المالكية والشافعية والحنابلة كجمع التأخير، وإن كان عند المالكية والحنابلة رواية توافق قول الأوزاعي بعدم جواز جمع التقديم, ولا شك أن الأرفق -والجمع إنما شُرع رفقاً بمن أجيز له الجمع- أن الأرفق به أن يفعل أو يصنع ما يناسبه من الجمع سواء كان تقدمياً أو تأخيراً، وممن نظر إلى العلة مع هذه الرواية أثبت جمع التقديم، ومن قال: نقتصر على ما في الصحيح، وما ثبت في الصحيح نقتصر عليه، وما خرج عنه لا سيما إذا وجد معارضاً لما في الصحيح فإننا نقدم ما في الصحيح، فلم يثبت إلا جمع التأخير، وقد عرفتم من قال به، والجمهور على جواز الجمع تقديماً وتأخيراً.(40/7)
"وعن نافع أن ابن عمر -رضي الله عنهما- كان إذا جد به السير" يعني: راكب مسرع ليس نازلاً "إذا جد به السير جمع بين المغرب والعشاء بعد أن يغيب الشفق" يعني: جمع تأخير "ويقول: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا جد به السير جمع بين المغرب والعشاء, متفق عليه" هذا فيه دليل على جواز جمع التأخير لمن جد به السير، وقد أخذ به من يقول: إن الجمع لا يشرع بالنسبة لمن كان نازلاً، وإنما مشروعيته لمن جد به السير، وهذا يفهم من كلام شيخ الإسلام وابن القيم مع أن النبي -عليه الصلاة والسلام- ثبت عنه أنه جمع بتبوك وهو نازل، فالجمع رخصة للمسافر سواء كان راكباً أو نازلاً، نعم إذا كان نازلاً فالأفضل أن لا يجمع كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- بمنى، يصلي كل صلاة في وقتها، لكنه يقصر الصلاة الرباعية إلى ركعتين.(40/8)
"متفق عليه، ورواه أبو داود من رواية محمد بن فضيل عن أبيه عن نافع وعبد الله بن واقد أن مؤذن ابن عمر قال: الصلاة" المؤذن قال له: الصلاة يعني حان وقتها "قال له: سر، سر" يعني: استمر في سيرك "حتى إذا كان قبل غروب الشفق نزل فصلى المغرب، ثم انتظر حتى غاب الشفق فصلى العشاء، ثم قال: "إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا عجل به أمر صنع مثل الذي صنعت، فصار في ذلك اليوم والليلة مسيرة ثلاث" يعني من سرعة المشي؛ لأنه يقول للمؤذن: سر، سر" يعني من سرعة المشي فصار في تلك الليلة مسيرة ثلاث، يعني: طويت له الأرض؛ لأنه لم ينزل، على كل حال في الحديث هذا -في هذا الخبر- عن ابن عمر ورفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه جمعَ جمع تقديم وإلا تأخير؟ صوري، جمع صوري، جمعاً صورياً "حتى إذا كان قبل غروب الشفق نزل فصلى المغرب، ثم انتظر حتى غاب الشفق فصلى العشاء ثم قال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا عجل به أمر صنع مثل الذي صنعت" لكن الرواية المتفق عليها من حديث ابن عمر أنه يجمع بعد أن يغيب الشفق، والرواية الثانية عند أبي داود وغيره ينزل قبل أن يغيب الشفق فيصلي المغرب، ثم إذا غاب الشفق صلى العشاء فيجمع جمعاً صورياً، ومنهم من يقول: إن هذه الرواية معلولة حكم بعضهم بوضعها، وأما ابن التركماني في الجوهر النقي على سنن البيهقي كأنه دعم هذه الرواية وقواها على الرواية التي قبلها، الرواية التي قبلها عند من؟ في الصحيحين، والرواية الثانية عند أبي داود والبيهقي وغيرهما، ابن التركماني عزز من هذه الرواية وقواها؛ لماذا؟ لأنه حنفي تقوي مذهبه في الجمع الصوري، والأولى ترد عليه في جمع التأخير؛ لأنه لا يراه، وهذا أيضاً إشكال حينما تسخر النصوص لنصرة المذاهب مع أنه ينبغي أن تطوع المذاهب تبعاً للنصوص.
"قال أبو داود: رواه ابن جابر عن نافع نحو هذا بإسناده، قال: ورواه عبد الله بن العلاء بن زبر عن نافع قال: "حتى إذا كان عند ذهاب الشفق نزل فجمع بينهما" رواه أبو داود أيضاً موافقة لما في الصحيحين.(40/9)
قال -رحمه الله-: "وعن معاذ -رضي الله عنه- قال: خرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في غزوة تبوك فكان يصلي الظهر والعصر جميعاً، والمغرب والعشاء جميعاً" رواه مسلم.
(خرجنا) يدل على أنهم في سفرهم إلى تبوك، مع أنه جاء عنه كان يجمع بين الصلاتين وهو نازل في تبوك مما يدل على جواز الجمع في أثناء السير إذا جد به السير، وإذا كان نازلاً ما دام الوصف المؤثر محققاً وهو السفر.
"رواه مسلم".
"وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى بالمدينة سبعاً وثمانياً" نعم؟
الطالب: ... التقديم والتأخير ...
أين؟
الطالب:. . . . . . . . .
هذه؟ لا ما فيها، هذه مجملة، ليست مما يستدل به الجمهور على جواز جمع التقديم، وسبق أن قلت: إن جمع التقديم لا يوجد في الصحاح ما يدل عليه إلا إجمالاً، أما تنصيصاً ما يوجد في الصحاح ما يدل عليه إلا رواية أبي نعيم في المستخرج، وهي عند الحاكم أيضاً في الأربعين له.(40/10)
"وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى بالمدينة سبعاً وثمانياً الظهر والعصر جميعاً، والمغرب والعشاء جميعاً" متفق عليه، وللمسلم: "جمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة من غير خوف ولا مطر، قلت لابن عباس: لم فعل ذلك؟ قال: كي لا يحرج أمته" وفي لفظ له: "من غير خوف ولا سفر" مع أن كلمة "ولا سفر" لا يحتاج إليها إلا من باب التصريح بما هو مجرد توضيح، وإلا كونه في المدينة يفهم منه أنه مسافر؟! لا، لكن قوله: "ولا سفر" واللفظ عند مسلم تصريح بما هو مجرد توضيح، وإلا فالأصل: "من غير خوف ولا مطر" يعني من غير مقتضي، "وقد تكلم ابن سريج في قوله: "ولا مطر" تكلم فيها من أجل أن يثبت أن هذا الجمع له سبب، فإذا انتفى السفر وانتفى الخوف لا بد أن يكون هناك مطر، لكن نفي المطر أيضاً منصوص عليه في الروايات الصحيحة في صحيح مسلم نفي المطر، إذاً لا بد أن يوجد هناك مسبب، لا بد أن يوجد هناك سبب للجمع، وأشير إليه بقوله: "كي لا يحرج أمته" يعني أنه لو لم يفعل لكان فيه حرج، والظروف العادية التي لا تقتضي الجمع ليس فيها حرج، فمخالفة أحاديث التوقيت "لئلا يحرج أمته" من أجل وجود حرج، وليكن غير السفر غير الخوف غير المطر، إما ريح شديدة باردة، أو أمر يقتضي الجمع مما لم يذكر، فالجمع لا بد أن يكون لوجود الحرج للعلة التي ذكرها ابن عباس: "كي لا يحرج أمته" وأحياناً يكون الإنسان في بلده ويضطر إلى الجمع، يعني: إنسان من أهل مكة في وقت المواسم ذهب إلى صلاة المغرب في المسجد الحرام في العشر الأواخر، فاستمر في سيارته إلى أن أذن العشاء لا يستطيع أن ينزل ويترك السيارة في الطريق ولا يستطيع أن يصلي في السيارة؛ لأن الصلاة على الراحلة إنما هي في النفل، في السفر أيضاً عند جمهور أهل العلم، فمثل هذا حرج عظيم يباح فيه مثل ما أشار إليه ابن عباس "كي لا يحرج أمته" وهذا موجود في المدن الكبرى في أوقات الزحام، يعني: قد يخرج الإنسان في الرياض مشوار قبيل صلاة المغرب، ثم يكون في طريق سريع لا يستطيع أن يقف ولا يستطيع أن ينزل يكون في حادث وإلا شيء يمنع من سيره، وعادي يعني يمكث ساعة(40/11)
ساعتين في السيارة "كي لا يحرج أمته" مثل هذه الظروف لا مانع من الجمع فيها، وليس معنى هذا أن الإنسان يتوسع في هذه الأمور ويجد لنفسه أدنى عذر، ولذا قال الترمذي في علل جامعه: أنه لا يوجد في كتابي حديث أجمع العلماء على تركه، أو على ترك العمل به إلا حديث ابن عباس هذا، وحديث معاوية في قتل الشارب شارب الخمر، فيرى الترمذي أن العلماء أجمعوا على ترك العمل به، يعني: جمع في الحضر بدون مبرر هذا محل إجماع أنه لا يجوز، يقول: ليس في كتابي مما أجمع العلماء على ترك العمل به إلا حديثان، حديث ابن عباس في الجمع بالمدينة من غير خوف ولا مطر، وحديث معاوية في قتل الشارب المدمن بعد الثالثة أو الرابعة، مع أن قتل المدمن قول معروف عند أهل العلم، منهم من يراه حد كابن حزم، ويرجحه السيوطي وأحمد شاكر، ومنهم من يراه تعزيراً ويرجحه شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم.
قال: "وروى الطحاوي من رواية الربيع بن يحيى الأشناني عن الثوري عن ابن المنكدر عن جابر -رضي الله عنه- قال: "جمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة للرخص من غير خوف ولا علة" يعني مفهومه أنه جمع بدون مبرر، ولكن هذا الخبر ضعيف عند أهل العلم، "يقول أبو حاتم: حديث باطل، هذا خطأ، ويقول الحاكم في سؤالاته للدارقطني: فالربيع بن يحيى الأشناني فإنه ليس بالقوي" هو الأصل أنه روى عنه البخاري، كما قال المؤلف: "والربيع روى عنه البخاري، وقد تُكلم فيه بسبب هذا الحديث" لماذا تكلم فيه بسبب حديث واحد؟ لأنه مكثر أو مقل؟
الطالب: مقل.(40/12)
مقل، لكن لو كان مكثراً يتكلم فيه بسبب حديث واحد؟ لا يتكلم فيه بسبب حديث واحد، وعلى كل حال مجرد ترخص من غير علة هذا لم يقل به أحد من أهل العلم، ولذا حكموا على هذا الخبر بأنه باطل وليس بصحيح، والصحيح ما تقدم عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه جمع بالمدينة سبعاً وثمانياً، بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء، وأراد بذلك أن لا يحرج أمته، فهذه العلة تدل على أنه لو ترك الجمع لوجد الحرج والحرج منفي، والحرج لا شك أنه سبب مقتضي للجمع، قد يقول قائل: إن هناك في أحوال الناس وظروفهم الخاصة، ظروف بعض الناس منها ما يقتضي الجمع؛ لأن حرج عظيم، شخص جاء مسافر ووصل البلد مع زوال الشمس هل له أن يجمع جمع تقديم لينام إلى غروب الشمس أو ينام ثم يؤخر صلاة الظهر إلى قبيل الغروب ليجمعها مع العصر؟ قد يكون عند هذا من الحرج في انتظار وقت العصر شيء قد لا يطيقه ولا يتحمله، فمثل هذا حله أن لا يدخل البلد في هذا الوقت حتى يدخل وقت الظهر وهو مسافر، ويصلي الجمع ثم يدخل؛ ليكون السبب قائماً، كثير من الناس يوم العيد عيد الفطر مثلاً هو في آخر يوم من رمضان نام النهار وسهر ليلة العيد كاملة، ثم انتظر صلاة العيد، ثم انتظر المهنئين وكذا، ثم في الساعة العاشرة ينتهي، هذا حال كثير من الناس هل يستطيع أن يقوم لصلاة الظهر إذا نام؟ لا يستطيع؛ لأنه توالى عليه التعب والسهر، وأقول: إن هذا ليس بمبرر؛ لماذا؟ لأنه مبني على تفريط سابق، وهذا ليس بمبرر للجمع، وإن كان فيه حرج على صاحبه، لكن الحرج المبني على تفريط الإنسان هذا لا يساغ له شرعاً أن يترخص.(40/13)
قال: "وعن معاذ -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان في غزوة تبوك إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر حتى يجمعها إلى العصر فيصليهما جميعاً" وهذا موافق للحديث الأول "وإذا ارتحل بعد زيغ الشمس" .. "إذا ارتحل قبل زيغ الشمس أخر الظهر حتى يجمعها إلى العصر فيصليهما جميعاً" يعني جمع تأخير "وإذا ارتحل بعد زيغ الشمس صلى الظهر والعصر جميعاً ثم سار" هذا دليل على جمع التقديم، "وكان إذا ارتحل قبل المغرب أخر المغرب حتى يصليها مع العشاء، وكان إذا ارتحل بعد المغرب عجل العشاء فصلها مع المغرب" وهذا دليل على جمع التقديم أيضاً، وأما جمع التأخير ما في إشكال.
"رواه أحمد وأبو داود والترمذي وقال: حسن غريب" وبعض أهل العناية يرون أن هذا الحكم عند الترمذي تضعيف، الاقتصار على الحسن، أو إرداف الحسن بالغرابة، لكن الحديث يتبين من تخريجه على أقل أحواله أنه حسن.
"وقال أبو داود والترمذي والطبراني وابن يونس والسليماني والبيهقي والخطيب وغيرهم: تفرد به قتيبة" قتيبة بن سعيد ثقة حافظ كما قالوا: ثقة مأمون "قال الخطيب: وهو منكر جداً " يعني: الحديث تفرد به قتيبة يحتمل تفرده أو ما يحتمل؟ تفرده من غير مخالفة محتمل؛ لكن مع المخالفة، مع مخالفة غيره من الثقات لا يحتمل "قال: تفرد به قتيبة، قال الخطيب: وهو منكر جداً" يعني لأن المحفوظ في الصحيحين وغيرهما أنه لا يجمع جمع تقديم، وهنا فيه تنصيص على جمع التقديم "وقال الحاكم: وهو حديث موضوع، وقتيبة ثقة مأمون" حديث موضوع وقتيبة ثقة مأمون! يعني: هل الحكم عليه بالوضع لآفة في إسناده أو لخطأ من راويه الثقة؟ نعم لخطأ من راويه على حد كلام الحاكم، والترمذي حسنه كما تقدم، وعلى كل حال مثل ما ذكرنا سابقاً الجمهور على جواز الجمع، ومنعه الحنفية، وحملوا ما جاء فيه على الجمع الصوري، والجمهور الذين يقولون بجواز الجمع قالوا بجوازه تقديماً وتأخيراً، وقصره الأوزاعي على جمع التأخير، وهو قول ابن حزم، وهو رواية أيضاً عند المالكية والحنابلة، قال: وقد تقدم جمع المستحاضة بين الصلاتين في باب الحيض، شوف في باب الحيض في الحديث حمنة رقم (135) الطويل، نعم.
الطالب: اسمه يا شيخ.(40/14)
((فإذا قويت على أن تؤخرين الظهر وتعجلين العصر)) على أن تؤخرين وهذا فيه إلغاء عمل (أن) ((تؤخرين الظهر وتعجلين العصر ثم تغتسلين حين تطهرين وتصلين الظهر والعصر جميعاً، ثم تؤخرين المغرب وتعجلين العشاء، ثم تغتسلين وتجمعين بين الصلاتين فافعلي)) نعم؟
الطالب: ....
في شيء؟
هاه صالح في شيء؟
الطالب:. . . . . . . . .
هذا هو الذي أشار إليه في باب الجمع، في جمع المستحاضة في حديث حمنة السابق، وسمعتم ما ذكره فيه، والله أعلم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
يقول: هل لوليمة سكنى الدار مشروعية؛ لأن هناك من ينكر على من يعمل وليمة لسكنى الدار، ويقول: إن هذه من البدع المستحدثة؟
هذه من باب الشكر على هذه النعمة إذا كانت بهذه النية فهي مشروعة.
إذا وصل الإنسان إلى بلده في وقت الصلاة الثانية، وكان قد جمعهما مع الصلاة الأولى في السفر، فهل يصليهما مرة أخرى أم يكتفي بالصلاة الأولى؟
الأصل أنه يكتفي بالصلاة الأولى، لكن إن سمع النداء لزمته الإجابة، ومن أهل العلم من يشترط إقامة السبب المقتضي للجمع إلى دخول وقت الثانية.
هذا من اليمن يقول: في سورة مريم دعا زكريا -عليه السلام- ربه أن يرزقه ولداً، حيث قال: {قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا * وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي} [(4 - 6) سورة مريم] إلى آخره، فبشره الله: {إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى} [(7) سورة مريم] فقال زكريا: {قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا} [(8) سورة مريم].
سؤالي: كيف يسأل زكريا -عليه السلام- ربه أن يرزقه ولداً، فلما بشره الله تعالى قال: {أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ} فكيف يسأل الله ثم يتعجب؟(40/15)
ليس هذا تعجب، وإنما هو (أنى) استبعاد أن يكون له ولد بعد أن بلغ من العمر ما بلغ، والمرأة عاقر، لا شك أن هذا فيه بعد، وليس هذا شك فيما بشره الله به، وإنما هو استبعاد من حيث السنة الإلهية، السنة الإلهية أن من بلغ من العمر مبلغاً كبيراً، وزوجته عاقر أن هذا يبعد، لكن الله -جل وعلا- وضع له علامة يطمئن إليها، ودليل يستدل به على أن هذا الولد حاصل لا محالة.
كيف ندفع عن أنفسنا البلاء أو ما هي الأعمال التي يدفع عنا البلاء بها؟
لا شك أن البلاء والفتن والمحن والمصائب كلها بسبب الذنوب، ولا يمكن أن تدفع هذه المسببات إلا بدفع أسبابها، بترك الذنوب، وفعل الطاعات، والرجوع إلى الله -جل وعلا-، والتوبة من هذه الذنوب، والإقلاع عنها.
هذا سؤال من البرازيل يقول: أسلم شخص هنا وهو يعمل في تشريح الموتى في إحدى مستشفيات الحكومة، تشريح وتغسيل الموتى، علماً بأن الموتى كلهم كفار، كيف وهو لا يؤدي الصلاة؟
أولاً: الموتى لا يحتاجون إلى تغسيل لا يغسلون ولا يكفنون ولا يدفنون، وإذا غسلوا بأمر من حكومتهم مثلاً، وأنت لا تستطيع أن تفعل ما أوجب الله عليك غسلتهم تغسيلاً هو لمجرد تنظيف لا للتعبد، فهذا لا يترتب عليه شيء.
هل يلزم لمن يغسل الموتى أو يعمل في تشريح أن يغتسل في كل مرة يريد أن يصلي؟
جاء الخبر: ((من غسل ميتاً فليغتسل، ومن حمله فليتوضأ)) لكنه مضعف عند جمع من أهل العلم، ومنهم من يرى أن الاغتسال لا لوجود موجب وأنه حدث، وإنما هو من باب التنظيف؛ لأنه عانى غسل هذا الميت، وقد يخرج منه أشياء تنجسه، وتنتقل بواسطة الماء إلى شيء من بدنه، فيغتسل من هذه الحيثية.
كيف نشرح لعوام ومسلمين جدد تعريف الحديث الضعيف؟
يعني ما بقي عليهم إلا هذا؟! يعني ما بقي للمسلمين الجدد ... سؤال هذا ليس ....
من الهادوية؟
الهادوية طائفة فرقة من فرق الزيدية، موجودون بكثرة في اليمن، والصنعاني في وقته يقول: هم غالب سكان اليمن، لكن الآن أظنهم ليسوا بغالبية، أظن الشافعية الآن أكثر منهم.
ما هي أفضل طريقة لحفظ الصحيحين والسنن؟(40/16)
أفضل طريقة لحفظ الصحيحين والسنن، يعني الإنسان إذا أنهى المتون الأولية الأربعين والعمدة والبلوغ والمحرر، الكتب المختصرة، وكانت لديه حافظة تسعفه، فأفضل طريقة لحفظ الكتب الستة هي أن يجعل له محور يدور حوله كالبخاري مثلاً، فيأتي إلى الحديث الأول من البخاري ويحفظه بإسناده بكلام المؤلف، وما يدور حوله مما ذكره المؤلف من ترجمة وآثار، وما أشبه ذلك، ثم يحفظ المواضع الأخرى التي خرج البخاري الحديث فيها؛ لأنه خرج الحديث الأول في سبعة مواضع، الموضع الأول، ثم ينظر في الموضع الثاني، ويحفظ ما زاد فيه عن الموضع الأول، ويحفظ الترجمة والآثار التي أوردت تبعاً لها، ثم الموضع الثالث والرابع والخامس والسادس والسابع، ثم ينتقل إلى مسلم ويخرج الحديث من مسلم، ويحفظ زوائده على ما حفظه واستقر في ذهنه عند البخاري، ثم بعد ذلك يثلث بأبي داود، ثم الترمذي، ثم النسائي، ثم ابن ماجه، وبهذا ينتهي من عشرين حديثاً في حديث واحد، يعني تبع الأرقام في الكتب الستة، يعني في البخاري رُقم بسبعة أرقام حديث الأعمال بالنيات، وفي مسلم رقم بأرقام، وفي الكتب الستة أيضاً بقية الكتب من السنن رقم بأرقام، فإذا أنهى حديث الأعمال بالنيات بهذه الطريقة يكون حفظ من الكتب الستة عشرين رقماً، أو أكثر من ذلك، ثم يأتي إلى الحديث الثاني ويفعل فيه مثل ما فعل في الأول، فينتهي من البخاري ومن بقية الكتب الستة في آن واحد، ويكون لديه تصور كامل للحديث في موضع واحد، هذه طريقة مجربة ومفيدة ونافعة.
حديث: ما جاء في الحبة السوداء وأنها شفاء؟
حديث صحيح.
أقول: هذا آخر درس.
الطالب:. . . . . . . . .
هاه؟
الطالب:. . . . . . . . .
بس إحنا أمامنا سفر.
الطالب: كتب الله أجرك يا شيخ.
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(40/17)
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: المحرر – كتاب الصلاة (41)
الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هذا اقتراح: هذا من النساء وقبله من بعض الإخوة، بعض الإخوان يريد الدرس يقول: عندنا تعارض بعد العشاء، في دروس بعد العشاء، ويرغب أن يكون الدرس بعد العصر؟
كالدروس السابقة في الصيف، على أن تكون الصلاة صلاة العصر هنا.
وهذا اقتراح من النساء يقول: نرجو أن يكون الدرس بعد المغرب إذا كانت الظروف لا تعارض؟
الأصل أن الدرس كما أعلن بعد العشاء هذا هو الأصل، لكن جاء مطالبة من بعض الإخوان وأن عندهم تعارض في بعض الدروس، يرون أن يكون الدرس بعد العصر، والأمر متروك للإخوان، يعني أنا أخشى أن نغير وقت الدرس وما يحضر هذا الجمع، نخشى أن لا يحضر هذا الجمع؛ لأن العصر .. ، إن لم نصلِ العصر هنا فالوقت ضيق، والعشاء مثل ما ترون الآن ثمان ونصف، ما ننتهي إلا عشر أو تسع إلا ثلث بعد الآن، فيخشى من التأخر بهذه الطريقة، فاقتراح كثير من الإخوة يرونه بعد العصر، فإذا جلسنا من الساعة الرابعة وعشر دقائق إلى السادسة إلا ربع أو إلا ثلث ساعة ونصف كافية، يعني نصلي هنا العصر.
والأخوات يردن الدرس المغرب، المغرب مشكلته أنه إن فرط الإنسان في صلاتين في الحرم هذه لها مشكلتها، الجنائز وجماعة كثيرة، ومسجد قديم، يعني له مرجحات كثيرة، يعني كون الإنسان يفرط بصلاة واحدة سهل يعني، لكن صلاتين مغرب وعشاء فيها ثقل على الإخوان.
فمن الذي يريد بقاء الدرس على ما هو عليه العشاء؟ طيب، الجمهور، الجمهور على هذا، والعصر؟ بس الظاهر أن ناس يرفعون مع الاختيارين، فهذا يدل على أنه لا فرق عندهم بين العصر والعشاء، والمغرب؟ المغرب على أن نصلي هنا؟
طالب: الأيادي بعيده يا شيخ.
هاه؟
طالب: الأيادي هناك.
ما في إلا النساء الظاهر، إذاً يبقى الدرس كما أعلن، ويتحمل الإخوان هذا التعارض في دروسهم الثابتة مع بعض المشايخ، يتحملون.
سم.
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين.(41/1)
قال الإمام ابن عبد الهادي -رحمه الله تعالى- في كتابه المحرر:
باب: صلاة الخوف
عن صالح بن خوات عن من صلى مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم ذات الرقاع صلاة الخوف: "أن طائفة صفت معه وطائفة وجاه العدو، فصلى بالذين معه ركعة، ثم ثبت قائماً، وأتموا لأنفسهم ثم انصرفوا، وصفوا وجاه العدو، وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت، ثم ثبت جالساً، وأتموا لأنفسهم ثم سلم بهم" متفق عليه، واللفظ لمسلم.
وعن عبد الله بن عمر قال: "غزوت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل نجد فوازينا العدو فصاففناهم، فقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي لنا فقامت طائفة معه، وأقبلت طائفة على العدو، وركع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمن معه ركعة، وسجد سجدتين، ثم انصرفوا مكان الطائفة التي لم تصلِ، فجاءوا فركع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بهم ركعة، وسجد سجدتين، ثم سلم، فقام كل واحد منهم فركع لنفسه ركعة، وسجد سجدتين" متفق عليه، وهذا لفظ البخاري، ولمسلم: قال نافع: قال ابن عمر: "فإذا كان خوف أكثر من ذلك فصلِ راكباً أو قائماً تومئ إيماء".
وعن ابن عباس قال: "فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ...
فرض الله.
"فرض الله الصلاة على لسان نبيكم في الحضر أربعاً، وفي السفر ركعتين، وفي الخوف ركعة" رواه مسلم، وتكلم فيه أبو عمر بن عبد البر.(41/2)
وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: "شهدت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاة الخوف فصففنا صفين: صف خلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والعدو بيننا وبين القبلة، فكبر النبي -صلى الله عليه وسلم- وكبرنا جميعاً، ثم ركع وركعنا جميعاً، ثم رفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعاً، ثم انحدر بالسجود والصف الذي يليه، وقام الصف المؤخر في نحر العدو، فلما قضى النبي -صلى الله عليه وسلم- السجود، وقام الصف الذي يليه، انحدر الصف المؤخر بالسجود وقاموا، ثم تقدم الصف المؤخر وتأخر الصف المقدم، ثم ركع النبي -صلى الله عليه وسلم- وركعنا جميعاً، ثم رفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعاً، ثم انحدر بالسجود والصف الذي يليه الذي كان مؤخراً في الركعة الأولى، وقام الصف المؤخر في نحور العدو، فلما قضى النبي -صلى الله عليه وسلم- السجود والصف الذي يليه انحدر الصف المؤخر بالسجود فسجدوا، ثم سلم النبي -صلى الله عليه وسلم- وسلمنا جميعاً، قال جابر: كما يصنع حرسكم هؤلاء بأمرائهم" رواه مسلم.
وعن ثعلبة بن زهدام قال ...
زهدم، مثل جعفر، زهدم.
عفا الله عنك.
وعن ثعلبة بن زهدم قال: "كنا مع سعيد بن العاص بطبرستان فقال: أيكم صلى مع النبي -صلى الله عليه وسلم- صلاة الخوف؟ فقال حذيفة: أنا، فصلى بهؤلاء ركعة وبهؤلاء ركعة، ولم يقضوا" رواه أحمد وأبو داود وهذا لفظه، والنسائي وأبو حاتم وابن حبان.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: صلاة الخوف(41/3)
الصلاة مضافة إلى سببها وهو الخوف، وهي أعني صلاة الخوف فرع من صلاة أهل الأعذار؛ لأنها عذر يتجاوز معه شيء من الخلل في الصلاة، بل قد يكون الخلل كبيراً من أجل العذر وهو الخوف إذا كان المريض يصلي جالساً لعدم قدرته على القيام فهو معذور، والخائف يصلي كيف ما اتفق له، لكن عليه أن يوفق بين أمرين: هيئة الصلاة، والمحافظة على ما يستطيعه من أركانها وواجباتها مع الاحتياط في الحراسة، فلا بد من التوفيق بين أمرين في صلاة الخوف، الاحتياط للصلاة، والاحتياط للحراسة، فيتجاوز عما لا يستطيعه من هيئة الصلاة على ما سيأتي في صورها الثابتة عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، والخوف الذي هو سبب هذه الصلاة التي هي عذر يبيح الخلل في صورة الصلاة ضده الأمن الذي كثير من الناس لا يعرف قدره، بل لا يعرف قدره إلا من فقده {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ} [(155) سورة البقرة] فجعل الخوف أهم وأشد من الجوع، والمفسرون ضربوا لذلك مثلاً محسوساً قالوا: لو أتيت بشاة وأحضرت لها العلف، أو جئت بشاتين إحداهما: مريضة، والأخرى رُبط أمامها ذئب تجد المريضة تأكل، الكسيرة تأكل، والتي أمامها ذئب لا تأكل، فالخوف مسبب للجوع، والجوع لا يسبب خوفاً، فالخوف أشد من الجوع، كثير من البلدان التي تعيش أمناً، بل قد يوجد في طبائع بعض الناس الذين جبلوا على كراهية الاستمرار على وضع واحد، وجبلوا على الملل تجده ينشد التغير مهما ترتب عليه، فهذا في الحقيقة ما رأى كيف يعيش الناس بسبب هذا التغيير الذي ينشده وإن كان على غير الجادة، المهم أنه يغير الوضع القائم الذي ألفه منذ ولد، ونحن في هذه البلاد منذ أكثر من سبعين عاماً -ولله الحمد- نعيش أمناً ما أتيح لكثير من المسلمين في كثير من البلاد، وفي كثير من الأزمان، سبعون سنة متوالية أمن، لكن الشأن في كيفية المحافظة على هذا الأمن، وإلا الأمن حصل -ولله الحمد- لكن كيف نحافظ على هذا الأمن؟ هذه مسئولية الجميع، مسئولية ولي الأمر، ومسئولية أعوانه، ومسئولية عامة الناس، وهي مسئولية العلماء أيضاً، يوجهون الناس لما يحفظ هذا الأمن، ومن أعظم الأسباب في تثبيت الأمن وحفظه تحقيق التوحيد، ونبذ الشرك،(41/4)
وتخليص التوحيد من شوائب البدع {وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} [(55) سورة النور].
أيضاً من وسائل تثبيت الأمن شكر النعم بأداء ما أوجب الله، وترك ما حرم الله، وقدر النعم قدرها، وعدم كفرها، ونلاحظ في بعض البلدان التي عاشت مدة طويلة من الأمن والرخاء ما شكروا النعم، فانقلبت نقم، وبلدان مجاورة كانوا ينظفون الماسات بل الأخفاف والنعال برقائق الخبز، وعمر بن الخطاب مات ما ذاق الخبز الرقيق مع قدرته على ذلك.
والقرطبي في تفسيره -في تفسير سورة الأحقاف- ذكر شيئاً من هذا، فصّل في هذه المسألة عند قوله تعالى: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا} [(20) سورة الأحقاف] فانظر شيئاً من سيرة عمر -رضي الله عنه- في هذا الصدد، مسحوا الماسات ونظفوها برقائق الخبز، وعمر خليفة المسلمين وأمير المؤمنين ما ذاق رقائق الخبز، وكان ينهى عن نخل القمح، يقول: هو منه، نخالته منه، كله طعام، بهذه الطريقة تشكر النعمة، وبهذا يثبت الأمن، والبلدان المجاورة عاشوا أمناً دهوراً، وعاشوا رخاء مدداً متطاولة، وكان أهل هذه البلاد يذهبون إليهم من أجل لقمة العيش، فلما كفروا النعم حصل لهم ما حصل، فصاروا يأتوننا، والأيام دول، والسنن الكونية لا تتغير {وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [(38) سورة محمد] إذا وجد الخوف فلا يخلو إما أن يكون المسلم طالباً أو مطلوباً، فإن كان طالباً فلا يجوز له أن يخل بصلاته، بل يجب عليه أن يأتي بالصلاة على وجهها، وإن كان مطلوباً فليصلِ الصلاة المناسبة من الصور التي ثبتت عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وصلاة الخوف مشروعة بالكتاب وبالسنة والإجماع، وهي باقية إلى قيام الساعة عند عامة أهل العلم.(41/5)
ويرى أبو يوسف صاحب أبي حنيفة أنها بعد النبي -عليه الصلاة والسلام- لا تفعل؛ لقوله -جل وعلا-: {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ} [(102) سورة النساء] ... إلى آخره، فإذا لم يكن النبي -عليه الصلاة والسلام- فيهم فلا صلاة للخوف، ولا مزية لأحد على غيره من أجله يحصل الخلل في الصلاة هذه وجهة نظر من يقول: إن الصلاة صلاة الخوف مربوطة به -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه لا يوجد إمام يقاربه، ولا إمام يدانيه، أما غيره فيوجد من الأئمة المتماثلين ما يصلي واحد منهم بجماعة وتصلي الأخرى مع غيره، ما هناك ميزة، وجمهور أهل العلم، عامة أهل العلم على أنها باقية، وصلاها جمع من الصحابة -رضوان الله عليهم- بعده -عليه الصلاة والسلام-، صلاها جمع من الصحابة مما يدل على بقاء حكمها، وإذا كان الخلل في الصلاة الناشئ عن هذا الخوف نقص في الصلاة إلا أن فيه مصالح عظيمة، فيه إرهاب للعدو، حينما يرى العدو المسلمين ملتفين حول إمام واحد يركعون بركوعه، ويسجدون بسجوده، لا شك أن مثل هذا يوقع الهيبة والرهبة في قلب العدو، إضافة إلى أهمية صلاة الجماعة، ويستدل العلماء على وجوب صلاة الجماعة بمشروعية صلاة الخوف، ولو كانت الجماعة غير واجبة لما احتيج إلى مثل هذه الصلاة التي فيها شيء من الخلل.
يقول: باب صلاة الخوف
أقل ما يمكن أن تؤدى به صلاة الخوف ثلاثة، اثنان فما فوقهما جماعة، لكن صلاة الخوف أقلها ثلاثة، إمام ومأموم وحارس، والطائفة تطلق على الجماعة، وقد يقال على الواحد: طائفة "أن طائفة صفت معه" مجموعة والواحد يقال له: طائفة.
يقول -رحمه الله تعالى-:(41/6)
"عن صالح بن خوات" صالح بن خوات بن جبير تابعي يروي عمن صلى مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم ذات الرقاع صلاة الخوف، الذي صلى مع النبي -عليه الصلاة والسلام- مبهم، ولا يضر إبهامه؛ لأنه صحابي، وجاءت تسميته بسهل بن أبي حثمة في صحيح مسلم، وفي المعرفة لابن منده عن أبيه عن صالح بن خوات عن أبيه خوات بن جبير، وسواء عرفناه أو لم نعرفه، وسواء كان سهل بن أبي حثمة أو خوات والد صالح، أو عمن صلى مع النبي -عليه الصلاة والسلام- على الإبهام، فالأمر لا يتغير واحد؛ لأن جهالة الصحابي لا تضر، والذي صلى مع النبي -صلى الله عليه وسلم- صحابي، وجهالته لا تضر.
"عن من صلى مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم ذات الرقاع" يوم ذات الرقاع هذه غزوة سميت بذلك لأن أقدام الصحابة حفيت ونقبت بسبب عدم وجود الخفاف والنعال، والأرض يكون فيها الحصى، ويكون فيها الشوك فحفيت أقدامهم، فلفوا عليها الرقاع، أي: الخرق، ومنهم من يقول: إن سبب التسمية أن الأرض ذات ألوان كأنها رقاع، ومنهم من قال: إن الغزوة بجوار جبل فيه أكثر من لون كالرقاع، لكن الأكثر على أن الصحابة حفيت أقدامهم فلفوا عليها الرقاع، غزوة ذات الرقاع، قالوا: ذات الرقاع جمهور أهل السير والمغازي قالوا: إنها سنة أربع من الهجرة، قالوا: سنة أربع.(41/7)
والنبي -عليه الصلاة والسلام- في غزوة الخندق سنة خمس أخر الصلوات، فلم يصلِ العصر -وفي بعض الروايات: ولا الظهر- إلا بعد أن غربت الشمس، وهذا أيضاً صحيح، تأخير الصلوات في الخندق صحيح، وغزوة ذات الرقاع لو كانت صلاة الخوف مشروعة قبل الخندق لما أخر الصلوات حتى غربت الشمس، ما أخرها حتى خرج وقتها، فالعلماء تجاه هذا التعارض وهذا الاختلاف على مسلكين: المسلك الأول: قول من يقول: إن صلاة الخوف إنما تفعل في السفر لا في الحضر، ومعلوم أن ذات الرقاع سفر، والخندق حضر في المدينة، قالوا: لا تفعل في الحضر؛ بدليل أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أخر الصلوات وصلاة الخوف مشروعة قبل غزوة الخندق، ومنهم من يقول: لا، صلاة الخوف مشروعة سفراً وحضراً، وغزوة ذات الرقاع بعد الخندق، وهذا ما حققه ابن القيم في زاد المعاد، وإليه يومئ صنيع البخاري في صحيحه أن غزوة ذات الرقاع بعد الخندق، ويقرر ابن القيم أن أول صلاة صلاها النبي -عليه الصلاة والسلام- من صلوات الخوف من الأوجه الستة أو السبعة الثابتة عنه -عليه الصلاة والسلام- بعسفان، وهي بعد الخندق، وحينئذٍ تكون ذات الرقاع بعد عسفان، والخندق قبلها فأخر الصلوات؛ لأن صلاة الخوف لم تكن شرعت بعد، والذي يقول -وهم جمهور أهل السير-: إن ذات الرقاع قبل غزوة الخندق، يقول: إن صلاة الخوف إنما تشرع في السفر لا في الحضر؛ بدليل أن النبي -عليه الصلاة والسلام- في الحضر أخر الصلوات الخندق بالمدينة، صلاة الخوف صحت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- على أوجه خمسة أو ستة أو سبعة، ومنهم من أوصلها إلى أكثر من ذلك، قالوا: إلى أربعة عشر وجهاً كالحافظ العراقي، ومنهم -كابن العربي- من قال: ستة عشر وجهاً، ومنهم من أوصلها إلى ستة وعشرين وجهاً، الثابت عنه -عليه الصلاة والسلام- من الصفات المتغايرة ست أو سبع، كما قال الإمام أحمد -رحمه الله-، ومن أوصلها إلى أكثر من ذلك جعل اختلاف الرواة في القصة الواحدة دليلاً على تعدد هذه الصلوات، وبعض العلماء ليس عنده من الجرأة ما يستطيعون أن يوفقوا به بين هذه الروايات، ويحكمون على رواية بعض الثقات أنها شاذة أو مرجوحة، فيجعل مجرد اختلاف الرواة في الشيء الواحد يجعله(41/8)
صور، وبعضهم يتسع خطوه في ذلك فجعل بعض الاختلاف غير المؤثر في الصورة يجعله صور، وهذا في هذا الباب وفي غيره من أهل العلم من يرى صيانة الرواة من أن يحكم على رواياتهم وهم ثقات بأنها مرجوحة، ومن ثم تكون وهماً أو شذوذاً، فيحمل ذلك على تعدد القصة، ومنهم من تكون لديه القوة والجرأة لا أقول: الجرأة من فراغ هذه كلٌ يملكها، جرأة من فراغ يوهم من دون مستند ولا دليل هذا ضلال -نسأل الله السلامة والعافية-، لكن الجرأة النابعة من إحاطة بالروايات ومرويات الرواة وقواعد الدين العامة يستطيع أن يحكم على الرواية بأنها وهم، ولو كان راويها من الحفاظ، وهذا منهج، يعني شيخ الإسلام لم تكلم عن صلاة الكسوف -على ما سيأتي- وقال: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما صلى الكسوف إلا مرة واحدة، وأردف ذلك بقوله: وإبراهيم ما مات إلا مرة واحدة، إبراهيم ابن النبي -عليه الصلاة والسلام- هذا من مقطوع به، لكن الروايات الأخرى رواية الصحيحين في صلاة الكسوف: "أن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى الكسوف ركعتين كل ركعة بركوعين" وجاء في مسلم: ثلاث ركوعات، وجاء: أربع ركوعات، وجاء عند غيره خمس ركوعات، وكلٌ على طريقته ومنهجه، صاحب الشجاعة العلمية والجرأة مثل شيخ الإسلام يصحح رواية ويحكم على ما عداها بأنها شاذة، يعني ولو كانت في مسلم؟! لكن بعض الناس صيانة للرواة وصيانة للصحيحين وهذا أمر يتعين على طال العلم الاهتمام به؛ لأننا إذا تطاولنا على الصحيحين فماذا يبقى لنا؟! يقول: تعددت القصة، ما في ما يمنع من أن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى الكسوف أكثر من مرة؛ لأنها في صحيح مسلم، ما في ما يمنع مع إجماع أهل السير على أن الكسوف لم يحصل إلا مرة واحدة في عهده -عليه الصلاة والسلام-، الشراح قالوا: أن الكسوف حدث في اليوم العاشر من الشهر، وأهل الهيئة يتفقون على أن كسوف الشمس لا يحصل إلا آخر الشهر، والقمر في منتصفه في الإبدار، والشمس في الاستسرار، المقصود أن مثل هذه الأمور تحتاج إلى حذر، وسعة في الإطلاع، يعني لا بد أن يسدد ويقارب أنت الآن أمام كتب أجمع الأئمة على تلقيها بالقبول، بل أجمعت الأمة على تلقيها بالقبول، وعندك رواة اتفق الأئمة على(41/9)
حفظهم وضبطهم، ثم بعد ذلك تحتاج إلى أن تنظر بين نصين مختلفين هذا إذا أمكن الجمع، فهذا لا إشكال، لكن الإشكال فيما إذا لم يمكن الجمع، صلاة الخوف صحت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- على أوجه، وهي كما قلنا يلاحظ فيها الأحوط للصلاة، والأبلغ في الحراسة، والعدو لا يخلو إما أن يكون في جهة القبلة، أو يكون في غير جهة القبلة، فإن كان في جهة القبلة أمكنت الصلاة مع الحراسة في القيام والركوع، وأما بالنسبة للسجود فلا تمكن الحراسة، وتأتي هذه الصورة، وإذا كان العدو في غير جهة القبلة لا بد من قَسْم الجيش إلى قسمين: قسم يحرس وقسم يصلي، وحديث صالح بن خوات الذي هو حديث سهل بن أبي حثمة الذي اختاره الإمام أحمد قال: "أن طائفة صفت معه" طائفة قطعة من الجيش "صفت معه" يعني مع النبي -صلى الله عليه وسلم- "وطائفة وجاه العدو" يعني في جهة العدو، تلقاء العدو تحرس المصلين؛ لئلا ينقض عليهم العدو "وطائفة وجاه العدو، فصلى بالذين معه ركعة" هذه الطائفة الأولى الذين كبر بهم النبي -عليه الصلاة والسلام- تكبيرة الإحرام، وصلى بهم ركعة كاملة بقيامها وركوعها وسجدتيها "ثم قام إلى الركعة الثانية فثبت قائماً" حتى أتموا لأنفسهم الركعة الثانية، ثم سلموا وانصرفوا، والنبي -عليه الصلاة والسلام- ما زال قائماً "فصلى بالذين معه ركعة، ثم ثبت قائمة وأتموا لأنفسهم" يعني الركعة الثانية "ثم انصرفوا" سلموا وانصرفوا "وصفوا وجاه العدو" في مكان الطائفة التي كانت تحرس أثناء صلاتهم "ثم انصرفوا وصفوا وجاه العدو، وجاءت الطائفة الأخرى" التي كانت تحرس "فصلى بهم الركعة التي بقيت" لأنه "ثبت -عليه الصلاة والسلام- قائماً إلى جاءت الطائفة الثانية، فصلى بهم الركعة الثانية، فلما جلس للتشهد ثبت جالساً، وأتموا لأنفسهم ركعة، ثم سلم بهم" وهنا فيه عدل بين الطائفتين، الأولى صلت معه ركعة والثانية ركعة، الأولى كبر بهم تكبيرة الإحرام، والثانية سلم بهم، فهؤلاء أدركوا الركن الأول، وهؤلاء أدركوا الركن الأخير، وهذا من تمام عدله -عليه الصلاة والسلام-، هذه الصورة يرجحها الإمام أحمد، وإن كان فيها مما ليس على قاعدة الصلاة كون الطائفة الأولى سلمت قبل الإمام، لكن(41/10)
الحاجة -بل الضرورة- داعية إلى ذلك، قال: "متفق عليه، واللفظ لمسلم" وهذه الصورة فيما إذا كان العدو في غير جهة القبلة.
قال -رحمه الله-: "وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: "غزوت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل نجد فوازينا العدو" يعني قابلناه، حاذيناه "فوازينا العدو فصاففناهم، فقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي لنا" هذه رواية الصحيح، وليس فيه: "يصلي بنا" ما معنى يصلي لنا؟ يصلي إماماً لنا، فهي في معنى يصلي بنا .. ، ليس معناه أنه يصلي من أجلنا، إنما يصلي لله -جل وعلا-، مخلصاً في ذلك لربه إماماً لهم "يصلي لنا فقامت طائفة معه، وأقبلت طائفة على العدو" هذه الصورة مثل الصورة الأولى في كون كل منهما العدو في غير جهة القبلة "فقامت طائفة معه، وأقبلت طائفة على العدو" يعني تحرس "وركع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمن معه ركعة، وسجد سجدتين، ثم انصرفوا" بعد أن تمت صلاتهم وإلا قبل تمامها؟ قبل تمامها، يعني في الصورة الأولى في حديث صالح بن خوات سهل بن أبي حثمة، كما يعبرون عنه لم ينصرف طائفة من الطائفتين إلا بعد تمام صلاتها؛ لأنه ثبت قائماً حتى أتمت الطائفة الأولى، ثم ثبت جالساً حتى أتمت الطائفة الثانية، هنا: "ركع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمن معه ركعة وسجد سجدتين، ثم انصرفوا مكان الطائفة التي لم تصل" يعني قبل تمام صلاتهم.(41/11)
"فجاءوا" يعني الطائفة الثانية التي كانت تحرس "فجاءوا، فركع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بهم ركعة، وسجد سجدتين ثم سلم" سلم قبلهم، ما انتظرهم كما في الصورة الأولى "ثم سلم فقام كل واحد منهم فركع لنفسه ركعة، وسجد سجدتين" "فقام كل واحد منهم" يعني من الطائفتين "فقام كل واحد منهم فركع لنفسه ركعة، وسجد سجدتين" الركعة الأولى للطائفتين مع النبي -عليه الصلاة والسلام-، والركعة الثانية لكلٍ من الطائفتين يصليها كل واحد لنفسه، وهل صلوها في آن واحد، في وقت واحد، وضيعوا الحراسة أم صلوها كالركعة الأولى على التعاقب؟ الحديث فيه شيء يدل على هذا أو ذاك؟ قال: "فقام كل واحد منهم فركع لنفسه ركعة" "فقام كل وحد منهم" يعني الضمير هذا يعود إلى الطائفة الثانية باعتبارها الأقرب، وهم في مكانهم بعد أن سلم النبي -عليه الصلاة والسلام- قضوا الركعة التي فاتتهم، ثم سلموا في مكانهم، كل واحد صلى لنفسه ركعة، أو أن الطائفتين الأولى والثانية كل واحد منهم ركع ركعة لنفسه منفرداً، ولكن يلزم على هذا أن يكونوا صلوها في آن واحد إلى جهة القبلة، والعدو إلى غير جهة القبلة، فيترتب على ذلك تضييع الحراسة، والذي يظهر أنهم أتموه على التعاقب، كل واحد ركع من الطائفة الثانية وهم في مكانهم بعد أن سلم النبي -عليه الصلاة والسلام- قضوا الركعة الثانية التي فاتتهم، ثم جاء الطائفة الثانية، وصلى الطائفة الأولى التي أدركت الركعة الأولى مع النبي -عليه الصلاة والسلام- صلوا لأنفسهم ركعة، ثم سلموا، والحديث يحتمل، لكن إذا رأينا ملاحظة ما شرعت صلاة الخوف من أجله قلنا: إنهم على التعاقب وإلا لزم عليه تضييع الحراسة.(41/12)
"فقام كل واحد منهم فركع لنفسه ركعة، وسجد سجدتين" متفق عليه، وهذا لفظ البخاري، ولمسلم قال نافع: قال ابن عمر: فإذا كان خوف أكثر من ذلك فصلِ راكباً أو قائماً تومئ إيماء" إذا كان خوف أكثر من ذلك بحيث لا يتمكن أحد من أداء ولا ركعة، في هذه الحالة هل نقول: إن الصلاة عماد الدين، وملاك أمره، وأعظم أركانه أهم من الأنفس والأرواح تؤدى الصلاة على الكمال والتمام بغض النظر عن الآثار المترتبة على ذلك؟ أو نقول: هذه ضرورة وهذا الشرع؟ نقول: هذا الشرع الذي أمرك بإقامة الصلاة هو الذي خفف عنك في هذه الحالة، والذي فرض عليك أربع ركعات هو الذي خفف عنك في السفر نصف الصلاة، والذي فرض المواقيت وجعل الصلاة كتاباً موقوتاً مفروضاً في أوقات معينة هو الذي أباح لك الجمع في السفر، فلا يقول قائل: إذا كان خوف أكثر من ذلك، أو حتى صلاة الخوف نؤخر الصلاة، ونأتي بها على الكمال والتمام أسهل من أن نضيع أركان، ولا يعرفون الآثار المترتبة على شرعية صلاة الخوف من إيقاع الذعر في قلب العدو بحيث يقدم الأمر الشرعي على هوى النفس، ومع ذلك الذي ألزمهم بالصلوات في أوقاتها خفف عنهم {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [(78) سورة الحج].
"قال نافع: قال ابن عمر: فإذا كان خوف أكثر من ذلك فصلِ راكباً أو قائماً تومئ إماءً" لأنك حينئذٍ لا تستطيع أن تسجد، وقد يشق عليك الركوع، فتومئ بالركوع والسجود، وتجعل إيمائك بالسجود أخفض من إمائك بالركوع كما تقدم في صلاة أهل الأعذار.
"وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "فرض الله الصلاة على لسان نبيكم في الحضر أربعاً، وفي السفر ركعتين، وفي الخوف ركعة" رواه مسلم.(41/13)
وتكلم فيه أبو عمر ابن عبد البر؛ لأنه تفرد به بكير بن الأخنس، قال: وليس بحجة فيما تفرد به، لكن يكفيه تخريج مسلم لحديثه، وإذا كان الحديث في صحيح مسلم فلا كلام لأحد "فرض الله الصلاة على لسان نبيكم في الحضر أربعاً، وفي السفر ركعتين، وفي الخوف ركعة" بعضه له ما يشهد له، حديث عائشة: "فرضت الصلاة ركعتين ركعتين، فأتمت صلاة الحضر أربعاً، وأقرت صلاة السفر" هذا يشهد لهذا فكون الصلاة في الحضر أربعاً، وفي السفر ركعتين هذا محل اتفاق، محل إجماع، وليس فيه ما ينكر، لكن "في الخوف ركعة" والحديث في صحيح مسلم، وليس لأحد كلام لا ابن عبد البر ولا غيره، وبُكير بن الأخنس ثقة، وثقه جمع من أهل العلم، بل لم يتكلم فيه أحد من أهل العلم إلا ما ذكر ابن عبد البر أنه لا يقبل تفرده، وعامة أهل العلم على خلاف ذلك، فالحديث صحيح في الحضر أربعاً، وفي السفر ركعتين، وفي الخوف ركعة، إذا كان السفر وهو مظنة للمشقة، وخففت الصلاة من أجل هذه المشقة المظنونة، فما نسبة مشقة السفر إلى نسبة الخوف؟ في الجهاد أو في صائل يصول على المسلم يريد الفتك به هذا خوف، هذا أشد من مشقة السفر، فالتخفيف في الخوف إلى ركعة ليس فيه ما يستنكر، مثل ما قلنا: إذا كان السفر وهو مظنة للمشقة يخفف عن المسلم نصف صلاته فلئن يخفف عنه في الخوف إلى هذا الحد يعني من باب أولى.
"فرض الله الصلاة على لسان نبيكم في الحضر أربعاً، وفي السفر ركعتين، وفي الخوف ركعة" هل هذا مرفوع أو موقوف؟ يعني هل يمكن ابن عباس أن يقول من تلقاء نفسه؟ أو عائشة تقول من تلقاء نفسها؟ "فرضت الصلاة ركعتين ركعتين، فزيد في الحضر، وأقرت صلاة السفر" يعني ركعتين، هل يمكن أن تقول عائشة: "فرضت" استنباطاً منها؟ أو يقول ابن عباس: "فرض الله الصلاة على لسان نبيكم"؟ لا، بل الحديث له حكم الرفع.(41/14)
قال: "وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: "شهدت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاة الخوف" في الصورة السابقة الطائفة الأولى صلت مع النبي -عليه الصلاة والسلام- ركعة، والطائفة الثانية ركعة، لكنهم بعد أن سلم النبي -عليه الصلاة والسلام- كل واحد منهم قام فركع لنفسه ركعة، يعني على مقتضى حديث ابن عباس أن كل واحد منهم يكفيه ما صلى مع النبي -عليه الصلاة والسلام- "صلاة الخوف ركعة" يكفيه لكنها صورة من الصور؛ لأنها صحت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- على صور مختلفة، فصورة يكتفى فيها بركعة، وصورة يُتم كل واحد لنفسه ركعة، وصورة يثبت الإمام قائماً، ثم يثبت جالساً حتى يتم الطائفة الأولى حال قيامه، والطائفة الثانية حال جلوسه.
قال -رحمه الله-:(41/15)
"وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: "شهدت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاة الخوف، فصفنا صفين، صف خلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والعدو بيننا وبين القبلة" الجملة حالية، يعني والحال أن العدو بيننا وبين القبلة، في الصور السابقة العدو في غير جهة القبلة في حديث جابر العدو بينهم وبين القبلة في جهة القبلة، هل يُحتاج في مثل هذه الحالة إذا كان العدو في جهة القبلة أن يصف طائفة تجاه العدو كلهم وجاه العدو الآن؛ لأنهم في جهة القبلة، فكلهم وجاه العدو، فلا داعي أن يتأخر بعض المسلمين عن الصلاة مع الإمام، كلهم يدخلون مع الإمام؛ لأنه إذا كان العدو في جهة القبلة أمكن الحراسة أثناء الصلاة، قال: "فصفنا صفين، صف خلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والعدو بيننا وبين القبلة" صف خلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والثاني؟ خلفه، يليه، صف ثاني، الآن لو كانوا ثلاثة والعدو في جهة القبلة يحتاج إلى أن يصفوا صفين كما هنا؟ نعم؟ صف واحد، يكونان خلف الإمام، ثم بعد ذلك واحد يتابع في حال السجود وواحد يحرس، لكن في حال المتابعة لأحدهما، والحراسة من الثاني هل نقول: إن الذي يتابع فذ أو لا؟ واحد يتابع والثاني واقف أثناء السجود هل نقول: إن الذي يتابع الإمام فذ فلا تصح صلاته خلف الإمام؟ هو ليس بفذ؛ لأن الثاني في صلاة، الثاني في الصلاة، وإن لم يسجد إلا أنه في صلاة فليس بفذ "فكبّر النبي -صلى الله عليه وسلم- وكبرنا جميعاً" يعني الإمام الذي هو النبي -عليه الصلاة والسلام- والصف الأول والصف الثاني كبروا جميعاً "ثم ركع وركعنا جميعاً" يعني في حال القيام وفي حال الركوع الحراسة ممكنة؛ لأن العدو في جهة القبلة.
"ثم رفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعاً" وإلى هذا الحد الحراسة ممكنة، مع متابعة الإمام في الصلاة "ثم انحدر بالسجود والصف الذي يليه" الصف الأول سجدوا معه، الصف الثاني سجد وإلا ما سجد؟
الطالب: ما سجد.
لم يسجد، بقي قائماً في نحر العدو في وجهة العدو للحراسة، انحدر بالسجود والصف الذي يليه، الآن عطفنا الصف على ضمير الرفع المتصل الذي هو المستتر يجوز وإلا ما يجوز؟
طالب:. . . . . . . . .(41/16)
لماذا؟ يجوز أن تقول: قمت وزيد؟
طالب:. . . . . . . . .
يجوز؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
وش لون؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، معطوف على الضمير، ما هو على الفعل، على الضمير معطوف، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
قمتُ وزيدٌ، ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟
طالب:. . . . . . . . .
يجوز؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، ما يجوز، لا بد أن تفصل بالضمير المنفصل، فتقول: قمتُ أنا وزيدٌ، لا يا أخي وزيدٌ، معطوف على الضمير ضمير الرفع المتصل، مرت بنا يمكن أكثر من عشرين مرة في هذا الكتاب.
وإن على ضمير رفع متصل ... عطفتَ فافصل بالضمير المنفصل
لا بد أن تفصل بالضمير المنفصل، لكن هنا يلزم ضمير منفصل؟ لا يلزم ضمير الرفع المنفصل هنا؛ لماذا؟ لوجود الفاصل الجار والمجرور.
. . . . . . . . . ... أو فاصل ما. . . . . . . . .
. . . . . . . . . فافصل بالضمير المنفصل ... . . . . . . . . .
أي فاصل كان، وهنا موجود الفاصل بالسجود، الفاصل موجود، لو لم يوجد بالسجود لوجب أن يقول: فانحدر هو والصف الذي يليه "أو فاصل ما".(41/17)
"والصف الذي يليه، وقام الصف المؤخر في نحر العدو يحرس، فلما قضى النبي -صلى الله عليه وسلم- السجود" يعني سجد بالصف الذي يليه سجدتين، وهنا تمت لهم ركعة، قام الصف الذي يليه وقام الصف "فلما قضى النبي -عليه الصلاة والسلام- السجود وقام الصف الذي يليه انحدر الصف المؤخر بالسجود وقاموا" يعني قاموا إلى الركعة الثانية مع النبي -عليه الصلاة والسلام- والصف الذي يليه "ثم تقدم الصف المؤخر" صاروا صف أول "وتأخر الصف المقدم" فصاروا صفاً ثانياً، وهذا من تام العدل من أجل أن يسجد أصحاب الصف الثاني الذين صاروا في الصف الأول في الركعة الثانية مع النبي -عليه الصلاة والسلام- كما سجد الصف الأول معه -عليه الصلاة والسلام-، فبذلك يتم العدل، قال: "ثم تقدم الصف المؤخر، وتأخر الصف المقدم، ثم ركع النبي -صلى الله عليه وسلم- وركعنا جميعاً، ثم رفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعاً" مثل الركعة الأولى "ثم انحدر بالسجود والصف الذي يليه" الذي كان مؤخراً في الركعة الأولى وقام الصف المؤخر في نحر العدو، يعني الذين كانوا في الصف الأول في الركعة الأولى قاموا في نحر العدو؛ لأنهم صاروا في الصف الثاني "وقام الصف المؤخر في نحر العدو، فلما قضى النبي -صلى الله عليه وسلم- السجود والصف الذي يليه انحدر الصف المؤخر بالسجود" الذين كانوا في الركعة الأولى هم في الصف الأول "فسجدوا ثم سلم النبي -صلى الله عليه وسلم- وسلمنا جميعاً" هذه الصورة ظاهرة وإلا ما هي بظاهرة؟
طالب:. . . . . . . . .(41/18)
يعني فيها تمام العدل، صف صلى مع النبي -صلى الله عليه وسلم- ركعة كاملة، والصف الثاني صلوا وبقي عليهم السجود، سجدوا بعد ما قام الصف الأول، ثم تقدموا مكان الصف الأول، وتأخر الصف الأول مكانهم ليسجد الصف الثاني الذي صار في الصف الأول مع النبي -عليه الصلاة والسلام- كما سجد معه في الركعة الأول من في الصف الأول، ثم سلم النبي -صلى الله عليه وسلم- وسلمنا جميعاً، يعني في حال الجلوس للتشهد الحراسة ممكنة كحال القيام "ثم سلم النبي -صلى الله عليه وسلم- وسلمنا جميعاً" قال جابر "كما يصنع حرسكم هؤلاء بأمرائهم" يعني يحرسونهم، يقفون على رؤوسهم، والصف الثاني في حال السجود قيام، والنبي -عليه الصلاة والسلام- ساجد في الركعة الأولى وفي الركعة الثانية، والصف الثاني سواء كانوا في الصف الأول في الركعة الأولى صاروا في الثاني في الركعة الثانية، أو الصف الثاني في الركعة الأولى الذين صاروا في الصف الأول في الركعة الثانية، قيام.(41/19)
النبي -عليه الصلاة والسلام- لما جرح شقه الأيمن سقط من الدابة فجرح شقه الأيمن، فصلى جالساً، فصلوا وراءه من قيام، فأشار إليهم: أن اجلسوا، وقال: ((كدتم أن تفعلوا فعل فارس والروم)) وفي الحديث الصحيح: ((وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعون)) وقد تقدم، هنا يقفون والنبي -عليه الصلاة والسلام- ساجد في الركعة الأولى وفي الثانية، هل في هذا ما يعارض ذلك الحديث؟ والذي ينبه إلى هذه المعارضة قال جابر: "كما يصنع حرسكم هؤلاء بأمرائهم" يقفون على رؤوسهم كما كانت تفعل فارس والروم، والحرس ما زالوا يصنعون هذا حتى في المساجد إذا وجد في المسجد من يخاف عليه من الأمراء وأصحاب الشأن فإنهم يقفون على رؤوسهم، وهذا موجود حتى في المسجد الحرام، وقبل وجود هذه الاضطرابات وهذه الفتن كان العساكر يصلون مع الناس، ولا يحتاج الناس إلى حراسة، لكن لما وجد بعض التصرفات التي من أجلها يخاف على بعض الناس وجد هؤلاء الحرس الذين يقفون على رؤوس الناس، على رؤوس من يخشى عليه، وإلا فكيف تسمح نفس المسلم أن الناس يصلون ويؤدون الصلاة في أطهر بقعة وهم قيام لا يصلون، لا يدخلون مع الإمام، فهل الأولى بالنسبة لهؤلاء الحرس أن يصلوا مع الإمام ويحرسون من أرادوا حراسته وإذا سجد الإمام يثبتون قياماً أو لا يدخلون مع الإمام من الأصل كما هو صنيعهم اليوم؟
طالب:. . . . . . . . .
الآن عندنا يصلون مع الإمام في الحديث، ويحرسون في أثناء الصلاة، والحراسة في السجود فقط، لكن قد يقول قائل: إنه لم يتحدد المكان الذي يجيء منه من يخاف منه، يمكن يجي من الخلف، يمكن يجي من الأمام، يمكن يجي من اليمين، يمكن يجي من الشمال، فلا تتعين هذه الصورة، نعم؟
طالب: ألا يقال يا شيخ: الخوف متوهم يعني ... مثل العدو يعني ....(41/20)
نعم، لكن هل هذا الخوف المتوهم يجعل مجموعة من الناس من المسلمين لا يصلون مع الإمام في داخل المسجد؟ يعني الخوف المتوهم هذا ما في شك أنه ولو كانت نسبته يسيرة إلا أن الأثر المترتب عليه عظيم، الأثر المترتب عليه لو قلت لشخص في المسجد ماذا يكون الأثر؟ لا سيما إذا كان ممن يختل الأمن بسببه، فوجد بعض التصرفات التي جعلت المسئولين يكلفون من يحرس، وحصل الحادثة العظيمة في الحرم قبل ثلاثين سنة، يعني كارثة هذه، فهذه التصرفات جعلت .. ، وإن كان يحز في النفس أن ترى مسلم يتدين بالأوامر والنواهي ومع ذلك ما يصلي مع الإمام، وهم في شدة الخوف يصلون معه -عليه الصلاة والسلام-، لكن إذا كان العدو في جهة القبلة له وضع، أما إذا كان في غير جهة القبلة فله وضع آخر، وهؤلاء يدرون من أين يؤتون؟!
قال جابر: "كما يصنع حرسكم هؤلاء بأمرائهم" طيب لماذا ما تركهم النبي -صلى الله عليه وسلم- يجلسون؟ وجعلهم يقفون كما يقف الحرس على أمرائهم؟ يثبتون قياماً أثناء السجود لأنهم إذا جلسوا لم يتمكنوا من الحراسة، قد يتمكنون أثناء سجود الصف الأول، لكن في الجلسة بين السجدتين ما يتمكنون من الحراسة، والحديث مخرج في صحيح مسلم.
قال: "وعن ثعلبة بن زهدم قال: "كنا مع سعيد بن العاص بطبرستان فقال: أيكم صلى مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاة الخوف؟ فقال حذيفة: أنا، فصلى بهؤلاء ركعة وبهؤلاء ركعة ولم يقضوا" يعني في حديث عبد الله بن عمر: "صلى بهؤلاء ركعة وهؤلاء بركعة ثم قام كل واحد فركع لنفسه، وسجد سجدتين" هنا حذيفة صلى بهؤلاء ركعة وبهؤلاء ركعة ولم يقضوا، ولم يصلِ كل واحد منهم الركعة الثانية.
"رواه أحمد وأبو داود، وهذا لفظه، والنسائي وأبو حاتم وابن حبان" والحديث مصحح، الحديث يصل إلى درجة الصحيح، وهذه صورة من الصور تشهد لما قاله ابن عباس.(41/21)
من الصور التي لم يذكرها المؤلف -رحمه الله تعالى- هنا: صلى ركعة بطائفة، وصلى ركعة بطائفة، ولم يقضِ واحد منهم الركعة الثانية، من الصور التي لم يذكرها أن يصلي بطائفة ركعتين ويسلم بهم، ثم يصلي بالطائفة الثانية ركعتين ويسلم بهم، هذه صورة من الصور وهو في صلاته الأولى مع الطائفة الأولى مفترض وصلاته الثانية مع الطائفة الثانية نفل، والذي لا يرى صحة صلاة المفترض خلف المتنفل لا يصحح مثل هذه الصورة، والذي يرى صحة صلاة المفترض خلف المتنفل استدلالاً بمثل هذا، ومثل حديث معاذ حينما كان يصلي مع النبي -عليه الصلاة والسلام- العشاء، ثم يصلي بقومه هي له نافلة ولهم فريضة، يصحح مثل هذه الصورة.
صورة أيضاً مما لم يذكره المؤلف أن يصلي الإمام أربع ركعات فيصلي بطائفة ركعتين ثم إذا جلس للتشهد الأول يتشهدون معه، ثم يسلمون وينصرفون، وإذا قام إلى الثالثة جاءت الطائفة الثانية فصلى بها الركعتين الباقيتين من صلاته الرباعية، ثم يسلم بهم فتكون للإمام أربع ركعات، وللمأمومين ركعتين ركعتين، هذه ذكرها أهل العلم، وإذا كانت الصلاة ثلاثية مثلاً، إذا كانت ثنائية أو رباعية يمكن قسمتها على الطائفتين، لكن الإشكال إذا كانت ثلاثية كالمغرب كيف يصلون مع الإمام؟ وكيف يمكن قسم الصلاة بين الطائفتين بالعدل والسوية كما تقدم في الصور؟ يمكن وإلا ما يمكن؟ يمكن أن يصلي ركعة ونصف بطائفة، وركعة ونصف بطائفة ثانية؟ لا، لا يمكن، ما يمكن، فإذا جلس للتشهد الأول إما أن ينصرفوا أو يكملوا صلاتهم على حسب ما تقدم في الصور، ثم تأتي الطائفة الثانية فتصلي معه الركعة الباقية، وتكمل ركعتين ويسلمون، وفي صلاة المغرب لا يمكن أن تقسم الصلاة بين الطائفتين بالسوية.
يقول: في الجلسة بين سجدتي السهو هل يقال فيها: ربي اغفر لي كما يقال في السجدتين في عموم الصلاة؟
نعم، يقال في السجود: سبحان ربي الأعلى، ويقال بين السجدتين: ربي اغفر لي ... إلى آخر الأدعية.
يقول: هل تصلى صلاة الخوف في المعركة وقت النزال أم عند وقف القتال؛ لأنه لا يتصور أن يكونوا خلف إمام متقدماً لوحده تلقاء العدو وقت النزال؟(41/22)
على كل حال يصنع الإمام ويجتهد في الصورة المناسبة للحال، وقد يصل الأمر إلى الصلاة بالإماء دون ركوع ولا سجود.
يقول: ما جاء في حديث جابر الذي تقدم: "تقدم طائفة وتأخر طائفة" ألا يخل ذلك بالصف؟
لا، لا يخل بالصف، لا يخل ذلك بالصف، وهذه الصورة صحيحة وثابتة عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، والخلل الذي حصل من الحركة والتقدم والتأخر مغتفر؛ لأنه جاء عن المعصوم -عليه الصلاة والسلام-.
قول جابر: "كما يصنع حرسكم" هل هو للمدح أو للذم أو للجواز؟
ليس للمدح ولا للذم وإنما هو لبيان الصورة والهيئة، والتشبيه لا يلزم منه المطابقة من كل وجه.
يقول: هل يمكن لطالب العلم الجمع بين دراسة كتاب بلوغ المرام وكتاب المحرر في الحديث؟
نعم، يمكن وبسهولة الأبواب متشابهة ومتقاربة، والأحاديث أيضاً في ضمن هذه الأبواب متقاربة، وشروح البلوغ تصلح أن تكون شروحاً للمحرر، قد يزيد حديث أو ينقص حديث أو يتقدم حديث أو يتأخر حديث، يتقدم باب أو يتأخر باب مثل الباب الذي يلي هذا باب المساجد هذا متأخر في المحرر ومتقدم في البلوغ، الأمر سهل، يعني بالإمكان أن طالب العلم يرتب الأحاديث من خلال شروح الكتابين.
هذا سؤال غريب ...
يقول: كيف نجمع بين حديث ابن عباس في صحيح مسلم، وصفة صلاة الخوف أن الإمام صلى أربعاً؟
الصور التي جاءت في صلاة الخوف، يعني بعضهم أوصلها إلى ست وعشرين صورة، والإمام أحمد مع حفظه وسعة إطلاعه ويحفظ سبعمائة ألف حديث، يقول: صحت من ستة أوجه أو سبعة.
يقول: في حديث الإسراء واستفتاح جبريل -عليه السلام- للنبي -عليه الصلاة والسلام- في عروج السموات دليل على عدم القدرة على الصعود إلى السماء بمركبات فضائية؟
هم يقولون: إنهم ما وصلوا إلى السماء، ولا دخلوا في السماء، وإنما وصلوا الكواكب التي دون السماء على حد زعمهم، وكل هذا ينبني على الظرفية {وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا} [(16) سورة نوح] إن كانت الظرفية على مقتضاها في أصل اللغة وأنه في داخل السماء، وأن السموات ظرف للقمر فلن يستطيعوا، وإذا كان فيهن يعني نوره يصل من الأعلى ومن الأسفل، أو المراد بالسماء جهة العلو فيمكن ذلك.(41/23)
والشيخ ابن باز -رحمه الله تعالى- له كتاب أثبت فيه إمكان الصعود إلى الكواكب، وإن كان كثير من أهل العلم كالشنقيطي وغيره ينكرون هذا، ويشددون في مثل هذه المسألة، والإشكال أننا نصدق قوماً كفاراً في شيء لا تبلغه عقولنا، يقولون: وصلنا، نقول: نعم وصلنا، ولو كذبوا في يوم من الأيام قالوا: ما وصلنا، قلنا: ما وصلتم، فالإنسان الذي لا يدركه عقله عليه أن لا يجزم فيه بشيء، أما مجرد قالوا: وصلنا، قلنا: وصلتم ما هو بصحيح هذا، وجاءوا بأحجار قالوا: هذه من سطح القمر وهذه من كذا، وإذا كان المسلم بهذا المستوى من الانبهار بالكفار وتصديقهم في كل ما يقولون فيخشى على عقدته أن يقرروا يوماً ما يخل بعقيدته ثم يصدقه، بل عليه أن يثبت، إذا كان الفاسق من المسلمين يجب التثبت في خبره فكيف بالكافر؟!
يقول: بدأت بقراءة البخاري بطريقة أريد رأيكم فيها، وهي: أني أقرأ الحديث ثم أنظر في أطرافه من الصحيح، مع تبويب الإمام عليها؟
هذه طريقة جيدة تجمع الألفاظ والروايات، وبإمكانك أن تتطلع على فقه البخاري من خلال تراجمه لهذه الأطراف، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.(41/24)
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: المحرر – كتاب الصلاة (42)
الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هذا سؤال في موضوع صلاة الخوف وهو مهم جداً.
يقول: هل تصلي فئة مسلمة تقاتل فئة مسلمة صلاة الخوف؟
نعم إذا كانت الفئة المسلمة التي تقاتَل بغاة أو قطاع طريق، فالفئة المحقة تصلي صلاة الخوف، كما هو الشأن في قتال الكفار لأنه قتال مشروع، أما إذا كانت الطائفتان مجرد بغي بعضهم على بعض، هذا لا يترخص من أجله؛ لأن هذه رخصة والرخصة منوطة بالمباح، كما قالوا في رخص السفر، لا يترخص العاصي في سفره، وكذلكم لا يصلي صلاة الخوف الباغي في قتاله.
يقول: هل يمكن أن يصلي الجندي في الحرم الشريف صلاة الخوف بدون قصر للرباعية يعني يصلي العشاء أربع ركعات؟
ليس في حال خوف، إنما يصلي صلاة أمن، يصليها أربعاً، ويحرص على الجماعة بقدر الإمكان، فإن أمكنه أن يصلي مع الناس صلاة كاملة وإلا صلاها في جماعة أخرى؛ لأن صلاة الخوف المنظور فيها مع الاهتمام بشأن الجماعة، واستدلال أهل العلم على وجوب صلاة الجماعة بأنها لم تسقط في حالة الخوف أيضاً المنظور فيها الالتفاف حول إمام واحد، مما يحصل به إخافة للعدو وإرهاب له.
يقول: هل الفئة التي تصلي مع الإمام والعدو في غير اتجاه القبلة تحمل السلاح في صلاة الخوف مثل التي ... ؟
نعم تحمل السلاح، يحملون السلاح، ولا يجوز لهم أن يضعوا السلاح إلا من عجز عن حمله لمرض وشبهه.
هل أيام فتنة الصحابة والمعارك التي دارت بينهم صلوا صلاة الخوف وهم فئتان مسلمتان؟
أما بالنسبة للمحقة التي تقاتِل فئة باغية هذه تصلي صلاة الخوف كما لو كان المقاتَل كافراً؛ لأن هذا قتال مشروع، وما يخشى من فوته في قتال الأعداء يخشى من فوته في قتال البغاة وقطاع الطريق.
يقول: هل شُرط لصلاة الخوف أن يكون العدو كافراً؟
هذا جوابه في السؤالين الماضيين.
كيف يشعر الإمام أنهم انتهوا من الركعة وجاءت الطائفة الثانية تصلي معه وتسلم، هذا إذا كان العدو في غير جهة القبلة؟
يشعر الإمام لأن العدد إذا كثر يكون له جلبة، الواحد له جلبة يشعر به، فكيف إذا كانوا عدداً؟!(42/1)
يقول: ما حكم سؤال الإنسان الناس مالاً لظروف وقعت به في المسجد إن كان لا يجوز هل ينكر على السائل؟
هذا يأتي في باب المساجد الذي نبدأ به اليوم -إن شاء الله تعالى-.
يقول: منا من يأتي للدرس من جدة، فلو كان الدرس بعد الصلاة مباشرة لكان أرفق بنا، علماً بأن أكثر الحضور يصلون العشاء هنا؟
وهذا يعني تحقيقه سهل، وبدءاً من درس الغد -إن شاء الله- تكون الصلاة هنا، والبدء بعد الصلاة مباشرة في الثامنة أو الثامنة وخمس دقائق أو عشر دقائق، هذا طلب يمكن تلبيته، لا سيما وأن أمس تأخرنا يعني بعد العاشرة انتهينا.
سم.
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين.
قال الإمام ابن عبد الهادي -رحمه الله تعالى- في كتابه المحرر:
باب: المساجد
عن عثمان بن عفان -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((من بنى مسجداً -قال بكير: حسبت أنه قال- يبتغي به وجه الله بنى الله له مثله في الجنة)) متفق عليه.
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ببناء المساجد في الدور، وأن تنظف وتطيب" رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه، وإسناد بعضهم على شرط الصحيحين، ورواه الترمذي مرسلاً ومتصلاً، وقال في المرسل: هذا أصح، والدور القبائل والمحال.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((قاتل الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)) متفق عليه.
ولمسلم: ((لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)).
وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه كان ينام وهو شاب أعزب لا أهل له في مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم-، كذا رواه البخاري، وروى مسلم بنحوه.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- خيلاً قبل نجد، فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له: ثمامة بن أثال، فربطوه بسارية من سواري المسجد، فخرج النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((أطلقوا ثمامة)) فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل، ثم دخل المسجد فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله" متفق عليه.(42/2)
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن عمر مر بحسان وهو ينشد الشعر في المسجد، فلحظ إليه، فقال: "قد كنت أنشد وفيه من هو خير منك" ثم التفت إلى أبي هريرة فقال: أنشدك الله أسمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((أجب عني، اللهم أيده بروح القدس))؟ قال: نعم" متفق عليه أيضاً.
وعنه -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من سمع رجلاً ينشد ضالة في المسجد فليقل: لا ردها الله عليك، فإن المساجد لم تبن لهذا)) رواه مسلم.
وعن بريدة -رضي الله عنه- أن رجلاً نشد في المسجد فقال: من دعا إلى الجمل الأحمر؟ فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((لا وجدت، إنما بنيت المساجد لما بنيت له)) رواه مسلم، ورواه النسائي متصلاً ومرسلاً.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا: لا أربح الله تجارتك، وإذا رأيتم من ينشد فيه ضالة فقولوا: لا رد الله عليك)) رواه النسائي في اليوم والليلة، والترمذي وقال: حديث حسن غريب.
وعن حكيم بن حزام -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تقام الحدود في المسجد، ولا يستقاد فيها)) ...
مسجد وإلا مساجد؟
عفا الله عنك.
((لا تقام الحدود في المساجد، ولا يستقاد فيها)) رواه أحمد وأبو داود، وفي إسناده انقطاع.
وعن مبارك بن فضالة عن ثابت البناني عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عبد الرحمن بن أبي بكر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((هل منكم أحد أطعم اليوم مسكيناً؟ )) فقال أبو بكر: دخلت المسجد فإذا أنا بسائل فوجدت كسرة خبز بين يدي عبد الرحمن فأخذتها فدفعتها إليه" رواه أبو داود، ومبارك وثقه ابن معين في رواية، وقال النسائي: ضعيف.
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "أصيب سعد يوم الخندق في الأكحل، فضرب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خيمة في المسجد ليعودوه من قريب".
ليعوده.(42/3)
ليعوده من قريب، فلم يرعهم، وفي المسجد معه خيمة من بني غفار إلا والدم يسيل إليهم، فقالوا: يا أهل الخيمة ما هذا الذي يأتينا من قبلكم؟ فإذا سعد يغذُ جرحه دماً، فمات فيها -رضي الله عنه-" متفق عليه، واللفظ لمسلم.
وعنها -رضي الله عنها- قالت: "رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يسترني وأنا أنظر إلى الحبشة وهم يلعبون في المسجد، فزجرهم عمر، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((دعهم، أمناً بني أرفدة)) يعني: من الأمن، متفق عليه، واللفظ للبخاري.
وعنها -رضي الله عنها- أن وليدة كانت سوداء لحي من العرب فأعتقوها فكانت معهم، قالت: فخرجت صبية لهم عليها وشاح أحمر من سيور، قالت: فوضعته -أو وقع منها- فمرت به حدياة وهو ملقى، فحسبته لحماً فخطفته، قالت: فالتمسوه فلم يجدوه، قالت: فاتهموني به، قالت: فطفقوا يفتشوني حتى فتشوا قبلها! قالت: والله أني لقائمة معهم إذ مرت الحدياة فألقته! قالت: فوقع بينهم، قالت: فقلت: هذا الذي اتهمتموني به، وأنا منه بريئة، وهو ذا هو، قالت: فجاءت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأسلمت.
قالت عائشة: فكان لها خباء في المسجد أو حفش، قالت: فكانت تأتيني فتحدث هي عندي، قالت: فلا تجلس عندي مجلساً إلا قالت:
ويوم الوشاح من تعاجيب ربنا ... ج ألا إنه من بلدة الكفر أنجاني
قالت عائشة -رضي الله عنه-: فقلت لها: ما شأنك لا تقعدين معي مقعداً إلا قلت هذا؟ قالت: فحدثتني بهذا الحديث" رواه البخاري.
وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((البزاق في المسجد خطيئة، وكفارتها دفنها)) متفق عليه.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال: رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أحب البلاد إلى الله مساجدها، وأبغض البلاد إلى الله أسواقها)) رواه مسلم.
وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد)) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والنسائي.
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ما أمرت بتشييد المساجد)) قال ابن عباس: لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى، رواه أبو داود وابن حبان.(42/4)
وعن السائب بن يزيد قال: كنت قائماً في المسجد، فحصبني رجل فنظرت فإذا هو عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، فقال: اذهب فأتني بهذين، فجئته بهما، فقال: من أنتما أو من أين أنتما؟؟ قالا: من أهل الطائف، قال: لو كنتما من أهل البلد لأوجعتكما ضرباً، ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. رواه البخاري.
وعن أبي قتادة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين)) متفق عليه.
وعن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((عرضت علي أجور أمتي حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد، وعرضت علي ذنوب أمتي فلم أرَ ذنباً أعظم من سورة من القرآن -أو آية- أوتيها رجل ثم نسيها)) رواه أبو داود وابن خزيمة والترمذي، وقال: غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وذاكرت به محمد بن إسماعيل فلم يعرفه واستغربه.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
ففي هذا الباب جمع المؤلف -رحمه الله تعالى- أحاديث ذكر فيها بعض الأحكام المتعلقة بالمساجد، والمسائل والأحكام المتعلقة بالمساجد مبثوثة ومنثورة في الكتب، ومجموعة أيضاً في أبواب من كتب السنة، وفيها مصنفات، ومن أجمعها كتاب لبدر الدين الزركشي، وهو مطبوع في مجلد، جمع فيه أحكام المساجد، ما جاء فيها من النصوص، وما استنبط منها من أحكام، وهو كتاب جامع لمسائل متعلقة بالمساجد.
والمساجد: مفاعل صيغة منتهى الجموع، وقد يقال: مساجيد لأن صيغة منتهى الجموع مفاعل ومفاعيل، مثل مساند ومسانيد، مفاتح ومفاتيح، مراسل ومراسيل.(42/5)
المساجد: جمع مسجد، وهو المكان الذي تؤدى فيه الصلاة، الذي يصلى فيه هو المسجد، ويقال: بفتح الجيم مسجَد إلا أنهم خصوا ما جاء بفتح الجيم خصوه بموضع السجود من المسجد، موضع السجود من المسجد، ولذا يقولون: يُستحب للمصلي أن ينظر مسجده، يعني موضع سجوده، والمراد بالمسجد هو ما يُحيط به سوره، هذا المسجد الذي تترتب عليه الأحكام، فما كان خارجاً عن سوره لا يلحق به، فلا يصح الاعتكاف فيه، ولا تصح الصلاة اقتداءً بالإمام إلا إذا اتصلت الصفوف، هذا إذا كان خارجاً عن السور، وإذا كان خارجاً عن السور ولو كان من ملحقات المسجد ومتعلقاته إلا أنه ليس في سوره تجلس فيه الحائض، ويجلس فيه الجنب؛ لأنه لا تنطبق عليه أحكام المسجد، وأم عطية تقول: أمرنا أن نخرج العواتق والحيض وذوات الخدور إلى صلاة العيد، يشهدن الخير ودعوة المسلمين، ويعتزل الحيض المصلى، يعني الموضع الذي يصلي فيه الناس، فمصلى العيد له أحكام المسجد في المكان الذي يصلى فيه، وما عداه لا يأخذ أحكام المسجد وإن كان المسجد له أحكام أكثر من أحكام المصلى، مصلى العيد أو الجبانة مصلى الجنائز أو غير ذلك، لكن الحيض لا يشهدن أو لا يحضرن موضع صلاة العيد، المسجد إذا لم يسور بل هو عبارة عن صحراء، فهذا ليست له أحكام، فلا يصلى فيه التحية، وينتابه الجنب ويجلس فيه الحائض وغيرهما.(42/6)
ولا علاقة لإقامة الصلوات الخمس أو بعضها في مفهوم المسجد، فقد تصلى الصلوات الخمس في مكان ولا يُعد مسجداً كالمصليات التي يتخذها الناس في مواطن السكن مثلاً، صالة عمارة مثلاً، أو صالة في محل عمل أو ما أشبه ذلك، هذه لا تأخذ أحكام المسجد، وعلى هذا من كان في عمارة فيها مصلى عليه أن يصلي ويؤدي صلاة الجماعة حيث ينادى بها، يعني في المسجد، ولو أن مسجداً لا يصلى فيه جميع الأوقات لكنه مسجد بمعالمه من رآه قال: هذا مسجد، فهو مسجد ولو لم يصل فيه إلا وقت واحد، فمسجد نمرة مسجد له أحكام المسجد، ومع ذلك لا يصلى فيه إلا صلاة الظهر والعصر يوم عرفة وهكذا، فالمسألة تحتاج إلى تحرير؛ لأن هذه أحكام، هل يصح الاعتكاف أو لا يصح؟ ويبحث أهل العلم هذه المسائل كثير منها في كتاب الاعتكاف، كثير من أحكام المساجد تبحث في أحكام الاعتكاف؛ لأنه لا يصح الاعتكاف إلا في مسجد.
فإذا كان هناك في المسجد غرفة في سوره، وبابها إلى الشارع مثلاً، وليس لها باب إلى المسجد، هذه حكمها حكم الشارع، لكن إن كانت تفتح على المسجد فحكمها حكم المسجد ولو كانت بنايتها خارج المسجد، ولذا يقررون في المنارة مثلاً منارة المسجد، إن كانت تفتح إلى المسجد صح الاعتكاف فيها وإلا فلا.
أحياناً يكون هناك ملحقات في المسجد كالساحات مثلاً الخارجة عن سور المسجد هذه ليس لها أحكام المسجد، ولا يصلى فيها إلا إذا اتصلت الصفوف، أحياناً يكون في هذه الساحات دورات مياه، محل قضاء الحاجة مما يدل على أنها لم يقصد أن تكون مسجداً، وإنما هي من مرافق المسجد، قد يحتاج إليها إذا ضاق المسجد، واتصلت الصفوف هذا لا إشكال فيه.
ذكر المؤلف مسائل كثيرة متعلقة بالمسجد، واستدل لكل مسألة بحديث في الغالب، فبدأ في فضل بناء المساجد.
قال -رحمه الله-:
"عن عثمان بن عفان -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((من بنى مسجداً -قال بكير: حسبت أنه قال-: يبتغي به وجه الله تعالى بنى الله له مثله في الجنة)) متفق عليه" بل عده أهل العلم من المتواتر.
مما تواتر حديث: ((من كذب)) ... جج ومن بنى لله بيتاً واحتسب
هذا من المتواتر.(42/7)
((من بنى مسجداً)) وفي بعض الروايات: ((ولو كمفحص قطاة)) وهذه مبالغة في صغر المسجد، وإلا ما يمكن أن يكون هناك مسجد بمقدار مفحص قطاة، وفحص القطاة قدم واحد، ما يأخذ ولا القدم الثاني فضلاً عن بقية الجسم، إنما أريد بذلك المبالغة، وأن الإنسان مهما بنى وإن عده الناس صغيراً إلا أنه يمكن الصلاة فيه، بعض الناس يبني مسجداً بقدر حاله، عنده كذا مبلغ من المال فيبني به مسجداً عبارة عن غرفة صغيرة فيها معالم المسجد، فيها منارة، وفيها .. ، مسورة، ويتركها للناس يصلون فيها، ثم يأتي من يزدري هذا العمل؛ لأنه بالمقابل يوجد من يبالغ ويسرف في عمارة المساجد، فيكون مثل الذي ازدرى صاحب الصدقة القليلة المنصوص عليها، فمن بنى لله مسجداً أو بيتاً ولو كمفحص قطاة، قلنا: إنه لا يمكن أن يكون مسجد بمقدار مفحص قطاة، لكن هو مبالغة في أقل القدر الذي يمكن فيه الصلاة، أو هو إشارة إلى الاشتراك في بناء المسجد، اشتراك في بناء مسجد، يعني افترض أن المسجد أرضه غالية جداً، وعمارته مكلفة، واجتمع في بنائه عشرة آلاف شخص، أو مائة ألف شخص، كل واحد دفع له ألف، ألفين، ما يمكن أن يزدرى مثل هذا العمل، هذا تعاون على البر والتقوى، ويدخل في: ((من بنى لله مسجداً ولو كمفحص قطاة)).(42/8)
البناية المقصود بها هنا البناية الحسية بالأدوات، باللبن والطين والخشب، أو ما يقوم مقامها من بناء مسلح بالإسمنت والحديد، هذا كله بناء، لكنه بناء حسي، وهناك بناء وعمارة معنوية، وهي أهم {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} [(18) سورة التوبة الله] العمارة الحسية بإقامة الصلاة والعبادات التي تزاول في المسجد في عهده -عليه الصلاة والسلام-، وعهد من بعده من صحابته، وسلف هذه الأمة، فالمسجد كانت رسالته أوسع مما هي عليه الآن، يعني كان المسجد كل شيء، فبه تقام الصلاة نفلها وفرضها، وفيه تعليم العلم، وفيه تحفيظ القرآن، وفيه القضاء بين الناس، وإفتاء الناس، وفيه أيضاً بعث .. ، تنطلق منه السرايا والجيوش إلى الآفاق، وأكثر أعماله -عليه الصلاة والسلام- في المسجد، وجاء في حديث لكن فيه كلام لأهل العلم أن "المسجد بيت كل تقي" وسيأتي في أحب البقاع إلى الله، يقول ابن عبد القوي -رحمه الله-:
وخير مقام قمت فيه وحلية ... تحليتها ذكر الإله بمسجدِ
يعني لزوم المسجد تعلق القلب بالمسجد هذا له شأن، هذا يدل على إقبال، بخلاف بعض الناس، ومع الأسف أن هذا يوجد من بعض المنتسبين إلى العلم أنه كأنه في سجن، مجرد ما يسلم الإمام يسابق السرعان، هو محسوب على طلاب العلم، طالب العلم ينبغي أن يكون قدوة، يأتسي به العامة، فليكن أول من يدخل، وآخر من يخرج.
وخير مقام قمت فيه وحلية ... تحليتها ذكر الإله بمسجدِ
يعني كان مما ينشد من الأناشيد التي جاءت بعد قرون -يعني في العصر الحاضر- بعض القصائد التي منها يعني مما أحفظ منها، يقول:
إسلامنا لا يستقيم عموده ... بدعاء شيخ في زوايا المسجدِ(42/9)
هذه من القصائد التي كانت تنشد في معاقل العلم أيضاً والمراكز وغيرها، لكن هذا الكلام صحيح وإلا لا؟ هذا الكلام ليس بصحيح، اللهم إلا إذا كان من معاناة، يعني بعض الزوايا في المساجد يعمرها بعض المتصوفة على غير هدي من سنة النبي -عليه الصلاة والسلام-، يكون عندهم شيء من البدع، أذكار وأدعية وأشياء مبتدعة، إذا كان سببه هذا ومعوله على هذا، وأن هؤلاء ليس لهم من العمل الذي يمكن أن يستفاد منه إلا هذا مع أن الأمة بحاجة ماسة إلى عالم يوجه الأمة إلى ما ينفعها في دينها ودنياها، وأيضاً هي بحاجة إلى عابد يدفع الله عنها بسببه ما يدفع بسبب دعائه، يعني مما مر من الأمثلة في مصطلح الحديث في المتفق والمفترق ذكروا الأسود بن يزيد ويزيد بن الأسود، الأسود بن يزيد النخعي إمام في العلم والفقه والفتوى، إمام، جبل، من أئمة المسلمين في العلم، ويقابله يزيد بن الأسود الجرشي، هذا ليس من أهل العلم، ليس مشهوراً بالعلم، وإنما من أهل العمل، من أهل العبادة، استسقى معاوية -رضي الله تعالى عنه- به، يعني بدعائه، استدعاه معاوية فأمره أن يدعو ويستسقي وهم يؤمنون فسقوا، فالأمة تحتاج إلى هذا، وتحتاج إلى هذا، يعني لا نقلل من قيمة هذا ولا من قيمة هذا، يعني إذا قلنا: إن العلم شأنه عظيم، وهو كذلك عند الله -جل وعلا-، لكن ما قيمة العلم بلا عمل، نحن بحاجة إلى عالم عامل، ونحن بحاجة إلى الصنفين، قد يكون بعض الناس ميله واتصافه بالعلم أكثر وهذا مطلوب، والثاني مطلوب أيضاً، يعني يختلف أهل العلم في أفضل التابعين، فالإمام أحمد يفضل سعيد بن المسيب، ولا شك أنه من حيث العلم لو قيل: إنه أعلم التابعين ما بعُد، لكن منهم من يفضل أويس القرني، وقد جاء فيه الحديث الصحيح، وطلب منه عمر أن يدعو له، فما قالوا: والله أويس نفعه خاص غير متعدي، ماذا تستفيد منه الأمة؟ إلا تستفيد منه الأمة، فالأمة تستفيد من هذا وتستفيد من هذا، فلا يقال:
إسلامنا لا يستقيم عموده ... بدعاء شيخ في زوايا المسجدِ(42/10)
لا سيما إذا كان الشيخ على الجادة، إذا كان على هدي من الله وسنة رسوله -عليه الصلاة والسلام-، أما إذا كان على غير الجادة هذا عبادته وجودها مثل عدمها، بل ضررها ظاهر إذا كان على ابتداع.
يعني يقابل هذا البيت كلام ابن عبد القوي:
وخير مقام قمت فيه وحلية ... ج تحليتها ذكر الإله بمسجدِ
هذه العمارة المعنوية، وإذا تعارضت العمارة المعنوية مع العمارة الحسية لا شك أن العمارة المعنوية هي الأنفع، العمارة الحسية أمرها سهل عند ذوي اليسار، ولذا لما تمدح المشركون وهذه من مسائل الجاهلية التي ذكرها الإمام المجدد، تمدحوا بعمارة المسجد الحرام عمارة حسية لا معنوية، قال: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ} [(19) سورة التوبة] يعني في مقابل الإيمان؟ هذه من مسائل الجاهلية، إذا كانت في مقابل الإيمان، لكن إذا كانت مع الإيمان والعمارة المعنوية {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ} [(18) سورة التوبة].
((من بنى مسجداً -قال بكير: حسبت أنه قال-: يبتغي به وجه الله)) يعني شك هل قال هذه اللفظة، أو قال كلمة نحوها أو لم يقلها؟ وهي شرط لا بد منه، سواءً قيلت ذُكرت أو لم تذكر، لا بد أن يكون عامر المسجد يبتغي به وجه الله تعالى وإلا ما ينفعه ذلك، وكثير من الأمور التي يزاولها عمار المساجد تخدش في الإخلاص، وقد يذهب بعضها الإخلاص بالكلية، وإذا كان بعض العلماء لابن رجب كلام جميل جداً في عمارة المساجد في شرح حديث الأعمال بالنيات من جامع العلوم والحكم، ولابن الجوزي أيضاً كلام، ابن الجوزي بالغ وقال: إن عامر المسجد إذا كتب اسمه عليه فهذا نصيبه منه، يكفيه أن يقال: مسجد فلان، فيبتغي بذلك وجه الله، أمر في غاية الأهمية، يعني ينتبه لمثل هذا، الإخلاص شرط لقبول الأعمال كلها، الإخلاص لا بد منه ((إنما الأعمال بالنيات)).(42/11)
((يبتغي به وجه الله تعالى بنى الله له مثله في الجنة)) المماثلة في كون هذا بيت وهذا بيت، لكن هل المماثلة أن هذا ألف متر وهذا ألف متر؟ هل تقتضي المماثلة هذا؟ وأن هذا بنى بيت طين يبنى له بيت طين في الجنة؟ أو بنى مفحص قطاة مساهمة مثله في الجنة؟ لا، المضاعفات فضل الله واسع، وأقل ما يقال في المفاضلة: إن الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، وقد جاء في المسند حديث تكلم فيه أهل العلم: ((إن الله يضاعف لبعض عباده إلى ألفي ألف ضعف)) مليونين ضعف، فضل الله لا يحد، وخزائنه لا تنفد، وإذا كان آخر من يدخل الجنة تنقطع به الأماني، ما يستطيع يتمنى، فيقال له: تمنى، فلا يذكر شيئاً لما عمله في الدنيا، يعني بأسلوب الناس اليوم ما له وجه يتمنى، إذا كان هذا وضعه، ولا يستطيع أن يتمنى يقال له: هل يرضيك أن يكون لك مثل ملك أعظم ملك في الدنيا؟ يقول: إي يا رب، يعني لو يقال: له مثل ملك هارون الرشيد يكفيه وإلا ما يكفيه؟ فيقال: لك مثله ومثله ومثله إلى عشرة أمثاله، ففضل الله واسع، لكن المعول على الإخلاص.
((بنى الله له مثله في الجنة)) فهذه المماثلة أن هذا بيت وهذا بيت، لكن ليس في الجنة مما في الدنيا إلا الأسماء، يعني يشاركه في الاسم، يعني في الجنة فاكهة، فيها أعناب مثلاً، لكن هل العنب في الجنة مثل العنب في الدنيا؟ يقول ابن عباس: "ليس في الجنة مما في الدنيا إلا الأسماء" وإذا كان هذا بيت وذاك بيت نتصور مثل هذا.
"متفق عليه".(42/12)
"وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ببناء المساجد في الدور" في الدور ليس المراد بها البيوت والمساكن، كل واحد يبني مسجد في بيته، وإن قال به بعض العلماء، يبني ويخصص مكان للصلاة في بيته، ينظفه ويطيبه، وفعله كثير من السلف، لكن ليس معنى هذا أنه يصلي فيه الفرائض، يصلي فيه النوافل، عتبان بن مالك لما كف بصره وصار يشق عليه التردد إلى المسجد، كما تقدم طلب من النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يصلي في بيته مكاناً يتخذه مسجداً، وإذا كان لا يستطيع الحضور إلى المسجد، أو كان ممن لا تلزمه الجماعة، وسبق أن قلنا في حديث عتبان مع حديث ابن أم مكتوم الرجل الأعمى الذي في طريقه وادٍ وسباع، وفي وصوله إلى المسجد شيء من العسر طلب من النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يرخص له في بيته، فقال له: ((أتسمع النداء؟ )) قال: نعم، قال: ((أجب، لا أجد لك رخصة)) فعتبان لا يسمع النداء، وقررنا هذا في درس مضى، وبيته في منتصف الطريق بين المسجد النبوي وقباء، فالمظنون أنه لا يسمع النداء من أجل التوفيق بين حديثه وحديث ابن أم مكتوم.
الدور كما قال المؤلف: القبائل والمحال، يعني الأحياء الحارات تبنى فيها المساجد لتيسر على أهل الحي أداء الجماعة في المسجد، ولو قيل: إنه لا يبنى في الأحياء ولا في القبائل مساجد لشق على الناس الصلاة مع الجماعة، وألزموا أن يحضروا إلى المسجد، مسجد البلد، لكن هذا فيه مشقة عظيمة، وجدت مساجد في عهده -عليه الصلاة والسلام- بالنسبة للصلوات الخمس، وأما بالنسبة للجمعة فشأنها أعظم وأشد على ما سيأتي.
القبائل يعني لما قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((خير دور الأنصار بنو عبد الأشهل)) خير دور الأنصار يراد بذلك قبائل الأنصار، والمؤلف يقول: والدور القبائل والمحال، القبائل يطلق عليها دور، دور الأنصار يعني قبائل الأنصار، وقد تطلق الدور ويراد بها المحال والحارات والأحياء يقال لها: دور.(42/13)
"وأن تنظف وتطيب" لأنها يعني المسجد بيت الله، ومحل العبادة، وتنظيفها وتطييبها يريح المصلين، ويجعلهم لا يتضايقون من المكث فيها، وأداء الصلاة فيها، بخلاف ما إذا أهملت ووجد فيها ما تنبعث منه روائح، أحياناً الفرشاة إذا طال بها العهد ولم تغسل وتنظف وتطيب بعض الناس يتضايق لا يستطيع أن يسجد، وبعض الناس ترك الصلاة في مسجد وذهب إلى غيره بحجة أن الفرشة إذا سجد انكتم من الروائح المنبعثة منها، فعلى هذا لا بد أن تنظف المساجد، ولا بد أن تطيب ليؤدي الناس هذه الفريضة على أكمل وجه، يعني الإنسان إذا لم يتمكن من السجود على الوجه المطلوب كيف يخشع في صلاته؟ نعم قد يضطر بعض الناس أو يحتاج إلى وضع شيء متصل به كالغترة والشماغ وطرف العمامة، وما أشبه ذلك، قد يحتاج إلى ذلك، وأهل العلم يكرهون السجود على المتصل، لكن إذا وجد مثل هذا فإنه كما قال أهل العلم: الكراهة تزول بأدنى حاجة، لا مانع من أن يصلي على طرف شماغه أو غترته أو عمامته.
"تنظف" يغسل ما أصابها من أذى، وأمر النبي -عليه الصلاة والسلام- بسجل من ماء أهريق على بول الأعرابي "وتطيب" لتكون روائحها طيبة تريح المصلين والداخلين والمقيمين في المسجد، ويمنع من أكل ما له رائحة كريهة من دخول المسجد، أكل ثوماً أو بصلاً فلا يقربن مساجدنا، ومن باب أولى إذا كان ما تنبعث منه الرائحة محرماً كالدخان ونحوه فإن هذا أشد، ليس معنى هذا أن هذه رخصة لمن أكل أو شرب دخان أن يصلي في بيته ولا يأتي المسجد ويتذرع بذلك، لا، هذه عقوبة، هذا تعزير له حينما يمنع من المسجد، لكن لما اختلفت الموازين، وتغيرت المفاهيم، وتلوثت الفطر ما صارت في نظر كثير من الناس عقوبة، اعتبرها بعضهم رخصة، لكن لو يأتي إلى مكان فيه وليمة، ثم يقال له: والله ارجع من حيث أتيت لأن رائحتك كريهة، كيف يتصور هذا الموقف؟! يسهل عليه مثل هذا؟ لكن سهل أن يتذرع ويتعلل ويوجد لنفسه العذر أن يتخلف عن الجماعة؛ لأنه أكل ثوم أو بصل أو شرب دخان، كل هذا صيانة للمسجد، وتقدم ما يتعلق بهذا.(42/14)
من احتاج إلى إرسال الرائحة الكريهة وهو في المسجد جالس، افترض أنه مقيم معتكف في المسجد، ثم احتاج إلى إرسال ما له رائحة كريهة، حاجة، يقول ابن العربي: "ويجوز إرسال ما له رائحة من الفساء ونحوه في المسجد لحاجة" لا بد أن يقيد بالحاجة؛ لأن هذا مثل الرائحة الكريهة بالثوم والبصل وما أشبه ذلك، على أن لا يؤذي أحداً بهذا، وإذا كان التنظيف والتطييب مطلوب، فإن ما له رائحة كريهة بمفهوم الحديث يكون ممنوعاً.
يقول: "رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه، وإسناد بعضهم على شرط الصحيحين، ورواه الترمذي مرسلاً ومتصلاً، وقال في المرسل: هذا أصح" والحديث يعني ما فيه تعارض بين إرساله ووصله فهو مصحح مرسلاً وموصولاً.
"وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((قاتل الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)) " ((قاتل الله اليهود)) كما جاء في الرواية الأخرى: ((لعن الله اليهود)) فقاتل بمعنى لعن، وفي هذا جواز لعن اليهود والنصارى، ومن يستحق اللعن مقروناً بسببه؛ لأنه قال: ((قاتل الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)) لأنهم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، ومن لعنه الله -جل وعلا- في كتابه ورسوله في سنته لا مانع من لعنه على أنهم يختلفون في المعين حتى من الكفار، وأما بالنسبة للمسلم فلا يجوز لعنه معيناً وإن لعن ضمن المجموعة لا على التعيين، لعن الله السارق، لعن الله الشارب، المتبرجة إذا رأيتموهن فالعنوهن، لكن ما يقال: فلان يشرب الخمر لعنه الله، أو يسرق لعنه الله، لا، فالمعين غير المبهم.(42/15)
وأما بالنسبة لليهود والنصارى فيلعنون، وجاء في موطأ الإمام مالك قول التابعي أظنه ابن أبي مليكة قال: أدركنا الناس وهم يلعنون اليهود والنصارى، يعني في الوتر، فلا مانع من لعنهم، لكن إذا ترتب على ذلك مفسدة، ترتب عليه مفسدة، صار من باب {وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ فَيَسُبُّواْ اللهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [(108) سورة الأنعام] فالكلام على ما يحقق المصلحة، ولا يترتب عليه مفسدة، أما لعنهم فهو جائز، يعني إذا أمنت المفسدة ما في أدنى إشكال، لكن قد يكون في مجتمعاتهم في بلدانهم ممن يقيم بين أظهرهم من المسلمين يسمع مثل هذا الكلام فيجاهر بلعنهم، وهو لا يستطيع مقاومتهم فيتضرر بذلك، وقد يتضرر بذلك غيره، فالمسألة مسألة مصالح ومفاسد، وإلا فالأصل أن لعنهم جائز، جاء لعن اليهود في القرآن، جاء لعنهم في القرآن، وجاء لعنهم في السنة.
العلة في لعنهم أنهم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، والرواية الأخرى رواية مسلم: ((لعن الله اليهود النصارى)) اليهود لهم أنبياء، وهؤلاء الأنبياء لهم قبور واليهود الذين اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد هم الذين كانوا يقتلون الأنبياء، إما أن يقتلوهم، أو يعظموهم حتى يصلوا بهم إلى حد الإشراك بالله -جل وعلا-.
اليهود يتجه لعنهم، والعلة أنهم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، لكن في رواية مسلم: ((لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)) اليهود لهم أنبياء، ومات هؤلاء الأنبياء، ودفنوا في قبورهم، لكن النصارى ليس لهم إلا نبي واحد، وهو عيسى -عليه السلام-، ومع ذلكم لم يقبر، ما مات، بل رفع إلى السماء، فكيف يقال: ((لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد))؟ لأن اليهود والنصارى جمع قوبل بجمع، إذا قلنا: قبور أنبيائهم فلكل نبي قبر؛ لأن مقابلة الجمع بالجمع تقتضي القسمة أفراد، يعني لكل نبي قبر، وهذا ما فيه إشكال، لكن اليهود والنصارى جمع وأنبيائهم جمع هل تقتضي القسمة أفراد؟ النصارى ليس لهم نبي مدفون له قبر، إنما نبيهم عيسى -عليه السلام-، ما مات، بل رفع حياً إلى السماء، فكيف يقال: اليهود والنصارى؟(42/16)
جاء في بعض الروايات: ((لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ذلكم أنه إذا مات فيهم الرجل الصالح اتخذوا قبره مسجداً)) فاليهود اتخذوا قبور الأنبياء، والنصارى اتخذوا قبور الصالحين، ومنهم من يقول: إن أنبياء اليهود أنبياء للنصارى، ورسالة عيسى -عليه السلام- مكملة لرسالة موسى.
((اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)) فغلوا فيهم حتى عبدوهم من دون الله، ولذا جاء النهي عن الصلاة في المقبرة، ولا تصلوا إلى القبور، كل هذا من باب سد الذريعة الموصلة إلى الشرك، وسبب المنع ليس النجاسة الحسية حتى يفرق بين المقبرة المنبوشة وغير المنبوشة، لا، إنما سبب المنع نجاسة الشرك المعنوية، الشرك نجاسة معنوية، والمشركون نجس، ولو كانت الصلاة لله عند قبر تُمنع.
((لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)) فكما جاء في الحديث: ((لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه)) عمل فئام من المسلمين ما عملته اليهود والنصارى، فاتخذوا المساجد على قبور الصالحين، أو دفنوا هذه القبور في المساجد، وشيدوا عليها الأبنية، وأقاموا عليها الأضرحة، وطافوا بها، ودعوهم من دون الله -جل وعلا-، وحصل منهم الشرك الأكبر ((لتتبعن سنن من كان قبلكم)) ويعني بذلك اليهود والنصارى حتى قيل: "اليهود والنصارى يا رسول الله؟ قال: ((فمن)) يعني من القوم إلا أولئك، فحصل في هذه الأمة مشابهة بل مطابقة لما فعله اليهود والنصارى في قبور أنبيائهم وصالحيهم، فاتخذت المساجد على القبور، وبنيت الأضرحة على القبور، وصار يطاف بها من دون الله، يطاف بها كما يطاف ببيت الله، وتعبد وتطلب الحوائج من هؤلاء الصالحين كما تطلب من الله -جل وعلا-، بل بعضهم لا يطلب من الله شيئاً، وإنما يطلب من هذا المقبور الذي لا يملك لنفسه نفعاً، ولا يدفع عنها ضراً، فكيف ينفع غيره؟!
وجدت الأبنية والاضرحة في كثير من أقطار المسلمين، وصاروا يلوذون بها، ويلجأون إلى هؤلاء المقبورين في الملمات.
يا خائفين من التتر ... لوذوا بقبر أبي عمر(42/17)
نسأل الله العافية، ومع الأسف أن شخص ينتسب إلى الحديث وعلم الحديث يؤلف في الأبنية والأضرحة على القبور، ويتساءل في مقدمة كتابه: هل البناء -بناء الأضرحة على القبور- سنة شرعية متبعة أو بدعة محرمة؟ ويسترسل ويقرر أنها سنة تتابع عليها المسلمون من أقدم العصور، وتوارثوها، وبنوا على قبور الصالحين، وبنوا على قبره -عليه الصلاة والسلام-، وعلى قبر غيره، حتى جاء من جاء من القرنيين يقصد بذلك دعوة الإمام المجدد ومن يقول بها، الشيخ محمد بن عبد الوهاب ومن تبعه من أئمة الدعوة، فأساءوا وهدموا القباب والقبور واعتدوا، يقول: أما بلادهم فليس فيها من يستحق أن يبنى عليه، يقول هذا! وهذا ينتسب إلى السنة والحديث، ولا مانع أن يذكر اسمه؛ لأنه في كتاب مطبوع ومنشور، يعني أحمد بن الصديق الغماري ألف في المشاهد وذكر هذا الكلام، يعني قبور تعبد ويطاف بها، تعبد من دون الله، ويتساءل هل هي مشروعة وإلا محرمة؟ إذا كان الشرك الأكبر متردد في فاعله هل هو محرم وإلا لا فماذا بقي؟
في كشمير ضريح من أكبر الأضرحة في العالم اسمه: ضريح الشعرة، فيه شعرة تنسب إلى الشيخ عبد القادر الجيلاني، وتجرى من تحته الأنهار، يعني سواقي تمشي من تحته، ويباع الماء الذي يمر من تحت الضريح، والغبار الذي يجتمع حوله، يباع كما يباع الطيب، وأي شرك أعظم من هذا، ومن أراد أن ينظر إلى وقوع الشرك في هذه الأمة وافتتانهم بالقبور والأضرحة فليقرأ ما كتبه الرحالون لا سيما ابن بطوطة، يقرأ ليحمد الله -جل وعلا- على هذه النعمة نعمة التوحيد، يعني ما يمر ببلد إلا ويذهب إلى ما فيه من أضرحة ويتمرغ فيها، ويسأل الشفاء، ويسأل العفو والمغفرة -نسأل الله السلامة والعافية-.
المقصود أن هذه من أعظم الفتن وأعظم البلايا والرزايا؛ لأنه لا ذنب أعظم من الشرك، وسببه ما سمعتم، الغلو في الصالحين والأبنية على قبورهم والأضرحة، فضلاً عن الأنبياء الذين بنى عليهم اليهود والنصارى ما بنوا وغلوا فيهم، حتى اتخذوهم أرباباً من دون الله، والله المستعان.(42/18)
قال: "وعن ابن عمر -رضي الله عنهما-: "أنه كان ينام وهو شاب أعزب لا أهل له في مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم-" قال: كذا رواه البخاري، وروى مسلم بنحوه" ابن عمر شاب أعزب، يعني لم يتزوج لا أهل له، يعني لا زوجة له، والأهل الزوجة، كان ينام في مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم-، ففي هذا دليل على جواز النوم في المسجد، ونام علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- لما حصل بينه وبين فاطمة ما حصل نام في المسجد، وعلق به شيء من التراب، فقال له النبي -عليه الصلاة والسلام-: قم أبا تراب، قم أبا تراب، فالنوم في المسجد مباح، ما لم يخش تلويث المسجد، إذا عرف الإنسان أنه لا يتصرف في نفسه إذا نام ويغلب على ظنه أنه يلوث المسجد لا يجوز له أن ينام في المسجد؛ لأن بعض الناس قد يكبر ويبلغ مبلغ الرجال، وهو يبول على نفسه، فمثل هذا إذا كان يغلب على ظنه أنه يلوث المسجد لا يجوز له أن ينام، ما عدا ذلك فلا مانع على أن يستتر، وسواء كان ذلك ذكراً أو أنثى، ما لم تخش فتنة، وسيأتي في حديث الوليدة أنها كانت تنام في المسجد، اتخذت خباءً تنام فيه في المسجد.(42/19)
"وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- خيلاً قبل نجد" جهة نجد "فجاءت" هذه الخيل "برجل من بني حنيفة يقال له: ثمامة بن أثال" وهو سيد من سادات بني حنيفة، جاءوا به "فربطوه بسارية من سواري المسجد" والمؤلف حينما أورد هذا الخبر يريد أن يستدل به على جواز دخول وإدخال المشرك للمسجد للحاجة، فهذا رُبط لحاجة، رُبط للمصلحة المترتبة على مشاهدته للمسلمين في صلاتهم، في تعاملهم، من مصلحة الدعوة، ولذا آل أمره إلى أن أسلم، فهذا قول لأهل العلم بجواز دخول المشرك المسجد للحاجة، ومنهم من يقول: لا يجوز للمشرك مطلقاً أن يدخل المسجد لا لحاجة ولا لغيرها، ومنهم من يستثني المسجد الحرام ويجيزه فيما عداه، إذا كان هنا مهندس أو بناء لا يقوم غيره مقامه يريد أن يصلح شيئاً في المسجد وهو ليس بمسلم، إذا دعت الحاجة إلى ذلك فالمرجح جواز دخوله، وإذا لم تدعُ الحاجة إلى ذلك فهو نجس {فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [(28) سورة التوبة] ومنهم من يخص عدم الجواز بالمسجد الحرام فقط، وما عداه يجوز.
كثيراً ما نشاهد بعض السواقين سواقي الأسر يكون المسجد بجواره مدرسة، فإذا جاء للولد إلى هذه المدرسة ليوصل الولد من المدرسة إلى أهله وكان في وقت، والجو أحياناً لا يساعد أن يجلس خارج المسجد يدخل في المسجد، هذه حاجة، لكن هذه حاجة له، فإذا رجي إسلامه لا مانع من أن يمكن من الدخول في المسجد والبقاء في المسجد، لكن إذا لم يرجَ إسلامه، أو عُرف بشيء من المعاندة والإصرار مثل هذا لا يمكن من الدخول في المسجد.(42/20)
"فربطوه بسارية من سواري المسجد، فخرج إليه النبي -عليه الصلاة والسلام-" خرج عليه في اليوم الأول والثاني، ويسأله عن حاله، ثم في اليوم الثالث قال: ((أطلقوا ثمامة)) "فانطلق" لما أطلقوه "إلى نخل قريب من المسجد" انطلق ثمامة إلى نخل قريب من المسجد "فاغتسل ثم دخل المسجد فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله" هذه المعاملة أثرت فيه، وثلاثة أيام وهو ينظر إلى المسلمين في صلاتهم في تعاملهم، وبعض الدعاة قد يسلك هذا المسلك، يأتي ببعض الوافدين من غير المسلمين ويدخلهم المساجد ويطلعهم عليها، وعلى صنيع المسلمين، ولا شك أن اجتماع المسلمين على هيئة واحدة، وعلى إمام واحد، وانضباط وخشوع لا شك أنه يؤثر في النفوس، كثير ممن يدعى يعتنق الإسلام، ومن هنا أسلم ثمامة، وشهد أن لا إله إلا الله لحسن المعاملة، وهذه مسألة يسأل عنها كثير في التعامل مع من يحتاج إلى دعوته من المبتدعة ومن غير المسلمين كيف يتعامل معهم؟ هل يتعامل معهم بالرفق واللين والصلة والبشاشة أو يتعامل معهم على ما هو الأصل من الهجر؟ لا بد أن تقدر مصلحة الدعوة، فإذا رجي إسلامه لا مانع من أن يتعامل معه بالرفق واللين، حتى يدخل الإيمان في قلبه، مثل ما حصل لثمامة، وإذا كان الشخص ميئوساً منه فيهجر؛ لئلا يؤثر في غيره إذا كان لا يتأثر فقد يؤثر في غيره.
"فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله" متفق عليه".(42/21)
"وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن عمر بن الخطاب -أمير المؤمنين- مر بحسان بن ثابت" شاعر النبي -عليه الصلاة والسلام- "وهو ينشد الشعر في المسجد فلحظ إليه عمر" عمر عنده حزم وعزم وقوة في الحق، لحظ إليه، نظر إليه نظرة إنكار، ففهم حسان أنه ينكر عليه "فقال: قد كنت أنشد فيه، وفيه من هو خير منك" يعني رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأمره النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يجيب، وأمره أن يهجو الكفار، فكان ينشد في المسجد في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- فقال: "كنت أنشد فيه وفيه من هو خير منك" ثم التفت إلى أبي هريرة فقال: أنشدك الله" يعني اسأل بالله "أسمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((أجب عني، اللهم أيده بروح القدس))؟ قال: نعم" متفق عليه".
فالنشيد هو أداء الشعر على طريقة معينة مع رفع الصوت فيه، والشعر كلام حسنه حسن، وقبيحه قبيح، لا يمنع بإطلاق ولا يباح بإطلاق كسائر الكلام، فإذا كان لفظه مباحاً ولم تصحبه آلة، وأدي بلحون العرب، يعني الذي أنشد بين يدي النبي -عليه الصلاة والسلام- على نفس الطريقة طريقة العرب، لا بلحون الأعاجم وأهل الفسق فإنه يجوز، وقد أُنشد بين يدي النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن إذا كان لفظه غير مباح كالغزل والهجاء والفخر وما أشبه ذلك فإنه يُمنع من أجل لفظه، كما يُمنع الكلام النثر إذا صحبته آلة منع من أجل الآلة، إذا أدي بلحون أهل الفسق ولحون الأعاجم منع للتشبه، وما عدا ذلك مباح، ومع ذلك لا يكثر منه، لا يكثر من الشعر بحيث يكون هو الغالب على الإنسان، وجاء في الحديث الصحيح: ((لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً حتى يريه)) يعني يمتلئ امتلاءً بحيث لا يستوعب شيئاً غيره ((خير له من أن يمتلئ شعراً)) لأنه إذا امتلأ الجوف شعراً ماذا بقي للكتاب والسنة والعلم الشرعي المقرب إلى الله -جل وعلا-، فالمقصود به إذا كان بحيث لا يستوعب غيره.(42/22)
أما وجود الشعر فالشعر ديوان العرب، يفسر به الغريب من الكتاب والسنة، كما كان ابن عباس يفعل، والعلماء يستدلون به ويستشهدون به في شرح الغريب، وفي تقرير القواعد، قد يقول قائل: إنه مر بنا في الشواهد الشعرية أبيات غزلية وأبيات فيها شيء من الممنوع، لكنها لتقرير قاعدة، أو لبيان غريب، إنما تقصد لهذه الكلمة الغريبة، ما قصد البيت من أجل ما فيه من غزل أو فخر أو هجاء، إنما قصد من أجل هذه الكلمة والشعر يحفظ العلم، ولذا يستدلون بأبيات الشعر على تقرير القواعد، كتاب سيبويه مملوء من الشواهد، شروح الألفية مملوءة من الشواهد، شروح الكافية فيها شواهد، كل كتب العربية فيها شواهد، لكن يشكل على هذا أنها أحياناً تقرأ في مسجد، واللفظ ليس بمناسب أن يقرأ في المسجد، وقد تمر هذه الأبيات في كتب التفسير، يعني في تفسير ابن كثير وفي غيره من التفاسير ما ينسب لابن عباس في تفسير الرفث ذكر بيت شعر منسوب لابن عباس:
وهن يمشين بنا هميساً ... . . . . . . . . .
... البيت، ما يحتاج نقوله، وهو في تفسير ابن كثير وغير تفسير ابن كثير، وموجود في كتب اللغة، وقد يقرأ في مسجد، إنما يقصد مثل هذا الإيراد من أجل تقرير كلمة غريبة يشرح بها ما جاء في الكتاب أو في السنة، وقد يورد من أجل تقرير قاعدة في علم من العلوم، وكما قالوا: الشعر ديوان العرب.
فينظر إلى رجحان المصلحة على المفسدة، وإلا المعلقات فيها فخر، ويورد منها ما يحتاج إليه في كتب التفسير وفي غيرها، وغيرها من الأشعار، فهذه الأشعار يعني في وقت السعة حينما نريد أن نختار لا أن نقرأ شيئاً ألزمنا به؛ لأنه أحياناً الإنسان قد يلزم بقراءة شيء لرجحان المصلحة مثل هذا يتجاوز فيه لمصلحة راجحة، لكن في حال الاختيار أن تريد أن تحفظ أبيات شعر إما تتسلى بها، أو من أجل أن تتطارح بها غيرك، أو لأمر من الأمور، لا يجوز لك أن تحفظ شيئاً فيه محظور.
"ثم التفت إلى أبي هريرة فقال: أنشدك الله أسمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((أجب عني، اللهم أيده بروح القدس))؟ قال: نعم".(42/23)
طيب كثير من العلوم نظمت في قصائد، وما من فن من الفنون إلا وفيه منظومات منها المختصرات، ومنها المتوسطات، ومنها المطولات، فنظم أهل العلم العلوم في شعر؛ لأنه أرسخ في الذهن، النثر قد يحفظ ثم ينسى، لكن الشعر يثبت في الذهن، فنظموا في جميع العلوم، نظموا في العقائد، نظموا في غريب القرآن، نظموا في غريب الحديث، نظموا في الفقه، نظموا في العلوم كلها، وتتابع العلماء على ذلك، وصاروا يحفظون ويقرءون ويقرئون هذه المنظومات من غير نكير في المساجد، ولا إشكال في هذا، لكن الشيء الذي لا يرتضى أن ينظم الحديث، الرسول -عليه الصلاة والسلام- ليس بشاعر {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ} [(69) سورة يس] ثم آتي إلى كتاب في الحديث محض وأنظمه شعراً! يعني كما نظم بلوغ المرام، يعني هل من المناسب أن ينظم الحديث؟ متن حديثي كله قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ... إلى آخره، ثم يأتي من يحوله إلى شعر، هذا في تقديري غير مناسب وغير لائق، وهو موجود يعني نظم بلوغ المرام من أكثر من شخص في منظومة للصنعاني نظم بلوغ المرام ومطبوعة ومتداولة، ونظمه بعض المعاصرين، المقصود أن مثل هذا يعني نظمنا الفقه، نظمنا العقائد مسائل، ما نظمنا أدلة، نظمنا مسائل، ولو أشير إلى الدليل من باب الاقتباس، هذا أمره أسهل من أن يقصد الدليل أصالة بالنظم، يعني نحول القرآن إلى شعر أو نحول السنة إلى شعر هذا في تقديري غير مناسب، وإن استساغه بعضهم.
أما أن يقتبس من القرآن في ضمن كلام طويل هذا لا يضر، فالاقتباس معروف عند أهل العلم.
درس الغد -إن شاء الله- من بعد الصلاة مباشرة، نصلي هنا العشاء ونشرع بالدرس بعد السلام بخمس دقائق بعد الأذكار وأداء الراتبة نشرع مباشرة -إن شاء الله-.
الصلاة النافلة والسنن هل الإتيان بها في المسجد الحرام أو في البيت؟
لا، في البيت أفضل ((صلاة الرجل في بيته أفضل إلا المكتوبة)).
أين يكون الصف الأول بالنسبة للمسجد الحرام؟
هو الذي يلي الإمام وما حاذاه من جميع الجهات، وأما الصفوف المتقدمة عليه فهي صفوف حاجة، إنما الصف الذي يلي الإمام هو الصف الأول.
هل يجوز حجز مكان في المسجد الحرام لي أو لأحد من الإخوة؟(42/24)
إن كان داخل المسجد أو قام من هذا المكان ليعود إليه قريباً فلا مانع، أما إذا كان خارج المسجد فالذي يدخل المسجد قبله أحق به، وجاء بالنسبة للمسجد الحرام على وجه الخصوص {سَوَاء الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ} [(25) سورة الحج] يستوي فيه العاكف المقيم في المسجد والبادي الذي جاء من البادية ليصلي فرض أو فرضين سواء، ثم قال: {وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [(25) سورة الحج].
يقول: أريد توضيح كيفية صلاة الخوف في المغرب والفجر؟
على كل حال صلاة الفجر ما فيها إشكال يصلي بالطائفة الأولى الركعة الأولى وبالطائفة الثانية الركعة الثانية، وبالنسبة لصلاة المغرب قالوا: إذا جلس للتشهد الأول تتم الطائفة الأولى، ثم بعد ذلك تأتي الطائفة الثانية تصلي معه الركعة الثالثة، ثم إما أن ينتظرهم ثم يسلم بهم وهذا هو الأصل، كما جاء في بعض الصور أو يسلم ثم يقضون ما فاتهم، أما كونه ينتظرهم ليسلم بهم كما كبر تكبيرة الإحرام بالطائفة الأولى لا شك أن هذا هو المطابق.
ذكرنا في درس الأمس أنه لا يكن العدل في صلاة المغرب، لا يمكن أن يصلي بهم ركعة ونصف، يمكن أن يصلي بطائفة ركعة ونصف وبالثانية ركعة ونصف؟ لا يمكن.
يقول: هل تصلى الخوف في حق المحاصرين؟
المحاصر إذا كان في مكان لازمه، ويستوي فيه انشغل بصلاة أو بغيرها فإنه يصلي الصلاة على هيئتها مع مراقبة العدو، ومع حمل السلاح، أما إذا كان في مكان يعني ممكن أن يختفي فيه عن أنظار العدو فيصلي الصلاة على هيئتها، أما إذا كان يستطيع العدو أن يناله بسوء أثناء صلاته إما بنفسه أو بآلته فإن هذا مقاتل.
يقول: تجب الجماعة في حال الحصار؟
بقدر الإمكان، إذا استطاعوا أن يصلوا جماعة فهذا هو الأصل، وإن لم يستطيعوا بحيث يخاف الإنسان أن يخرج من بيته ليؤدي الصلاة مع غيره فهذا معذور.
هذا يقول: هل قبر الرسول -عليه الصلاة والسلام- في الحرم؟(42/25)
كان القبر قبل سنة ثمان وثمانين في عهد الوليد بن عبد الملك في بيت عائشة خارج الحرم، ثم إن الوليد بن عبد الملك وسع الحرم فأدخل الحُجَر ومنها حجرة عائشة فدخل في المسجد، ومع ذلك لم يوافق عليه إلا أنه خشية الفتنة وإثارة الناس بعد المعارضة الأولى للوليد تتابع الناس على الصلاة في المسجد، ويبقى أن إخراجه هو الأصل، وإعادته على ما كان عليه إلا أنه إذا كانت المفسدة كما قدرها أهل العلم مفسدة عظيمة تثير المسلمين في بقاع الأرض فإنهم تتابعوا على بقائه، والصلاة في المسجد وإن كان القبر داخله، والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
طالب:. . . . . . . . .
عندنا نعم بدون الواو في بعض الألفاظ فيها ...(42/26)
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: المحرر – كتاب الصلاة (43)
الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هذا سؤال متعلق ببناء المساجد يقول: هل يلزم بناء ملحقات المسجد من دورات المياه، وسكن الإمام والمؤذن حيث طُلب مني ذلك عند بناء أحد المساجد؟(43/1)
الأجر المرتب في الحديث إنما هو مرتب على بناء المسجد، وما عدا ذلك فأجره زائد، قدر زائد على ما جاء في الخبر، وكون الجهات يلزمون ببناء بيوت للإمام والمؤذن ودورات ومرافق هذا شيء مرده إلى المصلحة، وأن المسجد إذا تبرع به متبرع، وبناه من غير مرافق قد لا يقبله أحد في الإمامة والمأذنة؛ لأن أمور الإسكان من أشق ما يعاني منه الناس في العصر الحاضر، من أشد ما يعاني منه الناس في العصر الحاضر أمر السكن، ولوحظ أن بعض المساجد التي ليس فيها سكن للإمام ولا للمؤذن لا يقبل عليها الناس، ويزعمون أنهم معذورون في ذلك؛ لأنه إن سكن بعيداً عن المسجد أخل بالإمامة وأخل بالمأذنة، وقد لا يجد بيتاً قريباً من المسجد مناسباً بأجرة يستطيعها، ولو تعاون الناس على مثل هذا فتركوا المجال لمن أراد أن يبني المسجد ويحصل على هذا الأجر، وترك الناس يشاركونه في بناء المسجد إذا كان لا يستطيع بناءه كاملاً، وترك فرصة لمن أراد أن يساهم في بناء مرافق المسجد، وتعاونوا على ذلك، ولا شك أن هذا من المأمور به، من التعاون على البر والتقوى، لكن كون الجهات لا يوافقون على بناء مسجد من قبل متبرع إلا إذا التزم ببناء بيت للإمام والمؤذن هذا فيه صد عن بناء المساجد من قبل المتبرعين، وإذا كانت الجهات ملتزمة ببناء المساجد والأمر كذلك الوزارة ملتزمة وتبني، والمساجد عندنا -ولله الحمد- فيها وفرة، لكن مع ذلك إذا رأت أن الشخص المتبرع لا يستطيع تكاليف المسجد ومرافق المسجد فلتعينه على ذلك، تتحمل عنه بناء البيوت والدورات، ويقوم ببناء المسجد ليحصل له الأجر، وبيت المال لن يضيق بمثل هذه الأمور، لكن على أن تقدر الأمور بقدرها، لا يعمر المسجد أكثر من الحاجة بكثير؛ لأنه لوحظ أن بعض المساجد يبنى أضعاف أضعاف ما يحتاج إليه من النفقات ومن المساحة والقدر الزائد من الترف والزخرفة، وسيأتي ما يتعلق بزخرفة المساجد، يعني نجد في قرية مثلاً لو اجتمع أهل القرية كلهم في المسجد لاستوعبهم، وبقي منه بقية، رأيت مسجد في بلد أجزم بأن الجماعة الذين يصلون فيه يمكن يستوعبهم المحراب، شيء لا يخطر على البال، يعني حجمه لو قيل: إنه ثالث مسجد في البلد في المملكة ما هو ببعيد، في قرية(43/2)
لا يتجاوز عددها يمكن خمسة آلاف أو ستة آلاف سكانها، لا داعي لمثل هذا الإٍسراف أبداً.
رأيت مسجد وأطلعني عليه من أشرف على عمارته فذكر عن التكييف مبالغ تعمر عشرة جوامع، التكييف فقط، قريب من خمسة ملايين التكييف، يعني هذا لا داعي له ألبتة، هذا التكييف فقط يعمر مائة مسجد في بلد من البلدان المحتاجة لهذه المساجد، لا شك أن الأجر عظيم، لكن يبقى أن المسألة الإسراف والتبذير أيضاً حتى في هذا الباب، يعني يقول أهل العلم: إنه لا سرف في الخير، ولا خير في الإسراف، لكن الأمور تقدر بقدرها، يعني اعمر مسجد يحتاجه الناس بأي مبلغ كان لكن بقدر الحاجة، فعلى الإنسان أن يتقي الله، ولا غرو ولا غرابة في أن نجد مساجد مزخرفة أشرف على عمارتها أناس من أهل الخير والبذل والإحسان والثراء، لكنهم لم يكونوا من أهل العلم، ويظنون أنهم يحسنون في مثل هذا، لكن الإشكال فيما إذا أشرف على بناء المسجد شخص ممن ينتسب إلى العلم، وظهر بالمظهر الذي جاء النهي عنه، يعني من الغرائب أن أكثر الفرشات تجدها حمراء مخططة بالأصفر، وعمر يقول: "إياكم أن تحمروا أو تصفروا" يعني -سبحان الله- حتى مساجد يصلي فيها علماء كبار يغفلون عن مثل هذه الأمور، فضلاً عن النقوش والترف والأشياء والكتابات على الجدران التي تشغل المصلين، فيهتم لهذا الأمر، والقدر الزائد من المبالغ على قدر الحاجة تصرف في مساجد أخرى، وكم من بلد من بلدان المسلمين يحتاج إلى مثل هذه المساجد، يعني يصلون في العراء، حكوماتهم لم تلتزم ببناء المساجد، والأفراد دخولهم ما تمكنهم من أن يوفروا لبناء مسجد، بلدان فقيرة، فإذا من الله على الإنسان بشيء من المال فليكن كسبه من حلال، وليكن مصرفه حلالاً.
يقول: ما حكم اتخاذ السترة للمصلي؟ هل هي على الوجوب أم على الاستحباب مع التفصيل؟
جاء الأمر بالسترة: ((فليستتر أحدكم ولو بسهم)) وهذا الأمر محمول على الاستحباب عند جماهير أهل العلم؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى إلى غير جدار، يقول ابن عباس: يعني إلى غير سترة.
يقول: إذا لم يوجد من يخطب الناس في الجمعة فهل تصلى ظهراً؟ وما منزلة الخطبة من صلاة الجمعة؟(43/3)
الخطبة شرط لصحة الجمعة، فإذا لم يوجد من يخطب يصلونها ظهراً، ومع الأسف بالمناسبة أنه قد يوجد من يستطيع ويصلى في بعض الأحيان -وإن كانت نادرة- تصلى الصلاة ظهراً مع أن في المسجد أعداد من طلاب العلم قد يصل العدد إلى عشرة من خريجي الكليات الشرعية، بل فيهم وقد وقع من هو أستاذ في كلية شرعية في تخصص شرعي، وصلوا ظهراً، نعم قد يشق على الإنسان أن يخطب إذا لم يتعلم ويتعود الخطابة ويجبن عن مواجهة الناس في مثل هذا المقام، وقد يخطب ويحصل له ما يحصل من الوجل، ثم يخل بشيء من أركان الخطبة وشروطها، وهذا كله خلل، لا بد أن يتجاوزه طالب العلم، لا بد أن يتجاوزه طالب العلم، واحد من المشايخ يقول: لا أذكر أني دخلت مسجداً لصلاة الجمعة إلا والخطبة في جيبي، يعني ما كل الناس يتمكن من الخطبة إلقاء، يقول: ما أذكر أني صليت جمعة في مسجد إلا الخطبة في جيبي؛ لماذا؟ لأنه أحرج في مرة من المرات في أن يخطب لتخلف الخطيب، فإذا به الأمر عليه شاق؛ لأنه لم يتعود ذلك، وقد يكون الإنسان معلم ناجح، لكنه ليس بخطيب، وقد يكون خطيباً لكنه لا يستطيع التعليم، وقد يكون مؤلفاً ولا يكون معلماً والعكس، فالمسالة مسألة قدرات ومواهب، لكن على الإنسان أن يحسب حساب لمثل هذه المفاجئات.
وما زلنا في أحكام المساجد في كتاب المحرر.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وعنه" يعني عن صحابي الحديث السابق وهو أبو هريرة "-رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من سمع رجلاً ينشد ضالة في المسجد فليقل: لا ردها الله عليك، فإن المساجد لم تبن لهذا)) " ينشد: يعني يسأل ويرفع صوته في السؤال عنها، الضالة التي ذهبت فلم يدرِ أين توجهت؟ أو غابت عن نظره ولو كانت قريبة منه، فيسأل عنها، هذا في المساجد لا يجوز، بل إذا نشدها وسأل عنها فإنه يقال له معاملة له بنقيض قصده: لا ردها الله عليك؛ لأنه حينما نشدها إنما ينشد ردها إليه، فيقال له: لا ردها الله عليك.(43/4)
الضالة في الأصل تشمل جميع ما يفقد، ولكنهم خصوها بالدواب التي يمكن أن تذهب عن صاحبها وتضل، أما المفقودات من الجمادات فإنها تسمى لقطة، لكن تسميتها لقطة بالنسبة لواجدها وملتقطها، أما بالنسبة لصاحبها فقد ضلت عنه، وخفيت عليه، فالذي يظهر أن اللفظ شامل لكل مفقود، إلا أنهم خصوا بعض الأشياء بأسماء ببعض أفرادها تخصيصاً عرفياً، فجعلوا الضالة للدواب، وجعلوا المفقود لبني آدم، وجعلوا اللقطة لغيرها من الأموال، وهناك أيضاً اللقيط وهو ما يلتقط هذا ليس بمفقود، إنما وضع عن قصد، فآخذه ملتقط، وهو لقيط، فعيل بمعنى مفعول يعني ملقوط، واللقطة ما يوجد من الأموال مما لا يعرف صاحبه، ولها أحكام سنأتي عليها في بابها -إن شاء الله تعالى-.
((من سمع رجلاً ينشد ضالة في المسجد فليقل: لا ردها الله عليك)) رجلاً، يعني لو سمعت امرأة ما تقول؟ الحكم واحد، لكن بناءً على أن الغالب غالب من يرتاد المساجد، وغالب من يرفع صوته إنما هم الرجال، من رأى كذا، من وجد كذا، هذا في الغالب في الرجال، لكن لو قدر أن الضالة طفل، وجاء أبوه أو أمه تبحث عنه، هل نقول: لا رده الله عليكِ فإن المساجد لم تبنَ لهذا؟ يمكن نقول؟ أحضرت ولدها أو أحضر ولده أو ابنته إلى المسجد الحرام، ثم بعد ذلك لما التفت إذا به ليس حوله، يميناً شمالاً قام وجرى يميناً وشمالاً ومع الجهات ما وجده، فإذا قال: من رأى الولد أو من وجد الولد أو البنت؟ هل نقول: لا رده الله عليك؟ نعم؟
طالب: ظاهر النص يعني يقال؟
لكن هل الولد يقال له: ضالة؟
طالب: مفقود.
إيه مفقود، هو مفقود، لكن ليس بضالة، الضالة من الدواب.
طالب: أليس هو مما يدب على الأرض لأن البشر يمشي على الأرض؟
إيه لكن ما يقال له: دابة، باعتبار أنه ضل، ضل الطريق يقال له: ضال، ومن الرواة معاوية ابن؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، يقال له: الضال، معاوية ابن إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه أبوه ويش اسمه؟ أعرف أنه الضال؟
طالب:. . . . . . . . .(43/5)
أظن اسمه على اسمي، معاوية بن عبد الكريم الضال، وهو ليس ضلال فكر، لا، إنما هو ضل في طريق مكة، فقيل له: الضال، وهذا من الألقاب التي لا تطابق حال الملقب، مثل الضعيف ومثل الطويل، الطويل ليس بطويل بائن، وإنما هو متوسط في مقابل حُميد الثاني القصير، فمعاوية هذا الضال مثله لو أن واحداً فقط ابنه في المسجد الحرام يقال له: ضال، وينشده يبحث عنه، من رأى الولد، من رأى البنت، ضال، بمعنى أنه ضل المكان الذي وجد فيه أبوه، فهل يجوز أن ينشده؟ عموم الحديث يتناوله، لكن هل مثل هذا على عظم المصيبة فيه يدخل فيه مثل هذا؟ يعني أمور الدنيا لا يجوز مزاولتها في المساجد؛ لأنها لم تبنَ لهذا، فلعل المراد بنشدان السلع .. ، أنت وضعت كتابك في الحلقة حلقة الدرس ورحت تبي تجدد الوضوء يوم جيت ما وجدته، جاء واحد من الإخوان مؤخره عن مكانه وجلس فيه، تقول: من رأى الكتاب؟ من شاف الكتاب؟ وإلا ما تقوله بناءً على هذا الحديث: ((من سمع رجلاً ينشد ضالة))؟ أو المقصود بالحديث ما يتعلق بأمور الدنيا؟ يعني إذا جيت ما وجدت الكتاب في مكانه وقد يكون عن مترين أو ثلاثة عن مكانه اختفى بين الطلاب الجالسين، ما تسأل عنه؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لماذا؟ لأنه ليس من أمور الدنيا، مما يعني على أمر الآخرة، والمساجد بنيت من أجل ما يعين على أمر الآخرة.(43/6)
((لا ردها الله عليك، فإن المساجد لم تبنَ لهذا)) طيب أقيمت الصلاة وفقد المحرم رداءه، وقد أمر بستر منكبه يسأل عن هذا الرداء وإلا ما يسأل؟ من أجل أن يستر المنكب، لا من أجل أنه مال يخشى أن .. ؛ لئلا يذهب فيشتري غيره يسأل وإلا ما يسأل؟ من أجل إيش؟ لأنه يعين على أمر من أمور الآخرة وهو الصلاة، طيب المساجد لم تبنَ لهذا إنما بنيت لذكر الله وإقام الصلاة وذكر الله، ومضى شيء مما كان يزاول في المساجد من تعليم وإفتاء وقضاء، كل هذه كانت تزاول في المسجد إلى وقت قريب، العلماء يقضون في المسجد، ويفتون في المسجد، وينظمون أمور الدين في المسجد، وكان المسجد منطلقاً لكل أمر من أمور المسلمين حتى أن بعث السرايا والجيوش وعقد الألوية إنما يكون في المسجد، يأتي بعض الأعمال التي لا يجوز مزاولتها في المسجد، الآن المسجد لا يؤدي الرسالة كاملة التي كانت تؤدى فيها قبل، أحياناً بعض المساجد أو جميع المساجد تغلق بعد الصلاة، من أراد أن يجلس في المسجد ليقرأ أو يذكر أو يصلي أو ينتظر ارتفاع الشمس قد يُخرج من المسجد؛ لأن هناك أمر يقضي بإغلاق المساجد بعد الصلوات، ويعاني بعض من اعتاد الجلوس في المساجد بعد صلاة الصبح إلى ارتفاع الشمس يعاني في بعض البلدان، يعني في بلده في مسجده الأمر معتاد ومعروف ويجلس، لكن في غير بلده، يعني مراراً نتعرض إلى بعض الإحراجات من خدم المساجد، هم مؤتمنون ومأمورون بإغلاق المساجد، ولا شك أن هذا خلاف ما جاء به الشرع من الحث على البقاء والمكث في المسجد إلى أن تنتشر الشمس، كما كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يفعل، لكن يبقى أن هذا النظام وهذا الأمر مبني على مصالح ودرء مفاسد، ووجد من يتسبب لمثل هذا الأمر، أسيء إلى المساجد، أسيء إلى المصاحف، سُرقت بعض محتويات المساجد، كُتب على حيطان المساجد كتابات بذيئة قبيحة شنيعة، مما جعل المسئولين عن المساجد يصدرون مثل هذا الأمر، فهذا الأمر له ما يبرره، فلا يلامون إذا فعلوا مثل هذا، لكن ينبغي أن يُنزل الناس منازلهم، وينبغي أن يولى أمور المساجد من يحسن التعامل مع الناس، يعني واحد من طلاب العلم جلس بعد صلاة الجمعة يقرأ في المسجد، فجاءه العامل فما امتثل، فجاء له(43/7)
بشرطي وأخرجه من المسجد، وعامل المسجد من شرق آسيا لا يحسن من العربية شيء، يتعرض لشيخ يُخرجه بالقوة من المسجد؛ لماذا؟ لأن عنده أمر، وهو مؤتمن على هذا، لكن يبقى أن الذي أصدر الأمر لا بد أن يوجد مخارج لمثل هذه التصرفات، يعني إذا وجد إنسان بالفعل يعني جالس يتعبد هذا ما يمكن أن يخرج من المسجد، ولا بد أن يوجد للأبواب أغلاق يمكن أن تقفل من الداخل ومن الخارج، ويكون المسجد على مسئولية هذا الشخص الذي أراد أن يجلس، أو يجعل العامل أيضاً من وظيفته أن يحرس مثل هذا الداخل في المسجد أثناء بقاء مثل هذا، يعني يكون فيه فسحة، يقال: بعد صلاة الصبح انتظر ساعة حتى تنتشر الشمس، الآن وفي المسجد الحرام إذا بدأ الناس يقرءون ويذكرون الله وقبل أن تطلع الشمس يجيك من يضف الفرشات، طيب انتظر ساعة إلى أن يخرج الناس، ويش المانع؟ العامل ويش له من الشغل غير هذا؟ ينتظر زيادة ساعة، بدل ما تضف الساعة سبع، والسنة انتشار الشمس سبع وربع ينتظر إلى ثمان، المسألة مسألة دوام، وهو مربوط منوط بهذا العمل، لكن كثير من عمال المساجد يريد أن يتخلص من المسجد، يغلق المسجد وأنوار المسجد يروح يذهب يغسل سيارات، فالأمور لا بد أن تدرس من جميع الجهات، يعني الأمر له ما يبرره، الأمر بإغلاق المساجد له ما يبرره، ووجد تصرفات إساءة إلى المسجد، إساءة إلى القرآن، إساءة إلى الذات الإلهية، كتب في محراب المسجد أشياء، ووضع فيه أشياء، ووضع في المصاحف نجاسات، هذه تبرر الأمر بإغلاق المساجد، لكن يبقى أن الأمور تقدر بقدرها، يعني يأتي شخص عُرف من عادته أنه يجلس يومياً إلى أن تنتشر الشمس ثم يُخرج! هذا ليس له ما يبرره، لكن لا بد أن يوجد وسيلة تحفظ المسجد، وتحفظ لهذا أيضاً ما كان مراعياً له ومحافظاً عليه.
قال -رحمه الله-: "وعن بريدة -رضي الله عنه- أن رجلاً نشد في المسجد فقال: من دعا إلى الجمل الأحمر؟ فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((لا وجدت، إنما بنيت المساجد لما بنيت له)) رواه مسلم، ورواه النسائي متصلاً مرسلاً".(43/8)
"وعن بريدة -رضي الله عنه- أن رجلاً نشد في المسجد" يعني رفع صوته، أصل النشيد رفع الصوت "رفع صوته في المسجد فقال: من دعا إلى الجمل الأحمر؟ " هذا هو صاحب الجمل أو الذي وجده؟ يعني من خلال العبارة "من دعا إلى الجمل الأحمر"؟ كأن هذا هو الذي وجد الجمل الأحمر، أو عنده خبر عن مكانه، أليس اللفظ يدل على هذا؟ "فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((لا وجدت)) " يعني ما معنى قوله: "من دعا إلى الجمل الأحمر؟ " نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هو يمكن أن تأتي العبارة متسقة إذا جعلنا واجد الجمل دعا صاحبه أين صاحب الجمل الأحمر؟ ثم جاء بعد ذلك صاحبه يعني ما سمع الكلام، إنما بُلّغ أن في واحد وجد جمل أحمر، فقال: من دعا إلى الجمل الأحمر بمعنى أنه وجده، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((لا وجدت)) يعني ترتيب الجمل إذا قلنا: إن صاحب الجمل الذي أضاعه وضل عنه جمله دعا إلى الجمل، أو دعا إلى معرفة مكان وجوده، لا بد من تقدير، أو نقول: إن الذي وجده أو وجد خبر عنه دعا صاحبه ليخبره عن مكان وجوده فأخبر صاحبه فقال: "من دعا إلى الجمل الأحمر" يعني إلى معرفة مكان وجوده؛ لأنه يعرف مكان وجوده فأنا صاحبه، على كل حال العبارة يعني ما يلزم أن تكون بلفظها، لكن هذا مفادها، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((لا وجدت)) لماذا؟ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- يخاطب صاحب الجمل، ((لا وجدت، إنما بنيت المساجد لما بنيت له)) يعني من إقام الصلاة، وذكر الله، والاعتكاف، والعلم والتعليم، والذكر وما أشبه ذلك.
رواه مسلم، ورواه النسائي متصلاً مرسلاً.
طالب:. . . . . . . . .
متصلاً ومرسلاً عندك؟
طالب:. . . . . . . . .
وهذا أولى؛ لأنه ما يجي، تناقض الاتصال مع الإرسال تضاد، ومن .. ، إيش يقول العراقي:
ومن يقابله بذي الإرسال .. ، يعني الاتصال، فقد عنا به يعني المسند، أسنده فلان، وأرسله فلان.
ومن يقابله بذي الإرسالِ ... فقد عنى بذاك ذا اتصالِ(43/9)
المقصود أن العبارة هنا: "ورواه النسائي متصلاً مرسلاً" فيه شيء من التضاد وإلا إذا قيل: متصلاً ومرسلاً، يعني رواه من طريقين طريق متصل وطريق مرسل هذا ما فيه إشكال، وعلى كل حال الحديث في صحيح مسلم، ولا كلام.
قال -رحمه الله-: "وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا رأيتم من يبيع)) ".
أولاً: في الحديث السابق "إلى الجمل الأحمر" الجمل الأحمر ما لونه؟ هل لونه مثل الفرش أو مثل كرتون المناديل أو مثل الشماغ؟ نعم؟ يعني مثل ما قلنا في: {جِمَالَتٌ صُفْرٌ} [(33) سورة المرسلات] لو أقسم شخص صاحب إبل منذ سبعين سنة يقول: ما رأيت جمل أصفر، ويريد بذلك الحقيقة العرفية للون ما قلنا: إن هذا مكذب للقرآن، ولو قال: أنا ما رأيت جمل أحمر بناءً على أن الأحمر مثل لون الدم، ومثل لون الفرش، ومثل لون المناديل، ما يقال: إنك عارضت ما جاء في الحديث؛ لأن هذه حقائق عرفية تتفاوت من زمان إلى زمان، ومن مكان إلى مكان، ولون واحد تغير خلال ثلاثين سنة تغير يمكن ثلاث أو أربع مرات، لون كان يسمى قرمزي، كنا نظنها تسمية محلية عامية فمرت بنا في تفسير القرطبي قرمزي، ثم صار بنفسجي، وواحد يقول: عنابي، وواحد يقول موف، وواحد يقول .. ، يعني المسألة الألوان عرفية، وتغيرها من مكان إلى مكان ومن زمان إلى زمان هذا يخضع للعرف يعني ما يتعارف عليه الناس، فلو قال: أنا والله ما شفت جمل أحمر، طيب، وواحد يقول: شفت جمل بيج، يعني كبار السن يضحكون عليه، نعم لا سيما إذا كان لهم يد في الإبل ورعايتها وامتلاكها، فهنا يقول: الجمل الأحمر، وفي الآية {كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ} [(33) سورة المرسلات] الألوان لا سيما في المواشي تختلف حقائقها عن حقائق الألوان في الأمور الأخرى، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا هو في الأصل أمر دنيوي، يستطيع أن يبيعه، ويستطيع أن يذبحه ويأكل لحمه، وهذا الأصل فيه، يعني الإفادة منه في أمور ... طارئة ما هو الأصل.
يقول: بعض الطلاب في الدرس يُغلق بسيارته على رجل فيأتي صاحب السيارة للمسجد يسأل: من أغلق علي سيارته هل يقال بهذا: لا وجدت؟(43/10)
لا، لا لا، هذا لا يبحث عن السيارة، السيارة موجودة، هو لا يبحث عن السيارة إنما يبحث عن شخص أغلق عليه.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا الأمر يختلف.
"وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا: لا أربح الله تجارتك)) " الأول صاحب الضالة يريد أن ترد عليه ضالته، فيقال له: ((لا رد الله عليك ضالتك)) ((لا وجدت)) وهذا يريد البائع والمشتري يريدان الربح من وراء هذه السلع.
((إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع)) يعني يشتري ((في المسجد، فقولوا: لا أربح الله تجارتك)) يعني دعاءً عليه بنقيض قصده؛ لأنه إنما باع أو ابتاع إنما يطلب الرزق ويطلب الربح، فيدعى عليه بنقيض قصده؛ لأنه استعمل المسجد في غير ما بني له.
((لا أربح الله تجارتك، وإذا رأيتم من ينشد فيه ضالة، فقولوا: لا رد الله عليك)) ((لا رد الله عليك)) وفي هذا دليل على تحريم البيع والشراء وتحريم نشدان الضالة في المسجد، وإذا حصل البيع والشراء في المسجد فإن العقد صحيح وإلا باطل؟ النهي هنا يقتضي البطلان وإلا لا؟ نعم قيل به، وهو عند الحنابلة كذلك البيع غير صحيح، وغيرهم يقول: إن النهي يعود إلى أمر خارج عن ذات العقد وشرطه وركنه، فيبقى البيع صحيحاً مع التحريم، يكون العقد صحيح مع التحريم، وفي حكم البيع الإجارة وجميع عقود المعاوضات.(43/11)
يسأل كثيراً عن المعتكف، المعتكف قد يحتاج إلى طعام فيتصل بصاحب مطعم ويطلب منه طعاماً، معلوم أنه إنما يطلبه بالبيع، لكنه لا يتفق معه على قيمة، وإذا جاء به ومعه الفاتورة دفع الثمن، يقول: هذا بيع لا يجوز وإلا ليس ببيع؟ يعني المعاطاة أعطاه السلعة وأخذ الثمن، هذا بيع وإلا ليس ببيع؟ بيع، فماذا يصنع إذا لم يوجد من يخدمه؟ نقول: يباح له أن يخرج من المسجد وهذه حاجة أصلية تبيح له الخروج، ويتصل بصاحب المطعم ويتفق معه خارج المسجد، يبرم العقد خارج المسجد، ثم يعود إلى معتكفه، كما يجوز له أن يخرج، أن يأكل إذا منع من دخول الطعام إلى المسجد، ويجوز له أن يخرج لما لا بد منه للإنسان وهذا منه، لكن لا يبرم العقد مع المطعم داخل المسجد، ولو لم يحصل بيع وشراء واتفاق هذا معروف، بيع وشراء بالمعاطاة، لا يلزم فيه اللفظ، هو داخل في مسمى البيع.
الصرف حكمه حكم البيع، إذا وجد سائل في المسجد وأردت أن تعطيه شيئاً يسيراً وجدت في جيبك مائة ريال وأنت تريد أن تعطيه عشرة، فتقول: خذ المائة وأعطني تسعين، هذا ويش يصير؟ نعم؟ لا إن قلت له: خذ المائة وأعطني مائة عشرات هذا صرف بلا إشكال، إذا أعطيته المائة الكاملة وأعطاك عشرات مائة، ثم دفعت له عشرة هذا صرف لا يجوز، لكن إذا دفعت له المائة ورد عليك القدر الزائد التسعين هذا بيع وإلا ليس ببيع؟ صرف وإلا ليس بصرف؟ هذا ليس بصرف فلا يظهر فيه ما يمنع -إن شاء الله تعالى-، لكن إذا قلت: هذه مائة أعطني مائة عشرات، هذا صرف لا يجوز في المسجد.
"رواه النسائي في اليوم والليلة، والترمذي وقال: حسن غريب" وعلى كل حال له طرق يثبت بمجموعها.
قال -رحمه الله تعالى-:
"وعن حكيم بن حزام -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تقام الحدود في المساجد ولا يستقاد فيها)) رواه أحمد وأبو داود، وفي إسناده انقطاع".(43/12)
"وعن حكيم بن حزام -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تقام الحدود في المساجد)) " إقامة الحدود من أعظم الواجبات الشرعية المنوطة بالإمام، وتعطيلها من عظائم الأمور، فهل تقام باعتبارها مطلباً شرعياً في المسجد أو لا؟ قال في الحديث: ((لا تقام الحدود في المساجد)) لأنه لا يؤمن من المحدود أن يلوث المسجد، وأيضاً يحصل من التصرفات في أثناء إقامة الحد ما لا يليق بالمسجد، فلا تقام فيه الحدود ((ولا يستقاد فيها)) لا في النفس ولا في الطرف، لا يقتل القاتل في المسجد لا يستقاد فيه، لا بالنفس الكاملة بقتله، ولا في الطرف في القصاص فيما دون النفس، ولا في الحدود التي تقتضي تلويثاً للمسجد كالقتل والرجم وقطع اليد وما أشبه ذلك.
قد يقول قائل: في الصحيحين أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أمر بقتل ابن خطل وهو متعلق بأستار الكعبة، والحديث في الصحيحين، قتل ابن خطل وهو متعلق بأستار الكعبة، قال: ((اقتلوه)) وإذا جاز هذا في المسجد الحرام يجوز في مثله أو لا يجوز؟ يجوز في غيره وإلا ما يجوز من المساجد؟
طالب: هذا ما هو حد؟
هاه؟
طالب: على حد؟
حد ردة إيه.
طالب: هذا رجل كافر هذا.
حد ردة، هو مرتد، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني أحلت له ساعة من نهار، يعني هو في هذه الساعة التي أحلت له كغيره من البلدان التي لم تحرم عليه، مكة حرام بحرمة الله إلى قيام الساعة، أحلت للنبي -عليه الصلاة والسلام- هذه الساعة فصارت كغيرها من البلدان التي يجوز فيها القتال المشروع، الآن فيه معارضة بين حديثنا وبين حديث قتل النبي -عليه الصلاة والسلام- لابن خطل وهو متعلق بأستار الكعبة؟
طالب:. . . . . . . . .
فيه تعارض وإلا ما فيه؟
طالب: فيه تعارض، وأيضاً الرسول أطلق "من وجد" ما قال: هذه الساعة التي أحلت له "من وجد" هذا مطلق، من وجد اليوم بكرة بعد بكرة.
لا، لا هو في الساعة التي أبيحت له ((وإنما أحلت لي ساعة من نهار)).
طالب:. . . . . . . . .
إيه.
طالب:. . . . . . . . .(43/13)
طيب لو أن محدثاً قتل وأوى إلى المسجد، واعتصم به، وأغلق الأبواب عليه، ولم يستطع الدخول عليه، ماذا يصنع به؟ هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني يهدم المسجد عليه؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، هو أغلق الأبواب ما يستطيع أحد يدخل عليه.
طالب: يُضرب هو.
من يضرب؟
طالب: يضرب هذا المعتصم بالمسجد.
يضرب بإيش؟
طالب:. . . . . . . . .
ما يمكن، مسجد مغلق، وهو جالس بالقبو، قبو المسجد.
طالب:. . . . . . . . .
هو يضيق عليه، يعني إقامة الحدود في مكة الخلاف فيها بين أهل العلم من يرى أن من ارتكب الحد في مكة يقام عليه في مكة، ومن ارتكب الحد خارج مكة يضيق عليه حتى يخرج، ومنهم من يقول: يضيق عليه فلا يمكن من الأكل والشرب حتى يخرج من مكة فيقام عليه الحد، لكن عندنا مسجد ليس في مكة، واعتصم به من يخشى شره، وافترض أنه جالس في المسجد بجوار نافذة ومعه آلة يصطاد بها من مر مثلاً، يترك هذا؟ ما يترك، مثل هذا ما يترك؛ لأن ضرره متعدٍ، لكن لو قدر أنه زبن المسجد وقفل عليه الأبواب وجلس ينتظر الناس ينصرفون، مثل هذا يترك يضيق عليه حتى يخرج، وإن أمكن دخول المسجد وإخراجه منه هذا هو الأصل، لكن إذا لم يمكن إلا بهدم المسجد مثلاً، إذا كان يخشى أن يتعدى شره وضرره إلى آخرين، هذا لا بد من مباغتته، لا بد من مهاجمته، ومعلوم أن إزهاق نفس عند الله أمرها عظيم، أشد من هدم الكعبة، إزهاق نفس مسلمة، فمثل هذا لا مانع من أن يقتحم المسجد ولو أدى إلى هدم جزء منه ليتمكن منه، وما عدا ذلك تحفظ حرمة المساجد عن أن تلوث أو تصاب بشيء من الأذى، أو يتصرف فيها تصرفات لا تليق بالمسجد.
"رواه أحمد وأبو داود، وفي إسناده انقطاع" وله شواهد ذكرها المخرج، وصّلها به إلى الصحيح لغيره.
بعد هذا قال -رحمه الله تعالى-:(43/14)
"وعن مبارك بن فضالة عن ثابت البناني عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عبد الرحمن بن أبي بكر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((هل منكم أحد أطعم اليوم مسكيناً؟ )) فقال أبو بكر: دخلت المسجد فإذا أنا بسائل فوجدت كسرة خبز بين يدي عبد الرحمن فأخذتها فدفعتها إليه" رواه أبو داود، ومبارك وثقه ابن معين في رواية، وقال النسائي: ضعيف" فالخبر مضعف بمبارك بن فضالة الراوي، ووثقه ابن معين في رواية، لكن في روايات أخرى لينه.
المؤلف -رحمه الله تعالى- حينما أورد هذا الحديث في هذا الباب ليبين أن الصدقة في المسجد، السؤال في المسجد، ثم الصدقة على السائل كلها مما يباح.
" ((هل منكم أحد أطعم اليوم مسكيناً؟ )) فقال أبو بكر: دخلت المسجد، فإذا أنا بسائل" وما أكثر من يسأل في المساجد، ويشغلون المصلين عن الأذكار، مجرد ما يسلم الإمام يقوم السائل ويتكلم بكلام طويل، وبعضهم من كثرة ما سأل تعود الخطابة في هذا الباب، يتكلم بكلام طويل، ويورد نصوص وأدلة ويشغل المصلين.(43/15)
((هل منكم أحد أطعم اليوم مسكيناً)) لكن لو أن مسكيناً جلس عند باب المسجد لتعرف حاله، وتصدق الناس عليه، هذا لا إشكال فيه، حصل في عهده -عليه الصلاة والسلام- أنهم تصدقوا على السائل في المسجد، لكن لم يسأل صراحة، وإنما جلس في مكان بحيث يعرف وضعه وحاجته فيتصدق عليه، لكن من قام ليسأل، بعد أن سلم الإمام قام، وذكر أن عليه دية أو ديات، والمعلوم أن الدية على العاقلة ليست عليه، ومع ذلك يشغل المصلين عن أذكارهم، وإذا كان الذي يسأل عن حق له ضل عنه يرد عليه بـ (لا وجدت) أو (لا رد الله عليك ضالتك) فكيف بمن يسأل شيئاً ليس له في الأصل وإنما يسأل من أموال الناس؟! فرق بين هذا وهذا، وبعض الناس يغلظ على مثل هؤلاء ويمنعهم، ويشدد عليهم، وكلٌ مطالب بما يخصه من خطاب الشرع، يعني هذا السائل لا يجوز له أن يقاطع الناس ويشوش على الناس في أذكارهم، ويؤذيهم في مثل هذا، وبعض الذين قد فاتهم شيء من الصلاة يتشوش عليهم ما يريدون قضاءه من صلاتهم، وأيضاً غير هذا السائل مطالب بقوله تعالى: {وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ} [(10) سورة الضحى] يعني يمكن أن يوجه ويعلم برفق، بدون نهر وبدون إغلاظ في القول إنما يوجه، يقال له: لو جلست عند الباب، لو فعلت كذا، لو انتظرت قليلاً حتى ينتهي الناس، المقصود أنه بدون نهر، ويحصل من بعض الأئمة أو من بعض المصلين وهذا من باب الغيرة لا نحسبهم إلا كذلك، لكن يبقى أن عندنا نصوص تحكم تصرفاتنا، فهذا السائل له ما يخصه، وغيره ممن أراد أن ينكر عليه أيضاً له ما يخصه.
"دخلت المسجد" والحديث ضعيف كما عرفنا، مضعف بمبارك بن فضالة "فقال أبو بكر: "دخلت المسجد فإذا أنا بسائل، فوجدت كسرة خبز بين يدي عبد الرحمن" عبد الرحمن بن أبي بكر، كسرة خبز في المسجد وإلا في البيت؟ يعني كأنه رجع إلى بيته فوجد كسرة بين يدي عبد الرحمن فأخذها فدفعها إلى السائل؛ لأن بيت أبي بكر على المسجد، خوخته تفتح على المسجد، فهو ملاصق للمسجد، ويحتمل أن تكون هذه الكسرة أيضاً بين يدي عبد الرحمن في المسجد، المقصود أن المؤلف أورد هذا الحديث ليبين أن السؤال والصدقة على السائل في المسجد لا شيء فيه، والحديث فيه ما فيه.(43/16)
قال -رحمه الله-: "وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "أصيب سعد" سعد بن معاذ، سيد من سادات الأنصار "أصيب سعد يوم الخندق في الأكحل" وهو عرق في اليد، أصيب، قطع هذا العرق "فضرب عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خيمة في المسجد ليعوده من قريب" كأن بيت سعد بعيد عن المسجد فضرب له خيمة في المسجد؛ ليعوده النبي -عليه الصلاة والسلام- من قرب "فلم يرعهم وفي المسجد معه خيمة من بني غفار" قوم من الغفاريين "فلم يرعهم ... إلا والدم يسيل إليهم، فقالوا: يا أهل الخيمة ما هذا الذي يأتينا من قبلكم؟ " القوم من بني غفار في خيمتهم، في خيمة مستقلة عن خيمة سعد، فجرى الدم من عرق سعد ومضى إلى خيمة بني غفار، فكلموا من في خيمة سعد، فقالوا: يا أهل الخيمة ما هذا الذي يأتينا من قبلكم؟ دم هذا، هل هذا قتيل؟ أم ماذا؟ هذا يورث سؤال من أين هذا الدم؟ "فإذا سعد يغذ جرحه دماً" يعني يسيل جرحه دماً "فمات فيها" مات في هذه الجرحة -رضي الله عنه وأرضاه- في غزوة الخندق، سنة خمس من الهجرة.
والمؤلف -رحمه الله تعالى- إنما ساق هذا الحديث ليبين أنه لا مانع من اتخاذ مكان خاص في المسجد للحاجة عندما تدعو إليه الحاجة، لو قال قائل: هذه الغرفة وهذه الغرفة ما الداعي ... ؟ وجودها يعني شرعي وإلا غير شرعي في المسجد؟ غرفة عن اليمين وغرفة عن الشمال، هل يجوز اتخاذ غرف أو خيام في المسجد؟ نقول: نعم للحاجة لا بأس إذا لم تضيق على المصلين، والنبي -عليه الصلاة والسلام- اعتكف واحتجر حجيرة، اتخذ مكان يعتكف فيه، ويخلو فيه عن الناس، فلا مانع من وجوده، وجود هذا المكان المخصص لهذا المريض، أو لهذا المعتكف، أو لهؤلاء الغرباء، إذا دعت الحاجة إلى ذلك، ولم يضيق على المصلين؛ لأن المصلين أولى بالمسجد من غيرهم.(43/17)
تجدون في المساجد التي بنيت حديثاً غرف كثيرة موضوعة لاحتياجات من يقومون على المسجد، أو لاحتياجات المصلين، أو لاحتياجات طلاب العلم الذين يحضرون الدروس في المسجد، أو ما أشبه ذلك، تجد في المسجد مكتبة، وتجد فيه غرفة للاعتكاف، وتجد فيه غرفة يأوي إليها الإمام إذا جاء قبل الصلاة، وما أشبه ذلك، وغرفة مكتب إداري، وهذا موجود في بعض المساجد؛ لإدارة حلقات التحفيظ، والإشراف على الدروس وحلق العلم، كل هذه إذا دعت إليها الحاجة ولم تسبب ضيقاً أو تضييقاً على المصلين فإنها حينئذٍ لا بأس بها؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- احتجر حجيرة للاعتكاف، واتخذ نساؤه الخيام والأخبية في المسجد من أجل الاعتكاف، وضرب النبي -عليه الصلاة والسلام- خيمة في المسجد ليعود سعداً من قريب، وفي المسجد أيضاً خيمة لأناس غرباء من بني غفار لا مأوى لهم اتخذوا خيمة، وبعض الناس يأتي غريب يجاور في مسجد لا يتعداه، وهذا موجود في بعض الأماكن المجاورة في مسجد من مساجد، لا سيما إذا كان في هذا المسجد من يعينه على العبادة، يعينه على تحصيل العلم، يعنيه على .. ، موجود في كثير من المساجد، وهو في الحرمين أظهر.
"فلم يرعهم ... إلا والدم يسيل" وقوله: "وفي المسجد معه خيمة من بني غفار" جملة معترضة "فلم يرعهم ... إلا والدم يسيل إليهم، فقالوا: يا أهل الخيمة ما هذا الذي يأتينا من قبلكم؟ " ما هذا الدم الذي وصلنا من قبلكم؟ "فإذا سعد يسيل جرحه دماً، فمات" فمات بسبب ذلك -رضي الله عنه وأرضاه- "متفق عليه، واللفظ لمسلم".
قال -رحمه الله تعالى-:
"وعنها" يعني عن عائشة "-رضي الله عنها-" صحابية أو راوية الحديث السابق "قالت: "رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يسترني وأنا أنظر إلى الحبشة وهم يلعبون في المسجد، فزجرهم عمر -رضي الله عنه-، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((دعهم، أمناً بني أرفدة)) يعني من الأمن، متفق عليه، واللفظ للبخاري".(43/18)
قالت: "رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يسترني وأنا أنظر إلى الحبشة" وعائشة -رضي الله عنها- حديثة السن، صغيرة، يسرها أن تنظر إلى مثل هذا، كما يصحب الإنسان أولاده الصغار وبناته، ويذهب بهم إلى أماكن الملاعب والملاهي المباحة التي لا يصل بها الحد إلى المحظور، لا سيما في أيام الفرح في الأعياد، ففي ديننا في مثل هذه الظروف فسحة ولله الحمد، فعائشة صبية حدثة السن، يسترها النبي -عليه الصلاة والسلام- لترى ولا تُرى، يعني فرق بين أن ترى وبين أن ترى، فرؤية المرأة للرجال على سبيل العموم لا على سبيل التحديد في شخص بعينه لا مانع منه، كما تنظر إليهم إذا خرجوا من المسجد، أو تنظر إلى جماعة المصلين لا مانع، لكن لا يجوز للمرأة أن تحدد في رجل بعينه، بل حينئذٍ يجب عليها أن تغض البصر عنه، فقد أمرت النساء كما أمر الرجال، أمر المؤمنات كما أمر المؤمنين بغض البصر، وفرق بين أن ينظر إلى العموم، وبين أن ينظر إلى شخص على وجه الخصوص، هي تنظر إليهم، تنظر إلى المجموع، وتنظر إليهم أثناء اللعب، ويلعبون في المسجد، وفي بعض الروايات: بالحراب، بما يعين على الجهاد، وليس هذا من باب العبث واللعب الذي لا فائدة فيه؛ لئلا يقول قائل: ما دام هؤلاء الحبشة يلعبون في المسجد؛ لماذا لا يصير المسجد ملعب للأطفال؟ الآن المسجد مغلق إذا كان المسجد بجوار مدرسة، والمدرسة ليس فيها فناء، والمسجد مغلق خمس ساعات متوالية؛ لماذا لا يلعب هؤلاء الطلاب في المسجد في حصة الرياضة؟ نقول: مثل هذا اللعب الذي في المسجد إنما هو مما يعين على الجهاد، والأمور بمقاصدها، والوسائل لها أحكام المقاصد، أما لعب وعبث لا فائدة منه ولا فيه فإن المسلم في الأصل لا يركن إليه ولا يزاوله، الأصل في حياة المسلم الجد، وأن ينشغل بتحقيق ما خلق له من الهدف العظيم، وهو تحقيق العبودية لله -جل وعلا-، ثم بعد ذلك ينشغل بما يعين على تحقيق الهدف، فاللعب بالحراب مما يعين على ما أمر به من جهاد، ومن باب العبودية لله -جل وعلا-، أما العبث واللهو الذي يجر إلى أمور ممنوعة محرمة تنظرون أنتم من يزاول هذه الألعاب ماذا تجر عليهم من البغضاء والشحناء، وتصد عن ذكر الله، وأحياناً عن الصلاة،(43/19)
فهذه العلل الموجودة في كثير من الألعاب التي تزاول الآن هي علل تحريم الخمر والميسر، فرق بين أن يلعب الشباب أو يلعب من يريد الرياضة بألعاب تعينه على تحقيق ما خلق من أجله، وبين ألعاب تبعده عما خلق من أجله.
يعني متى سمعنا شباب يلعبون في حي من الأحياء بكرة مثلاً وانتهوا من اللعب فأخذوا كتاب يتدارسونه بينهم؟ يقولون: نحن نستجم باللعب، يستجمون باللعب، هذا استجمام؟! شوف الآثار المترتبة على هذه الألعاب وانظر تعرف حكمها بدقة، ولا يستدل بمثل هذا الحديث وهم يلعبون في المسجد، وعمر على طريقته وما جبل عليه من حزم وعزم، يعني مثلما مر في إنكاره على حسان إنشاد الشعر، زجرهم عمر، والنبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((دعهم)) يعني يا عمر ((أمناً بني أرفدة)) يعني أنتم آمنون من سطوة عمر، ومما تخافونه وتخشونه من شدة عمر وقوة عمر في الحق، فاستمروا يلعبون، ويوجد الآن ألعاب في أوقات المناسبات في الأعياد في غيرها، ولا مانع منها إذا كانت في حدود المباح، لكن أن يتجاوز ذلك إلى أمور محظورة، وتصرفات يتقطع القلب لها أسى، ويقال: ليعلم يهود أن في ديننا فسحة! نحن لا نغيظ اليهود بمثل هذه التصرفات التي فيها المباح والحرام، إنما نغيظهم إذا امتثلنا ما أمرنا به، واجتنبنا عما نهينا عنه، أما أن نرتكب المحظور فإننا نفرحهم بذلك، ومن رائهم الشيطان، ومطلوب إغاظة الشيطان، وإغاظة اليهود، وإغاظة الأعداء، والشيطان لا يغيظه أن نرتكب المحرمات، كما أن من ورائه اليهود وغيرهم من طوائف الكفر لا يغيظهم أننا نرتكب محرمات، بل يفرحون بذلك؛ لأن ارتكابنا للمحرمات من أعظم ما يعينهم علينا، ويضعفنا أمامهم، يعني إذا كان اللعب بالحراب في يوم العيد ليعلم اليهود مثلاً أن في ديننا فسحة لمثل هذه التصرفات وهذا اللعب المباح، لكن لا يعني أننا نتمادى في مثل هذا حتى نتجاوز المباح إلى الحرام.
قال -رحمه الله- ...(43/20)
يعني المؤلف لما ساق حديث عائشة السابق ليبين أن اللعب المباح بحدود المباح لا يتجاوزه إذا كان الهدف منه الاستجمام والإعانة على الطاعة لا بأس به، لكن مع الأسف أن بعض المشرفين على الشباب يتجاوزون، وسئلنا مراراً من قبل بعض المشرفين يقول: عندنا شباب صغار يعتكفون في العشر الأواخر، ويحتاجون إلى شيء من الترويح؛ لأن الوقت كله صلاة وتهجد وقراءة قرآن وذكر، وهؤلاء الشباب الصغار ما يتحملون كل هذا، ويريدون أن يدخلوا لهم أجهزة كمبيوترات وألعاب وأشياء، لكن هل هذه مما يستعان بها على الطاعة؟ يعني إذا كانت هذه الأجهزة فيها برامج علمية مثلاً مع أن السلف في الاعتكاف بل في رمضان كله يعطلون النشاط العلمي، ويقبلون على القرآن، وبعض المشرفين يقول: هؤلاء الشباب لا بد لهم من أن يصرفوا بعض الأوقات في اللعب والمرح واللعب في المسجد ما فيه إشكال إذا كان مباح، ونحن نعينهم على الطاعة بمثل هذه التصرفات، ونجيب لهم أجهزة وكمبيوترات، وأشياء يلعبون بها، وأشياء يمتحن بعضهم بعضاً فيها، فلا شك أن مثل هذا توسع غير مرضي، وهؤلاء الشباب بالتدريج على الطاعة والتمرين عليها يمكن أن يتعلموا ويتمرنوا على هذه الطاعات من غير ارتكاب وسائل ممنوعة، هذه الأجهزة فيها الصور، وفيها ما يخالف الحقيقة أحياناً، في الألعاب وفي المباريات وغيرها، هذه فيها محظورات، فكيف يقال: اعتكف؟! مثل هذا لا يعتكف، إذا كان لا يستطيع الاعتكاف إلا بارتكاب مثل هذه الأمور لا يعتكف حتى يربي نفسه على الاعتكاف ويجي؛ لأن القصد من الاعتكاف والهدف منه كما قرر ابن القيم -رحمه الله تعالى- جمعية القلب، وتفريغ القلب من الشواغل، تفريغ القلب من الخواطر، تفريغ القلب من الهواجس؛ ليرتبط هذا القلب بالله -جل وعلا-، لكن إذا جبت له آلات هل يمكن أن يفرغ قلبه؟ ما الفرق بين أن ينظر في الآلة في بيته أو في المسجد؟ في فرق؟ ما في فرق، فمثل هذه الأمور ..(43/21)
أيضاً التوسع في مسائل .. ، دخلت مسجد فيه فئام من الشباب معتكفين، ونظرت إلى الصف الأول فإذا به مطوق بحزام أسود من أوله إلى آخره، جوالات تشحن، والناس يصلون، وهي أمامهم، يعني التوسع في أمور الدنيا -وإن كانت مباحة-، وإذا كانت تليق في الأماكن كلها فليحترم في المسجد، إذا كانت تليق في الأوقات كلها فعلى الأقل في العشر الأواخر من رمضان، يعني هذه فيها تشتيت للقلب، تشتيت لقلوب المصلين، والهدف من الاعتكاف انجماع القلب على الهدف الذي من أجله شرع الاعتكاف، الاعتكاف شرع للصلاة، شرع للذكر، شرع للتلاوة، وعرفنا من هدي السلف أن كثيراً منهم يترك كل شيء حتى العلم حتى الحديث يترك من أجل أن يجتمع القلب، والارتباطات كلها تلغى إلا ما لا بد منه، وبعضهم إذا دخلت عليه في معتكفه أحياناً قد يوفر له ما لا يتوفر له في بيته، هذا خلل، هذا لا يحقق الهدف الشرعي من الاعتكاف، أنت افترض أنه عالم اعتكف ووفر له تلفون يرد على الأسئلة، ويحل المشاكل، ولا يفتر هذا التلفون من الرنين، يجيب على سؤال، ثم يسأل عن مشكلة، ثم عن قضية ثم كذا، هذا اعتكاف؟! إذا كانت الأمة بحاجة إليه إلى هذا الحد وإلى هذا المستوى فنفعه للأمة خارج المسجد أفضل من الاعتكاف، لا بد أن يكون الاعتكاف على وجهه، يكون بالفعل مجاورة، اعتكاف، فعلينا أن نهتم لهذا الأمر.
بعض الناس إذا دخل رمضان عطل عن كل شيء، ويقول: إن السلف -وهو عنده دروس ما شاء الله نفع الله به في طيلة العام- لكن إذا دخل رمضان قال: السلف يعطلون الدروس فلا يدرس، يعني الاقتداء في الترك سهل كل يستطيعه، كل يستطيع أن يترك، نقول: السلف ما يدرسون، لكن هل تفعل مثل السلف؟ كم تقرأ القرآن؟ كم تختم من مرة في رمضان إذا عطلت الدروس؟ يعني يسهل الاقتداء في الترك، يعني أمره يسير، بل قد يكون من تلبيس الشيطان، يريد الشيطان أن يعطل الانتفاع به باسم الاقتداء بالسلف، لكن السلف لهم أعمال في رمضان، فإذا اقتديت بهم في الترك فاقتدِ بهم في الفعل، يعني يوجد من السلف من يختم القرآن كل يوم، أما تترك الدروس وقراءتك في رمضان كقراءتك في شعبان! العلم وتعلمه وتعليمه عبادة، فلا يترك إلى غير بدل، إنما يترك لعبادة أفضل منه.(43/22)
هذا يقول: هل لا بد أن تكون الأرض التي يبنى عليها المسجد ملك للمسجد؟
ويش لون ملك للمسجد؟ يعني يريد أن يستأجر مثلاً أرضاً لمدة عشر سنوات ويقيم عليها مسجد، ويدخل في: ((من بنى لله مسجداً)) ((من بنى لله بيتاً)) هذا المقصود؟ أو يستأذن صاحب أرض ليقيم عليها مسجداً مؤقتاً، مسجد مؤقت، ويبني عليه مسجد مدة معلومة؛ لأن الحاجة إلى هذا المسجد مؤقتة، الأصل أن المسجد الذي تثبت له أحكام المسجد أن يكون موقوفاً أرضه وبناؤه، ولا يجوز التصرف فيه إلا إذا تعطلت منافعه، فينقل إلى غيره، أما ما دام ينتفع به لا يجوز التصرف فيه، ولا يأخذ أحكام المسجد إلا إذا كان على هذه الصفة، أما أن يستأجر أرض ويقيم عليها بناء مؤقت مدة أجرة هذه الأرض ثم يقول: بنيت مسجد هذا ما بنى مسجد، هذا جزاه الله خير مكن المصلين، وهيأ لهم مكان يصلون فيه لكن ليس بمسجد.
يقول: ما المقصود في قول عمر: "إياكم أن تحمروا أو تصفروا" هل في اللباس أم في الفرش؟
في اللباس أو في اللياس؟ ما أدري والله.
المقصود أن الأصباغ التي تشغل المصلين هذا مقصود عمر، الأصباغ التي شغل المصلين سواءً كانت في الجدران أو كانت في الفرش كل ما يشغل المصلين.
يقول: رجل يبيع جوالات بالأقساط، ولكنه يتفق مع المشتري قبل أن يمتلك الجوال، فهل هذا البيع صحيح؟
إذا كان العقد والإيجاب والقبول تم قبل أن يمتلك البائع السلعة فهذا بيع ما لا يملك، لا يجوز، ولا يصح البيع؛ لأنه باع ما لا يملك، إذا كانت المسألة مجرد وعد قال: أنا أبيعك جوال بمبلغ كذا، لمدة كذا، لكنه وعد من غير إيجاب ولا قبول، تفاهم معه على هذا من غير إلزام، بحيث لو ذهب واشترى هذا الجوال من الشركة ثم أحضره لا يلزم المشتري به، وللمشتري أن ينسحب من هذا العقد، هذا مجرد وعد لا يترتب عليه حكم، لكن إن كان يلزمه بأخذه هذا بيع ما لا يملك.
يقول: ما حد طول الثوب؟ هل يكون من منتصف الساق؟ وإذا كان كذلك فقد ينكشف شيء من الفخذ أحياناً عند الركوع؟(43/23)
على كل حال لا يجوز أن ينكشف شيء من العورة في الصلاة ولا في غيرها، وإذا كان يترتب عليه انكشاف شيء من العورة فلا يجوز، والأصل أن أزرة المؤمن إلى نصف ساقه، لكن إذا كان .. ، لأن بعض الناس يتفاوتون، الشخص البدين السمين هذا لا بد أن ينكشف إذا كان إلى نصف ساقه، لكن النحيف ما ينكشف هذا في الغالب، لا سيما إذا ركع أو سجد يرتفع الثوب من الخلف، إذا كان الشخص بديناً، ويباح له أن ينزل ثوبه إلى كعبه، لكن لا يجوز له أن ينزل عن الكعب، وما أسفل من الكعبين ففي النار.
هذا يقول: ذكرتم قصة ابن خطل، وأمر النبي -عليه الصلاة والسلام- بقتله وإن كان متعلقاً بأستار الكعبة مع حديث الباب، ولم يتبين لي التوفيق بينهما؟
مسألة ابن خطل وشأن ابن خطل شأنه خطير ارتد عن الإسلام، وله جواري تغني بهجاء النبي -عليه الصلاة والسلام- فوضعه يختلف، يعني إذا وجد شخص بهذا المستوى من الشر ولم يتمكن من قتله خارج المسجد فمثل هذا قد يتجاوز فيه، وإلا فالأصل أنه لا يقاد في المساجد، والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(43/24)
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: المحرر – كتاب الصلاة (44)
الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هذه تقول: هل يجوز للمرأة الحائض أن تقرأ أذكار الصباح والمساء؟
نعم تقرأ الأذكار، وإذا مر في أثناء هذه الأذكار بعض الآيات وقرأتها على أنها أذكار لا على سبيل التلاوة للقرآن فلا مانع -إن شاء الله تعالى-.
يقول: إذا نسي الإمام التشهد الأول واعتدل في القيام ثم رجع هل صلاته صحيحة؟
إذا لم يشرع في القراءة واستتم قائماً يكره له أن يرجع، فإذا رجع فلا شيء عليه، لكنه يسجد للسهو؛ لأنه زاد في الصلاة، لكن صلاته صحيحة، أما إذا شرع في القراءة حرم عليه الرجوع حينئذٍ.
يقول: سمعت من المشايخ وهو من أهل الحديث في السعودية يقول عن رجل ينسب لأهل العلم: إنه الكافر؛ لأنه دعا لبناء الأضرحة والطواف بها، فما رأي الشيخ؟
هذا لا شك أن الذي يدعو لبناء الأضرحة هذا مقر لهذه البدعة الشنيعة، والطواف بها من عظائم الأمور.
يقول: ما قولكم فيمن يدخل إلى المسجد المفروش بحذاء العمل مثل العساكر؟
هذا لا شك أنه يسبب في تقذيرها على المصلين، ويسبب في إتلافها، فلا يجوز له أن يدخل القذر إلى المسجد، لكن لو كان المسجد غير مفروش ولا يتضرر بدخولها ودلكت عند الباب، وأميط ما بها من أذى فالدخول بها إلى المساجد، والصلاة بها أيضاً سنة.
يقول: إذا حفظ الإنسان القرآن هل يمر على علوم الآلة مروراً سريعاً أم يتعلم العقيدة؟
على كل حال إذا حفظ الإنسان القرآن فقد حوى خيراً كثيراً، وعليه أن يعنى بالعلوم كلها التي تعينه على فهم القرآن والسنة، فلا يكفي أن يمر على علوم الآلة مروراً سريعاً، بل عليه أن يحفظ متونها، وينظر في شروحها، ويحضر دروسها، ويتعلم أيضاً العقيدة ويحرص عليها، ويتعلم العلوم الأخرى مما يتعلق بعلوم الكتاب والسنة.
كأنه أعاد السؤال مرة ثانية.
يقول: إذا حفظت القرآن هل أمر على علوم الآلة مروراًِ سريعاً حتى تكون تمهيداً لما بعد حفظ القرآن -إن شاء الله-؟(44/1)
نفس السؤال السابق، لكن لا يكفي المرور السريع، بل لا بد من حفظ المتون، في كل فن على الأقل متن واحد، ثم ينظر شروحه، ثم ينظر فيما ألف فوقه من كتب الطبقة التي تلي الطبقة الأولى.
يقول: أنا شاب عمري ثلاثون سنة ولم أتزوج مع استطاعتي المادية نظراً لضعفي الجنسي، ولا أريد أن أغش بنات الناس، وأن أظلمهم، فهل يجوز لمثلي ذلك؟
إذا بينت وقبلت بك المخطوبة فلا شيء عليك، لكن إذا كان ضعفك واضحاً بيناً؛ لأن الناس يتفاوتون في هذا، والضعف نسبي، فإذا كان ضعفك بيناً واضحاً عن أقرانك، وتحس من نفسك أنك إذا تزوجت امرأة ظلمتها فعليك البيان.
يقول: عليّ ثلاث كفارات يمين، وأعرف عائلة فقيرة تتكون من ثلاثة عشر شخص، وقد اتفقت معهم على إعطائهم مبلغ من المال وأفهمتهم أنها كفارة يمين؛ ليتعيشوا منها ثلاثة أيام، ووافقوا، فهل هذا العمل مجزئ عن كفارة اليمين؟
كفارة اليمين إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة، إطعام وليست نقود، إطعام فأنت تشتري لهم طعاماً أو كسوة، أو تعتق ثلاث رقاب، ما دام عليك ثلاث كفارات، فإن لم تستطع هذه الخصال الثلاث فتصوم عن كل كفارة ثلاثة أيام، على أن هذه الكفارات والأيمان إذا أمكن تداخلها بأن كان الباعث عليها واحداً ولو تكررت الأيام فهي كفارة واحدة، ما لم تكفر عن اليمين الأول، أما إذا كانت أسبابها متعددة فإن لكل يمين كفارة.
لو أعطيت من ينوب عنك في دفع الكفارة أعطيته مالاً، أعطيت الجمعية مثلاً، أو أعطيت إمام المسجد أو مكتب الدعوة مثلاً، أعطيتهم قلت: هذه مائة ريال علي كفارة يمين ادفعوها عني، واشتروا بها طعاماً، فهم يقومون مقامك في هذا.
يقول: عندنا مسجد في إحدى المدارس ولا يصلى فيه إلا الظهر، هل حكمه حكم المسجد في لزوم التحية؟
أولاً: هل هو مسجد عليه معالم المسجد؟ وهو وقف لا يجوز بيعه ولو بيعت المدرسة؟ إن كان الأمر كذلك فله أحكام المسجد، ولو لم يصل فيه إلا الظهر.
هل يجوز إخراج دم الفدية خارج مكة؟
لا، لا يجوز وإنما هي لمساكين الحرم.
يقول: هل الأولى في صلاة القيام في شهر رمضان أن تصلى الراتبة أم يشرع بصلاة القيام؟
لا، يصلي الراتبة قبل أن يشرع في القيام.(44/2)
وما مشروعية صلاة التهجد جماعة في رمضان؟
هي مشروعة، وقد صلاها النبي -عليه الصلاة والسلام- ليلتين أو ثلاث جماعة في رمضان، ثم بعد ذلك جمع الناس عليها عمر بن الخطاب بعد وفاته -عليه الصلاة والسلام- ووفاة أبي بكر، وصدر من خلافته، بعد أن أمن المحظور الذي خشي منه النبي -عليه الصلاة والسلام- أن تفرض على هذه الأمة.
يقول: أرجو تنبيه الطلبة وهذا لا يخفى عليهم بوضع الكتب التي تحمل الوحي على الأرض، وهذا حصل في هذا المسجد، بل الأدهى أنه كان على الأرض بجانب أرجلهم، ولم يتجرأ أحد برفعه، وقمت برفعه عن أرجلهم؟
المقصود أن الإهانة للعلم لا تجوز بحال، لكن لا يعني أن وضع الكتاب على الأرض أنه إهانة له، نعم إذا أمكن رفعه فهذا هو الأصل، وأهل العلم يقولون بجواز وضع المصحف على الأرض، لكن لا يجوز أن تتصرف تصرفاً يشعر بإهانته بأن تمد رجلك إليه، أو تجعله خلف ظهرك، أو ما أشبه ذلك، أما مجرد وضعه على الأرض بعضهم يقول: إنه خلاف الأولى، وبعضهم يصرح بالجواز، لكن لا شك أن الأكمل أن يرفع.
يقول: ما حكم الضرب أثناء التعليم من قبل المعلم للطالب؟
إذا كان الهدف منه الإصلاح، وتأديب هذا الطالب هذا لا بأس به، على ألا يتجاوز إلى حد يضر المتعلم، استنبط أهل العلم مما فعله جبريل بالنبي -عليه الصلاة والسلام- وأنه غطه ثلاثاً أن للمعلم أن يضرب المتعلم ثلاثاً، ولا يزيد على ذلك، استنبطوا منه هذا، وعلى كل حال التأديب مطلوب من المعلم لتلميذه، ومن الأب لابنه، ومن الزوج لزوجته إذا عصت، ولم يجد فيها الوعظ والهجر، فجاء التوجيه بالضرب، لكن كل هذا غير مبرح، ليس بضرب عداوة أو تشفي، وإنما هو ضرب تأديب غير مبرح.
يقول: ما حكم بيع ماء زمزم؟
بيع ماء زمزم وهو في مكانه لا يجوز، والناس شركاء في زمزم وغيره من المياه كما جاء بذلك الأخبار، لا يجوز بيعه، ويزيد زمزم في كونه في داخل المسجد، فلا يجوز من جهتين، أما إذا تعب عليه أحد، تعب على شيء منه وحازه وأخرجه عن المسجد، وجعله في إناء يمكن أن يباع فيه فلا مانع أن يبيعه بثمن مثله، يعني ما كل الناس يتيسر لهم أن يصلوا إلى البئر، ويستقوا منه.(44/3)
يقول: حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- في صلاة الخوف أنه -عليه الصلاة والسلام- ركع بمن معه ركع وسجد سجدتين، فهل هاتان السجدتان غير التي في الركعة؟
لا، هم اللتان في الركعة.
قول بكير حيث قال: "يبتغي به وجه الله" هل هذا من باب الرواية بالمعنى؟
لأنه قال: أحسبه قال: يبتغي بذلك وجه الله، يعني كأنه يشك في قول الصحابي هذه الجملة، مع أنها سواءً ذكرت أو لم تذكر أمر لا بد منه، لا بد أن يكون العمل مما يبتغى به وجه الله، لا لينال به شرفاً أو ذكراً أو رياءً أو سمعة، أو ما أشبه ذلك.
هل نشيد حسان -رضي الله عنه- في المسجد مثل الحداء والإنشاد المعروف حيث تذكر الأبيات بترنم؟
على كل حال العرب لهم طريقة في حداء الشعر وإنشاد الشعر، وإنشاده أيضاً يتفاوت ويختلف من بحر إلى بحر، كل بحر له طريقة في الإنشاد، والعرب معروف عنهم الأداء بطريقتهم.
يقول: ما المانع في القول بأن حديث عتبان -رضي الله عنه- يدل على سنيّة صلاة الجماعة خاصة أنه لم يسأل عن سماع النداء؟
هذا لا بد أن نجزم بأنه لا يسمع النداء، وإلا فما الفرق بينه وبين ابن أم مكتوم ((أتسمع النداء؟ )) قال: نعم، قال: ((أجب، لا أجد لك رخصة)) مع أن ابن أم مكتوم ذكر أشياء أكثر مما ذكر عتبان، ولا بد من ارتكاب مثل هذا ولو لم يرد، لا بد من ارتكابه للتوفيق بين النصوص.
يقول: جواز الانتساب إلى التصوف بمعنى الزهد في هذا العصر؟(44/4)
التصوف ليس بلفظ شرعي، ولم يرد به دليل، بينما الزهد جاءت به الأدلة، فمن كان على الجادة وصار يعبد الله -جل وعلا- ويعمل بما يعلم، ويقبل على الآخرة، ويترك ما لا يحتاجه من أمور الدنيا هذا الزاهد، فالزهد لفظ شرعي، وأما التصوف فليس بلفظ شرعي، لكن من أهل العلم من يطلقه بإزاء الزهد، كالحافظ أبي نعيم الأصفهاني في حلية الأولياء أطلق التصوف وأراد به الزهد، ونسبه إلى سادات الأمة حتى العشرة المبشرين بالجنة وكبار الصحابة ذكر عنهم على طريقته السجعية يترجم: ومنهم فلان بن فلان الكذا، ثم يردف ما يدل على أنه متصف بهذه الصفة التي هي التصوف، لكن الاقتصار على الألفاظ الشرعية هذا هو الأصل، فضلاً عما إذا كان غير اللفظ الشرعي يحتمل معنىً صحيحاً، ومعانٍ غير صحيحة، فإذا كان يحتمل أكثر من معنى صحيح وغير صحيح لا يجوز ارتكابه، لا سيما وأن البديل لفظ شرعي جاءت به النصوص.
يقول: ما رأيكم في بعض طلاب العلم الذي يمشون في المسجد الحرام بالأحذية؟
الأصل أن الصلاة بالحذاء سنة ((خالفوا اليهود صلوا في نعالكم)) لكن إذا ترتب على الدخول بالحذاء تلويث المسجد، أو تلويث فرش المسجد يمنع من هذه الحيثية، وإذا تأكد الإنسان أن حذاءه نظيف ودلكه قبل دخول المسجد لا مانع من الدخول به، على أن بعض أهل العلم يخص المسجد الحرام والمسجد النبوي والأماكن المقدسة بعدم الدخول بالحذاء؛ لأن موسى -عليه السلام- أمر بخلع نعاله؛ لأنه بالوادي المقدس، فالأماكن المقدسة مقيسة على الوادي المقدس يؤمر الإنسان بخلع حذائه، هذا ما قاله بعض أهل العلم، وإلا فالأصل النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((خالفوا اليهود صلوا في نعالكم)) وهو في مسجده في المدينة.
إذا كان يحدث شيء من الفوضى، وشيء من الإشكالات فإن مثل هذا يتقيه الإنسان، لا سيما طالب العلم الذي هو قدوة للناس لا يحدث شيء يثير الناس عليه، ويجعل الناس يزدرونه أو ينسبونه إلى عدم تعظيم شعائر الله وحدود الله، مثل هذا ينبغي لطالب العلم أن يتقيه بقدر الإمكان؛ لأن بعض الناس أحياناً قد يتذرع بأنه يتضرر إذا مشى على البلاط دون حذا، وكذلك المشي على البلاط مضر في أي وقت من الأوقات، لكن تكفي عن الحذاء الجوارب.(44/5)
يقول: أرجو التنبيه: كثير من الإخوة يذكر عندهم النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا يصلون عليه تهاوناً وعدم مبالاة؟
هذا لا شك أنه حرمان، والبخيل من ذكر عنده النبي -عليه الصلاة والسلام- فلم يصل عليه، وبعض أهل العلم يوجب الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- عند ذكره، يوجبها، على هذا يأثم، لكن الجمهور على أن الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- في غير التشهد سنة.
كميات هائلة من الأسئلة.
في هذا الدرس نكمل بقية الباب باب المساجد، وباب الجمعة فيه خمسة وعشرون حديثاً، نحتاج إلى دورة كاملة، الجمعة تحتاج إلى دورة كاملة، فهي خمسة وعشرين حديثاً، بعدد الأحاديث التي شرحناها في الأيام الأربعة التي منها هذا اليوم، ولعل هذا الدرس يكون هو الدرس الأخير في الدورة، يعني فكرت أن يكون الدرس غداً يمتد قليلاً، لكن قالوا: إن العصر فيه درس، فعلى هذا نعفيكم من درس الغد وتعفوننا؛ لأن البدء بباب ثم بعد ذلك ترك باقيه إلى مدة قد تطول مثلاً أشهر ليس بمناسب؛ لأن مسائل الجمعة مسائل الباب الواحد مترابطة، والجمعة على وجه الخصوص فيها مسائل تحتاج إلى مزيد عناية وبحث، فلعلنا نرجئ الكلام في الجمعة إلى الدورة اللاحقة -إن شاء الله تعالى-، خمسة وعشرون حديثاً تحتاج إلى دورة كاملة.
الأسئلة الموجودة الآن تحتاج إلى دورة، فالعلم لا ينتهي.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:(44/6)
"وعنها" يعني عن عائشة راوية الأحاديث السابقة "-رضي الله عنها- أن وليدة" جارية مملوكة "وليدة كانت سوداء لحي من العرب" سوداء هذا وصف كاشف ليس بمؤثر في الحكم، إنما هذه صفتها، وهذا لونها "سوداء لحي من العرب" يعني مملوكة لحي من العرب "فأعتقوها" لما أعتقوها صارت حرة "فكانت معهم" يعني جلست معهم، يعني بعض الأرقاء إذا أعتق يرغب أن يستمر عند مواليه؛ لأنه على تقديره وعلى ظنه إلى أين يذهب؟ لا سيما إذا تقدمت به السن، وأدرك الناس الرق في هذه البلاد، ثم لما ألغي الرق، وحرر جميع الأرقاء رغب كثير من الناس أن يبقى في بيت مواليه وهو حر، يخدمهم في مقابل الأكل والشرب، ومع ذلك هذه "فكانت معهم" بقيت عندهم.
قالت: "فخرجت صبية لهم" بنت صغيرة "عليها وشاح" حزام من جلد من أديم تتزين به البنات في ذلك الوقت، وقد يلصق به شيء من الذهب أو الفضة، المقصود أنه حزام من أديم.
"وشاح أحمر من سيور" السيور الجلد، قالت: "فوضعته أو وقع منها" وضعته هذه الصبية على الأرض أو سقط منها، الحاصل أنه صار على الأرض، إما بفعلها أو بغير إرادتها ولا اختيارها "فمرت به حدياة" تصغير الحدأة "فمرت به حدياة وهو ملقى على الأرض فحسبته لحماً" لأن لونه أحمر كلون اللحم "حسبته لحماً فخطفته، قالت: فالتمسوه فلم يجدوه" فما الذي حصل؟ اتهموا به هذه الوليدة، يعني جرت العادة أن الإنسان في الغالب وهذا موجود إذا فقد شيء ما يتهم أهل البيت بسرقته إنما يتهم غيرهم، إذا فقد شيء من البيت اتجهت التهمة مباشرة إلى الخادمة، فتشوا الخادمة، ولكل قوم وارث موجود إلى الآن، إذا فقد شيء فتشوا الخادمة، شوفوا متاع الخادمة، هؤلاء اتهموها ولم يكتفوا بتفتيش المتاع.(44/7)
قالت: "فاتهموني به، قالت: فطفقوا يفتشوني حتى فتشوا قبلها! " يعني بالغوا في التفتيش، ظنوا أنها وضعته في سراويلها، ففتشوا قبلها، وكانت السراويل تستوعب مثل هذا الوشاح في السابق السراويل يعني واسعة وطويلة تستوعب مثلها، المقصود أنهم فتشوا حتى قبلها، كشفوا عن سوأتها، والاتهام لا يجوز أن يتهم البريء حتى تقوم الأدلة على أنه متهم، تدل القرائن على أنه فعل هذا الفعل، وعمل هذا العمل؛ لأن الأصل براءة الذمة، والمتهم بريء حتى تثبت إدانته، إذا دلت القرائن يعني صار لها سوابق مثلاً فقدوا أشياء مراراً، ثم وجدوها عندها، لا مانع من التفتيش والاتهام؛ لأن القرائن دلت على ذلك، وصاحب السوابق هو الذي جرأ الناس عليه، فإذا وجدت السوابق لا مانع، لكن كيف يفتش القبل ويطلع على العورة من أجل سيور من جلد؟! لا شك أن مثل هذا حتى لو صار في قبلها في يوم من الأيام سوف تخرجه، ينتظرون، لو وضعته في سراويلها لا بد أن تخرجه من سراويلها، فهذه مبالغة في التفتيش غير مرضية، أولاً: الاتهام لا يجوز إلا إذا دلت القرائن ووجدت السوابق لهذا المتهم أما قبل ذلك فلا يجوز الاتهام، والاتهام ينشأ عنه مفاسد عظيمة على المتهم، وقد يكون بعض المفاسد على المتهم؛ لأن بعض المتهمين إذا اتهم تصرف تصرف يضره.
أنا أذكر شخص في حلقة تحفيظ قديماً في وقت توزيع الجوائز اتهم واحد من الشباب صغار بأنه أخذ شيء من هذه الجوائز، يعني سرقه، وهو بريء، فما منه إلا أن ترك حفظ القرآن، يعني ما تحمل، يتهم بسرقة وهو بريء، فالاتهام من غير مبرر ومن غير أسباب ومن غير سوابق هذا له آثاره على الشخص المتهم، ومن اتهمه عليه الإثم، وعليه أيضاً تبعات ما ينشأ عن هذا الاتهام.(44/8)
المقصود أنهم فتشوها حتى فتشوا قبلها، الآن تقول: قالت: "فطفقوا يفتشوني حتى فتشوا قبلها" يعني فرجها، يفتشوني حتى فتشوا قبلها، ما قالت: قبلي؛ لأن السياق سياق عائشة -رضي الله عنها-، فالقول قولها، قالت الوليدة: "فتشوني حتى فتشوا قبلها" مر بنا مراراً أنه من الأدب في الأسلوب ألا ينسب الإنسان إلى نفسه الشيء القبيح، يعني مثل ما جاء في حديث وفاة أبي طالب طلب منه النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يقول: لا إله إلا الله، فقيل له من بعض الحضور: أترغب عن ملة عبد المطلب؟! فكرر عليه النبي -عليه الصلاة والسلام- فقال له ذلك فكان آخر ما قال: هو على ملة عبد المطلب، يعني أبو طالب قال: أنا على ملة عبد المطلب، لكن الرواة لا يستسيغون أن ينسبوا هذه الجملة لأنفسهم بضمير التكلم، وإنما يأتون بمثل هذه الجمل القبيحة بضمير الغائب.
لكن كل الرواة في حديث ماعز قالوا: إن ماعزاً قال: يا رسول الله إني زنيت، ما قالوا: يا رسول الله هو زنى؛ لماذا؟ لأنه لا بد من التصريح بذكر الزنا ونسبته إلى نفسه؛ لأنه لو أن الرواة قالوا: هو زنا، والكلام مسوق على لسان ماعز فكيف يحد وهو لم ينسب الزنا إلى نفسه؟! وإن كان في الأصل أن ماعزاً قال: إني زنيت، فجاء الرواة فلم ينسبوا هذا اللفظ إلى أنفسهم كما قالوا: هو على ملة عبد المطلب، قالوا: هو زنا، لا، هذا يختلف فيه الحكم، لا بد من التصريح بنسبة الزنا إلى الفاعل ليثبت عليه الحد.(44/9)
قالت: "والله أني لقائمة معهم" يعني ثم جاء الفرج "والله إني لقائمة معهم إذ مرت الحدياة فألقته" المتهم لا بد أن يندم، ولات ساعة مندم، ما يمديه الحين لو ندم المتهم "فألقته، قالت: فوقع بينهم، قالت: فقلت: هذا الذي اتهمتموني به زعمتم" يعني كما زعمتم، والزعم يطلق ويراد به ما يرادف القول المحقق، ويطلق ما يرادف القول المشكوك فيه "هذا الذي اتهمتموني به زعمتم، وأنا منه بريئة وهو هذا" أيُّ هذا العمل الذي حصل من إلقائه بين أيديهم من قبل الحدياة وهم ينظرون، أو لو أقسمت أيمان، أو جاءت ببينة أنها بريئة، ليس الخبر كالعيان "وهو ذا هو، قالت: فجاءت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأسلمت" تركتهم؛ لأنهم اتهموها وفتشوها، ما صار للمقام بينهم قيمة، هي في الأصل أحبتهم وألفتهم وأحبت البقاء معهم، لكن إذا حصل مثل هذا الذي يكدر، فما صار للبقاء عندهم قدر ولا قيمة "فجاءت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأسلمت" لأن الله -جل وعلا- أراد بها خيراً، انظر نتيجة هذا الاتهام ما الذي حصل بعده؟ وكم من متهم بريء حمد العاقبة بعد ذلك، وعائشة -رضي الله عنها- أم المؤمنين لما اتهمت ما الذي حصل؟ نزل في شأنها قرآن يتلى إلى يوم القيامة، وأي شرف أعظم من هذا الشرف.
"قالت عائشة: فكان لها خباء في المسجد أو حفش في المسجد" يعني بيت صغير جداً زاوية في المسجد، وهذا هو الشاهد من الحديث، جواز اتخاذ مثل هذا خباء أو حفش، أو يحتجر لها حجيرة، أو يوضع لها مثل الرواق وما أشبهه، فتجلس فيه، يجلس الغريب في المسجد الذي لا مأوى له، لا مانع من أن يجلس في المسجد، إذا أمنت الفتنة من جهة، وأمن عدم التضييق على المصلين، يعني ضمنا أن مثل هذا الحفش أو هذا البيت الصغير أو هذا الخباء لا يضيق على المصلين؛ لأن المصلين أولى بالمسجد من غيرهم.
قالت: "فكانت تأتيني فتحدث هي عندي" تأتي إلى عائشة تزور عائشة ثم تتحدث عندها، قالت: "فلا تجلس عندي مجلساً إلا قالت:
ويوم الوشاح من تعاجيب ربنا ... . . . . . . . . .(44/10)
الوشاح الذي اختطفته الحدياة، ثم اتهمت به الجارية، ثم ألقته الحدياة، عجيبة من العجائب؛ لماذا لم تلقه الحدياة في مكان بعيد؟ يعني هل قصد الحدياة براءة هذه الوليدة والجارية؟! وهل تدرك مثل هذا؟! أو تدرك أنه لما كان لا نفع فيه بالنسبة لها أرجعته إلى أهله؟! هل تدرك الحدياة مثل هذا؟! إلا أن الله -جل وعلا- ساقها إلى أن تعيده إلى مكانه لإظهار براءة هذه الجارية المتهمة ظلماً وزوراً وعداوناً.
ويوم الوشاح من تعاجيب ربنا ... ألا إنه من بلدة الكفر أنجاني
نعم أنجاها من بلدة الكفر، صار سبباً في إسلامها، فالمحنة انقلبت منحة، يعني ماذا عما لو لم يحصل هذا الاتهام، واستمرت عند هؤلاء القوم على كفرها خسرت الدنيا والآخرة، لكن حصل عليها هذا الضرر وهذا النقص وهذا الاتهام، لكن النتيجة أنها جاءت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأسلمت.
قالت عائشة -رضي الله عنها-: "فقلت لها: ما شأنك لا تقعدين معي مقعداً إلا قلت هذا؟! قالت: فحدثتني بهذا الحديث" رواه البخاري".
والشاهد منه أنه كان لها خباء في المسجد في عهده -عليه الصلاة والسلام-، وبمرأى منه -عليه الصلاة والسلام-، وبإقرار منه -عليه الصلاة والسلام-، فدل هذا على جواز اتخاذ الخباء والبيت الصغير الذي لا يضيق على المصلين للوافد الغريب، سواءً كان ذكراً أو أنثى، إذا أمنت الفتنة، ولم يخش منه، ولم يخش عليه.
قال -رحمه الله-: "وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((البزاق في المسجد خطيئة، وكفارتها دفنها)) " البزاق: بالزاي والصاد والسين مثل الصراط، البزاق: هو ما يخرجه الإنسان من فمه، ويسمى قبل إخراجه ريق، وإذا أخرج سمي بصاق، أو بزاق، أو بساق بالسين، سواءً كان تحلب من الفم كالريق، أو ما هو أشد من ذلك مما يصعد من الصدر، أو ينزل من الدماغ، كله بصاق.
((في المسجد خطيئة)) لأنه وإن كان طاهراً إلا أنه مستقذر، لا يرضاه الإنسان في بيته، وفي مكان استقباله لضيوفه، هذا لا يرضاه إنسان لنفسه، فكيف يرضاه لبيت الله، ما دام الأمر مستخبث ومستقذر، وإن كان طاهراً فلا يرضى مثل هذا، والنفوس تستقبح مثل هذا.(44/11)
يعني لو جئنا بما يستعمل للنفايات جئنا به من المصنع جديد، أو يستعمل في النجاسات لكنه ما استعمل جديد من المصنع، تأنف أن تتوسده؛ لأنك تستصحب ما صنع من أجله، يعني لو عندك مثلاً -أعز الله الجميع والمسجد- ما يوضع على الأطفال ليحفظ فيهم النجاسات عن التسرب، وضع على الأرض من الكرتون جديد، جديد وضعته على الأرض، وبيدك مصحف، المصحف الشريف، كلام الله -جل وعلا- يسهل عليك أن تضعه على الأرض وإلا على هذا وهو جديد من المصنع؟ على الأرض أسهل بكثير يعني؛ لأنك تستصحب أن هذا وإن كان من مواد نظيفة وطاهرة وجديد ما استعمل إلا أنك تستصحب ما صنع من أجله، الآن البصاق طاهر، فكونه يستقبح ويستقذر وتأنف أن تلقيه في بيتك، لا سيما فيما تستقبل به الضيوف فكيف ترضى به لبيت الله الذي أمرنا بتنظيفها وتطييبها وكنسها؟! هذا البصاق مفروغ منه؛ لأنه مستقبح، لكن طلبت ماءاً فجيء لك به في المسجد، فلما شربت منه وجدته بارد جداً، لو شربته تضررت، يعني عادي لو كنت خارج المسجد تلقيه في أي مكان لأنه ماء، لكن في المسجد تلقيه وإلا ما تلقيه؟
طالب:. . . . . . . . .
هو على كل حال ماء اختلط بريق طاهر، لكن هل هو مناسب أن تلقيه في المسجد وهو ماء؟ يعني لو ماء انكب في المسجد ما في إشكال، يعني لو من الكأس انكب شيء في المسجد ما في أدنى مشكلة لأنه طهور، لكن أنت لما أخذت منه ما يملأ الفم فوجدته بارد برودة شديدة يضرك لو شربته، فأردت أن تخرجه من فمك، هل نقول: هذا حكمه حكم البصاق وإلا حكم الماء؟ يعني على كل حال الناس يأنفون من مثل هذا، يعني هل تستطيع وأنت مدعو أنت مدعو في بيت شخص من الأشخاص واحد من الناس فتصنع في مجلسه هذا؟ فيه صعوبة، فمثل هذا لا يفعل في المسجد، وإن لم يكن في الأصل بصاق وهو ماء، لكن لو انكب من الكأس ما في إشكال.
((البزاق في المسجد خطيئة)) والخطيئة الذنب الذي يعاقب عليه الإنسان، بدليل أنه يحتاج إلى كفارة، لكن ما كفارة هذه الخطيئة؟ كفارتها دفنها، وهذا يمكن إذا كانت أرض المسجد مفروشة بالتراب، يمكن تدفن، لكن إذا كانت مفروشة بفرش مثل هذه كفارتها حكها وإزالتها.(44/12)
طيب وجدت خطيئة ووجدت كفارتها قل: سيئة ناقص سيئة الناتج؟ صفر، يعني ما عليك شيء، هل يستوي هذا مع من لم يبصق في المسجد أصلاً؟ هذا ارتكب خطيئة وكفرها فزال عنه أثرها، يعني مقتضى ذلك أنه ما دام كفرها أنه بمثابة من لم يحصل منه هذا الأمر أصلاً، يعني سجل عليه سيئة ثم مسحت هذه السيئة، هذه كفارتها، لكن هل هو بمثابة من لم يحصل منه هذا الأمر أصلاً؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هذه كفارة وليست توبة، غير التوبة هذه، الكفارة غير، ومعلوم أن الندم توبة، يعني إذا ندم فأزالها انتهى ما في إشكال، لو مشينا على هذا لتعمد الإنسان مثل هذه الأشياء، وهذه الأشياء لها أثر حسي؛ لأن من السيئات ما له أثر حسي، ومنها ما لا أثر له حسي، فاللي ما له أثر حسي هذا يكفي فيه التوبة، وينتهي من تبعاته، لكن ما له أثر حسي، يعني شخص زنا -نسأل الله السلامة والعافية- وتاب من الزنا، وبدل الله سيئاته حسنات، هذا لا شك أنه له أثر حسي على المزني بها، وعليه أيضاً في مقتبل حياته، وعلى ولده؛ مع أنه لا تزر وازرة وزر أخرى، لكن على أهله ((عفوا تعف نساؤكم)) المقصود أن ما له أثر حسي فإثمه أعظم؛ ولذا من هم بحسنة يعني من عمل الحسنة وهذه الحسنة أثرها متعدٍ أو عمل سيئة وأثرها متعدٍ، ثم جاء شخص تمنى أن لو كان مثل من عمل السيئة، وآخر تمنى أن يكون مثل من عمل السيئة، قال: ((فهما في الأجر سواء)) وهما في الوزر سواء، لكن أهل العلم يفرقون بين من عمل العمل الحقيقي وله أثر في الخارج متعدٍ أنه يختلف عمن تمنى مجرد الأمنية، وإن صاروا في أصل العمل سواء، لكن في آثاره المترتبة عليه ليسوا سواء.
الآن: ((البزاق في المسجد خطيئة، وكفارتها دفنها)) قلنا: إنه لو بزق في المسجد، ثم دفنها لا شيء عليه انتهى، كفّر، كان كمن حلف يميناً وحنث فيها ودفع الكفارة، لكن هل هذا مثل من حفظ يمينه {وَلاَ تَجْعَلُواْ اللهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ} [(224) سورة البقرة] لا شك أن مقام هذا أعظم.
"متفق عليه".
"وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال: رسول الله -صلى الله عليه وسلم-".
طالب:. . . . . . . . .
ويش هو؟
طالب: تقليب المصحف ....(44/13)
لا كبار السن ولا صغارهم، كلهم، يعني إذا أراد أن يفتح المصحف بل إصبعه وفتح المصحف أو فتح الكتاب أو أي شيء، ولا شك أن هذا ليس بجيد، لكن بعض كبار السن يكون في أصابعه عدم دقة، يعني الشباب أصابعهم ناعمة تمسك بالورقة، وبعض كبار السن أصابعهم خشنة من جهة، وأيضاً تمكنهم من مسك الورق فيه ما فيه، صعوبة، فيحتاجون إلى مثل هذا، فيكون عندهم أكثر، وإلا بلّ الأصبع موجود، وكان عندهم في المعاهد العلمية مادة يقال لها: "الصحة" ويذكرون هذا أنه مضر بالصحة بلّ الإصبع من أجل فتح الورق، ومن الطرائف أن المدرس الذي يدرس وهو يدرس بالكتاب يبل إصبعه، إن شاء الله إن هذا الحاصل يعني، فالإنسان على ما تعود، لكن ينبغي ألا يتلف الورق، ونشوف بعض الكتب المستعملة تجد أطراف الورق سوداء من كثرة الاستعمال وبل الإصبع، وقد يكون فيه ما فيه من أوساخ أو غبار أو شيء من هذا، فترى طرف الورق أسود.
طالب:. . . . . . . . .
بلا شك خلاف الأولى.
جاء في الحديث: ((إذا كان أحدكم يصلي فلا يبصق تلقاء وجهه ولا عن يمينه، ولكن عن يساره أو تحت قدمه)) وهذا محمول على ما إذا كان خارج المسجد.(44/14)
"وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أحب البلاد)) " يعني أحب الأماكن أو أحب ما في البلاد ((إلى الله مساجدها)) أحب ما تشتمل عليه البلاد المساجد؛ لأنها بيوت الله، وبنيت لذكر الله وإقام الصلاة، بنيت للعبادة " ((وأبغض البلاد إلى الله أسواقها)) رواه مسلم" لأن الأسواق يزاول فيها أمور الدنيا، ويزاول فيها المخالفات، ليس كل الناس على درجة واحدة من الورع والتقوى، إنما هذه الأسواق تجمع التقي والورع والمتساهل والمفرط، فتجمع أوباش الناس، فمنهم من يتساهل ويرتكب المخالفات في البيع والشراء، وينفق السلعة باليمين الكاذبة، ومنهم من يزاول العقود المحرمة، ففيها -مهما كانت- فيها يحصل مخالفات، فهي من هذه الحيثية أبغض البلاد إلى الله، وتجد هذا الأمر واضحاً وجلياً في أماكن بيع السيارات مثلاً، وتجد بعض من يزاول هذه المهنة يتسامحون ويغشون ويكتمون ويحلفون ويدعون أن هذه السيارة وهذه السلعة سيمت كذا، وينجشون، هذا موجود في السلع كلها، لكن ظهر هذا في أماكن بيع السيارات بوضوح؛ لأن السيارات المستعملة فيها عيوب قد تخفى على المشترين، وفيها أشياء ظاهرة، وفيها أشياء خفية، فصارت أبغض البلاد إلى الله هذه الأسواق.
"رواه مسلم".
"وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد)) رواه أحمد وأبو داود".
((حتى يتباهى الناس)) يتفاخرون فيقول بعضهم إذا بنى مسجد: مسجدي أحسن من مسجدك وأكبر وأجمل، يتفاخرون ويتباهون، وقد يتباهى من لا علاقة له في المسجد من جماعة المسجد مسجدنا أفضل وأوسع.(44/15)
لكن إذا كان الموضع الذي يذكر في مثل هذا المجال يعني له وجه وأثر في الصلاة مثلاً إذا تباهوا بما يخل بالصلاة من زخرفة ونقوش وقدر زائد على الحاجة هذا هو المحظور الذي دل عليه الحديث، لكن لما يقال: والله مسجدنا أريح وأبرد مثلاً، ويحصل فيه من الخشوع والإقبال على الصلاة هذا ما هو بتباهي هذا، هذا ليس تباهي، إنما المراد يتباهى الناس فيما لا يخدم مصلحة الصلاة، لكن لو أن إنساناً قال: لو صليت معنا يا فلان وجربت مسجدنا واسع ونفح ومريح وفرشاته نظيفة لا على سبيل التفاخر والتعاظم، ولا على سبيل الاغترار إذا كان هو عامر المسجد، أو ما أشبه ذلك، فمثل هذا أمره سهل، لكن الإشكال حينما يقال: والله القبة عندنا قطرها مائة ذراع ومسجدكم ما يجي ولا خمسين، النقوش في مسجدنا كذا، والخطاط الذي كتب الآيات وغيرها في جدران المسجد الخطاط المتميز فلان وهكذا، وقد حصل، والدولة التركية يعني ضربت في هذا الباب شوطاً واسعاً، زخرفوا المساجد زخرفة يعني لا يمكن أن يحضر القلب أثناء الصلاة فيها؛ لماذا؟ لأنهم على مذهب أبي حنيفة، والحنفية عندهم أن الناس إذا زخرفوا بيوتهم فبيوت الله أولى؛ لأن هذا يعتبرونه من باب العناية بالمسجد، وإظهار المسجد بالمظهر اللائق، وغيرهم يقول: لا، لا تجوز زخرفة المساجد.
يحدثنا بعض الإخوان من طلاب العلم الذين ذهبوا إلى تركيا اسطنبول يقول: دخلت مسجد فوجدت شيخاً على كرسي، ومعه كتاب يشرح وحوله طلاب فجلست لأستفيد، وإذا بالشيخ لا يتكلم، يحرك شفتيه ولا يتكلم، وإذا بهذا الاجتماع ليس على درس، وإنما يصورون مشهداً تمثيلياً في هذا المسجد، ما في البلد أجمل منه -نسأل الله العافية-.
((لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد)) كلام من لا ينطق عن الهوى -عليه الصلاة والسلام-، وقد حصل، وهل هذا من باب الإقرار أو من باب الإنكار؟ لا شك أنه إنكار، وكون الشيء يقع قدراً لا يعني أنه يجوز شرعاً، يعني لا يستدل بمثل هذا على جواز زخرفة المساجد، والذي يليه يقول: ((ما أمرت بتشييد المساجد)).(44/16)
في آخر يقول: ((لا تقوم الساعة حتى تسير الضعينة من كذا إلى كذا)) يعني بدون محرم ((لا تخشى إلا الله)) هل هذا فيه دليل على جواز السفر بدون محرم؟ لا يدل على جواز السفر إنما هو إخبار عما سيقع، وأشراط الساعة كلها من هذا القبيل، لا يعني أنها تجوز، وإنما يخبر الصادق المصدوق أن هذه الأمور ستقع في آخر الزمان في هذه الأمة.
قال: ((لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد)) وقد حصل.
"رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والنسائي".
"وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ما أمرت بتشييد المساجد)) قال ابن عباس: "لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى" رواه أبو داود وابن حبان".
النصارى كنائسهم، واليهود بيعهم كلها زخارف، وفي كنائس النصارى الصور لمريم وعيسى، زخرفوا، وحصل في هذه الأمة هذه الزخارف.
((ما أمرت بتشييد المساجد)) التشييد إما أن يكون برفعها {وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ} [(78) سورة النساء] يعني مرتفعة، أو يكون طلاؤها بالشيد وهو الجص، ويكفي من المسجد ما يكن من الحر والقر، كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام-، مما لا يمنع المطر، والنبي -عليه الصلاة والسلام- سجد في صبح الحادي والعشرين من رمضان سجد على ماء وطين؛ لأنه لما نزل المطر وكف المسجد، فنزل الماء والطين، لكن لا يعني هذا أننا نجعل، نعمل خلل وشقوق في سقف المسجد من أجل أن يقع، لا، ليس بعيب أن يكف المسجد، يكون البناء من اللبن والجريد وجذوع النخل، وإذا كان الأمر يعني يتطلب ما هو أقوى من ذلك وهذا متيسر، وعده الناس شيئاً عادياً من غير تكلف، وبني المسجد من البلك والحديد؛ ليكون أقوى وأصبر هذا مقصد شرعي، ما فيه إشكال -إن شاء الله تعالى-، لكن القدر الزائد على ذلك من الزخارف التي لا تفيد المسجد قوة ولا متانة، وتشغل المصلين هذا هو الذي جاء النهي عنه.(44/17)
((ما أمرت بتشييد المساجد)) ما أمرت هذه الصيغة تدل على المنع وإلا ما تدل على المنع؟ لأنه قد يقول قائل: ما أمر، لكن ما نهي، السياق سياق مدح وإلا سياق ذم؟ سياق ذم بلا شك، ولذا قال ابن عباس راوي الحديث: "والله" اللام واقعة في جواب قسم مقدر "لتزخرفنها" يعني المساجد "كما زخرفت اليهود والنصارى" وقد حصل، يعني بعض المساجد حقيقة يعني فيها إشكال كبير، ذكرنا مراراً أنه مع الأسف أنه يتولى الإشراف على عمارتها طلاب علم، ومع ذلك تحصل هذه الزخارف، يعني بعض المساجد تجد في الجدار القبلي الذي في القبلة كتابات ونقوش وقطع من الأقمشة الفاخرة، وأشكال هندسية، مثلثات ومربعات ودوائر بلون الذهب الذي إذا رآه من رآه قال: هذا ذهب لا يشك فيه، وهذا الكلام واقع يعني ما هو بافتراض أو خيال، وأما بالنسبة للمحاريب فشيء لا يخطر على البال، هذا لا شك أنه مذموم، ووقوع فيما أخبر عنه النبي -عليه الصلاة والسلام-.
قال: "رواه أبو داود وابن حبان في صحيحه" والحديث صحيح.
قال -رحمه الله-: "وعن السائب بن يزيد قال: كنت قائماً في المسجد فحصبني رجل" يعني رماني بالحصباء، الحصباء الصغيرة من أمامه وإلا من خلفه؟ نعم لأنه لو كان من أمامه لأشار إليه أن تعال، فدل على أنه من خلفه، وإلا فقد جاء النهي عن الخذف، يعني لما رماه بالحصباء لن يحصل المحظور من الخذف، لن يفقأ العين، ولن يكسر السن، وإلا هذا ممنوع.
رماه بالحصباء، قال: "فنظرت فإذا هو عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، فقال: اذهب فأتني بهذين الرجلين، فجئته بهما، فقال: من أنتما؟ أو من أين أنتما؟ قالا: من أهل الطائف" وهو في المسجد النبوي، في مسجد النبي -عليه الصلاة والسلام-، من أين أنتما؟ قالا: من أهل الطائف؛ ليسوا من أهل البلد، ويتسامح بالنسبة للغرباء الذين لا يعرفون ما عليه أهل البلد من عادات، قد يخفى عليهم ما عليه أهل البلد.(44/18)
قال: "لو كنتما من أهل البلد لأوجعتكما ضرباً" صاحب البلد يستحضر المكان؛ لأنه عاش فيه، وتردد إليه، أما هذا الذي لم يعتد التردد على هذا المكان فقد يزاول ما كان يزاوله في بلده من رفع الصوت في المسجد، "لأوجعتكما ضرباً، ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" يعني نهينا عن رفع الصوت بحضرته -عليه الصلاة والسلام-، وحرمته -عليه الصلاة والسلام- ميتاً كحرمته حياً، وهو حي في قبره -عليه الصلاة والسلام- حياة برزخية فوق حياة الشهداء، لكنها تخالف حياة الأحياء الذين أرواحهم في أبدانهم؛ لأنه ميت بالنص القطعي، نص الكتاب والسنة -عليه الصلاة والسلام-، لكن مع ذلك يحترم بحضرته في حياته وبعد مماته -عليه الصلاة والسلام-.
"ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" رواه البخاري.
حتى قال بعضهم: إنه إذا كان حديثه -عليه الصلاة والسلام- يقرأ فلا يرفع الصوت فوق صوت القارئ الذي يقرأ حديث النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهذا مما ذكر في أدب المحدث وطالب الحديث.(44/19)
قال -رحمه الله-: "وعن أبي قتادة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين)) متفق عليه" وهاتان الركعتان هما تحية المسجد ((إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين)) هذه تحية المسجد، وجمهور أهل العلم على أن تحية المسجد سنة مؤكدة، وقال بعضهم بوجوبها؛ لأنه نهي عن الجلوس، والنهي عن الجلوس أمر بهذه الصلاة، لكن هل تتم المقابلة بين النهي عن الجلوس والأمر بالصلاة؟ أو المقابلة بين النهي عن الجلوس والأمر بالقيام، يعني إذا ثبت قائماً ما صلى ركعتين يكون خالف الخبر؟ ما خالف، ولذا ليس في الحديث دلالة على وجوب تحية المسجد، إنما هو منع من الجلوس إلا إذا صلى، ومع ذلك الكلام في تحية المسجد في حكمها وفي فعلها في أي وقت، تكلمنا فيه فيما سبق، في ذوات الأسباب في فعلها في أوقات النهي، والمعارضة بين مثل هذا الحديث وبين النهي عن الصلاة في الأوقات الخمسة ((لا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس، ولا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس)) وحديث عقبة: "ثلاث ساعات كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نصلي فيهن، وأن نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة، وإذا تضيفت الشمس للغروب حتى تغرب" ثلاث ساعات مع ما بين الصبح إلى طلوع الشمس، وما بين صلاة العصر إلى غروبها تكون الأوقات خمسة، وبسطنا هذا في دروس مضت، وعرفنا أن من أهل العلم من يرى أن أحاديث النهي عامة، وأحاديث ذوات الأسباب مثل تحية المسجد خاصة، والخاص مقدم على العام، فتصلى هذه الصلوات الخاصة في جميع الأوقات، وهذا قول الشافعية وهو الذي يرجحه شيخ الإسلام، وغيرهم من الحنفية والمالكية والحنابلة يرون العكس أن أحاديث ذوات الأسباب عامة، وأحاديث النهي خاصة، والخاص مقدم على العام.(44/20)
وعرفنا فيما تقدم أن الخصوص والعموم ليس مطلقاً لنقول مثل هذا الكلام، أو نرجح كلام الشافعية أو كلام الجمهور، لا، العموم والخصوص وجهي، سبق أن بسطنا هذه المسألة في أكثر من مناسبة، العموم والخصوص وجهي، فنحتاج إلى مرجح خارجي وليس قبول قول الشافعية بأولى من قبول غيرهم لنرى من يدخل المسجد في آخر لحظة من العصر، أو مع طلوع الشمس ثم يصلي ركعتين، ليس قبول قول الشافعية بأولى من قبول قول الجمهور أبداً؛ لأن ما يمكن أن يقوله الشافعية من أن أحاديث النهي عامة، وأحاديث ذوات الأسباب خاصة، يقول غيرهم بالعكس، أحاديث ذوات الأسباب: ((إذا دخل أحدكم المسجد)) في أي وقت من الأوقات هذا عام، فلا يجلس حتى يصلي ركعتين أخص منه: "ثلاث ساعات كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نصلي فيهن" فالعموم والخصوص وجهي، فنحتاج إلى -كما تقدم- مرجح خارجي، فإما أن يقال كما قال الجمهور: الحظر مقدم على الإباحة فيمنع من فعل ذوات الأسباب في أوقات النهي، أو يقال: إن أحاديث النهي دخلها من المخصصات أكثر مما دخل مثل هذا الحديث، فالعموم المحفوظ أولى من العموم الذي دخله التخصيص غير المحفوظ.
وعلى كل حال المسألة من عضل المسائل، يعني ليست بالسهلة بحيث يسأل الشخص ويقول: عام وخاص، والخاص مقدم على العام، لا، المسألة من تأملها ونظر فيها بدقة يجد أنها مشكلة، ومن عضل المسائل، يعني حتى قال بعض أهل العلم: لا تدخل المسجد في وقت النهي؛ لأن عليك حرج عظيم، إن صليت خالفت، وإن جلست خالفت، وبعضهم يقول: إذا دخلت المسجد لا تجلس لأنك إن جلست خالفت وإن صليت خالفت، وخلصنا فيما تقدم إلى أن النهي في الأوقات المضيقة شديد، ثلاث ساعات كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نصلي فيهن، وأن نقبر فيهن موتانا" وفي الأوقات الثلاثة المضيقة تتحقق العلة التي من أجلها نهي عن الصلاة في هذه الأوقات، وهي مشابهة الكفار الذي يسجدون للشمس عند طلوعها وعند استوائها وعند غروبها، أما في الوقتين الموسعين فالأمر فيهما أخف.(44/21)
وجاء فعل بعض النوافل فيهما، في الوقتين الموسعين أقر النبي -عليه الصلاة والسلام- من صلى راتبة الصبح بعدها، وصلى راتبة الظهر بعد العصر، فالوقتان الموسعان أمرهما أخف، فلو صلى فيهما الداخل لا حرج عليه، لكن في الأوقات المضيقة التي النهي فيها أشد، والمشابهة للكفار متحققة، هذه لا يصلى فيها؛ لأن التخصيص الذي قالوا: إنه يضعف عموم أحاديث النهي إنما جاء في الوقتين الموسعين، ما جاء في الأوقات المضيقة، اللهم إلا الفرائض، والفرائض ليست داخلة في النهي، وإلا جاء في الحديث: ((من أدرك ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر)) فالفرائض ليست داخلة، أما النوافل فهي التي يشملها النهي، وعلى هذا المخصصات التي دخلت في عموم أحاديث النهي إنما هي مخصصات في الوقتين الموسعين، وليست في الأوقات المضيقة الثلاثة، إضافة إلى أن من أهل العلم من يرى أن النهي عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر ليس لذات الوقتين، وإنما خشية أن يسترسل الإنسان في الصلاة إلى أن يحضر الوقت المضيق، فالنهي عن الصلاة فيهما لا لذاتهما، وإنما سداً لذريعة الصلاة في الأوقات الثلاثة المضيقة.
فالذي قررناه مراراً أن الأمرين الموسعين الأمر فيهما سهل، لو صلى الإنسان لا يثرب عليه، ولو جلس أيضاً لا يثرب عليه، أما الأوقات الثلاثة فلا وجه للصلاة فيها.
البخاري -رحمه الله تعالى- لما ترجم في صحيحه في كتاب المناسك في كتاب الحج باب الطواف بعد الصبح وبعد العصر، أورد أحاديث النهي عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر، أورد أحاديث النهي عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر، وقال: وصلى عمر -رضي الله عنه- ركعتي الطواف بذي طوى، يعني طاف بعد الصبح، لكن ما صلى الركعتين إلا بذي طوى لما ارتفعت الشمس، وأورد ابن حجر في شرح الترجمة حديث جابر: "ما كنا نطوف مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد الصبح ولا بعد العصر" لا لأن الطواف لا يسوغ في هذا الوقت، لكن لما يلزم عليه من الصلاة في وقت النهي، لكن لو أن الإنسان طاف بعد الصبح وبعد العصر وأخر الصلاة إلى أن يخرج وقت النهي انتهى الإشكال.
قال -رحمه الله-:(44/22)
"وعن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((عرضت علي أجور أمتي حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد، وعرضت علي ذنوب أمتي فلم أر ذنباً أعظم من سورة من القرآن أو آية أوتيها رجل ثم نسيها)) رواه أبو داود وابن خزيمة والترمذي، وقال: غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، قال: وذاكرت به" يقول الترمذي: "ذاكرت به محمد بن إسماعيل" يعني البخاري "فلم يعرفه واستغربه" وعلى كل حال الحديث ضعيف، وجاء في أحاديث تنظيف المساجد الأمر بتنظيفها، والأمر بتطييبها، أحاديث صحيحة، فتغني عن هذا، لكن مع ذلك تنظيف المسجد من القرب التي يتقرب بها إلى الله -جل وعلا-؛ لأنها من تعظيم بيوت الله، ومن تعظيم شعائره، ومقابل ذلك التسبب في تقذير المسجد، لذا يبحثون في الاعتكاف مسألة قص الأظافر في المسجد، أو نتف شيء من الشعر، أو سقوط شيء منه في المسجد، يقولون: عليه أن يُخرج ما تركه في المسجد من هذا القذى، والقذى الشيء اليسير الذي يجتمع في العين، شيء يسير لا يكاد يرى، فمثل هذا يخرج من المسجد، وما فوقه من باب أولى.
بعض الناس يكون معه السواك جديد فيبتدئه في المسجد، ثم يبقى في فمه كسر من هذا السواك، ثم يلفظها في المسجد، هذا لا شك أنها إساءة إلى المسجد، وعليه أن يزيل ما لوث به المسجد.
يقول: ((وعرضت علي ذنوب أمتي فلم أرَ ذنباً أعظم من سورة من القرآن أو آية أوتيها رجل ثم نسيها)) لا شك أنه من حفظ القرآن عليه أن يحافظ عليه، من حفظ القرآن أو شيئاً منه عليه أن يحافظ عليه، ولا يجوز له أن يفرط فيما حفظه، نعم إذا نسي من غير تفريط، أو بسبب شيء خارج عن إرادته وطوقه، ضعفت حافظته، تعرض لشيء، تعرض لخرف، تعرض لنسيان، هذا ليس بمقدوره، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، لكن يبقى أنه إذا كانت الحافظة موجودة لا يجوز له أن يفرط في القرآن {كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى} [(126) سورة طه] ولذا لا يجوز أن يقول الإنسان: نسيت آية كذا، بل يقول: أنسيت كما في الحديث الصحيح، ومع ذلك إذا أنسي عليه أن يراجع، وعليه أن يتعاهد حفظه، والله أعلم.(44/23)
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
طالب:. . . . . . . . .
ويش موضوعه.
طالب:. . . . . . . . . بوده يقابلكم عنده بعض المنظومات.
ما هو جارنا بالرياض؟ عادي يجي، يجي.
طالب: .... يقول: لو كانت جلسة قصيرة ... ؟
لا أدري ... أنا طالع الليلة الحين ....
طالب: الزواج بنية الطلاق.
يدرون الطرف الثاني، المرأة تدري أو وليها أو شيء؟
طالب:. . . . . . . . .
لا بعادة ولا شيء، ولا يغلب على ظنهم أنه يطلق.
طالب:. . . . . . . . .
ما في شيء.
طالب:. . . . . . . . .
الأركان كلها متوافرة؟
طالب:. . . . . . . . .
النية مسألة ثانية، لكن الآن الأركان كلها متوافرة فيه، ولي وفي شهود وكل شيء متوافر، إنما يتفقون على إسقاط شيء من حقوق المرأة.
طالب:. . . . . . . . .
إذا اتفقوا على ذلك الأمر لا يعدوهم.
طالب: رفع الصوت في المسجد ....
هذا في مسجد النبي -عليه الصلاة والسلام-.
لكن يبقى أن المسألة يعني إذا كان رفع صوت بعلم لا يبلغ الطالب إلا به، أو بتكبير مثلاً في الصلاة لا يبلغ المأموم إلا به لا مانع ...
طالب:. . . . . . . . .
برفق، بما يحصل المقصود.
طالب: يصلي ركعتي الطواف بعد السعي ...
لا لا، سنة فات محلها.
طالب: في الحديث: ((من صلى الفجر في جماعة ثم قعد يذكر الله ... )) هل يقطعه الطواف؟
لا هو في المسجد، ما خرج عن المسجد ...(44/24)
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: المحرر – كتاب الصلاة (45)
الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هذا يقول: لو نظرتم في وقت الدرس حيث أنه يأتي في فترة اختبارات الجامعة؟
الآن بدأت الاختبارات؟
طالب: الأسبوع القادم.
ينظر هذا.
سم.
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين.
قال الإمام ابن عبد الهادي -رحمه الله تعالى- في كتابه المحرر:
باب: صلاة الجمعة
عن عبد الله بن عمر وأبي هريرة -رضي الله عنهم- أنهما سمعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول على أعواد منبره: ((لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم، ثم ليكونن من الغافلين)) رواه مسلم.
وعن قدامة بن وبرة عن سمرة بن جندب -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من ترك الجمعة من غير عذر فليتصدق بدرهم فإن لم يجد فبنصف دينار)) رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه، ورواه أبو داود مرسلاً وفيه: ((فليتصدق بدرهم أو نصف درهم أو صاع من حنطة أو نصف صاع)) وقال البخاري: قدامة بن وبرة عن سمرة لم يصح سماعه، ووهم من رواه عن الحسن عن سمرة.
وعن سلمة بن الأكوع -رضي الله عنه- قال: "كنا نصلي مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الجمعة، ثم ننصرف وليس للحيطان ظل يستظل به" رواه البخاري، وهذا لفظه، ومسلم ولفظه: "فنرجع وما نجد للحيطان فيئاً نستظل به" وفي لفظ له قال: "كنا نجمع مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذ زالت الشمس ...
إذا، إذا.
إذا زالت الشمس، ثم نرجع نتتبع الفيء".
وعن عبد الله بن سيدان السلمي قال: "شهدت الجمعة مع أبي بكر -رضي الله عنه- وكانت صلاته وخطبته قبل نصف النهار، ثم شهدتها مع عمر -رضي الله عنه- فكانت صلاته وخطبته إلى أن أقول: انتصف النهار، ثم شهدتها مع عثمان -رضي الله عنه- فكانت صلاته وخطبته إلى أن أقول: زال النهار، فما رأيت أحداً عاب ذلك ولا أنكره" رواه الدارقطني، واحتج به أحمد.
وقال البخاري في عبد الله بن سيدان: لا يتابع على حديثه.(45/1)
وعن سهل بن سعد -رضي الله عنه- قال: "ما كنا نقيل ولا نتغدى إلا بعد الجمعة" وفي رواية: "في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" متفق عليه، واللفظ لمسلم.
وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يخطب وهو قائم يوم الجمعة، فجاءت عير من الشام، فانفتل الناس إليها حتى لم يبقَ إلا اثنا عشر رجلاً، فأنزلت هذه الآية التي في الجمعة: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} [(11) سورة الجمعة] متفق عليه، وزاد مسلم: حتى لم يبقَ معه إلا اثنا عشر رجلاً، فيهم أبو بكر وعمر، وفي رواية له أيضاً: أنا فيهم.
وعن بقية قال: حدثني يونس بن يزيد الأيلي عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن ابن عمر -رضي الله عنهم- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من أدرك ركعة من صلاة الجمعة وغيرها فليضف إليها أخرى وقد تمت صلاته)) وفي رواية: ((فقد أدرك الصلاة)) رواه النسائي وابن ماجه والدارقطني وهذا لفظه، وإسناده جيد، لكن تكلم فيه أبو حاتم، وقال: هذا خطأ المتن والإسناد، وقال ابن أبي داود: لم يروه عن يونس إلا بقية، وقد رواه النسائي أيضاً من حديث سليمان بن بلال عن يونس عن ابن شهاب عن سالم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من أدرك ركعة من صلاة من الصلوات فقد أدركها إلا أنه يقضي ما فاته)) وهو مرسل.
وعن جابر بن سمرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يخطب قائماً ثم يجلس، ثم يقوم فيخطب قائماً، فمن نبأك أنه كان يخطب جالساً فقد كذب، فقد والله صليت معه أكثر من ألفي صلاة" رواه مسلم.
قف على هذا، يكفي.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: صلاة الجمعة(45/2)
الجُمُعة ويوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع، وهو خير يوم طلعت عليه الشمس، كما جاء في الحديث الصحيح، والمفاضلة بينه وبين يوم عرفة عند أهل العلم معروفة، لكن خير أيام العام يوم عرفة، ويكفر سنتين، وخير أيام الأسبوع يوم الجمعة على ما قرره أهل العلم، وله خصائص وفضائل، أعني يوم الجمعة لا توجد في غيره، ذكر منها ابن القيم -رحمه الله- في الهدي عدداً كبيراً، وللسيوطي رسالة في الباب اسمها: ضوء الشمعة في خصائص الجمعة.
والجمعة هو اليوم الذي وفقت له هذه الأمة، وأضل الله عنه الأمم السابقة، واختار اليهود السبت والنصارى الأحد، ووفق الله هذه الأمة لاختيار الجمعة، ولذا جاء في الحديث الصحيح من حديث أبي هريرة: ((نحن الآخرون السابقون يوم القيامة، اليوم لنا، وغداً اليهود، والنصارى بعد غد)) النصارى الأحد آخر الأيام الثلاثة، ولليهود ثانيهما وهو السبت، واليوم الأول للمسلمين، فيه تقوم الساعة، وهو يوم المسلمين، وينتظر اليهود والنصارى إلى الغد وبعد غد.
والجمعة الأشهر في ضبطه بعد الاتفاق على ضم الجيم الأشهر فيه ضم الميم، جُمُعة، وبها قرأ السبعة: {إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ} [(9) سورة الجمعة] وقرأ الأعمش بسكونها جمْعة، وضبطها بعضهم بفتح الميم جمَعة كهمزة ولمزة، وفي لغية كسر الميم جمِعة، لكن الضم هو الأشهر.
وهو عيد الأسبوع، وجاء في الخبر تسميته عيد؛ لأن اليهود قالوا: لو علينا نزلت هذه الآية: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [(3) سورة المائدة] فقال عمر: إني لأعلم اليوم الذي نزلت فيه وهو يوم عيد، يوم عرفة يوم الوقوف في حجة الوداع وهو يوم الجمعة.(45/3)
الله -جل وعلا- شرع لهذه الأمة في اجتماعات من أجل تأليف القلوب، فالاجتماع بالأبدان يؤدي إلى اجتماع القلوب، فهم يجتمعون في كل يوم خمس مرات، ولولا هذه الاجتماعات لمرض من مرض، وضل من ضل، واحتاج من احتاج فلا يدرى عنه، لكن في هذه الاجتماعات المشروعة لهذه الأمة في الصلوات الخمس في اليوم والليلة إذا فقد المسلم وكانوا يفقدونه إذا غاب فرضاً واحداً؛ لأن الناس أعمالهم معروفة، من محل عمله في تجارته أو زراعته أو صناعته إلى بيته، ويصلي في مسجد واحد جميع الأوقات.
الآن بعد أن تيسرت الأسباب، وسهل الانتقال من بلد إلى بلد، ومن حي إلى حي، وكثرت الأسفار يمكن أن يمر الأسبوع والإنسان ما صلى وقتين في مسجد واحد، كانوا يتفقدون الجيران فلان ما صلى أين ذهب؟ ومن الطرائف أن شخصاً فقد في فرض من الفروض فطرقوا عليه البيت بعد الصلاة مباشرة، أين ذهب فلان؟ قالت زوجته: غائب ليس بحاضر، قالوا: لا، رأيناه، ليس بغائب، هم رأوه قبل الصلاة، فألحوا عليها فخرج مرتدياً ثوب صلاة زوجته، ما عنده ثوب يلبسه، ليس عنده ثوب، هذا الكلام قبل سبعين سنة.
المقصود أنهم أغاثوه وأعانوه وتصدقوا عليه، لكن لولا هذه الصلوات الخمس التي شرعت .. ، من حِكم مشروعيتها مثل هذا الأمر، يمكن يموت جوعاً في بيته ولا يدرى عنه؛ لأن بعض الناس يصعب عليه أن يسأل الناس، يصعب عليه، قد يقول قائل: أين ثوبه الذي رأوه عليه قبل الصلاة؟ هي قصة لكنها حقيقة تذكرنا بنعم الله علينا، هذا الشخص ليس عنده ما يأكل، لا هو ولا زوجته، خرج قبل الصلاة، وبحث عن من يقرضه فما وجد، فنزل بصاحب له فأصر إلا أن يقرضه ريالاً من أجل أن يشتري به ما يأكل بعد الصلاة، ذهب إلى المسجد ليستنبط الماء من البئر فوقع الريال في البئر، خلع ثوبه ونزل بالبئر ليبحث عن الريال فما وجده، لما خرج وجد الثوب مسروقاً، فلما كبر الإمام في الصلاة عرف أن الجماعة كلهم حاضرين ما في أحد يتخلف، والشارع ما يصير فيه أحد في هذا الوقت، وقت الصلاة الشوارع ما فيها أحد، خرج مسرعاً عارياً إلى بيته دخل وأغلق الباب، ثم جاءوا يسألون عنه إلى آخر القصة.(45/4)
المقصود أن نعم الله علينا تترى ولا تعد ولا تحصى، يعني الطفل إذا أراد أن يذهب إلى المدرسة تعطيه ريال أو ريالين أو ثلاثة ما يرضى، أقل شيء خمسة، الابتدائي يا الله خمسة، والله المستعان.
أقول: من حكم مشروعية الجماعة تفقد أحوال المسلمين بعضهم لبعض، لنا هذه الاجتماعات اليومية في اليوم والليلة خمسة مرات، والأسبوعية مثل الجمعة من الجمعة إلى الجمعة، وهي تضم البلد، المسجد يضم الحي، والجمعة تضم البلد، ثم بعد ذلك لنا اجتماعان في العام في العيدين، ثم الاجتماع الأكبر للأمة أو لمن حج منها في موسم الحج.
مع الأسف أن الحكم من مشروعية هذه الاجتماعات قد لا يستحضرها كثير من المسلمين، ولذلك لا تترتب عليها آثارها، يصلي ويرى أخاه على معصية وكأن الأمر لا يعنيه، يفقد أخاه اليوم واليومين والثلاثة وكأن الأمر لا يعنيه، فديننا دين الائتلاف والاجتماع والاتحاد اتحاد الكلمة، وعدم التفرق والتنازع المورث للفشل.
هذه الصلاة -أعني صلاة الجمعة- من فروض الأعيان على الذكور الأحرار البالغين المقيمين المستوطنين، ولا يعذر في التخلف عنها إلا من لا تجب عليه من المرأة والطفل يؤمر بها لسبع، ويضرب عليها لعشر كسائر الصلوات، لكن لا على سبيل الوجوب كالبالغين؛ لأن القلم مازال مرفوعاً عنه.
المسافر ليس عليه جمعة، لكن إذا سمع النداء يلزمه الإجابة كسائر الصلوات، والعبد لا تلزمه الجمعة؛ لأنه مشغول بأعمال سيده، ومن أهل العلم من يقول: إنها تلزمه، وهذه مستثناة شرعاً من خدمة السيد، فلا يجوز له أن يمنعه كسائر الصلوات.
على كل حال الأحرار البالغون المستوطنون من الرجال تلزمهم الجمعة فرض عين على كل واحد منهم، والجمعة أمرها شديد، وشأنها عظيم، ((من ترك ثلاث جمع متوالية طبع الله على قلبه)).(45/5)
وفي الحديث الأول "عن عبد الله بن عمر وأبي هريرة -رضي الله عنهم-" ثلاثة عبد الله بن عمر وأبوه وأبو هريرة ثلاثة "-رضي الله عنهم- أنهما" عبد الله بن عمر وأبو هريرة "أنهما سمعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" فالترضي عن الثلاثة، والرواية لاثنين "سمعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول على أعواد منبره" على أعواد منبره، يعني المنبر الذي اتخذ من الأعواد من الخشب الذي صنعه غلام امرأة من الأنصار، لما استأذنت النبي -عليه الصلاة والسلام- في أن تصنع له منبر فأجابها إلى ذلك فصنعت المنبر، وكان النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا خطب يستند إلى جذع نخلة، لما تركه النبي -عليه الصلاة والسلام- وخطب على المنبر حن الجذع، فلم يسكت حتى ضمه النبي -عليه الصلاة والسلام-.
هذا المنبر الذي هو من أعواد مكون من ثلاث درجات، يعني ارتفاعه بقدر الحاجة؛ لأن الخطيب ينبغي أن يكون مشرفاً على من يخطب فيهم ليروه، لأن الرؤية لها أثر في فهم وسماع ما يقال، والتأثر بما يقال، ولذا نجد الطلاب في الدروس منهم من يحرص على الدرس، ويقترب من الشيخ الملقي، ومنهم من يبتعد، ومنهم من ينظر إلى الشيخ، ومنهم من لا ينظر، وقد يكون سماع الأبعد أقوى من سماع الأقرب، لكن مع ذلك القرب له شأنه في فهم ما يقال، بعض الناس يقول: أنا أحرص على الصف الأول في المسجد، وأجلس في الصف الأول، والدرس خلف الصف الأول، نقول: أنت في وقت الدرس تنتبه للدرس وتقرب من الدرس، وبقدر حرصك تثاب وتحصل.(45/6)
"على أعواد منبره -عليه الصلاة والسلام-" سمعاه يقول: ((لينتهين أقوام)) هذه اللام موطئة لقسم محذوف، وفي جواب قسم محذوف، والله لينتهين، والنبي -عليه الصلاة والسلام- أقسم في أكثر من ثمانين موضعاً كما قال ابن القيم على الأمور المهمة ((لينتهين)) ينتهين فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد من غير فاصل ((لينتهين أقوام)) جمع قوم، والقوم هم الرجال، وبعضهم يدخل النساء في القوم، ومنهم من يقول: إن النساء لا تدخل في القوم، أما في حديث الباب فلا تدخل؛ لأن النساء لسن من أهل الجمعة، وأما على سبيل العموم "يا قوم" هل يدخل فيه النساء أو لا يدخل؟ نعم {لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ ... وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ} [(11) سورة الحجرات] هذه حجة من يقول: إن النساء لا تدخل في القوم، ومنهم من يقول: إن النساء داخلات في القوم، والتنصيص عليهن في الآية لأن السخرية عندهن أكثر، فاحتيج إلى التنصيص عليهن، على كل حال هنا لا يدخل النساء.
((لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات)) ودع: ترك، وهو مصدر، فالمصدر مستعمل، ودع يعني ترك، ودع يعني اترك ((من لم يدع)) من لم يترك، لكن الماضي كما قال أهل العلم أميت من هذه المادة، يعني ما استعمل ودعَ، وقرئ في الشواذ: {ما وَدَعَك ربك} [(3) سورة الضحى] لكن أهل العلم ينصون على أن الماضي قد أميت، استعمل المصدر الذي هو الأصل، أصل المادة كما هنا، استعمل دع يعني اترك ((دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)) واستعمل يدع ((من لم يدع قول الزور)) وأما الماضي فكما سمعنا أميت، وقرئ كما ذكرنا في الشواذ: {ما وَدَعَك ربك} يعني ما تركك.
((عن ودعهم)) يعني تركهم ((الجمعات)) جمع جمعة، الجمعات جمع، والجمع على الخلاف بين أهل العلم هل يتناول المرتين أو أقله الثلاث، وجاء في الخبر: ((من ترك ثلاث جمع متوالية طبع الله على قلبه)) ولا يعني هذا أن ترك الجمعة الواحدة والثنتين لا شيء فيه، لا، أمر عظيم، ومن عظائم الأمور ترك الجمعة، ويقرر أهل العلم أن ترك الجمعة من باب تيسير العسرى، واضح الكلام وإلا ما هو بواضح؟
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
إيش؟(45/7)
طالب:. . . . . . . . .
تقرأ سورة الليل؟
طالب:. . . . . . . . .
{وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} [(1) سورة الليل]؟
طالب:. . . . . . . . .
كمل.
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟ كم؟
طالب:. . . . . . . . .
{فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} [(10) سورة الليل] بخل واستغنى، كذب وتولى ... إلى آخره، هذا ميسر للعسرى، يعني النار، من ترك الجمعة .. ، ترْك الجمعة من باب تيسير العسرى، يعني النار، ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟
طالب:. . . . . . . . .
{فأما من بخل {وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} [(8 - 10) سورة الليل] قالوا: ترك الجمعة من باب تيسير العسرى؛ لأن الإنسان الذي يسمع هذا الكلام مجرداً عن الآية، يعني أنه من باب التسهيل على المسلم والتخفيف عنه، يحتمل هذا؟
طالب:. . . . . . . . .
يحتمل هذا، الذي لا يقرأ الآية التي ذكرناها {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} [(10) سورة الليل] ترك جمعة واحدة من غير عذر من عظائم الأمور، وترك اثنتين أشد، وأما الثلاث ليختمن الله على قلوبهم، طبع الله على قلبه، الختم هو الشد والاستيثاق على القلب بحيث لا يدخله خير، يكون القلب حينئذٍ مطبوع عليه {خَتَمَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهمْ} [(7) سورة البقرة].
((أو ليختمن الله)) وهذا مثل: ((لينتهين)) مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد المباشرة.
((ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن)) ثم ليكونُن ما هي يكونَن، لا، ويش الفرق بينه وبين الذي قبله: ((ثم ليكونُن من الغافلين)) الفاعل في الأول والثاني ظاهر، فما فيه ضمير يكون فاعل، هنا في الأخير الفاعل ضمير، واو الجماعة.
طالب:. . . . . . . . .
((ثم ليكونن من الغافلين)) ففصل بين الفعل وبين نون التوكيد الثقيلة بالضمير الذي هو الفاعل، ولا يبنى الفعل المضارع مع نون التوكيد إلا إذا كانت مباشرة.
. . . . . . . . . ... وأعربوا مضارعاً إن عريا
من نون توكيد مباشر ومن ... نون إناث كيرعن من فتن
((ثم ليكونن من الغافلين)) الذين يغفلون عن مصالحهم فلا يجلبون لأنفسهم خيراً، ولا يتقون ولا يدفعون عن أنفسهم شراً.
"رواه مسلم".(45/8)
ثم بعد هذا قال: "وعن قدامة بن وبرة عن سمرة بن جندب" قدامة بن وبرة مجهول لا يدرى من هو؟ فالخبر بسببه ضعيف "عن سمرة بن جندب -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من ترك الجمعة في غير عذر فليتصدق بدينار فإن لم يجد فبنصف دينار)) رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه، ورواه أبو داود مرسلاً، وفيه: ((فليتصدق بدرهم أو نصف درهم أو صاع حنطة أو نصف صاع)) قال البخاري: قدامة بن وبرة لم يصح سماعه" يعني من سمرة، فهو منقطع، إضافة إلى كونه مجهولاً لا يعرف "وقال البخاري: قدامة بن وبرة لم يصح سماعه من سمرة" يعني فيه علتان:
الأولى: الجهالة في قدامة بن وبرة، ومن شرط قبول الراوي أن يكون معروفاً بالثقة، لا يكفي أن يكون معروفاً فقط، بل لا بد أن يكون معروفاً بالثقة، وهذا مجهول لا يدرى.
لم يصح سماعه أيضاً من سمرة، ووهم من رواه عن الحسن عن سمرة، بل هو من رواية قدامة بن وبرة، ولذا الكفارة هذه ليست صحيحة، يعني تقدمت الكفارة في وطأ الحائض، والخلاف في ثبوت الخبر، والأكثر على تضعيفه، لكن هذا ضعيف باتفاق.
قال -رحمه الله-:
"وعن سلمة بن الأكوع -رضي الله عنه- قال: "كنا نصلي مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الجمعة ثم ننصرف وليس للحيطان ظل يستظل به" رواه البخاري، وهذا لفظه، ومسلم، ولفظه: "فنرجع وما نجد للحيطان فيئاً نستظل به" وفي لفظ له: "كنا نجمع مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذ زالت الشمس، ثم نرجع نتتبع الفيء".(45/9)
الرواية الأولى والثانية يستدل بهما من يرى أن الجمعة تصح قبل الزوال، لكن الرواية الثالثة -اللفظ الثالث- مفسر، والحديث واحد: "كنا نجمع مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذ زالت الشمس" يعني بعد الزوال، "ثم نرجع نتتبع الفيء" فدل على أن قوله "ليس للحيطان ظل يستظل به" ظل موصوف بكونه يستظل به، والناس يخرجون جماعات بعد صلاة الجمعة فلا يوجد ظل يستظل به المصلون كلهم، مما يدل على أن هذه الصلاة يبادر بها في أول وقتها بعد الزوال بخلاف صلاة الظهر، لا سيما إذا اشتد الحر فإنه يبرد بها من أجل أن يستظل الناس، وأما الجمعة فإنه يبادر بها فيخرجون يتتبعون الفيء، يبحثون عن الظل فلا يوجد ظل يستوعبهم، ظل يستظل به، وأما فيء الزوال فموجود، ليس للحيطان فيء مبالغة في العجلة بها، وعدم تأخيرها، ثم ننصرف وليس للحيطان ظل يستظل به، والرواية الثانية: وما نجد للحيطان فيئاً نستظل به، ومعلوم أنهم إذا خرجوا جماعات لا يجدون ظل يستظلون به، لكن قد يستظل الواحد والاثنين يلتصقان بالجدار، أما البقية فلا يوجد ظل يستوعبهم لكثرتهم، وعلى كل حال الحديث بروايتيه الأولى والثانية دليل للحنابلة، لأحمد وإسحاق الذين جوزوا الصلاة -صلاة الجمعة- قبل الزوال، وعلى خلاف بينهم هل تصلى في أول النهار كصلاة العيد أو وقتها يبدأ من بداية وقت صلاة العيد؟ وعند الحنابلة رواية أنها تصلى في الساعة السادسة، وهذه هي التي اختارها الخرقي؛ لأنه من راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً، في الرابعة كأنما قرب دجاجة، في الخامسة بيضة، ثم السادسة يدخل الإمام، فتصلى في الساعة السادسة، لكن متى تبدأ الساعة السادسة؟ الساعات مقدار من الزمان من غير تحديد، ليست هي الساعات الفلكية التي استحدثت فيما بعد بحيث تكون الساعة ستين دقيقة متساوية مع الساعة التي تليها والتي قبلها، إذا قيل: تحدثا ساعة يمكن أن تكون الساعة نصف ساعة فلكية، ويمكن تكون ساعتين، المقصود أنها مقدار من الزمن ليس محدداً، إنما يقسم الوقت من ارتفاع الشمس وحل الصلاة إلى دخول الإمام على خمسة أو على ستة، فيخرج مقدار(45/10)
الساعة، قد تكون الساعة ساعة، وقد تكون ساعة إلا خمس، كما هو الشأن في الشتاء، أو ساعة وربع كما هو الشأن في الصيف؛ لأن بين طلوع الشمس إلى الزوال في الصيف أطول مما بين طلوع الشمس إلى الزوال في الشتاء بمقدار ساعتين من ساعاتنا، فالساعة ليست محددة، المقصود أن الحنابلة عندهم أنه يجوز أن تصلى الجمعة قبل الزوال استدلالاً بهذه الأحاديث، لكن الرواية الثالثة أو اللفظ الثالث مفسر: "كنا نجمع مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا زالت الشمس، ثم نرجع نتتبع الفيء" إذا زالت الشمس هذا ما يحتاج إلى تأويل، يعني بعد أن تزول الشمس، وبهذا قال الأئمة الثلاثة، وأن وقتها هو وقت صلاة الظهر، يبدأ من بعد الزوال إلى مصير ظل كل شيء مثله، مثل الظهر، وبهذا قال الأئمة الثلاثة، وعليه الفتوى، والآن نص أن الجمعة لا تصح قبل الزوال.
الظل هو الفيء، والفيء مأخوذ من الرجوع، من فاء إذا رجع، والظل بدلاً من أن يكون إلى جهة المغرب في أول النهار بعد الزوال ينتقل إلى المشرق؛ لأن الشمس مالت إلى جهة المغرب.
"وعن عبد الله بن سيدان السلمي قال: "شهدت الجمعة مع أبي بكر -رضي الله عنه- وكانت صلاته وخطبته قبل نصف النهار، ثم شهدتها مع عمر -رضي الله عنه- فكانت صلاته وخطبته إلى أن أقول: انتصف النهار، ثم شهدتها مع عثمان -رضي الله عنه- فكانت صلاته وخطبته إلى أن أقول: زال النهار، فما رأيت أحداً عاب ذلك ولا أنكره" رواه الدارقطني، واحتج به أحمد" يعني على جواز الصلاة -صلاة الجمعة- قبل الزوال، لكن الحديث ضعيف.
يقول الإمام البخاري في عبد الله بن سيدان: "لا يتابع في حديثه" لا يتابع بل هو ضعيف.
يقول النووي -رحمه الله تعالى-: "اتفقوا على ضعف ابن سيدان، وحديثه لا يحتج به في مقابل ما جاء في الصحيحين وغيرهما".(45/11)
"وعن سهل بن سعد -رضي الله عنه- قال: "ما كنا نقيل ولا نتغدى إلا بعد الجمعة" القيلولة هي النوم في منتصف النهار، وهي من أنفع الأوقات للنوم بعد نوم الليل، بخلاف النوم في أطراف النهار في أوله وفي آخره فهو نوم لا يفيد البدن، بل يزيد في تعبه، أما القيلولة فهي ثابتة شرعية عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وإن كان الأمر في ذلك سعة الإنسان الأصل فيه أن ينام بالليل، ويسعى في النهار، هذه السنة الإلهية، الليل سكن والنهار معاش، لكن كثير من الناس بعد أن فتحت الدنيا على المسلمين صاروا بالعكس، ووجد ما يعينهم على السهر ويسهله عليهم من وسائل الحضارة الكهرباء ووسائل الترفيه، قبل الكهرباء كيف يسهرون الناس في الظلام؟ يستغلون هذا الظلام بالنوم، كما هو السنة الإلهية، والنهار معاش، والظروف مناسبة لتطبيق هذه السنن الإلهية، لكن الآن الليل عند كثير من الناس أمتع وأحسن للاجتماعات والأسفار واللقاءات من النهار، تجد كثير من الأعمال إنما تقضى بالليل، والأسفار أكثرها إنما يكون بالليل، وهذا قلب للسنة الإلهية، ومضر أيضاً بالبدن، فإذا نام قسطاً كافياً من الليل، وعمل من أول النهار في أمور دينه ودنياه احتاج إلى أن يرتاح في منتصف النهار، وهو ما يسمى بالقيلولة "ما كنا نقيل ولا نتغدى" يعني نتناول الطعام الذي يؤكل في وسط النهار، وكانت طريقة العرب الأكل في أول النهار في الغداة، والعشاء بالعشي، فما كنا نتغدى، ثم صار وقت الغداء منتصف النهار "إلا بعد الجمعة".(45/12)
"وفي رواية: "في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" متفق عليه، واللفظ لمسلم" هذا من أقوى الأدلة التي يستدل بها الحنابلة على أن صلاة الجمعة تفعل قبل الزوال، لكن إذا عرفنا طريقة أهل ذلك الزمان لا سيما في المدينة الذين نزل عليهم القرآن نجد قيلولتهم بعد الظهر {وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ} [(58) سورة النور] فنومهم بعد الظهر، وإن كان الأصل أن القيلولة في وقت القائلة، وهي شدة الحر في آخر الضحى، لكن جرت عادتهم أن قيلولتهم إنما تكون بعد الظهيرة {وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ} [(58) سورة النور] فلا يكون فيه مخالفة لما سبق، ولا يعارض قول الجمهور، وإلا فالحديث متفق عليه، يعني إذا قلنا: إن حديث عبد الله بن سيدان فيه كلام، فهذا الحديث متفق عليه، لكن توجيهه ما سمعتم.
"متفق عليه، واللفظ لمسلم".
"وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يخطب وهو قائم" نعم هذا هو المعروف من عادته -عليه الصلاة والسلام- أنه كان يخطب قائماً، وكان أبو بكر كذلك يخطب قائماً وعمر وعثمان وعلي، وأول من خطب جالساً معاوية -رضي الله عنه وأرضاه-؛ لأنه ثقل في آخر عمره ركبه اللحم والشحم، وضعف فصار يخطب جالساً، فجلوسه للحاجة، وأهل العلم يختلفون في حكم القيام في الخطبة، فمنهم من يرى أنه سنة؛ لأن الخطبة يمكن أن تتأدى من قعود، ومنهم من يرى الوجوب، وهذا هو الصحيح؛ لأن الأصل فعل النبي -عليه الصلاة والسلام-، وما فعل خلافه ولا مرة؛ ليدل على الجواز، إنما خطب جميع خطبه -عليه الصلاة والسلام- قائماً، وكذلك خلفاؤه من بعده.
"كان يخطب وهو قائم يوم الجمعة فجاءت عير" العير هي الإبل المحملة بالبضائع "فجاءت عير من الشام" في وقت هم بأمس الحاجة إليها، هم محتاجون لما تحمله هذه الإبل، وهذه العير من البضائع التي تستورد من الشام.(45/13)
"فجاءت عير من الشام فانفتل" يعني انصرف، يعني خرجوا من المسجد إلى هذه العير، الجيل المثالي جيل الصحابة مما يدل على أن البشر مهما بلغوا من الاتباع والتدين أنهم لن يخرجوا عن إطار ما جبلوا عليه من طبائع البشر، نعم الدين يهذبهم ويربيهم ويأطرهم على الحق والخير والفضل لكنه لا يخرجهم عن طبيعتهم البشرية ((إنما أنا بشر)) يقوله النبي -عليه الصلاة والسلام- وكسائر البشر يمرض -عليه الصلاة والسلام- ويأكل ويشرب ويصيبه ما يصيب البشر إلا أنه معصوم -عليه الصلاة والسلام- ((إنما أنا بشر أقضي على نحو ما أسمع)) فالصحابة أيضاً بشر، وقد يقول قائل: الصحابة الذين نزل عليهم القرآن بحضرة النبي -عليه الصلاة والسلام- ونظروا إليه وإلى أفعاله وهديه كيف يخرجون والنبي -عليه الصلاة والسلام- يخطب؟! أنت لو أنت بحضرة شخص من الصالحين ما خرجت وهو يتكلم أو شيخ تهابه وتجله ما خرجت وهو يتكلم، فكيف بالصحابة ويخرجون من النبي -عليه الصلاة والسلام-؟!(45/14)
"فجاءت عير من الشام فانفتل الناس إليها -انصرفوا إليها- حتى لم يبقَ إلا اثنا عشر رجلاً، فأنزلت هذه الآية التي في الجمعة: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} [(11) سورة الجمعة] " قائماً: هذا وصفه وهو يخطب -عليه الصلاة والسلام- يخطب من قيام {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا} [(11) سورة الجمعة] انصرفوا إليها {وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} [(11) سورة الجمعة] تخطب هذا عتاب من الله -جل وعلا- للصحابة -رضوان الله عليهم-؛ لأن الإنسان إذا حضر للخطبة لا يجوز له أن يقول لجاره: أنصت، اسكت، لا يجوز له أن يمس الحصى، لا يجوز له أن يعبث ولا يلغو، فكيف به ويخرج من المسجد ويترك الخطيب؟! وهل في هذا عذر أن يكون محتاجاً إلى هذه البضاعة؟ هل هو عذر في أن يترك الإمام وهو يخطب؟ قد يقول قائل: هذا عذر، لو كان عذراً ما عوتبوا، وهل ارتكبوا محرماً أو خلاف الأولى؟ الذي صلى خلف معاذ وترك نواضحه وخشي على الماء الذي تستنبطه هذه النواضح خشي فانصرف وترك الصلاة مع معاذ لإطالته وصلى بمفرده وانصرف، وما عاتبه النبي -عليه الصلاة والسلام-، هذا ترك الصلاة وانصرف، صلى صلاة خفيفة وانصرف، وهؤلاء قد يكونون بحاجة إلى هذه البضائع، تركوا النبي -عليه الصلاة والسلام- قائماً يخطب وانصرفوا، فعاتبهم الله -جل وعلا-: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً} [(11) سورة الجمعة] ذمهم {تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} [(11) سورة الجمعة] {تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا} [(11) سورة الجمعة] التجارة واضحة هذه العير محملة بالبضائع، اللهو ما الذي حصل بالفعل؟ يعني سبب نزول الآية أنه جاءت عير من الشام فانفتل الناس إليها، فنزل: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا} [(11) سورة الجمعة] هم رأوا تجارة، أو رأوا ما يدل على حصول شيء، الآن رؤيتهم للتجارة وهم في المسجد هل هي رؤية بصرية أو علمية؟ يعني بلغهم، أو سمعوا ما يدل على حضور شيء؟ هم في المسجد، والمسجد محاط بالجدران، والله -جل وعلا- يقول: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا} [(11) سورة الجمعة] ما اللهو الذي(45/15)
رأوه؟ وما معنى (أو) هنا؟ (أو) للتقسيم يعني بعضهم خرج للتجارة وبعضهم خرج للهو؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
بمعنى (بل) يعني رأوا تجارة بل لهو، والتجارة لهو؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه هي رؤية علمية لا بصرية؛ لأنهم في المسجد، قد تكون (أو) للتقسيم يكون بعضهم خرج للتجارة وبعضهم خرج للهو، وقد تكون بمعنى (بل) كما أشار الأخ، وأنهم وإن كانت .. ، وإن كان السبب والمخرج لهم التجارة على حد زعمهم إلا أنهم تركوا التجارة الحقيقية في المتاجرة مع رب العالمين، وخرجوا إلى اللهو، أمور الدنيا كلها لهو، التجارة الحقيقية: {هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [(10) سورة الصف] {يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ} [(29) سورة فاطر] هذه التجارة الحقيقية، والدنيا كلها لهو {أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ} [(20) سورة الحديد] وهذا تزهيد في الدنيا، تزهيد بعروض الدنيا، ومتع الدنيا {انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} [(11) سورة الجمعة] فالحديث دليل على أن خطبة الجمعة إنما تؤدى من قيام.
ومن شرط الجمعة تقدم خطبتين يجلس بينهما الخطيب، شرط لصحة الجمعة أن يتقدمها خطبتان.
"متفق عليه، وزاد مسلم: "حتى لم يبقَ معه إلا اثنا عشر رجلاً، فيهم أبو بكر وعمر" وفي رواية له أيضا ً -من حديث جابر-: أنا فيهم" يعني من الاثنا عشر أبو بكر وعمر وجابر، ولم يسم من خرج ستراً عليهم؛ لأن مثل هذه الأمور لا تحصل فيها التسمية، كثير من القضايا التي حصل فيها شيء من الخلل بالنسبة لبعض الأشخاص فإنه لا يسمى ستراً عليه.
فالحديث دليل على أن الخطبة إنما تؤدى من قيام، وأوجبها أوجب القيام جمع من أهل العلم، واستحبه آخرون، بل منهم من زاد على ذلك فقال: القيام شرط، وأن الخطبة لا تصح من قعود، والذي يظهر أن أوسط الأقوال أنها واجبة، ويأثم بالجلوس، لكن الخطبة صحيحة.(45/16)
وعن بقية وهو بن الوليد وهو معروف بالتدليس قال: "حدثني يونس بن يزيد الأيلي عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن ابن عمر -رضي الله عنهم- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" وبقية صرح بالتحديث قال: "حدثني يونس بن يزيد عن سالم بن عبد الله بن عمر عن ابن عمر -رضي الله عنهم- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من أدرك ركعة من صلاة الجمعة وغيرها فليضف إليها أخرى)) " وفي الصحيح: ((من أدرك ركعة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، ومن أدرك ركعة في صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر)) وهنا: ((من أدرك ركعة من صلاة الجمعة وغيرها)) يعني من الصلوات: ((فليضف إليها أخرى)) يعني إذا كانت الصلاة ثنائية كالجمعة والفجر ((وليضف إليها ثلاثاً)) كما في البيهقي إذا كانت صلاة العصر، وأدرك من وقت المغرب ركعة يضف إلى هذه الركعة، أو يضيف إلى هذه الركعة ركعتين وهكذا.
المقصود أن من أدرك ركعة سواءً كانت من صلاة الصبح أو صلاة العصر كما جاء في الصحيح، أو الجمعة كما هنا على خلاف في ثبوت الخبر أو غيرها من الصلوات كما أشار إليه خبر الباب.
((من أدرك ركعة من صلاة الجمعة وغيرها)) وكلٌ على مذهبه بما تدرك به الركعة، فالجمهور أن الركعة تدرك بإدراك الركوع مع الإمام، ومنهم -وهو قول أبي هريرة والبخاري ويرجحه الشوكاني- أن الركعة لا تدرك إلا بقراءة الفاتحة مع الإمام، المسبوق الذي لا يقرأ الفاتحة لا يكون قد أدرك الركعة عند هؤلاء، لكن عامة أهل العلم على أن الفاتحة والقيام يسقط، يكبر تكبيرة الإحرام من قيام ثم يركع يتابع الإمام، وبذلك يكون قد أدرك الركعة إذا لم يرفع الإمام قبل اعتداله بالركوع.
((من أدرك ركعة من صلاة الجمعة وغيرها فليضف إليها أخرى)) لأنه في الحديث الصحيح: ((من أدرك من صلاة الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح)) قد يفهم من يفهم أنه إذا أدرك الصبح بركعة أنها تكفي، أدرك الصبح، لكن جاء في الخبر ما يبين أنه لا بد من إتمام الصلاة، يضيف إليها ما بقي، سواءً كانت ركعة أو أكثر.
((وقد تمت صلاته)) وفي رواية: ((فقد أدرك الصلاة)).(45/17)
إدراك الجماعة على ما تقدم يكون عند الجمهور بإدراك جزء منها، وينص الفقهاء على أن من كبر تكبيرة الإحرام قبل سلام إمامه التسليمة الأولى أدرك الجماعة ولو لم يجلس، يعني إذا أدرك أي جزء من الصلاة قبل سلام الإمام أدرك الجماعة، والذي يرجحه شيخ الإسلام وجمع من أهل العلم أن الجماعة لا تدرك إلا بإدراك ركعة، وأن ما دون الركعة لا يسمى صلاة، فلا يحصل به إدراك كالجمعة، أما بالنسبة للجمعة فهي محل اتفاق أن الذي لا يدرك ركعة كاملة لا يدرك الركوع الثاني مع الإمام في صلاة الجمعة فإنه يصليها ظهراً، تكون فاتته الجمعة إذا لم يدرك ركعة، ورفع الإمام من الركعة الثانية فعليه أن يصليها ظهراً.
طيب دخل والإمام يرفع من الركعة الثانية، أو دخل وهو راكع فلم يدرك الركعة الثانية، ولا يعرف هل هي الركعة الأولى أو الثانية؟ فهل ينوي ظهر وإلا ينوي جمعة وقت الدخول؟ ثم إذا تبين له أنها الثانية فلا بد أن يصليها أربعاً، وقد نواها احتمال ينويها جمعة؛ لأنه ما يدري، واحتمال أن ينويها ظهراً على أنها الثانية، ثم يتبين أنها الأولى، فهل تصح منه جمعة وقد نواها ظهراً؟ وهل تصح منه ظهراً وقد نواها جمعة؟ ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)) فلا بد أن يتبين قبل أن يدخل، وإذا دخل متردداً فقال: إن كانت الأولى فهي جمعة، وإن كانت الثانية فهي ظهر، تصح بهذه النية أو لا تصح؟
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟
طالب: الله أعلم.
نبي علم الطلاب ...
هاه؟
يعني في حديث عمر: ((وإنما لكل امرئ ما نوى)) لا. . . . . . . . . مع التردد لا بد من الجزم بالنية، طيب إذا قال ليلة الثلاثين من شعبان: والله ما أنا منتظر حتى يعلن عن الشهر بأنام، فإن كان غداً من رمضان فهو فرضي، ثم أصبح وصام، ثم بعد ذلك عرف أنه من رمضان عند الجمهور لا يصح الصيام، وشيخ الإسلام يقول: ليس بإمكانه إلا هذا، فعلى هذا يصح صيامه، والمسألة لا بد فيها من التحري، هذه نية، والنية شرط لصحة العبادة، فلا بد أن يدخل العبادة بيقين وجزم لا يتردد.(45/18)
"رواه النسائي وابن ماجه والدارقطني وهذا لفظه، وإسناده جيد، لكن تكلم فيه أبو حاتم وقال: هذا خطأ في المتن والإسناد" أما أن يقول: إن الحديث لا يعرف من حديث ابن عمر، وإنما هو من حديث أبي هريرة، وأنه لا يعرف لفظ الجمعة، وإنما لفظ الصلاة، وعلى كل حال ما يخشى من تدليس بقية فقد زال بتصريحه بالتحديث، وبقية معروف بتدليس التسوية.
"وعن بقية قال: حدثني يونس بن يزيد الأيلي عن الزهري عن سالم بن عبد الله" والمدلس تدليس تسوية لا بد أن يصرح بالتحديث في جميع طبقات السند؛ لأنه قد لا يحذف شيخه بل قد يحذف شيخ الشيخ، وعلى كل حال هذا الخبر مختلف فيه إلا أن حكمه متفق عليه، وأن من أدرك من الجمعة ركعة فقد أدرك الجمعة، فعليه أن يضيف إليها أخرى، ومن أدرك أقل من ركعة فإنه يصليها ظهراً.
"خطأ في المتن والإسناد، وقال ابن أبي داود: لم يروه عن يونس إلا بقية، وقد رواه النسائي أيضاً من حديث سليمان بن بلال عن يونس عن ابن شهاب عن سالم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال يعني مرسلاً: ((من أدرك ركعة من صلاة من الصلوات فقد أدركها إلا أنه يقضي ما فاته)) وهو مرسل" يعني من حديث سالم ولم يذكر فيه ابن عمر.
"وعن جابر بن سمرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يخطب قائماً" وهذا مما يؤيد ما سبق من أن الخطبة لا بد أن تكون من قيام، كما كان عليه -عليه الصلاة والسلام- وخلفاؤه من بعده.(45/19)
"كان يخطب قائماً ثم يجلس ثم يقوم" يجلس بين الخطبتين ثم يقوم للثانية فيخطب قائماً "فمن نبأك" أي أخبرك "أنه كان يخطب جالساً فقد كذب" يعني خالف الواقع، سواءً كان قاصداً للكذب أو غير قاصد "فقد والله صليت معه أكثر من ألفي صلاة" الآن الصلاة التي يستدل بها بحضوره إياها جميع الصلوات وإلا صلاة الجمعة التي فيها الخطبة؟ أو الصلوات التي فيها الخطبة سواءً كانت صلاة جمعة أو عيد أو استسقاء؟ لأنه يتكلم عن الخطبة من قيام فتشمل جميع الخطب صلى معه أكثر من ألفي صلاة، إذا قلنا: جمعة فالسنة فيها خمسين جمعة، والألف بعشرين سنة، والألفين بأربعين سنة، إذا قلنا: هذا خاص بالجمعة، يحتاج إلى أربعين سنة ليصلي مع النبي -عليه الصلاة والسلام- ألفي صلاة، وإذا أدرجنا فيها الأعياد الاستسقاء، وإن كان قليل يعني ما هو مثل الأعياد السنة مرتين، يعني في عشر سنوات يصلي عشرين نعم، الجمع اللي هي خمسين، إذا قلنا: في السنة مرتين عشرين عيد في عشر سنوات، وفي عشرين أربعين عيد، لن يصل إلى ألفين حتى ندخل الصلوات الخمس إلا إذا قلنا: إن العدد غير مراد، والمراد بذلك التكثير، وأنه ما تخلف عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وإلا إذا قلنا: الجمعة فألفي جمعة تحتاج إلى أربعين سنة، فإذا أدخلنا معها الأعياد يعني قل العدد قليلاً، فلعل المراد الصلوات الخمس أو جميع الخطب في حياته -عليه الصلاة والسلام-، يخطب في الصلوات وغير الصلوات، في كل مناسبة يخطب -عليه الصلاة والسلام-، لكنه يقول: صلاة، والعدد الذي ذُكر لعله إلى المبالغة أقرب منه إلى الحقيقة.
"رواه مسلم" والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.(45/20)
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: المحرر – كتاب الصلاة (46)
الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هذا يقول: أريد أن أبدأ في حفظ أحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما تيسر منها تدريجياً، فمن أي الكتب أبدأ؟ وما نصيحتكم؟ وتوجيهكم لذلك؟
أولاً: العادة والجادة عند أهل العلم أن يبدأ بالأربعين النووية، ثم بعد ذلك العمدة في أحاديث الأحكام، ثم البلوغ أو المحرر، ثم إذا كانت الحافظة تسعف، والهمة سمت وعلت لحفظ كتب السنة المسندة الأصلية فليبدأ بالبخاري.
يقول: ظروف العديد من أقاربي صعبة للغاية، وقد عاهدت الله إن رزقني من فضله أن أتعاهدهم، وأدخل السرور عليهم، فأدعُ الله أن يوسع ويبسط لي الرزق؟
هذا يطلب الدعاء أن يوسع عليه، نسأل الله -جل وعلا- أن لا يحرمه ما أراد، لا سيما وأن نيته طيبة، لكن ليحذر كل الحذر من إخلاف مثل هذا العهد؛ لئلا يدخل في قوله -جل وعلا-: {وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ} [(75) سورة التوبة] ثم بعد ذلك إذا رزق المال ونفّذ هذا العهد وفى بما عليه وأجر، لكن إن بخل هذه المشكلة {فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ} [(76) سورة التوبة] نسأل الله العافية {فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ} [(77) سورة التوبة] المسألة ليست بالسهلة، العهد ليس بالسهل، لا سيما مع الله -جل وعلا-.
هذا يقول: هل تنصحون بالسماع لبعض الدعاة والوعاظ لترقيق القلوب وتهذيبها؟ يقول: منهم المتكلم فيهم في أمور المنهج وطريقة الدعوة؟(46/1)
على كل حال الحكمة ضالة المؤمن، فإن وجدها عند أهل التحقيق فلا يعدل بهم إلى غيرهم، وإن وجد عند غيرهم ما ينفعه ويفيده فيأخذ منهم بقدر الحاجة، ومثال ذلك في المتقدمين: أعمال القلوب، وما يتعلق بها وعلاج أمراضها موجودة بكثرة عند ابن القيم وابن رجب، هذه تؤخذ منهم بدون تردد، وموجودة أيضاً في إحياء علوم الدين للغزالي، وفيه ما فيه هذا الكتاب، وفي مؤلفه ما فيه مما ذكره أهل العلم من مخالفات، والكتاب يشتمل على أحاديث موضوعة، ويشتمل على عقائد مخالفة، المقصود أنه يؤخذ منه بقدر الحاجة، وقل مثل هذا في من يوجد الآن؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال عن أخس مخلوق وشر مخلوق وهو الشيطان: ((صدقك وهو كذوب)) فلم يمتنع أبو هريرة من أخذ الفائدة منه، وأقره النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن مع ذلك لا يطغى هذا الجانب بحيث يغفل أهل العلم وأهل التحقيق وأهل الفضل، ويعاقب الإنسان لأن مثل هذه الأمور إذا جنح عن الكفء والأهل إلى غيره فإنه حينئذٍ يعاقب بأمور قد تطغى على قلبه وهو لا يشعر، لكن على كل حال إذا أخذها بقدر الحاجة مع الحذر الشديد من التأثر بما عندهم من مخالفات لا أرى مانعاً من ذلك.
يقول: كثرت المطالب بإنشاء أندية نسائية في بلاد الحرمين، فما الحكم في ذلك؟
هذه خطوات الشيطان، يبدأهم بالمطالبة من أجل المحافظة على الصحة، وسمعنا من يقول بأن الرياضة للنساء ضرورية أو ضرورة؛ لأن كثير منهن ابتلين بالسمنة، والسمنة مظنة الأمراض، والمحافظة على البدن واجبة، وما لا يتم الواجب إلا به ... ، هذه ضرورة، يقولون: من الضرورات الخمس المحافظة على النفس، نسأل الله العافية، نعوذ بالله من الخذلان، هذه خطوات الشيطان.(46/2)
ويقول في أول الأمر: إنه تنشأ أندية رياضية نسائية بالضوابط الشرعية، يعني مثل ما مر على البلدان الأخرى، ما في بلد من البلدان ظهرت النساء تلعب الكرة بالملابس مثل ما يفعله الذكور أبداً، أول الأمر ضوابط شرعية، وقد يلعبون الكرة بالعباءات في أول الأمر، ثم تضايقهم العباءة فيتخلون عنها، ويجدون من يفتيهم، ثم بعد ذلك الثياب العادية ما يمكن مزاولة الرياضة بها، وهكذا إلى أن نجد أنفسنا لا فرق بيننا وبين غيرنا، ثم بعد ذلك نقضي على جميع مميزاتنا تدريجياً، والله المستعان.
يقول: تفشت في الأسواق المنكرات بشكل كبير ما دور طلاب العلم تجاه هذه المنكرات؟
كل مطالب بالإنكار، كل على حسب قدرته واستطاعته، والذي لا يستطيع أن ينكر يبلغ من يستطيع، وتبرأ ذمته بذلك، والتعاون هو المطلوب، التعاون على البر والتقوى المأمور به، المطلوب التعاون على البر والتقوى، فإذا علم الله -جل وعلا- صدق النية من هؤلاء المنكرين أعانهم ووفقهم ورفع عنهم ما يترتب على هذه الذنوب من عقوبات.
يقول: ما رأيكم في المناداة بجعل إجازة الأسبوع الجمعة والسبت بدلاً من الخميس والجمعة؟
وهذه أيضاً من تسويل الشيطان للإنسان؛ لأنهم إذا تجاوزوا ووافقوا اليهود في إجازتهم فموافقة النصارى عند عامة الناس أخف، فيسهل الأمر بأن تنقل الجمعة إلى الأحد، وكون هذا يوفر شيء من الوقت للتتسع أوقات المعاملات كما يقولون؛ لأننا نخالف الناس في الخميس والجمعة، وهم يخالفوننا في السبت والأحد، فما يبقى إلا ثلاثة أيام من الأسبوع، وليكن ذلك وما يضيرنا؟! أمور الدنيا ليست هي الأصل إنما هي تبع، السعي وراء الدنيا إنما هو لتحقيق الهدف وهو العبودية، فنأخذ منها ما يكفينا {وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [(77) سورة القصص] أما أن تكون هي الغاية وهي الأصل فلا.
يقول: هل هناك حديث صحيح أن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى بأصحابه بالمعوذتين؟ ولماذا؟
هو صلى بهم في السفر بالمعوذتين في السفر.
يقول: ولماذا لم يكتب ابن مسعود في .... ؟(46/3)
لأنه يحفظها ما تحتاج إلى كتاب؛ لأنه يحفظهما، قد يقال: إنه يحفظ غيرهما من السور، لكن حفظ المعوذتين لدى عموم الناس حتى العامة يختلف عن حفظ سائر السور.
يقول: من أتى بفرض الحج ثم زاد حج آخر، هل يكون نافلة أم فرض كفاية؟
يكون نافلة بالنسبة له، بالنسبة له ما زاد على حج الفريضة فهو تتطوع بالنسبة له، وأما عمارة المشاعر والحج في كل سنة فهو فرض كفاية لا بد أن يقام به.
يقول: ما رأيكم في طبعة المكنز لكتب السنة؟
الطباعة جيدة ومشكولة، والورق جميل، لكن أنا ما قرأت فيها شيئاً كثيراً يتبين لي من خلاله الجودة أو عدمها.
يقول: ما رأيكم في شخص يجمع بين شرحين في وقت واحد، بحيث أنه يستمع إلى شرح الأربعين النووية للشيخ ابن عثيمين، ثم يعلق هذا الشرح على حواشي شرح الحافظ ابن رجب جامع العلوم والحكم بحيث أنه يستفيد من الشرحين في وقت واحد؟
الطريقة معروفة ومسلوكة، والجمع بين أكثر من شرح نافع جداً، والنظر في هذا وفي هذا، وذكْر زوائد هذا على هذا، وزوائد هذا على هذا ترسخ الفائدة في ذهن طالب العلم، لكن يبقى أنك إن نقلت فوائد الشيخ ابن عثيمين على ابن رجب، الشيخ يسترسل، والفائدة الواحدة يكتب فيها صفحات، فماذا تكتب من هذه الصفحات؟ والعكس كذلك لو قلت: إني أنقل فوائد ابن رجب على ابن عثيمين الأمر كذلك، فما تعمد إلى شرحين مطولين تذكر فوائدهما اللهم إلا إذا كنت تنتقي وتختصر في آن واحد، فالفائدة التي تكلم فيها الشيخ ابن عثيمين في ثلاث صفحات ممكن تكتبها في سطر أو سطرين، تختصر الفكرة، وتحيل إلى شرح الشيخ طيب، أو تقول: إن هذه المسألة بحثت في شرح الشيخ في صفحة كذا، وأما شرح الأربعين فهي كثيرة جداً، يعني لا يمكن أن يحاط بها، شروح وحواشي على الأربعين كثيرة، ومن أنفعها بل أنفعها على الإطلاق شرح ابن رجب، وهناك شروح لمتقدمين شرح للجرداني، وشرح لابن حجر الهيتمي وغيرهما، شروح كثيرة جداً وحواشي، وأيضاً المشايخ لهم شروح منها المطول، ومنها المختصر، وكلها نافعة يستفيد منها طالب العلم.
يقول: ذكرتم أن للجمعة خطبتين يفصل بينهما بجلسة فهل للخطبتين موضوع واحد أو موضوعين؟(46/4)
على كل حال على حسب الحاجة، قد تكون الخطبة في موضوع واحد وهذا أولى؛ لكي يشبع الموضوع، الخطبة بشقيها أو الخطبتان في موضوع واحد، هذا أحرى بأن يشبع الموضوع، ويهضمه السامع، وإذا كانت في موضوعات متعددة تدعو إليها الحاجة، ويعطى كل موضوع نصيبه، بحيث لا يكون اختصاره مخلاً فلا مانع من أن تكون في أكثر من موضوع.
سم.
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين.
قال الإمام ابن عبد الهادي -رحمه الله تعالى- في كتابه المحرر:
وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا خطب احمرت عيناه، وعلا صوته، واشتد غضبه، حتى كأنه منذر جيش يقول: "صبحكم ومساكم" ويقول: ((بعثت أنا والساعة كهاتين)) ويقرن بين إصبعيه السبابة والوسطى، ويقول: ((أما بعد، فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدى محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة)) ثم يقول: ((أنا أولى بكل مؤمن من نفسه، من ترك مالاً فلأهله، ومن ترك ديناً أو ضياعاً فإلي وعلي)) رواه مسلم، وفي لفظ له: "كانت خطبة النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم الجمعة يحمد الله، ويثني عليه، ثم يقول على إثر ذلك وقد علا صوته، وفي لفظ: "يحمد الله، ويثني عليه بما هو أهله، ثم يقول: ((من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وخير الحديث كتاب الله)) ورواه النسائي، وزاد عليه بعد ضلالة: ((وكل ضلالة في النار)).
وعن أبي وائل قال: خطبنا عمار فأوجز وأبلغ، فلما نزل قلنا: يا أبا اليقظان لقد أبلغت وأوجزت، فلو كنت تنفست؟ فقال: إني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه، فأطيلوا الصلاة، واقصروا الخطبة، وإن من البيان لسحراً)) رواه مسلم.
وعن عبد الله بن أبي أوفى قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يكثر الذكر، ويقل اللغو، ويطول الصلاة، ويقصر الخطبة، ولا يأنف أن يمشي مع الأرملة والمسكين فيقضي له الحاجة" رواه النسائي وابن حبان.(46/5)
وعن أم هشام بنت حارثة بن النعمان قالت: "لقد كان تنورنا وتنور رسول الله -صلى الله عليه وسلم- واحداً سنتين أو سنة وبعض سنة، وما أخذت {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} [(1) سورة ق] إلا عن لسان رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، يقرؤها كل يوم جمعة على المنبر إذا خطب الناس" رواه مسلم.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا قلت لصاحبك: أنصت يوم الجمعة والإمام يخطب فقد لغوت)) متفق عليه.
وعنه -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت غفر له ما بينه وبين الجمعة وزيادة ثلاثة أيام، ومن مس الحصا فقد لغا)) رواه مسلم.
وفي لفظ له: ((من اغتسل ثم أتى الجمعة فصلى ما قُدر له، ثم أنصت حتى يفرغ من خطبته ثم يصلي معه، غفر له ما بينه وما بين الجمعة الأخرى وفضل ثلاثة أيام)).
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب فهو كمثل الحمار يحمل أسفاراً، والذي يقول له: أنصت ليس له جمعة)) رواه أحمد من رواية مجالد، وليس بالقوي.
وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: "دخل رجل يوم الجمعة والنبي -صلى الله عليه وسلم- يخطب فقال: ((أصليت؟ )) قال: لا، قال: ((قم فصلِ ركعتين)) متفق عليه.
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة: {الم * تَنزِيلُ} [(1 - 2) سورة السجدة] السجدة، و {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ} [(1) سورة الإنسان] وأن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقرأ في صلاة الجمعة: سورة الجمعة والمنافقين، رواه مسلم.
وله عن النعمان بن بشير -رضي الله عنها- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقرأ في العيدين وفي الجمعة: بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [(1) سورة الأعلى] و {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [(1) سورة الغاشية] قال: وإذا اجتمع العيد والجمعة في يوم واحد يقرأ بهما أيضاً في الصلاتين.
يكفي، بركة.(46/6)
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" الأسلوب يدل على الاستمرار، وهذا الأصل فيه "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا خطب احمرت عيناه، وعلا صوته" كان -عليه الصلاة والسلام- يتحمس لخطبة الجمعة، وتحمر عيناه، ويعلو صوته، "واشتد غضبه، حتى كأنه منذر جيش يقول: "صبحكم ومساكم" هو منذر -عليه الصلاة والسلام-، كما أنه أيضاً مبشر، فهو ينذر عذاب الله وغضب الله، لا سيما إذا وجد السبب الداعي لذلك، فتحمر عيناه، ويعلو صوته، ويشتد غضبه، عادته -عليه الصلاة والسلام- في الإنكار الرفق واللين، وما غضب -عليه الصلاة والسلام- لنفسه أبداً إلا أن تنتهك حرمة من حرمات الله، والنبي -عليه الصلاة والسلام- ينذر ويحذر "كأنه منذر جيش" ومقتضى ذلك أن يرتفع الصوت ويعلو ويشتد الغضب، لا سيما إذا كانت المعصية من الكبائر، أو كانت ممن يظن به أنه لا يخفى عليه حكمها، مثل هذا يحتاج لمثل هذا الإنكار، وأحياناً يُلحظ على بعض الناس أنه يشدد في الإنكار، ويرفع صوته، فيلام على ذلك، ويقال له: إن اللين والرفق ما دخل في شيء إلا زانه، وهو الأصل، وهذه طريقته -عليه الصلاة والسلام- في الإنكار والتعليم؛ لما أنكر الصحابة -رضوان الله عليهم- على الأعرابي الذي بال في المسجد، وشددوا عليه، قال: ((دعوه، لا تزرموه)).(46/7)
المقصود أن المواطن تختلف، ولكل مقام مقال، فرق أن تسمع الموسيقى من جوال عامل أعجمي جاء من بلاد اعتادوا هذه الأمور من غير نكير، وبين أن تسمعها من شخص عربي يفهم الكلام، إذا أنكرت عليه فهم، لكنه جاء من بلدان توجد فيها هذه الأشياء، هذه مرتبة ثانية، فللأول طريقة وللثاني طريقة، وبين شخص عامي من أهل هذه البلاد الذين نشأوا على أن الموسيقى محرمة، وأن الأغاني حرام، وبين طالب علم يعرف الحكم بدليله، ومع ذلك تسمع الموسيقى من جواله، لكل مقام مقال، فالإنكار على الأول يختلف عن الإنكار على الثاني، والإنكار على الثاني يختلف عن الإنكار على الثالث والرابع وهكذا، فكلٌ له ما يناسبه، النبي -عليه الصلاة والسلام- لما شفع أسامة في حد من حدود الله غضب النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((أتشفع في حد من حدود الله؟! )) غضب، وأنكر عليه، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- في هذه المواطن وهو ينذر الناس ويحذرهم من عقاب الله -جل وعلا-، وهكذا ينبغي أن تكون الخطب مؤثرة في الناس؛ لأنها إذا ألقيت كما اعتاده كثير من الخطباء يكتب الخطبة في ورقة، ثم يقرأها على الناس بأسلوب عادي غير مؤثر، هذه لا تجدي هذه الخطبة، ولا تترتب عليها آثارها التي من أجلها شرعت، بعض الناس ينام، بل كثير من الناس ينامون والإمام يخطب؛ لماذا؟ لأنها غير مؤثرة، ولا شك أن الأسلوب له أثره، وطريقة الأداء لها أثرها.
"كان -عليه الصلاة والسلام- إذا خطب احمرت عيناه، وعلا صوته، واشتد غضبه، حتى كأنه منذر جيش يقول: صبحكم ومساكم" يعني: أثر كثير من الخطباء في السامعين ضعيف حتى أن بعض السامعين أو كثير من السامعين إذا خرج تسأله عن الخطبة؟ يقول: ما أدري إيش قال؟ يعني ما في شيء يجذب السامع، ما يدري، فيوافق المنافقين في قولهم: {مَاذَا قَالَ آنِفًا} [(16) سورة محمد] يسمعون ما قال، ثم يسألون الصحابة، يسألون ابن مسعود وغير ابن مسعود {مَاذَا قَالَ آنِفًا} [(16) سورة محمد] فلا تكن سبباً في ذلك، بل اقتدِ بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، ولذلك أثرت طريقته في صحابته -رضوان الله عليهم-، فصاروا يحفظون عنه كل ما يقول، ولم يضع من كلامه شيء -عليه الصلاة والسلام-.(46/8)
"كأنه منذر جيش يقول: صبحكم ومساكم" أي جاءكم العدو في الصباح، أو جاءكم العدو في المساء، ونحن لا نأمن مكر الله أن يأتينا في الصباح، أو يأتينا ضحى، أو يأتينا في الليل "يقول: صبحكم ومساكم" ويقول -عليه الصلاة والسلام-: ((بعثتُ أنا والساعة كهاتين)) يعني ما بعده نبي، ما بعده إلا الساعة -عليه الصلاة والسلام-، فالذي يليه قيام الساعة، لا يليه نبي آخر، هو خاتم الأنبياء -عليه الصلاة والسلام-، ويقول: ((بعثتُ أنا والساعة كهاتين)) ويقرن بين أصبعيه السبابة والوسطى.
ويقول في خطبته بعد أن يحمد الله، ويثني عليه على ما سيأتي، ويشهد لله -جل وعلا- بالوحدانية، ويشهد له بالرسالة -عليه الصلاة والسلام-، يقول: ((أما بعدُ)) (أما) حرف شرط و (بعدُ) قائم مقام الشرط، والجواب: ((فإن خير الحديث كتاب الله)) ما اقترنت به الفاء، و (بعدُ) مبني على الضم؛ لأن قبل وبعد والجهات الست لها حالات ثلاث:
إما أن تضاف فتعرب {قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ} [(137) سورة آل عمران] أو تقطع عن الإضافة مع نية المضاف إليه فتبنى على الضم، كما هنا: {لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ} [(4) سورة الروم] "أما بعدُ" أو تقطع عن الإضافة مع عدم نية المضاف إليه فتعرب منونة.
فساغ لي الشراب وكنت قبلاً ... . . . . . . . . .(46/9)
((أما بعد)) يقول أهل العلم أو بعضهم أنها هي فصل الخطاب الذي أتيه داود، والإتيان بها سنة في الخطب والرسائل، يؤتى بها سنة اقتداء بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، فكان يقولوها في خطبه، ورواها عنه من الصحابة اثنان وثلاثون صحابياً، وهي أيضاً في كتبه إلى الملوك وغيرهم، فهو يلزمها في خطبه ورسائله، فهي سنة، الإتيان بها سنة بهذا اللفظ: ((أما بعدُ)) في العصور المتأخرة جعلوا الواو مقام (أما) فتجدون كثير من الكتابات فيها "وبعدُ" وهي ليست حديثة، يعني: في شرح المواهب للزرقاني قال: إن الواو قائمة مقام (أما) لكن ما الداعي إلى أن نأتي بالواو، ونترك ما أثرناه عن النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ ما الداعي لذلك؟ وهي بالإمكان! وهل يتم الاقتداء بقولنا: "وبعد" عن قولنا: "أما بعد"؟ لا يتم الاقتداء، ولو قالوا: إنها قائمة مقامها، إن قلت: "وبعد" معناه لا تأتي بالفاء التي هي في جواب الشرط، إنما يتم الاقتداء بهذا اللفظ: "أما بعد" وبعض الناس يذكر (ثم) قبلها، يبدأ كلامه بالحمد والثناء والصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- ثم يقول: "ثم أما بعد" ثم هذه لا داعي لها، إن احتاج إليها مرة ثانية بعد (أما بعد) الأولى لا مانع من أن يقول: (ثم أما بعد) لا مانع، أما في الموضع الأول لا يأتي بـ (ثم).
((أما بعد)) يختلف أهل العلم في أول من قالها.
جرى الخلف (أما بعد) من كان بادئاً ... بها عُد أقوالاً وداود أقربُ
ويعقوب وأيوب الصبور وآدم ... وقس وسحبان وكعب ويعربُ
ثمانية أقوال.
((أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله)) لا أفضل من كلام الله؛ لأنك وأنت تقرأه كأنك تخاطب الله -جل وعلا-.
هو الكتاب الذي من قام يقرأه ... كأنما خاطب الرحمن بالكلمِ(46/10)
وفضله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه، يعني تصور أنك تخاطب الله -جل وعلا-، وإذا كنت تتلذذ بخطاب فلان وعلان من الناس الذي يكون فيه المطلوب، ويكون فيه الممنوع، فأنت إذا قرأت كلام الله تؤجر على هذه القراءة بكل حرف عشر حسنات هذا أقل تقدير، وهو الكلام الوحيد الذي لا يشركه أي كلام في كونه متعبداً بتلاوته، لو تقول: أجعل لي ورد، جزء من القرآن، وعشرة أحاديث من البخاري في كل يوم، تقرأ أحاديث البخاري لا على سبيل الاستفادة والتفقه وإنما مجرد تلاوة، كما تفعل مع القرآن، نقول: ما تؤجر، المتعبد بتلاوته فقط هو القرآن، لكن إن قرأت صحيح البخاري من أجل الإفادة والتفقه من هذا الكتاب العظيم لك أجر طالب العلم، والاشتغال بالعلم من أفضل القربات، لكن إذا قلت: مجرد تلاوة، نقول: لا تؤجر على ذلك، لا تؤجر إلا على قراءة القرآن، ولو قرأته لمجرد التلاوة فقراءة القرآن إما أن يقرأ لتحصيل أجر الحروف، أو يقرأ للتعلم والتفقه والعمل به، هذا له شأن وهذا له شأن.(46/11)
((فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-)) خير الحديث .. ، العلماء يقابلون الكتاب بالحديث، فإذا قوبل الكتاب بالحديث فالكتاب هو القرآن والحديث هو كلام النبي -عليه الصلاة والسلام- الذي هو السنة {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا} [(23) سورة الزمر] يعني أفضل ما يتحدث به كلام الله، وقالوا أيضاً: شر الأحاديث الموضوعات لأنها يتحدث بها، فالإطلاق الشامل يشمل كل كلام، ولذا قال: ((فإن خير الحديث كتاب الله)) يعني: بالإطلاق الشامل يشمل، لكن لا عكس؛ لأن بعض العامة ينظر إلى الكتب من كُتب الحديث والفقه والعقائد والتواريخ ينظر إلى مكتبة كاملة يقول: ما أكثر هذه المصاحف، ما أكثر هذه القرآنات، لا، لا، القرآن خاص، كتاب الله خاص بالمصحف، وأما الحديث والأحاديث فهي شاملة لكل ما يتحدث به، ولذا قال: ((فإن خير الحديث)) وهو أيضاً وإن كان كلام الله على مذهب السلف قديم النوع فإنه متجدد حادث الآحاد، فالله -جل وعلا- يتكلم بكلام حادث، مقرون بمشيئته متى شاء، خلافاً لمن يقول: إن كلام الله قديم تكلم فيه بالأزل، ولا يتكلم بعد ذلك، ويجعلون الحديث الذي هو حديث النبي -عليه الصلاة والسلام- في مقابل القديم الذي هو القرآن، فكلام الله لا شك أنه قديم النوع حادث الآحاد، ولذا أضيف للحديث فقال: ((فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-)) خير الهدي هكذا ضبط في أكثر الروايات بفتح الهاء، وسكون الدال، وقد تُكسر، وضُبط أيضاً بضم الهاء وفتح الدال ((الهُدَى هُدَى محمد -صلى الله عليه وسلم-)) الهدي الذي هو الطريق طريقة النبي -عليه الصلاة والسلام- خير طريقة عرفتها البشرية ((وخير الهُدَى)) الهُدَى معناه الدلالة والإرشاد وهداية الناس إلى الحق، والذي يملكه النبي -عليه الصلاة والسلام- منها هي هداية الدلالة والإرشاد والبيان {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [(52) سورة الشورى] وأما هداية التوفيق والقبول فهي بيد الله وحده لا يملكها أحد {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [(56) سورة القصص] ((وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-)).(46/12)
وابن القيم -رحمه الله- جمع من هدي النبي -عليه الصلاة والسلام- في زاد المعاد كماً كبيراً، وفاته أشياء، ولا يمكن أن يحاط في كتاب واحد بجميع ما جاء عنه -عليه الصلاة والسلام-، لكن الكتاب في الجملة نافع.
((وشر الأمور محدثاتها)) شر الأمور المحدثات، ما يحدث في الدين ويزعم أنه من الدين وليس له أصل في شرع الله، لا من كتاب الله ولا من سنة نبيه -عليه الصلاة والسلام-، فكل قول أو فعل مخترع مبتدع يتعبد به لله -جل وعلا-، ولم يسبق له شرعية من الكتاب أو السنة فهذه هي المحدثات، وهي شر الأمور، وقد يكون القصد حسناً، لكن كم مريد للخير لا يصيبه، فلا بد مع حسن القصد الإصابة، وأن يكون موافقاً لما جاء عن الله وعن رسوله -عليه الصلاة والسلام-، هذه المحدثات التي يتعبد بها كثير من الناس في كثير من الأقطار المنتسبة إلى الإسلام لا دليل عليها، فهي من شر الأمور، شر الأمور محدثاتها، وهذه المحدثات منها ما هو مخرج عن الملة -نسأل الله السلامة والعافية-، وإن تُعبد به لله -جل وعلا-، ومنها ما هو عظيم من عظائم الأمور، لكنه لا يصل إلى حد الإخراج من الملة، ومنها ما هو أخف من ذلك، فهي متفاوتة، وتجتمع كلها في كونها شر الأمور هذه المحدثات وهذه البدع، وكل شيء لم يسبق له شرعية من الكتاب والسنة فإنه محدث، بدعة.(46/13)
فالبدعة في الدين أمرها عظيم، وشرها مستطير، تحجب السنن، ما عمل شخص ببدعة إلا حرم من سنة -نسأل الله السلامة والعافية-، البدع والمحدثات أُلفت فيها المصنفات، وحذر منها أهل العلم وشددوا في ذلك، لا سيما في أوائل نشأة هذه البدع، وأطلقوا ألفاظ منفرة من هذه البدع، ومع ذلك استمر الناس أو المبتدعة على بدعهم، وزادت ولا زالت موجودة إلى الآن، يعني: البدع التي في الصدر الأول موجودة إلى الآن، ولكل قوم وارث؛ لأن بعض الناس يقول: لا داعي أن نقرأ كتب الجهمية والمعتزلة والردود على الجهمية والمعتزلة والأشعرية وغيرهم لا داعي؛ لأنها هذه بدع انقرضت، عندنا بدع جديدة لم تنقرض، بل هي موجودة معمول بها إلى الآن، هناك بدع -نسأل الله السلامة والعافية- بدع من غلاة الصوفية بحيث ينسبون التصرف في الكون إلى بعض الأشخاص، وما زالت موجودة إلى الآن، وهي قديمة، فالكتب التي ألفها أهل العلم في الردود على هذه الطوائف المبتدعة على طالب العلم أن يُعنى بها، وكتبهم موجودة إلى الآن، تتداول بينهم، وانتشرت انتشاراً توفرت حتى عند طلاب العلم من أهل السنة، يعني: كان الكتاب يتداوله الناس بالخط، فلا يكتبون إلا ما يحتاجون؛ لأن الخط ليس أمره سهلاً، يعني: كتاب في مجلدات تكتبه كتاب بدعة ما .. ، لكن الآن تشتريه بأبخس الأثمان من أجل الاطلاع عليه وبنية الرد عليه، ثم بعد ذلك يطلع عليه غيرك وأنت لا تشعر، كان الناس يوصون بإتلاف كتب المبتدعة، وإحراق كتب المبتدعة لأنها يمكن إتلافها في البلد نسخة واحدة يمكن، أو نسختين أو موجودة عند بعض الناس، لكن الآن كيف تتلف؟ يصعب إتلافها مع هذه الألوف المؤلفة من النسخ التي إلى وقت قريب كانت ممنوعة من الدخول، وتداولها بين الناس لا سيما في هذه البلاد ممنوعة، الآن ما صار شيء، سهُل الأمر، وصارت تدخل، والعلم والثقافة للجميع، ولعله يوجد من يرد عليها ويبين خطأها، لكن كثير من طلاب العلم لا سيما المبتدئين والمتوسطين لا يسوغ لهم النظر في بعض هذه الكتب لأن فيها شبه قد تعلق في قلوبهم لا يستطيعون دفعها ولو بعد حين؛ لأن بعض الشبه قوية، وبعض المبتدعة عنده طريقة وأسلوب في صياغة الشبهة وتجلية الشبهة، ثم يضعف الرد(46/14)
عليها، نظير ذلك هذه المناظرات التي ابتلي بها الناس في القنوات ووسائل الإعلام، تجد هذا المبتدع فصيح اللسان، واضح العبارة، حاضر الذهن، ومقابله أقل منه، لا شك أنه سوف يغلبه في الحجة، وعامة الناس ما يدريهم أن هذا هو الحق وذاك هو الباطل، فيتأثر عامة الناس وأشباه العوام بهذه المناظرات، وهذه فيها خطر عظيم على عوام المسلمين، ونسمع بعض من يسأل وهو لا يقرأ ولا يكتب عن بعض الشبه؛ لأنه سمع في هذه القنوات وهذه المناظرات، فهذه المناظرات العلنية لا شك أن خطرها عظيم، لكن إذا انبرى المبتدع للمناظرة، وأراد أن ينفث سمومه ولا راد له ولا رادع لا بد أن يرد عليه، فيبحث عن أولى الناس بالرد، لا يؤتى بأي شخص؛ لأنه إذا انقطع الخصم كأن الناس قالوا: غُلب، وانقطعت حجته، وعلى هذا يتبعه مذهبه، فلا بد أن ننتقي لهذه المناظرات من يجتمع فيهم العلم التام المناسب لمناظرة مثل هذا المبتدع، وأيضاً حضور الحجة، حضور الحجة لا بد منه؛ لأن بعض الناس عنده علم، وعنده أدلة، وعنده نصوص، لكنه إذا أرادها غابت، فإذا استلقى على فراشه فطن، وذكر الدليل، وذكر الحجة هذا ما ينفع؛ لأنه إذا انقطع المناظر انقطع مذهبه، ما يقال: والله فلان عجز، يقال: أهل السنة عجزوا.
فعلى كل حال هذه البدع شرها عظيم، وهي شر الأمور على الإطلاق هذه المحدثات.(46/15)
((وكل بدعة ضلالة)) ننظر إلى هذا التعميم من النبي -عليه الصلاة والسلام- ((كل بدعة ضلالة)) جميع البدع التي يتعبد بها الناس لله -جل وعلا- من غير دليل من الكتاب والسنة كلها ضلالة، وبهذا يرد على من قسم البدع إلى بدع حسنة وبدع سيئة قبيحة، وإلى بدع واجبة، وبدع مستحبة، وبدع مباحة، وبدع مكروهة، وبدع محرمة، نعم قُسمت البدع إلى الأحكام الخمسة، وممن ذكر هذا التقسيم العز بن عبد السلام والنووي وابن حجر وجمع من أهل العلم، لكن هذا التقسيم كما قال الشاطبي في الاعتصام: "تقسيم مخترع مبتدع لا يدل عليه دليل من كتاب ولا سنة، وهو مصادم مصادمة ومناقض مناقضة تامة لقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((كل بدعة ضلالة)) فليس في البدع من يوصل إلى الله ويقرب إليه، كلها ضلالة، وإخراج بعض البدع عن هذا العموم بدون دليل، قد يستدل بعضهم بقول عمر -رضي الله تعالى عنه-: "نعمت البدعة" النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى بأصحابه في رمضان جماعة ليلتين أو ثلاث ثم ترك، اجتمعوا، غص المسجد بالصحابة، امتلأ المسجد فلم يخرج إليهم، فلما قيل له: قال: ((إنه لم يخفَ عليّ مكانكم؛ لكن خشيت أن تفرض عليكم)) فلماذا تركها النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ تركها رفعاً لحكمها، نسخاً لها، أو خشية أن تفرض عليهم؟ خشية أن تفرض عليهم، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- قد يترك العمل لا رفعاً لحكمه، وإنما رفقاً بأمته -عليه الصلاة والسلام-، تركها النبي -عليه الصلاة والسلام- بقية عهده وعهد أبي بكر، وصدراً من خلافة عمر، ثم جمع الناس على إمام واحد، على أبي بن كعب، فصار يصلي بالناس جماعة، فخرج عمر -رضي الله تعالى عنه- والناس يصلون، فقال: "نعمت البدعة هذه، والتي ينامون عنها أفضل منها" يعني صلاة آخر الليل، نعمت البدعة فمدحها وسماها بدعة، والرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((كل بدعة ضلالة)) فكيف يقول عمر الخليفة الراشد الذي أمرنا بالاقتداء به: نعمت البدعة، وهذا في الصحيح؟ يقول أهل العلم .. ، شيخ الإسلام يقول: هذه بدعة لغوية، ولم يرد عمر البدعة الشرعية، لكن إذا كانت البدعة اللغوية ما عمل على غير مثال سابق لا نجد هذا التعريف يسعف شيخ الإسلام في قوله لأنها عملت على(46/16)
مثال سابق صليت جماعة، وبعضهم يقول: مجاز، كما قال الشاطبي -رحمه الله- يقول: مجاز ليست بدعة لغوية ولا شرعية، وليست مجاز؛ لأن المجاز منفي عند أهل التحقيق، إذ لا مجاز في لغة العرب عندهم، طيب ماذا تكون؟ الأقرب -والله أعلم- أنها مشاكلة ومجانسة في اللفظ، والمشاكلة لا يلزم أن يكون اللفظ المشاكل حقيقة موجوداً، إنما يكون حقيقة هذا هو الأصل وقد يكون تقديراً، كأن قائلاً قال لعمر: ابتدعت يا عمر، قال: نعمت البدعة، خشي عمر أن يقال له: ابتدعت، فقال: نعمت البدعة.
قالوا: اقترح شيئاً نجد لك طبخه ... قلت: اطبخوا لي جبة وقميصا
الجبة والقميص ما تطبخ لكنها مشاكلة {وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا} [(40) سورة الشورى] معاقبة الجاني ليست سيئة فهي مشاكلة ومجانسة في التعبير وفي الأسلوب.
((وكل بدعة ضلالة)) اللفظ باقي على عمومه، فكل ما يحدث في الدين ضلالة.
ثم يقول: ((أنا أولى بكل مؤمن من نفسه)) {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ} [(6) سورة الأحزاب] وهو أرأف بهم وأرحم بهم من أنفسهم {بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} [(128) سورة التوبة]-عليه الصلاة والسلام-، وهو أرفق الخلق، وأنفع الخلق للخلق؛ لأنه بُعث رحمة للعالمين ((أنا أولى بكل مؤمن من نفسه)) ولذا يجب على المؤمن أن يحب النبي -عليه الصلاة والسلام- أكثر من حبه لنفسه فضلاً عن غيره لهذا.(46/17)
((أنا أولى بكل مؤمن من نفسه، من ترك مالاً فلأهله)) لسنا بحاجة إلى ماله لورثته ((ومن ترك ديناً أو ضياعاً)) شيئاً يخشى عليه من الضياع من الذرية وغيرهم ((فإلي وعليّ)) فأنا أتكفل بهم، أتكفل بوفاء الديون، ويتكفل أيضاً بمن يخشى عليه من الضياع من الذرية، يُنفَق عليهم من بيت المال، وهذا واجب في بيت المال، قضاء الديون، لا سيما إذا عُرف أن هذه الديون ليست بسبب تساهل وتفريط من المدين؛ لأن بعض الناس يسمع مثل هذا الكلام ويقول: أستكثر وأستمتع وأتوسع ويسدد عنه، نقول له: مو بصحيح، أنت جنيت على نفسك فتحمل مسئوليتك، ولا شيء أعظم، بل أمر الدين عظيم، فإذا كانت الشهادة في سبيل الله تكفر كل شيء إلا الدين فعلى الإنسان أن يحتاط لنفسه، ويبرأ من العهدة، وأما من كان دينه بسبب قوته وقوت ولده وحاجاته الضرورية فمثل هذا يقضى من بيت المال ((من ترك ديناً أو ضياعاً)) ذرية ضعفاء هؤلاء على بيت المال ينفق عليهم.
" ((فإلي وعليّ)) رواه مسلم، وفي لفظ له" يعني لمسلم: "كان خطبة النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم الجمعة يحمد الله، ويثني عليه" فمن شرط الخطبة عند جمع من أهل العلم اشتمالها على الحمد والثناء والشهادة والصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام-، وقراءة القرآن، بعضهم يشترط هذه الأمور في الخطبة، لو تخلف شيء منها ما صحت الخطبة، لا تصح الخطبة لو تخلف شيء منها، ومنهم من يقول: إن هذه أمور تكميلية جاءت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- من قوله، ولم يأتِ الأمر بها، لزم النبي -عليه الصلاة والسلام- افتتاح الخطب بالحمد، وقال: ((كل خطبة ليس فيها تشهد فهي كاليد الجذماء)) ولزم قراءة القرآن على ما سيأتي، فالمتجه أن هذه الأمور واجبة؛ لأنه لم يتركها النبي -عليه الصلاة والسلام- في خطبة من خطبه لبيان الجواز، ومنهم من يقول: يجزئ ما يسمى خطبة عرفاً، يكفي ما يسمى خطبة عرفاً، وبعضهم توسع توسعاً غير مرضي فقال: يكفي الذكر، فلو قال: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر يكفي، لكن هذه ليست بخطبة لا لغة ولا شرعاً ولا عرفاً، فلا تجزئ مثل هذه الكلمات وإن كانت هي الباقيات الصالحات، لا تجزئ في هذا المقام، لا تكفي خطبة.(46/18)
وفي لفظ له: "كانت خطبة النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم الجمعة يحمد الله، ويثني عليه، ثم يقول على إثر ذلك" يعني بعد ذلك "وقد علا صوته، واحمرت عيناه، واشتد غضبه" على ما تقدم "وفي لفظ: "يحمد الله، ويثني عليه بما هو أهله، ثم يقول: ((من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وخير الحديث كتاب الله)) ".
((من يهده الله فلا مضل له)) الهادي والمضل هو الله -جل وعلا-، فإذا أراد الله هداية شخص لو اجتمعت الخلائق على إضلاله فلن يستطيعوا، ومن أراد الله ضلاله فلو اجتمعت الأمم على هدايته لم يستطيعوا، والعبرة بأبي طالب الذي نفع النبي -عليه الصلاة والسلام- بماله وجاهه، وانتفعت به الدعوة، ومع ذلك حرص عليه النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يقول: لا إله إلا الله عند احتضاره عند وفاته ((قل: لا إله إلا الله، كلمة أحاج لك بها عند الله)) وعنده قرناء السوء "أترغب عن ملة عبد المطلب؟ " فكان آخر ما قال: هو على ملة عبد المطلب، فأنزل الله -جل وعلا-: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [(56) سورة القصص] هذه عبرة، نعم على الإنسان أن يحرص على هداية والديه وعلى هداية أولاده وزوجه وأقاربه ومعارفه الأقرب فالأقرب، ثم يشمل خيره ودعوته إلى الأقارب والجيران والجماعة، ثم يمتد نفعه إلى الأمة، لكن لا يضمن، عليك بذل السبب، وأما النتيجة والاستجابة بيد الله -جل وعلا-، وإذا نظرنا في سير الأنبياء وجدنا بعضهم لم يستجب له أحد ألبتة، يأتي النبي وليس معه أحد، يأتي النبي ومعه الرجل والرجلان، يأتي النبي ومعه الرهط، وبعض الأنبياء أقرب الناس إليه كنوح زوجته وولده ما استطاع هدايتهم هداية التوفيق والقبول، وإن كان قد بذل السبب إلى آخر لحظة في هدايتهم هداية الدلالة والإرشاد، وبهذا يُعلم أن الإنسان لا يهدي مهما بذل ومهما كان عنده من علم وطريقة وأسلوب، فلا يقول: إنه يهدي.(46/19)
وتجد بعض العامة الذين ليس لديهم شيء من العلم تجد العالم العامل الحريص المتحري المحترق على نفع الناس لا سيما الأقارب تجده يحرص ويبذل الغالي والرخيص لنفع أولاده فلا يستطيع، وشخص من عامة الناس يقول: والله ما علمت أن أولاده يحفظون القرآن حتى دعي إلى الحفل، وكان من بين الحفظة كاملاً اثنان من أولاده هل هذا بذل شيء؟ الهداية بيد الله -جل وعلا-، لكن مع ذلك لا نقول: الهداية بيد الله ولا نبذل السبب، نحن مطالبون ببذل السبب.
" ((من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وخير الحديث كتاب الله)) رواه النسائي، وزاد عليه بعد ضلالة: ((وكل ضلالة في النار)) " والمراد صاحبها، الضلالة معنى والمعاني قد تتجسد لتوزن، فلا يقول قائل: هذه الضلالة إذا جسدت ووزنت ألقيت في النار ليبرر لنفسه ويزعم لنفسه السلامة، هذا ليس بصحيح، مثلما يقول بعضهم: ((ما أسفل من الكعبين ففي النار)) قال: سهل قماش خليه يصير بالنار، المراد صاحبه، والضلالة المراد صاحبها، أما لو كانت الضلالة هذه البدعة جسدت ووضعت في ميزان السيئات، ثم ألقيت في النار الأمر سهل، لكن جسدت ووضعت في الميزان ورجحت الكفة يلقى صاحبها في النار، وإلا ما الفائدة من الوزن من وزن الأعمال؟ وما الفائدة من التكاليف؟ إلا ليتميز الشقي من السعيد.(46/20)
"وعن أبي وائل -شقيق بن سلمة- قال: خطبنا عمار" وهو ابن ياسر "فأوجز وأبلغ" أوجز يعني اختصر، وأبلغ، وفى المقام حقه، كشف ما يريده بأبسط أو بأبلغ عبارة وأوجزها "خطبنا عمار فأوجز وأبلغ، فلما نزل قلنا: يا أبا اليقظان لقد أبلغت وأوجزت" أبلغت فهمنا عنك ما تريد، لكنك أوجزت "فلو كنت تنفست" يعني بسطت "فلو كنت تنفست" يعني بسطت في الكلام وأطلت وزدت في الإيضاح "فقال: إني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه)) " طول صلاة الرجل الذي لا يدخل في ((من أم الناس فليخفف)) يعني لا يخرج عن هذا ويدخل ((أفتان يا معاذ؟ )) بحيث يطيل الصلاة فيدخل في الممنوع، طول مناسب، لا يقتصر على آية أو آيتين، وإنما يقرأ بما قرأ به النبي -عليه الصلاة والسلام- مما سيأتي، ويقصر الخطبة لا يمل الناس، ونسمع بعض الخطباء يخطب نصف ساعة أو أكثر من نصف ساعة، بل بعضهم بلغ الساعة، وتجد مثل هذا في الغالب سببه التكرار وعدم التركيز على المراد، تجد بعض الناس يعتمد على ما عنده من ثقافة، وعُرف بأنه يتكلم في المناسبات فتجده لا يهتم بالخطبة ولا يحضر لها، ولا يعتني بها ولا بموضوعها، وعنده استعداد يخطب ساعة أو ساعتين، لكن مثل هذا في الغالب لا يكون كلامه مركزاً على شيء معين، تجده يطوح يمين وشمال، ويضرب في كل موضوع ولا يوفيه حقه، فيتأخر على الناس، ويمل الناس، ولا يخرج بنتيجة.(46/21)
أما الذي له هم لموضوع معين تجده يدور حول الموضوع، ولذا بعضهم يفضل الكتابة لأنها تحصر الموضوع، ولا تشتت الموضوع، ولا شك أن النبي -عليه الصلاة والسلام- خطبه ارتجالاً، والاقتداء به هو الأصل، لكن على الإنسان أن يهتم في الموضوع الذي يريده بحيث لا يتعداه إلا لما يخدمه، يعني لا يبعد عنه بعيداً؛ لأن وقت الخطبة محدود وقصير، فلو أراد الإنسان أن يقول: كل ما يريد شق على الناس ((إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه)) علامة على فقهه، دلالة على فقهه، تجد بعض الخطباء يصعد المنبر ثم يتكلم في موضوعات شتى، ويشرق ويغرب، ويطيل على الناس، ثم إذا نظر إلى الساعة فإذا به قد أطال فخشية من أن يتذمر الناس من إطالته تكون الضحية الصلاة، فيؤديها في دقيقتين أو ثلاث، هذا ليس هو بالفقيه، إنما الفقيه الذي يعالج موضوع معين محدد أو موضوعات متقاربة يمكن إيضاحها وبيانها للمستمعين في أقصر عبارة وأوجز عبارة وأبلغ أسلوب.
((فأطيلوا الصلاة)) إطلالة لا تشق على المأمومين ((أيكم أم الناس فليخفف)) فلا نأخذ من ((أطيلوا الصلاة)) الإطالة التي تشق على المأمومين، ولا نأخذ من قوله: ((أيكم أم الناس فليخفف)) تأصيلاً وتشريعاً للنقارين في الصلاة، ولذا إذا شرحوا حديث معاذ قالوا: ليس فيه حجة للنقارين الذين ينقرون الصلاة نقر الغراب، الذي جاء النهي عنه.
((فأطيلوا الصلاة)) إطالة نسبية ((واقصروا الخطبة)) قصر نسبي، لا يقول القائل: إن القصر هذا بحيث تتأدى الخطبة بدقيقة أو دقيقتين، لا، إنما هو قصر نسبي، فإذا أديت الخطبة عشر دقائق ربع ساعة هذه خطبة ليست بالطويلة، وتؤدي الغرض، ثم بعد ذلك الصلاة تحتاج إلى مثل هذا الوقت، ولا يعني أن وقت الصلاة يكون أطول من وقت الخطبة، ليس بالضرورة أن يكون وقت الصلاة أطول من الخطبة لنطبق هذا الحديث، إنما الطول والقصر نسبي، وكل شيء بما يناسبه.
((وإن من البيان سحراً)) وفي بعض الروايات: ((لسحراً)).
((إن من البيان لسحراً)) هل هذا أسلوب مدح أو أسلوب ذم؟
طالب:. . . . . . . . .
البيان هل يمدح الإنسان ببيانه أو يذم؟
طالب:. . . . . . . . .(46/22)
نعم، هل يمدح الإنسان بقوة بصره أو يذم؟ هل يمدح الإنسان بقوة سمعه أو يذم؟ العبرة بما تستعمل فيه هذه النعم، البيان نعمة {خَلَقَ الْإِنسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} [(3 - 4) سورة الرحمن] امتن الله -جل وعلا- على الإنسان بالبيان، وهو نعمة من النعم، امتن الله على الإنسان بالنعم كالسمع والبصر وغيرهما، لكن هذه النعم إن استغلت فيما يرضي الله، وأدي حق الله فيها فإنها نعم، وإن استغلت فيما لا يرضي الله فهي نقم، فالبصر إذا استعمل في طاعة الله -جل وعلا- فقرأ بواسطته كلام الله والعلم الوارد عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فهذا نعمة، وإن قرأ فيه أو نظر فيه إلى المحرم كان نقمة، وقل مثل هذا في السمع إذا استمعت إلى الخير إلى القرآن إلى العلم كان هذا نعمة، وإذا استمعت إلى الأغاني والموسيقى والغيبة والنميمة كان هذا نقمة، وقل مثل هذا في البيان فهو نعمة من نعم الله على الإنسان، إذا استعمل في بيان الحق والدفاع عن الحق صار نعمة، وإذا استعمل في بيان الباطل والدفاع عنه صار نقمة، فهو سحر باعتبار أنه ينفذ إلى القلوب ويؤثر في النفوس كتأثير السحر، والأسلوب يحتمل أن يكون مدحاً وأن يكون ذماً على حسب ما يستعمل فيه هذا البيان.
"وعن عبد الله بن أبي أوفى -رضي الله عنه- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يكثر الذكر" هذه صفته -عليه الصلاة والسلام- وصفة أتباعه، وجاء مدح الذكر في نصوص كثيرة جداً {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ} [(35) سورة الأحزاب] ((سبق المفردون)) ((مثل الذي يذكر الله والذي لا يذكره كمثل الحي والميت)) المقصود أن الأحاديث الدالة على الذكر وفائدة الذكر كثيرة جداً، يراجع لها مقدمة الوابل الصيب، ومقدمة الأذكار، وأبواب الذكر من كتب السنة كلها ذكرت ما ورد في الذكر.(46/23)
"وكان -عليه الصلاة والسلام- يكثر الذكر، ويقل اللغو" يقل اللغو يعني الكلام المباح الذي لا فائدة فيه، قليل جداً، قد يمزح -عليه الصلاة والسلام-، لكنه لا يقول إلا حقاًَ، هذا لا مانع منه، الشيء اليسير من ذلك لا مانع، وهو يقل هذا الشيء، بينما لو فتشنا عن كثير من الناس وجدناه أكثر كلامه لغو، لا فائدة منه، وإن لم يكن محرماً، ووجدنا بعض الناس كلامه فيه المباح والحرام، والذكر عنده قليل، وكل شيء له ضريبة، وكل شيء له عقوبة، فمن أكثر اللغو قل الذكر عنده، ومن كثر الذكر عنده قل اللغو عنده {جَزَاء وِفَاقًا} [(26) سورة النبأ].
"ويطول الصلاة" هذه علامة الفقه في حديث عمار الذي تقدم، ويقصر الخطبة فهو شاهد للحديث الذي قبله، وإن كان فيه كلام، الحديث فيه كلام لأهل العلم، لكن أقل أحواله أن يكون حسناً؛ لأنه شاهد للذي قبله.(46/24)
"ولا يأنف" لا يستنكف ولا يستكبر "أن يمشي مع الأرملة" بعض الناس يأنف أن يمشي مع الفقير، وأن يأكل مع الفقير، أو يجالس الفقراء والمساكين والأرامل والأيتام؛ لأنه في الغالب نفوسهم منكسرة، وثيابهم رثة، وهو عند نفسه شيء يأنف ويستنكف أن يجالس هؤلاء، والنبي -عليه الصلاة والسلام- لا يأنف أن يمشي مع الأرملة التي مات عنها زوجها، ومعلوم أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- معصوم، فلا يقال: إن هذه أرملة توفي عنها زوجها، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- يمشي مع الأرامل، أنا أمشي معها مع عدم أمن الفتنة، نعم إذا كان أرملة بقدر أمك أو جدتك وانعدمت الفتنة، وصار لها حاجة إليك مع عدم الخلوة لا مانع، لكن بعض الناس يسمع مثل هذا الكلام، وقد يستدل به على أنه لا مانع من مخالطة النساء لأنهن أرامل، وقد يكون في الأرامل الشواب، يعني من مات عنها زوجها وهي شابة، فتجد بعض الناس يطنطن حول هذه الأمور، ويستمسك بأدنى شيء كمن استدل بآية المباهلة {نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ} [(61) سورة آل عمران] يقول: هذا فيه دليل على الاختلاط، شلون ندعو نساءنا ونساءكم، وكل واحد يعتزل الرجال .. ؟! هذا مرض في القلب، يعني تتبع مثل هذه النصوص مرض في القلب، فمثل هذه الأرملة بالشروط والضوابط المعروفة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- كما هو معلوم معصوم، ولا يمكن أن يخلو بامرأة، ولا مست يده يد امرأة قط، فلا يستدل بمثل هذا على أنه لا مانع من الدخول على المرأة الأرملة والمشي معها، لا، هذا تحكمه نصوص محكمة.(46/25)
"مع الأرملة والمسكين فيقضي له الحاجة" يعني السعي في الحاجات في حاجات المساكين والأرامل والمحتاجين وإعانة الناس هذه من الصدقات على نفسك، ومن زكاة البدن الإعانة بالبدن، ومن زكاة المال الإعانة بالمال، وجاء في حديث: ((يصبح على سلامى كل واحد منكم صدقة)) ثلاثمائة وستين مفصل في الإنسان فهو محتاج إلى أن يتصدق بثلاثمائة وستين صدقة، كل تسبيحة صدقة، كل تحميدة صدقة، يعني أمر عظيم، لكن الشرع خففه علينا، جعل كل تسبيحة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكذلك بقية الأذكار، ومن ذلك إعانة صاحب الحاجة، ترفع له حاجته إلى دابته صدقة، تعين صانعاً، أو تصنع لأخرق هذه صدقة منك على نفسك.
"فيقضي له الحاجة" رواه النسائي وابن حبان" وقلنا: إن الحديث حسن -إن شاء الله تعالى-، وهو شاهد للذي قبله، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
طالب:. . . . . . . . . حديث ... الأسلمية.
إيه وش فيه؟
طالب:. . . . . . . . .
((لعلك ترجين النكاح)) إيه.
طالب: ترجين.
ترجين إيه.
طالب: طيب كيف رآها متجملة؟
هاه؟
طالب: كيف رآها متجملة؟
لمحة ما يلزم أن يكون، أقول: ما يلزم أن يكون جلوس لمحة.
طالب: يعني رأى وجهها مكشوفاً.
لا، من غير قصد ...(46/26)
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: المحرر – كتاب الصلاة (47)
الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"وعن أم هشام بنت حارثة بن النعمان قالت: لقد كان تنورنا" التنور الذي يُخبز فيه، الذي يوضع فيه الخبز لينضج، الذي فيه النار -نسأل الله السلامة- من نار الدنيا والآخرة.(47/1)
"لقد كان تنورنا وتنور رسول الله -صلى الله عليه وسلم- واحداً" مشتركاً، تنور مشترك، كلهم يخبزون فيه، وينضجون فيه الطعام "سنتين أو سنة وبعض سنة" شكت لأنها حدثت بعد مدة طويلة، فشكت في المدة التي كانوا يجتمعون فيها على هذا التنور "سنتين أو سنة وبعض سنة" هذا يدل على قربها من منزله -عليه الصلاة والسلام-، ومن مسجده -صلى الله عليه وسلم-، قالت: "وما أخذت {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} [(1) سورة ق] إلا على عن لسان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقرأها كل يوم جمعة" قدمت بهذه المقدمة فيما يتعلق بالتنور، واشتراكهم فيه؛ لتبين أنها قريبة منه -عليه الصلاة والسلام-، وأن ما تذكره فيما بعد ليس بواسطة، وإنما هو عنه -عليه الصلاة والسلام- مباشرة لقربها من منزله، ومسجده -عليه الصلاة والسلام- "وما أخذت {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} [(1) سورة ق] " سورة ق سورة عظيمة، يقرأها النبي -عليه الصلاة والسلام- يوم الجمعة على المنبر إذا خطب الناس، يعني في أثناء الخطبة، وهل كان يقرأها كاملة، أو يجزئها في كل خطبة؟ آيات مقطع متناسب فيفسره ويشرحه ويبينه للناس، اللفظ محتمل، أنها أخذتها دفعة واحدة أو دفعات، واللفظ محتمل، والسورة عظيمة اشتملت على مهمات من مهمات الدين، فيما يتعلق بأمور الدنيا والآخرة، فيما يتعلق بحياة المسلم الدينية في دنياه وفي مآله إذا مات، وابن القيم -رحمه الله تعالى- جعل السورة مثالاً لتدبر القرآن، وتكلم عليها بكلام قوي، كلام عظيم في أول كتابه الفوائد، فعقد فائدة عظيمة وقاعدة لتدبر القرآن، وضرب لذلك مثلاً بسورة (ق) تكلم عليها بكلام غاية في النفاسة، وختمت السورة بقوله -جل علا-: {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ} [(45) سورة ق] وهذه السورة من أعظم ما يذكر به الناس، ولذا كان -عليه الصلاة والسلام- يقرأها في خطبة الجمعة، وموضوع الخطبة التذكير والتعليم، وقد اشتملت هذه السورة العظيمة على شيء عظيم من ذلك فيما يتعلق بالتعليم والتذكير، فيشرع ويسن لكل خطيب أن يقرأ هذه السورة، وإن لم يلتزمها في كل جمعة، فإن أخذ منها دفعات على فترات في هذه الجمعة آيتين أو ثلاث أو أكثر أو أقل حسب ما يقتضيه المقام،(47/2)
وفسرها بكلام النبي -عليه الصلاة والسلام-، وبكلام أهل العلم الموثوقين، ثم في الجمعة التي تليها يأخذ المقطع الثاني وهكذا أو يقرأها كاملة، ثم يفسر منها ما تيسر، أو ينتقي من آياتها ما يفسره اللفظ يحتمل، المقصود أن هذه السورة لأهميتها وعظمتها كان -عليه الصلاة والسلام- يقرأها على المنبر ليذكر بها الناس.
"رواه مسلم".
"عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا قلت لصاحبك: أنصت يوم الجمعة والإمام يخطب فقد لغوت)) متفق عليه" الاستماع لخطبة الجمعة واجب، والإخلال بهذا الاستماع والإنصات يعرض أجر الإنسان للذهاب والضياع، ويذهب تعبه سدىً، لو افترضنا أن شخصاً تكلف وبكر إلى الجمعة وجلس ينتظر الصلاة يذكر الله -جل وعلا-، ويصلي، ثم إذا جاء الإمام ودخل الإمام وشرع في الخطبة رأى شخصاً يتكلم قال له: أنصت، هذا أمر بالمعروف، ومع ذلك حسماً لهذا الباب، وسداً للتشويش وعدم الاستماع والإنصات مُنع حتى الأمر بالمعروف.
((إذا قلت لصاحبك: أنصت يوم الجمعة والإمام يخطب فقد لغوت)) ومعلوم أن من لغا فلا جمعة له، كما سيأتي في الحديث الذي يليه، ليست له جمعة.
"متفق عليه" وليس معناه أنه ليست له جمعة أن صلاته باطلة، أو أنه يؤمر بإعادتها، إنما هو نفي للثواب المرتب عليها، وإلا فالجمعة صحيحة ومسقطة للطلب.
ثم قال -رحمه الله تعالى-:(47/3)
"وعنه -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من توضأ فأحسن الوضوء)) " يعني توضأ نحو وضوئه -عليه الصلاة والسلام-، ثم أتى الجمعة: ((من توضأ)) مما يدل على أن الوضوء يكفي، ويرتب عليه هذا الثواب العظيم، وهذا من أدلة عامة أهل العلم وجماهيرهم على أن غسل الجمعة ليس بواجب، وتقدم حديث: ((غسل الجمعة واجب على كل محتلم)) وأن المعنى المراد به الوجوب اللغوي، يعني متحتم، متأكد؛ لكنه لا يعني الوجوب الشرعي، قد يقول قائل: إن الشرع جاء لبيان مصطلحاته لا المصطلحات العرفية أو اللغوية، لكن هذا المصطلح الوجوب، هذا مصطلح حادث، وقد لا يعنى به الوجوب الذي يأثم تاركه كما أن الكراهة لا تعني أن صاحبها لا يأثم، ولذلك يقول الله -جل وعلا-: {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيٍّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا} [(38) سورة الإسراء] وفيها عظائم وموبقات منها الزنا والشرك وغيرها، يعني إذا قال قائل: كيف ألقى الله بقولي غسل الجمعة مندوب وسنة ورسوله -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((واجب))؟ نقول له أيضاً: كيف تقول: إن الزنا محرم والشرك محرم والله -جل وعلا- يقول: مكروه؟ هناك فرق بين الاصطلاحات العرفية الخاصة عند أهل العلم الذين اصطلحوا عليها، وتواضعوا عليها مع الألفاظ الشرعية، هناك فروق، والذي يبين ويحدد ويبين المراد هو الأدلة الأخرى، والنصوص الأخرى ((من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل)) وهنا يقول: ((من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة، فاستمع وأنصت للخطيب غُفر له ما بينه وبين الجمعة وزيادة ثلاثة أيام)) ذلكم لأن الحسنة بعشر أمثلها، فيغفر له عشرة أيام، ما بينه وبين الجمعة وزيادة ثلاثة أيام.(47/4)
((ومن مس الحصى فقد لغا)) يعني إذا أمر بمعروف قيل له: لغوت، يعني لا جمعة لك، إذا مس الحصى وفي حكمه العبث بجميع أشكاله حتى السواك أثناء الخطبة مثل مس الحصى ((فقد لغا، ومن لغا فلا جمعة له)) وهذه المغفرة إنما هي عند جمهور أهل العلم للصغائر دون الكبائر؛ لأنه جاء في أحاديث كثيرة التقييد بما اجتنبت الكبائر ((ما لم تغشَ كبيرة)) {إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ} [(31) سورة النساء] ... إلى آخره، فدل على أن الكبائر كما هو قول جمهور أهل العلم أنها لا تغفر إلا بالتوبة، وأما هذه المكفرات إنما تكفر الصغائر، (لجمعة إلى الجمعة، ورمضان، والصلوات الخمس والعمرة إلى العمرة كلها مكفرات ((ما اجتنبت الكبائر)) ((ما لم تغشَ كبيرة)) لكن ما هذه الأعمال التي تكفر هذه الذنوب الصلوات الخمس تكفر، ورمضان إلى رمضان يكفر، والعمرة إلى العمرة تكفر، والجمعة إلى الجمعة تكفر، لكن المراد بهذه الأعمال التي تؤدى على الوجه الشرعي مخلصاً فيها لله -جل وعلا-، موافقاً فيها لما جاء عن نبيه -عليه الصلاة والسلام-، أما الصلاة التي لا يكتب لصاحبها من أجرها إلا عشرها، أو ربعها، أو سدسها هذه يقول شيخ الإسلام: "إن كفرت نفسها فبها ونعمت" هذه الصلاة، وقل مثل هذا في سائر العبادات، فضل الله عظيم ولا يحد، لكن مع ذلك هناك نصوص تدل على أن إتقان العمل هو المؤثر {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ} [(45) سورة العنكبوت] كثير من المسلمين يصلي، لكن لا تنهاه صلاته عن الفحشاء والمنكر لضعفها، لا يخرج ليس له من صلاته إلا ما عقل، فقد يخرج بنصف الأجر، وقد يخرج بربعه، وقد يخرج بالعشر، وقد يخرج بمجرد إسقاط الطلب بحيث لا يمر بها ثانية، وليس له من صلاته إلا ما عقل، وكثير من الناس يدخل في صلاته ويخرج لم يعقل منها شيء، الصلاة التي تترتب عليه آثارها هي الصلاة التي يعقلها صاحبها، ويؤديها مخلصاً فيها لله -جل وعلا- متبعاً فيها لسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام-، وشرط التقوى مطلوب في جميع العبادات للقبول الذي تترتب عليه آثار {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [(27) سورة المائدة] {كُتِبَ عَلَيْكُمُ(47/5)
الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [(183) سورة البقرة] {فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى} [(203) سورة البقرة] فلا يرتفع الإثم عن الحاج سواء تعجل أو تأخر إلا إذا اتقى {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [(27) سورة المائدة] فالتقوى شرط للقبول، بمعنى ترتيب الثواب على العمل، لا المراد به القبول المرادف للصحة، العمل صحيح ولا يطالب بإعادته مرة ثانية، وهو مسقط للطلب ولو لم يكن تقياً، ولذلك الإجماع قائم على أن الفساق لا يطالبون بإعادة العبادات؛ لأن الأجور المرتبة على هذه العبادات لا تتحقق إلا بالتقوى، فيتنبه لمثل هذه النصوص ((غُفر له ما بينه وبين الجمعة وزيادة ثلاثة أيام)) العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، الصلوات الخمس ننتبه لهذه الأمور، ما هذه العبادات التي تكفر هذه الذنوب؟
أولاً: الذنوب المراد بها الصغائر عند الجمهور، وإن كان فضل الله -جل وعلا- أعظم من ذلك، لكن يبقى أن القيد معتبر ((ما لم تغشَ كبيرة)) ما اجتنبت الكبائر {إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ} [(31) سورة النساء] ... إلى آخره، المقصود أن الكبيرة لا بد لها من توبة.
الأمر الثاني: أن هذه الأعمال المكفرة لا بد أن يراعى فيها شروط القبول من الإخلاص والمتابعة والتقوى لترتيب الثواب عليها ((من توضأ فأحسن الوضوء، ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت غُفر له ما بينه وبين الجمعة وزيادة ثلاثة أيام، ومن مس الحصى فقد لغا)) كثير من الناس دائم الحركة حركته تلقائية في صلاته، وفي جميع عباداته وأعماله، مثل هذا على خطر عظيم من مثل هذا الحديث ((من مس الحصى فقد لغا)) يعني كم يعدل ثوبه! وكم يدل شماغه! وكم يعبث بكمه أو بشيء آخر! هذا العبث لا شك أنه يقضي على الأجر المرتب على الجمعة ((فقد لغا ومن لغا فلا جمعة له)) على ما سيأتي.(47/6)
"رواه مسلم، وفي لفظ: ((من اغتسل ثم أتى الجمعة)) " من اغتسل بدل من توضأ، فدل على أن الوضوء مجزئ، والغسل لا شك أنه أفضل للأمر به والحث عليه ((من غسّل واغتسل، وبكر وابتكر، ومشى ولم يركب كان له بكل خطوة أجر سنة صيامها وقيامها)) فضل عظيم من الله -جل وعلا- لا يُحد، لكن من تجد من الناس من يعمل بمثل هذا إلا القليل النادر الموفق، وكثير من الناس إنما يأتي على حدود دخول الإمام إذا طويت الصحف، وحُرم من كل أجر تجده يدخل مع الإمام، أو قبيل الإمام، وأحياناً بعد الإمام، وهذه المسألة تحتاج إلى جهاد عظيم، يعني فيها أجور عظيمة لا يُشك فيها ((من جاء في الساعة الأولى فكأنما قدم بدنة)) كأنك ذهبت إلى السوق، واشتريت بدنة بثلاثة آلاف أو أربعة آلاف وذبحتها ووزعتها على المساكين والفقراء، هذا المبلغ تحتاج في جمعه إلى مدة، وهنا تأتي في الساعة الأولى بعد ارتفاع الشمس، وهذا في تصور كثير من الناس ضرب من الخيال، وإلا هم يسمعون هذه الأحاديث، ويصدقون بها، ويجزمون بها، ومع ذلك في أفعالهم كأنهم مكذبون، ويوجد من الموفقين جملة صالحة يعني عدد لا بأس به، وأنا انتظر ارتفاع الشمس في مسجد في جامع قبل أن أخرج امتلأ الصف الأول ونصف الثاني انتظاراً للجمعة مع ارتفاع الشمس، الصف الأول ونصف الثاني الناس جالسون ينتظرون الجمعة، ويدخل الشيخ الكبير والشاب ومجموعة من الشباب يسكنون في أقصى مكان في البلد، ثم يجلسون لانتظار طلوع الشمس في مسجد الحي، ثم إذا طلعت الشمس ذهبوا وتأهبوا لصلاة الجمعة بمقدار نصف ساعة، ثم ذهبوا على الأقدام مسافة طويلة إلى مسجد يصلى فيه على جنائز مشياً، مسافة طويلة لا تتصور أن المسألة عشرة كيلو أو أكثر، يعني حدود عشرين كيلو، هذا يحتاج إلى وقت طويل، يحتاج إلى ساعتين أو أكثر مشي، ثم بعد ذلك يذهبون إلى مسجد ينتظرون الجمعة، ويصلون على الجنائز، ويجلسون وينتظرون ساعة الاستجابة، فإذا صلوا المغرب رجعوا، يعني الخير موجود في أمة محمد وهؤلاء من الشباب، ويوم الجمعة يوم عبادة، نعم لا يخص بصيام، لكنه فيه هذه الساعة التي هي ساعة الاستجابة على ما سيأتي، المقصود أن الخير موجود في أمة محمد، لكن الحرمان لا نهاية له حتى في(47/7)
صفوف طلاب العلم، موجود.(47/8)
وفي لفظ لهم: ((من اغتسل ثم أتى الجمعة فصلى ما قُدر له)) ما في حد؛ لأنه ما في راتبة قبل صلاة الجمعة ما في راتبة، يصلي ما قدر له، وكان الصحابة -رضوان الله عليهم- يصلون حتى يدخل الإمام ((ثم أنصت)) أستمع ((حتى يفرغ الإمام من خطبته ثم يصلي معه)) بهذه القيود مجتمعة ((غفر له ما بينه وما بين الجمعة الأخرى، وفضل ثلاثة أيام)) كالحديث السابق، يعني يغفر له عشرة أيام، قد يقول قائل: لماذا أهتم بهذا الأمر وأنا مغفور لي من الصلوات الخمس وأعتمر فيغفر لي؟ لماذا أكلف نفسي، وأنا مغفور لي في الصلوات الخمس؟ بالعمرة إلى العمرة؟ وليس فيه حد محدد من العمرة إلى العمرة؟ المقصود أن مثل هذا الكلام لا يليق بمسلم فضلاً عن طالب علم؛ لأن فيه تزكية للنفس أن سيئاتك تكفيها الصلوات الخمس، ما عندك سيئات أخرى تحتاج إلى غفران، وتحتاج إلى تخفيف، وليس في علمك وتقديرك أن هذه العبادات تقربك إلى الله -جل وعلا- وتزيد من درجاتك عنده، وتخفف من سيئاتك التي لا تكفرها هذه الأعمال، فليحرص الإنسان على هذه المكفرات، يقول: أنا أصوم رمضان احتساباً، وأقوم رمضان احتساباً ((من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)) ((من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)) ((من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)) ((يوم عرفة أحتسبُ على الله أن يكفر السنة الماضية والباقية)) قد يقول قائل: ما بقي شيء؛ لماذا نتعب؟ لو بقيت أشياء .. ، وما تدري قد يكون بعض الأعمال التي تحتسب أجرها عند الله -جل وعلا- تجدها غداً في ميزان سيئاتك، والسلف لمعرفتهم بحقيقة الأمر ما يمر عليهم مثل قوله -جل وعلا- {وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [(47) سورة الزمر] ما يمر مرور لا يفقهون معناه، مثل ما يمر علينا، يعني قد يقول الإنسان مثل هذا الكلام: أنا والله المكفرات كثيرة وواحد يكفي، نقول: لا، لعل وعسى، وافعل كل ما أمرت به، واجتنب كل ما نهيت عنه، وافعل كل ما حثك الشرع على فعله وعسى، وليس هذا من باب التيئيس، لكن الإنسان المعول على هذه النية وعلى هذا القلب، وعلى هذا الإخلاص قد يفلت منه الإنسان وهو لا(47/9)
يشعر، يفلت منه القلب، وتجتمع عليه الذنوب، ويجتمع عليه الران إلى أن يصبح منكوساً -نسأل الله السلامة والعافية-، وهو لا يشعر، وهو في تقديره أنه من خيار الناس، هناك أمور خفية تخفى على الإنسان، لكن عليه أن يجتهد، وعليه أن يبذل مخلصاً لله -جل وعلا- متبعاً في ذلك السنة.
"وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب فهو كمثل الحمار يحمل أسفاراً، والذي يقول له: أنصت ليس له جمعة)) رواه أحمد من رواية مجالد وليس بالقوي" مجالد بن سعيد مضعف عند أهل العلم، ولا شك أن الذي يتكلم يوم الجمعة والإمام يخطب، والذي يقول لصاحبه: أنصت ليست له جمعة، هذا له شواهد، وأما قوله: ((فهو كمثل الحمار يحمل أسفاراً)) هذا من حيث المعنى له وجه باعتبار أن هذا الذي يحضر إلى الجمعة، ويتكلف الحضور إليها، ويقوم من نومه إن كان نائماً، أو يترك أعماله إن كان عاملاً، ثم يأتي إلى الجمعة ثم بعد ذلك يتكلم، مثله في عدم إفادته من عمله ومشقته التي ارتكبها مثل الحمار يحمل أسفاراً، كتب كبار ومع ذلك لا يستفيد منها، وهذا يعمل الأعمال العظيمة ومع ذلك لا يستفيد منها، وإن كان بعضهم يحكم على هذه اللفظة بأنها غير محفوظة، وأن راويها ليس بالقوي، المقصود أن الكلام والإمام يخطب حتى الأمر بالمعروف بقول الإنسان لصاحبه: أنصت هذا له ما يشهد له في الصحيح، وأما الجملة التي مُثّل فيها بالحمار فمعناها صحيح، وإن كان فيها مقال لأهل العلم.
قال -رحمه الله-:(47/10)
"وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: "دخل رجل يوم الجمعة والنبي -صلى الله عليه وسلم- يخطب" دخل رجل المسجد والنبي -عليه الصلاة والسلام- يخطب، قالوا: هو سُليك الغطفاني، كما جاء مصرحاً به في الصحيح، والحال أن النبي -صلى الله عليه وسلم- يخطب "فقال -عليه الصلاة والسلام-: ((أصليت؟ )) " في بعض الروايات: ((ركعتين؟ )) يعني تحية المسجد " ((أصليت؟! )) قال: لا، قال: ((قم فصلِ ركعتين)) " سأله النبي -عليه الصلاة والسلام- هل صلى احتمال أن يكون صلى في مكان بحيث لا يراه النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهذا من أدب التعليم والتوجيه؛ لأنه لو قيل له: قم فصلِ مباشرةً يستثقلها على نفسه ولو لم يكن قد صلى، لكن إذا جيء له بالإنكار على صفة السؤال، وهذا أدب ينبغي أن يستصحبه طالب العلم، يسمع فتوى من عالم يستنكرها ويستنكرها غيره فيذهب إليه قال: أنت أفتيت بكذا، وهذا لا يجوز والدليل كذا، هذا يقبل منه وإلا لا؟ لا يمكن أن يقبل منه مهما كانت منزلته، إذا قيل له: سمعنا من يفتي بكذا، فما رأيك؟ أو ما رأيك بقول كذا؟ أو بقول الإمام الفلاني الذي أفتى بموجب قوله؟ لو افترضنا أن شخصاً من أهل العلم في هذه البلاد سُمع عنه أو أشيع عنه أنه يفتي بالنكاح بلا ولي، ما يؤتى إلى هذا الشخص ويقال: أنت أفتيت بجواز النكاح بلا ولي، وهذا قول مخالف مصادم للنص ((لا نكاح إلا بولي)) وجمهور أهل العلم على بطلان النكاح وهكذا، أنت الآن تتسبب في عدم رجوعه، لو قلت: ما رأيك في قول أبي حنفية مثلاً في صحة النكاح بلا ولي؟ ثم بيقول لك: قول صحيح ووجيه وإلى آخره، ثم يأتي بالأدلة التي يستدل بها، ثم تناقشه وترد عليه إلى أن يقتنع؛ لأن مسألة الإلزام بما تراه، أو ما يترجح عندك أو عند شيوخك هذا ليس بوارد، والإنسان عليه أن يعرف قدر نفسه، يعني بعض الناس يبلغه بعض الأحاديث وبعض الأخبار من الكبار، ثم يطبقها وهو صغير لا تليق به، شخص يُعدل الناس ويقوم الصفوف بالعصا، موجود، شيخ كبير إذا ما تعدل يقول: كان عمر يضرب الناس بالدرة، طيب وين عمر؟ أنت عمر؟! أنت ولي أمر؟! شاب صغير في العشرين من عمره أو يزيد قليلاً، ما زال في الجامعة يلقي درس فإذا بشيخ كبير على(47/11)
عمود ينعس، قم يقول للشايب، يقول للشيبة الكبير: قم، أجب، طيب وشلون؟ قال: ابن عثيمين يفعل هذا، يا أخي أين أنت من ابن عثيمين؟! هل الإنسان أن يعرف قدر نفسه من أجل أن يعمل بأقواله وتوجيهاته ونصحه وإرشاده، شيخ كبير بعمر جده يقول له: قم أجب، حتى لو صارت من صغير من قبل وأنت صغير، محتجاً بأن الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- يفعل ذلك، إذا صرت مثل ابن عثيمين أصنع ما شئت، مع أن الشيخ ليس بمعصوم، لكن يبقى أنه له قدره ووزنه، فالأمور تقدر بقدرها.
النبي -عليه الصلاة والسلام- قال له: ((أصليت؟ )) قد يقول الخطيب: أنا في المحراب وفي المنبر وأنظر هذا الشخص ما إن دخل مع الباب جلس، يحتاج أن أقول له: صليت وأنا أجزم أنه ما صلى؟ نقول: قل له: أصليت ركعتين وما يضرك؟! ثم هو بنفسه يراجع نفسه، لكن إذا قلت له: قم فصلِ ركعتين مباشرة وبين الناس، هذا يمكن لا يستجيب؛ لأنه يتأول يقول: جمهور أهل العلم على أن الركعتين سنة، وأنا مصلٍ، يمكن يقول هذا الكلام، لكن إذا جئته بطريق الاستفهام قبل منك، وأذعن لك، ولا يرى أنك ترفعت عليه، أو أمرته بأمر صريح مباشر يثقل عليه، قال: ((أصليت؟! )) قال: لا، قال: ((قم فصلِ ركعتين)) هذه تحية المسجد، وسبق الكلام فيها، وأنها من ذوات الأسباب، وأن الجمهور على أنه لا يفعل شيء من النوافل حتى ما له سبب ولا تحية المسجد ولا غيرها في أوقات النهي مطلقاً، وقال الشافعية: أن ذوات الأسباب تفعل في أوقات النهي، والمسألة سبق بحثها.
"قال: لا، قال: ((قم فصلِ ركعتين)) " وهو من أدلة من يوجب تحية المسجد كالظاهرية، وعامة أهل العلم على أن تحية المسجد سنة.
"متفق عليه".(47/12)
"وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة {الم* تَنزِيلُ} [(1 - 2) سورة السجدة] السجدة و {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ} [(1) سورة الإنسان] وأن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يقرأ في صلاة الجمعة سورة الجمعة والمنافقين" النبي -عليه الصلاة والسلام- يفعل ذلك ديمة، يعني يداوم على قراءة {الم* تَنزِيلُ} [(1 - 2) سورة السجدة] السجدة وسورة الإنسان، وكثير من الأئمة بحجة أنه لا يرغب في الإطالة على المأمومين، فإذا قرأ: {الم} السجدة وهي في ثلاث صفحات، ثم قرأ: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ} [(1) سورة الإنسان] وهي في صفحة ونصف قد يقول: قد أشق على المأمومين إلا أن أقرأها سرداً، نقول: لا، اقرأ كما أمرك الله، واقرأ بها، وداوم عليها تصيب السنة، وما عليك من نظر آخر؛ لأن هذا هو الثابت عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، الذي يشق عليه القيام يجلس، الذي لا يستطيع القيام يجلس له خيار، وهذا لا يدخل في ((أيكم أم الناس فليخفف)) بل قال بعضهم: إن هذا من التخفيف، ما ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- فهو داخل في دائرة التخفيف، يقرأ {ألم} السجدة {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ} [(1) سورة الإنسان] لأن يوم الجمعة يوم عظيم، اكتمل فيه الخلق، وفيه تقوم الساعة، وفيه البعث، وهو يوم المزيد، فهذا اليوم في هاتين السورتين ما يشير إلى ذلك، فالمناسبة في قراءتهما ظاهرة، يقرأ أيضاً في صلاة الجمعة بسورة الجمعة والمنافقين؛ لأن سورة الجمعة فيها الأمر والحث والسعي إليها، قد يقول قائل: إنه ما الفائدة من حث أناس قد حضروا؟ يعني كما قال أهل العلم فيما سيأتي في خطبة عيد الفطر أنه يحثهم على الصدقة صدقة الفطر، صدقة الفطر انتهى وقتها، فكيف يحثهم عليها؟ وكيف يحث أناس لصلاة الجمعة وقد حضروا؟ الذي ما حضر ما يسمع هذه الخطبة، على كل حال هذا هو الثابت عنه -عليه الصلاة والسلام-، ومناسبتها ليوم الجمعة أظهر من ظاهرة؛ لأنها خاصة في هذا اليوم، وكذلك سورة المنافقين لما عُرف من أن المنافقين الذين يتخلفون ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى، ويتخلفون عن الفجر، يتخلفون عن(47/13)
العشاء، يتخلفون عن كثير من الصلاة، يراءون الناس يحضرون لصلاة الجمعة، فتقرأ عليهم هذه السورة، وتقرأ على غيرهم ممن حضر خشية أن يوافق المنافقين وهو لا يشعر، يتساهل في أمر الصلاة، ويكسل فيها، ففيها التحذير من النفاق والمنافقين، وفيها حث للمنافقين على التوبة، وإتيان النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يستغفر لهم.
"رواه مسلم".
"وله عن النعمان بن بشير -رضي الله عنه- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقرأ في العيدين وفي الجمعة بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [(1) سورة الأعلى] و {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [(1) سورة الغاشية] وإذا اجتمع العيد والجمعة في يوم واحد يقرأ بهما أيضاً في الصلاتين" هذا عند مسلم من حديث النعمان بن بشير قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقرأ في العيدين وفي الجمعة" يعني إضافة إلى ما تقدم من سورة الجمعة والمنافقين بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [(1) سورة الأعلى] {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [(1) سورة الغاشية] قال: ((وإذا اجتمع العيد والجمعة في يوم واحد يقرأ بهما أيضاً في الصلاتين)) لأهميتهما في هذه المناسبة، وقد يقرأ بـ (قاف) واقتربت كما حصل في بعض الأعياد.
سم.
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين.
قال الإمام ابن عبد الهادي -رحمه الله تعالى-:
وعن إياس بن أرملة الشامي قال ...
ابن أبي رملة.
عف الله عنك.
وعن إياس بن أبي رملة الشامي قال: شهدت معاوية بن أبي سفيان، وهو يسأل زيد بن أرقم هل شهدت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عيدين اجتمعا في يوم؟ قال: نعم، قال: فكيف صنع؟ قال: "صلى العيدين، ثم رخص في الجمعة" فقال: ((من شاء أن يصلي فليصلِ)) رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة والحاكم وصححه.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا صلى أحدكم الجمعة فليصلِ بعدها أربعاً)) رواه مسلم.(47/14)
وعن عمر بن عطاء بن أبي الخوار أن نافع بن جبير أرسله إلى السائب بن أخت نمر، يسأله عن شيء رآه منه معاوية في الصلاة، فقال: نعم، صليت معه الجمعة في المقصورة، فلم سلم الإمام قمت في مقامي فصليت، فلما دخل أرسل إلي فقال: لا تعد لما فعلت، إذا صليت الجمعة فلا تصلها بصلاة حتى تكلم أو تخرج، فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمرنا بذلك أن لا توصل صلاة حتى نتكلم أو نخرج. رواه مسلم.
وعن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- رأى حلة سيراء عند باب المسجد ...
سِيَراء.
عف الله عنك.
رأى حلة سيراء عند باب المسجد فقال: يا رسول الله لو اشتريت هذه فلبستها يوم الجمعة وللوفود إذا قدموا عليك ...
وللوفد.
وللوفد إذا قدموا عليك، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إنما يلبس هذه من لا خلاق له في الآخرة)) ثم جاءت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منها حلل، فأعطى عمر بن الخطاب منها حلة، فقال عمر: يا رسول الله كسوتنيها وقد قلت في حلة عطارد ما قلت؟ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إني لم أكسكها لتلبسها)) فكساها عمر بن الخطاب أخاً له بمكة مشركاً. متفق عليه، واللفظ للبخاري.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا كان يوم الجمعة كان على كل باب من أبواب المسجد ملائكة يكتبون الأول فالأول، فإذا جلس الإمام طووا الصحف، وجاءوا يستمعون الذكر، ومثل المهجر كمثل الذي يهدي البدنة، ثم كالذي يهدي بقرة، ثم كالذي يهدي الكبش، ثم كالذي يهدي الدجاجة، ثم كالذي يهدي البيضة)) رواه مسلم.
وعنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذكر يوم الجمعة فقال: ((فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله -عز وجل- شيئاً إلا أعطاه إياه)) وأشار بيده يقللها. متفق عليه، وزاد مسلم "يزهدها" وفي رواية: ((وهي ساعة خفيفة)).
رواية له.
وفي رواية له: ((وهي ساعة خفيفة)).(47/15)
وعن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري قال: قال لي عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-: أسمعت أباك يحدث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في شأن ساعة الجمعة؟ قال: قلت: نعم سمعته يقول: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تقضى الصلاة)) رواه مسلم، وقال الدارقطني: لم يسنده غير مخرمةٍ عن أبيه عن بردة.
غير مخرمةَ.
غير مخرمةَ عن أبيه عن بردة.
عن أبي.
غير مخرمةَ عن أبيه عن بردة.
عن أبي بردة.
عن أبي بردة.
ورواه جماعة عن أبي بردة من قوله، ومنهم من بلغ به أبا موسى ولم يرفعه، والصواب أنه من قول أبي بردة.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"وعن إياس بن أبي رملة الشامي قال: "شهدت معاوية بن أبي سفيان وهو يسأل زيد بن أرقم" معاوية هو الخليفة، وهو من جلة الصحابة ومن فضلائهم وعلمائهم، كتب الوحي، ومع ذلك لم يستنكف ولم يأنف أن يسأل من هو أعلم منه من صحابة النبي -عليه الصلاة والسلام-، "وهو يسأل زيد بن أرقم هل شهدت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عيدين اجتمعا في يوم واحد؟ " عيدين! كيف يجتمع عيدان؟ ممكن أن يجتمع الفطر والأضحى؟ إنما يجتمع الأضحى، أو الفطر مع الجمعة "هل شهدت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عيدين اجتمعا في يوم واحد، قال: نعم، قال: فكيف صنع؟ قال: صلى العيدين ثم رخص في الجمعة" نعم صلى العيد، عندنا العيدين ...
إيش عندك؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم هذا هو الصحيح، صلى العيد الذي هو إما فطر وإما أضحى، ثم رخص في الجمعة "فقال: ((من شاء أن يصلي فليصلِ)) " لأن المطلوب سماع الذكر والخطبة والاجتماع، فإذا حصل بصلاة العيد رخص في العيد الثاني الذي هو الجمعة؛ لأن الجمعة إنما شرعت من أجل الاجتماع وحصل هذا الاجتماع، ومن أجل التذكير وحصل هذا التذكير، فتغني صلاة العيد عن صلاة الجمعة.
"قال: ثم رخص في الجمعة فقال: ((من شاء أن يصلي فليصلِ)) " لكن من لم يصلِ، الإمام لا بد أن يصلي، ولا بد أن يصلي معه من تقوم به الجمعة، وأما من صلى العيد فلا يلزمه أن يصلي الجمعة على أن يصلي فرض الوقت التي هي الظهر، يعني الجمعة يرخص فيها، لكن إلى بدل وهو الأصل الذي هو صلاة الظهر ...(47/16)
فيصلي الذي لا يصلي الجمعة يصليها ظهراً؛ لأن ما شرعت من أجله الجمعة حصل بحضور صلاة العيد، ومن صلى الجمعة والعيد كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- فهو أكمل.
"رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة والحاكم وصححه" ومن أهل العلم من ضعفه، لكن له طرق يشد بعضها بعضاً، يصل فيها إلى درجة الصحيح لغيره، فصلاة الجمعة على أهميتها وتأكدها تسقط عمن حضر صلاة العيد، لكن الذي لا يصلي العيد أو لم يحضر صلاة العيد فإنها تلزمه صلاة الجمعة، ومعنى سقوط صلاة الجمعة أنها يسقط وجوبها ويبقى استحبابها، ويبقى بدلها وهو صلاة الظهر.
قال: "وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا صلى أحدكم الجمعة فليصلِ بعدها أربعاً)) رواه مسلم" هذا الأمر فيه دليل على تأكد واستحباب صلاة أربع ركعات بعد صلاة الجمعة، والأمر بهذا صريح ((فليصلِ بعدها أربعاً)) والنبي -عليه الصلاة والسلام- ثبت عنه أنه إذا صلى الجمعة دخل بيته فصلى ركعتين، وشيخ الإسلام يجمع بين هذا الأمر وبين فعله -عليه الصلاة والسلام- بصلاة ركعتين أن راتبة الجمعة إن صليت في المسجد الراتبة .. ، عرفنا أنها ليس لها راتبة قبلية يصلي ما شاء، يصلي ما كتب له من غير حد، لكن البعدية إن صلى في المسجد صلى أربعاً، وإن صلى في البيت صلى ركعتين، وبهذا تجتمع النصوص، وبعضهم قال: يصلي بعد الجمعة ستاً، أربعاً في المسجد لأمره -عليه الصلاة والسلام-، وركعتين في بيته لفعله -عليه الصلاة والسلام-، لكن جمع شيخ الإسلام -رحمه الله- متجه إذ لم يحفظ أنه -عليه الصلاة والسلام- صلى في المسجد.
"وعن عمر بن عطاء بن أبي الخوار أن نافع بن جبير أرسله إلى السائب بن أخت نمر يسأله عن شيء رآه منه معاوية في الصلاة، فقال: نعم، صليت معه الجمعة في المقصورة، فلم سلم الإمام قمت في مقامي فصليت" وأنتم ترون في المسجد الحرام بكثرة من إذا صلى لم يستغفر، لا يستغفر ولا ثلاث، يقوم مباشرة إلى الراتبة، وهذا ظاهر عند الحنفية من الأتراك والهنود والباكستانين وغيرهم، يصلون الفريضة ثم يقومون مباشرة إلى النافلة.(47/17)
قال: "فلما سلم الإمام قمت في مقامي فصليت، فلما دخل أرسل إليّ، فقال: لا تعد لما فعلت، إذا صليت الجمعة فلا تصلها بصلاة حتى تكلم أو تخرج" إذا حصل الفاصل بين الفريضة والنافلة بكلام أو انتقال من المكان أو خروج من المسجد أمن اللبس الذي قد ينشأ عند بعض من يرى هذا الذي يصلي الصلاة بالصلاة أنه يزيد في فرضه، وأن ما فعله تابع لفريضته، ينبغي أن يفصل، ولا توصل صلاة بصلاة، ولا توصل صلاة الجمعة بنافلتها.
قال: "إذا صليت الجمعة" ومثلها جميع الصلوات لا توصل بصلاة أخرى، بل عليه أن يتكلم "نعرف انقضاء صلاته -عليه الصلاة والسلام- بالتكبير" "وكان إذا سلم استغفر ثلاثاً، يقول: ((استغفر الله، استغفر الله، استغفر الله)) ثم يأتي بالأذكار المتعلقة بالصلاة، ثم يأتي بعد ذلك بالراتبة بعد أن يتكلم، أو ينتقل من مجلسه الذي صلى فيه.
جاء في الصحيح في البخاري يُذكر عن أبي هريرة: "لا يتطوع الإمام في مكانه" ولم يصح، يعني ما صح في الأمر بالانتقال من المكان إلى مكان آخر، هذا الخبر الذي ذكره الإمام البخاري لم يصح، وعلى هذا لو تكلم وفصل بين الفريضة بالأذكار، ثم صلى في مكانه الذي صلى فيه لا إشكال في ذلك، ما في إشكال؛ لأن الخبر لم يصح، لكن أهل العلم يستحبون مثل هذا لتكثير مواضع الصلاة التي تشهد للمصلي، فكونه يصلي في أكثر من مكان هذه المواضع تشهد له يوم القيامة {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ} [(12) سورة يس] وهذا من آثارهم. "فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمرنا بذلك أن لا توصل صلاة" يعني بصلاة أخرى، راتبة بنافلة، "حتى نتكلم أو نخرج" حتى الفريضتين المجموعتين يفصل بينهما بالإقامة للثانية.
وأما ما يتعلق بأذكار الصلاة الأولى من المجموعتين فنظراً للجمع المقتضي عدم التفريق إلا بشيء يحقق ما جاء في هذا الحديث فإن أذكارها تسقط، وتكون من السنن التي فات محلها، والأذكار يؤتى بها بعد الثانية.
"رواه مسلم".(47/18)
"وعن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- رأى حلة سيَراء" يعني حريراً خالصاً "حلة سيَراء عند باب المسجد" يعني تباع "فقال: يا رسول الله لو اشتريت هذه فلبستها يوم الجمعة" النبي -عليه الصلاة والسلام- يتنظف ويتطيب ويلبس أحسن ثيابه للجمعة وللعيد "فلبستها يوم الجمعة، وللوفد إذا قدم" يعني التجمل للوفود هذا من السنن؛ لئلا يزدرى المسلم ويحتقر، فمن السنن أن يتجمل للوفد إذا قدموا عليك، "فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إنما يلبس هذه)) " من الحرير الخالص "من لا خلاق له في الآخرة" فالذهب والحرير حرام على ذكور الأمة حل لإناثها ((إنما يلبس هذه من لا خلاق له في الآخرة)) لا نصيب له في الآخرة من الكفار، هذا وعيد شديد على من يتساهل في هذا الأمر، فيلبس ما يلبس من الذهب أو من الحرير، هذا حرام -نسأل الله السلامة والعافية- على الذكور من هذه الأمة.
"ثم جاءت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منها حلل" من هذا الحرير الخالص جاءه حلل "فأعطى عمر بن الخطاب منها حلة" أعطاه منها حلة، عمر يذكر ما قال له في الحلة التي تباع عند المسجد "فأعطى عمر بن الخطاب منها حلة، فقال عمر: يا رسول الله كسوتنيها وقد قلت في حلة عطارد ما قلت؟ " أنه ((إنما يلبسها من لا خلاق له في الآخرة)) "فكيف تكسونيها؟ " فكيف تعطيني إياها وهي حرام على من له خلاق في الآخرة، ويلبسها من لا خلاق له في الآخرة، وأنا لست منهم.
"قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إني لم أكسكها لتلبسها)) فكساها عمر بن الخطاب أخاً له بمكة مشركاً" لأنه لا خلاق له في الآخرة فليلبسها، المشرك لا خلاق له في الآخرة، وحينئذٍ يلبسها.(47/19)
وجاء في الحديث الصحيح من حديث حذيفة: "هي لهم في الدنيا، ولكم في الآخرة" لهم في الدنيا ولكم في الآخرة، وعمر كساها أخاً له مشرك، مما يدل على أن المشرك لا يمنع من لبس ما حُرم على المسلمين، وإن كان مخاطباً بفروع الشريعة وهذه منها، هو مخاطب بفروع الشريعة، لكن لا يؤمر بها؛ لماذا؟ لأنها لا تصح منه لتخلف شرط القبول وهو قصد الامتثال، هو مطالب بالصلاة {لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} [(43) سورة المدثر] مطالب بالصلاة، مطالب بالزكاة، مطالب باجتناب المحرمات، لكنه لا يطالب بها في الدنيا؛ لأنها لا تصح منه لو فعلها؛ لتخلف شرط القبول، وهو مطالب بها بمعنى أنه مطالب بجميع فروع الشريعة عند الجمهور، منهم من يقول: إنه ليس بمطالب مطلقاً كالحنفية، ومنهم من يقول: إنه مطالب بالنواهي دون الأوامر كما هو قول عند المالكية "فكساها عمر بن الخطاب أخاً له بمكة مشركاً" لأنه يدخل في الخبر السابق ((لا خلاق له في الآخرة)).
"متفق عليه، واللفظ للبخاري".(47/20)
"وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا كان يوم الجمعة كان على كل باب من أبواب المسجد ملائكة يكتبون الأول فالأول، فإذا جلس الإمام طووا الصحف)) " الأصل أن الجمعة إنما تقام في مسجد واحد، ولا يجوز إقامتها في أكثر من مسجد إلا إذا دعت الحاجة الماسة لذلك لمشقة عظيمة تلحق المصلين، أو لضيق المصلى مع عدم إمكان توسعته، أما إذا أمكن توسعته فإن هذا لا يبرر إقامة الجمعة في أكثر من موضع، وأهل العلم يحكمون بأن الصلاة الثانية باطلة، الأولى هي الصحيحة والثانية باطلة، ونرى التوسع غير المرضي، وإن كانت الحاجة داعية إلى إقامة أكثر من جمعة، لكن ما معنى أن يقام في كل حي خمسة مساجد تقام فيها الجمعة، ويقام في البلد أربعين جامع خمسين جامع مائة جامع، الأصل عدم التعدد، والحاجة تقدر بقدرها، ولا مانع أن يبعد المسجد عن منزل الإنسان كيلو أو أكثر؛ لأن الناس يتضايقون ويتذمرون إذا كان المسجد يبعد مائة متر، ويجعلون هذا ذريعة في مطالبة الجهات في إقامة جامع آخر، المسألة أشد مما يتصوره الناس، الجمعة الثانية باطلة عند أهل العلم إذا كان لا مبرر لها، ولو كان في تقدير بعض الناس ممن ألف الراحة والكسل وعدم المشقة المحتملة، ولو ألف أن مثل هذا مشقة ليس بمشقة، إذا وجد أكثر من مسجد بل وجد مساجد، ونحن نعرف أن بعض المساجد على ما هو معروف عند الحنابلة يدخل الإمام قبل الزوال، والآن الفتوى عممت على أن الصلاة لا تصح إلا بعد الزوال، فصار بعضهم يدخل مع الزوال، وبعضهم يتأخر قليلاً، وبعضهم يتأخر ربع ساعة مثلاً، فهل العبرة بالمسجد الذي تقصده في العادة فيكون دخول الإمام هو الحاسم في هذا المسجد الذي تقصده؟ وإلا بإمكانك أن تقول: هذا المسجد دخل أركب السيارة وأذهب إلى مسجد آخر لم يدخل؛ لأنه يقول: ((إذا كان يوم الجمعة كان على كل باب من أبواب المسجد ملائكة، يكتبون الأول فالأول)) وعلى هذا فهل الأفضل للإنسان إذا سمع المسجد القريب دخل إمامه وشرع في الخطبة أن يركب السيارة ويذهب إلى مسجد أبعد ليدخل قبل الإمام، فعله أن يدخل في مثل هذا الحديث؟ نقول: يرجى، وإلا فما الداعي لمثل هذا التأخير إلا الحرمان(47/21)
الظاهر ((يكتبون الأول فالأول، فإذا جلس الإمام)) يعني على المنبر ((طووا الصحف)) إذا دخل الإمام خلاص انتهت كتابة الفضائل المرتبة على التبكير، وهي تبدأ من ارتفاع الشمس؛ لأنه قبل ارتفاع الشمس هناك وظائف شرعية جاءت بها النصوص، ثم إذا ارتفعت الشمس بدأت الساعة الأولى ((فإذا جلس الإمام طووا الصحف، وجاءوا يستمعون الذكر)) يعني الخطبة ((ومثل المهجر الذي يأتي في الساعة الأولى)) يعني المبكر ((الذي يأتي إلى الجمعة في الساعة الأولى كمثل الذي يهدي البدنة)) من الإبل ((ثم كالذي يهدي بقرة)) وهذا الذي يأتي في الساعة الثانية ((ثم كالذي يهدي الكبش)) ((ثم كالذي يهدي الدجاجة)) ((ثم كالذي يهدي البيضة)) ثم بعد ذلك يدخل الإمام بعد ذلك في الساعة السادسة كما يختاره كثير من الحنابلة، وبعد الزوال كما هو قول الجمهور، وعلى هذا تكون الساعات غير منضبطة بدقائق معلومة، قد تزيد على الساعة الفلكية المعروفة، وقد تنقص عنها تبعاً لطول النهار وقصره.
يُذكر عن مالك أن هذه الساعات الخمس هي كلها ساعات لطيفة تكون بعد الزوال، يعني يتأخر الإمام يسيراً تأخر يسير بحيث يستوعب خمسة أوقات زمنية يصح أن يطلق على كل وقت منها ساعة من غير تحديد، ساعات لطيفة بعد الزوال، لكن هذا القول ظاهر الضعف، والمرجح هو قول الجمهور، وأنها تبدأ من أول النهار.
"رواه مسلم".(47/22)
"وعنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذكر يوم الجمعة فقال: ((فيه ساعة)) " يعني ذكر فضائل الجمعة وخصائص الجمعة وذكر من خصائصها وفضائلها ((أن فيها ساعة لا يوافقها عبد مسلم)) ساعة وقت من الزمان لا يقدر بقدر معين كما هو معروف عندنا، ((ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله -عز وجل- شيئاً إلا أعطاه إياه)) ساعة الاستجابة "وأشار بيده يقللها" متفق عليه، وزاد مسلم "يزهدها" يزهدها لا يزهد فيها وفي الأجر، وفي قبول الدعوة وإجابة الدعوة فيها، لا، هذا مما ينبغي أن يتحرى ويحرص عليه، وأما التزهيد يعني التقليل، تفسرها الرواية الأخرى، يعني شيء يسير، وقت قصير والخلاف في وقت ساعة الاستجابة على ما سيأتي في الأحاديث اللاحقة، لكن فيه من صفتها "أنه قائم يصلي" في الحديث الذي يليه حديث "أبي بردة ابن أبي موسى الأشعري قال: قال لي عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-: أسمعت أباك يحدث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ "
"عن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري قال: قال لي عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-: أسمعت أباك" يعني أبا موسى الأشعري "يحدث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في شأن ساعة الجمعة؟ قال: نعم، سمعته يقول: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تقضى الصلاة)) رواه مسلم، وقال الدارقطني: لم يسنده غير مخرمة عن أبيه عن أبي بردة، ورواه جماعة عن أبي بردة من قوله، ومنهم من بلغ به أبا موسى ولم يرفعه، والصواب أنه من قول أبي بردة" هذا الحديث أولاً: هو في صحيح مسلم الذي تلقته الأمة بالقبول، وإن قال من قال كالدارقطني وغيره ما قال، هذا الحديث اختلف فيه بين أهل العلم هل هو مرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- من حديث أبي بردة عن أبي موسى عنه -عليه الصلاة والسلام- كما هو مقتضى صنيع الإمام مسلم في صحيحه، أو أنه موقوف على أبي موسى، أو أنه مقطوع من قول أبي بردة؟(47/23)
أولاً: المرجح ما جاء في صحيح مسلم؛ لأن ما في الصحيح مرجح على قول كل قائل، يعني: لو أن البخاري -رحمه الله تعالى- سُأل عن هذا الحديث في جامع الترمذي أو غيره فقال: موقوف، فعندنا قول البخاري وعندنا ما خرج في صحيح مسلم، رجحنا ما في صحيح مسلم، لكن لو كان التعارض بين ما في صحيح البخاري وصحيح مسلم رجحنا ما في صحيح البخاري، فما في الصحيحين لا يتقاول عليهما؛ لأننا إذا طعنا في الصحيحين لم يبقَ لنا شيء إلا ويمكن الطعن فيه، فصيانة لهذين الكتابين اللذين تلقتهما الأمة بالقبول، وأجمعت على قبول ما فيهما لا يتطاول أحد عليهما لا الدارقطني ولا غيره، فالقول الذي يختاره الإمام مسلم أن الحديث مرفوع من حديث أبي بردة عن أبيه عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، ومنهم من بلغ به أبا موسى ولم يرفعه، فجعله موقوفاً من قوله، ومنهم من قطعه فوقفه على أبي بردة، إذا تنزلنا وقلنا: إنه من قول أبي موسى، هل يمكن أن يقوله أبو موسى من تلقاء نفسه أو أن له حكم الرفع؟ هذا لا يمكن أن يقوله أبو موسى من تلقاء نفسه، بل له حكم الرفع، ولذا جزم جمع من الأئمة، بل قطعوا بل صرحوا بأنه هو الصواب أن ساعة الإجابة في يوم الجمعة هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تقضى الصلاة، طيب هل يدعو الإنسان في هذا الوقت يتحين سكتات الإمام قبل أن يشرع الإمام في الخطبة، وبعد أن يجلس بين الخطبتين، وبعد أن تنتهي الخطبة إلى أن يشرع في الصلاة، وفي أثناء الصلاة يتحرى الدعاء في هذه المواطن.(47/24)
طيب ((لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي)) هذا وقت خطبة وقت إنصات، قالوا كما جاء في الحديث ((الذي ينتظر الصلاة فهو في صلاة)) ومنهم من قال: ((قائم يصلي)) يعني يدعو، والصلاة في اللغة الدعاء، هذا قول ومعتبر عند أهل العلم؛ لأنه مخرج في مسلم، ومرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، والقول الثاني وهو ما يختاره الإمام أحمد وجمع من أهل العلم الكبار، قالوا: إن ساعة الإجابة في يوم الجمعة هي آخر ساعة من عصر يوم الجمعة، وبهذا قال عبد الله بن سلام الصحابي الجليل، وكلامه مخرج في الصحيح إلا أنه من لفظه، ولكنه أيضاً يحتمل أن يكون مرفوعاً؛ لأنه لا يقال بالرأي، وهو صحيح إليه، وهو مرجح عند جمع من أهل العلم آخر ساعة من يوم الجمعة، طيب ((قائم يصلي)) مثل ما قيل في السابق ينتظر الصلاة فهو في صلاة، وعلى هذا فعلى المسلم الحريص تحري هذين الوقتين، فيستغل سكتات الإمام من دخوله وجلوسه على المنبر إلى أن تقضى الصلاة، وأيضاً يتحرى النفحات في آخر ساعة من يوم الجمعة فيجلس في المسجد ينتظر الصلاة ليكون في صلاة، ويشغل وقته بالذكر والدعاء، عله أن يصادف هذه النفحة الإلهية فيمحى عنه ما اقترفه من كبائر ومن صغائر.(47/25)
المؤلف ترك أحاديث تتعلق بالجمعة، وذكرها الحافظ ابن حجر في البلوغ، وذكرها أيضاً غيره، منها: مسألة العدد، وأنه مضت السنة أنه في كل أربعين جمعة، يعني أن الجمعة لا تصح إلا من أربعين، يعني من العدد أربعين، لكن الحديث متفق على ضعفه، وإن عمل به الشافعية والحنابلة، فاشترطوا الأربعين، لكن الحديث متفق على ضعفه، المالكية عملوا بحديث جابر السابق لما خطب النبي -عليه الصلاة والسلام- جاءت عير فانصرف الناس إليها وانفضوا إليها، وتركوا النبي -عليه الصلاة والسلام- يخطب فلم يبقَ معه إلا اثنا عشر صحابياً، فقالوا: العدد المطلوب اثنا عشر، ولو كان العدد المطلوب أربعين ما صحت الخطبة، ثم ما صحت الجمعة؛ لأنه لم يبقَ معه في الخطبة إلا اثنا عشر، لكن ماذا لو بقي أقل من اثنا عشر؟ الحديث ليس فيه تحديد للعدد، إنما اتفق أنه بقي هذا العدد، ولذا فلا دلالة فيه على التحديد، ما جاء في الأربعين متفق على ضعفه، في الاثنا عشر ما فيه دلالة على التحديد، إذاً ما العدد المطلوب للجمعة؟ لم يصح فيه شيء، لكن هل تصح من الواحد الجمعة؟ لو تصح من الواحد لكان من فاتته الجمعة يصلي جمعة، يخطب لنفسه ويصلي، لكن مجمع على أن من لم يدرك الجمعة يصلي ظهراً، إذاً الواحد لا تصح منه، الاثنان فما فوقهما جماعة، هل تصح منهما الجمعة كسائر الصلوات؟ المرجح عند جمع من أهل التحقيق أن أقل عدد للجمعة ثلاثة، ومنهم من قال: أربعة، بما استدل هؤلاء؟ قالوا: الآية: {إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [(9) سورة الجمعة] اسعوا جمع، ما قيل: فاسعَ، اسعوا، والجمع أقله اثنان أو ثلاثة على الخلاف في ذلك، فعندنا اثنان أو ثلاثة يسعون، وفي آخر أو ثالث أو رابع يذكر الله -جل وعلا- وهو الخطيب، يعني الجماعة الذين يسعون غير الخطيب؛ لأن الخطيب لم يؤمر بالسعي، إنما أمر بالسعي إليه فهو غير من أمر بالسعي، فعندنا أقل الجمع اثنين يسعون إلى هذا الذي يذكر الله وهو الثالث، أو ثلاثة يُسعون إلى هذا الذي يذكر الله وهو الرابع، ومنهم من قال: الرابع حتى على القول بأن أقل الجمع اثنين؛ لأن عندنا اثنان مأموران بالسعي، ونودي في شخص ينادي وهو(47/26)
المؤذن، وشخص يذكر الله وهو الخطيب، إذاً كما عندنا؟ أربعة، أقل من تنعقد بهم الجمعة أربعة، شيخ الإسلام -رحمه الله- يرجح الثلاثة؛ لماذا؟ لاحتمال أن يتولى الأذان الخطيب، إذا نودي نادى الخطيب وذكر الله تعالوا، فأقل من تنعقد بهم الجمعة ثلاثة، أخذاً من هذه الآية، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله.
طالب:. . . . . . . . .
. . . . . . . . . صلاة الجمعة، الأولى أن يصلي العيد ويصلي الجمعة كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام-.
ما ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من قراءة سورة الأعراف في صلاة المغرب هل هذا يعتبر من التخفيف كما يقول بعض أهل العلم أن كل ما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ... ؟
لا، هذا ليس بتخفيف لكنه نادر، والنادر لا حكم له.
يقول: هل يُعان المشرك على المحرمات مثل شرب الخمر ولبس الحرير والغناء مثل فعل عمر بالحلة؟
لا، لا يعانون فيما هو محرم عندهم، وفيما يتعدى ضرره إلى المسلمين، أما ما كان ضرره خاصاً بهم فلا يعانون لأن هذا من التعاون على الإثم والعدوان، لكن يبقى أن فعل عمر مصلحته راجحة، فيه من الصلة، وفيه من أسلوب الدعوة الذي لعله أن يسلم بسبب هذه الصلة، كما فعلت أسماء مع أمها بأمر النبي -عليه الصلاة والسلام-.
يقول: هل المطالب بالإنصات يوم الجمعة من هو داخل المسجد أو من كان قريباً من المسجد ولم يدخل بعد أو من سمع المذياع؟
المطالب هو من جاء وحضر إلى الجمعة، من حضر الجمعة عليه أن ينصت ويستمع، أما قبل أن يدخل المسجد وهو في طريقه فهو يسمع الخطيب وهو يسمع القرآن يتلى إذا سكت فهو أولى، وإذا تكلم باعتباره أنه لم يخاطب الآن بالخطبة، ولم يباشر الحضور، فيرجى أن يكون الأمر، أما من سمع المذياع فلا؛ لأنه لا يصدق عليه أنه جاء للجمعة.
يقول: وماذا يعمل رجال الهيئة بالحرم إذا رأوا منكراً كاختلاط الرجال مع النساء فهل يأمرون وينهون ولو بالإشارة؟
إذا قلت لصاحبك: أنصت فلغوت، من لغا فلا جمعة له، لكن إذا كان هناك منكر يفوت، أو شيء يتعدى مثل رجل يتحرش بامرأة، أو يتكلمان في إبرام موعد، أو ما أشبه ذلك، فإن مثل هذا لو قُطعت الخطبة من أجله كإنقاذ غريق ونحوه مثل هذا مصلحة راجحة.
لعل الباقي يكون في درس الغد والذي يليه.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.(47/27)
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: المحرر – كتاب الصلاة (48)
الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هذا يقول: إذا كثُرت المتون التي حفظها الطالب ما الطريقة السليمة في مراجعتها؟
أولاً: إذا حفظ حفظاً قوياً راسخاً بالطريقة التي بينها أهل العلم فإن مراجعتها تكون سهلة، الإشكال فيما إذا كان الحفظ رديء، أو الحافظة ضعيفة، أما إذا كانت الحافظة متوسطة فضلاً على أن تكون قوية، والحفظ متين وقوي فإن هذا لا يُكلف شيئاً متعباً، شرحنا مراراً كيفية الحفظ، فلا مانع من أن يذكر باختصار شديد، ويحدد القدر المطلوب المناسب للحافظة طولاً وقصراً، تبعاً للحافظة قوةً وضعفاً، وليكن خمس آيات أو حديثين أو ثلاثة يكررها حتى يحفظها، فإذا جزم يقيناً أنه حفظها انتهى من نصيب اليوم في هذا الفن، ولا يدخل أكثر من فن في وقت واحد، لا يخلط بين فنين أو ثلاثة في وقت واحد، إذا كانت حافظته تسعفه يزيد في الكمية، ثم من الغد يراجع هذا المحفوظ خمس مرات، ويحفظ نصيباً جديداً لليوم الجديد كالطريقة السابقة، ويختبر حفظه إن كان ما قرره يشق عليه يقلل في الكمية، وإن كان سهلاً عليه يزيد في الكمية، وإن كان مناسباً ثبت عليه، يُكرر درس الأمس، أو ما حفظه بالأمس خمس مرات ويحفظ الجديد، ثم في اليوم الثالث يكرر نصيب اليوم الأول أربع مرات، ونصيب اليوم الثاني خمس مرات وهكذا إلى أن يجد نفسه في اليوم الخامس انتهى نصيب اليوم الأول من المراجعة، ولا نحتاج إلى مراجعته مرة أخرى بعد ذلك، وفي اليوم السادس ينتهي من نصيب اليوم الثاني وهكذا.
يقول: أفضل معجم لطالب العلم؟
إذا كان المعجم لغوي يريد أن يكون بيده مختصراً وواضحاً مع الاختصار فالمصباح المنير نافع يحل له كثير من الإشكالات، وإن أضاف إليه المفردات في غريب القرآن أيضاً يستفيد منه فائدة كبيرة، وإن سمت همته إلى ما هو أطول من ذلك ولديه قدرة على فهم الكلام المختصر فالقاموس، وفيه ستون ألف مادة، وطبع طبعات كثيرة في مجلد واحد، يسهل حمله يعني.(48/1)
هذا يقول: هل يجوز لي أن أدفع للصراف مبلغاً بعملة بلدي، ثم أستلمه في بلد آخر بعملة البلد الآخر غير العملة الأولى عن طريق الحوالة؟
هذه يحتاجها الجميع أو جل الوافدين من بلد إلى بلد يتعاملون بعملة البلد، ثم يحولون إلى بلدانهم عملتهم، هذا إما أن يصرف في الحال فيستلم ويسلم في المكان إذا صرف ويحول العملة التي تناسب بلده هذا أولى ما يُفعل، وليس فيه أدنى شبهة إذا كان يداً بيد، لكن إذا حول فليحول المبلغ الذي في البلد الذي هو فيه، ثم هناك يحصل التقابض بالعملة المراد صرفها على أن لا يتفرقا، وبينهما شيء كما جاء في الحديث: "إنا نبيع الإبل بالدراهم ونستوفي الدنانير أو العكس، فقال: ((لا بأس على أن لا تفترقا وبينكما شيء)).
يقول: حكم المتساهل في أوقات الصلاة؟
إذا كان التساهل في تأخير الصلاة من أول الوقت إلى أثنائه أو إلى آخره على أن لا يضيع الجماعة، ويصلي في المسجد حيث ينادى بها الأمر فيه شيء من السعة؛ لأن الأوقات فيها مجال لهذا التأخير، مع أن أوائل الأوقات أفضل إلا في شدة الحر بالنسبة لصلاة الظهر، أما إذا كان قصده التساهل في أوقات الصلاة بأن يؤخرها عن أوقاتها عامداً لذلك فهذا خطر عظيم، من أهل العلم من أفتى بكفره إذا تعمد تأخير فرض واحد وليس عليه أن يقضيه لأنه خرج من الملة، ونقل عليه ابن حزم الإجماع، لكن نقل الإجماع على خلافه أنه يلزمه القضاء وعليه التوبة والاستغفار، ولا يكفر بهذا، بفرض واحد.
هذا يقول: ما حكم تزين المرأة أمام النساء الأجانب؟
تزين المرأة ما لم يوجد في ذلك محظور أو ضرر على المرأة نفسها؛ لأن المرأة قد تتضرر وهي تشعر، والعين حق، وبعض النساء لا يحتطن لمثل هذا الأمر، ثم إذا حضرت مناسبة ورجعت إلى بيتها فإذا بها مصابة، أنتِ السبب، ويبقى أيضاً أن الحدود الشرعية لا يجوز تجاوزها، يعني عورة المرأة عند المرأة كعورتها عند محارمها، لا يجوز لها أن تظهر أكثر مما تظهره لوالدها وأخيها مما يحتاج إليه في المهنة في الوضوء وما أشبه ذلك.
يقول أيضاً: ما حكم خل الخمر؟ وما حكم بعض العلب المصبرة التي يوضع فيها مادة حافظة؟(48/2)
أما خل الخمر، فالخمر إذا تخلل بنفسه جاز استعماله، أما إذا خُلل فلا، والعلب المصبرة التي يوضع فيها مواد حافظة إذا سلمت من الضرر، وكانت في الوقت المحدد لها، وما تأثرت تأثر النبيذ المعروف، يعني بحيث نجزم ويغلب على الظن أن هذه المادة في هذه العلبة وفيها مادة حافظة، ومدتها سنة في أثناء هذه السنة، وحفظت حفظاً مناسباً في جو مناسب بحيث يؤمن أن تتغير فلا شيء فيها.
هذا يقول: أليست القيلولة تكون قبل صلاة الظهر، وهي على الأقرب في الساعة الحادية عشرة؟
هذا الأصل في القيلولة أنها في آخر الضحى في وقت القائلة، لكن دلت الآية: {وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ} [(58) سورة النور] أن أهل الحجاز إنما يقيلون بعد صلاة الظهر.
هذا يقول: أرجو أن تكون فترة العصر كلها للدرس وبعد المغرب لمدة نصف ساعة للأسئلة، إذا لم يكن في ذلك مشقة عليهم؟
لا، في مشقة وأي مشقة! نعم يوجد من أهل العلم -ما شاء الله- من يبذل الوقت الطويل، وعنده استعداد يجلس الساعات، لكن ما زلنا في مرحلة المجاهدة، والعين في الساعة باستمرار.
وبالمناسبة قد نحتاج إلى درس ثالث اليوم والغد وبعد غد، نحتاج لكي نقف على الجنائز، اليوم في وقته، وغداً في وقته كالمعلن بعد صلاة العصر، وبعد غد بعد طلوع الشمس في الساعة السادسة من يوم الخميس بقدر الدرس عادة إلى السابعة والنصف؛ لكي نقف على الجنائز.
يقول: ما حكم رفع اليد والإمام يدعو على المنبر يوم الجمعة؟
لا يجوز للإمام ولا للمأموم رفع اليدين إلا في الاستسقاء، إذا استسقى الإمام في خطبة الجمعة يرفع يديه ويرفعهما المأموم أيضاً.
يقول: أنا من أهل مكة ولا أعلم أين موقع المسجد؟ أرجو أن تفيدني فبريدي موجود؟
على كل حال احتمال أن تكون هذه الدورة آخر دورة في هذا المسجد، وأن الدرس يُنقل إلى الحرم -إن شاء الله تعالى- بدء من دورة الصيف التي هي في الأسبوع الثاني من شهر شعبان إلى آخر شعبان، يعني ثلاثة أسابيع يبدأ بكتاب الجنائز هناك، فأظن ما نحتاج إلى أن نصف له المسجد.
سم.
بسم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
اللهم اغفر لشيخنا وللحاضرين والمستمعين يا رب العالمين.(48/3)
قال المؤلف -رحمه الله-:
باب: صلاة العيدين
لحظة.
جاء في الخبر: ((إذا دعا أحدكم فليبدأ بنفسه)) ومن الطرائف أن بنت صغيرة طالبة سمعتها تدعو لزميلتها، ولا تدعو لنفسها، فقلت: لماذا لا تدعين لنفسك؟ تدعو لزميلتها أن تنجح في الاختبارات، قال: أنا يكفيني دعاء الملائكة، دعاء الملائكة يكفيني، لكن ما جاء في الخبر إتباعه أولى، فأنت إذا دعوت لنفسك ودعت لك الملائكة لا شك أنه إذا تضافرت الدعوتان أفضل.
نعم؟
قال المؤلف -رحمه الله-:
باب: صلاة العيدين
عن يزيد بن خمير الرحبي قال: خرج عبد الله بن بسر صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع الناس في يوم عيد فطر أو أضحى، فأنكر إبطاء الإمام وقال: إنا كنا قد فرغنا ساعتنا هذه، وذلك حين التسبيح.
رواه أبو داود وابن ماجه، وعند البيهقي: إنا كنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم-، ويزيد روى له مسلم، ووثقه شعبة وابن معين وغيرهما، وقال أحمد: حديثه حسن.
وعن أبي عمير بن أنس عن عمومة له من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- أن ركباً جاءوا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يشهدون أنهم رأوا الهلال بالأمس، فأمرهم أن يفطروا، وإذا أصبحوا يغدوا إلى مصلاهم. رواه أحمد وأبو داود، وهذا لفظه، وابن ماجه والنسائي، وصححه الخطابي، وقال ابن المنذر: هو حديث ثابت يجب العمل به، وصحح البيهقي وابن حزم إسناده، ولا وجه لتوقف ابن القطان فيه.
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((الفطر يوم يفطر الناس، والأضحى يوم يضحي الناس)) رواه الترمذي وصححه.
وعن عبيد الله بن أبي بكر بن أنس أن أنس بن مالك قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات" وقال مرجى بن رجاء: حدثني عبيد الله بن أبي بكر، قال: حدثني أنس بن مالك عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((ويأكلهن وتراً)) رواه البخاري، وقد أسند الإسماعيلي هذه الرواية.
تعليقاً، ما عندك تعليقاً؟
طالب: لا يا شيخ.
رواه البخاري تعليقاً.
رواه البخاري تعليقاً، وقد أسند الإسماعيلي هذه الرواية المعلقة.(48/4)
وعن ثواب بن عتبة عن عبد الله بن بريدة عن أبيه: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يخرج يوم الفطر حتى يطعم، ولا يطعم يوم الأضحى حتى يصلي" رواه أحمد وابن ماجه وابن حبان والترمذي، وهذا لفظه، وقال: حديث غريب، وقال محمد: لا أعرف لثواب بن عتبة غير هذا الحديث، وقد وثق ثواب بن عتبة ابن معين في رواية ابن عباس وغيره، وأنكر أبو حاتم وأبو زرعة ذلك، وقال ابن عدي: وثواب يعرف بهذا الحديث وحديث آخر، وهذا الحديث قد رواه غيره عن ابن بريدة، منهم عقبة بن عبد الله الأصم، ولا يلحقه بهذين ضعف.
وعن أم عطية -رضي الله عنها- قالت: "أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نخرجهن في الفطر والأضحى العواتق والحيض وذوات الخدور، فأما الحيض فيعتزلن الصلاة، ويشهدن الخير، ودعوة المسلمين، قلت: يا رسول الله إحدانا لا يكون لها جلباب؟ قال: ((لتلبسها أختها من جلبابها)) متفق عليه، واللفظ لمسلم.
وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر وعمر يصلون العيدين قبل الخطبة" متفق عليه.
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى يوم الفطر ركعتين لم يصل قبلها ولا بعدها، ثم أتى النساء ومعه بلال، فأمرهن بالصدقة، فجعلن يلقين، تلقي المرأة خرصها وسخابها" رواه البخاري ومسلم.
وعنده: "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خرج يوم أضحى أو فطر فصلى ركعتين لم يصل قبلها ولا بعدها، ثم أتى النساء ومعه بلال فأمرهن بالصدقة فجعلت المرأة تلقي خرصها وتلقي سخابها".
وعن عبد الله بن محمد بن عقيل عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يصلي قبل العيد شيئاً، فإذا رجع إلى منزله صلى ركعتين. رواه ابن ماجه، وابن عقيل مختلف فيه.(48/5)
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كبر في عيد ثنتي عشرة تكبيرة سبعاً في الأولى، وخمساً في الأخيرة، ولم يصلَ قبلها ولا بعدها" رواه أحمد، وهذا لفظه، وقال: أنا أذهب إلى هذا، ورواه أبو داود ولفظه: قال: قال نبي الله -صلى الله عليه وسلم-: ((التكبير في الفطر سبع في الأولى، وخمس في الأخيرة، والقراءة بعدهما كلتيهما)) ونقل الترمذي عن البخاري أنه صحح هذا الحديث.
وعن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- سأل أبا واقد الليثي: "ما كان يقرأ به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الأضحى والفطر؟ فقال: كان يقرأ فيهما بـ {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} [(1) سورة ق] و {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ} [(1) سورة القمر] رواه مسلم، وأبو واقد اسمه الحارث بن عوف -رضي الله عنه-.
وعن جابر -رضي الله عنه- قال: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا كان يوم عيد خالف الطريق" رواه البخاري.
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "دخل عليَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- وعندي جاريتان تغنيان بغناء بُعاث، فاضطجع على الفراش وحول وجهه، ودخل أبو بكر فانتهرني وقال: مزمارة الشيطان عند النبي -صلى الله عليه وسلم-؟! فأقبل عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((دعهما)) فلما غفل غمزتها فخرجتا، وكان يوم عيد يلعب فيه السودان بالدرق والحراب، فإما سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وإما قال: ((تشتهين تنظرين؟ )) فقلت: نعم، فأقامني وراءه خدي على خده، وهو يقول: ((دونكم بني أرفدة)) حتى إذا مللت قال: ((حسبكِ؟ )) قلت: نعم، قال: ((فاذهبي)) متفق عليه.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: صلاة العيدين(48/6)
تثنية عيد، وهو ما يعود ويتكرر في وقت معين، وليس لنا في الإسلام إلا هذين العيدين، ولا ثالث لهما إلا ما يطلق على الجمعة من أنه عيد الأسبوع، وما عدا ذلك فلا عيد لنا، وما يُفعل على المستوى العام أو الخاص مما يعود ويتكرر في يوم معين من السنة، أو من الشهر، أو ما أشبه ذلك كله من البدع، فالله -جل وعلا- أبدلنا بأعياد المشركين بهذين العيدين، ولا ثالث لهما، هذا العيد الذي يعود ويتكرر لا شك أنهما يومان عظيمان يتعقبان عبادات عظيمة، فعيد الفطر يتعقب الصيام، وهو ركن من أركان الإسلام، وعيد الأضحى يقع بعد الوقوف بعرفة الذي هو ركن الحج الأعظم ((الحج عرفة)) وهذه الأعياد بالنسبة للأمة هي أيام فرح وسرور، وتوسعة على النفس والأهل ((لتعلم يهود أن ديننا فسحة)) وفرصة، لكن لا يجوز أن تخطى ما حده الله -جل وعلا- لنا {تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا} [(229) سورة البقرة] لا يجوز أن نتجاوز ما حده الله -جل وعلا- لنا، نعم هذه الأعياد أيام فرح وسرور واجتماع وصلة وأكل وشرب لا يجوز صومهما إلا أننا مقيدون بقيود شرعية، لا يجوز لنا أن نتجاوزها، عيد الفطر يتعقب الصيام، وعيد الأضحى يتعقب الوقوف بعرفة، وجاء في الحديث: ((شهرا عيد لا ينقصان)) رمضان وذي الحجة، قد يقول قائل: إن رمضان ليس فيه عيد، العيد في أول شوال، أما ذي الحجة فالعيد في أثنائه، فكيف يضاف الشهر إليه وقد انتهى؟ لقربه منه ولملاصقته له صار كأنه منه، كما يقال في المغرب: وتر النهار ((فرضت الصلاة ركعتين ركعتين)) حديث عائشة: ((فزيد في الحضر، وأقرت صلاة السفر، إلا المغرب فإنها وتر النهار، وإلا الفجر فإنها تطول فيها القراءة)) المغرب وتر النهار، وهي تقع في الليل بعد غروب الشمس، لكن لملاصقتها للنهار كأنها من النهار، ومثلها عيد الفطر لملاصقته لشهر رمضان كأنه منه.(48/7)
قال: "عن يزيد بن خمير الرحبي قال: "خرج عبد الله بن بسر صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع الناس في يوم عيد فطر أو أضحى فأنكر إبطاء الإمام" يعني وقت صلاة العيد من ارتفاع الشمس إلى الزوال، هذا وقتها عند أهل العلم، لا تجوز قبله ولا تصح بعده، على ما سيأتي من أنهم إذا لم يعلموا بدخول الشهر إلا بعد الزوال فإنهم يصلون من الغد على ما سيأتي، هذا وقت صلاة العيد، لكن الوقت المفضل أن يبادر بها، لا سيما الأضحى، وأما الفطر فيتأخر قليلاً لا يجاوز يعني إلى وقت تحتر فيه الشمس فيتضايق به المصلون.
أبطأ الإمام تأخر لكنه في الوقت، وقال: "إنما كنا -يعني: عبد الله بن بسر- إنما كنا قد فرغنا ساعتنا" يعني مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في هذا الوقت حينما احترت الشمس "قد فرغنا ساعتنا هذه، وذلك حين التسبيح" يعني حين وقت صلاة الضحى التي الأفضل أن تؤخر ((صلاة الأوابين إذا رمضت الفصال)) فينبغي أن تصلى صلاة العيد قبل ذلك يعني من ارتفاع الشمس إلى أن يحضر وقت صلاة الضحى، تكون في هذا الوقت ولا تؤخر كثيراً بعد ارتفاع الشمس، لا سيما الأضحى فإنها يبادر بها.
"رواه أبو داود وابن ماجه، وعند البيهقي: "إنا كنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم-" هو يحكي ما حصل له مع النبي -عليه الصلاة والسلام- وليس من اجتهاده "ويزيد بن خمير روى له مسلم" ما دام روى له مسلم جاز القنطرة "ووثقه شعبة وابن معين وغيرهما، وقال أحمد: حديثه حسن" يعني أقل ما قيل فيه: إن حديثه حسن، فعلى كل حال الحديث إن لم يصل إلى الصحة فهو حسن على أقل تقدير، فتبين بهذا أن وقت صلاة العيد إنما هو بعد ارتفاع الشمس، وبعد خروج وقت النهي، والمستحب والسنة أن يبادر بها قبل أن يحضر وقت صلاة الضحى الذي هو بعد أن تحتر الشمس، وترمض الفصال.
قال -رحمه الله-:(48/8)
"وعن أبي عمير بن أنس عن عمومة له من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" ما دام نص على أنهم صحابة فهم كلهم ثقات، ولو لم يسموا "عن عمومة له من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن ركباً" ركب جمع راكب، كصحب جمع صاحب "جاءوا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يشهدون أنهم رأوا الهلال بالأمس" هذا الركب من المسلمين إذ لا تصح ولا تجوز شهادة غير المسلمين، وكأنهم معروفون عنده -عليه الصلاة والسلام-، فلم يحتج إلى تقريرهم، كما قال للأعرابي: ((أتشهد أن لا إلا الله، وأني رسول الله؟! )) قال: نعم، فأمر الناس بالصيام، هؤلاء إما أن يكونوا معروفين عنده -عليه الصلاة والسلام-، أو لأنهم مجموعة جمع يجبر بعضهم بعضاً، على كل حال هم مسلمون "يشهدون أنهم رأوا الهلال بالأمس، فأمرهم أن يفطروا" جاءوا إلى المدينة بعد الزوال، وشهدوا أنهم رأوا الهلال بالأمس بعد مدة، يعني من غروب الشمس إلى الزوال من اليوم الثاني قرابة عشرين ساعة، قد يقول قائل: كيف ينتظر الخبر ما يصل إلى بعد عشرين ساعة؟ ليصل مهما قربوا، قبل وسائل الاتصال يحدثنا شيخ كبير السن عمره في الثمانين يقول: نحن في قرية قريبة من بلد فيه قاضي كنا جالسين بعد صلاة العصر نقرأ القرآن في المسجد، جاءنا من يقول: إن الهلال رئي البارحة في البلد الذي بجوارهم، عشرين كيلو أو خمسة وعشرين كيلو، يعني قبل وسائل الاتصال ما يستبعد مثل هذا ولا يستغرب، فيموت الميت لا يعلم به، وبعض الناس لا سيما من هاجر من بلد إلى آخر بقصد طلب العلم مثلاً، ولا يريد أن يشوش عليه ما يقرأ ولا الخطابات، تأتيه رسائل من بلده ما يفتحها، يهاجر من المشرق إلى المغرب أو العكس، ثم تأتيه الرسائل الذي فيها نعي والده وأمه وأولاده وإخوانه، ما يفتحها إلا إذا قرر الرجوع؛ لئلا ينشغل ذهنه، لا شك أن هذا فيه يعني شيء من قسوة في القلب يعني ما يهتم لأهله ولا والده ولا والدته ولا كذا، ذكر في تراجم بعض من رحل إلى المشرق ذُكر هذا الأمر، نعم الطريق قد يستغرق ستة أشهر أو أكثر، فكيف يذهب إليهم ثم يعود ثانية وكذا؟! يريد يعني يقول: اللي يموت يموت عادي خلاص انتهى، يعني بعض الناس عندهم من التحمل إلى هذا الحد، وما زال ناس(48/9)
موجودون، إذا أراد أن يذهب إلى رحله أو نزهة تستغرق شهر أو شهرين، يغلق الجوال يقول: لا تتصلون، الدراهم عندكم، والسواق عندكم، اللي يموت للمقبرة، واللي يمرض للمستشفى، يقال: من أجل إيش؟ أن يرتاح في رحلته، فإذا كان هذا في رحلة أو نزهة عادية فكيف بمن هاجر لطلب العلم؟! وكل هذا قدر زائد على المطلوب، فالمطلوب من المسلم أن يطلب العلم، ومع ذلك أن يهتم ببر والديه وصلة أقاربه، نعم قد يأذن الوالد له بالسفر، لكن لا يصل الأمر إلى هذا، بعضهم ما يفتح الخطاب إلا بعد سنين إذا حصل من العلم ما حصل، فإذا بوالده قد مات من خمس سنوات! هذه قسوة، والله المستعان.
هؤلاء الركب جاءوا إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- بعد الزوال، يخبرونه أنهم رأوا الهلال بالأمس "فأمر الناس أن يفطروا" الفطر واجب؛ لأن العيد لا يجوز صومه بحال، يحرم صوم يومي العيدين "فأمرهم أن يفطروا، وإذا أصبحوا يغدوا إلى مصلاهم" يعني الصلاة -صلاة العيد- لا بد أن تصلى في وقتها، وقد خرج وقتها عند إخبارهم إياه -عليه الصلاة والسلام-، إذاً تقضى في وقتها، من الغد بعد ارتفاع الشمس "فأمرهم أن يفطروا، وإذا أصبحوا يغدوا إلى مصلاهم" وهل الصلاة من الغد قضاء أو أداء؟
طالب: قضاء.
قضاء بلا شك، وإن تردد بعضهم بعض أهل العلم يقول: إن الخبر إنما يلزم بعد بلوغه، ومن بلغهم الخبر الآن فهي أداء، على كل حال المسألة سهلة يعني، هم ما أخروها متعمدين لتأخيرها، وهي وإن كانت قضاء كصلاة النائم حتى خرج وقت الصلاة، هي قضاء لكنه لا يأثم إذا بذل الأسباب لينتبه، قد يقول قائل: لماذا لا نقضي الصلاة في وقتها كصلاة العيد؟ نام عن صلاة الظهر وما انتبه إلا بعد خروج وقتها؛ لماذا لا يقضيها من الغد في وقتها مثل العيد؟ عندنا نص: ((من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك)) يجب قضاء الفوائت فوراً، اللهم إلا صلاة العيد ففيها هذا النص، يدل على أنها لا تصح في غير وقتها، فلا تقدم عليه ولا تؤخر عنه.(48/10)
"رواه أحمد وأبو داود وهذا لفظه، وابن ماجه والنسائي وصححه الخطابي وابن المنذر" وهو حديث ثابت يجب العمل به؛ لأن إبهام الصحابة لا يضر "وصحح البيهقي وابن حزم إسناده، ولا وجه لتوقف ابن القطان فيه" لأن ابن القطان استدرك على عبد الحق تصحيح الخبر، وطعن فيه، لكن الأئمة كلهم على تصحيحه.
"وعن عائشة -رضي الله تعالى عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((الفطر يوم يفطر الناس، والأضحى يوم يضحي الناس)) رواه الترمذي وصححه، وفي بعض ألفاظه: ((والحج يوم يحج الناس)) " ((الفطر يوم يفطر الناس)) فلا يجوز للإنسان أن يشذ بفطر دون سائر الناس، ولا يجوز له أن يصوم والناس ما صاموا، ولا يجوز له أن يضحي قبل الناس، كما أنه لا يجوز له أن يقف بعرفة قبل الناس، فالفطر يوم يفطر الناس، والصوم يوم يصوم الناس ((والأضحى يوم يضحي الناس)) والحديث أقل أحواله الحُسن، ثابت، فإذا رأى الإنسان الهلال قبل الناس، رأى الهلال وردت شهادته، ردت شهادته في أول الشهر وهو يجزم أنه رأى الهلال، رآه بما لا مرية فيه ولا شك، هل يصوم وحده باعتبار أنه مأمور بالصيام لرؤيته، أو لا يصوم إلا مع الناس؟
طالب:. . . . . . . . .(48/11)
نعم، المسألة خلافية؛ لأنه يتجاذبه هذا الحديث: ((الفطر يوم يفطر الناس، والصوم يوم يصوم الناس)) وأيضاً ((صوموا لرؤيته)) وقل مثل هذا فيما إذا رأى هلال شوال، إذا رأى هلال شوال وحده وردت شهادته ما وجد غيره، ومعلوم أن خروج الشهر لا بد من اثنين، ما يكفي واحد، ردت شهادته، وهو متأكد يصوم، وفي قرارة نفسه أن هذا يوم العيد، ولا يجوز صيامه، ويمتثل حديث: ((وأفطروا لرؤيته)) أو يصوم مع الناس في اليوم الأخير، ويفطر مع الناس في اليوم الأول؟ مقتضى هذا الحديث أن يصنع كما يصنع الناس، ويسعه ما يسمع الناس، وفي حديث كُريب عند مسلم: لما جاء من الشام، والناس صائمون وأخبرهم أنهم رأوا الهلال ليلة الجمعة، فقال ابن عباس: إنا لم نره إلا ليلة السبت، فلا نزال نصوم حتى نراه، كُريب أكمل الثلاثين مع صيام أهل الشام، وإذا كان مجيء كريب يوم الثلاثين أو بعد إكمال الثلاثين، الإشكال فيما إذا كان بعد إكمال الثلاثين، وصام مع الناس في الشام اليوم الأول، وأهل المدينة ما صاموا، ثم أتم أهل المدينة الثلاثين؛ لأنهم لم يروه، فيلزم على هذا أن يكون كريب صام واحداً وثلاثين يوماً، والشهر لا يصل بأي حال من الأحوال إلى واحد وثلاثين، فمن عمل بالحديث بعمومه قال: يصوم مع الناس ولو أدى ذلك إلى أن يصوم واحداً وثلاثين يوماً، ومن قال: عليه أن يعمل بـ ((صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته)) قال: يصوم لرؤية نفسه، ويفطر لرؤية نفسه، مع أن جميع طرق الحديث فيها الجمع، وفيه مخاطبة الأمة لا مخاطبة الأفراد ((صوموا)) يعني هذه مخاطبة للأمة ((صوموا)) فهم يصومون لرؤيته، ويفطرون لرؤيته، ورؤيتهم تتحقق بواحد، لكن الكلام على صوموا الأمر بالصيام للجميع، والأمر بالفطر للجميع، فعلى هذا لا يصوم إلا مع الناس، ولا يفطر إلا مع الناس على مقتضى هذا الحديث، ومن أهل العلم من يقول: إذا كان قد رأى الهلال رؤية لا يشك فيها فهو مأمور بـ ((صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته)) فإنه يفطر سراً، ويصوموا سراً؛ لئلا يشوش على الناس، والمسألة خلافية.(48/12)
((الأضحى يوم يضحي الناس)) رأى الهلال والناس ما رأوه، ولا استقر عندهم، رآه ليلة الجمعة، وهم ما رأوه إلا ليلة السبت، يترتب على هذا أن يقف بعرفة قبل الناس، وأن يضحي قبل الناس؛ لأنه رأى الهلال، الوقوف في اليوم التاسع، وإن انتظر الناس وقف في اليوم العاشر، نقول: يقف مع الناس ويضحي مع الناس، والأضحى يوم يضحي الناس، والعلماء يقولون: إن وقف الناس في الثامن أو في العاشر خطأ صح حجهم.
قال: "وعن عبيد الله بن أبي بكر بن أنس -رضي الله عنه- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يغدو" يعني يذهب في الغداة لصلاة العيد "يوم الفطر حتى يأكل تمرات" "لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات" لأن عيد الفطر متعقب لصيام، لمنع من الأكل، ويوم العيد يحرم صومه فلئلا يشتبه الناس في أول النهار بالصائمين، وقد منعوا من الصوم سن لهم أن يأكلوا تمرات قبل الذهاب إلى صلاة العيد؛ لأنه قد يقول قائل: استمر صائم إلى أن أصلي العيد، نقول: لا، هذا يوم لا يجوز صومه، ولا تتشبه بأهل الصيام؛ لأنه يجب فطره، يعني كما يقول بعض الفقهاء: إن المعتكف يستمر في ثياب اعتكافه حتى يصلي العيد؛ لأن عليه أثر عبادة، فلا يحسن أن يبادر بإلقاء هذا الأثر حتى يصلي العيد، فقد يقول قائل أيضاً: الصيام أثر عبادة فلا أزال صائماً حتى أصلي العيد، نقول: لا، الرسول -عليه الصلاة والسلام- لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات، وأيضاً يستحب أن تحضر العيد بلباس حسن وهيئة حسنة، يلبس أفضل ما عنده، كما تقدم في حلة عُطارد، يلبس أفضل ثيابه، فكونه يغدو إلى صلاة العيد بثياب الاعتكاف التي فيها ما فيها مما قارفه أثناء اعتكافه في نومه وأكله وشربه، قد يكون الجو حار، فلا شك أن هذا خلاف السنة.(48/13)
" ((حتى يأكل تمرات)) وقال مرجى بن رجاء: حدثني عبيد الله قال حدثني: أنس عن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((ويأكلهن وتراً)) " وتر، إما أن يقتصر على واحدة، لا سيما إذا خشي أن يتضرر؛ لأن من الناس من يتضرر بأكل التمر، أو يأكل ثلاث أو خمس أو سبع إذا كان لا يضره، لكن يقطع العدد على وتر؛ لأنه قال: ((ويأكلهن وتراً)) والتمر جاءت السنة بأنه يُفطر عليه الصائم، التمر، فإن لم يجد فالماء؛ لأن التمر غذاء وفاكهة، نافع جداً للمعدة الفارغة الخالية، ونافع للبصر، وفوائده كثيرة جداً.
((يأكلهن وتراً)) لا يغدو -عليه الصلاة والسلام- فالمفضل أن يأكل في بيته قبل أن يخرج، قبل أن يغدو إلى صلاة العيد، وبعض الناس يجلس بعد صلاة الصبح في مصلاه حتى ترتفع الشمس ليحصل الأجر الثابت في طول العام، ثم يغدو إلى المصلى فليأكل في المسجد قبل أن يغدو إلى المصلى، وإذا كانت صلاة العيد تصلى في المسجد الذي يجلس فيه كالحرم مثلاً، إذا أكل في المسجد قبل أن يتجهز لصلاة العيد .. ، هو مطالب بوظائف وعبادات يصلي الفجر، ثم يجلس في مجلسه، ثم إذا ارتفعت الشمس انتهت وظيفة، الوظيفة الأولى، يبدأ بالوظيفة الثانية، ثم بين الوظيفتين يأكل التمر، وإذا أكل التمر بعد طول الفجر وقبل غدوه إلى المسجد الذي يصلي فيه الفجر ويجلس فيه حتى يصلي العيد يصح أنه طبق السنة "لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات" رواه البخاري تعليقاً" تعليقاً يعني أنه حذف من مبادئ إسناده واحداً أو أكثر.
وإن يكن أول الإسناد حُذف ... مع صيغة الجزم فتعليقاً عُرف
قال: "وقد أسند الإسماعيلي هذه الرواية المعلقة" الإسماعيلي في مستخرجه على البخاري أسند هذه الرواية المعلقة، وهذه من وظائف المستخرجات، من وظائف المستخرجات وصل المقاطيع والمعلقات.
قال: "وعن ثواب بن عتبة عن عبد الله بن بريدة عن أبيه -رضي الله عنه- قال: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يخرج يوم الفطر حتى يطعم" كما تقدم أنه لا يغدو ولا يخرج حتى يأكل تمرات وتراً، ولا يطعم يوم الأضحى حتى يصلي؛ لأن يوم الأضحى متعقب لصيام أو لفطر؟
طالب: لفطر.
يوم عرفة.
طالب: لصيام.
نعم؟(48/14)
كان هذا استمرار "لا يخرج يوم الفطر حتى يطعم، ولا يطعم يوم الأضحى حتى يصلي" يعني ليس بصيام فرض إلزام يحتاط له الناس مثل ما يفعلوه في النوافل، فمثل هذا لا إشكال فيه إذا كانت نافلة فإنه لا يحتاط لها مثل ما يحتاط للفرض؛ لأنه متعقب لفريضة، والفريضة يحتاط لها، لكن النافلة الناس مجرد ما تنتهي ينتهي حكمها ليست كالفرض.
"ولا يطعم يوم الأضحى حتى يصلي" لأنه يشرع له أن يبدأ بالأكل من أضحيته {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [(27) سورة الحج] {وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [(36) سورة الحج] فالأكل من الأضحية أقل ما قيل فيه: إنه سنة، فليبادر بأضحيته بعد الصلاة، ولا تصح إلا بعد الصلاة، ثم يبادر بالأكل منها كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام-.
"ولا يطعم يوم الأضحى حتى يصلي" رواه أحمد وابن ماجه وابن حبان والترمذي وهذا لفظه، وقال: حديث غريب، وقال محمد: لا أعرف لثواب غير هذا الحديث" محمد الذي ينقل عنه الترمذي هو البخاري، قال محمد يعني جرت عادة الترمذي أنه إذا أراد أن يعقب قال: قال أبو عيسى، نعم لا يقول: قال محمد، وإذا نقل عن البخاري قد يقول: محمد بن إسماعيل، وقد يقتصر على محمد، نعم ثواب هذا مقل من الرواية، حتى قال بعضهم: إنه مجهول، لكنه توبع على هذا الحديث، وارتفعت جهالته.
"وقد وثق ثواب بن عتبة ابن معين في رواية عباس الدوري وغيره، وأنكر أبو حاتم وأبو زرعة ذلك، وقال ابن عدي ... " على كل حال الحديث له ما يشهد له "وقال ابن عدي: وثواب يعرف بهذا الحديث وحديث آخر، وهذا الحديث قد رواه غيره عن ابن بريدة" يعني أنه توبع عليه، لم يتفرد به، توبع عليه فارتفع ما يخشى من جهالته "وقد رواه غيره عن ابن بريدة، منهم عقبة بن عبد الله الأصم ولا يلحقه بهذين ضعف" ما دام توبع وعرفه من عرفه، ابن معين وثقه، وعرف بهذا الحديث وغيره حديث آخر، وتوبع عليه، لا يلحقه ضعف بهذا، فالحديث صالح للحجة، وله ما يشهد له من الحديث السابق.
قال -رحمه الله-:(48/15)
"وعن أم عطية -رضي الله عنها- قالت: "أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نخرجهن في الفطر والأضحى" يعني أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يخرج النساء لحضور الفطر والأضحى "العواتق والحيض وذوات الخدور" العواتق اللواتي بلغن، أو قاربن البلوغ، والحيض المكلفات اللواتي أصابهن الحيض، وذوات الخدور البنات اللواتي لا يبرزن للناس، وهذه هي الصفة المعروفة على مر العصور والدهور، حتى أخرجت المرأة والبنت من خدرها، وصارت تزاحم الرجال، وقل حياؤها، وإلا كن النساء في خدروهن، والبنت قبل أن تتزوج لا ترى، وكان -عليه الصلاة والسلام- أشد حياء من العذراء في خدرها، لأن يضرب بها المثل؛ لأنها لا ترى، وكان الناس إلى وقت قريب يعرفون أن عند الجيران بنت، يسمعون من النساء ومن الأقارب أن عند آل فلان بنت، لا يدرون كم عمرها، فضلاً عن يعرفوا شيئاً من أوصافها، وقد يتزوج الولد ببنت جيرانه أو ببنت أقاربه وهو لا يعرف عنها شيء، لا سيما وقد تعارف الناس على المبالغة في هذا الباب؛ لأنه لا سيما الخاطب له أن ينظر بأمره -عليه الصلاة والسلام-، فالناس كانوا لا يمكنون الخاطب من النظر إلى وقت قريب، لا يمكنونه من النظر؛ لكن هل الأمر بالنظر على سبيل الوجوب والإلزام أو أنه أمر بعد حظر يكون للإباحة؟ والنبي -عليه الصلاة والسلام- أمر جابر أن ينظر إليها ((فإنه أحرى أن يؤدم بينكم)) ((انظر إليها، فإن في أعين الأنصار شيئاً)) على كل حال هذا يحقق المصلحة، لا سيما إذا كان الخاطب رجل ثقة عاقل، فمثل هذا السنة أن يمكن من النظر.
ذوات الخدور اللواتي لا يبرزن لأحد يؤمرن بالخروج إلى صلاة العيد، فضلاً عن غيرهن، فضلاً عن كبار السن عن العجائز، الكل يخرج لصلاة العيد؛ لأنها مناسبة عظيمة في الإسلام، ينبغي أن يهتم بها المسلم، "أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" وفي بعض الروايات: "أمرنا" ومعلوم أن الصحابي إذا قال: أمرنا أو نهينا فإنه لا يقصد بذلك إلا أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- ونهيه، وحينئذٍ يكون له حكم الرفع، ولو لم يصرح بالآمر.
قول الصحابي من السنة أو ... نحو أمرنا حكمه الرفع ولو
بعد النبي قاله بأعصرِ ... على الصحيح وهو قول الأكثرِ(48/16)
أما إذا صرح الصحابي كما هنا: "أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" فهو مجمع على أنه مرفوع مضاف إليه للتصريح به -عليه الصلاة والسلام-، لكن هل هو بمثابة افعلوا، اخرجوا العواتق؟ الجمهور نعم، وذهب بعضهم إلى أنه لا يعني الأمر ولا النهي حتى ينقل اللفظ النبوي، ولكن هذا القول ليس بصحيح، بل قول باطل.
قال: "فأما الحيض فيعتزلن المصلى" لأنه ليس للحائض أن تدخل المسجد، وليس للجنب أن يدخل المسجد إلا مروراً، عابر سبيل، فليس للحائض أن تحضر المساجد، ومنها مصلى العيد "فأما الحيض فيعتزلن المصلى" لأنه ليس لها أن تبقى في المسجد وفي حكمه مصلى العيد، لا سيما إذا كان معروفاً بحدوده، ويصلي فيه العيد باطراد، فإنه يكون له حكم المسجد، يعتزلن الصلاة، وفي بعض الروايات: "يعتزلن المصلى".
"ويشهدن الخير" يسمعن الخطبة والموعظة وما يوجه من قبل الإمام "ويشهدن الخير، ودعوة المسلمين" مما يدل على أن الخطب تشتمل على الدعاء، يدعو الخطيب، ويؤمن عليها، ويستوي بذلك خطبة الجمعة وخطبة العيد، وغيرها من الخطب.
"قلت: يا رسول الله إحدانا لا يكون لها جلباب" فكيف تخرج ولا جلباب لها؟ "قال: ((تلبسها أختها من جلبابها)) " يعني إذا كان عندها قدر زائد من الجلابيب فإنها تعيرها جلباباً تحضر به صلاة العيد ((من كان له فضل ظهر فليجد به على من لا ظهر له)) وهكذا كان المسلمون يتعاونون على أمور دينهم ودنياهم، ولا يتصور أن كل إنسان عنده ما يلبسه ويتجمل به ويخرج، قد تكون المرأة ليس عندها ما يكفي لستر بدنها فتخرج إلى الصلاة أو غيرها كما في هذا الحديث، لكن التعاون على البر والتقوى هو المطلوب.
"متفق عليه، واللفظ لمسلم"(48/17)
"وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر وعمر يصلون العيدين قبل الخطبة" متفق عليه" صلاة الجمعة بعد الخطبة بالإجماع، يخطب ثم يصلي؛ لأن الخطبة لصلاة الجمعة شرط، والأصل في الشرط أن يتقدم المشروط، وأما في العيدين فالخطبة ليست بشرط، بل حضورها سنة، وجاء في التشديد بالنسبة لخطبة الجمعة ما جاء، لكن خطبة العيد: ((إنا نخطب فمن أحب أن يجلس فليجلس، ومن أحب أن ينصرف فلينصرف)) فأمر الخطبة في صلاة العيد أقل، وليست بشرط اتفاقاً، فموقعها بعد الصلاة؛ لئلا يحبس من لا يريد سماع الخطبة؛ لأنه ما دام جاء التخيير فلا داعي إلى أن يحبس الناس، قد يقول قائل: إنه تكون الخطبة قبل، والذي لا يريد أن يحضر لا يبكر، يخشى أن تفوته صلاة العيد إذا قيل بمثل هذا، فيضمن الصلاة ثم يصلي، فإن أراد أن يجلس يجلس، وإن أراد أن ينصرف فلينصرف.
وصلاة العيد حكمها مختلف فيه بين أهل العلم، فعند الحنابلة فرض كفاية، وعند الشافعية والمالكية سنة مؤكدة، ويرى الحنفية وجوبها عيناً، وجوبها على الأعيان، فإذا أمر بها النساء فمن باب أولى أن تتأكد وتجب في حق الرجال، الحنابلة يقولون: فرض كفاية؛ لأنها شعار تسقط بقيام البعض كالجهاد، النبي -عليه الصلاة والسلام- واظب على صلاة العيد، وواظب عليها خلفاؤه من بعده، وأمر العواتق والحيض وذوات الخدور أن يخرجن إلى المصلى، فالقول بالوجوب متجه، وهو ما يرجحه شيخ الإسلام، وعلى هذا من تعمد ترك صلاة العيد يأثم، لكن ليست هي بمثابة الصلوات الخمس، ومن فاتته صلاة العيد من قال بوجوبها يقضيها، والذي لا يقول بوجوبها لا يلزمه قضاؤها، يقضيها الأصل أن تقضى على صفتها، وجمع من أهل العلم يقولون: يقضيها أربع ركعات، ما يقضيها ركعتين يقضيها أربعاً كالجمعة إذا فاتت تقضى أربعاً، لكن الأصل أن القضاء يحكي الأداء، فتقضى على صفتها.(48/18)
"كان النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر وعمر يصلون العيدين قبل الخطبة" فهذه هي السنة، ومن قدم الخطبة على الصلاة فقد خالف السنة، وحصل في الصدر الأول تقديم الخطبة على الصلاة، وحصل الإنكار من بعض الصحابة على الخطيب وهو على المنبر، ويختلفون في أول من قدم الخطبة على الصلاة، فبعضهم يقول: عثمان، وبعضهم يقول: معاوية، وبعضهم يقول: مروان، وعلى كل حال هديه -عليه الصلاة والسلام- وهدي أبي بكر وعمر أنهم يصلون قبل الخطبة.
"متفق عليه".
"وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى يوم الفطر ركعتين" وهذا إجماع، أن صلاة الفطر والأضحى صلاة العيد ركعتان.
"لم يصل قبلها ولا بعدها" معلوم أن النبي -عليه الصلاة والسلام- هو الإمام، وإذا دخل المصلى انشغل بالصلاة كالجمعة إذا دخل لم يصل قبلها إنما ينشغل بالخطبة، فكونه -عليه الصلاة والسلام- لم يصل قبلها لا يعني أنه بصفته إمام يقتدي به غير الأئمة؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- هو الأسوة وهو القدوة للجميع {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [(21) سورة الأحزاب] ولا أسوة ولا قدوة لنا إلا به -عليه الصلاة والسلام-، لكن يبقى أنه قد يفعل الفعل باعتباره واحد من المسلمين، وقد يفعل الفعل باعتباره إمام في الصلاة، وقد يفعل الفعل باعتباره الإمام الأعظم، وكلٌ يقتدي به بكل اعتبار فيما يخصه في إمامة الصلاة يقتدي به الأئمة، في الإمامة العظمى يقتدي به الأئمة السلاطين، في سائر أموره يقتدي به عموم المسلمين، مما يوضح هذا ((فإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: اللهم ربنا ولك الحمد)) ((فإذا قال -يعني الإمام-: سمع الله لمن حمده، فقولوا: اللهم ربنا ولك الحمد)) الرسول -عليه الصلاة والسلام- ثبت عنه أنه يقول: سمع الله لمن حمده، وثبت عنه أن يقول: ربنا ولك الحمد، ما الذي يخص الإمام من الجملتين؟
طالب:. . . . . . . . .(48/19)
نعم سمع الله لمن حمده، وربنا ولك الحمد لأنه ثبت أن النبي -عليه الصلاة والسلام- يقولها، لكن ما الذي يخص المأموم؟ الجملة الثانية لأنه قال: إذا قال فقولوا، فإذا قال: سمع الله لمن حمده مع أنه ثبت أن النبي -عليه الصلاة والسلام- يقولها، لكنه يقولها باعتباره إماماً، فالذي للمأموم مما يقتدى به -عليه الصلاة والسلام- ما يخصه، فالمأموم يقول: ربنا ولك الحمد، ولا يقول: سمع الله لمن حمده، وإن قالها النبي -عليه الصلاة والسلام-، والشافعية يقولون: يجمع بينهما كل مصلٍ؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- قالها وهو القدوة، لكن قالها باعتباره إمام، ويفسره حديث: "فإذا قال فقولوا" ((فإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد)).
"لم يصل قبلها" لم يصل قبل صلاة العيد لأنه انشغل بالصلاة، لم يصل قبل صلاة الجمعة لأنه انشغل بالخطبة وهكذا الأئمة، لكن إذا تقدم المأموم قبل الإمام لا سيما إذا كانت الصلاة في المسجد فهل نقول: لا يصلي باعتبار أن النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يصل قبلها ولا بعدها؟ وقال بهذا جمع من أهل العلم، أو نقول: يصلي؛ لحديث: ((إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين)) يعني في المصلى الذي لا يأخذ جميع أحكام المسجد الأمر أسهل، لكن في المسجد الذي أمرنا أن لا نجلس حتى نصلي ركعتين، لا شك أن الأمر أقوى من مجرد الترك منه -عليه الصلاة والسلام-، الذي يحتمل أنه ترك ذلك لكونه إماماً، وانشغل بالصلاة.
"لم يصل قبلها ولا بعدها" يعني في مكان المصلى وإلا فقد ثبت أنه على ما سيأتي أنه يصلي إذا رجع إلى منزله ركعتين.
قال: "لم يصل قبلها ولا بعدها، ثم أتى النساء ومعه بلال فأمرهن بالصدقة" خطب الرجال بما يناسبهم ويليق بهم، وبما يشملهم ويشمل غيرهم من النساء، لكنه خص النساء؛ لأنه رأى النساء أكثر أهل النار بالعلل التي ذكرها، بم يا رسول الله؟ قال: ((يكثرن اللعن، ويكفرن العشير)) ثم حثهن على الصدقة ((والصدقة تطفئ غضب الرب)).(48/20)
"فجعلن يلقين -تلقي المرأة- خرصها" حلقة من الذهب أو الفضة تعلق في الأذن "وسخابها" القلائد تلقي من غير أذن زوجها، هل في مجال للاستئذان؟ تذهب المرأة إلى زوجها وتستأذن وترجع وتلقي؟ يعني ظاهر النص أنها تلقي بمجرد ما سمعت الموعظة، هذه مسألة مهمة جداً، يعني يحتاج إليها في هذا الزمن الذي كثر فيه الكلام عن حقوق المرأة، هي تلقي بغير إذن، فمنهم من خص ذلك بالشيء اليسير، وقد جاء في سنن أبي داود ما يدل على أن المرأة لا تتصرف في مالها إلا بإذن زوجها، ولا بالصدقة، لكن إذا أردنا أن نرجح فما في الصحيحين أرجح مما في سنن أبي داود، وإذا حملنا هذا على الشيء اليسير كما قال بعض أهل العلم ويبقى الشيء المؤثر لا بد أن يستأذن فيه الزوج، وعلى كل حال المرأة مكلفة وحقوقها كاملة، وضمنها لها الشرع، فتتصرف إذا كانت حرة رشيدة تحسن التصرف في المال وإلا لزم الحجر عليها كالرجال.
وعنده "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خرج يوم أضحى أو فطر فصلى ركعتين لم يصل قبلها ولا بعدها، ثم أتى النساء ومعه بلال، فأمرهن بالصدقة، فجعلت المرأة تلقي خرصها وسخابها".
"وعن عبد الله بن محمد بن عقيل" وفيه كلام لأهل العلم من جهة حفظه "عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يصلي قبل العيد شيئاً، فإذا رجع إلى منزله صلى ركعتين" رواه ابن ماجه، وابن عقيل مختلف فيه" ومع الاختلاف فيه لا يصل إلى حد يرد حديثه، لا سيما مع عدم المخالفة، فحديثه حسن؛ لأنه لم يبلغ مرتبة من يصحح حديثه، وليس فيه حديثه ما يرد من أجله "لا يصلي قبل العيد شيئاً" ولا بعدها في مكانها، لكن إذا رجع إلى منزله صلى ركعتين هما ركعتا الضحى، وقد جاء الحث عليهما، وتقدم الكلام فيهما.
"رواه ابن ماجه"(48/21)
يعني بعض الناس يحرص أن يجلس في المسجد حتى ترتفع الشمس ويصلي الركعتين، تعرضاً لما وعد الله به على لسان نبيه -عليه الصلاة والسلام- من فعل هذا الفعل ثم بعد ذلك مجرد ما ترتفع الشمس ويزول وينتهي وقت النهي يصلي ركعتين خفيفتين ويلحق بصلاة العيد، يعني الفطر يدرك، لكن الأضحى قد يفوته شيء منها؛ لأنه يبادر بها، وعلى كل حال إذا خشي من فوات صلاة العيد لا ينتظر إلى حد ترتفع فيه الشمس يصلي ركعتين يلحق بهم، يصلي العيد وإذا رجع إلى منزله يصلي هاتين الركعتين.
"وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كبر في عيد اثنتي عشرة تكبيرة" عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مضى الخلاف فيه مراراً، وأن حديثه إذا صح السند إليه لا ينزل عن درجة الحسن؛ لأن سبب الخلاف في عود الضمير في جده، هل يعود إلى عمرو فيكون الجد محمد؟ إذا عاد إلى عمرو فالجد شعيب، ويكون الحديث حينئذٍ مرسلاً، وإذا عاد إلى الأب الذي هو شعيب عاد الضمير إلى عبد الله بن عمرو، وقد جاء التصريح به في مواضع.
"عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو" وهذا ما رجحه أكثر أهل العلم أنه إذا صح السند إليه فالحديث لا ينزل عن درجة الحسن؛ لأن الجد جاء التصريح به في بعض الطرق، وفي بعض الأحاديث: عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو، يبقى النظر في سماع شعيب من جده عمرو، وأثبته جمع من أهل العلم؛ لأنه تربى في حجره.(48/22)
"أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كبر في عيد ثنتي عشرة تكبيرة سبعاً في الأولى" يكبر سبع تكبيرات في الأولى "وخمس في الأخيرة" في الثانية، وهل من السبع تكبيرة الإحرام أو غير تكبيرة الإحرام؟ قالوا: بتكبيرة الإحرام؛ لأنه يمكن عدها، أما الخمس في الأخيرة قالوا: بدون تكبيرة الانتقال؛ لماذا؟ لأنه لا يمكن عدها، كبر سبع وهو قائم وكبر خمس وهو قائم، مثل السبع، وتكبيرة الإحرام تقال من قيام، وتكبيرة الانتقال تقال حال الانتقال، قبل أن يستتم القيام، فلا تعد من الخمس، ومنهم من قال: سبع دون تكبيرة الإحرام، فيكون المجموع ثمان، وخمس دون تكبيرة الانتقال فيكون المجموع ست، ومنهم من قال: سبع بتكبيرة الإحرام وخمس بتكبيرة الانتقال، لكن ما ذكر أولاً هو المرجح، ومنهم من يقول: ثلاث في الأولى وثلاث في الثانية، ومنهم من يقول: أربع في الأولى وثلاث في الثانية، لكن حديث الباب حديث عمرو بن شعيب أقوى وأصح ما ورد في الباب، وأحرى ما ينبغي العمل به، فالمرجح أنه يكبر الإمام في الأولى سبعاً، وفي الثانية خمساً، سبع مع تكبيرات الإحرام، وخمس دون تكبيرة الانتقال، ويفصل بينهما بين هذه التكبيرات بسكوت، ويرفع يديه مع كل تكبيرة، وإن ذكر الله بين هذه التكبيرات فقد جاء عن ابن مسعود غيره، ثم إذا فرغ من التكبيرات قرأ وتعوذ وبسمل وقرأ الفاتحة ثم يقرأ بعدها، والقراءة، قال: "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" على ما سيأتي في القراءة "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كبر في عيد ثنتي عشرة تكبيرة سبعاً في الأولى وخمساً في الأخيرة.(48/23)
"ولم يصل قبلها ولا بعدها" رواه أحمد، وهذا لفظه، وقال: أنا أذهب إلى هذا" يعني إلى هذا العدد سبع وخمس، يذهب إلى هذا؛ لأن حديث عمرو بن شعيب أصح ما ورد في الباب "ورواه أبو داود، ولفظه قال: قال نبي الله -صلى الله عليه وسلم-: ((التكبير في الفطر سبع في الأولى، وخمس في الأخيرة، والقراءة بعدهما كلتيهما)) " يعني: بعد التكبير في الركعتين، وهذا قول جمهور أهل العلم، ويرى الحنفية أن التكبير في الأولى قبل القراءة، يعني: القراءة بعد التكبير في الأولى، وقبل التكبير في الثانية لتتوالى القراءتان، لكن هذا ليس عليه دليل، كما أنهم يقولون يكبر ثلاثاً ثلاثا، وهو مخالف لما جاء في هذا الحديث، والنص على أن القراءة بعد التكبير الزوائد، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
رفع اليدين سنة مثل تكبيرة الإحرام، ما ذكر لكن ثبت عن ابن عمر وغيره، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا ما في ضعف، ابن عمر ثبت عنه الرفع هنا وفي الجنازة.
"ونقل الترمذي عن البخاري أنه صحح هذا الحديث" صحح هذا الحديث، والصنعاني أنكر على الترمذي النقل عن البخاري، ويقول: إنه لم يذكر هذا في جامعه، فأين ذكره؟
قال: "وتبعه البيهقي على هذا" أنه نقل عن الترمذي، لكن الترمذي نقل عن البخاري هذا الكلام في العلل، أن البخاري قال: إن حديث عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي صحيح.
"وعن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- سأل أبا واقد الليثي: ما كان يقرأ به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الأضحى والفطر؟ فقال: كان يقرأ فيهما -في الأضحى والفطر- بـ {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} [(1) سورة ق] {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ} [(1) سورة القمر] وتقدم أنه يقرأ في العيد بسبح والغاشية كالجمعة، وهنا في حديث أبي واقد: يقرأ فيهما، في الأضحى والفطر، في العيدين بـ {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} [(1) سورة ق] {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ} [(1) سورة القمر].
"رواه مسلم وأبو واقد اسمه الحارث بن عوف" فيسن للإمام أن يقرأ بهاتين السورتين أحياناً، ويقرأ أيضاً بسبح والغاشية أحياناً.(48/24)
"وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: كان النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا كان يوم عيد خالف الطريق" رواه البخاري" في العيد يخالف الطريق، يذهب من طريق ويرجع من طريق آخر؛ ليعدل -عليه الصلاة والسلام- بين المسلمين، فالمسلمون مشتاقون إلى رؤيته -عليه الصلاة والسلام-، ومحتاجون إلى سؤاله، فإذا ذهب من طريق رجع من طريق، وهو أيضاً من باب تكثير الخطى إلى العبادات، ويحسب في الرجوع مثل ما يحسب في الذهاب إلى العبادة، كما جاء في صلاة الجمعة: ((ومشى ولم يركب)) هل مشى في الذهاب فقط؟ لا، حتى في الرجوع لم يركب؛ لأنه جاء في الحديث الصحيح: "أن رجلاً أراد أن يشتري حماراً للرجوع فقيل له: لا، إن الرجوع يعني حكمه حكم الذهاب" أو كما جاء في الخبر، بعضهم يقول: ما دام من أجل تكثير الخطوات والعدل بين الناس فالإمام ينبغي له أن يعدل بين الناس، ويذهب من طريق في كل عبادة، لو ذهب لصلاة العصر، ذهب لصلاة الظهر، ذهب فضلاً عن الجمعة التي يقيسها كثير من أهل العلم على العيد، وأنه يسن فيها ذلك، لكن النص إنما ورد في العيد.
"وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "دخل عليَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- وعندي جاريتين تغنيان بغناء بعاث" الغناء معلوم أنه أداء الشعر بصوت حسن، فإذا سلم من اللفظ المحرم، وسلم من الآلة فلا مانع منه، لا سيما في أيام الأعياد "عندي جاريتان تغنيان بغناء بُعاث" وهو يوم من أيام الجاهلية.(48/25)
"فاضطجع على الفراش وحول وجهه" لئلا ينظر إليهن "ودخل أبو بكر فانتهرني، وقال: "مزمار الشيطان عند النبي -عليه الصلاة والسلام-" المزمار من حمله على آلة الغناء استثنى يوم العيد مما جاء في منع المزامير، ومن قال: إنه يمكن أن يطلق تجوزاً على الصوت الحسن أنه مزمار، كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام- لأبي موسى: ((لقد أوتيت مزماراً من مزامير آل داود)) أبو موسى يقرأ القرآن بالآلات؟! أوتي مزمار يعني صوت حسن يشبه المزمار، يؤثر كتأثير المزمار، على كل حال من قال: إن مزمار حقيقي استثنى استعمال المزمار من النصوص الواردة في منعه، ومن قال: إن المزمار المراد به الصوت الحسن المؤثر في السامع كتأثير المزمار قال: لا يجوز استعمال الآلة مطلقاً، وقد جاءت الأدلة بمنع المزامير على ما سيأتي في الحديث أول حديث في الدرس اللاحق -إن شاء الله تعالى-، فأبو موسى الأشعري أوتي مزماراً من مزامير آل داود، والمراد به الصوت الحسن، وليس المراد به الآلة، وجاء المنع للمزامير جملة، وسيأتي في درس الغد -إن شاء الله- ما يوضح هذا.(48/26)
"فأقبل النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((دعهما)) فلما غفل غمزتهما فخرجتا" غفل أبو بكر يعني براً به مع أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أقر، فقال: ((دعهما)) وذكر العلة في بعض الأحاديث: ((ليعلم يهود أن في ديننا فسحة)) لا سيما في مثل هذا اليوم، مما يدل على أن سائر الأيام على المنع، قد يقول قائل: هذه جواري؟! نقول: جواري والجواري ليس حجابهن مثل حجاب الحرائر، ولا يوجد خلوة، ويذكر في تراجم بعض أهل العلم أنه اشترى جارية تغني له، وش المانع؟! جارية يرى منها ما شاء بملك اليمين، وتغني بصوت حسن بين يديه بدون آلة؛ لأن بعض الناس يطنطن حول هذه المسائل ليبيح ما حرم الله -جل وعلا- من المعازف والمزامير والغناء الذي عامة أهل العلم على تحريمه، فيمسك مثل هذه النصوص المشتبهة فيجعلها هي الأصل، ويترك النصوص التي فيها التأكيد والتشديد على منع المعازف والغناء، وما أشبه ذلك، وهناك كتب ألفت في الموضوع، ولابن القيم -رحمه الله تعالى- كلام كثير في الغناء وتأثيره في القلوب، وأنه ينبت النفاق في القلب -نسأل الله السلامة والعافية- وأنه قرآن الشيطان، الكلام في إغاثة اللهفان طويل، ولابن القيم مصنف خاص في السماع، ثم بعد ذلك استدرج الشيطان الناس فبدلاً من أن يغني لهم ويزعمون أن هذا أقل أحواله أنه مباح أدخله في عباداتهم، فصاروا يزاولون العبادات على الآلات والرقص والمزامير والموسيقى، ووجد في بعض عبادات من غلا من الصوفية يشبهون بذلك النصارى الذي يصلون صلواتهم على المعازف، ولبس الشيطان على هؤلاء بأن المعازف والأغاني ترق القلوب وتفعل، فأدخلها في عباداتهم ليرق قلبه أثناء العبادة، وأي ضلال فوق هذا؟! يرقصون ويزعمون أنهم يتقربون إلى الله -جل وعلا- بهذا، يعني ما اكتفوا بأن يزاولوه وهو محرم ويتوبون ويستغفرون كفساق المسلمين، جعلوه من المستحب، ثم أدخلوه في العبادات، وجعلوه مما يتعبد به إلى الله -جل وعلا- نسأل الله السلامة والعافية.(48/27)
"فلا غفل غمزتهما فخرجتا، وكان يوم عيد يعلب السودان بالدرق والحراب" يعني مما يتمرن به على الجهاد، يعلبون بالدرق والحراب من أجل أن إعداد العدة للعدو، يتمرنون بذلك، كما حصل من النبي -عليه الصلاة والسلام- من المسابقة والمصارعة، وغير ذلك مما يعين على الجهاد.
"فإما سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" نسيت هل سألت الرسول -عليه الصلاة والسلام- أو هو بادر "قال: ((تشتهين تنظرين؟ )) فقلت: نعم، فأقامني وراءه خدي على خده -عليه الصلاة والسلام-" وهم لا يرونها، يعني هي تنظر إليهم من بعد، إما من بيتها، أو من ناحية في المسجد "وهو يقول: ((دونكم بني أرفدة)) " يعني استمروا من أجل أن تنظر عائشة -رضي الله عنها وأرضاها-، قد يقول قائل: إن هي من وراءه -عليه الصلاة والسلام- لا يرونها بلا إشكال، لكن هل تراهم؟ نعم تراهم، على أن لا تحدد المرأة في وجه الرجل، يجب عليها أن تغض بصرها، أما أن ترى مجموعة من الناس إما خارجين من مسجد أو في سوق أو ما أشبه ذلك لا أحد يأمرها بأن تغمض عينيها، عليها أن تغض بصرها، كما أن الرجل يجب عليه أن يغض بصره عن النساء.
"وهو يقول: ((دونكم بني أرفدة)) حتى إذا مللت" ملت من النظر وملت من القيام "قال: ((حسبكِ؟ )) قلت: نعم" يعني يكفيك ما نظرتِ إليه "قلت: نعم، قال: ((فاذهبي)) متفق عليه" والنبي -عليه الصلاة والسلام- يفعل مع عائشة -رضي الله عنها- لصغر سنها ما لا يفعله مع غيرها من أمهات المؤمنين الذين يكبرنها في السن، فينبغي أن يعمل كل إنسان بما يليق به، والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
نعيد نكرر ما قلناه في أول الدرس أن درس الغد -إن شاء الله- نستكمل فيه ما يُمنع لبسه أو يكره، يعني كتاب اللباس، والذي يليه بعد غد، ابتداء من الساعة السادسة صباح الخميس، في هذا المكان نكمل ما يتعلق بالكسوف والاستسقاء، ونكون بهذا أنجزنا إلى كتاب الجنائز، وفي الأسبوع الثاني من شعبان -إن شاء الله تعالى- في الثلاثة الأسابيع الأخيرة من شعبان نبدأ بكتاب الجنائز في الحرم -إن شاء الله تعالى-، ونكون بذلك ...
طالب:. . . . . . . . .(48/28)
العصر، بالنسبة للحرم العصر، وبعد غد الخميس هنا في الساعة السادسة صباحاً بعد ارتفاع الشمس.
طالب: موقع الكرسي يا شيخ؟
والله إلى الآن، لكن المتوقع اللي قدام التوسعة، قدام التوسعة اللي فيه الشيخ العروسي، هذا الأصل، فإذا حصل تغيير سهل يعني.
طالب: السلام عليكم، قول ابن حزم ذكرتم. . . . . . . . . إذا أخر فرض .... إذا خرج؟
إيه، نقل الإجماع على هذا.
طالب: الإجماع على أنه كافر؟!
على أنه يكفر ولا يقضي، لكن منقوض.
طالب: منقوض الإجماع.
إيه إجماع ثاني أنه لا يكفر بفرض واحد وإنه يقضيه.
طالب: يا شيخ الصحابة متى بلغهم الخبر أنهم رأوا الهلال ... هل في النهار أو بعد الزوال؟
أكيد بعد الزوال.
طالب: بعد الزوال، ما بينت الرواية ...
المقصود أنه بعد خروج وقتها.
طالب: من خطب قبل صلاة العيد هل ابتدع؟
العيد؟
طالب: نعم.
خالف السنة ...(48/29)
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: المحرر – كتاب الصلاة (49)
الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
يقول: هل حليب النوق داخل في حكم أكل لحمها؟ وإذا شربه رجل جاهل ثم صلى ولم يتوضأ فماذا يفعل؟
لا شيء عليه، الحليب والمرق الذي يطبخ فيه اللحم إذا لم يوجد فيه شيء من اللحم فلا ينقض الوضوء.
يقول: ذكرتم أن المرأة لا تتصرف في مالها إلا بإذن زوجها فهل يدخل في هذا مهرها ورواتبها إن كانت موظفة؟
قلنا: إنه جاء ما يدل عليه في سنن أبي داود، والذي معنا -وهو في الصحيحين- أن النساء تصدقن من حليهن من دون مراجعة الأزواج، فإن كانت المسألة مسألة ترجيح فما في الصحيحين أرجح أنها تتصرف، وإن قال بعضهم: إن ما في الصحيح شيء يسير لا يحتاج إلى مراجعة، فالشيء اليسير يتصرف به الإنسان حتى الصبي الصغير يتصرف، على كل حال إذا كانت المرأة مكلفة رشيدة حرة، تعرف كيف تكتسب الأموال وكيف تنفق الأموال في وجوهها فعامة أهل العلم على أن لها ذلك، وأنها مثل الرجل.
يقول: أيهما أفضل الكوكب الساطع أو مراقي السعود في الحفظ؟
الكوكب الساطع نظم لجمع الجوامع، وهو كتاب من أجمع الكتب في أصول الفقه، وعبارته سهلة ميسرة، أما المراقي رغم ما فيه من علم ونفاسة إلا أنه فيه وعورة، فيه صعوبة في حفظه.
أيهما أولى ألفية العراقي أو ألفية السيوطي؟
ذكرنا في مناسبات كثيرة أن ألفية العراقي أولى بالحفظ وأسهل وأجمع إلا في أبواب زادها السيوطي تحفظ من ألفية السيوطي.
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟
طالب: على ما فيها من تكسير. . . . . . . . .
لا، تحفظ على ما فيها، على ما وضعها مؤلفها، المنظومات تحفظ كما وضعها مؤلفوها، ومع ذلك إن وجد تصحيح يقال: صوابه كذا، أو الأولى أن يقال كذا، لكن لا يحرف في الأصل.
ما الأصل في اللهو واللعب هل هو الإباحة أم التحريم؟(49/1)
الأصل المنع على حسب مستوى أو قدر هذا اللهو وهذا اللعب، وبقدر ما يضاده من خير ويمنع من خير، الأصل المنع؛ لأن الأمة أمة جد، والحياة لعب ولهو، وأمر الإنسان أن ينصرف عنها إلى تحقيق ما خلق له وهو العبودية؛ ليكون في جميع تصرفاته متعبداً لله -جل وعلا-، وإذا زاول شيئاً من أمور الدنيا، ومن ذلك اللهو اليسير والعبث اليسير كما كان يفعله -عليه الصلاة والسلام- من النكت بالعود أو الخط في الأرض أو ما أشبه ذلك هذا أمر سهل يعني يسير لا يؤثر.
يقول: نرجو أن يكون درس الغد بعد العصر لتعارضه مع وقت الدوام؟
أولاً: الغد خميس ما في داوم.
الأمر الثاني: أنه لو أُخر الدرس إلى العصر نحن عندنا لقاء بجدة بعد صلاة المغرب، ففيه مشقة عظيمة، ويمكن ما يكفي الوقت لنأخذ منه مسافة الطريق.
هذا يقول: لمسجدنا موقع نقوم عن طريق الإنترنت بإرسال رسائل الجوالات -جوالات أهل المسجد- وتحتوي على أحاديث ونصائح وتذكير باللقاء الشهري، وحصول أشياء لبعض المصلين، كمن أولد له، أو زواج، أو مرض أو نحو ذلك، سؤالي: هل يجوز إرسال رسالة فيها إخبارهم بموت فلان من الناس، هل هو من النعي المحرم؟
إذا كان لمجرد الإخبار الذي يترتب عليه الحضور والإعانة في تجهيزه، وقضاء ديونه، والمساهمة في الصلاة عليه ودفنه، هذا ما فيه شيء، النبي -عليه الصلاة والسلام- نعى النجاشي، والنعي المنهي عنه هو ما كان يفعله أهل الجاهلية من الوقوف في السكك، ومداخل الأحياء: ألا أن فلان بن فلان قد مات وفيه وفيه، يذكرون محاسنه هذا هو النعي.
يقول: هل يتابع المسبوق الإمام في قراءة التشهد الأول والثاني أم يسكت؟ إذا كان مسبوقاً وأدرك التشهد الثاني بالنسبة للإمام وهو الأول بالنسبة له هل يقف على التشهد الأول ولا يصلي على النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى آخر التشهد أو يكمل مع الإمام؟(49/2)
من الفقهاء من يرى أن هذا ركن، الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- هذا ركن، ولا يجوز أن يوضع في غير موضعه، وإنما يكرر التشهد الأول أو يسكت إذا فرغ منه، لكن الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- جاءت بصيغة تشمل التشهدين في الجملة، فلو صلى على النبي -عليه الصلاة والسلام- وأكمل التشهد تبعاً لإمامه فلا شيء عليه.
يقول: المسافر إذا كان نازلاً ويسمع النداء بالصلاة، فهل تلزمه صلاة الجماعة؟
نعم تلزمه ما لم يخش فوت الرفقة، أو ضياع شيء من متاعه، أن سرقة شيء من سيارته، أو ما أشبه ذلك.
يقول: ما حكم صبغ الشعر سواء الرأس أو اللحية بالسواد؟
لا يجوز؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((جنبوه السواد)).
ذكر دخول المنزل والخروج منه يقال في كل مرة يدخل فيها الإنسان بيته ويخرج منه؟
نعم.
دعاء الخروج لصلاة الفجر: ((اللهم اجعل في قلبي نوراً)) هل يقال في بقية الصلوات؟
لا، هذا خاص بصلاة الفجر مع أن النسائي كأنه أشار إلى أنه ليس ذكراً للخروج إلى الصلاة، وإنما هو في الصلاة.
سم.
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين.
قال الإمام ابن عبد الهادي -رحمه الله تعالى- في كتابه المحرر:
باب: ما يُمنع لبسه أو يكره وما ليس كذلك
عن عبد الرحمن بن غنم الأشعري قال: حدثني أبو عامر أو أبو مالك الأشعري -والله ما كذبني- سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((ليكونن من أمتي أقواماً يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف، ولينزلن أقواماً إلى جنب علم تروح عليهم بسارحة لهم يأتيهم رجل لحاجة، فيقولوا: ارجع إلينا غداً، فيبيتهم الله، ويضع العِلْم)).
العَلَم.(49/3)
((ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة)) رواه البخاري تعليقاً مجزوماً به، فقال: قال هشام بن عمار: حدثنا صدقة بن خالد عن عبد الرحمن بن يزيد عن عطية بن قيس عن عبد الرحمن بن غنم، ولا التفات إلى ابن حزم في رده له، وزعمه أنه منقطع فيما بين البخاري وهشام، وقد رواه الإسماعيلي والبرقاني في صحيحيهما المخرجين على الصحيح بهذا الإسناد، ولفظهما: ((ويأتيهم رجل لحاجة)) وفي رواية: ((فيأتهم طالب حاجة)) وفي رواية: حدثني أبو عامر الأشعري ولم يشك، ورواه الطبراني عن موسى بن سهل الجوني البصري عن هشام، ورواه أبو داود ولفظه: ((ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الخز والحرير)) وذكر كلاماً، قال: ((يمسخ منهم آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة)) والخز هنا: نوع من الحرير.
وعن حذيفة -رضي الله عنه- قال: "نهانا النبي -صلى الله عليه وسلم- أن نشرب في آنية الذهب والفضة، وأن نأكل فيها، وعن لبس الحرير والديباج، وأن نجلس عليها" رواه البخاري.
وعن أبي عثمان النهدي قال: أتانا كتاب عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ونحن بأذريبجان مع عتبة بن فرقد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن الحرير إلا هكذا، وأشار بإصبعه السبابة والوسطى، فيما علمنا أنه يعني الأعلام" متفق عليه.
ولمسلم عن عمر -رضي الله عنه- قال: "نهى نبي الله -صلى الله عليه وسلم- عن لبس الحرير إلا موضع أصبعين أو ثلاثة أو أربع".
وقال الدارقطني فيما انفرد به مسلم: لم يرفعه عن الشعبي غير قتادة، وهو مدلس لعله بلغه عنه، وقد رواه شعبة عن ابن أبي السفر عن الشعبي عن سويد عن عمر قوله، وكذلك رواه بيان وداود بن أبي هند عن الشعبي عن سويد عن عمر قوله.
وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رخص لعبد الرحمن بن عوف والزبير -رضي الله عنهما- في قميص الحرير في السفر من حكة كانت بهما" متفق عليه.
وفي البخاري: "شكيا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يعني القُمل- فأرخص لهما في الحرير، فرأيته عليهما في غزاة".
وعن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: "كساني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حلة سَيَراء ...
سِيَراء.(49/4)
سِيَراء فخرجت فيها، فرأيت الغضب في وجهه، فشققتها بين نسائي" متفق عليه، واللفظ لمسلم.
وعن أبي موسى -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((أحل الذهب والحرير لأناث أمتي، وحرم على ذكورها)) رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه، وقيل: إنه منقطع.
وعن الشعبي عن الفضيل بن فضالة عن أبي الرجاء العطاردي قال: خرج علينا عمران بن حصين وعليه مطرف خز، فقلنا: يا صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تلبس هذا؟! فقال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن الله يحب إذا أنعم على عبده نعمة أن يرى أثر نعمته عليه)) رواه ابن أبي الدنيا في كتاب الشكر والبيهقي واللفظ له، وقال إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين: فضيل بن فضالة الذي روى عنه الشعبي ثقة ...
شعبة، شعبة.
الذي روى عنه شعبة ثقة، وقال أبو حاتم: هو شيخ.
وعن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: "رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عليَّ ثوبين معصفرين، فقال: ((أأمك أمرتك بهذا؟! )) قلت: أغسلهما؟ قال: ((بل أحرقهما)).
وعن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أن رسول الله عليه وسلم نهى عن لبس القِسي والمعصفر.
القَسِي.
القَسِي والمعصفر. رواهما مسلم.
وروى من حديث مصعب بن شيبة عن صفية بنت شيبة عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "خرج النبي -صلى الله عليه وسلم- ذات غداة وعليه مرط مرحل من شعر أسود، والمرحل الذي قد نقش فيه تصاوير الرحال".
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: ما يُمنع لبسه أو يكره وما ليس كذلك
يعني: باب اللباس، واللباس أدخله المؤلف هنا بين أبواب الصلاة باعتباره شرط من شروط الصلاة، والأصل أن الشرط يتقدم المشروط، فلو قُدم قبل الدخول والشروع في كتاب الصلاة كان له وجه، كان هو الأوجه كما تُقدم الشروط الأخرى من الطهارة واستقبال القبلة والنية وغير ذلك.(49/5)
والغريب أن المؤلف -رحمه الله تعالى- جعله بين باب العيدين وبين صلاة الكسوف والاستسقاء، يعني لو أخره عنهما كما فعل ابن حجر مع أن ابن حجر أيضاً قدمه على الجنائز، المقصود أن الترتيب فيه شيء من الخلل، يعني يحتاج إلى إعادة وضع لهذا الباب في موضعه المناسب، فإما أن يقدم باعتباره شرط من شروط الصلاة، أو يؤخر في أبواب الأدب كما يفعله الأئمة الكبار، يعني يجعلونه بعد الأحكام من العبادات والمعاملات.
على كل حال الترتيب ينبغي أن يكون دقيقاً، وإن كان لا يخل في أصل ما وضع الكتاب من أجله؛ لأن القصد الفائدة، وتحصل في أي مكان وُضع، لكن الترتيب يرتب ذهن القارئ، ويجعل المعلومات بعضها مرتب على بعض، وهذا يعين في فهم الأبواب والعلوم.
قال: باب: ما يُمنع لبسه أو يكره وما ليس كذلك(49/6)
اللباس الأصل فيه الحل، وهو أيضاً خاضع للأعراف والعادات عادات البلدان، ما لم يرد فيه نص بخصوصه فيمنع من أجله، في جميع البلدان إذا ورد فيه نص، قد يقول قائل: الناس اعتادوا أن الرجال ثيابهم طويلة، والنساء ثيابهم قصيرة، في بلدان الدنيا العالم كله على هذا، هل نقول: إن العرف يبيح مثل هذا؟ لا، لكن إذا كان العرف المتفق عليه في بلد ما جرى على لباس لم يرد به منع من الشرع فلا مانع من لبسه، والمانع ما ورد فيه بخصوصه منع فيما يتعلق بلباس الرجل، وما يتعلق بلباس المرأة، بخصوصه، وما ورد فيه المنع على جهة العموم كالتشبه بالكفار مثلاً، أو تشبه الرجال بالنساء، أو النساء بالرجال، أو لبس ثياب الشهرة التي يتفرد بها الإنسان عن غيره بحيث من رآه من بعد عرف أنه فلان؛ لأن هذا لباسه يتميز به عن الناس، فلباس الشهرة ممنوع، لباس النساء ممنوع بالنسبة للرجال والعكس، لباس الكفار ممنوع بالنسبة للمسلمين، ما يتعلق بألبسة النساء وضوابط ألبسة النساء ما يخرج عنها كله ممنوع، فيما يبدي شيئاً من العورة أو من مفاتن المرأة، أو من محاسن المرأة هذا كله ممنوع، وكذلك ما يتعلق بلباس الرجال من الحرير، وأيضاً المعصفر والأحمر، وما أشبه ذلك، وما كان من خصائص النساء هذا كله ممنوع، يعني يأتي نساء من بعض الأقطار من المغرب أو من الشام، أو من جهات أخرى، يعني ما تختلف عن لباس الرجال يلبسن الأبيض، والتفصيل قريب من تفصيل الرجال بالنسبة لبلد آخر، أما رجالهم يختلف لباسهم عن نسائهم، نقول: هذا عرف ما دام ثوب الرجل أو ثوب المرأة ما في منع يخصه فما كان تابعاً للعرف فإنه حينئذٍ الأصل فيه الإباحة، مع أن الرجل الأولى به أن يلبس الأبيض ((البسوا من ثيابكم البياض، وكفنوا فيهن موتاكم)).
قال: ما يُمنع لبسه أو يكره وما ليس كذلك(49/7)
"عن عبد الرحمن بن غنْم الأشعري قال: حدثني أبو عامر أو أبو مالك الأشعري -والله ما كذبني- سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول" هذا حديث المعازف المشهور، المخرج في صحيح البخاري بصيغة (قال) قال هشام بن عمار: حدثنا صدقة بن خالد عن عبد الرحمن بن يزيد عن عطية بن قيس عن عبد الرحمن بن غنم قال: حدثني أبو عامر أو مالك الأشعري -والله ما كذبني- فذكر الحديث.
العلماء يختلفون في هذا الخبر، وما جاء بهذه الصيغة مما يرويه البخاري عن شيخه الذي لقيه وسمع منه، لكنه لا يقول: حدثني كالعادة وإنما يقول: قال، فالذي مشى عليه ابن الصلاح والنووي والعراقي وغيرهما أنه موصول، سمعه البخاري من هشام بن عمار؛ لأنه شيخه سمع منه إلا أنه بدل من أن يقول: حدثني قال: قال هشام بن عمار، صرح بالتحديث عنه في خمسة مواضع، فلا شك في لقائه له، وقالوا: غاية ما يقال في (قال) أنها مثل (عن) محكوم لها بالاتصال عند البخاري بثبوت اللقاء، والبراءة من وصمة التدليس، واللقاء ثابت، فالبخاري لقي هشام بن عمار، وروى عنه، وحدث عنه، والبخاري بريء من وصمة التدليس، بل قال ابن القيم: "هو أبعد خلق الله عن التدليس" والأدق في العبارة أن يقول: من أبعد خلق الله، فالسند متصل عند هؤلاء.
. . . . . . . . . أما الذي ... لشيخه عزا بـ (قال) فكذي
عنعنة كخبر المعازفِ ... لا تصغ لابن حزم المخالفِ(49/8)
فهو متصل عندهم، المزي في (تحفة الأشراف) رمز للحديث بعلامة التعليق (خت) خاء تاء، فهو عنده معلق، ومال إلى ذلك الحافظ ابن حجر، وجمع من أهل العلم قالوا: لو كان متصلاً رواه البخاري عن هشام بن عمار بدون واسطة لقال فيه كغيره: حدثني هشام بن عمار، لكن لما عدل عن هذه الصيغة دل على أنه لم يسمعه منه مباشرة، البخاري يعدل عن الصيغة الصريحة لنكتة، فلعله عدل عنها في هذا الحديث للشك من عبد الرحمن بن غنم حينما قال: حدثني أبو عامر أو أبو مالك، البخاري -رحمه الله- يعدل عن الصيغة الصريحة ليبين أن في الإسناد شيء من الخلل، وإن لم يكن هذا الخلل مؤثراً؛ لأن عبد الرحمن بن غنم سواء روى الحديث عن أبي مالك أو أبي عامر كلاهما ثقات صحابة، فلا يؤثر أن يكون الحديث من حديث أبي عامر أو من حديث أبي مالك، وعلى القولين سواء قلنا: إنه متصل كما قال ابن الصلاح والحافظ العراقي والنووي وغيرهم، أو قلنا: إنه معلق، لكنه بصيغة الجزم، قال هشام بن عمار، وما علق بصيغة الجزم فالبخاري ضمن لنا من حذف، يعني يفترض أنه في واسطة بينه وبين هشام بن عمار، هذه الواسطة مضمونة؛ لأن البخاري جزم بنسبة الخبر إلى هشام بن عمار، وعلى كل حال فالحديث صحيح، وهو مخرج في الأسانيد المتصلة عند أبي داود وغيره، فهو صحيح على كل حال.
قال: "حدثني أبو عامر أو أبو مالك الأشعري والله ما كذبني" يعني أحدهما صدقني فيما قال، والصحابة ما يحتاج أن يحلف على إخبارهم أنه صدق، وثقهم الله -جل وعلا-، ووثقهم نبيه -عليه الصلاة والسلام-، واختارهم الله لصحبة نبيه، وحمل دينه، وتبلغيه الناس، فكلهم ثقات.
"سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((ليكونن من أمتي أقوام)) " ليكونن اللام لام قسم محذوف تقديره: والله ليكونن، ويكونن فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد ((من أمتي أقوام)) أقوام فاعل وإلا اسم كان؟ الآن كان تحتاج إلى فاعل وإلا تحتاج إلى اسم؟
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني (كان) تامة هذه (كان) تامة تحتاج إلى فاعل، بمعنى ليوجدن.
((من أمتي)) أمة الإجابة أو أمة الدعوة؟
طالب: أمة الإجابة.(49/9)
أمة الإجابة ((يستحلون الحر والحرير)) الحر: الفرج، يستحلون الفروج، يستحلون الزنا، فهل هؤلاء من أمة الإجابة؟ وهم باستحلالهم المحرم المجمع عليه خرجوا من كونهم من أمة الإجابة، كفروا بهذا الذي يستحل المجمع على حرمته أو العكس هذا كافر عند أهل العلم، مكذب لله ورسوله، فهم من أمة .. ، لو قلنا: إنهم من أمة الدعوة قلنا: أمة الدعوة يستحلون جميع المحرمات، لا يقتصر استحلالهم على ما ذكر. . . . . . . . .، قبل الاستحلال هم من أمة الإجابة.
((ليكونن من أمتي أقوام يستحلون)) يعني يجعلون الحرام حلالاً، فدل على أن جميع ما ذكر في الخبر حرام، ولو لم يكن حراماً ما يقال: إنهم استحلوه، يستحلون الحر بعض الروايات: ((الخز)) والأكثر: الحر وهو الفرج، والمراد بذلك استحلال الزنا، وإن كان المراد به الخز كما في بعض الروايات، فهو ضرب من الحرير.
قوله: ((والحرير)) من باب عطف العام على الخاص؛ لأن الخز نوع من الحرير، فهو من باب عطف العام على الخاص، وإذا قلنا: الحر والحرير فهذا محرم وهذا محرم مغايرة.
((والخمر)) يستحلون الزنا، يستحلون المحرم من اللباس كالحرير، ومن الشراب كالخمر، وجاء أنه يكثر شربها في آخر الزمان، وتسمى بغير اسمها، ومع الأسف أن هذه موجودة حتى في بعض البلدان المنتسبة إلى الإسلام باسم الحرية -نسأل الله السلامة والعافية- يعني تباع في أسواق بعض البلدان التي تنتسب إلى الإسلام، إما وجودها في الفنادق والأماكن الخاصة فهذا كثير -نسأل الله السلامة-، وهذا كله من أجل تصديق ما أخبر عنه النبي -عليه الصلاة والسلام- الذي لا ينطق عن الهوى؛ لأنه يخبر عن مستقبل ((ليكونن)) يعني في المستقبل، وهذا من أعلام نبوته -عليه الصلاة والسلام-.(49/10)
((يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف)) المعازف آلات اللهو، والآن كثر استعمال المعازف، ويوجد في كثير من بلدان المسلمين من غير نكير، وسهّل وجوده بين الناس وجود الجوالات، كما أنه سهل وجود التصوير بين الناس، فاستنكر الناس أول ما وجدت هذه النغمات، وأصدرت اللجنة الدائمة الحكم بتحريم النغمات الموسيقية، ووزعت وعلقت في المساجد والمجامع وترجمت، وكأن شيئاً لم يكن، وإذا قيل لمن ضبط جواله على نغمة محرمة يقول .. ، غاية ما يقول: إن ابن حزم إمام من أئمة المسلمين، يعني ابن حزم تقابل به النصوص! ولو قيل لك: لماذا لا تقتدي بابن حزم في مسائل أخرى؟ قال: الإمام أحمد إمام من أئمة المسلمين، في مسألة أخرى الإمام مالك، هذا متبع لهواه، يبحث عن ما يناسبه من الأقوال، وإلا من يترضي أن يكون إمامه وقائده ابن حزم في جميع أبواب الدين؟ ما أظن واحد بيرضى أن يكون ابن حزم الظاهري الذي يُتندر ببعض المسائل التي صرح بها وبعضها إلزام.(49/11)
على كل حال ابن حزم عنده خلل كبير في العقيدة، فهل ترضاه أن يكون إمام لك؟ والله لا ترضاه، لكنه الهوى، يعني وافق الهوى، وهذا لا شك أنه من اتخاذ الهوى إله -نسأل الله السلامة والعافية-، وإلا إذا أوردت عليه مسألة من كلام ابن حزم قال: لا، ابن حزم فيه شيء من الشدة، وهو لا يرى القياس الذي هو أحد أركان الاجتهاد، وأخرجه كثير من أهل العلم من الاعتبار في مواطن الخلاف والاتفاق كسلفه داود، المقصود أن ما يقول مثل هذا الكلام إلا صاحب هوى، ابن حزم الذي يقول: لو لم يرد في البر إلا قوله -جل وعلا-: {فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ} [(23) سورة الإسراء] لجاز قتلهما، يقول: هذه الكلمة على أنها أخف ما يقال لا تمنع القتل؛ لأنه ظاهري، لكن جاء نصوص أخرى تمنع، فكون كثير من الناس الذين استهواهم الشيطان واستغواهم، وزين لهم القبيح يقولون: ابن حزم إمام، وما عرف ابن حزم إلا في هذه المسألة عند الناس، يعني مسألة الأغاني والمعازف يلجئون لابن حزم، ويلجئون لأحمد في مسائل، ولأبي حنيفة في مسائل، وهكذا حتى يخرج الإنسان من دينه وهو لا يشعر، وهذا تتبع الرخص الذي ذكر أهل العلم أن من تتبع الرخص تزندق؛ لأنه ما من مسألة إلا وفيها أقوال، فيها الشديد، وفيها المتوسط، وفيها المتساهل، فإذا عُمل بأقوال المتساهلين في جميع المسائل انتهى، ما بقي من الدين شيء.
((والخمر والمعازف، ولينزلن أقوام إلى جنب علم)) جبل كبير مرتفع ((تروح عليهم بسارحة لهم)) السارحة الماشية من الغنم والإبل، يؤتى بها ليشربوا من ألبانها، ثم يسرح بها الراعي، ينتجع بها الكلأ، وهكذا تغدو وتروح عليهم، يأكلون ويشربون من نعم الله، ويتقلبون في النعم، وهم على هذا الحال يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف.(49/12)
قال: ((ولينزلن أقوام إلى جنب علم تروح عليهم بسارحة لهم، يأتيهم رجل لحاجة)) يأتيهم رجل لحاجة له إما يطلب إعانة، فيقال له: ائتنا غداً ((ارجع إلينا غداً)) ثم إذا جاءهم وجدهم موتى ((يبيتهم الله، ويضع العَلَم)) الذي هو الجبل عليهم، هؤلاء وضع عليهم الجبل، ويُمسخ أو يَمسخ آخرين قردة وخنازير، والمسخ يكثر في هذه الأمة في آخر الزمان، وذكر ابن القيم -رحمه الله- آثار وأخبار كثيرة جداً في إغاثة اللهفان في هذا الباب؛ لكثرة المخالفات، وذكر أن هذا المسخ قردة وخنازير أكثر ما يحصل في طائفتين: في علماء يبيعون الدين بأمر يسير من أمور الدنيا، ويحرفون الدين، وفي ولاة ظلمة، يقهرون الناس، ويعسفون الناس على شهواتهم.(49/13)
على كل حال الأمر كما أخبر النبي -عليه الصلاة والسلام- بوادره بدأت تلوح، في هناك أمور ما كانت معروفة في بلاد المسلمين، ثم أخذت تنتشر، وصار يُجادل عنها، ويُحاج عنها، والناس لهم عقول، ولهم ما يميزون به بين الحق والباطل على حد زعمهم، فيتركون لأن العصر عصر علم، وأن عصر الجهل الذي فيه سوق الناس على رأي واحد، وعسف الناس على اختيار واحد انتهى، الناس الآن ما عاد صاروا يحتاجون إلى أن يؤطروا على قول واحد، أو على .. ، أو حتى على الحق، ومن وراء ذلك كله ما يسمى بحقوق الإنسان، والدعوة إلى الحريات، الأصل أن المسلم مكلف مأمور منهي بأوامر الله ونواهيه، لا بد أن يلتزم ويستقيم على دين الله، إذا أمر لا بد أن يأتمر، وإذا نهي لا بد أن ينتهي، إذا كان القصد بالحرية التي تخلص الناس من تكليف المخلوق، واستعباد المخلوق نعم هذه جاء بها الشرع، أما الحرية التي تخلص الناس من الدين وتكاليف الدين هذه مرفوضة؛ لأن الأصل أن الإنس والجن ما خلقوا إلا لعبادة الله -جل وعلا-، فعليهم أن يأتمروا بالأوامر، وينتهوا عن النواهي، و ((يمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة)) وذكر ابن القيم -رحمه الله- بعض القصص التي تحصل من هذا، وأن هذا يكون بعد مسخ القلوب -نسأل الله السلامة والعافية-، يعني الإنسان يفتن في كل سنة مراراً وهو لا يشعر، ما يشعر ولا يتوب ولا يرجع، ويزعم أنه على حق، ويزدري الآخرين، وأن الحق كله معه، وأن من عداه على صواب، وفي هذا إعجاب كل ذي رأي برأيه، ذكر ابن القيم أن الرجلين يمشيان إلى المعصية فيمسخ أحدهما خنزيراً، ويمضي الثاني إلى معصيته -نسأل الله السلامة والعافية-.
((ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة)).
قال: "رواه البخاري تعليقاً مجزوماً به" يعني المؤلف -رحمه الله- حكم بأن الخبر معلق، لكنه بصيغة الجزم فهو صحيح، فقال: قال هشام بن عمار: حدثنا صدقة بن خالد عن عبد الرحمن بن يزيد عن عطية بن قيس عن عبد الرحمن بن غنم الأشعري قال: "حدثني أبو عامر أو أبو مالك".(49/14)
قال -رحمه الله-: "ولا التفات إلى ابن حزم في رده له" ابن حزم له رسالة في المعازف وفي الغناء وأباحها بجميع صورها وأشكالها، وحكم على جميع ما ورد في الباب بأنه موضوع، بما في ذلك حديث البخاري، استغل هذا الخلل اليسير الناشئ عن الشك من الراوي أبو عامر أو أبو مالك، فغير الصيغة البخاري فقال: فرصة الخبر موضوع كغيره، كل ما ورد في الباب موضوع.
"ولا التفات إلى ابن حزم في رده له وزعمه أنه منقطع فيما بين البخاري وهشام" طيب المؤلف -رحمة الله عليه- ومثله المزي وابن حجر حينما قالوا: تعليق، إيش معنى تعليق؟ أنه منقطع فيما بين البخاري وهشام، يعني لم يذكر الواسطة بين البخاري وهشام إذا قلنا: تعليقاً فالمعلق: ما حذف من مبادئ إسناده راوٍ أو أكثر، فعلى كلام المؤلف -رحمه الله-: رواه البخاري تعليقاً، كيف يقول: زعمه أنه منقطع فيما بين البخاري وهشام؟ هذا محل التعليق، هذا محل الحذف، فيكون البخاري رواه عن هشام بواسطة، وأسقط الواسطة، هذا معنى التعليق، وكلامه وزعمه في قوله: "ولا التفات إلى ابن حزم في رده له، وزعمه أنه منقطع" أنت تزعم أنه منقطع، أنت يا المؤلف تزعم أنه منقطع فيما بين البخاري وهشام، من أين أخذنا هذا الزعم؟ من قوله: "رواه البخاري تعليقاً" هذا مقتضى التعليق، لكنه تعليق مجزوماً به عند المؤلف فهو صحيح؛ لأن البخاري ضمن لنا من حذف، وعلى كل حال الحديث صحيح وموصول عند أبي داود وغيره، وابن القيم -رحمه الله تعالى- أجاب عن جميع ما ذكره ابن حزم وغيره حول ما يتعلق بالسماع، وما جاء فيه.
قال: "وقد رواه الإسماعيلي والبرقاني في صحيحيهما المخرجين على الصحيح" الإسماعيلي والبرقاني على صحيح البخاري "على الصحيح بهذا الإسناد، ولفظهما: ((ويأتيهم رجل لحاجته)) " يعني: يقولون له: تعال غداً، الآن ما معنا شيء، لكن غداً تأتي، ثم إذا جاء وجدهم قد بيتهم الله -جل وعلا- موتى -نسأل الله السلامة والعافية-، نسأل الله حسن الخاتمة.(49/15)
"وفي رواية: ((فيأتيهم طالب حاجة)) وفي رواية: حدثني أبو عامر الأشعري، ولم يشك عبد الرحمن بن غنم" فتجده مرة يشك ويتردد، ومرة يجزم، وعلى كل حال أينما تردد بين هذين الاثنين، وهما من الصحابة فهما ثقتان لا يضر، يعني لو أن إسناداً جاء فيه عن سفيان، وأردنا أن نميز سفيان من سفيان؟ هل هو الثوري أو ابن عيينة؟ وعجزنا في النهاية ما استطعنا، فما الحكم؟ الحديث صحيح؛ لماذا؟ لأنه أينما دار فقد دار على ثقة، وهنا سواء كان من حديث أبي عامر أو أبي مالك فهو صحيح.
"ورواه الطبراني عن موسى بن سهل الجوني البصري عن هشام" فذكر الواسطة بين الطبراني وهشام واسطة محتملة؛ لأنه يجزم بأن الطبراني لم يدرك هشام، لكن الإمام البخاري لا يحتاج إلى واسطة؛ لأنه أدرك هشاماً، وروى عنه أحاديث خمسة أو ستة بصيغة التحديث.
"ورواه أبو داود، ولفظه: ((ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الخز والحرير)) " وقلنا: إنه من باب عطف العام على الخاص "وذكر كلاماً قال: ((يمسخ منهم آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة)) " قال: "والخز هنا: نوع من الحرير" والمؤلف إنما ساق الخبر ليبين أن الخز والحرير على رواية الخز محرمان، من الألبسة المحرمة؛ لأن الاستحلال لا يكون إلا للحرام، وإذا قلنا: الحر والحرير فالحرير كافي في وجود المناسبة بين الحديث والترجمة.(49/16)
"وعن حذيفة -رضي الله عنه- قال: "نهانا النبي -صلى الله عليه وسلم- أن نشرب في آنية الذهب والفضة" هذا الحديث حديث حذيفة تقدم في باب الآنية بلفظ: ((لا تشربوا في آنية الذهب، والذي يشرب في آنية الذهب والفضة فإنما يجرجر في بطنه نار جهنم)) نسأل الله العافية، وجاء به هنا: "نهانا النبي -صلى الله عليه وسلم- أن نشرب في آنية الذهب والفضة، وأن نأكل فيها، وعن لبس الحرير والديباج" هذا الشاهد من الحديث: "وعن لبس الحرير والديباج، وأن نجلس عليه" الحرير معروف، والديباج ما غلظ منه فهو نوع منه، فيكون من باب عطف الخاص على العام، وكلاهما محرم "وأن نجلس عليه" الجلوس على الحرير محرم كلبسه، والجلوس نوع من اللبس، كما جاء في حديث أنس الذي تقدم في الصلاة: "فعمدت إلى حصير لنا قد اسود من طول ما لبس" والمراد بلبس الحصير الجلوس عليه، فالجلوس حكمه حكم اللبس.
"رواه البخاري".
((الحرير والذهب حرام على ذكور هذه الأمة، وحل لإناثها)) فإذا كان الحرير حلال للنساء، والذهب حلال للنساء، فماذا عن اتخاذ آنية الذهب والفضة للنساء والجلوس على الحرير بالنسبة للنساء؟ بالنسبة للبس والأكل والشرب في الذهب والفضة حرام، الذهب والحرير حرام على الذكور، حل للإناث، هل مقتضى هذا الحل بالنسبة للإناث أن تشرب في آنية الذهب والفضة، وأن تجلس على الحرير؟ الآن الذي معنا: "نهانا النبي -عليه الصلاة والسلام- أن نشرب في آنية الذهب والفضة، وأن نأكل فيها" هذا شامل للرجال والإناث وإلا خاص بالرجال؟
طالب: شامل.
إذاً قوله: ((حرام لذكور أمتي، حل لإناثها)) يخص منه آنية الذهب والفضة، فلا يجوز للإناث أن يشربنا في آنية الذهب والفضة الحرير حرام على ذكور أمتي، حل لإناثها ((وأن نجلس عليه)) شامل للرجال والنساء، فموضع الحاجة للمرأة من الذهب والفضة والحرير اللبس والتزين، وما زاد على ذلك فهي تشارك فيه الرجل.
"رواه البخاري".(49/17)
"وعن أبي عثمان النهدي قال: أتانا كتاب عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ونحن بأذريبجان مع عتبة بن فرقد: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن الحرير" نهى عن الحرير هذا كل ما تقدم يشهد له في النهي "إلا هكذا" هذا الاستثناء وهذا التخصيص هو الذي دل عليه حديث كتاب عمر: "إلا هكذا، وأشار بأصبعيه السبابة والوسطى، فيما علمنا، يعني أنه الأعلام" أو ثلاثة أصابع أو أربعة على ما سيأتي، يستعمل في أطراف الثوب في كفة الكم، وفي الجيب، وفي الفرجة أو الفرج التي تكون فتحة بين جانبي الثوب، على كل حال هذه الأعلام مستثناة "إلا هكذا، وأشار بأصبعيه السبابة والوسطى" يعني مقدار أصبعين "فيما يعلمنا، يعني الأعلام" وسيأتي أنها ثلاثة أصابع أو أربعة.
"ولمسلم عن عمر -رضي الله عنه- قال: "نهى نبي الله -صلى الله عليه وسلم- عن لبس الحرير إلا موضع أصبعين أو ثلاث أو أربع" كأنه قال: أصبعين، يعني وإن احتيج إلى ثالث أو رابع لكن لا زيادة "وقال الدارقطني فيما انفرد به مسلم" من حديث عمر، الرواية الأخيرة "فيما انفرد به مسلم: لم يرفعه عن الشعبي غير قتادة وهو مدلس لعله بلغه عنه" قتادة مدلس، وجاء بالعنعنة في صحيح مسلم، لم يصرح فيه بالتحديث، لكن عنعنات المدلسين في الصحيحين محمولة عند أهل العلم على الاتصال، فلا يُطعن في سند لأن فيه راوٍ مدلس ولم يصرح بالتحديث لأنها محمولة على الاتصال، وجدت في المستخرجات وفي الكتب الأخرى صُرح فيها بالتحديث، وهذا من فوائد المستخرجات على ما ذكره أهل العلم، فلا يُطعن بالسند الموجود في أحد الصحيحين لأنه من طريق مدلس عنعن فيه.
"وقال الدارقطني فيما انفرد به مسلم: لم يرفعه عن شعبي غير قتادة، وهو مدلس لعله بلغه عنه، وقد رواه شعبة بن أبي السفر عن الشعبي عن سويد عن عمر قوله" يعني موقوفاً عليه، من قوله، لا مرفوعاً إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- "وكذلك رواه بيان وداود بن أبي هند عن الشعبي عن سويد عن عمر قوله" يعني هل هو مرفوع كما هو مقتضى رواية الصحيح أو هو موقوف فيما أشار إليه الدارقطني؟ تعارض فيه الوقف والرفع، لكن المرجح ما في الصحيح على ما في غيره.(49/18)
"وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رخص لعبد الرحمن بن عوف والزبير -رضي الله عنهما- في قميص الحرير" الرخصة لا تكون إلا بعد منع، فالحرير ممنوع، وتقدم ما يدل على تحريمه، فرخص في قميص الحرير للحاجة "في السفر من حكة كانت بهما" الحاجة هي الحكة والقُمل أو القَمل هذا حاجة لا سيما في السفر الذي لا يوجد بديل يقوم مقام الحرير وإلا فالحضر قد يوجد، لكن إذا لم يوجد بديل عن الحرير فليلبس لأن هذه حاجة.
"رخص لعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام -رضي الله عنهما- في قميص الحرير في السفر من حكة كانت بهما" ومنهم من يقول: إن السفر لا اعتبار له، وصف غير مؤثر، فيرخص في قميص الحرير للحكة، ولو في الحضر، على كل حال إذا دعت الحاجة إلى ذلك إذا كان في الجسم قروح أو حكة أو حساسية أو ما أشبه ذلك أو تسلخات، أو آثار حروق وقرر الأطباء أنه لا يناسب إلا الحرير يرخص في الحرير.
"وفي البخاري: "شكيا إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- يعني القمل أو القمل- فأرخص لهما في الحرير، فرأيت عليهما في غزاة" المقصود أنه إذا وجدت الحاجة فيلبس مثل هذا الممنوع للحاجة، كما أن الذهب قد يباح للحاجة، عُرفطة قطع أنفه في إحدى الغزوات، فاتخذ له أنف من فضة فأنتن، ثم اتخذ له أنف من ذهب فلم ينتن، المقصود أن الحاجة تقدر بقدرها إذا كان دون المحرم من المكروه وشبهه يقوم مقامه لا يجوز العدول إلى المحرم، وإذا لم يوجد ما يقوم مقام المحرم فإنه الضرورات تبيح المحظورات، والحاجة الشديدة تنزل منزلة الضرورة.
"وعن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: "كساني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حلة سِيَراء فخرجت فيها" يعني لبسها وخرج فيها؛ لأنه فهم أن النبي -عليه الصلاة والسلام- إنما كساه إياها ليلبسها فلبسها، قال: "فرأيت الغضب في وجهه -عليه الصلاة والسلام-، فشققتها بين نسائي" خُمر لنسائه بين الفواطم بين أمه وزوجه وامرأة عقيل أخيه فاطمة وبنت حمزة فاطمة، المقصود أنه شقها بين الفواطم، خمر للنساء، والحلة السيَراء نوع من الحرير فتباح للنساء.
"متفق عليه، واللفظ لمسلم".(49/19)
"وعن أبي موسى -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((أحل الذهب والحرير لإناث أمتي، وحرم على ذكورها)) " أحل الذهب والحرير للإناث فيما يحتاج إليه من التحلي واللباس للتزين؛ لأن {أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ} [(18) سورة الزخرف] هذه طبيعة النساء، ومع الأسف أن نجد من الرجال من الذكور من يلبس المحرم من الحرير يتنعم بذلك تنعم النساء، وقد يلبس ما يلبس من الذهب -نسأل الله السلامة والعافية-، يعني في بلد لا يخفى عليه الحكم ((أحل الذهب والحرير لإناث أمتي، وحرم على ذكورها)) لأن المرأة محتاجة إلى التزين والتجمل لزوجها ((وحرم على ذكورها)) لأن الرجال الأصل فيهم الخشونة وعدم التنعم.
"رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه، وقيل: إنه منقطع" لكن الصواب أن الحديث ثابت.(49/20)
"وعن شعبة عن الفضيل بن فضالة عن أبي رجاء العطاردي قال: خرج علينا عمران بن حصين وعليه مطرف خز" كساء أو رداء من خز، نوع من الحرير "فقلنا: يا صاحب رسول الله تلبس هذا؟! فقال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن الله يُحب إذا أنعم على عبدٍ نعمة أن يرى أثر نعمته عليه)) " الخز الذي لبسه عمران بن حصين، مطرف الخز الذي لبسه عمران إما أن يكون الخبر ما وصله في منع الخز، وأنه محرم من جملة أنواع الحرير، أو أن الخز يطلق على أكثر من إطلاق، يعني: يطلق على نوع مباح، ويطلق أيضاً على نوع محرم، وإلا فلا يظن بصاحب رسول الله -عليه الصلاة والسلام- أنه يعرف المنع ويخالف، فهو يتجمل به ليرى أو ليُريا الناس أثر النعمة عليه، مستدلاً بقوله في الحديث: ((إن الله يحب إذا أنعم على عبدٍ نعمة أن يرى أثر نعمته عليه)) نعم من وسع الله عليه فليوسع على نفسه ويوسع على ولده، يوسع على معارفه، يوسع على جيرانه، لا يقبض يده، لا يُمسك بماله، بمال الله الذي آتاه، عليه أن يبذل، يزكي، يتصدق، يوسع على نفسه، لا يقتر على نفسه -نسأل الله العافية- بعض الناس عندهم الأموال الطائلة وتجد عيشتهم ومرآهم وحالهم وحال أولادهم ومن تحت أيديهم أشد من حال الفقراء، هذا المال عذاب على صاحبه في الدنيا قبل الآخرة، فالإنسان إذا وسع الله عليه يوسع على نفسه، ويري الناس أثر النعمة، ويري الله -جل وعلا- أثر نعمته عليه، وهذا فيه فوائد كثيرة ليرى هذه النعمة فيشكرها، ويراها غيره فيتعرض لسؤاله إن كان من أهل السؤال، لكن إذا كانت النعم مطمورة في البنوك، مودعة في البنوك، ويعيش صاحبها عيشة الفقراء، لا يجرؤ أحد أن يسأله، لو كان عنده شيء تصدق على نفسه، تصدق على ولده، فمن شكر الله -جل وعلا- على النعم أن يرى أثرها من غير مبالغة؛ لأن بعض الناس بين إفراط أو تفريط، إما أن يقتر على نفسه تقتيراً يمقت به مع أنه يستطيع أن يرفع عن نفسه هذا الوصف، أو يتوسع توسعاً غير مرضي، فيبذر ويسرف فدين الله -جل وعلا- وسط بين الغالي والجافي، وجاء في حديث صححه ابن حجر: ((البذاذة من الإيمان)) والأدهان والتسريح وترجيل الشعر من سنة النبي -عليه الصلاة والسلام- يهتم بمظهره، لكن(49/21)
لا على سبيل الإفراط لا يزيد فيدهن غباً، يعني ما يدهن كل يوم، ويرجل شعره -عليه الصلاة والسلام-، لكن لا يكون على حساب المهمات، يعني مع الأسف يوجد في المسلمين من يتخذ صالوناً عنده في البيت، يمضي فيه وقتاً طويلاً، يمضي فيه الساعة والساعتين ينظر في شعره ينظر في معطفه، ينظر في لباسه، فلا إفراط ولا تفريط، لا يمتهن الإنسان نفسه، المسلم يذل نفسه، ويعرض نفسه للإهانات؛ لأن الناس وش يدريهم عن الخفايا، يعاملون الناس على حسب الظاهر، فيزدرى الإنسان إذا نزل عن مستواه، لكن إذا كان لا يجد فإلى الله المشتكى، لكن الإشكال في كونه يجد ولا ينتفع بما يجد، وفي مقابله من يمضي الساعات وينفق الأموال الطائلة حتى أنه يوجد من يفصل من الثياب بعدد أيام السنة كل يوم ثوب، ويمضي الساعتين والثلاث في الصالون يتفقد هذه شعرة زائدة، وهذه شعرة نازلة، وينظر في الثوب هل هو مناسب؟ هل هو .. ؟ سبحان الله، ولذا جاء لكسر هذا الغلو ((البذاذة من الإيمان)) يعني عدم الاهتمام الزائد، والانشغال بما لا ينفع، قال: ((إن الله يحب إذا أنعم على عبد نعمة أن يرى أثر نعمته عليه)) لأن هذا شكر عملي لهذه النعمة.
"رواه ابن أبي الدنيا في كتاب الشكر، والبيهقي واللفظ له، وقال إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين: فضيل بن فضالة الذي روى عنه شعبة ثقة، وقال أبو حاتم: هو شيخ" شيخ تليين، يعني الثقة معروف وضعه، يعني درجة عالية من التوثيق، فوقها درجات، تكرير لفظ التوثيق: ثقة ثقة، أو الإتيان بـ (أفعل) التفضيل أوثق الناس، لكن ثقة من درجات التوثيق العليا بحيث لا يتردد في حديثه، أما كونه يوصف بأنه شيخ فهو تليين له، وهي من أبي حاتم مقبولة لأنه متشدد، فحينئذٍ يكون الحديث وإن لم يبلغ درجة الصحيح قد يكون حسناً.(49/22)
"وعن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثوبين معصفرين" يعني صبغا بالعصفر اللون الأصفر القاتم، ومثله الزعفران المزعفر والمعصفر يطلق جمع أهل العلم الكراهة بالنسبة للرجال، وبعضهم يجزم بالتحريم، لا سيما الأحمر "رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عليَّ ثوبين معصفرين، فقال: ((أأمك أمرتك بهذا؟ )) " الذي هو في الأصل من لباس النساء الألبسة المصبوغة بالعصفر أو بالزعفران أو بالحمرة هذه من خواص النساء، فهي التي ألبستك هذا وأمرتك به، فأنت تلبس لباس النساء! هذا توبيخ له "قلت: أغسلهما؟ قال: ((بل أحرقهما)) " يعني: مبالغة في التعزير.
هذا يدل على منع لبس الثوب المعصفر، ومثله المزعفر والأحمر أشد، الأحمر الخالص، والنبي -عليه الصلاة والسلام- لبس الحلة الحمراء كما في الصحيح، وأجاب ابن القيم بأنها حمراء ليست خالصة؛ لأن أكثرها أحمر، وفيها خطوط من غير الأحمر، يطلق اللون على الغالب كما نقول: الشماغ أحمر، وهو ليس بخالص البياض بقدر الحمرة، لكن الحمرة أكثر تأثير في اللون من البياض، يقال: شماغ أحمر، والحلة الحمراء فيها خطوط من غير الأحمر، كما قرر ذلك ابن القيم.
قال -رحمه الله-:
"وعن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن لبس القَسي أو القِسي" لكن هي بلدة بمصر يؤتى منها بهذه الثياب التي هي نوع من الحرير، وهي بمصر يقولون لها: القَس، المصريون يقولون لها: القَس، وغيرهم يقول: القِس، وأهل مكة أدرى بشعابها، أهل مصر أعرف بضبط بلدهم، كما في الكِرماني والكَرماني، الأكثر يقول: الكَرماني بفتح الكاف، والِكرماني نفسه يقول: قال النووي والجمهور: بفتح الكاف، وأقول: بكسرها، وأهل مكة أدرى بشعابها.
"عن لبس القَسي والمعصفر" يعني لونه أصفر خالص، هذا يمنع منه الرجال، ومثله المصبوغ بالزعفران والحمرة أشد.
"رواهما مسلم".(49/23)
"وروى" يعني مسلم "من حديث مصعب بن شيبة عن صفية بنت شيبة عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "خرج النبي -صلى الله عليه وسلم- وعليه ذات غداة مرط مرحل" مرط: كساء من صوف "مرحل من شعر أسود" المرحل قال المؤلف: "الذي نُقش فيه تصاوير الرحال" فالمرحل فيه نقوش، وفيه رسوم رحال، والرحال جمع رحل، وهو ما يوضع على الدابة، يوجد من الأنسجة الآن تُكآت ومخدات وما أشبه ذلك عليها ما يسمى بالكساء البدوي هذا الذي عليه رحال وغيره، يعني ما زالت موجودة إلى الآن، على كل حال ليس فيه ما يمنع، وليست فيه تصاوير ذوات أرواح، وليس من الممنوع الذي هو من الحرير، والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
طالب: يا شيخ في بعض النسخ: مرجل عليه تصاوير رجال.
لا، لا غلط.
طالب:. . . . . . . . .
إن فعل هذا أو رقاه مباشرة نفث عليه مباشرة ...
طالب:. . . . . . . . .
ينفث إيه.
طالب:. . . . . . . . .
إيه.
طالب: الاستعمال يا شيخ. . . . . . . . . حديث أنس.
يستعمل حلي فقط، يعني لا يستعمل آنية، ولا يستعمل في قلم ولا نضارة ولا غيره.
طالب: حديث أنس يا شيخ. . . . . . . . . لباسه ....
هذا لباس إيه.
طالب: ... هو اللباس يا شيخ. . . . . . . . .
الجلوس جلوس على الحرير هذا لباس.
طالب: لباس يسمى.
إيه يسمى لباس، كما أنه منصوصاً عليه أنه جلوس، لكن لو لم ينص عليه أنه جلوس، لو لم ينص على الجلوس قلنا: الجلوس لُبس بدليل حديث أنس.
طالب: المعصفر يا شيخ ما يدخل فيه الثوب الأصفر ....
وش هو؟
طالب: الثوب الذي يجي أصفر كذا.
أصفر خالص داخل، ممنوع بالنسبة للرجال.
طالب: .... الأزرق ....
الأزرق ما فيه شيء، الأسود ما فيه شيء.
طالب: السيارة بالتقسيط ثم نسى القسط، فأراد البائع أن يعطيه بعض المبلغ ثم يرد السيارة على أنها بيع ثاني، هل يدخل في العينة وإلا ...
وين؟
طالب:. . . . . . . . .
يبيعها على غيره.
طالب: ما يشتريها البائع؟
لا ما يشتريها البائع، لا.
طالب: حتى ولو لم يكن ....
لا ...(49/24)
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: المحرر – كتاب الصلاة (50)
الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سم.
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين.
قال الإمام ابن عبد الهادي -رحمه الله تعالى- في المحرر:
باب: صلاة الكسوف
عن المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه- قال: "انكسفت الشمس على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم مات إبراهيم، فقال الناس: انكسفت الشمس لموت إبراهيم، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتموهما فادعوا الله وصلوا حتى ينكشف ما بكم)) متفق عليه.
وعند البخاري: ((وصلوا حتى ينجلي)) وليس عند مسلم: "فقال الناس: "انكسفت الشمس لموت إبراهيم".
وعن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- جهر في صلاة الخسوف بقراءته، فصلى أربع ركعات في ركعتين، وأربع سجدات. متفق عليه، واللفظ لمسلم.(50/1)
وعن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: "انخسفت الشمس على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- فصلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقام قياماً طويلاً نحواً من قراءة سورة البقرة، ثم ركع ركوعاً طويلاً، ثم رفع فقام قياماً طويلاً وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعاً طويلاً وهو دون الركوع الأول، ثم سجد، ثم قام قياماً طويلاً وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعاً طويلاً وهو دون الركوع الأول، ثم رفع فقام قياماً طويلاً وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعاً طويلاً وهو دون الركوع الأول، ثم سجد، ثم انصرف وقد تجلت الشمس، فقال -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فاذكروا الله)) قالوا: يا رسول الله رأيناك تناولت شيئاً في مقامك، ثم رأيناك تكعكعت؟ فقال -صلى الله عليه وسلم-: ((إني رأيت الجنة فتناولت عنقوداً، ولو أصبته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا، وأريت النار فلم أر منظراً كاليوم قط أفظع، ورأيت أكثر أهلها النساء)) قالوا: بم يا رسول الله؟! قال: ((بكفرهن)) قيل: يكفرن بالله؟ قال: ((يكفرن العشير، ويكفرن الإحسان، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر كله، ثم رأت منك شيئاً قالت: ما رأيت منك خيراً قط)) متفق عليه، واللفظ للبخاري.
وعنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه صلى في كسوف قرأ ثم ركع، ثم قرأ ثم ركع، ثم قرأ ثم ركع، ثم قرأ ثم ركع، ثم سجد، قال: "والأخرى مثلها" رواه مسلم.
وفي لفظ له: "صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين كسفت الشمس ثمان ركعات في أربع سجدات" وعن علي مثل ذلك.
وحكى الترمذي عن البخاري أنه قال: أصح الروايات عندي في صلاة الكسوف أربع ركعات في أربع سجدات.
وعن عائشة -رضي الله عنها- أن الشمس خسفت على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فبعث منادياً: الصلاة جامعة، فاجتمعوا، وتقدم فكبر، وصلى أربع ركعات في ركعتين، وأربع سجدات. متفق عليه، واللفظ لمسلم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: صلاة الكسوف(50/2)
الكسوف ومثله الخسوف بمعنى واحد عند كثير من أهل العلم، وبعضهم يخص كل لفظ بآية، فيجعل الكسوف للشمس، والخسوف للقمر، هذا إذا أطلق على سبيل الانفراد، فيقال: كسفت الشمس وخسف القمر، ومنهم من يقول: يجوز إطلاق الكسوف على كل منهما والعكس والخسوف، أما إذا أطلق اللفظ على الاثنين معاً فلا مانع باتفاق، فيقال: إن الشمس والقمر لا ينكسفان ولا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته، فيجوز إطلاق الكسوف والخسوف عليهما مجتمعين، والكسوف والخسوف كما جاء في الخبر: ((الشمس والقمر آيتان من آيات الله يخوف بهما عباده، لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته)) في هذا رد على مزاعم الجاهلية الذين يقولون: إذا كسفت الشمس وخسف القمر إنما هو لموت عظيم، على ما سيأتي، بل هما آيتان من آيات الله.(50/3)
النبي -عليه الصلاة والسلام- لما حدث هذا الحدث العظيم وهو كسوف الشمس في عهده -عليه الصلاة والسلام- فزع، وخرج يجر رداءه يظنها الساعة، بخلاف ما نحن عليه الآن، يأتي ونحن آمنون، ولا يحرك فينا ساكناً، بل بعض الناس يتتبعه في المواقع التي يكون فيها أجلى وأوضح، وبعضهم يشتري النظرات والنواظير التي توضح هذا الكسوف، بل بعضهم يسافر من أجله، إذا قيل: إنه في البلد الفلاني أوضح سافر من أجله، والذي هون الأمر في نفوس الناس كون معرفة الكسوف وهي مسألة خلافية عند أهل العلم من القديم، كثير منهم قال: يدرك بالحساب، وبعضهم قال: لا، إنه من إدعاء علم الغيب، كابن العربي وغيره يقولون: إن هذا أبداً هذا ضرب من الكهانة، من إدعاء علم الغيب، لكن الأكثر على أنه يدرك، ولا مانع من إدراكه، ويُحدد، لكنه اختلال لهاتين الآيتين العظيمتين عن مسارهما المحدد لهما، فإذا اختل اختلت هذه الآية عن مسارها، لا يدرى ما يصاحبها من كوارث، الناس لا يحسبون حساب لما يصاحب هذه الآيات التي حادت عن مسارها، انكسف ذهب ضوؤها، نقص ضوؤها، تتابع الناس على أنه يدرك بالحساب، ويحددونه بالثانية بداية ونهاية، فخف الأمر في نفوس الناس، وأحالوه إلى أمر طبيعي عادي، وجعلوا .. ، قالوا: إن الأرض تحول بين الشمس والقمر، فيفقد ضوءه أو العكس، الأرض تحول دون الشمس، أو القمر يحول دون الشمس؟! المقصود في كلام لهم معروف عندهم عند أهل الهيئة، لا يهمنا كثيراً، إنما يهمنا ما الأثر؟ وماذا يجب فعله بعد وقوع هذه الحوادث؟ النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((افزعوا إلى الصلاة)) "فزع إلى الصلاة" "خرج يجر رداءه" فكوننا نتقبل هذه الأخبار بدون تأثر هذا خلاف الهدي النبوي يُخشى من آثار وعواقب تتبع هذه الآيات، وقد حصل في تركيا وفي غيرها من البلدان صاحبه زلازل وفيضانات، والناس في مأمن، أُخذوا على غرة، في كوارث مصاحبة لهذا التغير لهاتين الآيتين العظيمتين، فكون الإنسان يمر عليه الحدث ولا يحرك فيه ساكناً لا شك أنه من ضعف في قلبه، والنبي -عليه الصلاة والسلام- وهو أعرف الناس بربه وأتقاهم له وأخشاهم يخرج يجر رداءه يظنها الساعة، والناس في لهوهم ولعبهم، وكثير منهم لا ينهض ولا(50/4)
للصلاة، يعني حتى البدن تبلد تبعاً للقلب، بعضهم لا ينهض للصلاة، يقول: الحمد لله ساعة أو ساعتين وهو رايح وش الفائدة؟ أمر معروف، يعني أمر طبيعي.
"كسفت الشمس على عهد النبي -عليه الصلاة والسلام-" في حديث المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه- قال: "انكسفت الشمس على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم مات إبراهيم" يوم مات إبراهيم ابن النبي -عليه الصلاة والسلام- من مارية القبطية، مات وهو ابن ثمانية عشر شهراً، فحزن عليه النبي -عليه الصلاة والسلام-، فانكسفت الشمس في اليوم الذي مات فيه، وافق كسوف الشمس في هذا اليوم، فاستصحب الناس ما كانوا يقولونه في جاهليتهم "انكسفت الشمس لموت إبراهيم" لأن إبراهيم وهو ابن النبي -عليه الصلاة والسلام- عظيم، اكتسب هذه العظمة من والده -عليه الصلاة والسلام-.(50/5)
"فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" مفنداً هذا الزعم ((إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله)) {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ} [(37) سورة فصلت] ((آيتان من آيات الله)) مخلوقتان مدبرتان مسيرتان ((لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته)) هم قالوا: إن الشمس والقمر تنكسفان لموت عظيم، لكن ما فيهم من قال: إن الشمس والقمر ينكسف لحياة أحد، لكن من باب التأكيد، وأنه لا يؤمن أنه في يوم من الأيام من يقول: انكسفت الشمس لحياة فلان، وحياته إما بولادته أو بشفائه من مرضه العضال، كأنه حيا من جديد كما يقول بعضهم، فتنكسف الشمس، يعني هل انكساف الشمس علامة على العظمة أو على عدمها؟ لحياته أو لموته دليل على عظمته، يعني هذا الزعم تعظيم لهذا الرجل الذي مات في وقت انكساف الشمس على حد زعمهم، وأنه لعظمته تغيرت حتى الأفلاك تغيرت عن مجاريها، لكن لحياته! حينما يولد لا بد أن يمكث سنين طويلة ليكون عظيماً، وما يدريهم أنه عظيم، اللهم إلا إذا تبين أنه عظيم فيما بعد وقد حصل الكسوف في وقت حياته يمكن أن تقوم الدعوى بعد أن يكون عظيماً، لكن هم ما يقولون: إنها تنكسف لحياته، لكن هذا من باب التأكيد، وأنه لا فرق بين الموت والحياة، فمن زعم أنها تنكسف للموت قد يزعم أنها تنكسف للحياة، وهذا من باب المبالغة في التعظيم، كما جاء في الحديث: "كانوا لا يقرؤون بسم الله الرحمن الرحيم لا في أول قراءة ولا في آخرها" آخر القراءة ما فيها بسم الله الرحمن الرحيم، لكن لتأكيد النفي.(50/6)
((لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتموهما)) رأيتم هذا التغير لهاتين الآيتين ذهاب لضوئهما أو لبعضه ((فادعوا الله وصلوا حتى ينشكف ما بكم)) يعني: نلجأ إلى الله -جل وعلا- بالصلاة، بالدعاء، بالتضرع، بالصدقة؛ ليكشف ما بنا، وهذه من علامات التوبة، ومثل هذه الأمور إنما تكثر حينما تكثر المعاصي والجرائم، فهي مربوطة بمشيئة الله -جل وعلا-، ومقدرة مصاحبة لكثرة الجرائم، ففي عهده -عليه الصلاة والسلام- طول البعثة ثلاثة وعشرين سنة ما حصل إلا مرة واحدة، ما حصل الكسوف إلا مرة واحدة، وإلى وقت قريب وعشر السنين تمر بدون كسوف ولا خسوف، أما بالنسبة للشمس فقد تمكث أكثر من عشرين سنة ما مرت إلا في السنين الأخيرة، مما يدل على أنها علامة غضب وليست علامة رضا، والذي يتصور هذا الغضب هو النبي -عليه الصلاة والسلام-، ومن يقتدي به ويستشعر شعوره -عليه الصلاة والسلام-، أما الذي لا يهتم ولا يكترث هذا تنكسف أو ما تنكسف، ما في إشكال، هي سوف تنكسف في الساعة الفلانية وتعود في الساعة الفلانية، الأمر عادي طبيعي عندهم، ولا شك أن هذا دليل على مرض في القلوب.(50/7)
((فإذا رأيتموهما)) يعني رأيتم هذا التغير في هاتين الآيتين ((فادعوا الله وصلوا)) أمر ((حتى ينكشف ما بكم)) ((فإذا رأيتموهما)) يعني بمجرد الرؤية افزعوا إلى الدعاء والصلاة والتضرع، فالصلاة مربوطة بالرؤية، فلو قرر جميع الفلكين أن الشمس تنكسف في الساعة الفلانية من اليوم الفلاني أو القمر فإننا لا نصلي حتى نرى؛ لأنه يقول: ((فإذا رأيتموهما فادعوا الله وصلوا)) وهذا يدل على أن الصلاة صلاة الكسوف تفعل عند قيام السبب وهو الرؤية في أي وقت، سواء كان وقت نهي أو غير وقت نهي، على الخلاف المعروف بين أهل العلم في الجهتين، في فعل ذوات الأسباب في أوقات النهي، والخلاف تقدم ذكره ولا حاجة إلى إعادته، مع ملاحظة الخلاف في حكم صلاة الكسوف، هل هي سنة أو واجبة؟ نقل النووي الإجماع على أنها سنة، وأبو عوانة في صحيحه يقول: باب وجوب صلاة الكسوف، فالذي يقول بوجوبها يقول: تفعل؛ لأن النهي عن الصلاة في الأوقات المعروفة لا يتناول الواجبة، هذا ما عنده إشكال، لكن الإشكال عند من يقول: إنها سنة، فالذي يقول بفعل ذوات الأسباب في أوقات النهي يقول: تفعل لأنها ذوات سبب، والذي يقول: لا تفعل يقول: لا تصلى في وقت النهي، وهذا هو المعروف عند الحنابلة والحنفية والمالكية، في وقت النهي ما تصلى؛ لأنها نفل والنهي مقدم على ما جاء في ذوات الأسباب على ما تقدم بسطه.
((فإذا رأيتموهما فادعوا الله)) عليكم بالدعاء والتضرع حتى يكشف ما بكم، يعني ما يتصور الإنسان مقدار الانتفاع بهاتين الآيتين؛ لأن النعم الموجودة لا يقدرها الإنسان قدرها حتى يفقدها، ما يدرى وش الأثر المترتب على ذهاب الضوء من هذين النيرين؟ وفائدة ضوء هذين النيرين للأرض ولمن يسكن الأرض، ما ندري، لكن لو حصل هذا الكسوف واستمر وقتاً طويلاً عرفنا مقدار هذه النعمة، الإنسان الصحيح المعافى لا يقدر قيمة هذه الصحة، ولا يستشعر خطورة المرض ولا شدة الألم؛ إنما يستشعرها من وقع فيها، وكذلك الأمن لا يقدره قدره إلا من عاش في بيئة مخوفة، ونحن لا نشعر بفائدة ضوء الشمس وحرارة الشمس وأشعة الشمس ولا ضوء القمر إلا إذا فقدت لا سمح الله.(50/8)
فهناك أمور تخفى على كثير من الناس، يعني عاشوا عيشة عادية روتينية تطلع الشمس في أول النهار وتغيب في آخره، ويطلع القمر من كذا إلى كذا، وفي ليلة كذا أقوى من كذا إلى آخره، والناس لا يقدرون هذه النعم قدرها، ولذا قال: ((فادعوا الله)) لأنه حل بكم شيء يحتاج إلى دعاء ليرفع ويكشف ((فادعوا الله وصلوا)) والغاية إلى متى؟ ((حتى ينكشف ما بكم)) هذه غاية، أو تغيب الشمس وهي كاسفة، أو تطلع الشمس والقمر خاسف، قالوا: لذهاب وقت الانتفاع بهما، ولا يكفي هذا؛ لأننا لا ندري هل انكشفت أو لم تنكشف، إذا غابت الشمس ما ندري عنها، فالغاية مغيبة عنا، وكذلك إذا طلعت الشمس والقمر خاسف لا ندري هل انكشف ما به أو لم ينكشف، فالصلاة مربوطة برؤية الكسوف والخسوف، ونحن لا نراه.
" ((حتى ينكشف ما بكم)) وليس عند مسلم "فقال الناس: انكسفت الشمس لموت إبراهيم".(50/9)
"وعن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جهر في صلاة الخسوف بقراءته" حديث عائشة صريح في كون النبي -عليه الصلاة والسلام- جهر في صلاة الخسوف بقراءته، وقد حضرت الصلاة كما في الصحيح، ودخلت أختها أسماء فاستغربت كونهم يصلون في هذا الوقت ضحى يصلون جماعة، استغربت، فاستفهمت من عائشة وهي تصلي بالإشارة، فأشارت عائشة إلى السماء، فسألتها أسماء فقالت: آية؟! فأشارت عائشة برأسها: أن نعم، فقد حضرت الصلاة، وسمعت القراءة، ولذا صرحت بأن النبي -عليه الصلاة والسلام- جهر في صلاة الخسوف بقراءته، وإذا كان الخسوف الحاصل في عهده -عليه الصلاة والسلام- للشمس وجهر في صلاة الخسوف بالنهار فالجهر بالليل من باب أولى؛ لأن من أهل العلم من يرى أنه يجهر في خسوف القمر كسائر الصلوات الليلية، ولا يجهر بكسوف الشمس كالصلوات النهارية، لكن من الصلوات النهارية التي يُجمع لها يجهر بها، كصلاة العيد والاستسقاء والجمعة، فقياسها على هذه الصلوات الطارئة أولى من قياسها على الصلوات الثابتة كالظهر والعصر، بعضهم يقول: القراءة في صلاة الكسوف سرية، عائشة صرحت بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- جهر في صلاة الخسوف بقراءته، وسيأتي في حديث ابن عباس: "قياماً طويلاً نحواً من سورة البقرة" قالوا: لو جهر بها -عليه الصلاة والسلام- ما قال ابن عباس: نحواً من سورة البقرة، قال: قرأ سورة البقرة، أو قرأ سورة كذا، ما قال: نحواً لو جهر بها، لكن التصريح من عائشة -رضي الله عنها- بأنه جهر -عليه الصلاة والسلام-، والحديث متفق عليه لا يقاومه قول ابن عباس -رضي الله عنهما-: "نحواً من سورة البقرة" لما يطرقه من احتمال البعد مثلاً، بعد ابن عباس ما سمع، أو لعارض ما سمع، المقصود أن التصريح مقدم على مجرد الاحتمال.
"أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جهر في صلاة الخسوف بقراءته، فصلى أربع ركعات في ركعتين، وأربع سجدات" متفق عليه" يعني من حديث عائشة ومن حديث ابن عباس وغيرهما النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى أربع ركوعات في ركعتين، وأربع سجدات، كما سيأتي تفصيله في الحديث الذي يليه.
"متفق عليه، واللفظ لمسلم".(50/10)
"وعن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: "انخسفت الشمس" يطلق الخسوف على الشمس، كما يطلق الكسوف عليها كما في الحديث الأول "انكسفت الشمس" ويطلق الخسوف على القمر كما في القرآن. "انخسفت الشمس على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فصلى رسول الله عليه وسلم فقام قياماً طويلاً نحواً من قراءة سورة البقرة" هذا ما يستدل به من يرى أن قراءة الكسوف سرية، قال: "نحواً" ما قال: قرأ سورة البقرة، وعرفنا أن التصريح من عائشة -رضي الله عنها- بأنه جهر مقدم على الاحتمال المفهوم من قوله: "نحواً من قراءة سورة البقرة".(50/11)
"ثم ركع ركوعاً طويلاً، ثم قام فقام قياماً طويلاً" يكبر ويستفتح ويتعوذ ويسمي ويبسمل ويقرأ الفاتحة، ثم يقرأ سورة طويلة، تعادل سورة البقرة، ثم يركع ركوعاً طويلاً، ثم يرفع من الركوع، ثم يقرأ الفاتحة، ويقرأ سورة طويلة، لكنها دون السورة الأولى، فيقوم قياماً طويلاً دون القيام الأولى "ثم ركع ركوعاً طويلاً وهو دون الركوع الأول ثم سجد" وليس في حديث ابن عباس ما يدل على إطالة السجود مع أنه جاء ما يدل عليه "سجد سجوداً طويلاً" كما قال في الركوع في غير حديث ابن عباس، كما قال في الركوع والقيام "ثم قام قياماً طويلاً وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعاً طويلاً وهو دون الركوع الأول، ثم رفع فقام قياماً طويلاً وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعاً طويلاً وهو دون الركوع الأول، ثم سجد، ثم انصرف وقد تجلت الشمس، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" عندنا أربع، القيام والقراءة في أربعة مواضع، القيام الأول، ثم الركوع الأول، ثم القيام الثاني، ثم الركوع الثاني، هذا في الركعة الأولى، ثم سجدتين، وتكون بهذا انتهت الركعة الأولى، ثم الركعة الثانية مثلها، عندنا ركوع أول أولية مطلقة وهو الذي يلي دعاء الاستفتاح "نحواً من سورة البقرة" القيام الذي يليه بعد الركوع الأول دون القيام الأول هذا ما فيه إشكال، ولا في فهمه أدنى لبس، إذا قام للركعة الثانية في قيامها الأول بالنسبة للركعة الثانية، وقيام ثالث بالنسبة للصلاة تقدمه القيام الأول والثانية من الركعة الأولى، يقول: وهو دون القيام الأول، هل هو دون القيام الأول؟ عندنا أربعة: واحد اثنين ثلاثة أربعة هذا الأول وهذا ثاني وهذا ثالث وهذا رابع، هذا الأول أولية مطلقة، هذا الثاني دون القيام الأول، الثالث دون القيام الأول، الرابع دون القيام الأول، فإذا قلنا: المراد بالقيام الأول الأولية المطلقة الذي ورد تكراره في الحديث ثلاث مرات، المراد بالأول أولية مطلقة قلنا: إن الثلاثة متساوية، تشترك في كونها دون القيام الأول، وإن كانت متساوية، وإذا قلنا: إن الأولية نسبية قلنا: الأول هو الأطول، ثم الذي يليه دونه، ثم الذي يليه دون الثاني، ثم الذي يليه دون الثالث، فالثاني أول بالنسبة(50/12)
للثالث، والثالث أول بالنسبة للرابع، فتكون الأولية نسبية، وقل مثل هذا في الركوع ومثله في السجود؛ لأنه يقول في الحديث: "ثم ركع ركوعاً طويلاً، ثم قام ثم رفع فقام قياماً طويلاً وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعاً طويلاً وهو دون الركوع الأول، ثم سجد، ثم قام قياماً طويلاً هو دون القيام الأول" هل المراد به الأول أو الثاني؟ على الاعتبارين: إن قلنا: الأولية مطلقة قلنا: الثلاثة متساوية، وإذا قلنا: كل قيام وكل ركوع وكل سجود دون الذي يليه قلنا: الأولية نسبية، هذه صفة صلاة الكسوف، تقرأ الفاتحة أربع مرات، يكون القيام في أربع مرات، يُقرأ فيها الفاتحة وبعده سورة طويلة، ويكون طولها متدرجاً من الأول إلى الأخير، والركوع كذلك متدرج الأول أطول من الثاني، والثاني أطول من الثالث، والثالث أطول من الرابع، وقل مثل هذا في السجود، الركوع الأول هو الركن الذي تدرك به الركعة، والثاني ركوع زائد لا تدرك به الركعة، فإذا فات الركوع الأول فاتت الركعة، هذا ما قرره أهل العلم، قالوا: إن الركوع الثاني زائد لا تُدرك به الركعة.(50/13)
هذه صفة صلاة الكسوف، وأقوى ما جاء فيها من الحديث المتفق عليه بهذه الصفة أربع ركوعات في أربع سجدات، في ركعتين، جاء في مسلم: ثلاث ركوعات، وجاء فيه: أربع ركوعات، وجاء في أبي داود: خمس ركوعات، فالصورة التي معنا أربعة في الركعتين، وفي الصورة الثانية: ستة في الركعتين، وفي الصورة الثالثة: ثمانية في ركعتين، وفي الصورة الرابعة: عشرة في ركعتين، وجاء في الصحيح -صحيح مسلم-: ثلاثة، وجاء: أربعة، وفي سنن أبي داود: خمسة، والمتفق عليه ركوعين في كل ركعة، وعند الحنفية هما ركعتان لا صفة لهما زائدة كصلاة الصبح، لا صفة لهما زائدة مع أن الحديث متفق عليه، وجاء في الخبر ولا يمكن أن يقاوم ما جاء في هذا الباب: ((فإذا رأيتموهما فصلوا كأحدث صلاة صليتموها من المكتوبة)) أقرب صلاة، لكن هذا لا يتعين أن يكون العدد ركعتين؛ لأنه قد تكون بعد صلاة المغرب، وقد يكون بعد صلاة العشاء، وقد يكون بعد صلاة الظهر، وقد يكون بعد صلاة الصبح، فعلى هذا نصلي ركعتين أو نصلي ثلاث أو نصلي أربع، لكن الحديث شاذ، ولا يقاوم ما جاء في الصحيحين وغيرهما من الأعداد في الركوع والقيام والسجود، فقال -عليه الصلاة والسلام-: " ((إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فذكروا الله)) قالوا: يا رسول الله رأيناك تناولت شيئاً في مقامك ثم رأيناك تكعكعت" يعني: تقدم وهو قائم يصلي تقدم وكأنه تناول شيء، ثم تأخر، تكعكع تأخر "فقال: إني رأيت الجنة فتناولت منها عنقوداً" يعني مد يده ليأخذ العنقود "قال: ((ولو أصبته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا)) " ((لأصبتم منه ما بقيت الدنيا، وأريت النار فلم أر منظراً كاليوم قط أفضع ولا أبشع ولا أشنع من منظر النار، يحطم بعضها بعضاً)) نسأل الله السلامة والعافية ((ورأيت أكثر أهلها النساء)) لماذا؟ قالوا: بما يا رسول الله؟ قال: ((بكفرهن)) قيل: يكفرن بالله؟! قال: ((لا، يكفرن العشير)) الزوج ((ويكفرن الإحسان لو أحسنت إلى إحداهن الدهر كله، ثم رأت منك شيئاً، قالت: ما رأيت منك خيراً قط)) ويشابه النساء في هذا الوصف بعض الرجال الذين لم يُطبعوا على الكرم، بل عندهم شيء من اللؤم، تجده لو تأخرت عنه(50/14)
في مرة من المرات أنت تحسن عليه الدهر، وتحوطه بعنايتك، وتنفق عليه، لو تتأخر يوم من الأيام قال: "ما شفنا شيء" يعني من الغرائب أن يأتي شخص يطلب شفاعة من شخص ثم يحصل مانع لا تكتب هذه الشفاعة في اليوم الأول أو الثاني تجد طالب الشفاعة يتحدث به في المجالس، وقد يدعو عليه، أخرنا وفوت مصالحنا، من هذا النوع، هذا كفر النعم، الرجل محسن، وهذا مجرب ومشاهد لو يجي مرتين وأنت ما كتبت الخطاب بدأ يتحدث في المجالس، وقد يرفع صوته عليك، يعني من هذا النوع يوجد نماذج، ومع الأسف أن يوجد من بعض طلاب العلم، نعم على المحسن أن يكمل إحسانه، وأن يبادر به، لكن إذا حصل مانع ما تمكن من كتابته نسي يقابل بالإساءة المرأة تقابل الزوج بالإساءة يحسن إليها الدهر كله، ثم إذا رأت أدنى خلل قالت: ما رأيت خيراً قط، والله المستعان.
"متفق عليه، واللفظ للبخاري".
"وعنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم-" ...
في بعض الأحاديث: ((يكثرن اللعن)) النساء كثير منهن لا يتورع عن اللعن، وجاء في الحديث الصحيح: ((لعن المؤمن كقتله)) وجاء في اللعان في جانب الرجل {وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} [(7) سورة النور] لأنه يهاب اللعن، والخامسة بالنسبة للمرأة {أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا} [(9) سورة النور] تخشى الغضب أكثر من اللعن لأنه درج على لسان كثير من النساء، لكن هذا موجود في بعض الأوقات دون بعض، وفي بعض الأقطار دون بعض؛ لأنه يوجد في بعض الأقطار الرجال يكثرون اللعن والشتم والسب والنساء بعكس ذلك، ويوجد في بعض الأوقات وفي بعض الأقطار العكس من ذلك، على كل حال في وقته -عليه الصلاة والسلام- هذا هو الحاصل، يكثرن اللعن، يعني في مجتمعاتنا نستغرب إذا سمعنا أن امرأة تلعن، لو قلت: إني ما سمعت امرأة تلعن، إن حصل فشيء نادر جداً في وقت متطاول ومتباعد نسيته أو شيء من هذا، هذا أمر غريب جداً، مستغرب على النساء، لكن مع ذلك قوله: ((يكثرن اللعن)) يدل على أنهن في وقته -عليه الصلاة والسلام- يتساهلن بذلك أكثر من الرجال، وإن كان كله بالنسبة للرجال والنساء نادر بالنسبة لمن جاء بعدهم.(50/15)
"قالت: ما رأيت منك خيراً قط" متفق عليه، واللفظ للبخاري".
"وعنه" يعني عن ابن عباس "عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه صلى في كسوف قرأ ثم ركع، ثم قرأ ثم ركع، ثم قرأ ثم ركع، ثم ركع ثم ركع، ثم سجد" "قرأ ثم ركع، ثم قرأ ثم ركع، ثم قرأ ثم ركع، ثم قرأ ثم ركع" أربع ركوعات، قال: "والأخرى مثلها أربعة" وهذه في مسلم "وفي لفظ له: "صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين كسفت الشمس ثمان ركعات في أربع سجدات" وعن علي مثل ذلك" وجاء في مسلم: ثلاث ركوعات، والرابع: "ثم قرأ" لا يوجد في بعض النسخ، فلعلها هي رواية: الثلاث ركوعات، والتي تليها: صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين كسفت الشمس ثمان ركعات في أربع سجدات، وفي سنن أبي داود: الخمس، طيب كم مرة حصل الكسوف في عهده -عليه الصلاة والسلام-؟ أهل السير يتفقون على أنها مرة واحدة، ما حصل إلا مرة واحدة، ويذكرونه في اليوم العاشر من الشهر، وبعضهم يقول: في اليوم الرابع، مع أن المتفق عليه عند أهل الهيئة أنه في الاستسرار في آخر الشهر، كسوف الشمس في آخر الشهر، وخسوف القمر في منتصفه في الإبدار، الكسوف في عصره -عليه الصلاة والسلام- يتفقون، يتفق أهل السير على أنه ما حصل إلا مرة واحدة، فكيف تتعدد صفات صلاة الكسوف منسوبة إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو ما صلى إلا مرة واحدة؟ يعني لو الروايات الأخرى في السنن أو في المسانيد أو في الجوامع أو في المعاجم، يعني يسهل أن يقول الإنسان: هذه شاذة أو منكرة ولو صح سندها، لكن في صحيح مسلم! من أهل العلم ممن له عناية في حماية جناب الصحيحين يقول: نصحح ما في الصحيح ونقول بتعدد القصة، ونوهم أهل السير، وش المانع؟ عندنا مسلم أوثق وأصح مما يجيء في السير، وهذا منهج عند بعض أهل العلم، يقول: ما في ما يمنع من أن يكون الكسوف وقع أربع مرات، وصلى مرة بركوعين، ومرة بثلاثة، ومرة بأربعة، ومرة بخمسة، صيانة وحماية لجناب الصحيح الذي اتفقت الأمة على تلقيه بالقبول.(50/16)
ومنهم من يقول: لا مانع من أن يقع الوهم من الراوي وإن كان صحابياً، ويصح السند إليه، ويبقى جناب الصحيح هذا على شرطه السند، والعهدة على الصحابي الذي وهم فيه، يعني لنا في حديث ابن عباس في زواج النبي -عليه الصلاة والسلام- بميمونة، وأنه تزوجها وهو محرم، وهو في الصحيح، وفي الصحيحين أيضاً من حديث ميمونة نفسها، ومن حديث أبي رافع السفير بينهما أنه تزوجها وهو حلال، فلا بد أن يكون أحدهما محفوظ، والثاني شاذ، يعني يكون وهم من الصحابي، الصحابي ليس بمعصوم، ولا ينزله عن مرتبة الثقة والحفظ والضبط والإتقان؛ لأنه لا يتصور من غير المعصوم أن يكون حفظه مائة بالمائة من كل وجه، أنس يقول: سلوا الحسن، فإنه حفظ ونسينا، لا سيما مع تقدم الوقت، فيجري هذا على الصحابة مثل غيرهم، ويبقى شرط الصحيح على الصحيح، فيبقى السند صحيح على شرط مسلم، ويكون الصحابي وهم، إما لطول عهد؛ لأننا نرجح ما في الصحيحين على ما في صحيح مسلم إذا أردنا الترجيح، وإذا قلنا بتعدد القصة كما يقوله بعض العلماء صيانة لجناب الصحيح هذا مسلك وهذا منهج، فإذا أمكن فلا محيد عنه، الإشكال فيما إذا لم يمكن تعارضاً .. ، يعني لو جاءنا بسند صحيح عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه لم يحصل الكسوف إلا مرة واحدة احتجنا .. ، لكن ما جاءنا إلا عن أهل السير، وأنهم اتفقوا على أنه لم يحصل.
على كل حال أهل العلم يتفاوتون، فمنهم من لديه الجرأة والشجاعة على التوهيم، ولو كان الخبر في كتاب تلقته الأمة بالقبول، إذا وجد ما هو أقوى منه، ولا يحط من قيمته، ولا ينزل من قدره، وشيخ الإسلام -رحمه الله- من هذا النوع، حكم على رواية الصحيحين بأنها محفوظة ومع عداها كله شاذ، ويجزم بأن الكسوف ما حصل إلا مرة واحدة، وإبراهيم ما مات إلا مرة واحدة، يعني: لو قال: إن الكسوف ما حصل إلا مرة واحدة قلنا: هذا مثل أهل السير، لكن لما قال: إبراهيم ما مات إلا مرة واحدة، أحد ينازع في أن إبراهيم ما مات إلا مرة واحدة؟ فإذا كانت الروايات الأخرى والصور الأخرى مقرونة بموت إبراهيم فلا محيد من أن يرجح ما في الصحيحين، ويحكم على ما عداها بأنها شاذة.
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟(50/17)
طالب:. . . . . . . . .
قراءة الفاتحة في الأربعة القيامات.
طالب:. . . . . . . . .
بعد الركوع تقرأ الفاتحة، نعم.
"وعن علي مثل ذلك، وحكى الترمذي عن البخاري أنه قال: أصح الروايات عندي في صلاة الكسوف: أربع ركعات في أربع سجدات" وهي المخرجة في الصحيح عنده.
"وعن عائشة -رضي الله عنها- أن الشمس خسفت على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فبعث منادياً: الصلاة جامعةً" أو "الصلاةُ جامعةٌ" إما أن يقال: مبتدأ وخبر، فيرفع الجزآن، أو يقال: الصلاة منصوب على الإغراء وجامعة حال، احضروا الصلاة حال كونها جامعة "الصلاة جامعة، فاجتمعوا" لما سمعوا الصوت يجتمعون، هرعوا إلى الداعي "وتقدم -عليه الصلاة والسلام- فكبر وصلى أربع ركعات في ركعتين، وأربع سجدات" متفق عليه، واللفظ لمسلم".
سم.
ودنا نكمل جزاك الله خير.
طالب:. . . . . . . . .
أنها واحدة نعم، لكن قول ضعيف.
نعم.
سم.
بسم الله، والحمد لله.
وقال -رحمه الله-:
باب: صلاة الاستسقاء
عن إسحاق بن عبد الله بن كنانة قال: أرسلني أمير من الأمراء إلى ابن عباس يسأله عن الصلاة في الاستسقاء، فقال ابن عباس: "ما منعه أن يسألني؟ خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- متواضعاً متبذلاً متخشعاً مترسلاً متضرعاً، فصلى ركعتين كما يصلي في العيد، لم يخطب خطبكم هذه" رواه أحمد وهذا لفظه، وأبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي وصححه، وأبو عوانة في صحيحه، وابن حبان والحاكم.(50/18)
وعن عائشة قالت: "شكا الناس إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قحوط المطر، فأمر بمنبر فوضع له في المصلى، ووعد الناس يوماً يخرجون فيه، قالت عائشة: فخرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين بدا حاجب الشمس، فقعد على المنبر، وكبر -صلى الله عليه وسلم-، وحمد الله -عز وجل-، ثم قال: ((إنكم شكوتم جدب دياركم، واستئخار المطر عن إبان زمانه عنكم، وقد أمركم الله -عز وجل- أن تدعوه، ووعدكم أن يستجيب لكم)) ثم قال: ((الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، لا إله إلا الله يفعل ما يريد، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث، ولا تجعلنا من القانطين، واجعل ما أنزلته لنا قوة وبلاغاً إلى حين)) ثم رفع يديه، فلم يزل في الرفع حتى بدا بياض إبطيه، ثم حول إلى الناس ظهره، وقلب أو حول رداءه، وهو رافع يديه، ثم أقبل على الناس ونزل فصلى ركعتين، فأنشأ الله سحابة فرعدت وبرقت، ثم أمطرت بإذن الله، فلم يأتِ مسجده حتى سالت السيول، فلما رأى سرعتهم إلى الكن ضحك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى بدت نواجذه، فقال: ((أشهد أن الله على كل شيء قدير، وأني عبد الله ورسوله)) رواه أبو داود، وقال: هذا حديث غريب، إسناده جيد.
وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يرفع يديه في شيء من دعائه إلا في الاستسقاء، وإنه يرفع يديه حتى يرى بياض إبطيه" متفق عليه، واللفظ للبخاري.(50/19)
وعنه أن رجلاً دخل المسجد يوم الجمعة من باب كان نحو دار القضاء، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائم يخطب، فاستقبل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائماً وقال: يا رسول الله هلكت الأموال، وانقطعت السبل، فادعُ الله أن يغيثنا، فرفع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يديه، ثم قال: ((اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا)) قال أنس: ولا والله ما نرى في السماء من سحابة ولا قزعة، وما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار، قال: فطلعت من وراءه سحابة مثل الترس، فلما توسطت السماء انتشرت ثم أمطرت، فلا والله ما رأينا الشمس سبتاً، ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائم يخطب، فاستقبله قائماً فقال: يا رسول الله هلكت الأموال، وانقطعت السبل، فادع الله -عز وجل- أن يمسكها عنا، قال: فرفع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يديه، ثم قال: ((اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والظراب، وبطون الأودية، ومنابت الشجر)) قال: فأقلعت، وخرجنا نمشي في الشمس، قال شريك: فسألت أنساً أهو الرجل الأول؟! قال: لا أدري. متفق عليه.
وعن عبد الله بن زيد المازني قال: "خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى المصلى فاستسقى وحول رداءه حين استقبل القبلة، وصلى ركعتين" وفي لفظ له: وقلب رداءه، وفي لفظ: وجعل إلى الناس ظهره يدعو الله" متفق عليه، واللفظ لمسلم.
وفي البخاري: "ثم صلى لنا ركعتين جهر فيهما بالقراءة" وله: "فقام فدعا الله قائماً ثم توجه قبل القبلة وحول رداءه فاسقوا" ولأحمد: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- استسقى وعليه خميصة سوداء، فأراد أن يأخذ بأسفلها فيجعله أعلاها فثقلت عليه، فقلبها عليه الأيمن على الأيسر، والأيسر على الأيمن" ولأبي داود والنسائي نحوه.
وعن أنس أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب -رضي الله عنه-، فقال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، فيسقون، رواه البخاري.
وقال الدارقطني: لم يروه غير الأنصاري عن أبيه، وأبوه عبد الله بن المثنى ليس بالقوي.(50/20)
وعن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا رأى المطر قال: ((صيباً نافعاً)) رواه البخاري.
وعن أنس -رضي الله عنه- قال: أصابنا ونحن مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مطر فحسر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثوبه حتى أصابه من المطر، فقلنا: يا رسول الله لم صنعت هذا؟! قال: ((لأنه حديث عهد بربه -عز وجل-)) رواه مسلم.
وعن عائشة بنت سعد أن أباها حدثها أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نزل وادياً دهشاً لا ماء فيه، وسبقه المشركون إلى القلات، فنزلوا عليها، وأصاب العطش المسلمين، فشكوا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ونجْم النفاق ...
ونَجَم.
ونجم النفاق، فقال بعض المنافقين: لو كان نبياً كما يزعم لاستسقى لقومه كما استسقى موسى لقومه، فبلغ ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((أو قالوها ... ))
أو قالوها؟
((أو قالوها؟! عسى ربكم أن يسقيكم)) ثم بسط يديه وقال: ((اللهم جللنا سحاباً كثيفاً قصيفاً دلوقاً مخلوفاً ضحوكاً زبرجاً تمطرنا منه رذاذاً قطقطاً ...
قِطْقِطاً.
((قطقطاً سجلاً بغاقاً يا ذا الجلال والإكرام)) فما رد يديه من دعائه حتى أظلتنا السحاب التي وصف، تتلون في كل صفة وصف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من صفة السحاب، ثم أمطرنا كالضروب التي سألها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأفعم السيل الوادي، وشرب الناس فارتووا. رواه أبو عوانة الإسفرايني في صحيحه.
يقول -رحمه الله تعالى-:
باب: صلاة الاستسقاء(50/21)
الاستسقاء السين والتاء للطلب، يعني طلب السقيا، كما أن الاستصحاء طلب الصحو وكشف المطر عند زيادته التي يخشى منها الضرر، فالاستسقاء طلب السقيا إذا أجدبت الأرض، وقل المطر، وضعفت الأموال والمواشي، تطلب السقيا من الله -جل وعلا-، خرج النبي -عليه الصلاة والسلام- بأصحابه بعد أن ضرب لهم موعداً يخرجون فيه، وصلى بهم واستسقى، واستسقى على المنبر يوم الجمعة، واستسقى على المنبر في غير جمعة ومن غير صلاة، ودعا استسقى وهو جالس في المسجد بين أصحابه، واستسقى عند أحجار الزيت، ويقول ابن القيم: إنه استسقى على ست صور: منها ما ذكرنا، والسادسة: لما سبقه المشركون إلى الماء دعا الله -جل وعلا- فنزل المطر، فأنواع استسقائه -عليه الصلاة والسلام- على ستة أنحاء، الذي يُذكر في هذا الباب هو المقرون بالصلاة، أو في خطبة الجمعة؛ لأنه مُدخل في كتب الصلاة.
باب: صلاة الاستسقاء
الاستسقاء كما ذكرنا هو طلب السقيا، فإذا تأخر نزول المطر، وتضرر الناس بذلك خرجوا يطلبون من الله -جل وعلا-، ويتوسلون إليه بما يقربهم إليه، ويتضرعون إليه أن يغيثهم ويسقيهم، ولا شك أن امتناع القطر عقوبة من الله -جل وعلا-، سببها كثرة الذنوب والمعاصي، ومنع زكوات الأموال، كما جاء في خبر عند ابن ماجه بإسناد لا بأس به: ((وما منعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء)) ونرى الأموال الطائلة عند التجار يعني بإمكان بعضهم من زكاته أن يرفع حاجة أسر كثيرة جداً، ونرى حاجة المسلمين تزداد والأموال في بلدانهم تزداد، ومع ذلك لا تجود النفس بإخراج ما فرض الله -جل وعلا- على بعض التجار، وإن كان يوجد من التجار من فيه الخير، فيخرج الواجب، ويضرب في كل باب من أبواب الخير بسهم من أمواله، ونجد أمواله تزيد ما تنقص، إذا منعت الزكاة منع القطر، إذا كثرت الذنوب والمعاصي كثرت المصائب {وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} [(30) سورة الشورى].
قال -رحمه الله تعالى-:(50/22)