|
مؤلف الأصل: شمس الدين محمد بن أحمد بن عبد الهادي (المتوفى: 744هـ)
الشارح: عبد الكريم بن عبد الله بن عبد الرحمن بن حمد الخضير
دروس مفرغة من موقع الشيخ الخضير
[الكتاب مرقم آليا، رقم الجزء هو رقم الدرس - 64 درسا]
ـ[شرح المحرر في الحديث]ـ
مؤلف الأصل: شمس الدين محمد بن أحمد بن عبد الهادي (المتوفى: 744هـ)
الشارح: عبد الكريم بن عبد الله بن عبد الرحمن بن حمد الخضير
دروس مفرغة من موقع الشيخ الخضير
[الكتاب مرقم آليا، رقم الجزء هو رقم الدرس - 64 درسا]
(/)
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: المحرر - كتاب الصلاة (1)
باب: فرض الصلاة
الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سم.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الإمام ابن عبد الهادي -يرحمه الله تعالى- في كتابه المحرر:
كتاب: الصلاة
باب: فرض الصلاة
عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((بين الرجل وبين الشرك أو الكفر ترك الصلاة)) رواه مسلم.
وعن بريدة بن الحَصيب
الحُصيب، الحصيب.
وعن بريدة بن الحصيب -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر)) رواه أحمد وابن ماجه وابن حبان والنسائي والترمذي والحاكم، وصححاه.
وقال هبة الله الطبري: هو صحيح على شرط مسلم.
كمل الباب كله.
وعن علي بن أبي طالب -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم الأحزاب: ((شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر، ملأ الله بيوتهم وقبورهم ناراً)) ثم صلاها بين العشاءين، بين المغرب والعشاء. رواه مسلم.
وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أن عمر جاء يوم الخندق بعد ما غربت الشمس، فجعل يسب كفار قريش، وقال: يا رسول الله ما كدت أصلي العصر حتى كادت الشمس تغرب! فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((والله ما صليتها)) قال: "فقمنا إلى بطحان فتوضأ للصلاة، وتوضأنا لها، فصلى العصر بعد ما غربت الشمس، ثم صلى بعدها المغرب" متفق عليه.
وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو غفل عنها فليصلها إذا ذكرها، فإن الله تعالى يقول: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [(14) سورة طه])) رواه مسلم.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من نسي صلاة فوقتها إذا ذكرها)) رواه الدارقطني والبيهقي بإسناد لا يثبت.
(1/1)
وعن عمران بن حصين -رضي الله عنه- قال: "كنت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في مسير له، فأدلجنا ليلتنا حتى إذا كان وجه الصبح عرسنا، فغلبتنا أعيننا حتى بزغت الشمس، قال: فكان أول من استيقظ منا أبو بكر، وكنا لا نوقظ نبي الله -صلى الله عليه وسلم- من منامه إذا نام حتى يستيقظ، ثم استيقظ عمر، فقام عند نبي الله -صلى الله عليه وسلم- فجعل يكبر ويرفع صوته بالتكبير حتى إذا استيقظ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فلما رفع رأسه ورأى الشمس قد بزغت، قال: ((ارتحلوا)) فسار بنا حتى إذا ابيضت الشمس نزل فصلى بنا الغداة" متفق عليه، واللفظ لمسلم.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين قفل من غزوة خيبر فسار ليلة حتى إذا أدركنا الكرى عرس، فذكر حديث النوم عن الصلاة، وفيه فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((تحولوا عن مكانكم الذي أصابتكم فيه الغفلة)) قال: فأمر بلالاً فأذن وأقام وصلى. رواه أبو داود وقال: ولم يذكر أحد الأذان في حديث الزهري إلا الأوزاعي وأبان العطار عن معمر.
وأبان العطار عن إيش؟
عن عمر.
عن معمر.
وأبان العطار عن معمر.
وقد ذكر مسلم الحديث من رواية يونس عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة، وقال فيه: "وأمر بلالاً فأقام الصلاة فصلى بهم الصبح" ولم يذكر الأذان.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
كتاب: الصلاة
لما أنهى الشروط التي هي في الأصل متقدمة على المشروط ثنى بذكر الصلاة التي هي المقصد والغاية والتي من أجلها اشترطت تلك الشروط، فقال -رحمه الله-:
كتاب: الصلاة
(1/2)
والكتاب تقدم الحديث عنه في كتاب الطهارة، وقلنا في ذاك: إن الكتاب مصدر كتب يكتب كتاباً وكتابة وكتباً وقلنا: إن المادة تدور في أصلها على الجمع، ومنه تكتب بنو فلان، والكتيبة لجماعة الخيل، والكتابة بالقلم لاجتماع الحروف والكلمات، وكتاب مضاف والصلاة مضاف إليه، والمبتدأ محذوف تقديره هذا، كتاب خبره والصلاة مضاف إليه، والأصل في الكتاب أنه يضم أبواب، والباب يضم فصول، والفصول تندرج تحتها مسائل، وقد توجد ترجمة في كتاب ولا باب تحته، توجد ترجمة بالأبواب ولا كتاب فوقها، وقد يقال: كتاب وتحته فصول، والأمر في ذلك واسع؛ لأنه مجرد اصطلاح، ولا مشاحة في الاصطلاح، لكن الترتيب في عرف أهل العلم أن يبدأ بالكتاب، ثم الباب، ثم الفصل، ثم المسائل تندرج في الفصول على سبيل التدلي من الأعلى إلى الأدنى.
والكتاب الفرعي داخل تحت كتاب أصلي، فكتاب الصلاة من ضمن كتاب المحرر، كما أن كتاب بدأ الوحي وقلنا: إنه كتاب على ما جاء في بعض النسخ، وأكثره على أنه ليس بكتاب، كتاب الإيمان، كتاب العلم، يعني من كتب كتاب صحيح البخاري.
باب: فرض الصلاة
فرض الباب تقدم الكلام فيه، وأنه في الأصل لما يدخل منه، ويخرج معه في المحسوسات، وهو اصطلاح لأهل العلم، ومن باب الحقيقة العرفية عند أهل العلم يسمون ما يندرج تحته فصول ومسائل يسمونه باب.
باب فرض، الفرض هو الواجب عند الجمهور، وإن كان لفظه أقوى من لفظ الواجب لغة ومعنىً، إلا أنهم جعلوه بإزاء الواجب، وفرق بينهما الحنفية، وجعلوا الفرض لما ثبت بدليل قطعي، والواجب لما ثبت بدليل ظني.
باب: فرض الصلاة
باب فرض الصلاة والمراد بالفرض هنا الوجوب لا أنه في وقت فرضها، فلو كان المراد في وقت فرضيتها لأورد حديث الإسراء، لكنه في الأحاديث الآتية يذكر ما يدل على وجوبها وفرضيتها، والصلاة في الإسلام شأنها عظيم، فهي ثانية الأركان بعد الشهادتين، وبها يحقن الدم.
باب: فرض الصلاة
(1/3)
أول ما فرضت الصلاة، في الحديث -حديث عائشة-: أول ما فرضت الصلاة ركعتين، هل المراد به كما هنا حكمها الشرعي الوجوب المتأكد المتعين؟ بهذا قال الحنفية، مع أنه ينخرم عليه مذهبهم؛ لأنهم لا يرون القصر فرض، وإنما يرونه واجب، والجمهور على أن أول ما فرضت يعني قدرت الصلاة ركعتين؛ لأن القصر ليس بواجب عندهم، فأول ما فرضت، وهنا باب فرض الصلاة المراد به عند الحنفية الوجوب، وعند غيرهم التقدير، فالفرض كما يطلق على الوجوب يطلق أيضاً على التقدير، والفرائض في قسم التركات الفروض المقدرة للورثة، وذكرنا أن الصلاة ثانية أركان الإسلام كما في حديث جبريل حينما سأل النبي -عليه الصلاة والسلام- وفي حديث عبد الله بن عمر: ((بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة ... )) إلى آخره.
(1/4)
والصلاة يتفق الصحابة على أن تركها كفر، في كلام عبد الله بن شقيق كانوا لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة، ويقصد بذلك الصحابة، فالصلاة كما أشرنا شأنها عظيم، وجاء في النصوص تعظيمها، والتحذير والتهديد الأكيد بالنسبة لمن تركها، ولذا أورد المؤلف -رحمه الله تعالى- حديث جابر في مسلم يقول: "عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((بين الرجل وبين الشرك أو الكفر ترك الصلاة)) " ((بين الرجل)) وتدخل فيه المرأة؛ لأن النساء يدخلن في عموم خطاب الرجال إلا فيما دل الدليل على اختصاص الرجال به، والنساء شقائق الرجال في هذا، فالصلاة مفروضة على النساء كما هي مفروضة على الرجال، وإذا قيل بكفر تارك الصلاة شمل الرجال والنساء ((بين الرجل)) والرجل يطلق على المكلف، فدل على أن غير المكلف لا يدخل في مثل هذا الوعيد وإن أمر بها، إذا أتم سبع سنين وضرب عليها إذا أكمل عشر سنين، إلا أنه لا يدخل في مثل هذا النص؛ لأنه لم يجر عليه قلم التكليف ((بين الرجل وبين الشرك أو الكفر ترك الصلاة)) فإذا ترك الصلاة دخل في حيز الشرك وفي حيز الكفر، إذا ترك الصلاة دخل في حيز الشرك، صار مشركاً يشمله عموم قول الله -جل وعلا-: {إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} [(48) سورة النساء] بهذا نعلم أن استدلال من استدل بهذه الآية على عدم كفر تارك الصلاة فيه ما فيه؛ لأن الحديث يدل على أن الذي يترك الصلاة مشرك، كما أن الذي يصلي ولو لم ينطق بالشهادة مسلم حكماً؛ لأن أهل العلم يقولون: فإن صلى فمسلم حكماً، يعني يحكم بإسلامه، الأصل أن الناس يقاتلون كما أمر بذلك النبي -عليه الصلاة والسلام- ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله)) افترضنا أن شخصاً من الكفار ما قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وإنما دخل مع المسلمين وصلى، نقول: هذا مسلم حكماً، فإن أتى بما يناقض الإسلام فهو مرتد؛ لأنه لم يبق على كفره الأصلي.
(1/5)
في المساجد القريبة من المدارس تجد بعض سائقي الأسر ممن ينقل الأولاد أو البنات إذا جاء والمساجد قد فتحت وفيها التكييف وخارج المسجد فيه الشمس، فتجد هذا السائق ولو لم يكن مسلماً يدخل إلى المسجد، وإذا أقيمت الصلاة صلى معهم؛ لأنه لن يُترك يدخل المسجد ولا يصلي، فماذا نقول عن مثل هذا؟ هذا حاصل، هل نقول: إن هذا مسلم حكماً، أو يقبل قوله إذا قال: إنه صلى لمجرد الدخول في المسجد؟ لأنه الفرق بين المسألتين بين أن يكون كافر أصلي أو يكون مرتد واضح، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
العلماء يقولون: فإن صلى فمسلم حكماً، وذلكم لأن الصلاة تتضمن الشهادة، فماذا نقول عن مثل هذا؟ هذا متصور أو غير متصور؟ متصور، ونوقش بعضهم قيل له: أنت مسلم؟ قال: بابا مسلم، يعني الكفيل، الكفيل مسلم، وما دخل للمسجد إلا من أجل حرارة الجو خارج المسجد، فهل نقول: إن هذا مسلم حكماً لأنه صلى وليس لنا إلا الظاهر، أو نقبل دعواه إذا ادعى؟ أو نقول: إذا قامت القرينة القوية على صدقه قبل قوله وإلا فلا؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
إحنا ما لنا إلا الظاهر، رأيناه واقف مع الناس ويركع ويسجد هذه الصلاة الشرعية، ما لنا إلا الظاهر، هل نؤاخذه بصلاته هذه، ونقول: إنه مسلم، فإن فعل ما يناقض فهو مرتد يجب قتله؟ ((من بدل دينه فاقتلوه)) أو نقول: هو باقٍ على كفره وعلى عهده والعقد الذي دخل به؟
(1/6)
يعني لو دخل وقت المغرب أو وقت العشاء تضعف القرينة في دعواه عدم إرادة الصلاة، لكن لو دخل الظهر حين يقوم قائم الظهيرة، الشمس لا يطاق الجلوس فيها في الصيف، وصلى مع الناس تقوى القرينة على صدقه، وحينئذٍ لا يحكم بإسلامه من أجل هذا، إذا قال: أنا والله دخلت من أجل حر الشمس، مسألة ظاهرة وإلا ما هي بظاهرة يا إخوان؟ لأن العلماء يقولون: إن صلى فمسلم حكماً، يعني يؤاخذ، فلو ارتد بعد ذلك يقتل ((من بدل دينه فاقتلوه)) لأنه مسلم، وإذا ادعى أنه دخل من أجل حر الشمس، وصلى مع الناس؛ لأنه لا يمكن أن يدخل المسجد ويجلس بدون صلاة، المسلمون ما يمكنونه من هذا، وإن وجد التساهل حقيقة في بعض الجهات وجد من ينام في المسجد ولا يوقظ للصلاة، وجد، وهذا مع التساهل العام الذي اجتاح بلدان المسلمين، والله المستعان، فإذا قامت القرينة القوية الدالة على صدقه أنه إنما دخل إلى المسجد وصلى مع الناس هروباً من الشمس قبلت دعواه، وإلا فالأصل أنه مسلم حكماً، وليس لنا إلا الظاهر.
((بين الرجل وبين الشرك)) فالذي لا يصلي مشرك، ويدخل في قوله -جل وعلا-: {إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} [(48) سورة النساء] وهذا ليس داخل في المغفرة، والحديث مع الآية دليل على كفر تارك الصلاة.
((أو الكفر)) (أو) هذه للشك، يعني هل قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: بين الرجل وبين الشرك أو قال: بين الرجل وبين الكفر؟ وفي بعض الروايات بالواو ((بين الرجل وبين الشرك والكفر)) والواو تأتي بمعنى (أو) وكما أن (أو) تأتي بمعنى الواو.
(1/7)
((ترك الصلاة)) الترك يبحث في هذا اللفظ الترك يعني عدم الإتيان بالصلاة، وهل يطلق على من ترك فرضاً واحداً بأنه تارك للصلاة، أو لا بد أن يترك فروض، ويفرق بين من لا يصلي ألبتة وبين من يصلي أحياناً ويترك أحياناً؟ والترك مصدر ترك يترك تركاً، والفاعل تارك، والفعل بهذه الصيغة ينطبق على من تركها مرة واحدة؛ لأن الترك يحصل بمرة واحدة، لكن لو قيل: تراك صيغة مبالغة، أو تروك اتجه القول بأنه لا يكفر بتركها مرة واحدة، فماذا عن من يصلي أحياناً ويترك أحياناً؟ نقول: مثل هذا بحسب ما يختم له به، فإن ختم له بفعلها فهو مسلم، وإن ختم له بتركها فهو تارك، والذي يترك فرض واحد كافر، وإذا تعمد إخراج الصلاة عن وقتها ولو فرض واحد فإنه حينئذٍ لا يقضي؛ لأنه بهذا كفر.
والصلاة لا تصح قبل دخول وقتها، كما أنها لا تصح بعد خروجه إذا تركت عن عمد فلا تقضى، وابن حزم نقل على هذا الاتفاق، مع أن من أهل العلم من نقل الاتفاق على خلافه، بمعنى أنه لو تعمد ترك الصلاة حتى يخرج وقتها وفي نيته أن يصلي إذا خرج وقتها كمن يضبط المنبه على الدوام، يضبط الساعة على السابعة ويقول: إذا قام للدوام صلى الفجر، ومعروف أن هناك فتوى تداولها الناس أنه يكفر بهذا، يعني ممن يعتد بقوله من أهل العلم، وهذا جار على الإجماع الذي نقله ابن حزم.
وأما ما نقله غيره من أنه يجب عليه قضاؤها اتفاقاً، وهذه من المسائل النادرة التي ينقل الاتفاق على طرفيها، القول بعدم القضاء اتفاق نقله ابن حزم، والقول بالقضاء وبوجوبه اتفاق نقله بعضهم، وقالوا: إنه إذا أُمر المعذور بقضاء الصلاة فلأن يؤمر من لا عذر له من باب أولى، هذا إذا كان عازماً على قضائها بعد خروج وقتها، يعني ما في نيته الترك المطلق، وإنما يقول: إذا انتبهت إلى الدوام صليت، لا شك أن هذا مرتكب موبقة من الموبقات، وعلى خطر عظيم، لكن الكفر شأنه عظيم أيضاً.
(1/8)
أما بالنسبة لمن تركها جاحداً لوجوبها فالإجماع على أنه يكفر بدون تردد؛ لأنه أنكر أمراً معلوماً من الدين بالضرورة، وأما من أقر بوجوبها اعترف بها، لكنه يتركها تهاوناً وكسلاً، فالأدلة الصحيحة الصريحة دلت على كفره، وقال جمع من أهل العلم أنه لا يكفر، مستدلين بقول الله -جل وعلا-: {إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} [(48) سورة النساء] والصلاة دون الشرك، وعرفنا من خلال هذا الحديث أن ترك الصلاة شرك؛ لأن الحد الفاصل بين المسلم والمشرك الصلاة، الحديث نص في هذا، وهو مخرج في مسلم: ((بين الرجل وبين الشرك ترك الصلاة)) فإذا ترك الصلاة صار مشركاً، فدخل في الآية، وفي الحديث: ((أخرجوا من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان)) وهل يتصور أن يوجد في قلب من يترك الصلاة ذرة من إيمان؟ لأنه إذا صار مشركاً بدلالة الحديث هل يكون في قلبه شيء من الإيمان؟ لا، لأنه لو قلنا بهذا للزمنا أن نقول: من وقر الإيمان في قلبه ولم ينطق بالشهادة، ما حكمه مسلم وإلا كافر؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
(1/9)
ولم ينطق بالشهادة، ما نطق بالشهادة ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله)) كافر بلا شك، كافر هذا محل اتفاق أنه إذا لم ينطق فهو كافر، المسألة مسألة كلها حكم فيما يظهر للناس، أما ما بين العبد وبين ربه الله -جل وعلا- يتولاه، ولسنا بمكلفين في بما في قلوب الناس، لكن افترض أنه قال: لا إله إلا الله، وليس في قلبه مثقال ذرة من إيمان بالنسبة لنا مسلم، لكن إذا امتنع ولم ينطق بالشهادة فهو كافر، فإذا حكمنا بكفره مع ما في قلبه من إيمان يدعيه؛ فلأن نحكم بكفره إذا ترك الصلاة؛ لأنه مشرك بالنص، وما في القلب لا شك أن الإيمان في الأصل محله القلب، والتقوى هاهنا، لكن ما الذي يدري الناس عما في القلب إلا ما يظهر من قول أو فعل، ولذا جعل أهل العلم الإيمان مركب من ثلاثة أجزاء، هذا قول أهل السنة قاطبة، اعتقاد وقول وفعل، قول باللسان، واعتقاد بالجنان، وعمل بالجوارح والأركان، هذا هو الإيمان، فإذا اختل واحد من هذه الثلاثة فلا إيمان، يعني إذا كان مجرد دعوى، إنسان يدعي أنه مؤمن، وما نطق بالشهادتين يقبل وإلا ما يقبل؟ لا يقبل، إذا أقر ونطق ولم يعمل عمل ألبتة هذا أيضاً لا تقبل دعواه؛ لأن الإيمان مركب من الثلاثة، والعمل جنسه كما يقرر أهل العلم شرط لصحة الإيمان، هذا بالنسبة لمن تمكن من العمل فلم يعمل.
أما من لم يتمكن، لم يتمكن من العمل فمثل هذا لو شهد أن لا إله إلا الله ثم مات أو قتل انتهى هذا مسلم، ما أحد يعترض عليه.
((بين الرجل وبين الشرك أو الكفر ترك الصلاة)) رواه مسلم.
(1/10)
وعن بريدة بن الحصيب -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر)) وتعريف جزئي الجملة يدل على إيش؟ على الحصر؟ ((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر)) وهذا فيه دلالة على أن تارك الصلاة كافر كالذي قبله، فالمرجح من أقوال أهل العلم أن تارك الصلاة كافر، والناس إلى وقت قريب لا يصدقون أن مسلماً يدعي الإسلام ويترك الصلاة، ووجد الآن في صفوف المسلمين بكثرة -لا كثرهم الله- من يترك الصلاة، وفي القرن السابع شخص من المغاربة يقول: إن الخلاف في حكم تارك الصلاة افتراضي، يعني مسألة فقهية مجردة افتراضية كما يقال في الفرائض توفي زيد عن ألف جدة، افتراض وليس بواقع؛ لأنه لا يتصور أن مسلماً يدعي الإسلام ويترك الصلاة، ثم قال: إلا إن كان هذا في آخر الزمان حينما لا يقال: الله الله، يعني بعد خروج الدجال، وبعد العلامات الكبرى احتمال، هذا يدل على إيش؟ يدل على أن الصلاة ما كان أحد يدعي أنه مسلم ويقدم على تركها؛ لأن هذا الذي تكلم من أهل العلم.
وحكم تارك الصلاة حكم المرتدين يجب قتله ردة على القول بكفره، وحد على القول بعدم كفره، وهذا معروف عند الشافعية والمالكية، وأما بالنسبة للحنفية فإنهم يقولون: لا يقتل، إنما يحبس ويضيق عليه حتى يصلي أو يموت، وكثير من المسلمين -نسأل الله العافية- الصلاة لا وزن لها عنده حتى على مذهب أبي حنيفة، يحبس حتى يموت، هذا الأمر ليس بالسهل.
وبعض من لا يرى القتل يقول: ما نفذ على مر التاريخ قتل شخص ترك الصلاة، ما نفذ، نقول: ما نفذ لأنه لم يقع، بدليل كلام المغربي هذا الذي سقناه، لا يتصور مسلم يترك الصلاة، لكن لما خف الدين كله بجملته خف أعظم أركانه، وصار الناس يتساهلون في مثل هذا الأمر، حتى وجد في بيوت المسلمين من لا يصلي.
((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر)) يقول -رحمه الله-: "رواه أحمد وابن ماجه وابن حبان والنسائي والترمذي والحاكم، وصححاه".
"وقال هبة الله الطبري" المعروف باللالكائي: "هو صحيح على شرط مسلم" في شرح اعتقاد أهل السنة والجماعة.
(1/11)
هبة الله الطبري: أحياناً يذكر الشخص بما لم يشتهر به، يعني لو قال: قال اللالكائي عرفه الناس، وعرفوا كتابه، لكن هبة الله الطبري يوقع طالب العلم في إشكال؛ لأنه قد لا يعرفه بهذه النسبة، وأحياناً يقال: قال الرازي، ثم طالب العلم لا يدري من الرازي؟ لأنه منسوب إلى الري، وأحياناً يريد بذلك أبا حاتم مثلاً، وقد شهر بكنيته، فالاقتصار على الرازي لا يكفي؛ لأنه وإن كان الكلام يحدد المقصود، لكن فيه تعمية، وفيه توعير على الطالب، لو قال: قال أبو حاتم الرازي، ما وقع في لبس؛ لأن بعض الطلاب لا يستطيع أن يحدد المطلوب من خلال السياق، ومن النبهاء من يستطيع، لكن قال الرازي فيه توعير؛ لأنه منسوب إلى بلد كبير، فلا يدرى من هو؟ هل هو الرازي أبو حاتم؟ هل هو الفخر الرازي؟ هل هو أبو بكر الرازي الجصاص؟ ولذا ينبغي أن يذكر الشخص بأخص أوصافه الذي اشتهر بها بين أهل العلم، ولو قال: قال هبة الله، قال اللالكائي يكفي.
وكذلك الكتب لو تقول: قال في الزاد، وتنقل من زاد المعاد هذا لا شك أن فيه على الطالب تعسير وتوعير، أو تقول: قال في الزاد وتقصد زاد المسير، هذا أيضاً ما اشتهر بين الناس بهذا، فينبغي أن يعتنى بمثل هذه الألفاظ، وكم من وهم حصل بمثل هذا، قال أبو حاتم والمسألة لغوية تجد الطالب يترجم لأبي حاتم الرازي مثلاً، قال أبو حاتم والكلام منقول في صحيح ابن حبان، هو ابن حبان، قال أبو حاتم، والمسألة لغوية أبو حاتم السجستاني وهكذا، فطالب العلم ينبغي أن يكون نبيه لمثل هذه الأمور، كما أن من يكتب ينبغي ألا يوعر الطريق على طالب العلم فيحدد بدقة، وكم من وهم حصل بمثل هذا، وذكرت أكثر من مرة أن باحثاً بل باحثة نقلت عن تفسير القرطبي قوله: "ولقد سمعت شيخنا أبا العباس مراراً يقول" وترجمت لشيخ الإسلام ابن تيمية؛ لأن ابن القيم يكثر من هذا الأسلوب، ابن القيم في منصفاته دائماً يقول: سألت شيخنا أبا العباس، وقد يقول مراراً، فيقع اللبس، والقرطبي التلميذ المفسر قبل شيخ الإسلام، فلا بد من الانتباه لمثل هذه الأمور.
(1/12)
هناك أمور لا تخفى على آحاد المتعلمين، لكن يقع فيها بعضهم بالخطأ، في صحيح البخاري في حديث أبي موسى "الهرج" بلغة الحبشة: القتل، قال أبو موسى: الهرج بلغة الحبشة القتل، ويترجم لأبي موسى المديني اللي في القرن السادس، والكلام في صحيح البخاري، والراوي أبو موسى يفسر هذه الكلمة، وهو أبو موسى الأشعري، فلا المؤلف الكاتب يترك القارئ في حيرة، ولا القارئ يهجم على الكلمة من غير روية، كثيراً ما يقال في كتب اللغة: قال الليث، ثم يترجم لليث ابن سعد، ما له علاقة الليث ابن سعد في كتب اللغة، فعلى طالب العلم أن ينتبه لمثل هذه الأمور.
"قال هبة الله الطبري" ...
اتصل واحد من الباحثين يقول: أبا الحسن الزازان لم أجد له ترجمة، قلت له: أين وقفت على هذا الاسم؟ قال: في مغني المحتاج الجزء كذا، صفحة كذا، ذهبت إلى الكتاب فإذا بالطابع أخطأ، وضع النقطتين بعد النون، فقرأها القارئ الزازان، وهو بدون ألف ونون، أبو الحسن الزاز: إن كذا، تبع الكلام، تبع كلامه، وهذا يحصل، يعني يحصل مثل ما يحصل في الإيهام والتوعير الذي ذكرناه يحصل أيضاً في علامات الترقيم، وقلنا: إن من حقق مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب في قسم الحديث جاء إلى حديث اقتناء الكلب، من اقتنى كلباً غير ما استثني نقص من أجره كل يوم قيراط، رواه مسلم، وفي رواية ووضع نقطتين له قيراطان، كيف له قيراطان؟ وقال: إن هذه الرواية لم تثبت، ولا توجد في صحيح مسلم، ولا كذا ولا كذا، وهي في رواية له يعني لمسلم ضع النقطتين بعدها، قيراطان يعني ينقص من أجره قيراطان، فعلى طالب العلم أن يكون منتبهاً لمثل هذه الأمور.
"هو صحيح على شرط مسلم" ...
ابن القيم أيضاً في كتاب حكم تارك الصلاة قال: إسناده على شرط مسلم، وأطال العلماء في بيان معنى شرط الشيخين، والمعتمد عند المتأخرين أن المراد بشرطهما رجالهما، فهذا الحديث مروي برجال خرج لهم الإمام مسلم -رحمه الله-.
(1/13)
ثم قال: "وعن علي بن أبي طالب -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم الأحزاب" يعني في الخندق، في غزوة الخندق، يوم الأحزاب، يوم تحزب الناس على النبي -عليه الصلاة والسلام-، وحاصروا المدينة: ((شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر، ملأ الله بيوتهم وقبورهم ناراً)) ثم صلاها بين العشاءين، بين المغرب والعشاء.
((شغلونا)) يعني ألهونا عن الصلاة الوسطى، وهي صلاة العصر، وجاء التنويه بها في قول الله -جل وعلا-: {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى} [(238) سورة البقرة] والعطف عطف الخاص على العام يدل على الاهتمام بشأن الخاص والعناية به، فالصلاة الوسطى لها شأن، صلاة العصر، والحديث نص في أن الصلاة الوسطى هي صلاة العصر، ومع ذلك الخلاف في المراد بها بين أهل العلم ذكروا ثمانية عشر قولاً في المراد بالصلاة الوسطى، قد يقول قائل: كيف تبلغ الأقوال والصلوات خمس؟ كيف تبلغ ثمانية عشر قولاً والصلوات خمس؟ يعني افترض أن واحد قال: الفجر، مجموعة قالوا: الفجر، وآخرون قالوا: الظهر، فريق ثالث قال: المغرب، العصر، إلى آخر الصلوات الخمس، فالأقوال تكون خمسة، لا، هناك أقوال مركبة، وهناك أقوال مبهمة، الصلاة الوسطى هي الصلوات المفروضة، الصلاة الوسطى صلاة الجمعة، الصلاة الوسطى صلاة مبهمة لا بعينها كإبهام ليلة القدر، وإبهام ساعة الجمعة، وإبهام الأسماء الحسنى، وشعب الإيمان، وما أشبه ذلك.
(1/14)
المقصود أن الأقوال يعني يعجب الإنسان حينما تتنوع وتكثر إلى هذه العدة في صلوات خمس، والخلاف في ليلة القدر بلغت الأقوال فيه إلى خمسين قولاً، خمسين قول، وذكرها الحافظ ابن حجر في فتح الباري، فلا يستغرب أن يكون في الصلاة الوسطى ثمانية عشر قولاً، والصلوات خمس، لكن منهم من قال: هي صلاة الفجر؛ لأنها تقع بين صلاتين ليليتين، وصلاتين نهاريتين، فهي متوسطة بين صلوات الليل وصلوات النهار، ومنهم من قال: هي الظهر؛ لأنها متوسطة بين طرفي النهار بين صلاتي طرفي النهار، ومنهم من قال: هي العصر وهو المرجح بالنص كالذي معنا، ومنهم من قال: هي المغرب؛ لأن عدد ركعاتها متوسطة بين الثنتين وبين الأربع، ومنهم من قال: العشاء؛ لأنه تقدمها صلاتان من صلوات المساء، ويعقبها صلاتان.
وعلى كل حال العدد المركب من مجموع فردي كل واحد من أفراده يصح أن يكون الأوسط، يعني مثل هذا يعني لو قدر أن الأعداد ثلاثة، فالثاني هو الأوسط؛ لأنه يتقدمه الأول والثالث، الأول أوسط لأنه تقدمه واحد ويتلوه واحد، لا سيما مع الدوران كالصلوات الخمس.
فمثل هذه لا ينظر فيها إلى ما تقدم وما تأخر؛ لأن كل هذه الصلوات إن شئت تقدمها قلت: تقدمها أربع صلوات صحيح، العشاء تقدمها أربع صلوات، وإن قلت: إنه يتلوها أربع صلوات صحيح، وإن قلت: تقدمها صلاتين، ويتلوها صلاتين صحيح، فالمعول في مثل هذا على النص، يعني النص الصحيح الصريح يدل على أنها العصر، وجاء في تعظيمها وشأنها من النصوص الصحيحة ما يؤهلها لأن تكون بهذه المثابة.
((شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر، ملأ بيوتهم وقبورهم ناراً)) هذا فيه الدعاء على الكفار، ويقول التابعي: أدركنا الصحابة وهم يدعون على اليهود والنصارى، كما في موطأ الإمام مالك، ففيه الدعاء على الكفار، وقاتل الله اليهود ((قاتل الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)) فالدعاء في النصوص عليهم كثير.
((ملأ الله بيوتهم وقبورهم ناراً)) بعض الناس إذا سمع من يدعو على الكفار قال: ادع لهم بالهداية، هدايتهم مطلوبة، وعليك أن تبذل الأسباب لهدايتهم، لكن دعائك عليهم لا سيما من تعدى شره إلى المسلمين شرعي.
(1/15)
" ((ملأ الله بيوتهم وقبورهم ناراً)) ثم صلاها بين العشاءين بين المغرب والعشاء" بين العشاءين هل المراد أنه صلاها بين صلاتي المغرب والعشاء أو بين وقتي المغرب والعشاء؟ صلاها بين العشاءين بين المغرب والعشاء، يعني بين وقتيهما أو بين صلاتيهما؟ يعني صلى المغرب، ثم صلى العصر، ثم صلى العشاء، أو نقول: إنه لما دخل وقت المغرب وصار الآن بين دخول وقت المغرب، وبين دخول وقت العشاء صلى العصر، ثم المغرب، ثم العشاء، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
بين الوقتين بدليل ثم صلى بعدها المغرب في الرواية الأخرى.
النبي -عليه الصلاة والسلام- أخر الصلاة عن وقتها، قوله: ((شغلونا)) هل يؤخذ منه أنهم لما شغلوه نسيها -عليه الصلاة والسلام-، فيدخل في حكم الناسي، أو أنه أخرها مع علمه بتأخيرها؛ لأنه انشغل بهم؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني مع العلم بخروج وقتها، هذا هو الظاهر.
لماذا لم يصل النبي -عليه الصلاة والسلام- صلاة الخوف في وقتها؟ وهل يجوز أن تؤخر الصلاة عن وقتها لأي ظرف من الظروف؟ يجوز وإلا ما يجوز؟ هنا يعني في مثل هذا في حال حرب تؤخر عن وقتها أو تصلى صلاة خوف على أي حال كان؟ تصلى صلاة الخوف.
كيف أخرها النبي -عليه الصلاة والسلام-؟
طالب:. . . . . . . . .
ما شرعت، يعني غزوة ذات الرقاع بعد غزوة الأحزاب صحيح وإلا لا؟ أو قبل؟ الأكثر من المؤرخين على أن غزوة ذات الرقاع قبل غزوة الأحزاب، والإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في صحيحه في ترتيب الغزوات جعل غزوة ذات الرقاع بعد غزوة الأحزاب، ورجحه ابن القيم، فدل على أن صلاة الخوف لم تشرع في يوم الخندق والأحزاب.
من أهل العلم من يرى أنه لا مانع أن تكون غزوة ذات الرقاع قبل الأحزاب، وتشرع صلاة الخوف في السفر، وتأخير الصلاة عن وقتها كما في غزوة الأحزاب تكون في الحضر، فعلى هذا لا تصح صلاة الخوف في الحضر؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- أخر الصلاة يوم الأحزاب ولم يصل صلاة الخوف لأنه في الحضر بدون سفر، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
(1/16)
والاحتمال قائم، لكن عامة أهل العلم على أنه ما نسي، يعني عن قصد أخرها، وقد انشغل بهم، انشغل بهم عنها، لا شك أن الوقت شرط لصحة الصلاة، والاحتياط له احتياط للشرط الذي ينبني عليه صحة الصلاة، مع أن صلاة الخوف يحصل فيها من الخلل ما هو نظير الشرط، يحصل فيها خلل، قد تترك أركان من أجلها، قد يكتفى بركعة، قد ينصرف المصلي المأموم الطائفة التي صلت بعد الصلاة وذهبت للحراسة قد ينصرفون إلى غير جهة القبلة وينشغلون بالعدو وهم في صلاة، فيحصل من الخلل في الصلاة في صلاة الخوف نظير ما يحصل من تأخير الصلاة عن وقتها، لكن الخلل المبني على دليل ليس بخلل.
هذا الخلل إذا كان له ما يدل له من فعله -عليه الصلاة والسلام- لا يسمى خلل، فهل الأحوط للصلاة أن تؤخر كما أخرها النبي -صلى الله عليه وسلم-، وتصلى بعد خروج وقتها على هيئة كاملة بشروطها وأركانها وواجباتها وسننها؟ أو يقال: تصلى على أي حال كان في وقتها؟ لأن عندنا من أهل العلم من يرى أن صلاة الخوف لا تفعل في الحضر؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- أخر الصلاة يوم الأحزاب وصلاها على صفتها الكاملة، ولم يصل صلاة خوف مع أن صلاة الخوف تقدمت في قول الأكثر على غزوة الأحزاب، ومنهم من يقول: إنها تأخرت فتصلى صلاة الخوف في كل غزوة ولو كانت داخل البلد.
طيب صلاة الخوف المتبوع من صائل أو من سبع يريد قتله يصلي صلاة خوف وإلا ينتظر حتى يصل إلى المكان ولو فات وقتها؟ نعم؟ يعني شغله صائل، شغله سبع يؤخر إلى أن يصل إلى الأمان إلى المكان الآمن أو يصلي صلاة خوف بالإيماء وهو يجري؟ ماذا يصنع؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
المطلوب يعني مثل صلاة الخوف، على كل حال على القول المرجح أن صلاة الخوف إنما شرعت بعد يوم الأحزاب فتشرع صلاة الخوف في كل حالة فيها الخوف.
(1/17)
هل الخوف المتوقع المتوهم يبرر التنازل عن بعض أركان الصلاة وشروطها أو لا؟ شخص يخاف أن يخرج بالليل للوضوء، وما في شيء، يعني يمكن يذهب ويتوضأ ويرجع ما في شيء، ولا هناك ما يدل من القرائن على وجود ما يسيء إليه، لكن بعض الناس جبل على الخوف والهلع، لا يستطيع أن يخرج في الظلام، وقل مثل هذا فيمن يتوقع هل يتنازل من أجل هذا الخوف المتوهم عن الشروط والأركان أو ينتظر؟ يعني هل لا بد أن يكون الخوف من واقع، يعني يسمع زئير الأسد مثلاً، أو عواء الذئب ولا يستطيع أن يخرج من بيته أو من خيمته ليتوضأ، هذا يتيمم وإلا ما يتيمم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؛ لأن هذا لا يستطيع، لكن بعض الناس جبل على الخوف، فمثل هذا يكفي هذا التوهم، أو لا بد من أن يكون واقعاً؟ من أهل العلم من يقول: يكفي مثل هذا التوهم، وهذا التوهم قد يبلغ ببعض الناس أشد من الخوف أو المخوف المتيقن عند بعض الناس، بعض الناس مجرد ما يخرج من الباب يكاد يجن.
الآن بسبب هذه النعم التي نعيشها من الإضاءة، فالليل والنهار سواء عند الناس، كان الليل ظلام دامس لا يستطيع أن يخرج إلا ومعه من يجرئه على الخروج، فبعض الناس لو خرج في وقت الظلام جن، وذيول هذه المسألة وبحوثها تكثر، بحيث لو أمر الصبي بالخروج إلى صلاة الصبح فجن بسبب ذلك، أو خيف عليه من ذلك، المسألة يعني تحتاج إلى استرسال، فالخوف المتوقع عند بعض الناس لا شك أنه عذر، بعض الناس ما يجرؤ يخرج، لو يجزم أنه ما في شيء ما يجرؤ، فمثل هذا مثل المخوف المجزوم به عند آخرين، بل قد يكون أشد.
" ((شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر، ملأ الله بيوتهم وقبورهم ناراً)) ثم صلاها بين العشاءين" يعني بين وقتي المغرب والعشاء، ثم بعدها صلى المغرب ثم العشاء "رواه مسلم".
(1/18)
في بعض الروايات في يوم الأحزاب أكثر من صلاة، صلوات أخرها عن وقتها، وهنا شغلوه عن الصلاة الوسطى، وسيأتي في الحديث الذي يليه حديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما-: أن عمر جاءه يوم الخندق جاء إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- بعد ما غربت الشمس، فجعل يسب كفار قريش، وقال: يا رسول الله ما كدت أصلي العصر حتى كادت الشمس تغرب، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((والله ما صليتها)) يعني إلى الآن بعد ما غربت الشمس "فقمنا إلى بطحان فتوضأ للصلاة وتوضأنا لها، فصلى العصر بعد ما غربت الشمس، ثم صلى بعدها المغرب" هذا موافق للحديث السابق، لكن بعض الروايات تدل على أنه أخر صلوات وليست بصلاة، وكلها في هذه الوقعة، في هذه الغزوة، ولا شك أن هذه الغزوة استمرت أيام، ففي بعض الأيام أخر صلاة واحدة، وفي بعض الأيام أخر أكثر من صلاة.
هنا يقول في حديث جابر: أن عمر جاءه يوم الخندق بعد ما غربت الشمس، فجعل يسب كفار قريش؛ لأنهم صاروا سبباً في تأخير الصلاة إلى الوقت وقت الاضطرار بعد أن اصفرت الشمس بالنسبة لعمر، وقال: يا رسول الله ما كدت أصلي العصر حتى كادت الشمس تغرب، يعني إنه إنما صلاها قبيل غروب الشمس "فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((والله ما صليتها)) " يعني إلى الآن بعد غروب الشمس "قال: فقمنا إلى بطحان" مكان منبسط مملوء بالبطحاء والحصباء "فتوضأ للصلاة وتوضأنا لها، فصلى العصر بعد ما غربت الشمس، ثم صلى بعدها المغرب" وصلاتهم هذه الصلاة بعد خروج وقتها قضاء وإلا أداء؟ نعم على رأي أو على اصطلاح أهل العلم أن الصلاة التي يؤتى بها بعد خروج وقتها تسمى قضاء، ولو كان التأخير لعذر، فالصائم تقضي الصوم وهي معذورة، بل ممنوعة من الأداء فيسمى قضاء، ففعل العبادة بعد خروج وقتها قضاء.
"متفق عليه".
"وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو غفل عنها فليصلها إذا ذكرها، فإن الله تعالى يقول: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [(14) سورة طه] رواه مسلم.
وفي لفظ: ((من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها)) ".
(1/19)
((إذا رقد)) يعني نام ((أحدكم)) يعني من الرجال أو من النساء ((عن الصلاة أو غفل عنها)) نسيها حتى خرج وقتها ((فليصلها إذا ذكرها)) وفي رواية: ((لا كفارة لها إلا ذلك)) يعني فلا يلزم من تركها معذوراً حتى خرج وقتها إلا فعلها على هيئتها ((فليصلها إذا ذكرها، فإن الله تعالى يقول: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [(14) سورة طه])) يعني لذكرك إياي، فإذا ذكرتني ذكرت صلاتك، أو لذكرك إياها، فإنك إذا ذكرتها فقد ذكرتني.
((فليصلها إذا ذكرها)) وهذا أمر، اللام لام الأمر، ((إذا ذكرها)) يعني فوراً، فيجب قضاء الفوائت فوراً، ولا يجوز التأخير بحال ((من نسي الصلاة ثم ذكرها فليصلها إذا ذكرها)) لمجرد الذكر يصليها في أي وقت كان، ولو كان وقت نهي، ولو كان في الوقت المضيق من أوقات النهي؛ لأن النهي لا يتناول الفرائض خلافاً للحنفية، فإن النهي أيضاً يتناول الفرائض على ما سيأتي في حديث نومه -عليه الصلاة والسلام- عن الصلاة.
((فليصلها إذا ذكرها)) يعني على هيئتها ((ولا كفارة لها إلا ذلك)) لا يلزمه أن يكفر لا بمال ولا بصلاة، يعني لا يلزمه أن يصليها مرتين، وهذا يدل على ضعف ما يروى من أنه يصليها إذا ذكرها، ويصليها إذا كان من الغد في وقتها، وضعفه ظاهر.
((فإن الله تعالى يقول: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [(14) سورة طه])) ثم قال: رواه مسلم.
"وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من نسي صلاة فوقتها إذا ذكرها)) رواه الدارقطني والبيهقي بإسناد لا يثبت" لأنه من رواية حفص بن عمر بن أبي العطاف، وهو ضعيف جداً، منكر الحديث.
((من نسي صلاة فوقتها إذا ذكرها)) لكنه يشهد له الحديث السابق، وإذا كان هذا الحديث ضعفه شديد فيبقى ضعيف ولا يرتقي؛ لأن راويه منكر الحديث، ويكتفى بما قبله عنه، قال: ((من نسي صلاة فوقتها إذا ذكرها)) رواه الدارقطني والبيهقي بإسناد لا يثبت؛ لأنه من رواية حفص بن عمر المذكور، وهو منكر الحديث.
(1/20)
قال: "وعن عمران بن حصين -رضي الله عنه- قال" عمران بن حصين الصحابي المعروف الذي لما مرض سلمت عليه الملائكة عياناً، وكان يسمع التسليم من الملائكة، ثم اكتوى كما في الصحيح، لما اكتوى -رضي الله تعالى عنه وأرضاه- انقطع التسليم، فندم على ذلك فعاد التسليم، فهو من جلة الصحابة -رضي الله عنه وأرضاه-.
"قال: كنت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في مسير له فأدلجنا ليلنا" الإدلاج والادّلاج سير الليل، ويستوي في ذلك أوله وآخره، ومنهم من يقول: الإدلاج سير أول الليل، والإدِّلاج سير آخره.
"حتى إذا كان وجه الصبح عرسنا" والتعريس هو النزول آخر الليل للنوم، عرسنا، ومن ذلكم نهى عن التعريس على قارعة الطريق، يعني النوم آخر الليل في قارعة الطريق؛ لأن قارعة الطريق يلقى فيها ما يبقى من أزواد أو مخلفات ممن يطرق هذا الطريق فتكثر الهوام حوله، بحثاً عما يلقى، نهى عن التعريس على قارعة الطريق، وبعض المترجمين ترجم هذا النص بأن التعريس المراد به العرس الذي هو الزواج، فلا يكون على قارعة الطريق، إنما يكون في قصور الأفراح وفي الاستراحات، ما يكون في قارعة الطريق وهذا يؤكد أن المترجم لا بد أن يكون ثقة على علم باللغتين التي يترجم منها ويترجم إليها {وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ} [(75) سورة الزمر] قال: غير منتعلين، يعني بعض المترجمين يقع في مضحكات لجهله باللغة التي يترجم منها.
"عرسنا فغلبتنا أعيننا" يعني ناموا، ومعلوم أن المسافر إذا كان يسافر طول الليل مع النهار السابق، ثم نزل آخر الليل في وقت مناسب لا حر شديد مقلق، ولا برد شديد مؤذي في الغالب أنه يسترسل، وتغلبه عينه فينام، ويستغرق في نومه.
(1/21)
"فغلبتنا أعيننا حتى بزغت الشمس" بزغت يعني طلعت، حتى بزغت الشمس يعني طلعت، قال: "فكان أول من استيقظ منا أبو بكر -رضي الله عنه وأرضاه-، وكنا لا نوقظ نبي الله -صلى الله عليه وسلم- من منامه إذا نام حتى يستيقظ هو بنفسه" ما يوقظونه هيبة له -عليه الصلاة والسلام-، حتى يستيقظ بنفسه "ثم استيقظ عمر" عمر -رضي الله تعالى عنه- عنده من الجرأة، وعنده من القوة بما لا يخالف الشرع، ما أيقظ النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه لا يوقظ "فقام عند نبي الله -صلى الله عليه وسلم- فجعل يكبر، ويرفع صوته بالتكبير حتى استيقظ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" لأن أبا بكر منعه من ذلك أن هذا نوع من الإيقاظ، هذا نوع من الإيقاظ، وكانوا لا يوقظونه، وعمر -رضي الله تعالى عنه- ما رأى هذا النوع من الإيقاظ، إنما أراد أن يذكر الله -جل وعلا-، ثم إذا إن انتبه النبي -عليه الصلاة والسلام- من تلقاء نفسه فهو مطلوب.
"حتى استيقظ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلما رفع رأسه ورأى الشمس قد بزغت، قال: ((ارتحلوا)) فسار بنا حتى إذا ابيضت الشمس نزل فصلى بنا الغداة" متفق عليه.
(1/22)
النبي -عليه الصلاة والسلام- نام في آخر الليل بعد تعب شديد، وقد وكل أمر الإيقاظ إلى بلال، لكن بلالاً نام كذلك، وأخذ بنفسه الذي أخذ بنفس النبي -عليه الصلاة والسلام-، كما قال هو عن نفسه -رضي الله عنه وأرضاه-، فالنبي نام -عليه الصلاة والسلام-، وثبت عنه أنه كانت تنام عيناه ولا ينام قلبه، ونومه في هذه السفرة إنما هو من أجل أن يسن ويشرع، كما أنه نسي في الصلاة ليسن، وإلا كيف نعرف أحكام السهو لو لم يقع منه -عليه الصلاة والسلام-؟ كيف يطيب لإنسان بال، ويهنأ له حال إذا نام عن صلاته أعظم أركان الإسلام إلا أن له عزاءً فيما حصل للنبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأن بعض الناس إذا فاته شيء من الخير ولو دون الصلاة لو أقل شأن من الصلاة تضيق به الأرض ذرعاً، ويتقطع أساً وحزناً، لكن إذا عرف أن أكمل الخلق وأشرف الخلق نام عن الصلاة صار له في ذلك العزاء، لكن ليس في هذا مستمسك ولا دليل لمن يضيع الصلوات وينام عن الصلوات، بل لا بد من بذل الأسباب، وانتفاء الموانع، ما يسهر الليل فإذا بقي شيء يسير ربع ساعة نصف ساعة نام ثم استغرق في نومه حتى يخرج الوقت لا، لا يجوز له ذلك، إذا نام إذا اضطر إلى النوم في مثل هذه الحالة لأمر شغله عن النوم في أول الليل عليه أن يجعل من يوقظه، إما من آدمي يوكله بذلك، أو آلة تكون سبباً في إيقاظه، فلا بد من بذل الأسباب، ولا بد من انتفاء الموانع، ما يقول: والله أشرف الخلق نام عن الصلاة، النائم مرفوع عنه القلم، نقول: نعم النائم مرفوع عنه القلم، لكن أنت بسببك ضيعت الصلاة، فإذا وجدت الأسباب، وانتفت الموانع، ونمت مع ذلك، النائم مرفوع عنه القلم، والنبي -عليه الصلاة والسلام- نام.
(1/23)
"وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين قفل من غزوة خيبر فسار ليلة حتى إذا أدركنا الكرى" النعاس والنوم "عرس" يعني نام في آخر الليل "فذكر حديث النوم عن الصلاة، وفيه فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((تحولوا عن مكانكم الذي أصابتكم فيه الغفلة)) " وفي رواية: ((هذا مكان حضر فيه الشيطان)) فمثل هذا ينبغي أن يتحول الإنسان عن المكان الذي فاتته فيه الصلاة؛ لأنه حضر فيه شيطان، كما في هذا النص، وقد يقال: إن الإخبار عن حضور الشيطان من خصائصه -عليه الصلاة والسلام-، وهو الذي يدري، وأما غيره فلا يدري حضر شيطان أو لم يحضر شيطان، لكن إن تيسر أن ينتقل بأن كان نام في غرفة فليصل في غرفة أخرى إتباعاً لما جاء: ((تحولوا عن مكانكم الذي أصابتكم فيه الغفلة)) هذا يدل على أنه إذا لم يكن هناك مشقة في الانتقال من المكان أنه هو الأصل.
"قال: فأمر بلالاً فأذن وأقام وصلى".
((تحولوا عن مكانكم)) الحنفية قالوا: إن هذا التحول في هذا الحديث وقوله: ((ارتحلوا بنا)) فسار بنا، نعم كلها من أجل أن يخرج وقت النهي، هذا عند الحنفية؛ لأنهم استيقظوا عند بزوغ الشمس.
في الروايات الأخرى في بعضها قال: "لم يوقظهم إلا حر الشمس" فهذا دليل على أن وقت النهي قد ارتفع انتهى، فتحولهم عن هذا المكان لا ليخرج وقت النهي، وإنما هو للعلة التي أشار إليها النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهي أنه مكان أصابتهم فيه غفلة، وحضر فيه الشيطان.
قال: "فأمر بلالاً فأذن وأقام وصلى" أذن فالأذان كما يطلب للإعلام بدخول الوقت يطلب أيضاً لإقامة للصلاة للاجتماع إلى الصلاة، لا سيما إذا كثر الجمع، وكانوا في مكان لم يؤذن فيه، فالحديث يدل على أنه يؤذنون ولو خرج الوقت.
"فأمر بلالاً فأذن وأقام وصلى" رواه أبو داود، وقال: ولم يذكر أحد الأذان في حديث الزهري إلا الأوزاعي، وأبان العطار عن معمر" ويكفي في هذا رواية الأوزاعي لثبوته، فالأذان ثابت، إذا استيقظ الإنسان في مكان ما فيه أحد أذن يعني خارج البلد، وهم أكثر من واحد يجتمعون إلى الصلاة فليؤذن لهم أحدهم.
(1/24)
"وقد ذكر مسلم الحديث من رواية يونس عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة، وقال فيه: "وأمر بلالاً فأقام الصلاة، فصلى بهم الصبح ولم يذكر الأذان" يعني كونه لم يذكره يونس، وقد ذكره الأوزاعي فمن حفظ حجة على من لم يحفظ، وثبوت اللفظ في طريق من الطرق وعدم نقله في بعض الطرق لا يعني أنه لم يقع، فالمتجه أنه يؤذن للصلاة الفائتة إذا فعلت في مكان لم يؤذن فيه، لا سيما إذا كانوا جماعة كما هنا، أما الواحد لا يلزمه الأذان، سواءً كان في الوقت أو بعد الوقت.
إذا استيقظ النائم وبقي من الوقت ما لا يكفي للطهارة، وفعل الراتبة وفعل الفريضة، استيقظ وبقي على وقت صلاة الصبح ربع ساعة، وعليه غسل إن اغتسل طلعت الشمس، إن تيمم أدرك الصلاة في الوقت، هذا تقدم لنا في كتاب الطهارة، وأن الإمام مالك يعظم من شأن الوقت، والجمهور يعظمون شأن الطهارة، فيتوضأ ويصلي على طهارة كاملة ولو خرج الوقت، ولذا الإمام مالك قدم الوقوت في موطئه على الطهارة، وشيخ الإسلام كلامه قد يشم منه الميل إلى قول مالك -رحمه الله-، والجمهور على أنه يتوضأ ويصلي بطهارة كاملة ولو خرج الوقت، ولا يلام في هذا، هذا بالنسبة للطهارة لأنها شرط.
بقي من الوقت ما لا يكفي إلا ركعتين، هل نقول: يصلي الفريضة أو يصلي النافلة قبل الفريضة؟ نعم؟ منهم من يقول: أن يصلي كما صلى النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) تصلي النافلة ثم الفريضة؛ لأنه صار وقتها، وهو معذور في تأخيرها، ولكن المحافظة على الفريضة أولى من المحافظة على النافلة بلا شك، فيدرك الفريضة في وقتها، ثم يقضي النافلة بعد ذلك هذا هو المتجه.
(1/25)
انتبه شخص استيقظ شخص لو افترضنا أن أبا بكر استيقظ قبل طلوع الشمس بخمس دقائق بحيث يمكنه أن يتوضأ ويأتي بركعة قبل طلوع الشمس، هل يلزمه أن يؤدي الصلاة في وقتها ثم يوقظ الآخرين؟ أو يوقظ الآخرين ويصلون جماعة وهذا وقتها؟ يعني من استيقظ قبل طلوع الشمس بحيث يتمكن من أدائها قبل خروج وقتها، لكنه تفوته الجماعة أو ينتظر الجماعة ولو فات الوقت؟ هنا تعارض الشرط مع الواجب، والشرط مقدم على الواجب، وحينئذٍ يصلي في الوقت، ولا ينتظر الجماعة؛ لأن الوقت أهم من الجماعة، ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟ يعني الشرط أهم من الواجب؛ لأن الشرط لا يصح المشروط إلا به، والواجب نعم يأثم بتركه، لكن ليس هذا باختياره، والمسألة مسألة تعارض بين واجب وشرط، فمسألة المفاضلة بين العبادات مسألة مهمة في غاية الأهمية؛ لأن الإنسان أحياناً يضيق عليه الوقت عن فعل أكثر من شيء واحد من أشياء مطلوبة، فكيف يفعل؟ كيف يفاضل بين هذه العبادات؟ والمفاضلة بين العبادات موجودة في رسالة علمية مطولة ومفصلة وجيدة أيضاً بهذا العنوان: "المفاضلة بين العبادات" لأن كثير من الناس قد يصعب عليه التوفيق في مثل هذه الأمور، يعني دخل المسجد الحرام مثلاً وبينه وبين الأمام مفازة إن ذهب إلى الإمام فاته من الصلاة ما فاته، وإن صلى في أول مكان يدخل فيه من المسجد أدرك الصلاة كاملة، وحافظ على صلاته من مرور المارة بين يديه بعد سلام الإمام، وأدرك الصلاة على الجنازة إن كان، هذه مسائل وفضائل تحتاج إلى موازنة، وقد يضيق نظر كثير من طلاب العلم في الموازنة بين هذه العبادات، والرسالة التي أشرت إليها فريدة في بابها وجيدة، يحسن بطالب العلم أن يقتنيها، ويطلع عليها، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(1/26)
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: المحرر – كتاب الصلاة (2)
الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هذا يقول: ما حكم الأذان والإقامة في السفر؟
سيأتي في باب الأذان حكمهما -إن شاء الله تعالى-، ومشروعيتهما ثابتة في السفر كالحضر.
يقول: ما الدليل القطعي؟ وما الدليل الظني؟
ذكرنا بالأمس أن الحنفية يفرقون بين الفرض والواجب، ويقولون: إن الفرض ما دل عليه الدليل القطعي، والواجب ما دل عليه الدليل الظني، ويرون أن ما كانت الحجة ثابتة بكتاب الله -جل وعلا- أو بمتواتر السنة فهو قطعي، وما كان بآحاد السنة فهو ظني، هذا كلامهم، وما في الكتاب وصريح السنة المتواترة هو قطعي الثبوت بلا شك، وقد تكون دلالته ظنية؛ لئلا يقال: إن صلاة العيد يستدل الحنفية على وجوبها بقوله -جل وعلا-: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [(2) سورة الكوثر] والثبوت قطعي، لكن الدلالة على صلاة العيد ظنية، فهم لا يقولون بفرضيتها، وإنما يقولون بوجوبها، ويطردون هذا الاصطلاح ولو خالف اللفظ الشرعي، فتكون الحقيقة الاصطلاحية عندهم مخالفة للحقيقة الشرعية، ففي حديث ابن عمر: فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر من رمضان، وهم يقولون: واجبة وليست بفريضة.
(أو) في الحديث الأول ((بين الرجل وبين الشرك أو الكفر)) هل هي للشك من الراوي؟
نعم هي للشك يعني هل قال الرسول -عليه الصلاة والسلام-: بين الرجل والشرك ترك الصلاة أو قال: بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة، هذا المتجه؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- إنما قال أحد اللفظين، وتردد الراوي في ذلك، وقلنا: إن (أو) تأتي بمعنى الواو، وربما عاقبت الواو كما في الألفية.
يقول: حديث: ((من نسي صلاة فوقتها إذا ذكرها)) ((من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك)) يقول: إن الصلاة المنسية إذا صلت في غير وقتها تصلى أداء ألا يدل حديث .... ؟
(2/1)
القاعدة عند أهل العلم أن ما صلي في الوقت أو ما فعل في الوقت فهو الأداء، وما فعل بعد الوقت فهو القضاء، وإذا ارتفع الإثم واللوم فالخلاف لفظي، فالمرأة الحائض تقضي الصوم ويسمى قضاء بعد خروج رمضان وهي معذورة وحيضتها ليست بيدها، فإذا ارتفع الإثم فلا إشكال -إن شاء الله تعالى-.
على ما يعود الضمير في قوله: ((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة))؟
يعني بيننا وبين المكلفين من الرجال والنساء الصلاة، فمن تركها منهم فقد كفر.
هل (أل) في قوله: ترك الصلاة للعموم فلا يكفر إلا بتركها جميعاً، وقد قال شيخ الإسلام: ما يزال المسلمون يصلون على من يصلي أحياناً ويترك أحياناً؟
الصلاة تطلق ويراد بها الواحدة فردة، وتطلق ويراد بها الجميع وإن كانت (أل) في الأصل للجنس، فهي من صيغ العموم، وعمومها ليس في أفرادها، فلو قيل بالعموم الذي تقتضيه (أل) لقلنا: إن العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة عموم الصلوات بما في ذلك الفرائض والنوافل العامة والخاصة، وهذا لم يقل به أحد، إنما المراد بالصلاة الصلوات الخمس، فالعموم من هذه الحيثية لا يقتضي أن يترك جميع الصلوات، فلو ترك صلاة واحدة وليس في نيته قضاؤها ومات على ذلك دخل في الحديث ترك الصلاة، وقلنا: إن ترك اسم الفاعل منه تارك، واسم الفاعل بهذه الصيغة يطلق على من ترك مرة واحدة بخلاف صيغ المبالغة، حينما يقال: تراك أو تروك.
يقول: هل النبي -صلى الله عليه وسلم- في الليلة التي نام فيها حتى طلعت الشمس نام عن صلاة الوتر أيضاً؟
هذا مسكوت عنه، لم يذكر في الروايات.
يقول: هل علي شيء إذا سمعت الأذان وأنا نائم ثم تكاسلت؟
وأنا نائم يعني في مكان النوم، يعني لم يقم من مكانه وإلا لو كان نائم ما سمع الأذان؟
ثم تكاسلت ونمت وصليتها بعد ما استيقظت من النوم بعد خروج وقتها، فهل علي شيء؟
نعم إذا سمعت الأذان يلزمك الإجابة، فإذا نمت فأنت آثم، قد يجلس الإنسان بعد سماع الأذان في فراشه يتمطى ويتثاءب ويتكاسل، لكنه يهب للصلاة في وقتها مع الجماعة، فمثل هذا ترك الأفضل.
(2/2)
يقول: حدثني رجل أنه حينما يذهب لصلاة الفجر فإذا وصل إلى باب الدار يتوهم ويخاف خوفاً شديداً، وقد عاشرته ورأيت خوفه حتى أنه لا يسمح بإغلاق الإضاءة عند النوم، فما حكم تركه لصلاة الفجر جماعة؟
على كل حال إذا غلب على ظنه أنه يصاب في عقله بسبب هذا الخوف الشديد، والهلع الشديد ولم يجد من يؤنسه في الطريق، فمثل هذا يعفى عنه ويعذر، لكن مع ذلك عليه أن يسعى لإزالة هذا الخوف؛ لأنه لا يسلم من خلل في اليقين والتوكل.
يقول: هل يجوز لي أن أجمع بين صلاتين جمع تقديم مثلاً المغرب والعشاء إذا خشيت أن أنام ويفتوني وقت صلاة العشاء لشدة التعب والنوم، وأنا غير مسافر مقيم في بلدي؟
لا يجوز لك الجمع ما دمت مقيماً معافى في بلدك، وإنما تصلي المغرب وتنشغل بعض الوقت حتى يدخل وقت العشاء، ثم تصليها مع الجماعة، ثم تنام، وبإمكانك أن تفعل هذا إن عجزت فلك أن تنام وتكل الإيقاظ لأحد يوقظك، أما الجمع من غير خوف ولا مطر ولا سفر مثل هذا معروف حكمه عند أهل العلم، الصلاة كتاب مفروض، مفروض محدد في أوقاتها.
يقول: ما رأيكم في كتاب "كفاية المستقنع لأدلة المقنع" للمرداوي؟
هو حكمه حكم كتب أحاديث الأحكام، وهو نافع.
يقول: هل هناك فرق بين من يقول: العمل شرط لصحة الإيمان، ومن يقول: جنس العمل شرط لصحة الإيمان، ومن يقول: الأعمال جزء من الإيمان؟
أهل السنة يرون أن العمل أمر لا بد منه، وهو البرهان الفعلي على صحة ما في القلب، فهو شرط للصحة، لكن المراد جنسه، كما قرر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-، فإذا لم يعمل قط مثل هذا لا برهان على صدق دعواه، من عمل برهن على صدق دعواه على ما في قلبه من إيمان، ولكن ليس جميع الأعمال شرطاً في صحة الإيمان، والفرق بين قول المعتزلة وقول أهل السنة أن جميع الأعمال بالنسبة للمعتزلة التي يفسق بتركها شرط لصحة الإيمان، فعندهم الذي يترك الواجب أو يرتكب المحرم من الكبائر هذا ليس بمؤمن، وعند أهل السنة مؤمن بإيمانه، فاسق بما ارتكب من ترك لواجب أو فعل محظور، هذا الفرق بين قول المعتزلة وقول أهل السنة.
(2/3)
ابن حجر في فتح الباري قرر أن قول المعتزلة أن الأعمال شرط لصحة الإيمان، وأهل السنة يقولون: العمل شرط كمال بالنسبة للإيمان، هنا شرط صحة، وهناك شرط كمال، والصواب أنه شرط صحة؛ لأن الكمال ينافي الاشتراط، لفظ الكمال ينافي الاشتراط، فالكلام فيه تنافر لفظي ومعنوي، والشيخ ابن باز -رحمه الله- يقول: إن من قال: إن العمل شرط كمال فهو مرجئ؛ لأن الكمال ليس بواجب فضلاً عن أن يكون شرطاً، تنافر لفظي ومعنوي حينما نقول: شرط كمال؛ لأن الشرط يترتب عليه على تركه عدم المشروط، والكمال لا يترتب عليه ولا التأثيم؛ لأن المصالح إما أن تكون ضرورية أو حاجية أو تحسينية كمالية، فالشروط والأركان من القسم الأول؛ لأنه يترتب عليها انتفاء المشروط، والواجبات من القسم الثاني، والمستحبات من القسم الثالث، فعلى هذا إذا قلنا: كمال صار من قبيل المستحبات، لا من قبيل الواجبات، فضلاً عن أن يكون من قبيل الضروريات.
الذين قالوا بأنه شرط، وقالوا كمال أيضاً قالوا: إطباق سلف هذه الأمة على إدخال العمل في مسمى الإيمان ينبغي أن يكون شرطاً، وللتفريق بين قول أهل السنة وقول المعتزلة قالوا: كمال وليس بشرط صحة؛ لأنه يفهم من كونه شرط صحة أنه يخرج بجزء من أجزائه من الإيمان، يعني لو ترك أي عمل واجب يفسق بتركه، أو ارتكب محظور يفسق بفعله، يكون انتهى، خرج من الإيمان على قول المعتزلة، فاللتفريق بين قول المعتزلة وقول أهل السنة قالوا: إن المعتزلة يقولون: شرط صحة، وأهل السنة يقولون: شرط كمال، وهذا ما قرره ابن حجر في فتح الباري.
الصواب أنه شرط صحة، لكن الفرق بين قول أهل السنة وبين قول المعتزلة أنهم يرون أن جميع الأعمال شرط صحة أعني المعتزلة، وبينما أهل السنة يرون جنس العمل يعني الذي لا يعمل شيئاً ألبتة هذا ليس عنده دليل وبرهان على ما وقر في قلبه من إيمان، كما أنه لا يحكم بإيمانه ما لم يتلفظ، وعرفنا بالأمس في حديث في الحديث الأول ((بين الرجل وبين الشرك أو الكفر ترك الصلاة)) دليل على أن ترك الصلاة شرك، فهو داخل في قوله -جل وعلا-: {إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} [(48) سورة النساء] التي يستدل بها من يقول بعدم كفر تارك الصلاة.
(2/4)
ألا يستدل من قوله تعالى: {إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا} [(103) سورة النساء] تأخير صلاة الخوف إلى بعد خروج الوقت إذا استيقن الأمن بعد الوقت؟
يستدل بالآية على عدم التأخير؛ لأنها فرضت في أوقاتها، فيستدل بالآية على عدم التأخير.
يقول: لماذا أقسم الرسول -صلى الله عليه وسلم- لعمر بقوله: ((والله ما صليتها))؟
النبي -عليه الصلاة والسلام- أقسم في مناسبات كثيرة، وحلف من غير استحلاف، والحلف مشروع على الصدق في الأمور المهمة، لكنه إذا كانت الأمور غير مهمة فلا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم، أما إذا كانت الأمور شرعية ومهمة يقسم عليها ولا إشكال.
هل يؤخذ من قوله -صلى الله عليه وسلم-: ((ارتحلوا)) جواز تأخير الصلاة الفائتة؟
نعم إذا علمنا أن المكان حضر فيه الشيطان، إذا علمنا ومن أين لنا أن نعلم؟
هل يجوز للشخص إعطاء ابن أخيه من زكاة ماله؟
نعم يجوز له أن يعطي ابن أخيه من زكاة ماله؛ لأن نفقته ليست واجبة عليه.
يقوم بعض الأشخاص يذبح ذبائح بنية الصدقة، ثم يوزعونها على أصدقائهم المقتدرين مالياً، فهل هذا الفعل صحيح؟
إن ذبحوها بنية يعني من غير نذر، ومن غير إلزام، ومن غير وجوب، لهم أن يتصرفوا فيها، وتكون من باب الهدية لا من باب الصدقة؛ لأن الصدقة إنما هي للفقراء والمساكين.
وهل للمقتدر مالياً الأخذ منها؟
إن كانت من الصدقة فليتنزه عنها؛ لأنه أوساخ الناس، وإن كانت هدية فليقبلها.
يقول: قلتم: هل في قلب تارك الصلاة مثقال ذرة من إيمان، لم أفهم الإجابة حتى يزول الإشكال بين الآية والحديث؟
أقول: ما دام أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- قرر أن تارك الصلاة مشرك؛ لأنه أزال الحاجز بينه وبين الشرك دخل في الآية، والشرك والإيمان لا يجتمعان، أعني الشرك الأكبر أما بالنسبة للشرك الأصغر فمعروف أنه لا يخرج صاحبه من الإيمان.
من ترك صلاة واحدة هل يعتبر كافراً؟
(2/5)
يعني تركها لا بنية قضائها، فهو بذلك عند جمع من أهل العلم ونقل عليه الإجماع ابن حزم أنه كفر، وعلى هذا لا يلزم بالقضاء؛ لأن قضاؤها إياها لا يفيده، وبعضهم يظن أن عدم أمره بالقضاء تخفيف عليه، لا، لا، هو تشديد عليه، كما أن اليمين الغموس ليس لها كفارة، لا يكفر من حلف يمين غموس، أو قتل قتل عمد، ليس لها كفارة، وليس هذا من باب التخفيف عليه، وإنما هو من باب التشديد عليه.
هل يجوز لمن يجد بعض الأوجاع ويشك أنها سحر أن يفكه بسحر؟
ولو تحقق أنه مسحور لا يجوز له أن يفك السحر بالسحر؛ لأنه معين على الشرك، وقد يباشر الشرك بنفسه، والشرك لا يعفى عنه، فالضرورة لا تبيح مثل هذا الشرك، إنما ينشر بالأدعية والرقى الشرعية.
ذكرت أن العمل شرط صحة، والعلماء يقولون: كلمة شرط صحة خطأ لا يجوز؛ لأن الشرط يسبق المشروط، بل هو من حقيقة ماهيته ... إلى آخره.
على كل حال العلماء كلهم تواطئوا حتى شيخ الإسلام وغيره يقولون: شرط، وهم يتساهلون في دقة العبارة، وإلا ما كان داخل الماهية عند أهل العلم ويؤثر في صحتها يسمونه ركن، وما كان خارج الماهية يسمونه شرط، كشروط الصلاة وأركانها، وإذا قلنا: شرط أو ركن فالأمر لا يختلف.
يقول: هل قاعدة الخوف مطردة في جميع الأعمال مثل الدعوة إلى الله والجهاد والإغاثة للمسلمين حين النكبات وغير ذلك، وترك هذه الأعمال بحجة الخوف أم لا؟
على كل حال عندنا عزائم، وعندنا رخص، فارتكاب المأمورات مع ما يهدد الإنسان من خوف أو خطر هذا هو العزيمة، والترخص بالترك إذا خشي على نفسه هذه رخصة شرعية، وارتكاب العزائم لمن يتحمل النتائج أفضل عند أهل العلم، وارتكاب العزائم أفضل، لكن الذي لا يتحمل الآثار، بل قد يحصل له أعظم من الترك فيما لو فعل وعرض نفسه لفتنة أو بلية أو امتحان مثل هذا يترخص.
هل دم الاستحاضة ظاهر أو نجس؟
هو نجس بلا إشكال.
سم.
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين.
قال الإمام ابن عبد الهادي في محرره:
باب: مواقيت الصلاة
عن عبد الله بن عمر أن نبي الله -صلى الله ....
(2/6)
ابن عمرو، عن عبد الله بن عمرو، ما في واو عندك؟
عن عبد الله بن عمرو أن نبي الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((وقت الظهر إذا زالت الشمس، وكان ظل الرجل كطوله، ما لم يحضر العصر، ووقت العصر ما لم تصفر الشمس، ووقت صلاة المغرب ما لم يغب الشفق، ووقت صلاة العشاء إلى نصف الليل الأوسط، ووقت صلاة الصبح من طلوع الفجر ما لم تطلع الشمس، فإذا طلعت الشمس فأمسك عن الصلاة، فإنها تطلع بين قرني شيطان)).
وفي لفظ: ((وقت صلاة المغرب إذا غابت الشمس ما لم يسقط الشفق)) رواه مسلم.
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كن نساء المؤمنات يشهدن مع النبي -صلى الله عليه وسلم- صلاة الفجر متلفعات بمروطهن، ثم ينقلبن إلى بيوتهن حين يقضين الصلاة لا يعرفهن أحد من الغلس" متفق عليه.
وعن رافع بن خديج قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أصبحوا بالصبح فإنه أعظم لأجوركم، أو أعظم للأجر)) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي وصححه والنسائي وأبو حاتم وابن حبان، ورواه الطحاوي ولفظه: ((أسفروا بالفجر فكلما أسفرتم فهو أعظم للأجر -أو قال-: أعظم لأجوركم)).
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا اشتد الحر فابردوا بالصلاة، فإن شدة الحر من فيح جهنم، واشتكت النار إلى ربها، فقالت: رب أكل بعضي بعضاً، فأذن لها بنفسين، نفس في الشتاء، ونفس في الصيف، فهو أشد ما تجدون من الحر، وأشد ما تجدون من الزمهرير)) متفق عليه.
وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: "كان رسول -صلى الله عليه وسلم- يصلي العصر والشمس مرتفعة حية، فيذهب الذاهب إلى العوالي والشمس مرتفعة" وفي رواية: "إلى قباء" متفق عليه.
وفي رواية البخاري: وبعض العوالي من المدينة على أربعة أميال أو نحوه.
وعن رافع بن خديج قال: "كنا نصلي المغرب مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فينصرف أحدنا وإنه ليبصر مواقع نبله" متفق عليه.
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "أعتم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات ليلة حتى ذهب عامة الليل، وحتى نام أهل المسجد، ثم خرج فصلى، فقال: ((إنه لوقتها لولا أن أشق على أمتي)) وفي رواية: "لولا أن يشق" رواه مسلم.
(2/7)
وعن سيار بن سلامة، قال: دخلت أنا وأبي على أبي برزة الأسلمي فقال له أبي: كيف كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي المكتوبة؟ فقال: "كان يصلي الهجير التي تدعونها الأولى حين تدحض الشمس، ويصلي العصر ثم يرجع أحدنا إلى رحله في أقصى المدينة والشمس حية، ونسيت ما قال في المغرب، وكان يستحب أن يؤخر العشاء التي تدعونها العتمة، وكان يكره النوم قبلها، والحديث بعدها، وكان ينفتل من صلاة الغداة حين يعرف الرجل جليسه، ويقرأ بالستين إلى المائة".
وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي الظهر بالهاجرة، والعصر والشمس مرتفعة، والمغرب إذا وجبت، والعشاء أحياناً وأحياناً إذا رآهم اجتمعوا عجل، وإذا رآهم أبطؤوا أخر، والصبح كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصليها بغلس" متفق عليه.
يكفي، بركة، حسبك.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: مواقيت الصلاة
(2/8)
المواقيت جمع ميقات وهو الوقت المحدد لهذه الصلوات المفروضة، وجاء في ذلك قول الله -جل وعلا-: {إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا} [(103) سورة النساء] يعني مفروضاً في الأوقات التي جاءت مجملة في القرآن، مبينة مفصلة في السنة، جاء إجمالها في القرآن، وجاء تفصيلها بالسنة، فأول ما جاء التفصيل والتبيين في السنة في حديث جبريل حينما أم النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد فرض الصلاة في يومين أمه في اليوم الأول في أوائل الأوقات، وفي اليوم الثاني أمه في أواخرها، وجاء أيضاً بيانها في حديث من جاء يسأل عن أوقات الصلاة، فقال له: أقم، فصلى مع النبي -عليه الصلاة والسلام- يومين، صلى في اليوم الأول في أوائل الأوقات، وفي اليوم الثاني في أواخرها، وقال: الوقت ما بين هذين، وجاء أيضاً تفصليها في حديث عبد الله بن عمرو المذكور في صدر الباب وغيره مما ذكره المؤلف، وكان على المؤلف أن يذكر حديث إمامة جبريل؛ لأنه أول أحاديث المواقيت، نعم فيه مخالفة ومعارضة لبعض ما جاء في أحاديث الباب، لكن لا يعني أن ذكر الخبر أنه يلزم منه أن يرجح جميع ما فيه؛ لأن حديث إمامة جبريل متقدم، وننظر ما بينه وبين حديث عبد الله بن عمرو من اتفاق أو اختلاف.
في الحديث الأول يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"عن عبد الله بن عمرو -رضي الله تعالى عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((وقت الظهر)) " يعني وقت صلاة الظهر ((إذا زالت الشمس)) زالت يعني مالت، زالت الشمس يعني مالت إلى جهة المغرب، وصار لها ظل يعني قدر زائد على فيء الزوال، إذا زالت الشمس، زالت وهو وقت الدلوك المذكور في قول الله -جل وعلا-: {أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [(78) سورة الإسراء] يعني زوالها، والزمخشري في الأساس، أساس البلاغة قال: إن وقت الزوال يسمى دلوك؛ لأن الشمس في وقته قوية جداً، إذا نظر إليها الناظر تؤمله عينه، فيحتاج إلى دلكها.
(2/9)
((وقت الظهر إذا زالت الشمس)) هذه بدايته ((وكان ظل الرجل كطوله، ما لم يحضر العصر)) يعني أوله إذا زالت الشمس، ونهايته إذا كان ظل الرجل كطوله، ما لم يحضر وقت العصر، ظل الرجل إلى جهة المشرق بعد زوال الشمس إن كان بقدر طوله طول الشاخص، سواءً كان رجل أو جدار أو عصى أو ما أشبه ذلك يعني مما له ظل، فقد انتهى وقت صلاة الظهر، ما لم يحضر وقت العصر، هذه بدايته وهذه نهايته، وفي قوله: ((ما لم يحضر وقت العصر)) دليل على أنه لا اشتراك بين وقتي صلاة الظهر والعصر، ما في اشتراك، يعني ينتهي وقت الظهر قبل دخول وقت صلاة العصر، يعني من غير فاصل، وفي حديث إمامة جبريل للنبي -عليه الصلاة والسلام- في اليوم الثاني صلى بالنبي -صلى الله عليه وسلم- الظهر حينما صار ظل الشيء كطوله، صار ظل الشيء مثله، وصلى به العصر في اليوم الأول حينما صار ظل الشيء مثله، فذهب من ذهب من المالكية إلى أن هناك وقت مشترك يصلح أن يكون لصلاة الظهر أداءً، ويصلح أن يكون للعصر أداءً، يعني بقدر أربع ركعات، هذا مشترك، تصلى فيه الظهر أداء، وتصلى فيه العصر أداء، ويدل عليه حديث إمامة جبريل -عليه السلام-؛ لأن مفهومه أنه صلى به العصر في اليوم الأول، والظهر في اليوم الثاني في وقت واحد حينما صار ظل الشيء كطوله، وهنا في حديث عبد الله بن عمرو وهو حديث مفصل مبين مفسر، يقول: ((ما لم يحضر العصر)) فدل على أنه لا اشتراك، فإما أن يقال: حديث عبد الله بن عمرو أصح؛ لأنه في مسلم، وحديث إمامة جبريل ليس في واحد من الصحيحين، فيرجح حديث عبد الله بن عمرو أو يقال: على سبيل الجمع أنه صلى به الظهر، يعني فرغ من صلاة الظهر في اليوم الثاني حينما صار ظل الشيء كطوله، فرغ من صلاة الظهر حينما صار ظل الشيء كطوله، وشرع في صلاة العصر في اليوم الأول حينما صار ظل الشيء كطوله فلا اشتراك، وهذا أفضل، الجمع أولى من الترجيح ((وصار ظل الرجل كطوله ما لم يحضر وقت العصر، ووقت العصر ما لم تصفر الشمس)) يعني أول الظهر من زوال الشمس إلى مصير ظل الشيء مثله ((ووقت العصر ما لم تصفر الشمس)) يعني من مصير ظل الشيء كطوله إلى أن تصفر الشمس، هذا ما عليه الجمهور أن وقت الظهر ينتهي بمصير ظل
(2/10)
الشيء كطوله، ويبدأ بعد ذلك مباشرة وقت العصر.
الحنفية يقولون: إن وقت العصر يبدأ من مصير ظل الشيء مثليه، من مصير الشيء مثليه، ومنهم من يقول: أن وقت الظهر يمتد إلى مصير ظل الشيء مثليه فيدخل وقت العصر، ومنهم من يقول: إنه ينتهي عند مصير ظل الشيء مثله، ويكون الوقت ما بين المثل والمثلين ليس بوقت لا للظهر ولا للعصر، والعصر يبدأ على القولين من مصير ظل الشيء مثليه، هم يؤخرون العصر من أجل هذا، ويستمر الوقت إلى اصفرار الشمس، وهذا وقت الاختيار، وأما وقت الاضطرار فيستمر إلى غروب الشمس، وهو أداء إلى غروبها، أداء ما لم تغرب الشمس فهو أداء، لكن التأخير إلى وقت الاصفرار لا شك أنه فيه ما فيه، وقد أثم بعض العلماء من يؤخر إلى وقت الاصفرار من غير حاجة ولا ضرورة، وجاء في الحديث: ((من أدرك من العصر ركعة قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر)) وجاء أيضاً ((ليس في النوم تفريط، إنما التفريط على من يؤخر الصلاة حتى يجيء وقت الصلاة الأخرى)) فدل على أن وقت صلاة العصر ينتهي بغروب الشمس، وهنا ((ما لم تصفر الشمس)) هو محمول على وقت الاضطرار.
ما الذي حمل الحنفية أن يقولون: إن وقت صلاة العصر من مصير ظل الشيء مثليه؟
(2/11)
أولاً: من لفظ العصر فقد ذكر محمد بن الحسن في موطئه أن العصر إنما سميت عصر لأنها تعتصر، ويضيق عليها الوقت، وإذا قلنا: إنها من مصير ظل الشيء مثله صار وقتها طويلاً، وأيضاً حديث: ((إنما مثلكم ومثل من قبلكم كمثل من استأجر أجيراً إلى نصف النهار بدينار، ثم استأجر أجيراً إلى وقت العصر بدينار، ثم استأجر أجيراً من العصر إلى غروب الشمس -إلى آخر النهار- بدينارين)) فاليهود مثلهم من عمل إلى نصف النهار، والنصارى مثلهم مثل من عمل في وقت الظهر، والمسلمون مثلهم مثل من عمل من وقت العصر إلى غروب الشمس، فاحتج اليهود والنصارى، فقالوا: نحن أكثر عملاً وأقل أجراً، يعني اليهود من خلال هذا الحديث حجتهم ظاهرة؛ لأن الوقت من أول النهار إلى زوال الشمس أطول من وقت العصر بلا إشكال، لكن النصارى حينما احتجوا وقالوا: نحن أكثر عملاً وأقل أجراً، دل على أن وقت صلاة الظهر ينبغي أن يكون أطول من وقت صلاة العصر، واستدلوا بهذا الخبر المجمل، وتركوا المفصلات، علماً بأن الخبر المجمل لا دليل فيه من وجهين:
الأول: أن من أهل العلم من قال: إنهم احتجوا مجتمعين، فوقت اليهود مع وقت النصارى أطول من وقت المسلمين، هم احتجوا مجتمعين صحيح وإلا ما هو صحيح؟ هذه الإجابة واضحة وإلا ما هي واضحة؟ واضحة.
الأمر الثاني: أنه لو كان الاحتجاج على جهة الانفراد احتجاج اليهود لا إشكال فيه، احتجاج النصارى لو نظرنا إلى وقت الظهر من زوال الشمس إلى مصير ظل الشيء مثله، ووقت العصر من مصير ظل الشيء مثله إلى غروب الشمس صار وقت الظهر أطول في كل زمان ومكان، أطول، وبرهان ذلك الواقع، يعني لو نظرنا إلى وقت دخول وقت الظهر الآن يدخل وقت الظهر من اثني عشر وكم؟ وخمسة وعشرين، نعم، اثنا عشر وثمانية وعشرين إلى ثلاث وأربعة وأربعين، ووقت العصر من ثلاث وأربع وأربعين إلى سبع وأربع دقائق، من اثنا عشر ونصف إلى أربع إلا ربع كم؟ ثلاث ساعات وربع، هذا وقت الظهر، ووقت العصر من ثلاث وأربع وأربعين إلى سبع وأربع دقائق كم؟
ثلاث وأربعة وأربعين يدخل وقت صلاة العصر، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه إلى سبع؟
طالب: ثلاث ساعات و ....
ثلث.
طالب:. . . . . . . . .
إلى ثلث.
(2/12)
طالب:. . . . . . . . .
كم قلنا هناك؟ من ثمان وعشرين وإلا خمس وعشرين؟
طالب:. . . . . . . . .
طيب إلى أربعة وأربعين؟
طالب:. . . . . . . . .
ثلاثين.
طالب:. . . . . . . . .
ويش لون صار؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه على هذا الحساب أطول، صار أطول بثلاث دقائق.
طالب:. . . . . . . . .
لا لا هو مجرب ومختبر من خلال التقويم أنه أطول باستمرار، يعني في كل مكان وفي كل زمان، لكن كيف طلع؟
وهم يقولون: نحن أكثر عملاً، فينبغي أن يكون الظهر أطول من العصر، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه، ما هو بعيد أن يكون فيه شيء من التقدم أو التأخر، لكن مع ذلك هو مجرب ومختبر، وأهل العلم أيضاً قالوا ذلك، نصوا عليه، نصوا على أنه في كل زمان ومكان الظهر أطول، وبينهما ما يقرب من ثلث ساعة، لكن يعاد النظر في مثل هذا.
المقصود أن هذا الحديث المجمل كيف يعدل عن الأحاديث الصريحة المبينة المفسرة إلى مثل هذا؟ حتى هذا لو قدرنا أن العصر فيه أطول، أو هما متساويان لا يتم الاستدلال به مع وجود النصوص الصحيحة الصريحة المبينة المفسرة، ما زلت أنا ما أنا مقتنع من هذا التقويم؛ لأننا جربناه مراراً، التقويم اختبرناه في فصول السنة كلها.
على كل حال عندنا النصوص صحيحة وصريحة ومفسرة ومبينة في بيان وقت العصر.
((ووقت صلاة المغرب ما لم يغب الشفق)) يعني من غروب الشمس إلى مغيب الشفق، والمراد بالشفق هو الشفق الأحمر، والدليل على ذلك اللغة، فقالوا: ثوب أحمر كالشفق، وقال ابن عمر وهو من أهل اللسان: الشفق الحمرة، فمن يقول: إن الشفق هو البياض الذي يعقب الحمرة عنده أن الوقت يستمر أحياناً إلى منتصف الليل، يعني عندما تكون السماء صحو وليس فيه قمر، يعني في آخر الشهر، والسماء صحو يمتد الشفق الأبيض إلى منتصف الليل الذي هو نهاية وقت صلاة العشاء، فلا يكون للمغرب وقت محدد، فالمرجح أن المراد بالشفق هو الأحمر.
(2/13)
وقت صلاة المغرب يمتد مقدار ساعة ونصف، يعني أطول ما يكون ساعة ونصف في ليالي الشتاء، وفي ليالي الصيف عند قصر الليل يكون ساعة وثلث هذه المدة وقت أداء لصلاة المغرب عند الجمهور، ويرى الشافعية أنه ليس للمغرب إلا وقت واحد مضيق جداً بقدر فعلها وما يطلب لها من طهارة وستارة ونحو ذلك، يعني بمقدار ربع ساعة لا يزيد على ذلك، لا يزيد على ربع ساعة، بدليل أن جبريل -عليه السلام- صلى بالنبي -عليه الصلاة والسلام- المغرب في اليوم الأول حين وجبت الشمس، وصلى به المغرب في اليوم الثاني في الوقت الذي صلى فيه المغرب في اليوم الأول، فدل على أن وقتها واحد، ليست له بداية ونهاية كغيره من الأوقات، وإنما وقت واحد يبدأ من غروب الشمس، ويستمر بما يكفي لأدائها، مع ما يشترط لها هذا قول الشافعية، والجمهور يستدلون بهذا الحديث، وما جاء في معناه، وقلنا: إن هذا الحديث أرجح من حديث إمامة جبريل؛ لأنه في الصحيح، وهو أيضاً متأخر عنه.
((ووقت صلاة العشاء إلى نصف الليل الأوسط)) يعني من مغيب الشفق الأحمر إلى نصف الليل الأوسط، هذا وقت صلاة العشاء، ينتهي بنصف الليل، ووصف النصف بكونه أوسط لوقوع المنتصف هذا في وسط الليل لا لأن الليل ينقسم إلى طرفين ووسط؛ لأن الأوسط -كما قلنا في الوسطى- إنما يكون في الأعداد الفردية فالثلاثة لها طرفان ووسط وأوسط، الخمسة فيها أطراف وفيها وسط، لكن الاثنين؟ نصف أول ونصف ثاني؟ هل في نصف أوسط إلا أن نهاية النصف الأول يقع في وسط الليل، فقيل له: أوسط، يعني أوسط الليل، فوقت صلاة العشاء من مغيب الشفق الأحمر إلى منتصف الليل.
(2/14)
وفي حديث إمامة جبريل أنه صلى بالنبي -عليه الصلاة والسلام- صلاة العشاء عندما غاب .. ، بعدما غاب الشفق في اليوم الأول وفي اليوم الثاني في ثلث الليل، بعد مضي ثلث الليل، ويقال في هذا ما قيل في سابقه أن حديث عبد الله بن عمرو أرجح، وحديث إمامة جبريل أيضاً متقدم، فالصواب أن وقت العشاء ينتهي بمضي نصف الليل؛ لأن هذا الحديث واضح ومبين ومفسر وليس بمجمل ولا يخفى معناه، وحديث: ((ليس في النوم تفريط إنما التفريط على من يؤخر الصلاة إلى أن يدخل وقت الصلاة الأخرى)) يدل على أن وقت العشاء يستمر إلى طلوع الفجر، لكنه حديث عام خُص بهذا الحديث، حديث عام خصصه هذا الحديث، وعمومه ليس بمحفوظ بدليل أن صلاة الفجر ينتهي وقتها على ما سيأتي بطلوع الشمس، ولا يستمر إلى وقت صلاة الظهر، فدل على أن هناك وقت لا يصلح لشيء من الصلوات أداءً من منتصف الليل إلى طلوع الفجر، ومن طلوع الفجر إلى منتصف النهار.
((ووقت صلاة الصبح من طلوع الفجر ما لم تطلع الشمس)) يعني من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، طلوع الفجر والمراد به الفجر الصادق؛ لأن هناك فجر كاذب معترض، وهناك الفجر الصادق، الفجر الكاذب المستطيل الذي شبهوه بذنب السرحان، أما بالنسبة للفجر الصادق الذي ينفجر في السماء معترضاً، من هذا الوقت يبدأ وقت صلاة الفجر إلى طلوع الشمس، إلى أن تطلع الشمس، فإذا طلعت الشمس انتهى وقت صلاة الفجر.
وجاء في الحديث الصحيح: ((من أدرك من الفجر ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح)) على ما سيأتي، يأتي شرحه -إن شاء الله تعالى-.
((ما لم تطلع الشمس)) فوقتها يمتد من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، ومقداره في الغالب بمقدار وقت صلاة المغرب، يعني في الوقت المعتدل يكون وقت صلاة المغرب بمقدار صلاة الفجر، يعني ساعة وقريب من النصف، أما إذا زاد الليل، زاد وقت صلاة المغرب قليلاً على وقت صلاة الفجر وإذا زاد النهار زاد وقت صلاة الصبح على وقت صلاة المغرب قليلاً، والزيادة والنقص تتراوح بين خمس إلى عشر دقائق.
(2/15)
((فإذا طلعت الشمس فأمسك عن الصلاة)) لأنه وقت نهي ومضيق أيضاً، وقت نهي ووقت نهي مغلظ مضيق لا ينبغي أن يفعل فيه شيء من الصلوات غير الفرائض؛ لأن الفرائض غير داخلة في النهي على ما سيأتي ((فإنها تطلع بين قرني شيطان)) وإذا طلعت الشمس سجد لها من يعبدها، فنهينا عن الصلاة في هذا الوقت؛ لئلا نشابه عباد الشمس.
"وفي لفظ: ((وقت صلاة المغرب إذا غابت الشمس)) " يعني من مغيب الشمس ((ما لم يسقط الشفق)) وهذا الحديث في صحيح مسلم.
ثم قال -رحمه الله تعالى-:
(2/16)
"وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كن نساء المؤمنات يشهدن مع النبي -صلى الله عليه وسلم- صلاة الفجر متلفعات بمروطهن" فالنساء كن يشهدن الجماعة، ويسمعن الخير، ويسمعن الحديث، ويصلين خلف النبي -عليه الصلاة والسلام-، وجاء النهي عن منعهن عن شهود الجماعة ((لا تمنعوا إماء الله بيوت الله)) فجاء النهي عن منعهن، لكن على المرأة إذا أرادت أن تصلي مع الرجال مع الناس في المسجد فعليها أن لا تصير مثار فتنة، فعليها أن تخرج تفلة، كما كان نساء الصحابة يخرجن تفلات لا يعرفن، وكأنهن الغربان، ومع ذلك يخرج بعض النساء إلى الصلاة في المساجد في أبهى حلة وزينة مع الطيب الذي يلفت الأنظار -نسأل الله العافية- فهذه مأزورة غير مأجورة آثمة بلا شك، وإذا خرجت المرأة متطيبة فهي زانية -نسأل الله السلامة والعافية-، ونرى مظاهر التبرج كاسيات عاريات في أقدس البقاع في المطاف، فعلى النساء وعلى أولياء أمور النساء أن يتقوا الله -جل وعلا- في مولياتهم، وإذا كانت المرأة بهذه المكانة من السفه فعلى وليها أن يأطرها، وأن يأخذ على يدها، وتجد الخلل يعني في التصور أن يؤتى إلى مثل هذه الأماكن بالتبرج وإظهار الزينة والتكسر والتثني ومزاحمة الرجال والتعطر، والحضور مع سائق أجنبي، يعني ظلمات بعضها فوق بعض، وبيتها خير لها، يعني لو جاءت على صفة مجيء نساء المؤمنات في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- بيتها خير لها، وتصر إلا أن تأتي بهذه الصورة، فمثل هذه التي تأتي بهذه الكيفية لا بد من أطرها على الحق، إما أن تأتي بشكل غير مثير، لا تكون فتنة للرجال تفتن أو يفتن بها، وكم حصل من قضايا بسبب خروج النساء على هذه الكيفية حتى إلى صلاة التهجد، واستدرجت حتى أنها وقعت في حبائل الشياطين، وهي السبب في ذلك، ولا تبرأ من عهدة من استدرجها، بل هي السبب الأول، والمرأة في هذا الباب أدخل وأوغل من الرجال، ولذلكم في باب الزنا -نسأل الله السلامة والعافية- قال: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ} [(2) سورة النور] فقدمت المرأة؛ لأنها هي التي تثير الرجل، وإثارة الرجل للمرأة أقل بكثير من إثارة المرأة للرجل، بينما في باب الأموال يقدم الرجال
(2/17)
{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} [(38) سورة المائدة] فتنتبه النساء، وعليهن أن يتقين الله -جل وعلا-، وعلى الرجال أن يكونوا من النباهة والحيطة والحذر، يعني ولا يقتضي هذا أن يكون الإنسان شكاك في زوجته وفي بناته لا، هذا غير مطلوب، لكن من غيرته على نسائه أن يحفظهن، وأن لا يخرجن إلا بصحبته، ووجد بعض القضايا التي يندى لها الجبين في أقدس بقعة على وجه الأرض، ونشاهد ويشاهد غيرنا من تصرفات بعض النساء شيء لا يليق بالمسلمة -نسأل الله العافية-.
(2/18)
"كن نساء المؤمنات يشهدن مع النبي -صلى الله عليه وسلم- صلاة الفجر متلفعات بمروطهن" متلفعات يعني متلفلفات متجللات بأكسيتهن، والأكسية كانت من الخشونة بحيث تمنع ظهور تفاصيل الجسم، تمنعه حتى مع وجود الريح والهواء الشديد، وكانت العباءات الموجودة قبل ثلاثين سنة وأربعين سنة كالخيام، يعني مع وجود الريح ما يبين شيء ألبتة؛ لأنها سميكة، الآن لا يخفى شيء مما تحت هذه العباءات بالنسبة لكثير من النساء، ففرق بين التلفع في عهده -عليه الصلاة والسلام-، وعلى مر العصور إلى وقت قريب إلى أن فتحت الدنيا على الناس، وصاروا ينظرون إليها، ويتباهون بها، ويقلد بعضهم بعضاً، إلى وقت قريب إلى ثلاثين سنة وأربعين سنة شيء مدرك كانت العباءات من المتانة والسماكة والخشونة بحيث لا يرى ما تحتها ولا التفاصيل، لا يرى إلا بالنسبة لطول القامة حتى الحجم ما يبين، يعني ما يعرف أن هذه المرأة سمينة أو نحيفة، لا، مثل الخيمة، والآن انظر ترى شيء مقلق، حتى أن كثير من الصالحين ينظر في مصالحه وخسائره، يعني بالحسابات الدقيقة، ينظر هل يأتي إلى هذه الأماكن أو لا يأتي؟ يعني هل يرجع بأجر أو يرجع بإثم؟ ما صارت الآن النساء في مكان معزول، تزاحم الرجال في الأبواب، وقد تصلي في الطريق، وإذا سجدت تبان أمور شيء ما يمكن التحدث به، نعم على الرجال أن يغضوا الأبصار، لكن أيضاً على النساء ألا تكون مثار فتنة، يعني إذا خرجت بهذه الصفة لا شك أنها آثمة متبرجة، يعني النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((إذا رأيتموهن فالعنوهن، فإنهن ملعونات)) كيف تدعي أنها جاءت تطلب الأجر من الله -جل وعلا-، ولو كانت على الصفة المذكورة في الحديث بيتها خير لها، ويصر كثير من النساء إلا أن تصلي مع المسلمين، نعم بعض النساء إذا صلت وحدها ما تضبط صلاتها، وتتأثر بقراءة الإمام، وتصلي على الجنائز، هذه مبررات يعني مقبولة، لكن عليها أن تتقي الله -جل وعلا- في نفسها، وفي غيرها من المسلمين.
(2/19)
"متلفعات بمروطهن" ونرى الآن الأمر يزداد، يزداد سواءً حتى أن كثير من النساء الآن صارت تجلس في أماكن الرجال، ومرور النساء بين يدي الرجال حدث ولا حرج، وكأنه شيء مرتب ومقصود، وكل هذا من خطوات الشيطان، والشيطان يريد إفساد هذه العبادة التي هي أعظم العبادات على المسلمين، والله المستعان، وهن حبائل الشيطان، والنبي -عليه الصلاة والسلام- ما ترك فتنة أضر على الرجال من النساء، والمرأة إذا خرجت من بيتها استشرفها الشيطان.
"ثم ينقلبن" يشهدن مع النبي -عليه الصلاة والسلام- صلاة الفجر "ثم ينقلبن" يعني يرجعن "إلى بيوتهن حين يقضين الصلاة لا يعرفهن أحد من الغلس" يعني ما زال الظلام مختلط بضوء الصبح، فهذا الغلس هو اختلاط الظلام بنور الصبح فلا يعرفن، وهذا دليل على أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يبادر بصلاة الصبح، يبادر بها في أول وقتها، فإذا انصرف الناس ما يعرف بعضهم بعضاً، والنساء لا يعرفن، لا يعرفهن أحد من الغلس، يعني لا محارم ولا غير المحارم، ما يعرفهن أحد، حتى الرجل ما يعرف زوجته من الغلس، فهذا فيه دليل على أن السنة المبادرة بصلاة الصبح، لكن ينبغي أن يجب التحقق من طلوع الصبح على ما سيأتي في الحديث الذي يليه.
يخرجن ويشهدن صلاة الفجر، وقد يشهدن صلاة العشاء وصلاة المغرب أكثر من شهودهن لصلاة الظهر والعصر؛ لأن الظلام لا يمكن الرجال من تحقيق النظر فيهن، فهن يخرجن في هذه الأوقات لوجود الظلام، قد يقول قائل: إن الفتنة والخطر على النساء في خروجهن في النهار أسهل من خروجهن بالليل، نقول: إذا وجدت الفتنة أو ظنت الفتنة لا يجوز حينئذٍ أن يخرجن لا بليل ولا نهار، لكن إذا أمنت الفتنة فخروجهن في الليل أستر لهن.
"متفق عليه".
(2/20)
"وعن رافع بن خديج -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أصبحوا بالصبح فإنه أعظم لأجوركم، أو أعظم للأجر)) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي، وصححه -يعني الترمذي والنسائي وأبو حاتم وابن حبان-، ورواه الطحاوي، ولفظه: ((أسفروا بالفجر فكلما أسفرتم فهو أعظم للأجر -أو قال-: لأجوركم)) " هذا لا ينافي الحديث السابق؛ لأن المراد به الإسفار والإصباح ((أصبحوا)) متى يقال: أصبح وأسفر؟ إذا دخل في الصباح وإذا دخل في الإسفار، ليس معنى هذا أنه يسفر جداً، لا، إذا تأكد من طلوع الصبح ودخل في الصلاة في أول وقت دخول وقت الصبح يقال له: أصبح، يعني دخل في هذا الوقت، يقال: أصبح وأمسى، إذا دخل في وقت الصباح أو دخل في وقت المساء، كما أنه جاء في خطبته -عليه الصلاة والسلام- أنه كأنه منذر جيش يقول: صبحكم ومساكم، يعني أتاكم العدو في وقت الصباح أو أتاكم العدو في وقت المساء، فقوله: ((أصبحوا)) يعني صلوا الصبح في وقتها، إذا دخل وقتها صلوها ((فإنه أعظم لأجوركم أو أعظم للأجر)) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي وصححه، وصححه أيضاً والنسائي وأبو حاتم وابن حبان، ورواه الطحاوي ولفظه: ((أسفروا بالفجر، فكلما أسفرتم فهو أعظم للأجر -أو قال-: لأجوركم)).
والحديث له طرق يدل على أن له أصلاً، وأقل أحواله أنه حسن، لكن المراد به التحقق من طلوع الصبح؛ لئلا يسمع أحد الحديث السابق فتحمله شدة المبادرة أن يصلي الصلاة قبل طلوع الصبح، تحمله الأحاديث الواردة في مبادرته -عليه الصلاة والسلام- أن يصلي صلاة الصبح قبل دخول وقتها، فقيل لهم: أسفروا وأصبحوا، يعني لا بد من التحقق من طلوع الفجر، من طلوع الصبح، وعلى كل حال الحديث هذا معناه عند جمهور أهل العلم، وإن حمله الحنفية على أن المستحب في صلاة الصبح تأخيرها حتى يسفر جداً؛ لهذا الحديث، ومعنا من الحديث ما هو أصح منه وأقوى مما يدل على أن المبادرة بها أفضل.
(2/21)
ثم قال: "وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا اشتد الحر فابردوا)) " عندنا صلاة الصبح السنة المبادرة بها، وصلاة الظهر أيضاً السنة المبادرة بها، لكن ((إذا اشتد الحر فابردوا بالصلاة، فإن شدة الحر من فيح جهنم)) يعني من حرها ((واشتكت النار إلى ربها)) وقالت: إنه أكل بعضها بعضاً، فقالت: ((أي رب أكل بعضي بعضاً، فأذن لها -جل وعلا- بنفسين، نفس في الشتاء، ونفس في الصيف، فهو أشد ما تجدون من الحر)) يعني نفس الصيف ((وأشد ما تجدون من الزمهرير)) وهو نفس الشتاء.
إذا وجدنا شدة الحرارة في الصيف فهو من فيح جهنم، من نفس الصيف، وإذا وجدنا شدة البرد في الشتاء فهو من نفس النار -نسأل الله السلامة والعافية-، فإنه من زمهريرها، فإذا وجدت شدة الحر المقلقة التي تمنع من حضور القلب في الصلاة، أو تؤذي المصلين في خروجهم لها في شدة الهاجرة في شدة الحر، فإنه حينئذٍ السنة أن نبرد، يعني نبرد إبراداً تترتب عليه آثاره، يزول فيها شدة الحر، فلا يكفي أن نبرد نصف ساعة أو ساعة ما يزول شدة الحر إلا أن نبرد جداً بحيث إذا خرج المصلي لصلاة الظهر لا يتأذى بحر الشمس، يكون للحيطان ظل يكفيه، أما إذا خرجنا في أول الوقت حتى بعد مضي نصف ساعة أو ساعة من الزوال قد يتعرض الإنسان للهب الشمس وحرها، فالإبراد من أجل ذلك.
((إذا اشتد الحر فابردوا بالصلاة، فإن شدة الحر من فيح جهنم)) والأمر بالإبراد لئلا يتأذى المصلي بشدة الحر؛ ولئلا ينشغل عن صلاته بما يقلقه من شدة الحر، وهذا من باب المحافظة على الصلاة، نعم في حكمه أيضاً في حكم شدة الحر شدة البرد، إذا اشتد البرد مثلاً بحيث لا يستطيع الإنسان أن يخرج إلى الصلاة في شدة البرد مثلاً يقال له: ينتظر، وقل مثل هذا إذا توضأ وأراد أن يتدفأ مثلاً إلى أن يزول شدة البرد؛ لأنه لو خرج بعد الوضوء مباشرة تضرر فيقال له: انتظر أيضاً، وإن فعل ذلك قبل دخول الوقت وتجهز للصلاة من أول وقتها فهو أفضل.
(2/22)
((إذا اشتد الحر فابردوا)) دليل على أن وقت الظهر أو صلاة الظهر ينبغي أن يبادر بها، يعني في الظروف العادية يبادر بها كالفجر في أول وقتها، وأما إذا اشتد الحر فالإبراد رفقاً بالمصلين، وحفاظاً على الصلاة والإقبال عليها ((فإن شدة الحر من فيح جهنم، واشتكت النار إلى ربها)) اشتكت بلسان المقال أو بلسان الحال؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم الأصل الحقيقة؛ لأنه يقول: ((فقالت)) وإن كان القول يطلق ويراد به الفعل، لكن الأصل في القول النطق، ((فقالت: رب)) يعني يا ربي، كما في الصحيحين وغيرهما، ويحذف حرف النداء، كما تقول: ربنا تقبل منا، يحذف بكثرة ((رب أكل بعضي بعضاً)) نار تلظى يأكل بعضها بعضاً ((فأذن لها -جل وعلا- بنفسين، نفس في الشتاء، ونفس في الصيف)) يعني فتحة تتنفس منها في الشتاء، فيخرج هذا البرد الشديد من أثر ذلك النفس، وفتحة تتنفس فيها أو من قبلها في الصيف.
من المحسوسات أنه إذا اشتد برد المكيف مثلاً في غرفة تنفس تفتح شيء من النافذة أو شيء من الباب من أجل أن يحصل شيء من النفس، وتخف البرودة الشديدة، مع أنه لا مقارنة ولا مناسبة، وشيء لا يخطر على البال، فيما أعد في جهنم لأهلها -نسأل الله السلامة والعافية-، كما أنه في الجنة أيضاً وما أعد لأهلها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
فالإنسان يسمع هذه النصوص، وهي في مواقيت الصلاة، وذهنه منصرف إلى الإبراد بالصلاة، ويغفل عما في الحديث من المعاني، فينبغي أن ننتبه؛ لأن هذا كلام من لا ينطق عن الهوى ((فأذن لها بنفسين، نفس في الشتاء، ونفس في الصيف)).
وعلى هذا إذا أدركنا نفس الصيف نستعيذ بالله -جل وعلا- من حر جهنم، وإذا أدركنا نفس الشتاء فإننا نستعيذ بالله من زمهرير جهنم.
ثم بعد ذلك قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: كان رسول -صلى الله عليه وسلم- يصلي العصر والشمس مرتفعة حية، فيذهب الذاهب إلى العوالي والشمس مرتفعة" وفي رواية: "إلى قباء" متفق عليه.
(2/23)
"يصلي العصر والشمس مرتفعة حية، فيذهب الذاهب إلى العوالي والشمس مرتفعة" يعني الشمس مرتفعة وحية معناهما واحد، وبيضاء نقية أيضاً مما يدل على أنه -عليه الصلاة والسلام- يصليها في أول وقتها، ولا يؤخرها إلى أن تصفر، إنما يصليها في أول وقتها.
"وفي رواية البخاري: وبعض العوالي من المدينة على أربعة أميال أو نحوه" يعني أربعة أميال سبعة كيلو، والسبعة كيلو تحتاج في المشي على الأقدام إلى كم؟ الكيلو يحتاج إلى عشر دقائق إلى سبعين دقيقة، ساعة وربع، أو ساعة وعشر دقائق، وتبقى بيضاء نقية مرتفعة حية، يدل على أنه يصليها في أول وقتها، والحنفية يؤخرونها إلى مصير ظل الشيء مثليه؛ لأدلة إجمالية لا مستمسك فيها، ويتركون مع ذلك الأدلة الصحيحة الصريحة.
قال: "وبعض العوالي من المدينة على أربعة أميال ونحوه" قدرناها بسبعة كيلو، سبعة كيلو تحتاج إلى سبعين دقيقة على الأقل؛ لأن الكيلوات إذا قدرنا الكيلو الواحد بعشر دقائق فيمكن الكيلو الأخير يحتاج إلى ربع ساعة؛ لأن مشي الإنسان في أوله ليس مثل مشيه في آخره، إذا تعب يعني طال الزمان بالنسبة للمسافة، وعلى كل حال تأخير الصلاة أكثر من ساعة، ومع ذلك الشمس حية مرتفعة بيضاء نقية فيه دلالة صريحة على أن صلاة العصر تصلى في أول وقتها، فعندنا الصبح بغلس في أول وقته الظهر في أول وقتها ما لم يشتد الحر، العصر أيضاً الحديث دليل على أنها تصلى في أول وقتها.
"وعن رافع بن خديج -رضي الله تعالى عنه- قال: "كنا نصلي المغرب مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فينصرف أحدنا وإنه ليبصر مواقع نبله" ومعروف أن موضع النبل قريب وإلا بعيد؟ بعيد، بعيد يعني احتمال لو أن النبل رمي يصل إلى ذلك الجدار الذي هو وراء الشارع، فكونه يبصر موقع النبل من ذلك الجدار دليل على أن الظلام ما دخل إلى الآن، إسفار يعني ما زال الضحاح -ضحاح الشمس- باقي، وأثرها باقي.
(2/24)
"كنا نصلي المغرب مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فينصرف أحدنا وإنه ليبصر مواقع نبله" يعني موضع وقوع السهم إذا رماه، ومعروف أنه إنما يقع بعيداً، فكون الإنسان يبصر البعيد الصغير دليل على أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يصليها في أول وقتها حينما تسقط الشمس، حينما تغيب الشمس. متفق عليه.
فعندنا من الصلوات الفجر والظهر والعصر والمغرب دلت الأدلة على أن الأفضل أن تصلى في أوائل الأوقات، ما لم يعرض عارض كشدة الحر بالنسبة للظهر.
ثم قال -رحمه الله تعالى-:
"وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: أعتم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات ليلة حتى ذهب عامة الليل" يعني أكثر الليل أو كثيره؟ "أعتم" يعني دخل في العتمة والعتمة الظلام "أعتم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات ليلة" و (ذات) لفظ مقحم يعني زائد بحيث لو حذف لا يتأثر الكلام، وأعتم يعني دخل في العتمة التي هي الظلام ذات ليلة حتى ذهب عامة الليل، الأصل أن العامة هو الأكثر، يعني حينما تقول: وبهذا قال عامة أهل العلم، يعني أكثرهم، لكنه هنا يراد به كثير لا الأكثر، ذهب كثير من الليل، بدليل أن وقت صلاة العشاء ينتهي قبل أن يذهب عامة الليل، بمعنى أكثر الليل؛ لأنه ينتهي بمنتصف الليل، فعلى هذا عامة الليل إنما هو كثيره.
(2/25)
"ونام أهل المسجد، ثم خرج فصلى" ثم خرج النبي -عليه الصلاة والسلام- عليهم، فصلى، فقال مبيناً أن صلاة العشاء يستحب تأخيرها، فقال: ((إنه لوقتها)) يعني إن هذا الوقت الذي تأخرنا إليه هو وقتها، يعني التأخير هو وقتها ((لولا أن أشق على أمتي)) وفي رواية: ((لولا أن يشق)) يعني لولا أن أشق أنا، تحصل المشقة بسبب تأخيري، أو لولا أن يشق التأخير على الأمة لأخر إلى هذا الوقت، وعلى هذا السنة في صلاة العشاء التأخير، أن تؤخر إلى ثلث الليل، وقد صلى جبريل بالنبي -عليه الصلاة والسلام- في اليوم الثاني صلاة العشاء في ثلث الليل، والنبي -عليه الصلاة والسلام- أخرها كثيراً، يعني في أكثر من مناسبة يؤخر صلاة العشاء فدل على أن تأخيرها أفضل بخلاف غيرها من الصلوات، لكن إذا وجد عارض مثلاً من نوم أو شبهه، وقدمت في أول وقتها صار أفضل بالنسبة لهؤلاء؛ لأن الشرع يلاحظ حال المكلفين، فيجعل الأفضل هو الأرفق بهم، كما هو الحال في شأن الجمع في السفر مثلاً الأفضل -وكذلك الصيام- الأفضل هو الأرفق بالمسافر، فإذا كان الأرفق بالمصلين الصلاة في أول وقتها لما ناله من تعب وعناء وطلب المعيشة في النهار، فيكون حينئذٍ أكثر، وهو غالب فعله -عليه الصلاة والسلام-، ولكن إذا لم يترتب على ذلك مشقة على المصلين فإن تأخيرها أفضل، وعلى هذا لو كان مجموعة جماعة من الصحب في رحلة أو نزهة، أو ما أشبه ذلك أو في سفر، وتواطئوا من غير مشقة عليهم أن يؤخروا صلاة العشاء حينئذٍ يصيبون السنة.
اللهم صل على محمد.
معنا أسئلة:
يقول: لدينا في فرنسا في أغلب المدن مساجد صغيرة مستعارة من طرف السلطات الفرنسية مع أن السلطات تستطيع استرجاعها متى شاءت، فهل هي في هذه الحالة ينطبق عليها أحكام المساجد، وتصلى فيها تحية المسجد، أو تسمى مصلى، ويكتفى فيها بالرواتب الخاصة، خاصة أن بعضها لا تقام فيه الجمعة؟
ليس من شرط المسجد أن تقام فيه الجمعة، لكن إذا أخذ المكان معالم المسجد، وجد فيه محراب، ووجد فيه منارة، وهيئ للصلاة، وترك الناس يصلون فيه من غير نكير، فهو مسجد له أحكامه، وإلا فهو مصلى كسائر الأماكن، لا يأخذ حكم المصلى فلا تحية له، وتدخله الجنب والحائض من غير نكير.
(2/26)
هذا يقول: سؤالي ما الفرق بين الحديث المنكر والحديث الشاذ؟ وهذا سؤال جاء من البرازيل، واسم العضو رود ريجو، يقول: ما الفرق بين الحديث المنكر والحديث الشاذ؟
ابن الصلاح ذكر أن الشاذ والمنكر بمعنى واحد، وهو ما تضمن مخالفة، سواءً كان المخالف ثقة أو ضعيف، والذي حرره الشافعي -رحمه الله- أن الشاذ ما يخالف فيه الثقة من هو أوثق منه.
وذو الشذوذ ما يخالف الثقه ... فيه الملأ فالشافعي حققه
فإن كانت مخالفته لمن هو أوثق منه يعني معارضة الراوي لمن هو أوثق منه تتضمن المخالفة لا شك أن الجماعة أولى بالحفظ من الواحد، وإن كان الراوي ممن لا يحتمل تفرده فأيضاً مجرد تفرده ولو لم يكن لديه عنه مخالفة أو لا يتضمن مخالفة، فإنه يطلق عليه الشاذ، وقد يطلق عليه المنكر.
هذا يقول: كنت في مقهى الإنترنت، ثم نادتني واحدة لأرى ما يجري في الماسنجر تبعها، ثم رأيت رجل عريان لها، ثم صورت، ثم أرسلناها له؛ ليمتنع، هل أنا غلطان؟
نعم أنت غلطان من أمور:
(2/27)
أولاً: دخولك مثل هذه الأماكن التي يعرض فيها مثل هذا الخنا لا شك أنه غلط، ولا يجوز بحال أن ترى مثل هذه الصور، ولا تعرض نفسك للفتنة، ثم بعد ذلك تندم ولات ساعة مندم، فنظرك إلى مثل هذه الصور محرم، ثم إقدامك على التصوير محرم أيضاً، فمثل هذه الآلات من استطاع الاستغناء عنها فليفعل، وهو الأصل؛ لأن هذه المحدثات الغالب فيها شر، وقد يعرض على الإنسان ما لا يريده، وقد يفتن الإنسان وهو لا يشعر، لكن لا ينكر أن فيها خير، وأنها صارت وسيلة تحصيل لبعض الناس الذين لا يستطيعون الحضور عند الشيوخ، وليست لديهم القدرة في أن يقتنوا من الأشرطة ما يغنيهم عن هذه الآلات، وإلا فالإنسان الذي يستطيع الحضور والمثول بين يدي الشيوخ لا حاجة له بمثل هذه المحدثات، وإذا تيسر له أن يشتري من الأشرطة والمتون ما يسمع الشروح ويفرقها على هذه المتون فهي أفضل له من مثل هذه الأماكن، علماً بأنه في مقهى ليس بصدد طلب علم ولا شيء، فالمسألة من أصلها ممنوعة، لكن قد يكون الإنسان أمام الشبكة يستمع إلى درس، ثم يعترضه ما يعترضه مثل هذا فيه الضدان، فإن كان الشر فيه أكثر هذا لا يجوز بحال، وإن كانت المصلحة راجحة، ويستطيع دفع الشر فليدفعه بقدر الإمكان، وإلا فالسلامة لا يعدلها شيء.
هذا يقول: ما المراد بالمتابعات والشواهد؟
الحديث لا يخلو إما أن يروى من طريق واحدة، أو من طرق، عن صحابي واحد، أو عن جمع من الصحابة، فإن كان عن صحابي واحد من طريق واحدة فهذا هو الفرد، فإذا بحث في دواوين الأحاديث المعروفة، ووجد له عن غير هذا الصحابي ما يشهد له فهو الشاهد، وإن وجد عن الصحابي نفسه من طريق رواة آخرين فهو المتابعات، والمتابعة إن كانت للشيخ فهي التامة، وإن كانت لمن فوقه فهي الناقصة.
هذه تقول: ذكرتم في الدرس السابق أنه لو قال شخص من الكفار: لا إله إلا الله، ثم صلى نقول عنه: مسلم حكماً.
إذا صلى هو مسلم حكماً ولو لم ينطق بالشهادة، يعني يعامل في الظاهر معاملة المسلمين، مسلم حكماً، يعني يعامل معاملة المسلمين في الظاهر، والباطن يتولاه الله -جل وعلا-.
(2/28)
من كان له أقارب يتهاونون في الصلاة، فكيف يكون التعامل معهم علماً بأنه يقوم بنصحهم وتذكيرهم، ولكن لا يستجيبون؟
عليه أن يستمر في النصح والتذكير بالموعظة الحسنة، بالرفق واللين، بالنصوص بالآثار الرادعة، بالترغيب، بالترهيب، وحينئذٍ يستفيدون -إن شاء الله تعالى-، وإذا أيس منهم يهجرهم.
الحديث الوارد عندما قضى النبي -عليه الصلاة والسلام- صلاة العصر بين العشاءين، يظهر من ذلك أنه لا بد من الترتيب في قضاء الصلوات.
لا بد من الترتيب في قضاء الفوائت.
تقول: ماذا لو كان الوقت ضيقاً ولا يتسع إلا للصلاة الحالية، فهل يلزم الترتيب هنا؟
أهل العلم يقولون: يجب الترتيب، ولا يسقط الترتيب إلا بنسيانه، فإذا نسي أنه فاتته الفجر، تذكر أنه فاتته الظهر والعصر والمغرب، ثم صلاها ثم تذكر أن الفجر أيضاً فائتة يسقط الترتيب حينئذٍ؛ لأنه ناسي، ويسقط أيضاً بخشية فوات وقت الاختيار للحاضرة، بفوات وقت الاختيار للحاضرة، فتقدم الحاضرة ثم يصلى ما بعدها أو ما قبلها، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(2/29)
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: المحرر – كتاب الصلاة (3)
تابع: باب: مواقيت الصلاة
الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هذا يقول: هل وقت صلاة الظهر ينتهي ببلوغ ظل الرجل كمثله مطلقاً أم بعد فيء الزوال، وذلك أنه إذا كان الأول فإنه سيخرج بعد وقت يسير من دخوله؟
إذا حسبنا فيء الزوال في الدخول فلنحسبه في الخروج، لا سيما وأنه في بعض البلدان يمتد طويلاً.
يقول: نحن في محافظة تابعة لجيزان، وقد لاحظت في مثل هذه الأيام أنه يؤذن لصلاة الظهر قبل زوال الشمس، فأصبحت أتأخر عن دخول المسجد حتى يزول الظل، ويفوتني السنن والرواتب لها، فما هو الواجب علي خاصة أن هذا في جميع مساجد تلك المحافظة؟
أولاً: لا بد من التأكد هل هم بالفعل يؤذنون قبل الوقت أو لا؟ فإن كانوا يؤذنون قبل الوقت فينكر عليهم، وتبلغ الجهات حتى ينتظروا إلى أن يدخل الوقت؛ لأنهم يغررون بالناس من أصحاب الأعذار الذين يصلون في بيوتهم، يصلون قبل الوقت، وهذا لا يجوز، فإن تأكدت بعد ذلك وجدت أنهم مصيبون فعليك أن ترجع عن رأيك.
يقول: ما الفرق بين أكثر الوقت وبين كثير الوقت؟
هذا في تأخير صلاة العشاء حتى ذهب عامة الليل، ونعرف أن العلماء إذا قالوا: وبهذا قال عامة أهل العلم، المراد به أكثرهم، لكن هل المراد بالنسبة لوقت صلاة العشاء أنه ذهب عامة الليل يعني أكثره، والمرجح أنه ينتهي بنصف الليل؟ لا، نعم تبيت بمنى حتى يذهب عامة الليل يعني أكثر الليل لا بأس، لكن تؤخر صلاة العشاء حتى يذهب عامة الليل يعني أكثره، والمرجح أن وقت صلاة العشاء ينتهي بنصف الليل، فالمراد بالعامة هنا الكثير لا الأكثر، يعني الكثير لا يصل إلى النصف، الثلث كثير، فكثير لا يصل إلى النصف، والأكثر يتعدى النصف.
هل إذا اشتد البرد في الشتاء من الزمهرير جاز تأخير وقت الصلاة، أو ترك صلاة الجماعة؛ لأن الغالب أن البرد الشديد يطول وقته؟
على كل حال كل ما يحول بين الإنسان وبين إقباله على ربه في صلاته، ويذهب الخشوع عنه تؤخر الصلاة من أجله في الوقت كالطعام وكالاحتقان، وما أشبه ذلك.
يقول: ما حكم الصبغ بالحناء والكتم ويميل إلى السواد؟
(3/1)
إذا رآه الرائي وقال: أسود يحرم، وإذا رآه الرائي يختلف عن الأسود فلا بأس به، كان أبو بكر -رضي الله عنه- يخضب بالحناء والكتم، وكان عمر -رضي الله تعالى عنه- يخضب بالحناء الصرف.
هل يكتفى لمعرفة دخول الوقت بالتقويم، وكذلك الساعات التي يظهر فيها وقت دخول الصلاة؟
التقويم كثر الكلام حوله، وأنه متقدم في بعض الأوقات، وفي بعض الأماكن على الوقت، وخرج أناس تبرعوا واحتسبوا وراقبوا الأوقات واختلفوا أيضاً، فمن لجان رسمية أقرت ما في التقويم، وهناك من احتسب من طلاب العلم، وقرروا أنه يتقدم، وعلى كل حال الاحتياط مطلوب، فما دام يتقدم تؤخر الصلاة حتى يذهب الوقت المشكوك فيه، لكن إبطال صلوات الناس الذين يصلون على التقويم والفتوى جارية عليه لا وجه له ما دامت الفتوى عليه.
وكذلك الساعات التي يظهر فيها وقت دخول الصلاة؟
هي مضبوطة على التقويم، الساعات مضبوطة على التقويم، وفيما سبق على ما سيأتي في كونه -عليه الصلاة والسلام- يقرأ من الستين إلى المائة في صلاة الصبح، يقدرون بالصناعات دخول الأوقات، يقدرونها بالصناعات، فيقدرونها بالحِرف والأعمال، وكل يقدر بحرفته، فالصانع الذي اعتاد أن يصنع بين صلاة الظهر والعصر ماسة زي هذه، ويفرغ منها، كل ما انتهى من ماسة في كل يوم دخل وقت العصر عنده، هكذا يقول الفقهاء؛ لأن الأعمال أشبه ما تكون بالاطراد، وكذا من كانت له قراءة اعتاد أن يقرأ خمسة أجزاء في الساعة، وبين الظهر والعصر ثلاث ساعات مثلاً، إذا قرأ خمسة عشر جزءاً خلاص انتهى، دخل وقت العصر، وهذا قرره الفقهاء وذكروه؛ لأنه ما يتسنى لكل إنسان أن ينظر إلى هذه العلامات بنفسه، وقد يكون منفرداً لا أحد يدله على ذلك، وقد لا يحسن، ومع ذلك إذا كانت هذه عادته فليحتط للصلاة دخولاً وخروجاً.
يقول: قيل في الدرس في شأن النساء ((إذا رأيتموهن فالعنوهن)) لم أفهم ذلك.
الدرس الماضي فيه مسألة: خروج النساء متبرجات، والمتبرجات جاء النص بلعنهن، لكنه على سبيل الإجمال لا على سبيل التعيين، ما يقال: فلانة متبرجة لعنها الله، لا، وإنما على سبيل الإجمال، كما يلعن الشارب، ويعلن السارق، لعن الله السارق، ومع ذلك ما يقال: فلان سرق لعنه الله.
(3/2)
يقول: كيف يصنع من يعيش في دول مثل الدول الإسكندنافية مع مواقيت الصلاة، وهي تمر عليهم الشهور وهم في نهار، والشهور وهم في ليل؟
على كل حال إذا وجدت العلامات التي علقت بها أوقات الصلوات دخولاً وخروجاً فالعمل عليها، ولو تأخر بعضها وتقدم بعضها، يعني لو كان غروب الشمس يتأخر خمس ساعات، والشفق يغيب لنصف ساعة، نقول: نعم صلاة المغرب حينما تغيب الشمس، وصلاة العشاء حينما يغيب الشفق، ولو كان بين الوقتين نصف ساعة، وبين الوقتين الآخرين خمس ساعات أو ست ساعات، إذا وجدت العلامات فالعمل عليها، ولا عبرة بطول الوقت وقصره، لو قدر أن الشفق الأحمر يغيب بعد مغيب الشمس خمس ساعات، ست ساعات وقت العشاء ما يدخل إلا بمغيب الشفق، لكن لو قدر أنه مثل ما سأل يقول: تمر عليهم الشهور وهم في نهار، والشهور وهم في ليل، هؤلاء يقدرون قدر الصلاة، يقدرون للصلاة قدرها، كما جاء في أيام الدجال يوم كسنة، يقولون: ماذا نصنع يا رسول الله؟ قال: ((اقدروا)) وحينئذٍ يقدر للصلاة قدرها، كم بين صلاة الفجر وصلاة الظهر في أقرب بلد لهم من بلدان المسلمين الذين لهم العلامات ظاهرة وواضحة، ومن أهل العلم من يرى أنهم يرتبطون بمكة التي هي أم القرى، لكن كونهم يرتبطون بأقرب بلد كدخول الشهر وخروجه هذا أولى.
يقول: بالنسبة للعن المعين فقد رجح الإمام البلقيني وابن حجر -رحمهما الله- في الفتح جواز لعن المعين.
النبي -عليه الصلاة والسلام- قال في قنوته: ((اللهم العن فلاناً وفلاناً وفلاناً)) ونزل قول الله -جل وعلا-: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ} [(128) سورة آل عمران] وهؤلاء الذين لعنهم النبي -عليه الصلاة والسلام- كفار، فالكافر يجوز لعنه، أما بالنسبة للمسلم ولو ورد النص بلعن جنسه لا يجوز لعنه بشخصه ومفرده، أما الكافر لا سيما من تعدى ضرره على المسلمين مثل هذا لا مانع من لعنه -إن شاء الله تعالى-، والحافظ ابن كثير في البداية والنهاية لا تخلو سنة من السنوات إلا ويلعن بعض الكفار الذين يؤذون المسلمين.
يقول: حكم من جامع بعد إحرامه بالعمرة وقبل تمامها؟
(3/3)
يعني قبل الشروع فيها؛ لأنه قبل تمامها يحتمل أنه ما قصر فقط، ما حلق رأسه، ويحتمل أن يكون بين الطواف والسعي، ويحتمل أن يكون قبل الطواف، فإن كان قبل الطواف لا شك أن العمرة فاسدة، وهو آثم إذا تعمد ذلك وقصده مع العلم بالحكم آثم، وعليه أن يذبح شاة، ويحرم بالعمرة من جديد، ويأتي ببدلها.
يقول: ما حكم اللعب بالألعاب الإلكترونية مثل البلستيشن؟ وما حكم مشاهدة الرسوم المتحركة يعني أفلام الكرتون؟
اللعب بالألعاب الإلكترونية هذه إذا كان فيها صور فتمنع؛ لأن مشاهدة الصور والتصوير حرام فمشاهدته حرام، اللهم إلا إذا ترجحت المصلحة في درس علمي، أو ما أشبه ذلك، فالعلماء يتسامحون في مثل هذا، أما إذا كانت لا مصلحة من ورائها إلا العبث وتضييع الوقت، فيبقى الحكم أنه لا يجوز، والألعاب الإلكترونية هذه إذا ترتب عليها جعل فهي محرمة؛ لأن السبق محرم إلا فيما استثني، وإن خلت من ذلك وخلت من الألفاظ البذيئة والبغضاء والشحناء وتضييع الأوقات والغفلة عن ذكر الله وعن الصلاة، على كل حال إذا وجدت هذه الأمور فعلة تحريم الخمر موجودة، فهي محرمة، وإذا خلت من ذلك كله فأقل الأحوال الكراهة الشديدة.
ما حكم مشاهدة الرسوم المتحركة يعني أفلام الكرتون؟
مثل ما قلنا يعني مر هذا قال: هذه صورة إنسان، فهي صورة على كل حال، حتى ولو كانت كرتونية، فهي تصوير، ما دام فيها وجه وفيه عينان وفيه فم وأنف هذه صورة.
يقول: كيف يفعل طالب العلم لمتابعة أحوال الأمة، وما يكاد لها من الداخل والخارج وهو جزء من فقه الواقع؟
يعني لا يمنع طالب العلم أن يسمع الأخبار التي لا محظور فيها، لا موسيقى ولا صور نساء، بل ولا صور إن أمكن، إن أمكن أن يستمع الأخبار من الإذاعات التي لا موسيقى فيها ولا صور، أو من الصحف التي لا تصوير فيها يطلع على أحوال المسلمين، إن لم يتمكن من ذلك يسأل المطلعين، ماذا حصل اليوم ليحمل الهم، الذي لا يهتم بأمور المسلمين على خطر، فعليه أن يهتم لأمورهم، ويسعى في نفعهم بقدر إمكانه.
هل تنصحون بحفظ نظم مطول في أصول الفقه؟ وما هو؟
(3/4)
نضم جمع الجوامع للسيوطي نظماً جامع، إلا أنه طويل يحتاج إلى أوقات، لا سيما من كانت حافظته ضعيفة لا تسعفه، فينصرف عنه إلى نظم الورقات؛ لأنه سهل وميسر وسلس ونظم ماتع جداً، أما نظم مراقي السعود فهو على أهميته واشتهاره لا سيما بعد مجيء الشيخ الأمين الشنقيطي -رحمه الله- إلى بلد الحرمين اشتهر وانتشر وصار له شأن عند طلاب العلم إلا أنه عسر، نظم عسر يحتاج إلى مشقة في حفظه، فلذا المرجح عندي نظم الورقات.
هذا ظرف ما كتب عليه شيء، ويبدو بعد أنه ما عليه شيء، مغلق بإحكام، وما كتب عليه شيء، ما ندري ما في جوفه أيضاً، لا فيه ورقة، وظننته مثل ما قال الطنطاوي -رحمه الله- يقول: سائلة تسأل وأحرجتني مراراً ألا أذكر اسمها فهل تعرفون اسمها؟ هي لم تذكر اسمها.
هذه امرأة تطلب مساعدة.
يقول: ما حكم التصوير بالفيديو والكاميرا العادية؟
التصوير تصوير بأي آلة كانت، إذا كان من ذوات الأرواح فهو محرم.
يقول: من ابتلي بذنب يعود له كل فترة، وهو أمام الناس من الصالحين، كيف السبيل للخلاص من هذا الذنب؟
على كل حال يتذكر أنه يعصي الرب -جل وعلا- الذي خلقه وأوجده ورزقه، وأسدى إليه النعم، ورتب على الذنوب العقوبات، وحد لسرقة ثلاثة دراهم قطع اليد، وأنه شديد العقاب، فعليه أن يراقب الله -جل وعلا- ليكون باطنه كظاهره.
يقول: أنا شاب -ولله الحمد- أحافظ على الصلوات الخمس، ولكن الشيطان يجلب لي الوساوس والأفكار في الصلاة على الرغم من أني أحاول الخشوع في الصلاة، لكن بدون جدوى، وأحافظ أيضاً على صيام ثلاثة أيام من كل شهر.
عليك أن تفرغ نفسك في وقت الصلاة، وأن تأتي إليها بعد انتهاء أعمالك التي تشغلك، وأن تقبل على صلاتك، وأن تعرف أنك تناجي الله -جل وعلا-، وتستعيذ بالله من الشيطان الرجيم.
يقول: طفت ولم يكن كل طوافي جاعل الكعبة عن يساري، فهل يبطل طوافي إذا كنت جاهلاً؟
الطواف إذا كان في طواف الحج أو طواف عمرة يعني ركن لنسك فعليك أن تعيده، لا سيما إذا كثر ذلك، أما إذا كان يسير كالخطوة مثلاً، فمثل هذا يتجاوز عنه، أما إذا كان طواف نفل فلا تعود إلى مثل هذا.
(3/5)
يقول: عندنا في بلادنا مصر بعض المساجد يؤخرون الصلاة صلاة الفجر بساعة من الأذان، فهل يجوز ذلك أم هذا مخالف للسنة؟
السنة التغليس بصلاة الفجر في أول وقتها، بعد التأكد من دخول الوقت، لكن إذا روعي المأموم في ليل قصير مثلاً، ورأى المأموم أنه يتأخر، واتفقوا على ذلك، ولم يكن على غيرهم مشقة، فالتأخير من أجل المأمومين كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يراعيه، إذا رآهم اجتمعوا عجل، وإذا رآهم تأخروا أخر.
يقول: وقت صلاة الفجر هل الأذان متقدم بربع ساعة، كما أن هذه المسألة مصدر جدال بين طلبة العلم بحيث أنه يترتب عليها مسائل كثيرة؟
ذكرنا أن من طلاب العلم من انتدب ذلك وراقبوا طلوع الفجر، وقرروا أنه يطلع بعد التقويم، بعضهم يقول: بربع ساعة، وبعضهم يقول: عشر دقائق، وبعضهم يقول: خمس، واختلفوا في ذلك اختلافاً كبيراً، ومن بلد إلى بلد يختلف المقصود أن هذا مثار جدال، وخرجت اللجان الرسمية، وقرروا أنه مطابق للتقويم، يعني مطابق للتقويم، اللجنة الرسمية التي انتدبها الشيخ ابن باز، وكتب في الصحف أن التقويم مطابق، وبعض الإخوان الذين نحسبهم من أهل التحري والتثبت راقبوا طلوع الصبح ووجدوه قبل الوقت، وعلى كل حال الفتوى على التقويم حتى تنقض، فعامة الناس عموم المسلمين تبرأ ذمتهم إذا صلوا على التقويم، لكن ما دام الكلام هذا موجود، وله حظ من النظر ينبغي للأئمة أن يؤخروا الصلاة بعد التقويم بنصف ساعة من أجل أن يتمكن الناس من الصلاة في وقتها.
سم.
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الإمام ابن عبد الهادي -يرحمه الله تعالى- في كتابه المحرر:
وعن سيار بن سلامة قال: دخلت أنا وأبي على أبي برزة الأسلمي فقال له أبي: كيف كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي المكتوبة؟ فقال: "كان يصلي الهجير التي تدعونها الأولى حين تدحض الشمس، ويصلي العصر ثم يرجع أحدنا إلى رحله في أقصى المدينة والشمس حية، ونسيت ما قال في المغرب، وكان يستحب أن يؤخر العشاء التي تدعونها العتمة، وكان يكره النوم قبلها، والحديث بعدها، وكان ينفتل من صلاة الغداة حين يعرف الرجل جليسه، ويقرأ بالستين إلى المائة.
(3/6)
وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي الظهر بالهاجرة والعصر والشمس نقية والمغرب إذا وجبت، والعشاء أحياناً وأحياناً إذا رآهم اجتمعوا عجل، وإذا رآهم أبطأوا أخر، والصبح كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصليها بغلس. متفق عليهما.
وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم، ألا إنها العشاء، وهم يعتمون بالإبل)) رواه مسلم.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر)) متفق عليه.
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من أدرك من العصر سجدة قبل أن تغرب الشمس، أو من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدركها)) والسجدة إنما هي الركعة. رواه مسلم.
كيف عندك متفق عليه الذي قبله؟
طالب: إي نعم يا شيخ.
متفق عليه أو عليهما؟
متفق عليه.
حديث أبي هريرة: ((من أدرك ركعة)).
متفق عليه إيه يا شيخ.
عليه، نعم.
وعن عقبة بن عامر قال: "ثلاث ساعات كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نصلي فيهن، وأن نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تزول، وحين تضيف -أي تميل- الشمس للغروب" رواه مسلم.
وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس، ولا صلاة بعد العصر حتى تغيب الشمس)) متفق عليه.
ولمسلم: ((لا صلاة بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس، ولا صلاة بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس)).
وعن أبي سلمة أنه سأل عائشة عن السجدتين اللتين كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصليهما بعد العصر؟ فقالت: "كان يصليهما قبل العصر، ثم إنه شغل عنهما أو نسيهما فصلاهما بعد العصر، ثم أثبتهما، وكان إذا صلى صلاة أثبتها.
قال إسماعيل بن جعفر: "تعني داوم عليها" رواه مسلم.
(3/7)
وعن جبير بن مطعم قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة من الليل والنهار)) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه وابن حبان والنسائي والترمذي وصححه.
وقال بعض المصنفين الحذاق: "رواه مسلم" وهو وهم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"وعن سيار بن سلامة قال: دخلت أنا وأبي" ضمير الفصل هنا لا بد منه؛ لأنه لا يجوز العطف على ضمير الرفع المتصل إلا بفاصل.
(3/8)
"دخلت أنا وأبي على أبي برزة" نضلة بن عبيد أو عبيد بن نضلة "الأسلمي، فقال له أبي: كيف كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي المكتوبة؟ فقال" الآن سيار من رجال الكتب الستة، يعني سيار مترجم في كتب رجال الكتب الستة، ترجم التقريب، لكن ماذا عن أبي سلامة؟ يترجمون له؛ لأنه من رجال السند أو لا يترجم له؟ لأنه في القصة في المتن لا في السند، وهل لضعفه أثر، لو كان ضعيفاً وجاء في مثل هذه الصورة له أثر وإلا ما له أثر؟ لأن مثل هذا يوقع بعض الطلاب في وهم، لو قال: عن فلان أن فلاناً دخل على فلان، عن سيار بن سلامة هذا ما فيه إشكال ثقة، لو قدر أنه قال: دخلت أنا وفلان الضعيف، فسأل الضعيف صحابياً عن فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- فأجابه الصحابي كما هنا له أثر في صحة الحديث أو ضعفه؟ لا أثر له؛ لأنه ليس من رجال الإسناد، ولا يترتب على ضعفه أو على ثقته تصحيح ولا تضعيف، إنما هو مذكور في القصة، دخلت أنا وأبي على أبي برزة الأسلمي، يعني الحديث متفق عليه على أبي برزة الأسلمي واسمه نضلة بن عبيد أو عبيد بن نضلة، وقد يقول قائل: كيف صحابي مشهور له أحاديث ويختلف في اسمه؟ نقول: هذه العادة وهي الجادة فيمن اشتهر بالكنية يضيع الاسم، كما أن من اشتهر بالاسم تضيع الكنية، الناس ليس لهم أن يحفظوا إلا ما يسمعون، وما يتردد على أسماعهم يحفظونه، فإذا كثر واشتهر الرجل بكنيته ضاع اسمه، كأبي برزة، وأبي هريرة وغيرهما من الصحابة والتابعين والأئمة، وإذا اشتهر بالاسم الكنية تخفى على كثير من المتعلمين، قتادة مثلاً قتادة لو استفتينا الإخوان كم نسبة من يعرف كنيته؟ نعم؟ لأنه اشتهر باسمه، قتادة، مجاهد، وغيرهما ممن اشتهر بالاسم لا تكاد الكنية تحفظ، ولذا يختلف في كنى بعضهم إلى عشرة أقوال، قيل: أبو محمد، وقيل: أبو عبد الرحمن، وقيل: كذا وكذا وكذا؛ لأنه اشتهر بالاسم، وهذا ممن اشتهر بالكنية فاختلف في اسمه.
(3/9)
"فقال له أبي: كيف كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي المكتوبة؟ " يعني الصلوات الخمس، كيف كان يصليهما؟ "فقال: كان يصلي الهجير" السؤال عن الكيفية والجواب عن الأوقات، كيف كان يصلي؟ يعني الجواب المطابق أن يكون ببيان كيفية الصلوات، لكن لعل أبا برزة في وقت لا يهتم الناس فيه بالأوقات، فرأى أن الصلاة كيفيتها لا تخفى عليه مثل خفاء الأوقات، فأجابه بذكر الأوقات، أو لعله فهم بقرينة أنه يسأل عن الأوقات.
"كيف كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي المكتوبة؟ فقال: كان يصلي الهجير التي تدعونها الأولى" الهجير يعني صلاة الهجير، الواقعة في هذا الوقت في الهاجرة أي: شدة الحر، وهي الظهر، التي تدعونها الأولى، لا شك أن الظهر هي الصلاة الأولى، لماذا؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم هي أول صلاة صلاها جبريل بالنبي -صلى الله عليه وسلم- بعد فرض الصلاة، فهي الأولى من هذه الحيثية، وإلا إذا قلنا: إن الصبح في النهار قلنا: إن الأولى الصبح والثانية الظهر، وعلى كل حال الأولى لا خلاف في كونها الظهر هنا.
"حين تدحض الشمس" أي: حين تزول عن وسط السماء وكبد السماء، حين يعني وقت، يعني بعد الزوال مباشرة.
"ويصلي العصر ثم يرجع أحدنا إلى رحله في أقصى المدينة والشمس حية" يعني في أول وقتها كذلك، بيضاء نقية مرتفعة كما تقدم في الأحاديث "والشمس حية، ونسيت ما قال في المغرب" سيار نسي ما قال أبو برزة في المغرب، ومع ذلك بين في الأحاديث الأخرى "حين تغيب الشمس" "وكان يستحب أن يؤخر العشاء" استحباباً شرعياً "أن يؤخر العشاء التي تدعونها العتمة" وهذا اسم يطلقه الأعراب على صلاة العشاء على ما سيأتي.
(3/10)
الآن في كلام حول تأخير صلاة العشاء ليطول المغرب، وتقضى فيه الحوائج كلها، وبعد العشاء يكون النوم، وهذا موافق حقيقة لنصوص كثيرة، منها: كان يستحب أن يؤخر العشاء، ومنها: كان يكره الحديث بعدها، فإذا قضيت الأعمال كلها بين العشاءين طبقت هذه السنن، لكن على ألا يكون ذلك على سبيل الإلزام؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما ألزم أحداً بذلك، والنظر في هذه المسألة على أن يكون إلزام للناس، ولا يمكن ضبط الناس في مثل هذه الأمور إلا بالإلزام، يعني كون الوقت يفتح لمدة ثلاث ساعات أو أربع ساعات، يعني من مغيب الشفق يؤذن من يؤذن، ثم بعد ذلك ينتظر من أراد تأخير الصلاة إلى ساعتين أو ثلاث كما يدرس أو يطرح، لا شك أن مثل هذا يكون فيه شيء من الفوضوية، فإذا سئل هذا فاتح المحل يقول: أنا والله صليت مع اللي أذنوا أول الوقت، وإذا سئل من فتح محله في أول الوقت يقول: أنا أريد التأخير لأصلي ثم أنام وهكذا، ثم بعد ذلك لا يمكن ضبط الأمور، فإما أن يؤطر الناس على أول الوقت كما هو الآن، أو تؤخر الصلاة بالنسبة للجميع كما يطرح ويدرس، وفي هذا ما فيه؛ لأن كثير من الناس عنده أعمال في النهار كما كان الصحابة -رضوان الله عليهم-، وانتظارهم إلى الوقت الذي تؤخر فيه الصلاة فيه مشقة عليهم، وعلى كل حال مثل هذا الاقتراح له وعليه، فيه إصابة استحباب تأخير صلاة العشاء، وفيه أيضاً القضاء على السهر؛ لأن الناس يقضون حوائجهم بعد صلاة المغرب؛ لأنه يطول ثلاث ساعات أو أكثر، فالمسألة تحتاج إلى دراسة مستفيضة وواعية، وينظر فيها إلى المحاسن والمآخذ.
"وكان يستحب أن يؤخر العشاء" لكن لو اجتمع مجموعة من الناس في سفر أو في نزهة أو ما أشبه ذلك واتفقوا على أنهم يؤخروا العشاء إلى ثلث الليل، أو ما يقرب من نصفه كان أفضل.
"التي تدعونها العتمة" هذا كلام الصحابي -رضي الله عنه-، ويريد أن يبرأ من عهدة هذه التسمية، إذا أراد الإنسان أن يبرأ من شيء نسبه إلى غيره، كما يقول الإمام أحمد: حدثنا إسماعيل الذي يقال له ابن علية؛ لأنه يكره أن ينسب إلى أمه، فإذا أراد أن يبرأ من شيء نسبه إلى غيره، قال: "التي تدعونها العتمة".
(3/11)
"وكان -عليه الصلاة والسلام- يكره النوم قبلها" يعني صلاة العشاء؛ لأنه يكون سبباً للنوم عنها، فمن جاء محتاجاً إلى النوم ما يكفيه مدة ساعة أو نصف ساعة، فإما أن يستغرق فتفوته الصلاة أو لا يستغرق فيتكدر ويتنكد في نومه.
"وكان يكره النوم قبلها والحديث بعدها" الحديث بعد صلاة العشاء مكروه، ومع ذلك حصل منه -عليه الصلاة والسلام- أنه سمر يعني سهر للعلم، وترجم عليه الإمام البخاري: باب السمر في العلم، فيستثنى من ذلك ما فيه مصلحة، السهر الذي في مصلحة، تحصيل علم، أو إيناس ضيف مثلاً من باب إكرامه، أو الحديث مع أهله بشيء لا يعوقه عن تحصيل مصالحه الأولى والأخرى، أما إذا كان السمر يترتب عليه الحيلولة دون قيام الليل مثلاً فهذا يكره كراهية شديدة، وإذا كان يحول دون صلاة الصبح فهذا يحرم، السهر الذي يؤدي إلى تفويت صلاة الصبح هذا حرام بلا شك، وكان يكره النوم قبلها والحديث بعدها، إذا كان الحديث بعدها من باب المباح فهذا تتجه الكراهة إليه، أما إذا كان الحديث في استغلال الوقت في أمر محرم فلا شك في تحريمه، وعامة الناس على مثل هذا، كثير من الناس بل أكثرهم يسهرون في مشاهدة أفلام، ويسهرون على سماع أغاني، وقد يستمعون لغيبة ونميمة، وما أشبه ذلك، وهذا لا شك في تحريمه، وذكر أهل العلم في كراهية الحديث بعدها والسهر أنه ينبغي أن ينام الإنسان خاتماً أعماله بالصلاة، ولذا كان ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- إذا تكلم بعد صلاة العشاء صلى ركعتين ثم نام.
"وكان ينفتل" يعني ينصرف "من صلاة الغداة -التي هي الصبح- حين يعرف الرجل جليسه" حين يعرف الرجل جليسه، يعني يتضح له الذي بجواره فيرى ملامح وجهه فيعرفه، وهذا يدل على أنه يبادر بصلاة الصبح، إذا كان ينصرف من الصبح والمسألة مسألة معرفة؛ لأنه لو كانت المسألة وضوح وإسفار ما يحتاج أن يقال مثل هذا الكلام "حين يعرف الرجل جليسه" يعني إذا كان المسألة معرفة واضحة بحيث لا يخفى عليه شيء من تجاعيد وجهه، ما يحتاج إلى أن يقول: "حتى يعرف جليسه".
(3/12)
"ويقرأ بالستين إلى المائة" من ستين آية إلى مائة آية، دليل على أنه يدخل فيها في أول الوقت بغلس، يصليها في أول وقتها بعد أن يتأكد من دخول الوقت، وبعد أن تصلى الراتبة يدخل في صلاة الصبح، ثم يقرأ فيها بالستين إلى المائة، والتقدير هذه عادتهم؛ لأنه ليس لديهم ساعات، أو أمور تضبط بدقة ما يحصل، لكنهم كل يقدر بما اعتاد، منهم من يقول: رمية حجر أو حلب ناقة أو نحر الجزور، أو يقرأ بكذا، أو يصنع كذا، كلها تقريبية، يقدرون؛ لأنهم ليس عندهم شيء يدلهم على ما يريدون بدقة.
(3/13)
"يقرأ بالستين إلى المائة" هذه القراءة بقراءة -عليه الصلاة والسلام-، وكانت قراءته -عليه الصلاة والسلام- مداً، فهو يرتل، لكنه أحياناً يرتل أكثر من المعتاد، وأحياناً يقلل، فكان يقرأ بالسورة حتى تظن أنها أطول من السورة التي هي أطول منها، فالترتيل درجات، وأيضاً الآيات متفاوتة، بعض الآيات أضعاف أضعاف آيات أخرى، وعندنا سورة المائدة جزء وورقة إلا ربع، ومع ذلك آياتها مائة وعشرين، نعم كم آيات المائدة؟ عندكم المصحف؟ مائة وعشرين، والشعراء نصف جزء وآياتها مائتان وكم؟ ثمان عشرة، يعني أكثر بمائة آية تقريباً، وهي أقل من نصفها، فهل الآيات التي يقرأها النبي -عليه الصلاة والسلام- بالستين إلى المائة من مثل آيات المائدة، أو مثل آيات الشعراء أو الصافات مثلاً أو الرحمن؟ لا شك أن الآيات متفاوتة وقراءة الستين من المائدة تحتاج من الوقت أضعاف ما يحتاجه قراءة الستين أو المائة من الشعراء مثلاً، والمراد بمثل هذا إذا أطلق الأوساط، يعني آيات متوسطة، وهل يقرأ بهذا المقدار في الركعة الواحدة أو في الركعتين؟ احتمال، كان يقرأ بالستين إلى المائة احتمال، وثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه قرأ في صلاة الصبح آلم السجدة، وسورة الإنسان، وقرأ بسور أخرى، قرأ بسورة المؤمنون، وقرأ بأطول، وقرأ بأقل، المقصود أنه ليست هناك حد محدد من الآيات للقراءة في الصلاة، بل السنة أن يقرأ أحياناً كذا، وأحياناً كذا، وثبت عنه أنه قرأ بـ {إِذَا زُلْزِلَتِ} [(1) سورة الزلزلة] في الركعتين في صلاة الصبح، ومع ذلك السنة أن تطول القراءة في صلاة الصبح، ولذا جاء تسميتها بقرآن الفجر، ولاستماع قراءة صلاة الصبح شأن عظيم، وهي صلاة مشهودة، ومن أراد أن يقف على شيء من ذلك فليطالع طريق الهجرتين لابن القيم، ولا شك أن لها تأثيراً في القلب؛ لأنها بعد راحة، وهذا لمن كان على الجادة، على الفطرة ينام بالليل وينتبه لصلاة الصبح، ويتدبر ما يقرأ، ويقرب من الإمام، وصلاة الصبح تطول فيها القراءة كما قالت عائشة: "أول ما فرضت الصلاة ركعتين، فزيد في الحضر، وأقرت صلاة السفر إلا المغرب فإنها وتر النهار، وإلا الصبح فإنها تطول فيها القراءة".
ثم قال -رحمه الله تعالى-:
(3/14)
"وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي الظهر بالهاجرة" يعني في أول وقتها، وعرفنا أنه إذا اشتد الحر فالسنة الإبراد، وتقدم هذا ((إذا اشتد الحر فابردوا، فإن شدة الحر من فيح جهنم)).
"والعصر والشمس مرتفعة" وتقدم أنه يصلي العصر والشمس بيضاء نقية في كبد السماء مرتفعة، ويذهب الذاهب إلى العوالي أو إلى قباء، وفي بعض الروايات ويعود والشمس مرتفعة، فدل على أنه يصليها في أول وقتها كما تقدم.
"والمغرب إذا وجبت" يعني الشمس إذا وجبت يعني سقطت، والوجوب السقوط، والوجوب السقوط {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا} [(36) سورة الحج] يعني إذا سقطت، إذا وجبت يعني غابت بكاملها.
"والعشاء" يدل على أن المغرب تعجل كالعصر والظهر "والعشاء أحياناً وأحياناً" يعني أحياناً يعجلها، وأحياناً يؤخرها تبعاً للأرفق بالمصلين، وهذا من يسر هذا الدين، ومن شفقة النبي -عليه الصلاة والسلام- بأصحابه وبأمته "العشاء أحياناً وأحياناً، إذا رآهم اجتمعوا عجل" فلا يحبسهم، إذا رآهم اجتمعوا عجل، بادر بأداء الصلاة "وإذا رآهم أبطؤوا" يعني تأخروا عن المجيء إليها أخر الصلاة حتى يكتمل العدد.
قد يقول قائل: إنه إذا رآهم اجتمعوا وعجل فاتت الصلاة بعض الناس إلا إن كان المراد إذا اجتمعوا كلهم، فهذا لا يترتب عليه شيء، لكن إن رآهم اجتمعوا يعني جلهم، ثم تأخر من تأخر منهم هذا يترتب عليه أنه تفوته الصلاة، وقل مثل هذا في العكس إذا رآهم أبطؤوا، إن رآهم تأخروا كلهم بمعنى أنه لم يحضر للمسجد أحد، ثم جاءوا بعد ذلك بوقت واجتمعوا أخر الصلاة إلى أن يجتمعوا، لكن لو قدر أنه اجتمع كلهم إلا أفراد وترتب على ذلك أنه تفوتهم الصلاة، أو تأخروا وتقدم مجموعة منهم تقدم اثنين ثلاثة خمسة وتأخر الباقي، هل تؤخر الصلاة من أجلهم فيتضرر هؤلاء الذين تعجلوا، تقدموا؟
(3/15)
ظاهر العبارة أنه إذا رآهم اجتمعوا كلهم، أو رآهم أبطؤوا -تأخروا- كلهم، لكن إذا تقدم بعضهم وتأخر بعضهم من الذي يراعى ويلاحظ؟ هل يلاحظ الجالس في بيته أو الذي جاء إلى المسجد؟ لا شك أن من جاء إلى الصلاة هو أولى بالمراعاة والعناية، وإذا كان التأخير وملاحظة من تأخر لا يضر بمن تقدم وتعجل، فمثل هذا يراعى فيه من تأخر، وقل مثل هذا في الإمام في الركوع ينتظر الداخل، الإمام في الركوع إذا سمع الداخل، فمن باب الإحسان إليه ليدرك الركعة، وقد تكون الركعة الأخيرة فيدرك الجماعة، يترتب عليه أنه يطول على المأمومين من أجل انتظار هذا الداخل، فإذا لم يشق على المأمومين انتظر وإلا فلا؛ لأن من تقدم أولى بالمراعاة ممن تأخر.
"وإذا رآهم أبطؤوا أخر" يعني لو جاء الإمام إلى صلاة العشاء بعد الأذان بثلث ساعة كما هو المقرر بعشرين دقيقة، ثم ما وجد في المسجد إلا واحد أو اثنين، والجماعة إذا سلم وجدهم صفين، هل نقول لمثل هذا: تأخر حتى يجتمع الجميع ولو شق على الموجودين هم على خير ما داموا ينتظرون الصلاة على خير، وقد يكون بعضهم يقرأ القرآن يستفيد، لكن مثل هذا يترتب عليه أن هؤلاء الذين اعتادوا التأخر يتأخرون زيادة، يعني ينتظرهم عشر دقائق ما أقام إلا بعد نصف ساعة، من الغد لن يحضروا إلا بعد الإقامة، لن يحضروا إلا بعد الإقامة، ولذا يرى بعض المشايخ أن الإقامة لا تكون بالمكبر؛ لأن الناس يرتبطون بها، فمن كان من عادته التأخير يؤخر ولو تأخر الإمام، هذا هديه -عليه الصلاة والسلام- أنه إذا رآهم اجتمعوا عجل، وإذا رآهم أبطؤوا أخر، فعلى هذا الإمام لا ينظر في مصلحته الخاصة؛ لأن بعض الناس ينظر على مصلحته الخاصة عنده مشوار بعد الصلاة يعجل، عنده ضيوف قبل الصلاة يؤخر، هذا لا ينظر الإنسان إلى مصلحته، بل عليه أن ينظر إلى المصلحة العامة ولا يشق على المأمومين؛ لأن من شق على الناس شق الله عليه.
"والصبح" يعني يصلي الصبح "والصبح كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصليها بغلس" بغلس، وهو اختلاط ظلمة الليل بضوء الصبح، بحيث لا يزيد أحدهما على الآخر، الصبحَ منصوب، الصبح منصوب وإلا مرفوع؟ يجوز رفعه وإلا ما يجوز؟
طالب: يجوز.
والصبحَ النصب على إيش؟
(3/16)
طالب:. . . . . . . . .
معطوف على المنصوب "يصلي الظهر" أو منصوب بفعل مقدر يفسره المذكور المشتغل بالضمير يسمونه اشتغال "ويصلي الصبح"، "كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يصليها بغلس، متفق عليهما" يعني الحديث هذا والذي قبله.
"وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم، ألا إنها العشاء، وهم يعتمون بالإبل)) رواه مسلم" هم يسمونها .. ، الأعراب يسمونها العتمة، وما زال هذا الاسم موجود عند بعض الأعراب، الاسم العتمة موجود، ونتعتم يعني نسهر أيضاً موجود، العتمة الظلام يسهرون في الظلام، فالأعراب يسمون العشاء العتمة، واسمها الشرعي العشاء، فعلى هذا لا ينبغي أن تغلب الحقائق العرفية على الحقائق الشرعية، بل المعول على الحقائق الشرعية، بعض الجهات يسمون المغرب العشاء، والعشاء يسمونها الأخير، صلينا العشاء يعني المغرب، صلينا الأخير يعني العشاء الآخرة، هذا موجود في بعض الجهات من نجد، ولا ينبغي أن تغلب مثل هذه التسميات العرفية على التسميات الشرعية، ومفهوم قوله: ((لا تغلبنكم)) أنه لا مانع من الإطلاق أحياناً، إنما المنهي عنه الغلبة بحيث لا يطلق عليها إلا هذا، ولذا جاء أعتم النبي -صلى الله عليه وسلم- بالعشاء، وجاء أيضاً لفظ العتمة في بعض النصوص، المقصود أن المنهي عنه أن يغلب على هذا الاسم بحيث لا تعرف إلا به.
((لا تغلبنكم الأعراب)) ولا ناهية، والفعل متصل بنون التوكيد الثقيلة، وفي الأصل مجزوم بلا الناهية، والباء عندكم مجزومة وإلا مفتوحة؟ يعني لو لم يكن فيه النون لا تغلبْكم الأعراب، وهنا قال: ((لا تغلبنكم)) مفتوحة، يعني مبنية على الفتح، لماذا؟ لاتصاله بنون التوكيد، والمضارع إذا اتصل بنون التوكيد يبنى على الفتح، إذا اتصل بنون التوكيد شريطة أن تكون مباشرة، ليس هناك فاصل بينها وبين الفعل، ثم ليكونن، هذا إيش؟ مبني على الفتح وإلا غير مبني ((لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات، أو ليختمن الله على قلوبهم، ثم ليكونن)) هذا إيش فيه؟ مبني على الفتح؟ لا، لماذا؟ لأن النون غير مباشرة، فيه فاصل، الفاصل واو الجماعة.
(3/17)
((لا تغلبنكم الأعراب)) الأعراب: جمع أعرابي ((على اسم صلاتكم)) دليل على أن التسميات الشرعية ينبغي أن يهتم بها، ويعتنى بها؛ لأنه يرتب عليها أحكام، فإذا غلب عليها ونسيت اختلت هذه الأركان وهذه الأحكام، تختل هذه الأحكام، فمن صار عنده التداول لهذه الأسماء بالاصطلاحات العرفية لا شك أنه يقع في خلل، فيما يترتب على ذلك من أحكام.
(3/18)
ضربنا مثال في مناسبات بالمحروم، المحروم حقيقته العرفية عند الناس الذي عنده الأموال الطائلة لكنه لا ينفق على نفسه من هذه الأموال، فهل نقول: إن مثل هذا له نصيب في الزكاة {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ * لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [(24 - 25) سورة المعارج] هذه حقيقة عرفية، لكن هل هذه الحقيقة الشرعية؟ لا، ليست هي الحقيقة الشرعية، فإذا مشينا على الحقيقة العرفية وقعنا في مثل هذا الخطأ، وصرفنا الزكاة التي هي ركن من أركان الإسلام في غير مصرفها أعطيناها غني، ونحن نعلم أنه غني، لكن لو لم نكن نعلم أنه غني، سأل وهو غني ولا نعرف، وغلب على الظن صدقه مثل: "لعله يستعف بها ولعله يستغني بها ويرعوي" وعلى هذا لا بد من معرفة الاصطلاحات الشرعية، وكل ما قرب الاصطلاح العرفي سواءً كان العام أو الخاص عند أهل العلم من الاستعمالات الشرعية كان أولى، ولذا تجدون في الاصطلاحات العرفية الخاصة عند أهل العلم نوع من الاختلاف مع الاصطلاحات الشرعية والحقائق الشرعية، تجدون في كل علم نوع اختلاف، لكن أولاها بالاهتمام والقبول ما قرب من الاصطلاح الشرعي، قد يكون للفظة أكثر من حقيقة شرعية كالمفلس مثلاً له أكثر من حقيقة شرعية، جاء الشرع بأكثر من معنى أنه من لا درهم له ولا متاع، ممن يحجر عليه في أمواله هذا مفلس، ومن وجد متاعه عند رجل قد أفلس هذا المراد به، والمفلس من يأتي بأعمال أمثال الجبال أيضاً مفلس، فالحقيقة الشرعية إما أن تكون واحدة للفظ واحد، أو تكون أكثر من حقيقة للفظ واحد، والأكل والشرب له أكثر من حقيقة شرعية، الأصل فيه في الحقائق الثلاث اللغوية والعرفية والشرعية أنه إدخال الطعام إلى الجوف بواسطة الفم، وإدخال الشراب إليه بواسطة الفم، هذا الأكل والشرب، لكن ماذا عن قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((فإني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني)) لو حملناه على هذه الحقيقة لقلنا: إنه غير مواصل؛ لأنه يأكل حقيقة، فهناك أكل حقيقته غير هذه الحقيقة، وهو اصطلاح شرعي، فيكون للطعام والشراب أكثر من حقيقة.
(3/19)
((لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم ألا إنها العشاء)) يعني اسمها الشرعي العشاء ((وهم يعتمون بالإبل)) فلهذا جاءت التسمية لهذه الصلاة في هذا الوقت بالعتمة؛ لأنها تصلى في هذا الوقت الذي يعتمون فيه. رواه مسلم.
"وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر)) ".
((من أدرك)) من أمكنه أن يفعل ركعة كاملة بركوعها بقيامها وركوعها وسجدتيها من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، يعني أدرك وقتها، وصار فعله لها في الوقت أداءً، إذا أدرك ركعة كاملة فقد أدرك، وأقل من ركعة لا يسمى صلاة، يعني من أدرك ركعة كاملة من النافلة قبل إقامتها هذا لا يقطعها؛ لأنه أتى بركعة كاملة تسمى صلاة فليتمها، أما إذا لم يصل ركعة كاملة فإنه لم يدرك هذه الصلاة فليقطعها.
((من أدرك ركعة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس)) عرفنا أن وقت صلاة الصبح من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، لو صلى ركعة قبل طلوع الفجر وركعة بعد طلوع الفجر أدرك وإلا ما أدرك؟ صلاته صحيحة وإلا لا؟ صلاته باطلة؛ لأنه دخل فيها قبل دخول الوقت، وحينئذٍ تنقلب نافلة، فعليه أن يأتي بالفريضة بعد ذلك.
العكس صلى ركعة في الوقت، ثم خرج الوقت طلعت الشمس أدرك الصبح، معنى أدرك الصبح جاء مفسراً في بعض الروايات عند البيهقي وغيره: ((من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس ثم أضاف إليها أخرى فقد أدرك الصبح)) لا يعني هذا أنه يكتفي بركعة ويكون مدركاًَ للصبح، لا لم يقل بهذا أحد، وهذا الفهم باطل؛ لأن جاء تفسير الحديث بالروايات الأخرى: ((وأضاف إليها أخرى قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح)) وحينئذٍ يكون فعلها أداء في الوقت؛ لأنه أدرك، ومنهم من يقول: قضاء، ومنهم من يقول: ما أدركه في الوقت أداء، ركعة أداء وركعة قضاء، وهذا هو الجاري على القاعدة، لكن الحديث يدل على أنه أدرك الصلاة أداءً فقد أدرك الصبح، ما قال: أدرك الركعة، أدرك الصبح يعني كاملة أداءً في وقتها، وهذا من فضل الله -جل وعلا- على هذا المدرك.
(3/20)
((ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر)) مثلها، أدرك ركعة قبل أن تغرب الشمس، ثم أضاف إليها ثلاث ركعات فقد أدرك العصر، يعني مثل هذا ألا يمكن أن يقال: إن الحكم للغالب؟ يعني أدرك في الوقت الغالب صلى ثلاث ركعات في الوقت، وركعة خارج الوقت الحكم للغالب أدرك الوقت، إذا صلى ركعة وثلاث ركعات خارج الوقت نقول: يقضي قضاء الآن؛ لأن الحكم للغالب، أو نقول: لا، النص يدل على خلاف ذلك، وهذا من فضل الله -جل وعلا- أن جعله مدركاً لوقت الصلاة.
((ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر)) وصارت في وقتها أداءً إلا أنه لا يجوز له أن يؤخر الصلاة إلى هذا الوقت؛ لأن وقت الاختيار ينتهي باصفرار الشمس، أما إذا شغل عنها وهناك عذر قهري حمله على هذا التأخر إلى أن قرب وقت مغيب الشمس، ثم أدرك من الوقت ركعة كاملة ثم غربت الشمس فإنه حينئذٍ يكون قد أدرك الوقت، ولو كان غالب. . . . . . . . . بعد خروج الوقت، وهذا من فضل الله -جل وعلا- على عباده.
طلوع الشمس يكون بخروج أي جزء منها ولو بجزء يسير؛ لأنها يصح أن يقال: طلعت، ومغيبها لا يكون إلا بمغيب كاملها، وقرنها طرفها الأعلى، فإذا بان طرفها الأعلى في الطلوع يصح أنها طلعت، وإذا غاب طرفها الأعلى يصح أن نقول: إنها غابت.
"متفق عليه".
من أدرك الإدراكات بالنسبة للصلاة منها: إدراك تكبيرة الإحرام، وإدراك الركوع، وإدراك الركعة، وإدراك الجماعة، وإدراك الجمعة، وإدراك الوقت، فإدراك تكبيرة الإحرام بما يكون؟ تكبيرة الإحرام بما تدرك؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني بمجرد إذا كبر فكبروا؟ يعني لو كبر الإمام وبيدك السواك تتركه، أو تتسوك ثم تكبر؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب: بالوقوف بالصف.
مباشرة، يعني على هذا لو كان السواك بيدك ما تتسوك.
طالب:. . . . . . . . .
غيره.
طالب:. . . . . . . . .
بتمامها أو بالبداية بها؟
طالب:. . . . . . . . .
(3/21)
منهم من يقول: بالفراغ من الفاتحة، ويدل لهذا بقول بلال: "لا تسبقوني بآمين" والقول الجاري على القواعد عند أهل العلم أنه إذا شرع في الفاتحة وشرع في الركن الذي يلي تكبيرة الإحرام انتهى الركن الأول، الركن الأول تكبيرة الإحرام، والثاني الفاتحة، فإذا شرع في الركن الثاني انتهى الأول، فلا يكون مدركاً لتكبيرة الإحرام بعد شروع الإمام في الفاتحة.
إدراك الركوع يكون بالتكبير -بتكبيرة الإحرام-، ثم للانتقال من القيام إلى الركوع، وإن تركه مكتفياً بتكبيرة الإحرام على أن ينوي تكبيرة الإحرام، وأدخل التكبيرة الصغرى في الكبرى؛ لأن التداخل في مثل هذا معروف عند أهل العلم، فإذا كبر للإحرام أو ينويهما معاً، ثم انحنى هصر ظهره، ووافق الإمام في جزء من الركوع، يعني ركع والإمام راكع، لا يعني أنه ركع والإمام يرفع، ولو تأخر في قوله: سمع الله لمن حمده، لا يدرك الركوع؛ لأن العبرة بالفعل لا بالقول، فإذا أدرك الإمام وانحنى معه ووافقه في جزء من هذا الركوع فإنه يكون مدركاً للركوع، وبه تدرك الركعة.
والجماعة استدل بهذا الحديث من يقول: إن الجماعة لا تدرك إلا بركعة، وأقل من ركعة لا يسمى صلاة، أقل من ركعة لا يسمى صلاة، وهذا ما يختاره شيخ الإسلام ابن تيمية أن الجماعة لا تدرك إلا بإدراك ركعة كاملة، فإذا أدرك الركوع في الركعة الأخيرة أدرك الجماعة، وإذا فاته الركوع فاتته الجماعة، فهو في حكم المنفرد، وأكثر العلماء على أن الجماعة تدرك بإدراك جزء منها، ولذلك في كتب الحنابلة من كبر تكبيرة الإحرام قبل سلام إمامه التسليمة الأولى أدرك الجماعة ولو لم يجلس.
وقل مثل هذا في إدراك الوقت، عند جمع من أهل العلم أن من أدرك جزءاً من الصلاة ولو تكبيرة الإحرام قبل طلوع الشمس أو قبل غروبها، أو قبل خروج الوقت في غيرهما من الصلوات فإنه يكون مدركاً للوقت، لكن الحديث نص في أنه لا يدرك الوقت إلا بإدراك ركعة.
يكثر السؤال عمن جاء والإمام رافع من الركعة الأخيرة، هل يدخل معه أو ينتظر جماعة أخرى؛ ليكون مدركاً لها بيقين؟
(3/22)
حديث: ((إذا جاء أحدكم والإمام على حال فليصنع كما يصنع الإمام)) يدل على أنه يدخل ولو في التشهد، لا سيما على قول من يقول: إن الجماعة تدرك بإدراك أي جزء من الصلاة، أما من يقول: إن صلاة الجماعة لا تدرك إلا بركعة، ويغلب على ظنه أنه يلحق بجماعة أخرى، فيكون مدركاً لها بيقين فهؤلاء يقولون: ينتظر؛ ليدرك الجماعة بيقين.
ثم قال -رحمه الله-:
"وعن عائشة -رضي الله عنها" ...
بقي عندنا إدراك الجمعة، نعم انتهينا من إدراك تكبيرة الإحرام والركوع وبه تدرك الركعة والجماعة بقي الجمعة.
الجمعة حتى عند من يقول: إن الجماعة تدرك بأقل جزء قبل سلام الإمام لا يقول بأن الجمعة تدرك بأقل من ركعة، لا بد أن يصلي مع الإمام ركعة كاملة، ثم يضيف إليها أخرى؛ ليكون مدركاً للجمعة، أما إذا فاتته الركعة الثانية ولو أدرك بقيتها فإنه حينئذٍ يصليها ظهراً.
ويفرعون على هذا مسائل كثيرة منهم من يقول: العبرة بالإمام، فإذا رفع الإمام من الركعة الثانية انتهت الجمعة، فمن جاء بعد ذلك يصليها ظهر، ولو أدرك مع الإمام ما أدرك، ومنهم من يسترسل ويقول: إذا أدركت مع من أدرك الجمعة ركعة تصلها جمعة، يعني لو أن شخصاً فاته ركعة أدرك الجمعة بالركعة الثانية، ثم قام ليقضي فأدركت هذه الركعة معه تصلي جمعة، ثم قمت لتقضي هذه الركعة التي فاتتك وأنت أدركت جمعة يأتي معك من يصلي جمعة وهكذا، لكنه قول ضعيف، فالعبرة بالإمام، والجمعة والجماعة منوطة به.
بعد هذا يقول:
"وعن عائشة -رضي الله عنه- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من أدرك من العصر سجدة)) " هذه حجة من يقول: إن الركعة أو الجماعة أو الوقت .. ، من يقول: إن الجماعة والوقت تدركان بإدراك سجدة ولو فات الركوع، فإذا جاء والإمام ساجد أدرك الجماعة في الركعة الأخيرة، وإذا أدرك سجدة من الوقت فقد أدرك الوقت، لكن هل يتصور إدراك سجدة من غير إدراك الركوع؟ نعم يعني من يستدل بأن المراد إدراك أي جزء، يعني لو كبر تكبيرة الإحرام ثم غابت الشمس فهو مدرك للعصر، مستدل بإدراك سجدة، هل يتم استدلاله بهذا؟ لا يتم، لماذا؟ لأن الركوع قبل السجود، فمن أدرك السجدة فقد أدرك الركعة بيقين؛ لأن الركوع قد وقع قبله.
(3/23)
((من أدرك من العصر سجدة قبل أن تغرب الشمس، أو من الصبح قبل أن تطلع الشمس، فقد أدركها)) والسجدة إنما هي الركعة.
وهذه الجملة منهم من يقول: إنها من أصل الحديث، من كلامه -عليه الصلاة والسلام-، ومنهم من يقول: إنها مدرجة من كلام الراوي، وعلى كل حال الراوي أدرى بما روى، ويرد الركوع ويراد به السجود، كما أنه يرد السجود ويراد به الركوع.
هنا السجدة إنما هي الركعة {وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً} [(58) سورة البقرة] هل يتصور أن يدخلون سجداً أو ركعاً؟ ركعاً، يدخلونه وهم ركوع لا سجود؛ لأن من سجد لا يستطيع أن يدخل الباب، إنما يدخله راكعاً منحنياً، {وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ} [ص: 24] يعني في سجدة ص هل نقول: إنها ركوع فقط "خر راكعاً" أو هي سجدة؟ نعم؟ سجود وإلا ركوع؟ سجود بلا شك، وعلى هذا يرد السجود ويراد به الركوع، والعكس.
"والسجدة إنما هي الركعة" والحديث يدل على ما دل عليه الحديث السابق، وهو أن من أدرك من وقت صلاة الفجر ركعة كاملة فإنه حينئذٍ يكون مدركاً.
إذا قلنا: إن من أدرك سجدة فقد أدرك ركعة لا محالة، وهذا ما يدل عليه الحديث الثاني حديث عائشة، لكن ماذا عن حديث أبي هريرة؟ هل نستطيع أن نقول: إن الذي كبر للإحرام قبل خروج الوقت ووقف وقرأ، ثم ركع إذا أدرك الركوع في الجماعة أدرك الركعة، لكن هنا إذا أدرك الركوع هل يكون مدركاً للوقت أو لا؟ أو لا بد أن نقول: إن الركعة هي كاملة، بقيامها، بركوعها، بسجدتيها، بأذكارها، لا بد أن يدركها كاملة؛ ليكون مدركاً للوقت؛ لأن أقل ما تطلق عليه الصلاة ركعة كاملة.
بعد هذا أحاديث النهي عن الصلاة في الأوقات الخمسة نتركها للغد؛ لأنها تحتاج إلى شيء من التفصيل والوقت انتهى، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(3/24)
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: المحرر – كتاب الصلاة (4)
تابع: باب: مواقيت الصلاة
الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هذا يقول: ما رأيكم في كتاب أخلاق العلماء للآجري -رحمه الله-؟
هذا كتاب طيب ونفيس، وفيه نقول بالأسانيد عن الأئمة فيما يختص بهذا الشأن وهو الأخلاق والآداب التي ينبغي للعالم والمتعلم أن يتحلى بها.
يقول: وبالنسبة لتحقيق دار أضواء السلف؟
أنا ما قرأت هذا التحقيق، وإنما قراءتي في الطبعة القديمة.
يقول: في حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه-: "والشمس مرتفعة حية" ما وجه إعراب حية؟
حية حال كونها حية، والشمس مرتفعة هذه الجملة انتهت، وحية حال.
يقول: طرحت خلال اليومين المنصرمين المساهمة في مشروع مدينة الملك عبد الله الاقتصادية السهم بعشرة ريال، والمدينة لم تقم بعد، فهل يجوز الاكتتاب بأسهما أم لا؟ وإذا اعتبرنا كما يقال: إن قيمة الأسهم تعتبر رأس المال الذي تقام به المدينة، ومن ثم تشغيلها، فهل يجوز بيع وشراء أسهما عند فتح باب التداول؛ لأن المساهمات الموجودة غالباً يفتح باب التداول بعد الاكتتاب بشهرين أو ثلاثة تزيد أو تنقص مع أن المشروع لم يبدأ نشاطه بعد؟
هذه الأسهم .. ، أما بالنسبة لهذا المشروع على وجه الخصوص فأهل الشأن وأهل الاختصاص يقولون: إنه لا يسلم من إيداع واختلاط في أول أمره، قبل أن يشتغل، فمثل هذا لا يجوز المساهمة فيه.
وقوله: فهل يجوز الاكتتاب بأسهمها؟
عرفنا أنه إذا كان مختلطاً من أول أمرها لا يجوز الاكتتاب فيها ولا المساهمة فيها.
هل يجوز بيع وشراء أسهمها عند فتح باب التداول؛ لأن المساهمات الموجودة غالباً يفتح باب التداول بعد الاكتتاب بشهرين أو ثلاثة تزيد أو تنقص مع أن المشروع لم يبدأ نشاطه بعد؟
(4/1)
الشركات التي لا تزاول أمراً محرماً التي يجوز المساهمة فيها إذا كان عملها عمل هذه الشركة مباحاً، ومعلوم للمتعاقدين، والشريك أو المساهم شريك في جزء مشاع من هذه الشركة، وهذا الجزء مباح العقود، هذا المساهمة فيها لا يقال: بأنها حرام، وإن كان عموم الأسهم لا تسلم من شبهة، لكن بيعها وشراؤها إذا صارت أعيان، أما إذا كانت دراهم قبل أن تكون أعيان، وقبل أن يبدأ تبدأ الشركة نشاطاتها ومعاملاتها فإنه لا يجوز بيع الأسهم ولا شراؤها؛ لأنه بيع دراهم بدراهم، أنت دفعت عشرة، لك عشرة أريم من هذه الشركة فأنت تبيعها بعشرين أو ثلاثين عشرة بعشرين ربا، لكن إذا تحولت هذه الأموال إلى عروض تجارة يجوز بيعها حينئذٍ بأكثر أو أقل.
يقول: ما الراجح فيمن أتى والجماعة في الجلسة الأخيرة؟ هل يدخل معهم ليدرك فضل الجماعة الأولى أم ينتظر جماعة أخرى؟
ذكرنا هذا فيما مضى، وأن إدراك الجماعة بيقين لا يكون إلا بإدراك ركعة، أما من أدرك أقل من ركعة فإنه لا يدرك الجماعة على قول جمع من أهل العلم، وإن أدركها على قول بعضهم، فإن كان يغلب على ظنه وجود جماعة أخرى يدركها بيقين فلينتظر، أو لينتقل إلى مسجد آخر يدرك فيها الجماعة ممن عرف بالتأخر، أما إذا غلب على ظنه أنه لا يدرك جماعة أخرى فليصل مع هذه الجماعة رجاء حصول الأجر على القول الآخر، مع قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((إذا جاء أحدكم والإمام على حال فليصنع كما يصنع الإمام)) علماً بأنه جاء في سنن أبي داود: أن من خرج من بيته يريد الجماعة، ثم فاتته الجماعة فله مثل أجرهم، يعني هذا ما لم يتعمد التأخير، حصل له مانع يمنعه وأخره عن إدراك الجماعة بيقين هذا يرجى له الأجر.
يقول: ماذا يفعل من اكتتب الآن في مشروع مدينة الملك بعد علمه بالتحريم؟
(4/2)
عليه أن يسحب أمواله؛ لأن الإشكال كبير في مثل هذه المساهمات إذا تبين للإنسان أنها محرمة، أو تاب بعد علمه بأنها محرمة، الإشكال كبير أنه هل يجوز بيعها على غيره؟ هذا تعاون على الإثم والعدوان، هل يستطيع أن يسحب أمواله؟ لا يستطيع، الشركة نفسها لا تشتري الأسهم، إنما تبيع على طرف ثالث، والطرف الثالث لا يجوز له أن يشتري، فإذا بعت عليه شيء لا يجوز بيعه فتعاونت معه على الإثم والعدوان، والمسألة مشكلة جداً، فعلى الإنسان أن يتحرى.
يقول: قضمت ظفري وقطعته، وأنا محرم للعمرة، ولم أتحلل بعد من عمرتي، فهل علي شيء؟ علماً أني كنت ناسياً.
إذا كنت ناسي ما عليك شيء.
يقول: هل يصح شيء في أن المعصية في مكة بمعصيتين أي ضعف الذنب والسيئة خارج مكة؟
لم يثبت في هذا شيء، وإنما أهل العلم يقررون أن الذنب معظم، العقوبة تعظم على من عصى في المكان المفضل، أو الزمان المفضل.
هل السمر في مذاكرة العلم يدخل في كراهة الكلام بعد العشاء؟
لا، لا يدخل؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- ثبت أنه حدث.
ما الراجح في إدراك الجماعة؟
ذكرناه هذا.
ألا يتعارض قوله: "ينفتل من القراءة حين يعرف الرجل جليسه" مع الحديث السابق: "لا يعرفهن أحد من الغلس"؟
لا، ما في تعارض؛ لأن الرجل يعرف كاشف وجهه، أما المرأة لا تعرف؛ لأنها متحجبة.
ما حكم من كان عليه دين في مواد مخدرة كالدخان والخمر؟
هذه ليست أموال، فلا قيمة لها، لكن إذا كان قصده من الاستدانة من هذه المواد المحرمة، ثم بيعها بعد ذلك وأخذ قيمتها، ثم يماطل صاحبها ويقول: هذه لا يجوز، تؤخذ منه القيم، ولا تدفع إلى صاحبها، وإنما تكون من نصيب بيت المال، فعليه أن يدفعها إلى ولي الأمر.
يقول: هل جمع النبي -صلى الله عليه وسلم- بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء في المدينة كان لعارض؟ وما هو الحرج الذي كان لا يريده النبي -عليه الصلاة والسلام- لأمته؟
الحرج هو المشقة، ولا شك من وجود الحرج في ذلك الوقت، ولذلك قال ابن عباس: "أراد ألا يحرج أمته" لأنه لو صلى كل صلاة في وقتها لوقعوا في حرج.
هل إذا كان الرجل لديه مثلاً ضيوف في البيت وهم جماعة، فهل يشرع لهم أن يصلوا في البيت؟ وهل لهم أن يجمعوا وهم غير مسافرين؟
(4/3)
إذا كانوا يسمعون النداء فلا بد من إجابة المؤذن، لا بد من الإجابة، والصلاة حيث ينادى بها، فلا تجوز الصلاة في البيوت ولو كانت جماعة.
أما الجمع من غير المسافر فإنه لا يجوز، ولا إخال السؤال على ما هو واضح منه: وهل لهم أن يجمعوا وهم غير مسافرين؟ هم إذا كانوا غير مسافرين لا أحد يقول بأنهم يجمعون، لكن إذا كانوا مسافرين والسفر ليس بجاد بهم، يعني أقاموا عند هذا المضيف وهم مسافرون، جاءه ناس ضيوف مسافرون، وجلسوا عنده، وأرادوا أن يجمعوا، أخروا المغرب حتى يجمعوها مع العشاء، هم مسافرون، لكنهم في الوقت، في وقت الصلاة لم يجد بهم السفر هم في بيت مضيفهم، كأني فهمت هذا من السؤال، وإلا ما يمكن أن يسأل، هل لهم أن يجمعوا وهم غير مسافرين؟ نقول: ليس لهم أن يجمعوا، لكن إذا كانوا مسافرين بالفعل، وفي وقت الصلاة هم مقيمون عند هذا الرجل الذي ضيفهم في حال استضافته إياهم، فإن كانوا يسمعون النداء لا بد من إجابة المؤذن، وإن كانوا لا يسمعوا لهم أن يجمعوا ولو لم يجد بهم السفر.
يقول: يسأل عن أحسن نسخة محققة للكتب التالية:
"العدة حاشية الصنعاني على إحكام الأحكام".
الطبعة السلفية التي أشرف عليها الشيخ علي الهندي -رحمه الله-.
طرح التثريب للعراقي وولده؟
الطبعة الأولى طبعة لجنة التأليف والنشر طيبة فيها أخطاء يسيرة تدرك.
سبل السلام للصنعاني.
فيه طبعات كثيرة، أشهرها ثلاث: طبعة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، هذا طبعة طيبة بالجملة ليس فيها تخريج ولا عزو، لكنها مصححة، وفيه أيضاً طبعة الشيخ طارق عوض الله طيبة، وطبعة صبحي الحلاق، وعليها تعليقات وتخاريج مطولة، وهي طيبة إلا أنها فيها بعض الأخطاء، هذه الطبعات الثلاث هي أجود طبعات الكتاب.
يقول: بما أن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً، كما يقرره أهل العلم، إذا لم تكن العلة مركبة، وهذا ينطبق على حديث أبي هريرة، وفيه الإبراد بصلاة الظهر، فيقال: ما دامت المكيفات موجودة في المساجد بحيث لا تؤثر الحرارة على المصلي، ولا يشعرون بها حتى في حال البعد عن المسجد، فإنه يركب سيارة ويصل إلى المسجد فلا يعمل بهذا الحديث؟
(4/4)
لا شك أن الحكم في مثل هذا يدور مع علته، لا سيما وأنها منصوصة، إذا كانت العلة منصوصة دار الحكم معها، وهي منصوصة، لكن يبقى أنه ليس كل الناس ينطبق عليهم هذا الكلام، وليس جميع المساجد تكييفها كافي، ولا جميع البلدان فيها مكيفات، فالحكم باقٍ.
الأمر الثاني: أنه لو وجد التكييف في المسجد وكافي ما كل الناس عندهم سيارات، فلا شك أن الحكم باقٍ.
يقول: يبتعد المرء كثيراً عن أماكن التصوير والمصورين سواءً كان ذلك بالفيديو أو الكاميرا، لكننا ابتلينا بالتصوير في داخل المسجد أثناء الدورات العلمية بالكاميرا وبالفيديو، فماذا نعمل؟ وما هو واجبنا تجاه هذا الأمر؟
إذا كانت المصلحة راجحة في حضورك هذه الدورة، والإفادة من هذه الدورة، فابتعد عن أماكن التصوير، وإذا كانت المصلحة مرجوحة، والفائدة يعني لا تستحق ارتكاب مثل هذا المحظور فلا تحضر، علماً بأنه قد يقول قائل: إن ما عند الله لا ينال بسخطه، وما دام ترى تحريم هذا النوع فلا تحضر؛ لأن ما عند الله لا ينال بسخطه، والإشكال أنه يوجد التصوير حتى في الحرم، الآن الكاميرات تصور من غير نكير بين الناس، لكن إلى الله المشتكى، وإلى وقت قريب نرى الكاميرات تكسر في الحرم وفي خارجه، وفي المشاعر تكسر، وأدركنا شيء من ذلك.
يقول: ما أفضل تفسير وأيسر، وهل تنصحني بتفسير الجلالين؟
أفضل تفسير وأيسر من المختصرات ذكرنا مراراً أن تفسير الشيخ ابن سعدي نافع وسهل لطالب العلم المبتدئ إذا انضم له تفسير توفيق الرحمن لدروس القرآن، وأما تفسير الجلالين فهو فيه صعوبة على الطالب المبتدئ، وفيه مخالفات عقدية، فيؤجل إلى أن يقرأ التفسير المذكور، أعني تفسير ابن سعدي مع تفسير الشيخ فيصل.
هل التثويب في أذان الفجر في الأول أو في الثاني؟ وما صحة حديث ابن عمر في ذلك؟
التثويب هو في الأذان الثاني من الأذانين المعروفين، لكنه بالنسبة للأذان والإقامة، والإقامة تسمى أذان يكون في الأول، وهو الثاني بالنسبة للأذانين، وما جاء في سنن النسائي من أن التثويب في الأول مقبول، لا إشكال فيه، لكن المراد بالأذان الأول هو الأذان، والثاني بالنسبة له هو الإقامة.
(4/5)
يقول: إذا دخل المصلي الصلاة في الوقت وأطال القراءة ولم يركع إلا بعد خروج الوقت، فهل يكون مدركاً للصلاة؟
إذا لم يكن مدركاً ركعة كاملة في الوقت لم يكن مدركاً للصلاة.
يقول: لو تطهر إنسان ثم لبس خفيه، ثم أراد أن يجدد الوضوء، فهل تبتدئ المدة بعد هذا المسح أو لا تبتدئ المدة إلا بعد مسح الحدث؟
المدة المحددة يوم وليلة، يعني خمس صلوات، فمتى مسح بدأت المدة، ومنهم من يقول: إن التجديد لا عن حدث لا يحسب، فكأنه لم يمسح، وعلى كل حال الأحوط أن تحتسب المدة من أول مسح.
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هو يوم وليلة.
ذكر أن أحد الصحابة كان لا ينام حتى يصلي فلم أسمع أهو عمر أم ابن عمر؟
هو ابن عمر، عبد الله بن عمر.
يقول: ما حكم وضع آيات قرآنية أو أدعية أو أذكار أو أذان نغمة في الجوال، فقد عمت به البلوى؟ فما قولكم؟
لا شك أن وضع مثل هذا فيه امتهان لما أمر بتكريمه من القرآن والأذكار والأدعية، هذا امتهان، وقد يحدث مثل هذا في الأماكن التي لا يجوز فيها الذكر.
يقول: هل المسافر تسقط عنه الجمعة؟ وإذا سقطت عنه هل يصليها ظهر أربع ركعات أو يقصر ركعتين ويجمعها مع صلاة العصر؟
المسافر ليس عليه جمعة، لكن إن حضرها أجزأته، وهي أفضل بالنسبة له، وإذا لم يصلها جمعة لكونه مسافر فإذا صلاها ظهر وقصرها ركعتين وجمع إليها العصر له ذلك.
يقول: كيف يتم حساب نصف الليل؟ وما هو المعتمد؟ هل هو طلوع الفجر أو غروب الشمس؟
(4/6)
هذا ما في تقابل بينهما، الليل يبدأ من غروب الشمس إلى طلوع الفجر، فإذا كانت الشمس تغرب في السابعة وأربع دقائق، ويطلع الفجر في الرابعة والنصف مثلاً، يعني إذا حسبنا من سبع إلى أربع ونصف عندك خمس ساعات وأربع ساعات ونصف يعني كم؟ تسع ونصف، تسع ساعات ونصف، إذا قسمتها على اثنين يصير خمس ساعات إلا ربع، إذا أضفتها إلى السابعة يكون نصف الليل في الثانية عشرة إلا ربع، هذا بالنسبة لهذا الحديث، لكن هناك ما يقتضي حساب الليل من صلاة العشاء، لا من غروب الشمس، وذلكم في مثل حديث قيام داود، ينام نصف الليل، هل ينام من غروب الشمس أو من صلاة العشاء؟ نعم ينام من صلاة العشاء، فينام نصف الليل من صلاة العشاء، وبهذا الحساب يكون نصف الليل في قيام داود يعادل الثلث الأخير من الليل في الحساب العادي من غروب الشمس، وأشار إلى هذا شيخ الإسلام ابن تيمية.
يقول: إذا ذُكر النبي -صلى الله عليه وسلم- هل يصح أن يقول: الشخص اللهم صل عليه وعلى آله وصحبه وسلم؟
لا بأس، ويش المانع؟ إذا ذكر يصلي عليه وعلى آله وصحبه.
يقول: أحرمت أنا وزوجتي من الميقات للعمرة، وعندما بدأنا بالطواف في الشوط الثالث أخبرتني زوجتي أنها ما زالت تلبس النقاب، ونسيت أن تخلعه، ولم يكن معها أثناء الطواف شيئاً تلبسه بدل النقاب، فأكملنا الطواف والسعي بهذه الصورة، وهي ما زالت متنقبة، ثم قصرت، سؤالي ما هو الواجب عليها الآن؟
إذا لم يكن معها ما تحتجب به، وتغطي به وجهها إلا هذا النقاب فإنها تلبسه على هيئة لا يشبه النقاب، إذا جعلت أعلاه أسفله وأسفله أعلاه، أو رفعت ما على العينين إلى جهة الأعلى، أعلى الوجه انتهى ما صار نقاب، إذا غطى العينين ما صار نقاب، وعلى كل حال الباعث على مثل هذا كله النسيان في الأول، ثم الجهل في الثاني.
يقول: في بعض المساجد يوضع أمام المصلين لوحة كبيرة جداً، فيها أذكار ما بعد الصلاة، فما رأيكم؟
إذا لم تشغل المصلين أثناء صلاتهم فلا بأس -إن شاء الله تعالى-.
هذا كلام ما هو بواضح.
(4/7)
يقول: هذا من البرازيل، يقول: كثير من الإخوة هنا في بلاد الكفار يعملون طول النهار، والعمل ما يسمح بأداء الفريضة في الوقت بحيث لا يستطيعون أن يصلوا إلا الجمع بين الصلوات في بيوتهم مثلاً تذهب الظهر والعصر والمغرب بسبب العمل، ثم يصلون الصلوات جمعاً في بيوتهم، فما هو الحال؟
إذا كانوا مقيمين فلا يجوز لهم بحال أن يعملوا مثل هذا العمل، بل عليهم أن يصلوا كل صلاة في وقتها، والعمل الذي يعوق بين المرء وبين صلاته هذا عمل لا خير فيه يترك.
تقول: ذكرتم في الدرس السابق عن صلاة الجمعة، فمن أدرك الركوع الثاني أدركها، وإن لم يدركه ولو جلس مع الإمام للتشهد، فإن فاتته يصليها ظهراً، هل لكم أن توضحوا لنا، وبورك فيكم؟
نعم من أدرك الركعة الثانية بإدراك ركوعها فإنه يضيف إليها أخرى، وتكون حينئذٍ جمعة، أما إذا رفع الإمام من الركوع الثاني قبل أن يدخل المسبوق في الصلاة، فليدخل مع الإمام، ويأتي بأربع ركعات بنية الظهر.
يقول: ما حكم تركيب الرموش الاصطناعية؟ هل تدخل في مسألة وصل الشعر؟
نعم حكمها حكم الباروكة التي توضع على الرأس، والحكم يشمله ما جاء في الوصل.
أنا أعمل في شركة عالمية وممتازة من ناحية المزايا -ولله الحمد-، وأنا أؤدي عملي بإتقان، ومن أفضل الموظفين، ورؤسائي في العمل راضين عن أدائي، مشكلتي أني كلما لقيت فرصة أخرج من العمل أستغلها بشرط ألا تؤثر في سير العمل، وبصراحة أنا أترك كثير من العمل وممشي العمل زي ما يقول ....
ما أدري والله كلام عامي.
على كل حال يذكر أنه متقن لعمله، لكنه يخل بالوقت، يخرج ويترك العمل، هو لا يترك عمل مؤجل، يعني لا يخرج وعنده وعمل، إنما هو يتقن العمل على الوجه المطلوب، ولا يترك عمل إلى الغد، ويخرج في أثناء الدوام، ما يجد فرصة للخروج إلا ويخرج، فإن كان هذا بالاتفاق مع من يملك من أهل الصلاحيات من أهل العلم، فالأمر لا يعدوهم، وإلا فالأصل أنه إنما تعوقد معه على العمل في إنجازه، وعلى الوقت معاً، الدوام من الساعة كذا إلى الساعة كذا، ملك للشركة، لا يجوز أن تترك منه ولا لحظة إلا بإذنهم.
هذه تسأل تقول: ما معنى قول من يقول: يفترقن قدراً ويفترقن شرعاً؟ كيف؟
(4/8)
يعني قد يكون الشيء مكتوب قدراً، فيحصل للإنسان وهو منهي عنه شرعاً أو العكس يكون مأمور بالشيء شرعاً، لكنه لم يكتب له قدر، فلا يحصل منه.
ما حكم صلاة التسبيح؟ وهل هي واجبة على كل مسلم؟ وكيف نؤديها أفيدونا؟
صلاة التسبيح ضعيفة، القول الصحيح فيها أنها ضعيفة.
يقول: ما هي أسس اختيار الزوجة الصالحة؟ وعلى ماذا أركز إذا اخترتها؟
تركز على الدين؛ لأنه جاء في الحديث الصحيح: ((تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولجمالها، ولحسبها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك)).
حيث أنني بحثت كثيراً ولم أجد زوجة صالحة، فأكثرهن لا يبالين بالحجاب الشرعي، ولا يلتزمن به، فهل أتزوج أي امرأة، وبعد ذلك ألزمها بالحجاب، والنساء في بلدي كما ذكرت لك حالهن، وادعوا لي يا شيخ ... ؟
الله يرزقه الزوجة الصالحة، لكن عليه أن يسعى للحصول على زوجة صاحبة دين، والمسألة مسألة نسبية يعني إذا ما وجد، فلا بد أن يتنازل عن بعض الشروط، ثم بعد ذلك يشترط عليها إذا لم يكن إلا الحجاب يشترط عليها أن تحتجب قبل إبرام العقد.
كيف يتقي الإنسان ربه في السر والعلن؟
إذا استحضر عظمة الرب -جل وعلا-، وعظم الذنب الذي يقترفه، وأن لذة هذا الذنب إن كانت فيه لذة، لا تكون شيئاً إذا قورنت بإثم هذا الذنب، وعقوبة هذا الذنب، فإن الإنسان يراقب الله -جل وعلا-، والمسألة تحتاج إلى جهاد.
يقول: ذكرتم أن السنة تأخير صلاة العشاء إلى منتصف الليل، يعني تأخيرها إلى مضي قدر من الليل، وليكن الثلث، أو أكثر منه، ما لم يصل إلى النصف؛ لأنه في النصف ينتهي وقتها إذا أخرها إلى منتصف الليل خرج وقتها، إنما يصليها قبل ذلك، فكيف يتم حسابها؟
يتم الحساب من النظر من غروب الشمس إلى طلوع الفجر، النظر إلى الوقت كامل، ثم يقسم على اثنين.
يقول: عندنا إذا أرادت المرأة أن تلقي محاضرة، وتفيد أخواتها فلا بد من تصريح من الأوقاف، ولا تلقي هذا الدرس إلا في المسجد في المكان المخصص للنساء، ويحدد يوم معين، يجتمع فيه النساء، ويأتين من مناطق شتى، فماذا تعمل المرأة إذا أتاها العذر الشرعي، فقد تقع في حرج مع النساء اللاتي يأتين من مناطق شتى؟
(4/9)
يعني هذه المرأة الملقية التي حدد لها اليوم المحدد وحضر الناس من أجلها، ثم جاءها العذر الشرعي، جاءها الدورة الشهرية، هذه تحرص أن يكون التحديد موافق لأيام طهرها.
يقول: ذكرت في شرح: "متلفعات" ما يجب على المرأة أن تراعيه في احتشامها عند خروجها، يقول: في زمننا هذا الذي يختلط فيه الحابل بالنابل كيف يمكن أن نطبقه إذا كانت هناك بعض الوزارات التابعة للحكومة تشترط على المرأة نزع نقابها هذا خارج المملكة؟
على كل حال إذا وجد مثل هذا والإلزام بالمعصية فالعزلة، إذا كان لم يكن هناك مندوحة عن مقارفة المعصية فالعزلة، إذا أمرت بنزع حجابها فلتترك العمل.
تقول: قرب موعد زواجي، فماذا تنصحونني؟ وهل من وصايا منكم يمكنني أن أنتفع بها في ديني ودنياي؟ وهل يجوز لي جمع صلاة المغرب والعشاء في ليلة الزواج؟ حيث أنني سمعت الكثير من الأخوات من طالبات العلم يفتين بهذا، فهل يجوز؟
أما بالنسبة للنصائح فعليها أن تتأدب بالآداب الشرعية المتعلقة بالزوجة، وما يجب عليها تجاه زوجها، وأما بالنسبة لجمع المغرب والعشاء ليلة الدخول فهذا لا يجوز بحال، ما دام السبب المقتضي للجمع غير قائم فإنه لا يجوز، الصلاة كتاب موقوت، يعني مفروض في الأوقات، فلا يجوز تأخير صلاة المغرب عن وقتها، أو تقديم صلاة العشاء عن وقتها إلا لمبرر شرعي كسفر أو مرض أو برد شديد أو مطر، وما أشبه ذلك، أما الزواج فليس بمبرر، وأما من يفتي بذلك فهو مفتي مع الجهل، فهؤلاء يضلون بأنفسهم، ويضلون غيرهم.
وكيف يكون الزواج على الطريقة الشرعية وفق السنة النبوية؟ وهل من كتاب يفيدنا في هذا الجانب؟
فيه آداب الزفاف للشيخ الألباني -رحمه الله-.
ويا ليت لو تقيمون محاضرة تتحدثون فيها عن الزواج؛ لأننا نحتاجها في وقت اختلط فيه الحلال والحرام، ولا نعرف نميز بين الحق والباطل، والآن وقت إجازة، وتكثر الأعراس.
يعني شرح كتاب النكاح من كتب العلم، سواءً كانت في الحديث أو في الفقه، أو في آيات النكاح من كتب التفسير كل هذا نافع، فإذا خصص أوائل الإجازات الصيفية لإقراء ودراسة وتدريس هذه الكتب انتفع الناس بها -إن شاء الله تعالى-.
مقروء إلى آخر الباب؟
(4/10)
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"وعن عقبة بن عامر قال: "ثلاث ساعات كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نصلي فيهن، وأن نقبر فيهن موتانا" ثلاث ساعات: الساعة هي المقدار المحدد من الزمان، لكنه قد يطول وقد يقصر، قد يكون أكثر من الساعة الفلكية، وقد يكون دونها، والساعات هذه المذكورة في الحديث من أوقات النهي المضيقة حدودها ما بين عشر إلى ربع ساعة، ما بين عشر دقائق إلى ربع ساعة، هذه الساعات المشار إليها، والساعات في التبكير للجمعة قد تزيد على الساعة الفلكية، فتصل على ساعة وعشر دقائق مثلاً، أو ساعة وربع وقد تنقص.
ولهذا قال الإمام مالك -رحمه الله-: أن الساعات الخمس في التبكير للجمعة إنما هي ساعات لطيفة بعد الزوال، يعني بين الزوال ودخول الإمام، يعني قد تكون الساعة إذا كان الإمام يدخل بعد الزوال بعشر دقائق صارت الساعة دقيقتان، ساعات لطيفة، يعني قليلة جداً وقتها يسير، ولذا المرجح قول جمهور أهل العلم، وأن الساعات تبدأ من ارتفاع الشمس، يعني من طلوع الشمس وارتفاعها، وخروج وقت النهي، هذه الساعات التي يمكن أن تسمى ساعات، وهي التي فيها ما فيها من مشقة على ما رتب عليه هذا الأجر العظيم، فمن جاء في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، الساعة الأولى ساعة وقد تزيد بحيث، من ذهب إلى صلاة الجمعة بعد طلوع الشمس لا شك أنه مجاهد لنفسه، لا سيما وأننا نرى كثير من الناس حتى من طلاب العلم من يتأخر إلى قرب دخول الإمام، وقد يتأخر إلى ما بعد دخول الإمام، فلا شك أن التقدم إلى الجمعة يحتاج إلى جهاد، والأجر المرتب عليه لا يناسبه ما يذكر عن مالك، إنما من ذهب من طلوع الشمس إلى الجمعة هذا الذي كمن قرب بدنة.
(4/11)
قد يقول قائل: أنا إذا ذهبت أتعلم آية من القرآن، أو أقرأ آية من القرآن فكأنما حصلت على ناقة كوماء، وآيتين على ناقتين، يقول: أجلس في بيتي ولا أتقدم إلى الجمعة، وبدلاً من أن أقرأ أذهب لأحصل على أجر بدنة أقرأ ألف آية، وكأنما حصلت على ألف بدنة كوماء، يمكن أن يقال هذا وإلا ما يقال؟ يعني إذا قارنا بين الأحاديث، ونظرنا بعضها إلى بعض، لكن هل هذا القول متجه وإلا غير متجه؟
طالب: لا.
لماذا؟
طالب: لأنه قال: من أتى المسجد ....
طيب يقول: أنا أروح المسجد الذي جنبنا ما في زحام ولا فيه بعد، وأجلس إلى أن يقرب دخول الإمام وأروح، فبدلاً من أن أقدم بدنة واحدة أحصل على هذه البدنات الكوماوات يرد وإلا ما يرد؟
طالب: يرد.
يعني ما في فرق بين أن تدفع، تقدم، وبين أن تأخذ، يعني كونك تحصل على بدنة كوماء لأنك تعلمت آية وبدنتين وثلاث وعشر ومائة وألف ولا يحصل لك إلا واحدة في التبكير إلى الجمعة، هذا أنت تنفقه في سبيل الله، والبدنات التي تحصل عليها من خلال تعلمك للقرآن هذا تكسبه، مكاسب، وركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها، لو كسبت الدنيا كلها ركعتي الفجر أفضل منها، فهناك فرق وإلا ما في فرق؟ يعني فرق بين أن تبذل وبين أن تأخذ، فلا إشكال هنا أبداً.
(4/12)
"ثلاث ساعات كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نصلي فيهن" نصلي يشمل الفريضة، المقضية، والمؤداة، مقضية بالنسبة للصبح، ومؤداة بالنسبة للعصر في آخر وقتها، ويشمل أيضاً قضاء الفوائت، ويشمل الرواتب ذوات الأسباب كتحية المسجد وركعتي الوضوء وركعتي الطواف وركعتي الإحرام، وصلاة الاستخارة وغيرها مما له سبب، ويشمل صلاة التطوع المطلق، ويشمل الكسوف والجنازة كلها تسمى صلاة، والخلاف في السجود، سجود التلاوة وسجود الشكر، هل يسمى صلاة فيدخل في النهي أو لا يسمى صلاة فلا يدخل، فالمقصود أن الحديث بعمومه يشمل هذه كلها، يشمل الفرائض، لكن الفرائض مستثناة بدليل ((من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر)) الفرائض مستثناة، فلا تدخل في هذا، وإن كان رأي الحنفية أن الفرائض داخلة، وأن النبي -عليه الصلاة والسلام- لما استيقظ من نومه أخر صلاة الصبح حتى خرج وقت النهي؛ لأنهم انتقلوا من المكان، وعرفنا أن العلة علة التأخير لا لخروج وقت النهي، وإنما هو لأنه مكان حضر فيه الشيطان، وإلا فوقت النهي قد ارتفع؛ لأنه لم يوقظهم إلا حر الشمس، وحينئذٍ تكون الفرائض مستثناة من هذا العموم ((فمن نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها)) في أي وقت كان سواءً كان وقت نهي أو غير وقت نهي.
(4/13)
"ينهانا أن نصلي فيهن، وأن نقبر فيهن موتانا" دفن الميت وإن كان بعضهم يحمله على صلاة الجنازة التي يعقبها الدفن، لكن النص ظاهر في أنه في الدفن، فلا تدفن الجنازة إذا صلي عليها بعد الصبح مثلاً، ثم وصلوا إلى القبر وهو جاهز ولا يبقى إلا إدخالها فيه، وقت بزوغ الشمس، أو صلوا عليها بعد العصر مثلاً، ولم يصلوا إلى المقبرة إلى قرب غروب الشمس في الوقت المضيق، فإنها لا تدفن حتى تغرب الشمس، وفي المسألة الأولى لا تدفن حتى ترتفع الشمس، وأيضاً قل مثل ذلك في حينما يقوم قائم الظهيرة، فالنهي في هذه الأوقات عن شيئين، عن الصلاة بجميع ما تحتمله هذه الكلمة إلا الفرائض على ما تقدم، وعن دفن الأموات، فهذه ثلاثة أوقات مضيقة: "حين تطلع الشمس بازغة" يعني طالعة، بازغة مصدر مؤكد، تطلع الشمس بازغة "حتى ترتفع قيد رمح" قيد رمح يعني ترتفع عن مستوى سطح الأرض بمقدار رمح، ويقدر هذا بعشر دقائق أو ما بين العشر إلى ربع ساعة؛ لأن طول النهار وقصره له دور في ذلك، ففي الصيف يزاد في المدة، وفي الشتاء تكون المدة عشر دقائق.
"حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة" حينما يشتد الحر في منتصف النهار، وفي وقت الزوال قبيل الزوال حتى تزول، يقوم قائم الظهيرة؛ لأن الشمس إذا صارت في كبد السماء في وسط السماء كأنها واقفة، فإذا زالت مالت إلى جهة المغرب حلت الصلاة، وهذا أيضاً مدته كما تقدم من عشر دقائق إلى ربع ساعة.
"وحين تتضيف" يعني تميل "الشمس للغروب حتى تغرب" وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب، يعني تميل، الشمس تبدأ بالميلان إلى الغروب، وذلك قبل غروبها بنحو ما تقدم.
هذه الساعات الثلاث هي الأوقات المضيقة التي ينهى فيها عن الصلاة، وينهى فيها عن دفن الأموات.
"وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله تعالى عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس، ولا صلاة بعد العصر حتى تغيب الشمس)) متفق عليه.
ولمسلم: ((لا صلاة بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس، ولا صلاة بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس)) ".
(4/14)
هذان وقتان يضافان إلى ما تقدم من طلوع الصبح، أو من صلاة الصبح حتى تطلع الشمس، ومن صلاة العصر حتى تغرب، هذا الوقتان الموسعان، وتلك الأوقات الثلاثة المضيقة، يمكن اختصار الأوقات الخمسة إلى ثلاثة أو لا يمكن؟ يعني من أوتي جوامع الكلم ما قال: إن الأوقات ثلاثة، ولا ساقها مساقاً واحداً فقال: الأوقات خمسة، لماذا؟ نعم؟ للاختلاف في الأحكام، فالأوقات الثلاثة المضيقة ينهى فيها عن أمرين: عن الصلاة وعن دفن الأموات، وفي الوقتين الموسعين النهي عن الصلاة فقط، فأيهما أشد في النهي؟ المضيقة أو الموسعة؟ المضيقة؛ لأنه قد يقول قائل مثلاً: لماذا لا تكون الأوقات ثلاثة من طلوع الفجر إلى ارتفاع الشمس يستثنى من ذلك الفريضة وراتبتها، ومن حين يقوم قائم الظهيرة حتى تزول، ومن صلاة العصر حتى تغرب الشمس تكون ثلاثة، قيل: التفريق من أجل أن الأوقات المضيقة أشد في النهي بخلاف الوقتين الموسعين، ولذا ينهى في الأوقات المضيقة عن أمرين، ولا ينهى في الوقتين الموسعين إلا عن شيء واحد، حتى قال بعض أهل العلم: إن النهي عن الصلاة في الوقتين الموسعين إنما هو من أجل ألا يسترسل المصلي فيستمر في صلاته حتى يصلي في الوقت الموسع، الشمس تطلع بين قرني شيطان، فإذا خرجت وبان قرنها سجد لها من يعبدها، وإذا غابت أو تضيفت للغروب سجدوا لها كالمودعين، وأما بالنسبة لمنتصف النهار فإنه وقت تسجر فيه النار، نسأل الله السلامة والعافية.
المقصود أن هذه الثلاث تختلف في الأحكام عن الوقتين الموسعين.
((لا صلاة بعد الصبح)) الصبح يحتمل أن يكون طلوعه يعني طلوع الفجر، ويحتمل أن تكون الصلاة من صلاة الصبح حتى تطلع الشمس ((ولا صلاة بعد العصر حتى تغيب الشمس)) وهذا مثله، يعني من بعد دخول وقت العصر إلى غروب الشمس احتمال، ومن صلاة العصر إلى غروب الشمس احتمال، لكن الاحتمال الثاني يؤيده رواية: ((لا صلاة بعد صلاة العصر)) فما قبل صلاة العصر تباح فيه الصلاة ولو أخر الصلاة، لو أذن على أربع إلا ربع وما أقيمت الصلاة إلا خمس له أن يتنفل في هذه الساعة والربع، لكن إذا صلى انتهى الوقت؛ لأن النهي يبدأ من الصلاة.
(4/15)
((ولا صلاة بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس)) أما بالنسبة لصلاة العصر فالوقت مرتبط بها، وأما بالنسبة لصلاة الفجر فالخلاف قائم، جاء ما يدل على إرادة الصلاة، وجاء ما يدل على إرادة الوقت؛ لأنه جاء: ((إذا طلع الفجر فلا صلاة إلا ركعتي الفجر)) فدل على أنه وقت نهي، ولا يستثنى من ذلك إلا ركعتا الفجر حتى جعله بعضهم وقتاً سادساً، يعني من طلوع الفجر إلى صلاة الفجر هذا وقت، وهو أخف الأوقات؛ لأنه يصلى فيه راتبة الفجر، من صلاة الفجر إلى طلوع الشمس وقت موسع تقضى فيه راتبة الفجر؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- أقر من يقضي راتبة الصبح بعدها، رأى رجلاً يصلي بعد صلاة الصبح، فقال له -عليه الصلاة والسلام-: ((أأصبح أربعاً؟ )) قال: إنه لم يصل الركعتين، فأقره، فتقضى فيه راتبة الصبح، كما أنها تقضى أيضاً بعد ارتفاع الشمس، فإذا أخرها إلى أن ترتفع الشمس كان أولى ليصليها في وقت لا نهي فيه لا موسع ولا مضيق، كما أنه يقضى الوتر بعد ارتفاع الشمس في الضحى، ولا يقضى بعد طلوع الفجر؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- انتهى وتره إلى السحر؛ لأنه انتهى وتره إلى السحر.
"من طلوع الفجر إلى صلاة الصبح" هذا وقت لا صلاة فيه إلا ركعتا الفجر، ركعتي الصبح، وجاء التخفيف لهذه الصلاة، حتى كانت تقول عائشة -رضي الله عنها-: "لا أدري أقرأ بفاتحة الكتاب أم لا؟ " لأنه يخففها، ولا يتصور أنه يخفف هذه الصلاة ويصلي غيرها، هذا وقت نهي، لكنه أخف من غيره.
((بعد صلاة الصبح إلى طلوع الشمس)) هذا أيضاً وقت نهي إلا أنه أخف من المضيق؛ لأن النهي فيه عن الصلاة، وأقر النبي -عليه الصلاة والسلام- من صلى راتبة الصبح بعدها.
إذا طلعت الشمس حتى ترتفع، هذا وقت مضيق، وهو مقصود لذاته، فالمنع فيه منع غاية، لا منع وسيلة، بخلاف الذي قبله على ما قرره ابن عبد البر وابن رجب وغيرهما أن الوقت الموسع أمره أخف بكثير من الوقت المضيق.
"حينما تطلع الشمس حتى ترتفع" هذا الوقت المضيق، وهو الأول من الأوقات في حديث عقبة.
(4/16)
"حينما يقوم قائم الظهيرة حتى تزول الشمس" أيضاً وقت مضيق، وجاء استثناء الجمعة من هذا النهي، جاء فيه إلا الجمعة، يعني فإنه ليس فيها وقت نهي، ولكن الخبر ضعيف، استثناء الجمعة ضعيف، ومن أهل العلم من يرى أن الجمعة لا تسجر فيها النار في ذلك الوقت، فهو من خصائصها، ويدعم ذلك بأن الصحابة -رضوان الله عليهم- يأتون إلى الجمعة، ولا يزالون يصلون حتى يدخل الإمام، فدل على أن الجمعة ليس فيها وقت نهي.
"من صلاة العصر حتى تتضيف الشمس للغروب" هذا وقت موسع، والنبي -عليه الصلاة والسلام- قضى فيه راتبة الظهر حينما شغل عنها على ما سيأتي في حديث أبي سلمة، أنه سأل عائشة -رضي الله عنها- عن السجدتين اللتين كان رسول -صلى الله عليه وسلم- يصليها بعد العصر، فقالت: كان يصليها قبل العصر، ثم إنه شغل عنها أو نسيهما فصلاهما بعد العصر، ثم أثبتهما، وكان إذا صلى صلاة أثبتها" قال إسماعيل بن جعفر: تعني داوم عليها.
فالوقت الموسع بعد صلاة الصبح أقر من قضى الراتبة، والوقت الموسع بعد صلاة العصر قضى هو -عليه الصلاة والسلام- راتبة الظهر؛ لأنه شغل عنها، إلا أنه جاء في بعض طرق الحديث ما يدل على أنها من خصائصه -عليه الصلاة والسلام-، وأن غيره لا يقضي ما فاته من النوافل في وقت النهي، يعني بعد صلاة العصر، وأما صلاة الصبح فعرفنا ما فيها، أقر من قضى، فيجوز قضاؤها بعد الصلاة، وأما بالنسبة لقضاء النوافل بعد صلاة العصر فلا؛ لأن هذا من خصائصه -عليه الصلاة والسلام-.
أبي سلمة أنه سأل عائشة -رضي الله عنها- عن السجدتين اللتين كان رسول -صلى الله عليه وسلم- يصليها بعد العصر، فقالت: كان يصليهما قبل العصر، ثم إنه شغل عنها أو نسيهما فصلاهما بعد العصر، وجاء نحوه من حديث أم سلمة، ثم أثبتهما؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا عمل عملاً داوم عليه، يداوم عليه، فأثبتها، وذكرنا أنه جاء ما يدل على اختصاصه بذلك -عليه الصلاة والسلام-.
(4/17)
"وعن جبير بن مطعم قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يا بني عبد مناف)) " عبد مناف هذا هو الجد الرابع للنبي -عليه الصلاة والسلام-، محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، وتخصيصهم بالنداء لأنهم هم الذين لهم السيطرة على البيت، وهم أهل المنع والحل والعقد في ذلك المكان.
((يا بني عبد مناف)) فإذا مُنعوا من منع الناس فغيرهم من باب أولى.
((يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة من الليل والنهار)) يعني الطواف لا يمنع منه أحد، وتبعاً للطواف الصلاة بعده، فإذا لم نمنع من المقدمة لا نمنع من النتيجة، إذا لم نمنع من أول الأمر، فإننا لا نستطيع أن نمنع من آخره.
((يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة من الليل والنهار)) فدل على أن الطواف لا منع فيه في وقت من الأوقات، لا يشمله النهي، وإن جاء ما يدل على أنه صلاة، إلا أنه شبيه بالصلاة من بعض الوجوه دون بعض ((الطواف بالبيت صلاة)) وتقدم هذا والكلام فيه لأهل العلم كثير، منهم من ضعفه، ومنهم من أثبته، فكونه مشبه بالصلاة لا يعني أنه صلاة من جميع الوجوه، فلا تشمله أحاديث النهي، فإذا طاف بهذا البيت فإنه يصلي ركعتي الطواف على خلاف في ذلك بين أهل العلم في ذوات الأسباب أية ساعة شاء من ليل أو نهار.
(4/18)
طيب ماذا عن الطواف والإمام يخطب؟ يعني ما تشاهدون ناس يطوفون والإمام يخطب؟ حال الخطبة يجب الإنصات، وتحرم الحركة من مس الحصى فقد لغا، إذا قلت لصاحبك: أنصت فقد لغوت، ومن لغا فلا جمعة له، هل نقول: إن مجرد الدوران مع الإنصات للخطبة كافي ويحصل بذلك الطواف واستماع الخطبة، أو نقول: إن الطواف أشد من مس الحصى، وأشد من قولك لصاحبك أنصت؟ فهل يمنع من يطوف أو لا يمنع؟ أو نفرق بين من جاء من أجل الجمعة فيلزمه الإنصات، ومن جاء من أجل العمرة فليؤد عمرته ويصلي بعد ذلك ظهر، أو إن أدرك من الجمعة شيء صلاها وإلا فلا؟ يعني هل كون الناس يطوفون هذا إقرار من أهل العلم، ويتركونهم يرونهم يطوفون من غير نكير هذا يدل على جواز ذلك، أو أن هذا تقصير، أو أنه لا يستطيع أحداً أن يقول لهم: لا تطوفوا كمن تكلم لا يقال له: أنصت؟ لكن ما بُين الحكم قبل ذلك، فماذا عن هذه المسألة وهي مسألة قائمة؟ المسألة تحتاج إلى جواب، شخص دخل المسجد ما وجد مكان يصلي فيه، قال: بدلاً من أن أقف أطوف ماذا نقول له؟ أو شخص ابتلي بنعاس أثناء الخطبة فقال: بدلاً من أن أجلس وأنام أطوف من أجل أن يذهب النوم؟ نعم ماذا نقول؟ يمنع الطواف أثناء الخطبة وإلا ما يمنع؟ أثناء الخطبة يمنعون وإلا قبل تبين لهم الأحكام؟
طالب:. . . . . . . . .
(4/19)
الخطيب إذا كلمهم لا إشكال في ذلك؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- كلم وسمع من تكلم، إذاً لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة من ليل أو نهار، يعني سكوت الناس بما في ذلك الخطباء لعل السبب في هذا الحديث: ((لا تمنعوا)) لعل السبب فيه هذا الحديث كما أن عدم منع النساء من غشيان المساجد مع اقتراف بعض المخالفات سببه: ((لا تمنعوا)) "عباد الله لا تمنعوا إماء الله بيوت الله" فإذا وجد مثل هذا يحصل عند الإنسان توقف؛ لأنه فيه يكون في مخالفة صريحة للنهي، مع وجود المخالفة من الطرف الآخر أنت ما يهمك إلا نفسك، يعني مثل لو قام سائل، سلم الإمام فقام هذا السائل، وشغل الناس عن أذكارهم يتجه منعه وإلا ما يتجه؟ إيه، لكن بعض الناس يقول: أنا مخاطب بقوله -جل وعلا-: {وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ} [(10) سورة الضحى] يقوم يشغل ما يشغل ما لي دعوة؛ لأن بعض هذه الأمور مثل ما معنا، ومثل منع النساء من المساجد، ومثل منع السائل، كل هذا ينتابه أمران، له مصالح وعليه مفاسد، فالإنسان أحياناً يتحرج من مثل هذه المضايق، فتجده لا ينكر؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((لا تمنعوا أحداً طاف أية ساع شاء من الليل والنهار)) يقول: أنا مخاطب بهذا، وكونه آثم أو غير آثم أنا ما لي دعوة، كما أنه إذا وجد من يتحدث بجوارك، ماذا تقول له؟ تستطيع أن تقول: أنصت؟ ما تستطيع أن تقول: أنصت، وهذا أمر بمعروف ما تستطيع، وهو منكر وأنت مأمور بتغيير المنكر، ومع ذلك لا تستطيع أن تقول له: أنصت، فمثل هذه المضايق يحصل فيها مثل هذا.
((يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من الليل والنهار)) جاء بهذا الحديث ليبين أن الطواف لا يأخذ حكم الصلاة، فيطوف الطائف في وقت النهي، وإذا طاف فللطواف لكل أسبوع ركعتان، يصليهما بعده، إما أن يصليهما مباشرة في وقت نهي أو غيره على قول من يقول بفعل ذوات الأسباب أو يتأخر حتى يخرج وقت النهي.
"رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه وابن حبان والنسائي والترمذي وصححه، وقال بعض المصنفين الحذاق: "رواه مسلم" وهو وهم" ويريد بذلك المجد ابن تيمية في المنتقى.
(4/20)
إذا عرفنا هذا عرفنا أوقات النهي، وأن منها المضيق ومنها الموسع، منها ما فيه تشديد، ومنها ما فيه تخفيف، وعرفنا أن الفرائض مستثناة على ما تقدم، بقي النوافل سواءً كانت مطلقة أو ذات سبب:
أما بالنسبة للنوافل المطلقة فلا قائل بها من أهل العلم إلا على قول الظاهرية، وأن هذه الأحاديث منسوخة، يرون أن هذه الأحاديث منسوخة، وأما غيرهم فيرون المنع على خلاف بينهم في النهي، هل هو للتحريم كما هو الأصل أو للكراهة لما دخل العمومات من المخصصات؟
فالأحاديث تتناول جميع الصلوات، يعني كسفت الشمس في الوقت المضيق، أو كسفت بعد صلاة العصر مثلاً، كسفت بعد صلاة العصر نصلي وإلا ما نصلي؟ النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتموهما فادعوا الله، وصلوا)) وعامة أهل العلم على أن صلاة الكسوف سنة وذات سبب، وأوجبها أبو عوانة، أما على القول بوجوبها فلا إشكال، لكن الكلام على القول باستحبابها.
النوافل المطلقة ما فيها إشكال، يعني ما يجلس بعد صلاة العصر يصلي مع الجماعة ثم يأتي بركعتين هذا وقت نهي بالاتفاق، ولا يقول به أحد من أهل العلم، يتنفل نفل مطلق.
الكلام في ذوات الأسباب كتحية المسجد، وهذه علم صارت على ذوات الأسباب، وركعتي الطواف، وركعتي الوضوء، وركعتي الإحرام عند من يقول بهما، والاستخارة وغيرها.
دخل المسجد بعد العصر، دخل المسجد قبيل أذان المغرب بخمس دقائق، سواءً دخل في وقت موسع أو في وقت مضيق، توضأ بعد صلاة العصر يصلي ركعتي الوضوء أو لا يصلي؟ جاء إلى المحرم بعد العصر يصلي ركعتي الإحرام أو لا يصلي عند من يقول بهما؟
أراد أن يستخير في أمر يفوت في العصر، أو بعد صلاة الفجر هل نقول: تصلي ركعتي استخارة أو نقول: انتظر؟ الأئمة الثلاثة والمذاهب الثلاثة جمهور أهل العلم الحنفية والمالكية والحنابلة يقولون: لا يصلى في هذه الأوقات شيء من التطوعات ولو كانت ذات سبب، ولو كانت ذات سبب لا يصلى شيء من التطوعات، ولو كانت من ذات الأسباب.
الشافعية يقولون: تصلى ذوات الأسباب في هذه الأوقات، ويرجحه شيخ الإسلام ابن تيمية.
(4/21)
شيخ الإسلام ومن يقتدي به ممن أثار القول في الأيام المتأخرة في السنوات الأخيرة صاروا يرددون في أجوبتهم وفي فتاويهم يقولون: أحاديث النهي عامة وأحاديث ذوات الأسباب خاصة، والخاص مقدم على العام، هذا قول الشافعية، وهذا كلام شيخ الإسلام، وبهذا يقول من يفتي بقوله، أحاديث النهي عامة وأحاديث ذوات الأسباب خاصة، والخاص مقدم على العام.
الطرف الثاني: وهم الجمهور يقلبون الدعوى، يقلبون المسألة يقولون: أحاديث ذوات الأسباب عامة في الأوقات، أولئك يقولون: أحاديث النهي عامة في الصلوات، وأحاديث ذوات الأسباب خاصة في هذه الصلوات، والطرف الثاني وهم الجمهور يقولون: أحاديث ذوات الأسباب عامة في الأوقات، وأحاديث النهي خاصة في هذه الأوقات، والخاص مقدم على العام فلا نصلي.
يعني أيهما أولى بالقبول؟ الدعوى واحدة، كل من الطرفين يزعم العموم والخصوص، فالجمهور يقولون: أحاديث ذوات الأسباب عامة في الأوقات، وأحاديث النهي خاصة في هذه الأوقات، والخاص مقدم على العام، فلا نصلي ذوات الأسباب في هذه الأوقات، ونصليها في الأوقات الأخرى، الطرف الثاني الشافعية ومن يرجح قولهم يقولون: لا، أحاديث النهي عامة في الصلوات، وأحاديث ذوات الأسباب خاصة بهذه الصلوات، والخاص مقدم على العام.
يتركب من القولين وحجتيهما أن ما بين النصوص ليس بعموم وخصوص مطلق، إن ما بين النصوص ليس بعموم وخصوص مطلق، من أجل أن نقول: الخاص مقدم على العام، سواءً في هذا الطرف أو في الطرف الثاني، نقول: عموم وخصوص وجهي، عموم وخصوص وجهي، بمعنى أن أحاديث النهي أعم من وجه، أعم في الصلوات، وأخص في الأوقات، وأحاديث ذوات الأسباب أعم في الأوقات وأخص بالصلوات، فبينهما عموم وخصوص وجهي، إذا كان التعارض بين النصوص من هذه الحيثية، من حيث العموم والخصوص الوجهي فإننا حينئذٍ لا نستطيع أن نرجح إلا بمرجح خارجي، نأتي بمرجح خارجي؛ لأن الكفتين مستويتان، يعني دعوى الجمهور نظير دعوى الشافعية من حيث العموم والخصوص، فلا نستطيع أن نرجح، نحتاج إلى من يرجح قول الجمهور، فيكون هو الراجح أو يرجح قول الشافعية فيكون هو الراجح.
(4/22)
الجمهور رجحوا قولهم بأن الحظر مقدم على الإباحة، يعني دخلت المسجد في العصر عندك حديث يأمرك وحديث ينهاك، حديث يأمرك أن تصلي ركعتين، وحديث ينهاك أن تصلي، المنع مقدم على الإباحة وعلى الفعل حتى عند الشافعية أيضاً، الحظر مقدم على الإباحة، فعلى هذا المرجح قول الجمهور من هذه الحيثية، وكون الحظر مقدم على الأمر فضلاً عن الإباحة ((إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)) فيه ثنيا، ((وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه)) يعني ما في استثناء، وإذا دخلنا في وقت النهي وقد نهانا الشرع عن أن نصلي فإننا لا نستطيع أن نصلي، نعم الإنسان ليس بموثق، لا يستطيع أن يركع، لا، لكنه ممنوع الاستطاعة شرعية هنا، ممنوع من أن يصلي، فهو لا يستطيع أن يصلي ((إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)) هنا لا نستطيع؛ لأن الشارع نهانا أن نصلي، بهذا يرجح قول الجمهور، الشافعية ومن معهم يقولون: ما قلتموه صحيح ووجيه ولا إشكال فيه، لكن عموم ذوات الأسباب محفوظ، بمعنى أنه لم يدخله مخصص، وعموم أحاديث النهي مخصوص، والعموم إذا دخله الخصوص ضعف، أولاً: لا يتناول ما خصص بلا إشكال، ويضعف فيما عداه، وقال بعضهم: إنها تبطل دلالته إذا خصص، لكن هذا القول ليس بصحيح، تبقى دلالته فيما لا يدخله التخصيص، أو فيما لم يدخله التخصيص، فعمومه وضعف، وما دام عموم أحاديث النهي ضعف لدخول المخصصات، وعموم أحاديث ذوات الأسباب محفوظ، إذاً عموم هذا أقوى من عموم هذا، فيرجح عليه، فنفعل ذوات الأسباب.
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نبي نقول هذا كله -إن شاء الله-، هذا مع النهاية -إن شاء الله تعالى-.
(4/23)
فما الراجح من القولين؟ نقدم ما أشار له الأخ، الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- قال: باب الطواف بعد الصبح وبعد العصر، وصلى عمر -رضي الله تعالى عنه- ركعتي الطواف بذي طوى، يعني أنه طاف بعد الصبح وما صلى مباشرة؛ لأن الوقت وقت نهي، انتظر حتى يخرج الوقت وطاف بذي طوى، بالزاهر، بعد أن ارتفعت الشمس، وأورد تحت الباب أحاديث النهي عن الصلاة في هذه الأوقات ((لا صلاة بعد العصر)) و ((لا صلاة بعد الصبح)) فدل على أن الإمام البخاري يرى أن أوقات النهي لا يصلى فيها شيء من التطوعات ولو كانت ذات سبب.
(4/24)
نعود إلى ما قررناه سابقاً، وهو أن لمذهب الجمهور ما يرجحه، ولمذهب الشافعية ما يرجحه؛ لأننا نحتاج إلى مرجح خارجي، وهذه مرجحات خارجية، فما الراجح؟ يعني إذا قلنا: بركعتي الوضوء مثلاً أو صلاة الاستخارة أو حتى تحية المسجد وقد أمرنا بها، هل تقوى مثل هذه الأوامر -إن وجدت مع أن بعضها توجيهات وإرشادات- يعني في حديث بلال النبي -عليه الصلاة والسلام- سمع خشخشته في الجنة، قرع نعليه في الجنة، فقال: إنه ما توضأ إلا صلى ركعتين، يعني هل مثل هذا يقوى على معارضة قول النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((لا صلاة بعد العصر)) و ((لا صلاة بعد الصبح)) وثلاث ساعات كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نصلي فيهن؟ يقوى وإلا ما يقوى؟ يعني إذا قلنا: تحية المسجد فيها: ((فلا يجلس حتى يصلي)) فإن مثل صلاة الاستخارة مثلاً تقوى على أن تصلى في وقت نهي فيه عن الصلاة؟ تقوى؟ لا شك أن هذه متفاوتة، يعني تحية المسجد أقوى بكثير من صلاة الاستخارة، وأقوى من ركعتي الوضوء، وأقوى من ركعتي الإحرام، وأما بالنسبة لركعتي الطواف فهذه لا إشكال فيها تأخيرها جائز وسائغ عند أهل العلم، تؤخر حتى يخرج الوقت، ويش المانع؟ تؤخر فلا يحصل التعارض، وعلى هذا يعني المسألة من المضايق، يعني بعض الناس من آحاد الطلاب يقول: صل ذوات الأسباب والخاص مقدم على العام، وهو يضحك يقرر مثل هذا الكلام! ونحن نجد من أهل العلم من إذا وجد من يصلي في الأوقات حرفه بيده عن القبلة؛ لأن النهي .. ، من يعارض النهي الشرعي؟ فلا هذا ولا هذا، لا نقول بالتشديد في هذا ولا في هذا، والمسألة محتملة، وهي من عضل المسائل كما قرر أهل العلم.
(4/25)
أما بالنسبة للوقتين الموسعين فالأمر فيهما واسع، يعني من صلى لا ينكر عليه، ومن جلس ولم يصل لا ينكر عليه؛ لأن هذا عنده أمر فلا يجلس حتى يصلي ركعتين، وذاك عنده نهي، وقد أحسن من انتهى إلى ما سمع، لكن في الأوقات المضيقة؟ الأوامر في هذه الصلوات لا تقوى على معارضة حديث عقبة بن عامر: "ثلاث ساعات كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نصلي فيهن" وهي أيضاً أوقات قصيرة، ماذا على الإنسان لو انتظر حتى تخرج هذه الأوقات؟ وبعض أهل العلم يقول: لا تدخل المسجد في هذه الأوقات تعرض نفسك للحرج، إن جلست خالفت، وإن صليت خالفت، لا تدخل المسجد في هذا الوقت، ومنهم من يقول: ادخل المسجد واستمر قائم، استمر واقف من أجل ألا تقع في الحرج.
وعلى كل حال مثل ما ذكرنا في الأوقات المضيقة المتجه عدم الصلوات فيها، وفي الوقتين الموسعين الأمر فيه سعة، وللاجتهاد مندوحة، فمن صلى فلا إشكال، ومن ترك فلا إشكال؛ لأن النهي عن الصلاة في الوقتين نهي وسائل كما قرر ذلك ابن رجب وابن عبد البر، وأما بالنسبة للأوقات المضيقة فهي مقصودة لذاتها، ومشابهة الكفار فيها ظاهرة، فلا يصلى فيهما، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(4/26)
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: المحرر – كتاب الصلاة (5)
باب: الأذان
الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هذا يقول: هل تجوز الصلاة أمام المرآة؟
لا شك أن من يصلي أمام المرآة أنه ينشغل بما أمامه، يشتغل بنفسه، ويشتغل بما وراءه مما تبديه له المرآة، فهذه تأخذ حكم الزخرفة والنقوش التي تلهي المصلي، فهي تشغله عن صلاته.
نراك تصلي تحية المسجد بعد العصر فهل معنى هذا أن رأيك أنها تصلى ذوات الأسباب في الأوقات المنهي عنها؟
وهل ترى أن أجر مائة ألف صلاة في المسجد الحرام فقط؟
أما صلاة تحية المسجد فقد فصلناه بالأمس، وقلنا: إنه في الأوقات الموسعة والشمس بيضاء نقية مثل هذا الوقت لا مانع من أن يصلي تحية المسجد، مع أنه لو تركها عملاً بأحاديث النهي هذا له وجه، فالمسألة قابلة للنظر، أما بالنسبة للأوقات المضيقة فلا.
وأما ثبوت أجر مائة ألف صلاة في المسجد الحرام فهي في الحرم كله.
يقول: بالنسبة لمن يقول: النهي مقدم على الأمر في مسألة تحية المسجد في حديث: ((فلا يجلس حتى يصلي ركعتين)) أليس هذا نهي عن الجلوس؟
لكنه أمر بالركعتين، هو من هذه الحيثية أمر.
يقول: ما القول الصحيح في التكبيرة الأخيرة من صلاة الجنازة؟
التكبيرات الخلاف القديم في عددها معروف من ثلاث إلى تسع، ثم استقر الأمر على الأربع، ونقل عليه اتفاق بعد الخلاف الطويل، فالتكبيرات أربع يقرأ بعد التكبيرة الأولى الفاتحة، وإن قرأ معها سورة قصيرة فلا بأس، ثم يصلى على النبي -عليه الصلاة والسلام- في الثانية، وفي الثالثة يدعو للميت، وفي الرابعة يسلم بعدها وإن شغلها بدعاء "اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم" هذا قيل به.
هل يكبر في الشوط الأخير من الطواف؟
إن كان في بدايته، في بداية الشوط السابع هذا ما فيه خلاف كغيره من الأشواط، وإن كان في نهايته فهو المترجح عندي أيضاً أنه يكبر في نهاية الطواف، فكلما حاذى الحجر كبر -عليه الصلاة والسلام-، ويشير، كبر، وأيضاً جابر -رضي الله عنه- يقول: "كنا نطوف مع النبي -عليه الصلاة والسلام- فنمسح الركن الفاتحة والخاتمة".
(5/1)
القول الصحيح في رفع اليدين على التأمين لدعاء الإمام في خطبة الجمعة؟
لا ترفع اليدين إلا في حال الاستسقاء، إذا استسقى الإمام في خطبة الجمعة ترفع اليدان.
ما معنى: ((الأنبياء أولاد علات))؟
أولاد علات كما جاء في الحديث الصحيح، يعني أن أبوهم واحد وهو الأصل، أصل الأديان وهو التوحيد والعقيدة واحد، وأمهاتهم متباينة، يعني شرائعهم متفاوتة، فأولاد العلات الأخوة لأب.
يقول: ما الذي يدل على تقسيم الأوقات في النهي من ثلاث كما في النص إلى خمس؟
النصوص الأخرى جمع بعضها إلى بعض، فعقبة يقول -رضي الله تعالى عنه-: "ثلاث ساعات كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نصلي فيهن، وأن نقبر فيهن موتانا" فهذه الثلاثة الأوقات المضيقة المشددة، وفيه أيضاً ما جاء في الأحاديث الأخرى من نهي بعد صلاة العصر وبعد الصبح فتكون خمسة، ومنهم من يجعل ما قبل صلاة الصبح سادساً فيجعلها ستة، والسبب في هذا التقسيم لإمكان التداخل، مع إمكان التداخل، السبب فيه أن هذه الأوقات متفاوتة في الشدة والخفة.
طالب:. . . . . . . . .
يعني هؤلاء يصلون جماعة وهؤلاء جماعة؟
طالب:. . . . . . . . .
سبحان الله إقامة جماعة في وقت واحد في مكان واحد، يعني في آن واحد محرمة عند أهل العلم، لا تجوز، وما شرعت الجماعة إلا للقضاء على مثل هذه الاختلافات.
(5/2)
فحديث عقبة قال: "ثلاث ساعات" وفي الأحاديث الأخرى أضيفت أوقات أخرى، فالتقسيم مع إمكان التداخل لما ذكرنا من أنها متفاوتة في التشديد والتخفيف، في الطول والقصر، فهذا هو السبب في عدم التداخل، مع أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قد يذكر رقماً وعدداً، ثم يزيد عليه، يأتيه الخبر بالزيادة، كما قال -عليه الصلاة والسلام-: ((لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة)) مع أنه ثبت أنه تكلم في المهد أكثر من ثلاثة، جاءت نصوص أخرى تدل على أنه تكلم في المهد أكثر من العدد المحصور، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- يخبر بالحصر ثم يزاد، وعلى كل حال مثل هذا الحصر إذا جاءت الزيادة بعده لا تؤثر عليه، وبعض الشراح أساء الأدب مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "في هذا الحصر نظر" هو ينظر في كلام من؟ في كلام المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى، لا شك أن هذه إساءة أدب مع النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأما التقسيم فتبعاً لما جاءت به النصوص.
يقول: ما أول وقت صلاة الجمعة؟ وما آخر وقتها؟
أول وقتها عند الجمهور بعد الزوال، وقت صلاة الظهر، وآخر وقتها آخر وقت صلاة الظهر، هذا قول الجمهور، وعند الحنابلة أن الوقت يبدأ أوله من بداية وقت صلاة العيد من انتهاء وقت النهي إلى آخر وقت صلاة الظهر، وأدلة الفريقين مبسوطة وستأتي -إن شاء الله- في كتاب الجمعة، إلا أن من أوضحها أنهم ينصرفون من الجمعة وليس للحيطان ظل، مع أنه محمول عند الجمهور على أنها ليس لها ظل يتسع للجميع، إنما لها ظل قد يستظل به الواحد أو الاثنين، لكن لا يستظل به الجميع، يعني ظل يستوعب الجميع، فهذا دليل على أنها تفعل في أول وقتها.
يقول: كسفت الشمس بعد العصر أتصلى أم ماذا؟
مثل ما ذكرنا سابقاً إن كان الوقت في سعة والشمس بيضاء نقية فلا مانع من أن تصلى، وإذا ضاق الوقت فلا.
عامل يعمل في إنشاء طريق فاحتيج إلى زرع لغم حتى تتفتت الصخور، فانفجرت الألغام إلا واحد، فانتظروا له وقت ولم ينفجر فحرك أحد العمال الصخرة فانفجر اللغم وقضى عليه، فما الحكم في ذلك من حيث غسله؟ وهل يضمن المتطوع الذي يعمل الطريق؟
(5/3)
يغسل ويكفن ويصلى عليه كغيره، وإن أعطي حكم الهديم والغريق وما أشبه ذلك؛ لأنه يقول: وهل هو شهيد؟ إن أعطي حكمهم فإنه شهيد آخرة لا شهيد دنيا، يفعل به كسائر الناس، وأمره إلى الله -جل وعلا-.
يقول: هل الخوف من إزاغة القلب عن الحق تدخل في الخوف من مكر الله؟
هل هو في الخوف؟ تدخل في الخوف من مكر الله؟
يعني الوارد في مكر الله هو الأمن، والوارد في مثل هذا القنوط، يكون القنوط من رحمة الله، لكن هذا ليس من هذا، إنما الخوف من إزاغة القلب وسوء الخاتمة هذا ديدن سلف هذه الأمة، هذا ديدن السلف، يخافون من سوء العاقبة ((وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها)) ابن القيم -رحمه الله- يقول:
والله ما خوفي الذنوب وإنها ... لعلى سبيل العفو والغفرانِ
لكن خوفي أن يزيغ القلب ... عن تحكيم هذا الوحي والقرآنِ
يقول:
لكن خوفي أن يزيغ القلب ... عن تحكيم هذا الوحي والقرآنِ
ورضىً بآراء الرجال وخرصها ... لا كان ذاك بمنة الرحمنِ
فمازال سلف الأمة يخافون من سوء العاقبة.
هل يشرع رفع اليدين أثناء دعاء خطيب الجمعة؟
قلنا: إنه لا يشرع إلا في حال الاستسقاء إذا استسقى الإمام في خطبة الجمعة شرع رفع اليدين.
هل يجوز تأخير الصلاة والخروج عن وقتها في حال من الأحوال؟
لا يجوز إلا لعذر كسفر أو مرض، أو ما أشبه ذلك.
يقول: الطائف أثناء الخطبة هل نقول: إنه آثم مع قوله: لا تمنعوا؟
أما من جاء لسماع الخطبة لا شك أن الطواف أشد من مس الحصى، وأشد من قول الشخص لصاحبه أنصت، هذا من جاء لسماع الخطبة، أما من جاء لأداء العمرة ولا ينوي صلاة الجمعة، ولا ينوي سماع خطبة، فهذا يدخل فيه: ((لا تمنعوا)).
هل يجب على الحائض نقض رأسها عند الاغتسال أم لا؟
النبي -عليه الصلاة والسلام- أمر عائشة بنقضه، ولم يأمر أم سلمة، وهذا تقدم واستظهرنا سابقاً أن التفريق بينهما لا لأن هذا غسل جنابة وذاك غسل حيض، إنما هو لأن عائشة شابة المظنة في شعرها أنه كثير، وأم سلمة كبيرة في السن المظنة أن شعرها خفيف، لا يحتاج إلى نقض، فنقضه لا شك أنه أولى.
(5/4)
يقول: هل يجوز التحدث في يوم الجمعة والإمام يخطب إذا كان لا؟
إذا كان إيش؟ يعني لا يسمع؟
إذا كان لا، أو إذا كان الجواب: لا، فماذا أفعل؟
لأنه قال: فماذا أفعل؟
هل يجوز التحدث في يوم الجمعة والإمام يخطب إذا كان الجواب: لا، فماذا أفعل؟
نقول: أنصت
علماً أن في التحدث أنه يشغل المصلين؟
على كل حال من تكلم فلا جمعة له، إذا قال لصاحبه أمره بمعروف أنصت فقد لغا، ومن لغا فلا جمعة له.
يقول: ما رأيكم في أسهم المدينة الاقتصادية حيث إن المساهمين وضعوا أموالهم في فوائد ربوية في البنوك، ثم تضم مع أسهم المكتتبين فتصبح شركة مختلطة؟
الذي قرره أهل الخبرة والمعرفة أنها مختلطة؛ لأن المؤسسين والمساهمين الكبار الأوائل وضعوا أموالهم في البنوك، ثم بعد ذلك تخلط هذه الأموال مع أموال المساهمين، ومنهم من يقول: إن المساهم لا علاقة له بأموال التأسيس، لكن إذا خُلطت أموال التأسيس مع مالك، وصار حكمها واحداً، صار حكمها حكم الشركات المختلطة.
بعض الإخوان يشكو من انقطاع الدرس والأصل فيه أنه شهري.
هو لا شك أن المماطلة حاصلة، لكن هي المسألة بعد أيضاً تخضع لظروف، قد لا أتمكن من الحضور كل شهر، ولعل الله ييسر في أوقات لاحقة أن نتمكن من الوفاء بالوعد.
يقول: في عدم جواز الصلاة والدفن في الأوقات الثلاثة "وقت الظهيرة إلا صلاة الجمعة" ما المقصود بعبارة الشارح؟
إلا صلاة الجمعة، صلاة الجمعة فريضة لا تدخل في وقت النهي، وهي بعد خروج وقت النهي، إن كان القصد إلا يوم الجمعة لأنه لا نهي فيه كما جاء في الخبر وإن كان ضعيفاً، وعليه عمل الصحابة أنهم يصلون في الوقت المضيق حتى يدخل الإمام، فممكن، وإلا فالعبارة قلقة.
يقول: من دخل المسجد وجلس على كرسي أو شيء مرتفع يكون داخلاً في النهي عن الجلوس قبل أداء التحية؟
نعم لأنه جلس، ولا يستثنى من ذلك إلا الخطيب إذا رقي على المنبر، واستقبل الناس وسلم عليهم، ثم خطب وانشغل بالخطبة، ويمكن أن يدرج في حكمه المدرس إذا دخل ومباشرة صعد على الكرسي وألقى الدرس، يأخذ حكمه.
(5/5)
يقول: كيف يكون النهي في الحديث عن الصلاة وقبر الموتى بعد الفجر حتى طلوع الشمس والعمل الآن في المقابر أنهم يدفنون الموتى في هذا الوقت وغيره، ولا يتقيدون بالنهي؟
ليس النهي عن دفن الموتى بعد صلاة الفجر، إنما النهي بعد أن تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تزول، وحين تتضيف الشمس للغروب حتى تغرب، يعني في الأوقات الثلاثة المضيقة، لكن لو كانت المقبرة بعيدة، ولا وصلوا إليها إلا مع وقت طلوع الشمس، نقول: لا يجوز لهم أن يدفنوا في هذا الوقت، ينتظرون عشر دقائق ربع ساعة حتى ترتفع الشمس ثم يدفنوه.
يقول: ما هو الاعتبار في رفع اليدين عند القيام للركعة الثالثة أهي الركعة الثالثة للإمام أم الثالثة للمأموم إذا كان مسبوقاً؟
إنما هي الثالثة للمأموم؛ لأن ما يدركه المسبوق هو أول صلاته.
بقية الأسئلة في نهاية الدرس إن كان في وقت.
سم.
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين.
قال الإمام ابن عبد الهادي -يرحمه الله تعالى- في محرره:
باب: الأذان
عن معاوية بن أبي سفيان -رضي الله تعالى عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((المؤذنون أطول الناس أعناقاً يوم القيامة)) رواه مسلم.
وعن مالك بن الحويرث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم)) متفق عليه.
وعن عبد الله بن زيد بن عبد ربه قال: لما أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالناقوس يعمل ليضرب به للناس.
ليضرب، ليضرب.
(5/6)
ليضر به للناس لجمع الصلاة طاف بي وأنا نائم رجل يحمل ناقوساً في يده، فقلت: يا عبد الله أتبيع الناقوس؟ قال: وما تصنع به؟ فقلت: ندعو به إلى الصلاة، قال: أفلا أدلك على ما هو خير من ذلك؟ فقلت: بلى! قال: فقال: تقول: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله، حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، ثم استأخر عني غير بعيد، ثم قال: ثم تقول إذا قمت إلى الصلاة: الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، حي على الصلاة، حي على الفلاح، قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله.
فلما أصبحت أتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأخبرته بما رأيت، فقال: ((إنها لرؤيا حق -إن شاء- الله، فقم مع بلال فألق عليه ما رأيت، فليؤذن به، فإنه أندى صوتاً منك)) فقمت مع بلال فجعلت ألقيه عليه، ويؤذن به، قال: فسمع ذلك عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وهو في بيته فخرج يجر رداءه ويقول: والذي بعثك بالحق يا رسول الله لقد رأيت مثل الذي رأى، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((فلله الحمد)) رواه أحمد وأبو داود، وهذا لفظه، وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان، وروى الترمذي بعضه وصححه، وزاد أحمد: "فكان بلال مولى أبي بكر يؤذن بذلك، ويدعو رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى الصلاة" قال: فجاءه فدعاه ذات غداة إلى الفجر، فقيل له: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نائم، قال: فصرخ بلال بأعلى صوته: الصلاة خير من النوم، قال سعيد بن المسيب: فأدخلت هذه الكلمة في التأذين لصلاة الفجر، قال البخاري: لا يعرف لعبد الله بن زيد إلا حديث الأذان.
(5/7)
وعن أبي محذورة -رضي الله عنه-: أن نبي الله -صلى الله عليه وسلم- علمه الأذان: الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله، ثم يعود فيقول: أشهد أن لا إله إلا الله مرتين، أشهد أن محمداً رسول الله مرتين، حي على الصلاة مرتين، حي على الفلاح مرتين، الله أكبر، الله أكبر لا إله إلا الله" كذا رواه مسلم، وقد رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه والنسائي، وذكروا التكبير في أوله أربعاً، وفي رواية أحمد في آخره: والإقامة مثنى مثنى: لا يرجْع.
لا يُرجِّع.
لا يرجِّع.
وروى الترمذي: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- علمه الأذان تسع عشرة كلمة، والإقامة سبعة عشرة كلمة.
سبع.
سبع عشرة كلمة، وقال: هذا حديث حسن صحيح.
وعن محمد بن سيرين عن أنس قال: "من السنة إذا قال المؤذن في أذان الفجر: حي على الفلاح قال: الصلاة خير من النوم. رواه ابن خزيمة في صحيحه، والدارقطني.
وعن أنس قال: "لما كثر الناس ذكروا أن يعلموا وقت الصلاة بشيء يعرفونه، فذكروا أن يوروا ناراً، أو يضربوا ناقوساً، فأمر بلال أن يشفع الأذان، ويوتر الإقامة" متفق عليه، وزاد البخاري: "إلا الإقامة".
وعن عون بن أبي جحيفة عن أبيه أنه رأى بلالاً يؤذن، فجعلت أتتبع فاه هاهنا وهاهنا، يميناً وشمالاً، يقول: حي على الصلاة، حي على الفلاح" متفق عليه. ورواه أبو داود وفيه: "فلما بلغ حي على الصلاة حي على الفلاح لوى عنقه يميناً وشمالاً ولم يستدر" وفي رواية أحمد والترمذي: "رأيت بلالاً يؤذن ويدور وأتتبع فاه هاهنا وهاهنا، وأصبعاه في أذنيه" قال الترمذي: حديث حسن صحيح، ولابن ماجه: فاستدار في أذانه، وجعل إصبعيه في أذنيه.
يكفي بركة، يكفي.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: الأذان
وبعض الناس يمد الهمزة فيقلب المعنى فيقول: الآذان، الآذان جمع أذن التي هي محل حاسة السمع، فهي مقصورة الأذان.
(5/8)
والأذان هو الإعلام، الأذان في الأصل هو الإعلام، فإن كان في أول الوقت قلنا: إنه الإعلام بدخول وقت الصلاة، وإن كان في أثنائه لقرب الصلاة لمن أراد تأخيرها وأذانه لا يشوش على الناس فإنه يكون حينئذٍ الإعلام لقرب أداء الصلاة، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- لما ناموا عن صلاة الفجر حتى خرج وقتها أذنوا،
أما بالنسبة للبلدان التي يحصل فيها التشويش على الناس فالأذان لا بد أن يكون في أول الوقت؛ لأنه تترتب عليه أحكام، والمعذورون في البيوت يغترون بالأذان إذا تقدم عن الوقت أو تأخر عنه، وتلتبس عليهم بعض الأحكام، وتبطل عليهم بعض العبادات، فإذا تأخر الأذان عن وقته بالنسبة لصلاة الصبح في رمضان استمر الناس يأكلون حتى يؤذن، وقد يأكلون بعد طلوع الصبح، وإذا تقدم بالنسبة للمغرب أكلوا قبل غروب الشمس، فلا بد أن يكون الأذان مع دخول الوقت، ولو قدر أن الإمام مثلاً رأى المصلحة في تأخير الصلاة في وقت من الأوقات أو لظرف من الظروف، فإنه يؤذن للصلاة في وقتها التي ترتب عليها الآثار والأحكام الشرعية، وإذا أراد تأخير الصلاة يؤخرونها لا مانع من تأخير العشاء في رمضان نصف ساعة أو ساعة أو أكثر ما لم يخرج وقتها إذا رأى الإمام مصلحة في ذلك ما لم يشق على الناس، لكن الأذان ينبغي أن يكون في وقته.
(5/9)
ولا شك أن المصلحة راجحة في تأخير صلاة العشاء في رمضان؛ ليتمكن الناس من أكل ما يحتاجون إليه بعد الصيام، وأخذ شيء من الراحة، ولا يكون هذا نوم، لكنه استرخاء وراحة بعد الصيام، واستقبال للعبادات اللاحقة بنشاط كقيام الليل، هذا جيد، لكن ينبغي أن يكون الأذان في وقته؛ لأن هناك أناس لديهم عذر عن حضور الجماعة، والأحكام مترتبة على دخول الوقت، وبعض الجهال -وقد حصل- في رمضان يصلي العشاء في وقتها المعتاد، بعد مضي ساعة ونصف، يعني كما تصلى في شعبان أو شوال، يعني كما يؤذن لها بعد غروب الشمس بساعة ونصف يقيم لصلاة العشاء ثم يصلي من التراويح تسليمتين أو ثلاث، ثم يكون الأذان الرسمي قد حل، ثم يؤذن للصلاة، هذا تأذين مبتدع ذا؛ لأنه بعد الفراغ من الصلاة، فيريد أن يخرج مع جماعته في المسجد قبل الناس، ويتحايل على الأمر المرتب على المصلحة من قبل ولي الأمر، فلا يؤذن إلا في وقت أذان الناس، يعني بعد مضي ساعتين من غروب الشمس، يعني بعد نصف ساعة من دخول الوقت، هذا لا شك أنه يدل على جهل، بل جهل مركب، يصلي الصلاة في أول وقتها، ولا ينتظر إلى التوجيه في تأخيرها مدة نصف ساعة، ثم بعد ذلك إذا صلى الفريضة أربع ركعات، وصلى من التراويح تسليمتين أو ثلاث يكون الأذان الرسمي قد حل، فيؤذن للصلاة في هذا المسجد الذي أديت فيه الفريضة وهذا حصل، وهذا جهل بلا شك، ولو أن الأذان بقي في محله في وقته في أول الوقت، ثم بعد ذلك لا تقام الصلاة إلا بعد مضي نصف ساعة أو ساعة، حسب ما يراه الإمام من اجتهاد مبني على المصلحة، مصلحة الناس، لكن قد يقول قائل: ما ذنب المؤذن يقال له: تقدم وأذن، المؤذن لا يضره -إن شاء الله- المؤذن في الوقت نظراً للمصلحة العامة؛ لأن الناس يتعلقون بهذا الأذان، وهذه حكمة مشروعيته.
(5/10)
فالأذان إنما شرع لجمع الناس، فإذا تعارف الناس أن الصلاة تؤخر في هذا الوقت لظرف من الظروف ولأمر من الأمور عرفوا ذلك، وبلغ بعضهم بعضاً، وصارت عادة مطردة، ما يمنع أن يقدم الأذان ولا تقام الصلاة إلا بوقتها؛ لأن من الناس من لا يعرف دخول الوقت، وقد يترتب على ذلك في رمضان من يؤخر صلاة المغرب إلى قبيل أذان العشاء، وأذان العشاء في رمضان يتأخر عن وقته نصف ساعة، فيكون قد صلاها بعد خروج وقتها؛ لأنه اعتاد أن الوقت أن الأذان على الوقت.
المقصود أنه لو كان الأذان في وقته، والصلاة تؤخر حسب ما تقتضيه المصلحة، والسنة فيها -أعني صلاة العشاء- التأخير.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
(5/11)
"عن معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((المؤذنون أطول الناس أعناقاً يوم القيامة)) رواه مسلم" المؤذنون جاء في فضلهم ما جاء منها هذا الحديث، بل من أصحها ((المؤذنون أطول الناس أعناقاً يوم القيامة)) والمؤذن يشهد له يوم القيامة كل من سمع صوته من مدر وحجر، ولذا يختلف أهل العلم في المفاضلة بين الأذان والإمامة، فمن رأى هذه النصوص مما لم يرد نظيره في الإمامة رجح الأذان، ومن رأى أن الإمامة وظيفة النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولم يثبت عنه أنه أذن قال: الإمامة أفضل؛ لأن الله لم يكن ليختار لنبيه إلا الأفضل، وماذا عن الجمع بينهما هل يشرع أو لا يشرع؟ أن يكون الشخص الواحد مؤذن وإمام في آن واحد، وهذا قد يتسنى ممكن، هل نقول: إنه يحصل على فضل الأذان وفضل الإمامة؟ أما إذا وجدت المشاحة من أكثر من شخص يريد أذان، وأكثر من شخص يريد الإمامة، فلا يمكن شخص من الأمرين معاً، بل يمكن من أحدهما، أما إذا لم يوجد ففضل الله واسع، وحينئذٍ يحصل له أجر الإمام وأجر المؤذن، والأجور الواردة في النصوص هي مرتبة على من لم يأخذ على عمله أجراً، الذي يؤذن حسبة، والذي يصلي بالناس حسبة، أما من يأخذ الأجر فهذا لا يدخل في مثل هذه النصوص، لو قدر أن إنسان جاء ليؤذن للناس، أو يصلي بالناس محتسب الأجر من الله -جل وعلا- ثم بعد ذلك فرض له من بيت المال جُعل أو ما أشبه ذلك أو إعانة هذا لا يؤثر عليه إن لم يكن هو قصده وهمه، إن لم يكن ذلك قصده وهمه هذا لا يؤثر عليه، لكن نرى في أوساط الناس من اتخذ الإمام والمأذنة حرفة بحيث يطلب الفئة الأعلى، أنا لا أؤذن في هذا المسجد؛ لأنه فئة جيم، أذن في مسجد آخر، فئة ألف أكثر أجر، ثم بعد ذلك ينظرون إلى مسألة البيت، بيت الإمام وبيت المؤذن وهذا أوسع، وهذا أنظف، يعني صارت الأمور مرتبطة بالدنيا -نسأل الله العافية-، والله المستعان.
المقصود أن هذه النصوص التي تدل على فضل الأذان إنما هي لمن لا يأخذ على أذانه أجراً، من أذن حسبة، ثم إن جاءه ما جاءه من جُعل من بيت المال لم يقصده، ولم يكن هو الدافع له ولا الناهز فإن هذا لا يؤثر عليه.
(5/12)
((المؤذنون أطول الناس أعناقاً يوم القيامة)) ومن مقتضى طول العنق أنه يشرف على ما لا يشرف عليه غيره، ويسلم مما لا يسلم منه غيره، حينما العرق يلجم الناس على حسب أعمالهم هذا المؤذن طال عنقه ويسلم من ذلك، وهذا شرف، ومنهم من يقول: إنه يطول عنقه ليرى ما أعد له قبل غيره، ومنهم من يقول: الضبط بكسر الهمزة ((المؤذنون أطول الناس إعناقاً يوم القيامة)) يعني أنهم يسيرون العنق، والعنق ضرب من السير الشديد، فهم يجرون جرياً، والناس يمشون مشياً.
على كل حال كلها أقوال ومفاد الحديث ذكر فضل المؤذنين، وجاء في الخبر وهو ضعيف: ((من أذن ثنتي عشرة سنة لم تمسه النار)) لكنه خبر ضعيف.
والقرطبي ذكر أخبار وآثار وأحاديث جلها لا يثبت في تفسيره في أول موضع ذكر فيه الأذان في القرآن، أين؟ في المائدة؟ {وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ} [(58) سورة المائدة] هذا أول موضع يذكر فيه الأذان.
((المؤذنون أطول الناس أعناقاً يوم القيامة)) قد يكون من الناس الذين فضل عليهم المؤذنون ممن هم أفضل منهم أطول الناس أعناقاً يوم القيامة، يدخل في الناس الأنبياء والشهداء والعلماء والصالحون يدخل في هذا سائر الناس، فهل معنى هذا أنهم يختصون بهذه الخصيصة دون غيرهم ممن يفضلهم؟ نعم هل نقول: إن المؤذنين أطول الناس بما فيهم الأنبياء؟ نعم؟
المؤذن يبلغ الناس كلمة التوحيد، ويدعو الناس إلى أفضل العبادات، فله فضيلة، وله مزية، وله شرف، لكن هل يقتضي ذلك أنه أشرف من غيره، ويختص بهذه الخصيصة دون غيره؟ أطول؛ لأنه قد يكون في غيرهم طول، في غيرهم من الشهداء والصالحين والعلماء وقبلهم الأنبياء في أعناقهم طول، لكن هؤلاء –أعني المؤذنين- بما فيهم من متعلمين وعامة لأن الأذان لا يقتصر على المتعلمين، هل نقول: إن هؤلاء العامة الذين لا يحسنون ولا قراءة القرآن أطول أعناقاً من سائر الناس بما فيهم الأنبياء والشهداء والصالحين؟ أو نقول: إن الناس عام يراد به الخصوص وإلا فالأصل العموم؟ أو نقول: إن المراد العموم وهم أطول الناس أعناقاً، ويختصون بهذه الخصيصة دون من سواهم، وكون الإنسان يختص بشيء لا يعني أنه أفضل من غيره من كل وجه.
(5/13)
المؤذن أطول عنق من الإمام، لكن الإمام جاء فيه من الفضائل ما لا يلحقه به المؤذن، الأنبياء منازلهم معروفة، الشهداء منازلهم معروفة، العلماء أيضاً منازلهم ودرجاتهم في الدنيا والآخرة معروفة، ولا يعني هذا أنهم أفضل منهم من كل وجه، يعني من هذا الوجه نعم، أما من عداهم من وجوه كثيرة جداً جداً لا يفضلونهم، ويقرر أهل العلم أن التفضيل من وجه لا يقتضي التفضيل من كل وجه، فأول من يكسى يوم القيامة إبراهيم -عليه السلام-، هل يعني هذا أنه أفضل من محمد؟ لا، ما قال بهذا أحد، والنبي -عليه الصلاة والسلام- أول من تنشق عنه الأرض وأول من يبعث نقول: أول من تنشق عنه يوم القيامة، فإذا قام فإذا موسى آخذ بقائمة العرش، يقول: ما أدري هل بعث قبلي أم جوزي بصعقة الطور، يعني أنه ما صعق أصلاً، ولا يعني هذا أنه أفضل من محمد -عليه الصلاة والسلام-، فكون المؤذنين أفضل من هذه الحيثية لا يعني أنهم أفضل من غيرهم من كل وجه.
((أطول الناس أعناقاً يوم القيامة)) وهذا الحديث في صحيح مسلم.
ثم قال:
"وعن مالك بن الحويرث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم، وليؤمكم أكبركم)) " مالك بن الحويرث جاء مع مجموعة إلى المدينة، ولازموا النبي -عليه الصلاة والسلام- أيام، ورأوا أفعاله، وسبروا صلاته وعباداته وشمائله، ثم انصرفوا إلى أهلهم، وذكر مالك بن الحويرث من صفة صلاة النبي -عليه الصلاة والسلام- ما لم يذكره غيره، أرادوا الانصراف فأوصاهم النبي -عليه الصلاة والسلام-، قال: ((إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم)) ما ذكر مفاضلة بينهم، يؤذن كذا وإلا فكذا وإلا فكذا، كما ذكر في الإمامة، يؤذن أحدكم أي شخص منكم، لكن يلاحظ في الأذان تحقيق الهدف الذي من أجله شرع بأن يكون المؤذن صيتاً، وأن يكون ندي الصوت على ما سيأتي.
(5/14)
((فليؤذن لكم أحدكم)) لو وجد مثلاً مجموعة فيهم شخص أبح أو ألثغ هل يدخل في قوله: ((أحدكم))؟ إنما المأذنة لها شروط واعتبارات؛ لأنها شرعت لحكمة لا بد من تحقق هذه الحكمة، فالألثغ يغير الحروف، والأبح لا يبلغ من حوله فضلاً عن من بعد عنه فلا يصلح، ولا بد أن يكون ثقة، والثقة لا بد منها؛ لأنه بالنسبة للمؤذن مخبر، مخبر للناس عن دخول الوقت، فإذا لم يكن ثقة لا يعتمد على خبره، والثقة كما تكون في دينه تكون أيضاً في معرفته بالأوقات، لا بد أن يكون ممن يعرف الأوقات.
((وليؤمكم أكبركم)) هم جاءوا ومكثوا عند النبي -عليه الصلاة والسلام- مدة وانصرفوا، جاءوا جميعاً وانصرفوا جميعاً، إذاً ما تلقوه من النبي -عليه الصلاة والسلام- قريب من السواء، ما حفظوه من القرآن قريب من السواء، إسلامهم ومجيئهم في وقت واحد، ورجوعهم في وقت واحد، إذاً لا يتجه إليهم ((يؤم الناس أقرؤهم)) هم متساوون في القراءة، معروف أنهم جاءوا جميعاً ورجعوا جميعاً، وأخذوا شيء واحد من النبي -عليه الصلاة والسلام- على قدر واحد، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، هم لا يتفاوتون في هذا، إنما يتفاوتون .. ، وإسلامهم واحد، يتفاوتون في شيء واحد وهو السن، بعضهم أكبر من بعض، ولذا قال: ((وليؤمكم أكبركم)) لأن التفاوت بين الناس حينما يتشاحون حول الإمامة مرده إلى حديث أبي مسعود البدري ((يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله)) ولو كان أصغرهم ((فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة)) ((فأكبرهم سناً)) وفي رواية: ((سلماً)) يعني إسلاماً، المقصود أن هذه هم تساووا في هذه الأمور، ولم يبق إلا السن، ولذا قال: ((وليؤمكم أكبركم)) ولا شك أن الكبر كبر السن له دخل مدخل شرعي في التقديم، وجاء في الحديث الصحيح: ((كبر، كبر)) فالكبير أولى من الصغير ممن هو دونه في السن في كثير من الأمور. "متفق عليه".
(5/15)
"وعن عبد الله بن زيد بن عبد ربه" ومضى في الوضوء عبد الله بن زيد بن عاصم، وهذا غير هذا، ووهم من جعلهما واحداً، والإمام البخاري -رحمه الله تعالى- يقول: ليس له إلا هذا الحديث، مع أن الحافظ ابن حجر في التلخيص أثبت له حديثين غير هذا الحديث، فصارت مروياته ثلاثة، يعني حديث في الصدمة: ((إنما الصبر عند الصدمة الأولى)) عند النسائي، وحديث في تقسيم الشعر، شعر النبي -عليه الصلاة والسلام-، المقصود أن له أكثر من حديث، ومن أثبت حجة، من حفظ حجة على من لم يحفظ.
(5/16)
"وعن عبد الله بن زيد بن عبد ربه قال: لما أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالناقوس يعمل؛ ليضرب به للناس لجمع الصلاة" الصلاة فرضت ليلة الإسراء، وكان الناس في مكة عددهم قليل، ينفذهم الخبر بسرعة، ويجتمعون ويصلون، لكن لما هاجروا إلى المدينة وكثروا احتاجوا على شيء ينبههم ويجمعهم للصلاة، فجاءت الاقتراحات، فقال بعضهم: لو اتخذنا ناقوساً، فقيل: الناقوس للنصارى، وقال بعضهم: لو اتخذنا بوقاً، فقالوا: البوق لليهود، واقترح بعضهم أن يتخذ نار توقد عند دخول الوقت يراها الناس، فقالوا: النار للمجوس، فلا شك أن كل شيء فيه مشابهة للكفار لا يجوز اتخاذه، لا سيما في أمور العبادات، الأمر عام للعبادات والعادات، لكن أمر العبادة أشد وأعظم، ولذا كون الإنسان يشابه النصارى فيتخذ ناقوس في جيبه يصحبه معه، وقد أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- ألا تصحبه، بل نهى أن تصحبه رفقة فيها جرس، يضرب الناقوس في سائر الأحوال، يعني الإنسان في بيته أو في سوقه أو منفرد أو عنده جماعة تضرب هذه النواقيس في جيوب المسلمين هذا لا شك أن هذا محرم، لكن أين هذا كونه في عبادة! يعني إما يطوف أو يصلي أو يقرأ القرآن أو ما أشبه ذلك، والناقوس يرن في جيبه، هذه مشكلة، وبعض الساعات في المساجد تصدر أصوات في بيوت الله مثل النواقيس، وبعض نغمات الجوال مثل النواقيس وتسمعها في المطاف، وتسمعها في الصف في الصلاة، وتسمعها في المساجد، ولا شك أن استعمال المعازف والمزامير محرم في كل حال، لكن يشتد التحريم إذا كان في عبادة، فيكف يتخذ من أجل العبادة؟ فيدعى الناس به، ويعلم الناس بدخول الوقت بالناقوس، هذا للنصارى، والبوق لليهود، والنار للمجوس، فتفرقوا من غير اتفاق.
(5/17)
عبد الله بن زيد بن عبد ربه هذا كأنه أهمه هذا الشأن، فلما نام طاف به طائف، يقول: "طاف بي وأنا نائم رجل يحمل ناقوساً في يده، فقلت: يا عبد الله أتبيع الناقوس؟ قال: وما تصنع به؟ قال: ندعو به إلى الصلاة" يعني تحقيقاً للاقتراح السابق، ندعو به إلى الصلاة "قال: أفلا أدلك على ما هو خير من ذلك؟ " يعني أفضل من ناقوس النصارى، شيء تتفرد به هذه الأمة "فقلت: بلى! قال: فقال: تقول: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر الله أكبر" يعني بتربيع التكبير من غير ترجيع.
عبد الله بن زيد فيه التربيع وليس فيه ترجيع، حديث أبي محذورة الآتي في مسلم بتثنية التكبير مع الترجيع، وفي غيره في المسند والسنن تربيع التكبير والترجيع، المقصود أن هذا الحديث وهو الأذان المدني الذي رآه عبد الله بن زيد بتربيع التكبير.
قال: "تقول: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر" والقرن بين التكبيرتين لا شك أنه أرجح من إفراد كل تكبيرة، فيقول المؤذن: الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر، بدليل حديث: إجابة المؤذن، فقال: ((إذا قال المؤذن: الله أكبر الله أكبر، تقول: الله أكبر الله أكبر)) بينما في الشهادتين أفردهما ((فإذا قال: أشهد أن لا إله إلا الله، تقول: أشهد أن لا إله إلا الله)) ولم يجمع بينهما، فالمرجح قرن التكبيرتين الأولى والثانية، ثم الثالثة مع الرابعة.
"أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله" تقول: الله أكبر بهذا اللفظ، والألف أو الهمزة الأولى في لفظ الجلالة همزة وصل، فلا تقطع إلا مع بداية الكلام، ولا تمد لئلا تنقلب استفهام، ولا تشبع الضمة في لفظ الجلالة؛ لئلا يتولد عنها حرف زائد الواو، ولا تمد همزة أكبر؛ لئلا تنقلب أيضاً استفهام، ولا تمد الباء، فيقال: أكبار، كما نص على ذلك أهل العلم؛ لأن أكبار كأسباب جمع كبر كسبب وهو الطبل، كما في كتب اللغة، فينقلب المعنى.
"أشهد أن لا إله إلا الله" بعض الناس حتى من طلاب علم نسمع من يقول: أشهد أنّ لا إله إلا الله، أشهد أنّ لا إله إلا الله، وهي بهذا اللفظ أشهد أنْ لا إله إلا الله، لا إله إلا الله.
(5/18)
"أشهد أنّ محمداً رسول الله" أشهد أن لا إله حق أو معبود بحق إلا الله -جل وعلا-؛ لأن الآلهة المعبودة بغير حق الذي هي مجرد أسماء لا حقيقة لها كما قال -جل وعلا- موجودة، لكن المعبود بحق هو الله -جل وعلا-.
"أشهد أن محمداً رسول الله" هذه شهادة لنبي الله محمد -عليه الصلاة والسلام- بالرسالة، وبعض المؤذنين بل كثير من العامة يقول: أشهد أن محمداً رسولَ الله، بفتح الجزأين، واللغة الصحيحة الفصيحة: أشهد أن محمداً رسولُ الله، وإن وجد في لغية عند بعض العرب من ينصب الجزأين، من مدخولي (أن) لكن الكلام الشرعي إنما يحال على اللغة الفصيحة المشهورة لغة قريش.
"حي على الصلاة، حي على الصلاة" يعني تعالوا هلموا إلى الصلاة "حي على الفلاح" مثلها، والفلاح كلمة جامعة للفوز والسعادة في الدنيا والآخرة؛ لجميع أسباب ذلك، ولذا يقال: لا يوجد كلمة تغني عنها، أو كلمة تدل بمفردها على المراد، كما قالوا في النصيحة.
"حي على الفلاح، حي على الفلاح، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله" يعني لا معبود بحق إلا الله -جل وعلا-.
"ثم استأخر عني غير بعيد" ليكون هناك فاصل بين الأذان والإقامة، فاستأجر عنه غير بعيد "ثم قال: ثم تقول إذا قمت إلى الصلاة" يعني للإقامة "الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، حي على الصلاة، حي على الفلاح، قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله" فجمل الأذان على حديث عبد الله بن زيد كم؟ سبع عشرة، وجمل الإقامة كم؟ إحدى عشرة؟ كم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
(5/19)
الأذان كم؟ خمس عشرة: "الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله، حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح، الله أكبر، الله أكبر لا إله إلا الله" خمس عشرة، الجمل خمس عشرة، ويأتي أكثر من ذلك، وجمل الإقامة كم؟ إحدى عشرة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- أمر بلالاً أن يشفع الأذان، ويوتر الإقامة، إلا الإقامة، فالأذان شفع، والإقامة وتر، يستثنى من ذلك في الإقامة الإقامة، وهل يستثنى في الأذان شيء؟ كلمة التوحيد وتر، كلمة التوحيد في آخره وتر.
قد يقول قائل: إن الإقامة فيها شفع غير الإقامة الله أكبر، الله أكبر، نعم هذا فيه حجة أيضاً لمن يقول: بقرن التكبير، ليكون التكبيرتان كالواحدة.
"قال: فلما أصبحت" قال عبد الله بن زيد بن عبد ربه: "فلما أصبحت أتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأخبرته بما رأيت في الرؤيا، فقال: ((إنها لرؤيا حق)) " قد يقول قائل: إن هذا أمر شرعي، فكيف نبني حكم شرعي على رؤيا؟ وهل الرؤى يبنى عليها أحكام شرعية؟ الجواب: لا، لا يبنى عليها أحكام شرعية، فالدين كامل بوفاته -عليه الصلاة والسلام-، والمعول في ذلك على نصوص الكتاب والسنة، لا على الرؤى والمنامات والأحلام والأضغاث، لا، لكنها اكتسبت الشرعية من إقراره -عليه الصلاة والسلام-، فقال: ((إنها لرؤيا حق)) فأقرها فاكتسبت الشرعية من هذا الإقرار.
((إن شاء الله)) هل هذا شك أو تحقيق؟ هل هذا تعليق أو تحقيق؟ تحقيق هذا، فالتأكيد بـ (أن) واللام منه -عليه الصلاة والسلام-، ((إنها لرؤيا حق)) هذا يدل على أنه لم يتردد في ذلك ((فقم مع بلال فألق عليه ما رأيت فليؤذن به)) قد يقول قائل: إن عبد الله بن زيد صاحب الشأن أولى من بلال بالأذان، لماذا لم يتخذ هو المؤذن؟ النبي -عليه الصلاة والسلام- ذكر العلة ((فإنه أندى صوتاً منك)) وهل يمكن أن يجد عبد الله بن زيد في نفسه شيء على النبي -عليه الصلاة والسلام- حينما قال: ((ألقه على بلال))؟ لا يمكن؛ لأنه ليس هذا من عادة الصحابة أن يجدوا في أنفسهم شيء مما قضى الله ورسوله.
(5/20)
((فإنه أندى صوتاً منك)) هذه العلة، فهي تدل على أن هذا مطلوب في المؤذن أن يكون صيتاً مع نداوة.
"فقمت مع بلال فجعلت ألقيه عليه ويؤذن به، قال: فسمع ذلك عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وهو في بيته فخرج يجر رداءه" لينظر ماذا حصل؟ يعني أول أذان يسمعه، يمكن للاجتماع من أجل حرب، هو ما يدري عن هذا قبل، فخرج يجر رداءه، والعادة أن مثل هذا يكون فزع "ويقول: والذي بعثك بالحق يا رسول الله لقد رأيت مثل الذي رأى" خرج يجر رداءه ليخبر النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه رأى مثل ذلك "فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((فلله الحمد)) " حيث تواطأت الرؤيا على مثل هذا وهو حق.
"رواه أحمد وأبو داود وهذا لفظه، وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان، وروى الترمذي بعضه وصححه" وعلى كل حال حديث عبد الله بن زيد في الأذان صحيح.
"وزاد أحمد: "فكان بلال مولى أبي بكر" بلال بن رباح مولى أبي بكر "يؤذن بذلك، ويدعو رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى الصلاة" لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- يصلي الرواتب في بيته، ويتأخر إلى قرب الإقامة، حتى يدعوه بلال إلى الصلاة "ويدعو رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى الصلاة، قال: فجاءه فدعاه ذات غداة إلى الفجر، فقيل له: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نائم، قال: فصرخ بلال بأعلى صوته: الصلاة خير من النوم" في من الأسئلة من يقول: هل الأفضل للإمام أن يتقدم إلى الصلاة، ويأتي مع الأذان، ويكتب له ما رتب على ذلك من الأجور كغيره، أو الإمام يتأخر حتى يؤذن بالصلاة كفعل النبي -عليه الصلاة والسلام-؟
نقول: إن كان ينشغل في هذه المدة بعبادة من صلاة أو تلاوة أو تحضير علم أو ما أشبه ذلك، فكونه لا يحضر إلا مع الإقامة اقتداء به -عليه الصلاة والسلام- فهو على خير على كل حال، وإن كان لا ينشغل بعبادة فالتقدم إلى الصلاة أفضل بلا شك، مع ما يحصل مع ذلك من عبادات.
"فجاءه فدعاه ذات غداة إلى الفجر، فقيل له: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نائم" لأنه إذا صلى ركعتي الصبح اضطجع على جنبه الأيمن.
(5/21)
قال: "فصرخ بلال بأعلى صوته: الصلاة خير من النوم" لأنه كما تقدم الرسول -عليه الصلاة والسلام- لا يوقظ، بل يترك حتى يستيقظ كما تقدم في قصة نومهم عن الصلاة.
"فصرخ بلال بأعلى صوته: الصلاة خير من النوم" ثم بعد ذلك أدخلت هذه الكلمة في التأذين بإقراره -عليه الصلاة والسلام-؛ لئلا يقول قائل من المبتدعة: إن لنا أن نزيد من الأذكار ما يوقظ الناس، وفي البلدان الأخرى يوجد من المؤذنين بعض البدع، منها ما يدخل في أثناء الأذان، ومنها ما يوجد قبله في مكانه، ومنها ما يوجد بعده في مكانه، ولا يجوز الزيادة على ما جاء عن الشرع في أمور العبادات لا تجوز الزيادة، فتجد في بعض الجهات: "حي على خير العمل" هذه بدعة فضلاً عن من يقول: أشهد أن علياً ولي الله، وبعض الجهات يذكرون الله بأذكار في أثناء الأذان، لا شك أن إدخالها في أثنائها -وإن كانت ذكر مطلق- يدخل ذلك في حيز البدعة؛ لأن السامع يظنها من جمل الأذان، وقد يتوسع الناس في ذلك، وقد يأتي على الناس أزمان يقولون: سمعناها في عهد فلان من المشايخ، وما أنكر، فتثبت سنة وهي في الحقيقة بدعة، فلا يجوز الزيادة على جمل الأذان الواردة الثابتة عنه -عليه الصلاة والسلام-، إنما يؤخذ بجميع ما ورد، مما صح وثبت، وإذا ثبت في حديث عبد الله بن زيد ما لم يثبت في حديث أبي محذورة أو العكس نأخذ بالجميع، لكن لا نلفق بين الأذانين أذاناً واحداً، بل نجعله من اختلاف التنوع، نؤذن بهذا أحياناً، ونؤذن بهذا أحياناً، لا مانع، أما أن نجمع بين ما جاء في حديث عبد الله بن زيد وحديث أبي محذورة، والأحاديث الأخرى على ما سيأتي ونسوقها مساقاً واحداً لا شك أن مثل هذا تلفيق غير مرضي، كما يقال في صيغ الاستفتاح أو في صيغ التشهد أو ما أشبه ذلك، مما جاء مما هو من قبيل اختلاف التنوع.
"قال سعيد بن المسيب: فأدخلت هذه الكلمة في التأذين لصلاة الفجر".
(5/22)
"قال البخاري: لا يعرف لعبد الله بن زيد إلا حديث الأذان" وعرفنا أن الحافظ ابن حجر في التلخيص قال: فيه نظر، فإن له عند النسائي وغيره حديثاً غير هذا في الصدمة، وعند أحمد في قسمة النبي -عليه الصلاة والسلام- شعره وأظفاره إلى آخره، فله أكثر من حديث، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ.
هذه أسئلة من الإنترنت من الداخل والخارج.
هذا يقول: ما حكم الرسوم المتحركة إذا كانت هادفة، يقول: مثل قناة المجد للأطفال؟ وما رأيكم في قناة المجد بشكل عام فيما تقدم؟
الرسوم المتحركة إذا كانت تضاهي ما فيه روح من إنسان أو حيوان تأخذ حكمه، فلا تجوز، إذا كانت تضاهي بحيث إذا رآها الإنسان قال: هذا إنسان، أو هذا دب، أو هذا كلب، أو هذا حمار، لا شك أنها تأخذ الحكم فلا تجوز، والتصوير كما ذكرنا مراراً أنه بجميع أشكاله وآلاته داخل في التحريم.
يقول: وما رأيكم في قناة المجد بشكل عام فيما تقدم؟
أولاً: السلامة لا يعدلها شيء، كون الإنسان يخلو بيته من هذه الآلات وهذه المحدثات هذا هو الأصل، السلامة لا يعدلها شيء، ويبقى أن من ترجحت عنده المصلحة أو خشي مفسدة من أولاده ومن تحت يده من بنات وبنين وزوجة، وما أشبه ذلك خشي عليهم من أن ينفلتوا عليه، وينظروا في أمور مجمع على تحريمها، فلا شك أن ارتكاب أخف الضررين مقرر في الشرع، فإذا عجز الإنسان عن الصمود لمن تحت يده، فارتكاب أخف الضررين معروف عند أهل العلم.
يقول: وردت أحاديث فيها أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يتحرك في صلاته، وورد أيضاً أنه كان يلتفت في صلاته، وروي عن عمر بن الخطاب أنه كان يجهز جيشه وهو في الصلاة، ألا ترى أن هذا متعارض مع الأحاديث الدالة على وجوب الخشوع، لا سيما وأن كلمة العلماء أطبقت على وجوب الخشوع وعدم الالتفات أفتنا ولك الأجر؟
أما ما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه كان يلحظ في صلاته، فقد كان هذا بعينه، وقد نظر إلى الشعب مرة خشية من قدوم عدو، فمثل هذا الالتفات عند أهل العلم مكروه، لكن الكراهة تزول بأدنى حاجة عند أهل العلم، فالالتفات مكروه، الالتفات بالعنق لا بالبدن، والانحراف عن القبلة هذا مبطل للصلاة، أما بالعنق فهذا مكروه.
(5/23)
وما حصل منه -عليه الصلاة والسلام- إنه من هذا النوع، وكانوا يتكلمون في الصلاة حتى نزل قول الله -جل وعلا-: {وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ} [(238) سورة البقرة] فسكتوا فكونه يتحرك أو يلتفت هذا لا يؤثر، إنما هو مكروه عند أهل العلم، وإذا احتيج إليه جاز كمن يحك محل يحتاج إلى حك من بدنه هذا ما يقول أحد بأنه ممنوع.
وروي عن عمر أنه كان يجهز جيشه في الصلاة هذا تقدم الكلام عليه في مسألة التشريك في العبادة.
ألا ترى أن هذا متعارض مع الأحاديث الدالة على وجوب الخشوع، لا سيما وأن كلمة العلماء –يقول-: أطبقت على وجوب الخشوع؟
أنا أقول: كلمة العلماء الجمهور على أن الخشوع سنة، وأوجبه من أوجبه كابن رجب والغزالي وبعض العلماء، لكن كون العلماء أطبقوا على وجوب الخشوع هذا ليس بصحيح، نعم الخشوع لب الصلاة، وهو الذي يترتب عليه الأثر، وهو الأصل، والنبي -عليه الصلاة والسلام- إذا قام إلى صلاته يسمع في صدره كأزيز المرجل من الخشوع، على كل حال الكلام هذا ليس بدقيق.
ثم بعد ذلك سائلة تقول: ما أفضل المختصرات في العقيدة لدراستها؟
ذكرنا في مناسبات أن أفضل المختصرات التي يبدأ بها الأصول الثلاثة والقواعد الأربع، كشف الشبهات، كتاب التوحيد، الواسطية، هذه يبدأ بها، فإذا أتقنت يرتقي الطالب إلى كتب الطبقة التي تليها، كالحموية والتدمرية والطحاوية والسفارينية وسلم الوصول وغيرها من الكتب التي صنفت في هذا الشأن.
وهل توصون الطالب المبتدئ بدراسة المختصرات؟
ليس للطالب المبتدئ إلا المختصرات.
ودلونا -بارك الله فيكم- على جميع المختصرات من كل فن؟
هذا يحتاج إلى مزيد من الوقت، وفيه أشرطة معروفة ومتداولة.
وهل يؤخذ بتصحيح وتضعيف علماء الحديث المعاصرين إذا خالف المتقدمين؟
الأصل المتقدمون، والمتأخرون عالة عليهم، لكن ينظر في تصحيحهم إن كان جارٍ على القواعد، وكلمة المتقدمين غير متفقة على تصحيح أو على تضعيف، فللرأي في مثل هذا نظر.
يقول: ما الصحيح في مسافة القصر والجمع إذا صليت المغرب وأنا مسافر؟
(5/24)
الصحيح في مسافة القصر والجمع أولاً: منهم من يعمل بالإطلاق الوارد في النصوص فلا يحدد مسافة ولا مدة، ومنهم -وهم الأكثر- على تحديد المسافة والمدة وهو قول الجمهور، ولا شك أنه أحوط للعبادة وأضبط لها.
إذا صليت المغرب وأنا مسافر في مسجد على الطريق، وعندما قمت لأصلي العشاء قصراً جاءت جماعة تصلي المغرب فدخلت معهم بنية العشاء، فهل أقصر العشاء أم أتم؟
المتجه في مثل هذه الحالة الإتمام.
وهذا يسأل سؤال كبير عريض طويل.
كيف يكون إصلاح السريرة وإخلاص الأعمال فقد ابتلينا بقسوة القلوب، فنرجو منكم كلمة تروي بها غليلنا ... ؟
لا أنفع للإنسان المسلم وطالب العلم على وجه الخصوص من قراءة القرآن على الوجه المأمور به، والإكثار من ذكر الله، والإكثار من نوافل العبادة وأدائها على الوجه الشرعي الذي تترتب عليه آثاره.
هل التجشؤ أو التثاؤب له ذكر معين؟
لا أعرف لهما ذكر معين.
يقول هنا: هل يجوز شراء العرائس للبنات الصغيرات لتلعب بها؟
(5/25)
العرائس إن كانت كما جاء في النصوص من أن البنات في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- ومنهن عائشة يتخذن العرائس من العهن، وجاء توضيحها في كتب الشروح أنها عبارة عن وساد كبير في رأسه وساد صغير، ليس فيها أكثر من هذا، يعني العرائس في السابق هي قريبة من هذه الصورة، ولا شيء أكثر من ذلك، ما في شيء هنا ولا في شيء هنا، هذه العرائس التي يتمرنون عليها، يتمرن عليها البنات، أما العرائس الموجودة في الأسواق الآن فهي من أشد التصوير مضاهاة لخلق الله، والذي في تقديري أنها هي الصور المجسمة المجمع عليها، وتزيد عما ذكره أهل العلم من الصور المجسمة أن فيها مشابهة كبيرة لخلق الله، ومضاهاة يعني شيء من الدقة بحيث تكون المشابهة أقوى مما كان ذي قبل بحيث إذا أضجعت أغمضت عينيها، وإذا أجلست فتحت عينيها، إذا حركت ابتسمت، وإذا صفق لها أو ضرب لها على شيء رقصت، وتدور وبيدها مكبر تغني وترقص، هل هذه من العرائس التي كانت في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام-؟! لا والله ليست منها، بل هذا هو التصوير المجمع على تحريمه، وبعض الناس يركب شيء على شيء، يركب شيء يجعله لشيء آخر، فالمرأة إذا ألبست ثوب رجل لا تنقلب رجل، والعكس، والعبرة بحقائق الأمور لا بأسمائها.
يقول: ما حكم اللباس القصير للبنات وأعمارهن ثمان أو تسع سنوات؟
(5/26)
لا يجوز، أهل العلم يتسامحون في السبع فما دون، بالنسبة للعورات يتسامحون في السبع فما دون للذكور والإناث، مع أن السبع فما دون هذا مرده إلى الفتنة وتعلق الرجال بها، فإذا وجد من يتعلق بها من الرجال لا سيما في أوقاتنا التي نعيشها وذوات السبع بل ذوات الخمس أحياناً تضاهي بنت عشر قبل سنين، فالعبرة بما يثير الفتنة عند الرجال، وأما أم تسع هذه امرأة، وليست بطفل، وعائشة تقول: إذا بلغت البنت تسعاً فهي امرأة، وهذه لا يجوز بحال أن تلبس القصير، علماً بأن من كانت في السنة الأولى أو الثانية أو الثالثة المتجه ألا تلبس القصير؛ لتتربى على الحشمة؛ لأنه ما في فرق بين ثلاث وأربع، تستمر أربع، وإذا جاءت الرابعة قالوا: ما زالت طفلة، الخامسة ويش الفرق بينها وبين أربع؟ إلى أن تصل إلى حد تستمري فيه هذا الأمر، وما وجد مثل هذه المناظر التي يندى لها الجبين بين نساء كبار من تبرج إلا التساهل في أول الأمر، ولو أطر الناس على الحشمة والستر من أول الأمر ما تساهلوا في آخره، والذي يتساهل في أول الأمر في الغالب أنه لا يعان على الأطر في آخر الأمر.
يقول: إذا دخل إنسان حلقة علم فهل يجلس للاستماع أم يصلي ركعتين تحية المسجد؟
أما إذا كان في غير وقت النهي فليصل الركعتين، وإذا كان في وقت نهي وتردد هل يفعل لا سيما الموسع أو لا يفعل فليرجح الجلوس.
يقول: امرأة من عادتها الوضوء كل وقت إذا انتقضت طهارتها، ولو لم يكن وقت صلاة، وأحياناً تصلي ركعتي الوضوء، وأحياناً لا تصلي، فهل تعتبر مخالفة للسنة إذا لم تصل ركعتي الوضوء؟
لا ليست مخالفة للسنة إنما هذا خلاف الأولى.
وكذا بكثرة وضوئها ولو لم يكن وقت صلاة؟
ينبغي أن يكون المسلم باستمرار على طهارة إذا لم يشق عليه ذلك، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(5/27)
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: المحرر – كتاب الصلاة (6)
الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
يقول: هل تجزئ صلاة النافلة إذا دخل وقت الصلاة الأخرى، فمثلاً صلاة سنة المغرب بعد أذان العشاء؟
إذا شغل عنها الإنسان يقضيها بعد خروج وقتها، وإلا لو خرج الوقت انتهى وقتها، وفعله لها بعد خروج الوقت قضاء، فإن كان قد شغل عنها فيقضيها.
ما القول الراجح في صلاة الكسوف والخسوف؟
نقل النووي الإجماع على أن صلاة الكسوف سنة، مع أن الأمر: ((فإذا رأيتموهما فصلوا)) وأبو عوانة في مستخرجه يقول: باب وجوب صلاة الكسوف، وعلى كل حال هي سنة مؤكدة، والتأثيم يحتاج إلى نص قاطع بعد قوله: "هل علي غيرها؟ " قال: ((لا إلا أن تتطوع)) هذه حجة الجمهور.
وكيف يقضي الصلاة من فاتته الركعة الأولى من الأربع ركعات؟
يعني من صلاة الكسوف أربع الركوعات، الركعة تدرك بالركوع الأول، فإذا فات الركوع الأول فاتت الركعة بكاملها، وتقضى على صفتها.
ما هي المصارف التي تصرف فيها الأموال المكتسبة من أسهم محرمة؟ وهل يجزئ صرفها في المساجد وقضاء الديون؟
هذه أموال خبيثة تصرف في مصارف خبيثة في مجاري، في دورات مياه، وما أشبه ذلك، ووضعت في أعلاف لدواب ونحوها؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((كسب الحجام خبيث)) ثم قال: ((أطعمه ناضحك)) تصرف في أعلاف المواشي أو المصارف الخبيثة كدورات المياه والمجاري وشبهها.
هل يجوز صرفها في المساجد؟
لا؛ لأن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، وقضاء الديون كذلك، قضاء الديون صح نعم هو أخف من الأكل؛ لكنه يبقى مع ذلك أن المحرم لا تقضى به الديون، إنما تقضى به أموال الشبهة، شيخ الإسلام يقول: مال الشبهة تقضى منه الديون، أما صريح التحريم فلا.
هل الدرس مستمر شهرياً؟ وما هو وقت الدرس؟
الأصل أنه على الاتفاق الأول شهري، لكن قد لا تمكن الظروف من الوفاء.
يقول: كيف نجمع بين قول الله -جل وعلا-: {إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} [(12) سورة الحجرات] ((وتجاوز عن أمتي ما حدثت به)) هل يدخل فيه حديث النفس؟
(6/1)
الظن أقوى من حديث النفس، وهو احتمال راجح، فإذا وصل إلى حد الظن يعني مجرد ما يتردد بالنفس، فهذا فما دونه من الخاطر والهاجس هذا كله معفو عنه.
مثال: إذا شخص ظن في شخص آخر سوءاً، ومفهوم قوله تعالى: {اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} [(12) سورة الحجرات] اجتنبوا كثير فمعناه أن قليلاً من الظن لا يجتنب، لا سيما إذا دلت القرائن المؤيدة لهذا الظن وقويت فإن مثل هذا لا يجتنب.
يقول: ذكرت لفظ "جنس العمل" وقد قال بعضهم: إن أول من ابتدعه الشيخ سفر الحوالي، وما رأيكم في ... إلى آخره.
شيخ الإسلام قرر أن جنس العمل شرط في صحة الإيمان في كتاب الإيمان، المجلد السابع من مجموع الفتاوى.
يقول: نريد تكثيف الدروس في مكة، فالدروس لنا قليلة جداً بالنسبة للرياض.
هذا أمر عادي أن تكون قليلة بالنسبة للرياض؛ لأن الرياض مساحته كبيرة جداً، وسكانه أكثر بكثير، وتوافر أهل العلم أيضاً فيه أكثر، علماً بأن الدروس يعني بالنسبة للحرم في دروس -ولله الحمد-، المشايخ الموجودين فيهم كثرة، وأساتذة الجامعة والقضاة، لكن قد لا يجدون من يلح عليهم، ويحملهم المسئولية.
هل يجوز لمن استودع مبلغاً من المال للصدقة هل يجوز أن يأخذ شيئا ًمنه مع نية الضمان للحاجة؟
الأصل أنها أمانة لا يجوز أن يتصرف فيها، لكن إذا غلب على ظنه أو جزم برده وقت الحاجة إليه بدلاً من أن يبقى دون أن يستفاد منه لا سيما في أمور طارئة يحتاج شيء وفي جيبه مائة ريال مثلاً للصدقة أعطيها ليتصدق بها على فقير، وعنده في حسابه مائة ريال، ما يلزم أن يقول: اذهب اصرف مائة ريال، واترك هذه التي في جيبك، أنفق هذه المائة، وبعد ذلك عوضها في أقرب وقت، أما من كان ليس لديه وفاء فإن هذا يحرم عليه أن يتصرف؛ لأنه يعرض هذه الصدقة للخطر.
(6/2)
يقول: كان أبي مريضاً مرضاً خطيراً وأجرى عملية على الأمعاء، وفتحت له فتحة في جنبه، تخرج منها النجاسات في كيس باستمرار، فوجدته توقف عن الصلاة؛ لأنه رأى أن النجاسة تخرج باستمرار، فأمرته بالصلاة على حاله، فيصلي صلوات كثيرة بلا طهارة، ثم علمت أنها لا تسقط عليه لحديث المستحاضة، فأتيته بحجر يتيمم به؛ لأنه كان ملازماً للفراش، فماذا عليه بالنسبة للصلوات التي صلاها بلا طهارة ماء ولا تيمم بناءً على ما أفتيته به؟
إن كنت ممن تبرأ الذمة بتقليده فلا شيء عليه، وإن كنت ممن لا تبرأ الذمة بتقليده فعليك أن تتقي الله -جل وعلا-، وهو يعرف ذلك أنك ممن لا تبرأ الذمة بتقليده عليه أن يقضي هذه الصلوات، وعليه أن يتطهر حسب الإمكان، وأما إيقاف النجاسة فحكمه حكم من حدثه دائم يصلي ولو خرجت النجاسة.
يقول: ألا يمكن أن نجمع بين حديث عائشة -رضي الله عنها- وقولها: "كن نساء المؤمنات يشهدن مع النبي -صلى الله عليه وسلم- صلاة الفجر متلفعات بمروطهن" إلى أن قالت: "لا يعرفهن أحد من الغلس" وحديث: ((أصبحوا بالصبح فإنه أعظم لأجوركم)) أن النبي -صلى الله عليه وسلم- يبين أن الإمام يجب أن يراعي حال الناس، فتارة يصلي الفجر بغلس، وتارة يصبح بها، وذلك بحسب طول الليل وقصره، خصوصاً في أوقات الصيف والشتاء لرفع المشقة عن الناس، حيث يطول الشتاء ويقصر الصيف، فيصلي شتاءً بغلس، وصيفاً يصبح بها؟
على كل حال كل هذا وهذا يدل على أنه يبادر بها في أول وقتها، إنما قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((أسفروا)) ((أصبحوا)) هذا يدل على التأكد من دخول الصبح؛ لأنه ما دام يصليها بغلس، وجاء في صلاته في مزدلفة أنه صلاها قبل وقتها، قد يظن ظان أنه لا مانع أن تصلى قبل دخول وقتها؛ فلئلا يتطرق مثل هذا الفهم قال: ((أصبحوا)) و ((أسفروا)).
يقول: وقت الدرس مناسب جداً لأن البعض يكون في مناطق بعيدة جداً عن مكة على خمسمائة كيلو، أنا منهم، وعندما تأتينا الرسائل بوجود درس نتقطع حزناً وألماً؛ لأننا غير موجودين بمكة لظروف تعيين المدرسين في شتى مناطق المملكة، ونطلب من إخواننا الصبر والاحتساب على الوقت، والله المستعان.
(6/3)
يريد أن يقتصر الدرس على الصيف فقط في مثل هذه الأيام من كل سنة، أسبوعين، عشرة أيام يكون فيها ستين حديث مثلاً، فيحتاج الكتاب إلى كم؟ إلى عشرين سنة، يحتاج إلى عشرين سنة، على كل حال المسألة تسديد ومقاربة، ومن فاته شيء فالتسجيل موجود، وأيضاً مسألة الاستفادة من الآلات من الإنترنت وغيره ممكنة، فإذا أضيف إلى مثل هذا الدرس درسين مثلاً درس في الفصل الأول، ودرس في الفصل الثاني يكون ثلاثة أيام بثلاثة أيام يمشي الكتاب -إن شاء الله-.
يقول: تقرر الأذان من النبي -صلى الله عليه وسلم- برؤية عبد الله بن زيد، فهل من تأصيل شرعي موجز لمسألة تعبير الرؤى والأحلام، لا سيما مع انتشارها في هذه الأيام بكثرة؟
(6/4)
ما يسمع ويشاهد في هذه الأيام من اتخاذ بعض الناس التعبير مهنة يتكسب من ورائها، ويتفرغ لها، ومثل هذا الرقية، التعبير له أصل شرعي، والرقية لها أصل شرعي، لكن ما عرف في عهد سلف هذه الأمة من يتفرغ لهما، فالعمل الذي له أصل شرعي لا يمكن منعه بالكلية، لكن يمكن ترشيده وتصحيحه، فالرقية لها أصل، وليس معناها أن الإنسان يجلس يتكسب من ورائها، ويترك الأعمال، ويعطل نفسه ويعطَل ولا يستفاد منه، هذا لا أصل له في هذه الملة، وكذلك الرؤى، النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا صلى الصبح التفت إلى الصحابة وقال: ((هل رأى أحد منكم رؤيا؟ )) لكنه معصوم، هذا خاص به -عليه الصلاة والسلام-، ولذا لم يفعله لا أبو بكر ولا عمر، ويحتجون بأن ابن سيرين عرف بتعبير الرؤى، إذا كان أبو بكر -رضي الله عنه- أفضل الأمة بعد نبيها -عليه الصلاة والسلام-، وقال له النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((أصبت في شيء وأخطأت)) فحصل منه الصواب من وجه، والخطأ من وجه، فكيف يظن بمن دونه أنه لا يخطئ؟ ومن نصب نفسه للإجابة على كل رؤيا فقد رشح نفسه أنه لا يخطئ، وقد زكى نفسه في هذا الباب، فعلى الإنسان أن يتقي الله -جل وعلا-، وهناك أشياء أحلام أضغاث لا تؤول، ولا أول لها ولا آخر، بل وجد من عبر بعض الرؤى المختلقة، مختلقة لا حقيقة لها، فتراهن اثنان، وقال: نبي نسأل فلان عن رؤيا وهي لا حقيقة لها، يختلقونها هم، يقولون: رأينا كذا وكذا، فما تأويلها؟ فأولها لهم، فمثل هذا لا شك أنه استرسال ممنوع.
يقولون: إن ابن سيرين عرف بتعبير الرؤى، أقول: ما أثر عن ابن سيرين في هذا الباب في جميع عمره قد يتصدى له بعض الأشخاص في يوم واحد، ويتعاونون مع الهاتف، في الهاتف الذي بأجرة، ويسلبون الناس بهذا الطريقة، ولا شك أن هذا من أكل أموال الناس بالباطل.
هل المراد بسماع الأذان الضابط في هذا أن يكون بدون مكبر؟
(6/5)
نعم أن يكون بدون سبب يوصل الصوت، وبدون مانع يمنع منه، المسألة مفترضة بدون مكبر، وبدون سيارات ومصانع وإزعاج وهدم وبنيان، وصخب ولغط، لو كان بدون مكبر الذي في هذا الشارع ما يسمع الأذان، وما هو عنه إلا عشر خطى، ما يسمع الأذان، بدون مكبر مع هذه الموانع، فالمسألة منظور إليها أن تكون بدون أسباب مبلغة من مكبرات وغيرها، وبدون موانع، ومن كان على المسجد مسافة كيلوين فقط يسمع الأذان الطبيعي بدون مكبر وبدون موانع فلا يغلق الإنسان النوافذ، ويشغل المكيفات، ويعمد إلى أنواع من المكيفات لها أصوات يقول: أنا والله ما أسمع النداء.
هذا يقول: تضطرني زوجتي للحلف بالله شفاهية، أو على المصحف بعدم فعل بعض الأمور، فمثلاً الزواج عليها، أو فعل بعض الأمور التي يضمر السائل نيته فعلها، فما حكم ذلك الحلف؟ وما هي الكفارة؟
تضطرك زوجتك بالحلف بالله ألا تتزوج عليها أو ألا تفعل كذا، إذا حلفت وفي نيتك أن تفعل هذا لا كفارة له، أعظم من أن يكفر، وإن كان في نيتك ألا تفعل، ثم رأيت الخير والمصلحة في فعلك ما حلفت عليه، فكفر عن يمينك، وائتِ الذي هو خير.
هذه من الإمارات تقول: في بعض الأحيان نقلد أصوات بعض المؤذنين فيما بيننا، فهل يجوز لنا ذلك ونحن نساء؟
نعم بعض النساء تقلد بعض أصوات المقرئين، فتقول: هل هذا من التشبه بالرجال؟
أولاً: تقليد الصوت له أكثر من مغزى، قد يكون من باب الإعجاب بالشخص نفسه، وقد يكون من باب الإعجاب بصوته، هذا الذي لا يختص به الرجال؛ لأن القرآن يشترك فيه الرجال والنساء، وتحسين الصوت مطلوب من الجميع، وأداء القرآن على الوجوه المعتبرة عند أهل العلم، وعلى الوجه المأمور به شرعاً يشترك فيه الرجال والنساء، فليس هذا من باب التشبه، لكن إن كان تقليد هذا الرجل إعجاباً بشخصه فيمنع من هذه الحيثية، وإن كان من باب الاستخفاف به؛ لأن بعض الناس يقلد بعض القراء وبعض المؤذنين وكذا من باب التندر به، ومثل هذا لا شك أنه من المنهي عنه.
(6/6)
قد يختلف الأذان عن قراءة القرآن؛ لأن المرأة ليس عليها أذان، فإذا قرأت القرآن تتعبد به بقراءة شخص أعجبتها قراءته؛ لأنه على الجادة فمثل هذا لا شيء فيه، لكن إذا أذنت مثل أذان الحرم، أو مثل أذان كذا أو كذا، والمرأة ليس عليها أذان فمثل هذا إن سلم من عيب المؤذن أو شينه وهو التندر بصوته، أو الإعجاب بشخصه فهو خلاف الأولى.
انتشر الآن وضع بعض المقاطع من الأذان في بعض البرامج، فهل يجوز؟ وهل يجوز تشغيل الأذان في غير وقت الأذان؟
أما الأذان الكامل بجمله الكاملة لا يجوز وضعه في أي برنامج؛ لأنه قد يُرفع هذا الأذان في غير وقته الشرعي، ولغير القصد الشرعي من دخول الوقت، أو قرب الصلاة، فهذا يمنع؛ لأنه لو أن إنساناً أذن بعد الصلاة، سلم الإمام ثم قام شخص فأذن في غير وقته، قلنا: هذه بدعة، أما وضع بعض جمل الأذان لا الأذان بكامله ولا على ترتيبه من أجل أن يكون بديلاً عن النغمات أو غيرها، أو لأنه ذِكر، فهذا الأمر فيه أسهل، لكن يبقى أنه لو وضع منبه ينبه الإنسان أن يذكر الله كلما غفل أفضل من هذا، وهناك أصوات تصدرها الجوالات لا محظور فيها.
ما الدليل على تحريم النظر إلى الصور؟ وهل كان النظر إلى الأصنام محرم وهي صور؟ وجزاكم الله خيراً؟
أولاً: النظر إلى الأصنام نظر إلى حجر، فهل إساف يثير النساء؟ وهل نائلة تثير الرجال؟ مجرد حجر منصوب.
طالب:. . . . . . . . .
هي صور وتماثيل؛ لكن هل هي من الدقة بحيث تثير الناظر؟ أبداً.
النظر إلى الصور العلة فيها هي العلة في تحريم النظر إلى الأشخاص بحقائقهم، والأمر بغض البصر بالنسبة للمرأة كالأمر بغض البصر بالنسبة للرجل.
يقول: في بلادنا متنزهات مختلطة، فوالدتي تصر على أن نخرج مع أخواتي للترفيه عن أنفسنا إلى هذه المتنزهات، وهي مختلطة، فهل يجوز أن أذهب معهم؟ وإذا لم أذهب والدتي تغضب علي، وقد تشتمني وتدعو علي؟
اختلاط الرجال بالنساء وتعريض النساء لأن يفتتن بهن النساء والعكس هذا أمر محرم؛ لأنه يؤدي إلى محرم، والطاعة بالمعروف، فإذا أمر الإنسان بما حرم الله عليه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
(6/7)
ماذا يعمل الإنسان حتى لا تكون الدنيا أكبر همه، حيث فتحت علينا هذه الدنيا، وانشغلنا بها؟ فهل من نصيحة توجهونها؟
على الإنسان أن ينظر إلى الهدف الذي خلق من أجله، الإنسان والإنس إنما خلق لتحقيق العبودية، فعليه أن يسعى لتحقيق هذا الهدف، مع أنه لا ينسى نصيبه من الدنيا، فلا يسترسل في أمور دنياه حتى ينسى ما خلق من أجله.
يقول: هل الخروج في سبيل الله بدعة أم سنة أم جائز؟
الخروج في سبيل الله إن كان القصد به إلى الجهاد، إلى الحج، إلى العمرة، إلى طلب العلم هذا سنة، أما الخروج إلى المباحات ... ، أيضاً الخروج إلى الدعوة، الدعوة ضرب من الجهاد، لكن تحديد وقت معين كما حدد لموسى مثلاً أربعين يوم، أو كما كان يتعبد النبي -عليه الصلاة والسلام- يتحنث في غار حراء، هذه بدع، هذه لا شك أنها بدع، لا أصل لها في الشرع، إنما يخرج كيفما اتفق، يخرج يدعو إلى الله، ومتى انتهت مهمته يرجع، يخرج إلى الجهاد متى انتهت مهمته يرجع، يخرج إلى الحج متى أدى الفريضة رجع، هذه كلها في سبيل الله، ولطلب العلم متى أخذ نصيبه وما يحتاجه من العلم يرجع {فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ} [(122) سورة التوبة] هذه أمور مشروعة، لكن يحدد له نخرج ثلاثة أيام من أجل كذا، نخرج أربعين يوم من أجل كذا، هذا كله بدعة لا أصل له في الشرع، هذا إذا كان المقصود منه تأصيل هذه المسألة شرعاً بتحديد أربعين ليلة بالنسبة لموسى، أو التحنث في الغار، أو ما أشبه ذلك، أما إذا كانوا حددوا مدة السفر نسافر لمدة شهر من أجل أن يرتبوا أمورهم، عند بعضهم أعمال بعد ما يعود، فيحتاج إلى أن يحدد وقته، والله أنا أروح لمكة لمدة أسبوع أعتمر وأتعبد هناك، يقال: بدعة وإلا لا؟ لا، ليرتب أموره، لكن لو تعبد بهذه المدة قلنا: ابتدعت، لو تعبد بها قلنا: ابتدعت.
يقول: إذا كانت المرأة تصلي لوحدها، فهل تقيم الصلاة؟ وكذا إذا أمت أخواتها؟
المسألة خلافية بالنسبة للمرأة في الأذان والإقامة، والخلاف في الأذان أقوى، بمعنى أنه لا يلزمهم الأذان، وجمع من أهل العلم يرون أنه لا إقامة عليها.
(6/8)
يقول: وهل تجهر بالإقامة؟ ثم تقول: في بعض البلدان الإسلامية يكون الأذان عبر المسجل يعني يكون تسجيل، فكيف يكون الترديد معهم؟
الأذان لا يخلو إما أن يسمع من صوت المؤذن مباشرة بدون واسطة، هذا هو الأصل فيه، وهو الذي يردد وراءه، ويقول مثل ما يقول المؤذن، أو يكون بواسطة آلة إما راديو وإلا مسجل وإلا .. ، فإن كان المسموع بالراديو مثلاً حي على الهواء، الآن المؤذن يؤذن بالفعل، فأنت تردد وراءه؛ لأنه مثل مكبر الصوت، أما إذا كان تسجيل، هذا أذان سجل ويردد، هذا ما يردد خلفه.
يقول: أختي تقدم بها العمر، وإذا جاءها المعدد ترفض الزواج منه؛ لأنها تخاف أن يجور في حقها، فهل يجوز لها أن ترد المعدد لهذا السبب؟ وما نصيحتكم للنساء عامة حول هذا الأمر، والتساهل في الرفض والقبول للخاطب في بداية العمر؟
على كل حال إذا ردت المعدد لأن عندها من الغيرة على نفسها ما تخشى أن تضيع به حقوق الزوج، أو تبغي على غيرها هذا مبرر؛ لكن لتعلم أن المسألة عرض وطلب، يعني إذا فاتها مثل هذا المعدد، لا سيما إذا تقدم بها العمر من تأمل أن يأتيها؟ فإذا خشيت أن تبقى بلا زوج تقبل ولو معدد، وإذا لم تخش ذلك والأمر إليها إذا كانت مكلفة عاقلة رشيدة، تزن الأمور بموازين الشرع، علماً بأنه إذا جاء الكفؤ لا يجوز رده إلا بمبرر، فإذا خشيت أن تزداد غيرتها على زوجها فيحصل من وراء ذلك الظلم والبغي على غيرها فلها أن ترفض؛ لأن هذا مبرر شرعي، فعلى المرأة أن تتحين الفرص لئلا تفوت.
يقول: يوجد على شبكة الإنترنت مجموعة من الرافضة، ينشرون معتقداتهم عن طريق الفتيات، لكي يوقعوا الشباب الغافل، وللأسف فقد ترفض الكثير من الشباب، فما قول فضيلتكم؟
إيه.
طالب:. . . . . . . . .
لا، المرسل محب الله تعالى.
(6/9)
على كل حال الدعوة كل يزاولها، والنصرانية لها من يدعو لها، ومدعومة بقوة، والتشيع له من يدعو له، ومدعوم بقوة، وأهل السنة يدعون، وهناك دعاة على أبواب جهنم، فليحذر الإنسان من الاستجابة لهم، ولهم طرقهم ووسائلهم وإغراءاتهم، الدعوة إلى النصرانية وإلى غيرها ودعوة المسلمين إلى الشك في دينهم وللانسلاخ منه هذه قديمة، فعلى الإنسان أن يحتاط لنفسه، ولا يعرض نفسه لهذه الأمور، فإذا كان ليست لديه القوة العلمية بحيث يستطيع الرد على هؤلاء لا يجوز له بحال أن يسمع شبهاتهم.
يقول: حكم لبس النساء لعباءة الفراشة حتى انتشرت بين النساء الصالحات، فصاروا يلبسونها؟
الفراشة هي مثل العباءة المخصرة من وجه، وشكلها من بعيد مثل العباءة الواسعة، بحيث إذا رفعت المرأة يديها صارت بقدر يديها، إلا أنها خيطت على قدر الجسم، وترك الباقي لا قيمة له، يهتز لا قيمة له، فلكونها تصف الجسم وتحدده هي في حكم المخصرة التي يقول أهل العلم بتحريمها؛ لأنها تكشف وتفصل الجسم.
هذه أيضاً أم فيصل تقول: هي مقصرة جداً في قراءة وتلاوة القرآن، وأنها منشغلة عنه، ولا يوجد عندها وقت، فكل وقتي يذهب بخدمة زوجي والأولاد، فماذا تنصحونني؟ وإذا فاتت السنن الرواتب بعذر هل تقضى؟
أما بالنسبة لتلاوة القرآن فإنها لا تعوق عن أي عمل من أعمال الدنيا أو أعمال الآخرة، فالمسلم إذا صلى صلاة الصبح وجلس ينتظر طلوع الشمس، وهو ليس لديه أي عمل في هذا الوقت، إلا إن كان يريد النوم فهذا حرمان، فإذا جلس ينتظر الصبح، وقرأ ورده وحزبه اليومي في هذا الوقت كفاه، يقرأ أربعة أجزاء ليقرأ القرآن في سبع، وهذا أمر ميسور ومتيسر لكل أحد، لكن الحرمان، وبعض الناس يرى أن قراءة القرآن على الفراغ، على الفرغة، يعني إن تقدم إلى الصلاة قبل الإقامة بخمس دقائق عشر دقائق قرأ وإلا فلا، تجده يمر عليه اليوم واليومان والثلاثة ما فتح المصحف هذا محروم بلا شك، فإذا ضيع القرآن ماذا يبقى له.
وأما انشغالها في خدمة زوجها وأولادها فهذه هي وظيفتها الطبيعية، هذه وظيفتها الأصلية، فعليها أن تهتم بها، لكن مع ذلك لا تنسى الدين الذي من أجله خلقت.
إذا فاتت السنن الرواتب بعذر هل تقضى؟
(6/10)
نعم إذا شغل عنها الإنسان يقضيها في غير أوقات النهي، إلا راتبة الصبح القبلية فإنه يقضيها بعد الصلاة.
يقول: هل يجوز للرجل أن ينظر لخطيبته أكثر من مرة إذا لم تكفه النظرة الأولى؟ وما العمل إذا كان أهلها يرفضون النظر إليها في المرة الثانية؟ وهل يجوز لي أن أكلمها واسألها بحضور وليها؟ إذا عزم الإنسان على خطبة فتاة فهل يجوز له أن ينظر إليها دون أهلها؟
أما بالنسبة للنظر فهو شرعي، وجاء الأمر به، والمصالح المترتبة عليه لا شك أنها ملموسة ومحسوسة، لكن ليس معنى هذا أن يتفكه بالنظر إلى بنات المسلمين، يأتي أول مرة يقول: والله ما انتبهت أعيد النظر، ثم يأتي ثالثة يقول: والله ما حطيت بالي، أعيد النظر، لا، لا، النظر مرة واحدة، وعليه أن ينتبه لكل شيء، وإذا لم يتمكن يقول: تعاد مرة ثانية في نفس المجلس، إذا استحيا ولم يتمكن من النظر، أو استحت هي وأطرقت، وما تمكن من نظرها لا مانع من أن تدعى ثانية، أما كلما عنَّ له أن ينظر إليها قال لوالدها: أنا ما تمكنت أو نسيت؛ لأن بعضهم إذا خرج من البيت نسي الملامح، تقرر أنت الآن في وقتك قرر.
يجوز له أن ينظر إليها من غير علمها إذا عزم على التقدم إلى أهلها وخطبتها، ويجوز له أن ينظر إليها إذا لم يكن بعلمها يتخبأ لها في مكان بحيث لا يخلو بها، كما قال جابر: "كنت أتخبأ لها" فلا يلزم علمها ولا علم والدها.
أم سهلة السلفية من فرنسا تقول: ما هي الأمور المعينة على طلب العلم الشرعي؟
الأمور المعينة على طلب العلم الشرعي أولاً: استحضار النية الصالحة الخالصة لله -جل وعلا-، واستحضار النصوص التي تحث على طلب العلم، وتبين منزلة العلم، وأهل العلم، هذه لا شك أنها معينة على الطلب، وسائق حادي إليه، ثم بعد ذلك التماس الطريق على الجادة المعروفة عند أهل العلم يسهل أيضاً التحصيل.
يقول: بما أننا الآن في شهر رجب من الأشهر الحرم، فهل لكم أن تذكرونا بعظم هذا الشهر، حيث يكثر فيها وفي غيرها من الشهور التساهل والتهاون عند كثير من الناس من المعاصي والمنكرات، وانتشار البدع كالعمرة الرجبية وغيرها فنرجو ... إلى آخره؟
(6/11)
لا شك أن شهر رجب وسائر الأشهر الحرم أشهر معظمة شرعاً، فلا يجوز للإنسان أن يظلم نفسه فيها، أو يظلم غيره، فعليه أن يكثر مما شرع الله له ولا يبتدع، لكن عليه أن يكف عن المعاصي، والكف عن المعاصي مطلوب في كل وقت، لكنه يزداد تأكده في مثل هذه الأشهر الحرم.
وأما بالنسبة للعمرة في رجب فقد قال ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- في الصحيح: "إن النبي -عليه الصلاة والسلام- اعتمر في رجب" وأنكرت عليه عائشة -رضي الله تعالى عنها- وأن النبي -عليه الصلاة والسلام- اعتمر أربع عمر، وجميع هذه العمر كان ابن عمر معه فيها، وأنه لم يعتمر في رجب قط.
وقفنا على حديث أبي محذورة؟
طالب: أيوه يا شيخ.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"وعن أبي محذورة" واسمه أوس كما قال ابن عبد البر وغيره، وابن أوس ابن مسبر "-رضي الله تعالى عنه- أن نبي الله -صلى الله عليه وسلم- علمه الأذان: الله أكبر الله أكبر" يعني بالتثنية، الله أكبر الله أكبر، جاء في حديث عبد الله بن زيد: بتربيع التكبير من غير ترجيع.
أولاً: أبو محذورة خرج مع فتية من قريش بعد فتح مكة إلى حنين، فسمعوا المؤذن يؤذن، فصاروا يقلدونه استخفافاً واستهزاءاً، فسمع النبي -عليه الصلاة والسلام- أذانهم، وقال: إن فيهم شاب صوته جميل وندي ائتوني به، أو ائتوني بهم، فأذنوا أمامه، فلما أذن أبو محذورة قال: ((اجلس)) فمسح على رأسه وبرك عليه، وعلمه الأذان.
(6/12)
"أن النبي -صلى الله عليه وسلم- علمه الأذان" ألقاه إليه بنفسه، وليس في هذا أدنى عيب ولا ضير أن الكبير يعلم الصغار، تجد بعض الناس يؤتى له بمن يلقن الشهادة ليدخل الإسلام فيقول: روح لمدير المكتب يلقنك، ويكتب المعلومات وأنا أختم، هذا حرمان هذا، كثير من الكبار يأنف من تلقين الصبيان القرآن، نعم قد يكون وقته والاستفادة منه من قبل الكبار أكثر من إفادة الصغار، لكن مع الأسف أننا لا نجد إلا في القليل النادر من يعلم القرآن من الكبار، يعني هل تجدون شيخ من الكبار جالس ليعلم الناس القرآن؟ أو يقول: القرآن حفظ وتلاوة واستماع وتقويم، يتقنه بعض الشباب أكثر من الكبار ويتولونه، ويتفرغ الكبار للعلم ومسائل العلم العظام، أنا أقول: لا أعظم من القرآن، ما نعرف أن أحد من حملة الشهادات يجلس لإقراء الناس القرآن إلا ما ذكر عن بعض الأساتذة في الأحساء، وهذه لا شك أنها مما يحمدون عليها، ويشكرون عليها، أما الكبار يتفرغون للتفسير والحديث والفقه والعقيدة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- علم أبا محذورة الأذان، ما قال يا بلال علمه الأذان.
"إن نبي الله -صلى الله عليه وسلم- علمه الأذان، الله أكبر الله أكبر" بالتثنية، بدل التربيع الذي في حديث عبد الله بن زيد، ولذا ينصون الرواة في حديث عبد الله بن زيد بتربيع التكبير بغير ترجيع؛ لأن في حديث أبي محذورة التثنية والترجيع، ليكون أذان بلال مختلفاً عن أذان أبي محذورة.
"الله أكبر الله أكبر" بالتثنية "أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمدا رسول الله، ثم يعود فيقول: أشهد أن لا إله إلا الله مرتين، أشهد أن محمداً رسول الله مرتين" هذا الترجيع، يأتي بالشهادتين بصوت منخفض، ثم يرجع إليهما بصوت مرتفع، هكذا علم النبي -عليه الصلاة والسلام- أبا محذورة، فالترجيع مشروع، وهو نوع من أنواع الأذان، فليكن أذان عبد الله بن زيد نوع، وأذان أبي محذورة نوع، والاختلاف بينها كاختلاف التنوع، مثل دعاء الاستفتاح، ومثل صيغ التشهد وما أشبه ذلك، فيقال هذا أحياناً وهذا أحياناً.
(6/13)
منهم من يقول: إن الترجيع ليس بمشروع، وإنما ألقاه على أبي محذورة ليقول الشهادتين مع خفض الصوت وبتدبر منه من أجل أن يتمكن الإسلام من قلبه؛ لأنه الآن جديد، دخل في الإسلام الآن؛ لأنه قبل قليل كان يستهزئ، يؤذن استهزاء بالمؤذن، من أجل أن يتمكن الإسلام من قلبه، قال: تأتي بالشهادتين بصوت منخفض ثم ترفع صوتك بهما تكميلاً للأذان وإتماماً له، لكن استمر أبو محذورة على هذا، يؤذن في المسجد الحرام هكذا بالترجيع، فالترجيح مشروع.
يأتي بالشهادتين سراً، ثم يأتي بهما علانية، هل يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله سراً، ثم يرفع صوته، أو يقول الجمل الأربع: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله، ثم يرفع صوته بالجمل الأربع؟
الحديث يقول: "أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله، يعني الجمل الأربع، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله، ثم يعود فيقول ... إلى آخره، فيأتي بالجمل الأربع سراً، ثم يأتي بها جهراً، وبعض الروايات تدل على أنه يأتي بأشهد أن لا إله إلا الله مرتين سراً، ثم يرفع بهما صوته، ثم يقول: أشهد أن محمداً رسول الله سراً مرتين، ثم يجهر بهما مرتين.
حي على الصلاة مرتين، حي على الفلاح مرتين، ألله أكبر ألله أكبر ... إلى آخره، كمثل حديث عبد الله بن زيد، وليس فيه اختلاف بينه وبين حديث عبد الله بن زيد إلا تربيع التكبير مع تثنيته هنا، وعدم الترجيع في حديث عبد الله بن زيد والترجيع في حديث أبي محذورة، وقلنا: إن مثل هذا من باب اختلاف التنوع.
"كذا رواه مسلم، وقد رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه والنسائي، وذكروا التكبير في أوله أربعاً" والقصة واحدة، فهل نقول: إن التكبير مثنى وإلا رباع؟ القصة واحدة في صحيح مسلم مثنى بتثنية التكبير، وفي مسند الإمام أحمد وأبي داود والنسائي وابن ماجه بتربيع التكبير كحديث عبد الله بن زيد، وهل نجعل حديث عبد الله بن زيد شاهد لرواية الإمام أحمد وأبي داود والنسائي وابن ماجه أو ليس بشاهد؟ يصلح أن يكون شاهداً؟
(6/14)
حديث آخر، هو حديث آخر، قصة أخرى، إنما النظر في رواية مسلم مع رواية أحمد وأصحاب السنن، فهل نقول: إن ما في الصحيح أرجح أو نقول: ما في المسند والسنن زيادة والزيادة من الثقة مقبولة، وقد يكون الراوي نسي، وترك تكبيرتين، وحفظها غيره؟ فإن نظرنا إلى الترجيح فلا شك أن ما في الصحيح أرجح، علماًَ بأن القاضي عياض أشار إلى أن بعض روايات مسلم فيها تربيع التكبير، فيها تربيع التكبير، وعلى هذا يكون الترجيح في حديث أبي محذورة، التكبير أربع وإلا اثنتين؟ أربع، إذا ثبت ما قاله القاضي عياض فالتربيع مطلوب، وحينئذٍ يقال: زيادة، والزيادة من الثقة مقبولة بلا شك في مثل هذا.
"وفي رواية: وذكروا التكبير في أوله أربعاً، وفي رواية أحمد في آخره: والإقامة مثنى مثنى، لا يرجِّع" الإقامة لا ترجيع فيها، إنما الترجيع إنما هو في الأذان.
قوله: في رواية أحمد: والإقامة مثنى مثنى، وقد أمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هو لما ذكر في رواية أحمد التكبير أربع فالإقامة مثنى لعله يقصد بذلك التكبير في أول الإقامة وفي ... هاه؟ آخرها، التكبير مثنى مثنى، يعني التكبير في أول الأذان أربع، وفي آخره وفي آخر الحديث الإقامة مثنى مثنى يقصد بذلك التكبير الذي الحديث عنه، وإلا فالأصل أن الإقامة وتر؛ لأن بلال أمر أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة، ومع ذلك لا يرجع.
"وروى الترمذي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- علمه الأذان تسع عشرة كلمة" علم أبا محذورة الأذان تسع عشرة كلمة، كيف يكون الأذان تسع عشرة كلمة؟ التكبير أربع، والشهادتان كم؟ ثمان مع الترجيع، أربع وثمان ثنتي عشرة، نعم؟ والحيعلتان أربع، كم؟ ست عشرة، والله أكبر الله أكبر سبع عشرة، والختام بكلمة التوحيد تسع عشرة، رواية الترمذي تشهد لرواية أحمد وأن التكبير أربع.
"علمه الأذان تسع عشرة كلمة، والإقامة سبع عشرة كلمة" كيف تكون الإقامة سبع عشرة كملة؟ "وقال: هذا حديث حسن صحيح" والإقامة بدون ترجيع، كيف تكون الإقامة سبع عشرة كلمة؟
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
وفي ترجيع؟
طالب: لا بدون ترجيع.
إذا كان بدون ترجيع تنقص، تصير ثلاث عشرة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
(6/15)
كيف توجه هذه الراية الإقامة سبع عشرة كلمة؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
التكبيرات أربع بدون ترجيع مع إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
مع "قد قامت الصلاة" يعني تكون الإقامة على صورة أذان عبد الله بن زيد، والأذن ...
طالب:. . . . . . . . .
لكن يقول: علمه، علم أبا محذورة، هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف نوجه؟ عرفنا كيف نوجه الأذان تسع عشرة، لكن كيف نوجه الإقامة سبع عشرة؟ وقال: هذا حديث حسن صحيح.
طالب: مثل أذان أبي محذورة وزيادة "قد قامت الصلاة" مثل أذان عبد الله بن زيد، وزيادة في "قد قامت الصلاة".
لا، أذان عبد الله بن زيد بزيادة "قد قامت الصلاة"، لكن كيف علم أبا محذورة أذان عبد الله بن زيد؟ ما يتجه، وقلنا: إن تعليمه لأبي محذورة يختلف عما رآه عبد الله بن زيد، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
مو قلنا: إن الأذان تسع عشرة؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني كالأذان سواءً بسواء، كأذان أبي محذورة إلا أنه حذف الترجيع، وأضيفت "قد قامت الصلاة" ظاهر هذا، يعني كأذانه التسع عشرة، حذف الترجيع أربع جمل، وأضيف "قد قامت الصلاة" لكن هذا يختلف مع أمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة على ما سيأتي.
"وعن محمد بن سيرين عن أنس قال: من السنة إذا قال المؤذن في أذان الفجر: حي على الفلاح قال: الصلاة خير من النوم" رواه ابن خزيمة في صحيحه والدارقطني" والحديث صحيح "من السنة" إذا قال الصحابي: "من السنة" فهو مرفوع؛ لأنهم لا يريدون بذلك إلا سنة النبي -عليه الصلاة والسلام-.
قول الصحابي: من السنة أو ... نحو أمرنا حكمه الرفع ولو
بعد النبي قاله بأعصرِ ... على الصحيح وهو قول الأكثرِ
من السنة يعني المأثورة عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وتقدم لنا أن بلال رأى النبي -عليه الصلاة والسلام-، أو لما جاء إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- ذات غداة فقيل له: إنه نائم، فصرخ بلال بأعلى صوته: الصلاة خير من النوم، قال سعيد بن المسيب: فأدخلت هذه الكلمة في التأذين لصلاة الفجر، يعني بإقراره -عليه الصلاة والسلام-، فصارت من السنة.
(6/16)
إذا قال المؤذن في أذان الفجر: حي على الصلاة حي على الفلاح، قال: الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم، النوم فيه خير وإلا ما فيه خير؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
والصلاة يعني أفعل التفضيل هنا على بابها أو ليست على بابها؟ الأعرابي لما سمع هذا الكلام قال: جربناهما، يعني جرب النوم وجرب الصلاة، هذا من جهله، أقول: هل أفعل التفضيل هنا على بابها، بمعنى أن النوم فيه خير، ولو كان عن الصلاة أو نقول: أفعل التفضيل ليست على بابها، كما في قول الله -جل وعلا-: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا} [(24) سورة الفرقان] فالنار شر محض، لا خير فيها، يعني الشاطبي في الموافقات قال: في الدنيا لا يوجد خير من كل وجه، أو شر من كل وجه، إنما ذاك في الآخرة، الجنة خير من كل وجه، والنار شر من كل وجه، ثم أورد أن التفاوت في النار في دركاتها، فالذي في أعلاها وضعه خير من الذي في أسفلها، هل نقول هذا؟ أو أنه في عذاب يشغله عن أشد الناس عذاباً فهو في شر دائم؟ يعني كلام الشاطبي في الموافقات حينما قال: إنه لا يوجد في الدنيا خير من كل وجه ولا شر من كل وجه، يعني أنت افترض أن إنسان جلس صلى الصبح في جماعة، وجلس ينتظر الشمس يذكر الله إلى أن أصبح، هل فاته شيء من الخير، وفوات الخير بالنسبة له شر وإلا ما هو بشر؟ نعم فاته أبواب كثيرة من أبواب الخير، لكن أدرك ما أمر به، فهو على خير أعظم، وإذا فعل شراً أو معصية فهو في شر بلا شك، لكنه فاته شرور أعظم منه، فهو من هذه الحيثية فيه خير من وجه، لكن هل النصوص الشرعية تدل على ملاحظة مثل هذه الأمور أو لا؟ " هذه الأمور لا ينظر إليها ألبتة، ما تقول: أنا والله جالس في المسجد أقرأ القرآن وغيري يكسبون أمور الدنيا وهي خير، وأنا ضيعت، فأنا لست في خير محض، لا، أنت في خير محض على كل حال، فهنا إذا كان الصلاة خير من النوم الذي في ضمنه تفويت الصلاة، هل نقول: فيه خير أو ما فيه خير؟ لأن خير الدنيا إذا قورن بخير الدين يلغى، لا ينظر إليه.
وكل كسر فإن الدين جابره ... وما لكسر قناة الدين جبرانُ
(6/17)
فلا ينظر إلى ما يفوته من أي أمر من الأمور، ما دام على خير وجه إليه والتزم به، وعلى كلٍ من كل وجه نقول: الصلاة خير من النوم، ولا نقول: إنه يستعين بهذه النومة على عبادات أخرى، أبداً؛ لأن كل عبادة في وقتها أفضل من غيرها ولو كانت سنة، فالصلاة على كل حال خير من النوم.
يقول: "رواه ابن خزيمة في صحيحه والدارقطني".
"وعن أنس قال: لما كثر الناس" ...
قرأت هذا؟
"وعن أنس قال: لما كثر الناس ذكروا أن يعلموا وقت الصلاة بشيء" وهذا تقدم ذكره في الكلام على حديث عبد الله بن زيد "بشيء يعرفونه، فذكروا أن يوروا ناراً، أو يضربوا ناقوساً" فقالوا: النار للمجوس، والناقوس للنصارى، والبوق لليهود، فنام عبد الله بن زيد فرأى الأذان، طاف بي طائف وأنا نائم رجل، فقال: تقول: الله أكبر، يعني بيده ناقوس، فقلت: أتبيع الناقوس؟ قال: ما تفعل به؟ قال: ننادي به للصلاة، قال: أدلك على ما هو خير منه؟ تقول: الله أكبر الله أكبر ... إلى آخره.
(6/18)
الحديث فيه طي واختصار طويل، تذاكروا وانصرفوا على غير اتفاق، يعني اقتراحات ما قبلت، وانصرفوا على غير اتفاق، ورأى عبد الله بن زيد الرؤيا، ووافقه على ذلك عمر -رضي الله تعالى عنه-، فألقى الأذان على بلال، فأمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة" يأتي بالأذان شفعاً بتربيع التكبير على ما تقدم، والعدد أربعة شفع، وتثنية الشهادة، ثم تثنية الشهادة الثانية، ثم الحيعلتين شفع، ثم بعد ذلك لا إله إلا الله وتر، فالغالب شفع، وقطع الأذان على وتر لا شك أنه له أصول شرعية، ولا يخل بقوله: "يشفع الأذان" أن يكون جملة من جمله وتر؛ لأن الحكم للغالب، فغالب الأذان شفع، ويوتر الإقامة، بمعنى أن جمل الإقامة وتر على أن التكبير في أول الإقامة وفي آخرها شفع، لكن إذا قلنا بقرن التكبير صار حكم الجملتين جملة واحدة، ولذا لم يستثن من جمل الإقامة إلا الإقامة، كما في رواية البخاري وزاد: إلا الإقامة، يعني لفظ الإقامة، قال: "ويوتر الإقامة إلا الإقامة" فهل هذا الاستثناء استثناء الشيء من نفسه؟ جاء زيد إلا زيد، يوتر الإقامة إلا الإقامة، يوتر الإقامة المقصود بذلك جمل الإقامة، إلا الإقامة يعني لفظ الإقامة؛ ولأنه هو المقصود بلفظه، منها جاء شفعه للتأكيد، فأمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة، وإذا قال الصحابي: أمر فلان أو أمرنا أو نهينا لا شك أن حكمه الرفع؛ لأن الآمر والناهي هو من له الأمر والنهي، وهو من له الأمر والنهي، وهو النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولو قال ذلك الصحابي بعد النبي -عليه الصلاة والسلام- بأعصر، يعني في عهد معاوية مثلاً، وقد مر عليه الخلفاء الراشدون كلهم، فقوله: أمرنا في مسألة شرعية حكمها الرفع؛ لأن الأمر إنما يتجه وينصرف إلى من له الأمر والنهي، وهو النبي -عليه الصلاة والسلام-، لا سيما إذا كانت المسألة شرعية، وإذا قال الصحابي: أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فالرفع مقطوع به، ولا خلاف فيه، لكن دلالته على الأمر كدلالة افعلوا، قول جماهير العلماء، وهم حجة ملزمة، كما لو قال: اشفع الإقامة أو أشفع الأذان وأوتر الإقامة، دلالة هذه كدلالة هذه؛ لأن الصحابة أعرف الناس بمدلولات خطاب الشرع، وقال من قال: إن هذا
(6/19)
لا يكون حجة حتى ينقل اللفظ النبوي؛ لأنه قد يسمع كلام يظنه أمر أو نهي وهو في الحقيقة ليس بأمر ولا نهي، لكن هذا الكلام لا قيمة له؛ لأن إذا تُرك مثل هذا، تُرك فهم الصحابة الذين عاصروا النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهم أعرف الناس بلغته، وبمقاصد شريعته فمن يؤخذ قوله؟ فلا شك أن هذا قول مردود مرذول.
إذا قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((أمرت أن أسجد على سبعة أعظم)) على ما سيأتي، فالآمر له هو الله -جل وعلا-.
"متفق عليه، وزاد البخاري: "إلا الإقامة" يعني لفظ: "قد قامت الصلاة".
قال: "وعن عون بن أبي جحيفة عن أبيه أنه رأى بلالاً يؤذن، قال: فجعلت أتتبع فاه هاهنا وهاهنا يميناً وشمالاً، يقول: حي على الصلاة، حي على الفلاح" عون بن أبي جحيفة عن أبيه، ما الداعي لذكر عون؟ يعني يقال: عن أبي جحيفة -رضي الله عنه- قال: رأيت بلالاً يؤذن، جرت عادة أصحاب المختصرات الاقتصار على الصحابي فقط، لكن قد يحتاجون إلى ذكر التابعي إذا كان لذكره فائدة في الخبر، يعني يترتب عليه الذكر إما أن يكون سائل للصحابي، أو جرى له قصة مع الصحابي في الخبر، لا بد من ذكرها، يذكرونها، الآن لو قال: عن أبي جحيفة وهو وهب بن عبد الله السوائي، قال: رأيت بلالاً يؤذن فجعلت أتتبع فاه هاهنا وهاهنا، وفي قوله: "عن أبيه" أنا لا أرى داعي هنا لذكر التابعي، إنما يكفي ذكر أبي جحيفة.
في البلوغ ذكر التابعي وإلا ما ذكره؟
طالب:. . . . . . . . .
ما ذكر التابعي.
"أنه رأى بلالاً يؤذن فجعلت" هذا التفات من الغيبة إلى الخطاب "فجعلت أتتبع فاه هاهنا وهاهنا يمنياً وشمالاً" يلتفت يمنة ويسرة "يقول: حي على الصلاة، حي على الفلاح" متفق عليه.
(6/20)
"ورواه أبو داود، وفيه: "فلما بلغ حي على الصلاة، حي على الفلاح لوى عنقه يميناً وشمالاً ولم يستدر" يعني استدار برأسه، وعلى هذا تحمل روايات الاستدارة، ولم يستدر يعني ببدنه، ما استدار إلى جهة اليمين ولا إلى جهة الشمال ببدنه، وإنما لوى عنقه فقط، ويقول في الحيعلتين: حي على الصلاة، حي على الصلاة مرة ثانية على اليمين، والشمال: حي على الفلاح مرتين، أو يقول -كما قال بعضهم-: حي على الصلاة يمنياً، حي على الصلاة شمالاً، ثم بعد ذلك مثل ذلك حي على الفلاح، فإما أن يأتي بحي على الصلاة الجملتين كلاهما إلى جهة اليمين، أو يقول الجملتين كليهما إلى جهة ... ، ثم يقول: حي على الفلاح الجملتين كلتيهما إلى جهة الشمال، أو يقول هذه واحدة وهذه واحدة، وبكل منهما قال جمع من أهل العلم.
على كل حال هو يلوي عنقه يميناً وشمالاً ولا يستدير ببدنه، والفائدة من ذلك أن يسمع من على يمينه ومن على شماله؛ ليكون أبلغ في تبليغهم صوته، أعني من جهة اليمين ومن جهة ... ، لكن ماذا عن الخلف؟ الأصل أن الأذان أمام، لكن اللي خلفه لا نصيب لهم في ذلك؟ لهم نصيب وإلا ما لهم نصيب؟ يستدير إلى الخلف؟ نقول: لا، لكن في المكبرات لو وضعت السماعات على الجهات كلها ليسمع الجميع ما في إشكال وتبقى الاستدارة ولي العنق والالتفات يمنياً وشمالاً، فمع هذه المكبرات العلة معروفة؛ لكي يسمع من عن اليمين ومن عن الشمال، مع هذه المكبرات العلة ترتفع، بل قد يتحقق ما هو خلاف العلة، فإذا قال: حي على الصلاة انتهى، يضعف الصوت، وإذا قال: حي على الفلاح ضعف الصوت، فهل نقول: يستمر الحكم مع ارتفاع العلة أو نقول: الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً؟
(6/21)
هناك أحكام ثبتت لعلة، ارتفعت العلة وبقي الحكم، يعني من ذلك الرمل في الطواف، ارتفعت العلة وبقي الحكم، الخوف في قصر الصلاة في السفر ارتفعت العلة وبقي الحكم، فهل هذا منها؟ نقول: يبقى الحكم ولو ارتفعت العلة؟ أو نقول: الحكم يدور مع علته؟ أما إذا كان الحكم لا يتأثر بالعلة مع ارتفاعها فيبقى الحكم كالرمل وقصر الصلاة، لكن إذا كان يتأثر الحكم مع بقاء العلة يتأثر ضعف، العلة الآن ارتفعت، ارتفعت العلة، وما يكفي أنها بس مجرد ارتفعت، بل أثر وجود الحكم ضعف زائد في العلة، فهل نقول: يلتفت وإلا ما يلتفت؟ أو نقول: الأصل الأذان الشرعي، وفيه الالتفات، وفيه وضع الأصبعين في الأذنين، سواءً وجدت تحققت العلة أو ارتفعت أو نقصت ما علينا إلا من تطبيق الشرع؟ ماذا نقول؟ يلتفت المؤذن وإلا ما يلتفت؟ أما إن أمكنه أن يدور بمكبره يأخذ اللاقط ويلتفت، ويجمع بين الأمرين هذا هو الأصل، لكن هل ننظر إلى الحكم أو ننظر إلى العلة في مثل هذا؟
إذا نظرنا إلى الحكم التفتنا ولو زالت العلة، ولو نقصت ولو ضعفت، وإذا نظرنا إلى العلة قلنا: ما يلتفت.
أحياناً إذا وجد الصوت القوي في سائر جمل الأذان إلا حي على الصلاة حي على الفلاح بمعنى أنه ضعف صوت المؤذن انتبه الناس؛ ليش انقطع صوته؟ قد يكون الأذان بصوت واحد، بنغمة واحدة، وعلى مستوى واحد ما يلفت النظر؛ لأن الناس ألفوه، فإذا قال: الله أكبر الله أكبر، وكمل الأذان، ثم قال: حي على الصلاة، فصاروا ما يسمعون انتبهوا، قال: ترى يؤذن الآن؛ لأن بعض الأمور وجودها مؤثر، وبعضها فقدها مؤثر، الآن المزارعون ينامون على صوت الآلات المستمرة، ينامون، ثم بعد ذلك إذا انقطعت انتبهوا مع أن الأصل أن النوم مع عدم الصوت، فقد يكون انقطاع الصوت والالتفات وضعف الصوت يجذب الأنظار، فهل نرتبط بالحكم أو نرتبط بالعلة؟
أقول: إذا أمكن الجمع بين الأمرين هذا هو الأصل، بمعنى أنه يستطيع أن يشيل المكبر هذا ويجعله في يديه ويلتفت يميناً وشمالاً وينتهي الإشكال، ولا يرد مثل هذا الكلام في الجملة، لكن إذا كان ثابت ما يمكن.
(6/22)
وهل بالإمكان أن يتقدم المؤذن إذا أراد أن يقول: حي على الصلاة يتقدم شمالاً؛ ليكون قريباً منه إذا التفت، ويميناًَ قد يكون قريباً منه إذا التفت شمال ليحقق الحكم؛ لأن تحقيق الحكم لا بد منه، فالالتفات شرعي وبحضرته -عليه الصلاة والسلام-، وكون العلة ترتفع أو تضعف هذا عاد ليست بمثابة قوة الحكم، والذي عندي أنه يلتفت مهما كان الأثر مترتب على ذلك، كما أنه يستمر يؤذن ولو انطفأ الكهرباء، يستمر يؤذن ما يقول: أنا والله الآن في مكان ما يسمعون، كمل الأذان.
"ورواه أبو داود وفيه: "فلما بلغ حي على الصلاة، حي على الفلاح لوى عنقه يميناً وشمالاً، ولم يستدر" يعني ببدنه كاملاً، وإنما يستدير برأسه وعنقه.
"وفي رواية لأحمد والترمذي: "رأيت بلالاً يؤذن ويدور وأتتبع فاه هاهنا وهاهنا وأصبعاه في أذنيه" نعم يدور برأسه لا ببدنه الذي نفي في الرواية السابقة "وأصبعاه في أذنيه" وهما السبابتان، ومنهم من يقول: هما الإبهامان، ويدخل طرف الأصبعين في أذنيه، وليس المقصود جميع الأصبعين تدخل في الأذن، إنما هذا من إطلاق الكل وإرادة البعض {جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ} [(7) سورة نوح].
هذا يقول: ألا نقول: العلة تعبدية؛ لأنه لو كانت العلة هي إيصال الصوت لأمر بالتفات في جميع الأذان؟
لا، هو الأصل أنه يؤذن مستقبل القبلة؛ لأنها أشرف الجهات، فلا ينسى من عن يمينه وعن شماله، بحيث يدعوهم إلى الصلاة وإلى الفلاح.
(6/23)
فجعل أطراف السبابتين في الأذنين كذلك شرعي كالالتفات؛ ليتضافر في ذلك السمع والبصر، يعني من رآه على هذه الكيفية قال: إنه يؤذن؛ لأن وجود المؤذن في المنارة لا يتعين منه الأذان، فإذا سمع، الأصم ما يسمع، إذا رآه الأصم وقد وضع أصبعيه في أذنيه عرف أنه يؤذن، وقد يطلع للمنارة لصيانة أو لرؤية شيء أو ما أشبه ذلك، لأمر طارئ، فلا يتعين أن تكون طلوعه على المنارة، أو رقية للمنارة للأذان، فإذا رآه الأصم وقد وضع أصبعيه في أذنيه جزم أنه يؤذن، وبعض المؤذنين، بل مع الأسف بعض القراء يضع يديه على أذنيه هكذا، وهذا لا تتأدى به السنة، ما تشاهدون كثير من المؤذنين يضع كذا؟! وبعض القراء يفعل هذا! ووضع الأصبعين في الأذنين لا شك أنه أجمع للصوت؛ ليكون المنفذ واحد فيكون أقوى.
"أتتبع فاه هاهنا وهاهنا" هذا من حرص الصحابة -رضوان الله عليهم- كأبي جحيفة، يتتبعون المؤذن في أقواله وفي أفعاله؛ ليتمكنوا من الاقتداء والائتساء؛ لأنه يؤذن بإقرار النبي -عليه الصلاة والسلام-.
هذا يقول: هل نقول: إن الأذان شعيرة دينية يجب أن تظهر للناس ولو كانت المكبرات موجودة أم أن المكبرات تلغي ظهور المؤذن؟
يعني يريد أن يؤذن المؤذن على أعلى مكان في المسجد ومعه المكبر، نقول: الارتفاع إنما هو لأجل ارتفاع الصوت، وإذا وجد المكبر يكون صوته واحد.
"وفي رواية لأحمد والترمذي: رأيت بلالاً يؤذن ويدور، وأتتبع فاه هاهنا وهاهنا، وأصبعاه في أذنيه" وقال الترمذي: حديث حسن صحيح وابن ماجه: "فاستدار في أذانه، وجعل إصبعيه في أذنيه" استدار في أذانه عرفنا أن الاستدارة إنما هي للرأس ولي العنق بدون البدن؛ لأنه نفيت الاستدارة في أحاديث أخرى.
"وعن أبي محذورة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمر نحواً من عشرين رجل" رجل إعرابها؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ويش يصير مرفوع وإلا مجرور وإلا منصوب؟
طالب:. . . . . . . . .
عشرين رجلاً، ويش عندكم أنتم؟
طالب:. . . . . . . . .
رجلاً، إيه لأن عندنا عشرين رجلٍ، الكلام ليس بصحيح.
(6/24)
"أمر نحواً من عشرين رجلاً فأذنوا" هؤلاء الفتية الذين خرجوا من بينهم أبو محذورة، خرجوا بعد فتح مكة إلى حنين، سمعوا المؤذن فأذنوا، يقلدون صوته، فسمع النبي -عليه الصلاة والسلام- أذانهم فأعجبه أذان واحد منهم لا يعرفه، فأمرهم أن يؤذنوا "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر نحواً من عشرين رجلاً فأذنوا، فأعجبه صوت أبي محذورة، فعلمه الأذان" مثل ما تقدم، مسح على رأسه وبرك عليه، فعلمه الأذان.
"وروى الدارمي في مسنده، وابن خزيمة في صحيحه، وهذا تقدم الإشارة إليه في الحديث السابق".
قال: "وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- قال: كان للنبي -صلى الله عليه وسلم- مؤذنان بلال وابن أم مكتوم الأعمى" وجاء في الحديث: ((إن بلالاً يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم، فإنه رجل أعمى)) فيه مشروعية اتخاذ أكثر من مؤذن، ويؤذنون إما على التعاقب كل واحد يؤذن وقت، وبالنسبة للفجر الذي له أذانان يؤذن كل واحد منهما وقت، يؤذن الأول والثاني يؤذن للثاني أو العكس، المقصود أن هذا أمر مشروع أن يتخذ أكثر من مؤذن.
ابن أم مكتوم الأعمى لا يؤذن حتى يقال له: أصبحت، يعني لا يؤذن حتى يقال له: دخل الصباح، وليس معنى أنه أوغل في الصبح ((فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم، فإنه رجل أعمى لا يؤذن حتى يقال له: أصبح)) لا بد أن يخبر بالصباح؛ لأن الصباح ودخول الوقت إنما يدرك بالبصر، مما يفقده ابن أم مكتوم، فلا بد أن يقال له ذلك، بخلاف بلال فإنه يدرك الصبح بنفسه، فلا يحتاج إلى أن يقال له: أصبحت، فهو يؤذن الأذان الأول لصلاة الصبح قبل دخول الوقت الذي هو لإيقاظ النائم، وأما الأذان الثاني الذي به تحل الصلاة ويحرم الأكل بالنسبة للصائم فهو أذان ابن أم مكتوم، وليس معنى قوله: أصبحت أصبحت أنه بان الصبح بياناً بحيث يكون من أكل فيه أكل في الصبح أو أكل في النهار إنما يقال له: دخل الوقت، كما أن الأذان الآن لا يؤذن المؤذن حتى ينظر في التقويم؛ لأنه ليست له وسيلة إلا هذا، ابن أم مكتوم أعمى ليست له وسيلة إلا أن يخبر بدخول وقت صلاة الصبح.
قال -رحمه الله-: "وعن ابن عباس وجابر قالا: لم يكن يؤذن يوم الفطر ولا يوم الأضحى" متفق عليه".
(6/25)
"وعن جابر بن سمرة -رضي الله عنه- قال: صليت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- العيدين غير مرة ولا مرتين بغير أذان ولا إقامة" رواه مسلم" بغير أذان ولا إقامة فالنداء لصلاة العيد بدعة، واستروح بعضهم ومال إلى أنه ينادى لها كما ينادى لصلاة الكسوف، الصلاة جامعة؛ لأنها صلاة طارئة مثل صلاة الكسوف، لكن الأدلة تدل على أنه لم يكن ليؤذن لها ولا ينادى لها، والفرق بينها وبين صلاة الكسوف أن الكسوف يحصل فجأة، فيحتاج الناس إلى أن يدعو إلى الصلاة، وأما العيد فإنه يعرف قبل دخول وقته، فلا يحتاج أن ينادى له، ومن نادى له بلفظ الأذان المعروف للصلوات الخمس، أو لصلاة الكسوف فإنه دخل في حيز البدعة، فابن عباس وجابر قالا: "لم يكن يؤذن يوم الفطر ولا يوم الأضحى" لا في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- ولا في عهد أبي بكر ولا عمر ولا غيرهم ممن أدركوا.
والحديث الثاني يقول جابر بن سمرة -رضي الله عنه-: "صليت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- العيدين" مراراً كثيرة "لا مرة ولا مرتين بغير أذان ولا إقامة" فمن أذن لصلاة العيد أو أقام لها فإنه قد ابتدع في دين الله ما لم يسبق له شرعية. "رواه مسلم".
"وعن أبي قتادة" في حديث طويل فيه النوم عن الصلاة الذي تقدم وفيه: "ثم أذن بلال بالصلاة، فصلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ركعتين، ثم صلى الغداة فصنع كما كان يصنع كل يوم" ثم أذن بلال بأمره -عليه الصلاة والسلام-، فدل على أن الصلاة يؤذن لها ولو خرج وقتها، لا سيما إذا كانوا جمع يحتاجون إلى أن يعلموا بالاجتماع للصلاة كهذا الجمع.
هذا إذا كانوا في مكان لم يؤذن فيه، أما إذا كانوا في بلد أذن فيه فأذان البلد يكفي.
"ثم أذن بلال بالصلاة" ولذا قال العلماء: إن الأذان ليس لدخول الوقت فقط، ليس لمجرد الإعلام بدخول الوقت، وإنما هو إضافة إلى ذلك للاجتماع من أجل الصلاة.
"ثم أذن بلال بالصلاة، فصلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ركعتي" إيش؟ إيش عندك؟
طالب: الغداة.
لا "ركعتي، ثم صلى الغداة".
طالب: ركعتين بالنون.
ركعتين؟
طالب:. . . . . . . . .
(6/26)
اللتين هما ركعتي الراتبة راتبة الصبح، صلى الراتبة، أذن ثم أقام، ثم صلى الراتبة ثم صلى الغداة، فصنع كما كان يصنع كل يوم، يعني صلى كأنه صلى الصلاة في وقتها، صلى الركعتين الراتبة المتأكدة القبلية التي لم يكن يتركها -عليه الصلاة والسلام- سفراً ولا حضراً، ثم صلى صلاة الغداة، وعلى هذا لو استيقظ قبل خروج الوقت بما يكفي لصلاة ركعتين فقط هل يصلي الراتبة أو يصلي الفريضة في وقتها لأنها أهم؟ لو صلى الراتبة خرج الوقت، فهل يصلي الفريضة ليدرك الوقت، أو نقول: الوقت بدأ من الآن ويرتب، يصلي الركعتين ثم يصلي الفريضة؟ من أهل العلم من يقول: ما دام الوقت بدأ من الآن فيصلي مرتباً، والأصل في الراتبة أنها قبل الفريضة، لكن المعروف في نصوص الشرع وقواعده، وقول جماهير أهل العلم أن الفريضة أولى من النافلة ((وما تقرب إلي أحد بأحب إلي مما افترضته عليه)) فتقدم الفريضة ليدرك الوقت، ثم تقضى النافلة.
"فصنع كما يصنع كل يوم" كل يوم يجهر بالصلاة، وحينئذٍ يجهر بهذه الصلاة ولو صلاها في النهار، يجهر بها، فالقضاء يحكي الأداء، فإذا كانت الصلاة جهرية وقضيت في غير وقت جهرها يجهر بها، وإذا كانت الصلاة سرية فقضيت بالليل يسر بها، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(6/27)
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: المحرر – كتاب الصلاة (7)
الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هذا يقول: نرجو منكم تخريج حديث: "كنا نطوف مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فنمسح الركن الفاتحة والخاتمة"؟
هذا مخرج في المسند بإسناد حسن من حديث جابر -رضي الله عنه-، حسنه الحافظ ابن حجر في الفتح.
يقول: ما رأيكم في جواز فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- للمكروه؟
فعله .. ، أمره -عليه الصلاة والسلام- بالشيء ثم تركه لهذا الأمر صرفاً منه -عليه الصلاة والسلام- للأمر من الوجوب إلى الاستحباب، ونهيه عن الشيء ثم فعله له صرفاً منه -عليه الصلاة والسلام- من التحريم إلى الكراهة، هذا صارف، ويبقى الكراهة، فعله -عليه الصلاة والسلام- يكون صارفاً، والكراهة في حق الأمة أما في حقه -عليه الصلاة والسلام- بصفته مشرع ومبين عن الله -جل وعلا-، فهذا هو الأفضل في حقه، كونه يفعل ما ينهى عنه لبيان أن هذا النهي لا للتحريم وإنما هو لمجرد الكراهة هذا صارف، ثم هذا الصارف بالنسبة لغيره يكون مكروه، وفعله له -عليه الصلاة والسلام- بالنسبة له -عليه الصلاة والسلام- هو الأفضل في حقه؛ لأنه مبين عن الله -جل وعلا-، ولا يتم البيان إلا بمثل هذا.
يقول: ما رأيكم في القاعدة التي قررها الشوكاني في نيل الأوطار والسيل الجرار وغيرهما، ومفادها أنه إذا تعارض قول النبي -صلى الله عليه وسلم- وفعله حكمنا باختصاص الفعل به، وعموم القول للأمة دونه.
هذه القاعدة صحيحة، لكنها يخرج عنها مسائل، وهي ما إذا كان اللائق به -عليه الصلاة والسلام- في هذا الفعل أقوى مما يليق بأمته -عليه الصلاة والسلام-، وبيان ذلك في تعارض نهيه -عليه الصلاة والسلام- عن استقبال القبلة بغائط أو بول، مع فعله لذلك مستدبراً الكعبة، نهى عن الاستقبال والاستدبار مع أنه فعل الاستدبار في البنيان، قالوا: فعله خاص به، على هذه القاعدة يكون فعله خاص به، والنهي يتجه إلى الأمة، نقول: احترام القبلة كمال وإلا نقص؟ كمال، كل كمال يطلب من الأمة فالنبي -عليه الصلاة والسلام- أولى به، فلا يندرج تحت هذه القاعدة.
(7/1)
قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((غط فخذك، فإن الفخذ عورة)) وفي حديث أنس: "حسر النبي -صلى الله عليه وسلم- عن فخذه" هل نقول: إن هذا خاص به لأنه فعل والأمر للأمة؟ أو نقول: إن ستر العورة كمال، والنبي -عليه الصلاة والسلام- أولى به؟ هل يندرج تحت هذه القاعدة؟ ما يندرج، فالقاعدة في الجملة مقبولة، وهي إلى الضابط أقرب منها إلى القاعدة، هي إلى الضابط أقرب؛ لأنها تنخرم بأمور منها ما ذكرنا.
يقول: ما حكم من ذهب لساحر للعلاج؟ وماذا نفعل معه إذا علمنا بذلك؟
من ذهب إلى الساحر لا يخلو إما أن يصدقه أو لا، فإن لم يصدقه لم تقبل له صلاة أربعين يوماً، وإن صدقه فقد كفر بما أنزل على محمد، فالأمر خطير جد خطير، المسألة شرك، ما هي المسألة معصية من المعاصي تحت المشيئة، لا {إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} [(48) سورة النساء] فمن ذهب إلى الساحر علمنا أن أمره دائر بين أمرين: إما أن يصدق أو لا يصدق؟ ولا شك أن الذهاب إلى السحرة للعلاج، وإفتاؤهم بالجواز إقرار للشرك، وتشريع لعمل السحرة، وبدلاً من أن يكون الساحر مجرماً أثيماً يكون محسناً، وبلغني منذ ثلاثة أيام أنه انتدب بعض الناس تأثراً بهذه الفتوى لتعلم السحر من أجل أن يحسنوا على الناس فيفكوا عنهم السحر -نسأل الله السلامة والعافية-.
يقول: هل يمكن أن نحسن حديث ونعلل هذا التحسين بأن العلماء قبلوه واحتجوا به؟
لا يلزم، الطريق الذي وقفت عليه من طريق رجال ضعفاء، وضعفه بين وظاهر يحكم عليه بالضعف، وعمل العالم وفتواه ليست تقوية للخبر، كما أن تركه للخبر ليس تضعيفاً له، فقد يكون عمله بمقتضى الخبر لنصوص أخرى، لقواعد عامة، وتركه له قد يكون لعلة خفيت عليك، أو لأنه لم يقف عليه ولم يصله هذا الخبر، فلا يقال بهذا لا طرداً ولا عكساً، فحديث أبي أمامة: ((أن الماء طهور لا ينجسه شيء)) هذا صحيح حديث أبي سعيد وغيره والاستثناء ((إلا ما غلب على لونه أو طعمه أو ريحه)) الحكم مجمع عليه، الحكم بالإجماع أن ما تغير لونه أو طعمه أو ريحه أنه نجس، لكن لا اعتماداً –استناداً- على هذه الرواية؛ لأنها ضعيفة باتفاق الحفاظ.
(7/2)
ألا يكون مراد البخاري بقوله: "لا يُعرف" أي لا يثبت ولا يصح كما هو قول الزهري وابن المنذر؟
يعني في عبد الله بن زيد راوي الأذان قال البخاري: لا يعرف له إلا هذا الحديث، وأثبت غيره حديثين، فكون البخاري ينفي أولاً: المثبت مقدم على النافي، ثم ينظر في المثبت إن كان مما يثبت استدرك على الإمام -رحمه الله تعالى-، وإن كان مما لا يثبت لا يتم الاستدراك، إن كان يثبت عند غيره ولا يثبت عنده أيضاً لا يستدرك عليه؛ لأنه لا يلزم باجتهاد غيره؛ لأنه لا يثبت عنده.
يقو ل: ما مقدار مد لفظ الجلالة في الأذان؟ هل هو ست حركات أم أكثر تعظيماً للاسم؟ ويسمونه مد التعظيم، ما الصواب في ذلك؟ وهل يمد في البسملة تعظيماً كذلك؟
جاء في وصف قراءته -عليه الصلاة والسلام- أنها كانت مداً، يمد بسم الله، ويمد الرحمن، ويمد الرحيم، فكان يمد، أما مقدار الحركات بالنسبة لغير القرآن أما القرآن فمدوده معروفة ومضبوطة عند أهل العلم على خلاف بينهم في مقدار المدود، لكن غير القرآن هو متروك، مما ترك، فإذا ترك يجوز المد ما لم يخرج الكلمة عن معناها، أو يترتب عليه زيادة حروف أو يخرج بذلك إلى التمطيط أو التلحين المنهي عنه.
يقول: أفتت بعض هيئات الإفتاء في إحدى البلدان العربية بطلب من الحكومة بتوحيد الأذان في البلد على أذان واحد، ويمد الصوت إلى جميع مساجد البلد بمكبرات صوت تصل إليها، فما حكم ذلك؟
إذا كان الصوت صوت مؤذن، ويبلغ من في البلد كلهم يكفي، إذا كان يبلغ من في البلد كلهم فهذا كافي، لكن الأصل أن كل مسجد ينادى به للصلاة، ولذا جاء في الخبر في الحث على صلاة الجماعة حيث ينادى بها، يعني في المساجد، ففي كل مسجد ينادى بالصلاة من قبل المؤذن، هذه هي الجادة المعروفة على مر السنين في عهود المسلمين، وهو مما تواتر تواتر العمل والتوارث، فهذا التصرف غير لائق.
إذا لم يوجد مؤذن وهذا يندر أن يكون في بلد ولا يوجد مؤذن، في شح في المؤذنين، وهذا أندر، المقصود أن مثل هذا إذا احتيج إليه، ووجد مسجد مجاور لمسجد آخر وركبت عليه السماعات فيكتفى بمؤذن واحد ممكن هذا عند الحاجة، أما عند عدمها فالأصل أن لكل مسجد مؤذن.
(7/3)
هذا يطلب من الإخوان الدعاء أن يثبته الله على دينه، ويقوي قلبه بالإيمان، وأن يرزقه حفظ الكتاب والسنة والعلم النافع، ويصرف عنه الشهوات المحرمة، وكل ما لا يرضي الله -جل وعلا-، يقول: فنحن في زمن فتنة.
نعم يدعون لك الإخوان -إن شاء الله تعالى-، اسأل الله -جل وعلا- أن يثبتك، وأن ينيلك ما سألت، ومع ذلك عليك أن تبذل الأسباب.
يقول: إذا أتينا لصلاة العصر، وكانت هناك جنازة فاتتنا صلاة العصر وحضر وقت الجنازة، ماذا نقدم صلاة الجنازة أم صلاة العصر؟ علماً بأن الجنازة تحمل سريعاً، كما يوجد في مساجد المملكة؟
جميع الصلوات إذا دخلت المسجد وقد صلوا الفريضة وقدمت الجنازة للصلاة عليها فبادر بالصلاة على الجنازة؛ لأن وقت الفريضة متسع، وهذه ضاق وقتها ترفع، فعليك أن تصلي الجنازة، ثم تصلي الفريضة.
يقول: ما صحة حديث: لعن الدنيا، وهل هذه العبارة "الدنيا ملعونة"؟
رواه الترمذي وحسنه، وبعض أهل العلم يقدح فيه، وعلى كل حال ما في ما يمنع من صحته، وقد حسنه جمع من أهل العلم، ومن ضعفه وجه؛ لأن للكلام فيه مجال.
هل هذه العبارة حديث: ((من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم))؟
نعم هو خبر مرفوع، لكن في ثبوته نظر.
تقول: من النساء من تقدم بهن السن يرفضن من يتقدم لخطبتهن، بحجة أنهن يردن طلاب علم راسخين، ولو تقدم لهن من هو مستقيم، ويرضى حاله ودينه، ما توجيهكم؟
إذا تقدم من يرضى دينه وأمانته وخلقه لا يجوز رده بحال، وقد تعاقب المرأة التي ترد مثل هذا، قد تعاقب بأن لا يتقدم لها بعده إلا من لا ترضاه ثم في النهاية تقبل، وأما كونها تطلب طالب علم هذا لا شك أنه مطلب طيب؛ لأنه يعينها على أمر دينها ودنياها، ويتعاون معه على البر والتقوى، لكن إذا لم يتقدم طالب علم راسخ، تريد راسخ! الإشكال أن بعض الأخوات يسمعن كلام أهل العلم، وكلام طلاب العلم من خلال الدروس والأشرطة فيخيل إليهن أنهم فوق منزلة التابعين، يعني يضاهون الصحابة، ما عندهم إشكالات، ولا عندهم خلافات ولا منازعات ولا .. ، بيوتهم قريبة جداً من بيوت غيرهم، المشاكل الموجودة في البيوت متقاربة.
(7/4)
نعم أهل العلم لهم دور في القضاء على بعض المشاكل بالحكمة والسياسة، لكن قد يوجد بعض أهل العلم من جبل على سرعة الغضب، ثم بعد ذلك لا يكون في فرق بينه وبين غيره إلا إذا انجلى عنه هذا الغضب، فالإشكال أن بعض الأخوات يقدمن على من ينتسب إلى العلم من يسمع قوله يظن فيه أنه على خلاف واقعه، ثم إذا تقدم لخطبتها أو لمحت أو أوصت له، ثم تزوجها صدمت، أهل العلم كغيرهم من أبناء جنسهم، ومن أبناء جيلهم، المشاكل متقاربة، والبيوت مملوءة، وبيوت النبوة فيها المشاكل، هي تظن أنها إذا جاءت إلى بيت طالب العلم هذا أنها تتم السعادة عندها، ولن ترى المشاكل بعد ذلك، هذا الكلام ليس بصحيح، وكم من الأخوات من صدمت، بل بعضهن حصل لها نكسة بسبب أنها تزوجت طالب علم توقعت من حاله أنه ما بينه وبين الجنة إلا خيط رقيق، وهذا الكلام ليس بصحيح، ظروف الناس واحدة، ومطالب النساء متقاربة، الشباب أيضاً في البيوت متقاربون، نعم للعالم وطالب العلم دور في التوجيه، لكن قد لا يجاب، قد لا يستطيع أن يؤثر على بيته؛ لأن الهداية والقلوب بيد الله -جل وعلا-، ثم إذا جاءت هذه طالبة العلم التي ملأت نفسها بالآمال ثم بعد ذلك تحبط، وبعضهن حصل لهن نكسة، فعليها أن تتثبت، وعليها أن تتأكد قبل أن تقدم، وعليها أن تستصحب أن هذا العالم أو طالب العلم بشر مثل غيره، له ظروفه، وله حاجاته ومطالبه، يعني بعض طالبات العلم ممن أشرب قلبها حب العلم والقراءة والخير والفضل والعبادة والصيام والقيام والتعبد تعجب أن هذا العالم يطلب منها ما يطلبه الشخص العادي، يطلب منها أن تتجمل، يطلب منها أن يعني تتبعل له كغيره، تتعجب أنها ما جاءت لهذا العالم إلا للعلم، وجاءت للعبادة، وكيف يطلب مثل هذا؟! لا هو كغيره يعني، فكثير من طالبات العلم بهذه المثابة، وبعضهن حصل له شيء من التغير، فننصح الأخوات أن يتأكدن أن العلماء وطلاب العلم بشر، والمشاكل في بيوتهم موجودة مثل بيوت الناس، نعم لهم دور في التوجيه، لهم دور في النصح، لهم أيضاً دور في التعليم والتربية، وقد يستفيد منهم أبعد الناس أكثر مما يستفيده أهل بيوتهم، وليس هذا فشل في طريقتهم وتعاملهم أبداً، إلا لأن النتائج بيد الله -جل
(7/5)
وعلا-، قد يبذل العالم لولده، قد يبذل لزوجته، قد يبذل لابنته، قد يبذل لأقاربه، لكن النتائج بيد الله {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [(56) سورة القصص] ومع ذلك هو في الناس مؤثر، وفي بيته التأثير ما هو بظاهر، لكن ما يتهم بأنه قصر، قد يكون بذل، وفي شريط اسمه: الأسرة والعلم أكدت على هذه المسألة، وبسطتها بالأمثلة.
هذا زائر يقول: الآن في الجوالات نغمة طفل يبكي ومعه آهات، وتقطع في الصوت شبيه بالموسيقى، وليس بموسيقى، وإنما هو عبارة عن تلاعب بالأصوات من برنامج الكمبيوتر، فهل هذا يعتبر من المحرمات؟ وهل هذه المقولة صحيحة: "كل ما يشبه الحرام فهو حرام" ومن قال به، وما صحة حديث: لبس النعلين وأنت جالس؛ لأن بعض الشباب يتشددون في اللبس وهم جلوس؟
هذه الأصوات المجتمعة نعرف أن الآلات الموسيقية محرمة، والنغمات الموسيقية صدر فيها فتوى من اللجنة الدائمة بالتحريم، فبعض الناس يتحايل يقول: هذه ليست نتيجة آلات، ولا أصوات آلات، إنما هو اختلاط أصوات، نقول: العبرة بالتأثير، إذا كان لاختلاط هذه الأصوات تأثير في نفس السامع مثل تأثير الآلات فالحكم لا يختلف، وأما حديث لبس النعلين وأنت جالس فهو صحيح، وأما التشديد في ذلك فلا، لا يشدد في ذلك؛ لأن المسألة تدور مع العلة إن خشي أن يسقط إذا لبس وهو قائم تعين عليه أن يجلس، وإلا فالمسألة مسألة أولى، وخلاف الأولى.
نقف على هذا الحد في الأسئلة.
نعم.
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين وللمستمعين.
قال الإمام ابن عبد الهادي -يرحمه الله تعالى- في كتابه المحرر:
وروي عن جابر ...
روى، روى عن جابر، روى يعني مسلم، نعم.
طالب: سم يا شيخ.
روى عن جابر يعني مسلم، راوي الحديث السابق.
وروى عن جابر عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.
هل في جميع الطبعات روي بالياء؟ نعم؟
طالب: نعم يا شيخ بالألف المقصورة.
فيها نقطتين وإلا ما في؟
طالب:. . . . . . . . .
ومضبوط بضم الراء وإلا؟
طالب: لا، ما هو مضبوط.
(7/6)
إيه الصواب روى، حتى أنا عندي روي بالياء لكن الصواب روى؛ لأنه في صحيح مسلم، وما خرجه بعد ذلك، ما قال: رواه مسلم، نعم، فهو من رواية مسلم من حديث جابر الطويل في صفة حج النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولو قال: روي عن جابر هذا الكلام ليس بصحيح، ولا يجري على قواعد أهل العلم أن يصدر الحديث المروي في صحيح مسلم بصيغة التمريض، والمؤلف من أهل الحديث، يعرف مثل هذه الأمور، نعم.
عفا الله عنك.
وروي.
روى، روى.
وروى عن جابر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين.
وعن سعيد بن جبير عن ابن عمر قال: "جمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين المغرب والعشاء بجمع صلى المغرب ثلاثاً، والعشاء ركعتين بإقامة واحدة" رواه مسلم.
وفي رواية لأبي داود: "بإقامة واحدة لكل صلاة، ولم ينادِ في الأولى، ولم يسبح على إثر واحدة منهما"، وفي رواية: "ولم ينادِ في واحدة منهما".
وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن بلالاً يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم)) قال: "وكان رجلاً أعمى لا ينادي حتى يقال: أصبحت أصبحت" متفق عليه.
وعنه: "أن بلالاً أذن قبل طلوع الفجر، فأمره النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يرجع فينادي: ألا إن العبد نام فرجع فنادى: ألا إن العبد نام" رواه أبو داود، وذكر علته، وقال ابن المديني والترمذي: هو غير محفوظ، وقال الذهلي: هو شاذ مخالف لما رواه الناس عن ابن عمر، وقال مالك: "لم تزل الصبح ينادى بها قبل الفجر، فأما غيرها من الصلوات فإنا لم نر من ينادي بها إلا بعد أن يحل وقتها".
وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن)) متفق عليه.
وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت محمداً الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته، حلت له شفاعتي يوم القيامة)) رواه البخاري، ورواه النسائي وابن حبان والبيهقي: ((المقام المحمود)) بالتعريف.
(7/7)
وعن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا قال المؤذن: الله أكبر الله أكبر، فقال أحدكم: الله أكبر، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله قال: أشهد أن لا إله إلا الله، ثم قال: أشهد أن محمداً رسول الله، قال: أشهد أن محمداً رسول الله، ثم قال: حي على الصلاة، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: حي على الفلاح، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: الله أكبر الله أكبر قال: الله أكبر الله أكبر، ثم قال: لا إله إلا الله، قال: لا إله إلا الله من قلبه دخل الجنة)) رواه مسلم.
وروي عن عبد الله بن عمرو بن العاص
إيش؟ وروى.
وروى عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علي، فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه عشراً، ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة)).
وعن عثمان بن أبي العاص أنه قال: يا رسول الله اجعلني إمام قومي، قال: ((أنت إمامهم، واقتدِ بأضعفهم، واتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجراً)) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والنسائي والحاكم، وقال: على شرط مسلم، وفي رواية: "أن آخر ما عهد إلي النبي -صلى الله عليه وسلم- أن أتخذ مؤذناً لا يأخذ على أذانه أجراً" رواه ابن ماجه والترمذي حسنه.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
(7/8)
"وروى عن جابر" يعني مسلماً راوي الحديث السابق، روى مسلم عن جابر في صفة حج النبي -صلى الله عليه وسلم- الحديث الطويل، المخرج في مسلم وفي غيره، الذي ضبطه وأتقنه جابر بن عبد الله -رضي الله عنه-، فسبر الحجة ووصفها كما رأى من خروجه -عليه الصلاة والسلام- من بيته إلى رجوعه إليه، فهي حجة متكاملة، واعتنى بها أهل العلم، وشرحت في مصنفات مستقلة، وجمعت طرق الحديث أيضاً في أجزاء فالعناية بهذا الحديث عناية بحج النبي -عليه الصلاة والسلام-، امتثالاً لقوله -صلى الله عليه وسلم-: ((خذوا عني مناسككم)) وأهل العلم كما شرحوه ضمن صحيح مسلم شرحوه أيضاً على جهة الاستقلال، فالحديث في غاية الأهمية، وهو منسك متكامل لحجة صحيحة، لكن يبقى أن هناك مسائل من مسائل الحج تؤخذ من غيره، فالمحظورات توجد فيه وإلا ما توجد؟ توجد المحظورات في هذا الحديث؟ ما توجد، فتؤخذ هذه المحظورات من نصوص أخرى، لكن من أراد أن يبين الحج الصحيح واعتمد على هذا الحديث، وعول عليه، فجابر -رضي الله عنه- أتقن الحجة أيما إتقان، ولذا يرجح كثير من أهل العلم ما جاء في حديث جابر على ما جاء في غيره، وإن كان في البخاري أو متفق عليه؛ لأن جابراً تميز بهذا الوصف الدقيق والمتابعة الدقيقة لحجة النبي -عليه الصلاة والسلام-.
قال: "وروى عن جابر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه أتى المزدلفة، فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين" دفع من عرفة لما غربت الشمس، لما غربت الشمس دفع من عرفة، واحتاج إلى النزول في الطريق ليقضي حاجته، فقال له أسامة: الصلاة، فقال: ((الصلاة أمامك)) يعني حتى نصل إلى المزدلفة، جمع، ولا تخفى المشقة الحاصلة للناس لو صلى النبي -عليه الصلاة والسلام- في الطريق، لكن النبي -عليه الصلاة والسلام- أراد التيسر على الناس، وجمع بين الصلاتين المغرب والعشاء بمزدلفة التي هي اسمها: جمع.
(7/9)
"أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين" وهذا أرجح ما ورد في الباب "بأذان واحد وإقامتين" ورد في البخاري ما يخالفه، ورد في الصحيحين ما يخالفه، لكن هذا أرجح ما في الباب عند أهل العلم، يؤذن للأولى، ثم يقام للأولى، ثم يقام للثانية بأذان واحد وإقامتين، فالمجموعات، الصلوات المجموعة يؤذن للأولى، ويقام لكل صلاة، وكذلك الفوائت، إذا فاتت صلوات أو نسيت صلوات من قبل جماعة في مكان لا يؤذن فيه، فإنه يؤذن للأولى، ويقام لكل صلاة.
"بأذن واحد وإقامتين".
"وعن سعيد بن جبير عن ابن عمر قال: جمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين المغرب والعشاء بجمع صلى المغرب ثلاثاً" لأنها لا تقصر "أول ما فرضت الصلاة ركعتين، ثم زيد في السفر، وأقرت صلاة السفر، إلا المغرب فإنها وتر النهار" وشذ من قال بأنها تقصر، هذا قول شاذ لا يلتفت إليه، والإجماع على خلافه، فهو مردود مرذول.
"صلى المغرب ثلاثاً، والعشاء ركعتين" العشاء تقصر، والسنة القصر في مثل هذه المواطن على خلاف بين أهل العلم على ما سيأتي في بابه -إن شاء الله تعالى- هل الجمع والقصر من أجل السفر أو من أجل النسك؟ والنبي -عليه الصلاة والسلام- لا شك أنه مسافر، فيجمع ويقصر الصلاة، وأما من كان غير مسافر لا سيما من كان من أهل مكة وما قرب منها مما لا يبلغ مسافة القصر ما أثر أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: أتموا كما قاله في المسجد الحرام: ((أتموا فإنا قوم سفر)) وسيأتي بحث المسألة في مكانها -إن شاء الله تعالى-.
(7/10)
"والعشاء ركعتين بإقامة واحدة" هذا لا يتفق مع حديث جابر إلا إذا قلنا بإقامة واحدة لكل صلاة، لكن هذا خلاف الظاهر؛ لأنه لو أراد لكل صلاة لبين، ومثل هذا لا يحتاج إلى بيان، بإقامة واحدة لو أراد لكل صلاة لأن الذهن لا ينصرف إلى غيره، هل يمكن أن يقال بأكثر من إقامة لكل صلاة؟ من أجل أن يقال: بإقامة لكل صلاة؟ بإقامة واحدة كلمة واحدة هل يتصور أنها إقامتان لكل صلاة؟ لا شك أن الحمل على هذا خلاف الظاهر، وإن كان ممكناً للجمع بين الحديثين، وهو أولى من الترجيح؛ لأن الكل في الصحيح، بإقامة واحدة، ولا يمنع أن ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- سمع إقامة ولم يسمع الأخرى، لكثرة الناس؛ ولبعده من مكان النبي -عليه الصلاة والسلام- الذي قربه من يقيم الصلاة، هذا ما سمع، وجابر سمع الإقامتين فذكرهما.
"وفي رواية لأبي داود: "بإقامة واحدة لكل صلاة" هذا تفسير لرواية مسلم، وهذا يرجح القول بأن مراد ابن عمر بإقامة واحدة يعني عن كل صلاة، بدليل الرواية الأخرى علماً أنه لو لم تأتِ هذه الرواية لصح الحمل على أن ابن عمر لم يسمع الإقامة الثانية؛ لكثرة من حضر، والمثبت مقدم على النافي، وجابر -رضي الله عنه- حرص أتم الحرص على ضبط هذه الحجة، ثم نقلها بدقة.
"ولم ينادِ في الأولى" وهذه رواية شاذة، تفرد بها شبابة بن سوار دون أصحاب ابن أبي ذئب، وهم عشرة من الحفاظ ما ذكروا هذه اللفظة، هذه الجملة "لم ينادِ في الأولى" فهي شاذة غير محفوظة.
(7/11)
"ولم يسبح" يعني لم يصلِ النافلة "على إثر واحدة منهما" لم يصل النافلة على إثر واحدة منهما، يعني لم يفصل بين صلاة المغرب وصلاة العشاء بسبحة، يعني سنة، نافلة، كما أنه لم يعقب صلاة العشاء بنافلة، حتى بالغ بعض أهل العلم وقال: إن ليلة الجمع لا يشرع فيها قيام الليل حتى الوتر؛ لأن جابراً يقول: "نام حتى أصبح" يعني ولم يصل شيئاً من الصلوات، لكن النصوص الأخرى تدل على أنه لم يترك الوتر سفراً ولا حضراً، وكون الإنسان يلزم النبي -عليه الصلاة والسلام- أو العالم أو من يقتدى به ليبين أفعاله لا يعني أنه لا يغفل، فقد أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- ووجه ورخص ولم ينقل، مما فات الصحابي -رضي الله عنه وأرضاه-، ونقله غيره.
(7/12)
وعلى كل حال الوتر لا يترك سفراً ولا حضراً، كما جاء في الروايات المفسرة، نعم ينبغي للإنسان أن ينام في هذه الليلة؛ لأن أمامه في يوم النحر أعمال كثيرة من أعمال الحج، وهي تحتاج إلى جهد فيترتب عليها مشقة إذا سهر، لكن بعض الناس إذا تغير عليه المكان ما نام، فيحتاج إلى سهر، يأرق في منامه، هل نقول: تأهب للنوم، واجلس في فراشك حتى يطلع الصبح ولا تصنع شيئاً؟ أو نقول: العلة معقولة، النوم والراحة من أجل الاستعداد ليوم النحر، يوم الحج الأكبر، فإذا لم يتيسر واستطعت أن تستفيد إما بعلم أو نوافل قيام ليل وما أشبه ذلك، أو دعوة وتوجيه، أو مدارسة علم، أو مؤانسة أصحاب في حدود المباح؟ هذا ما في ما يمنع منه -إن شاء الله تعالى-، أما إذا تيسر النوم بعض الناس -ما شاء الله- أول ما يضع رأسه في أي مكان، وعلى أي وضع ينام، وبعض الناس إذا تغير الفراش ما يمكن ينام، فمثل هذا له توجيهه، وهذا له توجيهه، وقد شاهدنا مجموعة من الأفارقة جاءوا إلى مكان في مزدلفة منحدر، فناموا فيه، وهل الرؤوس أعلى أو أسفل؟ أسفل، يعني شيء مستغرب جداً، يعني بعض الناس إذا تغيرت الوسادة المخدة هذه يعني زادت قليلاً أو نقصت ما ينام عن المعتاد، وهؤلاء ناموا في منحدر رؤوسهم أسفل، فالناس أجناس، والناس لا شك أنهم .. ، من الناس من يتكيف على أي وضع يكون، هذا إذا أمكن هذا طيب جيد، إذا كان على أي حال يكون يزاول أعماله العادية هذا طيب، وبعض الناس ما يمكن يجلس على مكان خشن وإلا فيه قساوة، لا بد أن يكون على مكان مريح، وبعض الناس إذا انخفضت درجة الحرارة أو زادت قليلاً ما ارتاح، وبعض الناس ينام في الشمس، وينام في الظل لا فرق، لا شك أن الذي يتكيف على مثل هذه الظروف أفضل له؛ ليأخذ راحته ويزاول أعماله العادية ولا يتأثر في سفر ولا حضر، فعلى الإنسان .. ، يعني النعمة لا تدوم، يتصور الإنسان أن الكهرباء مثلاً في يوم من الأيام فُقد، هل معناه أننا لا ننام؟ هذا واقعنا ما ننام، لكن هذا الذي ينبغي؟ لا.
جاء الأمر بتمعددوا، اخشوشنوا فإن النعم لا تدوم، فلا شك أن الظروف لا تتيسر للإنسان في كل وقت، وفي كل ظرف.
(7/13)
عرفنا أن جملة "لم يناد في الأولى" شاذة، تفرد بها شبابة بن سوار دون الرواة عن ابن أبي ذئب، وعدتهم عشرة من الحفاظ، كما بين ذلك أهل العلم "ولم يسبح" يعني لم يتنفل على إثر واحدة منهما، وفي رواية: "ولم يناد في واحدة منهما" وهذه .. ، "ولم يناد في الأولى" هذه شاذة "لم يناد في واحدة منهما" وفي حديث جابر "بأذان واحد وإقامتين" فهذه إذا عورضت برواية جابر، ورواية جابر أرجح فهي المحفوظة، ويحكم على هذه بأنها شاذة كسابقتها، أو يقال: إنه لم ينادِ يعني لم يسمع النداء، الراوي ابن عمر ما سمع النداء، كما أنه لم يسمع الإقامة للثانية، لكن يبعد أنه يسمع إقامة واحدة ولا يسمع النداء، هذا بعيد؛ لأن النداء في الأصل أو في الغالب أرفع صوتاً من الإقامة، اللهم إلا أن يكون في وقت النداء في مكان بعيد جداً يتطلب الماء للوضوء، ثم بعد ذلك قرب فسمع الإقامة الاحتمال قائم، وعلى كل حال حديث جابر لا يرجح عليه شيء، فالراجح أنه في مثل هذا الظرف في وقت الجمع ينادى للأولى، ينادى نداء واحد، ولكل صلاة إقامة.
(7/14)
"وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن بلالاً يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم)) " صلاة الصبح لها أذان أول ولها أذان ثاني، فائدة الأذان الأول وهو قبل دخول الوقت ليرجع القائم ليتناول السحور، ويستيقظ النائم ((ليرجع قائمكم، ويوقظ نائمكم)) هذه فائدة النداء الأول، ويكون قبل دخول الوقت، والثاني بعد دخول الوقت ((إن بلالاً يؤذن بليل، فكلوا واشربوا)) ((لا يمنعنكم أذان بلال)) ((كلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم)) قال: وكان رجلاً أعمى، قال هذا مدرج، ليس من كلام النبي -عليه الصلاة والسلام-، قال: "وكان رجلاً أعمى لا ينادي حتى يقال: أصبحت أصبحت" يعني دخلت في الصباح، لا يعني أنك أوغلت فيه، بمعنى أن الناس يأكلون حتى يوغلوا في الصبح، وينتشر الصبح انتشاراً بيناً ظاهراً، لا؛ لأن طلوع الصبح هو الفاصل، وأذان ابن أم مكتوم الأذان الثاني هو الذي يحرم الطعام؛ لأنه مع الصبح، فإذا قيل له: أصبحت أصبحت، انتهى وقت الأكل، وحلت الصلاة، وعلى هذا ينبغي أن يتخذ مؤذنين، أن يتخذ الإمام مؤذنين للمسجد، لا سيما صلاة الصبح، لا سيما في رمضان، حتى نازع بعضهم في مشروعيته في غير رمضان، لكن ما المانع إذا كان الناس تعودوا على الأذان، وأن الأذان الأول يستيقظون به لصلاتهم، لصلاة الليل، وسحور من أراد أن يصوم؟ فالعلة قائمة وهي موجودة، وإلا فظاهر الحديث: ((كلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم)) أن هذا في رمضان؛ ولذا ترك الأذان الأول في كثير من المساجد إلا في رمضان، والعلة قائمة في غير رمضان، فإذا أذن عند الحاجة أذان قبل دخول الوقت بساعة أو بنصف ساعة من أجل أن يستيقظ النائم، ويصلي ما كتب له قبل طلوع الفجر، أو يتناول السحور قبل طلوع الفجر إذا أراد الصيام فالمشروعية قائمة.
(7/15)
أهل العلم يقولون بقبول خبر الأعمى فيما يدرك بالبصر، والناس يعتمدون على ابن أم مكتوم، ويكفون عن الأكل وهو أعمى، والصبح يدرك بالبصر، لكن ابن أم مكتوم يدركه بواسطة غيره، فأذان الأعمى صحيح، وإن كان شرط الأذان معرفة الأوقات، والأوقات مدارها على الرؤية البصرية، إذا وجد عنده ثقة ينبهه على دخول الوقت فإن أذانه صحيح، وخبره مقبول.
"متفق عليه".
"وعنه" يعني ابن عمر -رضي الله عنهما-، قال في الثاني: وعنه، وفي الأول مع أن الذي قبله عن ابن عمر، قال: عن سعيد بن جبير عن ابن عمر، ثم قال: وعن ابن عمر، ما قال: "وعنه" ثم في الثالث قال: "وعنه" لو قال في الثاني: "وعنه" لالتبس أن يكون عن سعيد بن جبير عن ابن عمر، يعني عن راوي الحديث السابق، وعرفنا أن التابعي في مثل هذا لا يحتاج إليه، وعادة أهل المختصرات أنهم لا يذكرون التابعي إلا إذا كان له دور في الخبر، محاورة بينه وبين الصحابي لا يمكن إدراكها إلا بذكره.
ثم قال: "وعنه" يعني عن ابن عمر صحابي الحديث السابق "أن بلالاً أذن قبل طلوع الفجر، فأمره النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يرجع فينادي: ألا إن العبد نام فرجع فنادى: ألا إن العبد نام" يعني نفسه، وكان عبداً لأبي بكر -رضي الله عنه-، هذا بيان السبب الذي من أجله كونه أذن قبل طلوع الفجر، وعلى كل حال الخبر شاذ؛ لأنه مخالف للحديث الذي قبله، وهو أقوى منه، متفق عليه، بلال يؤذن بليل، بقوله -عليه الصلاة والسلام-، وبإقراره -صلى الله عليه وسلم-: ((إن بلالاً يؤذن بليل)) وهنا أذن قبل طلوع الفجر، فأمره النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يرجع فينادي: ألا إن العبد نام، فرجع فنادى ألا إن العبد نام، لا داعي لهذا؛ لماذا؟ لأنه كان ينادي بليل بإقرار النبي -عليه الصلاة والسلام-، فما المعنى في كونه يقال له: ارجع فنادي ألا إن العبد نام.
(7/16)
ينادي بليل، ثم بعد ذلك إذا حان وقت الصلاة ينادى لها مرة ثانية، يعني ما المقصود من الصلاة هذه التي في هذا الخبر؟ المغرب أو العشاء أو الفجر؟ نعم؟ الفجر بلا شك، والفجر ينادى لها قبل وقتها كما في الحديث السابق المحفوظ المتفق عليه، فما الداعي إلى قول: ألا إن العبد نام ثم يرجع فيؤذن؟ يعني هذا التعليل لا مبرر له، يعني ينادي قبل طلوع الفجر على مقتضى الحديث السابق، ثم إذا طلع الفجر أصبح حينئذٍ ينادى لها ثانية، فلا داعي لمثل هذا، والحديث شاذ.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: "رواه أبو داود، وذكر علته" والعلة أنه من رواية حماد بن سلمة، ولم يضبطه؛ لأنه حصل له تغير.
"رواه أبو داود، وذكر علته، وقال ابن المديني والترمذي: هو غير محفوظ" إذا كان غير محفوظ فهو إيش؟ شاذ "وقال الذهلي: هو شاذ مخالف لما رواه الناس عن ابن عمر" من قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((إن بلالاً يؤذن بليل)).
"وقال مالك" الإمام نجم السنن -رحمه الله-: "لم تزل الصبح ينادى بها قبل الفجر" يقول مضعفاً لهذا الحديث: "لم تزل الصبح ينادى بها قبل الفجر "فأما غيرها من الصلوات فإنا لم نر ينادى لها إلا بعد أن يحل وقتها" لا يجوز أن يؤذن لصلاة الظهر قبل الزوال، ولا يجوز أن يؤذن لصلاة المغرب قبل غروب الشمس وهكذا، أو العشاء قبل مغيب الشفق، أو العصر كذلك قبل دخول وقتها لا يجوز بحال، أما الصبح فثبت أن بلالاً كان يؤذن بليل "فلم تزل الصبح ينادى بها قبل الفجر، فأما غيرها من الصلوات فإنا لم نر ينادى لها إلا بعد أن يحل وقتها" وينادى لصلاة الصبح قبل وقتها إذا كان هناك أكثر من مؤذن، واحد يؤذن قبل دخول الوقت والثاني يؤذن على الوقت؛ لأن معرفة الوقت بالنسبة للمعذورين في بيوتهم أمر لا بد منه؛ لأنه لا يتمكن الناس في بيوتهم من معرفة الوقت إلا بالأذان، فلا بد من وجود من يؤذن على الوقت، مع وجود من يؤذن قبل الوقت.
فالخلاصة أن هذا الحديث شاذ غير محفوظ، مخالف لما هو أرجح منه من حديث ابن عمر المتفق عليه.
(7/17)
يذكر عن عمر -رضي الله تعالى عنه- أن عبداً له يقال له: مسرور أو مسعود، أذن بليل، فقال له: ارجع فقل: ألا إن العبد نام، أذن قبل الوقت فقال له: ارجع، فهذا الموقوف على عمر -رضي الله عنه-، وهم فيه حماد بن سلمة فرفعه، فرفعه خطأ، فالموقوف أقوى.
ثم قال بعد ذلك: "وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن)) " ((إذا سمعتم)) فالأمر مرتب على السماع، فالذي لا يسمع المؤذن، أو يسمع تشويش مؤذن، يعني يسمع كلام من بعيد يعرف أنه أذان، ولا يتبين الجمل، يعرف أن المؤذن يؤذن، ويسمع الصوت، لكن لا يتبين الجمل، فمثل هذا لا يجيب، يعني يتوقع أنه قال: الله أكبر فيقول: الله أكبر، يعني ما سمع؛ لأن الجواب معلق بالسماع، ولو أن الأصم راقب المؤذن، ويعرف أنه قال: الله أكبر الله أكبر ثم سكت، يعرف ماذا قال، لكنه لا يسمع الإجابة مرتبة على السماع ((إذا سمعتم فقولوا)) مفهومه إذا لم تسمعوا إما لبعد عنه، أو لخلل في السمع فإنكم لا تقولون مثل ما يقول المؤذن.
((فقولوا مثل ما يقول المؤذن)) المماثلة هنا من أي وجه؟ يعني هل المماثلة تقتضي المطابقة؟ بمعنى أننا نماثله في كل ما قاله من جمل وحروف ومستوى رفع الصوت، ومقدار المدود؟ يعني هل المماثلة مطلوبة من كل وجه؟ أو نقول: إن المماثلة في الجمل، قال: الله أكبر الله أكبر، فقولوا: الله أكبر الله أكبر؟ ولا يعني أن المؤذن يستغرق خمس دقائق في الأذان أننا نستغرق الخمس الدقائق في جمله، بمعنى أننا نمدها لتستوعب الخمس الدقائق، ولو كانت إجابتنا له بدقيقة واحدة كفى، يعني إذا مد المؤذن ست حركات، أو أكثر كما هو معمول به في الحرمين وغيرهما، الأذان أحياناً يستوعب خمس دقائق، والإنسان المجيب يمكن يجيبه في أقل من دقيقة، إذا قال: الله أكبر الله أكبر ومد صوته ورفع صوته بذلك ومد حروف المد، ثم أجبته بقولك: الله أكبر الله أكبر، كفى، هذه مماثلة، وإن لم تكن مطابقة.
(7/18)
((فقولوا)) فقولنا بعد قوله، لكنه عطف بالفاء، مما يقتضي التعقيب المباشر، يعني مباشرة بدون فاصل، ما قال: ثم قولوا، فعلى هذا إذا كان أذان المؤذن خمس دقائق وأنت تقرأ القرآن، وبإمكانك في خلال الخمس الدقائق تقرأ ربع جزء، وتجيب المؤذن في أثناء قراءتك، أو تؤجل الإجابة إلى آخر جملة، وتختم معه، إذا قال: الله أكبر الله أكبر وسكت تبدأ بالأذان، تبدأ بالإجابة أنت، ثم إذا قال: لا إله إلا الله تكون قد وصلتها، ثم تقولها وتدعو بالذكر المذكور، يكفي وإلا ما يكفي؟ لا ما يكفي؛ لأننا تأخرنا عنه، والعطف بالفاء ((إذا سمعتم فقولوا)) مجرد ما يسكت من قوله: الله أكبر الله أكبر، تقول: الله أكبر الله أكبر قبل أن يشرع فيما يليه، على ما سيأتي تفصيله في الحديث الذي يليه ((فقولوا)) العطف بالفاء، وبعض الناس وهذا نفعله أحياناً، وإن كان لا يتم به المقصود، يعني يبقى عليك في السورة شيء يسير تريد أن تكمل قبل الإقامة، وتستغل هذه الخمس الدقائق بالقراءة، فتقرأ والمؤذن يؤذن وأنت تجيبه إما تبعاً أو تؤجل الأذان إلى أن يقرب من النهاية فتنتهي معه، هذا لا يتم به الامتثال؛ لأن العطف بالفاء، وعلى هذا إذا كان الإنسان يقرأ فهل نقول: إن قراءة القرآن أفضل من إجابة المؤذن كل حرف عشر حسنات؟ وهنا ((حلت له شفاعتي)) أيهما أفضل؟ الشفاعة أفضل وإلا كل حرف عشر حسنات؟ المتابعة أفضل؛ لماذا؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لأنه حلت له شفاعته أو لأنه ذكر خاص يفوت يقدم على الذكر العام؟ نعم ذكر خاص يفوت، وإلا فالقرآن أعظم الكلام، يعني من كان يقرأ القرآن كأنما يخاطب الله -جل وعلا-، فمن هذه الحيثية؛ لأنه ذكر خاص ومحدد بزمن يفوت يقدم على غيره من الأذكار العامة ولو كانت أفضل، ولذا التسبيح في الركوع والسجود أفضل من التلاوة، وأفضل من الذكر غير التسبيح، وإن كان التهليل أفضل منه، أفضل من التسبيح، لكن مع ذلك كل ذكر في مكانه أفضل من غيره.
(7/19)
قال: "وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة)) " وينبغي أن يكون هذا الحديث بعد الحديث الذي يليه، " ((اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت محمداً الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته، حلت له شفاعتي يوم القيامة)) " الأصل أن هذا الحديث يأتي بعد الأحاديث المفسرة لإجابة المؤذن؛ لأنها تلي إجابة المؤذن.
((من قال حين يسمع النداء)) حين، يعني وقت يسمع النداء، يعني قبل الفراغ منه، هذا ما يفيده حين؛ لأن الحين الوقت، والوقت أن يكون في أثنائه لا بعده، لكن قوله في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص: ((ثم)) ((إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علي، فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه عشراً، ثم سلوا الله لي الوسيلة، فإنها منزلة)) العطف بـ (ثم) يقتضي أنه بعد ما يفرغ من الإجابة والصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام-.
((من قال حين يسمع النداء)) يعني حين يفرغ من السماع والإجابة، قال بعد ذلك: ((اللهم رب هذه الدعوة التامة)) أصل (اللهم) يا الله، فحذفت، حذف حرف النداء؛ ليكون لفظ الجلالة صدر الكلام، فلا يتقدم بين يديه، اللهم وعوض عن ياء النداء الميم.
((اللهم رب هذه الدعوة التامة)) (اللهم ربَ) بدل من (الله) أو منادى ثاني، اللهم يا رب هذه الدعوة التامة لا مانع، رب هذه الدعوة التامة هذه الدعوة التامة التي هي الأذان بجمله، لا شك من تمامه وكماله واشتماله على أعظم الأذكار.
((رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة)) القائمة باعتبار ما كان أو ما سيكون؟ ما سيكون، يعني ستقوم، ((والصلاة القائمة آت)) آت بالمد أعطِ، {رَبَّنَا آتِنَا} [(200) سورة البقرة] أعطتنا، وأما ائتِ بالقصر فهي من أتى بمعنى جاء، وآتِ من آتى بمعنى أعطى.
(7/20)
((آت محمداً الوسيلة والفضيلة)) آت محمداً يذكر باسمه -عليه الصلاة والسلام-، ولا يكون هذا من جنس نداء الأعراب يا محمد {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاء الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} [(4) سورة الحجرات] يقولون: يا محمد يا محمد، فلا ينبغي أن ينادى باسمه -عليه الصلاة والسلام-، لكن هذا ليس بنداء، يعني فرق بين المواجهة وبين الخبر، والحديث عن الشيء، يعني لو سألك شخص ما اسم أبيك؟ وأخبرته باسمه مجرد محمد مثلاً يختلف عن مخاطبتك له بقولك: يا محمد، هذا لا شك ظاهر الفرق.
((الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاماً محموداً)) هذه الوسيلة مما يتوسل به -عليه الصلاة والسلام- من الدعوات التي يلهمها، يلهم إياها ليؤذن له بالشفاعة العظمى، والفضيلة والمنزلة العالية على غيره -عليه الصلاة والسلام-، ((وابعثه مقاماً محموداً)) المقام المحمود {عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا} [(79) سورة الإسراء] فهي منزلة لا تحصل إلا لواحد.
((مقاماً محموداً)) بالتنكير، الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((عسى أن أكون هو)) ((أرجو أن أكون هو)) لهذا الواحد ((وابعثه مقاماً محموداً)) هذه الرواية بالتنكير، وروى النسائي وابن حبان والبيهقي: ((المقام المحمود)) بالتعريف، أيهما أولى؟ التنكير، أولاً: لوروده في البخاري، وقبل ذلك وروده في القرآن، إيش؟ {عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا} [(79) سورة الإسراء] بالتنكير، وأيضاً التنكير فيه ما ليس في التعريف من التعظيم، فالتنكير أولى بلا شك من وجوه.
((الذي وعدته)) نطلب هذه الوسيلة والفضيلة والمقام المحمود مع أن الله -جل وعلا- وعده إياه، وهو لا يخلف الميعاد، هل يحتاج إلى سؤالنا؟ الله -جل وعلا- لا يخلف الميعاد، وجاءت في بعض ألفاظ الخبر: ((إنك لا تخلف الميعاد)) وهذه يختلف فيها أهل العلم، منهم من يقول: إنها زيادة ثقة فتكون مقبولة، ومنهم من يقول: إنها غير محفوظة؛ لأن أكثر الرواة على خلافها.
(7/21)
الله -جل وعلا- لا يخلف الميعاد، وقد وعده ذلك، فلماذا نطلب له هذه الوسيلة والفضيلة؟ قد يكون تحقيق هذا الوعد من أسبابه دعاء أمته له بهذا الدعاء، يعني الله -جل وعلا- قدر له هذه المنزلة، ووعده إياها، وجعل من الأسباب التي تتحقق به هذا الوعد هذا الدعاء، علماً بأن فائدة هذا الدعاء للداعي أكثر منه للنبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه قال: ((حلت له شفاعتي)) فنحن نذكر هذا الذكر لا شك أنه من باب الوفاء لمن دلنا على هذا الهدى، وهو النبي -عليه الصلاة والسلام-، ومن باب المصلحة الخاصة لكل إنسان بعينه ((حلت له شفاعتي يوم القيامة)) فعلى كل حال لا يقول قائل: إنه ما دام الوعد لا يخلف فلماذا ندعو؟ من الأصل لماذا تدعو؟ لماذا تتعبد وأنت محكوم عليك وأنت في بطن أمك، منزلتك معروفة، وهل أنت شقي وإلا سعيد وإلا غني وإلا فقير؟ لماذا تسعى؟ ((اعملوا فكل ميسر لما خلق له)) والأمور مسببات مربوطة بأسباب، ولا بد أن تنفذ هذه الأسباب.
"رواه البخاري".
يقول: ((حلت له شفاعتي يوم القيامة)) النبي -عليه الصلاة والسلام- له شفاعات، منها ما هو خاص به، ومنها ما له ولغيره، فالشفاعة العظمى خاصة به -عليه الصلاة والسلام-، خاصة به، فالناس يأتون إلى آدم ليخلصهم من هول الموقف فيعتذر بأنه أكل من الشجرة، ثم يأتون إلى نوح فيعتذر بأنه استعجل دعوته، ثم يأتون إلى إبراهيم فيذكر الكذبات الثلاث كلها في ذات الله، ثم يأتون إلى موسى فيذكر ما اقترفه -عليه الصلاة والسلام وعلى نبينا وعلى سائر الأنبياء والمرسلين أفضل الصلاة وأتم التسليم-، ثم يأتون إلى عيسى ولا يذكر ذنباً، ثم يقول: ائتوا محمداً، فيأتون إلى محمد -صلى الله عليه وسلم- فيقول: ((أنا لها، أنا لها)) فيسجد ويلهم بمحامد، ثم يقال له: ارفع رأسك، وسل تعطى، فيسأل الشفاعة، ويخلصوا من الموقف، وهذه عامة لجميع الخلائق مسلمهم وكافرهم، وله شفاعات أيضاً: شفاعته في عمه، وشفاعته في أهل الكبائر من أمته، وإن كان الوعيدية ينازعون في بعض الشفاعات التي تقتضي إخراج بعض مرتكبي الكبائر من النار؛ لأن الخوارج والمعتزلة يقضون عليهم بالخلود في النار، ولا شك أن هذه الشفاعة تقضي على مذهبهم.
(7/22)
"وعن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا قال المؤذن: الله أكبر الله أكبر، فقال أحدكم: الله أكبر الله أكبر)) " هذا استدل به من يقول: إن الأفضل قرن التكبيرتين، كل جملتين من التكبير تقرن مع أختها.
((فقال أحدكم: الله أكبر الله أكبر، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله، قال: أشهد أن لا إله إلا الله، ثم قال: أشهد أن محمداً رسول الله، قال: أشهد أن محمداً رسول الله، ثم قال: حي على الصلاة، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله)) ومثله إذا قال: حي على الفلاح قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، وهذا مخصص لقوله: ((فقولوا مثل ما يقول)) يعني إذا قال: حي على الصلاة فقولوا: لا حول ولا قوة إلا بالله، وإذا قال: حي على الفلاح فقولوا: لا حول ولا قوة إلا بالله، لا تقولوا مثله، مثل ما يقول كبقية الجمل حي على الصلاة؛ لأن هذا ليس بذكر، إنما هو نداء إلى الصلاة، والمجيب لا يستفيد من ندائه لأنه لا يجهر، والمؤذن يستفاد من ندائه حي يعني هلموا إلى الصلاة، وأما من يجيبه فلا يستفاد من ندائه إلى الصلاة، وإنما هو منادى وليس بمنادي، فإذا نودي لهذا الأمر العظيم هذا الذي لا يستطيع بمفرده إلا بإعانة الله -جل وعلا- أظهر عجزه وفقره بقوله: لا حول ولا قوة إلا بالله، لا حول لنا ولا قوة ولا قدرة إلا بإعانة الله -جل وعلا-، وهذا اعتراف بالعجز والضعف.
(7/23)
ثم قال: حي على الفلاح، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، يعني هذا المتجه أن المؤذن إذا قال: حي على الصلاة، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، وإذا قال: حي على الفلاح، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، ومن أهل العلم من يستروح أنه يجمع بين الحديثين بمعنى أنه يقول ما يقوله المؤذن عملاً بالأحاديث العامة ((إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول)) منها حي على الصلاة، قولوا مثل ما يقول، ثم بعد ذلك تقول: لا حول ولا قوة إلا بالله؛ لتجمع بين العام والخاص، ونظير ذلك قول الشافعية: فإذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد، مع قوله: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) يعني نقول مثل ما يقول الإمام ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) اقتداء بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، وهو يقول: سمع الله لمن حمده، فنقول: سمع الله لمن حمده اقتداء بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، ونقول: ربنا ولك الحمد؛ لقوله: فقولوا: ((ربنا ولك الحمد)) والجمهور على خلافه أن التسميع خاص بالإمام والمنفرد، والمأموم يقول: ربنا ولك الحمد؛ لأنه قال: ((وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا)) يعني مباشرة، فإذا كان المأموم يقول: ربنا ولك الحمد بعد ما ينقطع صوت الإمام من قوله: سمع الله لمن حمده، فمتى يقول: سمع الله لمن حمده؟ يقولها أثنا قول الإمام سمع الله لمن حمده؟ يعني إن قالها بعد انقطاع صوت الإمام ما تأتى العطف بالفاء، ولذلك في الجمل كلها قال: إذا كبر فكبروا، إذا ركع فاركوا، إذا فعل فافعلوا إلا إذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: اللهم ربنا ولك الحمد.
وهنا ((إذا قال: حي على الصلاة فقولوا: لا حول ولا قوة إلا بالله)).
(7/24)
إذا ثوب في صلاة الصبح وقال: الصلاة خير من النوم، مقتضى قوله: ((فقولوا مثل ما يقول)) أن نقول: الصلاة خير من النوم، ومنهم من يقول: إن حكمها حكم الحيعلة نقول: لا حول ولا قوة إلا بالله؛ لأنه إذا قال: الصلاة خير من النوم هل هو مجرد خبر أو خبر يتضمن النداء إلى الصلاة؟ يتضمن النداء إلى الصلاة، فكان بمثابة قوله: حي على الصلاة فنقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، ما نقول حينما يقول: حي على الصلاة نقول: لا حول ولا قوة إلا بالله؛ لأنه وإن كان خبراً إلا أنه يتضمن الدعاء والنداء إلى الصلاة، فحكمه حكم الحيعلة، ويستروح بعض الفقهاء قول: "صدقت وبررت" لأنها ليست بذكر، بمعنى أنه يثاب عليه مثل حي على الصلاة، ليس بذكر، أما بقية الجمل فهي أذكار يثاب عليها.
فقول: الصلاة خير من النوم خبر، والخبر يحتمل الصدق والكذب، فهل هذا صدق وإلا كذب؟ صدق، إذاً نقول: صدقت وبررت، هذا استرواح وميل من بعض الفقهاء، لكن أرجح الأقوال أن يقال مثل ما يقول المؤذن؛ لأن هذا العموم ما خص منه إلا حي على الصلاة، حي على الفلاح، فإذا قال: الصلاة خير من النوم نقول: الصلاة خير من النوم امتثالاً لقوله: ((إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول)).
((ثم قال: الله أكبر الله أكبر، قال: الله أكبر الله أكبر)) الجمل جمل التكبير كم؟ كأنها أربع، لكن هل جمل التكبير في آخر الأذان أربع وإلا اثنتين؟ اثنتين بالاتفاق، بالإجماع، وهذا الحديث في مسلم ((ثم قال: الله أكبر الله أكبر، قال: الله أكبر الله أكبر)) أربع مرات، قال: الله أكبر، الله أكبر، مرتين، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
مرتين؟
طالب:. . . . . . . . .
مرتين فقط؟
لا عندنا قال: ((ثم قال: الله أكبر الله أكبر)) والمحقق يقول: ليس في (ب) وهي زيادة موافقة لما في صحيح مسلم، في نسخة ثالثة؟ وين النسخة الصفراء فيها؟
طالب:. . . . . . . . .
معك؟ لا هذه فيها كم؟
طالب:. . . . . . . . .
اثنتان، هذه الجادة، ولعل الناسخ سبق نظره إلى التكبير في أول الأذان؛ لأنه في أول الأذان ما ذكر إلا اثنتين، كم ذكر عندكم؟
طالب:. . . . . . . . .
(7/25)
يعني سبق نظر، نظر إلى الجمل فسبق نظره إلى ما كان في أول الأذان.
على كل حال هذا أمر متفق عليه، وأن الأذان في أوله على ما جاء في حديث أبي محذورة اثنتين، وعلى ما جاء في حديث عبد الله بن زيد أربع، وأما في آخره فالاتفاق على أنهما اثنتان.
((ثم قال: لا إله إلا الله، قال: لا إله إلا الله)) يكتفي بهذا أو يقول: وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير؟ نعم يكتفى بمثل ما يقول المؤذن لا إله إلا الله ((قال ذلك من قلبه)) لا بد من الاستحضار، وكثير من المسلمين وبعض طلبة العلم يذكر هذه الأذكار بلسانه فقط، وهل تترتب الآثار على ذكر اللسان دون مواطأة القلب؟ نعم الجمهور لا، لا بد من التواطؤ بين اللسان والقلب، وابن حجر يقول: الأجور المرتبة والآثار المرتبة على مجرد القول تثبت بالقول، من قال كذا فله كذا، يثبت؛ لأنه قال، يصدق أنه قال، ويكون أجر حضور القلب قدر زائد على ذلك، قدر زائد على ذلك، وعلى كل حال المواطأة لا بد منها؛ لأن الذكر باللسان فقط مع الغفلة إذا كان ناقص، ذكر ناقص، رواه مسلم وروى، وإن كان في بعض النسخ: روي، حتى ضبطت بضم الراء وكسر الواو، رُوي، بهذا الضبط، والصواب روى يعني مسلماً فالحديث مخرج في مسلم، فلا يحق لأحد أن يقول: روي، والحديث مخرج في صحيح مسلم؛ لأن أهل العلم ينصون أن الحديث الصحيح لا يصدر بصيغة التمريض، كما أن الضعيف لا يصدر بصيغة الجزم، والمؤلف إمام في هذا الباب، يراعي مثل هذه الاصطلاحات، فلا شك أن مثل هذا من تصرف الطابع.
(7/26)
"وروى" يعني مسلماً "عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علي)) " يعني إذا قلنا: لا إله إلا الله صلينا على النبي -عليه الصلاة والسلام-، ((فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه عشراً)) يصلي عليه عشر، وهذا من فضل الله -جل وعلا- وكرمه أن الشيء من العبادات يضاعف، والحسنة بعشر أمثالها، والصلاة بعشر صلوات، والمفروضات خمس بخمسين وهكذا، لكن يأبى بعض الأشقياء وبعض المحرومين إلا أن تكون آحاده غالبة لعشراته، بعض الناس تزيد آحاده على عشراته فيفرط في ما يؤجر عليه، ويستكثر مما يأثم به، لا شك أن هذا خذلان.
قال: ((ثم سلوا الله لي الوسيلة)) يعني بالذكر المفصل في السابق ((اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة ... )) إلى آخره.
((فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة)) بعضهم يقول: إن هذه المنزلة هي إجلاسه -عليه الصلاة والسلام- مع الرب -جل وعلا- في العرش، وهذا جاء ما يدل عليه، لكن فيه كلام كثير لأهل العلم هذه المنزلة، ونكتفي بما صح عنه -عليه الصلاة والسلام-، هي منزلة عالية مناسبة للبشر للمخلوقين، وهي أعلى منزلة في الجنة، لا تنبغي أن تكون إلا لواحد فقط، لا تقبل الشركة، ويرجو -عليه الصلاة والسلام- أن يكون هو، والله -جل وعلا- قد وعده هذا المقام المحمود، وهذه المنزلة العالية الرفيعة ((فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة)).
قال: "وعن عثمان بن أبي العاص أنه قال: يا رسول الله اجعلني إمام قومي، قال: ((أنت إمامهم، واقتدِ بأضعفهم، واتخذ مؤذناً لا يأخذ على أذانه أجراً)) " عثمان بن أبي العاص ثقفي، وطلب من النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يكون إماماً لقومه، والأصل أنها إمامة صلاة بدليل قوله: ((واقتدِ بأضعفهم، واتخذ مؤذناً)) لا أنها إمارة، وإن كان اللفظ محتملاً إلا أن الظاهر من اللفظ أنها إمامة صلاة.
(7/27)
وطلب الإمامة؛ لأنها عمل مما يقصد به وجه الله، ويتعبد به، فهو من أمور الآخرة، ولا مانع أن يطلب الإنسان الإمامة، لا سيما إذا استحضر في ذلك أنها تعينه على أمور دينه، تضبط له أوقاته، وترتب له حياته؛ لأن الذي .. ، مع الظروف التي نعيشها كثير من الشباب ممن ليس بإمام أحياناً تفوتهم الصلاة، لكن إذا كان إمام ما تفوته الصلاة، فإذا طلب الإمامة لهذا القصد، يقول: من أجل أن أحافظ على الصلاة، ومن أجل أن أحفظ القرآن، وأراجع حفظي، هذه مقاصد حسنة، لا لأجل الأجر المرتب عليها، ولا لأجل البيت والمسكن، مسكن الإمام، فلا يجوز للإمام أن يتقدم للإمامة من أجل الراتب، أو من أجل البيت، أو ما أشبه ذلك، إنما يتقدم للانتفاع والنفع، لينتفع بنفسه وينفع غيره، ثم ما جاءه بعد ذلك من رزق من بيت المال لا يؤاخذ عليه، لكن إذا كان هو الدافع له، الدافع له هذا الأجر فلا، ولذا قال: ((أنت إمامهم)) وليس هذا من باب سؤال الإمارة؛ لأن الإمارة من أمور الدنيا ليست من أمور الآخرة، فأمور الآخرة تطلب ليستعان بها على السير إلى الله -جل وعلا-، وأما أمور الدنيا فلا تسأل الإمارة، والمسألة تحتاج إلى شيء من التفصيل.
فقال: ((أنت إمامهم)) أجابه إلى طلبه ((واقتد بأضعفهم)) يعني عندك مجموعة من الشباب طلاب علم ثلاثة صفوف مثلاً، وعندك من كبار السن اثنين أو ثلاثة، الشباب لا مانع أن تصلي بهم، صلاة المغرب بالأعراف أو صلاة العشاء بسورة أخرى، وأحياناً تقرأ الطور وأحياناً .. ، لكن هؤلاء كبار السن الضعاف لا شك أنه يشق عليهم مثل هذا التطويل فهم المنظور إليهم.
(7/28)
((واقتدِ بأضعفهم، واتخذ مؤذناً لا يأخذ على أذانه أجراً)) فأمر المؤذن موكول إلى الإمام؛ لأنه قال له: ((اتخذ مؤذناً لا يأخذ على أذانه أجراً)) فهو موكول إلى الإمام، كما في هذا الحديث، أو موكول إلى من وكله الإمام، هنا هل عثمان بن أبي العاص اكتسب هذا الحق في اتخاذ المؤذن لأن الإمام أحق من غيره في اتخاذ المؤذن، أو لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((أتخذ مؤذناً)) وكل الأمر إليه؟ وعلى هذا إذا قلنا بالأول أن كل إمام يرشح مؤذناً، وإذا قلنا بالثاني أنه ليس للإمام أن يرشح مؤذناً إلا إذا فوض إليه الأمر من قبل ولي الأمر، قال: اتخذ مؤذناً، رشح أنت من شئت، عين من شئت لا مانع.
((واتخذ مؤذناً لا يأخذ على أذانه أجراً)) لا يأخذ أجرة، لا يأخذ راتب، ما يقول: لا أذن إلا بكذا، وكان المؤذنون يحتسبون، يؤذن الواحد خمسين سنة، ستين سنة ما يأخذ أجر، اللهم إلا إذا فرض له من قبل بعض المحسنين من أوقاف وأشباهها كذا صاع من التمر أو صاع من البر، أو ما أشبه ذلك هذه طريقته؛ لأنه يتفرغ للمسجد، فلا يأخذ على ذلك أجراً، أما ما يعطاه جعلاً وتعاوناً معه على أمور دنياه هذا طيب، من باب التعاون على البر والتقوى، ولا يدخل هذا في النهي المذكور في الحديث.
" ((واتخذ مؤذناً لا يأخذ على أذانه أجراً)) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والنسائي والحاكم، وقال: على شرط مسلم" والحديث صحيح "وفي رواية: أن آخر ما عهد إليَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- أن أتخذ مؤذناً لا يأخذ على أذانه أجراً" وهذه الرواية وإن كان معناها صحيح إلا أنها من حيث الصناعة ضعيف؛ لأن فيها عنعنة الحسن البصري، وفيها أشعث بن سوار مضعف، والمعنى صحيح؛ لأن الخبر السابق صحيح ((واتخذ مؤذناً لا يأخذ على أذانه أجراً)) رواه ابن ماجه والترمذي حسنه، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
هذه أسئلة من الإنترنت.
يقول: شخص سافر إلى جيزان، ومكث بها عشرة أيام، فعلى قول الجمهور هو مقيم، ثم إنه خرج إلى قرية تبعد أربعين كيلو، وعاد في نفس اليوم، فهل يأخذ حكم المسافر أو المقيم؟
(7/29)
هذا السفر الذي رجع فيه في نفس اليوم، والمسافة لا تبلغ المسافة التي قررها أهل العلم، هذا لا يخرم عليه الإقامة.
يقول: بعض الإخوة يأخذ الكتب المحققة ويأخذ النص الأصلي للكتاب، ويزيل عنه حواشي المحقق ويضعه في الإنترنت، فينزله الناس في أجهزتهم هل هذا جائز؟ وهل يقال: إن الكتب الشرعية حقوقها محفوظة؟
أما حفظ الحقوق العلم في الأصل مشاع للناس كلهم، لكن إذا تعب شخص وخسر أموال على عمله في كتاب ينبغي ألا يهدر حقه، فمتى استوفى حقه الذي خسر عليه صار حكمه حكم غيره.
يقول: ما هي أفضل طبعات كتاب تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي وكذلك عون المعبود؟
أفضل الطبعات بالنسبة لهذين الكتابين الطبعات الهندية، فعون المعبود في أربعة مجلدات، وتحفة الأحوذي في خمسة.
هذه امرأة من الكويت تقول: نزل هذه الأيام نوع من النعل للنساء يشبه نعل الرجال الزبيرية مع اختلاف اللون والطريقة، فهل إن شريناه ولبسناه نعد من التشبه بالرجال؟
إذا كانت هذه النعال بحيث إذا رآها الناس قالوا: هذه نعال الرجال فلا يجوز، هذا تشبه، وإن كان فيها ما يجعلها تختلف عن نعال الرجال فإذا رآها الرائي قال: هذه نعل نساء، فينتفي حينئذٍ التشبه، ولا بأس بها -إن شاء الله تعالى-، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(7/30)
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: المحرر – كتاب الصلاة (8)
الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هذا يقول: هل يوجب للمؤذن حين الأذان متجهاً للقبلة؟
يعني هل يجب عليه أن يستقبل القبلة حال الأذان؟
الأذان على مر العصور والمؤذنون يفعلونه، وهم على جهة القبلة، يلتفون يميناً وشمالاً على ما تقدم في الحيعلتين، ولكن لو أدي الأذان بجمله، وأدى الغرض منه بحيث سمعه الناس بالجمل المأثورة عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أجزأ، وعلى هذا ليس بشرط.
ثم سأل ثانياً فقال: هل يوجب للمؤذن أن يكون على طهارة أثناء الأذان؟
لا، لا يلزم أن يكون على طهارة، لكن عدم الطهارة كونه يؤذن وهو محدث، لا سيما إذا كان الأذان داخل المسجد يترتب عليه خروج من المسجد بعد الأذان، وهذا جاء فيه من خرج فقد عصا أبا القاسم -صلى الله عليه وسلم-، وعلى هذا ينبغي أن يكون محتاطاً لنفسه، بحيث لا يحتاج إلى الخروج، أما إذا اضطر إليه فلا مانع.
يقول: حديث أبي محذورة السابق هل المقصود من إيراد المصنف له هنا أفضلية الصوت الحسن للأذان؟ وهل يقدم ندي الصوت على الأفقه والأكبر سناً؟
نعم يقدم الندي الصوت الذي يحسن ويتقن الأذان، ويعرف الأوقات، هذه شروط المؤذن، ولا يشترط أن يكون فقيهاً؛ لأنه ليس في الأذان من الأحكام مثل ما في الصلاة التي قد تطرأ على الإمام بحيث يكون بعضها مبطل للصلاة وهو لا يشعر.
يقول: هل يقال: اللهم ربنا ولك الحمد بعد انتهاء الإمام من قول: سمع الله لمن حمده؟
نعم، بعد قول الإمام سمع الله لمن حمده يقال مباشرة بعد انقطاع نفسه: ربنا ولك الحمد، أو ربنا لك الحمد، أو اللهم ربنا لك الحمد، أو اللهم ربنا ولك الحمد، أربع صيغ معروفة عند أهل العلم.
ومتى يرفع المأموم رأسه من الركوع؟ هل إذا انتهى الإمام من قوله؟
(8/1)
على كل حال إذا كان الإمام يقرن القول بالفعل بمعنى أن قوله: سمع الله لمن حمده مقترن برفعه من الركوع فإذا انقطع صوته، وإذا عرف من عادته -مع أنه لا ينبغي- أنه لا يقول: سمع الله لمن حمده حتى يعتدل، أو يقول: سمع الله لمن حمده قبل أن يستتم، فمثل هذا الذي يراه يقتدي بالفعل، والذي لا يراه يقتدي بالقول.
أنا أريد طلب العلم، فبماذا تنصحني؟
هناك أشرطة ومحاضرات في هذا الشأن يرجع إليها؛ لأن هذا سؤال طويل.
يقول: أشكلت علي قاعدة: أن ما كان سببه موجوداً في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يفعله فهو بدعة مع الخطوط في الصفوف في المساجد ونحوها.
ما قام سببه في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- ولم يفعله لا شك أن هذا اختراع لا سيما إذا كان عبادة أو متعلق بعبادة، إذا قام سببه ولم يفعله النبي -عليه الصلاة والسلام- فهو بدعة، لكن قد يقوم السبب في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- والسبب موجود، لكنه أقوى من السبب الذي كان في عهده -عليه الصلاة والسلام-، مثل المثال الذي ذكره الخطوط هذه التي في المساجد، السبب موجود في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكنه في عصرنا زادت الحاجة إليه، فالسبب قوي، قوي على ما كان عليه في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام-، في عهده -عليه الصلاة والسلام- المسجد صغير يرى طرفه من يمينه ومن شماله، ويبصر الأبعد مثل ما يبصر الأدنى، ويقومهم -عليه الصلاة والسلام- كما يقوم السهام، علماً بأن الأرض لم تكن مفروشة، والخط فيها ينتهي بسرعة تراب، إذا خط في تراب وداسه الناس بأقدامهم انتهى، فلا يحقق الأثر المطلوب، وأما في عهدنا فانظر إلى مصليات العيد التي ليس فيها خطوط، الصفوف مستديرة كاستدارتها على الكعبة، الصفوف مستديرة، وأحياناً تكون متعوجة كثيراً، والإمام لا يمكنه أن يحيط بهم، والناس لا يكفيهم أن يقال: استووا، اعتدلوا، تراصوا، ما يكفيهم هذا، ولا يرعوون ولا ينتبهون، فمثل هذا الحاجة داعية، وهي أدعى منها في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام-، فالمسألة فيها أخف، لكن لو كان السبب متحد، قوته الآن مثل قوته في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- نقول: بدعة.
(8/2)
يقول: لو قال قائل: إن النهي في قوله: ((لا تمنعوا)) -يعني إماء الله بيوت الله- واقع للأمراء من المنع، ويبقى النهي عن الصلاة كما هو عن المصلين؟
كيف؟
يعني المسئول أو ولي الأمر لا يمنع، وولي أمر المرأة المباشر له أن يمنع على كلامه هو؛ لأنه هو الذي يقدر مصلحته ومفسدته، كأنه يقول بهذا، والخطاب هنا ما يوجد ما يخصصه بأحد دون أحد، بل هو خطاب لكل من يتأتى منه الخطاب، بمن يستطيع المنع، سواءً كانت ولايته عامة أو خاصة.
أو يقصد لا تمنعوا أحداً طاف؟ لأنه ما كمل، قال: لا تمنعوا، يمكن لا تمنعوا أحداً طاف، ممكن؟
لا تمنعوا واقع للأمراء من المنع، ويبقى النهي عن الصلاة كما هو عن المصلين؟
يعني يتجه الأمر في ((يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحداً طاف وصلى بهذا البيت أية ساعة)) لأن السؤال الثاني كأنه يقرب المطلوب، ويبقى واقع للأمراء من المنع، ويبقى النهي عن الصلاة كما هو عن المصلين، يبقى النهي يعني في أوقات النهي على حاله محفوظ، والأمراء لا يمنعون، لكن إذا اتجه النهي للفرد من الناس فالمنهي عنه من قبيل المنكر الذي على من رآه أن ينكره، وأولى الناس بالإنكار ولاة الأمر؛ لأنهم هم الذين يستطيعون الإنكار بمراتبه كلها، فيبقى أيضاً الأمر: ((لا تمنعوا)) النهي متجه لبني عبد مناف، وفي ضمنه يدخل غيرهم.
وهل قوله: ((وصلى أية ساعة)) يدل على عدم المنع لأي صلاة، أو هو خاص بركعتي الطواف فإن الواو لا تقتضي الترتيب؟
على كل حال المسألة هذه سبق بحثها، وفعل النوافل في أوقات النهي لا يحتاج إلى إعادة.
يقول: من خشي على نفسه الوقوع في الزنا فاستمنى فهل يأثم؟
(8/3)
الاستمناء عند أهل العلم المحرر والمقرر أنه محرم لأنه تعدي، كما في قوله -جل وعلا-: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [(5 - 7) سورة المؤمنون] وأيضاً النبي -عليه الصلاة والسلام- أرشد الذي لا يستطيع الباءة أن يصوم، ولو كان هناك حل غير الصيام لأرشد إليه -عليه الصلاة والسلام-، فإذا خشي على نفسه الوقوع في الزنا يبقى هو محرم وممنوع، لكن ارتكاب أخف الضررين لا شك أنه أمر مقرر شرعاً، لكن لا يدل على جوازه، يفعله ويستغفر الله ويتوب إليه، هذا إذا لم يكن ثم خيار بين الأمرين.
علماً أن مثل هذا السؤال سببه تعريض النفس للفتنة، فلا يجوز للإنسان أن يعرض نفسه للفتن، إذا كان يخشى من الوقوع في الزنا، وليس بيده أمر ولا نهي لا يستطيع أن يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر، فمثل هذا لا يغشى المحافل والمجامع التي يوجد فيها مثل هذه الفتن.
وهل يخرج من قوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [(5) سورة المؤمنون]؟
نعم يخرج كما قرره أهل العلم، المفسرون كلهم قالوا هذا، وعبارة الزاد عند الحنابلة يقولون: "من استمنى بيده لغير حاجة عزر" فدل على أنه محرم، والحاجة هي الوقوع في الزنا ترفع عنه التعزير.
يقول: النار تسجر عند قائم الظهيرة على أي توقيت؟ أو أنها تسجر باستمرار؛ لأن زوال شمسنا توسط شمس غيرنا، أفتونا ... إلى آخره؟
(8/4)
يقال في مثل هذا ما يقال في النزول في الثلث الأخير من الليل، يعني على الإنسان الذي رضي بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد -عليه الصلاة والسلام- نبياً ورسولاً أن ينظر إلى خطاب الشرع كأنه موجه إليه دون غيره، فيمتثل، أنت ما عليك إلا من نفسك، والبلد الذي تعيش فيه، ما تقول: والله وقت النزول الإلهي الآن في البلد الفلاني مثلاً في الهند أو في السند، أنا أتعرض لهذه النفحات الإلهية الآن، لا لا، أنت ما عليك إلا من بلدك، وهذه الأمور التي قد لا تحيط بها بمجرد عقلك وتفكيرك اتركها، وإذا استرسلت وراء هذه الإشكالات وهذه الشبهات قد يحصل عندك شيء من التردد من قبول ما جاءنا عن الله وعن رسوله -عليه الصلاة والسلام-، فعليك أن تنظر إلى نفسك، كأنك أنت المخاطب وأنت المعني بهذا الحديث، وبلدك وما عدا ذلك اتركه لغيرك.
وما تصدر مثل هذه الأسئلة إلا بعد أن تصوروا ما يتعلق بالله -جل وعلا- على ضوء ما تصوروه عن المخلوق، وإذا كان بعض المخلوقات لا ندرك ما جاء في شرعنا عنها ككون الشمس تدور في فلكها، تجري في فلكها، تغيب عن قوم، وتطلع على أقوام وهكذا، ومع ذلك تسجد تحت العرش في آخر كل ليلة، في آخر كل ليلة بالنسبة لمن؟ وهل تغادر فلكها الذي تجري فيه أو لا تغادره؟ هذا فوق مقدورك، عليك أن ترضى وتسلم.
يقول: الحديث: ((كل أمتي معافى إلا المجاهرين)) وحديث آخر: ((قوم إذا خلوا إلى محارم الله انتهكوها)).
(8/5)
لا شك أن المجاهر مستخف بمحارم الله، فلا شك أن مثل هذا جرمه عظيم، وأولئك الأقوام الذين إذا خلوا إلى المحارم انتهكوها لكونهم يظهرون للناس أنهم على قدر كبير من النسك، فإذا خلوا بالمحارم انتهكوها، أما بالنسبة لمن لا يظهر للناس خلاف باطنه، ويفعل المعاصي في السر، فإن مثل هذا أمره أخف من المجاهر بلا شك، فإذا كان الإنسان يظهر للناس تجده يحدث بهذا الحديث، ويجعله موضوع لمحاضرات أو لدروس ويذم من إذا خلا بالمحارم انتهكها وهو يفعل؛ لأنه يظهر للناس خلاف ما عليه حقيقته، يعني قريب من هذا في حديث الأعمال بالنيات: ((فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه)) وهذا لا شك أنه سيق مساق الذم، لكن هل يذم من سافر إلى بلد من البلدان لطلب في الرزق؟ يذم وإلا ما يذم؟ ما يذم، بحث عن زوجة في بلده فما وجد، فهاجر إلى بلد ليتزوج، لكن الذم حينما يظهر للناس أنه إنما هاجر لله ورسوله، وهو في الحقيقة إنما هاجر للدنيا أو المرأة التي يتزوجها، يعني لو أن إنساناً عنده غرفة في هذا المسجد أو في غيره وفيها تمر وفيها ماء، وفيها أدوات القهوة والشاي، وما أشبه ذلك، وجالس في المسجد، فاحتاج إلى الأكل في وقت أذان المغرب، أو انتهى من قراءته وهو يجيب المؤذن لصلاة المغرب أكل تمرات وشرب ماء، يلام وإلا ما يلام؟ أكل مباح، ولا أظهر للناس أنه صائم، لكن لو مد السماط هنا وجلس واتكأ على سارية وجلس يقرأ لما قرب الأذان، قرب إلى السماط والناس يدخلون ويش يظنون به الناس؟ وكل من دخل قال: تفضل يا أبو فلان، تفضل، على شان اللي ما شافه يشوفه، هذا يظهر للناس أنه صائم، وهو ما هو بصائم، يعني هل مثل هذا مثل الذي اختفى في غرفته وانتهى من قراءته ليجيب المؤذن، فوجد نفسه محتاجاً إلى الأكل فأكل، ما في أحد يمنعه من الأكل، لكن إذا أظهر للناس سواءً كان بقوله أو بفعله أنه متلبس بأمر غير واقع هذا هو الذي يذم ويلام، فإذا أظهر للناس أنه من أتقى الناس وأورعهم، فإذا خلا بالمحارم انتهكها هذه المشكلة، وكثير ممن يتصدى لتعليم الناس وإرشادهم، وأنا منهم قد يفهم من حاله ومن كلامه أن
(8/6)
هناك أمور يفعلها مما يحث عليها، أو أمور يتركها مما يحذر منه، وهو واقع فيها، فهل نقول لمثل هذا: كف؟ نعم إن أمكن ألا يخالف القول الفعل هذا هو الأصل {كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} [(3) سورة الصف] لكن إذا كان المسألة في السنن يحث الناس على قيام الليل، أو يحث الناس على الصيام، صيام النوافل، أو يحث الناس على حفظ القرآن، أو يحث الناس على طلب العلم، وألا يضيعوا أوقاتهم، ويضيع أوقات، هذا يختلف عمن ينتهك المحارم، يعني المسألة الحث على نوافل، ولو لم يفعلها، وحث على ترك مكروهات ولو اقترفها، حث على حفظ الوقت ولو ضيع بعض وقته؛ لأن الجهة منفكة، لكن يحث على ترك المحرمات ويرتكب محرمات هنا قف، مع أن أهل العلم يقررون أنه ليس من شرط الآمر والناهي أن يكون معصوماً، فيأمر بالمعروف ولو تركه، وينهى عن المنكر ولو ارتكبه، وله أجر هذا، وعليه إثم هذا، ويقررون أن الجهة منفكة، اللهم إلا إذا كان أمره أو نهيه مقترن بما يدل على الاستخفاف، شخص في يده سيجارة ويشوف واحد يدخن، يقول: يا أخي لا تدخن الدخان حرام، هذا ويش يفهم منه؟! أو اثنان على كرسي حلاق يحلقون لحاهم -الحلاق يحلق لحاهم- يلتفت واحداً منهم يقول: يا أخي حلق اللحية حرام هذا مقترن بالاستخفاف بلا شك، لكن لو كان مبتلى بالدخان وفي غير ارتكابه لهذه المعصية، يعني في وقت لا يدخن فيه، وقال: يا أخي من النصيحة أهل العلم يقررون أن الدخان حرام، وهو مضر بالصحة، ولو كان يدخن، لا يشترط، لكن يبالغ الأشعرية في انفكاك الجهة، فيقررون مسألة من أغرب المسائل، فيقولون: يجب على الزاني أن يغض بصره عن المزني بها، هذا أمر وهذا أمر، يرتكب محرم، لكن لا يرتكب اثنين، نقول: هذا استخفاف؛ لأن غض البصر ما طلب إلا من أجل الفرج، الفرج يصدق ذلك ويكذبه، فننتبه لمثل هذه الأمور فإنها من الدقائق الخفية، والإنسان حينما يحاسب نفسه، وقد قال في الدرس مثل هذا الكلام، وإذا خلا يعني فرط في كثير من الأمور يجد في نفسه حرج كبير؛ لأن النفس على ما عودت، والإنسان الذي تعود على الهزل، يعني يضيع كثير من أوقاته، وعنده شيء من الخير، لكن يبقى أن من يأمر الناس بشيء يقبح به
(8/7)
أن يخالف، والله المستعان.
يقول: هل صحيح أن الدعاء بأمور الدنيا في صلاة الفريضة يبطلها؟
نعم عند الحنابلة يقررون أنه لا يدعو بأمور الدنيا، فلا يقول في سجوده ولا بعد انتهائه من التشهد في المواطن التي مظنة لإجابة الدعاء: اللهم ارزقني زوجة جميلة، أو دابة هملاجة، أو داراً واسعة، أو ما أشبه ذلك، مع أن الإطلاق في النصوص يدل على أنه لا يمنع من ذلك شيء، يدعو ثم يتخير من المسألة ما شاء، فلا يبطلها -إن شاء الله تعالى-.
وهذا يقول: هل يشرع الأذان في أذني المولود؛ لأننا سمعنا الحديث الوارد وهو ضعيف، ولو كان ضعيف فهو يشرع؟
على كل حال محسن الحديث، الحديث محسن، فلو أذن في أذنه ليسمع كلمة التوحيد من أول ما يسمع فهذا له وجه عند أهل العلم.
هذا يقول: ما هي أفضل طبعات تحفة الأحوذي وعون المعبود؟
قلنا مراراً: إن الطبعة الهندية لعون المعبود أربعة مجلدات، تحفة الأحوذي خمسة هذه أفضل الطبعات؛ لأن ما جاء بعدها مأخوذ منها، ولكونها بالحرف الفارسي هي باللغة العربية لكن الحرف فارسي، الذين طبعوا الكتاب بعد ذلك لا يعرفون كيف يقرؤون الحرف الفارسي، فوقعوا في أخطاء من هذه الحيثية.
هل يجوز زيارة مدائن صالح للعظة؟
على كل مثل هذه المواضع لا يدخلها الإنسان إلا باكياً، وإذا لم يحصل هذا فليجتزها بسرعة.
أم سهلة السلفية من فرنسا تقول: ما هي أفضل الطرق للمرأة حتى تجتهد في طلب العلم؟
النساء شقائق الرجال، فالأمور المحفزة للرجل هي نفسها الأمور المحفزة للمرأة، فإذا نظرت فيما أعد الله تعالى للعلماء من منازل ودرجات في الدنيا والآخرة، فلا شك أنها سوف تسعى في تحصيله -إن شاء الله تعالى-.
يقول: ما هو ضابط النهي هل هو للتحريم أو للكراهة؟
عامة أهل العلم على أن الأصل في النهي التحريم، إلا إذا وجد صارف يصرفه.
(8/8)
يقول: جاء في الصحيحين من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- يفتتح الصلاة بالتكبير، وفي آخر الحديث ذكر فيه رواية: وإذا قام من الركعتين رفع يديه وكبر" السؤال إذا صلى رجل مع إمام وفاتته ركعة، وقام الإمام إلى الثالثة، والمأموم تحسب له الثانية، هل يرفع يديه هو أم هذا هو للإمام والذي بدأ الصلاة معه؟ وهل إذا قام الإمام للرابعة والمأموم للثالثة يرفع يديه؟ لأن هذا الإشكال يقع.
هذا فرع من مسألة وهي ما يدركه المسبوق، هل هو أول صلاته أو آخر صلاته؟ الحنابلة والحنفية يقولون: هو آخر صلاته، وعلى هذا إذا قام الإمام للثالثة والمأموم مسبوق بركعة يرفع يديه إذا قام الإمام للثالثة من التشهد الأول؛ لأن ما يدركه آخر صلاته، وقول المالكية والشافعية هو المرجح أن ما يدركه المسبوق هو أول صلاته، فعلى هذا المأموم لا يرفع يديه إلا إذا قام من ثانيته هو إلى الثالثة، ولو كانت بالنسبة للإمام يقوم إلى الرابعة.
ما حكم لبس الخاتم والسلسال للرجال؟
أما السلسال هذا لا شك في تحريمه؛ لأنه تشبه بالنساء؛ لأنه من الحلية التي تتزين بها النساء، وجاء لعن المتشبهين من الرجال بالنساء، وأما لبس الخاتم فلبسه النبي -عليه الصلاة والسلام-، واتخذه حينما قيل له: إن فارس لا يقرؤون الكتاب إلا مختوماً، فمن أهل العلم من يرى سنتيه مطلقاً، ومنهم من يراه لصاحب الحاجة لمن يحتاج إليه، قاضي أو أمير أو صاحب مؤسسة يحتاج إلى ختم معاملات، أو ما أشبه ذلك، أو عالم يفتي، فإذا أفتى وضع الختم، على كل حال من يحتاجه يتجه إليه الاستحباب، ومن عداه فلا.
سم.
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين.
قال الإمام ابن عبد الهادي في كتابه المحرر:
باب: شروط الصلاة
عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ)) متفق عليه، واللفظ لمسلم.
(8/9)
وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل، ولا المرأة إلى عورة المرأة، ولا يفضي الرجل إلى الرجل في ثوب واحد، ولا تفضي المرأة إلى المرأة في الثوب الواحد)) رواه مسلم.
وعن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: قلت: يا رسول الله عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال: ((احفظ عورتك إلا من زوجتك، أو ما ملكت يمينك)) قلت: فإذا كان القوم بعضهم في بعض؟ قال: ((إن استطعت أن لا يراها أحد فلا يرينها)) قلت: فإذا كان أحدنا خالياً؟ قال: ((فالله -تبارك وتعالى- أحق أن يستحيى منه من الناس)) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والنسائي والترمذي وحسنه، وإسناده ثابت إلى بهز، وهو ثقة عند الجمهور.
وعن أبي الدرداء -رضي الله عنه- قال: كنت جالساً عند النبي -صلى الله عليه وسلم- إذ أقبل أبو بكر آخذاً بطرف ثوبه حتى أبدى عن ركبته، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((أما صاحبكم فقد غامر)) الحديث، رواه البخاري.
وروى عن أبي موسى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان قاعداً في مكان فيه ماء قد انكشف عن ركبتيه أو ركبته، فلما دخل عثمان غطاها".
وعن صفية بنت الحارث عن عائشة -رضي الله عنها- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار)) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي وحسنه، والحاكم وقال: على شرط مسلم، وصفية وثقها ابن حبان، وقد روي موقوفاً ومرسلاً، ورواه ابن خزيمة في صحيحه، ولفظه: ((لا يقبل الله صلاة امرأة قد حاضت إلا بخمار)).
يكفي.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: شروط الصلاة
(8/10)
الشروط جمع شرط، كما أنها تجمع على أشراط، فشروط الصلاة وشروط الساعة وأشراطها يعني ما يتقدمها، والشرط عند أهل العلم، الشرط عند أهل العلم ما يعدم المشروط عند عدمه، يعني ما يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم، يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم، فمن شروط الصلاة الطهارة يلزم من عدم الطهارة عدم الصلاة، ولا يلزم من وجودها وجود ولا عدم؛ لأن الإنسان قد يتوضأ ولا يصلي، وقد يتوضأ ويصلي، لكنه إذا لم يتوضأ فإنه الصلاة حينئذٍ تكون معدومة، فالشرط مؤثر يبطل ما اشترط له بعدمه، ومثله الركن، وهو جانب الشيء الأقوى، فعدمه مؤثر، يؤثر البطلان، فالشرط والركن يشتركان في كون كل منهما مؤثراً، فكل من الشرط والركن تبطل الصلاة بعدمه، يعني مع الاستطاعة، أما إذا لم يستطع فاتقوا الله ما استطعتم ((صل قائماً فإن لم تستطع فقاعداً)) على كل حال هذا في حق المستطيع، أما من عجز عن شرط أو عن ركن فإنه لا يطالب به، من عجز عن شيء من الشرط، أو شيء من الركن فإنه يأتي بما يستطيع، إذا كان المستطاع مما يطلب شرعاً، إذا كان المستطاع مطلوب شرعاً، أما إذا كان المستطاع لا يطلب مثله في الشرع، وإنما وجوده في الشرط وجود اتفاق لا اشتراط، ولا أثر له في العبادة، فمثل هذا لا يؤتى به، إنسان لا يستطيع أن يستعمل الماء الذي يستطيع أن يستعمل الماء عليه أن يبذل الأسباب للحصول إليه، الذي لا يستطيع استعمال الماء هل نقول: يجب عليك أن تسعى للحصول إليه؛ لأن الذي يستطيع يسعى إلى الحصول إليه؟ الذي لا يستطيع القراءة قراءة الفاتحة، وهي ركن هل يلغى عنه القيام؟ لا يلغى؛ لأن القيام مطلوب، لكن هل يطالب بتحريك شفتيه؛ لأن القارئ يحرك شفتيه؟ لا يطالب؛ لأن تحريك الشفتين غير مطلوب وهكذا، وقد يلتبس بعض هذه الأمور ببعض عند بعض الطلاب، يعني الحلق من واجبات النسك، الأصلع مثلاً الذي لا شعر في رأسه ولا شعرة واحدة منهم من قال: يمر الموسى على رأسه؛ لأن هذا مقدور عليه، لكن الصواب أنه لا حاجة إليه هذا عبث، ومجرد إمرار الموسى ليس بمطلب شرعي، إنما وجوده وجود اتفاقي؛ لأن الواجب الشرعي يتطلبه، فننتبه لمثل هذه الأمور.
(8/11)
ولا شك أن الشرط مؤثر، والركن فقده مؤثر، وكلاهما يؤثر بطلان ما اشترط له، أو ما كان جزءاً منه، والشرط كما يقرر أهل العلم خارج الماهية، والركن داخل الماهية؛ لئلا يقال: لماذا نقسم إلى شروط وأركان نسوقها مساقاً واحداً؟ لا، الشروط تكون خارج الماهية، والأركان أجزاء الماهية داخلة فيها، ولذا من الفوائد المترتبة على الخلاف بين الحنفية والجمهور في تكبيرة الإحرام، تكبيرة الإحرام شرط عند الحنفية، وعند الجمهور ركن؛ لأنها عند الجمهور داخل الماهية، وعند الحنفية خارج، قد يقول قائل: ويش الفرق؟ ما الفرق بينهما ما دام على القولين إذا لم يأت بتكبيرة الإحرام الصلاة باطلة؟ لماذا نفرق بين هذا وهذا؟ نقول: الفروق فوائد الخلاف ذكرها أهل العلم، أنه لو كبر وهو حامل نجاسة مثلاً، ومع نهاية التكبير وضعها، صلاته صحيحة عند الحنفية؛ لأن حمله للنجاسة خارج الصلاة، وباطلة عند الجمهور لأنه حمل النجاسة داخل الصلاة، وغير ذلك، يعني لو قلب نيته من نفل إلى فرض، أو العكس معروف مسائل معروفة نأتي إليها -إن شاء الله تعالى- في وقتها، في باب صفة الصلاة.
هذا يقول: ذكرتم بأن الشرط يجمع على شروط أو أشراط، وقد قرأت في المعجم بأن أشراط جمع شَرَط، يعني كسبب وأسباب، والشروط جمع شرط، والشرط بمعنى العلامة، والشرط يفيد الإلزام.
الشرط بالتسكين قد يكون تخفيفاً للشرَط، وإلا ما في أحد يقول: إن خروج الدجال شَرَط، وأشراط الساعة معروفة.
وهنا يقول: قرأت في المعجم بأن الأشراط جمع شَرَط؟
هل أحد يقول بأن طلوع الشمس من مغربها شَرَط؟ أم نقول: تجمع على أشراط أشراط الساعة؟ أو أن الأصل شَرَط ثم خفف كشرط الصلاة؛ لأن المتحرك يخفف بالتسكين.
(8/12)
نعم عندنا سبب وأسباب، لكن هل تستطيع أن تخفف سبب؟ نعم لا تستطيع، لكن شَرَط تستطيع أن تخففها بالتسكين، فننتبه لمثل هذه الأمور، وإذا أردنا أن نرجع لتقرير مثل هذه المسائل ما نكتفي بمرجع واحد، ولا نكتفي بمصدر مختصر، لا بد أن نستوعب ونستقصي، وهناك أشياء تلتقط من المعاجم الكبيرة لا بالمراجعة؛ لأن المراجعة قد يكون ذهنك منصب على ما تريد، لكن سرد الكتب المطولة مثل لو قرئ مثلاً تهذيب اللغة أو صحاح الجوهري، أو الكتب التي ألفها مؤلفها وهو مرتاح منبسط، يعني ما في ذهنه عصر العبارات؛ لأن الكتب المعصورة قد لا تجد فيها الفائدة التي تريد، مثل الكتب التي ألفت ابتداءً، فتجد مثل هذه التحف، وهذه النفائس يلتقطها بعض أهل العلم ويفردونها، مثل الحريري في درة الغواص، يعني التقط أمور من كتب اللغة يعني الباحث قد لا يجدها بنفسه، لو كان يراجع كتب اللغة باستمرار، اللهم إلا إذا كان صاحب استقراء، وله قراءة جرد يجرد فيها الكتب، ويدون فيها مثل هذه الطرائف، على أنه إن وفق في بعضها وخولف في بعضها لكن المقصود أنه كتاب نفيس مع شروحه، فنهتم بمثل هذه الأمور ولا نلغي؛ لأن الواحد يسأل يقول: إنك ذكرت أن طلب علم اللغة أمر ضروري لطالب العلم، نقول: لا علم إلا بلغة، ما في علم إلا باللغة؛ لأن الكتاب والسنة إنما هما باللغة، وقد يقول طالب علم أننا نشوف كثير من شيوخنا اللحن في كلامهم كثير، وما ضرهم علماء، هل يعني هذا أنهم لا يعرفون اللغة إذا لحنوا؟ قد يعرف اللغة، ويستفيد من اللغة فائدة عظيمة جداً جداً وهو يلحن؛ لأن المستفاد من تعلم اللغة أمران: تقويم العبارة، وصيانة اللسان عن اللحن، وهذا إذا قلنا: اللغة النحو، وهو باب أو فن من فنون اللغة، وعدتها اثنا عشر علماً، يعرفها أهل العناية.
(8/13)
الذي يدرس اللغة قد يقول قائل: والله أنا مشيت على الجادة، حفظت الأجرومية، وقرأت شروحها، وسمعت الأشرطة، ثم القطر، ثم الملحة وشروحها، ثم الألفية وانتهيت ولساني أعوج، ألحن كثير، نقول: ما في ما يمنع، في شخص تعلم العلم وهو كبير، وهو من البادية، فحفظ الأجرومية والقطر والألفية وما أدري ويش؟ قلت له أنا: ورا لسانك الآن إلى الآن أعوج؟ قال: والله إني قرأت الأجرومية والقطر والألفية وما بقي للساني إلا الزرادية، يا الله يا الله ما في فائدة.
مثل هذا يعني هل نقول: إن مثل هذا ما استفاد من اللغة؟ يستفيد من تعلم اللغة أمران، قد يجتمعان، وقد يستفيد من واحد ويتخلف الثاني، يستفيد تقويم اللسان، وهذا الذي يستفيد الفائدة المرجوة الذي يطبق، إما خطيب وإلا ملازم للقراءة، ومداوم القراءة على الشيوخ الذين يقومون له العبارات، أو معلم، أو ما أشبه ذلك، هذا حقيقة يحتاج إلى تطبيق.
الأمر الثاني مما يستفيده: معرفة المعاني؛ لأن المعاني مرتبة على معرفة اللغة، سواءً كانت بمفرداتها أو بمبانيها وصرفها أو بإعرابها وتغيير الحركات حسب العوامل، يستفيد، يعرف الفاعل من المفعول، من الحال، من التمييز، وهذه كلها لها .. ، تؤثر في المعاني، فإذا فاته تقويم اللسان ما فاته الثاني، ولذلك يقول: أنا يائس من معرفة .. ، لا ما في يأس.
شخص كبير تعلم، يقرأ في العربية، يحضر الدروس، مرة قلت له: أعرب، قال: جاء الزيدان، جاء فعل ماضٍ، والزيدان فاعل مرفوع وعلامة رفعه الألف، قلت له: لا المائة، كبير سن، يعني ما يفرق بين الألف والألِف، فننتبه يعني اللغة أمر لا بد منه، فطالب العلم ما يمكن يمشي بدون لغة، وإذا كان خطيب بعد يلحن بعد مشكلة.
ولا يمنع من أننا نسمع بعض الشيوخ الكبار يقعون في اللحن؛ لأنه أحياناً ينتبه الإنسان للمعنى ويغفل عن اللفظ.
(8/14)
شروط الصلاة: الشروط المضافة إلى العبادات أو المعاملات منها ما يشترطه الشرع لها كشروط الصلاة، وشروط البيع، ومنها ما يشترطه الإنسان لنفسه، سواءً كان في العبادة كالحج، أو في المعاملة يشترطه لحظ نفسه، وهذه تسمى .. ، أو في عقد النكاح الزوج يشترط، أو الزوجة تشترط، هذه شروط في العبادة أو المعاملة، فالأول من وضع الشرع، والثاني من وضع الخلق "وإن أحق ما وفيتم به من الشروط ما استحللته به الفروج" والمراد هنا الشروط التي يشترطها الشارع لصحة هذه العبادة التي هي الصلاة، الشارع اشترط شروط، لكن هل نص على أنها شروط، أو قال: شروط الصلاة تسعة مثلاً، أو أن العلماء حصروها وجمعوها حسب مدلولات النصوص بالاستقراء؟ يعني يقول قائل: هات لي من الكتاب والسنة أن شروط الصلاة تسعة؟ ما تجد، هل نص على .. ، قال الرسول: شروط الصلاة تسعة؟ أو قال: ستر العورة شرط من شروط الصلاة؟
الصيغ التي جاءت في النصوص يفرق بينها أهل العلم بأن هذا شرط، وهذا ركن، وهذا واجب، وهذا سنة، وليس ذلك على سبيل التشهي، إنما هو بضم بعض النصوص إلى بعض، ميزت هذه الأمور من شرط إلى ركن إلى واجب إلى سنة، وإلا ما يوجد ما يدل على أن ستر العورة شرط باللفظ، لكن لا يقبل الله، ما يوجد على أن الطهارة شرط إلا ما جاء في النص من أن الله -جل وعلا- لا يقبل صلاة من أحدث حتى يتوضأ، ولا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار ... إلى آخره، على ما سيأتي في المراد بنفي القبول، يراد به نفي الصحة، أو نفي الكمال، أو نفي الثواب المرتب، أو غير ذلك مما سيأتي ذكره -إن شاء الله تعالى-.
فالشروط سبيلها الاستنباط من النصوص التي تفيد انتفاء العبادة، ولو وجدت صورتها، الشروط النصوص التي تنفي الحقيقة الشرعية للعبادة ولو وجدت صورتها العرفية ((صل فإنك لم تصل)) قد يقول قائل: صلى، نراه وقف وركع وسجد هذه صلاة، فحقيقتها الشرعية غير موجودة ولو وجدت صورتها الظاهرة.
من يعدد لنا شروط الصلاة؟
(8/15)
الحصر قولهم: "شروط الصلاة تسعة" مفيد جداً؛ لأنك إذا عرفت أنها تسعة فعددت وعددت خمسة تقول: باقي أربعة لازم تحاول تستذكرها، إذا جئت بسادس تقول: باقي ثلاثة، إذا جئت بسابع تقول: باقي اثنين وهكذا، إن استذكرت وإلا راجعت كتب أهل العلم لتكميلها، فالعدد الإجمالي نافع، وجاءت به النصوص ((اجتنبوا السبع الموبقات)) ((لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة)) المقصود أن الحصر بالعدد ثابت بالنصوص، وفائدته ما ذكرنا من أنه عند الاستذكار يعرف ما بقي، فإذا عدد من شروط الصلاة قال .. ، الثلاثة المعروفة هذه عندنا: الإسلام والعقل والتمييز.
طالب:. . . . . . . . .
استقبال القبلة، وستر العورة، ودخول الوقت، واجتناب النجاسة، هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
النية، بقي، هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
النية، النية انتهينا منها، غيرها.
طالب:. . . . . . . . .
ويش هو؟
طالب:. . . . . . . . .
الطهارة واجتناب النجاسة اثنان، فهي تسعة، ودخول الوقت قيل، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
الإسلام والعقل والتمييز الثلاثة هي شرط لكل عبادة.
قال -رحمه الله-:
"عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ)) متفق عليه، واللفظ لمسلم" وجاء في مسلم من حديث ابن عمر: ((لا تقبل صلاة بدون طهور، ولا صدقة من غلول)).
((لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ)) هذا حديث أبي هريرة، وفي آخره: سئل أبو هريرة عن الحدث ((إذا أحدث)) يحتمل أن يكون أحدث في الدين، ابتدع مثلاً، إذا أحدث في الدين مثلاً هل يقال له: توضأ لأن النص يتناولك؟ أو نقول: إن المراد بالحدث ما فسره به الصحابي؟ ما الحدث يا أبا هريرة؟ قال: "فساء أو ضراط" وليس بحاصر؛ لأن الأحداث منها الحدث الأصغر، وفيه الفساء والضراط، وما هو أشد من ذلك من البول أو الغائط، أو غيرهما من النواقض التي تقدمت، هذا أحدث، إذا أحدث ((حتى يتوضأ)) الغاية هي وجود الوضوء، والمراد به الوضوء الشرعي على ما تقدم بيانه.
((لا يقبل الله صلاة أحدكم)).
هذا يطلب ذكر الشروط؟
(8/16)
قلنا: الإسلام والعقل والتمييز والطهارة من الحدث، الطهارة من الخبث، واستقبال القبلة، وستر العورة، والنية، ودخول الوقت، تسعة.
((لا يقبل الله)) (لا) نافية وإلا ناهية؟ نافية، بدليل أن الفعل بعدها إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
مرفوع، نفي القبول هنا ((لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ)) نفي القبول هنا يراد به نفي الصحة؛ لماذا؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه؛ لماذا لا نقول: إن المراد نفي الصحة في قوله: ((لا يقبل الله صلاة عبد آبق)) أو ((من أتى عرافاً لم تقبل له صلاة أربعين يوماً)).
طالب:. . . . . . . . .
نعم؛ لأنه متعلق بأمر مبطل، وهو شرط، وكذلك لو تعلق النفي للقبول بأمر مخل كالجزء الركن مثلاً، لكن إذا تعلق بأمر خارج لا علاقة له بالصلاة أتى كاهن أو عراف فلم يصدقه لم تقبل له صلاة، هل إتيان الكائن له أثر في الصلاة؟ يعني هل هو جزء من أجزائها، أو اختلال شرط من شروطها؟ ما لها علاقة، ومن هذا قول الله -جل علا-: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [(27) سورة المائدة] مفاده أن الله لا يقبل عمل فاسق؛ لأنه غير متقٍ، والحصر يدل، مفهوم الحصر يدل على هذا، لكن هل قال أحد من أهل العلم: إن الفاسق يجب عليه إعادة الصلاة، أو إعادة الصيام، أو إعادة الحج؟ ما قاله أحد من أهل العلم.
إذاً النفي نفي القبول هنا نفي الثواب المرتب على العبادة، وذلكم لما قاومه من ارتكاب المحظور؛ لأنه يستحق ثواب على هذه العبادة، لكنه أيضاً ارتكب محظور يقاوم هذا الثواب فلا يحصل له.
فالنهي ومثله النفي، بل أبلغ منه النفي إذا عاد إلى ذات العبادة أو إلى شرطها أو جزئها المؤثر كالركن فإنه يدل على البطلان مع التحريم، أما إذا عاد إلى أمر خارج عن الصلاة أو عن شرطها أو عن جزئها فإنه لا يؤثر، يعني تصح العبادة مع ارتكاب التحريم، ارتكاب الإثم، يعني فرق بين من يصلي وقد ستر عورته بحرير مثلاً، أو صلى وعليه عمامة حرير، العمامة لا أثر لها، سواءً وجدت أو فقدت، لكن السترة لو فقدت؟ فعاد النهي إلى ذات الشرط حينئذٍ إلى شرط العبادة تبطل، لكن لو صلى وعليه عمامة حرير، أو بإصبعه خاتم ذهب صلاته صحيحة، مع أنه ارتكب إثم.
(8/17)
والظاهرية المعروف من مذهبهم أنهم يبطلون العبادة بأي ارتكاب لأي محظور فيها، صلى عليه خاتم ذهب صلاته باطلة، صلى في مسجد مزخرف صلاته باطلة، ولهم في هذه المسألة العجائب.
((لا يقبل الله)) قلنا: إن هذا نفي صحة؛ لأنه يتجه إلى أمر مخل وهو شرط من شروط الصلاة، قد يقول قائل: إن مثل هذا الكلام يلزم عليه الدور، كيف؟ يلزم عليه الدور، كيف يلزم الدور على قولنا: إن النفي هنا اتجه إلى صحة العبادة؟ لأنه متجه إلى شرطه، ونحن ما عرفنا الشرط إلا بهذا النص، إحنا ما عرفنا أن الطهارة شرط إلا بمثل هذا النص، واضح وإلا ما هو بواضح؟ يلزم عليه دور وإلا ما يلزم عليه؟ نقول: إن ((لا يقبل)) نفي صحة، لماذا؟ لأنه متجه إلى شرط من شروط الصلاة، متعلق بشرط من شروط الصلاة، طيب ما عرفنا أن هذا شرط إلا بقوله: ((لا يقبل الله)) الدور يعني ترتيب الشيء على شيء مترتب عليه، يلزم وإلا ما يلزم؟ نعم؟ لماذا لا نقول: إن عدم إتيان الكاهن شرط من شروط الصلاة مثل ما قلنا هنا؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
أنت عرفت الشرط من غير هذا الحديث؟
طالب:. . . . . . . . .
الآن قلنا: إن النفي هنا يتجه إلى الصحة؛ لماذا؟ لأنه متعلق بشرط من شروط الصلاة، ومتى عرفنا أن الحدث شرط من شروط الصلاة إلا بهذا الحديث، وما جاء في معناه، الكلام ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟ كيف نتخلص من هذا الدور؟ الدور يجب انتفائه وإلا معناه ما ننتهي، نعم.
يعني إحنا عرفنا أن الطهارة شرط من غير هذا الحديث؟
طالب:. . . . . . . . .
مثل إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
(8/18)
إيه، نعم يعني مفاد الكلام أننا إذا عرفنا أن الطهارة شرط لصحة الصلاة قبل ورود هذا الخبر، إذا عرفنا أنها شرط من شروط الصلاة قبل ورود هذا الخبر خلاص انتهى الإشكال، إذا تقرر عندنا أن الطهارة بنصوص أخرى شرط من شروط الصلاة، ثم ورد من مثل هذا الخبر حملناه على انتفاء الصحة، لكن لو لم نعرف، ما ورد في هذا الباب إلا هذا الحديث؟ لا شك أنه يلزم عليه الدور، وأنه لا فرق بين ((لا يقبل الله صلاة أحكم إذا أحدث)) ((لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار)) ((لا يقبل الله صلاة عبد آبق)) وكل هذه شروط، إذا لم يكن في الباب إلا هذه النصوص.
((لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ)) الغاية وجود الشرط وهو الوضوء، فتقدم أيضاً في كتاب الطهارة ما يدل على اشتراطها، وأنها شرط لصحة الصلاة، وأنها من أقوى الشروط، والخلاف بين أهل العلم في كونها أقوى من الوقت أو الوقت أقوى منها؟ وهذا تكرر مراراً، فلا نحتاج إلى إعادته.
((أحدكم)) أحد مفرد مضاف يفيد العموم، ولا يستثنى من ذلك إلا ما خصه الدليل ممن لا يجد الماء، فإنه يعدل عن الوضوء إلى البدل، أو لا يستطيع استعمال الماء، أو كان حدثه دائم لا ينقطع، أو ما أشبه ذلك هذا يستثنى من هذا العموم.
((لا يقبل الله صلاة أحدكم)) وصلاة مفرد أيضاً مضاف، صلاة أحدكم مفرد أيضاً مضاف فيفيد العموم، فيدخل فيه جميع الصلوات الفرائض والنوافل، جميع ما يسمى صلاة لا تقبل إلا بالوضوء، يعني مع القدرة عليه، وإذا لم يقدر عليه فبدله التيمم.
شخص وجد جماعة يصلون، وهو على غير طهارة فيريد أن يدرك الجماعة تيمم فصلى معهم، صلاته صحيحة وإلا لا؟ ليست بصحيحة لتخلف الشرط.
شخص وجد جماعة يصلون على جنازة، فإذا ذهبت يتوضأ رفعت الجنازة وفاته الأجر، يتيمم ويصلي وإلا لو فاتت لا بد أن يتوضأ؟ لا تقبل هذه الصلاة حتى يتوضأ، لا بد أن يتوضأ وإلا يكفي التيمم؟ هناك أمور تفوت، شخص بقي على طلوع الفجر خمس دقائق، إذا توضأ انتهى وقت الوتر، يقول: أتيمم وأدرك والوتر أصله سنة، وعلى كل حال أنا كسبان كسبان، نقول: لا، لا بد أن تتوضأ.
(8/19)
شيخ الإسلام -رحمه الله- بالنسبة لصلاة الجنازة يقول: هذه الصلاة بهذه الطهارة الناقصة أفضل من عدمها، فيتيمم إذا خشي رفع الجنازة قبل أن يتوضأ، وإلا فالأصل أن هذا الحديث: ((لا يقبل الله صلاة)) مفرد أضيف فيفيد العموم، جميع ما يسمى صلاة، والخلاف في مثل سجدة التلاوة وسجدة الشكر هل تسمى صلاة أو لا تسمى صلاة؟ فمن يسميها صلاة يقول: لا بد أن يتوضأ، لا بد أن يكون على طهارة، ومن يقول: هي ليست بصلاة؛ لأن ما كان أقل من ركعة فإنه لا يسمى صلاة، يقول: لا يحتاج إلى وضوء، وهل يتيمم أو لا يتيمم؟ لا يتيمم، ما دام ليس بصلاة، إذاً لا يشرع له وضوء ولا تيمم، لكن إن توضأ إن تيسر له أن يتوضأ ليخرج من الخلاف؛ وليكن سجوده على طهارة وهو أكمل لا بأس.
قد يقول قائل مثلاً: إذا كانت الطهارة أكمل لسجود التلاوة وسجود الشكر؛ لماذا لا يكون التيمم أكمل؟ لأنها في ذكر، والنبي -عليه الصلاة والسلام- تيمم لرد السلام، هل نقول: يتيمم ويسجد أو لا يتيمم؟ يقرأ القرآن عن ظهر قلب، أو بلغه أمر يسر فسجد للتلاوة أو للشكر، الذي يقول: ليس بصلاة لا يلزمه لا بوضوء ولا تيمم ولا ببدله، لكن إذا كان الوضوء أكمل ليذكر الله -جل وعلا- على طهارة فالتيمم مثله، وقد تيمم النبي -عليه الصلاة والسلام- لرد السلام، فهل نقول: يشرع التيمم إذا أراد أن يسجد أو لا يحتاج؟ يشرع ولا ما يشرع؟
طالب:. . . . . . . . .
لماذا؟
طالب:. . . . . . . . .
(8/20)
إيه؛ لكن النبي -عليه الصلاة والسلام- تيمم لرد السلام، وهذا أقرب إلى العبادة من رد السلام، إذا كانت العلة أنه أراد ألا يذكر الله إلا على طهارة ولو ناقصة وهي التيمم، هل نقول: إنه يتيمم ليسجد؟ لا سيما وأن من أهل العلم من يشترط الطهارة للسجود، ومثل ما قال شيخ الإسلام إن صلاة الجنازة بالتيمم أفضل من عدمها، مثل هذه الأمور التي تفوت قد يتسامح في كثير مما يُطلب لها، يعني إذا قلنا مثلاً: إن الساحات ليست من المسجد، والصلوات الفرائض لا يصح اقتداء المأموم بالإمام فيها إلا إذا اتصلت الصفوف، فشخص سلم من الفريضة وخرج، في نهاية الساحة صلي على جنازة، هل نقول: ادخل إلى المسجد وصل معهم، ولو فاتت الصلاة، أو نقول: كبر في مكانك وصل وأحسن من لا شيء؟ هذه الأمور نحتاجها يومياً، يعني رجل سلم من الصلاة، واحتاج الدورة أو على موعد مستعجل فيه، فخرج لما وصل إلى نهاية الساحة البلاط الأبيض قال الإمام: الله أكبر على جنازة، إن دخل مرة ثانية إلى المسجد رجع إلى المسجد فاتت الصلاة، وإن صلى في الساحة وقلنا: إنها ليست من المسجد ولا يصح الاقتداء إلا إذا اتصلت الصفوف، قلنا: يلزمك تدخل المسجد، فهل الصلاة في هذا المكان والاقتداء بالإمام في مكان لا يصح الاقتداء به في الفريضة .. ، هل نقول: إن عدم تفويت صلاة الجنازة في هذا المكان أفضل من تفويتها؟ والإنسان إن ما كسب ما خسر، لكن يبقى أن المسألة دين وشرع وعبادات، لا بد أن تفعل على الوجه الشرعي، أحياناً يستروح الإنسان في مثل هذه المسائل إلى أقوال أخرى، تجد من أهل العلم من يصحح الصلاة في الساحة، يقول: على هذا القول نصلي الجنازة، يعني نحتاط للفريضة وندخل في المسجد، لكن الجنازة نفعلها أحسن من لا شيء، ونعمل بهذا القول، ولو كان مرجوح عندنا.
(8/21)
فالاستحسان في مثل هذا الباب قد يفعله كثير من أهل التحري؛ لأنه يفرط في قيراط، والقيراط مثل جبل أحد، ولا شك أنه يحز في النفس، الناس يصلون على عشر جنائز وأنت مدبر، إما أن تقول: لست على طهارة، أو أنا خارج المسجد، فمثل هذه الأمور لا شك أن الحريص يجد حرج كبير، وقد يفعلها على وجه ناقص شرعاً، وهذا ما جعل شيخ الإسلام -رحمه الله- يقول: يتيمم ولو كان الماء بقربه إذا خشي رفع الجنازة.
"متفق عليه، واللفظ لمسلم" يكون للبخاري إذا كان اللفظ لمسلم يكون له المعنى.
ثم قال -رحمه الله-:
"وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا ينظر الرجل)) " لا ينظرُ وإلا لا ينظرْ؟
طالب:. . . . . . . . .
هذا ما يبين فيه الإعراب، ما يبين فيه، لكن لا يفضي، هذا الذي يبين فيه الإعراب، الفرق بين النفي والنهي، نعم هذا الذي يبين فيه، الآن نستطيع أن نقول (لا) هذه ناهية ينظر؟
طالب:. . . . . . . . .
لماذا؟
طالب:. . . . . . . . .
يفضي؟ ولماذا لا يكون الأول نهي والثاني نفي؟ أو أن الاتساق أولى؟ إن كانت نواهي فالكل نواهي، وإن كانت نفي فالكل نفي، ولا يعدل عن الاختلاف -اختلاف الجمل- إلا لنكتة، وما في شيء يدل على الاختلاف هنا، المقصود أنه هنا يحتمل أن يكون نهياً، وأن يكون نفياً، والنفي هنا أظهر وأبلغ أيضاً؛ لأنه إذا جاء النهي، أو جاء النفي ويراد به النهي صار أبلغ من النهي الصريح.
(8/22)
((لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل، ولا المرأة إلى عورة المرأة)) عورة الرجل عند أهل العلم أنها من السرة إلى الركبة، والمرأة .. ، هذا بالنسبة للرجل عند الرجل ((ولا المرأة إلى عورة المرأة)) والمرأة عورتها عند بعض العلماء كالرجل عند الرجل، من السرة إلى الركبة، وقال بهذا جمع من أهل العلم، ولكن النصوص تدل على أن عورتها عند المرأة كعورتها عند محارمها، عند أبيها وأخيها وعمها وخالها ووالد زوجها وابن زوجها، يعني ما يظهر غالباً بدليل آية النور وآية الأحزاب؛ لأن النساء نسقن على المحارم، لأن النساء نسقن على المحارم، فعورة المرأة عند المرأة هي ما تظهره لأبيها وأخيها وعمها وخالها، قد يقول قائل: إن النساء قد يظهرن لآبائهن أشياء مثل ما قيل أو أشد من السرة إلى الركبة، نقول: العبرة بأوساط الناس، ومن سلمت فطرهم، أما من اجتالتهم شياطين الإنس أو شياطين الجن فصاروا يظهرون للمحارم، بل لغير المحارم من الرجال من العورات ما لا يظهر عند الأسوياء للمحارم هؤلاء لا عبرة بهم؛ لأنه يوجد بعد في البلدان الأخرى تظهر المرأة التي تنتسب إلى الإسلام في بلاد الإسلام ما لا يجوز أن تظهره لمحارمها، هل نقول: هذه عبرة وإلا ليست ... ؟ هذه ليس بعبرة.
(8/23)
كما أن أهل التشديد والوسوسة هؤلاء أيضاً لا عبرة بهم، فالعبرة بأوساط الناس الذين هم في الأصل على الفطرة، فماذا كانت تظهر المرأة عند أبيها وعند أخيها في وقت المهنة، تظهر طرف الساعد مع الكف، وأسفل الساق مع القدم، والشعر يظهر، وما عدا ذلك ما يوجد امرأة في سلف هذه الأمة تظهر أكثر من ذلك، قد يكون هناك ظرف معين أرادت أن تركب جمل، وإلا أرادت أن تركب، فبدا منها ما لا يبدو، فمثل هذا .. ، أو كانت خائفة، أو لأي ظرف من ظرف غير عادي هذا لا يقاس عليه، الظروف غير العادية لا تتخذ أدلة، العبرة بالظروف العادية، كما سيأتي في كشف الفخذ بالنسبة للنبي -عليه الصلاة والسلام-، وكلا أهل العلم في ذلك، فالظروف غير العادية لا عبرة بها، يعني مثل ما قيل: إن المرأة لا يشرع لها السعي بين العلمين يعني تسعى سعياً شديداً لا يشرع لها، قالوا: إن السعي إنما مشروعيته بسبب امرأة، سعت بين العلمين، جرت جرياً شديداً، لماذا لا تدخل المرأة دخولاً أولياً في المشروعية؛ لأن السبب امرأة؟ والسبب دخوله في النص قطعي؟ نقول: الظرف ليس بعادي، جريها لا للتعبد، إنما جريها من أجل أن تطلع لتنظر من أتى مضطرة إلى مثل هذا الجري ومثل هذا السعي، كما أن المرأة لو تبعها سبع أو صائل تسعى وتجري ولو بدا منها ما بدا، فقد ينكشف منها ما ينكشف في مثل هذه الظروف ولا ينكشف في الظروف العادية.
وفي المحشر يحشر الناس حفاة عراة الرجال والنساء؛ لأن الأمر أشد من ذلك، يعني هل يقال مثلاً للمرأة التي تبعها سبع يريد أن يأكلها، أو لص أو مجرم يريد أن ينتهكها، نقول: لا، ما يجوز يخرج منها شيء؟ ظرف غير عادي، فمثل هذا يتجاوز عنه، وفي المحشر الأمر أعظم من ذلك.
فالمقصود أن مثل الظروف الطارئة لا تحمل عليها النصوص، فمن تبدي للرجال الأجانب ولو ادعت الإسلام ولو كانت مسلمة؛ لأن مثل هذا كبيرة من الكبائر، وموبقة من الموبقات، ودليل على تساهل شديد، ورقة في الديانة؛ لكن ما يلزم أن هذا كفر، لا، تدعي الإسلام وتظهر ما تظهر، تعصي، ومثل هذه ليست بعبرة، ومثل هذا لا يخضع للأعراف، مثل هذا لا يخضع للأعراف؛ لأن فيه نصوص، وما فيه نصوص لا يخضع للأعراف.
(8/24)
يقول أهل العلم: إن اللباس عرفي، تعارف الناس في هذا البلد أن النساء تلبس الأبيض، ويخضع للعرف، والنساء تفصيلهن على هذه الطريقة، تفصل على هذه الطريقة، لكن ما ترتكب محرم، لا تلبس شفاف ولو لبسه الناس، ولا تلبس ضيق يبين المحاسن ولو لبسه الناس، ومثل ذلك الرجال لا يسبل ولو كان عرف الناس يسبلون؛ لأن هذا فيه نص، وما عدا ذلك يخضع للعرف اللي ما فيه نص.
((لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل)) وعرفنا أن جماهير أهل العلم على أن العورة من السرة إلى الركبة، وسيأتي ما في الركبة والفخذ، ولعلنا الكلام في هذا الحديث طويل نرجئه إلى الدرس اللاحق -إن شاء الله تعالى-، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(8/25)
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: المحرر – كتاب الصلاة (9)
الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في الحديث الثاني:
"وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل، ولا المرأة إلى عورة المرأة)) " بدأنا بشرح الحديث في الأمس، وقلنا: إن المرجح عند أهل العلم أن عورة الرجل من السرة إلى الركبة، وأن عورة المرأة عند المرأة كعورتها عند محارمها، وأما عند الرجال فكلها عورة، وكلام أهل العلم في التفاسير وشروح الحديث وكتب الفقه معروف.
((ولا يفضي الرجل إلى الرجل في ثوب واحد)) يقول ابن سيدة في المحكم: أفضى فلان إلى فلان أي وصل إليه، ابن سيدة هذا من أئمة اللغة، له المحكم والمحيط الأعظم، وله أيضاً في فقه اللغة: المخصص.
يقول: أفضى فلان إلى فلان وصل إليه، وتقدم حديث: ((من أفضى بيده إلى ذكره ليس دونه ستر)) معناه أنه المس من غير حائل، من دون حائل.
المقصود هنا: ((ولا يفضي الرجل إلى الرجل في ثوب واحد)) معناه أنه لا تمس بشرته بشرته.
((ولا تفضي المرأة إلى المرأة في الثوب الواحد)) يعني لا تمس بشرتها بشرتها إلا ما استثني كالمصافحة مثلاً، والمعانقة عند القدوم من سفر ونحوه، هذه أمور مستثناة، أما أن يمس من بشرته من بشرته ما يثير شهوته فلا، والحديث حسم لباب الفتنة.
(9/1)
((ولا يفضي الرجل إلى الرجل في ثوب واحد)) بل لا بد أن يكون هناك حائل، والمقصود من الحديث أنه لا يحصل بينهما مباشرة بدون ستر، وإذا كان الثوب الواحد لا يكفي للحيلولة بين الماس والممسوس، فإنه أيضاً لا يجوز ذلك، ومع الأسف أنه يوجد التساهل الكثير في مثل هذا، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- أمر أن يفرق بين الأطفال إذا بلغوا العشر، يفرق بينهم في المضاجع، وتجد في الأماكن أحياناً في المساجد، وأحياناً قد يكون من أناس معتكفين، أو جاءوا لعبادة، تجد بينهم من الالتصاق ما لا يقره عقل ولا نقل، نعم الحائل موجود، لكن هل يمنع الحائل من ثوران الشهوة بالنسبة لمن في قلبه مرض؟ وحسم المادة هذه أمر لا بد منه، فعلى الإنسان أن يستتر، وأن يحتاط لنفسه ولغيره، لا يفتتن ولا يفتن.
(9/2)
((ولا تفضي المرأة إلى المرأة في ثوب واحد)) بمعنى أنه إذا كان الثوب الواحد لا يمنع من الوقوع في الفتنة التي تحصل من المباشرة بدون حائل فإنه لا يكفي، وعلى هذا يمنع كل ما أثار الشهوة بين الجنسين، أو بين الجنس الواحد؛ لأنه مع مسخ الفطر قد تحصل الفتنة بين رجل ورجل، وبين امرأة وامرأة، ومع الأسف أنه يذكر من هذا الشيء الكثير، ويذكر في التجمعات النسائية شيء لا يخطر على البال من النظرات، وبعض التصرفات التي لا تحصل في الغالب إلا من الرجال إلى النساء أو العكس، فمثل هذا لا بد من الاحتياط فيه، وبعض من يفتي بأن عورة المرأة عند المرأة كعورة الرجل عند الرجل فتح باب في زمن عرف الناس فيه بالتساهل، فتجد النساء في المناسبات هي أفتيت بأن تستر ما بين السرة إلى الركبة، لكن هل تكتفي بهذا؟ وبالفعل هل هذا يكفي؟ إخراج الصدر والساقين وغيرهما ألا يثير فتنة النساء؟ لأن بعض النساء مثار فتنة حتى للنساء، فمثل هذه إذا كانت تثير فتنة تؤمر بالاحتجاب حتى عن النساء، ومع الأسف أنه يوجد من النساء من تتبذل للنساء غير المسلمات مجاراة لهن؛ لأن غير المسلمين لا يتحفظون عن إبداء العورات، فتجد هذه تبدي ما تبديه تلك مجاراةً لها؛ ولتظهر بمظهر كما تزعم أو يزعم الناس بمظهر حضاري، وهذا كله لا شك أنه تخلف، أما الحضارة على حقيقتها هي في الاتباع، وقيادة الدنيا بقال الله وقال رسوله، كما فعل الصحابة -رضوان الله عليهم-، تلك السيادة التي دان لهم بها العرب والعجم في نصف قرن من الزمان، شرق الأرض وغربها في أقل من نصف قرن، والآن مع ما نرى من مظاهر ترى ما لنا سيادة، السيادة تكاد تكون معدومة في كثير من الدول التي ليست هي كما يقولون الدول العظمى؛ لأن من شأن الدنيا تسلط القوي على الضعيف، وإذعان الضعيف للقوي، واقتداء المغلوب بالغالب، إذاً أين السيادة؟ إذا كان الإنسان ما يرفع رأسه ويقول: إنني من المسلمين، وإذا كان يمد يده ليعينه أعداؤه أين السيادة؟ وإذا وقعت لنا مشكلة أخذنا نناشد العالم وصناع القرار من الكفار، لا نكتفي بأن نستثير همم المسلمين لا، بل لا نطلب هذا استشعاراً منا بالضعف، فالحضارة بقيادة الأمم والشعوب بقال الله وقال رسوله.
(9/3)
"رواه مسلم".
ثم قال: "وعن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: قلت: يا رسول الله عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ " يسأل ما الشيء المباح إبداؤه من العورات؟ وما الشيء الممنوع من العورات؟ عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ وكأنه يقصد العورة التي يجب حفظها، وكأنها أمر مقرر، العورة أمر مقرر لغة وشرعاً وعرفاً؛ لأنه قال: عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ يعني مقتضى السؤال أن يقول: ابدوا كذا، وأخفوا كذا.
فقال له النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((احفظ عورتك)) دليل على أن العورة معروفة ((احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك)) فدل على أن ما عدا الزوجة وما ملكت اليمين بالنسبة للرجل أو الزوج بالنسبة للمرأة على كل من الأطراف أن يحفظ عورته باستثناء الزوجة وما ملكت اليمين، فهذه له أن يرى منها وترى منه ما لا يراه غيره، وهل لها أو له أن يرى العورات المغلظة؟ نعم له ذلك، قد يقول قائل: إنه خلاف الأدب، وجاء في الخبر تقول عائشة: "ما رأى مني ولا رأيت منه" لكن الحديث فيه كلام، وإذا جاز الجماع فما دونه أسهل، فمجرد النظر أمره أخف، فلا يستثنى من ذلك إلا الزوجة أو ما ملكت اليمين، ويبقى من عدا ذلك على المنع، حتى من أقرب قريب، وبعض الناس يوجد عنده الأب كبير السن والأم كبيرة السن فيحتاج الأب إلى خدمة، والأم تحتاج إلى خدمة، فلا تستطيع أن تخدمه ولا يستطيع أن يخدمها، فيضطرون إلى خدمة الآباء والبنات تضطر إلى خدمة الأمهات، أو يستقدم خادم ليخدم الأب، وخادمة تخدم الأم، وتطلع على العورات.
(9/4)
لا شك أن الضرورات تقدر بقدرها، والطبيب يباح له من أجل العلاج ما لا يباح لغيره، ولذا يقول أهل العلم: "ولطبيب مسلم نظر ولمس ما تدعو إليه الحاجة" قالوا: حتى الفرج، المقصود أن الضرورات تقدر بقدرها، وبعض الناس يتساهل في هذا الأمر، أمه تستطيع خدمة الأب، لكن من باب بره بأمه أو بر البنت بأمها تخدم أباها وتطلع على عورته أو العكس، وكل هذا لا يجوز؛ لأن ما دامت الأم قادرة فهي المسئولة عن هذا الأمر، والأب إذا كانت الأم لا تستطيع خدمته يستخدم له من يجوز له النظر إليه، تأتي خادمة ويعقد عليها، وترتفع المحرمية وتخدمه، ويوجد من يقبل مثل هذا الأمر، لكن أحياناً يمنع من ذلك الغيرة، غيرة الأبناء على أبيهم من أجل أمهم، فتجدهم يقولون: نستقدم ولا نعقد، هذا لا يحل الإشكال؛ لأنها أجنبية منه، وهو أجنبي عنها.
فالمقصود أنه لا يجوز الاطلاع على العورات إلا من استثني الزوجة وما ملكت اليمين، والضرورات تقدر بقدرها.
"قلت: فإذا كان القوم بعضهم في بعض؟ " يعني مختلطون "قال: ((إن استطعت أن لا يراها أحد فلا يرينها)) " يعني كأن هذه العبارة: "القوم بعضهم في بعض" هناك اختلاط لا يمكن الانفكاك منه كالمشاعر مثلاً غير المهيأة، الناس ليلة جمع، ويحتاجون إلى قضاء الحاجة، وفي مثل هذا عليه أن يحرص إن استطعت ألا يراها فلا يرينها، وبعض الناس في محافل الناس ما دام في بلد لا يعرف يتوسع، ويتداولون مثل هذا الكلام، ما دام ما يعرفك أحد فكيف تتحفظ عنه؟ وتجدون من النساء حتى بين الرجال تقضي حاجتها، يعني في الأماكن إذا كان القوم بعضهم في بعض، يعني في مثل ليلة مزدلفة ما وجد، أو اضطر إلى ذلك والدورات عليها سراوات تحتاج إلى ساعات، فمثل هذا يجب عليه أن يحتاط لنفسه.
(9/5)
((إن استطعت ألا يراها أحد فلا يرينها)) واستدل بعضهم بالتعليق على الاستطاعة من قال بأن ستر العورة مستحب؛ لأنه علق بالاستطاعة، يعني كأن فيه ثنيا، لكن هل يفهم أحد من قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)) أن الأمر للاستحباب مطلقاً؟ لا، التعليق بالاستطاعة مقرر شرعاً في نصوص كثيرة، نصوص الكتاب {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [(16) سورة التغابن] إذاً التقوى ليست بواجبة؛ لأنها علقت بالاستطاعة.
قال بعضهم باستحباب ستر العورة للتعليق بالاستطاعة، ورد بأنه مستطاع لكل أحد إلا في ظروف خاصة، وفي هذه الظروف يبقى أنه على الأصل في التحريم، والمانع من الإثم هو عدم القدرة وعدم الاستطاعة، ورد بأنه مستطاع لكل أحد فهو شرط، كما يقول أهل العلم: شرط تهييج وإلهاب؛ لأنه ما دام الناس يستطيعون حفظ العورات إذاً كيف يفرطون فيها؟ شرط تهييج وإلهاب كما في علم البيان، يذكر بعض الأمور من أجل التهييج، يعني إثارة الغيرة في نفس الإنسان، وأن مثل هذا أمر لا بد منه متحتم إلا في حالة عدم استطاعتك، يعني في غياب وعيك لا تستطيع أو لا تجد، فعلى هذا ستر العورة واجب.
((إن استطعت أن لا يراها أحد فلا يرينها)) يعني حتى في المواطن التي يختلط بعض الناس ببعض، والظروف الحرجة الصعبة ((إن استطعت أن لا يراها أحد فلا يرينها)).
"قلت: فإذا كان أحدنا خالياً؟ " ما عنده أحد، في مكان ليس عنده أحد، يعني في بيته بمفرده والأبواب مغلقة، وما في أحد "فإذا كان أحدنا خالياً؟ قال: ((فالله -تبارك وتعالى- أحق أن يستحيى منه من الناس)) ".
(9/6)
استدل الإمام البخاري -رحمه الله- على جواز التكشف في الخلوة في الغسل على وجه الخصوص بقصة موسى وأيوب، موسى -عليه السلام- نزع ثوبه فاغتسل وهرب الحجر بالثوب وضعه على حجر فهرب به، فتبعه فصار يضربه ثوبي حجر، ثوبي حجر، من أجل أن يطلع بنو إسرائيل على سلامته مما وصفوه به، وأيوب -عليه السلام- اغتسل عرياناً، فأرسل الله عليه رجلاً من جراد -جراد من ذهب- فغفل، فصار يجمع ويقول: "اللهم لا غنى بي عن بركتك" المقصود أنه إذا كان الإنسان خالياً ما عنده أحد، واحتاج إلى خلع ثيابه من أجل الغسل البخاري يستدل بذلك على الجواز، وعموم قوله: فإذا كان أحدنا خالياً؟ ((فالله -تبارك وتعالى- أحق أن يستحيى منه)) يشمل هذه الصورة، أنه لا يغتسل عريان ولو كان منفرداً، لكن في قصة موسى وأيوب ما يدل على الجواز، كما قال الإمام البخاري.
((فالله -تبارك وتعالى- أحق أن يستحيى منه من الناس)) فلا تكشف العورة.
وقال أبو عبد الله البوني: إن المراد بقوله: ((أحق أن يستحيى منه)) أي: فلا يعصى، يعني هذا الجواب أجاب النبي -عليه الصلاة والسلام- بقاعدة عامة ((أحق أن يستحيى منه)) في كل شيء، في هذه المسألة وفي غيرها، فلا يعصى بالتعري ولا بغيره، وهو كلامه في الجملة جيد، يعني فلا يعصى بما في ذلك التعري الذي جاء النهي عنه.
"رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والنسائي والترمذي وحسنه، وإسناده ثابت إلى بهز، وهو ثقة عند الجمهور" أولاً: بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة القشيري أبو عبد الملك قال ابن حجر: صدوق من السادسة، مات قبل الستين، علق له البخاري وخرج له الأربعة، بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة القشيري، أبو عبد الملك، صدوق من السادسة، مات قبل الستين، يعني مع أبي هريرة مات؟ يعني مات مع أبي هريرة سنة 59هـ؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا لا مات قبل الستين، يعني قبل سنة ستين، هو من السادسة، هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
من له تعامل مع التقريب؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
(9/7)
نعم يعني قبل الستين ومائة، ابن حجر ما يذكر المئات، إذا ذكر الطبقات ما ذكر المائة، معلوم من السادسة وين؟ الله المستعان، يعني ومائة، قبل الستين ومائة، وعلق له البخاري، خرج له البخاري تعليقاً، وروى له الأئمة الأربعة، ووالده حكيم؛ لأن الحديث عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده، أبوه حكيم بن معاوية بن حيدة القشيري، صدوق من الثالثة، وعلق له البخاري نفس الحديث الذي رواه عن ولده، وخرج له الأربعة، وجده معاوية بن حيدة بن معاوية بن كعب القشيري صحابي نزل البصرة، ومات بخراسان، فإذا كان بهز بن حكيم قال فيه ابن حجر: صدوق، قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وهو ثقة عند الجمهور" لكن بهز صدوق، وأبوه صدوق، وكأن ابن حجر حكم عليه بصدوق بناءً على الخلاف في مرويات هذه السلسلة بهز بن حكيم عن أبيه عن جده، خلاف بين أهل العلم معروف، والقول المتوسط أنها مثل عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده من قبيل الحسن، وتقدم الكلام فيها، فإذا كان حديثه من قبيل الحسن، هل يقال فيه: ثقة؟ يقال فيه: صدوق؛ لأن هذه المرتبة مناسبة لهذه المرتبة، فسبب الخلاف في بهز بن حكيم كلام بعض أهل العلم فيه، وأنه لا يصل إلى مرتبة الثقة، فحديثه من قبيل الحسن، والكلام في عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده إنما هو الخلاف في عود الضمير على ما تقرر سابقاً، والترجيح بين السلسلتين بين عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وبهز بن حكيم عن أبيه عن جده معروف، يعني لو ورد حديث من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وورد حديث آخر يعارضه ويخالفه عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده، فماذا نرجح؟ بهز بن حكيم عن أبيه عن جده مخرج في الصحيح تعليقاً، يعني لا في الأصول، في أصول الكتاب التي هي مقاصده، مخرج في البخاري تعليقاً، وعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ما خرج له في الصحيح لا في الأصول ولا في التعاليق، لكن الترمذي سأل البخاري -رحمه الله- عن حديث أظنه التكبير في صلاة العيد، فقال: وحديثه أصح شيء في الباب، فقوله: أصح شيء في الباب تمسك بها من رجح حديث عمرو بن شعيب، وتخريج البخاري لبهز بن حكيم عن أبيه عن جده ولو تعليقاً، لا شك أنه يعطيه قوة، وعلى كل حال هما في مرتبة الحسن إذا ثبت الإسناد إلى عمرو
(9/8)
وإلى بهز، ولذا قال المؤلف: "رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه النسائي الترمذي حسنه" وإلا الخلاف المعروف، وإسناده ثابت إلى بهز، نحتاج إلى هذه الكلمة من أجل أنه إن لم يثبت إلى بهز فالتضعيف بسبب آخر، قال: وهو ثقة عند الجمهور، يعني عند الأكثر، وفيه كلام لبعضهم، هو الذي جعل ابن حجر ينزل مرتبته من الثقة إلى الصدوق.
في بعض النسخ: ((والله -تبارك وتعالى- أحق أن يستحيى منه من الناس)) والمفضل عليه معروف سواء ذكر أو لم يذكر، أحق أن يستحيى منه من كل أحد.
ثم قال -رحمه الله-:
"وعن أبي الدرداء -رضي الله تعالى عنه- قال: كنت جالساً عند النبي -صلى الله عليه وسلم- إذ أقبل أبو بكر آخذاً بطرف ثوبه، حتى أبدى عن ركبته، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((أما صاحبكم فقد غامر)) " الحديث، وفيه .. ، وهو مختصر هنا، ولذا قال: الحديث على النصب، يعني اقرأ الحديث، أو أكمل الحديث.
((أما صاحبكم فقد غامر)) والشاهد منه "آخذاً بطرف ثوبه حتى أبدى عن ركبته".
أولاً: المغامر في قوله: ((فقد غامر)) في الأصل الملقي بنفسه في الغمرة، وغمرة الشيء شدته ومزدحمه، الجمع غمرات، والمراد بالمغامرة هنا المخاصمة أخذاً من الغِمر أو الغَمر أو الغُمر، هذا من المثلث، ولكل واحد من الثلاثة معناه، وهو مذكور في مثلث قطرب، من يحفظ المثلثة؟
طالب:. . . . . . . . .
ويش يقول؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني هنا ماذا يكون؟
طالب:. . . . . . . . .
بالفتح؟
طالب:. . . . . . . . .
الغَمر؟
طالب:. . . . . . . . .
طيب والغِمر؟
طالب:. . . . . . . . .
والغُمر؟
طالب:. . . . . . . . .
(9/9)
نعم، إذاً هنا نقول: لأنه من الحقد، المخاصمة سببها الحقد، إذاً هو بكسر الغين، أخذاً من الغِمر الذي هو الحقد والبغض، والحديث يدل على أن الركبة ليست عورة؛ لإقرار النبي -عليه الصلاة والسلام- حيث لم ينكر عليه، أخذ منه أن الركبة ليست بعورة، أخذاً من الغمر الذي هو الحقد والبغض، والحديث يدل على أن الركبة ليست عورة؛ لإقرار النبي -عليه الصلاة والسلام- حيث لم ينكر عليه، هذا قال به بعض أهل العلم، النبي -عليه الصلاة والسلام- رآه أبدى عن ركبته ولم ينكر عليه، لكن الظروف الخاصة مثل هذا الظرف جاء مخاصم ومشاجر ومسرع، هل يؤخذ منه سريان الحكم في الظروف العادية؟ النبي -عليه الصلاة والسلام- في السعي سعى سعياً شديداً حتى بدت إيش؟ ركبتاه، فمثل هذه الظروف لا يحمل عليها الظروف العادية، ولذا الحديث الذي يليه، روى عن أبي موسى، يقول: الأول رواه البخاري، والثاني روى عن أبي موسى يعني البخاري: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان قاعداً في مكان فيه ماء قد انكشف عن ركبتيه أو ركبته فلما دخل عثمان غطاها" وهذا أيضاً فيه دليل لمن يقول بأن الركبة ليست بعورة كالشافعي، وأجاب عنه من قال بأنها عورة بأن الكشف كان لعذر الدخول في الماء، وتغطيته عن عثمان دليل على أنها عورة، النبي -عليه الصلاة والسلام- حسر عن ركبته، وفي رواية غير الصحيح الفخذ، لكن رواية الصحيح البخاري: الركبة.
فدخل أبو بكر ما غطى، ثم دخل عمر فلم يغط، ثم دخل عثمان غطاها، لما دخل عثمان غطاها، فقيل له في ذلك، قالت له عائشة أو غيرها، قال: ((ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة؟ )) فهل في مثل هذا دليل على أن الركبة ليست بعورة أو ليس فيه دليل؟ ومثل ما قلنا: إن أبا بكر جاء مسرعاً مغامراً مخاصماً الظرف ليس بعادي، نعم ليست بعورة مغلظة بحيث تنكر، إنما هي عورة، وجاء بالنص عند الدارقطني وغيره ((عورة الرجل ما بين السرة إلى الركبة)) ودخول الغاية محل خلاف بين أهل العلم، وإخراجها أيضاً معروف.
الحديث هذا المكان فيه ماء، فيلزم من ذلك رفع الثوب، لكن هل يلزم منه رفع الثوب إلى الركبة؟ لنفرق بين الظرف الخاص والظروف والحياة العادية.
(9/10)
أولاً: هذه النصوص يستدل بها من يقول: إن الركبة ليست بعورة، ودليله واضح، لكن يجيب من يقول: بأنها عورة بمثل ما قلنا: إن أبا بكر جاء مخاصماً مشاجراً ظرفه ليس بالعادي كسعيه -عليه الصلاة والسلام-، وكونه -عليه الصلاة والسلام- دخل القاعد في مكان فيه ماء يستلزم رفع الثوب، ثم غطاه لما دخل عثمان حياءً من عثمان، وإلا فالأصل أن مثل هذا لا يغطى؛ لأنه لم يغطه عن أبي بكر وعمر، فالدلالة واضحة لمن قال بأن الركبة ليست بعورة، ومن قال -وهم الأكثر-: إن الركبة داخلة في العورة قالوا: إن هذه أمور حاجية تقدر بقدرها، مع أنهم يتفقون على أن الركبة ليست مغلظة.
ثم قال -رحمه الله-:
"وعن صفية بنت الحارث عن عائشة -رضي الله عنها- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار)) " نفي القبول كما في قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ)) يراد به نفي الصحة؛ لأن النفي متعلق بأمر مؤثر في الصلاة، يعني عدمه مؤثر في الصلاة؛ لأنه شرط من شروطها، فيحمل على نفي الصحة، ويأتي نفي القبول ويراد به نفي الثواب المرتب على العمل، كما تقدم تقريره بالأمس.
(9/11)
((لا يقبل الله صلاة حائض)) يعني من بلغت سن المحيض لا الملابسة بالحيض، يعني التي اتصفت بها، يعني أنها حائض بالفعل، يعني بعبارة اليوم يعني عليها الدورة، ليست هي المطلوبة؛ لماذا؟ لأن الحائض ممنوعة من الصلاة، بل يحرم عليها أن تصلي، فالمراد بالحائض هنا من بلغت سن المحيض، ويفسر ذلك رواية ابن خزيمة: ((لا يقبل الله صلاة امرأة قد حاضت إلا بخمار)) يعني كلفت، بلغت سن المحيض، يعني سبق لها أن حاضت، فصارت في عداد المكلفين، هذه لا يجوز لها أن تصلي بغير خمار، أما من لم تبلغ سن التكليف ولو ناهزت، يعني بنت عمرها إحدى عشر أو اثنتا عشرة أو ثلاث عشرة أو أربع عشرة لم تحض، هذه لها أن تصلي بغير خمار، لكن تنشئة البنت على الستر من أول الأمر هو مطلوب كأمرها بالصلاة، وأمرها بالصلاة أمر لما تتطلبه الصلاة من وضوء وستارة وغير ذلك، يعني ما نفهم من هذا أننا نقول: البنت أم عشر وتصلي حاسرة عن شعرها؛ لأن أمرها بالصلاة للتمرين والتأديب، فتمرن على كل ما تطلبه الصلاة، لكن مسألة الرد وعدم القبول إنما هو بالنسبة للمكلفين، فلا يقبل الله صلاة من كلفت إلا بخمار، وهو ما يغطي الرأس.
قال ابن سيدة: الخمار النصيف، وجمعه أخمرة وخمر، وجمعه أخمرة وخمر، فمما يشترط لصحة صلاة المرأة تغطية الرأس، وإذا أمرت بتغطية الرأس فبقية البدن من باب أولى، والمرأة الحرة كلها عورة، أما بحضرة الأجانب فلا إشكال أنها كلها عورة، وأما بالنسبة للصلاة إذا كانت خالية فمحل خلاف بين أهل العلم، منهم من يستثني الوجه فقط، وهو المعروف عند الحنابلة يستثنون الوجه فقط يكشف إذا كانت خالية، والحرة كلها عورة في الصلاة إلا وجهها، ورواية في المذهب يرجحها شيخ الإسلام الكفين أيضاً، لا يلزم سترهما في الصلاة، بل يكشفان كالوجه، ومذهب الحنفية القدمان أيضاً يكشفان، وشيخ الإسلام كأنه يميل إلى قول الحنفية.
(9/12)
وعلى كل حال الاحتياط أن تغطي المرأة جميع بدنها، أما إذا كانت بحضرة من يجب الحجاب عنه هذا لا إشكال فيه، أما إذا كانت خالية فلا تبدي إلا وجهها، وإن أبدت كفيها فالأمر فيه سعة، والقدمان محل خلاف قوي بين أهل العلم، إذا كان الدرع سابغاً يغطي ظهور القدمين كما سيأتي في حديث أم سلمة، فالقدمان يغطيان، لكن لو صلت امرأة وقالت: أنا والله ما دريت أن القدم تغطى، فقوله: "ظهور قدميها" يدل على أن بطون القدمين لا يلزم تغطيته، فيدل على أن القدم فيها شيء من السعة، ومذهب أبي حنيفة في هذا واضح، فمن صلت وهي كاشفة عن قدميها ثم سألت لا تؤمر بالإعادة، أما من سألت قبل الصلاة يقال: غطي، والأحوط أن تغطي كل شيء إلا الوجه.
"رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي وحسنه، والحاكم وقال: على شرط مسلم" وعلى كل حال الحديث مصحح عند أهل العلم "وصفية وثقها ابن حبان" يعني التابعية الراوية عن عائشة -رضي الله عنها-، "وقد روي موقوفاً ومرسلاً" الآن المقابلة بين الوقف والإرسال، يعني كل النسخ كذا موقوفاً ومرسلاً؟
طالب:. . . . . . . . .
هل هناك تقابل بين الوقف والإرسال أو التقابل بين الوقف والرفع والوصل والإرسال؟ أو أنه اجتمع فيه الأمران؟ اجتمع فيه علتان الوقف والإرسال؟
"وروي موقفاً ومرسلاً ورواه ابن خزيمة في صحيحه، ولفظه: ((لا يقبل الله صلاة امرأة قد حاضت إلا بخمار)) " وعلى كل حال الحديث مصحح عند أهل العلم، والعمل عليه عندهم، أنه لا بد أن تصلي بالخمار فتغطي رأسها.
(9/13)
ثم قال: "وعن أيوب عن نافع" أيوب بن أبي تميمة السختياني "عن نافع مولى ابن عمر عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة)) فقالت أم سلمة: فكيف يصنع النساء بذيولهن؟ قال: ((يرخين شبراً)) قالت: إذا تنكشف أقدامهن؟ قال: ((فيرخينه ذراعاً لا يزدن عليه)) " انظروا كيف يتعامل مع أصحاب التحري والاحتياط للدين بخلاف أصحاب التعري والتساهل في أمور الدين، يعني بدأ بها النبي -عليه الصلاة والسلام- بالأخف، ما بدأ بالأشد؛ لأنه يعرف أنه لو قال: أرخيه ذراع زادت؛ لأنها حريصة على الستر، فبدأ معها بالأقل ((ترخيه شبراً)) لكن الآن لو تأتي امرأة تسأل يبدأ معها بالشبر وإلا بالذراع أو أكثر من الذراع؟ وليت الأمر يستقر على مجرد الستر، ولا شك أن هذا هذه طريقة وأسلوب نبوي متبع، يعني مطرد عند النبي -عليه الصلاة والسلام-، إذا كان السائل أو المسترشد عنده شيء من التحري يبدأ به من الأقل؛ لئلا يزيد ويرتفع، وإذا كان عنده شيء من التساهل أطره على ما أوجب الله عليه، فعبد الله بن عمرو بن العاص جاء متحمس يبي يقرأ القرآن في كل ليلة، فقال له: ((اقرأ القرآن في شهر)) لأنه لو وافق على ليلة أو على ليلتين أو على ثلاث من أول الأمر لا شك أن عبد الله بن عمرو لن يترك المصحف، ويمكن يختم في اليوم مرتين أو أكثر، لو بدء به مما طلب، لكن مثل هذا يبدأ معه بالأخف، فقال له: ((اقرأ القرآن في شهر)) قال: إنه يستطيع أكثر من ذلك، ((اقرأ القرآن مرتين في الشهر)) قال: يستطيع أكثر من ذلك، ((اقرأ القرآن في عشر)) قال: إنه يستطيع أكثر من ذلك، قال: ((اقرأ القرآن في سبع ولا تزد)) فبدأ بالأخف، لكن لو جاء شخص من طلاب العلم وقال: إنه لا يفتح المصحف إلا في رمضان، قلنا له: عثمان يختم في كل ليلة، والشافعي يختم مرتين، مرة بالنهار ومرة بالليل، وفلان وفلان، وعددنا له من هؤلاء الذين يحملونه على أن يستحيي من الله -جل وعلا- أن يهجر كلامه، وإن كنا لا نريد أن يفعل مثل فعل عثمان، ولا مثل فعل الشافعي، ولا مثل فعل يقرأ القرآن في يوم، لكن إذا قلت له: اقرأ القرآن في يوم عله أن يقرأه في أسبوع،
(9/14)
والنبي -عليه الصلاة والسلام- قال لعبد الله بن عمرو: ((اقرأ القرآن في سبع ولا تزد)).
(9/15)
وهكذا ينبغي أن يكون طالب العلم كالطبيب يعالج الناس بما يناسبهم وينفعهم، فإذا كان موجوداً في مجتمع تغلب عليه الشدة لا شك أنه يبدأ بهم بالأسهل؛ لأنه لو بدأ بهم بالأشد زادوا، وإذا كان في مجتمع غالبه مرجئة يتساهلون، ولا يرون العمل من الإيمان مثل هؤلاء يبدأ بهم بالأشد، يعني لا يعامل المرجئة مثل ما يعامل الخوارج، فأولئك تلقى إليهم نصوص الوعد، وهؤلاء تلقى إليهم نصوص الوعيد، يعالجون بهذا وهؤلاء يعالجون بهذا، ولذلك قال النبي -عليه الصلاة والسلام- ... ، قالت أم سلمة: فكيف يصنع النساء بذيولهن؟ قال: ((يرخين شبراً)) فقالت: إذاً تنكشف أقدامهن؛ لأنه لو نزل شبر على الأرض مع المشي لا بد أن يخرج شيء، والآن مع الأسف أن النساء جل النساء الآن فوق الكعب وعلى الجوانب فتحات، إذا مشت تخرج إلى الركبة، الفتحة أنزل من الركبة، لكن مع ضرورة المشي أن يرتفع الثوب، ومع الأسف أيضاً أنا صرنا كأننا بتصرفاتنا نقر مثل هذه الأمور، يعني إذا كان علامة مدرسة بنات وضعنا الصور التي تدل على العلامة هذه، يعني في اللوحات الإرشادية، يعني أمامك مدرسة بنات أمامك مدرسة أولاد وضعنا صور البنات بالقصير هذا شيء مشاهد، وصور الأولاد إذا كانت مدرسة أولاد بالطويل المسبل، وكأننا بهذا نقر من يفعل هذا الأمر، وكذلك في دورات المياه، وكذلك تجد أمور كأن فيها إقرار لهذا الشيء، وإن لم يكن مقصوداً، لكن ينبغي أن يكون الحق والحقيقة والمظهر والمخبر سواء، لا نقول هذا الكلام ثم إذا جئنا بدعاية أو بشيء خرجنا عن طورنا، أمامك مدرسة أولاد تجعل الولد ثوبه هذا على سبيل التنزل أننا نحتاج إلى مثل هذه الأمور، وإلا لسنا بحاجة إلى مثل هذه اللوحات، يعني أمامك مدرسة أولاد، أمامك مدرسة بنات يكفي، كتابة، لكن إنما هو التقليد ((لتتبعن سنن من كان قبلكم)) ولسنا بحاجة إلى شيء من هذا، وإذا ابتلينا بمثل هذا لا نقر المنكر، على أن التصوير معروف أنه حرام، لكن قد يقول قائل: إنه تصوير ما بان فيه شيء، ما في وجه، ما فيه إلا بقية الجسم، والثوب هذا يدل على أنها مدرسة بنات، واللباس هذا يدل على أنه مدرسة أولاد، نقول أيضاً على سبيل التنزل: لسنا بحاجة، لكن إذا فعلتم ذلك طبقوا
(9/16)
السنة، والله المستعان؛ لأن النشء ينشأ على مثل هذا ويستمريه، ويعرف أن هذا لباس امرأة، وذاك لباس رجل، المسبل لباس رجل، والقصير لباس امرأة، ينشأ الفتيان على هذا، فلا يصير في قلوبهم شيء من الإنكار له.
وهنا تقول لما قال لها شبر، قالت: إذا تنكشف أقدامهن، قال: ((فيرخينه ذراعاً، لا يزدن على ذلك)) لأنه لو زاد على الذراع صار خطر عليها أن تسقط أو تتعثر، ومع ذلكم الذيل لا يحيط بالبدن أو بالأقدام من جميع الجهات، الأقدام مستورة بلا شك، لكنه من الأمام لا يرخى لئلا يحصل تعثر، إنما الذيل يكون كما هو بطبيعته الذيل في الخلف، وأدركنا النساء وهن يجرجرن الذيول، وعلى الغانيات إيش؟ جر الذيول.
كتب القتل والقتال علينا ... وعلى الغانيات جر الذيولِ
المرأة تسحب ثوبها وراءها ذراع، وهذا شيء أدركناه، كان معروف عند المسلمين، ثم بعد ذلك صاروا يتدرجون ويقلدون، وانتهينا إلى ما وصل إليه الحد، والله أعلم ما يكون في المستقبل، نسأل الله -جل وعلا- أن يرد المسلمين إلى دينه رداً جميلاً، وأن يرجعهم إليه.
"رواه النسائي والترمذي، وقال: حسن صحيح، وقد روي عن نافع عن أم سلمة، وعنه عن صفية عن أم سلمة، وعنه عن سليمان عن أم سلمة" المقصود أنه من حديث أم سلمة، يروى من طرق متعددة، وبعضهم يجعل مثل هذا إعلال، لكنها طرق يعضد بعضها بعضاً، ولذا هو صحيح عند أهل العلم.
((من جر ثوبه خيلاء)) الإسبال جاء فيه هذا الحديث الشديد: ((ثلاث لا ينظر الله إليهم، ولا يكلمهم)) منهم من جر ثوبه خيلاء، وفي الحديث هنا: ((من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة)) والخيلاء: بضم الخاء المعجمة ممدود فعلاء، والمخيلة والبطر والكبر والزهو والتبختر والخيلاء معانيها متقاربة، يقال: خال واختال اختيالاًَ إذا تكبر.
(9/17)
((من جر ثوبه خيلاء)) في الحديث الآخر: ((ما أسفل من الكعبين فهو في النار)) هذا مقيد بالخيلاء وذاك مطلق، ((ما أسفل من الكعبين فهو في النار)) ولو بدون خيلاء، وهذا: ((من جر ثوبه خيلاء)) وأبو بكر لما سمع هذا الوعيد الشديد قال: إنه يسترخي أحد جانبي إزاره، فقال له النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((إنك لا تفعله خيلاء)) لست ممن يفعله خيلاء، فهذه تزكية من النبي -عليه الصلاة والسلام- لأبي بكر؛ لأن الخيلاء والكبر من أعمال القلوب، لا يستطيع إنسان أن يزكي أحد، ولا يزكي نفسه، بل نهي عن ذلك، وإذا وجد من يجر ثوبه ويقول: إنه لا يفعله خيلاء، قلنا: هذا الكلام ليس بصحيح، فليس لنا إلا الظاهر، والباطن الله -جل وعلا- يتولى السرائر، وكلامك عن نفسك تزكية، وقد نهيت عنها، فعليك أن ترفع ثوبك.
هنا الحديث مقيد، وحديث: ((ما أسفل من الكعبين)) مطلق، وقال بعضهم: إن المطلق يحمل على المقيد، فإذا برئ الإنسان وسلم من الخيلاء والكبر فإنه يجوز له ذلك، لكن بالنظر إلى القواعد، قواعد حمل المطلق على المقيد نجد أنه لا يمكن حمل المطلق على المقيد هنا؛ لماذا؟ للاختلاف في الحكم والسبب، وإذا اختلف الحكم والسبب فلا يحمل المطلق على المقيد اتفاقاً، الحكم مختلف هناك في النار، وهنا: ((لم ينظر الله إليه يوم القيامة)) الحكم أشد، مناسب لما اقترن بمجرد الإسبال إذا اقترن معه الخيلاء، إذا اقترن مع الإسبال الخيلاء فالحكم أشد، فجاء حكم يناسب، إذا كان مجرد إسبال من غير خيلاء فحكمه مناسب ((ما أسفل من الكعبين ففي النار)) والمراد بذلك ليس الثوب، وإنما هو ما يقابله من بدن الإنسان، ما يقابل هذا القدر الزائد من بدن الإنسان.
((من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه)) فيه إثبات النظر لله -جل وعلا- على ما يليق بجلاله وعظمته.
(9/18)
أدخل المؤلف هذا الحديث في شروط الصلاة لأن من أهل العلم من يرى أن من ارتكب مثل هذه المعصية فإنها تؤثر على صلاته، وجاء في المسألة حديث لكنه ضعيف، رأى النبي -عليه الصلاة والسلام- رجلاً مسبلاً يصلي فقال له: ((أعد وضوءك)) ولما توضأ قال: ((صل)) فسئل؟ قال: لأنه مسبل، فعلى هذا صلاته تكون باطلة لو صح الخبر؛ لكان الخبر لم يصح، فتجرى القواعد، وجاء النهي عن الإسبال والوعيد الشديد لكن النهي خارج عن الصلاة، فالإسبال مما يستعمل داخل الصلاة وخارج الصلاة، فالنهي ليس عائد إلى ذات الصلاة ولا إلى شرطها؛ لأن القدر الزائد على ما تستر به العورة ليس من شرطها، فهو لأن الخارج كالعمامة، فالصلاة صحيحة مع الإثم الشديد الثابت والوعيد الأكيد بهذا النص وغيره، فصلاة المسبل صحيحة مع التحريم؛ لأن النهي إنما يعود إلى أمر خارج عن الصلاة.
بعد هذا يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"وعن أبي يحيى القتات عن مجاهد عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: مر النبي -صلى الله عليه وسلم- على رجل وفخذه خارجة، فقال: ((غط فخذك، فإن فخذ الرجل من عورته)) رواه أحمد، وهذا لفظه، وأبو يعلى والترمذي، ولفظه: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((الفخذ عورة)) وقال: هذا حديث حسن غريب، وصححه الطحاوي، وأبو يحيى مختلف فيه، وثقه ابن معين في رواية" يعني في رواية الدارمي، أما في رواية الدوري التي هي من أكبر الروايات قال: في حديثه ضعف "وثقه ابن معين في رواية، وقال النسائي: ليس بالقوي" أبو يحيى القتات الكوفي اسمه زادان، وقيل: دينار، وقيل: مسلم، وقيل: يزيد، وقيل: زبان، وقيل: عبد الرحمن، أقوال كثيرة في اسمه كعادة من اشتهر بالكنية يضيع الاسم.
قال ابن حجر: لين الحديث، ومتى يحكم ابن حجر على راوٍ بأنه لين؟ متى يحكم ابن حجر عليه أنه لين؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
يكون إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
(9/19)
هو حكم عليه بالتقريب بأنه لين؛ لماذا؟ ليس له من الحديث إلا القليل، ولم يثبت فيه ما يترك حديثه من أجله، فإن توبع فمقبول وإلا فلين، ليس له من الحديث إلا القليل، ولم يثبت فيه ما يترك حديثه من أجله، فإن توبع فمقبول وإلا فلين، إذاً هذا حديثه قليل، وليس فيه كلام لأهل العلم قوي يترك حديثه من أجله، ومع ذلك لم يتابع إذاً لين، وهذه القاعدة التي قعدها ابن حجر عليها مناقشات ومؤاخذات كثيرة، وبسطناها في مناسبات كثيرة، لا داعي لتكرارها، المقصود أنه هنا أبو يحيى القتات اختلف فيه، منهم من وثقه، ومنهم من ضعفه، فحديثه ليس بشديد الضعف.
"عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: مر النبي -صلى الله عليه وسلم- على رجل وفخذه خارجة، فقال: ((غط فخذك، فإن فخذ الرجل من عورته)) " ويشهد له الأحاديث التي أشار إليها الإمام البخاري -رحمه الله-.
وقال البخاري: ويروى عن ابن عباس وجرهد ومحمد بن جحش عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((الفخذ عورة)) يعني حديث ابن عباس له ما يشهد له من حديث جرهد ومحمد بن جحش عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من قوله: ((الفخذ عورة)) فعندنا ثلاثة أحاديث كلها تنص على أن الفخذ عورة، من قوله -عليه الصلاة والسلام-، حديث ابن عباس الذي تقدم، وجرهد بن رزاح الأسلمي، مدني، له صحبة، وكان من أهل الصفة، مات سنة إحدى وستين، ومحمد بن عبد الله بن جحش نسب إلى جده، زينب بنت جحش عمته أخت أبيه عبد الله بن جحش، هذا من قوله -عليه الصلاة والسلام- يروى من هذه الطرق، وهو بها يكون صحيحاً لغيره، بمجموعها يكون صحيحاً لغيره.
وقال أنس: "حسر النبي -صلى الله عليه وسلم- عن فخذه" هذا الكلام تابع لكلام البخاري، وقال أنس: "حسر النبي -صلى الله عليه وسلم- عن فخذه"، ثم قال البخاري: وحديث أنس أسند، يعني أقوى إسناداً؛ لأنه مخرج في الصحيح، أصل معتمد عليه في البخاري، بل في الصحيحين فهو أسند، يعني أقوى إسناداً، وحديث جرهد أحوط، حتى يخرج من اختلافهم.
الأحاديث الثلاثة الواردة عن ابن عباس وجرهد ومحمد بن جحش كلها نص على أن الفخذ عورة، وحديث أنس: "حسر النبي -صلى الله عليه وسلم- أو انحسر" وفرق بين حسر وانحسر.
(9/20)
حتى يخرج من اختلافهم، وقد روي حديث ابن عباس من وجه آخر عن طاوس عنه.
وعن أنس بن مالك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- غزا خيبر فصلينا عندها صلاة الغداة بغلس، فركب نبي الله -صلى الله عليه وسلم- وركب أبو طلحة وأنا رديف أبي طلحة، فأجرى النبي -صلى الله عليه وسلم- في زقاق خيبر، وإن ركبتي لتمس فخذ نبي الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم حسر الإزار عن فخذه، حتى إني لأنظر إلى بياض فخذ نبي الله -صلى الله عليه وسلم-، فلما دخل القرية قال: ((الله أكبر خربت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين)) قالها ثلاثاً. رواه البخاري ومسلم، وفي روايته، يعني في رواية مسلم "فانحسر الإزار عن فخذ نبي الله -صلى الله عليه وسلم-" قال المؤلف: فلفظ مسلم "انحسر" لا حجة فيه على أن الفخذ ليس بعورة؛ لأن كون الشيء ينكشف بنفسه لا من فعل المكلف لا يدل على الجواز، ولفظ البخاري محتمل.
يعني إذا سلمنا بأن انحسر لا من فعل ولا قصد المكلف ليس فيه حجة هذا الكلام صحيح، لكن ماذا عن لفظ البخاري: "حسر النبي -صلى الله عليه وسلم- الإزار أو حسر الإزار عن فخذه"؟ نعم؟ ولفظ البخاري محتمل، يعني لفظه محتمل وإلا دلالته محتملة؟ لفظه غير محتمل، لكن دلالته على المراد حينما حسر لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- راكب، وأحياناً الراكب يتضايق من الثوب، الراكب على الدابة يتضايق من الثوب، فيحسر عن شيء من ثوبه ليرتاح، الآن من أراد أن يجلس على كرسي ألا يحتاج إلى رفع شيء من ثوبه من جهة الخلف ليرتاح ليتصرف براحة؟ من ركب مرتبة السيارة وهي في غاية الراحة يحتاج إلى مثل هذا، من جلس على مجلس أثير في مجلسه يحتاج إلى أن يحسر عن شيء من ثوبه ليرتاح، فيكف بمن ركب على دابة؟! يحتاج إلى مثل هذا، والظرف ظرف جهاد، فلا يحمل عليه ما في الظروف العادية، فقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((الفخذ عورة)) مقدم على مثل هذه الأخبار المحتملة، فالمرجح أن الفخذ عورة.
(9/21)
منهم من يستروح إلى أن قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((الفخذ عورة)) من كلامه بالنسبة للأمة، تكليف للأمة، وأما كون -عليه الصلاة والسلام- حسر عن فخذه هذا بالنسبة له، يدل على الخصوصية، وذكرنا مراراً أنه ما دام تغطية العورة كمال فكل كمال يطلب من الأمة فالنبي -عليه الصلاة والسلام- أولى به من غيره، يعني إذا كان تغطية العورة تكريم لبني آدم وهو كمال بالنسبة لهم إذ لم يكونوا مثل الحيوانات، كما يطالب بعض المفتونين، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- أولى بهذا الكمال، وإذا كانت العورة مما يستحيى من إبدائه، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- من أشد الناس حياءً، وما رئيت عورته -عليه الصلاة والسلام- لا في جاهلية ولا في إسلام.
"عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- غزا خيبر، فصلينا عندها صلاة الغداة بغلس، فركب نبي الله -صلى الله عليه وسلم- وركب أبو طلحة وأنا رديف أبي طلحة، فأجرى النبي -صلى الله عليه وسلم- في زقاق خيبر، وإن ركبتي لتمس فخذ نبي الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم حسر الإزار عن فخذه حتى إني أنظر إلى بياض فخذ" راكب الدابة يحتاج إلى مثل هذا، وأنتم ترون الدابة مرتفعة جداً، فلا بد من انحسار شيء من هذا، إذا أراد الإنسان أن يركب السيارة وهي أقل من ذراع عن الأرض، إذا رفع رجله انكشف شيء من ساقه، فكيف بمن ركب دابة ليرتاح عليها؛ لأن اللباس لا شك أنه يشد على لابسه، فيحتاج إلى أن ينفس عن نفسه شيئاً، وقد ينكشف بعض ما لا يجوز انكشافه في حال الرخاء، وبعضهم يقول: الفخذ عورة يعني في الصلاة، وليس بعورة خارج الصلاة، وهذا قال به بعضهم، والأصل العموم، الفخذ عورة عورة، يعني في الصلاة وفي خارج الصلاة هذا الأصل.
قال المؤلف: "فلفظ مسلم لا حجة فيه" ما دام انحسر بنفسه لا حجة فيه، كما لو كان الإنسان يصلي فأطارت الريح إزاره، ثم رده قريباً مثل هذا لا يد له بذلك، أو شيئاً من إزاره حتى بدت بعض عورته يعيده سريعاً، ولا يؤثر في صلاته.
(9/22)
المقصود أن لفظ: "انحسر" كما هي رواية مسلم لا دليل فيها، ولا حجة فيها، ولفظ البخاري محتمل الدلالة لا اللفظ، اللفظ واضح ولا يحتمل، لكن دلالته على المراد وأن الفخذ ليست بعورة محتمل، وقلنا: إن هذا الظرف مما يحتاج إليه.
"وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء)) رواه البخاري، وعنده: عاتقيه وعاتقه أيضاً" ((لا يصلي أحدكم في الثوب)) وهو ما يستر به البدن من قميص أو إزار أو غيرهما.
((لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء)) العاتق ما بين الكتف وأصل العنق، هذا هو العاتق ما بين الكتف وأصل العنق، شيء نكرة في سياق النفي فتعم القليل والكثير، يعني من صلى بسروال صفيق يستر العورة وعليه فنيلة ذات الخيط الرقيق الذي على العاتق يكفي وإلا ما يكفي؟ قوله: ((شيء)) ((ليس على عاتقه منه شيء)) يعني لو أن إنسان وضع حبل على عاتقه يقال له: شيء وإلا لا؟ فالعلاق الذي تمسك به هذه الفنيلة تدخل في شيء ((ليس على عاتقه منه شيء)) فمقتضى التنكير في سياق النفي جواز مثل هذا وأنه يكفي.
"ورواه البخاري ومسلم وعنده: عاتقيه وعاتقه أيضاً" ولا فرق بين الروايتين؛ لأن عاتقه ((ليس على عاتقه)) مفرد مضاف فيشمل الاثنين، فيكون على العاتقين منه شيء، كثير ممن يصلي وهو محرم تجده مبدياً عاتقه الأيمن؛ لأنه يطوف كذلك، فيظن أنه يستمر إلى أن يحل من عمرته، وإذا أراد أن يصلي لا بد أن يستر العاتقين.
أهل العلم يطبقون على أن عورة الرجل في الصلاة من السرة إلى الركبة، ولا يذكرون العاتق، لماذا؟ الحديث في الصحيحين، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ويش فيه؟
طالب:. . . . . . . . .
حديث جابر الذي بعده، لكن هل كون حديث جابر ما فيه دلالة على ستر العاتق ينفي دلالة حديث: ((لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد))؟ لا، لا تعارض بينهما؛ لأن عدم الذكر، أو حديث آخر مستقل لا يدل على ما دل عليه هذا الدليل لا ينفي أن يكون الوجوب يؤخذ من هذا الدليل، أهل العلم لا يذكرون ستر العاتق في الستر، هاه؟ لماذا؟
(9/23)
لأن الستر الذي يذكرونه من السرة إلى الركبة شرط لصحة الصلاة، وأما هذا مجرد وجوب لا يدخل في الشرط، يعني لو صلى وليس على عاتقه شيء وستر من السرة إلى الركبة صلاته صحيحة، لكنه آثم، لكنه آثم وصلاته صحيحة، ففرق بين ما يذكر من الستر اشتراطاً وبين ما يجب فعله في الصلاة، يعني بعض الناس يقول: لا يلزم ستر العاتق؛ لأن العلماء لا يذكرونه في شروط الصلاة، نقول: ليس بشرط صحيح، لكنه يجب أن تستر العاتق، ونظير ذلك من يوجب الغسل، الغسل للجمعة من يوجبه هل يوجبه اشتراطاً لصحتها أو يوجبه بمعنى أنه يأثم إذا تركه وصلاته صحيحة؟ صلاته صحيحة، ما أحد يبطل صلاته إذا لم يغتسل، لكنه يأثم بترك هذا الواجب، وهنا نقول: ما في أحد يبطل الصلاة إذا لم يستر العاتق، لكنه يأثم بترك هذا الواجب، والفرق ظاهر يا إخوان.
ثم قال بعد ذلك:
"وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: خرجت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في أسفاره، فجئت ليلة لبعض أمري فوجدته يصلي وعليَّ ثوب واحد، فاشتملت به وصليت إلى جانبه، فلما انصرف قال: ((ما السُرى يا جابر؟! )) " يعني هذا الخروج بعد هزيع من الليل في آخر الليل، ما الذي دعاك إليه؟ لأن الأصل في هذا الوقت أن الإنسان يلزم رحله، سواءً كان سفر وإلا حضر، يلزم رحله، إما أن ينام أو يصلي أو .. ، ومع الأسف أننا نجد والله شيء مؤسف جداً أن نجد في الساعة الثانية أو الثانية والنصف أو الثالثة أو الواحدة نساء بدون محارم شابات يتنقلن ويتجولن في الشوارع، بل بين المطاعم وبين الأسواق وبين .. ، فأين أولياء الأمور؟! النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((ما السُرى يا جابر؟! )) يستنكر عليه أن يخرج في مثل هذا الوقت.
"فأخبرته بحاجتي" نعم إذا كانت هناك حاجة داعية لمثل هذا لا بأس، يعني شباب وشابات يتجولون ويتسكعون في الشوارع في آخر الليل! والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((ما السُرى يا جابر؟! ))
(9/24)
"فأخبرته بحاجتي، فلما فرغت" لأنه صلى إلى جانبه ائتم به -عليه الصلاة والسلام- "فلما فرغت قال: ((ما هذا الاشتمال الذي رأيت؟ )) " يعني تلفلف بالثوب، لكنه لم يستر به جميع بدنه، وإن ستر عورته "فقلت: كان ثوب -يعني ضاق- قال: ((إن كان واسعاً فالتحف به)) " أي: اجعله لحافاً يشمل جميع البدن إذا كان واسع، لأن تغطية جميع البدن لا شك أنه أكمل، والله -جل وعلا- يقول: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [(31) سورة الأعراف] ((إذا كان واسع فالتحف به)) غط به جميع بدنك.
((وإن كان ضيقاً فاتزر به)) يعني اجعله إزاراً يغطي أسفل البدن، يغطي العورة إذا كان ضيق، واترك أعالي البدن؛ لأن أمره أخف، إذا كان لا يستوعب، إذا كان لا يستوعب فاتزر به، أي: اجعله إزاراً، فالحديث فيه دليل على وجوب ستر العورة، بل على اشتراطها، مع قوله -جل وعلا-: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [(31) سورة الأعراف] أي عند كل صلاة، والزينة اللباس.
ونقل ابن عبد البر الإجماع على أن من صلى عرياناً فصلاته باطلة.
{خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [(31) سورة الأعراف] يوجد بعض الناس من يأتي إلى صلاة الفجر على وجه الخصوص بقميص يستحيي أن يستقبل به أقل ضيوفه شأناً، ويريد أن يمثل بين يدي الرب في أعظم موقف بين يدي الله -جل وعلا- بمثل هذا الثوب، والله -جل وعلا- يقول: {خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [(31) سورة الأعراف] فلا ينبغي للإنسان ولو صحت الصلاة وأجزأت بالقميص، لكن ينبغي أن نأخذ الزينة في الصلاة.
"رواه البخاري بهذا اللفظ، ورواه مسلم ولفظه: ((إن كان واسعاً فخالف بين طرفيه)) " ليشمل الأعلى والأدنى ((وإن كان ضيقاً فاشدده على حقوك)) الحقو: معقد الإزار، وفي حديث غسل بنت النبي -عليه الصلاة والسلام- زينب قالت أم عطية: فأعطانا حقوه، وتريد به الإزار، من باب إطلاق المحل وإرادة الحال.
(9/25)
((فاشدد به على حقوك)) وفي الأحاديث السابقة كلها ما يدل على وجوب ستر العورة، بل على اشتراطها في الصلاة، وأن على الإنسان أن يراعي هذا الأمر في الصلاة وفي خارجها، وأن لا يتساهل به، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول هذا من الإمارات أو تقول: نرى الآن كثرة الأقوال في المسائل، واختلاف العلماء فما واجبنا نحن طلبة العلم تجاه هذه الخلافات؟
إن كان طالب العلم متأهلاً للنظر في هذه الأقوال بأدلتها فعليه أن يعمل بما يترجح له، ويدين الله به، وإن كان في حكم العامي ليست لديه الأهلية فلينظر إلى الأعلم والأتقى والأورع والأدين فيقلده لتبرأ ذمته بذلك.
وليس في فتواه مفتٍ متبع ... ما لم يضف للعلم والدين الورع
هل ورد حديث صحيح يفيد أن لغة أهل الجنة هي اللغة العربية؟
جاء حديث: ((أحب العربية لثلاث)) ومنها: "أن العربية لغة أهل الجنة" لكن الحديث فيه كلام.
إذا لبست المرأة من حلي أخواتها أو ملابسهن لتبدوا أمام النساء أن لديها الكثير، هل يعتبر ذلك من التشبع بما لم يعطَ؟
نعم هذا هو عين التشبع، والمتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور، أما إن استعارت ثوباً مناسباً لا لتلبس به ولا تدلس على الناس أنها فوق واقعها لتخرج به متوسطة الحال؛ لئلا يستقذرها الناس هذا لا شيء به، وجاء في الحديث: ((لتلبسها أختها من جلبابها)).
يقرأ بعض طلبة العلم كتب الحديث والمتون العلمية بترتيل وتلحين فهل في ذلك بأس؟
لا بأس به -إن شاء الله تعالى- ما لم يقلد به كتاب الله -جل وعلا-، فتطبق عليه أحكامه، يعني أحكام التجويد والمدود، أما تحسين الصوت الذي ينشط للسامع هذا لا شيء فيه.
هل تشرع زيارة المساجد السبعة التي في المدينة؟
زيارتها بدعة، قصدها للزيارة بدعة، وليست مساجد، ولا تقام فيها الصلاة، وهدم بعضها الآن، وأقيم مكانها مسجد يرجى أن يكون معلماً وجامعاً نافعاً ينتفع به الناس.
ما هو القول الفصل في حكم الختان للإناث؟ وما الذي ترجحونه أنتم؟
الختان بالنسبة للإناث مكرمة، فعلى هذا الأفضل أن تختتن المرأة، الأفضل لها والأحظى لها عند زوجها والأنظر أن تختتن، لا على سبيل الوجوب كالرجال.
(9/26)
هل يجوز العمل في البنوك الربوية بحيث أنه لا يباشر ما يتعلق بالربا، إنما عمله فقط كأن يكون الرد على الهاتف وغيره؟
هذا هو التعاون على الإثم والعدوان، فلا يجوز بحال.
كيف نحصل على كلب صيد إذا قلنا: يحرم بيعه وشراؤه ولم نجد من يهدينا إياه؟ وهل يجوز اقتناء كلب الصيد في البيت إذا كان لا مكان آخر لدي أضعه فيه؟
على كل حال استثني كلب الصيد من التحريم، ومثل هذا الذي لا يجوز بيعه وتباح منفعته للحاجة كالصيد يقولون: إن المشتري لا شيء عليه، يعني يجوز بالنسبة للمشتري المحتاج، ولا يجوز للبائع.
ما قولكم في حكم زواج المسيار؟
زواج المسيار المرأة تتنازل عن شيء من حقوقها مع اكتمال الشروط والأركان، وبحضور الولي والشهود، زواج لا ينقصه شيء إلا أنه قريب إلى السر، وفيه إعلان من جهة، فيه إخبار لأقارب الزوجة من ولي وشهود، وما أشبه ذلك، فمجرد التنازل عن بعض الحقوق تتنازل المرأة عن بعض حقوقها، والأمر لا يعدوها، لكن يبقى أنه لا يشبه بالسفاح، أو لا يلبس على الناس؛ لأن بعض الناس لا يعطي اسمه الصحيح، لا للعاقد ولا للولي ولا للمرأة هذا لا يجوز بحال.
ما الحكم في رجل يصلي فذرعه القيء فقاء؟ ما الحكم لو كان كثيراً ولو كان قليلاً؟
على كل حال القيء الفاحش نجس ومبطل للطهارة، ومبطل للصلاة، فعليه أن يخرج من صلاته، ويغسل ما أصابه، ويتوضأ ويستأنف الصلاة، أما لو كان دسعة يسيرة، ووضعها في منديل، أو بصقها عن يساره، فحكمه حكم حينئذٍ المخاط.
السحاق من أين جاءت هذه التسمية؟
واضح أنه من مسألة مأخوذة من أصل المادة الذي هو السحق والفرك والحك، ويحصل فيه شيء من هذا.
وما الحكم في هؤلاء هل هو حد اللواط؟
لا، ليس بحد اللواط، لكنه يعزر عليه تعزير بالغ.
والسؤال الثالث: ما حكم من أفطر متعمداً في نهار رمضان؟
حكمه لا يقضيه صيام الدهر، وإن صامه من حيث الإثم، وإلا فيجب عليه القضاء إن كان بأكل أو شرب، وإلا القضاء والكفارة إن كان بجماع.
هل يخلد في النار من قتل نفسه؟
لا، لا يخلد في النار إلا الكفار، من مات على الإسلام وحكم بإسلامه فإن مآله إلى الجنة ولو عذب بقدر ذنوبه، لكن مآله إلى الجنة، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(9/27)
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: المحرر – كتاب الصلاة (10)
الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين.
قال الإمام ابن عبد الهادي -يرحمه الله تعالى- في كتابه المحرر:
وعن أبي مسلمة سعيد بن زيد قال: قلت لأنس بن مالك: أكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي في النعلين؟ قال: نعم" متفق عليه.
وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي نحو بيت المقدس فنزلت: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [(144) سورة البقرة] فمر رجل من بني سلمة ...
سلِمة، سلِمة.
من بني سلِمة وهم ركوع في صلاة الفجر، وقد صلوا ركعة، فنادى: ألا إن القبلة قد حولت، فمالوا كما هم نحو القبلة. رواه مسلم.
وعن عثمان الأخنسي عن المقبري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ما بين المشرق والمغرب قبلة)) رواه الترمذي، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وتكلم فيه أحمد، وقواه البخاري.
وعن عامر بن ربيعة قال: "رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي على راحلته حيث توجهت به" متفق عليه.
وفي رواية للبخاري: "يومئ برأسه قبل أي وجه توجه، ولم يكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصنع ذلك في الصلاة المكتوبة".
وعن زيد بن أرقم -رضي الله عنه- قال: "إنا كنا لنتكلم في الصلاة على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يكلم أحدنا صاحبه بحاجته حتى نزلت: {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ} [(238) سورة البقرة].
حافظوا، حافظوا؟
{حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ} [(238) سورة البقرة] فأمرنا بالسكوت، ونهينا عن الكلام" متفق عليه، وليس في البخاري: "ونهينا عن الكلام".
(10/1)
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((التسبيح للرجال، والتصفيق للنساء في الصلاة)) قال ابن شهاب: وقد رأيت رجالاً من أهل العلم يسبحون ويشيرون. متفق عليه.
ولم يقل البخاري: ((في الصلاة)) ولا ذكر قول ابن شهاب.
وعن مطرف بن عبد الله بن الشخير عن أبيه قال: "رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي وفي صدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء" رواه أحمد وأبو داود والترمذي في الشمائل، وابن حبان والنسائي وعنده: وقال يعني: يبكي، وقد وهم في هذا الحديث من قال: أخرجه مسلم. والله أعلم.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"وعن أبي مسلمة سعيد بن يزيد قال: قلت لأنس بن مالك: أكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي في النعلين؟ قال: نعم" متفق عليه" النعال هي المعروفة مما يقي القدم من الحفاء بمباشرة الأرض والحصى، وهي ما دون الكعبين، كل ما دون الكعبين يقال له: نعل، وما غطى الكعبين يقال له: خف، وحكم الخفين في هذا حكم النعلين، يصلى فيهما، بل جاء الأمر بذلك بمخالفة اليهود، وثبت أن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى في نعلين، ثم جاءه جبريل يأمره بخلعهما لما فيهما من الأذى، فثبت الأمر فثبتت المشروعية من قوله وفعله -عليه الصلاة والسلام-، فعلى طالب العلم والمسلم عموماً أن يقتدي به في ذلك، لكن لا يلزم من ذلك أن يكون ديدنه الصلاة في النعلين.
يثبت الاقتداء بفعل ذلك أحياناً، لا سيما وأن أماكن الصلوات المعدة لها من المساجد قد تتأثر بالنعلين وما يلصق بالنعلين، وهذه لا شك أنها أموال، وتعريضها للأذى في النعلين إتلاف لها، لكن إذا لم يكن المكان مفروشاً فالصلاة في النعلين أقل أحوالها الاستحباب، أما إذا عارض ذلك ما هو موجود الآن من المساجد النظيفة، وما في أسواق المسلمين وشوارعهم من القذى والأذى، فيُفعل ذلك أحياناً ليتم الاقتداء.
(10/2)
قد يقول قائل: لماذا لا يصلى بالنعلين دائماً ولو كانت مفروشة، والإنسان يفعل ما أمر به من تنظيف النعال بالدلك ((إذا وطئ أحدكم الأذى بخفيه فطهورهما التراب))؟ فيدلكهما عند باب المسجد ويدخل فيهما ويصلي، لكن الدلك لا يزيل كل ما في النعل، وما في الخف من الأذى مما يباشر به نعله بالأرض، فيعلق بها شيء من الأذى، وقد يعلق بها شيء من النجاسات، والفرش وضعه يختلف بلا شك عن التراب؛ لأن التراب إذا أصابته نجاسة يكفي أن يراق عليه ماء، لكن تطهير الفرش كتطهير غيره مما يصاب بالنجاسة غير التراب، يعني تطهير التراب يكفي فيه أن يرش، أن ينضح عليه الماء، يرش عليه الماء، يهراق عليه الماء، والأمر الثاني أن التراب يشرب الماء، ولا يمكث فيه طويلاً، فيعود المكان يابساً بخلاف الفرش، لو أريق عليه الماء وغسل غسلاً تاماً فلا شك أنه يمكث فيه، تمكث فيه رائحته، مما يؤثر على المصلين.
(10/3)
بالنسبة للحرمين مثلاً في الأماكن غير المفروشة، قد يقول قائل: لماذا لا يكون حكمها حكم المساجد يدخل فيها بالنعال ويصلى بالنعال؟ لأنها غير مفروشة ولا تتأثر، لا سيما الأماكن غير المفروشة، أما المفروش لا شك أنه يتأثر، وحينئذٍ يجتنب مثل هذا اتقاءً لإتلاف المال، يلزم عليه لو أن الناس دخلوا المساجد في نعالهم لزم من ذلك أن تغير الفرشاة باستمرار، بينما لو حفظت من هذا واكتفي بالقدم المجردة مكث الفرش سنين، أما الأماكن غير المفروشة فلا شك أن السنة أن يصلى فيها بالنعال، ولكن لو وجد تشويش مثل ما هو الآن، لو أحد دخل بنعليه في المسجد الحرام أنكر الناس عليه قاطبة، وقد يستدلون لهذا الإنكار بقول الله -جل وعلا-: {فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى} [(12) سورة طه] وهذا أقدس منه، فإذا أمر بخلع النعلين بالوادي المقدس فخلع النعلين في المسجد الحرام يعني من باب أولى لأنه أقدس؛ لأن العلة التقديس، وهذا أقدس هذا المكان، إذاً يكون من باب هاه؟ القياس الجلي، مفهوم الموافقة، نعم؟ والقياس هنا يتأتى أو لا يتأتى؟ يعني الوادي نُص عليه، والحرم مسجد كغيره من المساجد، فهل يلحق .. ؟ لا شك أنه مكان مقدس، لكن هل يلحق بالمساجد باعتباره مسجد؟ وسماه الله -جل وعلا- مسجداً {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [(1) سورة الإسراء] فهو مسجد، فهل يلحق بالمساجد من هذه الحيثية، أو يلحق بالوادي المقدس لأنه حرام ومقدس؟ والتحريم تقديس، كونه حراماً تقديس، فماذا نستعمل من أنواع الأقيسة هنا؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
صوتك ما هو بواضح ترى.
طالب:. . . . . . . . .
(10/4)
مفهوم الموافقة؟ لا نحن نتردد بين أمرين، هل نلحقه بالمساجد باعتباره مسجد كما في نص القرآن؟ والمساجد يدخل فيها بالنعال ويصلى فيها بالنعال، وعرفنا أن الكلام في المكان غير المفروش، أما ما يترتب عليه تلف لمال كالفرشاة، أو مما يلصق به هذا الأذى والقذر، ونرى النظافة تعمل باستمرار في المسجد الحرام، فإذا وقع شيء في غير المفروش أمره سهل، وغسله وتنظيفه سهل، فهل نلحقه بالمساجد باعتباره مسجداً، أو نلحقه بالواد المقدس الذي أمر بخلع النعلين باعتباره حرام والتحريم يعني التقديس؟ نستعمل في هذا من أنواع الأقيسة قياس الشبه، إيش معنى قياس الشبه؟ يعني تردد فرع بين أصلين فيلحق بأقواهما شبهاً، كثير من الناس يمنع من الدخول، ويستنكر بشدة أن يدخل الإنسان بنعاله في المسجد الحرام، ويستدل بالآية: {فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ} [(12) سورة طه] فهل لاستدلاله وجه؟ ونقول: إنه به أشبه؟ أو نقول: إنه مسجد من المساجد يدخل فيه بالنعال كغيره من المساجد؟ ويصلى فيه بالنعال هذا إذا استثنينا القسم المفروش؛ لأن الفرش يتلفه النعال والخفاف، وإتلاف المال جاءت النصوص بمنعه، وذكرنا أيضاً وجوه منها: أن الأذى والقذر يثبت في الفرش أكثر مما يثبت على الأرض، أو على البلاط، وما أشبه ذلك، وأيضاً تبقى الرائحة ولو غسل، والناس يسجدون عليها، ويتأذون بالروائح الكريهة، حتى أنه وجد من الناس من يترك المساجد للرائحة التي تعلق بالفرشاة، بالفرش هذه، لكن هؤلاء ليسوا بعبرة، والطعن في حجاج بن أرطأة لما تخلف عن الصلاة في بعض الأوقات لما لاعتبار أنه يصلي بجنبه من فيه رائحة، أو لا يتنظف، أو ما أشبه ذلك، ورمي ما رمي به من الكبر بسبب ذلك، هذا ليس بمبرر، لكن أيضاً من قبلنا ومن قبل الطرف الثاني عليه أن يرعى حرمة حقوق المساجد، وأمر الناس ببناء المساجد في الدور وأن تطيب وتنظف، لا بد من هذا؛ لأنها أقدس البقاع، فهل شبه المسجد الحرام بالمساجد أقوى أو بالوادي أقوى؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
(10/5)
لا شك أن وجوه الشبه بالمساجد أقوى من وجه شبهٍ واحد بالوادي، شبهه بالوادي التقديس وهو التطهير، ووجوه الشبه مع المساجد أكثر من وجه، فهو في حكم المساجد، فعلى هذا لو كان المسجد الحرام، أو المسجد النبوي ما في فرشاة فيه تراب، والنبي -عليه الصلاة والسلام- صلى في النعلين في المسجد النبوي، فعلى هذا حكمه حكم المساجد، والاستدلال بالوادي فيه ضعف.
"أكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي في النعلين؟ قال: نعم" وجاء الأمر بالصلاة في النعال مخالفة لليهود، فعلى هذا أقل الأحوال الاستحباب، فليحرص طالب العلم على أن يصلي في نعليه حيث لا إشكال ولا إثارة، يعني إذا صلى في بيته مثلاً نافلة، أو صلى مع مجموعة في سفر أو نزهة، أو ما أشبه ذلك يصلي في نعليه تطبيقاً للسنة.
النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى بالنعلين، فأخبره جبريل بأن فيهما أذى، فخلعهما، وبنى على ما مضى من صلاته، فعلى هذا لو تذكر الإنسان أن في شيء مما يلبسه نجاسة، أثناء صلاته يكتفي بخلعه، ويبني على ما مضى، لكن إذا لم يتمكن من خلعه إلا بانكشاف العورة يقطع صلاته؛ لأن انكشاف العورة مبطل للصلاة على ما تقدم.
ثم قال -رحمه الله تعالى-:
"وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي نحو بيت المقدس فنزلت: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [(144) سورة البقرة] " كان يصلي نحو بيت المقدس، لما هاجر النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى إلى بيت المقدس ستة عشر شهراً، أو سبعة عشر شهراً، ثم تشوف النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى التحويل من جهة بيت المقدس إلى المسجد الحرام، فأمر بذلك، فنسخت القبلة الأولى.
(10/6)
{قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء} [(144) سورة البقرة] يعني قبل الهجرة كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يصلي، الصلاة فرضت قبل الهجرة، فكان يصلي في المسجد الحرام، ويجعل الكعبة بينه وبين بيت المقدس، فيتجه إلى بيت المقدس، ويجعل الكعبة بينه وبين بيت المقدس، لما هاجر لا يتمكن من ذلك، لا يستطيع أن يجعل الكعبة مستحيل جعل الكعبة بينه وبين بيت المقدس، فصار يصلي إلى بيت المقدس هذه المدة، ثم بعد ذلك نسخ التوجه إلى بيت المقدس، وجاء الأمر: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [(144) سورة البقرة].
التشوف منه -عليه الصلاة والسلام- إلى التحويل نزل الأمر تحقيقاً لهذه الرغبة، فكان يتشوف إلى أن تحول القبلة إلى بيت الله الحرام بعد أن أيس من إسلام أهل الكتاب، وإلا كان في أول الأمر يرغب في مشابهتهم تأليفاً لهم، ثم لما أيس منهم منع من المشابهة، كما في فرق الشعر، بل حرم مشابهتهم، وهذا كان من باب التأليف إلى أن ييأس، إلى أن يأس -عليه الصلاة والسلام-، وهكذا يقال مثلاً للدعاة أن يؤلفوا الناس في دعوتهم حتى يحصل اليأس، وهذا يقال أيضاً بالنسبة لأصحاب المعاصي والجرائم والمنكرات، الأصل الهجر، يعني يهجروا، لكن إذا كان التأليف وعدم الهجر أجدى، فالمسألة مسألة علاج، فإذا لم يُجد التأليف رجع إلى الأصل.
فنزلت: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [(144) سورة البقرة] اللام في {فَلَنُوَلِّيَنَّكَ} تأكيد، والنون أيضاً نون التأكيد، فاجتمع في ذلك أكثر من تأكيد {فَلَنُوَلِّيَنَّكَ} والفعل نوع إيش؟ الفعل؟ {فَلَنُوَلِّيَنَّكَ}.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
(10/7)
مضارع مبني، والمضارع قد يكون في الحال، وقد يكون في الاستقبال، فعطف عليه الأمر بالفاء مع أنه كان الأمر {فَلَنُوَلِّيَنَّكَ} يعني في المستقبل قد تكون المدة قريبة أو بعيدة، لكن فولي دل على أن الأمر جاء مباشرة بعد هذا الوعد {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [(144) سورة البقرة] يعني جهة المسجد الحرام، الشطر: الجهة، وبهذا يستدل الجمهور في مسألة الاستقبال أن الجهة كافية، ويؤيده ((ما بين المشرق والمغرب قبلة)) والشافعية يقولون: المتعين إصابة عين الكعبة، الجمهور يقولون: يكفي الشطر يعني الجهة، وعند الشافعية يتعين التوجه إلى عين الكعبة، وهل هذا بالإمكان لمن بعد عنها؟ ليس بالإمكان، بل هذا مما يستحيل، يستحيل أن تجزم بأن هذا الاتجاه متجه إلى عين الكعبة، بخلاف محرابه -عليه الصلاة والسلام-، لكن ما عداه من الأماكن يستحيل، وهذه مشقة عظيمة، فكيف يتنصل الشافعية من هذه المشقة؟ كيف يتنصلون من هذه المشقة؟ يعني لو أريد حقيقة الكلام لا شك أن هذا عنت، ولا يمكن أن يتحقق، ولا يمكن أيضاً لو كان متحققاً لا على سبيل القطع واليقين، يعني لو أن إنساناً اجتهد ووافق عين الكعبة، ما الذي يدله على أنه أصاب عينها؟ ما في ما يدل؛ لأنه ليس مؤيد بوحي، ما في ما يدله، إذاً هذا القول فيه عنت ومشقة، يتنصلون من هذا بأن يكتفوا في ذلك بغلبة الظن أنه أصاب عين الكعبة، وحينئذٍ يكون الخلاف لفظياً.
{فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [(144) سورة البقرة] شطر يستدل بهذا من يقول: إن المصلي ينظر تلقاء وجهه، والجمهور على أن المصلي ينظر إلى موضع سجوده، والأخذ للقول الأول من الآية ظاهر أنه ينظر تلقاء وجهه، والجمهور على أنه ينظر إلى موضع سجوده؛ لأنه أخشع له، وأحفظ لنفسه من التشتيت حتى قال بعضهم: إنه يسن له إذا خشي التشتيت أن يغمض عينيه؛ لئلا يتشتت ذهنه فيجتمع، ولا شك أن النظر إلى موضع السجود يجمع القلب، وأما إغماض العينين فقد ذكر أنه فعل اليهود.
(10/8)
{فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [(144) سورة البقرة] هنا آية قطعية نسخت التوجه إلى بيت المقدس، والتوجه إلى بيت المقدس ثبت بالسنة، لكنها سنة مقطوع بها، فقطعي ينسخ قطعي، سنة مقطوع بها، فالقطعي هنا نسخ القطعي.
"فمر رجل من بني سلِمة" وسلمة بكسر اللام النسبة إليها سلَمي بفتح اللام، وهكذا في كل ما كسر ثانيه كالنمر يقال بالنسبة إليه: النمَري، جابر بن عبد الله السلَمي، ابن عبد البر النمَري، إذا كان الثاني مكسور يفتح؛ لئلا تتوالى الكسرات، وبعضهم يصر ويؤكد أن يقول: الملِكي، نسبة إلى الملك، ولا يقول: الملَكي وهذا خطأ، بل الصواب ملَكي، يقول: صاحب السمو الملَكي مثلاً، أو هذا شماغ ملكي، أو أي شيء ينسب إلى الملك يقال له: ملَكي كسلَمي ونمري.
"فمر رجل من بني سلمة وهم ركوع في صلاة الفجر" وقد صلوا ركعة، وبقيت عليهم الأخرى "فنادى" وهم في الصلاة "ألا إن القبلة قد حولت، فمالوا كما هم نحو القبلة" هذا خبر واحد، وهو مخرج في الصحيح، مالوا كما هم، وتحولوا عن القبلة المقطوع بها إلى قبلة أخرى بخبر واحد، فعلى كلام الأصوليين الظني لا ينسخ القطعي، وكلام الجمهور السنة لا تنسخ القرآن، لكن هنا سنة نسخت سنة، يعني هذا ينقل "ألا أن القبلة قد حولت" خبر واحد نسخت به السنة القطعية، وعند الأكثر أن خبر الواحد لا يفيد إلا الظن، والظن لا ينسخ القطعي، وهنا استداروا كما هم، مالوا كما هم نحو القبلة، هذا الخبر احتفت به القرينة، فأفاد القطع، والقرينة ما يعرفه الصحابة كلهم أن النبي -عليه الصلاة والسلام- متشوف إلى تحويل القبلة، وأن الله -جل وعلا- يجيب ما يطلبه نبيه -عليه الصلاة والسلام-، فهذه قرينة كما قال أهل العلم تجعل الخبر الواحد يرتقي إلى إفادة القطعية، فالأصل في خبر الواحد عندهم أنه لا يفيد إلا الظن، يعني الاحتمال الراجح؛ لأن هذا الواحد أو المجموعة الذين لم يصلوا إلى حد التواتر هؤلاء وإن كانوا ثقات حفاظ إلا أن احتمال الخطأ وارد، وما دام احتمال النقيض وارداً فإن الخبر لا يرقى إلى إفادة القطعية.
(10/9)
المقصود أن الخبر الواحد إذا احتفت به قرينة يفيد القطع على القول المحرر في كلام شيخ الإسلام وابن القيم وابن رجب وابن حجر وجمع غفير من أهل العلم، أنه إذا احتفت به القرينة أفاد القطع، وهذا منه، وابن رجب قرر هذه المسألة بأوضح بيان في شرح البخاري.
"فنادى ألا إن القبلة" ألا تنبيه، (إن) هذه حرف التوكيد مع النصب "القبلة قد حولت، فمالوا كما هم نحو القبلة" الذي يدل على معرفتهم بتشوف النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى التحويل إلى جهة القبلة، إلى جهة الكعبة هنا مثل هذا الحديث "ألا إن القبلة قد حولت" إلى أين؟ يعني ما استداروا إلى جهة الشرق أو الغرب أو الجنوب أو الشمال أو إلى أي جهة، أو استفهموا، هم يعرفون أن النبي -عليه الصلاة والسلام- يريد ويحب ويتشوف إلى تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة، فلما قيل لهم بعض الخبر فهموا الباقي، فهذا يؤيد ما عندهم من قرينة.
"ألا إن القبلة قد حولت فمالوا كما هم" وجاء في بعض الروايات والقصة حصلت أكثر من مرة، فمسجد قباء في صلاة العصر، وبني سلمة في صلاة الفجر، استداروا كما هم، وقبلوا هذا الخبر لما احتف به من قرينة "فمالوا كما هم" يعني مثل وضعهم، كما كانوا عليه، الإمام يتقدمهم، والصف يلوونه "نحو القبلة" يعني جهة الكعبة. "رواه مسلم".
"وعن عثمان الأخنسي عن المقبري عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ما بين المشرق والمغرب قبلة)) رواه الترمذي، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وتكلم فيه أحمد، وقواه البخاري" وعلى كل حال المرجح تصحيحه.
(10/10)
((ما بين المشرق والمغرب قبلة)) هذا من فضل الله -جل وعلا- على هذه الأمة، ومن يسر هذه الشريعة وسهولتها وسماحتها؛ لأن هذا الأمر في غاية الحرج والضيق لو لم يرد مثل هذا النص، لكن جاء الأمر بهذه السعة ((ما بين المشرق والمغرب قبلة)) وهذا خطاب لأهل المدينة، ومن كان على سمتها ممن تكون القبلة بالنسبة له ما بين المشرق والمغرب، كمن كان على أو في جهة الشمال كالمدينة بالنسبة لمكة، أو جهة الجنوب، يعني المدينة والشام بين المشرق والمغرب، واليمن وما والاها من جهة الجنوب أيضاً قبلتهم بين المشرق والمغرب، لكن أهل المشرق؟ أهل المشرق قبلتهم على هذا الحديث تكون بين الشمال والجنوب، ومثلهم من كان في جهة المغرب بالنسبة لمكة، فإن قبلته ما بين الشمال والجنوب.
يذكرون عن ابن المبارك: "أن ما بين المشرق والمغرب قبلة لأهل المشرق" كيف يكون بين المشرق والمغرب قبلة لأهل المشرق؟ الكلام صحيح وإلا غير صحيح؟ يمكن توجيهه وإلا ما يمكن؟ هم وجهوه أهل العلم وجهوه، يعني يقصد بالمشرق جهة العراق وما والاها، ولا يقصد بذلك المشرق الواقع بالنسبة لمكة نصاً كنجد والبحرين، وما أشبهها نص، هذا لا يمكن أن يكون ما بين المشرق والمغرب قبلة بالنسبة لهم، ولا المغرب نصاً، لكن من كان في هذه الجهة يقال له: مشرق، وقبلته بين المشرق والمغرب، فلا يريد بذلك المشرق الذي هو مسامت إلى جهة الشرق بالنسبة لمكة، وإنما يريد من كان واقعاً في المشرق إلا أنه في جهة ليست مسامتة لمكة، وعلى هذا يترجح قول الجمهور بأن المراد في الاستقبال الجهة.
والقبلة لها علامات يستدل بها المسافر، وإذا كان الانحراف يسيراً فالأمر فيه سعة، ولذا حينما نهى النبي -عليه الصلاة والسلام- عن استقبال القبلة ببول أو غائط، لا يكفي في ذلك الانحراف اليسير الذي لا يؤثر في الصلاة، بل لا بد من انحراف كثير مؤثر في الصلاة لا يصح معه الاستقبال.
(10/11)
إذا صلى إلى غير القبلة، اجتهد وصلى إلى غير القبلة، بذل وسعه وهو من أهل النظر والاجتهاد في هذا أو أخبره ثقة إن كان ليس من أهل النظر بأنها هذه هي القبلة، ثم صلى، ثم تبين له أنه ليس على القبلة صلاته ليست على القبلة، أهل العلم يفرقون بين الصحاري والقفار والبلدان، يقولون: البلدان ليست محل اجتهاد؛ لأنه بإمكانه أن يذهب إلى مسجد وينظر المحراب، أو يستقصي الخبر من أهل البلد، أهل المعرفة والخبرة به، فيصل إلى اليقين، وأما من كان في البراري والقفار والصحاري وفي الأسفار فهذا يكفيه اجتهاده إن كان من أهل الاجتهاد، أو خبر الثقة إن كان ليس من أهل الاجتهاد، ممن يعرف العلامات، وبعضهم يكلف المصلي ويلزمه بغير لازم، فيأمره إذا اشتبه عليه الأمر أن يصلي إلى جهات أربع، إلى الأربع الجهات، فيكون بذلك قد أصاب القبلة، نظير ما يقولون فيما إذا اشتبهت ثياب طاهرة بنجسة فإنه حينئذٍ يصلي بعدد النجسة ويزيد صلاة لتكون صلاته بثوب طاهر يقيناً، وهذا يصلي صلوات حتى يجزم بأنه أصاب القبلة، لكن لو قلنا بهذا هل نكتفي بأربع صلوات؟ نعم؟ ما نكتفي، إنما نقول له: صل في هذا المكان الذي يسعك مقدار ذراع، ثم انتقل إلى ذراع ثانٍ بجواره إلى أن تصلي على دائرة، وما قال بهذا أحد من أهل العلم، لكنه لا يحصل اليقين إلا بهذا، أما أن يصلي إلى أربع الجهات، نعم على هذه السعة في هذا الحديث قد يصيب.
يقول: عندي لبس في حديث: ((لا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول، ولكن شرقوا أو غربوا)) هل هذا لأهل المدينة؟ فكيف يكون هذا الحديث؟ هل نبول إلى جهة القبلة .... أم يحصل خلط عند بعض الناس في المراد بالقبلة؟
القبلة هي جهة الاستقبال في الصلاة، تجدون في نجد مثلاً يقولون: مكانه في القبلة، ويريدون بذلك الجهة الغربية، الجهة الغربية هي القبلة عندهم؛ لأنها قريبة منها، قريبة من هذا، فيحصل لبس، فإذا قيل: في جهة الغرب ولو كان في جدة، وقلنا: القبلة وطردنا ما كان عند أهل نجد مثلاً وقلنا: في جهة القبلة ونريد بذلك الغرب، اضطرب عندنا الأمر، فالقبلة بالنسبة لأهل جدة غير القبلة بالنسبة لأهل نجد.
(10/12)
وهنا يقول: حديث: ((ولكن شرقوا أو غربوا)) هذا خطاب أيضاً لأهل المدينة؛ لأنهم إذا شرقوا أو غربوا القبلة في جهة الجنوب بالنسبة لهم، وهو مثل هذا الحديث؛ لأن بعض النصوص تخرج خاصة يقصد بها البلد وفي معناه غيرهم، فينظر إلى الجهات الأخرى، فيكون ما بين الشمال والجنوب قبلة لأناس آخرين.
واستقبال القبلة شرط من شروط الصلاة، لا تصح إلا به، ولذا أردف الحديث بقوله:
"وعن عامر بن ربيعة قال: رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي على راحلته حيث توجهت به" متفق عليه، وفي رواية البخاري: "يومئ برأسه قبل أي وجه توجه، ولم يكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصنع ذلك في المكتوبة".
إذا تقرر أن استقبال القبلة شرط لصحة الصلاة فهل يحرم من لا يتمكن من الاستقبال؟ إذا لم يستطع الاستقبال فلا شك أنه معذور كمريض مثلاً على سرير لا يستطيع أن يتحرك إلى جهة القبلة، والسرير أيضاً مربوط بكهرباء، وما أشبه ذلك لا يستطيع أن يحركه ولا يُحرك، مثل هذا يصلي على حسب حاله.
في مثل هذه الصورة التي ذكرها المؤلف في حديث عامر بن ربيعة قال: "رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي على راحلته حيث توجهت به" هذا كما شرحته الرواية الأخرى في النافلة، يصلي حيث توجهت به راحلته، وعلى هذا تكون قبلته الجهة التي يتوجه إليها "رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي على راحلته حيث توجهت به" يعني المسافر من مكة إلى الرياض تكون قبلته إلى جهة الشرق، ومكة في ظهره، وكل مسافر منتقل من مكة تكون القبلة في ظهره، إما إلى جهة الشرق أو الغرب أو الجنوب أو الشمال، وما أشبه ذلك.
(10/13)
"في رواية البخاري: "يومئ برأسه قبل أي وجه توجه" هنا: "حيث توجهت به" وهنا "قبل أي وجه توجه" ولم يكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصنع ذلك في الصلاة المكتوبة، يعني المسافر لا يحرم من التنفل، وهذا من التيسير، من تيسير الله على عبادة، وفتح المجالات لهم أن يتطوعوا وهم في أسفارهم؛ لأنه قد لا يتيسر لهم مزاولة ما كانوا يزاولونه في حال الاستقرار ففتح لهم هذا الباب من أبواب التطوع، فيتنفلون على الراحلة، وهذا معلوم أنه في السفر، فهل الحضر حكمه .. ؟ أحياناً يكون الإنسان في السيارة، وفي مشوار طويل، لكنه داخل البلد، وبإمكانه أن يصلي، ويومئ برأسه ويجعل سجوده أخفض من ركوعه، عمله -عليه الصلاة والسلام- إنما هو في السفر، فهل يقاس عليه الحضر؟ لا سيما وأن الناس في هذه الأزمان يمضون أوقات طويلة، وقد يكون وقت الراتبة يفوت، فهل يتنفل في سيارته وفي مشواره إلى جهته التي يريد؟ يعني التوسيع في النفل قد يعطي شيء من السعة في هذا، وأن له أن يصلي، أو مثلاً جاء من سفر، ودخل البلد وضاق الوقت على الوتر، ويريد أن يصلي بجماعته في المسجد مثلاً، وإذا نزل ما تمكن من الوصول إلى المسجد قبل الإقامة، ودخل البلد ويحتاج إلى نصف ساعة مثلاً إلى أن يصل الحي الذي يريد، فهل يوتر وهو في السيارة أو لا؟ مثل ما قلنا: إذا خشي أن يفوت الوتر لا يوجد -إن شاء الله- ما يمنع من أن يوتر، وهو في السيارة حيث توجهت به استناداً إلى مثل هذا الخبر، والوتر يفعله النبي -عليه الصلاة والسلام- على الراحلة، وهو من أقوى الأدلة بالنسبة لمن يقول بأن الوتر سنة مؤكدة وليس بواجب؛ لأنه يفعله على الراحلة، ولم يكن يصلي المكتوبة على الراحلة.
(10/14)
جهته وقبلته حيث توجهت به راحلته، فمادام على الجهة والخط والسمت الذي تسير به الراحلة إلى مقصده فصلاته صحيحة، لكن لو طرأ إليه أمر من الأمور فانحرف يميناً وشمالاً عن جهته التي يريد، هو ماشي في الطريق وإلى جهة اليمين أو الشمال محطة بنزين واحتاج إلى بنزين، أو احتاج إلى أن يشتري شيء، أو يشترى له شيء من محل الأغذية البقالة، وما أشبه ذلك، فانحرف يميناً أو شمالاً، هل نقول: إن جهته حيث توجهت به يعني إلى جهة قصده، ويكون بذلك قد انتقل من جهته إلى غيرها لأمر طارئ؟ هو ماشي على الخط، الخط واضح مستقيم إلى جهته، وهو يصلي فجأة نظر إلى الإنبير إنبير البنزين وجده نازل وهذه محطة عن جهة اليمين، وافترض أنها بعيدة كيلو مثلاً، وتغيرت جهته، هل نقول: إنها تغيرت قبلته أو لا؟ حيث توجهت به، وهنا قبل أي وجه توجه، هل نقول: إن المراد بالجهة هذه حيث توجهت به إلى مراده الأصلي، أو يدخل فيه ما يطرأ عليه؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني لو أن إنساناً يصلي إلى جهة القبلة ثم طرأ له ما طرأ فغير اتجاهه، صلاته تبطل وإلا ما تبطل؟ تبطل، هذا دل الحديث على أن قبلته حيث توجهت به، فإذا انحرف يميناً أو شمالاً عن وجهته كما لو كان إلى جهة القبلة فانحرف عنها يميناً أو شمالاً، أو نقول: ما دامت القبلة الأصلية متعذرة فجميع الجهات بالنسبة إليه سواء، فلا يضر؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
تعذرت، متعذرة، فهل نقول: إن الجهات بالنسبة إليه سواء، فسواء اتجه يميناً أو شمالاً أو على الجهة التي توجه إليها؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
الأصل أن قبلته الجهة التي توجه إليها، هو متجه من مكة إلى الرياض هذه قبلته، جهة الشرق، ثم طرأ له وهو يصلي أن يزور صديقاً له في بلد في جهة اليمين أو الشمال فانحرف، نقول: تغيرت القبلة بالنسبة له أو نقول: إن الجهات بالنسبة له سواء؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ما يتطلبه الطريق أصالة هذا ما فيه إشكال، يعني الخط متعرج يروح يمين شمال هذه قبلته، هذه جهته، لكن غير هذه القبلة، غير هذه الوجهة حيث توجهت به غيّرها، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
(10/15)
الآن عندنا القبلة الأصلية إلى جهة الكعبة وهذه بدل، فهل نقول: ما دام الجهة الأصلية ما تيسرت فالكل بالنسبة له سواء؟ أو نقول: ليس له إلا البدل الشرعي؟ يعني نظير ذلك عندنا الوضوء بالماء بدله التراب، التيمم بالتراب، لو قال: أنا ما عندي ماء، والتراب يلوث، وأنا عندي شيء أفضل من التراب لكن ليس بماء، ينظف، هل نقول: ما دام تعذر عنه الماء الأصلي، الطهارة الأصلية فالبقية بالنسبة له سواء، أو عنده البديل الشرعي؟
طالب:. . . . . . . . .
التيمم بديل شرعي، والوجهة التي في ذهنه لما شرع في الصلاة هي البديل الشرعي بالنسبة للكعبة، وما يطرأ عليها بعد ذلك كما يطرأ على القبلة الأصلية، وقيل بهذا أنه لا يجوز له أن ينحرف يمين ولا شمال، قبلته حيثما توجهت به راحلته.
والقول الآخر: أنه ما دام تعذرت القبلة الأصلية فجميع الجهات بالنسبة إليه سواء، وعلى القول الأول أنه يلزم البدل حيث توجهت به راحلته يعني وجهته الأصلية التي يريدها أنه لا بد أن ينهي الصلاة، أو يترك الانحراف يميناً أو شمالاً.
(10/16)
"رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي على راحلته حيث توجهت به" متفق عليه، وفي رواية البخاري "يومئ برأسه قبل أي وجه توجه" ويكون إيماؤه بالسجود أخفض من إيمائه بالركوع، وإذا كان على سيارة مثلاً، راكب سيارة ومتجه والطريق فيه سيارات أخرى، وفيه أخطار، وقد ينوبه أو ينتابه شيء يعرضه للخطر، ففي حال الركوع بالإمكان أن ينظر إلى جهته التي توجه إليها، وينظر ويتقي بذلك الخطر، وأما بالنسبة للسجود الذي هو أخفض من الركوع يعني هل يلزم في السجود أن يسجد على طبلون السيارة والركوع يكون أرفع فيعرض نفسه للخطر؟ أو نقول: يومئ بركوع يشعر بأنه خالف جهة الاعتدال، والسجود أخفض منه وإن لم يمنعه من النظر؟ المقصود أن يكون أخفض من الركوع، والركوع يكون مخالف لهيئة الاعتدال، ولذا بعضهم يرى أن الصلاة على السيارة خطر، وأنها ليست مثل الدابة، وليست مثل الراحلة، وإذا قلنا بأنه يكتفى بإيماء يختلف فيه كل حال عن غيرها فلا خطر في ذلك -إن شاء الله تعالى-، هذا بالنسبة لقائد السيارة، أما بالنسبة للراكب هذا ما عنده مشكلة، وكلما قربت الصلاة من الحقيقة من الأصل هذا هو المطلوب، يعني الراكع بإمكانه أن يسجد سجود قريب من الحقيقي، يعني قريب من الأصلي، فعلى هذا لا يجوز له أن يخل بهذا وهو يستطيعه.
بالنسبة للاستقبال حال الاستفتاح، يعني جاء في الحديث أن النبي -عليه الصلاة والسلام- استقبل القبلة يفتتح الصلاة، ثم بعد ذلك حيثما توجهت به، لكن هذا الحديث أقوى منه، ولم يذكر فيه الاستقبال، فهل نقول: إن هذا الحديث مقيد بالحديث الذي يدل على الاستقبال حال الاستفتاح، أو نقول: تلك صورة وهذه صورة وهذا أصح وأقرب إلى التيسير؟ لأنه قد يشق الاستقبال، والمسألة إنما حصل فيها هذا التخفيف من أجل التيسير على المكلفين، وتكليفهم بالاستقبال حال الاستفتاح فيه عسر ومشقة، لا سيما في بعض الأوقات في وقت زحام، يعني أنت في خط سريع وفي سيارات عن يمينك وشمالك كيف تستقبل؟ فالتكليف بالاستقبال على كل حال منافٍ لما شرع له هذا الحكم، وهو التطوع على الراحلة حيثما توجهت به.
(10/17)
"ولم يكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصنع ذلك في الصلاة المكتوبة" دل على أن الفرائض يحتاط لها أكثر مما يحتاط للنوافل، فالنوافل مبناها على التخفيف، ويحتاط الإنسان للمكتوبة بحيث يخرج من عهدتها بيقين، ويتساهل على ضوء ما جاء عن الشرع عن المبلغ عن الله -جل وعلا- ولا يزيد على ذلك؛ لئلا يدخل في حيز الابتداع، فالمكتوبة لا تصح من القادر إلا حال قيامه لا بد أن يصلي قائماً، ولذا جاء في حديث عمران بن حصين: ((صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً)) فعلقه بالاستطاعة، وجاء في الحديث الصحيح: ((صلاة القاعد على النصف من أجر صلاة القائم)) وهذا محمول على النافلة فتصح النافلة من قعود بخلاف الفريضة، هذا بالنسبة للمستطيع، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يختم صلاته أحياناً بالليل بركعتين وهو جالس، مع أنه يستطيع القيام، فدل على أن النافلة أخف من الفريضة في مثل هذا، والحمل على النافلة دل عليه سبب الورود، سبب ورود الحديث: ((صلاة القاعد على النصف من أجر صلاة القائم)) فسببه أن النبي -عليه الصلاة والسلام- دخل المسجد والمدينة محمة، يعني فيها حمى، فوجدهم يصلون من قعود، فقال: ((صلاة القاعد على النصف من أجر صلاة القائم)) فتجشم الناس الصلاة قياماً، فدل على أنهم يستطيعون وهي نافلة؛ لأنه وجدهم يصلون، ولا يصلون الفريضة حتى يحضر -عليه الصلاة والسلام-، فالنافلة لا شك أنها في بعض الأحكام تختلف عن الفريضة، ويبقى ما عدا ذلك ما عدا الوارد على الأصل، يعني ما يتسامح الإنسان فيصلي النافلة على وجه غير مجزئ ويقول: هذه نافلة، أو يثبت نافلة بخبر لا يثبت ويقول: نتساهل في قبول الخبر لأنه في نافلة، في فضيلة من الفضائل، ولو كان في الفرائض شددنا، ففرق بين الكيفية وبين الثبوت، الثبوت يتعلق به السنة والابتداع، فإن كان الخبر ثابتاً صار العمل سنة، وإن كان غير ثابت فالعمل بدعة، وأما بالنسبة لما ثبت، ثبت أصل العبادة ثم تساهلنا في أداء هذه العبادة تبعاً لنص ورد كصلاة على الراحلة، أو الصلاة من قعود وما أشبه ذلك، فإننا حينئذٍ نكون متبعين لا مبتدعين، ففرق بين أن نثبت النافلة بخبر لا يثبت ونقول: نتساهل لأن النوافل يتساهل بها؛ لأننا ندخل في
(10/18)
هذا في حيز البدعة، نعمل بعمل شرعي نتدين به ولم يسبق له شرعية من كتاب ولا سنة هذه بدعة، ولا نقول: إن هذه نافلة نتساهل فيها، نعم تتساهل في كيفية أدائها إذا ثبتت بما ثبت، فالتساهل لا بد أن يكون له أصل.
بعض الناس إذا صف للفريضة احتاط لها ولم يتحرك، وإذا صلى النافلة أداها على أي وجه وتساهل تساهل شديد، بحيث تكون صلاته كالعابث، هل هذا يسوغ أو لا يسوغ؟ هل نقول: إننا نتساهل في النافلة لأنها نافلة؟ وعلى كل حال هي ربح ورأس المال الفريضة، نحرص عليه ونفرط في النافلة؟ لا أبداً، لا بد أن تؤدى العبادة سواءً كانت نافلة أو فريضة على وجه شرعي، وإلا نكون بذلك قد ابتدعنا.
ثم قال -رحمه الله تعالى-:
"وعن زيد بن أرقم -رضي الله عنه- قال: "إن كنا لنتكلم في الصلاة على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يكلم أحدنا صاحبه بحاجته حتى نزلت: {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ} [(238) سورة البقرة] فأمرنا بالسكوت، ونهينا عن الكلام" متفق عليه، وليس في البخاري: "ونهينا عن الكلام".
"إن كنا" (إن) هذه مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن كما يقول أهل العلم، و "كنا لنتكلم" اللام للتأكيد، "لنتكلم في الصلاة" جنس الصلاة ويشمل الفريضة والنافلة، كانوا يتكلمون؛ لأن الكلام جائز في أول الأمر، يكلم أحدنا صاحبه بحاجته، الحاجة في تقسيم أهل العلم قسيم للضرورة، كما أنها قسيم للتحسين والكمال، فهل المراد بالحاجة في الحديث ما اصطلح عليه أهل العلم من التقسيم الثلاثي؟ كانوا يتكلمون بحاجة، يعني لا يتكلمون بأشياء تكميلي، تحسيني، وإذا تكلموا بالحاجة فالضرورة من باب أولى، وإذا نسخ الكلام من أجل الحاجة فينسخ الكلام من أجل التحسين من باب أولى، لكن لا يلزم منه نسخ الكلام في حال الضرورة، واضح الكلام وإلا ما هو بواضح؟
لأن عندنا الحاجة "يكلم أحدنا صاحبه بحاجته" قسيم للضرورة والتحسين والكمال، فالنسخ يتناول المنصوص عليه، ويتناول الأدنى من باب أولى، لكنه لا يتناول الأعلى، أو نقول: إن الحاجة أعم وأشمل من أن تكون ضرورة أو حاجة أو تكميل فينسخ الجميع؟ واضح يا الإخوان وإلا ما هو بواضح؟
(10/19)
"إن كنا لنتكلم في الصلاة على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يكلم أحدنا صاحبه بحاجته" قلنا: العلماء ذكروا أن الحاجة قسيم للضرورة والتحسين، الكمال، فالضرورة ما لا تثبت بدونه الحياة، والحاجة تثبت بدونها الحياة، لكن مع المشقة، والتحسين لا أثر له في ذلك، لا مشقة في تركه، فهل المراد بالحاجة الحاجة الاصطلاحية أو أنها أعم من أن تكون الحاجة الاصطلاحية فتشمل الجميع؟ وعلى هذا النسخ هنا النسخ {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ} [(238) سورة البقرة] يتناول الضرورة وإلا ما يتناولها؟ تكلم إنسان لإنقاذ غريق يتناول وإلا ما يتناول؟ إن قلنا: إن الحاجة أعم من أن تكون ضرورة قلنا: يتناول، فلا كلام، والمراد بالكلام المنسوخ كلام الناس.
((إن في الصلاة لشغلاً)) ((إن هذه الصلاة لا يصلح فيها كلام الناس)) وكانوا يتكلمون، يكلم أحدنا صاحبه، وهل يتناول الكلام بالذكر غير المقصود؟ وإنما الصلاة شرعت لذكر الله، فإذا كان غير مقصود الذكر هل يكون من كلام الله أو من كلام الناس؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
أيوه؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني لمصلحة الصلاة، لكن لو جاء شخص وهو يريده في هذا الوقت دخل عليه، فقال: {جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى} [(40) سورة طه] تكلم بالقرآن، لكن هل هو يقصد قرآن؟ هل هو يقصد الذكر؟ وهل مثل هذا الكلام من مصلحة الصلاة؟ فهل تبطل الصلاة به أو لا تبطل؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
(10/20)
"يكلم أحدنا صاحبه بحاجته" لو كبر للصلاة ونسي أن يقول لأهله: جهزوا الغداء، ثم قال: {آتِنَا غَدَاءنَا} [(62) سورة الكهف] صلاة صحيحة وإلا غير صحيحة؟ لا يصلح فيها كلام الناس وهذا كلام من؟ كلام الله -جل وعلا-، لكن هل هو مقصود به كلام الله أو مقصود به مخاطبة الناس بما يتداولونه من كلام؟ ودخل الولد ويريد أن .. ، أو الأخ وما أشبه ذلك وهو يريد .. ، {جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى} [(40) سورة طه] وليس هذا لمصلحة الصلاة قطعاً، لكن لو كان لمصلحة الصلاة فتح على الإمام سبحان الله، سجد، سبحان الله قام، سبحان الله ركع، ما يدري ويش يسوي؟ يقال له: {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [(77) سورة الحج] مثلاً، فهل يلحق القرآن غير المقصود بكلام الناس؟ لأن هذا هو مراد المتكلم، أو نقول: إن عدوله من قوله: أحضروا الغداء أو جهزوا الغداء إلى لفظ قرآني عدوله من هذا إلى هذا يدل على أنه وإن كان القصد الأصلي غير القرآن لكنه أراد القرآن معه؛ لئلا تبطل صلاته؟ ترى مسائل كثيرة، وتحصل باستمرار فنحتاج إليها.
"يكلم أحدنا صاحبه بحاجته" نسخ الكلام بالحاجة أي حاجة كانت، وتبقى الضرورة إنقاذ غريق، أو ما أشبه ذلك، كما سيأتي في باب الخشوع و"اقتلوا الأسودين" وما أشبه ذلك، يأتي مزيد تفصيل لهذا، لكن يبقى أن الضرورات تقدر بقدرها، فقد لا تدخل الضرورة إلا إذا طالت، فتقطع الصلاة ويستأنف، وأما ما كان من حاجة أو تحسين أو كمال فهو داخل في النسخ بلا شك، والكلام في الحاجة بالقرآن، بحاجته هو بالقرآن، بحيث لا يقصد بذلك التلاوة، هل نقول: إنه لم يقصد التلاوة؟ فحكمها حكم كلام الناس، أو نقول: إنه ما عدل عن كلامه العادي إلى اللفظ القرآني إلا لأنه يقصد أن يتكلم بالقرآن؟ ومسألة الكلام بالقرآن في غير الصلاة مثلاً يعني وجد في كتب الأدب كثير، وأن الأصمعي لقي امرأة لا تتكلم إلا بالقرآن، كلما سألها أجابت بآية، ولا شك أن مثل هذا امتهان للقرآن، والقرآن لم ينزل لأجل هذا، فهذا لا يجوز.
الظاهر أن الإخوان ما هم مشاركين.
(10/21)
إذا كبر لراتبة الظهر مثلاً، وقال: {آتِنَا غَدَاءنَا} [(62) سورة الكهف] يخاطب ولده، بدل من أن يقول: أحضر الغداء، قال: {آتِنَا غَدَاءنَا} [(62) سورة الكهف] ويقول: أنا والله ما تكلمت بكلام الناس هذا كلام الله، يفرق بين ما كان لمصلحة الصلاة فلا أثر له على الصلاة، وما كان لا لمصلحة الصلاة فالمتجه أنه مثل كلام الناس؛ لأنه لا يريد بذلك كلام الله -جل وعلا-.
"حتى نزلت: {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ} " جميعها، الصلوات الخمس " {والصَّلاَةِ الْوُسْطَى} [(238) سورة البقرة] " على وجه الخصوص، وهذا من باب عطف الخاص على العام للاهتمام بشأن الخاص والعناية به، والصلاة الوسطى تقدم أن المرجح هي صلاة العصر.
{وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ} [(238) سورة البقرة] (قوموا) الصلاة يقام لها، {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [(6) سورة المائدة].
{وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ} [(238) سورة البقرة] والقنوت له معان عديدة منها: السكوت، ومنها: الدعاء، ومنها: طول القيام، والسياق يدل على أن المراد بالقنوت السكوت؛ لأنه قال: "فأمرنا بالسكوت، ونهينا عن الكلام" لما نزلت هذه الآية نزل تحريم الكلام في الصلاة، فمما يبطل الصلاة الكلام، الضحك، والأكل والشرب، كل هذه مبطلات.
الإشارة المفهمة هل تلحق بالكلام أو لا تلحق به؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم، يعني في صلاة الكسوف أشارت إلى السماء فقالت: آية، فأشارت برأسها: أن نعم، فهذه إشارات مفهمة لا تبطل بها الصلاة، لكن لو كثرت صار شخص يصلي وأمامه جمع من الصم ويشرح لهم درس كامل، وهو يصلي، نقول: إشارة مبطلة وإلا غير مبطلة؟ أما قلنا: إن الإشارة لا تبطل الصلاة هذه إشارات.
طالب:. . . . . . . . .
(10/22)
ولذا لا نطلق أن نقول: الإشارة لا تبطل الصلاة، لكن الإشارة المحتاج إليها إذا قلت فيكون حكمها حكم الحركة، أما إذا كثرت قال: والله أنا أستغل الوقت أنا بصلي وأشير إلى ها الصم وأعلمهم مجموعة يكون في آخر المسجد وهم قدامه، ويشير لفلان وعلان ويشرح لهم درس كامل ويقول: ما يؤثر، هل يمكن جمع بين هذه الإشارات المفهمة بالنسبة لهم وبين إطالة القراءة؟ يقول: أنا أتهجد طويلاً طويلاً، أنا أقرأ البقرة ثم النساء ثم آل عمران بركعة وأدرس هؤلاء المساكين اللي جالسين بالإشارة، يتسنى له أن يقرأ ما يريد مع كثرة هذه الإشارات؟ حافظ ضابط متقن، لكن بعض الإشارات تتعلق بالفم واللسان، فهذه تقطع القراءة، ومع ذلك إذا كثرت هذه الإشارات أبطلت الصلاة، ولو كانت في الأصل معفو عنها، لكن الإشارة مرة مفهمة مثل إشارة عائشة للكسوف كسوف الشمس لا يؤثر -إن شاء الله تعالى-.
"أمرنا بالسكوت، ونهينا عن الكلام" مسألة الأمر بالسكوت هل هو نهي عن الكلام من باب قول العلماء: الأمر بالشيء نهي عن ضده؟ "أمرنا بالسكوت، ونهينا عن الكلام" ولذا ليس في البخاري: "نهينا عن الكلام" لأنه من لازم الأمر بالسكوت النهي عن الكلام، فالجمع بينهما إنما هو من باب التوكيد، وإلا أمر بالسكوت من لازمه النهي عن الكلام، والأمر بالشيء نهي عن ضده، يعني إذا لم يكن له إلا ضد واحد، أما إذا كان له أضداد يتناول جميع الأضداد أو ضد واحد ويبقى الباقي؟ تراجع هذه المسألة يا إخوان.
ثم قال بعد ذلك:
"وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((التسبيح للرجال، والتصفيق للنساء في الصلاة)) " ((من نابه شيء في صلاته فليسبح)) يعني يقول: سبحان الله، والرجال يسبحون ينزهون الله -جل وعلا-، فإذا أخطأ الإمام يسبح الرجال، ويصفق النساء، والتصفيق يكون بضرب إحدى اليدين بالأخرى، سواءً كان ببطونها أو بظهورها، المقصود أنه الصوت الذي يحدث من ضرب إحدى اليدين بالأخرى.
(10/23)
التسبيح تنزيه للرجال وصوتهم لا مانع ولا أثر له في الصلاة في مثل هذه الحالة، بينما النساء .. ، وهذا من شدة الاحتياط للنساء الوارد في النصوص وإلا فالأصل أن المرأة كيف تعدل عن التسبيح وهو ذكر إلى التصفيق وهو في الأصل عبث؟ إلا لأن صوتها مؤثر في الرجال، وعلى هذا لو كانت المرأة بين نساء يصلين في مسجد، والمرأة الإمامة أخطأت، فهل نقول: إن العلة ارتفعت فترجع إلى الأصل وهو الذكر أو نقول: إن اللفظ يشمل جميع الحالات؟ نعم يشمل جميع الحالات.
عرفنا أن الرجل الذي لا إشكال فيه يسبح، ويدخل فيه الصبيان؛ لأنهم في حكم الرجال في هذا يسبحون، ويفتحون على الإمام بالصوت، والمرأة وفي حكمها الصغيرة وإن كان الرجل في الغالب يطلق على المكلف الكبير، والمرأة إنما تكون لمن بلغت تسع فأكثر، لكن المقصود به الجنس، تصفق.
الخنثى ماذا يصنع؟ والمقصود به المشكل، الخنثى المشكل يسبح وإلا يصفق؟ أو يجمع بينهما؟ أو لا يفعل شيئاً لأنه ليس برجل ولا أنثى؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
أنت افترض أنه في مجموعة من الخناثى لا كثرهم الله في زاوية المسجد قيل لهم: أنتم لا تصلون مع الرجال ولا مع النساء صلوا في زاوية، فاخطأ الإمام، ويش يسوون؟ يصفق؟ أو نقول: يدخل في عموم ((من نابه شيء في صلاته فليسبح))؟ يدخل في ((من نابه)) ولم يخرج من ذلك إلا النساء وهذا ما يخرج، يدخل في عموم ((من نابه)) ماذا نقول؟
طالب:. . . . . . . . .
يصفق تغليباً لجانب أو احتياطاً لجانب الحظر؟ يعني المرأة ممنوعة من التسبيح، وهل الرجل ممنوع من التصفيق؟ وهذا يجرنا إلى مسألة أخرى وهي حكم التصفيق خارج الصلاة، دعونا من الصلاة، في الصلاة يصبح الرجل، وتصفق المرأة، ولذا نص على ذلك: ((في الصلاة)) وماذا عن خارج الصلاة؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
(10/24)
{عِندَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاء وَتَصْدِيَةً} [(35) سورة الأنفال] فالمكاء الصفير، والتصدية التصفيق، بعض أهل العلم يقول: إن من أعجبه شيء يصفق، وكون الكفار صلاتهم عند البيت التصدية التصفيق هذا نقول: إنه فعله على جهة الإعجاب لا على جهة التعبد، قاله بعض من يعتد بقوله من أهل العلم، لكن هل لمثل هذا الكلام وجه؟ وأحاديث التشبه كثيرة، والتشبه في الظاهر يؤدي إلى التشبه في الباطن.
أعياد المشركين هل يجوز مشابهتهم بها؟ قالوا: إذا صفق للإعجاب .. ، هناك ما يفعلونه على جهة التعبد، وهذا يفعله على جهة الإعجاب، الذي يصنع أعياد الكفار إنما يفعلها على جهة الإعجاب، وهذا من أعظم أبواب التشبه، نعم قد يكون المصفق معجب بأمر آخر غير عبادة الكفار، والذي يفعل هذه الأعياد إنما إعجابه بعبادتهم.
أنت افترض أن شخص فعل عيد من أعياد اليهود والنصارى مكره، أو جامل، أو لمصلحة دنيوية، معهم في تجارة، وقالوا لهم: سووا عيد، وسوى معهم، وهو في قلبه يبغضهم ويبغض أعيادهم، يجوز وإلا ما يجوز؟ لا يجوز بحال، فالمشابهة ممنوعة على أي وجه كانت.
((التسبيح للرجال، والتصفيق للنساء)) يعني منع النساء من التسبيح، وهذا يستدل به من يرى أن صوت المرأة عورة، وهذا قول معتبر عند جمع من أهل العلم، ولذا تمنع من الأذان، وتمنع من التلبية برفع الصوت، وتمنع من أمور كثيرة؛ لأن صوتها عورة، وآخرون يرون أن صوت المرأة ليس بعورة، وإنما نهي عن الخضوع فيه، فلا تخضعن بالقول، الخضوع فيه هو الممنوع، المثير، وبعض النساء صوتها خضوع شاءت أم أبت، لا تستطيع أن تتنصل عنه، فمثل هذا تمنع من مخاطبة الرجال لما يترتب على ذلك من الفتنة.
"قال ابن شهاب: "وقد رأيت رجالاً من أهل العلم يسبحون ويشيرون" يسبحون إذا نابهم شيء، ويشيرون عند الحاجة إشارة مفهمة لا تكثر.
"متفق عليه، ولم يقل البخاري: ((في الصلاة)) ولا ذكر قول ابن شهاب" وهذا من دقة المؤلف -رحمه الله تعالى- حيث يبين هذه الفروق.
ثم قال:
(10/25)
"وعن مطرف بن عبد الله بن الشخير عن أبيه قال: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي وفي صدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء" البكاء من خشية الله لا شك أنه دليل على خشوع وخضوع، والخشوع لب الصلاة، ودليل على استحضار لهذا العمل العظيم، وما يذكر فيه من أذكار وتلاوة، وما أشبه ذلك، فلا شك أنه كمال.
"رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي وفي صدره أزيز" الأزيز: ما يسمع من الصوت المتدارك كأصوات غليان القدر وما أشبهه.
"كأزيز المرجل" المراد به القدر الذي أرجل على النار، يعني نصب عليها، فإذا كان فيه شيء يطبخ لا شك أنه يتحرك.
"كأزيز المرجل من البكاء" النبي -عليه الصلاة والسلام- أخشى الناس وأتقاهم وأعلمهم بالله، فيحصل له مثل هذا، وكثير من الناس مع الأسف الشديد أنه يدخل الصلاة ويخرج منها وكأن شيئاً لم يكن، وحينئذٍ لا يخرج منها إلا بشيء يسير من أجرها، وقد يخرج منها ولا أجر له، ويخرج الإنسان من صلاته بربعها، بنصفها، بعشرها، كل هذا حسب ما يستحضره من صلاته، وليس للإنسان من صلاته إلا ما عقل، كثير من الناس بل من طلبة العلم لا يعقل من صلاته إلا الشيء اليسير، والله المستعان.
فهذه صفته -عليه الصلاة والسلام-، وصفة من يقتدي به ويتبعه بأن يكون لصدره أزيز فيه اضطراب، وفيه حركة كأزيز المرجل من البكاء لما يستحضر من عظمة من وقف بين يديه.
وبعض الناس تجده لا يبكي إلا إذا سمع صوت القارئ، فلا يبكي في السجود ولا في غيره من حالات الصلاة، وهذا له وجه، لا شك أن القرآن مؤثر، لكن بعض الناس يبكي إذا كان الصوت صوت القارئ جميل ومؤثر، ولا يبكي إذا كان صوت القارئ خلاف ذلك، فهل بكاؤه من أجل القرآن أو من أجل الصوت؟ يعني تقرأ سورة الواقعة يقرأها شخص فيبكي، يقرأها آخر كأنها ليس بقرآن لا يتأثر به، فهل نقول: إن هذا الذي تأثر تأثر بالصوت المجرد أو تأثر بالقرآن أو تأثر بالقرآن المؤدى بهذا الصوت؟ لأنه لما قرأها الآخر ما كأنها قرآن عنده، ما تأثر بذلك إطلاقاً، وقرأها فلان من الناس فبكى وتأثر، مثل هذا البكاء نافع وإلا غير نافع؟ ينفع وإلا ما ينفع؟
(10/26)
فتح المصحف وقرأ الواقعة وكأنه يقرأ جريدة، وسمع قراءة فلان من الناس فبكى، وسمع قراءة فلان من الناس ما كأنه يقرأ، هل التأثر بالصوت أو بالقرآن المجرد، أو بالقرآن المؤدى بهذا الصوت؟ يعني ينفع وإلا ما ينفع؟ ينفع، ولذا أمرنا بتحسين الصوت، وبتزيين القرآن بأصواتنا، أمرنا بذلك ولولا أن له أثر وتأثير في السامع لما أمرنا بتزيينه، المسألة واحد ما يختلف، لكن يبقى أن القرآن مؤثر بذاته، وما يحصل من التأثر بالنسبة للصوت فهذا قدر زائد، ولهذا يلام من يسمع القرآن بصوت شخص متوسط الصوت ولا يتأثر يلام، لكن من تأثر أكثر مع تحسين الصوت لا شك أنه متأثر بالقرآن المؤدى بهذا الصوت؛ لأن بعض الناس يفرق يقول: الذي يتأثر بصوت فلان ولا يتأثر بصوت فلان والمقروء واحد هذا لم يتأثر بالقرآن، إنما تأثر بالصوت المجرد، نقول: لا يا أخي هذا الصوت لو قرئ به غير القرآن ما تأثر ولا أثر، فدل على أنه تأثر بالقرآن.
بعض الناس يخرج من صلاته كما دخل، ولا أثر لها في حياته، ولا تنهاه عن فحشاء ولا منكر، ولو أديت على الوجه المشروع لنهته، ولترتبت عليها آثارها، ومع ذلك يزعم أن هذه الصلاة تكفر ذنوبه.
يقول شيخ الإسلام -رحمه الله-: إن هذا الذي يخرج من صلاته بعشرها، أو ما يقرب من ذلك هذه الصلاة إن كفرت نفسها فيكفي، فعلى الإنسان أن يحرص أن تكفر ذنوبه أن يأتي بالعبادات المكفرات على الوجه المأمور به، وعلى الوجه المأثور عن النبي -عليه الصلاة والسلام-.
"يصلي وفي صدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء" بعض الناس نسمعه سواءً كان إمام أو مأموم يتأثر ويبكي ويرفع صوته بالبكاء، هذا إذا كان مغلوب يعني لا يستطيع أن يتحكم بنفسه هذا لا يلام، وبعض الناس يتأثر تأثر آني، بمعنى أنه يقرأ القرآن، إمام يقرأ القرآن فيقرأ آية وعيد فيبكي، ومجرد ما يتجاوز هذه الآية يعود كما كان قبل قراءتها ما نوع هذا البكاء؟
(10/27)
البكاء المؤثر في القلب وفي النفس يستمر، ما ينتهي بسرعة، وعمر -رضي الله تعالى عنه- أحياناً يزار إذا قرأ في ورده، أو في حزبه من الليل شيء مؤثر وردد وبكى، وغيره كثير من السلف إذا تأثر وبكى في القرآن يزار من الغد، مريض، وبعضهم يقطع الصلاة، لا يستطيع إكمال الصلاة، ويستمر في بكائه، ونشاهد الآن ممن يسمع القرآن أو يقرأ القرآن يقرأ أول الآية فيبكي لأنه مؤثر، آخر الآية الصوت غير صافي، ثم الآية التي تليها كأن شيئاً لم يكن، فمثل هذا لا شك أن الذي يغلب على الظن أن تأثره بالقرآن ضعيف، وأثره ضعيف، وإلا لو كان تأثره حقيقي ما صار هذا وضعه، وفي صلاة التهجد في رمضان الماضي في المسجد الحرام صلى أمامي شخص فبكى بكاءً أزعج كل من حوله، بكاء شديد جداً جداً، يعني ما رأيت له نظيراً أزعج كل من حوله، فلما سلم الإمام من الصلاة قال لجاره: ما هذه؟ قال: هذه ثلاجة، يعني اللي يوضع فيها الشاي هذه، قال: لا يا أخي قل: ترمس، قال: لا، ثلاجة، ورفعت أصواتهم وكادوا أن يتضاربوا بالأيدي، أين التأثر بالقرآن؟ يعني هذه التصرفات تدل على أن القلوب مسلوبة يعني، يبكي بكاء شديد أزعج الناس بالبكاء في الصلاة، ومجرد ما سلم السلام عليكم ورحمة الله إيش هذه يا أخي؟ قال: ثلاجة، قال: ثلاجة وهي تحفظ الحار؟ قل: ترمس، قال: لا ثلاجة، قال: ترمس، قال: زمزمية واحد قدامهم، قال: لا يا أخي ما يوضع فيها زمزم ولا شيء، المهم وحصلت هوشة بينهم، فلا شك أن القلوب مسلوبة، يعني واللي خلفهم الآن اللي ما فعل شيء لا هذا ولا هذا ليس بأمثل منهم، والله المستعان، لكن يدل على أن القلوب مدخولة يعني، فيها شيء، أثرت عليها المكاسب، أثرت عليها المطاعم، رانت عليها الذنوب، فعلى الإنسان أن يسعى لإصلاح قلبه، والله المستعان.
(10/28)
"رواه أحمد وأبو داود والترمذي في الشمائل" الشمائل النبوية كتاب معروف، وهذا من شمائله -عليه الصلاة والسلام- أنه يتأثر "وابن حبان والنسائي، وعنده: وقال: يعني يبكي، وقد وهم في هذا الحديث من قال: أخرجه مسلم. والله أعلم" هذه المسألة حقيقة تحتاج إلى وقفة طويلة وهي التأثر والبكاء، التأثر بالقرآن والبكاء في تلاوته لا شك أن هذا شأن الصالحين، وشأن من يستحضر، وبعضهم يزيده التأثر بالقرآن إلى حد يفقد فيه وعيه، إلى حد يصل إلى أن يموت، فهل هذا الكلام صحيح أو غير صحيح؟
النبي -عليه الصلاة والسلام- يبكي، ولم يحصل له غشي، وما فقد وعيه، ولا مات أحد من الصحابة، فهل نقول: بأن هذا تصنع، ولم يمكن أن يحصل مثل هذا؛ لأنه لم يحصل لأكمل الخلق وأشرف الخلق، أو نقول: إنه يحصل وقد حصل لجمع من التابعين ومن بعدهم؟ يحصل وإلا ما يحصل؟
ابن سيرين كأنه ينكر هذا، ولذا ذكره عنه الذهبي في السير أنه يقول: إن من يحصل له مثل هذا التصرف يغمى عليه، يصيبه الغشي، وقد يصرح فيموت هذا ضعه على جدار، واقرأ القرآن إن سقط فهو صادق، يقول: يختبر، والذي يغلب على الظن أن ابن سيرين ما يصدق مثل هذه التصرفات، لكن ما المانع من تصديقها؟
(10/29)
إن كان المانع منها أنه لم يحصل للنبي -عليه الصلاة والسلام- وهو أكمل الخلق فهذا موجه، النبي -عليه الصلاة والسلام- أكمل الخلق، وأحضرهم تعظيماً لهذا القرآن، فهو يستحضر ذلك دائماً يستشعر عظمة هذا القرآن، ولا شك أن القرآن قوي وثقيل {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا} [(5) سورة المزمل] لا شك أنه ثقيل، لكن هذا الثقيل نزل على قلب قوي يحتمل هذا الثقيل، فهو يستشعر هذه العظمة وهذا الثقل؛ لكن القلب قوي يتحمل، وكذلك صحابته -رضوان الله عليهم- فهم يستشعرون ثقل هذا القرآن وعظمة هذا القرآن بقلوب تحتمل، انتهى الجيل الأول عصر الصحابة، ثم جاء الجيل الثاني عصر التابعين، وما زال استحضار واستشعار عظمة القرآن موجودة، التابعون يستشعرن هذه العظمة وهذه القوة، لكن قلوبهم أضعف من قلوب الصحابة، من قلب النبي -عليه الصلاة والسلام- وصحابته، فيحصل لهم ما يحصل ما في توازن، فحصل لهم ما حصل من هذا النوع، وقد وجد من هو أضعف من ذلك فمات مثلاً.
قالوا: زرارة بن أوفى سمع القارئ في صلاة الصبح يقرأ: {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ} [(8) سورة المدثر] فمات، في رواية: هو القارئ، والرواية الأخرى سمع الإمام، المقصود أنه سمع هذه الآية فمات.
خلف بعد أولئك خلوف، القرآن في قوته والقلوب في ضعفها، لكن استشعار هذه العظمة، واستشعار هذه القوة انتهى، يعني كما هو حالنا الآن، سمعتم أحداً سمع القرآن ومات وإلا أغمي عليه؟ ما نسمع أبداً.
(10/30)
الآن قوله -جل وعلا-: {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ} [(8) سورة المدثر] هل هذه الآية تحرك شعرة عند طلاب العلم فضلاً عن العامة الذين لا يعرفون معناها؟ تحرك شعرة، والله أننا نمر بها ما كأنها قرآن، فالقرآن بقوته والقلوب على ضعفها، ومع ذلك استشعار هذه العظمة انتهى إلا ما شاء الله، التيئيس ما هو بوارد، لكن إلا ما شاء الله؛ لأننا نعايش هذه الأمور بأنفسنا ومن حولنا وما سمعنا أحداً حصل له شيء من هذا، أو مرض بسبب تلاوة آية، بل كثير من المصلين لا يشعر أنه يصلي حتى يبكي الإمام ينتبه أنه في الصلاة، أو يحصل خطأ وينبه الإمام عليه، وإلا الأمور ماشية بانسياب هو في أعماله وأشغاله وتدبيره لأموره، ومع ذلك الإمام ماشي والصلاة تنتهي والآمال كبيرة، والله -جل وعلا- فضله لا يحد، لكن مع سوء العمل ينبغي أن نخاف، لا نوسع الآمال، بل لا بد من تحسين العمل.
قد يبكي الإنسان في الصلاة الإمام يبكي ومن معه يبكون من أجل القراءة وهو يبكي لأمر آخر، يتذكر مصيبة مثلاً هذا إن غلب على أمره وبكى من غير قصد هذا معذور، وقد يبكي لأمر شرعي، لكنه غير ما أبكى الإمام ومن مع الإمام، يعني نفترض أنه يصلي في المسجد الحرام في الدور الثاني، والناس يطوفون في ليالي العشر يطوف بعضهم في بعض فيستشعر الموقف العظيم فيبكي، والإمام يصلي يقرأ بالقرآن ويبكي، هذا يبكي على شيء وذاك يبكي على شيء، هذا تشريك، لكن هل هو تشريك محمود وإلا مذموم؟ نعم محمود بلا شك؛ لأن استشعار هذا الموقف والبكاء من أجله لا شك أنه شرعي، مؤثر في القلب، ويدل على قلب حي، لكن يبقى أن الإقبال على ما هو بصدده من الصلاة أولى.
اللهم صل على محمد ...
هذا يقول: أنا أنوي الذهاب إلى العمرة هذا العام -إن شاء الله تعالى- وهذه أول مرة لي، وأريد أن أعرف كيفية استلام الحجر الأسود، وإذا كان هناك زحام فكيفية الإشارة، فهل هي الإشارة باليدين أم بواحدة؟ وهل أشير وأنا صدري أمام الحجر، أم وأنا أطوف بجانبه؟
(10/31)
أولاً: بالنسبة للتقبيل في هذه الأيام ليس بمتيسر، لكن إن تيسر فالإنسان يضع فمه على الحجر من غير صوت، فإن لم يتيسر أشار إليه، إن استلمه بيده فهو البديل للتقبيل، إن لم يتيسر فليشر إليه بيده اليمنى، قائلاً: الله أكبر، ويكبر كلما حاذاه.
هل يجوز أن أصلي المغرب والعشاء من أجل العمل؟
لا لا يجوز أن تجمع بين الصلاتين من أجل العمل، بل تصلي كل صلاة في وقتها.
هل يجوز التسمية بأسماء الملائكة مثل جبريل؟
لا مانع منه -إن شاء الله تعالى-.
يقول: في يوم العقد عندنا في عرفنا -هذا في الإمارات- يقوم الرجل بإلباس زوجته الشبكة أمام النساء هل يجوز؟
لا يجوز أن يوجد بين نساء أجانب، والشبكة لا شك أنها وافدة من الأعداء من الكفار فهي تقليد.
هذه تقول: إن زوجها ينظر إلى القنوات الفضائية، وينظر إلى النساء، ونصحته ما يسمع لكلامي، علماً أن ظاهره الصلاة، ومحافظ على الصلاة في جماعة، وقلت له: إن لم تخرج هذه القنوات من البيت سأرحل عند أهلي، ولم يعرني أي اهتمام، هل أتركه وأخرج من المنزل؟
إذا خفت على نفسك من التأثر بهذه القنوات أو على ولدك فلا مانع من أن تخرجي وتتركيه، وإذا لم تخافي على نفسك فلا شك أن المحافظة على مثل هذا الزوج الذي يحافظ على الصلوات مع إدمان النصح والتوجيه أولى.
قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((فليخرجن تفلات)) ما معنى هذا اللفظ؟
يعني غير متبرجات بلباس يكون فيه من الابتذال ما لا يصرف الأنظار إليها.
وبينوا لنا ما هو الحجاب الشرعي الذي تخرج به؟
تخرج متحجبة مستترة بدون إبداء أي شيء من زينتها لا من بدنها ولا من لباسها المشتمل على الزينة.
يقول: نشاهد البعض من الناس يقصر ثوبه ويطيل السروال، كذلك من يطيل الأكمام، فهل هذا داخل في الإسبال؟
أما إطالة السروال فهي داخلة في الإسبال الذي جاءت فيه النصوص، وأما إطالة الأكمام فكان كمه -عليه الصلاة والسلام- إلى الرسغ، فإذا زاد على ذلك صار إسبال؛ لكنه لا يأخذ حكم إسبال الثوب والإزار، وما في حكمهما؛ لأنه لم يرد فيه وعيد.
هل يجوز الترديد خلف الأذان المسجل؟
لا، لا يردد خلفه؛ لأن الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((إذا سمعتم المؤذن)) وهذا تسجيل ليس بمؤذن.
(10/32)
زادت الأسئلة.
يقول: معي بعض الإخوة يستمعون لدرسكم، وأنا أترجم لهم الآن -هذا من البرازيل- ولهم بعض الأسئلة علماً أن منهم جدد.
الأسئلة هي: في مكاني الذي أدرس لا أجد مكان لأصلي المغرب والعشاء، فهل يجوز أن أصلي في كنيسة موجودة في الجامعة؟
لا، لا تصلي في الكنيسة، إنما تصلي في أي مكان طاهر، ((جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً)).
وما هو الاختلاط المحرم؟
المراد به الاختلاط مع ما يثير الفتنة مع التبرج، وأما وجود الرجال والنساء في الأماكن العامة كالمساجد والأسواق فمع الاحتياط لكل من الطرفين، ومع أمن الفتنة فهي موجودة في أسواق المسلمين، لكن يجب أن تجتنب المرأة كل ما يثير الفتنة، والأصل بالنسبة للمرأة القرار في البيت، والله -جل وعلا- يقول: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [(33) سورة الأحزاب] ولا تخرج إلا لحاجة، ومع ذلك تخرج تفلة لا تثير، لا تفتن ولا تُفتن.
هل يجوز للكفار أن يدخلوا في المسجد، ويشاهدوا الصلاة؟
النبي -عليه الصلاة والسلام- ربط ثمامة بن أثال وهو كافر قبل أن يسلم في المسجد، فإذا رجي إسلامه ليطلع على أحوال المسلمين وما بينهم من تراحم وتواد، وهو يشهد هذه الشريعة وغلب على الظن إسلامه فلا يمنع من الدخول.
وإذا أرادوا أن يصلوا معنا هل نسمح؟
إذا أسلموا يصلون، وإن صلوا معكم فهم مسلمون حكماً.
ما معنى الآية: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [(16) سورة التغابن]؟
الاستطاعة معروفة، الذي يستطيعه الإنسان ويقدر عليه عليه أن يفعله مما أمر به، والذي لا يستطيعه ولا يقدر عليه فهو فوق طاقته وليس بمطالب به.
يقول: صليت خلف إمام جاهل، فكان حاله أنه لم يجهر في الصلاة الجهرية، فقال أحد المأمومين له: اجهر بالصلاة فما حكم قائل هذه العبارة لإمام كان جاهلاً بالحكم وجاهلاً أنه ما كان ينبغي له أن يسبح؟ ماذا يصنع؟
أولاً: الجهر في الصلاة الجهرية سنة، ما لم يكن عادة وديدن، فإنه يكون مبتدع، أما إذا لم يجهر وسُبح به هذا الأصل، وإن قيل له: اجهر من قبل جاهل لا يعرف الحكم فمعذور بجهله -إن شاء الله تعالى-.
يقول: ما رأيكم في إحياء ليلة النصف من شعبان حيث أن بعض أئمة السلف مثل الإمام مكحول ورد أنه كان يحييها؟ فما هو الراجح في المسألة؟
جميع ما ورد في ليلة النصف من شعبان لا أصل له، ولا يثبت به عمل، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(10/33)
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: المحرر – كتاب الصلاة (12)
الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هذا يقول: ما حكم المكاسرة في الأسواق بين المرأة والبائع؟
يقصد بالمكاسرة المماكسة، يعني محاولة الزبون تخفيض السعر.
يقول: تذهب إلى السوق فيقول لك البائع: هذا بعشرة مثلاً، فتقول له: لما هذا كله قلل، ومن مثل هذا الكلام فهل هذا جائز؟ وهل تعتبر السلعة المبيوعة حلالاً أو حراماً؟ وأحياناً يقلل البائع من السعر تحت ضغط المشتري، وأحياناً يقلل من نفسه برضاه، فما حكم الحالتين؟
(11/1)
الأصل في هذه المسألة أن البائع يأخذ ربحاً مناسباً لا يزيد في السعر بحيث يظلم الناس ويشق عليهم، وإذا عرف أن الناس يبيعون بأسعار مناسبة متقاربة مقاربة، فإذا حصلت المماكسة بشيء يسير فإن هذا لا يضر، لكن الإشكال من الطرفين قد تجد صاحب سلعة يقول لك: بألف، وتذهب إلى محل ثاني في موقع آخر يقول لك: بمائة، فمثل هذا لا شك أنه لعب على الناس وخداع، وقد حضرت شخصاً معه أسطال من العسل ثلاثة فقال له الزبون: بكم؟ قال: الواحد بسبعمائة، والجميع بألفين، يعني نزل مائة، قال الزبون: من خمسة، بخمسة عشر ريالاً الثلاثة، فرق شاسع أضعاف مضاعفة، فماذا تتصورون؟ ما ذهب الزبون إلا بها بخمسة عشر ريالاً، وبعض الناس يبرر لنفسه مثل هذه الزيادة، ويقول: لو عرضتها بثمن بخس ما اشتريت؛ لأن الناس يستدلون على جودة السلعة بقيمتها، فلو تأتي المرأة إلى محل القماش مثلاً، ويقول صاحب القماش: المتر بعشرة ريالات، قالت: هذا رديء ما يصلح، لكن لما يقول: بثلاثمائة ريال تشتري يصير جيد، وهذا هو الحاصل في أسواق المسلمين مع الأسف، وقصص من هذا النوع كثيرة جداً، شخص جالس في محل جاءت امرأة قالت: كم المتر؟ قال: مائتين وخمسين، فقالت: لعله يصير بمائتين، وافق على المائتين، أخذت ثلاثة أمتار بستمائة ريال، الجالس هذا معه في الكيس نفس القماش من محل ثاني، قال: أنا أخذت ثلاثة أمتار بخمسة وأربعين ريال بدل ستمائة ريال، قال: أنت أخذت بخمسة عشر، تبي متر بعشرة من عندي، تبي بعشرة أعطيتك، لكن لو أقول لها: بعشرة، بخمسة عشر ما اشترت، لكن هل هذا مبرر لرفع السعر بها وظلم الناس بهذه الطريقة؟ هذا ليس مبرر أبداً، هذا أكل أموال الناس بالباطل، يعني عشرة أضعاف القيمة، وأهل العلم يعدون الثلث غبن ترد به السلعة، فمثل هذا موجود في أسواق المسلمين مع الأسف، وهذه حجته، لكن لو عرض السلعة بخمسة عشر، وقال المشتري: بأربعة عشر أو ثلاثة عشر وماكس بهذه الحدود ما في ما يمنع، والرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول لجابر: ((أتراني ماكستك لآخذ جملك)) المقصود أن المماكسة بالمعقول، التفاوت اليسير بين طلب البائع وطلب المشتري هذا مغتفر ويوجد يعني، وبعض الناس من المشترين من طبعه
(11/2)
المماكسة، يعني ما يصلح أن تقول له: هذا الكتاب بعشرين ريال مباشرة، هو مماكس مماكس، يعني لو تقول له: بريال، قال: اجدع، لو تقول له: بريال قال: لا، نزل، يصير طبع عنده، عادة جرى عليها، ولا تجود نفسه بأخذ السلعة بأول ما يذكر، فلا بد من ملاحظة هذا من البائع، فعليه أن يرفق بإخوانه المسلمين، وأيضاً المشتري لا يلح، وقد قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((رحم الله امرأً سمحاً إذا باع، سمحاً إذا اشترى)) فلا بد من تبادل مثل هذا الشعور بين المسلمين، أما أن يرفع المشتري عشرات الأضعاف، والبائع يرفع .. ، والمشتري يخفض أضعاف مضاعفة من قيمة السلعة، لا، لا، لا يصلح هذا ولا هذا.
بالنسبة إذا كانت المماكسة من المرأة لا شك أن المرأة عليها من الستر والصيانة والاحتراز والاحتياط ما لا يوجد مثله على الرجل، فعليها أن تنظر في قيمة السلعة بقدر الحاجة، تكلم صاحب المحل إذا لم يوجد من يقضي لها حاجتها بكم هذا القماش؟ بصوت عادي لا خضوع فيه، فإذا قال: بعشرة إن أعجبها وإلا تنصرف؛ لأن الأخذ والرد مع الباعة لا شك أنه يفتح أبواب ومجال للشيطان، وإذا كثر الإمساس قل الإحساس، يعني يوجد نساء خراجات ولاجات في أحكام الرجال، برّزات يسمونها أهل العلم، ما الذي دعاهم إلى أن يقولوا مثل هذه العبارات في حق هؤلاء النسوة؟ من كثرة ما يرون، فعلى المرأة أن يكون خروجها من بيتها بقدر الحاجة، فإذا وجد من يكفيها فلا تخرج، إذا خرجت تخرج بالضوابط والحدود الشرعية، ثم بعد ذلك إذا كلمت إذا احتاجت الكلام مع الرجال فليكن الكلام من غير خضوع {فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} [(32) سورة الأحزاب] وأيضاً بقدر الحاجة، وإن انصرفت عنه من غير مماكسة، وسألت المحل الآخر حتى تجد السعر المناسب فهو أولى.
يقول: أحياناً يقلل البائع من السعر تحت ضغط المشتري؟
على المشتري أن يكون سمحاً كما أن على البائع أن يكون سمحاً، لكن إذا قلل بطوعه واختياره فالأمر لا يعدوه.
وأحياناً يقلل من نفسه برضاً فما حكم الحالتين؟
البيع صحيح، لكن ينبغي أن يكون الطرفان على ما ذكر النبي -عليه الصلاة والسلام- من السماحة والتيسير.
(11/3)
يقول: قال ابن القيم -رحمه الله-: "وقد ثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يصلي بعد الوتر ركعتين جالساً تارة، وتارة يقرأ فيها جالساً، فإذا أراد أن يركع قام فركع، سؤالنا كيف يكون التوفيق بين هذا القول وبين الأثر الذي ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من قوله: ((اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً))؟
هذا الأمر لا شك أن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى الشفع بعده، فمثل ركعتين خفيفتين لا تؤثر في جعل الوتر في آخر الليل، وقل مثل هذا لو أوتر قبل أن ينام، كما أوصى النبي -عليه الصلاة والسلام- أبا هريرة، أوصاني خليلي بثلاث: "وأن أوتر قبل أن أنام" فإذا انتبه من ليله وصلى ما كتب له، فإن هذا وإن كان قد خالف حديث: ((اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً)) لأن هذا أمر إرشاد، وليس بأمر وجوب وإلزام، بدليل أن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى بعده، فإذا قام من الليل وصلى ما كتب له شفعاً ولا يوتر، وبهذا يكون قد عمل بفعل النبي -عليه الصلاة والسلام- وإن لم يكن آخر صلاته بالليل وتراً.
يقول: ما حكم تغيير المكان بعد قضاء الفريضة وذلك لأداء السنة؟ هل ورد فيها فضل؟
ذكر البخاري -رحمه الله تعالى- قال: ويُذكر عن أبي هريرة: "لا يتطوع الإمام في مكانه" ولم يصح، فعلى هذا لم يثبت في تغيير المكان -مكان الفريضة- من أجل صلاة النافلة لم يثبت فيها شيء، لكن أهل العلم يستحبونه من باب أن هذه المواطن التي صلى فيها، المواضع المتعددة التي صلى فيها أنها تشهد له يوم القيامة من هذا الباب {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ} [(12) سورة يس] وهذا من آثارهم، فهم من هذه الحيثية يستحبون تغيير المكان، وإلا فالحديث لم يصح.
يقول: نصحتم بألا يحفظ طالب العلم نظمين في علم واحد، فإذا أردت دراسة المصطلح، وكانت الحافظة قوية وتسعف، فأردت أن أحفظ الألفية، ولكن لا بد من التدرج، فكيف أصنع عند دراسة البيقونية في البداية واللؤلؤ المكنون وقصب السكر والمنظومات التي تكون دراستها قبل الألفية، أأستفيد من الشرح فقط وأفهمه ولا أتعرض لحفظ المتون اقتصاراً على الألفية فيما بعد أم كيف؟
(11/4)
هذا الذي تسعفه الحافظة، ويستطيع أن يميز بين هذه المنظومات عند الحاجة، وهذا ترى فيه شيء من الصعوبة، هذا الذي يستطيع لا مانع أن يحفظ، لكن عموم طلاب العلم يتشوشون، يحصل عندهم تشويش، إذا أراد أن يذكر بيتاً من الألفية تقدمه بيت من البيقونية، وإذا أراد بيت من البيقونية جاءه من نظم النخبة وهكذا، فلا يستطيع التمييز بينها بدقة، وهذا حصل لنا ولغيرنا، لكن الذي عنده من الحفظ، من الضبط والإتقان بحيث لا يختلط عليه الأمر، فهذا نور على نور، طيب، ينفع مثل هذا، لكن أنا أقول: في بداية الأمر من أراد أن يتدرج في علم المصطلح يقرأ البيقونية مع شروحها ويفهمها، ثم بعد ذلك يقرأ النخبة مع شروحها المطبوعة والمسجلة، ثم بعد ذلك اختصار علوم الحديث للحافظ ابن كثير، كل هذه ما تكلف شيء ما تأخذ وقت، يعني البيقونية يمكن يفهمها في يوم أربعة وثلاثين بيت، والنخبة مع شرحها تحتاج إلى أسبوع مثلاً، وابن كثير يحتاج إلى عشرة أيام، ما تؤخر، ثم إذا فهم هذه المصاعد التي تجعله في مستوى حفظ الألفية وفهم الألفية يقتصر حفظه على الألفية، ألفية العراقي.
يقول: ما حكم من ترك الركوع والطمأنينة عمداً؟
من ترك ركناً بطلت الركعة التي تركه منها، يقول أهل العلم: ومن شك في ترك ركن فكتركه، لما سجد شك هل ركع وإلا ما ركع؟ هذا كأنه لم يركع، فمثل هذا تبطل الركعة وتقوم مقامها الركعة التي تليها.
يقول: هل يجمع الإنسان بين نوعين من دعاء الاستفتاح أم يكتفي بدعاء واحد؟ وهل للنوافل دعاء استفتاح أم ما ورد خاص بصلاة الليل؟
أما الجمع بين نوعين من أدعية الاستفتاح فقد ورد الجمع بين: ((سبحانك اللهم وبحمدك)) وجزء من حديث علي -رضي الله عنه-، لكن الأكثر على أنه لا يجمع بين اثنين، كما أنه لا يجمع بين تشهدين، وذكرنا بالأمس أن الاختلاف في صيغ دعاء الاستفتاح وصيغ التشهد أنه من اختلاف التنوع، وعلى هذا يستفتح في هذه الصلاة بكذا، ويستفتح في الصلاة الثانية بكذا وهكذا، ويستعمل جميع ما ورد، ويجعل ما ورد في صلاة الليل بالليل، وما ورد في صلاة النهار أو مطلقاً يجعله للفرائض وغيرها من النوافل.
(11/5)
يقول: هل يصح سنة الوضوء مع سنة الظهر القبلية أو سنة المغرب مثلاً؟ وهل يجوز لي أن أجمع بين نافلة وصلاة الاستخارة؟
التداخل هنا ممكن، يعني توضأ وصلى تحية المسجد تتداخل، توضأ وصلى راتبة الظهر القبلية تتداخل، ممكن تتداخل، ما في إشكال؛ لأن هذه نوافل، نعم؟
طالب: الأجر.
الأجر إذا قصد يحصل -إن شاء الله تعالى-.
وهل يجوز لي أن أجمع بين صلاة نافلة وصلاة الاستخارة؟
صلاة الاستخارة مقصودة لذاتها، ولما يجيء بعدها من دعاء، فالذي عندي أنها لا تدخل في غيرها.
يقول: أشتكي من كثرة الأكل، وكما تعلمون أن كثرة الأكل مذموم، وحاولت كثيراً التقليل منه ولمدة طويلة، ولكن ما استطعت، يقول: وإن فعلت فكنت أقلل لفترة وجيزة لا تتجاوز الأسبوعين، ثم أعود إلى ما كنت عليه، فما نصيحتكم؟
الإشكال أن كثرة المأكولات التي وجدت في عصرنا ولم تكن موجودة قبلنا، والتفنن في إعداد الأطعمة يجعل الإنسان يسرف في الأكل، والمشكلة أن هذه الشكوى كثيرة يعني، أناس عاشوا مدد متطاولة على نمط من الأكل، ثم انفتحت الدنيا، وتنوعت المأكولات، وتمن الناس، ثم صاروا يأكلون ما لا يأكلونه قبل، ولا شك أن كثرة الأكل مذموم، ويعوق عن تحصيل مصالح عظيمة كما يقول أهل العلم: "البطنة تذهب الفطنة" ولهذا أثر على الحفظ، وأثر على العبادة، وأثر على اجتماع القلب، وكثرة الأكل من الصوارف والصواد التي تصد الإنسان عن الإقبال على الله -جل وعلا-، ومن أسباب غفلة القلب، من أسباب الغفلة.
ذكر ابن القيم -رحمه الله- في مدارج السالكين أن كثرة الأكل، وكثرة النوم، وكثرة الخلطة، وكثرة الكلام، وكثرة الاستماع بما لا ينفع كل هذه تأثيرها على القلب كأنها فُرج أو فتحات يتنسم منها القلب المجتمع، يعني أنت تصور أنك وضعت طيب في مكان ومغلق محكم الإغلاق يحتفظ به مدة طويلة، لكن لو كثرة هذه الفتحات في هذا المكان يستمر هذا الطيب وإلا ما يستمر؟ هذه كأن القلب يتنفس من خلالها في تضييع ما جُمع، فعلى الإنسان أن يقلل من هذه الأمور.
يقول: أنا أعمل وراتبي من حق من؟ أهو من حق الأم أم من حق الأب؟ فإن أبي يأخذه ولا يعطيني منه شيء؟
(11/6)
للأب أن يأخذ من مال ولده ما لا يضر به، أما ما يضر به فلا، فمال الولد والولد يملك ملك تام مستقر في مقابل عمله، لكن إن احتاج الأب أخذ منه ما لا يضره، وما يزيد عن حاجته الأصلية وحاجة زوجته وحاجة ولده، وحاجة خادمه إن وجد، فإذا زاد عن ذلك شيء ويحتاجه الأب، ولا يتضرر الولد بأخذه جاز له ذلك.
هذا يقول: نرجو التنبيه على النساء حول إزعاج الأطفال؟
نعم حصل بالأمس إزعاج، فنرجو ألا يتكرر.
الأمر الثاني: التنبيه على عدم وجود درس غداً العصر؟
ما في درس.
يقول: وإن إطالة درس الأمس واليوم بدلاً منه.
يعني أمس الدرس قريب من ساعتين إلا ربع، واليوم يكون مثله أو يزيد -إن شاء الله-، حسب ما ينشط له من قبل الطلاب؛ لأني أقرأ في وجوه بعض الطلاب التعب، البارحة لمست هذا، وبعض الإخوان قاموا، وعلى كل حال أنا واحد منكم ومثلكم، قد يتطرق .. ، يدب إلي التعب والملل أكثر منكم، لكن على الجميع أن يصبر ويحتسب، ومعروف أن هذا خلاف ما تهواه النفس، يعني بالإمكان أن يجلس الإنسان مع أقرانه وأحبابه، وواضع رجل على رجل، وهذه سالفة تروح وهذه قصة، وهذه نكتة وهذه كذا، ويمضي الليل بدون فائدة، لكن لا شك أن الجلوس في مثل هذا المكان لهذا الهدف الطيب لأخذ العلم قال الله وقال رسوله ((ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله)) وأهل العلم يقررون أن العلم الشرعي إنما هو لخدمة كتاب الله، ((ويتدارسونه بينهم إلا حفت الملائكة وغشيتهم الرحمة ... )) إلى آخره، المقصود أن مثل هذا يحتاج إلى أطر للنفس؛ لأنه خلاف ما تهواه النفس وتشتهيه.
الأسئلة التي جاءت بالأمس واليوم يعني فيها كثرة، وتأخذ الوقت والوقت ضيق، فعلنا نكمل ما نستطيع إكماله من الأحاديث، إن بقي وقت للأسئلة وإلا ترجأ إلى وقت يكون أطول -إن شاء الله تعالى-.
لأن هذا يقول: ما المرجح في مسألة الانتقال في النية من مساوٍ لمثله ...
لأني شفت مساوٍ وسبق لساني.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في باب صفة الصلاة في الحديث الثالث:
(11/7)
"وعن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه كان إذا قام إلى الصلاة" شرحنا هذا "قال: ((وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض)) " تلاحظون في نصوص الكتاب والسنة جمع السماوات وإفراد الأرض {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [(164) سورة البقرة] السماوات سبع، جاء التنصيص عليها في القرآن، لكن الأرضين؟ {وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} [(12) سورة الطلاق] هل هو في العدد وإلا في إيش؟ يعني ما في نص قطعي يدل على أن الأرضين سبع، لكن في مثل حديث: ((لو أن السماوات السبع، والأرضين السبع في كفة)) ((لو أن السماوات السبع وعامرهن غيري، والأرضين السبع في كفة، ولا إله إلا الله في كفة)) هذا دليل على أن الأرضين سبع {وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} [(12) سورة الطلاق] يستدل به على أن الأرضين سبع، ولذلك ما تجدون الجمع في مثل هذا {لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ} [(79) سورة الأنعام] {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [(164) سورة البقرة] فتجمع السماوات، والأرض مفردة.
من أهل العلم من يقول: تجمع السماوات تعظيماً لها، والأرض تفرد ويراد بها الجنس، جنس الأرضين، وهي دون السماوات في منزلة، ومنهم من يقول: إن السماوات تجمع للإفادة من السماوات السبع كلها، وأما الأرضين السبع فلا يستفاد إلا من الأرض التي عليها الناس، ما يستفيدون إلا من الأرض الأولى.
وجاء عن ابن عباس: أن الأرضين السبع في كل واحدة منها مثل ما في الأرض التي نعيش عليها، الأرض الأولى، حتى أن فيها محمد كمحمدكم، وموسى كموساكم، وعيسى كعيساكم، يعني صورة طبق الأصل للأرض التي نعيش عليها، هذا يذكر عن ابن عباس بسند جيد، لكن ليس له ما يؤيده من كتاب ولا سنة، فلعله مما تلقي عن بني إسرائيل، مما لا يصدق ولا يكذب، لكن هل يتصور أن محمد -عليه الصلاة والسلام- تكرر سبع مرات في كل أرض من الأرضين السبع؟ هذا يبعده المعقول، ولا يوجد ما يشهد له من المنقول.
(11/8)
((حنيفاً وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت، وأنا من المسلمين)) والرواية الأخرى: ((وأنا أول المسلمين)) كما في الآية: ((اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت، أنت ربي وأنا عبدك، ظلمت نفسي، واعترفت بذنبي)) النفس أعم من أن تكون الذات التي هي الجسد أو الروح، فهو ظالم لنفسه لذاته المشتملة على الجسد والروح.
((واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعاً)) هذا يقوله النبي -عليه الصلاة والسلام- وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، تعليماً لأمته.
((فاغفر لي ذنوبي جميعاً، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت)) انتهينا من شرح هذا كله.
(11/9)
ثم بعد ذلك: ((واهدني لأحسن الأخلاق)) الخلق الحسن له شأن في الإسلام، وما وضع في الميزان أثقل من حسن الخلق، والوصية النبوية لمن جاء يستوصي من النبي -عليه الصلاة والسلام- قال له: ((لا تغضب)) قال: أوصني، قال: ((لا تغضب)) وذلكم لأن حسن الخلق يجمع بين خيري الدنيا والآخرة، فتجد الإنسان الحسن الخلق محبوب عند الناس، مقبول بما يوجههم به، ويرشدهم إليه، بينما سيء الخلق ما يقبل منه شيء، ولذا جاء الأمر بأن تكون الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، وسيء الخلق ما يعرف الحكمة، ولا يعرف الحسن من القول، فعلى الإنسان إن كان مجبولاً على حسن الخلق من الحلم والأناة والرفق أن يحمد الله -جل وعلا- على هذا الخلق، وإن كان مجبولاً على ضده أن يتخلق، والعلم بالتعلم، والحلم بالتحلم، الإنسان إذا أطر نفسه على خلاف ما تشتهيه أعين على ذلك، ولذلك لما قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((لا تغضب)) هل يستطيع الرجل أن يقول: لا أستطيع؟ ما يمكن، يعني بيدك وإن كنت يعني جبلت على الغضب لكن بالتدريج، تتحلم، وأكثر ما يعانيه المرضى من سوء الخلق؛ لأن الطبيب قد يحجب الإنسان عن الأكل، ويحجبه عن أشياء كثيرة، لكن إذا قال له: لا تغضب، وهو مجبول على سوء الخلق يعني مثلاً ضغط الدم مما يؤثر فيه أثر بالغ الغضب، فإذا قيل للمريض: لا تغضب، قال: أنا والله ما أستطيع، لازم أغضب، وأدنى شيء يثيرني، نقول: أنت إن كنت تريد الصحة فلا تغضب، وإن كنت تريد خير الدنيا والآخرة فاعمل بوصية النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((لا تغضب)) فالحلم بالتحلم.
((واهدني لأحسن الأخلاق)) ((إن أقربكم مني مجالس يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً)) وما وضع في الميزان أثقل من حسن الخلق.
(11/10)
((لا يهدي لأحسنها إلا أنت)) من بيده الهداية؟ الله -جل وعلا-، هداية القبول والتوفيق بيد الله -جل وعلا-، أما هداية الدلالة والإرشاد فهي بيد محمد -عليه الصلاة والسلام- وغيره من الأنبياء وأتباعهم إلى قيام الساعة، يدلون الناس على الخير ويهدونهم إليه، لكن القبول والتوفيق من الله -جل وعلا-، وقد يكون بعض الناس سبب في هداية الشخص لأحسن الأخلاق، تجدون بعض الناس بالمصاحبة تجدوه خلقه سيء، ثم إذا صحب شخصاً خلقه حسن تأثر به والعكس، لو كان الخلق حسن ثم صحب شخص سيء الخلق تأثر به، حتى البهائم تؤثر، الغلظة والجفاء في الفدادين رعاة الإبل؛ لأن الإبل مجبولة على الجفاء، فيتأثر صحابها بها، بينما راعي الغنم يتأثر بها في الهدوء واللين وحسن الخلق، إذا كانت البهائم تؤثر فكيف بالجليس الصالح؟!
يعني بعضهم يقول: إذا كانت الإبل جبلت على هذا، والغنم جبلت على .. ، وهذا استنباط، مجرد استنباط، ويطرحوه للنقاش، جبلت على اللين، يعني الغنم ليست كالإبل وهذا واضح، يقول: هل نقيس على هذا مثلاً السيارات الكبيرة تجعل صاحبها سيء الخلق مثلاً، السيارات الصغيرة يعني أخف منها أو شيء من هذا؟ الظاهر أن هذا ما له أثر؛ لأن الشيء الذي يؤثر ما جبلت عليه، السيارات الكبيرة يمكن أنها جبلت على الرفق أكثر من الصغيرة؛ لأن ما في طبلونها من السرعة إلا شيء ما يجعل الإنسان يطيش ويتهور مثل السيارات الصغيرة، بعض الناس يستروح يقول: إن الشاحنات الترلات مثل الإبل، كبار فتأخذ حكمها، ما يظهر هذا، والواقع يشهد أن بعض السيارات الصغيرة بأيدي هؤلاء الشباب الطائشين يمشون سرعة هائلة، ويؤذون الناس بقيادتهم أكثر من أصحاب السيارات الكبيرة، وعلى كل حال هذا مجرد استرواح وطرحه للنقاش ما يمنع أن يطرح.
((واصرف عني سيئها)) يعني الإنسان مع كونه يروض نفسه على حسن الخلق، وترك سيء الأخلاق، ومع ذلك يستعين بالله -جل وعلا-، وأهل العلم يوصون الشخص إذا كان كثير الغضب، وعنده شيء من سوء الخلق عليه أن يتمرن ويتخلق، ومع ذلك يكثر من الاستغفار، وهذا يذكر عن حذيفة -رضي الله عنه-.
(11/11)
((واصرف عني سيئها، لا يصرف عني سيئها إلا أنت)) يعني لا يملك صرف سيء الأخلاق إلا الله -جل وعلا-، وعلى الإنسان أن يكثر من دعاء موسى: {قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي} [(25 - 26) سورة طه] شرح الصدر مهم، وهناك وسائل تعين وأسباب تعين على شرح الصدر، وقد بينها ابن القيم في مناسبات من كتبه، وابن رجب أيضاً تكلم عنها، فعلينا أن نحرص عليها.
((لبيك وسعديك)) لبيك تثنية لبى، وأصلها بالنون لبين، وحذفت النون للإضافة.
نوناً تلي الإعراب أو تنويناً ... مما تضيف احذف كطور سينا
فالنون حذفت للإضافة ومعنى ((لبيك)) من لبى بالمكان أي أقام به، فيكون المعنى حينئذٍ: أنا مقيم على طاعتك، وإجابة أمرك، إقامة بعد إقامة؛ لأن لبيك تثنية، وسعديك كذلك، إسعاداً بعد إسعاد لأوامرك، واجتناب نواهيك، أو سعادة بعد سعادة تحصل لي بامتثال أوامرك، واجتناب نواهيك.
((والخير كله في يديك)) خزائن الأمور كلها بيد الله -جل وعلا-، الخير كله بيد الله -جل وعلا-، والمحتاج يأتي إلى التاجر والتاجر عنده خير، والمراد بالخير المال {إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ} [البقرة: 180] يعني مال، هذا التاجر عنده خير؛ لأن عنده مال، فيأتي الفقير ويدفع له ما يدفع به حاجته، ويأتيه آخر فلا يعطيه شيئاً، هل نقول: إن هذا التاجر أعطى ومنع، أو أن الله -جل وعلا- هو المعطي وهو المانع؟ الله -جل وعلا- هو المعطي وهو المانع، هو الذي أعطى زيد ومنع عمرو، وأما التاجر فهو وسيلة وسبب في إيصال هذا الخير إلى هذا المعطى، وسبب في حرمان من مُنع، والمعطي هو الله -جل وعلا-، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((إنما أنا قاسم والله المعطي)) وأما الخلق فهم أسباب يجري الله على أيديهم ما ينفع، وقد يجري على أيديهم ما يضر.
(11/12)
((والخير كله في يديك)) وفي هذا إثبات لليدين لله -جل وعلا-، على ما يليق بجلاله وعظمته ((والشر ليس إليك)) يعني الشر لا ينسب إليك، إما على سبيل الاستقلال دون أن يضاف الخير إليه، ويكون هذا من باب الأدب {وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الْأَرْضِ} [(10) سورة الجن] أريد بني للمجهول {أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا} [(10) سورة الجن] أضيف إلى الله -جل وعلا-، فمن حسن الأسلوب والأدب ألا يضاف الشر إليه، وحينئذٍ لا يقال: يا خالق العقارب والحيات مثلاً تدعو ربك في سجودك يا خالق العقارب والحيات، نعم هو خالق العقارب والحيات، لكن هل مثل هذا مما يخص به الرب -جل وعلا-؟ يعني من باب الأدب في الأسلوب؟ {وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا} [(10) سورة الجن] لما ذكر الشر بني الفعل للمجهول، ولما ذكر الخير أظهر الفاعل، وهو الرب -جل وعلا-، وهذا من باب تحسين وتلطيف الأسلوب والأدب في الأسلوب، وإلا الله -جل وعلا- خلقكم وما تعملون، وفي أعمالكم ما هو خير، وفي أعمالكم ما هو شر، يعني شخص لدغته حية فمات من الذي قدر عليه هذه المصيبة؟ نعم الرب -جل وعلا-، الرب -جل وعلا- هو الذي قدر عليه هذه المصيبة، وهي شر بالنسبة لهذا الشخص إلا أنها لا يمكن أن يقال: في أفعال الله -جل وعلا- ما هو شر محض، ما يمكن، لا يمكن أن يقال: هذا شر محض، قد يقول قائل مثلاً: لماذا تخلق العقارب والحيات؟ ولماذا .. ؟ ملك من الملوك شك في الحكمة من خلق الذباب، قال: ما الفائدة من خلق الذباب؟ فجالس واحد من جلسائه قال: ليذل الله به الجبابرة، تطرده عن وجهك ويرجع، وأصل التسمية من ذُب فآب، يعني طرد ورجع، وما يذر الجبابرة إلا مثل هذه الحشرات الصغيرة التي يظن أنه مسيطر على أعاظم الأمور، ثم تبتليه هذه الذبابة، ليس فيها شر محض، إنما فيها خير وفيها شر، يلدغ الإنسان فيحمد الله -جل وعلا- ويسترجع فترفع منازله، وتكفر سيئاته هذا خير عظيم، تلدغه حية فيموت ويكون الله -جل وعلا- قد حجبه عن شر، ولذلكم الخيرة فيما يختار الله -جل وعلا-.
(11/13)
((أنا بك وإليك)) يعني وجودي وقوامي وقوتي بك، يعني مستعيناً بك، وكائنة بك، يعني بسببك، وإليك مرجعي ومآلي.
((تباركت وتعاليت)) التبارك، تبارك بهذه الصيغة لا تجوز إلا لله -جل وعلا-، والبركة هي ما يوجده الله -جل وعلا- في بعض أفعاله ومخلوقاته، فمن المخلوقات ما فيه بركة، ومنها ما ليس فيه بركة، وأظهر البركة الحسية في محمد -عليه الصلاة والسلام-، وهو أعظم الناس بركة، والله -جل وعلا- تبارك وتعالى وتعاظم، لا يجوز أن يقال: تبارك زيد، أو تبارك علينا، كما يقوله بعض العامة، لكن قد يكون في الإنسان بركة لما يرى من أثره في الناس، هذه بركة تعدت، والله -جل وعلا- هو الموجد لهذه البركة، ولذا لا يجوز التبرك بالمخلوقين؛ لأن هذه البركة لا تتعدى بنفسها، البركة خاصة بمن جعل الله -جل وعلا- فيه البركة الحسية وهو النبي -عليه الصلاة والسلام-، فلا يتبرك بغيره، ولا بآثار غيره، وبعض الناس مفتون بهذه البدعة، يتمسح بالجمادات التي لا تنفع ولا تضر، يعني باب من حديد صنعه الصانع، وباعه على شخص، لا يدري أيجعله باباً لمسجد أو باب لحمام، ثم يأتي من يأتي من يتمسح بهذا الباب، وأنتم تشاهدون في الحرم من يتمسح ويتبرك -نسأل الله العافية- يطلب البركة من غير الله -جل وعلا-.
وامرأة من بعض الجهات تتمسح بالمقام، قلنا: هذا حديد لا ينفع ولا يضر، فقالت: عندكم ما ينفع لكن عندنا ينفع -نسأل الله العافية-، والله بالحرف تقول هذا الكلام، عندنا ينفع، يعني دينكم غير ديننا؟! إن كان ديننا واحد فالذي في ديننا أن مثل هذا لا ينفع، وإن كان لكم دين آخر فابحثوا عن مكان آخر، والله المستعان.
((تباركت وتعاليت)) من العلو، والله -جل وعلا- يثبت له العلو المطلق بأنواعه، علو القدر، وعلو القهر، وعلو الذات، فهو عال على خلقه، بائن منهم، مستوٍ على عرشه.
((أستغفرك وأتوب إليك)) السين والتاء للطب، يعني أطلب المغفرة منك يا رب، وأتوب إليك، والمغفرة من الغفر وهو الستر، والمراد بذلك ستر الذنوب، ويكون سترها بمحوها، وأتوب إليك، وأرجع إليك مما اقترفت من ذنوب ومعاصي.
(11/14)
"وإذا ركع قال: ((اللهم لك ركعت، وبك آمنت)) " لك ركعت {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [(162) سورة الأنعام] الصلاة لله -جل وعلا- فأجزاؤها له، ومنها الركوع ((اللهم لك ركعت)) هذا جزء من الصلاة التي هي لله رب العالمين.
((وبك آمنت)) يعني لا بغيرك، والإيمان عند أهل السنة قول باللسان، واعتقاد بالجنان، وعمل بالأركان، هذه أجزاؤه الثلاثة: قول وعمل واعتقاد.
((ولك أسلمت)) آمنت وأسلمت، نحتاج إلى أن نقول: أسلمت مع قولنا: آمنت؟ لأن الإسلام يدخل في الإيمان، نحتاج إلى أن نقول: بك آمنت ولك أسلمت؟ ما يكفي أن نقول: بك آمنت ويدخل فيه الإسلام؟ أهل العلم يقررون أن الإسلام والإيمان إذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا، وهنا اجتمعا إذاً يفترقان، فالإسلام غير الإيمان هنا، ويحمل الإيمان على العقائد، الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، ويحمل الإسلام على أعمال الجوارح، كما في حديث جبريل -عليه السلام- حينما سأل النبي -عليه الصلاة والسلام- عن الإسلام والإيمان والإحسان.
((خشع لك سمعي وبصري)) الخشوع والخضوع ويكون كل منهما في القول والجوارح، ومن أهل العلم كصاحب القاموس من يفرق بينهما، بأن يكون الخشوع باللسان والخضوع للجوارح، لكن يرد عليه بقوله -جل وعلا-: {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ} [(32) سورة الأحزاب] فدل على أن الخضوع أيضاً يكون بالقول.
((خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظمي وعصبي)) يعني جميع أطرافي خشعت لله -جل وعلا-، والخشوع سواءً كان خشوع السمع أو خشوع البصر أو خشوع المخ والعظم والعصب مطلوب لا سيما في الصلاة، والجمهور على أن الخشوع سنة، تصح الصلاة بدونه، لكن هو لب الصلاة وخلاصتها، وأوجبه جمع من أهل العلم كابن القيم وابن رجب، وقبلهما الغزالي في الإحياء، وأطال الكلام عليه، ما الذي دعا الجمهور أن يقولوا: إن الخشوع سنة؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
(11/15)
عمل قلبي، ومع ذلك الذي لا يذهب من صلاته إلا بعشرها؛ لأن المراد بالخشوع حضور القلب، وبقدر حضور القلب يدرك من صلاته ما يدرك، فإذا لم يخشع في صلاته ولم يذهب من أجرها إلا بالعشر هل نقول: الصلاة صحيحة وإلا باطلة؟ صحيحة، لكن الأجر المرتب عليها قل بقدر حضور القلب، فإذا كان حضور القلب بنسبة تسعة إلى عشرة، والصلاة صحيحة يعني شريطة أن يأتي بالشروط والأركان والواجبات، نعم إذا جاء بهذه ولم يحضر قلبه، يعني لم يخشع فيها الخشوع المطلوب في الصلاة بحيث لم يستحضر منها إلا لم يعقل منها إلا العشر، ولا قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: إن صلاته باطلة، وإنما قال: ((ليس له من صلاته إلا ما عقل)) والباطلة لا ثواب فيها أصلاً، والذي له عشرها صلاته صحيحة؛ لأن الباطلة لا أجر فيها، فأهل العلم ينظرون إلى هذه المسألة من هذه الزاوية، يقولون: الذي لا يستحضر من صلاته إلا العشر هذا خاشع وإلا غير خاشع؟ نعم؟
في الغالب ليس بخاشع، ليش خاشع وهو ما ذهب إلا بعشر الأجر؟ يعني ما استحضر من صلاته إلا العشر، ومع ذلك صلاته صحيحة ومجزئة ومسقطة عن الطلب، وإن كان أجرها وأثرها المرتب عليها قليل، ومع الأسف أن كثير من المسلمين يصلي بأقل من هذه النسبة، ومنهم من يصلي بهذه النسبة، ومنهم من يصلي بأعلى بأعظم، ولذلك لا تجدون الأثر المرتب على الصلاة موجود في حياة المسلم {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ} [(45) سورة العنكبوت] تجد المسلم يصلي ويسرق، يصلي ويكذب، يصلي ويغتاب، يصلي ويفعل، وين الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر؟ الصلاة المراد بها الصلاة التي تؤدى على مراد الله ومراد رسوله -عليه الصلاة والسلام-، فيها الإخلاص التام لله -جل وعلا-، وفيها المتابعة التامة للنبي -عليه الصلاة والسلام-، فإذا حصل هذان الوصفان ترتبت الآثار، وما دام ما يخرج من الصلاة إلا بعشر أجرها، والصلوات الخمس كفارات لما بينهن، لكن هل يتصور أن الصلاة التي لم يخرج منها صاحبها إلا بالعشر بالربع تكفر ما بينها وبين الصلاة الأخرى؟ شيخ الإسلام يقول: هذه إن كفرت نفسها بركة، يكفي، والله المستعان.
(11/16)
على كل حال على الإنسان أن يستحضر مثل هذه الأمور، ويخشع في صلاته، وبجميع أطرافه، يعني هل يتصور أن القلب يخشع والأطراف تتحرك؟ نعم؟ لا القلب الملك، هو الذي يدبر هذه الأطراف، لو خشع حقيقة ما تحركت الأطراف، ويذكر عن عمر -رضي الله عنه- أنه رأى رجلاً يعبث بلحيته، فقال: لو خشع قلب هذا خشعت جوارحه، ويذكر في المرفوع لكنه لا يصح، المقصود أن مثل هذا الأمر على طالب العلم أن ينتبه له، ويكون قدوة وأسوة للناس.
طالب: ما التلازم بين الطمأنينة والخشوع؟
بينهما ارتباط من جهة باعتبار أن الطمأنينة ركن من أركان الصلاة، إذا فقدت فقد معها الخشوع من باب أولى، لكن قد يطمئن ولا يخشع، نعم قد يطمئن وقلبه سارح؛ لأن الطمأنينة إنما هي في الأفعال.
"وإذا رفع قال: ((اللهم ربنا لك الحمد)) " وقد يقول: ربنا لك الحمد بدون اللهم، وقد يجمع بين اللهم والواو فيقول: اللهم ربنا ولك الحمد، وقد يقول: ربنا ولك الحمد بدون اللهم، فالصيغ أربع.
((اللهم ربنا ولك الحمد)) وهذه ثابتة في البخاري وغيره، وإن نفاها ابن القيم؛ لكنها في الصحيح.
((اللهم ربنا لك الحمد)) كما هنا ((ربنا لك الحمد)) دون اللهم والواو و ((ربنا ولك الحمد)) دون اللهم، وهي أربع صيغ، ويقولها كل مصلٍ، ربنا ولك الحمد يقولها كل مصلٍ، وأما سمع الله لمن حمده التي تقال قبلها، فإنما يقولها الإمام والمنفرد، ولا يقولها المأموم، المأموم يقول: اللهم ربنا ولك الحمد، ويقولوها الإمام أيضاً، ويقولها المنفرد، وسيأتي تفصيل هذا في الأحاديث اللاحقة -إن شاء الله تعالى- خلافاً للشافعية الذين يقولون: إنه يجمع بينهما كل مصلٍ؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: سمع الله لمن حمد ربنا ولك الحمد، وهو القدوة وهو الأسوة، لكنه قدوة باعتباره إمام في هذه الصورة، لأنه يأتي في الحديث: ((وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد)) فوظيفة الإمام قول سمع الله لمن حمده، وأيضاً يقول: ربنا ولك الحمد مع المأمومين، كما أنه ((إذا قال: ولا الضالين، فقولوا: آمين)) والإمام يقول: آمين، أما المأموم فلا يقول: سمع الله لمن حمده.
(11/17)
ومنهم -من أهل العلم- من يرى أن الإمام يقول: سمع الله لمن حمده ولا يقول: ربنا ولك الحمد، والمأموم يقول: ربنا ولك الحمد ولا يقول: سمع الله لمن حمده، لكن عرفنا أنه يجمع بينهما الإمام والمنفرد، ويقول الإمام: سمع الله لمن حمده، والمأموم يقول: ربنا ولك الحمد، ولا يقول: سمع الله لمن حمده، وسيأتي مزيد بسط لهذه -إن شاء الله تعالى-.
((ملء السماوات، وملء الأرض)) يعني مثل ما تقدم السماوات جمع، والأرض مفرد ((وملء ما بينهما)) يعني لو قدر أن الحمد جسم فإنه حمد عظيم، عظيم كبير الحجم جداً، يملأ السماوات ويملأ الأرض، ويملأ ما بينهما.
((وملء ما شئت من شيء بعد)) يعني مما نعرفه ومما لا نعرفه كالكرسي والعرش مثلاً، يملأ كل شيء هذا الحمد.
"وإذا سجد قال: ((اللهم لك سجدت، وبك آمنت، ولك أسلمت)) " مثل ما تقدم أن السجود كالركوع جزء من الصلاة التي هي لله -جل وعلا-: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [(162) سورة الأنعام] والسجود جزء منها، فالصلاة لله، والسجود أيضاً لله -جل وعلا- لا يجوز أن يصرف لغيره كالصلاة، يعني لا يجوز أن يصلي لأحد، ولا يجوز أن يركع لأحد، ولا يجوز أن يسجد لأحد، يعني من سجد لغير الله -جل وعلا- أشرك الشرك الأكبر، من ركع لغير الله -جل وعلا- فقد أشرك الشرك الأكبر، كمن صلى لغير الله -جل وعلا-.
((اللهم لك سجدت، وبك آمنت، ولك أسلمت)) يعني كما تقدم.
((سجد وجهي للذي خلقه وصوره)) يعني ما سجد إلا الوجه؟ أو ((أمرت أن أسجد على سبعة أعظم))؟ سجد الوجه، سجدت اليدان، سجدت الركبتان، سجدت أطراف القدمين، كلها ملامسة للأرض، لكن باعتبار أن الوجه أشرف ما في الإنسان اقتصر عليه، فإذا سجد الأشرف تبعه ما دونه.
((سجد وجهي للذي خلقه وصوره)) وهو الله -جل وعلا-، فتبارك الله أحسن الخالقين.
(11/18)
((وشق سمعه وبصره)) السمع أضيف إلى الوجه، والبصر أضيف إلى الوجه، ولذا العينان تغسلان مع الوجه، لكن هل السمع لما أضيف إلى الوجه من الوجه؟ الأذنان من الوجه أو من الرأس؟ العينان من الوجه بلا شك لكن الأذنان؟ استدل بهذا الحديث من قال: إن الأذنين من الوجه، تغسلان مثل ما يغسل الوجه؛ لأنه قال: ((وشق سمعه)) سمع إيش؟ لأنه قال: ((سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه)) يعني سمع الوجه، الإضافة هنا للوجه، يعني الاستدلال من هذا الحديث ظاهر؛ لكن هل يراد يعني لما سجد الوجه الذي هو أشرف ما في الإنسان قد تكون الإضافة والنسبة للمجاورة، يعني النسبة في الأصل أنها حقيقية، لكن قد تكون النسبة للمجاورة، والأذنان مجاورتان للوجه فنسبتا إليه، وتجدون في نسب كثير من الرواة فلان بن فلان الخياط مثلاً، وإذا بحثت ما وجدته خياط، لكن كان يجلس عند الخياطين، فالنسبة مجاورة، ليست نسبة حقيقية، فلان كذا ينسب إلى قبيلة من القبائل، نزل عندهم وجاورهم فنسب إليهم، فالمجاورة ينسب إليها، فالنسبة تكون لأدنى مناسبة ((لأنتن صواحب يوسف)) يقوله لبعض أمهات المؤمنين الرسول -عليه الصلاة والسلام-، ما علاقتهن بيوسف لينسبن إلى صحبته؟ لأدنى مناسبة، صدر منهن فعل يشبه من وجه ما صدر من النسوة صواحب يوسف.
المقصود أن النسبة قد تكون للمجاورة، ومنها قوله: ((وشق سمعه وبصره)).
((تبارك الله أحسن الخالقين)).
(11/19)
"ثم يكون من آخر ما يقول بين التشهد والتسليم: ((اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت)) " يعني ما تقدم من ذنوبي، وما سلف منها في أول عمري، ((وما أخرت)) يعني ما تأخر منها، وما وجد منها في آخر عمري، وليس معنى هذا الذنوب المتأخرة عن هذه الدعوة، يعني إذا قلت هذا الكلام في صلاة العشاء ((اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت)) هل معنى ما قدمت ما صدر قبل هذه الصلاة، وما أخرت ما يأتي بعد هذه الصلاة؟ يعني تستغفر من ذنب لم يحدث، أو تستغفر لذنوبك المتقدمة والمتأخرة يعني القديمة والجديدة؟ إذا قيل مثلاً: هذا قول جمع من العلماء المتقدمين والمتأخرين، هل معنى هذا أن المتأخرين ما بعد جو؟ هل يلزم منه العلماء ما بعد .. ؟ لا أبداً، ما يقول أحد هذا، إنما هم ممن عاش في الزمن القديم، وممن تأخر وجوده إلى الزمن المتأخر، فحينما تقول: اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، اغفر لي يعني ذنب وقع يحتاج إلى دعاء مغفرة، فالذنوب المتقدمة والمتأخرة كلها واقعة.
ومنهم من يقول: إن المراد بالذنوب المتقدمة ما حصل وتقدم على هذه الصلاة، والذنوب المتأخرة ما يأتي بعد هذه الصلاة، يعني إن حصل مني ذنب فاغفره لي {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [(2) سورة الفتح] فالمتقدم ((أحتسب على الله أن يكفر السنة الماضية والآتية)) فمن هذا يعني يكفر الذنوب التي حصلت بالفعل، وما لم يحصل من الذنوب إن حصل، يكون بهذا الشرط، وهذا له وجه.
((اغفر لي ما قدمت، وما أخرت، وما أسررت، وما أعلنت، وما أسرفت)) وما أسررت يعني ما عملته خفية، وما أعلنت يعني ما أظهرته وعملته علناً، وما أسرفت يعني ما زدت فيه على القدر المطلوب شرعاً.
((وما أنت أعلم به مني)) لأن الإنسان قد يعمل السيئة والخطيئة ويعرف أنه عملها، فيستغفر منها، وقد يقع في معاصي لا يشعر بها، ولا يعلمها، وقد يظنها حسنات، فهذا مما الله -جل وعلا- أعلم به من العبد ((وما أنت أعلم به مني)) قد يشرك الإنسان شركاً يعرفه، وشرك يخفى عليه، وكفارة ذلك أن يقول: ((اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم)).
(11/20)
((وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم، وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت)) الله -جل وعلا- بيده أزمة الأمور كلها.
تقدم زيد في الأعمال الصالحة وتأخر عمرو، من الذي قدم زيد ومن الذي أخر عمر؟ الله -جل وعلا-، تقدم في بعض الأوصاف وتأخر هذا في بعض الأوصاف، المقدم والمؤخر هو الله -جل وعلا-، أيضاً تقدم هذا في وفاته، تقدم في وجوده، تأخر في وفاته إلى آخره، كل هذا بيد الله -جل وعلا-، لا يستطيع الإنسان أن يتصرف في شيء من هذا " ((أنت المقدم، وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت)) رواه مسلم".
يقول ابن حجر: في رواية له أن ذلك في صلاة الليل، وهذا أشرنا إليه في درس الأمس، وقال الصنعاني: لم نجده في مسلم، يعني ما نص مسلم أن هذا في صلاة الليل، وإنما ساق مسلم حديث علي هذا في قيام الليل، ويكفي هذا؛ لأن مسلم دقيق في وضع الأحاديث، حينما وضع الحديث بين أحاديث قيام الليل دل على أن هذا الكلام إنما يقال في صلاة الليل.
وقد نقل الحافظ في التلخيص عن الشافعي وابن خزيمة أنه يقال في المكتوبة، وهو أيضاً عند ابن حبان أنه في الصلاة المكتوبة، ولا مانع أن يقال في الصلاة المكتوبة، ويقال في صلاة الليل، ومع ذلك يقوله غير الإمام؛ لأن فيه طول، فقد يشق على المأمومين، ويقوله الإمام الذي يعرف من رغبة المأمومين في الإطالة ما يعرف.
ثم بعد ذلك قال:
"وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا قام إلى الصلاة بالليل كبر" كبر تكبيرة الإحرام، وتقدم أنها ركن عند الجمهور وعند الحنفية شرط، وعرفنا فائدة الخلاف.
"إذا قام في الليل كبر قائلاً: الله أكبر، ثم يقول بعد ذلك: ((سبحانك اللهم وبحمدك)) " سبحان مصدر سبح يسبح تسبيحاً وسبحان مثل غفران، والمعنى التسبيح التنزيه، يعني أنزه الرب -جل وعلا- عن كل ما لا يليق به، ((وبحمدك)) الواو هذه عاطفة، والتقدير وبحمدك سبحتك، سبحانك وبحمدك سبحتك، كما قال الزجاج، فهي عاطفة تكون الواو حينئذٍ عاطفة.
((وتبارك اسمك)) يعني البركة في اسمك في ذكره، يعني والاسم مفرد مضاف، مفرد مضاف اسمك، وإذا أضيف المفرد دل على إيش؟ العموم، فالمراد هنا جميع أسماء الله -جل وعلا- مباركة.
(11/21)
((وتعالى جدك)) تعالى يعني تعاظم قدرك، وتعالى جدك، والجد يأتي بمعنى العظمة، ويأتي أيضاً بمعنى القدر، ويأتي بمعنى الحظ والنصيب، وقال بعض المفسرين في تفسير سورة الجن في قول الله -جل وعلا-: {وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا} [(3) سورة الجن] قال بعض المفسرين: إن هؤلاء الجن جهلة، يعني أول يدخلون في الإسلام الآن ما يعرفون شيء عن الإسلام، وظنوا أن للرب جداً، تعالى الله عن هذا القول، ووصفوا هذا الجد، الجد الذي هو أبو الأب، قال بعض المفسرين: إنهم جهال، لا يعرفون عن الله -جل وعلا- ما يقتضي تعظيمه عن مثل هذا الوصف، أنهم ظنوا أن له جداً كغيره، تعالى الله عما يقولون، أو عما قيل، لكن هذا القول ليس بشيء، لماذا؟ لأن القرآن نزل مؤيداً له، وبحضرة النبي -عليه الصلاة والسلام- ما أنكر النبي -عليه الصلاة والسلام- فكيف يسوغ مثل هذا الكلام؟! هذا وجد في كتب التفسير، لكن كيف يسوغ بحضرة النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول مثل هذا الكلام ولا ينكره! وينزل القرآن بذكره من غير تفنيد؟ هذا لا يمكن، هذا قول لا حظ له من النظر.
((ولا إله غيرك)) يعني لا معبود بحق سواك يا الله، وإن عبد معه غيره، لكنه ليس بحق، معبودات باطلة {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ} [(98) سورة الأنبياء].
"ثم يقول: ((الله أكبر كبيراً)) " يعني بعد دعاء الاستفتاح هذا يقول: الله أكبر كبيراً، وجاء عن ابن مسعود أيضاً ((والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلاً)) لكن هذا المعروف عن ابن مسعود في تكبيرات صلاة العيد لا في هذا الموضع.
على كل حال هذا موجود في حديث أبي سعيد، وحديث أبي سعيد فيه كلام لأهل العلم نذكر شيئاً منه عند كلام المؤلف.
"ثم يقول: ((أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم)) " لماذا؟ لأنه يريد أن يقرأ {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ} [(98) سورة النحل] هذا الأمر يشمل القراءة في الصلاة وخارج الصلاة.
((أعوذ بالله السميع العليم)) أعوذ يعني التجئ وأعتصم بالله -جل وعلا- ((السميع العليم)) الموصوف بهاتين الصفتين، والمسمى بهذين الاسمين السمع والعلم.
(11/22)
((من الشيطان الرجيم)) الشيطان إما من شطن إذا بعُد، أو من شاط إذا احترق ((الرجيم)) والمقصود به إبليس اللعين، ومن يتبعه من شياطين الإنس والجن؛ لأن (أل) جنسية هذه، الرجيم المرجوم.
((من همزه ونفخه ونفثه)) من همزه الهمز هو من الكيد كما يقول بعض أهل العلم، أو أنه هاه؟ إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
الصرع، نعم الصرع.
((ونفخه)) النفخ والنفث النفخ بلا ريق، والنفث مع الريق، لكنه دون التفل، ويراد بذلك الوسوسة والسحر والشعر والأمور التي تجري على ألسنة الشياطين، وفي أفعالهم يستعاذ بالله من الشيطان، وجميع أفعاله المؤثرة على الإنسان بقدرة الله -جل وعلا-.
منهم من يقول: الهمز الموتة وقد .. ، الشيطان يصرع الإنسان وقد يزيد في ذلك فيقتله، حصل هذا لبعض أهل العلم في التراجم، يذكرون أن الشياطين أو الجن قتلوه، وقد جاء في وفاة سعد بن عبادة أنه بال في جحر فقتله الشياطين.
نحن قتلنا سيد الخزرج سعد بن عبادة ... رميناه بسهمين فلم نخطئ فؤاده
والقصة معروفة فيها ضعف، على كل حال يستعاذ من الشياطين، والاستعاذة مطلوبة قبل قراءة القرآن، والصيغة الواردة ما جاء في هذا الحديث وغيره: ((أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم)) ولو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم كفى {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [(98) سورة النحل] ما فيه السميع العليم، يعني من قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم امتثل الأمر، ومن زاد السميع العليم فله ذلك؛ لأنها جاءت بها بعض النصوص {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [(200) سورة الأعراف] نعم فإذا زاد السميع العليم لا بأس -إن شاء الله تعالى-، وإن اقتصر على أعوذ بالله من الشيطان الرجيم كفاه.
"رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والنسائي والترمذي، وهذا لفظه من رواية جعفر بن سليمان، وقد احتج به مسلم عن علي بن علي الرفاعي، وقد وثقه ابن معين وأبو زرعة عن أبي المتوكل عن أبي سعيد".
(11/23)
"وقال الترمذي: وقد تكلم في إسناده، كان يحيى بن سعيد يتكلم في علي بن علي" علي بن علي معروف بإيش؟ بالعبادة، رجل عابد، رجل صالح، وهذا النوع من الرواة الذين يصرفون جل أوقاتهم للعبادة لا بد أن يقع في حديثهم ما يقع؛ لأنهم يغفلون عن تحفظ الأحاديث بالعمل، ينصرفون إلى .. ، وكثير هذا في العباد، لكن لا يؤثر على العابد الذي عنده قوة حافظة، يتذكر بها ما شاء متى شاء، لكن مع ذلك من الناس من حافظته أقل، لكنه يكثر المراجعة، ويديم النظر في مروياته، هذا يضبط ويتقن، إذا غفل عن ذلك، إذا غفل إلى العبادة مثلاً لا شك أنه على حساب العلم، لكن على هذا ينبغي أن يكون العالم وطالب العلم عنده شيء من التوازن، لا يصرف جهده إلى العبادة فينصرف عن العلم، ولا يصرف جهده إلى العلم بحيث ينسى العبادة، فيكون عنده شيء من التوازن، فتُكلم في علي بن علي من أجل هذا.
(11/24)
كان يحيى بن سعيد القطان يتكلم في علي بن علي، وقال أحمد: لا يصح هذا الحديث، وقال أبو داود: هذا الحديث يقولون هو عن علي بن علي عن الحسن -رحمه الله تعالى- يعني حينما يقال: رحمه الله وهو رجل متكلم فيه يدل على أنه يستحق أن يترحم عليه، لماذا؟ لأن عنده من العبادة ما عنده، ولذلك تجدون بعض الناس مثلاً النووي مثلاً قد يكون الراوي ضعيف، وإذا ترجم به أشاد به لأنه عابد؛ لأن كل إنسان ينظر إلى الناس مما يميل إليه، تجد هذا الراوي تكلم عليه ابن حجر، ويتكلم عليه النووي، النووي ينظر إليه من زاوية العمل، وابن حجر ينظر إليه من زاوية العلم، فتجد لو كان من أعبد الناس وعنده شيء من الضعف ابن حجر يشير إلى أنه عابد، لكن ما يشيد به مثلما يشيد به النووي، بينما لو كان حافظ من الحفاظ ومنزلته في العبادة أقل تجد النووي يشير إلى أنه حافظ مجرد إشارة ويمشي، فكل إنسان ينظر إلى هذه الأمور حسب ميله، يعني هذا الظاهر يعني لو تقرأ في تراجم الرواة عند النووي غير ما تقرأ لابن حجر، ابن حجر ينظر إليه من حيث الضبط والحفظ والإتقان، يعني من حيث ما يثبت حديثه ويضعفه، النووي لا، الرجل عابد يقدر لأمثال هؤلاء هذه العبادة عنده، فيشيد بهم، فحينما يقول: الرجل متكلم فيه، يقولون: هو عن علي بن علي -رحمه الله تعالى-، فالناس يساقون إلى الدعاء لمثل هذا، ولا شك أن العالم العابد الناس تثق به ثقة مطلقة، وتجري الدعوات على ألسنتهم شعروا أو لم يشعروا، وعمر بن عبد العزيز لما تولى الخلافة أخذ من بني أمية من أقاربه ومعارفه ما منحوه، وما أقطعوا من أراضي ممن منحهم من قبله، فجاء شخص إلى من بعد عمر بن عبد العزيز هشام؟ نعم؟ فقال: سليمان الذي قبل عمر بن عبد العزيز أعطاني أرضاً، فجاء عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- فأخذها، قال: يا أخي الذي أعطاك الأرض ما قلت: رحمه الله، والذي أخذها تقول: رحمه الله؟ قال: ويش بيدي الناس كلهم تقول هذا، كلهم يقولون هذا، فلا بد أن يجري الله -جل وعلا- على ألسنة الناس من الثناء لمن يستحق الثناء شاءوا أم أبوا، والله المستعان، والناس شهداء الله في أرضه.
(11/25)
"قال: الوهم من جعفر" يعني ليس من علي بن علي، إنما هو من جعفر بن سليمان، وعلى كل حال الحديث له طرق تجعله مقبولاً.
ثم قال:
"وعن عبدة أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كان يجهر بهؤلاء الكلمات يقول: "سبحانك اللهم وبحمدك، تبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك" حديث أبي سعيد -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا قام إلى الصلاة كبر، ثم يقول: ((سبحانك اللهم وبحمدك، تبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك)) يعني الاستفتاح بهذا اللفظ وارد عن النبي -عليه الصلاة والسلام- مرفوعاً من حديث أبي سعيد، ووارد من قول عمر -رضي الله عنه-، أن عمر بن الخطاب كان يجهر بهؤلاء الكلمات، يقول: "سبحانك اللهم وبحمدك، تبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك".
الموقوف على عمر ذكره مسلم في صحيحه، والمرفوع عرفنا ما فيه من الكلام، المرفوع فيه كلام لأهل العلم، مضعف بسبب ما قيل في علي بن علي، وفيه وهم أيضاً من قبل نعم؟ جعفر بن سليمان، وحديث عمر يرويه عبدة أن عمر، يرويه عبدة لا يرويه عن عمر، إنما عبدة يقول: أن عمر -رضي الله عنه- كان يجهر بهؤلاء الكلمات، يقول: "سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك" هذا ينبني على كون عبدة أدرك عمر أو لم يدركه؟ إن كان أدرك عمر فهو يحكي قصة أدركها، وإن كان لم يدرك عمر فهو يحكي قصة لم يدركها، وعلى كل حال الخبر في صحيح مسلم.
يقول: "ذكره مسلم في صحيحه لأنه سمعه مع غيره" يعني عبدة سمعه مع غيره، المقصود أن عمر كان يجهر بها ويعلمها الناس، فلكثرة من يرويها عن عمر مسلم -رحمه الله تعالى- لكثرة من يرويها عن عمر، واستفاضة هذا اللفظ عن عمر اكتفى الإمام مسلم بهذه الاستفاضة عن تطبيق الشرط، وإلا فعبدة لم يدرك عمر، ولم يسمع منه، إنما رآه رؤية، مجرد رؤية لا يثبت بها اتصال.
وليس هو على شرطه؛ لأن شرط مسلم المعاصرة، وهو بسنة أو سنتين هذا معاصر لمن مات بعد ذلك مباشرة؟ لا تكفي مثل هذه المعاصرة، إنما المعاصرة مع إمكان السماع، وهنا السماع غير محتمل، نعم رآه رؤية.
يقول: "وليس هو على شرطه، فإن عبدة بن أبي لبابة لم يدرك عمر، بل ولم يسمع من ابنه إنما رآه رؤية" كذا عندكم؟
(11/26)
طالب: رواه رواية.
لا هين سهل هذا، يقول: " فإن عبدة بن أبي لبابة لم يدرك عمر، بل ولم يسمع من ابنه، إنما رآه رؤية".
طالب:. . . . . . . . .
لا لا، هي رآه رؤية، ما نقول: رواه رواية، سهل هذا، ما هو الإشكال هنا، الذي لم يدرك الابن عبد الله بن عمر يقال: إنه لم يدرك عمر؟ الذي لم يسمع من عبد الله بن عمر يقال: إنه لم يدرك عمر، وقد عاش عبد الله بن عمر بعد أبيه خمسين سنة؟ نحتاج إلى أن نقول: إنه لم يدرك عمر؟ نحتاج؟ ما نحتاج؛ لأن هنا مفاوز، والذي ينص عليه ما يحتاج إليه، يعني مما يحتمله السياق، ولذا في نيل الأوطار يقول: "وعبدة لا يعرف له سماع من عمر، وإنما سمع من عبد الله بن عمر، ويقال: رأى عمر رؤية" يعني الذي رأى عمر يشك في سماعه من ابن عمر؟ نعم؟ لأن ابن عمر عاش بعد أبيه خمسين سنة، فلا يشك في سماعه منه، وعنكم يقول: "فإن عبدة بن أبي لبابة لم يدرك عمر، بل ولم يسمع من ابنه" يعني إذا قلنا: لم يسمع من ابن عمر فمن باب أولى لم يسمع من أبيه ولم يدركه، إنما رآه رؤية، يعني رأى عمر رؤية، والرؤية لا يثبت بها اتصال، ولا تثبت بها المعاصرة، ولذلك صغار الصحابة مثل محمد بن أبي بكر لا يقال له: صحابي؛ لأنه لما توفي النبي -عليه الصلاة والسلام- صغير جداً، عمره ثلاثة أشهر وأيام.
"وقد روى الدارقطني بإسناده عن الأسود عن عمر أنه كان يقول هؤلاء الكلمات، وقال المروزي: سألت أبا عبد الله عن استفتاح الصلاة، فقال: نذهب فيه إلى حديث عمر" قال المروزي من أصحاب الإمام أحمد: سألت أبا عبد الله أحمد بن حنبل عن استفتاح الصلاة، فقال: نذهب فيه إلى حديث عمر؛ لأن عمر جهر به على المنبر، وعلمه الصحابة، فيرجحه الإمام أحمد "وقد روي فيه من وجوه ليست بذاك" يعني روي فيه مرفوع من وجوه ليست بذاك القوي، يعني فيها ضعف، أما الموقوف على عمر فصحيح.
هذا نوع من أنواع الاستفتاح، ونوع الذي جاء في حديث علي، ونوع جاء في حديث أبي هريرة: "أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول؟ قال: ((اللهم باعد بيني وبين خطاياي ... )) إلى آخره.
(11/27)
أنواع الاستفتاحات محفوظة عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، فعلى طالب العلم أن يحفظها، يحفظ ما ثبت منها، ويقول هذا أحياناً، ويقول هذا أحياناً، ويقول ما جاء في صلاة الليل في صلاة الليل، وما لم يذكر فيه صلاة الليل يقال في الصلوات كلها.
"وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يستفتح الصلاة بالتكبير"
يستفتح يعني يبتدئ الصلاة بالتكبير، فيقول: الله أكبر، وهذه التكبيرة هي تكبيرة الإحرام التي هي ركن من أركان الصلاة، لا تنعقد إلا بها، وعلى هذا لا يوجد أي كلام من أجل الصلاة قبل التكبير، يقصد إلى مصلاه ويقول: الله أكبر، ولا يتكلم بكلام قبل هذا، لا يقول: نويت أن أصلي صلاة كذا أربع ركعات، فرض الوقت، خلف الإمام، أو مثل ما يقال من الألفاظ المبتدعة وهذه لم تثبت، ولم تذكر عن النبي -عليه الصلاة والسلام- ولا عن صحابته ولا عن التابعين، لا بإسناد صحيح ولا حسن ولا ضعيف، بل هي بدعة، فالنية القصد، مجرد القصد هذه نية.
(11/28)
"يستفتح الصلاة بالتكبير، والقراءةَ بالحمدُ لله رب العالمين" الحمدُ مرفوع على الحكاية، يعني ويستفتح القراءة بالحمد لله رب العالمين، يستدل بهذا من لا يرى الاستفتاح ولا يرى التعوذ ولا البسملة، الله أكبر الحمد لله رب العالمين؛ لأن الحديث: "يستفتح الصلاة بالتكبير، والقراءة بالحمد لله رب العالمين" وهذا معروف عند المالكية أنه لا استفتاح، ولا تعوذ، ولا بسملة، والجمهور يرون الاستفتاح، وقد دلت الأدلة الصحيحة الثابتة عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه يقول بين التكبير والقراءة دعاء الاستفتاح، ويتعوذ ويسمي، طيب ماذا عن هذا الحديث: "يستفتح القراءة"؟ فهل دعاء الاستفتاح قراءة؟ دعاء الاستفتاح ليس بقراءة، فهو يستفتح القراءة وإذا كان يستفتح القراءة بالحمد لله رب العالمين لا منافاة بين أن يوجد الاستفتاح قبل القراءة، والقراءة إنما تفتتح بالحمد، يوجد الاستفتاح ويوجد التعوذ من أجل القراءة، يوجد الاستفتاح؛ لأنه ليس بقراءة، فلا ينفيه هذا الحديث، ويوجد التعوذ الذي هو من أجل القراءة عند إرادة القراءة، كما ثبت في الآية والأحاديث، ويبسمل، ويكون المراد بالحمد لله رب العالمين هذه الجملة علم على هذه السورة، يعني اسم الفاتحة: الحمد لله رب العالمين بما فيها البسملة عند من يقول بأن البسملة آية من آيات الفاتحة كالشافعي على الخلاف بين أهل العلم، هل البسملة آية من الفاتحة أو ليست بآية؟ هل هي آية من كل سورة أو ليست بآية من أي سورة؟ أو آية واحدة نزلت للفصل بين السور؟ خلاف بين أهل العلم.
والبسملة بعض آية من سورة النمل إجماعاً، وليست بآية في أول التوبة إجماعاً أيضاً، وما عدا ذلك من السور خلاف، منهم من يقول: إنها آية من كل سورة، ومنهم من يقول: هي آية من سورة الفاتحة فقط، ومنهم من يقول: هي آية في القرآن كله نزلت للفصل بين السور.
(11/29)
فالذي يقول: إن البسملة آية من الفاتحة نعم يفتتح القرآن بسورة الحمد بما فيها البسملة، والذي يقول: إنها ليست بآية من الفاتحة يقول: حكمها حكم الاستعاذة، فالاستفتاح ليس بقرآن ولا بقراءة، يستفتح القراءة بالحمد فلا ينفي أن يستفتح، يتعوذ لإرادة القراءة كما أمر، والبسملة أيضاً ثبتت أنه كان يبسمل قبل السور، المقصود أن مثل هذا لا ينفي الاستفتاح ولا التعوذ ولا البسملة؛ لأنه ورد نصوص مفسرة مفصلة تبين أنه -عليه الصلاة والسلام- كان يستفتح ويتعوذ ويبسمل قبل قراءة الفاتحة.
"وكان إذا ركع لم يشخص رأسه ولم يصوبه" يشخص رأسه يعني يرفع رأسه، يعني لا يرفع رأسه هكذا، لم يشخص رأسه {لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ} [(42) سورة إبراهيم] يعني ترتفع، ولم يصوبه، يخفض رأسه، بل يكون الرأس بمستوى الظهر، لا يشخصه بمعنى يرفعه، ولا يصوبه يعني يخفضه، ومنه قيل للمطر: الصيب، لماذا؟ لأنه ينزل في الأرض ((اللهم اجعله صيباً نافعاً)) يعني نازلاً ينفع الأرض -إن شاء الله تعالى-.
"ولم يصوبه، ولكن بين ذلك" يعني يكون باستواء الظهر "وكان إذا رفع رأسه من الركوع لم يسجد حتى يستوي قائماً" يعني لا بد من الطمأنينة في هذا الركن، وحتى يعود كل فقار إلى مكانه على ما تقدم "وكان إذا رفع رأسه من السجدة لم يسجد حتى يستوي جالساً" وفي هذا رد على من لا يرى الطمأنينة في هذين الركنين، وفصلنا هذا بالأمس.
(11/30)
"وكان يقول في كل ركعتين التحية" التحية هل المراد بها السلام عليكم؟ {وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ} [(86) سورة النساء] تحية أهل الإسلام، تحية أهل الجنة إيش؟ السلام عليكم، هل يقول: السلام عليكم؟ إذا صلى ركعتين قال: السلام عليكم؟ ما المراد بالتحية هنا؟ التحيات "وكان يقول في كل ركعتين التحية" قد يقولها بعد ركعة، قد يقول التحية بعد ركعة، لكن الغالب أن الصلاة لا تقل عن ركعتين، فإذا كانت من ركعتين، أو أربع بين كل ركعتين، بعد كل ركعتين تحية، إذا كانت ثنائية أو رباعية كان بين كل ركعتين تحية، لكن إذا كانت ركعة واحدة، والصلاة قد تكون ركعة كالوتر مثلاً يقول فيها التحية، إذا كانت ثلاثية يقول بعد الركعتين التحية، ويقول بعد الثالثة التحية، فالحديث خرج مخرج الغالب.
"وكان يفرش رجله اليسرى، وينصب رجله اليمنى" وكان يفرش رجله اليسرى فيجلس عليها، وينصب رجله اليمنى "وكان ينهى عن عقبة الشيطان" فسرت عقبة الشيطان بأن يلصق إليتيه على الأرض، وينصب ساقيه وفخذيه، ويرسل يديه على الأرض، يعني كما يفعل الكلب، وهذا هو الإقعاء المنهي عنه.
"وكان ينهى عن عقبة الشيطان، وينهى أن يفترش الرجل ذراعيه افتراش السبع" هكذا على الأرض وهو ساجد، الذراعين، يجعل الذراعين على الأرض، هذا منهي عنه، وينهى أن يفترش الرجل ذراعيه افتراش السبع، وجاء تفسيره بالكلب أيضاً، وكان يختم الصلاة بالتسليم، يفتتحها بالتكبير، ويختتمها بالتسليم، فالتكبير ركن، تكبيرة الإحرام، وكذلك التسليم ركن على ما سيأتي -إن شاء الله تعالى-، ركن من أركان الصلاة لا تصح إلا به عند الجمهور خلافاً للحنفية أنه إذا فرغ من التشهد فقد تمت صلاته كما في حديث ابن مسعود ويأتي شرحه -إن شاء الله تعالى-.
"رواه مسلم".
(11/31)
"وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((إنما جعل الإمام ليؤتم به)) " يعني فلا يتقدم عليه ولا يفتأت عليه، ولا يتأخر عنه تأخراً بيناً ((إنما جعل الإمام ليؤتم به)) ليقتدى به، ويفعل مثل أفعاله ((ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا)) إذا كبر للإحرام أو غيرها من تكبيرات الانتقال كبروا، والمقصود إذا فرغ من التكبير فكبروا، ولا يوافق في التكبير يكون تكبير الإمام مع تكبير المأموم، لا، إنما يكبر الإمام، فإذا فرغ من التكبير يكبر المأموم.
((وإذا ركع فاركعوا)) إذا شرع في الركوع فاركعوا، إذا شرع في الركوع وليس المراد بالشروع الهوي، لا، يعني بدأ بالركوع فعلاً ((فاركعوا)) وعرفنا أنه إذا كبر فكبروا يعني فرغ، وإذا ركع شرع، وإذا قام إلى الصلاة أراد القيام وهكذا، فالفعل الماضي يأتي للفراغ من الفعل، والشروع فيه، وإرادة الفعل.
((وإذا ركع فاركعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده)) الإمام يقول: سمع الله لمن حمده ((فقولوا: اللهم ربنا)) يعني عندكم مكرر اللهم اللهم؟
طالب: لا واحدة، واحدة يا شيخ.
يعني ما في الثانية بين قوسين؟
طالب: لا لا، واحدة فقط بين قوسين.
اللهم اللهم، كتب مرتين، هذا خطأ قطعاً.
((اللهم ربنا لك الحمد)) وعرفنا الصيغ الواردة في هذه الجملة، اللهم ربنا ولك الحمد، اللهم ربنا لك الحمد كما هنا، اللهم ربنا ولك الحمد كما في البخاري، وهي التي قال ابن القيم: إنه لم يثبت الجمع بين اللهم والواو، ويستدرك عليه وليس بمعصوم، ربنا ولك الحمد، ربنا لك الحمد.
((وإذا صلى قائماً فصلوا قياماً)) هذا الأصل، صل قائماً، يقوله النبي -عليه الصلاة والسلام- لعمران بن حصين: ((صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب)) القيام مع القدرة ركن من أركان الصلاة المفروضة، لا تصح الصلاة من قعود بالنسبة للقادر على القيام، أما بالنسبة للنافلة فتصح النافلة، لكن ليس له من الأجر إلا النصف.
(11/32)
وعرفنا أن النص ((صلى قائماً فصلوا قياماً)) هذا يشمل الفرض والنفل ((صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً)) يشمل الفرض والنفل، لكن قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((صلاة القاعد على النصف من أجر صلاة القائم)) محمول على النافلة، وحديث عمران بن حصين محمول على الفريضة.
النبي -عليه الصلاة والسلام- كما عند البيهقي دخل المسجد والمدينة محمة، فوجدهم يصلون من قعود، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((صلاة القاعد على النصف من أجر صلاة القائم)) فتجشم الناس الصلاة قياماً، فدل على أنها نافلة؛ لأنهم ما يصلون قبل حضوره الفريضة، ودل على أنه بالنسبة للقادر على القيام تصح صلاته، لكن على النصف نعم؛ لأنهم تجشموا القيام فقاموا أما العاجز عن القيام أجره كامل في الفريضة والنافلة.
((وإذا صلى قائماً فصلوا قياماً، وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعون)) متفق عليه، واللفظ لمسلم.
القيام مع القدرة ركن من أركان الصلاة لا تصح إلا به، والنبي -عليه الصلاة والسلام- جاء وأبو بكر يصلي بالناس، فجلس عن يساره، وأكمل الصلاة جالساً -عليه الصلاة والسلام-، وهم من قيام، كيف نوفق بين حديث مرض النبي -عليه الصلاة والسلام- وقد صلى قاعداً وهم قيام وهذا الحديث: ((وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعون))؟ وأجمعون تأكيد للواو في صلوا، وجاء أجمعين منصوب على الحال، حال كونكم أجمعين، أي مجتمعين.
((صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعون)) وصلى في مرض موته -عليه الصلاة والسلام- قاعداً وهم من قيام، فمن أهل العلم من يرى أن مثل هذا النص منسوخ، منسوخ بما حصل منه -عليه الصلاة والسلام- في آخر عمره، فقد صلى قاعداً وهم يصلون قياماً، والآخر ينسخ المتقدم هذا قول الأكثر، مالك ما يرى صحة الإمامة خلف القاعدة، لا من قيام ولا من قعود، هذا قول المالكية، صلاة المأموم خلف القاعد باطلة فيبحث عن غيره.
الحنفية والشافعية يقولون: تصح إمامة القاعد، لكن يصلي القادر على القيام من المأمومين قياماً، وهذا الحديث منسوخ.
(11/33)
الحنابلة يقولون: لا، الحديث محكم، كيف نوفق بين هذا الحديث وبين صلاته في مرضه -عليه الصلاة والسلام- قاعد والمأمومين من قيام؟ قالوا: نحمل هذا الحديث على حالة، وهي: إذا ما صلى إمام الحي، إذا افتتح، إذا ابتدأ إمام الحي الصلاة قاعداً، إذا صلى إمام الحي، إذا ابتدأ إمام الحي الصلاة قاعداً لعلة يرجى برؤها فإنهم يصلون خلفه من قعود، إمام الحي وتبدأ الصلاة؛ لأن الصلاة في مرضه -عليه الصلاة والسلام- ابتدأت من قعود وإلا من قيام؟
طالب: من قيام.
من قيام؛ لأن الذي صلى بهم أول الأمر أبو بكر قائم، فالصلاة ابتدأت من قيام، والحديث لا يشمله هذا، يحمل على ما إذا ابتدأت من قعود، وأن يكون الإمام إمام الحي، أما إذا ابتدأها غيره من قعود فلا يصلى وراءه، يبحث عن غيره، أو يصلون خلفه قياماً، إذا ابتدأ إمام الحي الصلاة من قعود لعلة يرجى برؤها، نأتي بشخص مقعد ونقدمه بيننا أمامنا يعني ميئوس منه مقعد، أو أقطع الرجلين يجلس يصلي جالساً، نأتي بمثل هذا لنترخص به ونصلي من قعود! لا، مثل هذا إن صلى لميزة واضحة لا نصلي من قيام، والأصل أن مثل هذا لا يصلي؛ لئلا يقع الناس في الحرج ((كدتم أن تفعلوا فعل فارس والروم)) الصلاة خلف القاعد من قيام فيها مشابهة لفارس والروم، فمثل هذا لا يصلي، لكن إن كانت له مزية تجعله يؤم الناس لفضله وعلمه وإمامته يصلي بالناس، يصلون من قيام؛ لأن العلة لا يرجى برؤها، فإذا ابتدأ الإمام -إمام الحي- الصلاة من قعود لعلة يرجى برؤها فإنهم يصلون خلفه من قعود ((وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعون)) أما إذا افتتحت الصلاة من قيام فلا.
إذا كان الإمام غير إمام الحي فلا، إذا كانت العلة لا يرجى برؤها فلا، وبهذا يوفق بين النصين، مذهب الحنفية والشافعية الحديث منسوخ، فالقاعد لا يجوز له أن يقعد .. ، ومذهب المالكية يقولون: القاعد لا يصلى خلفه، والحنابلة يقولون بهذه القيود، يصلي الناس جلوس مثل الإمام، وإذا اختل شرط من هذه الشروط فإنهم يصلون من قيام، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(11/34)
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: المحرر – كتاب الصلاة (13)
الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سم.
بسم الله، والحمد لله، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الإمام ابن عبد الهادي -رحمه الله تعالى- في كتابه المحرر:
وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يرفع يديه حذو منكبيه إذا افتتح الصلاة، وإذا كبر للركوع، وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما كذلك أيضاً، وقال: "سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد، وكان لا يفعل ذلك في السجود" متفق عليه.
وللبخاري عن نافع أن ابن عمر كان إذا دخل في الصلاة كبر ورفع يديه، وإذا ركع رفع يديه، وإذا قال: سمع الله لمن حمده رفع يديه، وإذا قام من الركعتين رفع يديه، ورفع ذلك ابن عمر إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-.
وعن مالك بن الحويرث -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا كبر رفع يديه حتى يحاذي بهما أذنيه، وإذا ركع رفع يديه حتى يحاذي بهما أذنيه، وإذا رفع رأسه من الركوع قال: "سمع الله لمن حمده" فعل مثل ذلك. رواه مسلم، وفي رواية له: "حتى يحاذي بهما فروع أذنيه".
وروى عن وائل بن حجر أنه رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- رفع يديه حين دخل في الصلاة كبر وضعهما حيال أذنيه، ثم التحف ثوبه، ثم وضع يده اليمنى على اليسرى، فلما أراد أن يركع أخرج يديه من الثوب، ثم رفعهما ثم كبر فركع، فلما قال: سمع الله لمن حمده رفع يديه، فلما سجد سجد بين كفيه".
وروى ابن خزيمة في صحيحه عن وائل بن حجر قال: "صليت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ووضع يده اليمنى على يده اليسرى على صدره".
يكفي، بركة، حسبك.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في صفة الصلاة.
يقول -رحمه الله-:
(12/1)
"وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يرفع يديه حذو منكبيه إذا افتتح الصلاة" يعني مع تكبيرة الإحرام، يرفع يديه حذو يعني مقابل منكبيه، تثنية منكب، وهو مجتمع رأس العضد مع الكتف، يرفعهما حذو منكبيه، وهذه السنة متفق عليها بين الأئمة رفع اليدين مع تكبيرة الإحرام قول عامة أهل العلم، لم يخالف فيها أحد من الأئمة المعتبرين في هذا الموضع، وخالف بعضهم في المواضع اللاحقة، فالأئمة الأربعة كلهم على رفع اليدين في هذا الموضع، وأما بالنسبة للموضعين مع الركوع والرفع منه فيقول بهذا بقية الأئمة عدا الحنفية، وفي الموضع الرابع إذا قام من الركعتين وهو قول الشافعية، ولا يقول به الحنابلة على ما سيأتي.
(12/2)
"كان يرفع يديه حذو منكبيه" في الرواية أو الحديث الآخر يقول: "حتى يحاذي بهما فروع أذنيه" "حذو منكبيه" يعني مقابل منكبيه، مقابل مجتمع العضد مع الكتف، والرواية الأخرى إلى فروع أذنيه، فمنهم من يقول: إن المصلي مخير، إما أن يرفع ويبالغ في الرفع إلى فروع الأذنين، أو يخفض قليلاً إلى أن يساوي أو يحاذي المنكبين، ومنهم من يقول: إنه منتهى الرفع إلى فروع الأذنين، بمعنى أن أطراف الأصابع تحاذي فروع الأذنين، وظهور الكفين تحاذي المنكبين، وأنتم ترون المصلين مع الأسف بما فيهم ممن ينتسب إلى طلب العلم يتساهل في هذه السنة الثابتة عن النبي -عليه الصلاة والسلام- ثبوتاً قطعياً، يتساهل فيها إما أن لا يرفع أو يرفع رفعاً يشبه العبث مجرد تحريك لليدين، لا يحاذي بهما ولا سرته، بس مجرد تحريك هكذا، وهذا لا يكفي، هذا عبث هذا، فلا بد من معرفة السنة ليتم الاقتداء والامتثال ((صلوا ما رأيتموني أصلي)) ثم بعد ذلك لا بد من تطبيق السنة، ولا بد من فقه لهذا التطبيق، نجد بعض طلاب العلم يتساهل في تطبيق السنة، ويعرف السنن، لكنه لا يحرص على التطبيق، وقد يوجد من هو متخصص في السنة، ويعلم السنة، ومع ذلك يتساهل في التطبيق، الرسول -عليه الصلاة والسلام- هو الأسوة وهو القدوة، وقد أمرنا أن نصلي كما وصف لنا، كما وصفت لنا صلاته -عليه الصلاة والسلام-، والصلاة إذا لم تؤدَ على الوجه الشرعي امتثالاً لقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) فإنها لا تؤدي الثمرة المرتبة عليها، ولا تحصل الآثار المترتبة عليها، كثير من المسلمين يصلي، لكن صلاته لا تنهاه عن الفحشاء والمنكر؛ لماذا؟ لأنه لا يأتي بها على الوجه الشرعي، في الحركات الظاهرة المقدور عليها، فكيف بالأعمال الباطنة التي قد يعجز عنها كثير من الناس، ويشكو منها كثير من المصلين، تجده إذا أراد أن يرفع يديه حرك يديه مجرد تحريك، هذا ليس بشيء، هذا عبث هذا، النبي -عليه الصلاة والسلام- يرفع يديه حذو منكبيه، وسمعنا الروايات الأخرى، وستأتي إلى فروع أذنيه، فلا يكفي أي رفع، بل لا بد من الرفع على الصفة والوجه الشرعي.
(12/3)
"إذا افتتح الصلاة" يعني إذا كبر تكبيرة الإحرام، يرفع يديه إذا افتتح الصلاة، الأصل أن يكون الرفع مقترن بالتكبير؛ لأنه علامة عليه وإشارة، يستدل بها من لا يسمع التكبير، فيشترك في رؤية الإمام وسماع الإمام وتضافر على الدخول في الصلاة أكثر من دليل، يستدل به المصلي المقتدي بإمامه، فالذي يسمع يسمع التكبير، والذي لا يسمع يرى رفع اليدين وهكذا، فالأصل أن يكون الرفع مقترن بالتكبير، يبدأ معه بداية ونهاية، لكن إن قدمه قليلاً، أو تأخر قليلاً هذا لا يضر عند أهل العلم، لكن مع ذلك الأصل أن الرفع علامة على التكبير، تكبيرة الإحرام التي هي ركن من أركان الصلاة على ما تقدم عند الجمهور، وأشرنا سابقاً إلى أن تكبيرة الإحرام عند الحنفية شرط من شروط الصلاة، وعرفنا الفوائد المرتبة على الخلاف.
"وإذا كبر للركوع" هذا هو الموضع الثاني من مواضع رفع اليدين في الصلاة، إذا كبر للركوع رفع يديه، "وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما كذلك" وصفة الرفع في الركوع والرفع منه غير مبينة في الحديث، ما فيه: وإذا كبر للركوع رفع يديه حذو منكبيه، وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما كذلك، والظاهر أنه إحالة على الصفة السابقة، ولا تحتاج إلى ذكر، يكفي ذكر الكيفية في موضع واحد، ويحال عليه المواضع الأخرى، فيكون الرفع في جميع المواضع حذو منكبيه، ويكرر العابث الذي يحرك يديه مجرد حركة هذا العبث في هذه المواضع، وبعض الناس لا يرفع بهذه السنة رأساً مع أنه لا إشكال عنده في ثبوتها، ولا في مشروعيتها، وتجده يصلي كأن الأمر لا يعنيه.
هذه المواضع الثلاثة عرفنا أن الحنفية يقولون بالموضع الأول، والأئمة الثلاثة يقولون في الموضعين أيضاً، فيجمع لهم ثلاثة مواضع، والشافعية يقولون بالموضع الرابع الآتي في الخبر الذي يليه.
(12/4)
رفع اليدين سنة عند جماهير أهل العلم، ونقل على ذلك الإجماع، نقله النووي وغيره، مع أنه نُقل الوجوب بالنسبة للرفع مع تكبيرة الإحرام النووي نقل الإجماع على أنه سنة، ونقل الوجوب عن الحميدي شيخ البخاري وعن السياري من أئمة الشافعية، فالنووي نقل الإجماع ونقل الوجوب، نقل الإجماع على الاستحباب، ونقل الوجوب عن بعضهم، أحمد بن سيار السياري من أئمة الشافعية، نقل قوله النووي في شرح المهذب، وفي شرح مسلم، مع أنه نقل الإجماع على الاستحباب، فهل في هذا تعارض بين نقله الإجماع ونقله القول بالوجوب؟ لأنه هو النقل الخلاف، نقل الإجماع ثم نقل الخلاف؟ أو أن القائل بالوجوب قائل بالاستحباب وزيادة؟ فكأن الجماع على المشروعية، يعني هل يؤثر القول بالوجوب على القول بالاستحباب لكي نجمع بين القولين، ولا نقول: إن النووي اضطرب في هذا؟ أو نقول: إن المخالف جاء بعد أن انعقد الإجماع فلا عبرة بقوله فكأنه لم يعتبره؟ هذا موجود في كلامه في صفحة واحدة كلام النووي.
طالب:. . . . . . . . .
كيف اتفاق؟
طالب:. . . . . . . . .
لا لا، النووي رأيه رأي الجمهور في أن الإجماع اتفاق جميع المجتهدين، يعني ما هو مثل ابن جرير الطبري يرى أن الإجماع قول الأكثر، لا، قوله معروف أنه يرى أن الإجماع قول الكل، فهل يؤثر قول من قال بالوجوب على الإجماع على الاستحباب؟ أو نقول: إن القول بالوجوب استحباب وزيادة لا يؤثر عليه؟ كأنه قال: أجمعوا على المشروعية، والمشروعية يندرج فيها الوجوب والاستحباب، أو نقول: إن هذا من تساهل النووي في نقل الإجماع؟ أو نقول: إن هذا خلاف حادث بعد أن اتفق الأئمة على الاستحباب فلا عبرة به كأنه لم يوجد؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
(12/5)
يعني الاستحباب أعم من أن يكون الاستحباب الاصطلاحي، نعم أعم من أن يكون الاستحباب الاصطلاحي منهم من قال هذا، أن الاستحباب لا ينافي الوجوب؛ لأنه استحباب وزيادة، وعلى كل حال النووي له من هذا مسائل عديدة ينقل الإجماع ثم ينقل الخلاف، يعني نقل الإجماع على أن صلاة الكسوف سنة، مع أن أبا عوانة في صحيحه قال: باب وجوب صلاة الكسوف، قد يقول قائل: إن النووي لم يستحضر كلام أبي عوانة، لكن هنا استحضر المخالف، ونقل الإجماع على استحباب عيادة المريض مع أن البخاري في صحيحه يقول: باب وجوب عيادة المريض، يعني إذا قلنا: إنه غاب عنه قول أبي عوانة فإننا لا نتصور أن يغيب عنه ما ترجم به الإمام البخاري من وجوب عيادة المريض، وعلى كل حال النووي له مواطن من هذا النوع، وهذا من تساهله -رحمه الله-، من تساهله في نقل الإجماع.
"وإذا كبر للركوع، وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما كذلك" يعني كذلك تشمل الرفع وصفة الرفع، رفعهما كذلك أيضاً.
"وقال: سمع الله لمن حمد ربنا ولك الحمد" إذا رفع من الركوع الرسول -عليه الصلاة والسلام- يجمع بين الذكرين، سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد، وهذا في حق الإمام والمنفرد ظاهر، في حق الإمام والمنفرد في الجمع بين الذكرين ظاهر، لكن المأموم ماذا عنه هل يجمع بينهما؟ بمعنى أنه إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد، يقول المأموم: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد كما كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يفعل؟ بهذا قال الشافعية، والأكثر على أنه إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده قال المأموم: ربنا ولك الحمد، فالإمام يجمع بينهما، والمأموم يقول: ربنا ولك الحمد.
(12/6)
وفي الحديث السابق: ((وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد)) فدل على أن المأموم لا يقول: سمع الله لمن حمده، وهذا مما يختص به الإمام، وأفعاله -عليه الصلاة والسلام- في الصلاة وغيرها وهو الأصل أنه هو القدوة وهو الأسوة، لكن قد يفعل الفعل باعتباره مكلف من المكلفين -عليه الصلاة والسلام-، فيقتدي به جميع المكلفين، ويفعل الأمر باعتباره إمام، فيقتدي به الأئمة فقط، الرسول -عليه الصلاة والسلام- حينما دخل المسجد لصلاة الجمعة وصعد المنبر هل يقتدي به المأمومون فيجلسون بدون صلاة؟ يعني ما ثبت أن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى حينما دخل لصلاة الجمعة قبل الصلاة، وأمر الداخل ((قم فصلِ ركعتين)) فعله باعتباره إمام يقتدي به الأئمة في هذا، فأفعال النبي -عليه الصلاة والسلام- لها عدة اعتبارات: منها: ما يقتدي به الجميع، ومنها ما يقتدي به الأئمة، ومنها ما يقتدي به القضاة مثلاً، ومنها ما يقتدي به الحكام، فلا يلزم أن يكون -عليه الصلاة والسلام- .. ، وكل موضع له ما يدل له، والأصل الاقتداء، لكن إذا وجد ما يعارض مثل ما عندنا فننزل مثل هذه الصورة على الأئمة، كما صنع -عليه الصلاة والسلام- حينما دخل المسجد لصلاة الجمعة، صعد المنبر ما عرف أنه صلى ركعتين، وأمر الداخل أن يصلي ركعتين، يعني هل لقائل أن يقول: لا تصلِ ركعتين لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما صلى ركعتين، نعم نقول للإمام: لا تصلِ ركعتين، ثم بعد ذلك إذا أردنا الاستطراد فهل الدرس مثل خطبة الجمعة؟ يعني الشيخ يدخل المسجد ويأتي إلى الكرسي ويلقي الدرس ولا يصلي ركعتين، أو يختلف الحكم؟ هذه محل نظر يعني، تحتاج إلى نظر.
"وقال: سمع الله لمن حمده" فيه إثبات السمع لله -جل وعلا- على ما يليق بجلاله وعظمته، كسائر صفاته الثابتة في الكتاب والسنة.
"ربنا ولك الحمد" هذه صيغة من الصيغ الأربع، وكلها ثابتة: ربنا ولك الحمد، بالواو دون اللهم، وثبت الجمع بينهما في صحيح البخاري، وإن نفاه ابن القيم في زاد المعاد، اللهم ربنا ولك الحمد، والصيغة الثالثة: ربنا لك الحمد، بدون الواو وبدون اللهم، والصيغة الرابعة تمام القسمة، اللهم ربنا لك الحمد، باللهم دون الواو.
(12/7)
"وكان لا يفعل ذلك في السجود" يعني لا يرفع يديه إذا هوى للسجود، إذا هوى للسجود لا يرفع يديه، وبهذه الجملة الثابتة في الصحيحين حكم على حديث: "كان يرفع يديه مع كل خفض ورفع" بالشذوذ؛ لمخالفته لهذه الرواية المتفق عليها، كان يرفع يديه مع كل خفض ورفع، وقالوا: اللفظ المحفوظ: "كان يكبر مع كل خفض ورفع" مع أن منهم من أثبتها كالشيخ أحمد شاكر، يقول: الرواية صحيحة وثابتة، وكان يفعل ذلك أحياناً، لكن قوله: "وكان لا يفعل ذلك في السجود" لا شك أنه أصح وأكثر، فهي مقدمة، والرواية الثانية محكوم عليها بالشذوذ.
"وكان لا يفعل ذلك في السجود" في الرواية الأخرى: "إذا هوى للسجود" متفق عليه.
"وللبخاري عن نافع أن ابن عمر كان إذا دخل في الصلاة كبر ورفع يديه، وإذا ركع رفع يديه، وإذا قال: سمع الله لمن حمده رفع يديه، وإذا قام من الركعتين رفع يديه" إذا قام من التشهد الأول وإذا قام، وننتبه للفظة: قام من الركعتين رفع يديه، وهذا هو الموضع الرابع ويقول به الشافعية، وهو ثابت في الصحيح.
"ورفع ذلك ابن عمر إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-" ومعلوم أن هذا لا يقول به الحنابلة، مع ثبوته في الصحيح؛ لماذا؟ لأن الإمام أحمد -رحمه الله- يرى أن هذا الحديث موقوف على ابن عمر، البخاري -رحمه الله تعالى- ترجح عنده الرفع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، والإمام أحمد ترجح عنده الوقف على ابن عمر، فماذا يصنع طالب العلم في مثل هذا الاختلاف بين هذين الإمامين العظيمين؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
(12/8)
المثبت مقدم على النافي، هذه ليست قاعدة مطردة؛ لأنه إذا كان مع النافي زيادة علم خفيت على المثبت مع أن الأصل أن المثبت معه زيادة العلم، فإذا كان مع النافي أيضاً زيادة على ما عند المثبت بأن يكون علم ما عند المثبت من زيادة، وعنده علم بنفيها، فإنه يقدم النافي، يعني لو أن شخصاً، أو إماماً من الأئمة، أو من علماء الجرح جرح راوياً بأنه قتل فلاناً، نعم هذا مثبت، والثاني وثقه؛ لأنه لم يقتل فلاناً، نقول: المثبت مقدم على النافي، لكن إذا قال المثبت: قتله يوم الخميس، وقال النافي: صلى بجوار المدعى قتله يوم الجمعة، صار معه زيادة أكثر من المثبت، فهذه القاعدة نعم يحكم بها أهل العلم، لكنها ليست مطردة.
الإمام أحمد -رحمه الله- يرى أن الخبر موقوف على ابن عمر، والإمام البخاري حكم برفعها، الأئمة معروف قولهم في مثل هذا الاختلاف بين الرفع والوقف، منهم من يحكم للرفع مطلقاً، ويقول: إنها زيادة، والزيادة من الثقة مقبولة، ويطلقون هذا القول، وهذا معروف في قواعد المتأخرين، ومنهم من يحكم بالوقف لأنه المتيقن، والرفع مشكوك فيه؛ والصواب عند أهل العلم أنه لا هذا ولا هذا، لا يحكم بحكم مطرد، وإنما العمل في مثل هذا بالقرائن، لكن ليس هذا لآحاد المتعلمين، إنما هو للمتمكنين، الذين يعرفون القرائن، ويعرفون كيف يحكمون بها.
المقصود أن هذا الخلاف من هذين الإمامين الترجيح بالنسبة لطالب العلم في مثل هذا دونه خرط القتاد؛ لأن طالب العلم ما عنده أكثر من أن البخاري أثبت الرفع والإمام أحمد نفى، أثبت الوقف، ليس عنده أكثر من هذا، طالب العلم، فالحنبلي المقتدي بالإمام أحمد المقلد يقول أهل العلم: يلزمه قبول قوله، والذي يتبع الأئمة ولديه حظ من النظر يستطيع أن يرجع بين الأقوال، ليس بملزم بقول أحمد، ولا بقول غيره، إنما يعمل بما يترجح عنده إذا كان أهلاً للنظر.
في مثل هذا الخلاف هل نستطيع أن ننصب الخلاف هنا كسائر المسائل بين هذين الإمامين، أو نقول: إن المسألة محسومة؟ هذه مسألة تعرضنا لها مراراً، يعني إذا وجد خلاف بين البخاري وأحمد، خلاف بين البخاري وأبي حاتم، خلاف بين مسلم وأبي زرعة وهكذا.
(12/9)
نقول: إذا كان خلاف البخاري أو مسلم خارج الصحيحين فهما إمامان من الأئمة كغيرهم، يعني لو أن البخاري أثبت الرفع فيما نقله عنه الترمذي في سننه، قلنا: ندان، البخاري وأحمد رجح بينهما، ولك أن ترجح قول أحمد، ولك أن ترجح قول البخاري، لكن ما دام الترجيح في صحيح البخاري الذي تلقته الأمة بالقبول يكون حينئذٍ ليس محل للنظر، نرجح ما في صحيح البخاري على كل أحد كائناً من كان، يعني فرق بين أن يرجح البخاري فيما ينقل عنه خارج الصحيح، وبين ما دونه في الصحيح الذي تلقته الأمة بالقبول، واكتسب القطعية من هذا التلقي، ولو كان قول البخاري مما نقل عنه، نقله عنه الترمذي أو غيره، قلنا: إمامان، والنظر جارٍ بين الأئمة، ونرجح بين أقوالهم، لكن ما دام الترجيح في صحيح البخاري فالمسألة كما قيل: قطعت جهيزة قول كل خطيب، خلاص ما دام في البخاري ليس لنا نظر، ولا بد من صيانة الصحيحين بقدر الإمكان، فالمرجح في هذا الرفع، ونقول: ترفع اليدان في الصلاة في أربعة مواضع، عند تكبيرة الإحرام، والركوع، والرفع منه، وإذا قام من الركعتين، وقوله: وإذا قام من الركعتين رفع يديه، نستحضر ما رددناه مراراً من أن الفعل الماضي يطلق ويراد به الفراغ من الفعل، كما هو الأصل، يطلق ويراد به الشروع، يطلق ويراد به إرادة الفعل، فقوله: "وإذا قام من الركعتين رفع يديه" هل نقول على الأصل: إنه إذا قام فرغ من القيام فلا يرفع يديه حتى يستوي قائماً، أو نقول: شرع في القيام فيرفع يديه مع الانتقال، يرفع يديه أثناء القيام، أو نقول: إذا أراد القيام فيرفع يديه قبل أن يقوم وهو جالس ثم يقوم؟ واللفظ محتمل، لكن الأصل في الفعل أنه إذا فرغ ولا نحتاج إلى التأويلين الآخرين إلا إذا وجدنا معارض، فهل يوجد معارض لهذا؟ لأنكم ترون وسمعتم عن بعض الأئمة أن اليدين ترفع أثناء الجلوس، ثم يقوم، ما رأيتم هذا؟ لا موجود، كله بناءً على هذه الاحتمالات، يعني التكبيرة للقيام هي تكبيرة انتقال، الأصل أن التكبير الصوت يواكب ويتمشى مع الحركة مثل الركوع والرفع منه، مثل السجود والرفع منه، هذا الأصل، والرفع للدلالة علامة على هذا الانتقال، فالقول الثاني له وجه كسائر مواطن الرفع أنه أثناء
(12/10)
الانتقال، والفعل يقتضي أنه إذا قام، إذا استتم قائماً رفع يديه، وهذا هو الأصل في الفعل الماضي، الفعل الماضي أنه إذا فرغ من الفعل رفع يديه، والاحتمالان الآخران يحتاج إليهما متى؟ عند التعارض، إذا دخل الخلاء هل يذكر الله إذا دخل الخلاء؟ وجد المعارض، فحمل على إرادة الدخول، ((إذا ركع فاركعوا)) هل نستطيع أن نقول: اركعوا إذا أراد الركوع قبل أن يركع؟ لا، هل نستطيع أن نقول: إذا فرغ من الركوع اركعوا؟ إذا فرغ من الركوع، يعني قام منه فرغ منه وقام منه؟ لا، تفوت الركعة، إذاً إذا شرع في الركوع اركعوا.
ومثل هذا يحتاج إلى التأمل والنظر في كل نص بعينه، وهنا لا معارض لإجراء الفعل الماضي على أصله، وحينئذٍ يكون الرفع إذا قام من الركعتين، يعني إذا استتم قائماً، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم يقول: لو قلنا بالوقف على ابن عمر وهو صحابي مؤتسي صحابي معروف بحرصه على السنة هل نقول: إنه موقوف بمعنى أنه لا يثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- بوجه من الوجوه؟ أو نقول: إن هذا موقوف، لكنه في عبادة توقيفية لا يمكن أن يفعله ابن عمر من تلقاء نفسه؟ لو لم ترد صفة صلاة النبي -عليه الصلاة والسلام- إلا عن ابن عمر لقلنا: له حكم الرفع، لكن نقلت صلاته -عليه الصلاة والسلام- من جمع من الصحابة، ولم يذكروا هذا، فهذه تعد مخالفة عند أهل العلم فيكون له حكم الرفع، كما كان يرفع يديه يعني ابن عمر في تكبيرات الجنازة، يقال: هذا موقوف عن ابن عمر، وكثير من أهل العلم لا يعمل به؛ لأنه موقوف، وهو معارض بكلام ابن عباس -رضي الله عنهما-، وإن كان المرجح عندي صنيع ابن عمر؛ لأنه له ما يؤيده من المرفوع، وإن كان ضعيفاً.
طالب:. . . . . . . . .
لا، يأخذون بقول إمامهم، خلاص ما يراه مرفوع ما عمل به.
طالب:. . . . . . . . .
أصول إمامهم، لكن إذا ترك الإمام هذا الأصل يفعلونه هم؟ لا ما يفعلونه.
"ورفع ذلك ابن عمر إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-".
ثم قال -رحمه الله-:
(12/11)
"وعن مالك بن الحويرث -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا كبر رفع يديه حتى يحاذي بهما أذنيه" إذا كبر وهناك إذا افتتح الصلاة، فالتكبير هنا هو تكبيرة الافتتاح التي هي تكبيرة الإحرام، رفع يديه حتى يحاذي بهما أذنيه، والكلام هنا في كبر مثل الكلام في قام هل المراد به إذا شرع، أو إذا أراد، أو إذا فرغ؟ وقلنا: إن الأصل في الفعل الماضي الفراغ منه، ولذلك يقال: ماضي، وهنا يقرر أهل العلم أن الأصل في الرفع أنه للدلالة على الذكر القولي، فيكون مقترناً به، فهذا هو المرجح عند أهل العلم.
"حتى يحاذي بهما أذنيه" ويجيزون التقدم والتأخر اليسر "حتى يحاذي بهما أذنيه" هناك "منكبيه" رواية: "حتى يحاذي بهما فروع أذنيه" ويختلف الرفع أحياناً، فيكون إلى فروع الأذنين، ويكون إلى الأذنين، ويكون إلى المنكبين، والجمع الذي أبداه الإمام الشافعي -رحمه الله- أن أطراف الأصابع إلى فروع الأذنين، وظهور الكفين إلى المنكبين، يجمع بين هذه الروايات، ومنهم من يقول: إنه اختلاف تنوع للإنسان أن يرفع إلى فروع الأذنين، وله أن يخفض إلى الأذنين، وله أن يخفض إلى المنكبين، والأمر في هذا واسع.
"وفي رواية له: "حتى يحاذي بهما فروع أذنيه، وإذا ركع رفع يديه حتى يحاذي بهما أذنيه، وإذا رفع رأسه من الركوع قال: سمع الله لمن حمده فعل مثل ذلك" رواه مسلم، وفي رواية له: "حتى يحاذي بهما فروع أذنيه".
"وروى -يعني مسلم- عن وائل بن حجر أنه رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- رفع يديه حين دخل في الصلاة كبر" رفع يديه حين دخل في الصلاة، ودخوله في الصلاة بالتكبير، يفتتح الصلاة بالتكبير.
"وضعهما حيال أذنيه" يعني مقابل أذنيه "ثم التحف ثوبه" يعني غطى به يديه، ولعل هذا كان في وقت برد، فقد جاء وائل بن حجر في وقت فيه برد، فرأى الناس يصلون وعليهم جل الثياب.
(12/12)
"فالتحف ثوبه ثم وضع يده اليمنى على اليسرى" تحت الثوب وإلا خارج الثوب؟ شوف الجملة التي بعدها، نعم داخل الثوب، يقول: ثم وضع يده اليمنى على اليسرى، داخل الثوب، بدليل: "فلما أراد أن يركع أخرج يديه من الثوب ثم رفعهما" طيب كيف رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- حينما وضع يده اليمنى على اليسرى وهي داخل الثوب؟ وضعهما حيال أذنيه، ثم التحف ثوبه، ثم وضع يده اليمنى على اليسرى، فلما أن أراد أن يركع أخرج يديه من الثوب؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني الكفين كانتا خارج الثوب؟
طالب:. . . . . . . . .
لا لا، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ألا يمكن أن يعرف مثل هذا تحت الثياب؟ لا سيما الثوب الذي له طرفان، يمكن أن .. ، أنت افترض المسألة أنه يلتحف بمثل أو ما يقارب البشت المشلحة عندنا معروف وإلا ما هو معروف؟ ويداه داخل هذه الجبة أو هذا البشت، ويقبض اليمنى باليسرى من تحت البشت وتشوف يعني واضح ما هو .. ، يمكن معرفة هذا وإن كان داخل الثوب، ويمكن أن يتصرف في الثوب ليكون مقبوضاً باليد من الطرفين باليدين من الطرفين وتوضع اليمنى على اليسرى، يمكن وإلا ما يمكن؟ يمكن، يعني ما نتصور أن الثوب مثل الخيمة بحيث يختفي ما تحتها فلا يُرى منه ولا يُعرف كيفية الداخل فيه، لا، إنما يمكن أن يُعرف القبض من وراء الثوب، ثم وضع يده اليمنى على اليسرى، وفي هذا مشروعية القبض، قبض اليد اليسرى باليمنى، ثم وضع يده اليمنى على اليسرى، الكف على الكف أو على الرسغ، وهذا معروف عند جماهير أهل العلم، ويخالف فيه المالكية، يعني رأي المالكية في هذا وينسبونه إلى الإمام -رحمه الله- أعني القول بالإرسال، وبعضهم يجعل هذا يندرج في قوله: {وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ} [(67) سورة التوبة] نعم مدح وإلا ذم؟ ذم، فلا شك أن هذا القول مرجوح، وقبض اليد اليسرى باليمنى أمر معروف في السنة، وثابت ومستفيض، وعليه الأئمة قاطبة، والمالكية ينسبون لإمامهم القول بالإرسال، مع أنه موجود عند كثير من أئمة المالكية أهل الأثر، أهل الاقتداء مسألة القبض.
(12/13)
ومنهم من يبرر للإمام مالك هذا إن صح عنه من يبرر للإمام مالك مسألة الإرسال أنه لما ضرب -رحمه الله- صار لا يستطيع أن يقبض اليسرى باليمنى، فاقتدي به، وصار فعلاً له بمثابة القول، نعم يحتج به من يقتدي بالإمام مالك، والعبرة بما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وعلى كل حال الإمام مالك نجم السنن، لا يتصور منه أن يخالف سنة ثبتت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- إلا بمعارض راجح عنده، إذا وجد المعارض الراجح قد تثبت السنة ويوجد لها معارض، ثم يترك العمل بها، أو يكون عمل أهل المدينة على خلاف هذه السنة، كما هو معروف عنده -رحمه الله-، وإلا فهو إمام من أئمة المسلمين.
"ثم وضع يده اليمنى على اليسرى، فلما أراد أن يركع أخرج يديه من الثوب، ثم رفعهما، ثم كبر" فلما أراد أن يركع أخرج يديه من الثوب ثم رفعهما ثم كبر "فركع" العطف بـ (ثم) الأصل فيه أنه مع الترتيب التراخي، فكأنه رفع يديه قبل أن يركع بمدة، لكن الروايات كلها تدل على أن التكبير أو أن الرفع مع التكبير، يقول: "ثم رفعهما ثم كبر" وهذا للترتيب الذكري لا للترتيب الزمني، كما هو معروف فركع، في بعض النسخ: فرفع، "فلما قال: سمع الله لمن حمده رفع يديه" فلما قال رفع يدل على أن الرفع مقترن بقوله: سمع الله لمن حمده، فلما سجد سجد بين كفيه.
(12/14)
يسجد على الكفين كما تقدم في السجود على الأعضاء السبعة، ولا بد من مباشرة الكفين المسجود عليه، والمراد بالكفين الراحة مع بطون الأصابع، وبعض الناس يسجد على الأصابع، على أطراف الأصابع، وبعضهم يسجد على بطون الأصابع ويرفع الكفين، وبعضهم يسجد على جموعه، إيش جموعه هذه؟ الجُمْع اليد إذا كانت مضمومة، فيضم أصابعه ويسجد عليهم، وبعضهم كالعاجن، يسجد كالعاجن هكذا، وكل هذا لا يجزئ، بل لا بد من السجود على الأعضاء السبعة التي منها الكفين، ولا بد من السجود على بطون الكفين، "فلما سجد سجد بين كفيه" بمعنى أنه يجعل الكفين بإزاء الوجه، مع التجافي الثابت عنه -عليه الصلاة والسلام-، ومنهم من يؤخر الرأس عن اليدين، ومنهم من يضم اليدين إلى الآخر بإزاء الركبتين، ويجعل الرأس متقدم عليهما، ولكن السنة في هذا الحديث: "فلما سجد سجد بين كفيه -عليه الصلاة والسلام-".
ثم بعد هذا يقول:
"وروى ابن خزيمة في صحيحه عن وائل بن حجر قال: "صليت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ووضع يده اليمنى على يده اليسرى" وهذا هو القبض الذي أشرنا إليه "على صدره" وهذا لا شك أنه أصح من خبر علي -رضي الله عنه-: "من السنة وضع الكف على الكف تحت السرة" هذا مضعف عند أهل العلم، ومنهم من يبالغ فيجعل اليدين المقبوضتين على النحر، ويستدل لهذا بقوله -جل وعلا-: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [(2) سورة الكوثر] أي ضع يديك على النحر، وهذا لا شك أنه إنجاع –إبعاد- في الاستدلال، والمراد بالنحر نحر الهدي والأضاحي، الصلاة صلاة عيد الأضحى، والمراد بالنحر نحر الهدي والأضاحي.
"وضع يده اليمنى على اليسرى على صدره" وهذا أصح من وضع اليدين على السرة أو تحت السرة.
والحديث -أعني حديث وائل بن حجر- عند ابن خزيمة لا يسلم من مقال عند أهل العلم، لكن له ما يشهد له مما يدل على أن له أصلاً، وهو أصح مما ورد من وضع اليدين تحت السرة، نعم.
(12/15)
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسكت بين التكبير والقراءة إسكاتة، قال: أحسبه قال: هنية، فقلت: بأبي وأمي يا رسول الله إسكاتك بين التكبير والقراءة ما تقول؟ قال: ((أقول: اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسل خطاياي بالماء والثلج والبرد)) متفق عليه، واللفظ للبخاري.
يكفي، يكفي.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسكت بين التكبير والقراءة" كان هذه تدل على الاستمرار، كان يسكت بين التكبيرة والقراءة "إسكاتة، قال: أحسبه قال: هنية" يعني إسكاتة يسيرة ليست بطويلة، يقرأ فيها دعاء الاستفتاح، كما بين في هذا الحديث، وكونها يسيرة ترد قول من يقول: إنه يجمع بين دعاء الاستفتاح الوارد عن النبي -عليه الصلاة والسلام- بصيغ متعددة، فلو كان يجمع بينها لكانت الإسكاتة طويلة.
وفي الصحيح: "أرأيت سكوتك بين التكبيرة والقراءة ما تقول؟ قال: ((أقول: اللهم باعد بيني وبين خطاياي)) من حديث أبي هريرة.
"كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسكت بين التكبيرة والقراءة إسكاتة، قال: أحسبه قال: هنية، فقلت: بأبي وأمي يا رسول الله" التفدية شرعية، جاءت بها النصوص، فسمعها النبي -صلى الله عليه وسلم- من أصحابه، وفدى النبي -صلى الله عليه وسلم- سعداً بأبويه.
(12/16)
"فقلت: بأبي وأمي يا رسول الله" يعني لو قالها إنسان في الوقت الحاضر بعد وفاته -عليه الصلاة والسلام- وفداه بأمه وأبيه لا سيما إذا سمع من يقدح فيه -عليه الصلاة والسلام-، أو يسخر منه، أو من سنته لكان ذلك مشروعاً، وليس المراد بفداء بدنه وجسده، وإنما فداء سنته -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه قد مات -عليه الصلاة والسلام-، فتقدم النفس فداءً لعرضه، وفداءً لسنته دون من يتطاول عليه، ومع الأسف أننا نجد من جلدتنا ومن يتكلم بألسنتنا يتطاول على السنة دون رادع، فضلاً عن الكفار الذين نالوا منه ووصفوه بأبشع الأوصاف، وصوروه بأقبح الصور -عليه الصلاة والسلام-، ولا شك أن مثل هذا يحز في نفوس المسلمين، ومن لم يرفع بذلك رأساً فليراجع نفسه، لكنه مع ذلك نجزم أن فيه الخير، أن فيه المصلحة راجحة، يعني لا نتمناه ولا نرضاه، لكن {لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم} [(11) سورة النور] إذا كان الكلام في عرضه -عليه الصلاة والسلام- موجهة له في وجهه -عليه الصلاة والسلام-، ويقول الله -جل وعلا-: {لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ} [(11) سورة النور] فكذلك ما حصل ليس بشر من جميع الوجوه، بل الذي ترتب عليه ترتب مصالح كبرى، فكثير من المسلمين لا يعرف عن الرسول -عليه الصلاة والسلام- إلا الاسم، ولا يعرف كيف يقتدي به، ولا يعرف كيف يأتسي به، ولا يعرف أن في نفسه له قدر -عليه الصلاة والسلام-، لكن لما وجد هذا التطاول على النبي -عليه الصلاة والسلام- ظهر ما في النفوس من مكنون حياله وتجاهه ومن محبة صادقة، وإن كانت هذه المحبة إذا لم تكن مقرونة بالاقتداء به -عليه الصلاة والسلام-، بالإتباع الصحيح فإنها تكون نظرية أثرها يكون ضعيفاً، وإلا فالأصل أن على المسلم أن يحب الرسول -عليه الصلاة والسلام- أحب من نفسه، ولذلك لما قال عمر -رضي الله عنه-: إني والله لأحبك من كل شيء إلا من نفسي، قال: ((بل ومن نفسك يا عمر)) قال: ومن نفسي، قال: ((الآن يا عمر)).
(12/17)
يعني بعض الناس هذه أمور قلبية، يعني التصرف فيها في غاية الصعوبة، يعني لا تملك بسرعة، إنما الذي يقررها ويوطنها العمل الصحيح، يعني أنت بلحظة يمكن ينقلب البغض أو عدم المحبة التامة إلى المحبة التامة، يعني عمر في لحظة قال: ومن نفسي، قال: ((الآن يا عمر)) هل هذه دعوى من عمر؟ نعم؟ لأن مثل هذه المحبة إنما تنمو وتزداد بالتدريج، هل نقول: إنه ما يمكن في لحظة يكون عندك هذا نسبة الحب فيه سبعين بالمائة، ثم ينتقل مباشرة إلى مائة بالمائة؟ يعني الحب أثر من آثار العمل، فهو تابع له، وكل ما كثر اقتداؤك بالنبي -عليه الصلاة والسلام- زادت محبتك له، فقول عمر: "حتى من نفسي" هذا ما جاء من فراغ، لم يجئ من فراغ، وإنما جاء من تمام اقتداء وائتساء بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن بعض الناس قد يقول هذا الكلام والله أعلم ما في النفس، والمواقف هي التي تبين مثل هذه الأمور وتدل عليها، تجد الإنسان يقرأ من المدائح النبوية ليل نهار ويجعلها هجيراه، ويرددها أكثر مما يردد القرآن، وإذا جاء أدنى موقف يتطلب تقديم مراد الرسول -عليه الصلاة والسلام- على مراده تجده لا يستطيع تحقيقه، هذه دعوى، المطلوب من كل مسلم أن يحب النبي -عليه الصلاة والسلام- أكثر من نفسه.
(12/18)
وقد يقول قائل -وهذه المسألة من المضايق، من مضايق الأنظار- قد يقول قائل: أنا لماذا أحب الرسول -عليه الصلاة والسلام-؟ الرسول -عليه الصلاة والسلام- أرسله الله -جل وعلا- رحمة للعالمين، وبواسطته يعني بما نزل من الله -جل وعلا- على عباده بواسطته لأن الواسطة مقبولة فيما نزل لا فيما صعد، نفرق بين هذا وهذا، يعني الرسول -عليه الصلاة والسلام- واسطة بيننا وبين الله -جل وعلا- فيما نزل منه لا فيما يصعد منا إلى الله -جل وعلا-، فليس بيننا وبينه واسطة، ظاهر وإلا مو بظاهر؟ نعم، كونه واسطة والخير إنما أتانا عن طريقه -عليه الصلاة والسلام- يجعلنا نحبه هذه المحبة، فلماذا أحببناه في حقيقة الأمر؟ حينما يقول: ((حتى من نفسك)) ((حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين)) يعني حتى من النفس كما في حديث عمر، قد يقول قائل: أنا ما أحببت الرسول إلا من أجل نفسي؛ لأنه دلني على الطريق الصحيح فنجوت بسببه، أحببته، فتعود المسألة إلى أنني إنما أحببت الرسول -عليه الصلاة والسلام- من أجلي، لا من أجله هو، صحيح وإلا ما هو بصحيح؟ وبهذه الحالة يكون الإنسان أحب النبي -عليه الصلاة والسلام- أكثر من نفسه، يعني هل الإنسان مطالب بالمحبة الجبلية أو بالمحبة الشرعية التي يترتب عليها آثارها؟ بالمحبة الشرعية، ويوضحها ويحققها الاختلاف بين مرادك ومراد الرسول -عليه الصلاة والسلام-، إن قدمت مرادك على مراد الرسول -عليه الصلاة والسلام- فأنت تحب نفسك أكثر من النبي -عليه الصلاة والسلام-، وإذا قدمت مراده على مرادك فأنت تحب الرسول -عليه الصلاة والسلام- أكثر من نفسك؛ لأن المحبة محلها القلب، إنما تظهر بظهور آثارها.
(12/19)
مثال يوضح هذا: تقديم مراد الله ومراد رسوله -عليه الصلاة والسلام- على مراد النفس في حديث الثلاثة الذين أووا إلى الغار، فانطبق عليهم، وعجزوا عن الخروج، فتوسلوا بأعمالهم الصالحة، فكان منهم الرجل البار الذي يأتي باللبن إلى أبيه وقد نام فينتظره حتى يستيقظ، والصبية يتضاغون من الجوع، الآن سقت مساق مدح وإلا ذم؟ مدح، لو نظرنا إليها بالمنظار الشرعي، وقلنا: ما ذنب هؤلاء الصبية ينتظرون هذا الشيخ الكبير حتى يستيقظ؟ لو سكب لهم في إناء وأعطوا نصيبهم، وانتُظر الشيخ الكبير حتى يستيقظ، هل في هذا مخالفة؟ ما فيه مخالفة إجراء طبيعي، بل أهل العلم في باب النفقات يقدمون الأولاد على الوالدين في الحكم، لكن لماذا سيقت هذه القصة مساق المدح؟ لأن فيها تقديم مراد الله ومرد رسوله -عليه الصلاة والسلام- على مراد النفس، النفس لا شك أنها تميل إلى الأولاد أكثر من ميلها إلى الآباء والأمهات، هذا معروف والنفس مجبولة على هذا، ولذلك لما حصل الحريق الذي قبل عشر سنوات في منى، سأل شخص أنه حصل الحريق ومعه أبوه ومعه أطفال صغار، أبوه مقعد، فحمل الأطفال الصغار وهرب بهم، واحترق الأب في الخيمة، ولا بد أن يحترق هذا وإلا هذا، المسئول عن هذه المسألة بكى بكاء شديداً كيف تقدم صبية صغار على أبيك الذي حقه عليك أعظم الحقوق بعد حق الله -جل وعلا-؟! لا شك أن في مثل هذه المواطن يتبين ما في القلوب، فتفدية النبي -عليه الصلاة والسلام- باللسان أو قراءة المدائح أو حتى الشمائل أو الصلوات البدعية التي تذكر في كثير من أقطار العالم الإسلامي، وقفنا على بعض هذه الكتب مطبوع بالذهب، وهي لا يشهد لها لا عقل ولا نقل، مملوءة بالموضوعات، ومع ذلك يدعون محبة النبي -عليه الصلاة والسلام- {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ} [(31) سورة آل عمران] المعول على الاتباع، إن اتبعت فأنت حاب ومحبوب، وليس العبرة وليس الشأن في أن تحب الشأن والله كل الشأن أن تُحَب، سهل على الإنسان أن يقول: والله أنا أحب الرسول -عليه الصلاة والسلام-، ثم إذا جاء موقف محك خرجت النتيجة صفر، كم من إنسان يدعي اليقين ويدعي الثبات، وإذا تكلم أثر في الناس،
(12/20)
ثم في المحك لا شيء، إذا نزلت به المصيبة ونزل به كرب ضاع كل شيء من هذا الكلام النظري، والله المستعان.
"فقلت: بأبي وأمي يا رسول الله" يعني أفديك بأبي وأمي يا رسول الله "إسكاتك بين التكبير والقراءة ما تقول؟ " أسكت إسكاتاً، وهو مصدر، وفي الرواية الأخرى: "أرأيت سكوتك" وهو مصدر سكت يسكت سكوتاً، "بين التكبير والقراءة ما تقول؟ " فيقول: "قال: ((أقول: اللهم باعد بيني وبين خطاياي)) " يعني أقول دعاء الاستفتاح، وفي هذا رد على المالكية الذين لا يرون مشروعية دعاء الاستفتاح.
"قال: ((أقول: اللهم باعد بيني وبين خطاياي، كما باعدت بين المشرق والمغرب)) " هل المطلوب أن توجد الخطايا لكن يكون مكانها بعيداً عني، أو أن لا توجد الخطايا أصلاً؟ أولاً: الرسول -عليه الصلاة والسلام- معصوم، معصوم فنسبة الخطايا إليه إنما هي ليقتدى به في هذا الذكر وإلا فهو معصوم.
الأمر الثاني: أن الإنسان حينما يطلب المباعدة بينه وبين خطاياه، يعني لو كان اللفظ: اللهم باعد بيني وبين الخطايا ظاهر، يعني ألا تقع أصلاً، لكن ظاهر قوله: ((اللهم باعد بيني وبين خطاياي)) يعني التي وقعت مني ((كما باعدت بين المشرق والمغرب)) وليس هذا مراد، وإنما المراد أن يحال بينه وبين الخطايا أن لا تقع، وإذا وقعت أن يمحى أثرها بالمغفرة ((اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب)) ونسبة الخطايا إلى النفس في هذا الحديث إنما هي باعتبار أن لو فعلها، لكنه يدعو أن يحال بينه وبين الخطايا فيكون بعيداً عنها، وتكون بعيدة عنه كبعد المشرق والمغرب، والبعيد هذه المسافة لا يتصور أن يقع.
((كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس)) فالدعاء الأول قبل وقوع هذه الخطايا، والثاني بعد وقوعها، بعد وقوعه في هذه الخطايا، بعد مقارفة هذه الخطايا ((اللهم نقني من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس)) الدنس يظهر في الثوب الأبيض أكثر من غيره من الألوان، الثوب الأبيض هو الذي يظهر فيه الأثر سريعاً، بينما الألوان الأخرى قد لا يظهر الأثر، وقد يظهر ضعيفاً، فاختير الثوب الأبيض لأنه يظهر فيه الأثر أكثر من غيره.
(12/21)
يعني أهل العلم ذكر ابن حجر وغيره في فتح الباري أن رجيع الذباب يقع على الثوب الأبيض أسود، وعلى الأسود أبيض، يعني هذا أمر نادر ما يعول عليه في مثل هذا، يعني لا نقول: إنه ما في فرق بين الأبيض والأسود، هذا أمر نادر لا يحكم به، لكن غالب الدنس يظهر في الأبيض أكثر من غيره من الألوان.
((اللهم نقني من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس)) يعني بالغسل والتنظيف بالمزيلات.
((اللهم اغسل خطاياي بالماء والثلج والبرد)) الآن قدم التنقية قبل الغسل، في الدعاء للميت: ((اللهم اغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس)) تقديم وتأخير، أيهما أولى؟
طالب:. . . . . . . . .
أيوه.
طالب:. . . . . . . . .
طيب ونقه؟ أيهما أولى أن يقدم التنقية قبل الغسل أو يقدم الغسل قبل التنقية؟
طالب:. . . . . . . . .
((اللهم نقني من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس اللهم اغسل خطاياي بالماء والثلج والبرد)) أيهما أولى؟
طالب:. . . . . . . . .
التنقية أولى؛ لأنه من باب التحلية قبل التخلية، أو التخلية قبل التحلية؟ نعم التخلية قبل التحلية، يعني لو عندك هذا الجدار فيه كتابات بألوان مختلفة، وتريد أن تزيل هذه الكتابات أنت تصبغه قبل أن تزيل تلك الكتابات، أو تزيل الكتابات قبل الصبغ؟ يعني تخلية قبل التحلية صح وإلا لا؟ وهذا هو الموافق لما عندنا.
وفي دعاء الميت: ((اللهم اغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الذنوب والخطايا)) فإما أن نقول: إن الواو لا تقتضي الترتيب، ولا يمنع أن يكون المقام مطرد، أو نقول: إن هذا بالنسبة للحي وذاك بالنسبة للميت، والأمر فيه سعة.
((اللهم اغسل خطاياي بالماء والثلج والبرد)) يقول أهل العلم المناسبة بين الخطايا وبين هذه الأمور الماء والثلج والبرد أن الخطايا لها حرارة مؤثرة في القلب، فيناسبها المنظفات الباردة بالماء والثلج والبرد، هكذا يقول أهل العلم أن لها حرارة مؤثرة في القلب فيناسب غسلها بالأمور الباردة التي تبرد بالماء والثلج والبرد، لكن لو كان على يدك مادة دسمة تحتاج إلى إزالة فأيهما أبلغ إزالتها بالماء الحار أو البارد؟
طالب:. . . . . . . . .
(12/22)
أنت متى تعرف أن هذه المادة زالت؟ إذا خشن، إذا خشن المحل، ولذلك يقولون: الضابط في الاستنجاء عود خشونة المحل، والخشونة تكون مع الماء البارد أو مع الماء الحار؟ مع البارد أشد؛ لأن الجسد ينكمش فيصير فيه تجعيدات فيكون الإزالة فيه أسرع، بينما الماء الحار قد ينبو عن بعض المواطن لملوستها، هذا ظاهر يعني، إذا غسلت بماء بارد تحس أنه جاف، نعم بينما الحار انسيابي على البدن، فالبدن ينكمش مع الماء البارد، فيكون أثر المنظف فيه أقوى، بخلاف الماء الحار الذي يناسب على البدن من غير انكماش، وحينئذٍ لا يتمكن من غسله وتنظيفه على الوجه المطلوب.
((اللهم اغسل خطاياي بالماء)) وهو المعروف ((والثلج)) وهو الماء المتجمد البارد شديد البرودة، وأما البرد فهو ما ينزل مع المطر أو دونه من الغمام، وكلها معروفة.
وهذا نوع من أنواع الاستفتاحات الثابتة عنه -عليه الصلاة والسلام-، وهو في الصحيحين، ومن أنواع الاستفتاحات المشهورة المستفيضة: "سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعال جدك" وهذا في الصحيح موقوف على عمر -رضي الله عنه-، وعلمه الناس على المنبر، والمفاضلة بين الاستفتاحين ذكرها ابن القيم في زاد المعاد، فليرجع إليه، وعلى كل حال هذا مقطوع برفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهو في الصحيحين فهو من أرجح أنواع الاستفتاحات.
ومن أنواع الاستفتاحات ما يكون في الفريضة، ومنها ما يكون في النافلة، ومنها ما يكون في صلاة الليل، وغير ذلك مما ورد عنه -عليه الصلاة والسلام-، مما يجمعها كتب السنة، ولا وجه لقول من قال: إنه يجمع بين هذه الاستفتاحات كلها فيستفتح بها، وحينئذٍ يطول الوقت على من أراد أن يستفتح بها، والسكتة هنية كما في هذا الحديث، يعني يسيرة، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
طالب:. . . . . . . . .
واستحق أبو سعيد الجعل، وعلى كل حال أخذ الأجرة على الرقية جائزة بهذا الحديث: ((وإن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله)) كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام-.
(12/23)
أما اشتراط البراءة من المرض فهذا لا يسوغ لا من الراقي ولا من المسترقي، بل على الجميع أن يعتقد أن الرقية سبب، وأن الشفاء بيد الله -جل وعلا-، الراقي ليس بيده شيء، إنما هو متسبب، والرقية سبب، والشفاء بيد الله -جل وعلا-.
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا لو هو مسلّم ما اشترط النجحان.
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال مثل هذا إذا دل الدليل على شيء لا يتعدى الدليل.
يقول: الذي لم يدرك من صلاة الجماعة إلا السجود من الركعة الأخيرة هل أدرك الجماعة؟
عند أكثر أهل العلم يكون مدركاً للجماعة بإدراك أي جزء منها، ومن أهل العلم من يرى أنه لا يدرك الجماعة إلا بإدراك ركعة، وأن الصلاة لا تطلق إلا على ركعة، وما دون ركعة لا يقال له: صلاة.
يقول: وإذا لم يدرك الجماعة هل له أن يقلبها إلى نفل ويصلي ركعتين ثم يذهب يصلي مع جماعة أخرى من بداية الصلاة؟
إذا غلب على ظنه أنه يدرك جماعة أخرى فلا ينبغي له أن يدخل مع جماعة يشك في إدراكها، هذا إذا غلب على ظنه وإذا لم يغلب على ظنه فليصل مع الجماعة صلاة تأدية لما أمر به: ((إذا أتى أحدكم والإمام على حال فليصنع كما يصنع الإمام)) ويكون له -إن شاء الله- من الأجر بقدر ما أدركه، وإذا وجد جماعة أخرى وصلى معهم صارت له نافلة، وأجره على الله -جل وعلا-.
يقول: نريد نصيحة في الذي يسمع النداء ثم يتأخر حتى تقام الصلاة أو يفوته شيء منها؟
على كل حال له أن يتأخر إلى أن تقام الصلاة، وجاء عن بعض الصحابة أنهم يتأخرون، لكن مع ذلك: ((لا يزال أقوام يتأخرون حتى يؤخرهم الله)) وقال بعض السلف: إن الذي لا يأتي إلى الصلاة حتى يدعى إليها رجل سوء، يعني ما يأتي إلا بعد الأذان هذا رجل سوء، وشتان بين هذا وذاك، وعلى كل حال الوجوب في صلاة الفريضة جماعة حيث ينادى بها، فإذا أدركها سقط عنه الوجوب، وبقي الزائد في حيز الاستحباب، لكن طالب العلم ينبغي أن يكون قدوة للناس، يعني لا يعرف بالتأخر، وإن عرف بالتقدم فهو المأمل والمرجو من طالب العلم.
لو تجمع الأسئلة.
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك ....
(12/24)
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: المحرر – كتاب الصلاة (14)
الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هذا يسأل عن جلسة الاستراحة وحكمها؟
سنة ثابتة من فعله -عليه الصلاة والسلام- بحديث مالك بن الحويرث، وجاءت في بعض طرق حديث أبي حميد، وأمر بها النبي -عليه الصلاة والسلام- المسيء في صلاته، فهي سنة مطلقاً، وما يقوله ابن القيم -رحمه الله- أنها سنة لمن احتاج إليها، فأقول: إن الحاجة قد تدعو إلى تركها لا إلى فعلها، الإنسان إذا ثقل وبدن تكون حاجته إلى تركها أدعى من حاجته إلى فعلها، واعتبروا بكبار السن أو من في ركبتيه شيء من الألم تجده أول ما ينهض من السجود يرفع مؤخرته، ولا يثني رجله، فالحاجة تدعو إلى تركها لا إلى فعلها.
يقول: في حديث وائل بن حجر قال المصنف: "وضعهما حيال أذنيه" والذي في مسلم: "وصف همام حيال أذنيه" فما هو الصحيح؟
الصحيح الذي في الأصل؛ لأن هذا فرع، وعلى كل حال اللفظة الواضع هو النبي -عليه الصلاة والسلام- حيال أذنيه، إلى فروع أذنيه، وإلى أذنيه، وحذاء منكبيه، كلها ثابتة عنه -عليه الصلاة والسلام-.
ما أفضل تحقيق لشرح النووي على مسلم؟
النووي على مسلم طبع مراراً قديماً وحديثاً، طبع في الهند في مجلدين قبل مائة وخمسين سنة، ثم طبع بعدها مراراً، وفي الهند خمس أو ست طبعات، وطبع في مصر مستقلاً بالمطبعة الكستلية التي يعتمد عليها الشيخ أحمد شاكر، ثم طبع بعد ذلك بحاشية القسطلاني مراراً على الطبعة الخامسة والسادسة والسابعة، وطبع أيضاً على هامش مسلم في المطبعة الميمنية أكثر من مرة، وطبع مفرداً بعد ذلك في المطبعة المصرية في ثمانية عشر جزءاً، وهذه طبعة جيدة فيها أغلاط يسيرة يدركها القارئ، وعلى كل حال الطبعات كثيرة ومتوافرة، أما الطبعات الحديثة والصف الجديد الذي يدعى فيه التحقيق فلم أقتني منها شيئاً، وعندي أن الطبعة المصرية بثمانية عشر جزءاً مناسبة، والطبعة البولاقية على هامش إرشاد الساري الطبعة الخامسة والسادسة أيضاً جيدة.
(13/1)
يقول: شخص اشترى بضاعة من الخارج وعليها شعار العلامة الأصلية، وهي مزيفة، ولم يتعمد ذلك، فماذا عليه علماً أنه باع منها وبقي منها كمية؟
إذا باع منها والذي يراه أنها هي الأصلية يعني ما عنده أدنى شك فيها هذا ما عليه شيء، لكن إن أمكن أن يخبر المشتري بذلك ويخيره فهذا هو الأصل، وإن كان اشترى ومضى ما عليه شيء، وما بقي من ذلك لا بد من الإخبار بأنها ليست أصلية.
يقول: متى نرى شرح التجريد مطبوعاً؟
الآن كمل منه كتاب بدء الوحي والإيمان والعلم، ويتوقع أن يكون ما نجز منه في مجلدين، لكن الطبع يحتاج إلى وقت، يحتاج إلى مراجعة، ويحتاج إلى إعادة نظر من جديد، فيحتاج إلى وقت، والأشرطة الآن تنزل -إن شاء الله- كتاب الإيمان ينزل قريباً.
يقول: مذهب الأحناف عدم المشروعية لرفع اليدين في الصلاة، فهل عندهم دليل؟
هم يرون رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام، وما عدا ذلك لا يرون الرفع، وعندهم حديث ضعيف، وهو أن النبي -عليه الصلاة والسلام- رفع يديه مع الإحرام، ولم يعد إلى ذلك، يعني أنه لم يرفعهما بعد، لكنه حديث ضعيف.
يقول: ما التحقيق في مسألة الحلف بالقرآن؟
القرآن كلام الله، وإن كان القرآن يطلق ويراد به المقروء الذي هو كلام الله، ويطلق ويراد به القراءة التي هي صوت المخلوق، وهي مخلوقة لله -جل وعلا- كالقارئ، فإذا أريد به القراءة لا يجوز الحلف به، وإذا أريد به المقروء الذي هو كلام الله وصفة الله فالحلف بصفة من صفات الله جائز، كالحلف به، وكثير ما نسمع من يحلف بآيات الله، فإن كان مراده بآيات الله القرآن فلا بأس؛ لأنها صفة من صفاته من كلامه، وإن كان بها ما هو أعم من ذلك، من آياته الليل والنهار، والشمس والقمر، كلها من آيات الله، فهذه مخلوقات لا يجوز الحلف بها.
ما حكم صلاة المرأة منفردة خلف الصف مع وجود صفوف نساء؟
أنس -رضي الله عنه- يقول: "صلى بنا الرسول -عليه الصلاة والسلام- صففت أنا واليتيم خلفه، والعجوز من ورائنا" فدل على أن المرأة لها أن تنفرد.
يقول: هل من بأس في تقبيل يد الوالد والعالم والأخ الكبير؟
لا بأس في ذلك ثبت فيه ثلاثة أحاديث.
ما أفضل شروح المحرر؟
(13/2)
المحرر ليس له شرح مكتوب مطبوع، في شرح ناقص لا أذكر اسم صاحبه متقدم، لكن لا يحضرني الآن، وهو لا وجود له، ولم يطبع.
يقول: هل ورد حديث تدل على رفع اليدين إلى شحمة الأذنين؟ ألا يقال .... ؟
على كل حال إلى أذنيه يشمل هذا، قوله: إلى فروع أذنيه أعلى من ذلك، وإلى أذنيه يشمل إلى شحمة الأذنين أو إلى منتصف الأذنين؛ لأن الأذن تطلق على أعلاها وأوسطها وأدناها.
ألا يقال: إن التحاف النبي -صلى الله عليه وسلم- بثوبه في الصلاة يدل على مشروعية أو جواز الالتحاف بالشماغ حال الصلاة؟
نعم عند الحاجة إذا احتيج إلى ذلك لشدة برد أو حر لا بأس.
أليس لكم درس غداً يوم الجمعة؟
لا، غداً ما في درس، الدرس في جدة -إن شاء الله تعالى-.
يقول: ما أحسن تحقيق لكتاب أحكام القرآن لابن العربي؟
طبعة الحلبي الأولى بتحقيق البجاوي طيبة.
الاستفتاح بقوله: ((اللهم رب جبرائيل وميكائيل فاطر السماوات والأرض ... )) إلى آخره.
هذا قاله النبي -عليه الصلاة والسلام- لافتتاح صلاة الليل.
يقول: دليل الطالب لنيل المآرب، ودليل الطالب لنيل المطالب، أحدهما متن، أهما متن واحد خرجا باسمين مرة بهذا ومرة بذاك، أم هما متنان مختلفان؟
دليل الطالب أصل لنيل المآرب، وقد يوجد على بعض النسخ لنيل المطالب، على كل حال الدليل معروف كتاب واحد مطبوع مراراً، ومشروح بشروح مختلفة.
يقول: أو تقول هذه امرأة من الإمارات: ما هي أفضل طبعة لتفسير القرطبي؟
عندي الطبعة الثانية من طبعات دار الكتب المصرية هي أفضل الطبعات مخدومة على نسخ كثيرة، بعض الأجزاء على ثلاثة عشر نسخة، وأقل الأجزاء طبع عن ثمان نسخ، فهي نسخة طبعة متعوب عليها، وفيها إحالات على ما تقدم وما تأخر، نعم ينقصها تخريج الأحاديث، فيؤخذ من الطبعات المتأخرة.
هل تنصحون طالب العلم قراءة تفسير البحر المحيط لأبي حيان؟
البحر المحيط تفسير نافع وماتع ونفيس، لكنه حشاه بالأعاريب المتعددة، وبيان الوجوه الجائزة من ذلك والممنوعة، وما جاء في لغة العرب، المقصود أنه أطال في جانب العربية، فالمتخصص باللغة العربية أو له ميل إليها يستفيد منه كثيراً.
(13/3)
يقول: شخص حلف على زوجته بالطلاق أمام امرأة وفتاة بألا تدخل البيت، فهل يقع اليمين إن دخلت إلى بيته مع العلم أنه كان في حالة غضب؟
حلف على زوجته بالطلاق أمام امرأة وفتاة ويش معنى هذا؟ يعني من أجل البينة والشهادة وإلا من أجل إيش؟ بأن لا تدخل البيت، يعني يمنعها من دخول بيته هو أو بيت غيره؟ السؤال فيه إبهام.
شخص حلف على زوجته بالطلاق أمام امرأة وفتاة بألا تدخل البيت، فهل يقع اليمين إن دخلت إلى بيته؟
البيت بيته هو، هو المحلوف عليه وإلا غيره؟
مع العلم بأنه كان في حالة غضب.
رأي شيخ الإسلام أنه إذا كان المقصود بالطلاق الحث أو المنع فإن حكمه حكم اليمين، لكن السؤال يحتاج إلى مزيد استفصال.
هذا سبق الجواب عنه: النووي هل به تصوف؟ وهل هو متأثر بالقوم أو شيء من ذلك؟
عرفنا أن النووي من العباد كما هو معروف، إضافة إلى ما عنده من علم فهو عابد، ولذلك تجد ميله واتجاهه إلى هذا النوع، إلى النوع الذي عنده شيء من العبادة، ولذا إذا ترجم لأحد سواءً كان من الرواة أو من أهل العلم يشيد به من هذه الحيثية، وتجد الفرق الكبير بين تراجم ابن حجر للرواة، وبين تراجم النووي للرواة، ابن حجر يشيد بضبطهم وحفظهم وإتقانهم، والنووي يشيد بعباداتهم، فلا شك أن لديه ميل إلى هذا الأمر، وله تأثر بهم فيما ينقله عنهم، وشيخ الإسلام أيضاً ينقل عن كبارهم ممن ليس لديه شطحات كبيرة، ينقل عن أبي سليمان، وعن أبي يزيد البسطامي وغيرهم، وكلامه ليس كله باطل، في كلامه حق كثير، فيستفاد منه بقدر الإمكان، كما يفعل شيخ الإسلام وابن القيم.
هذه تقول: إذا لم أقرأ دعاء الاستفتاح في صلاتي فهل علي شيء؟
دعاء الاستفتاح سنة تركه لا يؤثر في الصلاة.
هذا يقول: لم أسمع ما قاله الشيخ عن وضع اليدين عند الرفع من الركوع؟
هو إلى الآن ما جاء الحديث عنه، وإن كان الأصل فيه القبض كما هو الشأن قبل الركوع؛ لأنه يقول: "ثم رفع حتى يعود كل فقار إلى مكانه" ومكانه القبض.
يقول: هل صحيح ما ورد في شأن صلاة التوبة البعض يستدل بحديث: ((ما من عبد يذنب ذنباً فيحسن الطهور، ثم يقوم فيصلي ركعتين، ثم يستغفر الله إلا غفر له))؟
(13/4)
قوله -جل وعلا-: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [(114) سورة هود] يشهد لهذا الخبر.
صفة هذه الصلاة؟
صلاة ركعتين كصلاة النافلة وصلاة الصبح لا مزيد على ذلك.
يقول: هل تقضى صلاة فريضة فائتة والخطيب يخطب يوم الجمعة؟
نعم تقضى؛ لأنها أهم من تحية المسجد التي أمر بها النبي -عليه الصلاة والسلام- والإمام يخطب.
والأسئلة كثيرة، والوقت ضيق لعله يتيسر لها مناسبة ثانية، وعندنا أسئلة من الدروس السابقة أيضاً تحتاج إلى وقت، نسأل الله الإعانة والتوفيق والتسديد.
سم.
بسم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين.
قال الأمام ابن عبد الهادي -رحمه الله تعالى- في كتابه المحرر:
وعن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن)) وفي رواية: ((بفاتحة الكتاب)) متفق عليه.
وروى ابن حبان من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: "لا تجزيء صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب" وقد أُعل.
وعن أنس -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبا بكر وعمر كانوا يفتتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين. رواه البخاري.
وروى مسلم: "صليت خلف النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر وعمر وعثمان فكانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين، لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءة ولا في آخرها" وقد ضعف الخطيب وغيره رواية مسلم بلا حجة.
وفي لفظ لأحمد والنسائي وابن خزيمة والدارقطني: "فكانوا لا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم".
وفي لفظ لابن خزيمة والطبراني: "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يسر ببسم الله الرحمن الرحيم، وأبو بكر وعمر" زاد ابن خزيمة: في الصلاة.
(13/5)
وعن نعيم المجمر قال: "صليت وراء أبي هريرة -رضي الله عنه- فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم، ثم قرأ بأم القرآن حتى إذا بلغ: {وَلاَ الضَّالِّينَ} [(7) سورة الفاتحة] قال: آمين، وقال الناس: آمين، ويقول كلما سجد: الله أكبر، وإذا قام من الجلوس من الاثنتين قال: الله أكبر، ثم يقول إذا سلم: والذي نفسي بيده إني لأشبهكم صلاة برسول الله -صلى الله عليه وسلم-" رواه النسائي.
ورواه ابن خزيمة وابن حبان والدارقطني والحاكم والبيهقي والخطيب وصححوه، وقد أعل ذكر البسملة.
وعن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- قال: "كنا خلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في صلاة الفجر فقرأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فثقلت عليه القراءة، فلما فرغ قال: ((لعلكم تقرؤون خلف إمامكم؟ )) قلنا: نعم يا رسول الله، قال: ((لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب، فإنه لا صلاة لمن لا يقرأ بها)) رواه أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه وابن حبان والدارقطني، وقال: إسناده حسن، وصححه البخاري، وتكلم فيه أحمد وابن عبد البر وغيرهما، وهو من رواية ابن إسحاق.
قف على هذا، قف.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
وعن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن)) وفي رواية: ((بفاتحة الكتاب)) متفق عليه.
((لا صلاة)) نافية للجنس ((لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن)) والتقدير هل يمكن نفي وجود الصلاة الظاهرة؟ لا يمكن إنما يمكن نفي الصلاة الشرعية، أما الصلاة بصورتها الظاهرة قد توجد، كما في حديث المسيء ((صل فإنك لم تصل)) يعني لو قال: صليت ما كذب، ما قيل له: كذبت ما صليت، لكن الصلاة المنفية هي الصلاة الشرعية المجزئة المسقطة للطلب.
(13/6)
((لا صلاة)) لأن التقدير هنا إما أن يقدر لا صلاة صحيحة، فتنفى حقيقة الصلاة الشرعية، أو لا صلاة كاملة والكمال لا شك أنه يصح النفي معه إلا أنه أبعد عن الحقيقة من الصحة، ولذا يختلفون في المقدر هنا، فالجمهور على أن قراءة الفاتحة ركن من أركان الصلاة لا تصح إلا به، بهذا الركن، فيصح عندهم التقدير أو يتعين التقدير عندهم بنفي الصحة، والذين يقولون كالحنفية: بأن الصلاة تصح ولو لم تقرأ الفاتحة، يقولون: لا صلاة كاملة، وعلى كل حال الحديث دليل على أن الصلاة غير صحيحة إذا لم يقرأ فيها بأم القرآن، والمرجح عند أهل العلم أنها ركن من أركان الصلاة، وقال بعضهم: هي شرط من شروط الصلاة، بعضهم يقرر أنها شرط؛ لأن الصلاة تنتفي بانتفائه، وهذه حقيقة الشرط.
(13/7)
وهل من فائدة تترتب على الخلاف بين من يقول: إنها ركن وهم الأكثر، وبين من يقول: إنها شرط؟ ذكرنا هذا في تكبيرة الإحرام، وأن الجمهور على أنها ركن، والحنفية يقولون: شرط، وإذا توجه قول الحنفية مع أن الراجح قول الجمهور في تكبيرة الإحرام من حيث انطباق الشرط على تكبيرة الإحرام أو عدم انطباقه؛ لأن الشرط خارج الماهية كما يقولون، والركن داخل الماهية، وباعتبار أن تكبيرة الإحرام هي أول ما يبدأ به في الصلاة للحنفي أن يقول: إنه ما بعد دخلت الصلاة، فتكون التكبيرة خارج الصلاة، فهل يمكن أن يقال تبعاً لتعريف الشرط وأنه خارج الماهية: لا صلاة، قراءة الفاتحة شرط على هذا التعريف؟ يعني هل قراءة الفاتحة داخل الصلاة أو خارج الصلاة؟ يعني إذا سلمنا بأن تكبيرة الإحرام خارج الصلاة على سبيل التنزل، فهل نستطيع أن نسلم أن قراءة الفاتحة خارج الصلاة؟ لا، لا يمكن أن يقول قائل، حتى من يقول: إنها شرط لا يمكن أن يدعي أنها خارج الصلاة، وإنما هي داخل الصلاة، فالصحيح أنها ركن من أركان الصلاة، وهل هناك فائدة تترتب على قولنا: شرط، أو قولنا: ركن، في قراءة الفاتحة؟ عرفنا هناك فوائد تترتب على قول الحنفية أنها شرط أعني تكبيرة الإحرام، وقول الجمهور أنها ركن، ذكرنا الفوائد في وقتها، لكن هل من فائدة تترتب على الخلاف؟ هل يرتب على الخلاف في قراءة الفاتحة أنها ركن أو شرط يترتب عليه فائدة؟ ما يترتب عليه فائدة، بل هو خلاف لفظي؛ لأن مؤدى الشرط والركن واحد، لا تصح الصلاة إلا به.
((لا صلاة لمن)) (من) موصول، والموصول من صيغ العموم ((لم يقرأ بأم القرآن)) وفي رواية: ((بفاتحة الكتاب)) التي هي الحمد لله رب العالمين إلى آخرها (ومن) هذه من صيغ العموم، ونفي الصحة هنا يتجه إلى كل مصلٍ بما في ذلك الإمام والمأموم والمنفرد والمسبوق؛ لأنه يصح دخوله في عموم (من) ((لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن)) فكل مصلٍ لا يقرأ بفاتحة الكتاب لا صلاة له، فيدخل في ذلك مثل ما ذكرنا الإمام والمأموم والمنفرد والمسبوق.
(13/8)
أما استعمال (من) على عمومها، وحفظها من التخصيص، فقال به أبو هريرة -رضي الله عنه-، والإمام البخاري، ورجحه الشوكاني، وأن كل مصلٍ لا تصح صلاته إلا إذا قرأ الفاتحة، فعلى هذا المسبوق الذي يدرك الركوع لا يدرك الركعة حتى يقرأ بفاتحة الكتاب، عند من ذكرنا: أبو هريرة، البخاري، وهو المرجح عند الشوكاني، وجمع من أهل العلم، لكن هؤلاء هم الذين أبرزوا القول ونصروه، ولا شك أن دخول المسبوق ظاهر في عموم (من) فهل هذا العموم محفوظ أو غير محفوظ؟ الذين قالوا: إن المسبوق لا تلزمه قراءة الفاتحة استدلوا بحديث أبي بكرة، وأنه جاء والنبي -عليه الصلاة والسلام- راكع، فركع دون الصف، ثم مشى إلى الصف، ودعا له النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((زادك الله حرصاً ولا تعد)) ولم يأمره بقضاء تلك الركعة، وعلى هذا يعول الجمهور في أن المسبوق لا تلزمه قراءة الفاتحة، أخرجنا المسبوق بهذا النص، بقي عندنا الإمام والمأموم والمنفرد، الإمام والمأموم الإمام والمنفرد الجمهور على أنها ركن في حقهم، وتتعين الفاتحة في القراءة، خالف في هذا الحنفية فقالوا: عليه أن يقرأ بما تيسر، وتعيين الفاتحة بهذا الحديث قراءة ما تيسر ثبت بالقرآن، قراءة ما تيسر {فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [(20) سورة المزمل] ثبتت بالقرآن، وتعيين الفاتحة ثبت بالسنة، وعندهم مثل هذا الزيادة من السنة على ما في القرآن عندهم نسخ، والظني لا ينسخ القطعي عندهم، فالمتعين قراءة القرآن، ولا تتعين الفاتحة، ومنهم من يقول بوجوبها، لكن لا تبطل الصلاة بتركها، ومنهم من يقول باستحبابها، هذا بالنسبة للإمام والمنفرد، ومن باب أولى المأموم.
(13/9)
الإمام والمنفرد ركن في حقهما عند الأئمة الثلاثة خلافاً للحنفية، وأما بالنسبة للمأموم فاندراجه في عموم (من) ظاهر، فتتعين الفاتحة في حقه ولو قرأ إمامه، وهذا المعروف عند الشافعية، وهو المرجح لأحاديث الباب، ويرى غيرهم أن المأموم لا قراءة عليه مطلقاً، ومنهم من يقول: إنه لا قراءة عليه فيما يجهر به الإمام، وإذا قرأ فأنصتوا على ما سيأتي {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ} [(204) سورة الأعراف] وهذا يشمل الصلاة وخارج الصلاة.
على كل حال يستدل الشافعية على وجوب القراءة على المأموم بعموم حديث الباب، وأنه لا يوجد ما يخرجه من هذا العموم كما يوجد ما يخرج المسبوق، والمعروف عند المذاهب الأخرى أن المأموم لا قراءة عليه مطلقاً.
وجاء في الخبر: ((قراءة الإمام قراءة لمن خلفه)) وهذا الحديث فيه كلام لأهل العلم، ومنهم من يفرق بين الصلاة الجهرية والسرية؛ لعموم الأمر بالإنصات، إذا قرأ فأنصتوا {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ} [(204) سورة الأعراف] والأحاديث في هذه المسألة متعارضة وكثيرة، والاستدلال من الطرفين طويل جداً، لكن المرجح أن قراءة الفاتحة ركن في حق كل مصلٍ عدا المسبوق؛ لوجود ما يخرجه من عموم الحديث، وأما من عداه فيتجه إليه قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن)) وسيأتي ما يخصص الفاتحة من الأمر بالاستماع ((ما لي أنازع القرآن لعلكم تقرؤون خلف إمامكم)) سيأتي كل هذا، لكن الخلاصة أن قراءة الفاتحة ركن في حق الإمام والمأموم والمنفرد، ولا يخرج من هذا العموم إلا المسبوق.
((بأم القرآن)) التي هي فاتحة الكتاب كما في الرواية التي تليها، وهي الحمد لله رب العالمين، كما ستأتي الإشارة إلى ذلك في الأحاديث اللاحقة، وهي السبع المثاني، وهي القرآن العظيم، ويطلق عليها الصلاة؛ لأهمية قراءتها في الصلاة، وأن الصلاة لا تصح إلا بها، ففي صحيح مسلم: ((قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين)) قسمت الصلاة والمراد بالصلاة هنا سورة الفاتحة.
(13/10)
"وروى ابن حبان من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "لا تجزيء صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب" وهذا يؤيد التأويل الذي ذكرناه أنه لا صلاة صحيحة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب.
يقول المؤلف: "وقد أعل" يريد لفظ: "لا تجزئ" أعل، واللفظ المحفوظ: ((لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)) وأما قوله: "لا تجزئ" لفظ أعل لتفرد زياد بن أيوب بهذه اللفظة، وكأنه رواها بالمعنى وإلا فهو ثقة، لكن خالفه جماعة الرواة بلفظ: ((لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)) وهو الصحيح وهذا هو الإعلال.
"وعن أنس -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبا بكر وعمر" وسيأتي في رواية مسلم: "وعثمان"، "كانوا يفتتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين" رواه البخاري" وفي لفظ: "كانوا يفتتحون الصلاة بالتكبير والقراءة بالحمد لله رب العالمين".
"كانوا يفتتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين" التكبير لا بد منه، وجاء ما يدل على أن تكبيرة الإحرام ركن من أركان الصلاة لا تصح إلا بها، فكيف يفتتحون الصلاة؟ المراد يفتتحون القراءة وإلا فالصلاة تستفتح بالتكبير، وبعد التكبير دعاء الاستفتاح كما سبق "أرأيت سكوتك بين التكبيرة والقراءة ما تقول؟ " وكل هذا مطوي في هذه الرواية، والاستعاذة والبسملة ثم الحمد لله رب العالمين، والمقصود بذلك السورة، فلا يتم الاستدلال به على عدم قراءة بسم الله الرحمن الرحيم؛ لأن المراد قراءة السورة.
"رواه البخاري، وروى مسلم: "صليت خلف النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر وعمر وعثمان فكانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين، لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءة، ولا في آخرها" "يستفتحون بالحمد لله رب العالمين" هذا معروف في الصحيحين، ولا مطعن فيه ولا إشكال، ومعروف أن هذا بعد التكبير والاستفتاح الذي تقدم ذكره في الأحاديث الصحيحة.
الإشكال في قوله: "لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءة ولا في آخرها" وهذا في صحيح مسلم.
(13/11)
قال: وقد ضعف الخطيب وغيره رواية مسلم بلا حجة، وفي لفظ لأحمد والنسائي وابن خزيمة والدارقطني: "فكانوا لا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم" وأيضاً في لفظ لابن خزيمة والطبراني: "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يسر ببسم الله الرحمن الرحيم وأبو بكر وعمر" زاد ابن خزيمة: "في الصلاة".
فعندنا الرواية الأولى المخرجة في البخاري كانوا يفتتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين، ورواية مسلم: "صليت خلف النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر وعمر وعثمان، فكانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين، لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءة ولا في آخرها" في أول قراءة يعني قبل الفاتحة، ولا في آخرها، إما أن يقال: هذا مبالغة في النفي، وإلا آخر القراءة ما فيها بسملة، وإنما يقال مثل هذا مبالغة في النفي، كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام- في الكسوف: ((إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته)) ما في أحد من المشركين ولا من غيرهم قال: إن الشمس تنكسف لحياة فلان أو علان، إنما قالوا: تنكسف الشمس لموت فلان، وقالوا: انكسفت الشمس لموت إبراهيم، فما في أحد قال: إن الشمس تنكشف لحياة، إنما يذكر المقابل للمبالغة في النفي، وهنا قال: "لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءة ولا في آخرها".
الخطيب ضعف هذا الحديث بلا حجة، كما يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-، هذا الحديث المحفوظ منه يستفتحون بالحمد لله رب العالمين، هذا متفق عليه، ولا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءة ولا في آخرها قرر جمع من أهل العلم أن هذا من فهم الراوي، فهم الراوي للخبر أنهم إذا كانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين، فما الذي قبل الاستفتاح؟ إذا افتتح الشيء بشيء يدل على أنه لا شيء قبله؛ لأن الافتتاح هو الأول، أولية مطلقة، فهم الراوي من قوله: "يستفتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين" أنهم لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول القراءة ولا في آخرها، ومثل به الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى- لعلة المتن، وقال:
وعلة المتن كنفي البسمله ... إذ ظن راوٍ نفيها فنقله
(13/12)
الراوي فهم من قوله: "يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين" أنه ما قبل الحمد لله رب العالمين أي شيء، أي كلام، فهذا يدل على نفي البسملة، فنفاها صراحة بناءً على فهمه، وأعل الخبر بسبب التصريح بما هو مجرد فهم من الراوي.
وعلة المتن كنفي البسمله ... إذ ظن راوٍ نفيها فنقله
يقول المؤلف: "وقد ضعف الخطيب وغيره رواية مسلم بلا حجة".
الأصل أن ما في الصحيح صحيح، كيف تضعف وهي في الصحيح؟ لا شك أنه إن أمكن حملها على وجه يصح وجمع بينها وبين الروايات الأخرى بلا تكلف ولا تعسف تعين ذلك صيانة للصحيح.
(13/13)
الحافظ ابن حجر -رحمه الله- حمل رواية: "لا يذكرون" على لا يجهرون التي تليها، أو كانوا يسرون، فحمل قوله: "لا يذكرون" جهراً، والذي يسر به كأنه غير مذكور بالنسبة للسامع، السامع يسمع ما يسر به، فكأنه قال: لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءة ولا في آخرها جهراً، وأما سراً فلم يتعرض له الراوي، وحينئذٍ هذه الرواية مستقيمة مع الروايات الأخرى، فيمكن التوفيق بين هذه الرواية التي أعلت، كما يقول المؤلف: بلا حجة، ويوفق بينها وبين الروايات الأخرى بأن النفي هنا متجه إلى عدم الجهر، لا يذكرون، لا يجهرون، كانوا يسرون، وهذا واضح بالنسبة للذي لا يسمع يصح النفي عنده، في الصلاة السرية التي لا تسمع، لا يسمع شيء من الإمام لو نفى أحد أنه ما قرأ باعتبار أنه ما سمع، ما قرأ، لو قال واحد: إن الإمام قرأ بعد الفاتحة، الفاتحة متقررة بالنص، لا يستطيع أحد أن ينفي القراءة مع أنها ثبتت بالنص، ولو كانت سراً نعم يعني لو قال: إن الرسول -عليه الصلاة والسلام- في صلاة الظهر ما قرأ الفاتحة، ولله ما سمعناه، إذاً ما قرأ الفاتحة، يتجه هذا؟ ما يتجه؛ لأنه قال: ((لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)) لكن لو ادعى مدع أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- أو الإمام بعد الفاتحة قرأ سورة معينة وهو ما سمعها صح نفي هذا الإثبات، لو قال قائل ممن لم يسمع ولا كلمة من الإمام: إن الإمام قرأ سورة والضحى بعد الفاتحة، فقال الذي بجواره: أبداً ما قرأها، بناءً على أنه ما سمع شيء، يتجه النفي حينئذٍ، ولذا جمع ابن حجر بين قوله: "لا يذكرون" وبين الأحاديث التي تثبت البسملة أنهم لا يجهرون، وما لا يجهر به مما لا يسمع يمكن نفيه، ومع تأويل عدم الجهر، فكانوا لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم جهراً.
"وفي لفظ لأحمد والنسائي وابن خزيمة والدارقطني: فكانوا لا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم" وهذه رواية مفسرة يتعين المصير إليها في مثل هذا الموطن الذي فيه النصوص المتعارضة.
(13/14)
"وفي لفظ لابن خزيمة والطبراني: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يسر ببسم الله الرحمن الرحيم وأبي بكر وعمر" وهذا نص في الموضوع، مخرج عند ابن خزيمة والطبراني وغيرهما من أهل العلم، لكنه من رواية الحسن البصري بالعنعنة، وهو معروف بالتدليس، فهو مضعف، ويغني عن هذه الرواية الرواية التي قبلها "كانوا لا يجهرون" مفهوم لا يجهرون أنهم يسرون.
"زاد ابن خزيمة: في الصلاة".
ومسألة الجهر بالبسملة والإسرار بها لا شك أن أحاديث الإسرار أكثر وأصرح وأصح، وجاء ما يدل على البسملة، وجاء ما يدل على أنها آية من آيات الفاتحة، المقصود أن الجهر والإسرار مسألة خلافية بين أهل العلم، الأكثر فيما يضاف إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه كان يسر بها، وكذلك أبو بكر وعمر، وهذا هو المرجح عند الحنابلة والحنفية، وأما بالنسبة للمالكية ما الذي عند المالكية؟ بالنسبة للبسملة؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
لا يذكرون لا سراً ولا جهراً، لا بسملة ولا تعوذ ولا استفتاح، الله أكبر الحمد لله رب العالمين، وقد يستدل لهم بالحديث المتفق عليه: "كانوا يستفتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين" واستفتاح الصلاة بالحمد لله رب العالمين لا ينفي الاستفتاح بالبسملة، بل لا ينفي الاستفتاح بدعاء الاستفتاح والتعوذ والبسملة على ما تقدم مما يثبت مما ذكر في دروس سابقة.
(13/15)
الحنفية والحنابلة قالوا: يسرون ببسم الله الرحمن الرحيم، وهذا أكثر فيما روي عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، ويرى الشافعية الجهر بالبسملة، وأن حكمها حكم الفاتحة، حكم البسملة حكم الفاتحة إذا جهر بالفاتحة جهر بها، وإذا أسر بالفاتحة أسر بها، ويذكر من الخلاف الشاذ في المسألة قول من يقول: إن البسملة تقرأ جهراً مطلقاً سواءً أسر بالفاتحة أو جهر بها، ومثل هذه الأقوال الشاذة إنما تصدر رد فعل، لرد فعل تكون قوية لظرف أو مناسبة، يعني مثل ما ذكر عن الحسن البصري في التكبير المقيد، التكبير المقيد من فجر يوم عرفة ذُكر عن الحسن البصري أن المسبوق إذا سلم الإمام وأخذ يكبر التكبير المقيد كبر معه قبل أن يقضي ما فاته، لا شك أن هذه ردة فعل، وإلا الكلام ما هو بصحيح، لكن بعض الأقوال وبعض المناسبات والظروف في المناظرات وإلجاء المناظر إلى مثل هذه الأقوال لا شك أنها .. ، لكن ينبغي أن يكون العالم والمتعلم قيادته بيد النص، ما عليه من أحد خالف أو وافق، عليه أن يكون معوله على النص، أما القول بأنه يجهر بالبسملة سواء أسر بالقراءة أو جهر هذا قد يخرج على أنه ردة فعل، أو عناد لمن قال: إنه يسر بها مطلقاً أو لا يذكرها مطلقاً، فهذا القول لا حظ له من النظر، يعني غاية ما يقال: إنها آية من الفاتحة كما يقول الشافعية، فحكمها حكم الفاتحة، يسر بها إن سر بالفاتحة، ويجهر بها إن جهر بالفاتحة، وهذه المسألة مفرعة عن البسملة، وهل هي آية من الفاتحة فقط، أو آية من كل السور عدا براءة، أو ليست بآية مطلقة؟ أو آية واحدة نزلت للفصل بين السور؟
(13/16)
مسألة كبرى خلافية بين أهل العلم، والكلام فيها طويل، وفيها مؤلفات ومصنفات لجمع من أهل العلم للخطيب كتاب، ولابن عبد البر كتاب، وللذهبي كتاب، جمع من أهل العلم صنفوا في المسألة، لكن يجمع أهل العلم على أن البسملة بعض آية في سورة النمل، هذا محل إجماع لا خلاف فيه، كما أنهم يجمعون على أنها ليست بآية في أول التوبة، والخلاف فيما عدا ذلك في مائة وثلاث عشرة سورة، هل هي آية من كل سورة فتكون مائة وثلاث عشرة آية من القرآن؟ أو ليست بآية مطلقاً؟ أو آية من الفاتحة فقط؟ أو آية واحدة نزلت للفصل بين السور؟ محل خلاف بين أهل العلم، والذي يرجحه شيخ الإسلام أنها آية واحدة نزلت للفصل بين السور، ولا تتعدد بتعدد مواضعها.
مسألة الجهر والإسرار بالبسملة هذه من المسائل الخلافية التي لا تستدعي مخالفة للإمام، بمعنى أنك إذا عرفت أن هذا الإمام يجهر بالبسملة، وأنت لا ترى الجهر بالبسملة هل يقتضي هذا أنك لا تصلي وراءه؟ لا، ليست من المخالفات المخلة بالصلاة، ولذا جاء في رسالة الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب بن الإمام المجدد في رسالته إلى أهل مكة، قال: "ونصلي خلف الشافعي الذي يجهر بالبسملة، ولا نصلي خلف الحنفي الذي لا يطمئن في صلاته" لأن عدم الطمأنينة مخل بالصلاة، والخلل يتعدى إلى صلاة المأموم، هل يفهم من هذا أن الحنفية كلهم لا يطمئنون في الصلاة؟ لا، لكن إذا وجد حنفي لا يطمئن في صلاته لا نصلي وراءه، لكن إذا وجد حنفي يطمئن في صلاته نصلي وراءه، ما بيننا وبينهم شيء، مسائل اجتهادية والحمد لله، لكن إذا كان الاجتهاد يؤدي إلى خلل في صلاة المأموم لا يصلي وراءه، وأما بالنسبة للجهر بالبسملة فلا أثر له في صلاة المأموم فيصلى وراءه.
هناك أمور ينتابها النظر الطويل في صلاة من يرى نقض الطهارة بلحم الإبل مثلاً خلف من لا يرى النقض، هذه المسألة محل نظر لأهل العلم، منهم من يقول: لا يصلي وراءه؛ لأن صلاته باطلة بالنسبة له، فلا يصلي وراءه، ومنهم من يقول: ما دام تصح صلاته تصح إمامته، وهو صادر عن اجتهاد، إما بنفسه أو بتقليد من تبرأ الذمة بتقليده كالأئمة الثلاثة.
(13/17)
يكثر السؤال من قبل مأمومين يصلون خلف إمام سريع في القراءة، فتجده في الركعة الثالثة والرابعة لا يتمكن المأموم من الإتيان بالفاتحة كاملة، إذا قرأ نصف الفاتحة أو أكثر الفاتحة ركع الإمام، وبين أن يتم قراءة الفاتحة ويترتب على ذلك عدم الاقتداء بالإمام والتأخر عنه، وقد تفوته الركعة، وقد يضطر إلى أن يقرأ في ركوعه وهذا حرام، جاء النهي عن القراءة راكعاً أو ساجداً، أو يركع مع الإمام ولو لم تتم الفاتحة بالنسبة له.
أما بالنسبة من حصل له ذلك من غير سابق علم فهذا حكمه حكم المسبوق إذا ركع الإمام يركع، ولو لم يكمل الفاتحة، حكمه حكم المسبوق، يسقط عنه ما لم يدركه، وأما من كان عنده سابق علم أن هذا الإمام مطرد صنيعه أنه لا يمكن المأمومين من قراءة الفاتحة فمثل هذا لا يمكن من الإمامة، فإن قدر على إزالته وإلا فليبحث عن إمام آخر، لا ينبغي أن يكون المصلي في غالب أحواله مسبوقاً، وأما من يرى أن قراءة الإمام قراءة لمن خلفه الأمر عنده سهل.
ثم بعد هذا يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"وعن نعيم المجمر" نعيم بن عبد الله المجمر، وقد تشدد الميم مجمّر؛ لأنه كان يجمر يعني يطيب المسجد النبوي في كل جمعة فوصف بذلك.
(13/18)
قال: "صليت وراء أبي هريرة -رضي الله عنه- فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم، ثم قرأ بأم القرآن" وظاهر اللفظ يدل على أنه جهر بالبسملة؛ لأنه قال: "فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم، ثم قرأ بأم القرآن، حتى إذا بلغ: {وَلاَ الضَّالِّينَ} [(7) سورة الفاتحة] قال: آمين، وقال الناس آمين، ويقول كلما سجد: الله أكبر، وإذا قام من الجلوس من الاثنتين قال: الله أكبر، ثم يقول إذا سلم: والذي نفسي بيده" " والذي نفسي بيده" فيه إثبات اليد لله -جل وعلا- على ما يليق بجلاله وعظمته، وأما قول الشراح: روحي في تصرفه، هذا من لازم القول، ولا يقبل ممن يشك في إثباته للصفة، أما من عرف عنه أنه يثبت اليد لله -جل وعلا- على ما يليق بجلاله وعظمته وقال مثل هذا الكلام الكلام صحيح، ما في أحد ليس في تصرف الله -جل وعلا-، لكن إذا قال ذلك هروباً من إثبات الصفة رد عليه، بل الحديث صريح، كما في نصوص الكتاب والسنة من إثبات اليد الحقيقية لله -جل وعلا- على ما يليق بجلاله وعظمته.
"ثم يقول إذا سلم: والذي نفسي بيده إني لأشبهكم صلاة برسول الله -صلى الله عليه وسلم-" ومراده في جميع ما ذُكر، ما يقال: في الغالب كما يقول بعضهم، في الغالب أشبهكم صلاة برسول الله -صلى الله عليه وسلم-، يعني في غالب التصرفات، فالرسول -عليه الصلاة والسلام- لم يجهر بالبسملة، وهذا لا شك أنه من أدلة من يقول بالجهر بالبسملة، وإذا كان الرسول -عليه الصلاة والسلام- يجهر أحياناً بالآية في صلاة الظهر أو العصر فلا مانع أن يجهر بالبسملة أحياناً، وحينئذٍ يكون دليل للجهر بالبسملة في بعض الأحيان؛ لأنه ورد ما يدل على أنه يستفتح القراءة بالحمد لله رب العالمين.
"رواه النسائي ورواه ابن خزيمة وابن حبان والدارقطني والحاكم والبيهقي والخطيب وصححوه، وقد أعل ذكر البسملة" يقول المؤلف في تنقيح التحقيق: وقد اعتمد أكثر من صنف في الجهر يعني بالبسملة على هذا الحديث، وليس هو صريح في الجهر، يقول: وقد ذكرناها، يقول: وقد أجيب عنه بعشرة أوجه ذكرناها في مواضع أخر، قلت: نقلها الزيلعي في نصب الراية فأنظرها ... إلى آخره.
(13/19)
أجيب عن التصريح بالجهر بالبسملة، وأعل ذكر البسملة هنا لأنه مخالف لما نقله أنس مع ملازمته للنبي -عليه الصلاة والسلام- من عدم ذكر البسملة، ومن التصريح بعدم ذكرها، يعني بالمفهوم وبالمنطوق، وأنس لا شك أنه قريب من النبي -عليه الصلاة والسلام-، ومن أبي بكر وعمر، خدم النبي -صلى الله عليه وسلم- عشر سنين، ولزم أبا بكر وعمر قريب منهم، فنفيه مقدم على غيره، ولذا أعل ذكر البسملة، ولا شك أنه من خلال النظر في النصوص الثابتة من عند الطرفين أن عدم الجهر أرجح من الجهر، وأن أحاديث الجهر بالبسملة غاية ما فيها أنه يجهر بها أحياناً.
ثم قال -رحمه الله-:
"وعن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- قال: كنا خلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في صلاة الفجر، فقرأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فثقلت عليه القراءة، فلما فرغ قال: ((لعلكم تقرؤون خلف إمامكم؟ )) " لا شك أن الجهر بالقراءة يشوش على القارئ، يشوش على المصلي، وبعض الناس لا يستطيع أن يقرأ ألبتة إذا وجد ما يشوش عليه.
"قرأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فثقلت عليه القراءة، فلما فرغ قال: ((لعلكم تقرؤون خلف إمامكم؟ )) قلنا: نعم يا رسول الله، قال: ((لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب، فإنه لا صلاة لمن لا يقرأ بفاتحة الكتاب)) " وهذا الحديث مصحح، وله شواهد تدل على صحته.
يقول: "رواه أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه، وابن حبان والدارقطني، وقال: إسناده حسن، وصححه البخاري، وتكلم فيه أحمد وابن عبد البر وغيرهما، وهو من رواية ابن إسحاق" وهذا النص مخصص لما جاء في قوله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [(204) سورة الأعراف] قال: ((لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب)) ومخصص لقوله: ((وإذا قرأ فأنصتوا)) التي صححها مسلم في صحيحه على ما سيأتي، ولا شك أن الخاص مقدم على العام.
قال: ((لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب، فإنه لا صلاة لمن لا يقرأ بها)) الخلاصة أن الفاتحة ركن من أركان الصلاة الركن الثاني أو الثالث؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
الثالث؟
طالب:. . . . . . . . .
(13/20)
الثاني أو الثالث؟ أول ما يذكرون من الأركان: القيام مع القدرة، تكبيرة الإحرام، قراءة الفاتحة، فهي الركن الثالث، وعدوا الأركان أربعة عشر، من يذكرها؟
القيام مع القدرة، وتكبيرة الإحرام، قراءة الفاتحة، الركوع، الرفع منه، السجود على الأعضاء السبعة، الجلسة بين السجدتين، السجود الثاني، الرفع منه، الطمأنينة في جميع الأركان، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
التشهد الأخير، والصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام-، والتسليمتان، وبعضها محل خلاف بين أهل العلم هل تعد ركن أو تعد واجبة؟ سيأتي تفصيلها وبيانها -إن شاء الله تعالى-.
ونقف على حديث أبي موسى.
طالب:. . . . . . . . .
ويش هي؟
طالب:. . . . . . . . .
ثم ترك؟
طالب:. . . . . . . . .
ترك قراءة الفاتحة؟
طالب:. . . . . . . . .
لا وجه له.
يقول: ما حكم صلاة التسابيح؟
صلاة التسابيح ضعيفة، وما جاء فيها ضعيف.
اللهم صل وسلم ....
طالب:. . . . . . . . .
يذكرون بسم الله؟
طالب:. . . . . . . . .
هو مبالغة في النفي، أو بالنسبة للسورة التي تلي الفاتحة.
يقول: أنيس الساري بتخريج أحاديث فتح الباري؟
هذا هو اللي طبع أخيراً؟
ما بعد اقتنيت الكتاب، ولا أستطيع الحكم عليه.
منهاج التحصيل ونتائج التأويل في شرح المدونة ومشكلاتها؟
ما أدري والله.
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه.
ويش معك؟
طالب:. . . . . . . . .
هذا إعلان عن المحاضرة الظاهر أنهم جابوا إعلانات؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه ما يحتاج أن أقرأها.
طالب: أقرأ أنا يا شيخ؟
اقرأ، الله يعينك.
طالب: هذا إعلان للإخوان عن درس غداً -إن شاء الله- للشيخ عبد الكريم الخضير في تفسير سورة النصر في جامع الأمير سلمان بن عبد العزيز في جدة، بعد صلاة المغرب.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
(13/21)
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: المحرر – كتاب الصلاة (15)
الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سم.
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين.
قال الإمام ابن عبد الهادي -رحمه الله تعالى- في كتابه المحرر:
وعن أبي موسى -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خطبنا فبين لنا سنتنا، وعلمنا صلاتنا، فقال: ((إذا صليتم فأقيموا صفوفكم، ثم ليؤمكم أحدكم، فإذا كبر فكبروا، وإذا قرأ فأنصتوا)) رواه مسلم، وصححه الإمام أحمد، وتكلم في قوله: ((إذا قرأ فأنصتوا)) أبو داود والدارقطني وأبو علي النيسابوري وغيرهم.
وقد روي من حديث أبي هريرة، وصححه مسلم، وتكلم فيه غير واحد.
وعن عبد الله بن أبي أوفى قال: جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: إني لا أستطيع أن آخذ من القرآن شيئاً، فعلمني ما يجزيني منه، قال: ((قل: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم)) قال: يا رسول الله هذا لله فمالي؟ قال: ((قل: اللهم ارحمني وارزقني وعافني واهدني)) فلما قام قال: هكذا بيده، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أما هذا فقد ملأ يده من الخير)) رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن حبان والدارقطني والحاكم، وقال: على شرط البخاري.
وقد قصر من عزاه إلى ابن الجارود فقط.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا أمن الإمام فأمنوا، فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه)) متفق عليه.
وعن أبي قتادة -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي بنا فيقرأ في الظهر والعصر في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورتين، ويسمعنا الآية أحياناً، وكان يطول الركعة الأولى من الظهر، ويقصر الثانية، ويقرأ في الركعتين الأخريين بفاتحة الكتاب" متفق عليه، واللفظ لمسلم.
وفي رواية البخاري: "وكان يطول الأولى من صلاة الفجر، ويقصر في الثانية".
(14/1)
وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: كنا نحرز قيام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ...
نحزر، نحزر.
وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: كنا نحزر قيام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الظهر والعصر فحزرنا قيامه في الركعتين الأوليين من الظهر قدر قراءة: آلم تنزيل السجدة، وحرزنا قيامه في الأخريين ....
حزرنا، حزرنا.
فحزرنا قيامه في الآخرين.
في الأُخريين.
فحزرنا قيامه في الآخرين قدر النصف من ذلك، وحزرنا قيامه في الركعتين الأوليين من العصر على قدر قيامه في الآخرين من الظهر، وفي الآخرين من العصر.
أُخريين.
وفي الأخريين من العصر على قدر النصف من ذلك.
وفي رواية: بدل آلم تنزيل السجدة قدر ثلاثين آية، وفي الآخرين ...
أخريين، تثنية أخرى أخريين.
وفي الأخريين قدر خمس عشرة آية، وفي العصر في الركعتين الأوليين، وفي كل ركعة قدر خمس عشرة آية، وفي الأخريين قدر النصف من ذلك" رواه مسلم.
وعن بكير بن عبد الله بن الأشج عن سليمان بن يسار عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: ما صليت وراء أحد أشبه صلاة برسول الله -صلى الله عليه وسلم- من فلان.
قال سليمان: كان يطيل الركعتين الأوليين من الظهر، ويخفف الأخريين، ويخفف العصر، ويقرأ في المغرب بقصار المفصل، ويقرأ في العشاء بوسط المفصل، ويقرأ في الصبح بطوال المفصل، رواه ابن ماجه والنسائي، وهذا لفظه، وهو أتم، وإسناده صحيح.
وعن ابن إسحاق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنه قال: ما من المفصل سورة صغيرة ولا كبيرة إلا وقد سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يؤم الناس بها في الصلاة المكتوبة" رواه أبو داود.
وعن جبير بن مطعم قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقرأ بالطور في المغرب" وفي بعض روايات حديث جبير: "فكاد قلبي أن يطير" متفق عليه.
بركة، يكفي.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"وعن أبي موسى -رضي الله تعالى عنه-" وهو أبي موسى الأشعري عبد الله بن قيس "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خطبنا فبين لنا سنتنا".
(14/2)
النبي -عليه الصلاة والسلام- بلغ البلاغ المبين، وبين البيان التام الكافي الشافي، وسنته -عليه الصلاة والسلام- كلها بيان لما أجمل في القرآن، فلم يترك بياناً لمستبين، ولا بلاغاً لمستبلغ، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، ولا خير إلا دل الأمة عليه، ولا شر إلا حذرها منه.
"خطبنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" كثيراً ما يخطب في المناسبات وغيرها، يبين ما ينبغي أن يفعل، وما ينبغي أن يترك، وبيان ما أجمل هي وظيفته -عليه الصلاة والسلام-.
قال: "خطبنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فبين لنا سنتنا" السنة هي ما يضاف إليه -عليه الصلاة والسلام-، وهي أعم من المندوب، فيدخل فيها كل ما يضاف إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-.
"وعلمنا صلاتنا" الذي في القرآن منها الأمر بها وبإقامتها، وإجمال ما فيها من ركوع وسجود، ونحو ذلك على سبيل الإجمال، وبيانها تفصيلاً إنما جاء في السنة من قوله -عليه الصلاة والسلام-، ومن فعله -صلى الله عليه وسلم-، وأيد ذلك بقوله: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) فلا اجتهاد لمجتهد من غير نص، بل الاجتهاد فيما يحتمله النص موجود بين أهل العلم، أما أن يجتهد عالم فيقرر مسألة من مسائل الصلاة ليس لها أصل من السنة من بيانه -عليه الصلاة والسلام- فلا.
وعلمنا صلاتنا بقوله وفعله "فقال: ((إذا صليتم فأقيموا صفوفكم)) " يعني إذا صليتم في جماعة؛ لأن الصفوف إنما تكون في الجماعة، والواحد لا يقال له: صف.
((إذا صليتم)) يعني جماعة ((فأقيموا صفوفكم)) يعني وسووها، وكان النبي -عليه الصلاة والسلام- يهتم لهذا الأمر، وهو تسوية الصف؛ لأنه من تمام الصلاة ((سووا صفوفكم أو ليخالفن الله بين قلوبكم)) هذا وعيد مما يدل على أن تسوية الصفوف واجبة، وإلا كانت من تمام الصلاة كذلك.
(14/3)
وما جاء في حديث: ((إن الله لا ينظر إلى الصف الأعوج)) فإن هذا الحديث لا أصل له كما قرر ذلك أهل العلم، لكن الأمر بتسوية الصفوف، واهتمام النبي -عليه الصلاة والسلام-، وكان يسويها كما تسوى القداح، ويلتفت يميناً وشمالاً حتى إذا عرف أنهم فقهوا عنه، فإذا رجل قد بدا صدره، فزجره النبي -عليه الصلاة والسلام-، فقال: ((سووا صفوفكم أو ليخالفن الله بين قلوبكم)) المقصود أن تسوية الصف أمر واجب، والمسئولية في الدرجة الأولى على المصلي والإمام، الإمام لا بد أن يهتم بهذا الأمر، وكثير من الأئمة مع الأسف كأن الأمر لا يعنيه، وإذا دخل إلى الصلاة كأنها مجرد إسقاط واجب أعني الإمامة، يؤدي هذه الصلاة ولا يهمه ما يتعلق بالمأموم، وبعضهم إذا دخل المسجد -وهذا موجود ولله الحمد وبكثرة بين طلبة العلم- كأنه لا شغل له ألبتة إلا هذه الصلاة، والناس يفرقون بين هذا وهذا، ويعرفون، والله المستعان.
تسوية الصفوف لا شك أن الأئمة يتفاوتون، النبي -عليه الصلاة والسلام- يأمر، وأمره ليس كأمر، غيره، وغيره يأمر بأمره -عليه الصلاة والسلام- فيلتزم قوله، وبحسب موقع الإمام بين هؤلاء المأمومين، وفي مجتمعه ينبغي أن يكون أسلوبه، فالشاب لا يزجر المأمومين زجراً شديداً بحيث يجعلهم ينفرون منه، ويخالفونه، ويتعمدون خلافه، وجد من بعض الأئمة وهو صغير في السن يأمر كبار السن بالزجر، مثل هذا ليس من الحكمة ولا من المصلحة، بل تجد حظوظ النفس تظهر في مثل هذا، في مثل هذه الحال، فتجده يخالف صراحة وعلانية، بل بعضهم سمع يدعو على الإمام، فلا بد من الأسلوب المناسب الذي يحقق المصلحة، ولا يترتب عليه مفسدة.
(14/4)
ووجد شيخ كبير السن بالعصا يُقوّم الناس، يضربهم ضرب، ويقول: كان عمر بن الخطاب يضرب الناس بالدرة، هل هذا أسلوب؟ ليس هذا بأسلوب، هذا لا يجدي مع الناس، هذا يورث الشحناء والبغضاء، وكثرة الكلام والمصادمة والمعاندة والمخالفة، ووجد هذا في هذا المسجد، في مسجد الشيخ الكبير، الإشارة ليست لهذا المسجد، لا، هذا الذي يضرب الناس بالعصا ورأيته أنا، يقول: كان عمر بن الخطاب يضرب الناس بالدرة، كيف يضرب الناس بالدرة؟ عمر بن الخطاب غير، وبالمناسبة يعني هذه أمور لا بد أن ينتبه لها الإخوان وطلاب العلم، التربية تحتاج إلى أسلوب، شاب في العشرين وفي الخامسة والعشرين يلقي درساً، ثم إذا رأى شخص متشاغل أو ينعس قال له: قم، ولو كانت لحيته بيضاء، قم أعد ما قلت، بين الناس وبين .. ، هذا يمكنه جاء للبركة، ليس من طلاب العلم، شيخ كبير السن جاء ليحضر مجلس العلم، فيقال له بهذا الأسلوب، وقد حصل، فلما قيل للشاب قال: الشيخ ابن عثيمين يقيم الناعس والغافل، الناس منازل، يقبل من الشيخ ولا يقبل منك، ويقبل من عمر الدرة ولا تقبل من فلان أو علان، فالناس منازل، وينبغي بل يجب على الإنسان أن ينظر في منزلته بين الناس، وأمر فلان ليس كأمر فلان، وإن كان الكل شرع، لكن كيف يؤدى هذا الشرع، ويبلغ الناس؟ بأسلوب تترتب عليه مصالحه، بأسلوب يكون مقبولاً عند الناس، أما أن يقوم الصفوف بالعصا هذا ليس بمقبول إطلاقاً، مهما علت منزلة صاحبه.
((فأقيموا صفوفكم، ثم ليؤمكم أحدكم)) هذا إجمال، أحدكم جاء بيانه في حديث أبي مسعود البدري: ((يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة)) إلى آخر ما ذكره النبي -عليه الصلاة والسلام- من المرجحات لإمامة الأولى والأحق.
(14/5)
((ثم ليؤمكم أحدكم، فإذا كبر فكبروا)) فإذا كبر التكبيرة الأولى للإحرام كما تقدم، وهي ركن من أركان الصلاة، لا تصح إلا بها ((فكبروا)) يعني فليقع تكبيركم بعد تكبيره، فإذا فرغ من تكبيره فكبروا، الصلاة لا تنعقد إلا بهذه التكبيرة، ثم بعد ذلك إذا كبر للركوع فكبروا، إذا كبر للسجود فكبروا، إلى آخر الصلاة، ولتكن أفعال المأموم بعد أفعال إمامه، وأقوله بعد أقواله، لكن هناك ما ينبغي أن يشترك فيه الإمام والمأموم، وإن كان فعل المأموم في بدايته بعد بداية الإمام لا أن فعله يقع بعد فراغ الإمام، كما تقدم مراراً أن الفعل الماضي يطلق ويراد به إرادة الشيء، يطلق ويراد به الفراغ منه، ويطلق ويراد به الشروع فيه، فإذا كبر فكبروا، يعني إذا فرغ من التكبير، إذا ركع فاركعوا، إذا شرع في الركوع لا أنه إذا فرغ من الركوع، لا.
((وإذا قرأ فأنصتوا)) وهذا هو الشاهد من الحديث في هذا الموضع " ((وإذا قرأ فأنصتوا)) رواه مسلم، وصححه الإمام أحمد بن حنبل، وتكلم في قوله: ((إذا قرأ فأنصتوا)) أبو داود والدارقطني وأبو علي النيسابوري وغيرهم".
هذه اللفظة مخرجة في صحيح مسلم، وهي موافقة لقوله -جل علا-: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ} [(204) سورة الأعراف] وعمومها يشمل مع عموم الآية يشمل جميع القراءة، وأن المأموم ينصت ولا يقرأ إذا قرأ الإمام لا الفاتحة ولا غير الفاتحة، وهذا الحديث مع الآية حجة من يقول: إن المأموم لا تلزمه قراءة الفاتحة، لا سيما في الصلاة الجهرية، وحديث عبادة الذي تقدم: ((لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)) عمومه يشمل قراءة الفاتحة بالنسبة لكل مصلٍ الإمام والمأموم والمنفرد خلا المسبوق، على ما تقرر في دروس مضت، عمومه يشمل كل مصلٍ في الجهرية وفي السرية.
(14/6)
هذه الجملة: ((وإذا قرأ فأنصتوا)) اختلف في ثبوتها، وتكلم فيها جمع من الحفاظ، وحكموا عليها بالشذوذ؛ لأن عامة الرواة لم يذكروها، تفرد بها سليمان التيمي، وهو ثقة، فمن قبلها قال: زيادة ثقة غير مخالفة، ومن ردها حكم عليها بالشذوذ، قال: لو كانت محفوظة لجاءت من غير طريقه ((إذا قرأ فأنصتوا)) وعلى كل حال الإشكال في مثل هذه اللفظة من بعض لا أقول: جميع أهل العلم من بعض العلماء، لا سيما أتباع المذاهب ممن له يد في الحديث وعلومه، يتكلم على هذه الجملة منطلقاً من مذهبه الفرعي، فإذا كان ممن يرجح إمامه عدم القراءة خلف الإمام قال: محفوظة وصحيحة، وتجدون في التخريج من يقوي هذه اللفظة، كلهم تجدون أئمتهم ممن يقول بعدم القراءة خلف الإمام، والذي يقول بوجوب القراءة على كل مصلٍ لا سيما الفاتحة إماماً كان أو مأموماً جهرية كانت الصلاة أو سرية تجده يقول: هذه اللفظة غير محفوظة، مع أن الأصل أن العالم يستدل بالنص لا للنص، لا يستدل للنص، إنما يستدل بالنص، يعني مثلاً حديث السجود كان النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه" والحديث الآخر: "وليضع يديه قبل ركبتيه" تجد علماء الشافعية في الجملة يصححون حديث البروك، ويجعلونه أرجح من حديث أبي هريرة، في المذاهب الأخرى يرجحون حديث أبي هريرة لأن مذاهبهم هكذا.
(14/7)
المسألة مسألة يعني خفية ودقيقة، لا يتهم أهل العلم بمثل هذا، لكن قد يشم مثل هذا، ولا دليل يبرئ ولا دليل يوجب التهمة، لكن في الجملة أهل العلم أهل ورع وأهل دين، لكنهم هذه مذاهبهم، ووجدوا ما يستدلون له من أمر محتمل، لا يفهم من هذا أن جميع أهل العلم هذا ديدنهم، لا، أقول: قد يوجد من أتباع المذاهب من يستروح ويميل إلى ترجيح ما يؤيد مذهبه، وهذه الأحاديث الأمر فيها واضح، فعلى طالب العلم أن يتجرد، أن ينظر في حكم النص قبل أن ينظر في المذهب، نعم قد يكون كثير من طلاب العلم تفقهوا على كتب الفروع قبل أن يعرفوا كتب السنة، قبل أن يتمكنوا في السنة، ثم بعد ذلك يستصحبون ما عرفوه من أحكام في الصغر، ولا شك أن لهذا أثر، هذا له أثر كبير في توجه طالب العلم، فعليه أن يتوازن وأن يتجرد، ويجعل القائد والسائق والحادي هو النص، والأئمة كلهم تبع لهذه النصوص، فإذا قلنا: إن هذه الكلمة غير محفوظة لماذا؟ لأن سائر الرواة لم يذكروها، ولو كانت ثابتة لذكروها وتواطئوا عليها، ومن يقول: بأنها ثابتة ومحفوظة يقول: زيادة ثقة، والزيادة من الثقة لا سيما إذا لم تقتضِ مخالفة مقبولة، وهذا -أعني مبحث زيادة الثقة- في مثل هذا الموضع من مضايق الأنظار، ويحتاج في الترجيح في الحكم على اللفظة بكونها محفوظة أو غير محفوظة يحتاج إلى إمام عارف، يشم الحديث، يعرف الثابت من غيره، يعمل بالقرائن، متمكن، حافظ، يجمع أحاديث الباب وهكذا، ولا يتسنى لكل طالب علم أن يقول: إن هذه الكلمة غير محفوظة، تكلم فيها أبو داود والدارقطني وغيرهم، وهي موجودة في صحيح مسلم، كتاب تلقته الأمة بالقبول، ونص مسلم على تصحيحها، وهي أيضاً من حديث أبي هريرة، كما قال المؤلف، وقد روي من حديث أبي هريرة وصححه مسلم، وتكلم فيه غير واحد، صححه مسلم ولم يخرجه، وقيل له: حديث أبي هريرة صحيح؟ قال: نعم، قيل: لم لم تخرجه؟ قال: إنه لم يخرج كل حديث صحيح، وترك من الصحاح أكثر خشية الطول، وليس كل حديث صحيح وضعته هاهنا، وإنما وضعت هاهنا ما أجمعوا عليه.
(14/8)
نعود إلى أصل المسألة وهي الأمر بالإنصات ((إذا قرأ فأنصتوا)) مع الآية، مع حديث عبادة: ((لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)) في هذه الآية وهذا الحديث عموم وفيه خصوص، وفي حديث عبادة عموم، وأيضاً فيه خصوص، عموم حديث عبادة: ((لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)) وهذا يشمل كل مصلٍ، سواءً كان إمام أو مأموم أو منفرد أو مسبوق، وخرج المسبوق بحديث أبي بكرة، يشمل كل مصلٍ إلا أنه خاص بفاتحة الكتاب، والآية مع ما معنا من حديث أبي موسى: ((إذا قرأ فأنصتوا)) عمومه في القراءة، يعني في الفاتحة وغيرها، وخصوصه بالمأموم، فبينهما عموم وخصوص وجهي، ظاهر وإلا غير ظاهر؟ كيف نصنع؟ إذا خصصنا حديث عبادة بهذا الحديث قلنا: إن المأموم لا يقرأ، وإذا خصصنا هذا الحديث بحديث عبادة قلنا: فاتحة الكتاب لا تدخل في قوله: ((وإذا قرأ فأنصتوا)) لأنها مستثناة من حديث عبادة، وهل تخصيص هذا أولى من تخصيص ذاك؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
أيهما أولى بالتخصيص؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب: حديث عبادة.
(14/9)
أولاً: حديث عبادة محفوظ، ما تكلم فيه أحد من العلماء، متفق على صحته، وهذه الجملة من هذا الحديث مختلف فيها، وأما الآية يعني الحديث نص في الصلاة، وأما الآية فهي عامة في الصلاة وخارج الصلاة، فعمومها أوسع، وتخصيصها أولى وأقرب، يؤيد حديث عبادة، وأنه خاص بفاتحة الكتاب، والقراءة هنا المأمور بالإنصات فيها عامة ما جاء ما يدل على استثناء الفاتحة من القراءة خلف الإمام ((ما لي أنازع القرآن، لعلكم تقرؤون خلف إمامكم)) وفي رواية: ((لا تفعلوا إلا بأم الكتاب)) وعلى كل حال المتجه أن المأموم يقرأ فاتحة الكتاب، سواء قرأ الإمام أو لم يقرأ، في السرية والجهرية، هذا هو الأقرب، وإن كانت المسألة من عضل المسائل، والأئمة الكبار اختلفوا فيها اختلافاً كبيراً، وبالنسبة للكلام الذي قلنا في أول الأمر أن من أهل العلم من يجعل النصوص خادمة لمذهبه، والأولى أن يجعل المذهب خادم للنصوص، يعني يوجد في بعض كلام المتفقهة الذين لهم يد في هذا العلم في علم الحديث، يعني تجد مثلاً توجيه الحديث في التلخيص -تلخيص الحبير- غير توجيه الحديث في نصب الراية مثلاً، وإذا كان الإنسان ابن بيئته ولبيئته من التأثير في الأمور العامة والعادية فإن المذاهب لا بد أن تؤثر في أربابها، لكن يحرص طالب العلم أن يكون إمامه وقائده النص.
في مثل هذه الجملة التي اختلفوا فيها في حديث ما يقال بعد الوضوء: ((إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين)) أو ما يقال بعد إجابة المؤذن: ((إنك لا تخلف الميعاد)) هذه اختلف فيها مثل ما اختلف في الجملتين، وبالنسبة لقوله: ((إنك لا تخلف الميعاد)) أثبتها الألباني، وأثبتها الشيخ ابن باز -رحمه الله-، والشيخ ابن عثيمين قلد، قلد فيها، قال: ما دام أثبتها الشيخ ابن باز وهو أعرف منا بالحديث نسلم.
(14/10)
كلام يعني يحمد عليه الشيخ بلا شك، لكن كيف وقد نفاه جمع من الأئمة الكبار، فالتقليد في مثل هذا الباب أيضاً فيه صعوبة، من تقلد؟ يعني إذا اقتنعت بمثل الشيخ الألباني أو مثل الشيخ ابن باز، فماذا عن صنيع الإمام يحيى بن معين، أو أبي حاتم الرازي وغيرهم من أئمة الإسلام، أو الدارقطني، الكبار الفحول، يعني لو افترضنا أن هذه خرجت في صحيح مسلم، وسئل عنها الإمام البخاري مثلاً فلم يثبتها؟ يعني طالب العلم يقع في حيرة، لكن عليه أن يتدرج في هذا العلم، ويجمع مثل هذه الألفاظ التي اختلف فيها مما لا يمكن لطالب العلم المتوسط أن يقطع فيها بشيء يجمعها ويدرسها بتأنٍ، ويجمع طرق هذه الأحاديث، وينظر أقوال أهل العلم فيها، وما رجحوه في هذه الألفاظ، وهذا الذي يدعو إليه بعض طلاب العلم في هذا الوقت، وهو التجديد في هذا العلم، ومضاهاة المتقدمين، والعمل بأحكام المتقدمين، لكن أقول: دون هذا بالنسبة لطالب العلم المتوسط دونه خرط القتاد، ليس الأمر بالسهل، يعني بحيث يلقى على آحاد الطلاب، إذا تمكن طالب العلم هذا فرضه، لكن يبقى أن مثل هذه الألفاظ يتكلم فيها أبو داود والدارقطني وجمع من أهل العلم، ويصححها مسلم وأحمد، وتجد من أهل العلم الكبار والصغار من يرجح هذا، ومنهم من يرجح هذا، والنتيجة القول الفصل فيها للأئمة الحفاظ الكبار، وليس لطالب العلم المتوسط إلا أن يقول: خرجه مسلم في صحيحه، وقد تلقته الأمة في القبول، ولا كلام لنا مع هذا.
يعني حديث في البخاري: ((ولا تنتقب)) يعني المحرمة، تكلم أبو داود في هذه اللفظة، تكلم أبو داود في لفظة "ولا تنتقب" يعني لا تلبس النقاب، فرجحها بعض المعاصرين؛ لماذا؟ لأن مفهوم لا تنتقب المحرمة أن غير المحرمة تنتقب، اللفظة في البخاري، أن غير المحرمة تنتقب، والنقاب يفتي أهل العلم بتحريمه، لكن هل بمثل هذا يحكم على مثل هذه الألفاظ؟
(14/11)
أولاً: إذا حررنا معنى النقاب خرجنا من الحرج، ولا نحتاج إلى أن نضعف لفظة في صحيح البخاري، يعني استروحنا إلى قول أبي داود من أجل ألا نعارض الفتوى برواية في البخاري، لا تنتقب مفهومه أن غير المحرمة تنتقب، والعلماء يقولون: النقاب حرام، النقاب ليس بحرام، لكن السفور حرام، لكن النقاب ليس بحرام، ويش معنى النقاب؟ نقب صغير يخرج منه سواد العين، هذا حرام وإلا ليس حرام؟ هذا ليس بحرام، لكن إن زاد عليه ولا مليم واحد، ولا مليمتر واحد، يعني عُشر السنتيمتر من البشرة سفور، فلا يدخل النقاب الموجود الآن الذي يظهر نصف الوجه، أو ثلث الوجه، أو ربع الوجه، أو أي شيء يسير من الوجه، فلا نحتاج إلى أن نضعف لفظة في صحيح البخاري من أجل هذا، فنحرر الكلمة قبل كل شيء في اللغة وفي الاصطلاح والاستعمال الشرعي في العهد النبوي ثم بعد ذلك نحكم، فلا تكون الغيرة التي ينطوي عليها كل مسلم، وهم متفاوتون في هذه الغيرة، الغيرة موجودة عند المسلمين وعند بعضهم هي أشد من بعض، لا يحملهم الغيرة على أن يضعفوا أحاديث، بل لا بد أن يتعاملوا مع الأحاديث الصادرة عمن لا ينطق عن الهوى، ومن هو أشد غيرة منهم أن يتعاملوا تعامل صحيح، يليق بهذه النصوص، فمثل هذه الأمور لا بد من الاهتمام بها، والعناية بشأنها.
ثم قال:
"وعن عبد الله بن أبي أوفى قال: جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: إني لا أستطيع أن آخذ من القرآن شيئاً" معناه ولا فاتحة الكتاب، هذا الكلام صحيح؟ يمكن أن يوجد مسلم لا يستطيع أن يتعلم الفاتحة؟
"إني لا أستطيع أن آخذ من القرآن شيئاً فعلمني" نعم يوجد من كبار السن من المسلمين من يتعانى حفظ قصار السور ولا يستطيع؛ لأن الحافظة ضعيفة مع كبار السن كونه ما انتبه ولا التفت لهذا الأمر إلا بعد أن تقدمت به السن، يعني في عهده -عليه الصلاة والسلام- هذا مقبول؛ لأنه يسلم وهو كبير سن، ثم يحاول أن يحفظ من القرآن شيئاً لا يستطيع، ولذلك أنزل القرآن على سبعة أحرف مراعاة لمثل هذا، إذا كان لا يستطيع هذه اللفظة يأتي بمرادفها، المقصود أنه لا يستطيع أن يأخذ من القرآن شيئاً، نكرة في سياق النفي تعم الفاتحة وغير الفاتحة.
(14/12)
"فعلمني ما يجزيني منه" (من) هذه تبعيضية؟ نعم؟ إذا قلنا: تبعيضية قلنا: يجزيك منه الفاتحة؛ لأنها من القرآن، إذا قلنا: ما يجزيني، يجزئني ويكفيني منه من القرآن لعلمه الفاتحة؛ لأن الذي علمه ليس من القرآن، هي أذكار، هي الباقيات الصالحات لكن ليست بقرآن بهذه الصيغة، فقوله: فعلمني ما يجزيني، يعني يغنيني ويجزئني عنه، فـ (من) هذه بمعنى (عن) لأنه أخبر أن القرآن لا يستطيع شيئاً منه، فعلمه ما يجزئه عن شيء، أو ما تيسر من القرآن.
"قال: ((قل: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر)) " الباقيات الصالحات غراس الجنة، ولا حول ولا قوة إلا بالله كنز من كنوز الجنة، يقول أهل العلم: إذا كان ترابها المسك الأذفر فما كنزها؟!
((قل: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم)) العجز المذكور وعدم الاستطاعة منه ما هو حقيقي، ومنه ما هو حكمي، حقيقي بأن لا يستطيع تعلم الفاتحة، أنفق عليها الأوقات، وكلما حفظ له آية نسي أخرى، وإذا راجعها ما في شيء، هذا حقيقي، لكن الذي يصلي خلف إمام لا يسكت في صلاته، وهو لا يستطيع أن يقرأ والإمام يقرأ، ألا يوجد من الناس من لا يستطيع القراءة إذا وجد من يشوش عليه؟ لا يستطيع أن يقرأ ولا الفاتحة خلف الإمام إذا كان يقرأ، فكيف يصنع مثل هذا؟
(14/13)
العجز الحقيقي وجدنا ما يجزئه: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله، هذا يجزئه، عاجز حقيقي، لكن العاجز الحكمي الذي لا يستطيع أن يقرأ ولا آية خلف الإمام هل يوجه بمثل هذا؛ لأنه عاجز عن القراءة عجزاً حكمياً؟ أو نقول: إذا عجز عن الفاتحة عجز عن هذا؟ لأن الكلام المترابط الذي رتب بعضه على بعض قد لا يستطيع أن يأتي به، لكن جمل متناثرة كلما سنحت له فرصة قال: جملة، تغافل عن قراءة الإمام، ثم قال: سبحان الله، ثم بعد قليل قال: الحمد لله، يستطيع، لكن لا يستطيع أن يقول: الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم ... ، المقصود هل يوجه العاجز عجزاً حكمياً عن قراءة الفاتحة؛ لأنه لا يستطيع أن يقرأ خلف إمام يجهر؟ وهذا المعروف على القول بأن المأموم تلزمه القراءة على كل حال، ولو جهر إمامه، وهو الذي رُجح سابقاً، إذا عجز عن قراءة الفاتحة عجزاً حكمياً يوجه إلى مثل هذا أو لا؟ نعم؟
أولاً: هل في هذا الحديث ما يدل على أنهم خلف الإمام؟ "إني لا أستطيع أن آخذ من القرآن شيئاً، فعلمني ما يجزيني منه، قال: ((قل: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله ... )) إلى آخره، هذا ليس فيه ما يدل على أنه في حال كونه مأموماً، انتبهوا يا الإخوان، تروا المسألة تحتاج إلى شيء من الانتباه، أولاً: هذا ليس بمأموم، احتمل أن يكون مأموم، واحتمل أن يكون غير مأموم، والمأموم جاء في حقه: ((لا تفعلوا إلا بأم القرآن)) ((لا تفعلوا إلا بأم الكتاب)) فدل على أن المأموم حال كونه مأموماً لا يقرأ إلا الفاتحة، والنفي يشمل البدل الموجود في هذا الحديث، فإذا عجز المأموم عن قراءة الفاتحة سواء كان ممن لا يستطيع القراءة حال قراءة الإمام، أو لم يستطع إكمال الفاتحة لسرعة الإمام مثلاً، نقول: هذا حكمه حكم المسبوق، واضح وإلا ما هو بواضح؟ فالمأموم لا يقول مثل هذه الأذكار خلف الإمام، إن استطاع أن يقرأ الفاتحة وإلا فحكمه حكم المسبوق.
طالب:. . . . . . . . .
(14/14)
إذا عجز يسقط، لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، بعض الناس لا يستطيع ألبتة، تجده يقرأ في سورة من القرآن حفظها كما يحفظ الفاتحة، ثم يتحرك شيء ينسى، لا يدري أين وقف؟ ما هو موجود هذا بين الناس؟ موجود بكثرة، نعم يختلف من شخص إلى شخص، وعموم من حفظ سراً بينه وبين نفسه يكون هذا ديدنه وهذه عادته، إذا تحرك أدنى شيء نسي كل شيء؛ لماذا؟ لأنه ما عود الأذن سماع القرآن، وإذا تضافر على حفظ القرآن السمع والبصر والفؤاد ثبت ورسخ، لا يؤثر فيه مثل هذه الحركات، ولذلك تجدون الحفاظ ما يؤثر عليه من يقرأ عن يمينه أو عن شماله أو عن كذا، وبعض الناس من تعود الحفظ سراً تجده لأدنى شيء لو جهر من بجانبه في الصلاة بكلمة واحدة، أو تحرك باب، أو دخل إلى الصلاة شخص في حركة أو جلبة ضاع ما يدري من أين يبدأ؟ ولا من أين ينتهي؟ وهذا موجود.
قال: ((قل: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر)) وهذه هي غراس الجنة، كما جاء في الحديث الصحيح أن إبراهيم -عليه السلام- قال لمحمد -صلى الله عليه وسلم-: ((أقرئ أمتك مني السلام، وأخبرهم أن الجنة قيعان، وأن غراسها سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر)).
((ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم)) هذه كنز من كنوز الجنة، فليحرص طالب العلم على هذه الكلمات، وليكن لسانه رطباً بمثل هذه الكلمات، وليكن من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات، أعد الله لهم مغفرة وأجراً عظيماً، و ((سبق المفردون)).
وعلى كل حال فوائد الذكر كثيرة، ذكر منها ابن القيم ما يقارب المائة في مقدمة الوابل الصيب.
(14/15)
"قال: يا رسول الله هذا لله فمالي؟ " كيف لله -عز وجل-؟ من المستفيد إذا قال المسلم: ((سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله))؟ من المستفيد؟ نفسه؛ لأنه يقول: هذا لله فما لي؟ يعني هذه الأمور ذكر لله، وتمجيد لله، وتنزيه لله، أنا أريد شيئاً وإن كنت أستفيد من هذا الذكر، ومن هذا التمجيد، ومن هذا التسبيح والتحميد، يستفيد منه المسلم، لكن يريد ما هو أخص من ذلك، وهو الدعاء المباشر، وهذا أعني الذكر من دعاء العبادة، وهو يريد دعاء المسألة، يعني مباشر له، يريد رحمة، يريد رزق، يريد عافية، يريد هداية، يريد ما يريد من أمور الدنيا، وجاء في خبر: ((من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين)) فالاشتغال بهذه الأذكار وعلى رأسها قراءة القرآن يعطى القارئ، ويعطى الذاكر أعظم ما يعطى السائل، لكن الإنسان لا يستغني عن السؤال بحال، لا يستغني عن سؤال الله -جل وعلا- ((الدعاء هو العبادة)) وفي حديث: ((مخ العبادة)) لا يستغنى عنه بحال، وإن كان الذكر شأنه عظيم، فأيضاً الدعاء له شأن عند الله -جل وعلا-، وإذا دعا الإنسان فلا بد أن يجاب، ما لم يكن ثم مانع، ولا يلزم أن يجاب بنفس ما سأل، قد يجاب بنفس ما سأل، وقد يدفع عنه من الشر أعظم مما سأل، وقد يدخر له في القيامة أعظم مما سأل، إنما الإجابة لا بد منها إذا لم يكن ثم مانع، يكون السائل الداعي هو المتسبب في هذا المانع لا غيره، وذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء، يا رب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب، هذه موانع، كيف يستجاب لمثل هذا؟ أما إذا تجرد عن الموانع فلا بد أن يجاب {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [(60) سورة غافر].
(14/16)
"قال: فمالي؟ قال: ((قل: اللهم ارحمني، وارزقني، وعافني، وأهدني)) " متى يقول مثل هذه الدعوات؟ عرفنا أنه يقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر بدلاً عن القراء، فهل يقول بعدها: اللهم ارحمني، وارزقني، وعافني، وأهدني في القيام؟ لأن السياق يدل على هذا، لكن ركن القيام القراءة فقط، وركن الركوع التعظيم، والسجود التنزيه مع الإكثار من الدعاء على ما سيأتي، فموضع الدعاء من الصلاة السجود وبين السجدتين، وبعد الفراغ من التشهد، هذه مواضع الدعاء في الصلاة، وأما بالنسبة للقيام فذكره القراءة، وما بعد الركوع من القيام ذكره معروف على ما سيأتي -إن شاء الله تعالى-.
المقصود أن هذا الدعاء ظاهر الحديث يدل على أنه يقوله بعد الأذكار السابقة هذا الظاهر، والنصوص الأخرى تدل على أن القيام ذكره القرآن، أو ما يقوم مقامه من الأذكار، وأما الدعاء فمحله السجود، ((فأكثروا فيه من الدعاء فقمن أن يستجاب لكم)) على ما سيأتي، وبين السجدتين محل دعاء، وبعد الفراغ من التشهد أيضاً ليتخير من المسألة ما شاء، على ما سيأتي -إن شاء الله تعالى-.
"فلما قام قال: هكذا بيده" من الذي قام وقال؟ هذا الرجل، ماذا قال بيده؟ وقبضها؟ يعني "فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أما هذا فقد ملأ يده من الخير)) " يعني هل يمكن أن يصور ما قال بيده؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ملء اليد من الخير، هل له ارتباط من قوله: بيده؟ فلما قام قال بيده، قال هكذا بيده "فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أما هذا فقد ملأ يده من الخير))؟ " وكيف تملأ اليد؟ ما وضع اليد إذا أريد ملؤها؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
هكذا نعم، أو باليدين كلتيهما إذا قلنا: إن المراد باليد ما يشمل اليدين على كل حال هو مبهم، وتعيينه لا يؤثر عدم معرفته، لا يؤثر عدم معرفة التعيين إلا أن في قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((أما هذا فقد ملأ يده من الخير)) يدل على أنه بسطها كمن يريد ملأها.
(14/17)
يقول: "رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن حبان والدارقطني والحاكم، وقال: على شرط البخاري، وقد قصر من عزاه إلى ابن الجارود فقط" من الذي اقتصر على عزوه إلى ابن الجارود؟ نعم؟ أحد معه المنتقى للمجد؟ أو الإلمام لابن دقيق؟ من الذي عزاه إلى ابن الجارود؟ على كل حال يراجع، إما المنتقى للمجد ابن تيمية، أو الإلمام لابن دقيق.
التقصير في العزو له صور، قد يكون الحديث في كتاب أعلى فيعزى إلى كتاب أنزل، هذا تقصير، لكن من التقصير ما هو مقبول، ومنه ما هو مردود، فإذا كان الحديث في موطأ الإمام مالك، ومن طريقه خرجه الإمام البخاري فقال المخرج: رواه البخاري، هذا نزول وتقصير، لكن هل هذا التقصير مخل أو غير مخل؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
مخل وإلا غير مخل؟
طالب:. . . . . . . . .
غير مخل؛ لأنه ما دام وجد في البخاري انتهى الإشكال، لكن لو كان الحديث في البخاري، ومن طريقه خرجه البيهقي أو البغوي في شرح السنة، فاقتصر إلى عزوه إلى البيهقي أو البغوي في شرح السنة، هذا تقصير لكنه مخل، هذا تقصير، والاقتصار على بعض المراجع إذا عزي الحديث إلى الصحيحين، ولو ترك ما عداهما، الأثر المترتب على مثل هذا يسير؛ لأنه إذا ثبت الخبر لا نحتاج إلى حشد من المخرجين، كما يفعل من يخرج الحديث من ثلاثين أو أربعين مصدراً، مع أنه في الصحيحين، لكن إذا كان الحديث في الكتب الستة، واقتصر على عزوه إلى أبي داود والترمذي مثلاً وترك البخاري ومسلم، لا شك أن هذا تقصير مخل.
(14/18)
أما إذا كان في السنن الأربعة مع المسند في الخمسة مثلاً، وذكر أنه مخرج عند أبي داود والترمذي، وترك مثلاً النسائي وابن ماجه هذا تقصير، لكنه ليس الخلل فيه كما لو ترك أحد الصحيحين، إذا كان الحديث في الكتب المشهورة في الكتب الستة في الموطأ في المسند، ثم بعد ذلك يعزى إلى فوائد تمام أو جزء فلان أو علان، وتترك هذه الكتب لا شك أن هذا إغراب غير مرضي من بعض طلاب العلم، وهو موجود، تجد بعض طلاب العلم لهم عناية بالأجزاء والفوائد والمعاجم، ويتركون الأهم في هذا الباب كالصحيحين وغيرهما، تجد بعض طلاب العلم لا عناية له بالبخاري، ثم بعد ذلك يعنى بالأحاديث الغرائب، ولا شك أن هذا ليست بعلامة توفيق، التوفيق أن يبدأ الإنسان بالمهم، بالأهم.
وبالمهم المهم ابدأ لتدركه ... وقدم النص والآراء فاتهمِ
لا بد أن تبدأ بالأهم، وإلا ماذا يعني أن يبدأ الإنسان بجزء الألف دينار، أو بجزء بيبي، أو ما أشبه ذلك، ويترك الأحاديث الصحيحة التي عليها مدار الإسلام في الكتب الخمسة، أو في الصحيحين، أو ما أشبه ذلك، لا شك أن هذا خلل في المنهجية عند طالب العلم.
"قصر من عزاه إلى ابن الجارود فقط".
(14/19)
ثم قال: "وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا أمن الإمام فأمنوا)) " إذا أمن فأمنوا، يعني إذا قال: آمين، فقولوا: آمين، مقتضى التركيب والعطف بالفاء التي تقتضي التعقيب أن الإمام يقول: آمين، ثم بعد ذلك المأموم يقول: آمين، فهل هذا هو المقصود وهذا هو المطلوب؟ ((فإن من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه)) كيف تكون الموافقة وقد تخلف المأموم عن الإمام؟ أو المخاطب بهذا المأموم فقط دون الإمام؟ الموافقة لتأمين الملائكة ألا تطلب من الجميع؟ من الإمام والمأموم؟ كيف تكون موافقة الملائكة مع أن الإمام يقول: آمين قبل المأموم؟ هذا يبينه الحديث الآخر: ((فإذا قال: {وَلاَ الضَّالِّينَ} [(7) سورة الفاتحة] فقولوا: آمين)) وبمجموع الحديثين يدل على أن كلاً من الإمام والمأموم يقول: آمين، خلافاً لمن يقول: إن الإمام لا يقول: آمين، عملاً برواية أو بحديث: ((فإذا قال: {وَلاَ الضَّالِّينَ} [(7) سورة الفاتحة] فقولوا: آمين)) كما قالوا في: ((وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: اللهم ربنا ولك الحمد)).
(14/20)
((إذا أمن الإمام فأمنوا)) يدل على أن التأمين يشترك فيه الإمام والمأموم، لكن هذا الحديث يدل على أن تأمين المأموم متأخر عن تأمين الإمام، والحديث الآخر: ((إذا قال: {وَلاَ الضَّالِّينَ} [(7) سورة الفاتحة] فقولوا: آمين)) يدل على أن المأموم يقول: آمين بمجرد فراغ الإمام من قوله: {وَلاَ الضَّالِّينَ} [(7) سورة الفاتحة] مع أن آمين مشروعة لكل مصلٍ، يعني تأمين الإمام مأخوذ من هذا الحديث، وموافقة الإمام للمأموم في التأمين مأخوذ من الحديث الثاني، يعني إذا كان المأموم يقول: آمين متى؟ إذا قال الإمام: {وَلاَ الضَّالِّينَ} [(7) سورة الفاتحة] الإمام متى يقول: آمين؟ بعد ما يقول: {وَلاَ الضَّالِّينَ} [(7) سورة الفاتحة] يقول: آمين، إذاً هما يشتركان في الوقت، ومن وافق تأمينه تأمين الملائكة من الإمام أو المأمومين غفر له ما تقدم من ذنبه، والموافقة تكون في الوقت، وعلى هذا ينظر في عدد المدود في آمين، الموافقة لا بد أن تكون من جميع الوجوه المحتملة في الوقت بداية ونهاية، وفي الاستحضار؛ لأن آمين دعاء بمعنى: اللهم استجب، والدعاء لا يستجاب من قلب غافل، فلا بد من الاستحضار، والموافقة في الوقت لا يتأخر ولا يتقدم، وأيضاً الخشوع وحضور القلب، كل هذا له أثر في غفران ما تقدم من ذنبه.
آمين: هكذا بالمد، هذه هي اللغة الفصحى، وهي الأشهر من بين اللغات، فقد قيل: بالقصر: أمين، وقيل: بتشديد الميم: آمّين، يعني قاصدين بذلك وجه الله تعالى، لكن القراء كلهم على المد مع التخفيف.
((غفر له ما تقدم من ذنبه)).
طالب:. . . . . . . . .
في إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
في إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
لا لا مع الإمام، إذا قال: {وَلاَ الضَّالِّينَ} [(7) سورة الفاتحة] ثم قال: آمين، قل معه، مجرد ما يقال: {وَلاَ الضَّالِّينَ} [(7) سورة الفاتحة] قل: آمين، مثل ما يفعل الناس اليوم، واضح.
طالب:. . . . . . . . .
لا لا، وشو لون أمن معه؟ نفس الشيء.
طالب:. . . . . . . . .
أيوه.
طالب:. . . . . . . . .
وأنت معه.
طالب:. . . . . . . . .
(14/21)
إيه خلاص، هذا الصحيح، يعني لا تنتظر إلى أن يفرغ الإمام من قوله: آمين، كما هو مقتضى الحديث -حديث الباب- ((إذا أمن فأمنوا)) مقتضاه مثل ((إذا كبر فكبروا)) إذا فرغ فكبروا، لكن يحمل على المعنى الثاني، وهو أنه إذا شرع فأمنوا معه.
((غفر له ما تقدم)) (ما) نكرة، أو من ألفاظ العموم، تشمل جمع ما تقدم من ذنبه، وعلى هذا يكون الذنب المغفور شامل للكبائر والصغائر، هذا مقتضى العموم غفر له ما تقدم من ذنبه، وهذا سياق امتنان، يزيد في العموم والشمول.
((غفر له ما تقدم من ذنبه)) فليحرص الإنسان، ولا يغفل عن التأمين، ولا يتراخى بحيث يفوته التأمين، وجاء عن بلال أنه قال: "لا تسبقني بآمين" فلا شك أن هذا فضل عظيم من الله -جل وعلا-، وإن قال جمع من أهل العلم: إن المراد ما تقدم من ذنبه يعني من الصغائر، وأما الكبائر فلا بد لها من توبة، وجاء القيد في بعض النصوص في غير هذا الموضع، ((الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن من الذنوب ما لم تغش كبيرة)) أو ((ما ارتكبت كبيرة)) فعلى كل حال الكبائر في قول جمهور أهل العلم لا بد من التوبة، والتخلص منها بالتوبة، وأما بالنسبة للصغائر فتكفر بمثل هذا، وفضل الله واسع لا يحجر فضل الله، ولا يجزم بأن الكبائر لا تكفر بمثل هذا، لكن مع ذلك على من ارتكب الكبيرة أن يتوب إلى الله -جل وعلا-.
"متفق عليه".
(14/22)
"وعن أبي قتادة -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي بنا فيقرأ في الظهر والعصر في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورتين" في الركعتين الأوليين من الظهر والعصر يقرأ بفاتحة الكتاب وسورتين، سورتين في كل ركعة أو في الركعتين؟ في الركعتين، لو أراد في كل ركعة ماذا يقول؟ يقرأ في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورتين، يعني أولاً: اقتران السورتين بفاتحة الكتاب يدل على إيش؟ على أنهما في الركعتين؛ لأن فاتحة الكتاب تقرأ في الركعتين، ولو أراد ركعة واحدة لقال: وسورتين سورتين، نعم؟ يقرأ في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورتين سورتين، كما يقول: توضأ مرة مرة، مرتين مرتين، وهذا لتعدد الأعضاء، ولو كان المراد لعضو واحد لقال: توضأ مرتين، المقصود أن هذا أمر ظاهر، وهو أن في كل ركعة سورة، ولا يمنع من أن تجمع السور، فيقرأ في كل ركعة أكثر من سورة، فقد أقر النبي -عليه الصلاة والسلام- الذي يقرأ بسورة الإخلاص مع السورة، فلا يوجد ما يمنع من قراءة سورتين في ركعة واحدة، وقد صلى النبي -عليه الصلاة والسلام- في ركعة واحدة بالبقرة ثم النساء ثم آل عمران، فجمع السور في ركعة واحدة ما فيه إشكال جائز، دلت عليه هذه النصوص، لكن هنا يقرأ بفاتحة الكتاب وسورتين في كل ركعة سورة، وهذا ظاهر السياق.
"ويسمعنا الآية أحياناً" يعني في الصلاة السرية يسمعهم الآية أحياناً، فدل على أن الإسرار والجهر لا على سبيل الوجوب، بل العلماء يطلقون الكراهة، إذا جهر بالسرية، أو أسر بالجهرية، والصلاة صحيحة، وينبغي أن يعلم أنه ما لم يكن ذلك ديدناً للمصلي.
(14/23)
حينما يطلقون الكراهة من جهر في سرية، أو عكس كره، الكراهة هذه ليست مطلقة، فإذا فعل ذلك أحياناً كره، لكن إذا كان ديدنه هذا لا يصلي صلاة ظهر إلا ويجهر، ولا يصلي صلاة صبح إلا ويسر، نقول: هذا مبتدع، وليس حكم فعل الشيء أحياناً مثل فعله باستمرار، يعني الوتر عند الإمام أحمد سنة، لكن من داوم على تركه فهو رجل سوء، ينبغي أن ترد شهادته، ففعل الشيء أحياناً لا سيما إذا كان لبيان الجواز غير فعله باستمرار، فالأصل الاقتداء، فكان يجهر بالصبح والمغرب والعشاء، ويسر بالظهر والعصر، لكنه يسمعهم الآية أحياناً.
"وكان يطول الركعة الأولى من الظهر" بحيث يذهب الإنسان بعد الإقامة ويتوضأ ويرجع فيدرك الركعة، يطول الركعة الأولى من الظهر ويقصر الثانية، يعني تقصيراً نسبياً بالنسبة للأولى، ولا يعني أنه ينقرها، لا، "ويقرأ في الركعتين الأخريين بفاتحة الكتاب فقط" ويأتي ما يدل على أنه قد يقرأ في الركعتين الأخريين على النصف مما كان يقرأه في الركعتين الأوليين.
يقول: "متفق عليه، واللفظ لمسلم، وفي رواية البخاري: "وكان يطول الأولى من صلاة الفجر، ويقصر في الثانية" وهذا أيضاً تقصير نسبي، وأيضاً تطويل نسبي، لا يمل المأموم ولا يفتن المأموم عن صلاته، بل لا بد من مراعاة المأموم وملاحظته، كما أن التقصير نسبي لا يصل إلى حد يخل بالصلاة أو بالقراءة.
قراءة السورة بعد الفاتحة سنة عند جماهير أهل العلم، والواجب إنما هو الفاتحة، أو ما تيسر عند الحنفية على ما تقدم، والمرجح قول الجمهور، وأن الفاتحة متعينة، لا بد منها، وما زاد وما تيسر فهو قدر زائد على الفاتحة الجمهور على أنه سنة، ومن أهل العلم من أوجب مع الفاتحة سورة ولو قصيرة، أو ما تيسر من القرآن؛ لأن المسيء أمر بذلك، وعلى كل حال قول عامة أهل العلم هو المعتمد.
طالب:. . . . . . . . .
لا ما تسقط.
طالب:. . . . . . . . .
العاجز له حكمه.
(14/24)
"يطول الأولى من صلاة الفجر" صلاة الفجر سمتها الطول، ولذا جاء في حديث: "أول ما فرضت الصلاة ركعتين، فأقرت صلاة السفر، وزيد في الحضر إلا المغرب فإنها وتر النهار، وإلا الفجر فإنها تطول فيها القراءة" ولذا سميت قرآن {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [(78) سورة الإسراء] المراد به صلاة الفجر الذي يجتمع فيها الملائكة، واقتصر على القراءة منها لأنها أطول أركانها وأجزائها.
ثم قال: "وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: كنا نحزر" يعني نقدر "قيام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الظهر والعصر" لأنهم لا يسمعون القراءة، والذي لا يسمع يقدر، لكن لو كانوا يسمعونها لقالوا: كان يقرأ آلم تنزيل، في حديث صلاة الكسوف مما يستدل به من يقول: إن صلاة الكسوف سرية في حديث صلاة الكسوف في حديث ابن عباس يقول: "فقام قياماً طويلاً قرأ نحواً من سورة البقرة" هذه يستدل بها من يقول: إن قراءة صلاة الكسوف سرية، لكن لا يمنع أن يكون عدم سماعه للقراءة البعد من مكان الإمام، وأما الإمام فقد جهر وسمعه من سمعه، وجاء الجهر بصلاة الكسوف عن عدد من الصحابة، الذي لا يسمع يقدر، وهكذا في صلاة الظهر والعصر تقدر.
"كنا نحزر قيام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الظهر والعصر، فحزرنا قيامه في الركعتين الأوليين من الظهر قدر: آلم تنزيل السجدة" في الركعتين الأوليين قدر آلم تنزيل السجدة، يعني هل يقرأ قدر آلم تنزيل في الركعتين أو في الركعة الواحدة؟
"وحرزنا قيامه في الأخريين قدر النصف من ذلك، وحزرنا قيامه في الركعتين الأوليين من العصر على قدر قيامه في الأخريين من الظهر، وفي الأخريين من العصر على قدر النصف من ذلك، وفي رواية: بدل آلم تنزيل السجدة قدر ثلاثين آية، وفي الأخريين: قدر خمس عشرة آية" هل قراءة هذا المقدار في كل ركعة أو في الركعتين؟ في كل ركعة ثلاثين آية من الركعتين الأوليين، ومن الأخريين خمس عشرة آية في كل ركعة، أو نقول: إنه في الركعتين الأوليين يقرأ ثلاثين آية، وفي الركعتين الأخريين يقرأ خمس عشرة آية؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
(14/25)
هذا الظاهر، هذا هو الظاهر أنه يطيل القراءة في صلاة الظهر أطول من القراءة في صلاة العصر، ويطيل القراءة في الركعتين الأوليين أكثر من إطالة القراءة في الركعتين الأخريين.
"قدر آلم تنزيل السجدة" يعني تقرأ آلم تنزيل السجدة في ركعة في صلاة الظهر، ثم يقرأ في الركعة الثانية قريباً منها، ثم في الأخريين قدر النصف من ذلك، كما جاء تفسيره في الرواية الأخرى قدر خمس عشرة آية.
"وحزرنا قيامه في الركعتين الأوليين من العصر على قدر قيامه في الأخريين من الظهر" يعني خمس عشرة آية في كل ركعة "وفي الأخريين من العصر على النصف من ذلك" يعني سبع آيات، ثمان آيات، والقاعدة في صلاته -عليه الصلاة والسلام- أن كل ركن أو كل ركعة تكون أطول من التي بعدها، كما في قوله: كان يطول الأولى من صلاة الفجر، ويطول الأولى من الظهر، ويقصر الثانية وهكذا، وجاء في صلاة الكسوف التدرج، قام قياماً طويلاً نحواً من سورة البقرة، ثم ركع ركوعاً طويلاً، ثم قام قياماً طويلاً دون القيام الأول، ثم ركع ركوعاً طويلاً دون الركوع الأول، وهكذا بقية الصلاة، فصلاته -عليه الصلاة والسلام- متدرجة أولها أطولها، ثم بعد ذلك يخفف تدريجياً.
هذا مقتضى ما جاء في وصف صلاته -عليه الصلاة والسلام-، لكنه ليس بمطرد، إنما هذا هو الغالب، وقد يطول الثانية شيئاً يسيراً أطول من الأولى، يعني سبح والغاشية أيهما أطول؟ الغاشية أطول بسطر واحد، ما في فرق يسوى، نعم، الجمعة والمنافقون متقاربتان إلا أن الثانية أطول من الأولى بسطر، يعني ليست هذه قاعدة مطردة لا يحاد عنها، بل قد تقتضي القراءة الزيادة في الركعة الثانية؛ لأنه ركع في الأولى في عشرين آية مثلاً، لما أراد أن يركع في خمس عشرة آية وجد القصة مترابطة ويمكن يختل المعنى إذا ركع فأطالها، وزاد فيها، فالمقاطع هي التي تحكم الإمام، لكن ينبغي أن يدخل الإمام على بينة، وأن الأولى أطول من الثانية هذا الأصل.
طالب:. . . . . . . . .
إيه، لكن ما يضر هذا، ما يضر، عكس هذا.
طالب:. . . . . . . . .
(14/26)
إذا فعله أحياناً ما يخالف السنة؛ لأنه فعله النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكنه في أحوال نادرة، وإن كان الأصل أن يكون التدرج في الركعات، وكذلك السجدات، بعض الأئمة يلاحظ عليه أنه يطيل آخر سجدة من الصلاة، وهذا لاحظناه من أئمة حتى من شيوخ كبار تجده يطيل آخر سجدة، ومقتضى التدرج في التخفيف من صلاته -عليه الصلاة والسلام- يقتضي أن آخر سجدة هي أخف السجدات، أليس ملاحظ أن بعض الأئمة يطيل السجدة الأخيرة؟ وكأنه بذلك يصلي صلاة مودع، يعني يودع الصلاة، وكأنه غفل في سجداته الأولى فأراد أن يعوض، ويكثر من الدعاء في سجدته الأخيرة؛ لأن بعض الناس يغفل في أثناء صلاته، ثم إذا انتبه أراد أن يعوض، وعلى كل حال هذا لا يؤثر، لكن لا يكون عادة ولا ديدناً.
الركعتين الأخريين من صلاة الظهر والعصر معروف أنه في الركعتين الأوليين يقرأ الفاتحة، ويقرأ معها سورة أو أكثر.
في الركعتين الأخريين في هذا الحديث ما يدل على أنه يقرأ مع الفاتحة سورة، أو شيء من القرآن بقدر نصف ما يقرأ في الركعتين الأوليين، بقدر ما يقرأ في الركعتين الأوليين، وجاء ما يدل على عدم القراءة فيهما وهو الأصل، لكن هذا يفعل أحياناً.
"آلم تنزيل السجدة" قلنا: إن السياق يحتمل أن تكون في الركعتين، ويحتمل أن تكون في الركعة الواحدة، وليس المقصود السورة بذاتها، وإنما المقصود قدرها، ولذا قال في الرواية الأخرى: قدر ثلاثين آية، فماذا عن قراءة السورة في الركعتين في فجر الجمعة وفي غيره من الأوقات؟ لأنه جاء هنا سؤال:
يقول: منهم من يقول: إن تجزئة سورة السجدة في الفجر يوم الجمعة بدعة؟ فهل هذا صحيح؟
(14/27)
المعروف عند أهل العلم أنهم يقولون: لا تتم السنة بهذا، السنة أن يقرأ في الركعة الأولى في فجر الجمعة سورة آلم تنزيل السجدة، في الركعة الثانية سورة الإنسان {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ} [(1) سورة الإنسان] لكن إن قرأ إحدى السورتين في الركعتين لا تتم بذلك السنة، ولا يتم بذلك الامتثال، لن هل يدخل في ذلك في حيز الابتداع، أو نقول: إنه قرأ ما تيسر كما أمر؟ أما إن كانت قراءته لهذه السورة في فجر الجمعة في الركعتين يريد بذلك الاقتداء والائتساء، وأن هذا يتم به؟ نقول: لا، لا بد أن تقرأ السورة كاملة في الركعة الأولى، وقسمها في الركعتين لا تتأدى به السنة، أما كونه يدخل في حيز الابتداع بمثل هذا فلا أيضاً؛ لأنه فعل ما أمر به، أمر أن يقرأ بفاتحة الكتاب وما تيسر، وقد فعل، اللهم إلا إذا تعبد بذلك، واتخذه عادة وديدناً، مثل هذا يتجه القول بمثل هذا.
طالب:. . . . . . . . .
ما تتأدى بها السنة، اللهم إلا في صلاة أخرى.
طالب: في الفجر.
فجر الجمعة وإلا غيره؟
طالب: فجر الجمعة.
لا، هذا ما تتأدى به السنة.
يقول: سمعنا من بعض طلبة العلم الذين صُرح لهم بإلقاء الدروس يقول: إن من -لعل المراد- يبصق في منديل، ووضعه في النفاية التي داخل المسجد، يقول: فإن هذا ينطبق عليه الحديث، وأنها خطيئة، فهل هذا صحيح؟
أما إذا كانت في قبلة المصلين فيتجه مثل هذا، أما إذا كانت في مؤخرة المسجد، أو في زاوية منه فلا يتجه.
يقول: وأيضاً أنه يقول -وينسب لشيخ من الشيوخ-: يجوز إهداء القربات للميت كقراءة القرآن، ورد على الآية التي في سورة النجم أنه من سعي أبيه هذا الابن؟
على كل حال إهداء الثواب أمر معروف عند أهل العلم، وهو قول الجمهور، وأن من فعل قربة، وأهدى ثوابها إلى من شاء من حي أو ميت فإنه يصل هذا قول الأكثر.
وهذا يختلف عن النيابة عن الغير في القربات، هذا يقتصر فيه على الوارد، فلا يصلي أحد عن أحد، وورد بعض العبادات التي تقبل النيابة مثل الحج مثلاً، يحج عن أبيه، يحج عن أمه، أما ما عدا ذلك فإنه لا يصلي أحد عن أحد.
(14/28)
في صيام النذر إذا مات وعليه صوم نذر، ((من مات وعليه صوم صام عنه وليه)) هذا أيضاً جاءت فيه النيابة، أما إهداء القربة إذا قرأ القرآن مثلاً، وانتهى من قراءته، وأهدى ثواب هذه التلاوة لفلان من الناس حي أو ميت قريب أو بعيد، هذا يقول جمهور أهل العلم أنه يصل -إن شاء الله-.
هذه ظلمات بعضها فوق بعض.
هناك شخص يعمل في المملكة، وخطيبته في إيطاليا، ووجدت له عملاً مناسباً هناك بضعف الراتب، ولكن التأشيرة لا يأخذها إلا إذا خفف من لحيته، وهي كثة، وفعله هذا يكون مرة واحدة، وأما بعد دخوله البلد فلا يتعرضون له، وأمه وأبوه أمروه بهذا، بل غضبوا عليه يوم أن رفض، فما توجيهكم؟ وهل تستحبون له العمل في إيطاليا بدل مكة إرضاءً لوالديه، وهو رجل سلفي من باكستان؟
على كل حال الذهاب والسفر إلى بلاد الكفر معروف حكمه عند أهل العلم، والإقامة أيضاً معروف حكمها، والهجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام واجبة إلى قيام الساعة، فكيف بالعكس؟! وإذا انضاف إلى ذلك محرمات أخرى زاد الطين بلة، فلا أرى له أن يصنع ما ذكر، ولو أغضب والديه؛ لأن الطاعة بالمعروف، وهذا ليس من المعروف.
من لم يسمع تأمين الإمام أو أن الإمام لا يجهر بالتأمين ويسمع القراءة؛ لأن الصلاة السرية لا يشرع فيها الجهر بالتأمين، ولا يتابع الإمام على قراءته في السرية، فإذا كان يسمع {وَلاَ الضَّالِّينَ} [(7) سورة الفاتحة] فإنه بمجرد قول الإمام {وَلاَ الضَّالِّينَ} يؤمن المأموم.
يقول: هل يلزم في تسوية الصفوف إلصاق الرجل برجل الذي بجنبك، أم تكفي المقاربة بينهما فقط؟
أولاً: الإنسان عليه أن يأخذ من الصف ما يكفيه فقط دون زيادة ولا نقصان، والمحاذاة كما تكون بالأقدام تكون أيضاً بالمناكب، وبعض الناس يظن أن المصافة وإلصاق الكعب بالكعب يكفي، تبعاً لذلك تجده يباعد ما بين قدميه مباعدة فاحشة هذا خلل في الصف، ولا يكفي إلصاق القدم بالقدم، بل لا بد من المحاذاة بالقدم وبالمنكب، بمعنى أنه لا يأخذ من الصف أكثر من حجمه.
(14/29)
الأصل ألا يزيد ولا ينقص يحاذي بالقدم والمنكب، وكان الصحابة لشدة امتثالهم لهذا الأمر يلصقون الكعب بالكعب، والقدم بالقدم، لكن إذا وجد من ينفر من ذلك، وتتأثر صلاته بذلك، ووجدته إذا قربت منه أبعد، مثل هذا لا تضيق عليه؛ لأن الناس يتفاوتون في مثل هذا، بعض الناس عنده حساسية لا يستطيع أن يصبر على أحد يمس رجله، أو ما أشبه ذلك.
على كل حال المقصود من إلصاق القدم بالقدم هو المبالغة في التراص الذي لا يؤثر على صلاة المأموم الآخر، وكما أن المحاذاة بالقدم مطلوبة كذلك المحاذاة بالمنكب، ولا ينحل الإشكال بتوسيع ما بين القدمين.
يقول: بعض المتبرعين للإعلانات عن المحاضرات والدروس الشرعية يكتب في الإعلان طُبع برعاية فلان أو شركة فلان بدون عنوان أو رقم هاتف؟
لا بعضهم يذكر عنوان ورقم هاتف، ولا شك أنه إذا كان هو الساعي لذلك الشركة هي التي تسعى لذلك، وهي التي توزع الإعلانات في المساجد هذا لا شك أنه من سؤال الدنيا، لكن إذا سعي إليها من قبل من همه الدرس وليس همه البحث عن الدنيا، إذا كان همه الدرس، وطلب من شركة أن تدعم هذا الإعلان، ويكون على نفقتها وذكرت، وأعلن في المسجد من همه الدرس لا همه التجارة فإنه حينئذٍ لا إشكال فيه، وما من شيء إلا وله دعاية، هذه المناديل لها دعاية، ماذا نصنع بها؟ لكن هل هذه الشركة جاءت بهذه المناديل إلى المسجد، وقالت من أجل الترويج لهذا، أو أن أهل المسجد هم الذين أحضروه؟ فالأمور بمقاصدها، فإن كانت الشركة هي التي تسوق منتوجاتها وتجارتها في المسجد لا يجوز، وإن كان من يحرص على الدروس ومن يروج للدروس هو الذي أتى بهذه الإعلانات والإعلانات التبعية ثبتت تبعاً لذلك فلا إشكال -إن شاء الله تعالى-.
يقول: هل الثلاثين آية التي ذكرت في الحديث تحسب من الفاتحة؟
لا، هي بقدر آلم تنزيل، وبقدر سورة الملك.
يقول: ما المقصود من قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: لا تسبقني بالتأمين؟
(14/30)
ليس الرسول -عليه الصلاة والسلام- الذي يقول هذا الكلام، إنما الذي يقوله بلال؛ لأنه يقيم في موضع بعيد عن الصف، فإذا أقام في مكانه الذي أذن فيه، ثم حضر إلى الصف احتمال أن يفوته التأمين، تقرأ الفاتحة قبل وصوله إلى مكانه في الصف فهو يقول: لا تسبقني بآمين.
يقول: إذا كان النص واضحاً، وكان هناك من يفسره بعدة تفسيرات، فما هو الصحيح من ذلك؟ أرجو التوضيح.
هذه التفسيرات للنص أولاً يرجع فيها إلى لغة العرب، وقد يوجد في لغة العرب من التفسير لهذا النص أكثر من قول، فالذي يحدده السياق من هذه المعاني هو المطلوب، ولذا يقول أهل العلم: إنه لا يتكلم في غريب القرآن أو في غريب الحديث من له يد في اللغة فقط، بل لا بد أن يكون من أهل القرآن، ومن أهل الحديث؛ ليعرف ما يدل عليه السياق، يعني لا يكتفى بلغوي يأتي إلى غريب القرآن أو غريب الحديث، نعم يعرف معنى هذه الكلمة، بل معاني هذه الكلمة، لكن ما الذي يحدد له أن المطلوب في هذا النص هو هذا المعنى، لا بد أن يكون عنده علم بالكتاب والسنة، والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(14/31)
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: المحرر – كتاب الصلاة (16)
الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"وعن بكير بن عبد الله بن الأشج عن سليمان بن يسار عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: "ما صليت وراء أحد أشبه صلاة برسول الله -صلى الله عليه وسلم- من فلان ...
فلان هذا: واحد من الإخوان يقول: بحثت المراد بقول أبي هريرة في حديث بكير: بفلان، فوجدت ثلاثة أحاديث، عند أبي هريرة ما كان أحد أشبه صلاة برسول الله -صلى الله عليه وسلم- من ابن أم سُليم، يعني أنس بن مالك، وهذا في المسند.
حديث أبي الدرداء: يقول: ما رأيت أحداً أشبه بصلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من صاحبكم، يعني معاوية.
وحديث أنس ابن مالك: قال: ما صليت خلف أحد أشبه بصلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من فلان، وكان الأمير هو عمر بن عبد العزيز، هذا في المسند، فأيهما المراد؟
الأقرب أن يكون الأول لأنه من حديث أبي هريرة، ما رأيت أحداً أشبه صلاة برسول الله -صلى الله عليه وسلم- من ابن أم سليم، وهو أنس بن مالك، وهذا في المسند.
قول أبي الدرداء ما رأيت أحداً أشبه بصلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من صاحبكم يعني معاوية، رواه الطبراني، وقال: رجاله رجال الصحيح إلا فلان ... إلى آخره.
المقصود أن كون المراد معاوية بقول أبي هريرة: "ما صليت وراء أحد أشبه صلاة برسول الله -صلى الله عليه وسلم- من فلان" يعني معاوية أولاً: ليس من حديث أبي هريرة، والتقدير تقدير الشبه يختلف من شخص لشخص، فكونها أشبه بصلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على حد ظن أبي الدرداء لا يلزم منه أن يكون أشبه على تقدير أبي هريرة.
(15/1)
أما ما روي عن أنس في المسند، قال: ما صليت خلف أحد أشبه بصلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من فلان، وكان الأمير هو عمر بن عبد العزيز، هذا ليس بوارد أصلاً؛ لماذا؟ لأن عمر بن عبد العزيز ولد سنة ستين أو واحد وستين، وأبو هريرة مات سنة تسعة وخمسين، فلا يمكن أن يراد بكلام أبي هريرة ألبتة.
المحتمِل حديث أبي الدرداء، لكن ما جاء من طريق أبي هريرة نفسه من أن المراد به أنس بن مالك هذا هو الأقرب.
يقول: "ما صليت وراء أحد أشبه صلاة برسول الله -صلى الله عليه وسلم- من فلان" هذه كناية عن الرجل، كما أن فلانة كناية عن المرأة، ويؤتى بالكناية في مثل هذا حينما يخشى الإنسان على نفسه، أو على المتحدث عنه، أو يترجح عنده أن التكنية أولى من التصريح، وقد يكون لشيء في النفس، وهنا لا يظن أن يكون السبب شيء في النفس، وإن كانت النفوس قد تعتمد مثل هذا؛ لأنه ليس فيه كذب، وليس بممنوع ألا يصرح بالاسم، لكن كما قالت عائشة -رضي الله عنه-: "خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين العباس وآخر، أو ورجل" تعني بذلك علي -رضي الله عنه-، ما صرحت باسمه؛ لأن في نفسها شيئاً لا يؤثر، لما استشاره النبي -عليه الصلاة والسلام- في حادثة الإفك أشار بقوله: النساء غيرها كثير، هذا لا شك أنه يوجد في النفس ما يوجد، لكن هل ارتكبت محظور بسبب ما في النفس، أو تركت واجب بسبب ما في نفسها؟ أبداً، لما قتل عثمان جاء الناس يستشيرونها فأشارت بعلي -رضي الله عنه وأرضاه-، يعني ما منعها ما في نفسها أن تنصح النصيحة الواجبة، وأن تكتم الحق، ما حملها ذلك على أن تكتم الحق الواجب بيانه، فالتكنية لها فوائد، لو أن شخصاً أفتى بفتوى مناسبة ومحررة ومقررة، وأراد الإنسان إشاعتها بين الناس، لكن عليه ضرر في التصريح باسم هذا المفتي، يقول: أفتى بعض أهل العلم، ما في ما يمنع؛ لان المقصود إيصال الفائدة كما هنا "ما صليت وراء أحد أشبه صلاة برسول الله -صلى الله عليه وسلم- من فلان" وقد يصرح به في موضع آخر كما في المسند، صرح بابن أم سُليم يعني أنس.
(15/2)
"قال سليمان" سليمان بن يسار، أحد الفقهاء السبعة، موضحاً وجه الشبه بين صلاة هذا المبهم، وبين صلاة النبي -عليه الصلاة والسلام-: "كان يطيل الركعتين الأوليين من الظهر، ويخفف الأخريين" لأنه يقرأ في الركعة الأولى أو في الأوليين على ما تقدم بـ (آلم التنزيل) بقدر (آلم التنزيل) الرواية الأخرى مقدار ثلاثين آية في كل ركعة، هذا تطويل بالنسبة للركعتين الأخريين، سواءً قلنا: إنه لا يزاد فيهما على الفاتحة، أو قلنا: إنه يقرأ فيهما على النصف مما يقرأ في الركعتين الأوليين "ويخفف العصر" لأن الأوليين منها بمقدار الأخريين من صلاة الظهر على ما تقدم في الحديث الذي قبله.
"ويقرأ في المغرب بقصار المفصل" أولاً: المفصل يبدأ عند الجمهور من (ق) وقال بعضهم: يبدأ من الحجرات.
سمي المفصل بهذا الاسم لكثرة الفصل بين سوره بالبسملة، يبدأ من (ق) وهذا قول الأكثر؛ لأن التسبير والتقسيم -تقسيم القرآن- على أسباع، الذي ذُكر عن الصحابة في سنن أبي داود وغيره، في اليوم الأول ثلاث، وفي الثاني خمس، وفي الثالث سبع، وفي الرابع تسع، وفي الخامس إحدى عشرة، وفي السادس ثلاث عشرة، وفي السابع المفصل، فإذا قلنا في اليوم الأول: البقرة وآل عمران والنساء، وفي الثاني المائدة والأنعام والأعراف والأنفال والتوبة، وهكذا، صار نصيب اليوم السابع يبدأ من (ق) نزر يسير من أهل العلم قالوا: يبدأ من الحجرات، وكأنهم عدوا الفاتحة، قالوا: في اليوم الأول ثلاث: الفاتحة والبقرة وآل عمران، والثاني النساء والمائدة والأنعام والأعراف والأنفال، ثم يقف في اليوم السادس عند الحجرات، لكن يختل التوازن بهذا التقسيم، يكون بعضها أطول من بعض طولاً واضحاً، يعني يكون في اليوم الأول أربعة إلا ربع، وفي الثاني كم؟ خمسة ونصف، فيكون هناك فرق واضح، وإن كان بين .. ، حتى على الترتيب الأول، اليوم الأول خمسة وربع، والثاني خمسة وورقة، والثالث إلى آخره أربعة، وقد تنقص يسيراً.
المقصود أن هذا هو سبب الخلاف، والحافظ ابن كثير -رحمه الله- ذكر في فضائل القرآن أن الأكثر على أن المفصل يبدأ من (ق) وفي تفسير سورة (ق) ذكر أن من أهل العلم من يرى أن المفصل يبدأ من الحجرات.
(15/3)
المقصود أنه يقرأ في المغرب بالقصار، بقصار المفصل، وتقسيم المفصل إلى ثلاثة أقسام: طوال، وأوساط، وقصار إن قلنا بالترتيب فقد تأتي السورة الطويلة بعد السورة القصيرة، فمثلاً إذا قلنا: بأن الطوال، ثم الأوساط، ثم القصار مترتبة على حسب ترتيبها في المصحف، قلنا: ماذا نعد الانفطار، ثم المطففين بعدها، وهي أطول منها بكثير؟ والانفطار قبلها، المطففين من الطوال تعد إذا قلنا بالانتقاء، يعني ننظر إلى الواقع في السور الطويلة والقصيرة، سواءً تقدمت أو تأخرت، فليست الانفطار بمنزلة المطففين، ولا بمنزلة الفجر التي بعدها بسور، والقصر والطول لا شك أنه يدل على أن المغرب تخفف، والعشاء يتوسط فيها، والفجر تطول فيها القراءة، كما جاء في الحديث، حديث عائشة: "وإلا الصبح فإنها تطول فيها القراءة".
يقرأ في المغرب بقصار المفصل، ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه قرأ في المغرب بالأعراف، وقرأ فيها بالمرسلات، وقرأ فيها بالطور، وقرأ فيها بالطور، وقرأ فيها بأوساط، وقرأ فيها بقصار.
فقوله: "يقرأ في المغرب بقصار المفصل" وزيد بن ثابت أنكر على مروان التزامه القراءة في المغرب بالقصار، أنكر عليه، فكيف نوجه قول سليمان: "ويقرأ في المغرب بقصار المفصل"؟ إن قلنا: نحمل هذا على الغالب على أن لا يكون ديدن للإمام أن يقرأ بالقصار في المغرب مستمراً اتجه؛ لأنه خالف النبي -عليه الصلاة والسلام-، هذا الاطراد المذكور هنا بأنه قرأ سور طويلة، وسورة الأعراف إذا رتلت تأتي على جميع الوقت، وقت المغرب، وقد صلى بها أحد المشايخ، فما فرغ من الصلاة حتى دخل وقت العشاء، نعم على طريقة السرد، الهذ، يمكن أن يؤتى بها مع الصلاة بأقل من نصف ساعة، للضابط المتقن.
على كل حال يجب أن يحمل مثل هذا الكلام مع أن فيه كلام لأهل العلم في ثبوته، والأكثر على أنه حسن، يعني مقبول، واعتمده جمع من أهل العلم الحنابلة مشوا على هذا قالوا: يقرأ في المغرب بقصار المفصل، وفي العشاء من أوساطه، وأضافوا إليها الظهر والعصر، وجعلوا صلاة الصبح بالطوال، طوال المفصل.
(15/4)
إذا حمل هذا على الغالب استقام، ويكون قراءة النبي -عليه الصلاة والسلام- بالأعراف وبالطور وبالمرسلات وبالصافات أحياناً، كل هذا لبيان الجواز، جواز الإطالة.
"ويقرأ في العشاء بوسط المفصل، ويقرأ في الصبح بطوال المفصل" ولا شك أن الطول والقصر والتوسط أمور لا يمكن تحديدها بترتيب السور، مثل ما أسلفت، وإن كان بعضهم حددها، وجعل القصار من الضحى، والأوساط من إيش؟ نعم؟
طالب: من النازعات.
من (ق) إلى (عم) هذه الطوال.
طالب: من النازعات.
إلى آخر عم طوال، ومن النازعات إلى عم تكون أوساط، لكن إذا قلنا هذا يمكن سورة البينة تعادل بعض الأوساط، مثل الطارق مثلاً، ومثل الانفطار تعادلها البينة، والذي ينبغي أن يقال في مثل هذا أنه لا يحدد على الترتيب، بل ينظر إلى السورة نفسها، هل هي طويلة أو قصيرة.
(15/5)
"يقرأ في الصبح بطوال المفصل" يعني جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه قرأ في صلاة الصبح بـ (إذا زلزلت) في الركعتين، في صلاة الصبح بـ (إذا زلزلت) وهي من الأوساط على هذا، وحجمها يعادل حجم بعض القصار، يعني عدد آيها وحروفها، وهذا لبيان الجواز، وأنه لا مانع أن يقرأ في يوم أو في أيام بالقصار لظرف من الظروف، أو لبيان الجواز، الناس بعد صلاة التهجد في ليالي العشر إذا جاءوا إلى صلاة الصبح، وقد أحيوا الليل، بعد تعب وسهر، ينبغي أن يخفف عنهم، ولا يقول قائل: كيف نخفف في فريضة من أجل إقامة نافلة؟ لأن بعض الناس يقول: العناية بالفريضة أولى من العناية بالنافلة، نخفف صلاة التهجد، ونأتي بصلاة الصبح على وجهها، لكن هذا أمر يفوت، استغلال العشر يفوت، أفضل وأشرف ليالي العام، وفيها ليلة خير من ألف شهر، وأما بالنسبة لصلاة الصبح فالخلل في أمر مستحب، يعني القدر الزائد على الواجبات والأركان والشروط هذا كله مستحب، فالتقليل من هذا المستحب لهذا الظرف الذي يفوت لا يجعلنا ننظر إلى المسألة بأننا قدمنا النفل على الفرض، وإلا كثير من طلاب العلم يستشكل الإمام يصلي صلاة التهجد ثلاث ساعات مثلاً، والناس يتعبون لا سيما في هذه الأوقات التي لا ينامون فيها، ثم بعد ذلك يصير على حساب -كما زعموا- صلاة الصبح، صلاة الصبح جاء تخفيفها، قرأ فيها النبي -عليه الصلاة والسلام- بـ (إذا زلزلت) في الركعتين، وذلك إما أن يقال لبيان الجواز، أو يقال: لظرف من الظروف، يمكن أن يكون متعباً، وفي بعض طرق الحديث أنه كان مسافراً، على كل حال الخلل لم يتطرق إلى الواجبات؛ ليقال: إن إطالة صلاة التهجد على حساب الفرض.
"رواه ابن ماجه والنسائي وهذا لفظه، وهو أتم، وإسناده صحيح" إسناده صحيح، وفيه من وصف بصدوق، فالحكم عليه بالحسن أقرب.
الحديث الذي يليه يقول -رحمه الله تعالى-:
(15/6)
"وعن ابن إسحاق" محمد بن إسحاق المطلبي إمام أهل المغازي، إمام في هذا الباب في المغازي وفي السير، لكنه في الحديث فيه ضعف، وإن كان بعضهم قد توسط في أمره، وقال فيه: صدوق، وعلى كل حال وصف بالتدليس فلا بد أن يصرح بالتحديث، ومدح أهل العلم لابن إسحاق في المغازي، واعترافهم بإمامته فيها هذا يدل على أن الإنسان قد يكون ثقة في باب، وفيه كلام في باب آخر، من أمثلة ذلك ابن إسحاق، إمام في المغازي والسير، وفي الحديث فيه ضعف، من ذلكم أيضاً عاصم ابن أبي النجود، إمام في القراءة، وفي الحديث فيه كلام، من ذلكم الإمام الأعظم أبو حنيفة النعمان، إمام في الفقه، وفي الحديث أيضاً فيه كلام، وكونه فيه كلام في هذا الباب لا يؤثر على إمامته في الباب الآخر، فقد يضبط الإنسان ما هو بصدده، ويغفل عما عداه، وإذا اتجه الإنسان إلى أمر من الأمور ضبطه وأتقنه، وإذا غفل عن شيء من الأشياء دخل فيه أو عليه فيه الدخل، فكون أبي حنيفة فقيهاً لا يؤثر في فقهه واستنباطه ودقة نظره أن يكون في حديثه شيء، وإن كان مبنى الفقه على الحديث، وظهر هذا في بعض اجتهاداته -رحمه الله-، واجتهادات أتباعه، وعلى كل حال إمامته في الفقه لا ينازع فيها، لا ينازع فيها أحد، وعاصم بن أبي النجود القارئ المشهور المتقن باتفاق أهل العلم للقراءة، الضابط لها، المبرز فيها، هو عند أهل الحديث فيه كلام، ولا أثر لهذا الكلام في قراءته ألبتة، مثل ما ذكرنا أن الإنسان قد يضبط شيئاً ويعتني به، ومن شدة عنايته به يغفل عن أبواب أخرى.
(15/7)
الآن كثير من القضاة تجدهم في أبواب القضاء الدعاوى والبينات وما يتعلق بالقضاء تجدهم أئمة في هذا الباب، يضبطونه ويتقنونه، لا سيما من تقدمت به السن في القضاء، لكن في الأبواب الأخرى لانشغالهم عنها بهذا العمل العظيم قد يكون عندهم شيء من الخلل، أيضاً المدرس مثلاً، مدرس العلم الشرعي تجد عنايته وضبطه للعبادات أكثر من ضبطه للجنايات مثلاً، فاهتمامه بالعبادات والمعاملات جاء على حساب بعض الأبواب، وبعض الناس يهتم بمسائل المال والاقتصاد، ويكون هذا على حساب أبواب أخرى وهكذا، وبعض الناس يعرف بضبط مسائل الحج، عطاء إمام في هذه المسائل، لكن تجده في أبواب أخرى قد يوجد من هو فوقه في هذه الأبواب.
على كل حال الذي دعا إلى هذا الكلام أن بعض المبتدعة طعن في عاصم بن أبي النجود، وقال: كيف يعتمد على قراءة من وصفه أهل الحديث بأن في حفظه شيئاً، وهذا مثل ما قلنا: ابن إسحاق إمام لا يجارى في المغازي، وفي الحديث منهم من وثقه، ومنهم من ضعفه، حتى قال مالك، ماذا قال؟
طالب: دجال.
دجال من الدجاجلة، لكن التوسط بين أقوال أهل العلم؛ لأنه وجد من رفع من شأنه، ووجد من أنزله عما يستحق، فوصفه بأنه صدوق قول معتبر عند أهل العلم، ومع ذلك مدلس، لا بد أن يصرح، وهنا ما صرح، ولذا حكم على حديثه بالضعف.
(15/8)
ألا يُذكر عن بعض الناس أنه يتقن الفرائض، علم المواريث إتقاناً بحيث أن يقل أن يوجد له نظير، فإذا سألته عن بعض مسائل الصلاة كان شأنه فيها أقل، لماذا؟ لأنه اهتم في هذا الباب، وهكذا، فإذا اهتم الإنسان لباب من أبواب الدين ضبطه وأتقنه، وإذا غفل عن شيء دخل عليه الدخل، تجد من الأئمة الذي يحفظون القرآن، والقرآن محفوظ بين الدفتين، وضبطه أيسر من ضبط السنة، أيسر من ضبط السنة، فكثير من أهل العلم يضبط القرآن، ويتقن القرآن إتقاناً لا يمكن أن يخل فيه بحرف، أو بشكل أو بضبط، بينما تجده في السنة أقل؛ لأن السنة بحر محيط، الإحاطة بها فيه عسر، والعكس نادر جداً، يعني لا تجد من أئمة الحديث من يحفظ مئات الألوف من الأحاديث لا يحفظ القرآن ولا يضبطه، يندر جداً، ولذا لما جاءوا إلى ترجمة ابن أبي شيبة قالوا: إمام حافظ ثقة ضابط إلا أنه لم يحفظ القرآن، هذا نادر جداً، يعني ما يمكن أن ينوه على آخر أنه لم يحفظ القرآن وهو حافظ للسنة، لكن العكس ممكن، القرآن مضبوط بين الدفتين كثير من شباب المسلمين يحفظه في القديم والحديث، لكن السنة دون حفظها خرط القتاد، فتجد الضابط للقرآن يصعب عليه أن يحفظ البلوغ إذا صارت حافظته متوسطة، لكن مع ذلك يحفظ القرآن بكل سهولة وبكل راحة.
أنا أريد أن أقرر أن كلام أهل العلم في عاصم بن أبي النجود بالنسبة للحديث ورواية الحديث وضبط الحديث لا يتطرق إلى قراءته بوجه من الوجوه؛ لأن مثل هذه المسائل تثار وتشوش على الناس، فلا بد من تفنيدها.
(15/9)
"وعن ابن إسحاق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده" تقدم مراراً أن ما يروى بهذه السلسة مختلف فيه بين أهل العلم، فمن مصحح ومن مضعف، وقول المتوسطين أنه حسن إذا صح الطريق إلى عمرو، وهنا لم يصح؛ لأن فيه عنعنة ابن إسحاق، والذين ضعفوا عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ذكرنا السبب مراراً، لكن قالوا: مرد ذلك إلى الاختلاف في عود الضمير في جده؛ لأنه عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، فالجد إن عاد إلى عمرو فجده محمد، فيكون الخبر مرسلاً، وإن عاد الضمير إلى شعيب فالجد عبد الله بن عمرو، لكن شعيباً لم يسمع من عبد الله بن عمرو على قول، وإن كان بعضهم يثبت سماعه، وجاء التصريح في رواية عند النسائي وغيره لا لهذا الحديث، لكن من روايته عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو، فتعين مرجع الضمير إلى شعيب، وأن جده عبد الله بن عمرو، وقد سمع من جده عبد الله بن عمرو في قول كثير من أهل العلم، الحديث ضعيف لهذه العلة.
"أنه قال: "ما من المفصل سورة صغيرة ولا كبيرة إلا وقد سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يؤم الناس بها في الصلاة المكتوبة" هذا كلام عبد الله بن عمرو إن صح الخبر "ما من المفصل سورة صغيرة ولا كبيرة إلا وقد سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يؤم الناس بها في الصلاة المكتوبة" وسنه يؤهله لمثل هذا، وملازمته للنبي -عليه الصلاة والسلام- يؤهله لمثل هذا، على مر السنين مرة يقرأ بـ (ق) ومرة بالذاريات ومرة بكذا لا على الترتيب، ما يلزم أن يكون مرتباً.
"رواه أبو داود".
(15/10)
"وعن جبير بن مطعم قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقرأ بالطور في المغرب" وفي بعض روايات حديث جبير: "فكاد قلبي أن يطير" وفي بعضها: "وذلك أول ما وقر الإيمان في قلبي" وهذا الحديث متفق عليه، جبير بن مطعم لما جاء في فداء الأسرى بعد غزوة بدر لم يكن مسلماً، فسمع النبي -عليه الصلاة والسلام- يقرأ في صلاة المغرب بسورة الطور، سورة الطور مؤثرة لا سيما من يتدبر ويفقه المعاني مؤثرة كاد قلبه أن يطير وهو كافر، ومع الأسف أن بعض المسلمين أو كثير من المسلمين وبعض طلاب العلم تقرأ سورة الطور ولا كأن شيئاً قد حصل، لا تحرك ساكناً، وكافر كاد قلبه أن يطير {وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى} [(82) سورة المائدة] بأي شيء؟ لماذا صاروا أقرب إلى المسلمين مودة؟ في الآية التي تليها: {وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ} [(83) سورة المائدة] فكيف بالمسلم الذي تقرأ عليه الآيات التي لو أنزلت على جبل لرأيته متصدعاً، ومع ذلك تقرأ هذه الآيات وهذه السور على المسلمين في الصلوات ويقرؤونها في النوافل، ويقرؤونها في القراءة -قراءة القرآن-، ولا كأن شيئاً حصل، ولا شك أن هذا سببه ما ران على القلوب، الحسن البصري يقول: "ابحث عن قلبك في ثلاثة مواطن: في الصلاة، وعند قراءة القرآن، والذكر، فإن وجدته وإلا فاعلم أن الباب مغلق" طيب الباب مغلق نجزم بأن الباب مغلق، لكن نرجع، وجدنا الباب مغلق ونرجع وإلا نحاول؟ نقول: خلاص ما دام مغلق ما في فائدة؟ أو نحاول فتح الباب؟ نحاول فتح الباب بلا شك، وإلا كل إنسان يجد من نفسه هذا الأمر، والله ما كأننا إلا نقرأ في صحيفة، نقرأ القرآن ولا يحرك ساكناً، نصلي ونخرج كما دخلنا، نخرج من الصلاة بلا شيء، لا بالعشر ولا بما دونه، وقد لا ينتبه الإنسان أنه يصلي إلا إذا حصل شيء يثيره لأمر خارجي لا داخلي، نصلي وراء الإمام ولا نعلم أننا نصلي في صلاة التهجد إلا إن بكى الإمام أو بكى أحد، تحركت القلوب، وعرفنا أننا نصلي، وإلا فالقلوب سارحة غافلة، وقل مثل هذا في
(15/11)
تلاوة القرآن أحياناً يبدأ الإنسان بالسورة ويختمها ما عرف كيف قرأ؟ ولا يدري هل فتح ورقة وإلا ورقتين؟ وإذا تحرك شيء لا يدري هل هو في الصفحة اليمنى أو اليسرى؟ هذا هو الواقع، يعني لو كابر الإنسان وغالط ما ينفع؛ لأنك تتعامل مع من يعلم السر وأخفى، لو تظاهرت أمام الناس أنك خاشع أو متخشع أو شيء من ذلك مثل هذا لا يجدي، بل يضر ولا ينفع.
هذا كافر جاء في فداء الأسرى فكاد قلبه أن يطير، وتحمل هذه السنة حال كفره، ثم أداها بعد أن أسلم، وقبلها الناس منه، وخرجت في الصحيحين وغيرهما، فدل على أن الشروط إنما تطلب للأداء لا للتحمل، فيصح تحمل الكافر، يصح تحمل الصبي، تحمل الفاسق صحيح، لكن حال الأداء لا بد أن تكون الشروط مكتملة.
والطور من طوال المفصل، فدل على أن قراءته لقصار المفصل في صلاة المغرب لا على جهة الاستمرار، وليس ذلك بديدن له -عليه الصلاة والسلام-، وإنما خرج عنه، وإن كان هو الغالب من أحواله.
سم.
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
قال المؤلف -رحمه الله-:
وعن فليح قال: حدثني عباس بن سهل قال: اجتمع أبو حميد وأبو أسيد وسهل بن سعد ومحمد بن مسلمة فذكروا صلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال أبو حميد: أنا أعلمكم بصلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وفيه قال: ثم ركع فوضع يديه على ركبتيه، كأنه قابض عليهما، ووتر يديه، فتجافى عن جنبيه، قال: ثم سجد، فأمكن أنفه وجبهته، ونحى يديه عن جنبيه، ووضع كفيه حذو منكبيه، ثم رفع رأسه حتى رجع كل عظم في موضعه، حتى فرغ، ثم جلس، فافترش رجله اليسرى، وأقبل بصدر اليمنى على قبلته، ووضع كفه اليمنى على ركبته اليمنى، وكفه اليسرى على ركبته اليسرى، وأشار بإصبعه" رواه أبو داود، وروى الترمذي بعضه وصححه.
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: كشف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الستارة، والناس صفوف خلف أبي بكر، فقال: ((أيها الناس إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة يراها المسلم، أو ترى له، ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً، فأما الركوع فعظموا فيه الرب -عز وجل-، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء، فقمن أن يستجاب لكم)) رواه مسلم.
(15/12)
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول في ركوعه وسجوده: ((سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي)) متفق عليه.
وعن ثابت عن أنس قال: إني لا آلو أن أصلي بكم كما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي بنا، قال: فكان أنس يصنع شيئاً لا أراكم تصنعونه: كان إذا رفع رأسه من الركوع انتصب قائماً حتى يقول القائل: قد نسي، وإذا رفع رأسه من السجدة مكث حتى يقول القائل: قد نسي" متفق عليه.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا قام إلى الصلاة يكبر حين يقوم، ثم يكبر حين يركع، ثم يقول: سمع الله لمن حمده حين يرفع صلبه من الركوع، ثم يقول وهو قائم: ربنا ولك الحمد، ثم يكبر حين يهوي ساجداً، ثم يكبر حين يرفع رأسه، ثم يكبر حين يسجد، ثم يكبر حين يرفع رأسه، ثم يفعل مثل ذلك في الصلاة كلها حتى يقضيها، ويكبر حين يقوم من الثنتين بعد الجلوس" متفق عليه، وهذا لفظ مسلم، غير أنه قال: "من المثنى بعد الجلوس" وفي المتفق عليه عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد، فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه)).
وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا رفع رأسه من الركوع قال: اللهم ربنا لك الحمد، ملء السموات والأرض، وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد" رواه مسلم، وله من حديث ابن عباس نحوه.
يكفي، يكفي.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
(15/13)
"وعن فليح قال: حدثني عباس بن سهل قال: اجتمع أبو حميد وأبو أسيد وسهل بن سعد ومحمد بن مسلمة" جمع من الصحابة اجتمعوا "فتذاكروا صلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" وأبو حميد كما في الحديث الصحيح في عشرة من أصحاب النبي -عليه الصلاة والسلام- وصفَ صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم-، فهم يتذاكرونها، وهم يتدارسونها؛ لأنهم أمروا بأن يصلوا كما كان يصلي -عليه الصلاة والسلام-، والعلم مظنة للنسيان، والحفظ كما يقول أهل العلم خوان، فلا بد من المذاكرة، لا بد من مذاكرة العلم ليثبت، وهذه سنة مندرسة لا تجد من طلبة العلم من يجتمع الخمسة والستة والعشرة يجتمعون يتذاكرون في باب من أبواب الدين؛ ليذكر بعضهم بعضاً، وليذكر بعضهم بعضاً ما خفي عليه، هؤلاء صحابة اجتمعوا، أبو حميد الساعدي وأبو أسيد، وسهل بن سعد ومحمد بن مسلمة، ذكروا صلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ لأن الإنسان مع طول العهد ينسى ويهم؛ لكنهم تذاكروا ليذكر بعضهم بعضاً.
"فقال أبو حميد: أنا أعلمكم بصلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" يقول هذا على سبيل الإخبار، ومن أجل أن يفقه عنه ما يقول، لا على سبيل التكبر والاغترار "أنا أعلمكم بصلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" عرفنا أن الإنسان قد يقول مثل هذا الكلام من أجل أن يحفز همة السامع، تجد في كلام الأئمة العلماء المحققين كابن القيم وغيره من يغري بكلامه، ويقول: عليك بهذا الكلام، علك ألا تجده في مصنف آخر ألبتة، لا يقول ذلك تكبراً ولا تشبعاً، وإنما يقوله من باب الإغراء بهذا الكلام لينتفع به، وقد يقوله من يترفع به على غيره، لكن الناس على ما ذكرنا سابقاً مقامات، هل يظن بمثل ابن القيم أن يترفع بمثل هذا الكلام، أو يتكثر به، أو يتزيد به؟ لا يظن به مثل هذا، والقرائن هي التي تحدد وترجح هذا أو ذاك.
(15/14)
"أنا أعلمكم بصلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" وفيه قال: "ثم ركع" يعني المؤلف اقتصر من الحديث على ما يناسب المقام، انتهى المؤلف من القيام وفرض القيام والقراءة الذي يليه الركوع، فاحتاج من حديث أبي حميد لأنه تقدم بعضه، واحتاج منه إلى: "ثم ركع فوضع يديه على ركبتيه" يعني في مثل هذا السياق، أو في مثل هذا الموضع يحسن مثل هذا، لكن إنسان يريد أن يشرح حديث أبي حميد في درس أو في محاضرة أو يقرأه على الجماعة وكذا، ثم يقول: "ثم ركع" يبدأ من قوله: "ثم ركع"؟ لا، ما يمكن، لا بد أن يأتي بالحديث كاملاً.
تقطيع الحديث عند أهل العلم جائز، ويصنعه الإمام البخاري كثيراً، يقطع الحديث الواحد الطويل في مواضع كثيرة حسب ما يقتضيه المقام، شريطة ألا يكون المذكور له تعلق بالمحذوف، بحيث يتوقف فهمه عليه، أو المحذوف يكون استثناءاً مثلاً، أو يكون شرطاً، لا يجوز حذفه لأن في هذا تضليل للناس.
"ثم ركع، فوضع يديه على ركبتيه، كأنه قابض عليهما" يمسك ركبتيه بيديه، وهذه هي السنة، وأما بالنسبة للتطبيق فهو منسوخ كانوا يفعلونه، ثم نهاهم النبي -عليه الصلاة والسلام-، فالتطبيق منسوخ، والتطبيق جمع اليدين هكذا، ووضعهما بين الفخذين، هذا منسوخ، والسنة وضع اليدين على الركبتين كأنه قابض عليهما.
طالب:. . . . . . . . .
إيه، هكذا نعم.
طالب:. . . . . . . . .
لا لا على الركبتين، هذا متى؟
طالب:. . . . . . . . .
في الركوع نعم، أما في الجلوس لا، يختلف، لا يقبضهما في الجلوس.
(15/15)
"ووتر يديه" يعني جعل يديه كالوتر في القوس، الوتر في القوس مستقيم وإلا منحني؟ مستقيم، إذاً يجعل يديه مستقيمتين، وإذا كانتا يداه معتدلتين خلقة فإن ظهره سوف يكون مستوياً، لكن إن كان في يديه طول ووتر يديه أو فيهما قصر لا يتحقق وصف الركوع المأثور عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، يسوي ظهره، ولم يصوب رأسه ولم يشخصه، وكما جاء في وصفه أنه لو صب الماء على ظهره لاستقر، هذا إذا كانت اليدان معتدلتين في الطول، أما إذا كانتا طويلتين فعلى هذا يرتفع ظهره، وإن كانتا قصيرتين نزل ظهره، وهذا كله خلاف السنة، وحينما يقال: وتر يديه الملاحظ في مثل هذا غالب الناس، غالب الناس أن اليدين مساوية، أو متناسقة مع البدن، ليستا بطويلتين ولا قصيرتين، هذا الغالب، لكن إن وجد من في يديه طول لا يلزم أن يتر يديه؛ لئلا يختل الركوع، وإن وجد فيهما قصر كذلك؛ لئلا يختل الركوع؛ لأن في الركوع الظهر هو الملاحظ، الملاحظ الظهر في الركوع صح وإلا لا؟ نعم لو افترضنا أنه وضع يديه على جنبيه وهو راكع أو أرسل يديه في الهواء يصح الركوع وإلا ما يصح؟ نعم يصح، لكن لو قبض يديه، قبض ركبتيه بيديه ولا حنى ظهره، أو حناه على وجه لا يستقيم يتأثر الركوع، وفي حديث في صفة ركوعه -عليه الصلاة والسلام-: "ثم هصر ظهره" يعني ثناه.
"ووتر يديه، فتجافى عن جنبيه" يعني لم يلصق يديه بجنبيه، تجافى عن جنبيه، قال: "ثم سجد، فأمكن أنفه وجبهته" يعني من الأرض على ما سيأتي في حديث: ((أمرت أن أسجد على سبعة أعظم الجبهة -وأشار إلى أنفه- واليدين، والركبتين، وأطراف القدمين)).
(15/16)
"ونحى يديه عن جنبيه" يجافي، نحى يديه عن جنبيه، وجاء أيضاً أنه يرفع ظهره عن فخذيه، وبطنه عن فخذيه، فالمجافاة سنة، وهي سنة مع الإمكان، أما مع عدمه بحيث يتعدى أذاه لو أراد تحقيق هذه السنة لأثم، لو قال: المجافاة سنة ثم جافى يديه، وآذى من على يمينه وعلى شماله في الصف، يعني الإمام يستقل بالمكان ويتفرد به، فيطبق ما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن المأموم في حال التراص، وفي حال المصافة لا يستطيع أن يجافي إلا مع الأذى، والأذى لا شك أنه لا يجوز، ولا يحرص على سنة في مقابل ارتكاب محظور، وبعض الناس قد يعرف السنة، ويحرص على تطبيق السنة لكنه لا يفقه كيف يطبق هذه السنة؟ وهذا في مواضع من الصلاة يرى الخلل في تطبيق السنة من بعض الإخوان، مما يترتب عليه أذى للمصلين.
"ونحى يديه عن جنبيه، ووضع كفيه حذو منكبيه" حذو: مقابل منكبيه، بإزاء منكبيه، كما في رفعهما عند تكبيرة الإحرام، وتكبيرة الركوع، والرفع منه ... إلى آخره.
"ووضع كفيه حذو منكبيه" وجاء في بعض الروايات: أنه يسجد بين يديه، هذا أيضاً مثل الرفع، رفع اليدين كما تقدم جاء فيه حذو منكبيه، يعني مقابل المنكبين هكذا، وجاء أيضاً إلى فروع أذنيه، وهكذا وضع اليدين حال السجود.
"ووضع كفيه حذو منكبيه، ثم رفع رأسه حتى رجع كل عظم في موضعه" وفي الحديث -في حديث عائشة-: "حتى يعود كل فقار إلى مكانه" وتقدم "حتى فرغ" يعني هذا بين السجدتين رفع رأسه حتى رجع كل عظم في موضعه، حتى فرغ يعني من دعائه وجلسته.
يقول: "ثم رفع رأسه حتى رجع كل عظم في موضعه حتى فرغ، ثم جلس" يعني حتى فرغ من إيش؟ من السجود، نعم "ثم جلس فافترش رجله اليسرى، وأقبل بصدر اليمنى على قبلته" اليمنى، نعم ينصب اليمنى، وظهرها إلى القبلة هكذا، واليسرى يفرشها ويجلس عليها، وهذه الجلسة في ما بين السجدتين، وفي التشهد الأول، فيما بين السجدتين هذا الافتراش وفي التشهد الأول، وجاء في حديث ابن عباس أنه نصب رجليه وقال: هي السنة، لكن السنة ليست محصورة في هذا؛ لما جاء في الأدلة الأخرى من الافتراش.
(15/17)
"وأقبل بصدر اليمنى على قبلته، ووضع كفه اليمنى على ركبته اليمنى، وكفه اليسرى على ركبته اليسرى، وأشار بإصبعه" أشار بإصبعه، الآن الجلوس هذا هل هو بين السجدتين أو بعد السجدتين للتشهد؟
طالب:. . . . . . . . .
اللفظ محتمل، وبين السجدتين موضع دعاء، والدعاء يناسبه الإشارة بالإصبع وتحريكها؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يرفع أصبعه، ويدعو بها، لكن أهل العلم حكموا على الإشارة بين السجدتين بالشذوذ، ومنهم من أثبتها، والمسألة محل خلاف بين أهل العلم، وأما بالنسبة للتشهد وسيأتي -إن شاء الله تعالى- بالنسبة للتشهد جاء يحركها، وجاء الإشارة بها وقت الشهادة ووقت الدعاء، وهذا بحث سيأتي -إن شاء الله تعالى-.
وأما الإشارة بالأصبع بين السجدتين فإثباته محل خلاف بين أهل العلم، قد يأتي ما يبسط فيه القول -إن شاء الله تعالى- مع الإشارة في التشهد.
"رواه أبو داود، وروى الترمذي بعضه وصححه".
"وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: كشف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الستارة، والناس صفوف خلف أبي بكر" يعني في مرضه -عليه الصلاة والسلام-، حينما أناب عنه أبا بكر ليصلي بالناس، فكشف الستارة "والناس صفوف خلف أبي بكر، فقال: ((أيها الناس)) " ظاهر الكلام أنه قال ذلك وهم يصلون، ظاهر ذلك أنه قال: ((أيها الناس)) وهم يصلون "كشف الستارة والناس صفوف خلف أبي بكر، فقال: ((أيها الناس إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة يراها المسلم، أو ترى له)) " يعني خطاب النبي -عليه الصلاة والسلام- بقوله: ((أيها الناس)) هل هو للناس وهم صفوف خلف أبي بكر، فيكون الكلام هذا في أثناء الصلاة؟ وهل يخاطب المصلي بما يشوش عليه؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هذا هو الظاهر من اللفظ، قال: "كشف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الستارة والناس صفوف خلف أبي بكر فقال: ((أيها الناس)) " لأن فقال تقتضي التعقيب، لكن لو قال: ثم قال: أيها الناس لقلنا: إنه انتظر حتى سلموا من صلاتهم.
(15/18)
((أيها الناس إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة يراها المسلم، أو ترى له)) الصالحة والصادقة هذه من الوحي، جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة، وأول ما بدء به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الوحي الرؤيا الصادقة، وفي رواية: الصالحة، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح.
((يراها المسلم)) بنفسه له ((أو ترى له)) يراها غيره له ((ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً)) وهذا هو الشاهد من الحديث؛ لأن الحديث عن الركوع والسجود، القرآن فرض القيام، أو ذكر القيام، وأما بالنسبة للركوع والسجود فالتنزيه، الأصل فيه سبحان ربي العظيم، وسبحان ربي الأعلى، ثم بعد ذلك ما يأتي من قوله: ((فأما الركوع فعظموا فيه الرب -عز وجل-، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء)).
((ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن)) والناهي له هو الله -جل وعلا- ((أن أقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً)) وعلى هذا فلا يجوز قراءة القرآن في حال الركوع ولا في حال السجود، وأطلق بعضهم التحريم، وهو مقتضى النهي، وإن حمله بعضهم على الكراهة، لكن إن كان القرآن لا يراد به التلاوة، وإنما هو دعاء فيدعو به في السجود؛ لأنه دعاء وليس بتلاوة، ((ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً)) وبعضهم يرى بطلان الصلاة إذا قرأ في حال الركوع، أو في حال السجود.
وبعض الناس إذا شرع في سورة خلف الإمام ثم ركع الإمام وبقي من السورة آية أو آيتين أو ما أشبه ذلك تجده يتمهما في حال الركوع، ثم ينوي الركوع، وهذا داخل في النهي، مجرد ما تهوي للركوع أو تهوي للسجود اقطع القراءة، لا يجوز أن تقرأ وأنت راكعاً أو ساجداً ((ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً)) يعني حال كوني راكعاً أو ساجداً.
ثم جاء بالفاء التفريعية: ((فأما الركوع)) وأما تفصيل ((فأما الركوع فعظموا فيه الرب -عز وجل-)) سبحان ربي العظيم يكررها، سبوح قدوس، رب الملائكة والروح، وسبحانك اللهم وبحمدك، اللهم اغفر لي، على ما سيأتي.
(15/19)
((وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء، فقمن أن يستجاب لكم)) الركوع عظموا فيه الرب، فقولوا: سبحان ربي العظيم، وجاء في سنن أبي داود ((وبحمده)) في الركوع السجود سبحان ربي العظيم وبحمده، سبحان ربي الأعلى وبحمده.
طالب:. . . . . . . . .
لحظة، لحظة.
((وبحمده)) واستنكرها أبو داود، وقال الإمام أحمد: أنا لا أقولها، وفيها كلام لأهل العلم، وينبغي حينئذٍ الاقتصار على سبحان ربي العظيم في الركوع، سبحان ربي الأعلى في السجود.
((أما الركوع فعظموا فيه الرب -عز وجل-)) ولا يضر الدعاء الخفيف؛ ليكن الغالب التعظيم؛ والدعاء اليسير لا يضر؛ لأنه في الحديث الذي يليه: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول في ركوعه وسجوده: ((سبحانك اللهم وبحمدك، اللهم اغفر لي)) هذا دعاء، يعني قوله: ((أما الركوع فعظموا فيه الرب)) لا ينفي الدعاء اليسير، وأما السجود فقولوا: سبحان ربي الأعلى، كما جاء لما نزل قول الله: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [(1) سورة الأعلى] قال: ((أجعلوها في سجودكم)).
((فاجتهدوا في الدعاء)) يعني أكثروا وألحوا في الدعاء أثناء السجود؛ لأنه أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد ((فاجتهدوا في الدعاء، فقمن أن يستجاب لكم)) قمِن وقمَن بكسر الميم وفتحها، أي حري وجدير وخليق بأن يجاب لكم؛ لقربكم منه -جل وعلا-، والقرب لله -جل وعلا- صفة ثابتة بالأدلة الصحيحة على ما يليق بجلاله وعظمته، ومع ما لا يتنافى مع علوه واستوائه على عرشه.
فقمِن وقمَن حري وجدير أن يستجاب لكم.
يقول الحافظ العراقي -رحمه الله-:
وكثر استعمال (عن) في ذا الزمن ... . . . . . . . . .
إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
بعده؟
طالب:. . . . . . . . .
وهي بوصل ما قمن ...
وكثر استعمال (عن) في ذا الزمن ... إجازة وهي بوصل ما قمَن
قمن بالفتح لتتم المقابلة مع الزمن، وهي لغة معروفة.
وهنا: ((فقمن)) يعني حري وجدير أن يستجاب لكم "رواه مسلم".
(15/20)
"وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول في ركوعه وسجوده: ((سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي)) يتأول القرآن" تقول: يتأول القرآن، يعني لما نزل قول الله -جل وعلا-: {إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [(1) سورة النصر] كان كثيراً ما يقول في صلاته في ركوعه في سجوده، وفي خارج صلاته أيضاً ((سبحانك اللهم وبحمدك، اللهم اغفر لي)) يتأول سورة النصر "متفق عليه".
"وعن ثابت عن أنس قال: إني لا آلو أن أصلي بكم كما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي بنا" أنس بن مالك خادم النبي -عليه الصلاة والسلام- فهو من أقرب الناس إليه، ملازم للنبي -عليه الصلاة والسلام-، فهو حري وجدير وقمن أن يضبط صلاة الرسول -عليه الصلاة والسلام- "إني لا آلو" يعني لا أقصر، بل أجتهد أن أصلي بكم، كما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي بنا، وهذا يرجح أن المراد بقول أبي هريرة: فلان أنس بن مالك.
"كما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي بنا، قال: فكان أنس يصنع شيئاً لا أراكم تصنعونه، كان إذا رفع رأسه من الركوع انتصب قائماً حتى يقول القائل: قد نسي" وهذه السنة مهجورة من القدم، ولذا يقول أنس: يصنع شيئاً لا أراكم تصنعونه، يدل على أنهم لا يطيلون القيام بعد الرفع من الركوع، وهذا موجود في بعض المذاهب، وفي بعض الأمصار، تجده مجرد ما يتحرك حركة يسيرة يشعر بها أنه انتقل من الركوع يسجد، وكذلك بين السجدتين، الوافدون من المشرق يصنعون هذا بكثرة، تجده مجرد ما يشعر نفسه أنه انتقل من الركوع يهوي إلى السجود، وفي هذا مخالفة لما جاء عنه -عليه الصلاة والسلام-.
"كان إذا رفع رأسه من الركوع انتصب قائماً حتى يقول القائل: قد نسي" يعني من طول هذا القيام.
(15/21)
"وإذا رفع رأسه من السجدة مكث حتى يقول القائل: قد نسي" وإذا أطال الإمام ركن من الأركان لا شك أن المأموم يظن بإمامه النسيان، وإذا أطال السجود أحياناً تجد بعض المأمومين يرفع رأسه لعله لم يسمع التكبير، نعم هذا واضح، بعض الناس يفعل هذا يستعجل، أو يظن الإمام قد نسي أنه في صلاة، واستغرق في سجوده أو في قيامه أو بين السجدتين، النبي -عليه الصلاة والسلام- هذه صفة صلاته يطيل الأركان، يطيل هذه الأركان.
"متفق عليه".
"وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا قام إلى الصلاة يكبر حين يقوم" يعني تكبيرة الإحرام، فلا تجوز تكبيرة الإحرام قبل استتمامه قائماً، وتقدم حكمها، وأنها ركن عند الجمهور، وشرط عند الحنفية.
"ثم يكبر حين يركع تكبيرة الانتقال، ثم يقول: سمع الله لمن حمده حين يرفع صلبه من الركوع" وهذه ما عدا تكبيرة الإحرام من تكبيرات الانتقال والتسميع وكلها واجبات عند الحنابلة، وسنن عند غيرهم "ثم يقول: سمع الله لمن حمده حين يرفع صلبه من الركوع، ثم يقول وهو قائم: ربنا ولك الحمد" وربما قال: ربنا لك الحمد، وربما قال: اللهم ربنا لك الحمد، وربما قال: اللهم ربنا ولك الحمد، خلافاً لابن القيم الذي قال: إنه لم يثبت الجمع بين اللهم والواو، مع أنه ثابت في صحيح البخاري، فالصيغ أربع، ربنا ولك الحمد، ربنا لك الحمد، اللهم ربنا ولك الحمد، اللهم ربنا لك الحمد.
يقول -عليه الصلاة والسلام-: " ((سمع الله لمن حمده)) حين يرفع صلبه من الركوع، ثم يقول وهو قائم: ((ربنا ولك الحمد)) " يدل على أن الإمام يجمع بين قول: سمع الله لمن حمده، وربنا ولك الحمد، خلافاً لمن قال: إن الإمام يقول: سمع الله لمن حمده فقط، والمأموم يقول: ربنا ولك الحمد فقط، عملاً بحديث: ((وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: اللهم ربنا ولك الحمد)) مع أن هذا لا ينفي أن يقول الإمام: ربنا ولك الحمد، لكنه ينفي أن يقول المأموم: سمع الله لمن حمده، وإن كان عند الشافعية أنه يجمع بينهما كل مصلٍ، بمعنى أنه كل مصلٍ يقول: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد.
(15/22)
والحنفية يقولون: يقول الإمام: سمع الله لمن حمده فقط، والمأموم يقول: ربنا ولك الحمد فقط، وغيرهم يقولون: الإمام يقول: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد، وكذلك المنفرد، وأما المأموم فيقول: ربنا ولك الحمد، ولا يقول: سمع الله لمن حمده.
ففي الحديث الجمع بينهما، فالذي يقول: إن الأصل الاقتداء كما يقوله الشافعية، و ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) وهذا خطاب للجميع للإمام والمأموم والمنفرد يدل على أن كل مصلٍ يجمع بينهما، هذا دليل من يقول بأنه يجمع بينهما كل مصلٍ بما في ذلك المأموم، لكن الذين قالوا: إن المأموم لا يقول: سمع الله لمن حمده يستدلون بقوله: فإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: اللهم ربنا ولك الحمد، فالعطف بالفاء لا يترك فرصة لأن يقول المأموم: سمع الله لمن حمده، والذين قالوا: إن الإمام لا يقول: ربنا ولك الحمد يرد عليهم بحديث الباب.
"ثم يكبر حين يهوي ساجداً" حينما يسجد يكبر "ثم يفعل مثل ذلك في الصلاة كلها حتى يقضيها" يعني في جميع صلاته في الركعات كلها "ويكبر حين يقوم من الثنتين بعد الجلوس" يكبر عرفنا أنه يرفع يديه مع تكبيرة الإحرام ومع الركوع ومع الرفع منه، وحينما يقوم من الثنتين بعد التشهد الأول، بعد الجلوس.
"متفق عليه، وهذا لفظ مسلم، غير أنه قال: "من المثنى بعد الجلوس" يعني بدلاً من الثنتين بعد الجلوس، من المثنى بعد الجلوس.
"وفي المتفق عليه عنه" يعني عن أبي هريرة صحابي الحديث السابق -أو نفس الحديث- قال: "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد)) " بزيادة اللهم، ودون الواو مع أن الواو ثابتة في صحيح البخاري: ((فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه)) يعني لا يتأخر المأموم عن قول: اللهم ربنا لك الحمد تأخراً يفوته هذا الأجر، وهذا الثواب العظيم، بل بمجرد ما يقول الإمام: سمع الله لمن حمده، يقول المأموم: اللهم ربنا لك الحمد.
(15/23)
ثم ذكر المؤلف -رحمه الله تعالى- حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا رفع رأسه من الركوع قال: ((اللهم ربنا لك الحمد)) " يعني بعد أن يقول: سمع الله لمن حمده حين الركع، قال: اللهم ربنا لك الحمد، وهذا يأتي به كل مصلٍ ((ملء السموات والأرض)) يعني لو قدر أن الحمد أجرام محسوسة لملأت السماوات والأرض ((ملء السماوات والأرض، وملء ما شئت من شيء بعد)) وجاء في بعض الروايات: ((وملء ما بينهما، وملء ما شئت من شيء بعد)) يعني غير السماوات والأرض وما بين السماوات والأرض، وهذا يعني كثرة هذا التحميد لله -جل وعلا- من قبل المصلي.
((أهلُ الثناء والمجد)) أو أهلَ الثناء والمجد، إما أن يكون منادى مع حذف حرف النداء، منادى مضاف فهو منصوب، أهل الثناء والمجد، أو يكون خبر لمبتدأ محذوف هو أهلُ الثناء والمجد.
((أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد)) هذا الكلام أحق، يعني أفعل تفضيل من الحق ما قال العبد؛ لأنه تحميد وتمجيد لله -جل وعلا-، وتعظيم له بهذا الحجم، وبهذا المقدار، أحق ما قال العبد، يعني المطيع لربه الممتثل لأمره ((وكلنا لك عبد)) الناس كلهم عبيد لله -جل وعلا- ((اللهم لا مانع لما أعطيت)) الذي يقدره الله -جل وعلا-، ويكتبه للإنسان لا يستطيع أحد منعه، مهما بلغ من القوة والجبروت، لا يستطيع أن يمنع شيئاً كتبه الله -جل وعلا-.
(15/24)
((اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت)) ((واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك)) ولو أن الإنس والجن اجتمعوا على أن يمنعوا شيئاً كتبه الله -جل وعلا-، أو قدره عليك لن يستطيعوا، ولو أرادوا وبذلوا ما استطاعوا مجتمعين على أن ينفعوك بشيء لم يكتبه الله لك فإنهم حينئذٍ لا يستطيعون، والناس والخلق إنما هم أسباب، إنما هم مجرد أسباب، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((إنما أنا قاسم، والله هو المعطي)) فقد يدخل الإنسان لأمر من الأمور في غاية من الأهمية، وقد ضمن من دخل عليه أنه يستجيب، ثم يخرج صفر اليدين، لا لشيء، أو لا لأن الأمر غير مهم، مهم، وقد بذل هذا الرجل أضعاف ما يتوقع منه في أقل من هذا، أحياناً يدخل الإنسان وهو على يأس تام من تنفيذ هذا الأمر، ثم يكون الله -جل وعلا- قد كتب قضاؤه على يد هذا السبب من الناس {وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [(33) سورة النور] فالمال مال الله، فإذا دخلت في أمر من الأمور المهمة على تاجر فإنك لا تضمن منه أن يعطيك، وإذا كان أقل منه فلا تتوقع أن يردك؛ لأن الله -جل وعلا- هو القاسم، وهو المعطي وهو المانع.
((لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد)) الجد الحظ، فمهما كان حظ الإنسان، مهما كان له من الحظ فإن حظه لا ينفعه ولا يغنيه من الله -جل وعلا-، فأزمة الأمور كلها بيديه، ولا يقال: إن فلان حظيظ، وإلا فلان تعيس، أو ليس له حظ، لا، المعطي والمانع هو الله -جل وعلا-، وقلوب العباد كلها بين أصبعين من أصابعه.
((ولا ينفع ذا الجد منك الجد)) الجد الحظ، وقال بعضهم: هو بكسر الجيم الجِد، الجد يعني الهمة والنشاط والحزم لا ينفع صاحبه إذا لم يكن الله -جل وعلا- قد وفقه.
إذا لم يكن عون من الله للفتى ... فأول ما يقضي عليه اجتهاده
الاجتهاد ما ينفع، والحظ لا ينفع وحده، لا بد من إعانة الله -جل وعلا- وتوفيقيه.
يقول: "رواه مسلم، وله من حديث ابن عباس نحوه" الأسئلة كثيرة، نأتي على شيء منها، وغداً معروف أنه ليس فيه درس؛ لأنه في محاضرة بجدة، غداً ما في درس.
(15/25)
يقول: ما حكم الدراسة المختلطة في دول وذكر بعض الدول التي منها العربية وغير العربية؟
على كل حال الاختلاط بين الجنسين محرم، وذريعة إلى فساد كبير، وأمر لا يقر لا شرعاً ولا عقلاً، وأثره على الدين وعلى التحصيل حتى في أمور الدنيا أثره بالغ، وضرره ظاهر، والله المستعان، فلا يجوز بحال، وإذا لم يتمكن الإنسان من طلب العلم الشرعي الواجب إلا بما حرم الله -جل وعلا- فلا يجوز له أن يرتكب هذا المحرم؛ لأن ما عند الله لا ينال بسخطه.
هذا من المغرب يقول: أنا عندي رغبة في الزواج عمري حالياً واحد وعشرين سنة، وليس عندي وظيفة ما الحكم في ذلك؟
ليعلم أن الأرزاق بيد الله -جل وعلا-: {إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ} [(32) سورة النور] وكم من شخص تزوج وهو فقير لا يملك شيئاً، ثم فتح الله عليه أبواب الرزق، وعلى كل حال هذا ليس بعائق، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- قال لمن خطب المرأة الواهبة: ((التمس ولو خاتماً من حديد)) يعني هل يتوقع أن هذا عنده وظيفة وعنده دخل؟! هو جاء لم يجد ولا خاتم من حديد، ما وجد إلا إزاره الذي على عورته، فأراد أن يشقه بنصفين، قال: لا ما يحتاج؛ لأنه لا يستفيد منه ولا تستفيد هي، وعلى كل حال الفقر ليس بعيب ولا يرد عن الزواج.
يقول: أنا مستقيم لهذا العام ولله الحمد، وأريد النصيحة؟
على كل حال عليك بأسباب الثبات على دين الله، بهجر الأشرار، وعدم العود إليهم، وعدم تذكرهم، وعدم غشيان مجالسهم، وعليك بصحبة الأخيار الذين يعينونك على الثبات.
يقول: كثير من طلاب العلم أهملوا جانب الدعوة الفردية بالموعظة الحسنة، مما ترك فراغاً كبيراً في الساحة، وأصبح العامة يتخبطون في الأخذ من المنابع الآسنة.
(15/26)
على كل حال من كانت لديه القدرة لنفع الناس عليه أن ينفع {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ} [(1 - 2) سورة العصر] هذا الأصل بعد هذا القسم إن الإنسان جنس الإنسان لفي خسر، في خسارة، وليست خسارة يسيرة من أمور الدنيا لا، خسارة الآخرة -نسأل الله السلامة والعافية- ولم يستثنَ من ذلك إلا {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [(3) سورة العصر] أما من عدا هؤلاء فإنهم في خسران -نسأل الله السلامة والعافية-، فعلى الإنسان أن يبلغ ما سمع ((ليبلغ الشاهد الغائب)) عليه أن يبلغ ما يعرفه من العلم، وعليه أن ينصح فالدين النصيحة.
يقول: هناك هجمة في بعض الدول العربية، على كتب وأشرطة علمائنا الأفاضل أمثال ابن باز وابن عثيمين والفوزان وغيرهم، ويقولون: إنهم مبتدعة، فهل هناك كلمة حول هذا الأمر؟
على كل حال هؤلاء معروف أنهم من أئمة أهل السنة في هذا العصر، ومع ذلك المبتدع يرى المتمسك بالكتاب والسنة مبتدع، ما من طائفة إلا وترمي غيرها بالبدعة، والعبرة بما وافق الكتاب والسنة، والمسألة مسألة مدافعة ومجاهدة وبقدر المستطاع، بالقدر الذي يحقق المصلحة، ولا يترتب عليه مفسدة، وهؤلاء ليس مثلنا من يسأل عنهم، وإنما على الإنسان أن يجتهد في نشر العلم قدر استطاعته، وإذا كان بلده لا يرضى بمثل هذه الأسماء، فلا مانع أن يستفاد من علمهم من غير إضافة لهم، يعني كما فعل شارح الطحاوية حينما نقل النقول الكثيرة عن شيخ الإسلام وابن القيم ولم يعزُ إليهما، ما عزا إلى شيخ الإسلام ولا ابن القيم، ومع ذلك أكثر الكتاب مأخوذ من كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم إلا أنه في وقت كان يحارب فيه كتب هذين الإمامين، فنقل منهما، وأفاد الناس منهما من غير تصريح، والمداراة في مثل هذا، والترويج بمثل هذه الطريقة أمر معروف.
يقول: رجل احتار في ثلاثة أمور، وصلى صلاة الاستخارة مرتين، ولم يتضح له شيء، فماذا يفعل؟
يكرر الاستخارة حتى قال أهل العلم: إنها تكرر سبعاً.
(15/27)
يقول: كيف بابن عباس لا يحرص على السنة في ارتكابه محظور -هذه كتابة رديئة سقيمة جداً- يقول: هذا قولك، فكيف بابن عباس في الحديث الصحيح: كان ابن عباس يزاحم على الركنين زحاماً شديداً، ما رأيت أحداً من أصحاب الرسول -صلى الله عليه وسلم- يفعل ذلك؟
الذي نعرف أنه ابن عمر، أنه كان يزاحم على الحجر حتى يخرج الدم من أنفه، حتى يرعف، وهذا اجتهاده، وقد نهى النبي -عليه الصلاة والسلام- عن هذه المزاحمة.
يقول: هل السجود على الأعضاء السبعة واجب أو مستحب؟
هو ركن من أركان الصلاة على ما سيأتي -إن شاء الله تعالى-.
هذه المسائل تحتاج إلى درس كامل.
هذا يسأل عن تسوية الصفوف، وهذا أجبنا عن السؤال بحروفه بالأمس.
هل اليسار الأقرب أفضل من اليمين الأبعد؟
لا شك أن اليمين أفضل من اليسار في الجملة، لكن إذا كثر الناس في جهة اليمين فقد جاء في حديث: ((من عمر شمال الصف كان له كفلان من الأجر)) والحديث فيه مقال، ولا بد من توسط الإمام.
ما حكم صلاة من صلى في ساحات المسجد الحرام مع خلو الحرم؟
على كل حال إذا احتيج إليها في أوقات الزحام، احتيج إليها، واتصلت الصفوف صحت الصلاة، وإلا فالأصل أنها خارج المسجد، ومنهم من يقول: إذا كان مجرد ما يرى المأمومين يكفي، لكن لا شك أن هذا تساهل يؤدي إلى تعطيل المسجد.
من صلى في المصابيح مع وجود أماكن خالية في الصحن؟
كل ما قرب من الإمام أفضل، لكن إذا صلى داخل المسجد غير فذ خلف صف فإن صلاته صحيحة.
هل يستغني طالب العلم بكتاب إكمال المعلم عن كتاب المعلم؟
القاضي عياض ذكر كلام المازري في المعلم، بل ذكر ما يحتاج إليه، وبعضه رأى أنه ليس بحاجة إليه، ولا حاجة لطالب العلم فيه، والأولى أن تستكمل السلسلة، يقتني طالب العلم الأصل المعلم، ثم إكمال المعلم، ثم إكمال الإكمال، ثم مكمل الإكمال، وهكذا سلسلة كاملة مع شرح النووي، وشرح القرطبي، وعله أن يظفر من جميعها بشرح كافي.
يقول: أريد جواباً شافياً كافياً حول تقليد بعض الناس لبعض القراء المعاصرين كأئمة الحرم وغيرهم لا سيما وأننا نسمع لهم كثيراً فنتأثر بصوتهم؟
(15/28)
أما التأثر والتقليد من غير قصد فهذا لا إشكال فيه، التقليد إذا كان من قصد فإن كان سببه الإعجاب بهذا الصوت، وأنه كما تأثر به يريد أن ينقل التأثر إلى غيره فهذا أيضاً مقصد صحيح، وإذا كان المقصود مجرد التقليد والمحاكاة دون هدف صحيح فلا، وينظر في تقليد النساء لأصوات الرجال، ويكثر سؤال النساء، تقول: أنا أريد أن أقلد الإمام الفلاني في القراءة؛ لأنه يعجبها، فهل هذا من التشبه بالرجال؟ نقول: لا، الأصوات هذه مشتركة، أداء القرآن مشترك بين الرجال والنساء، وليس فيه تقليد، ليس للرجال صوت، أو قراءة تخصهم أو أداء يخصهم دون النساء ولا العكس.
لعلنا نكتفي بهذا لضيق الوقت، والله أعلم.
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(15/29)
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: المحرر – كتاب الصلاة (17)
الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سم.
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
اللهم اغفر لشيخنا وللحاضرين والمستمعين يا رب العالمين.
قال الإمام بن عبد الهادي في محرره:
وعن شُريك عن عاصم بن ...
شَريك، شَريك.
وعن شَريك عن عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر قال: رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه، وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه" رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والدارقطني والحاكم، وقال: على شرط مسلم، وقال الترمذي: حسن غريب، وروى همام عن عاصم هذا مرسلاً، وشريك كثير الغلط والوهم.
وقال الدارقطني: تفرد به يزيد بن هارون عن شريك، ولم يحدث به عن عاصم غير شريك، وشريك ليس بالقوي فيما يتفرد به، وقال الخطابي: حديث وائل أصح من حديث أبي هريرة.
وعن محمد بن عبد الله بن حسن عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه)) رواه أحمد وأبو داود والبخاري في تاريخه، والنسائي والترمذي، ولفظه: ((يعمد أحدكم فيبرك في صلاته برك الجمل)) وقال: حديث غريب، ومحمد وثقه النسائي، وقال البخاري: لا يتابع عليه، ولا أدري أسمع من أبي الزناد أم لا.
وقال البخاري: وقال نافع: كان ابن عمر يضع يديه قبل ركبتيه، وقد رواه ابن خزيمة في صحيحه مرفوعاً.
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أمرت أن أسجد على سبعة أعظم: على الجبهة -وأشار بيده إلى أنفه- واليدين، والركبتين، وأطراف القدمين، ولا نكفت الثياب والشعر)) متفق عليه، ولفظه للبخاري.
وعن عبد الله بن بحينة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا صلى فرج بين يديه حتى يبدو بياض إبطيه" متفق عليه.
وعن البراء بن عازب -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا سجدت فضع كفيك، وارفع مرفقيك)) رواه مسلم.
(16/1)
وعن وائل -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا ركع فرج بين أصابعه، وإذا سجد ضم أصابعه" رواه البيهقي والحاكم، وقال: على شرط مسلم.
بركة، يكفي.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى- في باب صفة الصلاة من كتاب الصلاة يقول:
"وعن شريك" وهو القاضي النخعي، معروف عند أهل العلم بسوء الحفظ، طعن فيه بسوء حفظه، وأخرج له مسلم متابعة، ولم يعتمد عليه، وكما يقول أهل العلم: إنه ممن لا يحتمل بتفرده، لا يحتمل تفرده.
(16/2)
"عن عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر" وائل بن حجر حفظ لنا من صفة صلاة النبي -عليه الصلاة والسلام- ما يدل على أنه اعتنى بها، واهتم بها، بل إنه جاء من أجلها "-رضي الله عنه- قال: "رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه، وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه" وكلام أهل العلم في هذا الحديث معروف، مع الحديث الذي يليه حديث أبي هريرة: ((إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه)) والمؤلف أشار إلى بعض ما قيل في الحديثين، وكلام أهل العلم في الحديثين في ثبوتهما، وفي دلالتهما، وفي رجحان أحدهما على الآخر كثير ولن ينحسم؛ لأنه خلاف بين أئمة، وهو محتمل، لكن الذي لا يرتضى صنيع بعض المحققين تصحيح أحد الحديثين وتضعيف الآخر؛ لأن إمامه يقول بما صححه، يصحح تبعاً لإمامه، يعني عرف المذهب ثم صحح وضعف، والأصل أن يعرف الدليل ثم يتبع، ولذلك تجدون الذين يحققون البلوغ أو المحرر أو غيرهما من كتب أحاديث الأحكام، تجد بعضهم يحكم على حديث وائل بأنه ضعيف، وعلى حديث أبي هريرة أنه صحيح؛ لأن إمامه يرى العمل بحديث أبي هريرة، ولا يرى العمل بحديث أبي وائل، وبعضهم بالعكس يصحح حديث وائل، ويضعف حديث أبي هريرة؛ لأن إمامه يعمل بحديث وائل، ولا يعمل بحديث أبي هريرة، وهذه طريقة ليست مرضية، أن تكون الأدلة تابعة للمذاهب، هذه طريقة ليست مرضية، إنما المذهب يجب أن يكون تابعاً للدليل هذا الأصل، هذا إذا كان أهلاً للنظر، أما إذا لم يكن المحقق أهلاً للنظر فإنه حينئذٍ يقلد أهل العلم، ويذكر ما قيل في الحديثين، أو يذكر الحديثين بإسناديهما، يقول: هذا الحديث رواه فلان بإسناده، ويبرأ من عهدته إذا لم يكن أهلاً للتصحيح والتضعيف، أما إذا كان متأهلاً فلا يجوز له بحال أن يضعف تبعاً لإمام، أو يصحح تبعاً لإمام قال به من حيث الاستدلال.
(16/3)
الحديث الأول: "رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه، وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه" حديث وائل "رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه" وحديث أبي هريرة أخرجه الثلاثة، ومن الغريب أن نجد من يرجح حديث وائل على حديث أبي هريرة؛ لأن هذا خرجه الأربعة، وذاك خرجه الثلاثة، لا يلزم من هذا الرجحان أبداً، يعني الترجيح بكثرة الرواة ليس هذا محله، وقد يوجد حديث يتفرد به أبو داود أقوى من حديث يخرجه الخمسة تبعاً لنظافة الإسناد وصحته، وعدم المخالفة، فليس الترجيح هنا له وجه ألبتة، وكم من حديث خرجه النسائي أنظف إسناد مما يخرجه غيره ولو اجتمعوا، وقد يخرج أبو داود حديث يكون مرجحاً على ما رواه أبو داود وغيره من الخمسة، أو الترمذي أو غيره، وقد يوجد في المسند حديث لم يخرجه الأربعة ويكون مرجحاً على ما خرجه الخمسة، فليس هذا محل الترجيح، نعم إذا خرجه الشيخان أو أحدهما يرجح، أما من عداهم فمخرجاتهم أو ما يخرجونه قابل للرجحان والمرجوحية تبعاً لإسناده.
"رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه، وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه" الحديثان هما متضادان متعارضان إلا على كلام ابن القيم بالقول بالقلب، وعلى هذا الخطابي قال: حديث وائل أصح من حديث أبي هريرة، وابن حجر قال: حديث أبي هريرة أصح من حديث وائل، وحديث وائل له شاهد من حديث أنس، وحديث أبي هريرة له شاهد من حديث ابن عمر، موقوفاً ومرفوعاً على ما سيأتي، فهما حديثان قريبان من التكافؤ إلا أن الكفة قد ترجح مع حديث أبي هريرة.
(16/4)
من حيث العمل نسب العمل بمضمون حديث وائل للجمهور، ونسب العمل بمقتضى حديث أبي هريرة لأهل الحديث، وكون القول بمقتضى حديث أبي هريرة ينسب لأهل الحديث يدل على أنه هو الراجح عندهم، من أهل العلم من ضعف الحديثين، وحينئذٍ يكون المصلي مخيراً بين تقديم الركبتين أو اليدين؛ لأنه لم يثبت في الباب شيء، ومنهم من يصحح الحديثين، ويقول أيضاً: هو مخير، ومنهم من يقول: إن حديث وائل من فعل النبي -عليه الصلاة والسلام-، وذلك من قوله، وفعله يدل على أنه خاص به، إذا عارض الفعل القول يكون الفعل محمول على أنه خاص بالنبي -عليه الصلاة والسلام- والقول لأمته، ومنهم من يقول: إن حديث وائل ناسخ لحديث أبي هريرة، ومنهم من يقول بالعكس، أقوال كثيرة في المسألة، أقوال متعددة في المسألة.
يقول: "رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه، وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه" رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والدارقطني والحاكم، وقال: على شرط مسلم" بناءً على أن مسلماً خرج لشريك، لكنه خرج له متابعة ولم يخرج له أصالة، فلا يكون على شرطه، إنما الذي على شرطه إذا خرج له معتمداً عليه، محتجاً به، وإلا فكلام أهل العلم في حفظه معروف سيء الحفظ، ثم بعد ذلك اختلط وازداد سوؤه.
"وقال الترمذي: حسن غريب" والترمذي يحسن مثل هذا الإسناد؛ لأن تحسينه يستروح بعض من له عناية بالصناعة أنه لا يرقى إلى درجة الحسن، وقد حسن أحاديث ضعيفة كثيرة فيها ما هو انقطاع ظاهر، وفيها ما في بعض رواته كلام واضح لأهل العلم.
"حسن غريب، وروى همام عن عاصم هذا مرسلاً، وشريك كثير الغلط والوهم" وهذا قبل اختلاطه.
"وقال الدارقطني: تفرد به يزيد بن هارون عن شريك، ولم يحدث به عن عاصم غير شريك، وشريك ليس بالقوي فيما يتفرد به" يعني ممن لا يحتمل تفرده، ولا يحسن ما تفرد به.
(16/5)
"وقال الخطابي: حديث وائل أصح من حديث أبي هريرة" متنه ما فيه إشكال، يعني جاري على الطبيعة "رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا سجد وضع ركبتيه، وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه" بحيث ينزل إلى الأرض ما هو الأقرب فالأقرب، ينزل الركبتين الأصل أن القدمين في الأرض، ثم ينزل الركبتين وهما أقرب إلى الرجلين، ثم ينزل اليدين، وهما أقرب إلى الركبتين، ثم الوجه، الجبهة مع الأنف، هذا أمر طبيعي ومعتاد بالنسبة لمن أراد الجلوس، وإذا نهض رفع يديه، معلوم أنه يرفع رأسه قبلها، قبل يديه، يرفع رأسه، ثم يديه قبل ركبتيه، ثم الركبتين، يعني عكس النزول.
وهذا يعمل به جمهور أهل العلم من الحنفية والمالكية وقول للشافعي، وهو المعروف عند الحنابلة، وإن كان هناك رواية عن أحمد تقول بخلافه.
كلام أهل العلم قال: "وروى همام عن عاصم هذا مرسلاً" يعني همام تابع شريك لكنه مرسل "وشريك كثير الغلط والوهم" يعني الذي وصله شريك وهمام أرسله هل يكون شاهد مقوي أو يعل به؟ حديث شريك حينما رواه عن عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل موصول، وهمام رواه عن عاصم عن أبيه مرسلاً، ولم يذكر وائل "وشريك كثير الغلط والوهم".
الآن عندنا تعارض الوصل مع الإرسال، فأحياناً يكون المرسل مقوي للموصول، وأحياناً يكون المرسل يعل به الموصول، وإشارة ابن عبد الهادي في قوله: "وروى همام عن عاصم هذا مرسلاً، وشريك كثير الغلط والوهم" يدل على أنه يعل خبر شريك برواية همام.
ننتبه لمثل هذا؛ لأنه قال: "روى همام عن عاصم هذا مرسلاً" يعني المرسل يقبل الانجبار، وشريك سيء الحفظ يقبل الانجبار، فإذا ضممنا هذا إلى هذا قلنا: بحسنه، لكن إردافه -إرداف المؤلف- لقوله: "روى همام عن عاصم هذا مرسلاً، وشريك كثير الغلط والوهم" يريد أن يعل رواية شريك برواية همام، وأن الأصح فيه أنه مرسل.
وقال الدارقطني: تفرد به يزيد بن هارون عن شريك، ولم يحدث به عن عاصم غير شريك، وشريك ليس بالقوي فيما يتفرد به.
(16/6)
لم يحدث به عن عاصم غير شريك، وقد قال: "وروى همام عن عاصم" كيف يقول: لم يحدث به عن عاصم غير شريك وقدم أن قال: وروى همام عن عاصم هذا مرسلاً؟ يعني لم يروه عن عاصم غير شريك موصولاً، وإن رواه عنه همام مرسلاً، وشريك ليس بالقوي فيما يتفرد به.
وقال الخطابي: حديث وائل أصح من حديث أبي هريرة.
لما له مما يقويه من شاهد من حديث أنس، وفعل عمر -رضي الله عنه وأرضاه-، وهذا العمل منسوب لجمهور أهل العلم، حديث وائل أصح من حديث أبي هريرة.
قال: "وعن محمد بن عبد الله بن حسن" بن علي بن أبي طالب، معروف بالنفس الزكية، وثقه النسائي وغيره "عن محمد بن عبد الله بن حسن عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه)) رواه أحمد وأبو داود والبخاري في تاريخه والنسائي والترمذي، ولفظه: ((يعمد أحدكم فيبرك في صلاته برك الجمل)) وقال: حديث غريب" الترمذي "ومحمد وثقه النسائي" محمد بن عبد الله بن حسن النفس الزكية، "وقال البخاري: لا يتابع عليه" يعني لا يوجد له من يتابعه عليه في روايته، ولا أدري أسمع من أبي الزناد أم لا؟
كونه لا يتابع عليه، وقد وثق، النسائي وثقه مع أنه متشدد يكفي، هذا يحتمل تفرده، فلا نحتاج إلى متابع، بينما شريك نحتاج إلى متابع، وهذا لا نحتاج إلى متابع، وقول البخاري: لا أدري أسمع من أبي الزناد أم لا؟ هذا لا يقدح؛ لأنه لم يجزم بعدم سماعه، وهذا كاف عند الجمهور في الاتصال؛ لأنه لم يعرف بتدليس، والمعاصرة ثابتة، عند الجمهور هذا كافي، احتمال مع إمكان في السماع هذا يكفي عند الجمهور، والذي قرره الإمام مسلم.
"وقال البخاري -يعني في صحيحه-: وقال نافع: كان ابن عمر يضع يديه قبل ركبتيه" هذا من فعله، موقوف عليه، وهو ثابت عنه أنه كان يضع يديه قبل ركبتيه، وقد رواه ابن خزيمة في صحيحه مرفوعاً بإسناد لا بأس به، وهذا هو الشاهد الذي أشار إليه ابن حجر، حيث قال: وهو أصح من حديث وائل، يعني حديث أبي هريرة، فإن له شاهداً من حديث ابن عمر الذي رواه ابن خزيمة في صحيحه.
(16/7)
يقول: "إذا سجد أحدكم" ذاك من فعله -عليه الصلاة والسلام- وهذا من قوله، ومعروف أن الفعل عند أهل العلم لا عموم له، وإن كان الأصل الاقتداء والائتساء، فيقال: لا عموم له إذا عورض، وهذه قاعدة عند جمع من أهل العلم أنه إذا تعارض القول والفعل فإنه يرجح القول، ويكون الفعل محمولاً على الخصوصية، لكن هذا ليس بمطرد كما تقدم لنا في نهيه عن استقبال القبلة واستدبارها ببول أو غائط، مع أن ابن عمر رآه في بيت حفصة يقضي حاجته مستدبراً الكعبة مستقبلاً بيت المقدس، وقالوا: هذا من فعله وذاك من قوله، فيكون خاصاً به، وقررنا هنالك أن كل فعل يتضمن كمالاً، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- أولى به، واستدبار الكعبة بالبول أو بالغائط أكمل أو عدمه أكمل؟ عدمه أكمل، فكيف نقول: إن الأمة مطالبة باحترام الكعبة، وتعظيمها والنبي -عليه الصلاة والسلام- لا يطالب؟ هو أولى بالكمال من هذه الأمة، ونظيره ما قيل في الفخذ عورة ((غط فخذك، فإن الفخذ عورة)) وفي حديث أنس: حسر النبي -صلى الله عليه وسلم- عن فخذه، قالوا: إن كشف الفخذ خاص بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، والأمر للأمة، نقول: ستر الفخذ أكمل من كشفه، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- أولى به، وتقدم تقرير هذا كله، وأن كون فخذه انحسر وهو على الدابة، لا يعني أن هذا يقضي على الدوام والاستمرار في حال الاختيار، عند الركوب لا بد أن يبدو شيء، ثم بعد ذلك يغطى.
وليس هذا محل تقرير المسألتين، هنا ((إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه)) عرفنا قول من يضعف الحديثين، وقول من يصحح الحديثين، ويجعل المكلف مختار، وكأن هذا هو ما يميل إليه شيخ الإسلام ابن تيمية، فإذا ضعفنا الحديثين، قلنا: مخير؛ لأنه لا يثبت في الباب شيء، وإذا صححنا الحديثين فهنا نهي، ((فلا يبرك)) فهل يكون مع هذا النهي تخيير؟ ((وليضع)) أمر، هل يكون مع هذا الأمر تخيير على حد سواء؟ فلا.
(16/8)
ابن القيم -رحمه الله- حاول أن يوفق بين الحديثين، فقال: إن أول الحديث ما فيه إشكال، ((إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير)) الإشكال في آخره؛ لأنه مضاد لأوله، ((وليضع يديه قبل ركبتيه)) لأن البعير إذا برك وضع يديه قبل ركبتيه، هذا لا ينازع فيه أحد إلا شخص ما رأى البعير، البعير إذا برك يقدم أمامه على خلفه، والتصوير مطابق لمن يضع يديه قبل ركبتيه في الصورة، ((وليضع يديه قبل ركبتيه)) قال: انقلب على الراوي، وإلا فالأصل: ((وليضع ركبتيه قبل يديه)) والمقلوب نوع من أنواع علوم الحديث معروف، ووقع القلب في بعض الأحاديث، وإن أمكن التوجيه فالقلب خلاف الأصل؛ لأن الراوي إما أن يحكم بثقته وضبطه، أو يحكم بضعفه، وعدم الاحتجاج به، إذا حكم بضعفه فالتضعيف من قبله، ما في إشكال، ما نحتاج إلى أن نقول: مقلوب، نقول: الخبر ضعيف؛ لأن فيه فلان وهو ضعيف، لكن العبرة فيما إذا كان الراوي ثقة، كيف نوهم هذا الراوي الثقة مع إمكان حمله على وجه يصح؟
يعني كتب علوم الحديث تمثل للمقلوب بما خرجه مسلم في حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ((ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله)) الحديث في الصحيحين: ((حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه)) وهذا الأصل أن الإنفاق باليمين، وقالوا: حديث مسلم مقلوب، كيف يتصدق بشماله ويخفي هذه الصدقة عن يمينه؟ نقول: ممكن، أولاً: لأن هذا الرجل كثير الإنفاق، ينفق أحياناً عن يمينه، وأحياناً عن شماله، وأحياناً من خلفه، وأحياناً من أمامه، مبالغة في الإخفاء، والنبي -عليه الصلاة والسلام- كما في الحديث الصحيح في صحيح البخاري وغيره ((ما يسرني أن لي مثل أحد ذهباً تأتي علي ثالثة وعندي منه دينار إلا دينار أرصده لدين، أقول به هكذا وهكذا وهكذا)) عن يمينه، وعن شماله، ومن أمامه، ومن خلفه.
والإخفاء قد يتطلب الإنفاق بالشمال بحيث يكون عنده عن يمينه أناس جلوس، ويأتيه فقير من جهة الشمال، فيعطيه بشماله بحيث لا يعلم من هو على يمينه، فإذا أمكن رفع توهيم الراوي الثقة تعين.
(16/9)
ابن القيم حكم على الراوي بأنه وهم في هذا الحديث، وأنه انقلب عليه، نعم المقلوب يوجد، هناك أحاديث لا يمكن الجواب عنها.
((وليضع يديه قبل ركبتيه)) قال ابن القيم: مقلوب، وصوابه: ((وليضع ركبتيه قبل يديه)) منهم من قال للخروج من هذا المأزق: إن ركبتي البعير في يديه، ((إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير)) على ركبتيه؛ لأن ركبتي البعير في يديه، إذا برك برك على ركبتيه؛ لأنها في يديه، فلا يبرك المصلي على ركبتيه، لكن الصورة متكاملة وإلا غير متكاملة؟ يعني إذا وافقت من وجه خالفت من وجه، أنكر ابن القيم -رحمه الله- أن تكون ركبتي البعير في يديه، مع أنه ثابت في اللغة، وجاء ما يدل عليه من بعض النصوص، فلا داعي ولا وجه لإنكاره.
هل نرجح كلام ابن القيم ليتسق آخر الحديث مع أوله؟ أو نضعف الحديث لأنه مقلوب ولا نقبله ونرجع إلى الحديث الأول؟ أو نرجح الحديث بما يشهد له من حديث ابن عمر، وننصرف عن الحديث الأول لأنه مرجوح؟ أو نقول بالنسخ كما قال بعضهم؟ وأورده الحازمي في الناسخ والمنسوخ، وأورد الجعبري في رسوخ الأحبار، له كتاب في الناسخ والمنسوخ اسمه: رسوخ الأحبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار، وأن هذا الحديث منسوخ بالذي قبله، وبعضهم من يعكس يقول: الحديث الذي قبله منسوخ بهذا الحديث، وهذا يدل على أن التاريخ معلوم وإلا مجهول؟ مجهول، ولا يمكن القول بالنسخ إلا إذا عرف التاريخ.
الذي يحل الإشكال في هذا الحديث، الحديث الأول ما في إشكال من حيث المعنى، الإشكال في ثبوته، الحديث الثاني إشكاله في معناه، والذي يحله أن نعرف معنى البروك.
جاء البروك على الركبتين في نصوص كثيرة، في كتاب العلم من صحيح البخاري لما قام الصحابي وقال: من أبي؟ فغضب النبي -عليه الصلاة والسلام- فبرك عمر -رضي الله عنه- بين يدي النبي -عليه الصلاة والسلام- على ركبتيه، وبوب عليه الإمام البخاري: باب من برك على ركبتيه عند الإمام أو المحدث، برك على ركبتيه، إذاً ما معنى برك لينحل عندنا الإشكال؟
(16/10)
أولاً: مشابهة الحيوانات ممنوعة في الصلاة، وفي خارج الصلاة، النهي عن بروك البعير كما هنا، والنهي عن التفات الثعلب، وتحريك اليدين عند السلام كأذناب خيل شمس، وتدبيح الحمار، والتفات الثعلب، ونقر الغراب، وانبساط الكلب، كلها منهي عنها، فنحن منهيون عن مشابهة البعير فيما نهينا عنه من مشابهة الحيوانات.
(16/11)
إذا رجعنا إلى معنى البروك إلى الآن مستعمل، إذا جاء الإنسان تعبان أو مريض، ثم أراد أن يجلس، ثم نزل على الأرض بقوة قيل: برك، والبعير يقال له: برك، يعني في كتب اللغة ولو رجعنا إلى سورة يوسف ماذا يقول المفسرون في معنى حصحص؟ {الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ} [(51) سورة يوسف] يقولون: حصحص البعير وبرك البعير إذا أثار الغبار وفرق الحصى، فلا يبرك كما يبرك البعير، فيثير الغبار، ويفرق الحصى ((وليضع يديه قبل ركبتيه)) يعني مجرد وضع، وحينئذٍ ما يكون فيه لا قلب ولا تناقض ولا تعارض ولا شيء؛ لأن مجرد الوضع لا يعني بروك، ولذا يفرق أهل العلم بين وضع المصحف على الأرض وإلقاء المصحف على الأرض، يعني مجرد وضع المصحف على الأرض هكذا بحيث لا يسمع له صوت، ولا غبار، ولا حصى ولا شيء، يجوز وإلا ما يجوز؟ يجوز عند أهل العلم، وضع المصحف على الأرض جائز، لكن إلقاؤه هكذا هذا خطير عظيم إذا اقترن بالاستخفاف كفر، يعني فرق بين مجرد وضع اليدين، وبين البروك كما يبرك البعير في تقديم اليدين، الصورة فيها مشابهة من وجه ومخالفة من وجه، لكن لا يلزم من التشبيه المطابقة من كل وجه، فإذا وضع يديه مجرد وضع هذا ما برك مثل بروك البعير، إذا نزل على الأرض بقوة على يديه، قلنا: برك مثل ما يبرك البعير، وإذا وضع ركبتيه قبل يديه إذا وضع، إذا وضع ركبتيه قبل يديه مجرد وضع كما في حديث وائل: "رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا سجد وضع ركبتيه" هذا ما فيه مشابهة، لكن إذا نزل على الأرض بقوة على ركبتيه وخلخل البلاط كما تسمعون أحياناً، هذا نقول: برك مثل ما يبرك الحمار، المطلوب في الصلاة كلها الطمأنينة، المطلوب تحقيق الطمأنينة، وبهذا يرفع الإشكال في الحديث، وهذا لازم لكل من يقول بتصحيحه، كل من يقول بتصحيح الحديث من الأئمة؛ لأنه صححه جمع من الأئمة كلهم يلزمهم أن يقولوا بهذا القول، وإلا فالمقلوب من قسم الضعيف.
(16/12)
هذا واحد من الإخوان أحضر هذه قبل أن أحضر، وكأنه يعرف ما سأقوله؛ لأن هذه المسألة تكررت في كتب كثيرة، وقررنا فيها مثل ما سمعتم، وأطلنا فيها في بعض المناسبات، ذكر هذه ذكر فيها آثار تدل على العمل بحديث وائل من قبل جمع من أهل العلم، وهذا لا ننكره هو منسوب إلى الجمهور، لكن الذي يهمنا أن حديث أبي هريرة أرجح من حديث وائل؛ لأن حديث وائل تفرد به من لا يحتمل تفرده، وحديث أبي هريرة تفرد به من يحتمل تفرده، وحديث وائل له شاهد، وحديث أبي هريرة له شاهد، فالحديث الأول حديث وائل نسب العمل به إلى الجمهور، والحديث الثاني نسب العمل به لأهل الحديث، بغض النظر عمن عمل بالحديثين، كل إنسان مطالب بما يترجح عنده.
أخونا هذا أورد بعض الآثار عن السلف في العمل بهذه الأدلة:
روى ابن أبي شيبة عن الأسود أن عمر كان يقع على ركبتيه.
عن نافع عن ابن عمر أنه كان يضع ركبتيه إذا سجد قبل يديه ويرفع، هذا عند ابن أبي شيبة، والمعروف عند البخاري عن نافع كان ابن عمر يضع يديه قبل ركبتيه وهذا أثبت.
قال: رأيت ابن سيرين يضع ركبتيه قبل يديه، كان أصحاب عبد الله إذا انحطوا للسجود وقعت ركبهم قبل أيديهم.
وروى الحازمي عن الأوزاعي أنه قال: أدركت الناس يضعون أيديهم قبل ركبهم.
قال ابن أبي داود: وهو قول أصحاب الحديث.
(16/13)
على كل حال هذا جمع طيب في الجملة، لكن مثل هذا ما يخفى، هذا ذكر الشوكاني أكثر منه، وغيره من الشراح، ذكروا أكثر مما ذكر في هذه الورقة، وما زال الأمر على ما قررنا من أننا إذا فهمنا معنى البروك ارتفع الإشكال، ولا قلب ولا شيء، لكن الناس لا سيما ممن له عناية بابن القيم وكتب ابن القيم، وابن القيم أوتي بيان، وأوتي اطلاع واسع، فإذا قرر شيئاً تجده يهجم على القلب قبل غيره، ثم بعد ذلك يغلق المنافذ خلاص "إذا قالت حذام فصدقوها" وأعظم منه شيخ الإسلام إذا قال كلام خلاص ما نقبل معه شيء، ولسنا مطالبين بالاقتداء لا بشيخ الإسلام ولا بأحمد ولا بابن القيم ولا بغيرهم مع أنهم أئمة من الأولياء الصالحين، ومن العلماء العاملين الربانيين، وما عرفنا العلم إلا عن طريقهم، وما تعلمنا إلا على كتبهم، لا يعني هذا أننا نتنقصهم، لكن هذا دين، فالذي يترجح عنده شيء يعمل به.
والمسألة يعني طرقناها مراراً وكررناها، فلا داعي لتكرار ما ذكر في مناسبات أخرى، فهذا لعله يكفي في كشف المراد.
ثم بعد ذلك يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أمرت أن أسجد على سبعة أعظم: على الجبهة -وأشار بيده على أنفه-)) " الإشارة تكون بـ (على) أو (إلى) أشار على الباب أو أشار إلى الباب؟ نعم إلى، ولكنه عدي بـ (على) ليضمن المعنى أمّر بيده على أنفه، أو مر بيده على أنفه.
((أن أسجد على سبعة أعظم)) أولاً: "أُمرت" فعل مبني للمجهول، والفاعل محذوف للعلم به؛ لأنه هو الله -جل وعلا-، إذا لا آمر للنبي -عليه الصلاة والسلام- في القضايا الشرعية إلا الله -جل وعلا-، ويحذف الفاعل للعلم به {وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا} [(28) سورة النساء] الخالق معلوم.
((أمرت أن أسجد على سبعة أعظم)) الآمر معلوم، (سُرق المتاع) حذف للجهل به، وقد يحذف للخوف منه (ضُرب زيد) أو (ظُلم زيد) المتكلم لا يستطيع أن يقول: ظلم الأمير زيداً، يخاف منه، وقد يكون لتعظيمه، وقد يكون لتحقيره، وقد يكون لأمور كثيرة، وهنا للعلم به، فالآمر هو الله -جل وعلا-، إذ لا آمر للنبي -عليه الصلاة والسلام- في القضايا الشرعية إلا الله.
(16/14)
في رواية: "أمرنا" ((أمرت)) المأمور هو النبي -عليه الصلاة والسلام-، وفي حكمه أمته؛ لأن المسألة مسألة شرعية، ونحن مأمورون بالاقتداء به والائتساء به، فأمر النبي -عليه الصلاة والسلام- أمر لأمته، وأمرنا له ولأمته -عليه الصلاة والسلام-، والتعبير عن فعل الأمر: "اسجدوا على سبعة أعظم" أو المضارع المقترن بلام الأمر، صيغة الأمر المقتضية للوجوب: (افعل) أو المضارع المقترن بلام الأمر، التعبير عن صيغة الأمر باسم الأمر أو بلفظه: ((أمرت)) هو بمثابة فعل الأمر، كأنه قال: اسجدوا على سبعة أعظم، أو اسجد يا محمد على سبعة أعظم، وخالف داود الظاهري وبعض المتكلمين فقالوا: هذه الصيغة لا تحمل على الأمر، وهذا الخلاف في: "أمرنا ونهينا" إذا قال الصحابي: "أمرنا" أو قال: "نهينا" يقول داود الظاهري وبعض المتكلمين: لا يدل على الأمر ولا على النهي حتى ينقل اللفظ النبوي؛ لأنه قد يسمع شيئاً يظنه أمراً أو نهياً وهو في الحقيقة ليس بأمر ولا نهي، وهذا القول واهٍ، يعني إذا شككنا في فهم الصحابة فمن يفهم الدين بعدهم؟ أولاً: لغاتهم لم تتغير، هم عرب أقحاح، والأمر الثاني: أنهم عايشوا النبي -عليه الصلاة والسلام-، وعرفوا مدلولات الألفاظ الشرعية.
هنا اللفظ للنبي -عليه الصلاة والسلام- هو الذي يقول: ((أمرت)) هل نقول: إنه لا يستفاد من الأمر حتى ينقل اللفظ الإلهي؟ لا، لو قلنا بهذا لما قبلنا حديثاً نبوياً حتى ينقل لنا اللفظ الإلهي، فمثل هذا لا يدخل في الخلاف.
(16/15)
((أمرت أن أسجد على سبعة أعظم)) سبعة أعظم، وكل واحد من هذه السبعة يشتمل على أعظم، يشتمل على أعظم، يعني اليد إلى الكف عظم واحد وإلا عظام؟ عظام، كم فيها من عظم يمكن فصله عن الثاني؟ أعداد كبيرة يمكن تزيد على العشرين، المقصود أن أعظم إجمالية، وفي كل عظم منها أعظم، ولولا البيان التفصيل بعد الإجمال لقلنا: إنها سبعة أعظم لو سجد بيد واحدة كفت؛ لأن فيها أكثر من سبعة أعظم، هنا قال: ((على سبعة أعظم)) إجمال، ثم بعد ذلك فصلها وبينها، والإجمال له فائدة، كثيراً ما يأتي بالعدد المحصور: ((اجتنبوا السبع الموبقات)) نحتاج إلى مثل هذا العدد عند الضبط والحفظ؛ لأنه لو قال: اسجدوا على أعظم هي ثم عددها الاحتمال في أن ينسى بعض الرواة بعضها، والإنسان إذا أراد أن يحفظ الحديث نسي بعضها، لكن إذا عرفها سبعة، أخذ يعددها، واحد، اثنين، ثلاثة، أربعة، خمسة، ستة، سبعة، إذا كملت السبعة عرف أنه ضبط الخبر، لو لم يكن فيه العدد المجمل احتمال أنه يعد ستة احتمال يعد خمسة وينسى الباقي.
موسى -عليه السلام- أرسل في تسع آيات، كيف نعد التسع؟ يعني لو قيل: موسى أرسل بآيات، يمكن يعد الواحد اثنتين، ثلاث، خمس، ما يكمل التسع، لكن تسع، لا بد أن تكون تسع، فمن يعد لنا التسع نشوف هي مضبوطة وإلا لا؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
العصا واليد.
طالب:. . . . . . . . .
السنين.
طالب:. . . . . . . . .
الضفادع.
طالب:. . . . . . . . .
الدم.
طالب:. . . . . . . . .
القمل.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
انشقاق البحر هذا من أجل أن يؤمن فرعون؟! تسع آيات؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
لا لا، هذا من أجل أن يغرق.
طالب:. . . . . . . . .
الجراد، أيوه.
طالب:. . . . . . . . .
تعدهم من جديد؟ شوف فائدة التسع كونها تسع لا بد أن تحضر تسع، في واحدة يمكن ما تدرك اللي هي الطمس {رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ} [(88) سورة يونس].
(16/16)
المقصود أن فائدة العدد المجمل من أجل أن تضبط، لولا هذا العدد المجمل ما ندري تسع وإلا عشر وإلا خمس؟ إلا بطريق الاستقراء بحيث يستقرئ العالم المطلع الذي هو من أهل الاستقراء التام، ثم يحصر لنا من أجل نتبعه في الحصر، فمثلاً أركان الصلاة أربعة عشر، ما جاء فيه نص أنها أربعة عشر، لكن بطريق الاستقراء حصرت بهذه الأركان، فأنت إذا أردت أن تراجع أركان الصلاة تستحضر أنها أربعة عشر وهكذا، هذه فائدة ((أمرت أن أسجد على سبعة أعظم)).
((على الجبهة)) على الجبهة وهذا بدل بعض "وأشار بيده على أنفه" يعني أمر بيده على أنفه؛ ليبين أن الجبهة والأنف عظم واحد ...
في شيء؟
طالب:. . . . . . . . .
يقول: ((على الجبهة)) وأشار بيده على أنفه؛ ليبين أن الجبهة والأنف عضو واحد، ولا بد من السجود على هذا العظم الأول الذي هو الجبهة والأنف، وعلى هذا لا يجزئ السجود على الجبهة فقط، أو على الأنف فقط، لا يجزئ السجود على الجبهة فقط، ولا على الأنف فقط، ومنهم من قال كالحنفية: إن سجد على الجبهة أجزأ، وأبو حنيفة يقول: إن سجد على أنفه فقط أجزأ؛ لأنه يجوز السجود على بعض العضو، يعني لو سجد على راحتيه فقط ورفع أصابعه السجود صحيح، والخلاف فيما إذا سجد على الأصابع دون الراحة، لو سجد على إصبعين من أصابع رجله وارتفعت البقية عن الأرض يجزئه، وعلى كل حال هذا القول ضعيف، والتنصيص عليهما على الجبهة والأنف يدل على أنه لا بد من السجود عليهما.
((واليدين)) والمراد باليدين الكفان، وهذا فيما إذا أطلقت اليد يراد بها الكف، وإن كانت اليد تشمل ما بين أطراف الأصابع إلى المنكب كلها يقال لها: يد، وأما إذا قيدت فمعلوم أن المقيد يقضي على المطلق {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [(6) سورة المائدة] وأما إذا أطلقت كما في آية التيمم وهنا والسرقة فإن المراد الكفان.
(16/17)
((واليدين)) واليد المراد بها الكف، والسجود على الذراع منهي عنه، الذي هو انبساط الكلب، والكف تشمل الراحة وتشمل الأصابع، وكثير من الشباب تجده يسجد على الأصابع فقط، يعني إذا سجد على الراحة يصعب عليه أن يرفع الأصابع وإن كان ممكناً، لكن يسجد على الأصابع دون الراحة، والأصل في الكف الراحة باطن اليد، هذا الأصل، والأصابع تبعاً لها، ومنهم من يسجد على الجُمْع، الجمع ويش معناه؟ ضم الأصابع إما هكذا أو هكذا، هذا موجود، هذا لم يسجد على اليد، هذا السجود ليس بصحيح، هذا سجوده ليس بصحيح.
((والركبتين)) معروفتان.
((وأطراف القدمين)) أطراف القدمين إذ لا يمكن السجود على القدمين، وإنما الممكن الأطراف، يعني الأصابع، بطون الأصابع، وتكون متجهة إلى القبلة؛ لكن لو عكس سجد على ظهورها أجزأ؛ لأنه صح أنه سجد على أطراف القدمين.
((أمرت أن أسجد على سبعة أعظم)) مباشرة هذه الأعظم إلى الأرض، أو مباشرتها الأرض والسجود على حائل يتفاوت من عظم لآخر، أما بالنسبة للركبتين فلا بد من سترهما إذ هما من العورة، ولا يجوز كشفهما، وأطراف القدمين في حال لبس الخفين يستران، يجوز سترهما، واستشكل بعضهم إيراد البخاري لحديث المسح على الخفين بين أحاديث السجود، استشكل بعضهم، كيف يورد البخاري حديث من أحاديث المسح على الخفين في صفة الصلاة في كيفية السجود؟ أورده ليبين أنه لا يلزم كشف القدمين؛ لأنه له أن يمسح خمسة الأوقات يوم وليلة، ويمر عليه أكثر من صلاة، يمر عليه في هذه المدة أكثر من صلاة، فيجوز ستر القدمين، وأما الركبتين فيجب سترهما.
(16/18)
بقي الوجه واليدان، الستر أو الحائل المنفصل يجيزونه بلا كراهة، فتسجد على بساط، على فراش، والنبي -عليه الصلاة والسلام- كان يسجد على الخمرة، هذا بالنسبة للمنفصل، أما بالنسبة للمتصل فيطلقون الكراهة، يعني أراد شخص أن يسجد فوضع طرف الشماغ وسجد عليه هذا مكروه، وضعه، وضع طرفي الشماغ على يديه هذا مكروه عند أهل العلم، لكنه جاء ما يدل على جوازه عند الحاجة لشدة حر أو لشدة برد، في السنن وغيرها، وأهل العلم يقولون: إن الكراهة تزول بأدنى حاجة، يعني شدة برودة المسجود عليه، أو شدة حرارته هذه حاجة، لكن إذا كان الفرش أو المسجود عليه تنبعث منه روائح، والناس يتفاوتون في قبول هذه الرائحة، كثير من الناس يسجد ولا عنده مشكلة يقبل مثل هذه الرائحة، وبعض الناس لا يقبلها، هذا إذا كانت هذه الرائحة تسبب عنده إشكال، يعني بعض روائح الفرش الجديدة تولد حساسية في الصدر مثلاً، هذا نقول: حاجة، لكن إذا كانت لا تضره هذه ليست بحاجة، قد نقول: إنها أدنى حاجة؛ لأنه يتأذى منها، والكراهة تزول عند أهل العلم بأدنى حاجة، فيضع طرف الشماغ ويسجد عليه، مع أنه لو تواضع وقبل مثل هذه الرائحة إلا إذا كانت تحول دونه ودون الخشوع، إذا كان لا يخشع في صلاته، فإنه حينئذٍ المحافظة على الخشوع الذي قال جمع من أهل العلم بوجوبه أولى من المحافظة على هذا المكروه.
قد يحتاج إلى رفع عضو، أو عظم من هذه الأعظم، ساجد فاحتاج إلى حك شيء من بدنه بيده بحركة لا تطول يرفعها ثم يعيدها، وقد يسجد فتلسعه بعوضة في قدمه فيحتاج أن يحك هذه القدم بالأخرى، ثم يعيدها قالوا: مثل هذا لا يؤثر؛ لأن العبرة بغالب السجود.
(16/19)
((ولا نكفت الثياب والشعر)) نكفت نضم الثوب بعضه إلى بعض، أو نضم الشعر بحيث نلفه بعضه على بعض، ولا نقبضه، وعلى هذا تصرف كثير من المصلين بالبشت العباءة، إذا أراد أن يسجد ضم بعضها إلى بعض، بالشماغ، وكثير من الناس يعبث بالشماغ، إذا اختلف وضعه أي اختلاف حرك الشماغ، إذا كبر واسى الشماغ، إذا ركع، إذا رفع من الركوع احتاج إلى أن يضم الشماغ وهكذا، هذا يقول: ((ولا نكفت الثياب والشعر)) يعني لا نضم بعضها إلى بعض، وأما المشلح فحدث ولا حرج؛ لأنه إذا سجد وترك المشلح هذا أو العباءة على هيئتها فإنها تتفرق يميناً وشمالاً فيسجد عليها من بجانبه يمنة ويسرة، فهو يحتاج أن يضمها هذا داخل في الحديث، ولا الشعر أيضاً، لا يضم الشعر ولا يعقد، بل يترك على هيئته مسترسلاً، وكذلك ما في حكمه.
"متفق عليه، ولفظه للبخاري".
ثم قال: "وعن عبد الله بن بحينة" مالك بن بحينة، أكثر ما يقال: عن عبد الله بن بحينة، أبوه مالك ابن القشب، وأمه بحينة، ولذا تجدون ابن بحينة فيها ألف، الأصل لو كان بحينة جده لقال: عبد الله بن مالك بن بحينة تجدون ابن هذه مجرورة؛ لأن الأصل مجرور عبد، لو كانت الصيغة: حدثنا عبدُ الله بنُ مالك بنُ بحينة؛ لأن ابن في الموضعين تابعة لعبد الله، والثانية ليست تابعة لمالك، يعني لو قال: حدثنا عبد الله بن عمرو بن الخطاب؛ لأن كل واحدة تابعة لما قبلها، لكن الذي عندنا تابعة لما قبل الذي قبلها، ولذلك تثبت فيها الألف؛ لأنها ليست بين متوالدين، وليست تابعة للذي قبلها، إنما تابعة للذي قبل الذي قبلها، فلو كانت الصيغة: حدثنا عبد الله بنُ مالك ابنُ بحينة؛ لأن بحينة أم عبد الله، ومثله عبد الله بن أبي ابن سلول، سلول أمه.
"-رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا صلى فرج بين يديه، حتى يبدو بياض إبطيه" في بعض الروايات: "إذا صلى يجنح بين يديه" وجنح، وفي رواية: خوى، أي نحى، وهذه مجافاة "بين يديه حتى يبدو" يروى في بعض الروايات، وفي بعضها: نرى بياض إبطيه، وفي رواية: وضح، وهو بياض إبطيه.
"كان إذا صلى فرج" جنح، خوى، يعني نحى يديه عن جنبيه "حتى يبدو" أو يرى أو نرى "بياض إبطيه" ووضح إبطيه.
(16/20)
المجافاة سنة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- كان يجافي عضديه عن جنبيه، وبطنه عن فخذيه، هذه صفة صلاته -عليه الصلاة والسلام-، وهذا مشروع فيما دلت عليه الأدلة بالنسبة للإمام والمنفرد، أما بالنسبة للمأموم مع الجماعة فإنه لا يشرع له ذلك، النبي -عليه الصلاة والسلام- كان إذا صلى يعني يصف حالته وهو إمام أو منفرد، إذ لم يكن مأموماً -عليه الصلاة والسلام-، ومجافاة المأموم تؤذي من بجانبه عن يمينه وعن شماله، وقلنا مراراً: أن معرفة السنة أمر لا بد منه؛ لتقع العبادة التي من أجلها خلق على مراد الله، وعلى مراد رسوله -عليه الصلاة والسلام-، لا بد من معرفة السنة، ولا بد من تطبيق السنة، لا تكفي المعرفة، ونحن نرى بعض طلاب العلم يصلي صلاة بعض صلاة العوام أفضل منه، يعرف السنة، لكن لا يطبق السنة، وبعض طلاب العلم يعرف السنة ويطبق السنة لكنه لا يفقه كيف يطبق السنة، فلا بد من فقه تطبيق السنة، فتجده إذا سمع بمثل هذا الحديث آذى المصلين، تجده يجافي ويفرج بين يديه بين اثنين والمطلوب التراص في الصف؛ لأنه قد يقول قائل: إن هذا الإشكال يحله التباعد بين الناس، لكن هذا معارض بما هو أقوى منه وهو التراص في الصف، ولا يتحقق التراص في الصف مع هذه المجافاة، فإذا تراصوا وأراد أحد أن يجافي فإنه لا بد أن يؤذي من عن يمينه ومن عن شماله، والأذى لا يجوز، فلا يفعل مسنون، ويرتكب محظور، وهذا الذي يؤكد عليه، وهو فقه تطبيق السنة.
"فرج بين يديه حتى يبدو بياض إبطيه" ومعلوم أنه -عليه الصلاة والسلام- كان يلبس الإزار والرداء، ومع الرداء يرى بياض الإبط، ولو ستر المنكب، إذا ستر المنكب يرى بياض الإبط؛ لأنه لا يلزم من ستر المنكب ستر ما تحته ((لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على منكبيه منه شيء)) وفي رواية: ((ليس على منكبه منه شيء)) المقصود أنه لا بد من ستر المنكب كما تقدم لنا في ستر العورة، وليس هو من العورة، لكن لا بد من ستره، يجب سترة، فيأثم الذي يصلي وهو كاشف للمنكب، لكن صلاته صحيحة؛ لأنه ليس بشرط، يعني مثل غسل الجمعة عند من يقول بوجوبه الصلاة صحيحة، لكنه آثم بتركه الواجب.
(16/21)
"يرى بياض إبطيه" هذا إذا صلى بالرداء، أما إذا صلى بالقميص الذي من لازمه الكم فإنه ينستر الإبط، ولا يلزم من قوله: "حتى يبدو بياض إبطيه" ألا يكون الإبط عليه شعر؟ لأن البياض يلوح من وراء الشعر حتى في عادي الناس، البشرة البيضاء تبدو من وراء الشعر، وإن استنبط بعضهم من هذا الحديث أن النبي -عليه الصلاة والسلام- لا شعر في إبطيه، وهذا من خواصه، لكن إن لم يدل دليل غير هذا فلا دليل فيه، فبياض الإبطين يبدو إذا حلق الشعر، وقد يبدو مع وجود الشعر، والناس يتفاوتون في هذا الشعر قلة وكثرة، مع أن البشرة البيضاء لا يحجبها الشعر إلا إذا كان كثيفاً.
جاء في وصفه -عليه الصلاة والسلام- أنه كان أبيض، وأنه كان أزهر اللون، وكان في صدره شعر، كان دقيق المسربة، والمسربة شعر الصدر كما في الشمائل.
"حتى يبدو بياض إبطيه" وهذا سببه المبالغة في المجافاة "متفق عليه".
"وعن البراء بن عازب -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا سجدت فضع كفيك، وارفع مرفقيك)) " يعني على الأرض ضع كفيك، إما محاذية لأذنيك كالرفع، أو لمنكبيك كما جاء، وكل هذه صفات ثابتة، إما محاذية لفروع الأذنين كالرفع، أو لأطراف الأذنين، أو للمنكبين.
((فضع كفيك، وارفع مرفقيك)) ارفع مرفقيك عن فخذيك، وهذا لا يلزم منه مجافاة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يخاطب البراء وهو مأموم، ما قال: جافي، إنما قال: ((ارفع مرفقيك)) يعني عن فخذيك، ولا يلزم منه المجافاة.
(16/22)
يرفع مرفقيه لئلا يعتمد على فخذيه، يكون معتمد على يديه، ومعتمد على جبهته؛ لأنه لو وضع مرفقيه على فخذيه لكان اعتماده على الفخذين، وليس اعتماده على اليدين والوجه، مع أنه إذا احتاج إلى ذلك بحيث يكون مريضاً لا يستطيع أن يستقل بيديه ووجهه في السجود، واحتاج إلى الاستعانة بالفخذين يستعين بهما، وجاء الترخيص في ذلك في سنن أبي داود وغيره، وكذلك لو طال السجود مثلاً وتعب من رفع المرفقين، ووضع الجبهة على الأرض، يضع الجبهة على الأرض لا محالة، ولا يمكن رفعها عنها، لكن إذا رفع مرفقيه عن فخذيه اعتمد على الجبهة، فإذا وضع المرفقين على الفخذين خف الحمل على اليدين وعلى الجبهة، فإذا احتاج إلى ذلك فجاءت الرخصة له بذلك.
"رواه مسلم".
ثم قال: "وعن وائل -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا ركع فرج بين أصابعه" يعني كأنه قابض لركبتيه، يفرج بينهما، كأنه قابض لركبتيه، وهذا يدل على .. ، مع ما في بعض الروايات من التصريح بقبض الركبتين، يدل على نسخ التطبيق، وهو جمع اليدين ووضعهما بين الفخذين، وابن مسعود -رضي الله عنه- ما علم بالناسخ واستمر عليه، لكن التطبيق منسوخ.
"كان إذا ركع فرج بين أصابعه، ووضعهما على ركبتيه كأنه قابضهما، وإذا سجد ضم أصابعه" ضم الأصابع لتكون متجهة إلى القبلة، إذا سجد ضم أصابعه؛ لأنه لو فرقها انحرفت عن جهة القبلة يميناً وشمالاً، وقل مثل هذا في الرجلين حال الوقوف في الركوع، وفي أصابع اليدين حال السجود كلها تتجه إلى جهة القبلة.
"وإذا سجد ضم أصابعه" رواه البيهقي والحاكم، وقال: على شرط مسلم" رواه البيهقي والحاكم ورواه أيضاً ابن خزيمة، كلهم عن طريق هشيم عن عاصم بن كليب عن علقمة بن وائل عن أبيه به، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان ... إلى آخره.
وكلهم قالوا: عن هشيم عن عاصم، وهشيم معروف بالتدليس.
وفي الصحيح عدة كالأعمشِ ... وكهشيم بعده وفتشِ
هشيم مدلس وقد عنعن، وقال: صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي، يقول الحاكم، لكن عنعنة هشيم إذا قبلت في مسلم فإنها لا تقبل في خارجه، ولكن الحديث له شواهد ترفعه إلى مرتبة الحسن، فالحديث لا ينزل عن درجة الحسن.
(16/23)
هذا يقول: ما الحكمة. . . . . . . . .
أنت شوف جارك هذا لو يكتب لنا البيتين جزاه الله خير، اكتب البيتين.
يقول: ما الحكمة في دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- بنقل حمى المدينة إلى الجحفة وهي ميقات للحج؟
أولاً: الجحفة كان سكانها من اليهود في وقت الدعوة النبوية، وكانت الدعوة قبل تحديدها ميقاتاً للحج.
يقول: ما تقولون في حديث يقال في أثناء الوضوء وهو قول: "رب اغفر لي ذنبي، ووسع لي في داري، وبارك لي في رزقي"؟
لم يثبت خبر صحيح لذكر يقال: أثناء الوضوء إلا البسملة على خلاف في ثبوتها في أوله، وقول التشهد في آخر الوضوء.
يقول: نريد توجيه ونصيحة لشخص اتخذه بعض الناس قدوة لهم وذلك لثقتهم به؟
أولاً: لا يخلو إما أن يكون بالفعل ثقة قدوة للناس إن كان بالفعل قدوة فعليه أن يتقي الله في نصح هؤلاء الذين يقتدون به، وعليه أيضاً أن يظهر نفسه بالمظهر المناسب له، لا يتشبع بما لم يعط، يغتر بمن يتبعه، ثم بعد ذلك يجعل من نفسه إماماً يقتدى به وليس الأمر كذلك، إنما ينزل الإنسان منزلته، ويعرف قدره، بحيث لا يتزيد ولا ينقص من قدره بحيث يقتدى به في ما يمكن الاقتداء به، ولو وجه الناس إلى من هو أولى منه بالاقتداء لا سيما من عمدته ومعوله على النص.
يقول: هل بالإمكان تنبيه الأخوات على خفض أصواتهن لما يحدثونه من تشويش على أنفسهن، وعلى غيرهن؟
أظن يسمعون هذا الكلام.
يقول: هل من الكفت إرجاع طرفي الشماغ إلى الخلف حال القيام؟
نعم إنما يترك على طبيعته، يسترسل يميناً وشمالاً.
يقول: لم نفهم المتصل والمنفصل؟ يقصد الحائل.
المتصل مثل الشماغ، متصل بالمصلي، والمنفصل يأتي بسجادة بنصف سجادة بحيث تسع يديه مع وجهه أو لرجليه أو لركبتيه إذا كان فيهما ألم، هذا منفصل ولا بأس به، وكان النبي -عليه الصلاة والسلام- يسجد على الخمرة التي تتسع ليديه وجبهته، ولا يجوز السجود على ما يقتصر على الجبهة لمشابهة المبتدعة.
يقول: من يسجد والمصحف في يده فيسجد على جنب يده الأيمن؟
لا بد أن يسجد على الأعضاء السبعة، وإن كان الخلاف بين أهل العلم أنه هل هو صلاة أو ليس بصلاة، لكنه سجود، وأمرنا أن نسجد.
(16/24)
يقول: سجد شخص أمامي وهو يلبس البنطال، فظهر منه أعلى إليته فأمرته بإعادة الصلاة، فما حكم أمري له بالإعادة؟
نعم أنت محق في هذا؛ لأنه خرجت عورته.
يقول: بماذا تنصح طالب العلم بالدراسة في جامعة أم القرى أم في الجامعة الإسلامية مع العلم أني لا أحمل الجنسية السعودية؟
التخصصات الشرعية في الجامعة، جامعة أم القرى، أو الجامعة الإسلامية، أو جامعة الإمام كلها متقاربة.
يقول: صليت صلاة القيام ليلة التختيم في رمضان على غطاء الصرف الصحي المجاري، وذلك لعدم وجود مكان خارج الحرم، فما حكم ذلك؟
إذا كان المقصود الصرف الصحي الذي ينبعث من محلات قضاء الحاجة النجسة فإن كان هذا الحائل محكم، الغطاء محكم بحيث لا يتطرق إليه نجاسة، ولم يكن فيه نجاسة من الأصل ولو يبست، إذا أمن من ذلك، إذا كان طاهراً فهو مثل السقف، وإذا كان المجاري هذه فيها مياه طاهرة فلا تشكل.
يقول: ما هي أفضل طبعات المحرر؟
هذه التي في أيدينا بتحقيق الشيخ سليم الهلالي جيدة، تخريجه موسع.
وهل عليه شروح؟
عليه بعض الشروح المسجلة، وبعض التعليقات لبعض المحققين.
يقول: توفي طفل منذ ثلاثين سنة ولم يصل عليه؛ لأنه دفن بطريقة غير نظامية؛ لأن إجراءات الدفن معقدة، فدفن ولم يصل عليه، بسبب جهل أهله في ذلك الوقت، السؤال: هل يصلى عليه فإن كان الجواب نعم، فكيف يصلى عليه علماً أنه لا يعرف موضع دفنه بالتحديد؟ ولكن تعلم المقبرة؟ أفيدونا في هذا.
إذا لم يعلم قبره على التحديد فلو صلي عليه صلاة غائب كفى، علماً بأن الحاضر. . . . . . . . . لا يصلى عليه، لكن للحاجة لا يعرف مكانه.
يقول: ما حكم تشمير الأكمام؟ أي كم الثوب في الصلاة ألا يدخل في النهي؟
نعم داخل، كل ما خرج عن طبيعة الثوب أو الشعر بحيث ذهب به يميناً أو شمالاً، أو إلى أعلى أو إلى خلف عن طبيعته هذا كفت.
يقول: نرجو تحديد موعد الدرس بالساعة والدقائق حتى نلحق الدرس بحكم انشغالنا بتدريس القرآن.
الخامسة إلا ربع يمكن، يمكن يبدأ في الخامسة إلا ربع، وينتهي في السادسة والربع.
هذا عن العذر بالجهل.
(16/25)
المسألة يعني تكلم فيها أهل العلم كثيراً، وأن الرجل الذي أو الشخص الذي لم يبلغه شيء من هذا الدين لا بد أن يبلغ به، {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [(15) سورة الإسراء] فإذا بلغته الحجة، وبلغه الدليل إن كان أعجمياً لا بد أن يفهم بالعربية؛ لأن النصوص عربية، وإذا كان في حكم الأعجمي من العرب الذين لا يفهمون النصوص، وإن كانوا عرباً فهؤلاء أيضاً يوضح لهم وجه الحجة، لكن زوال المانع من قبول الحجة ليس بشرط.
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد.
(16/26)
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: المحرر – كتاب الصلاة (18)
الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هذا يقول: ذكرت أن القلب في الحديث نوع من أنواع الضعيف، وقد ذكر الإمام البخاري في صحيحه في حديث أنه يبقى في النار فضل مكان فيخلق الله خلقاً فيدخلهم النار، وقد أكد كثير من العلماء أن هذا الحديث مقلوب، فهل يمكن أن نقول: إن في صحيح البخاري أحاديث ضعيفة؟
(17/1)
قد يوجد مثل هذا النوع، ويكون مرده إلى وهم الراوي الثقة، وهذا لا يقدح في أصل الصحة بالنسبة للصحيح مثل ما جاء في الصحيح أن النبي -عليه الصلاة والسلام- تزوج ميمونة وهو محرم من حديث ابن عباس، وابن عباس قريب من ميمونة خالته، ومع ذلك وهم ابن عباس؛ لأن ميمونة نفسها تقول: "تزوجني النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو حلال" وكذلك أبو رافع السفير بينهما، فالوهم من الراوي والخطأ لا يسلم منه أحد؛ لأنه ليس المفترض في راوي الصحيح أو من أجمع على توثيقه أنه معصوم، مالك نجم السنن ألا يحتاج إلى أن يبحث في عدالته؟ اكتفوا واستغنوا بشهرته عن البحث في عدالته، ومع ذلك وقع له شيء من الوهم، فالوهم من الراوي لا يقدح في أصل الصحة، وثبوت الخبر إليه، ولا شك أن مثل هذا الكلام يشكل على بعض طلاب العلم الذين لا يدركون مثل هذه الحقائق، لكن إذا أمكن حمل ما جاء عن الراوي الثقة على وجه صحيح تعين، وإذا لم يمكن فما بد من أن يقال: إن الراوي وهم، ابن عباس وهم، ويش المانع؟ وعائشة استدركت على الصحابة، وللزركشي مصنف في هذا، وابن عمر يقول: اعتمر النبي -عليه الصلاة والسلام- في رجب، وهذا في الصحيح، وعائشة تقول: ما اعتمر النبي -صلى الله عليه وسلم- في رجب قط، مثل هذه الأوهام من طبيعة البشر، لا بد أن تقع، ليس معنى هذا أن هذا قدح في الراوي، نعم إذا كثر الوهم في حديث الراوي يرد حديثه، لكن إذا وقع منه الخطأ والخطأين والثلاثة هذا لا إشكال فيه، والدفاع عن الصحيحين بقدر الإمكان هي وظيفة العالم والمتعلم؛ لأن الناس إذا تطاولوا على الصحيحين الذين أجمعت الأمة على تلقيهما بالقبول حتى قال بعض أهل العلم: إنه لو حلف حالف بالطلاق أن جميع ما في الصحيح صحيح لم يحنث.
طالب:. . . . . . . . .
تلقي، هذا التلقي بالقبول وحده كافي، نعم هناك أحاديث تكلم فيها بعض الحفاظ، وهذا منها ولا يقدح هذا في الصحيح، ويبقى البخاري أصح كتاب بعد القرآن.
يقول: هل كفت الثوب والشعر خاص بالرجال أم بالرجال والنساء؟
لا هو عام للجميع؛ لأن النساء شقائق الرجال، ويبقى أن المرأة إذا خشيت من انكشاف شيء من بدنها فإنها تلف نفسها بملاءتها وعباءتها.
(17/2)
يقول: ما الذي ترجح العمل به بين حديث وائل بن حجر وحديث أبي هريرة؟
الظاهر أن كلامي واضح في هذا؛ لأنه جاء أكثر من سؤال، فشككت في أنني رجحت أو لم أرجح، وهذه يعاني منها كثير من طلاب العلم، ويقولون: إنك لا ترجح في بعض المسائل، ما أدري هل يفهمون الطريقة التي أسلكها؟ الحكم الذي أؤكد عليه، وأركز عليه، ويكون محور الكلام هذا هو الراجح عندي، ثم ما عدا ذلك قد أشير إلى قول قوي بدليله؛ لكن لا يعني هو الراجح، المقصود أن المرجح عندي أن يهوي الإنسان ويسجد على يديه، وتعرفون هذا من خلال التوجيه.
على ماذا يحمل النهي في قوله: ((ولا نكفت))؟
هذا نفي، ويراد به النهي، والأصل في النهي التحريم، لكن الجمهور على أنه للكراهة.
يقول: ما اسم الفراش الذي يتسع للوجه واليدين أثناء السجود وكان يسجد عليه النبي -عليه الصلاة والسلام-؟
اسمه الخمرة.
يقول: نرى بعض المصلين يصلون على الكراسي وأحوالهم الصحية مختلفة؟
صحيح بعض الناس لا يهتم كثيراً بصلاته، فتجده يلتمس العذر لنفسه بأدنى سبب، ويقول: الدين يسر، نعم الدين يسر، لكن القيام مع القدرة ركن من أركان الصلاة، لا تصح إلا به، الصحابة مع حرصهم -رضوان الله عليهم- يؤتى بالرجل يهادى بين رجلين للصلاة، والواحد منا لأدنى سبب يتذرع في ترك الجماعة، وقد يصلي على وضع لا تصح معه الصلاة، ويبرر لنفسه أنه متعب، سهر البارحة فلا يستطيع أن يصلي الفجر إلا بمشقة، فتجده يؤخر الصلاة أو يصلي على وضع لا تصح معه الصلاة من جلوس ونحوه.
من الوقائع التي حصلت شخص بالفعل مريض ونصحه الأطباء بأن يكثر من المشي، فإذا قيل له: لماذا لا تصلي مع الجماعة في المسجد؟ قال: مريض، وهذا التقرير، فإذا خرج الناس من بيوتهم بعد صلاة العشاء بساعة مثلاً وجدوه يجوب الحارة يميناً وشمالاً؛ لأن الطبيب نصحه أن يمشي، فهو يترك الجماعة لأنه مريض، ويمشي بتوصية الطبيب، طيب المشي لماذا لا يكون إلى المسجد؟ ومثل ما ذكر الأخ أحوالهم مختلفة.
يقول: ما الكيفية الصحيحة للصلاة في الحالات التالية: من يستطيع القيام والسجود، ولكن لا يستطيع ثني رجليه بين السجدتين وفي التشهد؟
(17/3)
مثل هذا يلزمه القيام، ويلزمه السجود ويجلس بين السجدتين على كرسي، ما في ما يمنع.
من يشق عليه القيام فقط.
من لا يستطيع القيام يصلي جالس ويأتي ببقية الأركان.
من يشق عليه الركوع فقط.
مثل هذا يقف ويومئ للركوع وإذا كان لا يشق عليه السجود يسجد.
من يشق عليه القيام للركعة الثانية؟
بمعنى أنه إذا جاء قبل أن يجلس بإمكانه أن يكبر ويقف، لكن إذا جلس ما استطاع أن يقوم، مثل هذا يؤدي ما يستطيع، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها.
من يشق عليه وضع جبهته على الأرض هل يضع كفيه؟
إذا كان لا يستطيع أن ينحني للسجود بحيث يقرب من مباشرة الأرض إذا كان وضعه لا يتغير بين السجود وبين الجلوس بين السجدتين هذا لا يضع يديه على الأرض؛ لأن وضع اليدين من الأعضاء السبعة التي أمرنا بالسجود عليها، لكن الأصل في هذا كله سجود الوجه ((سجد وجهي للذي خلقه وصوره)) فإذا لم يتمكن من وضع الوجه، أو ما يقرب منه بحيث يكون إلى السجود أقرب، فإن هذا لا يلزمه أن يضع يديه، وإن كان بعضهم يرى أنه يأتي بما يستطيع، يأتي بما يستطيع إذا كان مشروعاً، إذا كان ما يستطيعه مشروعاً ليس سبباً أو ليس وسيلة للمشروع، يعني يأتي بالمقدور عليه، إذا كان مطلوباً لذاته، ووضع اليدين من الأعضاء السبعة التي هي مطلوبة فيضعها على الأرض، هذا قول بعضهم، وإذا كان المقدور عليه ليس مطلوباً لذاته وإنما هو مطلوب لغيره كتحريك اللسان بالقراءة ممن لا يستطيع القراءة هذا لا يلزمه تحريك اللسان، وإمرار الموسى على الرأس، رأس الأصلع في الحج هذا لا يلزم.
يقول: هل الذي على الكرسي في حكم القائم أو في حكم الجالس؟
هذه مسألة في غاية الأهمية مهمة جداً، هل هو في حكم القائم أو في حكم الجالس؟
(17/4)
هذه يحتاج إليها عند الدخول إلى المسجد، بعض الناس إذا دخل في وقت نهي وتحرج في الصلاة وترك الصلاة لوجود ما يأمره ووجود ما ينهاه، جلس على كرسي أو على شيء مرتفع، وقال: إنه لم يجلس، نعم الجلوس الأصل فيه مباشرة الأرض الذي هو القعود، وأما بالنسبة للجلوس على الكرسي فهو منزلة بين المنزلتين، وهذه يحتاجها أيضاً من تكون له دروس مثلنا بالعصر، ويصلي خارج المسجد، ثم يأتي إلى المسجد، فهل يجلس على الكرسي ويؤدي الدرس من دون تحية، أو يؤدي التحية ثم يجلس باعتباره جالس؟
إذا نظرنا إلى الخطيب يوم الجمعة من فعله -عليه الصلاة والسلام- أنه يأتي ويصعد المنبر ويجلس، يجلس على المنبر، ولا يصلي ركعتين فحكمه .. ، والمسألة مسألة ما زالت مسألة بحث يعني ليس مقطوعاً بها، حكمه حكم المدرس الذي يأتي ويجلس على الكرسي ويعلم الناس، ولو قيل: إن استغلال الوقت بهذا الدرس أولى من استغلاله بالركعتين لما بُعد، المقصود أن مثل هذه تحتاج إلى مزيد عناية وبحث؛ لأننا نجد بعض الناس يدخل في الوقت في النهي، ثم بعد ذلك يجلس على التكأة التي توضع للمصلين ويقول: أنا ما جلست فلا تلزمني تحية المسجد، علماً بأنه إذا ترجح عنده أنه لا يصلي التحية يجلس "ثلاث ساعات كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نصلي فيهن، وأن نقبر فيهن موتانا ... إلى آخره" وتقدم بحث المسألة، وبعضهم يتأثم ويقول: يستمر واقف حتى يخرج وقت النهي، لا يصلي لأنه وقت نهي، ولا يجلس لأنه منهي عن الجلوس، وبعضهم يقول: لا يدخل المسجد في هذا الوقت لوجود التعارض، لكن المسألة مسألة ترجيح، من ترجح عنده شيء وله سلف من الأئمة يعمل به والحمد لله، يعني إذا كان الوقت وقت واسع وقت نهي واسع مثل الدخول بعد صلاة الصبح أو بعد صلاة العصر مباشرة والشمس بيضاء نقية مثل هذا لو صلى ركعتين ما في إشكال؛ لأن النهي عن الصلاة في هذين الوقتين من باب نهي الوسائل وليس الغايات، إنما لئلا يستمر فيصلي في وقت النهي المغلظ.
يقول: ذكرتم بالأمس أن طالب العلم -والله ما أدري هذه لا وإلا إيش؟ - قال: يحسن الطريقة للتطبيق السنة نرجو الطريقة المثلى .... ؟
(17/5)
أي سنة؟ لأن الكلام في عموم السنة، يعني يحرص طالب العلم على معرفة السنة، ويحرص على تطبيق السنة، ويحرص على أن يفقه كيفية هذا التطبيق.
نعم هذه الآيات التسع من نظم شيخنا الشيخ عبد الله بن عقيل، كتبها لنا الأخ في بيتين، يقول:
يد والعصا والجراد وقملٌ ... ضفادع دمٌ والسنين وطوفانُ
وتاسعها نقص الثمار ... فهذه لموسى علامات كبار وبرهانُ
علامات كبار يدل على أن فيه علامات أخرى لكنها صغار، والعلماء حينما يريدون أن يفصلوا هذه التسعة لا يتفقون، لوجود غير هذه التسع، فمنهم من يذكر شيء ولا يذكر الآخر، فمما ذكره بعضهم الطمس، الطمس على أموالهم {رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ} [(88) سورة يونس] فذكروا الطمس ولم يذكروا الطوفان، مع أنه منصوص عليه، والطوفان ذكر المفسرون أنه ماء دخل بيوتهم ووصل إلى حلوق الجالسين لمدة سبعة أيام؛ لأن السامع هكذا مجرداً يسمع بالطوفان مع أنه منصوص عليه يسمع بالطوفان فقد يستغرب؛ لأن الطوفان اشتهر آية لنوح -عليه الصلاة والسلام- في إغراق قومه.
على كل حال هذه الآيات التسع ومعها غيرها، لكن الشيخ خرج من الآيات الأخرى بقوله: علامات كبار، يدل على أن هناك علامات أخرى دونها، مع أن بعض المفسرين يرى أن من العلامات مما تركه الشيخ أكبر من بعض ما ذكره الشيخ، والأمر فيه سعة.
هذا سؤال متقارب مع هذا يقول: من أراد أن يحفظ الصحيحين هل يحفظ من اللؤلؤ والمرجان أم من الجمع بين الصحيحين للشيخ يحيى؟
وهذا يقول: هل ترون لمن حفظ الصحيحين بجمع الشيخ يحيى -وفقه الله- وحفظهما حفظاً قريباً من المتقن هل ترون أن يحفظ البلوغ أو المحرر خصوصاً أن الألفاظ مختلفة والمعنى متقارب، وإعادة الحفظ صعب كما تعلمون خصوصاً لمن أراد الإتقان؟
(17/6)
أولاً: في كتب أحاديث الأحكام كالمنتقى والمحرر والبلوغ والإلمام وغيرها من كتب أحاديث الأحكام ما لا يوجد في الصحيحين، وطالب العلم بأمس الحاجة إليها، فإذا حفظ .. ، هم يتجوزون يقولون: أراد يحفظ الصحيحين وهم يريدون الاختصار؛ لأن حفظ الصحيحين يقتضي حفظ البخاري كامل بمتونه وألفاظه وأسانيده وصيغه صيغ الأداء وتراجمه وآثاره الموقوفة والمقطوعة، يعني من أوله إلى آخره ما بين دفتيه، هذا من أراد أن يحفظ البخاري، وكذلك من أراد أن يحفظ مسلم، لكن من أراد أن يقتصر على المتون المجردة غير المكررة فهذا على خير عظيم، لكن لا يقارب ولا يداني من حفظ الأصول؛ لأن في الأصول مما حذفه المختصرون مما هو طالب العلم بأمس الحاجة إليه؛ لأن هناك أقوال للصحابة والتابعين قد لا يفهم بعض الأخبار إلا بها، والذي اختصر الكتاب استفاد فائدة عظيمة بلا شك، وعلمه بما حذف كعلمه بما أثبت، هذا المعروف من الاختصار، ولذا نقول: إن من أعظم وسائل التحصيل لطالب العلم الاختصار، فإذا أراد أن يحفظ البخاري أو يحفظ مسلم بنفسه يختصر البخاري ويختصر مسلم، يقوم هو بالاختصار، هذا إذا أراد أن يحفظ مختصراً، وإذا كانت حافظته تسعفه لحفظ الكتب بكمالها فهذا هو الغاية، وإذا كانت الحافظة لا تسعفه لا لحفظ الأصول ولا لحفظ المختصرات، وهذا موجود يعاني منه كثير من طلاب العلم، فطريقته في التفقه من كتب السنة هي الطريقة التي كررناها مراراً بالجمع بين كتب السنة هو يجمع بين كتب السنة، ويجعل المحور صحيح البخاري، فيأتي إلى الحديث الأول وإن كان هذا أمر مكرور، لكن أقول: كررناه مراراً ومله بعض الإخوان، لكن بعض الإخوان ما سمعه.
(17/7)
أقول: يجمع بين الكتب الستة، والحمد لله كل شيء مخدوم، وكل شيء متيسر، لكن لا يعتمد على الآلات، لا يقول: والله أنا أستخرج الحديث من صحيح مسلم وأضيفه إلى البخاري من خلال البرامج الكمبيوترية والحواسب، لا؛ لأنه ما يستفيد، كأنه جمعه غيره، لكن إذا وقف على الحديث الأول من صحيح البخاري وجمع جميع الألفاظ والأسانيد والتراجم في صحيح البخاري، وجمعها في موضع واحد، سردها مرتبة سبعة مواضع، ثم نظر في صحيح مسلم وقف عليه بنفسه، ونقل ألفاظه وأسانيده، ثم بعد ذلك سنن أبي داود، ثم بعد ذلك الترمذي، ثم النسائي، ثم ابن ماجه.
بهذه الطريقة وأقول: الجاد يحتاج إلى خمس سنوات للجمع بين الكتب الستة بهذه الطريقة، لكن أنا كفيل بأن يكون طالب العلم على خبرة ودراية تفصيلية للكتب الستة خلال الخمس سنوات، والخمس سنوات مثل ما رأيتم مضت وما سوينا شيء، بل مضى عشر، بل مضى عشرون أو أكثر كل واحد يمني نفسه أن يطلب العلم، وأن يطلب الحديث، وأن يتفقه من الحديث، ومع ذلك مكانه ما سوى شيء، فأقول: الذي لا تسعفه حافظته للحفظ يستعمل هذه الطريقة، وبيتعب لا شك أن هذه الطريقة متعبة وشاقة، ولكن العلم لا يثبت إلا بالتعب، ما ينحفر في القلب إلا بالتعب، أما مجرد مسح ضوئي كما يفعل بعض الناس، ويمنيهم من يقوم ببعض البرامج التدريبية من البرمجة العصبية يقول: أبداً أنا كفيل بأنك إذا التحقت بهذه البرامج إلى آخرها أن تحفظ البخاري في يوم، بس مجرد إمرار مسح ضوئي وبعد ذلك يكون البخاري في رأسك، هذا لو كان خيراً لسبقونا إليه، أهل العلم كابدوا وجاهدوا في كذا وصبروا على الشدائد، شدائد التحصيل والطلب، ولا يمكن أن يحصل هذا العلم الذي هو رفعة في الدنيا والآخرة إلا بتعب، وإلا لو كان يسيراً لصار الناس كلهم علماء، كل شخص يتمنى أن يكون عالم؛ لأن الجهل نقص والعلم كمال، ولا أحد يطلب لنفسه النقص، إلا أن الكسل والخمول والصوارف وكون هذا العلم مما يوصل إلى الجنة، والجنة حفت بالمكاره، هذا مكروه لدى النفوس لأنه جد، والجد لا تطيقه النفوس، لكن مع ذلك ما في علم إلا بتعب، ولا يستطاع العلم براحة الجسم.
(17/8)
يقول: وهل الأولى البلوغ أو المحرر؟ أرجو أن تجيبوا على هذا السؤال؛ لأن الحاجة إليه ماسة، واعذرونا لأنكم مللتم من هذه المسألة؟
صحيح كررناها مراراً، أقول: لو أن طالب العلم يعنى بالزوائد، ورأيت بعض الإخوان فعلها، زوائد البلوغ على المحرر، يعني يكون الأصل المحرر، وهو الأصل بالفعل لأنه أقدم، ومع ذلك كلام ابن عبد الهادي على الأحاديث أمتن من كلام ابن حجر على الأحاديث، وهو في العلل أمكن من ابن حجر في العلل، ومع ذلك نقول: يجعل الأصل المحرر، ويضيف إليه زوائد البلوغ.
يقول: هل يحفظ من اللؤلؤ والمرجان أم من الجمع بين الصحيحين للشيخ يحيى؟
على كل حال كلاهما مفيد ونافع، لكن أنا أفضل أن يجمع بين الصحيحين بنفسه إذا أراد الاقتصار على الصحيحين.
يقول: رجل مسافر صلى الظهر خلف جماعة يصلون صلاة حضر، وأدرك معهم التشهد الأخير، هل يقضي الصلاة صلاة سفر ركعتين فقط، أم يقضي أربع ركعات لحديث: ((إنما جعل))؟
يقضي أربع ركعات؛ لأن من صلى خلف مقيم لزمه الإتمام.
يقول: ما رأيكم في كتاب جامع شروح الموطأ الذي جمعه الدكتور عبد الله التركي؟
هو جمع بين ابن العربي وشرحي ابن عبد البر، ولو أضاف لهما المنتقى لبلغ في ذلك الغاية؛ لأن المنتقى له وزونه عند المالكية، الباجي فقيه من فقهاء المالكية، وفيه ما لا يوجد في غيره، حتى لا يوجد في كتب ابن عبد البر نفسه.
يقول هذا: أحد الطلاب يصوركم بالجوال؟
أقول: أنا لا أبيحه، ولا أحلله، والموعد الله؛ لأني أرى ذلك محرماً.
سم.
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
اللهم اغفر لشيخنا وللحاضرين والمستمعين يا رب العالمين.
قال الإمام ابن عبد الهادي في محرره:
وعن كامل أبي العلاء عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقول بين السجدتين: ((اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وعافني وارزقني)) رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي والحاكم وصححه، وهذا لفظ أبي داود والحاكم.
وعند الترمذي وابن ماجه: ((واجبرني)) بدل ((وعافني)).
وعند ابن ماجه أيضاً: ((وارفعني)) بدل ((واهدني)).
(17/9)
وقال الترمذي: غريب، ورواه بعضهم عن كامل أبي العلاء مرسلاً، وقد وثق كاملاً ابن معين، وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به، وروى هذا الحديث ولفظه: ((اللهم اغفر لي وارحمني واجبرني وعافني وارزقني واهدني)).
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"وعن كامل أبي العلاء عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقول: ((اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وعافني وارزقني)) ".
وهذا الحديث مخرج عند أبي داود والترمذي والحاكم، وفيه زيادات، وفيه أيضاً نقص، وكامل أبو العلاء راويه وثقه ابن معين، وقدح فيه النسائي قال: "ليس بالقوي" وقال ابن عدي: "أرجو أنه لا بأس به" وعلى هذا فالحديث حسن، يعني القول الوسط في حكمه أنه حسن.
أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقول بين السجدتين إذا نهض من سجدته الأولى وجلس بينهما، والجلسة بين السجدتين ركن من أركان الصلاة كما هو معلوم، وذكرها الدعاء ((اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وعافني وارزقني)) وعند الترمذي: ((واجبرني)) بدل ((عافني)) وعند ابن ماجه: ((وارفعني)) بدل ((واهدني)).
وينظر في إسناد الترمذي وإسناد ابن ماجه لثبوت اللفظين، فإن كان إسنادهما مما يثبت به الخبر فيزاد هذان اللفظان على ما جاء في الأصل: ((اغفر لي وارحمني واهدني وعافني وارزقني)) ((واجبرني وارفعني)) تكون سبع، وهذا الدعاء عند الجمهور سنة، ويوجب الحنابلة مثل الدعاء بالمغفرة، سؤال المغفرة كما أن التسبيح في الركوع والسجود واجبان عند الحنابلة، التشهد الأول واجب عندهم، التكبيرات تكبيرات الانتقال واجبة، وكل هذه الأمور سنن عند الجمهور.
"كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول بين السجدتين" كان معروف أنها تدل على الاستمرار، هذا الأصل فيها، وإن جاء استعمالها في المرة الواحدة، وجاء استعمالها في الغالب، لكنها هنا تدل على الاستمرار.
(17/10)
"كان يقول بين السجدتين: ((اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وعافني وارزقني)) " ((اللهم)) أصلها يا الله، يا الله حذف حرف النداء، وعوض عنه بالميم المشددة، يا الله اغفر لي، هذا دعاء بالمغفرة، وهي الستر، ستر الذنب ومحو أثره.
((وارحمني)) أيضاً دعاء بالرحمة، وإذا غفر للإنسان غفر له ما ارتكبه من آثام، وطلب الرحمة ليفوز بدخول الجنان؛ لأن الجنة لا تدرك بالعمل ((لن يدخل أحدكم عمله الجنة)) قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ((ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته)) فالمغفرة تمحو أثر الذنب المقتضي للعقاب، ودخول الجنة إنما هو برحمة أرحم الراحمين، والحصول على منازلها ودرجاتها إنما هو بالأعمال، يعني إذا دخلها برحمة الله استفاد من أعماله التفاوت في الدرجات.
((واهدني)) والهداية كما هو معلوم تنقسم إلى هداية الدلالة والإرشاد، وهداية التوفيق والقبول، والدلالة والإرشاد هي لأنبياء الله، ومن يقوم مقامهم من الدعاة إلى الحق، يهدون الناس ويدلونهم {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [(52) سورة الشورى] وأما هداية التوفيق والقبول فليست إلا لله -جل وعلا- {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [(56) سورة القصص].
((وعافني)) نعم سؤال العافية جاء فيه نصوص كثيرة، والمراد بالعافية معافاة الدين، ومعافاة البدن، فالعافية في الدين أن يحفظك الله -جل وعلا- من المخالفات الكبيرة والصغيرة، العقدية والعملية، ومعافاة البدن بأن يحفظ بدنك وقلبك من الانحراف عن التوسط؛ لأن الصحة المراد بها الاعتدال، وهي بين انحرافين ارتفاع وانخفاض، والأمراض الحسية معلومة، الأمراض الحسية انحرافها عن الاعتدال بالارتفاع والانخفاض، خذ مثلاً الضغط إن ارتفع مشكل، وإن انخفض مشكل، والعافية في الاعتدال، خذ السكري مثلاً إن انخفض مشكل، وإن ارتفع مشكل، والعافية في الاعتدال وهكذا.
وكذلك سلامة القلب من الشهوات والشبهات، إنما هي في الاعتدال لا في الإفراط ولا في التفريط، فتسأل الله -جل وعلا- أن يعافيك في دينك، في علمك، في بدنك، في جميع قواك، في مالك، وإن كان بعضها يمكن إدخالها مع بعض، لكن التنصيص على بعض الأمور إنما هو للاهتمام به.
(17/11)
((وارزقني)) وارزقني الرزق هو ما يسوقه الله -جل وعلا- للمخلوق، وقد كتب له بعد أن أمضى مائة وعشرين يوماً، كتب له رزقه، ولا يمكن أن يزيد ولا ينقص، فطلب الرزق المكتوب قد يقال: إنه من باب تحصيل الحاصل، لكنه ليس الأمر كذلك، فالدعاء سبب، والذين يقولون بأن الدعاء لا ينفع؛ لأن الأمور كتبت وانتهت أيضاً الأسباب الأخرى لو عطلوها لحكم عليهم بالجنون وهي مكتوبة، يعني بعض المتصوفة يقول: لا فائدة من الدعاء؛ لأنه إن كان مكتوباً لا بد من حصوله، وإن كان غير مكتوب فلن يحصل مهما دعيت.
أجاب ابن القيم في أوائل الجواب الكافي المعروف بالداء والدواء قال: "إذا قيل لأحدهم: لماذا تتزوج؟ قال: أريد الولد، قال: إن كان الولد مكتوب بيحصل، وإن كان ما هو مكتوب فلن يحصل، لماذا تتزوج؟ " الرزق مكتوب بلا شك، لكنه مكتوب مع أسبابه، والإنسان مأمور بالدعاء، ولا يدري ما في الغيب ((أعملوا فكل ميسر لما خلق له)) أنت مكتوب بعد شقي وإلا سعيد، تقول: ما أعمل؟ ((أعملوا فكل ميسر لما خلق له)) وبذل السبب لا بد منه، ولذا جاء في الحديث: ((لو توكلتم على الله حق التوكل لرزقكم كما يرزق الطير)) تجلس في أوكارها أو تغدو وتروح؟ تغدو وتروح، تبذل الأسباب، يعني فبذل السبب لا ينافي التوكل، بذل السبب لا ينافي التوكل، فعلى الإنسان أن يبذل السبب، ولن يحصل إلا ما أراد الله -جل وعلا-، وما قدره وقضاه، وابذل السبب؛ لأنك مأمور به، وسئل الإمام أحمد عن قوم من أهل اليمن زعموا أنهم يتوكلون على الله -جل وعلا-، ويحجون بدون أسباب ولا أرزاق ولا مئونة، قال: هؤلاء توكلهم على المخلوقين، يتكففون الناس وإلا يموتون، وعمر يقول: إن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة، وإن كان بعضهم استدرك على هذا بأن السماء أمطرت على أيوب وإلا داود ذهب؟ أيوب نعم، أمطرت عليه ذهب، ومع ذلك يبقى أن الأصل أنها لا تمطر ذهباً ولا فضة، نعم خوارق العادات والكرامات هذه لا تنكر، يعني من استحق الكرامة قد يجد الذهب بين يديه من غير سبب، لكن يجلس حتى يجد الذهب! يجلس في بيته حتى يجد الذهب! هذا خلل في العقل، فترك الأسباب خلل في العقل، والاعتماد على الأسباب خلل في الديانة.
(17/12)
الرزق هو ما يكتبه الله -جل وعلا- لابن آدم، ويصل إليه مدة حياته، سواءً كان من حلال أو من حرام، كله رزق، خلافاً للمعتزلة الذين يقولون: إن كسب الحرام ليس برزق، وورد عليهم كما ذكر القرطبي وغيره أن صبياً لو سرقه لصوص من ولادته، سرقه لصوص فصاروا يطعمونه مما يسرقونه، ثم مات على رأي المعتزلة أنه ما استوفى من رزقه شيء ألبتة، ولا شك أن ما يصل الإنسان رزق على كل حال، ويبقى أنه إن كان من حله وصرف في حله يكون مما يؤجر عليه، أو يكون سبباً لشقائه وعذابه في دنياه وأخراه.
وعند الترمذي وابن ماجه: ((واجبرني)) بدل ((وعافني)) وأقول: لا مانع من أن تثبت الألفاظ السبعة شريطة أن ينظر في سند الترمذي وابن ماجه.
((واجبرني)) الجبر يكون للكسر، وكسر كل شيء بحسبه، وهو نقصه، فجبر كسر العظم معروف انفصال بعض أجزائه، وجبره بالجبائر المعروفة الحسية، كسر المال بنقصانه بالخسائر فيجبر، جبر الخاطر مثلاً بانكسار النفس إذا انكسرت النفس يجبر الخاطر، كسر الدين بنقصه بالمخالفة.
وكل كسر فإن الدين يجبره ... وما لكسر قناة الدين جبران
فالإنسان يطلب من الله -جل وعلا- أن يجبر كسره أياً كان، سواء كان في بدنه، أو في ماله، أو في ولده، أو في دينه، أو في غيره، والجبر يكون للخلل في الإنسان عموماً في أعماله، في أقواله، في تركيبه، ودم الجبران معروف لخلل وقع في النسك، فالإنسان يطلب من الله -جل وعلا- أن يجبر هذا الخلل فيه، فإن كان فيه ضعف في بدنه يطلب من الله -جل وعلا- أن يجبر هذا الخلل، إن كان هناك ضعف في عقله يطلب من الله -جل وعلا- أن يجبره في هذا المجال، إذا كان هناك ضعف في فهمه يطلب من الله -جل وعلا- أن يجبر هذا الخلل وهذا الضعف، إن كان هناك ضعف في حافظته مثلاً وهو طالب علم، ويعاني أشد المعاناة من الحفظ يطلب من الله -جل وعلا- أن يجبر هذا الخلل.
(17/13)
((وارفعني)) يعني يطلب من الله -جل وعلا- أن يرفع منزلته في الدين وفي الدنيا، في الدنيا وفي الآخرة أيضاً، وتكون الرفعة في الدنيا والآخرة بالعلم {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [(11) سورة المجادلة] والرفع أيضاً يكون بالقرآن ((إن الله يرفع بهذا القرآن أقواماً ويضع به آخرين)) فيسلك الأسباب المقتضية لهذا الرفع.
يقول: "وقد وثق كاملاً ابن معين، وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به" وروى هذا الحديث، يعني ابن عدي، نعم، أو روي هذا الحديث ولفظه، لو قال: روي هذا الحديث كان قال: بلفظ، لكن روى هذا الحديث ولفظه: ((اللهم اغفر لي)).
طالب:. . . . . . . . .
ابن عدي هو آخر مذكور، آخر مذكور ابن عدي ((اللهم اغفر لي وارحمني واجبرني)) كرواية الترمذي وابن ماجه ((وعافني)) يعني جمع بينهما، يعني بخلاف رواية الترمذي وابن ماجه ((وارزقني واهدني)) كم الجمل؟ ((اغفر لي وارحمني واجبرني)) ست نعم وترك ((أرفعني)).
سم.
قال -رحمه الله-:
وعن مالك بن الحويرث الليثي أنه رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي فإذا كان في وتر من صلاته لم ينهض حتى يستوي قاعداً" رواه البخاري.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"وعن مالك بن الحويرث الليثي أنه رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي فإذا كان في وتر من صلاته" يعني بعد الركعة الأولى وقبل الثانية، وبعد الثالثة وقبل الرابعة "لم ينهض حتى يستوي قاعداً" رواه البخاري".
مالك بن الحويرث وفد على النبي -عليه الصلاة والسلام- وصلى معه أوقات وراقبه في صلاته، ونقل ما رآه، فكان مما نقله هذه الجلسة التي أطلق عليها العلماء جلسة الاستراحة.
(17/14)
يقول: "عن مالك بن الحويرث الليثي -رضي الله عنه- أنه رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي فإذا كان في وتر من صلاته" عرفنا أنه في وتر، يعني بعد الركعة الأولى وبعد الثالثة، والأولى والثالثة وتر، فإذا كان في وتر من صلاته لم ينهض إلى التي بعدها إلى الشفع إلى الثانية والرابعة حتى يستوي قاعداً، هذه مثل ما ذكرنا يسميها أهل العلم جلسة الاستراحة، وقالوا: إنها ليستريح بها المصلي، ورتبوا على ذلك أنها لا تفعل إلا إذا دعت الحاجة إليها، إذا احتاج الإنسان إلى الراحة، بدليل أنه لم يذكرها من ذكر من وصف صلاة النبي -عليه الصلاة والسلام-، ما ذكرها إلا مالك بن الحويرث، مع أنها جاءت في بعض طرق حديث أبي حميد، عند أبي داود في صفة صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأشار إليها ابن القيم، وكذلك جاء في بعض طرق حديث المسيء، وأن النبي -عليه الصلاة والسلام- أمره بها كما في كتاب الاستئذان من صحيح البخاري.
(17/15)
أشار البخاري أو في كلام البخاري ما يشير إلى أنها فيها ما فيها، هذه الرواية، وعلى كل حال هذا رأي البخاري، وما دامت ثابتة عنده من فعل النبي -عليه الصلاة والسلام-، وجاءت في صفة صلاته -عليه الصلاة والسلام- من حديث أبي حميد، وثبتت في بعض طرق حديث المسيء، وماذا نريد أكثر من هذا؟ يعني كون الفعل لا ينقل من قبل بعض الرواة، وينقل من قبل بعضهم، يعني لا يتفق الرواة على نقله، هل نهدر السنة بمثل هذا؟ لو جمعنا جميع أفعال الصلاة وجدنا أن بعض الرواة أخل بشيء وذكره غيره، يعني هل يوجد من جمع من الصحابة الذين صلوا خلف النبي -عليه الصلاة والسلام- الألوف المؤلفة من الفرائض هل اتفقوا على نقلها على هيئة واحدة من أولها إلى آخرها؟ لا، نقل بعضهم ما لا ينقله الآخر، وترك بعضهم ما جزم بأن غيره أدى عنه وضيفة التبليغ؛ لأن المسألة مسألة تبليغ علم، تبليغ دين، حمل علم وتبليغه لمن يأتي، وقد أمروا بالتبليغ ((بلغوا عني)) ((صلوا ما رأيتموني أصلي)) ولا يتم هذا لمن يأتي بعد الصحابة إلا عن طريق الصحابة، فإذا ثبت الحكم بمن تقوم به الحجة كفى، وإلا فالشرط المشترط والمشترك بين جميع الأعمال النية، ولم تثبت إلا عن عمر -رضي الله عنه- نقول: لماذا لم يذكرها أبو هريرة؟ لماذا لم يذكرها ابن عمر؟ لماذا لم يذكرها ابن عباس؟ لماذا لم يذكرها ابن مسعود؟ إذا ثبت الحكم بنقل من تقوم الحجة بنقله كفى، ومالك بن الحويرث صحابي، وحديثه في البخاري، ونقل عنه أنه رأى النبي -عليه الصلاة والسلام- يصلي فإذا كان في وتر من صلاته لم ينهض حتى يستوي قاعداً.
وأيضاً جاء في حديث المسيء جاء نقل هذه الجلسة في حديث المسيء، وجاءت أيضاً في حديث أبي حميد في صفة صلاة النبي -عليه الصلاة والسلام-.
(17/16)
منهم من يقول: إن مالك بن الحويرث جاء سنة تسع عام الوفود، بعد ما كبر النبي -عليه الصلاة والسلام- وثقل فاحتاج إليها، وهذا كلام ابن القيم، وأن من احتاج إليها تسن له، ومن لا يحتاج إليها لا تسن له، والأصل هو الاقتداء والائتساء بأفعال النبي -عليه الصلاة والسلام- لأنه قال: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) والذي نقرره خلاف ما ذهب إليه ابن القيم الآن كثير من أهل العلم يقول: جلسة استراحة، وابن القيم يقول: إن احتاج إليها.
أنا أقول: إن الحاجة تدعو إلى تركها أكثر من أن تدعو إلى فعلها، وهذا أمر مجرب ومشاهد، يعني كبير السن هل الأفضل له أن يثني رجليه ويجلس، ثم يقوم للثانية أو الأفضل له أن يشمر للثانية بدون جلوس؟ هذا الأفضل له، المريض بالروماتيزم وغيره هل الأفضل له أن يثني رجليه ويجلس بين الركعتين أو الأفضل أن يقوم مباشرة للثانية؟ أن يقوم مباشرة للثانية، جربتم أنتم إذا مشيتم مسافات طويلة، ثم جلستم قليلاً ثم قمتم، هل هذا أفضل وإلا مواصلة السير أفضل؟ هذه لا تفيد ولذلك تجلس، تسميتها بجلسة الاستراحة من أجل تقرير هذا الكلام، وهذا الكلام ليس بصحيح ليست استراحة، هي زيادة تكليف وليست بتخفيف، فالمرجح أنها سنة مطلقاً يفعلها كل مصلٍ.
المسيء هل يحتاج إلى جلسة استراحة، وهو إنما أتي من العجلة؟ المسيء ما أوتي إلا من ترك الطمأنينة وترك الطمأنينة زيادة في النشاط، وكونه يؤمر بها هل نقول: إنه محتاج إليها؟ أو نحتاج إلى أن نضعف الرواية من أجل أن نقرر أن مالك بن الحويرث جاء في آخر حياة النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ نستفيد من كونه جاء في آخر حياته -عليه الصلاة والسلام- أنها فعل متأخر، قد يكون ناسخ لجميع الروايات التي لم تذكرها على فرض أنها تدل على عدمها، فالمقرر أنها سنة مطلقاً، وأوجبها بعض من المتأخرين، أما من المتقدمين ما أوجبها أحد، بعض المتأخرين الذين لهم عناية بالسنة وحرص على تطبيق السنة أوجبوها، وإلا فلا يعرف ممن تقدم أنه أوجبها.
(17/17)
الإمام والمنفرد ما في إشكال يجلس بعد أن يقوم من الأولى إلى الثانية ومن الثالثة إلى الرابعة، ماذا عن المأموم وهو لا يدري عن إمامه هل يفعلها أو لا يفعلها؟ أو يدري عن إمامه هو يفعلها أو لا يفعلها؟ أما إذا كان يعرف أن الإمام يفعل هذه الجلسة فيجلس، إذا كان لا يدري عن حاله هل يجلس أو لا يجلس؟ يجلس، إذا كان يدري أنه لا يرى جلسة الاستراحة يجلس وإلا ما يجلس؟ يجلس؛ لأنها لا تتضمن مخالفة، ونفعلها ويفعلها غيرنا ويقومون مع الناس، يعني ما فيها مخالفة، كما لو كان الإمام لا يرى رفع اليدين، نقول: لا ترفع يديك لأن الإمام ما يرى رفع اليدين وهذه مخالفة للإمام؟ ليست مخالفة.
بقيت مسألة وهي أن الإمام متى يكبر؟ إذا كان يجلس للاستراحة متى يكبر؟ إن كبر بعد نهوضه من السجود وجلس هذه الجلسة، ونحن ننازع في تسميتها جلسة استراحة، جلس هذه الجلسة فلا شك أن كثير من المأمومين يسبقونه، وإن أخر التكبير إن أخر التكبير بعد فعلها لا سيما وأنها لا تأخذ شيء يعني بس مجرد ما يثني يديه يستوي قاعداً ثم يقوم مباشرة، ولذلك لم يشرع فيها ذكر، وليس لها تكبير خاص، فهي جلسة خفيفة اقتداء به -عليه الصلاة والسلام-، والذي يقول: بأنها ليست بمشروعة يقول: ليس لها تكبير، لو كانت مشروعة لشرع لها تكبير انتقال، ولو كانت مشروعة لشرع لها ذكر، هي جلسة خفيفة لا ذكر لها ولا تكبير، والأولى أن يؤخر التكبير حتى ينهض من القيام؛ لأن التكبير للانتقال، التكبير للانتقال من الهوي إلى السجود إلى الوقوف، وهو في هذه المدة كاملة يصح في جميع أجزائه، إذاً يكبر إذا ثنى رجليه واستوى قاعداً، ثم نهض للقيام يكبر؛ لئلا يوقع المصلين في حرج.
نعم.
قال -رحمه الله-:
وعن أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أنس بن مالك قال: ما زال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا" رواه أحمد والدارقطني، وصححه الحاكم، وأبو جعفر وثقه غير واحد، وقال أبو زرعة: شيخ يهم كثيراً، وقال الفلاس: فيه ضعف، وهو من أهل الصدق، سيء الحفظ. وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال ابن حبان: ينفرد بالمناكير عن المشاهير.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
(17/18)
"وعن أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أنس بن مالك -رضي الله تعالى عنه- قال: ما زال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" أولاً: أبو جعفر الرازي اسمه: عيسى بن ماهان ضعفه الجمهور.
"عن الربيع بن أنس" تابعي ثقة "عن أنس بن مالك قال: ما زال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا" الحديث بهذا الإسناد ضعيف؛ لأن راويه أبا جعفر عيسى بن ماهان الرازي ضعيف عند الجمهور، وحسنه ابن حجر، وكلام أهل العلم الذي نقله المؤلف في أبي جعفر يقول: "وثقه غير واحد، وقال أبو زرعة: شيخ يهم كثيراً، وقال الفلاس: فيه ضعف، وهو من أهل الصدق، سيء الحفظ. وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال ابن حبان: ينفرد بالمناكير عن المشاهير" ولعل توثيق من وثقه يرجع فيه إلى الديانة والصدق، وتضعيف من ضعفه إلى الحفظ والضبط والإتقان، فهو ضعيف إذا اختل شرط الحفظ والضبط والإتقان ضعف الراوي، ولذا الجمهور على تضعيفه.
الحافظ ابن حجر حسن الحديث، لكنه ضعف أبا جعفر الرازي، ووصفه بأنه سيء الحفظ في التقريب، وأيضاً أطال في تضعيفه في التلخيص تلخيص الحبير، المقصود أن تحسين ابن حجر لهذا الحديث تساهل منه، ولعل هذا سببه تأثير المذهب، يعني هذا الكلام لا يطرد في كل حديث، وفي كل شخص، لكن الحديث ضعفه ظاهر، فكيف يحسنه وفيه هذا الراوي الذي ضعفه هو بنفسه؟! فكيف يحسنه وقد ضعفه؟ قال: سيء الحفظ يهم كثيراً، والجمهور على تضعيفه، النسائي يقول: ليس بالقوي، ابن حبان: ينفرد بالمناكير عن المشاهير، هو من أهل الصدق لا شك، لكنه سيء الحفظ، فتضعيفه من قبل حفظه، فالذي يترجح ضعف الخبر.
(17/19)
ابن حجر -رحمه الله- في كلامه على الرجال وهذه مسألة أشرنا إليها مراراً قد يختلف حكمه على الراوي في التقريب عن حكمه عليه في التلخيص، عن حكمه عليه في الفتح، على سبيل المثال ابن لهيعة مثلاً في أكثر من موضع من فتح الباري ضعفه مطلقاً، وفي موضع حسن حديثاً روي من طريقه، ووصفه بالتقريب بأنه صدوق يهم كثيراً، أو صدوق له أوهام، مثل هذا الاضطراب في أحكام الحافظ على هذا الراوي، لا شك أن له محامل، يعني الحديث الذي حسنه، يعني ليس مما ينكر عليه، ولم يتضمن المخالفة فحسنه، وإن كان الأصل في الراوي أنه ضعيف؛ لأن الراوي قد يضبط أحياناً، وإن وصف بسوء الحفظ، فمثل هذا يلاحظ، فمثلاً قال في فتح الباري: عبيد الله بن الأخنس ثقة، وهو من رواة البخاري، ثقة، وشذ ابن حبان فقال: يخطئ، وفي التقريب قال: صدوق يخطئ، يعني فرق بين الحكمين.
(17/20)
مسألة تغير الاجتهاد عند العالم مسألة معروفة، مسألة الغفلة والذهول والنسيان أيضاً مما جبل عليه الإنسان، ويبقى أن للحافظ -رحمه الله- مع أنه ثاقب النظر ليس بالإنسان العادي، ثاقب النظر، يعني حينما وثقه في فتح الباري نظراً لروايته هذه التي هي محل الدرس ومحل الشرح، وهي في البخاري حديث لا إشكال فيه، صحيح ما يمكن أن يقدح فيه بوجه من الوجوه، وانتبه إلى قول ابن حبان يخطئ فنفاه في هذا الموضع، لكنه حينما حكم عليه في التقريب هل غفل عن كونه من رواة الصحيح وقد رمز له برمز الصحيح؟ ما غفل عن كونه من رواة الصحيح، لكنه نظر إلى رواية في الصحيح مع رواياته في الدواوين الأخرى؛ لأن الراوي حينما يحكم عليه ينظر فيه إلى الأقوال النظرية من أهل العلم، ما قال فيه أهل العلم؟ أهل العلم يبلغون النقاد يمكن في عشرين قول للنقاد، ينظر في هذه الأقوال النظرية، ويوازن بينها مع ملاحظة مواقع الاستعمال في المرويات، فينظر إلى الراوي وما قيل فيه من كلام نظري، وينظر إليه من ناحية التطبيق العملي في مروياته، فقد يوثقه في موضع؛ لأن الحديث الذي رواه هذا صحيح لا إشكال فيه، بل مخرج في البخاري، وينظر إليه من زاوية أخرى بحيث يلاحظ مواقع الاستعمال من الأئمة في حكمهم على أحاديثه، وفي مقدار ضبطه لهذه الأحاديث وهذه المرويات، فلا بد من تضافر الأمرين، ولذا لا ينفك الحكم على الراوي عن الحكم على المروي والعكس، لا ينفك، وإن كان الأصل في كتب تخريج ودراسة الأسانيد ينظر فيها إلى المرويات، لكن كتب الرجال المجردة ينظر فيها إلى حال الراوي بغض النظر عن المرويات، وهذا كلام أشرنا إليه في عند الكلام على لفظ مقبول عند ابن حجر، مقبول ولين، ابن حجر يقول: من ليس له من الحديث إلا القليل، ولم يثبت فيه ما يترك حديثه من أجله فإن توبع فمقبول وإلا فلين، هذه في مقدمة التقريب، ثم حكم على بعض الرواة بمقبول، وحكم على بعضهم بلين، وكلهم يندرجون في هذه القاعدة، فهل معنى هذا أن من قال فيه: مقبول وجد متابع لجميع مروياته ابن حجر على شان يحكم عليه بأنه مقبول، والذي حكم عليه بأنه لين لم يتابع على جميع مروياته؟ ما يظن هذا، ولذا هذه القاعدة لا بد من إعادة النظر
(17/21)
فيها، ومقبول معروف أنه بحث في رسائل دكتوراه يمكن خمس رسائل.
على كل حال هذا محل نظر، وهو إشكال، والإشكال لا يزال قائماً، هذا الحديث ضعيف لما عرفنا من حال راويه أبي جعفر الرازي.
والمحقق يعني ذكر في تخريج الحديث أربع ورقات، ثمان صفحات وأطال، وعلى كل حال الخلاصة أنه ضعيف، على فرض ثبوته على رأي الحافظ ابن حجر أنه حسن حمله بعضهم "ما زال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا" قال: المراد بالقنوت طول القيام، ومن معاني القنوت طول القيام، ومن خصائص صلاة الفجر أنها تطول فيها القراءة، وجاء في حديث عائشة: "أول ما فرضت الصلاة ركعتين، ثم زيد في الحضر، وأقرت في السفر، إلا المغرب فإنه وتر النهار، وإلا الفجر فإنها تطول فيها القراءة" والنبي -عليه الصلاة والسلام- يطيل القراءة في صلاة الصبح، وهذا من معاني القنوت، هذا على فرض ثبوته.
لكن قد يشكل على هذا أنه جاء ملحقاً بحديث: "قنت شهراً يدعو على أقوام من العرب، ثم تركه، وأما الصبح فما زال يقنت حتى فارق الدنيا" فالمراد بالقنوت هنا الدعاء لا طول القيام، وعلى كل حال الحديث لا يثبت، ليس بصحيح.
يقول: هناك من يقول: إن جلسة الاستراحة فيها فائدة طبية من حيث رجوع الدم إلى موضعه العادي بخلاف إذا ما رفع مباشرة فإن هذا يؤثر على الصحة، فما قولكم؟
على كل حال الأطباء يقررون أن السجود من أنجع الأدوية بالنسبة للمخ، من أنفع الأدوية للمخ السجود، ثم بعد ذلك لا شك أنه في حال الانحناء الدم يتركز في المناطق السفلى النازلة في الرأس وما حواليه، ثم إذا اعتدل منه مثل ما ذكر الأخ أنه يرجع الدم إلى موضعه العادي، بخلاف إذا ما رفع مباشرة، فإن هذا يؤثر على الصحة فما قولكم؟ لكن مع ذلك إذا قام؟ هل المقصود بهذا رجوعه التدريجي بحيث يرجع من الانحناء والانحدار بحيث يتركز في الرأس وما حوله، ثم بعد ذلك في حال هذه الجلسة يكون الدم فيه شيء من التوازن إلى وسط البدن، ثم بعد ذلك إذا شمر وقام اعتدل الدم، وإن خف من الجهات العليا على كل حال المسألة طبية، لكن الحكم في هذا للنصوص الشرعية.
يقول: سجود التلاوة أثناء الصلاة هل يشرع له جلسة الاستراحة؟
(17/22)
وكذلك الوتر، الوتر إذا أوتر بعدد ثلاث، خمس، سبع، تسع، فيجلس أو لا يجلس؟ على كل حال بين ركعتي وتر وشفع جلسة استراحة، يسمونها استراحة، هذه الجلسة مشروعة سواءً كانت في الفرائض أو في النوافل، أما بالنسبة لسجدة التلاوة فتحتاج إلى نظر؛ لأنها ليست بركعة كاملة، وهي بعد ركعة كاملة، يعني النصوص التي جاءت فيها بعد ركعة كاملة، يعني بعد سجدتين.
سم.
قال -رحمه الله-:
وعن سعد بن طارق الأشجعي قال: قلت لأبي: يا أبتي إنك قد صليت خلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي هاهنا بالكوفة نحواً من خمس سنين، فكانوا يقنتون بالفجر؟ قال: أي بني محدث" رواه أحمد وابن ماجه والنسائي والترمذي وصححه، وسعد: روى له مسلم، وأبوه طارق: صحابي معروف، ولا وجه لقول الخطيب: في صحبة طارق نظر.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"وعن سعد بن طارق الأشجعي قال: قلت لأبي: يا أبت إنك قد صليت خلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي هاهنا بالكوفة نحواً من خمس سنين" فالخمس سنين متعلقة بصلاته خلف علي -رضي الله عنه- نحو قريب من خمس سنين، يعني ما كملت الخمس، وأما صلاته خلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر وعمر وعثمان فعقود.
"فكانوا يقنتون بالفجر؟ " يسأل، يعني أكانوا يقنتون في الفجر؟ "فقال: أي بني محدث" وهذا بيان للحكم بعلته، يعني أنه محرم، بدعة، ما دام محدث فهو بدعة.
(17/23)
"فكانوا يقنتون في الفجر؟ فقال: أي بني محدث" والمراد بالمنفي هنا والمحدث الاستمرار عليه، والتتابع من غير فاصل، كما هو المختار عند الشافعية، الشافعية يرون القنوت في صلاة الصبح باستمرار من غير فصل، لكن إذا دعت إلى ذلك حاجة من نازلة فالنبي -عليه الصلاة والسلام- قنت شهراً يدعو على أحياء من العرب، وقنت يدعو لبعض المستضعفين في الفجر وغير الفجر، فليس المنفي ما ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- من قنوت النوازل، وإما المنفي والموصوف بأنه محدث بدعة، لم يفعله النبي -عليه الصلاة والسلام- ولا أبو بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي، المراد به الاستمرار من غير سبب، الاستمرار على القنوت وتخصيص صلاة الصبح من غير سبب، وهذا معارض للحديث السابق: "ما زال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا" وهذا الحديث صحيح، هذا الحديث حديث سعد بن طارق صحيح، وذاك ضعيف، فالمحكوم عليه بأنه محدث الاستمرار، وهو بدعة، وإذا كان بدعة أولاً: التنصيص على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي؛ لبيان أن هذا الحكم مستمر لم ينسخ، ثبت بعد النبي -عليه الصلاة والسلام-، يعني ثبت عدمه بعد النبي -عليه الصلاة والسلام-، والاقتصار على هؤلاء أنهم هم الذين يحتج بهم، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- هو الأصل، وهو القدوة والأسوة، وهو الذي أمرنا بالاقتداء بالخلفاء الراشدين من بعده.
"أي بني محدث" والشافعية يرون القنوت في صلاة الصبح طول العام وغيرهم من أهل العلم لا يرونه، لا يرون مثل هذا القنوت، وعلى هذا لو صلى مالكي أو حنبلي أو حنفي خلف شافعي وقنت في صلاة الصبح وقلنا: بدعة محدث، يتابع وإلا ما يتابع؟ نعم إذا كان بدعة يتابع على بدعة وإلا ما يتابع؟ هل يتابع على بدعة وإلا ما يتابع؟
(17/24)
في رسالة الشيخ عبد الله بن الإمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب إلى أهل مكة قال: "ونصلي خلف الشافعي الذي يجهر بالبسملة، ويقنت في صلاة الصبح، ولا نصلي خلف الحنفي الذي لا يطمئن في صلاته" لأن الحنفي أخل بركن مبطل للصلاة، بينما هذا زاد ذكراً مشروعاً في الجملة، يعني دعاء وفي الصلاة، وجهر بالبسملة، والجهر قد يستعمل فيما يسر به، وقد كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يسمعهم الآية أحياناً في الصلاة السرية، فلا يضر الجهر يعني بالبسملة، وجاء ما يدل عليه كما تقدم، فمثل هذه المتابعة لا تضر، وعلى هذا إذا كانت المتابعة على أمر محدث أي بدعة، مثل هذا القنوت جاء القنوت للنوازل، يعني أصل المسألة موجود، وإذا توسعنا في النازلة فالأمة من نازلة إلى نازلة، فالذي يقنت باستمرار له وجه؛ لأن الأمة ما زالت في نوازل، لكن ماذا عن الذي يدعو بعدما يختم القرآن في صلاة شفع لا في وتر ولا في صلاة صبح؟ يتابع وإلا ما يتابع؟ هذا لم يرد ما يدل عليه أصلاً، يعني القنوت في صلاة الصبح وغيرها من الفرائض عند النوازل هذا مقرر شرعاً، واستدل الشافعية: "فأما الصبح فلا زال يقنت حتى فارق الدنيا" على الاستمرار، وحسنه بعضهم فله شيء من الأصل، وإن كان مرجوحاً، لكن له أصل بناءً على من أثبت الحديث وحسنه، فالعمل الذي له أصل ولو كان مرجوحاً، هذا المتابعة فيه أخف مما لا أصل له ألبتة، ولذلك الصحابة -رضوان الله عليهم- بما فيهم ابن أم عبد، بما فيهم ابن مسعود تابعوا عثمان على الإتمام، وأنهم لا يرونه القصر هو الراجح وهو الأفضل، ومع ذلك تابعوه، وقال ابن مسعود: "الخلاف شر" فيما له أصل محتمل، وإن كان مرجوحاً، أما ما لا أصل له ألبتة فإذا قلنا: الخلاف شر فيما لا أصل له ألبتة أغرقنا في البدع واتبعنا المبتدعة، ونقول: الخلاف شر، وهذا ليس بصحيح، ولا تتميز السنة من البدعة إلا بالحسم في هذا المجال في هذا الباب، ما نقول: الخلاف شر ونقتدي بمن يعمل بدع لا أصل لها، لكن ما وجد له أصل ولو كان مرجوحاً نقول: الخلاف شر، إذا كانت المسألة اجتهادية في الترجيح نقول: الخلاف شر، أما ما لا أصل له ألبتة فلا متابعة.
(17/25)
يقول: الأئمة في المغرب جلهم يقنتون في الصباح باستمرار، والمغاربة كما هو معروف مذهبهم من فقه مالكي، فما هو مستندهم من فعلهم هذا؟
لعلهم يقنتون من أجل النوازل، والأمة ما زالت من نازلة إلى نازلة على ما سيأتي.
يقول: "يا أبتي إنك صليت خلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" يخاطب الأب بقول: يا أبتي أو يا أبي، بخلاف من يخاطب أباه باسمه المجرد أو بكنيته؛ لأن الخطاب بـ (يا أبتي) أو الأخ يا أخي، أو الصغير يا ابن أخي، أو يا ابن عمي أو كذا فيه خطاب بما يدل على الصلة بين المخاطب والمخاطب، أما شخص يقابل أخاه ويقول: يا أبا فلان، أو يقابل عمه ويقول: يا أبا فلان، أو يقابل أباه ويقول: يا أبا فلان، هذا يدل على أن الصلة فيها شيء من الخلل؛ لأنه ما الفرق بين العم مثلاً بدلاً من أن يقول: يا عمي كما يقول النبي -عليه الصلاة والسلام-، يا أبتي كما يقول إبراهيم -عليه السلام-، والخطاب بما يدل على الصلة بين المخاطب والمخاطَب، أما إذا قال: يا أبا فلان، ما الفرق بينه وبين جيرانه الذين يشاركونه في هذه الكنية؟ أو بعيد الناس زميله في عمله، أو في محل تجاري يا أبا فلان، يعرف أنه أبو محمد يا أبو محمد، ما في فرق.
اسمع من ابن أخيك، شيء من الألفة تدل على قرب بينهم "يا أبتي" إبراهيم -عليه السلام- يقول له وهو مشرك "يا أبتي" ((يا عم قل: لا إله إلا الله)) فهنا يقول: "يا أبتي إنك قد صليت خلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي هاهنا في الكوفة نحواً من خمس سنين، فكانوا يقنتون في الفجر؟ فقال: أي بني" هناك يا أبتي، نداء بعيد، ولعل في هذا بعد مكانة، وهنا أي بني نداء قريب جداً، ولعل هذا قرب من القلب يدل على الحنو والعطف "أي بني محدث".
"رواه أحمد وابن ماجه والنسائي والترمذي وصححه، وسعد روى له مسلم، وأبوه طارق صحابي معروف، ولا وجه لقول الخطيب: في صحبة طارق نظر" على كل حال كون الحديث يدل على أن هذا أمر مبتدع والشافعية تبعاً لإمامهم يقنتون بما في ذلك أئمتهم كالبيهقي والخطيب ومن دونهم كابن حجر ومن بعده، لا شك أن هذا قد يوجد في أنفسهم ما يوجد، والمذهب لا شك أنه مؤثر، مؤثر على النفس شاء الإنسان أم أبى، نعم.
(17/26)
قال -رحمه الله-:
وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قنت شهراً بعد الركوع يدعو على أحياء من أحياء العرب، ثم تركه" متفق عليه.
قال الله -رحمه الله-:
"وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قنت شهراً بعد الركوع يدعو على أحياء من أحياء العرب، ثم تركه" هؤلاء العرب منهم رعل وذكوان وغيرهم، وبني لحيان في قصة القراء السبعين الذين أرسلهم النبي -عليه الصلاة والسلام- ثم قتلوهم، ولا شك أنها واقعة مؤثرة، فدعا عليهم النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى أن بردت المصيبة بعد شهر، فترك الدعاء، وهذا متفق عليه بلا إشكال، وهذا يدل على القنوت في النوازل، والذي قنت النبي -عليه الصلاة والسلام-.
والحنابلة عندهم أنها إذا نزلت بالمسلمين نازلة غير الطاعون فإن الإمام يقنت في الفرائض الخمس، والإمام يعني الإمام الأعظم، ومن ينيبه الإمام الأعظم، ومن يأذن له الإمام الأعظم، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- هو الذي قنت، قنت شهراً، وفي حكمه من يتولى إمامة المسلمين، ومع ذلك هذه الأمور التي هي محض تعبد الأصل فيها الاقتداء، فيقنت المسلمون في الفرائض أئمتهم وغيرهم ما لم يحصل منع مبني على مصلحة، فالأمر معلق بالإمام إذا كان هناك منع معلق بمصلحة، وعلى كل حال النبي -عليه الصلاة والسلام- هو الذي قنت، وفي حكمه الإمام الأعظم كما يقول الحنابلة، ومن يفوض له الإمام هذه المسألة.
(17/27)
ومنهم من يقول: إن هذه المسألة مسألة عبادة لا دخل للمخلوق فيها، والاقتداء الأصل فيه بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن إذا أحس الإمام بأن هناك من يتخطى ومن يتعدى، وهناك من ليس بأهل أن يترك له هذا الأمر، ووجد من بعض الأئمة من يعتدي في الدعاء مثلاً، من يوقع الناس في حرج، يعني ما أدري ما تداوله بعض الناس هل هو حقيقة -ولا يبعد أن يكون حقيقة- أو نكتة؟ قال: منع بعض الناس من القنوت في بعض النوازل، وقيل له: الحمد لله المجال مفتوح، ادع في السجود، فلما سجد استدعى المكبر وقربه وقنت وهو ساجد، يعني مثل هذا ما يترك له مثل هذا الأمر، لا شك أن مثل هذا يسيء، ويتعرض لإبطال الصلاة، وعلى كل حال الأمر منوط بالإمام كما قرره الحنابلة، ومع ذلك يقول: يقنت الإمام في النوازل إلا الطاعون لأنه شهادة.
نعم.
قال -رحمه الله-:
وعنه -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان لا يقنت إلا إذا دعا لقوم أو دعا على قوم" رواه الخطيب في القنوت بإسناد صحيح، وروى ابن حبان نحوه من حديث أبي هريرة.
يقول: "وعنه" يعني راوي الحديث السابق وهو أنس بن مالك خادم النبي -عليه الصلاة والسلام- "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان لا يقنت إلا إذا دعا لقوم" فدعا النبي -عليه الصلاة والسلام- للمستضعفين الذين لم يستطيعوا الهجرة، فقال: ((اللهم أنج الوليد بن الوليد)) وهذا في الصحيح "أو دعا على قوم" يعني على رعل وذكوان وعصية وبني لحيان، دعا على قوم ودعا لقوم، وهذا ثابت، أصله في الصحيح، قنت بعد الركوع شهراً يدعو على أحياء من العرب، وهنا دعا على قوم، ودعا أيضاً للمستضعفين في الصحيح أيضاً ((اللهم أنج الوليد بن الوليد)) وهذا الحديث رواه الخطيب في كتاب القنوت له، بإسناد صحيح "وروى ابن حبان نحوه من حديث أبي هريرة" والجملتين الأولى والثانية لها أصول تدل عليها في الصحيح، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(17/28)
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: المحرر – كتاب الصلاة (19)
الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هذا يقول: ذكرت في حديث وائل أن النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا ركع فرج بين أصابعه، وذكرتم أنه نسخ التطبيق، نرجو التوضيح.
يعني إذا ركع كأنه قابض على ركبتيه، يفرج يقبض ركبتيه، يفرج بين أصابعه، وهذا هو الناسخ، والمنسوخ هو التطبيق، بمعنى أنه يطبق إحدى يديه على الأخرى، ويضعهما بين فخذيه، أو بين ركبتيه، هذا التطبيق منسوخ.
يقول: هل يلزم في السجود أن تكون جميع الأصابع متجهة إلى القبلة؟
هذا ليس بلازم، لكنه هو السنة.
وهل تكون القدمان متلاصقة أو متفرقة، أو متلاصقة عند الأصابع، مفرقة من الأعلى؟
الأصل المجافاة، الأصل في الصلاة المجافاة، بما في ذلك الرجلين، لكن جاء ما يدل على أن الرجل تلصق بالأخرى، جاء ذلك صريحاً في صحيح ابن خزيمة، وجاء ما يفهم منه ذلك في الصحيح وغيره، من قول عائشة: "إن يدي وقعت على قدميه".
يقول: ما رأيكم في أن يكون الدرس بجامع الشيخ ابن باز؟
هذا جربناه وقل العدد، قل الحضور، فأعدناه إلى هذا المسجد.
يقول: ما زال يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا، ألا يصح أن نقول: إن المراد به أنه كلما حصلت نازلة قنت في الفجر حتى فارق الدنيا، ولم يترك القنوت عند النوازل؟
هذا تخصيص بدون مخصص، إلا أنه قد يسلك مثل هذا عند أهل العلم للتوفيق بين النصوص المتعارضة على أن الحديث ضعيف، والقنوت للنوازل لا يختص بصلاة الصبح.
يقول: من يعتقد بدعية القنوت في الفجر، وصلى خلف من يقنت، فماذا يفعل وقت القنوت؟
مقتضى المتابعة أن يؤمن على دعائه، وهو وإن كان محدث إلا أن له ما يدل عليه؛ فليس بقول باطل من كل وجه، لكن هو قول مرجوح.
يقول: في الحديث من قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((اللهم إني اتخذتُ عهداً لن تخلفنيه، فإنما أنا بشر فأي المؤمنين آذيته شتمته لعنته ... )) الحديث، مع نهيه عن اللعن، وأن المؤمن ليس بلعان.
(18/1)
النهي عن اللعن بالنسبة لمن لا يستحق اللعن، وجاء في الحديث الصحيح: ((لعن المؤمن كقتله)) والمؤمن ليس بلعان، يعني ليست هذه صفة ... ، لعان هذه صيغة مبالغة، يعني يلعن عند كل شيء، فليس بلعان، لكن من استحق اللعن، ودلت النصوص على لعنه يلعن، لا سيما الأجناس، جنس الشارب، جنس السارق، لعن الله السارق، لعن الله الشارب، لعن الله المتبرجات، فالعنوهن، هذا أمر، المقصود أن اللعن الذي تقتضيه النصوص لا إشكال فيه، ولا يجعل المسلم لعان إذا ائتمر ما أمر به ((فالعنوهن فإنهن ملعونات)) والنبي -عليه الصلاة والسلام- حينما يلعن هذا الشخص يراه مستحقاً لهذا اللعن، ثم بعد ذلك طلب من الله -جل وعلا- في العهد الذي اتخذه معه أن يجعل هذه اللعنة أو هذه الشتمة أو هذه الأذية لا سيما إذا حصل شيء بالنسبة لمن لا يستحقه، والنبي -عليه الصلاة والسلام- لا يعلم فإنها تبدل برحمة.
يقول: دعاء ختم القرآن هل له أصل؟
يعني في الصلاة لا أصل له، وفي خارج الصلاة له أصل من فعل أنس بن مالك وغيره.
يقول: لماذا لا تناصحون أئمة الحرمين في عدم الدعاء لختم القرآن؟
أئمة الحرمين اعتمدوا على فتوى من هيئة كبار العلماء، وهم معذورون في هذا.
يقول: قرأت بعض العبارات للسلف: كقول وكيع فيما أخرجه البخاري في خلق أفعال العباد: "المريسي لعنه الله يهودي أو نصراني" وما رواه عبد الله بن أحمد في السنة عن شاذ بن يحيى أنه لعن المريسي ونحوه من هذه العبارات، هل في هذا مشروعية لعن الكافر المعين؟
(18/2)
على كل حال اللعن ينبغي ألا يكون المسلم لعاناً، والإمام أحمد كما في الأحكام السلطانية وغيرها سئل عن يزيد فسبه سباً شديداً، وقال له عبد الله: ألا تلعنه؟ فقال: وهل عهدت أباك لعاناً؟! يعني ما ينبغي أن يكثر اللعن ولو على مستحقه، ولكنه إذا لعن من يستحق لا يلام، وتجد الحافظ ابن كثير وغيره من المؤرخين إذا ذكروا بعض هؤلاء لعنوهم، ابن كثير مكثر من هذا بالنسبة لمن يستحق من الظلمة ممن يؤذي المسلمين، ومن بدعه مكفرة ومغلظة ودعاة إلى بدعهم، ولا شك أن هذه العبارات الموجودة في كتب السلف، في كتب السنة المسندة القديمة كالسنة لعبد الله بن الإمام أحمد هذه لعنوا فيها من لعنوا من المبتدعة؛ لأنه وقت نشأة هذه البدع، وذلك للتنفير منها ومن أهلها، وابن المبارك كما نقله ابن القيم -رحمه الله- لما قيل له: إن فلاناً طلبت منه زوجته الخلع فرفض، توسلت إليه بكل ما يمكن، وتوسطت بالوسائط فلم تنجع، ولم يطلقها، ولم يفارقها، فذهبت إلى من أفتاها بأن ترتد؛ لتبين منه إذا ارتدت، فقال: من أفتى بهذه الفتوى فهو كافر، حتى قال: "من رضي بهذه الفتوى فهو كافر" هم يشددون وقد لا يقصدون حقيقة الأمر، لا سيما في وقت نشوء مثل هذه البدع، وهذه الحيل التي يتحايل بها على طمس الشريعة.
ما الوسائل الشرعية والمادية التي تقوي الحافظة؟ وهل بالإمكان أن يصير الغبي من أهل النظر أفيدونا؟
(18/3)
على كل حال هذه ملكات، وهذه غرائز، منها ما هو ثابت، ومنها ما هو مكتسب، منها ما لا يقبل الزيادة، ومنها ما يقبل، ولكل غريزة جهتان، جهة ثابتة، وجهة مكتسبة، الثابت هذا، هذا لا يزيد، وهو قابل للنقص تبعاً لنقص أجزاء الإنسان وأبعاضه، وأما بالنسبة للمكتسب فإنه يقبل الزيادة، فالعلم بالتعلم، والحلم بالتحلم، قد يجبل الإنسان على الحلم، وقد يجبل على الغضب، فمن جبل على الغضب وتحلم يكتسب الحلم، كما أن الجاهل إذا تعلم اكتسب العلم، والحافظة يمكن زيادتها بمتابعة الحفظ؛ لأنها إذا أهملت الحافظة ضعفت، وتحتاج إلى شحذ، تحتاج إلى متابعة، فطالب العلم عليه أن يتابع ولا يهمل الحافظة؛ لئلا تدثر وتضعف، الحافظة مع الوقت تضعف، هذا هو القول المقرر عند عامة من كتب في هذا الباب، إلا أن الماوردي يقول في أدب الدنيا والدين أنها لا تختلف الحافظة في أول العمر ولا في أثنائه ولا في آخره، وهذا قول مصادم للواقع.
يقول: إن الموانع من الحفظ تكثر، فيكون صعوبة المحفوظ لوجود الموانع، وإلا فالحافظة هي هي، ما تغيرت وهذا الكلام ليس بصحيح، فالبصر يضعف، والسمع يضعف، الحافظة تضعف، العقل أيضاً يصل الإنسان إلى حد الاختلاط تدريجياً إلى أن يختلط، وهذا دليل مادي حسي على ضعفه.
أما قوله: هل بالإمكان أن يصير الغبي من أهل النظر؟
على كل حال مثل هذا عليه أن يحفظ ما يستطيع، وأن يحرص على فهم ما يحفظ ويقرأ، ولن يدرك إلا ما كتبه الله له.
يقول: أعمل في مدينة جدة، وبإذن المدير أنصرف من العمل بعد صلاة الظهر قبل نهاية الدوام بساعة، فما حكم ذلك علماً بأن في الإدارة موظفين يقومون بالعمل، ولا في ذلك ضرر على مصلحة العمل، ولا مصالح الناس، وذلك لبعد منزلي في مكة المكرمة؟ فهل أتصدق من الراتب عن تلك الساعة؟
(18/4)
هذا المدير إذا كان يملك، وأوتي من الصلاحيات ما يجعله يأذن لك، وكنت مؤدياً لعملك على الوجه الذي تستحق به هذه المكافأة، وإلا فالأصل أنك أجير من الثامنة أو السابعة والنصف إلى الثانية والنصف، الأصل أنك أجير لا يجوز أن تنصرف، ولا تقول: أنصرف وأتصدق ما ينفع؛ لأن هذا إقدام على معصية، الصدقة فيما إذا حصل من غير قصد، فأنت تتصدق بمقابله، أما إذا قصدت ذلك فلا، وعلى كل حال ينظر في هذا المدير، وينظر أيضاً في العامل إذا كان يؤدي من السابعة والنصف إلى صلاة الظهر عمله بهمة ونشاط، وقد يزيد عما طلب، واستحق أن يكافأ على ذلك بالانصراف بعد الصلاة فهذا له وجه.
يقول: كيف يكون وضع القدمين أثناء السجود؟ هل تكون مضمومة أم لا؟
مثل ما ذكرنا.
ماذا ترى في جلسة الإقعاء التي بين السجدتين؟ يعني التي يقول عنها ابن عباس: هي السنة؟
يعني تفعل أحياناً في الجلسات الخفيفة بين السجدتين، أو جلسة الاستراحة أحياناً، لا مانع من ذلك.
يقول: هل في مسك القرآن الكريم أثناء القراءة باليد اليسرى شيء؟ وإذا كان ما فيه شيء، وأنكر علي أحد، ماذا أقول له؟
الأصل أن اليد اليسرى طاهرة، لكن اليمنى أولى منها في حمل المصحف، لكن إذا تعب من حمله باليمنى وراوح بينها وبين اليسرى، أو مسكه باليدين هذا ما فيه إشكال، لكن تجد بعض الناس بيده مصحف وبيده حذاء الثانية، يمسك المصحف بالشمال والحذاء باليمين، هذا غير لائق.
هل إذا صلى الرجل مكشوف الرأس مكروه؟
ليس بمكروه، إلا أنه إذا كان من الزينة في بلد من البلدان فينبغي ألا يصلي مكشوف الرأس {خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [(31) سورة الأعراف].
يقول: ما صحة الحديث القدسي: ((كلكم ضال إلا من هديته))؟
هذا حديث أبي ذر الطويل القدسي، المخرج في الصحيح، في صحيح مسلم، وما فيه إشكال.
وما المقصود بالهدى في القرآن، في قوله: {فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ} [(108) سورة يونس]؟
{فَمَنِ اهْتَدَى} [(108) سورة يونس] يعني أطاع الله -جل وعلا- فيما أمره به، وترك ما نهاه عنه.
يقول: القصد ماذا يفعل وقت القنوت مع العلم أنهم يقنتون سراً؟
(18/5)
إذا كانوا يقنتون سراً وهو لا يرى القنوت فإنه إذا انتهى الذكر المشروع بعد الرفع من الركوع فإنه يكرر قول: لربنا الحمد، لربنا الحمد، كما جاء بذلك الحديث.
يقول: لماذا حكموا على الحديث الذي في مسلم لابن عمر إذا قعد في الصلاة .... ؟
هذا سيأتي، حديث ابن عمر سيأتي.
يقول: نرى في بعض الجوامع أنهم يؤذنون الجمعة ثلاثة مرات: الأولى الساعة الحادية عشرة صباحاً، والثاني: قبل طلوع الإمام على المنبر، والثالث كما هو معلوم بعد السلام.
هذا موجود ثلاث مرات؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب: يمكن مع الإقامة.
لا لا، هو يقول: الثالث: كما هو معلوم بعد السلام يعني سلام الإمام.
طالب: يؤذن في الحرم قبل أن يطلع الإمام بخمس دقائق.
بس مرتين، ما هي بثلاث.
طالب: هم يزيدون.
من الذي يزيد؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه، لا، هذه بدعة، ولولا أن الأذان الأول مما شرعه عثمان -رضي الله عنه- ورأى المصلحة فيه لقيل فيه: إنه بدعة، لكن عثمان خليفة راشد، أمرنا بالاقتداء به فهو سنة، بشهادة النبي -عليه الصلاة والسلام- لعثمان.
يقول: لدي موهبة الشعر -ولله الحمد- وقد وفقني الله في تسخيرها في الذب عن الدين والدعوة والأمر بالمعروف، لكني في نفسي شيء من التعمق في دراسته، والإكثار من حفظه، فما موقف الشرع من الشعر في هذه الحالة؟
(18/6)
الشعر كلام -كما يقول أهل العلم- حسنه حسن، وقبيحه قبيح، وإذا سخر في الذب عن الدين والدعوة والأمر بالمعروف هذا كما هو حال حسان بن ثابت شاعر النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يذب عنه بين يديه، وينشد بين يديه، ولا ينكر عليه، ولا شك أن العلماء أيضاً تتابعوا على نظم العلوم، وهذا أيضاً فيه نفع عظيم، تتابعوا أيضاً على نظم الوعظ والرقائق من القصائد الزهديات، ونفع الله بها نفعاً عظيماً، لكن ينبغي ألا يكون الشعر على حساب النصوص، لا يكون الشعر على حساب القرآن والسنة، وجاء في ذمه في الحديث الصحيح في البخاري وغيره: ((لئن يمتلئ جوف أحدكم قيحاً حتى يريه خير له من أن يمتلئ شعراً)) يعني يمتلئ شعر بحيث لا يستوعب شيء آخر، فإذا امتلأ بالشعر ما كان للكتاب والسنة نصيب، أما إذا كان نصيبه من الكتاب والسنة، وأقوال أهل العلم، وما يعين على فهم الكتاب والسنة وافر، فلا مانع أبداً، بل يطلب منه أن يقرض الشعر ليذب به عن الدين، ويدعو به إلى الله -جل وعلا-، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وينظم العلوم أيضاً على ما جاء عن علماء هذه الأمة.
يقول: بعض أهل العلم كل الصلاة ذكر من تكبير وسلام وغيره ما عدا جلسة الاستراحة هل الأفضل تركها؟
لا، هذا ما استطاع أن يعبر بكلام أهل العلم الذين لا يرون جلسة الاستراحة، هم يقولون: لو كانت مشروعة لكان لها ذكر، كسائر الأفعال، ولها تكبير في أولها وآخرها، فدل على أنها ليست بمشروعة، لعله يريد هذا، لكن هذا الكلام ليس بصحيح، ما دام ثبتت عنه -عليه الصلاة والسلام- من قوله وفعله فلا كلام لأحد.
يقول: من كان لديه نسخة المحرر بتحقيق المرعشلي هل يكتفي بها أم يشتري نسخة الشيخ سليم؟
(18/7)
قلنا: إن نسخة الشيخ سليم الهلالي أفضل من غيرها، ومعلوم أن الكتب تطبع مراراً، والطبع لا ينتهي، قد يحقق مرة بعد تحقيق الشيخ، وقد يكون أفضل منه وأخصر، والله أعلم، والكتب تطبع .. ، بعض الكتب يطبع عشرين ثلاثين مرة، ولا شك أنه في اقتناء جميع الطبعات إرهاق لطالب العلم، مهما بلغ يعني من القدرة المادية، والمكان المستوعب فإنه لا بد أن يعجز في يوم من الأيام، لا شك أن الاعتناء بالطبعات الصحيحة التي تولاها أهل العناية والدقة هذا أمر مطلوب، لكن أول ما ظهر نسخة غير صحيحة أو نسخة وسط، فما الذي يدري طالب العلم أنه يطبع مرة ثانية محقق وقد يكون بحاجة لهذا الكتاب؟ يشتري هذه النسخة، فإذا اشتراها وظهر غيرها، إن كان فيها تعليقات له، حضر بها دروس وعلق عليها يحتفظ بها، وإن كانت لا مزية لها يتصرف فيها، ويشتري النسخة الصحيحة، وهناك كتب كبيرة جداً يعني فتح الباري لو كل طبعة ظهرت ولها مزية على غيرها اقتناها طالب العلم احتاج أن يجعل مكتبة خاصة لفتح الباري، نعم لأن الكتاب يطبع بين ثلاثين جزء إلى ثلاثة عشر أو أربعة عشر جزء، وإذا احتجنا إلى عشر نسخ نحتاج إلى كم من المجلدات؟ نحتاج إلى ثلاثة دواليب أو أربعة بس لفتح الباري، أحياناً الطبعات أكثر يعني طبع الكتاب حدود إلى الآن أكثر من عشر طبعات.
يقول: ما ضابط المعصية للإلحاد في الحرم؟
المخالفة؛ لأن كلمة إلحاد نكرة في سياق الشرط، فهي عامة للكبيرة والصغيرة، فالذنوب معظمة في البلد الحرام، ولذلك جاءت الجملة الشرطية متعقبة لاستواء الناس فيه {سَوَاء الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ} [(25) سورة الحج] يعني من رأى أن له مزية على غيره في هذا البلد الحرام هذا نوع من الإلحاد، فإذا كان مقيماً معتكفاً في المسجد، ورأى بادياً يريد أن يصلي فرض يمشي ثم .. ، قال: قم هذا مكاني، أنا، هذا إلحاد، نسأل الله العافية، والذين يضايقون الناس بالحجز، ويوكلون بعض السفهاء الذين همهم الأجرة يحجزون عنهم، ويضاربون الناس هذا أيضاً فيه إلحاد.
(18/8)
الإلحاد هو مجرد الميل، لا يعني أنه خرج من الدين بالكلية كما هو العرف في كلمة ملحد، لا، المقصود به الخروج عن الجادة، عن الصراط المستقيم سواءً كبر أو صغر، ويوجد من يحسن ويفطر الناس في رمضان، وتجد المائدة من أول الصف إلى آخره عشرات الأمتار، وقد يكون له أكثر من مائدة، بحيث يفطر عنده ألف شخص، وهو لا يحضر هذه المائدة يوكل بها، يوكل بها من يؤذي الناس، وهذا موجود، ورأينا المنازعات والمشاغبات، بل المضاربة رأيناها، تجد إنسان تعبان جاء من بعيد ونائم، يقول له: قم، قبل الأذان بساعة أو ساعة ونصف، أو بعد صلاة العصر مباشرة، باقي على أذان المغرب ثلاث ساعات، ثم بعد ذلك كلمة كلمتين ثم مضاربة، يعني على الإنسان إذا أراد أن ينيب أحد ينيب من يمثله، وإذا كان الإنسان يرجو ما عند الله -جل وعلا- فلا يكون سبباً في أذية الناس كما تقدم في فقه تطبيق السنن، يعني عليه أن يجلب المصالح بما لا يحقق أدنى مفسدة، أما إذا وجدت المفاسد فدرء المفاسد -كما يقول أهل العلم- مقدم على جلب المصالح.
يقول: ما رأيكم في الأشرطة التي تحذر من الرافضة المحتوية على أصواتهم التي يذكرون بها سب عائشة في عرضها كثيراً، هل توزع هذه الأشرطة لمصلحة التحذير من هؤلاء القوم، علماً بأنها ممزوجة من التحذير من هذا الكلام؟
(18/9)
أولاً: ناقل الكفر ليس بكافر، وإذا كان شرهم وضررهم لا يتبين إلا بهذا فهذا أمر لا بد منه، والقرآن أيضاً نقل كلام الكفار، نقل قول فرعون: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [(24) سورة النازعات] فمثل هذا لا بأس به، وإن كان يعني في السابق السلف يحذرون من نقل كلام المبتدعة، ولو كان للرد عليه؛ لأن فيه نشر له، يعني نظرنا على سبيل المثال منهاج السنة لشيخ الإسلام ابن تيمية تضمن جميع منهاج الكرامة، لكنه يذكر السطر والسطرين، ويرد عليهم بعشرين ثلاثين خمسين صفحة أحياناً، فهذا شيء مغمور في جانب الرد، لكن لو نشر منهاج الكرامة في جزء، وعلق عليه تعليقات خفيفة، قلنا: هذا نشر للكتاب ولو كان فيه رد؛ لأن هذا الرد لا يكفي، ولذا أخطأ من نشر الكتاب، نشر منهاج السنة في طبعته الأولى المصرية، ليست القديمة البولاقية ما فيها شيء، الطبعة الثانية المحققة بتحقيق رشاد سالم -رحمه الله-، في طبعته الأولى حقق منهاج الكرامة كامل، وطبعه في صدر الكتاب، وأخطأ في هذا، ثم بعد ذلك حذفه من الطبعات التي تليها.
يقول: ما هي أفضل طبعة لصحيح البخاري متوفرة في المكتبات؟
الآن المصورة عن الطبعة السلطانية هي أفضل الطبعات، وفيها أيضاً الفروق التي أثبتها اليونيني على نسخته فهي أفضل، والآن خرجت مرقمة ومفهرسة والإحالات، وفيها أيضاً تخريج، يعني إحالة على الكتب الستة فهي مخدومة.
سم.
بسم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين.
قال الإمام ابن عبد الهادي -رحمه الله تعالى- في كتاب المحرر:
وعن الحسن بن علي قال: علمني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كلمات أقولهن في قنوت الوتر: اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، فإنك تقضي ولا يقضى عليك، إنه لا يذل من واليت، تباركت ربنا وتعاليت" رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والنسائي والترمذي وحسنه، وهو مما ألزم الشيخان تخريجه، ورواه البيهقي، وزاد فيه في بعض رواياته بعد واليت: "ولا يعز من عاديت".
(18/10)
وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا قعد في التشهد وضع يده اليسرى على ركبته اليسرى، ووضع يده اليمنى على ركبته اليمنى، وعقد ثلاثة وخمسين، وأشار بالسبابة.
وفي رواية: وضع كفه اليمنى على فخذه اليمنى، وقبض أصابعه كلها، وأشار بإصبعه التي تلي الإبهام. رواه مسلم.
وروى عن عبد الله بن الزبير قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا قعد في الصلاة جعل قدمه اليسرى بين فخذه وساقه، وفرش قدمه اليمنى، ووضع يده اليسرى على ركبته اليسرى، ووضع يده اليمنى على فخذه اليمنى، وأشار بإصبعه السبابة، ووضع إبهامه على إصبعه الوسطى.
يكفي، يكفي.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"وعن الحسن بن علي -رضي الله عنهما-" يعني بعد أن ذكر القنوت -قنوت النوازل- ناسب أن يذكر القنوت في الوتر، وإلا فالأصل أن هذا الحديث يؤخر إلى صلاة التطوع في الوتر.
"وعن الحسن بن علي -رضي الله عنهما- قال: علمني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كلمات أقولهن في الوتر" كلمات يراد بها الجمل، فالجملة يطلق عليها كلمة.
. . . . . . . . . ... وكلْمة بها كلام قد يؤم
يعني قد يقصد، يقصد بالكلمة الكلام، وكلمة التوحيد: لا إله إلا الله يعني جملة، وأصدق كلمة قالها الشاعر:
ألا كل شيء ما خلا الله باطل ... . . . . . . . . .
قول لبيد، فالمقصود بالكلمات هنا جمل ودعوات، وكل دعوة بجملة مستقلة.
"أقولهن في قنوت الوتر" في قنوت الوتر، الوتر محل للقنوت، وعلى خلاف بين أهل العلم في ثبوته، فمنهم من لا يثبته ألبتة؛ لأنه ما حفظ أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قنت في الوتر، ومنهم من يقول: القنوت في وتر رمضان فقط، ومنهم من يقول: في النصف الأخير من رمضان، كما كان بعض السلف يفعله، ومنهم من يقول: إنه مشروع مطلقاً في الوتر، وعليه يدل حديث الباب.
"كلمات أقولهن في قنوت الوتر: اللهم اهدني فيمن هديت" اللهم أصلها يا الله، حذفت ياء النداء، وعوض عنها بالميم المشددة.
(18/11)
"اهدني فيمن هديت" يعني اجعلني من ضمن المهديين الذين مننت عليهم بالهداية، ووفقتهم لقبول ما جاء عنك على لسان نبيك -عليه الصلاة والسلام-؛ لأن الهداية هنا يراد بها هداية التوفيق، أما الدلالة فقد حصلت، الدلالة والإرشاد حصلت، وإن كانت بحسب بلوغها للشخص، حصولها نسبي، لا يمنع أن يقول الإنسان: اللهم اهدني، يعني دلني على ما يخفى عليه مما يكون سبباً لهداية التوفيق، فينضوي في ذلك الهدايتان؛ لأن الدلالة والإرشاد حصلت على أبلغ وجه وأكمله من الله -جل وعلا-، وبلغ الرسول -عليه الصلاة والسلام- ذلك البلاغ المبين، لكن بلوغ هذا المُبلّغ إلى كل فرد فرد من المكلفين يتفاوتون فيه تفاوتاً عظيماً، ولذلك ينبغي لطالب العلم إذا استشكل عليه مسألة وبحثها أن يدعو بالدعاء المأثور في صلاة الليل، ما كان يقوله النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك)) يعني دلني على الصواب في هذه المسألة؛ لأنه قد تكون جميع الأدلة بين يدي طالب العلم، قد تكون جميع الأدلة، جميع أدلة المسألة بين يديه، وجميع الأقوال لأهل العلم مبسوطة بين يديه، ومع ذلك لا يستطيع الترجيح، لا لتقصيره، استقصى، بل قد يكون لقصوره، وقد يكون من أذكى الناس وأعرفهم وأعلمهم بالمقدمات الموصلة للنتائج الصحيحة، ومع ذلك يستغلق عليه الوصول إلى القول الراجح في مسألة من المسائل، فهو يطلب الهداية لما اختلف فيه من الحق بإذنه، فالهداية بجميع أنواعها تدخل في قوله: "اللهم اهدني فيمن هديت".
(18/12)
"وعافني فيمن عافيت" المعافاة من خير ومن أجمع ما يسأله المسلم ربه -جل وعلا-، وجاء من حديث أبي بكر وغيره سؤال العفو والعافية والمعافاة في الدنيا والآخرة؛ لأن العافية -كما تسمعون مراراً- لا يعدلها شيء، العافية في البدن يتحقق للإنسان أن يهنأ بعيشه في هذه الدنيا، العافية في الدين تكون سبباً لوصوله إلى مرضاة الله وجناته، العافية في العقل، العافية في العلم، يسأل الله -جل وعلا- أن يعافيه في جميع ذلك، فلا يتتبع الشواذ، ولا يزيغ عن الجادة، فيكون معافى من هذه الأمور، وقد يعرض الإنسان نفسه في القول في مسألة لم يسبق إليها، فيقتدى بها، فيكون عليه وزرها ووزر من عمل بها، ولذا يكرر أهل العلم: العافية لا يعدلها شيء، والسلامة لا يعدلها شيء.
(18/13)
"عافني فيمن عافيت" يعني من ضمن من عافيت، والعافية قلنا: إنها شاملة لكل ما تطلب له، ومن ذلك عافية البدن، وإذا كانت العافية معناها ألا يصاب بما يخرجه عن حيز الاعتدال في الصحة، فإن إخراجه عن حيز الاعتدال خير له، المصائب لا شك أنها خير للمسلم، فإنها تكفر الذنوب، وتحُت الذنوب كما تحت الشجرة ورقها، وتحط الخطايا، فكيف يسأل الإنسان زوال ما هو خير له؟! وإذا مرض سأل الله الشفاء، وبذل الأسباب للشفاء، والمرض لا شك أنه مكفر، وهذا مثل ما جاء في الحديث: ((لا تسألوا لقاء العدو)) وإن كان فيه الشهادة التي هي من أعظم المطالب بالنسبة للمسلم، وفيها أعظم تكفير للذنوب، وتكفر كل شيء إلا الدين، ومع ذلك لا يسأل، فالإنسان لا يسأل المصيبة، ولا يسأل البلية، ولا يسأل الفتنة؛ لأنه لا يدري ما النتيجة؟ لا يدري، يمكن يسأل الله لقاء العدو ثم بعد ذلك ينحرف، ويقتل على غير هدى، نسأل الله العافية، وقد يسأل البلاء ولا يصبر عليه، فيكون ذلك وبالاً عليه، فسؤال مثل هذا لا يجوز، والعافية مطلوبة، عافية البدن مطلوبة؛ لماذا؟ لأن بها تتحقق العبودية، الإنسان لا يستطيع أن يطلب الله -جل وعلا- على الوجه المطلوب إلا إذا عافاه في بدنه، لكنه إذا ابتلاه أعظم له الأجر، وكفر عنه الذنوب، فإذا كان سؤاله العافية من أجل أن يحقق العبودية التي من أجلها خلق هذا مطلوب، أيضاً إذا سأل الله العافية وفي نيته من سؤال العافية تحقيق العبودية إضافة إلى الشكر على هذه العافية فلا شك أنه على خير عظيم، يعني الإنسان جرب كيف يكون مزاجه وهو يصلي سليم معافى ومزاجه ونفسيته وهو يصلي على شيء من التعب، هو مأجور على هذا التعب، لكن تحقيق العبودية إنما يكون تمامه مع العافية، وليس من يصلي وهو قائم كمن يصلي وهو جالس، يعني لولا المبرر لولا العذر لولا المرض قلنا: صلاة الفريضة باطلة، إذاً العافية أكمل، هذا هو الأصل، لكن إذا حصل المرض، وحصلت المصيبة وصبر عليها الإنسان أجر عليها، وكفرت بها خطاياه وذنوبه؛ لأن هذا موطن فيه شيء من الإشكال، وأورده ابن القيم -رحمه الله- في الجواب الكافي، كيف يسأل ويدعى بكشف المرض الذي هو خير للمسلم؟ يعني المسلم مثل خامة الزرع كما جاء
(18/14)
في الحديث الصحيح، كخامة الزرع، يعني سهل تقلبه الرياح وتسفه مرة كذا ومرة كذا، تميله عن حيز الاعتدال الذي هو تمام الصحة، بينما الكافر مثل الأرزة ثابت معتدل إلا أنه إذا انتهت مدته وآل أمره إلى شر عظيم نسأل الله العافية بخلاف المسلم، هذه الرياح التي تسفه يميناً وشمالاً تكفر خطاياه حتى يوافي ليس عليه خطيئة، فلا شك أن طلب العافية بالنسبة للمسلم حسب ما يقر في قلبه، إن كان طلب العافية ليعبد الله -جل وعلا- على مراده، وشَكَر هذه النعمة لا شك أنه على خير عظيم، لكن إن طلب العافية ليتقوى بها على أمر من أمور الدنيا، فليس له إلا ما نوى، إن طلب العافية ليتقوى بها على معصية هذا أيضاً ليس له إلا ما نوى، وهذا إلى الاستخفاف بالله -جل وعلا- أقرب منه إلى الدعاء والانكسار بين يديه.
يقول: هل تكفير الذنوب بسبب المصيبة يشترط الصبر والاحتساب؟
الأكثر على هذا، على أن الذي لا يصبر لا أجر له ولا تكفير لذنوبه، مع أن النصوص جاءت تحث على الصبر على جهة الاستقلال، وجاءت تحث على الصبر مع المرض {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ} [(156) سورة البقرة] ... إلى آخره.
وجاءت أيضاً جاءت المصائب، وإثبات الأجور عليها غير مقترن بصبر، وهذا ما جعل بعض أهل العلم يرجح أن التكفير للذنوب يحصل بمجرد المصيبة صبر أو لم يصبر، وهذا اختيار ابن حجر، وأجر الصبر قدر زائد على ذلك، وفضل الله واسع.
"وتولني فيمن توليت" إذا تولاه الرب -جل وعلا- بعنايته، وأحاطه بها فلن يستطيع أحد أن يوصل إليه شيء من الأذى.
(18/15)
"وبارك لي فيما أعطيت" الله -جل وعلا- أعطى ورزق، وأعطى كل إنسان ما هو خير له، وإن كان فيما يظهر للناس أن هذا التفاوت بين الناس في الأرزاق بعض الناس أغنياء وبعضهم فقراء، وبعضهم متوسط الحال، فالله -جل وعلا- هو المعطي، والعبد إنما هو قاسم، والمال مال الله ليس لأحد {وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ} [(33) سورة النور] لكن ما الذي يدري هذا الفقير أنه لو اغتنى لضل بسبب هذا المال؟ {كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى} [(6 - 7) سورة العلق] فبعض الناس الفقر خير له، ولا يدري ما المصلحة والخيرة؟ الخيرة فيما يختار الله -جل وعلا-.
"بارك لي فيما أعطيت" قد يقول: أنا ما أُعطيت شيء على شان يبارك أو ما يبارك، مع أن مثل هذا مأمور بأن ينظر إلى من دونه، لا أن ينظر إلى من فوقه، وذلك لأن النظر إلى من فوقه، كما هو حال كثير من الناس اليوم يجعل الإنسان يزدري نعمة الله عليه، يقول: أنا ما أعطيت شيء، فعلى الإنسان أن ينظر إلى من دونه في أمر الدنيا.
"بارك لي فيما أعطيت" وتجد الإمام في القنوت يقول: "وبارك لنا فيما أعطيت" بعض الناس يقول: أنا ما أعطيت شيء على شان .. ؛ لأنه ازدرى نعمة الله عليه؛ لأنه لم ينظر إلى من دونه، تجد هذا الإنسان الذي يقول: ما أعطيت عنده زوجة، وعنده أولاد، وعنده طعام، وعنده بيت، لكن الإشكال أن نظره طافح إلى فلان الغني، فلان الثري، فلان صاحب القصور، فلان صاحب السيارات، فلان صاحب المناصب، هذا الذي جعله يقول مثل هذا الكلام، لكن لو نظر إلى أناس ينامون على الأرصفة، وأناس على السرر في المستشفيات، وناس من ذو عقود معوقون لا يستطيعون الحراك لشكر الله -جل وعلا- على ما أولاه وأعطاه من نعم، وما يدريه أنه لو زادت عليه هذه النعم لضل بسببها، ولشقي بها، يمكن يشقى بها في دنياه قبل آخرته.
(18/16)
"وبارك لي" يعني اجعل البركة فيما أعطيتني قليلاً كان أو كثيراً، اجعل فيه البركة، وإذا حلت البركة فحدث ولا حرج، ولو كان شيء يسير، يعني لو ولد واحد يجعل فيه البركة خلاص يملأ عليك الدنيا كلها، لكن عندك عشرين ولد بدون بركة هؤلاء شقاء، لو عندك درهم واحد مبارك انتفعت به، ونفعت به غيرك، لو عندك المليارات بدون بركة لصارت وبال عليك، ولذا يطلب منك أن تقول: "وبارك لي فيما أعطيت".
"وقني شر ما قضيت" الله -جل وعلا- يقضي على عباده، وقدر عليهم المقادير قبل أن يخلقهم، وقدر عليهم ما يسرهم وما يتضررون به، وما يسوؤهم، لكن ليعلم المرء أنه لا يوجد شر محض ((والشر ليس إليك)) إنما هذا الشر الذي قدر عليك ووقع بك هو بالنسبة لك خير وعجب من أمر المؤمن إن أمره كله خير، إن ابتلي فصبر كان خيراً له، وإن عوفي فشكر كان خيراً له، فأمر المسلم كله خير، وفي قوله: "وقني شر ما قضيت" هذا يطلب قبل حصوله، قبل حصول المقضي، لكن بعد حصوله هذا مما يُدفع به، وهناك ما يرفع به بعد حصوله، يرفع بالدعاء أيضاً، وبذل الأسباب الشرعية والحسية، ومع الصبر والاحتساب الذي يترتب عليه الأجر العظيم.
"فإنك تقضي ولا يقضى عليك" القضاء والقدر كله لله -جل وعلا-، فالله -جل وعلا- هو الذي يقضي، وهو الذي يقدر {وَقَضَى رَبُّكَ} [(23) سورة الإسراء] والقضاء والقدر إنما هو لله وحده -جل وعلا-، وما يكون من وسائط وأسباب ووسائل من المخلوقين فإنما هم مجرد وسائط يؤدون للخلق ما أعطاهم الله -جل وعلا-، وليس لهم من ذلك شيء، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((إنما أنا قاسم والله المعطي)) فالله -جل وعلا- هو الذي يقضي ولا يقضى عليه، هو الذي يتصرف في خلقه ولا يتصرف فيه أحد.
"إنه لا يذل من واليت" من كان ولياً لله -جل وعلا- رفعه الله -جل وعلا- بحيث لا يستطيع أحد إذلاله، أولياء الله -جل وعلا- العزة لهم، فلا يستطيع أحد أن يذلهم، وجاء بعد هذه الجملة عند البيهقي: "ولا يعز من عاديت" عدو الله -جل وعلا- ذليل، سواء كان عدو معاداة تامة بالكفر والجحود، أو فيه شيء مما يغضب الله -جل وعلا- من الفسق والمعاصي والفجور فهي ذل على صاحبها.
(18/17)
يقول الحسن البصري -رحمه الله-: "فإنهم وإن طقطقت بهم البراذين، وهملجت بهم البغال، فإن ذل المعصية لا يفارقهم" يعني مهما ظهروا به من مظهر من أبهة وتعالي وارتفاع على الناس، فإن هذا هم في حقيقة أمورهم في شقاء وذل، وتجد الإنسان وإن كان مطاعاً مهاباً بجيوشه وبعدته وعتاده إلا أنه ذليل لأحقر حراسه؛ لأن هذا الحارس الذي عند الباب يستطيع أن يمكن العدو الذي يقتله، ولذلك يقول بعض أهل العلم: إن الملوك عبيد لعبيدهم، فهل هذا ملك يتشبث به؟! والله المستعان.
وإذا عرفنا الجزاء الأوفى عند الله -جل وعلا- لآخر من يدخل الجنة ويخرج من النار أن يتمنى مُلك أعظم ملك في الدنيا، فيقال: لك مثله، ومثله، ومثله، وعشرة أمثاله "هذا وأدناهم وما فيهم دني" هذا يمكن أدنى أهل الجنة منزلة، عشرة أمثال ملك ذي القرنين، أو هارون الرشيد، أو أعظم ملك في الدنيا، ويأتي من يملك حفنة من الناس، أو شبر من الأرض، ويسوم الناس سوء العذاب، ويترفع عليهم ويتعالى، وإذا وقع الذباب على أنفه ما استطاع أن يصنع شيئاً، والله المستعان.
"إنه لا يذل من واليت" وفي رواية البيهقي: "ولا يعز من عاديت".
"تباركت ربنا وتعاليت" والفعل بهذه الصيغة لا يصرف إلا لله -جل وعلا-، يقال: فلان مبارك لما يرى من أثره المنتشر المتعدي؛ لكن لا يقال: تبارك فلان، لا، هذا خاص بالله -جل وعلا-، وتعالى أي: ارتفع، فله العلو المطلق بأنواعه: علو القدر، وعلو الذات، وعلو القهر، كل أنواع العلو لله -جل وعلا-.
يقول: "رواه أحمد وهذا لفظه، وأبو داود وابن ماجه والنسائي والترمذي وحسنه، وهو مما ألزم الشيخان تخريجه" الأصل في مثل هذا الإلزام الذي يلزم هو الدارقطني في الغالب؛ لأن له الإلزامات، وأيضاً صنيع الحاكم في المستدرك نوع من الإلزام، صحيح على شرطهما ولم يخرجاه، وأنا أخرج أحاديث احتج بمثلها الشيخان، المقصود أن هذا الإلزام الذي يظهر أنه من الدارقطني، وأنا ما وفقت عليه، لكن يراجع؛ لأنه قال: "وهو مما ألزم الشيخان تخريجه" وللحافظ الدارقطني الإلزامات، وله أيضاً التتبع.
يقول: "ولا يُعز من عاديت" بضم الياء أم بفتحها؟
لا، هو من (عز) الثلاثي يَعِز.
(18/18)
يقول: "ورواه البيهقي، وزاد فيه في بعض رواياته بعد واليت: "ولا يعز من عاديت" ويكثر القلب في هاتين الجملتين من بعض الأئمة الذين لا يستحضرون قلوبهم أثناء الدعاء، سمعناها كثيراً مقلوبة، ولا شك أن هذا خلل، يعني لو قصد أبطل الصلاة.
قال بعد ذلك: "وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا قعد في التشهد وضع يده اليسرى على ركبته اليسرى، ووضع يده اليمنى على ركبته اليمنى، وعقد ثلاثة وخمسين، وأشار بإصبعه بالسبابة" قدم اليسرى في الذكر لأنها ليس لها متعلق، تقدم اليسرى وضع يده اليسرى على ركبته اليسرى انتهت، انتهى ما يتعلق باليسرى، لكن لو قدم اليمنى بمتعلقاتها، ثم أخر اليسرى على الآخر قد يتركها بعض الرواة؛ لأنه ليس لها ما يذكر بها، والكلام إذا طال قد يترك بعض الأمر المهم فيه، يعني تجد مثلاً من يذكر: "قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وأتباعهم إلى يوم الدين- ينسى "وسلم" كما فعل مسلم، مع أنه لا يتم الامتثال بالصلاة فقط، فإذا أطال الكلام نسي الشيء اليسير، لكن لو قال: وصلى الله وسلم إلى آخره ما نسيها، ولذلك يقدم الشيء المختصر خشية أن ينسى؛ لأنه ليس له متعلقات.
"وضع يده اليسرى على ركبته اليسرى" وانتهت، هذا وضع اليسرى ممدودة الأصابع، أو كأنها مرسلة يعني بعض أطراف الأصابع مرسلة على الركبة.
"على ركبته اليسرى، ووضع يده اليمنى على ركبته اليمنى" لو انتهى الحديث عند هذا قلنا: وضع اليدين واحد؛ لكن في قوله: "وعقد ثلاثة وخمسين" وهذه طريقة حسابية شرحها بالتفصيل الحافظ ابن حجر، ونقله الصنعاني في سبل السلام بالتفصيل يعني من واحد إلى ألف بالأصابع، لكن مع ذلك بل الألوف؛ لأن كل أصبع له مهمة، وكل لوية من لويات الأصبع أيضاً تدل على عدد معين، وعلى كل حال مثل هذه الطريقة مهجورة، ولذلك لا تجد من يعتني بها، حتى من يشرح هذا الحديث من أهل العلم من المتقدمين والمتأخرين لا يهتم لبيانها؛ لأنها مهجورة، إلا بقدر ما يوضح الصورة التي عندنا.
(18/19)
"وعقد ثلاثة وخمسين" في شرح النووي على مسلم يقول: شرطه عند أهل الحساب، شرط ثلاث وخمسين عند أهل الحساب أن يضع طرف الخنصر على البنصر، كيف؟ يضع طرف الخنصر على البنصر هكذا، لكن هل هذه مراده في الصورة؟ في التشهد مرادة؟
يقول: "شرطه عند أهل الحساب أن يضع طرف الخنصر على البنصر وليس ذلك مراداً هنا، بل المراد أن يضع الخنصر على الراحة هكذا على الراحة، ويكون على الصورة التي يسميها أهل الحساب تسعة وخمسين، يقبض الإصبعين، فهو قبض أصابعه كلها، مقتضى الصورة في الرواية الثانية توضحها.
"أشار بإصبعه بالسبابة" وفي رواية: "وضع كفه اليمنى على فخذه اليمنى، وقبض أصابعه كلها، وأشار بإصبعه التي تلي الإبهام" يعني قبض الأصابع كيف يقبض الأصابع؟ هكذا، وأشار بالإصبع، وفي بعض الأحاديث في بعض الروايات، وفي بعض الأحاديث أنه حلق بإبهامه مع الوسطى، وأشار بالسبابة، السبابة هي التي تلي الإبهام كما في بعض الروايات، هي السبابة وهي السباحة، فسبابة لأن الذي يسب غيره يستعملها، وهي سباحة هي التي يسبح بها.
"وأشار بإصبعه بالسبابة" وفي رواية: "وضع كفه اليمنى على فخذه اليمنى، وقبض أصابعه كلها، وأشار بإصبعه التي تلي الإبهام" رواه مسلم" والروايات كلها صحيحة، واختلافها اختلاف تنوع، يعني مرة يفعل هكذا يضم الأصابع، ومرة يحلق بالإبهام والوسطى.
"رواه مسلم".
"وروى عن عبد الله" وروى مسلم أيضاً "عن عبد الله بن الزبير قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا قعد في الصلاة جعل قدمه اليسرى بين فخذه وساقه" يعني جاء في القعود في الصلاة الافتراش بأن يفترش اليسرى وينصب اليمنى، وجاء أيضاً من حديث ابن عباس السنة الإقعاء نصب القدمين، وجاء أيضاً التورك، بإدخال الرجل اليسرى تحت ساقه اليمنى، وجاء أيضاً هذه الصورة، جعل قدمه اليسرى بين فخذه وساقه، هذه صورة، لكنها شاقة على كثير من الناس، يعني البدين لا يستطيع أن يصنعها، نضو الخلقة ممكن.
(18/20)
على كل حال من أهل العلم من يقول: إن بين هذه معناها تحت لتتفق الروايات ويكون هذا هو إيش؟ التورك المعروف، ومنهم من حكم عليها بمخالفة الرواة، وحكم عليها بالشذوذ، لكنها صورة مستقلة، يعني وواضحة وليس فيها مخالفة، مقتضى ذلك أن من يستطيع أن يفعلها فيفعلها أحياناً، والذي لا يستطيع {لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [(286) سورة البقرة] يفعل الصور الأخرى.
"وفرش قدمه اليمنى" كيف فرش قدمه اليمنى؟ إيش معنى يفرشها؟ يعني مثل فرش اليسرى في الافتراش في التشهد الأول مثلاً، فيجعلها تتجه إلى جاره، أصابعها إلى جاره من يمينه، أو يفرشها إلى الداخل بحيث يجعلها تحته؟ أكثر الرواة في صورة الافتراش تكون اليمنى منصوبة، وعلى كل حال الحديث في صحيح مسلم، ولا شك أن مثل هذه الصور وإن كان فيها شيء من المشقة على بعض الناس، فالذي لا تشق عليه يفعلها؛ لأنها ثابتة، والاختلاف في مثل هذا لا يضر.
"ووضع يده اليسرى على ركبته اليسرى" كما تقدم في الحديث السابق.
"ووضع يده اليمنى على فخذه اليمنى، وأشار بإصبعه السبابة، ووضع إبهامه على إصبعه الوسطى" هكذا؟ نعم، وضع إبهامه على إصبعه الوسطى، وهذه أيضاً صورة.
"وأشار بإصبعه السبابة" وهذا موجود في الحديثين، أشار بإصبعه، هذه الإشارة جاء فيها التحريك، وجاء فيها لا يحركها، وجاء فيها يحركها يدعو بها، ولذا تباينت الأنظار من أهل العلم، فمنهم من يقول: لا تحرك للنفي، ومنهم من يقول: يستمر في تحريكها؛ لأنه كما جاء مقمعة الشيطان، أو مقرعة الشيطان، كأنه يضربه بعصا، ومنهم من يقول: يحركها يدعو بها، فيرفعها وقت الدعاء فقط، إذا أراد أن يدعو حركها، ولا شك أن الشهادة موطن من مواطن الرفع، الشهادة: أشهد ألا إله إلا الله موطن من مواطن الرفع، ولذا لما رفع المصلي إصبعيه جاء في الحديث: ((أحد، أحد)) ومثل هذا الكلام إنما يقال لمن رفع إصبعيه وقت الشهادة، فقيل له: "أحد" لأن هذا يخالف التوحيد، رفع إصبعين يخالف التوحيد، فعلى هذا ترفع الإصبع مع لفظ الشهادة، ووقت الدعاء مع الدعاء.
وهذا في التشهد لا إشكال فيه، فماذا عن رفع السبابة بين السجدتين؟
(18/21)
يقول هذا السائل: لماذا حكم العلماء على الحديث الذي في مسلم عن ابن عمر إذا قعد في الصلاة ... الحديث الذي يدل على قبض الأصابع بين السجدتين بالشاذ؟
هذا عندنا حديث: "إذا قعد في التشهد" الحديث الأول، حديث ابن عمر: "إذا قعد في التشهد" فإذا جاء رواية أيضاً: "إذا قعد في الصلاة" فهي محمولة على التشهد، وإن كان القعود أعم من أن يكون للتشهد، إذا قعد في الصلاة لفظ عام، والتشهد خاص، وهذا لا يقتضي تخصيص كما هو مقرر عند أهل العلم أن التنصيص على بعض أفراد العام لا يقتضي التخصيص.
الشأن هنا: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا قعد في الصلاة" وفيه: "وأشار بإصبعه" هذا يشمل جميع القعود، فعلى هذا الجلسة بين السجدتين تحرك فيها الإصبع ويشير بالسبابة، للتشهد تحرك فيها الإصبع ويشير بالسبابة، للاستراحة أيضاً وهي يشملها قعد في الصلاة، وهذه قعدة يشير بإصبعه، لكن لم يحفظ ذكر ولا دعاء لجلسة الاستراحة، ومعلوم أن التحريك ليس بأصل، وإنما هو تابع، وليس بأصل، فرفع اليدين تابع للتكبير، فإذا جاء الإنسان والإمام راكع واكتفى بتكبيرة الإحرام عن تكبيرة الركوع يرفع مرة وإلا مرتين؟ مرة واحدة؛ لأن الرفع تابع للتكبير، وهنا جلسة الاستراحة ليس فيها ذكر، وعلى هذا ليس فيها تحريك.
السائل يقول: ما الذي جعل العلماء يحكمون على الحديث الذي في صحيح مسلم "إذا قعد في الصلاة" الذي يدل على قبض الأصابع بين السجدتين بالشاذ مع أنه لم تخالف الرواية حديثاً آخر؟
(18/22)
مثل هذا الكلام من يقوله؟ من يقول مثل هذا الكلام؟ نعم حكم بعض أهل العلم على هذه الرواية بالشذوذ، وقالوا: إن اليد في الجلسة بين السجدتين تبسط، اليمنى كاليسرى، وليس فيها تحريك، وهذا خاص بالتشهد، وحكموا على الرواية بالشذوذ، وهي في صحيح مسلم، لكن الذي يقول مثل هذا الكلام يقول ليس فيها مخالفة؟ يقولها أمثالنا الذين تعلموا على طريقة المتأخرين، وما وصلوا إلى حد يعلون الأحاديث والروايات بالقرائن، يعني الذي حكم عليها بالشذوذ إمام من الأئمة الحافظ الكبار الذين يحكمون على الحديث بشمه، ما يحتاجون إلى أن ينظروا في المخالفة وعدم المخالفة، يعرف أن هذه اللفظة ثابتة أو غير ثابتة من غير أن تكتمل الصورة بين يدي غيره.
فتجدهم يحكمون على لفظ بالشذوذ، مثلاً في الذكر الذي يقال بعد الأذان: ((وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته إنك لا تخلف الميعاد)) ومثل: ((إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين)) بعد الوضوء، هذه فيها مخالفة وإلا ما فيها مخالفة؟ هذه يوجد ما يدل عليها من القرآن، فما فيها مخالفة، لكنها في هذا الموضع الذي يشترط المخالفة للحكم بالشذوذ يقول: مقبولة، زيادة ثقة فهي مقبولة، ويطلق القول بزيادة الثقة يقول: ما فيها إشكال، لا فيها مخالفة، وزيادة ثقة مقبولة، وبعضهم يحكي على هذا الاتفاق مثل الحاكم، يحكون على هذا الاتفاق.
(18/23)
لكن الأئمة الكبار حكموا على بعض هذه الألفاظ بالشذوذ، وليس لنا في مثل هذا المجال إلا أن نسلم إذا كنا مبتدئين، أو ننظر إذا كنا من أهل النظر ونرجح، ولو بالقواعد العامة، أو نرجح باعتبار القائلين؛ لأنه قد يلجأ إلى الترجيح باعتبار القائل، فإذا كان الذي حكم عليها بالشذوذ متشدد مثلاً، حكم عليها أبو حاتم بالشذوذ، حكم عليها أحمد وابن معين والبخاري بأنها محفوظة نرجح باعتبار القائلين، وإذا استطعنا أن نصل إلى ما وصلوا إليه -ودون ذلك خرط القتاد- فهو فرضنا؛ لأن المتأخرين عالة على المتقدمين، لكن إذا كان الشيخ ابن باز على عنايته منذ أكثر من ستين سنة خلال عمره بالسنة، والألباني كذلك لا يستطيعون أن يرجحوا بمثل هذا إلا على قواعد، فتجده يقول: إنك لا تخلف الميعاد ويقول مثل هذا، حتى الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- في ((إنك لا تخلف الميعاد)) قال: إن الشيخ ابن باز يقولها فنقلده، فمثل هذه الأمور القوس تعطى باريها، يعني ما يقال في مثل هذا الكلام في مقابل أئمة كبار يحكمون على الأحاديث بالقرائن، يعني على الإنسان أن يعرف قدر نفسه، ما نقول: إنها ما تضمنت مخالفة كيف نحكم عليها بالشذوذ؟ يعني الحكم بالشذوذ لوجود المخالفة هو الذي جرى عليه المتأخرين، وهو الذي يطبقون عليه، وهو الذي مشى عليه الإمام الشافعي.
وذو الشذوذ ما يخالف الثقه ... فيه الملأ فالشافعي حققه
(18/24)
لكن الأئمة الكبار ما يطالبون بمثل هذا، حكم عليه أحمد بالشذوذ إذاً نقول: كيف شاذ وهو ما فيه مخالفة؟ ما هو بأمثالنا من طلاب العلم يواجهون الأئمة بمثل هذا الكلام، وأيضاً ليس من الأدب أيضاً مع الفريق الآخر أن يتهجم على أئمة علماء ناصحين مخلصين، أن يقول: والله ما أدركوا من علم الحديث شيء، أدركوا خيراً عظيماً، لكن خفي عليهم هذه المسألة وليكن، من الذي لا يخفى عليه شيئاً، من الذي لا تخفى عليه خافية؟ هو الله -جل وعلا-، حتى الأئمة الكبار المتقدمون لا يتفقون على مثل هذا، بعضهم يقول: شاذة، وبعضهم يقول: محفوظة، فأنت أيها طالب العلم الذي تريد أن تحاكي المتقدمين من تقلد من هؤلاء الأئمة الذي قال: محفوظة وإلا الذي قال: شاذة؟ مثل هذه الأمور تحتاج إلى صبر، تحتاج إلى تأني، وتحتاج إلى روية، ما تحتاج إلى جزاف، يحكم بحكم عام مطرد وإلا يخطأ الأئمة، كل هذا يحتاج إلى إعادة نظر.
سم.
قال -رحمه الله-:
وعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: كنا إذا صلينا خلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قلنا: السلام على جبريل وميكائيل، السلام على فلان وفلان، فالتفت إلينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((إن الله هو السلام، فإذا صلى أحدكم فليقل: التحيات لله، والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فإنكم إذا قلتموها أصابت كل عبد صالح في السماء والأرض، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو)) متفق عليه، واللفظ للبخاري.
وله أيضاً قال: كنا إذا كنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في الصلاة قلنا: السلام على الله من عباده، السلام على فلان وفلان، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تقولوا: السلام على الله فإن الله هو السلام)).
كمل، كمل.
(18/25)
وعن أبي الزبير عن سعيد بن جبير وعن طاوس عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن، فكان يقول: ((التحيات، المباركات، الصلوات، الطيبات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله)) رواه مسلم.
وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: كنا نقول في الصلاة قبل أن يفرض التشهد: السلام على الله" ... الحديث، رواه النسائي والدارقطني وصحح إسناده.
وقال عمر -رضي الله عنه-: "لا تجوز صلاة إلا بتشهد" رواه سعيد وغيره.
يكفي، بركة.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"وعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: كنا إذا صلينا خلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قلنا: السلام على جبريل وميكائيل، السلام على فلان وفلان" السلام على جبريل وميكائيل، السلام على فلان وفلان" وفي الرواية الأخرى يقول: "كنا إذا كنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في الصلاة قلنا: السلام على الله من عباده" وهذه لا بد منها من تقديمها هذه الزيادة؛ لأن الرد عليهم يقتضيها.
"فالتفت إلينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((إن الله هو السلام)) " يعني فلا تسلموا عليه، والرواية المقدمة ليس فيها السلام على الله، الرواية الثانية: "كنا إذا كنا في الصلاة مع النبي -صلى الله عليه وسلم- قلنا: السلام على الله من عباده" فرد عليهم النبي -عليه الصلاة والسلام- فقال: ((إن الله هو السلام)) يعني فلا تسلموا عليه، يعني ليس بحاجة إلى أن تدعو له بالسلامة، أو تحيوه بهذه التحية.
((إن الله هو السلام، فإذا صلى أحدكم فليقل: التحيات لله، والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي)) التحيات جمع تحية، والصلوات جمع صلاة، وبسطها يحتاج إلى وقت، يعني شرحها يحتاج إلى مزيد من الوقت؛ لأنها مختلف فيها الصلوات هل هي الفرائض؟ هل هي النوافل؟ هل هي الدعوات الصلوات اللغوية أو الصلوات الشرعية المعهودة؟ والتحيات جنسها وجميعها كلها لله -جل وعلا-.
(18/26)
((السلام عليك أيها النبي)) السلام كذا بـ (أل) ويعرف في هذا الموضع لأنه متعبد بلفظه، و (عليك) بالخطاب وإن لم يكن موجوداً أثناء هذا الخطاب، يعني نقول نحن بعد أربعة عشر قرناً: ((السلام عليك أيها النبي)) مع بعدنا عنه -عليه الصلاة والسلام- بلفظ الخطاب، كما جاء عنه -عليه الصلاة والسلام-؛ لأن هذا اللفظ متعبد به، وهذا في حياته وبعد مماته؛ لأنه حتى في حياته وخلفه -عليه الصلاة والسلام- لا يمكن أن يواجه بمثل هذا الخطاب إذا قلنا: إن المراد به الخطاب؛ لأنهم يقولونه سراً، وجاء عن ابن مسعود أن هذا يقال في حياته، وأما بعد مماته فيقال: "السلام على النبي ورحمة الله وبركاته" فهذا اجتهاد من ابن مسعود -رضي الله عنه وأرضاه-، لكن عامة أهل العلم بما في ذلكم عمر -رضي الله عنه- حيث علم الناس التشهد على المنبر بعد وفاة النبي -عليه الصلاة والسلام-، وقال: السلام عليك أيها النبي، ومع ذلك حضره جمهور الصحابة، ولم يخالفه ولم يعارضه منهم أحد، فتبقى هذه الصيغة، ولا يلزم من الخطاب حقيقة الخطاب، يعني قد يعجبك طعام مثلاً فتقول لصاحبك: هذا الطعام إذا أكلت منه لا تشبع منه، وهو يقصد نفسه، قد يكون صاحبه هذا لا يستسيغ هذا الطعام، لكنه يقصد بذلك نفسه، فلا يريد حقيقة الخطاب، والنبي -عليه الصلاة والسلام- إذا سلم عليه من في المشرق أو في المغرب رد الله روحه فرد -عليه السلام-، وهناك أيضاً من الملائكة من يبلغ النبي -عليه الصلاة والسلام- السلام.
((السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين)) بدأ بتمجيد الله -جل وعلا- وتحميده، ثم بعد ذلك ثنى بالسلام على النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأن حقه أعظم من حق النفس، وهو مقدم على النفس فضلاً عن الغير، ولا يؤمن أحد حتى يحب النبي -عليه الصلاة والسلام- أعظم من حبه لنفسه، وحقه على المسلمين أعظم من أي حق فلذلك يقدم.
(18/27)
((السلام علينا)) "إذا دعا أحدكم فليبدأ بنفسه" ((وعلى عباد الله الصالحين)) يعني من المتقدمين والمتأخرين، من الحاضرين والغائبين، كل عبد صالح لله تقدم زمانه أو تأخر يدخل في هذا السلام، ويدعى له، وعلى هذا فليحرص الإنسان على أن يكون صالحاً؛ ليدخل في دعوات المسلمين، مؤدياً لحقوق الله وحقوق عباده.
((السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين)) ((فإنكم إذا قلتموها أصابت كل عبد صالح في السماء والأرض)) وإذا دعوت لأخيك بظهر الغيب وهذا منه ماذا تقول الملائكة؟ ((ولك بمثله)) تصور الأجر والفضل العظيم من خلال هذه الجملة، والمصلي يصلي في اليوم مراراً، ويقولها تكراراً، ومع ذلك لا يلقي لها بالاً، فهل يترتب أثرها عليها؟ من قالها وهو غافل، يعني قالها بدأ بالتشهد وما عرف إلا وقت السلام، ما أفاق إلا وقت السلام، يحرص الإنسان على أن يعقل صلاته، وليس له من صلاته إلا ما عقل.
((أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله)) والشهادتان شرحتا في مواضع كثيرة، ولا داعي لأن نكرر ما ذُكر مراراً.
((ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو)) يعني بعد أن يفرغ من التشهد، ويسلم على النبي -عليه الصلاة والسلام- ويصلي عليه، يتخير من الدعاء أعجبه إليه، سواء كان من أمور الدنيا أو من أمور الدين، وليحرص على الجوامع، جوامع الكلم، ويحرص على ما هو بأمس الحاجة إليه الأهم فالأهم، لا يشتغل في هذه المواضع التي هي من أماكن إجابة الدعاء بالأمور التافهة، يجعل همته أعلى، فيجعل الآخرة نصب عينيه، وما يهمه من أمر دنياه أيضاً يدعو به، ومنهم من قال: إن الدعاء في هذا الموطن بأمور الدنيا لا يجوز، بل قال بعضهم: إنه يبطل الصلاة، وهذا الكلام ليس بصحيح؛ لعموم قوله: ((ليتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو به)) وهذا عام لأمور الدين وأمور الدنيا وأمور الآخرة.
"متفق عليه، واللفظ للبخاري".
(18/28)
وله أيضاً قال: "كنا إذا كنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في الصلاة قلنا: السلام على الله من عباده، السلام على فلان وفلان، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تقولوا: السلام على الله، فإن الله هو السلام)) " يعني لو أن المؤلف قدم هذه الرواية لكان أولى، وعلى كل حال هذا تشهد ابن مسعود، ويرجحه كثير من أهل العلم على غيره من التشهدات، وهو مروي عن أصحابه، ولا يختلفون فيه، وهو أيضاً مروي عن غيره من الصحابة، وهو مرجح عند أحمد وغيره، على تشهد ابن عباس الآتي، وعلى غيره من التشهدات، لكن مثل هذا الاختلاف في هذه الصيغ شأنه شأن الاختلاف في دعاء الاستفتاح، الاختلاف فيه اختلاف تنوع وليس باختلاف تضاد، نعم لو كان هناك تضاد لقلنا بالترجيح؛ لأن الذي اختار تشهد ابن مسعود رجحه، وألغى ما عداه، الذي اختار تشهد ابن عباس رجحه وألغى ما عداه، وقل مثل هذا في التشهدات الأخرى، لكن المرجح عند شيخ الإسلام ابن تيمية أنه من باب اختلاف التنوع، فمرة يتشهد بتشهد ابن مسعود، ومرة يتشهد بتشهد ابن عباس، ولذا أردفه بقوله: "وعن أبي الزبير عن سعيد بن جبير وعن طاوس عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن" يعني يهتم بالتشهد -عليه الصلاة والسلام- كما يهتم بالقرآن، يهتم به، بحفظه من قبل الصحابة بلفظه؛ لأنه متعبد به كالقرآن.
"كما يعلمنا السورة من القرآن، فكان يقول: ((التحيات، المباركات، الصلوات، الطيبات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً)) " إيش عندكم يقول: عبده ورسوله؟
طالب: رسول الله.
ويش عندك؟
طالب: رسول الله.
الطبعة عندك رسول الله؟
طالب: إي نعم.
إيه لا عندنا: ((عبده ورسوله)) والذي في صحيح مسلم: ((وأشهد أن محمداً رسول الله)) وهذا مما يختلف فيه تشهد ابن عباس عن تشهد ابن مسعود، وفيه أيضاً التحيات المباركات ... إلى آخره.
(18/29)
بعض أهل العلم يرى أن يلفق من هذه التشهدات تشهد واحد، فتؤخذ الزوائد من تشهد ابن عباس وتوضع في تشهد ابن مسعود، لكن هذا ليس بصحيح، الأولى أن يقال: إن هذا اختلاف تنوع وليس فيه تضاد، فيقال هذا تارة وذاك تارة أخرى.
"وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: كنا نقول في الصلاة قبل أن يفرض التشهد" وجاء أيضاً الأمر به، ((إذا تشهد أحدكم فليقل)) فهذا دليل على أن التشهد واجب وفريضة، وبالنسبة للتشهد الأول من أهل العلم من يرى أنه سنة؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- تركه نسياناً، وجبره بسجود السهو، ولو كان واجباً لما كفى فيه سجود السهو، وهو واجب عند الحنابلة، وجمع من العلماء أنه واجب، لكنه يجبر بسجود السهو.
التشهد الثاني أيضاً يختلف فيه أهل العلم، وهو عند الحنابلة ركن من أركان الصلاة، لا تصح إلا به، ومن أجل ذلك قال المؤلف:
"وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: كنا نقول في الصلاة قبل أن يفرض التشهد: السلام على الله" وهي رواية من روايات الحديث السابق.
"رواه النسائي والدارقطني، وصحح إسناده" ولا شك أن إسنادها صحيح.
"وقال عمر -رضي الله عنه-: لا تجوز صلاة إلا بتشهد" رواه سعيد وغيره" لكن إسناده ضعيف، وعلى كل حال الذي قبله يغني عنه، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(18/30)
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: المحرر – كتاب الصلاة (20)
الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هذا يقول: ما المرجح عندكم في الإشارة بالسبابة في جميع الجلسات في الصلاة؟
أما جلستي التشهد الأول والثاني الأمر واضح، وليست هي محل الخلاف، والإشارة تكون عند الشهادة يرفع الإصبع عند الشهادة؛ لأنها علامة على الشهادة، وتحرك أثناء الدعاء، هذا بالنسبة للتشهد، وأما بالنسبة للجلسة بين السجدتين، جلسة الاستراحة ليس فيها شيء من هذا، وضع اليد اليمنى مثل وضع اليد اليسرى، توضع على الفخذ، وأما بالنسبة لمحل الخلاف الذي هو بين السجدتين فجاء ما يدل عليها وما يشملها مع غيرها من أنواع الجلسات، ويتمسك به من يجري هذه الأحاديث على ظاهرها ويصححها؛ لأنها جاءت في الصحيح، ويعمل بها، والمبتدئ أمثالنا ممن لا يعرف القدح بالقرائن فمثل هذا ليس له إلا أن يعمل بما بلغه، فيعمل بمثل هذه، ومن قلد بعض المتقدمين الذين عللوا هذه الروايات، وحكموا بشذوذها فالأمر إليه، ولذلك قيل هذا وهذا، وعلى كل حال الأمر فيه سعة بالنسبة للجلسة بين السجدتين، ولا شك أن رفع الإصبع علامة أيضاً على الدعاء كما هو الشأن في الخطبة وغيرها، يحركها يدعو بها، فهو إشارة إلى الدعاء، وموطن الدعاء لو حركت فيه الإصبع من أجله لكان له وجه.
هذا يقول: نرجو بيان إشكال كثير من طلاب العلم في مسألة التصحيح والتضعيف، وهم غير متخصصين في علم الحديث، ما العمل بالنسبة لهم في تقليد الأئمة في هذا الشأن؟ فهل يلتزمون عمل المتقدمين أم المتأخرين؟ وهل يصح لهم الأخذ بحكم العلماء في حديث وتركه في حديث آخر؟
(19/1)
هؤلاء مسألة التخريج وجمع الطرق يمكن لا تصعب عليهم، يمكن هذا أمر لا يصعب عليهم؛ لأن الآلات الآن تخدم، وأيضاً الكلام على الرجال من خلال كتب الرجال قد لا يشق عليهم، لكن الكلام في الترجيح، الترجيح بين أقوال الأئمة الذين لهم أكثر من قول في الرجل الواحد، هذا يشق عليهم، وأيضاً أقوال الأئمة في الحكم على الأحاديث، فإذا صحح إمام، وضعف إمام، كيف يعمل مثل هذا؟ هذا ليس في مقدوره إلا أن ينقل أقوال أهل العلم، ويترك الباقي لمن يستطيع أن يرجح، يستوي في ذلك الكلام في الرجال والكلام على الأحاديث، فهذا يقرب المادة، ويجمع المادة لمن تأهل للترجيح.
يعني قد يقول قائل: المفترض أن مثل هؤلاء الذين ليسوا من أهل الاختصاص أن لا يدخلوا في هذا الباب؛ لأن من دخل في شيء لا يحسنه قد يفسد أكثر مما يصلح، نقول: هذا إذا اعتمدوا الترجيح وهم ليسوا بأهل له قد يفسدون أكثر مما يصلحون، لكن إذا جمعوا مادة يستفيد منها من تأهل نقول: هذا أمر جيد، ولا يحرمون من هذا العلم.
يقول: ذكرتم أنكم وصلتم في التفسير إلى سورة يس؟
نعم في تفسير القرطبي وصلنا إلى سورة يس.
ولكن لم تفرغ في أشرطة، فهل لديكم نية في تفريغها؟ فإننا طلبة العلم بأمس الحاجة لما لأهمية التفسير لطالب العلم، نسأل الله ... إلى آخره.
(19/2)
أما بالنسبة لتفسير القرطبي فأمضينا فيه الآن خمسة عشر عاماً، ووقفنا على الجزء الخامس عشر، اللي في سورة يس، وكانت الطريقة عندنا أننا لا نرتضي التسجيل، حتى ولا الإعلان ولا غيره، هذا أول الأمر، ثم بعد ذلك كثرت الضغوط، فأدخل التسجيل، وبدأ التسجيل أظن من سورة هود، قبلها ما في تسجيل، ومع ذلك التعليق على تفسير القرطبي ليس معناه أنه تفسير مفصل وموضح، ويحل إشكالات، ويجمع أقوال، لا لا، تفسير بقدر الحاجة؛ لأنه تفسير مطول، يعني إذا طول التعليق على هذا التفسير معناه أنه ما ينتهي أبداً، فالمؤلف قام بهذه التفصيلات، ومجرد يعني توفيق بين أقوال، أو تضعيف قول، أو توجيه قول، وما أشبه ذلك، يعني التعليقات ليست مطولة، كما هو شأن تفسير الجلالين مثلاً، يعني استطال الإخوان تفسير القرطبي قبل خمس سنوات، وقالوا: لعلنا نعدل إلى تفسير مختصر، فبدأنا بتفسير الجلالين، وأخذنا سنة ونصف في ورقة من البقرة، في الفاتحة وورقة واحدة من البقرة، فهذا الذي يحتاج إلى تفصيل، ويحتاج إلى تطويل، ويحتاج إلى توضيح، مزيد توضيح، وزيادة أقوال وترجيح، أما بالنسبة للقرطبي فما أظن يعني .. ، يعني لو فرغ منه فوائد فقط، يعني يسمع طالب العلم الشريط، ويذكر فوائد هذا الشريط، سواءً كانت من أصل التفسير أو من التعليق هذا جيد، أما أن يفرغ كل شيء! فالقرطبي يعني معروف أنه في كم ورقة؟ إذا قلنا: عشرين مجلد في مائتي صفحة، أو تزيد أحياناً إلى ثلاثمائة، يعني خمسة آلاف صفحة، يعني إذا فرغ كيف يكون؟ فأقول: التفريغ لعله يقتصر فيه على فوائد التفسير، سواءً كانت من الأصل أو من التعليق، ويكون هذا -إن شاء الله تعالى-.
يقول: ما العمل في الأخذ بفقه حديث يصححه البعض ويضعفه البعض الآخر بالنسبة لغير المهتمين بهذا؟ وهل يلزمنا الأخذ بحكم عالم واحد؟
(19/3)
غير المهتمين يعني غير المختصين الذين لديهم أهلية لفهم هذا العلم، والوصول إلى الأقوال الراجحة من أقوال أهل العلم في الرواة وفي الأحاديث، هذا حكمه حكم العامي فرضه التقليد، تقليد الأئمة، وبالنسبة للتصحيح والتضعيف لا شك أنها من الوسائل التي يثبت بها الحديث، أو لا يثبت، ثم بعد ذلك ثبوت الحديث وعدمه ينبني عليه الحكم المستنبط من هذا الحديث، فهو يقلد في الحكم لا في التصحيح والتضعيف؛ لأن هذه الوسائل لا تعني العامي ومن في حكمه، العامي ومن في حكمه بصدد سؤال أهل العلم عن الحكم الشرعي، وأما وسائل ثبوت الحكم، وكيفية استنباط الحكم هذا لا يعني العامي، إنما يسأل أهل العلم فيما يشكل عليه فيما هو بصدد العمل به الذي هو الحكم، فإذا سأل طالب العلم المبتدئ إلا إذا كان يريد أن يتعلم من هذا العالم، أما إذا كان يريد أن يعمل فيكفيه أن يسأل عن الحكم، ثم بعد ذلك إذا سأل عن دليله من أجل التعلم، ثم إذا سأل عن الدليل سأل عن ثبوته وعدمه، وعن رجاله ورواته هذه دراسة ما هو بسؤال لأهل العلم.
بعض أهل العلم يرون أن السترة واجبة، ورأيت بعض طلبة العلم إذا انتهى الإمام من صلاته قام ليكمل الصلاة -يعني المسبوق- فإذا لم يجد سترة أمامه تقدم حتى يجد سترة، فما حكم ذلك؟
أولاً: الذي يقضي ما فاته حكمه حكم المنفرد، ولعل القول بوجوب السترة على المنفرد هذا حكمه، لكن قد يفرق بين المنفرد ابتداءً الذي يبحث عن السترة قبل أن يدخل في الصلاة هذا قد يقال بلزومها بالنسبة له على القول بوجوبها، وإلا فجماهير أهل العلم على أنها مستحبة ليست بواجبة، النبي -عليه الصلاة والسلام- ثبت في الصحيح أنه صلى إلى غير جدار، يقول ابن عباس: يعني إلى غير سترة، والأوامر التي جاءت في اتخاذ السترة لا شك أنها مصروفة بمثل هذا الحديث من الوجوب إلى الاستحباب.
(19/4)
المسبوق إذا قام ليقضي حكمه حكم المنفرد، ويؤثر على صلاته ما يؤثر على صلاة المنفرد، فإذا مر بين يديه شيء ممن يقطع الصلاة قطعها؛ لأنه منفرد في هذه الحالة، فإذا بحث عن سترة إذا كانت قريبة منه يصل إليها بخطوة ونحوها هذا قد يقال له: تقدم إلى هذه السترة، أو يمنياً أو شمالاً، أما إذا كانت تتطلب عملاً كثيراً فلا.
يقول: حديث الحسن بن علي الذي ذكره ابن عبد الهادي أنه مما ألزم الشيخان بإخراجه رواه الحاكم، وقال: الحديث أشهر من أن يذكر إسناده وطرقه، رجعنا إلى الأخبار الصحيحة في الآداب مما لم يخرجه الشيخان؟
أصل تأليف المستدرك إلزام للشيخين؛ لأنه يخرج أحاديث احتج بمثلها الشيخان، فهو مستدرك على الصحيحين، وهذه ليس فيها يعني مما يدل على الإلزام إلا ما يدل عليه عموم الكتاب، وإلزام الدارقطني أقوى من إلزام الحاكم، سماها إلزامات، وذاك سماه استدراك.
هل يدعو في التشهد الأول أم في التشهد الأخير قبل السلام؟
نعم جاء ما يدل على ما سيأتي من رواية مسلم أنه في التشهد الأخير.
يقول: ما رأيك في مؤلفات الشيخ علي الطنطاوي خاصة ما يتعلق بالأدب؟
الشيخ علي -رحمة الله عليه- فقيه، معروف أنه فقيه حنفي، تولى القضاء مدة طويلة جداً، تولى التدريس، فهو عالم شرعي، إضافة إلى عنايته التامة في الأدب، وأيضاًَ دفاعه عن الفضيلة، ودفاعه عن الدين وأهل الدين هذا أمر معروف، كتاباته في الصحف المصرية وغيرها أمر يشهد له بذلك، يعني أمر لا يحتاج إلى استدلال، فهو محسوب على أهل العلم من جهة، وعلى الأدباء من جهة أخرى، فطالب العلم لا سيما مذكرات الشيخ علي فيها فوائد علمية كثيرة، وفيها متعة لطالب العلم، يستجم بها طالب العلم، وفيها أيضاً طرائف وأخبار وغرائب، فهو خير من يقرأ له من الأدباء.
يقول: إذا أطال الإمام في الجلسة بين السجدتين فهل يجوز لي الدعاء بغير الوارد؟
نعم هو موطن دعاء، لكن من أهل العلم من قال: إنه يقتصر على الوارد ويكرره، ومنهم من قال: الأمر فيه سعة، إذا أتى بالوارد وأتى بدعاء مطلق لا يتعبد به في هذه الجلسة.
هل قبض اليمنى في التشهد له ثلاث صفات أم صفتان؟
(19/5)
ذكر بعضهم أنها خمس صفات، لكن منها ما يدخل في بعض، فمنها قبض الأصابع كلها، ومنها ما يجعل فيه الإبهام على الأصابع الثلاثة، ومنها التحليق، ومنها ما يجعل الإبهام في باطن السبابة.
هل قال العلماء بأنه يجوز أن يمر المار بين يدي المصلي في الحرم خاصة؟
أولاً: جاء أن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى في الحرم من غير سترة، ومن غير جدار، ويمرون بين يديه، وجاء عنه أنه يقطع الصلاة ثلاثة: المرأة والحمار والكلب، وجاء أن من استتر عليه أن يدفع من أراد أن يجتاز بين يديه، ولا شك أن أيام المواسم وأيام الزحام فيها مشقة عظيمة على المصلي وعلى المار، والمشقة عند أهل العلم تجلب التيسير، فإذا لم يستتر ليس له أن يدفع، وإذا استتر دفع، وإذا استتر فإنه يدفع، وليس للحرم في أيام السعة مزية على غيرهن، لا بد أن يستتر، ولا بد أن يدفع على الخلاف في حكم السترة، لكن إذا مرت المرأة في وقت السعة بينه وبين سترته يعيد صلاته، أما في أوقات الزحام وأوقات المواسم فإن هذا يستدل بصلاته -عليه الصلاة والسلام- من غير سترة، والناس يمرون بين يديه، والناس يدخل فيهم الرجل والمرأة.
يقول: ألا يستدل على مشروعية الإشارة بالسبابة بين السجدتين بحيث أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا جلس بين السجدتين قبض أصابعه وأشار بالسبابة، رواه أحمد، وصححه ابن خزيمة؟
نعم هذا من أدلة من يقول بهذا، لكن ليعلم أن الروايات الدالة على الإشارة في الجلسة بين السجدتين تكلم فيها كثير من الحفاظ، وعلى كل حال الأمر فيه سعة، مثل ما قلنا: الذي لا يستطيع أن يغوص على المعاني التي من أجلها تكلم الحفاظ الكبار، وعمل بالقواعد -قواعد المتأخرين- وقلدهم الأمر فيه سعة.
يقول: صاحب سيارة صدم حمامة غير متعمد ولم تمت، ولكن انكسر أحد جناحيها، وغالباً والحالة هذه أنها ستموت، فما الحكم في حقه؟
(19/6)
جاء في قتل الصيد في الحرم وحال الإحرام التقييد بالتعمد {وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ} [(95) سورة المائدة] وهذا يدل على أن غير المتعمد لا شيء عليه، لكن عامة أو جمهور أهل العلم يرون أن عليه الجزاء؛ لأنه إتلاف، وهذا من ربط الأسباب بمسبباتها، فلا يشترط فيه العمد ولا غيره، وأن العمد وصف كاشف، وأنه هو الصفة الغالبة لمن أراد أن يصطاد في الحرم أو في حال الإحرام، يعني حكمه على الغالب، وليس بقيد، فيه إتلاف، وفيه أيضاً ربط للسبب بالمسبب، الإثم يرتفع إذا لم يكن عمد، وتبقى الكفارة كما هو الشأن في قتل النفس المعصومة خطأ من غير عمد عليها آثارها المترتبة، لكن الإثم مرتفع، واللفظ أو القيد واضح من الآية، يعني من قال بأنه لا شيء عليه الدلالة ظاهرة من الآية.
يقول: لقد هممت على اختصار المبدع لابن مفلح لنفسي، لكي أضبط المذهب الحنبلي بأدلته، فما توجيهكم؟
ذكرنا مراراً أن الاختصار اختصار الكتب من أعظم ما يعين على التحصيل، وهذا منها إذا اختصر المبدع يعني بدلاً من أن يكون في عشرة مجلدات اختصره في مجلدين، ونقل ما يحتاج إليه من الشرح على المتن يكون عمله جيد، ويضبط المذهب بهذه الطريقة.
يقول: هل يُنكر على بدأ بالسلام -التحية- بقوله: سلام الله عليكم أو عليك ورحمته وبركاته، بدلاً من السلام عليك؛ لأن البعض يمنع من ذلك، ويقول: الله هو السلام فكيف تقول: سلام الله؟
السلام اسم من أسماء الله -جل وعلا-، وهو أيضاً دعاء بالسلامة على المسلم عليه، وأهل العلم يقولون: يخير في السلام بين تعريفه وتنكيره في سلام على الحي، فسواءً كان بالتعريف أو بالتنكير يحصل المقصود، ولا شيء في ذلك أبداً -إن شاء الله تعالى-.
يقول: حديث ابن مسعود: علمني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كفي بين كفيه، استدل به على مشروعية المصافحة بالكفين، فهل هذا الاستدلال صحيح؟
هذا ليس بصحيح؛ لأن هذه ليست تحية، وإنما هي من باب أن يعتني ابن مسعود بما يعلمه النبي -عليه الصلاة والسلام-، وينتبه له.
يقول: ما حكم التسبيح بالسبحة؟ وما قول الجمهور فيه؟
(19/7)
الأصل أن التسبيح يكون بالأنامل؛ لأنها المستنطقة، كما جاء في الحديث، فيسبح الإنسان بأنامله، وقد وجه النبي -عليه الصلاة والسلام- أم المؤمنين إلى ذلك، ولكنه لمن ينكر عليها، ولم يعنف عليها تسبيحها بالحصى، فمن أطلق الكراهة له وجه، ومن قال: إنها خلاف الأولى أيضاً له وجه آخر.
يقول: ما أفضل طبعة لجامع الترمذي؟
أما بالنسبة لما تولاه الشيخ أحمد شاكر الجزء الأول والثاني فهذه طبعة لا مزيد عليها، وأما الثلاثة الأخيرة فلا قيمة لها، لا سيما الرابع والخامس، وطبعة بشار أشار إليها.
وهل في طبعة بشار عواد يوجد فيه سقط في بعض الأحاديث؟
بعضهم يقولون: إن فيها سقطاً، أنا ما قابلتها على غيرها، لكن عناية الدكتور واضحة، وهو من أهل العناية والإتقان والضبط، فيستفاد منها مع طبعة الشيخ أحمد شاكر.
يقول: ما هي أفضل طبعة لمصنف ابن أبي شيبة؟ هل هي طبعة محمد عوامة؟
المصنف طبع بالهند منه خمسة أجزاء قديمة، ثم أكمل بعد ذلك قبل خمسة وعشرين سنة، أو ثلاثين سنة، وهذه طبعة معروف أن فيها سقط، وفيها تحريف، وفيها خلط عجيب، ثم بعد ذلك طبع في بيروت مراراً، اعتماداً على هذه الطبعة الهندية، وهي طبعات سيئة، ثم حقق من قبل بعض الإخوة من طلاب العلم، الجمعة واللحيدان تحقيق لا بأس به في الجملة، لكن لم يبلغا فيه الغاية، لكنها أفضل من الطبعة الهندية بكثير، ثم حققه الدكتور محمد عوامة، وتحقيقه جيد في الجملة إلا أنه قد يتصرف من غير أصل، وهذا لا شك أنه خلل في التحقيق، وإلا فضبطه للمتون، وأيضاً تعليقاته فيها فوائد، والآن بعض المشايخ يحققه، وجمع له نسخ، ويقول: إنه فرغ منه أو قارب، ويطبع منه أجزاء، وذكر لنا أشياء تدل على أن طبعته أفضل من جميع الطبعات، واستدرك على بقية الطبعات، وهو مظنة للتجويد، يعني الشيخ سعد الشذري مظنة للتجويد في مثل هذا، وله عناية أيضاً على أن تخصصه في الفقه وأصوله وما يتعلق به، إلا أنه له عناية بالسنة، وهذا من توفيق الله له، أن يضم إلى الفقه العلم بالسنة.
يقول: ما أهمية هذين الكتابين؟ وما أفضل طبعة لهما: الحاوي الكبير للماوردي؟
(19/8)
هذا الكتاب على اسمه كتاب كبير، وعمدة عند الشافعية، ومؤلفه الماوردي إمام من أئمتهم، فهو كتاب مرجع لمعرفة الأحكام الفقهية في هذا المذهب، ويشير إلى الأقوال الأخرى، لكنه عمدة عند الشافعية، ويمكن أن يعول عليه في نسبة الأقوال لهذا المذهب، فهذه أهميته من هذه الحيثية، وهو أيضاً محقق في رسائل جامعية في جامعة أم القرى، لكن لا أدري ماذا طبع منه؟ طبع منه بعض الرسائل، لكنه لم يكمل، وطبع كاملاً في بعض المطابع التجارية التي لا تعتني بالتحقيق.
المفهم شرح تلخيص مسلم للقرطبي يقول: ما أهميته؟ وما أفضل طبعة له؟ وأهميته بين شروح مسلم؟
المفهم أولاً: ليس بشرح لصحيح مسلم الأصل، وإنما هو شرح للتلخيص تلخيص القرطبي، لا تلخيص المنذري، القرطبي اختصر مسلم وشرحه بالمفهم، والقرطبي المراد به أبو العباس شيخ أبي عبد الله صاحب التفسير، شيخه، وأهميته الكتاب مهم جداً باعتبار أنه يعنى بفقه المالكية وفيه أيضاً من مسائل تخريج الفروع وربطها بالأصول هذا أيضاً يفيد كثيراً طالب العلم، وعلى كل حال صحيح مسلم فيه إشكالات كثيرة جداً لا تنحل إلا بجمع جميع الشروح، يعني البخاري قد تقول: أكتفي بفتح الباري؛ لكن جميع شروح مسلم المطبوعة لا تعادل فتح الباري في حل الإشكالات، وكشف الغوامض، وما أشبه ذلك، فطالب العلم صاحب العناية يجمع هذه الكتب كلها بما فيها المفهم.
سم.
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين.
قال الإمام ابن عبد الهادي -رحمه الله تعالى- في كتابه المحرر:
(19/9)
وعن فضالة بن عبيد قال: سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجلاً يدعو في صلاته لم يمجد الله تعالى، ولم يصل على النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((عجل هذا)) ثم دعاه فقال له أو لغيره: ((إذا صلى أحدكم فليبدأ بتمجيد ربه -جل وعز- والثناء عليه، ثم يصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم-، ثم يدعو بعد بما شاء)) رواه أحمد وأبو داود وهذا لفظه، والنسائي، والترمذي وصححه وابن حبان والحاكم، وقال: صحيح على شرط مسلم، وفي موضع: على شرطهما، وفي لفظ بعضهم: ((إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد الله والثناء عليه، ثم ليصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم-)).
وعن أبي مسعود الأنصاري قال: أتانا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونحن في مجلس سعد بن عبادة، فقال له بشير بن سعد: أمرنا الله تعالى أن نصلي عليك يا رسول الله فكيف نصلي عليك؟ قال: فسكت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى تمنينا أنه لم يسأله، ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم))
عندك إبراهيم؟
((كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد))
لا، كما صليت؟
((قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد))
ما عندك آل في الثانية كما باركت؟
((كما باركت على آل إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد، والسلام كما قد علمتم)) رواه مسلم، ورواه أحمد والدارقطني والحاكم بنحوه، وعندهم: فكيف نصلي عليك إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا؟ وهذه الزيادة تفرد بها ابن إسحاق، وهو صدوق، وقد صرح بالتحديث فزال ما يخاف من تدليسه، وقد صححها ابن خزيمة وابن حبان والحاكم والبيهقي وغيرهم.
يكفي، يكفي.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
(19/10)
"وعن فضالة بن عبيد" فضالة قالوا: على زنة سحابة، يعني بالتخفيف "قال: سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجلاً يدعو في صلاته لم يمجد الله تعالى، ولم يصل على النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((عجل هذا)) ثم دعاه، فقال له أو لغيره" (أو) هذه للشك، فقال له وهو أولى من غيره على كل حال، المقصود أن الراوي يحفظ أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال، قال هذا الكلام: ((إذا صلى أحدكم)) فلا يدري أواجه به هذا الرجل أو قال لغيره: ((إذا صلى أحدكم ... )) إلى آخره، فهذا شك منه، ولعله نسي لطول العهد وشبهه.
"سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجلاً يدعو في صلاته" الأصل أن الذي يسمع هو ما يجهر به، فهل الدعاء في الصلاة مما يجهر به أو مما يسر به؟ يعني قوله: "سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" دل على أن الرجل جهر في دعائه.
أولاً: هل هذا الرجل الذي يدعو إمام أو مأموم أو منفرد؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
(19/11)
يعني الظاهر أنه منفرد؛ لأنه ليس بإمام بحضوره -عليه الصلاة والسلام- هو الإمام، وليس بمأموم إذ الأصل أن يصلي خلف النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولو قيل: بأنه خلف النبي -عليه الصلاة والسلام-، وسمعه يدعو بهذا الدعاء وهو خلفه لما انصرف من صلاته قال له ما قال، اللفظ محتمل المقصود أنه جهر في دعائه بحيث سمعه النبي -عليه الصلاة والسلام- كما جهروا بالفاتحة، وراءه -عليه الصلاة والسلام- وشوشوا عليه، وقال: ((ما لي أنازع القرآن؟ )) فالقريب يسمع ولو لم يكن جهراً مثل جهر الإمام، ويحتمل أن يكون هذا الرجل كبير السن، وضعيف سمع، وعادة كبار السن مع ضعف السمع أنهم يجهرون، يعني يسمع من بجواره من عن يمينه من عن شماله، يسمع قراءته، يسمع تسبيحه، يسمع دعاؤه، وهذا موجود في كبار السن؛ لأن سمعه ضعيف، فيريد أن يسمع نفسه، ويجزم بأنه دعا أو تكلم أو قرأ، أو ما أشبه ذلك، يعني تسمعون الكبار إذا أرادوا أن يتحدثوا رفعوا أصواتهم، وينقمون على الشباب حينما يتكلمون بكلام اللي يسمعونه فيما بينهم، ثم بعد هم لا يسمعون، يعني كأنهم يتناجون دونهم، فلعل هذا بهذه المثابة، إما لكبر سنه، أو لضعف سمعه رفع صوته بالدعاء، فسمعه النبي -عليه الصلاة والسلام-.
"سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجلاً يدعو في صلاته لم يمجد الله تعالى، ولم يصل على النبي -عليه الصلاة والسلام-" يعني ظاهر أن هذا في التشهد، أن دعاءه هذا في التشهد، ولم يقرأ التشهد الذي فيه التمجيد والتحميد، ولم يصل على النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه يدعو في صلاته، والصلاة يعني جاءت مع الدعاء، يدعو في صلاته وإلا لو لم يقل، أو لو قال: رجلاً يصلي لم يمجد الله، قلنا: احتمال أن تكون الصلاة لغوية وهي دعاء، أو لو قال: يدعو ما في إشكال أنه الدعاء المعروف من غير صلاة، لكن يدعو في صلاته الدعاء هو المعروف، والصلاة هي الصلاة الشرعية، ولا يمكن حملها على الصلاة اللغوية؛ لأنه يدعو في دعائه، ما يجي.
"يدعو في صلاته لم يمجد الله تعالى" لم يقرأ التحيات التي سبق الحديث عنها، فيها تحميد، وفيها تمجيد لله تعالى، ولم يصل على النبي -عليه الصلاة والسلام-.
(19/12)
"فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((عجل هذا)) " أراد أن يستغل الصلاة بالدعاء، لكن الدعاء لا بد له من مقدمات ووسائل يتوسل بها إلى القبول من الله -جل وعلا-، فالإنسان إذا دعا يتوسل إلى الله -جل وعلا- بتحميده وتمجيده، ثم يصلي على النبي -عليه الصلاة والسلام-.
هل يمكن أن يقال: إن هذا الرجل يدعو في صلاته في السجود لم يمجد الله ولم يصل على النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ أو بين السجدتين؟ هل يمكن أن يقال هذا؟ لكن ترتيب الدعاء في هذا الحديث، ترتيب الأمور في هذا الحديث، تمجيد، ثم صلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام-، ثم دعاء، هذا يدل على أنه في التشهد كما بينته الأحاديث السابقة واللاحقة، أما الدعاء في السجود جاء فيه الإجمال: ((أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء، فقمن أن يستجاب لكم)) لأنه أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، ولم يشر في حديث من الأحاديث لا تمجيد ولا صلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام-، وكذلك تقدم أن الدعاء بالجمل الخمس أو السبع بين السجدتين ليس فيها تمجيد، وليس فيها صلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام-، فلم يبق إلا الدعاء الذي في آخر الصلاة ((ثم ليتخير من المسألة ما شاء)) ويقدم قبل ذلك التحميد والتمجيد في التحيات، ثم يصلي على النبي -عليه الصلاة والسلام- الصلاة الإبراهيمية التي ستأتي، ثم بعد ذلك يدعو.
(19/13)
"فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((عجل هذا)) " وكذا لو دعا خارج الصلاة فإنه يتوسل إلى الله -جل وعلا- بتحميده وتمجيده، ويثني بالصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام-، ويختم بها خارج الصلاة كما هو معروف، وجاءت به النصوص، لكن نجد بعض الناس في دعاء القنوت مثلاً وهو مما يشمله مثل هذا تجده يكون التمجيد طويل جداً، ولا شك أن في مثل هذا توسل إلى الله -جل وعلا- بما يحبه من حمده والثناء عليه، والصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- وبعضهم يطيلها بصيغ متعددة، بعضها ثابت، وبعضها غير ثابت، ثم يترتب على ذلك إطالة الدعاء بحيث يشق على المأمومين، فلو اقتصر من التمجيد على ما يكفي، وينطبق عليه هذا الأمر، والصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- بصيغة مأثورة، ثم بعد ذلك يدعو بجوامع الكلم، ولا يطيل على الناس.
بعد هذا في القنوت في الدعاء ترفع اليد، لكن أثناء التمجيد ترفع اليد وإلا ما ترفع باعتباره وسيلة إلى الدعاء؟ الأصل أن رفع اليدين في الدعاء، يعني تسمعون الأئمة في المسجد الحرام مثلاً بعضهم يستغرق في التمجيد وقت وفي غير المسجد الحرام، يأخذ بحمد الله والثناء عليه وذكر أوصافه ونعمه وتعدادها، ثم بعد ذلك يصلي على النبي، متى يبدأ رفع اليدين؟ من أول ما يشرع بالتمجيد أو من الدعاء؟ هل نقول: إن الوسيلة لها حكم الغاية؟ وهي مقدمة بين يدي الدعاء فترفع اليد من شروع الإمام بالتمجيد، أو نقول: إن رفع اليدين خاص بالدعاء فلا ترفع اليد إلا في الدعاء ووقت التمجيد تكون على وضعها في الصلاة مقبوضة، فإذا بدأ بالدعاء شرع بالدعاء رفع يديه سواءً كان الإمام أو المأموم الذي يؤمن؟ الأظهر أن علاقة رفع اليدين إنما هي بالدعاء فلا ترفع اليد إلا في وقت الدعاء.
(19/14)
"ولم يصل على النبي -عليه الصلاة والسلام- فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((عجل هذا)) " فعلى هذا الإنسان الذي يدعو الله -جل وعلا- بأي أمر من الأمور سواءً كان من أمور دينه أو دنياه، فيقدم بهذه المقدمة بتحميد وتمجيد وصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام-، ويتوسل إلى الله -جل وعلا- بما يقربه منه وبما يحبه، والتوسل بالأعمال الصالحة أيضاً ثابت في حديث الثلاثة، لكن هل يشرع مثل هذا في الصلاة؟ أو في القنوت مثلاً؟ الصلاة يحتاط للدعاء فيها أكثر مما يحتاط في غيرها؛ لأنها توقيفية الصلاة، وقد يسترسل الإنسان في بعض الأمور التي تكون سبباً في إبطالها، في إبطال الصلاة وهو لا يشعر؛ لأن بعض الأدعية التي تجري على ألسنة بعض الأئمة هي جملة خبرية، لا علاقة لها بالدعاء ولا بالثناء ولا بالتمجيد، بل بعضهم يذكر من المقدمات، ما لا صلة له بالصلاة ولا بالدعاء، فهذا مظنة لأن تبطل صلاته وصلاة من ورائه بهذا السبب، فعلى الإنسان أن يحتاط لمثل هذا، لا يعرض صلاته للبطلان ولا صلاة من رواءه.
بعضهم يأتي بألفاظ صحفية: "اللهم عليك بأعداء دينك" هذا صحيح "الذين يصطادون في الماء العكر" الذين يفعلون ويفعلون، يسترسل كأنه يقرأ في صحيفة، هذا لا علاقة له بالصلاة ولا بالدعاء، ولا مما يتوسل به لقبول الدعاء، هذا خبر هذا، هذا مبطل للصلاة، ومع ذلك سُمع، فالتوسع في مثل هذا غير مرضي، فالصلاة توقيفية ومظنة، ولا يصلح فيها كلام الناس، كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام-.
"ثم دعاه فقال له أو لغيره" هو أولى الناس بتوجيه الخطاب لأنه هو السبب، سبب ورود الخبر، هو السبب، فهو أولى من غيره بأن يوجه له هذا الكلام، وأيضاً من سمع لئلا يقتدي به أيضاً له مزيد عناية كالقائل؛ لأنه لو لم يقل له النبي -عليه الصلاة والسلام- مثل هذا فمن سمعه يقتدي به؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- أقره، فالقائل أولى الناس الذي هو سبب الورود، وكذلك من سمع، ثم بقية الأمة لأن هذا شرع.
(19/15)
"فقال له أو لغيره: ((إذا صلى أحدكم)) " إذا صلى قلنا: إن الفعل الماضي يطلق ويراد به إذا أراد ((إذا دخل أحدكم الخلاء)) يعني إذا أراد الدخول {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ} [(98) سورة النحل] إذا أردت القراءة {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [(6) سورة المائدة] إذا أردتم القيام، يعني يطلق الفعل ويراد به إرادته، كما أنه يطلق الفعل ويراد به الشروع فيه ((إذا ركع فاركعوا)) ويطلق ويراد به الفراغ منه ((إذا كبر فكبروا)).
((إذا صلى أحدكم، فليبدأ بتمجيد ربه)) المقصود بالصلاة هنا الدعاء، والدعاء في الصلاة من باب أولى؛ لأنه هو سبب الورود، في سبب الورود يدعو في صلاته، فإذا صلى يعني دعا، والمراد به الدعاء في الصلاة كما نص عليه في سبب الورود ودخول السبب في النص -على ما يقول أهل العلم- قطعي، نعم هو فرد من أفراد العام لا يقصر عليه، لكن دخوله في النص قطعي، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فقوله: ((إذا صلى)) يعني إذا دعا، لكن الدعاء في الصلاة أولى ما يعتنى به في هذا الأمر.
((إذا صلى أحدكم فليبدأ بتمجيد ربه)) في بعض النسخ: ((بتحميد)) التمجيد مرتبة ثالثة بالنسبة للتحميد مرتبة ثالثة، كيف؟ ((قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فإذا قال: الحمد لله قال الله: حمدني عبدي)) الحمد لله رب العالمين ((فإذا قال: الرحمن الرحيم قال: أثنى علي عبدي، فإذا قال: مالك يوم الدين قال: مجدني عبدي)) فهذه مرتبة ثالثة ليس التحميد معناه التمجيد، وليس التحميد أيضاً معناه الثناء، فالحمد غير الثناء، والثناء غير التمجيد بدلالة حديث أبي هريرة في الصحيح.
(19/16)
((إذا صلى أحدكم فليبدأ بتمجيد ربه -جل وعز- والثناء عليه)) في بعض النسخ: ((بالتحميد والثناء)) فدل على أن الثناء غير التحميد وغير التمجيد، ودلالة حديث أبي هريرة ظاهرة على هذا، وإن كان أكثر الشراح وأكثر المفسرين يفسرون الحمد بأنه الثناء على المحمود بصفاته الاختيارية الجميلة الاختيارية، المقصود أن الثناء غيره، فالتحميد كما قال ابن القيم في الوابل الصيب: "ذكر المحامد" يعني التي يحمد بها الرب -جل وعلا- "مع حبه وتعظيمه، والثناء: هو تكرار المحامد" الثناء تكرار المحامد، كما قرر ذلك أيضاً ابن القيم في الوابل الصيب.
((ثم يصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم-، ثم يدعو بعد بما شاء)) ثم يصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم- يعني هذا من كلامه -عليه الصلاة والسلام-، فهل هو الذي قال -صلى الله عليه وسلم- أو غيره؟ وإذا وجد الاسم المجرد للنبي -عليه الصلاة والسلام- في كتاب مؤلف من كتب أهل العلم هل تزاد الصلاة عليه -عليه الصلاة والسلام-، أو يترك كما هو، ويصلي الإنسان عليه في نفسه بدلاً من أن يتصرف في كتب الناس؟
(19/17)
قال: ((ثم يصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم-)) يعني هل يظهر أن هذه من صنيعه -عليه الصلاة والسلام-؟ هل يظهر أنها من قوله -عليه الصلاة والسلام-، أو مما قالها الرواة لأنهم مأمورون بهذا؟ كلما ذُكر مأمور المسلم أن يصلي عليه -عليه الصلاة والسلام-، الظاهر أنها من غيره، ثم إذا كانت من غيره هل هو عمل مقبول أو غير مقبول؟ باعتبار أنها مزيدة في النص أو مزيدة في الكتاب سمع رسول الله رجلاً هل لأحد أن يقول: "صلى الله عليه وسلم" في كتاب ألفه صاحبه على هذه الكيفية، أو نقول: إن هذا تصرف في الكتب ولا يجوز؟ قالوا: إن الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- والترضي على الصحابة قالوا: هذا من باب الدعاء، وليس من باب الرواية، باب الرواية يلتزم فيها بما ذكر، ولا تجوز الزيادة عليها، سواءً كانت رواية كلام الشارع أو كلام غيره، لكن إذا كان من باب الدعاء هذا ما فيه ما يمنع، وأهل العلم إذا زادوا في أنساب غير شيوخهم يأتون بكلمة هو، حدثنا قتيبة قال: حدثنا فلان غير منسوب، يقول المؤلف هو ابن فلان، أو يعني ابن فلان، فيميزون في الأصل.
يقول: ألا يحمل قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((إذا صلى أحدكم)) على الصلاة الشرعية بدليل قوله -عليه الصلاة والسلام- في آخر الحديث: ((ثم يدعو بما شاء)) فهنا ذكر الدعاء، فقوله: إذا صلى أي الصلاة الشرعية.
ما الذي يمنع من إرادة الصلاة الشرعية؟ هو إذا صلى في الصلاة الشرعية، يعني إذا دعا في الصلاة الشرعية، لكن كلمة صلى هنا المراد بها إذا دعا، لماذا؟ لأنه لو قلنا: إذا صلى الصلاة الشرعية فليبدأ بتمجيد الله والثناء عليه، ثم يصلي على النبي معناه أنه إذا قال: الله أكبر يبدأ بتمجيد الله والثناء عليه، ثم يصلي على النبي، هل يمكن أن يقال هذا؟ إذا كبر يستفتح ثم يقرأ الفاتحة، ولا يصلي على النبي ولا شيء، لكنه إذا دعا في الصلاة الشرعية يبدأ بما ذُكر في الحديث.
(19/18)
((ثم يدعو بعد بما شاء)) يعني إذا فرغ من التشهد والصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- التشهد الذي مضى والصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- التي ستأتي يدعو بما شاء، بادئاً بما ورد: ((فليستعذ بالله من أربع)) على ما سيأتي أيضاً، ثم يختار من الأدعية ما شاء.
"رواه أحمد وأبو داود وهذا لفظه، والنسائي والترمذي وصححه، وابن حبان والحاكم، وقال: صحيح على شرط مسلم، وفي موضع: على شرطهما، وفي لفظ بعضهم: ((إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد الله، والثناء عليه، ثم ليصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم-)) " ما الفائدة من هذا اللفظ الذي أورده المؤلف بعد الأول؟ هناك: ((فليبدأ بتحميد ربه -عز وجل-، والثناء عليه، ثم يصلي على النبي -عليه الصلاة والسلام-)) فيه حكم زائد وإلا ما فيه؟ يعني ما الفائدة من إيراد المؤلف لهذه الرواية لهذا اللفظ: ((إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد الله والثناء عليه))؟ اللهم إلا إذا كان لحظ الفرق بين تمجيد وتحميد، إذا كان لحظ هذا مع أنه في الموضعين ورد باللفظين، بتحميد الله والثناء عليه ثم ليصلي، اللام هذه لام التعليل أو لام الأمر؟ فليبدأ لام الأمر هذه ما فيها إشكال؛ لأنها ساكنة بعد الفاء على الجادة، وجزمت الفعل فليبدأ لام الأمر، ثم ليصلي عندكم بالياء أو بدون ياء؟
طالب: بدون ياء.
كيف بالياء؟
طالب: بدون ياء.
بدون ياء أي طبعة؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم عندنا بالطبعة المفضلة عندنا بالياء، لكنه خطأ؛ لأنها لام الأمر، ولام الأم هنا تتقضي حذف هذه الياء، ثم ليصل، ومثله الأمر اللهم صل بدون ياء، وتجدون في بعض اللوحات التي تذكر الناس يكتبون اللهم صلي بالياء خطأ؛ لأن الأمر يبنى على ما يجزم به مضارعه، ومضارعه يجزم بحذف هذه الياء.
على النبي -صلى الله عليه وسلم-.
"وعن أبي مسعود الأنصاري" عقبة بن عمرو الأنصاري البدري، نسب إلى بدر لأنه سكنها ولم يشهدها في قول الجمهور، مع أن البخاري أثبته فيمن شهد بدراً في صحيحه، وأثبته مسلم في الكنى ممن شهد بدراً، لكن الأكثر على أنه لم يشهد بدراً، وإنما سكنها فنسب إليها.
(19/19)
"عن أبي مسعود الأنصاري -رضي الله عنه- قال: أتانا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونحن في مجلس سعد بن عبادة" سيد الخزرج "ونحن في مجلس سعد بن عبادة فقال له بشير بن سعد" والد النعمان بن بشير، بشير بن سعد قال: "أمرنا الله تعالى أن نصلي عليك يا رسول الله" يعني في قوله -جل وعلا-: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [(56) سورة الأحزاب] صلوا أمر، وسلموا "أمرنا الله تعالى أن نصلي عليك يا رسول الله فكيف نصلي عليك؟ قال: فسكت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى تمنينا أنه لم يسأله" أولاً: السؤال نهى عنه النبي -عليه الصلاة والسلام-، وقال: ((لا تسألوني)) وكانوا يحبون أن يأتي الرجل العاقل من أهل البادية ممن لم يسمع مثل هذا النهي، فيسأل النبي -عليه الصلاة والسلام-، فيستفيدون من سؤاله، يتحرجون من السؤال، بشير بن سعد لما سأل النبي -عليه الصلاة والسلام- بقوله: "أمرنا الله تعالى أن نصلي عليك يا رسول الله فكيف نصلي عليك؟ قال: فسكت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى تمنينا أنه لم يسأله" سكت في الغالب كراهية لهذا السؤال أو لكونه ينتظر الجواب من الوحي، كثيراً ما يسكت النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا سئل، فإما أن يكون لكراهية السؤال أو لانتظاره الوحي؛ لأنه لا ينطق عن الهوى، أو ليربي من يفتي بعده على عدم العجلة بالجواب؛ لأننا نسمع من يسأل فيجيب قبل أن ينتهي السؤال، هذا يحتاج إلى تربية، لا بد أن يسمع السؤال كاملاً، ويتأمل السؤال، ويستفصل إذا كان هناك شيء يستدعي الاستفصال، وأما العجلة فقد أوقعت كثير ممن يفتي في حرج عظيم، يسأل سائل يقول: إن ولدي يضربني، فما توجيهكم حفظكم الله؟ فقال: إن تأديب الابن أمر شرعي، وجاءت به النصوص، انقلبت المسألة، الولد هو الذي يضرب الأب، فالجواب أن تأديب الابن .. ، كأن الابن فهم أن تأديب الابن لأبيه أمر شرعي، هذا سببه إيش؟ سببه العجلة، وعدم التريث، وعدم فهم السؤال، وعدم استكمال السؤال، فكثيراً ما يسكت النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولعله يعني مما يستفاد من هذا السكوت عدم العجلة في
(19/20)
الفتوى إلا بعد التأمل والنظر، والعجلة أوقعت كثيراً من المفتين في حرج عظيم مثل هذا نسأل الله العافية، وهناك أسئلة يعني سمعناها وسمعها غيرنا مضحكة يعني، جوابها جاء لا يمت إلى السؤال بأدنى صلة، وسببه كل هذا لأن المفتي استعجل من سُئل استعجل في الجواب.
"فسكت النبي -عليه الصلاة والسلام- حتى تمنينا أنه لم يسأله، ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد، والسلام كما قد علمتم)) " يعني من نصوص أو نص سابق، أو عُلمتم، النبي -عليه الصلاة والسلام- علم أصحابه السلام، فتعلموا ويجوز أن يقال: علمتم وعُلّمتم، وجاءت الرواية بهذا وهذا.
(19/21)
"رواه مسلم، ورواه أحمد والدارقطني والحاكم بنحوه، وعندهم: فكيف نصلي عليك إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا؟ وهذه الزيادة تفرد بها ابن إسحاق وهو صدوق، وقد صرح بالتحديث فزال ما يخاف من تدليسه، وقد صححها ابن خزيمة وابن حبان والحاكم والبيهقي وغيرهم" فائدة هذه الزيادة "فكيف نصلي عليك إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا؟ إذا صلينا عليك امتثالاً لأمر الله -جل وعلا- في صلاتنا، فالصلاة عليه -عليه الصلاة والسلام- في الصلاة فرد من أفراد العام المأمور به في آية الأحزاب "إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا" فرد من أفراد المأمور به في سورة الأحزاب: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [(56) سورة الأحزاب] "إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا" يعني دعونا لك بهذا اللفظ الذي أمرنا به في الصلاة، فهي فرد من أفراد العام، فلا يقصر العام عليه، يعني التنصيص على فرد من أفراد العام لا يقتضي القصر، يعني معنى هذا أنه يتم الامتثال امتثال الأمر بغير هذا اللفظ، يعني يتم الامتثال بهذا اللفظ وبغيره، وإلا لزمنا لو قصرنا العام على فرد من أفراده وهو ما جاء في هذا النص للزمنا أن نقول كلما سمعناه -عليه الصلاة والسلام- أن نقول: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وبارك على محمد ... إلى آخره، ولا يتم الامتثال إلا بهذا، لكن هذا المذكور هنا إذا صلينا عليك في صلاتنا، فهو فرد من أفراد العام المأمور به، ولا يقتضي الحصر ولا القصر عليه، فيتم امتثال الآية بهذه الصيغة في هذا الموضع إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا، ويتم الامتثال أيضاً خارج الصلاة بقولنا: "صلى الله عليه وسلم" وهذا صنيع الأمة، والأئمة من عصره إلى يومنا هذا كلهم يقولون: صلى الله عليه وسلم، إلى أن جاء من تأثر ببعض البيئات كالصنعاني والشوكاني وصديق حسن خان، فقالوا: إنه لا يتم الامتثال حتى تضيف الآل على جميع الأحوال، نقول: لا، هذا فرد من أفراد المأمور به، والتنصيص على بعض الأفراد لا يقتضي التخصيص، وهو أيضاً في موضع خاص.
(19/22)
فكيف نصلي عليك إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا؟ فلا يلزم خارج الصلاة أن نقول: اللهم صل على محمد وآله، إذا قلت: صلى الله عليه وسلم كما هو صنيع الأئمة تم الامتثال في الآية؛ لأن الآية ليس فيها أكثر من هذا: {صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا} [(56) سورة الأحزاب] فإذا قلت: صلى الله عليه وسلم انتهى الإشكال وامتثلت، بينما يقول الصنعاني والشوكاني ويتبعهم صديق كما هي العادة تأثراً بالبيئة التي عاشوا فيها: لا بد أن تقول: وآله وإلا تأثم، ما تم الامتثال، وتبعاً لذلك قالوا: إن جميع العلماء الذين لا يقولون: وآله، يعني الأئمة -أئمة الإسلام كلهم- يعني هل تجدون في كتب الحديث وآله أو صلى الله عليه وسلم؟ بدءاً من الأئمة من أولهم من مالك إلى آخرهم، الذين ألفوا وكتبهم موجودة في أيدينا ما فيها ما ذُكر، ولا بحثوا هذه المسألة في روايتهم لهذا الحديث ولا لغيره، إنما قصروا هذه الصيغة "إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا" قالوا: لا، هؤلاء العلماء تركوا الصلاة على الآل مداراة للحكام؛ لأن بني أمية لا يرضون بالصلاة على الآل، أولاً: جميع المؤلفين ليسوا في عصر بني أمية إنما هم في عصر بني العباس وهم من الآل، ليسوا في عصر بني أمية، إنما هم في عصر بني العباس، فكيف يدارون آل البيت في الصلاة على الآل؟ قالوا: لا، إن هذا من باب: اقتلني ومالكاً، واقتل مالكاً معي، هذا كلام يقابل في مقابل هذه النصوص في تجهيل وتضليل أئمة الإسلام كلهم، وأنهم واطئوا الحكام وتركوا الصلاة على الآل؟ لا، بني العباس من الآل حتى قال القائل في مجلس المنصور وهو من الآل: {يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء} [(69) سورة النحل] قال: يخرج من بطونها يعني من بطون آل البيت يتزلف للمنصور، فقال واحد من العوام الحاضرين: جعل الله شفاءك فيما يخرج من بطون آل البيت، يعني بنو العباس من آل البيت، يعني كيف يمالئ مالك وأحمد والبخاري ومسلم، أئمة المسلمين كلهم يمالئون آل البيت .. ، هذا كلام ليس بصحيح؛ ولنعرف أن هذا يعني قصر العام على فرد من أفراده ليست طريقة علمية، ولذا يلزمنا أن نقول في قوله -جل وعلا-: {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم
(19/23)
مِّن قُوَّةٍ} [(60) سورة الأنفال] في قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((ألا إن القوة الرمي)) أننا ما نستعد بغير الرمي، لا، هذا فرد من أفراد العام، لا نستعد إلا بالرمي، معنى هذا لا نستعد بشيء الآن؛ لأن الرمي لا يفيد بعد.
ففي صلاتنا نأتي بهذه الصلاة ولا يجزئ غيرها، خارج الصلاة يتم الامتثال بقولنا: صلى الله عليه وسلم، وليس معنى هذا أننا نقلل من شأن الآل، لا أبداً الآل هم وصية النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن المسألة علمية تقرر على قواعد أهل العلم، الآل وصية النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولهم حق علينا، يعني المتبع للنبي -عليه الصلاة والسلام- منهم، وإلا غير المتبع ليس من آله، كما قال الله -جل وعلا- في ولد نوح: {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ} [(46) سورة هود] وأيضاً الصحابة لهم حق عظيم، يعني لو قلنا: صلى الله عليه وآله وسلم وقلنا: إن المراد بالآل الأتباع شمل الصحابة، لكن ماذا يعني أننا نقتصر على هذا اللفظ ونترك اللفظ الصريح الذي يدخل الصحابة؟ لأننا إذا قلنا: وآله فقط نازعنا من نازعنا، وقال: أنتم أشبهتم بعض الطوائف التي لا يترضون على الصحابة، بل يلعنون الصحابة، لماذا لا نأتي بلفظ صريح يدخلهم؟ فإذا زدنا على النبي -عليه الصلاة والسلام- أضفنا الآل نضيف الصحابة، يعني الآل لهم حق علينا، وهم وصية النبي -عليه الصلاة والسلام-، أيضاً الصحب لولا الصحابة ما وصلنا دين، كيف يصل الدين إلى التابعين من غير واسطة الصحابة؟ المكثرون من الصحابة قلة منهم من آل البيت، والبقية ممن عداهم من غيره، فالدين ما وصل إلى الأمة من التابعين فمن بعدهم إلى قيام الساعة إلا بواسطة الصحابة، فلهم بذلك علينا حق عظيم، فإذا أضفنا على النبي -عليه الصلاة والسلام- مما يتم الامتثال بدونه فليكن أولى من نضيف الصحابة؛ لأن حقهم علينا عظيم، وكذلك الآل لا يبخس حقهم، وهذه ميزة أهل السنة والجماعة أنهم يتوسطون في أمورهم كلها، فهم في هذين البابين وسط بين الرافضة وبين النواصب، فيعترفون بما للآل من حق، ويعترفون بما للصحب من حق، ولا نشبه هؤلاء ولا نشبه هؤلاء.
(19/24)
فالصلاة داخل الصلاة، إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا بهذه الصيغة، حتى أنهم قالوا: لا يجوز أن تقول: اللهم صل على سيدنا محمد؛ لماذا؟ لأن هذا اللفظ متعبد به، فلا تجوز الزيادة عليه ولا النقصان منه، إلا ما جاء في بعض الروايات دون بعض، يعني كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، شيخ الإسلام يقول: ما ثبت الجمع بين إبراهيم وآل إبراهيم، مع أنه ثابت في الصحيح، وهذا يدلنا على أن الإنسان مهما بلغ من العلم والاطلاع والحفظ والإتقان والضبط وسعة في المحفوظ والإطلاع أنه لن يخرج عن قول الله -جل وعلا-: {وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} [(85) سورة الإسراء] يعني كما نفى ابن القيم قال: لم يثبت الجمع بين اللهم والواو في قول: اللهم ربنا ولك الحمد، مع أنه ثابت في الصحيح، يعني قد يعتذر لشيخ الإسلام ولابن القيم أن النسخ التي بأيديهم على رواية ليس فيها الجمع؛ لأن روايات الصحيح مختلفة يوجد في بعضها ما لا يوجد في الآخر، وعلى كل حال هم بشر، يعني أئمة وكبار وأهل علم وعمل، لكن مع ذلك ليسوا بمعصومين.
"ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((قولوا: اللهم صل على محمد)) " الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- منهم من فسرها بالرحمة، ومنهم من فسرها بالثناء عليه بالملأ الأعلى كما ذكره البخاري عن أبي العالية.
((وعلى آل محمد)) ويختلفون في الآل، وبين ذلك ابن القيم -رحمه الله- في جلاء الأفهام، وذكر الخلاف والأدلة، لكنها في موضع قد يترجح قول، وفي موضع آخر قد يترجح قول، فهنا جاء في بعض الروايات أزواجه وذريته، فيدخل فيهم الأزواج، وجاء في بعض النصوص ما يدل على أنهم من تحرم عليه الصدقة، وجاء في بعض النصوص ما يدل على أنهم أتباعه على دينه، المقصود أن أولى ما يفسر به الحديث بالحديث، الرواية بما جاء الحديث الواحد بما جاء في بعض رواياته، الحديث بما جاء في حديث آخر، لكن إذا جاء في رواية أخرى فهي أقرب إليها من غيرها، مثل ما جاء في أزواجه وذريته.
على كل حال آل محمد مختلف فيهم كما قال أهل العلم، ويشمل الأتباع، ويشمل الأزواج، ويشمل الذرية، ويشمل من تحرم عليهم الصدقة، فالمسألة على الخلاف المعروف بين أهل العلم.
(19/25)
((كما صليت على آل إبراهيم)) وثبت أيضاً: ((كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم)) الكاف هذه من يقول: إنها كاف التشبيه، يعني صلي عليه صلاة كصلاة على إبراهيم قالوا: كيف يشبه فيكون المشبه أقل من المشبه به، ومعلوم أن منزلة محمد -عليه الصلاة والسلام- أعظم من منزلة إبراهيم؟ هذا إشكال قائم عند أهل العلم، قالوا: إن هذه الكاف كاف تعليل، وليست بكاف تشبيه، ويش معنى تعليل؟ يعني لو قال الوالد لولده: أعطني كما أعطيت ولدك، الولد صغير وأعطي ريال مثلاً أو خمسة، هل يظن بالوالد أنه يقول: أعطني ريال أو أعطني خمسة؟ أو من حيث المبدأ أنت أعطيته الآن فأعطني، ولا يلزم أن يكون القدر واحد، يعني إذا أعطى الولد ريال ثم جاء الأب قال: أنت تعطي أولادك وتتركني وما أدري إيش؟ أعطني كما أعطيت ولدك، ليس المقصود به نفس المقدار، إنما للعلة التي وجدت، العلة أنك بدأت بالإنفاق؛ لأنه يقول له أبوه من يوم عشرين من الشهر: أعطني يا ولدي، أعطني يا ولدي، قال: انتظر حتى يطلع الراتب، حتى نستلم آخر الشهر، جاء في يوم من الأيام وأعطى أولاده، طيب أولادك ما انتظرت آخر الشهر، ولا انتظرت الراتب، أعطني كما أعطيتهم، ولا يعني هذا أن تعطيني نفس المقدار، ما يلزم منه هذا، إنما العطية بقدر الحاجة، ومثله لو قالت الأم، ومثله لو قالت الزوجة، ما يلزم أن تعطى بقدر ما أعطي الولد، أو ما أعطيت البنت، أو ما أشبه هذا.
((وبارك على محمد)) البركة هي الزيادة في كل شيء، الزيادة في منزلته -عليه الصلاة والسلام-، الزيادة في علمه الذي بثه وبلغه لأمته، الزيادة في عمله وعمل أمته -عليه الصلاة والسلام- التي هي في الحقيقة له من الأجر مثل ما لهم بسببها.
((وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين)) يعني كما نشرت ذكرهم، وزدت من فضلهم بحيث استفاض ذلك، واشتهر بين العالمين، فصار لنبيه -عليه الصلاة والسلام- أكثر مما حصل لإبراهيم وما حصل لآل إبراهيم.
(19/26)
((إنك حميد مجيد)) حميد فعيل، ومجيد كذلك، حميد فعيل بمعنى فاعل، يعني حامد، فالله -جل وعلا- حامد، وهو أيضاً فعيل بمعنى مفعول يعني محمود، محمود بكل لسان، فالحمد منه وله -جل وعلا-، والمجيد المجد الشرف، وله منه الغاية -جل وعلا-.
((والسلام كما قد علمتم)) فيما تقدم "رواه مسلم" إلى آخره، انتهينا من هذا الحديث؛ لأن الزيادة هذه شرحت.
سم.
وقال -رحمه الله-:
وعن أبي بكر الصديق -رضي الله تعالى عنه- أنه قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: علمني دعاءً أدعو به في صلاتي؟ قال: ((قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم)) متفق عليه.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع، يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال)) متفق عليه، واللفظ لمسلم.
وفي لفظ له: ((إذا فرغ أحدكم من التشهد الآخر فليتعوذ بالله من أربع)).
يكفي، يكفي.
هذا يقول: ألا يمكننا القول بأن الكاف في قوله: ((كما صليت)) إنما هي لتشبيه الفعل بالفعل، مثل ما ورد في حديث: رؤية الله في الجنة، فليس هناك تشبيه لله بالقمر؟
يعني تشبيه رؤية برؤية، لا المرئي بالمرئي، قررنا مراراً في هذا الدرس وفي غيره أن التشبيه لا يقتضي المطابقة من كل وجه، التشبيه لا يقتضي المطابقة من كل وجه، بل إذا وجد التشبيه من وجه كفى، كما في تشبيه الرؤية بالرؤية، وكما في تشبيه البروك الذي ذكرناه ببروك البعير، ومثل التشبيه أيضاً تشبيه الوحي بصلصلة الجرس، ومثل تشبيه أول زمرة تدخل الجنة على صورة البدر، فما في أحد يقول: إن أول زمرة تدخل الجنة في الاستدارة للتشبيه من كل وجه، إذ لا يوجد في القمر عينان ولا أنف ولا فم، هل نقول: إن أهل الجنة بدون هذه الأشياء؟ لا، التشبيه من وجه دون وجه، وهذا الكلام له وجه أيضاً.
فالتشبيه ((كما صليت)) يعني في الاشتهار والانتشار، لا في القدر المذكور، ثم بعد ذلك يؤول إلى ما قررناه سابقاً.
(19/27)
"وعن أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- أنه قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: علمني دعاءً أدعو به في صلاتي؟ قال: ((قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم)) " طلب أبي بكر هذا من النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يعلمه هذا الدعاء ليكون جامعاً من جوامع الأدعية، وإلا فقد دعا في صلاة المغرب من غير أن يسأل النبي -عليه الصلاة والسلام-، يعني في صلاة المغرب في الركعة الثالثة بعد قراءة الفاتحة يقول: {رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ} [(8) سورة آل عمران] وكما قال أهل العلم القرطبي وغيره قالوا: إن المغرب وتر النهار، والوتر فيه قنوت، فهذا الدعاء في هذه الآية بمنزلة القنوت في الوتر، والخبر موقوف على أبي بكر -رضي الله عنه-، وخرجه الإمام مالك في الموطأ بسند صحيح.
هنا قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "علمني دعاءً أدعو به في صلاتي؟ قال: ((قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم)) " "في صلاتي" يعني في موطن الدعاء من الصلاة، كالسجود مثلاً، وبين السجدتين، وفي آخر الصلاة بعد التشهد، وهذا هو الأقرب لترتيب العلماء، العلماء كلهم يجعلون هذا بعد الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام-، فيجعلونه في آخر الصلاة.
(19/28)
"قال: ((قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً)) " ليس في هذا مستمسك للمبتدعة بوصف أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- بالظلم بإقراره، الرافضة يقولون: ظالم، ظلم فاطمة يقولون هذا، ويقررونه، ويجعلونه من شر الناس بسبب هذا، ويقولون: هو اعترف على نفسه، والنبي -عليه الصلاة والسلام- وجهه إلى هذا الدعاء لأنه ظالم، لكن ما يكتفون بكونه ظالم فقط، وأن النبي -عليه الصلاة والسلام- يعتني به يوجهه إلى هذا الدعاء لأنه مظنة قبول، لا، يخرجونه من الملة بالكلية، ويجعلونه من شر الناس -نسأل الله السلامة والعافية-، وكون الإنسان يعترف على نفسه بالتقصير هذه من المناقب وإلا من المثالب؟ منقبة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يلزم الاستغفار، هل نقول: لأنه مذنب -عليه الصلاة والسلام-؟ هذه من المناقب، هذا من الاعتراف وهضم النفس، ولذلك تجدون في منهاج الكرامة لابن المطهر هذا الذي يسمونه ابن المنجس، الذي رد عليه شيخ الإسلام، يقول: أي فرق بين قول عمر: ليتني كنت كبشاً سمنني أهلي فذبحوني وأكلوني، أي فرق بين قول هذا وبين قول الكافر يوم القيامة: {يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا} [(40) سورة النبأ] ما يفرقون بين كون .. ، لكنه الهوى، هذا الهوى، وإلا لعلي -رضي الله عنه وأرضاه- اعترافات مثل هذه، يعني من هضم النفس والانكسار بين يدي الله -جل وعلا-، ورؤية خلاف الأولى بالنسبة لهؤلاء لأنهم قد يقعون فيما هو خلاف الأولى، قد يقعون في مكروه، لكنه بالنسبة لهؤلاء شيء عظيم.
(19/29)
((ظلمت نفسي ظلماً كثيراً)) وفي رواية: ((كبيراً)) نعم هذا بالنسبة لهؤلاء السادة لا شك أنه كبير كما يقول أهل العلم: "حسنات الأبرار سيئات المقربين" يعني لما يكتفي الأبرار بالجلوس بعد صلاة الصبح، ثم صلاة ركعتين، وينصرفون إلى أعمالهم هذه بالنسبة للمقربين كما يقول ابن القيم في طريق الهجرتين هذا لا شيء بالنسبة لهم؛ لأن المقربين ينصرفون بغير صلاة من المسجد بعد انتشار الشمس؛ لماذا؟ لأنهم ينصرفون إلى عبادات أخرى، هم ملازمون للعبادة، بينما الأبرار يلزمون العبادة وقت، ثم ينصرفون إلى أمور دنياهم، فأبو بكر لما قال له النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيرا)) لا شك أن هذا بالنسبة له، وأما بالنسبة لغيره خيراً عظيماً وليس بظلم، وأينا لم يظلم نفسه؟ والظلم نسبي، قد تكون ظالماً لنفسك إذا نمت عن صلاة الفجر، تكون ظالم لنفسك إذا نمت عن قيام الليل، قد تكون ظالم لنفسك إذا قمت عما اعتده من قيام طويل في الليل، فالظلم نسبي، فيكون بترك الواجب وبفعل المحظور، ويكون بترك المندوب، وبفعل المكروه، ويكون أيضاً بالنسبة لبعض الناس بفعل خلاف الأولى، ومثلنا في بعض المناسبات ولعله في هذا الدرس الناس يتفاوتون، فإذا التفت الإمام بعد السلام ورأى شخصين فاتهما على ركعة وركعتين، ينظر إلى أحدهما مسروراً مبتهجاً، وينظر إلى الثاني بشيء من الغضب؛ لماذا؟ لأن هذا الذي فاته ركعة الحمد لله أنه جاء يصلي مع الجماعة هذه نعمة خير عظيم، لكن الثاني طالب علم ويقتدى به، كيف يفوته ركعة من الصلاة؟! ما جاء مع الأذان أو قبل الإقامة، وأدى الرواتب، الناس منازل، فأبو بكر ظلمه الكثير هذا بالنسبة لغيره من أعظم القربات؛ لأن الظلم أينا لم يظلم نفسه، يعني لو أن الإنسان فعل مباح إذا نظرنا إلى أن هذا الوقت الذي فعل به هذا المباح يمكن أن يصرفه بفعل طاعة، نقول: ظلم نفسه، حيث أضاع وقته والعمر عبارة عن .. ، الإنسان كله وجوده عبارة عن عمره وأنفاسه لحظاته التي يكتسب بها ما يقربه إلى الله -جل وعلا-، يعني نقول هذا وإلا أهل السنة -الحمد لله- عاد ما يشكل عليهم، ما في أدنى إشكال عند أهل السنة لكن مثل هذا يمكن الآن مع وصول القنوات
(19/30)
ووصول الشبهات إلى بيوت عوام المسلمين يشكل على بعض العامة.
((ولا يغفر الذنوب إلا أنت)) لا شك أن المغفرة بيد الله -جل وعلا-، وليس هناك واسطة بين العبد وبين ربه إلا في الشفاعة المثبتة، وأما ما عداها فليس هناك واسطة، وليس هناك صكوك غفران، كما هو عند النصارى، وبعض المبتدعة عندهم نظير صكوك الغفران، بعض الطوائف المبتدعة تأتي بمبلغ من المال وتدفعه إلى رئيسهم، ثم بعد ذلك يضمن لك، وهذا شبيه بفعل النصارى.
((فاغفر لي مغفرة من عندك)) بحيث لا أحتاج إلى غيرك " ((وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم)) متفق عليه" والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
(19/31)
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: المحرر – كتاب الصلاة (11)
الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير
سم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الإمام ابن عبد الهادي -رحمه الله تعالى- في كتابه المحرر:
باب: صفة الصلاة
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دخل المسجد فدخل رجل فصلى ثم جاء فسلم على النبي -صلى الله عليه وسلم- فرد -عليه السلام- فقال: ((ارجع فصلِ فإنك لم تصلِ)) فصلى، ثم جاء فسلم على النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((ارجع فصلِ فإنك لم تصلِ)) ثلاثاً، فقال: والذي بعثك بالحق ما أحسن غيره فعلمني، قال: ((إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعاً، ثم ارفع حتى تعتدل قائماً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم ارفع حتى تطمئن جالساً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم ارفع حتى تطمئن جالساً، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها)) متفق عليه، وهذا لفظ البخاري.
وعن محمد بن عمرو بن عطاء أنه كان جالساً مع نفر من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكرنا صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال أبو حميد الساعدي: "أنا كنت أحفظكم لصلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- رأيته إذا كبر جعل يديه حذو منكبيه، وإذا ركع أمكن يديه من ركبتيه، ثم هصر ظهره، فإذا رفع رأسه استوى حتى يعود كل فقار مكانه، فإذا سجد وضع يديه غير مفترش ولا قابضهما واستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة، فإذا جلس في الركعتين جلس على رجله اليسرى ونصب اليمنى، وإذا جلس في الركعة الآخرة قدم رجله اليسرى ونصب الأخرى وقعد على مقعدته" رواه البخاري.
وعن علي بن أبي طالب -رضي الله تعالى عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه كان إذا قام إلى الصلاة قال: ((وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً))
والأرضَ، السماوات والأرضَ منصوب.
نعم.
(20/1)
قال: ((وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرضَ حنيفاً وما أنا من المشركين إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له، وبذلك أمرت وأنا من أول المسلمين)).
وأنا، وأنا.
أول يا شيخ.
إما من المسلمين أو أول المسلمين، يعني الجمع بينهما في سياق واحد خطأ، نعم الجمع بينهما في سياق واحد خطأ، فإما أن يقال: وأنا من المسلمين كما هو الواقع، أو يقال: وأنا أول المسلمين كما في القرآن، نعم.
((وأنا أول المسلمين، اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت، أنت ربي وأنا عبدك، ظلمت نفسي واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعاً، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، وأهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت لبيك وسعديك، والخير كله في يديك، والشر ليس إليك، أنا بك وإليك، تباركت وتعاليت، أستغفرك وأتوب إليك)) وإذا ركع قال: ((اللهم لك ركعت، وبك آمنت، ولك أسلمت، خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظمي وعصبي)) وإذا رفع قال: ((اللهم ربنا لك الحمد ملء السماوات، وملء الأرض، وملء ما بينهما، وملء ما شئت من شيء بعد)) وإذا سجد قال: ((اللهم لك سجدت، وبك آمنت، ولك أسلمت، سجد وجهي للذي خلقه وصوره، وشق سمعه وبصره، تبارك الله أحسن الخالقين)) ثم يكون من آخر ما يقول بين التشهد والتسليم: ((اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت، وما أعلنت، وما أسرفت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت)) رواه مسلم.
وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا قام إلى الصلاة بالليل كبر، ثم يقول: ((سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك، ثم يقول: الله أكبر كبيراً، ثم يقول: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، من همزه ونفخه ونفثه)) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والنسائي والترمذي، وهذا لفظه من رواية جعفر بن سليمان، وقد احتج به مسلم عن علي بن علي الرفاعي وقد وثقه ابن معين وأبو زرعة عن أبي المتوكل عن أبي سعيد.
(20/2)
وقال الترمذي: وقد تكلم في إسناده كان يحيى بن سعيد يتكلم في علي بن علي، وقال أحمد: لا يصح هذا الحديث، وقال أبو داود: هذا الحديث يقولون هو عن علي بن علي بن الحسن -رحمه الله-، والوهم من جعفر.
وعن عبدة أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كان يجهر بهؤلاء الكلمات يقول: "سبحانك اللهم وبحمدك تبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك" ذكره مسلم في صحيحه؛ لأنه سمعه مع غيره، وليس هو على شرطه، فإن عبدة بن أبي لبابة لم يدرك عمر، بل ولم يسمع من ابنه إنما رواه.
رآه، رآه.
إنما رآه رؤية. وقد روى الدارقطني بإسناده عن الأسود عن عمر أنه كان يقول هؤلاء الكلمات. وقال المروزي: سألت أبا عبد الله عن استفتاح الصلاة فقال: نذهب فيه إلى حديث عمر، وقد روى فيه من وجوه ليست بذاك.
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يستفتح الصلاة بالتكبير والقراءةِ بالحمد لله رب العالمين.
القراءةَ.
كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يستفتح الصلاة بالتكبير والقراءةَ بالحمد لله رب العالمين، وكان إذا ركع لم يشخص رأسه ولم يصوبه، ولكن بين ذلك، وكان إذا رفع رأسه من الركوع لم يسجد حتى يستوي قائماً، وكان إذا رفع رأسه من السجدة لم يسجد حتى يستوي جالساً، وكان يقول في كل ركعتين التحية، وكان يفرش رجله اليسرى وينصب رجله اليمنى، وكان ينهى عن عقبة الشيطان، وينهى أن يفترش الرجل ذراعيه افتراش السبع، وكان يختم الصلاة بالتسليم. رواه مسلم.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد، وإذا صلى قائماً فصلوا قياماً، وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعون)) متفق عليه، واللفظ لمسلم.
يكفي، بركة.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: صفة الصلاة
(20/3)
يعني ما ورد في وصفها من فعله -عليه الصلاة والسلام- ومن قوله، فقد صلى -عليه الصلاة والسلام- الصلاة الكاملة التي أمر بإقامتها، وقال -عليه الصلاة والسلام-: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) فلا بد أن يكون عمل المسلم موافقاً لما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين الصلاة، فعلى المسلم أن يعنى بها، ويهتم بها، ومع الأسف أننا قد نجد من طلاب العلم من يعرف السنة، ويعرف صنيعه -عليه الصلاة والسلام-، ويعرف ما جاء من قوله في بيان وصفة هذه الصلاة، ثم بعد ذلك لا يكترث ولا يهتم، ووجدنا من طلاب الحديث بل من معلمي الحديث من لا يهتم بها، يدرس هذه الأحاديث ثم بعد ذلك إذا صلى تجد عليه ملاحظات، بدءاً من التكبير إلى التسليم، يعني الحركات كثير من الناس يغفل عن الصلاة وهذا خلل لا شك، وقد يتحرك كحك جلده، أو ما أشبه ذلك، أو يعبث بثوبه أو بساعته، أو ما أشبه ذلك هذه غفلة لا شك، وعلى الإنسان أن يهتم بصلاته، لكن يعرف أنه جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام- صفة معينة للتكبير ولرفع اليدين، وصفة للركوع، وصفة لوضع القدمين، سواءً كانت في حال القيام أو في الجلوس أو في السجود، ثم بعد ذلك لا يطبق مثل هذه الأمور مع أن تطبيقها ميسور، ولو اعتاد ذلك لاستمر عليه، لكن تجد عدم الاهتمام، وبعض الناس يحرص على السنة، ويطبق السنة، هذا بالنسبة لمن يجهل السنة عليه أن يتعلم، ثم بعض الناس يحرص على تعلم السنة فيتعلم، ويحرص على التطبيق فيطبق، لكنه لا يفقه كيف يطبق هذه السنة، فتجده يحرص على المجافاة، ويجافي يديه عن جنبيه، وإن كان وسط صف مزدحم، ثم بعد ذلك يسيء إلى من بجانبه أو بجانبيه هذا جهل بفقه التطبيق، هو فقه وطبق، لكن كيف يطبق في صف متراص؟! إذا صلى إماماً أو صلى منفرداً يجافي، أو وجد فرصة للمجافاة يجافي، لكن مع ذلك إذا لم يجد فرصة كيف يجافي؟ لا يمكن أن يفعل ذلك إلا بأذية من بجانبيه، وقل مثل هذا في بعض السنن في إلصاق القدمين مثلاً، تجد بعض الناس يزاحم مزاحمة شديدة بحيث يسعى إلى إبطال صلاة من بجانبه سواءً كانت إبطالاً حسياً أو معنوياً، يعني خلل في خشوعها والالتفات إليها، وبعض الناس من حرصه يطأ رجل
(20/4)
من بجانبه، ويظن أن السنة لا تتحقق إلا بهذا، هذا خلل، هذا خطأ في فقه التطبيق، على الإنسان أن يرفق بنفسه ويرفق بغيره؛ ليكون قدوة لغيره، فدين الله بين الغالي والجافي من الناس من لا يكترث مع علمه بالسنة، ومن الناس من يحرص الحرص الشديد على التطبيق حتى يخرج عن السنة، فلا بد أن ننظر إلى مثل هذه الأمور بدقة، ونعلم أن الدين وسط بين الغالي والجافي بعض الناس لا تستطيع أن تسحب رجلك من تحت رجله، وهذا حاصل يا الإخوان، كل هذا الدافع إليه الحرص ما يُشك في مثل هذا، لكن هذه ليست هذه هي السنة، المقصود أن علينا أن نتفقه في دين الله ((من يرد الله به خيراً يفقه في الدين)) ثم بعد ذلك علينا إذا فقهنا أن نطبق، لا يكون علمنا كالشجر الذي لا ثمرة عليه، مجرد زينة يتزين به في المجالس، فإذا جاء التطبيق تخلف، إنما العلم يراد للعمل، فننتبه لهذا، ورأينا ممن هو متخصص في السنة ويدرس السنة في الأقسام الشرعية، ومع ذلك إذا كبر رفع يديه رفعاً يشبه العبث، وإذا جلس إما للتشهد أو بين السجدتين جلس جلسة لم يرد بها نص، افترش بالعكس فرش اليمنى ونصب اليسرى، هذا موجود أو جعل الرجلين خارجتين عن بدنه وأجلس مقعدته على الأرض أو العكس، أو أطلع الرجلين من جهة اليمين أو الشمال، هذا موجود مع الأسف، وكل هذا يدل على عدم اكتراث وعدم اهتمام، فعلينا أن نهتم لصلاتنا هذه التي هي رأس مال المسلم بعد الشهادتين، وليس للإنسان إلا ما عقل، والعمل إذا لم تتم المتابعة فيه رد على صاحبه؛ لأن المتابعة شرط للقبول، فإذا تعلمنا مثل هذا الباب علينا أن نطبق، وأهل العلم ما قصروا، ألفوا في صفة صلاة النبي -عليه الصلاة والسلام- وكتبوا وسجلت لهم الأشرطة، وكل له اجتهاد، وقد يكون اجتهاد هذا يخالف اجتهاد هذا، لكن الأمر الذي يتفق عليه لا بد من فعله، وما يؤيده النص لا بد من فعله، النبي -عليه الصلاة والسلام- قال للمسيء: ((ارجع فصلِ فإنك لم تصلِ)) كما في الحديث الأول يقول -رحمه الله-: "عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دخل المسجد فدخل رجل فصلى، ثم جاء يعني إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- هذا الرجل عُرف بالمسيء في صلاته، واسمه: خلاد
(20/5)
بن رافع، وحديثه أصل في هذا الباب، أصل في صفة الصلاة، حتى قال بعض العلماء: إن جميع ما فيه واجب، وما لم يذكر فيه ليس بواجب، جميع ما ذكر فيه واجب لأنه جاء بصيغة الأمر، وما ليس فيه ليس بواجب لأنه في مقام البيان في وقت الحاجة ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، فلو كان ما يخرج عن هذا الحديث أو ما وجد في غيره واجباً لبينه لهذا المسيء الجاهل المحتاج إلى البيان وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز مع أنه قد يأتي أوامر زائدة على ما تقدم، يكون في وقت الإرشاد لهذا المسيء هذا هو الواجب، ثم يزاد على ذلك بما جاء بعده من نصوص، وهذا هو المتجه لأنه وجد واجبات في الصلاة لم تذكر في حديث المسيء، كما سيأتي -إن شاء الله تعالى-.
"أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دخل المسجد، فدخل رجل فصلى، ثم جاء الرجل" وعرفنا اسمه "فسلم على النبي -صلى الله عليه وسلم- فرد -عليه السلام-" رد النبي -عليه الصلاة والسلام- -عليه السلام- "فقال: ((ارجع فصلِ فإنك لم تصلِ)) " ما قال: إني صليت يا رسول الله؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- يراه، ومطلع عليه، وهو يعرف ذلك، ما قال: إني صليت.
((ارجع فصلِ فإنك لم تصلِ)) فالمنفي هنا لم تصلِ الحقيقة الشرعية للصلاة، أما لو يقول قائل: إنه صلى صلاة صورة الصلاة موجودة ركع وسجد إنما حقيقة الصلاة الشرعية منتفية، فنفاها عنه النبي -عليه الصلاة والسلام- ((فإنك لم تصل)) فصلى ثم جاء مرة ثانية، فسلم على النبي -صلى الله عليه وسلم-، وعلى هذا لا يكتفى بالسلام الأول إذا غاب الإنسان ثم رجع إلى مكانه وفيه أناس يسلم عليهم.
"فسلم على النبي -عليه الصلاة والسلام-" هل رد -عليه السلام- أو ما رد؟ في المرة الأولى رد، فرد -عليه السلام-، في الموضع الثاني لا بد من الرد، لا بد من رد التحية إما بأحسن منها أو بمثلها على الأقل، والأدلة تدل على أنه رد -عليه الصلاة والسلام- وإن لم ينقل، وقد يوجد في بعض الروايات الرد صريحاً.
(20/6)
المقصود أن مثل هذا لا يدل على أن الإنسان إذا سلم ثانية ما يرد عليه؛ لأنه في الأولى صرح، فرد -عليه السلام- في الثانية، فسلم على النبي -عليه الصلاة والسلام- ما نقل أنه رد في هذه الرواية، لكن لا يعني أنه لم يرد حقيقة؛ لأن ما ثبت بالنصوص وسكت عنه في بعض المواضع يحمل على أنه حصل، يعني مثل ما سبق أن ذكرناه من أن النبي -عليه الصلاة والسلام- جاءته أم هانئ وهو يغتسل، فقالت: السلام عليك يا رسول الله، فقال: ((من؟ )) قالت: أم هانئ، فقال: ((مرحباً بأم هانئ)) من أهل العلم من يقول: إنه ما رد السلام عليها، إنما اكتفى بقوله: ((مرحباً)) ومالوا إلى أن هذه تكفي في رد التحية، وسلمت فاطمة بنت النبي -عليه الصلاة والسلام- ورضي عنها، فقال: ((مرحباً بابنتي)) وما قال: وعليك السلام، فمن أهل العلم من يرى أن مرحباً تكفي في رد التحية، والأصل أنه رد -عليه الصلاة والسلام- لأن أقل الأحوال أن ترد، وردها يكون بلفظها {فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [(86) سورة النساء] يعني أقل الأحوال أن ترد بمثلها.
(20/7)
"فسلم على النبي -عليه الصلاة والسلام- فقال: ((ارجع فصلِ فإنك لم تصلِ)) ثلاثاً" ردده ثلاثاً؛ لماذا؟ يعني صلى أول مرة فأمر بالإعادة، ثم صلى ثانية فأمر بالإعادة، ثم صلى ثالثة ثم عُلّم، بعد أن قال: "والذي بعثك في الحق ما أحسن غير هذا فعلمني" هل يظن أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- لا يعرف واقع هذا الرجل وأنه لا يحسن الصلاة لما صلى أمامه مرة ومرتين وثلاث أيضاً؟ ما علمه حتى قال: "والذي بعثك بالحق ما أحسن غيره فعلمني" التكرار هذا والترديد من أجل إيش؟ من أجل أن يرسخ ويثبت التعليم في نفسه ليكون له ولغيره، يعني على سبيل المثال لو أن مديراً في دائرة أمر الناسخ أن ينسخ خطاب، فجاء الخطاب من الناسخ إلى المدير فيه خاء معجمة أو جيم فكتبها الناسخ حاء بدون نقطة، إما فوقية أو تحتية من اليسير على المدير أن يأخذ القلم الأسود ويضع هذه النقطة، لكن أفضل من هذا أن يقول: أعيدوه إلى الناسخ ليضع النقطة بنفسه؛ لماذا؟ من أجل أن يهتم لغيره من الخطابات، فإذا كان هذا في أمور الدنيا فكيف بأمور الدين؟ لا بد أن يغرس العلم في نفوس الناس بمثل هذه الطريقة، ردده النبي -عليه الصلاة والسلام- ثلاثاً، هل المقصد من هذا أن يعذبه النبي -عليه الصلاة والسلام-، ويكلفه ويؤخر عليه، ويأخذ جزءاً من وقته بغير فائدة؟ ((ارجع فصلِ فإنك لم تصلِ)) الفائدة المرجوة عظمى وجلى ثلاث مرات من أجل إيش؟ خلاص لن يخطئ بقية عمره، الأمور التي تؤخذ بسهولة تفقد بسهولة، لكن الأمور التي تؤخذ بمعاناة لا تفقد، وهكذا ينبغي أن يكون التعليم ينشأ عن شيء من المعاناة، ولذا يوصى طلاب العلم أن يهتموا بالكتب بالمتون المتينة الصعبة التي في معاناتها كلفة ومشقة لا لذات المشقة، وإنما العلم يثبت بهذه الطريقة، يعني هناك كتب أُلفت للعوام وللمثقفين يفهمونها كتبت بأسلوب سهل، لكن لا ينبغي أن يربى عليها طالب علم، النبي -عليه الصلاة والسلام- ردده ثلاثاً: ((صلِ فإنك لم تصلِ)).
(20/8)
"فقال: والذي بعثك في الحق ما أحسن غيره فعلمني، قال -عليه الصلاة والسلام-: ((إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء)) " وقمت هنا أردت القيام، كما في قول الله -جل وعلا-: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ} [(6) سورة المائدة] يعني إذا أردتم القيام؛ لأن الفعل -وهذا مر بنا مراراً- الفعل الماضي الأصل فيه الفراغ منه، ويطلق ويراد به الشروع فيه لا الفراغ منه، كما سيأتي في الحديث، حديث أبي مسعود: ((إذا كبر فكبروا)) يعني إذا فرغ ((إذا ركع فاركعوا)) يعني إذا شرع في الركوع لا إذا فرغ منه، فعندنا {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [(6) سورة المائدة] إذا أردت القيام، إذا أردت الصلاة {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ} [(98) سورة النحل] يعني أردت القراءة، يطلق الفعل الماضي ويراد به الإرادة، ويطلق ويراد به الشروع في الفعل ((إذا ركع فاركعوا)) على ما سيأتي، هل معناه إذا أراد الركوع؟ نعم؟ هل معناه إذا أراد الركوع؟ يعني ركع قبله مجرد إرادته؟ لا ليس المراد به إذا أراد الركوع، وليس المراد به إذا فرع من الركوع كما هو الأصل في الماضي، إنما يراد به إذا شرع في الركوع، يعني بدأ الركوع، وليس المراد به إذا شرع في الهوي إلى الركوع، يعني باشر الركوع اركع.
(20/9)
حديث مصحح عند جمع من أهل العلم أن النبي -عليه الصلاة والسلام- زوج رجلاً بخاتم من حديد، ذكره الحافظ، وقال: إنه جزء من حديث الواهبة، زوج رجلاً بخاتم من حديد، وقال: إنه جزء من حديث الواهبة، هل يصح مثل هذا الكلام؟ النبي زوجه بالخاتم أو قال: ((التمس ولو خاتماً)) فقال: لم أجد ولا خاتماً من حديد، هل يكون النبي -عليه الصلاة والسلام- زوجه بخاتم؟ نعم؟ إنما زوجه بما معه من القرآن، لا بد من حمل اللفظ على وجه يصح، أراد أن يزوجه على خاتم من حديد؛ ليستقيم الكلام؛ لأن الخبر مصحح، وهو جزء من حديث الواهبة، لكن لا يمكن أن يصح إلا أن يحمل على الإرادة، أراد أن يزوجه بخاتم من حديد، وهنا: ((إذا قمت إلى الصلاة)) يعني إذا أردت القيام هل معنى هذا أننا إذا سمعنا الإقامة كل واحد معه إداوة ويتوضأ في الصف بعد ما يقوم إلى الصلاة؟ هل يقول بهذا أحد؟ لا يمكن، وإن كانت الآية وجهت {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [(6) سورة المائدة] يعني من النوم {فاغْسِلُواْ} [(6) سورة المائدة] ليس المراد منها إذا قمتم في الصف، على كل حال هذا تقدم.
يقول: ((إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء)) أسبغ الوضوء أمر، المقام مقام تعليم للصلاة، والوضوء شرط من شروطها.
((ثم استقبل القبلة)) أيضاً شرط من شروط الصلاة، بقية الشروط التسعة تحتاج إلى تنبيه أو لا تحتاج إلى تنبيه؟ المقام مقام بيان قال له: أسبغ الوضوء، يعني شخص صلى هذه الصلاة الباطلة ألا يتوقع أنه لا يحسن الوضوء؟ وأما بقية الشروط فإنه مسلم، إسلام وعقل وتمييز هذا موجود، ستر العورة تُرى، يعني هذا ساتر عورته بلا شك؛ لأنه لو لم يستر عورته لنبهه النبي -عليه الصلاة والسلام-، النية، ما جاء إلا ليصلي هذه هي النية قصد الصلاة، بقي استقبال القبلة الوضوء منصوص عليه، بقي دخول الوقت، يعني هل صلى قبل الوقت أو هذه نافلة؟ مثل هذا الاحتمال قائم أنها نافلة، ما تحتاج إلى دخول وقت، بدليل أنهم لا يفرطون بالصلاة خلفه -عليه الصلاة والسلام-، وهذا صلى منفرد.
إزالة النجاسة الأصل أنها عدمية لا ينص عليها إلا إذا وجدت.
(20/10)
((أسبغ الوضوء)) خفي عليه ما يرى الناس يفعلونه وهو الصلاة، فلأن يخفى عليه إسباغ الوضوء وإتمامه وإكماله من باب أولى، فالصلاة لا تقبل بغير طهور.
((ثم استقبل القبلة)) أمره بإسباغ الوضوء ظاهر؛ لأن شخصاً لا يحسن أن يصلي الاحتمال القوي أنه لا يحسن أن يتوضأ، لكن ماذا عن ((ثم استقبل القبلة)) هل رآه النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي إلى غير القبلة فقال له: استقبل القبلة؟ وإن كان رآه يصلي مستقبلاً القبلة فهذا مثل ستر العورة رآه ستر عورته ما نص عليها.
((ثم استقبل القبلة فكبر)) لماذا نص على استقبال القبلة دون ستر العورة ودون بقية الشروط؛ لماذا؟ هل نقول: إن هذا الشخص صلى إلى غير القبلة؟ نعم وإن كان في مسجد فقد يذهل الإنسان من هيبة من أمامه ويصلي إلى غير القبلة، وحصل ثلاث مرات، أو أربع من دخل المسجد ونحن في درس مثل هذا فصلى إلى جهة الشرق لا إلى القبلة، ما هو بشخص واحد أربعة أشخاص، يعني قد يغفل الإنسان وهو يصلي ثم ينبه، فمثل هذا ألا ينبه من أول الأمر؟ وإذا قلنا: مثل هذا ينبه من أول الأمر لماذا ما نبه على الخلل في صلاته من أول الأمر من الركوع؟ لأنه لم يطمئن لا في قيامه ولا في ركوعه ولا .. ، على كل حال مثل هذا يترك كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- حتى ينتهي ثم يُعلم ليرسخ كما تقدم، وأما بالنسبة لاستقبال القبلة فما أدري ما سبب التنصيص عليها.
((فكبر)) والمراد بالتكبير هنا المأمور به تكبيرة الإحرام، وهي ركن من أركان الصلاة، لا تصح إلا بها، ولا تنعقد الصلاة إلا بتكبيرة الإحرام، وعند الحنفية التكبير شرط، تكبيرة الإحرام شرط وليست بركن، الجمهور الأئمة الثلاثة وأتباعهم يقولون: ركن من أركان الصلاة، والحنفية يقولون: شرط، والفرق بين القولين، ثمرة الخلاف، له ثمرة وإلا ما له ثمرة؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب: لو تركه ....
لو ترك التكبير تصح الصلاة وإلا ما تصح؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
عند من؟
طالب:. . . . . . . . .
لا لا الشرط لو ترك الوضوء تصح؟
طالب:. . . . . . . . .
(20/11)
يعني يفرق بينهما أن الشرط خارج الماهية، والركن داخل الماهية، لكن هل لهذا الخلاف من ثمرة تبطل الصلاة إذا ترك التكبير عند الجمهور وعند الحنفية، تبطل الصلاة، إذاً ما الفائدة؟ هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
لا ما يستطيع، يعني يستطيع أن يتوضأ في البيت ويأتي إلى المسجد؛ لأن الوضوء شرط خارج الماهية فهل يستطيع أن يكبر في البيت ويجي يصلي كالوضوء؟ لا، لا يجيزون الفصل بين التكبيرة والصلاة، وإن كانت خارج الماهية، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
بعد إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
على القولين، لا بد من الإعادة على القولين، حتى عند الحنفية لا بد من الإعادة، الشرط خارج الماهية والركن داخل الماهية.
يقولون: من فوائد الخلاف لو افترضنا أن هذا الجرم متنجس، ثم حمله المصلي بيده قائلاً: الله أكبر، وضعه مع نهاية التكبير، الصلاة صحيحة وإلا باطلة؟ عند الجمهور؟
طالب:. . . . . . . . .
عند الجمهور؟
طالب: لا ما تصح ...
باطلة؛ لأنه حمل النجاسة في داخل الصلاة، وعند الحنفية الصلاة صحيحة لأنه حمل النجاسة خارج الصلاة، أيضاً لو كبر ثم بعد مع نهاية التكبير غير النية من فرض إلى نفل أو العكس، يعني هذه أمور وإن كانت سريعة إلا أنها متصورة، فغير النية عند الجمهور إن غير المفترض المنفرد نيته إلى نفل في وقت متسع يجوز، لكن لا يجوز العكس، عند الحنفية يجوز هذا وهذا لأن تكبيرة الإحرام شرط تصلح للفرض وتصلح للنفل مثل الوضوء، فإذا غير نيته مع نهاية التكبير صح عند الحنفية ولم يصح عند الجمهور.
على كل حال تكبيرة الإحرام بهذه المثابة لا تصح الصلاة إلا بها، سواءً قلنا: ركن وهو المتجه، أو قلنا: شرط كقول الحنفية فلا تصح الصلاة إلا بتكبيرة الإحرام.
وصفتها أن يقول: الله أكبر، بهذا اللفظ فلا تصح بغيره، لا يصح أن يقال: الله الأعظم، الله الأجل، الله الكبير، حتى لو قال: الله الكبير ما صحت، لا بد أن يأتي بهذا اللفظ: الله أكبر.
(20/12)
((فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن)) هذا الإجمال ما تيسر يصدق بالفاتحة، ويصدق بسورة الإخلاص، ويصدق بغيرهما، ويصدق بآيات من سورة، هذا ما تيسر، لكن هذا المجمل بُيّن بحديث عبادة بن الصامت الآتي: ((لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)) هل نقول: إن السبب في توجيه المسيء إلى ما تيسر معه من القرآن دون التنصيص على الفاتحة مراعاة لحاله أنه إذا كان بهذه المثابة من الجهل فقد يصعب عليه إلزامه بالفاتحة، فيترك الاختيار له، اقرأ ما تيسر معك، وفي حكمه من يصعب عليه تعلم الفاتحة، وأهل العلم يقولون: إن من صعب عليه تعلم الفاتحة ويحفظ غيرها يقرأ بمقدارها من القرآن، وإذا عجز عن القرآن لا الفاتحة ولا غير الفاتحة فإنه يجزئه الذكر: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، إذا عجز عن تعلم الفاتحة.
طيب عجز لأنه كبرت سنه مع غفلة في صباه عن التعلم فمعروف كبار السن يصعب عليهم الحفظ، فقد يعجز عن الفاتحة ويحفظ غيرها، وقد يعجز عن الفاتحة وغيرها، مثل هذا يوجه إلى الذكر، إذا كان العجز لا بسبب عدم الحفظ فهل يوجه إلى الذكر وإلا لا؟ هو حافظ الفاتحة، وقد يكون حافظاً للقرآن كاملاً، لكنه عجز أن يقرأ الفاتحة، وهذا يحصل خلف الإمام إذا كان يجهر في قراءته، على المأموم أن يقرأ يعني المرجح أن الفاتحة ركن في الصلاة لكل مصل إلا المسبوق على ما سيأتي في حديث عبادة -إن شاء الله تعالى-.
خلف الإمام بعض الناس لا يستطيع أن يقرأ، يستطيع أن يقرأ وإلا ما يستطيع؟ بعض الناس ما يستطيع القراءة، إذا شوش عليه بأدنى تشويش ارتج عليه، مثل هذا نقول له: سبح واحمد وهلل بدلاً عن الفاتحة التي لم تستطعها وإلا لا؟ عرفنا أن الفاتحة لها بدل عند العجز، يقال له: اقرأ ما تيسر من القرآن ما دام عجزت عن الفاتحة، عجزت عن شيء من القرآن سبح وكبر وهلل واحمد الله، سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر.
(20/13)
شخص يقول: أنا خلف الإمام، أنا حافظ القرآن كاملاً، لكن خلف الإمام لا أستطيع أن أقرأ، وهذا النوع موجود وليست دعوى هذا صحيح، بعض الناس ما يستطيع يقرأ، إذا شوش عليه، هل نقول: عليك بالبدل وهو التسبيح والتحميد والتهليل؟ أو نقول: ما دمت مأموماً فلا تفعل إلا بفاتحة الكتاب: ((ما لي أنازع القرآن)) ((علكم تقرؤون خلف إمامكم؟ )) قالوا: نعم، قال: ((لا تفعلوا إلا بأم الكتاب)) فعلى هذا لا يوجه إلى البدل ولو عجز عن قراءة الفاتحة، يكون عجزه عن قراءة الفاتحة كعجزه عن القيام يسقط عنه، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، المسألة متصورة وإلا ما هي متصورة؟
((ثم اركع حتى تطمئن راكعاً)) تكبيرة الإحرام ركن، إسباغ الوضوء والمراد به الوضوء المجزئ شرط لصحة الصلاة، وإسباغه القدر الزائد عن الواجب مستحب كالغسلة الثانية والثالثة، واستقبال القبلة شرط، وتكبيرة الإحرام ركن من أركان الصلاة، قراءة القرآن في الصلاة ركن، لا سيما الفاتحة عند الجمهور، والخلاف فيها سيأتي في حديث عبادة -إن شاء الله تعالى-.
((ثم اركع)) الركوع ركن من أركان الصلاة ((حتى تطمئن راكعاً)) الطمأنينة في جميع الأركان ركن من أركان الصلاة، والطمأنينة هي السبب في كونه لم يصل، في بطلان صلاته، وصحت نفي الصلاة وإن كانت الصورة موجودة؛ لأنه لم يطمئن في صلاته، ولذلك نبه على الطمأنينة في جميع الأركان.
((ثم اركع حتى تطمئن راكعاً، ثم ارفع)) يعني من الركوع.
طالب: أحسن الله إليك يا شيخ المراد بالطمأنينة ... ؟
سيأتي أنه حتى يعود كل فقار إلى مكانه، يطمئن ويأتي في حديث أبي حميد: ثم هصر ظهره، لم يرفع رأسه لم يشخص رأسه ولم يصوبه، المقصود أنه يتمكن من التسبيح ولو مرة بطمأنينة، يعني يأتي بأقل الواجب.
(20/14)
((ثم ارفع حتى تعتدل قائماً)) وبعض من ينتسب إلى مذهب الإمام أبي حنيفة هل يعتدلون قياماً أو مجرد ما يرفع رأسه من الركوع يهوي إلى السجود؟ وكذلك بين السجدتين؟ وهل الإمام يصحح مثل هذه الصلاة؟ نعم يذكر في مذهب أبي حنيفة في كتب متأخريهم أن الطمأنينة ليست بركن، لكن هل يعني كونها ليست بركن أن النقر جائز عند الإمام؟ والمناظرة التي حصلت بين يدي محمود بن سبكتكين بين شافعي وحنفي محمود كان حنفياً وبعد المناظرة صار شافعياً؛ لأن الشافعي وأظنه القفال جاء بجلد ميتة غير مدبوغ، به قطع من اللحم والشحم، فوضعه فوق ظهره فانهالت عليه الحشرات، الذبان وغير الذبان، قبل ذلك توضأ بنبيذ والنبيذ حلو تجتمع عليه الحشرات، ثم جاء بهذا الجلد، ثم بعد ذلك نقر نقرتين ولم يقرأ فاتحة ولا غير الفاتحة إنما قال: الله الأعز، دو سبز وركع، من غير تكبير ولا غيره، ثم نقر ركعتين، ثم بعد ذلك في آخر صلاته أحدث، بهذه الطريقة استطاع أن يحول السلطان من مذهب أبي حنيفة على مذهب الشافعي، لكن هذه الأمور مجتمعة هل يصححها أبو حنيفة أو غير أبي حنيفة ممن له أدنى ذرة من تدين؟ لكن هذه إلزامات، ولازم المذهب ليس بمذهب، وبعضهم يريد أن يجعل هذه الصورة من الصلاة أفضل من غيرها، يقول: توضأ بنبيذ صاحب دائرة معارف القرن العشرين يقول: نعم توضأ بنبيذ ثم ماذا؟ النبيذ فيه كحول والكحول مطهر زيادة على تطهير الماء ويش المانع؟ وأخذ يفصل في هذه الصورة، المقصود أن هل الإمام أبو حنيفة حينما يذكر عنه أن الطمأنينة ليست بركن أن مثل هذه الصلاة تصح؟ لا يمكن أن يقوله أبو حنيفة، أبو حنيفة أتقى لله من أن يقول مثل هذا الكلام وأورع، الرجل عابد، يعني ليس بإنسان عادي، يعني ليس بفقيه مجرد.
(20/15)
هذه الإلزامات يجعلها بعض المتعصبة -متعصبة المذاهب- تحرف الناس إلى مذهبه، وإلا ففي مثل هذه المناظرة لا داعي لها، يعني إذا مر قول لإمام من العلماء من أهل العلم خلاف الدليل، أو خلاف الصواب ينبه عليه، أما أن تُجمع مساوئ مذهب من المذاهب، وتفرد على حدة مثل هذه الصلاة هذا لا يجوز بحال، يعني هذا غمط الناس، أين المحاسن في مذهب أبي حنيفة؟! وكل مذهب له وعليه، يعني في أقوال راجحة وفي أقوال مرجوحة، يعني لو جمعت الأقوال المرجوحة في مذهب مالك مثلاً، وجمعت الأقوال المرجوحة في مذهب أبي حنيفة والأقوال المرجوحة في مذهب الشافعي، والأقوال المرجوحة في مذهب أحمد، وذكرت مع كل قول من هذه الأقوال المرجوحة الدليل الصحيح الذي يدل على خلاف ما ذهبوا إليه معناه أنك زهدت الناس في هؤلاء الأئمة، زهدتهم يتبعون من؟ يعني هل يستقيم للعامي أن يتفقه من النصوص؟ العامي فرضه التقليد، لا بد أن يتبع إمام تبرأ الذمة بتقليده، فإذا أبرزت مساوئ المذهب الحنفي مع مساوئ المذهب المالكي وصنفت في مجلد، معنى هذا تنفير من الأئمة، ومثل هذا يقال في المصنفات التي عم نفعها، وفيها شيء من الملاحظات.
يعني على سبيل المثال فتح الباري أو تفسير القرطبي أو شرح النووي أو غير ذلك فيها مخالفات عقدية، لكن لو أبرزت هذا مجلد وهذا مجلد وهذا مجلد حشي عليها وعلق عليها وطلعت في مجلدات معناه أننا نصرف الناس عن كتب العلم النافعة، لكن لا يمنع أنك تقرأ القرطبي وتعلق عليه، تقول: هذا الكلام مخالف لما عليه سلف الأمة وأئمتها، وتعلق على فتح الباري، وتعلق على النووي، الحق أولى من هؤلاء، لكن إبراز مثل هذه الأمور لآحاد الطلبة لا شك أنه يصرف هؤلاء الطلاب عن هذه الكتب النافعة، ثم بعد ذلك ما الذي يسلم لنا، نعم إذا كان هناك كتاب ضرره أكثر من نفعه على طلاب العلم مثل هذا يحذر منه، ويش المانع أن يصنف في اعتزاليات الزمخشري؟ لأن طالب العلم لو من حين بدأ يطلب العلم إلى أن مات ما رجع إلى تفسير الزمخشري ما يضره شيء، ولا ينقصه من العلم شيء، وقل مثل هذا في الرازي، والكتب التي ضررها أكثر من نفعها، بينما الكتب النافعة، وفيها ملاحظات ما تبرز مساوئها بهذه الطريقة.
(20/16)
الذي جرنا إلى الكلام ((حتى تطمئن راكعاً)) وما يذكر عن الحنفية أن الطمأنينة ليست بركن، ولذا نجد بعض أتباع أبي حنيفة لا سيما من العامة من الوافدين من شرق آسيا من البلاد الشرقية من المسلمين تجدهم على هذه الطريقة إذا رفع رأسه من الركوع سجد مباشرة، بل لا يكمل الرفع، في أثناء الرفع يسجد، وكذلك بين السجدتين.
في رسالة الشيخ عبد الله ابن الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب إلى أهل مكة قال الشيخ -رحمه الله-: "ونصلي خلف الشافعي الذي يجهر بالبسملة، ويقنت في صلاة الصبح، ولا نصلي خلف الحنفي الذي لا يطمئن في صلاته" يعني فرق بين هذا وهذا، يعني صلاة هذا الشافعي صلاته صحيحة، وله أدلته، وإن كان القول مرجوح، لكن ما يمكن تبطل الصلاة بمثل هذا، بينما الطمأنينة ركن تبطل الصلاة بتركها.
((ثم ارفع حتى تطمئن جالساً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم ارفع حتى تطمئن جالساً)) الآن ((ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم ارفع حتى تطمئن جالساً)) يعني بين السجدتين، ثم اسجد السجدة الثانية حتى تطمئن ساجداً ((ثم ارفع حتى تطمئن جالساً)) طيب ما هذه الجلسة؟
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني تمت السجدتان وبعدهما جلسة، هل نقول: إن هذه جلسة التشهد، والنبي -عليه الصلاة والسلام- بين له ركعة واحدة، ثم قال له: ((افعل ذلك في صلاتك كلها)) على كل حال أصل المحرر ليس فيه هذه الجملة، لكنها زيادة من نسخة من النسخ، وهي موافقة لما في الصحيح، وحديث المسيء في باب في كتاب الاستئذان من صحيح البخاري فيه التنصيص على جلسة التي يسميها بعض العلماء الاستراحة، وفعلها النبي -عليه الصلاة والسلام- فدل على أنها سنة مطلقاً.
(20/17)
أما القول بأنها تفعل إذا احتيج إليها فالحاجة إلى تركها أقوى من الحاجة إلى فعلها، يعني الإنسان إذا كبر وبدن قد يحتاج إلى تركها ما يحتاج إلى فعلها لأنها زيادة كلفة وزيادة عناء، تعرفون كبار السن والذين في ركبهم شيء من المرض أو الألم لا يستطيع أن يثني رجليه، فتجده من السجود فوراً يقوم، لا يستطيع أن يجلس، وإذا جلس بين السجدتين فبكلفة ومشقة، فإذا قيل له: أنت احتجت الآن لجلسة الاستراحة استرح بعد السجدة، هذه زيادة تكليف عليه، فالحاجة إلى تركها أدعى من الحاجة إلى فعلها، مع المرض، مع الحاجة، مع كبار السن، فالقول بأنها تفعل عند الحاجة إليها لا وجه له، وقد ثبتت من فعله -عليه الصلاة والسلام- من حديث مالك بن الحويرث، وثبتت في حديث المسيء، وثبتت أيضاً في بعض طرق حديث أبي حميد، كما نص على ذلك ابن القيم وابن حجر في التلخيص، فالقول بها أنها سنة مطلقاً.
((ثم افعل ذلك في صلاتك كلها)) يعني هل يقال في الركعة الثانية: يكبر تكبيرة الإحرام لأنه قال له: كبر؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، تكبيرة الإحرام إنما هي لافتتاح الصلاة، ولم يقل أحد بأنها لكل ركعة، إنما الذي يفصل بين الركعتين الأولى والثانية تكبيرة الانتقال، يكبر كان يكبر -عليه الصلاة والسلام- عند كل خفض ورفع، هذه تكبيرة الانتقال.
((ثم افعل ذلك في صلاتك كلها)) كبر تكبيرة الإحرام عند الشروع في الصلاة، ثم اقرأ ما تيسر معك في الركعة الأولى والركعة الثانية والركعة الثالثة والركعة الرابعة، فلا تجزئ قراءة الركعة الأولى عن الثانية والثالثة إلى آخره؛ للأمر هنا: ((افعل ذلك في صلاتك كلها)) ثم اركع في الركعة الثانية كما ركعت في الركعة الأولى، وفي الثالثة كما ركعت في الركعتين إلى آخره، ثم ارفع كذلك، ثم اسجد كذلك إلى آخر الصلاة.
((ثم افعل ذلك في صلاتك كلها)) متفق عليه، وهذا لفظ البخاري.
ثم قال -رحمه الله-:
(20/18)
"وعن محمد بن عمرو بن عطاء أنه كان جالساً مع نفر من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكرنا صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم-" فذكرنا، أنه فذكرنا، كيف؟ كيف تستقيم العبارة؟ عن محمد بن عمرو بن عطاء أنه كان جالساً مع نفر من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكرنا صلاة النبي –عليه الصلاة والسلام-.
طالب: تداخل يا شيخ.
إيه، لكن كيف يتفق "فذكرنا" متكلم "أنه كان"؟ أنه كان، عن محمد بن عمرو بن عطاء أنه كان، يعني هل القائل: إنه كان نفسه محمد بن عمرو بن عطاء ليصح أن يقول: فذكرنا؟ من القائل: إنه كان جالساً؟ نعم؟ الراوي عنه؟ الراوي عنه لا يمكن أن يقول: فذكرنا صلاة النبي -عليه الصلاة والسلام-، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
يصير تلفيق هذا، يضطرب الكلام بهذه الطريقة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، نريد أن نتعامل مع النص الذي معنا، خل الروايات الثانية الصريحة اللي ما فيها إشكال، نريد كيف نستقيم مثل هذا السياق الذي ساقه ابن عبد الهادي وهو إمام، إمام محدث ما يأتي بمثل هذا عبثاً.
تعرفون شيئاً يقال له: التجريد؟ شيء يقال له: التجريد؟ لا أعني التجريد الصريح، لا، تجريد، نعم، يجرد من نفسه شخصاً يتحدث عنه، فكأن المتحدث هو محمد بن عمرو بن عطاء جرد من نفسه شخصاً أنه كان جالساً مع نفر تحدث عنه بأنه كان جالساً مع نفر من أصحاب النبي -عليه الصلاة والسلام-، قال: فذكرنا صلاة النبي وهو المتحدث أولاً وآخراً.
نظير ذلك ما ثبت في الصحيح عن سعد بن أبي وقاص قال: أعطى النبي -صلى الله عليه وسلم- رهطاً وسعد جالس، فقلت: ما لك عن فلان يا رسول الله إني لأراه مؤمناً؟ فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((أو مسلماً؟ )) أعطى رهطاً وسعد جالس، عن سعد بن أبي وقاص أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أعطى رهطاً وسعد جالس، يعني سعد جرد من نفسه شخص آخر يتحدث عنه، فقلت: ما لك عن فلان؟ وهنا نفس الكلام عن محمد بن عمرو بن عطاء أنه كان جالساً مع نفر من أصحاب النبي -عليه الصلاة والسلام- فذكرنا صلاة النبي -عليه الصلاة والسلام-، فقال أبو حميد الساعدي: "أنا كنت" عندنا مضبوطة "أحفَظُكم" ما إعرابها؟ نعم؟
(20/19)
طالب:. . . . . . . . .
خبر كان وإلا خبر أنا؟ أنا أحفظكم، أو أنا كنت أحفظَكم، والجملة خبر أنا، يعني لو قال: أنا أحفظُكم انتهى الإشكال تصير (أحفظكم) خبر (أنا) مرفوع، وإذا أقحمت كنت هنا كما هو وأردناها خبر لكان، قال: كنت أحفظكم، وقد تزاد (كان) فتكون مزيدة، وقد تزاد مع اسمها، ولذلك لو حذفت "كنت" لاستقام الكلام "أنا أحفظكم" وعلى هذا فيجوز فيه الرفع والنصب، الرفع على أنها خبر (أنا) و (كان) مع اسمها زائدة، والنصب على أنها خبر (كان)، والجملة من (كان) واسمها وخبرها خبر (أنا).
"أحفظكم لصلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- رأيته إذا كبر" يعني للإحرام "جعل يديه حذو منكبيه" حذو يعني مقابل، حذو منكبيه يعني مقابل منكبيه، والمنكب مجتمع رأس العضد مع الكتف "وإذا ركع" يعني هذه صورة، حذو منكبيه، وجاء الرفع إلى فروع أذنيه، جاء في رواية يعني في حديث آخر: إلى فروع أذنيه، إذا كبر رفع يديه إلى فروع أذنيه.
أيهما أعلى رواية أبي حميد هنا أو الحديث الثاني؟ الثاني إلى فروع أذنيه، يعني أعلى أذنيه، بل في بعض الأحاديث أنه حاذى بأصبعيه أذنيه، وهذا منتهى الرفع، فكيف نجمع بين هذا الحديث وغيره؟ منهم من يقول: هذا اختلاف تنوع، يعني إذا رفع إلى المنكبين جاء في السنة، وإن رفع أعلى من ذلك جاء بالسنة، وإن فعل هذا مرة أو هذا مرة فقد جاء في السنة، ومنهم من يقول: نجمع بين الأحاديث بأن نجعل ظهور الكفين حذو المنكبين، وأطراف الأصابع حذو فروع الأذنين، وبهذا تجتمع النصوص.
رفع اليدين مع تكبيرة الإحرام، الأصل أن الرفع مقارن للتكبير، يبدأ معه وينتهي معه، فإن رفع قبل التكبير أو بعده فما الحكم؟ قال، رفع يديه كذا ثم قال، لما وضعهم قال: الله أكبر، أو قال: الله أكبر ثم رفع يديه، الأصل أن التكبير الرفع يقارن التكبير، كما أن التكبير للركوع والتكبير للسجود، والتكبير للقيام من السجود يقارن الفعل هذا الأصل لا يتقدم عليه ولا يتأخر عنه؛ لأنه للانتقال، فما معنى كونه يسبق الانتقال أو يتأخر عنه؟! إنما شرع من أجله فيكون مقارناً له.
(20/20)
السنة أن يكون الرفع مقارناً، وأما إذا كبر قبل أن يرفع أو رفع قبل أن يكبر فأهل العلم قد يتسامحون في شيء من هذا على ألا يتأخر أحدهما عن الآخر تأخراً طويلاً.
على كل حال هذا الرفع المقارن لتكبيرة الإحرام سنة عند جماهير أهل العلم، الأئمة الأربعة كلهم يقولون بأنه سنة، وقال من أهل العلم كالحميدي وبعض العلماء قالوا بوجوبه، داود الظاهري، والحميدي يقولون بوجوب الرفع هذا، وهذا من الموضع بالذات يتفق فيه الحنفية مع الجمهور، فيقولون باستحبابه باختلاف المواضع الأخرى التي يستحبها الجمهور على خلاف بينهم في تفاصيلها على ما سيأتي، وأما الحنفية فلا يرون الرفع في غير هذا الموضع.
"جعل يديه حذو منكبيه، وإذا ركع أمكن يديه من ركبتيه" وجاء في رواية: "حتى كأنه قابضهما" ومع ذلك يمد يديه كالوتر؛ لأن بعض الناس وهو راكع تشوفه مرة فاحج يديه هكذا، ومرة ضامها، المهم أنه يمدها كالوتر يعني باعتدال.
"وإذا ركع أمكن يديه من ركبتيه، ثم هصر ظهره" يعني ثناه، هصر ظهره في استواء من غير تقويس، يمد ظهره معتدل هكذا، وجاء في بعض الأحاديث عند ابن ماجه وغيره "حتى لو صب الماء على ظهره لاستقر" -عليه الصلاة والسلام- يعني ما في تقويس، ويكون الرأس في سمت الظهر على ما سيأتي في الأحاديث اللاحقة.
"ثم هصر ظهره، فإذا رفع رأسه استوى حتى يعود كل فقار مكانه" الفقار عظام الظهر التي يقال لها: خرز الظهر، كل فقرة تعود إلى مكانها، ولا يمنع أن يراد بالفقار هنا المفاصل، فيعود كل فقار كل مفصل، كل عضو إلى مكانه، وبهذا مع الأدلة الأخرى التي يأتي ذكرها يُحتج لمن يقول بأن اليد اليمنى توضع على اليسرى، واليسرى على الصدر بعد رفع الرأس من الركوع، يعني الاعتدال من الركوع، وهذا سيأتي الكلام فيه -إن شاء الله تعالى-.
"حتى يعود كل فقار مكانه، فإذا سجد وضع يديه غير مفترش ولا قابضهما" إذا سجد وضع يديه بجانبي الوجه والأصابع مضمومة إلى جهة القبلة غير مفترش، يعني غير واضع لليدين على الأرض، غير واضع للذراعين على الأرض، وهذا افتراش السبع المنهي عنه على ما سيأتي.
"ولا قابض" يعني ولا ضامهما إلى جنبه، بل مجافٍ لهما إلى جنبه.
(20/21)
"وضع يديه غير مفترش ولا قابضهما" والقبض كما يطلق على ضم اليدين إلى الجنبين يطلق أيضاً على قبض الأصابع، اللفظ لا يحتمل؟ ما يحتمل هذا؟ غير مفترش ولا قابضهما" قابض اليدين هل المراد باليدين التي جاء بيانه في قوله: "وإذا سجد وضع يديه" ما المراد باليدين؟ الكف، إذا قيل: "ولا قابضهما" يعني قابض الكف الأصابع، وإذا قلنا: ولا قابضهما، واليد كما تطلق على الكفين تطلق على الذراعين أيضاً، فيكون المراد بالقبض هنا قبض اليدين إلى الجنبين.
"ولا قابضهما، واستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة" وكل عضو منه يمكن استقبال القبلة به، هذا هو الأصل كاليدين والرجلين إضافة إلى أن البدن كله مع في استقبال القبلة.
"فإذا جلس في الركعتين جلس على رجله" في الركعتين كيف في الركعتين؟ في الركعتين يعني بعد الفراغ من الركعتين، والمقصود بذلك التشهد الأول أو بين السجدتين؟ فما الذي يخصص الركعتين؟ "فإذا جلس في الركعتين جلس على رجله اليسرى ونصب اليمنى" يعني جلس مفترشاً رجله اليسرى، ناصباً رجله اليمنى وهذا بين السجدتين، وفي الجلسة التي تسمى جلسة الاستراحة، وأيضاً في التشهد الأول، هذه صفة الجلوس، وجاء من حديث ابن عباس ويذكر عن العبادلة أنهم ينصبون القدمين، ويجعلون اليدين على العقبين، ويسميه بعض أهل العلم هذا إقعاء، لكن جاء عن ابن عباس أنه السنة، فعلى هذا لو فعل أحياناً، من فعله أحياناً أصاب السنة، ويكون الغالب في جلوسه على هذه الصفة "جلس على رجله اليسرى ونصب اليمنى" وبعض الناس يعكس، نعم بعض الناس لا يستطيع لأنه تعود هذه الطريقة، فيبست رجليه على هذا الأمر، أو حصل له حادث أو كسر أو شيء من هذا لا يستطيع هذا معذور، ما يقال: تكسر رجله مرة ثانية على شان تعدل لهذه الجلسة، هذا معذور الذي لا يستطيع، لكن الإشكال في الذي يستطيع ولا يفعل مع علمه بهذه الصفة.
(20/22)
"جلس على رجله اليسرى ونصب اليمنى، وإذا جلس في الركعة الآخرة" يعني في التشهد الأخير "قدم رجله اليسرى" يعني فأدخلها تحت ساقه اليمنى، أو بين ساقه وفخذه إن أمكن ذلك على ما جاء في سنن أبي داود، لكن الأكثر على الصفة الأولى يقدم رجله اليسرى، فيجعلها تحت ساقه اليمنى ونصب الأخرى، نصب اليمنى وقعد على مقعدته، وهذا يعرف عند أهل العلم بالتورك، فالتشهد الأول افتراش، والتشهد الثاني تورك، وهذا قول الحنابلة عملاً بهذا الحديث المفصل، الحنفية ما عندهم شيء اسمه تورك، الجلسات كلها افتراش، يستوي ذلك بين السجدتين وللتشهد الأول والثاني، المالكية يتورك في التشهدين عكس الحنفية، الشافعية عندهم الجلوس كله افتراش إلا في تشهد يعقبه سلام، يوافقون المالكية من وجه ويوافقون الحنابلة من وجه، كيف يوافقون المالكية؟ متى يوافق الشافعية المالكية؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم في التشهد الذي يعقبه سلام، يعني سواءً كانت صلاة ثنائية أو ثلاثية أو رباعية، يتورك في صلاة الصبح يتورك في الظهر، يتورك في المغرب، ومعنى قوله: "يعقبه سلام" أنه إذا كان عليه سجود سهو يتورك وإلا ما يتورك؟ ما يتورك؛ لأن التشهد لا يعقبه سلام، ولو كان تشهد ثاني، وبهذا يختلفون مع الحنابلة في التشهد الثاني الذي يعقبه سجود سهو، ويتفقون معهم في التشهد الثاني الذي لا يعقبه سجود سهو، وإنما يعقبه سلام. "رواه البخاري".
كلام طويل في حديث علي.
يقول -رحمه الله تعالى-:
"وعن علي بن أبي طالب -رضي الله تعالى عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه كان إذا قام إلى الصلاة" أي صلاة هذه؟ يقول الحافظ في البلوغ: "في رواية لمسلم" الحديث رواه مسلم في الجملة، وفي رواية له: أن ذلك في صلاة الليل، يعني هذا الاستفتاح إنما هو في صلاة الليل، وهذا نص عليه الحافظ ابن حجر في البلوغ.
(20/23)
وقال الصنعاني: لم نجده في مسلم، يعني لم نجد التنصيص على أن ذلك في صلاة الليل، وإنما ساق مسلم الحديث حديث علي هذا في قيام الليل، فهل مقتضى السياق سياق الخبر في أثناء أحاديث قيام الليل أن يكون هذا الاستفتاح خاص بصلاة الليل كما في: ((اللهم رب جبرائيل وميكائيل))؟ يعني لو أن شخصاً أراد أن يستفتح لصلاة الظهر، فقال: اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، قلنا: هذا جاء في صلاة الليل، ولو استفتح بهذا قال: ((وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرضَ)) لأن مسلماً وضع الحديث في أحاديث صلاة الليل، ومسلم دقيق في ترتيبه، ولذلك جزم الحافظ أن هذا في صلاة الليل، ومجرد عمله وصنيع مسلم في وضعه هذه الخبر في أثناء أحاديث صلاة الليل كأنه نطق؛ لأنه دقيق -رحمه الله-، ولذا قال الحافظ: وفي رواية له أن ذلك في صلاة الليل، لكن الصنعاني قال: لم نجده في مسلم، يعني التنصيص بالقول أن هذا في صلاة الليل، وإنما ساق مسلم حديث علي هذا في قيام الليل، وقد نقل الحافظ ابن حجر في التلخيص عن الشافعي وابن خزيمة أنه يقال في المكتوبة، يعني في البلوغ قال: نص مسلم على أن هذا في صلاة الليل، وفي البلوغ نقل عن الشافعي وابن خزيمة أن هذا الاستفتاح يقال في المكتوبة، لكن طول هذا الاستفتاح وسكوت النبي -عليه الصلاة والسلام- بين التكبير وبين القراءة هنيهة على ما سيأتي في حديث أبي هريرة، يعني قليل ما يحتمل كل هذا الكلام، وهذا يرجح أن هذا الاستفتاح إنما هو في صلاة الليل التي من شأنها الطول، والإنسان بمفرده يصنع ما يشاء، يطيل أو يختصر الأمر إليه، يفعل الأرفق به، لكن إذا كان إمام عليه ملاحظة المأمومين، ودعاء الاستفتاح الذي هذا من صيغه، ومن صيغه ما سيأتي: ((سبحانك اللهم وبحمدك)) ومن صيغه ما جاء في حديث أبي هريرة: ((اللهم باعد بيني وبين خطاياي)) وله صيغ أخرى، سنة عند الجمهور وليس بواجب، وليس بسنة عند مالك -رحمه الله- على ما سيأتي، على ما سيأتي الاستفتاح ليس بسنة عند مالك، وعند الجمهور سنة، وجاءت الاستفتاحات عن النبي -صلى الله عليه وسلم- على صيغ متعددة، والاختلاف فيها اختلاف تنوع، وليس باختلاف تضاد، ولذا لا ينبغي الترجيح بين هذه الاستفتاحات
(20/24)
الثابتة الواردة والاقتصار على واحد منها، وإلغاء ما عداه، فيأتي بهذا أحياناً، ويأتي بهذا أحياناً، على ما سيأتي في صيغ التشهد -إن شاء الله تعالى-.
قال: ((وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرضَ)) يعني وجه وجهه إلى الجهة التي أمر الله بها، وجاء في الحديث: ((إذا قام أحدكم يصلي فلا يبصق تلقاء وجهه)) لماذا؟ لأن الله تلقاء وجهه، ولا يعني هذا أن الله -جل وعلا- بين الإمام والمحراب، أو بين المأموم والإمام، لا أبداً، لكن الله -جل وعلا- مستوٍ على عرشه، بائنٌ من خلقه، لكنه تكريماً لهذه الجهة، وتوجيه الوجه معناه توجيه القصد لله -جل وعلا- مخلصاً بذلك بقلبه وقالبه، فوجهه وجميع بدنه متجه إلى هذه الجهة التي جاء الأمر بها، وقلبه معلق بربه -جل وعلا-، ملتفت إلى صلاته التي هي الصلة بين العبد وربه.
((وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرضَ)) ابتدأ خلقهما، يعني خلقهما {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [(1) سورة فاطر] يعني خالق السماوات والأرض، مبدع السماوات والأرض.
((حنيفاً)) يعني حال كوني حنيفاً، فحنيفاً حال، وفاعله وصاحب الحال، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
وجهت، صاحب الحال الفاعل، فاعل وجهت، صحيح {فَاتَّبِعُواْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} [(95) سورة آل عمران] صاحب الحال؟ إبراهيم، نعم؟ إبراهيم موقعه من الإعراب مضاف إليه، يجوز الإتيان بالحال من المضاف إليه، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
مطلقاً وإلا؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم.
ولا تجز حالاً من المضاف له ... إلا إذا اقتضى المضاف عمله
{إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا} [(4) سورة يونس].
أو كان جزء ما له أضيفا ... . . . . . . . . .
قطعت يد زيد قائماً.
. . . . . . . . . ... أو مثل جزئه فلا تحيفا
مثل الجزء، الملة مثل الجزء {فَاتَّبِعُواْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} [(95) سورة آل عمران].
((وما أنا من المشركين)) الحنيف والحنف والأحنف المادة كلها تدل على الميل، فالأحنف الذي رجله مائلة، والحنيف والأحنف الذي مال، مال عن إيش؟ مال عن الشرك وأهله ((حنيفاً وما أنا من المشركين)).
(20/25)
{قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ} [(162 - 163) سورة الأنعام] يعني كما جاء في آخر سورة الأنعام {إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي} [(162) سورة الأنعام] صلاتي وذبيحتي {وَمَحْيَايَ} [(162 - 163) سورة الأنعام] كله، المحيا كله، والممات كله، يعني جميع التصرفات ينبغي أن تكون على مراد الله -جل وعلا-، جميع تصرفات الإنسان ينبغي بل على المسلم أن تكون على مراد الله -جل وعلا-، فحياته كلها لله، ومماته لله، لله رب العالمين، لا شريك له، لا يلتفت إلى أحد سواه، ولا يصرف شيئاً مما لا يجوز صرفه إلا لله -جل وعلا-.
((لا شريك له، وبذلك أمرت)) أمره الله -جل وعلا- بذلك ((وأنا من المسلمين)) التوجيه سواءً كان النبي -عليه الصلاة والسلام- أو غيره ممن يقول هذا الذكر، نعم هو من المسلمين حقيقة، وإذا قلنا: إن الإسلام دين الأنبياء كلهم ما كان النبي -عليه الصلاة والسلام- أول المسلمين، وإذا قلنا: إن الإسلام المراد به هذه الشريعة التي جاء بها النبي -عليه الصلاة والسلام-، صار محمد -عليه الصلاة والسلام- أول المسلمين، لكن ماذا عن أتباعه؟ هل الأولى أن يقول المسلم: وأنا أول المسلمين أو وأنا من المسلمين؟ وهل تغير الصيغ الثابتة المتعبد بها من أجل مثل هذا؟ أو نتلو اللفظ المتعبد به كما هو؟ يعني للمسلم أن يقول: وأنا أول المسلمين وهو في الحقيقة ليس بأول المسلمين لكن هو متعبد بهذا اللفظ، يعني في القرآن تقول: وأنا أول المسلمين، يجوز لك أن تغير، تقول: ما أنا بأول المسلمين إذاً أغير؟ لا يجوز، فهل تغير في مثل هذا الحديث؟ نعم جاء في بعض الروايات: ((وأنا من المسلمين)) وأما على الرواية الأخرى: ((وأنا أول المسلمين)) كما في الآية {وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [(163) سورة الأنعام] يكون المراد بذلك اتباع لفظ القرآن.
(20/26)
((اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت)) أنت الملك، الملك اسم من أسماء الله -جل وعلا-، كما جاء في آخر الحشر وغيرها ملك ومليك {عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ} [(55) سورة القمر] {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ} [(26) سورة آل عمران] {لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} [(16) سورة غافر] فالملك من أسمائه الحسنى.
((لا إله إلا أنت)) إقرار واعتراف بشهادة التوحيد، نفي لكل إله يدعى ويعبد من دون الله -جل وعلا-، وإثبات للعبودية لله -جل وعلا- خاصة.
((لا إله إلا أنت، أنت ربي)) اعتراف ((وأنا عبدك)) انكسار بين يدي الله -جل وعلا- ((ظلمت نفسي)) هذا يقوله المعصوم -عليه الصلاة والسلام- ((ظلمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعاً)) منهم من يقول: إن مثل هذا من النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يقوله قصداً لذلك؛ لأنه غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فليس بحاجة إلى مثل هذا، وإنما المراد تعليم الأمة، ومنهم من يقول: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- يسأل مثل هذا من باب التواضع، وإلا فهو معصوم -عليه الصلاة والسلام-، ومنهم من يقول: إن ذنوب الأنبياء المعصومين إنما هي فعلهم خلاف الأولى.
(20/27)
((وأنا أول المسلمين، اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت، أنت ربي وأنا عبدك ظلمت نفسي واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعاً)) أبو بكر -رضي الله عنه- على ما سيأتي طلب من النبي -عليه الصلاة والسلام- دعاءً يقوله بعد الفراغ من التشهد، فأرشده النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يقول: ((رب إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً فاغفر لي ... )) إلى آخره، المبتدعة يقولون: هاه أبو بكر ظالم لنفسه ظلم كثير وليس بقليل، ويقول هذا المعصوم -عليه الصلاة والسلام- الذي يعرف حال أبي بكر، وأخبر الناس به، يقول: قل يا أبا بكر: ظلمت نفسي ظلماً كثيراً، فهو ظالم لنفسه، والظالم لنفسه لا يؤمن أن يظلم غيره، نقول: ماذا عن النبي -عليه الصلاة والسلام- ((ظلمت نفسي واعترفت بذنبي))؟ هل يقال مثل هذا في حق النبي -عليه الصلاة والسلام-؟! أو نقول: هذا تواضع وهضم للنفس؟ نقول: تواضع وهضم للنفس، والظلم متفاوت تفاوتاً بيناً وواضح وظاهر، يبدأ من الشرك الأكبر {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [(13) سورة لقمان] إلى الظلم اليسير في وضع الشيء في غير موضعه، فالظلم قد لا ينفك منه أحد، اليسير منه وضع الشيء في غير موضعه ظلم، فعلى الإنسان أن يطلب من الله -جل وعلا- أن يغفر له هذا الظلم، وإن كان يسيراً، فإذا طلبه النبي -عليه الصلاة والسلام- فلأن يطلبه أبو بكر من باب أولى؛ ولأن يطلبه من دون أبو بكر من باب أولى، وهذه منقبة لأبي بكر -رضي الله عنه وأرضاه-.
((ظلمت نفسي واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعاً، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت)) في أحد يستطيع أن يغفر لأحد؟ أبداً، ((لا يغفر الذنوب إلا أنت)) وبعض الملل وبعض المذاهب يعطون صكوك غفران يسمونها، فالذي يدفع الرسوم يعطى مثل هذا الصك، وهذا موجود عند بعض الملل الخارجة عن ملة الإسلام، وموجود مع الأسف عند بعض من ينتسب إلى الإسلام من أصحاب البدع الكبرى المغلظة التي في حقيقتها مخرجة عن الإسلام، لكن هم يدعون الإسلام ويتجهون إلى قبلتنا، ومع ذلك عندهم مثل هذه البدع المغلظة.
(20/28)
((لا يغفر الذنوب إلا أنت)) ما جاء أبو بكر ولا عمر للنبي -عليه الصلاة والسلام- ليغفر لهم {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ} [(64) سورة النساء] استغفروا منك وإلا من الله -جل وعلا-؟ يعني طلبوا المغفرة منك يا محمد أو من الله -جل وعلا-؟ المغفرة لا يملكها إلا الله -جل وعلا-.
((وأهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت)) لعلنا نقف على هذا لأن الإخوان بدأت عليهم آثار الملل، وبدؤوا ينصرفون، لكن ما شرح فيه بركة -إن شاء الله-.
نقف على هذا؛ لأن الأخلاق تحتاج، وبقية الحديث يحتاج إلى تفصيل، والحديث الذي يليه له صلة به، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(20/29)
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: المحرر – كتاب الصلاة (21)
الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هذا يقول: أنا الآن في غير بلدي، وعلي قضاء عشرين يوماً من رمضان الماضي، والنهار طويل جداً في هذا البلد، فهل يجوز لي تأخير الصيام إلى شوال حتى أرجع وأقضيه في بلدي؟
ما دام مسافر، والمسافر يجوز له الفطر في رمضان، فإن كان تأخيرك للقضاء عن تفريط منك فعليك بالمبادرة، فتصوم هذه الأيام قبل رمضان، وإن كان من غير تفريط والقضاء يشق عليك في السفر، فلو أخرتها وأطعمت مع صيام كل يوم مسكين على قول أكثر أهل العلم، ومع ذلك لو لم تطعم على رأي الإمام البخاري ومن يرجح قوله فالأمر فيه سعة، لكن إن كان ذلك ناشئ عن تفريط، وأخرت القضاء إلى هذه الأيام حتى إذا ضاق الوقت وجد لك المبرر الشرعي بالفطر فأنت حينئذٍ أنت المفرط، فعليك أن تقضي قبل دخول رمضان، وإن كان تأخير القضاء لا لتفريط فأنت لو أخرت لا سيما لو كان الصيام يشق عليك كما ذكرت في السؤال النهار طويل جداً في هذا البلد، فإذا أخرت فتطعم مع كل يوم مسكين على مقتضى قول أكثر العلماء.
يقول: ما أفضل كتاب في أسباب النزول؟
هناك كتب في أسباب النزول منها للواحدي والسيوطي وغيرهما.
وهل هناك كتاب موسع في هذا الباب؟
المفسرون الذين معولهم على الأثر يذكرون هذه الأسباب كالطبري وابن كثير والبغوي وغيرهم، فلا يكتفى بكتاب واحد، فإذا أراد طالب العلم الاستيعاب فعليه أن يقرأ ما كتب في هذا المجال، ويضم إليه ما يزيده المفسرون.
يقول: هل الصف المقابل للإمام في الحرم يعتبر من الصف الأول؟
(21/1)
الصف الأول هو الذي يلي الإمام مباشرة، وما كان بإزائه ومحاذاته من الجهات الأخرى، وأما من يتقدم على الصف المحاذي للإمام في غير جهته فهذه أقرب ما تكون لصفوف الحاجة، مثل الصف عن يمين الإمام إذا لم يجد مكاناً، أو الصلاة في الدور الأعلى، أو الدور الأسفل المحاذي للإمام، هذه كلها صفوف حاجة؛ لأن الأصل أن المأموم يكون خلف الإمام حقيقة أو حكماً، فلا يكون أقرب إلى الكعبة، لكن الحاجة قد تدعو إلى ذلك، فتكون هذه صفوف حاجة، علماً بأن الاستدارة حول الكعبة من الجهات كلها إنما وجدت في عصر متأخر عن عصر النبي -عليه الصلاة والسلام- حتى قيل: إن أول من أمر بذلك ابن الزبير في ولايته؛ لأنه كثر الناس، فكانت الجهة الواحدة لا تستوعبهم.
ما حكم تبديل الكنائس إلى مساجد؟ وهل هناك كتب مخصصة لهذا الموضوع، أو ذكرت هذه المسألة؟
نعم الكتب التي ألفت في الرد على النصارى، وأحكام أهل الذمة ذكروا هذا، فابن القيم ذكر، شيخ الإسلام أيضاً ذكر وغيرهما من العلماء ذكروا مثل هذه المسألة، فتبديل الكنائس إلى مساجد هذا خير بلا شك.
يقول: لو وجدت كافراً يمارس عبادته هل لي أن أمنعه أو أضيق عليه سواء في بلادنا أو غيرها؟
الذي لك أن تدعوه إلى الصواب، تدعوه إلى الإسلام، أو أقل الأحوال أن يكف عن المجاهرة بعبادته المخالفة للإسلام، بالطريقة المناسبة، بالأسلوب المحقق للمصلحة، ولا يترتب عليه مفسدة.
ما حكم التصوير بكاميرا الفيديو؟ وهل حكمها حكم التصوير الفوتوغرافي؟
نعم التصوير الذي يثبت الصورة بحيث يمكن استعراضها ورؤيتها من غير وجود المصَّور هذا كله تصوير، التصوير الذي يحتفظ به هذا تصوير بأي آلة كان.
وما رأيك بمن يقول من أجاز الفيديو فإنه لا بد أن يجيز الفوتوغرافي؟
لا فرق بينهما.
يقول: إذا ترجح عند شخص مسألة معينة، ولكن قلبه مطمئن لخلاف ما ترجح عنده، فما العمل؟
(21/2)
إن كانت طمأنينة القلب سببها الاحتياط، ترجح عنده أن هذا العمل جائز، لكن القول بمنعه قول معتبر عند أهل العلم، ويقول به أئمة، فكونه ينكف عن هذا العمل ولو كان جائزاً عنده هذا هو الأولى والأحرى به، لكن إذا كان العكس إذا ترجح عنده أن الأمر محرم، والقول الآخر القول بالجواز قول من يعتد بقوله من أهل العلم نقول حينئذٍ: لا يجوز لك أن تعمل بخلاف ما تعتقده؛ لأن الاحتياط له شأن عند أهل العلم.
ما حكم التسبيح بالمسبحة؟
هذا سئل عنه بالأمس، وقلنا: إنها من أهل العلم من أطلق أنها بدعة، مقتضى هذا أن تكون محرمة، ومنهم من أطلق الكراهة، ومنهم من قال: هي خلاف الأولى، والمعول في ذلك على حديث أم المؤمنين حيث سبحت بالحصى فأرشدها النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى أن تسبح بالأنامل، والعلة في ذلك أنها مستنطقة، المقصود أن أقل الأحوال أن تكون خلاف الأولى، والكراهية لها وجه.
يقول: لو تاب صاحب الذنوب توبة نصوحاً هل يحاسب على توابع المعصية بعد أن تاب منها؟
إن كانت توابعها متعلقة بالمخلوق فمن تمام التوبة، التوبة من المعصية نفسها ومن توابعها أن يتحلل من هذا المخلوق الذي هذه التبعة له، أو هذه المظلمة له، وإن كانت بالنسبة للخالق فهي تبعاً له، فالتوبة إذا كانت بشروطها وقبلت عند الله -جل وعلا- محاها ومحا أثرها.
هذا يقول: في المغرب والجزائر الأئمة يقنتون دوماً في صلاة الصبح لا للنازلة كما قلت، بل هذا مذهبهم، ولست أدري ما مستندهم في ذلك؟ وهذا منذ زمن طويل.
المغرب والجزائر الغالب أنهم مالكية، والمعروف في قنوت صلاة الصبح أنه عند الشافعية، فإن كان هناك قول للمالكية يقول بالقنوت فهم تبع له، وإلا فهذا من التأثر بالمذاهب الأخرى.
ما حكم من أخطأ في القراءة -هذا السؤال- ما حكم من أخطأ في القراءة؟
يعني في الصلاة أو خارج الصلاة؟ على المسلم عموماً أن يتعلم القراءة الصحيحة، لا سيما ما يتعلق بالقرآن، وإذا صلى فلا يقرأ إلا ما يتقن، لا يقرأ قراءة يجرب بها، هل تمشي معه أو ما تمشي؟ لا، إنما يقرأ ما يتقن.
أفضل محقق لكتب ابن القيم؟
(21/3)
ما يوجد محقق حقق كتب ابن القيم كلها، وإنما كل كتاب حققه أكثر من واحد، يحكم حينئذٍ على أفضل هؤلاء المحققين.
هل يجوز أن أقدم هدية لزوجي بمناسبة مرور سنة على زواجنا؟
هذا ليس من فعل المسلمين، وإنما هو من فعل الكفار، ففعل مثل هذا تشبه بهم.
ولو كررت هذا الفعل سنوياً أيجوز؟
لا؛ لأنه يكون في حكم العيد.
لست أعده عيداً، ولكنه فرح وتقدير وتعبير عن الشكر.
سواء اعتبرته هذه المرأة عيداً أو لم تعتبره عيداً فهو عيد على كل حال؛ لأن العيد لما يعود ويتكرر.
ما رأيكم في كتاب كفاية المستقنع من أدلة المقنع، أو ما يسمى بالانتصار في أحاديث الأحكام للمرداوي، فالكتاب يشبه كتاب المحرر، وأيهما تفضلون؟
على كل حال ابن عبد الهادي أمكن في الحديث، وتعقيباته على الأحاديث وأحكامه وعلله، وما ينقله عن الأئمة يحرص عليها طالب العلم أشد الحرص، فالمحرر أفضل منه.
هذه تقول: الذكر الوارد بين السجدتين قلتم: إن (كان) تدل على الاستمرار، وأهل العلم يقيدونها بـ (غالباً) وقد جاء استعمالها في مرة واحدة، وكان يقول بين السجدتين: ((اللهم اغفر لي وارحمني واجبرني وعافني وارزقني واهدني)).
هذا يكثر منه، فغالب ما يقول مثل هذا.
والذكر الوارد من فعله -عليه الصلاة والسلام- أنه يقول بين السجدتين: ((رب اغفر لي، رب اغفر لي، رب اغفر لي)) ثلاثاً، فهل يلازم المصلي الأول أم ينوع بين الاثنين؟
على كل حال إذا كرر اغفر لي ثلاثاً كفى، وإن جاء بالخمس الجمل أو السبع على ما تقدم فهو أكمل.
سم.
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
اللهم اغفر لشيخنا وللحاضرين وللمستمعين يا رب العالمين.
قال الإمام ابن عبد الهادي -رحمه الله- في محرره:
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع، يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال)) متفق عليه، واللفظ لمسلم.
وفي لفظ له: ((إذا فرغ أحدكم من التشهد الآخر فليتعوذ بالله من أربع)).
(21/4)
وعن عائشة -رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يدعو في الصلاة: ((اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال، وأعوذ بك من فتنة المحيا وفتنة الممات، اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم)) فقال له قائل: ما أكثرُ ما تستعيذ من المغرم.
أكثرَ، أكثرَ.
ما أكثرَ ما تستعيذ من المغرم فقال: ((إن الرجل إذا غرم حدث فكذب، ووعد فأخلف)) متفق عليه، واللفظ للبخاري.
يكفي.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
"وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا تشهد أحدكم)) " إذا تشهد يعني فرغ من التشهد، إذا فرغ من التشهد، وفرغ بعد ذلك من الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- الصلاة الإبراهيمية التي سبقت في درس الأمس، وجاء ما يدل على أن المراد بالتشهد هو التشهد الآخر كما في اللفظ الذي يشير إليه المؤلف بعد ذلك، فالدعاء محله التشهد الأخير لا الأول؛ لأن الأول مبني على التخفيف، حتى جاء في وصفه -عليه الصلاة والسلام- وهو في التشهد الأول أنه كأنه على .. ، على إيش؟ الرُضف أو الرْضف، على الضبطين يعني الحجارة المحماة، مما يدل على أنه يستعجل في هذا، وإن كان الحديث فيه ما فيه، يعني تكلموا فيه عند أهل العلم.
على كل حال التشهد الأول مبناه على التخفيف، فالدعاء إنما يكون بعد التشهد الأخير.
((فليستعذ بالله)) والسين والتاء للطلب، يعني فليطلب الإعاذة من الله -جل وعلا-، أو بالله -جل وعلا- والطلب من الله، واللام لام الأمر ((فليستعذ بالله من أربع)) يطلب من الله -جل وعلا- أن يعيذه من هذه الأربع.
اللام هذه لام الأمر، والأصل في الأمر الوجوب، وقال به الظاهرية، وطاوس بن كيسان من جلة التابعين أمر ابنه أن يعيد الصلاة كما في صحيح مسلم لما لم يستعيذ من هذه الأربع، أمره أن يعيد الصلاة، فدل على أنها واجبة عنده، وعامة أهل العلم على أنها سنة، وليست بواجبة، وإن كان الأصل في الأمر الوجوب.
(21/5)
((فليستعذ بالله من أربع، يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم)) من عذاب جهنم، جاءت الاستعاذة من النار، ومن عذابها في نصوص كثيرة.
((ومن عذاب القبر)) كذلك إثبات عذاب القبر هو الذي عليه عامة من يعتد بقوله من أهل العلم، وقول أهل الحق من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، والأحاديث فيه تبلغ حد التواتر، وإثبات عذاب القبر بالكتاب والسنة، من أدلته:
قوله: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [(46) سورة غافر] {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا} [(46) سورة غافر] هذا في البرزخ، في القبر {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ} [(46) سورة غافر] هذا بعد البعث.
المقصود أن من أهل العلم من استدل أيضاً بقوله -جل وعلا-: {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ} [(21) سورة السجدة] منهم من يقول: إن هذا العذاب في الدنيا، ومنهم من يقول: المراد به عذاب القبر، ولم يعرف إنكار عذاب القبر إلا عند المعتزلة الذين لا يثبتون عذاب القبر، وأما أهل السنة فإنهم مجمعون عليه، والنصوص فيه قطعية.
((ومن فتنة المحيا والممات)) يعني جاء في الحديث الصحيح أن النبي -عليه الصلاة والسلام- مر بقبرين وقال: ((إنهما ليعذبان وما يعذبان بكبير)) وجاء في صحيح مسلم: ((لولا أن تدافنوا)) وفي وراية: ((لولا ألا تدافنوا لأسمعتكم)) فلا مجال للتردد في إثباته.
قال: ((ومن فتنة المحيا والممات)) فتنة المحيا ما يتعرض له الإنسان أثناء حياته، وقد يفتن وهو لا يشعر {أَوَلاَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ} [(126) سورة التوبة] وأحياناً يفتن أكثر من ذلك.
فتنة المحيا ما يتعرض له حال حياته، والممات عند مماته، عند مماته يتعرض لفتنة من الشيطان ليختم له بالسوء.
(21/6)
((ومن شر فتنة المسيح الدجال)) وأي فتنة أعظم من فتنته، وأخوف ما خافه النبي -عليه الصلاة والسلام- فتنته، ومعه المغريات من الترغيب والترهيب، وجاء في أخباره الشيء الكثير، لكن هل التعوذ المطلوب من فتنته أو من شر فتنته؟ نعم؟ الحديث: ((ومن شر فتنة المسيح الدجال)) وبعض الروايات ما فيها شر: ((وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال)) هل نقول: إننا نقيد المطلق بالمقيد بشر، أو نقول: يعمل به على إطلاقه؟ فيتعوذ من فتنة المسيح الدجال مطلقاً، يعني كون الإنسان يتعرض لفتنة المسيح الدجال هل الأفضل أن يتعرض لها ولو ثبت على الحق أو ألا يتعرض أصلاً؟ هو ما في شك أن الذي يثبت تمر به الفتن، تمر به المحن ويثبت هذا أفضل بلا شك، لكن ما الذي يدري الإنسان أنه يثبت؟ فيقتصر على شرها، أو أنه إذا وقي شر الفتنة فمعناه أنه يثبت، فيكتب له خيرها دون شرها.
((ومن شر فتنة المسيح الدجال)) والنصوص الأخرى مطلقة ليست مقيدة بالشر، بل لعموم فتنته خيرها وشرها، كون الإنسان يقيه الله -جل وعلا-، ويعيذه من شر الفتنة هذا لا شك أنه ناجي، وكونه يعيذه من الفتنة كلها يستعيذ بالله من الفتن كلها ما ظهر منها وما بطن، ولذلك يستعيذ من فتنة المحيا والممات، ترى من فتنة المحيا النساء، الأزواج، والأولاد، والأموال، فهل معنى هذا أنه يستعيذ من شر فتنة أو من فتنة الأموال والأولاد والزوجات؟ كأنه يقول: اللهم لا ترزقني مالاً ولا ولداً ولا زوجة لأنها فتنة، إذا قلنا بالإطلاق، وإذا قلنا: إنه يستعيذ من شرها فهو يريد المال، يريد الزوجة، يريد الأولاد؛ لكنه شرهم يتقيه، ويسأل الله -جل وعلا- أن يقيه شرهم.
(21/7)
الكلام يحتاج إلى تأمل يا الإخوان، يحتاج إلى تأمل؛ لأن من فتنة المحيا {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ} [(15) سورة التغابن] {إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ} [(14) سورة التغابن] المقصود أنها فتن، هذه فتنة المحيا فتنة الرجل في أهله وماله تكفرها الصلاة لكنها فتنة، هل يستعيذ بالله منها أو من شرها؟ هل يستعيذ بالله منها بحيث يقيه الله -جل وعلا- الأموال والأولاد والزوجات، أو يستعيذ بالله من شرها؟ لأن طلب هذا مطلوب ((تزوجوا)) ((تكاثروا)) هذا مطلوب، يعني إذا نص على شر فتنة المسيح الدجال، فماذا عن فتنة المحيا والممات؟ هل يستعاذ بالله من شرها وعموم الفتن؟ عموم الفتن يعني كم شخص سمع يتمنى أن لو لم يدرك هذه الفتن التي نعيشها، فهل كون الإنسان يقبض قبل هذه الفتن أفضل، أو كونه يوجد في هذه الفتن ويجاهد ويصبر ويحتسب ويخفف منها بقدر ما يستطيع أيهما أفضل؟ يعني الأفضل كونه لا يدرك الفتن، أو الأفضل كونه يدرك الفتن ويساهم في تخفيفها أو القضاء عليها؟ الثاني أفضل بلا شك، لكن من يضمن؟ الكلام على من يضمن؛ لأنه قد يكون بهذه النية ثم إذا جاءته الفتن ما ثبت ولا صبر بل انحرف، ولذا جاء الإطلاق ((من فتنة المحيا والممات)) لكن ماذا عن فتنة المسيح الدجال؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
(21/8)
ومن هذا الدجال، من هذا أيضاً الفتن، ما يدعو الله -جل وعلا- أن يحييه حتى تأتي فتن فيساهم في تخفيفها والقضاء عليها، هذا أمر مفروغ منه، لكن التنصيص على شر فتنة المسيح الدجال، هل نقول: إن فتنة المسيح الدجال كلها شر فالتنصيص عليه وعدم التنصيص واحد كما جاء في الحديث الثاني؟ لكن ماذا عن الذي شقه الدجال بنصفين، نشره بالمنشار، ثم أعاده، ثم كذلك وثبت على .. ، هل هذا أفضل له أو الأفضل أن يوقى شر هذه الفتنة ولا يدخل فيها؟ نعم الكلام للعموم لعموم الناس، الأصل أن يسأل الله -جل وعلا- فتنة المسيح الدجال بشرها وما ينجم عن هذا الشر من خير، نعم لأنه قد ينجم من هذا الشر خير لهذا الذي يثبت ويصبر، لكنه في الجملة شر، يعني ما تعرض له من أذى شر، فيكون التنصيص على شر فتنة المسيح الدجال كالتعميم مثل اللفظ المطلق، ويكون حينئذٍ وصف كاشف لا مفهوم له؛ لأنه ليس معناه أن تتعوذ من شر فتنة المسيح الدجال أن تتمنى خير فتنة المسيح الدجال، يعني لا يفهم منه هذا، يعني هذا من باب التنظير، يعني إذا قرأنا حديث: ((من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)) هل مفهوم هذا الحديث أن من لم يتفقه في الدين أن الله -جل وعلا- أراد به شراً؟ أو أنه قد لا يريد به الخير، لكن لا يريد به الشر أيضاً؛ لأن الشر والخير ضدان أو نقيضان؟
طالب: نقيضان.
نعم يعني ما في واسطة لا شر ولا خير؟
طالب: لا يوجد.
وقلنا في مناسبات يمكن في هذا الدرس في حديث: ((من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)) عامي من عوام المسلمين لا يقرأ ولا يكتب ما عنده من الفقه شيء، لا يقرأ القرآن ولا غير القرآن، لكنه محافظ على الواجبات، وتارك للمحرمات، ورزق أموال وهو يضرب بهذه الأموال في جميع أبوب الخير، هل نقول: إن هذا أراد الله به شراً لأنه لم يتفقه في الدين، أو أن من تفقه في الدين أراد الله به خيراً وليس معنى هذا أنه أراد بغيره شراً؟ ونقول مثل هذا يعني من باب المقابل إن فتنة المسيح الدجال كلها شر، والمطلق مثل المقيد فيستعيذ بالله منها كلها.
(21/9)
متفق عليه، واللفظ لمسلم. وفي لفظ له: ((إذا فرغ أحدكم من التشهد الآخر)) يعني الأخير ((فليتعوذ بالله من أربع)) فالأدعية كلها في آخر الصلاة ((ثم ليتخير من المسألة ما شاء)) يعني في آخر الصلاة.
ثم قال:
"وعن عائشة -رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يدعو في الصلاة: ((اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر)) " هذا تقدم: ((وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال)) وهذا أيضاً جاء في الحديث السابق: ((وأعوذ بك من فتنة المحيا وفتنة الممات)) وهذا أيضاً يشتريك فيه هذا الحديث مع السابق ((اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم)) هذه زيادة على ما جاء في الحديث السابق ((اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم)) المأثم ما يترتب وما ينشأ عنه الإثم، والمغرم هو الغرم وهو الدين.
"فقال له قائل: ما أكثرَ ما تستعيذ من المغرم" أفعال تفضيل يعني كثيراً ما تستعيذ بالله -جل وعلا- من المغرم، فيما السبب في ذلك؟ "فقال: ((إن الرجل إذا غرم حدث فكذب)) " الرجل إذا غرم حدث فكذب، ويعد ويخلف، قد يحتاج إلى أن يكذب من أجل فك التضييق عليه، الغارم الدائن قد يأتي إلى هذا المدين، ثم يضغط عليه من أجل أن يسدد، فيقول: أنا بصدد بيع بعض الأمتعة وسوف أسدد، فيكذب عليه ما عنده أمتعة، ليس عنده شيء يباع، والغارم لم يرض، ولم يمتثل قول الله -جل وعلا-: {وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [(280) سورة البقرة] وشدد عليه وضيق عليه، فاحتاج إلى أن يكذب مثل هذا الكذب، ويحتاج أن يعد فيخلف، إذا جاء رأس الشهر سددت، فإذا جاء رأس الشهر ما عنده شيء.
(21/10)
((إن الرجل إذا غرم حدث فكذب، ووعد فأخلف)) كذبه من أجل أن يصرف الغارم أو الغريم، ووعده من أجل أن يصرفه، ولذا جاء التقييد بالمماطلة بكون المماطل واجد ((لي الواجد ظلم)) مفهومه أن غير الواجد ليس بظلم، بل هو معذور، فإذا غرم ولا يستطيع السداد فإنه قد يضطر إلى الكذب، وقد يضطر إلى إخلاف الوعد، وهو في ذلك معذور؛ لأنه إن صدقه ضيق عليه، وإن لم يعده ضيق عليه أيضاً، فيحتاج إلى مثل هذا، وإذا وعده وعداً مقروناً بالمشيئة خرج من عهدته، فقال: إن شاء الله، ثم جاء آخر الشهر والله ما شاء الله أني أقضيك، خرج من عهدته، فإذا وعده وعداً مقروناً بالمشيئة فإن هذا فيه مندوحة.
(21/11)
بعضهم تحايل على الغريم أو الغارم الدائن لأنه يطلق غارم وغريم في الطرفين، فعيل بمعنى فاعل، أو بمعنى مفعول، تحايل من أجل إثبات الإعسار، فلما جاءه الدائن قال: موعدك القاضي يوم السبت، فذهبوا إلى القاضي فادعى الدائن بالدين، فلان الماثل بين يديك لي في ذمته مبلغ كذا، قال: ما تقول؟ يعني المدعى عليه، قال: صحيح، لكن أطلب منه النظرة إلى أن أبيع أرضي الفلانية وبستاني والعمارة التي في شارع كذا، والاستراحة التي في بلد كذا، قال: أنظره، المسألة شهر ما يضرك -إن شاء الله-، والمال كبير خليه يبيع، قال: يا شيخ يكذب، والله ما عنده استراحة، ولا عنده عمارة، ولا عنده أرض، ولا عنده مزرعة، ولا عنده شيء، أبد، قال المدعى عليه: هذا الذي أريده، أثبت الإعسار بشهادته، هو الذي يشهد أني معسر، حدث وكذب ووعد وأخلف، كله من أجل أن يثبت الإعسار بشهادة الغريم، فهذا أمر مشاهد وملاحظ يعني الإنسان قد يكون من خيار الناس يعني من طلاب العلم، بل من أهل العلم ويحصل له مثل هذا، من أجل أن ينصرف صاحبه، ويقول: هذا ذنب مضطر إليه، وأتوب إلى الله منه، وهذا ينصرف من أمامي الآن الساعة، وتنفرج -إن شاء الله-، فهذا هو الذي يجعل النبي -عليه الصلاة والسلام- يكثر من التعوذ بالله من المأثم أو المغرم، ولا شك أن الدين شأنه عظيم، هم بالليل، وذل في النهار، والنبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((صلوا على صاحبكم)) يعني المدين حتى ضمن الدين، والشهادة تكفر كل شيء إلا الدين، فهذا الذي جعل النبي -عليه الصلاة والسلام- يستعيذ بالله من المأثم والمغرم.
يقول: "متفق عليه، واللفظ للبخاري".
التعوذ بالله -جل وعلا- من هذه الأربع، والزيادة عليها في الحديث الثاني، هل يستعمل المصلي الأول أو يستعمل الثاني أو يلفق بينهما؟ يستعمل الثاني باعتباره أكمل؟ أو اللفظ الأول باعتباره أول ما حفظ مثلاً، ثم يضيف إليه الأدعية الأخرى الواردة وغير الواردة مما يتخيره من المسألة؟ الأمر في هذا واسع، وليحرص المصلي على الوارد.
سم.
قال -رحمه الله-:
(21/12)
وعن وائل بن حجر قال: صليت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فكان يسلم عن يمينه: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وعن شماله: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته".
في بركاته الثانية؟
طالب: إي نعم، الثانية فيها بركاته.
نعم هي موجودة في بعض النسخ، يقول: في سين وميم زيادة وبركاته بعد التسليم الثانية، نعم.
رواه أبو داود بإسناد صحيح.
إذا انتهى المصلي من التشهد، والصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام-، ثم استعاذ بالله من هذه الأربع، وتخير من المسألة ما شاء فإنه حينئذٍ يسلم، والسلام ركن عند الجمهور وليس بركن عند الحنفية، بل إذا انتهى من التشهد فقد تمت صلاته على ما جاء في حديث ابن مسعود، وفيه كلام لأهل العلم.
المقصود أن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما حفظ منه ولا صلاة واحدة أنه خرج منها بغير سلام، وقال: ((تحريمها التكبير، وتحليلها التسليم)) فالسلام ركن عند جمهور أهل العلم على خلاف بينهم هل الركن التسليمة الأولى فقط أو التسليمتان معاً؟ معروف عند الحنابلة أن التسليمتين كلاهما ركن، ولا تتم الصلاة إلا بالتسليمة الثانية، وعند غيرهم التسليمة الأولى كافية، والثانية مستحبة.
(21/13)
صيغة السلام جاء في هذا الحديث حدث وائل بن حجر الذي حفظ من صلاة النبي -عليه الصلاة والسلام- ما حفظ، وبلغ في نصوص تقدمت قال: "صليت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فكان يسلم عن يمينه: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وعن شماله: السلام عليكم ورحمة الله" السلام جاء من حديث بضعة عشر صحابياً، وكلها ليس فيها: "وبركاته" كلها: "السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله" جاء في حديث وائل زيادة: "وبركاته" وحديثه مصحح عند أهل العلم، يعني من حيث الصناعة لا إشكال فيه، صحيح، لكن هل تعد هذه مخالفة أو تعد زيادة؟ بضعة عشر صحابياً ينقلون السلام من لفظه -عليه الصلاة والسلام- دون قوله: "وبركاته" ووائل بن حجر جاءت أيضاً من حديث ابن مسعود، لكن ما يسلم، وهذا الحديث مصحح، فهل يقال: إن هذه زيادة والزيادة من الثقة مقبولة، ووائل حفظ ما لم يحفظه غيره، أو يقال: إنها مخالفة؟ فتكون حينئذٍ شاذة لست بمحفوظة، أو نقول: زيادة وحفظ وائل بن حجر ما لم يحفظه غيره من الصحابة؟ أو نقول: تنوع، مرة يقول كذا، ومرة يقول كذا؟
ها يا الإخوان؟ يعني مقتضى قول من يقول بقبول زيادة الثقة مطلقاً أن يعمل بهذه؛ لأنها زيادة غير منافية، والأئمة الذين يحكمون على هذه الزيادات بالشذوذ لندرة من ينقلها في مقابل الجمع، ومر بنا لهذا نظائر، تجد الكتاب أحياناً يعلون مثل هذه الرواية، طيب فيها مخالفة؟ ما فيها مخالفة، بل هي زيادة، ومن أهل العلم من ينقل الاتفاق على قبول زيادة الثقة كالحاكم وغيره، والمتأخرون لهم كلام كثير في هذا، لكن جمهورهم على قبول الزيادة.
(21/14)
لكن الشأن في كون الإنسان يتفرد بشيء دون غيره، يعني الروايات في الصحيحين وغيرهما ليس فيها "وبركاته" هذه الزيادة "وبركاته" في سنن أبي داود، فماذا يقال عن مثل هذا؟ وله نظائر سبقت، لكن الحكم بحكم عام مطرد في مثل هذه المسائل ليس من عمل الكبار، المتأخرون لهم أحكام مطردة في مثل هذا، لكن الأئمة أئمة هذا الشأن ليس لهم حكم عام مطرد، فأحياناً يحكمون عليها بالشذوذ ولو تضمن مخالفة، إذا كان راويها ممن لا يحتمل تفرده مثلاً، أو غلب على ظنهم بالقرائن أن هذا الراوي الذي يحتمل تفرده لم يضبط ولم يحفظ في هذه الرواية.
طالب العلم أمام مثل هذه المضايق كيف يصنع؟ هل يقول إذا سلم: وبركاته أو لا يقول؟ الخلاصة يعني خلاصة الكلام يعني دعنا من المقدمات السابقة هذه لا يدركها كثير من طلاب العلم، بل جل طلاب العلم لا يدركون مثل هذا، يعني مثل طبيب باكستاني دخل عنده شيخ مصري، الطبيب الباكستاني لحيته كثة، وشيخ تخصصه بالفقه والأصول يعني حليق، فقال له الطبيب: أين الحية يا شيخ؟ قال الشيخ: اللحية سنة، قال: أنا ما يعرف سنة ما سنة، الرسول مثلي وإلا مثلك؟ فهذه الأمور حقيقة يعني هذه العلل الخفية التي يحكم بها الأئمة، وقد لا يتفقون على الحكم الواحد، يعني مع ذلك لا يتفقون على الحكم الواحد، قد يلوح للإمام أحمد من القرائن ما يدل على أن هذه اللفظة ليست محفوظة، بينما أبو حاتم يحكم بأنها محفوظة أو العكس، فمثل هذه الأمور لا شك أن طلاب العلم دون تحقيقها خرط القتاد، يحتاجون إلى مدد متطاولة، ومران طويل حتى يستطيعوا أن يحكموا على مثل هذه الأمور.
(21/15)
الخلاصة يعني هل المصلي يقول: وبركاته أو لا يقول؟ نعم؟ يعني لو قالها أحياناً باعتبار أن الغالب من أحواله -عليه الصلاة والسلام- أنه لا يقولها؛ لأن كل من وصف صلاة النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يذكرها إلا وائل بن حجر، ورواية عن ابن مسعود، فلو قالها أحياناً مرة بالشهر مثلاً، لا سيما إذا كان منفرداً لكن النص في الإمام؛ لأنه يقول: "صليت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكان يسلم" أما بالنسبة للمنفرد فهذا ما يحصل فيه إشكال، المأموم قد يقال: إنه إذا زادها خالف إمامه، لكن الزيادة في الأقوال يحتمل فيها أكثر من الزيادة في الأفعال.
الإمام والحديث في الإمام؛ لأنه يقول: "صليت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فكان يسلم عن يمينه: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته" وإذا زادها تشوش المأموم، لكنه تشويش لا يؤثر على صلاته، يعني ما هو مثل التشويش الحاصل بسجود السهو مثلاً قبل السلام أو بعده، قد يحصل شيء من التشويش في مسائل فيها تشويش، لكن مثل هذا ما فيه إلا أنه قد يستغرب، ثم إذا سلم ورأى الإمام ونبه الإمام على أن هذه اللفظة ثابتة عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأننا نقولها أحياناً ينتهي الإشكال، ينتفي، وهذا هو الأقرب، نعم.
قال -رحمه الله-:
وعن وراد كاتب المغيرة قال: أملى علي المغيرة بن شعبة في كتاب إلى معاوية أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقول في دبر كل صلاة مكتوبة: ((لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد)) متفق عليه.
الجَد، الجَد.
((ذا الجَد منك الجد)) متفق عليه.
وعن أبي الزبير قال: كان ابن الزبير يقول في دبر كل صلاة حين يسلم: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، له النعمة، وله الفضل، وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين، ولو كره الكافرون، وقال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يهلل بهن دبر كل صلاة" رواه مسلم.
(21/16)
وعن سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- أنه كان يعلم بنيه هؤلاء الكلمات كما يعلم المعلم الغلمان الكتابة، ويقول: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يتعوذ بهن دبر كل صلاة: ((اللهم إني أعوذ بك من البخل، وأعوذ بك من الجبن، وأعوذ بك من ...
من أن
((من أن أرد إلى أرذل العمر))
أردَ، أُردَ.
((من أن أرد إلى أرذل العمر، وأعوذ بك من فتنة الدنيا، ومن عذاب القبر)) رواه البخاري.
وعن ثوبان -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثاً، وقال: ((اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام)).
عند ياء؟ عندك ياء، تباركت؟
نعم ((يا ذا الجلال والإكرام)).
قال الوليد بن مسلم: فقلت للأوزاعي كيف الاستغفار؟ قال: تقول: "أستغفر الله" رواه مسلم.
مرة واحدة.
سم يا شيخ؟
استغفر الله، استغفر الله.
مرة واحدة.
وروى عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من سبح الله دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين، وحمد الله ثلاثاً وثلاثين، وكبر الله ثلاثاً وثلاثين، فتلك تسعة وتسعون، وقال تمام المائة: لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، غفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر)).
وعن معاذ أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أخذ بيده، وقال: ((يا معاذ والله إني لأحبك))
إني، إني؟
لأحبك.
نعم.
((أوصيك يا معاذ لا تدعن في دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك)) رواه أحمد وأبو داود، وهذا لفظه، والنسائي.
وعن أبي أمامة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من قرأ آية الكرسي، وقل هو الله أحد دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا الموت)) رواه النسائي والرواياني ...
الروياني، الروياني.
والروياني وابن حبان والدارقطني في الأفراد، والطبراني، وهذا لفظه، ولم يصب في ذكره في الموضوعات.
ولم يصب من ذكره.
ولم يصب من ذكره في الموضوعات، فإنه حديث صحيح.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
(21/17)
"وعن وراد كاتب المغيرة بن شعبة قال: أملى علي المغيرة بن شعبة في كتاب إلى معاوية أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقول في دبر كل صلاة مكتوبة" مكتوبة يعني مفروضة، المكتوبة هي المفروضة، ويخرج بذلك النوافل، فلا يقال بعد النوافل هذا الذكر، والمراد بالمكتوبة الخمس، وهل يدخل في المكتوبات الواجبات عند بعض أهل العلم دون بعض، يعني صلاة الجنازة مثلاً فرض كفاية تدخل في المكتوبة؟ صلاة العيد عند الحنفية واجبة تدخل في المكتوبة؟ صلاة الوتر عندهم تدخل في المكتوبة؟ الظاهر أنه لا يدخل في هذا إلا الصلوات الخمس، مثل ما قيل في دعاء الاستفتاح، دعاء الاستفتاح في حديث أبي هريرة: "أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول؟ " يعني هل هذا يشمل الجنازة فيه دعاء استفتاح؟ أو أن المراد بالصلاة الصلاة المعهودة ذات الركوع والسجود الفرائض والنوافل؟ هنا في دبر كل صلاة مكتوبة يعني مفروضة، وكون صلاة العيد واجبة، وصلاة الوتر واجبة عند الحنفية، لا يعني أنها مفروضة، فيختص هذا الذكر بالصلوات الخمس.
((لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير)) لا إله إلا الله كلمة التوحيد، متضمنة للنفي والإثبات، ((وحده)) حال مؤول بنكرة منفرداً ((لا شريك له)) مؤكدة لجملة النفي من كلمة التوحيد ((له الملك، وله الحمد)) يعني لا لغيره؛ لتقديم المتعلق، تقديم الجار والمجرور لا شك أنه يدل على القصر والاختصاص، مثل {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [(5) سورة الفاتحة] ((له الملك)) يعني لا لغيره ((وله الحمد)) لا لغيره ((وهو على كل شيء قدير)) هذه الجملة من العموم المحفوظ، كما يقرر أهل العلم، بحيث لم يستثن منه شيء، ولم يخرج منه صورة من الصور، والمفسرون وعلى رأسهم الطبري في أوائل تفسير سورة الملك قال: إنه على ما يشاء قدير، وفي تفسير الجلالين وغيره: "وهو على كل شيء يشاؤه قدير" والتقييد بالمشيئة لا شك أن مفهومه أن الذي لا يشاؤه لا يقدر عليه، وهذا المفهوم باطل.
(21/18)
جاء في قوله تعالى: {وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاء قَدِيرٌ} [(29) سورة الشورى] وجاء أيضاً في حديث: آخر من يدخل الجنة: ((فإني على ما أشاء قادر)) في صحيح مسلم، هذا يشكل وإلا ما يشكل؟ هذا فيه إشكال وإلا ما فيه إشكال؟ يعني أهل العلم يقررون على أن الله -جل وعلا- كما قال: على كل شيء قدير، وهذا من العموم المحفوظ، تقييد القدرة بالمشيئة مفهومه أن الذي لا يشاؤه معناه أنه لا يقدر عليه، لا يقدر إلا على ما يشاؤه، وهذا المفهوم باطل بالاتفاق، لكن استعمله أهل العلم مثل الطبري، وكثير من المفسرين قيدوه بالمشيئة، لكن لا إشكال في كلام أهل العلم، يرد، سهل، يعني رده سهل، الإشكال في مثل قوله: {وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاء قَدِيرٌ} [(29) سورة الشورى] وفي قوله في الحديث الصحيح في صحيح مسلم: ((فأنا على ما أشاء قادر)) هل نقول: إن مثل هذا وصف كاشف لا مفهوم له؟ وجاء بعض القيود ما هو ملغى الاعتبار، حتى في نصوص الكتاب والسنة، يعني يقول أهل العلم: لا مفهوم له، وهذا متجه في مثل هذا: {لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً} [(130) سورة آل عمران] يعني لو أكل الربا ضعف واحد يجوز وإلا ما يجوز؟ ما يجوز {إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ} [(80) سورة التوبة] لو استغفرت لهم واحد وسبعين أو سبعمائة مرة يغفر لهم وإلا ما يغفر؟ فيكون مفهوم الحديث ملغى.
((فإني على ما أشاء قادر)) من أهل العلم من يقول: إن هذا في الأمر الذي انتهى لا في المستقبل، يجوز لأنه شاءه وقدره وانتهى، فما في إشكال، الإشكال في المستقبل الذي تتعلق به القدرة مستقبلاً، هل يعلق بالمشيئة؟ هذا لا يجوز بحال {وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاء قَدِيرٌ} [(29) سورة الشورى] تكون المشيئة مرتبطة بالجمع لا بالقدرة، وهذا تأويل من بعض أهل العلم، أبداه بعض المفسرين وهو جيد، فالمشيئة ارتبطت بالجمع لا بالقدرة، فالقدرة مطلقة من المشيئة.
(21/19)
((اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت)) الله -جل وعلا- هو المعطي لا غيره، والمخلوق الذي بيده المال، بيده شيء من مال الله الذي آتاه إنما هو قاسم، كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((إنما أنا قاسم، والله المعطي)) فالذي يعطي في الحقيقة هو الله -جل وعلا-، والذي يمنع في الحقيقة هو الله -جل وعلا-، ومن الأمثلة المحسوسة تجد الرجل الغني الباذل المحتسب المتلمس لمواضع الإنفاق يدخل عليه من عنده مشروع خيري فيبذل له ما يبذل من المال، ثم يدخل عليه آخر بمشروع أعظم وأظهر فائدة، ثم يقول: والله ما كتب الله شيء، ما عندنا شيء، من الذي أعطى الأول ومنع الثاني؟ هو الله -جل وعلا-، وإلا لو كانت بيد هذا الذي يحتسب الأجر لقدم الثاني على الأول، فالله -جل وعلا- هو المعطي وهو المانع.
((لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد)) صاحب الحظ، ولا ينفع صاحب الحظ منك حظه، جده، يعني حظه لا ينفع، ولا يغنيه عنك ولا منك حظه ولا جده ولا غناه ولا قوته ولا بأسه ولا أعوانه، ولا أنصاره، لا ينفع من الله أحد، فإذا نزل أمر الله، وجاء وقت قضائه فإنه لا راد لما قضاه.
قال: "متفق عليه".
"وعن أبي الزبير قال: كان ابن الزبير يقول في دبر كل صلاة حين يسلم: لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير" حين يسلم، يعني مباشرة، فور ما يسلم يقول: لا إله إلا الله، وسيأتي ما جاء في الاستغفار، وأن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقول: ((استغفر الله، استغفر الله، استغفر الله)) ((اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد)) قبل أن ينصرف، فهذه مقدمة، الاستغفار مقدم، وما يتلوه، ثم بعد ذلك يقول: ((لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله)) لا حول ولا قوة إلا بالله كنز من كنوز الجنة.
((لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه، له النعمة، وله الفضل، وله الثناء الحسن)) هذه الأذكار ثابتة في الصحيحين وغيرهما ((لا إله إلا الله مخلصين له الدين، ولو كره الكافرون)).
(21/20)
"وقال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يهلل بهن دبر كل صلاة" يعني دبر كل صلاة كما جاء القيد في حديث المغيرة "مكتوبة".
"رواه مسلم".
"وعن سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- أنه كان يعلم بنيه هؤلاء الكلمات، كما يعلم المعلم الغلمان الكتابة" يعني يعلمهم قراءتها، يعلم أولاده قراءتها ولفظها وحفظها، والمداومة عليها، ويقول: "إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يتعوذ بهن دبر كل صلاة: ((اللهم إني أعوذ بك من البخل، وأعوذ بك من الجبن)) " البخل منع ما يجب أداؤه من الزكوات والنفقات وغيرها.
((وأعوذ بك من الجبن)) يقابل البخل الجود والكرم، فإذا عوذ من البخل فلأنه مذموم، ويقابله الجود والكرم مقابل المذموم ممدوح، لكن بالضوابط الشرعية؛ لأن كل صفة من هذه الصفات فيها الطرفان والوسط.
. . . . . . . . . ... كلا طرفي قصد الأمور ذميم
فالبخل مذموم، والإسراف مذموم، وبينهما الجود والكرم والإنفاق بعقل هذا هو الشرعي.
((أعوذ بك من الجبن)) وهو عدم الإقدام في الوقت الذي يطلب فيه الإقدام في الجهاد مثلاً وفي غيره من الأمور التي يطلب لها مثل هذا، يقابله الشجاعة، فإذا كان الجبن مذموماً فالشجاعة ممدوحة، لكن بضوابطها الشرعية.
(21/21)
((وأعوذ بك من أن أرد إلى أرذل العمر)) العمر -عمر الإنسان- له مراحل، قبل أن يخرج من بطن أمه وبعد أن يخرج في الطفولة، ثم الشباب، ثم الكهولة، ثم الشيخوخة، ثم أرذل العمر {لِكَيْ لاَ يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا} [(70) سورة النحل] وتصرفاته مزيج من تصرفات الصبيان والمجانين، لا يعرف ما ينفعه ولا يضره، وتصرفاته ليست كتصرفات الصبي التي لا يدري ما وراءها، لكنه يرجى، أما إذا رد إلى أرذل العمر، فإنه لا يرجى، التصرفات من الصغير مقبولة، ولو كانت غير معقولة، لكنها مقبولة، يعني صبي يأخذ جمرة ويضعها في فيه مقبولة، لكن شايب كبير في التسعين من عمره يأخذ جمرة، هذه ليست مقبولة، يتكلم بكلام يهذي بكلام، أو يخلط في كلامه هذا غير مقبول، لكن الصبي الطفل الصغير من أجمل ما يكون إذا قال كلمات غير مترابطة أو .. ، يعني في بداية عمره مقبولة، ولذا لا يقال: إن أرذل العمر موجود حتى في الصبا، يعني تصرفات الكبير جداً مثل تصرفات الصبي الصغير؛ لماذا يقال: هذا أرذل وذاك؟ لا ليس بأرذل، الطفولة مقبولة، التصرفات فيها مقبولة، ولذا يرجى أن يكمل الصبي، وتكمل تصرفاته، لكن إذا رُد إلى أرذل العمر في آخره يؤس من رجائه، ولذلك تعوذ من أن يرد الإنسان إلى أرذل العمر.
((وأعوذ بك من فتنة الدنيا)) الدنيا فتنة، تفتن الإنسان عن دينه، وينشغل بها عن دينه، والفتنة منها الفتن العظمى الكبرى التي قد تصل بالإنسان إلى أن ينسلخ من دينه بالكلية، ووجد مثل هذا كثير على مر التاريخ، وجد أيضاً من ينفتن بأمور يترك فيها واجبات، ويرتكب محرمات، ووجد ما هو دون ذلك، حتى الانشغال بالشيء عما خلق من أجله، ولو كان مباحاً فتنة، والكساء الذي أهداه أبو جهيم للنبي -عليه الصلاة والسلام- أعاده إليه، وقال: ((كاد أن يفتنني)) عليه الصلاة والسلام، يعني كاد أن يشغلني عن صلاتي، والأموال والأولاد والزوجات فتنة يعني تشغل.
((ومن عذاب القبر)) وهذا تقدم "رواه البخاري".
"وعن ثوبان -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثاً" إذا انصرف من صلاته يعني سلم قبل أن يستقبل المأمومين بوجهه.
(21/22)
"استغفر ثلاثاً" يعني طلب المغفرة بلفظ: ((أستغفر الله، أستغفر الله)) كما قال الأوزاعي وهو من رواة الحديث.
"استغفر ثلاثاً" يعني طلب المغفرة ثلاثاً، ويشرع بعد كل عبادة الاستغفار لجبر الخلل الواقع في هذه العبادة، "وقال: ((اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت ذا الجلال والإكرام)) " ((اللهم أنت السلام)) هذا من أسمائه الحسنى السلام، السالم من كل عيب، ومن كل نقص ((ومنك السلام)) التسليم والسلامة لخلقك ((تبارك)) بعضهم يقول: "وتعاليت" لكنها لم تثب.
((ذا الجلال والإكرام)) بدون ياء، وهذه رواية محفوظة في الصحيح وغيره، مع أنه جاء بالياء، ياء النداء، يا ذا الجلال، وإثباتها وحذفها سيان، يعني سواء قال: يا ذا الجلال أو قال: ذا الجلال.
"قال الوليد بن مسلم: فقلت للأوزاعي: كيف الاستغفار؟ قال تقول: أستغفر الله، أستغفر الله" يعني بلفظ: أستغفر الله، لكن لو قال بدل: أستغفر الله أطلب الله المغفرة، أو اللهم اغفر لي؟ النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا انصرف استغفر ثلاثاً، وطلب المغفرة: اللهم اغفر لي هذا استغفار، لكن الراوي فسر هذا الاستغفار في هذا الموضع: أستغفر الله، أستغفر الله، والنبي -عليه الصلاة والسلام- كان يحفظ عنه في المجلس الواحد أكثر من مرة يستغفر الله، قال: ((إنه ليغان على قلبي حتى إني أستغفر الله في اليوم أكثر من مائة مرة)) المقصود أن هذا الاستغفار مطلوب من كل أحد، وإذا كان النبي -عليه الصلاة والسلام- من غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر يستغفر الله فغيره من باب أولى.
وجاء في الحديث: ((من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجاً، ومن ضيق مخرجاً ... )) إلى آخره.
وجاء عن حذيفة أنه كان جبل على شيء من الشدة في الخلق، فوجهه النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى الاستغفار أن يكثر من الاستغفار، فمن جبل على حرارة الطبع، أو كثرة الكلام، وكثرة الخصومات، وشيء من هذا عليه أن يلزم الاستغفار، والاستغفار مطلوب منه ومن غيره.
(21/23)
ترتيب الأذكار التي مرت، يعني مات في يقول كذا، ثم يقول كذا، ثم يقول كذا، ونجد المصلي عموماً، وهذا يجده كل إنسان من نفسه رتبها ترتيباً في أول الأمر، واستمر عليه، فهل يلام على هذا الترتيب؟ يعني جاء بترتيب لم يرد به الشرع، وقدم وأخر على حسب ما حفظ في أول الأمر، نعم ما جاء ما يدل على أنه يُقدم يقدم، وما يؤخر يؤخر، لكن في الأثناء من هذه الأذكار وغيرها مما جاءت به السنة؛ لأن الإنسان حتى في ذكره اليومي تجده يرتب ترتيب ما عليه دليل، لكنه لو أخل به قد يرتبك وينسى، لكنه مشى عليه، يعني جاءت أذكار في الصباح والمساء، ودخول البيت والخروج منه ومسجد وغيره، أذكار كثيرة يعني، ورتب عليها أجور عظيمة، تجد المسلم رتبها في أول الأمر، واستمر على هذا الترتيب، يعني أذكار الصباح رتبها في نفسه واستمر عليه، وما جاء ترتيبها في النصوص، هل يلام على هذا الترتيب؟ نقول: إنك وضعت هذا الترتيب من تلقاء نفسك بدون دليل؟ أو نقول: إنه هذا الترتيب يعينه على استحضارها؛ لأنه لو قدم وأخر في يوم كذا وفي يوم كذا قد ينسى بعضها، لكنه بهذا الترتيب الذي لا يتعبد به، ولا يعتقد أنه عبادة بهذا النسق المعين هذا لا يلام عليه، ولذلك تجدون الأدعية في مثلاً القنوت تجدها مرتبة طول الشهر أو طول السنة عند الإنسان مرتبة، كونه يرتبها يسهل عليه استحضارها، لا أنه يتعبد بهذا الترتيب، وأنه لا يجوز التقديم والتأخير أبداً، فهذا يخفف، وإلا فالأصل أن الترتيب الترتيب من قبل الشارع، ولا يمشي على ترتيب معين، ولذلك كتب الأذكار تجدونها مرتبة، وإن كان بعضهم يرتب على غير ما يرتب غيره، لكن مع ذلك هو رتبها وسلسلها ليجعل القارئ يسلسلها كما سلسلها، لكنه لا يستند إلى دليل في هذا الترتيب، لكنه لا يتعبد بهذا الترتيب أيضاً، فلا يلام على هذا.
(21/24)
"وروى -يعني مسلم- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من سبح الله تعالى دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين، وحمد الله ثلاثاً وثلاثين، وكبر الله ثلاثاً وثلاثين، فتلك تسعة وتسعون، وقال تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، غفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر)) ".
((من سبح الله تعالى دبر كل صلاة)) الدبر كما يقرر أهل العلم من اللغويين وغيرهم أنه قد يكون متصلاً كدبر الدابة، وقد يكون منفصلاً، ولذا جاء في النصوص ما يجعله أهل العلم في آخر الصلاة كدبر الدابة، وجاء في النصوص ما يجعله أهل العلم بعد الفراغ منها، وشيخ الإسلام له رأي في المسألة، وهو أنه يقول: أن ما كان من دعاء فإنه يكون في آخر الصلاة قبل الفراغ منها، ما دام متصلاً بربه لم ينصرف عنه، والأذكار تكون بعد الصلاة، هذا رأي شيخ الإسلام -رحمه الله-، مع أنه جاء أنه إذا انصرف من صلاته قال: ((رب قني عذابك يوم تبعث عبادك)) وهذا دعاء ويكون بعد الانصراف، الاستغفار دعاء، يعني طلب المغفرة دعاء، ومع ذلك يقوله المصلي بعد انصرافه من الصلاة، فالقاعدة ليست مطردة، فالصلاة فيها أذكار وبعد الصلاة فيه أدعية، إلا أن الغالب يعني الذي جمعوا، ما فيه وقت محدد أن الإنسان من الأدعية يتخير قبل ما يسلم؛ لأنه مظنة إجابة، والأذكار تكون بعد الصلاة، لا سيما ما جاء في أذكار الصلاة وغيرها.
((من سبح الله تعالى دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين)) فقال: سبحان الله، سبحان الله، سبحان الله، سبحان الله ثلاثاً وثلاثين ((وحمد الله ثلاثاً وثلاثين)) ثم بعد الثلاث والثلاثين قال: الحمد لله، الحمد لله، الحمد لله ((وكبر الله ثلاثاً وثلاثين)) فقال: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، ثلاثاً وثلاثين ((ثم قال تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له ... )) إلى آخره، فيجعل التسبيح متتابع، والتحميد متتابع، والتكبير متتابع، ثم يختم المائة بلا إله إلا الله ... إلى آخره.
(21/25)
وجاء ما يدل على المزج بين الجمل الثلاث، فيقول: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، جاء في حديث فقراء المهاجرين حينما جاءوا إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- وقالوا: "ذهب أهل الدثور بالأجور ... إلى آخره، فقال: ((تسبحون وتحمدون وتكبرون الله ثلاثاً وثلاثين)) فهذا فيه مزج، وجاء أيضاً في روايات أخرى، المقصود أن المسلم مخير بين أن يفرد التسبيح، ويفرد التحميد، ويفرد التكبير، وبين أن يمزج الجمل الثلاث في ثم يقول في تمام المائة: لا إله إلا الله ... وهذا على التخيير، وإن فعل هذا مرة وهذا مرة كان أكمل.
((وقال تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، غفرت خطاياه، وإن كانت مثل زبد البحر)).
يعني ما يعلو البحر، ما يعلو فوق الماء من الزبد، ولكثرته شبهت به هذه الذنوب الكثيرة التي تمحوها هذه الأذكار.
وجاء أيضاً: ((من قال: سبحان الله وبحمده في يومه مائة مرة حطت عنه خطاياه، وإن كانت مثل زبد البحر)) وأهل العلم يختلفون في هذه الخطايا هل تشمل الكبائر أو لا تشملها؟ المسألة معروفة عند أهل العلم، ولكن الجمهور على أن الكبائر لا يكفرها إلا التوبة، أو رحمة أرحم الراحمين، وأما الصغائر فتكفرها مثل هذه الأذكار والصلوات الخمس والعمرة إلى العمرة، ورمضان إلى رمضان، واجتناب الكبائر مكفر للصغائر عند أهل العلم.
"وعن معاذ أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أخذ بيده وقال: ((يا معاذ والله إني لأحبك)) " أقسم له وهو الصادق المصدوق، لكنه من باب التأكيد، وجاء بـ (إن) حرف توكيد ونصب، واللام أيضاً لام تأكيد وليست نافية، يعني لو قال: والله إني لا أحبك هذه مشكلة هذه، هذا نفي قلب للمعنى، كما سمع إمام يصلي بالناس فقال: ثم لا تسألن يومئذٍ عن النعيم، هذا قلب، هذا مبطل للصلاة، ففرق بين هذا وهذا.
((والله إني لأحبك)) وفي هذا منقبة لمعاذ بن جبل، وهو من النبي -عليه الصلاة والسلام- بالمحل الأسنى كما هو معلوم.
((أوصيك يا معاذ)) لكن هل هذا خاص بمعاذ؟ لا ليس خاصاً به، الخطاب موجهاً له، لكنه له ولغيره، لأن هذا المطلوب من معاذ مطلوب لغيره.
(21/26)
((يا معاذ لا تدعن في دبر كل صلاة تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك)) ودبر هنا ((لا تدعن)) يعني لا تتركن الفعل المصدر ودع ((لينتهين أقوام عن ودعهم)) مستعمل، وتدع الفعل المضارع مستعل و ((دع ما يريبك)) فعل الأمر مستعمل، لكن الماضي أميت ودع، استغني عنه بترك، وإن كان جاء في الشواذ {ما ودَعَك ربك}.
((يا معاذ لا تدعن في دبر كل صلاة تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك)) المكلف المسلم من الجن والإنس خلق لتحقيق العبودية، والعبودية فيها تكليف بالأوامر والنواهي، وهو بحاجة ماسة إلى عون الله -جل وعلا-.
وإذا لم يكن عون من الله للفتى ... فأول ما يقضي عليه اجتهاده
لا بد من عون الله -جل وعلا-، ولذلك قال: ((اللهم أعني)) أصلها يا الله أعني يطلب العون والمساعدة من الله -جل وعلا-؛ لأن هذه التكاليف فيها ما تكرهه النفوس، والجنة حفت بالمكاره، فإذا لم يكن عون من الله -جل وعلا- لهذا المصلي فإنه حينئذٍ لا يستطيع أن يصنع شيئاً.
((أعني على ذكرك)) والذكر من أيسر الأمور، يعني لا يحتاج إلى كلفة، لا يحتاج إلى عناء، لا يحتاج إلى إشعال مصابيح ولا كهرباء، ولا أن تجلس على الأرض، ولا أن تتوضأ ولا شيء، تذكر الله بلسانك وأنت على أي حال كنت، هذا ما فيه أدنى كلفة، لكن إذا لم تتحقق المعونة من الله -جل وعلا- فإن المرء يصعب عليه هذا الذكر، وإن كان سهلاً ميسراً، فتجد كثيراً من الناس من السهل عليه أن يتحدث الساعات بالقيل والقال، لكن يصعب عليه أن يقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، غراس الجنة، فيطلب من الله -جل وعلا- أن يعينه على الذكر، ولا يقول هذا أمر سهل ما نحتاج إلى أن نطلب العون، نطلب العون في الأمور العظيمة التي تشق علينا.
(21/27)
انظر ترى، شوف أكثر الناس محروم من هذه اللذة لذة الذكر والاتصال بالله -جل وعلا-، وأيضاً الشكر شكر النعم أمره وشأنه عظيم {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [(7) سورة إبراهيم] يعني في مقابل الشكر {إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} فلا بد من سؤال الله الإعانة على الذكر والشكر وعلى حسن العبادة ما قال وعلى عبادتك قال: ((وعلى حسن عبادتك)) فالشأن في تحسين وحسن العبادة، وليس الشأن في كثرة العبادة {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} [(7) سورة هود] ما قال أكثر، فالمعول على حسن العبادة لا على كثرتها، فيسأل الله -جل وعلا- أن يعينه على حسن العبادة.
"رواه أحمد وأبو داود، وهذا لفظه والنسائي" والحديث صحيح.
في الحديث الأخير يقول:
"وعن أبي أمامة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من قرأ آية الكرسي، وقل هو الله أحد دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت)) " الآن الدبر هذا يمكن أن يختلف فيه، هل هو في أثناء الصلاة أو بعدها؟ يعني يقرأ آية الكرسي قبل أن يسلم أو بعد أن يسلم؟ بعد أن يسلم، وكذلك أكثر الأذكار التي تقدمت موضعها بعد السلام.
((من قرأ آية الكرسي)) هذا آية الكرسي النص، بل الرواية فيها صحيحة: ((وقل هو الله أحد)) تباينت فيها الأنظار.
طالب:. . . . . . . . .
من قرأ آية الكرسي ما في، ما في قل هو الله أحد؟ ما عندكم؟
طالب: لا، عندي قل هو الله أحد.
لا، هي ثابتة في النسخ الأصلية كلها، ويش الطبعة اللي معك؟
طالب:. . . . . . . . .
لا لا، هي موجودة، لكن قلت: زيادة قل هو الله أحد رواها الطبراني فيه.
قال بعد ذلك: زيادة قل هو الله أحد رواها الطبراني، حدثنا إلى آخره قلت: إسناده ضعيف جداً؛ لأن فيه محمد بن إبراهيم ... إلى آخره.
المقصود أن آية الكرسي ثابتة ما فيها إشكال، والخلاف الطويل بين أهل العلم في ثبوت قل هو الله أحد، كذلك قراءة المعوذتين ما فيه إشكال صحيح، قل هو الله أحد هي محل الإشكال، فمن مصحح ومن مضعف، ومن أهل العلم من حكم عليها بأنها موضوعة، لا أصل لها.
(21/28)
((دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا الموت)) يعني مجرد أن يموت يدخل الجنة، لن يحول دونه ودخول الجنة إلا أن يموت، فإذا مات دخل، يعني لم يمنعه من دخول الجنة كما يقدر أهل العلم إلا عدم الموت.
يقول: "رواه النسائي والروياني وابن حبان والدارقطني في الأفراد، والطبراني وهذا لفظه، ولم يصب من ذكره في الموضوعات، فإنه حديث صحيح".
أما بالنسبة لآية الكرسي فالأمر مسلم، أما قل هو الله أحد ففيها كلام لأهل العلم، ولا شك أن في رواتها من هو مضعف، محمد بن إبراهيم بن العلاء ضعيف عند أهل العلم، وعلى كل حال الجمهور الذين يعملون بالضعيف في مثل هذا يثبتون، ويقولون مثل هذا.
وعلى كلٍ يقول: لم يصب من ذكره في الموضوعات، ويقصد بذلك ابن الجوزي، وانتقد ابن الجوزي في إدخال بعض الأحاديث الضعيفة كثير من الأحاديث الضعيفة التي لا تصل إلى حد الوضع، وبعض الأحاديث الحسنة، بل بعض الأحاديث الصحيحة، بل أدخل حديثاً في صحيح مسلم في الموضوعات، وأدخل حديثاً في صحيح البخاري من رواية حماد بن شاكر في الموضوعات، فلم يصب، وضرره بهذا الصنيع كبير، كضرر الحاكم في مستدركه، في تساهله في تصحيح بعض الموضوعات، هذا حكم على بعض الأحاديث الصحيحة بالوضع، وذاك حكم على بعض الأحاديث الموضوعة بالصحة، والضرر الحاصل بصنيعهما واحد، هما عملان متضادان متقابلان، التساهل في التصحيح والتساهل في الحكم في الوضع، ولذا يقول الحافظ العراقي:
وأكثر الجامع فيه إذ خرج ... لمطلق الضعف عنى أبا الفرج
يعني ابن الجوزي، مطلق الضعف يجعله موضوع، تعدى ذلك حكم بعض الأحاديث حسنة بأنها موضوعة، تعدى ذلك بعض الأحاديث الصحيحة حكم بأنها موضوعة، والضرر الحاصل بصنيعه مثل الضرر الحاصل بصنيع الحاكم سواء بسواء؛ لماذا؟ لأن الحاكم يجعل الأمة تعمل بأحاديث لا أصل لها، وهذا يحرم الأمة من أحاديث صحيحة، فالضرر واحد، فحرمان الأمة من أحاديث صحيحة نظير كونهم يعملون بأحاديث لا أصل لها؛ لأن العمل والترك كله دين، إما أن تترك دين مشروع فيأتيك الخلل من هذه الحيثية، أو تعمل بشيء لا أصل له فيأتي الخلل من هذه الحيثية.
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك.
(21/29)
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: المحرر – كتاب الصلاة (22)
الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سم.
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين.
قال الإمام ابن عبد الهادي -رحمه الله تعالى- في كتابه المحرر:
وعن فضالة بن عبيد قال: سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجلاً يدعو في صلاته ...
وين؟ لحظة، باب أمور مستحبة.
عن عقبة بن عامر -رضي الله عنه- قال ...
الترجمة، الترجمة.
باب: أمور مستحبة وأمور مكروهة في الصلاة سوى ما تقدم
عن عقبة بن عامر -رضي الله عنه- قال: كانت علينا رعاية الإبل، فجاءت نوبتي فروحتها بعشي، فأدركت النبي -صلى الله عليه وسلم- قائماً يحدث الناس، فأدركت من قوله: ((ما من مسلم يتوضأ فيحسن وضوءه ثم يقوم فيصلي ركعتين مقبلاً عليهما بقلبه ووجهه إلا وجبت له الجنة)) رواه مسلم، وقصر من عزاه إلى أبي داود وحده.
وعن أبي جهيم -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه؟ لكان أن يقف أربعين خيراً له من أن يمر بين يديه)) قال أبو النضر: "لا أدري قال: أربعين يوماً أو شهراً أو سنة" متفق عليه.
وفي بعض روايات البخاري: ((ماذا عليه من الإثم؟ )).
وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا خرج يوم العيد أمر بالحربة، فتوضع بين يديه فيصلي إليها، والناس وراءه، وكان يفعل ذلك في السفر، فمن ثم اتخذها الأمراء" متفق عليه.
وعن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في غزوة تبوك عن سترة المصلي؟ فقال: ((مثل مؤخرة الرحل)) رواه مسلم.
(22/1)
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا صلى أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئاً، فإن لم يجد فلينصب عصاه، فإن لم يكن معه عصا فليخط خطاً، ثم لا يضره ما مر أمامه)) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه وابن حبان، وهو حديث مضطرب الإسناد، وكذلك ضعفه الشافعي وغيره، وصححه ابن المديني وغيره، وقال ابن عيينة: لم نجد شيئاً نشد به هذا الحديث، وقال البيهقي: لا بأس بهذا الحديث في هذا الحكم.
وعن أبي سهل بن أبي حثمة يبلغ به النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدن منها لا يقطع الشيطان عليه صلاته)) رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن حبان، وهو حديث مختلف في إسناده، وروي مرسلاً.
يكفي، يكفي.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: أمور مستحبة وأمور مكروهة في الصلاة سوى ما تقدم
الصلاة هي مجموعة أقوال وأفعال، منها ما هو أركان لا تصح بدونها، ومنها ما هو شروط تطلب لها خارجها، لا تصح مع القدرة عليها إلا بها، ومنها أمور واجبات تركها عن عمد مؤثر يبطلها، وتركها عن سهو يجبر كما يقرر أهل العلم بسجود السهو، ومنها أمور مستحبة، لا تبطل الصلاة بتركها، ولا يلزم لها سجود سهو، ومع ذلك من تركها عن عمد فهو محروم، حرم أجرها، ولن يصلي كما صلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وبذلك أمر: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) فالنبي -عليه الصلاة والسلام- كان يحافظ على المستحبات فضلاً عن الواجبات والأركان.
هناك أيضاً أمور مكروهة، هناك أمور محرمة مؤثرة في الصلاة، إن كانت مناقضة لمقتضى الصلاة مؤثرة في ذاتها في شيء مؤثر فيها كشرط أو ركن هذه لا تصح الصلاة معها، المنهيات عند أهل الظاهر كل نهي يقتضي التحريم، وكل تحريم يقتضي البطلان، هذا أمر مفروغ منه، لكن عند الجمهور إذا كان هذا النهي يعود إلى ذات الصلاة، إلى ذات المنهي عنه فلا شك أن هذا مبطل، كذلك إذا عاد النهي إلى شيء مؤثر كالشرط والركن، فإن هذا أيضاً يقتضي البطلان؛ لأن المورد واحد، على ما يطلب وعلى ما يحذر وينهى عنه.
(22/2)
أما إذا عاد هذا النهي إلى أمر خارج هذا لا يؤثر ولو اقترن به الإثم بأن كان محرماً، لكنه حينئذٍ لا يؤثر في الصلاة، الصلاة صحيحة.
هناك أمور مكروهة لا تقتضي البطلان، ولا يلزم منها الإثم، وإنما فاعلها محروم، حرم من أجر الترك، من أهل العلم من يرى أن كل فعل مخالف فيه سواء كان محرماً أو مكروهاً فإنه يخرج العمل من حيز الاقتداء إلى حيز الابتداع، كل عمل في الصلاة أو في غيرها من العبادات جاء النهي عنه، سواء كان النهي نهي تحريم، أو نهي تنزيه كراهة، فإنه يخرج العمل من الاتباع إلى الابتداع، فكل المكروهات في الصلاة بدع عنده على هذا الحد وهذا التقرير، لكن فرق بين عمل يتعبد به مما لم يثبت له شرعية هذا بدعة، ولو كانت خفيفة، وبين ما لا يتعبد به، رجل تحرك في صلاته مكروه، رجل فرقع أصابعه مكروه، رجل اختصر أو تمطى أو فعل من المكروهات، لكن هل يتعبد بهذا؟ هل يتعبد بمثل هذه الأعمال؟ لا يتعبد بها، هذا يكفي في حقه الكراهة، أما الابتداع فلا.
أهل العلم يقولون: بالنسبة للجهر والإسرار في الصلاة، الصلاة الجهرية إذا أسرها أو جهر في السرية قالوا: كُره، إن أسر في جهرية أو جهر في سرية قالوا: كُره، نعم كره إذا فعل ذلك نادراً، لكن إذا كان ديدنه ذلك يصلي الصبح باستمرار وهو إمام سرية، ويصلي الظهر باستمرار جهرية، نقول: هذا مبتدع، يعني إطلاق أهل العلم للكراهة في هذا الموضع لا يعني أن من اتخذ ذلك ديدناً أن يكون هذا حكمه، لا، إنما من فعله مرة أو خالف مرة أو شيء أو نحو المرة اليسيرة اثنتين أو ثلاث هذا يقال في حقه الكراهة، لكن إذا كان ديدنه ذلك إذا صف بالناس في صلاة الصبح قرأ سراً، وإذا صلى بهم الظهر قرأ جهراً هذا مبتدع، هذا نقول: مبتدع، فيفرق بين من كان ديدنه ذلك ومن يفعل ذلك أحياناً.
(22/3)
الأمر الثاني: أنه ليس كل عمل مكروه ملازم للبدعة، وإنما البدعة فيما يتعبد به، لو كان يتعبد بالتمطي أو الاختصار على ما سيأتي أو بفرقعة الأصابع، أو ما أشبه ذلك، أو تشبيك الأصابع إذا كان يتعبد بذلك فهو مبتدع، لو قال النبي -عليه الصلاة والسلام- لما سلم من الصلاة في قصة ذي اليدين شبك بين أصابعه، ولا فرق بين أن يشبك قبل السلام أو بعده، ما في فرق، نقول: ابتدعت؛ لأنه جاء النهي عن التشبيك.
أمور مكروهة في الصلاة، في للظرفية، يعني في أثناء الصلاة، لكن لو فعل هذه المكروهات قبل شروعه في الصلاة؟ جاء النهي عن التشبيك قبل الصلاة: ((إذا توضأ في بيته وأحسن وضوءه وخرج فهو في صلاة)) حكماً فلا يفعل هذه المكروهات ما دام ينتظر الصلاة لأنه في صلاة.
وأمور مكروهة في الصلاة سوى ما تقدم، والمراد بالمكروهة هنا الكراهية الاصطلاحية التي يؤجر على تركها ولا يأثم بفعلها.
قال -رحمه الله تعالى-:
"عن عقبة بن عامر -رضي الله عنه- قال: كانت علينا رعاية الإبل" يتناوبون الأعمال، كما كان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وصاحب له من الأنصار يتناوبون العمل، كل واحد يدخل يوم ويزود الآخر بما سمعه من النبي -عليه الصلاة والسلام- "وعقبة بن عامر -رضي الله عنه- يقول: كانت علينا رعاية الإبل فجاءت نوبتي" يعني يتناوبونها، فكان في ذلك اليوم نوبة عقبة بن عامر "فروحتها بعشي" يعني بادرت بإرجاعها إلى أماكنها وإلى أهليها، وهذا كان موجوداً إلى وقت قريب، مواشي الناس من إبل وبقر وغنم تسرح، ويذهب بها الراعي في الصباح، ويرجعها في المساء، هذا موجود إلى وقت قريب، إلى أن منع الناس من اقتناء المواشي في البيوت، نظراً لما يترتب عليها كما يزعمون من أضرار بيئية، يقولون: يترتب عليها أضرار بيئية وروائح، ولا أدري هل أضرارها أشد أو عوادم السيارات والمصانع؟ لكن الله المستعان.
(22/4)
يقول: "فروحتها بعشي" يعني بادرت بإرجاعها إلى أهليها "فأدركت النبي -صلى الله عليه وسلم- قائماً يحدث الناس" كما هي عادته -عليه الصلاة والسلام- يحدث والصحابة يتلقون، وهذه هي الطريقة الأصلية في التلقي، السماع من لفظ النبي -عليه الصلاة والسلام- يحدث الناس وهو أقوى وجوه التحمل "فأدركت من قوله" يعني فاتني شيء من حديثه؛ لكني أدركت من قوله: ((ما من مسلم يتوضأ)) (ما) نافية و (من) زائدة للتأكيد (مسلم) نكرة في سياق النفي فتعم، ويدخل في ذلك المسلمة؛ لأن خطاب الرجال يتوجه إلى النساء، فيما لم يدل الدليل على تخصيص الرجال به أو النساء، المقصود أن دخول النساء في هذا ظاهر.
((ما من مسلم)) يعني ومسلمة ((يتوضأ)) وضوءاً شرعياً كاملاً صحيحاً مسبغاً، كما كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يتوضأ ((فيحسن وضوءه)) يكمل الوضوء، ويأتي به على الوجه المشروع من غير زيادة ولا نقصان، ومن غير إساءة، فلا يزيد على المشروع ولا ينقص عن المشروع أيضاً، فيحسن وضوءه، يأتي به على الوجه الصحيح، كما شرح وضوء النبي -عليه الصلاة والسلام- من قبل عثمان وغيره من الصحابة.
((ثم يقوم فيصلي)) يعني هذا القيام غير الصلاة؟ غير القيام إلى الصلاة؟ أو أنه كان قاعداً للوضوء ثم يقوم؟ والقيام إلى الصلاة قبل القيام في الصلاة {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ} [(6) سورة المائدة] وهنا قيام بعد الوضوء، وهناك قيام قبل الوضوء {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ} [(6) سورة المائدة] هذا قيام قبل الوضوء، وهذا قيام بعد الوضوء، وهناك قيام في الصلاة، هذا قيام إلى الصلاة، والقيام إلى الصلاة منه ما هو قبل الوضوء كما في الآية، ومنه ما هو بعد الوضوء كما في الحديث ((فيحسن وضوءه، ثم يقوم فيصلي ركعتين)).
(22/5)
((فيصلي ركعتين)) هل لهذا مفهوم بمعنى أنه لو صلى ركعة واحدة يحصل له الوعد المذكور الظاهر؟ لا، لكن لو صلى أربعاً أو صلى ثلاثاً وتراً، أحسن وضوءه، ثم أوتر بثلاث، يعني يزيد على الركعتين كونه ينقص من الركعتين هذا لا يتجه بالنسبة في حقه الوعد المذكور ((إلا وجبت له الجنة)) إذا نقص، كما قالوا في حديث: ((إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين)) دخل بعد صلاة العشاء وقال: أنا أصلي واحدة ثم أجلس، وتر، نقول: لا تكفي، وإن كان بعضهم يقول: إن جنس الصلاة يكفي، وبعضهم يتوسع في هذا كما ذكر النووي في الأذكار أنه إذا لم ينشط للصلاة يكفيه الذكر، وهذا الكلام لا يتم به الامتثال، وإن كان الذكر من أفضل الأعمال، لكن الامتثال لا يتم به.
هذا يصلي ركعتين واحدة لا يترتب عليها الوعد المذكور في الحديث، وأكثر من واحدة يترتب وإلا ما يترتب؟ الظاهر نعم؛ لأنه أتى بالمطلوب وزيادة، ولا يقال: إن هذه زيادة على القدر المحدد شرعاً؛ لأنه لم يأت بالحصر، الأمر الثاني: أن الصلاة خير مستكثر منه، وجاء في الحديث: ((أعني على نفسك بكثرة السجود)) فيحصل له الأجر المرتب في الحديث على الركعتين والزيادة خير.
((فيصلي ركعتين مقبلاً عليهما بقلبه ووجهه)) الإقبال بالوجه يعني بأن لا يلتفت عن سمت القبلة، والالتفات معروف أنه بالوجه فقط من مكروهات الصلاة، وهو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد، وأما الإقبال بقلبه فلا ينصرف عن صلاته بقلبه من شروعه فيها إلى سلامه منها، في رواية: ((لا يحدث فيهما نفسه)) لا يحدث نفسه، بمعنى أنه يغلق جميع المنافذ منافذ الشيطان التي يحاول أن يسرق صلاته من قبلها، أو شيء من صلاته من قبلها، فيطرد الهواجس والخواطر، وحديث النفس فضلاً عما فوق ذلك.
(22/6)
((يقبل عليهما بقلبه)) لكن هل هذا الأمر بالسهل الهين على كثير من المسلمين الذي نعيش أوضاعهم وظروفهم؟ الواحد يتحدث عن نفسه، أظن ضبط ركن واحد بهذه الصفة وهذه الكيفية فيه صعوبة، ركن واحد من أركان الصلاة، والله المستعان، كثير من الناس يصلي وهو لا يدري أنه يصلي، يدخل في صلاته ويخرج منها كما دخل، وهذا ليس له من صلاته إلا ما عقل، كما جاء في الحديث: ((ليس له من صلاته إلا ما عقل)) يعني بعض الناس بدون مبالغة لا يعقل من صلاته شيئاً.
يعني الإنسان مر عموم الناس الهواجس والخطرات ويسافر ويروح ويجي، وذكرت لكم مرة قصة شخص دخل في مسجد مشيد وكبير فلما صف جنب المؤذن وراء الإمام نظر فإذا المسجد ما فيه منبر، فأخذ يخطط هذا الآن ليس بجامع مسجد، والمسجد مؤهل كبير ونظيف ومجهز صار يخطط ليكون جامعاً، فنظر فإذا عن يمين المحراب غرفة، قال: هذه الغرفة تصلح بأن تكون يعني منبر بعد التعديلات تصلح تكون منبر، يعني توضع فيها درجات تسقف، ويقول: الغرفة فيها أثاث، انتهت الصلاة وأنا أنقل الأثاث من الغرفة، يعني أمور -سبحان الله- يهيأ للإنسان يعني ما لا يخطر على البال، يعني شخص يقول: إنه حاول مراراً أن يحدث وهو في الصلاة، حاول أن يحدث، هذا يعقل أنه في صلاة؟ لا يعقل أنه في صلاة، يعني فما بالك بما دون ذلك، يعني الخطرات هذه تقضي على عبادة الإنسان، وعلى الإنسان أن يقاومها بقدر استطاعته، وأن يروض نفسه على التلذذ بالصلاة وبالمناجاة، ويكون له نصيب من عمل السر في خلوته؛ لأن الإنسان إذا ما تعرف على الله في حال رخائه لن يُعرف في حال شدته.
(22/7)
والحسن البصري -رحمه الله تعالى- يقول: "ابحث عن قلبك في ثلاثة مواطن: في الصلاة والتلاوة والذكر" يقول: "إن وجدته وإلا فاعلم أن الباب مغلق" لكن لو كل واحد راجع نفسه في هذه الأبواب الثلاثة يجد وإلا ما يجد؟ يعني الإنسان ما يضحك على نفسه، لا بد من محاسبة إن وجدت قلبك وإلا فاعلم أن الباب مغلق، هل تقول: إن الباب مغلق وفرصة أنه مغلق نرجع؟ يعني لو أن الإنسان -إنسان ما هو بحريص على الصلاة- جاء إلى المسجد ووجد المسجد مغلق للصيانة قد يفرح بهذا الإغلاق صحيح وإلا لا؟ لكن الحريص على الصلاة يغتم لهذا، الأول الذي فرح بإغلاق المسجد هل يفرح إذا وجد المدرسة مغلقة في يوم الامتحان لأنه تأخر؟ لا والله، ورأينا الطلبة يبذلون كل الأسباب والوسائل من أجل أن يمكنوا من الامتحان، فلماذا لا تبذل مثل هذه الأسباب وأعظم من أجل أن يتمكن من أداء الصلاة جامعة مع المسلمين؟! تجد الإنسان يعتذر لنفسه بأدنى الأعذار، بأدنى سبب يعتذر لنفسه، لكن إذا حضر ووقف بين يدي ربه -جل وعلا-، وقام إلى صلاته عليه أن يعقل صلاته، وأن يعرف من يناجي، وأن الأجر مرتب على ما يعقل من صلاته، الإنسان الذي لا يجد قلبه في الصلاة ولا في التلاوة ولا في الذكر عليه أن يسعى لصلاح قلبه وإحياء قلبه، ومعالجة أدواء القلب.
وأعظم ما يؤثر على القلب ويصرفه عن هذه العبادات الفضول والخلطة، فضول الأكل، فضول النوم، فضول الكلام، فضول السمع، فضول البصر، الخلطة كما قرر ابن القيم -رحمه الله تعالى- من أضر الأشياء على القلب، لا سيما مخالطة من لا تنفع مخالطته، فضلاً عمن مخالطتهم تضر.
(22/8)
((مقبلاً عليهما بقلبه ووجهه إلا وجبت له الجنة)) يعني هل هذا دليل من أدلة مشروعية سنة الوضوء؟ يعني هاتان الركعتان شرعتا من أجل الوضوء أو الوضوء شرع من أجلهما؟ لأنه جاء في معناه أحاديث ((من توضأ نحو وضوئي هذا ثم قال)) وفي رواية: ((ثم صلى ركعتين)) في الصحيح ((لا يحدث بهما نفسه إلا دخل من أي أبواب الجنة الثمانية)) يعني هل هاتان الركعتان من أجل الوضوء أو الوضوء من أجل الركعتين؟ نعم؟ لأن عندنا الوضوء له ركعتان كما جاء في حديث بلال لما سمع النبي -عليه الصلاة والسلام- خشخشته سأله عن السبب، فقال: "ما توضأت إلا وصليت ركعتين" هما ركعتا الوضوء، مشروعية سنة الوضوء بحديث بلال مفروغ منها، لكن هل هذا مما يستدل به لمشروعية سنة الوضوء؟ نريد أن ننظر المسألة بمسألة أخرى، يعني أهل العلم يقررون أن ركعتي الوضوء سنة بحديث بلال، لكن هل من أدلة سنة الوضوء هذا الحديث؟ نعم الذي يظهر أن الوضوء من أجل الصلاة، وليست الصلاة من أجل الوضوء.
(22/9)
نظير ذلك الرجل الصحابي الذي يقرأ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [(1) سورة الإخلاص] بعد السورة، وسأله النبي -عليه الصلاة والسلام- عن السبب في ذلك قال: إني أحبها؛ لأنها صفة الرحمن، فقال: ((حبك إياها أدخلك الجنة)) هل نقول بمشروعية قراءة سورة الإخلاص بعد السورة التي بعد الفاتحة، أو قبل ذلك؟ هل التنظير مطابق بين حديث بلال وبين حديث الذي يقرأ سورة الإخلاص بعد السورة؟ لأن هذا الموضوع ترون في غاية الأهمية يا إخوان، يعني هل يكفي في المشروعية أن يثبت العمل عن صحابي، ويقره النبي -عليه الصلاة والسلام-، فيكون مشروعاً للجميع؟ أو نقول: إن هذا كما قال بعض أهل العلم: هذا مشروع وليس بسنة في قراءة سورة الإخلاص، بينما ركعتا الوضوء سنة، ويا ليت الإخوان ينتبهون لمثل هذه المسائل، ترى في غاية الأهمية، يعني هل المشروعية لعموم الناس تثبت بمثل هذا؟ هل القصتان متطابقتان؟ هل التنظير مطابق وإلا لا؟ الآن لو نظرنا مشروعية سنة الوضوء إن قلنا: ثبتت بهذا الحديث وما جاء في معناه انتهى الإشكال، وإذا قلنا: إنها لم تثبت إلا بحديث بلال قلنا: إنها نظير قصة الذي يقرأ سورة الإخلاص، فإذا قلنا: سنة الوضوء سنة قلنا: إن قراءة سورة الإخلاص سنة، يعني هل ثبت أن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى بعد كل وضوء؟ لأن القائل بأن قراءة سورة الإخلاص مشروع وليس بسنة يقول: ما فعله النبي -عليه الصلاة والسلام- لكنه أقر ومدح وأثنى على من يقرأ، السياق سياق مدح، كما أن السياق في قصة بلال في الركعتين بعد الوضوء سياق مدح.
من يقول: إن سنة الوضوء يمكن أن تؤخذ من مثل هذا الحديث هذا ما عنده مشكلة، هذا ما يرد عليه هذا الإشكال، لكن الذي يقول: إن هذا الوضوء من أجل الصلاة، وليست الصلاة من أجل الوضوء، نقول: هذا لا يدل على ركعتي الوضوء، هذا وعد بالجنة على أمر مركب من وضوء حسن، وصلاة كاملة، فلا يدل على سنية ركعتي الوضوء.
(22/10)
يبقى لنا في مشروعية صلاة سنة الوضوء حديث بلال وقصة بلال، سأله النبي -عليه الصلاة والسلام- ما تصنع؟ قال: أصنع كذا، ما توضأت إلا صليت، فرتب عليه أنه يدخل الجنة بهذا العمل، وذاك: ((حبك إياها أدخلك الجنة)) لكن قد يقول قائل: وهو نظر له حظ أن يقول: حبه أدخله الجنة، حبه إياها أدخله، ما قال قراءتك إياها أدخلك الجنة، لكن بما يتمثل الحكم بمجرد الحب القلبي من غير أن يقرأ، يتلو، يعمل بها، الحب له مظاهر، فمن لازم الحب أن يقرأ، لا سيما وأن السياق سياق قراءة.
في أحد عنده إشكال في هذا وإلا زيادة إيضاح؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
أنا أسألكم الآن، أنتم سمعتم ما عندي، وأنا أسمع منكم قبل، نعم؟
طالب: رأيك أنت في المسألة يا شيخ.
لا، أنا الآن طرحت ما عندي، خلينا نشوف ويش عند الإخوان قبل ثم بعد ذلك نشوف؟ وتعرفون طريقتنا في الشرح أنها كلها حوار يعني، وأكثرها خواطر ترد أثناء الشرح، يعني مثل هذا لو رجعت إلى الشروح كلها ما وجدت هذا الكلام، إنما خواطر يجر بعضها إلى بعض، ثم نخرج بالنتيجة.
الذي يلفت الانتباه في مثل هذه المواضع أن من أهل العلم من يقول: سنة الوضوء سنة، لكن قراءة سورة الإخلاص ليس بسنة، ويش الفرق بين قصة بلال وقصة الذي يقرأ سورة الإخلاص؟ يعني إذا كان القصد أن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما قرأ سورة الإخلاص، فهو ما عرف عنه أنه كلما توضأ صلى ركعتين، وإذا كان بلال مدح بالركعتين بعد الوضوء فذاك مدح أيضاً بقراءة سورة الإخلاص، وحبه لسورة الإخلاص.
طالب:. . . . . . . . .
إيه.
طالب:. . . . . . . . .
لا لا، هذه المسألة ثانية، مسألة منفكة، الصحابي يقرأ سورة الإخلاص بعد السورة التي بعد الفاتحة، ولماذا؟ سأله النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((ما الذي دعاك إلى هذا؟ )) قال: أحبها لأنها صفة الرحمن، قال: ((حبك لها أدخلك الجنة)) وقال لبلال: صلاة الركعتين بعد الوضوء أدخلك الجنة، ويش الفرق؟ هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
(22/11)
يعني تنظير مطابق وإلا غير مطابق؟ يعني إذا قلنا بمشروعية سنة الوضوء بحديث بلال أنا قبل ذلك ناقشت الحديث حديث الباب لو كان يدل على سنة الوضوء انتهى الإشكال من أصله، لكن قلنا: إن الوضوء من أجل الصلاة، المسألة في الاستنباط دقيقة يا الإخوان.
طالب: شيخ -عفا الله عنك- ما يحمل حديث عقبة على حديث بلال؟
لا، لا لا، هذا قال: ثم يقوم فيصلي.
طالب: لكن يكون هذا عام وهذاك أدق ...
لا لا، قلنا وذكرنا أولاً هل الوضوء من أجل الصلاة، أو الصلاة من أجل الوضوء؟ لأن الصلاة ركز عليها مقبلاً عليهما بوجهه بقلبه ووجهه، فالصلاة هي المؤثرة في الباب، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه، لكن أنا أقول: إذا كان المقصود بحديث بلال الصلاة من أجل الوضوء، والرجل الذي يقرأ السورة الإخلاص بعد الفاتحة لحبه إياها وحبه إياها أدخله الجنة، وبلال صلاة الركعتين أدخله الجنة، والسياق سياق مدح في الموضعين، والقصتان متشابهتان، نعم لو وجدنا دليل قولي أو فعلي عنه -عليه الصلاة والسلام- يدل على مشروعية ركعتي الوضوء غير حديث بلال، قلنا: لا، هذه تترجح بمرجح آخر، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ثم ذكر .... ما يفرق، ما يفرق.
اللي عنده فرق بين المسألتين يبديه جزاكم الله خيراً؛ لأن المسألة يعني إذا قلنا بمشروعية سنة الوضوء بحديث بلال نقول: بسنية قراءة سورة الإخلاص بقصة الصحابي، أما أن نقول: هذا مشروع وليس بسنة وهذا سنة، ونجعله أيضاً من ذوات الأسباب التي تصلى في أوقات النهي، يعني لها قوة ولها وزون، مثل ركعتي تحية المسجد، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
وأيضاً توضأ ألوف المرات ولا صلى ركعتين.
طالب:. . . . . . . . .
أكمل، أكمل.
طالب: يا شيخ: الصلاة مشروعة والوضوء مشروع.
القراءة .. ، ثلث القرآن {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [(1) سورة الإخلاص].
طالب:. . . . . . . . .
والصلاة بعد الوضوء لم يثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا لا، الوضوء من أجل الصلاة، يعني مثل ما تصلي فريضة أنت تتوضأ من أجل الفريضة ما تصلي الفريضة من أجل الوضوء، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
(22/12)
أقر الأمرين الرسول -عليه الصلاة والسلام- ومدحهم والسياق سياق مدح في القصتين.
طالب:. . . . . . . . .
طيب.
طالب:. . . . . . . . .
طيب على المحبة يعني واحد يحب {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [(1) سورة الإخلاص] يحبه الله ولو ما صلى ولو ما قرأ، يعني مجرد الحب، المجرد يعني حب، حب أولى ما يدخل في هذا الحب أولى ما يدخل في هذا حبك إياها أدخلك الجنة، هذا عام في الصلاة وغيرها، ودخول سبب الورود قطعي في النص، وورود السبب في الصلاة، فدخول قراءته في الصلاة قطعي، ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟
طالب: حديث بلال يا شيخ ورد فيه المداومة والاستمرار عليه.
وهذا كلما قرأ، هذا واضح أنه كلما قرأ سورة قرأ قل هو الله أحد.
على كل حال المسألة مسألة بحث، ولا أحد ينكر على من قرأ سورة الإخلاص بعد السورة بهذا النص التقريري الصحيح الصريح المسوق سياق المدح، لكن الإشكال حينما نقول: إن هذا مشروع وليس بسنة وهذا سنة، بس، وإلا ما في أحد يبي ينكر على من قرأ سورة الإخلاص بعد، ما في أحد يقول: بدعة أن تقرأ سورة الإخلاص بعد السورة؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما قرأها، بس أنا أريد أن المتماثلين يكون حكمهما واحداً، والتفريق بين المتماثلات ليس مما يرد به شرع.
طالب:. . . . . . . . .
لا لا، لا لا، هو يقول: ما توضأت وضوءاً إلا صليت ركعتين، فهما ركعتا الوضوء، ما هو بوضوء الصلاة، ركعتا الوضوء، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه، طيب أهل العلم يثبتون مشروعية سنة الوضوء، يقولون: سنة لكل أحد بقصة بلال؛ لأن بلال فعلها وداوم عليها، ورئي في الجنة من أجلها، ومدحه النبي -عليه الصلاة والسلام-، وقال للرجل الآخر: ((حبك إياها أدخلك الجنة)) هل نقول: إن الحب من غير قراءة مجرد حب، والحب يتفاوت فيه الناس قد يحصل حب لفلان يدخله الجنة وحب لا يدخله الجنة؛ لأنه أقل في المرتبة، وقد يقرأ الإنسان سورة الإخلاص في الصلاة وهو لا يحبها، ليس معنى أنه يحبها مجرد شعور قلبي فقط، الكلام على الآثار المترتب على هذا الحب.
طالب:. . . . . . . . .
السنة معروفة عند أهل العلم، عند أهل الحديث، وعند الفقهاء والأصوليين، تعريفها معروف.
(22/13)
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا فيها نص هذه، هذه فيها نص.
طالب:. . . . . . . . .
شوف الآن وجبت له الجنة بالأمرين، لكن الملاحظة هنا الصلاة: ((فيصلي ركعتين مقبلاً عليهما بقلبه ووجهه)) يعني التنصيص على الصلاة، ومعروف أن الوضوء وسيلة وليس بغاية، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
أنا ما عندي شك أن حبه لسورة الإخلاص أعم من أن يكون في الصلاة وخارج الصلاة، لكن هذا العموم سبب الورود يدخل فيه دخول قطعي عند أهل العلم، يعني إذا كان يقرأها في الصلاة ثبت له الوعد، نعم؟
طالب: .... والسبب في ذلك أن الوضوء أمر يفعله الرسول ويصلي به .... بغير العام، لكن الأمر الثاني أتى الرجل بأمر مختلف ما توعد عليه الصحابة، وهم يرفعون أمره للرسول، وكان الرجل في موقف دفاع عن نفسه، فدافع عن نفسه أنه يحب هذه السورة. . . . . . . . .
ويش الفرق؟ يعني لما سأل النبي -عليه الصلاة والسلام- بلال.
طالب:. . . . . . . . .
معروف، معروف، شرط من شروط الصلاة.
طالب: والكل يتوضأ وتوضأ الرسول ...
طيب لكن هل صلى ركعتين؟
طالب: هذا الرجل أتى بأمر يخالف ما اعتاده.
لكن هل صلى ركعتين بعد الوضوء الرسول -عليه الصلاة والسلام-؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، ما عرف عنه أنه صلى ركعتين، ولا عرف عن غير بلال أبداً، وثبتت الشرعية بحديث بلال، لا لو تأملت المسألة عرفت غير هذا، وعلى كل حال المسألة مسألة بحث، ولا أحد ينكر على من يقرأ سورة الإخلاص بعد، وجمع السور معروف أيضاً، لو قرأ غير سورة الإخلاص، لكن الكلام على المداومة على سورة الإخلاص، بعضهم يقول: مشروع وليس بسنة، وسنة الوضوء سنة، هذا ثبت بهذا وهذا ثبت بهذا، فأنا أطلب الفرق، وعلى كل حال المسألة مسألة ترى غير مؤثرة إلا أننا نريد أن نجعل النظائر في الشرع حكمها واحد، يعني حينما يقول: مشروع وليس بسنة، إيش معنى مشروع؟ يعني مباح لا يؤجر ولا .. ، ويش معنى مشروع وليس بسنة؟ يؤجر وإلا ما يؤجر؟ هذه سنة يا أخي شئنا أم أبينا سنة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني ركعتا الوضوء ما هي بسنة؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه.
طالب:. . . . . . . . .
طيب.
طالب:. . . . . . . . .
(22/14)
على كل حال المسألة يعني تحتاج إلى مزيد فهم، تحتاج إلى دقة في الفهم، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني ما أدري على شان أنه ما فعلها أحد غير هذا الرجل، ولو كانت مما يسن لعمت في الناس، لا يستطيع أن يقول: بدعة، أو ليس بمشروع؛ لأنه إقرار نبوي، المسألة ثبت بإقراره -عليه الصلاة والسلام-.
يقول: ((إلا وجبت له الجنة)) وجبت يعني استحق بسبب هذا الفعل الجنة؛ لأن الجنة وجوبها معلوم أنه لا يجب على الله من المخلوق شيء، وإنما هو شيء أوجبه الله على نفسه فضلاً وكرماً وجوداً منه لأهل عبادته، ومعلوم أنها سبب، سبب قد يترتب الأثر والمسبب عليه، وقد يتخلف لوجود مانع أو معارض.
والله -جل وعلا- لا يجب عليه شيء، وإنما شيء أوجبه على نفسه كهذا، وشيء حرمه على نفسه كالظلم فضلاً منه وجوداً وكرماً، خلافاً لما تقوله المعتزلة.
"رواه مسلم، وقصّر من عزاه إلى أبي داود وحده" نعم الحديث مخرج في صحيح مسلم.
قال: "وعن أبي جهيم عبد الله بن الحارث بن الصمة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لو يعلم المار)) " وليس له في الصحيحين إلا هذا الحديث، وحديث: "أقبل النبي -عليه الصلاة والسلام- من نحو بئر جمل" في حديث التيمم، حديث التيمم الذي هو معلق في صحيح مسلم، وموصول في البخاري.
"قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه؟ )) " لو حرف امتناع لامتناع، امتنع الوقوف لامتناع العلم، امتنع الوقوف وقوف المار لامتناع علمه بما عليه.
((لو يعلم المار بين يدي المصلي)) يعني بينه وبين سترته إن كانت، أو بين يديه ولو لم يكن هنك سترة قريباً منه.
(22/15)
((لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه؟ )) في النهاية في الآخر قال: وفي بعض روايات البخاري: ((ماذا عليه من الإثم)) رواية العمدة للحافظ عبد الغني قال: ((لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه من الإثم)) وانتقده ابن حجر في فتح الباري انتقده، يقول: لأن رواية: ((ماذا عليه من الإثم؟ )) تفرد بها الكشميهني وهو ليس من أهل العلم، يعني من رواة الصحيح، يعني ليس من الحفاظ، فانتقد صاحب العمدة ومع ذلكم وقع فيما انتقده في البلوغ، ذكرها ابن حجر في البلوغ الآن الحافظ ابن حجر انتقد صاحب العمدة؛ لأن قوله: ((ماذا عليه من الإثم؟ )) هذه في رواية ليست من الروايات المعتمدة في الصحيح، يعني تفرد بها أبو الهيثم الكشميهني هذا ليس من الحفاظ، مع أنه أثنى عليه في بعض المواضع ابن حجر، ومع ذلك أوردها في البلوغ، مثل هذا الانتقاد والوقوع في نفس ما انتقد هذا يجعل طالب العلم حينما يريد بيان الحق والنقد أن يكون هدفه الحق، لا نقول: إن ابن حجر أراد أن يعيب صاحب العمدة، لا، ليس هذا المراد، ليس هذا هو المراد، كلا، لكن في الغالب أن الإنسان إذا انتقد وقصده بذلك النيل بغض النظر عن ابن حجر، أنا لا أتكلم عن ابن حجر الآن، أتكلم في عموم النقد، وعندي نظائر، في عموم النقد، إذا كان النقد غير متجرد فإن الناقد لا بد أن يقع، وأنا لا أتحدث عن ابن حجر بخصوصه، ابن حجر انتقد كثيراً، ولا وقع له مثل هذا، لكن وقع له هفوة؛ لأن العصمة ليست لأحد، ابن حجر كغيره، يصيب ويخطئ، لكن عموماً كون ابن حجر يقع منه هفوة أو هفوتين أو ثلاث أو عشر أو مائة في كتاب مثل فتح الباري أو عشر أو أقل من ذلك مثل بلوغ المرام هذا ما يؤثر.
(22/16)
لكن أنا أعرف شخصاً يدور بكتاب محقق على القاعات، ويستخرج أغلاط هذا المحقق من قاعة إلى قاعة، افتحوا صفحة كذا انظروا في صفحة كذا، اسمعوا ما يقول، وهو يحقق الكتاب نفسه، فخرج تحقيقه أسوأ عشرات المرات من التحقيق الذي ينتقده، وصار تحقيقه لا يكاد يستفاد منه، فعلى الإنسان إذا أراد أن ينتقد أحداً أن يجرد القصد لله -جل وعلا-، ثم لبيان الحق، والله المستعان، يعني هناك أشياء قد تقع بين أهل العلم لأنهم ليسوا بمعصومين تقع حتى أمور نفسية، يعني من يحللها نفسياً يرى أنها فيها شيء من القدح حتى في الإخلاص، يعني لما ينقل عالم صفحة أو صفحتين من كتاب ولا يشير إليه إلا إذا أراد أن ينتقده، لا يشير إليه، ما يقول: قال فلان، إنما ينقد الصفحة والصفحتين ثم إذا وجد محل للانتقاد انتقد، ومع ذلك نجد في ثنايا هذا الكلام من رجع عنه المؤلف الأصلي لأنه خطأ، ولا انتقده الثاني، رجع عنه، وبين في موضع آخر من الكتاب، فعلى الإنسان أن يجرد القصد لله -جل وعلا-، وأن يكون تكون همته وصول الحق سواء كان عن طريقه أو عن طريق غيره.
قال: ((لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه؟ )) وفي الرواية الأخرى: ((من الإثم)) وهي التي انتقدها ابن حجر ووقع فيها ((لكان أن يقف)) من حيث المعنى المعنى صحيح ((لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه؟ )) يعني من حيث المعنى معروف أنه من الإثم، ماذا عليه يعني من الإثم، ولا يقصد به ماذا له من الأجر، لا، إنما ماذا عليه من إثم.
(22/17)
أحياناً يحصل خلط بسبب علامات الترقيم: ((لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه؟ )) وينتهي ثم يضع علامة ترقيم، فيسرح الذهن كل مسرح ماذا عليه من إيش؟ الحذف من أسباب التعميم، أو من وسائل التعميم، من الإثم، من الذم، من العذاب، من كذا من كذا ... إلى آخره، لكن أحياناً تقدم علامة الترقيم فينقلب المعنى، يعني جاء في حديث مقتني الكلب الذي يقتني الكلب غير ما استثني ((ينقص من أجر كل يوم قيراط)) رواه مسلم، هذا متن محقق، رواه مسلم، وفي رواية له: ((قيراطان)) وجاء المحقق ووضع النقطتين في رواية نقطتين وفتح قوس قال: ((له قيراطان)) إيش يعني له قيراطان؟ من الأجر وإلا من الإثم؟ له يعني أجر، والسبب في ذلك كونه قدم النقطتين، والأصل وفي رواية له يعني لمسلم ((قيراطان)) يعني ينقص قيراطان بدل قيراط، فمثل هذه الأمور لا شك أنها مما يؤثر في فهم الكلام، وحذف التمييز لا شك أنه من مسببات التعميم في الكلام.
((لكان أن يقف أربعين)) حذف الجار والمجرور هنا ((ماذا عليه؟ )) يعني من الإثم أو من العذاب أو من الذم والمقت نعم بجار ومجرور، التمييز هنا ((لكان أن يقف أربعين)) هنا حذف التمييز أربعين إيش؟ أربعين ثانية؟ أربعين دقيقة؟ أربعين ساعة؟ أربعين يوماً؟ شهراً؟ عاماً؟ التمييز محذوف.
((خيراً له من أن يمر بين يديه)) قال أبو النضر الراوي: "لا أدري قال: أربعين يوماً، أو شهراً، أو سنة" هل نقول: إن الحذف حذف التمييز لتنوع أفعال وأحوال الناس بعض الناس يحب أن يقف أربعين يوماً خير من أن يقطع، وبعضهم لأن يقف أربعين شهراً خير له من أن يقطع، وبعضهم خير له أن يقف أربعين سنة من أن يقطع.
(22/18)
لا شك أن أحوال الناس وظروفهم، كما يقول بعض أهل العلم حينما يقررون أحوال المار بين يدي المصلي أحوال المار بين يدي المصلي يقولون: إن كان المصلي قد استتر والمار له مندوحة فالإثم على المار، إن كان المصلي لم يستتر لم يتخذ سترة، والمار ليست له مندوحة فالإثم على المصلي، بقيت صورتان يكون الإثم فيهما مشترك، هل نقول: إنه في بعض الصور يحب أن يقف أربعين يوماً، وبعض الصور من شدة عذابه يحب أن يقف أربعين شهراً بعض الصور من شدة عذابه التي لا تأويل لها ولا مسوغ يحب أن يقف أربعين سنة؟ يعني حذف التمييز لا شك أنه أوقع في مثل هذا التردد، أربعين يوماً أو شهراً أو سنة، وقد يكون للحذف فائدة، وهي إرادة التعميم، وقد تكون لإرادة التهويل؛ ليكون أشد في الزجر، يقف أربعين احتمال أن يكون يقف أربعين يوماً؛ لكنه حذف ليظن السامع أنها أربعين خريفاً، أو أربعين سنة، فيكون الزجر في حقه أشد وآكد.
((من أن يمر بين يديه)) يعني بين يديه بينه وبين سترته، أو بين يديه قريباً منه ولو لم يستتر.
قال أبو النضر الراوي: "لا أدري قال: أربعين يوماً أو شهراً أو سنة" متفق عليه، وفي بعض روايات البخاري: ((ماذا عليه من الإثم)).
في التعليق يقول: قال الحافظ ابن رجب في فتح الباري: "قد وقع في بعض نسخ البخاري ومسلم أيضاً: ((ماذا عليه من الإثم)) وهي غير محفوظة، وذكر ابن عبد البر: أن هذه اللفظة في رواية الثوري عن سالم أبي النضر: وقد وقعت في كتاب ابن أبي شيبة من رواية الثوري مدرجة بلفظ: يعني: من الإثم، فدل على إنها من قول بعض الرواة وتفسير للمعنى، يعني ليست من أصل الحديث، فحذفت يعني، قد يؤتى بيعني مثلاً ثم تحذف، يحذفها بعض الرواة، فتكون من أصل الخبر، والإدراج لا سيما تفسير بعض الألفاظ كثير، واقع في النصوص كثيراً كما في تفسير التحنث بالتعبد، قال: يتحنث وهو التعبد، هذا إدراج من الزهري، لكن مثل هذا إذا حذف ما يدل على الإدراج يصعب الحكم بالإدراج إلا من خلال جمع الروايات، وطرق الخبر، وبها يتبين المدرج من الأصل.
(22/19)
وهذا يدل على تحريم المرور بين يدي المصلي، وأما بالنسبة لدفع المار بين يدي المصلي فإن هذا إنما يكون في حال الاستتار، إذا استتر: ((إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه ... )) إلى آخره، كما سيأتي -إن شاء الله تعالى-، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
أيوه؟
طالب:. . . . . . . . .
أحياناً يكون الحديث في الأصل، ما ذكر التمييز، يعني ما ذكر المتعلق الذي هو الجار والمجرور، يعني تقصد أيهما؟
طالب:. . . . . . . . .
أربعين اللي هي التمييز يوماً أو سنة أو شهراً، هذا المقصود، هو الآن لا ندري؛ لأن الرواية المذكورة: ((ماذا عليه)) أو كان أبو النضر يقول: لا أدري، يشك أبو النضر، وهو من رواة الحديث، أبو النضر يشك هل قال النبي -عليه الصلاة والسلام- كذا أو كذا أو كذا، ومن ورع أهل الحديث أنه إذا وقع الشك حذفوه، لماذا؟ لأن المشكوك فيه لا يجوز إثباته بمجرد الشك.
قال: "وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا خرج يوم العيد أمر بالحربة فتوضع بين يديه فيصلي إليها" أمر بالحربة أن توضع بين يديه يعني سترة فيصلي إليها، والسترة كما تكون بالحربة تكون أيضاً بالسهم، تكون بالعصا، تكون بمؤخرة الرحل كما سيأتي، المقصود أنها شيء يستدل به على أن هذا يصلي فلا يمر بين يديه، وأما ما يقوله الفقهاء من أن السترة فائدتها منع النظر من تجاوز المصلى، ومنع من أراد أن يمر دونها، نعم منع من أراد أن يمر دونها هذا صحيح، لكن هل تحجب النظر من النظر عما وراءها؟ لو كانت جدار نعم، لو كانت جدار تمنع، لكن إذا كانت حربة أو سهم فليستتر ولو بسهم سئل عن السترة، قال: ((كمؤخرة الرحل)) كل هذا لا يمنع، والمصلي عليه أن ينظر في موضع سجوده ولا يتجاوز ذلك؛ لأنه بتجاوزه يتشتت، ويسرح الذهن، ويتابع المرئيات والمارة لا سيما إذا كان في مكان مطروق، فمثل هذا لا شك أن السترة لمنع من أراد أن يجتاز بينها وبين المصلي.
(22/20)
"كان إذا خرج يوم العيد أمر بالحربة فتوضع بين يديه فيصلي إليها، والناس وراءه" يعني وليس لهم سترة ولا حراب ولا غير ذلك، فالمأموم سترته سترة إمامه، ومنهم من يقول: إن الإمام سترة لمن خلفه، يعني إما أن نقول: سترة الإمام سترة لمن خلفه، أو نقول: إن الإمام سترة لمن خلفه، هل هناك فرق بين الأمرين؟ ما الفرق؟
طالب:. . . . . . . . .
بين الإمام وسترته، إذا قلنا: إن سترة الإمام سترة لمن خلفه تتأثر صلاة المأموم، نعم، وإذا قلنا: إن الإمام سترة لمن خلفه، قلنا: تأثرت صلاة الإمام ولم تتأثر صلاة المأموم.
في حديث ابن العباس أنه جاء والنبي -عليه الصلاة والسلام- يصلي، جاء على حمار أتان في بعض الروايات، فنزل عنها وصلى مع النبي -عليه الصلاة والسلام-، ومرت بين يدي الصف، وفي هذا أنها مرت بين يدي الصف، وليس فيه أنها مرت بين يدي النبي -عليه الصلاة والسلام- الذي هو الإمام، فمرور من يمر ممن نُص على أنه يقطع الصلاة كالحمار لا يؤثر في صلاة المأموم، وإنما أثره في صلاة الإمام أو المنفرد، أما المأموم فسترة الإمام أو الإمام سترة له.
"فيصلي إليها والناس وراءه" خلفه يصلون "وكان -عليه الصلاة والسلام- يفعل ذلك في السفر" طيب في الحضر؟ نعم؟ إما في المسجد أو في البيت، في المسجد يصلي إلى الجدار -عليه الصلاة والسلام-، وفي بيته يصلي كذلك إلى الجدار أو إلى السرير، وعائشة معترضة بين يديه -عليه الصلاة والسلام-؛ لضيق المكان، فتمد رجليها فإذا سجد غمزها، إذا أراد أن يسجد غمزها وكفت رجليها، وبهذا استدركت عائشة على حديث: ((يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب)) قالت: كنت معترضة بين يدي النبي -عليه الصلاة والسلام- فإذا سجد غمزني، فترى أن المرأة لا تقطع الصلاة.
الحمار أخرجه من أخرجه في حديث ابن عباس، وعرفنا الجواب عنه، أنه مر بين يدي المصلين، ولم يمر بين يدي الإمام ولا منفرد.
(22/21)
حديث عائشة عائشة ليست مارة وإنما هي قارة، ويفرقون بين المار والقار، يعني لو صلى إلى شخص جالس أو نائم ما نقول: إنه مر بين يديه، سواءً كان رجلاً أو امرأة، فالقار ليس حكمه حكم المار، فاستدراك عائشة -رضي الله عنها-، واستدراك من يقول: إن الحمار لا يقطع الصلاة في حديث ابن عباس يمكن الجواب عنهما، فيبقى حديث الثلاثة، وأنه ((يقطع الصلاة ثلاثة: المرأة والحمار والكلب)) وعائشة كأنها تستكف من أن تقرن النساء بالحمر والكلاب، ومعها ما تستدل به على فهمها، وإن أمكن الجواب عنه؛ لكنها ما جاءت من فراغ، إنما جاءت من فهم، ومن نص انطلقت منه على حسب فهمهما، وإن لم توافق عليه، ويأتي بقية الكلام في السترة، وما يتعلق بها، والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
(22/22)
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: المحرر – كتاب الصلاة (23)
الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هذا يقول: هل يوجد جزء مطبوع في الذين دعا لهم النبي -صلى الله عليه وسلم- من الصحابة قديم أو حديث؟
قد ذكر الشهاب الخفاجي شارح الشفاء أنه يوجد جزء في ذلك.
وهل للشيخ بكر أبو زيد -شفاه الله- شيء في هذا الباب؟
والله ما أعرف شيء في هذا، لكن الشراح يذكرون بعضهم في أثناء الشروح، كما ذكروا الذين أردفهم النبي -عليه الصلاة والسلام- في حديث لما أردف الفضل ذكروا ممن أردفهم النبي -عليه الصلاة والسلام- جملة، وفي هذا أيضاً مؤلف لابن منده، جمع فيه ما يزيد على ثلاثين، وعلى كل حال من تتبع وجد؛ لأن أهل العلم لهم عناية في هذه الأمور.
يقول: أيهما أفضل لطالب العلم بذل المجهود أم عون المعبود أم لا يغني أحدهما عن الآخر؟
عون المعبود أفضل من بذل المجهود؛ لأن عون المعبود صاحبه صاحب أثر، ويعنى بالسنة، ويرجح تبعاً للسنة، وأما بذل المجهود فهو حنفي يرجح مذهبه.
يقول: ما رأيكم في شرح ابن العربي المالكي على موطأ مالك الذي سماه: السالك أو المسالك في شرح موطأ مالك؟
طبع مؤخراً في دار الغرب، لكني لم أطلع عليه اطلاعاً يكفي للحكم عليه.
هذا يقول: ما رأيكم في كتاب الفتح الرباني ترتيب مسند الإمام أحمد؟
(23/1)
ترتيب جيد، وقرّب المسند، لكنه بدون تكرار وبدون أسانيد، وطالب العلم بأمس الحاجة إلى التكرار والأسانيد لمعرفة الطرق، وكيف يجبر بعضها ببعض، وهو ما فعله ابن عروة في الكواكب الدراري، حيث رتب المسند على صحيح البخاري، جاء كتاباً بديعاً الآن يشرع في طبعه، اطلعنا على أجزاء منه، كتاب آية، قمة في الترتيب والتنظيم، ومن له عناية بصحيح البخاري لا يستغني عن هذا الترتيب، ترتيب ابن عروة، التراجم هي تراجم البخاري، والآثار هي آثار البخاري، ثم بعد ذلك يذكر من الأحاديث ما في البخاري، وما يزيده الإمام أحمد -رحمه الله-، قارئ البخاري يحتاج إلى معرفة الطرق، وإن كان كل ما في صحيح البخاري صحيح، لكن يبقى أنه قد يستغلق شيء، أو يستشكل شيء لفظة مبهمة مستغلقة، راوي مهمل، صيغة أداء تحتاج إلى بيان، حلها في ترتيب المسند، لكن مع الأسف أن الكواكب الدراري فيه خروم في أثنائه، أيضاً الشيخ عبد الله القرعاوي رتب المسند في كتابه المحصل، طبع في خمسة وعشرين جزءاً ترتيب جميل جيد لا بأس به، ذكر الأسانيد والمكررات.
يقول: ما رأيكم في مؤلفات وتحقيقات عبد الفتاح أبو غدة؟
عبد الفتاح أبو غدة له تحقيقات وله تعليقات، وله نقول يعني يغوص عليها من خلال اطلاعه على الكتب، لكن الرجل كما هو معروف لا يسلم من الشوب، شوب البدعة، وإن كان تعليقاته فيها فوائد، ونقوله فيها فوائد، وحقيقة لا يذكر فيه أكثر من غلوه في شيخه الكوثري، يغلو فيه غلواً، الكوثري جهمي، يحط على السلف، وعلى أئمة الإسلام، والله المستعان.
يقول: هل المسبوق تسقط عنه السترة؛ لأنه يغتفر في النهايات ما لا يغتفر في البدايات؟
المسبوق حكمه حكم المنفرد، لكن قد لا يتيسر له سترة؛ لأنه ممنوع من الحركة أثناء الصلاة، فيحتاط لنفسه، يحتاط لنفسه بقدر الإمكان، وعلى ما قرره أهل العلم أن السترة ليست بواجبة، جمهور أهل العلم على أنها ليست بواجبة، والأمر فيه سعة.
يقول: أخذت أموالاً من أناس بغير حق، والآن أريد السداد منهم من توصلت إليه، ومنهم من تعذر ذلك، سؤالي: هل يجوز أن أنفق مال من تعذر الوصول إليهم على إخوتي، أو بعضهم علماً بأنهم مساكين، وليسوا فقراء، وجزاكم الله خيراً؟
(23/2)
هذه يتصدق بها، والأجر لأصحابها، بنية أن الأجر لأصحابها، وأنه متى ما حصل عليهم دفع إليهم أموالهم، يتصدق عليهم بنية الرجوع، وإخوانه هؤلاء الذين لا تلزمه نفقتهم، إن كانت تلزمه نفقتهم فلا، الذين لا تلزمه نفقتهم هؤلاء تصرف لهم الزكاة، ويصرف لهم من هذا المال، ما دام الوصف محقق.
يقول: هو رجل مبتلى باحتقان في البروستات، وهذا المرض عند الكشف يحتاج الطبيب أن يولج شيئاً في الدبر، ويتحسس البروستات، وأخبروني أن هذا الأمر لا بد منه، فتركت الأمر، ولكن الأذى الذي يصيبني من المرض، والأهم كثرة إلحاح الوالدة حتى أنها قالت: إذا لم تذهب إلى الطبيب أغضب عليك، فهل إذا ذهبت إلى الطبيب أسمح له بإيلاج شيء في الدبر، علماً بأنه الجزء الأهم كما فهمت للعلاج، والتأكد من الحالة أم أمتنع ولو أدى ذلك إلى ترك العلاج؟
على كل حال مثل هذا عند الحاجة عند التطبب لا بأس به، يجوز عند أهل العلم لطبيب مسلم نظر ولمس ما تدعو إليه الحاجة، قالوا: حتى الفرج وباطنه.
يقول: ألا ترى أن وقت الدرس قصير، والمسائل كثيرة، ونود بسطها، فلماذا لا يزاد في وقت الدرس حتى يكون بعد المغرب، بل حتى بعد العشاء، ونستغل وجودك هنا، ونقطع مسائل كثيرة، وأبواب أكثر من المحرر، أرجو وأتمنى أن تحقق طلبنا، فنحن في أمس الحاجة إلى فهم المسائل وطرقها، نسأل الله -عز وجل- ...
هو الأصل يعني لو أن وقت الدرس صار بعد صلاة العشاء لأن الليل طويل، بدلاً من أن يكون أقل من ساعة ونصف يزاد فيه إلى أن يكون يعني أقل تقدير ساعتين، وأظن أكثر من ساعتين يصير الدرس ممل، الأخ هذا يبيه العصر والمغرب حتى العشاء، لكن أكثر من ساعتين الدرس ممل بالتجربة، لا بالنسبة للطالب ولا للشيخ، لكن هذه المرة عاد انتهت، والأيام القادمة -إن شاء الله- يراعى فيها هذا.
يقول: هل السترة في الحرم فيها تخصيص أو كباقي المساجد؛ لأنه يغتفر تحقق السترة فيها؟
النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى إلى غير سترة، والناس يطوفون بين يديه، ولا شك أن المشقة تجلب التيسير، يعني إذا أراد الإنسان أن يستتر ويمنع الناس شق عليه ذلك، لكن يتقي المرأة بقدر الإمكان.
(23/3)
يقول: هل صحيح أن نقول: فعل الذي يقرأ الفاتحة لم ترد به نصوص بحيث أنه يقرأ في ختام السورة التي بعد الفاتحة سورة أخرى بشكل دائم، وإنما الصلاة بعد الوضوء سواءً كان الوضوء للصلاة أو العكس لها فضل، جاءت به النصوص، ولذلك قيل: بأنه سنة، ولماذا أصلاً لا نقول: إنه سنة ختم السورة بسورة أخرى خاصة، وأن بعضهم توسع، وجعل غير سورة الإخلاص داخلة في حكمها؟
على كل حال المسألة بسطناها بالأمس، ومثل هذا نفس الكلام الذي كررناه بالأمس.
يقول: لماذا لم يذكر البخاري حديث الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- في كتاب الصلاة، وذكرها في كتاب الأنبياء؟
لأن المقصود منها أعم مما في الصلاة، يعني امتثال الأمر في سورة الأحزاب يشمل داخل الصلاة وخارج الصلاة، وما كان في داخل الصلاة فهو فرد من أفرادها، نعم الصلاة الإبراهيمية داخل الصلاة، وما عدا ذلك خارج الصلاة وهو أكثر، والبخاري -رحمه الله- قد تبحث عن حديث يغلب على ظنك أنه في موضع معين ثم لا تجده، وقد يجعله في موضع في غاية الغرابة والبعد، حتى أن بعض الكبار حكم على أحاديث أن البخاري لم يروها، وقد رواها في غير مواضعها، يعني مثل حديث ضباعة بنت الزبير في الاشتراط: ((حجي واشترطي)) يعني ما يوجد في كتاب الحج، ولا في كتاب الإحصار، ولا في كتاب الفوات، وإنما أودعه في كتاب النكاح؛ لقوله في الخبر: "وكانت تحت المقداد".
يقول: جاء في رواية ابن خزيمة والبزار في حديث: ((لو يعلم المار)) أنها أربعين خريفاً، وصححها ابن حجر، فعدم ذكركم للرواية دليل على أن فيها نظر؟
لا، لا ما يدل على هذا أبداً، وما نتركه إما لعدم الاطلاع عليه أو للغفلة.
يقول: أنا مقيم في المملكة لمدة طويلة، هل القصر فيه تحديد للزمن أو مرهون أو يبقى مرهوناً بالسفر؛ لأنني أترك النوافل والرواتب؟
(23/4)
على كل حال جمهور أهل العلم على التحديد، على تحديد المدة، وإن كانت أدلتهم لا تنهض على الإلزام، لكنها من باب الاحتياط للدين، الصلاة عمود الإسلام، وترتب على القول بالإطلاق، وجهل كثير من المسلمين حتى من بعض طلبة العلم، معنى الإطلاق جعلهم يضيعون الصلاة والصيام والجمع والقصر وغير ذلك، فتجد الخلل تطرق إلى عباداتهم من هذه الحيثية، ويأتي -إن شاء الله- تقريره في الكتاب.
يقول: من هم السلف الذين يحتج بأقوالهم في فهم الكتاب والسنة؟
السلف الذين جاء مدحهم: ((خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم)) ابن حجر يحدد بسنة مائتين وعشرين، يعني إلى أن كثرت البدع وظهرت، وعلى هذا يكون مدة القرن ما يقرب من أو مدته سبعين عام، سبعين سنة، سبعين سنة مدة القرن على هذا التحديد، ومنهم من يقول: إن القرن أربعين سنة، والأكثر على أن القرن مائة سنة، لكنه في الحديث لا شك أن القرن هم القوم المتشابهون في السن، المتقاربون فيه، والمتوسط السبعون.
يقول: الإعلان عن الدرس لم يحصل حسب علمي حتى رسائل الجوال لم تصل هذه المرة، آمل حث المنسقين للدرس الإعلان عنه بشكل كافي؟
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: أمور مستحبة وأمور مكروهة في الصلاة سوى ما تقدم
وأورد حديث عقبة بن عامر، وفيه الاستحباب -استحباب الإقبال- على الله -جل وعلا- في صلاته بقلبه ووجهه، وفي مضمونه الخشوع، وأدخله تحت هذه الترجمة بناءً على أن الخشوع مستحب، وسنة عند الجمهور، عند جمهور أهل العلم أن الخشوع مستحب، وأوجبه بعضهم، ونصر الوجوب ابن رجب -رحمه الله-، وأيضاً الغزالي في إحياء علوم الدين نصره، وأطال في تقريره، وإيراد المصنف -رحمه الله- لهذا الحديث في الأمور المستحبة يدل على أنه جار على قول الجمهور.
(23/5)
وأيضاً إيراد أحاديث السترة يدل على أن المصنف يختار أن السترة سنة وليست بواجبة، وهذا أيضاً قول عامة أهل العلم، وجاء الأمر بها: ((ليستتر أحدكم ولو بسهم)) تمسك به من قال بالوجوب، وبقية الأحاديث تدل على أن هذا الأمر مصروف عن الوجوب إلى الاستحباب، منها: أن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى إلى غير جدار، كما في حديث ابن عباس، ويقول: يعني إلى غير سترة، وأيضاً: ((إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره، فأراد أحدهم أن يجتاز)) إذا صلى يدل على أن السترة ليست بواجبة؛ لأن السياق قوله: ((إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس، فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه)) قد يقول قائل: إن الاستدلال بهذا الحديث في صرف الأمر من الوجوب إلى الاستحباب استدلال بالدلالة الفرعية لا الدلالة الأصلية؛ لأن الحديث ما سيق لبيان حكم السترة، وإنما لبيان الأمر بالدفع، يعني النصوص فيها دلالات أصلية سيق النص من أجلها، وهناك دلالات فرعية لم يسق النص من أجلها، يعني في هذا الحديث هل يبين النبي -عليه الصلاة والسلام- حكم السترة؟ ويقول: ((إذا صلى أحدكم إلى شيء يستر)) مثل حديث: ((إذا دخلت العشر فأراد أحدكم أن يضحي)) الجمهور يقولون: إن الأضحية سنة بدليل هذا الحديث، فالحديث رد التضحية إلى إرادة المضحي، وهذا لا يدل على وجوبها، لكن هل الحديث سيق لبيان حكم الأضحية أو لبيان المنع من الأخذ من الشعر والبشر في العشر حتى يضحي؟ هذه دلالته الأصلية، أما تلك فدلالته الفرعية، والدلالة الأصلية والفرعية الأصلية هي محل النظر الأول، وبها يستدل أو يستنبط الحكم من الحديث، وأما الدلالة الفرعية فلا شك أن لها حظ من النظر، الشاطبي يقول: "إذا لم يسغ الحديث من أجلها فلا يستدل بها" وأهل العلم يستنبطون من الحديث الواحد المسائل الكثيرة، منها ما يدل الحديث عليه صراحة، ومنها ما يفهم من الحديث، ومنها ما يشم من الحديث يعني من بعد، وكل هذا يستدل به أهل العلم، لكن الدلالة الأصلية هي الأصل، والفرع أيضاً مرعية إذا لم تكن معارضة بما هو أقوى منها، إذا لم تكن معارضة بما هو أقوى منها، يعني لا ترد مطلقاً ولا تقبل مطلقاً، يعني من الدلالات الفرعية يعني قول جابر في حجة النبي
(23/6)
-عليه الصلاة والسلام- أنه نام حتى أصبح، هل الحديث سيق لبيان أن النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يوتر مثلاً، أو لم يقم الليل؟ لا، أيضاً ((افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت)) هل الحديث سيق لبيان أن الحائض تقرأ القرآن؟ وإن احتج بعضهم بهذا الحديث عليه، هذا دلالة فرعية، لكن الحديث ما سيق من أجلها، ولولا المعارض يمكن أن يستدل بها، يعني استدلال الحنفية على أن وقت صلاة الظهر يمتد إلى مصير ظل كل شيء مثليه، وقول الجمهور إلى أن يصير ظل كل شيء مثله، استدلالهم بحديث: ((إنما مثلكم ومثل من قبلكم)) حديث في الصحيح ((كمثل رجل استأجر أجيراً إلى الزوال بدينار، ثم استأجر أجيراً إلى العصر بدينار، ثم استأجر أجيراً إلى المغرب بدينارين، فقال أهل الكتاب: نحن أكثر عملاً وأقل أجراً)) ولا يكون هذا إلا إذا كان وقت الظهر أطول من وقت العصر؛ ليتم احتجاج النصارى؛ لأن الذين عملوا إلى الزوال هو مثل اليهود، والذين عملوا إلى العصر هم النصارى، والذين عملوا من العصر إلى المغرب هم المسلمون بدينارين، احتج اليهود والنصارى وقالوا: نحن أكثر عملاً وأقل أجراً، ولا يتم الاستدلال والاحتجاج إلا إذا قلنا: إن وقت الظهر أطول من وقت العصر، وعند الحنفية لا يكون أطول إلا إذا صار إلى أن يكون ظل كل شيء مثليه، وهذا الكلام ليس بصحيح، أولاً: الحديث ما سيق لهذا الأمر، وفي الباب نصوص صحيحة صريحة، حديث عبد الله بن عمرو بن العاص في مسلم، وغيرها من الأحاديث تدل على أن وقت الظهر إلى مصير ظل كل شيء مثله.
الأمر الثاني: أن وقت الظهر أطول من وقت العصر في كل زمان ومكان، حتى على القول أنه ينتهي بمصير ظل كل شيء مثله، المقصود أن قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره)) لا يتم به صرف ليستتر أحدكم، إنما الصارف حديث ابن عباس: "صلى إلى غير جدار" يعني إلى غير سترة.
(23/7)
قال: "وعن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في غزوة تبوك عن سترة المصلي؟ فقال: ((مثل مؤخرة الرحل)) " الرحل: الذي يوضع على الراحلة ويركب عليه، له مقدمة يستمسك بها الراكب، وله مؤخرة يستند إليها، وهي مقدرة عند أهل العلم بثلثي ذراع، يعني قريب من أو تزيد قليلاً عن ثلاثين سنتيمتر، ولا يتم التحديد بمؤخرة الرحل لا طولاً ولا عرضاً؛ لأنه جاء أيضاً التحديد بالحربة والسهم والعصا، وما أشبه ذلك.
ثم بعد هذا قال: "وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا صلى أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئاً، فإن لم يجد فلينصب عصا)) " يدل على أن الشيء المذكور في الجملة الأولى له جرم، أكبر من العصا، أعرض أو أطول؛ لأنه قال: ((فإن لم يجد فلينصب عصا)) والعصا في حكم السهم والحربة.
" ((فإن لم يكن معه عصا فليخط خطاً، ثم لا يضره ما مر أمامه)) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه وابن حبان، وهو حديث مضطرب الإسناد" مثل به ابن الصلاح للمضطرب في علوم الحديث ذكره مثالاً للمضطرب، وقال: إنه يروى من عشرة أوجه، كلها مختلفة، ولا يمكن الترجيح بينها لينتفي الاضطراب، فهو مضطرب، والحديث فيه علة أخرى، فيه الجهالة لأبي عمرو ابن حريث فهو مجهول، وجده أيضاً أبو عمرو محمد بن حريث وجده حريث أيضاً مجهول، فهو ضعيف لعلتين: الاضطراب الذي لا يمكن معه الترجيح، والجهالة، فالحديث ضعيف.
ابن حجر -رحمه الله- في النكت على ابن الصلاح تمكن من ترجيح بعض الوجوه على بعض، فانتفى عنده الاضطراب، لكنه غفل عن الجهالة؛ لأنه قد تنتفي علة لكن تبقى العلة الأخرى، ولذا قال في البلوغ: "ولم يصب من زعم أنه مضطرب، بل هو حديث حسن" لما تمكن من نفي الاضطراب بترجيح بعض الوجوه حكم عليه بالحسن؛ لكنه مع ذلك فيه جهالة راوييه.
يقول: "رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه وابن حبان، وهو حديث مضطرب الإسناد" يعني كما قال ابن الصلاح، ولذلك ضعفه الشافعي وغيره، وصححه ابن المديني وغيره.
نقل عن الإمام أحمد أيضاً تصحيحه، لكنه لا يثبت عند كثير من أهل العلم.
(23/8)
وقال ابن عيينة: لم نجد شيئاً نشد به هذا الحديث، وقال البيهقي: لا بأس به في هذا الحكم.
يعني هذا الحكم لا يحتاج فيه إلى شيء من القوة مثل ما يحتاج إلى الأحاديث القوية في الأحكام، أصل السترة مستحبة عند الجمهور، وهو إما أن يصلي إلى خط، أو إلى غير شيء، فكونه يصلي إلى خط أفضل من كونه يصلي إلى غير شيء، ولذلك قال: لا بأس به في هذا الحكم، فالخط أولى من عدمه، يعني من هذه الحيثية، باعتبار أن السترة ليست بواجبة، والصلاة إلى خط أفضل من لا شيء.
وعلى كل حال الحديث ضعيف، لا يصل إلى درجة الحسن، وقول سفيان بن عيينة "لم نجد شيئاً نشد به هذا الحديث" يدل على أنه يضعفه، وقول البيهقي: لا بأس به في هذا الحكم من هذه الحيثية، أن هذه فضيلة من الفضائل، ليس بواجب من الواجبات، وأيضاً نظروا إلى أن الصلاة إلى شيء أحسن من لا شيء، والخط يذكّر المصلي ويذكر المار، فالأمر فيه سعة على كلام البيهقي، وإلا فالحديث ضعيف.
الخط الذي يخط منهم من يقول: يمتد إلى الأمام كالعصا كأن أمامه عصا، ومنهم من يقول: طولاً أو عرضاً كالجنازة، وذكر عن أحمد أنه يقول: كالمحراب كالهلال، وعلى كل حال الحديث مثل ما قلنا: ضعيف.
منهم من يلحق بالخط طرف السجادة، أو الخطوط التي في فرش المساجد، هذه الخطوط بمثابة الخط الذي أشير إليه بالحديث، طرف السجادة كذلك، لكن مع ذلك نعود إلى أصل المسألة وهو أن الحديث ضعيف لا يثبت به حكم.
قال: "وعن أبي سهل بن أبي حثمة يبلغ به النبي -صلى الله عليه وسلم-" يعني قول الصحابي: يبلغ به، ينميه، روايةً، يرويه، يرفعه، كل هذا حكمه الرفع.
(23/9)
قال: " ((إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدن منها)) " هل هذا أمر بالسترة أو أمر بالدنو إلى السترة؟ نعم هو ليس بأمر بالسترة، وإنما هو أمر بالدنو منها؛ لأنه قال: ((إذا صلى إلى سترة فليدن منها، لا يقطع الشيطان عليه صلاته)) إذا كان بعيداً لا شك أن البعد يجرئ ويغري من أراد المرور، وأنتم شاهدتم وحصل لكم الصلاة في المسجد الحرام إذا دنوت من الجدار، أو من السارية ما اجترأ أحد أن يمر بين يديك إلا شخص قاصد للإفساد كما يصنع بعض النساء الوافدات ممن عرف بالبدع، تقصد أن تمر بين المصلي وسترته ولو قرب منها، وتتحين الغفلة والفرصة فتمر، ورجالهم كذلك، لكن في الغالب أنك إذا دنوت تستطيع الرد، ولا يجرؤ أحد أن يمر بينك وبين سترتك إلا إنسان في نيته الإفساد، الغافل يمكن رده.
أما إذا ابتعد عن سترته فإن حكم السترة يسري إلى ثلاثة أذرع من موضع قدميه، فإذا مر دون ثلاثة أذرع مر بين يدي المصلي، وإذا كان أكثر من ثلاثة أذرع فإنه لا يكون ماراً بين يدي المصلي، ولا يُدفع حينئذٍ.
((لا يقطع الشيطان عليه صلاته)) سواءً كان ذلك من شياطين الجن، وجاء في الكلب الأسود أنه شيطان أو كان من شياطين الإنس الذين يريدون التشويش على المصلين.
يقول: "رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن حبان، وهو حديث مختلف في إسناده، وروي مرسلاً" على كل حال الحديث الراجح في أمره أنه صحيح، والموصول أصح من المرسل وأرجح، فهو المعتمد.
في السترة حديث أبي سعيد: ((إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه، فإن أبى فليقاتله)) وفي رواية: ((فإن معه القرين)) ليقاتله، يعني يدفعه بالأسهل، بالأخف، ثم بالأشد، وليس معنى هذا أنه يقتله، يحمل معه آلة القتل وكل من أراد أن يجتاز بين يديه أزهق روحه، لا، الكلام ليس بصحيح، نعم يقتل الحية والعقرب، لكن لا يقتل معصوماً، وليس معنى ((فليقاتله)) بالسب والشتم كما قال بعضهم، مثل: ((قاتل الله اليهود)) يعني لعنهم، وهنا: ((فليقاتله)) يعني يسبه ويشتمه، هذا الكلام ليس بصحيح، وإن قاله بعضهم.
(23/10)
المقصود أنه يدفع ويرد، إن اندفع بالإشارة فذلك المطلوب، وإلا بالدفع اليسر، وإلا بأشد منه، لكن لا يصل الأمر إلى القتل؛ لأن المقاتلة تختلف عن القتل، ولا يكون ذلك أيضاً بالسب والشتم كما قال بعضهم.
"وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: نهي أن يصلي الرجل مختصرا" رواه البخاري هكذا" يعني لفظه: "نهي" بالبناء للمجهول "ورواه مسلم: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" ومر بنا مراراً أن قول الصحابي: نهينا، أو أمرنا أنه مرفوع؛ لأنه في المسائل -مسائل الدين- والأحكام إنما الأمر والنهي لمن جعل الله له الأمر والنهي، وهو النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولو قال ذلك بعد عصر النبي -عليه الصلاة والسلام-:
قول الصحابي من السنة أو ... نحو أمرنا حكمه الرفع ولو
بعد النبي قاله بأعصرِ ... على الصحيح وهو قول الأكثرِ
فهو مرفوع وإن قال بعضهم كأبي بكر الإسماعيلي يقول: هذا لا يكون مرفوعاً حتى يذكر اللفظ النبوي؛ لاحتمال أن يسمع كلاماً يظنه أمراً أو نهياً، وهو ليس في الحقيقة أمر ولا نهي، وهذا الكلام ليس بصحيح؛ لأن الصحابة أعرف بمدلولات الألفاظ الشرعية من غيرهم، فإذا لم يعرف الصحابة مدلولات الألفاظ النبوية من يعرفها بعدهم؟ والدين إنما جاءنا من قبلهم، وفهمهم مقدم على فهم غيرهم، فحكمه الرفع عند عامة أهل العلم، هذا إذا قال: نهينا أو أمرنا، أما إذا قال: أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أو نهانا كما في رواية مسلم: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" صرح الصحابي بالناهي، وكذلك إذا صرح بالآمر فهو مرفوع قطعاً، ولا خلاف في رفعه، لكن خالف ...
الخلاف في المسألة الأولى، وهي ما إذا لم يصرح الصحابي بالآمر ولا الناهي، قال: أمرنا أو نهينا، قال الإسماعيلي وجمع من أهل العلم قالوا: إنه ليس له حكم الرفع؛ لاحتمال أن يكون الآمر والناهي غير الرسول -عليه الصلاة والسلام-، يمكن أن يكون أمرهم أبو بكر، أمرهم عمر، أمرهم أمير من الأمراء، رجل أمره أبوه، أو من له حق عليه، هذا إذا لم يصرح بالآمر والناهي، والجمهور على أنه مرفوع؛ لأن الأحكام إنما تتلقى من النبي -عليه الصلاة والسلام- أوامرها ونواهيها، هذا إذا لم يصرح بالآمر.
(23/11)
أما إذا صرح بالآمر والناهي كما في رواية مسلم: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" فهو مرفوع قطعاً عند الجميع، لكن دلالته على الانكفاف في النهي أو الائتمار بالأمر خالف فيها داود الظاهري، وبعض المتكلمين، وقالوا: قد يظن الصحابي الكلام النبوي مشتملاً على أمر أو نهي وهو في الحقيقة لا يدل على الأمر والنهي حتى ينقل لنا اللفظ النبوي، وهنا يقال: إن الصحابة أعرف بمدلولات الألفاظ الشرعية فالكلام هذا ليس بصحيح.
"نهي أن يصلي الرجل مختصراً" وكذلك المرأة، نهي أن يصلي الرجل مختصراً يعني أن يضع يديه على خاصرتيه في الصلاة، يضع الرجل يديه على خاصرتيه، وجاء التعليل في حديث عائشة: إن هذا فعل اليهود، فالنهي عنه للتشبه، وبعضهم يستنبط علة يقول: إن هذا صنيع الشيطان، وذكر حديث: ((المختصرون على منابر من نور)) من أهل العلم من يفسر هذا الحديث باختصار القراءة وتخفيف القراءة، لكن العلة المنصوصة هي ما ذكرته عائشة -رضي الله عنها- أن هذا فعل اليهود، ((المختصرون على منابر من نور)) هذا الحديث لا يعرف في الكتب المعروفة، ولذا تداوله الشراح، فلا أصل له، وإن حمله بعضهم على أنهم الذين يستعملون المخصرة التي هي العصا يعتمدون عليها لطول القيام في الليل، لكن ما دام الحديث لا يعرف له أصل فلا نحتاج إلى تأويله إلا من أجل التوفيق بينه وبين حديث الباب.
وعلى كل حال الاختصار هو وضع اليدين على الخاصرة هذا صنيع اليهود.
قال: "وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" إدخال الحديث هذا في الأمور المستحبة والمكروهة يدل على أن النهي هنا عند المؤلف للكراهة.
قال: "وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا قدم العشاء فابدؤوا به قبل أن تصلوا صلاة المغرب، ولا تعجلوا عن عشائكم)) متفق عليه" لا شك أن الأمر في ((فابدؤوا)) يدل على استحباب الفراغ مما يشوش على بال المصلي وقلبه، إذا قدم العشاء والإنسان نفسه تتوق إليه فإنه يفرغ منه.
(23/12)
((فابدؤوا به قبل أن تصلوا صلاة المغرب، ولا تعجلوا عن عشائكم)) لأن هذا ينافي الخشوع في الصلاة، والخشوع سنة عند الجمهور، وما ينافيه عندهم مكروه، فإذا بدأ بالصلاة والقلب منشغل بالعشاء انتفى الخشوع، وصار الأمر عند المؤلف هنا: ((فابدؤوا به قبل أن تصلوا صلاة المغرب، ولا تعجلوا عن عشائكم)) ابدؤوا للاستحباب، الظاهرية يقولون: للوجوب، فإن بدأ بالصلاة بطلت الصلاة.
وقوله: ((قبل أن تصلوا المغرب)) يشير إلى رواية تدل على أن هذا في حق الصائم، إذا قدم العشاء وأحدكم صائم فابدؤوا به قبل أن تصلوا المغرب، وذلك لأن الصائم حاجته إلى الطعام أشد، وانحصار الوقت عنده في هذه المدة اليسيرة بين الأذان والإقامة بالنسبة لصلاة المغرب أظهر من غيره؛ لأن غير الصائم يقال له: قدم يا أخي، قدم طعامك، لكن إذا لم يتم نضجه مثلاً إلا في هذا الوقت وهو محتاج إليه، فحكمه حكم الصائم، أما إذا قصد تأخير الأكل والطعام إلى قرب الصلاة صار ديدنه هذا، هذا لا يجوز؛ لماذا؟ لأنه يترتب عليه ترك الواجب، وهو الصلاة مع الجماعة حيث ينادى بها، لكن إذا كان الإنسان محتاجاً إليه، ونفسه تتوق إليه كصائم، أو في حكم الصائم ممن لا يتيسر له الطعام لعدم نضجه، أو لعدم الحصول عليه إلا في هذا الوقت فالعلة سارية، يعني بعض الناس يقصد ويبحث عما يترخص به في ترك الجماعة مثلاً، فيجعل تقديم الطعام قرب الإقامة، ويتعلل بمثل هذا الحديث، أو يأكل مما نهي عن الأكل منه، مع حضور الجماعة كالأطعمة التي تنبعث منها الروائح الكريهة، ويقول: إن هذا عذر في ترك الجماعة، لا يكون عذراً إلا إذا كانت هناك حاجة داعية له، أما أن يعتذر به، ويتوصل به إلى ترك ما أوجب الله فإن هذه هي حيل اليهود التي يتوصلون بها إلى ترك الواجبات، أو ارتكاب المحرمات، وأما عند الحاجة للاستشفاء ذكر له البصل علاج، أو الثوم علاج، وأكله ليستشفي به فهذا عذر، أما أن يأكل من أجل أن يترك الصلاة هذا لا شك أنه تحايل على إسقاط ما أوجب الله عليه، وهذا ما ارتكبته اليهود.
(23/13)
وهنا إذا كان يقصد أن يقدم الأكل قبيل الإقامة من أجل ألا يخرج إلى المسجد، ويصلي مع الناس هذا تحايل لإسقاط الواجب، وهذا صنيعه هذا حرام عليه، أما إذا وقع اتفاقاً إما أن يكون صائماً مثلاً، ونفسه تشتاق إلى الطعام وتتوق إليه، وإذا صلى انشغل باله، لا شك أن هذا مأمور بأن يبدأ به قبل الصلاة ليتوفر لصلاته ويقبل عليها بعد أن فرغ، وقل مثل هذا في مسائل أمور الدنيا، يعني على الإنسان أن يأتي بالصلاة على الوجه المطلوب، ويقبل عليها بقلبه ووجهه، فلا يجعل هناك من الصوارف ولو صوارف القلب يجعل شيئاً منها قريب من الصلاة، يجعل شيء من هذه الصوارف قريب من الصلاة، بل عليه أن يتفرغ لصلاته بقلبه وقالبه، ولا شك أن هذا منافٍ للخشوع، والخشوع مثل ما قلنا الجمهور على أنه مستحب، ولذا لو صلى قبل أن يتعشى وانشغل بعشائه صلاته صحيحة، خلافاً للظاهرية الذين يبطلون الصلاة في هذه المسألة، وما يشاركها في العلة، يبطلون الصلاة لأدنى نهي، أو لأدنى مخالفة أمر، يعني إذا لم يصل ليلة جمع صلاة الصبح مع الإمام بطل حجه وبطلت صلاته أيضاً، وهذا لا يقوم بظاهريتهم، أما عامة أهل العلم الذين لديهم النظر في النصوص وفي القواعد العامة وفي مقاصد الشريعة لا يقولون مثل هذا الكلام.
قال -رحمه الله-:
(23/14)
"وعنه" يعني أنس بن مالك "قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا كان أحدكم في الصلاة فإنه يناجي ربه -عز وجل-، فلا يبزقن بين يديه، ولا عن يمينه، ولكن عن شماله تحت قدمه)) متفق عليه أيضاً، وفي لفظ للبخاري: ((عن يساره أو تحت قدمه)) " ((إذا كان أحدكم في الصلاة ... فلا يبزقن)) مفهومه أنه إذا لم يكن في الصلاة فليبزق، لكن دل الدليل على أنه لا يجوز أن يبصق في المسجد ولو كان خارج الصلاة، فلا يبصق في حال الصلاة ولو خارج المسجد، ولا يبصق في المسجد ولو كان خارج الصلاة، وهنا ((إذا كان أحدكم في الصلاة فإنه يناجي ربه -عز وجل-)) سواءً كان في المسجد أو خارج المسجد، بل إن بعضهم طرد هذا في الصلاة وخارج الصلاة في المسجد وخارج المسجد كالنووي مثلاً، فلا يبصق بين يديه يعني تلقاء وجهه، ولا عن يمينه يعني لا إلى جهة القبلة ولا عن يمينه في الصلاة وخارج الصلاة في المسجد وخارج المسجد.
قال: ((ولا عن يمينه، ولكن عن شماله أو تحت قدمه)) جاء التعليل ((فإن الله تلقاء وجهه)) وأيضاً القبلة جاء التعليل بها في بعض الأحاديث، وعن يمينه ملك ((ولكن)) يعني يبزق ((عن شماله تحت قدمه)) وعرفنا أن هذا خارج المسجد؛ لأن البصاق في المسجد خطيئة، يعني سواءً كان يصلي أو لا يصلي، سواءً كان عن يمينه أو عن شماله، على أي حال كان، البصاق في المسجد خطيئة، أما في الحديث فهو بالنسبة للصلاة خارج المسجد.
((فلا يبصقن بين يديه ولا عن يمينه، ولكن عن شماله تحت قدمه)) يعني تحت قدمه اليسرى.
(23/15)
الرواية الأخرى: ((عن يساره أو تحت قدمه)) يبصق عن يساره أو تحت قدمه، طيب قد يقول قائل: إذا كانت العلة في النهي عن البصاق عن جهة اليمين لأن فيها ملك، الجهة الشمال أيضاً فيها ملك، الذي يكتب الحسنات عن جهة اليمين، والذي يكتب السيئات عن جهة اليسار؟ هل نقول: إن هذا التكريم خاص بملك اليمين الذي يكتب الحسنات وأما بالنسبة لملك السيئات لا خصوصية له في هذا فيبصق عن اليسار ولو كان الملك عن يساره؟ أو نقول: إن هذا في الصلاة؟ لا يبصق عن يمينه لأنه في الصلاة، يباشر حسنات، وملك السيئات إما أن ينتقل إلى جهة اليمين حال الصلاة، أو أنه لا يوجد لعدم وجود الداعي، هذا قاله بعض الشراح؛ لماذا؟ لأن الإشكال الوارد ((فلا يبصق عن يمينه؛ لأن عن يمينه ملكاً، ولكن عن يساره)) أوردوا عليه أيضاً أن على اليسار ملك، فقالوا: إن التكريم خاص بملك اليمين الذي يكتب الحسنات، والنص دليل على أنه يبصق عن يساره، ولو كان فيه ملك الشمال الذي يكتب السيئات، فهذه من خصوصيات ملك اليمين، لكن ملك اليمين وملك الشمال كلاهما من الملائكة الذين لهم المنزلة عند الله -جل وعلا-، ولا يعني كونه يكتب السيئات أن منزلته أقل، لكن أمامنا نص صحيح صريح، ولا بد من البصاق، يعني ليس الإنسان مخير في البصاق وعدمه هذه حاجة لا بد من دفعها، وعرفنا أن تلقاء وجهه جهة القبلة، وأيضاً عن يمينه ملك، وجهة اليمين مشرفة، وجهة اليسار لا شك أنها أقل من جهة اليمين في الشرف في نصوص، وفي مواضع كثيرة من الأحكام الشرعية، يعني إذا استنجى بشماله نقول: إن ملك الشمال ممتهن في هذه الحالة؟ هذه أمور لا بد منها، وإذا كان الخيار بين جهتين في أمر لا بد منه فليكن التكريم لجهة اليمين دون جهة الشمال.
(23/16)
هنا مسألة وهي: أن الإنسان يحمل معه المناديل للبصاق والمخاط وما في حكمهما، هل نأخذ من هذا الحديث أن المناديل ما دامت نظيفة لم تستعمل تكون في الجهة اليمنى في الجيب الأيمن، فإذا استعملت نقلت إلى الجيب الأيسر، أو نقول: يستعملها ويردها إلى جهة اليمين؟ يعني ماذا نستفيد من هذا الحديث؟ أو نعكس نجعل النظيفة في الشمال والمستعملة في اليمين؟ الذي يشم من الحديث ويفهم من الحديث ويستنبط من الحديث في تكريم جهة اليمين أن تكون المناديل النظيفة في جهة اليمين، فإذا استعملت في هذه المستقذرات تنقل إلى جهة الشمال، قد يقول قائل: لماذا لا تجعل في جهة الشمال كلها النظيفة وغير النظيفة؟ نقول: لا بد من التمييز بينها، والتفريق بين النظيف وغير النظيف من أجل أن يستعمل ما يمكن استعماله، ويرمى ما يستغنى عنه، وعلى كل حال هذا من الأدب الإسلامي الرفيع الذي تميزت به هذه الشريعة، تراعي الأحوال والظروف والأفعال من المكلفين، ومما يؤدب عليه غير المكلف أيضاً، ويربى عليه مثل هذه الأمور، يعني بعض الناس لا يلاحظ مثل هذه الآداب فتجده يبصق في أي مكان، طريق عام وإلا خاص، في مجلس، في كذا، وبعض المصلين بل بعض الأئمة قد يحصل من إمام وقد حصل إذا التفت إلى الناس أخرج المنديل، وأخذ بأعلى أو بأقوى ما يستطيع، والأصوات قد تنقل في المكبرات قبل أن يغلق المكبر، والحي كله يسمع، لا شك أن هذا خلاف الأدب، يعني على الإنسان أن يستخفي، يخفي هذه الأمور بقدر الإمكان، بقدر استطاعته إلا إذا عجز؛ لأن هذه الأمور نصت على أشياء، وفي ضمنها وثناياها أمور أيضاً أخرى، هل معنى هذا أننا نمنع عن البزاق عن جهة اليمين ونأخذ المنديل في وجوه الناس وبأعلى الصوت؟! لا، يستخفي بهذا الإنسان بقدر استطاعته.
بعضهم يفتح زجاج السيارة ويرمي ما في فمه أو في أنفه وتصل إلى زجاجات السيارات الأخرى، وقد تصل إلى مشاة أو شيء من هذا، هذا يحصل وإلا ما يحصل؟ يحصل، ولا شك أن هذا سوء أدب، وأسوأ منه بعض المدخنين -هداهم الله- يقصد ويتعمد أن ينفث الرائحة القبيحة الضارة في وجوه الناس، يقصد هذا القصد بعضهم، هذا أشد -نسأل الله العافية-.
(23/17)
يقول: " ((لكن عن شماله تحت قدمه)) متفق عليه أيضاً، وفي لفظ للبخاري: ((عن يساره أو تحت قدمه)) " وعرفنا أن هذا لا يكون في المسجد، أما إذا احتيج إلى ذلك في المسجد فإن كانت معه المناديل فبها ونعمت، وإن لم تكن ففي ثوبه، ثم يفرك بعضه ببعض، يعني مثل طرف الشماغ أو ما أشبه ذلك، لكن يتأكد أنه شماغه؛ لأنه حصل في الصلاة، احتاج لمثل هذا وهو في الصلاة ومعه مناديل، مسك طرف الشماغ وإذا شماغ جاره، أقول: مثل هذه الأمور ينبغي أن تدرس بعناية؛ لأن هذا الأدب هو الذي يزرع المودة والمحبة بين الناس، والإخلال به هو الذي يجعل النفرة والفرقة والاختلاف والشحناء والبغضاء بين الناس.
هذا الذي استعمل شماغ الجار اضطر أن يقطع الصلاة وينصرف؛ لأن المسألة على نفوس الناس ليست هينة، وقل مثل هذا في أمور أخرى من الآداب، إذا عطس، إذا كح، إذا شيء يخمر وجهه، وبعض الناس يعطس أو يكح ويصل الرذاذ إلى آخر المجلس، وأهل العلم يقولون: إذا شربت في الإناء وتنفست فيه منهي عن التنفس في الإناء، فأراد أحد أن يشرب منه لا بد أن تخبره أنك تنفست فيه وإلا يكون هذا غش، شوف الحرص عند أهل العلم في تطبيق ما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى هذا الحد، إذا نفخت في طعام وجاء سائل بقيت منه بقية وجاء سائل لا بد أن تخبره أنك نفخت فيه لأنه يتقذر، نعم قد تترجح المصلحة عنده أن يأكل لمسيس الحاجة إليه، لكن مثل هذه الأمور لا بد من مراعاتها.
يقول -رحمه الله تعالى-:
(23/18)
"وعن معيقيب" وهو ابن أبي فاطمة الدوسي "قال: ذكر النبي أو ذُكر للنبي -عليه الصلاة والسلام- المسح في المسجد" يعني الحاجة إلى المسح في المسجد، مسح الحصا، الآن المساجد مفروشة ما تحتاج إلى هذا، بعض مساجد القرى وبعض البلدان ليست مفروشة فيها حصا، وقد يحتاج إلى المسح في الفلوات والصحارى أو في الأماكن غير المفروشة؛ لأن الإنسان قد يحتاج للصلاة في الصحراء، ويكون في مصلاه حصا أو يكون زرع أو شوك يحتاج إلى تسويته، عليه أن يسويه قبل الدخول في الصلاة، لا شك أن هذا ينافي الخشوع في الصلاة، تصلي على حصا أو تصلي على مكان حار أو شديد البرودة أو فيه شوك، أو ما أشبه ذلك هذا ينافي الخشوع، فعلى المصلي أن يبذل ما يحقق الخشوع قبل الدخول في الصلاة، لكن إذا دخل وفي المسجد حصا.
"ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- المسح في المسجد -يعني الحصا- قال: ((إن كنت لا بد فاعلاً فواحدة)) متفق عليه" يعني امسح مرة واحدة، وإن تركت فهو أفضل، إن اضطررت إلى المسح لأن الحصا مؤذي، ونسيت التسوية وإصلاحه قبل الدخول في الصلاة مرة واحدة امسح، وما عدا ذلك فلا، وهذا مرده إما في العلة المذكورة في الحديث الثاني، أو لأن المسح أكثر من واحدة إكثار من الحركات المنافية للخشوع في الصلاة ((إن كنت لا بد فاعلاً)) إن اضطررت إلى ذلك ((فواحدة)) يعني فامسح واحدة، يعني مرة واحدة.
"متفق عليه".
"وعن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا قام أحدكم في الصلاة فلا يمسح الحصا، فإن الرحمة تواجهه)) " هذه العلة، الحديث الذي قبله، حديث معيقيب هذا ليس فيه التعليل، وهو متفق عليه، في الصحيحين، حديث أبي ذر ضعيف عند أهل العلم لكن له شاهد الذي هو الحديث السابق، فيحسن به، بالشاهد، وتبقى العلة فإن الرحمة تواجهه لا يوجد ما يشهد لها في حديث معيقيب تبقى ضعيفة، وأما النهي عن المسح واحدة أو دع، هذه موافقة لما جاء في حديث معيقيب، فهو وإن كان سندها ضعيف إلا أن لها ما يشهد لها فهي حسنة.
(23/19)
"قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا قام أحدكم في الصلاة فلا يمسح الحصا، فإن الرحمة تواجهه)) " يعني إذا كانت تواجهه يعني تنبع من موضع سجوده وتواجهه تقابله، فإذا مسح موضع السجود كأنه مسح معه الرحمة، والعلة ضعيفة، يعني سندها ضعيف، والنهي عن المسح مفهوم من حديث معيقيب، وأيضاً اللفظ الثاني في لفظ لأحمد: "سألت النبي -صلى الله عليه وسلم- عن كل شيء، حتى سألته عن مس الحصا، فقال: ((واحدة)) يعني مرة واحدة، امسح مرة واحدة أو دع، اترك، وذلكم لأن المسح حركة، والحركة ممنوعة في الصلاة، على الإنسان أن يسكن في صلاته ولا يتحرك إلا لحاجة، وهذه حاجة، لكن أكثر من مرة نهى النبي -عليه الصلاة والسلام- عنها، والعلة المذكورة: ((فإن الرحمة تواجهه)) هذه عرفنا أن إسنادها ضعيف؛ لأن راويها أبو الأحوص مجهول العين، لم يرو عنه غير الزهري، ووصفه الحافظ ابن حجر في التقريب بأنه مقبول، والمقبول عنده من ليس له من الحديث إلا القليل، ولم يثبت في حقه ما يترك حديثه من أجله، فإن توبع فمقبول وإلا فلين، اللين ضعيف، فهذا إذا سلم، إذا خلا حديثه من المتابعة أو الشاهد فإن حديثه يضعف لأنه لين، إذا توبع صار حديثه مقبولاً، وجزء من حديثه متابع عليه، له ما يشهد له، وجزء منه لا يتابع عليه فجزؤه حسن، وجزء منه لا سيما التعليل ((فإن الرحمة تواجهه)) لم يتابع عليها فهو ضعيف.
(23/20)
قال: "رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه والنسائي، وفي لفظ لأحمد: سألت النبي -صلى الله عليه وسلم- عن كل شيء حتى سألته عن مس الحصا، فقال: ((واحدة أو دع)) " يعني مس الحصا مرة واحدة في الصلاة، ومن مس الحصا أثناء الخطبة فقد لغا، أيهما أولى بالمراعاة الصلاة أو الخطبة؟ الصلاة أو الخطبة؟ نعم الصلاة بلا شك، الصلاة أولى بالمراعاة من الخطبة، طيب الصلاة أذن لك أن تمسح واحدة وفي الخطبة إذا مسحت فقد لغوت ومن لغا فلا جمعة له، يعني هل نأخذ من هذا الحديث أن الخطبة أولى بالمراعاة من الصلاة، أو نقول: إن الصلاة المسلم في الأصل يحتاط لها، الأصل في المسلم أنه يحتاط لصلاته، ولا يعرضها للبطلان لأنه يعرف أهميتها وقيمتها، والخطبة قد تطول، وقد يرى أنه لا يستفيد، وقد يتطرق إليه ملل، أو شيء من ذلك فهو بصدد ألا يحتاط لهذه الخطبة، ومع النصوص الشديدة في شأن الخطبة والإنصات وعدم الحركة وعدم قول: اسكت، أنصت، وعدم مس الحصا، ومع ذلك تجد من يخالفه؛ لأن الخطبة شأنها في نفوس المسلمين أقل من شأن الصلاة، وإذا وجد في النفس ما يردع لا شك أن الإنسان قد يترك إلى الوازع النفسي، وأما إذا لم يوجد ما يردع من الوازع النفسي فإنه لا بد من التشديد، يعني مثل ما قلنا: إن الصلاة المسلم يحتاط لها أكثر من الخطبة، فجاء في الخطبة يعني جاء في الصلاة نصوص كثيرة، لكن بالنسبة لمس الحصا هل ما جاء في الصلاة مثل ما جاء في الخطبة أو أقل؟ أقل، يعني امسح مرة واحدة، لكن الخطبة إذا مس الحصا فقد لغا، أقول: إذا وجد في النفس وازع يزع عن عمل ما، فإن الإنسان قد يترك لهذا الوازع، وإذا لم يوجد فيها وازع فإن الإنسان تأتيه النصوص وتشدد عليه لعدم الوازع.
نظير ذلك جاء في بر الوالدين نصوص كثيرة متواترة قطعية من الكتاب والسنة، وجاء التشديد في هذا الباب لكن جاء تشديد الوالدين في حرصهم على أولادهم جاء شيء وإلا ما جاء؟ جاء شيء يسير؛ لماذا؟ لأن فيه وازع، ما في أحد يبي يترك ولده يجوع إطلاقاً، لو جاع هو ما جاع الولد، لكن قد يوجد من الأولاد من يترك أمه تجوع، فلذلك جاء من النصوص في مراعاة حقوق الوالدين أكثر مما جاء في مراعاة حقوق الأولاد؛ لأن في النفوس من الوازع ما يكفي لصيانة الأولاد، والعناية بهم.
ما يمدينا نقرأ الحديث الذي بعده.
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
(23/21)
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: المحرر – كتاب الصلاة (24)
الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سم.
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين.
قال الإمام ابن عبد الهادي -رحمه الله تعالى- في كتابه المحرر:
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((أما يخشى أحدكم إذا رفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار، أو يجعل صورته صورة حمار)) متفق عليه.
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الالتفات في الصلاة؟ فقال: ((هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد)) رواه البخاري.
وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يا بني إياك والالتفات في الصلاة، فإن الالتفات في الصلاة هلكة، فإن كان لا بد ففي التطوع لا في الفريضة)) رواه الترمذي وصححه.
وعن سهل بن الحنظلية قال: ثوب بالصلاة -يعني صلاة الصبح- فجعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي ويلتفت إلى الشعب" رواه أبو داود والحاكم وصححه.
وعن أنس -رضي الله عنه- قال: كان قرام لعائشة سترت به جانب بيتها، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((أميطي عنا قرامك هذا، فإنه لا تزال تصاويره تعرض في صلاتي)) رواه البخاري.
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لا صلاة بحضرة طعام، ولا وهو يدافعه الأخبثان)) رواه مسلم.
وروي عن جابر بن سمرة -رضي الله عنه- قال: أبصر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قوماً رافعي أبصارهم إلى السماء وهم في الصلاة، فقال: ((لينتهين أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة، أو لا ترجع إليهم)).
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((التثاؤب في الصلاة من الشيطان، فإذا تثاءب أحدكم فليكظم ما استطاع)) رواه الترمذي وصححه، ورواه مسلم، ولم يقل: ((في الصلاة)).
(24/1)
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
(24/2)
"وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((أما يخشى أحدكم إذا رفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار، أو يجعل صورته صورة حمار)) " ((أما يخشى)) أما يخاف الذي يسابق الإمام فيرفع رأسه قبل إمامه في ركوعه أو سجوده، يرفع رأسه من الركوع، أو يرفع رأسه من السجود قبل الإمام، يعني يسابق الإمام؛ لأن صلاة المأموم مرتبطة بإمامه ((إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمد فقولوا: ربنا ولك الحمد، وإذا سجد فاسجدوا)) ... إلى آخره، فأعمال المأموم مرتبة على أعمال إمامه هذا الأصل، وهي معطوفة على أعمال الإمام بالفاء التي تقتضي الترتيب كما أنها تقتضي التعقيب، فكما أنه لا يجوز للمأموم أن يسابق الإمام، ولا يوافق الإمام، لا يجوز له أيضاً أن يتأخر كثيراً عن الإمام؛ لأن العطف بالفاء التي تقتضي التعقيب، يعني عقب فعل إمامه يفعل، إذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا ... إلى آخره، كلها معطوفة بالفاء، فلا يجوز للمأموم أن يكبر قبل إمامه، فإن كبر قبل إمامه تكبيرة الإحرام لم تنعقد صلاته، وإذا سابقه كبر قبله في غير تكبيرة الإحرام فجمع من أهل العلم يرون أن الصلاة باطلة، وهو رواية معروفة في مذهب الإمام أحمد، ومنهم من يقول: الصلاة صحيحة مع الإثم، ولذا جاء في الحديث: ((أما يخشى أحدكم إذا رفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار)) ما قال: لا صلاة له، أو أن صلاته باطلة، الإثم ثابت؛ لأن هذا وعيد، والوعيد لا يكون إلا على فعل محظور، أو ترك واجب، فدل على أنه حرام، ويأثم فاعله، لكن الأكثر على أن الصلاة لا تبطل أخذاً من هذا الحديث: ((أما يخشى أحدكم)) يعني المصلين ((إذا رفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار)) يمسخ رأسه على بدنه الإنساني يعني المسخ يكون للرأس فقط، رأس حمار على بدن إنسان، وهذا المسخ حقيقي عند الأكثر وهو الأصل؛ لأن الأصل إرادة الحقيقة، ومنهم من يقول: يمسخ رأسه رأس حمار يجعل تفكيره وتصرفاته مثل تفكير الحمار وتصرفات الحمار؛ لأنه ما الذي يعجله ولن ينصرف قبل إمامه؟ ما الذي يجعله يرفع رأسه قبل الإمام ولن ينصرف قبله؟ إلا
(24/3)
أن فيه شبه مما تؤول حاله إليه وهو الحمار، يرفع رأسه ولا يبالي بشيء، فجوزي بأن يمسخ رأسه إما حقيقة فيجعل مثل رأس الحمار على بدن الإنسان، أو معنىً فيجعل تفكيره وتصرفاته مثل تفكير الحمار وتصرفاته، وهو أبلد الحيوانات على الإطلاق، ولا شك أن هذه بلادة، مسابقة الإمام بلادة من المصلي وإلا ما الذي يستفيده من مسابقة الإمام؟!
((أو يجعل صورته صورة حمار)) يعني يمسخ بالكامل، و (أو) هذه إما أن تكون للشك، يعني هل قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: أن يحول الله رأسه رأس حمار، أو قال: أو يجعل صورته صورة حمار؟ للشك، أو للتقسيم بعضهم تجعل صورته يجعل رأسه رأس حمار على بدن إنسان، وبعضهم يمسخ بالكامل، وأيهما أسهل؟ أن يمسخ بالكامل حمار، أو يمسخ رأسه ويبقى بدنه بدن إنسان؟ يعني يمسخ بالكامل أسهل من أن يمسخ رأسه فقط؟ أسهل؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كلها صعبة، وكلها شديدة على الإنسان، لكن عموماً يعني إذا نظرنا إلى الصورة إنسان يمشي بين الناس ورأسه رأس حمار هذا عظيم بين الناس، هذا أمر لا يطاق، لكن إذا مسخ حمار وعاش مع الحمير، وقد يكون هذا المسخ كفارة لما حصل منه، ولذا يقرر أهل العلم أن مسخ الأبدان أسهل من مسخ القلوب، يعني بينما أنت ترى فلان من الناس في صفوف طلاب العلم ويعد من خيارهم ويشار إليه بالبنان، ثم بعد ذلك ينتكس ويبقى على صورته، لكنه مع ذلك قلبه ممسوخ منكوس، نسأل الله العافية.
وابن القيم -رحمه الله- لما ذكر المسخ وكثرته في هذه الأمة في آخر الزمان، قال: يكون في طائفتين، ذكر الحكام الظلمة الذين يحكمون بأهوائهم ويظلمون الناس، وذكر منهم العلماء الذين يغيرون الدين باجتهاداتهم الباطلة تبعاً لأهوائهم ومصالحهم، لا شك أن مسخ القلب يعيش بين الناس وفلان، وقال فلان، وقال الشيخ فلان، وفعل فلان وهو ممسوخ، نسأل الله العافية، ويقرر أهل العلم أن هذا أشد مما لو مسخت صورته؛ لأن مسخ الصورة قد يكون كفارة لما حصل منه.
(24/4)
وذكر ابن القيم -رحمه الله- أنه في آخر الزمان يمضي الاثنان إلى معصية، يمضيان إلى معصية، فيمسخ أحدهما خنزيراً، والثاني ما يمسخ، لكن ماذا يصنع؟ يرجع يقول: الحمد لله الذي سلمت؟ وإلا يستمر إلى معصيته؟ قال: يستمر إلى معصيته، هذا ممسوخ القلب -نسأل الله العافية-، لا يحل حلالاً ولا يحرم حراماً، ممسوخ هذا، يقول ابن القيم: هذا أشد من الذي مسخ بدنه -نسأل الله السلامة والعافية-، إن لم يتدارك بلطف من الله، وتوبة نصوح، التوبة تهدم ما كان قبلها، فإذا أخذ درساً وعبرة وعظة من زميله وتاب إلى الله وأناب لا شك أن التوبة تهدم ما كان قبلها.
(24/5)
يقول: ((أما يخشى أحدكم إذا رفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار، أو يجعل صورته صورة حمار)) وفي هذا ما يقوله أهل العلم من تحريم المسابقة، ووجوب المتابعة، ويبقى مسألة الموافقة، يعني يركع مع الإمام، ويرفع مع الإمام، هو ما جاء فيه الوعيد مثل المسابق، ولم يمتثل المتابعة: ((إنما جعل الإمام ليؤتم به)) فهو معه كأنه نصب نفسه إمام معه، فلا شك أن فعله لا يجوز، وإن اختلفوا في الحكم عليه بالتحريم إلا أنه لا يبطل الصلاة اتفاقاً، فليحذر الإنسان المسابقة والمتابعة والتأخر عن الإمام، يعني بعض الناس إذا سجد الإمام ورفع من السجود تجده يتابع السجود إلى قرب السجدة الثانية، وبعضهم لا ينهض إلا إذا سجد للثانية، ويستغل هذا الوقت في الدعاء امتثالاً للتوجيه النبوي إن أحدكم أقرب ما يكون من ربه وهو ساجد ((أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد)) ((وأما السجود فأكثروا فيه الدعاء، فقمن أن يستجاب لكم)) لكن هل هذا مبرر أن يتأخر عن الإمام؟ أو يقف والإمام راكع ليكمل قراءته؟ وهذا يحصل، أما إذا أكمل قراءته أثناء الركوع فهذا جاء النص بتحريمه والنهي عنه، نهي النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً، فلا يكمل وهو راكع، يقول: لا، أكمل وأنا واقف ثم ألحق، وبعضهم من حرصه وشدة حرصه يقول: أخشى أن تفوت الركعة أركع وأكمل، كل هذا لا يجوز ((فإذا ركع فاركعوا)) فلا تتأخر عن الإمام ولا تتقدم عليه، ولا توافقه، بل اجعل نفسك متابعاً له؛ لأن أفعال المأموم عطفت على أفعال الإمام بالفاء التي تقتضي الترتيب والتعقيب.
"متفق عليه".
(24/6)
ثم قال: "وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الالتفات في الصلاة؟ فقال: ((هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد)) " الالتفات لا شك أن استقبال القبلة شرط من شروط الصلاة كما تقدم، والانحراف عن القبلة مخل بهذا الشرط، فإذا حدد الإنسان جهة القبلة، وصلى إلى هذه الجهة وهذا فرض البعيد عن الكعبة، فرضه استقبال الجهة عند الجمهور، فإذا انصرف عنها يميناً أو شمالاً فإن كان ببدنه بطلت صلاته؛ لأنه أخل بشرط، وإن كان برأسه فقط فهو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد، لكنه لا يقتضي البطلان، وقد حصل من النبي -عليه الصلاة والسلام- للحاجة، ولذا يطلق أهل العلم الكراهة في الالتفات، بالنسبة للالتفات يطلقون الكراهة، والقاعدة عندهم أن الكراهة تزول بأدنى حاجة، لكن إذا لم يوجد حاجة؟ هو اختلاس، يعني سرقة يأخذها الشيطان من صلاته خفية، خلسة ((يختلسه الشيطان من صلاة العبد)) وهل يرضى لعدوه أن يأخذ شيئاً من صلاته؟ لا، العاقل لا يرضى بهذا {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا} [(6) سورة فاطر] يعني يصعب على الإنسان أن يسرق الولد من متاعه شيئاً، الولد يصعب عليه، وين راح؟ ما راح بعيد؛ لأن الولد إن ما سرق أعطيته أنت، فالمسألة يعني ليست بصعبة، لكن صعباً عليك أن يسرق من مالك، فكيف بغيره؟! فكيف بالعدو؟! وإذا كان هذا في متاع الدنيا فكيف إذا كان بزاد الآخرة؟ إذا صعب عليك أن يسرق شيء من زادك الدنيوي فكيف يهون عليك أن يسرق من قبل أعداء أعدائك وألدهم شيئاً من زادك الموصل إلى الدار الآخرة.
((هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد)) رواه البخاري.
"وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يا بني)) " هذا يقوله لأنس لأنه صغير عنده، خدمه وهو ابن عشر سنين.
((يا بني إياك والالتفات في الصلاة)) تحذير، احذر الالتفات في الصلاة ((فإن الالتفات في الصلاة هلكة)) يعني مهلك لصاحبه، كما أن من سرق متاعه فلم يبق منه شيء فإنه يعرض للهلاك، لا سيما إذا كان من الضروريات.
(24/7)
((فإن كان لا بد ففي التطوع لا في الفريضة)) ((فإن كان لا بد)) يعني أمر يحتاج إليه، بعض الناس كثرة الالتفات من طبعه، تجده مثل الثعلب دائماً يمين يسار، ويتبع نظره أي شيء، لو يطير ذباب أتبعه بصره، يعني عادي أنه يتلفت، جُبل على هذا، هذا الذي يقال له: ((فإن كان لا بد ففي التطوع)) وعلى أن الحديث ضعيف يعني، الحديث فيه ضعف، ولا شك أن الاحتياط للفريضة أشد من الاحتياط للنافلة، وإن كان الفرض والنفل عند أهل العلم كلها شرع من عند الله -جل وعلا-، لا يجوز أن يتصرف فيها إلا على مقتضى نظر الشارع، لكن الشارع خفف في أمر النافلة دون الفريضة، فالفريضة لا تصح من قعود مع القدرة على القيام؛ لأن القيام مع القدرة ركن من أركان الفريضة، بينما النافلة صحيحة تصح من قعود ولو كان قادراً على القيام، وصلاته على النصف من أجر صلاة القائم.
أيضاً النافلة تصح على الراحلة، والفريضة لا تصح إلى غير ذلك من الفروق، فشأن النافلة أسهل من شأن الفريضة بهذه النصوص، لكن لا يعني هذا كما يقول بعضهم: إن النافلة أمرها أسهل فتثبت بما لا تثبت به الفريضة، إيش معنى هذا الكلام؟ يقول: لا تثبت فريضة إلا بحديث صحيح أو حسن، لكن نافلة أمرها سهل، الشرع خفف في أمر النافلة فليخفف في طريق ثبوتها، هذا الكلام ليس بصحيح؛ لأنك تقول على الله وعلى رسوله ما لم يقل، إذا أثبت شرع -لأن النفل شرع- لا بد أن يكون طريق الثبوت في النافلة مثله في الفريضة، لكن تأدية النافلة أخف من تأدية الفريضة على مقتضى ما جاء عن الشرع.
((فإن كان لا بد ففي التطوع لا في الفريضة)) رواه الترمذي وصححه.
يقول المؤلف: "وصححه" لكن النسخ المعتمدة ليس فيها تصحيح، إما تحسين مع الغرابة، حسن غريب، وبعض النسخ فيها صحيح غريب، بعض النسخ فيها صحيح غريب، ومعروف أن الحكم على الحديث بأنه غريب من قبل الترمذي، لا شك أنه لمز، فيه ضعف، وعلى كل حال الحديث فيه علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف، فالحديث لا يثبت.
(24/8)
قال: "وعن سهل بن الحنظلية قال: "ثوب بالصلاة" ثوب: التثويب يطلق على الأذان، ويطلق أيضاً على "الصلاة خير من النوم" ويطلق على الإقامة، والمراد هنا الإقامة، يعني أقيم للصلاة، يعني صلاة الصبح "فجعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي وهو يلتفت إلى الشعب" لأنه أرسل فارساً إلى الشعب من الليل ليحرس، فصار يلتفت إلى الشعب، يعني هل جاء الحارس هذا؟ هذا الفارس جاء؟ أو جاء شيء من قبله؟ ولا شك أن هذه حاجة، والالتفات بالوجه فقط مكروه عند أهل العلم، والكراهة تزول بأدنى حاجة، ومثل هذا الخبر يدل على ما قاله جمهور أهل العلم أن الالتفات مكروه وليس بحرام، الالتفات بالوجه؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- جعل يصلي الصبح وهو يلتفت إلى الشعب.
"رواه أبو داود والحاكم وصححه" والحديث صحيح.
جاء مدح أبي بكر أنه كان لا يلتفت في صلاته، يعني من مناقبه -رضي الله عنه- أنه لا يلتفت في صلاته، في مرض النبي -عليه الصلاة والسلام- الذي مات فيه لما خرج من حجرته التفت الصحابة ينظرون إليه وهم في صلاتهم، فهذا أيضاً من الصوارف، وإلا ما الذي أخبرهم أنه خرج من حجرته، وتأخر أبو بكر وفعلوا ما فعلوا، هذه من الصوارف التي تصرف ما جاء في الالتفات من التحريم إلى الكراهة، وعرفنا أن هذا التفات بالوجه فقط.
(24/9)
مدح أبو بكر -رضي الله عنه وأرضاه- أنه لا يلتفت في صلاته، يعني من مناقبه أنه لا يلتفت في صلاته، يعني بعض الناس لا شك أن عندنا الالتفات يعني ما هو معروف نادر، بينما يوجد في مجتمعات كثيرة عادي، تجد من الشرق والغرب من كل جهة يتلفتون عادي في الصلاة، وعندنا يعني من عظائم الأمور، لكن تجد عندهم أمور عظيمة وعندنا سهلة كثرة الحركة، يعني في مجتمعنا معروفة يعني الحركة في الصلاة يحك يده، يحك رأسه، يزين شماغه سهل يعني عندنا، لا شك أنها مخلة بالصلاة، لكن العادات والأعراف طاغية حتى في أمور العبادة، تجد الإنسان .. ، يتعودون أنهم يتلفتون ولذلك نستعظم هذه الأمور، ويلتفت يمين وشمال ويش يزين ذا؟ هذا يصلي وإلا يعبث وإلا .. ، وبالمقابل ينظرون إلينا هذه النظرة إذا تحركنا، يعني حتى أن بعض من عرف بالعلم تجده يتحرك في صلاته، يميد يميناً وشمالاً، ويحك ويعدل الشماغ، ويزين المرزام، ويناظر الساعة، حتى أنه تعدى بعض الأعراب على شيخ من الكبار، لكن هذه التصرفات التي لا يعقلها الإنسان، ولا يستطيع التحكم فيها، هذه لها حكم آخر يعني، هذا سحب الشيخ قال: أنت تلعب بالصلاة خلي يصلي واحد أفضل منك؛ لماذا؟ لأننا ما عودنا أنفسنا على القنوت والسكوت في الصلاة، مع أنه يوجد -ولله الحمد- من طلاب العلم من أطر نفسه على هذا، ليس هذا بحكم عام، لكن هذا موجود على كل حال، موجود، فأقول: هذا الالتفات الذي يتهاون به كثير من الأقطار عندنا له شأن، فإذا مدح أبو بكر -رضي الله عنه وأرضاه- أنه لا يلتفت في صلاته، في مجتمعنا نقول: هذه ما هي بمنقبة، أطفالنا ما يتلفتون، فكيف بالصديق أفضل الأمة بعد نبيها يمدح بأنه لا يلتفت في صلاته، نقول: الرسول -عليه الصلاة والسلام- جعل يلتفت إلى الشعب وأبو بكر -رضي الله عنه- لا يلتفت، مهما دعت الحاجة إلى ذلك، بل لو دعت إليه الضرورة ما التفت، وهنا يمدح به؛ لأن الالتفات الذي فعله النبي -عليه الصلاة والسلام- كمال أو لبيان الجواز؟ لبيان الجواز؛ لأنه خلاف الأصل، فهو في حقه -عليه الصلاة والسلام- كمال وتشريع، لكن في حق غيره ما يقول: والله أنا ألتفت لبيان الجواز مثل شاب جالس والناس يصلون على الجنازة، يقول: لئلا
(24/10)
يظن وجوبها، شاب صغير في الثانوية، يقول: لئلا يظن وجوبها، فعمله صارف من الوجوب إلى الاستحباب، فالكمال في حقه -عليه الصلاة والسلام- ما فعل وهو التشريع، السهو في حقه -عليه الصلاة والسلام- كمال، والنسيان ينسى ليشرع؛ لكن في حق غيره نقص، ولذا مدح أبو بكر أنه لا يلتفت في صلاته؛ لأن الإنسان أول ما يسمع هذه المنقبة من مناقب أبي بكر يقول: أطفالنا ما يلتفتون في الصلاة فضلاً عن الكبار، نقول: نعم الرسول -عليه الصلاة والسلام- التفت للحاجة، وهو في حقه تشريع وكمال، لكنه في حق غيره نقص، فأبو بكر لا يتطرق إليه هذا النقص بحال من الأحوال ولو اضطر، يعني حاله كحال من سقط السقف وهو يصلي ما التفت بعض الناس، ويذكر عن عروة أنه قطعت رجله وهو يصلي ما تأثر، وبعضهم إذا أريد منه أمر صعب يعني عملية جراحية في بدنه أو شيء قال: دعوني أصلي؛ لأن في الصلاة شغل عن غيرها، فهذا وجه كون أبي بكر وكنا نستشكل يعني هذا أبو بكر يمدح بأنه لا يلتفت، كنا نستشكل هذا فهذه من مناقبه -رضي الله عنه وأرضاه- بينما غيره إذا دعت الحاجة التفت ولا شيء في ذلك.
"وعن أنس -رضي الله عنه- قال: كان قرام لعائشة -رضي الله عنها-" القرام: ستر، ستار تستر به نافذة، سهوة، فتحة، خوخة، فتحة في الجدار تستره بهذا القرام، وشأن الستور عند سلف هذه الأمة ليس بالسهل، فأبو الدرداء وسلمان وغيرهما إذا دعوا إلى وليمة فوجدوا الستور رجعوا مع أن الوليمة تجب إجابتها، كما حصل في وليمة ابن عمر، وجدوا ستور رجعوا، وهذه ستور للجدران، وأما القرام التي سترت به عائشة جانب بيتها الذي فيه النافذة هذا تدعو إليه الحاجة عن الشمس والريح وغيرها، وهذا ما زال مستعمل إلى الآن، يعني النوافذ تستر؛ لأن الأنوار مزعجة لكثير من الناس، بل بعضهم لا يستطيع أن ينام في النور، فإذا ستر وأغلقت الأنوار لا شك أن هذه حاجة، لكن ستر الجدران هذا الذي ذمه السلف.
(24/11)
قرام: ستار، منهم من يقول: إنه رقيق، ومنهم من يقول: إنه خشن، المقصود أنه ستار سترت به جانب بيتها "فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((أميطي)) " يعني أزيلي ((عنا)) هذا القرام، يعني هذا الستار ((فإنه لا تزال تصاويره تعرض في صلاتي)) هذه التصاوير هل هي لذوات أرواح أو لأشياء غير ذوات الأرواح؟ لأن العلة -علة الإزالة- كونها تعرض له في صلاته، والقرام الذي فيه التصاوير امتنع النبي -عليه الصلاة والسلام- من دخول البيت حتى قطع وجعل وسائد، وهنا الذي يظهر -والله أعلم- أن التصاوير هذه ليست لذوات الأرواح، فإنها تعرض له في صلاته فتشغله عنها، تشغله عن صلاته، وفي خميصة أبي جهم لما أهداه الخميصة، وصلى بها، ولها خطوط وأعلام قال: ((كادت أن تفتني في صلاتي، ردوها على أبي جهم، وأتوني بأنبجانيته)) كساء لا فيها خطوط ولا أعلام ولا شيء، ما تفتن، وأما الخميصة فيها أعلام، وفيها خطوط كادت أن تفتن النبي -عليه الصلاة والسلام-، الذي جعلت قرة عينه في الصلاة، فمثل هذه المشغلات وهذه الملهيات ينبغي أن تبعد عن موضع الصلاة، ونجد في المساجد الآن هذه الزخرفة في الحيطان أمام المصلين وفي الفرش موجودة زخارف، يعني إبداع لوحات فنية موجودة في فرش المساجد، يعني رأيناها ورأيتموها، والمساجد أشبهت المتاحف الآن، والله تريد تتفرج ما عندك أفضل من مسجد فلان وموجود، يعني مع الأسف أن القائم عليها طلاب علم، والذين نفذوها طلاب علم، يعني كون المنفذ عامي ما يعرف وعليه إذا نبه أن يتنبه، فكيف إذا تولى التنفيذ طلاب علم يرجون ما عند الله -جل وعلا-، والذي يعمر المسجد يرجو عند الله -جل وعلا-، يمتثل النصوص، ومع ذلك يقع في محظورات، تشغل الناس عن صلاتهم، بعض الناس يعمد إلى قطعة واحدة تنسج له بالملايين من أجل أن تكون بحجم المسجد، وما الفائدة من هذا؟ لا فائدة، اللهم إلا إشغال المصلين وتحدث الناس، يعني إن كان الهدف والقصد أن يقال: والله فلان جاء بقطعة من الفرش لم توصل بوصلة كلها قطعة واحدة، هذه حقيقة مرة يعني، لا يجوز أن يلتفت لها المتعبد بحال، ولذا نجد بعض الناس إذا جاء ليقضي أفضل أيام أو أفضل الليالي في العام في العشر الأواخر من رمضان يجاور
(24/12)
ويطلب يقول: والله الآن أنا أنتظر لن أسافر اليوم لأني ما وجدت فندق خمس نجوم إلى الآن، فإذا فرغ شقة وإلا جناح وإلا شيء سافرت، ألا يدري هذا أن هذا كله على حساب القلب، وحضور القلب، مسكن دون مسكن، شيء يؤويك ويظلك هذا المطلوب؛ لأن الدنيا ليست هدف ولا غاية {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [(56) سورة الذاريات] الهدف تحقيق العبودية، وأما الدنيا فهي وسيلة {وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [(77) سورة القصص] أما أن تكون الدنيا هي الهدف وهي الغاية، إذا صف الإنسان في صلاته لا يعقل منها شيء، كل هذا من أجل اتباع دنياه، يفكر في سكنه، يفكر في ماله، يفكر في ولده، ولا نصيب لصلاته من قلبه شيء، تجد فرش المساجد يعني بالاستقراء أكثرها باللون الأحمر، وفيه الصفرة الذي يقول عمر: "ولا تحمروا ولا تصفروا" والحيطان وغيرها كلها يعني قريبة من هذا، يعني على الإنسان إذا أراد أن يفعل أو يزاول عملاً شرعياً أن يحرص على كماله، المساجد في تركيا متاحف، والزوار أول ما يذهب بهم السياح إلى المساجد، وأثر المذهب الحنفي عليهم ظاهر؛ لأن الجمهور يمنعون الزخرفة، والحنفية يقولون: إذا زخرف الناس بيوتهم بيت الله يزخرف، لا يزدرى بيت الله من بين بيوت الناس، وشخص من طلاب العلم ذهب إلى تركيا للنظر في المخطوطات، يقول: وجدت مسجد مفتوح، وإذا فيه شيخ معمم ولحية وطلاب أمامه، قلت: فرصة نسمع العلم، وإنه ما في علم، الشيخ لا يتكلم، والطلاب ما معهم كتب ولا شيء، فإذا بهم يصورون مشهد تمثيلي، ولا وجدوا أجمل من هذا المسجد، ما في أجمل من هذا المسجد، صحيح في مساجد في تركيا وفي مصر وفي غيرها من البلدان أشبه ما تكون بالمتاحف، تباهى الناس بعمارة المساجد، وفي بلادنا أيضاً ظهرت هذه الظاهرة، يعني فالمأمول والمرجو ممن يتبرع أن يشترط على المنفذ أن يتابع بنفسه، وعلى طالب العلم أن يتقي الله -جل وعلا- في هذه الأمور، لا يكون اهتمامنا بالمظاهر، فإذا جاءت المخابر ما وجدنا شيء، والله المستعان.
(24/13)
يقول: ((أميطي عنا قرامك، فإنه لا تزال تصاويره تعرض لي في صلاتي)) وإدخال هذه الأحاديث من الالتفات، ومثل المسابقة، ومثل غيرها في المكروهات لا شك أن المناسبة ظاهرة، لكنه بالنسبة للمسابقة الكراهة لا شك أنها كراهة تحريم، والوعيد الشديد في أن يجعل الله رأسه رأس حمار هذا يدل على التحريم، ولا يكفي فيه الكراهة، وأما بالنسبة للالتفات فهو للكراهة، كذلك أيضاً المشغلات والملهيات التي تعوق دون تحصيل الخشوع عند الجمهور مكروهات وليست بمحرمة؛ لأن الخشوع نفسه ليس بواجب عندهم، أما من يقول بوجوبه فالذي يمنع من تحقيقه محرم.
قال -رحمه الله-:
"وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((لا صلاة بحضرة طعام، ولا وهو يدافعه الأخبثان)) " ((لا صلاة بحضرة طعام)) تقدم أنه إذا قدم العشاء فيبدأ بالصلاة صلاة المغرب قبله، يعني ولو أدى ذلك إلى فوات الصلاة، لا سيما إذا كانت نفسه تتوق إليه، كما جاء في بعض الروايات: ((وهو صائم)) إذا كانت النفس تتوق إليه، ويعوق البداءة في الصلاة عن تحقيق لب الصلاة الذي هو الخشوع فإنه يقدم على العشاء، وعرفنا أن هذا لا يجوز أن يكون وسيلة وحيلة للتهرب مما أوجب الله على المسلم من ترك الجماعة في المسجد حيث ينادى بها، لكن إذا وجد هذا مرة أو مرات يسيرة ووجد الداعي فالحديث صريح في هذا.
(24/14)
قال: ((لا صلاة بحضرة طعام، ولا وهو يدافعه الأخبثان)) ((لا صلاة بحضرة طعام)) الطعام يطلق على النضيج، ويطلق أيضاً على النيئ، يعني هل لصاحب محل يبيع مواد غذائية والمحل مملوء بالأطعمة أن يستدل بهذا الحديث؟ له أن يستدل؟ عنده طعام حاضر طعام عنده؟ لا ليس له أن يستدل، وإنما المقصود بالطعام النضيج الذي يقدم للآكل المحتاج إليه، المتشوف له، الذي يعيق عن تحقيق لب الصلاة، وإلا سمعنا ما هو أغرب من هذا استدلال ببعض النصوص في غير مواضعها، يستدلون بالنصوص ويكتبون ويتكلمون في وسائلهم عن أمور لا يفهمها عاقل من النص فضلاً عن عالم، فضلاً عن سالف، ولا يمنع أن يوجد بعد من يقول بأن أصحاب المواد الغذائية لا يصلون إلا إذا فرغوا من أعمالهم؛ لأنهم بحضرة طعام، يعني لها نظائر في الجرائد تكتب من سخافات من يريد إضلال الناس، وتضييع الناس، والقنوات مليئة بمثل هذا.
على كل حال المقصود بالطعام النضيج المقدم يعني إذا قدم كما في الحديث السابق، والنصوص الأخرى إذا قدم، والنفس تشتاق إليه، والرجل صائم، أو جائع إثر عمل وتعب، فإنه حينئذٍ لا صلاة بحضرة طعام، لكن إذا صلى ونفسه تشتاق إليه وعاقه عن الخشوع صلاته عند الجمهور صحيحة، وعند الظاهرية صلاته باطلة.
((ولا وهو يدافعه الأخبثان)) البول والغائط، يعني لا يكون حاقن وإلا حاقب، محصور بالبول أو الغائط، مثل هذا لا يعقل من صلاته شيئاً، بعض الناس يحمل على نفسه تحصيلاً للجماعة، مع أن خروجه من المسجد ونقض الوضوء والوضوء ولو ترتب على ذلك أن الجماعة تنتهي أفضل بكثير من أن يصلي على هذه الحالة، بحيث لا يعقل من صلاته شيئاً، أو يعقل شيئاً يسيراً، أما الذي لا يصل به الحد إلى أن يعوقه دون تحقيق الخشوع فإن هذا يصلي، المدافعة هنا لا شك أن لها معنى، الدفع من وجه واحد لا يدخل في هذا، يعني فيه ما يدعو إلى الذهاب إلى مكان نقض الوضوء إلى الدورة، نقض الوضوء فيه، لكن يستطيع دفعه، لكن المسألة في المدافعة إذا وجدت من الطرفين الأخبث يدفع وهو يدفع هكذا وهكذا، بحيث تكون سجال بينهما، فيذهب الخشوع الذي هو لب الصلاة، أما إذا أمكن الدفع فلا إشكال يصلي.
(24/15)
((ولا وهو يدافعه الأخبثان)) الأخبثان البول والغائط.
يلحق بالطعام والأخبثين كل ما يشوش ويرجى زواله في الوقت؛ لأن هناك أمور مشوشة، لكن لا يرجى زوالها دائمة هذه يصلي على حسب حاله، لكن ما يرجى زواله يلحق بالطعام والأخبثين، يعني برد شديد لا يعقل من صلاته شيء، وبإمكانه أن يحضر ما يستدفئ به، أو حراً شديد في شمس حارقة لا يعقل من صلاته شيئاً إذا صلى فيها، وينتظر إلى أن يصلي في مكان يعقل صلاته، ويخشع فيها، يعني لو افترضنا أنه في الصيف امتلأ المسجد، وامتدت الصفوف إلى الشمس، فإذا صلى بالشمس ما عقل من صلاته شيئاً، نقول: ينتظر حتى يفرغ المسجد، ويصلي في مكان مناسب.
مسائل يعني لو نستطرد فيها ما انتهت، يعني لو قدر أن الإنسان صلى في الصف الأول وعن يمين الإمام لكن في مكان لا يرتاح فيه، هو يؤذيه التكييف مثلاً، وصار بطرف الصف، وجاء مثلاً مغتسلاً، أو لم يحتط لنفسه، فإذا صف في يمين الصف، الصف الأول تأذى بهذا المكيف وأثر على صلاته، ملاحظةً للمكان الفاضل، ولو ذهب إلى شمال الصف ذهب هذا المؤذي وهذا المؤثر نقول: المحافظة على الفضل المرتب على العبادة نفسها أولى من المحافظة على ما يرتب على مكانها، هذا مقرر عند أهل العلم، المحافظة على الفضل المرتب على العبادة نفسها أولى من المحافظة على الفضل المرتب على مكانها، فإذا أمكن الطائف أن يطوف بجوار البيت لكنه زحام شديد ما يعقل من طوافه شيء، وإذا أبعد عن البيت تمكن أن يطوف بخشوع ويعقل طوافه ويحصيه، ولا شك أن القرب من البيت أفضل يقرر أهل العلم أن البعد هنا أفضل محافظة على الأجر المرتب على العبادة نفسها، وهذا أمر مقرر عند أهل العلم، فإذا كان المكان في يمين الصف والصف الأول مكان غير مريح سواءً كان بالنسبة لتأثير الجو، أو تأثير المؤثرات المحدثة، أو الصوت مزعج مثلاً، يعني المكبر صوته في أذنه قريب منه جداً، وفي مكان آخر يمكن أن يرتاح في صلاته ويهدأ ويؤدي الصلاة على الوجه المطلوب، نقول: ينتقل عن هذا المكان، وفروع هذه المسألة كثيرة جداً.
يقول -رحمه الله تعالى-:
"وروي عن جابر" روى روي خطأ؛ لأنه في مسلم عطفاً على الحديث السابق "وروى عن جابر بن سمرة" عندكم روي؟
(24/16)
طالب:. . . . . . . . .
روي؟
طالب: روى.
إيه لأن عندنا روي خطأ بنقطتين.
(24/17)
"وروى عن جابر" يعني مسلماً "عن جابر بن سمرة -رضي الله عنه- قال: أبصر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قوماً رافعي أبصارهم إلى السماء وهم في الصلاة، فقال: ((لينتهين أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة أو لا ترجع إليهم)) " رفع البصر إلى السماء خارج الصلاة ما فيه إشكال، وترجم الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-: باب رفع البصر إلى السماء، والمقصود بذلك خارج الصلاة، وقول الله تعالى: {أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ} [(17) سورة الغاشية] وسكت، ولكن لو جاء بالآية التي بعدها نعم أصرح في الدلالة على المقصود، فإما أن يقال: إن الإمام البخاري -رحمه الله- على عادته في الاستدلال بالبعيد وترك الظاهر القريب، وإلا في قوله -جل وعلا-: {وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ} [(18) سورة الغاشية] دلالة صريحة على المطلوب، والنظر إلى الإبل إما أن يقال: إن البخاري أراد أن تكمل الآية التي بعدها، أو يقال: إن البخاري استدل بالنظر إلى الإبل والحث عليه النظر إلى السماء؛ لأن الإنسان إذا نظر إلى الإبل وهي قائمة ضرورة ينظر إلى السماء، إن الإنسان إذا نظر إلى ما فوقه ينظر إلى السماء، وإن كان نظره الأصلي إلى الإبل إلا أنه ضرورة أن ينظر، من ضرورة نظره إلى الإبل أن ينظر إلى السماء، وهذه يستعملها البخاري كثيراً، يعني يترجم بترجمة فيها نص صحيح صريح قد أورده في موضع آخر ويتركه، ويأتي بأمر بعيد ليشحذ همة طالب العلم إلى جمع طرق الخبر الذي يدل على هذا، أو إلى استيعاب ما في خارج صحيحه مما ليس على شرطه، وتصرفات البخاري في هذا كثيرة، يأتي بالأمر الغريب الأمر البعيد مع أنه بإمكانه أن يأتي بشيء دلالته صريحة وواضحة على المراد، وكل هذا من أجل أن يعتني طالب العلم لأنه إذا بحث عن المطابقة بين الحديث وترجمته وجد فيها بُعد، ثم إذا بحث في الكتب الأخرى وجد ما هو أقرب من ذلك، والبخاري قد يشير إلى رواية من رواية الحديث فيها صراحة، وقد تكون على شرطه، وقد تكون أوردها في موضع آخر، وقد تكون في غير كتابه عند غيره، على شرط غيره، لكنه يريدك أن تبحث في الحديث بجميع طرقه عنده أو عند غيره؛ لتصل إلى مراده.
(24/18)
((لينتهين أقوام)) اللام واقعة في جواب قسم مقدر والله لينتهين، ينتهين فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة ((لينتهين أقوام)) وأقوام فاعل ((يرفعون)) أقوام يرفعون جملة يرفعون حال وإلا وصف؟ نعم وصف، نعت؛ لماذا؟ لأن الأقوام نكرة، والجمل بعد النكرات صفات، وبعد المعارف أحوال.
((لينتهين أقوام)) أقوام جمع قوم، والقوم يدخل فيه الرجال والنساء، ما لم ينص على النساء، ويعطفن على القوم {لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ} {وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء} [(11) سورة الحجرات] النساء ما تدخل في القوم في الآية، لكنها هنا تدخل؛ لأن القوم يشمل الرجال والنساء إلا إذا عطف النساء، عرف أن العطف للمغايرة، أو يقال في الآية: إن النساء داخلات في القوم، والقوم عام في الرجال والنساء، وعطف عليه النساء من باب عطف الخاص على العام للاهتمام بشأن الخاص والعناية به، وذلكم لأن السخرية في مجتمع النساء أكثر؛ لأن السخرية في مجتمع النساء أكثر، ولذلك عطفن على القوم مع أنهن داخلات فيهن.
((لينتهين أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة)) أما خارج الصلاة ما في إشكال للاعتبار، للاتعاظ، هذا مطلوب، للتفكر مطلوب {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ} [(190) سورة آل عمران] فالتفكر مطلوب، ومن ذلك النظر في السماء.
"رافعي أبصارهم" قوماً رافعي أبصارهم، رافعي وصف لأبصر، أبصر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أقوام رافعي أبصارهم، رافعي وصف لقوماً، وهو مضاف، ولذلك حذفت النون، الأصل رافعين أبصارهم، فلما أضيف إلى الأبصار حذفت النون.
نوناً تلي الإعراب أو تنويناً ... مما تضيف احذف كطور سينا
فالنون هنا محذوفة للإضافة، رافعي أبصارهم ... إلى آخره.
(24/19)
قال: ((لينتهين أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة أو لا ترجع إليهم)) أو لا ترجع إليهم بمعنى أنها تختطف أبصارهم، وهذا وعيد مرتب على رفع البصر إلى السماء، والمؤلف أدخل الحديث في المكروهات، والفقهاء يقولون: يكره رفع البصر إلى السماء، وهذا وعيد، ولا شك أن الوعيد إنما يكون بارتكاب محظور، فالذي يظهر أن رفع البصر إلى السماء محرم لثبوت هذا الوعيد.
"وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((التثاؤب في الصلاة من الشيطان، فإذا تثاءب أحدكم فليكظم ما استطاع)) رواه الترمذي وصححه، ورواه مسلم ولم يقل: ((في الصلاة)) ".
((التثاؤب في الصلاة من الشيطان)) المؤلف آثر رواية الترمذي لأنها هي التي فيها الدلالة على ما ترجم به، المكروهات في الصلاة، وأما رواية مسلم ليس فيها في الصلاة، فالتثاؤب في الصلاة وفي خارج الصلاة من الشيطان، هل نقول: إن ذاك مطلق وهذا مقيد في الصلاة، والمطلق يحمل على المقيد، ويكون التثاؤب خارج الصلاة ليس من الشيطان، لكن هل الكظم مطلوب في الصلاة وخارج الصلاة أو خاص بالصلاة؟ نعم مطلوب في الصلاة وخارج الصلاة، فالتثاؤب من الشيطان، والتنصيص على الصلاة للاهتمام بها، والعناية بشأنها، ولشدة حرص الشيطان على هذا العمل الذي يفوت الخشوع في الصلاة من قبل المصلي، الشيطان يحرص على هذا، يحرص على هذا في الصلاة أكثر من غيره، وإلا فالتثاؤب كله من الشيطان، ولكن التنصيص على الصلاة لا يعني أن التثاؤب خارج الصلاة ليس من الشيطان.
(24/20)
التثاؤب وهو فتح الفم في مقدمات النوم في حال التعب من الشيطان، ويحرص الشيطان على كثرته بالنسبة للمصلي، والنفوس تتجاوب في هذا، يعني إذا وجد في مجلس إنسان يتثاءب يتثاءب غيره وإلا ما يتثاءب غيره؟ يتثاءب غيره، ولذا يقال: من فطنة القرود المدربة أن يؤتى بها إلى محل تجاري لا تستطيع أن تسرق وصاحبها ينظر إليها، صاحب المحل صاحي نائم كل الليل، يراقب متجره، فيؤتى بقرد مدرب يجعل يتثاءب أمام هذا الشخص، ثم بعد ذلك يتثاءب فيسرق ما يشاء ويهرب، على كل حال هذه طريقة الشيطان لسرقة الصلاة، وسرقة العبادات عموماً تجد الإنسان إذا فتح المصحف نام، بعض الناس إذا فتح المصحف نام، وبعضهم إذا أخذ يذكر الله في مكان نام، إذا استمع للخطبة نام، إذا استمع لدرس نام، لا شك هذه سرقات من الشيطان، فعلى الإنسان أن يراغم الشيطان، أولاً: يبذل الأسباب التي تعينه على النشاط، وتطرد أسباب النوم والغفلة، ثم بعد ذلك يكون على يقظة من عدوه، وتجد بعض الناس المغرب يتثاءب؛ لأنه في درس، ثم إذا صلى العشاء وجاء القيل والقال إلى هزيع من الليل انتهى النوم، لو يذهب إلى الفراش ما نام، فلا شك أن هذا اختلاس من عبادات المسلم، سواء كانت في الصلاة، في التلاوة، في الذكر، في استماع العلم، في استماع الخطبة، كل هذا على المسلم أن يطرده عن نفسه، لكن إذا كان سببه التعب والنوم وهو بحاجة إلى النوم حينئذٍ يؤمر بأن ينام؛ لئلا يذهب يدعو لنفسه فيدعو عليها، لكن بعض الناس يقول: هذا عادتي ديدني إذا صفيت جاء النوم، إذا فتحت المصحف جاء النوم أروح أنام؟ نقول: لا يا أخي ما دام هذا ديدنك وعادتك جاهد؛ لأن النوم علاج لمن يحتاج النوم، أنت بحاجة إلى النوم باستمرار، هذا ليس بطبيعي لا بد أن تعالج، وغالب ما يكون العلاج بالحجامة، وقد يعطى منشطات، وقد يسعى ويبذل في مسألة الأكل والشرب، والفضول ما يعينه على النشاط.
(24/21)
قال: ((التثاؤب من الشيطان، فإذا تثاءب أحدكم فليكظم)) يعني يكظم يغلق فمه بقدر استطاعته، ولو أن يضع يده على فمه، وهذا فيما إذا كان بغير صوت، وبعض الناس يصدر منه صوت هاه، ثم بعد ذلك يضحك الشيطان، وجاء النهي عن هذا، فعلى الإنسان أن يكظم ما استطاع، وهذا أمر معلق بالاستطاعة، فمعنى الكظم حبسه وتقليله بقدر الاستطاعة.
"رواه الترمذي وصححه، ورواه مسلم ولم يقل: ((في الصلاة)) " وإنما ذكرت الصلاة في رواية الترمذي للاهتمام بها، والعناية بشأنها، وكذلك سائر العبادات وهذا أمر مجرب، الإنسان إذا فتح المصحف جاءه النوم، إذا جلس في مجلس يذكر الله جاءه النوم إلا إذا كان هذا عادة له، ويرتاح بهذا الأمر، إذا كان يرتاح بهذا الأمر فإنه لا يتطرق النوم إليه سبيلاً، كما هو شأنه وعادته في أموره الأخرى، يعني بعض الناس تجده متعب ومرهق وسهران الليل في ليل الصيف، لكنه مدعو عند صاحب له أو عزيز عليه بعد صلاة الصبح، ما نام إلا ساعة، والجو حار، ومع ذلك لا يتطرق النوم إليه، ومن اعتاد الجلوس بعد صلاة الصبح حتى تنتشر الشمس ولو لم ينم الليل كله، ذهب إلى صلاة الصبح ما نام، يجلس في مكانه يقرأ ورده وحزبه من القرآن إلى وقت عادته لا يتطرق إليه النوم؛ لأنه اعتاد هذا، ولو صلى الصبح وذهب إلى فراشه ما جاءه النوم إلا على العادة، فعلى الإنسان أن يقتطع من وقته شيئاً لربه لعبادته، ولا يجعل الأمور حسب التيسير إن تقدم إلى المسجد قرأ، وإن لم يتقدم لم يقرأ، فتمضي عليه الأيام والشهور ما فتح المصحف، وأوراده على حسب مزاجه وفراغه، لا، هذه أمور شرعية على الإنسان أن يأخذها من سنام وقته لا من فضوله، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
(24/22)
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: المحرر – كتاب الصلاة (25)
الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير
هذا يقول: هل يسلم من النفاق من يذكر الله كثيراً، وله نصيب وافر من أعمال السر؟
من صفة المنافقين أنهم لا يذكرون الله إلا قليلاً، وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى، فالذي يذكر الله كثيراً هذا في الغالب بريء من النفاق إن لم يكن ذكره مراءاة للناس، على كل حال إذا كان له نصيب وافر من عمل السر مما يقربه إلى الله -جل وعلا-، فهذا الذي يغلب على الظن أنه -إن شاء الله- بريء من النفاق.
أفضل الذكر؟
في الحديث يقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير)) ثم بعد ذلك الباقيات الصالحات: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، وما جاء الحث عليه من تكرار لبعض الأذكار، وترتيب الأجر العظيم والثواب الوفير عليها.
يقول: ما القول الصحيح في أخذ ما زاد على القبضة من اللحية؟ وهل العمل عليه أم الأولى إطلاقها؟
الأولى إطلاقها امتثالاً لما ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- من قوله وفعله ووصفه.
يقول: هل يعد التفسير المظهري من تفاسير الصوفية؟ وهل عقيدة مؤلفه سليمة من الانحراف؟
الكتاب عندي منذ أكثر من ربع قرن، ومع ذلك ما راجعت فيه ولا آية، فلا أستطيع الحكم عليه.
يقول: ما أفضل طبعة لمسند الإمام أحمد؟
أفضل طبعة كاملة هي بتحقيق الشيخ الأرنؤوط ومن معه، اللي هي طبعة الشيخ ابن تركي، الخمسين مجلد، هذه أفضل طبعة على الوجود إلى الآن، ولا تسلم يعني من انتقاد؛ لكنها أفضل الموجود.
يقول: لفظ "العظيم" هل ورد مقروناً مع الاستغفار في السنة: "استغفر الله العظيم"؟
يعني بعد السلام بين الراوي المراد من الاستغفار قال: تقول: استغفر الله، استغفر الله، استغفر الله، فقط.
يقول: لأن هناك من يقول: بأن زيادة العظيم لا تثبت، ويبدع القول بها؟
نعم إذا أضافها على ذكر وارد في محل خاص في وقت خاص لا شك أن الزيادة على الوارد على المشروع ابتداع، أما في الأذكار المطلقة لا مانع -إن شاء الله تعالى-.
(25/1)
يقول: أين أجد ترجمة وافية للكرماني شارح البخاري؟
مترجم في الدرر الكامنة للحافظ ابن حجر، وفي شذرات الذهب، وفي غيرها من الكتب التي ترجمت للقرن الثامن.
يقول: ما رأيكم في العوامل المائة بشرح الشيخ خالد الأزهري؟
العوامل المائة للجرجاني هذه من أنفع ما يفيد طالب العلم في العربية، بعد قراءة الآجرومية، بعد قراءة الآجرومية وشروحها والعناية بها، يقرأ العوامل هذه، ويفيد منها، وشرح الشيخ خالد الأزهري طيب.
يسأل عن شرح التصريف الملوكي لابن يعيش، وهل يكفي في هذا الفن؟
ما أدري والله، لكن الشافية مع شرحها للرضي من أنفع ما يقرأ في التصريف.
وهل هناك ما هو أجود منها؟
هذا الذي ذكرتُ هو أجود كتب الصرف.
هل تقدم دراسة الصرف على النحو أم العكس؟
هما قرينان، يعني النحو أسهل فيبدأ بمبادئه قبل، ثم يثنى بالصرف، قبل أن يقرأ في كتب الطبقة الثانية من كتب النحو.
يقول: هناك رجل أعطى زكاة ماله لشخص كي يوزعها على الفقراء، فقام الوكيل واشترى بها مواد غذائية بدون علم صاحب الزكاة، فما الحكم في هذا الأمر؟
هو إن كان نائباً عن المزكي فلا يجوز له أن يتصرف في المال، إذا كان نائباً عن الغني المزكي، ولا يجوز له أن يؤخرها عن يومها أو الذي يليه أو ثلاثة أيام على الأكثر، أما إذا كان نائباً عن الفقراء، الفقراء وكلوه لقبض الزكوات لهم فهو يفعل الأصلح لهم.
هل للمرأة أذان وإقامة؟
لا، ليس عليها أذان ولا إقامة.
وهل تنكر على من رأتها تفعل هذا؟ وكيف يكون هذا؛ لأن امرأة رأت إحدى النساء فقالت لها: ليس للمرأة أذان ولا إقامة، قالت: أريد دليلاً على هذا؟
الفقهاء يقولون: ليس عليها أذان ولا إقامة، فرق بين أن يكون لها، وبين أن يكون عليها، يعني لا يلزمها ولا يجب عليها أذان ولا إقامة، لكن لو فعلت ما ينكر عليها، بحيث تسمع نفسها، وإن تركت فهو الأولى.
يوجد بخارج هذا المسجد جهاز آلي ينادي بالذكر الوارد لدخول المسجد هل في وضعه في بوابات المساجد محذور؟ وهل يجزئ عن الإنسان عند النسيان؟
لا يجزئ عن الإنسان، هو مجرد مذكر للإنسان، ووجوده من أجل التذكير لا بأس به -إن شاء الله تعالى-، لكن كونه يجزئ عن الإنسان عند النسيان لا.
(25/2)
يقول: هل ثبت أن وقت نزول المطر وقت استجابة للدعاء؟
نعم جاء في الخبر ما يدل عليه.
ويقول: حاج طاف في المسعى الجديد هل يجزئه؟
أهل العلم مختلفون في هذا، وإلى الآن ما بعد تحرر لي شيء من أقوالهم.
هل يتعوذ من الشيطان إذا تثاءب استدلالاً بقول الله -جل وعلا-: {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ} [(200) سورة الأعراف]؟
نعم إذا تكرر ذلك فأراد أن يطرد الشيطان بالاستعاذة له ذلك.
يقول: إنسان أتاه بلغم في الصلاة هل يأخذ منديل ثم يوجه رأسه إلى اليسار ويتفل، أم يكفي تلقاء وجهه؟
لا، كأنه يتفل بين رجليه، كأنه يتفل بين قدميه، يطأطئ رأسه ويتفل في المنديل.
يقول: التزمت منذ فترة فهل علي قضاء ما فاتني من الصلوات، أو أن التوبة تجب ما قبلها، كذلك الصيام؟
إذا كنت تترك الصلاة بالكلية فلا قضاء عليك، لا صلاة ولا صيام ولا شيء، وإن كنت تصلي وتترك وتحصي ما تترك فعليك القضاء إذا كان لا يشق عليك، إذا لم يكن كثيراً كثرة تشق عليك فأنت تقضي ما فاتك، وكذلك الصيام.
هل إذا نقصت السترة عن ثلثي ذراع في طولها مثل كرسي المصحف تجزئ؟
نعم تجزئ؛ لأن ما جاء في قدرها متفاوت، مما يدل على أنه ليس بمقصود.
يقول: هل للمرأة أن تجهر بالصلاة الجهرية إذا لم يكن أحد يسمعها؟
إذا لم يكن هناك أحد يسمعها أو تصلي في بيتها، في قعر بيتها، ورأت أن الصلاة بين الجهر والإسرار أنفع لقلبها، وأطرد للغفلة والسهو، وأعون على التذكر والتفكر فهو أفضل في حقها، وما جاء: {وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا} [(110) سورة الإسراء] يشمل النساء إذا لم يكن بحضرة الرجال.
يقول: من العلماء ذكر أن رص القدمين أثناء السجود ليس من السنة، وذلك لورود هذه الصفة في صحيح ابن خزيمة فقط دون غيره.
الوارد في هذا قول عائشة: "ووقعت يدي على قدميه" دل على أنهما ملصقتان، والذي يقول: بأنه لا يشرع يقول: إن الأصل التجافي، والرص ينافي هذا التجافي، لكن الذي يظهر أن السنة أن يلصق قدميه إحداهما بالأخرى أثناء السجود.
سم.
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
(25/3)
اللهم اغفر لشيخنا وللحاضرين والمستمعين يا رب العالمين.
قال المؤلف -رحمه الله-:
باب: سجود السهو
عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: صلى النبي -صلى الله عليه وسلم- إحدى صلاتي العشي -قال محمد: وأكثر ظني أنها العصر- ركعتين، ثم سلم، ثم قام إلى خشبة في مقدم المسجد فوضع يده عليها، وفيهم أبو بكر وعمر فهابا أن يكلماه، وخرج سرعان الناس، فقالوا: أقصرت الصلاة؟ ورجل يدعوه النبي -صلى الله عليه وسلم- ...
أقصرت الصلاة أو أقُصرت ضبط بضبطين، نعم.
أقصرت الصلاة؟ ورجل يدعوه النبي -صلى الله عليه وسلم- ذا اليدين، فقال: أنسيت أم قصرت؟ فقال: ((لم أنس ولم تقصر)) قال: بلى قد نسيت، فصلى ركعتين ثم سلم، ثم كبر فسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع رأسه فكبر، ثم وضع رأسه فكبر، فسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع رأسه وكبر" متفق عليه وهذا لفظ البخاري.
وفي لفظ له في آخره: فربما سألوه: ثم سلم، فيقول: نبئت أن عمران بن حصين قال: ثم سلم، وفي بعض روايات مسلم: صلاة العصر بغير شك، ورواه أبو داود، وفيه: فأقبل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على القوم فقال: ((أصدق ذو اليدين؟ )) فأومأوا: أي نعم، قال أبو داود: ولم يذكر فأومأوا إلا حماد بن زيد، وفي رواية لأبي داود: كبر ثم كبر وسجد، وانفرد بها حماد بن زيد أيضاً، وفي لفظ له قال: ولم يسجد سجدتي السهو حتى يقنه الله ذلك.
وعن عمران بن حصين -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلى العصر فسلم في ثلاث ركعات، ثم دخل منزله فقام رجل يقال له: الخرباق وكان في يديه طول، فقال: يا رسول الله، فذكر له صنيعه، وخرج غضبان يجر رداءه حتى انتهى إلى الناس، فقال: ((أصدق هذا؟ )) قالوا: نعم، فصلى ركعة ثم سلم، ثم سجد سجدتين ثم سلم".
حتى انتهى، حتى انتهى عندك.
طالب: سم يا شيخ.
وخرج غضبان يجر رداءه.
حتى انتهى.
حتى انتهى إيش؟
إلى الناس.
إلى؟
إي نعم.
(25/4)