نَمْلَةٌ وَاحِدَةٌ) أَيْ فَهَلَّا عَاقَبْتَ نَمْلَةً وَاحِدَةً هِيَ الَّتِي قَرَصَتْكَ لِأَنَّهَا الْجَانِيَةُ وَأَمَّا غَيْرُهَا فَلَيْسَ لَهَا جِنَايَةٌ وَأَمَّا فِي شَرْعِنَا فَلَا يَجُوزُ الْإِحْرَاقُ بِالنَّارِ لِلْحَيَوَانِ إِلَّا إِذَا أَحْرَقَ إِنْسَانًا فَمَاتَ بِالْإِحْرَاقِ فَلِوَلِيِّهِ الِاقْتِصَاصُ بِإِحْرَاقِ الْجَانِي وَسَوَاءٌ فِي مَنْعِ الْإِحْرَاقِ بِالنَّارِ النَّمْلُ وَغَيْرُهُ لِلْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ لَا يُعَذِّبُ بِالنَّارِ إِلَّا اللَّهُ قَالَهُ النَّوَوِيُّ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ
[5266] (قَرَصَتْ) أَيْ لَسَعَتْ وَلَدَغَتْ (نَبِيًّا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ) هُوَ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَمَا سَيَجِيءُ مِنْ كَلَامِ الْقُرْطُبِيِّ وَقِيلَ دَاوُدُ عَلَيْهِ السَّلَامُ (فَأَمَرَ بِقَرْيَةِ النَّمْلِ) أَيْ مَسْكَنِهَا وَمَنْزِلِهَا سُمِّيَ قَرْيَةٌ لِاجْتِمَاعِهَا فِيهِ (نَمْلَةٌ) أَيْ وَاحِدَةٌ (أَهْلَكْتَ أُمَّةً) أَيْ أَمَرْتَ بِإِهْلَاكِ طَائِفَةٍ عَظِيمَةٍ (مِنَ الْأُمَمِ) حَالَ كَوْنِهَا (تُسَبِّحُ) قَالَ النووي هذا الحديث محمول على أنه شَرْعَ ذَلِكَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِيهِ جَوَازُ قَتْلِ النَّمْلِ وَجَوَازُ الْإِحْرَاقِ بِالنَّارِ
وَلَمْ يَعْتِبْ عَلَيْهِ فِي أَصْلِ الْقَتْلِ وَالْإِحْرَاقِ بَلْ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى نَمْلَةٍ وَاحِدَةٍ انْتَهَى
وَقَالَ الْعَلَّامَةُ الدَّمِيرِيُّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ التِّرْمِذِيُّ فِي نَوَادِرِ الْأُصُولِ لَمْ يُعَاتِبْهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى تَحْرِيقِهَا وَإِنَّمَا عَاتَبَهُ عَلَى كَوْنِهِ أَخَذَ الْبَرِيءَ بِغَيْرِ الْبَرِيءِ
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ هذا النبي هُوَ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَأَنَّهُ قَالَ يَا رَبِّ تُعَذِّبُ أَهْلَ قَرْيَةٍ بِمَعَاصِيهِمْ وَفِيهِمُ الطَّائِعُ فَكَأَنَّهُ جَلَّ وَعَلَا أَحَبَّ أَنْ يُرِيَهُ ذَلِكَ مِنْ عِنْدِهِ فَسَلَّطَ عَلَيْهِ الْحَرَّ حَتَّى الْتَجَأَ إِلَى شَجَرَةٍ مُسْتَرْوِحًا إِلَى ظِلِّهَا وَعِنْدَهَا قَرْيَةُ النَّمْلِ فَغَلَبَهُ النَّوْمُ فَلَمَّا وَجَدَ لَذَّةَ النَّوْمِ لَدَغَتْهُ نَمْلَةٌ فَدَلَكَهُنَّ بِقَدَمِهِ فَأَهْلَكَهُنَّ وَأَحْرَقَ مَسْكَنَهُنَّ فَأَرَاهُ اللَّهُ تَعَالَى الْآيَةَ فِي ذَلِكَ عِبْرَةً لَمَّا لَدَغَتْهُ نَمْلَةٌ كَيْفَ أُصِيبَ الْبَاقُونَ بِعُقُوبَتِهَا يُرِيدُ تَعَالَى أَنْ يُنَبِّهَهُ عَلَى أَنَّ الْعُقُوبَةَ مِنَ اللَّهِ تَعُمُّ الطَّائِعَ وَالْعَاصِيَ فَتَصِيرُ رَحْمَةً وَطَهَارَةً وَبَرَكَةً عَلَى الْمُطِيعِ وَسُوءًا وَنِقْمَةً وَعَذَابًا عَلَى الْعَاصِي وَعَلَى هَذَا لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى كَرَاهَةٍ وَلَا حَظْرٍ فِي قَتْلِ النَّمْلِ فَإِنَّ مَنْ آذَاكَ حَلَّ لَكَ دَفْعُهَ عَنْ نَفْسِكَ وَلَا أَحَدَ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ أَعْظَمُ حُرْمَةً مِنَ الْمُؤْمِنِ وَقَدْ أُبِيحَ لَكَ دَفْعُهُ عَنْكَ بِضَرْبٍ أَوْ قتل على ماله مِنَ الْمِقْدَارِ فَكَيْفَ بِالْهَوَامِّ وَالدَّوَابِّ الَّتِي قَدْ سُخِّرَتْ لِلْمُؤْمِنِ وَسُلِّطَ عَلَيْهَا وَسُلِّطَتْ عَلَيْهِ فَإِذَا آذَتْهُ أُبِيحَ لَهُ قَتْلُهَا
وَقَوْلُهُ فَهَلَّا نَمْلَةٌ وَاحِدَةٌ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الَّذِي يُؤْذِي يُقْتَلُ وَكُلُّ قَتْلٍ كَانَ لِنَفْعٍ أَوْ دَفْعِ ضُرٍّ فَلَا بَأْسَ بِهِ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ وَلَمْ يَخُصَّ تِلْكَ النَّمْلَةَ الَّتِي لَدَغَتْهُ مِنْ غَيْرِهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ الْقِصَاصَ لِأَنَّهُ لَوْ أَرَادَهُ لَقَالَ فَهَلَّا نَمْلَتُكَ الَّتِي لَدَغَتْكَ وَلَكِنْ قَالَ فَهَلَّا نَمْلَةٌ فَكَأَنَّ نَمْلَةً تَعُمُّ الْبَرِيءَ(14/118)
وَالْجَانِيَ وَذَلِكَ لِيُعْلَمَ أَنَّهُ أَرَادَ تَنْبِيهَهُ لِمَسْأَلَةِ رَبِّهِ تَعَالَى فِي عَذَابِ أَهْلِ قَرْيَةٍ فِيهِمُ الْمُطِيعُ وَالْعَاصِي
وَقَدْ قِيلَ إِنَّ فِي شَرْعِ هَذَا النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَتِ الْعُقُوبَةُ لِلْحَيَوَانِ بِالتَّحْرِيقِ جَائِزَةً فَلِذَلِكَ إِنَّمَا عَاتَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي إِحْرَاقِ الْكَثِيرِ لَا فِي أَصْلِ الْإِحْرَاقِ أَلَا تَرَى قَوْلَهُ فَهَلَّا نَمْلَةٌ وَاحِدَةٌ وَهُوَ بِخِلَافِ شَرْعِنَا فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ بِالنَّارِ وَقَالَ لَا يُعَذِّبُ بِالنَّارِ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى فَلَا يَجُوزُ إِحْرَاقُ الْحَيَوَانِ بِالنَّارِ إِلَّا إِذَا أَحْرَقَ إِنْسَانًا فَمَاتَ بِالْإِحْرَاقِ فَلِوَارِثِهِ الِاقْتِصَاصُ بِالْإِحْرَاقِ لِلْجَانِي انْتَهَى كَلَامُ الْعَلَّامَةِ الدَّمِيرِيِّ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ
[5267] (النَّمْلَةُ وَالنَّحْلَةُ وَالْهُدْهُدُ وَالصُّرَدُ) بِالْجَرِّ عَلَى الْبَدَلِيَّةِ وَيَجُوزُ الرَّفْعُ بِتَقْدِيرِ أَحَدِهَا وَثَانِيهَا وَيَجُوزُ النَّصْبُ بِتَقْدِيرِ أَعْنِي
قَالَ الدَّمِيرِيُّ وَالْمُرَادُ النَّمْلُ الْكَبِيرُ السُّلَيْمَانِيُّ كَمَا قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ وَالْبَغَوِيُّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ وَأَمَّا النَّمْلُ الصَّغِيرُ الْمُسَمَّى بِالذَّرِّ فَقَتْلُهُ جَائِزٌ وَكَرِهَ مَالِكٌ قَتْلَ النَّمْلِ إِلَّا أَنْ يَضُرَّ وَلَا يَقْدِرَ عَلَى دَفْعِهِ إِلَّا بالقتل
وأطلق بن أَبِي زَيْدٍ جَوَازَ قَتْلِ النَّمْلِ إِذَا آذَتْ انتهى
والصرد على وزن عمر قال بن الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ هُوَ طَائِرٌ ضَخْمُ الرَّأْسِ وَالْمِنْقَارِ لَهُ رِيشٌ عَظِيمٌ نِصْفُهُ أَبْيَضُ وَنِصْفُهُ أَسْوَدُ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ إِنَّمَا جَاءَ فِي قَتْلِ النَّمْلِ عَنْ نَوْعٍ مِنْهُ خَاصٍّ وَهُوَ الْكِبَارُ ذَوَاتُ الْأَرْجُلِ الطِّوَالِ لِأَنَّهَا قَلِيلَةُ الْأَذَى وَالضَّرَرِ وَأَمَّا النَّحْلَةُ فَلِمَا فِيهَا مِنَ الْمَنْفَعَةِ وَهُوَ الْعَسَلُ وَالشَّمْعُ وَأَمَّا الْهُدْهُدُ وَالصُّرَدُ فَلِتَحْرِيمِ لَحْمِهَا لِأَنَّ الْحَيَوَانَ إِذَا نُهِيَ عَنْ قَتْلِهِ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لِاحْتِرَامِهِ أَوْ لِضَرَرٍ فِيهِ كَانَ لِتَحْرِيمِ لَحْمِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ نَهَى عَنْ قَتْلِ الْحَيَوَانِ بِغَيْرِ مَأْكَلَةٍ وَيُقَالُ إِنَّ الْهُدْهُدَ مُنْتِنُ الرِّيحِ فَصَارَ فِي مَعْنَى الْجَلَّالَةِ وَالصُّرَدَ تَتَشَاءَمُ بِهِ الْعَرَبُ وَتَتَطَيَّرُ بِصَوْتِهِ وَشَخْصِهِ وَقِيلَ إِنَّمَا كَرِهُوهُ مِنِ اسْمِهِ مِنَ التَّصْرِيدِ وَهُوَ التقليل انتهى كلام بن الأثير
قال المنذري والحديث أخرجه بن مَاجَهْ انْتَهَى
وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ رواه أبو داود عن بن عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ انْتَهَى
وَكَذَا صَحَّحَهُ الْإِمَامُ الْحَافِظُ عَبْدُ الْحَقِّ الْإِشْبِيلِيُّ وَالْعَلَّامَةُ كَمَالُ الدِّينِ الدَّمِيرِيُّ(14/119)
[5268] (فَانْطَلَقَ) أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (حُمَّرَةً) فِي النِّهَايَةِ هِيَ بِضَمِّ الْحَاءِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ وَقَدْ تُخَفَّفُ طَائِرٌ صَغِيرٌ كَالْعُصْفُورِ انْتَهَى
وَقَالَ الدَّمِيرِيُّ بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ وَبِالرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ ضَرْبٌ مِنَ الطَّيْرِ كَالْعُصْفُورِ وَالْوَاحِدَةُ حُمَّرَةٌ وَهِيَ حَلَالٌ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهَا مِنْ أَنْوَاعِ الْعَصَافِيرِ
وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صحيح الإسناد عن بن مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَخَلَ رَجُلٌ غَيْضَةً
فَأَخْرَجَ مِنْهَا بَيْضَ حُمَّرَةٍ فَجَاءَتِ الْحُمَّرَةُ تَرِفُّ عَلَى رَأْسِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ أَيُّكُمْ فَجَّعَ هَذِهِ فَقَالَ رَجُلٌ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخَذْتُ بَيْضَهَا
وَفِي رِوَايَةِ الْحَاكِمِ أَخَذْتُ فَرْخَهَا فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُدَّهُ رُدَّهُ رَحْمَةً لها
وفي الترمذي وبن مَاجَهْ عَنْ عَامِرٍ الرَّامِ أَنَّ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلُوا غَيْضَةً فَأَخَذُوا فَرْخَ طَائِرٍ فَجَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرِفُّ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّكُمْ أَخَذَ فَرْخَ هَذَا فَقَالَ رَجُلٌ أَنَا فَأَمَرَهُ أَنْ يَرُدَّهُ فَرَدَّهُ
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْجَنَائِزِ عَنْ عَامِرٍ الرَّامِ (مَعَهَا) أَيْ مَعَ الْحُمَّرَةِ (فَرْخَانِ) الْفَرْخُ وَلَدُ طَائِرٍ (تُعَرِّشُ) بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ مِنَ التَّعْرِيشِ فِي النِّهَايَةِ التَّعْرِيشُ أَنْ تَرْتَفِعَ وَتُظَلِّلَ بِجَنَاحَيْهَا عَلَى مَنْ تَحْتَهَا انْتَهَى
وَفِي مَجْمَعِ الْبِحَارِ مِنْ عَرَّشَ الطَّائِرُ إِذَا رَفْرَفَ بِأَنْ يُرْخِيَ جَنَاحَيْهِ وَيَدْنُوَ مِنَ الْأَرْضِ لِيَسْقُطَ وَلَا يَسْقُطُ وَرُوِيَ تَفْرِشُ أَيْ تَبْسُطُ (مَنْ فَجَّعَ) مِنَ التَّفْجِيعِ أَيْ مَنْ أَصَابَ الْمُصِيبَةَ (هَذِهِ) أَيِ الْحُمَّرَةَ (بِوَلَدِهَا) أَيْ بِأَخْذِ وَلَدِهَا
قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الْفَجِيعَةُ الرَّزِيَّةُ وَالرَّزِيَّةُ الْمُصِيبَةُ رَزَأْتُهُ أَنَا إِذَا أَصَبْتُهُ بِمُصِيبَةٍ (إِلَيْهَا) أَيْ إِلَى الْحُمَّرَةِ (وَرَأَى) أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قَرْيَةَ نَمْلٍ) أَيْ مَسْكَنَهَا (فَقَالَ) النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ حَرَّقَ هَذِهِ) أَيْ قَرْيَةَ نَمْلٍ
وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ(14/120)
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ هُوَ بن مَسْعُودٍ انْتَهَى
81 - (بَاب فِي قَتْلِ الضِّفْدَعِ)
[5269] (عَنْ ضِفْدِعٍ) بِكَسْرِ الضَّادِ وَسُكُونِ الْفَاءِ وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ بَيْنَهُمَا دَالٌ مُهْمَلَةٌ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ الضِّفْدِعُ مِثْلُ الْخِنْصِرِ وَاحِدُ الضَّفَادِعِ وَالْأُنْثَى ضُفْدَعَةٌ وَنَاسٌ يَقُولُونَ ضِفْدَعَ بِفَتْحِ الدَّالِ
قَالَ الْخَلِيلُ لَيْسَ فِي الكلام فعلل إلا أربعة أحرف درهم وهجوع وَهُوَ الطَّوِيلُ وَهِبْلَعٌ وَهُوَ الْأَكُولُ وَبِلْعَمٌ وَهُوَ اسم
قال بن الصلاح الْأَشْهُرُ فِيهِ مِنْ حَيْثُ اللُّغَةُ كَسْرُ الدَّالِ وَفَتْحُهَا أَشْهَرُ فِي السُّنَةِ الْعَامَّةِ كَذَا فِي حَيَاةِ الْحَيَوَانِ لِلدَّمِيرِيِّ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ انْتَهَى وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ وَالْحَاكِمُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُثْمَانَ التَّيْمِيِّ نَحْوَهُ سَوَاءً
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ قَتْلِ خَمْسَةٍ النَّمْلَةِ وَالنَّحْلَةِ وَالضِّفْدِعِ وَالصُّرَدِ وَالْهُدْهُدِ انْتَهَى فَنَهْيُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَتْلِهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الضِّفْدِعَ يَحْرُمُ أَكْلُهَا وَأَنَّهَا غَيْرُ دَاخِلَةٍ فِيمَا أُبِيحَ مِنْ دَوَابِّ الْمَاءِ
82 - (بَاب فِي الْخَذْفِ)
[5270] (مُغَفَّلٌ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الْفَاءِ وَفَتْحِهَا وَلَامٍ قَالَهُ الْمُنْذِرِيُّ (عَنِ الْخَذْفِ) بِالْخَاءِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَتَيْنِ وَهُوَ رَمْيُ الْإِنْسَانِ بِحَصَاةٍ أَوْ نَوَاةٍ وَنَحْوِهِمَا يَجْعَلُهَا بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَتَيْنِ أَوِ الْإِبْهَامِ وَالسَّبَّابَةِ قَالَهُ النَّوَوِيُّ (وَلَا يَنْكَأُ) أَيْ لَا يَجْرَحُ وَلَا يَقْتُلُ(14/121)
قَالَ النَّوَوِيُّ هُوَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَبِالْهَمْزَةِ فِي آخِرِهِ هَكَذَا هُوَ فِي الرِّوَايَاتِ الْمَشْهُورَةِ
قَالَ الْقَاضِي كَذَا رُوِّينَاهُ قَالَ وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ يَنْكِي بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْكَافِ غَيْرَ مَهْمُوزٍ
قال القاضي وهو أوجه ها هنا لِأَنَّ الْمَهْمُوزَ إِنَّمَا هُوَ مِنْ نَكَأْتِ الْقُرْحَةُ وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهُ إِلَّا عَلَى تَجَوُّزٍ وَإِنَّمَا هَذَا مِنَ النِّكَايَةِ يُقَالُ نَكَيْتُ الْعَدُوَّ وَأَنْكَيْتُهُ نِكَايَةً وَنَكَأْتُ بِالْهَمْزَةِ لُغَةٌ فِيهِ انْتَهَى
وَفِي النِّهَايَةِ يُقَالُ نَكَيْتُ فِي الْعَدُوِّ وَأَنْكِي نِكَايَةً فَأَنَا نَاكٍ إِذَا أَكْثَرْتُ فِيهِمُ الْجِرَاحَ وَالْقَتْلَ فَوَهَنُوا لِذَلِكَ وَقَدْ يُهْمَزُ لُغَةً فِيهِ يُقَالُ نَكَأْتُ الْقُرْحَةَ أَنْكَؤُهَا إِذَا قَشَرْتُهَا انْتَهَى
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى النَّهْيِ عَنِ الْخَذْفِ لِأَنَّهُ لَا مَصْلَحَةَ فِيهِ وَيُخَافُ مَفْسَدَتُهُ وَيُلْتَحَقُ بِهِ كُلُّ مَا شَارَكَهُ فِي هَذَا
قَالَ المنذري والحديث أخرجه البخاري ومسلم وبن مَاجَهْ
83 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْخِتَانِ)
[5271] (أَخْبَرَنَا مروان) هو بن مُعَاوِيَةَ (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَسَّانَ) الْكُوفِيُّ (قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ) الْأَشْجَعِيُّ فِي رِوَايَتِهِ (الْكُوفِيُّ) أَيْ مُحَمَّدُ بْنُ حَسَّانَ الْكُوفِيُّ وَأَمَّا سُلَيْمَانُ فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ حَسَّانَ وَلَمْ يَذْكُرِ الْكُوفِيَّ
وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ هَذَا الْإِسْنَادُ هَكَذَا أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَسَّانَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الْكُوفِيُّ وَهُوَ غَلَطٌ لَا يَصِحُّ
قَالَ الْحَافِظُ الْمِزِّيُّ فِي الْأَطْرَافِ هَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي الْأَدَبِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدِّمَشْقِيِّ وَعَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْأَشْجَعِيِّ كِلَاهُمَا عَنْ مَرْوَانَ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَسَّانَ الْكُوفِيِّ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ نُسَيْبَةَ أُمِّ عَطِيَّةَ الْأَنْصَارِيَّةِ انْتَهَى
(كَانَتْ تَخْتِنُ) خَتَنَ الْخَاتِنُ الصَّبِيَّ خَتْنًا مِنْ بَابِ ضَرَبَ وَالِاسْمُ الْخِتَانُ بِالْكَسْرِ
كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ
وَفِي الْمَجْمَعِ الْخِتَانُ مَوْضِعُ الْقَطْعِ مِنْ ذَكَرِ الْغُلَامِ وَفَرْجِ الْجَارِيَةِ وَأَمَّا فِي(14/122)
الْغُلَامِ فَقَطْعُ جَمِيعِ الْجِلْدِ الَّتِي تُغَطِّي الْحَشَفَةَ وَفِي الْجَارِيَةِ قَطْعُ أَدْنَى جُزْءٍ مِنْ جِلْدَةِ أَعْلَى الْفَرْجِ
انْتَهَى
وَفِي فَتْحِ الْبَارِي الْخِتَانُ اسْمٌ لِفِعْلِ الْخَاتِنِ وَلِمَوْضِعِ الْخِتَانِ أَيْضًا
انْتَهَى
(لَا تَنْهِكِي) يُقَالُ نَهَكْتُ الشَّيْءَ نَهْكًا بَالَغْتُ فِيهِ مِنْ بَابِ نَفَعَ وَتَعِبَ وَأَنْهَكَهُ بِالْأَلِفِ لُغَةٌ
كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ
وَفِي النِّهَايَةِ مَعْنَى لَا تَنْهِكِي أَيْ لَا تُبَالِغِي فِي اسْتِقْصَاءِ الْخِتَانِ
وَفِي النِّهَايَةِ فِي مَادَّةِ شَمَمَ
وَفِي حَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ أَشِمِّي وَلَا تَنْهِكِي شَبَّهَ الْقَطْعَ الْيَسِيرَ بِإِشْمَامِ الرَّائِحَةِ وَالنَّهْكُ الْمُبَالَغَةُ فِيهِ أَيِ اقْطَعِي بَعْضَ النَّوَاةِ وَلَا تَسْتَأْصِلِيهَا
انْتَهَى
وَفِي الْمَجْمَعِ الْإِشْمَامُ أَخْذُ الْيَسِيرِ فِي خِتَانِ الْمَرْأَةِ وَالنَّهْكُ الْمُبَالَغَةُ فِي الْقَطْعِ
انْتَهَى
قَالَ النَّوَوِيُّ وَيُسَمَّى خِتَانُ الرَّجُلِ إِعْذَارًا بِذَالِ مُعْجَمَةٍ وَخِتَانُ الْمَرْأَةِ خَفْضًا بِخَاءٍ وَضَادٍ مُعْجَمَتَيْنِ
انْتَهَى
وَفِي فَتْحِ الْبَارِي قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ خِتَانُ الذَّكَرِ قَطْعُ الْجِلْدَةِ الَّتِي تُغَطِّي الْحَشَفَةَ وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ تُسْتَوْعَبَ مِنْ أَصْلهَا عِنْدَ أَوَّلِ الْحَشَفَةِ وَأَقَلُّ ما يجزيء أَنْ لَا يَبْقَى مِنْهَا مَا يَتَغَشَّى بِهِ شَيْءٌ مِنَ الْحَشَفَةِ
وَقَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْمُسْتَحَقُّ فِي الرِّجَالِ قَطْعُ الْقُلْفَةِ وَهِيَ الْجِلْدَةُ الَّتِي تُغَطِّي الْحَشَفَةَ حَتَّى لَا يَبْقَى مِنَ الْجِلْدَةِ شيء متدل
وقال بن الصَّبَّاغِ حَتَّى تَنْكَشِفَ جَمِيعُ الْحَشَفَةِ وَيَتَأَدَّى الْوَاجِبُ بِقَطْعِ شَيْءٍ مِمَّا فَوْقَ الْحَشَفَةِ وَإِنْ قَلَّ بِشَرْطِ أَنْ يَسْتَوْعِبَ الْقَطْعُ تَدْوِيرَ رَأْسِهَا
قَالَ النَّوَوِيُّ وَهُوَ شَاذُّ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ
قَالَ الْإِمَامُ وَالْمُسْتَحَقُّ مِنْ خِتَانِ الْمَرْأَةِ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ خِتَانُهَا قَطْعُ جِلْدَةٍ تَكُونُ فِي أَعْلَى فَرْجِهَا فَوْقَ مَدْخَلِ الذَّكَرِ كَالنَّوَاةِ أَوْ كَعُرْفِ الدِّيكِ وَالْوَاجِبُ قَطْعُ الْجِلْدَةِ الْمُسْتَعْلِيَةِ مِنْهُ دُونَ اسْتِئْصَالِهِ
ثُمَّ ذَكَرَ الْحَافِظُ حَدِيثَ أُمِّ عَطِيَّةَ الَّذِي فِي الْبَابِ ثُمَّ قَالَ قَالَ أَبُو دَاوُدَ إِنَّهُ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ
قُلْتُ وَلَهُ شَاهِدَانِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَمِنْ حَدِيثِ أُمِّ أَيْمَنَ عِنْدَ أَبِي الشَّيْخِ فِي كِتَابِ الْعَقِيقَةِ وَآخَرُ عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ قَيْسٍ عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ
وَاخْتُلِفَ فِي النِّسَاءِ هَلْ يُخْفَضْنَ عُمُومًا أَوْ يُفَرَّقُ بَيْنَ نِسَاءِ الْمَشْرِقِ فَيُخْفَضْنَ وَنِسَاءِ الْمَغْرِبِ فَلَا يُخْفَضْنَ لِعَدَمِ الْفَضْلَةِ الْمَشْرُوعِ قَطْعُهَا مِنْهُنَّ بِخِلَافِ نِسَاءِ الْمَشْرِقِ قَالَ فَمَنْ قَالَ إِنَّ مَنْ وُلِدَ مَخْتُونًا اسْتُحِبَّ إِمْرَارُ الْمُوسَى عَلَى الْمَوْضِعِ امْتِثَالًا لِلْأَمْرِ
قَالَ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ كَذَلِكَ وَمَنْ لَا فَلَا
وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى وُجُوبِ الْخِتَانِ الشَّافِعِيُّ وَجُمْهُورُ أَصْحَابِهِ وَقَالَ بِهِ مِنَ الْقُدَمَاءِ عَطَاءٌ وَعَنْ أَحْمَدَ وَبَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ يَجِبُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَاجِبٌ وَلَيْسَ بِفَرْضٍ وَعَنْهُ سُنَّةٌ يُأْثَمُ بِتَرْكِهِ(14/123)
وَفِي وَجْهٍ لِلشَّافِعِيَّةِ لَا يَجِبُ فِي حَقِّ النِّسَاءِ وَهُوَ الَّذِي أَوْرَدَهُ صَاحِبُ الْمُغْنِي عَنْ أَحْمَدَ وَذَهَبَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ
وَمِنْ حُجَّتِهِمْ حَدِيثُ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رَفَعَهُ الْخِتَانُ سُنَّةٌ لِلرِّجَالِ مَكْرُمَةٌ لِلنِّسَاءِ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ فِيهِ حَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ
وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُسْنَدِ الشَّامِيِّينَ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ بِشْرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ عن بن عَبَّاسٍ
وَسَعِيدُ بْنُ بِشْرٍ مُخْتَلَفٌ فِيهِ
وَأَخْرَجَهُ أَبُو الشَّيْخِ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ بن عَبَّاسٍ
وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ
انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ مِنَ الْفَتْحِ مُخْتَصَرًا مُلَخَّصًا
وَقَالَ الْحَافِظُ فِي تَلْخِيصِ الْحَبِيرِ حَدِيثُ الْخِتَانِ سُنَّةٌ فِي الرِّجَالِ مَكْرُمَةٌ فِي النِّسَاءِ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ بْنِ أُسَامَةَ عَنْ أَبِيهِ بِهِ وَالْحَجَّاجُ مُدَلِّسٌ وَقَدِ اضْطَرَبَ فِيهِ فَتَارَةً رَوَاهُ كَذَا وَتَارَةً رَوَاهُ بِزِيَادَةِ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ بَعْدَ وَالِدِ أَبِي الْمَلِيحِ أَخْرَجَهُ بن أبي شيبة وبن أَبِي حَاتِمٍ فِي الْعِلَلِ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَتَارَةً رَوَاهُ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ وأخرجه أَحْمَدُ وَذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي الْعِلَلِ وَحُكِيَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ خَطَأٌ مِنْ حَجَّاجٍ أَوْ مِنَ الرَّاوِي عَنْهُ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ زِيَادٍ
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ هُوَ ضَعِيفٌ مُنْقَطِعٌ
وَقَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ هَذَا الْحَدِيثُ يَدُورُ عَلَى حَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ وَلَيْسَ مِمَّنْ يُحْتَجُّ بِهِ
قُلْتُ وَلَهُ طَرِيقٌ أُخْرَى مِنْ غَيْرِ رِوَايَةِ حَجَّاجٍ فَقَدْ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ والبيهقي من حديث بن عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا وَضَعَّفَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي السُّنَنِ وَقَالَ فِي الْمَعْرِفَةِ لَا يَصِحُّ رَفْعُهُ وَهُوَ مِنْ رواية الوليد عن بن ثوبان عن بن عَجْلَانَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْهُ وَرُوَاتُهُ مُوَثَّقُونَ إِلَّا أَنَّ فِيهِ تَدْلِيسًا
وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُمِّ عَطِيَّةَ وَكَانَتْ خَافِضَةً أَشَمِّي وَلَا تَنْهَكِي أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُسَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ قَيْسٍ كَانَ بِالْمَدِينَةِ امْرَأَةٌ يُقَالُ لَهَا أُمُّ عَطِيَّةَ تَخْفِضُ الْجَوَارِيَ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا أُمَّ عَطِيَّةَ اخْفِضِي وَلَا تَنْهَكِي فَإِنَّهُ أَنْضَرُ لِلْوَجْهِ وَأَحْظَى عِنْدَ الزَّوْجِ وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمَعْرِفَةِ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ بِهِ
وَقَالَ الْمُفَضَّلُ الْعَلَائِيُّ سألت بن مَعِينٍ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ الضَّحَّاكُ بْنُ قَيْسٍ هَذَا لَيْسَ بِالْفِهْرِيِّ
قُلْتُ أَوْرَدَهُ الْحَاكِمُ وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي تَرْجَمَةِ الْفِهْرِيِّ
وَقَدِ اخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ فَقِيلَ عَنْهُ كَذَا
وَقِيلَ عَنْهُ عَنْ عَطِيَّةَ الْقُرَظِيِّ قَالَ كَانَتْ بِالْمَدِينَةِ خَافِضَةٌ يُقَالُ لَهَا أُمُّ عَطِيَّةَ فَذَكَرَهُ رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمَعْرِفَةِ
وَقِيلَ عَنْهُ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي السُّنَنِ وَأَعَلَّهُ بِمُحَمَّدِ بْنِ حَسَّانَ فَقَالَ إِنَّهُ مَجْهُولٌ ضَعِيفٌ
انْتَهَى كَلَامُهُ(14/124)
وَقَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ حَدِيثُ الْخِتَانِ سُنَّةٌ لِلرِّجَالِ مَكْرُمَةٌ لِلنِّسَاءِ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ حَدِيثِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ وَالِدِ أَبِي الْمَلِيحِ
قَالَ الذَّهَبِيُّ وَحَجَّاجٌ ضَعِيفٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ
وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ وعن بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ السُّيُوطِيُّ إِسْنَادُهُ حَسَنٌ
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ ضَعِيفٌ مُنْقَطِعٌ وَأَقَرَّهُ الذَّهَبِيُّ
وقال الحافظ العراقي سنده ضعيف
وقال بن حَجَرٍ فِيهِ الْحَجَّاجُ بْنُ أَرَطْأَةَ مُدَلِّسٌ وَقَدِ اضْطَرَبَ فِيهِ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ هَذَا خَطَأٌ مِنْ حَجَّاجٍ أَوِ الرَّاوِي عَنْهُ
انْتَهَى كَلَامُهُ
وَقَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي التَّيْسِيرِ وَالْحَدِيثُ إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ خِلَافًا لِقَوْلِ السُّيُوطِيِّ حَسَنٌ وَقَدْ أَخَذَ بِظَاهِرِهِ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ فَقَالَا سُنَّةٌ مُطْلَقًا وَقَالَ أَحْمَدُ وَاجِبٌ لِلذَّكَرِ سُنَّةٌ لِلْأُنْثَى وَأَوْجَبَهُ الشَّافِعِيُّ عَلَيْهِمَا
انْتَهَى
وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَاجِّ الْمَالِكِيُّ فِي الْمَدْخَلِ وَالسُّنَّةُ فِي خِتَانِ الذَّكَرِ إِظْهَارُهُ وَفِي خِتَانِ النِّسَاءِ إِخْفَاؤُهُ وَاخْتُلِفَ فِي حَقِّهِنَّ هَلْ يُخْفَضْنَ مُطْلَقًا أَوْ يُفَرَّقُ بَيْنَ أَهْلِ الْمَشْرِقِ وَأَهْلِ الْمَغْرِبِ فَأَهْلُ الْمَشْرِقِ يُؤْمَرْنَ بِهِ لِوُجُودِ الْفَضْلَةِ عِنْدَهُنَّ مِنْ أَصْلِ الْخِلْقَةِ وَأَهْلُ الْمَغْرِبِ لَا يُؤْمَرْنَ بِهِ لِعَدَمِهَا عِنْدَهُنَّ
انْتَهَى
وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ الْمُهَاجِرِ قَالَتْ سُبِيتُ فِي جِوَارِيَ مِنَ الرُّومِ فَعَرَضَ عَلَيْنَا عُثْمَانُ الْإِسْلَامَ فَلَمْ يُسْلِمْ مِنَّا غَيْرِي وَغَيْرُ أُخْرَى فَقَالَ عُثْمَانُ اذْهَبُوا فَاخْفِضُوهُمَا وَطَهِّرُوهُمَا وَفِي إِسْنَادِهِ مَجْهُولٌ
(فَإِنَّ ذَلِكَ) أَيْ عَدَمَ الْمُبَالَغَةِ فِي الْقَطْعِ وَإِبْقَاءَ بَعْضِ النَّوَاةِ وَالْغُدَّةِ عَلَى فَرْجِهَا (أَحْظَى لِلْمَرْأَةِ) أَيْ أَنْفَعُ لَهَا وَأَلَذُّ (وَأَحَبُّ إِلَى الْبَعْلِ) أَيْ إِلَى الزَّوْجِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْجِلْدَ الَّذِي بَيْنَ جَانِبَيِ الْفَرْجِ وَالْغُدَّةَ الَّتِي هُنَاكَ وَهِيَ النَّوَاةُ إِذَا دُلِكَا دَلْكًا مُلَائِمًا بِالْإِصْبَعِ أَوْ بِالْحَكِّ مِنَ الذَّكَرِ تَلْتَذُّ كَمَالَ اللَّذَّةِ حَتَّى لَا تَمْلِكُ نَفْسَهَا وَتُنْزِلُ بِلَا جِمَاعٍ فَإِنَّ هَذَا الْمَوْضِعَ كَثِيرُ الْأَعْصَابِ فَيَكُونُ حِسُّهُ أَقْوَى وَلَذَّةُ الْحَكَّةِ هُنَاكَ أَشَدَّ وَلِهَذَا أُمِرَتِ الْمَرْأَةُ فِي خِتَانِهَا لِإِبْقَاءِ بَعْضِ النَّوَاةِ وَالْغُدَّةِ لِتَلْتَذَّ بِهَا بِالْحَكِّ وَيُحِبُّهَا زَوْجُهَا بِالْمُلَاعَبَةِ مَعَهَا لِيَتَحَرَّكَ مَنِيُّ الْمَرْأَةِ وَيَذُوبَ لِأَنَّ مَنِيَّهَا بَارِدٌ بَطِيءُ الْحَرَكَةِ فَإِذَا ذَابَ وَتَحَرَّكَ قَبْلَ الْجِمَاعِ بِسَبَبِ الْمُلَاعَبَةِ يَسْرَعُ إِنْزَالُهَا فَيُوَافِقُ إِنْزَالُهَا إِنْزَالَ الرَّجُلِ فَإِنَّ مَنِيَّ الرَّجُلِ لِحَرَارَتِهِ أَسْرَعُ إِنْزَالًا وَهَذَا كُلُّهُ سَبَبٌ لِازْدِيَادِ الْمَحَبَّةِ وَالْأُلْفَةِ بَيْنَ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْتُهُ هُوَ مُصَرَّحٌ فِي كُتُبِ الطِّبِّ
وَاللَّهُ أَعْلَمُ
(قَالَ أَبُو دَاوُدَ رُوِيَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ هَذَا الْحَدِيثُ (عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو) بن أَبِي الْوَلِيدِ الْأَسَدِيِّ الرَّقِّيِّ ثِقَةٌ (عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ) بْنِ عُمَيْرٍ الْكُوفِيِّ ثِقَةٌ (بِمَعْنَاهُ وَإِسْنَادِهِ) أي(14/125)
بِمَعْنَى حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ حَسَّانَ وَإِسْنَادِهِ فَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو الرَّقِّيُّ وَعَبْدُ الْمَلِكِ كِلَاهُمَا مِنَ الثِّقَاتِ لَكِنِ اخْتُلِفَ عَلَيْهِمَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ اخْتِلَافًا شَدِيدًا فَقِيلَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أَسِيدٍ وَقِيلَ عَنْهُ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ ثُمَّ اخْتُلِفَ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ فَقِيلَ عَنْهُ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ وَقِيلَ عَنْهُ عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ قَيْسٍ وَقِيلَ عَنْهُ عَنْ عَطِيَّةَ الْقُرَظِيِّ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ آنِفًا وَهَذَا الِاضْطِرَابُ مُوجِبٌ لِضَعْفِ الْحَدِيثِ
(قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَلَيْسَ هُوَ) أَيِ الْحَدِيثُ (بِالْقَوِيِّ) لِأَجْلِ الِاضْطِرَابِ وَلِضَعْفِ الرَّاوِي وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ حَسَّانَ الْكُوفِيُّ (وَقَدْ رُوِيَ) هَذَا الْحَدِيثُ (مُرْسَلًا) كَمَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَالطَّبَرَانِيُّ وَأَبُو نُعَيْمٍ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ قَيْسٍ كَانَ بِالْمَدِينَةِ امْرَأَةٌ يُقَالُ لَهَا أُمُّ عَطِيَّةَ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَلَفَ آنِفًا مِنْ كَلَامِ الْحَافِظِ
وَمِنْ قَوْلِهِ قَدْ رُوِيَ مُرْسَلًا إِلَى آخِرِهِ قَدْ وُجِدَ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ وَذَكَرَهُ أَيْضًا الْمِزِّيُّ فِي الْأَطْرَافِ (مُحَمَّدُ بْنُ حَسَّانَ مَجْهُولٌ) وَتَبِعَهُ بن عَدِيٍّ فِي تَجْهِيلِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ وَخَالَفَهُمُ الْحَافِظُ عَبْدُ الْغَنِيِّ بْنُ سَعِيدٍ فَقَالَ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَصْلُوبُ عَلَى الزَّنْدَقَةِ أَحَدُ الضُّعَفَاءِ وَالْمَتْرُوكِينَ وَأَوْرَدَ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ طَرِيقِهِ فِي تَرْجَمَتِهِ مِنْ إِيضَاحِ الشَّكِّ كِتَابٍ لَهُ
وَلَهُ طَرِيقَانِ آخران رواه بن عَدِيٍّ مِنْ حَدِيثِ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ نَافِعٍ كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ يَا نِسَاءَ الْأَنْصَارِ اخْتَضِبْنَ غَمْسًا وَاخْفِضْنَ وَلَا تُنْهِكْنَ فَإِنَّهُ أَحْظَى عِنْدَ أَزْوَاجِكُنَّ لَفْظُ الْبَزَّارِ وَفِي إِسْنَادِهِ مِنْدَلُ بْنُ عَلِيٍّ وَهُوَ ضعيف
وفي إسناد بن عَدِيٍّ خَالِدُ بْنُ عَمْرٍو الْقُرَشِيُّ وَهُوَ أَضْعَفُ من مندل
ورواه الطبراني في الصغير وبن عَدِيٍّ أَيْضًا عَنْ أَبِي خَلِيفَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَّامٍ الْجُمَحِيِّ عَنْ زَائِدَةَ بْنِ أَبِي الرُّقَادِ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ نَحْوَ حَدِيثِ أبي داود
قال بن عَدِيٍّ تَفَرَّدَ بِهِ زَائِدَةُ عَنْ ثَابِتٍ وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ تَفَرَّدَ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَّامٍ وَقَالَ ثَعْلَبُ رَأَيْتُ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ فِي جَمَاعَةٍ بَيْنَ يَدَيْ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَّامٍ فَسَأَلَهُ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ وَقَدْ قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي زَائِدَةَ إِنَّهُ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ كَذَا فِي التَّلْخِيصِ (وَهَذَا الْحَدِيثُ ضَعِيفٌ) وَالْأَمْرُ كَمَا قَالَ أَبُو دَاوُدَ وحديث ختان المرأة روي من أوجه كَثِيرَةٍ وَكُلُّهَا ضَعِيفَةٌ مَعْلُولَةٌ مَخْدُوشَةٌ لَا يَصِحُّ الاحتجاج بها كما عرفت
وقال بن الْمُنْذِرِ لَيْسَ فِي الْخِتَانِ خَبَرٌ يُرْجَعُ إِلَيْهِ ولا سنة يتبع
وقال بن عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ وَالَّذِي أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ أَنَّ الْخِتَانَ لِلرِّجَالِ انْتَهَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ(14/126)
84 - (بَاب فِي مَشْيِ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ فِي الطَّرِيقِ)
[5272] (وَهُوَ خَارِجٌ) أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَنْ تَحْقُقْنَ) بِسُكُونِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّ الْقَافِ الْأُولَى
قَالَ فِي النِّهَايَةِ هُوَ أَنْ يَرْكَبْنَ حُقَّهَا وَهُوَ وَسَطُهَا يُقَالُ سَقَطَ عَلَى حَاقِّ الْقَفَا وَحُقِّهِ انْتَهَى
وَقَالَ الطِّيبِيُّ أَيِ ابْعُدْنَ عَنِ الطَّرِيقِ وَفَاءُ فَاخْتَلَطَ مُسَبَّبٌ عَنْ مَحْذُوفٍ أَيْ يَقُولُ كَيْتَ وَكَيْتَ فَاخْتَلَطُوا فَقَالَ لِلنِّسَاءِ انْتَهَى
وَالْمَعْنَى أَنْ لَيْسَ لَهُنَّ أَنْ يَذْهَبْنَ فِي وَسَطِ الطَّرِيقِ (بِحَافَّاتِ) جَمْعُ حَافَّةٍ وَهِيَ النَّاحِيَةُ (ثَوْبَهَا) أَيِ الْمَرْأَةِ (مِنْ لُصُوقِهَا) أَيِ الْمَرْأَةِ (بِهِ) بِالْجِدَارِ
وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ
[5273] (أَنْ يَمْشِيَ يَعْنِي) هَذَا تَفْسِيرٌ مِنْ أَحَدِ الرُّوَاةِ (الرَّجُلُ بَيْنَ الْمَرْأَتَيْنِ) فَإِنَّهُ ينافي الحياء والمروة وَالْوَقَارَ قَالَ الْإِمَامُ الْمُنْذِرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ دَاوُدُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ هَذَا هُوَ الْمَدَنِيُّ
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ هُوَ مَجْهُولٌ حَدَّثَ بِحَدِيثٍ مُنْكَرٍ
قَالَ أَبُو زُرْعَةَ لَا أَعْرِفُهُ إِلَّا فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ يَرْوِيهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ بْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ
وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي تَارِيخِهِ الْكَبِيرِ مِنْ رِوَايَةِ دَاوُدَ هَذَا وقال لا يتابع عليه
وقال بن حِبَّانَ يَرْوِي الْمَوْضُوعَاتِ عَنِ الثِّقَاتِ حَتَّى كَانَ يَتَعَمَّدُ لَهَا وَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ انْتَهَى(14/127)
85 - (بَاب فِي الرَّجُلِ يَسُبُّ الدَّهْرَ)
[5274] (أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ) هو بن عيينة ذكره المزي (عن سعيد) بن الْمُسَيَّبِ (عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فِيمَا يَرْوِيهِ عَنِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى (يُؤْذِينِي) مِنَ الْإِيذَاءِ مَعْنَاهُ يُعَامِلُنِي مُعَامَلَةً تُوجِبُ الْأَذَى فِي حَقِّكِمْ قَالَهُ النَّوَوِيُّ (يَسُبُّ الدَّهْرَ) قَالَ العلامة العيني في عمدة القارىء قَالَ الْخَطَّابِيُّ كَانَتِ الْجَاهِلِيَّةُ تُضِيفُ الْمَصَائِبَ وَالنَّوَائِبَ إِلَى الدَّهْرِ الَّذِي هُوَ مِنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ فِي ذَلِكَ فِرْقَتَانِ فِرْقَةٌ لَا تُؤْمِنُ بِاللَّهِ تَعَالَى وَلَا تَعْرِفُ إِلَّا الدَّهْرَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ اللَّذَانِ هُمَا مَحَلٌّ لِلْحَوَادِثِ وَظَرْفٌ لِمَسَاقِطِ الْأَقْدَارِ فَتَنْسُبُ الْمَكَارِهَ إِلَيْهِ عَلَى أَنَّهَا مِنْ فِعْلِهِ وَلَا تَرَى أَنَّ لَهَا مُدَبِّرًا غَيْرَهُ وَهَذِهِ الْفِرْقَةُ هِيَ الدَّهْرِيَّةُ الَّذِينَ حَكَى اللَّهُ عَنْهُمْ فِي قَوْلِهِ وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ الْآيَةَ وَفِرْقَةٌ تَعْرِفُ الْخَالِقَ وَتُنَزِّهُهُ مِنْ أَنْ تَنْسُبَ إِلَيْهِ الْمَكَارِهَ فَتُضِيفُهَا إِلَى الدَّهْرِ وَالزَّمَانِ وَعَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ كَانُوا يَسُبُّونَ الدَّهْرَ وَيَذُمُّونَهُ فَيَقُولُ الْقَائِلُ مِنْهُمْ يَا خَيْبَةَ الدَّهْرِ وَيَا بُؤْسَ الدَّهْرِ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُمْ مُبْطِلًا ذَلِكَ لَا يَسُبَّنَّ أَحَدٌ مِنْكُمُ الدَّهْرَ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ يُرِيدُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ لَا تَسُبُّوا الدَّهْرَ عَلَى أَنَّهُ الْفَاعِلُ لهذا الصنيع فَاللَّهُ تَعَالَى هُوَ الْفَاعِلُ لَهُ فَإِذَا سَبَبْتُمُ الَّذِي أَنْزَلَ بِكُمُ الْمَكَارِهَ رَجَعَ السَّبُّ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَانْصَرَفَ إِلَيْهِ انْتَهَى (وَأَنَا الدَّهْرُ) قَالَ الْعَيْنِيُّ قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ أَنَا مَلِكُ الدهر ومصرفه فحذف اختصار اللفظ وَاتِّسَاعًا فِي الْمَعْنَى
وَقَالَ غَيْرُهُ مَعْنَى قَوْلِهِ أنا الدَّهْرُ أَيِ الْمُدَبِّرُ أَوْ صَاحِبُ الدَّهْرِ أَوْ مقبله أَوْ مُصَرِّفُهُ وَلِهَذَا عَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ بِيَدِي الْأَمْرُ
وَيُرْوَى بِنَصْبِ الدَّهْرِ عَلَى مَعْنَى أَنَا بَاقٍ أَوْ ثَابِتٌ فِي الدَّهْرِ
وَرَوَى أَحْمَدُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ لَا تَسُبُّوا الدَّهْرَ فَإِنَّ الله قالأنا الدَّهْرُ الْأَيَّامُ وَاللَّيَالِي أُوجِدُهَا وَأُبْلِيهَا وَآتِي بِمُلُوكٍ بَعْدَ مُلُوكٍ انْتَهَى
وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ الدَّهْرَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى
وَقَالَ النَّوَوِيُّ قَوْلُهُ وَأَنَا الدَّهْرُ فَإِنَّهُ بِرَفْعِ الرَّاءِ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الْمَعْرُوفُ الَّذِي قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ دَاوُدَ الظَّاهِرِيُّ إِنَّمَا هُوَ الدَّهْرَ بِالنَّصْبِ عَلَى الظَّرْفِ أَيْ أَنَا مُدَّةُ الدهر أقلب ليله ونهاره(14/128)
وحكى بن عَبْدِ الْبَرِّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ
وَقَالَ النَّحَّاسُ يَجُوزُ النَّصْبُ أَيْ فَإِنَّ اللَّهَ بَاقٍ مُقِيمٌ أَبَدًا لَا يَزُولُ
وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى التَّخْصِيصِ قَالَ وَالظَّرْفُ أَصَحُّ وَأَصْوَبُ
وَأَمَّا رِوَايَةُ الرَّفْعِ وَهِيَ الصَّوَابُ فَمُوَافِقَةٌ لِقَوْلِهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ
قَالَ الْعُلَمَاءُ وَهُوَ مَجَازٌ وَسَبَبُهُ أَنَّ الْعَرَبَ كَانَ شَأْنُهَا أَنْ تَسُبَّ الدَّهْرَ عِنْدَ النَّوَازِلِ وَالْحَوَادِثِ وَالْمَصَائِبِ النَّازِلَةِ بِهَا مِنْ مَوْتٍ أَوْ هَرَمٍ أَوْ تَلَفِ مَالٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَيَقُولُونَ يَا خَيْبَةَ الدَّهْرِ وَنَحْوَ هَذَا مِنْ أَلْفَاظِ سَبِّ الدَّهْرِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَسُبُّوا الدَّهْرَ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ أَيْ لَا تَسُبُّوا فَاعِلَ النَّوَازِلِ فَإِنَّكُمْ إِذَا سَبَبْتُمْ فَاعِلَهَا وَقَعَ السَّبُّ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ هُوَ فَاعِلُهَا وَمُنَزِّلُهَا وَأَمَّا الدَّهْرُ الَّذِي هُوَ الزَّمَانُ فَلَا فِعْلَ لَهُ بَلْ هُوَ مَخْلُوقٌ مِنْ جُمْلَةِ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى
وَمَعْنَى فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ أَيْ فَاعِلُ النَّوَازِلِ وَالْحَوَادِثِ وَخَالِقُ الْكَائِنَاتِ انْتَهَى كَلَامُهُ
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ طُرُقٍ متنوعة وألفاظ كثيرة فمنها قوله قال الله عز وجل يسب بن آدَمَ الدَّهْرَ وَأَنَا الدَّهْرُ بِيَدِي اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ
وفي رواية قال الله يؤذيني بن آدَمَ يَسُبُّ الدَّهْرَ وَأَنَا الدَّهْرُ أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ
وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يؤذيني بن آدَمَ يَقُولُ يَا خَيْبَةَ الدَّهْرِ فَلَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ يَا خَيْبَةَ الدَّهْرِ فَإِنِّي أَنَا الدَّهْرُ أُقَلِّبُ لَيْلَهُ وَنَهَارَهُ فَإِذَا شِئْتُ قَبَضْتُهُمَا
وَفِي رِوَايَةٍ لَا تَسُبُّوا الدَّهْرَ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ انْتَهَى
قَالَ الْإِمَامُ الْحَافِظُ عَبْدُ الْعَظِيمِ الْمُنْذِرِيُّ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ
انْتَهَى
وَقَالَ الْحَافِظُ جَمَالُ الدِّينِ الْمِزِّيُّ فِي الْأَطْرَافِ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي التَّفْسِيرِ وَالتَّوْحِيدِ وَالْأَدَبِ وَمُسْلِمٌ فِي الْأَدَبِ وَأَبُو دَاوُدَ فِي الْأَدَبِ والنسائي في التفسير
انتهى والله أعلم(14/129)