فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ فَدَلَّسَ الزُّهْرِيُّ وَرَوَى عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ لَكِنْ لَفْظَ أَحْمَدَ وَذِكْرُ الزُّهْرِيِّ أَنَّ قَبِيصَةَ بْنَ ذُؤَيْبٍ حَدَّثَهُ يَدْفَعُ هَذَا التَّأْوِيلَ
كَذَا فِي غَايَةِ الْمَقْصُودِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ
وَذَكَرَ أَبُو مَسْعُودٍ الدِّمَشْقِيُّ أَنَّ حَدِيثَ عُبَيْدِ اللَّهِ هَذَا مُرْسَلٌ
0 - (بَاب مَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَى فَاطِمَةَ)
(مع الأسود) أي بن يَزِيدَ (فَقَالَ) أَيِ الْأَسْوَدُ (مَا كُنَّا لِنَدَعَ كِتَابَ رَبِّنَا وَسُنَّةَ نَبِيِّنَا) قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْعُلَمَاءُ الَّذِي فِي كِتَابِ رَبِّنَا إِنَّمَا هُوَ إِثْبَاتُ السُّكْنَى
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَسُنَّةَ نَبِيِّنَا هَذِهِ زِيَادَةٌ غَيْرُ مَحْفُوظَةٍ لَمْ يَذْكُرْهَا جَمَاعَةٌ مِنَ الثِّقَاتِ
انْتَهَى وَمَا وَقَعَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَهَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَةُ فَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ لَا يَصِحُّ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ السُّنَّةُ بِيَدِ فَاطِمَةَ قَطْعًا وَأَيْضًا تِلْكَ الرِّوَايَةُ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَمَوْلِدُهُ بَعْدَ مَوْتِ عُمَرَ بِسَنَتَيْنِ (لِقَوْلِ امْرَأَةٍ لَا نَدْرِي أَحَفِظَتْ ذَلِكَ أَمْ لا
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه اللَّه قَالَ أَبُو دَاوُدَ فِي الْمَسَائِل سَمِعْت أحمد بن حنبل وذكر له قول عمر لَا نَدَع كِتَاب رَبّنَا وَسُنَّة نَبِيّنَا لِقَوْلِ اِمْرَأَة فَلَمْ يُصَحَّح هَذَا عَنْ عُمَر وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ هَذَا الْكَلَام لَا يَثْبُت عَنْ عُمَر يَعْنِي قَوْله سُنَّة نَبِيّنَا ثُمَّ ذَكَر أَحَادِيث الْبَاب ثُمَّ قَالَ بَعْد اِنْتِهَاء آخِر الْبَاب اِخْتَلَفَ النَّاس فِي الْمَبْتُوتَة هَلْ لَهَا نَفَقَة أَوْ سُكْنَى عَلَى ثَلَاثَة مَذَاهِب وَعَلَى ثَلَاث رِوَايَات عَنْ أَحْمَد أَحَدهَا أَنَّهُ لَا سُكْنَى لَهَا وَلَا نَفَقَة وَهُوَ ظَاهِر مَذْهَبه
وَهَذَا قَوْل عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب وَعَبْد اللَّه بْن عَبَّاس وَجَابِر وَعَطَاء وَطَاوُس وَالْحَسَن وَعِكْرِمَة وَمَيْمُون بْن مِهْرَانَ وَإِسْحَاق بْن رَاهْوَيْهِ وداود بْن عَلِيّ وَأَكْثَر فُقَهَاء الْحَدِيث وَهُوَ مَذْهَب صَاحِبَة الْقِصَّة فَاطِمَة بِنْت قَيْس وَكَانَتْ تُنَاظِر عَلَيْهِ
وَالثَّانِي وَيُرْوَى عَنْ عُمَر وَعَبْد اللَّه بْن مَسْعُود أَنَّ لَهَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَة
وَهُوَ قول أكثر أهل(6/277)
فَإِنْ قُلْتَ إِنَّ ذَلِكَ الْقَوْلَ مِنْ عُمَرَ يَتَضَمَّنُ الطَّعْنَ عَلَى رِوَايَةِ فَاطِمَةَ قُلْتُ هَذَا مَطْعَنٌ بَاطِلٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ لِلْقَطْعِ بِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ رَدَّ خَبَرَ الْمَرْأَةِ لِكَوْنِهَا امْرَأَةً
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
العراق وقول بن شبرمة وبن أَبِي لَيْلَى وَسُفْيَان الثَّوْرِيّ وَالْحَسَن بْن أَبِي صَالِح وَأَبِي حَنِيفَة وَأَصْحَابه وَعُثْمَان الْبَتِّيُّ وَالْعَنْبَرِيُّ
وَحَكَاهُ أَبُو يَعْلَى الْقَاضِي فِي مُفْرَدَاته رِوَايَة عَنْ أَحْمَد وَهِيَ غَرِيبَة جِدًّا وَالثَّالِث أَنَّ لَهَا السُّكْنَى دُون النَّفَقَة وَهَذَا قَوْل مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَفُقَهَاء الْمَدِينَة السَّبْعَة وَهُوَ مَذْهَب عَائِشَة أُمّ الْمُؤْمِنِينَ
وَأَسْعَد النَّاس بِهَذَا الْخَبَر مَنْ قال بِهِ وَأَنَّهُ لَا نَفَقَة لَهَا وَلَا سُكْنَى وَلَيْسَ مَعَ رَدّه حُجَّة تُقَاوِمهُ وَلَا تُقَارِبهُ
قال بن عَبْد الْبَرّ أَمَّا مِنْ طَرِيق الْحُجَّة وَمَا يَلْزَم مِنْهَا فَقَوْل أَحْمَد بْن حَنْبَل وَمَنْ تَابَعَهُ أَصِحّ وَأَرْجَح لِأَنَّهُ ثَبَتَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَصًّا صَرِيحًا فَأَيّ شَيْء يُعَارِض هَذَا إِلَّا مِثْله عَنْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم الَّذِي هُوَ الْمُبَيِّن عَنْ اللَّه مُرَاده وَلَا شَيْء يَدْفَع ذَلِكَ وَمَعْلُوم أَنَّهُ أَعْلَم بِتَأْوِيلِ قَوْل اللَّه تَعَالَى {أُسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ}
وَأَمَّا قَوْل عُمَر وَمَنْ وَافَقَهُ فقد خالفه علي وبن عَبَّاس وَمَنْ وَافَقَهُمَا وَالْحُجَّة مَعَهُمْ وَلَوْ لَمْ يُخَالِفهُمْ أَحَد مِنْهُمْ لَمَا قُبِلَ قَوْل الْمُخَالِف لِقَوْلِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ قَوْل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُجَّة عَلَى عُمَر وَعَلَى غَيْره
وَلَمْ يَصِحّ عَنْ عُمَر أَنَّهُ قَالَ لَا نَدَع كِتَاب رَبّنَا وَسُنَّة نَبِيّنَا لِقَوْلِ اِمْرَأَة فَإِنَّ أَحْمَد أَنْكَرَهُ وَقَالَ أَمَّا هَذَا فَلَا
وَلَكِنْ قَالَ لَا نَقْبَل فِي دِينِنَا قَوْل اِمْرَأَة وَهَذَا أَمْر يَرُدّهُ الْإِجْمَاع عَلَى قَبُول الْمَرْأَة فِي الرِّوَايَة فَأَيّ حُجَّة فِي شَيْء يُخَالِفهُ الْإِجْمَاع وَتَرُدّهُ السُّنَّة وَيُخَالِفهُ فِيهِ عُلَمَاء الصَّحَابَة وَقَالَ إِسْمَاعِيل بْن إِسْحَاق نَحْنُ نَعْلَم أَنَّ عُمَر لَا يَقُول لَا نَدَع كِتَاب رَبّنَا إِلَّا لِمَا هُوَ مَوْجُود فِي كِتَاب اللَّه تَعَالَى وَاَلَّذِي فِي الْكِتَاب أَنَّ لَهَا النَّفَقَة إِذَا كَانَتْ حَامِلًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ كُنَّ أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن} وَأَمَّا غَيْر ذَوَات الْحَمْل فَلَا يَدُلّ إِلَّا عَلَى أَنَّهُنَّ لَا نَفَقَة لَهُنَّ لِاشْتِرَاطِهِ الْحَمْل في الأمر بالإنفاق
آخر كلامه
والذي رَدُّوا خَبَر فَاطِمَة هَذَا ظَنُّوهُ مُعَارِضًا لِلْقُرْآنِ فإن الله تعالى قال {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدكُمْ} وَقَالَ {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتهنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ} وَهَذَا لَوْ كَانَ كَمَا ظَنُّوهُ لَكَانَ فِي السُّكْنَى خَاصَّة وَأَمَّا إِيجَاب النَّفَقَة لَهَا فَلَيْسَ فِي الْقُرْآن إِلَّا مَا يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ لَا نَفَقَة لَهُنَّ كَمَا قَالَ الْقَاضِي إِسْمَاعِيل لِأَنَّ اللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى شَرَطَ فِي وُجُوب الْإِنْفَاق أَنْ يَكُنَّ مِنْ أُولَات الْحَمْل وَهُوَ يَدُلّ عَلَى أَنَّهَا إِذَا كَانَتْ حَامِلًا فَلَا نَفَقَة لَهَا كَيْف وَإِنَّ الْقُرْآن لَا يَدُلّ عَلَى وجوب السكنى للمبتوتة بِوَجْهٍ مَا فَإِنَّ السِّيَاق كُلّه إِنَّمَا هُوَ فِي الرَّجْعِيَّة
يُبَيِّن ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّه يُحْدِث بَعْد ذَلِكَ أَمْرًا} وَقَوْله {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلهنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} وَهَذَا فِي الْبَائِن(6/278)
فَكَمْ مِنْ سُنَّةٍ قَدْ تَلَقَّتْهَا الْأُمَّةُ بَالْقَبُولِ عَنِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَهَذَا لَا يُنْكِرهُ مَنْ لَهُ أَدْنَى نَصِيبٍ مِنْ عِلْمِ السُّنَّةِ وَلَمْ يُنْقَلْ أَيْضًا عَنْ أَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ يَرُدُّ الْخَبَرَ بِمُجَرَّدِ تَجْوِيزِ نِسْيَانِ
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
مُسْتَحِيل ثُمَّ قَالَ (أَسْكِنُوهُنَّ) وَاَللَّاتِي قَالَ فِيهِنَّ {فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بِمَعْرُوفٍ} قَالَ فِيهِنَّ {أَسْكِنُوهُنَّ} و {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتهنَّ} وَهَذَا ظَاهِرٌ جِدًّا
وَشُبْهَة مَنْ ظَنَّ أَنَّ الْآيَة فِي الْبَائِن قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ كُنَّ أُولَات حَمْل فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلهنَّ} قَالُوا وَمَعْلُومٌ أَنَّ الرَّجْعِيَّة لَهَا النَّفَقَة حَامِلًا كَانَتْ أَوْ حَائِلًا وَهَذَا لَا حُجَّة فِيهِ فَإِنَّهُ إِذَا أَوْجَبَ نَفَقَتهَا حَامِلًا لَمْ يَدُلّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَا نَفَقَة لَهَا إِذَا كَانَتْ حَائِلًا بَلْ فَائِدَة التَّقْيِيد بِالْحَمْلِ التَّنْبِيه عَلَى اِخْتِلَاف جِهَة الْإِنْفَاق بِسَبَبِ الحمل قبل الوضع وبعده فقبل الْوَضْع لَهَا النَّفَقَة حَتَّى تَضَعهُ فَإِذَا وَضَعَتْهُ صارت النفقة بحكم الإجارة وَرَضَاعَة الْوَلَد وَهَذِهِ قَدْ يَقُوم غَيْرهَا مَقَامهَا فيه فلا تستحقها لقوله تعالى {وإن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} وَأَمَّا النَّفَقَة حَال الْحَمْل فَلَا يَقُوم غَيْرهَا مَقَامهَا فِيهِ بَلْ هِيَ مُسْتَمِرَّة حَتَّى تَضَعهُ
فَجِهَة الْإِنْفَاق مُخْتَلِفَة
وَأَمَّا الْحَائِل فَنَفَقَتهَا مَعْلُومَة مِنْ نَفَقَة الزَّوْجَات فَإِنَّهَا زَوْجَة مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّة فَلَا حَاجَة إِلَى بَيَان وُجُوب نَفَقَتهَا
وَأَمَّا الْحَامِل فَلَمَّا اِخْتَلَفَ جِهَة النَّفَقَة عَلَيْهَا قَبْل الْوَضْع وَبَعْده ذَكَر سُبْحَانه الْجِهَتَيْنِ وَالسَّبَبَيْنِ وَهَذَا مِنْ أَسْرَار الْقُرْآن وَمَعَانِيه الَّتِي يَخْتَصّ اللَّه بِفَهْمِهَا مَنْ يَشَاء
وَأَيْضًا فَلَوْ كَانَ قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ كُنَّ أُولَات حَمْل فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلهنَّ} فِي الْبَوَائِنِ لَكَانَ دَلِيلًا ظَاهِرًا عَلَى أَنَّ الْحَائِل الْبَائِن لَا نَفَقَة لَهَا لا شتراط الْحَمْل فِي وُجُوب الِاتِّفَاق وَالْحُكْم الْمُعَلَّق بِالشَّرْطِ يَعْدَم عِنْد عَدَمه وَأَمَّا آيَة السُّكْنَى فَلَا يَقُول أَحَد إِنَّهَا مُخْتَصَّة بِالْبَائِنِ لِأَنَّ السِّيَاق يُخَالِفهُ وَيُبَيِّن أَنَّ الرَّجْعِيَّة مُرَادَة مِنْهَا فَإِمَّا أَنْ يُقَال هِيَ مُخْتَصَّة بِالرَّجْعِيَّةِ كَمَا يَدُلّ عَلَيْهِ سِيَاق الْكَلَام وَتَتَّحِد الضَّمَائِر وَلَا تَخْتَلِف مُفَسَّرَاتهَا بَلْ يَكُون مُفَسَّر قَوْله {فَأَمْسِكُوهُنَّ} هُوَ مُفَسَّر قَوْله {أَسْكِنُوهُنَّ} وَعَلَى هَذَا فَلَا حُجَّة فِي سُكْنَى الْبَائِن
وَإِمَّا أَنْ يُقَال هِيَ عَامَّة لِلْبَائِنِ وَالرَّجْعِيَّة وَعَلَى هَذَا فَلَا يَكُون حَدِيث فَاطِمَة مُنَافِيًا لِلْقُرْآنِ بَلْ غَايَته أَنْ يَكُون مُخَصِّصًا لِعُمُومِهِ وَتَخْصِيص الْقُرْآن بِالسُّنَّةِ جَائِز وَاقِع هَذَا لَوْ كَانَ قَوْله (أَسْكِنُوهُنَّ) عَامًّا فَكَيْف وَلَا يَصِحّ فِيهِ الْعُمُوم لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَقَوْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا نَفَقَة لَك وَلَا سُكْنَى وَقَوْله فِي اللَّفْظ الْآخَر إِنَّمَا النَّفَقَة وَالسُّكْنَى لِلْمَرْأَةِ إِذَا كَانَ لِزَوْجِهَا عَلَيْهَا الرَّجْعَة رَوَاهُ الْإِمَام أَحْمَد وَالنَّسَائِيّ وَإِسْنَاده صَحِيح
وَفِي لَفْظ لِأَحْمَد إِنَّمَا النَّفَقَة وَالسُّكْنَى لِلْمَرْأَةِ عَلَى زَوْجهَا مَا(6/279)
نَاقِلِهِ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مِمَّا يُقْدَحُ بِهِ لَمْ يَبْقَ حَدِيثٌ مِنَ الْأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ إِلَّا وَكَانَ مَقْدُوحًا فِيهِ لِأَنَّ تَجْوِيزَ النِّسْيَانِ لَا يَسْلَمُ مِنْهُ أَحَدٌ فَيَكُونُ ذَلِكَ مُفْضِيًا إِلَى تَعْطِيلِ السُّنَنِ بِأَسْرِهَا مَعَ كَوْنِ فَاطِمَةَ
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
كَانَتْ عَلَيْهَا الرَّجْعَة فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهَا رَجْعَة فَلَا نَفَقَة وَلَا سُكْنَى وَهَذَا يُبْطِل كُلّ مَا تَأَوَّلُوا بِهِ حَدِيث فَاطِمَة فَإِنَّ هَذَا فَتْوَى عَامَّة وَقَضَاء عَامّ فِي حَقّ كُلّ مُطَلَّقَة فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِشَأْنِ فَاطِمَة ذِكْر فِي الْمُبَيِّن لَكَانَ هَذَا اللَّفْظ الْعَامّ مُسْتَقِلًّا بِالْحُكْمِ لَا مُعَارِض لَهُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوه
فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْقُرْآن لَا يَدُلّ عَلَى خِلَاف هَذَا الْحَدِيث بَلْ إِنَّمَا يَدُلّ عَلَى مُوَافَقَته كَمَا قَالَتْ فَاطِمَة بَيْنِي وَبَيْنكُمْ الْقُرْآن
وَلَمَّا ذُكِرَ لِأَحْمَد قَوْل عُمَر لَا نَدَع كِتَاب رَبّنَا لِقَوْلِ اِمْرَأَة تَبَسَّمَ أَحْمَد وَقَالَ أَيّ شَيْء فِي الْقُرْآن خِلَاف هَذَا وَأَمَّا قَوْله فِي الْحَدِيث وَسُنَّة نَبِيّنَا فَإِنَّ هَذِهِ اللَّفْظَة وَإِنْ كَانَ مُسْلِم رَوَاهَا فَقَدْ طَعَنَ فِيهَا الْأَئِمَّة كَالْإِمَامِ أَحْمَد وَغَيْره
قَالَ أَبُو دَاوُدَ فِي كِتَاب الْمَسَائِل سَمِعْت أحمد بن حنبل وذكر له قول عمر لَا نَدَع كِتَاب رَبّنَا وَسُنَّة نَبِيّنَا لِقَوْلِ اِمْرَأَة قُلْت أَيَصِحُّ هَذَا عَنْ عُمَر قَالَ لَا
وَرَوَى هَذِهِ الْحِكَايَة الْبَيْهَقِيّ فِي السُّنَن والآثار عن الحاكم عن بن بَطَّة عَنْ أَبِي حَامِد الْأَشْعَرِيِّ عَنْ أَبِي دَاوُدَ
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ هَذَا اللَّفْظ لَا يَثْبُت يَعْنِي قَوْله وَسُنَّة نَبِيّنَا وَيَحْيَى بْن آدَم أَحْفَظ مِنْ أَبِي أَحْمَد الزُّبَيْرِيّ وَأَثْبَت مِنْهُ وَقَدْ تَابِعه قَبِيصَة بْن عُقْبَة فَرَوَاهُ عَنْ عَمَّار بْن رُزَيْق مِثْل قَوْل يَحْيَى بْن آدم سواء والحسن بن عمارة متروك وأشعت بْن سَوَّار ضَعِيف وَرَوَاهُ الْأَعْمَش عَنْ إِبْرَاهِيم دُون قَوْله وَسُنَّة نَبِيّنَا وَالْأَعْمَش أَثْبَت مِنْ أشعت وَأَحْفَظ وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ هَذِهِ اللَّفْظَة أَخْرَجَهَا مُسْلِم فِي صَحِيحه
وَذَهَبَ غَيْره مِنْ الْحُفَّاظ إِلَى أن قوله وسنة نبينا غسر مَحْفُوظَة فِي هَذَا الْحَدِيث فَقَدْ رَوَاهُ يَحْيَى بْن آدَم وَغَيْره عَنْ عَمَّار بْن رُزَيْق فِي السُّكْنَى دُون هَذِهِ اللَّفْظَة وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْأَعْمَش عَنْ إِبْرَاهِيم عَنْ الْأَسْوَد عَنْ عُمَر دُون قَوْله وَسُنَّة نَبِيّنَا وَإِنَّمَا ذَكَره أَبُو أَحْمَد عَنْ عَمَّار وَأَشْعَث عَنْ الْحُكْم وَحَمَّاد عَنْ إِبْرَاهِيم عَنْ الْأَسْوَد عَنْ عُمَر وَالْحَسَن بْن عُمَارَة عَنْ سَلَمَة بْن كُهَيْل عَنْ عَبْد اللَّه بْن الْخَلِيل الْحَضْرَمِيّ عَنْ عُمَر ثُمَّ ذَكَر كَلَام الدَّارَقُطْنِيِّ أَنَّهَا لَا تَثْبُت
فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي السُّنَّة مَا يُعَارِض حَدِيث فَاطِمَة كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْكِتَاب مَا يُعَارِضهُ
وَفَاطِمَة اِمْرَأَة جَلِيلَة مِنْ فُقَهَاء الصَّحَابَة غَيْر مُتَّهَمَة فِي الرِّوَايَة
وَمَا يَرْوِيه بَعْص الْأُصُولِيِّينَ لَا نَدَع كِتَاب رَبّنَا وَسُنَّة نَبِيّنَا لِقَوْلِ اِمْرَأَة لَا نَدْرِي أَصَدَقَتْ أَمْ كَذَبَتْ غَلَط لَيْسَ فِي الْحَدِيث وَإِنَّمَا الَّذِي فِي الْحَدِيث حَفِظَتْ أَمْ نَسِيَتْ هَذَا لَفْظ مُسْلِم
قَال هُشَيْم عَنْ إِسْمَاعِيل بْن أَبِي خَالِد أَنَّهُ ذَكَر عِنْد الشَّعْبِيّ قَوْل عُمَر هَذَا حَفِظَتْ أَمْ نَسِيَتْ فَقَالَ الشَّعْبِيّ اِمْرَأَة مِنْ قُرَيْش ذَات عَقْل وَرَأْي تَنْسَى قَضَاءً قُضِيَ بِهِ عَلَيْهَا قَالَ وَكَانَ الشَّعْبِيّ يأخذ بقولها(6/280)
الْمَذْكُورَةِ مِنَ الْمَشْهُورَاتِ بَالْحِفْظِ كَمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ حَدِيثُهَا الطَّوِيلُ فِي شَأْنِ الدَّجَّالِ وَلَمْ تَسْمَعْهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً يَخْطُبُ بِهِ عَلَى الْمِنْبَرِ فَوَعَتْهُ جَمِيعَهُ فَكَيْفَ يُظَنُّ بِهَا أَنْ
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
وَقَالَ مَيْمُون بْن مِهْرَانَ لِسَعِيدِ بْن الْمُسَيِّب تِلْكَ اِمْرَأَة فَتَنَتْ النَّاس لَئِنْ كَانَتْ إِنَّمَا أَخَذَتْ بِمَا أَفْتَاهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا فَتَنَتْ النَّاس وَإِنَّ لَنَا فِي رَسُول اللَّه أُسْوَة حَسَنَة
ثُمَّ رَدَّ خَبَرهَا بِأَنَّهَا اِمْرَأَة مِمَّا لَا يَقُول بِهِ أَحَد وَقَدْ أَخَذَ النَّاس بِرِوَايَةِ مَنْ هُوَ دُون فَاطِمَة وَبِخَبَرِ الْفُرَيْعَة وَهِيَ اِمْرَأَةٌ وَبِحَدِيثِ النِّسَاء كَأَزْوَاجِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرهنَّ مِنْ الصَّحَابِيَّات بَلْ قَدْ اِحْتَجَّ الْعُلَمَاء بِحَدِيثِ فَاطِمَة هَذَا بِعَيْنِهِ فِي أَحْكَام كَثِيرَة
مِنْهَا نَظَرَ الْمَرْأَة إِلَى الرَّجُل وَوَضْعهَا ثِيَابهَا فِي الْخَلْوَة وَجَوَاز الْخِطْبَة عَلَى خِطْبَة الْغَيْر إِذَا لَمْ تُجِبْهُ الْمَرْأَة وَلَمْ يَسْكُن إِلَيْهَا وَجَوَاز نِكَاح الْقُرَشِيَّة لِغَيْرِ الْقُرَشِيّ وَنَصِيحَة الرَّجُل لِمَنْ اِسْتَشَارَهُ فِي أَمْر يَعِيب مَنْ اِسْتَشَارَهُ فِيهِ وَأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِغِيبَةٍ وَمِنْهَا الْإِرْسَال بِالطَّلَاقِ فِي الْغَيْبَة
وَمِنْهَا التَّعْرِيض بِخُطْبَةِ الْمُعْتَدَّة الْبَائِن بِقَوْلِهِ لَا تَفُوتِينِي بِنَفْسِك
وَمِنْهَا اِحْتِجَاج الْأَكْثَرِينَ بِهِ عَلَى سُقُوط النَّفَقَة لِلْمَبْتُوتَةِ الَّتِي لَيْسَتْ بِحَامِلٍ
فَمَا بَال حَدِيثهَا مُحْتَجًّا بِهِ فِي هَذِهِ الْأَحْكَام دُون سُقُوط السُّكْنَى فَإِنْ حَفِظَتْهُ فَهُوَ حُجَّة فِي الْجَمِيع وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَحْفُوظًا لَمْ يَجُزْ أَنْ يُحْتَجّ بِهِ فِي شَيْء
وَاَللَّه أَعْلَم
وَقَالَ الشَّافِعِيّ فِي الْقَدِيم فَإِنْ قَالَ قَائِل فَإِنَّ عُمَر بْن الْخَطَّاب اِتَّهَمَ حَدِيث فَاطِمَة بِنْت قَيْسٍ وَقَالَ لَا نَدَع كِتَاب رَبّنَا لِقَوْلِ اِمْرَأَة قُلْنَا لَا نَعْرِف أَنَّ عُمَر اِتَّهَمَهَا وَمَا كَانَ فِي حَدِيثهَا مَا تُتَّهَم لَهُ مَا حَدَّثَتْ إِلَّا بِمَا يَجِب وَهِيَ اِمْرَأَهُ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ لَهَا شَرَف وَعَقْل وَفَضْل وَلَوْ رُدَّ شَيْء مِنْ حَدِيثهَا كَانَ إِنَّمَا يُرَدّ مِنْهُ أَنَّهُ أَمَرَهَا بِالْخُرُوجِ مِنْ بَيْت زَوْجهَا فَلَمْ تَذْكُر هِيَ لِمَ أُمِرَتْ بِذَلِكَ وَإِنَّمَا أُمِرَتْ بِهِ لِأَنَّهَا اِسْتَطَالَتْ عَلَى أَحْمَائِهَا فَأَمَرَتْ بِالتَّحَوُّلِ عَنْهُمْ لِلشَّرِّ بَيْنهَا وَبَيْنهمْ فَكَأَنَّهُمْ أَحَبُّوا لَهَا ذِكْر السَّبَب الَّذِي لَهُ أُخْرِجَتْ لِئَلَّا يَذْهَب ذَاهِب إِلَى أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى أَنْ تَعْتَدّ الْمَبْتُوتَة حَيْثُ شَاءَتْ فِي غَيْر بَيْت زَوْجهَا
وَهَذَا الَّذِي ذَكَره الشَّافِعِيّ هُوَ تَأْوِيل عَائِشَة بِعَيْنِهِ وَبِهِ أَجَابَتْ مَرْوَان لَمَا اِحْتَجَّ عَلَيْهَا بِالْحَدِيثِ كَمَا تَقَدَّمَ
وَلَكِنَّ هَذَا التَّأْوِيل مِمَّا لَا يَصِحّ دَفْع الْحَدِيث بِهِ مِنْ وُجُوهٍ
أَحَدهَا أَنَّهُ لَيْسَ بِمَذْكُورٍ فِي الْقِصَّة وَلَا عَلَّقَ عَلَيْهِ الْحُكْم قَطّ لَا بِاللَّفْظِ وَلَا بِالْمَفْهُومِ وَإِنْ كَانَ وَاقِعًا فَتَعْلِيق الْحُكْم بِهِ تَعْلِيقٌ عَلَى وَصْف لَمْ يَعْتَبِرهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا فِي لَفْظه قَطّ مَا يَدُلّ عَلَى إِسْقَاط السُّكْنَى بِهِ وَتَرْكٌ لِتَعْلِيقِ الْحُكْم بِالْوَصْفِ الَّذِي اِعْتَبَرَهُ وَعَلَّقَ بِهِ الْحُكْم وَهُوَ عَدَم ثُبُوت الرَّجْعَة
الثَّانِي أَنَّكُمْ لَا تَقُولُونَ بِهِ فَإِنَّ الْمَرْأَة وَلَوْ اِسْتَطَالَتْ وَلَوْ عَصَتْ بِمَا عَسَى أَنْ تَعْصَى بِهِ لَا يَسْقُط(6/281)
تَحْفَظَ مِثْلَ هَذَا وَتَنْسَى أَمْرًا مُتَعَلِّقًا بِهَا مُقْتَرِنًا بِفِرَاقِ زَوْجِهَا وَخُرُوجِهَا مِنْ بَيْتِهِ
كَذَا فِي النَّيْلِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مُخْتَصَرًا وَمُطَوَّلًا
(لَقَدْ عَابَتْ ذَلِكَ) أَيْ قَوْلَ فَاطِمَةَ بِأَنَّهُ لَا نَفَقَةَ وَلَا سُكْنَى لِلْمُطَلَّقَةِ الْبَائِنِ (فِي مَكَانٍ وَحْشٍ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَسُكُونِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا شِينٌ مُعْجَمَةٌ أَيْ خَالٍ لَيْسَ بِهِ أَنِيسٌ (فَلِذَلِكَ رَخَّصَ لَهَا) أي في الانتقال
قال المنذري وأخرجه بن مَاجَهْ
وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
حَقّهَا مِنْ السُّكْنَى كَمَا لَوْ كَانَتْ حَامِلًا بَلْ كَانَ يُسْتَكْرَى لَهَا مِنْ حَقّهَا فِي مَال زَوْجهَا وَتَسْكُن نَاحِيَة
وَقَدْ أَعَاذَ اللَّه فَاطِمَة بِنْت قَيْس مِنْ ظُلْمهَا وَتَعَدِّيهَا إِلَى هَذَا الْحَدّ كَيْف وَالنَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُعَنِّفهَا بِذَلِكَ وَلَا نَهَاهَا عَنْهُ وَلَا قَالَ لَهَا إِنَّمَا أُخْرِجْت مِنْ بَيْتك بِظُلْمِك لِأَحْمَائِك بَلْ قَالَ لَهَا إِنَّمَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَة لِلْمَرْأَةِ إِذَا كَانَ لِزَوْجِهَا عَلَيْهَا رَجْعَة وَهَذَا هُوَ الْوَجْه الثَّالِث وَهُوَ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَر لَهَا السَّبَب الَّذِي مِنْ أَجْله سَقَطَ حَقّهَا مِنْ السُّكْنَى وَهُوَ سُقُوط حَقّ الزَّوْج مِنْ الرَّجْعَة وَجَعَلَ هَذَا قَضَاء عَامًّا لَهَا وَلِغَيْرِهَا فَكَيْف يُعْدَل عَنْ هَذَا الْوَصْف إِلَى وَصْف لَوْ كَانَ وَاقِعًا لَمْ يَكُنْ لَهُ تَأْثِير فِي الْحُكْم أَصْلًا وَقَدْ رَوَى الْحُمَيْدِيّ فِي مُسْنَده هَذَا الْحَدِيث وَقَالَ فِيهِ يَا اِبْنَة قَيْس إِنَّمَا لَك السُّكْنَى وَالنَّفَقَة مَا كَانَ لِزَوْجِك عَلَيْك الرَّجْعَة وَرَوَاهُ الْأَثْرَم فَأَيْنَ التَّعْلِيل بِسَلَاطَةِ اللِّسَان مَعَ هَذَا الْبَيَان ثُمَّ لَوْ كَانَ ذَلِكَ صَحِيحًا لَمَا اِحْتَاجَ عُمَر فِي رَدّه إِلَى قَوْله لَا نَدَع كِتَاب رَبّنَا لِقَوْلِ اِمْرَأَة بَلْ كَانَ يَقُول لَمْ يُخْرِجهَا مِنْ السُّكْنَى إِلَّا بَذَاؤُهَا وَسَلَطُهَا وَلَمْ يُعَلِّلهَا بِانْفِرَادِ الْمَرْأَة بِهِ وَقَدْ كَانَ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ يَقِف أَحْيَانًا فِي اِنْفِرَاد بَعْض الصَّحَابَة كَمَا طَلَب مِنْ أَبِي مُوسَى شَاهِدًا عَلَى رِوَايَته وَغَيْره
وَقَدْ أَنْكَرَتْ فَاطِمَة عَلَى مَنْ أَنْكَرَ عَلَيْهَا وَرَدَّتْ عَلَى مَنْ رَدَّ عَلَيْهَا وَانْتَصَرَتْ لِرِوَايَتِهَا وَمَذْهَبهَا
رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ
وَقَدْ قَضَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي المتلاعنين أن لا يبت لَهَا عَلَيْهِ وَلَا قُوت وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَسْأَلَة نَصّ لَكَانَ الْقِيَاس يَقْتَضِي سُقُوط النَّفَقَة وَالسُّكْنَى لِأَنَّهَا إِنَّمَا تَجِب فِي مُقَابَلَة التَّمْكِين مِنْ الِاسْتِمْتَاع وَالْبَائِن قَدْ فُقِدَ فِي حَقّهَا ذَلِكَ وَلِهَذَا وَجَبَتْ لِلرَّجْعِيَّةِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الِاسْتِمْتَاع بِهَا وَأَمَّا الْبَائِن فَلَا سَبِيل لَهُ إِلَى الِاسْتِمْتَاع بِهَا إِلَّا بِمَا يَصِل بِهِ إِلَى الْأَجْنَبِيَّة وَحَبْسهَا لِعِدَّتِهِ لَا يُوجِب نَفَقَة كَمَا لَوْ وَطِئَهَا بِشُبْهَةٍ وَكَالْمُلَاعَنَةِ وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجهَا
وَاَللَّه أَعْلَم(6/282)
(أَلَمْ تَرَيْ) بِحَذْفِ النُّونِ (إِلَى قَوْلِ فَاطِمَةَ) أَيْ بِنْتِ قَيْسٍ (قَالَتْ) أَيْ عَائِشَةُ (أَمَا) بَالتَّخْفِيفِ لِلتَّنْبِيهِ (إِنَّهُ) أَيِ الشَّأْنُ (لَا خَيْرَ لَهَا) أَيْ لِفَاطِمَةَ (فِي ذِكْرِ ذَلِكَ) فَإِنَّهَا تَذْكُرُ عَلَى وَجْهٍ يَقَعُ النَّاسُ فِي الْخَطَأِ
قَالَهُ السِّنْدِيُّ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِنَحْوِهِ
(إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ) أَيِ انْتِقَالُهَا مِنْ مَسْكَنِ الزَّوْجِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ هَذَا مُرْسَلٌ
(طَلَّقَ بِنْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَكَمِ) هِيَ بِنْتُ أَخِي مَرْوَانَ وَاسْمُهَا عَمْرَةُ (فَانْتَقَلَهَا) أَيْ نَقَلَهَا مِنْ مَسْكَنِهَا الَّذِي طُلِّقَتْ فِيهِ (وَهُوَ أَمِيرُ الْمَدِينَةِ) أَيْ يَوْمَئِذٍ مِنْ قِبَلِ مُعَاوِيَةَ وَوَلِيَ الْخِلَافَةَ بَعْدَ ذَلِكَ (وَارْدُدِ الْمَرْأَةَ) أَيْ عَمْرَةَ بِنْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ (إِلَى بَيْتِهَا) أَيِ الَّذِي طُلِّقَتْ فِيهِ (فَقَالَ مَرْوَانُ فِي حَدِيثِ سُلَيْمَانَ إِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ غَلَبَنِي) وَهُوَ مَوْصُولٌ بَالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ إِلَى يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَهُوَ الَّذِي فَصَلَ بَيْنَ حَدِيثَيْ شَيْخَيْهِ فَسَاقَ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ ثُمَّ بَيَّنَ لَفْظَ سُلَيْمَانَ وَحْدَهُ وَلَفْظَ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَحْدَهُ وَقَوْلُ مَرْوَانَ إِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ غَلَبَنِي أَيْ لَمْ يُطِعْنِي فِي رَدِّهَا إِلَى بَيْتِهَا وَقِيلَ مُرَادُهُ غَلَبَنِي بَالْحُجَّةِ لِأَنَّهُ احْتَجَّ بَالشَّرِّ الَّذِي كَانَ بَيْنَهُمَا كَذَا فِي الْفَتْحِ (لَا يَضُرُّكَ أَنْ لَا تَذْكُرَ حَدِيثَ فَاطِمَةَ) لِأَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِيهِ لِجَوَازِ انْتِقَالِ الْمُطَلَّقَةِ مِنْ مَنْزِلِهَا بِغَيْرِ سَبَبٍ
وَقَالَ فِي الْكَوَاكِبِ كَانَ لِعِلَّةٍ وَهُوَ أَنَّ مَكَانَهَا كَانَ وَحْشًا مَخُوفًا عَلَيْهَا أَوْ لِأَنَّهَا كَانَتْ لَسِنَةً اسْتَطَالَتْ عَلَى أَحْمَائِهَا كَذَا فِي الْقَسْطَلَّانِيِّ (فَقَالَ مَرْوَانُ إِنْ كَانَ بِكَ الشَّرُّ) أَيْ إِنْ كَانَ عِنْدَكَ أَنَّ سَبَبَ خُرُوجِ(6/283)
فَاطِمَةَ مَا وَقَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَقَارِبِ زَوْجِهَا مِنَ الشَّرِّ فَهَذَا السَّبَبُ مَوْجُودٌ وَلِذَلِكَ قَالَ (فَحَسْبُكَ) أَيْ فَيَكْفِيكَ (مَا كَانَ بَيْنَ هَذَيْنِ) أَيْ عَمْرَةَ وَزَوْجِهَا يَحْيَى وَهَذَا مَصِيرٌ مِنْ مَرْوَانَ إِلَى الرُّجُوعِ عَنْ رَدِّ خَبَرِ فَاطِمَةَ فَقَدْ كَانَ أَنْكَرَ الْخُرُوجَ مُطْلَقًا كَمَا مَرَّ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْجَوَازِ بِشَرْطِ وُجُودِ عَارِضٍ يَقْتَضِي جَوَازَ خُرُوجِهَا مِنْ مَنْزِلِ الطَّلَاقِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِمَعْنَاهُ مُخْتَصَرًا
(فَدُفِعْتُ) بِصِيغَةِ الْمُتَكَلِّمِ الْمَجْهُولِ (تِلْكَ امْرَأَةٌ فَتَنَتِ النَّاسَ) أَيْ بِذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى وَجْهٍ يَقَعُ النَّاسُ فِي الْخَطَأِ (كَانَتْ لَسِنَةً) بِكَسْرِ السِّينِ أَيْ كَانَتْ تَأْخُذُ النَّاسَ وَتَجْرَحُهُمْ بِلِسَانِهَا (فَوُضِعَتْ) عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ أَيْ أُخْرِجَتْ مِنْ بَيْتِ زوجها وجعلت كالوديعة عند بن أُمِّ مَكْتُومٍ
وَهَذَا الْأَثَرُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ
1 - (بَاب فِي الْمَبْتُوتَةِ تَخْرُجُ بِالنَّهَارِ)
(طُلِّقَتْ) بِضَمِّ الطَّاءِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ (ثَلَاثًا) أَيْ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ أَوْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ (تَجُدُّ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَضَمِّ الْجِيمِ بَعْدَهَا دَالٌ مُهْمَلَةٌ أَيْ تَقْطَعُ ثَمَرَ نخلها (لعلك أن تصدقي) بحذف إحدى التائين (أَوْ) لِلتَّنْوِيعِ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَجْهُ اسْتِدْلَالِ أَبِي دَاوُدَ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ فِي أَنَّ لِلْمُعْتَدَّةِ فِي الطَّلَاقِ أَنْ تَخْرُجَ بَالنَّهَارِ هُوَ أَنَّ جِدَادَ النَّخْلِ فِي غَالِبِ الْعُرْفِ لَا يَكُونُ إِلَّا نَهَارًا وَقَدْ نُهِيَ عَنْ جِدَادِ اللَّيْلِ وَنَخْلُ الْأَنْصَارِ قَرِيبٌ مِنْ دُورِهِمْ فَهِيَ إِذَا خرجت بكرة للجداد أمكنها أن تسمي فِي بَيْتِهَا لِقُرْبِ الْمَسَافَةِ وَهَذَا فِي الْمُعْتَدَّةِ مِنَ التَّطْلِيقَاتِ الثَّلَاثِ فَأَمَّا الرَّجْعِيَّةُ فَإِنَّهَا لَا تَخْرُجُ لَيْلًا وَلَا نَهَارًا
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا تَخْرُجُ الْمَبْتُوتَةُ لَيْلًا وَلَا نَهَارًا كَالرَّجْعِيَّةِ
وقال الشافعي(6/284)
تَخْرُجُ نَهَارًا وَلَا تَخْرُجُ لَيْلًا عَلَى ظَاهِرِ الحديث انتهى
قال القارىء تعليل للخروج ويعلم منه أنه لولا التصدق لَمَا جَازَ لَهَا الْخُرُوجُ أَوْ لِلتَّنْوِيعِ بِأَنْ يُرَادَ بَالتَّصَدُّقِ الْفَرْضُ وَبَالْخَيْرِ التَّطَوُّعُ وَالْهَدِيَّةُ وَالْإِحْسَانُ إِلَى الْجَارِ يَعْنِي أَنْ يَبْلُغَ مَالُكِ نِصَابًا فَتُؤَدِّي زَكَاتَهُ وَإِلَّا فَافْعَلِي مَعْرُوفًا مِنَ التَّصَدُّقِ وَالتَّقَرُّبِ وَالتَّهَادِي
وَفِيهِ أَنَّ حِفْظَ الْمَالِ وَاقْتِنَاءَهُ لِفِعْلِ الْمَعْرُوفِ مُرَخَّصٌ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مسلم والنسائي وبن مَاجَهْ
2 - (بَاب نَسْخِ مَتَاعِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا)
بِمَا فَرَضَ لَهَا مِنْ الْمِيرَاثِ (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ منكم ويذرون) أَيْ يَتْرُكُونَ (أَزْوَاجًا وَصِيَّةً) بَالنَّصْبِ أَيْ فَلْيُوصُوا وَصِيَّةً
وَفِي قِرَاءَةٍ بَالرَّفْعِ أَيْ عَلَيْكُمْ وَصِيَّةٌ (مَتَاعًا) أَيْ مَتِّعُوهُنَّ مَتَاعًا وَهُوَ نَفَقَةُ سَنَةٍ لِطَعَامِهَا وَكِسْوَتِهَا وَسُكْنَاهَا وَمَا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ (غَيْرَ إِخْرَاجٍ) حَالٌ أَيْ غَيْرَ مُخْرَجَاتٍ مِنْ مَسْكَنِهِنَّ
وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ قَوْلِ عِكْرِمَةَ وَفِي إِسْنَادِهِ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ وَفِيهِ مَقَالٌ قَالَهُ الْمُنْذِرِيُّ
3 - (بَاب إِحْدَادِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا)
قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْإِحْدَادُ وَالْحِدَادُ مُشْتَقٌّ مِنَ الْحَدِّ وَهُوَ الْمَنْعُ لِأَنَّهَا تُمْنَعُ الزِّينَةَ وَالطِّيبَ يُقَالُ أَحَدَّتِ الْمَرْأَةُ تُحِدُّ إِحْدَادًا وَحَدَّتْ تَحُدُّ بِضَمِّ الْحَاءِ وَتَحِدُّ بِكَسْرِهَا حَدًّا
كَذَا قَالَ(6/285)
الْجُمْهُورُ إِنَّهُ يُقَالُ أَحَدَّتْ وَحَدَّتْ
وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ لَا يُقَالُ إِلَّا أَحَدَّتْ رُبَاعِيًّا وَيُقَالُ امْرَأَةٌ حَادٌّ وَلَا يُقَالُ حَادَّةٌ
وَأَمَّا الْإِحْدَادُ فِي الشَّرْعِ فَهُوَ تَرْكُ الطِّيبِ وَالزِّينَةِ
(عَلَى أُمِّ حَبِيبَةَ) أَيْ بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا (فَدَعَتْ بِطِيبٍ) أَيْ طَلَبَتْ طِيبًا (فِيهِ صُفْرَةٌ خَلُوقٌ) عَلَى وَزْنِ صَبُورٍ ضَرْبٌ مِنَ الطِّيبِ وَهُوَ إِمَّا مَجْرُورٌ عَلَى إِضَافَةِ صُفْرَةَ إِلَيْهِ أَوْ مَرْفُوعٌ عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ لِصُفْرَةَ (ثُمَّ مَسَّتْ بِعَارِضَيْهَا) أَيْ بِجَانِبَيْ وَجْهِ نَفْسِهَا وَهُمَا جَانِبَا الْوَجْهِ فَوْقَ الذَّقَنِ إِلَى مَا دُونَ الْأُذُنِ (لَا يَحِلُّ) أَيْ لَا يَجُوزُ (لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بَاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) قَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ الْوَصْفُ بَالْإِيمَانِ إِشْعَارٌ بَالتَّعْلِيلِ وَأَنَّ مَنْ آمَنَ بَاللَّهِ وَبِعِقَابِهِ لَا يجترىء عَلَى مِثْلِهِ مِنَ الْعِظَامِ (أَنْ تُحِدَّ) بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ وَكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ مِنَ الْإِحْدَادِ أَوْ بِفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ وَضَمِّ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا أَيْ أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا مِنَ الزِّينَةِ وَتَتْرُكَ الطِّيبَ (إِلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا) قَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الْإِحْدَادِ عَلَى الْمُعْتَدَّةِ مِنْ وَفَاةِ زَوْجِهَا وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ فِي الْجُمْلَةِ وَإِنِ اخْتَلَفُوا فِي تَفْصِيلِهِ فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ مُعْتَدَّةٍ عَنْ وَفَاةٍ سَوَاءً الْمَدْخُولُ بِهَا وَغَيْرُهُ وَالصَّغِيرَةُ وَالْكَبِيرَةُ وَالْبِكْرُ وَالثَّيِّبُ وَالْحُرَّةُ وَالْأَمَةُ وَالْمُسْلِمَةُ وَالْكَافِرَةُ هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَغَيْرُهُ مِنَ الْكُوفِيِّينَ وَأَبُو ثَوْرٍ وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ لَا يَجِبُ عَلَى الزَّوْجَةِ الْكِتَابِيَّةِ بَلْ يَخْتَصُّ بَالْمُسْلِمَةِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بَاللَّهِ فَخَصَّهُ بَالْمُؤْمِنَةِ
وَدَلِيلُ الْجُمْهُورِ أَنَّ الْمُؤْمِنَ هُوَ الَّذِي يَسْتَثْمِرُ خِطَابَ الشَّارِعِ وَيَنْتَفِعُ بِهِ وَيَنْقَادُ لَهُ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أَيْضًا لَا إِحْدَادَ عَلَى الصَّغِيرَةِ وَلَا عَلَى الزَّوْجَةِ الْأَمَةِ
وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا إِحْدَادَ عَلَى أُمِّ الْوَلَدِ وَلَا عَلَى الْأَمَةِ إِذَا تُوُفِّيَ عَنْهُمَا سَيِّدُهُمَا وَلَا عَلَى الزَّوْجَةِ الرَّجْعِيَّةِ
وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا فقال عطاء وربيعة ومالك والليث والشافعي وبن الْمُنْذِرِ لَا إِحْدَادَ عَلَيْهَا
قَالَ وَقَالَ الْحَكَمُ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالْكُوفِيُّونَ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَبُو عُبَيْدٍ عَلَيْهَا الْإِحْدَادُ انْتَهَى
(حِينَ تُوُفِّيَ أَخُوهَا) سُمِّيَ فِي بَعْضِ الْمُوَطَّآتِ عَبْدُ اللَّهِ وَكَذَا هُوَ في صحيح بن حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُصْعَبٍ وَإِنَّ الْمَعْرُوفَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَحْشٍ قُتِلَ بِأُحُدٍ شَهِيدًا وَزَيْنَبُ بِنْتُ أَبِي(6/286)
سَلَمَةَ يَوْمَئِذٍ طِفْلَةٌ فَيَسْتَحِيلُ أَنْ تَكُونَ دَخَلَتْ عَلَى زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ وَأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عُبَيْدُ اللَّهِ الْمُصَغَّرُ فَإِنَّ دُخُولَ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ عِنْدَ بُلُوغِ الْخَبَرِ إِلَى الْمَدِينَةِ بِوَفَاتِهِ كَانَ وَهِيَ مُمَيِّزَةٌ أَوِ الْمَيِّتُ كَانَ أَخَا زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ مِنْ أُمِّهَا أَوْ مِنَ الرَّضَاعَةِ كَذَا فِي الْفَتْحِ
(قَالَتْ زَيْنَبُ وَسَمِعْتُ أُمِّي أُمَّ سلمة) هذا هو الحديث الثالث وأما سَلَمَةَ بَدَلٌ مِنْ أُمِّي (إِنَّ ابْنَتِي تُوُفِّيَ زَوْجُهَا عَنْهَا) وَاسْمُهُ الْمُغِيرَةُ الْمَخْزُومِيُّ (وَقَدِ اشْتَكَتْ عَيْنَهَا) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ عَيْنَيْهَا بِصِيغَةِ التَّثْنِيَةِ
قال بن دَقِيقِ الْعِيدِ يَجُوزُ فِيهِ وَجْهَانِ ضَمُّ النُّونِ عَلَى الْفَاعِلِيَّةِ عَلَى أَنْ تَكُونَ الْعَيْنُ هِيَ الْمُشْتَكِيَةُ وَفَتْحُهَا عَلَى أَنْ يَكُونَ فِي اشْتَكَتْ ضَمِيرُ الْفَاعِلِ وَهِيَ الْمَرْأَةُ وَرَجَّحَ هَذَا وَوَقَعَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ عَيْنَاهَا يَعْنِي وَهُوَ يُرَجِّحُ الضَّمَّ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ فِي مُسْلِمٍ وَعَلَى الضَّمِّ اقْتَصَرَ النَّوَوِيُّ وَهُوَ الْأَرْجَحُ وَالَّذِي رَجَّحَ الْأَوَّلَ هو المنذري (فنكحلها) بَالنُّونِ الْمَفْتُوحَةِ وَبِضَمِّ الْحَاءِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ أَفَنَكْحُلُهَا بِذِكْرِ الْهَمْزَةِ وَفِي بَعْضِهَا أَفَتَكْحُلُهَا بِتَاءِ التَّأْنِيثِ وَالضَّمِيرُ الْبَارِزُ إِلَيْهَا أَوْ إِلَى عَيْنِهَا (لَا) أَيْ لَا تَكْحُلُهَا (مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا) أَيْ قَالَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا (كُلَّ ذَلِكَ) بَالنَّصْبِ (يَقُولُ لَا) قَالَ الطِّيبِيُّ صِفَةٌ مُؤَكِّدَةٌ لِقَوْلِهِ ثَلَاثًا
قَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ الِاكْتِحَالِ عَلَى الْحَادَّةِ سَوَاءٌ احْتَاجَتْ إِلَيْهِ أَمْ لَا
وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ فِي الْمُوَطَّأِ وَغَيْرِهِ فِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ اجْعَلِيهِ بَاللَّيْلِ وَامْسَحِيهِ بَالنَّهَارِ
وَوَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ أَنَّهَا إِذَا لَمْ تَحْتَجْ إِلَيْهِ لَا يَحِلُّ لَهَا وَإِنِ احْتَاجَتْ لَمْ يَجُزْ بَالنَّهَارِ وَيَجُوزُ بَاللَّيْلِ مَعَ أَنَّ الْأَوْلَى تَرْكُهُ فَإِنْ فَعَلَتْهُ مَسَحَتْهُ بَالنَّهَارِ إِنَّمَا هِيَ أَيِ الْعِدَّةُ الشَّرْعِيَّةُ (أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا) بَالنَّصْبِ عَلَى حِكَايَةِ لَفْظِ الْقُرْآنِ
قَالَ الْحَافِظُ وَلِبَعْضِهِمْ بَالرَّفْعِ وَهُوَ وَاضِحٌ (تَرْمِي بَالْبَعَرَةِ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَالْعَيْنِ وَتُسَكَّنُ وَهِيَ رَوْثُ الْبَعِيرِ (عَلَى رَأْسِ الْحَوْلِ) أَيْ فِي أول السنة (قال حميد) هو بن نَافِعٍ رَاوِي الْحَدِيثِ(6/287)
وَهُوَ مَوْصُولٌ بَالْإِسْنَادِ الْمَبْدُوءِ بِهِ (وَمَا تَرْمِي بَالْبَعَرَةِ) أَيْ بَيِّنِي لِي الْمُرَادَ بِهَذَا الْكَلَامِ الَّذِي خُوطِبَتْ بِهِ هَذِهِ الْمَرْأَةُ
(دَخَلَتْ حِفْشًا) بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الْفَاءِ وَبَالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ بَيْتًا صَغِيرًا حَقِيرًا قَرِيبَ السُّمْكِ (وَلَمْ تَمَسَّ) بِفَتْحِ التَّاءِ الْفَوْقِيَّةِ وَالْمِيمِ (حَتَّى تَمُرَّ بِهَا سَنَةٌ) أَيْ مِنْ وَفَاةِ زَوْجِهَا (ثُمَّ تُؤْتَى) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ ثَالِثَهِ (بِدَابَّةٍ) بَالتَّنْوِينِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ مَا دَبَّ مِنَ الْحَيَوَانِ وَغَلَبَ عَلَى مَا يُرْكَبُ وَيَقَعُ عَلَى الْمُذَكَّرِ (حِمَارٍ) بَالتَّنْوِينِ وَالْجَرِّ عَلَى الْبَدَلِ (أَوْ شَاةٍ أَوْ طَائِرٍ) أَوْ لِلتَّنْوِيعِ لَا لِلشَّكِّ وَإِطْلَاقُ الدَّابَّةِ عَلَيْهِمَا بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ كَمَا مَرَّ (فَتَفْتَضُّ بِهِ) بِفَاءٍ فَمُثَنَّاةٍ فَوْقِيَّةٍ فَفَاءٍ ثَانِيَةٍ ففوقية أخرى فضاد معجمة مشددة
قال بن قُتَيْبَةَ سَأَلْتُ الْحِجَازَيينَ عَنِ الِافْتِضَاضِ فَذَكَرُوا أَنَّ الْمُعْتَدَّةَ كَانَتْ لَا تَمَسُّ مَاءً وَلَا تُقَلِّمُ ظُفْرًا وَلَا تُزِيلُ شَعْرًا ثُمَّ تَخْرُجُ بَعْدَ الْحَوْلِ بِأَقْبَحِ مَنْظَرٍ ثُمَّ تَفْتَضُّ أَيْ تَكْسِرُ مَا هِيَ فِيهِ مِنَ الْعِدَّةِ بِطَائِرٍ تَمْسَحُ بِهِ قُبُلَهَا وَتَنْبِذُهُ فَلَا يَكَادُ يَعِيشُ بَعْدَ مَا تَفْتَضُّ بِهِ
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ هُوَ مِنْ فَضَّضْتُ الشَّيْءَ إِذَا كَسَرْتُهُ وَفَرَّقْتُهُ أَيْ أَنَّهَا كَانَتْ تَكْسِرُ مَا كَانَتْ فِيهِ مِنَ الْحِدَادِ بِتِلْكَ الدَّابَّةِ
قَالَ الْأَخْفَشُ مَعْنَاهُ تَتَنَظَّفُ بِهِ وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ الْفِضَّةِ تَشْبِيهًا لَهُ بِنَقَائِهَا وَبَيَاضِهَا وَقِيلَ تَمْسَحُ بِهِ ثُمَّ تَفْتَضُّ أَيْ تَغْتَسِلُ بَالْمَاءِ الْعَذْبِ حَتَّى تَصِيرَ بَيْضَاءَ نَقِيَّةً كَالْفِضَّةِ
وَقَالَ الْخَلِيلُ الْفَضِيضُ الْمَاءُ الْعَذْبُ يُقَالُ افْتَضَضَتْ أَيِ اغْتَسَلَتْ بِهِ كَذَا قَالَ الْقَسْطَلَّانِيُّ (فَقَلَّمَا تَفْتَضُّ بِشَيْءٍ) أَيْ مِمَّا ذُكِرَ (إِلَّا مَاتَ) أَيْ ذَلِكَ الشَّيْءُ (فَتُعْطَى) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (فترمي بها) في رواية بن الْمَاجِشُونِ عَنْ مَالِكٍ فَتَرْمِي بِهَا أَمَامَهَا فَيَكُونُ ذلك إحلالا لها
وفي رواية بن وَهْبٍ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهَا
قَالَهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ (ثُمَّ تُرَاجِعُ بَعْدَ) أَيْ بَعْدَ مَا ذُكِرَ مِنَ الِافْتِضَاضِ وَالرَّمْيِ (مِنْ طِيبٍ أَوْ غَيْرِهِ) مِمَّا كَانَتْ مَمْنُوعَةً مِنْهُ فِي الْعِدَّةِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وبن ماجه(6/288)
44 - (بَاب فِي الْمُتَوَفَّى عَنْهَا تَنْتَقِلُ)
(أَنَّ الْفُرَيْعَةَ) بِضَمِّ فَاءٍ وَفَتْحِ رَاءٍ (بِنْتَ مَالِكِ بْنِ سِنَانٍ) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ (وَهِيَ) أَيِ الْفُرَيْعَةُ (أَخْبَرَتْهَا) أَيْ أَخْبَرَتِ الْفُرَيْعَةُ زَيْنَبَ (تَسْأَلُهُ) حَالٌ (فِي بَنِي خُدْرَةَ) بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ أَبُو قَبِيلَةٍ (فِي طَلَبِ أَعْبُدٍ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ فَضَمٍّ جَمْعُ عَبْدٍ (أَبَقُوا) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ هَرَبُوا (بِطَرَفِ الْقَدُّومِ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ وَتَخْفِيفِهَا أَيْضًا مَوْضِعٌ عَلَى سِتَّةِ أَمْيَالٍ مِنَ الْمَدِينَةِ (وَلَا نَفَقَةٍ) بَالْجَرِّ أَيْ وَلَا فِي نَفَقَةٍ (فِي الْحُجْرَةِ) أَيِ الْحُجْرَةِ الشَّرِيفَةِ (أَوْ فِي الْمَسْجِدِ) أَيِ النَّبَوِيِّ وَهُوَ مَسْجِدُ الْمَدِينَةِ (دَعَانِي) أَيْ دَعَانِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَوْ أَمَرَنِي) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ أَمَرَ بِي وَالشَّكُّ مِنْ الْفُرَيْعَةِ (فَدُعِيتُ لَهُ) أَيْ نُودِيتُ وَطُلِبْتُ عِنْدَهُ (فَرَدَدْتُ عَلَيْهِ) أَيْ أَعَدْتُ عَلَيْهِ مَا قُلْتُهُ سَابِقًا (فَقَالَ امْكُثِي بِضَمِّ الْكَافِ أَيْ تَوَقَّفِي وَاثْبُتِي (فِي بَيْتِكِ) أَيِ الَّذِي كُنْتِ فِيهِ (حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ) أَيِ الْعِدَّةُ الْمَكْتُوبُ عَلَيْهَا أَيِ الْمَفْرُوضَةُ (أَجَلَهُ) أَيْ مُدَّتَهُ
وَالْمَعْنَى حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ وَسُمِّيَتِ الْعِدَّةُ كِتَابًا لِأَنَّهَا فَرِيضَةٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ تَعَالَى كُتِبَ عَلَيْكُمْ أَيْ فُرِضَ وَهُوَ اقْتِبَاسٌ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى وَلَا تَعْزِمُوا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله وَنَظَائِرُ الِاقْتِبَاسِ فِي الْأَخْبَارِ كَثِيرَةٌ وَلَا عِبْرَةَ لِقَوْلِ مَنْ كَرِهَهُ كَمَا بَسَطَهُ السُّيُوطِيُّ فِي الْإِتْقَانِ (فَلَمَّا كَانَ(6/289)
عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ) أَيْ خِلَافَةُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَفِي رِوَايَةِ مَالِكٍ فَلَمَّا كَانَ أَمْرُ عُثْمَانَ (فَاتَّبَعَهُ وَقَضَى بِهِ) أَيِ اتَّبَعَ عُثْمَانُ مَا أَخْبَرْتُهُ بِهِ وَحَكَمَ بِهِ
قَالَ الْعَلَّامَةُ الْقَاضِي الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ قَدِ اسْتُدِلَّ بِحَدِيثِ فُرَيْعَةَ عَلَى أَنَّ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا تَعْتَدُّ فِي الْمَنْزِلِ الَّذِي بَلَغَهَا نَعْيُ زَوْجِهَا وَهِيَ فِيهِ وَلَا تَخْرُجُ مِنْهُ إِلَى غَيْرِهِ
وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ
وَقَدْ أَخْرَجَ ذَلِكَ عبد الرزاق عن عمر وعثمان وبن عُمَرَ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ أكثر أصحاب بن مَسْعُودٍ وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَعَطَاءٍ وَأَخْرَجَهُ حَمَّادٌ عن بن سِيرِينَ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُمْ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو عُبَيْدٍ
قَالَ وَحَدِيثُ فُرَيْعَةَ لَمْ يَأْتِ مَنْ خَالَفَهُ بِمَا يَنْتَهِضُ لِمُعَارَضَتِهِ فَالتَّمَسُّكُ بِهِ مُتَعَيَّنٌ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الترمذي والنسائي وبن مَاجَهْ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ
(بَاب مَنْ رَأَى التَّحَوُّلَ لِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا إِلَى مَكَانٍ آخَرَ)
وَبَوَّبَ النَّسَائِيُّ بِقَوْلِهِ بَابُ الرُّخْصَةِ لِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا أَنْ تَعْتَدَّ حَيْثُ شَاءَتْ
(نَسَخَتْ هَذِهِ الْآيَةُ) الْأُولَى
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه اللَّه اِخْتَلَفَ السَّلَف فِي وُجُوب اِعْتِدَاد الْمُتَوَفَّى عَنْهَا فِي مَنْزِلهَا فَأَوْجَبَهُ عُمَر وَعُثْمَان وَرُوِيَ عن بن مسعود وبن عُمَر وَأُمّ سَلَمَة وَبِهِ يَقُول الثَّوْرِيّ وَالْأَوْزاَعِيّ وإسحاق والأئمة الأربعة
قال بن عَبْد الْبَرّ وَهُوَ قَوْل جَمَاعَة فُقَهَاء الْأَمْصَار بِالْحِجَازِ وَالشَّام وَالْعِرَاق وَمِصْر
وَرُوِيَ عَنْ عَلِيّ وبن عَبَّاس وَجَابِر وَعَائِشَة تَعْتَدّ حَيْثُ شَاءَتْ وَقَالَ بِهِ جَابِر بْن زَيْد وَالْحَسَن وَعَطَاء
ثُمَّ اِخْتَلَفَ الْمُوجِبُونَ لِمُلَازَمَةِ الْمَنْزِل فِيمَا إِذَا جَاءَهَا خَبَر وَفَاته فِي غَيْر مَنْزِلهَا
فَقَالَ الْأَكْثَرُونَ(6/290)
وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ في أنفسهن بالمعروف (عِدَّتَهَا) أَيِ الْمَرْأَةُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا (عِنْدَ أَهْلِهَا) الْمَذْكُورَةُ فِي الْآيَةِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خرجن فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ من معروف (فَتَعْتَدُّ حَيْثُ شَاءَتْ) لِأَنَّ السُّكْنَى تَبَعٌ لِلْعِدَّةِ فَلَمَّا نُسِخَ الْحَوْلُ بِأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ وَالْعَشْرِ نُسِخَتِ السُّكْنَى أَيْضًا (وَهُوَ) أَيِ الْمَنْسُوخُ حُكْمُهُ (قَوْلُ الله عزوجل غَيْرَ إِخْرَاجٍ) فَهَذِهِ الْآيَةُ الثَّانِيَةُ الَّتِي فِيهَا غَيْرَ إِخْرَاجٍ مَنْسُوخٌ بَالْآيَةِ الْأُولَى (قَالَ عَطَاءٌ) أَيْضًا (إِنْ شَاءَتْ) الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا (اعْتَدَّتْ عِنْدَ أَهْلِهِ) أَيْ أَهْلِ زَوْجِهَا
وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ عِنْدَ أَهْلِهَا (وَسَكَنَتْ فِي وَصِيَّتِهَا) أَيِ الْمُشَارِ إليها بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول (وَإِنْ شَاءَتْ خَرَجَتْ) مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا (ثُمَّ جَاءَ الْمِيرَاثُ) فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فإن كان لكم ولد فلهن الثمن (فَنَسَخَ السُّكْنَى) كَمَا نَسَخَتْ آيَةُ الْخُرُوجِ وَهِيَ فإن خرجن فلا جناح عليكم فيما فعلن وُجُوبَ الِاعْتِدَادِ عِنْدَ أَهْلِ الزَّوْجِ (تَعْتَدُّ حَيْثُ شَاءَتْ) وَزَادَ الْبُخَارِيُّ وَلَا سُكْنَى لَهَا
قَالَ الْعَيْنِيُّ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ إِنَّ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا لَا سُكْنَى لَهَا وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ كَالنَّفَقَةِ وَأَظْهَرُهُمَا الْوُجُوبُ وَمَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّ لَهَا السُّكْنَى إِذَا كَانَتِ الدَّارُ مِلْكًا لِلْمَيِّتِ انْتَهَى
وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ أَخْبَرَنَا رَوْحٌ حَدَّثَنَا شِبْلٌ عَنِ بن أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ ويذرون أزواجا قَالَ كَانَتْ هَذِهِ الْعِدَّةُ تَعْتَدُّ عِنْدَ أَهْلِ
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
تَعْتَدّ فِي مَنْزِلهَا
وَقَالَ إِبْرَاهِيم النَّخَعِيُّ وَسَعِيد بْن الْمُسَيَّب لَا تَبْرَح مِنْ مَكَانهَا الَّذِي أَتَاهَا فِيهِ نَعْي زَوْجهَا
وَحَدِيث الْفُرَيْعَة حُجَّة ظَاهِرَة لَا مُعَارِض لَهَا
وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {فإن خرجن فلا جناح عليكم} فإنها سنة الِاعْتِدَاد فِي مَنْزِل الزَّوْج فَالْمَنْسُوخ حُكْمٌ آخَر غَيْر الِاعْتِدَاد فِي الْمَنْزِل وَهُوَ اِسْتِحْقَاقهَا لِلسُّكْنَى فِي بَيْت الزَّوْج الَّذِي صَارٍ لِلْوَرَثَةِ سُنَّة وَصِيَّة أَوْصَى اللَّه بِهَا الْأَزْوَاج تَقَدَّمَ بِهِ عَلَى الْوَرَثَة ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِالْمِيرَاثِ وَلَمْ يَبْقَ لَهَا اِسْتِحْقَاق فِي السُّكْنَى الْمَذْكُورَة فَإِنْ كَانَ الْمَنْزِل الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ الزَّوْج لَهَا أَوْ بَذَلَ الْوَرَثَة لَهَا السُّكْنَى لَزِمَهَا الِاعْتِدَاد فِيهِ وَهَذَا لَيْسَ بِمَنْسُوخٍ فَالْوَاجِب عَلَيْهَا فِعْل السُّكْنَى لَا تَحْصِيل الْمَسْكَن فَاَلَّذِي نُسِخَ إِنَّمَا هُوَ اِخْتِصَاصهَا بِسُكْنَى السُّنَّة دُون الْوَرَثَة وَاَلَّذِي أَمَرَتْ بِهِ أَنْ تَمْكُث فِي بَيْتهَا حَتَّى تَنْقَضِي عِدَّتهَا وَلَا تَنَافِي بَيْن الْحُكْمَيْنِ
وَاَللَّه أعلم
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وهذا يدل على أن بن مَسْعُود يَرَى نَسْخ الْآيَة فِي الْبَقَرَة بِهَذِهِ الْآيَة الَّتِي فِي الطَّلَاق وَهِيَ قَوْله {وَأُولَات الْأَحْمَال أَجَلهنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلهنَّ} وَهَذَا عَلَى عُرْف السَّلَف فِي النَّسْخ فَإِنَّهُمْ(6/291)
زَوْجِهَا وَاجِبٌ فَأَنْزَلَ اللَّهُ وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فيما فعلن في أنفسهن من معروف
قَالَ جَعَلَ اللَّهُ لَهَا تَمَامَ السَّنَةِ سَبْعَةَ أَشْهُرٍ وَعِشْرِينَ لَيْلَةً وَصِيَّةً إِنْ شَاءَتْ سَكَنَتْ فِي وَصِيَّتِهَا وَإِنْ شَاءَتْ خَرَجَتْ وَهُوَ قَوْلُ اللَّهِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عليكم فَالْعِدَّةُ كَمَا هِيَ وَاجِبٌ عَلَيْهَا
زَعَمَ ذَلِكَ عن مجاهد
وقال عطاء قال بن عَبَّاسٍ نَسَخَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عِدَّتَهَا عِنْدَ أَهْلِهَا فَتَعْتَدُّ حَيْثُ شَاءَتْ
وَقَوْلُ اللَّهِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ قَالَ عَطَاءٌ إِنْ شَاءَتِ اعْتَدَّتْ عِنْدَ أَهْلِهِ وَسَكَنَتْ فِي وَصِيَّتِهَا وَإِنْ شَاءَتْ خَرَجَتْ لِقَوْلِ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أنفسهن قَالَ عَطَاءٌ ثُمَّ جَاءَ الْمِيرَاثُ فَنَسَخَ السُّكْنَى فَتَعْتَدُّ حَيْثُ شَاءَتْ وَلَا سُكْنَى لَهَا
قَالَ الحافظ بن حجر قال بن بَطَّالٍ ذَهَبَ مُجَاهِدٌ إِلَى أَنَّ الْآيَةَ وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا نَزَلَتْ قَبْلَ الْآيَةِ الَّتِي فِيهَا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ متاعا إلى الحول غير إخراج كَمَا هِيَ قَبْلَهَا فِي التِّلَاوَةِ وَكَانَ الْحَامِلُ لَهُ عَلَى ذَلِكَ اسْتِشْكَالُ أَنْ يَكُونَ النَّاسِخُ قَبْلَ الْمَنْسُوخِ فَرَأَى أَنَّ اسْتِعْمَالَهُمَا مُمْكِنٌ بِحُكْمٍ غَيْرِ مُتَدَافِعٍ لِجَوَازِ أَنْ يُوجِبَ اللَّهُ عَلَى الْمُعْتَدَّةِ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا وَيُوجِبُ عَلَى أَهْلِهَا أَنْ تَبْقَى عِنْدَهُمْ سَبْعَةَ أَشْهُرٍ وَعِشْرِينَ لَيْلَةً تَمَامَ الْحَوْلِ إِنْ أَقَامَتْ عِنْدَهُمْ
قَالَ وَهُوَ قَوْلٌ لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ غَيْرَهُ وَلَا تَابَعَهُ عَلَيْهَا مِنَ الْفُقَهَاءِ أَحَدٌ بَلْ أَطْبَقُوا عَلَى أَنَّ آيَةَ الْحَوْلِ مَنْسُوخَةٌ وَأَنَّ السُّكْنَى تَبَعٌ لِلْعِدَّةِ فَلَمَّا نُسِخَ الْحَوْلُ فِي الْعِدَّةِ بَالْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ نُسِخَتِ السُّكْنَى أيضا
وقال بن عَبْدِ الْبَرِّ لَمْ يَخْتَلِفِ الْعُلَمَاءُ أَنَّ الْعِدَّةَ بَالْحَوْلِ نُسِخَتْ إِلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي قَوْلِهِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَالْجُمْهُورُ عَلَى أنه نسخ أيضا
وروى بن أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فَذَكَرَ حَدِيثَ الْبَابِ قَالَ وَلَمْ يُتَابَعْ عَلَى ذَلِكَ وَلَا قَالَ أَحَدٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ به في مدة العدة بل روى بن جُرَيْجٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَدْرِهَا مِثْلَ مَا عَلَيْهِ النَّاسُ فَارْتَفَعَ الْخِلَافُ وَاخْتَصَّ مَا نُقِلَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَغَيْرِهِ بِمُدَّةِ السُّكْنَى عَلَى أَنَّهُ أَيْضًا شَاذٌّ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ
وَاللَّهُ أَعْلَمُ
قَالَ الْعَيْنِيُّ وَحَاصِلُ كَلَامِ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ جَعَلَ عَلَى الْمُعْتَدَّةِ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا وَأَوْجَبَ عَلَى أَهْلِهَا أَنْ تَبْقَى عِنْدَهُمْ سَبْعَةَ أَشْهُرٍ وَعِشْرِينَ لَيْلَةً تَمَامَ الْحَوْلِ
وَقَالَ الْعَيْنِيُّ أَيْضًا قَالَ مُجَاهِدٌ إِنَّ الْعِدَّةَ الْوَاجِبَةَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وعشرا وتمام السنة باختيارها بحسب الْوَصِيَّةِ فَإِنْ شَاءَتْ قَبِلَتِ الْوَصِيَّةَ وَتَعْتَدُّ إِلَى الْحَوْلِ وَإِنْ شَاءَتِ اكْتَفَتْ(6/292)
بَالْوَاجِبِ
وَيُقَالُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ الْعِدَّةُ إِلَى تَمَامِ السَّنَةِ وَاجِبَةٌ وَأَمَّا السُّكْنَى عِنْدَ زَوْجِهَا فَفِي الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ وَالْعَشْرِ وَاجِبَةٌ وَفِي التَّمَامِ بَاخْتِيَارِهَا وَلَفْظُهُ فَالْعِدَّةُ كَمَا هِيَ وَاجِبٌ عَلَيْهَا
يُؤَيِّدُ هَذَا الِاحْتِمَالُ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا يَقُومُ بَالنَّسْخِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَفِي جَامِعِ الْبَيَانِ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غير إخراج يَعْنِي وَحَقُّ الْمُتَوَفَّى أَنْ يُوصُوا قَبْلَ أَنْ يَحْتَضِرُوا بِأَنْ تُمَتَّعَ أَزْوَاجُهُمْ بَعْدَهُمْ حَوْلًا كَامِلًا وَيُنْفَقَ عَلَيْهِنَّ مِنْ تَرِكَتِهِ غَيْرَ مُخْرَجَاتٍ مِنْ مَسَاكِنِهِنَّ وَهَذَا فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ نُسِخَتِ الْمُدَّةُ بِقَوْلِهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا وَالنَّفَقَةُ بَالْإِرْثِ
هَذَا مَا عَلَيْهِ أَكْثَرُ السَّلَفِ فَكَانَتِ الْآيَةُ مُتَأَخِّرَةً فِي التِّلَاوَةِ مُتَقَدِّمَةً فِي النُّزُولِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ
6 - (بَاب فيما تجتنب الْمُعْتَدَّةُ فِي عِدَّتِهَا)
(عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْجَرَّاحِ الْقُهِسْتَانِيُّ) قَالَ فِي الْمَرَاصِدِ قُوهِسْتَانُ بِضَمِّ أَوَّلِهِ ثُمَّ السُّكُونِ وَكَسْرِ الْهَاءِ وَسِينٍ مُهْمَلَةٍ بِتَعْرِيبِ كُوهِسْتَانَ يَعْنِي مَوْضِعُ الْجِبَالِ انْتَهَى مُخْتَصَرًا (لَا تُحِدُّ) بِصِيغَةِ النَّفْيِ وَمَعْنَاهُ النَّهْيُ (الْمَرْأَةُ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ امْرَأَةٌ (فَوْقَ ثَلَاثٍ) أَيْ لَيَالٍ أَوْ أَيَّامٍ (وَلَا تَلْبَسُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا إِلَّا ثَوْبَ عَصْبٍ) بِمُهْمَلَتَيْنِ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ سَاكِنَةٍ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ وَهُوَ بَالْإِضَافَةِ وَهِيَ بُرُودُ الْيَمَنِ يُعْصَبُ غزلها أي يربط ثم يصبغ ثم ينسخ مَعْصُوبًا فَيَخْرُجُ مُوَشًّى لِبَقَاءِ مَا عُصِبَ بِهِ أَبْيَضَ لَمْ يَنْصَبِغْ
وَإِنَّمَا يُعْصَبُ السَّدَى دُونَ اللحمة
قال بن الْمُنْذِرِ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْحَادَّةِ لُبْسُ الثِّيَابِ الْمُعَصْفَرَةِ وَلَا الْمُصْبَغَةِ إِلَّا مَا صُبِغَ بِسَوَادٍ فَرَخَّصَ فِيهِ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ لِكَوْنِهِ لَا يُتَّخَذُ لِلزِّينَةِ بَلْ هُوَ مِنْ لِبَاسِ الْحُزْنِ وَكَرِهَ عُرْوَةُ الْعَصْبَ أَيْضًا وَكَرِهَ مالك غليظه
قال بن النَّوَوِيِّ الْأَصَحُّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا تَحْرِيمُهُ مُطْلَقًا وَهَذَا الحديث حجة لمن أجازه(6/293)
وقال بن دَقِيقِ الْعِيدِ يُؤْخَذُ مِنْ مَفْهُومِ الْحَدِيثِ جَوَازُ مَا لَيْسَ بِمَصْبُوغٍ وَهِيَ الثِّيَابُ الْبِيضُ وَمَنَعَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ الْمُرْتَفِعُ مِنْهَا الَّذِي يُتَزَيَّنُ بِهِ وَكَذَلِكَ الْأَسْوَدُ إِذَا كَانَ مِمَّنْ يُتَزَيَّنُ بِهِ
قَالَ النَّوَوِيُّ وَرَخَّصَ أَصْحَابُنَا فِيمَا لَا يُتَزَيَّنُ بِهِ وَلَوْ كَانَ مَصْبُوغًا
وَاخْتُلِفَ فِي الْحَرِيرِ فَالْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ مَنْعُهُ مُطْلَقًا مَصْبُوغًا أَوْ غَيْرَ مَصْبُوغٍ لِأَنَّهُ أُبِيحَ لِلنِّسَاءِ لِلتَّزَيُّنِ بِهِ وَالْحَادَّةُ مَمْنُوعَةٌ مِنَ التَّزَيُّنِ فَكَانَ فِي حَقِّهَا كَالرِّجَالِ
وَفِي التَّحَلِّي بَالْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ وَبَاللُّؤْلُؤِ وَنَحْوِهِ وَجْهَانِ الْأَصَحُّ جَوَازُهُ وَفِيهِ نَظَرٌ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى فِي الْمَقْصُودِ بِلُبْسِهِ وَفِي الْمَقْصُودِ بَالْإِحْدَادِ فَإِنَّهُ عِنْدَ تَأَمُّلِهَا يَتَرَجَّحُ الْمَنْعُ كَذَا فِي الْفَتْحِ (وَلَا تَكْتَحِلُ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى مَنْعِ الْمُعْتَدَّةِ مِنَ الِاكْتِحَالِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ وَيَأْتِي بَعْضُهُ (وَلَا تَمَسُّ طِيبًا) فِيهِ تَحْرِيمُ الطِّيبِ عَلَى الْمُعْتَدَّةِ وَهُوَ كُلُّ مَا يُسَمَّى طِيبًا وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ (إِلَّا أَدْنَى طُهْرَتِهَا) أَيْ عِنْدَ قُرْبِ طُهْرِهَا (بِنُبْذَةٍ) بِضَمِّ النُّونِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ بَعْدَهَا مُعْجَمَةٌ وَهِيَ الْقِطْعَةُ مِنَ الشَّيْءِ وَتُطْلَقُ عَلَى الشَّيْءِ الْيَسِيرِ (مِنْ قُسْطٍ) بِضَمِّ الْقَافِ ضَرْبٌ مِنَ الطِّيبِ وَقِيلَ هُوَ عُودٌ يُحْمَلُ مِنَ الْهِنْدِ وَيُجْعَلُ فِي الْأَدْوِيَةِ
قَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ الْقُسْطُ عَقَارٌ مَعْرُوفٌ فِي الْأَدْوِيَةِ طَيِّبُ الرِّيحِ يَنْحَرُ النُّفَسَاءَ وَالْأَطْفَالَ (أَوْ أَظْفَارٍ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ ضَرْبٌ مِنَ الطِّيبِ لَا وَاحِدَ لَهُ وَقِيلَ وَاحِدُهُ ظُفْرٌ وَقِيلَ يُشْبِهُ الظُّفْرَ الْمَقْلُومَ مِنْ أَصْلِهِ وَقِيلَ هُوَ شَيْءٌ مِنَ الْعِطْرِ أَسْوَدُ وَالْقِطْعَةُ مِنْهُ شَبِيهَةٌ بَالظُّفْرِ
قَالَ النَّوَوِيُّ الْقُسْطُ وَالْأَظْفَارُ نَوْعَانِ مَعْرُوفَانِ مِنَ الْبَخُورِ وَلَيْسَا مِنْ مَقْصُودِ الطِّيبِ رُخِّصَ فِيهِ لِلْمُغْتَسِلَةِ مِنَ الْحَيْضِ لِإِزَالَةِ الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ تَتَبَّعَ بِهِ أَثَرَ الدَّمِ لَا لِلطِّيبِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
(وَزَادَ يَعْقُوبُ) أَيْ فِي رِوَايَتِهِ (وَلَا تَخْتَضِبُ) أَيْ بَالْحِنَّاءِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ البخاري ومسلم والنسائي وبن مَاجَهْ
(بِهَذَا الْحَدِيثِ) أَيْ مِثْلِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ وهو(6/294)
حديث إبراهيم بن طهمان وعبد الله السهمي عَنْ هِشَامٍ (وَلَيْسَ فِي تَمَامِ حَدِيثِهِمَا) يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى أَيْ لَيْسَ التَّشْبِيهُ وَمِثْلَيْهِ حَدِيثُ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ فِي تَمَامِ حَدِيثِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ وَعَبْدِ اللَّهِ السَّهْمِيِّ بَلْ مِثْلِيَّتُهُ فِي الْبَعْضِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ حَدِيثَ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ عَنْ هِشَامٍ مِثْلُ حَدِيثِ إِبْرَاهِيمَ وَعَبْدِ اللَّهِ عَنْ هِشَامٍ لَكِنْ بَيْنَهُمَا تَغَايُرٌ قَلِيلٌ
وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ حَدِيثَ يَزِيدَ لَكِنْ أَحَالَ عَلَى مَا قَبْلَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
(الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا) مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ لَا تَلْبَسُ (لَا تَلْبَسُ الْمُعَصْفَرَ) أَيِ الْمَصْبُوغُ بَالْمُعَصْفَرِ بَالضَّمِّ (وَلَا الْمُمَشَّقَةَ) بِضَمِّ الْمِيمِ الْأُولَى وَفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ الْمُشَدَّدَةِ أَيِ الْمَصْبُوغَةَ بَالْمِشْقِ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَهُوَ الطِّينُ الْأَحْمَرُ الَّذِي يُسَمَّى مَغْرَةٌ وَالتَّأْنِيثُ بَاعْتِبَارِ الْحَالَةِ أَوِ الثِّيَابِ (وَلَا الْحُلِيَّ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَيَجُوزُ كَسْرُهَا وَبِتَشْدِيدِ الْيَاءِ جَمْعُ حِلْيَةٍ وَهِيَ مَا يُتَزَيَّنُ بِهِ مِنَ الْمَصَاغِ وَغَيْرِهِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ
(بِنْتُ أَسِيدٍ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ السِّينِ (فَتَكْتَحِلُ بَالْجِلَاءِ) بَالْكَسْرِ وَالْمَدِّ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ كُحْلُ الْجِلَاءِ هُوَ الْإِثْمِدُ وَسُمِّيَ جِلَاءً لِأَنَّهُ يَجْلُو الْبَصَرَ (يَشْتَدُّ عَلَيْكِ) الضَّمِيرُ الْمَرْفُوعُ فِي يَشْتَدُّ يَرْجِعُ إِلَى أَمْرٍ وَالْجُمْلَةُ صِفَةٌ لَهُ (حِينَ تُوُفِّيَ) بِضَمَّتَيْنِ وَتَشْدِيدِ الْفَاءِ الْمَكْسُورَةِ أَيْ مَاتَ (أَبُو سَلَمَةَ) زَوْجُهَا الْأَوَّلُ قَبْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَقَدْ جَعَلْتُ عَلَى عَيْنِي صَبِرًا) بِفَتْحِ صَادٍ وَكَسْرِ مُوَحَّدَةٍ وَفِي نُسْخَةٍ بِسُكُونِهَا
قَالَ فِي الْقَامُوسِ بِكَسْرِ الْبَاءِ كَكَتِفِ وَلَا يَسْكُنُ إِلَّا فِي ضَرُورَةِ الشَّعْرِ وَقِيلَ يَجُوزُ كِلَاهُمَا عَلَى السَّوِيَّةِ كَكَتِفِ وَكَتْفِ
وَقَالَ الْجَعْبَرِيُّ الْصَّبِرُ مَعْرُوفٌ بِفَتْحِ الصَّادِ وَكَسْرِ الْبَاءِ وَجَاءَ إِسْكَانُهَا مَعَ كَسْرِ الصَّادِ(6/295)
وَفَتْحِهَا
وَفِي الْمِصْبَاحِ الصَّبِرُ بِكَسْرِ الْبَاءِ فِي الْمَشْهُورِ دَوَاءٌ مُرٌّ وَسُكُونُ الْبَاءِ لِلتَّخْفِيفِ لُغَةٌ وَرُوِيَ مَعَ فَتْحِ الصَّادِ وَكَسْرِهَا فَيَكُونُ فِيهِ ثَلَاثُ لُغَاتٍ (فَقَالَ مَا هَذَا) أَيْ مَا هَذَا التَّلَطُّخُ وَأَنْتِ فِي الْعِدَّةِ (إِنَّهُ يَشُبُّ) بِفَتْحٍ فَضَمٍّ فَتَشْدِيدِ مُوَحَّدَةٍ أَيْ يُوقِدُ الْوَجْهَ وَيَزِيدُ فِي لَوْنِهِ (وَتَنْزِعِيهِ) بِكَسْرِ الزَّاي عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ فَلَا تَجْعَلِيهِ عَلَى مَعْنَى فَاجْعَلِيهِ بَاللَّيْلِ وَانْزِعِيهِ بَالنَّهَارِ لِأَنَّ إِلَّا فِي الِاسْتِثْنَاءِ الْمُفَرَّغِ لَغْوٌ وَالْكَلَامُ مُثْبَتٌ وَحَذْفُ النُّونِ فِي تَنْزِعِيهِ لِلتَّخْفِيفِ وَهُوَ خَبَرٌ فِي مَعْنَى الْأَمْرِ (قَالَ بَالسِّدْرِ) أَيِ امْتَشِطِي (تَغَلَّفِينَ) بِحَذْفِ إِحْدَى التَّاءَيْنِ مِنْ تَغَلَّفَ الرَّجُلُ بَالْغَالِيَةِ أَيْ تَلَطَّخَ بِهَا أَيْ تُكْثِرِينَ مِنْهُ عَلَى شَعْرِكِ حَتَّى يَصِيرَ غِلَافًا لَهُ فَتُغَطِّيهِ كَتَغْطِيَةِ الْغِلَافِ الْمَغْلُوفِ وَرُوِيَ بِضَمِّ التَّاءِ وَكَسْرِ اللَّامِ مِنَ التَّغْلِيفِ وَهُوَ جَعْلُ الشَّيْءِ غِلَافًا لِشَيْءٍ
كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ
قَالَ فِي السُّبُلِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَيْ لِلْمُعْتَدَّةِ فِي عِدَّتِهَا الِاكْتِحَالُ بَالْإِثْمِدِ مُسْتَدِلِّينَ بِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ الَّذِي أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ يعني هذا الحديث المذكور آنفا
قال بن عَبْدِ الْبَرِّ وَهَذَا عِنْدِي وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لِحَدِيثِهَا الْآخَرِ النَّاهِي عَنِ الْكُحْلِ مَعَ الْخَوْفِ عَلَى الْعَيْنِ إِلَّا أَنَّهُ يُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرَفَ مِنَ الْحَالَةِ الَّتِي نَهَاهَا أَنَّ حَاجَتَهَا إِلَى الْكُحْلِ خَفِيفَةٌ غَيْرُ ضَرُورِيَّةٍ وَالْإِبَاحَةُ فِي اللَّيْلِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ بِذَلِكَ
قُلْتُ وَلَا يَخْفَى أَنَّ فَتْوَى أُمِّ سَلَمَةَ قِيَاسٌ مِنْهَا لِلْكُحْلِ عَلَى الْصَّبِرِ وَالْقِيَاسُ مَعَ النَّصِّ الثَّابِتِ وَالنَّهْيِ الْمُتَكَرِّرِ لَا يُعْمَلُ بِهِ عِنْدَ مَنْ قَالَ بِوُجُوبِ الْإِحْدَادِ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَأُمُّهَا مَجْهُولَةٌ
7 - (بَاب فِي عِدَّةِ الْحَامِلِ)
(عَلَى سُبَيْعَةَ) بِضَمِّ السِّينِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ (الْأَسْلَمِيَّةِ) نِسْبَةٌ إِلَى بَنِي أَسْلَمَ (وهي حامل(6/296)
جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ أَيْ فَتُوُفِّيَ سَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ عَنْ سُبَيْعَةَ حَالَ كَوْنِهَا حَامِلًا (فَلَمْ تَنْشَبْ) أَيْ فَلَمْ تَمْكُثْ (فَلَمَّا تَعَلَّتْ) بِتَشْدِيدِ اللَّامِ أَيْ طَهُرَتْ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ تَعَالَتْ وَهُمَا بِمَعْنًى
قَالَ السِّنْدِيُّ تَعَلَّتْ بِتَشْدِيدِ اللَّامِ مِنْ تعلى إذا ارتفع أو برأ أَيْ إِذَا ارْتَفَعَتْ وَطَهُرَتْ أَوْ خَرَجَتْ مِنْ نِفَاسِهَا وَسَلِمَتْ (تَجَمَّلَتْ لِلْخُطَّابِ) جَمْعُ خَاطِبٍ مِنَ الْخِطْبَةِ بَالْكَسْرِ (فَدَخَلَ عَلَيْهَا أَبُو السَّنَابِلِ) بِفَتْحِ السِّينِ اسْمُهُ عَمْرٌو وَقِيلَ حَبَّةُ بَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وقيل بالنون (بن بَعْكَكٍ) بِمُوَحَّدَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ عَيْنٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ كَافَيْنِ الْأُولَى مَفْتُوحَةٌ (رَجُلٌ) بَالرَّفْعِ بَدَلٌ مِنْ أبو السَّنَابِلِ (فَأَفْتَانِي بِأَنْ قَدْ حَلَلْتُ) بِضَمِّ التَّاءِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِأَنِّي قَدْ حَلَلْتُ (قَالَ بن شِهَابٍ) هُوَ الزُّهْرِيُّ (وَإِنْ كَانَتْ فِي دَمِهَا) أَيْ فِي دَمِ النِّفَاسِ (غَيْرَ أَنَّهُ) أَيِ الشَّأْنُ (لَا يَقْرَبُهَا زَوْجُهَا) أَيْ لَا يُجَامِعُهَا
قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي الْمَعَالِمِ قَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذَا فَرُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طالب وبن عَبَّاسٍ أَنَّهُمَا قَالَا تَنْتَظِرُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا آخِرَ الْأَجَلَيْنِ وَمَعْنَاهُ تَمْكُثُ حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا فَإِنْ كَانَتْ مُدَّةُ الْحَمْلِ مِنْ وَقْتِ وَفَاةِ زَوْجِهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَقَدْ حَلَّتْ وَإِنْ وَضَعَتْ قَبْلَ ذَلِكَ تَرَبَّصَتْ إِلَى أَنْ تَسْتَوْفِيَ الْمُدَّةَ
وَقَالَ عَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ انْقِضَاءُ عِدَّتِهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ طَالَتِ الْمُدَّةُ أَوْ قَصُرَتْ وَهُوَ قَوْلُ عمر وبن مسعود وبن عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِمْ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى(6/297)
(مَنْ شَاءَ لَاعَنْتُهُ) مِنَ الْمُلَاعَنَةِ وَهُوَ الْمُبَاهَلَةُ أَيْ مَنْ يُخَالِفُنِي فَإِنْ شَاءَ فَلْيَجْتَمِعْ مَعِي حَتَّى نَلْعَنَ الْمُخَالِفَ لِلْحَقِّ وَهَذَا كِنَايَةٌ عَنْ قَطْعِهِ وَجَزْمِهِ بِمَا يَقُولُ مِنْ غَيْرِ وَهْمٍ بِخِلَافِهِ (سُورَةُ النِّسَاءِ الْقُصْرَى) وَهِيَ سُورَةُ الطَّلَاقِ (بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ وَعَشْرًا) الْمَذْكُورَةِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ فَالْعَمَلُ عَلَى الْمُتَأَخِّرَةِ لِأَنَّهَا نَاسِخَةٌ لِلْمُتَقَدِّمَةِ قَالَهُ السِّنْدِيُّ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ يَعْنِي بِسُورَةِ النِّسَاءِ الْقُصْرَى سُورَةُ الطَّلَاقِ وَيُرِيدُ أَنَّ نُزُولَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ مُتَقَدِّمٌ عَلَى نُزُولِ سُورَةِ الطَّلَاقِ وَقَدْ ذَكَرَ فِي سُورَةِ الطَّلَاقِ حُكْمَ الْحَامِلِ وَأُولَاتُ الاحمال أجلهن أن يضعن حملهن فَظَاهِرُ هَذَا الْكَلَامِ مِنْهُ أَنَّهُ حَمَلَهُ عَلَى النَّسْخِ وَأَنَّ مَا فِي سُوَرةِ الطَّلَاقِ نَاسِخٌ لِلْحُكْمِ الَّذِي فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَعَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ لَا يَحْمِلُونَهُ عَلَى النَّسْخِ لَكِنْ يُرَتِّبُونَ إِحْدَى الْآيَتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى فَيَجْعَلُونَ الَّتِي فِي الْبَقَرَةِ فِي عِدَّةِ غَيْرِ الْحَوَامِلِ وَهَذِهِ فِي عِدَّةِ الْحَوَامِلِ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وبن ماجه
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
يُسَمُّونَ التَّخْصِيص وَالتَّقْيِيد نَسْخًا وَفِي الْقُرْآن مَا يَدُلّ عَلَى تَقْدِيم آيَة الطَّلَاق فِي الْعَمَل بِهَا وَهُوَ أَنَّ قَوْله تَعَالَى (أَجَلهنَّ) مُضَاف وَمُضَاف إِلَيْهِ وَهُوَ يُفِيد الْعُمُوم أَيْ هَذَا مَجْمُوع أَجَلهنَّ لَا أَجَل لَهُنَّ غَيْره وَأَمَّا قَوْله {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ} فَهُوَ فِعْل مُطْلَق لَا عُمُوم لَهُ فَإِذَا عَمِلَ بِهِ فِي غَيْر الْحَامِل كَانَ تَقْيِيدًا لِمُطْلَقِهِ بِآيَةِ الطَّلَاق فَالْحَدِيثُ مُطَابِقٌ لِلْمَفْهُومِ مِنْ دَلَالَة الْقُرْآن
وَاَللَّه أَعْلَم(6/298)
48 - (بَاب فِي عِدَّةِ أُمِّ الْوَلَدِ)
هِيَ الْجَارِيَةُ الَّتِي وَلَدَتْ مِنْ سَيِّدِهَا
(لَا تَلْبِسُوا عَلَيْنَا) بِفَتْحِ حَرْفِ الْمُضَارَعَةِ وَكَسْرِ الْبَاءِ الْمُخَفَّفَةِ أَيْ لَا تَخْلِطُوا وَيَجُوزُ التَّشْدِيدُ كَذَا فِي فَتْحِ الْوَدُودِ (سُنَّتَهُ) هَذَا لَفْظُ قُتَيْبَةَ وَالضَّمِيرُ يَرْجِعُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدُلُّ عليه لفظ بن الْمُثَنَّى (سُنَّةَ نَبِيِّنَا) قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي الْمَعَالِمِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ مِنَ التَّأْوِيلِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِذَلِكَ سُنَّةً كَانَ يَرْوِيهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَصًّا وَتَوْقِيفًا وَالْوَجْهُ الْآخَرُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْهُ اجْتِهَادًا عَلَى مَعْنَى السُّنَّةِ فِي الْحَرَائِرِ وَلَوْ كَانَ مَعْنَى السُّنَّةِ التَّوْقِيفَ لَأَشْبَهَ أَنْ يُصَرِّحَ بِهِ
وَأَيْضًا فَإِنَّ التَّلْبِيسَ لَا يَقَعُ فِي النُّصُوصِ إِنَّمَا يَكُونُ غَالِبًا فِي الرَّأْيِ وَالِاجْتِهَادِ وَقَدْ تَأَوَّلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا جَاءَ فِي أُمِّ وَلَدٍ بِعَيْنِهَا كَانَ أَعْتَقَهَا صَاحِبُهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا وَهَذِهِ إِذَا مَاتَ عَنْهَا مَوْلَاهَا الَّذِي هُوَ زَوْجُهَا كَانَتْ عِدَّتُهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا إِنْ لَمْ تَكُنْ حَامِلًا بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أهل العلم
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه اللَّه هَذَا الْحَدِيث يَرْوِيه قَبِيصَة بْن ذُؤَيْب عَنْ عَمْرو
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ قَبِيصَة لَمْ يَسْمَع مِنْ عَمْرو وَالصَّوَاب لَا تُلَبِّسُوا عَلَيْنَا مَوْقُوفٌ يَعْنِي لَمْ يُذْكَر فِيهِ سُنَّة نَبِيّنَا وَقَالَ الْإِمَام أَحْمَد هَذَا حَدِيث مُنْكَرٌ
آخِر كَلَامه
وَقَدْ رَوَاهُ سُلَيْمَان بْن مُوسَى عَنْ رَجَاء بْن حَيْوَة عَنْ قَبِيصَة عَنْ عَمْرو قَوْله عِدَّة أُمّ الْوَلَد عِدَّة الْحُرَّة وَهَذَا الَّذِي أشار إليه الدارقطني أنه الصواب
وقال بن الْمُنْذِر ضَعَّفَ أَحْمَد وَأَبُو عُبَيْد حَدِيث عَمْرو بْن الْعَاصِ
وَقَالَ مُحَمَّد بْن مُوسَى سَأَلْت أَبَا عَبْد اللَّه عَنْ حَدِيث عَمْرو بْن الْعَاصِ فَقَالَ لَا يَصِحّ
وَقَالَ الْمَيْمُونِيّ رَأَيْت أَبَا عَبْد اللَّه يَعْجَب مِنْ حَدِيث عَمْرو بْن الْعَاصِ هَذَا ثُمَّ قَالَ أَيْنَ سُنَّة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا وَقَالَ أَرْبَعَة أَشْهُر وَعَشْرًا إِنَّمَا هِيَ عِدَّة الْحُرَّة مِنْ النِّكَاح وَإِنَّمَا هَذِهِ أَمَة خَرَجَتْ مِنْ الرِّقّ إِلَى الْحُرِّيَّة
وَقَدْ رَوَى مَالِكٌ في الموطأ عن نافع عن بن عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ فِي أُمّ الْوَلَد يُتَوَفَّى عَنْهَا سَيِّدهَا وَتَعْتَدّ بِحَيْضَةٍ
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاء فِي عِدَّتهَا فَالصَّحِيح أَنَّهُ حَيْضَة وَهُوَ الْمَشْهُور عَنْ أحمد وقول بن عُمَر وَعُثْمَان وَعَائِشَة وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِك وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو عُبَيْد وَأَبُو ثَوْر وَغَيْرهمْ
وَعَنْ أَحْمَد رِوَايَة أُخْرَى تَعْتَدّ أَرْبَعَة أَشْهُر وَعَشْرًا وَهُوَ قول سعيد بن المسيب وبن سِيرِينَ وَسَعِيد بْن جُبَيْر(6/299)
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي عِدَّةِ أُمِّ الْوَلَدِ فَذَهَبَ الْأَوْزَاعِيُّ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ فِي ذَلِكَ إِلَى حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَقَالَا تَعْتَدُّ أُمُّ الْوَلَدِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا كَالْحُرَّةِ وَرُوِيَ ذلك عن بن المسيب وسعيد بن جبير والحسن وبن سِيرِينَ
وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ عِدَّتُهَا ثَلَاثُ حِيَضٍ وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ وَالنَّخَعِيِّ وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وبن مَسْعُودٍ
وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عدتها حيضة وروي ذلك عن بن عُمَرَ وَهُوَ قَوْلُ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَالشَّعْبِيِّ وَالزُّهْرِيِّ انْتَهَى (عِدَّةُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا يَعْنِي) أَيْ بَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا (أُمَّ الْوَلَدِ) هِيَ الْجَارِيَةُ الَّتِي وَلَدَتْ مِنْ سَيِّدِهَا وَالْمَعْنَى عِدَّةُ أُمِّ الْوَلَدِ الَّتِي مَاتَ سَيِّدُهَا بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا وَفِي رِوَايَةِ بن مَاجَهْ لَا تُفْسِدُوا عَلَيْنَا سُنَّةَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِدَّةُ أُمِّ الْوَلَدِ أربعة أشهر وعشرا
قال المنذري وأخرجه بن مَاجَهْ وَفِي إِسْنَادِهِ مَطَرُ بْنُ طَهْمَانَ أَبُو رَجَاءٍ الْوَرَّاقُ وَقَدْ ضَعَّفَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ
9 - (بَاب الْمَبْتُوتَةِ لَا يَرْجِعُ إِلَيْهَا زَوْجُهَا حَتَّى تَنْكِحَ غَيْرَهُ)
الْمُرَادُ بَالْمَبْتُوتَةِ الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا
(عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ) وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا (ثُمَّ طَلَّقَهَا) أَيِ الزَّوْجُ الثَّانِي (قَبْلَ أَنْ يُوَاقِعَهَا) أَيْ يُجَامِعَهَا (حَتَّى تَذُوقَ عُسَيْلَةَ الْآخَرِ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَهَا) أَيْ حَتَّى تَذُوقَ الْمَرْأَةُ
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
وَمُجَاهِد وَخَلَّاس بْن عَمْرو وَعُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز وَالزُّهْرِيُّ وَالْأَوْزاَعِيّ وَإِسْحَاق
وَعَنْ أَحْمَد رِوَايَة ثَالِثَة تَعْتَدّ شَهْرَيْنِ وَخَمْسَة أَيَّام حَكَاهَا أَبُو الْخُطَّاب وَهِيَ رِوَايَة مُنْكَرَة عَنْهُ قَالَ أَبُو مُحَمَّد الْقُدْسِيُّ وَلَا أَظُنّهَا صَحِيحَة عَنْهُ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَطَاء وَطَاوُس وَقَتَادَة
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة وَأَصْحَابه عِدَّتهَا ثَلَاث حِيَض وَيُرْوَى ذَلِكَ عن علي وبن مَسْعُود وَهُوَ قَوْل عَطَاء وَإِبْرَاهِيم النَّخَعِيِّ وَالثَّوْرِيّ(6/300)
لَذَّةَ جِمَاعِ الزَّوْجِ الثَّانِي وَيَذُوقَ لَذَّةَ جِمَاعِهَا وَالْعُسَيْلَةُ مُصَغَّرَةً فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَاخْتُلِفَ فِي تَوْجِيهِهِ فَقِيلَ تَصْغِيرُ الْعَسَلِ لِأَنَّ الْعَسَلَ مُؤَنَّثٌ جَزَمَ بذلك القزار قَالَ وَأَحْسَبُ التَّذْكِيرَ لُغَةً
وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ وَقِيلَ لِأَنَّ الْعَرَبَ إِذَا حَقَّرَتِ الشَّيْءَ أَدْخَلَتْ فِيهِ هَاءَ التَّأْنِيثِ
وَقِيلَ الْمُرَادُ قِطْعَةٌ مِنَ الْعَسَلِ وَالتَّصْغِيرُ لِلتَّقْلِيلِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْقَدْرَ الْقَلِيلَ كَافٍ فِي تَحْصِيلِ ذَلِكَ بِأَنْ يَقَعَ تَغْيِيبُ الْحَشَفَةِ فِي الْفَرْجِ
وَقِيلَ مَعْنَى الْعُسَيْلَةِ النُّطْفَةُ وَهَذَا يُوَافِقُ قَوْلَ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ
وَقَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ ذَوْقُ الْعُسَيْلَةِ كِنَايَةٌ عَنِ الْجِمَاعِ وَهُوَ تَغْيِيبُ حَشَفَةِ الرَّجُلِ فِي فَرْجِ الْمَرْأَةِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْعُسَيْلَةُ هِيَ الْجِمَاعُ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَزَادَ الْحَسَنُ البصري حصول الإنزال
قال بن بَطَّالٍ شَذَّ الْحَسَنُ فِي هَذَا وَخَالَفَ سَائِرَ الْفُقَهَاءِ
وَقَالُوا يَكْفِي مَا يُوجِبُ الْحَدَّ وَيُحْصِنُ الشَّخْصَ وَيُوجِبُ كَمَالَ الصَّدَاقِ وَيُفْسِدُ الْحَجَّ وَالصَّوْمَ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ الْعُسَيْلَةُ لَذَّةُ الْجِمَاعِ وَالْعَرَبُ تُسَمِّي كُلَّ شَيْءٍ تَسْتَلِذُّهُ عَسَلًا
وَحَدِيثُ الْبَابِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ فِيمَنْ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا ثَلَاثًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا زَوْجٌ آخَرُ مِنَ الْوَطْءِ فَلَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ إِلَّا بَعْدَهُ
قَالَ بن الْمُنْذِرِ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى اشْتِرَاطِ الْجِمَاعِ لِتَحِلَّ لِلْأَوَّلِ إِلَّا سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ قَالَ وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا وَافَقَهُ عَلَيْهِ إِلَّا طَائِفَةٌ مِنَ الْخَوَارِجِ
وَلَعَلَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ الْحَدِيثُ فَأَخَذَ بِظَاهِرِ الْقُرْآنِ
هَذَا مَأْخُوذٌ مِنَ الْفَتْحِ وَالنَّيْلِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ والنسائي وبن مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ
0 - (بَاب في تعظيم الزنى)
(عن عبد الله) أي بن مَسْعُودٍ (أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا) بِكَسْرِ النُّونِ أَيْ مِثْلًا وَنَظِيرًا فِي دُعَائِكَ أَوْ عِبَادَتِكَ (وَهُوَ خَلَقَكَ) فَوَجُودُ الْخَلْقِ يَدُلُّ عَلَى الْخَالِقِ وَاسْتِقْدَامَةُ الْخَلْقِ تَدُلُّ عَلَى تَوْحِيدِهِ إِذْ لَوْ كَانَ إِلَهَيْنِ لَمْ يَكُنْ عَلَى الِاسْتِقَامَةِ (خَشْيَةَ أن يأكل معك) بنصب خشية على العلية (أن(6/301)
تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ اللَّامِ الْأُولَى أَيْ زَوْجَتَهُ لِأَنَّهَا تَحِلُّ لَهُ فَهِيَ فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى فَاعِلَةٌ أَوْ مِنَ الْحُلُولِ لِأَنَّهَا تَحِلُّ مَعَهُ وَيَحِلُّ مَعَهَا وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ زِنًا وَإِبْطَالٌ لِمَا أَوْصَى اللَّهُ به حِفْظِ حُقُوقِ الْجِيرَانِ
وَقَالَ فِي التَّنْقِيحِ تُزَانِي تفاعل وهو أن يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مِنَ الْجَانِبَيْنِ
قَالَ فِي الْمَصَابِيحِ لَعَلَّهُ نَبَّهَ بِهِ عَلَى شِدَّةِ قُبْحِ الزنى إِذَا كَانَ مِنْهُ لَا مِنْهَا بِأَنْ يَغْشَاهَا نَائِمَةً أَوْ مُكْرَهَةً فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ زِنَاهُ بِهَا مَعَ الْمُشَارَكَةِ مِنْهَا لَهُ وَالطَّوَاعِيَةِ كَبِيرًا كَانَ زِنَاهُ بِدُونِ ذَلِكَ أَكْبَرَ وَأَقْبَحَ مِنْ بَابِ الْأَوْلَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ
(قَالَ وَأَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ) أَيْ قَالَ حَجَّاجٌ وَأَخْبَرَنِي بِهِ أَبُو الزُّبَيْرِ كَمَا أَخْبَرَنِي غَيْرُهُ (جَاءَتْ مِسْكِينَةٌ لِبَعْضِ الْأَنْصَارِ) أَيْ أَمَةٌ مِسْكِينَةٌ لِبَعْضِهِمْ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ مُسَيْكَةُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ السِّينِ بَالتَّصْغِيرِ لَكِنَّ الظَّاهِرَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ هُوَ الْأَوَّلُ كَمَا لَا يَخْفَى (يُكْرِهُنِي) بِضَمِّ حَرْفِ الْمُضَارِعِ مِنَ الْإِكْرَاهِ (على البغاء) أي الزنى (ولا تكرهوا فتياتكم) أي إمائكم (على البغاء) أي على الزنى وَتَمَامُ الْآيَةِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ
فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بعد إكراههن غفور رحيم قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ جارية لعبد الله بن أبي بن سَلُولَ يُقَالُ لَهَا مُسَيْكَةُ وَأُخْرَى يُقَالُ لَهَا أميمة فكان يريدهما على الزنى فَشَكَتَا ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عزوجل وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تحصنا إلى قوله غفور رحيم وَحَكَى بَعْضُهُمْ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ كَانَتْ لَهُ سِتُّ جِوَارٍ يَأْخُذُ أُجُورَهُنَّ مُعَاذَةُ وَمُسَيْكَةُ وَأَرْوَى وَقَتِيلَةُ وَعَمْرَةُ وَأُمَيْمَةُ(6/302)
(قَالَ قَالَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ إِلَخْ) مُرَادُهُ أَنَّ الْمَغْفِرَةَ وَالرَّحْمَةَ لَهُنَّ لِكَوْنِهِنَّ مُكْرَهَاتٍ لَا لِمَنْ أَكْرَهَهُنَّ
وَقَوْلُهُ الْمُكْرَهَاتُ بَيَانٌ لِلضَّمِيرِ الْمَجْرُورِ فِي قَوْلِهِ لَهُنَّ
وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ المنذري(6/303)
22 - (كتاب الصيام)
(بَاب مَبْدَإِ فَرْضِ الصِّيَامِ)
أَيْ هَذَا الْبَابُ فِي بَيَانِ ابْتِدَاءِ فَرْضِ الصِّيَامِ
كُتِبَ عَلَيْكُمْ) أَيْ فُرِضَ (الصِّيَامُ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ الصَّوْمُ وَالصِّيَامُ فِي اللُّغَةِ الْإِمْسَاكُ وَفِي الشَّرْعِ إِمْسَاكٌ مَخْصُوصٌ فِي زَمَنٍ مَخْصُوصٍ عَنْ شَيْءٍ مَخْصُوصٍ بِشَرَائِطَ مَخْصُوصَةٍ
وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ الصَّوْمُ تَرْكُ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالنِّكَاحِ وَالْكَلَامِ يُقَالُ صَامَ صَوْمًا وَصِيَامًا وَرَجُلٌ صَائِمٌ وَصُوَّمٌ وَقَالَ الرَّاغِبُ الصَّوْمُ فِي الْأَصْلِ الْإِمْسَاكُ عَنِ الْفِعْلِ وَلِذَلِكَ قِيلَ لِلْفَرَسِ الْمُمْسِكِ عَنِ السَّيْرِ صَائِمٌ وَفِي الشَّرْعِ إِمْسَاكُ الْمُكَلَّفِ بَالنِّيَّةِ عَنْ تَنَاوُلِ الْمَطْعَمِ وَالْمَشْرَبِ وَالِاسْتِمْنَاءِ وَالِاسْتِقَاءِ مِنَ الْفَجْرِ إِلَى الْمَغْرِبِ انتهى (كما كتب) أَيْ فُرِضَ
قَالَ الْعَيْنِيُّ إِنَّهُمْ تَكَلَّمُوا فِي هَذَا التَّشْبِيهِ فَقِيلَ إِنَّهُ تَشْبِيهٌ فِي أَصْلِ الْوُجُوبِ لَا فِي قَدْرِ الْوَاجِبِ وَالتَّشْبِيهُ لَا يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَمَا فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ الْقَمَرَ لَيْلَةَ الْبَدْرِ وَهَذَا تَشْبِيهُ الرُّؤْيَةِ بَالرُّؤْيَةِ لَا تَشْبِيهَ الْمَرْئِيِّ بَالْمَرْئِيِّ
وَقِيلَ هَذَا التَّشْبِيهُ فِي الْأَصْلِ وَالْقَدْرِ وَالْوَقْتِ جَمِيعًا وَكَانَ عَلَى الْأَوَّلِينَ صَوْمُ رَمَضَانَ لَكِنَّهُمْ زَادُوا فِي الْعَدَدِ وَنَقَلُوا مِنْ أَيَّامِ الْحَرِّ إِلَى أَيَّامِ الِاعْتِدَالِ
وَقَالَ الطَّبَرِيُّ وَقَالَ آخَرُونَ بَلِ التَّشْبِيهُ إِنَّمَا هُوَ مِنْ أَجْلِ أَنَّ صَوْمَهُمْ كَانَ مِنَ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ إِلَى الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ وَكَانَ ذَلِكَ فُرِضَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فِي أَوَّلِ مَا افْتُرِضَ عَلَيْهِمُ الصَّوْمُ(6/304)
(الْعَتَمَةَ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالتَّاءِ أَيِ الْعِشَاءَ (إِلَى الْقَابِلَةِ) أَيِ اللَّيْلَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ (فَاخْتَانَ رَجُلٌ نَفْسَهُ) افْتِعَالٌ مِنَ الْخِيَانَةِ أَيْ خَانَ يَعْنِي ظَلَمَ (فَجَامَعَ امْرَأَتَهُ) بَيَانٌ لِلْخِيَانَةِ (وَقَدْ صَلَّى الْعِشَاءَ) الْوَاوُ لِلْحَالِ أَيْ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ (وَلَمْ يُفْطِرْ) أَيْ لَمْ يَأْكُلْ هَذَا الرَّجُلُ شَبْعَانُ وَلَمْ يَتَعَشَّ وَإِنْ كَانَ أَفْطَرَ وَقْتَ الْإِفْطَارِ (ذَلِكَ) الْحُكْمُ (يُسْرًا) بَعْدَ الْعُسْرِ (وَرُخْصَةً وَمَنْفَعَةً) فَأَبَاحَ الْجِمَاعَ وَالطَّعَامَ وَالشَّرَابَ فِي جَمِيعِ اللَّيْلِ (فقال) الله عزوجل (تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ) يَعْنِي تُجَامِعُونَ النِّسَاءَ وَتَأْكُلُونَ وَتَشْرَبُونَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي كَانَ حَرَامًا عَلَيْكُمْ
ذَكَرَهُ الطبري
وفي تفسير بن أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ قَالَ تَظْلِمُونَ أَنْفُسَكُمْ
قَالَهُ الْعَيْنِيُّ (وَكَانَ هَذَا) أَيْ قَوْلُهُ تَعَالَى عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أنفسكم إِلَى قَوْلِهِ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ (وَيَسَّرَ) لِلنَّاسِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ
(كَانَ الرَّجُلُ إذَا صَامَ فَنَامَ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ إِذَا كَانَ الرَّجُلُ صَائِمًا فَحَضَرَ الْإِفْطَارُ فَنَامَ قَبْلَ أَنْ يُفْطِرَ
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَفِي رِوَايَةِ زُهَيْرٍ كَانَ إِذَا نَامَ قَبْلَ أَنْ يَتَعَشَّى لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ شَيْئًا وَلَا يَشْرَبَ لَيْلَهُ وَيَوْمَهُ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ
وَلِأَبِي الشَّيْخِ مِنْ طَرِيقِ زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ كَانَ الْمُسْلِمُونَ إِذَا أَفْطَرُوا يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَيَأْتُونَ النِّسَاءَ مَا لَمْ يَنَامُوا فَإِذَا نَامُوا لَمْ يَطْعَمُوا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ إِلَى مِثْلِهَا
فَاتَّفَقَتِ الرِّوَايَاتُ فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ عَلَى أَنَّ الْمَنْعَ مِنْ ذَلِكَ كَانَ مُقَيَّدًا بَالنَّوْمِ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي حَدِيثِ غَيْرِهِ وَقَيْدُ الْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ فِي حديث بن عَبَّاسٍ الَّذِي سَبَقَ بِصَلَاةِ الْعَتَمَةِ
قُلْتُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَكَرَ صَلَاةَ الْعِشَاءِ لِكَوْنِ مَا بَعْدَهَا مَظِنَّةَ النَّوْمِ غَالِبًا وَالتَّقْيِيدُ فِي الْحَقِيقَةِ إِنَّمَا هُوَ بَالنَّوْمِ كَمَا فِي سَائِرِ الْأَحَادِيثِ انْتَهَى
وَقَالَ فِي فَتْحِ الْوَدُودِ وَقَدْ يُقَالُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا فَيَجُوزُ تَقْيِيدُ الْمَنْعِ بِكُلٍّ مِنْهُمَا فَأَيُّهُمَا تَحَقَّقَ أَوَّلًا تَحَقَّقَ الْمَنْعُ (لَمْ يَأْكُلْ) هُوَ جَوَابُ إِذَا (إِلَى مِثْلِهَا) أَيْ إِلَى اللَّيْلَةِ الْأُخْرَى (وَإِنَّ صِرْمَةَ بْنَ قَيْسٍ) وفي(6/305)
رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَإِنَّ قَيْسَ بْنَ صِرْمَةَ بِكَسْرِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ هَكَذَا سُمِّيَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَلَمْ يُخْتَلَفْ عَلَى إِسْرَائِيلَ فِيهِ إِلَّا فِي رِوَايَةِ أَبِي أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيِّ عَنْهُ فَإِنَّهُ قَالَ صِرْمَةُ بْنُ قَيْسٍ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَلِأَبِي نُعَيْمٍ فِي الْمَعْرِفَةِ مِنْ طَرِيقِ الكلبي عن أبي صالح عن بن عَبَّاسٍ مِثْلُهُ
قَالَ وَكَذَا رَوَاهُ أَشْعَثُ بْنُ سوار عن عكرمة عن بن عَبَّاسٍ فَمَنْ قَالَ قَيْسُ بْنُ صِرْمَةَ قَلَبَهُ كَمَا جَزَمَ الدَّاوُدِيُّ وَالسُّهَيْلِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِأَنَّهُ وَقَعَ مَقْلُوبًا فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ
هَذَا مَا قَالَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ (وَكَانَ) أَيْ صِرْمَةُ (فَقَالَ) أَيْ صِرْمَةُ بْنُ قَيْسٍ لِامْرَأَتِهِ (عِنْدَكِ) بِكَسْرِ الْكَافِ (شَيْءٌ) مِنَ الطَّعَامِ (قَالَتْ لَا) أَيْ لَيْسَ عِنْدِي طَعَامٌ (وَغَلَبَتْهُ عَيْنُهُ) أَيْ نَامَ (خَيْبَةً لَكَ) بَالنَّصْبِ وَهُوَ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ مَحْذُوفُ الْعَامِلِ وَقِيلَ إِذَا كَانَ بِغَيْرِ لَامٍ يَجِبُ نَصْبُهُ وَإِلَّا جَازَ وَالْخَيْبَةُ الْحِرْمَانُ يُقَالُ خَابَ يَخِيبُ إِذَا لَمْ يَنَلْ مَا طَلَبَ (فَلَمْ يَنْتَصِفِ النَّهَارُ حَتَّى غُشِيَ عَلَيْهِ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فَلَمَّا انْتَصَفَ النَّهَارُ غُشِيَ عَلَيْهِ وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ فَأَصْبَحَ صَائِمًا فَلَمَّا انْتَصَفَ النَّهَارُ فَتُحْمَلُ رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَأَحْمَدَ عَلَى أَنَّ الْغَشْيَ وَقَعَ فِي آخِرِ النِّصْفِ الْأَوَّلِ مِنَ النَّهَارِ (يَعْمَلُ يَوْمَهُ فِي أَرْضِهِ) وَفِي مُرْسَلِ السُّدِّيِّ كَانَ يَعْمَلُ فِي حِيطَانِ الْمَدِينَةِ بَالْأُجْرَةِ فَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ فِي أَرْضِهِ إِضَافَةُ اخْتِصَاصٍ
قَالَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ (الرَّفَثُ) هُوَ الْجِمَاعُ (إِلَى قَوْلِهِ مِنَ الْفَجْرِ) فَفَرِحَ الْمُسْلِمُونَ بِذَلِكَ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ
(بَاب نَسْخِ قَوْلِهِ تَعَالَى وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ)
أَيْ هَذَا بَابٌ فِي بَيَانِ أَنَّ قَوْلَهُ تعالى وعلى الذين يطيقونه فدية منسوخ
(وعلى الذين يطيقونه) أَيِ الصَّوْمَ إِنْ أَفْطَرُوا (فِدْيَةٌ) مَرْفُوعٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَخَبَرُهُ مُقَدَّمٌ هُوَ قَوْلُهُ (وَعَلَى الَّذِينَ(6/306)
وَقِرَاءَةُ الْعَامَّةِ فِدْيَةٌ بَالتَّنْوِينِ وَهِيَ الْجَزَاءُ وَالْبَدَلُ مِنْ قَوْلِكَ فَدَيْتُ الشَّيْءَ بَالشَّيْءِ أَيْ هَذَا بهذا قاله العيني (طعام مسكين) بيان لفدية أَوْ بَدَلٌ مِنْهَا وَهُوَ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعٌ مِنْ غَيْرِهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَعِنْدَ أَهْلِ الْحِجَازِ مُدٌّ قَالَهُ الْعَيْنِيُّ (فَعَلَ) ذَلِكَ (الْآيَةُ الَّتِي بَعْدَهَا) يُعْنَى قَوْلَهُ تعالى فمن شهد منكم الشهر فليصمه (فَنَسَخَتْهَا) أَيْ فَنَسَخَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ الْآيَةَ الْأُولَى وَهِيَ قَوْلُهُ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فدية قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ
(وَتَمَّ لَهُ صَوْمُهُ) أَيْ أَجْرًا وَإِلَّا فَهُوَ مُفْطِرٌ (فَقَالَ) اللَّهُ تَعَالَى فَمَنْ تَطَوَّعَ خيرا فهو خير له يَعْنِي زَادَ عَلَى مِسْكِينٍ وَاحِدٍ فَأَطْعَمَ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينَيْنِ فَأَكْثَرَ
وَقِيلَ فَمَنْ زَادَ عَلَى قَدْرِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ فَأَطْعَمَ صَاعًا وَعَلَيْهِ مُدٌّ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ قَالَهُ فِي الْخَازِنِ
وَقَالَ فِي فَتْحِ الْوَدُودِ أَيْ فَرَغَّبَ اللَّهُ تعالى إياهم في الصوم أولا وندتهم إليه بقوله وأن تصوموا خير لكم لِيَعْتَادُوا الصَّوْمَ فَحِينَ اعْتَادُوا ذَلِكَ أَوْجَبَ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَرِدْ أَنَّ قَوْلَهُ وَأَنْ تَصُومُوا نَاسِخٌ لِلْفِدْيَةِ مِنْ أَصْلِهَا فَلَعَلَّ مَنْ قَالَ إِنَّهُ نَاسِخٌ لِلْفِدْيَةِ أَرَادَ هَذَا الْقَدْرَ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ انْتَهَى كَلَامُ السِّنْدِيِّ وَقَالَ الْخَازِنُ قِيلَ هُوَ خِطَابٌ مَعَ الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فَيَكُونُ الْمَعْنَى وَأَنْ تَصُومُوا أَيّهَا الْمُطِيقُونَ وَتَتَحَمَّلُوا الْمَشَقَّةَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ مِنَ الْإِفْطَارِ وَالْفِدْيَةِ
وَقِيلَ هُوَ خِطَابٌ مَعَ الْكَافَّةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه اللَّه اِخْتَلَفَ السَّلَف فِي هَذِهِ الْآيَة عَلَى أَرْبَعَة أَقْوَال أَحَدهَا أَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ قَالَهُ بن عَبَّاس
الثَّانِي أَنَّهَا مَنْسُوخَة كَمَا قَالَهُ سَلَمَة وَالْجُمْهُور
وَالثَّالِث أَنَّهَا مَخْصُوصَة خَصَّ مِنْهَا الْقَادِر الَّذِي لَا عُذْر لَهُ وَبَقِيَتْ مُتَنَاوِلَة لِلْمُرْضِعِ وَالْحَامِل
الرَّابِع أَنَّ بَعْضهَا مَنْسُوخ وَبَعْضهَا مُحْكِمٌ(6/307)
لِأَنَّ اللَّفْظَ عَامٌّ فَرُجُوعُهُ إِلَى الْكُلِّ أَوْلَى (وَقَالَ) اللَّهُ تَعَالَى فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ فَفَرَضَ الصَّوْمَ وَنَسَخَ التَّخْيِيرَ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَفِيهِ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدِ بْنِ الْمَسِيحِ وَفِيهِ مَقَالٌ
(بَاب مَنْ قَالَ هِيَ مُثْبَتَةٌ لِلشَّيْخِ وَالْحُبْلَى)
أَيْ هَذَا بَابٌ فِي بَيَانِ أَنَّ مَنْ قَالَ هَذِهِ الْآيَةُ وَعَلَى الَّذِينَ يطيقونه ثَابِتَةٌ لِلشَّيْخِ وَالْحُبْلَى وَهِيَ غَيْرُ مَنْسُوخَةٍ
(قَالَ أثبتت للحبلى) أي أثبتت الآية وعلى الذين يطيقونه لَهُمَا وَنُسِخَتْ فِي الْبَاقِي فَالنَّسْخُ السَّابِقُ أَرَادَ بِهِ نَسْخَ الْعُمُومِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَنْ يُطِيقُ الصَّوْمَ لَكِنْ لَهُ عُذْرٌ يُنَاسِبُ الْإِفْطَارَ أَوْ عَلَيْهِ فِيهِ زِيَادَةُ تَعَبٍ كَالشَّيْخِ الْكَبِيرِ فَالْآيَةُ فِيهِ بَقِيَتْ مَعْمُولَةٌ وَنُسِخَتْ فِي غَيْرِهِ وَعَلَى هَذَا فَلَا حَاجَةَ فِي بِنَاءِ هَذَا الْإِثْبَاتِ إِلَى تَقْدِيرِ لَا فِي قَوْلِهِ وَعَلَى الَّذِينَ يطيقونه أَيْ لَا يُطِيقُونَهُ
قَالَهُ السِّنْدِيُّ وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ
(كَانَتْ) هَذِهِ الْآيَةُ وَعَلَى الَّذِينَ يطيقونه (رُخْصَةً) ثَابِتَةً بَاقِيَةً إِلَى الْآنَ (لِلشَّيْخِ الْكَبِيرِ والمرأة الكبيرة وهما يطيقان الصيام) لَكِنْ مَعَ شِدَّةٍ وَتَعَبٍ وَمَشَقَّةٍ عَظِيمَةٍ أَوْ لِلشَّيْخِ الْكَبِيرِ وَالْمَرْأَةِ الْكَبِيرَةِ لَا يُطِيقَانِ الصِّيَامَ (أَنْ يُفْطِرَا وَيُطْعِمَا مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا) وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْمَعْنَى الْأَخِيرَ مَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عن عطاء عن بن عَبَّاسٍ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ وَاحِدٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا قَالَ زَادَ مِسْكِينًا آخَرَ فَهُوَ خَيْرٌ قَالَ وَلَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ إِلَّا أَنَّهُ رَخَّصَ لِلشَّيْخِ الْكَبِيرِ الَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ الصِّيَامَ وَأَمَرَ أَنْ يُطْعِمَ الَّذِي يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُطِيقُهُ
وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ ثَابِتٌ
قَالَ في سبل السلام روي عن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ أَيْ يُكَلَّفُونَهُ وَلَا يُطِيقُونَهُ وَيَقُولُ لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ هِيَ لِلشَّيْخِ الْكَبِيرِ وَالْمَرْأَةِ الْهِمَّةِ انْتَهَى(6/308)
وَقَالَ الْعَيْنِيُّ وَقَدِ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي قَوْلِهِ عزوجل وعلى الذين يطيقونه فَقَالَ قَوْمٌ إِنَّهَا مَنْسُوخَةٌ وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ سَلَمَةَ وبن عُمَرَ أَيِ الَّذِي أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَهُوَ قَوْلُ علقمة والنخعي والحسن والشعبي وبن شِهَابٍ وَعَلَى هَذَا يَكُونُ قِرَاءَتُهُمْ وَعَلَى الَّذِينَ يطيقونه بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الطَّاءِ وَسُكُونِ الْيَاءِ الثَّانِيَةِ
وعند بن عَبَّاسٍ هِيَ مُحْكَمَةٌ وَعَلَيْهِ قِرَاءَةُ يُطَوَّقُونَهُ بَالْوَاوِ الْمُشَدَّدَةِ وَرُوِيَ عَنْهُ يَطَّيَّقُونَهُ بِفَتْحِ الطَّاءِ وَالْيَاءِ الْمُشَدَّدَتَيْنِ ثُمَّ إِنَّ الشَّيْخَ الْكَبِيرَ وَالْعَجُوزَ إِذَا كَانَ الصَّوْمُ يُجْهِدُهُمَا وَيَشُقُّ عَلَيْهِمَا مَشَقَّةً شَدِيدَةً فَلَهُمَا أَنْ يُفْطِرَا أَوْ يُطْعِمَا لِكُلِّ يَوْمٍ مسكينا وهذا قول علي وبن عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِمُ انْتَهَى
وَمَعْنَى يُطَوَّقُونَهُ أَيْ يُكَلَّفُونَهُ وَمَعْنَى يُطِيقُونَهُ أَيْ يَتَكَلَّفُونَهُ كَمَا يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ الْعَيْنِيِّ
وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَاتَّفَقَتْ هَذِهِ الْأَخْبَارُ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ وعلى الذين يطيقونه فدية منسوخ وخالف في ذلك بن عَبَّاسٍ فَذَهَبَ إِلَى أَنَّهَا مُحْكَمَةٌ لَكِنَّهَا مَخْصُوصَةٌ بَالشَّيْخِ الْكَبِيرِ وَنَحْوِهِ انْتَهَى
(وَالْحُبْلَى وَالْمُرْضِعِ) أَيْ كانت رخصة للحبلى والمرضع
لقال الخطابي مذهب بن عَبَّاسٍ فِي هَذَا أَنَّ الرُّخْصَةَ مُثْبَتَةٌ لِلْحُبْلَى وَالْمُرْضِعِ إِذَا خَافَتَا عَلَى أَوْلَادِهِمَا وَقَدْ نُسِخَتْ فِي الشَّيْخِ الْكَبِيرِ الَّذِي يُطِيقُ الصَّوْمَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ وَيَفْدِيَ إِلَّا أَنَّ الْحَامِلَ وَالْمُرْضِعَ وَإِنْ كَانَتِ الرُّخْصَةُ قَائِمَةً لَهُمَا فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُمَا الْقَضَاءُ مَعَ الْإِطْعَامِ وَإِنَّمَا لَزِمَهُمَا الْإِطْعَامُ مَعَ الْقَضَاءِ لِأَنَّهُمَا يُفْطِرَانِ مِنْ أَجْلِ غَيْرِهِمَا شَفَقَةً عَلَى الْوَلَدِ وَإِبْقَاءً عَلَيْهِ
وَإِذَا كَانَ الشَّيْخُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِطْعَامُ وَهُوَ إِنَّمَا رَخَّصَ لَهُ فِي الْإِفْطَارِ مِنْ أَجْلِ نَفْسِهِ فَقَدْ عُقِلَ أَنَّ مَنْ يُرَخَّصُ فِيهِ مِنْ غَيْرِهِ أَوْلَى بَالْإِطْعَامِ وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ
وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ أَيْضًا عَنْ مُجَاهِدٍ
وَأَمَّا الشَّيْخُ الْكَبِيرُ الَّذِي لَا يُطِيقُ الصَّوْمَ فَإِنَّهُ يُطْعِمُ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ لِعَجْزِهِ
وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَنَسٍ وَكَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ بَعْدَ مَا أَسَنَّ وَكَبِرَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ فِي الْحُبْلَى وَالْمُرْضِعِ يَقْضِيَانِ وَلَا يُطْعِمَانِ كَالْمَرِيضِ كَذَلِكَ رُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ وَعَطَاءٍ وَالنَّخَعِيِّ وَالزُّهْرِيِّ
وَقَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ الْحُبْلَى هِيَ كَالْمَرِيضِ تَقْضِي وَلَا تُطْعِمُ وَالْمُرْضِعُ تَقْضِي وَتُطْعِمُ
وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ(6/309)
4 - (بَاب الشَّهْرِ يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ)
أَيْ هَذَا بَابٌ فِي بَيَانِ أَنَّ الشَّهْرَ قَدْ يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ لَا أَنَّهُ يَكُونُ دَائِمًا كَذَلِكَ
(إِنَّا) أَيِ الْعَرَبُ وَقِيلَ أَرَادَ نَفْسَهُ (أُمَّةٌ) أَيْ جَمَاعَةُ قُرَيْشٍ مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى أُمَّةً من الناس يسقون وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ الْأُمَّةُ الْجَمَاعَةُ
وَقَالَ الْأَخْفَشُ هُوَ فِي اللَّفْظِ وَاحِدٌ وَفِي الْمَعْنَى جَمْعٌ وَكُلُّ جِنْسٍ مِنَ الْحَيَوَانِ أُمَّةٌ وَالْأُمَّةُ الطَّرِيقَةُ وَالدِّينُ يُقَالُ فُلَانٌ لَا أُمَّةَ لَهُ أَيْ لَا دِينَ لَهُ وَلَا نِحْلَةَ لَهُ وَكَسْرُ الْهَمْزَةِ فيه لغة
وقال بن الْأَثِيرِ الْأُمَّةُ الرَّجُلُ الْمُفْرَدُ بِدِينٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى إن إبراهيم كان أمة قانتا لله قَالَهُ الْعَيْنِيُّ (أُمِّيَّةٌ) بِلَفْظِ النَّسَبِ إِلَى الْأُمِّ فَقِيلَ أَرَادَ أُمَّةَ الْعَرَبِ لِأَنَّهَا لَا تَكْتُبُ أَوْ مَنْسُوبٌ إِلَى الْأُمِّ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ هَذِهِ صِفَتُهَا غَالِبًا وَقِيلَ مَنْسُوبُونَ إِلَى أُمِّ الْقُرَى وهي مكة أي إنا أمة مكية
قَالَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ
وَقَالَ الْعَيْنِيُّ قِيلَ مَعْنَاهُ بَاقُونَ عَلَى مَا وَلَدَتْ عَلَيْهِ الْأُمَّهَاتُ
وقال الداودي أمة أمية لم يأخذ عَنْ كُتُبِ الْأُمَمِ قَبْلَهَا إِنَّمَا أَخَذَتْ عَمَّا جاءه الوحي من الله عزوجل انْتَهَى (لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسُبُ) بَالنُّونِ فِيهِمَا وَهُمَا تَفْسِيرَانِ لِكَوْنِهِمْ أُمِّيَّةٌ
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَالْمُرَادُ أَهْلُ الْإِسْلَامِ الَّذِينَ بِحَضْرَتِهِ عِنْدَ تِلْكَ الْمَقَالَةِ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَكْثَرِهِمْ أَوِ الْمُرَادُ نَفْسُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَقِيلَ لِلْعَرَبِ أُمِّيُّونَ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ كَانَتْ فِيهِمْ عَزِيزَةً
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأميين رسولا منهم وَلَا يَرُدُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ فِيهِمْ مَنْ يَكْتُبُ وَيَحْسُبُ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ كَانَتْ فِيهِمْ قليلة نادرة
والمراد بالحساب هنا حِسَابُ النُّجُومِ وَتَسْيِيرِهَا وَلَمْ يَكُونُوا يَعْرِفُونَ مِنْ ذَلِكَ أَيْضًا إِلَّا النَّزْرَ الْيَسِيرَ فَعَلَّقَ الْحُكْمُ بَالصَّوْمِ وَغَيْرِهِ بَالرُّؤْيَةِ لِرَفْعِ الْحَرَجِ عَنْهُمْ فِي مُعَانَاةِ حِسَابِ التَّسْيِيرِ انْتَهَى
قَالَ الْعَيْنِيُّ وَقَوْلُهُ لَا نَحْسُبُ بِضَمِّ السِّينِ (الشَّهْرُ) أَيِ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ أَوْ جِنْسُ الشَّهْرِ وَهُوَ مُبْتَدَأٌ (هَكَذَا) مُشَارًا بِهَا إِلَى نَشْرِ الْأَصَابِعِ الْعَشْرِ (وَهَكَذَا) ثَانِيًا (وَهَكَذَا) ثَالِثًا خَبَرُهُ بَالرَّبْطِ بَعْدَ الْعَطْفِ وَفَسَّرَهُ الرَّاوِي بِتِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ وَثَلَاثِينَ
قُلْتُ لَفْظُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا ثَابِتٌ فِي بَعْضِ النُّسَخِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ هَكَذَا وَهَكَذَا مَرَّتَانِ وَكَذَا أَوْرَدَهُ الْبُخَارِيُّ وَفِي رِوَايَةٍ مُخْتَصَرًا وَلَفْظُهُ الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا يَعْنِي مَرَّةً تِسْعَةً وَعِشْرِينَ وَمَرَّةً ثَلَاثِينَ(6/310)
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ هَكَذَا ذَكَرَهُ آدَمُ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ مُخْتَصَرًا وَفِيهِ اخْتِصَارٌ عَمَّا رَوَاهُ غندر عن شعبة
أخرجه مسلم عن بن الْمُثَنَّى وَغَيْرِهِ عَنْهُ بِلَفْظِ الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَعَقَدَ الْإِبْهَامَ فِي الثَّالِثَةِ وَالشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا يَعْنِي تَمَامَ الثَّلَاثِينَ أَيْ أَشَارَ أَوَّلًا بِأَصَابِعِ يَدَيْهِ الْعَشْرِ جَمِيعًا مَرَّتَيْنِ وَقَبَضَ الْإِبْهَامَ فِي الْمَرَّةِ الثَّالِثَةِ وَهَذَا الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ وَأَشَارَ مَرَّةً أُخْرَى بِهِمَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَهُوَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ ثَلَاثُونَ انْتَهَى
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ قَوْلُهُ الشَّهْرُ هَكَذَا يُرِيدُ أَنَّ الشَّهْرَ قَدْ يَكُونُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ وَلَيْسَ يُرِيدُ أَنَّ كُلَّ شَهْرٍ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ وَإِنَّمَا احْتَاجَ إِلَى بَيَانِ مَا كَانَ مَوْهُومًا أَنْ يَخْفَى عَلَيْهِمْ لِأَنَّ الشَّهْرَ فِي الْعُرْفِ وَغَالِبِ الْعَادَةِ ثَلَاثُونَ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْبَيَانُ فِيهِ مَصْرُوفًا إِلَى النَّادِرِ دُونَ الْمَعْرُوفِ مِنْهُ فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا حَلَفَ أَوْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ شَهْرًا بِعَيْنِهِ فَصَامَ فَكَانَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ كَانَ بَارًّا فِي يَمِينِهِ وَنَذْرِهِ وَلَوْ حَلَفَ لَيَصُومَنَّ شَهْرًا لَا بِعَيْنِهِ فَعَلَيْهِ إِتْمَامُ الْعِدَّةِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا
وَفِي الْحَدِيثِ مُسْتَدَلٌّ لِمَنْ رَأَى الْحُكْمَ بَالْإِشَارَةِ وَإِعْمَالِ دَلَالَةِ الْإِيمَاءِ كَمَنْ قَالَ امْرَأَتِي طَالِقٌ وَأَشَارَ بِإِصْبَعِهِ الثَّلَاثِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ عَلَى الظَّاهِرِ مِنَ الْحَالِ
(وَخَنَسَ سُلَيْمَانُ أُصْبُعَهُ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ أَيْ أَضْجَعَهَا فَأَخَّرَهَا عَنْ مَقَامِ أَخَوَاتِهَا وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ إِذَا كَانَ مَعَ أَصْحَابِهِ فِي مَسِيرٍ أَوْ سَفَرٍ فَتَخَلَّفَ عَنْهُمْ قَدْ خَنَسَ عَنْ أَصْحَابِهِ انْتَهَى
وَقَالَ الْعَيْنِيُّ لَفْظُ خَنَسَ بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالنُّونِ وَفِي آخِرِهِ سِينٌ مُهْمَلَةٌ مَعْنَاهُ قَبَضَ
وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَازِمٌ يُقَالُ خَنَسَ خُنُوسًا وَيُرْوَى حَبَسَ بَالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ بِمَعْنَى خَنَسَ وَهِيَ رِوَايَةُ الْكُشْمِيهَنِيِّ
انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وبن مَاجَهْ
(الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ) ظَاهِرُهُ حَصْرُ الشَّهْرِ فِي تِسْعٍ وَعِشْرِينَ مَعَ أَنَّهُ لَا يَنْحَصِرُ فِيهِ بَلْ قَدْ يَكُونُ ثَلَاثِينَ وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمَعْنَى أَنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ أَوِ اللَّامُ لِلْعَهْدِ وَالْمُرَادُ شَهْرٌ بِعَيْنِهِ أَوْ هُوَ محمول على الأكثر الأغلب لقول بن مَسْعُودٍ مَا صُمْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ أَكْثَرَ مِمَّا صُمْنَا ثَلَاثِينَ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ
قَالَهُ فِي الْفَتْحِ (فَلَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْهُ) أَيِ الْهِلَالَ لَا يُقَالُ إِنَّهُ إِضْمَارٌ قَبْلَ الذِّكْرِ لِدَلَالَةِ السِّيَاقِ عَلَيْهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ منهما السدس أَيْ لِأَبَوَيِ الْمَيِّتِ
قَالَهُ الْعَيْنِيُّ(6/311)
وَقَالَ فِي الْفَتْحِ لَيْسَ الْمُرَادُ تَعْلِيقَ الصَّوْمِ بَالرُّؤْيَةِ فِي حَقِّ كُلِّ أَحَدٍ بَلِ الْمُرَادُ بِذَلِكَ رُؤْيَةُ بَعْضِهِمْ وَهُوَ مَنْ يَثْبُتُ بِهِ ذَلِكَ إِمَّا وَاحِدٌ عَلَى رَأْيِ الْجُمْهُورِ أَوِ اثْنَانِ عَلَى رَأْيِ آخَرِينَ انْتَهَى (وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ) أَيْ هِلَالَ شَوَّالٍ
وَقَدِ اسْتُفِيدَ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ وُجُوبَ الصَّوْمِ وَوُجُوبَ الإفطار عتد انتهاء الصوم متعلقا بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ (فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ) بِضَمِّ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ أَيْ حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ غَيْمٌ
قَالَهُ الْحَافِظُ
وَقَالَ الْعَيْنِيُّ أَيْ فَإِنْ سُتِرَ الْهِلَالُ عَلَيْكُمْ وَمِنْهُ الْغَمُّ لِأَنَّهُ يَسْتُرُ الْقَلْبَ وَالرَّجُلُ الْأَغَمُّ الْمَسْتُورُ الْجَبْهَةِ بَالشَّعْرِ وَسُمِّيَ السَّحَابُ غَيْمًا لِأَنَّهُ يَسْتُرُ السَّمَاءَ وَيُقَالُ غُمَّ الْهِلَالُ إِذَا اسْتَتَرَ وَلَمْ يُرَ لِاسْتِتَارِهِ بِغَيْمٍ وَنَحْوِهِ وَغَمَمْتُ الشَّيْءَ أَيْ غَطَّيْتُهُ انْتَهَى (فَاقْدُرُوا لَهُ) أَيْ لِلشَّهْرِ
قَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ فَاقْدُرُوا عَدَدُ الشَّهْرِ الَّذِي كُنْتُمْ فِيهِ
انْتَهَى
وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ يَعْنِي حَقِّقُوا مَقَادِيرَ أَيَّامِ شَعْبَانَ حَتَّى تُكْمِلُوهُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا انْتَهَى
وَقَالَ الْعَيْنِيُّ هُوَ بِضَمِّ الدَّالِ وَكَسْرِهَا يُقَالُ قَدِرْتُ لِأَمْرِ كَذَا إِذَا نَظَرْتُ فِيهِ وَدَبَّرْتُهُ انْتَهَى
وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ لَيْلَةً فَلَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْهُ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ
قَالَ فِي الْفَتْحِ قَالَ الْجُمْهُورُ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فَاقْدُرُوا لَهُ أَيِ انْظُرُوا فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ وَاحْسِبُوا تَمَامَ الثَّلَاثِينَ وَيُرَجِّحُ هَذَا التَّأْوِيلَ الرِّوَايَاتُ الْأُخَرُ الْمُصَرِّحَةُ بَالْمُرَادِ وَهِيَ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ وَنَحْوُهَا
وَأَوْلَى مَا فُسِّرَ الْحَدِيثُ بَالْحَدِيثِ انْتَهَى
قَالَ الْخَطَابِيُّ قَوْلُهُ فَاقْدُرُوا لَهُ مَعْنَاهُ التَّقْدِيرُ بِإِكْمَالِ الْعَدَدِ ثَلَاثِينَ يُقَالُ قَدَرْتُ الشَّيْءَ أَقْدِرُهُ قَدْرًا بِمَعْنَى قَدَّرْتُهُ تَقْدِيرًا وَمِنْهُ قَوْلُهُ تعالى وقدرنا فنعم القادرون وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ يَذْهَبُ فِي ذَلِكَ غَيْرَ هَذَا الْمَذْهَبِ وَتَأَوَّلَهُ عَلَى التَّقْدِيرِ بِحِسَابِ سَيْرِ الْقَمَرِ فِي الْمَنَازِلِ وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَشْبَهُ أَلَا تَرَاهُ يَقُولُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَصُومُوا ثَلَاثِينَ يَوْمًا حَدَّثَنَاهُ جَعْفَرُ بْنُ نُصَيْرٍ الْخَالِدِيُّ حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بن سعد عن بن شهاب عن بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وآله وسلم إن الله عزوجل جَعَلَ الْأَهِلَّةَ مَوَاقِيتَ لِلنَّاسِ فَصُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَعُدُّوا ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَعَلَى هَذَا قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ
وَيُؤَكِّدُ ذَلِكَ نَهْيُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ
وَكَانَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يَقُولُ إِذَا لَمْ يُرَ الْهِلَالُ لِتِسْعٍ وَعِشْرِينَ مِنْ شَعْبَانَ لِعِلَّةٍ فِي السَّمَاءِ صَامَ النَّاسُ فَإِنْ كَانَ صَحْوٌ لَمْ يَصُومُوا تِبَاعًا لِمَذْهَبِ بن عُمَرَ (نُظِرَ لَهُ) بِصِيغَةِ(6/312)
الْمَجْهُولِ أَيْ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ (فَإِنْ رئي) أي الهلال (فذاك) يعني أصبح بن عُمَرَ صَائِمًا (وَإِنْ لَمْ يُرَ) أَيِ الْهِلَالُ (وَلَمْ يَحُلْ) مِنْ حَالَ يَحُولُ
(وَلَا قَتَرَةٌ) بِفَتَحَاتٍ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ الْقَتَرَةُ الْغَبَرَةُ فِي الْهَوَاءِ الْحَائِلِ بَيْنَ الْإِبْصَارِ وَبَيْنَ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ (دُونَ مَنْظَرِهِ) أَيْ قَرِيبُ مَنْظَرِهِ (سَحَابٌ أَوْ قَتَرَةٌ) أَيْ غُبَارٌ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ وَهِيَ لَيْلَةُ الثلاثين من شعبان (أصبح) بن عُمَرَ (صَائِمًا) قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَكَانَ مَذْهَبُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ صَوْمُ يَوْمِ الشَّكِّ إِذَا كَانَ فِي السَّمَاءِ سَحَابٌ أَوْ قترة فإن كان صحو وَلَمْ يَرَ النَّاسُ أَفْطَرَ مَعَ النَّاسِ انْتَهَى
قال بن الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ لِأَحْمَدَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهِيَ مَا إِذَا حَالَ دُونَ مَطْلَعِ الْهِلَالِ غَيْمٌ أَوْ قَتَرٌ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ
أَحَدُهَا يَجِبُ صَوْمُهُ عَلَى أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ ثَانِيهَا لَا يَجُوزُ فَرْضًا وَلَا نَفْلًا مُطْلَقًا بَلْ قَضَاءً وَكَفَّارَةً وَنَذْرًا وَنَفْلًا يُوَافِقُ عَادَةً وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ عَنْ فَرْضِ رَمَضَانَ وَيَجُوزُ عَمَّا سِوَى ذَلِكَ ثَالِثُهَا الْمَرْجِعُ إِلَى رَأْيِ الْإِمَامِ فِي الصَّوْمِ وَالْفِطْرِ
وَاحْتَجَّ الْأَوَّلُ بِأَنَّهُ مُوَافِقٌ لِرَأْيِ الصَّحَابِيِّ رَاوِي الْحَدِيثِ
قَالَ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ عن بن عُمَرَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِلَفْظِ فَاقْدُرُوا لَهُ قَالَ نافع فكان بن عُمَرَ إِذَا مَضَى مِنْ شَعْبَانَ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ يَبْعَثُ مَنْ يَنْظُرُ فَإِنْ رَأَى فَذَاكَ وَإِنْ لَمْ يَرَ وَلَمْ يَحُلْ دُونَ مَنْظَرِهِ سَحَابٌ وَلَا قَتَرٌ أَصْبَحَ مُفْطِرًا وَإِنْ حَالَ أَصْبَحَ صَائِمًا
وَأَمَّا مَا رَوَى الثَّوْرِيُّ فِي جَامِعِهِ عن عبد العزيز بن حكيم سمعت بن عُمَرَ يَقُولُ لَوْ صُمْتُ السَّنَةَ كُلَّهَا لَأَفْطَرْتُ الْيَوْمَ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ فَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ فِي الصُّورَةِ الَّتِي أَوْجَبَ فِيهَا الصَّوْمَ لَا يُسَمَّى يَوْمُ شَكٍّ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ خَصَّ يَوْمَ الشَّكِّ بِمَا إِذَا تَقَاعَدَ النَّاسُ عَنْ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ أَوْ شَهِدَ بِرُؤْيَتِهِ مَنْ لَا يَقْبَلُ الْحَاكِمُ شَهَادَتَهُ فَأَمَّا إِذَا حَالَ دُونَ مَنْظَرِهِ شَيْءٌ فَلَا يُسَمَّى شَكًّا وَاخْتَارَ كَثِيرٌ مِنَ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَصْحَابِهِ الثَّانِيَ انْتَهَى
قُلْتُ قَدْ جَاءَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ وَأَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِمَا قَالَ عَمَّارٌ مَنْ صَامَ يَوْمَ الشَّكِّ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهَذَانِ يَدُلَّانِ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الصَّوْمِ يَوْمَ الشَّكِّ وَعَلَى عَدَمِ جَوَازِ صَوْمِ رَمَضَانَ إِذَا حَالَ دُونَ مَطْلَعِ الْهِلَالِ غَيْمٌ أَوْ قَتَرٌ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ وَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ هُوَ قَوْلٌ ضَعِيفٌ(6/313)
وَقَوْلُ عَمَّارٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ قَبِيلِ الْمَرْفُوعِ لِأَنَّ الصَّحَابِيَّ لَا يَقُولُ ذَلِكَ مِنْ قِبَلِ رَأْيِهِ وَسَيَجِيءُ بَعْضُ بَيَانِهِ فِي بَابِ كَرَاهِيَةِ صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تعالى
(قال) نافع (وكان بن عُمَرَ يُفْطِرُ مَعَ النَّاسِ وَلَا يَأْخُذُ بِهَذَا الْحِسَابِ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ يُرِيدُ أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ الصَّنِيعَ فِي شَهْرِ شَعْبَانَ احْتِيَاطًا لِلصَّوْمِ وَلَا يَأْخُذُ بِهَذَا الْحِسَابِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ وَلَا يُفْطِرُ إِلَّا مَعَ النَّاسِ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْهُ الْمُسْنَدَ فَقَطْ
(زَادَ) أَيْ أَيُّوبُ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْوَهَّابِ عَنْهُ دُونَ حَمَّادٍ (إِذَا رَأَيْنَا هِلَالَ شَعْبَانَ لِكَذَا وَكَذَا) أَيْ لِثَلَاثِينَ فِي لَيْلَةِ فُلَانٍ وَفُلَانٍ (فَالصَّوْمُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لِكَذَا وَكَذَا) أَيْ بِحِسَابِ الثَّلَاثِينَ فِي يَوْمِ فُلَانٍ وَفُلَانٍ (إِلَّا أَنْ يَرَوْا) أَيِ النَّاسُ (الْهِلَالَ قَبْلَ ذَلِكَ) أَيِ الثَّلَاثِينَ فَيَكُونُ الصَّوْمُ بِحِسَابِ تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ مِنْ شَعْبَانَ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَضَتْ بِهِ الرِّوَايَاتُ الثَّابِتَةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
(لَمَا صُمْنَا) مَا مَوْصُولَةٌ أَوْ مَصْدَرِيَّةٌ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ
(شَهْرَا عِيدٍ) أَيْ شَهْرُ رَمَضَانَ وَشَهْرُ ذِي الْحِجَّةِ
قَالَ فِي الْفَتْحِ أَطْلَقَ عَلَى رَمَضَانَ أَنَّهُ
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه اللَّه وَفِي مَعْنَاهُ أَقْوَال(6/314)
شَهْرُ عِيدٍ لِقُرْبِهِ مِنَ الْعِيدِ أَوْ لِكَوْنِ هِلَالِ الْعِيدِ رُبَّمَا رُئِيَ فِي الْيَوْمِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ
قَالَهُ الْأَثْرَمُ
وَالْأَوَّلُ أَوْلَى
وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَغْرِبُ وِتْرُ النهار أخرجه الترمذي من حديث بن عُمَرَ وَصَلَاةُ الْمَغْرِبِ لَيْلِيَّةٌ جَهْرِيَّةٌ وَأَطْلَقَ كَوْنَهَا وِتْرَ النَّهَارِ لِقُرْبِهَا مِنْهُ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ وَقْتَهَا يَقَعُ أَوَّلَ مَا تَغْرُبُ الشَّمْسُ انْتَهَى (لَا يَنْقُصَانِ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي تَأْوِيلِهِ عَلَى وُجُوهٍ فَقَالَ بَعْضُهُمْ مَعْنَاهُ أَنَّهُمَا لَا يَكُونَانِ نَاقِصَيْنِ فِي الْحُكْمِ وَإِنْ وُجِدَا نَاقِصَيْنِ فِي عَدَدِ الْحِسَابِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَعْنَاهُ أَنَّهُمَا لَا يَكَادَانِ يُوجَدَانِ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ مُجْتَمَعَيْنِ فِي النُّقْصَانِ إِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا تِسْعًا وَعِشْرِينَ كَانَ الْآخَرُ ثَلَاثِينَ عَلَى الْإِكْمَالِ
قُلْتُ وَهَذَا الْقَوْلُ لَا يُعْتَمَدُ لِأَنَّ دَلَالَتَهُ تختلف
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
أَحَدهَا لَا يَجْتَمِع نَقْصهمَا مَعًا فِي سَنَة وَاحِدَة وَهَذَا مَنْصُوص الْإِمَام أَحْمَد
وَالثَّانِي أَنَّ هَذَا خَرَجَ عَلَى الْغَالِب وَالْغَالِب أَنَّهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ فِي النَّقْص وَإِنْ وَقَعَ نَادِرًا
وَالثَّالِث أَنَّ الْمُرَاد بِهَذَا تِلْكَ السَّنَة وَحْدهَا ذَكَره جَمَاعَة
الرَّابِع أَنَّهُمَا لَا يَنْقُصَانِ فِي الْأَجْر وَالثَّوَاب وَإِنْ كَانَ رَمَضَان تِسْعًا وَعِشْرِينَ فَهُوَ كَامِل فِي الْأَجْر
الْخَامِس أَنَّ الْمُرَاد بِهَذَا تَفْضِيل الْعَمَل فِي عَشْر ذِي الْحِجَّة وَأَنَّهُ لَا يَنْقُص أَجْره وَثَوَابه عَنْ ثَوَاب شَهْر رَمَضَان
وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي أَيَّام الْعَشْر مِنْ ذِي الْحِجَّة وَالْعَشْر الْأَخِير مِنْ رَمَضَان أَيّهمَا أَفْضَل قَالَ شَيْخنَا وَفَصْل الْخَطَّاب أَنَّ لَيَالِي الْعَشْر الْأَخِير مِنْ رَمَضَان أَفْضَل مِنْ لَيَالِي عَشْر ذِي الْحِجَّة فَإِنَّ فِيهَا لَيْلَة الْقَدْر وَكَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْتَهِد فِي تِلْكَ اللَّيَالِي مَا لَا يَجْتَهِد فِي غَيْرهَا مِنْ اللَّيَالِي وَأَيَّام عَشْر ذِي الْحِجَّة أَفْضَل مِنْ أَيَّام الْعَشْر الْآخِر مِنْ رمضان لحديث بن عَبَّاس وَقَوْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْظَم الْأَيَّام عِنْد اللَّه يَوْم النَّحْر وَمَا جَاءَ فِي يَوْم عَرَفَة
السَّادِس أَنَّ النَّاس كَانَ يَكْثُر اِخْتِلَافُهُمْ فِي هَذَيْنَ الشَّهْرَيْنِ لِأَجْلِ صومهم وحجهم فأعلمهم صلى الله عليه وسلم أَنَّ الشَّهْرَيْنِ وَإِنْ نَقَصَتْ أَعْدَادهمَا فَحُكْم عِبَادَتهَا عَلَى التَّمَام وَالْكَمَال وَلَمَّا كَانَ هَذَانِ الشَّهْرَانِ هُمَا أَفْضَل شُهُور الْعَام وَكَانَ الْعَمَل فِيهِمَا أَحَبّ إِلَى اللَّه مِنْ سَائِر الشُّهُور رَغِبَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعَمَل وَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يَنْقُص ثَوَابه وَإِنْ نَقَصَ الشَّهْرَانِ
وَاَللَّه أَعْلَم
قَالُوا وَيَشْهَد لِهَذَا التَّفْسِير مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمه مِنْ حَدِيث عَبْد اللَّه بْن أَبِي بَكْرَة عَنْ أَبِيهِ يَرْفَعهُ كُلّ شَهْر حَرَام لَا يَنْقُص ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَثَلَاثِينَ لَيْلَة وَرِجَال إِسْنَاده ثِقَات
وَهَذَا لَا يُمْكِن حَمْله إِلَّا عَلَى الثَّوَاب أَيْ لِلْعَامِلِ فِيهَا ثَوَاب ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَلَيْلَة وَإِنْ نَقَصَ عَدَده
وَاَللَّه أَعْلَم(6/315)
إِلَّا أَنْ يُحْمَلَ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ عَلَى الْغَالِبِ الْأَكْبَرِ
وَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّمَا أَرَادَ بِهَذَا تَفْضِيلَ الْعَمَلِ فِي الْعَشْرِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ فَإِنَّهُ لَا يَنْقُصُ فِي الْأَجْرِ وَالثَّوَابِ عَنْ شَهْرِ رَمَضَانَ انْتَهَى (رَمَضَانُ وَذُو الْحِجَّةِ) بَدَلَانِ أَوْ بَيَانَانِ أَوْ هُمَا خَبَرَا مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ أَحَدُهُمَا رَمَضَانُ وَالْآخِرُ ذُو الْحِجَّةِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وبن مَاجَهْ
(بَاب إِذَا أَخْطَأَ الْقَوْمُ الْهِلَالَ)
أَيْ هَذَا بَابٌ فِي بَيَانِ أَنَّ قَوْمًا اجْتَهَدُوا فِي رُؤْيَةِ الْهِلَالِ فَأَخْطَئُوا وَذَلِكَ مَثَلًا أَنَّ قَوْمًا لَمْ يَرَوُا الْهِلَالَ إِلَّا بَعْدَ الثَّلَاثِينَ فلم يفتروا حَتَّى اسْتَوْفَوُا الْعَدَدَ ثُمَّ ثَبَتَ عِنْدَهُمْ أَنَّ الشَّهْرَ كَانَ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ فَمَا حُكْمُهُ
(فِيهِ) أَيْ فِي حَدِيثِ أَيُّوبَ بِسَنَدِهِ الْمَذْكُورِ (قَالَ) أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَفِطْرُكُمْ يَوْمَ تُفْطِرُونَ) هُوَ مَحَلُّ التَّرْجَمَةِ وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الصَّوْمُ يَوْمَ تَصُومُونَ وَالْفِطْرُ يَوْمَ تُفْطِرُونَ وَالْأَضْحَى يَوْمَ تُضَحُّونَ قَالَ التِّرْمِذِيُّ فَسَّرَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ هَذَا الْحَدِيثَ فَقَالَ إِنَّمَا مَعْنَى هَذَا الصَّوْمُ وَالْفِطْرُ مَعَ الْجَمَاعَةِ وَعِظَمِ النَّاسِ انْتَهَى يَعْنِي هُوَ عِنْدَ اللَّهِ مَقْبُولٌ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ الْخَطَأَ مَوْضُوعٌ عَنِ النَّاسِ فِيمَا كَانَ سَبِيلُهُ الِاجْتِهَادُ فَلَوْ أَنَّ قَوْمًا اجْتَهَدُوا فَلَمْ يَرَوُا الْهِلَالَ إِلَّا بَعْدَ الثَّلَاثِينَ فَلَمْ يُفْطُرُوا حَتَّى اسْتَوْفَوُا الْعَدَدَ ثُمَّ ثَبَتَ عِنْدَهُمْ أَنَّ الشَّهْرَ كَانَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ فَإِنَّ صَوْمَهُمْ وَفِطْرَهُمْ مَاضٍ لَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ مِنْ وِزْرٍ أَوْ عَتْبٍ وَكَذَلِكَ هَذَا فِي الْحَجِّ إِذَا أَخْطَئُوا يَوْمَ عَرَفَةَ فَإِنَّهُ لَيْسَ عليهم إعادته ويجزيهم أضحاؤهم كَذَلِكَ وَإِنَّمَا هَذَا تَخْفِيفٌ مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَرِفْقٌ بِعِبَادِهِ وَلَوْ كُلِّفُوا إِذَا أَخْطَئُوا الْعَدَدَ ثم يعيدوا لَمْ يَأْمَنُوا أَنْ يُخْطِئُوا ثَانِيًا وَأَنْ لَا يَسْلَمُوا مِنَ الْخَطَأِ ثَالِثًا وَرَابِعًا فَأَمَّا مَا كَانَ سَبِيلُهُ الِاجْتِهَادَ كَانَ الْخَطَأُ غَيْرَ مَأْمُونٍ فِيهِ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَقِيلَ فِيهِ الْإِشَارَةُ إِلَى يَوْمِ الشَّكِّ لَا يُصَامُ احْتِيَاطًا وَإِنَّمَا يَصُومُ يَوْمَ يَصُومُ النَّاسُ وَقِيلَ فِيهِ الرَّدُّ عَلَى مَنْ يَقُولُ إِنَّ مَنْ عَرَفَ طُلُوعَ الْقَمَرِ بِتَقْدِيرِ حِسَابِ الْمَنَازِلِ جَازَ لَهُ أَنْ(6/316)
يَصُومَ بِهِ وَيُفْطِرَ دُونَ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ وَقِيلَ إِنَّ الشَّاهِدَ الْوَاحِدَ إِذَا رَأَى الْهِلَالَ وَلَمْ يَحْكُمِ الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِ أَنَّ هَذَا لَا يَكُونُ صَوْمًا لَهُ كَمَا لَمْ يَكُنْ لِلنَّاسِ انْتَهَى (وَكُلُّ عَرَفَةَ مَوْقِفٌ) أَيْ لَا تَتَوَهَّمُوا أَنَّ الْمَوْقِفَ يَخْتَصُّ بِمَا وَقَفْتُ فِيهِ بَلْ يُجْزِئُ الْوُقُوفُ بِأَيِّ جُزْءٍ مِنْ عَرَفَةَ (وَكُلُّ مِنًى مَنْحَرٌ) أَيْ مَحَلٌّ لِلنَّحْرِ (وَكُلُّ فِجَاجٍ) جَمْعُ فَجٍّ وَهُوَ الطَّرِيقُ الْوَاسِعُ (مَكَّةَ مَنْحَرٌ) يَعْنِي فِي أَيْ مَحَلٍّ مِنْ حَوَالَيْ مَكَّةَ يُنْحَرُ الْهَدْيُ يَجُوزُ لِأَنَّهَا مِنْ أَرْضِ الْحَرَمِ وَأَرَادَ بِهِ التَّوْسِعَةَ وَنَفْيَ الْحَرَجِ (وَكُلُّ جَمْعٍ) أَيْ مُزْدَلِفَةَ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ انْتَهَى
وَفِي البدر المنير بن الْمُنْكَدِرِ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَمْ يلقه قاله بن مَعِينٍ وَأَبُو زُرْعَةَ انْتَهَى
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه اللَّه وَأَمَّا حَدِيث أَبِي دَاوُدَ فَقَالَ يَحْيَى بْن مَعِين مُحَمَّد بْن الْمُنْكَدَر لَمْ يَسْمَع مِنْ أَبِي هُرَيْرَة
قَالَ التِّرْمِذِيّ وَفَسَّرَ بَعْض أَهْل الْعِلْم هَذَا الْحَدِيث فَقَالَ إِنَّمَا مَعْنَى هَذَا الصَّوْم وَالْفِطْر مَعَ الْجَمَاعَة وَعُظْم النَّاس
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي مَعْنَى الْحَدِيث إِنَّ الْخَطَأ مَرْفُوع عَنْ النَّاس فِيمَا كَانَ سَبِيله الِاجْتِهَاد فَلَوْ أَنَّ قَوْمًا اِجْتَهَدُوا فَلَمْ يَرَوْا الْهِلَال إِلَّا بَعْد الثَّلَاثِينَ فَلَمْ يُفْطِرُوا حَتَّى اِسْتَوْفَوْا الْعَدَد ثُمَّ ثَبَتَ عِنْدهمْ أَنَّ الشَّهْر كَانَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ فَإِنَّ صَوْمهمْ وَفِطْرهمْ مَاضٍ لَا شَيْء عَلَيْهِمْ مِنْ وِزْر أَوْ عَنَتٍ وَكَذَلِكَ فِي الْحَجّ إِذَا أَخْطَئُوا يَوْم عَرَفَة لَيْسَ عَلَيْهِمْ إِعَادَة
وَقَالَ غَيْره فِي الْإِشَارَة إِلَى أَنَّ يَوْم الشَّكِّ لَا يُصَام اِحْتِيَاطًا وَإِنَّمَا يُصَام يَوْم يَصُوم النَّاس
وَقِيلَ فِيهِ الرَّدّ عَلَى مَنْ يَقُول إِنَّ مَنْ عَرَفَ طُلُوع الْقَمَر بِتَقْدِيرِ حِسَاب الْمَنَازِل جَازَ لَهُ أَنْ يَصُوم وَيُفْطِر دُون مَنْ يَعْلَم
وَقِيلَ إِنَّ الشَّاهِد الْوَاحِد إِذَا رَأَى الْهِلَال وَلَمْ يَحْكُم الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِ أَنَّهُ لَا يَكُون هَذَا لَهُ صَوْمًا كَمَا لَمْ يَكُنْ لِلنَّاسِ
هَذَا آخِر كَلَامه
وَفِيهِ دَلِيل عَلَى أَنَّ الْمُنْفَرِد بِالرُّؤْيَةِ لَا يَلْزَمهُ حُكْمهَا لَا فِي الصَّوْم وَلَا فِي الْفِطْر وَلَا فِي التَّعْرِيف(6/317)
6 - (بَاب إِذَا أُغْمِيَ الشَّهْرُ)
أَيْ أُخْفِيَ هِلَالُ شَهْرِ شَعْبَانَ بِنَحْوِ غَيْمٍ وَالْأَلِفُ وَاللَّامُ فِيهِ لِلْعَهْدِ أَيْ مَاذَا يَفْعَلُ يُكْمِلُ عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا أَوْ يَصُومُ لِرَمَضَانَ يُقَالُ أُغْمِيَ الْخَبَرُ إِذَا خَفِيَ
(يَتَحَفَّظُ مِنْ شَعْبَانَ) أَيْ يَتَكَلَّفُ فِي عَدِّ أَيَّامِ شَعْبَانَ لِمُحَافَظَةِ صَوْمِ رَمَضَانَ (فَإِنْ غُمَّ عَلَيْهِ) أَيْ شَعْبَانَ (عَدَّ) أَيْ شَعْبَانَ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ
وَرِجَالُ إِسْنَادِهِ كُلُّهُمْ مُحْتَجٌّ بِهِمْ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَلَى الِاتِّفَاقِ وَالِانْفِرَادِ وَمُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ الْحَضْرَمِيُّ الْحِمْصِيُّ قَاضِي الْأَنْدَلُسِ وَإِنْ كَانَ قَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ بَعْضُهُمْ فَقَدِ احْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَقَالَ البخاري قال علي يعني بن الْمَدِينِيِّ كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ يُوَثِّقُهُ وَيَقُولُ نَزَلَ الْأَنْدَلُسَ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ كَانَ ثِقَةً وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ ثِقَةٌ
(لَا تُقَدِّمُوا الشَّهْرَ) الْأَقْرَبَ مَعْنَى أَنَّهُ مِنَ التَّقْدِيمِ أَيْ لَا تَحْكُمُوا بَالشَّهْرِ قَبْلَ أَوَانِهِ وَلَا تُقَدِّمُوهُ عَنْ وَقْتِهِ بَلِ اصْبِرُوا حَتَّى تروا الهلال
قاله في الفتح الْوَدُودِ (أَوْ تُكْمِلُوا الْعِدَّةَ) أَيْ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَهُوَ مَحَلُّ التَّرْجَمَةِ لِأَنَّ إِكْمَالَ الْعِدَّةِ فِي حَالَةِ الْغَيْمِ ضَرُورِيٌّ
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه اللَّه هَذَا الْحَدِيث وَصْلُهُ صَحِيحٌ فَإِنَّ الَّذِينَ وَصَلُوهُ أَوْثَق وَأَكْثَر مِنْ الَّذِينَ أَرْسَلُوهُ وَاَلَّذِي أَرْسَلَهُ هُوَ الْحَجَّاج بْن أَرْطَاةَ عَنْ مَنْصُور وَقَوْل النَّسَائِيّ لَا أَعْلَم أَحَدًا قَالَ فِي هَذَا الْحَدِيث عَنْ حُذَيْفَة غَيْر(6/318)
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مُسْنَدًا وَمُرْسَلًا وَقَالَ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ مَنْصُورٍ قَالَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ حُذَيْفَةَ غَيْرَ جرير يعني بن عَبْدِ الْحَمِيدِ
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَصَلَهُ جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ فَذَكَرَ حُذَيْفَةَ فِيهِ وَهُوَ ثِقَةٌ حُجَّةٌ وَرَوَى لَهُ الثَّوْرِيُّ وَجَمَاعَةٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ رِبْعِيٍّ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
(بَابُ مَنْ قَالَ فَإِنْ غُمَّ عليكم)
أَيْ سُتِرَ هِلَالُ رَمَضَانَ عَلَيْكُمْ فَصُومُوا ثَلَاثِينَ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَجُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ خِلَافًا لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ
(لَا تُقَدِّمُوا الشَّهْرَ بِصِيَامِ يَوْمٍ وَلَا يَوْمَيْنِ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ لَا يَتَقَدَّمَنَّ أَحَدُكُمْ رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ الْحَدِيثَ
قَالَ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ إِخْرَاجِ هَذَا الْحَدِيثِ وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ كَرِهُوا أَنْ يَتَعَجَّلَ الرَّجُلُ بِصِيَامٍ قَبْلَ دُخُولِ شَهْرِ رَمَضَانَ لِمَعْنَى رَمَضَانَ انْتَهَى
أَيْ لِتَعْظِيمِهِ
وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَى الْحَدِيثِ لَا تَسْتَقْبِلُوا رَمَضَانَ بِصِيَامٍ عَلَى نِيَّةِ الِاحْتِيَاطِ لِرَمَضَانَ وَالْحِكْمَةُ فِيهِ التَّقَوِّي بَالْفِطْرِ لِرَمَضَانَ لِيَدْخُلَ فِيهِ بِقُوَّةٍ وَنَشَاطٍ
وَقِيلَ الْحِكْمَةُ فِيهِ خَشْيَةُ اخْتِلَاطِ
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
جَرِير إِنَّمَا عَنَى تَسْمِيَة الصَّحَابِيّ وَإِلَّا فَقَدْ رَوَاهُ الثَّوْرِيّ وَغَيْره عَنْ رِبْعِيّ عَنْ بَعْض أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا مَوْصُول وَلَا يَضُرّهُ عَدَم تَسْمِيَة الصَّحَابِيّ وَلَا يعلل بذلك قال
الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه اللَّه وَلَفْظ النَّسَائِيّ فِيهِ صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنَّ حَال بَيْنكُمْ وَبَيْنه سَحَاب فَكَمِّلُوا الْعِدَّة وَلَا تَسْتَقْبِلُوا الشَّهْر اِسْتِقْبَالًا وَفِي لَفْظٍ لِلنَّسَائِيِّ أَيْضًا فَأَكْمِلُوا الْعِدَّة عِدَّة شَعْبَان رَوَاهُ مِنْ حَدِيث أَبِي يُونُس عَنْ سَمَّاك عَنْ عِكْرِمَة عَنْهُ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَلَمْ يَقُلْ فِي حديث بن عَبَّاس فَأَكْمِلُوا عِدَّة شَعْبَان غَيْر آدَم
قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَة حَدَّثَنِي عَمْرو بْن مُرَّة قَالَ سَمِعْت أَبَا الْبُخْتُرِيّ الطَّائِيّ يَقُول أَهَلَّ هِلَال رَمَضَان وَنَحْنُ بِذَاتِ الشُّقُوق فَشَكَكْنَا فِي الْهِلَال فبعثنا رجلا إلى بن عباس فسأله فقال بن عباس(6/319)
النَّفْلِ بَالْفَرْضِ
وَقِيلَ لِأَنَّ الْحُكْمَ عُلِّقَ بَالرُّؤْيَةِ فَمَنْ تَقَدَّمَهُ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ فَقَدْ حَاوَلَ الطَّعْنَ فِي ذَلِكَ الْحُكْمِ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ (إِلَّا أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ) مَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ أَنَّ مَنْ كَانَ لَهُ وِرْدٌ فَقَدْ أُذِنَ لَهُ فِيهِ لِأَنَّهُ اعْتَادَهُ وَأَلِفَهُ وَتَرْكُ الْمَأْلُوفِ شَدِيدٌ وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنَ اسْتِقْبَالِ رَمَضَانَ في شيء ويلتحق بذلك الْقَضَاءُ وَالنَّذْرُ لِوُجُوبِهِمَا
قَالَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ (حَتَّى تَرَوْهُ) أَيْ هِلَالَ رَمَضَانَ (ثُمَّ صُومُوا حَتَّى تَرَوْهُ) أَيْ هِلَالَ شَوَّالٍ (فَإِنْ حَالَ دُونَهُ) أَيْ عِنْدَ الْهِلَالِ (غَمَامَةٌ) أَيْ سَحَابَةٌ (فَأَتِمُّوا الْعِدَّةَ) أَيْ عِدَّةَ رَمَضَانَ (وَالشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ) يَعْنِي أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ لَا أَنَّهُ يَكُونُ دَائِمًا كَذَلِكَ
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
إِنَّ اللَّه أَمَدَّهُ لِرُؤْيَتِهِ
فَإِنَّ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّة شَعْبَان ثَلَاثِينَ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ صَحِيح عَنْ شُعْبَة وَرَوَاهُ حَصِين وَأَبُو خَالِد الدَّالَانِيّ عَنْ عَمْرو بْن مُرَّة وَلَمْ يَقُلْ فِيهِ عِدَّة شَعْبَان غَيْر آدَم وَهُوَ ثِقَة
قَالَ الشَّيْخ شَمْس الدِّين حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة هَذَا قَدْ رُوِيَ فِي الصَّحِيح بِثَلَاثَةِ أَلْفَاظ أَحَدهَا هَذَا اللَّفْظ الثَّانِي صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّة وَفِي رِوَايَةٍ فَعُدُّوا ثَلَاثِينَ اللَّفْظ الثَّالِث فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّة شَعْبَان ثَلَاثِينَ
وَهَذَا اللَّفْظ الْأَخِير لِلْبُخَارِيِّ وَحْده وَقَدْ عُلِّلَ بِعِلَّتَيْنِ إِحْدَاهُمَا أَنَّهُ مِنْ رِوَايَة مُحَمَّد بْن زِيَاد عَنْهُ وَقَدْ خالفه فيه سعيد بن الميسب فَقَالَ فِيهِ
فَصُومُوا ثَلَاثِينَ
قَالُوا وَرِوَايَته أَوْلَى لِإِمَامَتِهِ وَاشْتِهَار عَدَالَته وَثِقَته وَلِاخْتِصَاصِهِ بِأَبِي هُرَيْرَة وَصِهْره مِنْهُ وَلِمُوَافَقَةِ رِوَايَته لِرَأْيِ أَبِي هُرَيْرَة وَمَذْهَبه فَإِنَّ مَذْهَب أَبِي هُرَيْرَة وَعُمَر بْن الْخَطَّاب وَابْنه عَبْد اللَّه وَعَمْرو بْن الْعَاصِ وَأَنَس وَمُعَاوِيَة وَعَائِشَة وَأَسْمَاء صِيَام يَوْم الْغَيْم
قَالُوا فَكَيْف يَكُون عِنْد أَبِي هُرَيْرَة قَوْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَكْمِلُوا عِدَّة شَعْبَان ثُمَّ يُخَالِفهُ الْعِلَّة الثَّانِيَة مَا ذَكَر الْإِسْمَاعِيلِيّ قَالَ وَقَدْ رَوَيْنَا هَذَا الْحَدِيث عَنْ غندر وبن مهدي وبن عُلَيَّة وَعِيسَى بْن يُونُس وَشَبَّابَة وَعَاصِم بْن عَلِيّ وَالنَّضْر بْن شُمَيْل وَيَزِيد بْن هَارُون وَأَبِي دَاوُدَ كُلّهمْ عَنْ شُعْبَة لَمْ يَذْكُر أَحَد مِنْهُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّة شَعْبَان ثَلَاثِينَ فَيَجُوز أَنْ يَكُون آدَم قَالَ ذَلِكَ مِنْ عِنْده على وجه التفسير للخبر وَإِلَّا فَلَيْسَ لِانْفِرَادِ الْبُخَارِيِّ عَنْهُ بِهَذَا مِنْ بَيْن مَنْ رَوَاهُ عَنْهُ وَجْه
هَذَا آخِر كَلَامه
وَقَدْ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فَقَالَ فِيهِ فَعُدُّوا ثَلَاثِينَ يَعْنِي عُدُّوا شَعْبَان ثَلَاثِينَ ثُمَّ قَالَ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ(6/320)
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ بِنَحْوِهِ
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ
وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي صحيحه والنسائي وبن مَاجَهْ فِي سُنَنِهِمَا مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
آدَم فَقَالَ فِيهِ فَعُدُّوا شَعْبَان ثَلَاثِينَ وَلَمْ يَقُلْ يَعْنِي وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ قَوْله يَعْنِي مِنْ بَعْض الرُّوَاة وَالظَّاهِر أَنَّهُ آدَم وأنه قوله وقد تقدم حديث بن عَبَّاس فِي ذَلِكَ وَتَفَرَّدَ آدَم أَيْضًا فِيهِ بقوله فأكملو عِدَّة شَعْبَان ثَلَاثِينَ وَسَائِر الرُّوَاة إِنَّمَا قَالُوا فَأَكْمِلُوا الْعِدَّة كَمَا رَوَاهُ حَمَّاد بْن سَلَمَة عن عمرو بن دينار عن بن عَبَّاس وَسُفْيَان عَنْ عَمْرو عَنْ مُحَمَّد بْن حنين عن بن عَبَّاس وَحَاتِم بْن أَبِي صَغِيرَة عَنْ سَمَّاك عن عكرمة عن بن عَبَّاس وَأَبُو الْأَحْوَص عَنْ سَمَّاك عَنْ عِكْرِمَة عن بن عَبَّاس وَحَصِين عَنْ عَمْرو بْن مُرَّة عَنْ أَبِي الْبُخْتُرِيّ وَأَبُو خَالِد الدَّالَانِيّ عَنْ عَمْرو عَنْ أَبِي الْبُخْتُرِيّ كُلّهمْ قَالَ فِي حَدِيثه فَأَكْمِلُوا الْعِدَّة وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ فَأَكْمِلُوا ثَلَاثِينَ وَقَالَ آدَم مِنْ بَيْنهمْ عِدَّة شَعْبَان فَهَذِهِ الزيادة من آدم في حديث بن عَبَّاس كَهِيَ فِي حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة وَسَائِر الرُّوَاة عَلَى خِلَافه فِيهِ
قَالَ بَعْض الْحُفَّاظ وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ هَذَا تَفْسِير مِنْهُ فِي الْحَدِيثَيْنِ
وَمَدَار هَذَا الْبَاب عَلَى حَدِيث بن عباس وأبي هريرة وبن عمر وعائشة وحذيفة ورافع بن خديج وطلق بْن عَلِيّ وَسَعْد بْن أَبِي وَقَّاص وَعَمَّار بْن يَاسِر فَهَذِهِ عَشْرَة أَحَادِيث فَأَمَّا حَدِيث بن عَبَّاس وَأَبَى هُرَيْرَة فَقَدْ ذَكَرْنَاهُمَا
وَأَمَّا حَدِيث بن عُمَر وَعَائِشَة وَحُذَيْفَة فَقَدْ تَقَدَّمَتْ
وَأَمَّا حَدِيث رَافِع بْن خَدِيج فَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيث الزُّهْرِيّ عَنْ حَنْظَلَة بْن عَلِيّ الْأَسْلَمِيّ عَنْ رَافِع بْن خَدِيج قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْصُوا عِدَّة شَعْبَان لِرَمَضَان وَلَا تَقَدَّمُوا الشَّهْر بِصَوْمٍ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَصُومُوا وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّة ثَلَاثِينَ يَوْمًا ثُمَّ أَفْطِرُوا
فَإِنَّ الشَّهْر هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا وَخَنَسَ إِبْهَامه فِي الثَّالِثَة وَفِيهِ الْوَاقِدِيّ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا فَلَيْسَ الْعُمْدَة عَلَى مُجَرَّد حَدِيثه
وَأَمَّا حَدِيث طَلْق فَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيث أَبِي يُونُس عَنْ مُحَمَّد بْن جَابِر عَنْ قَيْس بْن طَلْق عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ اللَّه الْأَهِلَّة مَوَاقِيت لِلنَّاسِ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَصُومُوا وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَتَمُّوا الْعِدَّة ثَلَاثِينَ قَالَ مُحَمَّد بْن جَابِر سَمِعْت هَذَا مِنْهُ وَحَدِيثَيْنِ آخَرَيْنِ
وَمُحَمَّد بْن جَابِر وَإِنْ كَانَ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ فَالْعُمْدَة عَلَى مَا تَقَدَّمَ
وَأَمَّا حَدِيث سَعْد فَرَوَاهُ النَّسَائِيّ عَنْ مُحَمَّد بْن سَعْد عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الشَّهْر هَكَذَا(6/321)
الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَأَيْتُمُ الْهِلَالَ فَصُومُوا وَإِنْ رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَصُومُوا ثَلَاثِينَ يَوْمًا
(بَاب فِي التَّقَدُّمِ)
أَيِ التَّقَدُّمِ بَالصَّوْمِ فِي شَعْبَانَ عَلَى رَمَضَانَ
(هَلْ صُمْتَ مِنْ سَرَرِ شَعْبَانَ) أَيْ مِنْ آخِرِهِ
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَالسَّرَرُ بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَيَجُوزُ كَسْرُهَا وَضَمُّهَا جَمْعُ سُرَّةٍ وَيُقَالُ أَيْضًا سَرَارٌ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَكَسْرِهِ وَرَجَّحَ الْفَرَّاءُ الْفَتْحَ وَهُوَ مِنَ الِاسْتِسْرَاءِ
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَالْجُمْهُورُ الْمُرَادُ بَالسَّرَرِ هُنَا آخِرُ الشَّهْرِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِاسْتِسْرَارِ الْقَمَرِ فِيهَا وَهِيَ لَيْلَةُ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ وَتِسْعٍ وَعِشْرِينَ وَثَلَاثِينَ انْتَهَى
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ هَذَانِ الْحَدِيثَانِ يَعْنِي حَدِيثَ لَا تُقَدِّمُوا الشَّهْرَ بِصِيَامِ يَوْمٍ وَحَدِيثَ هَلْ صُمْتَ مِنْ سَرَرِ شَعْبَانَ مُتَعَارِضَانِ فِي الظَّاهِرِ وَوَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْأَمْرَ بَالصَّوْمِ إِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ كَانَ لِلرَّجُلِ قَدْ أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ بِنَذْرِهِ فَأَمَرَهُ بَالْوَفَاءِ بِهِ أَوْ كَانَ ذَلِكَ عَادَةً اعْتَادَهَا أَوْ آخِرَ الشُّهُورِ فَتَرَكَهُ لِاسْتِقْبَالِ الشَّهْرِ فَاسْتَحَبَّ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يقضيه
وأما النهي عنه في حديث بن عَبَّاسٍ فَهُوَ أَنْ يَبْتَدِيَهُ الْمَرْءُ مُتَبَرِّعًا بِهِ مِنْ غَيْرِ إِيجَابِ نَذْرٍ وَلَا عَادَةٍ قَدْ كَانَ تَعَوَّدَهَا فِيمَا مَضَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ (فَإِذَا أَفْطَرْتَ) أَيِ انْسَلَخَ رَمَضَانُ (فَصُمْ يَوْمًا) أَيْ عِوَضًا مِنْهُ فَاسْتُحِبَّ لَهُ الْوَفَاءُ بِهِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ
(بِدَيْرِ مِسْحَلٍ) قَالَ فِي
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
وَهَكَذَا وَهَكَذَا يَعْنِي تِسْعَة وَعِشْرِينَ وَفِي رِوَايَة ثُمَّ قَبَضَ فِي الثَّالِثَة الْإِبْهَام فِي الْيُسْرَى
وَأَمَّا حَدِيث عَمَّار بْن يَاسِر فَسَيَأْتِي بَعْد هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى(6/322)
الْقَامُوسِ الدَّيْرُ خَانُ النَّصَارَى وَالْخَانُ الْحَانُوتُ أَوْ صَاحِبُهُ انْتَهَى
وَالْحَانُوتُ الدُّكَّانُ
وَقَالَ فِي تَاجِ الْعَرُوسِ وَمِسْحَلٌ اسْمُ رَجُلٍ وَهُوَ أَبُو الدَّهْنَاءِ امْرَأَةُ الْعَجَّاجِ انْتَهَى
وَلَعَلَّ مِسْحَلًا كَانَ بَانِيَ هَذَا الدَّيْرِ أَوْ مَالِكَهُ (عَلَى بَابِ حِمْصَ) قَالَ فِي مَرَاصِدِ الِاطِّلَاعِ حِمْصُ بَالْكَسْرِ ثُمَّ السُّكُونِ وَالصَّادُ مُهْمَلَةٌ بَلَدٌ مَشْهُورٌ كَبِيرٌ (فَقَالَ) مُعَاوِيَةُ (قَدْ رَأَيْنَا الْهِلَالَ) أَيْ هِلَالَ شَعْبَانَ (وَأَنَا مُتَقَدِّمٌ) رَمَضَانَ (بَالصِّيَامِ) وَهُوَ مَحَلُّ التَّرْجَمَةِ (أَنْ يَفْعَلَهُ) أَيْ تَقْدِيمَ رَمَضَانَ بَالصَّوْمِ (قَالَ) أبو الأزهر
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه اللَّه وَقَدْ أَشْكَلَ هَذَا عَلَى النَّاس فَحَمَلَهُ طَائِفَة عَلَى الِاحْتِيَاط لِدُخُولِ رَمَضَان قَالُوا وَسَرَر الشَّهْر وَسِرَاره بِكَسْرِ السِّين وَفَتْحِهَا ثَلَاث لُغَات وَهُوَ آخِره وَقْت اِسْتِسْرَار هِلَاله فَأَمَرَهُ إِذَا أَفْطَرَ أَنْ يَصُوم يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ عِوَض مَا فَاتَهُ مِنْ صِيَام سَرَرِهِ اِحْتِيَاطًا
وَقَالَتْ طَائِفَة مِنْهُمْ الْأَوْزَاعِيّ وَسَعِيد بْن عَبْد الْعَزِيز سَرَره أَوَّله وَسِرَاره أَيْضًا فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ لَمْ يَصُمْ مِنْ أَوَّله فَأَمَرَهُ بِقَضَاءِ مَا أَفْطَرَ مِنْهُ
ذَكَره أَبُو دَاوُدَ عَنْ الْأَوْزَاعِيّ وَسَعِيد
وَأَنْكَرَ جَمَاعَة هَذَا التَّفْسِير فَرَأَوْهُ غَلَطًا قَالُوا فَإِنَّ سِرَار الشَّهْر آخِره سُمِّيَ بِذَلِكَ لِاسْتِسْرَارِ الْقَمَر فِيهِ
وَقَالَتْ طَائِفَة سَرَره هُنَا وَسَطه وَسُرّ كُلّ شَيْء جَوْفه وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فَعَلَى هَذَا أَرَادَ أَيَّام الْبِيض
هَذَا آخِر كَلَامه
وَرُجِّحَ هَذَا بِأَنَّ فِي بَعْض الرِّوَايَات فِيهِ أَصُمْت مِنْ سُرَّة هَذَا الشَّهْر وَسُرَّته وَسَطه كَسُرَّةِ الْآدَمِيِّ
وَقَالَتْ طَائِفَة هَذَا عَلَى سَبِيل استفهام الإنكار والمقصود منه الزجر
قال بن حبان في صحيحه وقوله صلى الله عليه وسلم أَصُمْت مِنْ سَرَر هَذَا الشَّهْر لَفْظَة اِسْتِخْبَار عَنْ فِعْل مُرَادهَا الْإِعْلَام بِنَفْيِ جَوَاز اِسْتِعْمَال ذَلِكَ الْفِعْل مِنْهُ كَالْمُنْكِرِ عَلَيْهِ لَوْ فَعَلَهُ وَهَذَا كَقَوْلِهِ لِعَائِشَة أَتَسْتُرِينَ الْجِدَار وَأَرَادَ بِهِ الإنكار عليها بلفظ الاستخبار
وأمره صلى الله عليه وسلم بِصَوْمِ يَوْمَيْنِ مِنْ شَوَّال أَرَادَ بِهِ اِنْتِهَاء السَّرَار وَذَلِكَ أَنَّ الشَّهْر إِذَا كَانَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ يَسْتَسِرّ الْقَمَر يَوْمًا وَاحِدًا وَإِذَا كَانَ الشَّهْر ثَلَاثِينَ يَسْتَسِرّ الْقَمَر يَوْمَيْنِ وَالْوَقْت الَّذِي خاطب فِيهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الْخِطَاب يُشْبِه أَنْ يَكُون عَدَد شَعْبَان كَانَ ثَلَاثِينَ فَمِنْ أَجَله أَمْر بِصَوْمِ يَوْمَيْنِ مِنْ شَوَّال
آخِر كَلَامه
وَقَالَتْ طَائِفَة لَعَلَّ صَوْم سَرَر هَذَا الشَّهْر كَانَ الرَّجُل قَدْ أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسه بِنَذْرٍ فَأَمَرَهُ بِالْوَفَاءِ
وَقَالَتْ طَائِفَة لَعَلَّ ذَلِكَ الرَّجُل كَانَ قَدْ اِعْتَادَ صِيَام آخِر الشَّهْر فَتَرَك آخِر شَعْبَان لِظَنِّهِ أَنَّ صومه(6/323)
(فَقَامَ إِلَيْهِ) أَيْ إِلَى مُعَاوِيَةَ (السَّبَئِيُّ) بِمَفْتُوحَةٍ وَفَتْحِ مُوَحَّدَةٍ فَكَسْرِ هَمْزَةٍ وَقَصْرٍ نِسْبَةٌ إِلَى سَبَأٍ عَامِرُ بْنُ سَحْبٍ قَالَهُ الْمُغْنِي (قَالَ) مُعَاوِيَةُ (صُومُوا الشَّهْرَ وَسِرَّهُ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ أَرَادَ صُومُوا أَوَّلَ الشَّهْرِ وَآخِرَهُ انْتَهَى
وَقَالَ الخطابي والعرب يسمي الْهِلَالَ الشَّهْرَ يَقُولُ رَأَيْتُ الشَّهْرَ أَيِ الْهِلَالَ انْتَهَى
وَقَالَ فِي فَتْحِ الْوَدُودِ صُومُوا الشَّهْرَ وَسِرَّهُ بِكَسْرٍ فَتَشْدِيدٍ يُقَالُ سِرُّ الشَّهْرِ وَسِرَارُهُ وَسُرَرُهُ لِآخِرِهِ لِاسْتِتَارِ الْقَمَرِ فِيهِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ بَالشَّهْرِ رَمَضَانُ وَسِرِّهِ أَيْ آخِرِهِ لِتَأْكِيدِ الِاسْتِيعَابِ أَوِ الْمُرَادُ بِآخِرِهِ آخَرُ شَعْبَانَ وَإِضَافَتُهُ إِلَى رَمَضَانَ لِلِاتِّصَالِ وَالْخِطَابُ لِمَنْ يَعْتَادُ أَوْ لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ بَالشَّهْرِ كُلُّ شَهْرٍ وَالْمُرَادُ صُومُوا أَوَّلَ كُلِّ شَهْرٍ وَآخِرَهُ وَالْمَقْصُودُ بَيَانُ الْإِبَاحَةِ انْتَهَى
(يَعْنِي الْأَوْزَاعِيُّ يَقُولُ سِرَّهُ أَوَّلَهُ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَأَنَا أُنْكِرُ هَذَا التَّفْسِيرَ وَأَرَاهُ غَلَطًا فِي النَّقْلِ وَلَا أَعْرِفُ لَهُ وَجْهًا فِي اللُّغَةِ وَالصَّحِيحُ أَنَّ سِرَّهُ آخِرُهُ هَكَذَا حَدَّثَنَا أَصْحَابُنَا عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ خَالِدٍ الدِّمَشْقِيُّ عَنِ الْوَلِيدِ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ قَالَ سِرُّهُ آخِرُهُ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَفِيهِ لُغَاتٌ يُقَالُ سِرُّ الشَّهْرِ وَسِرَارُ الشَّهْرِ وَسُمِّيَ آخِرُ الشَّهْرِ سِرًّا لِاسْتِرَارِ الْقَمَرِ فِيهِ وَإِذَا كَانَ أَوَّلُ الشَّهْرِ مَأْمُورًا بِصِيَامِهِ فِي قَوْلِهِ صُومُوا الشَّهْرَ فَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الْأَمْرَ بِصِيَامِ سِرِّهِ هُوَ غيره أوله
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
يَكُون اِسْتِقْبَالًا لِرَمَضَان فَيَكُون مَنْهِيًّا عَنْهُ فَاسْتَحَبَّ لَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقْضِيَهُ وَرُجِّحَ هَذَا بِقَوْلِهِ إِلَّا صَوْم كَانَ يَصُومهُ أَحَدكُمْ فَلْيَصُمْهُ وَالنَّهْي عَنْ التَّقَدُّم لِمَنْ لَا عَادَة لَهُ
فَيَتَّفِق الْحَدِيثَانِ
وَاَللَّه أَعْلَم(6/324)
9 - (باب إذا رؤي الهلال في بلد قبل اخرين بِلَيْلَةٍ)
أَيْ فَمَا حُكْمُهُ
(بَعَثَتْهُ) أَيْ كُرَيْبًا (قَالَ) كُرَيْبٌ (حَاجَتَهَا) أَيْ أُمَّ الْفَضْلِ (فَاسْتُهِلَّ) هو بضم التاء بصيغة المجهول (قال) بن عباس (أنت رأيته) أي الهلال (قال) بن عَبَّاسٍ (أَوْ نَرَاهُ) أَيِ الْهِلَالَ (هَكَذَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قد تَمَسَّكَ بِحَدِيثِ كُرَيْبٍ هَذَا مَنْ قَالَ إِنَّهُ لَا يَلْزَمُ أَهْلَ بَلَدٍ رُؤْيَةُ أَهْلِ بَلَدٍ غيرها ووجه الاحتجاج به أن بن عَبَّاسٍ لَمْ يَعْمَلْ بِرُؤْيَةِ أَهْلِ الشَّامِ وَقَالَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ هَكَذَا أَمَرَنَا فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ قَدْ حَفِظَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ أَهْلَ بَلَدٍ الْعَمَلُ بِرُؤْيَةِ أَهْلِ بَلَدٍ آخَرَ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْهِلَالِ يَسْتَهِلُّهُ أَهْلُ بَلَدٍ فِي لَيْلَةٍ ثُمَّ يَسْتَهِلُّهُ أَهْلُ بَلَدٍ آخَرَ فِي لَيْلَةٍ قَبْلَهَا أَوْ بَعْدَهَا فذهب إلى ظاهر الحديث بن عَبَّاسٍ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَسَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَعِكْرِمَةُ وَهُوَ مَذْهَبُ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ وَقَالَ لِكُلِّ قَوْمٍ رُؤْيَتُهُمْ
وَقَالَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ إِذَا ثَبَتَ بِخَبَرِ النَّاسِ أَنَّ أَهْلَ الْبَلَدِ مِنَ الْبُلْدَانِ قَدْ رَأَوْهُ قَبْلَهُمْ فَعَلَيْهِمْ قَضَاءُ مَا أَفْطَرُوهُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَمَالِكٍ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ انْتَهَى
وَقَالَ فِي فَتْحِ الْوَدُودِ قَوْلُهُ هَكَذَا أَمَرَنَا يَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَنَّهُ أَمَرَنَا أَنْ لَا نَقْبَلَ شَهَادَةَ الْوَاحِدِ فِي حَقِّ الْإِفْطَارِ أَوْ أَمَرَنَا بِأَنْ نَعْتَمِدَ عَلَى رُؤْيَةِ أَهْلِ بَلَدِنَا وَلَا نَعْتَمِدَ عَنْ رُؤْيَةِ غَيْرِهِمْ وَإِلَى الْمَعْنَى الثَّانِي تَمِيلُ تَرْجَمَةُ الْمُصَنِّفِ لَكِنَّ الْمَعْنَى الْأَوَّلَ مُحْتَمَلٌ فَلَا يَسْتَقِيمُ الِاسْتِدْلَالُ إِذِ الِاحْتِمَالُ يُفْسِدُ الِاسْتِدْلَالَ انْتَهَى(6/325)
وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ بَعْدَ نَقْلِ الْأَقْوَالِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْحُجَّةَ إِنَّمَا هِيَ فِي الْمَرْفُوعِ من رواية بن عَبَّاسٍ لَا فِي اجْتِهَادِهِ الَّذِي فَهِمَ عَنْهُ النَّاسُ وَالْمُشَارُ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ هَكَذَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ قَوْلُهُ فَلَا نَزَالُ نَصُومُ حَتَّى نُكْمِلَ ثَلَاثِينَ وَالْأَمْرُ الْكَائِنُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ مَا أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا بِلَفْظِ لَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوُا الْهِلَالَ وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ وَهَذَا لَا يَخْتَصُّ بِأَهْلِ نَاحِيَةٍ عَلَى جِهَةِ الِانْفِرَادِ بَلْ هُوَ خِطَابٌ لِكُلِّ مَنْ يَصْلُحُ لَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَالِاسْتِدْلَالُ بِهِ عَلَى لُزُومِ رُؤْيَةِ أَهْلِ بَلَدٍ لِغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْبِلَادِ أَظْهَرُ مِنَ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى عَدَمِ اللُّزُومِ لِأَنَّهُ إِذَا رَآهُ أَهْلُ بَلَدٍ فَقَدْ رَآهُ الْمُسْلِمُونَ فَيَلْزَمُ غَيْرَهُمْ مَا لَزِمَهُمُ انْتَهَى مُلَخَّصًا
وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ عَلَى مَذَاهِبَ أَحَدِهَا لِأَهْلِ كُلِّ بَلَدٍ رُؤْيَتُهُمْ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حديث بن عباس ما يشهد له وحكاه بن الْمُنْذِرِ عَنْ عِكْرِمَةَ وَالْقَاسِمِ وَسَالِمٍ وَإِسْحَاقَ وَحَكَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَلَمْ يَحْكِ سِوَاهُ وَحَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَجْهًا لِلشَّافِعِيَّةِ
ثَانِيهَا مُقَابِلُهُ إِذَا رؤي بِبَلْدَةٍ لَزِمَ أَهْلَ الْبِلَادِ كُلِّهَا وَهُوَ الْمَشْهُورُ عند المالكية لكن حكى بن عَبْدِ الْبَرِّ الْإِجْمَاعَ عَلَى خِلَافِهِ وَقَالَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا تُرَاعَى الرُّؤْيَةُ فِيمَا بَعُدَ مِنَ الْبِلَادِ كَخُرَاسَانَ وَالْأَنْدَلُسِ
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ قَدْ قَالَ شُيُوخُنَا إِذَا كَانَتْ رُؤْيَةُ الْهِلَالِ ظَاهِرَةٌ قَاطِعَةٌ بِمَوْضِعٍ ثُمَّ نُقِلَ إِلَى غَيْرِهِمْ بِشَهَادَةِ اثنين لزمهم الصوم
وقال بن الْمَاجِشُونِ لَا يَلْزَمُهُمْ بَالشَّهَادَةِ إِلَّا لِأَهْلِ الْبَلَدِ الَّذِي ثَبَتَتْ فِيهِ الشَّهَادَةُ إِلَّا أَنْ يَثْبُتَ عِنْدَ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ فَيَلْزَمُ النَّاسَ كُلَّهُمْ لِأَنَّ الْبِلَادَ فِي حَقِّهِ كَالْبَلَدِ الْوَاحِدِ إِذْ حُكْمُهُ نَافِذٌ فِي الْجَمِيعِ
وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ إِنْ تَقَارَبَتِ الْبِلَادُ كَانَ الْحُكْمُ وَاحِدًا وَإِنْ تَبَاعَدَتْ فَوَجْهَانِ لَا يَجِبُ عِنْدَ الْأَكْثَرِ وَاخْتَارَ أَبُو الطَّيِّبِ وَطَائِفَةٌ الْوُجُوبَ وَحَكَاهُ الْبَغَوِيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ
وَفِي ضَبْطِ الْبُعْدِ أَوْجُهٌ أَحَدُهَا اخْتِلَافُ الْمَطَالِعِ قَطَعَ بِهِ الْعِرَاقِيُّونَ وَالصَّيْدَلَانِيُّ وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ وَشَرْحِ الْمُهَذَّبِ
ثَانِيهَا مَسَافَةُ الْقَصْرِ قَطَعَ بِهِ الْإِمَامُ وَالْبَغَوِيُّ وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الصَّغِيرِ وَالنَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ
ثَالِثُهَا اخْتِلَافُ الْأَقَالِيمِ
رَابِعُهَا حَكَاهُ السَّرَخْسِيُّ فَقَالَ يَلْزَمُ كُلَّ بَلَدٍ لَا يُتَصَوَّرُ خَفَاؤُهُ عَنْهُمْ بِلَا عَارِضٍ دُونَ غيرهم
خامسها قول بن الْمَاجِشُونِ الْمُتَقَدِّمُ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ
(عَنِ الْحَسَنِ فِي رَجُلٍ) هَذَا الْحَدِيثُ وُجِدَ فِي نُسْخَةٍ وَاحِدَةٍ
وَقَالَ الْحَافِظُ الْمِزِّيُّ هَذَا الْحَدِيثُ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَسَنِ بْنِ الْعَبْدِ وَأَبِي بكر بن داسة انْتَهَى
كَذَا فِي غَايَةِ الْمَقْصُودِ(6/326)
(بَاب كَرَاهِيَةِ صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ)
(عَنْ صِلَةَ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ أَمَّا صِلَةُ فَهُوَ بكسر المهملة وتخفيف اللام المفتوحة بن زُفَرَ بِزَايٍ وَفَاءٍ وَزْنُ عُمَرَ كُوفِيٌّ عَبْسِيٌّ بِمُوَحَّدَةٍ وَمُهْمَلَةٍ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ وَفُضَلَائِهِمْ (يَشُكُّ فِيهِ) هَلْ هُوَ مِنْ شَعْبَانَ أَوْ مِنْ رَمَضَانَ وَهُوَ عَلَى بِنَاءِ الْمَجْهُولِ
قَالَ الْعَلَّامَةُ الْعَيْنِيُّ وَيَوْمُ الشَّكِّ هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي يَتَحَدَّثُ النَّاسُ فِيهِ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ وَلَمْ يَثْبُتْ رُؤْيَتُهُ أَوْ شَهِدَ وَاحِدٌ فَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ أَوْ شَاهِدَانِ فَاسِقَانِ فَرُدَّتْ شَهَادَتُهُمَا (فَأُتِيَ بِشَاةٍ) وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ فَأُتِيَ بِشَاةٍ مَصْلِيَّةٍ فَقَالَ كُلُوا (فَتَنَحَّى بَعْضُ الْقَوْمِ) أَيِ اعْتَزَلَ وَاحْتَرَزَ عَنْ أَكْلِهِ (فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ فِي الْفَتْحِ اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى تَحْرِيمِ صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ لِأَنَّ الصَّحَابِيَّ لَا يَقُولُ ذَلِكَ مِنْ قِبَلِ رَأْيِهِ فَيَكُونُ مِنْ قبيل المرفوع
قال بن عَبْدِ الْبَرِّ هُوَ مُسْنَدٌ عِنْدَهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي ذَلِكَ
قِيلَ فَائِدَةُ تَخْصِيصِ ذِكْرِ هَذِهِ الْكُنْيَةِ يَعْنِي أَبَا الْقَاسِمِ الْإِشَارَةُ إِلَى أَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَقْسِمُ بَيْنَ عِبَادِ اللَّهِ أَحْكَامَهُ زَمَانًا وَمَكَانًا وَغَيْرَ ذَلِكَ انْتَهَى
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه اللَّه وَذَكَر جَمَاعَة أَنَّهُ مَوْقُوف وَنَظِير هَذَا قَوْل أَبِي هُرَيْرَة مَنْ لَمْ يُجِبْ الدَّعْوَة فَقَدْ عَصَى اللَّه وَرَسُوله وَالْحُكْم عَلَى الْحَدِيث بِأَنَّهُ مَرْفُوع بِمُجَرَّدِ هَذَا اللَّفْظ لَا يَصِحّ وَإِنَّمَا هُوَ لَفْظ الصَّحَابِيّ قَطْعًا وَلَعَلَّهُ فَهِمَ مِنْ قَوْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَقَدَّمُوا رَمَضَان بِيَوْمٍ وَلَا يَوْمَيْنِ أَنَّ صِيَام يَوْم الشَّكِّ تَقَدَّمَ فَهُوَ مَعْصِيَة كَمَا فهم أبو هريرة من قوله صلى الله عليه وسلم إِذَا دَعَا أَحَدكُمْ أَخَاهُ فَلْيُجِبْهُ أَنَّ تَرْك الْإِجَابَة مَعْصِيَة لِلَّهِ وَرَسُوله وَلَا يَجُوز أَنْ يَقُول رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَمْ يَقُلْهُ وَالصَّحَابِيّ إِنَّمَا يَقُول ذَلِكَ اِسْتِنَادًا مِنْهُ إِلَى دَلِيل فَهُمْ(6/327)
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي مَعْنَى النَّهْيِ عَنْ صِيَامِ يَوْمِ الشَّكِّ فَقَالَ قَوْمٌ إِنَّمَا نَهَى عَنْ صِيَامِهِ إِذَا نَوَى بِهِ أَنْ يَكُونَ مِنْ رَمَضَانَ فَأَمَّا مَنْ نَوَى بِهِ صَوْمَ يَوْمٍ مِنْ شَعْبَانَ فَهُوَ جَائِزٌ
هَذَا قَوْلُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَرَخَّصَ فِيهِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ لَا يُصَامُ ذَلِكَ الْيَوْمُ عَنْ فَرْضٍ وَلَا تَطَوُّعٍ لِلنَّهْيِ فِيهِ وَلِيَقَعَ الْفَصْلُ بِذَلِكَ بَيْنَ شَعْبَانَ وَرَمَضَانَ
وَهَكَذَا قَالَ عِكْرِمَةُ
وَرَوَى مَعْنَاهُ عن أبي هريرة وبن عباس رضي الله عنهما وَعَائِشَةُ وَأَسْمَاءُ ابْنَتَا أَبِي بَكْرٍ تَصُومَانِ ذَلِكَ الْيَوْمَ وَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا لَأَنْ أَصُومَ يَوْمًا مِنْ شَعْبَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُفْطِرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ
وَكَانَ مَذْهَبُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا صَوْمُ يَوْمِ الشَّكِّ إِذَا كَانَ فِي السَّمَاءِ سَحَابٌ أَوْ قَتَرَةٌ فَإِنْ كَانَ صحو وَلَمْ يَرَ النَّاسُ الْهِلَالَ أَفْطَرَ مَعَ النَّاسِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إِنْ وَافَقَ يَوْمُ الشَّكِّ يَوْمًا كَانَ يَصُومُهُ صَامَهُ وَإِلَّا لَمْ يَصُمْهُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مِنْ عَادَتِهِ أَنْ يَصُومَ انْتَهَى
وَقَدْ مَرَّ بَعْضُ بَيَانِهِ فِي بَابِ الشَّهْرِ يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ
وَذَكَرَ أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ وَذَكَرَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ هَذَا مُسْنَدٌ عِنْدَهُمْ وَلَا يَخْتَلِفُونَ يَعْنِي فِي ذَلِكَ
1 - (بَاب في من يَصِلُ شَعْبَانَ بِرَمَضَانَ)
(لَا تُقَدِّمُوا صَوْمَ رَمَضَانَ) قَدْ مَرَّ بَيَانَهُ وَمَعْنَاهُ فِي بَابِ مَنْ قَالَ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَصُومُوا ثَلَاثِينَ
(إِلَّا أَنْ يَكُونَ صَوْمٌ) يَكُونَ هُنَا تَامَّةٌ مَعْنَاهُ إِلَّا أَنْ يُوجَدَ صَوْمٌ (يَصُومُهُ رَجُلٌ) وَكَانَ ذلك
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
مِنْهُ أَنَّ مُخَالَفَة مُقْتَضَاهُ مَعْصِيَة وَلَعَلَّهُ لَوْ ذَكَر ذَلِكَ الدَّلِيل لَكَانَ لَهُ مَحْمَل غَيْر مَا ظَنَّهُ فَقَدْ كَانَ الصَّحَابَة يُخَالِف بَعْضهمْ بَعْضًا فِي كَثِير مِنْ وُجُوه دَلَالَة النُّصُوص(6/328)
الصَّوْمُ نَذْرًا مُعَيَّنًا أَوْ نَفْلًا مُعْتَادًا أَوْ صَوْمًا مُطْلَقًا غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِرَمَضَانَ (فَلْيَصُمْ ذَلِكَ الصَّوْمَ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ أَنْ يَكُونَ قَدِ اعْتَادَ صَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ فَيُوَافِقُ صَوْمَ الْمُعْتَادِ فَيَصُومُهُ وَلَا يَتَعَمَّدُ صَوْمَهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عَادَةً وَهَذَا قَرِيبٌ مِنْ مَعْنَى الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ والترمذي والنسائي وبن مَاجَهْ
(لَمْ يَكُنْ يَصُومُ مِنَ السَّنَةِ شَهْرًا تاما إلا شعبان) وفي رواية بن أَبِي لَبِيدٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إِلَّا قَلِيلًا وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِلَفْظِ بَلْ كَانَ يَصُومُ إِلَى آخِرِهِ وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ كَانَ لَا يَصُومُ مِنَ السَّنَةِ شَهْرًا تَامًّا إِلَّا شَعْبَانَ يَصِلُهُ بِرَمَضَانَ أَيْ كَانَ يَصُومَ مُعْظَمَهُ
وَنَقَلَ التِّرْمِذِيُّ عن بن الْمُبَارَكِ أَنَّهُ قَالَ جَائِزٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ إِذَا صَامَ أَكْثَرَ الشَّهْرِ أَنْ يَقُولَ صَامَ الشَّهْرَ كُلَّهُ وَيُقَالُ قَامَ فُلَانٌ لَيْلَتَهُ أَجْمَعَ وَلَعَلَّهُ قَدْ تَعَشَّى وَاشْتَغَلَ بِبَعْضِ أَمْرِهِ
قَالَ الترمذي كان بن الْمُبَارَكِ جَمَعَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ بِذَلِكَ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الرِّوَايَةَ الْأُولَى مُفَسِّرَةٌ لِلثَّانِيَةِ مُخَصِّصَةٌ لَهَا وَأَنَّ الْمُرَادَ بَالْكُلِّ الْأَكْثَرُ وَهُوَ مَجَازٌ قَلِيلُ الِاسْتِعْمَالِ
قَالَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَالْحَدِيثُ أخرجه الترمذي والنسائي وبن مَاجَهْ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ
2 - (بَاب فِي كَرَاهِيَةِ ذَلِكَ)
(فَأَخَذَ) عَبَّادٌ (بِيَدِهِ) أَيِ الْعَلَاءِ (فَأَقَامَهُ) أَيْ أَقَامَ عَبَّادٌ الْعَلَاءَ (ثُمَّ قَالَ) عَبَّادٌ (إِنَّ هَذَا) أَيِ
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه اللَّه الَّذِينَ رَدُّوا هَذَا الْحَدِيث لَهُمْ مَأْخَذَانِ أَحَدهمَا أَنَّهُ لَمْ يُتَابِع الْعَلَاء عَلَيْهِ أَحَد بَلْ اِنْفَرَدَ بِهِ عَنْ النَّاس وَكَيْف لَا يَكُون هَذَا مَعْرُوفًا عِنْد(6/329)
الْعَلَاءَ (عَنْ أَبِيهِ) وَهُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ (إِذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ فَلَا تَصُومُوا) قَالَ الْخَطَّابِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ كَانَ يُنْكِرُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ مِنْ حَدِيثِ الْعَلَاءِ وَرَوَتْ أُمُّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ وَيَصِلُهُ بِرَمَضَانَ وَلَمْ يَكُنْ يَصُومُ مِنَ السَّنَةِ شَهْرًا تَامًّا غَيْرَهُ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ حَدِيثُ الْعَلَاءِ إِنْ ثَبَتَ عَلَى مَعْنَى كَرَاهِيَةِ صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ لِيَكُونَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ مُفْطِرًا أَوْ يَكُونَ مَا اسْتَحَبَّ الصِّيَامَ فِي بَقِيَّةِ شَعْبَانَ لِيَتَقَوَّى بِذَلِكَ عَلَى صِيَامِ الْفَرْضِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ كَمَا كُرِهَ لِلْحَاجِّ الصَّوْمُ بِعَرَفَةَ لِيَتَقَوَّى بَالْإِفْطَارِ عَلَى الدُّعَاءِ انْتَهَى
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ لَا تَعَارُضَ بَيْنَ حَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ صَوْمِ نِصْفِ شَعْبَانَ الثَّانِي وَالنَّهْيِ عَنْ تَقَدُّمِ رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ وَبَيْنَ وِصَالَ شَعْبَانَ بِرَمَضَانَ وَالْجَمْعُ مُمْكِنٌ بِأَنْ يُحْمَلَ النَّهْيُ عَلَى مَنْ لَيْسَتْ لَهُ عَادَةٌ بِذَلِكَ وَيُحْمَلَ الْأَمْرُ عَلَى مَنْ لَهُ عَادَةٌ حَمْلًا لِلْمُخَاطَبِ بِذَلِكَ عَلَى مُلَازَمَةِ عَادَةِ الْخَيْرِ حَتَّى لَا يَقْطَعُ انْتَهَى مُلَخَّصًا
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَالْحَدِيثُ أخرجه الترمذي والنسائي وبن مَاجَهْ
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
أَصْحَاب أَبِي هُرَيْرَة مَعَ أَنَّهُ أَمْرٌ تَعُمّ بِهِ الْبَلْوَى وَيَتَّصِل بِهِ الْعَمَل وَالْمَأْخَذ الثَّانِي أَنَّهُمْ ظَنُّوهُ مُعَارِضًا لِحَدِيثِ عَائِشَة وَأُمّ سَلَمَة فِي صِيَام النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَعْبَان كُلّه أَوْ قَلِيلًا مِنْهُ وَقَوْله إِلَّا أَنْ يَكُون لِأَحَدِكُمْ صَوْم فَلْيَصُمْهُ وَسُؤَاله لِلرَّجُلِ عَنْ صَوْمه سَرَر شَعْبَان
قَالُوا وَهَذِهِ الْأَحَادِيث أَصَحّ مِنْهُ
وَرُبَّمَا ظَنَّ بَعْضهمْ أَنَّ هَذَا الْحَدِيث لَمْ يَسْمَعهُ الْعَلَاء مِنْ أَبِيهِ
وَأَمَّا الْمُصَحِّحُونَ لَهُ فَأَجَابُوا عَنْ هَذَا بِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَا يَقْدَح فِي صِحَّته وَهُوَ حَدِيث عَلَى شَرْط مُسْلِم فَإِنَّ مُسْلِمًا أَخْرُج فِي صَحِيحه عِدَّة أَحَادِيث عَنْ الْعَلَاء عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة وَتَفَرُّده بِهِ تَفَرُّد ثِقَة بِحَدِيثٍ مُسْتَقِلٍّ وَلَهُ عِدَّة نَظَائِر فِي الصَّحِيح
قَالُوا وَالتَّفَرُّد الَّذِي يُعَلَّل بِهِ هُوَ تَفَرُّد الرَّجُل عَنْ النَّاس بِوَصْلِ مَا أَرْسَلُوهُ أَوْ رَفْع مَا وَقَفُوهُ أَوْ زِيَادَة لَفْظَةٍ لَمْ يَذْكُرُوهَا
وَأَمَّا الثِّقَة الْعَدْل إِذَا رَوَى حَدِيثًا وَتَفَرَّدَ بِهِ لَمْ يَكُنْ تَفَرُّده عِلَّة فَكَمْ قَدْ تَفَرَّدَ الثِّقَات بِسُنَنٍ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمِلَتْ بِهَا الْأُمَّة(6/330)
صَحِيحٌ
حَكَى أَبُو دَاوُدَ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ
قَالَ وَكَانَ عبد الرحمن يعني بن مَهْدِيٍّ لَا يُحَدِّثُ بِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ إِنَّمَا أَنْكَرَهُ مِنْ جِهَةِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَإِنَّ فِيهِ مَقَالًا لِأَئِمَّةِ هَذَا الشَّأْنِ
وَمَنْ قَالَ إِنَّ النَّهْيَ عَنِ الصِّيَامِ بَعْدَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ لِأَجْلِ التَّقَوِّي عَلَى صِيَامِ رَمَضَانَ وَالِاسْتِجْمَامِ لَهُ فَقَدْ أَبْعَدَ فَإِنَّ نِصْفَ شَعْبَانَ إِذَا أَضْعَفَ كَانَ كُلُّ شَعْبَانَ أَحْرَى أَنْ يُضْعِفَ
وَقَدْ جَوَّزَ الْعُلَمَاءُ صِيَامَ جَمِيعِ شَعْبَانَ
وَالْعَلَاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَقَالٌ فَقَدْ حَدَّثَ عَنْهُ الْإِمَامُ مَالِكٌ مَعَ شِدَّةِ انْتِقَادِهِ الرِّجَالَ وَتَحَرِّيهِ فِي ذَلِكَ
وَقَدِ احْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَذَكَرَ لَهُ أَحَادِيثَ انْفَرَدَ بِهَا رُوَاتُهَا وَكَذَلِكَ فَعَلَ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا
وَلِلْحُفَّاظِ فِي الرِّجَالِ مَذَاهِبُ فَعَلَ كُلٌّ مِنْهُمْ مَا أَدَّى إِلَيْهِ اجْتِهَادُهُ مِنَ الْقَبُولِ وَالرَّدِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ والله أعلم
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قَالُوا وَأَمَّا ظَنُّ مُعَارَضَته بِالْأَحَادِيثِ الدَّالَّة عَلَى صِيَام شَعْبَان فَلَا مُعَارَضَة بَيْنهمَا وَإِنَّ تِلْكَ الْأَحَادِيث تَدُلّ عَلَى صَوْم نِصْفه مَعَ مَا قَبْله وَعَلَى الصَّوْم الْمُعْتَاد فِي النِّصْف الثَّانِي وَحَدِيث الْعَلَاء يَدُلّ عَلَى الْمَنْع مِنْ تَعَمُّد الصَّوْم بَعْد النِّصْف لَا لِعَادَةٍ وَلَا مُضَافًا إِلَى مَا قَبْله وَيَشْهَد لَهُ حَدِيث التَّقَدُّم
وَأَمَّا كَوْن الْعَلَاء لَمْ يَسْمَعهُ مِنْ أَبِيهِ فَهَذَا لَمْ نَعْلَم أَنَّ أَحَدًا عَلَّلَ بِهِ الْحَدِيث فَإِنَّ الْعَلَاء قَدْ ثَبَتَ سَمَاعه مِنْ أَبِيهِ
وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ الْعَلَاء عَنْ أَبِيهِ بِالْعَنْعَنَةِ غَيْر حَدِيث
وَقَدْ قَالَ (1)
لَقِيت الْعَلَاء بْن عَبْد الرَّحْمَن وَهُوَ يَطُوف فَقُلْت لَهُ بِرَبِّ هَذَا الْبَيْت حَدَّثَك أَبُوك عَنْ أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ إِذَا اِنْتَصَفَ شَعْبَان فَلَا تَصُومُوا فَقَالَ وَرَبِّ هَذَا الْبَيْت سَمِعْت أَبِي يُحَدِّث عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَره(6/331)
13 - (بَاب شَهَادَةِ رَجُلَيْنِ عَلَى رُؤْيَةِ هِلَالِ شَوَّالٍ)
(جَدِيلَةَ قَيْسٍ) قَالَ فِي تَاجِ الْعَرُوسِ الْجَدِيلَةُ كَسَفِينَةٍ الْقَبِيلَةُ وَبَنُو جَدِيلَةَ بَطْنٌ فِي قَيْسٍ وَهُمْ فَهْمٌ وَعُدْوَانُ ابْنَا عَمْرِو بْنِ قَيْسِ عَيْلَانَ وَبَطْنٌ آخَرُ فِي الْأَزْدِ وَهُمْ بَنُو جَدِيلَةَ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَدِيِّ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَازِنِ بْنِ الْأَزْدِ (أَنْ نَنْسُكَ) أَنْ نَعْبُدَ وَالنُّسُكُ الْعِبَادَةُ وَمَعْنَاهُ نَحُجُّ (لِلرُّؤْيَةِ) أَيْ لِرُؤْيَةِ هِلَالِ ذِي الْحِجَّةِ (وَشَهِدَ شَاهِدَا عَدْلٍ) قَالَ فِي فَتْحِ الْوَدُودِ اسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ بِجَوَازِ الْحَجِّ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ عَلَى ثُبُوتِ هِلَالِ شَوَّالٍ (فَسَأَلْتُ الْحُسَيْنَ) السَّائِلُ أَبُو مَالِكٍ (ثُمَّ لَقِيَنِي) أَيِ الْحُسَيْنُ (فَقَالَ) الْحُسَيْنُ (هُوَ) أَيِ الْأَمِيرُ (وَصَدَقَ) الْأَمِيرُ (كَانَ) عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ (أَعْلَمُ بَاللَّهِ مِنْهُ) أَيْ مِنَ الْأَمِيرِ (فَقَالَ) عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ (بِذَلِكَ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ لَا أَعْلَمُ اخْتِلَافًا فِي أَنَّ شَهَادَةَ الرَّجُلَيْنِ الْعَدْلَيْنِ مَقْبُولَةٌ فِي رُؤْيَةِ هِلَالِ شَوَّالٍ وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي شَهَادَةِ رَجُلٍ وَاحِدٍ فَقَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ لَا يُقْبَلُ فِيهِ أَقَلُّ مِنْ شَاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى أَنَّهُ أَجَازَ شَهَادَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ فِي أَضْحًى أَوْ فِطْرٍ وَمَالَ إِلَى هَذَا الْقَوْلِ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَزَعَمَ أَنَّ بَابَ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ بَابُ الْإِخْبَارِ فَلَا يَجْرِي مَجْرَى الشَّهَادَاتِ
أَلَا تَرَى أَنَّ شَهَادَةَ الْوَاحِدِ مَقْبُولَةٌ فِي رُؤْيَةِ هِلَالِ شَهْرِ رَمَضَانَ وَكَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ مَقْبُولَةٌ فِي هِلَالِ شَهْرِ شَوَّالٍ
قُلْتُ لَوْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الْإِخْبَارِ لَجَازَ فِيهِ أَنْ يَقُولَ أَخْبَرَنِي فُلَانٌ أَنَّهُ رَأَى الْهِلَالَ فَلَمَّا(6/332)
لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ عَلَى الْحِكَايَةِ عَنْ غَيْرِهِ عُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ الْإِخْبَارِ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ يَقُولُ أَشْهَدُ أَنِّي رَأَيْتُ هِلَالَ رَمَضَانَ خُصُوصًا وَذَلِكَ لِأَنَّ الْوَاحِدَ الْعَدْلَ فِيهِ كَافٍ عِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَاحْتَجَّ بخبر بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ أَخْبَرْتُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي رَأَيْتُ الْهِلَالَ فَأَمَرَ النَّاسَ بَالصِّيَامِ
قُلْتُ وَمَنْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا الْوَجْهِ أَجَازَ فِيهِ الْمَرْأَةَ وَالْعَبْدَ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ هَذَا إِسْنَادٌ مُتَّصِلٌ صَحِيحٌ
(لَأَهَلَّا الْهِلَالَ) أَيْ لَرَأَيَا الْهِلَالَ (أَمْسِ) اسْمُ عِلْمٍ عَلَى الْيَوْمِ الَّذِي قَبْلَ يَوْمِكَ وَيُسْتَعْمَلُ فِيمَا قَبْلَهُ مَجَازًا (عَشِيَّةً) الْعَشِيُّ مَا بَيْنَ الزَّوَالِ إِلَى الْغُرُوبِ وَالْمَعْنَى بَالْفَارِسِيَّةِ دي وقت شام (فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ) فِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ أَمْرَهُ صلى الله عليه وَسَلَّمَ بَالْإِفْطَارِ خَاصٌّ بَالرَّكْبِ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِيهِ أَنَّ شَهَادَةَ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ فِي رُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ مَقْبُولَةٌ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ يُجِيزَانِ عَلَى هِلَالِ رَمَضَانَ شَهَادَةَ الرَّجُلِ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةَ الْوَاحِدَةَ وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً ولا يجيزان في هلال الفطر أَوْ رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ وَكَانَ الشَّافِعِيُّ لَا يُجِيزُ فِي ذَلِكَ شَهَادَةَ النِّسَاءِ وَكَانَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ يَقُولُونَ لَا يُقْبَلُ عَلَى هِلَالِ شَهْرِ رَمَضَانَ وَلَا عَلَى هِلَالِ الْفِطْرِ أقل من شاهدين عدلين
وفي قول بن عُمَرَ تَرَاءَى النَّاسُ الْهِلَالَ فَأَخْبَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وَسَلَّمَ وَقَبُولُهُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ وَحْدَهُ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ قَبُولِ أَخْبَارِ الْآحَادِ وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُخْبِرُ بِذَلِكَ مُنْفَرِدًا عَنِ النَّاسِ وَحْدَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ مَعَ جَمَاعَةٍ مِنَ النَّاسِ وَلَا يُشَارِكُهُ أَصْحَابُهُ فِي ذَلِكَ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَأَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ سُمُّوا أَوْ لَمْ يُسَمَّوْا(6/333)
14 - (بَاب فِي شَهَادَةِ الْوَاحِدِ عَلَى رُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ)
(عَنْ سِمَاكٍ) يَعْنِي الْوَلِيدَ بْنَ أَبِي ثَوْرٍ وَزَائِدَةَ كِلَاهُمَا عَنْ سِمَاكٍ (جَاءَ أَعْرَابِيٌّ) أَيْ وَاحِدٌ مِنَ الْأَعْرَابِ وَهُمْ سُكَّانُ الْبَادِيَةِ (فَقَالَ إِنِّي رَأَيْتُ الْهِلَالَ) يَعْنِي وَكَأَنَّ غَيْمًا
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْإِخْبَارَ كَافٍ وَلَا يُحْتَاجُ إِلَى لَفْظِ الشَّهَادَةِ وَلَا إِلَى الدَّعْوَى قاله علي القارىء (أَذِّنْ فِي النَّاسِ) أَيْ نَادِ فِي مَحْضَرِهِمْ وَأَعْلِمْهُمْ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَفِيهِ حُجَّةٌ لِمَنْ أَجْرَى الْأَمْرَ فِي رُؤْيَةِ هِلَالِ شَهْرِ رَمَضَانَ مَجْرَى الْإِخْبَارِ وَلَمْ يَحْمِلْهَا عَلَى أَحْكَامِ الشَّهَادَاتِ
وَفِيهِ أَيْضًا حُجَّةٌ لِمَنْ رَأَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْمُسْلِمِينَ الْعَدَالَةُ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَطْلُبْ أَنْ يَعْلَمَ مِنَ الْأَعْرَابِيِّ غَيْرَ الْإِسْلَامِ فَقَطْ وَلَمْ يَبْحَثْ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ عَدَالَتِهِ وَصِدْقِ لَهْجَتِهِ انْتَهَى
وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وقد روى البيهقي في سننه من حَدِيث مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن عُثْمَان عَنْ أُمّه فَاطِمَة بِنْت حُسَيْن أَنَّ رَجُلًا شَهِدَ عِنْد عَلِيّ عَلَى رُؤْيَة هِلَال شَهْر رَمَضَان فَصَامَ وَأَحْسَبهُ قَالَ وَأَمَرَ النَّاس أَنْ يَصُومُوا وَقَالَ لَأَنْ أَصُوم يَوْمًا مِنْ شَعْبَان أَحَبّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُفْطِر يَوْمًا مِنْ رَمَضَان
وَفِي سُنَن الدَّارَقُطْنِيِّ مِنْ حَدِيث أَبِي إِسْمَاعِيل حَفْص بْن عُمَر الْأَيْلِيّ عَنْ مِسْعَر بْن كِدَامٍ وَأَبِي عَوَانَة عَنْ عبد الملك من ميسرة عن طاوس عن بن عمر وبن عَبَّاس قَالَا إِنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجَازَ شَهَادَة رَجُل وَاحِد عَلَى رُؤْيَة هِلَال شَهْر رَمَضَان وَقَالَا كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُجِيز شَهَادَة الْإِفْطَار إِلَّا بِرَجُلَيْنِ
وَأَبُو إِسْمَاعِيل هَذَا ضَعِيف جِدًّا وَأَبُو حَاتِمٍ يَرْمِيه بِالْكَذِبِ(6/334)
(مِنَ الْحَرَّةِ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الْمُنِيرِ الْحَرَّةُ بَالْفَتْحِ أَرْضٌ ذَاتُ حِجَارَةٍ سُودٍ وَالْجَمْعُ حِرَارٌ مِثْلُ كَلْبَةٍ وَكِلَابٍ (فَأُتِيَ بِهِ) أَيْ بَالْأَعْرَابِيِّ (فَقَالَ) النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قَالَ نَعَمْ) أَيِ الْأَعْرَابِيُّ (وَشَهِدَ) الْأَعْرَابِيُّ (فَأَمَرَ) النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَالْحَدِيثُ أخرجه الترمذي والنسائي وبن مَاجَهْ مُسْنَدًا وَمُرْسَلًا وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِيهِ اخْتِلَافٌ وَذَكَرَ النَّسَائِيُّ أَنَّ الْمُرْسَلَ أَوْلَى بَالصَّوَابِ وَأَنَّ سِمَاكَ بْنَ حَرْبٍ إِذَا انْفَرَدَ بِأَصْلٍ لَمْ يَكُنْ حُجَّةً لِأَنَّهُ كَانَ يُلَقَّنُ فَيَتَلَقَّنُ
(تَرَاءَى النَّاسُ الْهِلَالَ) قَالَ الْمُظْهِرُ التَّرَائِي أَنْ يُرِيَ بَعْضُ الْقَوْمِ بَعْضًا وَالْمُرَادُ مِنْهُ هُنَا الِاجْتِمَاعُ لِلرُّؤْيَةِ لِقَوْلِهِ (فَأَخْبَرْتُ) أَيْ وَحْدِي (أَنِّي رَأَيْتُهُ) أَيِ الْهِلَالَ (فَصَامَ) النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (بِصِيَامِهِ) أَيْ بِصِيَامِ رَمَضَانَ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ تَفَرَّدَ بِهِ مَرْوَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ عن بن وَهْبٍ وَهُوَ ثِقَةٌ
5 - (بَاب فِي تَوْكِيدِ السُّحُورِ)
السُّحُورُ بِالضَّمِّ مَصْدَرٌ وَبَالْفَتْحِ اسْمُ مَا يُتَسَحَّرُ بِهِ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالْمَحْفُوظُ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ الْفَتْحُ
(عَنْ أَبِيهِ) أَيْ لِمُوسَى وَهُوَ عُلَيٌّ
قَالَ فِي التَّقْرِيبِ عُلَيُّ بْنُ رَبَاحِ بْنِ قصير ضد(6/335)
الطَّوِيلِ اللَّخْمِيُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ وَالْمَشْهُورُ فِيهِ عُلَيٌّ بَالتَّصْغِيرِ وَكَانَ يَغْضَبُ مِنْهَا مِنْ صِغَارِ الثَّالِثَةِ مَاتَ سِنَةَ بِضْعَ عَشْرَةَ وَمِائَةٍ
(إِنَّ فَصْلَ مَا بَيْنَ صِيَامِنَا) الْفَصْلُ بِمَعْنَى الْفَاصِلِ وَمَا مَوْصُولَةٌ وَإِضَافَتُهُ مِنْ إِضَافَةِ الْمَوْصُوفِ إِلَى الصِّفَةِ أَيِ الْفَارِقُ الَّذِي بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ
قَالَهُ فِي فَتْحِ الودود
وقال علي القارىء مَا زَائِدَةٌ أُضِيفَ إِلَيْهَا الْفَصْلُ بِمَعْنَى الْفَرْقِ (أَكْلَةُ السَّحَرِ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ الْمَرَّةُ وَإِنْ كَثُرَ الْمَأْكُولُ
وَقَالَ زَيْنُ الْعَرَبِ الْأُكْلَةُ بَالضَّمِّ اللُّقْمَةُ
وَقَالَ التُّورْبَشْتِيُّ وَالْمَعْنَى أَنَّ السَّحُورَ هُوَ الْفَارِقُ بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَاحَهُ لَنَا إِلَى الصُّبْحِ بَعْدَ مَا كَانَ حَرَامًا عَلَيْنَا أَيْضًا فِي بَدْءِ الْإِسْلَامِ وَحَرَّمَهُ عَلَيْهِمْ بَعْدَ أَنْ يَنَامُوا أَوْ مُطْلَقًا وَمُخَالَفَتُنَا إِيَّاهُمْ تَقَعُ مَوْقِعَ الشُّكْرِ لِتِلْكَ النِّعْمَةِ
انْتَهَى
وَفِي الْقَامُوسِ السَّحَرُ هُوَ قُبَيْلُ الصُّبْحِ وَفِي الْكَشَّافِ هُوَ السُّدُسُ الْأَخِيرُ مِنَ اللَّيْلِ
قاله علي القارىء
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ الْحَثُّ عَلَى السحر وَفِيهِ إِعْلَامٌ بِأَنَّ هَذَا الدِّينَ يُسْرٌ لَا عُسْرَ فِيهِ وَكَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ إِذَا نَامُوا بَعْدَ الْإِفْطَارِ لَمْ يَحِلَّ لَهُمْ مُعَاوَدَةُ الْأَكْلِ والشرب إلى وقت الفجر بقوله عزوجل فكلوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الخيط الأسود من الفجر قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ
6 - (بَاب مَنْ سَمَّى السَّحُورَ الْغَدَاءَ)
(عَنِ الْعِرْبَاضِ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ (إِلَى السَّحُورِ) بِفَتْحِ السِّينِ وَيَجُوزُ ضمها قال بن الأثير في النهاية السحور بالفتح اسْمُ مَا يُتَسَحَّرُ بِهِ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَبِالضَّمِّ المصدر والفعل نفسه
وأكثرها مَا يُرْوَى بَالْفَتْحِ وَقِيلَ إِنَّ الصَّوَابُ بِالضَّمِّ لِأَنَّهُ بِالْفَتْحِ الطَّعَامُ
وَالْبَرَكَةُ وَالْأَجْرُ وَالثَّوَابُ فِي الْفِعْلِ لَا فِي الطَّعَامِ (هَلُمَّ) مَعْنَاهُ تَعَالَ وَفِيهِ لُغَتَانِ فَأَهْلُ الْحِجَازِ يُطْلِقُونَهُ عَلَى الْوَاحِدِ والجمع(6/336)
وَالِاثْنَيْنِ وَالْمُؤَنَّثِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ مَبْنِيٍّ عَلَى الْفَتْحِ وَبَنُو تَمِيمٍ تُثَنِّي وَتَجْمَعُ وَتُؤَنِّثُ فَتَقُولُ هَلُمَّ وهلمي وهلما وهلموا قاله بن الأثير في النهاية
وقال علي القارىء وَجَاءَ التَّنْزِيلُ بِلُغَةِ الْحِجَازِ قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ أَيْ أَحْضِرُوهُمْ (إِلَى الْغَدَاءِ الْمُبَارَكِ) وَالْغَدَاءُ مَأْكُولُ الصَّبَاحِ وَأُطْلِقَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَهُ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ إِنَّمَا سَمَّاهُ غَدَاءً لِأَنَّ الصَّائِمَ يَتَقَوَّى بِهِ عَلَى صِيَامِ النَّهَارِ فَكَأَنْ قَدْ تَغَدَّى وَالْعَرَبُ تَقُولُ غَدَا فُلَانُ لِحَاجَتِهِ إِذَا بَكَّرَ فِيهَا وَذَلِكَ مِنْ لَدُنْ وَقْتِ السُّحُورِ إِلَى وَقْتِ طُلُوعِ الشَّمْسِ
انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَفِي إِسْنَادِهِ الْحَارِثُ بْنُ زِيَادٍ
قَالَ أَبُو عُمَرَ النَّمِرِيُّ ضَعِيفٌ مَجْهُولٌ يَرْوِي عَنْ أَبِي رَهْمٍ السَّمْعِيِّ حَدِيثُهُ مُنْكَرٌ
(نِعْمَ سُحُورُ الْمُؤْمِنِ) الْحَدِيثُ وُجِدَ فِي نُسْخَةٍ وَاحِدَةٍ
وَقَالَ الْحَافِظُ الْمِزِّيُّ هَذَا الْحَدِيثُ فِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرِ بْنِ دَاسَةَ وَلَمْ يَذْكُرْهُ أَبُو الْقَاسِمِ انْتَهَى
كَذَا فِي غَايَةِ الْمَقْصُودِ
7 - (بَاب وَقْتِ السُّحُورِ)
(مِنْ سُحُورِكُمْ) قَالَ الْعَيْنِيُّ قَالَ شَيْخُنَا رَحِمَهُ اللَّهُ رَوَيْنَاهُ بِفَتْحِ السِّينِ وَضَمِّهَا وَهُوَ بَالضَّمِّ الْفِعْلُ وَبَالْفَتْحِ اسْمٌ لِمَا يُتَسَحَّرُ بِهِ كَالْوَضُوءِ وَالسَّعُوطِ وَالْحَنُوطِ وَنَحْوِهَا (وَلَا بَيَاضُ الْأُفُقِ الَّذِي هَكَذَا) يَعْنِي بَيَاضَ الْأُفُقِ الْمُسْتَطِيلَ (حَتَّى يَسْتَطِيرَ) أَيْ يَنْتَشِرَ بَيَاضُ الْأُفُقِ مُعْتَرِضًا
قَالَ الْخَطَّابِيُّ قَوْلُهُ حَتَّى يَسْتَطِيرَ مَعْنَاهُ يَعْتَرِضَ فِي الْأُفُقِ يَنْتَشِرُ ضَوْءُهُ هُنَاكَ قَالَ الشَّاعِرُ فَهَانَ عَلَى سَرَاةِ بَنَى لُؤَيٍّ حريقٌ بَالْبُوَيْرَةِ مستطير انتهى
قال المنذري والحديث أخرجه ومسلم والترمذي والنسائي(6/337)
(أَوْ قَالَ يُنَادِي) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي (لِيَرْجِعَ قَائِمُكُمْ) وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ إِنَّمَا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ لِيُعْلِمَكُمْ بِأَنَّ الْفَجْرَ لَيْسَ بِبَعِيدٍ فَيَرُدَّ الْقَائِمَ الْمُتَهَجِّدَ إِلَى رَاحَتِهِ لِيَنَامَ غَفْوَةً لِيُصْبِحَ نَشِيطًا أَوْ يُوتِرَ إِنْ لَمْ يَكُنْ أَوْتَرَ قَالَهُ النَّوَوِيُّ (وَيَنْتَبِهَ نَائِمُكُمْ) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ وَيُوقِظَ نَائِمَكُمْ
قَالَ النَّوَوِيُّ أَيْ لِيَتَأَهَّبَ لِلصُّبْحِ أَيْضًا بِفِعْلِ مَا أَرَادَ مِنْ تَهَجُّدٍ قَلِيلٍ أَوْ إِيتَارٍ إِنْ لَمْ يَكُنْ أَوْتَرَ أَوْ سُحُورٍ إِنْ أَرَادَ الصَّوْمَ أَوِ اغْتِسَالٍ أَوْ وُضُوءٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ قَبْلَ الْفَجْرِ (وَجَمَعَ يَحْيَى كَفَّهُ حَتَّى يَقُولَ هَكَذَا وَمَدَّ يَحْيَى بِإِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَتَيْنِ) وَرِوَايَةُ مُسْلِمٍ أَصْرَحُ وَلَفْظُهَا إِنَّ الْفَجْرَ لَيْسَ الَّذِي يَقُولُ هَكَذَا وَجَمَعَ أَصَابِعَهُ ثُمَّ نَكَّسَهَا إِلَى الْأَرْضِ وَلَكِنَّ الَّذِي يَقُولُ هَكَذَا وَوَضَعَ الْمُسَبِّحَةَ عَلَى الْمُسَبِّحَةِ وَمَدَّ يَدَيْهِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ
(وَلَا يَهِيدَنَّكُمْ) قَالَ الْحَافِظُ هُوَ بِكَسْرِ الْهَاءِ انْتَهَى
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ لَا يَمْنَعُكُمُ الْأَكْلُ وَأَصْلُ الْهَيْدِ الزَّجْرُ يُقَالُ لِلرَّجُلِ أَهِيدُهُ هَيْدًا إِذَا زَجَرْتُهُ وَيُقَالُ فِي زَجْرِ الدَّوَابِّ هَيْدَ هَيْدَ انْتَهَى (السَّاطِعُ الْمُصْعِدُ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ سُطُوعُهَا ارْتِفَاعُهَا مُصْعَدًا قَبْلَ أَنْ يَعْتَرِضَ انْتَهَى
قال بن الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ قَوْلُهُ وَلَا يَهِيدَنَّكُمُ السَّاطِعُ الْمُصْعِدُ أَيْ لَا تَنْزَعِجُوا لِلْفَجْرِ الْمُسْتَطِيلِ فَتَمْتَنِعُوا بِهِ عَنِ السَّحُورِ فَإِنَّهُ الصُّبْحُ الْكَاذِبُ وَأَصْلُ الْهَيْدِ الْحَرَكَةُ وَقَدْ هِدْتُ الشَّيْءَ أَهِيدُهُ هَيْدًا إِذَا حَرَّكْتُهُ وَأَزْعَجْتُهُ وَالسَّاطِعُ الْمُصْعِدُ يَعْنِي الصُّبْحَ الْأَوَّلَ الْمُسْتَطِيلَ يُقَالُ سَطَعَ الصُّبْحُ يَسْطَعُ فَهُوَ سَاطِعٌ أَوَّلَ مَا يَنْشَقُّ مُسْتَطِيلًا انْتَهَى(6/338)
(حَتَّى يَعْتَرِضَ لَكُمُ الْأَحْمَرُ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَى الأحمر ها هنا أَنْ يَسْتَبْطِنَ الْبَيَاضَ الْمُعْتَرِضَ أَوَائِلُ حُمْرَةٍ وَذَلِكَ أَنَّ الْبَيَاضَ إِذَا تَتَامَّ طُلُوعُهُ ظَهَرَتْ أَوَائِلُ الْحُمْرَةِ وَالْعَرَبُ تُشْبِهُ الصُّبْحَ بَالْبُلْقِ مِنَ الْخَيْلِ لِمَا فِيهِ مِنْ بَيَاضٍ وَحُمْرَةٍ انْتَهَى
قُلْتُ وَقَدْ يُطْلَقُ الْأَحْمَرُ عَلَى الْأَبْيَضِ
قَالَ فِي تَاجِ الْعَرُوسِ الْأَحْمَرُ مَا لَوْنُهُ الْحُمْرَةُ وَمِنَ الْمَجَازِ الْأَحْمَرُ مَنْ لَا سِلَاحَ مَعَهُ فِي الْحَرْبِ وَالْأَحْمَرُ تَمْرٌ لِلَوْنِهِ وَالْأَحْمَرُ الْأَبْيَضُ ضِدٌّ وَبِهِ فَسَّرَ بَعْضٌ الْحَدِيثَ بُعِثْتُ إِلَى الْأَحْمَرِ وَالْأَسْوَدِ وَالْعَرَبُ تَقُولُ امْرَأَةٌ حَمْرَاءُ أَيْ بَيْضَاءُ انْتَهَى
فَمَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يَعْتَرِضَ لَكُمُ الْأَحْمَرُ أَيِ الْأَبْيَضُ وَهُوَ بَيَاضُ النَّهَارِ مِنْ سَوَادِ اللَّيْلِ يَعْنِي الصُّبْحُ الصَّادِقُ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ
وَقَيْسٌ هَذَا قَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ
(لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ ظَاهِرُهُ أَنَّ عَدِيًّا كَانَ حَاضِرًا لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَهُوَ يَقْتَضِي تَقَدُّمُ إِسْلَامِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ نُزُولَ فَرْضِ الصَّوْمِ كَانَ مُتَقَدِّمًا فِي أَوَائِلِ الْهِجْرَةِ وَإِسْلَامَ عَدِيٍّ كَانَ فِي التَّاسِعَةِ أَوِ الْعَاشِرَةِ
فَيُؤَوَّلُ قَوْلُ عَدِيٍّ هَذَا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ لَمَّا نَزَلَتْ أَيْ لَمَّا تُلِيَتْ عَلَيَّ عِنْدَ إِسْلَامِي أَوْ لَمَّا بَلَغَنِي نُزُولُ الْآيَةِ أَوْ فِي السِّيَاقِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ لَمَّا نَزَلَتِ الْآيَةُ ثُمَّ قَدِمْتُ فَأَسْلَمْتُ وَتَعَلَّمْتُ الشَّرَائِعَ (أَخَذْتُ) وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ حَدِيثَهُ مِنْ طَرِيقِ مُجَالِدٍ بِلَفْظِ عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلَاةَ وَالصِّيَامَ فَقَالَ صَلِّ كَذَا وَصُمْ كَذَا فَإِذَا غَابَتِ الشَّمْسُ فَكُلْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ قَالَ فَأَخَذَتُ خَيْطَيْنِ الْحَدِيثَ
انْتَهَى (عِقَالًا) بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ حَبْلًا
قَالَهُ الْحَافِظُ (فَلَمْ أَتَبَيَّنْ) أَيْ لَمْ أَتَمَيَّزْ بَيْنَ الْعِقَالِ الْأَبْيَضِ وَالْأَسْوَدِ (فَقَالَ) النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ وِسَادَكَ إذًا لَطَوِيلٌ عَرِيضٌ) قَالَ الْعَيْنِيُّ الْوِسَادُ وَالْوِسَادَةُ الْمِخَدَّةُ وَالْجَمْعُ وَسَائِدُ وَوُسُدٌ انْتَهَى(6/339)
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ فِيهِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا يُرِيدُ إِنَّ نَوْمَكَ لَكَثِيرٌ عَنَى بَالْوِسَادَةِ عَنِ النَّوْمِ إِذَا كَانَ النَّائِمُ يَتَوَسَّدُ أَوْ يَكُونُ أَرَادَ إِنَّ لَيْلَكَ إذًا لَطَوِيلٌ إِذَا كُنْتَ لَا تُمْسِكُ عَنِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ سَوَادُ الْعِقَالِ مِنْ بَيَاضِهِ وَالْقَوْلُ الْآخَرُ أَنَّهُ كَنَّى بَالْوِسَادَةِ عَنِ الْمَوْضِعِ الَّذِي يَضَعُهُ مِنْ رَأْسِهِ وَعُنُقِهِ عَلَى الْوِسَادَةِ إِذَا نَامَ وَالْعَرَبُ تَقُولُ فُلَانٌ عَرِيضُ الْقَفَا إِذَا كَانَتْ فِيهِ غَبَاوَةٌ وَغَفْلَةٌ
وَقَدْ رُوِيَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ طَرِيقِ آخَرَ أَنَّهُ قَالَ إِنَّكَ عَرِيضُ الْقَفَا وَالْعَرَبُ تُسَمِّي الصُّبْحَ أَوَّلَ مَا يَبْدُو خَيْطًا انْتَهَى
وَقَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْقَاضِي مَعْنَاهُ إِنْ جَعَلْتَ تَحْتَ وِسَادِكَ الْخَيْطَيْنِ الَّذِينَ أَرَادَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَهُمَا اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ فَوِسَادُكَ يَعْلُوهُمَا وَيُغَطِّيهِمَا وَحِينَئِذٍ يَكُونُ عَرِيضًا انْتَهَى (إِنَّمَا هُوَ) أَيِ الْخَيْطُ الْأَسْوَدُ وَالْأَبْيَضُ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَلَوْ أَكَلَ ظَانًّا أَنَّ الْفَجْرَ لَمْ يَطْلُعْ لَمْ يَفْسُدْ صَوْمُهُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ لِأَنَّ الْآيَةَ دَلَّتْ عَلَى الْإِبَاحَةِ إِلَى أَنْ يَحْصُلَ التَّبْيِينُ وَقَدْ رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنِ بن عَبَّاسٍ قَالَ أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ مَا شَكَكْتَ
وَلَابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي بكر وعمر نحوه وروى بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الضُّحَى قَالَ سأل رجل بن عَبَّاسٍ عَنِ السُّحُورِ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ جلسائه كل حتى لا تشك فقال بن عَبَّاسٍ إِنَّ هَذَا لَا يَقُولُ شَيْئًا كُلْ ما شككت حتى لا تشك
قال بن الْمُنْذِرِ وَإِلَى هَذَا الْقَوْلِ صَارَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ مَالِكٌ يَقْضِي انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ والترمذي والنسائي
8 - (باب الرجل يسمع النداء)
أَيْ أَذَانَ الصُّبْحِ وَالْإِنَاءُ عَلَى يَدِهِ
(النِّدَاءَ) أَيْ أَذَانَ الصُّبْحِ (وَالْإِنَاءُ) أَيِ الَّذِي يَأْكُلُ مِنْهُ أَوْ يَشْرَبُ مِنْهُ (عَلَى يَدِهِ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ (فَلَا يَضَعْهُ) أَيِ الْإِنَاءَ (حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ مِنْهُ) أَيْ بَالْأَكْلِ
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله هذا الحديث أعله بن الْقَطَّانِ بِأَنَّهُ مَشْكُوكٌ فِي اِتِّصَاله قَالَ لِأَنَّ أَبَا دَاوُدَ قَالَ أَنْبَأَنَا عَبْد(6/340)
وَالشُّرْبِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ هَذَا عَلَى قَوْلِهِ إِنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ بن أُمِّ مَكْتُومٍ أَوْ يَكُونَ مَعْنَاهُ إِنْ سَمِعَ الْأَذَانَ وَهُوَ يَشُكُّ فِي الصُّبْحِ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ السَّمَاءُ مُتَغَيِّمَةً فَلَا يَقَعُ لَهُ الْعِلْمُ بِأَذَانِهِ أَنَّ الْفَجْرَ قَدْ طَلَعَ لِعِلْمِهِ أَنَّ دَلَائِلَ الْفَجْرِ مَعْدُومَةٌ وَلَوْ ظَهَرَتْ لِلْمُؤَذِّنِ لَظَهَرَتْ لَهُ أَيْضًا فَإِذَا عَلِمَ انْفِجَارَ الصُّبْحِ فَلَا حَاجَةَ إِلَى أَوَانِ الصَّبَاحِ أَذَانُ الصَّارِخِ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِأَنْ يُمْسِكَ عَنِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ إِذَا تَبَيَّنَ لَهُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ انْتَهَى قَالَ فِي فَتْحِ الْوَدُودِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ إِنْ صَحَّ هَذَا يُحْمَلُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ حِينَ كَانَ الْمُنَادِي يُنَادِي قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ بِحَيْثُ يَقَعُ شُرْبُهُ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ قُلْتُ مَنْ يَتَأَمَّلُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَكَذَا حديث كلوا واشربوا حتى يؤذن بن أُمِّ مَكْتُومٍ فَإِنَّهُ لَا يُؤَذِّنُ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ وَكَذَا ظَاهِرَ قَوْلِهِ تَعَالَى حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الفجر يَرَى أَنَّ الْمَدَارَ هُوَ تَبَيُّنُ الْفَجْرِ وَهُوَ يَتَأَخَّرُ عَنْ أَوَائِلِ الْفَجْرِ بِشَيْءٍ وَالْمُؤَذِّنُ لِانْتِظَارِهِ يُصَادِفُ أَوَائِلَ الْفَجْرِ فَيَجُوزُ
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
الْأَعْلَى بْن حَمَّاد أَظُنّهُ عَنْ حَمَّاد عَنْ مُحَمَّد بْن عَمْرو عَنْ أَبِي هُرَيْرَة فَذَكَره وَقَدْ رَوَى النَّسَائِيّ عَنْ زِرّ قَالَ قُلْنَا لِحُذَيْفَة أَيّ سَاعَة تَسَحَّرْت مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ هُوَ النَّهَار إِلَّا أَنَّ الشَّمْس لَمْ تَطْلُع
وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة
فَرَوَى إِسْحَاق بْن رَاهْوَيْهِ عن وكيع أنه سمع الأعمش يقول لولا الشهرة لَصَلَّيْت الْغَدَاة ثُمَّ تَسَحَّرْت ثُمَّ ذَكَر إِسْحَاق عَنْ أَبِي بَكْر الصِّدِّيق وَعَلِيّ وَحُذَيْفَة نَحْو هَذَا ثُمَّ قَالَ وَهَؤُلَاءِ لَمْ يَرَوْا فَرْقًا بَيْن الْأَكْل وَبَيْن الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة
هَذَا آخِر كلام إسحاق
وقد حكي ذلك عن بن مَسْعُود أَيْضًا
وَذَهَبَ الْجُمْهُور إِلَى اِمْتِنَاع السُّحُور بِطُلُوعِ الْفَجْر وَهُوَ قَوْل الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة وَعَامَّة فقهاء الأمصار وروى معناه عن عمر وبن عَبَّاس
وَاحْتَجَّ الْأَوَّلُونَ بِقَوْلِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عليه وسلم فكلوا واشربوا حتى يؤذن بن أُمّ مَكْتُوم وَلَمْ يَكُنْ يُؤَذِّن إِلَّا بَعْد طُلُوع الْفَجْر كَذَا فِي الْبُخَارِيِّ وَفِي بَعْض الرِّوَايَات وَكَانَ رَجُلًا أَعْمَى لَا يُؤَذِّن حَتَّى يُقَال لَهُ أَصْبَحْت أَصْبَحْت
قَالُوا وَإِنَّ النَّهَار إِنَّمَا هُوَ مِنْ طُلُوع الشَّمْس
وَاحْتَجَّ الْجُمْهُور بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّن لَكُمْ الْخَيْط الْأَبْيَض مِنْ الْخَيْط الْأَسْوَد مِنْ الْفَجْر} ويقول النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُوا وَاشْرَبُوا حتى يؤذن بن أُمّ مَكْتُوم وَبِقَوْلِهِ الْفَجْر فَجْرَانِ فَأَمَّا الْأَوَّل فَإِنَّهُ لَا يُحَرِّم الطَّعَام وَلَا يُحِلّ الصَّلَاة وَأَمَّا الثَّانِي فَإِنَّهُ يُحَرِّم الطَّعَام وَيُحِلّ الصَّلَاة رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سُنَنه
قَالُوا وَأَمَّا حَدِيث حُذَيْفَة فَمَعْلُول وَعِلَّته الْوَقْف وَأَنَّ زِرًّا هُوَ الَّذِي تَسَحَّرَ مَعَ حُذَيْفَة ذَكَره النَّسَائِيّ(6/341)
الشُّرْبُ حِينَئِذٍ إِلَى أَنْ يَتَبَيَّنَ لَكِنَّ هَذَا خِلَافُ الْمَشْهُورِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فَلَا اعْتِمَادَ عَلَيْهِ عِنْدَهُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى
وَقَالَ فِي الْبَحْرِ الرائق اختلف المشائخ فِي أَنَّ الْعِبْرَةَ لِأَوَّلِ طُلُوعِهِ أَوْ لِاسْتِطَارَتِهِ أَوْ لِانْتِشَارِهِ وَالظَّاهِرُ الْأَخِيرُ لِتَعْرِيفِهِمُ الصَّادِقَ بِهِ
وقال علي القارىء قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ مِنْهُ هَذَا إِذَا عَلِمَ أَوْ ظَنَّ عدم الطلوع
وقال بن الْمَلِكِ هَذَا إِذَا لَمْ يَعْلَمْ طُلُوعَ الصُّبْحِ أَمَّا إِذَا عَلِمَ أَنَّهُ قَدْ طَلَعَ أَوْ شك فيه فلا
وقال القارىء أَيْضًا إِنَّ إِمْكَانَ سُرْعَةِ أَكْلِهِ وَشُرْبِهِ لِتَقَارُبِ وَقْتِهِ وَاسْتِدْرَاكِ حَاجَتِهِ وَاسْتِشْرَافِ نَفْسِهِ وَقُوَّةِ نَهِمَتِهِ وَتَوَجُّهِ شَهْوَتِهِ بِجَمِيعِ هِمَّتِهِ مِمَّا يَكَادُ يُخَافُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ مُنِعَ مِنْهُ لَمَا امْتَنَعَ فَأَجَازَهُ الشَّارِعُ رَحْمَةً عَلَيْهِ وَتَدْرِيجًا لَهُ بَالسُّلُوكِ وَالسَّيْرِ إِلَيْهِ وَلَعَلَّ هَذَا كَانَ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ انْتَهَى
وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ
9 - (بَاب وَقْتِ فِطْرِ الصَّائِمِ)
(قَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ) وَالْحَاصِلُ أَنَّ وَكِيعًا وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ دَاوُدَ رَوَيَاهُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ وَهُوَ يَرْوِي عَنْ أَبِيهِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ
قَالَهُ الْمِزِّيُّ (إِذَا جَاءَ اللَّيْلُ من ها هنا) أَيْ مِنْ جِهَةِ الْمَشْرِقِ (وَذَهَبَ النَّهَارُ مِنْ ها هنا) أَيْ مِنَ الْمَغْرِبِ
قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْعُلَمَاءُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ يَعْنِي جَاءَ اللَّيْلُ وَذَهَبَ النَّهَارُ وَغَابَتِ الشَّمْسُ يَتَضَمَّنُ الْآخَرَيْنِ وَيُلَازِمُهُمَا وَإِنَّمَا جَمَعَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِي وَادٍ وَنَحْوِهِ بِحَيْثُ لَا يُشَاهِدُ غُرُوبَ الشَّمْسِ فَيَعْتَمِدُ إِقْبَالَ الظَّلَامِ وَإِدْبَارَ الضِّيَاءِ (فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ قَدْ صَارَ فِي حُكْمِ الْمُفْطِرِ وَإِنْ لَمْ يَأْكُلْ وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ دَخَلَ فِي وَقْتِ الْفِطْرِ وَجَازَ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ كَمَا قِيلَ أَصْبَحَ الرَّجُلُ إِذَا دَخَلَ فِي وَقْتِ الصُّبْحِ وَأَمْسَى وَأَظْهَرَ كَذَلِكَ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى بُطْلَانِ الْوِصَالِ انْتَهَى
قُلْتُ قَالَ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ أَظْهَرْنَا دَخَلْنَا فِي وَقْتِ الظُّهْرِ كَأَصْبَحْنَا وَأَمْسَيْنَا فِي الصَّبَاحِ وَالْمَسَاءِ انْتَهَى
قَالَ الْعَيْنِيُّ مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ أَيْ دَخَلَ وَقْتُ الْإِفْطَارِ لَا أَنَّهُ يَصِيرُ مُفْطِرًا بِغَيْبُوبَةِ الشَّمْسِ وَإِنْ لَمْ يَتَنَاوَلْ مُفْطِرًا
وقال بن خُزَيْمَةَ لَفْظُهُ خَبَرٌ وَمَعْنَاهُ الْأَمْرُ أَيْ فَلْيُفْطِرِ الصائم(6/342)
انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ
(فَاجْدَحْ لَنَا) قَالَ الْعَيْنِيُّ اجْدَحْ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ أَمْرٌ مِنْ جَدَحْتُ السَّوِيقَ وَأَجْدَحْتُهُ أَيْ لَتَتُّهُ وَالْمَصْدَرُ جَدْحٌ وَمَادَّتُهُ جِيمٌ وَدَالٌ وَحَاءٌ مُهْمَلَةٌ وَالْجَدْحُ أَنْ يُحَرِّكَ السَّوِيقَ بَالْمَاءِ فَيَخُوضُ حَتَّى يَسْتَوِيَ وَكَذَلِكَ اللَّبَنَ وَنَحْوَهُ وَالْمِجْدَحُ بِكَسْرِ الْمِيمِ عُودٌ مُجَنَّحُ الرَّأْسِ تُسَاطُ بِهِ الْأَشْرِبَةُ وَرُبَّمَا يَكُونُ لَهُ ثَلَاثُ شُعَبٍ
وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ اجْدَحْ يَعْنِي احْلِبْ وَرَدَّ ذَلِكَ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ
وَفِي الْمُحْكَمِ الْمِجْدَحُ خَشَبَةٌ فِي رَأْسِهَا خَشَبَتَانِ مُعْتَرِضَتَانِ وَكُلَّمَا خَلَطَ فَقَدْ جَدَحَ
وَعَنِ الْقَزَّازِ هُوَ كَالْمِلْعَقَةِ
وَفِي الْمُنْتَهَى شَرَابٌ مَجْدُوحٌ وَمِجْدَحٌ أَيْ مَخُوضٌ وَالْمِجْدَحُ عُودٌ ذُو جَوَانِبَ وَقِيلَ هُوَ عُودٌ يُعْرَضُ رَأْسُهُ وَالْجَمْعُ مَجَادِيحُ انْتَهَى
قَالَ الْحَافِظُ فَاجْدَحْ بَالْجِيمِ ثُمَّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْجَدْحُ تَحْرِيكُ السَّوِيقِ وَنَحْوِهِ بَالْمَاءِ بِعُودٍ يُقَالُ لَهُ الْمِجْدَحُ مُجَنَّحُ الرَّأْسِ انْتَهَى (إِنَّ عَلَيْكَ نَهَارًا) هَذَا ظَنٌّ مِنْ بِلَالٍ لَمَّا رَأَى مِنْ ضَوْءِ الشَّمْسِ سَاطِعًا وَإِنْ كَانَ جُرْمُهَا غَائِبًا وَتَكْرِيرُهُ الْمُرَاجَعَةُ لِغَلَبَةِ اعْتِقَادِهِ أَنَّ ذَلِكَ نَهَارٌ يَحْرُمُ فِيهِ الْأَكْلُ مَعَ تَجْوِيزِهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ ينظر إلى ذلك الضوء تَامًّا فَقَصَدَ زِيَادَةَ الْإِعْلَامِ فَأَعْرَضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الضَّوْءِ وَاعْتَبَرَ غَيْبُوبَةَ الشَّمْسِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ النسائي
0 - (بَاب مَا يُسْتَحَبُّ مِنْ تَعْجِيلِ الْفِطْرِ)
(ظَاهِرًا) أَيْ غَالِبًا وَعَالِيًا أَوْ وَاضِحًا وَلَائِحًا (مَا عَجَّلَ النَّاسُ الْفِطْرَ) مَا ظَرْفِيَّةٌ أَيْ مُدَّةَ(6/343)
تَعْجِيلِهِمُ الْفِطْرَ (لِأَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى يُؤَخِّرُونَ) أَيِ الْفِطْرَ
قَالَ الطِّيبِيُّ فِي هَذَا التَّعْلِيلِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ قِوَامَ الدِّينِ الْحَنِيفِيِّ عَلَى مُخَالَفَةِ الْأَعْدَاءِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَأَنَّ فِي مُوَافَقَتِهِمْ تَلَفًا لِلدِّينِ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ النسائي وبن ماجه وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وبن مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِهِ
(عَنْ أَبِي عَطِيَّةَ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ أَنَا وَمَسْرُوقٌ) كِلَاهُمَا تَابِعِيٌّ (رَجُلَانِ) مُبْتَدَأٌ (مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) صِفَةٌ وَهِيَ مُسَوِّغَةٌ لِكَوْنِ الْمُبْتَدَأِ نَكِرَةً وَالْخَبَرُ الْجُمْلَةُ قَوْلُهُ أَحَدُهُمَا يُعَجِّلُ الْإِفْطَارَ إِلَى قَوْلِهِ يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ (قُلْنَا عَبْدُ اللَّهِ) بْنُ مَسْعُودٍ وَالْآخَرُ أَبُو مُوسَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ
1 - (بَاب مَا يُفْطَرُ عَلَيْهِ)
(عَمِّهَا) أَيْ لِلرَّبَّابِ وَهُوَ بِكَسْرِ الْمِيمِ بَدَلٌ مِنْ سَلْمَانَ (فَإِنَّ الْمَاءَ طَهُورٌ) أَيْ بَالِغٌ فِي الطَّهَارَةِ فَيُبْتَدَأُ بِهِ تَفَاؤُلًا بِطَهَارَةِ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ
قَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ لِأَنَّهُ مُزِيلٌ الْمَانِعَ مِنْ أَدَاءِ الْعِبَادَةِ وَلِذَا مَنَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ ماء طهورا وقال بن الْمَلِكِ يُزِيلُ الْعَطَشَ عَنِ النَّفْسِ انْتَهَى
وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عِنْدَ الْإِفْطَارِ ذَهَبَ الظمأ قاله علي القارىء
وقال المنذري والحديث أخرجه الترمذي والنسائي وبن مَاجَهْ
وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ(6/344)
(يُفْطِرُ) أَيْ فِي صِيَامِهِ (قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ) أَيِ الْمَغْرِبَ (حَسَا حَسَوَاتٍ) بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ شَرِبَ ثلاث مرات
قاله علي القارىء
وقال بن الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ
الْحُسْوَةُ بَالضَّمِّ الْجَرْعَةُ مِنَ الشَّرَابِ بِقَدْرِ مَا يُحْسَى مَرَّةً وَاحِدَةً وَالْحَسْوَةُ بَالْفَتْحِ الْمَرَّةُ انْتَهَى
وَقَالَ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ الْحُسْوَةُ الْمَرَّةُ الْوَاحِدَةُ وَقِيلَ الْحَسْوَةُ وَالْحُسْوَةُ لُغَتَانِ
قال بن السِّكِّيتِ حَسَوْتُ شَرِيفَ حَسْوًا وَحِسَاءً وَالْحُسْوَةُ مِلْءُ الْفَمِ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ وَهَذَا الْحَدِيثُ لَا يُعْلَمُ رَوَاهُ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ إِلَّا جَعْفَرَ بْنَ سُلَيْمَانَ وَذَكَرَهُ بن عَدِيٍّ أَيْضًا فِي أَفْرَادِ جَعْفَرٍ عَنْ ثَابِتٍ انْتَهَى
2 - (بَاب الْقَوْلِ عِنْدَ الْإِفْطَارِ)
وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بَابُ مَا يَقُولُ إِذَا أَفْطَرَ
(الْمُقَفَّعُ) هَكَذَا فِي النُّسَخِ بِتَقْدِيمِ الْقَافِ عَلَى الْفَاءِ
قَالَ فِي التَّقْرِيبِ مَرْوَانُ بْنُ سَالِمٍ الْمُقَفَّعُ بِقَافٍ ثُمَّ فَاءٍ ثَقِيلَةٍ مِصْرِيٌّ مَقْبُولٌ
وَفِي الخلاصة المقفع بفتح القاف وبالفاء وثقه بن حِبَّانَ (إِذَا أَفْطَرَ) أَيْ بَعْدَ الْإِفْطَارِ (ذَهَبَ الظَّمَأُ) بِفَتْحَتَيْنِ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْأَذْكَارِ الظَّمَأُ مهموزا لآخر مَقْصُورٌ وَهُوَ الْعَطَشُ وَإِنَّمَا ذَكَرْتُ هَذَا وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا لِأَنِّي رَأَيْتُ مَنِ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ فتوهمه ممدودا انتهى
قال علي القارىء وَفِيهِ أَنَّهُ قُرِئَ لَا يُصِيبُهُمْ ظِمَاءٌ بَالْمَدِّ وَالْقَصْرِ
وَفِي الْقَامُوسِ ظَمِئَ كَفَرِحَ ظَمَأٌ وَظِمَاءٌ وَظَمَاءَةٌ عَطِشَ أَوْ أَشَدُّ الْعَطَشِ وَلَعَلَّ كَلَامَ النَّوَوِيِّ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ خِلَافُ الرِّوَايَةِ لَا أَنَّهُ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي اللُّغَةِ (وَابْتَلَّتِ الْعُرُوقُ) أَيْ بِزَوَالِ الْيُبُوسَةِ الْحَاصِلَةِ بَالْعَطَشِ (وَثَبَتَ الْأَجْرُ) أَيْ زَالَ التَّعَبُ وَحَصَلَ الثَّوَابُ
وَهَذَا حَثٌّ على العبادات فإن التعب(6/345)
يسر لِذَهَابِهِ وَزَوَالِهِ وَالْأَجْرُ كَثِيرٌ لِثَبَاتِهِ وَبَقَائِهِ
قَالَ الطِّيبِيُّ ذِكْرُ ثُبُوتِ الْأَجْرِ بَعْدَ زَوَالِ التَّعَبِ استلذاذ أي استلذاذ (إن شاء الله) متعلق بَالْأَخِيرِ عَلَى سَبِيلِ التَّبَرُّكِ وَيَصِحُّ التَّعْلِيقُ لِعَدَمِ وُجُوبِ الْأَجْرِ عَلَيْهِ تَعَالَى رَدًّا عَلَى الْمُعْتَزِلَةِ أَوْ لِئَلَّا يَجْزِمَ كُلُّ أَحَدٍ فَإِنَّ ثُبُوتَ أَجْرِ الْأَفْرَادِ تَحْتَ الْمَشِيئَةِ
وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ إِنْ بِمَعْنَى إِذْ فَتَتَعَلَّقُ بِجَمِيعِ مَا سَبَقَ
ذَكَرَهُ فِي الْمِرْقَاةِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ
(عَنْ مُعَاذِ بْنِ زُهْرَةَ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ مُعَاذُ بْنُ زُهْرَةَ وَيُقَالُ أَبُو زُهْرَةَ مَقْبُولٌ مِنَ الثَّالِثَةِ فَأَرْسَلَ حَدِيثًا فَوَهِمَ مَنْ ذَكَرَهُ فِي الصَّحَابَةِ (إِذَا أَفْطَرَ قَالَ) أَيْ دَعَا وقال بن الْمَلِكِ أَيْ قَرَأَ بَعْدَ الْإِفْطَارِ (اللَّهُمَّ لَكَ صُمْتُ وَعَلَى رِزْقِكَ أَفْطَرْتُ) قَالَ الطِّيبِيُّ قَدَّمَ الْجَارَ وَالْمَجْرُورَ فِي الْقَرِينَتَيْنِ عَلَى الْعَامِلِ دَلَالَةً عَلَى الِاخْتِصَاصِ إِظْهَارًا لِلِاخْتِصَاصِ فِي الِافْتِتَاحِ وَإِبْدَاءً لِشُكْرِ الصَّنِيعِ الْمُخْتَصِّ بِهِ فِي الِاخْتِتَامِ
كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ
وَفِي النَّيْلِ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يُشْرَعُ لِلصَّائِمِ أَنْ يَدْعُوَ عِنْدَ إِفْطَارِهِ بِمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنَ الدُّعَاءِ انْتَهَى
قَالَ المنذري هذا مرسل
3 - (باب الفطر)
الخ (قَالَتْ أَفْطَرْنَا يَوْمًا فِي رَمَضَانَ فِي غَيْمٍ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه اللَّه وَاخْتَلَفَ النَّاس هَلْ يَجِب الْقَضَاء فِي هَذِهِ الصُّورَة فَقَالَ الْأَكْثَرُونَ يَجِب وَذَهَبَ إِسْحَاق بن راهويه وَأَهْل الظَّاهِر إِلَى أَنَّهُ لَا قَضَاء عَلَيْهِمْ وَحُكْمهمْ حُكْم مِنْ أَكَلَ نَاسِيًا وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ الْحَسَن وَمُجَاهِد وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى عُمَر فَرَوَى زَيْد بْن وَهْب قَالَ كُنْت جَالِسًا فِي مَسْجِد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَمَضَان فِي زَمَن عُمَرَ فَأُتِينَا بِكَأْسٍ فِيهَا شَرَاب مِنْ بَيْت حَفْصَة فَشَرِبْنَا وَنَحْنُ نَرَى أَنَّهُ مِنْ اللَّيْل ثُمَّ اِنْكَشَفَ السَّحَاب فَإِذَا الشَّمْس طَالِعَة قَالَ فَجَعَلَ النَّاس يَقُولُونَ نَقْضِي يَوْمًا مَكَانه فَسَمِعَ بِذَلِكَ عُمَر فَقَالَ وَاَللَّه لَا نَقْضِيه وَمَا تَجَانُفًا لِإِثْمٍ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ وَغَيْره
وَقَدْ رَوَى مَالِك فِي الْمُوَطَّأ عَنْ زَيْد بْن(6/346)
فِي مِثْلِ هَذَا فَقَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ الْقَضَاءُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ وَقَالَ إِسْحَاقُ وَأَهْلُ الظَّاهِرِ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَيُمْسِكُ بَقِيَّةَ النَّهَارِ عَنِ الْأَكْلِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَشَبَّهُوهُ بِمَنْ أَكَلَ نَاسِيًا فِي الصَّوْمِ
قال الخطابي الناس لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَحْتَرِزَ مِنَ الْأَكْلِ نَاسِيًا وَهَذَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَمْكُثَ فَلَا يَأْكُلُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ غَيْبُوبَةَ الشَّمْسِ فَالنِّسْيَانُ خَطَأٌ فِي الْفِعْلِ وَهَذَا خَطَأٌ فِي الْوَقْتِ وَالزَّمَانِ وَالتَّحَرُّزُ مُمْكِنٌ انْتَهَى (قَالَ أَبُو أُسَامَةَ) هُوَ حَمَّادُ بْنُ أُسَامَةَ اللَّيْثِيُّ (أُمِرُوا) مِنْ جِهَةِ الشَّارِعِ (بَالْقَضَاءِ قَالَ) هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ (وَبُدٌّ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ هَلْ بُدٌّ مِنْ قَضَاءٍ فَحَرْفُ
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
أَسْلَمَ أَنَّ عُمَر بْن الْخَطَّاب أَفْطَرَ ذَات يَوْم فِي رَمَضَان فِي يَوْم ذِي غَيْم وَرَأَى أَنَّهُ قَدْ أَمْسَى وَغَابَتْ الشَّمْس فَجَاءَهُ رَجُل فَقَالَ لَهُ يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ قَدْ طَلَعَتْ الشَّمْس فَقَالَ عُمَرَ الْخَطْب يَسِير وَقَدْ اِجْتَهَدْنَا قَالَ مَالِك يُرِيد بِقَوْلِهِ الْخَطْب يَسِير الْقَضَاء فِيمَا نَرَى
وَاَللَّه أَعْلَم
وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَهَذَا لَا يُنَاقِض الْأَثَر الْمُتَقَدِّم
وَقَوْله وَقَدْ اِجْتَهَدْنَا مُؤْذِن بِعَدَمِ الْقَضَاء
وَقَوْله الْخَطْب يَسِير إِنَّمَا هُوَ تَهْوِينٌ لِمَا فَعَلُوهُ وَتَيْسِير لِأَمْرِهِ
وَلَكِنْ قَدْ رَوَاهُ الْأَثْرَم وَالْبَيْهَقِيّ عَنْ عُمَر وَفِيهِ مَنْ كَانَ أَفْطَرَ فَلْيَصُمْ يَوْمًا مَكَانه وَقَدَّمَ الْبَيْهَقِيّ هَذِهِ الرِّوَايَة عَلَى رِوَايَة زَيْد بْن وَهْب وَجَعَلَهَا خَطَأ وَقَالَ تَظَاهَرَتْ الرِّوَايَات بِالْقَضَاءِ قَالَ وَكَانَ يَعْقُوب بْن سُفْيَان الْفَارِسِيّ يَحْمِل عَلَى زَيْد بْن وَهْب بِهَذِهِ الرِّوَايَة الْمُخَالِفَة لِلرِّوَايَاتِ الْمُتَقَدِّمَة قَالَ وَزَيْد ثِقَة إِلَّا أَنَّ الْخَطَأ عَلَيْهِ غَيْر مَأْمُون
وَفِيمَا قَالَهُ نَظَر فَإِنَّ الرِّوَايَة لَمْ تَتَظَاهَر عَنْ عُمَر بِالْقَضَاءِ وَإِنَّمَا جَاءَتْ مِنْ رِوَايَة عَلِيّ بْن حَنْظَلَة عَنْ أَبِيهِ وَكَانَ أَبُوهُ صَدِيقًا لِعُمَر فَذَكَر الْقِصَّة وَقَالَ فِيهَا مَنْ كَانَ أَفْطَرَ فَلْيَصُمْ يَوْمًا مَكَانه
وَقَدَّمَ الْبَيْهَقِيّ هَذِهِ الرِّوَايَة عَلَى رِوَايَة زَيْد بْن وَهْب وَجَعَلَهَا خَطَأ وَقَالَ تَظَاهَرَتْ الرِّوَايَات بِالْقَضَاءِ قَالَ وَكَانَ يَعْقُوب بْن سُفْيَان الْفَارِسِيّ يَحْمِل عَلَى زَيْد بْن وَهْب بِهَذِهِ الرِّوَايَة الْمُخَالِفَة لِلرِّوَايَاتِ الْمُتَقَدِّمَة قَالَ وَزَيْد ثِقَة إِلَّا أَنَّ الْخَطَأ عَلَيْهِ غَيْر مَأْمُون وَفِيمَا قَالَهُ نَظَر فَإِنَّ الرِّوَايَة لَمْ تَتَظَاهَر عَنْ عُمَر بِالْقَضَاءِ وَإِنَّمَا جَاءَتْ مِنْ رِوَايَة عَلِيّ بْن حَنْظَلَة عَنْ أَبِيهِ وَكَانَ أَبُوهُ صَدِيقًا لِعُمَر فَذَكَر الْقِصَّة وَقَالَ فِيهَا مَنْ كَانَ أَفْطَرَ فَلْيَصُمْ يَوْمًا مَكَانه وَلَمْ أَرَ الْأَمْر بِالْقَضَاءِ صَرِيحًا إِلَّا فِي هَذِهِ الرِّوَايَة وَأَمَّا رِوَايَة مَالِك فَلَيْسَ فِيهَا ذِكْر لِلْقَضَاءِ وَلَا لِعَدَمِهِ فَتَعَارَضَتْ رِوَايَة حَنْظَلَة وَرِوَايَة زَيْد بُنَّ وَهْب وَتَفْضُلهَا رِوَايَة زَيْد بْن وَهْب بِقَدْرِ مَا بَيْن حَنْظَلَة وَبَيْنه مِنْ الْفَضْل وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَادٍ فِيهِ نَظَر عَنْ صُهَيْب أَنَّهُ أَمَرَ أَصْحَابه بِالْقَضَاءِ فِي قِصَّةٍ جَرَتْ لَهُمْ مِثْل هَذِهِ فَلَوْ قُدِّرَ تَعَارُض الْآثَار عَنْ عُمَر لَكَانَ الْقِيَاس يَقْتَضِي سُقُوط الْقَضَاء لِأَنَّ الْجَهْل بِبَقَاءِ الْيَوْم كَنِسْيَانِ نَفْس الصَّوْم وَلَوْ أَكَلَ نَاسِيًا لِصَوْمِهِ لَمْ يَجِب عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ وَالشَّرِيعَة لَمْ تُفَرِّق بَيْن الْجَاهِل وَالنَّاسِي فَإِنَّ كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا قَدْ فَعَلَ مَا يَعْتَقِد جَوَازه وَأَخْطَأَ فِي فِعْله وَقَدْ اِسْتَوَيَا فِي أَكْثَر الْأَحْكَام وَفِي رفع الآثام فَمَا الْمُوجِب لِلْفَرْقِ بَيْنهمَا فِي هَذَا الْمَوْضِع وقد جعل أصحاب الشافعي وغيرهم الجاهل المخطىء أَوْلَى بِالْعُذْرِ مِنْ النَّاسِي فِي مَوَاضِع مُتَعَدِّدَة وَقَدْ يُقَال إِنَّهُ فِي صُورَة الصَّوْم أَعْذَر مِنْهُ فَإِنَّهُ مَأْمُور بِتَعْجِيلِ الْفِطْر اِسْتِحْبَابًا فَقَدْ بَادَرَ إِلَى أَدَاء مَا(6/347)
الِاسْتِفْهَامِ مُقَدَّرٌ
وَفِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ لِصَحِيحِ الْبُخَارِيِّ لَا بُدَّ مِنْ قَضَاءٍ
قَالَ الْقَسْطَلَّانِيُّ وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَعَلَيْهِ أَنْ يُمْسِكَ بَقِيَّةَ النَّهَارِ لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَعَطَاءٍ وَعُرْوَةَ عَدَمُ الْقَضَاءِ وَعَنْ عُمَرَ يَقْضِي وَفِي آخَرَ لَا رَوَاهُمَا الْبَيْهَقِيُّ وَضُعِّفَتِ الثَّانِيَةُ النَّافِيَةُ وفي هذا الحديث كما قاله بن الْمُنِيرِ أَنَّ الْمُكَلَّفِينَ إِنَّمَا خُوطِبُوا بَالظَّاهِرِ فَإِذَا اجْتَهَدُوا فَأَخْطَئُوا فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ انتهى
قال المنذري وأخرجه البخاري والترمذي وبن مَاجَهْ
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ قَالَ مَعْمَرٌ سَمِعْتُ هِشَامًا يَقُولُ لَا أَدْرِي أَقَضَوْا أَمْ لَا
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
أُمِرَ بِهِ وَاسْتَحَبَّهُ لَهُ الشَّارِع فَكَيْف يَفْسُد صَوْمه وَفَسَاد صَوْم النَّاسِي أَوْلَى مِنْهُ لِأَنَّ فِعْله غَيْر مَأْذُون لَهُ فِيهِ بَلْ غَايَته أنه عفو فهو دون المخطىء الْجَاهِل فِي الْعُذْر وَبِالْجُمْلَةِ فَلَمْ يُفَرِّق بَيْنهمَا فِي الْحَجّ وَلَا فِي مُفْسِدَات الصَّلَاة كَحَمْلِ النَّجَاسَة وَغَيْر ذَلِكَ وَمَا قِيلَ مِنْ الْفَرْق بَيْنهمَا بِأَنَّ النَّاسِي غَيْر مُكَلَّف وَالْجَاهِل مُكَلَّف إِنْ أُرِيد بِهِ التَّكْلِيف بِالْقَضَاءِ فَغَيْر صَحِيح لِأَنَّ هَذَا هُوَ الْمُتَنَازَع فِيهِ وَإِنْ أُرِيد بِهِ أَنَّ فِعْل النَّاسِي لَا يَنْتَهِضُ سَبَبًا لِلْإِثْمِ وَلَا يَتَنَاوَلهُ الْخِطَاب الشَّرْعِيّ فَكَذَلِكَ فِعْل المخطىء وإن أريد أن المخطىء ذَاكِر لِصَوْمِهِ مُقَدَّم عَلَى قَطْعه فَفِعْله دَاخِل تَحْت التَّكْلِيف بِخِلَافِ النَّاسِي فَلَا يَصِحّ أَيْضًا لِأَنَّهُ يَعْتَقِد خُرُوج زَمَن الصَّوْم وَأَنَّهُ مَأْمُور بالفطر فهو مقدم على فعل ما يعقده جَائِزًا وَخَطَؤُهُ فِي بَقَاء الْيَوْم كَنِسْيَانِ الْآكِل فِي الْيَوْم فَالْفِعْلَانِ سَوَاء فَكَيْف يَتَعَلَّق التَّكْلِيف بِأَحَدِهِمَا دُون الْآخِر وَأَجْوَد مَا فُرِّقَ بِهِ بَيْن الْمَسْأَلَتَيْنِ أَنَّ الْمُخْطِئ كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ إِتْمَام صَوْمه بِأَنْ يُؤَخِّر الْفِطْر حَتَّى يَتَيَقَّن الْغُرُوب بِخِلَافِ النَّاسِي فَإِنَّهُ لَا يُضَاف إِلَيْهِ الْفِعْل وَلَمْ يَكُنْ يُمَكِّنهُ الِاحْتِرَاز وَهَذَا وَإِنْ كَانَ فَرْقًا فِي الظَّاهِر فَهُوَ غَيْر مُؤَثِّر فِي وُجُوب الْقَضَاء كَمَا لَمْ يُؤَثِّر فِي الْإِثْم اِتِّفَاقًا وَلَوْ كَانَ مَنْسُوبًا إِلَى تَفْرِيطٍ لَلَحِقَهُ الْإِثْم فَلَمَّا اِتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْإِثْم مَوْضُوع عَنْهُ دَلَّ عَلَى أَنَّ فِعْله غَيْر مَنْسُوب فِيهِ إِلَى تَفْرِيط لَا سِيَّمَا وَهُوَ مَأْمُور بِالْمُبَادَرَةِ إِلَى الْفِطْر وَالسَّبَب الَّذِي دَعَاهُ إِلَى الْفِطْر غَيْر مَنْسُوب إِلَيْهِ فِي الصُّورَتَيْنِ وَهُوَ النِّسْيَان فِي مَسْأَلَة النَّاسِي وَظُهُور الظُّلْمَة وخفاء النهار في صورة المخطىء فهذا أطعمه الله وسقاه بالنسيان وهذا أطعممه اللَّه وَسَقَاهُ بِإِخْفَاءِ النَّهَار وَلِهَذَا قَالَ صُهَيْب هِيَ طُعْمَة اللَّه وَلَكِنَّ هَذَا أَوْلَى فَإِنَّهَا طُعْمَة اللَّه إِذْنًا وَإِبَاحَة وَإِطْعَام النَّاسِي طُعْمَته عَفْوًا وَرَفْع حَرَج فَهَذَا مُقْتَضَى الدَّلِيل(6/348)
24 - (بَاب فِي الْوِصَالِ)
(نَهَى عَنِ الْوِصَالِ) أَيْ تَتَابُعِ الصَّوْمِ مِنْ غَيْرِ إِفْطَارٍ بَاللَّيْلِ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ الْوِصَالُ مِنْ خَصَائِصِ مَا أُبِيحَ لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ وَهُوَ مَحْظُورٌ عَلَى أُمَّتِهِ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ مَا يَتَخَوَّفُ عَلَى الصَّائِمِ مِنَ الضَّعْفِ وَسُقُوطِ الْقُوَّةِ فَيَعْجِزُوا عَنِ الصِّيَامِ الْمَفْرُوضِ وَعَنْ سَائِرِ الطَّاعَاتِ أَوْ يَمَلُّوهَا إِذَا نَالَتْهُمُ الْمَشَقَّةُ فَيَكُونُ سَبَبًا لِتَرْكِ الْفَرِيضَةِ
(إِنِّي أُطْعَمُ وَأُسْقَى) يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنِّي أُعَانُ عَلَى الصِّيَامِ وَأَقْوَى عَلَيْهِ فَيَكُونُ ذَلِكَ لِي بِمَنْزِلَةِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ لَكُمْ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَدْ يُؤْتَى عَلَى الْحَقِيقَةِ بِطَعَامٍ وَشَرَابٍ يَطْعَمُهَا فَيَكُونُ ذَلِكَ تَخْصِيصًا لَهُ وَكَرَامَةً لَا يَشْرَكُهُ فِيهَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ
قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
(يَقُولُ لَا تُوَاصِلُوا فَأَيُّكُمْ أَرَادَ أَنْ يُوَاصِلَ فَلْيُوَاصِلْ حَتَّى السَّحَرِ) بَالْجَرِّ بِحَتَّى الْجَارَّةِ وَهُوَ قَوْلُ اللَّخْمِيِّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ
وَنُقِلَ عَنْ أَحْمَدَ
وَعِبَارَةُ الْمُرْدَاوِيِّ فِي تَنْقِيحِهِ وَيُكْرَهُ الْوِصَالُ وَلَا يُكْرَهُ إِلَى السَّحَرِ نَصًّا وَتَرْكُهُ أَوْلَى انْتَهَى
وَقَالَ بِهِ أيضا بن خُزَيْمَةَ وَطَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ (إِنَّ لِي مُطْعِمًا) حَالَ كَوْنِهِ (يُطْعِمُنِي) وَلِي (سَاقِيًّا) حَالَ كَوْنِهِ (يَسْقِينِي) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ
ذَكَرَهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ قَالَ علي القارىء وَالْحِكْمَةُ فِي النَّهْيِ أَنَّهُ يُورِثُ الضَّعْفَ وَالسَّآمَةَ وَالْقُصُورَ عَنْ أَدَاءِ غَيْرِهِ مِنَ الطَّاعَاتِ فَقِيلَ النَّهْيُ لِلتَّحْرِيمِ وَقِيلَ لِلتَّنْزِيهِ
قَالَ الْقَاضِي وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ انْتَهَى
وَيُؤَيِّدُ الثَّانِي مَا رَوَتْهُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَاهُمْ عَنِ الْوِصَالِ رَحْمَةً لَهُمُ الْحَدِيثَ كَمَا فِي رِيَاضِ الصَّالِحِينَ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ(6/349)
25 - (بَاب الْغِيبَةِ لِلصَّائِمِ)
(لَمْ يَدَعْ) أَيْ لَمْ يَتْرُكْ (قَوْلَ الزُّورِ) وَالْمُرَادُ مِنْهُ الْكَذِبُ وَالْإِضَافَةُ بيانية (فليس لله حاجة) قال بن بَطَّالٍ لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِأَنْ يَدَعَ صِيَامَهُ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ التَّحْذِيرُ مِنْ قَوْلِ الزُّورِ وَمَا ذُكِرَ مَعَهُ
قَالَ فِي الْفَتْحِ وَلَا مَفْهُومَ لِذَلِكَ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَحْتَاجُ إِلَى شَيْءٍ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ فَلَيْسَ لِلَّهِ إِرَادَةٌ فِي صيامه فوضع الحاجة موضع الإرادة
وقال بن الْمُنِيرِ بَلْ هُوَ كِنَايَةٌ عَنْ عَدَمِ الْقَبُولِ كَمَا يَقُولُ الْمُغْضَبُ لِمَنْ رَدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا طلبه مِنْهُ فَلَمْ يَقُمْ بِهِ لَا حَاجَةَ لِي في كذا
وقال بن الْعَرَبِيِّ مُقْتَضَى هَذَا الْحَدِيثِ أَنْ لَا يُثَابَ عَلَى صِيَامِهِ وَمَعْنَاهُ أَنَّ ثَوَابَ الصِّيَامِ لَا يَقُومُ فِي الْمُوَازَنَةِ بِإِثْمِ الزُّورِ وَمَا ذُكِرَ مَعَهُ
وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْأَفْعَالَ تُنْقِصُ ثَوَابَ الصَّوْمِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهَا صَغَائِرُ بَاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ
قَالَهُ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ (قَالَ أَحْمَدُ) بْنُ يُونُسَ (فَهِمْتُ إِسْنَادَهُ) أَيْ إِسْنَادَ هذا الحديث وحفظت كما أريد (من بن أَبِي ذِئْبٍ) لَكِنْ مَا سَمِعْتُ كَمَا يَنْبَغِي وَمَا حَفِظْتُ كَمَا أُرِيدَ مَتْنُ الْحَدِيثِ مِنْهُ لِكَوْنِهِ بَعِيدًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْخَلَلِ الْوَاقِعِ فِي سَمَاعِهِ (رَجُلٌ إِلَى جَنْبِهِ) أَيِ بن أَبِي ذِئْبٍ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وبن مَاجَهْ
(فَلَا يَرْفُثْ) يُرِيدُ لَا يَفْحُشْ وَالرَّفَثُ هُوَ السُّخْفُ وَفَاحِشُ الْكَلَامِ يُقَالُ رَفَثَ بِفَتْحِ الْفَاءِ يَرْفُثُ بِضَمِّهَا وَكَسْرِهَا وَرَفِثَ بِكَسْرِهَا يَرْفَثُ بِفَتْحِهَا رَفْثًا سَاكِنَةَ الْفَاءِ فِي الْمَصْدَرِ وَرَفَثًا بِفَتْحِهَا فِي الِاسْمِ وَيُقَالُ أَرْفُثُ رُبَاعِيٌّ حَكَاهُ الْقَاضِي وَالْجَهْلُ قَرِيبٌ مِنَ الرَّفَثِ وَهُوَ خِلَافُ الْحِكْمَةِ وَخِلَافُ الصَّوَابِ مِنَ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ (فَلْيَقُلْ إِنِّي صَائِمٌ إِنِّي صَائِمٌ) هَكَذَا هُوَ مَرَّتَيْنِ وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهُ فَقِيلَ يَقُولُهُ بِلِسَانِهِ لِيَسْمَعَهُ الشَّاتِمُ وَالْمُقَاتِلُ فَيَتَحَرَّزُ غَالِبًا وَقِيلَ لَا(6/350)
يَقُولُهُ بِلِسَانِهِ بَلْ يُحَدِّثُ بِهِ نَفْسَهُ لِيَمْنَعَهَا مِنْ مُشَاتَمَتِهِ وَمُقَاتَلَتِهِ وَمُقَابَلَتِهِ وَيَحْرُسُ صَوْمَهُ عَنِ الْمُكَدِّرَاتِ وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ كَانَ حَسَنًا
وَاعْلَمْ أَنَّ نَهْيَ الصَّائِمِ عَنِ الرَّفَثِ وَالْجَهْلِ وَالْمُخَاصَمَةِ وَالْمُشَاتَمَةِ لَيْسَ مُخْتَصًّا بِهِ بَلْ كُلُّ أَحَدٍ مِثْلُهُ فِي أَصْلِ النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ لَكِنَّ الصَّائِمَ آكَدُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ كَذَا قَالَ النَّوَوِيُّ
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ يُتَأَوَّلُ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا فَلْيَقُلْ ذَلِكَ لِصَاحِبِهِ نُطْقًا بَاللِّسَانِ يَرُدُّهُ بِذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ وَالْوَجْهُ الْآخَرُ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ فِي نَفْسِهِ أَيْ لِيَعْلَمَ أَنَّهُ صَائِمٌ فَلَا يَخُوضُ مَعَهُ وَلَا يُكَافِئُهُ عَلَى شَتْمِهِ لِئَلَّا يُفْسِدَ صَوْمَهُ وَلَا يُحْبِطَ أَجْرَ عَمَلِهِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
6 - (بَاب السِّوَاكِ لِلصَّائِمِ)
(عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَاصِمٍ) أَيْ شَرِيكٍ وَسُفْيَانَ كِلَاهُمَا عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ (يَسْتَاكُ وَهُوَ صَائِمٌ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ السِّوَاكُ مُسْتَحَبٌّ لِلصَّائِمِ وَالْمُفْطِرِ إِلَّا أَنَّ قَوْمًا مِنَ الْعُلَمَاءِ كَرِهُوا لِلصَّائِمِ أَنْ يَسْتَاكَ آخِرَ النَّهَارِ اسْتِبْقَاءً لِخُلُوفِهِ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ وَرُوِيَ ذَلِكَ
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وقد روى بن مَاجَةَ مِنْ حَدِيث عَائِشَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مِنْ خَيْر خِصَال الصائم السواك قال البخاري وقال بن عُمَر يَسْتَاك أَوَّل النَّهَار وَآخِره وَقَالَ زِيَاد بْن حُدَيْر مَا رَأَيْت أَحَدًا أَدْأَب سِوَاكًا وهو صائم من عمر رضي الله عنه أَرَاهُ قَالَ بِعُودٍ قَدْ ذَوِي رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ
ولو احتج عليه بعموم قوله صلى الله عليه وسلم لَأَمَرْتهمْ بِالسِّوَاكِ عِنْد كُلّ صَلَاة لَكَانَتْ حُجَّة وبقوله صلى الله عليه وسلم السِّوَاك مَطْهَرَة لِلْفَمِ مَرْضَاة لِلرَّبِّ وَسَائِر الْأَحَادِيث الْمُرَغِّبَة فِي السِّوَاك مِنْ غَيْر تَفْصِيل
وَلَمْ يَجِيء فِي مَنْع الصَّائِم مِنْهُ حَدِيث صَحِيح
قَالَ الْبَيْهَقِيّ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيف إِذَا صُمْتُمْ فَاسْتَاكُوا بِالْغَدَاةِ وَلَا تَسْتَاكُوا بِالْعَشِيِّ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ صَائِم تَيْبَس شَفَتَاهُ بِالْعَشِيِّ إِلَّا كَانَتَا نُورًا بَيْن عَيْنَيْهِ يَوْم الْقِيَامَة وَرَوَى عَمْرو بْن قَيْس عَنْ عَطَاء عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ لَك السِّوَاك إِلَى الْعَصْر فَإِذَا صَلَّيْت الْعَصْر فَأَلْقِهِ فَإِنِّي سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول لَخُلُوف فَم الصَّائِم أَطْيَب عِنْد اللَّه مِنْ رِيح الْمِسْك وَهَذَا لَوْ صَحَّ عَنْ أَبِي(6/351)
عن بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَإِلَيْهِ ذَهَبَ عَطَاءٌ وَمُجَاهِدٌ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ
هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ
فِي إِسْنَادِهِ عَاصِمُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ
وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي صَحِيحِهِ مُعَلَّقًا فِي التَّرْجَمَةِ فَقَالَ وَيُذْكَرُ عَنْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ
(بَاب الصَّائِمِ يَصُبُّ عَلَيْهِ الْمَاءَ مِنْ الْعَطَشِ وَيُبَالِغُ فِي الِاسْتِنْشَاقِ)
(تَقَوَّوْا) صِيغَةُ أَمْرِ جَمْعِ الْمُذَكَّرِ مِنَ الْقُوَّةِ أَيْ بَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ (بَالْعَرْجِ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الرَّاءِ قَرْيَةٌ جَامِعَةٌ مِنْ عَمَلِ الْفَرْعِ عَلَى أَيَّامٍ مِنَ الْمَدِينَةِ (يَصُبُّ عَلَى رَأْسِهِ الْمَاءَ وَهُوَ صَائِمٌ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلصَّائِمِ أَنْ يَكْسِرَ الْحَرَّ بِصَبِّ الْمَاءِ عَلَى بَعْضِ بَدَنِهِ أَوْ كُلِّهِ وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ الْجُمْهُورُ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ الِاغْتِسَالِ الْوَاجِبَةِ وَالْمَسْنُونَةِ وَالْمُبَاحَةِ
وَقَالَتِ الْحَنَفِيَّةُ إِنَّهُ يُكْرَهُ الِاغْتِسَالُ لِلصَّائِمِ وَاسْتَدَلُّوا بِمَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ عَلِيٍّ مِنَ النَّهْيِ عَنْ دُخُولِ الصَّائِمِ الْحَمَّامَ وَهُوَ مَعَ كَوْنِهِ أَخَصَّ مِنْ مَحَلِّ النِّزَاعِ فِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ كَمَا قَالَ الْحَافِظُ
وَاعْلَمْ أَنَّهُ يُكْرَهُ لِلصَّائِمِ الْمُبَالَغَةُ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ لِحَدِيثِ الْأَمْرِ بَالْمُبَالَغَةِ فِي ذَلِكَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ صَائِمًا
وَاخْتُلِفَ إِذَا دَخَلَ مِنْ مَاءِ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ إِلَى جَوْفِهِ خَطَأً فَقَالَتِ الْحَنَفِيَّةُ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ وَالْمُزَنِيُّ إِنَّهُ يُفْسِدُ الصَّوْمَ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ إِنَّهُ لَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ كَالنَّاسِي
وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالنَّخَعِيُّ إِنَّهُ يُفْسِدُ إِنْ لَمْ يَكُنْ لِفَرِيضَةٍ (مِنَ الْعَطَشِ أَوْ مِنَ الْحَرِّ) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مختصرا
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
هريرة فالثابت عن عمر وبن عُمَر يُخَالِفهُ وَاَلَّذِينَ يَكْرَهُونَهُ يُخَالِفُونَهُ أَيْضًا فَإِنَّهُمْ يَكْرَهُونَهُ مِنْ بَعْد الزَّوَال وَأَكْثَر أَهْل الْعِلْم لَا يَكْرَهُونَهُ
وَاَللَّه أَعْلَم(6/352)
(بَالِغْ فِي الِاسْتِنْشَاقِ إِلَّا أَنْ تَكُونُ صَائِمًا) قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِيهِ مِنَ الْفِقْهِ أَنَّ وَصْلَ الْمَاءِ إِلَى مَوْضِعِ الدِّمَاغِ يُفْطِرُ الصَّائِمَ إِذَا كَانَ ذَلِكَ بِفِعْلِهِ وَعَلَى قِيَاسِ ذَلِكَ كُلُّ مَا وَصَلَ إِلَى جَوْفِهِ بِفِعْلِهِ مِنْ حُقْنَةٍ وَغَيْرِهَا سَوَاءً كَانَ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِ الطَّعَامِ وَالْغِذَاءِ أَوْ فِي غَيْرِهِ مِنْ حَشْوِ جَوْفِهِ
وَقَدْ يَسْتَدِلُّ بِهِ مَنْ يُوجِبُ الِاسْتِنْشَاقَ فِي الطَّهَارَةِ قَالُوا وَلَوْلَا وُجُوبِهِ لَكَانَ يَطْرَحُهُ عَنِ الصَّائِمِ أَصْلًا احْتِيَاطًا عَلَى صَوْمِهِ فَلَمَّا لَمْ يَفْعَلْ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ وَاجِبٌ لَا يَجُوزُ تَرْكُهُ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ مُخْتَصَرًا وَمُطَوَّلًا
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ
8 - (بَاب فِي الصَّائِمِ يَحْتَجِمُ)
(قَالَ أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي تَأْوِيلِ هَذَا الْحَدِيثِ فَذَهَبَ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّ الْحِجَامَةَ تُفْطِرُ الصَّائِمَ قَوْلًا بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ هَذَا قَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ وَقَالَا عَلَيْهِمَا الْقَضَاءُ وَلَيْسَتْ عَلَيْهِمَا الْكَفَّارَةُ
وَعَنْ عَطَاءٍ قَالَ مَنِ احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ
وَرُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ كَانُوا يحتجمون ليلا منهم بن عُمَرَ وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رضي الله عنهم
وكان مسروق والحسن وبن سِيرِينَ لَا يَرَوْنَ لِلصَّائِمِ أَنْ يَحْتَجِمَ
وَكَانَ الأوزاعي يكره ذلك
وقال بن الْمُسَيِّبِ وَالشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ إِنَّمَا كُرِهَتِ الْحِجَامَةُ لِلصَّائِمِ مِنْ أَجْلِ الضَّعْفِ
وَمِمَّنْ كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا بَالْحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَالشَّافِعِيُّ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ
وَتَأَوَّلَ بَعْضُهُمُ الْحَدِيثَ فَقَالَ مَعْنَى قَوْلِهِ أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ أَيْ تَعَرَّضَا لِلْإِفْطَارِ أَمَّا الْمَحْجُومُ فَلِلضَّعْفِ الَّذِي يَلْحَقُهُ مِنْ ذَلِكَ إِلَى أَنْ(6/353)
يَعْجِزَ عَنِ الصَّوْمِ وَأَمَّا الْحَاجِمُ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَصِلَ إِلَى جَوْفِهِ مِنْ طَعَامِ الدَّمِ أَوْ مِنْ بَعْضِ أَجْزَائِهِ إِذَا ضَمَّ شَفَتَيْهِ عَلَى قَصَبِ الْمُلَازِمِ
وَهَذَا كَمَا يُقَالُ لِلرَّجُلِ يَتَعَرَّضُ لِلْمَهَالِكِ قَدْ هَلَكَ فُلَانُ وَإِنْ كَانَ بَاقِيًا سَالِمًا وَإِنَّمَا يُرَادُ بِهِ قَدْ أَشْرَفَ عَلَى الْهَلَاكِ
وَكَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ جُعِلَ قَاضِيًا فَقَدْ ذُبِحَ بِغَيْرِ سِكِّينٍ يُرِيدُ أَنَّهُ قَدْ تَعَرَّضَ لِلذَّبْحِ وَقِيلَ فِيهِ وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ مَرَّ بِهِمَا مَسَاءً فَقَالَ أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ كَأَنَّهُ عَذَرَهُمَا بِهَذَا الْقَوْلِ إِذَا كَانَا قَدْ أَمْسَيَا وَدَخَلَا فِي وَقْتِ الْإِفْطَارِ كَمَا يُقَالُ أَصْبَحَ الرَّجُلُ وَأَمْسَى وَأَظْهَرَ إِذَا دَخَلَ وَقْتَ هَذِهِ الْأَوْقَاتِ وَأَحْسِبُهُ قَدْ رُوِيَ فِي بَعْضِ هَذَا الْحَدِيثِ
وَقَالَ بَعْضُهُمْ هَذَا عَلَى التَّغْلِيظِ لَهُمَا وَالدُّعَاءِ عَلَيْهِمَا كَقَوْلِهِ فِيمَنْ صَامَ الدَّهْرَ لَا صَامَ وَلَا أَفْطَرَ فَمَعْنَى قَوْلِهِ أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ أَيْ بَطَلَ أَجْرُ صِيَامِهِمَا فَكَأَنَّمَا صَارَا مُفْطِرَيْنِ غَيْرَ صَائِمَيْنِ
وَقِيلَ أَيْضًا مَعْنَاهُ جَازَ لَهُمَا أَنْ يُفْطِرَا كَقَوْلِكَ أَحْصُدُ الزَّرْعَ إِنْ حَانَ أَنْ يُحْصَدَ وَأَرْكَبُ الْمُهْرَ إِذَا حَانَ أَنْ يُرْكَبَ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وأخرجه النسائي وبن مَاجَهْ
وَسُئِلَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَيُّمَا حَدِيثٍ أَصَحُّ عِنْدَكَ فِي أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ فَقَالَ حَدِيثُ ثَوْبَانَ حَدِيثُ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ عَنْ ثَوْبَانَ
(أَتَى عَلَى رَجُلٍ) أَيْ مَرَّ عَلَيْهِ (بَالْبَقِيعِ) أَيْ بِمَقْبَرَةِ الْمَدِينَةِ (وَهُوَ) أَيِ الرَّجُلُ (وَهُوَ) أَيِ
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه اللَّه وَلَفْظ النَّسَائِيّ فِيهِ عَنْ شَدَّاد بْن أَوْس قَالَ كُنْت أَمْشِي مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَام فَتْح مَكَّة لِثَمَانِ عَشْرَة أَوْ سَبْع عَشْرَة مَضَتْ مِنْ رَمَضَان
فَمَرَّ بِرَجُلٍ يَحْتَجِم فَقَالَ أَفْطَرَ الْحَاجِم وَالْمَحْجُوم قال وروى بن مَاجَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَفْطَرَ الْحَاجِم وَالْمَحْجُوم وَرَوَاهُ أَحْمَد فِي مُسْنَده وَرَوَى أَحْمَد أَيْضًا عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ أَفْطَرَ الْحَاجِم وَالْمَحْجُوم وَرَوَى أَحْمَد أَيْضًا عَنْ أُسَامَة بْن زَيْد عَنْ(6/354)
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (آخِذٌ بِيَدَيَّ) إشارة إلى كمال قربه منه عليه الصلاة والسلام (لِثَمَانِ عَشْرَةَ) بِسُكُونِ الشِّينِ وَيُكْسَرُ (خَلَتْ) أَيْ مَضَتْ (مِنْ رَمَضَانَ) وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى كَمَالِ حِفْظِ الرَّاوِي وَضَبْطِهِ بِذِكْرِ الْمَكَانِ وَالزَّمَانِ وَحَالِهِ
قال المنذري وأخرجه النسائي وبن ماجه
وقد روى هذا الحديث
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْطَرَ الْحَاجِم وَالْمَحْجُوم وَرَوَى الْحَسَن عَنْ عَلِيّ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَفْطَرَ الْحَاجِم وَالْمَحْجُوم رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَعَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَفْطَرَ الْحَاجِم وَالْمَحْجُوم رَوَاهُ النِّسَائِيّ وَأَعَلَّهُ بِالْوَقْفِ وَعَنْ مَعْقِل بْن سِنَان الْأَشْجَعِيّ أَنَّهُ قَالَ مَرَّ علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وَأَنَا أَحْتَجِم فِي ثَمَان عَشْرَة لَيْلَة خَلَتْ مِنْ رَمَضَان فَقَالَ أَفْطَرَ الْحَاجِم وَالْمَحْجُوم رَوَاهُ أَحْمَد وَالنَّسَائِيّ عَنْ الْحَسَن بْن مَعْقِل
وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ أَيْضًا عَنْ الْحَسَن عَنْ مَعْقِل بْن يَسَار عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ الْحَسَن عَنْ غَيْر وَاحِد مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَفْطَرَ الحاجم والمحجوم رواه النسائي وعن عطاه عن بن عَبَّاس قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسلم أقطر الْحَاجِم وَالْمَحْجُوم رَوَاهُ النَّسَائِيّ
قَالَ الْمُنْذِرِيّ قَالَ أحمد أحاديث أفطر الحاجم والمحجوم ولا نِكَاح إِلَّا بِوَلِيٍّ يَشُدّ بَعْضهَا بَعْضًا وَأَنَا أذهب إليها
قال بن الْقَيِّم وَقَالَ أَبُو زُرْعَة حَدِيث عَطَاء عَنْ أَبِي هُرَيْرَة مَرْفُوعًا أَفْطَرَ الْحَاجِم وَالْمَحْجُوم حَدِيث حَسَن ذَكَره التِّرْمِذِيُّ عَنْهُ
وَقَالَ عَلِيّ بْن الْمَدِينِيّ أَيْضًا فِي رِوَايَة عَنْهُ لَا أَعْلَم فِي أَفْطَرَ الْحَاجِم حَدِيثًا أَصَحّ مِنْ حَدِيث رَافِع بْن خَدِيج وَقَالَ فِي حَدِيث شَدَّاد لَا أَرَى الْحَدِيثَيْنِ إِلَّا صَحِيحَيْنِ وَقَدْ يُمْكِن أَنْ يَكُون أَبُو أَسْمَاء سَمِعَهُ مِنْهُمَا
وَقَالَ عُثْمَان بْن سَعِيد الدَّارِمِيّ صَحَّ عِنْدِي حَدِيث أَفْطَرَ الْحَاجِم وَالْمَحْجُوم مِنْ حَدِيث ثَوْبَانِ وَشَدَّاد بْن أَوْس وَأَقُول بِهِ وَسَمِعْت أَحْمَد بْن حَنْبَل يَقُول بِهِ وَذَكَر أَنَّهُ صَحَّ عِنْده حَدِيث ثَوْبَان وَشَدَّاد
وَقَالَ إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ فِي حَدِيث شِدَاد هَذَا إِسْنَاد صَحِيح تَقُوم بِهِ الْحَجَّة قَالَ وَهَذَا الْحَدِيث صَحِيح بِأَسَانِيد وَبِهِ نَقُول
وَعَنْ قَتَادَة عَنْ شَهْر عَنْ بِلَال قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْطَرَ الْحَاجِم وَالْمَحْجُوم رَوَاهُ النَّسَائِيّ
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي كِتَاب الْعِلَل سَأَلْت الْبُخَارِيَّ فَقَالَ لَيْسَ فِي هَذَا الْبَاب شَيْءٌ أَصَحّ مِنْ حَدِيث شَدَّاد بْن أَوْس فَقُلْت وَمَا فِيهِ مِنْ الِاضْطِرَاب فَقَالَ كِلَاهُمَا عِنْدِي صَحِيح لِأَنَّ يَحْيَى بْن سَعِيد رَوَى عَنْ أَبِي قِلَابَة عَنْ أَبِي أَسْمَاء عَنْ ثَوْبَانِ وَعَنْ أَبِي الْأَشْعَث عَنْ شَدَّاد الْحَدِيثَيْنِ جَمِيعًا
فَقَدْ حَكَمَ الْبُخَارِيّ بِصِحَّةِ حَدِيث ثَوْبَان وَشَدَّاد(6/355)
بضع عَشَرَ صَحَابِيًّا إِلَّا أَنَّ أَكْثَرَ الْأَحَادِيثِ ضِعَافٌ
وَقَالَ إِسْحَاقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَدِيثُ شَدَّادٍ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ
وَذَكَرَ أَبُو دَاوُدَ بَعْدَ هَذَا حَدِيثَ ثَوْبَانَ مِنْ طَرِيقَيْنِ الطَّرِيقُ الْمُتَقَدِّمُ أَجْوَدُ مِنْهُمَا
وَقَالَ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ أَحَادِيثُ أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ وَلَا نِكَاحَ إِلَى بِوَلِيٍّ يَشُدُّ بَعْضُهَا بَعْضًا وَأَنَا أَذْهَبُ إليها
(عن بن جُرَيْجٍ) وَالْحَاصِلُ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ بَكْرٍ وَعَبْدَ الرَّازِقِ وَإِسْمَاعِيلَ بْنَ عُلَيَّةَ ثَلَاثَتُهُمْ يَرْوُونَ عَنِ بن جريج
قاله الْمِزِّيُّ (مُصَدَّقُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ صِفَةُ شَيْخٍ
(رَوَاهُ بن ثَوْبَانَ) هُوَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ (عَنْ أَبِيهِ) عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ
9 - (باب في الرخصة)
(احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَهَذَا يُؤَكِّدُ قَوْلَ مَنْ رَخَّصَ فِي الْحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه اللَّه وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنه عَنْ أَنَس قَالَ أَوَّل مَا كُرِهَتْ الْحِجَامَة لِلصَّائِمِ أَنَّ جَعْفَر بْن أَبِي طَالِب اِحْتَجَمَ وَهُوَ صَائِم فمر به النبي فقال أفطر هذان ثم رخص النبي بَعْد فِي الْحِجَامَة لِلصَّائِمِ وَكَانَ أَنَس يَحْتَجِم وَهُوَ صَائِم قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ كُلّهمْ ثِقَات وَلَا أعلم له علة(6/356)
وَرَأَى أَنَّ الْحِجَامَةَ لَا تُفْسِدُ الصَّوْمَ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْحِجَامَةَ لَا تَضُرُّ الْمُحْرِمَ مَا لَمْ تَقْطَعْ شَعْرًا
وَقَدْ تَأَوَّلَ حَدِيثَ بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْحِجَامَةَ تُفْطِرُ الصَّائِمَ فَقَالَ إِنَّمَا احْتَجَمَ النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ صَائِمًا مُحْرِمًا وَهُوَ مُسَافِرٌ لِأَنَّا لَا نَعْلَمُهُ كَانَ مُحْرِمًا وَهُوَ مُقِيمٌ وَلِلْمُسَافِرِ أَنْ يُفْطِرَ مَا شَاءَ مِنْ طَعَامٍ وَجِمَاعٍ وَحِجَامَةٍ وَغَيْرِهَا
قُلْتُ وَهَذَا التَّأْوِيلُ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّهُ قَدْ أَثْبَتَهُ حِينَ احْتَجَمَ صَائِمًا وَلَوْ كَانَ يُفْسِدُ صَوْمَهُ بَالْحِجَامَةِ لَكَانَ يُقَالُ إِنَّهُ أَفْطَرَ بَالْحِجَامَةِ كَمَا يُقَالُ أَفْطَرَ الصَّائِمُ بِشُرْبِ الْمَاءِ وَأَكْلِ التَّمْرِ وَمَا أَشْبَهَهُمَا وَلَا يُقَالُ أَكَلَ تَمْرًا وَهُوَ صَائِمٌ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَلَفْظُ التِّرْمِذِيُّ احْتَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ صَائِمٌ
(رَوَاهُ وُهَيْبُ بْنُ خَالِدٍ) كَمَا رَوَاهُ عَبْدُ الْوَارِثِ (عَنْ أَيُّوبَ بِإِسْنَادِهِ) أَيْ عَنْ عِكْرِمَةَ (مِثْلَهُ) أَيْ بِلَفْظِ احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ لَفْظِ مُحْرِمٍ (وَجَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ) أَيْ وَكَذَا رَوَى جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ
(عَنْ مقسم عن بن عباس) قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وبن مَاجَهْ
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
وعن بن سعيد الخدري قال رخص رسول الله فِي الْقُبْلَة لِلصَّائِمِ وَرَخَّصَ فِي الْحِجَامَة رَوَاهُ النَّسَائِيّ
فَذَهَبَ إِلَى هَذِهِ الْأَحَادِيث جَمَاعَة مِنْ العلماء ويروى ذلك عن سعيد بن أبي وقاص وبن مسعود وبن عَبَّاس وَعَبْد اللَّه بْن عُمَر وَالْحُسَيْن بْن عَلِيّ وَزَيْد بْن أَرْقَم وَعَائِشَة وَأُمّ سَلَمَة وَأَبَى سَعِيد الْخُدْرِيّ وَأَبِي هُرَيْرَة وَهُوَ مَذْهَب عُرْوَة بْن الزُّبَيْر وَسَعِيد بْن جُبَيْر وَغَيْرهمَا وَبِهِ قَالَ مَالِك وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَة
وَذَهَبَ إِلَى أَحَادِيث الْفِطْر بِهَا جَمَاعَة مِنْهُمْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ
وَرَوَى الْمُعْتَمِر عَنْ أَبِيهِ عَنْ الْحَسَن عَنْ غَيْر واحد من أصحاب النبي قَالُوا أَفْطَرَ الْحَاجِم وَالْمَحْجُوم ذَكَره النَّسَائِيّ
وَأَمَّا أَبُو هُرَيْرَة فَرَوَى عَنْهُ أَبُو صَالِح أَفْطَرَ الْحَاجِم وَالْمَحْجُوم ذَكَره النَّسَائِيّ
وَرَوَى عَنْهُ شَقِيق بْن ثَوْر عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ لَوْ اِحْتَجَمَ مَا بِالْبَيْتِ
ذَكَره عَبْد الرَّزَّاق وَالنَّسَائِيّ أيضا(6/357)
(إِبْقَاءً عَلَى أَصْحَابِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ نَهَى وَحَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى أَخْرَجَهُ أَيْضًا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ فِي الْفَتْحِ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ والجهالة بالصحابي لا تضر وقد رواه بن أَبِي شَيْبَةَ عَنْ وَكِيعٍ عَنِ الثَّوْرِيِّ بِإِسْنَادِهِ هَذَا وَلَفْظُهُ عَنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا إِنَّمَا نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ وَكَرِهَهَا لِلضَّعْفِ أَيْ لِئَلَّا يَضْعُفَ
وَفِي الْبَابِ عَنْ أَنَسٍ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ قَالَ فِي الْفَتْحِ رُوَاتُهُ كُلُّهُمْ مِنْ رِجَالِ الْبُخَارِيِّ
وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ رَخَّصَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم في الحجامة أخرجه النسائي وبن خُزَيْمَةَ وَالدَّارَقُطْنِيُّ
قَالَ الْحَافِظُ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ
لَكِنِ اخْتُلِفَ فِي رَفْعِهِ وَوَقْفِهِ
وَقَدِ اسْتُدِلَّ بَالْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى أَنَّ الْحِجَامَةَ لَا تُفْطِرُ فَيُجْمَعُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ بِأَنَّ الْحِجَامَةَ مَكْرُوهَةٌ فِي حَقِّ مَنْ كَانَ يَضْعُفُ بِهَا وَتَزْدَادُ الْكَرَاهَةُ إِذَا كَانَ الضَّعْفُ يَبْلُغُ إِلَى حَدٍّ يَكُونُ سَبَبًا لِلْإِفْطَارِ وَلَا يُكْرَهُ فِي حَقِّ مَنْ كَانَ لَا يَضْعُفُ بِهَا
وَعَلَى
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
وَأَمَّا عَائِشَة فَرَوَى عَطَاء وَعِيَاض بْن عُرْوَة عَنْهَا أَفْطَرَ الْحَاجِم وَالْمَحْجُوم ذَكَره النَّسَائِيّ
وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ رُوِيَتْ الرُّخْصَة عَنْهَا
وَذَهَبَ إِلَى الْفِطْر مِنْ التَّابِعِينَ عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح وَالْحَسَن وبن سِيرِينَ وَذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيٍّ وَالْأَوْزاَعِيّ وَالْإِمَام أَحْمَد وَإِسْحَاق بْن رَاهْوَيْهِ وَأَبُو بَكْر بْن الْمُنْذَر وَمُحَمَّد بْن إِسْحَاق بْن خُزَيْمَة
وَأَجَابَ الْمُرَخِّصُونَ عَنْ أَحَادِيث الْفِطْر بأجوبة أحدهما القدح فيها تعليلها
الثَّانِي دَعْوَى النَّسْخ فِيهَا
الثَّالِث أَنَّ الْفِطْر فِيهَا لَمْ يَكُنْ لِأَجْلِ الْحِجَامَة بَلْ لِأَجَلِ الْغِيبَة وَذَكَر الْحَاجِم وَالْمَحْجُوم لِلتَّعْرِيفِ لَا لِلتَّعْلِيلِ
الرَّابِع تَأْوِيلهَا عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ قَدْ تَعْرِض لِأَنَّ يُفْطِر لِمَا يَلْحَقهُ مِنْ الضَّعْف فِي أَفْطَرَ بِمَعْنَى يُفْطِر(6/358)
كُلِّ حَالٍ تَجَنُّبُ الْحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ أَوْلَى فَيَتَعَيَّنُ حَمْلُ قَوْلِهِ أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ عَلَى الْمَجَازِ لِهَذِهِ الْأَدِلَّةِ الصَّارِفَةِ لَهُ عَنْ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ
قَالَهُ الشَّوْكَانِيُّ
(إِلَّا كَرَاهِيَةَ الْجَهْدِ) أَيِ الْمَشَقَّةِ وَالتَّعَبِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ
وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَقَالَ شَبَابَةُ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
الْخَامِس أَنَّهُ عَلَى حَقِيقَته وَأَنَّهُمَا قَدْ أَفْطَرَا حقيقة ومرور النبي بِهِمَا كَانَ مَسَاء فِي وَقْت الْفِطْر فَأَخْبَرَ أَنَّهُمَا قَدْ أَفْطَرَا وَدَخَلَا فِي وَقْت الْفِطْر يَعْنِي فَلْيَصْنَعَا مَا أَحَبَّا
السَّادِس أَنَّ هَذَا تَغْلِيظ وَدُعَاء عَلَيْهِمَا لَا أَنَّهُ خَبَر عَنْ حُكْم شَرْعِيّ بِفِطْرِهِمَا
السَّابِع أَنَّ إِفْطَارهمَا بِمَعْنَى إبطال ثواب صومهما كما جاء خمس يفطرون الصَّائِم الْكَذِب وَالْغِيبَة وَالنَّمِيمَة وَالنَّظْرَة السُّوء وَالْيَمِين الْكَاذِبَة وَكَمَا جَاءَ الْحَدَث حَدَثَانِ حَدَث اللِّسَان وَهُوَ أَشَدّهمَا
الثَّامِن أَنَّهُ لَوْ قُدِّرَ تَعَارُض الْأَخْبَار جُمْلَة لَكَانَ الْأَخْذ بِأَحَادِيث الرُّخْصَة أَوْلَى لِتَأَيُّدِهَا بِالْقِيَاسِ وَشَوَاهِد أُصُول الشَّرِيعَة لَهَا إِذْ الْفِطْر إِنَّمَا قِيَاسه أَنْ يَكُون بِمَا يَدْخُل الْجَوْف لَا بِالْخَارِجِ مِنْهُ كَالْفِصَادِ وَالتَّشْرِيط وَنَحْوه
قَالَ الْمُفْطِرُونَ لَيْسَ فِي هَذِهِ الْأَجْوِبَة شَيْءٌ يَصِحّ
أَمَّا جَوَاب الْمُعَلِّلِينَ فَبَاطِلٌ وَإِنَّ الْأَئِمَّة الْعَارِفِينَ بِهَذَا الشَّأْن قَدْ تَظَاهَرَتْ أَقْوَالهمْ بِتَصْحِيحِ بَعْضهَا كَمَا تَقَدَّمَ
وَالْبَاقِي إِمَّا حَسَنٌ يَصْلُح لِلِاحْتِجَاجِ بِهِ وَحْده وَإِمَّا ضَعِيف فَهُوَ يَصْلُح لِلشَّوَاهِدِ وَالْمُتَابَعَات وَلَيْسَ الْعُمْدَة عَلَيْهِ وَمِمَّنْ صَحَّحَ ذَلِكَ أَحْمَد وَإِسْحَاق وَعَلِيّ بْن الْمَدِينِيّ وَإِبْرَاهِيم الحربي وعثمان بن سعيد الدارمي والبخاري وبن الْمُنْذِر وَكُلّ مَنْ لَهُ عِلْم بِالْحَدِيثِ يَشْهَد بأن هذا الأصل محفوظ عن النبي لِتَعَدُّدِ طُرُقه وَثِقَة رُوَاته وَاشْتِهَارهمْ بِالْعَدَالَةِ
قَالُوا وَالْعَجَب مِمَّنْ يَذْهَب إِلَى أَحَادِيث الْجَهْر بِالْبَسْمَلَةِ وَهِيَ دُون هَذِهِ الْأَحَادِيث فِي الشُّهْرَة وَالصِّحَّة وَيَتْرُك هَذِهِ الْأَحَادِيث وَكَذَلِكَ أَحَادِيث الْفِطْر بِالْقَيْءِ مَعَ ضَعْفهَا وَقِلَّتهَا وَأَيْنَ تَقَع مِنْ أَحَادِيث الْفِطْر بِالْحِجَامَةِ وَكَذَلِكَ أَحَادِيث الْإِتْمَام فِي السَّفَر وَأَحَادِيث أَقَلّ الْحَيْض وَأَكْثَره وَأَحَادِيث تَقْدِير الْمَهْر بِعَشْرَةِ دَرَاهِم وَأَحَادِيث الْوُضُوء بِنَبِيذِ التَّمْر وَأَحَادِيث الشَّهَادَة فِي النِّكَاح وَأَحَادِيث التَّيَمُّم(6/359)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
ضَرْبَتَانِ وَأَحَادِيث الْمَنْع مِنْ فَسْخ الْحَجّ إِلَى التَّمَتُّع وَأَحَادِيث تَحْرِيم الْقِرَاءَة عَلَى الْجُنُب وَالْحَائِض وَأَحَادِيث تَقْدِير الْمَاء الَّذِي يَحْمِل النَّجَاسَة بِالْقُلَّتَيْنِ
قَالُوا وَأَحَادِيث الْفِطْر بِالْحِجَامَةِ أَقْوَى وَأَشْهَر وَأُعْرَف مِنْ هَذَا بَلْ لَيْسَتْ دُون أَحَادِيث نَقْضِ الْوُضُوء بِمَسِّ الذَّكَر
وَأَمَّا قَوْل بَعْض أَهْل الْحَدِيث لَا يَصِحّ فِي الْفِطْر بِالْحِجَامَةِ حَدِيث فَمُجَازَفَةٌ بَاطِلَةٌ أَنْكَرَهَا أَئِمَّة الْحَدِيث كَالْإِمَامِ أَحْمَد لما حكى له قول بن مَعِين أَنْكَرَهُ عَلَيْهِ
ثُمَّ فِي هَذِهِ الْحِكَايَة عَنْهُ
أَنَّهُ لَا يَصِحّ فِي مَسِّ الذَّكَر حَدِيث وَلَا فِي النِّكَاح بِلَا وَلِيٍّ وَلَمْ يَلْتَفِت الْقَائِلُونَ بِذَلِكَ إِلَى قَوْله
وَأَمَّا تَطَرُّق التعليل إليها فَمِنْ نَظَرَ فِي عِلَلهَا وَاخْتِلَاف طُرُقهَا أَفَادَهُ ذَلِكَ عِلْمًا لَا يُشَكُّ فِيهِ بِأَنَّ الْحَدِيث مَحْفُوظ وَعَلَى قَوْل جُمْهُور الْفُقَهَاء وَالْأُصُولِيِّينَ لَا يُلْتَفَت إِلَى شَيْء مِنْ تِلْكَ الْعِلَل وَإِنَّهَا مَا بَيْن تَعْلِيل بِوَقْفِ بَعْض الرُّوَاة
وَقَدْ رَفَعَهَا آخَرُونَ أَوْ إِرْسَالهَا وَقَدْ وَصَلَهَا آخَرُونَ وَهُمْ ثِقَات وَالزِّيَادَة مِنْ الثِّقَة مَقْبُولَة
قَالُوا فَعَلَى قَوْل مُنَازِعِينَا هَذِهِ الْعِلَل بَاطِلَة لَا يُلْتَفَت إِلَى شَيْء مِنْهَا
وَقَدْ ذَكَرْت عِلَلهَا وَالْأَجْوِبَة عَنْهُ فِي مُصَنَّف مُفْرَد فِي الْمَسْأَلَة
قَالُوا وَأَمَّا دَعْوَى النَّسْخ فَلَا سَبِيل إِلَى صِحَّتهَا
وَنَحْنُ نَذْكُر مَا اِحْتَجُّوا بِهِ عَلَى النَّسْخ
ثُمَّ نُبَيِّن مَا فِيهِ
قَالُوا قَدْ صح عن بن عباس أن النبي اِحْتَجَمَ وَهُوَ صَائِم مُحْرِم قَالَ الشَّافِعِيُّ
وَسَمَاع بن عباس من النبي عَام الْفَتْح وَلَمْ يَكُنْ يَوْمئِذٍ مُحْرِمًا وَلَمْ يصحبه محرما قبل حجة الإسلام
فذكر بن عباس حجامة النبي عَام حَجَّة الْإِسْلَام سَنَة عَشْر وَحَدِيث أَفْطَرَ الْحَاجِم وَالْمَحْجُوم سَنَة ثَمَان فَإِنْ كَانَا ثَابِتَيْنِ فحديث بن عَبَّاس نَاسِخ
قَالُوا وَيَدُلّ عَلَى النَّسْخ حَدِيث أَنَس فِي قِصَّة جَعْفَر وَقَدْ تَقَدَّمَ
قَالُوا وَيَدُلّ عَلَيْهِ حَدِيث أَبِي سَعِيد فِي الرُّخْصَة فِيهَا وَالرُّخْصَة لَا تَكُون إِلَّا بَعْد تَقَدُّم المنع
قال المفطرون الثابت أن النبي اِحْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِم وَأَمَّا قَوْله وَهُوَ صَائِم فَإِنَّ الْإِمَام أَحْمَد قَالَ لَا تَصِحّ هَذِهِ اللَّفْظَة وَبَيَّنَ أَنَّهَا وَهْم وَوَافَقَهُ غَيْره عَلَى ذلك وقالوا الصواب اِحْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِم وَمِمَّنْ ذَكَر ذَلِكَ عَنْهُ الحلال فِي كِتَاب الْعِلَل
وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيث عَلَى أَرْبَعَة أَوْجُه أَحَدهَا اِحْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِم فَقَطْ
وَهَذَا فِي الصَّحِيحَيْنِ(6/360)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
الثَّانِي اِحْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِم وَاحْتَجَمَ وَهُوَ صَائِم
انفرد به البخاري
الثالث احتجم وهو محرم صائم ذكره الترمذي وصححه والنسائي وبن مَاجَةَ
الرَّابِع اِحْتَجَمَ وَهُوَ صَائِم فَقَطْ
ذَكَره أَبُو دَاوُدَ
وَأَمَّا حَدِيث اِحْتَجَمَ وَهُوَ صَائِم فهو مختصر من حديث بن عباس في البخاري احتجم رسول الله وَهُوَ مُحْرِم وَاحْتَجَمَ وَهُوَ صَائِم
وَأَمَّا حَدِيث اِحْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِم صَائِم فَهَذَا هُوَ الَّذِي تَمَسّك بِهِ مَنْ اِدَّعَى النَّسْخ
وَأَمَّا لَفْظ اِحْتَجَمَ وَهُوَ صَائِم فَلَا يَدُلّ عَلَى النَّسْخ
وَلَا تَصِحّ الْمُعَارَضَة بِهِ لِوُجُوهٍ أَحَدهَا أَنَّهُ لَا يَعْلَم تَارِيخه وَدَعْوَى النَّسْخ لَا تَثْبُت بِمُجَرَّدِ الِاحْتِمَال
الثَّانِي أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّ الصَّوْم كَانَ فَرْضًا
وَلَعَلَّهُ كَانَ صَوْم نَفْل خَرَجَ مِنْهُ
الثَّالِث حَتَّى لَوْ ثَبَتَ أَنَّهُ صَوْم فَرْض فَالظَّاهِر أَنَّ الْحِجَامَة إِنَّمَا تَكُون لِلْعُذْرِ وَيَجُوز الْخُرُوج مِنْ صَوْم الْفَرْض بِعُذْرِ الْمَرَض
وَالْوَاقِعَة حِكَايَة فِعْل لَا عُمُوم لَهَا
وَلَا يُقَال قَوْله وَهُوَ صَائِم جُمْلَة حَال مُقَارِنَة لِلْعَامِلِ فِيهَا
فَدَلَّ عَلَى مُقَارَنَة الصَّوْم لِلْحِجَامَةِ لِأَنَّ الرَّاوِي لَمْ يَذْكُر أَنَّ النَّبِيّ قَالَ إِنِّي بَاقٍ عَلَى صَوْمِي وَإِنَّمَا رَآهُ يَحْتَجِم وَهُوَ صَائِم فَأَخْبَرَهُ بِمَا شَاهَدَهُ وَرَآهُ ولا علم له بنية النبي وَلَا بِمَا فَعَلَ بَعْد الْحِجَامَة مَعَ أَنَّ قَوْله وَهُوَ صَائِم حَال مِنْ الشُّرُوع فِي الْحِجَامَة وَابْتِدَائِهَا فَكَانَ اِبْتِدَاؤُهَا مَعَ الصَّوْم وَكَأَنَّهُ قَالَ اِحْتَجَمَ فِي الْيَوْم الَّذِي كَانَ صَائِمًا فِيهِ وَلَا يَدُلّ ذَلِكَ عَلَى اِسْتِمْرَار الصَّوْم أَصْلًا
وَلِهَذَا نَظَائِر مِنْهَا حَدِيث الَّذِي وَقَعَ عَلَى اِمْرَأَته وَهُوَ صَائِم وَقَوْله فِي الصَّحِيحَيْنِ وَقَعْت عَلَى اِمْرَأَتِي وَأَنَا صَائِم وَالْفُقَهَاء وَغَيْرهمْ يَقُولُونَ وَإِنْ جَامِع وَهُوَ مُحْرِم وَإِنْ جَامِع وَهُوَ صَائِم
وَلَا يَكُون ذَلِكَ فَاسِدًا مِنْ الْكَلَام فَلَا تُعَطَّل نُصُوص الْفِطْر بِالْحِجَامَةِ بِهَذَا اللَّفْظ الْمُحْتَمَل
وَأَمَّا قَوْله اِحْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِم صَائِم فَلَوْ ثَبَتَتْ هَذِهِ اللَّفْظَة لَمْ يَكُنْ فِيهَا حُجَّة لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَلَا دَلِيل فِيهَا أَيْضًا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بَعْد قَوْله أَفْطَرَ الْحَاجِم وَالْمَحْجُوم فَإِنَّ هَذَا الْقَوْل مِنْهُ كَانَ فِي رَمَضَان سَنَة ثَمَان مِنْ الْهِجْرَة عَام الْفَتْح كَمَا جَاءَ فِي حَدِيث شَدَّاد والنبي أَحْرَمَ بِعُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَة سَنَة سِتٍّ وَأَحْرَمَ مِنْ الْعَام الْقَابِل بِعُمْرَةِ الْقَضِيَّة وَكِلَا الْعُمْرَتَيْنِ قَبْل ذَلِكَ ثُمَّ دَخَلَ مَكَّة عَام الْفَتْح وَلَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا ثُمَّ حَجّ حَجَّة الْوَدَاع فَاحْتِجَامه وَهُوَ صَائِم مُحْرِم لَمْ يُبَيِّن فِي أَيّ إِحْرَامَاتِهِ كَانَ وَإِنَّمَا تُمْكِن دَعْوَى النَّسْخ إِذَا كَانَ ذَلِكَ قَدْ وَقَعَ فِي حَجَّة الْوَدَاع أَوْ فِي عُمْرَة الْجِعْرَانَة حَتَّى يَتَأَخَّر ذَلِكَ عَنْ عَام الْفَتْح قَالَ فِيهِ أَفْطَرَ الْحَاجِم وَالْمَحْجُوم وَلَا سَبِيل إِلَى بَيَان ذَلِكَ
وَأَمَّا رواية بن عباس له وهو ممن صحب النبي بَعْد الْفَتْح فَلَا نُثِير ظَنًّا فَضْلًا عَنْ النسخ(6/361)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
به فإن بن عباس لم يقل شهدت رسول الله وَلَا رَأَيْته فَعَلَ ذَلِكَ وَإِنَّمَا رَوَى ذَلِكَ رِوَايَة مُطْلَقَة وَمِنْ الْمَعْلُوم أَنَّ أَكْثَر رِوَايَات بن عَبَّاس إِنَّمَا أَخَذَهَا مِنْ الصَّحَابَة وَاَلَّذِي فِيهِ سماعه من النبي لَا يَبْلُغ عِشْرِينَ قِصَّة كَمَا قَالَهُ غَيْر وَاحِد مِنْ الْحُفَّاظ فَمِنْ أَيْنَ لَكُمْ أَنَّ بن عَبَّاس لَمْ يَرْوِ هَذَا عَنْ صَحَابِيّ آخَر كأكثر رواياته وقد روى بن عَبَّاس أَحَادِيث كَثِيرَة مَقْطُوع بِأَنَّهُ لَمْ يَسْمَعهَا من النبي وَلَا شَهِدَهَا وَنَحْنُ نَقُول إِنَّهَا حُجَّة لَكِنْ لَا نُثْبِت بِذَلِكَ تَأَخُّرهَا وَنَسْخهَا لِغَيْرِهَا مَا لَمْ يُعْلَم التَّارِيخ
وَبِالْجُمْلَةِ فَدَعْوَى النَّسْخ إِنَّمَا تَثْبُت بِشَرْطَيْنِ أَحَدهمَا تَعَارُض الْمُفَسَّر وَالثَّانِي الْعِلْم بِتَأَخُّرِ أَحَدهمَا
وَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا سَبِيل إِلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي مَسْأَلَتِنَا بَلْ مِنْ الْمَقْطُوع بِهِ أَنَّ هَذِهِ الْقِصَّة لَمْ تَكُنْ فِي رَمَضَان فَإِنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُحْرِم فِي رَمِضَانِ فَإِنَّ عُمَرَهُ كُلَّهَا كَانَتْ فِي ذِي الْقِعْدَة وَفَتْح مَكَّة كَانَ فِي رَمَضَان وَلَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا فَغَايَتهَا فِي صَوْم تَطَوُّع فِي السَّفَر وَقَدْ كَانَ آخر الأمرين من رسول الله الْفِطْر فِي السَّفَر وَلَمَّا خَرَجَ مِنْ الْمَدِينَة عَام الْفَتْح صَامَ حَتَّى بَلَغَ الْكَدِيد ثُمَّ أَفْطَرَ وَالنَّاس يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ ثُمَّ لَمْ يُحْفَظ عَنْهُ أَنَّهُ صَامَ بَعْد هَذَا فِي سَفَر قَطُّ وَلَمَّا شَكَّ الصَّحَابَة فِي صِيَامه يَوْم عَرَفَة أَرْسَلُوا أُمّ الْفَضْل إِلَيْهِ بِقَدَحٍ فَشَرِبَهُ فَعَلِمُوا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ صَائِمًا فَقِصَّة الِاحْتِجَام وَهُوَ صَائِم مُحْرِم إِمَّا غَلَط كَمَا قَالَ الْإِمَام أَحْمَد وَغَيْره وَإِمَّا قَبْل الْفَتْح قَطْعًا وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَلَا يُعَارَض بِهَا قَوْله عَام الْفَتْح أَفْطَرَ الْحَاجِم وَالْمَحْجُوم
وَعَلَى هَذَا فَحَدِيث بن عَبَّاس إِمَّا يَدُلّ عَلَى أَنَّ الْحِجَامَة لَا تفطر أَوْ لَا يَدُلّ
فَإِنْ لَمْ يَدُلّ لَمْ يَصْلُح لِلنَّسْخِ
وَإِنْ دَلَّ فَهُوَ مَنْسُوخ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ حَدِيث شَدَّاد فَإِنَّهُ مُؤَرَّخ بِعَامِ الفتح فهو متأخر عن إحرام النبي صَائِمًا وَتَقْرِيره مَا تَقَدَّمَ
وَهَذَا الْقَلْب فِي دَعْوَى كَوْنه مَنْسُوخًا أَظْهَر مِنْ ثُبُوت النَّسْخ بِهِ
وَعِيَاذًا بِاَللَّهِ مِنْ شَرّ مُقَلِّد عَصَبِيٍّ يَرَى الْعِلْم جَهْلًا وَالْإِنْصَاف ظُلْمًا وَتَرْجِيح الرَّاجِح عَلَى الْمَرْجُوح عُدْوَانًا
وَهَذَا الْمَضَايِق لَا يُصِيب السَّالِك فِيهَا إِلَّا مَنْ صَدَقَتْ فِي الْعِلْم نِيَّته وَعَلَتْ هِمَّته
وَأَمَّا مَنْ أَخْلَدَ إِلَى أَرْض التَّقْلِيد وَاسْتَوْعَرَ طَرِيق التَّرْجِيح فَيُقَال لَهُ مَا هَذَا عُشُّك فَادْرُجِي
قَالُوا وَأَمَّا حَدِيث أَنَس فِي قِصَّة جَعْفَر فَجَوَابنَا عَنْهُ مِنْ وُجُوه أَحَدهَا أَنَّهُ مِنْ رِوَايَة خَالِد بْن مخلد عن بن الْمُثَنَّى قَالَ الْإِمَام أَحْمَد خَالِد بْن مُخَلَّد لَهُ مَنَاكِير
قَالُوا وَمِمَّا يَدُلّ عَلَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيث مِنْ مَنَاكِيره أَنَّهُ لَمْ يَرْوِهِ أَحَد مِنْ أَهْل الْكُتُب الْمُعْتَمَدَة لَا أَصْحَاب الصَّحِيح وَلَا أَحَد مِنْ أَهْل السُّنَن مَعَ شُهْرَة إِسْنَاده وَكَوْنه فِي الظَّاهِر عَلَى شَرْط الْبُخَارِيِّ وَلَا اِحْتَجَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ مَعَ حَاجَته إِلَى إِثْبَات النَّسْخ حَتَّى سَلَكَ ذَلِكَ الْمَسْلَك في حديث بن عَبَّاس فَلَوْ كَانَ هَذَا صَحِيحًا لَكَانَ أَظْهَر دَلَالَة وَأَبْيَن فِي حُصُول النَّسْخ(6/362)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قَالُوا وَأَيْضًا فَجَعْفَر إِنَّمَا قَدِمَ مِنْ الْحَبَشَة عَام خَيْبَر أَوْ آخِر سَنَة سِتّ وَأَوَّل سَنَة سَبْع وَقِيلَ عَام مُؤْتَة قَبْل الْفَتْح ولم يشهد الفتح فصام مع النبي رمضانا واحدا سنة سبع وقول النبي أَفْطَرَ الْحَاجِم وَالْمَحْجُوم بَعْد ذَلِكَ فِي الْفَتْح سَنَة ثَمَان فَإِنْ كَانَ حَدِيث أَنَس مَحْفُوظًا فَلَيْسَ فِيهِ أَنَّ التَّرْخِيص وَقَعَ بَعْد عَام الْفَتْح وَإِنَّمَا فِيهِ أَنَّ التَّرْخِيص وَقَعَ بَعْد قِصَّة جَعْفَر وَعَلَى هَذَا فَقَدْ وَقَعَ الشَّكُّ فِي التَّرْخِيص وَقَوْله فِي الْفَتْح أَفْطَرَ الْحَاجِم وَالْمَحْجُوم أَيّهمَا هُوَ الْمُتَأَخِّر وَلَوْ كَانَ حَدِيث أَنَس قَدْ ذَكَر فِيهِ التَّرْخِيص بَعْد الْفَتْح لَكَانَ حُجَّة وَمَعَ وُقُوع الشَّكِّ فِي التَّارِيخ لَا يَثْبُت النَّسْخ
قَالُوا وَأَيْضًا فَاَلَّذِي يُبَيِّن أَنَّ هَذَا لَا يَصِحّ عَنْ أَنَس مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحه عَنْ ثَابِت قَالَ سُئِلَ أَنَس أَكُنْتُمْ تَكْرَهُونَ الْحِجَامَة لِلصَّائِمِ قَالَ لَا إِلَّا مِنْ أَجْل الضَّعْف وَفِي رِوَايَة على عهد النبي فَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ أَنَسًا لَمْ تَكُنْ عنده رواية عن النبي أَنَّهُ فَطَّرَ بِهَا وَلَا أَنَّهُ رَخَّصَ فِيهَا بَلْ الَّذِي عِنْده كَرَاهَتهَا مِنْ أَجْل الضَّعْف وَلَوْ عَلِمَ أَنَّ النَّبِيّ رَخَّصَ فِيهَا بَعْد الْفِطْر بِهَا لَمْ يَحْتَجْ أَنْ يُجِيب بِهَذَا مِنْ رَأْيه وَلَمْ يَكْرَه شَيْئًا رَخَّصَ فِيهِ رسول الله
وَأَيْضًا فَمِنْ الْمَعْلُوم أَنَّ أَهْل الْبَصْرَة أَشَدّ النَّاس فِي التَّفْطِير بِهَا
وَذَكَر الْإِمَام أَحْمَد وَغَيْره أَنَّ أَهْل الْبَصْرَة كَانُوا إِذَا دَخَلَ شَهْر رَمَضَان يُغَلِّقُونَ حَوَانِيت الْحَجَّامِينَ وَقَدْ تَقَدَّمَ مذهب الحسن وبن سِيرِينَ إِمَامَيْ الْبَصْرَة أَنَّهُمَا كَانَا يُفَطِّرَانِ بِالْحِجَامَةِ مَعَ أَنَّ فَتَاوَى أَنَس نُصْب أَعْيُنهمْ وَأَنَس آخِر مِنْ مَاتَ بِالْبَصْرَةِ مِنْ الصَّحَابَة فَكَيْف يكون عند أنس أن النبي رَخَّصَ فِي الْحِجَامَة لِلصَّائِمِ بَعْد نَهْيه عَنْهُمَا وَالْبَصْرِيُّونَ يَأْخُذُونَ عَنْهُ وَهُمْ عَلَى خِلَاف ذَلِكَ
وَعَلَى الْقَوْل بِالْفِطْرِ بِهَا لَا سِيَّمَا وَحَدِيث أَنَس فِيهِ أَنَّ ثَابِتًا سَمِعَهُ مِنْهُ وَثَابِت مِنْ أَكْبَر مَشَايِخ أَهْل الْبَصْرَة وَمِنْ أَخَصَّ أَصْحَاب الْحَسَن فَكَيْف تَشْتَهِر بَيْن أَهْل الْبَصْرَة السُّنَّة الْمَنْسُوخَة وَلَا يَعْلَمُونَ النَّاسِخَة وَلَا يَعْمَلُونَ بِهَا وَلَا تُعْرَف بَيْنهمْ وَلَا يَتَنَاقَلُونَهَا بَلْ هُمْ عَلَى خِلَافهَا هَذَا مُحَال
قَالُوا وَأَيْضًا فَأَبُو قِلَابَة مِنْ أَخَصَّ أَصْحَاب أَنَس وَهُوَ الَّذِي يَرْوِي قَوْله أَفْطَرَ الْحَاجِم وَالْمَحْجُوم مِنْ طَرِيق أَبِي أَسْمَاء عَنْ ثَوْبَان وَمِنْ طَرِيق أَبِي الْأَشْعَث عَنْ شَدَّاد
وَعَلَى حَدِيثه اِعْتَمَدَهُ أَئِمَّة الْحَدِيث وَصَحَّحُوهُ وَشَهِدُوا أَنَّهُ أَصَحّ أَحَادِيث الْبَاب
فَلَوْ كَانَ عِنْد أَنَس عَنْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم تَنْسَخ ذَلِكَ لَكَانَ أَصْحَابه أَعْلَم بِهَا وَأَحْرَص عَلَى رِوَايَتهَا مِنْ أَحَادِيث الْفِطْر بِهَا
وَاَللَّه أَعْلَم
قَالُوا وَأَمَّا حَدِيث أَبِي سَعِيد فَجَوَابه مِنْ وُجُوه أَحَدهَا أَنَّهُ حَدِيث قَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ عَلَيْهِ فَرَوَاهُ أَبُو الْمُتَوَكِّل عَنْهُ وَاخْتُلِفَ عَلَيْهِ فَرَفَعَهُ الْمُعْتَمِر عَنْ حُمَيْد عَنْ أَبِي المتوكل ووقفه بشر وإسماعيل وبن أَبِي عَدِيٍّ عَنْ حُمَيْد وَوَقَفَهُ أَبُو نَضْرَة عَنْ أَبِي سَعِيد وَأَبُو نضرة مِنْ أَرْوَى النَّاس عَنْهُ وَأَعْلَمهُمْ بِحَدِيثِهِ
وَوَقَفَهُ قَتَادَة عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّل فَالْوَاقِفُونَ لَهُ أَكْثَر وَأَشْهَر فَالْحُكْم لَهُمْ عِنْد الْمُحَدِّثِينَ(6/363)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
الثَّانِي أَنَّ ذِكْر الْحِجَامَة فِيهِ لَيْسَ مِنْ كلام النبي
قال بن خُزَيْمَة الصَّحِيح أَنَّ ذِكْرَ الْحِجَامَة فِيهِ مِنْ كَلَام أَبِي سَعِيد وَلَكِنَّ بَعْض الرُّوَاة أَدْرَجَهُ فِيهِ
الثَّالِث أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ بَيَان لِلتَّارِيخِ وَلَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ هَذَا التَّرْخِيص كَانَ بَعْد الْفَتْح وَقَوْلكُمْ إِنَّ الرُّخْصَة لَا تَكُون إِلَّا بَعْد النَّهْي بَاطِل بِنَفْسِ الْحَدِيث فَإِنَّ فيه رخص رسول الله فِي الْقُبْلَة لِلصَّائِمِ وَلَمْ يَتَقَدَّم مِنْهُ نَهْيٌ عَنْهَا
وَلَا قَالَ أَحَد إِنَّ هَذَا التَّرْخِيص فِيهَا نَاسِخ لِمَنْعٍ تَقَدَّمَ
وَفِي الْحَدِيث إِنَّ الْمَاء مِنْ الْمَاء
كَانَتْ رُخْصَة فِي أَوَّل الْإِسْلَام فَسَمَّى الْحُكْم الْمَنْسُوخ رُخْصَة مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّم حَظْره بَلْ الْمَنْع مِنْهُ مُتَأَخِّر
وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذِهِ الْمَآخِذ لَا تُعَدّ مُقَاوِمَة لِأَحَادِيث الْفِطْر وَلَا تَأَخَّرَتْ عَنْهَا فَكَيْف تُنْسَخ بِهَا قَالُوا وَأَمَّا جَوَابكُمْ الثَّالِث بِأَنَّ الْفِطْر فِيهَا لَمْ يَكُنْ لِلْحِجَامَةِ وَذِكْرُ الْحَاجِم لِلتَّعْرِيفِ الْمَحْض كَزَيْدٍ وَعُمَر فِي غَايَة الْبُطْلَان مِنْ وُجُوه أَحَدهَا أَنَّ ذَلِكَ يَتَضَمَّن الْإِبْهَام وَالتَّلْبِيس بِأَنْ يَذْكُر وَصْفًا يُرَتِّب عَلَيْهِ الْحُكْم وَلَا يَكُون لَهُ فِيهِ تَأْثِير الْبَتَّة
الثَّانِي أَنَّ هَذَا يُبْطِل عَامَّة أَحْكَام الشَّرْع الَّتِي رَتَّبَهَا عَلَى الْأَوْصَاف إِذَا تَطَرَّقَ إِلَيْهَا هَذَا الْخَيَال وَالْوَهْم الْفَاسِد كَقَوْلِهِ تَعَالَى {الزَّانِيَة وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا} {وَالسَّارِق وَالسَّارِقَة فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} {وَاَللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَة} وَمَعْلُوم أَنَّهُ لَيْسَ بِأَيْدِينَا إِلَّا أوصاف رتبت عليها الأحكام
فإن جار أَنْ تَكُون تِلْكَ الْأَوْصَاف لِلتَّعْرِيفِ لَا لِلتَّعْلِيلِ بَطَلَتْ الْأَحْكَام
الثَّالِث أَنَّهُ لَا يَفْهَم قَطّ أَحَد لَا مِنْ الْخَاصَّة وَالْعَامَّة مِنْ قَوْل القائل القاتل لا يرث والعبد لا يرث والكافر لا يرث والقاذف لا تقبل شهادته والمحدث لَا تَصِحّ صَلَاته وَأَمْثَال ذَلِكَ إِلَّا تَعَلُّق الأحكام تلك الْأَوْصَاف وَلِهَذَا لَا يَحْسُن ذِكْرُ وَصْفٍ لَا تَأْثِير لَهُ فِي الْحُكْم كَمَا لَوْ قَالَ أَفْطَرَ الْخَيَّاط وَالْمَخِيط لَهُ وَأَفْطَرَ الْحَامِل وَالْمَحْمُول لَهُ وَأَفْطَرَ الشَّاهِد وَالْمَشْهُود لَهُ وَمَنْ قَالَ هَذَا عُدَّ كَلَامُهُ سُخْفًا وَتَعَجَّبَ النَّاس مِنْ قَوْله فَكَيْف يُضَاف ذَلِكَ إِلَى الشَّارِع سُبْحَانك هَذَا بُهْتَان عَظِيم
الرَّابِع أَنَّ هَذَا قَدْحٌ فِي أَفْهَام الصَّحَابَة الَّذِينَ هُمْ أَعْرَف النَّاس وَأَفْهَم النَّاس بِمُرَادِ نَبِيّهمْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِمَقْصُودِهِ مِنْ كَلَامه وَقَدْ قَالَ أَبُو مُوسَى لِرَجُلٍ قَالَ لَهُ أَلَا تَحْتَجِم نَهَارًا أَتَأْمُرُنِي أَنْ أُهْرِيقَ دَمِي وَأَنَا صَائِم وَقَدْ سمعت رسول الله يَقُول أَفْطَرَ الْحَاجِم وَالْمَحْجُوم وَاَلَّذِينَ فَطَّرُوا بِذَلِكَ مِنْ الصَّحَابَة كَعَلِيٍّ وَأَبِي مُوسَى وَغَيْرهمْ إِنَّمَا يَحْتَجُّونَ بِالْحَدِيثِ وَكَانَ جَمَاعَة مِنْ الصَّحَابَة لَا يَحْتَجِمُونَ فِي الصِّيَام إِلَّا لَيْلًا مِنْهُمْ عَبْد الله بن عمرو وبن عَبَّاس وَأَبُو مُوسَى وَأَنَس وَيَحْتَجُّونَ بِالْحَدِيثِ(6/364)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
الْخَامِس أَنَّ هَذَا يَتَضَمَّن تَعْلِيق الْحُكْم وَهُوَ الْفِطْر بِوَصْفٍ لَا ذِكْرَ لَهُ فِي الْحَدِيث أَصْلًا وَإِبْطَال تَعْلِيقه بِالْوَصْفِ الَّذِي عَلَّقَهُ بِهِ الشَّارِع وَهَذَا مِنْ أَبْطَلَ الْبَاطِل
السَّادِس أَنَّهُ لَوْ صَحَّ ذَلِكَ وَحَاشَا لِلَّهِ فِي قَوْله أَفْطَرَ الْحَاجِم وَالْمَحْجُوم فَكَيْف يَصِحّ ذَلِكَ فِي حَدِيث أَنَس الَّذِي جَعَلْتُمُوهُ عُمْدَتكُمْ فِي الْبَاب وَهُوَ قَوْله لِجَعْفَرٍ وَقَدْ مَرَّ بِهِ وَهُوَ يَحْتَجِم أَفْطَرَ هَذَانِ ثُمَّ رَخَّصَ فِي الْحِجَامَة بَعْد وَفِي قَوْله نَهَى عَنْ الْحِجَامَة وَلَمْ يُحَرِّمهَا
السَّابِع أَنَّهُ كَيْف يَتَّفِق بِضْعَة عَشَر صَحَابِيًّا عَلَى رِوَايَة أَحَادِيث كُلّهَا مُتَّفِقَة بِلَفْظِ واحد ويكون النبي قَدْ ذَكَر الْحِجَامَة فِيهَا وَلَا تَأْثِير لَهَا فِي الْفِطْر وَكُلّهمْ يَقُول أَفْطَرَ الْحَاجِم وَالْمَحْجُوم الثَّامِن أَنَّهُ كَيْف يَجُوز لِلصَّحَابَةِ أَنَّ يُفْتُوا بِذَلِكَ وَيَقُولُوا أَفْطَرَ الْحَاجِم وَالْمَحْجُوم أَفَتَرَى اِسْتَمَرَّ التَّعْرِيف بِذَلِكَ دَائِمًا وَدَفَعَ الْأَحَادِيث مَتَى وَصَلَ إِلَى هَذَا الْحَدّ سَاءَ وَقَبُحَ جِدًّا التَّاسِع أَنَّا نَقُول نَعَمْ هُوَ لِلتَّعْرِيفِ بِلَا شَكٍّ فَإِنَّ أَحْكَام الشَّارِع إِنَّمَا تُعْرَف بِالْأَوْصَافِ وَتُرْبَط بِهَا وَتَعُمّ الْأُمَّة لِأَجْلِهَا فَالْوَصْف فِي الْحَدِيث الْمَذْكُور لِتَعْرِيفِ حُكْمه وَأَنَّهُ مُرْتَبِط بِهَذَا الْوَصْف مَنُوط بِهِ
الْعَاشِر أَنَّ صَاحِب الْقِصَّة الَّتِي جرت له قال مر على النبي وَأَنَا أَحْتَجِم فَقَالَ أَفْطَرَ الْحَاجِم وَالْمَحْجُوم فَلَوْ كَانَ فِطْره بِغَيْرِ ذَلِكَ لَبَيَّنَهُ لَهُ الشَّارِع لِحَاجَتِهِ إِلَيْهِ وَلَمْ يَخْفَ عُلَى الصَّحَابِيّ ذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ لَذِكْره الْحِجَامَة مَعْنَى
وَتَأْخِير الْبَيَان عَنْ وَقْت الْحَاجَة لَا يَجُوز فَكَيْف يَتْرُك الشَّارِع بَيَان الْوَصْف الْمُفْطِر فَلَا يُبَيِّنُهُ لِلْمُكَلَّفِ وَيَذْكُر لَهُ وَصْفًا لَا يُفْطِر بِحَالٍ وَأَمَّا قَوْلهمْ إِنَّ الْفِطْر بِالْغِيبَةِ
فَهَذَا بَاطِل مِنْ وُجُوه أَحَدهَا أَنَّ ذَلِكَ لَا يَثْبُت وَإِنَّمَا جَاءَ فِي حَدِيث وَاحِد مِنْ تِلْكَ الْأَحَادِيث وَهُمَا يَغْتَابَانِ النَّاس مَعَ أَنَّهَا زِيَادَة بَاطِلَة
الثَّانِي أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ لَكَانَ الْأَخْذ لِعُمُومِ اللَّفْظ الَّذِي عَلَّقَ بِهِ الْحُكْم دُون الْغِيبَة الَّتِي لَمْ يُعَلِّق بِهَا الْحُكْم
الثَّالِث أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَا ذَكَرُوهُ صَحِيحًا لَكَانَ مُوجِب الْبَيَان أَنْ يَقُول أَفْطَر الْمُغْتَابَانِ عَلَى عَادَتِهِ وَعَرَّفَهُ مِنْ ذِكْر الْأَوْصَاف الْمُؤَثِّرَة دُون غَيْرهَا فَكَيْف يَعْدِل عَنْ الْغِيبَة الْمُؤَثِّرَة إِلَى الْحِجَامَة الْمُهْدَرَة الرَّابِع أَنَّ هَذَا يَتَضَمَّن حَمْل الْحَدِيث عَلَى خِلَاف الْإِجْمَاع وَتَعْطِيله فَإِنَّ الْمُنَازِع لَا يَقُول بِأَنَّ الْغِيبَة تُفْطِر فَكَيْف نَحْمِل الْحَدِيث عَلَى مَا نَعْتَقِد بُطْلَانه الْخَامِس أَنَّ سِيَاق الْأَحَادِيث يُبْطِل هَذَا التَّأْوِيل كَمَا تَقَدَّمَ(6/365)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
السَّادِس أَنَّ مَعْقِل بْن سِنَان قَالَ مَرَّ بي رسول الله وَأَنَا أَحْتَجِم فَقَالَ أَفْطَرَ الْحَاجِم وَالْمَحْجُوم وَلَمْ يَكُنْ يَغْتَاب أَحَدًا وَلَا جَرَى لِلْغِيبَةِ ذِكْرٌ أَصْلًا
قَالُوا وَأَمَّا الْجَوَاب الْوَاقِع بِأَنَّ أَفْطَر بِمَعْنَى سَيُفْطِرُ فَفَاسِد أَيْضًا لِتَضَمُّنِهِ الْإِيهَام بِخِلَافِ الْمُرَاد وَلِفَهْمِ الصَّحَابَة خِلَافه وَلِاضْطِرَاد هَذَا اللَّفْظ دُون مَجِيئُهُ بِالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرُوهُ وَلِشِدَّةِ مُخَالَفَته لِلْوَضْعِ وَلِذِكْرِ الْمَحْجُوم فَإِنَّهُ وَإِنْ تَعَرَّضَ الْمَحْجُوم لِلْفِطْرِ بِالضَّعْفِ فَأَيّ ضَعْف لَحِقَ الْحَاجِم وَكَوْن الْحَاجِم مُتَعَرِّضًا لِابْتِلَاعِ الدَّم وَالْمَحْجُوم مُتَعَرِّضًا لِلضَّعْفِ هَذَا التَّعْلِيل لَا يُبْطِل الْفِطْر بِالْحِجَامَةِ بَلْ هو مقرر للفطر بِهَا وَإِلَّا فَلَا يَجُوز اِسْتِنْبَاط وَصْف مِنْ النَّصّ يَعُود عَلَيْهِ بِالْإِبْطَالِ بَلْ هَذَا الْوَصْف إِنْ كَانَ لَهُ تَأْثِير فِي الْفِطْر وَإِلَّا فَالتَّعْلِيل بِهِ بَاطِل
قَالُوا وَأَمَّا الْجَوَاب الْخَامِس أن النبي مَرَّ بِهِمَا مَسَاء
فَقَالَ ذَلِكَ فَمِمَّا لَا يَجُوز أَنْ يُحْمَل الْحَدِيث عَلَيْهِ وَأَيّ تَأْثِير لِلْحِجَامَةِ بَلْ كُلّ النَّاس قَدْ أَفْطَرُوا أَيْضًا فَهَذَا كَذِبٌ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيث مَا يَدُلّ عَلَى ذَلِكَ أَصْلًا فَقَائِله مُخْبِر بِالْكَذِبِ
وَأَيْضًا فَأَيّ حَاجَة إِلَى قَوْل أَنْسَ ثُمَّ رَخَّصَ بَعْدُ فِي الْحِجَامَة وَأَيْضًا فَأَيّ حَاجَة بِالصَّحَابَةِ أَنْ يُؤَخِّرُوا اِحْتِجَامهمْ إِلَى اللَّيْل وَكَيْف يُفْتُونَ الْأُمَّة بِفِطْرِهِمْ بِأَمْرٍ قَدْ فُعِلَ مَسَاء لَا تَأْثِير لَهُ فِي الْفِطْر وَالْحَمْد لِلَّهِ عَلَى الْمُعَافَاة مِنْ رَدِّ الْأَحَادِيث بِمِثْلِ هَذَا الْخَيَالَات وَأَمَّا جَوَابكُمْ السَّادِس أَنَّ هَذَا تَغْلِيظ وَدُعَاء عَلَيْهِمَا لَا أَنَّهُ حُكْم شَرْعِيٌّ فَالْمُجِيب بِهِ كَالْمُسْتَجِيرِ مِنْ الرَّمْضَاء بِالنَّارِ فَإِنَّهُمَا لَمْ يَفْعَلَا مُحَرَّمًا عِنْدكُمْ وَلَا مُفْطِرًا بَلْ فَعَلَا مَا أَبَاحَهُ لَهُمَا الشَّارِع عِنْدكُمْ فَكَيْف يُغَلِّظ عَلَيْهِمَا وَيَدْعُو عَلَيْهِمَا وَمَتَى عُهِدَ فِي عُرْف الشَّارِع الدُّعَاء عَلَى الْمُكَلَّف بِالْفِطْرِ وَفَسَاد الْعِبَادَة وَسَائِر الْوُجُوه الْمُتَقَدِّمَة تُبْطِل هَذَا أَيْضًا
وَأَمَّا جَوَابكُمْ السَّابِع بِأَنَّ الْمُرَاد إِبْطَال أَجْر صَوْمهمَا فَكَذَلِكَ أَيْضًا فَإِنَّكُمْ لَا تُبْطِلُونَ أَجْرهمَا بِذَلِكَ وَلَا تُحَرِّمُونَ الْحِجَامَة ثُمَّ لَوْ كَانَ الْمُرَاد إِبْطَال الْأَجْر لَكَانَ ذَلِكَ مُقَرِّرًا لِفَسَادِ الصَّوْم لَا لِصِحَّتِهِ فَإِنَّهُ قَدْ أَخْبَرَ عَنْ أَمْر يَتَضَمَّن بُطْلَان أَجْرهمَا لُزُومًا وَاسْتِنْبَاطًا وَبُطْلَان صَوْمهمَا صَرِيحًا وَنَصًّا فَكَيْف يُعَطَّل مَا دَلَّ عَلَيْهِ صريحه ويعتبر ما استنبطه منه مع أنه لَا مُنَافَاة بَيْنه وَبَيْن الصَّرِيح بَلْ الْمَعْنَيَانِ حَقّ قَدْ بَطَل صَوْمهمَا وَأَجْرهمَا إِذَا كَانَتْ الْحِجَامَة لِغَيْرِ مَرَضٍ
وَأَمَّا جَوَابكُمْ الثَّامِن أَنَّ الْأَحَادِيث لَوْ قُدِّرَ تَعَارُضهَا لَكَانَ الْأَخْذ بِأَحَادِيث الرُّخْصَة أَوْلَى لِمُوَافَقَتِهَا الْقِيَاس فَجَوَابه أَوَّلًا أَنَّ الْأَحَادِيث بِحَمْدِ اللَّه لَيْسَتْ مُتَعَارِضَة وَقَدْ بَيَّنَا أَنَّهُ لَا مُعَارِض لِأَحَادِيث الْمَنْع(6/366)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
وَيُقَال ثَانِيًا لَوْ قُدِّرَ تَعَارُضهَا فَالْأَخْذ بِأَحَادِيث الْفِطْر مُتَعَيَّن لِأَنَّهَا نَاقِلَة عَنْ الْأَصْل وَأَحَادِيث الْإِبَاحَة مُوَافِقَة لِمَا كَانَ الْأَمْر عَلَيْهِ قَبْل جَعْلهَا مُفْطِرَة وَالنَّاقِل مُقَدَّم عَلَى الْمُبْقِي
وَيُقَال ثَالِثًا لَيْسَ فِي أَحَادِيث الرُّخْصَة لَفْظ صَرِيح وَإِنَّمَا غَايَتهَا أَنْ تَكُون فِعْلًا مُحْتَمِلًا لِلْوُجُوهِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ فَكَيْف تُقَدَّم عَلَى الْقَوْل الصَّرِيح وَيُقَال رَابِعًا أَحَادِيث الْفِطْر صَرِيحَة مُتَعَدِّدَة الطُّرُق رواها عن النبي أَرْبَعَة عَشْر نَفْسًا وَسَاقَ الْإِمَام أَحْمَد أَحَادِيثهمْ كُلّهَا وَهُمْ رَافِع بْن خَدِيج وَثَوْبَان وَشَدَّاد بْن أَوْس وَأَبُو هُرَيْرَة وَعَائِشَة وَبِلَال وَأُسَامَة بْن زَيْد وَمَعْقِل بْن سِنَان وَعَلِيّ بْن أَبِي طَالِب وَسَعْد بْن أَبِي وَقَّاص وَأَبُو زيد الأنصاري وأبو موسى الأشعري وبن عباس وبن عُمَر فَكَيْف يُقَدَّم عَلَيْهَا أَحَادِيث هِيَ بَيْن أَمْرَيْنِ صَحِيح لَا دَلَالَة فِيهِ أَوْ مَا فِيهِ دَلَالَة وَلَكِنْ هُوَ غَيْر صَحِيح وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ ذَلِكَ فِي الْكَلَام عَلَى الْأَحَادِيث وَبَيَّنَا أَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا حَدِيث وَاحِد يَصْلُح لِلْمُعَارَضَةِ
وَعَلَى هَذَا فَالْقِيَاس الَّذِي أَشَرْتُمْ إِلَيْهِ فَاسِد الِاعْتِبَار
ثُمَّ نَقُول بَلْ الْقِيَاس مِنْ جَانِبنَا لِأَنَّ الشَّارِع عَلَّقَ الْفِطْر بِإِدْخَالِ مَا فِيهِ قِوَام الْبَدَن مِنْ الطَّعَام وَالشَّرَاب وَبِإِخْرَاجِهِ
مِنْ الْقَيْء وَاسْتِفْرَاغ الْمَنِيّ وَجَعَلَ الْحَيْض مَانِعًا مِنْ الصَّوْم لِمَا فِيهِ مِنْ خُرُوج الدَّم الْمُضْعِف لِلْبَدَنِ
قَالُوا فَالشَّارِع قَدْ نَهَى الصَّائِم عَنْ أَخْذ مَا يُعِينهُ وَعَنْ إِخْرَاج مَا يُضْعِفهُ وَكِلَاهُمَا مَقْصُود لَهُ لِأَنَّ الشَّارِع أَمَرَ بِالِاقْتِصَادِ فِي الْعِبَادَات وَلَا سِيَّمَا فِي الصَّوْم وَلِهَذَا أَمَرَ بِتَعْجِيلِ الْفُطُور وَتَأْخِير السُّحُور فَلَهُ قَصْد فِي حِفْظ قُوَّة الصَّائِم عَلَيْهِ كَمَا لَهُ قَصْد فِي مَنْعه مِنْ إِدْخَال الْمُفْطِرَات وَشَاهِده الْفِطْر بِالْقَيْءِ وَالْحَيْض وَالِاسْتِمْنَاء فَالْحِجَامَة كَذَلِكَ أو أَوْلَى وَلَيْسَ مَعَنَا فِي الْقَيْء مَا يُمَاثِل أَحَادِيث الْحِجَامَة فَيَكْفِ يُفْطِر بِهِ دُون الْحِجَامَة مَعَ أَنَّ الْفِطْر بِهَا أَوْلَى مِنْهُ نَصًّا وَقِيَاسًا وَاعْتِبَارًا
قَالُوا وَلِهَذَا فَرَّقَ بَيْن الْغَالِب مِنْهُمَا وَالْمُسْتَدْعَى فَلَا يُفْطِر إِذَا ذَرَعَهُ الْقَيْء كَمَا لَا يُفْطِر بِالرُّعَافِ وَخُرُوج الدَّم مِنْ الدمل والجرح وكما يفطر الاستقاء عَمْدًا كَذَلِكَ يُفْطِر بِإِخْرَاجِ الدَّم عَمْدًا بِالْحِجَامَةِ
قَالُوا وَشَاهِده أَنَّ دَم الْحَيْض لَمَّا كَانَ يَجْرِي فِي وَقْت وَيَنْقَطِع فِي وَقْت جَعَلَ الشَّارِع صَوْمهَا فِي وَقْت الطُّهْر مُغْنِيًا عَنْ صَوْمهَا وَقْت الدَّم وَلَمَّا كَانَ دَم الِاسْتِحَاضَة لَا ضَابِط لَهُ وَلَعَلَّهُ أَنْ يَسْتَمِرّ جَوَّزَ لَهَا الصَّوْم مَعَ جَرَيَانه كَصَاحِبِ الرُّعَاف وَنَحْوه فَلَيْسَ الْقِيَاس إِلَّا مَعَ النُّصُوص يَدُور مَعَهَا حَيْثُ دَارَتْ
وَأَمَّا قِيَاسُكُمْ ذَلِكَ عَلَى الْفِصَاد ونحوه
فتقول(6/367)
كُلِّ حَالٍ تَجَنُّبُ الْحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ أَوْلَى فَيَتَعَيَّنُ حَمْلُ قَوْلِهِ أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ عَلَى الْمَجَازِ لِهَذِهِ الْأَدِلَّةِ الصَّارِفَةِ لَهُ عَنْ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ
قَالَهُ الشَّوْكَانِيُّ
(إِلَّا كَرَاهِيَةَ الْجَهْدِ) أَيِ الْمَشَقَّةِ وَالتَّعَبِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ
وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَقَالَ شَبَابَةُ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْحِجَامَة تُفْطِر لَهُمْ فِيهَا أَرْبَعَة أَقْوَال أَحَدهَا أَنَّ الْمُحْتَجِم يُفْطِر وَحْده دُون الْحَاجِم وَهَذَا ظَاهِر كَلَام الْخِرَقِيّ فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْمُفْطِرَات لَوْ اِحْتَجَمَ وَلَمْ يَقُلْ أَوْ حُجِمَ
الثَّانِي وَهُوَ مَنْصُوص الْإِمَام أَحْمَد أَنَّهُ يفطر كُلّ مِنْهُمَا وَهَذَا قَوْل جُمْهُور أَصْحَابه الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ
ثُمَّ اِخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ فِي التَّشْرِيط وَالْفِصَاد عَلَى ثَلَاثَة أَقْوَال أَحَدهَا أَنَّهُ لَا يُفْطِر بِهِمَا
الثَّانِي يُفْطِر بِهِمَا
الثَّالِث يُفْطِر بِالتَّشْرِيطِ دُون الْفِصَاد لِأَنَّ التَّشْرِيط عِنْدهمْ كَالْحِجَامَةِ
وَاخْتَلَفُوا فِي التَّشْرِيط وَالْفِصَاد
أَيّهمَا أَوْلَى بِالْفِطْرِ وَالصَّوَاب الْفِطْر بِالْحِجَامَةِ وَالْفِصَاد وَالتَّشْرِيط وَهُوَ اِخْتِيَار شَيْخنَا أَبِي الْعَبَّاس بْن تَيْمِيَّةَ وَاخْتِيَار صَاحِب الْإِفْصَاح لِأَنَّ الْمَعْنَى الْمَوْجُود فِي الْحِجَامَة مَوْجُود فِي الْفِصَاد طَبْعًا وَشَرْعًا وَكَذَلِكَ فِي التَّشْرِيط وَقَدْ بَيَّنَا أَنَّ الْفِطْر بِالْحِجَامَةِ هُوَ مُقْتَضَى الْقِيَاس وَلَا فَرْق فِي ذَلِكَ بَيْن الْفِصَاد وَالتَّشْرِيط فَبِأَيِّ وَجْه أَخْرَجَ الدَّم أَفْطَرَ بِهِ كَمَا يُفْطِر بِالِاسْتِقَاءِ بِأَيِّ وَجْه اسْتَقَاء إِمَّا بِإِدْخَالِ يَده فِي فِيهِ أَوْ بِشَمِّهِ مَا يَقِيئهُ أَوْ بِوَضْعِ يَده عَلَى بَطْنه وَتَطَامُنِه وَغَيْر ذَلِكَ فَالْعِبْرَة بِخُرُوجِ الدَّم عَمْدًا لَا بِكَيْفِيَّةِ الْإِخْرَاج كَمَا اِسْتَوَى خُرُوج الدَّم بِذَلِكَ فِي إِفْسَاد الصَّلَاة وَنَقْضِ الطَّهَارَة عِنْد الْقَائِلِينَ بِهِ
وَبِهَذَا يَتَبَيَّن تَوَافُق النُّصُوص وَالْقِيَاس وَشَهَادَة أُصُول الشَّرْع وَقَوَاعِده وَتَصْدِيق بَعْضهَا بَعْضًا
فَإِنْ قِيلَ فهب أن هذا يتأتى لكم في الهجوم فَمَا الْمُوجِب لِفِطْرِ الْحَاجِم قُلْنَا لَمَّا كَانَ الْحَاجِم يَجْتَذِب الْهَوَاء الَّذِي فِي الْقَارُورَة بِامْتِصَاصِهِ الْهَوَاء يَجْتَذِب مَا فِيهَا مِنْ الدَّم فَرُبَّمَا صَعِدَ مَعَ الْهَوَاء شَيْء مِنْ الدَّم وَدَخَلَ فِي حَلْقه وَهُوَ لَا يَشْعُر وَالْحِكْمَة إِذَا كَانَتْ خَفِيَّة عُلِّقَ الْحُكْم بِمَظِنَّتِهَا كَمَا أَنَّ النَّائِم لَمَّا كَانَ قَدْ يَخْرُج مِنْهُ الرِّيح وَلَا يَشْعُر بِهَا عُلِّقَ الْحُكْم بِالْمَظِنَّةِ وَهُوَ النَّوْم وَإِنْ لَمْ يَخْرُج مِنْهُ رِيح
فَإِنْ قِيلَ فَطَرْد هَذَا أَنْ لَا يُفْطِر الشَّارِط
قُلْنَا نَعَمْ وَلَا الْحَاجِم الَّذِي يَشْرِط وَلَا يَمُصّ أَوْ يَمُصّهُ مُفْطِر غَيْره وَلَيْسَ فِي هذا مخالفة للنص فإن كلام النبي خَرَجَ عَلَى الْحَاجِم الْمُعْتَاد وَهُوَ الَّذِي يَمُصّ الدَّم وَكَلَامه إِنَّمَا يَعُمّ الْمُعْتَاد فَاسْتِعْمَال اللَّفْظ فِيهِ بِقَصْرِهِ عَلَى الْحَاجِم الْمُعْتَاد لَا يَكُون تَعْطِيلًا لِلنَّصِّ وَاَللَّه أَعْلَم(6/368)
0 - (باب في الصائم يحتلم نهارا في رَمَضَانَ)
(لَا يُفْطِرُ مَنْ قَاءَ وَلَا مَنِ احْتَلَمَ وَلَا مَنِ احْتَجَمَ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ إِنْ ثَبَتَ هَذَا فَمَعْنَاهُ مَنْ قَاءَ غَيْرَ عَامِدٍ وَلَكِنْ فِي إِسْنَادِهِ رَجُلٌ لَا يُعْرَفُ وَقَدْ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ ضَعَّفَهُ أَهْلُ الْحَدِيثِ
وَقَالَ أَبُو عِيسَى أَخْطَأَ فِيهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَرَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ مُرْسَلًا وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ ذَاهِبُ الْحَدِيثِ
وَقَالَ يحيى بن معين حديث بني زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ لَيْسَ بِشَيْءٍ انْتَهَى
وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ هَذَا لَا يَثْبُتُ وَقَدْ رُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَلَا يَثْبُتُ أَيْضًا وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه اللَّه هَذَا الْحَدِيث قَدْ اُخْتُلِفَ فِي إِسْنَاده وَوَصْلِهِ وَإِرْسَالِهِ وَاخْتُلِفَ فِي مَتْنه فَرَوَاهُ هِشَام بْن سَعْد عَنْ زَيْد بْن أَسْلَمَ عَنْ عطاء عن بن عباس وقال القيء والرعاف والاحتلام ذكره بن عَدِيٍّ وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيث هِشَام عَنْ زَيْد بْن أَسْلَمَ عَنْ عَطَاء عَنْ أَبِي سَعِيد وَذَكَر فِيهِ الِاحْتِجَام بَدَلَ الرُّعَاف وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيث عَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد بن أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَطَاء بْن يَسَار عَنْ أَبِي سَعِيد فَقَالَ الْحِجَامَة وَالْقَيْء وَالِاحْتِلَام قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيث أَبِي سَعِيد غَيْر مَحْفُوظ وَقَدْ رَوَى عَبْد اللَّه بْن زَيْد بْن أَسْلَمَ وَعَبْد الْعَزِيز بْن مُحَمَّد وَغَيْر وَاحِد هَذَا الْحَدِيث عَنْ زَيْد بْن أَسْلَمَ مُرْسَلًا لَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيد وَعَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد بْن أَسْلَمَ يُضَعَّف فِي الحديث(7/3)
الْخُدْرِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَةٌ لَا يُفْطِرْنَ الصَّائِمَ الْقَيْءُ وَالْحِجَامَةُ وَالِاحْتِلَامُ وَهِشَامُ بْنُ سَعِيدٍ وَإِنْ كَانَ قَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ فَقَدِ احْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ وَاسْتَشْهَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ وَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ مُرْسَلًا وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ وَقَالَ إِنَّهُ غَيْرُ مَحْفُوظٍ وَذَكَرَ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ زَيْدٍ يُضَعَّفُ فِي الْحَدِيثِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
1 - (بَاب في الكحل عند النوم)
(عَنْ أَبِيهِ) النُّعْمَانِ بْنِ مَعْبَدٍ (عَنْ جَدِّهِ) أَيْ جَدِّ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَهُوَ مَعْبَدُ بْنُ هَوْذَةَ صَحَابِيٌّ قَلِيلُ الْحَدِيثِ (أَنَّهُ أَمَرَ بِالْإِثْمِدِ) وقد استدل بهذا الحديث بن شبرمة وبن أَبِي لَيْلَى فَقَالَا إِنَّ الْكُحْلَ يُفْسِدُ الصَّوْمَ وَخَالَفَهُمُ الْفُقَهَاءُ وَغَيْرُهُمْ فَقَالُوا الْكُحْلُ لَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ وَأَجَابُوا عَنِ الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ ضَعِيفٌ لَا ينتهض للاحتجاج به واستدل بن شبرمة وبن أَبِي لَيْلَى بِمَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا وَوَصَلَهُ البيهقي والدارقطني وبن أبي شيبة من حديث بن عَبَّاسٍ بِلَفْظِ الْفِطْرُ مِمَّا دَخَلَ وَالْوُضُوءُ مِمَّا خَرَجَ قَالَ وَإِذَا وَجَدَ طُعْمَةً فَقَدْ دَخَلَ وَيُجَابُ بِأَنَّ فِي إِسْنَادِهِ الْفَضْلَ بْنَ الْمُخْتَارِ وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا
وَفِيهِ أَيْضًا شُعْبَةُ مَوْلَى بن عباس وهو ضعيف
وقال بن عَدِيٍّ الْأَصْلُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ لَا يَثْبُتُ مَرْفُوعًا وَرَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مَوْقُوفًا مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ عَنْهُ وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ
قَالَ الْحَافِظُ وَإِسْنَادُهُ أَضْعَفُ مِنَ الأول ومن حديث بن عباس مرفوعا
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
سَمِعْت أَبَا دَاوُدَ السِّجْزِيّ يَقُول سَأَلْت أَحْمَد بْن حَنْبَل عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد بْن أَسْلَمَ فَقَالَ أَخُوهُ عَبْد اللَّه بْن زَيْد لَا بَأْس بِهِ قَالَ وَسَمِعْت مُحَمَّدًا يَذْكُر عَنْ عَلِيّ بْن عَبْد اللَّه قَالَ عَبْد اللَّه بْن زَيْد بْن أَسْلَمَ ثِقَة وَعَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد ضَعِيف قَالَ مُحَمَّد وَلَا أَرْوِي عَنْهُ شَيْئًا(7/4)
وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْكُحْلَ لَا يُفْسِدُ الصوم بما أخرجه بن مَاجَهْ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اكْتَحَلَ فِي رَمَضَانَ وَهُوَ صَائِمٌ وَفِي إِسْنَادِهِ بَقِيَّةُ عَنِ الزُّبَيْدِيِّ عَنْ هِشَامِ عن عُرْوَةَ وَالزُّبَيْدِيُّ الْمَذْكُورُ اسْمُهُ سَعِيدُ بْنُ أَبِي سعيد ذكره بن عَدِيٍّ وَأَوْرَدَ هَذَا الْحَدِيثَ فِي تَرْجَمَتِهِ وَكَذَا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَصَرَّحَ بِهِ فِي رِوَايَتِهِ وَزَادَ أَنَّهُ مَجْهُولٌ
وَالْإِثْمِدُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَهُوَ حَجَرٌ لِلْكُحْلِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ (الْمُرَوَّحُ) بِضَمِّ الْمِيمِ وتشديد الواو المفتوحة وآخرالحروف حَاءٌ مُهْمَلَةٌ أَيِ الْمُطَيَّبُ بِالْمِسْكِ كَأَنَّهُ جُعِلَ لَهُ رَائِحَةٌ تَفُوحُ بَعْدَ أَنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ رَائِحَةٌ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ ضَعِيفٌ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ صَدُوقٌ
(عَنْ أَنَسٍ) سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ
(عَنِ الْأَعْمَشِ) سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ
2 - (بَاب الصَّائِمِ يَسْتَقِيءُ عَامِدًا)
(مَنْ ذَرَعَهُ قَيْءٌ) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ غَلَبَهُ وَسَبَقَهُ فِي الْخُرُوجِ (وَهُوَ صَائِمٌ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ) لِأَنَّهُ لَا تَقْصِيرَ مِنْهُ (وَإِنِ اسْتِقَاءَ) أَيْ مَنْ تَسَبَّبَ لِخُرُوجِهِ (فَلْيَقْضِ) قال بن الملك
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه اللَّه هَذَا الْحَدِيث لَهُ عِلَّة وَلِعِلَّتِهِ عِلَّة
أَمَّا عِلَّته فَوَقْفه عَلَى أَبِي هُرَيْرَة وَقَفَهُ عَطَاء وَغَيْره
وَأَمَّا عِلَّة(7/5)
وَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ
وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ عَمِلَ بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ أَهْلُ الْعِلْمِ فَقَالُوا مَنِ اسْتِقَاءَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَمَنْ ذَرَعَهُ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِيهِ
وقال بن عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةُ بُطْلَانُ الصَّوْمِ مِمَّا دَخَلَ وَلَيْسَ مِمَّا خَرَجَ
رَوَى أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ عَنْ رَزِينٍ الْبَكْرِيِّ قَالَ حَدَّثَتْنَا مَوْلَاةٌ لَنَا يُقَالُ لَهَا سَلْمَى مِنْ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ أَنَّهَا سَمِعَتْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا تَقُولُ دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال ياعائشة هَلْ مِنْ كِسْرَةٍ فَأَتَتْهُ بِقُرْصٍ فَوَضَعَهُ عَلَى فيه فقال ياعائشة هَلْ دَخَلَ بَطْنِي مِنْهُ شَيْءٌ كَذَلِكَ قُبْلَةُ الصَّائِمِ إِنَّمَا الْإِفْطَارُ مِمَّا دَخَلَ وَلَيْسَ مِمَّا خَرَجَ وَلِجَهَالَةِ الْمَوْلَاةِ لَمْ يُثْبِتْهُ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ
كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ
وَفِي النَّيْلِ وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ صَوْمُ مَنْ غَلَبَهُ الْقَيْءُ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَيَبْطُلُ صَوْمُ مَنْ تَعَمَّدَ إِخْرَاجَهُ وَلَمْ يَغْلِبْهُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا عَلِيٌّ وبن عُمَرَ وَزَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ وَزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ والشافعي وحكى بن الْمُنْذِرِ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ تَعَمُّدَ الْقَيْءِ يُفْسِدُ الصيام وقال بن مَسْعُودٍ وَعِكْرِمَةُ وَرَبِيعَةُ إِنَّهُ لَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ سَوَاءٌ كَانَ غَالِبًا أَوْ مُسْتَخْرَجًا مَا لَمْ يَرْجِعْ مِنْهُ شَيْءٌ بِاخْتِيَارِهِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الترمذي والنسائي وبن مَاجَهْ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ من حديث هشام عن بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ عِيسَى بْنِ يُونُسَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَعْنِي الْبُخَارِيَّ لَا أُرَاهُ مَحْفُوظًا قَالَ أَبُو عِيسَى وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يَصِحُّ إِسْنَادُهُ
قَالَ أَبُو دَاوُدَ سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ قَالَ لَيْسَ مِنْ ذَا شَيْءٌ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ يُرِيدُ أَنَّ الْحَدِيثَ غَيْرُ محفوظ
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
هَذِهِ الْعِلَّة فَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحه بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة إِنَّهُ قَالَ إِذَا قَاءَ فَلَا يُفْطِر إِنَّمَا يَخْرُج وَلَا يُولِج قَالَ وَيُذْكَر عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَنَّهُ يُفْطِر والأول أصح
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه اللَّه وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيّ مِنْ حَدِيث فَضَالَة بْن عُبَيْد قَالَ أَصْبَحَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَائِمًا فَقَاءَ فَأَفْطَرَ فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ بِأَنِّي قِئْت وَرَوَى أَيْضًا عن بن عُمَر مَوْقُوفًا عَلَيْهِ مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْء فَلَا قَضَاء عَلَيْهِ وَمِنْ اِسْتِقَاء فَعَلَيْهِ الْقَضَاء قَالَ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَة مِثْله وَرُوِيَ مَرْفُوعًا وَالْحُفَّاظ لَا يَرَوْنَهُ مَحْفُوظًا(7/6)
(مَعْدَانَ) بِفَتْحِ الْمِيمِ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاءَ) أَيْ عَمْدًا لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ مَنْ ذَرَعَهُ قَيْءٌ لَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ (فِي مَسْجِدِ دِمَشْقَ) بِكَسْرِ الدَّالِ وَفَتْحِ الْمِيمِ وَيُكْسَرُ وَهُوَ لَا يَنْصَرِفُ وَقِيلَ مُنْصَرِفٌ أَيْ فِي مَسْجِدِ الشَّامِ (قَالَ) أَيْ ثَوْبَانُ (صَدَقَ) أَيْ أَبُو الدَّرْدَاءِ (وَضُوءَهُ) بِالْفَتْحِ أي ماء وضوءه
قَالَ الْخَطَّابِيُّ لَا أَعْلَمُ خِلَافًا بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي أَنَّ مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ فَإِنَّهُ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا فِي أَنَّ مَنِ اسْتَقَاءَ عَامِدًا أَنَّ عَلَيْهِ الْقَضَاءَ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فِي الْكَفَّارَةِ فَقَالَ عَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ لَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُ الْقَضَاءِ وَقَالَ عَطَاءٌ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ وَقَالَ وَيَدْخُلُ فِي مَعْنَى مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ كُلُّ مَا غَلَبَ الْإِنْسَانَ مِنْ دُخُولِ الذُّبَابِ وَدُخُولِ الْمَاءِ جَوْفَهُ إِذَا دَخَلَ فِي مَاءٍ غَمْرٍ وَأَشْبَهَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يُفْسِدُ صَوْمَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ
انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ
قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَقَدْ جَوَّدَ حُسَيْنٌ الْمُعَلِّمُ هَذَا الْحَدِيثَ وَحَدِيثُ حُسَيْنٍ أَصَحُّ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ حُسَيْنٌ الْمُعَلِّمُ يُجَوِّدُهُ
3 - (بَاب الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ)
(يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ وَيُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ) قَالَ النَّوَوِيُّ إِنَّ الْقُبْلَةَ فِي الصَّوْمِ لَيْسَتْ مُحَرَّمَةً عَلَى مَنْ لَمْ تُحَرِّكْ شَهْوَتَهُ لَكِنَّ الْأَوْلَى لَهُ تَرْكُهَا وَلَا يُقَالُ إِنَّهَا مَكْرُوهَةٌ لَهُ وَإِنَّمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ إِنَّهَا خِلَافُ الْأَوْلَى فِي حَقِّهِ مَعَ ثُبُوتِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُهَا لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُؤْمَنُ فِي حَقِّهِ مُجَاوَزَةُ الْقُبْلَةِ وَيُخَافُ عَلَى غَيْرِهِ مُجَاوَزَتُهَا كَمَا قَالَتْ عَائِشَةُ كَانَ أَمْلَكَكُمْ لِإِرْبِهِ وَأَمَّا مَنْ حَرَّكَتْ شَهْوَتَهُ فَهِيَ حَرَامٌ فِي حَقِّهِ عَلَى الْأَصَحِّ
قَالَ الْقَاضِي قَدْ قَالَ بِإِبَاحَتِهَا لِلصَّائِمِ مُطْلَقًا جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وداود وكرهها على الإطلاق مالك وقال بن عَبَّاسٍ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ(7/7)
وَالشَّافِعِيُّ تُكْرَهُ لِلشَّابِّ دُونَ الشَّيْخِ الْكَبِيرِ وَهِيَ رواية عن مالك وروى بن وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ إِبَاحَتَهَا فِي صَوْمِ النَّفْلِ دُونَ الْفَرْضِ وَلَا خِلَافَ أَنَّهَا لَا تُبْطِلُ الصَّوْمَ إِلَّا أَنْ يَنْزِلَ الْمَنِيُّ بِالْقُبْلَةِ وَاحْتَجُّوا لَهُ بِالْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ فِي السُّنَنِ وَهُوَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَأَيْتَ لَوْ تَمَضْمَضْتَ وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ الْمَضْمَضَةَ مُقَدَّمَةُ الشُّرْبِ وَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّهَا لَا تُفْطِرُ وَكَذَا الْقُبْلَةُ مُقَدِّمَةٌ لِلْجِمَاعِ فَلَا تُفْطِرُ
وَحَكَى الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ عَنِ بن مَسْعُودٍ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ مَنْ قَبَّلَ قَضَى يَوْمًا مَكَانَ يَوْمِ الْقُبْلَةِ
وَمَعْنَى الْمُبَاشَرَةِ ها هنا اللَّمْسُ بِالْيَدِ وَهُوَ مِنَ الْتِقَاءِ الْبَشَرَتَيْنِ
(وَلَكِنَّهُ كان أملك لأربه) هذا اللَّفْظَةُ رَوَوْهَا عَلَى وَجْهَيْنِ أَشْهَرُهُمَا رِوَايَةُ الْأَكْثَرِينَ إِرْبَهُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَكَذَا نَقَلَهُ الْخَطَّابِيُّ وَالْقَاضِي عَنْ رِوَايَةِ الْأَكْثَرِينَ وَالثَّانِي بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالرَّاءِ مَعْنَاهُ بِالْكَسْرِ الْوَطَرُ وَالْحَاجَةُ وَكَذَا بِالْفَتْحِ وَلَكِنَّهُ يُطْلَقُ الْمَفْتُوحُ أَيْضًا عَلَى الْعُضْوِ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي مَعَالِمِ السُّنَنِ هَذِهِ اللَّفْظَةُ تُرْوَى عَلَى وَجْهَيْنِ الْفَتْحِ وَالْكَسْرِ قَالَ وَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ وَهُوَ حَاجَةُ النَّفْسِ وَوَطَرُهَا يُقَالُ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ أَرَبٌ وَإِرْبٌ وَأَرِبَةٌ وَمَأْرَبَةٌ أَيِ الْحَاجَةُ قَالَ وَالْأَرَبُ أَيْضًا الْعُضْوُ
قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَى كَلَامِ عَائِشَةَ أَنَّهُ يَنْبَغِي لَكُمُ الِاحْتِرَازُ عَنِ الْقُبْلَةِ وَلَا تَتَوَهَّمُوا مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَنَّكُمْ مِثْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي اسْتِبَاحَتِهَا لِأَنَّهُ يَمْلِكُ نَفْسَهُ وَيَأْمَنُ مِنَ الْوُقُوعِ فِي قُبْلَةٍ يَتَوَلَّدُ مِنْهَا إِنْزَالٌ أَوْ شَهْوَةٌ أَوْ هَيَجَانُ نَفْسٍ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَأَنْتُمْ لَا تَأْمَنُونَ ذَلِكَ فَطَرِيقُكُمُ الِانْكِفَافُ عَنْهَا
وَفِيهِ جَوَازُ الْإِخْبَارِ عَنْ مِثْلِ هَذَا مِمَّا يَجْرِي بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ عَلَى الْجُمْلَةِ لِلضَّرُورَةِ وَأَمَّا فِي غَيْرِ حَالِ الضَّرُورَةِ فَمَنْهِيٌّ عَنْهُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ جَمْعًا وَإِفْرَادًا وَأَخْرَجَهُ بن مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عائشة
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه اللَّه وقد أخرجا في الصحيحين من حديث أم سلمة وحفصة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقبل وهو صائم
وفي صحيح مسلم عن عمر بن أبي سلمة أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أيقبل الصائم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم سل هذه لأم سلمة فأخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصنع ذلك فقال يارسول الله قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم إني لأتقاكم لله وأخشاكم له(7/8)
(عَنْ عَائِشَةَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُنِي) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ
(هَشَشْتُ) بِشِينَيْنِ مُعْجَمَتَيْنِ أَيْ نَشِطْتُ وَفَرِحْتُ لَفْظًا وَمَعْنًى أَيْ بِالنَّظَرِ إِلَى امْرَأَتِي وَالْهَشَاشُ فِي الْأَصْلِ الِارْتِيَاحُ وَالْخِفَّةُ وَالنَّشَاطُ
كَذَا فِي الْقَامُوسِ (قَالَ أَرَأَيْتَ لَوْ مَضْمَضْتَ مِنَ الْمَاءِ) فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى فِقْهٍ بَدِيعٍ وَهُوَ أَنَّ الْمَضْمَضَةَ لَا تَنْقُضُ الصَّوْمَ وَهِيَ أَوَّلُ الشُّرْبِ وَمِفْتَاحُهُ فَكَذَلِكَ الْقُبْلَةُ لَا تَنْقُضُهُ وَهِيَ مِنْ دَوَاعِي الْجِمَاعِ وَأَوَائِلِهِ الَّتِي تَكُونُ مِفْتَاحًا لَهُ وَالشُّرْبُ يُفْسِدُ الصَّوْمَ كَمَا يُفْسِدُهُ الْجِمَاعُ كَمَا ثَبَتَ عِنْدَ عُمَرَ أَنَّ أَوَائِلَ الشُّرْبِ لَا تُفْسِدُ الصِّيَامَ كَذَلِكَ أَوَائِلُ الْجِمَاعِ لَا تُفْسِدُهُ
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي هَذَا إِثْبَاتُ الْقِيَاسِ وَالْجَمْعُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ فِي الْحُكْمِ الْوَاحِدِ لِاجْتِمَاعِهِمَا فِي الشَّبَهِ وَذَلِكَ أَنَّ الْمَضْمَضَةَ بِالْمَاءِ ذَرِيعَةٌ لِنُزُولِهِ الْحَلْقَ وَوُصُولِهِ إِلَى الْجَوْفِ فَيَكُونُ فِيهِ فَسَادُ الصَّوْمِ كَمَا أَنَّ الْقُبْلَةَ ذَرِيعَةٌ إِلَى الْجِمَاعِ الْمُفْسِدِ لِصَوْمِهِ يَقُولُ فَإِذَا كَانَ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ مِنْهُمَا غَيْرَ مُفْطِرٍ لِلصَّائِمِ فَالْآخَرُ بِمَثَابَتِهِ (قَالَ) النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَمَهْ) أَيْ فَمَاذَا لِلِاسْتِفْهَامِ فَأَبْدَلَ الْأَلِفَ هَاءً لِلْوَقْفِ وَالسَّكْتِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَقَالَ هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ وَهَذَا الْحَدِيثُ لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى إِلَّا عَنْ عُمَرَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ
4 - (بَاب الصَّائِمِ يَبْلَعُ الرِّيقَ)
(يَمَصُّ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَيَجُوزُ ضَمُّهُ (لِسَانَهَا) قَالَ فِي الْمِرْقَاةِ قِيلَ إِنَّ ابْتِلَاعَ رِيقِ الْغَيْرِ يُفْطِرُ(7/9)
إِجْمَاعًا وَأُجِيبَ عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّةِ الْحَدِيثِ أَنَّهُ وَاقِعَةُ حَالٍ فِعْلِيَّةٌ مُحْتَمَلَةٌ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ يَبْصُقُهُ وَلَا يَبْتَلِعُهُ وَكَانَ يَمَصُّهُ وَيُلْقِي جَمِيعَ مَا فِي فَمِهِ فِي فَمِهَا وَالْوَاقِعَةُ الْفِعْلِيَّةُ إِذَا احْتَمَلَتْ لَا دَلِيلَ فِيهَا وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْوَجْهَ الثَّانِيَ مَعَ بُعْدِهِ إِنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِيمَا إِذَا كَانَتْ غَيْرَ صَائِمَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ مُحَمَّدُ بْنُ دِينَارٍ الطَّاحِي الْبَصْرِيِّ
قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ ضَعِيفٌ وَفِي رِوَايَةٍ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كِتَابٌ وَقَالَ غَيْرُهُ صَدُوقٌ وقال بن عَدِيٍّ الْجُرْجَانِيُّ قَوْلُهُ يَمَصُّ لِسَانَهَا فِي الْمَتْنِ لَا يَقُولُهُ إِلَّا مُحَمَّدُ بْنُ دِينَارٍ وَهُوَ الَّذِي رَوَاهُ فِي إِسْنَادِهِ أَيْضًا سَعْدُ بْنُ أوس قال بن مَعِينٍ بَصْرِيٌّ ضَعِيفٌ
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه اللَّه وَقَالَ عَبْد الْحَقّ لَا تَصِحّ هَذِهِ الزِّيَادَة فِي مَصِّ اللِّسَان لِأَنَّهَا مِنْ حَدِيث مُحَمَّد بْن دِينَار عَنْ سَعْد بْن أَوْس ولا يحتج بهما
وقد قال بن الْأَعْرَابِيّ بَلَغَنِي عَنْ أَبِي دَاوُدَ أَنَّهُ قَالَ هَذَا الْحَدِيث لَيْسَ بِصَحِيحٍ
قَالَ الْحَافِظ شَمْس الدين بن الْقَيِّم رَحِمه اللَّه وَقَالَ عَبْد الْحَقّ لَا تَصِحّ هَذِهِ الزِّيَادَة فِي مَصِّ اللِّسَان لِأَنَّهَا مِنْ حَدِيث مُحَمَّد بْن دِينَار عَنْ سَعْد بْن أَوْس وَلَا يُحْتَجّ بِهِمَا وَقَدْ قَالَ بن الْأَعْرَابِيّ بَلَغَنِي عَنْ أَبِي دَاوُدَ أَنَّهُ قَالَ هَذَا الْحَدِيث لَيْسَ بِصَحِيحٍ قَالَ الْحَافِظ شَمْس الدين بن القيم رحمه الله قال بن حَزْمٍ فِيهِ أَبُو الْعَنْبَسِ عَنْ الْأَغَرِّ وَأَبُو الْعَنْبَسِ هَذَا مَجْهُول
قَالَ عَبْد الْحَقّ وَلَمْ أجد(7/10)
35 - (بَاب كَرَاهِيَتِهِ لِلشَّابِّ)
(عَنِ الْمُبَاشَرَةِ لِلصَّائِمِ) وَمَعْنَى المباشرة ها هنا اللَّمْسُ بِالْيَدِ وَهُوَ الْتِقَاءُ الْبَشَرَتَيْنِ
وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عنه المنذري
6 - (باب من أَصْبَحَ جُنُبًا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ)
(كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصْبِحُ جُنُبًا) قَالَ النَّوَوِيُّ وَفِيهِ دَلِيلٌ لِمَنْ يَقُولُ بِجَوَازِ الِاحْتِلَامِ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ وَفِيهِ خِلَافٌ الْأَشْهَرُ امْتِنَاعُهُ قَالُوا لِأَنَّهُ مِنْ تَلَاعُبِ الشَّيْطَانِ وَهُمْ مُنَزَّهُونَ عَنْهُ فَالْمُرَادُ يُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ جِمَاعٍ وَلَا يَجْنُبُ مِنَ احْتِلَامٍ لِامْتِنَاعِهِ مِنْهُ
أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَدْ أَجْمَعَ أَهْلُ هَذِهِ الْأَعْصَارِ عَلَى صِحَّةِ صَوْمِ الْجُنُبِ سَوَاءٌ كَانَ مِنَ احْتِلَامٍ أَوْ جِمَاعٍ وَبِهِ قَالَ جَمَاهِيرُ الصَّحَابَةِ
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
أَحَدًا ذَكَره وَلَا سَمَّاهُ
وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ عَنْ عائشة
أن النبي صلى الله عليه وسلم رَخَّصَ فِي الْقُبْلَة لِلشَّيْخِ وَهُوَ صَائِم وَنَهَى عَنْهَا الشَّابَّ وَقَالَ الشَّيْخ يَمْلِك إِرْبه وَالشَّابّ تفسد صومه وأرخص فيها بن عباس للشيخ وَكَرِهَهَا لِلشَّابِّ
وَسَأَلَ فَتًى عَبْد اللَّه بْن عُمَر عَنْ الْقُبْلَة وَهُوَ صَائِم فَقَالَ لَا فَقَالَ شَيْخ عِنْده لِمَ يُحْرِج النَّاس وَيُضَيِّق عليهم والله ما بذلك بأس فقال بن عُمَر أَمَّا أَنْتَ فَقَبِّلْ فَلَيْسَ عِنْد اِسْتك خَيْر وَرُوِيَ إِبَاحَة الْقُبْلَة عَنْ سَعْد بْن أَبِي وَقَّاصٍ وَعَبْد اللَّه بْن مَسْعُود وَعَبْد اللَّه بْن عُمَر وَعَبْد اللَّه بْن عَبَّاس
وأما ما روى عن بن مَسْعُود أَنَّهُ كَانَ يَقُول فِي الْقُبْلَة قَوْلًا شَدِيدًا يَعْنِي يَصُوم مَكَانه فَقَالَ الْبَيْهَقِيّ هَذَا مَحْمُول عَلَى مَا إِذَا أَنْزَلَ وَهَذَا التَّفْسِير من بعض الرواة لا من بن مَسْعُود
وَاَللَّه أَعْلَم
قَالَ الْحَافِظ شَمْس الدِّين بْن الْقَيِّم رَحِمه اللَّه اِخْتَلَفَ السَّلَف فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة فَذَهَبَ بَعْضهمْ إِلَى إِبْطَال صَوْمه إِذَا أَصْبَحَ جُنُبًا وَاحْتَجُّوا بِمَا فِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَنَّهُ كَانَ يَقُول فِي قَصَصه مَنْ أَدْرَكَهُ الْفَجْر جُنُبًا فَلَا يَصُوم وَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَة عَنْ أَبِي هُرَيْرَة فَالْمَشْهُور عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَصِحّ صَوْمه وَعَنْهُ رِوَايَة ثَانِيَة أَنَّهُ إِنْ عِلْم بِجَنَابَتِهِ ثُمَّ نَامَ حَتَّى يُصْبِح فَهُوَ مُفْطِر وَإِنْ لَمْ يَعْلَم حَتَّى أَصْبَحَ فَهُوَ صَائِم وَرُوِيَ هَذَا الْمَذْهَب عن طاوس وعروة بن الزبير(7/11)
وَالتَّابِعِينَ وَحُكِيَ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحِ بْنِ حَيٍّ إِبْطَالُهُ وَكَانَ عَلَيْهِ أَبُو هُرَيْرَةَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَقِيلَ لَمْ يَرْجِعْ عَنْهُ وَلَيْسَ بشيء
وحكي عن طاووس وَعُرْوَةَ وَالنَّخَعِيِّ إِنْ عَلِمَ بِجَنَابَتِهِ لَمْ يَصِحَّ وَإِلَّا فَيَصِحُّ وَحُكِيَ مِثْلُهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَحُكِيَ أَيْضًا عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالنَّخَعِيِّ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ دُونَ الْفَرْضِ
وَحُكِيَ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحِ يَصُومُهُ وَيَقْضِيهِ ثُمَّ ارْتَفَعَ هَذَا الْخِلَافُ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ بَعْدَ هَؤُلَاءِ عَلَى صِحَّتِهِ
وَفِي صِحَّةِ الْإِجْمَاعِ بَعْدَ الْخِلَافِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ لِأَهْلِ الْأُصُولِ
وَحَدِيثُ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ حُجَّةٌ عَلَى كُلِّ مُخَالِفٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَإِذَا انْقَطَعَ دَمُ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ فِي اللَّيْلِ ثُمَّ طَلَعَ الْفَجْرُ قَبْلَ اغْتِسَالِهِمَا صَحَّ صَوْمُهُمَا وَوَجَبَ عَلَيْهِمَا إِتْمَامُهُ سَوَاءٌ تَرَكَتِ الْغُسْلَ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا بِعُذْرٍ أَمْ بِغَيْرِهِ كَالْجُنُبِ وَهَذَا مَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً إِلَّا مَا حُكِيَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ مِمَّا لَا نَعْلَمُ صَحَّ عَنْهُ أَمْ لَا انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ بِتَغْيِيرٍ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ مُخْتَصَرًا وَمُطَوَّلًا
قَالَ أَبُو دَاوُدَ مَا أَقَلَّ مَنْ يَقُولُ هَذِهِ الْكَلِمَةَ يَعْنِي يُصْبِحُ جُنُبًا فِي رَمَضَانَ وَإِنَّمَا الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصْبِحُ جُنُبًا وَهُوَ صَائِمٌ هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ
وَقَدْ وَقَعَتْ هَذِهِ الْكَلِمَةُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَفِي كِتَابِ النَّسَائِيِّ وَفِيهَا رَدٌّ على إبراهيم والنخعي وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ فِي قَوْلِهِمَا وَلَا يُجْزِئُهُ صَوْمُهُ فِي الْفَرْضِ وَيُجْزِئُهُ فِي التَّطَوُّعِ
(مَا أَقَلَّ) صِيغَةُ تَعَجُّبٍ (مَنْ يَقُولُ هَذِهِ الْكَلِمَةَ) الْمَرْوِيَّةَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَذْرَمِيِّ (يَعْنِي يُصْبِحُ جُنُبًا فِي رَمَضَانَ) وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ مُشَارٌ إِلَيْهَا لِقَوْلِهِ هَذِهِ الْكَلِمَةَ فَعَبْدُ اللَّهِ الْأَذْرَمِيُّ يَقُولُ فِي رِوَايَتِهِ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصْبِحُ جُنُبًا فِي رَمَضَانَ مِنْ جِمَاعٍ غَيْرِ احْتِلَامٍ ثُمَّ يَصُومُ وَغَيْرُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَذْرَمِيِّ يَقُولُ يُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ جِمَاعٍ غَيْرِ احْتِلَامٍ ثُمَّ يَصُومُ أَيْ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ فِي رَمَضَانَ (وَإِنَّمَا الْحَدِيثُ) الْمَرْوِيُّ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصْبِحُ جُنُبًا وَهُوَ صَائِمٌ) أَيْ من غير
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
وَذَهَبَتْ طَائِفَة إِلَى أَنَّ الصَّوْم إِنْ كَانَ فَرْضًا لَمْ يَصِحّ وَإِنْ كَانَ نَفْلًا صَحَّ
وَرُوِيَ هَذَا عَنْ إِبْرَاهِيم النَّخَعِيِّ وَالْحَسَن الْبَصْرِيِّ
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَة رِوَايَة ثَالِثَة أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ فُتْيَاهُ إِلَى قَوْل الْجَمَاعَة
وَذَهَبَ الْجُمْهُور إِلَى صِحَّة صَوْمه مُطْلَقًا فِي الْفَرْض وَالنَّفْل وَقَالُوا حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة مَنْسُوخ
وَاسْتَشْكَلَتْ طَائِفَة ثُبُوت النَّسْخ وَقَالَتْ شَرْط النَّسْخ أَنْ يُعْلَم تَأَخُّرُهُ بِنَقْلٍ أَوْ بِأَنْ تُجْمِع الْأُمَّة(7/12)
ذِكْرِ رَمَضَانَ
فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ الْمُؤَلِّفِ أَنَّ الْحَدِيثَ مَرْوِيٌّ بِلَفْظَيْنِ أَحَدُهُمَا بِإِطْلَاقِ الصَّوْمِ حَالَةَ الْجَنَابَةِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ رَمَضَانَ كَمَا رَوَاهُ غَيْرُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَذْرَمِيِّ
وَثَانِيهِمَا صَوْمُهُ عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ مُقَيَّدًا بِصَوْمِ رَمَضَانَ كَمَا رَوَاهُ الْأَذْرَمِيُّ لَكِنَّ الرُّوَاةَ لِرِوَايَةِ تَقْيِيدِ الصَّوْمِ بِرَمَضَانَ أَقَلُّ قَلِيلٍ جِدًّا مِنَ الرُّوَاةِ لِرِوَايَةِ إِطْلَاقِ الصَّوْمِ حَتَّى صَارَتْ قِلَّةُ رُوَاةِ التَّقْيِيدِ فِي مَحَلِّ التَّعَجُّبِ
وَالْحَاصِلُ أَنَّ رُوَاةَ الْإِطْلَاقِ أَكْثَرُ وَأَشْهَرُ وَرُوَاةُ التَّقْيِيدِ أَقَلُّ الْقَلِيلِ جِدًّا
وَالْأَذْرَمِيُّ تَفَرَّدَ فِي حَدِيثِ مَالِكٍ بِذِكْرِ رَمَضَانَ لَكِنْ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ قَدْ وَقَعَتْ هَذِهِ الْكَلِمَةُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَفِي
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
عَلَى تَرْك الْخَبَر الْمُعَارِض لَهُ فَيُعْلَم أَنَّهُ منسوخ وكلا الأمرين منتف ها هنا فَمِنْ أَيْنَ لَكُمْ أَنَّ خَبَر أَبِي هُرَيْرَة مُتَقَدِّم عَلَى خَبَر عَائِشَة وَالْجَوَاب عَنْ هَذَا أَنَّهُ لَا يَصِحّ أَنْ يَكُون آخِر الْأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِبْطَال الصَّوْم بِذَلِكَ لِأَنَّ أَزْوَاجه أَعْلَم بِهَذَا الْحُكْم وَقَدْ أَخْبَرْنَ بَعْد وَفَاته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يُصْبِح جُنُبًا وَيَصُوم وَلَوْ كَانَ هَذَا هُوَ الْمُتَقَدِّم لَكَانَ الْمَعْرُوف عِنْد أَزْوَاجه مِثْل حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة وَلَمْ يَحْتَجّ أَزْوَاجه بِفِعْلِهِ الَّذِي كَانَ يَفْعَلهُ ثُمَّ نُسِخَ وَمُحَال أَنْ يَخْفَى هَذَا عَلَيْهِنَّ فَإِنَّهُ كَانَ يَقْسِم بَيْنهنَّ إِلَى أَنْ مَاتَ فِي الصَّوْم وَالْفِطْر
هَذَا مَعَ أَنَّ الْحَدِيث فِي مُسْلِم غَيْر مَرْفُوع وَإِنَّمَا فِيهِ كَانَ أَبُو هُرَيْرَة يَقُول فِي قَصَصه حَسْب وَفِي الْحَدِيث أَنَّ أَبَا هُرَيْرَة لَمَّا حُوقِقَ عَلَى ذَلِكَ رَدَّهُ إِلَى الْفَضْل بْن عَبَّاس فَقَالَ سَمِعْت ذَلِكَ مِنْ الْفَضْل وَلَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الَّذِي فِي مُسْلِم وَفِي لَفْظ حَدَّثَنِي الْفَضْل بْن عَبَّاس قال البخاري وقال همام وبن عَبْد اللَّه بْن عُمَر عَنْ أَبِي هُرَيْرَة كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُر بِالْفِطْرِ وَالْأَوَّل أَسْنَدَ
وَلَكِنَّ رَفْعَهُ صَحِيح رَوَاهُ سفيان عن عمرو بن يَحْيَى بْن جَعْدَة قَالَ سَمِعْت عَبْد اللَّه بْن عَبْدٍ الْقَارِيّ قَالَ سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَة يَقُول لَا وَرَبّ هَذَا الْبَيْت مَا أَنَا قُلْته مَنْ أَدْرَكَهُ الصُّبْح وَهُوَ جُنُب فَلَا يَصُمْ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَهُ وَمَعَ هَذَا فَقَدْ رَوَى النَّسَائِيّ مِنْ حَدِيث أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بْن هِشَام قَالَ كُنْت مَعَ عَبْد الرَّحْمَن عِنْد مَرْوَان فَذَكَرُوا أَنَّ أَبَا هُرَيْرَة يَقُول مَنْ اِحْتَلَمَ وَعِلْم بِاحْتِلَامِهِ وَلَمْ يَغْتَسِل حَتَّى يُصْبِح فَلَا يَصُمْ ذَلِكَ الْيَوْم قَالَ اِذْهَبْ فَسَلْ أَزْوَاج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَذَهَبَ وَذَهَبْت مَعَهُ فَذَكَر الْحَدِيث وَقَالَ فَأَتَيْت مَرْوَان فَأَخْبَرْته قَوْلهمَا يَعْنِي أُمّ سَلَمَة وَعَائِشَة فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ اِخْتِلَافهمْ تَخَوُّفًا أَنْ يَكُون أَبُو هُرَيْرَة يُحَدِّث عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَالَ مَرْوَان لِعَبْدِ الرَّحْمَن عَزَمْت عَلَيْك لَمَا أَتَيْته فَحَدَّثْته أَعَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرْوِي هَذَا قَالَ لَا إِنَّمَا حَدَّثَنِي فُلَان وَفُلَان وَلَا رَيْب أَنَّ أَبَا هُرَيْرَة لَمْ يَسْمَع ذَلِكَ مِنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ مَرَّة أَخْبَرَنِيهِ الْفَضْل بْن عَبَّاس وَمَرَّة قَالَ أَخْبَرَنِيهِ أُسَامَة بْن زَيْد وَفِي رِوَايَة عَنْهُ أَخْبَرَنِيهِ فُلَان وَفُلَان وَفِي رِوَايَة أَخْبَرَنِي رَجُل وَفِي رِوَايَة أَخْبَرَنِيهِ مُخْبِر وَفِي رِوَايَة هَكَذَا كنت أحسب(7/13)
كِتَابِ النَّسَائِيِّ انْتَهَى
يَعْنِي وَإِنْ كَانَ رُوَاةُ التَّقْيِيدِ بِرَمَضَانَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى رُوَاةِ الْإِطْلَاقِ قِلَّةً لَكِنْ لَيْسَتِ الْقِلَّةٌ بِحَيْثُ تُفْضِي إِلَى الْعَجَبِ بَلْ رِوَايَةُ التَّقْيِيدِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَيْضًا مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ الْأَذْرَمِيِّ وَكَذَا فِي النَّسَائِيِّ فَكَيْفَ يُقَالُ إِنَّ رُوَاةَ التَّقْيِيدِ قَلِيلَةٌ جِدًّا وَاللَّهُ أَعْلَمُ
(وَهُوَ) أَيِ الرَّجُلُ (وَاقِفٌ عَلَى الْبَابِ) وَلَفْظُ مُسْلِمٍ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَفْتِيَهُ وَهِي تَسْمَعُ مِنْ وَرَاءِ الْبَابِ (أُصْبِحُ) مِنَ الْإِصْبَاحِ (جُنُبًا) سُمِّيَ بِهِ لِكَوْنِ الْجَنَابَةِ سَبَبًا لِتَجَنُّبِ الصَّلَاةِ وَالطَّوَافِ نَحْوِهِمَا فِي حُكْمِ الشَّرْعِ وَذَلِكَ بِإِنْزَالِ الْمَاءِ أَوْ بِالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ وَفِي مَعْنَاهُ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ (وَاللَّهِ إِنِّي لِأَرْجُوَ أَنْ أَكُونَ أخشاكم لله) قال الشيخ عزالدين بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِيهِ إِشْكَالٌ لِأَنَّ الْخَوْفَ وَالْخَشْيَةَ حَالَةٌ تَنْشَأُ مِنْ مُلَاحَظَةِ شِدَّةِ النِّقْمَةِ الْمُمْكِنِ وُقُوعُهَا بِالْخَائِفِ وَقَدْ دَلَّ الْقَاطِعُ عَلَى أنه صلى الله عليه وسلم غَيْرُ مُعَذَّبٍ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى يَوْمَ لَا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْخَوْفُ فَكَيْفَ أَشَدُّ الْخَوْفِ وَالْجَوَابُ أَنَّ الذُّهُولَ جَائِزٌ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا حَصَلَ الذُّهُولُ عَنْ مُوجِبَاتِ نَفْيِ الْعِقَابِ حَدَثَ لَهُ الْخَوْفُ وَلَا يُقَالُ إِنَّ إِخْبَارَهُ بِشِدَّةِ الْخَوْفِ وَالْخَشْيَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَكْثَرُ ذُهُولًا لِأَنَّا نَقُولُ الْمُرَادُ بِشِدَّةِ الْخَوْفِ وَأَعْظَمِ الْخَشْيَةِ عِظَمٌ بِالنَّوْعِ لَا بِكَثْرَةِ الْعَدَدِ أَيْ إِذَا صَدَرَ الْخَوْفُ مِنْهُ وَلَوْ فِي زَمَنٍ فَرْدٍ كَانَ أَشَدَّ مِنْ خَوْفٍ غَيْرِهِ قَالَهُ السُّيُوطِيُّ
وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بَلْ يقع ذلك منه صلى الله عليه وسلم عَمَلًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إلا القوم الخاسرون وَأَيْضًا هُوَ إِمَامٌ لِأُمَّتِهِ فَلَا بُدَّ أَنْ يُعَلِّمَهُمْ هَيْئَاتِ الْخَيْرِ كُلِّهَا وَمِنْ جُمْلَتِهَا هَيْئَاتُ الْخَوْفِ بِاللَّهِ تَعَالَى انْتَهَى
وَقَالَ الشَّيْخُ الْمُحَدِّثُ وَلِيُّ اللَّهِ الدَّهْلَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ أَرَادَ بِالْخَشْيَةِ لَازِمَهَا وَهُوَ الْكَفُّ عَمَّا لَا يَرْضَاهُ اللَّهُ تَعَالَى وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ هَذِهِ الْخَشْيَةُ خَشْيَةُ هَيْبَةٍ وَإِجْلَالٍ لَا خَشْيَةَ تَوَقُّعِ مَكْرُوهِ انْتَهَى
وَفِي قَوْلِهِ لَأَرْجُوَ لَعَلَّ اسْتِعْمَالَهُ الرَّجَاءَ مِنْ جُمْلَةِ الْخَشْيَةِ وَإِلَّا فَكَوْنُهُ أَخْشَى وَأَعْلَمَ مُتَحَقِّقٌ قَطْعًا
قَالَهُ السِّنْدِيُّ (وَأَعْلَمَكُمْ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ أَخْشَاكُمْ (بِمَا أَتَّبِعُ) أَيْ بما(7/14)
أَعْمَلُ مِنْ وَظَائِفِ الْعُبُودِيَّةِ قَالَهُ السِّنْدِيُّ
وَلَفْظُ مُسْلِمٍ أَعْلَمُكُمْ بِمَا أَتَّقِي
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو يُونُسَ الْقُرَشِيُّ الْمَدَنِيُّ التَّمِيمِيُّ مَوْلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَلَا يُعْرَفُ لَهُ اسْمٌ انْفَرَدَ مُسْلِمٌ بِإِخْرَاجِ حَدِيثِهِ
7 - (بَاب كَفَّارَةِ مَنْ أَتَى أَهْلَهُ فِي رَمَضَانَ)
(أَخْبَرَنَا سفيان) هو بن عُيَيْنَةَ (قَالَ مُسَدَّدٌ) فِي رِوَايَتِهِ دُونَ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى (قَالَ) سُفْيَانُ (أَخْبَرَنَا الزُّهْرِيُّ) أَيْ حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ بِصِيغَةِ التَّحْدِيثِ وَأَمَّا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى فَقَالَ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِالْعَنْعَنَةِ (مَا شَأْنُكَ) أَيْ مَا حَالُكَ (وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي) أَيْ جَامَعْتُهَا (رَقَبَةً) بِالنَّصْبِ بَدَلٌ مِنْ مَا (أَنْ تُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا) أَيْ أَنَّ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدًّا مِنْ طَعَامٍ رُبْعَ صَاعٍ (فَأُتِيَ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (بِعَرَقٍ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالرَّاءِ ثُمَّ قَافٌ
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَيُرْوَى بِإِسْكَانِ الرَّاءِ أَيِ الْمِكْتَلِ وَالزِّنْبِيلِ (مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا) تَثْنِيَةُ لَابَةٍ بِخِفَّةِ الْمُوَحَّدَةِ وَهِيَ الْحَرَّةُ وَالْحَرَّةُ الْأَرْضُ الَّتِي فِيهَا حِجَارَةٌ سُودٌ وَيُقَالُ فِيهَا لُوبَةٌ وَنَوْبَةٌ بِالنُّونِ وَهِيَ غَيْرُ مَهْمُوزَةٍ (أَنْيَابُهُ) جَمْعُ نَابٍ وَهُوَ الَّذِي بَعْدَ
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
ثم ذكر الشيخ شمس الدين بن الْقَيِّم حَدِيث هَلَكْت وَأَهْلَكْت ثُمَّ اِسْتَبْعَدَ الْمُنْذِرِيّ هَذِهِ اللَّفْظَة ثُمَّ قَالَ قَالَ الْبَيْهَقِيّ قَوْله وَأَهْلَكْت لَيْسَ بِمَحْفُوظٍ وَضَعَّفَهَا شَيْخنَا أَبُو عَبْد اللَّه الْحَافِظ وَحَمَلَهَا عَلَى أَنَّهَا أُدْخِلَتْ عَلَى مُحَمَّد بْن الْمُسَيَّب الْأَرْغِيَانِيّ قَالَ فَإِنَّ أَبَا عَلِيّ الْحَافِظ رَوَاهُ عَنْ مُحَمَّد بْن الْمُسَيَّب فَلَمْ يَذْكُرهَا وَالْعَبَّاس بْن الْوَلِيد رَوَاهُ عَنْ عُقْبَة بْن عَلْقَمَة دُونهَا وَدُحَيْم وَغَيْره رَوَوْهُ عَنْ الْوَلِيد بْن مُسْلِم دُونهَا وَكَافَّة أَصْحَاب الْأَوْزَاعِيّ رَوَوْهُ عَنْهُ دُونهَا وَلَمْ يَذْكُرهَا أَحَد من أصحاب(7/15)
الرُّبَاعِيَةِ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفِقْهِ أَنَّ عَلَى الْمُجَامِعِ مُتَعَمِّدًا فِي نَهَارِ شَهْرِ رَمَضَانَ الْقَضَاءَ وَالْكَفَّارَةَ وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ غَيْرَ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَقَتَادَةَ فَإِنَّهُمْ قَالُوا عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَلَا كَفَّارَةَ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ لَمْ يَبْلُغْهُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَفِيهِ أَنَّ مَنْ قَدَرَ عَلَى عِتْقِ الرَّقَبَةِ لَمْ يَجْزِهِ الصِّيَامُ وَلَا الْإِطْعَامُ لِأَنَّ الْبَيَانَ خَرَجَ فِيهِ مُرَتَّبًا فَقَدَّمَ الْعِتْقَ ثُمَّ نَسَّقَ عَلَيْهِ الصِّيَامَ ثُمَّ الْإِطْعَامَ كَمَا رَتَّبَ ذَلِكَ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ إِلَّا أَنَّ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ زَعَمَ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ عِتْقِ رَقَبَةٍ وَصَوْمِ شَهْرَيْنِ وَالْإِطْعَامِ وَحُكِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ الْإِطْعَامُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الْعِتْقِ وَفِيهِ دلالة من جهة الظاهر أن الكفارة لإطعام مُدٍّ وَاحِدٍ لِكُلِّ مِسْكِينٍ لِأَنَّ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا إِذَا قُسِّمَتْ بَيْنَ سِتِّينَ لَمْ يَخُصَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَكْثَرُ مِنْ مُدٍّ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ يُطْعِمُ كُلَّ مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعٍ
وَفِي قَوْلِهِ وَصُمْ يَوْمًا وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ بَيَانُ أَنَّ صَوْمَ ذَلِكَ الْيَوْمَ هُوَ الْقَضَاءُ لَا يَدْخُلُ فِي صِيَامِ شَهْرَيْنِ
قَالَ فَإِنْ كَفَّرَ بِالْعِتْقِ أَوْ بِالْإِطْعَامِ صَامَ يَوْمًا مَكَانَهُ
وَقَالَ أَيْضًا وَفِي أَمْرِهِ الرَّجُلَ بِالْكَفَّارَةِ لِمَا كَانَ مِنْهُ مِنَ الْجَنَابَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ عَلَيْهَا كَفَّارَةٌ مِثْلُهَا لِأَنَّ الشَّرِيعَةَ قَدْ سَوَّتْ بَيْنَ الناس في الأحكام إلا موضع قَامَ عَلَيْهِ دَلِيلُ التَّخْصِيصِ فَإِذَا لَزِمَهَا الْقَضَاءُ لِأَنَّهَا أَفْطَرَتْ بِجِمَاعٍ مُتَعَمِّدَةً كَمَا وَجَبَ عَلَى الرَّجُلِ وَجَبَتْ عَلَيْهَا الْكَفَّارَةُ لِهَذِهِ الْعِلَّةِ كَالرَّجُلِ سَوَاءً وَهَذَا مَذْهَبُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُجْزِئُهُمَا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ وَهِيَ عَلَى الرَّجُلِ دُونَهَا وَكَذَلِكَ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ إِنْ كَانَتِ الْكَفَّارَةُ بِالصِّيَامِ كَانَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَوْمُ شَهْرَيْنِ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ والنسائي وبن ماجه بنحوه
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
الزُّهْرِيِّ عَنْ الزُّهْرِيّ إِلَّا مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي ثَوْر عَنْ مُعَلَّى بْن مَنْصُور عَنْ سُفْيَان بْن عُيَيْنَة عَنْ الزُّهْرِيّ قَالَ وَكَانَ أَبُو عَبْد اللَّه أَيْضًا يَسْتَدِلّ عَلَى كَوْنهَا فِي تِلْكَ الرِّوَايَة خَطَأ بِأَنَّهُ نَظَر فِي كِتَاب الصَّوْم تَصْنِيف مُعَلَّى بْن مَنْصُور بِخَطٍّ مَشْهُور فَوَجَدَ فِيهِ هَذَا الْحَدِيث دُون هَذِهِ اللَّفْظَة وَبِأَنَّ كَافَّة أَصْحَاب سُفْيَان رَوَوْهُ عَنْهُ دُونهَا
قَالَ الشَّيْخ شَمْس الدِّين وَقَدْ رَوَى مَالِك هَذَا الْحَدِيث فِي الْمُوَطَّأ عَنْ الزُّهْرِيِّ عن حميد بن عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَنَّ رَجُلًا أَفْطَرَ فِي رَمَضَان فَأَمَرَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ يُكَفِّر بِعِتْقِ رَقَبَة أَوْ صِيَام شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ أَوْ إِطْعَام سِتِّينَ مِسْكِينًا ثُمَّ ذَكَر الْحَدِيث
وَحَسْبك بِهَذَا الْإِسْنَاد
وَفِيهِ أَمْرَانِ أَحَدهمَا وُجُوب الْكَفَّارَة بِأَيِّ مُفْطِر كَانَ
وَالثَّانِي أَنَّهَا عَلَى التَّخْيِير
وَهُوَ مَذْهَب مَالِك فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ
قَالَ الْبَيْهَقِيّ وَرِوَايَة الْجَمَاعَة عَنْ الزُّهْرِيّ مُقَيَّدَة بِالْوَطْءِ نَافِلَة(7/16)
(فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا فَعَلَ ذَلِكَ الْيَوْمَ لَمْ يَكُنْ لَهُ بُدٌّ مِنَ التَّكْفِيرِ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَهَذَا مِنَ الزُّهْرِيِّ دَعْوَى لَمْ يُحْضِرْ عَلَيْهَا بُرْهَانًا وَلَا ذَكَرَ فِيهَا شَاهِدًا
وَقَالَ غَيْرُهُ هَذَا مَنْسُوخٌ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي نَسْخِهِ خَبَرًا يُعْلَمُ بِهِ صِحَّةُ قَوْلِهِ
فَأَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِيهِ قَوْلُ أَبِي يَعْقُوبَ الْبُوَيْطِيِّ وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ هَذَا لِلرَّجُلِ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الرَّقَبَةُ فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَا يَشْتَرِي رَقَبَةٌ فَقِيلَ لَهُ صُمْ فَلَمْ يُطِقِ الصَّوْمَ فَقِيلَ لَهُ إِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا فَلَمْ يَجِدْ مَا يُطْعِمُ فَأَمَرَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِطَعَامٍ لِيَتَصَدَّقَ بِهِ فَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَيْسَ بِالْمَدِينَةِ أَحْوَجُ مِنْهُ وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى فَلَمْ يَرَ لَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَى غَيْرِهِ وَيَتْرُكَ نَفْسَهُ وَعِيَالَهُ فَلَمَّا نَقَصَ مِنْ ذَلِكَ بِقَدْرِ مَا أَطْعَمَ أَهْلَهُ لِقُوتِ يَوْمِهِمْ صَارَ طَعَامًا لَا يَكْفِي سِتِّينَ مِسْكِينًا فَسَقَطَتْ عَنْهُ الْكَفَّارَةُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَكَانَتْ فِي ذِمَّتِهِ إِلَّا أَنْ يَجِدَهَا وَصَارَ
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
لِلَفْظِ صَاحِب الشَّرْع فَهِيَ أَوْلَى بِالْقَبُولِ لِزِيَادَةِ حِفْظهمْ وَأَدَائِهِمْ الْحَدِيث عَلَى وَجْهه وَاتَّفَقَتْ رِوَايَاتهمْ عَلَى أَنَّ فِطْره كَانَ بِجِمَاعٍ وَأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ بِالْكَفَّارَةِ عَلَى اللَّفْظ الَّذِي يَقْتَضِي التَّرْتِيب
وَقَالَ أَبُو الْحَسَن الدَّارَقُطْنِيُّ الَّذِينَ رَوَوْا الْكَفَّارَة فِي جِمَاع رَمَضَان عَلَى التَّخْيِير مَالِك فِي الْمُوَطَّأ وَيَحْيَى بْن سعيد الأنصارى وبن جُرَيْج وَعَبْد اللَّه بْن أَبِي بَكْرَة وَأَبُو أَوَيس وَفُلَيْح بْن سُلَيْمَان وَعُمَر بْن عُثْمَان الْمَخْزُومِيّ وَنَذِير بْن عِيَاض وَشِبْل بْن عَبَّاد وَاللَّيْث بْن سَعْد مِنْ رِوَايَة أَشْهَب بْن عَبْد الْعَزِيز عَنْهُ وَعُبَيْد اللَّه بْن أَبِي زِيَاد إِلَّا أَنَّهُ أَرْسَلَ عَنْ الزُّهْرِيّ
كُلّ هَؤُلَاءِ رَوَوْهُ عَنْ الزَّهْرِيّ عَنْ حُمَيْد بْن عَبْد الرَّحْمَن عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَنَّ رَجُلًا أَفْطَرَ فِي رَمَضَان وَجَعَلُوا كَفَّارَته عَلَى التَّخْيِير
قَالَ وَخَالَفَهُمْ أَكْثَر عَدَدًا مِنْهُمْ فَرَوَوْهُ عَنْ الزُّهْرِيّ بِهَذَا الْإِسْنَاد أَنَّ إِفْطَار الرِّجَال كَانَ لِجِمَاعٍ وَأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ أَنَّ يُكَفِّر بِعِتْقِ رَقَبَة فَإِنْ لَمْ يَجِد فَصِيَام شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَام سِتِّينَ مِسْكِينًا مِنْهُمْ عِرَاك بْن مَالِك وعبد الله بن عمر وإسماعيل بن أُمَيَّة وَمُحَمَّد بْن أَبِي عَتِيق وَمُوسَى بْن عُقْبَة وَمَعْمَر وَيُونُس وَعُقَيْل وَعَبْد الرَّحْمَن بْن خَالِد بْن مُسَافِر وَالْأَوْزاَعِيّ وَسَعِيد بْن أَبِي حَمْزَة وَمَنْصُور بْن الْمُعْتَمِر وَسُفْيَان بْن عُيَيْنَة وَإِبْرَاهِيم بْن سَعْد وَاللَّيْث بْن سَعْد وَعَبْد اللَّه بْن عِيسَى وَمُحَمَّد بْن إِسْحَاق وَالنُّعْمَان بْن رَاشِد وَحُجَّاج بْن أَرْطَاةَ وَصَالِح بْن أَبِي الْأَخْضَر وَمُحَمَّد بْن أَبِي حَفْصَة وَعَبْد الْجَبَّار بْن عُمَر وَإِسْحَاق بْن يَحْيَى الْعَوْصِيّ وَعَمَّار بْن عُقَيْل وَثَابِت بْن ثَوْبَان وَمُرَّة بْن عَبْد الرَّحْمَن وَزَمْعَة بْن صَالِح وَبَحْر بْن كُنَيْز أَبُو الْوَلِيد السَّقَّاء وَالْوَلِيد بْن مُحَمَّد وَشُعَيْب بْن خَالِد وَنُوحَ بْن أَبِي مَرْيَم وَغَيْرهمْ
آخِر كَلَامه(7/17)
كَالْمُفْلِسِ يُمْهَلُ وَيُؤَجَّلُ وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ قَالَ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْكَ
وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا تَلْزَمُ الْفَقِيرَ وَاحْتَجَّ بظاهر هذا الحديث انتهى
(رواه بن جُرَيْجٍ) وَالْحَاصِلُ أَنَّ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ وَاللَّيْثَ بْنَ سَعْدٍ وَالْأَوْزَاعِيَّ وَمَنْصُورَ
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
وَلَا رَيْب أَنَّ الزُّهْرِيّ حَدَّثَ بِهِ هَكَذَا وَهَكَذَا عَلَى الْوَجْهَيْنِ وَكِلَاهُمَا مَحْفُوظ عَنْهُ بِلَا رَيْب وَإِذَا كَانَ هَكَذَا فَرِوَايَة التَّرْتِيب الْمُصَرِّحَة بِذِكْرِ الْجِمَاع أَوْلَى أَنْ يُؤْخَذ بِهَا لِوُجُوهٍ أَحَدهَا أَنَّ رُوَاتهَا أَكْثَر وَإِذَا قُدِّرَ التَّعَارُض رَجَّحْنَا بِرِوَايَةِ الْأَكْثَر اِتِّفَاقًا وَفِي الشَّهَادَة بِخِلَافٍ مَعْرُوف
الثَّانِي أَنَّ رُوَاتهَا حَكَوْا الْقِصَّة وَسَاقُوا ذِكْر الْمُفْطِر وَأَنَّهُ الْجِمَاع وَحَكَوْا لَفْظ النَّبِيّ صلى الله عليه وَسَلَّمَ وَأَمَّا رُوَاة التَّخْيِير فَلَمْ يُفَسِّرُوا بِمَاذَا أَفْطَرَ وَلَا حَكَوْا أَنَّ ذَلِكَ لَفْظ رَسُول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ وَلَا مِنْ لَفْظ صَاحِب الْقِصَّة وَلَا حكوه أيضا لفظ الرسول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْكَفَّارَة فَكَيْف تُقَدَّم رِوَايَتهمْ عَلَى رِوَايَة مَنْ ذَكَر لَفْظ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّرْتِيب وَلَفْظ الرَّاوِي فِي خَبَره عَنْ نَفْسه بِقَوْلِهِ وَقَعْت عَلَى أَهْلِي فِي رَمَضَان الثَّالِث أَنَّ هَذَا صَرِيح وَقَوْله أَفْطَرَ مُجْمَل لَمْ يَذْكُر فِيهِ بِمَاذَا أَفْطَرَ وَقَدْ فَسَّرَتْهُ الرِّوَايَة الْأُخْرَى بِأَنَّ فِطْره كَانَ بِجِمَاعٍ فَتَعَيَّنَ الْأَخْذ بِهِ
الرَّابِع أَنَّ حَرْف أَوْ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا فِي التَّخْيِير فَلَيْسَ بِنَصٍّ فِيهِ وَقَوْله هَلْ تَسْتَطِيع كَذَا هَلْ تَسْتَطِيع كَذَا صَرِيح فِي التَّرْتِيب فَإِنَّهُ لَمْ يُجَوِّز لَهُ الِانْتِقَال إِلَى الثَّانِي إِلَّا بَعْد إِخْبَاره بِعَجْزِهِ عَمَّا قَبْله مَعَ أَنَّهُ صَرِيح لَفْظ صَاحِب الشَّرْع
وَقَوْله فَأَمَرَهُ أَنْ يُعْتِق رَقَبَة أَوْ يَصُوم لَمْ يَحْكِ فِيهِ لَفْظه
الْخَامِس أَنَّ الْأَخْذ بِحَدِيثِ التَّرْتِيب مُتَضَمِّن الْعَمَل بِالْحَدِيثِ الْآخَر لِأَنَّهُ يُفَسِّرهُ وَيُبَيِّن الْمُرَاد مِنْهُ وَالْعَمَل بِحَدِيثِ التَّخْيِير لَا يَتَضَمَّن الْعَمَل بِحَدِيثِ التَّرْتِيب وَلَا رَيْب أَنَّ الْعَمَل بِالنَّصَّيْنِ أَوْلَى(7/18)
وَعِرَاكَ كُلَّهُمْ قَالُوا عَنِ الزُّهْرِيِّ بِلَفْظِ أُهْلِكْتُ وَوَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي وَبِلَفْظِ فَأَطْعِمْهُ إِيَّاهُمْ وَزَادَ الْأَوْزَاعِيُّ وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ وَأَمَّا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وبن جُرَيْجٍ فَقَالَا عَنِ الزُّهْرِيِّ بِلَفْظِ أَنَّ رَجُلًا أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَحَدِيثُ مَعْمَرِ بْنِ مَالِكٍ وَهِشَامِ بْنِ سَعْدٍ كُلِّهِمْ عَنِ الزُّهْرِيِّ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
السَّادِس أَنَا قَدْ رَأَيْنَا صَاحِب الشَّرْع جَعَلَ نَظِير هَذِهِ الْكَفَّارَة
سَوَاء عَلَى التَّرْتِيب وَهِيَ كَفَّارَة الظِّهَار وَحُكْم النَّظِير حُكْم نَظِيره
وَلَا رَيْب أَنَّ إِلْحَاق كَفَّارَة الْجِمَاع فِي رَمَضَان بِكَفَّارَةِ الظِّهَار وَكَفَّارَة الْقَتْل أَوْلَى وَأَشْبَهَ مِنْ إِلْحَاقهَا بِكَفَّارَةِ الْيَمِين
قَالَ الْحَافِظ شَمْس الدِّين بن الْقَيِّم رَحِمه اللَّه هَذِهِ الزِّيَادَة وَهِيَ الْأَمْر بِالصَّوْمِ قَدْ طَعَنَ فِيهَا غَيْر وَاحِد مِنْ الْحُفَّاظ قَالَ عَبْد الْحَقّ وَطَرِيق حَدِيث مُسْلِم أَصَحّ وَأَشْهَر وَلَيْسَ فِيهَا صُمْ يَوْمًا وَلَا تَكْمِيله التَّمْر وَلَا الِاسْتِغْفَار وَإِنَّمَا يَصِحّ حَدِيث الْقَضَاء مُرْسَلًا وَكَذَلِكَ ذَكَره مَالِك فِي الْمُوَطَّأ وَهُوَ مِنْ مَرَاسِيل سَعِيد بْن الْمُسَيَّب رَوَاهُ مالك عن عطاء بن عبد الله الخرساني عَنْ سَعِيد بِالْقِصَّةِ وَقَالَ كُلّه وَصُمْ يَوْمًا مَكَان مَا أَصَبْت
وَاَلَّذِي أَنْكَرَهُ الْحُفَّاظ ذِكْر هَذِهِ اللَّفْظَة فِي حَدِيث الزُّهْرِيّ فَإِنَّ أَصْحَابه الْأَثْبَات الثِّقَات كَيُونُس وَعُقَيْل وَمَالك وَاللَّيْث بْن سَعْد وَشُعَيْب وَمَعْمَر وَعَبْد الرَّحْمَن بْن خَالِد لَمْ يَذْكُر أَحَد مِنْهُمْ هَذِهِ اللَّفْظَة وَإِنَّمَا ذَكَرهَا الضُّعَفَاء عَنْهُ كَهِشَامِ بْن سَعْد وَصَالِح بْن أَبِي الْأَخْضَر وَأَضْرَابهمَا
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ رُوَاتهَا ثقات رواه بن أَبِي أَوَيس عَنْ الزُّهْرِيّ وَتَابَعَهُ عَبْد الْجَبَّار بْن عُمَر عَنْهُ وَتَابَعَهُ أَيْضًا هِشَام بْن سَعْد عَنْهُ قَالَ وَكُلّهمْ ثِقَات
وَهَذَا لَا يُفِيد صِحَّة هَذِهِ اللَّفْظَة فَإِنَّ هَؤُلَاءِ إِنَّمَا هُمْ أَرْبَعَة وَقَدْ خَالَفَهُمْ مَنْ هُوَ أَوْثَق مِنْهُمْ وَأَكْثَر عَدَدًا وَهُمْ أَرْبَعُونَ نَفْسًا لَمْ يَذْكُر أَحَد مِنْهُمْ هَذِهِ اللَّفْظَة وَلَا رَيْب أَنَّ التَّعْلِيل بِدُونِ هَذَا مُؤَثِّر فِي صِحَّتهَا
وَلَوْ اِنْفَرَدَ بِهَذِهِ اللَّفْظَة مَنْ هُوَ أَحْفَظ مِنْهُمْ وَأَوْثَق وَخَالَفَهُمْ هَذَا الْعَدَد الْكَثِير لَوَجَبَ التَّوَقُّف فِيهَا وَثِقَة الرَّاوِي شَرْط فِي صِحَّة الْحَدِيث لَا مُوجِبَة بَلْ لَا بُدّ مِنْ اِنْتِفَاء الْعِلَّة وَالشُّذُوذ وَهُمَا غَيْر مُنْتَفِيَيْنِ فِي هَذِهِ اللَّفْظَة
وَقَدْ اِخْتَلَفَ الْفُقَهَاء فِي وُجُوب الْقَضَاء عَلَيْهِ فَمَذْهَب مَالِك وَأَحْمَد وَأَبِي حَنِيفَة وَالشَّافِعِيّ فِي أَظْهَر أَقْوَاله يَجِب عَلَيْهِ الْقَضَاء وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْل آخَر أَنَّهُ لَا يَجِب عَلَيْهِ الْقَضَاء إِذَا كَفَّرَ وَلَهُ قَوْل(7/19)
(احْتَرَقْتُ) وَهُوَ الْمُحْتَرِقُ بِالْجِنَايَةِ دُونَ غَيْرِهِ وَهَذَا تَأْوِيلُ قَوْلِهِ هَلَكْتُ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ (لِجِيَاعٍ) جَمْعُ جَائِعٍ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ بِنَحْوِهِ وَلَيْسَ فِيهِ قَدْرُ الصَّاعِ
8 - (باب التغليظ فيمن أَفْطَرَ عَمْدًا)
(حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ) هَذَا الْإِسْنَادُ هَكَذَا فِي النُّسَخِ الصَّحِيحَةِ وَكَذَا فِي تُحْفَةِ الْأَشْرَافِ وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْكِتَابِ تَحْرِيفٌ وَاخْتِلَافُ وَهُوَ غَلَطٌ قَطْعًا
قَالَ الْمِزِّيُّ الْمُطَوَّسُ
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
ثَالِث أَنَّهُ إِنَّ كَفَّرَ بِالصِّيَامِ فَلَا قَضَاء عَلَيْهِ وَإِنْ كَفَّرَ بِالْعِتْقِ أَوْ بِالْإِطْعَامِ قَضَى وَهَذَا قَوْل الْأَوْزَاعِيّ
قَالَ الْحَافِظ شَمْس الدِّين بن الْقَيِّم رَحِمه اللَّه وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ لَيْسَ فِي رُوَاته مَجْرُوح وَهَذِهِ الْعِبَارَة لَا تَنْفِي أَنْ يَكُون فِيهِمْ مَجْهُول لَا يُعْرَف بِجَرْحٍ وَلَا عدالة(7/20)
وَيُقَالُ أَبُو الْمُطَوَّسِ وَاسْمُ أَبِي الْمُطَوَّسِ يَزِيدُ بْنُ الْمُطَوَّسِ انْتَهَى
كَذَا فِي الْغَايَةِ (فِي غَيْرِ رُخْصَةٍ) كَسَفَرٍ وَمَرَضٍ مُبِيحٍ لِلْإِفْطَارِ (لَمْ يَقْضِ عَنْهُ) أَيْ عَنْ ثَوَابِ ذَلِكَ الْيَوْمِ (صِيَامُ الدَّهْرِ) أَيْ صَوْمُهُ فِيهِ فَالْإِضَافَةُ بِمَعْنَى فِي نَحْوُ مَكْرِ اللَّيْلِ
قَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ لَمْ يَجِدْ فَضِيلَةَ الصَّوْمِ الْمَفْرُوضِ بِصَوْمِ النَّفْلِ وَإِنْ سَقَطَ قَضَاؤُهُ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَاحِدٍ وَهَذَا عَلَى طَرِيقِ الْمُبَالَغَةِ وَالتَّشْدِيدِ
وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الظَّاهِرُ أَنَّ صَوْمَ الدَّهْرِ كُلِّهِ بِنِيَّةِ الْقَضَاءِ عَمَّا أَفْطَرَهُ مِنْ رَمَضَانَ لَا يُجْزِئُهُ قَالَ به علي وبن مَسْعُودٍ وَالَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ السَّلَفِ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ يَوْمٌ بَدَلَ يَوْمٍ وَإِنْ كَانَ مَا أَفْطَرَهُ فِي غَايَةِ الطُّولِ وَالْحَرِّ وَمَا صَامَهُ بَدَلَهُ فِي غَايَةِ الْقِصَرِ وَالْبَرْدِ وَلَا يُكْرَهُ قَضَاءُ رَمَضَانَ فِي زَمَنٍ وَشَذَّ مَنْ كَرِهَهُ فِي شَهْرِ ذِي الْحِجَّةِ
وَمَنْ أَفْطَرَ لِغَيْرِ عُذْرٍ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ فَوْرًا عَقِبَ يَوْمِ عَيْدِ الْفِطْرِ وَلِعُذْرٍ يُسَنُّ لَهُ ذَلِكَ وَلَا يَجِبُ انْتَهَى كلام ذلك البعض بتلخيص
قال القارىء وَالظَّاهِرُ أَنَّ الصَّلَاةَ فِي مَعْنَى الصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا بَلْ هِيَ أَفْضَلُ مِنْهُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا قَالَ وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ عِلَّةٍ وَلَا مَرَضٍ لَمْ يَقْضِهِ صِيَامُ الدَّهْرِ وَإِنْ صَامَهُ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ
وَسَمِعْتُ مُحَمَّدًا يَعْنِي الْبُخَارِيَّ يَقُولُ أَبُو الْمُطَوَّسِ اسْمُهُ يَزِيدُ بْنُ الْمُطَوَّسِ وَلَا أَعْرِفُ لَهُ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا تَفَرَّدَ أَبُو الْمُطَوَّسِ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَلَا نَعْرِفُ لَهُ غَيْرَهُ وَلَا أَدْرِي سَمِعَ أَبُوهُ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَمْ لَا
وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ خَلَفٍ فَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ لَا يُحْتَجُّ بِمِثْلِهِ
وَقَدْ صَحَّتِ الْكَفَّارَةُ بِأَسَانِيدَ صِحَاحٍ وَلَا يُعَارَضُ بِمِثْلِ هَذَا الْحَدِيثِ
وَقَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ قَالَ رَبِيعَةُ مَنْ أَفْطَرَ مِنْ رَمَضَانَ يَوْمًا قَضَى اثْنَيْ عَشَرَ يَوْمًا لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ ذِكْرُهُ اخْتَارَهُ شَهْرًا مِنَ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا فَعَلَيْهِ أَنْ يَقْضِي بَدَلًا مِنْ كُلِّ يَوْمٍ اثْنَيْ عَشَرَ يَوْمًا
قَالَ الشَّافِعِيُّ يَلْزَمُهُ مَنْ يَتْرُكُ الصَّلَاةَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَقْضِيَ تِلْكَ
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
وَيُقَال فِي هَذَا ثَلَاثَة أَقْوَال أَبُو الْمُطَوَّس وبن المطوس والمطوس تفرد بهذا الحديث قال بن حِبَّان لَا يَجُوز الِاحْتِجَاج بِمَا اِنْفَرَدَ بِهِ من الروايات(7/21)
الصلاة ألف شهر لأن الله عزوجل يَقُولُ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ
وَرُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يُقَالُ فِيهِ أَبُو الْمُطَوَّسِ وَالْمُطَوَّسُ وبن الْمُطَوَّسِ
وَقَالَ أَبُو حَاتِمِ بْنِ حِبَّانٍ لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِمَا فِي الْفَرْدِ مِنَ الرِّوَايَاتِ
(قال فلقيت بن الْمُطَوَّسِ) أَيْ قَالَ حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ فلقيت بن الْمُطَوَّسِ قَالَهُ الْمِزِّيُّ
وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو الْمُطَوَّسِ عَنْ أَبِيهِ
9 - (بَاب مَنْ أَكَلَ نَاسِيًا)
(أَخْبَرَنَا حماد) هو بن سلمة (عن أيوب) السختياني (وحبيب) بن الشَّهِيدِ (وَهِشَامِ) بْنِ حَسَّانَ ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ
قَالَهُ الْمِزِّيُّ
وَقَوْلُهُ حَبِيبٍ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ أَيُّوبٍ (إِنِّي أَكَلْتُ وَشَرِبْتُ نَاسِيًا وَأَنَا صَائِمٌ) وَقَدْ رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ أَنَّ إِنْسَانًا جَاءَ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ أَصْبَحْتُ صَائِمًا فَنَسِيتُ فَطَعِمْتُ فَقَالَ لَا بَأْسَ
قَالَ ثُمَّ دَخَلْتُ إِلَى إِنْسَانٍ فَنَسِيتُ فَطَعِمْتُ وَشَرِبْتُ قَالَ لَا بَأْسَ
اللَّهُ أَطْعَمَكَ وَسَقَاكَ
قَالَ ثُمَّ دَخَلْتُ عَلَى
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه اللَّه فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ نَسِيَ وَهُوَ صَائِم فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ فَلْيُتِمَّ صَوْمه فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّه وَسَقَاهُ وَعِنْد الْبُخَارِيّ فَأَكَلَ وَشَرِبَ وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ أَبِي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم إِذَا أَكَلَ الصَّائِم نَاسِيًا أَوْ شَرِبَ نَاسِيًا فَإِنَّمَا هُوَ رِزْق اللَّه سَاقَهُ اللَّه إِلَيْهِ وَلَا قَضَاء عَلَيْهِ هَذَا إِسْنَاد صَحِيح وَكُلّهمْ ثِقَات
وَفِي طَرِيق أُخْرَى لَا قَضَاء عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَة قَالَ وَهَذَا صَحِيح أَيْضًا(7/22)
آخَرَ فَنَسِيتُ فَطَعِمْتُ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَنْتَ إِنْسَانٌ لَمْ تَتَعَوَّدِ الصِّيَامَ
وَيُرْوَى أَوْ شَرِبَ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِمَا دُونَ بَاقِي الْمُفْطِرَاتِ لِأَنَّهُمَا الْغَالِبُ
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنَا خُزَيْمَةَ وَحِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَالدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَنْ أَفْطَرَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ نَاسِيًا فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ فَصَرَّحَ بِإِسْقَاطِ الْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ تَفَرَّدَ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ مَرْزُوقٍ وَهُوَ ثِقَةٌ عَنِ الأنصاري
وأجيب بأن بن خُزَيْمَةَ أَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْبَاهِلِيِّ وَبِأَنَّ الْحَاكِمَ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيِّ كِلَاهُمَا عَنِ الْأَنْصَارِيِّ فَهُوَ الْمُنْفَرِدُ بِهِ كَمَا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَهُوَ ثِقَةٌ ثُمَّ عَلَّلَ كَوْنَ النَّاسِي لَا يُفْطِرُ بِقَوْلِهِ (فَقَالَ أَطْعَمَكَ اللَّهُ وَسَقَاكَ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ إِذَا نَسِيَ فَأَكَلَ وَشَرِبَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ
وَقَالَ الطِّيبِيُّ إِنَّمَا لِلْحَصْرِ أَيْ مَا أَطْعَمَهُ أَحَدٌ وَلَا سَقَاهُ إِلَّا اللَّهُ
فَدَلَّ عَلَى أَنَّ هَذَا النِّسْيَانَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَمِنْ لُطْفِهِ فِي حَقِّ عِبَادِهِ تَيْسِيرًا عَلَيْهِمْ وَدَفْعًا لِلْحَرَجِ
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ النِّسْيَانُ ضَرُورَةٌ وَالْأَفْعَالُ الضَّرُورِيَّةُ غَيْرُ مُضَافَةٍ فِي الْحُكْمِ إِلَى فَاعِلِهَا وَلَا يُؤَاخَذُ بِهَا وَهَذَا الْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى الْإِمَامِ مَالِكٍ حَيْثُ قَالَ إِنَّ الصَّوْمَ يَبْطُلُ بِالنِّسْيَانِ وَيَجِبُ الْقَضَاءُ
قَالَهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ
0 - (بَاب تَأْخِيرِ قَضَاءِ رَمَضَانَ)
(إِنْ كَانَ) هِيَ مُخَفَّفَةٌ مِنَ الْمُثْقَلَةِ أَيْ أَنَّ الشَّأْنَ واحدا لِكَوْنَيْنِ زَائِدٌ قَالَهُ السِّنْدِيُّ (فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أقضيه حتى يأتي شعبان) لشغل مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا جَاءَ فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه اللَّه قَالَ الْمُنْذِرِيّ وَاخْتُلِفَ فِيمَا لَوْ أَخَّرَهُ عَنْ رَمَضَانَ آخَر فَقَالَ جَمَاعَة مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ يَقْضِي وَيُطْعِم كُلّ يَوْم مِسْكِينًا
قَالَ الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وهذا قول بن عباس وبن عُمَر وَأَبِي هُرَيْرَة وَمُجَاهِد وَسَعِيد بْن جُبَيْر وَالثَّوْرِيّ وَالْأَوْزاَعِيّ وَالْإِمَام(7/23)
قَالَ النَّوَوِيُّ وَقَدِ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا يَحِلُّ لَهَا صَوْمُ التَّطَوُّعِ وَزَوْجُهَا حَاضِرٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَرْوِيِّ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَإِنَّمَا كَانَتْ تَصُومُهُ فِي شَعْبَانَ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَصُومُ مُعْظَمَ شَعْبَانَ فَلَا حَاجَةَ لَهُ فِيهِنَّ حِينَئِذٍ فِي النَّهَارِ وَلِأَنَّهُ إِذَا جَاءَ شَعْبَانُ يَضِيقُ قَضَاءُ رَمَضَانَ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ عَنْهُ
وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَجَمَاهِيرِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ أَنَّ قَضَاءَ رَمَضَانَ فِي حَقِّ مَنْ أَفْطَرَ بِعُذْرٍ كَحَيْضٍ وَسَفَرٍ يَجِبُ عَلَى التَّرَاخِي وَلَا يُشْتَرَطُ الْمُبَادَرَةُ بِهِ فِي أَوَّلِ الْإِمْكَانِ لَكِنْ قَالُوا لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ عَنْ شَعْبَانَ الْآتِي لِأَنَّهُ يُؤَخِّرُهُ حِينَئِذٍ إِلَى زَمَانٍ لَا يَقْبَلُهُ وَهُوَ رَمَضَانُ الْآتِي فَصَارَ كَمَنْ أَخَّرَهُ إِلَى الْمَوْتِ
وَقَالَ دَاوُدُ تَجِبُ الْمُبَادَرَةُ فِي أَوَّلِ يَوْمٍ بَعْدَ الْعِيدِ مِنْ شَوَّالٍ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ هَذَا يَرُدُّ عَلَيْهِ
قَالَ الْجُمْهُورُ وَيُسْتَحَبُّ الْمُبَادَرَةُ بِهِ لِلِاحْتِيَاطِ فِيهِ فَإِنْ أَخَّرَهُ فَالصَّحِيحُ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّهُ يَجِبُ الْعَزْمِ عَلَى فِعْلِهِ وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي جَمِيعِ الْوَاجِبِ الْمُوَسَّعِ إِنَّمَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ بِشَرْطِ الْعَزْمِ عَلَى فِعْلِهِ حَتَّى لَوْ أَخَّرَهُ بِلَا عَزْمٍ عَصَى
وَقِيلَ لَا يُشْتَرَطَ الْعَزْمُ
وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ مَاتَ قَبْلَ خُرُوجِ شَعْبَانَ لَزِمَهُ الْفِدْيَةُ فِي تَرِكَتِهِ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مُدٌّ مِنْ طَعَامٍ هَذَا إِذَا كَانَ تَمَكَّنَ الْقَضَاءَ فَلَمْ يَقْضِ
فَأَمَّا مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ بِعُذْرٍ ثُمَّ اتَّصَلَ عَجْزُهُ فَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنَ الصوم حتى مات فلا صوم عليه ولايطعم عَنْهُ وَلَا يُصَامُ عَنْهُ
وَمَنْ أَرَادَ قَضَاءَ صَوْمِ رَمَضَانَ نُدِبَ مُرَتَّبًا مُتَوَالِيًا فَلَوْ قَضَاهُ غير مرتب أو مفرقا جاز وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ لِأَنَّ اسْمَ الصَّوْمِ يَقَعُ عَلَى الْجَمِيعِ
وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَأَهْلُ الظَّاهِرِ يَجِبُ تَتَابُعُهُ كَمَا يَجِبُ الْأَدَاءُ
انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ
وَفِيهِ حُجَّةٌ أَنَّ قَضَاءَ رَمَضَانَ لَيْسَ وَاجِبًا عَلَى الْفَوْرِ خِلَافًا لِدَاوُدَ فِي إِيجَابِهِ ثَانِي شَوَّالٍ وَأَنَّهُ آثِمٌ مَتَى لَمْ يَقْضِهِ
وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ أَخَّرَ الْقَضَاءَ إِلَى أَنْ
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
أَحْمَد وَالشَّافِعِيّ وَمَالك وَإِسْحَاق
وَقَالَ جَمَاعَة يَقْضِي وَلَا فِدْيَة عَلَيْهِ وَهَذَا يُرْوَى عَنْ الْحَسَن وَإِبْرَاهِيم النَّخَعِيِّ وَهُوَ مَذْهَب أَبِي حَنِيفَة
وَقَالَتْ طَائِفَة مِنْهُمْ قَتَادَة يُطْعِم وَلَا يَقْضِي
وَوَقَعَ فِي الصَّحِيحَيْنِ فِي هَذَا الْحَدِيث الشَّغْل بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَكِنَّ هَذِهِ اللَّفْظَة مُدْرَجَة فِي الْحَدِيث مِنْ كَلَام يَحْيَى بْن سَعِيد قَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ الْبُخَارِيّ فِي صَحِيحه قَالَ وَقَالَ يَحْيَى الشَّغْل مِنْ النبي أَوْ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي لَفْظ قَالَ يَحْيَى فَظَنَنْت أَنَّ ذَلِكَ لِمَكَانِهَا مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَة أَيْضًا قَالَتْ إِنْ كَانَتْ إِحْدَانَا لِتُفْطِر فِي رَمَضَان فِي زَمَان رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَا تَقْدِر أَنْ تَقْضِيَهُ مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يَأْتِي شَعْبَان(7/24)
يَدْخُلَ رَمَضَانُ مِنْ قَابِلٍ وَهُوَ مُسْتَطِيعٌ لَهُ فَإِنَّ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةَ قَالَ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ فِي ذِكْرِهَا شَعْبَانَ وَحَصْرِهَا مَوْضِعَ الْقَضَاءِ فِيهِ فَائِدَةٌ مِنْ بَيْنَ سَائِرِ الشُّهُورِ
وَذَهَبَ إِلَى إِيجَابِ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالْفُقَهَاءِ
وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ يَقْضِي وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِدْيَةٌ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَقَتَادَةُ يُطْعِمُ وَلَا يَقْضِي
وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَهِيِّ عَنْ عَائِشَةَ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ
1 - (بَاب فِيمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ)
(مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ هَذَا فِيمَنْ لَزِمَهُ فَرْضُ الصَّوْمِ إِمَّا نَذْرًا وَإِمَّا قَضَاءً عَنْ فَائِتٍ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ مُسَافِرًا وَيَقْدُمُ وَأَمْكَنَهُ الْقَضَاءُ فَفَرَّطَ فِيهِ حَتَّى مَاتَ أَوْ يَكُونَ مَرِيضًا فَيَبْرَأَ وَلَا يَقْضِي
وَإِلَى ظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ ذَهَبَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَقَالَا يصوم عنه
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وعن بن عَبَّاس قَالَ إِذَا مَرِضَ الرَّجُل فِي رَمَضَان ثُمَّ مَاتَ وَلَمْ يَصِحّ أُطْعِم عَنْهُ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ قَضَاء
وَإِنْ نَذَرَ قَضَى عَنْهُ وليه وفي الصحيحين عن بن عَبَّاس قَالَ جَاءَتْ اِمْرَأَة إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُول اللَّه إِنَّ أُمِّيّ مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْم نَذْر أَفَأَصُوم عَنْهَا فَقَالَ أَرَأَيْت لَوْ كَانَ عَلَى أُمّك دَيْنٌ فَقَضَيْته أَكَانَ يُؤَدِّي ذَلِكَ عَنْهَا قَالَتْ نَعَمْ
قَالَ فَصُومِي عَنْ أُمّك هَذَا لَفْظ مُسْلِم
وَلَفْظ الْبُخَارِيّ نَحْوه وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّ أَمْرَأَة جَاءَتْ فَقَالَتْ يَا رَسُول اللَّه إِنَّ أُخْتِي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صِيَام شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعِينَ وَذَكَر الْحَدِيث بِنَحْوِهِ وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ كُنْت جَالِسًا عِنْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ أَتَتْهُ اِمْرَأَة فَقَالَتْ إِنِّي تَصَدَّقْت عَلَى أُمِّي بِجَارِيَةٍ وَإِنَّهَا مَاتَتْ قَالَ وَجَبَ أَجْرك وَرَدَّهَا عَلَيْك الْمِيرَاث
قَالَتْ يَا رَسُول اللَّه إِنَّهُ كَانَ عَلَيْهَا صَوْم شَهْر
أَفَأَصُوم عَنْهَا قَالَ صُومِي عَنْهَا
قَالَتْ يَا رَسُول اللَّه إِنَّهَا لَمْ تَحُجّ أَفَأَحُجُّ عَنْهَا قَالَ حُجِّي عَنْهَا وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فَثَبَتَ بِهَذِهِ الْأَحَادِيث جَوَاز الصَّوْم عَنْ الْمَيِّت
وَقَالَ الشَّافِعِيّ فِي الْقَدِيم قَدْ وَرَدَ فِي الصَّوْم عَنْ الْمَيِّت شَيْء فَإِنْ كَانَ ثَابِتًا صِيمَ عَنْهُ كَمَا يُحَجّ عَنْهُ
وَقَالَ فِي الْجَدِيد فَإِنْ قِيلَ فَهَلْ رُوِيَ أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أَحَدًا أَنْ يَصُوم عَنْ أَحَد قِيلَ نَعَمْ روي عن بن عَبَّاس
فَإِنْ قِيلَ لِمَ لَا تَأْخُذ بِهِ قِيلَ حَدِيث الزُّهْرِيّ(7/25)
وَلِيُّهُ وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الظَّاهِرِ وَتَأَوَّلَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مَعْنَاهُ أَنْ يُطْعِمَ عَنْهُ وَلِيُّهُ فَإِذَا فَعَلَ عَنْهُ فَقَدْ صَامَ عَنْهُ وَسُمِّيَ الْإِطْعَامُ صِيَامًا عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ وَالِاتِّسَاعِ إِذَا كَانَ الطَّعَامُ قَدْ يَنُوبُ عَنْهُ وَمِنْهُ قَوْلُ الله سبحانه أو عدل ذلك صياما فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمَا يَتَنَاوَبَانِ فِي الْحُكْمِ
وَذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ صِيَامُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَقَاسُوهُ عَلَى الصَّلَاةِ وَنَظَائِرِهَا مِنْ أَعْمَالِ الْبَدَنِ الَّتِي لَا مَدْخَلَ لِلْمَالِ فِيهَا
وَاتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّهُ إِذَا أَفْطَرَ فِي الْمَرَضِ وَالسَّفَرِ ثُمَّ لَمْ يُفَرِّطْ فِي الْقَضَاءِ حَتَّى مَاتَ فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَا يَجِبُ الْإِطْعَامُ عَنْهُ غَيْرَ قَتَادَةَ فَإِنَّهُ قَالَ يطعم عنه وحكي ذلك أيضا عن طاووس
انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
(وَإِنْ نَذَرَ قَضَى عَنْهُ وَلِيُّهُ) فِي النَّيْلِ وَتَمَسَّكَ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ يَجُوزُ فِي النَّذْرِ دُونَ غَيْرِهِ بأن
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
عن عبيد الله عن بن عَبَّاس عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَذَرَ نَذْرًا وَلَمْ يُسَمِّهِ مَعَ حِفْظ الزُّهْرِيّ وَطُول مُجَالَسَة عُبَيْد اللَّه لِابْنِ عَبَّاس فَلَمًّا جاء غيره عن رجل عن بن عَبَّاس بِغَيْرِ مَا فِي حَدِيث عُبَيْد اللَّه أَشْبَهَ أَنْ لَا يَكُون مَحْفُوظًا
وَأَرَادَ الشَّافِعِيّ ما روى مالك عن بن شِهَاب عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه أَنَّ سَعْد بْن عُبَادَة اِسْتَفْتَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا نَذْر فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِقْضِهِ عَنْهَا وَهَذَا حَدِيث مُتَّفَق عَلَيْهِ مِنْ حَدِيث مَالِك وَغَيْره عَنْ الزُّهْرِيّ إِلَّا أَنَّ فِي رِوَايَة سَعِيد بْن جُبَيْر عن بن عَبَّاس أَنَّ اِمْرَأَة سَأَلَتْ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْحَكَمُ بْن عُتَيْبَة وَسَلَمَة بْن كُهَيْل عَنْ مُجَاهِد عن بن عَبَّاس وَفِي رِوَايَة عَنْ مُجَاهِد وَعَطَاء وَسَعِيد بن جبير عن بن عَبَّاس أَنَّ اِمْرَأَة سَأَلَتْ وَرَوَاهُ عِكْرِمَة عَنْ بن عَبَّاس
ثُمَّ رَوَاهُ بُرَيْدَةَ بْن حَصِيب عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَالْأَشْبَه أَنْ تكون هذه القصة التي وقع فِيهَا السُّؤَال نَصًّا غَيْر قِصَّة سَعْد بْن عُبَادَة الَّتِي وَقَعَ السُّؤَال فِيهَا عَنْ النَّذْر مُطْلَقًا كَيْف وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَائِشَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِسْنَادٍ صَحِيح النَّصّ عَلَى جَوَاز الصَّوْم عَنْ الْمَيِّت قَالَ وقد رأيت بعض أصحابنا يضعف حديث بن عَبَّاس
لِمَا رُوِيَ عَنْ يَزِيد بْن زُرَيْع عن حجاج الأحول عن أيوب بن موسى عن عطاء عن بن عَبَّاس أَنَّهُ قَالَ لَا يَصُوم أَحَد(7/26)
حديث عائشة مطلق وحديث بن عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا الَّذِي عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ كَمَا سَيَجِيءُ مُقَيَّدٌ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالصِّيَامِ صِيَامَ النَّذْرِ
قَالَ فِي الْفَتْحِ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا تَعَارُضٌ حتى يجمع فحديث بن عَبَّاسٍ صُورَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ يَسْأَلُ عَنْهَا مَنْ وَقَعَتْ لَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَهُوَ تَقْرِيرُ قَاعِدَةٍ
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
عَنْ أَحَد وَيُطْعِم عَنْهُ وَمَا رُوِيَ عَنْهُ فِي الْإِطْعَام عَمَّنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَام شَهْر رَمَضَان وَصِيَام شَهْر النَّذْر
وَضُعِّفَ حَدِيث عَائِشَة بِمَا رُوِيَ عَنْهَا فِي اِمْرَأَة مَاتَتْ وَعَلَيْهَا الصَّوْم
قَالَتْ يُطْعِم عَنْهَا وَفِي رِوَايَة عَنْهَا لَا تَصُومُوا عَنْ مَوْتَاكُمْ وَأَطْعِمُوا عَنْهُمْ قَالَ وَلَيْسَ فِيمَا ذَكَرُوا مَا يُوجِد لِلْحَدِيثِ ضَعْفًا فَمَنْ يُجَوِّز الصِّيَام عَنْ الْمَيِّت يُجَوِّز الْإِطْعَام عَنْهُ
وَفِيمَا رُوِيَ عَنْهَا فِي النَّهْيِ عَنْ الصَّوْم عَنْ الْمَيِّت نَظَرٌ وَالْأَحَادِيث الْمَرْفُوعَة أَصَحّ إِسْنَادًا وَأَشْهَر رِجَالًا وَقَدْ أَوْدَعَهَا صَاحِبَا الصَّحِيح كِتَابَيْهِمَا وَلَوْ وَقَفَ الشَّافِعِيُّ عَلَى جَمِيع طُرُقهَا وَتَظَاهُرِهَا لَمْ يُخَالِفْهَا إِنْ شَاءَ اللَّه
وَمِمَّنْ رأى جواز الصيام عن الميت طاووس وَالْحَسَن الْبَصْرِيُّ وَالزُّهْرِيّ وَقَتَادَة
آخِر كَلَام الْبَيْهَقِيّ
وَقَدْ اِخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْم فِيمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْم هَلْ يُقْضَى عَنْهُ عَلَى ثَلَاثَة أَقْوَال أَحَدُهَا لَا يُقْضَى عَنْهُ بِحَالٍ لَا فِي النَّذْر وَلَا فِي الْوَاجِبِ الْأَصْلِيِّ
وَهَذَا ظَاهِرُ مَذْهَب الشَّافِعِيّ وَمَذْهَب مَالِك وَأَبِي حَنِيفَة وَأَصْحَابه
الثَّانِي أَنَّهُ يُصَام عَنْهُ فِيهِمَا وَهَذَا قَوْل أَبِي ثَوْر وَأَحَد قَوْلَيْ الشَّافِعِيّ
الثَّالِث أَنَّهُ يُصَام عَنْهُ النَّذْر دُون الْفَرْض الْأَصْلِيِّ
وَهَذَا مَذْهَب أَحْمَد الْمَنْصُوص عَنْهُ وَقَوْل أَبِي عُبَيْد والليث بن سعد وهو المنصوص عن بن عَبَّاس
رَوَى الْأَثْرَم عَنْهُ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُل مَاتَ وَعَلَيْهِ نَذْر صَوْم شَهْر وَعَلَيْهِ صَوْم رَمَضَان قَالَ أَمَّا رَمَضَان فَلْيُطْعَمْ عَنْهُ وَأَمَّا النَّذْر فَيُصَام وَهَذَا أَعْدَل الْأَقْوَال
وَعَلَيْهِ يَدُلّ كَلَام الصَّحَابَة وَبِهَذَا يَزُول الْإِشْكَال
وَتَعْلِيل حديث بن عَبَّاس أَنَّهُ قَالَ لَا يَصُوم أَحَد عَنْ أَحَد وَيُطْعِم عَنْهُ فَإِنَّ هَذَا إِنَّمَا هُوَ فِي الْفَرْض الْأَصْلِيّ وَأَمَّا النَّذْر فَيُصَام عَنْهُ كما صرح به بن عَبَّاس وَلَا مُعَارَضَة بَيْن فَتْوَاه وَرِوَايَته
وَهَذَا هُوَ الْمَرْوِيّ عَنْهُ فِي قِصَّة مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْم رَمَضَان وَصَوْم النَّذْر فَرَّقَ بَيْنهمَا فَأَفْتَى بِالْإِطْعَامِ فِي رَمَضَان وَبِالصَّوْمِ عَنْهُ فِي النَّذْر فَأَيّ شَيْء فِي هَذَا مِمَّا يُوجِب تَعْلِيل حَدِيثه وَمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَة مِنْ إِفْتَائِهَا فِي الَّتِي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا الصَّوْم أَنَّهُ يُطْعِم عَنْهَا إِنَّمَا هُوَ فِي الْفَرْض لَا فِي النَّذْر لِأَنَّ الثَّابِت عَنْ عَائِشَة فِيمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَام رَمَضَان أَنَّهُ يُطْعِم عَنْهُ فِي قَضَاء رَمَضَان وَلَا يُصَام فَالْمَنْقُول عَنْهَا(7/27)
عامة وقد وقعت الإشارة في حديث بن عَبَّاسٍ إِلَى نَحْوِ هَذَا الْعُمُومِ حَيْثُ قَالَ فِي آخِرِهِ فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى انتهى
وإنما قال إن حديث بن عَبَّاسٍ صُورَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ يَعْنِي أَنَّهُ مِنَ التَّنْصِيصِ عَلَى بَعْضِ أَفْرَادِ الْعَامِّ فَلَا يَصْلُحُ لِتَخْصِيصِهِ وَلَا لِتَقْيِيدِهِ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت يارسول اللَّهِ إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ نَذْرٍ أَفَأَصُومُ عَنْهَا فَقَالَ أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ فَقَضَيْتِهُ كَانَ يُؤَدِّي ذَلِكَ عَنْهَا قَالَتْ نَعَمْ قَالَ فَصُومِي عَنْ أُمِّكِ هَذَا لَفْظُ مُسْلِمٍ وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ بِنَحْوِهِ
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
كالمنقول عن بن عَبَّاس سَوَاء فَلَا تَعَارُض بَيْن رَأْيهَا وَرِوَايَتهَا
وَبِهَذَا يَظْهَر اِتِّفَاق الرِّوَايَات فِي هَذَا الْبَاب وَمُوَافَقَة فَتَاوِي الصَّحَابَة لَهَا وَهُوَ مُقْتَضَى الدَّلِيل وَالْقِيَاس لِأَنَّ النَّذْر لَيْسَ وَاجِبًا بِأَصْلِ الشَّرْع وَإِنَّمَا أَوْجَبَهُ الْعَبْد عَلَى نَفْسه فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الدَّيْن الَّذِي اِسْتَدَانَهُ وَلِهَذَا شَبَّهَهُ النَّبِيّ صَلَّى الله عليه وسلم بالدين في حديث بن عباس
والمسؤول عَنْهُ فِيهِ أَنَّهُ كَانَ صَوْم نَذْر وَالدَّيْن تَدْخُلهُ النِّيَابَة
وَأَمَّا الصَّوْم الَّذِي فَرَضَهُ اللَّه عَلَيْهِ اِبْتِدَاء فَهُوَ أَحَد أَرْكَان الْإِسْلَام
فَلَا يَدْخُلهُ النِّيَابَة بِحَالٍ كَمَا لَا يَدْخُل الصَّلَاة وَالشَّهَادَتَيْنِ
فَإِنَّ الْمَقْصُود مِنْهَا طَاعَة الْعَبْد بِنَفْسِهِ وَقِيَامه بِحَقِّ الْعُبُودِيَّة الَّتِي خُلِقَ لَهَا وَأُمِرَ بِهَا
وَهَذَا أَمْر لَا يُؤَدِّيه عَنْهُ غَيْره كَمَا لَا يُسْلِم عَنْهُ غَيْره وَلَا يُصَلِّي عَنْهُ غَيْره
وَهَكَذَا مَنْ تَرَك الْحَجّ عَمْدًا مَعَ الْقُدْرَة عَلَيْهِ حَتَّى مَاتَ أَوْ تَرَك الزَّكَاة فَلَمْ يُخْرِجهَا حَتَّى مَاتَ
فَإِنَّ مُقْتَضَى الدَّلِيل وَقَوَاعِد الشَّرْع أَنَّ فِعْلَهُمَا عَنْهُ بَعْد الموت لا يبرىء ذِمَّتَهُ
وَلَا يُقْبَل مِنْهُ
وَالْحَقّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَع
وَسِرّ الْفَرْق أَنَّ النَّذْر اِلْتِزَام الْمُكَلَّف لِمَا شَغَلَ بِهِ ذِمَّته لَا أَنَّ الشَّارِع أَلْزَمهُ بِهِ اِبْتِدَاء فَهُوَ أَخَفّ حُكْمًا مِمَّا جَعَلَهُ الشَّارِع حَقًّا لَهُ عَلَيْهِ شَاءَ أَمْ أَبَى وَالذِّمَّة تَسَعُ الْمَقْدُور عَلَيْهِ وَالْمَعْجُوز عَنْهُ وَلِهَذَا تَقْبَل أَنْ يَشْغَلهَا الْمُكَلَّف بِمَا لَا قُدْرَة لَهُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ وَاجِبَات الشَّرْع
فَإِنَّهَا عَلَى قَدْر طَاقَة الْبَدَن لَا تَجِبُ عَلَى عاجز
فواجب الذمة أَوْسَعَ مِنْ وَاجِب الشَّرْع الْأَصْلِيّ لِأَنَّ الْمُكَلَّف مُتِمّكُنَّ مِنْ إِيجَاب وَاجِبَات وَاسِعَة وَطَرِيق أَدَاء وَاجِبهَا أَوْسَعَ مِنْ طَرِيق أَدَاء وَاجِب الشَّرْع
فَلَا يَلْزَم مِنْ دُخُول النِّيَابَة فِي وَاجِبهَا بَعْد الْمَوْت دُخُولهَا فِي وَاجِب الشَّرْع
وَهَذَا يُبَيِّن أَنَّ الصَّحَابَة أَفْقَهُ الْخَلْق وَأَعْمَقهمْ عِلْمًا وَأُعْرَفُهُمْ بِأَسْرَارِ الشَّرْع وَمَقَاصِده وَحِكَمِهِ
وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيق(7/28)
42 - (بَاب الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ)
(إِنِّي رَجُلٌ أَسْرُدُ الصَّوْمَ) قَالَ فِي الْفَتْحِ أَيْ أُتَابِعُهُ
وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنْ لَا كَرَاهِيَةَ فِي صِيَامِ الدَّهْرِ وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ لِأَنَّ التَّتَابُعَ يَصْدُقُ بِدُونِ صَوْمِ الدَّهْرِ فَإِنْ ثَبَتَ النَّهْيُ عَنْ صَوْمِ الدَّهْرِ لَمْ يُعَارِضُهُ هَذَا الْإِذْنُ بِالسَّرْدِ بَلِ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَاضِحٌ (أَفَأَصُومُ فِي السَّفَرِ) قال بن دَقِيقِ الْعِيدِ لَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ صَوْمُ رَمَضَانَ فَلَا يَكُونُ فِيهِ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ مَنَعَ صِيَامَ رَمَضَانَ فِي السَّفَرِ
قَالَ الْحَافِظُ هُوَ كَمَا قَالَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى سِيَاقِ حَدِيثِ الْبَابِ لَكِنْ فِي رِوَايَةِ أَبِي مَرَاوِحِ الَّتِي عند مسلم أنه قال يارسول اللَّهِ أَجِدُ بِي قُوَّةً عَلَى الصِّيَامِ فِي السَّفَرِ فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هِيَ رُخْصَةٌ مِنَ اللَّهِ فَمَنْ أَخَذَ بِهَا فَحَسَنٌ وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَصُومَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ وَهَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّهُ سَأَلَ عَنْ صِيَامِ الْفَرِيضَةِ وَذَلِكَ أَنَّ الرُّخْصَةَ إِنَّمَا تُطْلَقُ فِي مُقَابَلَةِ مَا هُوَ وَاجِبٌ
وَأَصْرَحُ مِنْ ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْزَةَ بن عمرو عن أبيه أنه قال يارسول اللَّهِ إِنِّي صَاحِبُ ظَهْرٍ أُعَالِجُهُ أُسَافِرُ عَلَيْهِ وَأَكْرِيهِ وَإِنَّهُ رُبَّمَا صَادَفَنِي هَذَا الشَّهْرَ يَعْنِي رَمَضَانَ وَأَنَا أَجِدُ الْقُوَّةَ وَأَجِدُنِي أَنْ أَصُومَ أَهْوَنُ عَلَيَّ مِنْ أَنْ أُؤَخِّرَهُ فَيَكُونَ دَيْنًا علي
فقال أي ذلك شئت ياحمزة انْتَهَى (قَالَ صُمْ إِنْ شِئْتَ وَأَفْطِرْ إِنْ شِئْتَ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ هَذَا نَصٌّ فِي إِثْبَاتِ الْخِيَارِ لِلْمُسَافِرِ بَيْنَ الصَّوْمِ وَالْإِفْطَارِ وَفِيهِ بَيَانُ جَوَازِ صَوْمِ الْفَرْضِ لِلْمُسَافِرِ إِذَا صَامَهُ وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَّا مَا رُوِيَ عن بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ إِنْ صَامَ فِي السَّفَرِ قَضَى فِي الْحَضَرِ
وَقَدْ روى عن بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ لَا يُجْزِئُهُ
وَذَهَبَ إِلَى هَذَا مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ دَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ بَعْدَ هَذَا فِي أَفْضَلِ الْأَمْرَيْنِ مِنْهُمَا فَقَالَتْ طَائِفَةٌ أَفْضَلُ الْأَمْرَيْنِ الْفِطْرُ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَالشَّعْبِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ
وَقَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ أَفْضَلُ الْأَمْرَيْنِ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ وَبِهِ قَالَ النَّخَعِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ
وَقَالَتْ فِرْقَةٌ ثَالِثَةٌ أَفْضَلُ الْأَمْرَيْنِ أَيْسَرُهُمَا عَلَى الْمَرْءِ لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ ولا يريد بكم العسر فَإِنْ كَانَ الصِّيَامُ أَيْسَرُ عَلَيْهِ صَامَ وَإِنْ كَانَ الْفِطْرُ أَيْسَرُ فَلْيُفْطِرْ
وَإِلَيْهِ(7/29)
ذَهَبَ مُجَاهِدُ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَقَتَادَةُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ
(إِنِّي صَاحِبُ ظَهْرٍ) أَيْ مَرْكَبٍ (أُعَالِجُهُ) أَيْ أَسْتَعْمِلُهُ (رُبَّمَا صَادَفَنِي) أَيْ أَدْرَكَنِي (فَأَجِدُ بِأَنْ أَصُومَ) أَيْ أَجِدُ حَالِي عَلَى هَذَا النَّهْجِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مَرَاوِحِ عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو بِنَحْوِهِ
(مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ) أَيْ عَامَ الْفَتْحِ (حَتَّى بَلَغَ عُسْفَانَ) بِضَمِّ الْعَيْنِ وَسُكُونِ السِّينِ الْمُهْمَلَتَيْنِ هُوَ مَوْضِعٌ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ (ثُمَّ دَعَا بِإِنَاءٍ) أَيْ طَلَبَهُ (لِيُرِيَهُ النَّاسَ) أَيْ لِيَعْلَمُوا جَوَازَهُ أَوْ لِيَخْتَارُوا مُتَابَعَتَهُ
وَعِنْدَ الشَّيْخَيْنِ لِيَرَاهُ النَّاسُ فَأَفْطَرَ حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ
قَالَ الطِّيبِيُّ دَلَّ عَلَى أَنَّ مَنْ أَصْبَحَ صَائِمًا فِي السَّفَرِ جَازَ أَنْ يُفْطِرَ (فَمَنْ شَاءَ صَامَ وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ) أَيْ لَا حَرَجَ عَلَى أَحَدِهِمَا
وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ لَا فَرْقَ عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ بَيْنَ مَنْ يُنْشِئُ السَّفَرَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ وَبَيْنَ مَنْ يَدْخُلُ عَلَيْهِ شَهْرُ رَمَضَانَ وَهُوَ مُسَافِرٌ
وَقَالَ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيُّ إِذَا أَنْشَأَ السَّفَرَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ لَا يَجُوزُ لَهُ الْإِفْطَارُ لِظَاهِرِ قوله تعالى فمن شهد منكم الشهر فليصمه وَهَذَا الْحَدِيثُ حُجَّةٌ عَلَى الْقَائِلِ وَمَعْنَى الْآيَةِ الشَّهْرُ كُلُّهُ فَأَمَّا مَنْ شَهِدَ بَعْضَهُ فَلَمْ يشهد الشهر
قال علي القارىء وَالْأَظْهَرُ أَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ شَيْئًا مِنْهُ مِنْ غَيْرِ مَرَضٍ وَسَفَرٍ
وَاخْتُلِفَ أَيُّ يَوْمٍ خَرَجَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْفَتْحِ فَقِيلَ لِعَشْرٍ خَلَوْنَ مِنْ رَمَضَانَ بَعْدَ الْعَصْرِ وَقِيلَ لِلَيْلَتَيْنِ خَلَتَا مِنْ رَمَضَانَ وَهُوَ الْأَصَحُّ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ(7/30)
(فَلَمْ يَعِبِ الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ إِلَخْ) قَالَ مُحَمَّدُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْمُوَطَّأِ مَنْ شَاءَ صَامَ فِي السَّفَرِ وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ وَالصَّوْمُ أَفْضَلُ لِمَنْ قَوِيَ عَلَيْهِ انْتَهَى أَيْ لِقَوْلِهِ تعالى وأن تصوموا خير لكم وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ
وَقَالَ أَحْمَدُ وَالْأَوْزَاعِيُّ الْفِطْرُ أَحَبُّ مُطْلَقًا لِحَدِيثِ لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الظَّاهِرِ لَا يَصِحُّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ تَمَسُّكًا بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ
وَالْجُمْهُورُ حَمَلُوهُ عَلَى مُسَافِرٍ ضَرَّهُ الصَّوْمُ وَيُؤَيِّدُهُ مَا وَرَدَ مِنْ سَبَبٍ أَيْ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ فَرَأَى زِحَامًا وَرَجُلًا قَدْ ظُلِّلَ عليه الحديث
قاله علي القارىء فِي شَرْحِ الْمُوَطَّأِ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
(إِنَّكُمْ قَدْ دَنَوْتُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَالْفِطْرُ أَقْوَى لَكُمْ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْفِطْرَ لِمَنْ وَصَلَ فِي سَفَرِهِ إِلَى مَوْضِعٍ قَرِيبٍ مِنَ الْعَدُوِّ أَوْلَى لِأَنَّهُ رُبَّمَا وَصَلَ إِلَيْهِمُ الْعَدُوُّ إِلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ الَّذِي هُوَ مَظِنَّةُ مُلَاقَاةِ الْعَدُوِّ وَلِهَذَا كَانَ الْإِفْطَارُ أَوْلَى وَلَمْ يَتَحَتَّمْ
وَأَمَّا إِذَا كَانَ لِقَاءُ الْعَدُوِّ مُتَحَقِّقًا فَالْإِفْطَارُ عَزِيمَةٌ لِأَنَّ الصَّائِمُ يَضْعُفُ عَنْ مُنَازَلَةِ الْأَقْرَانِ وَلَا سِيَّمَا عِنْدَ غَلَيَانِ مَرَاجِلِ الضِّرَابِ وَالطِّعَانِ وَلَا يَخْفَى مَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْإِهَانَةِ لِجُنُودِ الْمُحِقِّينَ وَإِدْخَالِ الْوَهْنِ عَلَى عَامَّةِ الْمُجَاهِدِينَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَسَافَةَ الَّتِي يُبَاحُ الْإِفْطَارُ فِيهَا هِيَ الْمَسَافَةُ الَّتِي يُبَاحُ الْقَصْرُ فِيهَا
وَالْخِلَافُ هُنَا كَالْخِلَافِ هُنَاكَ
قَالَهُ الشَّوْكَانِيُّ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ(7/31)
43 - (بَاب اخْتِيَارِ الْفِطْرِ)
(رَأَى رَجُلًا) هُوَ أَبُو إِسْرَائِيلَ وَاسْمُهُ قَيْسٌ وَقِيلَ قُشَيْرٌ وَقِيلَ قَيْصَرٌ وَهُوَ الْأَصَحُّ
ذَكَرَهُ مَيْرَكُ (يُظَلَّلُ عَلَيْهِ) بِصِيغَةِ المجهول أي جعل عليه ظل اتقاء عن الشَّمْسِ أَوْ إِبْقَاءً عَلَيْهِ لِلْإِفَاقَةِ لِأَنَّهُ سَقَطَ مِنْ شِدَّةِ الْحَرَارَةِ أَوْ مِنْ ضَعْفِ الصَّوْمِ أَوْ مِنَ الْإِغْمَاءِ
قَالَ فِي التَّتِمَّةِ إِنَّهُ كَانَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ فِي ظِلِّ شَجَرَةٍ
هكذا هو في مسند الشافعي
وقال الشيخ بن حَجَرٍ هُوَ فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ كَمَا بَيَّنَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى (وَالزِّحَامُ عَلَيْهِ) بِكَسْرِ الزَّايِ أَيْ مُزَاحَمَةٌ فِي الِاجْتِمَاعِ عَلَى غَرَضِ الِاطِّلَاعِ (فَقَالَ) أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ هَذَا كَلَامٌ خَرَجَ عَلَى سَبَبٍ فَهُوَ مَقْصُورٌ عَلَى مَنْ كَانَ فِي مِثْلِ حَالِهِ كَأَنَّهُ قَالَ لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ أَنْ يَصُومَ الْمُسَافِرُ إِذَا كَانَ الصَّوْمُ يُؤَدِّيهِ إِلَى مِثْلِ هَذِهِ الْحَالِ بِدَلِيلِ صِيَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرِهِ عَامَ الْفَتْحِ وَبِدَلِيلِ خَبَرِ حَمْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ وَتَخْيِيرِهِ إِيَّاهُ بَيْنَ الصَّوْمِ وَالْإِفْطَارِ
وَلَوْ لَمْ يَكُنِ الصَّوْمُ بِرًّا لَمْ يُخَيِّرْهُ فِيهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَفِي الْفَتْحِ أَنَّ الصَّوْمَ لِمَنْ قَوِيَ عَلَيْهِ أَفْضَلُ مِنَ الْفِطْرِ وَالْفِطْرُ لِمَنْ شَقَّ عَلَيْهِ الصَّوْمُ أَوْ
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه اللَّه
وَقَدْ اِحْتَجَّ بِهِ مَنْ يُوجِب الْفِطْر فِي السَّفَر
وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ الْفِطْر كَانَ آخِر الْأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَكَانُوا يَأْخُذُونَ بِالْأَحْدَثِ فَالْأَحْدَث مِنْ أَمْر الرسول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِحَدِيثِ دِحْيَة بْن خَلِيفَة الْكَلْبِيّ أَنَّهُ لَمَّا سَافَرَ مِنْ قَرْيَته فِي رَمَضَان وَذَلِكَ ثَلَاثَة أَمْيَال أَفْطَرَ فَأَفْطَرَ مَعَهُ النَّاس وَكَرِهَ ذَلِكَ آخَرُونَ فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى قَرْيَته قَالَ وَاَللَّه لَقَدْ رَأَيْت أَمْرًا مَا كُنْت أَظُنّ(7/32)
أَعْرَضَ عَنْ قَبُولِ الرُّخْصَةِ أَفْضَلُ مِنَ الصَّوْمِ وإن لم يتحقق الْمَشَقَّةُ يُخَيَّرُ بَيْنَ الصَّوْمِ وَالْفِطْرِ
وَقَدِ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِيهِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ
(عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَجُلٍ إِلَخْ) قَالَ فِي الْمِرْقَاةِ هُوَ مِنْ بَنِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ عَلَى مَا جَزَمَ بِهِ الْبُخَارِيُّ فِي تَرْجَمَتِهِ وَجَرَى عَلَيْهِ أَبُو دَاوُدَ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ أَخُوهُ قُشَيْرٌ فَهُوَ كَعْبِيٌّ لَا قُشَيْرِيٌّ خِلَافًا لِمَا وَقَعَ لِابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ لِأَنَّ كَعْبًا لَهُ ابْنَانِ عَبْدُ اللَّهِ جَدُّ أَنَسٍ هَذَا وَقُشَيْرٌ وَهُوَ أَخُو عَبْدِ اللَّهِ وَأَمَّا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ خَادِمُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ أَنْصَارِيٌّ خَزْرَجِيٌّ انْتَهَى (اجْلِسْ أُحَدِّثْكَ عَنِ الصَّلَاةِ وَعَنِ الصِّيَامِ إِلَخْ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِيهِ أَشْيَاءُ ذَاتُ عَدَدٍ مَسُوقَةٌ فِي الذِّكْرِ مُفْتَرِقَةٌ فِي الْحُكْمِ وَذَلِكَ أَنَّ الشَّطْرَ الْمَوْضُوعَ مِنَ الصَّلَاةِ يَسْقُطُ لَا إِلَى قَضَاءٍ وَالصَّوْمُ يَسْقُطُ فِي السَّفَرِ تَرْخِيصًا لِلْمُسَافِرِ ثُمَّ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ إِذَا أَقَامَ
وَالْحَامِلُ وَالْمُرْضِعُ يُفْطِرَانِ إِبْقَاءً عَلَى الْوَلَدِ ثُمَّ يَقْضِيَانِ وَيُطْعِمَانِ مِنْ أَجْلِ أَنَّ إِفْطَارَهُمَا كَانَ مِنْ أَجْلِ غَيْرِ أَنْفُسِهِمَا
وَمِمَّنْ أَوْجَبَ عَلَى الْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ مَعَ الْقَضَاءِ الْإِطْعَامَ مُجَاهِدٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ
وَقَالَ مَالِكٌ الْحُبْلَى تَقْضِي وَلَا تُكَفِّرُ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْمَرِيضِ وَالْمُرْضِعُ تَقْضِي وَتُكَفِّرُ
وَقَالَ الْحَسَنُ وَعَطَاءٌ يَقْضِيَانِ
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
أَنِّي أَرَاهُ إِنَّ قَوْمًا رَغِبُوا عَنْ هَدْي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه يَقُول ذَلِكَ لِلَّذِينَ صَامُوا
ثُمَّ قَالَ عِنْد ذَلِكَ اللَّهُمَّ اِقْبِضْنِي إِلَيْك
رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْره
وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِقَبُولِ رُخْصَة الْفِطْر
فَرَوَى النَّسَائِيّ مِنْ حَدِيث جَابِرٍ يَرْفَعُهُ لَيْسَ مِنْ الْبِرّ أَنْ تَصُومُوا فِي السَّفَر وَعَلَيْكُمْ بِرُخْصَةِ اللَّه الَّتِي رَخَّصَ لَكُمْ فَاقْبَلُوهَا
وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الَّذِينَ صَامُوا أُولَئِكَ الْعُصَاة رَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي قِصَّة فِطْره عَام الْفَتْح
وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِقَوْلِ عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف الصَّائِمُ فِي السَّفَرِ كَالْمُفْطِرِ فِي الْحَضَر
رَوَاهُ النَّسَائِيّ
وَلَا يَصِحُّ رَفْعُهُ وَإِنَّمَا هُوَ مَوْقُوفٌ(7/33)
وَلَا يُطْعِمَانِ كَالْمَرِيضِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ (وَضَعَ شَطْرَ الصَّلَاةِ) أَيْ رَفَعَ نِصْفَ الصَّلَاةِ الرُّبَاعِيَّةِ ابْتِدَاءً عَنِ الْمُسَافِرِ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ (أَوْ نِصْفَ الصَّلَاةِ) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي (وَالصَّوْمَ) بِالنَّصْبِ عَطْفٌ عَلَى شَطْرِ الصَّلَاةِ (فَتَلَهَّفَتْ نَفْسِي) أَيْ تَأَسَّفَتْ (أَنْ لَا أَكُونَ أَكَلْتُ) أَيْ عَلَى تَرْكِ أَكْلِي مِنْ طَعَامِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الترمذي والنسائي وبن مَاجَهْ
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَلَا نَعْرِفُ لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ هَذَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ الْوَاحِدِ
هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ
وَأَنَسٌ هَذَا كُنْيَتُهُ أَبُو أُمَيَّةَ
وَفِي الرِّوَايَةِ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ خَمْسَةٌ اثْنَانِ صَحَابِيَّانِ هَذَا وَأَبُو حَمْزَةَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيُّ خَادِمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَالِدُ الْإِمَامِ مَالِكِ بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رُوِيَ عَنْهُ حَدِيثٌ فِي إِسْنَادِهِ نَظَرٌ وَالرَّابِعُ شَيْخٌ حِمْصِيٌّ حَدَّثَ وَالْخَامِسُ كُوفِيٌّ حَدَّثَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَالْأَعْمَشِ وَغَيْرِهِمَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِأَنَّ اللَّه تَعَالَى إِنَّمَا أَمَرَ الْمُسَافِر بِالْعِدَّةِ مِنْ أَيَّام أُخَرَ فَهِيَ فَرْضه الَّذِي أُمِرَ بِهِ فَلَا يَجُوزُ غَيْرُهُ
وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ غَيْر وَاحِد مِنْ الصَّحَابَة
وَأَجَابَ الْأَكْثَرُونَ عَنْ هَذَا بِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيم الصَّوْم فِي السَّفَر عَلَى الْإِطْلَاق وَقَدْ أَخْبَرَ أَبُو سَعِيد أَنَّهُ صَامَ مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْد الْفَتْح فِي السَّفَر
قَالُوا وَأَمَّا قَوْله لَيْسَ مِنْ الْبِرّ الصِّيَام فِي السَّفَر فَهَذَا خَرَجَ عَلَى شَخْص مُعَيَّنٍ رَآهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ وَجَهِده الصَّوْم فَقَالَ هَذَا الْقَوْل أَيْ لَيْسَ الْبِرّ أَنْ يُجْهِد الْإِنْسَانُ نَفْسَهُ حَتَّى يَبْلُغ بِهَا هَذَا الْمَبْلَغ وَقَدْ فَسَّحَ اللَّه لَهُ فِي الْفِطْر
فَالْأَخْذ إِنَّمَا يَكُون بِعُمُومِ اللَّفْظ الَّذِي يَدُلّ سِيَاق الْكَلَام عَلَى إِرَادَته فَلَيْسَ مِنْ الْبِرّ هَذَا النَّوْع مِنْ الصِّيَام الْمُشَار إِلَيْهِ فِي السَّفَر
وَأَيْضًا فَقَوْله لَيْسَ مِنْ الْبِرّ أَيْ لَيْسَ هُوَ أَبَرّ الْبِرّ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُون الْإِفْطَار أَبَرّ مِنْهُ إِذَا كَانَ فِي حَجٍّ أَوْ جِهَادٍ يَتَقَوَّى عَلَيْهِ
وَقَدْ يَكُون الْفِطْر فِي السَّفَر الْمُبَاح بِرًّا لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى أَبَاحَهُ وَرَخَّصَ فِيهِ وَهُوَ سُبْحَانه يُحِبّ أَنْ يُؤْخَذ بِرُخَصِهِ وَمَا يُحِبّهُ اللَّه فَهُوَ بِرّ فَلَمْ يَنْحَصِر الْبِرّ فِي الصِّيَام فِي السَّفَر
وَتَكُون مِنْ عَلَى هَذَا زَائِدَةٌ وَيَكُون كَقَوْلِهِ تَعَالَى {لَيْسَ الْبِرُّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهكُمْ}
الْآيَة وَكَقَوْلِك مَا جَاءَنِي مِنْ أَحَد وَفِي هَذَا نَظَرٌ
وَأَحْسَن مِنْهُ أَنْ يُقَال إِنَّهَا لَيْسَتْ بِزَائِدَةٍ بَلْ هِيَ عَلَى حَالهَا
وَالْمَعْنَى أَنَّ الصَّوْم فِي السَّفَر لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الَّذِي تَظُنُّونَهُ وَتَتَنَافَسُونَ عَلَيْهِ
فَإِنَّهُمْ ظَنُّوا أَنَّ الصوم هو(7/34)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
الَّذِي يُحِبّهُ اللَّه وَلَا يُحِبُّ سِوَاهُ وَأَنَّهُ وَحْدَهُ الْبِرّ الَّذِي لَا أَبَرّ مِنْهُ فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ الصَّوْم فِي السَّفَر لَيْسَ مِنْ هَذَا النَّوْع الَّذِي تَظُنُّونَهُ فَإِنَّهُ قَدْ يَكُون الْفِطْر أَحَبُّ إِلَى اللَّه مِنْهُ فَيَكُون هُوَ الْبِرّ
قَالُوا وَأَمَّا كَوْنُ الْفِطْر كَانَ آخِر الْأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَالْمُرَاد بِهِ وَاقِعَةٌ مُعَيَّنَةٌ وَهِيَ غَزَاة الْفَتْح فَإِنَّهُ صَامَ حَتَّى بَلَغَ الْكَدِيد ثُمَّ أَفْطَرَ فَكَانَ فِطْرُهُ آخِرَ أَمْرَيْهِ لَا أَنَّهُ حَرَّمَ الصَّوْم وَنَظِيرُ هَذَا قَوْل جَابِر كَانَ آخِر الْأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرْك الْوُضُوء مِمَّا مَسَّتْهُ النَّار إِنَّمَا هُوَ فِي وَاقِعَة مُعَيَّنَة دُعِيَ لِطَعَامٍ فَأَكَلَ مِنْهُ ثُمَّ تَوَضَّأَ وَقَامَ إِلَى الصَّلَاة ثُمَّ أَكَلَ مِنْهُ وَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأ فَكَانَ آخِر الْأَمْرَيْنِ مِنْهُ تَرْك الْوُضُوء مِمَّا مَسَّتْ النَّار
وَجَابِر هُوَ الَّذِي رَوَى هَذَا وَهَذَا فَاخْتَصَرَهُ بَعْض الرُّوَاة وَاقْتَصَرَ مِنْهُ عَلَى آخِره
وَلَمْ يَذْكُر جَابِر لَفْظًا عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ هَذَا آخِر الْأَمْرَيْنِ مِنِّي وكذلك قصة الصيام وإنما حكوا ما شاهدوه أَنَّهُ فَعَلَ هَذَا وَهَذَا وَآخِرهمَا مِنْهُ الْفِطْر وَتَرْك الْوُضُوء وَإِعْطَاء الْأَدِلَّة حَقّهَا يُزِيل الِاشْتِبَاه وَالِاخْتِلَاف عَنْهَا
وَأَمَّا قِصَّة دِحْيَة بْن خَلِيفَة الْكَلْبِيّ فَإِنَّمَا أَنْكَرَ فِيهَا عَلَى مَنْ صَامَ رَغْبَة عَنْ سُنَّة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَظَنًّا أَنَّهُ لَا يَسُوغ الْفِطْر وَلَا رَيْب أَنَّ مِثْل هَذَا قَدْ اِرْتَكَبَ مُنْكَرًا وَهُوَ عَاصٍ بِصَوْمِهِ
وَاَلَّذِينَ أَمَرَهُمْ الصَّحَابَة بِالْقَضَاءِ وَأَخْبَرُوا أَنَّ صَوْمهمْ لَا يَجْزِيهِمْ هُمْ هَؤُلَاءِ فَإِنَّهُمْ صَامُوا صَوْمًا لَمْ يَشْرَعْهُ اللَّه وَهُوَ أَنَّهُمْ ظَنُّوا أَنَّهُ حَتْمٌ عَلَيْهِمْ كَالْمُقِيمِ
وَلَا ريب أن هذا حكم لم يشرعه الله وَهُوَ أَنَّهُمْ ظَنُّوا أَنَّهُ حَتْمٌ عَلَيْهِمْ كَالْمُقِيمِ ولا ريب أن هذا حكم لم يشرعه اللَّه فَلَمْ يَمْتَثِلُوا مَا أُمِرُوا بِهِ مِنْ الصَّوْم فَأَمَرَهُمْ الصَّحَابَة بِالْقَضَاءِ
هَذَا أَحْسَن مَا حُمِلَ عَلَيْهِ قَوْل مَنْ أَفْتَى بِذَلِكَ مِنْ الصَّحَابَة وَعَلَيْهِ يُحْمَل قَوْل مَنْ قَالَ مِنْهُمْ الصَّائِم فِي السَّفَر كَالْمُفْطِرِ فِي الْحَضَر وَهَذَا مِنْ كَمَالِ فِقْهِهِمْ وَدِقَّة نَظَرِهِمْ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ
قَالُوا وَأَمَّا قَوْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْكُمْ بِرُخْصَةِ اللَّه الَّتِي رَخَّصَ لَكُمْ فَاقْبَلُوهَا فَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ قَبُول الْمُكَلَّف لِرُخْصَةِ اللَّه وَاجِبٌ وَهَذَا حَقٌّ فَإِنَّهُ مَتَى لَمْ يَقْبَل الرُّخْصَة رَدَّهَا وَلَمْ يَرَهَا رُخْصَة وَهَذَا عُدْوَانٌ مِنْهُ وَمَعْصِيَةٌ وَلَكِنْ إِذَا قَبِلَهَا فَإِنْ شَاءَ أَخَذَ بِهَا وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ بِالْعَزِيمَةِ
هَذَا مَعَ أَنَّ سِيَاق الْحَدِيث يَدُلّ عَلَى أَنَّ الْأَمْر بِالرُّخْصَةِ لِمَنْ جَهِدَهُ الصَّوْم وَخَافَ عَلَى نَفْسه وَمِثْل هَذَا يُؤْمَر بِالْفِطْرِ
فَعَنْ جَابِر أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِرَجُلٍ فِي ظِلِّ شَجَرَةٍ يُرَشّ عَلَيْهِ الْمَاء
قَالَ مَا بَال صَاحِبكُمْ هَذَا قَالُوا يَا رَسُول اللَّه صَائِم
قَالَ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْبِرّ أَنْ تَصُومُوا فِي السَّفَر وَعَلَيْكُمْ بِرُخْصَةِ اللَّه الَّتِي رَخَّصَ لَكُمْ فَاقْبَلُوهَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ
قَالُوا وَأَمَّا قَوْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُولَئِكَ الْعُصَاة فَذَاكَ فِي وَاقِعَة مُعَيَّنَة أَرَادَ مِنْهُمْ الْفِطْر فَخَالَفَهُ بَعْضهمْ فَقَالَ هَذَا
فَفِي النَّسَائِيّ عَنْ جَعْفَر بْن مُحَمَّد عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِر قَالَ خَرَجَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَكَّة عَام الْفَتْح فِي رَمَضَان فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ كُرَاع الْغَمِيم فَصَامَ النَّاس مَعَهُ فَبَلَغَهُ أَنَّ النَّاس شَقَّ عَلَيْهِمْ الصِّيَام فَدَعَا بِقَدَحٍ مِنْ مَاء بَعْد الْعَصْر فَشَرِبَ وَالنَّاس يَنْظُرُونَ فَأَفْطَرَ بَعْضُ النَّاس وَصَامَ بَعْض(7/35)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
فَبَلَغَهُ أَنَّ نَاسًا صَامُوا
فَقَالَ أُولَئِكَ الْعُصَاة فَالنَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا أَفْطَرَ بَعْد الْعَصْر لِيَقْتَدُوا بِهِ فَلَمَّا لَمْ يَقْتَدِ بِهِ بَعْضهمْ قَالَ أُولَئِكَ الْعُصَاة وَلَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ تَحْرِيم الصِّيَام مُطْلَقًا عَلَى الْمُسَافِر
وَالدَّلِيل عَلَيْهِ
مَا رَوَى النَّسَائِيّ أَيْضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ أُتِيَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم بِمَرِّ الظَّهْرَان فَقَالَ لِأَبِي بَكْر وَعُمَر ادْنِيَا فَكُلَا
فَقَالَا إِنَّا صَائِمَانِ
فَقَالَ اِرْحَلُوا لِصَاحِبِكُمْ اِعْمَلُوا لِصَاحِبِكُمْ وَأَعَلَّهُ بِالْإِرْسَالِ
وَمَرُّ الظَّهْرَان أَدْنَى إِلَى مَكَّة مِنْ كُرَاع الْغَمِيم فَإِنَّ كُرَاع الْغَمِيم بَيْن يَدِي عُسْفَان بِنَحْوِ ثَمَانِيَة أَمْيَال وَبَيْن مَكَّة وعسفان سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ مِيلًا
قَالُوا وَأَمَّا اِحْتِجَاجكُمْ بِالْآيَةِ وَأَنَّ اللَّه أَمَرَ الْمُسَافِر بِعِدَّةٍ مِنْ أَيَّام أُخَر فَهِيَ فَرْضه الَّذِي لَا يَجُوز غَيْره فَاسْتِدْلَالٌ بَاطِلٌ قَطْعًا
فَإِنَّ الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَة وَهُوَ أَعْلَم الْخَلْق بِمَعْنَاهَا وَالْمُرَاد مِنْهَا قَدْ صَامَ بَعْد نُزُولهَا بِأَعْوَامٍ فِي السَّفَر وَمُحَال أَنْ يَكُون الْمُرَاد مِنْهَا مَا ذَكَرْتُمْ وَلَا يَعْتَقِدُهُ مُسْلِم فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَاد بِهَا غَيْر مَا ذَكَرْتُمْ
فَإِمَّا أَنْ يَكُون الْمَعْنَى فَأَفْطَرَ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّام أُخَر كَمَا قَالَ الْأَكْثَرُونَ أَوْ يَكُون الْمَعْنَى فَعِدَّة مِنْ أَيَّام أُخَر تُجْزِي عَنْهُ وَتُقْبَل مِنْهُ وَنَحْو ذَلِكَ
فَمَا الَّذِي أَوْجَبَ تَعْيِين التَّقْدِير بِأَنَّ عَلَيْهِ عِدَّة مِنْ أَيَّام أخر أو ففرضه ونحو ذلك وبالجملة فَفِعْلُ مَنْ أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ تَفْسِيرُهَا وَتَبْيِينُ الْمُرَاد مِنْهَا وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيق
وَهَذَا مَوْضِع يَغْلَط فِيهِ كَثِير مِنْ قَاصِرِي الْعِلْم يَحْتَجُّونَ بِعُمُومِ نَصٍّ عَلَى حُكْمٍ وَيَغْفُلُونَ عَنْ عَمَل صَاحِب الشَّرِيعَة وَعَمَل أَصْحَابه الَّذِي يُبَيِّن مُرَاده وَمَنْ تَدَبَّرَ هَذَا عَلِمَ بِهِ مُرَاد النُّصُوص وَفَهِمَ مَعَانِيهَا
وَكَانَ يَدُور بَيْنِي وَبَيْن الْمَكِّيِّينَ كَلَامٌ فِي الِاعْتِمَار مِنْ مَكَّة فِي رَمَضَان وَغَيْره
فَأَقُول لَهُمْ كَثْرَة الطَّوَاف أَفْضَل مِنْهَا فَيَذْكُرُونَ قَوْله صلى الله عليه وسلم عُمْرَةٌ فِي رَمَضَان تَعْدِل حَجَّة فَقُلْت لَهُمْ فِي أَثْنَاء ذَلِكَ مُحَال أَنْ يَكُون مُرَاد صَاحِب الشَّرْع الْعُمْرَة الَّتِي يُخْرَج إِلَيْهَا مِنْ مَكَّة إِلَى أَدْنَى الْحِلّ وَأَنَّهَا تَعْدِل حَجَّة ثُمَّ لَا يَفْعَلهَا هُوَ مُدَّة مَقَامه بِمَكَّة أَصْلًا لَا قَبْل الْفَتْح وَلَا بَعْده وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابه مَعَ أَنَّهُمْ كَانُوا أَحْرَص الْأُمَّة عَلَى الْخَيْر وَأَعْلَمهُمْ بِمُرَادِ الرَّسُول وَأَقْدِرهُمْ عَلَى الْعَمَل بِهِ
ثُمَّ مَعَ ذَلِكَ يَرْغَبُونَ عَنْ هَذَا الْعَمَل الْيَسِير وَالْأَجْر الْعَظِيم يَقْدِر أَنْ يَحُجَّ أَحَدهمْ فِي رَمَضَان ثَلَاثِينَ حَجَّة أَوْ أَكْثَر ثُمَّ لَا يَأْتِي مِنْهَا بِحَجَّةٍ وَاحِدَةٍ وَتَخْتَصُّونَ أَنْتُمْ عَنْهُمْ بِهَذَا الْفَضْل وَالثَّوَاب حَتَّى يَحْصُل لِأَحَدِكُمْ سِتُّونَ حَجَّة أَوْ أَكْثَر هَذَا مَا لَا يَظُنُّهُ مَنْ لَهُ مَسْكَة عَقْلٍ
وَإِنَّمَا خَرَجَ كَلَامُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْعُمْرَة الْمُعْتَادَة الَّتِي فَعَلَهَا هو وأصحابه وهي التي أنشأوا السَّفَر لَهَا مِنْ أَوْطَانِهِمْ وَبِهَا أَمَرَ أُمّ مَعْقِل وَقَالَ لَهَا عُمْرَة فِي رَمَضَان تَعْدِل حَجَّة وَلَمْ يَقُلْ لِأَهْلِ مَكَّة اُخْرُجُوا إِلَى أَدْنَى الْحِلّ فَأَكْثِرُوا مِنْ الِاعْتِمَار فَإِنَّ عُمْرَةً فِي رَمَضَان تَعْدِل حَجَّة
وَلَا فَهِمَ هَذَا أَحَد مِنْهُمْ
وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيق(7/36)
44 - (بَاب مَنْ اخْتَارَ الصِّيَامَ)
(حَدَّثَتْنِي أُمُّ الدَّرْدَاءِ) الصُّغْرَى وَاسْمُهَا هُجَيْمَةُ التَّابِعِيَّةُ وَلَيْسَتِ الْكُبْرَى الْمُسَمَّاةَ خَيْرَةَ الصَّحَابِيَّةَ وَكِلْتَاهُمَا زَوْجَتَا أَبِي الدَّرْدَاءِ (عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ) عُوَيْمِرِ بْنِ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيِّ الْخَزْرَجِيِّ (فِي بَعْضِ غَزَوَاتِهِ) زَادَ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ هَذَا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ لِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ الْمَذْكُورَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ أَنَّهُ كَانَ صَائِمًا اسْتُشْهِدَ بِمُؤْتَةَ قَبْلَ غَزْوَةِ الْفَتْحِ بِلَا خِلَافٍ لَا فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ لِأَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءَ لَمْ يَكُنْ حِينَئِذٍ أَسْلَمَ (مَا فِينَا صَائِمٌ إِلَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ) وَهَذَا مِمَّا يُؤَيِّدُ أَنَّ هَذَا السَّفَرَ لَمْ يَكُنْ فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ لِأَنَّ الَّذِينَ اسْتَمَرُّوا عَلَى الصِّيَامِ مِنَ الصَّحَابَةِ كَانُوا جماعة وفي هذا أنه بن رَوَاحَةَ وَحْدَهُ
قَالَهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وبن مَاجَهْ
(سِنَانَ بْنَ سَلَمَةَ بْنِ الْمُحَبَّقِ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ الْمُشَدَّدَةِ وَبِكَسْرٍ قَالَ الطِّيبِيُّ بِكَسْرِ الْبَاءِ
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه اللَّه وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْم فِي الْأَفْضَل مِنْ الصَّوْم وَالْفِطْر فَذَهَبَ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو وَعَبْد اللَّه بْن عَبَّاس وَسَعِيد بْن الْمُسَيَّب وَالشَّعْبِيّ وَالْأَوْزاَعِيّ وَإِسْحَاق وَأَحْمَد إِلَى أَنَّ الْفِطْر أَفْضَل
وَذَهَبَ أَنَس وَعُثْمَان بْن أَبِي الْعَاصِ إِلَى أَنَّ الصَّوْم أَفْضَل
وَهُوَ قَوْل الشَّافِعِيّ وَأَبِي حَنِيفَة وَمَالِك
وَذَهَبَ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز وَمُجَاهِد وَقَتَادَة إِلَى أَنَّ أَفْضَل الْأَمْرَيْنِ أَيْسَرهمَا
لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يُرِيد اللَّه بِكَمْ الْيُسْر وَلَا يُرِيد بِكَمْ الْعُسْر}
وَذَهَبَتْ طَائِفَة إِلَى أَنَّهُمَا سَوَاء لَا يُرَجَّح أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَر وَذَهَبَتْ طَائِفَة إِلَى تَحْرِيم الصَّوْم فِي السَّفَر وأنه لا يجزئ
وَقَدْ عَلِمْت أَدِلَّة كُلّ فَرِيق مِمَّا تَقَدَّمَ(7/37)
وأهل الحديث يفتحونها
قال القارىء قُلْتُ قَوْلُ الْمُحَدِّثِينَ أَقْوَى مِنَ اللُّغَوِيِّينَ وَأَحْرَى كَمَا لَا يَخْفَى (مَنْ كَانَتْ لَهُ حَمُولَةٌ) بِفَتْحِ الْحَاءِ أَيْ مَرْكُوبٌ كُلُّ مَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ مِنْ إِبِلٍ أَوْ حِمَارٍ أَوْ غَيْرِهِمَا وَفَعُولٌ يَدْخُلُهُ الْهَاءُ إِذَا كَانَ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ أَيْ مَنْ كَانَ لَهُ دَابَّةٌ (تَأْوِي) أَيْ تَأْوِيهِ فَإِنَّ آوَى لَازِمٌ وَمُتَعَدٍّ عَلَى لَفْظٍ واحد
وفي الحديث يجوز الوجهان والمعنى تؤوي صَاحِبَهَا أَوْ تَأْوِي بِصَاحِبِهَا (إِلَى شِبْعٍ) بِكَسْرِ الشِّينِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ مَا أَشْبَعَكَ وَبِفَتْحِ الْبَاءِ الْمَصْدَرُ وَالْمَعْنَى الْأَوَّلُ هُنَا أَظْهَرُ وَالثَّانِي يَحْتَاجُ إِلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ وَهُوَ فِي الرِّوَايَةِ أَكْثَرُ يَعْنِي مَنْ كَانَتْ لَهُ حَمُولَةٌ تَأْوِيهِ إِلَى حَالِ شِبَعٍ وَرَفَاهِيَةٍ أَوْ إِلَى مَقَامِ يَقْدِرُ عَلَى الشِّبَعِ فِيهِ وَلَمْ يَلْحَقْهُ فِي سَفَرِهِ وَعْثَاءٌ وَمَشَقَّةٌ وَعَنَاءٌ (فَلْيَصُمْ رَمَضَانَ حَيْثُ أَدْرَكَهُ) أَيْ رَمَضَانُ
قَالَ الطِّيبِيُّ الْأَمْرُ فِيهِ مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ وَالْحَثِّ عَلَى الْأَوْلَى وَالْأَفْضَلِ لِلنُّصُوصِ الدَّالَّةِ عَلَى جَوَازِ الْإِفْطَارِ فِي السَّفَرِ مُطْلَقًا
وَقَالَ الْمُظْهِرُ يَعْنِي مَنْ كَانَ رَاكِبًا وَسَفَرُهُ قَصِيرٌ بِحَيْثُ يَبْلُغُ إِلَى الْمَنْزِلِ فِي يَوْمِهِ فَلْيَصُمْ رَمَضَانَ
وَقَالَ دَاوُدُ يَجُوزُ الْإِفْطَارُ فِي السفر أي قدر كان
قاله علي القارىء
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ حَبِيبٍ الْأَزْدِيُّ الْعَوْذِيُّ الْمِصْرِيُّ
قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ وَلَيْسَ بِالْمَتْرُوكِ
وَقَالَ يَحْيَى مِنْ كِبَارِ الضُّعَفَاءِ
قَالَ الْبُخَارِيُّ لَيِّنُ الْحَدِيثِ ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ حَبِيبٍ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ ذَاهِبٌ وَلَمْ يَعُدَّ الْبُخَارِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ شَيْئًا
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ لَيِّنُ الْحَدِيثِ ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ
وَذَكَرَ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ الْعُقَيْلِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ وَقَالَ لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ وَلَا يُعْرَفُ إِلَّا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
5 - (بَاب مَتَى يُفْطِرُ الْمُسَافِرُ إِذَا خَرَجَ)
(عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ) الْبَصْرِيُّ الْقَوَارِيرِيُّ (حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ) أَبُو عبد الرحمن(7/38)
الْمِصْرِيُّ نَزِيلُ مَكَّةَ (أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى) الْمَعَافِرِيُّ الْبُرُلُّسِيُّ (الْمَعْنَى) أَيْ مَعْنَى حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَحْيَى وَاحِدٌ (حَدَّثَنِي) أَيْ قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ (زَادَ جَعْفَرٌ) أَيْ قَالَ جَعْفَرُ بْنُ مُسَافِرٍ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَحْيَى (وَاللَّيْثُ) بِالرَّفْعِ أَيْ حَدَّثَنِي سَعِيدٌ وَاللَّيْثُ (قَالَ) أَيْ سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ وَكَذَا قَالَ اللَّيْثُ (حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ) وَالْحَاصِلُ أَنَّ فِي رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَاسِطَةَ سَعِيدِ بْنَ أَبِي أَيُّوبَ بَيْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ وَيَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ وَفِي رِوَايَةِ جَعْفَرٍ وَاسِطَةُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ أَيْضًا بَيْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَحْيَى وَيَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ
وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ أَنَّ كُلَيْبَ بْنَ ذُهْلٍ أَخْبَرَهُ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ نَحْوَهُ
وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ حَدِيثًا آخَرَ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ طَرِيقِ حَجَّاجِ وَيُونُسَ قَالَا حَدَّثَنَا اللَّيْثُ حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ فَذَكَرَهُ (عَنْ عُبَيْدٍ) بِغَيْرِ ذِكْرِ نَسَبٍ هَكَذَا فِي رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ (قَالَ جَعْفَرُ) بن مسافر في روايته (بن جَبْرٍ) أَيْ عُبَيْدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَلَفْظُ جَبْرٍ هَكَذَا وَقَعَ بِفَتْحِ الْجِيمِ
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه اللَّه وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب قَالَ أَتَيْت أَنَس بْن مَالِك فِي رَمَضَان وَهُوَ يُرِيد سَفَرًا
وَقَدْ رُحِّلَتْ لَهُ رَاحِلَته وَلَبِسَ ثِيَاب السَّفَر
فَدَعَا بِطَعَامٍ فَأَكَلَ
فَقُلْت لَهُ سُنَّة فَقَالَ سُنَّة
ثُمَّ رَكِبَ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيث حَسَن
وَفِيهِ حُجَّة لِمَنْ جَوَّزَ لِلْمُسَافِرِ الْفِطْر فِي يَوْمٍ سَافَرَ فِي أَثْنَائِهِ
وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ الْإِمَام أَحْمَد وَقَوْل عَمْرو بْن شُرَحْبِيل وَالشَّعْبِيّ وَإِسْحَاق
وحكاه عن أنس وهو قول داود وبن الْمُنْذِر
وَقَالَ مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَأَبُو حَنِيفَة لَا يُفْطِر
وَهُوَ قَوْل الزُّهْرِيّ وَالْأَوْزاَعِيّ وَمَكْحُول
وَفِي الْمَسْأَلَة قَوْل شَاذٌّ جِدًّا لَا يُلْتَفَت إِلَيْهِ وَهُوَ أَنَّهُ إِنْ دَخَلَ عَلَيْهِ الشَّهْر وَهُوَ مُقِيمٌ ثُمَّ سَافَرَ فِي أَثْنَائِهِ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْفِطْر
وَلَا يُفْطِر حَتَّى يَدْخُل عَلَيْهِ رَمَضَان مُسَافِرًا
وَهَذَا قَوْل عُبَيْدَة السَّلْمَانِيّ وَأَبِي مِجْلِز وَسُوِيد بْن غَفَلَة
وَقَدْ صَحَّ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ إِلَى الْفَتْح فِي رَمَضَان
فَصَامَ وَأَفْطَرَ(7/39)
مُكَبَّرًا فِي نُسَخِ الْكِتَابِ وَهَكَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَأَمَّا فِي الْمِيزَانِ وَالتَّقْرِيبِ فَبِضَمِّ الْجِيمِ مُصَغَّرًا
قَالَ الْحَافِظُ هُوَ الْقِبْطِيُّ مَوْلَى أَبِي بَصْرَةَ وَذَكَرَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ فِي الثِّقَاتِ وَقَالَ بن خُزَيْمَةَ لَا أَعْرِفُهُ انْتَهَى (فِي سَفِينَةٍ مِنَ الْفُسْطَاطِ) بِضَمِّ الْفَاءِ أَوْ كَسْرِهَا فَسُكُونُ السِّينِ الْمَدِينَةُ الَّتِي فِيهَا مَجْمَعُ النَّاسِ وَيُقَالُ لِمِصْرَ وَالْبَصْرَةِ الْفُسْطَاطُ قَالَهُ السِّنْدِيُّ وَفِي النَّيْلِ هُوَ اسْمُ عَلَمٍ لِمِصْرَ الْعَتِيقَةِ الَّتِي بَنَاهَا عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ انْتَهَى
وَالْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ صِفَةُ سَفِينَةٍ أَيْ خَرَجَتِ السَّفِينَةُ مِنَ الْفُسْطَاطِ
وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ قَالَ رَكِبْتُ مَعَ أَبِي بَصْرَةَ مِنَ الْفُسْطَاطِ إِلَى الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ فِي سَفِينَةٍ
وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ رَكِبْتُ مَعَ أَبِي بَصْرَةَ السَّفِينَةَ وَهُوَ يُرِيدُ الْإِسْكَنْدَرِيَّةَ (فَرُفِعَ) بِالرَّاءِ بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ رَفَعَ أَبُو بَصْرَةَ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ عَلَى السَّفِينَةِ
وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ فَدُفِعَ بِالدَّالِ وَهُوَ الْوَاضِحُ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ فَلَمَّا دَفَعْنَا مِنْ مَرْسَانَا أَمَرَ بِسُفْرَتِهِ فَقُرِّبَتْ (غَدَاؤُهُ) أَيْ طَعَامُ أَوَّلِ النَّهَارِ (قَالَ) أَبُو بَصْرَةَ (اقْتَرِبْ) أَيْ لِأَجْلِ الطَّعَامِ وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ ثُمَّ دَعَانِي إِلَى الْغَدَاءِ (أَلَسْتَ تَرَى الْبُيُوتَ) وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ مَا تَغِيبَ عَنَّا مَنَازِلُنَا بَعْدُ (أَتَرْغَبُ عن سنة رسول الله) وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ قَالَ أَتَيْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ فِي رَمَضَانَ وَهُوَ يُرِيدُ السَّفَرَ أَوْ قَدْ رُحِّلَتْ لَهُ رَاحِلَتُهُ وَلَبِسَ ثِيَابَ السَّفَرِ فَدَعَا بِطَعَامٍ فَأَكَلَ فَقُلْتُ لَهُ سُنَّةٌ فَقَالَ سُنَّةٌ
ثُمَّ رَكِبَ انْتَهَى
وَقَوْلُ الصَّحَابِيِّ مِنَ السُّنَّةِ يَنْصَرِفُ إِلَى سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ صَرَّحَ هَذَانِ الصَّحَابِيَّانِ بِأَنَّ الْإِفْطَارَ لِلْمُسَافِرِ قَبْلَ مُجَاوَزَةِ الْبُيُوتِ مِنَ السُّنَّةِ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِيهِ حُجَّةٌ لِمَنْ رَأَى لِلْمُقِيمِ ذِي الصِّيَامِ إِذَا سَافَرَ مِنْ يَوْمِهِ أَنْ يُفْطِرَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَعَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ يُفْطِرُ إِنْ شَاءَ وَهُوَ فِي بَيْتِهِ يَوْمَ يُرِيدُ أَنْ يَخْرُجَ
وقال إسحاق بن رَاهْوَيْهِ إِذَا وَضَعَ رِجْلَهُ فِي الرَّحْلِ فَلَهُ أَنْ يُفْطِرَ وَحَكَاهُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَشَبَّهُوهُ بِمَنْ أَصْبَحَ صَائِمًا ثُمَّ مَرِضَ فِي يَوْمِهِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ مِنْ أَجْلِ الْمَرَضِ قَالُوا فَكَذَلِكَ مَنْ أَصْبَحَ صَائِمًا ثُمَّ سَافَرَ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَمْرَيْنِ سَبَبٌ لِلرُّخْصَةِ حَدَثَ بَعْدَ مَا مَضَى شَيْءٌ مِنَ النَّهَارِ
قُلْتُ وَالسَّفَرُ لَا يُشْبِهُ الْمَرَضَ لِأَنَّ السَّفَرَ مِنْ فِعْلِهِ وَهُوَ الَّذِي يُنْشِئُهُ بِاخْتِيَارِهِ وَالْمَرَضُ شَيْءٌ يَحْدُثُ عَلَيْهِ لَا بِاخْتِيَارِهِ فَهُوَ يُعْذَرُ فِيهِ وَلَا يُعْذَرُ فِي السَّفَرِ الَّذِي فِعْلُ نَفْسِهِ
وَلَوْ كَانَ فِي الصَّلَاةِ فَمَرِضَ كَانَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ قَاعِدًا وَلَوْ سَافَرَ وَهُوَ صَائِمٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ
وقال أبو حنيفة وأصحابي لا يفطر إذ سَافَرَ يَوْمَهُ ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَالشَّافِعِيِّ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنِ(7/40)
النَّخَعِيِّ وَمَكْحُولٍ وَالزُّهْرِيِّ
قُلْتُ وَهَذَا أَحْوَطُ الْأَمْرَيْنِ
وَالْإِقَامَةُ إِذَا اخْتَلَطَ حُكْمُهَا بِحُكْمِ السَّفَرِ غُلِّبَ حُكْمُ الْمُقَامِ انْتَهَى كَلَامُهُ
وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْمُنْذِرِيُّ وَالْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ وَرِجَالُ إِسْنَادِهِ ثِقَاتٌ
وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي مَيْسَرَةَ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ أَنَّهُ كَانَ يُسَافِرُ وَهُوَ صَائِمٌ فَيُفْطِرُ مِنْ يَوْمِهِ
6 - (بَاب قَدْرِ مَسِيرَةِ مَا يُفْطَرُ فِيهِ)
(أَنَّ دِحْيَةَ بْنَ خَلِيفَةَ) الْكَلْبِيَّ صَحَابِيٌّ جَلِيلٌ نَزَلَ الْمِزَّةَ
كَذَا فِي التَّقْرِيبِ (خَرَجَ مِنْ قَرْيَةٍ) لَهُ يُقَالُ لَهَا مِزَّةُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ الزَّايِ هِيَ قَرْيَةٌ كَبِيرَةٌ فِي سَفْحِ الْجَبَلِ مِنْ أَعْلَى دِمَشْقَ
كَذَا فِي الْمَرَاصِدِ (مِنْ دِمَشْقَ) أَيْ قَرْيَةٌ كَائِنَةٌ مِنْ أَعْمَالِ دِمَشْقَ وَعِنْدَ أَحْمَدَ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ قَرْيَتِهِ (إِلَى قَدْرِ قَرْيَةِ عَقَبَةَ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَبِفَتْحِ الْقَافِ بِإِضَافَةِ قَرْيَةٍ إِلَى عَقَبَةَ (مِنَ الْفُسْطَاطِ) وَاعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرَ
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه اللَّه قَالَ الْمُجَوِّزُونَ لِلْفِطْرِ فِي مُطْلَق السَّفَر هَبْ أَنَّ حَدِيث دِحْيَة لَمْ يَثْبُت
فَقَدْ أَطْلَقَهُ اللَّه تَعَالَى وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِحَدٍّ كَمَا أَطْلَقَهُ فِي آيَة التَّيَمُّم فَلَا يَجُوز حَدُّهُ إِلَّا بِنَصٍّ مِنْ الشَّارِع أَوْ إِجْمَاعٍ مِنْ الْأُمَّة وَكِلَاهُمَا مِمَّا لَا سَبِيل إِلَيْهِ
كَيْف وَقَدْ قَصَرَ أَهْل مَكَّة مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَة وَمُزْدَلِفَة وَلَا تَأْثِير لِلنُّسُكِ فِي الْقَصْر بِحَالٍ فَإِنَّ الشَّارِع إِنَّمَا عَلَّلَ الْقَصْر بِالسَّفَرِ فَهُوَ الْوَصْف الْمُؤَثِّر فِيهِ وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سَمَّى مَسِيرَة الْبَرِيد سَفَرًا فِي قَوْله لَا يَحِلّ لِامْرَأَةِ تُؤْمِن بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر أَنْ تُسَافِر بَرِيدًا إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَم وَقَالَ تَعَالَى {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِط أَوْ لَامَسْتُمْ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُوا مَاء فَتَيَمَّمُوا} وَهَذَا يَدْخُل فِيهِ كُلّ سَفَر طَوِيل أَوْ قَصِير
وَقَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَافَرْتُمْ فِي الْخِصْب فَأَعْطُوا الْإِبِل حَقّهَا مِنْ الْأَرْض
وَإِذَا سَافَرْتُمْ فِي الْجَدْب فَبَادِرُوا بِهَا نَقْبهَا وَهَذَا يَعُمّ كُلّ سَفَر وَلَمْ يَفْهَم مِنْهُ أَحَد اِخْتِصَاصه بِالْيَوْمَيْنِ فَمَا زَادَ
وَنَهَى أَنْ يُسَافَر بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرْض الْعَدُوّ وَنَهَى أَنْ يُسَافِر الرَّجُل وَحْده وَأَخْبَرَ أَنَّ دَعْوَة الْمُسَافِر مُسْتَجَابَة وَكَانَ يَتَعَوَّذ مِنْ وَعْثَاء السَّفَر وَكَانَ إِذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَع بَيْن نِسَائِهِ
وَمَعْلُوم أَنَّ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْأَسْفَار لَا يَخْتَصّ بِالطَّوِيلِ
وَلَا أَنَّهُ لَوْ سَافَرَ دُون الْيَوْمَيْنِ لَمْ يُقْرِع بَيْن نِسَائِهِ
وَلَمْ يَقْضِ لِلْمُقِيمَاتِ
فَمَا الَّذِي أَوْجَبَ تَخْصِيص اِسْم السَّفَر بِالطَّوِيلِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْقَصْر وَالْفِطْر دُون غيرهما(7/41)
الْعِبَارَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَقَبَةَ قَرْيَةٌ مِنَ الْفُسْطَاطِ وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْفُسْطَاطَ يُقَالُ لِمِصْرَ وَالْبَصْرَةِ فَعَلَى هَذَا الْمَسَافَةُ الَّتِي بَيْنَ قَرْيَةِ عَقَبَةَ وَبَيْنَ الْفُسْطَاطِ هِيَ مِقْدَارُ الْمَسَافَةِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَ مِزَّةَ وَبَيْنَ الْمَوْضِعِ الَّذِي خَرَجَ إِلَيْهِ دِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ
وَالْمَسَافَةُ بَيْنَ عَقَبَةَ وَبَيْنَ الْفُسْطَاطِ هِيَ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّاوِي
لَكِنْ لَفْظُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ طَرِيقِ حَجَّاجِ وَيُونُسَ قَالَا حَدَّثَنَا اللَّيْثُ حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ عَنْ مَنْصُورٍ الْكَلْبِيِّ عَنْ دِحْيَةَ بْنِ خَلِيفَةَ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ قَرْيَتِهِ إِلَى قَرِيبٍ مِنْ قَرْيَةِ عَقَبَةَ فِي رَمَضَانَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَهَذَا رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِ أَبِي بَصْرَةَ الْغِفَارِيِّ لَا فِي مُسْنَدِ دِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ
وَمَعْنَى الْحَدِيثِ عَلَى رِوَايَةِ أَحْمَدَ أَنَّ دِحْيَةَ الْكَلْبِيَّ خَرَجَ مِنْ قَرْيَتِهِ مِزَّةَ إِلَى قَرِيبٍ مِنْ قَرْيَةِ عَقَبَةَ فَتَكُونُ الْمَسَافَةُ بَيْنَ مِزَّةَ وَبَيْنَ عَقَبَةَ ثَلَاثَةَ أَمْيَالٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
كَذَا فِي الشَّرْحِ (ثُمَّ إِنَّهُ أَفْطَرَ وَأَفْطَرَ مَعَهُ نَاسٌ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي هَذَا حُجَّةٌ لِمَنْ لَمْ يَجِدِ السَّفَرَ الَّذِي يَتَرَخَّصُ فِيهِ لِلْإِفْطَارِ إِلَّا فِي سَفَرٍ يَجُوزُ فِيهِ الْقَصْرُ وَهُوَ عِنْدَ أَهْلِ الْعِرَاقِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَعِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْحِجَازِ لَيْلَتَانِ أَوْ نَحْوُهُمَا وَلَيْسَ الْحَدِيثُ بِالْقَوِيِّ وَفِيهِ رَجُلٌ لَيْسَ بِالْمَشْهُورِ ثُمَّ إِنَّ دِحْيَةَ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْطَرَ فِي قَصْرِ السَّفَرِ وَإِنَّمَا قَالَ قَوْمًا رَغِبُوا عَنْ هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَعَلَّهُمْ إِنَّمَا رَغِبُوا عَنْ قَبُولِ الرُّخْصَةِ فِي الْإِفْطَارِ أَصْلًا
وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ دِحْيَةُ إِنَّمَا صَارَ فِي ذَلِكَ إِلَى ظَاهِرِ اسْمِ السَّفَرِ وَقَدْ خَالَفَهُ غَيْرُ واحد من الصحابة وكان بن عمر وبن عباس رضي الله عنهما لَا يَرَيَانِ الْقَصْرَ وَالْإِفْطَارَ فِي أَقَلِّ مِنْ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ وَهُمَا أَفْقَهُ مِنْ دِحْيَةَ وَأَعْلَمُ بالسنن
انتهى
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قَالُوا وَأَيْنَ مَعَنَا فِي الشَّرِيعَة تَقْسِيم الشَّارِع السَّفَر إِلَى طَوِيل وَقَصِير وَاخْتِصَاص أَحَدهمَا بِأَحْكَامٍ لَا يُشَارِكهُ فِيهَا الْآخَر
وَمَعْلُومٌ أَنَّ إِطْلَاق السَّفَر لَا يَدُلّ عَلَى اِخْتِصَاصه بِالطَّوِيلِ وَلَمْ يُبَيِّنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِقْدَاره
وَتَأْخِير الْبَيَان عَنْ وَقْت الْحَاجَة مُمْتَنِع فَسُكُوته عَنْ تَحْدِيده مِنْ أَظْهَر الْأَدِلَّة عَلَى أَنَّهُ غَيْر مَحْدُود شَرْعًا
قَالُوا وَاَلَّذِينَ حَدَّدُوهُ مَعَ كَثْرَة اِخْتِلَافهمْ وَانْتِشَار أَقْوَالهمْ لَيْسَ مَعَهُمْ نَصٌّ بِذَلِكَ وَلَيْسَ حَدٌّ بِأَوْلَى مِنْ حَدّ وَلَا إِجْمَاع فِي الْمَسْأَلَة فَلَا وَجْه لِلتَّحْدِيدِ
وَبِاَللَّهِ التوفيق(7/42)
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَلَيْسَ الْحَدِيثُ بِالْقَوِيِّ فِي إِسْنَادِهِ رَجُلٌ لَيْسَ بِالْمَشْهُورِ وَهُوَ بَشِيرُ بْنُ أَبِي مَنْصُورٍ الْكَلْبِيُّ فَإِنَّ رِجَالَ الْإِسْنَادِ جَمِيعَهُمْ ثِقَاتٌ يُحْتَجُّ بِهِمْ فِي الصَّحِيحِ سِوَاهُ وَهُوَ مِصْرِيٌّ رَوَى عَنْهُ أَبُو الْخَيْرِ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْيَزَنِيُّ وَلَمْ أَجِدْ مَنْ رَوَاهُ عَنْهُ سِوَاهُ فَيَكُونُ مَجْهُولًا كَمَا ذَكَرَهُ الْخَطَّابِيُّ
وَلَمْ يَزِدْ فِيهِ الْبُخَارِيُّ عَلَى مَنْصُورٍ الكلبي
وقال بن يُونُسَ فِي تَارِيخِ الْمِصْرِيِّينَ مَنْصُورُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْأَصْبَغِ الْكَلْبِيُّ
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَالَّذِي رُوِّينَا عَنْ دِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ ذَلِكَ فَكَأَنَّهُ ذَهَبَ فِيهِ إِلَى ظَاهِرِ الْآيَةِ فِي الرُّخْصَةِ فِي السَّفَرِ
وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ رَغِبُوا عَنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ فِي قَبُولِ الرُّخْصَةِ لَا فِي تَقْدِيرِ السَّفَرِ الَّذِي أَفْطَرَ فيه
(بن عُمَرَ كَانَ يَخْرُجُ إِلَى الْغَابَةِ) وَهُوَ مَوْضِعٌ قَرِيبٌ مِنَ الْمَدِينَةِ مِنْ عَوَالِيهِ كَذَا فِي مَجْمَعِ الْبِحَارِ
وَقَالَ فِي الْمَرَاصِدِ مَوْضِعٌ قُرْبَ الْمَدِينَةِ مِنْ نَاحِيَةِ الشَّامِ فِيهِ أَمْوَالٌ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنْ طَرْفَائِهِ صُنِعَ مِنْبَرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى بَرِيدٍ مِنْهَا انْتَهَى
وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ
7 - (بَاب مَنْ يَقُولُ صُمْتُ رَمَضَانَ كُلَّهُ)
(لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ) النَّهْيُ لَيْسَ رَاجِعًا إِلَى ذِكْرِ رَمَضَانَ بِلَا شَهْرٍ وَإِنَّمَا هُوَ رَاجِعٌ إِلَى نِسْبَةِ الصَّوْمِ إِلَى نَفْسِهِ فِيهِ كُلِّهِ مَعَ أَنَّ قَبُولَهُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى فِي مَحَلِّ الْخَطَرِ (فَلَا أَدْرِي) قَائِلُ هَذَا الْقَوْلِ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ بَيَّنَهُ أَحْمَدُ قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ أَخْبَرَنَا هَمَّامٌ عَنْ قتادة عن الحسن عن أبي بكرة مرفوعا لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ صُمْتُ رَمَضَانَ كُلَّهُ وَلَا قُمْتُهُ كُلَّهُ قَالَ الْحَسَنُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَخَافَ عَلَى أُمَّتِهِ التَّزْكِيَةَ إِذْ لَا بُدَّ مِنْ رَاقِدٍ أَوْ غَافِلٍ
وَقَالَ أَحْمَدُ وَقَالَ يَزِيدُ مَرَّةً قَالَ قَتَادَةُ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ عِدَّةِ طُرُقٍ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُهَلَّبِ بْنِ أَبِي حَبِيبَةَ كَمَا عِنْدَ الْمُؤَلِّفِ وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الْقَائِلِ
وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ وَعَبْدِ الْوَهَّابِ كِلَاهُمَا عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ مَرْفُوعًا لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ قُمْتُ رَمَضَانَ كُلَّهُ قَالَ فَاللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَعْلَمُ(7/43)
أَخَشِيَ عَلَى أُمَّتِهِ أَنْ تُزَكِّيَ أَنْفُسَهَا قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ فَاللَّهُ أَعْلَمُ أَخَشِيَ التَّزْكِيَةَ عَلَى أُمَّتِهِ أَوْ قَالَ لَا بُدَّ مِنْ نَوْمٍ أَوْ غَفْلَةٍ وَمِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ وَعَفَّانَ كِلَاهُمَا عَنْ هَمَّامٍ أَخْبَرَنَا قَتَادَةُ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ مَرْفُوعًا لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ قُمْتُ رَمَضَانَ كُلَّهُ قَالَ قَتَادَةُ فَاللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَعْلَمُ أَخَشِيَ عَلَى أُمَّتِهِ التَّزْكِيَةَ
قَالَ عَفَّانُ أَوْ قَالَ لَا بُدَّ مِنْ رَاقِدٍ أَوْ غَافِلٍ
وَمِنْ طَرِيقِ بَهْزٍ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ أَخْبَرَنَا قتادة عن الحسن عن أبي بكرة مرفوعا قَالَ لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ إِنِّي قُمْتُ رَمَضَانَ كُلَّهُ قَالَ قَتَادَةُ فَاللَّهُ أَعْلَمُ أَخَشِيَ التَّزْكِيَةَ عَلَى أُمَّتِهِ أَوْ يَقُولُ لَا بُدَّ مِنْ رَاقِدٍ أَوْ غَافِلٍ
وَفِي هَذِهِ الرِّوَايَاتِ أَنَّ قَائِلَهُ قَتَادَةُ (لَا بُدَّ مِنْ نَوْمَةٍ أَوْ رَقْدَةٍ) قَالَ السِّنْدِيُّ لَا يَخْفَى أَنَّ النَّوْمَ لَا يُنَافِي الصَّوْمَ فَهَذَا التَّعْلِيلُ يُفِيدُ مَنْعَ أَنْ يَقُولَ صُمْتُهُ وَقُمْتُهُ جَمِيعًا لَا أَنْ يَقُولَ صُمْتُهُ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ وَجْهُ الْمَنْعِ أَنَّ مَدَارَ الصِّيَامِ وَالْقِيَامِ عَلَى الْقَبُولِ وَهُوَ مَجْهُولٌ
وَلَفْظُ النَّسَائِيِّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ أَوْ قَالَ لَا بُدَّ مِنْ غَفْلَةٍ وَرَقْدَةٍ أَيْ فَيَعْصِي فِي حَالِ الْغَفْلَةِ بِوَجْهٍ لَا يُنَاسِبُ الصَّوْمَ فَكَيْفَ يَدَّعِي بَعْدَ ذَلِكَ الصَّوْمَ لِنَفْسِهِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ
8 - (بَاب فِي صَوْمِ الْعِيدَيْنِ)
(أَمَّا يَوْمُ الْأَضْحَى فَتَأْكُلُونَ) خَبَرُ الْيَوْمِ (مِنْ لَحْمِ نُسُكِكُمْ) بِضَمِّ السِّينِ وَيَجُوزُ سُكُونُهَا أَيْ أُضْحِيَّتِكُمْ
قَالَ فِي فَتْحِ الْبَارِي وَفَائِدَةُ وَصْفِ الْيَوْمَيْنِ الْإِشَارَةُ إِلَى الْعِلَّةِ فِي وُجُوبِ فِطْرِهِمَا وَهِيَ الْفَصْلُ مِنَ الصَّوْمِ وَإِظْهَارُ تَمَامِهِ وَحْدَهُ بِفِطْرِ مَا بَعْدَهُ وَالْآخَرُ لِأَجْلِ النُّسُكِ الْمُتَقَرَّبِ بِذَبْحِهِ لِيُؤْكَلَ مِنْهُ وَلَوْ شُرِعَ صَوْمُهُ لَمْ يَكُنْ لِمَشْرُوعِيَّةِ الذَّبْحِ فِيهِ مَعْنًى فَعَبَّرَ عَنْ عِلَّةِ التَّحْرِيمِ بِالْأَكْلِ مِنَ النُّسُكِ لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ النَّحْرَ
وَقَوْلُهُ هَذَيْنِ فِيهِ التَّغْلِيبُ وَذَلِكَ أَنَّ الْحَاضِرَ يُشَارُ إِلَيْهِ بِهَذَا وَالْغَائِبُ يُشَارُ إِلَيْهِ بِذَلِكَ فَلَمَّا أَنْ جَمَعَهُمَا اللَّفْظُ قَالَ هَذَيْنِ تَغْلِيبًا لِلْحَاضِرِ عَلَى الْغَائِبِ
قَالَهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ
قَالَ النَّوَوِيُّ وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى تَحْرِيمِ صَوْمِ هَذَيْنِ الْيَوْمَيْنِ لِكُلِّ حَالٍ سَوَاءٌ صَامَهُمَا عَنْ نَذْرٍ أَوْ تَطَوُّعٍ أَوْ كَفَّارَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَلَوْ نَذَرَ صَوْمَهُمَا مُتَعَمِّدًا لِعَيْنِهِمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ لَا يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ وَلَا يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُمَا
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَنْعَقِدُ وَيَلْزَمُهُ قضاؤهما قال(7/44)
فَإِنْ صَامَهُمَا أَجْزَأَهُ وَخَالَفَ النَّاسَ كُلَّهُمْ فِي ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ والنسائي وبن مَاجَهْ بِمَعْنَاهُ أَتَمَّ مِنْهُ
(عَنْ لِبْسَتَيْنِ الصَّمَّاءِ) بِفَتْحِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ وَالْمَدِّ قَالَ الْفُقَهَاءُ أَنْ يَشْتَمِلَ بِثَوْبٍ وَاحِدٍ لَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ ثُمَّ يَرْفَعَهُ مِنْ أَحَدِ جَانِبَيْهِ فَيَضَعَهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ فَيَبْدُوَ مِنْهُ فَرْجُهُ وَتُعُقِّبَ هَذَا التَّفْسِيرُ بِأَنَّهُ لَا يُشْعِرُ بِهِ لَفْظُ الصَّمَّاءِ والمطابق له ما نقل عن الأصمعي وهوأن يَشْتَمِلَ بِالثَّوْبِ يَسْتُرُ بِهِ جَمِيعَ بَدَنِهِ بِحَيْثُ لا يترك فرجة يخرج مِنْهَا يَدُهُ حَتَّى لَا يَتَمَكَّنَ مِنْ إِزَالَةِ شَيْءٍ يُؤْذِيهِ بِيَدَيْهِ (وَأَنْ يَحْتَبِئَ الرَّجُلُ) زَادَ اسماعيلي لَا يُوَارِي فَرْجَهُ بِشَيْءٍ (فِي سَاعَتَيْنِ بَعْدَ) صَلَاةِ (الصُّبْحِ) حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ (وَبَعْدَ) صَلَاةِ (الْعَصْرِ) حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسِ إِلَّا لِسَبَبٍ
قَالَهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ والترمذي وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى الصَّمَّاءِ وَالِاحْتِبَاءِ وَالصَّلَاةِ
9 - (بَاب صِيَامِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ)
(يَأْمُرُنَا بِإِفْطَارِهَا وَيَنْهَى عَنْ صِيَامِهَا) قَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ دَلِيلٌ لِمَنْ قَالَ لَا يَصِحُّ صَوْمُهَا بِحَالٍ وَهُوَ أَظْهَرُ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَبِهِ قَالَ أَبُو حنيفة وبن الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُمَا
وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ يَجُوزُ صيامها لكل أحد تطوعا وغيره حكاه بن المنذر عن الزبير بن العوام وبن عمر وبن سِيرِينَ وَقَالَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَإِسْحَاقُ وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ يَجُوزُ(7/45)
صَوْمُهَا لِلْمُتَمَتِّعِ إِذَا لَمْ يَجِدِ الْهَدْيَ وَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِ وَاحْتَجَّ هَؤُلَاءِ بِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ فِي صحيحه عن بن عُمَرَ وَعَائِشَةَ قَالَا لَمْ يُرَخَّصْ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَنْ يَصُمْنَ إِلَّا لِمَنْ لَمْ يَجِدِ الْهَدْيَ (قَالَ مَالِكٌ وَهِيَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ) وَيُقَالُ لَهَا أَيْضًا الْأَيَّامُ الْمَعْدُودَاتُ وَأَيَّامُ مِنًى وَهِيَ الْحَادِيَ عَشَرَ وَالثَّانِيَ عَشَرَ وَالثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ
وَاخْتَلَفُوا فِي تَعْيِينِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ ثَلَاثَةٌ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِتَشْرِيقِ النَّاسِ لُحُومَ الْأَضَاحِيِّ فِيهَا وَهُوَ تَقْدِيدُهَا وَنَشْرُهَا فِي الشَّمْسِ
(أَهْلَ الْإِسْلَامِ) نُصِبَ عَلَى الِاخْتِصَاصِ (وَهِيَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَهَذَا أَيْضًا كَالتَّعْلِيلِ فِي وُجُوبِ الْإِفْطَارِ فِيهَا فَإِنَّهَا مُسْتَحِقَّةٌ لِهَذَا الْمَعْنَى فَلَا يَجُوزُ صِيَامُهَا ابْتِدَاءً تَطَوُّعًا وَلَا نَذْرًا ولاعن صَوْمِ التَّمَتُّعِ إِذَا لَمْ يَكُنِ الْمُتَمَتِّعَ صَامَ الثَّلَاثَةَ الْأَيَّامِ فِي الْعَشْرِ وَهُوَ قَوْلُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالْحَسَنِ وَعَطَاءٍ وَغَالِبِ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ
وَقَالَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وإسحاق بن رَاهْوَيْهِ يَصُومُ الْمُتَمَتِّعُ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ إِذَا فَاتَتْهُ الثلاث في العشر
وروى ذلك عن بن عُمَرَ وَعَائِشَةَ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ
0 - (بَاب النَّهْيِ أَنْ يُخَصَّ يَوْمُ الْجُمُعَةِ بِصَوْمٍ)
(لَا يَصُمْ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ) بِلَفْظِ النَّهْيِ (إِلَّا أَنْ يَصُومَ قَبْلَهُ بِيَوْمٍ أَوْ بَعْدَهُ) قَالَ فِي فَتْحِ
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه اللَّه وَقَدْ أَخْرَجَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ مُحَمَّد بْن عَبَّاد بْن جَعْفَر قَالَ(7/46)
الْبَارِي وَيُؤْخَذُ مِنَ الِاسْتِثْنَاءِ جَوَازُهُ لِمَنْ صَامَ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ أَوِ اتَّفَقَ وُقُوعُهُ فِي أَيَّامٍ لَهُ عَادَةٌ بِصَوْمِهَا كَمَنْ يَصُومُ أَيَّامَ الْبِيضِ أَوْ مَنْ لَهُ عَادَةٌ بِصَوْمِ يَوْمٍ مُعَيَّنٍ كَيَوْمِ عَرَفَةَ فَوَافَقَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ جَوَازُ صَوْمِهِ لِمَنْ نَذَرَ يَوْمَ قُدُومِ زَيْدٍ مَثَلًا أَوْ يَوْمَ شِفَاءِ فُلَانٍ انْتَهَى
قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَالْحِكْمَةُ فِي النَّهْيِ عَنْهُ أَنَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَوْمُ دُعَاءٍ وَذِكْرٍ وَعِبَادَةٍ مِنَ الْغُسْلِ وَالتَّبْكِيرِ إِلَى الصَّلَاةِ وَانْتِظَارِهَا وَاسْتِمَاعِ الْخُطْبَةِ وَإِكْثَارِ الذِّكْرِ بَعْدَهَا لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْعِبَادَاتِ فِي يَوْمِهَا فَاسْتُحِبَّ الْفِطْرُ فِيهِ لِيَكُونَ أَعْوَنَ لَهُ عَلَى هَذِهِ الْوَظَائِفِ وَأَدَائِهَا بِنَشَاطٍ وَانْشِرَاحٍ لَهَا وَالْتِذَاذٍ بِهَا مِنْ غَيْرِ مَلَلٍ وَلَا سَآمَةٍ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ والنسائي وبن
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
سَأَلْت جَابِرًا أَنَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَوْم يَوْم الْجُمْعَة قَالَ نَعَمْ وَرَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحه عَنْ جُوَيْرِيَّة بِنْت الحرث أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا يَوْم الْجُمْعَة وَهِيَ صَائِمَة فَقَالَ أَصُمْت أَمْس قَالَتْ لَا
قَالَ تُرِيدِينَ أَنْ تَصُومِي غَدًا قَالَتْ لَا
قَالَ فَأَفْطِرِي وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا تَخُصُّوا لَيْلَة الْجُمْعَة بِقِيَامٍ مِنْ بَيْن اللَّيَالِي وَلَا تَخُصُّوا يَوْم الْجُمْعَة بِصِيَامٍ مِنْ بَيْن الْأَيَّام إِلَّا أَنْ يَكُون فِي صَوْم يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ وَرَوَى الْإِمَام أَحْمَد فِي مُسْنَده عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم الْجُمْعَة يَوْم عِيد
فَلَا تَجْعَلُوا يَوْم عِيدكُمْ يَوْم صِيَامكُمْ إِلَّا أَنْ تَصُومُوا قَبْله أَوْ بَعْده وَعِنْد النَّسَائِيّ عَنْ عَبْد اللَّه بْن عمرو القارىء قَالَ سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَة يَقُول مَا أَنَا نهيت عن صيام يوم الجمعة محمد صلى الله عليه وسلم وَرَبِّ الْبَيْت نَهَى عَنْهُ وَرَوَى النَّسَائِيّ أَيْضًا عَنْ مُحَمَّد بْن سِيرِينَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاء قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا أَبَا الدَّرْدَاء لَا تَخُصّ يَوْم الْجُمْعَة بِصِيَامٍ دُون الْأَيَّام وَلَا تَخُصّ لَيْلَة الْجُمْعَة بِقِيَامٍ دُون اللَّيَالِي
فَذَهَبَ طَائِفَة مِنْ أَهْل الْعِلْم إِلَى الْقَوْل بِهَذِهِ الْأَحَادِيث
مِنْهُمْ أَبُو هُرَيْرَة وَسَلْمَان وَقَالَ بِهِ أَحْمَد وَالشَّافِعِيّ
وَقَالَ مَالِك وَأَبُو حَنِيفَة لَا يُكْرَه
وَفِي الْمُوَطَّأ قَالَ مَالِك لَمْ أَسْمَع أَحَدًا مِنْ أَهْل الْعِلْم وَالْفِقْه وَمَنْ يُقْتَدَى بِهِ يَنْهَى عَنْ صِيَام يَوْم الْجُمْعَة
وَصِيَامه حَسَن
وَقَدْ رَأَيْت بَعْض أَهْل الْعِلْم يَصُومهُ
وَأَرَاهُ كَانَ يَتَحَرَّاهُ
قَالَ الدَّاوُدِيّ لَمْ يَبْلُغ مَالِكًا هَذَا الْحَدِيث
وَلَوْ بَلَغَهُ لَمْ يُخَالِفهُ
وَقَدْ رَوَى النسائي عن زر بن حبيش عن بْن مَسْعُود أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَصُوم ثَلَاثَة أَيَّام مِنْ كُلّ شَهْر وَقَلَّمَا رَأَيْته يُفْطِر يَوْم الْجُمْعَة وَإِسْنَاده صَحِيح
وَلَا مُعَارَضَة بَيْنه وَبَيْن أَحَادِيث النَّهْيِ
إِذْ لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ كَانَ يُفْرِدهُ بِالصَّوْمِ
وَالنَّهْيُ إِنَّمَا هُوَ عَنْ الْإِفْرَاد فَمَتَى وَصَلَهُنَّ بِغَيْرِهِ زَالَ النَّهْيُ(7/47)
(بَاب النَّهْيِ أَنْ يُخَصَّ يَوْمُ السَّبْتِ بِصَوْمٍ)
(يزيد بن قبيس) بموحدة ومهملة مصغر بن سُلَيْمَانَ الشَّامِيُّ ثِقَةٌ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ (مِنْ أَهْلِ جَبَلَةَ) بِالتَّحْرِيكِ قَلْعَةٌ مَشْهُورَةٌ بِسَاحِلِ الشَّامِ مِنْ أَعْمَالِ اللَّاذِقِيَّةِ قُرْبَ حَلَبٍ
كَذَا فِي الْمَرَاصِدِ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ السِّينِ (قَالَ يَزِيدُ) بْنُ قُبَيْسٍ دُونَ حُمَيْدِ بْنِ مَسْعَدَةَ (الصَّمَّاءُ) أَيْ عَنْ أُخْتِهِ الصَّمَّاءِ فَالصَّمَّاءُ اسْمُ أُخْتِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ
وَقَالَ فِي الْمِرْقَاةِ الصَّمَّاءُ بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ اسْمُهَا بَهِيَّةُ وَتُعْرَفُ بِالصَّمَّاءِ (لَا تَصُومُوا يَوْمَ السَّبْتِ) أَيْ وَحْدَهُ (إِلَّا فِيمَا افْتُرِضَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (عَلَيْكُمْ) أَيْ وَلَوْ بِالنَّذْرِ
قَالَ الطِّيبِيُّ قَالُوا النَّهْيُ عَنِ الْإِفْرَادِ كَمَا فِي الْجُمُعَةِ وَالْمَقْصُودُ مُخَالَفَةُ الْيَهُودِ فِيهِمَا وَالنَّهْيُ فِيهِمَا لِلتَّنْزِيهِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ
وَمَا افْتُرِضَ يَتَنَاوَلُ
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قال الحافظ شمس الدين الْقَيِّم رَحِمه اللَّه حَدِيث عَبْد اللَّه بْن بُسْر هَذَا رَوَاهُ جَمَاعَة عَنْ خَالِد بْن مَعْدَان عَنْ عَبْد اللَّه بْن بُسْر عَنْ أُخْته الصَّمَّاء وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ عَنْ عَبْد اللَّه بْن بُسْر عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْ الصَّمَّاء عَنْ عَائِشَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَهَذِهِ ثَلَاثَة أَوْجُه
وَقَدْ أَشْكَلَ هَذَا الْحَدِيث عَلَى النَّاس قَدِيمًا وَحَدِيثًا
فَقَالَ أَبُو بَكْر الْأَثْرَم سَمِعْت أَبَا عَبْد اللَّه يُسْأَل عَنْ صِيَام يَوْم السَّبْت يُفْرَد بِهِ فَقَالَ أَمَّا صِيَام يَوْم السَّبْت يُفْرَد بِهِ فَقَدْ جَاءَ فِيهِ ذَلِكَ الْحَدِيث حَدِيث الصَّمَّاء يَعْنِي حَدِيث ثَوْر بْن يَزِيد عَنْ خَالِد بْن مَعْدَان عَنْ عَبْد اللَّه بْن بُسْر عَنْ أُخْته الصَّمَّاء عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَصُومُوا يَوْم السَّبْت إِلَّا فِيمَا اِفْتَرَضَ عَلَيْكُمْ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّه يَحْيَى بْن سَعِيد يَنْفِيهِ
أَبِي أَنْ يُحَدِّثَنِي بِهِ
وَقَدْ كَانَ سَمِعَهُ مِنْ ثَوْر
قَالَ فَسَمِعْته مِنْ أَبِي عَاصِم
قَالَ الْأَثْرَم حُجَّة أَبِي عَبْد اللَّه فِي الرُّخْصَة فِي صَوْم يَوْم السَّبْت أَنَّ الْأَحَادِيث كُلّهَا مُخَالِفَة لِحَدِيثِ عَبْد اللَّه بْن بُسْر
مِنْهَا حَدِيث أُمّ سَلَمَة حِين سُئِلَتْ أَيّ الْأَيَّام كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْثَر صِيَامًا لَهَا فَقَالَتْ السَّبْت وَالْأَحَد وَمِنْهَا حَدِيث جُوَيْرِيَّة أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا يَوْم الْجُمْعَة أَصُمْت أَمْس قَالَتْ لَا
قَالَ أَتُرِيدِينَ أَنْ(7/48)
الْمَكْتُوبَ وَالْمَنْذُورَ وَقَضَاءَ الْفَوَائِتِ وَصَوْمَ الْكَفَّارَةِ وَفِي مَعْنَاهُ مَا وَافَقَ سُنَّةً مُؤَكَّدَةً كَعَرَفَةَ وَعَاشُورَاءَ أو وافق وردا
وزاد بن الْمَلَكِ وَعَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ أَوْ فِي خَيْرِ الصِّيَامِ صِيَامُ دَاوُدَ فَإِنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ شِدَّةُ الِاهْتِمَامِ وَالْعِنَايَةُ بِهِ حَتَّى كَأَنَّهُ يَرَاهُ وَاجِبًا كَمَا تَفْعَلُهُ الْيَهُودُ
قُلْتُ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ النَّهْيُ لِلتَّحْرِيمِ وَأَمَّا عَلَى غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ فَهُوَ لِلتَّنْزِيهِ بِمُجَرَّدِ الْمُشَابَهَةِ قَالَ الطِّيبِيُّ وَاتَّفَقَ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ هَذَا النَّهْيَ وَالنَّهْيَ عَنْ إِفْرَادِ الْجُمُعَةِ نَهْيُ تَنْزِيهٍ لَا تَحْرِيمٍ (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَحَدُكُمْ إِلَّا لِحَاءَ عِنَبٍ) هَكَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا عِنَبَةٍ قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْعِنَبُ مَعْلُومٌ وَاحِدَتُهُ عِنَبَةٌ انْتَهَى وَاللِّحَاءُ بِكَسْرِ اللَّامِ قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ اللِّحَاءُ مَمْدُودٌ وَهُوَ قِشْرُ الشَّجَرِ وَالْعِنَبَةُ هِيَ الْحَبَّةُ مِنَ الْعِنَبِ
وَفِي الْمِرْقَاةِ قِشْرُ حَبَّةٍ وَاحِدَةٍ مِنَ الْعِنَبِ اسْتِعَارَةً مِنْ قِشْرِ الْعُودِ (أَوْ عُودَ شَجَرَةٍ) عَطْفًا عَلَى اللِّحَاءِ (فَلْيَمْضَغْهُ) بِفَتْحِ الضَّادِ وَيُضَمُّ فِي الْقَامُوسِ مَضَغَهُ كَمَنَعَهُ وَنَصَرَهُ لَاكَهُ بِأَسْنَانِهِ وَهَذَا تَأْكِيدٌ بِالْإِفْطَارِ لِنَفْيِ الصَّوْمِ
قَالَهُ علي القارىء
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ قَالَ أَبُو دَاوُدَ هَذَا الْحَدِيثُ منسوخ وأخرجه الترمذي والنسائي وبن مَاجَهْ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ وَقِيلَ إِنَّ الصَّمَّاءَ أُخْتُ بُسْرٍ
وَرُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِنْ حَدِيثِ أَبِيهِ بُسْرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَدِيثِ الصَّمَّاءِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ النَّسَائِيُّ هَذِهِ أَحَادِيثُ مُضْطَرِبَةٌ انْتَهَى كَلَامُ الْمُنْذِرِيِّ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالدَّارِمِيُّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَقَالَ النَّوَوِيُّ صَحَّحَهُ الْأَئِمَّةُ (قَالَ أَبُو دَاوُدَ هَذَا الْحَدِيثُ مَنْسُوخٌ) ذَهَبَ إِلَى نَسْخِهِ الْمُؤَلِّفُ
وَقَدْ طَعَنَ فِي هذا الحديث
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
تَصُومِي غَدًا فَالْغَد هُوَ يَوْم السَّبْت
وَحَدِيث أَبِي هُرَيْرَة نَهَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَوْم يَوْم الْجُمْعَة إِلَّا مَقْرُونًا بِيَوْمٍ قَبْله أَوْ يَوْمٍ بَعْده فَالْيَوْم الَّذِي بَعْده هُوَ يَوْم السَّبْت
وَقَالَ مَنْ صَامَ رَمَضَان وَأَتْبَعهُ بِسِتٍّ مِنْ شَوَّال وَقَدْ يَكُون فِيهَا السَّبْت
وَأَمَرَ بِصِيَامِ الْأَيَّام الْبِيض وَقَدْ يَكُون فِيهَا السَّبْت وَمِثْل هَذَا كَثِير فَقَدْ فَهِمَ الْأَثْرَم مِنْ كَلَام أَبِي عَبْد اللَّه أَنَّهُ تَوَقَّفَ عَنْ الْأَخْذ بِالْحَدِيثِ وَأَنَّهُ رَخَّصَ فِي صَوْمه حَيْثُ ذَكَر الْحَدِيث الَّذِي يَحْتَجّ بِهِ فِي الْكَرَاهَة
وَذَكَر أَنَّ الْإِمَام عَلَّلَ حَدِيث يَحْيَى بْن سَعِيد وَكَانَ يَنْفِيهِ وَأَبَى أَنْ يُحَدِّث بِهِ فَهَذَا تَضْعِيفٌ لِلْحَدِيثِ
وَاحْتَجَّ الْأَثْرَم بِمَا ذَكَر فِي النُّصُوص الْمُتَوَاتِرَة عَلَى صَوْم يَوْم السَّبْت يَعْنِي أَنْ يُقَال يُمْكِن حَمْل النُّصُوص الدَّالَّة عَلَى صَوْمه عَلَى مَا إِذَا صَامَهُ مَعَ غَيْره
وَحَدِيث النَّهْيِ عَلَى صَوْمه وَحْده وَعَلَى هَذَا تَتَّفِق النُّصُوص
وَهَذِهِ طريقة جيدة لولا أَنَّ قَوْله فِي الْحَدِيث لَا تَصُومُوا يَوْم السَّبْت إِلَّا فِيمَا اِفْتَرَضَ عَلَيْكُمْ(7/49)
جماعة من الأئمة مالك بن أنس وبن شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالنَّسَائِيُّ فَلَا تَغْتَرَّ بِتَحْسِينِ التِّرْمِذِيِّ وَتَصْحِيحِ الْحَاكِمِ وَإِنْ ثَبَتَ تَحْسِينُهُ فَلَا يُعَارِضُ حَدِيثُ جُوَيْرِيَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ الَّذِي اتَّفَقَ عليه الشيخان
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
دَلِيل عَلَى الْمَنْع مِنْ صَوْمه فِي غَيْر الْفَرْد مُفْرَدًا أَوْ مُضَافًا لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاء دَلِيل التَّنَاوُل وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّ النَّهْيَ عَنْهُ يَتَنَاوَل كُلّ صُوَر صَوْمه إِلَّا صُورَة الْفَرْض وَلَوْ كَانَ إِنَّمَا يَتَنَاوَل صُورَة الْإِفْرَاد لَقَالَ لَا تَصُومُوا يَوْم السَّبْت إِلَّا أَنْ تَصُومُوا يَوْمًا قَبْله أَوْ يَوْمًا بَعْده كَمَا قَالَ فِي الْجُمْعَة
فَلَمَّا خَصَّ الصُّورَة الْمَأْذُون فِي صَوْمهَا بِالْفَرْضِيَّةِ عُلِمَ تَنَاوُل النَّهْيِ لِمَا قَابَلَهَا
وَقَدْ ثَبَتَ صَوْم يَوْم السَّبْت مَعَ غَيْره بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَحَادِيث وَغَيْرهَا كَقَوْلِهِ فِي يَوْم الْجُمْعَة إِلَّا أَنْ تَصُومُوا يَوْمًا قَبْله أَوْ يَوْمًا بَعْده فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْحَدِيث غَيْر مَحْفُوظ وَأَنَّهُ شَاذٌّ
وَقَدْ قَالَ أَبُو دَاوُدَ قَالَ مَالِك هَذَا كَذِب
وَذَكَر بِإِسْنَادِهِ عَنْ الزُّهْرِيّ أَنَّهُ كَانَ إِذَا ذُكِرَ لَهُ النَّهْي عَنْ صِيَام يَوْم السَّبْت يَقُول هَذَا حَدِيث حِمْصِيّ
وَعَنْ الْأَوْزَاعِيّ قَالَ مَا زِلْت كَاتِمًا له حتى رأيته انتشر يعني حديث بن بُسْر هَذَا
وَقَالَتْ طَائِفَة مِنْهُمْ أَبُو دَاوُدَ هَذَا حَدِيث مَنْسُوخ
وَقَالَتْ طَائِفَة وَهُمْ أَكْثَر أَصْحَاب أَحْمَد مُحْكَم وَأَخَذُوا بِهِ فِي كَرَاهِيَة إِفْرَاده بِالصَّوْمِ وَأَخَذُوا بِسَائِرِ الْأَحَادِيث فِي صَوْمه مَعَ مَا يَلِيه
قَالُوا وَجَوَاب أَحْمَد يَدُلّ عَلَى هَذَا التَّفْصِيل فَإِنَّهُ سُئِلَ فِي رِوَايَة الْأَثْرَم عَنْهُ فَأَجَابَ بِالْحَدِيثِ
وَقَاعِدَة مَذْهَبه أَنَّهُ إِذَا سُئِلَ عَنْ حُكْمٍ فَأَجَابَ فِيهِ بِنَصٍّ يَدُلّ عَلَى أَنَّ جَوَابه بِالنَّصِّ دَلِيل عَلَى أَنَّهُ قَائِل بِهِ لِأَنَّهُ ذَكَره فِي مَعْرِض الْجَوَاب فَهُوَ مُتَضَمِّن لِلْجَوَابِ وَالِاسْتِدْلَال مَعًا
قَالُوا وَأَمَّا مَا ذَكَره عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيد
فَإِنَّمَا هُوَ بَيَانٌ لِمَا وَقَعَ مِنْ الشُّبْهَة فِي الْحَدِيث
قَالُوا وَإِسْنَاده صَحِيح
وَرُوَاته غَيْر مَجْرُوحِينَ وَلَا مُتَّهَمِينَ وَذَلِكَ يُوجِب الْعَمَل بِهِ وَسَائِر الْأَحَادِيث لَيْسَ فِيهَا مَا يُعَارِضهُ لِأَنَّهَا تَدُلّ عَلَى صَوْمه مُضَافًا فَيُحْمَل النَّهْيُ عَلَى صَوْمه مُفْرَدًا كَمَا ثَبَتَ فِي يَوْم الْجُمْعَة
وَنَظِير هَذَا الْحُكْم أَيْضًا
كَرَاهِيَة إِفْرَاد رَجَب بِالصَّوْمِ وَعَدَم كَرَاهِيَته مَوْصُولًا بِمَا قَبْله أَوْ بَعْده
وَنَظِيره أَيْضًا مَا حَمَلَ الْإِمَام أَحْمَد عَلَيْهِ حَدِيث الْعَلَاء بْن عَبْد الرَّحْمَن عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة فِي النَّهْي عَنْ الصَّوْم بَعْد اِنْتِصَاف شَعْبَان أَنَّهُ النَّهْي عَنْ اِبْتِدَاء الصَّوْم فِيهِ وَأَمَّا صَوْمه مَعَ مَا قَبْله مِنْ نِصْفه الْأَوَّل فَلَا يُكْرَه
قَالُوا وَقَدْ جَاءَ هَذَا مُصَرَّحًا بِهِ فِي صَوْم يَوْم السَّبْت فَفِي مُسْنَد الْإِمَام أَحْمَد مِنْ حديث بن(7/50)
جماعة من الأئمة مالك بن أنس وبن شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالنَّسَائِيُّ فَلَا تَغْتَرَّ بِتَحْسِينِ التِّرْمِذِيِّ وَتَصْحِيحِ الْحَاكِمِ وَإِنْ ثَبَتَ تَحْسِينُهُ فَلَا يُعَارِضُ حَدِيثُ جُوَيْرِيَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ الَّذِي اتَّفَقَ عليه الشيخان
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
لَهِيعَة حَدَّثَنَا مُوسَى بْن وَرْدَان عَنْ عُبَيْد الْأَعْرَج حَدَّثَتْنِي جَدَّتِي يَعْنِي الصَّمَّاء أَنَّهَا دَخَلَتْ علي رسول الله صلى الله عليه وسلم يَوْم السَّبْت وَهُوَ يَتَغَدَّى
فَقَالَ تَعَالَيْ تَغَدِّي
فَقَالَتْ إِنِّي صَائِمَة
فَقَالَ لَهَا أَصُمْت أَمْس قَالَتْ لَا قَالَ كُلِي فَإِنَّ صِيَام يَوْم السَّبْت لَا لَك وَلَا عَلَيْك وَهَذَا وَإِنْ كَانَ فِي إِسْنَاده مَنْ لَا يُحْتَجّ بِهِ إِذَا اِنْفَرَدَ لَكِنْ يَدُلّ عَلَيْهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَحَادِيث
وَعَلَى هَذَا فَيَكُون مَعْنَى قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَصُومُوا يَوْم السَّبْت أَيْ لَا تَقْصِدُوا صَوْمه بِعَيْنِهِ إِلَّا فِي الْفَرْض فَإِنَّ الرَّجُل يَقْصِد صَوْمه بِعَيْنِهِ بِحَيْثُ لَوْ لَمْ يَجِب عَلَيْهِ إِلَّا صَوْم يَوْم السَّبْت كَمَنْ أَسْلَمَ وَلَمْ يَبْقَ مِنْ الشَّهْر إِلَّا يَوْم السَّبْت فَإِنَّهُ يَصُومهُ وَحْده
وَأَيْضًا فَقَصْده بِعَيْنِهِ فِي الْفَرْض لَا يُكْرَه بِخِلَافِ قَصْده بِعَيْنِهِ فِي النَّفْل فَإِنَّهُ يُكْرَه
وَلَا تَزُول الْكَرَاهَة إِلَّا بِضَمِّ غَيْره إِلَيْهِ أَوْ مُوَافَقَته عَادَة
فَالْمُزِيل لِلْكَرَاهَةِ فِي الْفَرْض مُجَرَّد كَوْنه فَرْضًا لَا الْمُقَارَنَة بَيْنه وَبَيْن غَيْره
وَأَمَّا فِي النَّفْل فَالْمُزِيل لِلْكَرَاهَةِ ضَمُّ غَيْره إِلَيْهِ أَوْ مُوَافَقَته عَادَة وَنَحْو ذَلِكَ
قَالُوا وَأَمَّا قَوْلكُمْ إِنَّ الِاسْتِثْنَاء دَلِيل التَّنَاوُل إِلَى آخِره فَلَا رَيْب أَنَّ الِاسْتِثْنَاء أَخْرَجَ صُورَة الْفَرْض مِنْ عُمُوم النَّهْيِ
فَصُورَة الِاقْتِرَان بِمَا قَبْله أَوْ بِمَا بَعْده أُخْرِجَتْ بِالدَّلِيلِ الَّذِي تَقَدَّمَ فَكِلَا الصُّورَتَيْنِ مُخْرَج
أَمَّا الْفَرْض فَبِالْمُخْرَجِ الْمُتَّصِل
وَأَمَّا صَوْمه مُضَافًا فَبِالْمُخْرَجِ الْمُنْفَصِل فَبَقِيَتْ صُورَة الْإِفْرَاد وَاللَّفْظ مُتَنَاوِل لَهَا وَلَا مُخْرِج لَهَا مِنْ عُمُومه فَيَتَعَيَّن حَمْله عَلَيْهَا
ثم اختلف هؤلاء في تعليل الكراهة فعللها بن عقيل بأنه يوم يمسك فيه اليهود ويخصونه بالإمساك وهو ترك العمل فيه والصائم في مظنة ترك العمل فيصير صومه تشبها بهم وهذه العلة منتفية في الأحد
ولا يقال فهذه العلة موجودة إذا صامه مع غيره ومع هذا فإنه لا يكره لأنه إذا صامه مع غيره لم يكن قاصدا تخصيصه المقتضي للتشبه وشاهده استحباب صوم يوم قبل عاشوراء وبعده إليه لتنتفي صورة الموافقة
وعللة طائفة أخرى بأنه يوم عيد لأهل الكتاب يعظمونه فقصده بالصوم دون غيره يكون تعظيما له فكره ذلك كما كره إفراد يوم عاشوراء بالتعظيم لما عظمه أهل الكتاب وإفراد رجب أيضا لما عظمه المشركون
وهذا التعليل قد تعارض بيوم الأحد فإنه يوم عيد غير للنصارى كَمَا قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اليوم لنا وغدا لليهود وبعد للنصارى ومع ذلك فلا يكره صومه
وأيضا فإذا كان يوم عيد فقد يقال مخالفتهم فيه يكون بالصوم لا بالفطر فالصوم فيه تحقيق للمخالفة ويدل على ذلك ما رواه الإمام أحمد والنسائي وغيرهما من حديث كريب مولى بن عباس قال أرسلني بن عباس وناس مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى أم سلمة أسألها أي الأيام كان النبي صلى الله عليه وسلم أكثرها صياما فقالت كان يصوم السبت ويوم الأحد أكثر ما يصوم من الأيام ويقول إنهما يوما عيد(7/51)
جماعة من الأئمة مالك بن أنس وبن شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالنَّسَائِيُّ فَلَا تَغْتَرَّ بِتَحْسِينِ التِّرْمِذِيِّ وَتَصْحِيحِ الْحَاكِمِ وَإِنْ ثَبَتَ تَحْسِينُهُ فَلَا يُعَارِضُ حَدِيثُ جُوَيْرِيَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ الَّذِي اتَّفَقَ عليه الشيخان
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
للمشركين فأنا أحب أن أخالفهم وصححه بعض الحفاظ
فهذا نص في استحباب صوم يوم عيدهم لأجل مخالفتهم فكيف نعلل كراهة صومه بكونه عيدا لهم وفي جامع الترمذي عَنْ عَائِشَة قَالَتْ كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُوم مِنْ الشَّهْر السَّبْت وَالْأَحَد وَالِاثْنَيْنِ
وَمِنْ الشَّهْر الْآخَر الثُّلَاثَاء وَالْأَرْبِعَاء والخميس قال الترمذي حديث حسن
وقد روى بن مهدي هذا الحديث عن سفيان ولم يرفعه
وهذان الحديثان ليسا بحجة على من كره إفراد السبت بالصوم
وعلله طائفة بأنهم يتركون العمل فيه والصوم مظنة ذلك فإنه إذا ضم إليه الأحد زال الإفراد المكروه وحصلت المخالفة بصوم يوم فطرهم وزال عنها صورة التعظيم المكروه بعدم التخصيص المؤذن بالتعظيم فاتفقت بحمد الله الأحاديث وزال عنها الاضطراب والاختلاف وتبين تصديق بعضها بعضا
فإن قيل
فما تقولون في صوم يوم النيروز والمهرجان ونحوهما من أعياد المشركين قِيلَ قَدْ كَرِهَهُ كَثِير مِنْ الْعُلَمَاء وَأَكْثَر أَصْحَاب أَحْمَد عَلَى الْكَرَاهَة
قَالَ أَحْمَد فِي رِوَايَة اِبْنه عَبْد اللَّه حَدَّثَنَا وَكِيع عَنْ سُفْيَان عَنْ رَجُل عَنْ أَنَس وَالْحَسَن أَنَّهُمَا كَرِهَا صَوْم يَوْم النَّيْرُوز وَالْمِهْرَجَان قَالَ عَبْد اللَّه قَالَ أَبِي الرَّجُل أَبَان بْن أَبِي عَيَّاش
فَلَمَّا أَجَابَ أَحْمَد بِهَذَا الْجَوَاب لِمَنْ سَأَلَهُ عَنْ صِيَام هَذَيْنَ الْيَوْمَيْنِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ اِخْتَارَهُ
وَهَذِهِ إِحْدَى الطَّرِيقَتَيْنِ لِأَصْحَابِهِ فِي مِثْل ذَلِكَ
وَقِيلَ لَا يَكُون هَذَا اِخْتِيَارًا لَهُ وَلَا يُنْسَب إِلَيْهِ الْقَوْل الَّذِي حَكَاهُ وَأَكْثَر الْأَصْحَاب عَلَى الْكَرَاهَة وَعَلَّلُوا ذَلِكَ بِأَنَّهُمَا يَوْمَانِ يُعَظِّمُهُمَا الْكُفَّار فَيَكُون تَخْصِيصهمَا بِالصِّيَامِ دُون غَيْرهمَا مُوَافَقَة لَهُمْ فِي تَعْظِيمهمَا فَكُرِهَ كَيَوْمِ السَّبْت
قَالَ صَاحِب الْمُغْنِي وَعَلَى قِيَاس هَذَا كُلّ عِيد لِلْكُفَّارِ أَوْ يَوْم يُفْرِدُونَهُ بِالتَّعْظِيمِ
قَالَ شَيْخُنَا أَبُو الْعَبَّاس بْن تَيْمِيَّةَ قَدَّسَ اللَّه رُوحه وَقَدْ يُقَال يُكْرَه صَوْم يَوْم النَّيْرُوز وَالْمِهْرَجَان وَنَحْوهمَا مِنْ الْأَيَّام الَّتِي لَا تُعْرَف بِحِسَابِ الْعَرَب بِخِلَافِ مَا جَاءَ فِي الْحَدِيث مِنْ يَوْم السَّبْت وَالْأَحَد لِأَنَّهُ إِذَا قَصَدَ صَوْم مِثْل هَذَا الْأَيَّام الْعَجَمِيَّة أَوْ الْجَاهِلِيَّة كَانَ ذَرِيعَة إِلَى إِقَامَة شِعَار هَذِهِ الْأَيَّام وَإِحْيَاء أَمْرهَا وَإِظْهَار حَالهَا بِخِلَافِ السَّبْت وَالْأَحَد فَإِنَّهُمَا مِنْ حِسَاب الْمُسْلِمِينَ فَلَيْسَ فِي صَوْمهمَا مَفْسَدَة فَيَكُون اِسْتِحْبَاب صَوْم أَعْيَادهمْ الْمَعْرُوفَة بِالْحِسَابِ الْعَرَبِيِّ الْإِسْلَامِيِّ مَعَ كَرَاهَة الْأَعْيَاد الْمَعْرُوفَة بِالْحِسَابِ الْجَاهِلِيِّ الْعَجَمِيِّ تَوْفِيقًا بَيْن الْآثَار
والله أعلم(7/52)
52 - بَاب الرُّخْصَةِ فِي ذَلِكَ (عَنْ أَبِي أَيُّوبَ) اسْمُهُ يَحْيَى بْنُ مَالِكٍ ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ فِي بَيَانِ أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ وَهَكَذَا فِي التَّهْذِيبِ وَهُوَ أَبُو أَيُّوبَ الْمَرَاغِي الْعَتْكِيُّ الْبَصْرِيُّ رَوَى عَنْ جُوَيْرِيَةَ وَسَمُرَةَ وَعَنْهُ عِمْرَانُ الْجَوْنِيُّ وَقَتَادَةُ وَثَّقَهُ الْعِجْلِيُّ
وَوَهِمَ الْقَسْطَلَّانِيُّ فَقَالَ أَبُو أَيُّوبَ هَذَا هُوَ الْأَنْصَارِيُّ (الْعَتْكِيُّ) صِفَةُ أَبِي أَيُّوبَ أَيْ قَالَ حَفْصُ بْنُ عُمَرَ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْعَتْكِيِّ (عَنْ جُوَيْرِيَةَ) تَصْغِيرُ جَارِيَةٍ (بِنْتِ الْحَارِثِ) الْمُصْطَلِقِيَّةِ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَهِيَ صَائِمَةٌ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ (أَصْمُتِ أَمْسِ) بِهَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ وَكَسْرِ سِينِ أَمْسِ عَلَى لُغَةِ الْحِجَازِ أَيْ يَوْمَ الْخَمِيسِ (تُرِيدِينَ أَنْ تَصُومِي غَدًا) أَيْ يَوْمَ السَّبْتِ (فَأَفْطِرِي) بِقَطْعِ الْهَمْزَةِ وَزَادَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي رِوَايَتِهِ إِذًا قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ
وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَخُصُّوا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ بِقِيَامٍ مِنْ بَيْنِ اللَّيَالِي وَلَا تَخُصُّوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِصِيَامٍ مِنْ بَيْنَ الْأَيَّامِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي صَوْمٍ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ وأخرجه أيضا النسائي
(أنه) أي بن شِهَابٍ (إِذَا ذُكِرَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (لَهُ) أَيْ لِابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ (نُهِيَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (هَذَا حَدِيثٌ حِمْصِيٌّ) يُرِيدُ
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه اللَّه قَالَ عَبْد الْحَقّ وَلَعَلَّ مَالِكًا إِنَّمَا جَعَلَهُ كَذِبًا مِنْ أَجْل رِوَايَة ثَوْر بْن يَزِيد الْكُلَاعِيّ فَإِنَّهُ كَانَ يُرْمَى بِالْقَدْرِ وَلَكِنَّهُ كَانَ ثِقَة فِيمَا يَرْوِي
قَالَهُ يَحْيَى وَغَيْره
وَرَوَى عَنْهُ الْجِلَّة مِثْل يَحْيَى بْن سَعِيد القطان وبن الْمُبَارَك وَالثَّوْرِيّ وَغَيْرهمْ وَقِيلَ فِي هَذَا الْحَدِيث عَنْ عَبْد اللَّه بْن بُسْر عَنْ عَمَّته الصَّمَّاء وَهُوَ أَصَحّ وَاسْمهَا بَهِيَّة وَقِيلَ بَهِيمَة آخر كلامه(7/53)
تَضْعِيفَهُ لِأَنَّ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بسر راويان حمصيان أَحَدُهُمَا ثَوْرُ بْنُ يَزِيدُ وَثَانِيهِمَا خَالِدُ بْنُ مَعْدَانَ تَكَلَّمَ فِيهِمَا بَعْضٌ وَوَثَّقَهُمَا بَعْضٌ
وَقَالَ السِّنْدِيُّ فِي فَتْحِ الْوَدُودِ كَأَنَّهُ يُرِيدُ تَضْعِيفَهُ وَقَوْلُ مَالِكٍ هَذَا كَذِبٌ أَصْرَحُ فِي ذَلِكَ وَأَبْلَغُ لَكِنْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّ سَبَبَ مَا ذَكَرُوا عَدَمُ ظُهُورِ الْمَعْنَى حَتَّى قَالَ بَعْضُهُمْ مَنْسُوخٌ وَبَعْضُهُمْ ضَعِيفٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
3 - (بَاب فِي صَوْمِ الدَّهْرِ تَطَوُّعًا)
(فَغَضِبَ رسول الله صلى الله عليه وسلم من قَوْلِهِ) قَالَ الْعُلَمَاءُ سَبَبُ غَضَبِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَرِهَ مَسْأَلَتَهُ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَى أَنْ يُجِيبَهُ وَيَخْشَى مِنْ جَوَابِهِ مَفْسَدَةً وَهِيَ أَنَّهُ رُبَّمَا اعْتَقَدَ السَّائِلُ وُجُوبَهُ أَوِ اسْتَقَلَّهُ أَوِ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ وَكَانَ يَقْتَضِي حَالُهُ أَكْثَرَ مِنْهُ وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِشُغْلِهِ لِصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَحُقُوقِهِمْ وَحُقُوقِ أَزْوَاجِهِ وَأَضْيَافِهِ وَالْوَافِدِينَ عَلَيْهِ وَلِئَلَّا يَقْتَدِي بِهِ كُلُّ أَحَدٍ فَيُؤَدِّي الضَّرَرَ فِي حَقِّ بَعْضِهِمْ
وَكَانَ حَقُّ السَّائِلِ أَنْ يَقُولَ كَمْ أَصُومُ وَكَيْفَ أَصُومُ فَيَخُصَّ السُّؤَالَ بِنَفْسِهِ لِيُجِيبَهُ بِمَا تَقْتَضِيهِ حَالُهُ كَمَا أَجَابَ غَيْرَهُ بِمُقْتَضَى أَحْوَالِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
قَالَهُ النَّوَوِيُّ (لَا صَامَ ولا
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه اللَّه وَهُوَ نَصٌّ فِي أَنَّ صَوْم يَوْم وَفِطْرَ يَوْمٍ أَفْضَل مِنْ سَرْد الصِّيَام وَلَوْ كَانَ سَرْد الصِّيَام مَشْرُوعًا أَوْ(7/54)
أَفْطَرَ) مَعْنَاهُ لَمْ يَصُمْ وَلَمْ يُفْطِرْ وَقَدْ تُوضَعُ لَا بِمَوْضِعِ لَمْ كَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ فَلَا صدق ولا صلى أَيْ لَا تَصَدَّقَ وَلَمْ يُصَلِّ وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ الدُّعَاءُ عَلَيْهِ كَرَاهَةً لِصُنْعِهِ وَزَجْرًا لَهُ عَنْ ذَلِكَ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الَّذِي نَهَى عَنْهُ مِنْ صَوْمِ الدَّهْرِ
هُوَ أَنْ يَسْرُدَ الصِّيَامَ أَيَّامَ السَّنَةِ كُلِّهَا لَا يُفْطِرُ مِنْهَا الْأَيَّامَ الْمَنْهِيَّ عَنْ صِيَامِهَا
وَقَدْ سَرَدَ الصَّوْمَ دَهْرَهُ أَبُو طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيُّ وَكَانَ لَا يُفْطِرُ فِي سَفَرٍ وَلَا حَضَرٍ فَلَمْ يُعِبْهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا نها عَنْ ذَلِكَ كَذَا فِي الْمَعَالِمِ (وَدِدْتُ أَنِّي طُوِّقْتُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (ذَلِكَ) يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ إِنَّمَا خَافَ الْعَجْزَ عَنْ ذَلِكَ لِلْحُقُوقِ الَّتِي تَلْزَمُهُ لِنِسَائِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ يُخِلُّ بِحُظُوظِهِنَّ مِنْهُ لَا لِضَعْفِ جِبِلَّتِهِ عَنِ احْتِمَالِ الصِّيَامِ أَوْ قِلَّةِ صَبْرِهِ عَنِ الطَّعَامِ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ انْتَهَى كَلَامُ الْخَطَّابِيِّ
قَالَ النَّوَوِيُّ قِيلَ مَعْنَاهُ وَدِدْتُ أَنَّ أُمَّتِي تُطَوِّقُهُ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُطِيقُهُ وَأَكْثَرَ مِنْهُ وَكَانَ يواصل
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
مُسْتَحَبًّا لَكَانَ أَكْثَر عَمَلًا فَيَكُون أَفْضَل إِذْ الْعِبَادَة لَا تَكُون إِلَّا رَاجِحَة فَلَوْ كَانَ عِبَادَة لَمْ يَكُنْ مَرْجُوحًا
وَقَدْ تَأَوَّلَ قَوْم هَذَا عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى لَا أَفْضَل مِنْ ذَلِكَ لِلْمُخَاطَبِ وَحْده لِمَا عُلِمَ مِنْ حَاله وَمُنْتَهَى قُوَّته وَأَنَّ مَا هُوَ أَكْثَر مِنْ ذَلِكَ يُضْعِفهُ عَنْ فَرَائِضه وَيَقْطَعهُ عَنْ الْقِيَام بِمَا عَلَيْهِ مِنْ الْحُقُوق وَهَذَا تَأْوِيل بَاطِل مِنْ وُجُوه
أَحَدهَا أَنَّ سِيَاق الْحَدِيث يَرُدّهُ فَإِنَّهُ إِنَّمَا كَانَ عَنْ الْمُطِيق فَإِنَّهُ قَالَ فَإِنِّي أُطِيق أَفْضَل مِنْ ذَلِكَ فَسَبَب الْحَدِيث فِي الْمُطِيق فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ لَا أَفْضَل مِنْ ذَلِكَ لِلْمُطِيقِ الَّذِي سَأَلَ
وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ مَنْ يُفَضِّل السَّرْد
وَقَالَ إِنِّي أُطِيق أَفْضَل مِنْ صَوْم يَوْمٍ وَفِطْر يَوْمٍ لَقَالَ لَهُ السَّرْدُ أَفْضَل
الثَّانِي أَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْهُ بِثَلَاثِ جُمَل إِحْدَاهَا أَنَّهُ أَعْدَل الصِّيَام
وَالثَّانِيَة أَنَّهُ صَوْم دَاوُدَ
وَالثَّالِثَة أَنَّهُ لَا أَفْضَل مِنْهُ
وَهَذِهِ الْأَخْبَار تَمْنَع تَخْصِيصه بِالسَّائِلِ
الثَّالِث أَنَّ فِي بَعْض أَلْفَاظ مُسْلِم فِيهِ فَإِنِّي أَقْوَى
قَالَ فَلَمْ يَزَلْ يَرْفَعُنِي حَتَّى قَالَ صُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمًا فَإِنَّهُ أَفْضَل الصِّيَام وَهُوَ صَوْم أَخِي دَاوُدَ فَعَلَّلَ ذَلِكَ بِكَوْنِهِ أَفْضَل الصِّيَام وَأَنَّهُ صَوْم دَاوُدَ مَعَ إِخْبَاره لَهُ بِقُوَّتِهِ وَلَمْ يَقُلْ لَهُ فَإِنْ قَوِيت فالسرد أفضل(7/55)
وَيَقُولُ إِنِّي لَسْتُ كَأَحَدِكُمْ إِنِّي أَبَيْتُ عِنْدَ رَبِّي يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِي
أَوْ يُقَالُ إِنَّمَا قَالَهُ لِحُقُوقِ نِسَائِهِ وَغَيْرِهِنَّ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُتَعَلِّقِينَ بِهِ وَالْقَاصِدِينَ إِلَيْهِ
(وَصِيَامُ عَرَفَةَ إِنِّي أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ إِلَخْ) مَعْنَاهُ يُكَفِّرُ ذُنُوبَ صَائِمِهِ فِي السَّنَتَيْنِ قَالُوا وَالْمُرَادُ بِهِ الصَّغَائِرُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ صَغَائِرُ يُرْجَى التَّخْفِيفُ مِنَ الْكَبَائِرِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَفَعَتْ دَرَجَاتٌ
وَحَاصِلُ الْحَدِيثِ بَيَانُ رِفْقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأُمَّتِهِ وَشَفَقَتِهِ عَلَيْهِمْ وَإِرْشَادِهِمْ إِلَى مَصَالِحِهِمْ وَحَثِّهِمْ عَلَى مَا يُطِيقُونَ الدَّوَامَ عَلَيْهِ وَنَهْيِهِمْ عَنِ التَّعَمُّقِ وَالْإِكْثَارِ مِنَ الْعِبَادَاتِ الَّتِي يَخَافُ عَلَيْهِمُ الْمَلَلُ بِسَبَبِهَا أَوْ تَرْكُهَا أَوْ تَرْكُ بَعْضِهَا وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا وَبِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَكُنْ مِثْلَ فُلَانٍ كَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ فَتَرَكَ قِيَامَ اللَّيْلِ وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ أَحَبُّ الْعَمَلِ إِلَيْهِ مَا دَاوَمَ صَاحِبُهُ عَلَيْهِ وَقَدْ ذَمَّ اللَّهُ تَعَالَى قَوْمًا أَكْثَرُوا الْعِبَادَةَ ثُمَّ فَرَّطُوا فِيهَا فَقَالَ تَعَالَى وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رضوان الله فما رعوها حق رعايتها وَفِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ النَّهْيُ عَنْ صِيَامِ الدَّهْرِ
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ فَذَهَبَ أَهْلُ الظَّاهِرِ إِلَى مَنْعِ صِيَامِ الدَّهْرِ لِظَوَاهِرِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ
قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ ذَهَبَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ إِلَى جَوَازِهِ إِذَا لَمْ يَصُمُ الْأَيَّامَ الْمَنْهِيَّ عَنْهَا وَهِيَ الْعِيدَانِ وَالتَّشْرِيقُ
وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ أَنَّ سَرْدَ الصِّيَامِ إِذَا أَفْطَرَ الْعِيدَ وَالتَّشْرِيقَ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ بَلْ هُوَ مُسْتَحَبٌّ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَلْحَقَهُ بِهِ ضَرَرٌ وَلَا يُفَوِّتُ حَقًّا فَإِنْ تَضَرَّرَ أَوْ فَوَّتَ حَقًّا فَمَكْرُوهٌ
قَالَ
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
الرَّابِع أَنَّ هَذَا مُوَافِق لِقَوْلِهِ فِيمَنْ صَامَ الْأَبَد لَا صَامَ وَلَا أَفْطَرَ وَمَعْلُوم أَنَّ السَّائِل لَمْ يَسْأَلْهُ عَنْ الصَّوْم الْمُحَرَّم الَّذِي قَدْ اِسْتَقَرَّ تَحْرِيمه عِنْدهمْ وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنْهُ لَمْ يَكُنْ لِيُجِيبَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ لَا صَامَ وَلَا أَفْطَرَ بَلْ كَانَ يُجِيب عَنْهُ بِصَرِيحِ النَّهْيِ
وَالسِّيَاق يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا سَأَلَهُ عَنْ الصَّوْم الْمَأْذُون فِيهِ لَا الْمَمْنُوع مِنْهُ وَلَا يُعَبِّر عَنْ صِيَام الْأَيَّام الْخَمْسَة وَعَنْ الْمَنْع مِنْهَا بِقَوْلِهِ لَا صَامَ مَنْ صَامَ الْأَبَد وَلَا هَذِهِ الْعِبَارَة مُطَابِقَة لِلْمَقْصُودِ بَلْ هِيَ بَعِيدَةٌ مِنْهُ جِدًّا
الْخَامِس أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَ أَنَّ أَحَبَّ الصِّيَام إِلَى اللَّه صِيَام دَاوُدَ وَأَحَبَّ الْقِيَام إِلَى اللَّه قِيَام دَاوُدَ وَأَخْبَرَ بِهِمَا مَعًا
ثُمَّ فَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ كَانَ يَنَام نِصْف اللَّيْل وَيَقُوم ثُلُثه وَيَنَام سُدُسه وَكَانَ يَصُوم يَوْمًا وَيُفْطِر يَوْمًا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
وَهَذَا صَرِيح فِي أَنَّهُ إِنَّمَا كَانَ أَحَبّ إِلَى اللَّه لِأَجْلِ هَذَا الْوَصْف وَهُوَ مَا يَتَخَلَّل الصِّيَام وَالْقِيَام مِنْ الرَّاحَة الَّتِي تَجِمّ بِهَا نَفْسه وَيَسْتَعِين بِهَا عَلَى الْقِيَام بِالْحُقُوقِ
وَبِاَللَّهِ التوفيق(7/56)
المنذري وفي رواية قال يارسول اللَّهِ أَرَأَيْتَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ قَالَ فِيهِ وُلِدْتُ وَفِيهِ أُنْزِلَ عَلَيَّ الْقُرْآنُ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَقَالَ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ رِوَايَةِ شُعْبَةَ قَالَ وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ فَسَكَتْنَا عَنْ ذِكْرِ الْخَمِيسِ لِمَا نَرَاهُ وَهْمًا وأخرجه الترمذي والنسائي وبن مَاجَهْ مُخْتَصَرًا وَمُفَرَّقًا
(فِيهِ وُلِدْتُ) أَيْ فِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ (وَفِيهِ أُنْزِلَ عَلَيَّ الْقُرْآنُ) أَيْ فِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ
(أَلَمْ أُحَدَّثْ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (لَا أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ) قَالَ النَّوَوِيُّ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فَقَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ هُوَ أَفْضَلُ مِنَ السَّرْدِ لِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ وَفِي كَلَامِ غَيْرِهِ إِشَارَةٌ إِلَى تَفْضِيلِ السَّرْدِ وَتَخْصِيصِ هَذَا الْحَدِيثِ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو وَمَنْ فِي مَعْنَاهُ وَتَقْدِيرُهُ لَا أَفْضَلَ مِنْ هَذَا فِي حَقِّكَ وَيُؤَيِّدُ هَذَا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَنْهَ حَمْزَةَ بْنَ عَمْرٍو عَنِ السَّرْدِ وَأَرْشَدَهُ إِلَى يَوْمٍ وَيَوْمٍ وَلَوْ كَانَ أَفْضَلَ فِي حَقِّ كُلِّ النَّاسِ لَأَرْشَدَهُ إِلَيْهِ وَبَيَّنَهُ لَهُ فَإِنَّ تَأْخِيرَ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ لَا يَجُوزُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَقَالَ السِّنْدِيُّ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ صَوْمِ يَوْمَيْنِ وَإِفْطَارِ يَوْمٍ وَمِنْ صِيَامِ يَوْمٍ الدَّهْرَ بِلَا صِيَامِ أَيَّامِ الْكَرَاهَةِ وَبِهِ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَهُوَ أَشَدُّ الصِّيَامِ عَلَى النَّفْسِ فَمِنْهُ لَا يُعْتَادُ الصَّوْمُ وَلَا الْإِفْطَارُ فَيَصْعُبُ عَلَيْهِ كُلٌّ مِنْهُمَا انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ(7/57)
54 - (بَاب فِي صَوْمِ أَشْهُرِ الْحُرُمِ)
(ثُمَّ قَالَ صُمْ شَهْرَ الصَّبْرِ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ شَهْرُ الصَّبْرِ هُوَ شَهْرُ رَمَضَانَ وَأَصْلُ الصَّبْرِ الْحَبْسُ فَسُمِّيَ الصِّيَامُ صَبْرًا لِمَا فِيهِ مِنْ حَبْسِ النَّفْسِ عَنِ الطَّعَامِ وَمَنْعِهَا عَنْ وَطْءِ النِّسَاءِ وَغِشْيَانِهِنَّ فِي نَهَارٍ (صُمْ مِنَ الْحُرُمِ) بِضَمَّتَيْنِ أَيْ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي كِتَابِهِ فَقَالَ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ منها أربعة حرم وَهِيَ شَهْرُ رَجَبٍ وَذِي الْقِعْدَةِ وَذِي الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمِ
وَقِيلَ لِأَعْرَابِيٍّ كَمُ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَقَالَ أَرْبَعَةٌ ثَلَاثَةٌ سَرْدٌ وَوَاحِدٌ فَرْدٌ انْتَهَى (وَقَالَ بِأَصَابِعِهِ الثَّلَاثَةِ) أَيْ صُمْ مِنْهَا مَا شِئْتَ وَأَشَارَ بِالْأَصَابِعِ الثَّلَاثَةِ إِلَى أَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى الثَّلَاثِ الْمُتَوَالِيَاتِ وَبَعْدَ الثَّلَاثِ يَتْرُكُ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ وَالْأَقْرَبُ أَنَّ الْإِشَارَةَ لِإِفَادَةِ أَنَّهُ يَصُومُ ثَلَاثًا وَيَتْرُكُ ثَلَاثًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ
قَالَهُ السندي
قال المنذري وأخرجه النسائي وبن مَاجَهْ إِلَّا أَنَّ النَّسَائِيَّ قَالَ فِيهِ عَنْ مجيبة الباهلي عن عمه وقال بن مَاجَهْ عَنْ أَبِي مُجِيبَةَ الْبَاهِلِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَوْ عَمِّهِ وَذَكَرَهُ أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ فِي مُعْجَمِ الصَّحَابَةِ وَقَالَ فِيهِ عَنْ مُجِيبَةَ يَعْنِي الْبَاهِلِيَّةَ قَالَتْ حَدَّثَنِي أَبِي أَوْ عَمِّي وَسَمَّى أَبَاهَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَارِثِ فَقَالَ سَكَنَ الْبَصْرَةَ وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَبُو مُجَيِّئَةَ الْبَاهِلِيَّةِ أَوْ عَمُّهَا سَكَنَ الْبَصْرَةَ وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا ولم يسمه وذكر هذا الحديث وذكره بن قانع فِي مُعْجَمِ الصَّحَابَةِ وَقَالَ فِيهِ عَنْ مُجِيبَةَ عَنْ أَبِيهَا أَوْ عَمِّهَا وَسَمَّاهُ أَيْضًا(7/58)
عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَارِثِ هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ
وَقَدْ وَقَعَ فِيهِ هَذَا الِاخْتِلَافُ كَمَا تَرَى
وَأَشَارَ بَعْضُ شُيُوخِنَا إِلَى تَضْعِيفِهِ لِذَلِكَ وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ
وَمُجِيبَةِ بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْيَاءِ آخِرُ الْحُرُوفِ وَبَعْدَهَا بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ مَفْتُوحَةٌ وَتَاءُ تَأْنِيثٍ انْتَهَى
5 - (بَاب فِي صَوْمِ الْمُحَرَّمِ)
(عَنْ أَبِي بِشْرٍ) بِكَسْرِ الْبَاءِ هَكَذَا فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ وَكَذَا فِي الْأَطْرَافِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ أَبُو بَشِيرٍ بِزِيَادَةِ الْيَاءِ وَلَا يَصِحُّ (أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ) تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ أَفْضَلُ الشُّهُورِ لِلصَّوْمِ
وَأَمَّا إِكْثَارُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ صَوْمِ شَعْبَانَ دُونَ الْمُحَرَّمِ فَجَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا لَعَلَّهُ إِنَّمَا عَلِمَ فَضْلَهُ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ وَالثَّانِي لَعَلَّهُ يَعْرِضُ فِيهِ أَعْذَارٌ مِنْ سَفَرٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِمَا (وَإِنَّ أَفْضَلَ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْمَفْرُوضَةِ صَلَاةٌ مِنَ اللَّيْلِ) فِيهِ دَلِيلٌ لِمَا اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَيْهِ أَنَّ تَطَوُّعَ اللَّيْلِ أَفْضَلُ مِنْ تَطَوُّعِ النَّهَارِ وَفِيهِ حُجَّةٌ لِأَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ صَلَاةُ اللَّيْلِ أَفْضَلُ مِنَ السُّنَنِ الرَّاتِبَةِ
وَقَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ الرَّوَاتِبُ أَفْضَلُ لِأَنَّهَا تُشْبِهُ الْفَرَائِضَ وَالْأَوَّلُ أَقْوَى وَأَوْفَقُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ذَكَرَهُ النَّوَوِيِّ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ
(كَانَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ لَا يُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ لَا يَصُومُ) قَالَ النَّوَوِيُّ الظَّاهِرُ أن مراد
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه اللَّه وَقَدْ رَوَاهُ شُعْبَة عَنْ أَبِي بِشْر عَنْ حُمَيْد بْن عَبْد الرَّحْمَن عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا فَاخْتَلَفَ فِيهِ شُعْبَة وَأَبُو عَوَانَة فَقَالَ أَبُو عَوَانَة عَنْ أَبِي بِشْر حُمَيْد بْن عَبْد الرَّحْمَن عَنْ أَبِي هُرَيْرَة
وَقَالَ شُعْبَة عَنْ أَبِي بِشْر عَنْ حُمَيْد عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَجَّحَ الدَّارَقُطْنِيُّ إِرْسَالَهُ(7/59)
سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ بِهَذَا الِاسْتِدْلَالِ أَنَّهُ لَا نَهْيَ عَنْهُ وَلَا نَدْبَ فِيهِ لِعَيْنِهِ بَلْ لَهُ حُكْمُ بَاقِي الشُّهُورِ وَلَمْ يَثْبُتْ فِي صَوْمِ رَجَبٍ نَهْيٌ وَلَا نَدْبٌ وَلَا نَهْيٌ لِعَيْنِهِ وَلَكِنَّ أَصْلَ الصَّوْمِ مَنْدُوبٌ إِلَيْهِ
وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَدَبَ إِلَى الصَّوْمِ مِنَ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ وَرَجَبٌ أَحَدُهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ والترمذي وبن مَاجَهْ
6 - (بَاب فِي صَوْمِ شَعْبَانَ)
(كَانَ أَحَبَّ الشُّهُورِ) خَبَرُ كَانَ لِكَوْنِهِ صِفَةً وَشَعْبَانُ اسْمُهُ (أَنْ يَصُومَهُ) وَفِيهِ وَجْهَانِ الْأَوَّلُ أَنَّهُ بَدَلٌ مِنْ أَحَبِّ الشُّهُورِ وَالضَّمِيرُ الْمَنْصُوبُ فِيهِ عَائِدٌ إِلَى أَحَبِّ الشُّهُورِ (شَعْبَانُ) اسْمُ كَانَ بِحَذْفِ الْمُضَافِ تَقْدِيرُهُ كَانَ شَعْبَانُ أَيْ صَوْمُهُ صَوْمَ أحب الشهور إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالثَّانِي أَنَّ قَوْلَهَا أَنْ يَصُومَهُ مَنْصُوبٌ بِنَزْعِ الْخَافِضِ وَالضَّمِيرُ الْمَنْصُوبُ فِيهِ عَائِدٌ إِلَى أَحَبِّ الشُّهُورِ تَقْدِيرُهُ كَانَ شَعْبَانُ أَحَبَّ الشُّهُورِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَنْ يَصُومَ أَحَبِّ الشُّهُورِ
وَحَاصِلُهُ أَنَّ كَوْنَ شَعْبَانَ أَحَبَّ الشُّهُورِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ عَلَى الْإِطْلَاقِ بَلْ فِي أَمْرِ الصَّوْمِ فَقَطْ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَحَبُّ الشُّهُورِ إِلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَيْرِ أَمْرِ الصَّوْمِ غَيْرَ شعبان والوجه الأول هو القوي
قال بن رَسْلَانَ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخُصُّ شَعْبَانَ بِصِيَامِ التَّطَوُّعِ فِيهِ مَعَ أَنَّهُ قَالَ أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ فَالْجَوَابُ أَنَّ جَمَاعَةً أَجَابُوا عَنْ ذَلِكَ بِأَجْوِبَةٍ غَيْرِ قَوِيَّةٍ لِاعْتِقَادِهِمْ أَنَّ صِيَامَ الْمُحَرَّمِ أَفْضَلُ مِنْ شَعْبَانَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّافِعِيَّةُ وَغَيْرُهُمْ كَمَا قَالَ النووي أفضل الشهر لِلصَّوْمِ بَعْدَ رَمَضَانَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ وَأَفْضَلُهَا الْمُحَرَّمُ وَيَلِي الْمُحَرَّمَ فِي الْفَضْلِ رَجَبٌ وَالْأَظْهَرُ كَمَا قَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ أَفْضَلَ الصِّيَامِ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ شَعْبَانُ لِمُحَافَظَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى صَوْمِهِ أَوْ صَوْمِ أَكْثَرِهِ فَيَكُونُ قَوْلُهُ أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ الْمُحَرَّمُ مَحْمُولًا عَلَى التَّطَوُّعِ الْمُطْلَقِ وَكَذَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْمَكْتُوبَةِ قِيَامُ اللَّيْلِ إِنَّمَا أُرِيدَ بِهِ تَفْضِيلُ قِيَامِ اللَّيْلِ عَلَى التَّطَوُّعِ الْمُطْلَقِ دُونَ السُّنَنِ وَالرَّوَاتِبِ الَّتِي قَبْلَ الْفَرْضِ وَبَعْدَهُ خِلَافًا لِبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ فَكَذَلِكَ مَا كَانَ قَبْلَ رَمَضَانَ أَوْ بَعْدَهُ مِنْ شَوَّالٍ تَشْبِيهًا لَهُ بِالسُّنَنِ وَالرَّوَاتِبِ انْتَهَى
وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَأَقَرَّهُ الذَّهَبِيُّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ(7/60)
57 - (بَاب فِي صَوْمِ شَوَّالٍ)
(إِنَّ لِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا) وَالصَّوْمُ يُضْعِفُ الْإِنْسَانَ فَلَا يَقْدِرُ عَلَى أَدَاءِ حَقِّ الْأَهْلِ وَفِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّ صَوْمَ الدَّهْرِ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُفَتِّرَ الْهِمَّةَ عَنِ القيام بحقوق الله وحقوق عباده فلذاكره (صُمْ رَمَضَانَ وَالَّذِي يَلِيهِ) قِيلَ أَرَادَ السِّتَّ مِنْ شَوَّالٍ وَقِيلَ أَرَادَ بِهِ شَعْبَانَ (وَكُلَّ أَرْبِعَاءَ) بِالْمَدِّ وَعَدَمِ الِانْصِرَافِ (وَخَمِيسٍ) بِالْجَرِّ وَالتَّنْوِينِ (فَإِذًا) بِالتَّنْوِينِ (أَنْتَ قَدْ صُمْتَ الدَّهْرَ) قَالَ الطِّيبِيُّ الْفَاءُ جَزَاءُ شَرْطٍ مَحْذُوفٍ أَيْ إِنْ فَعَلْتَ مَا قُلْتُ لَكَ فَقَدْ صُمْتَ وَإِذًا جواب جيء لتأكيد الربط
قاله على القارىء
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ غَرِيبٌ وَرَوَى بَعْضُهُمْ عَنْ هَارُونَ بْنِ سَلْمَانَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ وَقَدْ أَخْرَجَ النَّسَائِيُّ الرِّوَايَتَيْنِ الرِّوَايَةُ الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا التِّرْمِذِيُّ
8 - (بَاب فِي صَوْمِ سِتَّةِ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ)
(قَالَ مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ بِسِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ) وَقَدِ اسْتَدَلَّ بِهِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْأَحَادِيثِ
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه اللَّه هَذَا الْحَدِيث قَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ فَأَوْرَدَهُ مُسْلِم فِي صَحِيحه
وَضَعَّفَهُ غَيْره وَقَالَ هُوَ مِنْ رِوَايَة سَعْد بْن سَعِيد أَخِي يَحْيَى بْن سَعِيد قَالَ النَّسَائِيّ فِي سُنَنه سَعْد بْن سَعِيد ضَعِيف كَذَلِكَ قَالَ(7/61)
الْمَذْكُورَةِ فِي هَذَا الْبَابِ عَلَى اسْتِحْبَابِ صَوْمِ سِتَّةِ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَدَاوُدُ وَغَيْرُهُمْ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ يُكْرَهُ صَوْمُهَا وَاسْتُدِلَّ لَهُمَا عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّهُ رُبَّمَا ظَنَّ وُجُوبَهَا وَهُوَ بَاطِلٌ فِي مُقَابَلَةِ السُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ
وَأَيْضًا يَلْزَمُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي سَائِرِ أَنْوَاعِ الصَّوْمِ الْمُرَغَّبِ فِيهَا وَلَا قَائِلَ بِهِ
وَاسْتَدَلَّ مَالِكٌ عَلَى الْكَرَاهَةِ بِمَا قَالَ فِي الْمُوَطَّأِ مِنْ أَنَّهُ مَا رَأَى أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَصُومُهَا وَلَا يَخْفَى أَنَّ النَّاسَ إِذَا تَرَكُوا الْعَمَلَ بِسُنَّةٍ لَمْ يَكُنْ تَرْكُهُمْ دَلِيلًا تُرَدُّ بِهِ السُّنَّةُ
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْأَفْضَلُ أَنْ تُصَامَ السِّتَّ مُتَوَالِيَةً عَقِبَ يَوْمِ
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
أَحْمَد بْن حَنْبَل يَحْيَى بْن سَعِيد
الثِّقَة الْمَأْمُون أَحَد الْأَئِمَّة وَعَبْد رَبّه بْن سَعِيد لَا بَأْس بِهِ وَسَعْد بْن سَعِيد ثَالِثهمْ ضَعِيف
وَذَكَر عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر الْحُمَيْدِيّ هَذَا الْحَدِيث فِي مُسْنَده وَقَالَ الصَّحِيح مَوْقُوفًا
وَقَدْ رَوَى الْإِخْوَة الثَّلَاثَة هَذَا الْحَدِيث عَنْ عُمَر بْن ثَابِت
فَمُسْلِم أَوْرَدَهُ مِنْ رِوَايَة سَعْد بْن سَعِيد
وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ مِنْ حَدِيثه مَرْفُوعًا وَمِنْ حَدِيث عَبْد رَبّه بْن سَعِيد مَوْقُوفًا
وَرَوَاهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيث يَحْيَى بْن سَعِيد مَرْفُوعًا
وَقَدْ رَوَاهُ أَيْضًا ثَوْبَان عَنْ النبي قَالَ صِيَام شَهْر رَمَضَان بِعَشْرَةِ أَشْهُر وَصِيَام سِتَّة أَيَّامٍ بِشَهْرَيْنِ فَذَاكَ صِيَام سَنَةٍ رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَفِي لَفْظٍ لَهُ أَيْضًا أَنَّهُ سَمِعَ رسول الله يَقُول جَعَلَ اللَّه الْحَسَنَة بِعَشْرَةٍ فَشَهْر بِعَشْرَةٍ أَشْهُر وَسِتَّة أَيَّام بَعْد الْفِطْر تَمَام السَّنَة قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَفِي الْبَاب عَنْ جَابِرٍ وَأَبِي هُرَيْرَة وَثَوْبَان وَقَدْ أُعِلَّ حَدِيث أَبِي أَيُّوب مِنْ جِهَة طُرُقه كُلّهَا
أَمَّا رِوَايَة مُسْلِم فَعَنْ سَعْد بْن سَعِيد وَأَمَّا رِوَايَة أَخِيهِ عَبْد رَبّه فَقَالَ النَّسَائِيّ فِيهِ عُتْبَة لَيْسَ بِالْقَوِيِّ يَعْنِي رَاوِيه عَنْ عَبْد الْمَلِك بْن أَبِي بَكْر عَنْ يَحْيَى
وَأَمَّا حَدِيث عَبْد رَبّه فَإِنَّمَا رَوَاهُ مَوْقُوفًا
وَهَذِهِ الْعِلَل وَإِنْ مَنَعَتْهُ أَنْ يَكُون فِي أَعْلَى دَرَجَات الصَّحِيح فَإِنَّهَا لَا تُوجِب وَهَنَهُ وَقَدْ تَابَعَ سَعْدًا وَيَحْيَى وَعَبْد رَبّه عَنْ عُمَر بْن ثَابِت عُثْمَان بْن عَمْرو الْخُزَاعِيّ عَنْ عُمَر لَكِنْ قَالَ عَنْ عُمَر عَنْ مُحَمَّد بْن الْمُنْكَدِر عَنْ أَبِي أَيُّوب
وَرَوَاهُ أَيْضًا صَفْوَان بْن سليم عن عمر بن ثابت ذكره بن حِبَّان فِي صَحِيحه وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيّ فَهَؤُلَاءِ خَمْسَة يَحْيَى وَسَعِيد وَعَبْد رَبّه بَنُو سَعِيد وَصَفْوَان بْن سليم وَعُثْمَان بْن عَمْرو الْخُزَاعِيّ كُلّهمْ رَوَوْهُ عَنْ عَمْرو
فَالْحَدِيث صَحِيح
وَأَمَّا حديث ثوبان فقد رواه بن حِبَّان فِي صَحِيحه
وَلَفْظه مَنْ صَامَ رَمَضَان وَسِتًّا مِنْ شَوَّال فَقَدْ صَامَ السَّنَة وَرَوَاهُ بن مَاجَةَ
وَلَفْظه مَنْ صَامَ رَمَضَان وَسِتَّة أَيَّام بَعْد الْفِطْر كَانَ تَمَام السَّنَة مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْر أَمْثَالهَا وَأَمَّا حَدِيث جَابِر فَرَوَاهُ أَحْمَد فِي مُسْنَده عَنْ أَبِي عَبْد الرحمن المقرئ عَنْ سَعِيد بْن أَبِي أَيُّوب عَنْ عَمْرو بْن جَابِر الْحَضْرَمِيّ عَنْ جَابِر عَنْ النَّبِيّ وَعَمْرو بْن جَابِر ضَعِيف وَلَكِنْ قَالَ أَبُو حاتم(7/62)
الْفِطْرِ قَالَ فَإِنْ فَرَّقَهَا أَوْ أَخَّرَهَا عَنْ أَوَائِلِ شَوَّالٍ إِلَى آخِرِهِ حَصَلَتْ فَضِيلَةُ الْمُتَابَعَةِ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ أَنَّهُ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ
قَالَ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ لِأَنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا فَرَمَضَانُ بِعَشْرَةِ أَشْهُرٍ وَالسِّتَّةُ بِشَهْرَيْنِ وَقَدْ جَاءَ هَذَا الْحَدِيثُ مَرْفُوعًا فِي كِتَابِ النَّسَائِيِّ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مسلم والترمذي والنسائي وبن ماجه
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
الرَّازِيّ هُوَ صَالِح لَهُ نَحْو عِشْرِينَ حَدِيثًا
وَقَالَ أَبُو نُعَيْم الْأَصْبِهَانِيّ رُوِيَ عَنْ عَمْرو بْن دِينَار وَمُجَاهِد عَنْ جَابِر مِثْله
وَأَمَّا حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة فَرَوَاهُ أَبُو نُعَيْم مِنْ حَدِيث لَيْث بْن أَبِي سليم عَنْ مُجَاهِد عَنْهُ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَرَوَاهُ مِنْ حَدِيث عَبْد اللَّه بْن سَعِيد بْن أَبِي سَعِيد الْمَقْبُرِيّ عَنْ أَبِي سَعِيد عن أبي هريرة عن النبي
قَالَ أَبُو نُعَيْم وَرَوَاهُ عَمْرو بْن دِينَار عن عبد الرحمن بن أبي هريرة عن أَبِيهِ وَرَوَاهُ إِسْمَاعِيل بْن رَافِع عَنْ أَبِي صَالِح عَنْ أَبِي هُرَيْرَة
وَهَذِهِ الطُّرُق تَصْلُح لِلِاعْتِبَارِ وَالِاعْتِضَاد
وَقَدْ اِحْتَجَّ أَصْحَاب السُّنَن الْأَرْبَعَة بِلَيْثٍ وَقَدْ رَوَى حَدِيث شَدَّاد بْن أَوْس قَالَ عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي حَاتِم فِي كِتَاب الْعِلَل سَمِعْت أَبِي وَذَكَر حَدِيثًا رَوَاهُ سُوَيْد بْن عَبْد الْعَزِيز عَنْ يَحْيَى بْن الْحَارِث عَنْ أَبِي الْأَشْعَث الصَّنْعَانِيّ عَنْ أَبِي أَسْمَاء عَنْ ثَوْبَان مَرْفُوعًا مَنْ صَامَ رَمَضَان وَأَتْبَعهُ بِسِتٍّ مِنْ شَوَّال قَالَ أَبِي هَذَا وَهْم مِنْ سُوَيْد قَدْ سَمِعَ يَحْيَى بْن الحرث هَذَا الْحَدِيث مِنْ أَبِي أَسْمَاء إِنَّمَا أَرَادَ سُوَيْد مَا حَدَّثَنَا صَفْوَان بْن صَالِح أَخْبَرَنَا مَرْوَان الطَّاطِرِيّ عَنْ يَحْيَى بْن حَمْزَة عَنْ يحيى بن الحرث عَنْ أَبِي الْأَشْعَث الصَّنْعَانِيّ عَنْ شَدَّاد بْن أوس عن النبي قَالَ مَنْ صَامَ رَمَضَان الْحَدِيث وَهَذَا إِسْنَاد ثقات كلهم ثم قال بن أَبِي حَاتِم بَعْد ذَلِكَ سُئِلَ أَبِي عَنْ حَدِيثٍ رَوَاهُ مَرْوَان الطَّاطِرِيّ عَنْ يَحْيَى بْن حَمْزَة وَذَكَر هَذَا الْحَدِيث حَدِيث شَدَّاد بْن أَوْس قَالَ سَمِعْت أَبِي يَقُول النَّاس يَرْوُونَ عن يحيى بن الحرث عَنْ أَبِي أَسْمَاء عَنْ ثَوْبَان عَنْ النَّبِيّ
قُلْت لِأَبِي أَيّهمَا الصَّحِيح قَالَ جَمِيعًا صَحِيح
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد الرَّقِّيّ أَخْبَرَنَا أَبُو هَمَّام أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْن حَمْزَة عَنْ إِسْحَاق بْن عَبْد اللَّه قَالَ حَدَّثَنِي سَعْد بْن سَعِيد عَنْ عَدِيّ بْن ثَابِت عن البراء بن عازب عن النبي أَنَّهُ قَالَ مَنْ صَامَ سِتَّة أَيَّام بَعْد الْفِطْر فَكَأَنَّمَا صَامَ الدَّهْر كُلّه وَيَحْيَى بْن حَمْزَة قَاضِي دِمَشْق صَدُوق وَأَبُو هَمَّام الْوَلِيد بْن شُجَاع السُّكُونِيّ أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِم وَهَذَا غَرِيب لَعَلَّهُ اِشْتَبَهَ عَلَى بَعْض رُوَاته عُمَر بْن ثَابِت بِعَدِيِّ بْن ثَابِتٍ وَتَأَكَّدَ الْوَهْم فَجَعَلَهُ عَنْ الْبَرَاء بْن عَازِب لِكَثْرَةِ رِوَايَة عَدِيّ بْن ثَابِت عَنْهُ
وَقَدْ اِخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْم فِي الْقَوْل بِمُوجِبِ هَذِهِ الْأَحَادِيث
فَذَهَبَ أَكْثَرهمْ إِلَى الْقَوْل بِاسْتِحْبَابِ صَوْمهَا
مِنْهُمْ الشَّافِعِيُّ وأحمد وبن الْمُبَارَك وَغَيْرهمْ
وَكَرِهَهَا آخَرُونَ
مِنْهُمْ مَالِك
وَقَالَ مُطَرِّف كَانَ مَالِك يَصُومهَا فِي خَاصَّة نَفْسه
قَالَ وَإِنَّمَا كَرِهَ صَوْمهَا لِئَلَّا يُلْحِق أَهْل الْجَاهِلِيَّة ذَلِكَ بِرَمَضَان
فَأَمَّا مَنْ يَرْغَب فِي ذَلِكَ لِمَا جَاءَ فِيهِ فَلَمْ يَنْهَهُ(7/63)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
وَقَدْ اِعْتَرَضَ بَعْض النَّاس عَلَى هَذِهِ الْأَحَادِيث بِاعْتِرَاضَاتٍ نَذْكُرُهَا وَنَذْكُر الْجَوَاب عَنْهَا إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى
الِاعْتِرَاض الْأَوَّل تَضْعِيفهَا
قَالُوا وَأَشْهَرُهَا حَدِيث أَبِي أَيُّوب وَمَدَاره عَلَى سَعْد بْن سَعِيد وَهُوَ ضَعِيف جِدًّا تَرَكَهُ مَالِك وَأَنْكَرَ عَلَيْهِ هَذَا الْحَدِيث وَقَدْ ضَعَّفَهُ أَحْمَد وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ تَكَلَّمُوا فِيهِ مِنْ قِبَل حِفْظه
وَقَالَ النسائي ليس بالقوي وقال بن حِبَّان لَا يَجُوز الِاحْتِجَاج بِحَدِيثِ سَعْد بْن سَعِيد
وَجَوَاب هَذَا الِاعْتِرَاض أَنَّ الْحَدِيث قَدْ صَحَّحَهُ مُسْلِم وَغَيْره
وَأَمَّا قَوْلكُمْ يَدُور عَلَى سَعْد بْن سَعِيد فَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ قَدْ رَوَاهُ صَفْوَان بْن سُلَيْم وَيَحْيَى بْن سَعِيد أَخُو سَعْد الْمَذْكُور وَعَبْد رَبّه بْن سَعِيد وَعُثْمَان بْن عُمَر الْخُزَاعِيّ
أَمَّا حَدِيث صَفْوَان فأخرجه أبو داود والنسائي وبن حِبَّان
وَأَمَّا حَدِيث يَحْيَى بْن سَعِيد فَرَوَاهُ النَّسَائِيّ عَنْ هِشَام بْن عَمَّار عَنْ صَدَقَة بْن خَالِد مُتَّفَق عَلَيْهِمَا عَنْ عُتْبَة بْن أبي حكيم
وثقة الرازيان وبن معين وبن حِبَّان عَنْ عَبْد الْمَلِك بْن أَبِي بَكْر بن عبد الرحمن بن الحرث بْن هِشَام وَعَبْد الْمَلِك بْن مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر بْن عَمْرو بْن حَزْم وَإِسْمَاعِيل بْن إِبْرَاهِيم الصَّائِغ ثَلَاثَتهمْ عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيد عَنْ عُمَر بِهِ
فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ رَوَاهُ حَفْص بْن غِيَاث وَهُوَ أَثْبَت مِمَّنْ ذَكَرْت عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيد عَنْ أَخِيهِ سَعْد بْن سَعِيد عَنْ عَمْرو بْن ثَابِت فَدَلَّ عَلَى أَنَّ يَحْيَى بْن سَعِيد لَمْ يَرْوِهِ عَنْ عُمَر بْن ثَابِت وَإِلَّا لَمَا رَوَاهُ عَنْ أَخِيهِ عَنْهُ وَرَوَاهُ إِسْحَاق بْن أَبِي فَرْوَة عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيد عَنْ عَدِيّ بْن ثَابِت عَنْ الْبَرَاء فَقَدْ اِخْتَلَفَ فِيهِ
قِيلَ رِوَايَة عَبْد الْمَلِك وَمَنْ مَعَهُ عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيد أَرْجَح مِنْ رِوَايَة حَفْص بْن غِيَاث لِأَنَّهُمْ أَتْقَنَ وَأَكْثَر وَأَبْعَد عَنْ الْغَلَط وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون يَحْيَى سَمِعَهُ مِنْ أَخِيهِ فَرَوَاهُ كَذَلِكَ ثُمَّ سَمِعَهُ مِنْ عُمَر وَلِهَذَا نَظَائِر كَثِيرَة وَقَدْ رَوَاهُ عَبْد اللَّه بْن لَهِيعَة عَنْ عَبْد رَبّه بْن سَعِيد عَنْ أَخِيهِ يَحْيَى بْن سَعِيد عَنْ عُمَر فَإِنْ كَانَ يَحْيَى إِنَّمَا سَمِعَهُ مِنْ أخيه سعد فقذ اِتَّفَقَتْ فِيهِ رِوَايَة الْإِخْوَة الثَّلَاثَة لَهُ بَعْضهمْ عَنْ بَعْض
وَأَمَّا حَدِيث عَبْد رَبّه بْن سَعِيد فَذَكَره البيهقي وَكَذَلِكَ حَدِيث عُثْمَان بْن عَمْرو الخزاعي
وَبِالْجُمْلَةِ فَلَمْ يَنْفَرِد بِهِ سَعْد سَلَّمْنَا اِنْفِرَاده لَكِنَّهُ ثِقَة صَدُوق رَوَى لَهُ مسلم وروى عنه شعبة وسفيان الثوري وبن عيينة وبن جُرَيْج وَسُلَيْمَان بْن بِلَال وَهَؤُلَاءِ أَئِمَّة هَذَا الشَّأْن
وَقَالَ أَحْمَد كَانَ شُعْبَة أُمَّة وَحْدَة فِي هَذَا الشَّأْن قَالَ عَبْد اللَّه يَعْنِي فِي الرِّجَال وَبَصَره بِالْحَدِيثِ وَتَثَبُّته وَتَنْقِيَته(7/64)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
لِلرِّجَالِ وَقَالَ مُحَمَّد بْن سَعْد شُعْبَة أَوَّل مَنْ فَتَّشَ عَنْ أَمْر الْمُحَدِّثِينَ وَجَانِب الضُّعَفَاء وَالْمَتْرُوكِينَ وَصَارَ عَلَمًا يُقْتَدَى بِهِ وَتَبِعَهُ عَلَيْهِ بَعْده أَهْل الْعِرَاق
وَأَمَّا مَا ذَكَرْتُمْ مِنْ تَضْعِيف أَحْمَد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ فَصَحِيح
وَأَمَّا مَا نقلتم عن بن حِبَّان فَإِنَّمَا قَالَهُ فِي سَعْد بْن سَعِيد بْن أَبِي سَعِيد الْمَقْبُرِيّ وَلَيْسَ فِي كِتَابه غَيْره وَأَمَّا سَعْد بْن سَعِيد الْأَنْصَارِيّ الْمَدَنِيّ فَإِنَّمَا ذَكَره فِي كِتَاب الثِّقَات وَقَدْ قَالَ أبو حاتم الرازي عن بن مَعِين سَعْد بْن سَعِيد صَالِحٌ وَقَالَ مُحَمَّد بن سعد ثقة قليل الحديث وقال بن أَبِي حَاتِم سَمِعْت أَبِي يَقُول كَانَ سَعْد بْن سَعِيد مُؤَدِّيًا يَعْنِي أَنَّهُ كَانَ يَحْفَظ ويؤدي ما سمع
وقال بن عَدِيّ لَهُ أَحَادِيث صَالِحَةٌ تَقْرُب مِنْ الِاسْتِقَامَة وَلَا أَرَى بِحَدِيثِهِ بَأْسًا مِقْدَار مَا يَرْوِيه وَمِثْل هَذَا إِنَّمَا يَنْفِي مَا يَنْفَرِد بِهِ أَوْ يُخَالِف بِهِ الثِّقَات فَأَمَّا إِذَا لَمْ يَنْفَرِد وَرَوَى مَا رَوَاهُ النَّاس فَلَا يَطْرَح حَدِيثه
سَلَّمْنَا ضَعْفه لَكِنَّ مُسْلِمٌ إِنَّمَا اِحْتَجَّ بحديثه لأنه ظهر له أنه لم يخطىء فِيهِ بِقَرَائِن وَمُتَابَعَات وَلِشَوَاهِد دَلَّتْهُ عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ قَدْ عَرَفَ خَطَؤُهُ فِي غَيْره فكون الرجل يخطىء فِي شَيْءٍ لَا يَمْنَع الِاحْتِجَاج بِهِ فِيمَا ظهر أنه لم يخطىء فِيهِ وَهَكَذَا حُكْم كَثِير مِنْ الْأَحَادِيث الَّتِي خَرَّجَاهَا وَفِي إِسْنَادهَا مَنْ تُكُلِّمَ فِيهِ مِنْ جِهَة حِفْظه فَإِنَّهُمَا لَمْ يُخْرِجَاهَا إِلَّا وَقَدْ وَجَدَا لَهَا مُتَابَعًا
وَهَهُنَا دَقِيقَة يَنْبَغِي التَّفَطُّن لَهَا وَهِيَ أَنَّ الْحَدِيث الَّذِي رَوَيَاهُ أَوْ أَحَدهمَا وَاحْتَجَّا بِرِجَالِهِ أَقْوَى مِنْ حَدِيث اِحْتَجَّا بِرِجَالِهِ وَلَمْ يُخْرِجَاهُ فَتَصْحِيح الْحَدِيث أَقْوَى مِنْ تَصْحِيح السَّنَد
فَإِنْ قِيلَ فَلِمَ لَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ قِيلَ هَذَا لَا يَلْزَم لِأَنَّهُ رَحِمه اللَّه لَمْ يَسْتَوْعِب الصَّحِيح وَلَيْسَ سَعْد بْن سَعِيد مِنْ شَرْطه عَلَى أَنَّهُ قَدْ اِسْتَشْهَدَ بِهِ فِي صَحِيحه فَقَالَ فِي كِتَاب الزَّكَاة وَقَالَ سُلَيْمَان عَنْ سَعْد بْن سَعِيد عَنْ عمارة بن غزية عن بن عَبَّاس عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه أُحُدٌ جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ
الِاعْتِرَاض الثَّانِي أَنَّ هَذَا الْحَدِيث قَدْ اُخْتُلِفَ فِي سَنَدِهِ عَلَى عُمَر بْن ثَابِت فَرَوَاهُ أَبُو عَبْد الرَّحْمَن المقرئ عَنْ سَعِيد عَنْ عَبْد رَبّه بْن سَعِيد عَنْ عُمَر بْن ثَابِت عَنْ أَبِي أَيُّوب مَوْقُوفًا ذَكَره النَّسَائِيّ
وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيث عُثْمَان بْن عَمْرو بْن سَاج عَنْ عُمَر بْن ثَابِت عَنْ مُحَمَّد بْن الْمُنْكَدِر عَنْ أَبِي أَيُّوب وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ طَرِيق سَعْد بْن سَعِيد غَيْر مُتَّصِلَة حَيْثُ لَمْ يَذْكُر مُحَمَّد بْن الْمُنْكَدِر بَيْن عُمَر بْن ثَابِت وَأَبِي أَيُّوب وَقَدْ رَوَاهُ إِسْمَاعِيل بْن عَيَّاش عَنْ مُحَمَّد بْن أَبِي حُمَيْد عَنْ مُحَمَّد بْن الْمُنْكَدِر عَنْ أَبِي أَيُّوب
فَدَلَّ عَلَى أَنَّ لِرِوَايَةِ مُحَمَّد بْن الْمُنْكَدِر لَهُ عَنْ أَبِي أَيُّوب أَصْلًا
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيّ عَنْ وَرْقَاء بْن عُمَر الْيَشْكُرِيّ عَنْ سَعْد بْن سَعِيد عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيد عَنْ عُمَر بْن ثَابِت عَنْ أَبِي أَيُّوب
وَهَذَا الِاخْتِلَاف يُوجِب ضَعْفه(7/65)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
وَالْجَوَاب أَنَّ هَذَا لَا يُسْقِط الِاحْتِجَاج بِهِ أَمَّا رِوَايَة عَبْد رَبّه بْن سَعِيد لَهُ مَوْقُوفًا فَإِمَّا أَنْ يُقَال الرَّفْع زِيَادَة
وَإِمَّا أَنْ يُقَال هُوَ مُخَالَفَة وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَالتَّرْجِيح حَاصِل بِالْكَثْرَةِ وَالْحِفْظ فَإِنَّ صَفْوَان بْن سُلَيْم وَيَحْيَى بْن سَعِيد وَهُمَا إِمَامَانِ جَلِيلَانِ وَسَعْد بْن سَعِيد وَهُوَ ثِقَة مُحْتَجّ بِهِ فِي الصَّحِيح اِتَّفَقُوا عَلَى رَفْعه وَهُمْ أَكْثَر وَأَحْفَظ عَلَى أَنَّ الْمَقْبُرِيّ لَمْ يُتَّفَق عَنْهُ عَلَى وَقْفه
بَلْ قَدْ رَوَاهُ أَحْمَد بْن يُوسُف السُّلَمِيّ شَيْخ مُسْلِم وَعُقَيْل بْن يَحْيَى جَمِيعًا عَنْهُ عَنْ شُعْبَة عَنْ عَبْد رَبّه بْن سَعِيد عَنْ عُمَر بْن ثَابِت عَنْ أَبِي أيوب مرفوعا وذكره بن مِنْدَه وَهُوَ إِسْنَاد صَحِيح مُوَافِق لِرِوَايَةِ الْجَمَاعَة وَمُقَوٍّ لِحَدِيثِ صَفْوَان بْن سُلَيْم وَسَعْد بْن سَعِيد
وَأَيْضًا فَقَدْ رَوَاهُ مُحَمَّد بْن جَعْفَر غُنْدَر عَنْ شُعْبَة عَنْ وَرْقَاء عَنْ سَعْد بْن سَعِيد مَرْفُوعًا كَرِوَايَةِ الْجَمَاعَة وَغُنْدَر أَصَحّ النَّاس حَدِيثًا فِي شُعْبَة حَتَّى قَالَ عَلِيّ بْن الْمَدِينِيّ هُوَ أَحَبّ إِلَيَّ مِنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيٍّ فِي شُعْبَة فَمَنْ يَكُون مُقَدَّمًا عَلَى عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيٍّ فِي حَدِيث شُعْبَة يَكُون قَوْله أَوْلَى مِنْ الْمَقْبُرِيّ
وَأَمَّا حَدِيث عُثْمَان بْن عَمْرو بْن سَاج فَقَالَ أَبُو الْقَاسِم بْن عَسَاكِر فِي أَطْرَافه عَقِب رِوَايَتهَا هَذَا خَطَأ وَالصَّوَاب عَنْ عُمَر بْن ثَابِت عَنْ أَبِي أَيُّوب مِنْ غَيْر ذِكْر مُحَمَّد بْن الْمُنْكَدِر
وَقَدْ قَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ عُثْمَان وَالْوَلِيد اِبْنَا عَمْرو بْن سَاج يُكْتَب حَدِيثهمَا وَلَا يُحْتَجّ بِهِ وَقَالَ النَّسَائِيّ رَأَيْت عِنْده كُتُبًا فِي غَيْر هَذَا
فَإِذَا أَحَادِيث شِبْه أَحَادِيث مُحَمَّد بْن أَبِي حُمَيْد فَلَا أَدْرِي أَكَانَ سَمَاعه مِنْ مُحَمَّد أَمْ مِنْ أُولَئِكَ الْمَشْيَخَة فَإِنْ كَانَتْ تِلْكَ الْأَحَادِيث أَحَادِيثه عَنْ أُولَئِكَ الْمَشْيَخَة وَلَمْ يَكُنْ سَمِعَهُ مِنْ مُحَمَّد فَهُوَ ضَعِيف
وَأَمَّا رِوَايَة إِسْمَاعِيل بْن عَيَّاش لَهُ عَنْ مُحَمَّد بْن أَبِي حُمَيْد فَإِسْمَاعِيل بْن عَيَّاش ضَعِيف فِي الْحِجَازِيِّينَ وَمُحَمَّد بْن حُمَيْد مُتَّفَق عَلَى ضَعْفه ونكارة حديثه وكأن بن سَاج سَرَقَ هَذِهِ الرِّوَايَة عَنْ مُحَمَّد بْن حُمَيْد وَالْغَلَط فِي زِيَادَة مُحَمَّد بْن الْمُنْكَدِر مِنْهُ
وَاَللَّه أَعْلَم
وَأَمَّا رِوَايَة أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيّ فَمِنْ رِوَايَة عَبْد اللَّه بْن عِمْرَان الأصبهاني عنه قال بن حِبَّان كَانَ يُغْرِب وَخَالَفَهُ يُونُس بْن حَبِيب فَرَوَاهُ عَنْ أَبِي دَاوُدَ عَنْ وَرْقَاء بْن عُمَر عَنْ سَعْد بْن سَعِيد عَنْ عُمَر بْن ثَابِت مُوَافَقَة لِرِوَايَةِ الْجَمَاعَة
فَإِنْ قِيلَ فَالْحَدِيث بَعْد هَذَا كُلّه مَدَاره عَلَى عُمَر بْن ثَابِت الْأَنْصَارِيِّ لَمْ يَرْوِهِ عَنْ أَبِي أَيُّوب غَيْره فَهُوَ شَاذٌّ فَلَا يُحْتَجّ بِهِ
قِيلَ لَيْسَ هَذَا مِنْ الشَّاذّ الَّذِي لَا يُحْتَجّ بِهِ وَكَثِير مِنْ أَحَادِيث الصَّحِيحَيْنِ بِهَذِهِ الْمَثَابَة كَحَدِيثِ الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ تَفَرَّدَ عَلْقَمَة بْن وَقَّاص بِهِ وَتَفَرَّدَ مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ بِهِ عَنْهُ وَتَفَرَّدَ(7/66)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
يَحْيَى بْن سَعِيد بِهِ عَنْ التَّيْمِيّ
وَقَالَ يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى قَالَ لِي الشَّافِعِيُّ لَيْسَ الشَّاذُّ أَنْ يَرْوِيَ الثِّقَة مَا لَا يَرْوِي غَيْره إِنَّمَا الشَّاذُّ أَنْ يَرْوِيَ الثِّقَة حَدِيثًا يُخَالِف مَا رَوَى النَّاس
وَأَيْضًا فَلَيْسَ هَذَا الْأَصْل مِمَّا تَفَرَّدَ بِهِ عُمَر بْن ثَابِت لِرِوَايَةِ ثَوْبَان وَغَيْره لَهُ عَنْ النَّبِيّ وقد ترجم بن حِبَّان عَلَى ذَلِكَ فِي صَحِيحه فَقَالَ بَعْد إِخْرَاجه حَدِيث عُمَر بْن ثَابِت ذِكْر الْخَبَر الْمُدْحِض قَوْلُ مَنْ زَعَمَ أَنَّ هَذَا الْخَبَر تَفَرَّدَ بِهِ عُمَر بْن ثَابِت عَنْ أَبِي أَيُّوب وَذِكْرُ حَدِيث ثَوْبَان مِنْ رِوَايَة هِشَام بْن عَمَّار عَنْ الْوَلِيد بْن مُسْلِم عَنْ يحيى بن الحرث الذُّمَارِيّ عَنْ أَبِي أَسْمَاء الرَّحَبِيّ عَنْ ثَوْبَان ورواه بن مَاجَةَ
وَلَكِنْ لِهَذَا الْحَدِيث عِلَّة وَهِيَ أَنَّ أَسَد بْن مُوسَى رَوَاهُ عَنْ الْوَلِيد بْن مُسْلِم عَنْ ثَوْر بْن يَزِيد عَنْ يَحْيَى بن الحرث بِهِ
وَالْوَلِيد مُدَلِّس وَقَدْ عَنْعَنَهُ فَلَعَلَّهُ وَصَلَهُ مَرَّة وَدَلَّسَهُ أُخْرَى
وَقَدْ رَوَاهُ النَّسَائِيّ مِنْ حَدِيث يَحْيَى بْن حَمْزَة وَمُحَمَّد بْن شُعَيْب بن سابور وكلاهما عن يحيى بن الحرث الذُّمَارِيّ بِهِ
وَرَوَاهُ أَحْمَد فِي الْمُسْنَد عَنْ أَبِي الْيَمَامَة عَنْ إِسْمَاعِيل بْن عَيَّاش عَنْ يحيى بن الحرث بِهِ وَقَدْ صَحَّحَ الْحَدِيث أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ وَإِسْمَاعِيل إِذَا رَوَى عَنْ الشَّامِيِّينَ فَحَدِيثه صَحِيح وَهَذَا إِسْنَاد شَامِيٌّ
الِاعْتِرَاض الثَّالِث أَنَّ هَذَا الْحَدِيث غَيْر مَعْمُول بِهِ عِنْد أَهْل الْعِلْم
قَالَ مَالك فِي الْمُوَطَّأ وَلَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَهْل الْعِلْم وَالْفِقْه يَصُومهَا وَلَمْ يَبْلُغنِي ذَلِكَ عَنْ أَحَد مِنْ السَّلَف وَإِنَّ أَهْل الْعِلْم يَكْرَهُونَ ذَلِكَ وَيَخَافُونَ بِدْعَته وَأَنْ يُلْحِق بِرَمَضَان مَا لَيْسَ مِنْهُ أَهْل الْجَهَالَة وَالْجَفَاء لَوْ رَأَوْا فِي ذَلِكَ رُخْصَة عَنْ أَهْل الْعِلْم وَرَأَوْهُمْ يَعْمَلُونَ ذَلِكَ تَمَّ كَلَامُهُ قَالَ الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد الْمُنْذِرِيّ وَاَلَّذِي خَشِيَ مِنْهُ مَالِك قَدْ وَقَعَ بِالْعَجَمِ فَصَارُوا يَتْرُكُونَ الْمُسَحِّرِينَ عَلَى عَادَتِهِمْ وَالنَّوَاقِيس وَشَعَائِر رَمَضَان إِلَى آخِر السِّتَّة الْأَيَّام فَحِينَئِذٍ يُظْهِرُونَ شَعَائِر الْعِيد
وَيُؤَيِّد هَذَا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي قِصَّة الرَّجُل الَّذِي دَخَلَ الْمَسْجِد وَصَلَّى الْفَرْض ثُمَّ قَامَ يَتَنَفَّل فَقَامَ إِلَيْهِ عُمَر وَقَالَ لَهُ اِجْلِسْ حَتَّى تَفْصِل بَيْن فَرْضك وَنَفْلِك فَبِهَذَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلنَا فَقَالَ لَهُ رَسُول الله أصاب الله بك ياابن الْخَطَّاب
قَالُوا فَمَقْصُود عُمَر أَنَّ اِتِّصَال الْفَرْض بِالنَّفْلِ إِذَا حَصَلَ مَعَهُ التَّمَادِي وَطَالَ الزَّمَن ظَنَّ الْجُهَّال أَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْفَرْض كَمَا قَدْ شَاعَ عِنْد كَثِير مِنْ الْعَامَّة أَنَّ صُبْح يَوْم الْجُمْعَة خَمْس سَجَدَات وَلَا بُدّ فإذا تركوا قراءة {الم تنزيل} قرؤوا غَيْرهَا مِنْ سُوَر السَّجَدَات بَلْ نَهَى عَنْ الصَّوْم بَعْد اِنْتِصَاف شَعْبَان حِمَايَةً لِرَمَضَان أَنْ يُخْلَط بِهِ صَوْم غَيْره فَكَيْف بِمَا يُضَاف إِلَيْهِ بَعْده فَيُقَال الْكَلَام هُنَا فِي مَقَامَيْنِ أَحَدهمَا فِي صَوْم سِتَّةٍ مِنْ شَوَّال مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَة
وَالثَّانِي فِي وَصْلهَا بِهِ
أَمَّا الْأَوَّل فَقَوْلكُمْ إِنَّ الْحَدِيث غَيْر مَعْمُول بِهِ فَبَاطِلٌ وَكَوْن أَهْل الْمَدِينَة فِي زَمَن مَالِك لَمْ يَعْمَلُوا بِهِ لَا يُوجِب تَرْك الْأُمَّة كُلّهمْ لَهُ وَقَدْ عَمِلَ بِهِ أَحْمَد وَالشَّافِعِيّ وبن المبارك وغيرهم
قال بن عَبْد الْبَرّ لَمْ يَبْلُغ مَالِكًا حَدِيث أَبِي أَيُّوب عَلَى أَنَّهُ حَدِيثٌ مَدَنِيٌّ وَالْإِحَاطَة بِعِلْمِ الْخَاصَّة لَا سَبِيل إِلَيْهِ وَاَلَّذِي كَرِهَهُ مَالِك قَدْ بَيَّنَهُ وَأَوْضَحَهُ خَشْيَة أَنْ يُضَاف إِلَى فَرْض رَمَضَان وَأَنْ يَسْبِق ذَلِكَ إِلَى الْعَامَّة وَكَانَ مُتَحَفِّظًا كَثِير الِاحْتِيَاط لِلدِّينِ وَأَمَّا صَوْم السِّتَّة الْأَيَّام عَلَى طَلَب الْفَضْل وَعَلَى التَّأْوِيل الَّذِي جَاءَ بِهِ ثَوْبَان فَإِنَّ مَالِكًا لَا يَكْرَه ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّه لِأَنَّ الصَّوْم جُنَّة وَفَضْلُهُ مَعْلُومٌ يَدَع طَعَامه وَشَرَابه لِلَّهِ وَهُوَ عَمَل بِرّ وَخَيْر وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {وَافْعَلُوا الْخَيْر لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} وَمَالِك لَا يَجْهَل شَيْئًا مِنْ هَذَا(7/67)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
وَلَمْ يَكْرَه مِنْ ذَلِكَ إِلَّا مَا خَافَهُ عَلَى أَهْل الْجَهَالَة وَالْجَفَاء إِذَا اِسْتَمَرَّ ذَلِكَ وَخَشِيَ أَنْ يُعَدَّ مِنْ فَرَائِض الصِّيَام مُضَافًا إِلَى رَمَضَان وَمَا أَظُنّ مَالِكًا جَهِلَ الْحَدِيث لِأَنَّهُ حَدِيثٌ مَدَنِيٌّ اِنْفَرَدَ بِهِ عُمَر بْن ثَابِت وَأَظُنّ عُمَر بْن ثَابِت لَمْ يَكُنْ عِنْده مِمَّنْ يَعْتَمِد عَلَيْهِ وَقَدْ تَرَك مَالِك الِاحْتِجَاج بِبَعْضِ مَا رَوَاهُ عُمَر بْن ثَابِت
وقيل إنه روى عنه ولولا عِلْمه بِهِ مَا أَنْكَرَ بَعْض شُيُوخه إِذْ لَمْ يَثِق بِحِفْظِهِ لِبَعْضِ مَا يَرْوِيه وَقَدْ يُمْكِن أَنْ يَكُون جَهِلَ الْحَدِيث وَلَوْ عَلِمَهُ لَقَالَ بِهِ هَذَا كَلَامه
وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاض أَخَذَ بِهَذَا الْحَدِيث جَمَاعَة مِنْ الْعُلَمَاء
وَرُوِيَ عَنْ مَالِك وَغَيْره كَرَاهِيَة ذَلِكَ وَلَعَلَّ مَالِكًا إِنَّمَا كَرِهَ صَوْمهَا عَلَى مَا قَالَ فِي الْمُوَطَّأ أَنْ يَعْتَقِد مَنْ يَصُومهُ أَنَّهُ فَرْض وأما على الوجه الذي أراده النبي فَجَائِز
وَأَمَّا الْمَقَام الثَّانِي فَلَا رَيْب أَنَّهُ مَتَى كَانَ فِي وَصْلِهَا بِرَمَضَان مِثْل هَذَا الْمَحْذُور كُرِهَ أَشَدّ الْكَرَاهَة وَحُمِيَ الْفَرْض أَنْ يُخْلَط بِهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ وَيَصُومهَا فِي وَسَط الشَّهْر أَوْ آخِره وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ الْمَحْذُور فَدَفْعه وَالتَّحَرُّز مِنْهُ وَاجِبٌ وَهُوَ مِنْ قَوَاعِد الْإِسْلَام
فَإِنْ قِيلَ الزِّيَادَة فِي الصَّوْم إِنَّمَا يُخَاف مِنْهَا لَوْ لَمْ يُفْصَل بَيْن ذَلِكَ بِفِطْرِ يَوْم الْعِيد فَأَمَّا وَقَدْ تَخَلَّلَ فِطْر يَوْم الْعِيد فَلَا مَحْذُور
وَهَذَا جَوَابُ أبي حامد الاسفرايني وَغَيْره
قِيلَ فِطْر الْعِيد لَا يُؤَثِّر عِنْد الْجَهَلَة فِي دَفْع هَذِهِ الْمَفْسَدَة
لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ وَاجِبًا فَقَدْ يَرَوْنَهُ كَفِطْرِ يَوْم الْحَيْض لَا يَقْطَع التَّتَابُع وَاتِّصَال الصَّوْم فَبِكُلِّ حَال يَنْبَغِي تَجَنُّب صَوْمهَا عَقِب رَمَضَان إِذَا لَمْ تُؤْمَن مَعَهُ هَذَا الْمَفْسَدَة
وَاَللَّه أَعْلَم
فَصْلٌ فَإِنْ قِيلَ لِمَ قَالَ سِتّ وَالْأَيَّام مُذَكَّرَة فَالْأَصْل أَنْ يُقَال سِتَّة كَمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى {سَبْع لَيَالٍ وَثَمَانِيَة أَيَّام} وَهَلْ لِشَوَّال بِخُصُوصِهِ مَزِيَّة عَلَى غَيْره فِي ذَلِكَ أَمْ لَا وَهَلْ لِلسِّتِّ خُصُوصِيَّة عَلَى مَا دُونهَا وَأَكْثَر مِنْهَا أَمْ لَا وَكَيْف شَبَّهَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِصِيَامِ الدَّهْر فَيَكُون الْعَمَل الْيَسِير مُشَبَّهًا بِالْعَمَلِ الْكَثِير وَمِنْ جِنْسه وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا وَعَمِلَ الْآخَر بِقَدْرِهِ مَرَّتَيْنِ لَا يَسْتَوِيَانِ فَكَيْف يَكُون بِقَدْرِهِ عَشْر مَرَّات وَهَلْ فَرْقٌ بَيْن قَوْله فَكَأَنَّمَا صَامَ الدَّهْر وَبَيْن أَنْ يُقَال فَكَأَنَّهُ قَدْ صَامَ الدَّهْر وَهَلْ يَدُلّ الْحَدِيث عَلَى اِسْتِحْبَاب صِيَام الدَّهْر لِأَجْلِ هَذَا التَّشْبِيه أَمْ لَا فَالْجَوَاب أَمَّا قَوْله سِتّ وَلَمْ يَقُلْ سِتَّة فَالْعَرَب إِذَا عَدَّتْ اللَّيَالِي وَالْأَيَّام فَإِنَّهَا تُغَلِّب اللَّيَالِي إِذَا لَمْ تُضِفْ الْعَدَد إِلَى الْأَيَّام فَمَتَى أَرَادُوا عَدَّ الْأَيَّام عَدُّوا اللَّيَالِي وَمُرَادهمْ الْأَيَّام
قَالَ تَعَالَى {وَاَلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَة أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ وَلَوْ قِيلَ وَعَشْرَة لَكَانَ لَحْنًا(7/68)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
وَقَالَ تَعَالَى {يَتَخَافَتُونَ بَيْنهمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا} فَهَذِهِ أَيَّام بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى بَعْدهَا {إِذْ يَقُول أَمْثَلهمْ طَرِيقَة إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا} فَدَلَّ الْكَلَام الْأَخِير عَلَى أَنَّ الْمَعْدُود الْأَوَّل أَيَّام وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {سَبْع لَيَالٍ وَثَمَانِيَة أَيَّام} فَلَا تَغْلِيب هُنَاكَ لِذِكْرِ النَّوْعَيْنِ وَإِضَافَة كُلّ عَدَد إِلَى نَوْعه
وَأَمَّا السُّؤَال الثَّانِي وَهُوَ اِخْتِصَاص شَوَّال فَفِيهِ طَرِيقَانِ
أَحَدهمَا أَنَّ الْمُرَاد بِهِ الرِّفْق بِالْمُكَلَّفِ لِأَنَّهُ حَدِيث عَهْد بِالصَّوْمِ فَيَكُون أَسْهَلَ عَلَيْهِ فَفِي ذِكْر شَوَّال تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ صَوْمهَا فِي غَيْره أَفْضَل هَذَا الَّذِي حَكَاهُ الْقَرَافِيّ مِنْ الْمَالِكِيَّة وَهُوَ غَرِيب عَجِيب
الطَّرِيق الثَّانِي أَنَّ الْمَقْصُود بِهِ الْمُبَادَرَة بِالْعَمَلِ وَانْتِهَاز الْفُرْصَة خَشْيَة الْفَوَات
قَالَ تَعَالَى {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَات} وَقَالَ {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَة مِنْ رَبّكُمْ} وَهَذَا تَعْلِيلُ طَائِفَةٍ مِنْ الشَّافِعِيَّة وَغَيْرهمْ
قَالُوا وَلَا يَلْزَم أَنْ يُعْطِيَ هَذَا الْفَضْل لِمَنْ صَامَهَا فِي غَيْره لِفَوَاتِ مَصْلَحَة الْمُبَادَرَة وَالْمُسَارَعَة الْمَحْبُوبَة لِلَّهِ
قَالُوا وَظَاهِر الْحَدِيث مَعَ هَذَا الْقَوْل
وَمَنْ سَاعَدَهُ الظَّاهِرُ فَقَوْلُهُ أَوْلَى
وَلَا رَيْب أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إِلْغَاء خُصُوصِيَّة شَوَّال وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِذِكْرِهِ فَائِدَة
وَقَالَ آخَرُونَ لَمَّا كَانَ صَوْم رَمَضَان لَا بُدّ أَنْ يَقَع فِيهِ نَوْع تَقْصِير وَتَفْرِيط وَهَضْم مِنْ حَقِّهِ وَوَاجِبِهِ نَدَبَ إِلَى صَوْم سِتَّة أَيَّام مِنْ شَوَّال جَابِرَةٍ لَهُ وَمُسَدِّدَة لِخَلَلِ مَا عَسَاهُ أَنْ يَقَع فِيهِ
فَجَرَتْ هَذِهِ الْأَيَّام مَجْرَى سُنَن الصَّلَوَات الَّتِي يُتَنَفَّل بِهَا بَعْدهَا جَابِرَة وَمُكَمِّلَة وَعَلَى هَذَا تَظْهَر فَائِدَة اِخْتِصَاصهَا بِشَوَّال وَاَللَّه أَعْلَم
فَهَذِهِ ثَلَاث مَآخِذ
وَسِوَى هَذَا جَوَاب السُّؤَال الثَّالِث وَهُوَ اِخْتِصَاصهَا بِهَذَا الْعَدَد دُون مَا هُوَ أَقَلّ وَأَكْثَر فَقَدْ أَشَارَ فِي الْحَدِيث إِلَى حِكْمَته فَقَالَ فِي حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْر أَمْثَالهَا فَثَلَاثِينَ بِثَلَاثِمِائَةٍ وَسِتَّة بِسِتِّينَ وَقَدْ صَامَ السَّنَة وَكَذَلِكَ فِي حَدِيث ثَوْبَان وَلَفْظه مَنْ صَامَ سِتَّة أَيَّام بَعْد الْفِطْر كَانَ تَمَام السَّنَة مَنْ جَاءَ بالحسنة فله عشر أمثالها لفظ بن مَاجَةَ
وَأَخْرَجَهُ صَاحِب الْمُخْتَارَة
وَلَفْظ النَّسَائِيّ فِيهِ صِيَام رَمَضَان بِعَشْرَةِ أَشْهُر وَصِيَام سِتَّة أَيَّام بِشَهْرَيْنِ
فَذَلِكَ صِيَام سَنَة يَعْنِي صِيَام رَمَضَان وَسِتَّة أَيَّام بَعْده فَهَذِهِ هِيَ الْحِكْمَة فِي كونها ستة(7/69)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
وَأَمَّا مَا ذَكَره بَعْضهمْ مِنْ أَنَّ السِّتَّة عَدَدٌ تَامٌّ فَإِنَّهَا إِذَا جُمِعَتْ أَجْزَاؤُهَا قَامَ مِنْهَا عَدَد السَّنَة
فَإِنَّ أَجْزَاءَهَا النِّصْف وَالثُّلُث وَالسُّدُس وَيُكْمِل بِهَا بِخِلَافِ الْأَرْبَعَة وَالِاثْنَيْ عَشْر وَغَيْرهمَا فَهَذَا لَا يَحْسُن وَلَا يَلِيق أَنْ يُذْكَر فِي أَحْكَام اللَّه وَرَسُوله
وَيَنْبَغِي أَنْ يُصَان الدِّين عَنْ التَّعْلِيل بِأَمْثَالِهِ
وَأَمَّا السُّؤَال الرَّابِع وَهُوَ تَشْبِيه هَذَا الصِّيَام بِصِيَامِ الدَّهْر مَعَ كَوْنه بِقَدْرِهِ عَشْر مَرَّات فَقَدْ أَشْكَلَ هَذَا عَلَى كَثِير مِنْ النَّاس
وَقِيلَ فِي جوابه أن من صام رمضان وَسِتَّة مِنْ شَوَّال مِنْ هَذِهِ الْأُمَّة فَهُوَ كمن صام السنة من الأمم المتقدمة
قالوا لِأَنَّ تَضْعِيف الْحَسَنَات إِلَى عَشْر أَمْثَالهَا مِنْ خَصَائِص هَذِهِ الْأُمَّة
وَأَحْسَن مِنْ هَذَا أَنْ يُقَال الْعَمَل لَهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْجَزَاء اِعْتِبَارَانِ اِعْتِبَار الْمُقَابَلَة وَالْمُسَاوَاة وَهُوَ الْوَاحِد بِمِثْلِهِ وَاعْتِبَار الزِّيَادَة وَالْفَضْل وَهُوَ الْمُضَاعَفَة إِلَى الْعَشْر فَالتَّشْبِيه وَقَعَ بَيْن الْعَمَل الْمُضَاعَف ثَوَابه وَبَيْن الْعَمَل الَّذِي يُسْتَحَقّ بِهِ مِثْله وَنَظِير هَذَا قَوْله مَنْ صَلَّى عِشَاء الْآخِرَة فِي جَمَاعَة فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْف لَيْلَة وَمَنْ صَلَّى الْعِشَاء وَالْفَجْر فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ لَيْلَة
أَمَّا السُّؤَال الْخَامِس وَهُوَ الْفَرْق بَيْن أَنْ يَقُول فَكَأَنَّمَا قَدْ صَامَ الدَّهْر وَبَيْن قَوْله فَكَأَنَّمَا صَامَ الدَّهْر هُوَ أَنَّ الْمَقْصُود تَشْبِيه الصِّيَام بِالصِّيَامِ
وَلَوْ قَالَ فَكَأَنَّهُ قَدْ صَامَ الدَّهْر لَكَانَ بَعِيدًا عَنْ الْمَقْصُود فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُون تَشْبِيهًا لِلصَّائِمِ بِالصَّائِمِ
فَمَحَلّ التَّشْبِيه هُوَ الصَّوْم لَا الصَّائِم وَيَجِيء الْفَاعِل لُزُومًا وَلَوْ شَبَّهَ الصَّائِم لَكَانَ هُوَ مَحَلّ التَّشْبِيه وَيَكُون مَجِيء الصَّوْم لُزُومًا وَإِنَّمَا كَانَ قَصْد تَشْبِيه الصَّوْم أَبْلَغ وَأَحْسَن لِتَضَمُّنِهِ تَنْبِيه السَّامِع عَلَى قَدْر الْفِعْل وَعِظَمِهِ وَكَثْرَةِ ثَوَابِهِ فَتَتَوَفَّرُ رَغْبَته فِيهِ
وَأَمَّا السُّؤَال السَّادِس وَهُوَ الِاسْتِدْلَال بِهِ عَلَى اِسْتِحْبَاب صِيَام الدَّهْر فَقَدْ اِسْتَدَلَّ بِهِ طَائِفَة مِمَّنْ يَرَى ذَلِكَ
قَالُوا وَلَوْ كَانَ صَوْم الدَّهْر مَكْرُوهًا لَمَا وَقَعَ التَّشْبِيه بِهِ بَلْ هَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ أَفْضَل الصِّيَام وَهَذَا الِاسْتِدْلَال فَاسِد جِدًّا مِنْ وُجُوه
أَحَدهَا أَنَّ فِي الْحَدِيث نَفْسه أَنَّ وَجْه التَّشْبِيه هُوَ أَنَّ الْحَسَنَة بِعَشْرِ أَمْثَالهَا فَسِتَّة وَثَلَاثُونَ يَوْمًا بِسَنَةٍ كَامِلَةٍ وَمَعْلُومٌ قَطْعًا أَنَّ صَوْم السَّنَة الْكَامِلَة حَرَام بِلَا رَيْب وَالتَّشْبِيه لَا يَتِمّ إِلَّا بِدُخُولِ الْعِيدَيْنِ وَأَيَّام التَّشْرِيق فِي السَّنَة وَصَوْمهَا حَرَام فَعُلِمَ أَنَّ التَّشْبِيه الْمَذْكُور لَا يَدُلّ عَلَى جَوَاز وُقُوع الْمُشَبَّه بِهِ فَضْلًا عَنْ اِسْتِحْبَابه فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُون أَفْضَل مِنْ غيره
ونظير هذا قول النبي لِمَنْ سَأَلَهُ عَنْ عَمَلٍ يَعْدِلُ الْجِهَاد فَقَالَ لَا تَسْتَطِيعهُ
هَلْ تَسْتَطِيع إِذَا خَرَجَ الْمُجَاهِد أَنْ تَقُوم فَلَا تَفْتُر وَتَصُوم فَلَا تُفْطِر قَالَ لَا
قَالَ فَذَلِكَ مِثْل الْمُجَاهِد وَمَعْلُوم أَنَّ هَذَا الْمُشَبَّه بِهِ غَيْر مَقْدُور وَلَا مشروع(7/70)
59 - (باب كيف يَصُومُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)
(يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ لَا يُفْطِرُ) فِيهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُخْلِيَ شَهْرًا مِنْ صِيَامٍ وَأَنَّ صَوْمَ النَّفْلِ غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِزَمَانٍ مُعَيَّنٍ بَلْ كُلُّ السَّنَةِ صَالِحَةٌ لَهُ إِلَّا رَمَضَانَ وَالْعِيدَ وَالتَّشْرِيقَ
قِيلَ كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ فِي وَقْتٍ وَيَصُومُ بَعْضَهُ فِي سَنَةٍ أُخْرَى
وَقِيلَ كَانَ يَصُومُ تَارَةً مِنْ أَوَّلِهِ وَتَارَةً مِنْ آخِرِهِ وَتَارَةً بَيْنَهُمَا وَمَا يُخْلِي مِنْهُ شَيْئًا بِلَا صِيَامٍ لَكِنْ فِي سِنِينَ
وَقِيلَ فِي تَخْصِيصِ شَعْبَانَ بِكَثْرَةِ الصَّوْمِ لِكَوْنِهِ تَرْتَفِعُ فِيهِ أَعْمَالُ الْعِبَادِ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ
فَإِنْ قِيلَ تَقَدَّمَ أَنَّ أَفْضَلَ الصَّوْمِ بَعْدَ رَمَضَانَ صَوْمُ الْمُحَرَّمِ فَكَيْفَ أَكْثَرَ مِنْهُ فِي شَعْبَانَ دُونَ
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
فَإِنْ قِيلَ يُحْمَل قَوْله فَكَأَنَّمَا صَامَ الدَّهْر عَلَى مَا عَدَا الْأَيَّام الْمَنْهِيّ عَنْ صَوْمهَا
قيل تعليله حِكْمَة هَذِهِ الْمُقَابَلَة وَذِكْره الْحَسَنَة بِعَشْرِ أَمْثَالهَا وَتَوْزِيع السِّتَّة وَالثَّلَاثِينَ يَوْمًا عَلَى أَيَّام السَّنَة يبطل هذا الحمل
الثاني أن النبي سُئِلَ عَمَّنْ صَامَ الدَّهْر فَقَالَ لَا صَامَ وَلَا أَفْطَرَ وَفِي لَفْظ لَا صَامَ مَنْ صَامَ الْأَبَد فَإِذَا كَانَ هَذَا حَال صِيَام الدَّهْر فَكَيْف يَكُون أَفْضَل الصِّيَام الثَّالِث أَنَّ النبي ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ قَالَ أَفْضَل الصِّيَام صِيَام دَاوُدَ وَفِي لَفْظ لَا أَفْضَل مِنْ صَوْم دَاوُدَ كَانَ يَصُوم يَوْمًا وَيُفْطِر يَوْمًا فَهَذَا النَّصّ الصَّحِيح الصَّرِيح الرَّافِع لِكُلِّ إِشْكَال يُبَيِّن أَنَّ صَوْمَ يَوْمٍ وَفِطْرَ يَوْمٍ أَفْضَل مِنْ سَرْد الصَّوْم
مَعَ أَنَّهُ أَكْثَر عَمَلًا
وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ مَكْرُوهٌ لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ الْفِطْر أَفْضَل مِنْهُ لَمْ يُمْكِن أَنْ يُقَال بِإِبَاحَتِهِ وَاسْتِوَاء طَرَفَيْهِ
فَإِنَّ الْعِبَارَة لا تكون مستوية الطرفين ولا يمكن أن يقال هو أفضل من الفطر بشهادة النص لَهُ بِالْإِبْطَالِ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُون مَرْجُوحًا وَهَذَا بَيِّنٌ لِكُلِّ مُنْصِفٍ
وَلِلَّهِ الْحَمْد
قَالَ الْحَافِظ شَمْس الدِّين بْن الْقَيِّم رَحِمَهُ اللَّه وَفِي صَوْمه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَعْبَان أَكْثَر مِنْ غَيْره ثَلَاث مَعَانٍ(7/71)
الْمُحَرَّمِ فَالْجَوَابُ لَعَلَّهُ لَمْ يَعْلَمْ فَضْلَ الْمُحَرَّمِ إِلَّا فِي آخِرِ الْحَيَاةِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ صَوْمِهِ أَوْ لَعَلَّهُ كَانَ يَعْرِضُ فِيهِ أَعْذَارٌ تَمْنَعُ مِنْ إِكْثَارِ الصَّوْمِ فِيهِ كَسَفَرٍ وَمَرَضٍ وَغَيْرِهِمَا
قَالَ الْعُلَمَاءُ وَإِنَّمَا يَسْتَكْمِلُ غَيْرَ رَمَضَانَ لِئَلَّا يُظَنُّ وُجُوبُهُ
قَالَهُ النَّوَوِيُّ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ
(زَادَ كَانَ يَصُومُهُ إِلَّا قَلِيلًا بَلْ كَانَ يَصُومُهُ كُلَّهُ) أَيْ لِغَايَةِ قِلَّةِ الْمَتْرُوكِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ أَخْرَجَهَا مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَفِي الْبُخَارِيِّ أَيْضًا كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ
0 - (بَاب فِي صَوْمِ الاثنين والخميس)
(يحيى) هو بن أَبِي كَثِيرٍ قَالَهُ الْمِزِّيُّ (عَنْ مَوْلَى قُدَامَةَ) مَجْهُولٌ لَا يُعْرَفُ لَكِنْ قَالَ الْمِزِّيُّ رَوَى عَنْ أَبِي عُبَيْدِ اللَّهِ مَوْلَى قُدَامَةَ بْنِ مَظْعُونٍ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ (عَنْ مَوْلَى أُسَامَةَ
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
أَحَدهَا أَنَّهُ كَانَ يَصُوم ثَلَاثَة أَيَّام مِنْ كُلّ شَهْر فَرُبَّمَا شُغِلَ عَنْ الصِّيَام أَشْهُرًا فَجَمَعَ ذَلِكَ فِي شَعْبَان لِيُدْرِكَهُ قَبْل صِيَام الْفَرْض
الثَّانِي أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ تَعْظِيمًا لِرَمَضَان وَهَذَا الصَّوْم يُشْبِه سُنَّة فَرْض الصَّلَاة قَبْلهَا تَعْظِيمًا لِحَقِّهَا
الثَّالِث أَنَّهُ شَهْرٌ تُرْفَع فِيهِ الْأَعْمَال فَأَحَبَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرْفَع عَمَله وَهُوَ صَائِم
قَالَ الْحَافِظ شَمْس الدين بن الْقَيِّم رَحِمه اللَّه وَأَخْرَجَ النَّسَائِيّ مِنْ حَدِيث الْمُسَيَّب بْن رَافِع عَنْ سَوَاد الْخُزَاعِيّ
عَنْ عَائِشَة قَالَتْ كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُوم الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيس وَأَخْرَجَ عَنْ الْمُسَيَّب عَنْ حَفْصَة قَالَتْ كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُوم الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيس
وَفِي صَحِيح مُسْلِم مِنْ حَدِيث أَبِي قَتَادَة قَالَ سُئِلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صِيَام(7/72)
مَجْهُولٌ وَقَالَ الْمِزِّيُّ وَرُوِيَ عَنْ حَرْمَلَةَ مَوْلَى أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ حَدِيثٌ غَيْرُ هَذَا (إِلَى وَادِي الْقُرَى) وَادٍ بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَالشَّامِ مِنْ أَعْمَالِ الْمَدِينَةِ كَذَا فِي الْمَرَاصِدِ (فَقَالَ إِنَّ أَعْمَالَ الْعِبَادِ تُعْرَضُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ) وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى اسْتِحْبَابِ صَوْمِ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ لِأَنَّهُمَا يَوْمَانِ تُعْرَضُ فِيهِمَا الْأَعْمَالُ
قَالَ فِي فَتْحِ الْوَدُودِ قَدْ جَاءَ فِي الصَّحِيحَيْنِ يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ النَّهَارِ وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ يُعْرَضُ عَلَيْهِ تَعَالَى أَعْمَالُ الْعِبَادِ كُلَّ يَوْمٍ ثُمَّ يُعْرَضُ أَعْمَالُ الْجُمُعَةِ فِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ ثُمَّ أَعْمَالُ السَّنَةِ فِي شَعْبَانَ وَلِكُلِّ عَرْضٍ حِكْمَةٌ
وَيَحْتَمِلُ أَنَّهَا تُعْرَضُ كُلَّ يَوْمٍ تَفْصِيلًا وَفِي الْجُمُعَةِ إِجْمَالًا أَوْ بِالْعَكْسِ (كَذَا قَالَ هِشَامُ الدَّسْتَوَائِيُّ) أَيْ كَمَا رَوَى أَبَانُ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي الْحَكَمِ هَكَذَا رَوَى هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ أَيْضًا عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ بْنُ سَلَّامٍ فَرَوَى عَنْ يَحْيَى حَدَّثَنِي مَوْلَى قُدَامَةَ وَلَمْ يَذْكُرْ عُمَرَ بْنَ أَبِي الْحَكَمِ وَرَوَى الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ يَحْيَى عَنْ مَوْلَى لِأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ وَلَمْ يَذْكُرْ عُمَرَ وَلَا مَوْلَى قُدَامَةَ
قَالَهُ الْمِزِّيُّ فِي الْأَطْرَافِ
كَذَا فِي الشَّرْحِ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَفِي إِسْنَادِهِ رَجُلَانِ مَجْهُولَانِ
1 - (بَاب فِي صَوْمِ الْعَشْرِ)
أَيْ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
الِاثْنَيْنِ فَقَالَ ذَاكَ يَوْم وُلِدْت فِيهِ وَيَوْم بُعِثْت أَوْ أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ وَفِيهِ مِنْ رِوَايَة شُعْبَة وَسُئِلَ عَنْ صَوْم الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيس قَالَ مُسْلِم فَسَكَتْنَا عَنْ ذِكْر الْخَمِيس لِمَا نراه وهما
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه اللَّه وَفِي مُسْنَد أَحْمَد وَسُنَن النَّسَائِيّ عَنْ حَفْصَة قَالَتْ أَرْبَع لَمْ يَكُنْ يَدَعُهُنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صِيَام(7/73)
(وَيَوْمَ عَاشُورَاءَ) بِالْمَدِّ عَلَى الْمَشْهُورِ وَحُكِيَ فِيهِ الْقَصْرُ
قَالَهُ فِي الْفَتْحِ
قَالَ الْعَيْنِيُّ وَهُوَ الْيَوْمُ الْعَاشِرُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ
وذهب بن عَبَّاسٍ إِلَى أَنَّ عَاشُورَاءَ هُوَ الْيَوْمُ التَّاسِعُ
وَقَالَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ هُوَ الْيَوْمُ الْحَادِيَ عَشَرَ
وَصَامَ أَبُو إِسْحَاقَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَقَالَ إِنَّمَا أَصُومُ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ كَرَاهِيَةَ أَنْ يَفُوتَنِي
وَسُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ عَاشِرُ الْمُحَرَّمِ وَهَذَا ظَاهِرٌ
وَقِيلَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَكْرَمَ فِيهِ عَشَرَةً مِنَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ (أَوَّلَ اثْنَيْنِ) بِالنَّصْبِ بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ (وَالْخَمِيسَ) بِالْإِفْرَادِ هَكَذَا فِي رِوَايَةِ الْمُؤَلِّفِ وَكَذَا فِي رِوَايَةٍ لِلنَّسَائِيِّ وَفِي رِوَايَةٍ لِلنَّسَائِيِّ وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ أَوَّلَ اثْنَيْنِ مِنَ الشَّهْرِ وَخَمِيسَيْنِ بِالتَّثْنِيَةِ وَكَذَا فِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ
قَالَهُ النَّوَوِيُّ
قَالَ الْمُنْذَرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ
وَاخْتُلِفَ عَلَى هُنَيْدَةَ بْنِ خَالِدٍ فِي إِسْنَادِهِ فَرُوِيَ عَنْهُ كَمَا أَوْرَدْنَاهُ وَرَوَى عَنْهُ عَنْ حَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَوَى عَنْهُ عَنْ أُمِّهِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُخْتَصَرًا
(إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ) أَيْ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ البخاري والترمذي وبن ماجه
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
عَاشُورَاء وَالْعَشْر وَثَلَاثَة أَيَّام مِنْ كُلّ شَهْر وَالرَّكْعَتَيْنِ قَبْل الْغَدَاة وَفِي مُسْنَد أَحْمَد أَيْضًا عن بْن عُمَر قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا مِنْ أَيَّام أَعْظَم عِنْد اللَّه وَلَا أَحَبّ إِلَيْهِ الْعَمَل فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّام الْعَشْر فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنْ التَّهْلِيل وَالتَّكْبِير وَالتَّحْمِيد(7/74)
62 - (بَاب فِي فِطْرِ الْعَشْرِ)
أَيْ فِطْرِ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ
(عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَائِمًا الْعَشْرَ قَطُّ) قَالَ الْعُلَمَاءُ هَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا يوهم كراهة صوم العشر والمراد بالعشر ها هنا الْأَيَّامُ التِّسْعَةُ مِنْ أَوَّلِ ذِي الْحِجَّةِ
قَالُوا وَهَذَا مِمَّا يُتَأَوَّلُ فَلَيْسَ فِي صَوْمِ هَذِهِ التِّسْعَةِ كَرَاهَةٌ بَلْ هِيَ مُسْتَحَبَّةٌ اسْتِحْبَابًا شَدِيدًا لَا سِيَّمَا التَّاسِعَ مِنْهَا وَهُوَ يَوْمُ عَرَفَةَ وَقَدْ جَاءَتِ الْأَحَادِيثُ فِي فَضْلِهِ وَثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَفْضَلُ مِنْهُ فِي هَذِهِ يَعْنِي الْعَشْرَ الْأَوَائِلَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ فَيُتَأَوَّلُ قَوْلُهَا لَمْ يَصُمِ الْعَشْرَ أَنَّهُ لَمْ يَصُمْهُ لِعَارِضِ مَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ أَوْ غَيْرِهِمَا أَوْ أَنَّهَا لَمْ تَرَهُ صَائِمًا فِيهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ عَدَمُ صِيَامِهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ
وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ حَدِيثُ هُنَيْدَةَ بْنِ خَالِدٍ
قَالَهُ النَّوَوِيِّ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وبن ماجه
3 - (باب في صوم عَرَفَةَ بِعَرَفَةَ)
(نَهَى عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ بِعَرَفَةَ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ هَذَا نَهْيُ اسْتِحْبَابٍ لَا نَهْيُ إِيجَابٍ فَإِنَّمَا نَهَى الْمُحْرِمَ عَنْ ذَلِكَ خَوْفًا عَلَيْهِ أَنْ يَضْعُفَ عَنِ الدُّعَاءِ وَالِابْتِهَالِ فِي ذَلِكَ الْمَقَامِ فَأَمَّا مَنْ وَجَدَ قُوَّةً لَا يَخَافُ مَعَهَا ضَعْفًا فَصَوْمُ ذَلِكَ الْيَوْمِ أَفْضَلُ لَهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ يُكَفِّرُ سَنَتَيْنِ سَنَةً قَبْلَهَا وَسَنَةً بَعْدَهَا
وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي صِيَامِ الْحَاجِّ يَوْمَ عَرَفَةَ فروي عن عثمان بن أبي العاص وبن الزُّبَيْرِ أَنَّهُمَا كَانَا يَصُومَانِهِ
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ إِنْ قَدَرَ عَلَى أَنْ يَصُومَ صَامَ وَإِنْ أَفْطَرَ فَذَلِكَ(7/75)
يَوْمٌ يُحْتَاجُ فِيهِ إِلَى قُوَّةٍ
وَكَانَ إِسْحَاقُ يَسْتَحِبُّ صَوْمَهُ لِلْحَاجِّ
وَكَانَ عَطَاءٌ يَقُولُ أَصُومُ فِي الشِّتَاءِ وَلَا أَصُومُ فِي الصَّيْفِ
وَكَانَ مَالِكٌ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ يَخْتَارَانِ الْإِفْطَارَ لِلْحَاجِّ وَكَذَلِكَ الشافعي
وروى عن بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ لَمْ يَصُمْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا أَبُو بَكْرٍ وَلَا عُمَرُ وَلَا عُثْمَانُ وَلَا أَصُومُهُ أَنَا
انْتَهَى
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَاعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرَ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَأَصْحَابِ السُّنَنِ مَرْفُوعًا صَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ يُكَفِّرُ سَنَتَيْنِ مَاضِيَةً وَمُسْتَقْبَلَةً الْحَدِيثُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ صَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ مُطْلَقًا وَظَاهِرُ حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ عند أهل السنن غير بن مَاجَهْ يَوْمُ عَرَفَةَ وَيَوْمُ النَّحْرِ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ عِيدُنَا أَهْلُ الْإِسْلَامِ الْحَدِيثُ أَنَّهُ يُكْرَهُ صَوْمُهُ مُطْلَقًا لِجَعْلِهِ قَرِيبًا فِي الذِّكْرِ لِيَوْمِ النَّحْرِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَتَعْلِيلُ ذَلِكَ أَنَّهَا عِيدٌ وَأَنَّهَا أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ
وَظَاهِرُ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ صَوْمُهُ بِعَرَفَاتٍ فَيُجْمَعُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ بِأَنَّ صَوْمَ هَذَا الْيَوْمِ مُسْتَحَبٌّ لِكُلِّ أَحَدٍ مَكْرُوهٌ لِمَنْ كَانَ بِعَرَفَاتٍ حَاجًّا
وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ رُبَّمَا كَانَ مُؤَدِّيًا إِلَى الضَّعْفِ عَنِ الدُّعَاءِ وَالذِّكْرِ يَوْمَ عَرَفَةَ هُنَالِكَ وَالْقِيَامِ بِأَعْمَالِ الْحَجِّ
وَقِيلَ الْحِكْمَةُ أَنَّهُ يَوْمُ عِيدٍ لِأَهْلِ الْمَوْقِفِ لِاجْتِمَاعِهِمْ فِيهِ وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ
وَقِيلَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا أَفْطَرَ فِيهِ لِمُوَافَقَتِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَقَدْ نَهَى عَنْ إِفْرَادِهِ بِالصَّوْمِ وَيَرُدُّ هَذَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُصَرِّحِ بِالنَّهْيِ عَنْ صَوْمِهِ مُطْلَقًا
انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ وَفِي إِسْنَادِهِ مَهْدِيُّ الْهِجْرِيُّ قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ لَا أَعْرِفُهُ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ هَذَا نَهْيُ اسْتِحْبَابٍ لَا نَهْيُ إِيجَابٍ
(عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ) أَيْ زَوْجَةِ الْعَبَّاسِ (أَنَّ نَاسًا تَمَارَوْا) أَيِ اخْتَلَفُوا (فَشَرِبَ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فِي الْمَحَافِلِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه اللَّه وَقَدْ وَرَدَ فِي النَّهْيِ عَنْ صِيَام يَوْم عَرَفَة بِعَرَفَةَ آثَارٌ
مِنْهَا مَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ عَنْ عَمْرو بْن دِينَار عَنْ عَطَاء عَنْ عُبَيْد بْن عُمَيْر قَالَ كَانَ عُمَر يَنْهَى عَنْ صَوْم يَوْم عَرَفَة بِعَرَفَة وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ أَيْضًا عَنْ أَبِي السَّوَّار قَالَ سألت بن عُمَر عَنْ صَوْم يَوْم عَرَفَة فَنَهَانِي وَالْمُرَاد بِذَلِكَ بِعَرَفَة
بِدَلِيلِ مَا رَوَى نَافِع قَالَ سئل بن عُمَر عَنْ صَوْم يَوْم عَرَفَة بِعَرَفَة فَقَالَ لَمْ يَصُمْهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا أَبُو بَكْر وَلَا عُمَر وَلَا عُثْمَان وَعَنْ عَطَاء قَالَ دَعَا عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس الْفَضْل بْن عَبَّاس يَوْم عَرَفَة إِلَى الطَّعَام فَقَالَ إِنِّي(7/76)
64 - (بَاب فِي صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ)
(كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ يَوْمًا تَصُومُهُ قُرَيْشٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ) عَنِ بن عَبَّاسٍ أَنَّ يَوْمَ عَاشُورَاءَ هُوَ التَّاسِعُ مِنَ الْمُحَرَّمِ وَيَتَأَوَّلُهُ عَلَى أَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ إِظْمَاءِ الْإِبِلِ فَإِنَّ الْعَرَبَ تُسَمِّي الْيَوْمَ الْخَامِسَ مِنْ أَيَّامِ الْوِرْدِ رَبْعًا وَكَذَا بَاقِي الْأَيَّامِ عَلَى هذه النسبة فيكون التاسع عشرا
وَذَهَبَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ إِلَى أَنَّ عَاشُورَاءَ هُوَ الْيَوْمُ الْعَاشِرُ مِنَ الْمُحَرَّمِ
وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَخَلَائِقُ وَهَذَا ظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ وَمُقْتَضَى اللَّفْظِ
وَأَمَّا تَقْدِيرُ أَخْذِهِ مِنَ الإظماء فبعيد ثم إن حديث بن عَبَّاسٍ الْآتِي فِي الْبَابِ التَّالِي يَرُدُّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قَالَ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَصُومُ عَاشُورَاءَ فَذَكَرُوا أَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى تَصُومُهُ فَقَالَ إِنَّهُ فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ يَصُومُ التَّاسِعَ وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الَّذِي كَانَ يَصُومُهُ لَيْسَ هُوَ التَّاسِعُ فَتَعَيَّنَ كَوْنُهُ الْعَاشِرَ
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَآخَرُونَ يُسْتَحَبُّ صَوْمُ التَّاسِعِ وَالْعَاشِرِ جَمِيعًا لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَامَ الْعَاشِرَ وَنَوَى صِيَامَ التَّاسِعِ
قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ وَلَعَلَّ السَّبَبَ فِي صَوْمِ التَّاسِعِ مَعَ الْعَاشِرِ أَنْ لَا يَتَشَبَّهَ بِالْيَهُودِ فِي إِفْرَادِ الْعَاشِرِ قَالَهُ النَّوَوِيُّ (وَأَمَرَ
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
صَائِم
فَقَالَ عَبْد اللَّه لَا تَصُمْ فَإِنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُرِّبَ إِلَيْهِ حِلَاب فِيهِ لَبَن يَوْم عَرَفَة فَشَرِبَ منه فلا تصم
فإن الناس يستنوون بِكَمْ رَوَاهُمَا النَّسَائِيّ ثُمَّ قَالَ وَقَدْ أَخْرَجَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيث كُرَيْب عَنْ مَيْمُونَة بنت الحرث أَنَّهَا قَالَتْ إِنَّ النَّاس شَكُّوا فِي صِيَام رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم عَرَفَة فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ يَعْنِي مَيْمُونَة بِحِلَابِ لَبَن وَهُوَ وَاقِف فِي الْمَوْقِف فَشَرِبَ مِنْهُ وَالنَّاس يَنْظُرُونَ فَقِيلَ يُحْتَمَل أَنْ تَكُون مَيْمُونَة أَرْسَلَتْ وَأُمّ الْفَضْل أَرْسَلَتْ كُلّ مِنْهُمَا بِقَدَحٍ وَيُحْتَمَل أن يكونا مجتمعين فإنها أختها فاتفقنا عَلَى الْإِرْسَال بِقَدَحٍ وَاحِدٍ فَيُنْسَب إِلَى هَذِهِ وَإِلَى هَذِهِ فَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَفْطَرَ بِعُرْفَةِ وَصَحَّ عَنْهُ أَنَّ صِيَامه يُكَفِّر سَنَتَيْنِ فَالصَّوَاب أَنَّ الْأَفْضَل لِأَهْلِ الْآفَاق صَوْمه وَلِأَهْلِ عَرَفَة فِطْره
لِاخْتِيَارِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ وَعَمَل خُلَفَائِهِ بَعْده بِالْفِطْرِ وَفِيهِ قُوَّةٌ عَلَى الدُّعَاء الَّذِي هُوَ أَفْضَل دُعَاء الْعَبْد وَفِيهِ أَنَّ يَوْم عَرَفَة عِيد لِأَهْلِ عَرَفَة فَلَا يُسْتَحَبّ لَهُمْ صِيَامه
وَبَعْض النَّاس يَخْتَار الصَّوْمَ وَبَعْضهمْ يَخْتَار الْفِطْر وَبَعْضهمْ يُفَرِّق بَيْن مَنْ يُضْعِفهُ وَمَنْ لَا يُضْعِفهُ
وَهُوَ اِخْتِيَار قتادة والصيام اختيار بن الزُّبَيْر وَعَائِشَة وَقَالَ عَطَاء أَصُومهُ فِي الشِّتَاء وَلَا أَصُومهُ فِي الصَّيْف وَكَانَ بَعْض السَّلَف لَا يَأْمُر بِهِ وَلَا يَنْهَى عَنْهُ وَيَقُول مَنْ شَاءَ صَامَ وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ(7/77)
بِصِيَامِهِ) اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ صَوْمَ يَوْمِ عَاشُورَاءَ الْيَوْمَ سُنَّةٌ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَاخْتَلَفُوا فِي حُكْمِهِ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ حِينَ شُرِعَ صَوْمُهُ قَبْلَ صَوْمِ رَمَضَانَ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ كَانَ وَاجِبًا وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ فِيهِ عَلَى وَجْهَيْنِ مَشْهُورَيْنِ أَشْهَرُهُمَا أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ سُنَّةً مِنْ حِينِ شُرِعَ وَلَمْ يَكُنْ وَاجِبًا قَطُّ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ وَلَكِنَّهُ كَانَ مُتَأَكِّدَ الِاسْتِحْبَابِ فَلَمَّا نَزَلَ صَوْمُ رَمَضَانَ صَارَ مُسْتَحَبًّا دُونَ ذَلِكَ الِاسْتِحْبَابِ
وَالثَّانِي كَانَ وَاجِبًا كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ
انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيُّ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ
(هَذَا يَوْمٌ مِنْ أَيَّامِ اللَّهِ فَمَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ) قَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَيْسَ مُتَحَتِّمًا فَأَبُو حَنِيفَةَ يُقَدِّرُهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَالشَّافِعِيَّةُ يُقَدِّرُونَهُ لَيْسَ مُتَأَكِّدًا أَكْمَلَ التَّأْكِيدِ وَعَلَى الْمَذْهَبَيْنِ هُوَ سُنَّةٌ مُسْتَحَبَّةٌ الْآنَ مِنْ حِينِ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ بَعْضُ السَّلَفِ يَقُولُ كَانَ صَوْمُ عَاشُورَاءَ فَرْضًا وَهُوَ بَاقٍ عَلَى فَرْضِيَّتِهِ لَمْ يُنْسَخْ قَالَ وَانْقَرَضَ الْقَائِلُونَ بِهَذَا وَحَصَلَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِفَرْضٍ وَإِنَّمَا هو مستحب
وروى عن بن عُمَرَ كَرَاهَةُ قَصْدِ صَوْمِهِ وَتَعْيِينِهِ بِالصَّوْمِ
وَالْعُلَمَاءُ مُجْمِعُونَ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ وَتَعْيِينِهِ لِلْأَحَادِيثِ
وَأَمَّا قَوْلُ بن مَسْعُودٍ كُنَّا نَصُومُهُ ثُمَّ تُرِكَ فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ كَمَا كَانَ مِنَ الْوُجُوبِ وَتَأَكُّدِ النَّدْبِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
(وَجَدَ الْيَهُودَ يَصُومُونَ فَسُئِلُوا عَنْ ذَلِكَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ الْيَهُودُ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ فَسَأَلَهُمْ (أَظْهَرَ اللَّهُ) أَيْ نَصَرَهُ (فِيهِ) فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ (لَهُ) أَيْ لِذَلِكَ الْيَوْمِ (نَحْنُ أَوْلَى بِمُوسَى) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْ نَحْنُ أَثْبَتُ وَأَقْرَبُ لِمُتَابَعَةِ مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْكُمْ فَإِنَّا مُوَافِقُونَ لَهُ فِي أُصُولِ الدِّينِ(7/78)
وَمُصَدِّقُونَ لِكِتَابِهِ وَأَنْتُمْ مُخَالِفُونَ لَهُمَا فِي التَّغْيِيرِ وَالتَّحْرِيفِ (وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ) ضَبَطُوا أَمَرَ هُنَا بِوَجْهَيْنِ أَظْهَرَهُمَا بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْمِيمِ وَالثَّانِي بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْمِيمِ وَلَمْ يَذْكُرِ الْقَاضِي عِيَاضٌ غَيْرَهُ
كَذَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ
5 - (بَابُ مَا رُوِيَ أَنَّ عَاشُوَرَاءَ الْيَوْمُ التَّاسِعُ)
تَقَدَّمَ آنِفًا وَجْهُهُ وَتَأْوِيلُهُ فَلْيُرْجَعْ إِلَيْهِ
(فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ صُمْنَا يَوْمَ التَّاسِعِ) أَيْ فَقَطْ أَوْ مَعَ الْعَاشِرِ فَيَكُونُ مُخَالَفَةً فِي الْجُمْلَةِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَمَعَ هَذَا مَا كَانَ تَارِكًا لِتَعْظِيمِ الْيَوْمِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ نُصْرَةُ الدِّينِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَصُومُونَ شُكْرًا وَيَجُوزُ تَقْدِيمُ الشُّكْرِ سِيَّمَا عَلَى وَجْهِ الْمُشَارَفَةِ عَلَى مِثْلِ زَمَانِ وُقُوعِ النِّعْمَةِ فِيهِ بَلْ صَوْمُ الْعَاشِرِ أَيْضًا فِيهِ التَّقَدُّمُ عَلَيْهِ إِذِ الْفَتْحُ كَانَ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ وَالصَّوْمُ مَا يَصِحُّ إِلَّا مِنْ أَوَّلِهِ وَلَوْ أَرَادَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُخَالَفَتَهُمْ بِالْكُلِّيَّةِ لَتَرَكَ الصَّوْمَ مُطْلَقًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ
قَالَ الطِّيبِيُّ لَمْ يَعِشْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْقَابِلِ بَلْ تُوُفِّيَ فِي الثَّانِيَ عَشَرَ مِنْ رَبِيعٍ
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه اللَّه وَالصَّحِيح أَنَّ الْمُرَاد صَوْم التَّاسِع مَعَ الْعَاشِر لَا نَقْلُ الْيَوْم لِمَا رَوَى أَحْمَد في مسنده من حديث بن عَبَّاسٍ يَرْفَعُهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ خَالِفُوا الْيَهُود صُومُوا يَوْمًا قَبْله أو يوما بعده وقال عطاء عن بن عَبَّاس صُومُوا التَّاسِع وَالْعَاشِر وَخَالِفُوا الْيَهُود ذَكَره البيهقي
وهو يبين أن قول بن عَبَّاس إِذَا رَأَيْت هِلَال الْمُحَرَّم فَاعْدُدْ فَإِذَا كَانَ يَوْم التَّاسِع فَاصْبَحْ صَائِمًا أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَاد بِهِ أَنَّ عَاشُورَاء هُوَ التَّاسِع بَلْ أَمَرَهُ أَنْ يَصُوم الْيَوْم التَّاسِع قَبْل عَاشُورَاء
فَإِنْ قِيلَ فَفِي آخِر الْحَدِيث قِيلَ كَذَلِكَ كَانَ يَصُومهُ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ نَعَمْ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَاد بِهِ نَقْل الصَّوْم لَا صَوْم يَوْم قَبْله(7/79)
الْأَوَّلِ فَصَارَ الْيَوْمُ التَّاسِعُ مِنَ الْمُحَرَّمِ صَوْمُهُ سُنَّةً وَإِنْ لَمْ يَصُمْهُ لِأَنَّهُ عَزَمَ عَلَى صومه
قال التوربشتي قيل أريد بِذَلِكَ أَنْ يَضُمَّ إِلَيْهِ يَوْمًا آخَرَ لِيَكُونَ هَدْيُهُ مُخَالِفًا لِأَهْلِ الْكِتَابِ وَهَذَا هُوَ الْوَجْهُ لِأَنَّهُ وَقَعَ مَوْقِعَ الْجَوَابِ لِقَوْلِهِمْ إِنَّهُ يَوْمٌ يعظمه اليهود
وروى عن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ صُومُوا التَّاسِعَ وَالْعَاشِرَ وَخَالِفُوا الْيَهُودَ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَبَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّ المستحب صوم التاسع فقط
وقال بن هَمَّامٍ يُسْتَحَبُّ صَوْمُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَصُومَ قَبْلَهُ يَوْمًا أَوْ بَعْدَهُ يَوْمًا فَإِنْ أَفْرَدَهُ فَهُوَ مَكْرُوهٌ لِلتَّشَبُّهِ بِالْيَهُودِ وَرَوَى أَحْمَدُ خَبَرَ صُومُوا يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَخَالِفُوا الْيَهُودَ وَصُومُوا قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ يَوْمًا وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْوَاوَ بِمَعْنَى أَوْ لِأَنَّ الْمُخَالَفَةَ تَحْصُلُ بِأَحَدِهِمَا وَأَخَذَ الشَّافِعِيُّ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ فَيَجْمَعُونَ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
ذَكَرَهُ فِي الْمِرْقَاةِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ
(مُعَاوِيَةَ بْنِ غَلَابٍ) بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ (قَالَ كَذَلِكَ كَانَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ) لَعَلَّهُ أَرَادَ أَنَّهُ عَزَمَ عَلَى ذَلِكَ آخِرًا فَكَأَنَّهُ صَامَ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قيل قد صرح بن عَبَّاس بِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَئِنْ بَقِيت إِلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِع فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الَّذِي كَانَ يَصُومهُ هُوَ العاشر وبن عَبَّاس رَاوِي الْحَدِيثَيْنِ مَعًا فَقَوْله هَكَذَا كَانَ يَصُومهُ مُحَمَّد أَرَادَ بِهِ وَاَللَّه أَعْلَم قَوْله لَئِنْ بَقِيت إِلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِع عَزَمَ عَلَيْهِ وَأَخْبَرَ أَنَّهُ يَصُومهُ إِنْ بَقِيَ
قَالَ بن عَبَّاس هَكَذَا كَانَ يَصُومهُ وَصَدَقَ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ هَكَذَا كَانَ يَصُومهُ لَوْ بَقِيَ فَتَوَافَقَتْ الروايات عن بن عَبَّاس وَعُلِمَ أَنَّ الْمُخَالَفَة الْمُشَار إِلَيْهَا بِتَرْكِ إِفْرَاده بَلْ يُصَام يَوْم قَبْله أَوْ يَوْم بَعْده وَيَدُلّ عَلَيْهِ أَنَّ فِي رِوَايَة الْإِمَام أَحْمَد قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَئِنْ بَقِيت إِلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِع يَعْنِي لِصَوْمِ عَاشُورَاء وَخَالِفُوا الْيَهُود فَصُومُوا قَبْله يَوْمًا وَبَعْده يَوْمًا فَذِكْر هَذَا عَقِب قَوْله لَأَصُومَنَّ التَّاسِع يُبَيِّنُ مُرَاده
وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيق(7/80)
66 - (بَاب فِي فَضْلِ صَوْمِهِ)
(أَنَّ أَسْلَمَ) قَبِيلَةٌ (فَقَالَ) النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَصُمْتُمْ يَوْمَكُمْ هَذَا) أَيْ يَوْمَ عَاشُورَاءَ (فَأَتِمُّوا بَقِيَّةَ يَوْمِكُمْ وَاقْضُوهُ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ أَمْرُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلِاسْتِحْبَابِ وَلَيْسَ بِإِيجَابٍ وَذَلِكَ لِأَنَّ لِأَوْقَاتِ الطَّاعَةِ ذِمَّةً تُرْعَى وَلَا تُهْمَلُ فَأَحَبَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرْشِدَهُمْ إِلَى مَا فِيهِ الْفَضْلُ وَالْحَظُّ لِئَلَّا يُغْفِلُوهُ عِنْدَ مُصَادَفَتِهِمْ وَقْتَهُ وَقَدْ صَارَ هَذَا أَصْلًا فِي مَذْهَبِ الْعُلَمَاءِ فِي مَوَاضِعَ مَخْصُوصَةٍ
قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ إِذَا قَدِمَ الْمُسَافِرُ فِي بَعْضِ نَهَارِ الصَّوْمِ أَمْسَكَ عَنِ الْأَكْلِ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِيمَنْ لَا يَجِدُ مَاءً ولا ترابا وكان محبوسا في خش أَوْ مَصْلُوبًا عَلَى خَشَبَةٍ أَنَّهُ يُصَلِّي عَلَى حَسْبِ مَا يُمْكِنُهُ مُرَاعَاةً لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ وَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ إِذَا قَدَرَ عَلَى الطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ
قُلْتُ وَقَدْ يَحْتَجُّ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ بِهَذَا الْحَدِيثِ فِي جَوَازِ تَأْخِيرِ نِيَّةِ صِيَامِ الْفَرْضِ عَنْ أَوَّلِ وَقْتِهِ إِلَّا أَنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاقْضُوهُ يُفْسِدُ هَذَا الِاسْتِدْلَالَ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه اللَّه قَالَ عَبْد الْحَقّ وَلَا يَصِحّ هَذَا الْحَدِيث فِي الْقَضَاء قَالَ وَلَفْظَة اِقْضُوهُ تَفَرَّدَ بِهَا أَبُو دَاوُدَ وَلَمْ يَذْكُرهَا النَّسَائِيّ
قَالَ وَاخْتَلَفَ النَّاس فِي يَوْم عَاشُورَاء هَلْ كَانَ صَوْمه وَاجِبًا أَوْ تَطَوُّعًا فَقَالَتْ طَائِفَة كَانَ وَاجِبًا
وَهَذَا قَوْل أَبِي حَنِيفَة وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَد وَقَالَ أَصْحَاب الشَّافِعِيِّ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا وَإِنَّمَا كَانَ تَطَوُّعًا وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى
وَقَالَ هُوَ قِيَاس الْمَذْهَب وَاحْتَجَّ هَؤُلَاءِ بِثَلَاثِ حُجَج
إِحْدَاهَا مَا أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ حُمَيْد بْن عَبْد الرَّحْمَن أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَة بْن أَبِي سُفْيَان خَطِيبًا بِالْمَدِينَةِ يَعْنِي فِي قَدْمَة قَدِمَهَا خَطَبَهُمْ يَوْم عَاشُورَاء فَقَالَ أَيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ يَا أَهْل الْمَدِينَة سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول لِهَذَا الْيَوْم هَذَا يَوْم عَاشُورَاء وَلَمْ يَكْتُب اللَّه عَلَيْكُمْ صِيَامه وَأَنَا صَائِم فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يَصُوم فَلْيَصُمْ وَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يُفْطِر فليفطر(7/81)
66
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
الْحُجَّة الثَّانِيَة مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا عَنْ سَلَمَة بْن الْأَكْوَع قَالَ بَعَثَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا مِنْ أَسْلَمَ يَوْم عَاشُورَاء فَأَمَرَهُ أَنْ يُؤَذِّن فِي النَّاس مَنْ كَانَ لَمْ يَصُمْ فَلْيَصُمْ قَالُوا فَهَذَا أَمْرٌ بِإِنْشَاءِ الصِّيَام أَثْنَاء النَّهَار
وَهَذَا لَا يَجُوز إِلَّا فِي التَّطَوُّع
وَأَمَّا الصِّيَام الْوَاجِب فَلَا يَصِحّ إِلَّا بِنِيَّةٍ قَبْل الْفَجْر
الْحُجَّة الثَّالِثَة أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَأْمُر الْمُفْطِرِينَ فِيهِ إِذْ ذَاكَ بِالْقَضَاءِ
وَاحْتَجَّ الْأَوَّلُونَ بِحُجَجٍ
إِحْدَاهَا مَا خَرَّجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَة قَالَتْ كَانَتْ قُرَيْش تَصُوم عَاشُورَاء فِي الْجَاهِلِيَّة وَكَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومهُ
فَلَمَّا هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَة صَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ
فَلَمَّا فُرِضَ شَهْر رَمَضَان قَالَ مَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تركه وفي صحيح البخاري عن بن عُمَر قَالَ صَامَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَاشُورَاء وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَان تَرَكَهُ
قَالُوا وَمَعْلُوم أَنَّ الَّذِي تَرَك هُوَ وُجُوب صَوْمه لَا اِسْتِحْبَابه فَإِنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَرْغَب فِيهِ وَيُخْبِر أن صيامه كفارة سنة
وقد أخبر بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كَانَ يَصُومهُ إِلَى حِين وَفَاته وَأَنَّهُ عَزَمَ قَبْل وَفَاته بِعَامٍ عَلَى صِيَام التَّاسِع فَلَوْ كَانَ الْمَتْرُوك مَشْرُوعِيَّته لَمْ يَكُنْ لِقَصْدِ الْمُخَالَفَة بِضَمِّ التَّاسِع إِلَيْهِ مَعْنَى فَعُلِمَ أَنَّ الْمَتْرُوك هُوَ وُجُوبه
الْحُجَّة الثَّانِيَة أَنَّ فِي الصَّحِيحَيْنِ أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر مَنْ كَانَ أَكَلَ بِأَنْ يُمْسِك بَقِيَّة يَوْمه وَهَذَا صَرِيح فِي الْوُجُوب فَإِنَّ صَوْم التَّطَوُّع لَا يُتَصَوَّر فِيهِ إِمْسَاك بَعْد الْفِطْر
الْحُجَّة الثَّالِثَة مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا عَنْ عَائِشَة قَالَتْ كَانَ يَوْم عَاشُورَاء تَصُومهُ قُرَيْش فِي الْجَاهِلِيَّة فَذَكَرَتْ الْحَدِيث إِلَى أَنْ قَالَتْ فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَان كَانَ هُوَ الْفَرِيضَة الْحَدِيث
وَهَذَا اللَّفْظ مِنْ سِيَاق الْبَيْهَقِيّ
فَقَوْلهَا كَانَ هُوَ الْفَرِيضَة دَلَّ عَلَى أَنَّ عَاشُورَاء كَانَ وَاجِبًا وَأَنَّ رَمَضَان صَارَ هُوَ الْفَرْض لَا عَاشُورَاء وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِهَا كَانَ هُوَ الْفَرِيضَة مَعْنَى
قَالَ الْمُوجِبُونَ وَأَمَّا حَدِيث مُعَاوِيَة فَمَعْنَاهُ لَيْسَ مَكْتُوبًا عَلَيْكُمْ الْآن أَوْ لَمْ يَكْتُبهُ بَعْد نُزُول رَمَضَان أَوْ إِنَّمَا نَفَى الْكَتْب وَهُوَ الْفَرْض الْمُؤَكَّد الثَّابِت بِالْقُرْآنِ وَوُجُوب عَاشُورَاء إِنَّمَا كَانَ بِالسُّنَّةِ وَلَا يَلْزَم مِنْ نَفْي كَتْبِهِ وَفَرْضه نَفْي كَوْنه وَاجِبًا
فَإِنَّ الْمَكْتُوب أَخَصُّ مِنْ مُطْلَق الْوَاجِب
وَهَذَا جَارٍ عَلَى أَصْل مَنْ يُفَرِّق بَيْن الْفَرْض وَالْوَاجِب
وَقَدْ نَصَّ أَحْمَد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقَال فَرْض إِلَّا لِمَا ثَبَتَ بِالْقُرْآنِ وَأَمَّا مَا ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ فَإِنَّهُ يُسَمِّيه وَاجِبًا
قَالُوا وَأَمَّا تَصْحِيحه بِنِيَّةٍ مِنْ النَّهَار
فَالْجَوَاب عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدهمَا أَنَّ هَذَا حُجَّة لِمَنْ يَقُول بِجَوَازِ صَوْم الْفَرْض بِنِيَّةٍ من النهار(7/82)
66
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قَالُوا وَهُوَ عُمْدَتُنَا فِي الْمَسْأَلَة
فَلَيْسَ لَكُمْ أَنْ تَنْفُوا وُجُوبه بِنَاءَا عَلَى بُطْلَان هَذَا القول فإنه دور ممتنع ومصادر بَاطِلَة
وَهَذَا جَوَاب أَصْحَاب أَبِي حَنِيفَة
قَالَ مُنَازِعُوهُمْ إِذَا قُلْتُمْ إِنَّهُ كَانَ وَاجِبًا ثَبَتَ نَسْخه اِتِّفَاقًا وَأَنْتُمْ إِنَّمَا جَوَّزْتُمْ الصَّوْم الْمَفْرُوض بِنِيَّةٍ مِنْ النَّهَار بِطَرِيقِ الِاسْتِنْبَاط مِنْهُ وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ مُتَعَلِّقَاته وَلَوَازِمه وَالْحُكْم إِذَا نُسِخَ نُسِخَتْ لَوَازِمُهُ وَمُتَعَلِّقَاته وَمَفْهُومه وَمَا ثَبَتَ بِالْقِيَاسِ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا فَرْع الثُّبُوت عَلَى الْأَصْل فَإِذَا اِرْتَفَعَ الْأَصْل اِمْتَنَعَ بَقَاء الْفَرْع بَعْده
قَالَ الْحَنَفِيَّة الْحَدِيث دَلَّ عَلَى شَيْئَيْنِ
أَحَدهمَا إِجْزَاء الصَّوْم الْوَاجِب بِنِيَّةٍ مِنْ النَّهَار
وَالثَّانِي تَعْيِينُ الصَّوْم الْوَاجِب بِأَنَّهُ يَوْم عَاشُورَاء فَنُسِخَ تَعْيِين الْوَاجِب بِرَمَضَان وَبَقِيَ الْحُكْم الْآخَر لَا مُعَارِض لَهُ فَلَا يَصِحّ دَعْوَى نَسْخه إِذْ النَّاسِخ إِنَّمَا هُوَ تَعْيِين الصَّوْم وَإِبْدَاله بِغَيْرِهِ لَا إِجْزَاؤُهُ بِنِيَّةٍ مِنْ النَّهَار
الْجَوَاب الثَّانِي أَنَّ ذَلِكَ الصَّوْم إِنَّمَا صَحَّ بِنِيَّةٍ مِنْ النَّهَار لِأَنَّ الْوُجُوب إِنَّمَا ثَبَتَ فِي حَقّ الْمُكَلَّفِينَ مِنْ النَّهَار
حِين أَمَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُنَادِي أَنْ يُنَادِيَ بِالْأَمْرِ بِصَوْمِهِ فَحِينَئِذٍ تَحَدَّدَ الْوُجُوب فَقَارَنَتْ النِّيَّة وَقْت وُجُوبه وَقِيلَ هَذَا لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا فَلَمْ تَكُنْ نِيَّة التَّبْيِيت وَاجِبَة
قَالُوا وَهَذَا نَظِير الْكَافِر يُسْلِم فِي أَثْنَاء النَّهَار أَوْ الصَّبِيّ يَبْلُغ فَإِنَّهُ يُمْسِك مِنْ حِين يَثْبُت الْوُجُوب فِي ذِمَّته وَلَا قَضَاء عَلَيْهِ كَمَا قَالَهُ مَالِك وأبو ثور وبن الْمُنْذِر وَأَحْمَد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ وَنَظِيره أَيْضًا إِذَا أَثْبَتِنَا الصَّوْم تَطَوُّعًا بِنِيَّةٍ مِنْ النَّهَار ثُمَّ نَذَرَ إِتْمَامه فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ بِنِيَّتِهِ عِنْد مُقَارَنَة الْوُجُوب
قَالُوا وَلَا يَرِدُ عَلَيْنَا مَا إِذَا قَامَتْ الْبَيِّنَة بِرُؤْيَةِ هِلَال رَمَضَان فِي أَثْنَاء النَّهَار حَيْثُ يَلْزَم الْقَضَاء لِمَنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ بَيَّتَ الصَّوْم
لِأَنَّ الْوُجُوب هُنَا كَانَ ثَابِتًا وَإِنَّمَا خَفِيَ عَلَى بَعْض النَّاس وَتَسَاوِي الْمُكَلَّفِينَ فِي الْعِلْم بِالْوُجُوبِ لَا يُشْتَرَط بِخِلَافِ اِبْتِدَاء الْأَمْر بِصِيَامِ عَاشُورَاء فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ اِبْتِدَاء وُجُوبه
فَالْفَرْق إِنَّمَا هُوَ بَيْن اِبْتِدَاء الْوُجُوب وَالشُّرُوع فِي الْإِمْسَاك عَقِبه وَبَيْن خَفَاء مَا تَقَدَّمَ وُجُوبه ثُمَّ تَجَدَّدَ سَبَبُ الْعِلْمِ بِوُجُوبِهِ فَإِنْ صَحَّ هَذَا الْفَرْق وَإِلَّا فَالصَّوَاب التَّسْوِيَة بَيْن الصُّورَتَيْنِ وَعَدَم وُجُوب الْقَضَاء
وَاَللَّه أَعْلَم
وَذَكَر الشَّافِعِيُّ هَذِهِ الْأَحَادِيث فِي كِتَاب مُخْتَلَف الْحَدِيث ثُمَّ قَالَ وَلَيْسَ مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيث شَيْءٌ مُخْتَلِف عِنْدنَا
وَاَللَّه أَعْلَم إِلَّا شَيْئًا ذَكَر فِي حَدِيث عَائِشَة وَهُوَ مِمَّا وَصَفْت مِنْ الْأَحَادِيث الَّتِي يَأْتِي بِهَا المحدث ببعض دون بعض فحديث بن أَبِي ذِئْب عَنْ عَائِشَة كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُوم عَاشُورَاء وَيَأْمُرُنَا بِصِيَامِهِ لَوْ اِنْفَرَدَ كَانَ ظَاهِره أَنَّ عَاشُورَاء كَانَ فَرْضًا فَذَكَر هِشَام عَنْ أَبِيهِ عَنْ عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم صَامَهُ فِي الْجَاهِلِيَّة
وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ فَلَمَّا نَزَلَ رَمَضَان كَانَ الْفَرِيضَة وَتَرَك عَاشُورَاء قَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَحْتَمِل قَوْل عَائِشَة تُرِك عَاشُورَاء مَعْنًى يَصِحّ إِلَّا تَرْك إِيجَاب صَوْمه إِذَا عِلْمنَا أن كتاب(7/83)
67 - (بَاب فِي صَوْمِ يَوْمٍ وَفِطْرِ)
يَوْمٍ (كَانَ) دَاوُدُ عَلَيْهِ السَّلَامُ (يَنَامُ نِصْفَهُ) أَيْ نِصْفَ اللَّيْلِ مِنْ أَوَّلِهِ (وَيَقُومُ) بَعْدَ ذَلِكَ (ثُلُثَهُ) بِضَمِّ اللَّامِ وَسُكُونِهِ وَهُوَ السُّدُسُ الرَّابِعُ وَالْخَامِسُ (وَيَنَامُ سُدُسَهُ) بِضَمِّ الدَّالِ وَيُسَكَّنُ أَيْ سُدُسَهُ الْأَخِيرَ ثُمَّ يَقُومُ عِنْدَ الصُّبْحِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وأخرجه مسلم والنسائي وبن ماجه
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
اللَّه بَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ شَهْر رَمَضَان الْمَفْرُوض صَوْمه وَأَبَانَ لَهُمْ ذَلِكَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ تَرْك اِسْتِحْبَاب صَوْمه وهو أولى الأمور عندنا
لأن حديث بن عُمَر وَمُعَاوِيَة عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّه لَمْ يَكْتُب صَوْم يَوْم عَاشُورَاء عَلَى النَّاس وَلَعَلَّ عَائِشَة إِنْ كَانَتْ ذَهَبَتْ إِلَيْهِ أَنَّهُ كَانَ وَاجِبًا ثُمَّ نُسِخَ قَالَتْهُ لِأَنَّهُ يُحْتَمَل أَنْ تَكُون رَأَتْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا صَامَهُ وَأَمَرَ بِصَوْمِهِ كَانَ صَوْمه فَرْضًا ثُمَّ نَسَخَهُ تَرْكُ أَمْرِهِ مَنْ شَاءَ أَنْ يَدَع صَوْمَهُ
وَلَا أَحْسِبهَا ذَهَبَتْ إِلَى هَذَا وَلَا ذَهَبَتْ إِلَّا إِلَى الْمَذْهَب الْأَوَّل لِأَنَّ الْأَوَّل هُوَ الْمُوَافِق لِلْقُرْآنِ أَنَّ اللَّه فَرَضَ الصَّوْم فَأَبَانَ أنه شهر رمضان ودل حديث بن عُمَر وَمُعَاوِيَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مِثْل مَعْنَى الْقُرْآن بِأَنْ لَا فَرْض فِي الصَّوْم إِلَّا رَمَضَان وَكَذَلِكَ قَوْل بن عَبَّاس مَا عَلِمْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَامَ يَوْمًا يَتَحَرَّى فَضْله عَلَى الْأَيَّام إِلَّا هَذَا الْيَوْم يَعْنِي يَوْم عَاشُورَاء كَأَنَّهُ يَذْهَب بِتَحَرِّي فَضْله إِلَى التَّطَوُّع بِصَوْمِهِ
آخِر كَلَامه
قَالُوا وَأَمَّا حُجَّتكُمْ الثَّالِثَة بِأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرهُمْ بِالْقَضَاءِ فَجَوَابهَا مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدهمَا أَنَا قَدْ ذَكَرْنَا حَدِيث أَبِي دَاوُدَ أَنَّهُمْ أُمِرُوا بِالْقَضَاءِ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي هَذَا الْحَدِيث فَإِنْ كَانَ ثَابِتًا فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى الْوُجُوب وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا فَإِنَّمَا لَمْ يُؤْمَرُوا بِالْقَضَاءِ لِعَدَمِ تَقَدُّم الْوُجُوبِ إِذْ الْوُجُوب إِنَّمَا ثَبَتَ عِنْد أَمْرِهِ فَاكْتَفَى مِنْهُمْ بِإِمْسَاكِ مَا بَقِيَ كَالصَّبِيِّ يَبْلُغ وَالْكَافِرُ يُسْلِم وَاَللَّه أَعْلَم(7/84)
68 - (بَاب فِي صَوْمِ الثَّلَاثِ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ)
(يَأْمُرُنَا أَنْ نَصُومَ الْبِيضَ) أَيْ أَيَّامَ اللَّيَالِي الْبِيضِ (قَالَ) أَيْ مِلْحَانُ الْقَيْسِيُّ (وَقَالَ) أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (هُنَّ) أَيْ صِيَامُهُنَّ (كَهَيْئَةِ الدَّهْرِ) أَيْ كَأَنَّهَا صِيَامُ الدَّهْرِ كله
قال المنذري وأخرجه النسائي وبن ماجه
واختلف في بن مِلْحَانَ هَذَا فَقِيلَ هُوَ قَتَادَةُ بْنُ مِلْحَانَ الْقَيْسِيُّ وَلَهُ صُحْبَةٌ وَالْحَدِيثُ مِنْ مُسْنَدِهِ
وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَهُوَ الصَّوَابُ
وَقِيلَ إِنَّهُ مِنْهَالُ بْنُ مِلْحَانَ الْقَيْسِيُّ وَالِدُ عَبْدِ الْمَلِكِ
قال بن مَعِينٍ وَهُوَ خَطَأٌ
قَالَ أَبُو عُمَرَ النَّمَرِيُّ وَحَدِيثُ هَمَّامٍ أَيْضًا خَطَأٌ وَالصَّوَابُ مَا قَالَ شُعْبَةُ وَلَيْسَ هَمَّامٌ مِمَّنْ يُعَارِضُنِي بِهِ شُعْبَةُ وَذَكَرَ خِلَافَ هَذَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ
فَقَالَ يُقَالُ إِنَّ شُعْبَةَ أَخْطَأَ فِي اسْمِهِ إِذْ قَالَ فِيهِ مِنْهَالُ بْنُ مِلْحَانَ
قَالَ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ حَدِيثُ هَمَّامٍ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ قَالَ وَمِنْهَالُ بْنُ مِلْحَانَ لَا يُعْرَفُ فِي الصَّحَابَةِ وَالصَّوَابُ قَتَادَةُ بْنُ مِلْحَانَ الْقَيْسِيُّ تَفَرَّدَ بِالرِّوَايَةِ عَنْهُ ابْنُهُ عَبْدُ الْمَلِكِ وَقَتَادَةُ يُعَدُّ فِي أَهْلِ الْبَصْرَةِ
وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ فِي مُعْجَمِ الصَّحَابَةِ الْمِنْهَالُ أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مِنْهَالٍ رَجُلٌ مِنْ
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه اللَّه وَقَدْ رَوَى الْإِمَام أَحْمَد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيّ عن أبي ذر قال قال رسول الله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا أَبَا ذَرّ إِذَا صُمْت مِنْ الشَّهْر فَصُمْ ثَلَاثَة عَشْرَة وَأَرْبَع عَشْرَة وَخَمْس عَشْرَة وَفِي صَحِيحِ مُسْلِم عَنْ أَبِي قَتَادَة يَرْفَعُهُ ثَلَاث مِنْ كُلّ شَهْر وَرَمَضَان إِلَى رَمَضَان فَهَذَا صِيَام الدَّهْر كُلّه وَرَوَى النَّسَائِيّ عَنْ جَرِير بْن عَبْد اللَّه عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ صِيَام ثَلَاثَة أَيَّام مِنْ كُلّ شَهْر صِيَام الدَّهْر أَيَّام الْبِيض صَبِيحَة ثَلَاث عَشْرَة وَأَرْبَع عَشْرَة وَخَمْس عَشْرَة وَرَوَى أَيْضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَرْنَبٍ قَدْ شَوَاهَا فَوَضَعَهَا بَيْن يَدَيْهِ فَأَمْسَكَ فَلَمْ يَأْكُل وَأَمَرَ الْقَوْم أَنْ يَأْكُلُوا وَأَمْسَكَ الْأَعْرَابِيُّ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا مَنَعَك أَنْ تَأْكُل قَالَ إِنِّي أَصُوم ثَلَاثَةَ أَيَّام مِنْ كُلّ شَهْر
قَالَ إِنْ كُنْت صَائِمًا فصم الغد(7/85)
بَنِي قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ نَزَلَ الْبَصْرَةَ وَذَكَرَ عَنْهُ هَذَا الْحَدِيثَ
وَقَالَ فِي حَرْفِ الْقَافِ قَتَادَةُ بْنُ مِلْحَانَ الْقَيْسِيُّ سَكَنَ الْبَصْرَةَ وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا
وَذَكَرَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مِنْهَالٍ الْقَيْسِيُّ عَنْ أَبِيهِ
وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَعَلَّ أَبَا دَاوُدَ أَسْقَطَ اسْمَهُ لِأَجْلِ هَذَا الِاضْطِرَابِ
(عَبْدُ اللَّهِ) وَهُوَ بن مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (مِنْ غُرَّةِ كُلِّ شَهْرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) أَيْ الْأَيَّامَ الْبِيضَ اللَّيَالِي بِالْقَمَرِ وَهِيَ ثَالِثَ عَشَرَ وَرَابِعَ عَشَرَ وَخَامِسَ عشر
قاله السيوطي
وقال علي القارىء مِنْ غُرَّةِ كُلِّ شَهْرٍ أَيْ أَوَّلِهِ
قِيلَ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ هَذَا الْحَدِيثِ وَحَدِيثِ عَائِشَةَ وهوأنه لَمْ يَكُنْ يُبَالِي مِنْ أَيِّ أَيَّامِ الشَّهْرِ يَصُومُ لِأَنَّ هَذَا الرَّاوِيَ وَجَدَ الْأَمْرَ عَلَى ذَلِكَ فِي غَالِبِ مَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ مِنْ أَحْوَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَدَّثَ بِمَا كَانَ يَعْرِفُ مِنْ ذَلِكَ وَعَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا اطَّلَعَتْ مِنْ ذَلِكَ عَلَى مَا لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ هَذَا الرَّاوِي فَحَدَّثَتْ بِمَا عَلِمَتْ فَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ وَفِي الْقَامُوسِ الْغُرَّةُ مِنَ الْهِلَالِ طَلْعَتُهُ فَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ كُلَّمَا طَلَعَ هِلَالٌ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ الصَّوْمُ مِنْ أَوَّلِهِ فَيُوَافِقُ بَقِيَّةَ الْحَدِيثِ
انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ غَرِيبٌ
وَفِي حديث الترمذي قل ما كَانَ يُفْطِرُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَفِي حَدِيثِ النَّسَائِيِّ قَلَّمَا رَأَيْتُهُ يُفْطِرُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ
9 - (بَابُ مَنْ قال يَصُومُ ثَلَاثَةً مِنْ كُلِّ شَهْرٍ)
(الِاثْنَيْنَ وَالْخَمِيسَ) وفي الباب السابق الصوم الثَّلَاثِ فِي أَيَّامِ اللَّيَالِي الْبِيضِ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا فَإِنَّهُ كَانَ مَرَّةً كَذَا وَمَرَّةً كَذَا
(عَنْ حَفْصَةَ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ(7/86)
(أَوَّلُهَا) بِالرَّفْعِ (الِاثْنَيْنُ) بِضَمِّ النُّونِ وَكَسْرِهَا وَفَتْحِهَا (والخميس) بالحرك الثَّلَاثِ عَلَى التَّبَعِيَّةِ
قَالَ الْأَشْرَفُ وَالظَّاهِرُ الِاثْنَانِ
فَقِيلَ أُعْرِبَ بِالْحَرَكَةِ لَا بِالْحَرْفِ وَقِيلَ الْمُضَافُ مَحْذُوفٌ مَعَ إِبْقَاءِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ عَلَى حَالِهِ وَتَقْدِيرُهُ أَوَّلُهَا يَوْمُ الِاثْنَيْنِ
وَقِيلَ إِنَّهُ عَلَمٌ كَالْبَحْرَيْنِ وَالْأَعْلَامُ لَا تَتَغَيَّرُ عَنْ أَصْلِ وَضْعِهَا بِاخْتِلَافِ الْعَوَامِلِ وَقَالَ الطِّيبِيُّ أَوَّلُهَا مَنْصُوبٌ لَكِنْ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ أَيِ اجْعَلْ أَوَّلَهَا الِاثْنَيْنَ وَالْخَمِيسَ يَعْنِي وَالْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ وَعَلَيْهِ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ التُّورِبِشْتِيِّ حَيْثُ قَالَ صَوَابُهُ الِاثْنَيْنُ أَوِ الْخَمِيسُ
وَالْمَعْنَى أَنَّهَا تَجْعَلُ أَوِلَ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ الِاثْنَيْنَ أَوِ الْخَمِيسَ وَذَلِكَ لِأَنَّ الشَّهْرَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ افْتِتَاحُهُ مِنَ الْأُسْبُوعِ فِي الْقِسْمِ الَّذِي بَعْدَ الْخَمِيسِ فَتَفْتَحُ صَوْمَهَا فِي شَهْرِهَا ذَلِكَ بِالِاثْنَيْنِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بِالْقِسْمِ الَّذِي بَعْدَ الِاثْنَيْنِ فَتَفْتَحُ شَهْرَهَا ذَلِكَ بِالْخَمِيسِ وَكَذَلِكَ وَجَدْتُ الْحَدِيثَ فِيمَا يَرْوِيهِ مِنْ كِتَابِ الطَّبَرَانِيِّ
كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ
0 - (بَاب مَنْ قَالَ لَا يُبَالِي مِنْ أَيِّ الشَّهْرِ)
أَيْ مِنْ أَيِّ أَيَّامِ الشَّهْرِ يَصُومُ
(قَالَتْ نَعَمْ) أَيْ وَهَذَا أَقَلُّ مَا كَانَ يَقْتَصِرُ عَلَيْهِ (مِنْ أَيِّ شَهْرٍ كَانَ يَصُومُ) أَيْ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ مِنْ أَوَّلِهَا أَوْ أَوْسَطِهَا أَوْ آخِرِهَا مُتَّصِلَةً أَوْ مُنْفَصِلَةً قَالَتْ (مَا كَانَ يُبَالِي) أَيْ يَهْتَمُّ لِلتَّعْيِينِ (مِنْ أَيِّ أَيَّامِ الشَّهْرِ كَانَ يَصُومُ) أَيْ كَانَ يَصُومُهَا بِحَسْبِ مَا يَقْتَضِي رَأْيُهُ
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه اللَّه وَقَدْ رُوِيَ صِيَامُهَا عَلَى صِفَةٍ أُخْرَى فَعَنْ عَائِشَة قَالَتْ كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُوم مِنْ الشَّهْر(7/87)
الشَّرِيفُ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَلَعَلَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُوَاظِبْ عَلَى ثَلَاثَةٍ مُعَيَّنَةٍ لِئَلَّا يُظَنَّ تَعَيُّنُهَا
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ والترمذي وبن ماجه
1 - (باب النية في الصوم)
(مَنْ لَمْ يَجْمَعِ الصِّيَامَ) مِنَ الْإِجْمَاعِ أَيْ لَمْ يَنْوِ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَى الْإِجْمَاعِ إِحْكَامُ النِّيَّةِ وَالْعَزِيمَةِ يُقَالُ أَجْمَعْتُ الرَّأْيَ وَأَزْمَعْتُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ
وَفِيهِ بَيَانُ أَنَّ مَنْ تَأَخَّرَتْ نِيَّتُهُ للصوم
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
السَّبْت وَالْأَحَد وَالِاثْنَيْنِ وَمِنْ الشَّهْر الْآخَر الثُّلَاثَاء وَالْأَرْبِعَاء وَالْخَمِيس رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيث حَسَنٌ
وقد روي فيه صفة أخرى فعن بن عُمَر أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَصُوم ثَلَاثَة أَيَّام مِنْ كُلّ شَهْر يَوْم الِاثْنَيْنِ مِنْ أَوَّل الشَّهْر ثُمَّ الْخَمِيس الَّذِي يَلِيه ثُمَّ الْخَمِيس الَّذِي يَلِيه رَوَاهُ النَّسَائِيّ
وَقَدْ جَاءَ عَلَى صِفَة أُخْرَى فَعَنْ هُنَيْدَة الْخُزَاعِيّ عَنْ أُمّ سَلَمَة قَالَتْ كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُر بِصِيَامِ ثَلَاثَة أَيَّام أَوَّل خَمِيس
وَالِاثْنَيْنِ وَالِاثْنَيْنِ رَوَاهُ النَّسَائِيّ
قَالَ الْحَافِظ شَمْس الدِّين بن الْقَيِّم رَحِمه اللَّه قَالَ النَّسَائِيّ الصَّوَاب عِنْدنَا مَوْقُوف وَلَمْ يَصِحّ رَفْعُهُ وَمَدَار رَفْعه عَلَى بن جُرَيْج وَعَبْد اللَّه بْن أَبِي بَكْر
فَأَمَّا حَدِيث عَبْد اللَّه بْن أَبِي بَكْر فَمِنْ رِوَايَة يَحْيَى بْن أَيُّوب عَنْهُ قَالَ النَّسَائِيّ ويحيى بن أيوب ليس بالقوي وحديث بن جُرَيْج عَنْ الزُّهْرِيّ غَيْر مَحْفُوظ
وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ عَبْد اللَّه بْن أَبِي بَكْر أَقَامَ إِسْنَاده وَرَفَعَهُ وَهُوَ مِنْ الثِّقَات الْأَثْبَات
آخِر كَلَامه
وَقَدْ رُوِيَ مِنْ حَدِيث عَمْرَة عَنْ عَائِشَة وَاخْتُلِفَ عَلَيْهَا فِي وَقْفه وَرَفْعه فَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْهَا مَرْفُوعًا عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ لَمْ يُبَيِّت الصِّيَام قَبْل طُلُوع الْفَجْر فَلَا صِيَام لَهُ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ تَفَرَّدَ بِهِ عَبْد اللَّه بْن عَبَّاد عَنْ الْمُفَضَّل يعني بن فَضَالَة بِهَذَا الْإِسْنَاد وَكُلّهمْ ثِقَات وَغَيْره يَرْوِيه مَوْقُوفًا عَلَى عَائِشَة قَالَهُ عَبْد الْحَقّ(7/88)
عَنْ أَوَّلِ وَقْتِهِ فَإِنَّ صَوْمَهُ فَاسِدٌ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ تَقْدِيمَ نِيَّةِ الشَّهْرِ كُلِّهِ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْهُ لَا يُجْزِئُهُ عَنِ الشَّهْرِ كُلِّهِ لِأَنَّ صِيَامَ كُلِّ يَوْمٍ مِنَ الشَّهْرِ صِيَامٌ مُفْرَدٌ مُتَمَيِّزٌ عَنْ غَيْرِهِ فَإِذَا لَمْ يَنْوِهِ فِي الثَّانِي قَبْلَ فَجْرِهِ وَفِي الثَّالِثِ كَذَلِكَ لَا يُجْزِئُهُ وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ إِذَا نَوَى لِلْفَرْضِ قَبْلَ زَوَالِ الشَّمْسِ أَجْزَأَهُ
وَقَالُوا فِي صَوْمِ النَّذْرِ وَالْكَفَّارَةِ وَالْقَضَاءِ إِنَّ عَلَيْهِ تَقْدِيمَ النِّيَّةِ قَبْلَ الْفَجْرِ
وَقَالَ إِسْحَاقُ بن رَاهْوَيْهِ إِذَا قَدَّمَ لِلشَّهْرِ النِّيَّةَ أَوَّلَ لَيْلَةٍ أَجْزَأَهُ لِلشَّهْرِ كُلِّهِ وَإِنْ لَمْ يُجَدِّدِ النِّيَّةَ كُلَّ لَيْلَةٍ
وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ غَيْرُ مُسْنَدٍ لِأَنَّ سُفْيَانَ وَمَعْمَرًا قَدْ أَوْقَفَاهُ عَلَى حَفْصَةَ
قُلْتُ هَذَا لَا يَضُرُّ لِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ قَدْ أَسْنَدَهُ وَزِيَادَاتُ الثِّقَاتِ مَقْبُولَةٌ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ رَوَاهُ اللَّيْثُ وَإِسْحَاقُ بْنُ حَازِمٍ أَيْضًا جَمِيعًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ مِثْلَهُ يَعْنِي مَرْفُوعًا وَأَوْقَفَهُ على حفصة معمر والزبيدي وبن عُيَيْنَةَ وَيُونُسُ الْأَيْلِيُّ
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ
وَقَدْ رُوِيَ عن نافع عن بن عُمَرَ قَوْلُهُ وَهُوَ أَصَحُّ
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ رَفَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَهُوَ مِنَ الثِّقَاتِ الرُّفَعَاءِ
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرٍو قَدْ أَسْنَدَهُ وَزِيَادَاتُ الثِّقَاتُ مَقْبُولَةٌ
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَقَامَ إِسْنَادَهُ وَرَفَعَهُ وَهُوَ مِنَ الثِّقَاتِ الْأَثْبَاتِ
هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ
وَقَدْ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ لَمْ يَبُتَّ الصِّيَامَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَقَالَ تَفَرَّدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عباد عن المفضل يعني بن فَضَالَةَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَكُلُّهُمْ ثِقَاتٌ
وَقَوْلُهُ مَنْ لَمْ يُجْمِعْ بِضَمِّ الْيَاءِ آخِرِ الْحُرُوفِ وَسُكُونِ الْجِيمِ مِنَ الْإِجْمَاعِ إِحْكَامُ النِّيَّةِ وَالْعَزِيمَةِ يُقَالُ أَجْمَعْتُ الرَّأْيَ وَأَزْمَعْتُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَرُوِيَ يُبَيِّتْ بِضَمِّ الْيَاءِ آخِرِ الْحُرُوفِ وَفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ أي ينويه من الليل
وروي بيت بِفَتْحِ الْيَاءِ آخِرِ الْحُرُوفِ وَضَمِّ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ لَمْ يَنْوِهِ وَيَجْزِمْ بِهِ فَيَقْطَعَهُ مِنَ الْوَقْتِ الَّذِي لَا صَوْمَ فِيهِ وَهُوَ اللَّيْلُ
وروى من لم يورضه اللَّيْلُ أَيْ لَمْ يُهَيِّئْهُ بِالنِّيَّةِ مِنْ أَرَضْتُ الْمَكَانَ إِذَا سَوَّيْتَهُ انْتَهَى(7/89)
72 - باب في الرخصة فيه أَيْ فِي تَرْكِ النِّيَّةِ بِاللَّيْلِ
(هَلْ عِنْدَكُمْ طَعَامٌ فَإِذَا قُلْنَا لَا قَالَ إِنِّي صَائِمٌ إِلَخْ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِيهِ نَوْعَانِ مِنَ الْفِقْهِ أَحَدُهُمَا جَوَازُ تَأْخِيرِ نِيَّةِ الصَّوْمِ عَنْ أَوَّلِ النَّهَارِ إِذَا كَانَ تَطَوُّعًا وَالْآخَرُ جَوَازُ إِفْطَارِ الصَّائِمِ قَبْلَ اللَّيْلِ إِذَا كَانَ مُتَطَوِّعًا بِهِ
وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْحَدِيثِ إِيجَابَ الْقَضَاءِ
وَكَانَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ يَذْهَبُ إِلَى ذَلِكَ منهم بن مَسْعُودٍ وَحُذَيْفَةُ وَأَبُو الدَّرْدَاءِ وَأَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بن حنبل وكان بن عُمَرَ لَا يَصُومُ تَطَوُّعًا حَتَّى يُجْمِعَ مِنَ اللَّيْلِ
وَقَالَ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ لَا يُجْزِئُهُ فِي التَّطَوُّعِ حَتَّى يُبَيِّتَ النِّيَّةَ
وَقَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ فِي صَوْمِ النَّافِلَةِ لَا أُحِبُّ أَنْ يَصُومَ أَحَدٌ إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ نَوَى الصِّيَامَ مِنَ اللَّيْلِ (حَيْسٌ) هُوَ الطَّعَامُ الْمُتَّخَذُ مِنَ التَّمْرِ وَالْأَقِطِ وَالسَّمْنِ وَقَدْ يُجْعَلُ عِوَضَ الْأَقِطِ الدَّقِيقُ (أَدْنِيهِ) مِنَ الْإِدْنَاءِ أَيْ قَرِّبِيهِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه اللَّه زَادَ النَّسَائِيّ فَأَكَلَ وَقَالَ وَلَكِنْ أَصُوم يَوْمًا مَكَانه ثُمَّ قَالَ هَذَا خَطَأٌ قَالَ عَبْد الْحَقّ قَدْ رَوَى الْحَدِيث جَمَاعَة عَنْ طَلْحَة فَلَمْ يَذْكُر أَحَدٌ مِنْهُمْ وَلَكِنْ أَصُوم يَوْمًا مَكَانه وَهَذِهِ الزِّيَادَة هِيَ مِنْ رِوَايَة سُفْيَان بْن عُيَيْنَة عَنْ طَلْحَة وَلَفْظ النَّسَائِيّ فِيهِ عَنْ مُجَاهِد عَنْ عَائِشَة قَالَتْ دَخَلَ علي رسول الله صلى الله عليه وسلم يَوْمًا فَقَالَ هَلْ عِنْدكُمْ شَيْء فَقُلْت لَا
فَقَالَ فَإِنِّي صَائِم ثُمَّ مَرَّ بِي بَعْد ذَلِكَ الْيَوْم وَقَدْ أُهْدِيَ لَنَا حَيْسٌ فَخَبَّأْت له منه وكان يحب الحيس
قالت يارسول اللَّه إِنَّهُ أُهْدِيَ لَنَا حَيْسٌ فَخَبَّأْت لَك مِنْهُ قَالَ أُدْنِيهِ أَمَا إِنِّي قَدْ أَصْبَحْت وَأَنَا صَائِم فَأَكَلَ مِنْهُ ثُمَّ قَالَ إِنَّمَا مِثْل صَوْم الْمُتَطَوِّع مِثْل الرَّجُل يُخْرِج مِنْ مَاله الصَّدَقَة فَإِنْ شَاءَ أَمْضَاهَا وَإِنْ شَاءَ حَبَسَهَا وَفِي لَفْظ النَّسَائِيّ يَا عَائِشَة إِنَّمَا مَنْزِلَة مَنْ صَامَ فِي غَيْر رَمَضَان أَوْ فِي غَيْر قَضَاء رَمَضَان أَوْ فِي التَّطَوُّع بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ أَخْرَجَ صَدَقَة مِنْ مَاله فَجَادَ مِنْهَا بِمَا شَاءَ فَأَمْضَاهُ وَبَخِلَ بِمَا بَقِيَ فَأَمْسَكَهُ وَفِي لَفْظٍ لَهُ عَنْ عَائِشَة بِنْت طَلْحَة عَنْ عَائِشَة أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ(7/90)
مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ فَإِنِّي إِذًا صَائِمٌ وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَفِيهِ قَالَ إِنِّي أَصُومُ وَقَالَ وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ
(الْوَلِيدَةُ) أَيِ الْأَمَةُ (فَنَاوَلَتْهُ) أَيِ الْجَارِيَةُ وَالضَّمِيرُ الْمَنْصُوبُ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمَفْعُولُ الثَّانِي مُقَدَّرٌ وَهُوَ الْإِنَاءُ (أَكُنْتِ تَقْضِينَ) أَيْ بِهَذَا الصَّوْمِ (شَيْئًا) أَيْ مِنَ الْوَاجِبَاتِ عَلَيْكِ (فَلَا يَضُرُّكِ) أَيْ لَيْسَ عَلَيْكِ إِثْمٌ فِي فِطْرِكِ (إِنْ كَانَ) أَيْ صَوْمُكِ (تَطَوُّعًا) وَهُوَ لِلتَّأْكِيدِ قَالَهُ القارىء
قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي هَذَا بَيَانُ أَنَّ الْقَضَاءَ غَيْرُ وَاجِبٍ إِذَا أَفْطَرَ فِي تَطَوُّعٍ وَهُوَ قول بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ إِذَا أَفْطَرَ
وَقَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ إِذَا أَفْطَرَ مِنْ غَيْرِ عِلَّةٍ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَفِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ وَلَا يَثْبُتُ
وَفِي إِسْنَادِهِ اخْتِلَافٌ كَثِيرٌ أَشَارَ إِلَيْهِ النَّسَائِيُّ
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قَالَتْ جَاءَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَقَالَ هَلْ عِنْدكُمْ مِنْ طَعَام قُلْت لَا
قَالَ إِنِّي إِذَنْ أَصُوم
قَالَتْ ثُمَّ دَخَلَ مَرَّة أُخْرَى
فَقُلْت قَدْ أُهْدِيَ لَنَا حَيْسٌ فَقَالَ إِذَنْ أُفْطِر وَقَدْ فَرَضْت الصَّوْم
وَفِيهِ حُجَّة عَلَى الْمَسْأَلَتَيْنِ جَوَاز إِنْشَاء صَوْم التَّطَوُّع بِنِيَّةٍ مِنْ النَّهَار وَجَوَاز الْخُرُوج مِنْهُ بَعْد الدُّخُول فِيهِ
وَأَمَّا زِيَادَة النَّسَائِيّ تَمْثِيلُهُ بِالصَّدَقَةِ يُخْرِجهَا الرَّجُل فَهَذَا اللَّفْظ قَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحه مِنْ قَوْل مُجَاهِد قَالَ طَلْحَة بْن يَحْيَى فَحَدَّثْت مُجَاهِدًا بِهَذَا الْحَدِيث فَقَالَ ذَاكَ بِمَنْزِلَةِ الرَّجُل يُخْرِج الصَّدَقَة مِنْ مَاله فَإِنْ شَاءَ أَمْضَاهَا وَإِنْ شَاءَ أمسكها(7/91)
73 - (بَاب مَنْ رَأَى عَلَيْهِ الْقَضَاءَ)
(لَا عَلَيْكُمَا) أَيْ لَا بَأْسَ عَلَيْكُمَا فِي الْإِفْطَارِ (صُومَا مَكَانَهُ يَوْمًا آخَرَ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَقَدْ جَاءَ في هذا الحديث رواية بن جريج عن الزهري عن عروة قال بن جُرَيْجٍ قُلْتُ لِلزُّهْرِيِّ أَسَمِعْتَهُ مِنْ عُرْوَةَ قَالَ إِنَّمَا أَخْبَرَنِيهِ رَجُلٌ بِبَابِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الرَّجُلُ هُوَ زُمَيْلٌ هَذَا
وَلَوْ ثَبَتَ الْحَدِيثُ أَشْبَهَ أَنْ يَكُونَ إِنَّمَا أَمَرَهُمَا بِذَلِكَ اسْتِحْبَابًا لِأَنَّ بَدَلَ الشَّيْءِ فِي أَكْثَرِ الْأَحْكَامِ الْأُصُولِ يَحُلُّ مَحَلَّ أَصْلِهِ وَهُوَ فِي الْأَصْلِ مُخَيَّرٌ فَكَذَلِكَ فِي الْبَدَلِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَقَالَ زُمَيْلٌ لَيْسَ بِالْمَشْهُورِ
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ لَا يُعْرَفُ لِزُمَيْلٍ سَمَاعٌ مِنْ عُرْوَةَ وَلَا لِيَزِيدَ بْنِ الْهَادِ مِنْ زُمَيْلٍ وَلَا تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ وَزُمَيْلٌ مَجْهُولٌ
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه اللَّه وَقَدْ رَوَى النَّسَائِيّ حَدِيث الْأَمْر بِالْقَضَاءِ مِنْ حَدِيث جَرِير بْن حَازِم عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيد عَنْ عَمْرَة عَنْ عَائِشَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَابَعَهُ الْفَرَج بن فضالة عن يحيى قال الله الدَّارَقُطْنِيُّ وَهِمَ فِيهِ جَرِيرٌ وَفَرَج وَخَالَفَهُمَا حَمَّاد بْن زَيْد وَعَبَّاد بْن الْعَوَّام وَيَحْيَى بْن أَيُّوب فَرَوَوْهُ عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيد عَنْ الزُّهْرِيّ مُرْسَلًا وَقَدْ رَوَاهُ النَّسَائِيّ أَيْضًا مِنْ حَدِيث جَعْفَر بْن بُرْقَان أَخْبَرَنَا الزُّهْرِيّ عَنْ عُرْوَة عَنْ عَائِشَة بِهِ وَقَالَ اِقْضِيَا يَوْمًا لِغَدٍ وَمِنْ حَدِيث سُفْيَان عَنْ الزُّهْرِيّ عَنْ عُرْوَة عَنْ عَائِشَة بِهِ وَفِيهِ فَأَمَرَهُمَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَصُومَا يَوْمًا مَكَانه وَذَكَر النَّسَائِيّ أَنَّهُ أَيْضًا مِنْ رِوَايَة إِسْمَاعِيل بْن عُقْبَة وَصَالِح بْن كَيْسَانَ
فَقَدْ بَرِئَ زُمَيْل مِنْ عُهْدَة التَّفَرُّد بِهِ وتابعهم أيضا يحيى بن سعيد عن بن شِهَاب فَهَؤُلَاءِ سُفْيَان وَجَعْفَر بْن بُرْقَان وَصَالِح بْن كَيْسَانَ وَإِسْمَاعِيل بْن عُقْبَة وَيَحْيَى بْن سعيد على اختلاف عنه عن بن شِهَاب الزُّهْرِيّ وَصْلًا وَإِرْسَالًا كُلّهمْ يَذْكُر الْأَمْر بِالْقَضَاءِ زِيَادَة عَلَى رِوَايَة زميل وَجَرِير بْن حازم(7/92)
74 - (بَاب الْمَرْأَةِ تَصُومُ بِغَيْرِ إِذْنِ زَوْجِهَا)
(لَا تَصُومُ امْرَأَةٌ) أَيْ نَفْلًا لِئَلَّا يَفُوتَ عَلَى الزَّوْجِ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا (وَبَعْلُهَا شَاهِدٌ) أَيْ زَوْجُهَا حَاضِرٌ مَعَهَا فِي بَلَدِهَا (إِلَّا بِإِذْنِهِ) تَصْرِيحًا أَوْ تَلْوِيحًا (وَلَا تَأْذَنُ) أَحَدًا مِنَ الْأَجَانِبِ أو الأقارب حتى النساء
وقال بن حَجَرٍ الْمَكِّيُّ يَصِحُّ رَفْعُهُ خَبَرًا يُرَادُ بِهِ النَّهْيُ وَجَزْمُهُ عَلَى النَّهْيِ (فِي بَيْتِهِ) أَيْ فِي دُخُولِ بَيْتِهِ (إِلَّا بِإِذْنِهِ) وَفِي مَعْنَاهُ الْعِلْمُ بِرِضَاهُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ
وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فَصْلَ الصَّوْمِ خَاصَّةً وَلَيْسَ فِي حَدِيثِهِمَا غَيْرُ رَمَضَانَ
(وَيُفَطِّرُنِي) بِالتَّشْدِيدِ أَيْ يَأْمُرُنِي بِالْإِفْطَارِ (فَإِنَّهَا تَقْرَأُ بِسُورَتَيْنِ) أَيْ تَقْرَأُ بِسُورَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
وَفَرَج بْن فَضَالَة عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيد عَنْ عَمْرَة عَنْ عَائِشَة فَاَلَّذِي يَغْلِب عَلَى الظَّنّ أَنَّ اللَّفْظَة مَحْفُوظَة فِي الْحَدِيث وَتَعْلِيلهَا بِمَا ذُكِرَ قَدْ تَبَيَّنَ ضَعْفه
وَلَكِنْ قَدْ يُقَال الْأَمْر بِالْقَضَاءِ أَمْر نَدْب لَا أَمْر إِيجَاب
وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيق
قَالَ الْحَافِظ شَمْس الدِّين بن الْقَيِّم رَحِمه اللَّه وَقَالَ غَيْر الْمُنْذِرِيّ وَيَدُلّ عَلَى أَنَّ الْحَدِيث وَهْمٌ لَا أَصْل لَهُ أَنَّ فِي حَدِيث الْإِفْك الْمُتَّفَق عَلَى صِحَّته قَالَتْ عَائِشَة وَإِنَّ الرَّجُل الَّذِي قِيلَ لَهُ مَا قِيلَ لَيَقُول سُبْحَان اللَّه فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا كَشَفْت عَنْ كَتِف أُنْثَى قَطُّ قَالَ ثُمَّ قُتِلَ بَعْد ذَلِكَ فِي سَبِيل اللَّه شَهِيدًا وَفِي هَذَا نَظَرٌ
فَلَعَلَّهُ تَزَوَّجَ بَعْد ذَلِكَ
وَاَللَّه أَعْلَم(7/93)
فِي رَكْعَةٍ أَوْ فِي رَكْعَتَيْنِ (وَقَدْ نَهَيْتُهَا) أَيْ عَنْ تَطْوِيلِ الْقِرَاءَةِ وَإِطَالَةِ الصَّلَاةِ (قَالَ) أَبُو سَعِيدٍ (فَقَالَ) رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَوْ كَانَتْ) اسْمُهُ يَعُودُ إِلَى مَصْدَرِ تَقْرَأَ أَيْ لَوْ كَانَتِ الْقِرَاءَةُ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ (سُورَةً وَاحِدَةً) أَيْ أَيَّ سُورَةٍ كَانَتْ وَلَوْ أَقْصَرَهَا
وَقَالَ الطِّيبِيُّ لَوْ كَانَتِ الْقِرَاءَةُ سُورَةً وَاحِدَةً وَهِيَ الْفَاتِحَةُ (لَكَفَتِ النَّاسَ) أَيْ لَأَجْزَأَتْهُمْ كَفَتْهُمْ جَمْعًا وَأَفْرَادًا كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ لَا تَصُومُ امْرَأَةٌ إِلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا) قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفِقْهِ أَنَّ مَنَافِعَ الْمُتْعَةِ وَالْعِشْرَةِ مِنَ الزَّوْجَةِ مَمْلُوكَةٌ لِلزَّوْجِ فِي عَامَّةِ الْأَحْوَالِ وَأَنَّ حَقَّهَا فِي نَفْسِهَا مَحْصُورٌ فِي وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ وَفِيهِ أَنَّ لِلزَّوْجِ أَنْ يَضْرِبَهَا ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ إِذَا امْتَنَعَتْ عَلَيْهِ مِنْ إِيفَاءِ الْحَقِّ وَإِجْمَالِ الْعِشْرَةِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا لَوْ أَحْرَمَتْ بِالْحَجِّ كَانَ لَهُ مَنْعُهَا وَحَصْرُهَا لِأَنَّ حَقَّهُ عَلَيْهَا مُعَجَّلٌ وَحَقُّ اللَّهِ مُتَرَاخٍ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَلَمْ يَخْتَلِفِ الْعُلَمَاءُ فِي أَنَّ لَهُ مَنْعَهَا مِنْ حَجِّ التَّطَوُّعِ (فَإِنَّا أَهْلُ بَيْتٍ) أَيْ أَنَّا أَهْلُ صَنْعَةٍ لَا نَنَامُ اللَّيْلَ (قَدْ عُرِفَ لَنَا ذَلِكَ) أَيْ عَادَتُنَا ذَلِكَ وَهِيَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَسْقُونَ الْمَاءَ فِي طُولِ اللَّيَالِي (لَا نَكَادُ نَسْتَيْقِظُ) أَيْ إِذَا رَقَدْنَا آخِرَ اللَّيْلِ (قَالَ فَإِذَا اسْتَيْقَظْتَ فَصَلِّ) ذَلِكَ أَمْرٌ عَجِيبٌ مِنْ لُطْفِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ بِعِبَادِهِ وَمِنْ لُطْفِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرِفْقِهِ بِأُمَّتِهِ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْهُ عَلَى مَعْنَى مَلَكَةِ الطَّبْعِ وَاسْتِيلَاءِ الْعَادَةِ فَصَارَ كَالشَّيْءِ الْمَعْجُوزِ عَنْهُ وَكَانَ صَاحِبُهُ فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ يُغْمَى عَلَيْهِ فَعُذِرَ فِيهِ وَلَمْ يُثَرَّبْ عَلَيْهِ
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ إِنَّمَا كَانَ يُصِيبُهُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ دُونَ بَعْضٍ وَذَلِكَ إِذَا لَمْ يَكُنْ بِحَضْرَتِهِ مَنْ يُوقِظُهُ وَيَبْعَثُهُ مِنَ الْمَنَامِ فَيَتَمَادَى بِهِ النَّوْمُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ دُونَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْهُ فِي عَامَّةِ الْأَحْوَالِ فَإِنَّهُ يَبْعُدُ أَنْ يَبْقَى الْإِنْسَانُ عَلَى هَذَا فِي دَائِمِ الْأَوْقَاتِ وَلَيْسَ بِحَضْرَتِهِ أَحَدٌ لَا يُصْلِحُ هَذَا الْقَدْرَ مِنْ شَأْنِهِ وَلَا يُرَاعِي مِثْلَ هَذَا مِنْ حَالِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ بِهِ الِامْتِنَاعُ مِنَ الصَّلَاةِ فِي وَقْتِهَا ذلك مع زوال العذر بوقوع التنبيه ولإيقاظ مِمَّنْ يَحْضُرُهُ وَيُشَاهِدُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ) النَّاجِيِّ الْبَصْرِيِّ
وَالْحَاصِلُ أَنَّ أَبَا صَالِحٍ لَيْسَ بِمُتَفَرِّدٍ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ بَلْ تَابَعَهُ أَبُو الْمُتَوَكِّلِ عَنْهُ ثُمَّ الْأَعْمَشُ لَيْسَ بِمُتَفَرِّدٍ أَيْضًا بَلْ تَابَعَهُ حُمَيْدٌ أَوْ ثَابِتٌ وَكَذَا جَرِيرٌ لَيْسَ بِمُتَفَرِّدٍ بَلْ تَابَعَهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ
وَفِي هَذَا كُلِّهِ رَدٌّ على(7/94)
الْإِمَامِ أَبِي بَكْرٍ الْبَزَّارِ وَسَيَجِيءُ كَلَامُهُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ هَذَا الْحَدِيثُ كَلَامُهُ مُنْكَرٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَقَالَ وَلَوْ ثَبَتَ احْتَمَلَ إِنَّمَا يَكُونُ إِنَّمَا أَمَرَهَا بِذَلِكَ اسْتِحْبَابًا وَكَانَ صَفْوَانُ مِنْ خِيَارِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإنما أتى نُكْرَةُ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْأَعْمَشَ لَمْ يَقُلْ حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ فَأَحْسَبُ أَنَّهُ أَخَذَهُ عَنْ غَيْرِ ثِقَةٍ وَأَمْسَكَ عَنْ ذِكْرِ الرَّجُلِ فَصَارَ الْحَدِيثُ ظَاهِرُ إِسْنَادِهِ حَسَنٌ وَكَلَامُهُ مُنْكَرٌ لِمَا فِيهِ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَمْدَحُ هَذَا الرَّجُلَ وَيَذْكُرُهُ بِخَيْرٍ
وَلَيْسَ للحديث عندي أصل
5 - (باب في الصائم يدعي إلى وليمة)
(إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ فَلْيُجِبْ) أَيِ الدَّعْوَةَ (فَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلْيَطْعَمْ) أَيْ فَلْيَأْكُلْ نَدْبًا وَقِيلَ وجوبا قاله بن حَجَرٍ
وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَجِبُ إِذَا كَانَ يَتَشَوَّشُ خاطر الداعي ويحصل به المعادة إِنْ كَانَ الصَّوْمُ نَفْلًا وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَفْرَحُ بِأَكْلِهِ وَلَمْ يَتَشَوَّشْ بِعَدَمِهِ فَيُسْتَحَبُّ وَإِنْ كَانَ الْأَمْرَانِ مُسْتَوِيَيْنِ عِنْدَهُ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَقُولَ إِنِّي صَائِمٌ سَوَاءٌ حَضَرَ أَوْ لَمْ يَحْضُرْ (وَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيُصَلِّ) قَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ رَكْعَتَيْنِ فِي نَاحِيَةِ الْبَيْتِ كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِ أُمِّ سُلَيْمٍ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ
وَقِيلَ فَلْيَدْعُ لِصَاحِبِ البيت بالمغفرة
وقال بن الْمَلَكِ بِالْبَرَكَةِ
أَقُولُ ظَاهِرُ حَدِيثِ أُمِّ سُلَيْمٍ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالدُّعَاءِ
قَالَ الْمُظْهِرُ وَالضَّابِطُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ إِنْ تَأَذَّى الْمُضِيفُ بترك افطار أَفْطَرَ فَإِنَّهُ أَفْضَلُ وَإِلَّا فَلَا
كَذَا فِي المرقاة
قال المنذري قال هشام وهو بن حَسَّانَ وَالصَّلَاةُ الدُّعَاءُ
وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ
6 - (بَاب مَا يَقُولُ الصائم إذا دعي إلى الطَّعَامِ)
وُجِدَ هَذَا الْبَابُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ(7/95)
(إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى طَعَامٍ وَهُوَ صَائِمٌ فَلْيَقُلْ إِنِّي صَائِمٌ) قَالَ النَّوَوِيُّ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ يَقُولُهُ اعْتِذَارًا لَهُ وَإِعْلَامًا بِحَالِهِ فَإِنْ سَمَحَ لَهُ وَلَمْ يُطَالِبْهُ بِالْحُضُورِ سَقَطَ عَنْهُ الْحُضُورُ وَإِنْ لَمْ يَسْمَحْ وَطَالَبَهُ بِالْحُضُورِ لَزِمَهُ الْحُضُورُ وَلَيْسَ الصَّوْمُ عُذْرًا فِي إِجَابَةِ الدَّعْوَةِ لَكِنْ إِذَا حَضَرَ لَا يَلْزَمُهُ الْأَكْلُ وَيَكُونُ الصَّوْمُ عُذْرًا فِي تَرْكِ الْأَكْلِ بِخِلَافِ الْمُفْطِرِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْأَكْلُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الصَّائِمِ وَالْمُفْطِرِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي مَوْضِعِهِ
وَأَمَّا الْأَفْضَلُ لِلصَّائِمِ فَإِنْ كَانَ يَشُقُّ عَلَى صَاحِبِ الطَّعَامِ صَوْمُهُ اسْتُحِبَّ لَهُ الْفِطْرُ وَإِلَّا فَلَا
هَذَا إِذَا كَانَ صَوْمَ تَطَوُّعٍ فَإِنْ كَانَ صَوْمًا وَاجِبًا حَرُمَ الْفِطْرُ
وَمَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِإِظْهَارِ نَوَافِلِ الْعِبَادَةِ مِنَ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَغَيْرِهِمَا إِذَا كَانَ دَعَتْ إِلَيْهِ حَاجَةٌ وَالْمُسْتَحَبُّ إِخْفَاؤُهَا إِذَا لَمْ تَكُنْ حَاجَةٌ وَفِيهِ الْإِرْشَادُ إِلَى حُسْنِ الْمُعَاشَرَةِ وَإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ وَتَأْلِيفِ الْقُلُوبِ وَحُسْنِ الِاعْتِذَارِ عِنْدَ سَبَبِهِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ أَخْرَجَهُ مسلم والترمذي والنسائي وبن مَاجَهْ
7 - (بَاب الِاعْتِكَافِ)
قَالَ النَّوَوِيُّ هُوَ فِي اللُّغَةِ الْحَبْسُ وَالْمُكْثُ وَاللُّزُومُ وَفِي الشَّرْعِ الْمُكْثُ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ شَخْصٍ مَخْصُوصٍ بِصِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ وَيُسَمَّى الِاعْتِكَافُ جِوَارًا وَمِنْهُ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ مِنْهَا حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي أَوَائِلِ الِاعْتِكَافِ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ قَالَتْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصْغِي إِلَيَّ رَأْسِهِ وَهُوَ مُجَاوِرٌ فِي الْمَسْجِدِ فَأُرَجِّلُهُ وَأَنَا حَائِضٌ وَقَدْ جَاءَتِ الْأَحَادِيثُ فِي اعْتِكَافِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ وَالْعَشْرَ الْأُوَلَ مِنْ شَوَّالٍ فَفِيهَا اسْتِحْبَابُ الِاعْتِكَافِ وَتَأَكُّدُ اسْتِحْبَابِهِ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ
وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ وَأَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَعَلَى أَنَّهُ مُتَأَكِّدٌ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ
وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ وَمُوَافِقِيهِمْ أَنَّ الصَّوْمَ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ الِاعْتِكَافِ بَلْ يَصِحُّ اعْتِكَافُ الْمُفْطِرِ وَيَصِحُّ اعْتِكَافُ سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَحْظَةٍ وَاحِدَةٍ وَضَابِطُهُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا مُكْثٌ يَزِيدُ عَلَى طُمَأْنِينَةِ الرُّكُوعِ أَدْنَى زِيَادَةٍ وَلَنَا وَجْهٌ أَنَّهُ يَصِحُّ اعْتِكَافُ الْمَارِّ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ غَيْرِ لُبْثٍ وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ
فَيَنْبَغِي لِكُلِّ جَالِسٍ فِي الْمَسْجِدِ لِانْتِظَارِ صَلَاةٍ أَوْ لِشُغْلٍ آخَرَ مِنْ آخِرَةٍ أَوْ دُنْيَا أَنْ يَنْوِيَ الِاعْتِكَافَ فَيُحْسَبُ لَهُ وَيُثَابُ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَخْرُجْ مِنَ الْمَسْجِدِ فَإِذَا خَرَجَ ثُمَّ دَخَلَ(7/96)
جَدَّدَ نِيَّةً أُخْرَى وَلَيْسَ لِلِاعْتِكَافِ ذِكْرٌ مَخْصُوصٌ وَلَا فِعْلٌ آخَرُ سِوَى اللُّبْثِ فِي الْمَسْجِدِ بِنِيَّةِ الِاعْتِكَافِ وَلَوْ تَكَلَّمَ بِكَلَامِ دُنْيَا أَوْ عَمِلَ صَنْعَةً مِنْ خِيَاطَةٍ أَوْ غَيْرِهَا لَمْ يَبْطُلِ اعْتِكَافُهُ
وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالْأَكْثَرُونَ يُشْتَرَطُ فِي الِاعْتِكَافِ الصَّوْمُ فَلَا يَصِحُّ اعْتِكَافُ مُفْطِرٍ
(كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ) قَالَ الْقَسْطَلَّانِيُّ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُنْسَخْ وَأَنَّهُ مِنَ السُّنَنِ الْمُؤَكَّدَةِ خُصُوصًا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ لِطَلَبِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ (ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ النِّسَاءَ كَالرِّجَالِ فِي الِاعْتِكَافِ وَقَدْ كَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَذِنَ لبعضهن وأما إنكاره عليهن الاعتكاف بعد اذن كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فَلِمَعْنًى آخَرَ فَقِيلَ خَوْفَ أَنْ يَكُنَّ غَيْرَ مُخْلِصَاتٍ فِي الِاعْتِكَافِ بَلْ أَرَدْنَ الْقُرْبَ مِنْهُ لِغَيْرَتِهِنَّ عَلَيْهِ أَوْ ذَهَابُ الْمَقْصُودِ مِنَ الِاعْتِكَافِ بِكَوْنِهِنَّ مَعَهُ فِي الْمُعْتَكَفِ أَوْ لِتَضْيِيقِهِنَّ الْمَسْجِدِ بِأَبْنِيَتِهِمْ
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إِنَّمَا يَصِحُّ اعْتِكَافُ الْمَرْأَةِ فِي مَسْجِدِ بَيْتِهَا وَهُوَ الْمَوْضِعُ الْمُهَيَّأُ فِي بَيْتِهَا لِصَلَاتِهَا انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ
(فَلَمْ يَعْتَكِفْ عَامًا فَلَمَّا كَانَ فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ اعْتَكَفَ عِشْرِينَ لَيْلَةً) قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِيهِ مِنَ الْفِقْهِ أَنَّ النَّوَافِلَ الْمُعْتَادَةَ تُقْضَى إِذَا فَاتَتْ كَمَا تُقْضَى الْفَرَائِضُ
وَمِنْ هَذَا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه اللَّه وَرَوَى النَّسَائِيّ فِي سُنَنه عَنْ أُبَيّ بن كعب أن رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَعْتَكِف الْعَشْر الْأَوَاخِر مِنْ رَمَضَان فَسَافَرَ عَامًا فَلَمْ يَعْتَكِف فَلَمَّا كَانَ الْعَام الْمُقْبِل اِعْتَكَفَ عِشْرِينَ وَفِي رِوَايَةٍ لَيْلَة
وَهَذَا أَوْلَى مِنْ الِاحْتِمَال الْمَذْكُور
وَقَالَ بَعْضهمْ يُحْتَمَل أَنْ يَكُون هَذَانِ الْعَشْرَانِ الْمَذْكُورَانِ فِي حَدِيث أَبِي دَاوُدَ هِيَ الْعَشْر الَّذِي كَانَ يَعْتَكِفهُ وَالْعَشْر الَّذِي تَرَكَهُ مِنْ أَجْلِ أَزْوَاجه ثُمَّ اِعْتَكَفَ مِنْ شَوَّال عِشْرِينَ لَيْلَة وَهَذَا فَاسِدٌ فَإِنَّ الْحَدِيث حَدِيث أُبَيّ بْن كَعْب وَقَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُ إِنَّمَا تَرَكَهُ لِسَفَرِهِ
وَبِاَللَّهِ التوفيق(7/97)
بعدالعصر الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ فَاتَتَاهُ لِقُدُومِ الْوَفْدِ وَاشْتِغَالِهِ بِهِمْ
وَفِيهِ مُسْتَدَلٌّ لِمَنْ أَجَازَ الِاعْتِكَافَ بِغَيْرِ صَوْمٍ يُنْشِئُهُ لَهُ وَذَلِكَ أَنَّ صَوْمَهُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ إِنَّمَا كَانَ لِلشَّهْرِ لِأَنَّ الْوَقْتَ مُسْتَحَقٌّ لَهُ
وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا فَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ إِنِ اعْتَكَفَ مِنْ غَيْرِ صِيَامٍ أَجْزَأَهُ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ
وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وبن مَسْعُودٍ أَنَّهُمَا قَالَا إِنْ شَاءَ صَامَ وَإِنْ شَاءَ أَفْطَرَ
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَمَالِكٌ لَا اعْتِكَافَ إِلَّا بِصَوْمٍ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ
وروي عن بن عمر وبن عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَالزُّهْرِيِّ
قال المنذري وأخرجه النسائي وبن مَاجَهْ
(عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَعْتَكِفَ صَلَّى الْفَجْرَ ثُمَّ دَخَلَ مُعْتَكَفَهُ إِلَخْ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِيهِ مِنَ الْفِقْهِ أَنَّ الْمُعْتَكِفَ يَبْتَدِئُ اعْتِكَافَهُ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ وَيَدْخُلُ فِيِ مُعْتَكَفِهِ بَعْدَ أَنْ صَلَّى وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْأَوْزَاعِيُّ وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ
وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ فِي الِاعْتِكَافِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ إِذَا أَرَادَ اعْتِكَافَ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الِاعْتِكَافَ إِذَا لَمْ يَكُنْ نَذْرًا كَانَ لِلْمُعْتَكِفِ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ أَيَّ وَقْتٍ شَاءَ
قُلْتُ وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ اعْتِكَافِ النِّسَاءِ وَفِيهِ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَعْتَكِفَ إِلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا وَعَلَى أَنَّ لِلزَّوْجِ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ ذَلِكَ بَعْدَ الْإِذْنِ فِيهِ وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ اعْتِكَافِ
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه اللَّه وَقَدْ اِحْتَجَّ مَنْ لَا يَرَى الصَّوْم شَرْطًا فِي الِاعْتِكَاف لِدُخُولِ يَوْم الْعِيد فِي اِعْتِكَافه وَهَذَا لَا يَدُلّ فَإِنَّ الْحَدِيث رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَقَالَ حَتَّى اِعْتَكَفَ عَشْرًا مِنْ شَوَّال لَمْ يَذْكُر غَيْره
وَفِي صَحِيح مُسْلِم اِعْتَكَفَ فِي الْعَشْر الْأُوَل مِنْ شَوَّال
وَهَذَا لَا يَقْتَضِي دُخُول يَوْم الْعِيد فِيهِ كَمَا يَصِحّ أَنْ يُقَال صَامَ فِي الْعَشْر الْأُوَل مِنْ شَوَّال وَفِي لَفْظ لَهُ حَتَّى اِعْتَكَفَ فِي آخِر الْعَشْر مِنْ شَوَّال وَعَدَم الدَّلَالَة فِي هذا ظَاهِرَة
وَقَوْلهَا اِعْتَكَفَ الْعَشْر الْأُوَل مِنْ شَوَّال لَيْسَ بِنَصٍّ فِي دُخُول يَوْم الْعِيد فِي اِعْتِكَافه بَلْ الظَّاهِر أَنَّهُ لَمْ يُدْخِلهُ فِي اِعْتِكَافه لِاشْتِغَالِهِ فِيهِ بِالْخُرُوجِ إِلَى الْمُصَلَّى وَصَلَاة الْعِيد وَخُطْبَته
وَرُجُوعه إِلَى مَنْزِله لِفِطْرِهِ وَفِي ذَلِكَ ذَهَاب بَعْض الْيَوْم فَلَا يَقُوم بَقِيَّة الْيَوْم مَقَام جَمِيعِهِ(7/98)
الْمَرْأَةِ فِي بَيْتِهَا جَائِزٌ وَقَدْ حُكِيَ جَوَازُهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَمَّا الرَّجُلُ فَلَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّ اعْتِكَافَهُ فِي بَيْتِهِ غَيْرُ جَائِزٍ وَإِنَّمَا شُرِعَ الِاعْتِكَافُ فِي الْمَسَاجِدِ وَكَانَ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ يَقُولُ لَا يَكُونُ الِاعْتِكَافُ إِلَّا فِي الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ مَسْجِدِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَبَيْتِ الْمَقْدِسِ
وَقَالَ عَطَاءٌ لَا يُعْتَكَفُ إِلَّا فِي مَسْجِدِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ
وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَعْتَكِفَ إِلَّا فِي الْجَامِعِ وَكَذَلِكَ قَالَ الزُّهْرِيُّ وَالْحَكَمُ وَحَمَّادٌ
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَأَبُو قِلَابَةَ وَالنَّخَعِيُّ يَعْتَكِفُ فِي مَسَاجِدِ الْقَبَائِلِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ انْتَهَى
وَقَالَ النَّوَوِيُّ احْتَجَّ بِهِ مَنْ يَقُولُ يَبْدَأُ الِاعْتِكَافَ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَاللَّيْثُ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ
وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ يَدْخُلُ فِيهِ قُبَيْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ إِذَا أَرَادَ اعْتِكَافَ شَهْرٍ أَوِ اعْتِكَافَ عَشْرٍ وَأَوَّلُوا عَلَى أَنَّهُ دَخَلَ الْمُعْتَكَفَ وَانْقَطَعَ فِيهِ وَتَخَلَّى بِنَفْسِهِ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ لَا أَنَّ ذَلِكَ وَقْتَ ابْتِدَاءِ الِاعْتِكَافِ بَلْ كَانَ مِنْ قَبْلِ الْمَغْرِبِ مُعْتَكِفًا لَابِثًا فِي جُمْلَةِ الْمَسْجِدِ فَلَمَّا صَلَّى الصُّبْحَ انْفَرَدَ
(فَأَمَرَ بِبِنَائِهِ فَضُرِبَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ وَفِيهِ دَلِيلُ عَلَى جَوَازِ اتِّخَاذِ الْمُعْتَكِفِ لِنَفْسِهِ مَوْضِعًا مِنَ الْمَسْجِدِ يَنْفَرِدُ فِيهِ مُدَّةَ اعْتِكَافِهِ مَا لَمْ يُضَيِّقْ عَلَى النَّاسِ وَإِذَا أَخَذَهُ يَكُونُ فِي آخِرِ الْمَسْجِدِ وَرِحَابِهِ لِئَلَّا يُضَيِّقَ عَلَى غَيْرِهِ وَلِيَكُونَ أَخْلَى لَهُ وَأَكْمَلَ فِي انْفِرَادِهِ (فَقَالَ مَا هَذِهِ) الْأَخْبِيَةُ الَّتِي أَرَاهَا (آلْبِرَّ) بِهَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ مَمْدُودَةً عَلَى وَجْهِ الْإِنْكَارِ وَالنَّصْبُ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ مُقَدَّمٌ لِقَوْلِهِ (تُرِدْنَ) بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الدَّالِ مِنَ الْإِرَادَةِ أَيْ أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ (فَقُوِّضَ) بِالْقَافِ الْمَضْمُومَةِ وَالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ مِنَ التَّفْعِيلِ أَيْ أُزِيلَ وَقُلِعَ (ثُمَّ أَخَّرَ الِاعْتِكَافَ) وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ فَتَرَكَ الِاعْتِكَافَ ذَلِكَ الشَّهْرَ ثُمَّ اعْتَكَفَ عَشْرًا مِنْ شَوَّالٍ أَيْ قَضَاءً عَمَّا تَرَكَهُ مِنَ الِاعْتِكَافِ فِي رَمَضَانَ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْبَابِ لِأَنَّهُ إِذَا عَمِلَ عَمَلًا أَثْبَتَهُ وَلَوْ كَانَ لِلْوُجُوبِ لَاعْتَكَفَ مَعَهُ نِسَاؤُهُ أَيْضًا فِي شَوَّالٍ وَلَمْ يُنْقَلْ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ البخاري ومسلم والنسائي وبن ماجه(7/99)
78 - (بَاب أَيْنَ يَكُونُ الِاعْتِكَافُ)
(قَالَ نَافِعٌ وَقَدْ أَرَانِي عَبْدُ اللَّهِ الْمَكَانَ الَّذِي كَانَ إِلَخْ) فِيهِ أَنَّ الِاعْتِكَافَ لَا يَصِحُّ إِلَّا فِي الْمَسْجِدِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَزْوَاجَهُ وَأَصْحَابَهُ إِنَّمَا اعْتَكَفُوا فِي الْمَسْجِدِ مَعَ الْمَشَقَّةِ فِي مُلَازَمَتِهِ فَلَوْ جَازَ فِي الْبَيْتِ لَفَعَلُوهُ وَلَوْ مَرَّةً لَا سِيَّمَا النِّسَاءَ لِأَنَّ حَاجَتَهُنَّ إِلَيْهِ فِي الْبُيُوتِ أَكْثَرُ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنَ اخْتِصَاصِهِ بِالْمَسْجِدِ وَأَنَّهُ لَا يَصِحُّ فِي غَيْرِهِ هُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَدَاوُدَ وَالْجُمْهُورِ سَوَاءٌ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَصِحُّ اعْتِكَافُ الْمَرْأَةِ فِي مَسْجِدِ بَيْتِهَا وَهُوَ الْمَوْضِعُ الْمُهَيَّأُ مِنْ بَيْتِهَا لِصَلَاتِهَا قَالَ وَلَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ فِي مَسْجِدِ بَيْتِهِ وَكَمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ قَوْلٌ قَدِيمٌ لِلشَّافِعِيِّ ضَعِيفٌ عِنْدَ أَصْحَابِهِ وَجَوَّزَهُ بَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَبَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ لِلْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ فِي مَسْجِدِ بَيْتِهِمَا
ثُمَّ اخْتَلَفَ الْجُمْهُورُ الْمُشْتَرِطُونَ الْمَسْجِدَ الْعَامَّ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَجُمْهُورُهُمْ يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ وَقَالَ أَحْمَدُ يَخْتَصُّ بِمَسْجِدٍ تُقَامُ الْجَمَاعَةُ الرَّاتِبَةُ فِيهِ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَخْتَصُّ بِمَسْجِدٍ تُصَلَّى فِيهِ الصَّلَوَاتُ كُلُّهَا
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ وَآخَرُونَ يَخْتَصُّ بِالْجَامِعِ الَّذِي تُقَامُ فِيهِ الْجُمُعَةُ وَنَقَلُوا عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ الصَّحَابِيِّ اخْتِصَاصَهُ بِالْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدَيَ الْمَدِينَةِ وَالْأَقْصَى وَأَجْمَعُوا عَلَى أنه لاحد لِأَكْثَرِ الِاعْتِكَافِ
قَالَهُ النَّوَوِيُّ
وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ الْخَطَّابِيِّ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ قَوْلُ نَافِعٍ
(عَنْ أبي بكر) هو بن عياش المقرئ (عَنْ أَبِي حَصِينٍ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِ الصَّادِ هُوَ عُثْمَانُ بْنُ عَاصِمٍ قَالَهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ (عَشْرَةَ أَيَّامٍ) وَفِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ آدَمَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ عِنْدَ النَّسَائِيِّ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ (فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ اعْتَكَفَ عِشْرِينَ يَوْمًا) لِأَنَّهُ عَلِمَ بِانْقِضَاءِ أَجَلِهِ فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَكْثِرَ مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ تَشْرِيعًا لِأُمَّتِهِ أَنْ يَجْتَهِدُوا فِي(7/100)
الْعَمَلِ إِذَا بَلَغُوا أَقْصَى الْعُمُرِ لِيَلْقَوُا اللَّهَ عَلَى خَيْرِ أَعْمَالِهِمْ وَلِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ اعْتَادَ مِنْ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْ يُعَارِضَهُ بِالْقُرْآنِ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً وَاحِدَةً فَلَمَّا عَارَضَهُ فِي الْعَامِ الْأَخِيرِ مَرَّتَيْنِ اعْتَكَفَ فِيهِ مِثْلَ مَا كَانَ يَعْتَكِفُ
ذَكَرَهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ
قَالَ المنذري وأخرجه البخاري والنسائي وبن مَاجَهْ
9 - (بَاب الْمُعْتَكِفِ يَدْخُلُ الْبَيْتَ لِحَاجَتِهِ)
(وَكَانَ لَا يَدْخُلُ الْبَيْتَ إِلَّا لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِيهِ بَيَانُ أَنَّ الْمُعْتَكِفَ لَا يَدْخُلُ بَيْتَهَ إِلَّا لِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ فَإِنْ دَخَلَهُ لِغَيْرِهِمَا مِنْ طَعَامٍ أَوْ شَرَابٍ فَسَدَ اعْتِكَافُهُ
وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ لَا يَخْرُجُ إِلَّا لِحَاجَةِ الْوُضُوءِ الَّذِي لا بد منه
وقال إسحاق بن رَاهْوَيْهِ لَا يَخْرُجُ إِلَّا لِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ غَيْرَ أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ الْوَاجِبِ مِنَ الِاعْتِكَافِ وَالتَّطَوُّعِ فَقَالَ فِي الْوَاجِبِ لَا يَعُودُ مَرِيضًا وَلَا يَشْهَدُ جِنَازَةً وَفِي التَّطَوُّعِ يُشْتَرَطُ ذَلِكَ حِينَ يَبْتَدِئُ
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ لَا يَكُونُ فِي الِاعْتِكَافِ شَرْطٌ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ لَيْسَ يَنْبَغِي لِلْمُعْتَكِفِ أَنْ يَخْرُجَ مِنَ الْمَسْجِدِ لِحَاجَةٍ ما خلى الْجُمُعَةَ وَالْغَائِطَ وَالْبَوْلَ فَأَمَّا سِوَى ذَلِكَ مِنْ عِيَادَةِ مَرِيضٍ وَشُهُودِ جِنَازَةٍ فَلَا يَخْرُجُ لَهُ
وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَخْرُجُ الْمُعْتَكِفُ فِي عِيَادَةِ مَرِيضٍ وَلَا شُهُودِ جِنَازَةٍ وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ لِلْمُعْتَكِفِ أَنْ يَشْهَدَ الْجُمُعَةَ وَيَعُودَ الْمَرِيضَ وَيَشْهَدَ الْجِنَازَةَ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالنَّخَعِيِّ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ
(وَكَذَلِكَ رَوَاهُ يُونُسُ) أَيْ كَمَا رَوَى اللَّيْثُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ وَعَمْرَةَ كِلَيْهِمَا معا عن(7/101)
عَائِشَةَ كَذَلِكَ رَوَاهُ يُونُسُ
وَالْحَاصِلُ أَنَّ اللَّيْثَ وَيُونُسَ جَمَعَا بَيْنَ عُرْوَةَ وَعَمْرَةَ وَرَوَاهُ مَعْمَرُ وَزِيَادُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ وَحْدَهُ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ عَمْرَةَ وَرَوَاهُ مَالِكٌ عَنْهُ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ
قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَلَمْ يُتَابِعْ أَحَدٌ مَالِكًا عَلَى هَذِهِ الزِّيَادَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
(فَيُنَاوِلُنِي رَأْسَهُ مِنْ خَلَلِ الْحُجْرَةِ) خَلَلٌ بِفَتْحَتَيْنِ الْفُرْجَةُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ وَالْجَمْعُ خِلَالٌ مِثْلُ جَبَلٍ وَجِبَالٍ (فَأُرَجِّلُهُ) مِنَ التَّرْجِيلِ بِالْجِيمِ الْمَشْطُ وَالدَّهْنُ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُعْتَكِفِ التَّنْظِيفُ وَالتَّطَيُّبُ وَالْغُسْلُ وَالْحَلْقُ وَالتَّزْيِينُ إِلْحَاقًا بِالتَّرَجُّلِ وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ فِيهِ إِلَّا مَا يُكْرَهُ فِي الْمَسْجِدِ
وَعَنْ مَالِكٍ يُكْرَهُ الصَّنَائِعُ وَالْحِرَفُ حَتَّى طَلَبُ الْعِلْمِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ أَخْرَجَ بَعْضَ بَدَنِهِ مِنَ الْمَسْجِدِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ قَادِحًا فِي صِحَّةِ الِاعْتِكَافِ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِيهِ مِنَ الْفِقْهِ أَنَّ الْمُعْتَكِفَ مَمْنُوعٌ مِنَ الْخُرُوجِ مِنَ الْمَسْجِدِ إِلَّا لِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ وَفِيهِ أَنَّ تَرْجِيلَ الشَّعْرِ مُبَاحٌ لِلْمُعْتَكِفِ وَالدَّرَنِ
وَفِيهِ أَنَّ بَدَنَ الْحَائِضِ طَاهِرٌ غَيْرُ نَجَسٍ
وَفِيهِ أَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ بَيْتًا فَأَدْخَلَ رَأْسَهُ فِيهِ وَسَائِرُ بَدَنِهِ خَارِجٌ لَمْ يَحْنَثِ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ والنسائي
(فَأَتَيْتُهُ أَزُورُهُ) مِنَ الزِّيَارَةِ (فَانْقَلَبْتُ) أَيْ إِلَى بَيْتِي (فَقَامَ مَعِي لِيَقْلِبَنِي) أَيْ يَرُدُّنِي إِلَى بَيْتِي (عَلَى رِسْلِكُمَا) بِكَسْرِ الرَّاءِ أَيْ عَلَى هَيْئَتِكُمَا
الرِّسْلُ السَّيْرُ السَّهْلُ وَجَاءَ فِيهِ الْكَسْرُ وَالْفَتْحُ بِمَعْنَى التُّؤَدَةِ وَتَرْكِ الْعَجَلِ (سُبْحَانَ اللَّهِ) إِمَّا أَيْ حَقِيقَةً تُنَزِّهُ اللَّهَ تَعَالَى عَنْ أَنْ يَكُونَ رَسُولُهُ مُتَّهَمًا بِمَا لَا يَنْبَغِي أَوْ كِنَايَةً عَنِ التَّعَجُّبِ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ (إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنَ الْإِنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ) وفي رواية البخاري يبلغ من انسان مَبْلَغَ الدَّمِ أَيْ كَمَبْلَغِ الدَّمِ وَوَجْهُ التَّشْبِيهِ بَيْنَ طَرَفَيِ التَّشْبِيهِ(7/102)
شِدَّةُ الِاتِّصَالِ وَعَدَمُ الْمُفَارَقَةِ
قَالَ الشَّافِعِيُّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ خَافَ عَلَيْهِمَا الْكُفْرَ لَوْ ظَنَّا بِهِ ظَنَّ التُّهْمَةِ فَبَادَرَ إِلَى إِعْلَامِهِمَا بِمَكَانِهَا نَصِيحَةً لَهُمَا قَالَهُ الْعَيْنِيُّ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ حُكِيَ لَنَا عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَفَقَةً عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُمَا لو ظنا به ظن سوء كفرا فبادة إِلَى إِعْلَامِهِمَا ذَلِكَ لِئَلَّا يَهْلِكَا
وَفِيهِ أَنَّهُ خَرَجَ مِنَ الْمَسْجِدِ مَعَهَا لِيَتَبَلَّغَ مَنْزِلِهَا وَفِي هَذَا حُجَّةٌ لِمَنْ رَأَى أَنَّ الِاعْتِكَافَ لَا يَفْسُدُ إِذَا خَرَجَ فِي وَاجِبٍ وَأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ الْمُعْتَكِفَ مِنْ إِتْيَانِ الْمَعْرُوفِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وبن مَاجَهْ
0 - (بَاب الْمُعْتَكِفِ يَعُودُ الْمَرِيضَ)
(يَمُرُّ بِالْمَرِيضِ وَهُوَ) أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مُعْتَكِفٌ) وَالْمَرِيضُ خَارِجٌ عَنِ الْمَسْجِدِ (فَيَمُرُّ كَمَا هُوَ) قَالَ الطِّيبِيُّ الْكَافُ صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ وَمَا مَوْصُولَةٌ وَلَفْظُ هُوَ مُبْتَدَأٌ وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ وَالْجُمْلَةُ صِلَةُ مَا أَيْ يَمُرُّ مُرُورًا مِثْلَ الْهَيْئَةِ الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا فَلَا يَمِيلُ إِلَى الْجَوَانِبِ وَلَا يَقِفُ (وَلَا يُعَرِّجُ) أَيْ لَا يَمْكُثُ بَيَانٌ لِلْمُجْمَلِ لِأَنَّ التَّعْرِيجَ الْإِقَامَةُ وَالْمَيْلُ عَنِ الطَّرِيقِ إِلَى جَانِبٍ (يَسْأَلُ عَنْهُ) بَيَانٌ لِقَوْلِهِ يَعُودُ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِئْنَافِ (إِنْ كَانَ) مُخَفَّفَةٌ مِنَ الْمُثَقَّلَةِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ وَفِيهِ مَقَالٌ
(السُّنَّةُ عَلَى الْمُعْتَكِفِ أَنْ لَا يَعُودَ مَرِيضًا) قَالَ الْخَطَّابِيُّ قَوْلُهَا السُّنَّةُ إِنْ كَانَتْ أَرَادَتْ(7/103)
بِذَلِكَ إِضَافَةَ هَذِهِ الْأُمُورِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلًا وَفِعْلًا فَهِيَ نُصُوصٌ لَا يَجُوزُ خِلَافُهَا وَإِنْ كَانَتْ أَرَادَتْ بِهِ الْفُتْيَا عَلَى مَعَانِي مَا عَقَلَتْ مِنَ السُّنَّةِ فَقَدْ خَالَفَهَا بَعْضُ الصَّحَابَةِ فِي بَعْضِ هَذِهِ الْأُمُورِ وَالصَّحَابَةُ إِذَا اخْتَلَفُوا فِي مَسْأَلَةٍ كَانَ سَبِيلُهَا النَّظَرَ عَلَى أَنَّ أَبَا دَاوُدَ قَدْ ذَكَرَ عَلَى إِثْرِ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ غَيْرَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ لَا يَقُولُ فِيهَا إِنَّهَا قَالَتِ السُّنَّةُ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى احْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مَا قَالَتْهُ فَتْوَى مِنْهَا وَلَيْسَ بِرِوَايَةٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُشْبِهُ أَنْ تَكُونَ أَرَادَتْ بِقَوْلِهَا لَا يَعُودُ مَرِيضًا أَيْ لَا يَخْرُجُ مِنْ مُعْتَكَفِهِ قَاصِدًا عِيَادَتَهُ وَأَنَّهُ لَا يَضِيقُ عَلَيْهِ أَنْ يَمُرَّ بِهِ فَيَسْأَلُهُ غَيْرَ مُعَرِّجٍ عَلَيْهِ كَمَا ذَكَرَتْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ (لَا يَمَسُّ امْرَأَةً) تُرِيدُ الْجِمَاعَ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ أَنَّهُ إِذَا جَامَعَ امْرَأَتَهُ فَقَدْ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ قَالَهُ الخطابي وقد نقل بن الْمُنْذِرِ الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ
(وَلَا يُبَاشِرُهَا) فَقَدِ اخْتُلِفَ فِيهَا فَقَالَ عَطَاءٌ وَالشَّافِعِيُّ إِنْ بَاشَرَ أَوْ قَبَّلَ لَمْ يَفْسُدِ اعْتِكَافُهُ وَإِنْ أَنْزَلَ وَقَالَ مَالِكٌ يَفْسُدُ وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ
قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ
وَفِي النَّيْلِ الْمُرَادُ بِالْمُبَاشَرَةِ هُنَا الْجِمَاعُ بِقَرِينَةِ ذِكْرِ الْمَسِّ قَبْلَهَا وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَى الطَّبَرِيُّ وَغَيْرِهِ مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ فِي سَبَبِ نُزُولِ الْآيَةِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكفون في المساجد أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا اعْتَكَفُوا فَخَرَجَ رَجُلٌ لِحَاجَتِهِ فَلَقِيَ امْرَأَتَهُ جَامَعَهَا إِنْ شَاءَ فَنَزَلَتِ انْتَهَى (إِلَّا لِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ) وَلَا يُتَصَوَّرُ فِعْلُهَا فِي الْمَسْجِدِ
فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ الْخُرُوجِ لِكُلِّ حَاجَةٍ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ مَا كَانَ مُبَاحًا أَوْ قُرْبَةً أَوْ غَيْرَهُمَا إِلَّا الَّذِي لَا بُدَّ مِنْهُ كَالْخُرُوجِ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ وَمَا فِي حُكْمِهَا (وَلَا اعْتِكَافَ إِلَّا بِصَوْمٍ) وَفِيهِ دَلِيلٌ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ إِلَّا بِصَوْمٍ وَأَنَّهُ شَرْطٌ وَهُوَ قَوْلُ بن عباس وبن عمر من
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه اللَّه قُلْت عَبْد الرَّحْمَن هَذَا قَالَ فِيهِ أبو حاتم لا يحتج به وقال البخاري ليس ممن يعتمد على حفظه وقال الدارقطني ضَعِيفٌ يُرْمَى بِالْقَدَرِ
وَأَيْضًا فَإِنَّ الْحَدِيث مُخْتَصَرٌ
وَسِيَاقه يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مَجْزُومًا بِرَفْعِهِ وَقَالَ اللَّيْث حَدَّثَنِي عُقَيْل عَنْ الزُّهْرِيّ عَنْ عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كَانَ يَعْتَكِف الْعَشْر الْأَوَاخِر مِنْ رَمَضَان حَتَّى توفاه الله ثم اعتكف أزواجه من بعده وَالسُّنَّة فِي الْمُعْتَكِفِ أَنْ لَا يَخْرُج إِلَّا لِحَاجَتِهِ الَّتِي لَا بُدّ مِنْهَا وَلَا يَعُود مَرِيضًا وَلَا يَمَسّ اِمْرَأَته وَلَا يُبَاشِرهَا وَلَا اِعْتِكَاف إِلَّا فِي مَسْجِدٍ جَامِعٍ وَالسُّنَّة فِيمَنْ اِعْتَكَفَ أَنْ يَصُوم
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ قَوْله وَالسُّنَّة فِي الْمُعْتَكِف إِلَى آخِره لَيْسَ مِنْ قَوْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا هُوَ من(7/104)
الصَّحَابَةِ وَمَالِكٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ
وَقَالَ بن مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ إِنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ قَالُوا يَصِحُّ اعْتِكَافُ سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَحْظَةٍ وَاحِدَةٍ وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ لِلْأَدِلَّةِ الصَّحِيحَةِ الْقَائِمَةِ عَلَى ذَلِكَ لَا كما قال الإمام الحافظ بن الْقَيِّمِ إِنَّ الرَّاجِحَ الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ السَّلَفِ أَنَّ الصَّوْمَ شَرْطٌ فِي الِاعْتِكَافِ (وَلَا اعْتِكَافَ إِلَّا فِي مَسْجِدٍ جَامِعٍ) يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ نَفْيَ الْفَضِيلَةِ وَالْكَمَالِ وَإِنَّمَا يُكْرَهُ الِاعْتِكَافُ فِي غَيْرِ الْجَامِعِ لِمَنْ نَذَرَ اعْتِكَافًا أَكْثَرَ مِنْ جُمْعَةٍ لِئَلَّا تَفُوتُهُ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ فَأَمَّا مَنْ كَانَ اعْتِكَافُهُ دُونَ ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَالْجَامِعُ وَغَيْرُهُ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (جَعَلَهُ قَوْلَ عَائِشَةَ) وَجَزَمَ الدَّارَقُطْنِيُّ بِأَنَّ الْقَدْرَ الَّذِي مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ قَوْلُهَا لَا يَخْرُجُ وَمَا عَدَاهُ مِمَّنْ دُونَهَا انْتَهَى وَكَذَلِكَ رجح ذلك البيهقي ذكره بن كَثِيرٍ فِي الْإِرْشَادِ
وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ يُونُسِ بْنِ زَيْدٍ وَلَيْسَ فِيهِ قَالَتِ السُّنَّةُ وَأَخْرَجَهُ مِنْ حَدِيثِ الْإِمَامِ مَالِكٍ وَلَيْسَ فِيهِ أَيْضًا ذَلِكَ
وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ هَذَا هُوَ الْقُرَشِيُّ الْمَدِينِيُّ يُقَالُ لَهُ عَبَّادٌ قَدْ أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَوَثَّقَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَأَثْنَى عَلَيْهِ غَيْرُهُ وَتَكَلَّمَ فيه بعضهم
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قَوْل الزُّهْرِيّ وَمَنْ أَدْرَجَهُ فِي الْحَدِيث فَقَدْ وَهِمَ وَلِهَذَا وَاَللَّه أَعْلَم ذَكَر صَاحِبُ الصَّحِيح أَوَّله وَأَعْرَض عَنْ هَذِهِ الزِّيَادَة وَقَدْ رَوَاهُ سُوَيْد بْن عَبْد الْعَزِيز عَنْ سُفْيَان بْن حُسَيْن عَنْ الزُّهْرِيّ عَنْ عُرْوَة عَنْ عَائِشَة يَرْفَعهُ لَا اِعْتِكَاف إِلَّا بِصِيَامٍ وَسُوَيْد قَالَ فيه أحمد متروك وقال بن مَعِينٍ لَيْسَ بِشَيْءٍ
وَقَالَ النَّسَائِيّ وَغَيَّرَهُ ضَعِيفٌ وَسُفْيَان بْن حُسَيْنٍ فِي الزُّهْرِيّ ضَعِيفُ
قَالَ الشَّيْخ شَمْس الدِّين اِخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْم فِي اِشْتِرَاط الصَّوْم فِي الِاعْتِكَاف فَأَوْجَبَهُ أَكْثَر أَهْل العلم منهم عائشة أم المؤمنين وبن عباس وبن عُمَر وَهُوَ قَوْل مَالِك وَأَبِي حَنِيفَة وَأَحْمَد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَد فِي الرِّوَايَة الْمَشْهُورَة عَنْهُ أَنَّ الصَّوْم فِيهِ مستحب غير واجب
قال بن المنذر وهو مروي عن علي وبن مَسْعُود
وَاحْتَجَّ هَؤُلَاءِ بِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عُمَر أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنِّي نَذَرْت أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَة فِي الْجَاهِلِيَّة فَقَالَ لَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْفِ بِنَذْرِك قَالُوا وَاللَّيْل لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلصِّيَامِ وَقَدْ جَوَّزَ الِاعْتِكَاف فِيهِ وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِمَا رَوَاهُ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْرِكِهِ مِنْ حديث ابى سهيل عن طاوس عن بن عَبَّاس عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَيْسَ عَلَى الْمُعْتَكِف صِيَام إِلَّا أَنْ يَجْعَلهُ عَلَى نَفْسه وَقَالَ صَحِيح الْإِسْنَاد
وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِمَا رَوَاهُ مُسْلِم فِي صَحِيحه عَنْ عَائِشَة قَالَتْ كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ أَنْ(7/105)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
يَعْتَكِف صَلَّى الْفَجْر ثُمَّ دَخَلَ مُعْتَكَفه وَإِنَّهُ أَمَرَ بِخِبَاءٍ فَضُرِبَ وَإِنَّهُ أَرَادَ مَرَّة الِاعْتِكَاف فِي الْعَشْر الْأَوَاخِر مِنْ رَمَضَان فَأُمِرَتْ زَيْنَب بِخِبَائِهَا فَضُرِبَ وَأُمِرَ غَيْرهَا مِنْ أَزْوَاج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخِبَائِهِ فَضُرِبَ فَلَمَّا صَلَّى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفَجْر نَظَرَ فَإِذَا الْأَخْبِيَة فَقَالَ آلْبِرِّ تُرِدْنَ فَأَمَرَ بِخِبَائِهِ فَقُوِّضَ وَتَرَك الِاعْتِكَاف فِي شَهْر رَمَضَان حَتَّى اِعْتَكَفَ الْعَشْر الْأُوَل مِنْ شَوَّال وَيَوْم الْعِيد دَاخِل فِي جُمْلَة الْعَشْر وَلَيْسَ مَحَلًّا لِلصَّوْمِ
وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِأَنَّ الِاعْتِكَاف عِبَادَة مُسْتَقِلَّة بِنَفْسِهَا فَلَمْ يَكُنْ الصَّوْم شَرْطًا فِيهَا كَسَائِرِ الْعِبَادَات مِنْ الْحَجّ وَالصَّلَاة وَالْجِهَاد وَالرِّبَاط وَبِأَنَّهُ لُزُوم مَكَانٍ مُعَيَّنٍ لِطَاعَةِ اللَّه تَعَالَى فَلَمْ يَكُنْ الصَّوْم شَرْطًا فِيهِ كَالرِّبَاطِ وَبِأَنَّهُ قُرْبَة بِنَفْسِهِ فَلَا يُشْتَرَط فِيهِ الصَّوْم كَالْحَجِّ
قَالَ الْمُوجِبُونَ الْكَلَام مَعَكُمْ فِي مَقَامَيْنِ أَحَدهمَا ذِكْر ضَعْف أَدِلَّتكُمْ وَالثَّانِي ذِكْر الْأَدِلَّة عَلَى اِشْتِرَاط الصَّوْم
فَأَمَّا الْمَقَام الْأَوَّل فَنَقُول لَا دَلَالَة فِي شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْتُمْ أَمَّا حَدِيث بن عُمَر عَنْ أَبِيهِ فَقَدْ اُتُّفِقَ عَلَى صِحَّته لَكِنْ اُخْتُلِفَ فِي لَفْظه كَثِيرًا فَرَوَاهُ مُسَدَّد وَزُهَيْر وَيَعْقُوب الدَّوْرَقِيُ عَنْ يَحْيَى الْقَطَّان عَنْ عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر فقالوا ليلة وكذلك رواه بن الْمُبَارَك وَسُلَيْمَان بْن بِلَال عَنْ عُبَيْد اللَّه وَهَكَذَا رَوَاهُ إِسْحَاق بْن رَاهْوَيْهِ عَنْ حَفْص بْن غِيَاث عَنْ عُبَيْد اللَّه وَرَوَاهُ أَبُو بَكْر بْن أَبِي شَيْبَة عَنْ حَفْص بْن غياث فأبهم النذر فَقَالَ إِنِّي نَذَرْت أَنْ أَعْتَكِف عِنْد الْمَسْجِد الْحَرَام فَقَالَ أَوْفِ بِنَذْرِك وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو أُسَامَة عَنْ عُبَيْد اللَّه مُبْهَمًا وَرَوَاهُ شُعْبَة عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن عُمَر فَقَالَ إِنِّي نَذَرْت أَنْ أَعْتَكِف يَوْمًا وَكَذَلِكَ اُخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى أَيُّوب السِّخْتِيَانِيّ فَرَوَاهُ حَمَّاد بْن زَيْد عنه عن نافع قال ذكر عند بن عُمَر عُمْرَة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْجِعْرَانَة فَقَالَ لَمْ يَعْتَمِر مِنْهَا وَكَانَ عَلَى عُمَر نَذْر اِعْتِكَاف لَيْلَة فِي الْجَاهِلِيَّة فَسَأَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَهُ أَنْ يَفِيَ بِهِ فَدَخَلَ الْمَسْجِد تِلْكَ اللَّيْلَة فَلَمَّا أَصْبَحَ إِذَا السَّبْيُ يَسْعَوْنَ يَقُولُونَ أَعْتَقَنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم متفق عليه وكذلك رواه بن عُيَيْنَة عَنْ أَيُّوب وَخَالَفَهُمَا مَعْمَر وَجَرِير فَقَالَا يَوْمًا وَكِلَاهُمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ بِهَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ
قَالَ النُّفَاةُ يَجُوز أَنْ يَكُون عُمَر سَأَلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ اِعْتِكَاف لَيْلَة وَحْدهَا فَأَمَرَهُ بِهِ وَسَأَلَهُ مَرَّة أُخْرَى عَنْ اِعْتِكَاف يَوْم فَأَمَرَهُ بِهِ
قَالَ الْمُوجِبُونَ هَذَا مِمَّا لَا يَشُكُّ عَالِمٌ فِي بُطْلَانِهِ فَإِنَّ الْقِصَّة وَاحِدَة وَعُمَر سَأَلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَام الْفَتْح سُؤَالًا وَاحِدًا وَهَذِهِ الطَّرِيقَة يَسْلُكهَا كَثِير مِمَّنْ لَا تَحْقِيق عِنْده وَهِيَ اِحْتِمَال التَّكْرَار فِي كُلّ حَدِيث اِخْتَلَفَتْ أَلْفَاظه بِحَسْب اِخْتِلَافهَا وَهُوَ مِمَّا يُقْطَع بِبُطْلَانِهِ فِي أَكْثَر الْمَوَاضِع كَالْقَطْعِ بِبُطْلَانِ التَّعَدُّد فِي اِشْتِرَاء الْبَعِير مِنْ جَابِر مِرَارًا فِي أَسْفَار وَالْقَطْع بِبُطْلَانِ التَّعَدُّد فِي نِكَاح الْوَاهِبَة نَفْسهَا بِلَفْظِ الْإِنْكَاح مَرَّة وَالتَّزْوِيج مَرَّة وَالْإِمْلَاك مَرَّة وَالْقَطْع بِبُطْلَانِ الْإِسْرَاء مِرَارًا كُلّ مَرَّة يُفْرَض عليه فيها(7/106)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
خَمْسُونَ صَلَاة ثُمَّ يَرْجِع إِلَى مُوسَى فَيَرُدّهُ إِلَى رَبّه حَتَّى تَصِير خَمْسًا فَيَقُول تَعَالَى لَا يُبَدَّل الْقَوْل لَدَيَّ هِيَ خَمْس وَهِيَ خَمْسُونَ فِي الْأَجْر ثُمَّ يَفْرِضهَا فِي الْإِسْرَاء الثَّانِي خَمْسِينَ فَهَذَا مِمَّا يُجْزَم بِبُطْلَانِهِ وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ كَقَوْلِ بَعْضهمْ فِي حَدِيث عِمْرَان بْن حصين كان الله ولا شيء قبله وكان ولا شيء غيره وكان وَلَا شَيْءَ مَعَهُ إِنَّهُ يَجُوز أَنْ تَكُون وَقَائِع مُتَعَدِّدَة وَهَذَا الْقَائِل لَوْ تَأَمَّلَ سِيَاق الْحَدِيث لَاسْتَحْيَا مِنْ هَذَا الْقَوْل فَإِنَّ سِيَاقه أَنَّهُ أَنَاخَ رَاحِلَته بِبَابِ الْمَسْجِد ثُمَّ تَفَلَّتَتْ فَذَهَبَ يَطْلُبهَا وَرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيث فَقَالَ بَعْد ذَلِكَ وَايْمُ اللَّه وَدِدْت لَوْ أَنِّي قَعَدْت وَتَرَكْتهَا فيا سبحان الله أفي كُلّ مَرَّة يُتَّفَق لَهُ هَذَا وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذِهِ طَرِيقَة مَنْ لَا تَحْقِيق لَهُ
وَإِذَا كَانَ عُمَر إِنَّمَا سَأَلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّة وَاحِدَة فَإِنْ كَانَ يَوْمًا فَلَا دَلَالَة فِيهِ وَإِنْ كَانَ لَيْلَة فَاللَّيَالِي قَدْ تُطْلَق وَيُرَاد بِهَا الْأَيَّام اِسْتِعْمَالًا فَاشِيًا فِي اللُّغَة لَا يُنْكَر كَيْف وَقَدْ رَوَى سَعِيد بْن بَشِير عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن عُمَر عن نافع عن بن عمر أن عمر نذر أن يعتكف في الشِّرْك وَيَصُوم فَسَأَلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَوْفِ بِنَذْرِك وَسَعِيد بْن بَشِير هذا وإن كان قد ضعفه بن الْمَدِينِيِّ وَيَحْيَى بْن مَعِينٍ وَالنَّسَائِيّ فَقَدْ قَالَ فِيهِ شُعْبَة كَانَ صَدُوق اللِّسَان وَقَالَ سُفْيَان بْن عُيَيْنَة كَانَ حَافِظًا وَقَالَ دُحَيْم هُوَ ثِقَة وَقَالَ كَانَ مَشْيَخَتُنَا يُوَثِّقُونَهُ
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ يَتَكَلَّمُونَ فِي حِفْظه وَهُوَ يُحْتَمَل وَقَالَ عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي حَاتِم سَمِعْت أَبِي يُنْكِر عَلَى مَنْ أَدْخَلَهُ فِي كِتَاب الضُّعَفَاء وَقَالَ محله الصدق وقال بن عَدِيٍّ الْغَالِب عَلَى حَدِيثه الِاسْتِقَامَة
وَقَدْ رَوَى عَبْد اللَّه بْن يَزِيد عَنْ عَمْرو بْن دينار عن بن عُمَر عَنْ عُمَر هَذَا الْحَدِيث وَفِيهِ فَأَمَرَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَعْتَكِف ويصوم ولكن تفرد به بن بديل وضعفه الدارقطني وقال بن عَدِيٍّ لَهُ أَحَادِيث مِمَّا يُنْكَر عَلَيْهِ الزِّيَادَة فِي مَتْنه أَوْ إِسْنَاده وَقَالَ أَبُو بَكْر النَّيْسَابُورِيّ هَذَا حَدِيث مُنْكَر لِأَنَّ الثِّقَات مِنْ أَصْحَاب عَمْرو بْن دِينَار لَمْ يَذْكُرُوهُ مِنْهُمْ بن جريج وبن عُيَيْنَة وَحَمَّاد بْن زَيْد وَحَمَّاد بْن سَلَمَة وبن بُدَيْل ضَعِيف الْحَدِيث فَهَذَا مِمَّا لَا حَاجَة بِنَا إِلَى الِاسْتِدْلَال بِهِ
وَحَدِيث سَعِيد بْن بشير أجود منه
وأما حديث بن عَبَّاس الَّذِي رَوَاهُ الْحَاكِم فَلَهُ عِلَّتَانِ إِحْدَاهُمَا أَنَّهُ مِنْ رِوَايَة عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد الرَّمْلِيّ وَلَيْسَ بِالْحَافِظِ حَتَّى يُقْبَل مِنْهُ تَفَرُّده بِمِثْلِ هَذَا
الْعِلَّة الثَّانِيَة أَنَّ الْحُمَيْدِيّ وَعَمْرو بْن زُرَارَة رَوَيَاهُ عَنْ الدَّرَاوَرْدِيّ عَنْ أَبَى سهيل عن طاووس عن بن عَبَّاس مَوْقُوفًا عَلَيْهِ وَهَذَا هُوَ الصَّوَاب وَهُوَ الثابت عن بن عَبَّاس
وَأَمَّا حَدِيث عَائِشَة وَقِصَّة اِعْتِكَاف النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَشْر الْأُوَل مِنْ شَوَّال فَهَذَا قَدْ اِخْتَلَفَ فِيهِ لَفْظ الصَّحِيح
وَفِيهِ ثَلَاثَة أَلْفَاظ أَحَدهَا عَشْرًا مِنْ شَوَّال وَالثَّانِي فِي الْعَشْر الْأُوَل مِنْ شَوَّال وَالثَّالِث الْعَشْر الْأُوَل وَلَا رَيْب أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي اِعْتِكَاف يَوْم الْعِيد وَلَوْ كَانَ الثابت هو(7/107)
غَيْرُهُ وَتَكَلَّمَ فِيهِ بَعْضُهُمْ
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قَوْله الْعَشْر الْأُوَل مِنْ شَوَّال لِأَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُقَال اِعْتَكَفَ الْعَشْر الْأُوَل وَإِنْ كَانَ قَدْ أَخَلَّ بِيَوْمٍ مِنْهُ كَمَا يُقَال قَامَ لَيَالِي الْعَشْر الْأَخِير وَإِنْ كَانَ قَدْ أَخَلَّ بِالْقِيَامِ فِي جُزْء مِنْ اللَّيْل
وَيُقَال قَامَ لَيْلَة الْقَدْر وَإِنْ أَخَلَّ بِقِيَامِهِ فِي بَعْضهَا
وَأَمَّا الْأَقْيِسَة الَّتِي ذَكَرْتُمُوهَا فَمُعَارَضَة بِأَمْثَالِهَا أَوْ بِمَا هُوَ مِنْ جِنْسهَا فَلَا حَاجَة إِلَى التَّطْوِيل بِذِكْرِهَا
وَأَمَّا الْمَقَام الثَّانِي وَهُوَ الِاسْتِدْلَال عَلَى اِشْتِرَاط الصَّوْم فَأُمُور أَحَدُهَا أَنَّهُ لَمْ يُعْرَف مَشْرُوعِيَّة الِاعْتِكَاف إِلَّا بِصَوْمٍ وَلَمْ يَثْبُت عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا أَحَد مِنْ أَصْحَابه أَنَّهُمْ اِعْتَكَفُوا بِغَيْرِ صَوْم وَلَوْ كَانَ هَذَا مَعْرُوفًا عِنْدهمْ لَكَانَتْ شُهْرَته تغني عن تكلفكم الاستدلال باعتكافه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَشْر الْأُوَل مِنْ شَوَّال
الثَّانِي حَدِيث عَائِشَة الَّذِي ذَكَره أَبُو دَاوُدَ فِي الْبَاب وَقَوْلهَا السُّنَّة كَذَا وَكَذَا وَلَا اِعْتِكَاف إِلَّا بِصَوْمٍ
قَالَ النُّفَاةُ الْجَوَاب عَنْ هَذَا مِنْ وُجُوهٍ أَحَدهَا أَنَّ رِوَايَة عَبْد الرَّحْمَن بْن إِسْحَاق قَالَ فِيهِ أَبُو حاتم لا يحتج به وقال البخاري ليس مِمَّنْ يُعْتَمَد عَلَى حِفْظه وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ يُرْمَى بِالْقَدَرِ
الثَّانِي أَنَّ هَذَا الْكَلَام مِنْ قَوْل الزُّهْرِيّ لَا مِنْ قَوْل عَائِشَة كَمَا ذَكَره أَبُو دَاوُدَ وَغَيْره قَالَ اللَّيْث عَنْ عُقَيْل عَنْ الزُّهْرِيّ عَنْ عُرْوَة عَنْ عَائِشَة أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَعْتَكِف الْعَشْر الْأَوَاخِر مِنْ رَمَضَان حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّه ثُمَّ اِعْتَكَفَ أَزْوَاجه مِنْ بَعْده فَالسُّنَّة فِي الْمُعْتَكِف إِلَى آخِره لَيْسَ مِنْ قَوْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ قول الزهري ومن أدركه فِي الْحَدِيث فَقَدْ وَهِمَ
الثَّالِث أَنَّ غَايَته الدَّلَالَة عَلَى اِسْتِحْبَاب الصَّوْم فِي الِاعْتِكَاف فَإِنَّ قَوْله السُّنَّة إِنَّمَا يُفِيد الِاسْتِحْبَاب
وَقَوْله لَا اِعْتِكَاف إِلَّا بِصَوْمٍ نَفْيٌ لِلْكَمَالِ
قَالَ الْمُوجِبُونَ الْجَوَاب عَمًّا ذَكَرْتُمْ أَمَّا تَضْعِيف عَبْد الرَّحْمَن بْن إِسْحَاق
فَقَدْ رَوَى لَهُ مُسْلِم فِي صَحِيحه وَوَثَّقَهُ يَحْيَى بْن مَعِين وَغَيْره
وَأَمَّا قَوْلكُمْ إِنَّهُ مِنْ قَوْل الزُّهْرِيّ وَمَنْ أَدْرَجَهُ فَقَدْ وَهِمَ فَجَوَابه مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدهمَا أَنَّا لَوْ تَرَكْنَا هَذَا لَكَانَ مَا ذَكَرْتُمْ فَادِحًا وَلَكِنْ قَدْ رَوَى الثَّوْرِيُّ عَنْ حَبِيب بْن أَبِي ثَابِت عَنْ عَطَاء عَنْ عَائِشَة قَالَتْ مَنْ اِعْتَكَفَ فَعَلَيْهِ الصَّوْم فَهَذَا يُقَوِّي حَدِيث الزهري
الثاني أنه ولو ثبت أَنَّهُ مِنْ كَلَام الزُّهْرِيّ فَهُوَ يَدُلّ عَلَى أَنَّ السُّنَّة الْمَعْرُوفَة الَّتِي اِسْتَمَرَّ عَلَيْهَا الْعَمَل أَنَّهُ لَا اِعْتِكَاف إِلَّا بِصَوْمٍ فَهَلْ عَارَضَ هَذِهِ السُّنَّة سُنَّة غَيْرهَا حَتَّى تُقَابِل بِهِ(7/108)
(أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جَعَلَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى نَفْسِهِ (أَنْ يَعْتَكِفَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَيْلَةً أَوْ يَوْمًا) شَكَّ الرَّاوِي () (فَقَالَ اعْتَكِفْ وَصُمْ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِيهِ مِنَ الْفِقْهِ أَنَّ نَذْرَ الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا كَانَ عَلَى وِفَاقِ حُكْمِ الْإِسْلَامِ كَانَ مَعْمُولًا بِهِ
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ حَلَفَ فِي كُفْرِهِ ثُمَّ أَسْلَمَ فَحَنِثَ أَنَّ الْكَفَّارَةَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ وَفِيهِ أَيْضًا دَلِيلٌ عَلَى وُقُوعِ ظِهَارِ الذِّمِّيِّ وَوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهِ فِيهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَقَالَ فِي فَتْحِ الْبَارِي وَقَدْ وَرَدَ الْأَمْرُ بِالصَّوْمِ فِي رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنِ بن عُمَرَ صَرِيحًا لَكِنَّ إِسْنَادُهَا ضَعِيفٌ وَقَدْ زَادَ فِيهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ اعْتَكِفْ وَصُمْ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُدَيْلٍ وهو ضعيف
وذكر بن عَدِيٍّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ أَنَّهُ تَفَرَّدَ بِذَلِكَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَرِوَايَةُ مَنْ رَوَى يَوْمًا شَاذَّةٌ
وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عن بن عُمَرَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فَاعْتَكَفَ لَيْلَةً فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَزِدْ عَلَى نَذْرِهِ شَيْئًا وَأَنَّ الِاعْتِكَافَ لَا صَوْمَ فِيهِ وَأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لَهُ حَدٌّ مُعَيَّنٌ انْتَهَى
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
وَأَمَّا قَوْلكُمْ إِنَّ هَذَا إِنَّمَا يَدُلّ عَلَى الاستحباب فليس المراد بالسنة ها هنا مُجَرَّد الِاسْتِحْبَاب وَإِنَّمَا الْمُرَاد طَرِيقَة الِاعْتِكَاف وَسُنَّة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُسْتَمِرَّة فِيهِ
وَقَوْله وَلَا اِعْتِكَاف إِلَّا بِصَوْمٍ يُبَيِّن ذَلِكَ
وَقَوْلكُمْ إِنَّهُ لِنَفْيِ الْكَمَال صَحِيح وَلَكِنْ لِنَفْيِ كَمَالِ الْوَاجِب أَوْ الْمُسْتَحَبّ الْأَوَّل مُسَلَّم وَالثَّانِي
مَمْنُوع
وَالْحَمْل عَلَيْهِ بَعِيدٌ جِدًّا إِذَا لَا يَصْلُح النَّفْيُ الْمُطْلَق عِنْد نَفْي بَعْض الْمُسْتَحَبَّات وَإِلَّا صَحَّ النَّفْيُ عَنْ كُلّ عِبَادَةٍ تُرِكَ بَعْض مُسْتَحَبَّاتهَا وَلَا يَصِحّ ذَلِكَ لُغَة وَلَا عُرْفًا وَلَا شَرْعًا وَلَا يُعْهَد فِي الشَّرِيعَة نَفْيُ الْعِبَادَة إِلَّا بِتَرْكِ وَاجِب فِيهَا وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ يُقَال إِنَّ قَوْله وَالسُّنَّة عَلَى الْمُعْتَكِف إِلَى آخِره مِنْ كَلَام الزُّهْرِيّ وَمَنْ أَدْرَجَهُ فِي الْحَدِيث فَقَدْ وَهِمَ فِيهِ
قَالَ الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وَقَدْ رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ هَذَا الْحَدِيث فِي سُنَنه عن نافع عن بن عمر أن عمر نذر أن يعتكف في الشِّرْك وَيَصُوم فَسَأَلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ بَعْد إِسْلَامه فَقَالَ أَوْفِ بِنَذْرِك قَالَ هَذَا إِسْنَادٌ حَسَنٌ تَفَرَّدَ بِهَذَا اللَّفْظ سَعِيد بْن بَشِير وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ عَائِشَة تَرْفَعهُ لَا اِعْتِكَاف إِلَّا بِصِيَامٍ وَقَالَ تَفَرَّدَ بِهِ سُوَيْد بْن عَبْد الْعَزِيز عَنْ سُفْيَان بْن حُسَيْن عَنْ الزُّهْرِيّ(7/109)
(هُوَ مُعْتَكِفٌ) أَيْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ (فَقَالَ) عمر (ما هذا) الصوت بالتكبير (ياعبد اللَّهِ) بْنَ عُمَرَ (قَالَ) عُمَرُ (وَتِلْكَ الْجَارِيَةُ) مِنْ سَبَايَا هَوَازِنِ الَّتِي عِنْدَ عُمَرَ كَيْفَ تُحْبَسُ (فَأَرْسَلَهَا) عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ الْجَارِيَةَ (مَعَهُمْ) الَّذِينَ أُعْتِقُوا
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ
وَفِي إِسْنَادِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُدَيْلِ بْنِ وَرْقَاءَ الخزاعي المكي وهو ضعيف
وقال بن عَدِيٍّ وَلَا أَعْلَمُ ذَكَرَ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ الصَّوْمَ مَعَ الِاعْتِكَافِ إِلَّا مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُدَيْلٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ
وقال الدارقطني تفرد به بن بُدَيْلٍ عَنْ عَمْرِو وَهُوَ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ النَّيْسَابُورِيُّ يَقُولُ هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ لِأَنَّ الثِّقَاتَ مِنْ أَصْحَابِ عمرو لم يذكروه يعني الصوم منهم بن جريج وبن عُيَيْنَةَ وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ وغيرهم
وبن بديل ضعيف الحديث
1 - (باب الْمُسْتَحَاضَةِ تَعْتَكِفُ)
(امْرَأَةٌ مِنْ أَزْوَاجِهِ) وَلِأَبِي ذَرٍّ امْرَأَةٌ مُسْتَحَاضَةٌ مِنْ أَزْوَاجِهِ وَهِيَ أُمُّ سَلَمَةَ كَمَا فِي سُنَنِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ (فَكَانَتْ تَرَى الصُّفْرَةَ) فِيهِ جَوَازُ صَلَاتِهَا كَاعْتِكَافِهَا لَكِنْ مَعَ الْأَمْنِ مِنَ التَّلْوِيثِ كَدَائِمِ الْحَدَثِ
ذَكَرَهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ مُكْثِ الْمُسْتَحَاضَةِ فِي الْمَسْجِدِ وَصِحَّةِ اعْتِكَافِهَا وَصَلَاتُهَا وَجَوَازِ حَدَثِهَا فِي الْمَسْجِدِ عِنْدَ أَمْنِ التَّلْوِيثِ وَيُلْحَقُ بِهَا دَائِمُ الْحَدَثِ وَمَنْ بِهِ جُرْحٌ يَسِيلُ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ البخاري والنسائي وبن ماجه(7/110)
[2477] أول كتاب الجهاد بكسر الجيم لُغَةً الْمَشَقَّةُ يُقَالُ جَهَدْتُ جِهَادًا بِلُغَةٍ الْمَشَقَّةُ وَشَرْعًا بَذْلُ الْجَهْدِ فِي قِتَالِ الْكُفَّارِ أَوِ البغاة
2 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْهِجْرَةِ وَسُكْنَى الْبَدْوِ)
فِي الْقَامُوسِ الْبَدْوُ وَالْبَادِيَةُ وَالَبَادَاتُ وَالْبَدَاوَةُ خِلَافُ الْحَضَرِ
وَلَيْسَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ لَفْظُ وَسُكْنَى الْبَدْوِ
(عَنِ الْهِجْرَةِ) أَيْ أَنْ يُبَايِعَهُ عَلَى الْإِقَامَةِ بِالْمَدِينَةِ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ الَّذِينَ وَجَبَتْ عَلَيْهِمُ الْهِجْرَةُ قَبْلَ الْفَتْحِ (وَيْحَكَ) كَلِمَةُ تَرَحُّمٍ وَتَوَجُّعٍ لِمَنْ وَقَعَ فِي هَلَكَةٍ لَا يَسْتَحِقُّهَا (إِنَّ شَأْنَ الْهِجْرَةِ) أَيِ الْقِيَامُ بِحَقِّ الْهِجْرَةِ (شَدِيدٌ) لَا يَسْتَطِيعُ الْقِيَامَ بِهَا إِلَّا الْقَلِيلُ وَلَعَلَّهَا كَانَتْ مُتَعَذِّرَةً عَلَى السَّائِلِ شَاقَّةً عَلَيْهِ فَلَمْ يُجِبْهُ إِلَيْهَا (صَدَقَتَهَا) أَيْ زَكَاتَهَا (قَالَ نَعَمْ) لِي إِبِلٌ أُؤَدِّي زَكَاتَهَا (مِنْ وَرَاءِ الْبِحَارِ) بِمُوَحَّدَةٍ وَمُهْمَلَةٍ أَيْ مِنْ وَرَاءِ الْقُرَى وَالْمُدُنِ وَكَأَنَّهُ قَالَ إِذَا كُنْتَ تُؤَدِّي فَرْضَ اللَّهِ عَلَيْكَ فِي نَفْسِكِ وَمَالِكِ فَلَا تُبَالِ أَنْ تُقِيمَ فِي بَيْتِكَ وَلَوْ كُنْتَ فِي أَبْعَدِ مَكَانٍ
قَالَ فِي النِّهَايَةِ(7/111)
وَالْعَرَبُ تُسَمِّي الْمُدُنَ وَالْقُرَى الْبِحَارَ (لَنْ يَتِرَكَ) بِكَسْرِ الْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ مِنْ وَتَرَ يَتِرُ أَيْ لَنْ يَنْقُصَكَ
قَالَ فِي الْقَامُوسِ وَتَرَهُ مَالَهُ نَقَصَهُ إِيَّاهُ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَالْمَعْنَى أَنَّكَ قَدْ تُدْرِكُ بِالنِّيَّةِ أَجْرَ الْمُهَاجِرِ وَإِنْ أَقَمْتَ مِنْ وَرَاءِ الْبَحْرِ وَسَكَنْتَ أَقْصَى الْأَرْضِ
وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْهِجْرَةَ إِنَّمَا كَانَ وُجُوبُهَا عَلَى مَنْ أَطَاقَهَا دُونَ مَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهَا
انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ
[2478] (عَنِ الْبَدَاوَةِ) أَيِ الْخُرُوجِ إِلَى الْبَدْوِ وَالْمُقَامِ بِهِ
وَفِيهِ لُغَتَانِ بِكَسْرِ الْبَاءِ وَفَتْحِهَا قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ (يَبْدُو) أَيْ يَخْرُجُ إِلَى الْبَادِيَةِ لِحُصُولِ الْخَلْوَةِ وَغَيْرِهَا
قَالَ فِي الصِّحَاحِ بَدَا الْقَوْمُ بَدْوًا أَيْ خَرَجُوا إِلَى بَادِيَتِهِمْ (إِلَى هَذِهِ التِّلَاعِ) بِكَسْرِ الْفَوْقِيَّةِ مَجَارِي الْمَاءِ مِنْ أَعْلَى الْأَرْضِ إِلَى بُطُونِ الْأَوْدِيَةِ وَاحِدَتُهَا تَلْعَةٌ بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ وَقِيلَ هُوَ مِنَ الْأَضْدَادِ يَقَعُ عَلَى مَا انْحَدَرَ مِنَ الْأَرْضِ وَمَا ارْتَفَعَ مِنْهَا (نَاقَةً مُحَرَّمَةً) بِفَتْحِ الرَّاءِ مِنَ التَّحْرِيمِ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ النَّاقَةُ الْمُحَرَّمَةُ الَّتِي لَمْ تُرْكَبْ وَلَمْ تُذَلَّلْ فَهِيَ غَيْرُ وَطِئَةٌ
وَيُقَالُ أَعْرَابِيٌّ مُحَرَّمٌ إِذَا كَانَ جِلْفًا لَمْ يُخَالِطْ أَهْلَ الْحَضَرِ انْتَهَى (ارْفُقِي) أَيْ لَا تُصَعِّبِي عَلَى النَّاقَةِ (إِلَّا زَانَهُ) مِنَ الزِّينَةِ (إِلَّا شَانَهُ) مِنَ الشَّيْنِ بِمَعْنَى الْعَيْبِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِمَعْنَاهُ
3 - (بَاب فِي الْهِجْرَةِ هَلْ انْقَطَعَتْ)
[2479] (عَنْ حَرِيزٍ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ آخِرُهُ زَايٌ هُوَ بن عُثْمَانَ (لَا تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ إِلَخْ) فِي هَذَا(7/112)
الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْهِجْرَةَ غَيْرُ مُنْقَطِعَةٍ
وحديث بن عَبَّاسٍ الْآتِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا هِجْرَةَ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ
وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فَقَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي الْمَعَالِمِ كَانَتِ الْهِجْرَةُ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ فَرْضًا ثُمَّ صَارَتْ مَنْدُوبَةً وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وسعة نَزَلَ حِينَ اشْتَدَّ أَذَى الْمُشْرِكِينَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِمَكَّةَ ثُمَّ وَجَبَتِ الْهِجْرَةُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ عِنْدَ انْتِقَالِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَأُمِرُوا بِالِانْتِقَالِ إِلَى حَضْرَتِهِ لِيَكُونُوا معه فيتعاونوا ويتظاهروا إن أحزبهم أَمْرٌ وَلِيَتَعَلَّمُوا مِنْهُ أَمْرَ دِينِهِمْ
وَكَانَ عِظَمُ الْخَوْفِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ فَلَمَّا فُتِحَتْ مَكَّةُ وَنَجَعَتْ بِالطَّاعَةِ زَالَ ذَلِكَ الْمَعْنَى وَارْتَفَعَ وُجُوبُ الْهِجْرَةِ وَعَادَ الْأَمْرُ فِيهَا إِلَى النَّدْبِ وَالِاسْتِحْبَابِ فَالْهِجْرَةُ الْمُنْقَطِعَةُ هِيَ الْفَرْضُ وَالْبَاقِيَةُ هِيَ النَّدْبُ فَهَذَا وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ عَلَى أَنَّ بَيْنَ الْإِسْنَادَيْنِ مَا بَيْنَهُمَا إسناد حديث بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مُتَّصِلٌ صَحِيحٌ وَإِسْنَادُ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِيهِ مَقَالٌ انْتَهَى بِاخْتِصَارٍ يَسِيرٍ
وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ يَحْتَمِلُ الْجَمْعُ بِأَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ أَيْ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَقَوْلُهُ لَا تَنْقَطِعُ أَيْ مِنْ دَارِ الْكُفْرِ فِي حَقِّ مَنْ أَسْلَمَ إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ انْتَهَى
قال المنذري وأخرجه النسائي [2480] وقال الخطابي إسناده حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ فِيهِ مَقَالٌ
(فَتْحُ مَكَّةَ) بِالْجَرِّ بَدَلٌ مِنَ الْفَتْحِ (لَا هِجْرَةَ) أَيْ وَاجِبَةً مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ (وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ) أَيْ الْهِجْرَةُ بِسَبَبِ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْهِجْرَةُ بِسَبَبِ النِّيَّةِ الْخَالِصَةِ لِلَّهِ تَعَالَى كَطَلَبِ الْعِلْمِ وَالْفِرَارِ مِنَ الْفِتَنِ بَاقِيَانِ مَدَى الدَّهْرِ (وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ) بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ وَكَسْرِ الْفَاءِ (فَانْفِرُوا) بِكَسْرِ الْفَاءِ الثَّانِيَةِ أَيْ إِذَا طَلَبَ مِنْكُمُ الْإِمَامُ الْخُرُوجَ إِلَى الْغَزْوِ فَاخْرُجُوا إِلَيْهِ وُجُوبًا فَيَتَعَيَّنُ عَلَى مَنْ عَيَّنَهُ الْإِمَامُ
كَذَا فِي إِرْشَادِ السَّارِي
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ
[2481] (الْمُسْلِمُ) أَيِ الْكَامِلُ (وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ) أَيْ تَرَكَ
قَالَ الْعَلْقَمِيُّ وَالْهِجْرَةُ ضَرْبَانِ ظَاهِرَةٌ وَبَاطِنَةٌ فَالْبَاطِنَةُ تَرْكُ مَا تَدْعُو إِلَيْهِ النَّفْسُ الْأَمَّارَةُ بِالسُّوءِ وَالشَّيْطَانُ وَالظَّاهِرَةُ الْفِرَارُ(7/113)
بِالدِّينِ مِنَ الْفِتَنِ وَكَأَنَّ الْمُهَاجِرِينَ خُوطِبُوا بِذَلِكَ لِئَلَّا يَتَّكِلُوا عَلَى مُجَرَّدِ التَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَمْتَثِلُوا أَوَامِرَ الشَّرْعِ وَنَوَاهِيَهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قِيلَ بَعْدَ انْقِطَاعِ الْهِجْرَةِ لَمَّا فُتِحَتْ مَكَّةَ تَطْيِيبًا لِقُلُوبِ مَنْ لَمْ يُدْرِكْ ذَلِكَ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْهِجْرَةِ تَحْصُلُ لِمَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ
4 - (بَاب فِي سُكْنَى الشَّامِ)
[2482] (هِجْرَةٌ بَعْدَ هِجْرَةٍ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَى الْهِجْرَةِ الثَّانِيَةِ الْهِجْرَةُ إِلَى الشَّامِ يُرَغِّبُهَا فِي الْقِيَامِ بِهَا وَهِيَ مُهَاجَرُ إِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِمَا وَسَلَّمَ (مُهَاجَرُ إِبْرَاهِيمَ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَهُوَ الشَّامُ (تَلْفِظُهُمْ) بِكَسْرِ الْفَاءِ أَيْ تَقْذِفُهُمْ وَتَرْمِيهِمْ يُقَالُ قَدْ لَفَظَ الشَّيْءَ لَفْظًا إِذَا رَمَاهُ (أَرْضُوهُمْ) جَمْعُ أَرْضٍ (تَقْذَرُهُمْ) بِفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ تَكْرَهُهُمْ (نَفْسُ اللَّهِ) بِسُكُونِ الْفَاءِ أَيْ ذَاتُهُ تَعَالَى
قَالَ الْخَطَّابِيُّ تَأْوِيلُهُ أَنَّ اللَّهَ يَكْرَهُ خُرُوجَهُمْ إِلَيْهَا وَمُقَامَهُمْ بِهَا فَلَا يُوَفِّقُهُمْ لِذَلِكَ فَصَارُوا بِالرَّدِّ وَعَدَمِ الْقَبُولِ فِي مَعْنَى الشَّيْءِ الَّذِي تَقْذُرُهُ نَفْسُ الإنسان وذكر النفس ها هنا مَجَازٌ وَاتِّسَاعٌ فِي الْكَلَامِ وَهَذَا شَبِيهٌ بِمَعْنَى قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين انْتَهَى
قَالَ فِي النِّهَايَةِ يُقَالُ قَذَرْتُ الشَّيْءَ أَقْذُرُهُ إِذَا كَرِهْتُهُ وَاجْتَنَبْتُهُ انْتَهَى (وَتَحْشُرُهُمُ النَّارُ مَعَ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ) أَيْ تَجْمَعُهُمْ وَتَسُوقُهُمُ النَّارُ
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وقد رواه بن حِبَّانَ فِي صَحِيحه
وَرَوَى الْوَلِيد بْن مُسْلِم عَنْ عُقْبَة بْن عُثْمَان أَنَّهُ سَمِعَ سُلَيْم بْن عَامِرٍ يُحَدِّث عَنْ أَبِي أُمَامَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ رَأَيْت عَمُود الْكِتَاب اُنْتُزِعَ مِنْ تَحْت وِسَادَتِي فَأَتْبَعْته بَصَرِي فَإِذَا هُوَ نُور سَاطِعٌ حَتَّى ظَنَنْت أَنَّهُ قَدْ هَوَى بِهِ فَعَمَد بِهِ إِلَى الشَّام وَإِنِّي أَوَّلْت ذَلِكَ أَنَّ الْفِتَن إِذَا وَقَعَتْ أَنَّ الْإِيمَان بِالشَّامِ رَوَاهُ أَحْمَد فِي مُسْنَده
وَرَوَى شُعْبَة عَنْ مُعَاوِيَة بْن قُرَّة عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ(7/114)
فَيَفِرُّونَ هَؤُلَاءِ وَالشِّرَارُ مَخَافَةَ النَّارِ مَعَ الْبَهَائِمِ مِنَ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ وَالنَّارُ لَا تُفَارِقُهُمْ بِحَالٍ
وَلَيْسَ هَذَا حَشْرُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَإِلَّا قِيلَ تَحْشُرُ شِرَارُ أَهْلِهَا إِلَى النَّارِ وَلَا يُقَالُ تَحْشُرُهُمُ النَّارُ وَلِقَوْلِهِ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ تَقِيلُ مَعَهُمْ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّارَ لَيْسَتْ حَقِيقَةً بَلْ نَارُ الْفِتْنَةِ وَهَذِهِ الْقَيْلُولَةُ وَالْبَيْتُوتَةُ هِيَ الْمُرَادَةُ فِي قَوْلِهِ سَتَكُونُ هِجْرَةٌ بَعْدَ هِجْرَةٍ إِلَى قَوْلِهِ تَحْشُرُهُمُ النَّارُ مَعَ الْقِرَدَةِ تَبِيتُ مَعَهُمْ إِذَا بَاتُوا انْتَهَى كَلَامُ الطِّيبِيُّ مُلَخَّصًا مُحَرَّرًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ تَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ وَرَوَى مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِإِسْنَادٍ أَمْثَلَ مِنْ هَذَا
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فَسَدَ أَهْل الشَّام فَلَا خَيْرَ فِيكُمْ لَا تَزَال طَائِفَة مِنْ أُمَّتِي مَنْصُورِينَ لَا يَضُرّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى تَقُوم السَّاعَة رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ
وَقَالَ قَالَ مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل قَالَ عَلِيّ بْن الْمَدِينِيِّ هُمْ أَصْحَاب الْحَدِيث وَهَذَا حَدِيث حَسَنٌ صَحِيحٌ
وَرَوَى بَهْزُ بْن حَكِيم عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّه قَالَ قُلْت يَا رَسُول الله أين تأمرني قال ها هنا ونحا بيده نحو الشام قال الترمذي هذا حَدِيث حَسَن صَحِيحٌ
وَقَالَ الْإِمَام أَحْمَد حَدَّثَنَا حسن أخبرنا بن لَهِيعَة أَخْبَرَنَا يَزِيد بْن أَبِي حَبِيب عَنْ بن شُمَاسَة عَنْ زَيْد بْن ثَابِت قَالَ بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ قَالَ طُوبَى لِلشَّامِ طُوبَى لِلشَّامِ طُوبَى لِلشَّامِ
قُلْت مَا بَال الشَّام قَالَ الْمَلَائِكَة بَاسِطُو أَجْنِحَتهَا عَلَى الشَّام وَرَوَاهُ أَحْمَد أَيْضًا عَنْ يَحْيَى بْن إِسْحَاق السَّيْلَحِينِيّ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْن أَيُّوب عَنْ يَزِيد بْن أَبِي حبيب ورواه بن وَهْب أَخْبَرَنِي عَمْرو عَنْ يَزِيد بْن أَبِي حبيب عن بن شُمَاسَة حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ زَيْد بْن ثَابِت فَذَكَره
قَالَ أَبُو عَبْد اللَّه الْمَقْدِسِيّ وَهَذَا الْإِسْنَاد عِنْدِي عَلَى شَرْط مُسْلِم
وَفِي صَحِيح البخاري عن بن عُمَر أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَامِنَا اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي يَمَنِنَا فَقَالَهَا مِرَارًا فَلَمَّا كَانَ فِي الثَّالِثَة أَوْ الرَّابِعَة قَالُوا يَا رَسُول اللَّه وَفِي عِرَاقِنَا قَالَ بِهَا الزَّلَازِل وَالْفِتَن وَبِهَا يَطْلُع قَرْن الشَّيْطَان وَفِي مُسْنَد الْإِمَام أَحْمَد مِنْ حَدِيث مُحَمَّد بْن عُبَيْد عَنْ الْأَعْمَش عَنْ عَبْد اللَّه بْن ضِرَار الْأَسَدِيّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْد اللَّه قَالَ قسم الله الخير فجعله عشرة فجعل تِسْعَة أَعْشَاره فِي الشَّام وَبَقِيَّته فِي سَائِر الْأَرْض وَرَوَى الْإِمَام أَحْمَد فِي مُسْنَده مِنْ حَدِيث الْوَلِيد بْن عَبْد الرَّحْمَن عَنْ جُبَيْر بْن نُفَيْر عَنْ سَلَمَة بْن نَفِيل أَنَّهُ أَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ أَتَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنِّي سَئِمْت الْخَيْل وَأَلْقَيْت السِّلَاح وَوَضَعَتْ الْحَرْب أَوْزَارهَا (قُلْت لَا قِتَال) قَالَ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم الْآن جَاءَ الْقِتَال لَا تزال طَائِفَة مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى النَّاس يَرْفَع اللَّه قُلُوب أقوام فيقاتلونهم ويرزقهم الله مِنْهُمْ حَتَّى يَأْتِي أَمْر اللَّه وَهُمْ عَلَى ذلك ألا إن عقد دَار الْمُؤْمِنِينَ الشَّام وَالْخَيْل مَعْقُود فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْر إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَفِي الْمُسْنَد وَالتِّرْمِذِيّ مِنْ حَدِيث أَبِي قِلَابَةَ عَنْ سَالِم عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَتَخْرُجُ نَار مِنْ حَضْرَمَوْت أَوْ بِحَضْرَمَوْت قَبْل يَوْم الْقِيَامَة تَحْشُر النَّاس قُلْنَا يَا رَسُول اللَّه فَمَا تَأْمُرنَا قَالَ عَلَيْكُمْ بِالشَّامِ قَالَ التِّرْمِذِيّ حَدِيث حَسَن صحيح غريب من حديث بن عُمَر
وَفِي الْمُسْنَد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيِّ مِنْ(7/115)
[2483] (حدثني بحير) بكسر المهملة بن سَعِيدٍ السُّحُولِيِّ أَبُو خَالِدٍ وَثَّقَهُ النَّسَائِيُّ (عَنِ بن أبي قتيلة) بالقاف والمثناة مصغرا (عن بن حَوَالَةَ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ الْوَاوِ وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (جُنُودًا مُجَنَّدَةً) أَيْ مُخْتَلِفَةً وَقِيلَ مُجْتَمِعَةً وَالْمُرَادُ سَتَصِيرُونَ فِرَقًا ثَلَاثَةً (خِرْ لِي) أَيْ خِرْ لِي خَيْرَ تِلْكَ الْأَمَاكِنِ وَمَعْنَاهُ بِالْفَارِسِيَّةِ يسندكن براي من بهترين ازين أمكنه (فَإِنَّهَا) أَيَ الشَّامُ (خِيَرَةُ اللَّهِ) بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ بِوَزْنِ عِنَبَةٍ أَيْ مُخْتَارَتُهُ (خِيرَتَهُ مِنْ عِبَادِهِ) أَيِ الْمُخْتَارِينَ مِنْهُمْ (إِذَا أَبَيْتُمْ) أَيِ امْتَنَعْتُمْ مِنَ الْتِزَامِ الشَّامِ (فَعَلَيْكُمْ بِيَمَنِكُمْ) أَيْ فَالْزَمُوا الْيَمَنَ (مِنْ غُدَرِكُمْ) كَصُرَدٍ جَمْعُ غَدِيرٍ وَهُوَ الْحَوْضُ (تَوَكَّلَ) أَيْ تَكَفَّلَ وَتَضَمَّنَ (لِي بِالشَّامِ) بِأَنْ لَا يُخَرِّبُهُ بِالْفِتْنَةِ (وَأَهْلِهِ) أَيْ تَكَفَّلَ لِي بِأَهْلِ الشَّامِ بِأَنْ لَا تُصِيبَهُ الْفِتْنَةُ وَلَا يُهْلِكَ اللَّهُ بِالْفِتْنَةِ مَنْ أَقَامَ بِهَا
وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
حَدِيث بَهْز بْن حَكِيم عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّه قَالَ قُلْت يَا رَسُول اللَّه أَيْنَ تأمرني قال ها هنا ونحا بيده نحو الشام قال الترمذي هذا حَدِيث حَسَن صَحِيح
وَمِنْ حَدِيث الْمُخَلِّص أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْن صَاعِد أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل السُّلَمِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو أَيُّوب سُلَيْمَان بْن عَبْد الرَّحْمَن أَخْبَرَنَا بِشْر بْن عَوْن الْقُرَشِيّ أَبُو عَوْن أَنْبَأَنَا بَكَّار بْن تَمِيم عَنْ مَكْحُول عَنْ وَاثِلَة قَالَ سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول لِحُذَيْفَة بْن الْيَمَان وَمُعَاذ بْن جَبَل وَهُمَا يَسْتَشِيرَانِهِ فِي الْمَنْزِل فَأَوْمَأَ إِلَى الشَّام ثُمَّ سَأَلَاهُ فَأَوْمَأَ إِلَى الشَّام ثُمَّ سَأَلَاهُ فَأَوْمَأَ إِلَى الشَّام ثُمَّ قَالَ عَلَيْكُمْ بِالشَّامِ فَإِنَّهَا صَفْوَة بِلَاد اللَّه يُسْكِنهَا خِيرَته مِنْ عِبَاده فَمَنْ أَبَى فَلْيَلْحَقْ بِيَمَنِهِ وَيَسْتَقِي مِنْ غُدُره فَإِنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ تَكَفَّلَ لَهُ بِالشَّامِ وَأَهْله وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْمُعْجَم عَنْ سُلَيْمَان بِهِ
وَذَكَرَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيث الْوَلِيد بْن مُسْلِم عَنْ مُحَمَّد بْن أَيُّوب بْن مَيْسَرَة بْن حُبَيْشٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ خُرَيْم بْن فَاتِك الْأَسَدِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول أَهْل الشَّام سَوْط اللَّه فِي أَرْضه يَنْتَقِم بِهِمْ مِمَّنْ يَشَاء مِنْ عِبَاده وَحَرَام عَلَى مُنَافِقِيهِمْ أَنْ يَظْهَرُوا عَلَى مُؤْمِنِيهِمْ وَلَا يَمُوتُونَ إِلَّا غَمًّا وَهَمًّا رَوَاهُ الْإِمَام أَحْمَد فِي مُسْنَده مَوْقُوفًا وَكَذَلِكَ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيّ وَقَالَ أَحْمَد فِي مُسْنَده حَدَّثَنَا عَبْد الصَّمَد أَنْبَأَنَا حَمَّاد عَنْ الْجَرِيرِيّ عَنْ أَبِي الْمَشَّاء وهو لقيط بن الْمَشَّاء عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ لَا تَقُوم السَّاعَة حَتَّى يَتَحَوَّل خِيَار أَهْل الْعِرَاق إِلَى الشَّام وَيَتَحَوَّل شِرَار أَهْل الشَّام إِلَى الْعِرَاق وقال(7/116)
85 - (بَاب فِي دَوَامِ الْجِهَادِ)
[2484] (عَلَى الْحَقِّ) أَيْ عَلَى تَحْصِيلِهِ وَإِظْهَارِهِ (ظَاهِرِينَ) عَلَى غَالِبِينَ مَنْصُورِينَ (عَلَى مَنْ نَاوَاهُمْ) أَيْ عَلَى مَنْ عَادَاهُمْ
وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ هُوَ بِهَمْزَةٍ بَعْدَ الْوَاوِ وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ نَاءَ إِلَيْهِمْ وَنَأَوْا إِلَيْهِ أَيْ نَهَضُوا لِلْقِتَالِ
وَفِي النِّهَايَةِ النِّوَاءُ وَالْمُنَاوَاةُ الْمُعَادَاةُ (حَتَّى يُقَاتِلَ آخِرُهُمْ) أَيِ الْمَهْدِيُّ وَعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَأَتْبَاعُهُمَا
قَالَ النَّوَوِيُّ وَأَمَّا هَذِهِ الطَّائِفَةُ فَقَالَ الْبُخَارِيُّ هُمْ أَهْلُ الْعِلْمِ
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ إِنْ لَمْ يَكُونُوا أَهْلَ الْحَدِيثِ فَلَا أَدْرِي مَنْ هُمْ
قَالَ الْقَاضِي عِيَاضُ إِنَّمَا أَرَادَ أَحْمَدُ أَهْلَ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَمَنْ يَعْتَقِدُ مَذْهَبَ أَهْلِ الْحَدِيثِ
قَالَ النَّوَوِيُّ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ هَذِهِ الطَّائِفَةَ مُتَفَرِّقَةٌ بَيْنَ أَنْوَاعِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُمْ شُجْعَانٌ مُقَاتِلُونَ وَمِنْهُمْ فُقَهَاءُ وَمِنْهُمْ مُحَدِّثُونَ وَمِنْهُمْ زُهَّادٌ وَآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَنَاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَمِنْهُمْ أَهْلُ أَنْوَاعٍ أُخْرَى مِنَ الْخَيْرِ وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونُوا مُجْتَمَعِينَ بَلْ قَدْ يَكُونُونَ مُتَفَرِّقِينَ فِي أَقْطَارِ الْأَرْضِ
قَالَ النَّوَوِيُّ وفيه دليل لكون الإجماع حجة وهوأصح مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ لَهُ مِنَ الْحَدِيثِ وَأَمَّا حَدِيثُ لَا تَجْتَمِعُ أُمَّتِي عَلَى ضَلَالَةٍ فَضَعِيفٌ انْتَهَى (الْمَسِيحُ الدَّجَّالُ) وَيَقْتُلُهُ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بَعْدَ نُزُولِهِ مِنَ السَّمَاءِ عَلَى الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شرقي دمشق بباب له مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ حِينَ حَاصَرَ الْمُسْلِمِينَ وَفِيهِمِ الْمَهْدِيُّ وَبَعْدَ قَتْلِهِ لَا يَكُونُ الْجِهَادُ بَاقِيًا
أَمَّا عَلَى يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ فَلِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمْ وَبَعْدَ إِهْلَاكِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ لَا يَبْقَى عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ كَافِرٌ مَا دَامَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ حَيًّا فِي الْأَرْضِ
كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ
وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْكُمْ بِالشَّامِ كَذَا رَوَاهُ أَحْمَد أَوَّله مَوْقُوفًا وَآخِره مَرْفُوعًا
وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمه مِنْ حَدِيث(7/117)
86 - (بَاب فِي ثَوَابِ الْجِهَادِ)
[2485] (فِي شِعْبٍ) هُوَ مَا انْفَرَجَ بَيْنَ جَبَلَيْنِ وَقِيلَ الطَّرِيقُ فِيهِ وَالْمُرَادُ الِاعْتِزَالُ فِي أَيِّ مَكَانٍ
قَالَهُ فِي الْمَجْمَعِ (قَدْ كَفَى النَّاسَ شَرَّهُ) أَيْ وَقَاهُمْ شَرَّهُ
قَالَ الْقَسْطَلَّانِيُّ الشِّعَابُ بِكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ مَا انْفَرَجَ بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ وَلَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ وَالْغَالِبُ عَلَى الشِّعَابِ الْخُلُوُّ عَنِ النَّاسِ فَلِذَا مَثَّلَ بِهَا لِلْعُزْلَةِ
وَفِيهِ فَضْلُ الْعُزْلَةِ لِمَا فِيهَا مِنَ السَّلَامَةِ مِنَ الْغِيبَةِ وَاللَّغْوِ وَنَحْوِهِمَا وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِوُقُوعِ الْفِتْنَةِ أَمَّا عِنْدَ عَدَمِ الْفِتْنَةِ فَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ أَنَّ الِاخْتِلَاطَ أَفْضَلُ لِحَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ والنسائي وبن ماجه
7 - (بَاب فِي النَّهْيِ عَنْ السِّيَاحَةِ)
[2486] مِنْ سَاحَ فِي الْأَرْضِ يَسِيحُ إِذَا ذَهَبَ فِيهَا وَالْمُرَادُ مُفَارَقَةُ الْأَمْصَارِ وَسُكْنَى الْبَرَارِي وَتَرْكُ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَاتِ
(إِنَّ سِيَاحَةَ أُمَّتِي إِلَخْ) قَالَ فِي السِّرَاجِ الْمُنِيرِ كَأَنَّ هَذَا السَّائِلَ اسْتَأْذَنَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الذَّهَابِ فِي الْأَرْضِ قَهْرًا لِنَفْسِهِ بِمُفَارَقَةِ الْمَأْلُوفَاتِ وَالْمُبَاحَاتِ وَاللَّذَّاتِ وَتَرْكِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَاتِ وَتَعْلِيمِ الْعِلْمِ وَنَحْوِهِ فَرَدَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ كَمَا رَدَّ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ فِي التَّبَتُّلِ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ الْقَاسِمُ هَذَا تَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ(7/118)
88 - (باب في فضل القفل في الغزو)
[2487] القفل الرجوع
(عن بن شُفَيٍّ) بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْفَاءِ اسْمُهُ حُسَيْنٌ (قَفْلَةٌ) هِيَ الْمَرَّةُ مِنَ الْقُفُولِ وَهُوَ الرُّجُوعُ مِنْ سَفَرٍ (كَغَزْوَةٍ) يَعْنِي أَنَّ أَجْرَ الْغَازِيِ فِي انْصِرَافِهِ كَأَجْرِهِ فِي ذَهَابِهِ لِأَنَّ فِي قُفُولِهِ إِرَاحَةً لِلنَّفْسِ وَاسْتِعْدَادًا بِالْقُوَّةِ لِلْعَدُوِّ وَحِفْظًا لِأَهْلِهِ بِرُجُوعِهِ إِلَيْهِمْ
كَذَا فِي السِّرَاجِ الْمُنِيرِ
قُلْتُ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ وَذَكَرُوا فِيهِ وُجُوهًا أُخَرَ
وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ
9 - (بَاب فَضْلِ قِتَالِ الرُّومِ عَلَى غَيْرِهِمْ مِنْ الْأُمَمِ)
[2488] (عَنْ فَرَجٍ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالرَّاءِ وَبِالْجِيمِ (عَنْ عَبْدِ الْخَبِيرِ بْنِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ) ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ جَدُّ عَبْدِ الْخَبِيرِ لَا أَبُوهُ
قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ عَبْدُ الْخَبِيرِ بْنُ قَيْسِ بْنِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسِ وَوَقَعَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ مَنْسُوبًا إِلَى جَدِّهِ انْتَهَى (وَهِيَ مُتَنَقِّبَةٌ) أَيْ مُخْتَمِرَةٌ وَهُوَ مِنْ بَابِ التَّفَعُّلِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ مِنْ بَابِ الِافْتِعَالِ (إِنْ أُرْزَأُ ابْنِي فَلَنْ أُرْزَأَ حَيَائِي) بِتَقْدِيمِ الْمُهْمَلَةِ عَلَى بِنَاءِ الْمَفْعُولِ آخِرُهُ هَمْزَةٌ مِنَ الرُّزْءِ وَهِيَ الْمُصِيبَةُ بِفَقْدِ الْأَعِزَّةِ أَيْ إِنْ أُصِبْتُ بِابْنِي وَفَقَدْتُهُ فَلَمْ أُصَبْ بِحَيَائِي
كَذَا فِي فَتْحِ الْوَدُودِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ كَذَا قَالَ
وَجَدُّ عَبْدِ الْخَبِيرِ هُوَ ثابت بن(7/119)
قَيْسٍ لَا قَيْسُ بْنُ شَمَّاسٍ
قَالَ الْبُخَارِيُّ عَبْدُ الْخَبِيرِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَوَى عَنْهُ فَرَجُ بْنُ فَضَالَةَ حَدِيثَهُ ليس بالقائم منكر الحديث
وقال بن عَدِيٍّ وَعَبْدُ الْخَبِيرِ لَيْسَ بِالْمَعْرُوفِ
( [2489] بَاب فِي رُكُوبِ الْبَحْرِ فِي الْغَزْوِ)
(قَالَ إِلَّا حَاجٌّ أَوْ مُعْتَمِرٌ أَوْ غَازٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) فِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ قَالَ إِنَّ الْبَحْرَ عُذْرٌ لِتَرْكِ الْحَجِّ وَالصَّوَابُ مَا قَالَهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ السَّمَرْقَنْدِيُّ مِنْ أَنَّهُ إِذَا كَانَ الْغَالِبُ السَّلَامَةَ فَفَرْضٌ عَلَيْهِ يَعْنِي وَإِلَّا فَهُوَ مُخَيَّرٌ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يَجِدْ طَرِيقًا إِلَى الْحَجِّ غَيْرَ الْبَحْرِ فَإِنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَرْكَبَهُ
وَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْفُقَهَاءِ إِنَّ عَلَيْهِ رُكُوبَ الْبَحْرِ فِي الْحَجِّ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ طَرِيقٌ غَيْرُهُ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَبِينُ لِي أَنَّ ذَلِكَ يَلْزَمُهُ وَقَدْ ضَعَّفُوا إِسْنَادَ هَذَا الْحَدِيثِ انْتَهَى (فَإِنَّ تَحْتَ الْبَحْرِ إِلَخْ) قِيلَ هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ تَأْوِيلُهُ تَفْخِيمُ أَمْرِ الْبَحْرِ وَتَهْوِيلُ شَأْنِهِ وَذَلِكَ أَنَّ الْآفَةَ تُسْرِعُ إِلَى رَاكِبِهِ وَلَا يُؤْمَنُ الْهَلَاكُ عَلَيْهِ فِي كُلِّ وَقْتٍ كَمَا لَا يُؤْمَنُ الْهَلَاكُ فِي مُلَابَسَةِ النَّارِ وَمُدَاخَلَتِهَا وَالدُّنُوِّ مِنْهَا انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ اضْطِرَابٌ رُوِيَ عَنْ بَشِيرٍ هَكَذَا وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَرُوِيَ عَنْهُ عَنْ رَجُلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ رُوَاتُهُ مَجْهُولُونَ وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ وَذَكَرَ لَهُ هَذَا الْحَدِيثَ وَذَكَرَ اضْطِرَابَهُ وَقَالَ لَمْ يَصِحَّ حَدِيثُهُ
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ وَقَدْ ضَعَّفُوا إِسْنَادَ هَذَا الْحَدِيثِ(7/120)
91 - (بَاب فَضْلِ الْغَزْوِ فِي الْبَحْرِ)
[2490] (أُمُّ حَرَامٍ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالرَّاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ هِيَ خَالَةُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (بِنْتُ مِلْحَانَ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَبِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ (أُخْتُ أُمِّ سُلَيْمٍ) صِفَةٌ ثَانِيَةٌ لِأُمِّ حَرَامٍ (قَالَ) مِنَ الْقَيْلُولَةِ أَيْ نَامَ وَاسْتَرَاحَ فِي وَسَطِ النَّهَارِ (وَهُوَ يَضْحَكُ) أَيْ فَرَحًا وَسُرُورًا لِكَوْنِ أُمَّتِهِ تَبْقَى بَعْدَهُ مُتَظَاهِرَةً أُمُورَ الْإِسْلَامِ قَائِمَةً بِالْجِهَادِ حَتَّى فِي الْبَحْرِ
وَالْجُمْلَةُ الْحَالِيَّةُ (مِمَّنْ يَرْكَبُ ظَهْرَ هَذَا الْبَحْرِ) أَيْ يَرْكَبُ السُّفُنَ الَّتِي تَجْرِي عَلَى ظَهْرِهِ (كَالْمُلُوكِ عَلَى الْأَسِرَّةِ) جَمْعُ سَرِيرٍ
قَالَ النَّوَوِيُّ قِيلَ هُوَ صِفَةٌ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِذَا دَخَلُوا الْجَنَّةَ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ صِفَةٌ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا أَيْ يَرْكَبُونَ مَرَاكِبَ الْمُلُوكِ لِسَعَةِ حَالِهِمْ وَاسْتِقَامَةِ أَمْرِهِمْ وَكَثْرَةِ عَدَدِهِمْ (أَنْتِ مِنْ الْأَوَّلِينَ) قَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ رُؤْيَاهُ الثَّانِيَةَ غَيْرُ الْأُولَى وَأَنَّهُ عُرِضَ فِيهِ غَيْرُ الْأَوَّلِينَ (فَصَرَعَتْهَا) أَيْ أَسْقَطَتْهَا (فَانْدَقَّتْ) أَيِ انْكَسَرَتْ (فَمَاتَتْ) فِي الطَّرِيقِ لَمَّا رَجَعُوا مِنْ غَزْوِهِمْ بِغَيْرِ مُبَاشَرَةٍ لِلْقِتَالِ
وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ مَاتَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ شَهِيدٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وبن ماجه(7/121)
[2491] (إِلَى قُبَاءَ) بِضَمِّ قَافٍ وَخِفَّةِ مُوَحَّدَةٍ مَعَ مَدٍّ وَقَصْرٍ مَوْضِعٌ بِمِيلَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ مِنَ الْمَدِينَةِ مَصْرُوفٌ عَلَى الصَّحِيحِ (تَفْلِي رَأْسَهُ) بِفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ وَسُكُونِ الْفَاءِ وَكَسْرِ اللَّامِ مِنْ بَابِ ضَرَبَ يَضْرِبُ أَيْ تُفَتِّشُ رَأْسَهُ لِتَسْتَخْرِجَ قَمْلَهُ
قَالَ النَّوَوِيُّ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ مَحْرَمًا لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاخْتَلَفُوا في كيفية ذلك فقال بن عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ كَانَتْ إِحْدَى خَالَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الرَّضَاعَةِ
وَقَالَ آخَرُونَ بَلْ كَانَتْ خَالَةٌ لِأَبِيهِ أَوْ لِجَدِّهِ لِأَنَّ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ كَانَتْ أُمُّهُ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ (بِقُبْرُسَ) بِضَمِّ الْقَافِ وَالرَّاءِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ بَيْنَهُمَا
قَالَ فِي الْقَامُوسِ جَزِيرَةٌ عَظِيمَةٌ لِلرُّومِ بِهَا تُوُفِّيَتْ أُمُّ حَرَامٍ بِنْتُ مِلْحَانَ
انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ
[2492] (الرُّمَيْصَاءِ) بِضَمِّ الرَّاءِ وَفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ بَدَلٌ مِنْ أُخْتِ أُمِّ سُلَيْمٍ وَالرُّمَيْصَاءُ هَذِهِ هِيَ أُمُّ حَرَامٍ بِنْتِ مِلْحَانَ وَالرَّمْصُ اجْتِمَاعُ الْقَذَى فِي مُؤَخِّرِ الْعَيْنِ وَفِي هُدْبِهَا وَقِيلَ اسْتِرْخَاؤُهَا وَانْكِسَارُ الْجَفْنِ وَكَذَلِكَ الْغَمَصُ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ (قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَالرُّمَيْصَاءُ أُخْتُ أُمِّ سُلَيْمٍ مِنَ الرَّضَاعَةِ) هَذِهِ الْعِبَارَةُ لَمْ تُوجَدْ فِي بَعْضِ النُّسَخِ
وَاعْلَمْ أَنَّ أُمَّ حَرَامٍ وَأُمَّ سُلَيْمٍ شَقِيقَتَانِ فَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ أُمُّ حَرَامٍ بِنْتُ مِلْحَانَ بْنِ خَالِدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَرَامٍ الْأَنْصَارِيَّةُ خَالَةُ أَنَسٍ صَحَابِيَّةٌ مَشْهُورَةٌ
وَقَالَ أُمُّ سُلَيْمٍ بِنْتُ مِلْحَانَ بْنِ خَالِدٍ الْأَنْصَارِيَّةُ وَالِدَةُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ اشْتَهَرَتْ بِكُنْيَتِهَا وَكَانَتْ مِنَ الصَّحَابِيَّاتِ الْفَاضِلَاتِ
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ يُقَالُ لِأُمِّ حَرَامٍ الرُّمَيْصَاءُ وَلِأُمِّ سُلَيْمٍ الْغُمَيْصَاءُ
فَقَالَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي أُمُّ حَرَامٍ هِيَ خَالَةُ أَنَسٍ وَكَانَ يُقَالُ لَهَا الرُّمَيْصَاءُ وَلِأُمِّ سُلَيْمٍ الْغُمَيْصَاءُ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ(7/122)
وَالْبَاقِي مِثْلُهُ
قَالَ عِيَاضٌ وَقِيلَ بِالْعَكْسِ
وَقَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ الْغُمَيْصَاءُ وَالرُّمَيْصَاءُ هِيَ أُمُّ سُلَيْمٍ وَيَرُدُّهُ مَا أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنِ الرُّمَيْصَاءِ أُخْتِ أُمِّ سُلَيْمٍ فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ الْبَابِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ
وَإِذَا عَرَفْتَ هَذَا ظَهَرَ لَكَ أَنَّ قَوْلَ أَبِي دَاوُدَ الرُّمَيْصَاءُ أُخْتُ أُمُّ سُلَيْمٍ مِنَ الرَّضَاعَةِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَعِلْمُهُ أَتَمُّ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَهُوَ طَرَفٌ مِنَ الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ
[2493] (الْجَوْبَرِيُّ) بِجِيمٍ وَمُوَحَّدَةٍ بِوَزْنِ جَعْفَرٍ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ (الْمَائِدُ فِي الْبَحْرِ) أَيِ الَّذِي يَدُورُ رَأْسُهُ مِنْ رِيحِ الْبَحْرِ وَاضْطِرَابِ السَّفِينَةِ بِالْأَمْوَاجِ مِنَ الْمَيْدِ وَهُوَ التَّحَرُّكُ وَالِاضْطِرَابُ (وَالْغَرِقُ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ هُوَ بِكَسْرِ الرَّاءِ الَّذِي يَمُوتُ بِالْغَرَقِ وَقِيلَ هُوَ الَّذِي غَلَبَهُ الْمَاءُ وَلَمْ يَغْرَقْ فَإِذَا غَرِقَ فَهُوَ غَرِيقٌ وَرَدَّهُ فِي الْمَشَارِقِ
وَقَالَ الْغَرِقُ وَالْغَرِيقُ كِلَاهُمَا وَاحِدٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
كَذَا فِي مِرْقَاةِ الصُّعُودِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ هِلَالُ بْنُ ميمون الرملي قال بْنُ مَعِينٍ ثِقَةٌ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ لَيْسَ بِقَوِيٍّ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ
[2494] (ثَلَاثَةٌ كُلُّهُمْ ضَامِنٌ عَلَى اللَّهِ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ مَضْمُونٌ عَلَى اللَّهِ فَاعِلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ كَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ فِي عِيشَةٍ راضية أي مرضية وقوله كلهم يريدكل وَاحِدٍ مِنْهُمْ
وَأَنْشَدَنِي أَبُو عُمَرَ عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ فِي كُلِّ بِمَعْنَى كُلِّ وَاحِدٍ فَكُلُّهُمُ لَا بَارَكَ اللَّهُ فِيهِمُ إِذَا جَاءَ أَلْقَى خَدَّهُ يَتَسَمَّعَا (خَرَجَ غَازِيًا) أَيْ حَالَ كَوْنِهِ مُرِيدًا لِلْغَزْوِ (وَرَجُلٌ رَاحَ) أَيْ مَشَى (وَرَجُلٌ دخل بيته(7/123)
بِسَلَامٍ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَحَدَهُمَا أَنْ يُسَلِّمَ إِذَا دَخَلَ مَنْزِلَهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فَإِذَا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم الْآيَةِ وَالْوَجْهَ الْآخَرَ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِدُخُولِ بَيْتِهِ بِسَلَامٍ لُزُومَ الْبَيْتِ مِنَ الْفِتَنِ يُرَغِّبُ بِذَلِكَ فِي الْعُزْلَةِ وَيَأْمُرُ فِي الْإِقْلَالِ مِنَ الْمُخَالَطَةِ
انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ
2 - (بَاب فِي فَضْلِ مَنْ قَتَلَ كَافِرًا)
[2495] (لَا يَجْتَمِعُ فِي النَّارِ إِلَخْ) قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْقَاضِي يَحْتَمِلُ أَنَّ هَذَا مُخْتَصٌّ بِمَنْ قَتَلَ كَافِرًا فِي الْجِهَادِ فَيَكُونُ ذَلِكَ مُكَفِّرًا لِذُنُوبِهِ حَتَّى لَا يُعَاقَبَ عَلَيْهَا أَوْ يَكُونُ بِنِيَّةٍ مَخْصُوصَةٍ أَوْ حَالٍ مَخْصُوصَةٍ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عِقَابُهُ إِنْ عُوقِبَ بِغَيْرِ النَّاسِ كَالْحَبْسِ فِي الْأَعْرَافِ عَنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ أَوَّلًا وَلَا يَدْخُلُ النَّارَ أَوْ يَكُونُ إِنْ عُوقِبَ بِهَا فِي غَيْرِ مَوْضِعِ عِقَابِ الْكُفَّارِ وَلَا يَجْتَمِعَانِ فِي إِدْرَاكِهَا انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
3 - (بَاب فِي حُرْمَةِ نِسَاءِ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ)
[2496] (عَلَى الْقَاعِدِينَ) أَيْ مِنَ الْجِهَادِ فِي بُيُوتِهِمْ (كَحُرْمَةِ أُمَّهَاتِهِمْ) قَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا فِي شَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا تَحْرِيمُ التَّعَرُّضِ لَهُنَّ بِرِيبَةٍ مِنْ نَظَرٍ مُحَرَّمٍ وَخَلْوَةٍ وَحَدِيثٍ مُحَرَّمٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَالثَّانِي فِي بِرِّهِنَّ وَالْإِحْسَانِ إِلَيْهِنَّ وَقَضَاءِ حَوَائِجِهِنَّ الَّتِي لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مَفْسَدَةٌ وَلَا يُتَوَصَّلُ بِهَا إِلَى رِيبَةٍ (يَخْلُفُ رَجُلًا) بِضَمِّ اللَّامِ أَيْ يَصِيرُ خَلِيفَةً لَهُ وَيَنُوبُهُ (فِي أَهْلِهِ) أَيْ فِي إِصْلَاحِ حَالِ عِيَالِ ذَلِكَ الرَّجُلِ الْمُجَاهِدِ وَقَضَاءِ حَاجَاتُهُمْ وَالْمُرَادُ ثُمَّ يَخُونُهُ كَمَا فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ (إِلَّا نُصِبَ(7/124)
بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ وُقِفَ الْخَائِنُ (لَهُ) أَيْ لِلرَّجُلِ وَلِأَجْلِ مَا فَعَلَ مِنْ سُوءِ الْخِلَافَةِ لِلْغَازِي (فَقَالَ وَمَا ظَنُّكُمْ) أَيْ مَا تَظُنُّونَ فِي رَغْبَتِهِ فِي أَخْذِ حَسَنَاتِهِ وَالِاسْتِكْثَارِ مِنْهَا فِي ذَلِكَ الْمَقَامِ أَيْ لَا يَبْقَى مِنْهَا شَيْءٌ إِنْ أَمْكَنَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ
قَالَ الْمُنِذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ
4 - (بَاب فِي السَّرِيَّةِ تَخْفِقُ)
[2497] مِنَ الْإِخْفَاقِ وَهُوَ أَنْ يَغْزُوَ فَلَا يَغْنَمُ شَيْئًا
قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْإِخْفَاقُ أَنْ يَغْزُوا فَلَا يَغْنَمُوا شَيْئًا وَكَذَلِكَ كُلُّ طَالِبِ حَاجَةٍ إِذَا لَمْ تَحْصُلْ فَقَدْ أَخْفَقَ وَمِنْهُ أَخْفَقَ الصَّائِدُ إِذَا لَمْ يَقَعْ لَهُ صَيْدٌ
وَالسَّرِيَّةُ قِطْعَةٌ مِنَ الْجَيْشِ تُبْعَثُ لِلْجِهَادِ
(مَا مِنْ غَازِيَةٍ) أَيْ جَمَاعَةٍ غَازِيَةٍ (إِلَّا تَعَجَّلُوا ثُلُثَيْ أَجْرَهُمْ) بِضَمِّ اللَّامِ وَيُسَكَّنُ أَيِ اسْتَوْفُوا ثُلُثَيْ أَجْرَهُمْ فِي الدُّنْيَا (مِنَ الْآخِرَةِ) أَيْ مِنْ أَجْرِهَا (تَمَّ لَهُمْ أَجْرُهُمْ) أَيْ أَجْرُهُمْ بَاقٍ بِكَمَالِهِ لَمْ يَسْتَوْفُوا مِنْهُ شَيْئًا فَيُوَفَّرُ عَلَيْهِمْ بِتَمَامِهِ فِي الْآخِرَةِ
قَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَاهُ أَنَّ الْغُزَاةَ إِذَا سَلِمُوا وَغَنِمُوا يَكُونُ أَجْرُهُمْ أَقَلَّ مِنْ أَجْرِ مَنْ سَلِمَ وَلَمْ يَغْنَمْ وَأَمَّا الْغَنِيمَةُ هِيَ فِي مُقَابَلَةِ جُزْءٍ مِنْ أَجْرِ غَزْوِهِمْ فَإِذَا حَصَلَتْ لَهُمْ فَقَدْ تَعَجَّلُوا ثُلُثَيْ أَجْرِهِمُ الْمُتَرَتِّبَ عَلَى الْغَزْوِ وَتَكُونُ هَذِهِ الْغَنِيمَةُ مِنْ جُمْلَةِ الْأَجْرِ وَأَطَالَ النَّوَوِيُّ الْكَلَامَ فِي هَذَا
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ(7/125)
95 - (باب في تضعيف الذكر)
[2498] الخ (عَنْ زَبَّانَ) بِفَتْحِ الزَّايِ وَتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ (وَالذِّكْرَ) أَيْ مِنْ تِلَاوَةٍ وَتَسْبِيحٍ وَتَكْبِيرٍ وَتَهْلِيلٍ وَتَحْمِيدٍ
قَالَ الْعَلْقَمِيُّ كُلُّ ذَلِكَ فِي أَيَّامِ الْجِهَادِ (يُضَاعَفُ عَلَى النَّفَقَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) أَيْ يُضَاعَفُ ثَوَابُ كُلٍّ مِنْهَا عَلَى ثَوَابِ النَّفَقَةِ فِي جِهَادِ أَعْدَاءِ اللَّهِ لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ
قاله العزيزي (بسبع مائة ضعف) قال المناوي أي إلى سبع مائة ضَعْفٍ عَلَى حَسْبِ مَا اقْتَرَنَ بِهِ مِنَ الْإِخْلَاصِ فِي النِّيَّةِ وَالْخُشُوعِ وَغَيْرِ ذَلِكَ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ زَبَّانُ بْنُ فَائِدٍ وَسَهْلُ بْنُ مُعَاذٍ وَهُمَا ضَعِيفَانِ وَأَبُوهُ مُعَاذُ بْنُ أَنَسٍ لَهُ صُحْبَةٌ كَانَ بِمِصْرَ وَبِالشَّامِ وَلَهُ ذِكْرٌ فِي أَهْلِ مِصْرَ وَأَهْلِ الشَّامِ
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه اللَّه وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيّ عَنْ أَبِي سَعِيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ سُئِلَ أَيّ الْعِبَادَة أَفْضَل دَرَجَة عِنْد اللَّه يَوْم الْقِيَامَة قَالَ الذَّاكِرِينَ اللَّه كَثِيرًا قَالَ قُلْت يَا رَسُول اللَّه وَمِنْ الْغَازِينَ فِي سَبِيل اللَّه قَالَ لَوْ ضَرَبَ بِسَيْفِهِ فِي الْكُفَّار وَالْمُشْرِكِينَ حَتَّى يَتَكَسَّر وَيَخْتَضِب دَمًا لَكَانَ الذَّاكِرُونَ اللَّه أَفْضَل مِنْهُ دَرَجَة وَلَكِنْ هُوَ مِنْ حَدِيث دَرَّاج وَقَدْ ضُعِّفَ وَقَالَ الْإِمَام أَحْمَد الشَّأْن فِي دَرَّاج
وَلَكِنْ رَوَى التِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرَك عَنْ أَبِي الدَّرْدَاء قَالَ قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا أُنَبِّئكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالكُمْ وَأَزْكَاهَا عِنْد مَلِيككُمْ وَأَرْفَعهَا فِي دَرَجَاتكُمْ وَخَيْر لَكُمْ مِنْ إِنْفَاق الذَّهَب وَالْوَرِق وَخَيْر لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقهمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقكُمْ قَالُوا بَلَى قَالَ ذِكْر اللَّه
وَقَدْ رَوَاهُ مَالِك فِي الْمُوَطَّأ مَوْقُوفًا عَلَى أَبِي الدَّرْدَاء قَوْله
قَالَ التِّرْمِذِيّ وَرَوَاهُ بَعْضهمْ فَأَرْسَلَهُ
وَالتَّحْقِيق فِي ذَلِكَ أَنَّ الْمَرَاتِب ثَلَاثَة الْمَرْتَبَة الْأُولَى ذِكْر وَجِهَاد وَهِيَ أَعْلَى الْمَرَاتِب قَالَ تَعَالَى {يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَة فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا الله كثيرا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}
الْمَرْتَبَة الثَّانِيَة ذِكْر بِلَا جِهَاد فَهَذِهِ دُون الْأُولَى(7/126)
96 - (باب فيمن مات غازيا)
[2499] (عن بن ثَوْبَانَ) هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ ثَابِتٍ (يَرُدُّ إِلَى مَكْحُولٍ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ) أَيْ يُبَلِّغُ ثَوْبَانُ الْحَدِيثَ إِلَى مَكْحُولٍ وَهُوَ يُبَلِّغُهُ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ
(مَنْ فَصَلَ) أَيْ خَرَجَ مِنْ مَنْزِلِهِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تعالى فلما فصل طالوت بالجنود (فِي سَبِيلِ اللَّهِ) أَيْ لِلْجِهَادِ وَنَحْوِهِ (أَوْ وَقَصَهُ) أَيْ صَرَعَهُ فَدَقَّ عُنُقَهُ (أَوْ لَدَغَتْهُ) بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ لَسَعَتْهُ (هَامَّةٌ) بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ هِيَ إِحْدَى الْهَوَامِّ وَهِيَ ذَوَاتُ السَّمُومِ مِنَ الْقَاتِلَةِ كَالْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ وَنَحْوِهِمَا (أَوْ بِأَيِّ حَتْفٍ) بِفَتْحٍ وَسُكُونٍ أَيْ أَيِّ نَوْعٍ مِنَ الْهَلَاكِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ ثَابِتِ بْنِ ثَوْبَانَ وَهُمَا ضَعِيفَانِ
7 - (بَابٌ فِي فَضْلِ الرِّبَاطِ)
[2500] أَيِ ارْتِبَاطِ الْخَيْلِ فِي الثَّغْرِ وَالْمُقَامِ فِيهِ
(عَنْ فَضَالَةَ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالضَّادِ المعجمة (كل
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
الْمَرْتَبَة الثَّالِثَة جِهَاد بِلَا ذِكْر فَهِيَ دُونهمَا وَالذَّاكِر أَفْضَل مِنْ هَذَا
وَإِنَّمَا وُضِعَ الْجِهَاد لِأَجْلِ ذِكْر اللَّه فَالْمَقْصُود مِنْ الْجِهَاد أَنْ يُذْكَر اللَّه وَيُعْبَد وَحْده فَتَوْحِيده وَذِكْره وَعِبَادَته هُوَ غَايَة الْخَلْق الَّتِي خُلِقُوا لَهَا
وَتَبْوِيب أَبِي دَاوُدَ إِنَّمَا هُوَ عَلَى الْمَرْتَبَة الْأُولَى
وَالْحَدِيث إِنَّمَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ الذِّكْر أَفْضَل مِنْ الْإِنْفَاق فِي سَبِيل اللَّه فَهُوَ كَحَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاء
وَقَدْ يَحْتَمِل الْحَدِيث أَنْ يَكُون مَعْنَاهُ أَنَّ الذِّكْر وَالصَّلَاة فِي سَبِيل اللَّه تُضَاعِف عَلَى النَّفَقَة فِي سَبِيل اللَّه فَيَكُون الظَّرْف مُتَعَلِّقًا بِالْجَمِيعِ وَاَللَّه أَعْلَم(7/127)
الْمَيِّتِ يُخْتَمُ عَلَى عَمَلِهِ) الْمُرَادُ بِهِ طَيُّ صَحِيفَتِهِ وَأَنْ لَا يُكْتَبَ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ عَمَلٌ وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ كُلُّ مَيِّتٍ بِغَيْرِ اللَّامِ وَهُوَ الصَّوَابُ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ لِأَنَّ كَلِمَةَ كُلٍّ إِذَا أُضِيفَتْ إِلَى نَكِرَةٍ فَهِيَ لِاسْتِغْرَاقِ أَفْرَادِهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الموت وَإِذَا أُضِيفَتْ إِلَى مُفْرَدٍ مَعْرِفَةٍ فَمُقْتَضَاهَا اسْتِغْرَاقُ أَجْزَائِهِ قَالَهُ الشَّيْخُ وَلِيُّ الدِّينِ الْعِرَاقِيُّ (إِلَّا الْمُرَابِطَ) هُوَ الْمُلَازِمُ لِلثَّغْرِ لِلْجِهَادِ
قَالَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ أَصْلُ الْمُرَابَطَةِ أَنْ يَرْبُطَ الْفَرِيقَانِ خُيُولَهُمْ فِي ثَغْرِ كُلٍّ مِنْهُمَا مُعِدٌّ لِصَاحِبِهِ فَسُمِّيَ الْمُقَامُ فِي الثُّغُورِ رِبَاطًا (يَنْمُو) أَيْ يَزِيدُ (إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) يَعْنِي أَنَّ ثَوَابَهُ يَجْرِي لَهُ دَائِمًا وَلَا يَنْقَطِعُ بِمَوْتِهِ (وَيُؤَمَّنُ) بِضَمٍّ فَفَتْحٍ فَتَشْدِيدٍ (مِنْ فَتَّانِ الْقَبْرِ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَتَشْدِيدِ الْفَوْقِيَّةِ لِلْمُبَالَغَةِ مِنَ الْفِتْنَةِ
وَقِيلَ بِضَمٍّ فَتَشْدِيدٍ جَمْعُ فَاتِنٍ قَالَهُ فِي فَتْحِ الْوَدُودِ
وَقَالَ الْعَزِيزِيُّ أَيْ فَتَّانِيهِ وَهُمَا مُنْكَرٌ وَنَكِيرٌ قَالَ الْعَلْقَمِيُّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّ الْمَلَكَيْنِ لَا يَجِيئَانِ إِلَيْهِ وَلَا يَخْتَبِرَانِهِ بَلْ يَكْفِي مَوْتُهُ مُرَابِطًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ شَاهِدًا عَلَى صِحَّةِ إِيمَانِهِ
وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُمَا يَجِيئَانِ إِلَيْهِ لَكِنْ لَا يَضُرَّانِهِ وَلَا يَحْصُلُ بِسَبَبِ مَجِيئِهِمَا فِتْنَةٌ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ
وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ
8 - (بَابٌ فِي فَضْلِ الْحَرْسِ)
[2501] إِلَخْ الْحَرْسُ بِالْفَتْحِ وَالْحِرَاسَةُ بِالْكَسْرِ نكاهباني كردن
(أَخْبَرَنَا مُعَاوِيَةُ يَعْنِي بن سَلَّامٍ) بِتَشْدِيدِ اللَّامِ (عَنْ زَيْدٍ) هُوَ أَخُو مُعَاوِيَةَ الْمَذْكُورِ (سَمِعَ أَبَا سَلَّامٍ) اسْمُهُ مَمْطُورٌ وَهُوَ جَدُّ معاوية وزيد المذكورين (سهل بن الْحَنْظَلِيَّةِ) صَحَابِيٌّ أَنْصَارِيٌّ وَالْحَنْظَلِيَّةُ أُمُّهُ وَاخْتُلِفَ فِي اسْمِ أَبِيهِ
قَالَهُ الْحَافِظُ (فَأَطْنَبُوا السَّيْرَ) أَيْ بَالَغُوا فِيهِ وَتَبِعَ بَعْضُ الْإِبِلِ بَعْضًا قَالَ الْجَوْهَرِيُّ أَطْنَبَ فِي الْكَلَامِ بَالَغَ فِيهِ وَأَطْنَبَتِ الْإِبِلُ إِذَا تَبِعَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِي السَّيْرِ انْتَهَى (عَشِيَّةً بِالنَّصْبِ) عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ كَانَ وَاسْمُهَا مَحْذُوفٌ أَيْ كَانَ الْوَقْتُ عَشِيَّةً كَذَا ضَبَطْنَاهُ فِي أَصْلِنَا كَذَا فِي مِرْقَاةِ الصُّعُودِ (فارس(7/128)
أَيْ رَاكِبُ الْفَرَسِ (طَلَعْتُ جَبَلَ كَذَا) أَيْ عَلَوْتُهُ (فَإِذَا أَنَا بِهَوَازِنَ) قَبِيلَةٌ (عَلَى بَكْرَةِ آبَائِهِمْ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْكَافِ أَيْ أَنَّهُمْ جاؤوا جَمِيعًا لَمْ يَتَخَلَّفْ أَحَدٌ مِنْهُمْ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ وبن الْأَثِيرِ كَلِمَةٌ لِلْعَرَبِ يُرِيدُونَ بِهَا الْكَثْرَةَ وَالْوُفُورَ في العدد وأنهم جاؤوا لَمْ يَتَخَلَّفْ مِنْهُمْ أَحَدٌ وَلَيْسَ هُنَاكَ بَكْرَةٌ فِي الْحَقِيقَةِ وَهِيَ الَّتِي يُسْتَقَى عَلَيْهَا الْمَاءُ كَذَا فِي مِرْقَاةِ الصُّعُودِ
وَقَالَ فِي الْمَجْمَعِ عَلَى بِمَعْنَى مَعَ وَهُوَ مَثَلٌ وَأَصْلُهُ أَنَّ جَمْعًا عَرَضَ لَهُمُ انْزِعَاجٌ فَارْتَحَلُوا جَمِيعًا حَتَّى أَخَذُوا بَكْرَةَ أَبِيهِمْ (بِظَعْنِهِمْ) الظَّعْنُ النِّسَاءُ وَاحِدَتُهَا ظَعِينَةٌ (وَنَعَمِهِمْ) النَّعَمُ بِفَتْحَتَيْنِ وَقَدْ يُسَكَّنُ عَيْنُهُ الْإِبِلُ وَالشَّاءُ أَوْ خَاصٌّ بِالْإِبِلِ (وَشَائِهِمْ) جَمْعُ شَاةٍ (هَذَا الشِّعْبُ) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ مَا انْفَرَجَ بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ (وَلَا تَغُرَّنَ) بِصِيغَةِ المتكلم مع الغير على البناء للمفعول عن الْغُرُورِ فِي آخِرِهِ نُونٌ ثَقِيلَةٌ أَيْ لَا يَجِيئُنَا الْعَدُوُّ مِنْ قِبَلِكَ عَلَى غَفْلَةٍ كَذَا فِي فَتْحِ الْوَدُودِ
وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ لَا يُغَرَّنَ وَالظَّاهِرُ هُوَ الْأَوَّلُ (هَلْ أَحْسَسْتُمْ) مِنَ الْإِحْسَاسِ وَهُوَ الْعِلْمُ بِالْحَوَاسِّ وَهِيَ الْمَشَاعِرُ الْخَمْسُ الظَّاهِرَةُ (فَثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ) أَيْ أُقِيمَتْ (يَتَلَفَّتُ) مِنْ بَابِ التَّفَعُّلِ أَيْ يَلْتَفِتُ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ مِنْ بَابِ الِافْتِعَالِ (أَوْ قَاضِيًا حَاجَةً) أَيْ مِنْ بَوْلٍ وَغَائِطٍ (قَدْ(7/129)
أَوْجَبْتَ) أَيْ عَمِلْتَ عَمَلًا يُوجِبُ لَكَ الْجَنَّةَ (فَلَا عَلَيْكَ إِلَخْ) أَيْ لَا ضَرَرَ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ فِي تَرْكِ الْعَمَلِ بَعْدَ هَذِهِ الْحِرَاسَةِ لِأَنَّهَا تَكْفِيكَ لِدُخُولِ الْجَنَّةِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
9 - (بَاب كَرَاهِيَةِ تَرْكِ الْغَزْوِ)
[2502] (عَنْ سُمَيٍّ) بِالتَّصْغِيرِ (وَلَمْ يُحَدِّثْ نَفْسَهُ) بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ بِهِ أَوْ بِنَزْعِ الْخَافِضِ أَيْ فِي نَفْسِهِ وَبِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ فَاعِلٌ (عَلَى شُعْبَةٍ مِنْ نِفَاقٍ) أَيْ عَلَى نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِهِ
وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ فَنَرَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ النَّوَوِيُّ وهذا الذي قاله بن الْمُبَارَكِ مُحْتَمَلٌ وَقَدْ قَالَ غَيْرُهُ إِنَّهُ عَامٌّ وَالْمُرَادُ أَنَّ مَنْ فَعَلَ هَذَا فَقَدْ أَشْبَهَ الْمُنَافِقِينَ الْمُخَلَّفِينَ عَنِ الْجِهَادِ فِي هَذَا الْوَصْفِ فمن تَرْكَ الْجِهَادِ أَحَدُ شُعَبِ النِّفَاقِ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَفِي مُسْلِمٍ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ فَنَرَى شَأْنَ ذَلِكَ كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
[2503] (الْجُرْجُسِيُّ) بِجِيمَيْنِ مَضْمُومَتَيْنِ بَيْنَهُمَا رَاءٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ مُهْمَلَةٌ (أَصَابَهُ اللَّهُ بِقَارِعَةٍ) أَيْ بِدَاهِيَةٍ مُهْلِكَةٍ قَرَعَهُ أَمْرٌ إِذَا أَتَاهُ فَجْأَةً وَجَمْعُهَا قَوَارِعُ كَذَا فِي الْمَجْمَعِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وأخرجه بن مَاجَهْ وَالْقَاسِمُ فِيهِ مَقَالٌ(7/130)
[2504] (جَاهِدُوا الْمُشْرِكِينَ إِلَخْ) قَالَ فِي السُّبُلِ الْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الْجِهَادِ بِالنَّفْسِ وَهُوَ بِالْخُرُوجِ وَالْمُبَاشَرَةِ لِلْكُفَّارِ وَبِالْمَالِ وَهُوَ بَذْلُهُ لِمَا يَقُومُ بِهِ مِنْ النَّفَقَةِ فِي الْجِهَادِ وَالسِّلَاحِ وَنَحْوِهِ وباللسان بإقامة الحجة عليهم ودعاؤهم إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَالزَّجْرِ وَنَحْوِهِ مِنْ كُلِّ مَا فِيهِ نِكَايَةٌ لِلْعَدُوِّ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالح انْتَهَى مُخْتَصَرًا
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ
0
( [2505] بَاب في نسخ نَفِيرِ الْعَامَّةِ بِالْخَاصَّةِ النَّفِيرُ)
بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْفَاءِ الْخُرُوجُ إِلَى قِتَالِ الْكُفَّارِ
وَأَصْلُ النَّفِيرِ مُفَارَقَةُ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ لِأَمْرٍ حَرَّكَ ذَلِكَ
(إِلَّا) بِإِدْغَامِ نُونِ إِنِ الشَّرْطِيَّةِ فِي لَا (تَنْفِرُوا) تَخْرُجُوا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْجِهَادِ وَهَذِهِ الْآيَةُ فِي سُورَةِ التَّوْبَةِ (ما كان لأهل المدينة) وَبَعْدَهُ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عن رسول الله إِذَا غَزَا وَهَذِهِ الْآيَةُ أَيْضًا فِي سُورَةِ التوبة في اخرها (نسختها) أي الآية وما كان لأهل المدينة إلخ مع الآية إلا تنفروا إِلَخْ وَكَانَ الظَّاهِرُ أَنْ يَقُولَ نَسَخَتْهَا (الْآيَةُ التي تليها) الضمير المنصوب راجع إلى وما كان لأهل المدينة الآية (وما كان المؤمنون لينفروا كافة) أَيْ لِيَخْرُجُوا إِلَى الْغَزْوِ جَمِيعًا وَبَعْدَهُ (فَلَوْلَا) أَيْ فَهَلَّا (نَفَرَ) أَيْ خَرَجَ (مِنْ كُلِّ فرقة) أَيْ قَبِيلَةٍ (طَائِفَةٌ) جَمَاعَةٌ وَمَكَثَ الْبَاقُونَ (لِيَتَفَقَّهُوا) أَيِ الْمَاكِثُونَ (فِي الدِّينِ) الْآيَةَ
وَقَالَ فِي مَعَالِمِ التَّنْزِيلِ اخْتَلَفُوا فِي حُكْمِ هَذِهِ الْآيَةِ يعني وما كان لأهل المدينة الْآيَةَ
قَالَ قَتَادَةُ هَذِهِ خَاصَّةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا غَزَا بِنَفْسِهِ فَلَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَخَلَّفَ عَنْهُ إِلَّا لِعُذْرٍ فَأَمَّا غَيْرُهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ وَالْوُلَاةِ فَيَجُوزُ لِمَنْ شَاءَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَتَخَلَّفَ عَنْهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُسْلِمِينَ إِلَيْهِ ضَرُورَةٌ
وَقَالَ الوليد بن مسلم سمعت الأوزاعي وبن المبارك وبن جَابِرٍ وَسَعِيدَ بْنَ(7/131)
عَبْدِ الْعَزِيزِ يَقُولُونَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ إِنَّهَا لأول هذه الأمة واخرها
وقال بن زَيْدٍ هَذَا حِينَ كَانَ أَهْلُ الْإِسْلَامِ قَلِيلًا فَلَمَّا كَثُرُوا نَسَخَهَا اللَّهُ تَعَالَى وَأَبَاحَ التَّخَلُّفَ لِمَنْ شَاءَ فَقَالَ وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كافة انْتَهَى
[2506] وَقَالَ الطَّبَرِيُّ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ (إِلَّا تنفروا يعذبكم عذابا أليما) خَاصًّا وَالْمُرَادُ بِهِ مَنِ اسْتَنْفَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَامْتَنَعَ
قَالَ الْحَافِظُ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهَا مَخْصُوصَةٌ وَلَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ
وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ
(فَأُمْسِكَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (وَكَانَ) أَيْ إِمْسَاكُ الْمَطَرِ (عَذَابَهُمْ) بِالنَّصْبِ خَبَرُ كَانَ
وَالْحَدِيثُ سكت عنه المنذري
01 - (باب الرُّخْصَةِ فِي الْقُعُودِ مِنْ الْعُذْرِ)
[2507] (فَغَشِيَتْهُ) أَيْ سَتَرَتْهُ وَغَطَّتْهُ (السَّكِينَةُ) يُرِيدُ مَا عَرَضَ لَهُ مِنَ السُّكُونِ عِنْدَ نُزُولِ الْوَحْيِ
قَالَهُ فِي الْمَجْمَعِ (أَثْقَلَ مِنْ فَخِذِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَكَانَ ثِقَلُ فَخِذِهِ الشَّرِيفَةِ مِنْ ثِقَلِ الْوَحْيِ (ثُمَّ سُرِّيَ) أَيْ كُشِفَ وَأُزِيلَ مَا نَزَلَ بِهِ مِنْ بُرَحَاءِ الْوَحْيِ (فلما قضي) أي بن مَكْتُومٍ (الْآيَةَ كُلَّهَا) أَيْ(7/132)
قَرَأَ الْآيَةَ كُلَّهَا (فَأَنْزَلَهَا) أَيْ غَيْرُ أُولِي الضرر (فَأَلْحَقْتُهَا) أَيْ كَتَبْتُهَا فِي مَوْضِعِهَا (إِلَى مُلْحَقِهَا) بضم الميم أو فتحها أي موضع الحاق أَوِ اللُّحُوقِ (عِنْدَ صَدْعٍ) أَيْ شَقٍّ وَكَأَنَّ الْكَتِفَ كَانَ فِيهِ شَقٌّ
قَالَهُ فِي فَتْحِ الْوَدُودِ
قَالَ الْقَسْطَلَّانِيُّ إِنَّ اسْتِثْنَاءَ أُولِي الضَّرَرِ يُفْهِمُ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الْقَاعِدِينَ لِلْعُذْرِ وَبَيْنَ الْمُجَاهِدِينَ إِذِ الْحُكْمُ الْمُتَقَدِّمُ عَدَمُ الِاسْتِوَاءِ فَيَلْزَمُ ثُبُوتُ الِاسْتِوَاءِ لِمَنِ اسْتَثْنَى ضَرُورَةَ أَنَّهُ لَا وَاسِطَةَ بَيْنَ الِاسْتِوَاءِ وَعَدَمِهِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ وَقَدْ تَكَلَّمَ فيه غير واحدة وَوَثَّقَهُ الْإِمَامُ مَالِكٌ وَقَدِ اسْتَشْهَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ وَقَدْ أَشَارَ مُسْلِمٌ إِلَى حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ هَذَا وَالْمُتَابَعَةُ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ بِنَحْوِهِ
[2508] (إِلَّا وَهُمْ مَعَكُمْ فِيهِ) أَيْ فِي ثَوَابِهِ (حَبَسَهُمُ الْعُذْرُ) أَيْ مَنَعَهُمْ عَنِ الْخُرُوجِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ تعليقا وأخرجه مسلم وبن مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سُفْيَانَ طَلْحَةَ بْنِ نَافِعٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بِنَحْوِهِ
02 - (بَاب مَا يُجْزِئُ مِنْ الْغَزْوِ)
[2509] (مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا) أَيْ هَيَّأَ لَهُ أَسْبَابَ سَفَرِهِ وَمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ (فَقَدْ غَزَا) أَيْ حُكْمًا(7/133)
وَحَصَلَ لَهُ ثَوَابُ الْغُزَاةِ (وَمَنْ خَلَفَهُ فِي أَهْلِهِ) قَالَ الْقَاضِي يُقَالُ خَلَفَهُ فِي أَهْلِهِ إِذَا قَامَ مَقَامَهُ فِي إِصْلَاحِ حَالِهِمْ وَمُحَافَظَةِ أَمْرِهِمْ أَيْ مَنْ تَوَلَّى أَمْرَ الْغَازِي وَنَابَ مَنَابَهُ فِي مُرَاعَاةِ أَهْلِهِ زَمَانَ غَيْبَتِهِ شَارَكَهُ فِي الثَّوَابِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ
[2510] (بَعَثَ) أَيْ جَيْشًا (إِلَى بَنِي لِحْيَانَ) بِكَسْرِ اللَّامِ (كَانَ لَهُ مِثْلُ نِصْفِ أَجْرِ الْخَارِجِ) فَإِنْ قُلْتَ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِمَنْ خَلَفَ الْغَازِي فِي أَهْلِهِ مِثْلَ أَجْرِهِ فَمَا التَّوْفِيقُ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ قُلْتُ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ لَفْظَةُ نِصْفِ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مقحمة من بعض الرواة
وقال الحافظ لاحاجة لِدَعْوَى زِيَادَتِهَا بَعْدَ ثُبُوتِهَا فِي الصَّحِيحِ وَالَّذِي يَظْهَرُ فِي تَوْجِيهِهَا أَنَّهَا أُطْلِقَتْ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَجْمُوعِ الثَّوَابِ الْحَاصِلِ لِلْغَازِي وَالْخَالِفِ لَهُ بِخَيْرٍ فَإِنَّ الثَّوَابَ إِذَا انْقَسَمَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ كَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا مِثْلُ مَا لِلْآخَرِ فَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ
03 - (بَاب فِي الْجُرْأَةِ وَالْجُبْنِ)
[2511] (شُحٌّ هَالِعٌ) قَالَ الخطابي أصل الهلع الجزع والهالع ها هنا ذُو الْهَلَعِ وَيُقَالُ إِنَّ الشُّحَّ أَشَدُّ مِنَ الْبُخْلِ الَّذِي يَمْنَعُهُ مِنْ إِخْرَاجِ الْحَقِّ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ فَإِذَا اسْتُخْرِجَ مِنْهُ هَلَعَ وَجَزَعَ انْتَهَى
وَقَالَ فِي الْمَجْمَعِ الْهَلَعُ أَشَدُّ الْجَزَعِ وَالضَّجَرِ (وَجُبْنٌ خَالِعٌ) أَيْ شَدِيدٌ كَأَنَّهُ يَخْلَعُ فُؤَادَهُ(7/134)
مِنْ شِدَّةِ خَوْفِهِ وَالْمُرَادُ بِهِ مَا يَعْرِضُ مِنْ نَوَازِعِ الْأَفْكَارِ وَضَعْفِ الْقَلْبِ عِنْدَ الْخَوْفِ
كَذَا فِي الْمَجْمَعِ
وَقَوْلُهُ شَرُّ مَا فِي رَجُلٍ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ قَوْلُهُ شُحٌّ هَالِعٌ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ طَاهِرٍ وَهُوَ إِسْنَادٌ مُتَّصِلٌ وَقَدِ احْتَجَّ مُسْلِمٌ بِمُوسَى بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ
[2512] 104 بَابٌ في قوله عزوجل ولا تلقوا بأيديكم أي أنفسكم والباء زائدة
إلى التهلكة أَيِ الْهَلَاكِ بِالْإِمْسَاكِ عَنِ النَّفَقَةِ فِي الْجِهَادِ أَوْ تَرْكِهِ لِأَنَّهُ يُقَوِّي الْعَدُوَّ عَلَيْكُمْ كَذَا فِي الْجَلَالَيْنِ (غَزَوْنَا) أَيْ خَرَجْنَا بِقَصْدِ الْغَزْوِ (نُرِيدُ الْقُسْطَنْطِينِيَّةَ) فِي الْقَامُوسِ قُسْطَنْطِينَةُ أَوْ قُسْطَنْطِينِيَّةُ بزيادة ياء مشددة وقد يضم الطَّاءُ الْأُولَى مِنْهَا دَارُ مَلِكِ الرُّومِ (وَعَلَى الْجَمَاعَةِ) أَيْ أَمِيرِهِمْ هَذَا لَفْظُ الْمُؤَلِّفِ وَعِنْدَ الترمذي وعلى أهل مصر عقبة بن عامة وَعَلَى الْجَمَاعَةِ فَضَالَةُ بْنُ عُبَيْدٍ (وَالرُّومُ مُلْصِقُو ظُهُورِهِمْ بِحَائِطِ) أَيْ بِجِدَارِ (الْمَدِينَةِ) أَيَ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ
وَالْمَعْنَى أَنَّ أَهْلَ الرُّومِ كَانُوا مُسْتَعِدِّينَ لِلْقِتَالِ وَمُنْتَظِرِينَ لِخُرُوجِ الْمُسْلِمِينَ مُلْصِقِينَ ظُهُورَهُمْ بِجِدَارِ الْبَلْدَةِ (مَهْ مَهْ) أَيِ اكْفُفْ (مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ) بِالنَّصْبِ عَلَى الِاخْتِصَاصِ (هَلُمَّ) أَيْ تَعَالَ مُرَكَّبَةٌ مِنْ هَاءِ التَّنْبِيهِ وَمِنْ لُمَّ أَيْ ضُمَّ نَفْسَكَ إِلَيْنَا يَسْتَوِي فِيهِ الْوَاحِدُ وَالْجَمْعُ وَالتَّذْكِيرُ وَالتَّأْنِيثُ عِنْدَ الْحِجَازِيِّينَ (وَنَدَعُ الْجِهَادَ) بِفَتْحِ النُّونِ وَالدَّالِ أَيْ نَتْرُكُهُ
وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِلْقَاءِ إِلَى التَّهْلُكَةِ هُوَ الْإِقَامَةُ فِي الْأَهْلِ وَالْمَالِ وَتَرْكِ الْجِهَادِ وَقِيلَ هُوَ(7/135)
الْبُخْلُ وَتَرْكُ الْإِنْفَاقِ فِي الْجِهَادِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَفِي حَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ فَضَالَةُ بْنُ عُبَيْدٍ بَدَلُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ
انْتَهَى كَلَامُ الْمُنْذِرِيِّ
05 - (بَاب فِي الرَّمْيِ (بِالسَّهْمِ الْوَاحِدِ))
[2513] أَيْ بِسَبَبِ رَمْيِهِ عَلَى الْكُفَّارِ
قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ السَّهْمُ وَاحِدٌ مِنَ النَّبْلِ وَقِيلَ السَّهْمُ نَفْسُ النَّصْلِ
وَقَالَ النَّبْلُ السِّهَامُ الْعَرَبِيَّةُ وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ وَلَا وَاحِدَ لَهَا مِنْ لَفْظِهَا بَلِ الْوَاحِدُ سَهْمٌ فَهِيَ مُفْرَدَةُ اللَّفْظِ مَجْمُوعَةُ الْمَعْنَى (ثَلَاثَةَ نَفَرٍ الْجَنَّةَ) بِالنَّصْبِ فِيهِمَا عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ (صَانِعَهُ) بَدَلُ بَعْضٍ مِنْ ثَلَاثَةٍ (يَحْتَسِبُ فِي صَنْعَتِهِ الْخَيْرَ) أَيْ حَالَ كَوْنِهِ يَطْلُبُ فِي صَنْعَةِ السَّهْمِ الثَّوَابَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى (وَالرَّامِيَ بِهِ) أَيْ كَذَلِكَ مُحْتَسِبًا وَكَذَا قَوْلُهُ (وَمُنَبِّلَهُ) بِتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ وَيُخَفَّفُ أَيْ مُنَاوِلَ النَّبْلِ فَفِي النِّهَايَةِ نَبَّلْتُ الرَّجُلَ بِالتَّشْدِيدِ إِذَا نَاوَلْتَهُ النَّبْلَ لِيَرْمِيَ بِهِ وَكَذَلِكَ أَنَبَلْتُهُ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدِهِمَا أَنْ يَقُومَ مَعَ الرَّامِي بِجَنْبِهِ أَوْ خَلْفِهِ وَمَعَهُ عَدَدٌ مِنَ النَّبْلِ فَيُنَاوِلَهُ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ وَالْوَجْهِ الآخر أن يرد عليه النبل الْمَرْمِيَّ بِهِ (لَيْسَ مِنَ اللَّهْوِ إِلَّا ثَلَاثٌ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ يُرِيدُ لَيْسَ الْمُبَاحَ مِنَ اللَّهْوِ إِلَّا ثَلَاثٌ
قَالَ فِي مِرْقَاةِ الصُّعُودِ وَعَلَى هذا ففيه حذف اسم ليبس وَلَمْ يُجِزْهُ النُّحَاةُ وَلَا حَذْفَ خَبَرِهَا وَالِاقْتِصَارُ عَلَى الِاسْمِ
وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ بِلَفْظِ كُلُّ شَيْءٍ يَلْهُو بِهِ الرَّجُلُ فَهُوَ بَاطِلٌ إِلَّا رَمْيَهُ بِقَوْسِهِ وَتَأْدِيبَهُ فَرَسَهُ وَمُلَاعَبَتَهُ امْرَأَتَهُ فَإِنَّهُنَّ مِنَ الْحَقِّ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ لَا إِشْكَالَ فِيهَا وَبِهَا يُعْرَفُ أَنَّ الْأَوَّلَ مِنْ تصرف الرواة
وقال بن مَعْنٍ فِي التَّنْقِيبِ فِي شَرْحِ اللَّفْظِ الْأَوَّلِ يَعْنِي لَيْسَ مِنْ اللَّهْوِ الْمُسْتَحَبِّ انْتَهَى (تَأْدِيبُ الرَّجُلِ فَرَسَهُ) أَيْ تَعْلِيمُهُ إِيَّاهُ بِالرَّكْضِ وَالْجَوَلَانِ عَلَى نِيَّةِ الْغَزْوِ(7/136)
(رَغْبَةً عَنْهُ) أَيْ إِعْرَاضًا عَنْهُ (أَوْ قَالَ كَفَرَهَا) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي أَيْ سَتَرَ تِلْكَ النِّعْمَةَ أَوْ مَا قَامَ يَشْكُرُهَا مِنَ الْكُفْرَانِ ضِدِّ الشُّكْرِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ
وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شِمَاسَةَ عَنْ مَرْثَدٍ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ عَلِمَ الرَّمْيَ ثُمَّ تَرَكَهُ فَلَيْسَ مِنَّا وَقَدْ عَصَى
[2514] (ما استطعتم من قوة) قال الطيبي ما موصولة والعائد محذوف ومن قوة بَيَانٌ لَهُ فَالْمُرَادُ هُنَا نَفْسُ الْقُوَّةِ وَفِي هَذَا الْبَيَانِ وَالْمُبَيَّنِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ هَذِهِ الْعُدَّةَ لَا تَسْتَتِبُّ بِدُونِ الْمُعَالَجَةِ وَالْإِدْمَانِ الطَّوِيلِ وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ عُدَّةِ الْحَرْبِ وَأَدَاتِهَا أَحْوَجَ إِلَى الْمُعَالَجَةِ وَالْإِدْمَانِ عَلَيْهَا مِثْلَ الْقَوْسِ وَالرَّمْيِ بِهَا وَلِذَلِكَ كَرَّرَ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ تَفْسِيرَ الْقُوَّةِ بِالرَّمْيِ بِقَوْلِهِ (أَلَا) لِلتَّنْبِيهِ (إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ) أَيْ هُوَ الْعُمْدَةُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وأخرجه مسلم وبن ماجه
06 - (باب فيمن يَغْزُو وَيَلْتَمِسُ الدُّنْيَا)
[2515] (الْغَزْوُ غَزْوَانِ) أَيْ نَوْعَانِ (ابْتَغَى وَجْهَ اللَّهِ) أَيْ طَلَبَ رِضَاهُ (وَأَنْفَقَ الْكَرِيمَةَ) أَيِ النَّفِيسَةَ الْجَيِّدَةَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ قاله في المجمع
وقال القارىء أَيِ الْمُخْتَارَةُ مِنْ مَالِهِ وَقَتَلَ نَفْسَهُ وَالتَّاءُ لِلنَّقْلِ مِنَ الْوَصْفِيَّةِ إِلَى الِاسْمِيَّةِ (وَيَاسَرَ الشَّرِيكَ) مِنَ الْمُيَاسَرَةِ بِمَعْنَى الْمُسَاهَلَةِ أَيْ سَاهَلَ(7/137)
الرَّفِيقَ وَعَامَلَهُ بِالْيُسْرِ (وَنَبَّهَهُ) بِفَتْحِ النُّونِ أَيِ انْتِبَاهُهُ (كُلُّهُ) ضُبِطَ بِالرَّفْعِ وَالنَّصْبِ فَالرَّفْعُ عَلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ وَالْجُمْلَةُ خَبَرُ إِنَّ أَيْ كُلُّ مَا ذُكِرَ أَجْرٌ مُبَالَغَةٌ كَرَجُلٍ عَدْلٍ وَالنَّصْبُ عَلَى أَنَّهُ تَأْكِيدٌ لِاسْمِ إن أتي به بعد الخبر
قال القارىء وَفِي جَوَازِهِ مَحَلُّ نَظَرٍ
وَقَالَ الطِّيبِيُّ التَّقْدِيرُ أَعْنِي كُلَّهُ فَيَكُونُ جُمْلَةً مُؤَكَّدَةً (فَإِنَّهُ لَمْ يَرْجِعْ بِالْكَفَافِ) أَيْ لَمْ يَرْجِعْ لَا عَلَيْهِ وَلَا لَهُ مِنْ ثَوَابِ تِلْكَ الْغَزْوَةِ وَعِقَابِهَا بَلْ يَرْجِعُ وَقَدْ لَزِمَهُ الْإِثْمُ لِأَنَّ الطَّاعَاتَ إِذَا لَمْ تَقَعْ بِصَلَاحِ سَرِيرَةٍ انْقَلَبَتْ مَعَاصِيَ وَالْعَاصِي آثِمٌ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَفِي إِسْنَادِهِ بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ وَفِيهِ مَقَالٌ
[2516] (عَنِ بن مِكْرَزٍ) قِيلَ هُوَ أَيُّوبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مِكْرَزٍ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَالصَّحِيحُ يَزِيدُ بْنُ مِكْرَزٍ كَمَا قَالَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ
ذَكَرَهُ فِي الْخُلَاصَةِ (وَهُوَ يَبْتَغِي) أَيْ يَطْلُبُ وَالْوَاوُ لِلْحَالِ (عَرَضًا مِنْ عَرَضِ الدُّنْيَا) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالرَّاءِ أَيْ مَتَاعَهَا وَحُطَامَهَا (فَأَعْظَمَ) أَيِ اسْتَعْظَمَ (ذَلِكَ) أَيْ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا أَجْرَ لَهُ (عُدْ) أَمْرٌ مِنَ الْعَوْدِ (فَلَعَلَّكَ لَمْ تَفْهَمْهُ) مِنْ بَابِ التَّفْعِيلِ
فِي الْقَامُوسِ اسْتَفْهَمَنِي فَأَفْهَمْتُهُ وَفَهَّمْتُهُ وَالضَّمِيرُ الْمَنْصُوبُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُرَادُ عِدْ سُؤَالَكَ فَلَعَلَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَفْهَمْهُ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ(7/138)
107 - (باب من قاتل الخ (إِنَّ الرَّجُلَ يُقَاتِلُ لِلذِّكْرِ))
[2517] أَيْ لِيُذْكَرَ بَيْنَ النَّاسِ (لِيُحْمَدَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ لِيُوصَفَ بِالشُّجَاعَةِ (لِيَرَى) بِصِيغَةِ الْمَعْلُومِ مِنَ الْإِرَاءَةِ وَالضَّمِيرُ لِلرَّجُلِ (مَكَانَهُ) بِالنَّصْبِ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ أَيْ مَرْتَبَتَهُ فِي الشُّجَاعَةِ (كَلِمَةُ اللَّهِ) أَيْ كَلِمَةَ التَّوْحِيدِ وَهِيَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ (فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) أَيْ لَا غَيْرُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ
[2519] (عَنْ حَنَانِ بْنِ خَارِجَةَ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ النُّونِ (صَابِرًا مُحْتَسِبًا) أَيْ طَالِبًا أجرك من الله تعالى وقال القارىء أَيْ خَالِصًا لِلَّهِ تَعَالَى وَهُمَا حَالَانِ مُتَرَادِفَانِ أَوْ مُتَدَاخِلَانِ (بَعَثَكَ اللَّهُ صَابِرًا مُحْتَسِبًا) أَيْ مُتَّصِفًا بِهَذَيْنِ الْوَصْفَيْنِ (وَإِنْ قَاتَلْتَ مُرَائِيًا مُكَاثِرًا) قَالَ الطِّيبِيُّ التَّكَاثُرُ التَّبَارِي فِي الْكَثْرَةِ وَالتَّبَاهِي بها
وقال بن الْمَلَكِ قَوْلُهُ مُكَاثِرًا أَيْ مُفَاخِرًا
وَقِيلَ هُوَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِغَيْرِهِ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَعَدَدًا أَيْ غَزَوْتَ لِيُقَالَ إِنَّكَ أَكْثَرُ جَيْشًا وَأَشْجَعُ أَنْ يُنَادَى عَلَيْكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ هَذَا غَزَا فَخْرًا وَرِيَاءً لَا مُحْتَسِبًا كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ(7/139)
108 - (بَاب فِي فَضْلِ الشَّهَادَةِ)
[2520] (لَمَّا أُصِيبَ إِخْوَانُكُمْ) أَيْ مِنْ سَعَادَةِ الشَّهَادَةِ (فِي جَوْفِ طَيْرٍ خُضْرٍ) أَيْ فِي أَجْوَافِ طُيُورٍ خُضْرٍ (تَرِدُ) مِنَ الْوُرُودِ (وَتَأْوِي) أَيْ تَرْجِعُ (إِلَى قَنَادِيلَ من ذهب معلقة) أي بمنزلة أو كار الطُّيُورِ (فَلَمَّا وَجَدُوا) أَيِ الشُّهَدَاءُ (طِيبَ مَأْكَلِهِمْ وَمَشْرَبِهِمْ وَمَقِيلِهِمْ) بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ أَيْ مَأْوَاهُمْ وَمُسْتَقَرِّهِمْ وَالثَّلَاثَةُ مَصَادِرُ مِيمِيَّةٌ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُرَادَ بِهَا الْمَكَانَ وَالزَّمَانَ وَأَصْلُ الْمَقِيلِ الْمَكَانُ الَّذِي يُؤْوَى إِلَيْهِ لِلِاسْتِرَاحَةِ وَقْتَ الظَّهِيرَةِ وَالنَّوْمِ فِيهِ (قَالُوا) جَوَابُ لَمَّا (مَنْ يُبَلِّغُ) مِنَ التَّبْلِيغِ أَوِ الْإِبْلَاغِ ضُبِطَ بِالْوَجْهَيْنِ أَيْ مَنْ يُوَصِّلُ (إِخْوَانَنَا) أَيِ الَّذِينَ فِي الدُّنْيَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (عَنَّا) أَيْ عَنْ قِبَلِنَا (لِئَلَّا يَزْهَدُوا) أَيْ إِخْوَانُنَا بَلْ لِيَرْغَبُوا (وَلَا يَنْكُلُوا) بِالنُّونِ وَضَمِّ الْكَافِ أَيْ لَا يَجْبُنُوا وَقَدْ أَطَالَ الْكَلَامَ فِيهِ الْقُرْطُبِيُّ فِي التَّذْكِرَةِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ النَّيْسَابُورِيُّ
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه اللَّه فَرَوَى مَسْرُوق قَالَ سَأَلْنَا عَبْد اللَّه عَنْ هَذِهِ الْآيَة {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيل اللَّه أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِنْد رَبّهمْ يُرْزَقُونَ} فَقَالَ أَمَّا إِنَّا قَدْ سَأَلْنَا عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ إِنَّ أَرْوَاحهمْ فِي جَوْف طَيْر خُضْر لَهَا قَنَادِيل مُعَلَّقَة بِالْعَرْشِ تَسْرَح فِي الْجَنَّة حَيْثُ شَاءَتْ ثُمَّ تَأْوِي إِلَى تَلِك الْقَنَادِيل فَاطَّلَعَ إِلَيْهِمْ رَبّكُمْ اِطِّلَاعَة فَقَالَ هَلْ تَشْتَهُونَ شَيْئًا فَقَالُوا أَيّ شَيْء نَشْتَهِي وَنَحْنُ فِي الْجَنَّة حَيْثُ شِئْنَا فَفَعَلَ ذَلِكَ بِهِمْ ثَلَاث مَرَّات فَلَمَّا رَأَوْا أَنَّهُمْ لَمْ يُتْرَكُوا مِنْ أَنْ يُسْأَلُوا قَالُوا يَا رَبّ نُرِيد أَنْ تَرُدّ أَرْوَاحنَا فِي أَجْسَادنَا حَتَّى نُقْتَل فِي سَبِيلك مَرَّة أُخْرَى فَلَمَّا رَأَى أَنْ لَيْسَ لَهُمْ حَاجَة تُرِكُوا(7/140)
فِي صَحِيحِهِ وَذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ إِدْرِيسَ تَفَرَّدَ بِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسحاق وغيره يرويه عن بن إِسْحَاقَ لَا يَذْكُرُ فِيهِ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ
وقد أخرج مُسْلِمُ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ
[2521] (الصَّرِيمِيَّةُ) بِفَتْحِ الصَّادِ وَكَسْرِ الرَّاءِ (حَدَّثَنَا عَمِّي) هُوَ أَسْلَمُ بْنُ سُلَيْمٍ قَالَهُ الْحَافِظُ (وَالْمَوْلُودُ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ هُوَ الطِّفْلُ الصَّغِيرُ وَالسِّقْطُ وَمَنْ لَمْ يُدْرِكِ الْحِنْثَ (وَالْوَئِيدُ) هُوَ الْمَوْءُودُ أَيِ الْمَدْفُونُ فِي الْأَرْضِ حَيًّا وَكَانُوا يَئِدُونَ الْبَنَاتِ وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يَئِدُ الْبَنِينَ أَيْضًا عِنْدَ الْمَجَاعَةِ وَالضِّيقِ يُصِيبُهُمْ
قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ
قَالَ المنذري عم حسناء هو أسلم بي سُلَيْمٍ وَهُمْ ثَلَاثَةُ إِخْوَةٍ الْحَارِثُ بْنُ سُلَيْمٍ وَمُعَاوِيَةُ بْنُ سُلَيْمٍ وَأَسْلَمُ بْنُ سُلَيْمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ
09 - (بَاب فِي الشَّهِيدِ يُشَفَّعُ)
[2522] (الذِّمَّارِيُّ) بِكَسْرِ مُعْجَمَةٍ عِنْدَ أَكْثَرِ الْمُحَدِّثِينَ وَفَتْحِهَا عِنْدَ بَعْضِهِمْ وَخِفَّةِ مِيمٍ نِسْبَةٌ إِلَى قَرْيَةٍ بِالْيَمَنِ وَقِيلَ هِيَ صَنْعَاءُ
كَذَا فِي الْمُغْنِي (وَنَحْنُ أَيْتَامٌ) جَمْعُ يَتِيمٍ (يُشَفَّعُ) بِصِيغَةِ
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
والظاهر والله أعلم أن المسؤول عن هذه الآية الذي أشار إليه بن مَسْعُود هُوَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَذَفَهُ لِظُهُورِ الْعِلْم بِهِ وَأَنَّ الْوَهْم لا يذهب إلى سواه وقد كان بن مَسْعُود يَشْتَدّ عَلَيْهِ أَنْ يَقُول قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ إِذَا سَمَّاهُ أَرْعَدَ وَتَغَيَّرَ لَوْنه وَكَانَ كَثِيرًا مَا يَقُول أَلْفَاظ الْحَدِيث مَوْقُوفَة وَإِذَا رَفَعَ مِنْهَا شَيْئًا تَحَرَّى فِيهِ وَقَالَ أَوْ شَبَه هَذَا أَوْ قَرِيبًا مِنْ هَذَا فَكَأَنَّهُ وَاَللَّه أَعْلَم جَرَى عَلَى عَادَته فِي هَذَا الْحَدِيث وَخَافَ أَنْ لَا يُؤَدِّيه بِلَفْظِهِ فَلَمْ يَذْكُر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالصَّحَابَة إِنَّمَا كَانُوا يَسْأَلُونَ عَنْ مَعَانِي الْقُرْآن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(7/141)
الْمَجْهُولِ مِنَ التَّشْفِيعِ أَيْ يَقْبَلُ شَفَاعَتَهُ (فِي سَبْعِينَ) أَيْ إِنْسَانًا (مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ) أَيْ مِنْ أُصُولِهِ وَفُرُوعِهِ وَزَوْجَاتِهِ وَغَيْرِهِمْ
قَالَ الْمُنَاوِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّبْعِينَ الْكَثْرَةُ لَا التَّحْدِيدُ (صَوَابُهُ رَبَاحُ بْنُ الْوَلِيدِ) أَيْ لَا الْوَلِيدُ بْنُ رَبَاحٍ
قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ رَبَاحُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ نَمِرَانَ وَقَلَبَهُ بَعْضُهُمْ فَقَالَ الْوَلِيدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ رَبَاحٍ
انْتَهَى
وَالْحَدِيثُ سَكَتَ الْمُنْذِرِيُّ
1
( [2523] بَابٌ فِي النُّورِ يرى بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ)
(عِنْدَ قَبْرِ الشَّهِيدِ) أَيْ لِبَعْضِ الشَّهِيدِ دُونَ بَعْضٍ وَكَانَتْ شَهَادَتُهُ بِأَيِّ وَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الشَّهَادَةِ
(لَا يَزَالُ يُرَى) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (عَلَى قَبْرِهِ) أَيْ قَبْرِ النَّجَاشِيِّ قَالَ فِي فَتْحِ الْوَدُودِ وَلَعَلَّ النَّجَاشِيُّ مَاتَ بِوَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الشَّهَادَةِ
انْتَهَى
وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ
[2524] (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رُبَيِّعَةَ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ ثَانِيهِ وَكَسْرِ التَّحْتَانِيَّةِ الْمُشَدَّدَةِ هُوَ بن فَرْقَدٍ السُّلَمِيُّ ذُكِرَ فِي الصَّحَابَةِ وَنَفَاهَا أَبُو حاتم ووثقه بن حِبَّانَ (آخَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ(7/142)
أَيْ جَعَلَ بَيْنَهُمَا أُخُوَّةً (فَقُتِلَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (وَأَلْحِقْهُ بِصَاحِبِهِ) أَيِ الْمَقْتُولَ (فَأَيْنَ صَلَاتُهُ) أَيِ الْآخَرِ (بَعْدَ صَلَاتِهِ) أَيِ الْمَقْتُولِ
قَالَ فِي الْمَجْمَعِ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يُفَضِّلُ زِيَادَةَ عَمَلِهِ بِلَا شَهَادَةٍ عَلَى عَمَلِهِ مَعَهَا
قُلْتُ قَدْ عَرَفَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ عَمَلَهُ بِلَا شَهَادَةٍ سَاوَى عَمَلَهُ مَعَهَا بِمَزِيدِ إِخْلَاصِهِ وَخُشُوعِهِ ثُمَّ زَادَ عَلَيْهِ بِمَا عَمِلَهُ بَعْدَهُ
وَكَمْ مِنْ شَهِيدٍ لَمْ يُدْرِكْ دَرَجَةَ الصِّدِّيقِ انْتَهَى (إِنَّ بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ الَّذِي قُتِلَ وَبَيْنَ الَّذِي مَاتَ بَعْدَهُ
وَالْحَدِيثُ يُطَابِقُ تَرْجَمَةَ الْبَابِ مِنْ حَيْثُ إِنَّ رُؤْيَةَ النُّورِ عِنْدَ كُلِّ شَهِيدٍ لَيْسَ بِلَازِمٍ وَلَا يَخْلُو هَذَا مِنَ التَّعَسُّفِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ
11 - (بَاب في الجعائل في الْغَزْوِ)
[2525] جَمْعٌ جُعْلٍ بِالضَّمِّ وَهُوَ مَا يُجْعَلُ لِلْعَامِلِ عَلَى عَمَلِهِ مِنَ الْأَجْرِ
(وَأَنَا لِحَدِيثِهِ) أَيْ لِحَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ حَرْبٍ (أَتْقَنُ) أَيْ أَضْبَطُ وَأَحْفَظُ (سُلَيْمَانُ بْنُ سُلَيْمٍ) بِالتَّصْغِيرِ (سَتَكُونُ) أَيْ تُوجَدُ وَتَقَعُ (جُنُودٌ) جَمْعُ جُنْدٍ أَيْ أَعْوَانٌ وَأَنْصَارٌ (مُجَنَّدَةٌ) بِتَشْدِيدِ النُّونِ الْمَفْتُوحَةِ أَيْ مُجْتَمِعَةٌ
وَفِي النِّهَايَةِ أَيْ مَجْمُوعَةٌ كَمَا يُقَالُ أُلُوفٌ مُؤَلَّفَةٌ وَقَنَاطِيرُ مُقَنْطَرَةٌ
وَفِي نُسْخَةِ الْخَطَّابِيِّ سَتَكُونُونَ جُنُودًا مُجَنَّدَةً (يُقْطَعُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ يُعَيَّنُ وَيُقَدَّرُ (فِيهَا) أَيْ فِي تِلْكَ الْجُنُودِ (بُعُوثًا) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَلَا يَظْهَرُ لَهُ وَجْهٌ وَفِي بَعْضِهَا بُعُوثٌ بِالرَّفْعِ وَهُوَ الصَّوَابُ وَهُوَ جَمْعُ بَعْثٍ بِمَعْنَى الْجَيْشِ يَعْنِي يَلْزَمُونَ أَنْ يُخْرِجُوا بُعُوثًا تَنْبَعِثُ مِنْ كُلِّ قَوْمٍ إِلَى الْجِهَادِ
قَالَ الْمُظْهِرُ يَعْنِي إِذَا بَلَغَ الْإِسْلَامُ فِي كُلِّ نَاحِيَةٍ يَحْتَاجُ الْإِمَامُ إِلَى أَنْ يُرْسِلَ فِي كُلِّ نَاحِيَةٍ جَيْشًا لِيُحَارِبَ مَنْ يَلِي(7/143)
تِلْكَ النَّاحِيَةَ الْكُفَّارَ كَيْلَا يَغْلِبَ كُفَّارُ تِلْكَ النَّاحِيَةِ عَلَى مَنْ فِي تِلْكَ النَّاحِيَةِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (الْبَعْثَ) أَيِ الْخُرُوجَ إِلَى الْغَزْوِ بِلَا أُجْرَةٍ (فَيَتَخَلَّصُ مِنْ قَوْمِهِ) أَيْ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنَ قَوْمِهِ وَيَفِرُّ طَلَبًا لِلْخَلَاصِ مِنَ الْغَزْوِ (ثُمَّ يَتَصَفَّحُ الْقَبَائِلَ يَعْرِضُ نَفْسَهُ عَلَيْهِمْ) أَيْ يَتَفَحَّصُ عَنْهَا وَيَتَسَاءَلُ فِيهَا
وَالْمَعْنَى أَنَّهُ بَعْدَ أَنْ فَارَقَ هَذَا الْكَسْلَانُ قَوْمَهُ كَرَاهِيَةَ الْغَزْوِ يَتَتَبَّعُ الْقَبَائِلَ طَالِبًا مِنْهُمْ أَنْ يَشْرِطُوا لَهُ شَيْئًا وَيُعْطُوهُ (مَنْ أَكْفِهِ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ بِحَذْفِ الْيَاءِ وَلَا وَجْهَ لَهُ وَفِي بَعْضِهَا أَكْفِيهِ بِالْيَاءِ وَهُوَ الصَّوَابُ وَالْمَعْنَى مَنْ يَأْخُذُنِي أَجِيرًا أَكْفِيهِ جَيْشَ كَذَا وَيَكْفِينِي هُوَ مُؤْنَتِي (أَلَا) لِلتَّنْبِيهِ (وَذَلِكَ) مُبْتَدَأٌ (الْأَجِيرُ) خَبَرُهُ وَتَعْرِيفُ الْخَبَرِ لِلْحَصْرِ أَيْ ذَلِكَ الرَّجُلُ الَّذِي كَرِهَ الْبَعْثَ تَطَوُّعًا أَجِيرٌ وَلَيْسَ بِغَازٍ فَلَا أَجْرَ لَهُ (إِلَى آخِرِ قَطْرَةٍ مِنْ دَمِهِ) أَيْ إِلَى الْقَتْلِ يَعْنِي أَنَّهُ وَإِنْ قُتِلَ فَهُوَ أَجِيرٌ لَيْسَ غَازِيًا
قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ أَرَادَ بِقَوْلِهِ هَذَا مَنْ حَضَرَ الْقِتَالَ رَغْبَةً فِيمَا عُقِدَ لَهُ مِنَ الْمَالِ لَا رَغْبَةً فِي الْجِهَادِ وَلِهَذَا سَمَّاهُ أَجِيرًا قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ عَقَدَ الْإِجَارَةِ عَلَى الْجِهَادِ غَيْرُ جَائِزٍ
وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْأَجِيرِ يَحْضُرُ الْوَقْعَةَ هَلْ يُسْهَمُ لَهُ فَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ الْمُسْتَأْجَرُ عَلَى خِدْمَةِ الْقَوْمِ لَا سَهْمَ لَهُ وَكَذَلِكَ قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ
قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ يُسْهَمُ لَهُ إِذَا غَزَا وَقَاتَلَ
وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يُسْهَمُ لَهُ إِذَا شَهِدَ وَكَانَ مَعَ النَّاسِ عِنْدَ الْقِتَالِ انْتَهَى
وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ
12 - (بَاب الرُّخْصَةِ فِي أخد الجعائل)
[2526] (عن الليث) حجاج بن محمد وبن وَهْبٍ كِلَاهُمَا يَرْوِيَانِ عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ (عن بن شُفَيٍّ) بِالْفَاءِ مُصَغَّرًا (لِلْغَازِي أَجْرُهُ) أَيِ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ لَهُ عَلَى غَزْوِهِ (وَلِلْجَاعِلِ) قَالَ الْمُنَاوِيُّ أَيِ الْمُجَهِّزُ الْغَازِيَ تَطَوُّعًا لَا اسْتِئْجَارًا لِعَدَمِ جَوَازِهِ (أَجْرُهُ) أَيْ ثَوَابُ مَا بَذَلَ مِنَ الْمَالِ (وَأَجْرُ(7/144)
الْغَازِي) أَيْ مِثْلُ أَجْرِهِ لِإِعَانَتِهِ عَلَى الْقِتَالِ
كذا في السراج المنير
وقال بن الْمَلَكِ الْجَاعِلُ مَنْ يَدْفَعُ جُعْلًا أَيْ أُجْرَةً إِلَى غَازٍ لِيَغْزُوَ وَهَذَا عِنْدَنَا صَحِيحٌ فَيَكُونُ لِلْغَازِي أَجْرُ سَعْيِهِ وَلِلْجَاعِلِ أَجْرَانِ أَجْرُ إِعْطَاءِ الْمَالِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأَجْرُ كَوْنِهِ سَبَبًا لِغَزْوِ ذَلِكَ الْغَازِي وَمَنَعَهُ الشَّافِعِيُّ وَأَوْجَبَ رَدَّهُ إن أخذه
ذكره القارىء
وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ(7/145)
113 - (باب في الرجل يغزو بأجر الخدمة)
[2527] (السَّيْبَانِيُّ) بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ وَبَيْنَهُمَا تَحْتَانِيَّةٌ وَسَيْبَانُ بَطْنٌ مِنْ حِمْيَرٍ
كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ (أن يعلى بن مُنْيَةَ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ النُّونِ بَعْدَهَا تَحْتَانِيَّةٌ مَفْتُوحَةٌ وَهِيَ أُمُّهُ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ يَعْلَى بْنُ أُمَيَّةَ وَهُوَ أَبُوهُ (أَذَّنَ) ضُبِطَ بِتَشْدِيدِ الذال المعجمة من التأذين
وقال القارىء بِالْمَدِّ أَيْ أَعْلَمَ أَوْ نَادَى (بِالْغَزْوِ) أَيْ بِالْخُرُوجِ لِلْغَزْوِ (فَالْتَمَسْتُ) أَيْ طَلَبْتُ (وَأُجْرِيَ) مِنَ الْإِجْرَاءِ أَيْ أُمْضِيَ (لَهُ سَهْمُهُ) أَيْ كَسَائِرِ الْغُزَاةِ (فَلَمَّا دَنَا) أَيْ قَرُبَ (أَتَانِي) أَيِ الرَّجُلُ (مَا) اسْتِفْهَامِيَّةٌ مُبْتَدَأٌ (السُّهْمَانُ) بِالضَّمِّ جَمْعُ سَهْمٍ خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ (فَسَمِّ) أَمْرٌ مِنَ التَّسْمِيَةِ أَيْ عَيِّنْ (فَلَمَّا حَضَرَتْ غَنِيمَتُهُ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ غَنِيمَةٌ بِغَيْرِ الضَّمِيرِ (أَمَرَهُ) أَيْ أَمَرَ الرَّجُلَ
فِي شَرْحِ السُّنَّةِ اخْتَلَفُوا فِي الْأَجِيرِ لِلْعَمَلِ وَحِفْظِ الدَّوَابِّ يَحْضُرُ الْوَاقِعَةَ هَلْ يُسْهَمُ لَهُ فَقِيلَ لَا سَهْمَ لَهُ قَاتَلَ أَوْ لَمْ يُقَاتِلْ إِنَّمَا لَهُ أُجْرَةُ عَمَلِهِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ وَإِسْحَاقَ وَأَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ
وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ يُسْهَمُ لَهُ وَإِنْ لَمْ يُقَاتِلْ إِذَا كَانَ مَعَ النَّاسِ عِنْدَ الْقِتَالِ وَقِيلَ يُخَيَّرُ بَيْنَ الْأُجْرَةِ وَالسَّهْمِ انْتَهَى
وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عنه المنذري
14 - (باب الرَّجُلِ يَغْزُو وَأَبَوَاهُ كَارِهَانِ)
[2528] (جِئْتُ أُبَايِعُكَ عَلَى الْهِجْرَةِ إِلَخْ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ إِنْ كَانَ الْخَارِجُ فِيهِ مُتَطَوِّعًا فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ إِلَّا بِإِذْنِ الْوَالِدَيْنِ فَأَمَّا إِذَا تَعَيَّنَ عَلَيْهِ فَرْضُ الْجِهَادِ فَلَا حَاجَةَ إِلَى إِذْنِهِمَا هَذَا إِذَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ فَإِنْ كَانَا كَافِرَيْنِ يَخْرُجُ بِدُونِ إِذْنِهِمَا فَرْضًا كَانَ الْجِهَادُ أَوْ تَطَوُّعًا انْتَهَى محصلا
قال المنذري وأخرجه النسائي وبن مَاجَهْ
[2529] (فَفِيهِمَا) أَيْ فِي خِدْمَتِهِمَا
قَالَ الطِّيبِيُّ فِيهِمَا مُتَعَلِّقٌ بِالْأَمْرِ قُدِّمَ لِلِاخْتِصَاصِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ
[2530] (أَنَّ دَرَّاجًا) بِتَثْقِيلِ الرَّاءِ وَآخِرُهُ جِيمٌ (أَبَا السَّمْحِ) بِمُهْمَلَتَيْنِ الْأُولَى مَفْتُوحَةٌ وَالْمِيمُ سَاكِنَةٌ (وَإِلَّا فَبِرَّهُمَا) أَيْ أَطِعْهُمَا وَاخْدُمْهُمَا
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ دَرَّاجٌ أَبُو السَّمْحِ الْمِصْرِيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه اللَّه
أَخْرَجَهُ الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرَك وَلَيْسَ مِمَّا يُسْتَدْرَك عَلَى الشَّيْخَيْنِ فَإِنَّ فِيهِ دَرَّاجًا أَبَا السَّمْح وَهُوَ ضَعِيف(7/146)
115 - (بَاب فِي النِّسَاءِ يَغْزُونَ)
[2531] (يَغْزُو) أَيْ يُسَافِرُ لِلْغَزْوِ (بِأُمِّ سُلَيْمٍ) أَيْ مُصَاحِبًا بِهَا (لِيَسْقِينَ الْمَاءَ) أَيْ لِلْغُزَاةِ (وَيُدَاوِينَ الْجَرْحَى) جَمْعُ جَرِيحٍ أَيِ الْمَجْرُوحِينَ مِنْهُمْ
قَالَ النَّوَوِيُّ هَذِهِ الْمُدَاوَاةُ لِمَحَارِمِهِنَّ وَأَزْوَاجِهِنَّ وَمَا كَانَ مِنْهَا لِغَيْرِهِمْ لَا يَكُونُ فِيهِ مَسُّ بَشَرَةٍ إِلَّا فِي مَوْضِعِ الْحَاجَةِ انْتَهَى
قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى جَوَازِ الْخُرُوجِ بِهِنَّ فِي الْغَزْوِ لِنَوْعٍ مِنَ الرِّفْقِ وَالْخِدْمَةِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ
16 - (بَاب فِي الْغَزْوِ مَعَ أَئِمَّةِ الْجَوْرِ)
[2532] (أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ بَعْدَهَا قَافٌ صَدُوقٌ يَهِمُ فِي حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ
كَذَا فِي التَّقْرِيبِ (عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي نُشْبَةَ) بِضَمِّ النُّونِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ مَجْهُولٌ مِنَ الْخَامِسَةِ
قَالَهُ فِي التَّقْرِيبِ (ثَلَاثٌ) أَيْ ثَلَاثُ خِصَالٍ (مِنْ أَصْلِ الْإِيمَانِ) أَيْ مِنْ أَسَاسِهِ وَقَاعِدَتِهِ (الْكَفُّ عَمَّنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) أَيْ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رسول الله فَمَنْ قَالَهَا وَجَبَ الِامْتِنَاعُ عَنِ التَّعَرُّضِ لِنَفْسِهِ وماله (ولا تكفره) بالتاء فهي وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِالنُّونِ فَهُوَ نَفْيٌ وَالتَّكْفِيرُ وَالْإِكْفَارُ نِسْبَةُ أَحَدٍ إِلَى الْكُفْرِ (وَلَا تُخْرِجُهُ) بِالْوَجْهَيْنِ (بِعَمَلٍ) أَيْ وَلَوْ كَبِيرَةٍ سِوَى الْكُفْرِ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ فِي إِخْرَاجِ صَاحِبِ الْكَبِيرِ إِلَى مَنْزِلَةٍ بَيْنَ الْمَنْزِلَتَيْنِ (وَالْجِهَادُ مَاضٍ) أَيْ وَالْخَصْلَةُ الثَّانِيَةُ كَوْنُ الْجِهَادِ مَاضِيًا وَنَافِذًا وَجَارِيًا وَمُسْتَمِرًّا (مُنْذُ بَعَثَنِي اللَّهُ) أَيْ مِنَ ابْتِدَاءِ زَمَانِ بعثني الله(7/147)
(إِلَى أَنْ يُقَاتِلَ آخِرُ أُمَّتِي) يَعْنِي عِيسَى أَوِ الْمَهْدِيَّ (الدَّجَّالَ) مَفْعُولٌ
وَبَعْدَ قَتْلِ الدَّجَّالِ لَا يَكُونُ الْجِهَادُ بَاقِيًا
أَمَّا عَلَى يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ فَلِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمْ وَعِنْدَ ذَلِكَ لَا وُجُوبَ عَلَيْهِمْ بِنَصِّ آيَةِ الْأَنْفَالِ وَأَمَّا بَعْدَ إِهْلَاكِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ لَا يَبْقَى عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ كَافِرٌ مَا دَامَ عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ حَيًّا فِي الْأَرْضِ وَأَمَّا عَلَى مَنْ كَفَرَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بَعْدَ عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَلِمَوْتِ الْمُسْلِمِينَ كُلِّهِمْ عَنْ قَرِيبٍ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَبَقَاءِ الْكُفَّارِ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ
قَالَهُ القارىء لَا يُبْطِلُهُ إِلَخْ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَالْمَعْنَى لَا يُسْقِطُ الْجِهَادَ كَوْنُ الْإِمَامِ ظَالِمًا أَوْ عَادِلًا وَهُوَ صِفَةُ مَاضٍ أَوْ خَبَرٌ بَعْدَ خَبَرٍ (وَالْإِيمَانُ بِالْأَقْدَارِ) أَيْ بِأَنَّ جَمِيعَ مَا يَجْرِي فِي الْعَالَمِ هُوَ مِنْ قَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ وَهَذِهِ هِيَ الْخَصْلَةُ الثَّالِثَةُ
وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ
[2533] (الْجِهَادُ وَاجِبٌ عَلَيْكُمْ مَعَ كُلِّ أَمِيرٍ) أَيْ مُسْلِمٍ (بَرًّا كَانَ أَوْ فَاجِرًا) أَيْ وَإِنْ عَمِلَ الْكَبَائِرَ وَإِثْمُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَالْإِمَامُ لَا يُعْزَلُ بِالْفِسْقِ (وَالصَّلَاةُ) أَيِ الْمَكْتُوبَةُ (وَاجِبَةٌ عَلَيْكُمْ خَلْفَ كُلِّ مُسْلِمٍ) أَيِ اجْتَمَعَتْ فِيهِ شُرُوطُ الْإِمَامَةِ (بَرًّا كَانَ أَوْ فَاجِرًا وَإِنْ عَمِلَ الْكَبَائِرَ) وَالِاقْتِدَاءُ بِغَيْرِهِ أَفْضَلُ (وَالصَّلَاةُ) أَيْ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ (وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ) أَيْ مَيِّتٍ ظَاهِرِ الْإِسْلَامِ
قَالَ الْعَزِيزِيُّ فَالْجِهَادُ وَصَلَاةُ الْجَمَاعَةِ وَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ
انْتَهَى
قُلْتُ كَوْنُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ فَرْضُ كِفَايَةٍ بَعِيدٌ غَايَةَ الْبُعْدِ عَنْ شِعَارِ الْإِسْلَامِ وَطَرِيقِ السَّلَفِ الْعِظَامِ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى أَنَّهُ لَوْ صَلَّى شَخْصٌ وَاحِدٌ مَعَ إِمَامٍ فِي مِصْرٍ تَسْقُطُ عَنِ الْبَاقِينَ كَذَا قِيلَ
وَكَوْنُ الْجِهَادِ فَرْضُ كِفَايَةٍ لَيْسَ عَلَى الْإِطْلَاقِ بَلْ يَكُونُ فِي بَعْضِ الْحَالَاتِ فَرْضُ عَيْنٍ
وَقَدْ أَطَالَ الْكَلَامَ فِي إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ الْإِمَامُ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ وَفِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ عَلِيٌّ القارىء فِي الْمِرْقَاةِ وَشَرْحِ الْفِقْهِ الْأَكْبَرِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ هَذَا مُنْقَطِعٌ مَكْحُولٌ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي هريرة(7/148)
117 - (باب الرجل يتحمل بمال غيره)
[2534] يغزوه وَيُقَالُ تَحَمَّلَ الْحَمَالَةَ أَيْ حَمَلَهَا وَقِيلَ وَضَعُوا أَحْمَالَهُمْ عَلَى الْإِبِلِ يُرِيدُونَ الرَّحِيلَ وَمِنْهُ لِامْرِئِ القيس كأني غَدَاةَ الْبَيْنِ يَوْمَ تَحَمَّلُوا وَالْمَعْنَى الرَّجُلُ يَرْكَبُ عَلَى بَعِيرِ غَيْرِهِ لِإِرَادَةِ الْغَزْوِ
(عَنْ نُبَيْحٍ) بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَآخِرُهُ مُهْمَلَةٌ (الْعَنَزِيٍّ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالنُّونِ ثُمَّ زَايٌ (فَلْيَضُمَّ أَحَدُكُمْ إِلَيْهِ) أَيْ إِلَى أَحَدِكُمْ (فَمَا لِأَحَدِنَا مِنْ ظَهْرٍ) أَيْ مَرْكُوبٍ (يَحْمِلُهُ) صِفَةُ ظَهْرٍ (إِلَّا عُقْبَةً) الْعُقْبَةُ بِالضَّمِّ رُكُوبُ مَرْكَبٍ وَاحِدٍ بِالنَّوْبَةِ عَلَى التَّعَاقُبِ (كَعُقْبَةِ يَعْنِي أَحَدِهِمْ) بِالْجَرِّ وَهُوَ الْمُضَافُ إِلَيْهِ لِعُقْبَةٍ وَوَقَعَ لَفْظُ يَعْنِي بَيْنَ الْمُضَافِ وَالْمُضَافِ إِلَيْهِ وَلَيْسَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ لَفْظُ يَعْنِي (كَعُقْبَةِ أَحَدٍ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ كَعُقْبَةِ أَحَدِهِمْ وَالْمَعْنَى لَمْ يَكُنْ لِي فَضْلٌ فِي الرُّكُوبِ عَلَى الَّذِينَ ضَمَمْتُهُمْ إِلَيَّ بَلْ كَانَ لِي عُقْبَةٌ مِنْ جَمَلِي مِثْلَ عُقْبَةِ أَحَدِهِمْ
وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ
18 - (بَابٌ فِي الرَّجُلِ يَغْزُو يَلْتَمِسُ الْأَجْرَ وَالْغَنِيمَةَ)
[2535] (عَلَى أَقْدَامِنَا) أَيْ رَاجِلِينَ لَيْسَ لَنَا مَرْكَبٌ وَهُوَ حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ فِي بَعَثْنَا أَيْ أَرْسَلْنَا(7/149)
لِنَأْخُذَ الْغَنِيمَةَ رِجَالًا غَيْرَ رِكَابٍ (وَعَرَفَ الْجَهْدَ) أَيِ الْمَشَقَّةَ وَالتَّعَبَ (لَا تَكِلْهُمْ) مِنْ وَكَلَ إِلَيْهِ الْأَمْرَ وَكْلًا وَوُكُولًا سَلَّمَهُ (فَأَضْعُفُ عَنْهُمْ) أَيْ عَنْ مُؤْنَتِهِمْ (فَيَعْجَزُوا عَنْهَا) أَيْ عَنْ مُؤْنَةِ أَنْفُسِهِمْ (فَيَسْتَأْثِرُوا عَلَيْهِمْ) أَيْ يَخْتَارُوا أَنْفُسَهُمْ عَلَيْهِمْ عَدَلَ عَنْ قَوْلِهِ فَيَعْجَزُوا إِشْعَارًا بِأَنَّهُمْ مَا يَكْتَفُونَ بِإِظْهَارِ الْعَجْزِ بَلْ يَتَبَادَرُونَ إِلَى أَنْ يَخْتَارُوا الْجَيِّدَ لِأَنْفُسِهِمْ وَالرَّدِيءَ لِغَيْرِهِمْ
قَالَ الطِّيبِيُّ الْمَعْنَى لَا تُفَوِّضْ أُمُورَهُمْ إِلَيَّ فَأَضْعُفَ عَنْ كِفَايَةِ مُؤْنَتِهِمْ وَلَا تُفَوِّضْهُمْ إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَيَعْجَزُوا عَنْ أَنْفُسِهِمْ لِكَثْرَةِ شَهَوَاتِهَا وَشُرُورِهَا وَلَا تُفَوِّضْهُمْ إِلَى النَّاسِ فَيَخْتَارُوا أَنْفُسَهُمْ عَلَى هَؤُلَاءِ فَيَضِيعُوا بَلْ هُمْ عِبَادُكَ فَافْعَلْ بِهِمْ مَا يَفْعَلُ السَّادَةُ بِالْعَبِيدِ (أَوْ عَلَى هَامَتِي) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي
فِي الْقَامُوسِ الْهَامَةُ رَأْسُ كُلِّ شَيْءٍ (إِذَا رَأَيْتَ الْخِلَافَةَ) أَيْ خِلَافَةَ النُّبُوَّةِ (قَدْ نَزَلَتْ أَرْضَ الْمُقَدَّسَةِ) أَيْ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى أَرْضِ الشَّامِ كَمَا وَقَعَتْ فِي إِمَارَةِ بني أمية
قاله القارىء (فَقَدْ دَنَتْ) أَيْ قَرُبَتْ (وَالْبَلَابِلُ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ الْبَلَابِلُ الْهُمُومُ وَالْأَحْزَانُ وَبَلْبَلَةُ الصَّدْرِ وَسْوَاسُ الْهُمُومِ وَاضْطِرَابُهَا
قَالَ وَإِنَّمَا أَنْذَرَ أَيَّامَ بَنِي أُمَيَّةَ وَمَا حَدَثَ مِنَ الْفِتَنِ فِي زَمَانِهِمُ انْتَهَى
قال المنذري بن زُغْبٍ بِضَمِّ الزَّايِ وَسُكُونِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَبَعْدَهَا بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ
ذَكَرَ الْأَمِيرُ أَبُو نَصْرِ أَنَّ لَهُ صُحْبَةً وَحُكِيَ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيِّ أَنَّ اسْمَهُ عَبْدُ اللَّهِ
هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ
وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَوَالَةَ هَذَا أَزْدِيٌّ لَهُ صُحْبَةٌ كُنْيَتُهُ أَبُو حَوَالَةَ وَقِيلَ أَبُو مُحَمَّدٍ نَزَلَ الْأُرْدُنَ وَقِيلَ إِنَّهُ سَكَنَ دِمَشْقَ وَقَدِمَ مِصْرَ مَعَ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ
وَحَوَالَةُ فِي اسْمِ أَبِيهِ وَكُنْيَتُهُ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَبَعْدَهَا وَاوٌ مَفْتُوحَةٌ وَلَامٌ مَفْتُوحَةٌ وَتَاءُ تَأْنِيثٍ(7/150)
119 - (بَاب فِي الرَّجُلِ يَشْرِي نَفْسَهُ)
[2536] (عَجِبَ رَبُّنَا) قَالَ الْمُنَاوِيُّ أَيْ رَضِيَ وَاسْتَحْسَنَ
وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ أَيْ عَظُمَ عِنْدَهُ وَكَبُرَ لَدَيْهِ وَإِطْلَاقُ التَّعَجُّبِ عَلَى اللَّهِ مَجَازٌ لِأَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ أَسْبَابُ الْأَشْيَاءِ
وَالْعَجَبُ مَا خَفِيَ سَبَبُهُ وَلَمْ يُعْلَمْ (فَعَلِمَ مَا عَلَيْهِ) قَالَ الْمُنَاوِيُّ مِنْ حُرْمَةِ الْفِرَارِ (حَتَّى أُهْرِيقَ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الْهَاءِ الزَّائِدَةِ أَيْ أُرِيقَ (دَمُهُ) نَائِبُ الفاعل (فيقول الله عزوجل لِمَلَائِكَتِهِ) أَيْ مُبَاهِيًا بِهِ (فِيمَا عِنْدِي) أَيْ مِنَ الثَّوَابِ (وَشَفَقَةً) أَيْ خَوْفًا (مِمَّا عِنْدِي) أَيْ مِنَ الْعِقَابِ
قَالَ الْعَلْقَمِيُّ فِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْغَازِيَ إِذَا انْهَزَمَ أَصْحَابُهُ وَكَانَ فِي ثَبَاتِهِ لِلْقِتَالِ نِكَايَةٌ لِلْكُفَّارِ فَيُسْتَحَبُّ الثَّبَاتُ لَكِنْ لَا يَجِبُ كَمَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ وَأَمَّا إِذَا كَانَ الثَّبَاتُ مُوَجِّهًا لِلْهَلَاكِ الْمَحْضِ مِنْ غَيْرِ نِكَايَةٍ فَيَجِبُ الْفِرَارُ قَطْعًا
انْتَهَى
وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ
2
( [2537] بَاب فِيمَنْ يُسْلِمُ ويقتل)
الخ (أَنَّ عَمْرَو بْنَ أُقَيْشٍ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الْقَافِ وَسُكُونِ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ وَشِينٍ مُعْجَمَةٍ (فَلَبِسَ لَأْمَتَهُ) أَيْ دِرْعَهُ أَوْ سِلَاحَهُ (إِلَيْكَ) أَيْ نَحِّ (سَلِيهِ) أَمْرٌ مِنَ السُّؤَالِ (حَمِيَّةً(7/151)
لِقَوْمِكَ) أَيْ قَاتَلْتَ كُفَّارَ قُرَيْشٍ لِحَمِيَّةِ قَوْمِكَ (أَوْ غَضَبًا لَهُمْ) أَيْ لِلْقَوْمِ عَلَى أَعْدَائِهِمْ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ ذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ أَنَّ حَمَّادَ بْنَ سلمة تفرد به
( [2538] باب الرَّجُلِ يَمُوتُ بِسِلَاحِهِ أَيْ بِجُرْحٍ أَصَابَهُ بِسِلَاحِهِ)
(قال أحمد) هو بن صَالِحٍ شَيْخُ أَبِي دَاوُدَ (كَذَا قَالَ هُوَ إِلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ وَهْبٍ وَعَنْبَسَةَ بْنَ خَالِدٍ قَالَا فِي رِوَايَتِهِمَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ بِوَاوِ الْعَطْفِ بَيْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ وَالصَّوَابُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بِدُونِ الْوَاوِ بِزِيَادَةِ لَفْظِ الِابْنِ (قَاتَلَ أَخِي) اسْمُهُ عَامِرُ بْنُ الْأَكْوَعِ (فَقَتَلَهُ) أَيْ قَتَلَ سَيْفُ أَخِي إِيَّاهُ (وَشَكُّوا فِيهِ) أَيْ فِي حُكْمِ مَوْتِهِ (رَجُلٌ مَاتَ) أَيْ قَالُوا هُوَ رَجُلٌ مَاتَ إِلَخْ (مَاتَ جَاهِدًا مُجَاهِدًا) اسْمَا فَاعِلَيْنِ أَيْ مُجْتَهِدًا فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَغَازِيًا
وَقِيلَ هُمَا لِلتَّأْكِيدِ قَالَهُ فِي الْمَجْمَعِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ أَتَمَّ مِنْهُ(7/152)
[2539] (أَغَرْنَا) مِنَ الْإِغَارَةِ (رَجُلًا مِنْهُمْ) أَيْ مِنْ جُهَيْنَةَ (نَفْسَهُ) أَيْ نَفْسَ الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ (أَخُوكُمْ) أَيْ قُومُوا لِخَبَرِهِ (فَابْتَدَرَهُ النَّاسُ) أَيْ أَسْرَعُوا إله (وَأَنَا لَهُ شَهِيدٌ) أَيْ شَاهِدٌ
وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عنه المنذري
22 - (باب الدعاء عند اللقاء)
[2540] (اثنتان) أي دعوتان اثنتان (لَا تُرَدَّانِ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (عِنْدَ النِّدَاءِ) أَيِ الْأَذَانِ (وَعِنْدَ الْبَأْسِ) بِهَمْزَةٍ بَعْدَ الْمُوَحَّدَةِ أَيِ الْقِتَالِ (حِينَ يُلْحِمُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا) قَالَ فِي مِرْقَاةِ الصُّعُودِ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ الْمَكْسُورَةِ وَأَوَّلُهُ مَضْمُومٌ انْتَهَى
وَقَالَ فِي فَتْحِ الْوَدُودِ مِنْ لَحِمَ كَسَمِعَ إِذَا قَتَلَ انْتَهَى
وَالْمَعْنَى حِينَ يَشْتَبِكُ الْحَرْبُ بَيْنَهُمْ وَيَقْتُلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا (وَحَدَّثَنِي رِزْقُ) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الزَّايِ وَيُقَالُ لَهُ رِزْقٌ مَجْهُولٌ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ (وَتَحْتَ الْمَطَرِ) أَيْ وَدُعَاءُ مَنْ دَعَا تَحْتَ الْمَطَرِ أَيْ وَهُوَ نَازِلٌ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ وَقْتُ نُزُولِ الرَّحْمَةِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ مُوسَى بْنُ يَعْقُوبَ الزمعي
قَالَ النَّسَائِيُّ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ
وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ ثِقَةٌ وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ السَّجِسْتَانِيُّ صَالِحٌ لَهُ مَشَايِخُ مَجْهُولُونَ وَالْبَأْسُ بِالْهَمْزِ الشِّدَّةُ فِي الْحَرْبِ وَالنِّدَاءُ مَمْدُودٌ وَهُوَ الْأَذَانُ بِالصَّلَاةِ وَقَوْلُهُ يَلْحَمُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِفَتْحِ الْيَاءِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ يَشْتَبِكُ(7/153)
الْحَرْبُ بَيْنَهُمْ وَيَلْزَمُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا
يُقَالُ لَحَمْتُ الرَّجُلَ إِذَا قَتَلْتُهُ وَيُقَالُ أَلْحَمَهُ الْقِتَالُ وَلَحَمَهُ إِذَا غَشِيَهُ وَكَذَا إِذَا نَشِبَ فِيهِ فَلَمْ يَبْرَحْ وَالْمَلْحَمَةُ الْحَرْبُ وَمَوْضِعُ الْقِتَالِ مَأْخُوذٌ مِنَ اشْتِبَاكِ النَّاسِ وَاخْتِلَافِهِمْ كَاشْتِبَاكِ لُحْمَةِ الثَّوْبِ بِالسَّدَا وَقِيلَ مَأْخُوذٌ مِنَ اللَّحْمِ لِكَثْرَةِ الْقَتْلِ فِيهَا
انْتَهَى كَلَامُ الْمُنْذِرِيِّ
23 - (بَاب فِيمَنْ سَأَلَ اللَّهَ الشَّهَادَةَ)
[2541] (يَرُدُّ إِلَى مَكْحُولٍ إِلَى مَالِكِ بْنِ يَخَامِرَ) بِفَتْحِ التَّحْتَانِيَّةِ وَالْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الْمِيمِ كَذَا ضَبَطَهُ فِي التَّقْرِيبِ
وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ يُبَلِّغُ ثَوْبَانُ الْحَدِيثَ إِلَى مَكْحُولٍ وَهُوَ يُبَلِّغُهُ إِلَى مَالِكِ بْنِ يَخَامِرَ (فَوَاقَ نَاقَةٍ) بِالْفَتْحِ وَالضَّمِّ مَا بَيْنَ الْحَلْبَتَيْنِ يَعْنِي قَدْرَ مُدَّتَيِ الضَّرْعِ مِنَ الْوَقْتِ لِأَنَّهَا تُحْلَبُ ثُمَّ تُتْرَكُ سُوَيْعَةً يَرْضِعُهَا الْفَصِيلُ لِتَدُرَّ ثُمَّ تُحْلَبُ ثَانِيَةً (صَادِقًا) أَيْ بِصِدْقِ قَلْبِهِ (وَمَنْ جُرِحَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (جُرْحًا) بِضَمِّ الْجِيمِ وَبِالْفَتْحِ هُوَ الْمَصْدَرُ أَيْ جِرَاحَةً كَائِنَةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ (أَوْ نُكِبَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ أُصِيبَ (نَكْبَةً) بِالْفَتْحِ قِيلَ الْجُرْحُ وَالنَّكْبَةُ كِلَاهُمَا وَاحِدٌ وَقِيلَ الْجُرْحُ مَا يَكُونُ مِنْ فِعْلِ الْكُفَّارِ وَالنَّكْبَةُ الْجِرَاحَةُ الَّتِي أَصَابَتْهُ مِنْ وُقُوعِهِ مِنْ دَابَّتِهِ أَوْ وُقُوعِ سِلَاحٍ عَلَيْهِ
قال القارىء هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَفِي النِّهَايَةِ نُكِبَتْ إِصْبَعُهُ أَيْ نَالَتْهَا الْحِجَارَةُ وَالنَّكْبَةُ مَا يُصِيبُ الْإِنْسَانُ مِنَ الْحَوَادِثِ (فَإِنَّهَا) أَيِ النَّكْبَةُ قَالَ الطِّيبِيُّ قَدْ سَبَقَ شَيْئَانِ الْجُرْحُ وَالنَّكْبَةُ وَهِيَ مَا أَصَابَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مِنَ الْحِجَارَةِ فَأَعَادَ الضَّمِيرَ إِلَى النَّكْبَةِ دَلَالَةً عَلَى أَنَّ حُكْمَ النَّكْبَةِ إِذَا كَانَ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ فَمَا ظَنُّكَ بِالْجُرْحِ بِالسِّنَانِ وَالسَّيْفِ وَنَظِيرُهُ قَوْلَهُ تَعَالَى وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا ينفقونها انتهى قال القارىء أَوْ يُقَالُ إِفْرَادُ الضَّمِيرِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ مُؤَدَّاهُمَا وَاحِدٌ وَهِيَ الْمُصِيبَةُ الْحَادِثَةُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ (كَأَغْزَرَ مَا كَانَتْ) أَيْ كَأَكْثَرَ أَوْقَاتِ أَكْوَانِهَا فِي الدُّنْيَا قَالَ الطِّيبِيُّ الْكَافُ زَائِدَةٌ وَمَا مَصْدَرِيَّةٌ وَالْوَقْتُ مُقَدَّرٌ يَعْنِي حِينَئِذٍ(7/154)
تَكُونُ غَزَارَةُ دَمِهِ أَبْلَغَ مِنْ سَائِرِ أَوْقَاتِهِ (خُرَّاجٌ) بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ مَا يَخْرُجُ فِي الْبَدَنِ مِنَ الْقُرُوحِ وَالدَّمَامِيلِ (فَإِنَّ عَلَيْهِ طَابَعُ الشُّهَدَاءِ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَيُكْسَرُ أَيِ الْخَاتَمُ يُخْتَمُ بِهِ عَلَى الشَّيْءِ يَعْنِي عَلَيْهِ عَلَامَةُ الشُّهَدَاءِ وأماراتهم قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وبن ماجه
وقال الترمذي صحيح وحديث الترمذي وبن مَاجَهْ صَحِيحٌ (يَعْنِي وَأَمَّا إِسْنَادُ أَبِي دَاوُدَ فَفِيهِ بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ وَهُوَ يُتَكَلَّمُ فِيهِ كَذَا فِي هَامِشِ الْمُنْذِرِيِّ)
24 - (بَاب فِي كَرَاهِيَةِ جَزِّ نَوَاصِي الْخَيْلِ وَأَذْنَابِهَا)
[2542] الْجَزُّ الْقَطْعُ وَالنَّوَاصِي جَمْعُ نَاصِيَةٍ وَهِيَ شَعْرٌ مُقَدَّمُ الرَّأْسِ
(وَأَخْبَرَنَا خُشَيْشٌ) بِمُعْجَمَاتٍ مُصَغَّرًا (لَا تَقُصُّوا) أَيْ لَا تَقْطَعُوا مِنَ الْقَصِّ وَهُوَ الْقَطْعُ وَالْجَزُّ (نَوَاصِيَ الْخَيْلِ) أَيْ شَعْرَ مُقَدَّمِ رَأْسِهَا (وَلَا مَعَارِفَهَا) بِكَسْرِ الرَّاءِ جَمْعُ مَعْرَفَةٍ بِفَتْحِهَا الْمَوْضِعُ الَّذِي يَنْبُتُ عَلَيْهِ عُرْفُ الْفَرَسِ مِنْ رَقَبَتِهِ وَعُرْفُ الْفَرَسِ بِضَمٍّ فَسُكُونٍ شَعْرُ عُنُقِهِ
قَالَ الْقَاضِي أَيْ شُعُورُ عُنُقِهَا جَمْعُ عُرْفٍ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ وَقِيلَ هِيَ جَمْعُ مَعْرَفَةٍ وَهِيَ الْمَحَلُّ الَّذِي يَنْبُتُ عَلَيْهَا الْعُرْفُ فَأُطْلِقَتْ عَلَى الْأَعْرَافِ مَجَازًا
قَالَ فِي اللِّسَانِ عُرْفُ الدِّيكِ وَالْفَرَسِ وَالدَّابَّةِ وَغَيْرِهَا مَنْبَتُ الشَّعْرِ وَالرِّيشِ مِنَ الْعُنُقِ وَالْجَمْعُ أَعْرَافٌ وَعُرُوفٌ وَالْمَعْرَفَةُ بِالْفَتْحِ مَنْبَتُ عُرْفِ الفرس من الناصية إلى المنسح وَقِيلَ هُوَ اللَّحْمُ الَّذِي يَنْبُتُ عَلَيْهِ الْعُرْفُ انْتَهَى (مَذَابُّهَا) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَبَعْدَ الْأَلِفِ بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ مُشَدَّدَةٌ جَمْعُ مِذَبَّةٍ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَهِيَ مَا يُذَبُّ بِهِ الذُّبَابُ وَالْخَيْلُ تَدْفَعُ بِأَذْنَابِهَا مَا يَقَعُ عَلَيْهَا مِنْ ذُبَابٍ وَغَيْرِهِ (وَمَعَارِفَهَا) بِالنَّصْبِ عَطْفٌ عَلَى أَذْنَابِهَا وَبِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ (دِفَاؤُهَا) بِكَسْرِ الدَّالِ أَيْ كِسَاؤُهَا الَّذِي تَدَفَّأُ بِهِ (وَنَوَاصِيهَا) بِالْوَجْهَيْنِ (مَعْقُودٌ فِيهَا الْخَيْرُ) أَيْ مُلَازِمٌ بِهَا كَأَنَّهُ مَعْقُودٌ فِيهَا
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ رَجُلٌ مَجْهُولٌ(7/155)
125 - (بَاب فِيمَا يُسْتَحَبُّ مِنْ أَلْوَانِ الْخَيْلِ)
[2543] (الْجُشَمِيُّ) بِضَمٍّ وَفَتْحٍ (عَلَيْكُمْ) اسْمُ فِعْلٍ بِمَعْنَى الْزَمُوا (بِكُلِّ كُمَيْتٍ) بِضَمِّ الْكَافِ مُصَغَّرًا هُوَ الَّذِي فِي لَوْنِهِ الْحُمْرَةُ وَالسَّوَادُ يَسْتَوِي فِيهِ الْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ (أَغَرَّ) أَيِ الَّذِي فِي جَبْهَتِهِ بَيَاضٌ كَثِيرٌ (مُحَجَّلٍ) أَيْ أَبْيَضَ الْقَوَائِمِ (أَوْ أَشْقَرَ) أَيْ أَحْمَرَ وَالشُّقْرَةُ الْحُمْرَةُ الصَّافِيَةُ
قَالَ الطِّيبِيُّ الْفَرْقُ بَيْنَ الْكُمَيْتِ وَالْأَشْقَرِ بِقُتْرَةٍ تَعْلُو الْحُمْرَةَ وَبِسَوَادِ الْعُرْفِ وَالذَّنَبِ فِي الْكُمَيْتِ (أَوْ أَدْهَمَ) أَيْ أَسْوَدَ مِنَ الدُّهْمَةِ وَهِيَ السَّوَادُ عَلَى مَا فِي الْقَامُوسِ وَأَوْ فِيهِمَا لِلتَّنْوِيعِ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ
[2544] (عَلَيْكُمْ بِكُلِّ أَشْقَرَ إِلَخْ) فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ قَدَّمَ ذِكْرَ أَشْقَرَ بِخِلَافِ الرِّوَايَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ (وَسَأَلْتُهُ) أَيْ عَقِيلًا (لِمَ فُضِّلَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنَ التَّفْضِيلِ
وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ المنذري
(بن عَبَّاسٍ) بَدَلٌ عَنْ جَدِّهِ (يُمْنُ الْخَيْلِ) أَيْ بَرَكَتُهَا (فِي شُقْرِهَا) بِضَمِّ أَوَّلِهِ جَمْعُ أَشْقَرَ(7/156)
وَهُوَ أَحْمَرُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ حديث شيبان يعني بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ
26 - (بَابُ هَلْ تُسَمَّى الْأُنْثَى إِلَخْ)
[2546] لَيْسَ هَذَا الْبَابُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ
(كَانَ يُسَمِّي الْأُنْثَى إِلَخْ) أَنْ يُطْلِقَ اسْمَ الْفَرَسِ عَلَى الْأُنْثَى أَيْضًا
وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ
27 - (بَاب مَا يُكْرَهُ مِنْ الْخَيْلِ)
[2547] (يَكْرَهُ الشِّكَالَ) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ (أَوْ فِي يَدِهِ الْيُمْنَى وَفِي رِجْلِهِ الْيُسْرَى) أَيْ بَيَاضٌ وَأَوْ لِلتَّنْوِيعِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ تَفْسِيرَ الشِّكَالِ هَذَا مِنْ كَلَامِ الرَّاوِي وَلَيْسَ مِنْ لَفْظِ النُّبُوَّةِ وَإِلَّا لَكَانَ نَصًّا فِي الْمَقْصُودِ وَمَا وَقَعَ الْإِشْكَالُ فِي تَفْسِيرِ الشكال قاله القارىء
قَالَ الْخَطَّابِيُّ هَكَذَا جَاءَ هَذَا التَّفْسِيرُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ
وَقَدْ يُفَسَّرُ الشِّكَالُ بِأَنْ يَكُونَ يد الفرس وإحدى رجليه محجلة والرجل والأخرى مُطْلَقَةً وَلَعَلَّهُ سَقَطَ مِنَ الْحَدِيثِ حَرْفٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى
وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ فِي تَفْسِيرِ الشِّكَالِ أَقْوَالًا أُخَرَ مَنْ شَاءَ الْوُقُوفَ فَلْيَرْجِعْ إِلَيْهِ
وَوَجْهُ الْكَرَاهَةِ لِكَوْنِهِ كَالْمَشْكُولِ لَا يَسْتَطِيعُ الْمَشْيُ وَقِيلَ يَحْتَمِلُ أَنْ(7/157)
يَكُونَ جَرَّبَ ذَلِكَ الْجِنْسَ فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ نَجَابَةٌ وَالْأَوْلَى أَنْ يُفَوَّضَ وَجْهَ الْكَرَاهَةِ إِلَى الشَّارِعِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وبن ماجه
28 - (باب ما يؤمر إلخ)
[2548] وَالْمُرَادُ مِنَ الْقِيَامِ عَلَى الدَّوَابِّ تَعَاهُدُهَا وَأَدَاءُ حُقُوقِهَا
(قَدْ لَحِقَ ظَهْرُهُ بِبَطْنِهِ) أَيْ مِنَ الْجُوعِ (فِي هَذِهِ الْبَهَائِمِ) جَمْعُ بَهِيمَةٍ وَهِيَ كُلُّ ذَاتِ أَرْبَعِ قَوَائِمَ وَلَوْ فِي الْمَاءِ وَكُلُّ حَيٍّ لَا يُمَيِّزُ
قَالَهُ فِي الْقَامُوسِ (الْمُعْجَمَةِ) أَيِ الَّتِي لَا تَقْدِرُ عَلَى النُّطْقِ
قَالَ الْعَلْقَمِيُّ وَالْمَعْنَى خَافُوا اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبَهَائِمِ الَّتِي لَا تَتَكَلَّمُ فَتَسْأَلُ مَا بِهَا مِنَ الْجُوعِ وَالْعَطَشِ وَالتَّعَبِ وَالْمَشَقَّةِ (وَكُلُوهَا صَالِحَةً) أَيْ حَالَ كَوْنِهَا صَالِحَةً لِلْأَكْلِ أَيْ سَمِينَةً
قَالَهُ الْعَزِيزِيُّ
وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ
[2549] (فَأَسَرَّ) مِنَ الْإِسْرَارِ أَيِ الْكَلَامِ عَلَى وَجْهِ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ (لِحَاجَتِهِ) أَيِ الْحَاجَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ (هَدَفًا) بِفَتْحَتَيْنِ كُلُّ بِنَاءٍ مُرْتَفِعٍ مُشْرِفٍ (أَوْ حَائِشِ نَخْلٍ) بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَشِينٍ مُعْجَمَةٍ هُوَ النَّخْلُ الْمُلْتَفُّ الْمُجْتَمِعُ كَأَنَّهُ لِالْتِفَافِهِ يَحُوشُ بَعْضُهُ بعضا وعين كلمته واو ولا واحدا لَهُ مِنْ لَفْظِهِ
قَالَهُ فِي مِرْقَاةِ الصُّعُودِ
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ الْحَائِشُ جَمَاعَةُ النَّخْلِ الصِّغَارِ (حَائِطًا) أَيْ بُسْتَانًا (فَإِذَا) لِلْمُفَاجَأَةِ (فَلَمَّا رَأَى) أَيِ الجمل (النبي) بِالنَّصْبِ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ (حَنَّ) أَيْ رَجَّعَ صَوْتَهُ وَبَكَى (وَذَرَفَتْ) بِإِعْجَامِ الذَّالِ وَفَتْحِ الرَّاءِ أَيْ جَرَتْ (عَيْنَاهُ) أَيْ عَيْنَا الْجَمَلِ (ذِفْرَاهُ) بِكَسْرِ(7/158)
الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْفَاءِ وَرَاءٍ مَقْصُورَةٍ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ الذِّفْرَى مِنَ الْبَعِيرِ مُؤَخِّرُ رَأْسِهِ وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يُعْرَفُ مِنْ قَفَاهُ
وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ ذِفْرَى الْبَعِيرِ أَصْلُ أُذُنِهِ وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ وَهُمَا ذِفْرَيَانِ وَأَلِفُهَا لِلتَّأْنِيثِ (وَتُدْئِبُهُ) أَيْ تُكْرِهُهُ وَتُتْعِبُهُ وَزْنًا وَمَعْنًى وَيُقَالُ دَأَبَ يَدْأَبُ دَأْبًا وَأَدْأَبَهُ كَذَا فِي مِرْقَاةِ الصُّعُودِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مسلم وبن مَاجَهْ وَلَيْسَ فِي حَدِيثِهِمَا قِصَّةُ الْجَمَلِ
[2550] (فَإِذَا كَلْبٌ يَلْهَثُ) أَيْ يُخْرِجُ لِسَانَهُ مِنْ شِدَّةِ الْعَطَشِ (يَأْكُلُ الثَّرَى) أَيِ التُّرَابَ النَّدِيَّ (مِنَ الْعَطَشِ) أَيْ بِسَبَبِهِ (لَقَدْ بَلَغَ هَذَا الْكَلْبُ) بِالنَّصْبِ مَفْعُولُ بَلَغَ وَفَاعِلُهُ مِثْلُ الَّذِي إِلَخْ (بِفِيهِ) أَيْ بِفَمِهِ (حَتَّى رَقَى) أَيْ صَعِدَ مِنْ قَعْرِ الْبِئْرِ (فِي كُلِّ ذَاتِ كَبِدٍ) بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ (رَطْبَةٍ) أَيْ مِنْ رُطُوبَةِ الْحَيَاةِ
قَالَ النَّوَوِيُّ إِنَّ عُمُومَهُ مَخْصُوصٌ بِالْحَيَوَانِ الْمُحْتَرَمِ وهو مالم يُؤْمَرْ بِقَتْلِهِ فَيَحْصُلُ الثَّوَابُ بِسَقْيِهِ وَيَلْحَقُ بِهِ إِطْعَامُهُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهِ الْإِحْسَانِ
وَقَالَ بن التَّيْمِيُّ لَا يَمْتَنِعُ إِجْرَاؤُهُ عَلَى عُمُومِهِ يَعْنِي فَيُسْقَى ثُمَّ يُقْتَلُ لِأَنَّا أُمِرْنَا بِأَنْ نُحْسِنَ الْقِتْلَةَ وَنُهِينَا عَنِ الْمُثْلَةِ
ذَكَرَهُ الْعَزِيزِيُّ قَالَ المنذري وأخرجه البخاري ومسلم(7/159)
129 - (باب نُزُولِ الْمَنَازِلِ)
[2551] لَيْسَ هَذَا الْبَابُ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ
(لَا نُسَبِّحُ حَتَّى نَحِلَّ الرِّحَالَ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ أَيْ لَا نُصَلِّي سُبْحَةَ الضُّحَى حَتَّى نَحُطَّ الرِّحَالَ وَنُلَجِّمَ الْمَطِيَّ
وَكَانَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ يَسْتَحِبُّ أَنْ لَا يَطْعَمَ الرَّاكِبُ إِذَا نَزَلَ حَتَّى يَعْلِفَ الدَّابَّةَ وَأَنْشَدَنِي بَعْضُهُمْ فِيمَا يُشْبِهُ هَذَا الْمَعْنَى
حَقُّ الْمَطِيَّةِ أَنْ تَبْدَأَ بِحَاجَتِهَا
لَا أُطْعِمُ الضَّيْفَ حَتَّى أَعْلِفَ الْفَرَسَ
انْتَهَى
وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ لَا نُنِيخُ مَكَانَ لَا نُسَبِّحُ مِنَ الْإِنَاخَةِ وَهُوَ بِالْفَارِسِيَّةِ فروخوا بانيدن شترو
الْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ
3
( [2552] بَاب فِي تَقْلِيدِ الْخَيْلِ بِالْأَوْتَارِ)
جَمْعُ وَتَرٍ بِفَتْحَتَيْنِ وَهُوَ بِالْفَارِسِيَّةِ زه كمان
(حَسِبْتُ أَنَّهُ) أَيْ عَبَّادُ بْنُ تَمِيمٍ (وَالنَّاسُ فِي مَبِيتِهِمْ) الْوَاوُ لِلْحَالِ (لَا يُبْقَيَنَّ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنَ الْإِبْقَاءِ (قِلَادَةٌ) بِكَسْرِ الْقَافِ وَهِيَ نَائِبُ الْفَاعِلِ (مِنْ وَتَرٍ) بِفَتْحَتَيْنِ وَاحِدُ أَوْتَارِ الْقَوْسِ (وَلَا قِلَادَةٍ) أَيْ مُطْلَقًا (إِلَّا قُطِعَتْ) أَيْ قُلِعَتْ (قَالَ مَالِكٌ أُرَى) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ أَيْ أَظُنُّ (أَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ الْعَيْنِ) وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَشُدُّونَ بِتِلْكَ الْأَوْتَارِ وَالْقَلَائِدِ التَّمَائِمَ وَيُعَلِّقُونَ عَلَيْهَا الْعِوَذَ يَظُنُّونَ أَنَّهَا تَعْصِمُ مِنَ الْآفَاتِ فَنَهَاهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهَا وَأَعْلَمَهُمْ أَنَّهَا لَا تَرُدُّ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ شَيْئًا
كَذَا فِي شَرْحِ السُّنَّةِ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَقَالَ غَيْرُ مَالِكٍ إِنَّمَا أَمَرَ بِقَطْعِهَا لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُعَلِّقُونَ فِيهَا الْأَجْرَاسَ
وَقَالَ بَعْضُهُمْ لِئَلَّا تَخْتَنِقُ بِهَا عِنْدَ شِدَّةِ الرَّكْضِ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ(7/160)
131 - (باب إكرام الخيل إلخ)
[2553] لَيْسَ هَذَا الْبَابُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ
(ارْتَبِطُوا الْخَيْلَ) أَيْ بَالِغُوا فِي رَبْطِهَا وَإِمْسَاكِهَا عِنْدَكُمْ
قاله القارىء
وَقِيلَ هُوَ كِنَايَةٌ عَنْ تَسْمِينِهَا لِلْغَزْوِ (وَامْسَحُوا بِنَوَاصِيهَا) أَيْ تَلَطُّفًا بِهَا وَتَنْظِيفًا لَهَا (وَأَعْجَازِهَا) جَمْعُ عَجُزٍ وَهُوَ الْكِفْلُ (أَوْ قَالَ أَكْفَالِهَا) جَمْعُ كَفَلٍ بِفَتْحَتَيْنِ وَهُوَ مَا بَيْنَ الْوَرِكَيْنِ وهذا شك من الراوي
قال بن الْمَلَكِ يُرِيدُ بِهَذَا الْمَسْحِ تَنْظِيفَهَا مِنَ الْغُبَارِ وتعرف حالها من السمن (وقلدوها) قال القارىء أَيِ اجْعَلُوا ذَلِكَ لَازِمًا لَهَا فِي أَعْنَاقِهَا لُزُومَ الْقَلَائِدِ لِلْأَعْنَاقِ
وَقِيلَ مَعْنَاهُ اجْعَلُوا فِي أَعْنَاقِ الْخَيْلِ مَا شِئْتُمْ (وَلَا تُقَلِّدُوهَا الْأَوْتَارَ) أَيْ لَا تَجْعَلُوا أَوْتَارَ الْقَوْسِ فِي أَعْنَاقِهَا لِأَنَّ الْخَيْلَ رُبَّمَا رَعَتِ الْأَشْجَارَ أَوْ حَكَّتْ بِهَا عُنُقَهَا فَيَتَشَبَّثُ الْأَوْتَارُ بِبَعْضِ شُعَبِهَا فَيَخْنُقُهَا
قاله القارىء
وَقِيلَ فِي وَجْهِ النَّهْيِ غَيْرُ ذَلِكَ كَمَا سَبَقَ
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ عَيْنَ الْوَتَرِ خَاصَّةً دُونَ غَيْرِهِ مِنَ السُّيُورِ وَالْخُيُوطِ وَغَيْرِهَا وَقِيلَ مَعْنَاهُ لَا تَطْلُبُوا عَلَيْهَا الْأَوْتَارَ وَالذُّحُولَ (الذَّحْلُ هُوَ الْحِقْدُ) وَلَا تُرْكِضُوهَا فِي دَرْكِ الثَّأْرِ عَلَى مَا كَانَ مِنْ عَادَتِهِمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ انْتَهَى
قُلْتُ فَعَلَى هَذَا الْأَوْتَارُ جَمْعُ وِتْرٍ بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ وَهُوَ الدَّمُ وَطَلَبُ الثَّأْرِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ(7/161)
132 - (بَاب فِي تَعْلِيقِ الْأَجْرَاسِ)
[2554] جَمْعُ جَرَسٍ بِفَتْحَتَيْنِ هُوَ الْجُلْجُلُ الَّذِي يُعَلَّقُ فِي عُنُقِ الدَّوَابِّ
(لَا تَصْحَبُ الْمَلَائِكَةُ رُفْقَةً) بِضَمِّ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا الْجَمَاعَةُ الْمُرَافِقُونَ فِي السَّفَرِ
قَالَ الشَّيْخُ وَلِيُّ الدِّينِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّهَا لَا تَصْحَبُهُمْ أَصْلًا وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا لَا تَصْحَبُهُمْ بِالْكَلَأِ وَالْحِفْظِ وَالِاسْتِغْفَارِ مِنْ قَوْلِهِ اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ في السفر أي الحافظ والكالىء وَإِنْ كَانَ هُوَ مَعَ الْعَبْدِ حَيْثُ كَانَ فِي كُلِّ حَالٍ
قَالَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِمْ غَيْرُ الْحَفَظَةِ فَإِنَّ الْحَفَظَةَ لَا يُفَارِقُونَ بَنِي آدَمَ
(جَرَسٌ) قِيلَ سَبَبُ مُنَافَرَةِ الْمَلَائِكَةِ لَهُ أَنَّهُ شَبِيهٌ بِالنَّوَاقِيسِ وَقِيلَ سَبَبُهُ كَرَاهَةُ صَوْتِهِ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْآتِيَةِ مِزْمَارُ الشَّيْطَانِ وَقِيلَ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى صَاحِبِهِ بِصَوْتِهِ وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ أَنْ لَا يَعْلَمَ الْعَدُوُّ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النِّسَائِيُّ
[2555] (لَا تَصْحَبُ الْمَلَائِكَةُ رُفْقَةً فِيهَا كَلْبٌ) اخْتُلِفَ فِي عِلَّةِ ذَلِكَ فَقِيلَ إِنَّهُ لَمَّا نَهَى عَنْ اتِّخَاذِ الْكَلْبِ عُوقِبَ مُتَّخِذُهُ بِتَجَنُّبِ الْمَلَائِكَةِ عَنْ صُحْبَتِهِ فَحُرِمَ مِنْ بَرَكَتِهِمْ وَاسْتِغْفَارِهِمْ وَإِعَانَتِهِمْ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ وَقِيلَ لِكَوْنِهِ نَجَسًا وَهُمُ الْمُطَهَّرُونَ الْمُقَدَّسُونَ (أَوْ جَرَسٌ) أَوْ لِلتَّنْوِيعِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ
[2556] (قَالَ فِي الْجَرَسِ مِزْمَارُ الشَّيْطَانِ) أَيْ قَالَ فِي شَأْنِ الْجَرَسِ إِنَّهُ مِزْمَارُ الشَّيْطَانِ وَفِي رواية(7/162)
مُسْلِمٍ قَالَ الْجَرَسُ مَزَامِيرُ الشَّيْطَانِ
قَالَ فِي الْمِرْقَاةِ وَأَضَافَ إِلَى الشَّيْطَانِ لِأَنَّ صَوْتَهُ لَمْ يزل يشغل الانسان من الذِّكْرِ وَالْفِكْرِ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ
33 - (بَاب فِي رُكُوبِ الْجَلَّالَةِ)
[2557] بِتَشْدِيدِ اللَّامِ الْأُولَى هُوَ مِنَ الْحَيَوَانِ مَا تَأْكُلُ الْعَذِرَةَ وَالْجِلَّةُ الْبَعْرُ جَلَّتِ الدَّابَّةُ الْجِلَّةَ وَاجْتَلَّتْهَا فَهِيَ جَالَّةٌ وَجَلَّالَةٌ إِذَا الْتَقَطَتْهَا
(نُهِيَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (عَنْ رُكُوبِ الْجَلَّالَةِ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ كَرِهَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُكُوبَهَا كَمَا نَهَى عَنْ أَكْلِ لُحُومِهَا وَيُقَالُ إِنَّ الْإِبِلَ إِذَا اجْتَلَّتْ أَنْتَنَ رَوَائِحُهَا إِذَا عَرِقَتْ كَمَا أَنْتَنَ لُحُومُهَا انْتَهَى
وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ
[2558] (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْجَلَّالَةِ إِلَخْ) وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ
34 - (بَابٌ فِي الرَّجُلِ يُسَمِّي دَابَّتَهُ)
[2559] (يُقَالُ لَهُ عُفَيْرٌ) قَالَ فِي مرقاة الصعود قال الخطابي وبن الْأَثِيرِ هُوَ تَصْغِيرُ تَرْخِيمٍ لِأَعْفَرَ مِنَ الْعُفْرَةِ وَهِيَ الْغَبَرَةُ وَلَوْنُ التُّرَابِ كَمَا قَالُوا فِي أَسْوَدَ سُوَيْدٍ وَتَصْغِيرِهِ غَيْرُ مُرَخَّمٍ أُعَيْفِرٌ انْتَهَى
قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي مَعَالِمِ السُّنَنِ وَلِتَسْمِيَةِ الدَّوَابِّ شَكْلٌ مِنْ أَشْكَالِ الْعَرَبِ وَعَادَةٌ مِنْ عَادَاتِهَا وَكَذَلِكَ تَسْمِيَةُ السِّلَاحِ وَأَدَاةِ الْحَرْبِ وَكَانَ سَيْفُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَمَّى ذُو الْفَقَارِ وَرَايَتُهُ الْعُقَابُ وَدِرْعُهُ(7/163)
ذَاتُ الْفُضُولِ وَبَغْلَتُهُ دُلْدُلُ وَبَعْضُ أَفْرَاسِهِ السَّكْتُ وَبَعْضُهَا الْبَحْرُ
انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مُطَوَّلًا وَمُخْتَصَرًا
35 - (بَاب فِي النِّدَاءِ)
[2560] أَيْ نِدَاءِ الْإِمَامِ
(عِنْدَ النَّفِيرِ) نَفَرَ إِلَى الشَّيْءِ أَسْرَعَ إِلَيْهِ وَيُقَالُ لِلْقَوْمِ النَّافِرِينَ لحرب أو غيرها نفير تسمية بالمصدر (ياخيل اللَّهِ ارْكَبِي) قَالَ فِي النِّهَايَةِ هَذَا عَلَى حذف المضاف أراد يافرسان خَيْلِ اللَّهِ ارْكَبِي وَهَذَا مِنْ أَحْسَنِ الْمَجَازَاتِ وَأَلْطَفِهَا انْتَهَى وَقَالَ السُّيُوطِيُّ يُشِيرُ إِلَى مَا أَخْرَجَهُ الْعَسْكَرِيُّ فِي الْأَمْثَالِ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ حارثة بن النعمان قال يانبي اللَّهِ ادْعُ لِي بِالشَّهَادَةِ فَدَعَا لَهُ فَنُودِيَ يوما ياخيل اللَّهِ ارْكَبِي فَكَانَ أَوَّلَ فَارِسٍ رَكِبَ وَأَوَّلَ فَارِسٍ اسْتُشْهِدَ
وَقَالَ الرَّاغِبُ الْخَيْلُ أَصْلُهُ لِلْأَفْرَاسِ والفرسان ويستعمل لكل منفرد نحو ياخيل ارْكَبِي فَهُوَ لِلْفُرْسَانِ وَعَفَوْتُ لَكُمْ عَنْ صَدَقَةِ الْخَيْلِ أَيِ الْأَفْرَاسِ انْتَهَى
(خَيْلَنَا) أَيْ فُرْسَانَنَا (إِذَا فَزِعْنَا) أَيْ خِفْنَا (يَأْمُرُنَا إِذَا فَزِعْنَا) قَالَ الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ إِذَا خِفْنَا وَأَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ إِذَا أَغَثْنَا
قَالَ وَقَدْ ذَكَرَ الْجَوْهَرِيُّ أَنَّ الْفَزَعَ يُطْلَقُ بِالْمَعْنَيَيْنِ جَمِيعًا
وَفِي النِّهَايَةِ الْفَزَعُ فِي الْأَصْلِ الخوف فوضع موضع اغاثة وَالنَّصْرِ لِأَنَّ مَنْ شَأْنُهُ الْإِغَاثَةُ وَالدَّفْعُ عَنِ الْحَرِيمِ مُرَاقِبٌ حَذِرٌ انْتَهَى (بِالْجَمَاعَةِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ يَأْمُرُنَا (وَالصَّبْرِ وَالسَّكِينَةِ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِالْجَمَاعَةِ (وَإِذَا قَاتَلْنَا) قَالَ الْعِرَاقِيُّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْفَزَعَ هُنَا غَيْرُ الْمُقَاتَلَةِ فَيُحْمَلُ عَلَى خَوْفٍ أَوْ يُقَالُ لَا يَلْزَمُ مِنَ الِاسْتِغَاثَةِ الْمُقَاتَلَةُ فَقَدْ يُغِيثُ وَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ قِتَالٌ انْتَهِي
أَيْ يَأْمُرُنَا إِذَا قَاتَلْنَا بِالْجَمَاعَةِ وَالصَّبْرِ السَّكِينَةِ
وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ(7/164)
136 - (بَاب النَّهْيِ عَنْ لَعْنِ الْبَهِيمَةِ)
[2561] (ضَعُوا عَنْهَا) أَيْ ضَعُوا رِحَالَهَا وَأَعْرُوهَا لِئَلَّا تُرْكَبَ وَزَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا أَمَرَهُمْ بِذَلِكَ فِيهَا لِأَنَّهُ قَدِ اسْتُجِيبَ لَهَا الدُّعَاءُ عَلَيْهَا بِاللَّعْنِ وَاسْتُدِلَّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ فَإِنَّهَا مَلْعُونَةٌ وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ إِنَّمَا فَعَلَ عُقُوبَةً لِصَاحِبَتِهَا لِئَلَّا تَعُودَ إِلَى مِثْلِ قَوْلِهَا انْتَهَى (فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهَا) أَيْ إِلَى تِلْكَ الرَّاحِلَةِ (نَاقَةً) بِالنَّصْبِ عَلَى الْحَالِيَّةِ (وَرْقَاءَ) أَيْ فِي لَوْنِهَا سَوَادٌ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ
37 - (بَاب فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَ الْبَهَائِمِ)
[2562] (عَنْ التَّحْرِيشِ بَيْنَ الْبَهَائِمِ) هُوَ الْإِغْرَاءُ وَتَهْيِيجُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ كَمَا يَفْعَلُ بَيْنَ الْكِبَاشِ وَالدُّيُوكِ وَغَيْرِهَا
وَوَجْهُ النَّهْيِ أَنَّهُ إِيلَامٌ لِلْحَيَوَانَاتِ وَإِتْعَابٌ لَهُ بِدُونِ فَائِدَةٍ بَلْ مُجَرَّدُ عَبَثٍ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مَرْفُوعًا وَمُرْسَلًا وَحُكِيَ أَنَّ الْمُرْسَلَ أَصَحُّ
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه اللَّه
وَالصَّوَاب أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ عُقُوبَة لَهَا لِئَلَّا تَعُود مِثْل قَوْلهَا وَتَلْعَن مَا لَا يَسْتَحِقّ اللَّعْن وَالْعُقُوبَة فِي الْمَال لِمَصْلَحَةٍ مَشْرُوعَة بِالِاتِّفَاقِ
وَلَكِنْ اِخْتَلَفُوا هَلْ نُسِخَتْ بَعْد مَشْرُوعِيَّتهَا أَوْ لَمْ يَأْتِ عَلَى نَسْخهَا حُجَّة وَقَدْ حَكَى أَبُو عَبْد اللَّه بْن حَامِد عَنْ بَعْض أَصْحَاب أَحْمَد أَنَّهُ مَنْ لَعَنْ شَيْئًا مِنْ مَتَاعه زَالَ مُلْكه عَنْهُ
وَاَللَّه تَعَالَى أعلم(7/165)
138 - (بَاب فِي وَسْمِ الدَّوَابِّ)
[2563] الْوَسْمُ وَالسِّمَةُ داغ كردن ونشان كردن
(لِيُحَنِّكَهُ) حَنَّكَ الصَّبِيَّ وَحَنَّكَهُ أَيْ مَضَغَ تَمْرًا وَدَلَّكَ بِهِ حَنَكَهُ (فَإِذَا) لِلْمُفَاجَأَةِ (هُوَ) أَيْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فِي مِرْبَدٍ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ هُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي تُحْبَسُ فِيهِ الْإِبِلُ وَالْغَنَمُ مِنْ رَبَدَ بِالْمَكَانِ إِذَا أَقَامَ فِيهِ وَرَبَدَهُ إِذَا حَبَسَهُ (يَسِمُ غَنَمًا) بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ مِنَ الْوَسْمِ أَيْ يُعَلِّمُ عَلَيْهَا بِالْكَيِّ (أَحْسِبُهُ) أَيْ أَنَسًا وَهَذَا مَقُولُ هِشَامٍ (قَالَ) أَيْ أَنَسٌ (فِي آذَانِهَا) أَيْ فِي آذَانِ الْغَنَمِ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِيَسِمُ قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي هَذَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْأُذُنَ لَيْسَ مِنَ الْوَجْهِ لِأَنَّهُ قَدْ نَهَى عَنْ وَسْمِ الْوَجْهِ وَضَرْبِهِ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ ومسلم هَذَا الْبَابُ لَيْسَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ مُرَّ بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ عَلَيْهِ أَيْ عَلَى النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قَدْ وُسِمَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ
وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ وَسْمِ الْحَيَوَانِ فِي وَجْهِهِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَلْعَنُ إِلَّا مَنْ فَعَلَ مُحَرَّمًا وَكَذَلِكَ ضَرْبُ الْوَجْهِ
قَالَ النَّوَوِيُّ وَأَمَّا الضَّرْبُ(7/166)
فِي الْوَجْهِ فَمَنْهِيٌّ عَنْهُ فِي كُلِّ الْحَيَوَانِ الْمُحْتَرَمِ مِنَ الْآدَمِيِّ وَالْحَمِيرِ وَالْخَيْلِ وَالْإِبِلِ وَالْبِغَالِ وَالْغَنَمِ وَغَيْرِهَا لَكِنَّهُ فِي الْآدَمِيِّ أَشَدُّ لِأَنَّهُ مَجْمَعُ الْمَحَاسِنِ مَعَ أَنَّهُ لَطِيفٌ لِأَنَّهُ يَظْهَرُ فِيهِ أَثَرُ الضَّرْبِ وَرُبَّمَا شَانَهُ وَرُبَّمَا آذَى بَعْضَ الْحَوَاسِّ
قَالَ وَأَمَّا الْوَسْمُ فِي الْوَجْهِ فَمَنْهِيٌّ عَنْهُ بِالْإِجْمَاعِ وَأَمَّا وَسْمُ غَيْرُ الْوَجْهِ مِنْ غَيْرِ الْآدَمِيِّ فَجَائِزٌ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا لَكِنْ يُسْتَحَبُّ فِي نَعَمِ الزَّكَاةِ وَالْجِزْيَةِ وَلَا يُسْتَحَبُّ فِي غَيْرِهَا وَلَا يُنْهَى عَنْهُ انْتَهَى بِاخْتِصَارٍ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ بِمَعْنَاهُ
4
( [2565] باب في كراهية الحمر تنزي على الخيل)
مَنْ أَنْزَى الْحُمُرَ عَلَى الْخَيْلِ حَمَلَهَا عَلَيْهِ
قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ نَزَا الْفَحْلُ نَزْوًا مِنْ بَابِ قَتَلَ وَنَزَوَانًا وَثَبَ وَالِاسْمُ النِّزَاءُ مِثْلُ كِتَابٍ وَغُرَابٍ يُقَالُ ذَلِكَ فِي الْحَافِرِ وَالظِّلْفِ وَالسِّبَاعِ وَيَتَعَدَّى بِالْهَمْزَةِ وَالتَّضْعِيفِ فَيُقَالُ أَنَزَاهُ صَاحِبُهُ ونزاه تنزية انتهى
(عن بن زُرَيْرٍ) بِتَقْدِيمِ الزَّايِ مُصَغَّرًا وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ ثِقَةٌ رُمِيَ بِالتَّشَيُّعِ (أُهْدِيَتْ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (فَكَانَتْ لَنَا مِثْلُ هَذِهِ) أَيِ الْبَغْلَةُ وَجَوَابُ لَوْ مُقَدَّرٌ أَيْ لَكَانَ حَسَنًا أَوْ لِلتَّمَنِّي (إِنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) أَيْ أَحْكَامَ الشَّرِيعَةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُجْرَى مَجْرَى اللَّازِمِ لِلْمُبَالَغَةِ أَيِ الَّذِينَ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ فِي شَيْءٍ قَالَ الْخَطَّابِيُّ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ الْحُمُرَ إِذَا حُمِلَتْ عَلَى الْخَيْلِ قَلَّ عَدَدُهَا وَانْقَطَعَ نَمَاؤُهَا وَتَعَطَّلَتْ مَنَافِعُهَا وَالْخَيْلُ يُحْتَاجُ إِلَيْهَا لِلرُّكُوبِ وَالرَّكْضِ وَالطَّلَبُ وَالْجِهَادُ وَإِحْرَازُ الْغَنَائِمِ وَلَحْمُهَا مَأْكُولٌ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْفَوَائِدِ وَلَيْسَ لِلْبَغْلِ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ فَأَحَبَّ أَنْ يَكْثُرَ نَسْلُهَا لِيَكْثُرَ الِانْتِفَاعُ بِهَا
كَذَا فِي النِّهَايَةِ قَالَ الطِّيبِيُّ لَعَلَّ الْإِنْزَاءَ غَيْرُ جَائِزٍ وَالرُّكُوبُ وَالتَّزَيُّنُ بِهِ جَائِزَانِ كَالصُّوَرِ فَإِنَّ عَمَلَهَا حَرَامٌ وَاسْتِعْمَالُهَا فِي الْفُرُشِ وَالْبُسُطِ مُبَاحٌ انْتَهَى
قُلْتُ وَكَذَا تَخْلِيلُ خَلِّ الْخَمْرِ حَرَامٌ وَأَكْلُ خَلِّ الْخَمْرِ جَائِزٌ عَلَى رَأْيِ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ كَمَا هُوَ مَبْسُوطٌ فِي الرِّسَالَةِ الْمُسَمَّاةِ بالقول المحقق لكن قال القارىء وَفِي تَنْظِيرِ الطِّيبِيِّ نَظَرٌ وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ المنذري(7/167)
141 - (بَاب فِي رُكُوبِ ثَلَاثَةٍ عَلَى دَابَّةٍ)
[2566] (عَنْ مُؤَرِّقٍ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَشِدَّةِ الرَّاءِ الْمَكْسُورَةِ (عَبْدُ الله بن جعفر) أي بن أَبِي طَالِبٍ (اسْتُقْبِلَ بِنَا) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ وَالضَّمِيرُ المرفوع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيِ اسْتَقْبَلَهُ أَوْلِيَاؤُنَا بِنَا (بِحَسَنٍ أَوْ حُسَيْنٍ) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي (وَإِنَّا لَكَذَلِكَ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ أَيْ حَالَ كَوْنِنَا رَاكِبِينَ عَلَى دَابَّةٍ وَاحِدَةٍ بِالتَّرْتِيبِ الْمَذْكُورِ قَالَ المنذري وأخرجه مسلم والنسائي وبن مَاجَهْ وَفِيهِ جَوَازُ الِارْتِدَافِ وَجَوَازُ رُكُوبِ ثَلَاثَةٍ عَلَى دَابَّةٍ إِذَا كَانَ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ بِهَا انْتَهَى كَلَامُ الْمُنْذِرِيِّ
42 - (بَاب فِي الْوُقُوفِ عَلَى الدَّابَّةِ)
[2567] (السِّيبَانِيِّ) بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ (إِيَّايَ) الْمَشْهُورُ فِي التَّحْذِيرِ الْخِطَابُ وَقَدْ يَكُونُ بِصِيغَةِ
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه اللَّه وَأَمَّا وُقُوف النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَاحِلَته فِي حَجَّة الْوَدَاع وَخُطْبَته عَلَيْهَا فَذَاكَ غَيْر مَا نَهَى عَنْهُ فَإِنَّ هَذَا عَارِض لِمَصْلَحَةٍ عَامَّة فِي وَقْت مَا لَا يَكُون دَائِمًا وَلَا يَلْحَق الدَّابَّة مِنْهُ مِنْ التَّعَب وَالْكِلَال مَا يَلْحَقهَا مِنْ اِعْتِيَاد ذَلِكَ لَا لِمَصْلَحَةٍ بَلْ يَسْتَوْطِنهَا وَيَتَّخِذهَا مَقْعَدًا يُنَاجِي عَلَيْهَا الرَّجُل وَلَا يَنْزِل إِلَى الْأَرْض فَإِنَّ ذَلِكَ يَتَكَرَّر وَيَطُول بِخِلَافِ خُطْبَته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَاحِلَته لِيُسْمِع النَّاس وَيُعَلِّمهُمْ أُمُور الْإِسْلَام وَأَحْكَام النُّسُك فَإِنَّ هَذَا لَا يَتَكَرَّر وَلَا يَطُول وَمَصْلَحَته عَامَّة(7/168)
الْمُتَكَلِّمِ قَالَهُ فِي فَتْحِ الْوَدُودِ (أَنْ تَتَّخِذُوا ظهور دوابكم منابر) قال القارىء وَالْمَعْنَى لَا تَجْلِسُوا عَلَى ظُهُورِهَا فَتُوقِفُونَهَا وَتُحَدِّثُونَ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ بَلِ انْزِلُوا وَاقْضُوا حَاجَاتِكُمْ ثُمَّ ارْكَبُوا قَالَ الطِّيبِيُّ كِنَايَةٌ عَنِ الْقِيَامِ عَلَيْهَا لِأَنَّهُمْ إِذَا خَطَبُوا عَلَى الْمَنَابِرِ قَامُوا انْتَهَى (لِتُبَلِّغَكُمْ) أَيْ لِتُوَصِّلَكُمْ (بَالِغِيهِ) أَيْ وَاصِلِينَ إِلَيْهِ (إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ أَيْ مَشَقَّتِهَا وَتَعَبِهَا (وَجَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ) أَيْ بِسَاطًا وَقَرَارًا (فَعَلَيْهَا) أَيْ عَلَى الْأَرْضِ لَا عَلَى ظُهُورِ الدَّوَابِّ (فَاقْضُوا حَاجَاتِكُمْ) قَالَ الطِّيبِيُّ الْفَاءُ الْأُولَى لِلسَّبَبِيَّةِ وَالثَّانِيَةُ لِلتَّعْقِيبِ أَيْ إِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَعَلَى الْأَرْضِ اقْضُوا حَاجَاتِكُمْ ثُمَّ عَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ فَاقْضُوا حَاجَاتِكُمْ تَفْسِيرًا لِلْمُقَدَّرِ انْتَهَى
قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَا مُحَصَّلُهُ إِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ خَطَبَ عَلَى رَاحِلَتِهِ وَاقِفًا فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْوُقُوفَ عَلَى ظُهُورِهَا إِذَا كَانَ لِإِرْبٍ أَوْ بُلُوغِ وَطَرٍ لَا يُدْرَكُ مَعَ النُّزُولِ إِلَى الْأَرْضِ جَائِزٌ وَأَنَّ النَّهْيَ انْصَرَفَ إِلَى الْوُقُوفِ عَلَيْهَا لَا لِمَعْنًى يُوجِبُهُ بِأَنْ يَسْتَوْطِنَهُ الْإِنْسَانُ وَيَتَّخِذَهُ مَقْعَدًا فَيُتْعِبَ الدَّابَّةَ وَيَضُرَّ بِهَا مِنْ غَيْرِ طَائِلٍ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ وَفِيهِ مَقَالٌ
43 - (بَابٌ فِي الْجَنَائِبِ جَمْعُ جَنِيبَةٍ)
[2568] قَالَ فِي الْقَامُوسِ جَنَبَهُ جَنَبًا مُحَرَّكَةً قَادَهُ إِلَى جَنْبِهِ فَهُوَ جَنِيبٌ وَمَجْنُوبٌ وَمُجْنَبٌ وَخَيْلٌ جَنَائِبُ
(تَكُونُ) أَيْ تُوجَدُ (إِبِلٌ الشياطين) يُرِيدُ بِهَا الْمُعَدَّةَ لِلتَّكَاثُرِ وَالتَّفَاخُرِ وَلَمْ يَقْصِدْ بها أمرا مشروعا (وبيوت الشياطين) أَيْ إِذَا كَانَتْ زَائِدَةً عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ أَوْ لِلرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ (بِجَنِيبَاتٍ) جَمْعُ جَنِيبَةٍ وَهِيَ الدَّابَّةُ الَّتِي تُقَادُ وَالْمُرَادُ الَّتِي لَيْسَ عَلَيْهَا رَاكِبٌ كَذَا فِي فَتْحِ الْوَدُودِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِنَجِيبَاتٍ جَمْعِ نَجِيبَةٍ وَهِيَ النَّاقَةُ الْمُخْتَارَةُ (فَلَا يَعْلُو) أَيْ لَا يَرْكَبُ (وَيَمُرُّ) أَيْ في(7/169)
السَّفَرِ (بِأَخِيهِ) أَيْ فِي الدِّينِ (وَقَدِ انْقُطِعَ بِهِ) عَلَى صِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ كَلَّ عَنِ السير فالضمير للرجل المنقطع وبه نَائِبُ الْفَاعِلِ وَالْجُمْلَةُ حَالٌ (فَلَا يَحْمِلُهُ) أَيْ أخاه الضعيف عليها (كان سعيد) هو بن أَبِي هِنْدٍ التَّابِعِيُّ الرَّاوِي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (لَا أُرَاهَا) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ أَيْ لَا أَظُنُّهَا (إِلَّا هَذِهِ الْأَقْفَاصَ) أَيِ الْمَحَامِلَ وَالْهَوَادِجَ الَّتِي يَتَّخِذُهَا الْمُتْرَفُونَ فِي الْأَسْفَارِ
وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَالَ الْقَاضِي إِنَّ قَوْلَهُ فَأَمَّا إِبِلُ الشَّيَاطِينِ إِلَى قَوْلِهِ فَلَمْ أَرَهَا مِنْ كَلَامِ أَبِي هُرَيْرَةَ لَا مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ عَيَّنَ الصَّحَابِيُّ مِنْ أَصْنَافِ هَذَا النَّوْعِ مِنَ الْإِبِلِ صِنْفًا وَهُوَ جَنِيبَاتٌ سِمَانٌ يَسُوقُهَا الرَّجُلُ مَعَهُ فِي سَفَرِهِ فَلَا يَرْكَبُهَا وَلَا يَحْتَاجُ إِلَيْهَا فِي حَمْلِ مَتَاعِهِ ثُمَّ إِنَّهُ يَمُرُّ بِأَخِيهِ الْمُسْلِمِ قَدِ انْقُطِعَ بِهِ مِنَ الضَّعْفِ وَالْعَجْزِ فَلَا يَحْمِلُهُ وَعَيَّنَ التَّابِعِيُّ صِنْفًا مِنْ الْبُيُوتِ وَهُوَ الْأَقْفَاصُ الْمُحَلَّاةُ بِالدِّيبَاجِ
وَقَالَ فِي الْأَشْرَافِ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ بَلْ نَظْمُ الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ جَمِيعَهُ إِلَى قَوْلِهِ فَلَمْ أَرَهَا مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى هَذَا فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَأَمَّا إِبِلُ الشَّيْطَانِ فَقَدْ رَأَيْتُهَا إِلَى قَوْلِهِ فَلَا يَحْمِلُهُ وَأَمَّا بُيُوتُ الشَّيْطَانِ فَلَمْ أَرَهَا فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَرَ مِنَ الْهَوَادِجِ وَالْمَحَامِلِ الَّتِي يَأْخُذُهَا الْمُتْرَفُونَ فِي الْأَسْفَارِ
كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ سَعِيدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ لَمْ يَلْقَ أَبَا هُرَيْرَةَ وَفِي كَلَامِ الْبُخَارِيِّ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ
44 - (بَاب في سرعة السير إلخ)
[2569] (فِي الْخِصْبِ) بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ زَمَانِ كَثْرَةِ الْعَلَفِ وَالنَّبَاتِ (فَأَعْطُوا الْإِبِلَ حَقَّهَا) أَيْ حَظَّهَا مِنْ نَبَاتِ الْأَرْضِ يَعْنِي دَعُوهَا سَاعَةً فَسَاعَةً تَرْعَى إِذْ حَقُّهَا مِنَ الْأَرْضِ رَعْيُهَا فِيهِ (فِي الْجَدْبِ) أَيِ الْقَحْطِ (فَأَسْرِعُوا السَّيْرَ) لِيَحْصُلَ الِاسْتِرَاحَةُ بِالْخُرُوجِ مِنْ أَرْضِ الْجَدْبِ وَلِتُبَلِّغَكُمْ(7/170)
إِلَى الْمَنْزِلِ قَبْلَ أَنْ تَضْعُفَ (التَّعْرِيسَ) أَيِ النُّزُولَ فِي آخِرِ اللَّيْلِ (فَتَنَكَّبُوا) أَيِ اجْتَنِبُوا (عَنِ الطَّرِيقِ) زَادَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَإِنَّهَا طُرُقُ الدَّوَابِّ وَمَأْوَى الْهَوَامِّ بِاللَّيْلِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ
[2570] (وَلَا تَعْدُوا الْمَنَازِلَ) أَيْ لَا تُجَاوِزُوا الْمَنْزِلَ الْمُتَعَارَفَ إِلَى آخَرَ استسراعا لأن فيه إتعاب الأنفس والبهائم فال المنذري وأخرجه النسائي وبن مَاجَهْ وَذَكَرَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ وَأَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ وَغَيْرُهُمَا أَنَّ الْحَسَنَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
45 - (بَاب فِي الدُّلْجَةِ)
[2571] (عَلَيْكُمْ بِالدُّلْجَةِ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ اسْمٌ مِنْ أَدْلَجَ الْقَوْمُ بِتَخْفِيفِ الدَّالِ إِذَا سَارُوا أَوَّلَ اللَّيْلِ وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ الْإِدْلَاجَ سَيْرُ اللَّيْلِ كُلِّهِ وَكَأَنَّهُ الْمَعْنَى بِهِ فِي الْحَدِيثِ لِأَنَّهُ عَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ فَإِنَّ الْأَرْضَ تُطْوَى بِاللَّيْلِ بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ تُقْطَعُ بِالسَّيْرِ فِي اللَّيْلِ
وَقَالَ الْمُظْهِرُ يَعْنِي لَا تَقْنَعُوا بِالسَّيْرِ نَهَارًا بَلْ سِيرُوا بِاللَّيْلِ أَيْضًا فَإِنَّهُ يَسْهُلُ بِحَيْثُ يَظُنُّ الْمَاشِي أَنَّهُ سَارَ قَلِيلًا وَقَدْ سَارَ كَثِيرًا
كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ اسْمُهُ عِيسَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَاهَانَ وَقَدْ وَثَّقَهُ بَعْضُهُمْ وَتَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ
46 - (بَاب رَبُّ الدَّابَّةِ أَحَقُّ بِصَدْرِهَا)
[2572] صَدْرُهَا مِنْ ظَهْرِهَا مَا يَلِي عُنُقَهَا(7/171)
(بُرَيْدَةَ) بَدَلٌ مِنْ أَبِي (وَتَأَخَّرَ الرَّجُلُ) أَيْ وَأَرَادَ أَنْ يَرْكَبَ خَلْفَهُ مُتَأَخِّرًا عَنْهُ (لَا) أَيْ لَا أَرْكَبُ عَلَى الصَّدْرِ (أَنْتَ أَحَقُّ بِصَدْرِ دَابَّتِكَ) تَعْلِيلٌ لِلَا (إِلَّا أَنْ تَجْعَلَهُ) أَيِ الصَّدْرَ (قَالَ) أَيِ الرَّجُلُ (فَرَكِبَ) أَيْ رسول الله صلى الله عليه وسلم على صَدْرِهَا
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ
47 - (بَاب فِي الدَّابَّةِ تُعَرْقَبُ فِي الْحَرْبِ)
[2573] مِنْ عَرْقَبَ كَدَحْرَجَ أَيْ يَقْطَعُ عُرْقُوبَهَا وَالْعُرْقُوبُ بِالضَّمِّ عَصَبٌ خَلْفَ الْكَعْبَيْنِ بَيْنَ مَفْصِلِ الْقَدَمِ وَالسَّاقِ مِنْ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ وَمِنَ الْإِنْسَانِ فُوَيْقُ الكعب كذا في فتح الودود
(غزاة موتة) بَدَلٌ مِنْ تِلْكَ الْغَزَاةِ وَمُؤْتَةُ بِضَمِّ الْمِيمِ وسكون الواو بغير همز وقيل بهمز مَوْضِعٌ بِالشَّامِ (حِينَ اقْتَحَمَ عَنْ فَرَسٍ) أَيْ رَمَى نَفْسَهُ عَنْهَا (شَقْرَاءَ) أَيْ حَمْرَاءَ (فَعَقَرَهَا) قَالَ فِي النِّهَايَةِ أَصْلُ الْعَقْرِ ضَرْبُ قَوَائِمِ الْإِنْسَانِ بِالسَّيْفِ وَهُوَ قَائِمٌ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَهَذَا يَفْعَلُهُ النَّاسُ فِي الْحَرْبِ إِذَا أُرْهِقَ وَأَيْقَنَ أَنَّهُ مَغْلُوبٌ لِئَلَّا يَظْفَرَ بِهِ الْعَدُوُّ فَيَتَقَوَّى بِهِ عَلَى قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ (ثُمَّ قَاتَلَ) أَيْ جَعْفَرٌ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ قَالَ أَبُو دَاوُدَ هَذَا الْحَدِيثُ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ(7/172)
148 - (بَاب فِي السَّبَقِ)
[2574] (لَا سَبَقَ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ السَّبَقُ بِفَتْحِ الْبَاءِ مَا يُجْعَلُ لِلسَّابِقِ عَلَى سَبْقِهِ مِنْ جُعْلٍ وَنَوَالٍ فَأَمَّا السَّبْقُ بِسُكُونِ الْبَاءِ فَهُوَ مَصْدَرُ سَبَقْتَ الرَّجُلَ أَسْبِقُهُ سَبْقًا وَالرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ السَّبَقُ مَفْتُوحَةَ الْبَاءِ يُرِيدُ أَنَّ الْجُعْلَ وَالْعَطَاءَ لَا يُسْتَحَقُّ إِلَّا فِي سِبَاقِ الْخَيْلِ وَالْإِبِلِ وَمَا فِي مَعْنَاهُمَا وَفِي النَّصْلِ وَهُوَ الرَّمْيُ وَذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ عُدَّةٌ فِي قِتَالِ الْعَدُوِّ وَفِي بَذْلِ الْجُعْلِ عَلَيْهَا تَرْغِيبٌ فِي الْجِهَادِ وَتَحْرِيضٌ عَلَيْهِ
قَالَ وَأَمَّا السِّبَاقُ بِالطَّيْرِ وَالرَّجْلِ وَبِالْحَمَامِ وَمَا يَدْخُلُ فِي مَعْنَاهُ مِمَّا لَيْسَ مِنْ عُدَّةِ الْحَرْبِ وَلَا مِنْ بَابِ الْقُوَّةِ عَلَى الْجِهَادِ فَأَخْذُ السَّبَقِ عَلَيْهِ قِمَارٌ مَحْظُورُ لَا يَجُوزُ انْتَهَى (إِلَّا فِي خُفٍّ أَوْ حَافِرٍ) قَالَ فِي الْمَجْمَعِ الْخُفُّ لِلْبَعِيرِ كَالْحَافِرِ لِلْفَرَسِ (أَوْ نَصْلٍ) هُوَ حَدِيدُ السَّهْمِ وَالرُّمْحِ وَالسَّيْفِ مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مِقْبَضٌ
قَالَ الطِّيبِيُّ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ تَقْدِيرٍ أَيْ ذِي نَصْلٍ وَذِي خُفٍّ وَذِي حَافِرٍ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ [2575] (قَدْ أُضْمِرَتْ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَالْإِضْمَارُ أَنْ تُلَفَّ الْخَيْلُ حَتَّى تَسْمَنَ وَتَقْوَى ثُمَّ يُقَلَّلُ عَلَفُهَا بِقَدْرِ الْقُوتِ وَتُدْخَلُ بَيْتًا وَتُغْشَى بِالْجِلَالِ حَتَّى تَحْمَى فَتَعْرَقَ فَإِذَا جَفَّ عَرَقُهَا خَفَّ لَحْمُهَا وَقَوِيَتْ عَلَى الْجَرْيِ
قَالَهُ الْحَافِظُ (مِنَ الْحَفْيَاءِ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَسُكُونِ الْفَاءِ بِمَدٍّ وَيُقْصَرُ مَوْضِعٌ خَارِجُ الْمَدِينَةِ (وَكَانَ أَمَدُهَا) بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ غَايَتُهَا (ثَنِيَّةَ الْوَدَاعِ) مَوْضِعٌ وَأُضِيفَ الثَّنِيَّةُ إِلَى الْوَدَاعِ لِأَنَّهَا مَوْضِعُ التَّوْدِيعِ وَبَيْنَ الْحَفْيَاءِ وَثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ سِتَّةُ أَمْيَالٍ كَمَا فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ (مِنَ الثَّنِيَّةِ) أَيْ مِنْ ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ (إِلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ) بِضَمِّ الزَّايِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَبَيْنَ الثَّنِيَّةِ وَالْمَسْجِدِ مِيلٌ كَمَا فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ لَا خِلَافَ فِي جَوَازِ الْمُسَابَقَةِ عَلَى الْخَيْلِ وَغَيْرِهَا مِنَ الدَّوَابِّ وَعَلَى(7/173)
الْأَقْدَامِ وَكَذَا التَّرَامِي بِالسِّهَامِ وَاسْتِعْمَالِ الْأَسْلِحَةِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ التَّدْرِيبِ فِي الْحَرْبِ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ والنسائي
[2576] (كَانَ يُضَمِّرُ) ضُبِطَ مِنَ الْإِضْمَارِ وَالتَّضْمِيرِ وَهُمَا لُغَتَانِ
قَالَ فِي الْقَامُوسِ الضُّمْرُ بِالضَّمِّ وَبِضَمَّتَيْنِ الْهُزَالُ وَلَحَاقُ الْبَطْنِ وَضَمَّرَ الْخَيْلَ تَضْمِيرًا عَلَفَهَا الْقُوتَ بَعْدَ السِّمَنِ كَأَضْمَرَ
وَفِي الْحَدِيثِ جَوَازُ إضمار الخيل
قال المنذري وأخرجه بن مَاجَهْ
[2577] (سَبَّقَ) مِنَ التَّفْعِيلِ (وَفَضَّلَ) مِنَ التَّفْعِيلِ أَيْضًا (الْقُرَّحَ) بِضَمِّ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ الْمَفْتُوحَةِ جَمْعُ قَارِحٍ وَهُوَ مِنَ الْخَيْلِ مَا دَخَلَ فِي السَّنَةِ الْخَامِسَةِ
كَذَا فِي فَتْحِ الْوَدُودِ
وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ
49 - (بَاب فِي السَّبَقِ عَلَى الرِّجْلِ)
[2578] (عَنْ أَبِيهِ) عُرْوَةَ (وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ) فَهِشَامٌ يَرْوِيهِ عَنْ شَيْخَيْهِ عُرْوَةَ وَأَبِي سَلَمَةَ (فَسَابَقْتُهُ) أَيْ غَالَبْتُهُ فِي السَّبْقِ أَيْ فِي الْعَدْوِ وَالْجَرْيِ (فَسَبَقْتُهُ) أَيْ غَلَبْتُهُ وَتَقَدَّمْتُ عَلَيْهِ (عَلَى رِجْلِي) أَيْ لَا عَلَى دَابَّةٍ (فَلَمَّا حَمَلْتُ اللَّحْمَ) أَيْ سَمِنْتُ (سَابَقْتُهُ) أَيْ مَرَّةً أُخْرَى (هَذِهِ) أَيْ هَذِهِ السِّبْقَةُ وَالْمَعْنَى تَقَدُّمِي عَلَيْكِ فِي هَذِهِ النَّوْبَةِ فِي مُقَابَلَةِ تَقَدُّمِكِ فِي النَّوْبَةِ الْأُولَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النسائي وبن ماجه(7/174)
15
( [2579] بَاب فِي الْمُحَلِّلِ)
صِيغَةُ اسْمِ الْفَاعِلِ مِنَ التَّفْعِيلِ وَسَيَجِيءُ تَفْسِيرُهُ
(مَنْ أَدْخَلَ فَرَسًا بَيْنَ فرسين) قال بن الْمَلَكِ هَذَا إِشَارَةٌ فِي الْمُحَلِّلِ وَهُوَ مِنْ جَعْلِ الْعَقْدِ حَلَالًا وَهُوَ أَنْ يُدْخِلَ ثَالِثًا بَيْنَهُمَا (وَهُوَ) أَيْ مَنْ أُدْخِلَ (لَا يُؤْمَنُ أَنْ يُسْبَقَ) كِلَاهُمَا بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ لَا يُعْلَمُ وَلَا يُعْرَفُ هَذَا مِنْهُ يَقِينًا (وَقَدْ أُمِنَ أَنْ يُسْبَقَ) كِلَاهُمَا بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ
قَالَ الطيبي وتبعه بن الْمَلَكِ أَيْ يُعْلَمُ وَيُعْرَفُ أَنَّ هَذَا الْفَرَسَ سَابِقٌ غَيْرُ مَسْبُوقٍ (فَهُوَ قِمَارٌ) بِكَسْرِ
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه اللَّه قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَرَوَاهُ مَعْمَر وَشُعَيْب وَعُقَيْل عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ رِجَال مِنْ أَهْل الْعِلْم قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَهَذَا أَصَحّ عِنْدنَا
وَهَذَا الْحَدِيث مَعْرُوف بِسُفْيَان بْن حُسَيْن عَنْ الزُّهْرِيِّ وَهُوَ ثِقَة لَكِنْ جُمْهُور أَئِمَّة الْحَدِيث وَالْحُفَّاظ يُضَعِّفُونَهُ فِي الزُّهْرِيِّ وَلَا يَرَوْنَهُ فِي حَجَّة وَقَدْ تَابَعَهُ مِثْله عَنْ الزُّهْرِيِّ وَهُوَ سَعِيد بْن بَشِير هُوَ ضَعِيف أَيْضًا
وَقَالَ عبد الرحمن بن أبي حاتم في كتاب الْعِلَل لَهُ سَأَلْت أَبِي عَنْ حَدِيث سُفْيَان بْن حُسَيْن فَقَالَ خَطَأ لَمْ يَعْمَل سُفْيَان شَيْئًا لَا يُشْبِه أَنْ يَكُون عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَحْسَن أَحْوَاله أَنْ يَكُون قَوْل سَعِيد فَقَدْ رَوَاهُ يَحْيَى بْن سَعِيد عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب
قَوْله وَفِي تاريخ بن أَبِي خَيْثَمَةَ قَالَ سَأَلْت يَحْيَى بْن مَعِين عَنْ حَدِيث سُفْيَان هَذَا فَخَطَّ عَلَى أَبِي هُرَيْرَة وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي كِتَاب الْعِلَل يَرْوِيه سَعِيد بْن بَشِير وَاخْتُلِفَ عَنْهُ فَرَوَاهُ عُبَيْد بْن شَرِيك عَنْ هِشَام بْن عَمَّار عَنْ الْوَلِيد عَنْهُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيد عَنْ أَبِي هُرَيْرَة وَوَهَمَ فِي قَوْله قَتَادَةُ فَغَيْره يَرْوِيه عَنْ هشام فَيَقُول عَنْ الزُّهْرِيِّ بَدَل قَتَادَةَ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مَحْمُود بْن خَالِد وَغَيْره عَنْ الْوَلِيد
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ سُفْيَان بْن حُسَيْن عَنْ الزُّهْرِيِّ وَهُوَ الْمَحْفُوظ قِيلَ لَهُ فَإِنَّ الحسين بن السميذع رَوَاهُ عَنْ مُوسَى بْن أَيُّوب عَنْ الْوَلِيد عَنْ سَعِيد بْن عَبْد الْعَزِيز عَنْ الزُّهْرِيِّ فقال غلط بل هو بن بشير
وقال بن مَعِين حَدِيث سُفْيَان فِي الزُّهْرِيِّ لَيْسَ بِذَاكَ إنما سمع منه بالموسم
وقال بن حِبَّان لَا يُحْتَجّ بِهِ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَهُوَ مثل بن إسحاق(7/175)
الْقَافِ أَيْ مُقَامَرَةٌ
قَالَ الْمُظْهِرُ اعْلَمْ أَنَّ الْمُحَلِّلَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى فَرَسٍ مِثْلَ فَرَسِ الْمُخْرَجَيْنِ أَوْ قَرِيبًا مِنْ فَرَسَيْهِمَا فِي الْعَدْوِ فَإِنْ كَانَ فَرَسُ الْمُحَلِّلِ جَوَادًا بِحَيْثُ يَعْلَمُ الْمُحَلِّلُ أَنَّ فَرَسَيِ الْمُخْرَجَيْنِ لَا يَسْبِقَانِ فَرَسَهُ لَمْ يَجُزْ بَلْ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ وَإِنْ كَانَ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ يَسْبِقُ فَرَسَيِ الْمُخْرَجَيْنِ يَقِينًا أَوْ أَنَّهُ يَكُونُ مَسْبُوقًا جَازَ
وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ ثُمَّ فِي الْمُسَابَقَةِ إِنْ كَانَ الْمَالُ مِنْ جِهَةِ الْإِمَامِ أَوْ مِنْ جِهَةِ وَاحِدٍ مِنْ عُرْضِ النَّاسِ شَرَطَ لِلسَّابِقِ مِنَ الْفَارِسَيْنِ مَالًا مَعْلُومًا فَجَائِزٌ وَإِذَا سَبَقَ اسْتَحَقَّهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ جِهَةِ الْفَارِسَيْنِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ إِنْ سَبَقْتَنِي فَلَكَ عَلَيَّ كَذَا وَإِنْ سَبَقْتُكَ فَلَا شَيْءَ لِي عَلَيْكَ فَهُوَ جَائِزٌ أَيْضًا فَإِذَا سَبَقَ اسْتَحَقَّ الْمَشْرُوطَ وَإِنْ كَانَ الْمَالُ مِنْ جِهَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِأَنْ قال لصاحبه إن سَبَقْتُكَ فَلِي عَلَيْكَ كَذَا وَإِنْ سَبَقْتَنِي فَلَكَ عَلَيَّ كَذَا فَهَذَا لَا يَجُوزُ إِلَّا بِمُحَلِّلٍ يَدْخُلُ بَيْنَهُمَا إِنْ سَبَقَ الْمُحَلِّلُ أَخَذَ السَّبَقَيْنِ وَإِنْ سُبِقَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ
وَسُمِّيَ مُحَلِّلًا لِأَنَّهُ مُحَلِّلٌ لِلسَّابِقِ أَخْذَ الْمَالِ
فَبِالْمُحَلِّلِ يَخْرُجُ الْعَقْدُ عَنْ أَنْ يَكُونَ قِمَارًا لِأَنَّ الْقِمَارَ يَكُونُ الرَّجُلُ مُتَرَدِّدًا بَيْنَ الْغُنْمِ وَالْغُرْمِ فَإِذَا دَخَلَ بَيْنَهُمَا لَمْ يُوجَدْ فِيهِ هَذَا الْمَعْنَى
ثُمَّ إِذَا جَاءَ الْمُحَلِّلُ أَوَّلًا ثُمَّ جَاءَ الْمُسْتَبِقَانِ مَعًا أَوْ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْآخَرِ أَخَذَ الْمُحَلِّلُ السَّبَقَيْنِ وَإِنْ جَاءَ الْمُسْتَبِقَانِ مَعًا ثُمَّ الْمُحَلِّلُ فَلَا شَيْءَ لِأَحَدٍ وَإِنْ جَاءَ أَحَدُ الْمُسْتَبِقَيْنِ أَوَّلًا ثُمَّ الْمُحَلِّلُ وَالْمُسْتَبِقُ الثَّانِي إِمَّا مَعًا أَوْ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْآخَرِ أَحْرَزَ السَّابِقُ سَبَقَهُ وَأَخَذَ سَبَقَ الْمُسْتَبِقِ الثَّانِي
وَإِنْ جَاءَ الْمُحَلِّلُ وَأَحَدُ الْمُسْتَبِقَيْنِ مَعًا ثُمَّ جَاءَ الثَّانِي مُصَلَّيًا أَخَذَ السَّابِقَانِ سَبَقَهُ
كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ
قال المنذري وأخرجه بن ماجه
(بإسناد عباد) أي بن الْعَوَّامِ الْمَذْكُورِ فِي الْإِسْنَادِ السَّابِقِ (قَالَ أَبُو دَاوُدَ رَوَاهُ مَعْمَرٌ إِلَخْ) هَذِهِ الْعِبَارَةُ لَمْ تُوجَدْ فِي بَعْضِ النُّسَخِ
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
وَسُلَيْمَان بْن كَثِير فَلَا تُقَدَّم رِوَايَة سُفْيَان بْن حُسَيْن عَلَى رِوَايَة الْأَئِمَّة الْأَثْبَات مِنْ أَصْحَاب الزُّهْرِيِّ وَهُمْ أَعْلَم بِحَدِيثِهِ
وَقَدْ رَوَى أَبُو حَاتِم بْن حِبَّان فِي صَحِيحه مِنْ حديث بن عُمَر أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَابَقَ بَيْن الْخَيْل وَجَعَلَ بَيْنهَا سَبَقًا وَجَعَلَ بَيْنهَا مُحَلِّلًا وَقَالَ لَا سَبَق إِلَّا فِي نَصْل أَوْ خُفّ أَوْ حَافِر وَلَكِنْ أُنْكِرَ عَلَيْهِ إِدْخَاله هَذَا الْحَدِيث فِي صَحِيحه مِنْ رِوَايَة عَاصِم بْن عُمَر بْن حَفْص بْن عَاصِم بْن عُمَر وَهُوَ ضَعِيف لَا يُحْتَجّ بِهِ ضَعَّفَهُ غَيْر وَاحِد مِنْ الْأَئِمَّة
وَذَكَرَهُ هُوَ فِي كِتَابه الضُّعَفَاء
وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو أَحْمَد بْن عَدِيّ هَذَا الْحَدِيث فِي كِتَابه مِمَّا أُنْكِرَ عَلَى عَاصِم بْن عُمَر وَضَعَّفَهُ عَبْد الْحَقّ وَغَيْره(7/176)
151 - (بَاب فِي الْجَلَبِ عَلَى الْخَيْلِ فِي السِّبَاقِ)
[2581] أَيِ الْمُسَابَقَةِ
(لَا جَلَبَ وَلَا جَنَبَ) كِلَاهُمَا بِفَتْحَتَيْنِ
قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْجَلَبُ فِي الزَّكَاةِ مَرَّ مَعْنَاهُ وَفِي السِّبَاقِ أَنْ يُتْبِعَ الرَّجُلُ فَرَسَهُ رَجْلًا فَيَزْجُرَهُ وَيَصِيحَ حَثًّا لَهُ عَلَى الْجَرْيِ
وَالْجَنَبُ فِي السِّبَاقِ أَنْ يُجْنِبَ فَرَسًا إِلَى فَرَسِهِ الَّذِي سَابَقَ عَلَيْهِ فَإِذَا فَتَرَ الْمَرْكُوبُ تَحَوَّلَ إِلَى الْمَجْنُوبِ انْتَهَى (زَادَ يَحْيَى) أي بن خَلَفٍ (فِي حَدِيثِهِ فِي الرِّهَانِ) أَيْ قَالَ فِي رِوَايَتِهِ لَا جَلَبَ وَلَا جَنَبَ فِي الرِّهَانِ بِزِيَادَةِ لَفْظِ فِي الرِّهَانِ وَأَمَّا مُسَدِّدٌ فَلَمْ يَذْكُرْ فِي رِوَايَتِهِ هَذَا اللَّفْظَ
ثُمَّ الرِّهَانُ وَالْمُرَاهَنَةُ الْمُرَادُ مِنْهُ الْمُخَاطَرَةُ وَالْمُسَابَقَةُ عَلَى الْخَيْلِ
ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْقَامُوسِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ
قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ
هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ
وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ أَنَّ الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ لَا يَصِحُّ لَهُ سَمَاعٌ مِنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ
(عَنْ قَتَادَةَ قَالَ الْجَلَبُ إِلَخْ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَقَدْ ذَكَرَ غَيْرُهُ أَنَّ ذَلِكَ فِي الزَّكَاةِ(7/177)
( [2583] بَاب فِي السَّيْفِ يُحَلَّى)
(كَانَتْ قَبِيعَةُ سَيْفِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِضَّةً) قَالَ الْخَطَّابِيُّ قَبِيعَةُ السَّيْفِ الثُّومَةُ الَّتِي فَوْقَ الْمِقْبَضِ انْتَهَى
وَفِي الْقَامُوسِ قَبِيعَةُ السَّيْفِ مَا عَلَى طَرَفِ مِقْبَضِهِ مِنْ فِضَّةٍ أَوْ حَدِيدَةٍ
قَالَ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ تَحْلِيَةِ السَّيْفِ بِالْقَلِيلِ مِنَ الْفِضَّةِ وَكَذَلِكَ الْمِنْطَقَةُ وَاخْتَلَفُوا فِي اللِّجَامِ وَالسَّرْجِ فَأَبَاحَهُ بَعْضُهُمْ كَالسَّيْفِ وَحَرَّمَ بَعْضُهُمْ لِأَنَّهُ مِنْ زِينَةِ الدَّابَّةِ وَكَذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِي تَحْلِيَةِ سِكِّينِ الْحَرْبِ وَالْمِقْلَمَةِ بِقَلِيلٍ مِنَ الْفِضَّةِ فَأَمَّا التَّحْلِيَةُ بِالذَّهَبِ فَغَيْرُ مُبَاحٍ فِي جَمِيعِهَا
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ وَقَدْ رَوَى بَعْضُهُمْ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ قَالَ كَانَتْ قَبِيعَةُ سَيْفِ رسول الله صلى الله عليه وسلم من فِضَّةٍ قَالَ النَّسَائِيُّ وَهَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ وَالصَّوَابُ قَتَادَةُ عَنْ سَعِيدٍ انْتَهَى كَلَامُ الْمُنْذِرِيِّ
[2584] (عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ قَالَ كَانَتْ إِلَخْ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَقَدْ أَشَارَ إِلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ (قَالَ قَتَادَةُ) فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ اخْتِصَارٌ مُخِلٌّ لِلْمَقْصُودِ وَهَذَا مِنْ مَقُولَةِ الْمُؤَلِّفِ أَبِي دَاوُدَ وَحَقُّ الْعِبَارَةِ أَيْ هَكَذَا قَالَ قَتَادَةُ يَعْنِي فِي رِوَايَةِ جَرِيرِ بْنِ حازم متصلا وفي رواية هشام الدَّسْتُوَائِيِّ مُرْسَلًا (وَمَا عَلِمْتُ أَحَدًا) مِنْ أَصْحَابِ قَتَادَةَ وَهَذَا مِنْ بَقِيَّةِ مَقُولَةِ الْمُؤَلِّفِ (تَابَعَهُ) الضَّمِيرُ الْمَنْصُوبُ يَرْجِعُ إِلَى جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ لَا إِلَى سَعِيدِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ (عَلَى ذَلِكَ) أَيِ الِاتِّصَالِ مِنْ مُسْنَدَاتِ أَنَسٍ
وَقَالَ شَيْخُنَا حُسَيْنُ بْنُ مُحْسِنٍ فِي بَعْضِ إِفَادَاتِهِ مَا مُلَخَّصُهُ فَفِيهِ إِشَارَةٌ مِنْ أَبِي دَاوُدَ إِلَى تَفَرُّدِ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ بِذَلِكَ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُ أَبِي دَاوُدَ أَقْوَى هَذِهِ الْأَحَادِيثِ حَدِيثُ سَعِيدِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ وَالْبَاقِيَةُ ضِعَافٌ وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا قَوْلُ الدَّارِمِيِّ فِي مُسْنَدِهِ وَهَذِهِ عِبَارَتُهُ بَابُ قَبِيعَةِ سَيْفِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(7/178)
حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ كَانَتْ قَبِيعَةُ سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم مِنْ فِضَّةٍ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ يَعْنِي الدَّارِمِيَّ هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ خَالَفَهُ فَقَالَ قَتَادَةُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَزَعَمَ النَّاسُ أَنَّهُ هُوَ الْمَحْفُوظُ انْتَهَى فَمَآلُ كَلَامِ أَبِي دَاوُدَ وَالدَّارِمِيِّ وَاحِدٌ
وَمِمَّا يُقَوِّي ذَلِكَ أَيْضًا الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَقَدْ أَشَارَ إِلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ فَإِنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ صَرِيحًا عَلَى أَنَّ صَوَابَ الْعِبَارَةِ قَالَ أَبُو دَاوُدَ لَا قَالَ قَتَادَةُ فَإِنَّهُ لَمْ يُعْهَدْ مِنْ مِثْلِ قَتَادَةَ اسْتِعْمَالُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ وَإِنَّمَا يَسْتَعْمِلُهَا مُتَأَخِّرُو الْمُحَدِّثِينَ الَّذِينَ دَوَّنُوا قَوَاعِدَ الرواية وآدابها
قال الحافظ بن حجر في نكته علي بن الصَّلَاحِ الَّذِي يَبْحَثُ عَنْهُ الْمُحَدِّثُونَ إِنَّمَا هُوَ زِيَادَةُ بَعْضِ الرُّوَاةِ مِنَ التَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ فَإِنَّهُ يَدُلُّ صَرِيحًا عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا تَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ أَبِي دَاوُدَ لَا مِنْ قَوْلِ قَتَادَةَ
وَيَحْتَمِلُ عَلَى بُعْدٍ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْعِبَارَةُ مِنْ قَوْلِ قَتَادَةَ وَكَأَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ عِنْدَ قَتَادَةَ سَمَاعُهُ لِذَلِكَ مِنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَمِعَ قَتَادَةُ سَعِيدَ بْنَ أَبِي الْحَسَنِ حَدَّثَ بِهِ مُرْسَلًا حَصَلَ لَهُ إِنْكَارٌ لِذَلِكَ فَقَالَ مَا عَلِمْتُ أَحَدًا تَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الضَّمِيرُ فِي تَابَعِهُ عَائِدًا إِلَى سَعِيدِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ انْتَهَى كَلَامُ الشَّيْخِ
قُلْتُ إِرْجَاعُ الضَّمِيرِ إِلَى سَعِيدِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ مَحَلُّ نَظَرٍ
وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ قَالَ النَّسَائِيُّ هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ وَالصَّوَابُ قَتَادَةُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ
وَمَا رَوَاهُ عَنْ هَمَّامٍ غَيْرُ عَمْرِو بْنِ عَاصِمٍ انْتَهَى
وَقَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ جَرِيرُ بْنُ حَازِمِ بْنِ زَيْدٍ الْبَصْرِيِّ ثِقَةٌ لَكِنْ فِي حَدِيثِهِ عَنْ قَتَادَةَ ضَعْفٌ وَلَهُ أَوْهَامٌ إِذَا حَدَّثَ مِنْ حِفْظِهِ
قَالَ أَحْمَدُ حَدِيثُ جَرِيرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ كَانَتْ قبيعة سيف رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ فِضَّةً خَطَأٌ وَالصَّوَابُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ انْتَهَى
لَكِنْ قَالَ الحافظ بن الْقَيِّمِ إِنَّ حَدِيثَ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ مَحْفُوظٌ لِاتِّفَاقِ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ وَهَمَّامٍ عَلَى قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ وَالَّذِي رَوَاهُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ مُرْسَلًا هُوَ هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ وَهِشَامٌ وَإِنْ كَانَ مُقَدَّمًا فِي أَصْحَابِ قَتَادَةَ فَلَيْسَ هَمَّامٌ وَجَرِيرٌ إِذَا اتَّفَقَا بِدُونِهِ انْتَهَى
كَذَا فِي غَايَةِ الْمَقْصُودِ شَرْحِ سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ مُخْتَصَرًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه اللَّه هَذَا الْحَدِيث قَدْ أَسْنَدَهُ عَمْرو بْن عَاصِم عَنْ هَمَّام وَجَرِير عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَس ذَكَرَهُ النَّسَائِيُّ
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ الصَّوَاب عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيد بْن أَبِي الْحَسَن مُرْسَلًا
وَرَوَى النَّسَائِيُّ فِي سُنَنه عَنْ أَبِي(7/179)
[2585] (عَنْ عُثْمَانَ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ إِلَخْ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ عُثْمَانُ بْنُ سَعْدٍ هُوَ أَبُو بَكْرٍ التَّمِيمِيُّ الْبَصْرِيُّ الْكَاتِبُ تَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ (قَالَ أَبُو دَاوُدَ أَقْوَى هَذِهِ الْأَحَادِيثِ إِلَخْ) هَذِهِ الْعِبَارَةُ لَمْ تُوجَدْ فِي بَعْضِ النُّسَخِ
53 - (بَاب فِي النَّبْلِ يَدْخُلُ في الْمَسْجِدَ)
[2586] النَّبْلُ بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ السِّهَامُ الْعَرَبِيَّةُ وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ وَلَا وَاحِدَ لَهَا مِنْ لَفْظِهَا
(يَتَصَدَّقُ بِالنَّبْلِ) فِيهِ جَوَازُ التَّصَدُّقِ فِي الْمَسْجِدِ (إِلَّا وَهُوَ آخِذٌ بِنُصُولِهَا) جَمْعُ نَصْلٍ وَهُوَ حَدِيدَةُ السَّهْمِ وَالْوَاوُ لِلْحَالِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ
[2587] (فِي مَسْجِدِنَا) أَيِ الْمُؤْمِنِينَ فَلَيْسَ الْمُرَادُ مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ فَقَطْ (أَوْ فِي سُوقِنَا) تنويع من
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
أُمَامَةَ بْن سَهْل بْن حُنَيْف قَالَ كَانَتْ قَبِيعَة سَيْف رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فِضَّة
وَفِي التِّرْمِذِيّ عَنْ مَزِيدَة الْعَصْرِيّ قَالَ دَخَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم الْفَتْح وَعَلَى سَيْفه ذَهَب وَفِضَّة وَقَالَ هَذَا حَدِيث حَسَن غَرِيب
وَالصَّوَاب أَنَّ حَدِيث قَتَادَةَ عَنْ أَنَس مَحْفُوظ مِنْ رِوَايَة الثِّقَات الضَّابِطِينَ الْمُتَثَبِّتِينَ جَرِير بْن حَازِم وَهَمَّام عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَس
وَاَلَّذِي رَوَاهُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيد بْن أَبِي الْحَسَن مُرْسَلًا هُوَ هِشَام الدَّسْتُوَائِيُّ وَهِشَام وَإِنْ كَانَ مُقَدَّمًا فِي أَصْحَاب قَتَادَةَ فَلَيْسَ هَمَّام وَجَرِير إِذَا اِتَّفَقَا بِدُونِهِ
وَاَللَّه أَعْلَم(7/180)
الشَّارِعِ لَا شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي (عَلَى نِصَالِهَا) جَمْعُ نَصْلٍ (أَوْ قَالَ فَلْيَقْبِضْ كَفَّهُ أَيْ عَلَى نِصَالِهَا أَوْ قَالَ فَلْيَقْبِضْ بِكَفِّهِ) أَيْ على نصالها وأوفى هَذَيْنِ الْمَوْضِعَيْنِ لِلشَّكِّ مِنَ الرَّاوِي (أَنْ تُصِيبَ) أَيْ مَخَافَةَ أَنْ تُصِيبَ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ البخاري ومسلم وبن مَاجَهْ
54 - (بَاب فِي النَّهْيِ أَنْ يُتَعَاطَى السَّيْفُ مَسْلُولًا)
[2588] السل بركشيدن شمشير وكاردوجزان
(نَهَى أَنْ يُتَعَاطَى) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنَ التَّعَاطِي وَهُوَ التَّنَاوُلُ (السَّيْفُ مَسْلُولًا) فَيُكْرَهُ مُنَاوَلَتُهُ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ قَدْ يخطىء فِي تَنَاوُلِهِ فَيَجْرَحُ شَيْئًا مِنْ بَدَنِهِ أَوْ يَسْقُطُ عَلَى أَحَدٍ فَيُؤْذِيهِ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ
55 - (باب النَّهْيِ أَنْ يُقَدَّ السَّيْرُ بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ)
[2589] (نَهَى أَنْ يُقَدَّ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ وَالْقَطْعُ طُولًا كَالشَّقِّ (السَّيْرُ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ مَا يُقَدُّ مِنَ الْجِلْدِ أَيْ نَهَى أَنْ يُقْطَعَ وَيُشَقَّ قِطْعَةُ الْجِلْدِ بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ لِئَلَّا تَعْقِرَهُ الْحَدِيدَةُ وَهُوَ يُشْبِهُ نَهْيَهُ عَنْ تَعَاطِي السَّيْفِ مَسْلُولًا
كَذَا فِي فَتْحِ الْوَدُودِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ قَدِ اخْتُلِفَ فِي سَمَاعِ الْحَسَنِ مِنْ سَمُرَةَ(7/181)
156 - (بَاب فِي لُبْسِ الدُّرُوعِ)
[2590] (ظَاهَرَ يَوْمَ أُحُدٍ بَيْنَ دِرْعَيْنِ) أَيْ لَبِسَ أَحَدَهُمَا فَوْقَ الْآخَرِ وَالتَّظَاهُرُ بِمَعْنَى التَّعَاوُنِ وَالتَّسَاعُدِ (أَوْ لَبِسَ دِرْعَيْنِ) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ
57 - (بَاب فِي الرَّايَاتِ وَالْأَلْوِيَةِ)
[2591] جَمْعُ لِوَاءٍ وَالرَّايَاتُ جَمْعُ رَايَةٍ
قَالَ فِي الْمُغْرِبِ اللِّوَاءُ عَلَمُ الْجَيْشِ وَهُوَ دُونَ الرَّايَةِ لِأَنَّهُ شُقَّةُ ثَوْبٍ يُلْوَى وَيُشَدُّ إِلَى عُودِ الرُّمْحِ وَالرَّايَةُ عَلَمُ الْجَيْشِ وَيُكَنَّى أُمَّ الْحَرْبِ وَهُوَ فَوْقَ اللِّوَاءِ
وَقَالَ التُّورِبِشْتِيُّ الرَّايَةُ هِيَ الَّتِي يَتَوَلَّاهَا صَاحِبُ الْحَرْبِ وَيُقَاتِلُ عَلَيْهَا وَتَمِيلُ الْمُقَاتِلَةُ إِلَيْهَا وَاللِّوَاءُ عَلَامَةُ كَبْكَبَةِ الْأَمِيرِ تَدُورُ مَعَهُ حَيْثُ دَارَ
وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ الرَّايَةُ الْعَلَمُ الصَّغِيرُ وَاللِّوَاءُ الْعَلَمُ الْكَبِيرُ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ
(بَعَثَنِي) أَيْ أَرْسَلَنِي (كَانَتْ سَوْدَاءَ) قَالَ الْقَاضِي أَرَادَ بِالسَّوْدَاءِ مَا غَالِبُ لَوْنِهِ سَوَادٌ بِحَيْثُ يُرَى مِنَ الْبَعِيدِ أَسْوَدَ لَا مَا لَوْنُهُ سَوَادٌ خَالِصٌ لِأَنَّهُ قَالَ (مِنْ نَمِرَةٍ) بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ وَهِيَ بُرْدَةٌ مِنْ صُوفٍ يَلْبَسُهَا الْأَعْرَابُ فِيهَا تَخْطِيطٌ مِنْ سَوَادٍ وَبَيَاضٍ وَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ نَمِرَةً تَشْبِيهًا بالنمر
ذكره القارىء قال المنذري وأخرجه الترمذي وبن مَاجَهْ
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ بن أَبِي زَائِدَةَ
وَأَبُو يَعْقُوبَ الثَّقَفِيُّ اسْمُهُ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ
هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ
وَأَبُو يَعْقُوبَ الثقفي هذا كوفي
وقال بن عَدِيٍّ الْجُرْجَانِيُّ رَوَى عَنِ الثِّقَاتِ مَا لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ قَالَ أَيْضًا وَأَحَادِيثُهُ غَيْرُ مَحْفُوظَةٍ(7/182)
[2592] (الدُّهْنِيُّ) بِضَمِّ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ (كَانَ لِوَاهُ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا لِوَاؤُهُ
قَالَ المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وبن مَاجَهْ
قَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ آدَمَ عَنْ شَرِيكٍ قَالَ وَسَأَلْتُ مُحَمَّدًا يَعْنِي الْبُخَارِيَّ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَلَمْ يَعْرِفْهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ آدَمَ عَنْ شَرِيكٍ
[2593] (حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْكَافِ وفتح المهملة (عن سماك) وهو بن حَرْبٍ (عَنْ آخَرَ مِنْهُمْ) أَيْ مِنْ قَوْمِهِ (قَالَ رَأَيْتُ إِلَخْ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ رجل مجهول
وأخرجه الترمذي وبن ماجه من حديث أبي مجلز عن بن عَبَّاسٍ قَالَ كَانَتْ رَايَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَوْدَاءَ وَلِوَاؤُهُ أَبْيَضَ وَفِي إِسْنَادِهِ يَزِيدُ بْنُ حِبَّانَ أَخُو مُقَاتِلِ بْنِ حِبَّانَ قَالَ الْبُخَارِيُّ عِنْدَهُ غَلَطٌ كَثِيرٌ وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي تَارِيخِهِ الْكَبِيرِ مِنْ رِوَايَةِ يَزِيدَ هَذَا مُخْتَصِرًا عَلَى الرَّايَةِ وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ بن مَكْتُومٍ كَانَتْ مَعَهُ رَايَةٌ سَوْدَاءُ فِي بَعْضِ مَشَاهِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ حَدِيثٌ حسن
58 - (باب الِانْتِصَارِ بِرُذُلِ الْخَيْلِ وَالضَّعَفَةِ)
[2594] الِانْتِصَارُ طَلَبُ النُّصْرَةِ وَالرَّذْلُ الدُّونُ الْخَسِيسُ أَوِ الرَّدِيءُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ عَلَى مَا فِي الْقَامُوسِ وَالْخَيْلُ بِالْفَارِسِيَّةِ سواران واسيبان وَالضَّعَفَةُ جَمْعُ ضَعِيفٍ
(ابْغُونِي) قَالَ في(7/183)
الصُّرَاحِ بَغَيْتُكَ الشَّيْءَ طَلَبْتُهُ لَكَ وَوَقَعَ فِي بعض النسخ إبغوالي قال العلقمي قال بن رَسْلَانَ بِهَمْزَةِ وَصْلٍ مَكْسُورَةٍ لِأَنَّهُ فِعْلٌ ثُلَاثِيٌّ أَيِ اطْلُبُوا لِي (الضُّعَفَاءَ) أَيْ صَعَالِيكَ الْمُسْلِمِينَ وَهُمْ مَنْ يَسْتَضْعِفُهُمُ النَّاسُ لِرَثَاثَةِ حَالِهِمْ أَسْتَعِينُ بِهِمْ
فَإِذَا قُلْتَ أَبْغِنِي بِقَطْعِ الْهَمْزَةِ فَمَعْنَاهُ أَعِنِّي عَلَى الطَّلَبِ يُقَالُ أَبَغَيْتُكَ الشَّيْءَ أَيْ أَعَنْتُكَ عَلَيْهِ انْتَهَى
قَالَ شَيْخُنَا الزَّرَكْشِيُّ وَالْأَوَّلُ الْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْمُنِيرِ (وَتُنْصَرُونَ) أَيْ تُعَاوَنُونَ عَلَى عَدُوِّكُمْ (بِضُعَفَائِكُمْ) أَيْ بِسَبَبِهِمْ أَوْ بِبَرَكَةِ دُعَائِهِمْ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِهِ وَفِي حَدِيثِ النَّسَائِيِّ زِيَادَةٌ تُبَيِّنُ مَعْنَى الْحَدِيثِ قَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا نَصَرَ اللَّهُ هَذِهِ الْأُمَّةَ بِضَعِيفِهَا بِدَعْوَتِهِمْ وَصَلَاتِهِمْ وَإِخْلَاصِهِمْ وَمَعْنَاهُ أَنَّ عِبَادَةَ الضُّعَفَاءِ وَدُعَاءَهُمْ أَشَدُّ إِخْلَاصًا لِجَلَاءِ قُلُوبِهِمْ مِنَ التَّعَلُّقِ بزخرف الدنيا وجعلوا همهم واحد فَأُجِيبَ دُعَاؤُهُمْ وَزَكَتْ أَعْمَالُهُمُ انْتَهَى كَلَامُ الْمُنْذِرِيِّ
59 - (بَاب فِي الرَّجُلِ يُنَادِي بِالشِّعَارِ)
[2595] قَالَ فِي الْقَامُوسِ الشِّعَارُ كَكِتَابٍ الْعَلَامَةُ فِي الْحَرْبِ وَالسَّفَرِ
(كَانَ شِعَارُ الْمُهَاجِرِينَ) أَيْ عَلَامَتُهُمُ الَّتِي يَتَعَارَفُونَ بِهَا فِي الْحَرْبِ (عَبْدَ اللَّهِ) أَيْ لَفْظَ عَبْدِ اللَّهِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ وَلَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ
[2596] (فَكَانَ شِعَارُنَا أمت أمت) قال بن الْأَثِيرِ هُوَ أَمْرٌ بِالْمَوْتِ وَالْمُرَادُ بِهِ التَّفَاؤُلُ بِالنَّصْرِ بَعْدَ الْأَمْرِ بِالْإِمَاتَةِ مَعَ حُصُولِ الْغَرَضِ لِلشِّعَارِ فَإِنَّهُمْ جَعَلُوا هَذِهِ الْكَلِمَةَ عَلَامَةً بَيْنَهُمْ يَتَعَارَفُونَ بِهَا لِأَجْلِ ظُلْمَةِ اللَّيْلِ انْتَهَى
وَالتَّكْرَارُ لِلتَّأْكِيدِ أَوِ الْمُرَادُ أَنَّ اللَّفْظَ كَانَ مِمَّا يَتَكَرَّرُ قِيلَ الْمُخَاطَبُ هُوَ(7/184)
الله تعالى فإنه المميت فالمعنى ياناصر أمت العدو وفي شرح السنة يامنصور أَمِتْ فَالْمُخَاطَبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُقَاتِلِينَ ذَكَرَهُ القارىء
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ
[2597] (عَنِ الْمُهَلَّبِ بْنِ أَبِي صُفْرَةَ) بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْفَاءِ (إِنْ بُيِّتُّمْ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ إِنْ بَيَّتَكُمُ الْعَدُوُّ أَيْ قَصَدُوكُمْ بِالْقَتْلِ لَيْلًا وَاخْتَلَطْتُمْ مَعَهُ
قَالَ بن الْأَثِيرِ تَبْيِيتُ الْعَدُوِّ هُوَ أَنْ يُقْصَدَ فِي اللَّيْلِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْلَمَ فَيُؤْخَذَ بَغْتَةً وَهُوَ الْبَيَاتُ انْتَهَى (حم لَا يُنْصَرُونَ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ الْخَبَرُ وَلَوْ كَانَ بِمَعْنَى الدُّعَاءِ لَكَانَ مَجْزُومًا أَيْ لَا يُنْصَرُوا وَإِنَّمَا هُوَ إِخْبَارٌ كَأَنَّهُ قَالَ وَاللَّهِ إِنَّهُمْ لَا يُنْصَرُونَ
وقد روى عن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ حم اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ فَكَأَنَّهُ حَلَفَ بِاللَّهِ أَنَّهُمْ لَا يُنْصَرُونَ
وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ مَعْنَاهُ اللَّهُمَّ لَا يُنْصَرُونَ ويريد به الخير لَا الدُّعَاءَ
وَقِيلَ إِنَّ السُّوَرَ الَّتِي أَوَّلُهَا حم سُوَرٌ لَهَا شَأْنٌ فَنَبَّهَ أَنَّ ذِكْرَهَا لِشَرَفِ مَنْزِلَتِهَا مِمَّا يُسْتَظْهَرُ بِهَا عَلَى اسْتِنْزَالِ النَّصْرِ مِنَ اللَّهِ
وَقَوْلُهُ لَا يُنْصَرُونَ كَلَامٌ كَأَنَّهُ حِينَ قَالَ قُولُوا حم قِيلَ مَاذَا يَكُونُ إِذَا قُلْنَاهَا فَقَالَ لَا يُنْصَرُونَ
كَذَا فِي مِرْقَاةِ الصُّعُودِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ أَنَّهُ رُوِيَ عَنِ الْمُهَلَّبِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا
6
( [2598] بَاب مَا يَقُولُ الرَّجُلُ إِذَا سَافَرَ)
(اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ) أَيِ الْحَافِظُ وَالْمُعِينُ (وَالْخَلِيفَةُ فِي الْأَهْلِ) الْخَلِيفَةُ مَنْ يَقُومُ مَقَامَ أَحَدٍ فِي إِصْلَاحِ أَمْرِهِ (مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ مَشَقَّتِهِ وَشِدَّتِهِ (وَكَآبَةِ) هِيَ تَغَيُّرُ النَّفْسِ بِالِانْكِسَارِ مِنْ شدة الهم والحزن يقال كئب كآبة واكتئاب فَهُوَ كَئِيبٌ وَمُكْتَئِبٌ كَذَا فِي النِّهَايَةِ (الْمُنْقَلَبُ) مصدر ميمي(7/185)
قَالَ الْخَطَّابِيُّ أَيْ يَنْقَلِبُ مِنْ سَفَرِهِ إِلَى أَهْلِهِ كَئِيبًا حَزِينًا غَيْرَ مَقْضِيِّ الْحَاجَةِ أَوْ مَنْكُوبًا ذَهَبَ مَالُهُ أَوْ أَصَابَتْهُ آفَةٌ فِي سَفَرِهِ أَوْ يَقْدَمُ عَلَى أَهْلِهِ فَيَجِدُهُمْ مَرْضَى أَوْ يَفْقِدُ بَعْضَهُمْ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْمَكْرُوهِ (اطْوِ لَنَا الْأَرْضَ) أَمْرٌ مِنَ الطَّيِّ أَيْ قَرِّبْهَا لَنَا وَسَهِّلِ السَّيْرَ فِيهَا (وَهَوِّنْ) أَيْ يَسِّرْ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ
وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ أَتَمَّ مِنْهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
وَقَدْ أَخْرَجَ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ طَرَفًا مِنْهُ
[2599] (اسْتَوَى عَلَى بَعِيرِهِ) أَيِ اسْتَقَرَّ عَلَى ظَهْرِ مَرْكُوبِهِ (سَخَّرَ) أَيْ ذَلَّلَ (هَذَا) أَيِ الْمَرْكُوبَ فَانْقَادَ لِأَضْعَفِنَا (وَمَا كُنَّا لَهُ مقرنين) أَيْ مُطِيقِينَ قَبْلَ ذَلِكَ أَوِ الْمَعْنَى وَلَوْلَا تَسْخِيرُهُ مَا كُنَّا جَمِيعًا مُقْتَدِرِينَ عَلَى رُكُوبِهِ مِنْ أَقْرَنَ لَهُ إِذَا أَطَاقَهُ وَقَوِيَ عَلَيْهِ
قاله القارىء (لمنقلبون) أَيْ رَاجِعُونَ وَاللَّامُ لِلتَّأْكِيدِ (الْبِرَّ) أَيِ الطَّاعَةَ (وَالتَّقْوَى) أَيْ عَنِ الْمَعْصِيَةِ أَوِ الْمُرَادُ مِنَ الْبِرِّ الْإِحْسَانُ إِلَى النَّاسِ أَوْ مِنَ اللَّهِ إِلَيْنَا وَمِنَ التَّقْوَى ارْتِكَابُ الْأَوَامِرِ وَاجْتِنَابُ النَّوَاهِي (وَمِنَ الْعَمَلِ مَا تَرْضَى) أَيْ بِهِ عَنَّا (قَالَهُنَّ) أَيِ الْكَلِمَاتِ الْمَذْكُورَةَ وَهِيَ اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ إِلَخْ (آيِبُونَ) أَيْ نَحْنُ رَاجِعُونَ مِنَ السَّفَرِ بِالسَّلَامَةِ إِلَى الْوَطَنِ (وَإِذَا عَلَوُا الثَّنَايَا) جَمْعُ ثَنِيَّةٍ قَالَ فِي الْقَامُوسِ الثَّنِيَّةُ الْعَقَبَةُ أَوْ طَرِيقُهَا أَوِ الْجَبَلُ أَوِ الطَّرِيقَةُ فِيهِ أَوْ إِلَيْهِ (فَوُضِعَتِ الصَّلَاةُ عَلَى ذَلِكَ) حَيْثُ وُضِعَ فِيهَا التَّسْبِيحُ حَالَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالتَّكْبِيرُ وَقْتُ الرَّفْعِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَآخِرُ حَدِيثِهِمْ حَامِدُونَ(7/186)
161 - (بَاب فِي الدُّعَاءِ عِنْدَ الْوَدَاعِ)
[2600] (عَنْ قَزَعَةَ) بزاي وفتحات وهو بن يَحْيَى الْبَصْرِيُّ (هَلُمَّ) أَيْ تَعَالَ
وَفِي الْحِجَازِ يَسْتَوِي فِيهِ الْوَاحِدُ وَغَيْرُهُ وَيُبْنَى عَلَى الْفَتْحِ
وَفِي تَمِيمٍ يُثَنَّى وَيُجْمَعُ
قَالَهُ فِي الْمَجْمَعِ (أَسْتَوْدِعُ اللَّهَ دِينَكَ) أَيْ أَسْتَحْفِظُ وَأَطْلُبُ مِنْهُ حفظ دينك (وأمانتك) قال الخطابي الأمانة ها هنا أَهْلُهُ وَمَنْ يَخْلُفُهُ مِنْهُمْ وَمَالُهُ الَّذِي يُودِعُهُ وَيَسْتَحْفِظُهُ أَمِينَهُ وَوَكِيلَهُ وَمَنْ فِي مَعْنَاهُمَا وَجَرَى ذِكْرُ الدَّيْنِ مَعَ الْوَدَائِعِ لِأَنَّ السَّفَرَ مَوْضِعُ خَوْفٍ وَخَطَرٍ وَقَدْ يُصِيبُهُ فِيهِ الْمَشَقَّةُ وَالتَّعَبُ فَيَكُونُ سَبَبًا لِإِهْمَالِ بَعْضِ الْأُمُورِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالدَّيْنِ فَدَعَا لَهُ بِالْمَعُونَةِ وَالتَّوْفِيقِ فِيهِمَا انْتَهَى
وَقَالَ فِي فَتْحِ الْوَدُودِ قَوْلُهُ أَمَانَتَكَ أَيْ مَا وُضِعَ عِنْدَكَ مِنَ الْأَمَانَاتِ مِنَ اللَّهِ أَوْ مِنْ أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ أَوْ مَا وَضَعْتَ أَنْتَ عِنْدَ أَحَدٍ أَوْ مَا يَتَعَلَّقُ بِكَ مِنَ الْأَمَانَاتِ (وَخَوَاتِيمَ عَمَلِكِ) جَمْعُ خَاتَمٍ أَيْ مَا يُخْتَمُ بِهِ عَمَلُكَ أَيْ أَخِيرُهُ وَالْجَمْعُ لِإِفَادَةِ عُمُومِ أَعْمَالِهِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ
[2601] (السَّيْلَحِينِيُّ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَاللَّامِ بَيْنَهُمَا تَحْتِيَّةٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ مُهْمَلَةٌ مَكْسُورَةٌ ثُمَّ تَحْتِيَّةٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ نُونٌ قَرْيَةٌ قُرْبَ بَغْدَادَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا مِقْدَارُ ثَلَاثَةِ فَرَاسِخَ
كَذَا فِي الْمَرَاصِدِ (إِذَا أَرَادَ أَنْ يَسْتَوْدِعَ الْجَيْشَ) أَيِ الْعَسْكَرَ الْمُتَوَجِّهَ إِلَى الْعَدُوِّ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ(7/187)
162 - (بَاب مَا يَقُولُ الرَّجُلُ إِذَا رَكِبَ)
[2602] (وَأُتِيَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ جِيءَ (ثُمَّ ضَحِكَ) أَيْ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (يَعْجَبُ) بِفَتْحِ الْجِيمِ (مِنْ عَبْدِهِ إِذَا قَالَ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي) قَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ يَرْتَضِي هَذَا الْقَوْلَ وَيَسْتَحْسِنُهُ اسْتِحْسَانَ الْمُعْجَبِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ
63 - (بَاب مَا يَقُولُ الرَّجُلُ إِذَا نَزَلَ الْمَنْزِلَ)
[2603] (رَبِّي وَرَبُّكِ اللَّهُ) أَيْ فَهُوَ الْمُسْتَحِقُّ أَنْ يُتَعَوَّذَ بِهِ مِنْ شَرِّكِ (أَيْ مِنْ شَرِّ مَا حَصَلَ مِنْ ذَاتِكِ مِنَ الْخَسْفِ وَالزَّلْزَلَةِ وَالسُّقُوطِ عَنِ الطَّرِيقِ وَالتَّحَيُّرِ فِي الْفَيَافِي)
ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ (وَشَرِّ مَا فِيكِ) أَيْ مَا اسْتَقَرَّ فِيكِ مِنَ الصِّفَاتِ وَالْأَحْوَالِ الْخَاصَّةِ بِطِبَاعِكِ أَيِ الْعَادِيَّةِ كَالْحَرَارَةِ وَالْبُرُودَةِ (وشر ما(7/188)
خُلِقَ فِيكِ) أَيْ مِنَ الْهَوَامِّ وَغَيْرِهَا مِنَ الفلذات
قاله القارىء (وَشَرِّ مَا يَدِبُّ عَلَيْكِ) بِكَسْرِ الدَّالِ أَيْ يَمْشِي وَيَتَحَرَّكُ مِنَ الْحَيَوَانَاتِ وَالْحَشَرَاتِ مِمَّا فِيهِ ضَرَرٌ (مِنْ أَسَدٍ وَأَسْوَدَ) فِي الْقَامُوسِ الْأَسْوَدُ الْحَيَّةُ الْعَظِيمَةُ (وَمِنَ الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ) تَعْمِيمٌ بَعْدَ تَخْصِيصٍ وَلَيْسَ الْوَاوُ الْعَاطِفَةُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ فَعَلَى هَذَا مِنْ بَيَانِيَّةٌ (وَمِنْ سَاكِنِي الْبَلَدِ) قِيلَ السَّاكِنُ هُوَ الْإِنْسُ سَمَّاهُمْ لِأَنَّهُمْ يَسْكُنُونَ الْبِلَادَ غَالِبًا وَقِيلَ هُوَ الْجِنُّ وَالْمُرَادُ بِالْبَلَدِ الْأَرْضُ
قَالَ تَعَالَى وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بإذن ربه (وَمِنْ وَالِدٍ وَمَا وَلَدَ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِالْوَالِدِ إِبْلِيسَ وَمَا وَلَدَ الشَّيَاطِينَ انْتَهَى
وَقِيلَ هُمَا عَامَّانِ لِجَمِيعِ مَا يُوجَدُ فِي التَّوَالُدِ مِنَ الْحَيَوَانَاتِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَفِي إِسْنَادِهِ بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ وفيه مقال
64 -[2604] (فَوَاشِيكُمْ) جَمْعُ فَاشِيَةٍ وَهِيَ الْمَاشِيَةُ (فَحْمَةُ الْعِشَاءِ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَسُكُونِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَهِيَ إِقْبَالُ اللَّيْلِ وَأَوَّلُ سَوَادِهِ تَشْبِيهًا بِالْفَحْمِ (تَعِيثُ) أَيْ تُفْسِدُ وَالْعَيْثُ الْإِفْسَادُ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ تَعْبَثُ بِالْمُوَحَّدَةِ
(قَالَ أَبُو دَاوُدَ الْفَوَاشِي إِلَخْ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ الْفَوَاشِي جَمْعُ الْفَاشِيَةِ وَهِيَ مَا يُرْسَلُ مِنَ الدَّوَابِّ فِي الرَّعْيِ وَنَحْوِهِ فَيُنْشَرُ وَيَفْشُو انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ(7/189)
165 - (بَاب فِي أَيِّ يَوْمٍ يُسْتَحَبُّ السَّفَرُ)
[2605] (إِلَّا يَوْمَ الْخَمِيسِ) قَالَ فِي الْفَتْحِ لَعَلَّ سَبَبَهُ مَا رُوِيَ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُورِكَ لِأُمَّتِي فِي يَوْمِ الْخَمِيسِ وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ
قَالَ وَكَوْنُهُ يُحِبُّ الْخُرُوجَ يَوْمَ الْخَمِيسِ لَا يَسْتَلْزِمُ الْمُوَاظَبَةَ عَلَيْهِ لِقِيَامِ مَانِعٍ مِنْهُ وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ لِحَجَّةِ الْوَدَاعِ يَوْمَ السَّبْتِ
كَذَا فِي النَّيْلِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ
66 - (بَاب فِي الِابْتِكَارِ فِي السَّفَرِ)
[2606] (فِي بُكُورِهَا) أَيْ صَبَاحِهَا وَأَوَّلِ نَهَارِهَا وَالْإِضَافَةُ لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ (وَكَانَ يَبْعَثُ تِجَارَتَهُ) أَيْ مَالَهَا (فَأَثْرَى) أَيْ صَارَ ذَا ثَرْوَةٍ أَيْ مَالٍ كَثِيرٍ (وَكَثُرَ مَالُهُ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ والنسائي وبن مَاجَهْ
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثُ صَخْرٍ الْغَامِدِيِّ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَلَا نَعْرِفُ لِصَخْرٍ الْغَامِدِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرَ هذا الحديث
هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ
وَعُمَارَةُ بْنُ حَدِيدٍ بَجَلِيٌّ سُئِلَ عَنْهُ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ فَقَالَ مَجْهُولٌ وَسُئِلَ عَنْهُ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ فَقَالَ لَا نَعْرِفُ وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ لَا أَعْلَمُ رَوَى صَخْرٌ الْغَامِدِيُّ غَيْرَ هَذَا
وَذَكَرَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ السَّكَنِ أَنَّهُ أَزْدِيٌّ غَامِدِيٌّ سَكَنَ الطَّائِفَ وَيُعَدُّ فِي أَهْلِ الْحِجَازِ وَقَالَ رَوَى عَنْهُ عُمَارَةُ بْنُ حَدِيدٍ وَحْدَهُ حَدِيثًا وَاحِدًا أَوْ عُمَارَةُ مَجْهُولٌ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ غَيْرُ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ الطَّائِفِيِّ وَذَكَرَ أَنَّهُ رَوَى مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ مُرْسَلًا
وَقَالَ النَّمَرَيُّ(7/190)
صَخْرُ بْنُ وَادِعَةَ الْغَامِدِيُّ وَغَامِدٌ فِي الْأَزْدِ سَكَنَ الطَّائِفَ وَهُوَ مَعْدُودٌ فِي أَهْلِ الْحِجَازِ وَرَوَى عَنْهُ عُمَارَةُ بْنُ حَدِيدٍ وَهُوَ مَجْهُولٌ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ غَيْرُ يَعْلَى الطَّائِفِيِّ وَلَا أَعْلَمُ لِصَخْرٍ غَيْرَ حَدِيثِ بُورِكَ لِأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا وَهُوَ لَفْظٌ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ
وَرَوَى بَعْضُهُمْ أَنَّهُ رَوَى حَدِيثًا آخَرَ وَهُوَ قَوْلُهُ لَا تَسُبُّوا الْأَمْوَاتَ فَتُؤْذُوا الْأَحْيَاءَ انْتَهَى كَلَامُ الْمُنْذِرِيِّ
67 - (بَاب فِي الرَّجُلِ يُسَافِرُ وَحْدَهُ)
[2607] (الرَّاكِبُ شَيْطَانٌ وَالرَّاكِبَانِ شَيْطَانَانِ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ أَنَّ التَّفَرُّدَ وَالذَّهَابَ وَحْدَهُ فِي الْأَرْضِ مِنْ فِعْلِ الشَّيْطَانِ وَهُوَ شَيْءٌ يَحْمِلُهُ عَلَيْهِ الشَّيْطَانُ وَيَدْعُوهُ إِلَيْهِ وَكَذَلِكَ الِاثْنَانِ فَإِذَا صَارُوا ثَلَاثَةً فَهُوَ رَكْبٌ أَيْ جَمَاعَةٌ وَصَحْبٌ قَالَ وَالْمُنْفَرِدُ فِي السَّفَرِ إِنْ مَاتَ لَمْ يَكُنْ بِحَضْرَتِهِ مَنْ يَقُومُ بِغُسْلِهِ وَدَفْنِهِ وَتَجْهِيزِهِ وَلَا عِنْدَهُ مَنْ يُوصِي إِلَيْهِ فِي مَالِهِ وَيَحْمِلُ تَرِكَتَهُ إِلَى أَهْلِهِ وَيُورِدُ خَبَرَهُ إِلَيْهِمْ وَلَا مَعَهُ فِي سَفَرِهِ مَنْ يُعِينُهُ عَلَى الْحُمُولَةِ فَإِذَا كَانُوا ثَلَاثَةً تَعَاوَنُوا وَتَنَاوَبُوا الْمَهْنَةَ وَالْحِرَاسَةَ وَصَلَّوُا الْجَمَاعَةَ وَأَحْرَزُوا الْحَظَّ فِيهَا انْتَهَى
وَيَجِيءُ بَعْضُ البيان بعد البابين
والحديث صححه الحاكم وبن خُزَيْمَةَ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَصَحَّحَهُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ
68 - (بَاب فِي الْقَوْمِ يُسَافِرُونَ يُؤَمِّرُونَ أَحَدَهُمْ)
[2608] أَيْ يَجْعَلُونَ أَحَدَهُمْ أَمِيرًا عَلَيْهِمْ
(فَلْيُؤَمِّرُوا أَحَدَهُمْ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ إِنَّمَا أَمَرَ بِذَلِكَ لِيَكُونَ أَمْرُهُمْ جَمِيعًا وَلَا يَتَفَرَّقُ بِهِمُ الرَّأْيُ وَلَا يَقَعُ بَيْنَهُمُ الِاخْتِلَافُ
انْتَهَى
وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ(7/191)
[2609] (إِذَا كَانَ ثَلَاثَةٌ) أَيْ مَثَلًا وَالْمَعْنَى أَنَّهُ إِذَا كَانَ جَمَاعَةٌ وَأَقَلُّهَا ثَلَاثَةٌ (فَلْيُؤَمِّرُوا أَحَدَهُمْ) أَيْ فَلْيَجْعَلُوا أَحَدَهُمْ أَمِيرًا عَلَيْهِمْ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الرَّجُلَيْنِ إِذَا حَكَّمَا رَجُلًا بَيْنَهُمَا فِي قَضِيَّةٍ بَيْنَهُمَا فَقَضَى بِالْحَقِّ نَفَذَ حُكْمُهُ انْتَهَى
وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ
69 - (بَاب فِي المصحف يسافر به إلى أرض الْعَدُوِّ)
[2610] (أَنْ يُسَافِرَ بِالْقُرْآنِ) أَيْ بِالْمُصْحَفِ (قَالَ مَالِكٌ أُرَاهُ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ أَيْ أَظُنُّ (أَنْ يَنَالَهُ) أَيِ الْقُرْآنَ
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ قد جاء في رواية بن مَاجَهْ وَغَيْرِهَا مَرْفُوعًا
قَالَ الْحَافِظُ وَلَعَلَّ مَالِكًا كَانَ يَجْزِمُ بِهِ ثُمَّ صَارَ يَشُكُّ فِي رَفْعِهِ فَجَعَلَهُ مِنْ تَفْسِيرِ نَفْسِهِ
قَالَ قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ أَنْ لَا يُسَافِرَ بِالْمُصْحَفِ فِي السَّرَايَا وَالْعَسْكَرِ الصَّغِيرُ الْمَخُوفُ عَلَيْهِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْكَبِيرِ الْمَأْمُونِ عَلَيْهِ فَمَنَعَ مَالِكٌ أَيْضًا مُطْلَقًا وَفَصَّلَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَدَارَ الشَّافِعِيَّةُ الْكَرَاهَةَ مَعَ الْخَوْفِ وُجُودًا وَعَدَمًا انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
7
( [2611] بَابٌ فِي مَا يُسْتَحَبُ)
بصيغة المجهول
(وَالرُّفَقَاءُ) جَمْعُ رَفِيقٍ مَا يُسْتَحَبُّ مِنْ الرُّفَقَاءِ وَالصَّحَابَةِ فِي السَّفَرِ(7/192)
(خَيْرُ الصَّحَابَةِ) بِالْفَتْحِ جَمْعُ صَاحِبٍ وَلَمْ يُجْمَعْ فَاعِلٌ عَلَى فَعَالَةٍ غَيْرُ هَذَا
كَذَا فِي النِّهَايَةِ (أَرْبَعَةٌ) قَالَ الْغَزَالِيُّ الْمُسَافِرُ لَا يَخْلُو عَنْ رَجُلِ يَحْتَاجُ إِلَى حِفْظِهِ وَعَنْ حَاجَةٍ يَحْتَاجُ إِلَى التَّرَدُّدِ فِيهَا وَلَوْ كَانُوا ثَلَاثَةً لَكَانَ الْمُتَرَدِّدُ فِي الْحَاجَةِ وَاحِدًا فَيَتَرَدَّدُ فِي السفر بلا رفيق فلا فيخلو عَنْ ضِيقِ الْقَلْبِ لِفَقْدِ الْأَنِيسِ وَلَوْ تَرَدَّدَ اثْنَانِ كَانَ الْحَافِظُ لِلرَّحْلِ وَحْدَهُ فَلَا يَخْلُو عَنِ الْخِدْرِ وَعَنْ ضِيقِ الْقَلْبِ فَإِذًا مَا دُونَ الْأَرْبَعَةِ لَا يَفِي بِالْمَقْصُودِ وَالْخَامِسُ زِيَادَةٌ بَعْدَ الْحَاجَةِ
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ خَيْرَ الصَّحَابَةِ أَرْبَعَةُ أَنْفَارٍ وَظَاهِرُهُ أَنَّ مَا دُونَ الْأَرْبَعَةِ مِنَ الصَّحَابَةِ مَوْجُودٌ فِيهَا أَصْلُ الْخَيْرِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ السَّفَرِ وَالْحَضَرِ وَلَكِنَّهُ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ الْمُتَقَدِّمُ ظَاهِرُهُ أَنَّ مَا دُونَ الثَّلَاثَةِ عُصَاةً لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ شَيْطَانٌ أَيْ عَاصٍ وَقَالَ الطَّبَرِيُّ هَذَا الزَّجْرُ زَجْرُ أَدَبٍ وَإِرْشَادٍ لِمَا يُخْشَى عَلَى الْوَاحِدِ مِنَ الْوَحْشَةِ وَالْوَحْدَةِ وَلَيْسَ بِحَرَامٍ وَالْحَقُّ أَنَّ النَّاسَ يَتَبَايَنُونَ فِي ذَلِكَ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الزَّجْرُ عَنْهُ لِحَسْمِ الْمَادَّةِ فَلَا يَتَنَاوَلُ مَا إِذَا وَقَعَتِ الْحَاجَةُ لِذَلِكَ كَإِرْسَالِ الْجَاسُوسِ وَالطَّلِيعَةِ كَذَا فِي النَّيْلِ (وَخَيْرُ السَّرَايَا) جَمْعُ سَرِيَّةٍ وَهِيَ الْقِطْعَةُ مِنَ الْجَيْشِ تَخْرُجُ مِنْهُ تُغِيرُ وترجع إليه
قاله النووي
قال بن رَسْلَانَ قَالَ إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ هِيَ الْخَيْلُ تَبْلُغُ أَرْبَعَمِائَةٍ وَنَحْوَهَا
قَالُوا سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تَسْرِي فِي اللَّيْلِ وَتُخْفِي ذَهَابَهَا فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى فَاعِلَةٍ سري وأسرى إذا ذهب ليلا
وضعف بن الْأَثِيرِ ذَلِكَ وَعِبَارَتُهُ وَهِيَ الطَّائِفَةُ مِنَ الْجَيْشِ يَبْلُغُ أَقْصَاهَا أَرْبَعَمِائَةٍ تُبْعَثُ إِلَى الْعَدُوِّ وَالْجَمْعُ السرايا سموا بذلك لأنهم كانو خُلَاصَةَ الْعَسْكَرِ وَخِيَارَهُمْ مِنَ الشَّيْءِ السَرِيِّ النَّفِيسِ سُمُّوا بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ يَنْفُذُونَ سِرًّا وَخُفْيَةً
قَالَ بن رَسْلَانَ وَلَعَلَّ السَّرِيَّةَ إِنَّمَا خُصَّتْ بِأَرْبَعِمِائَةٍ كَمَا تَقَدَّمَ عَنِ الْحَرْبِيِّ لِأَنَّ خَيْرَ السَّرَايَا وَهِيَ عِدَّةُ أَهْلِ بَدْرٍ ثَلَاثُمِائَةٍ وَبِضْعَةَ عَشَرَ فَعَلَى هَذَا خَيْرُ السَّرَايَا مِنْ ثَلَاثِمِائَةٍ إِلَى الْأَرْبَعِمِائَةِ وَمِنْ أَرْبَعِمِائَةٍ إِلَى خَمْسِمِائَةٍ
قَالَهُ الْعَلْقَمِيُّ (وَلَنْ يُغْلَبَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ لَنْ يَصِيرَ مَغْلُوبًا (مِنْ قِلَّةٍ) مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ لَوْ صَارُوا مَغْلُوبِينَ لَمْ يَكُنْ لِلْقِلَّةِ بَلْ لِأَمْرٍ آخَرَ كَالْعُجْبِ بِكَثْرَةِ الْعَدَدِ وَالْعُدَدِ وَغَيْرِهِ
قَالَ الْعَلْقَمِيُّ أَيْ إذا بلغ الجيش اثنا عَشَرَ أَلْفًا لَنْ يُغْلَبَ مِنْ جِهَةِ قِلَّةِ العدد
قال بن رسلان زادأبو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ إِذَا صَبَرُوا وَاتَّقَوْا
وَكَذَا زَادَ بن عَسَاكِرَ
وَزَادَ الْعَسْكَرِيُّ وَخَيْرُ(7/193)
الطَّلَائِعِ أَرْبَعُونَ
بَلْ يَكُونُ الْغَلَبُ مِنْ سَبَبٍ اخر كالعجب بكثر الْعَدَدِ وَبِمَا زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مِنْ أَنْفُسِهِمْ مِنْ قُدْرَتِهِمْ عَلَى الْحَرْبِ وَشَجَاعَتِهِمْ وَقُوَّتِهِمْ وَنَحْوِ ذَلِكَ
أَلَا تَرَى إِلَى وَقْعَةِ حُنَيْنٍ فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ كَانَ عِدَّتُهُمْ فِيهَا اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا فَأَعْجَبَهُمْ كَثْرَتُهُمْ وَاعْتَمَدُوا عَلَيْهَا وَقَالُوا لَنْ نُغْلَبَ الْيَوْمَ عَنْ قِلَّةٍ فَغُلِبُوا عِنْدَ ذَلِكَ
وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ عَدَدَ الْمُسْلِمِينَ إِذَا بَلَغَ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا أَنَّهُ يَحْرُمُ الِانْصِرَافُ وَإِنْ زَادَ الْكُفَّارُ عَلَى مِثْلَيْهِمْ
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَهُوَ مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ لِأَنَّهُمْ جَعَلُوا هَذَا مُخَصِّصًا لِلْآيَةِ الْكَرِيمَةِ
انْتَهَى كلام بن رَسْلَانَ مُلَخَّصًا
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا يُسْنِدُهُ كَثِيرُ أَحَدٍ وَذَكَرَ أَنَّهُ رُوِيَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا
71 - (بَاب فِي دُعَاءِ الْمُشْرِكِينَ)
[2612] أَيْ دَعْوَتِهِمْ إِلَى الْإِسْلَامِ
(فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ) أَيْ فِي حَقِّ نَفْسِهِ خُصُوصًا وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِتَقْوَى اللَّهِ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِأَوْصَاهُ (وَبِمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا) نُصِبَ عَلَى انْتِزَاعِ الْخَافِضِ أَيْ أَوْصَاهُ بِخَيْرٍ بِمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (أَوْ خِلَالٍ) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي وَالْخِصَالُ وَالْخِلَالُ بِكَسْرِهِمَا جَمْعُ الْخَصْلَةِ وَالْخَلَّةِ وَهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ (فَأَيَّتُهَا) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ أَيَّتُهُنَّ وَالضَّمِيرُ لِلْخِصَالِ (أَجَابُوكَ إِلَيْهَا) أَيْ قَبِلُوهَا مِنْكَ (وَكُفَّ عَنْهُمْ) أَيِ امْتَنِعْ عَنْ إِيذَائِهِمْ (ادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ) هَذِهِ إِحْدَى الْخِصَالِ الثَّلَاثِ (ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى التَّحَوُّلِ) أَيِ الِانْتِقَالِ (إِلَى دَارِ الْمُهَاجِرِينَ) أَيَ الْمَدِينَةِ وَهَذَا مِنْ تَوَابِعِ الْخَصْلَةِ الْأُولَى بَلْ قِيلَ إِنَّ الْهِجْرَةَ كَانَتْ مِنْ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ (وَأَعْلِمْهُمْ) أَيْ أَخْبِرْهُمْ (ذَلِكَ) أَيِ التَّحَوُّلَ (أَنَّ لَهُمْ مَا لِلْمُهَاجِرِينَ) أَيْ مِنَ الثَّوَابِ وَاسْتِحْقَاقِ مَالِ الْفَيْءِ(7/194)
قَالَ الْخَطَّابِيُّ إِنَّ الْمُهَاجِرِينَ كَانُوا أَقْوَامًا مِنْ قَبَائِلَ مُخْتَلِفَةٍ تَرَكُوا أَوْطَانَهُمْ وَهَجَرُوهَا فِي اللَّهِ تَعَالَى وَاخْتَارُوا الْمَدِينَةَ وَطَنًا وَلَمْ يَكُنْ لِأَكْثَرِهِمْ بِهَا زَرْعٌ وَلَا ضَرْعٌ فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنْفِقُ عَلَيْهِمْ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِ أَيَّامَ حَيَاتِهِ وَلَمْ يَكُنْ لِلْأَعْرَابِ وَسُكَّانِ الْبَدْوِ فِي ذَلِكَ حَظٌّ إِلَّا مَنْ قَاتَلَ مِنْهُمْ فَإِذَا شَهِدَ الْوَقْعَةَ أَخَذَ سَهْمَهُ وَانْصَرَفَ إِلَى أَهْلِهِ فَكَانَ فِيهِمْ (وَأَنَّ عَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُهَاجِرِينَ) أَيْ مِنَ الْجِهَادِ وَالنَّفِيرِ أَيَّ وَقْتٍ دُعُوا إِلَيْهِ لَا يَتَخَلَّفُونَ
وَالْأَعْرَابُ مَنْ أَجَابَ مِنْهُمْ وَقَاتَلَ أَخَذَ سَهْمَهُ وَمَنْ لَمْ يَخْرُجْ فِي الْبَعْثِ فَلَا شَيْءَ لَهُ مِنَ الْفَيْءِ وَلَا عُتْبَ عَلَيْهِ مَا دَامَ فِي الْمُجَاهِدِينَ كِفَايَةٌ قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ (فَإِنْ أَبَوْا) أَيْ عَنِ التَّحَوُّلِ (كَأَعْرَابِ الْمُسْلِمِينَ) أَيِ الَّذِينَ يَسْكُنُونَ فِي الْبَوَادِي (يُجْرَى عَلَيْهِمْ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (حُكْمُ اللَّهِ) مِنْ وُجُوبِ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَغَيْرِهِمَا وَالْقِصَاصِ وَالدِّيَةِ وَنَحْوِهِمَا (فِي الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ) الْغَنِيمَةُ مَا أُصِيبَ مِنْ مَالِ أَهْلِ الْحَرْبِ وَأَوْجَفَ عَلَيْهِمُ الْمُسْلِمُونَ بِالْخَيْلِ وَالرِّكَابِ وَالْفَيْءُ هُوَ مَا حَصَلَ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ أَمْوَالِ الْكُفَّارِ مِنْ غَيْرِ حَرْبٍ وَلَا جِهَادٍ (فَإِنْ هُمْ أَبَوْا) أَيْ عَنْ قَبُولِ الْإِسْلَامِ (فَادْعُهُمْ إِلَى إِعْطَاءِ الْجِزْيَةِ) هَذِهِ هِيَ الْخَصْلَةُ الثَّانِيَةُ (فَإِنْ أَجَابُوا) أَيْ قَبِلُوا بَذْلَ الْجِزْيَةِ (فَاقْبَلْ مِنْهُمْ) أَيِ الْجِزْيَةَ (فَإِنْ أَبَوْا) أَيْ عَنِ الْجِزْيَةِ (فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَقَاتِلْهُمْ) هَذِهِ هِيَ الْخَصْلَةُ الثَّالِثَةُ (وَإِذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ) أَيْ مِنَ الْكُفَّارِ (فَأَرَادُوكَ) أَيْ طَلَبُوا مِنْكَ (عَلَى حُكْمِ اللَّهِ) أَيْ عَلَى مَا يَحْكُمُ اللَّهُ فِيهِمْ (بَعْدُ) مَبْنِيٌّ عَلَى الضَّمِّ أَيْ بَعْدَ إِنْزَالِهِمْ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وبن ماجه
وحديث النعمان بن مقرن أخرجه بن ماجه(7/195)
[2613] (بِاسْمِ اللَّهِ) أَيْ مُسْتَعِينِينَ بِذِكْرِ اسْمِهِ (وَلَا تَغْدِرُوا) بِكَسْرِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ لَا تَنْقُضُوا عَهْدَكُمْ (وَلَا تَغُلُّوا) بِضَمِّ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ أَيْ لَا تَخُونُوا فِي الْغَنِيمَةِ (وَلَا تُمَثِّلُوا) مِنْ بَابِ التَّفْعِيلِ هُوَ الْمَشْهُورُ رِوَايَةً وَيُرْوَى لَا تَمْثُلُوا مِنْ بَابِ نَصَرَ كَذَا قِيلَ
وَفِي تَهْذِيبِ النَّوَوِيِّ مَثَلَ بِهِ يَمْثُلُ كَقَتَلَ إِذَا قَطَعَ أَطْرَافَهُ
وَفِي الْقَامُوسِ مَثَّلَ بِفُلَانٍ مُثْلَةً بِالضَّمِّ نَكَّلَ كَمَثَّلَ تَمْثِيلًا (وَلِيدًا) أَيْ صَبِيًّا قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَهُوَ طَرَفٌ مِنَ الَّذِي قَبْلَهُ
[2614] (عَنْ خَالِدِ بْنِ الْفِرْزِ) بِكَسْرِ الْفَاءِ وَفَتْحِهَا وَسُكُونِ الرَّاءِ بَعْدَهَا زَايٌ مَقْبُولٌ مِنَ الرَّابِعَةِ
كَذَا فِي التَّقْرِيبِ (لَا تَقْتُلُوا شَيْخًا فَانِيًا) أَيْ إِلَّا إِذَا كَانَ مُقَاتِلًا أَوْ ذَا رَأْيٍ
وَقَدْ صَحَّ أَمْرُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِقَتْلِ زَيْدِ بْنِ الصِّمَّةِ وَكَانَ عُمْرُهُ مِائَةً وَعِشْرِينَ عَامًا أَوْ أَكْثَرَ وَقَدْ جِيءَ به في جيش هوازن للرأي
قاله القارىء (وَلَا طِفْلًا وَلَا صَغِيرًا) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَلَا طِفْلًا صَغِيرًا بِدُونِ وَاوِ الْعَطْفِ وَكَذَلِكَ في المشكاة
قال القارىء الظَّاهِرُ أَنَّهُ بَدَلٌ أَوْ بَيَانٌ أَيْ صَبِيًّا دُونَ الْبُلُوغِ وَاسْتُثْنِيَ مِنْهُ مَا إِذَا كَانَ مَلِكًا أَوْ مُبَاشِرًا لِلْقِتَالِ (وَلَا امْرَأَةً) أَيْ إِذَا لَمْ تَكُنْ مُقَاتِلَةً أَوْ مَلِكَةً (وَضُمُّوا) أي اجمعوا (وأصلحوا) أي أموركم (وأحسنوا) أَيْ فِيمَا بَيْنَكُمْ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ خَالِدُ بْنُ الْفِزْرِ لَيْسَ بِذَاكَ
هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ
وَهَيْصَمٌ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَسُكُونِ الْيَاءِ آخِرِ الْحُرُوفِ وَبَعْدَهَا صَادٌ مُهْمَلَةٌ وَمِيمٌ وَمُقَرِّنٌ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِهَا وَنُونٍ وَالْفِزْرُ بِكَسْرِ الْفَاءِ وَسُكُونِ الزَّايِ وَبَعْدَهَا رَاءٌ مُهْمَلَةٌ(7/196)
172 - (بَاب فِي الْحَرْقِ فِي بِلَادِ الْعَدُوِّ)
[2615] (حَرَّقَ) مِنَ التَّحْرِيقِ (نَخِيلَ بَنِي النَّضِيرِ وَهُمْ طَائِفَةٌ مِنْ الْيَهُودِ (وَقَطَّعَ) أَيْ أَمَرَ بِقَطْعِ نَخِيلِهِمْ وَتَحْرِيقِهَا (وَهِيَ الْبُوَيْرَةُ) بِالتَّصْغِيرِ مَوْضِعٌ كَانَ بِهِ نَخْلُ بَنِي النَّضِيرِ (مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ) أَيْ أَيَّ شَيْءٍ قَطَعْتُمْ مِنْ نَخْلَةٍ وَتَمَامُ الْآيَةِ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ الله وليخزي الفاسقين
وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ إِفْسَادِ أَمْوَالِ الْحَرْبِ بِالتَّحْرِيقِ وَالْقَطْعِ لِمَصْلَحَةٍ فِي ذَلِكَ
قَالَ فِي سُبُلِ السَّلَامِ وَقَدْ ذَهَبَ الْجَمَاهِيرُ إِلَى جَوَازِ التَّحْرِيقِ وَالتَّخْرِيبِ فِي بِلَادِ الْعَدُوِّ وَكَرِهَهُ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَاحْتَجَّا بِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَصَّى جُيُوشَهُ أَنْ لَا يَفْعَلُوا ذَلِكَ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي بَقَائِهِ لِأَنَّهُ قَدْ عَلِمَ أَنَّهَا تَصِيرُ لِلْمُسْلِمِينَ فَأَرَادَ بَقَاءَهَا لَهُمْ
انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ والنسائي وبن ماجه
[2616] (قال عروة) ولفظ بن مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ أَبِي الْأَخْضَرِ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى قَرْيَةٍ يُقَالُ لَهَا أُبْنَى فَقَالَ ائْتِ أُبْنَى صَبَاحًا ثُمَّ حَرِّقْ (أَغِرْ) أَمْرٌ مِنَ الْإِغَارَةِ (عَلَى أُبْنَى) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَالْقَصْرِ اسْمُ مَوْضِعٍ من فلسطين بين عسقلان والرملة
قاله القارىء (صَبَاحًا) أَيْ حَالَ غَفْلَتِهِمْ وَفُجَاءَةِ نَبْهَتِهِمْ وَعَدَمِ أُهْبَتِهِمْ (وَحَرِّقْ) بِصِيغَةِ الْأَمْرِ أَيْ زُرُوعَهُمْ وَأَشْجَارَهُمْ وديارهم
قال المنذري وأخرجه بن مَاجَهْ
[2617] (الْغَزِّيُّ) بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الزَّايِ مَدِينَةٌ فِي أَقْصَى الشَّامِ مِنْ نَاحِيَةِ مِصْرَ بينها(7/197)
وَبَيْنَ عَسْقَلَانَ فَرْسَخَانِ (قِيلَ لَهُ) أَيْ لِأَبِي مُسْهِرٍ (هِيَ يُبْنَا فِلَسْطِينَ) قَالَ بِالتَّحْتِيَّةِ بَدَلَ الْهَمْزَةِ
قَالَ فِي الْمَجْمَعِ أُبْنَى مَوْضِعٌ مِنْ فِلَسْطِينَ وَيُقَالُ يُبْنَى
73 - (بَابٌ فِي بَعْثِ الْعُيُونِ)
[2618] جَمْعُ عَيْنٍ بِمَعْنَى الْجَاسُوسِ (بُسَيْسَةَ) بِالتَّصْغِيرِ اسْمُ رَجُلٍ (عَيْنًا) أَيْ جَاسُوسًا (عِيرُ أَبِي سُفْيَانَ) أَيْ قَافِلَتُهُ
قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْعِيرُ بِالْكَسْرِ الْقَافِلَةُ مُؤَنَّثَةٌ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَبُسْبَسَةُ بِضَمِّ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَبَعْدَهَا سِينٌ مُهْمَلَةٌ سَاكِنَةٌ وَبَعْدَهَا بَاءٌ بِوَاحِدَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَسِينٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ وتاء تأنيث ويقال بسبس لَيْسَ فِيهِ تَاءُ تَأْنِيثٍ وَقِيلَ فِيهِ تَأْنِيثٌ وَقِيلَ فِيهِ أَيْضًا بُسَيْسَةُ بِضَمِّ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَيَاءٌ آخِرُ الْحُرُوفِ سَاكِنَةٌ بَيْنَ السِّينَيْنِ وَتَاءُ تأنيث وهو بسبسة بن عمرو ويقال بن بشر انتهى كلام المنذري
74 - (باب في بن السبيل يأكل الخ)
[2619] (عَلَى مَاشِيَةٍ) فِي الْقَامُوسِ الْمَاشِيَةُ الْإِبِلُ وَالْغَنَمُ (فَإِنْ كَانَ فِيهَا) أَيْ فِي الْمَاشِيَةِ
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه اللَّه وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيث يَزِيد بْن هَارُون عَنْ سَعِيد الْجَرِيرِيّ عَنْ أَبِي نَضْرَة عَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيّ قَالَ إِذَا أَتَى أَحَدكُمْ عَلَى رَاعٍ فَلْيُنَادِ يَا رَاعِي الْإِبِل ثَلَاثًا فَإِنْ أَجَابَهُ وَإِلَّا(7/198)
(فَلْيُصَوِّتْ) أَيْ فَلْيُنَادِ (وَلَا يَحْمِلْ) أَيْ لِيَذْهَبْ بِهِ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ هَذَا فِي الْمُضْطَرِّ الَّذِي لَا يَجِدُ طَعَامًا وَهُوَ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ التلف فإذا
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
فَلْيَحْلُبْ وَلْيَشْرَبْ وَلَا يَحْمِلَنَّ
وَإِذَا أَتَى أَحَدكُمْ عَلَى حَائِط فَلْيُنَادِ ثَلَاثًا يَا صَاحِب الْحَائِط
فَإِنْ أَجَابَهُ وَإِلَّا فَلْيَأْكُلْ وَلَا يَحْمِلَنَّ وَهَذَا الْإِسْنَاد عَلَى شَرْط مُسْلِم
وَإِنَّمَا أَعَلَّهُ الْبَيْهَقِيُّ بِأَنَّ سَعِيدًا الْجَرِيرِيّ تَفَرَّدَ بِهِ وَكَانَ قَدْ اِخْتَلَطَ فِي آخِر عُمْره وَسَمَاع يَزِيد بْن هَارُون مِنْهُ فِي حَال اِخْتِلَاطه وَأُعِلَّ حَدِيث سَمُرَة بِالِاخْتِلَافِ فِي سَمَاع الْحَسَن مِنْهُ
وَهَاتَانِ الْعِلَّتَانِ بَعْد صِحَّتهمَا لَا يُخْرِجَانِ الْحَدِيثَيْنِ عَنْ دَرَجَة الْحَسَن الْمُحْتَجّ بِهِ فِي الْأَحْكَام عِنْد جُمْهُور الْأُمَّة
وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى الْقَوْل بِهَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ الْإِمَام أَحْمَد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ
وَقَالَ الشَّافِعِيّ وَقَدْ قِيلَ مَنْ مَرَّ بِحَائِطٍ فَلْيَأْكُلْ وَلَا يَتَّخِذ خُبْنَة
وَرُوِيَ فِيهِ حَدِيث لَوْ كَانَ ثَبَتَ عِنْدنَا لَمْ نُخَالِفهُ
وَالْكِتَاب وَالْحَدِيث الثَّابِت
أَنَّهُ لَا يَجُوز أَكْل مَال أَحَد إِلَّا بِإِذْنِهِ
وَالْحَدِيث الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ الشَّافِعِيّ رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ مِنْ حَدِيث يَحْيَى بْن سليم عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر عن النبي قَالَ مَنْ دَخَلَ حَائِطًا فَلْيَأْكُلْ وَلَا يَتَّخِذ خُبْنَة قَالَ التِّرْمِذِيّ هَذَا حَدِيث غَرِيب لَا نَعْرِفهُ إِلَّا مِنْ حَدِيث يَحْيَى بْن سُلَيْم أخبرنا قتيبة أخبرنا الليث عن بن عَجْلَان عَنْ عَمْرو بْن شُعَيْب عَنْ أَبِيهِ عن جده أن النبي سُئِلَ عَنْ الثَّمَر الْمُعَلَّق فَقَالَ مَنْ أَصَابَ مِنْهُ مِنْ ذِي حَاجَة غَيْر مُتَّخِذ خُبْنَة فَلَا شَيْء عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ هَذَا حَدِيث حَسَن
فَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاء فِي الْقَوْل بِمُوجَبِ هَذِهِ الأحاديث
فذهبت طائفة منهم إِلَى أَنَّهَا مُحْكَمَة وَأَنَّهُ يَسُوغ الْأَكْل مِنْ الثِّمَار وَشُرْب اللَّبَن لِضَرُورَةٍ وَغَيْرهَا
وَلَا ضَمَان عَلَيْهِ
وَهَذَا (الْمَشْهُور عَنْ أَحْمَد) وَقَالَتْ طَائِفَة لَا يَجُوز لَهُ شَيْء مِنْ ذَلِكَ إِلَّا لِضَرُورَةٍ مَعَ ثُبُوت الْعِوَض فِي ذِمَّته
وَهَذَا الْمَنْقُول عَنْ مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَأَبِي حَنِيفَة وَاحْتُجَّ لِهَذَا الْقَوْل بِحُجَجٍ
إِحْدَاهَا قَوْله تَعَالَى {يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالكُمْ بَيْنكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُون تِجَارَة عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} وَالتَّرَاضِي مُنْتَفٍ فِي هَذِهِ الصُّورَة
الثَّانِيَة الْحَائِط وَالْمَاشِيَة لَوْ كَانَا لِيَتِيمٍ فَأَكَلَ مِنْهُمَا كَانَ قَدْ أَكَلَ مَال الْيَتِيم ظُلْمًا فَيَدْخُل تحت الوعيد(7/199)
كَانَ كَذَلِكَ جَازَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ هَذَا الصَّنِيعَ
وَذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ إِلَى أَنَّ هَذَا شَيْءٌ قَدْ مَلَّكَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهُ فَهُوَ مُبَاحٌ لَهُ لَا يَلْزَمُ لَهُ قِيمَةٌ
وَذَهَبَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ قِيمَتَهُ لَازِمَةٌ لَهُ يُؤَدِّيهَا إِلَيْهِ إِذَا قَدَرَ عَلَيْهَا لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَحِلُّ مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِطِيبَةِ نَفْسٍ مِنْهُ انْتَهَى
قَالَ
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
الثَّالِثَة مَا خَرَّجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيث أبي بكرة
أن النبي قَالَ فِي خُطْبَته فِي حَجَّة الْوَدَاع إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالكُمْ وَأَعْرَاضكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَام كَحُرْمَةِ يَوْمكُمْ هَذَا فِي بَلَدكُمْ هَذَا فِي شَهْركُمْ هَذَا وَمِثْله فِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ جَابِر
الرَّابِعَة مَا فِي الصَّحِيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَنَّ النبي قَالَ كُلّ الْمُسْلِم عَلَى الْمُسْلِم حَرَام
دَمه وَمَاله وَعِرْضه
الْخَامِسَة مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صحيح من حديث بن عباس أن النبي خَطَبَ فِي حَجَّة الْوَدَاع فَذَكَرَ الْحَدِيث
وَفِيهِ ولا يحل لامرىء مِنْ مَال أَخِيهِ إِلَّا مَا أَعْطَاهُ عَنْ طِيب نَفْس
السَّادِسَة مَا رَوَاهُ مُسْلِم فِي صحيحه عن بن عمر عن النبي أَنَّهُ قَامَ فَقَالَ لَا يَحْلُبَنَّ أَحَدكُمْ مَاشِيَة أَخِيهِ بِغَيْرِ إِذْنه أَيُحِبُّ أَحَدكُمْ أَنْ تُؤْتَى مَشْرُبَته فَيُكْسَر بَاب خِزَانَته الْحَدِيث
السَّابِعَة أَنَّ هَذَا مَال مِنْ أَمْوَال الْمُسْلِم فَكَانَ مُحْتَرَمًا كَسَائِرِ أَمْوَاله
قَالَ الْأَوَّلُونَ لَيْسَ فِي شَيْء مِمَّا ذَكَرْتُمْ مَا يُعَارِض أَحَادِيث الْجَوَاز إِلَّا حديث بن عُمَر فَإِنَّهُ فِي الظَّاهِر مُخَالِف لِحَدِيثِ سَمُرَة
وَسَيَأْتِي بَيَان الْجَمْع بَيْنهمَا إِنْ شَاءَ اللَّه
أَمَّا قَوْله تَعَالَى {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالكُمْ بَيْنكُمْ بِالْبَاطِلِ} فَلَا يَتَنَاوَل مَحَلّ النِّزَاع
فَإِنَّ هَذَا أَكْل بِإِبَاحَةِ الشَّارِع فَكَيْف يَكُون بَاطِلًا
وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَاب تَخْصِيص الْعَامّ فِي شَيْء بَلْ هَذِهِ الصُّورَة لَمْ تَدْخُل فِي الْآيَة كَمَا لَمْ يَدْخُل فِيهَا أَكْل الْوَالِد مَال وَلَده
وَأَيْضًا فَلِأَنَّهُ إِنَّمَا يَدُلّ عَلَى تَحْرِيم الْأَكْل بِالْبَاطِلِ الَّذِي لَمْ يَأْذَن فِيهِ الشَّارِع وَلَا الْمَالِك فَإِذَا وُجِدَ الْإِذْن الشَّرْعِيّ أَوْ الْإِذْن مِنْ الْمَالِك لَمْ يَكُنْ بَاطِلًا
وَمَعْلُوم أَنَّ إِذْن الشَّرْع أَقْوَى مِنْ إِذْن الْمَالِك
فَمَا أَذِنَ فِيهِ الشَّرْع أَحَلّ مِمَّا أَذِنَ فِيهِ الْمَالِك وَلِهَذَا كَانَتْ الْغَنَائِم مِنْ أَحَلّ الْمَكَاسِب وَأَطْيَبهَا وَمَال الْوَلَد بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأَب مِنْ أَطْيَب الْمَكَاسِب وَإِنْ لَمْ يَأْذَن لَهُ الْوَلَد
وَأَيْضًا فَإِنَّهُ مِنْ الْمُسْتَحِيل أَنْ يَأْذَن النبي فِيمَا حَرَّمَهُ اللَّه وَمَنَعَ مِنْهُ
فَعُلِمَ أَنَّ الْآيَة لَا تَتَنَاوَل مَحَلّ النِّزَاع أَصْلًا
وَبِهَذَا خَرَجَ الْجَوَاب عَنْ الدَّلِيل الثَّانِي وَهُوَ كَوْنه مِثْل كَوْنه مِثْل مَال الْيَتِيم مَعَ أَنَّ قَوْله تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَال الْيَتَامَى ظُلْمًا} الْآيَة يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا يَسْتَحِقّ(7/200)
الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ وَذَكَرَ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ الْمَدِينِيِّ قَالَ سَمَاعُ الْحَسَنِ مِنْ سَمُرَةَ صَحِيحٌ
قَالَ وَقَدْ تَكَلَّمَ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ وَقَالَ إِنَّمَا يُحَدِّثُ عَنْ صَحِيفَةَ سَمُرَةَ
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
الْوَعِيد مَنْ أَكَلَهَا أَكْلًا غَيْر مَأْذُون فِيهِ شَرْعًا فَأَمَّا مَا أَذِنَ فِيهِ الشَّارِع مِنْهَا فَلَا يَتَنَاوَلهُ الْوَعِيد
وَلِهَذَا كَانَ لِلْفَقِيرِ أَنْ يَأْكُل مِنْهَا أَقَلّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ حَاجَته أَوْ قَدْر عَمَله
وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ ظُلْمًا لِإِذْنِ الشَّارِع فِيهِ
وَهَذَا هُوَ بِعَيْنِهِ الْجَوَاب عَنْ قوله إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَام فَإِنَّ التَّحْرِيم يَتَنَاوَل مَا لَمْ يَقَع فِيهِ الْإِذْن مِنْ الشَّارِع وَلَا مِنْ الْمَالِك وَأَمَّا مَا أَذِنَ فِيهِ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدهمَا فَلَيْسَ بِحَرَامٍ
وَلِهَذَا يُنْتَزَع مِنْهُ الشِّقْص الْمَشْفُوع فِيهِ بِغَيْرِ رِضَاهُ لِإِذْنِ الشَّارِع وَيُنْزَع مِنْهُ مَا تَدْعُو إِلَيْهِ ضَرُورَة مِنْ طَعَام أَوْ شَرَاب إِمَّا مَجَّانًا عَلَى أَحَد الْقَوْلَيْنِ أَوْ بِالْمُعَارَضَةِ عَلَى الْقَوْل الْآخَر
وَيُكْرَه عَلَى إِخْرَاج مَاله لِأَدَاءِ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْحُقُوق وَغَيْر ذَلِكَ
وَهَذِهِ الصُّوَر وَأَمْثَالهَا لَيْسَتْ مُسْتَثْنَاة مِنْ هَذِهِ النُّصُوص بَلْ النُّصُوص لَمْ تَتَنَاوَلهَا وَلَا أُرِيدَتْ بِهَا قطعا
وأما حديث بن عُمَر لَا يَحْلُبَنَّ أَحَدكُمْ مَاشِيَة أَخِيهِ بِغَيْرِ إِذْنه فَحَدِيث صَحِيح مُتَّفَق عَلَى صِحَّته
وَقَدْ اِخْتَلَفَتْ الرِّوَايَة عَنْ الْإِمَام أَحْمَد فِي جَوَاز اِحْتِلَاب الْمَاشِيَة لِلشُّرْبِ
وَلَا خِلَاف فِي مَذْهَبه أَنَّهُ لَا يَجُوز اِحْتِلَابهَا لِغَيْرِهِ وَهُوَ كَالْخُبْنَةِ فِي الثِّمَار فَمَنَعَهُ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ أَخْذًا بحديث بن عُمَر وَجَوَّزَهُ فِي الْأُخْرَى أَخْذًا بِحَدِيثِ سَمُرَة
ومن رجح المنع قال حديث بن عُمَر أَصَحّ
فَإِنَّ حَدِيث سَمُرَة مِنْ رِوَايَة الْحَسَن عَنْهُ وَهُوَ مُخْتَلَف فِي سَمَاعه مِنْهُ
وأما حديث بن عُمَر فَمِنْ رِوَايَة اللَّيْث وَغَيْره عَنْ نَافِع عَنْهُ
وَلَا رَيْب فِي صِحَّته
قَالُوا وَالْفَرْق بَيْنه وَبَيْن الثَّمَرَة
أَنَّ اللَّبَن مَخْزُون فِي الضَّرْع كَخَزْنِ الْأَمْوَال فِي خِزَانَتهَا وَلِهَذَا شَبَّهَهَا النبي بِذَلِكَ وَأَخْبَرَ أَنَّ اِسْتِخْرَاجهَا مِنْ الضُّرُوع كَاسْتِخْرَاجِ الْأَمْوَال مِنْ الْخَزَائِن بِكَسْرِهَا
وَهَذَا بِخِلَافِ الثَّمَرَة فَإِنَّهَا ظَاهِرَة بَادِيَة فِي الشَّجَرَة غَيْر مَخْزُونَة
فَإِذَا صَارَتْ إِلَى الْخِزَانَة حَرُمَ الْأَكْل مِنْهَا إِلَّا بِإِذْنِ الْمَالِك
قَالُوا وَأَيْضًا فَالشَّهْوَة تَشْتَدّ إِلَى الثِّمَار عِنْد طِيبهَا
لِأَنَّ الْعُيُون تَرَاهَا وَالنُّفُوس شَدِيدَة الْمَيْل إِلَيْهَا
وَلِهَذَا جَوَّزَ النَّبِيّ فِيهَا الْمُزَابَنَة فِي خَمْسَة أَوْسُق أَوْ دُونهَا فِي الْعَرَايَا لَمَّا شَكَوْا إِلَيْهِ شَهْوَتهمْ إِلَيْهَا وَأَنَّهُ لَا ثَمَن بِأَيْدِيهِمْ بِخِلَافِ اللَّبَن فَإِنَّهُ لَا يُرَى وَلَا تَشْتَدّ الشَّهْوَة إِلَيْهِ كَاشْتِدَادِهَا إِلَى الثِّمَار
قَالُوا وَأَيْضًا فَالثِّمَار لَا صُنْع فِيهَا لِلْآدَمِيِّ بِحَالٍ بَلْ هِيَ خَلْق اللَّه سُبْحَانه لَمْ تَتَوَلَّد مِنْ كَسْب(7/201)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
آدَمِيّ وَلَا فِعْله بِخِلَافِ اللَّبَن فَإِنَّهُ لَا يَتَوَلَّد مِنْ عَيْن مَال الْمَالِك وَهُوَ الْعَلَف
وَإِنْ كَانَتْ سَائِمَة فَلَا بُدّ مِنْ قِيَامه عَلَيْهَا وَرَعْيه إِيَّاهَا وَلَا بُدّ مِنْ إِعَالَته لَهَا كُلّ وَقْت
وَهَذَا وَإِنْ كَانَ فِي الثِّمَار إِلَّا أَنَّهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَاشِيَة قَلِيل جِدًّا فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاج أَنْ يَقُوم عَلَى الشَّجَر كُلّ يَوْم فَمُؤْنَتهَا أَقَلّ مِنْ مُؤْنَة الْمَاشِيَة بِكَثِيرٍ
فَهِيَ بِالْمُبَاحَاتِ أَشْبَه مِنْ أَلْبَان الْمَوَاشِي إِلَّا إِنَّ اِخْتِصَاص أَرْبَابهَا بِأَرْضِهَا وَشَجَرهَا أَخْرَجَهَا عَنْ حُكْم الْمُبَاحَات الْمُشْتَرَكَة الَّتِي يَسُوغ أَكْلهَا وَنَقْلهَا فَعُمِلَ الشَّبَه فِي الْأَكْل الَّذِي لَا يُجْحِف الْمَالِك دُون النَّقْل الْمُضِرّ لَهُ
فَهَذِهِ الْفُرُوق إِنْ صَحَّتْ بَطَلَ إِلْحَاق الثِّمَار بِهَا فِي الْمَنْع
وَكَانَ الْمَصِير إِلَى حَدِيث الْمَنْع فِي اللَّبَن أَوْلَى وَإِنْ كَانَتْ غَيْر مُؤَثِّرَة وَلَا فَرْق بَيْن الْبَابَيْنِ كَانَتْ الْإِبَاحَة شاملة لهما
وحينئذ فيكون فحديث النَّهْي مُتَنَاوِلًا لِلْمُحْتَلِبِ غَيْر الشَّارِب
بَلْ مُحْتَلِبه كَالْمُتَّخِذِ خُبْنَة مِنْ الثِّمَار
وَحَدِيث الْإِبَاحَة مُتَنَاوِل لِلْمُحْتَلِبِ الشَّارِب فَقَطْ دُون غَيْره
وَيَدُلّ عَلَى هَذَا التَّفْرِيق قَوْله فِي حَدِيث سَمُرَة فَلْيَحْتَلِبْ وَلْيَشْرَبْ وَلَا يَحْمِل فَلَوْ اِحْتَلَبَ لِلْحَمْلِ كَانَ حَرَامًا عَلَيْهِ
فَهَذَا هُوَ الِاحْتِلَاب الْمَنْهِيّ عَنْهُ في حديث بن عُمَر
وَاَللَّه أَعْلَم
وَيَدُلّ عَلَيْهِ أَيْضًا أَنَّ فِي حَدِيث الْمَنْع مَا يُشْعِر بِأَنَّ النَّهْي إِنَّمَا هُوَ عَنْ نَقْل اللَّبَن دُون شُرْبه
فَإِنَّهُ قَالَ أَيُحِبُّ أَحَدكُمْ أَنْ تُؤْتَى مَشْرُبَته فيكسر باب خزانته فَيُنْتَثَل طَعَامه
وَمِمَّا يَدُلّ عَلَى الْجَوَاز حَدِيث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي سُئِلَ عَنْ التَّمْر الْمُعَلَّق فَقَالَ مَنْ أَصَابَ مِنْهُ مِنْ ذِي حَاجَة غَيْر مُتَّخِذ خُبْنَة فَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَهُوَ مِنْ رِوَايَة مُحَمَّد بْن عَجْلَان عَنْ عَمْرو وَمُحَمَّد بْن عَجْلَان اِحْتَجَّ بِهِ مُسْلِم
وَالْحَدِيث حَسَن أَخْرَجَهُ أَهْل السُّنَن
فَإِنْ قِيلَ
فَهَذَا دَلِيل عَلَى جَوَاز أَكْل الْمُحْتَاج وَنَحْنُ نَقُول لَهُ أَنْ يَأْكُل عِنْد الضَّرُورَة وَعَلَيْهِ الْقِيمَة وَقَوْله
لَا شَيْء عَلَيْهِ هُوَ نَفْي لِلْعُقُوبَةِ لَا لِلْغُرْمِ
فَالْجَوَاب أَنَّ هَذَا الْحَدِيث رُوِيَ بِوَجْهَيْنِ أَحَدهمَا وَإِنْ أَكَلَ بِفِيهِ وَلَمْ يَأْخُذ فَيَتَّخِذ خُبْنَة فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء
وَهَذَا صَرِيح فِي أَنَّ الْأَكْل لَا شَيْء عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يَجِب الضَّمَان عَلَى مَنْ اِتَّخَذَ خُبْنَة
وَلِهَذَا جَعَلَهُمَا قِسْمَيْنِ
وَاللَّفْظ الثَّانِي قَوْله وَمَنْ أَصَابَ بِفِيهِ مِنْ ذِي حَاجَة غَيْر مُتَّخِذ خُبْنَة فَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَمَنْ خَرَجَ بِشَيْءٍ مِنْهُ فَعَلَيْهِ غَرَامَة مِثْلَيْهِ وَالْعُقُوبَة
وَهَذَا صَرِيح فِي أَنَّ الْأَكْل مِنْهُ لِحَاجَةٍ لَا شَيْء عَلَيْهِ وَأَنَّ الضَّمَان إِنَّمَا يَجِب عَلَى الْمُخْرِج مِنْهُ غَيْر(7/202)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
مَا أَكَلَهُ
وَالْمُنَازِعُونَ لَا يُفَرِّقُونَ بَلْ يُوجِبُونَ الضَّمَان عَلَى الْآكِل وَالْمُخْرِج مَعًا وَلَا يُفَرِّقُونَ فِيهِ بَيْن الْمُحْتَاج وَغَيْره
وَهَذَا جَمْع بَيْن مَا فَرَّقَ الرَّسُول بَيْنه وَالنَّصّ صَرِيح فِي إِبْطَاله
فَالْحَدِيث حُجَّة عَلَى اللَّفْظَيْنِ مَعًا
فَإِنْ قِيلَ فَالْمُجَوِّزُونَ لَا يَخُصُّونَ الْإِبَاحَة بِحَالِ الْحَاجَة بَلْ يُجَوِّزُونَ الْأَكْل لِلْمُحْتَاجِ وَغَيْرهَا فَقَدْ جَمَعُوا بَيْن مَا فَرَّقَ الشَّارِع بَيْنه قِيلَ الْحَاجَة الْمُسَوِّغَة لِلْأَكْلِ أَعَمّ مِنْ الضَّرُورَة وَالْحُكْم مُعَلَّق بِهَا وَلَا ذِكْر لِلضَّرُورَةِ فِيهِ وَإِنَّمَا الْجَوَاز دَائِر مَعَ الْحَاجَة وَهُوَ نَظِير تَعْلِيق بَيْع الْعَرَايَا بِالْحَاجَةِ فَإِنَّهَا الْحَاجَة إِلَى أَكْل الرُّطَب
وَلَا تُعْتَبَر الضَّرُورَة اِتِّفَاقًا فَكَذَلِكَ هُنَا
وَعَلَى هَذَا فَاللَّفْظ قَدْ خَرَجَ مَخْرَج الْغَالِب
وَمَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا مَفْهُوم لَهُ اِتِّفَاقًا
وَمِمَّا يَدُلّ عَلَى الْجَوَاز أَيْضًا حَدِيث رَافِع بْن عَمْرو الَّذِي ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي الْكِتَاب وَقَدْ صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيّ
وَلَا يَصِحّ حَمْله عَلَى المضطر لثلاثة أوجه
أحدها أن النبي أَطْلَقَ لَهُ الْأَكْل وَلَمْ يَقُلْ كُلْ إِذَا اضطررت واترك عند زويل الضَّرُورَة كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي الْمَيْتَة وَكَمَا قال النبي لِلَّذِي سَأَلَهُ عَنْ رُكُوب هَدْيه اِرْكَبْهَا بِالْمَعْرُوفِ إِذَا أُلْجِئْت إِلَيْهَا حَتَّى تَجِد ظَهْرًا الثَّانِي أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ الْإِبَاحَة إِنَّمَا هِيَ لِأَجْلِ الضَّرُورَة فَقَطْ لَثَبَتَ الْبَدَل فِي ذِمَّته كَسَائِرِ الأموال والنبي لَمْ يَأْمُرهُ بِبَدَلٍ وَتَأْخِير الْبَيَان عَنْ وَقْت الْحَاجَة مُمْتَنِع
الثَّالِث أَنَّ لَفْظ الْحَدِيث فِي كِتَاب أَبِي دَاوُدَ لَيْسَ فِيهِ لِلضَّرُورَةِ ذِكْر فَإِنَّهُ قَالَ يَا غُلَام لِمَ تَرْمِي النَّخْل قَالَ آكُل
فَقَالَ لَا تَرْمِ النَّخْل وَكُلْ مَا سَقَطَ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ يَرْمِيهَا لِلْأَكْلِ لَا لِلْحَمْلِ فَأَبَاحَ لَهُ السَّاقِط وَمَنَعَهُ مِنْ الرَّمْي لِمَا فِيهِ مِنْ كَثْرَة الْأَذَى وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَلَفْظه قَالَ يَا رَافِع لِمَ تَرْمِي نَخْلهمْ قَالَ قُلْت يَا رَسُول اللَّه الْجُوع
قَالَ لَا تَرْمِ وَكُلْ مَا وَقَعَ أَشْبَعَك اللَّه فَهَذَا اللَّفْظ لَيْسَ مُعَارِضًا لِلْأَوَّلِ
وَكِلَاهُمَا يَدُلّ عَلَى إِبَاحَة الْأَكْل وَأَنَّ الْإِبَاحَة عِنْد الْجُوع أَوْلَى
وَمِمَّا يَدُلّ عَلَى الْجَوَاز أَيْضًا حَدِيث عَبَّاد بْن شُرَحْبِيل وَقَدْ ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي الْبَاب وَهُوَ صَحِيح الْإِسْنَاد وَالِاسْتِدْلَال بِهِ فِي غَايَة الظُّهُور
وَقَدْ تَكَلَّفَ بَعْض النَّاس رَدّه بِإِنَّهُ لَمْ يُحَدِّث بِهِ عَنْ أَبِي بِشْر إِلَّا جَعْفَر بْن إِيَاس وَهَذَا تَكَلُّف بَارِد
فَإِنَّ أَبَا بِشْر هَذَا مِنْ الْحُفَّاظ الثِّقَات الَّذِينَ لَمْ تُغْمَز قَنَاتهمْ
وَتَكَلَّفَ آخَرُونَ مَا هُوَ أَبْعَد مِنْ هَذَا
فَقَالُوا الْحَدِيث رواه بن ماجه والنسائي ولفظه فأقره النبي فَرَدَّ إِلَيْهِ ثَوْبه وَأَمَرَ لَهُ بِوَسْقٍ مِنْ طَعَام
قَالُوا فَالْمَأْمُور لَهُ بِالْوَسْقِ هُوَ الْأَنْصَارِيّ صَاحِب الْحَائِط وَكَانَ هَذَا تَعْوِيضًا مِنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ(7/203)
يُحَدِّثُ عَنْ صَحِيفَةَ سَمُرَةَ
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
سُنْبُله وَهَذَا خَطَأ بَيِّن
فَإِنَّ الْمَأْمُور لَهُ بِالْوَسْقِ إِنَّمَا هُوَ آكِل السُّنْبُل عباد بْن شُرَحْبِيل وَالسِّيَاق لَا يَدُلّ إِلَّا عَلَيْهِ
وَالنَّبِيّ رَدَّ إِلَيْهِ ثَوْبه وَأَطْعَمَهُ وَسْقًا
وَلَفْظ أَبِي دَاوُدَ صَرِيح فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَالَ فَرَدَّ عَلَيَّ ثَوْبِي وَأَعْطَانِي وَسْقًا
وَمِمَّا يَدُلّ عَلَى الجواز أيضا ما رواه الترمذي
حدثنا بن أَبِي الشَّوَارِب حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن سُلَيْم عَنْ عبيد الله بن عمر عن النبي قَالَ مَنْ دَخَلَ حَائِطًا فَلْيَأْكُلْ وَلَا يَتَّخِذ خُبْنَة وَهَذَا الْحَدِيث وَإِنْ كَانَ مَعْلُولًا قَالَ التِّرْمِذِيّ فِي كِتَاب الْعِلَل الْكَبِير لَهُ سَأَلْت مُحَمَّدًا عَنْ هَذَا الْحَدِيث فَقَالَ يَحْيَى بْن سُلَيْم يَرْوِي أَحَادِيث عَنْ عُبَيْد اللَّه يَهِم فِيهَا
تَمَّ كَلَامه
وَقَالَ يَحْيَى بْن مَعِين هَذَا الْحَدِيث غَلَط
وَقَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ يَحْيَى بْن سُلَيْم هَذَا مَحَلّه الصِّدْق وَلَيْسَ بِالْحَافِظِ وَلَا يُحْتَجّ بِهِ
وَقَالَ النَّسَائِيُّ لَيْسَ بِهِ بَأْس وَهُوَ مُنْكَر الْحَدِيث عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن عَمْرو وَلَكِنْ لَوْ حَاكَمْنَا مُنَازِعِينَا مِنْ الْفُقَهَاء إِلَى أُصُولهمْ لَكَانَ هَذَا الْحَدِيث حُجَّة عَلَى قَوْلهمْ
لِأَنَّ يَحْيَى بْن سُلَيْم مِنْ رِجَال الصَّحِيحَيْنِ وَهُوَ لَوْ اِنْفَرَدَ بِلَفْظَةٍ أَوْ رَفْع أَوْ اِتِّصَال وَخَالَفَهُ غَيْره فِيهِ لَحَكَمُوا لَهُ وَلَمْ يَلْتَفِتُوا إِلَى مَنْ خَالَفَهُ وَلَوْ كَانَ أَوْثَق وَأَكْثَر فَكَيْف إِذَا رَوَى مَا لَمْ يُخَالَف فِيهِ بَلْ لَهُ أُصُول وَنَظَائِر
وَلَكِنَّا لَا نَرْضَى بِهَذِهِ الطَّرِيقَة فَالْحَدِيث عِنْدنَا مَعْلُول وَإِنَّمَا سُقْنَاهُ اِعْتِبَارًا لَا اِعْتِمَادًا
وَاَللَّه أَعْلَم
فَإِنْ قِيلَ فَمَا تَصْنَعُونَ بِالْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو عُبَيْد الْقَاسِم بْن سَلَّام في الغريب عن بن جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاء قَالَ رَخَّصَ رَسُول اللَّه لِلْجَائِعِ الْمُضْطَرّ إِذَا مَرَّ بِالْحَائِطِ أَنْ يَأْكُل مِنْهُ وَلَا يَتَّخِذ خُبْنَة وَهَذَا التَّقْيِيد يُبَيِّن الْمُرَاد مِنْ سَائِر الْأَحَادِيث
قِيلَ هَذَا مِنْ الْمَرَاسِيل الَّتِي لَا يُحْتَجّ بِهَا فَضْلًا عَنْ أَنْ يُعَارَض بِهَا الْمُسْنَدَات الصَّحِيحَة ثَمَّ وَلَوْ كَانَ حُجَّة فَهُوَ لَا يُخَالِف مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحَادِيث بَلْ مَنْطُوقه يُوَافِقنَا وَمَفْهُومه يَدُلّ عَلَى أَنَّ غَيْر الْمُضْطَرّ يُخَالِف الْمُضْطَرّ فِي ذَلِكَ وَهَذَا حَقّ وَالْمَفْهُوم لَا عُمُوم لَهُ بَلْ فِيهِ تَفْصِيل
وَمِمَّا يَدُلّ عَلَى الْجَوَاز أَيْضًا حَدِيث أَبِي سَعِيد وَقَدْ تَقَدَّمَ وَإِسْنَاده على شرط مسلم
ورواه بن حِبَّان فِي صَحِيحه وَأَمَّا تَعْلِيل الْبَيْهَقِيِّ لَهُ بِأَنَّ سَعِيدًا الْجَرِيرِيّ تَفَرَّدَ بِهِ وَكَانَ قَدْ اِخْتَلَطَ فِي آخِر عُمْره وَاَلَّذِي رَوَاهُ عَنْهُ يَزِيد بْن هَارُون وَإِنَّمَا رَوَى عَنْهُ بَعْض الِاخْتِلَاط فَجَوَابه مِنْ وَجْهَيْنِ
أَحَدهمَا أَنَّ حَمَّاد بْن سَلَمَة قَدْ تَابَعَ يَزِيد بْن هَارُون عَلَى رِوَايَته
ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا
وَسَمَاع حَمَّاد مِنْهُ قَدِيم
الثَّانِي أَنَّ هَذَا إِنَّمَا يَكُون عِلَّة إِذَا كَانَ الرَّاوِي مِمَّنْ لَا يُمَيِّز حَدِيث الشَّيْخ صَحِيحه مِنْ سَقِيمه
وَأَمَّا يَزِيد بْن هَارُون وَأَمْثَاله إِذَا رَوَوْا عَنْ رَجُل قَدْ وَقَعَ فِي حَدِيثه بَعْض الِاخْتِلَاط فَإِنَّهُمْ يُمَيِّزُونَ حَدِيثه وَيَنْتَقُونَهُ
هَذَا مَعَ أَنَّ حَدِيثه مُوَافِق لِأَحَادِيث الْبَاب كَأَحَادِيث سَمُرَة وَرَافِع بْن عَمْرو وَعَبْد اللَّه بْن عَمْرو وَعَبَّاد بْن شُرَحْبِيل وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ مَحْفُوظ وَأَنَّ له أصلا
ولهذا صححه بن حبان وغيره(7/204)
[2620] (أَصَابَنِي سَنَةٌ) أَيْ مَجَاعَةٌ وَقَحْطٌ (حَائِطًا) أَيْ بُسْتَانًا (فَفَرَكْتُ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ فَرَكَ السُّنْبُلَ دَلَكَهُ انْتَهَى وَهُوَ مِنْ بَابِ نَصَرَ (فَجَاءَ صَاحِبُهُ) أَيْ مَالِكُ الْحَائِطِ (فَقَالَ) أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَهُ) أَيْ لِصَاحِبِ الحائط (ما علمت) من التعليم (إذا كَانَ جَاهِلًا) أَيْ فَكَانَ اللَّائِقُ بِكَ تَعْلِيمَهُ أَوَّلًا (أَوْ قَالَ سَاغِبًا) أَيْ جَائِعًا وَالشَّكُّ مِنَ الرَّاوِي قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَفِيهِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَذَرَهُ بِالْجَهْلِ حِينَ حَمَلَ الطَّعَامَ وَلَامَ صَاحِبَ الْحَائِطِ إِذْ لَمْ يُطْعِمْهُ إِذْ كَانَ جَائِعًا
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ
وَقَدْ قِيلَ إِنَّهُ لَيْسَ لِعَبَّادِ بْنِ شُرَحْبِيلَ الْيَشْكُرِيِّ الْعَنْبَرِيِّ سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ وَذَكَرَ أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ أَنَّهُ سَكَنَ الْبَصْرَةَ وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا لَمْ يُحَدِّثْ بِهِ غَيْرُ أَبِي بِشْرٍ جَعْفَرِ بْنِ إِيَاسٍ وَذَكَرَ لَهُ هَذَا الْحَدِيثَ
[2621] (رَجُلًا مِنَّا) بَدَلٌ مِنْ عَبَّادَ (مِنْ بَنِي غُبَرَ) عَلَى وَزْنِ زُفَرَ قَبِيلَةٌ مِنْ يَشْكُرَ كَذَا فِي التَّاجِ (بِمَعْنَاهُ) أَيْ بِمَعْنَى الْحَدِيثِ السَّابِقِ
75 - (بَاب مَنْ قَالَ إِنَّهُ يَأْكُلُ مِمَّا سَقَطَ)
[2622] لَمْ يُوجَدْ هَذَا الْبَابُ إِلَّا فِي بَعْضِ النسخ(7/205)
(أَرْمِي نَخْلَ الْأَنْصَارِ) أَيْ أَرْمِي الْحِجَارَةَ عَلَيْهَا لِيَسْقُطَ ثَمَرُهَا فَآكُلُهَا (وَكُلْ مَا يَسْقُطُ فِي أَسْفَلِهَا) فِيهِ دَلِيلٌ لِمَا تَرْجَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ رحمه الله
قال المنذري وأخرجه الترمذي وبن مَاجَهْ
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ
76 - (بَاب فِيمَنْ قَالَ لَا يَحْلِبُ)
[2623] أَيْ مَاشِيَةَ الْغَيْرِ بِلَا إِذْنِهِ
(أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تُؤْتَى) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ وَالِاسْتِفْهَامِ لِلْإِنْكَارِ (مَشْرُبَتُهُ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الشِّينِ وَضَمِّ الرَّاءِ وَفَتْحِهَا
قَالَ النَّوَوِيُّ هِيَ كَالْغُرْفَةِ يُخَزَّنُ فِيهَا الطَّعَامُ وَغَيْرُهُ انْتَهَى (خِزَانَتُهُ) بِكَسْرِ الْخَاءِ هِيَ مِثْلُ الْمَخْزُونِ (فَيُنْتَثَلُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ وَبِالنُّونِ وَالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ مِنْ بَابِ الِافْتِعَالِ أَيْ يُنْثَرُ وَيُسْتَخْرَجُ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ يُنْتَقَلُ مِنَ الِانْتِقَالِ (فَإِنَّمَا تَخْزُنُ لَهُمْ) مِنْ بَابِ نَصَرَ يُقَالُ خَزَنَ الْمَالَ أَيْ أَحْرَزَهُ (ضُرُوعُ مَوَاشِيهِمْ) فَاعِلُ تَخْزُنُ (أَطْعِمَتَهُمْ) جَمْعُ طَعَامٍ مَفْعُولٌ (فَلَا يَحْلُبَنَّ إِلَخْ) كَرَّرَ النَّهْيَ لِلتَّأْكِيدِ
قال القارىء وَالْمَعْنَى أَنَّ ضُرُوعَ مَوَاشِيهِمْ فِي حِفْظِ اللَّبَنِ بِمَنْزِلَةِ خَزَائِنِكُمُ الَّتِي تَحْفَظُ طَعَامَكُمْ فَمَنْ حَلَبَ مَوَاشِيَهُمْ فَكَأَنَّهُ كَسَرَ خَزَائِنَهُمْ وَسَرَقَ مِنْهَا شَيْئًا
فِي شَرْحِ السُّنَّةِ الْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَحْلُبَ مَاشِيَةَ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ إِلَّا إِذَا اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ
وَذَهَبَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَغَيْرُهُمَا إِلَى إِبَاحَتِهِ لِغَيْرِ الْمُضْطَرِّ أَيْضًا إِذَا لَمْ يَكُنِ الْمَالِكُ حَاضِرًا فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَلَبَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَبَنًا مِنْ غَنَمِ رَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ يَرْعَاهَا عَبْدٌ لَهُ وَصَاحِبُهَا غَائِبٌ فِي هِجْرَتِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ وَلِحَدِيثِ سَمُرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا أَتَى(7/206)
أَحَدُكُمْ عَلَى مَاشِيَةٍ فَإِنْ كَانَ فِيهَا صَاحِبُهَا الْحَدِيثَ
وَقَدْ رَخَّصَ بَعْضُهُمْ لِابْنِ السَّبِيلِ فِي أكل ثمار الغير لما روي عن بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِإِسْنَادٍ غَرِيبٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ دَخَلَ حَائِطًا لِيَأْكُلَ غَيْرَ مُتَّخِذٍ خُبْنَةً فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَعِنْدَ أَكْثَرِهِمْ لَا يُبَاحُ إِلَّا بِإِذْنِ الْمَالِكِ إِلَّا لِضَرُورَةِ مَجَاعَةٍ كَمَا سَبَقَ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
77 - (بَاب فِي الطَّاعَةِ)
[2624] أَيْ طَاعَةِ الْأُمَرَاءِ
(وَأُولِي الْأَمْرِ منكم) قَالَ النَّوَوِيُّ الْمُرَادُ بِأُولِي الْأَمْرِ مَنْ أَوْجَبَ اللَّهُ طَاعَتَهُ مِنَ الْوُلَاةِ وَالْأُمَرَاءِ
هَذَا قَوْلُ جَمَاهِيرِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ وَالْفُقَهَاءِ وَغَيْرِهِمْ وَقِيلَ هُمُ الْعُلَمَاءُ وَقِيلَ الْأُمَرَاءُ وَالْعُلَمَاءُ
وَأَمَّا مَنْ قَالَ الصَّحَابَةُ خَاصَّةً فَقَدْ أَخْطَأَ انْتَهَى (عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَيْسٍ) بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ قَوْلُهُ بَعَثَهُ
وَالْمَعْنَى نَزَلَتْ تِلْكَ الْآيَةُ فِي شَأْنِهِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَفِي رواية مسلم نزل ياأيها الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمر منكم فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ قَيْسٍ إِلَخْ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ
[2625] (وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ رَجُلًا) قِيلَ هُوَ عَلْقَمَةُ بْنُ مُجَزِّزٍ وَقِيلَ إِنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حذافة السهمي
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه اللَّه وَقَدْ اِسْتَشْكَلَ قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا خَرَجُوا مِنْهَا أَبَدًا وَلَمْ يَزَالُوا فِيهَا مَعَ كَوْنهمْ لَوْ فَعَلُوا ذَلِكَ لَمْ يَفْعَلُوهُ إِلَّا ظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّهُ مِنْ الطَّاعَة الْوَاجِبَة عَلَيْهِمْ وَكَانُوا مُتَأَوِّلِينَ(7/207)
(فأجج) بجيمين أوليهما مُشَدَّدَةٌ أَيْ أَوْقَدَ (أَنْ يَقْتَحِمُوا) أَيْ يَدْخُلُوا (إِنَّمَا فَرَرْنَا مِنَ النَّارِ) أَيْ بِتَرْكِ دِينِ آبَائِنَا (أَوْ دَخَلُوا فِيهَا) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي (لَمْ يَزَالُوا فِيهَا) قَالَ الْحَافِظُ الِاحْتِمَالُ الظَّاهِرُ أَنَّ الضَّمِيرَ لِلنَّارِ الَّتِي أُوقِدَتْ لَهُمْ أَيْ ظَنُّوا أَنَّهُمْ إِذَا دَخَلُوا بِسَبَبِ طَاعَةِ أَمِيرِهِمْ لَا تَضُرُّهُمْ فَأَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ لَوْ دَخَلُوا فِيهَا لَاحْتَرَقُوا فَمَاتُوا فَلَمْ يَخْرُجُوا انْتَهَى
وَذَكَرَ لَهُ تَوْجِيهَاتٍ فِي الْفَتْحِ (لَا طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ طَاعَةَ الْوُلَاةِ لَا تَجِبُ إِلَّا فِي الْمَعْرُوفِ كَالْخُرُوجِ فِي الْبَعْثِ إِذَا أَمَرَ بِهِ الْوُلَاةُ وَالنُّفُوذِ لَهُمْ في الأمور التي هي الطاعات ومصالح للمسلمين فَأَمَّا مَا كَانَ مِنْهَا مَعْصِيَةٌ كَقَتْلِ النَّفْسِ الْمُحَرَّمَةِ وَمَا أَشْبَهَهُ فَلَا طَاعَةَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ (إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ) لَا فِي الْمُنْكَرِ وَالْمُرَادُ بِالْمَعْرُوفِ مَا كَانَ مِنَ الْأُمُورِ الْمَعْرُوفَةِ فِي الشَّرْعِ هَذَا تَقْيِيدٌ لِمَا أُطْلِقَ فِي الْأَحَادِيثِ الْمُطْلَقَةِ الْقَاضِيَةِ بِطَاعَةِ أُولِي الْأَمْرِ عَلَى الْعُمُومِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ والنسائي
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
وَالْجَوَاب عَنْ هَذَا أَنَّ دُخُولهمْ إِيَّاهَا مَعْصِيَة فِي نَفْس الْأَمْر وَكَانَ الْوَاجِب عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يُبَادِرُوا وَأَنْ يَتَثَبَّتُوا حَتَّى يَعْلَمُوا هَلْ ذَلِكَ طَاعَة لِلَّهِ وَرَسُوله أَمْ لَا فَأَقْدَمُوا عَلَى الْهُجُوم وَالِاقْتِحَام مِنْ غَيْر تَثَبُّت وَلَا نَظَر فَكَانَتْ عُقُوبَتهمْ أَنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا فِيهَا
وَقَوْله أَبَدًا لَا يُعْطِي خُلُودهمْ فِي نَار جَهَنَّم
فَإِنَّ الْإِخْبَار إِنَّمَا هُوَ عَنْ نَار الدُّنْيَا
وَالْأَبَد كَثِيرًا مَا يُرَاد بِهِ أَبَد الدُّنْيَا
قَالَ تَعَالَى فِي حَقّ الْيَهُود {وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا} وَقَدْ أَخْبَرَ عَنْ الْكُفَّار أَنَّهُمْ يَتَمَنَّوْنَ الْمَوْت فِي النَّار وَيَسْأَلُونَ رَبّهمْ أَنْ يَقْضِي عَلَيْهِمْ بِالْمَوْتِ
وَقَدْ جَاءَ فِي بَعْض الرِّوَايَات أَنَّ هَذَا الرَّجُل كَانَ مَازِحًا وَكَانَ مَعْرُوفًا بِكَثْرَةِ الْمِزَاح وَالْمَعْرُوف أَنَّهُمْ أَغْضَبُوهُ حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ
وَفِي الْحَدِيث دَلِيل أَنَّ عَلَى مَنْ أَطَاعَ وُلَاة الْأَمْر فِي مَعْصِيَة اللَّه كَانَ عَاصِيًا وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يُمَهِّد لَهُ عُذْرًا عِنْد اللَّه بَلْ إِثْم الْمَعْصِيَة لَا حَقّ لَهُ وَإِنْ كَانَ لَوْلَا الْأَمْر لَمْ يَرْتَكِبهَا
وَعَلَى هَذَا يَدُلّ هَذَا الْحَدِيث وَهُوَ وَجْهه
وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيق(7/208)
[2626] (السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ) أَيْ ثَابِتَةٌ أَوْ وَاجِبَةٌ لِلْإِمَامِ أو نائبه (مالم يُؤْمَرْ) أَيِ الْمَرْءُ الْمُسْلِمُ (فَإِذَا أُمِرَ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وبن مَاجَهْ
[2627] (مِنْ رَهْطِهِ) أَيْ مِنْ قَوْمِهِ (فَسَلَحْتُ) بتخفيف اللام وإن شددته فللتكثير والتكثير ها هنا غَيْرُ مُنَاسِبٍ
كَذَا فِي فَتْحِ الْوَدُودِ
وَالْمَعْنَى أَعْطَيْتُ يُقَالُ سَلَحْتُهُ إِذَا أَعْطَيْتُهُ سِلَاحًا (مِنْهُمْ) أَيْ مِنَ الْغُزَاةِ (سَيْفًا) لِيَقْتُلَ الْمُشْرِكِينَ (فَلَمَّا رَجَعَ) ذَلِكَ الرَّجُلُ بَعْدَ مَا قَتَلَ رَجُلًا الَّذِي أَظْهَرَ إِيمَانَهُ كَمَا سَيَجِيءُ (مَا لَامَنَا) مِنَ اللَّوْمِ (قَالَ) أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهذا بيان للومه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَلَمْ يَمْضِ لِأَمْرِي) قَالَ فِي الْمَجْمَعِ فِي مَادَّةِ مَضَى وَفِيهِ إِذَا بَعَثْتُ رَجُلًا فَلَمْ يَمْضِ أَمْرِي أَيْ إِذَا أَمَّرْتُ أَحَدًا بِأَنْ يَذْهَبَ إِلَى أَمْرٍ أَوْ بَعَثْتُهُ لِأَمْرٍ وَلَمْ يَمْضِ عَصَانِي فَاعْزِلُوهُ (أَنْ تَجْعَلُوا) أَيْ أَعَجَزْتُمْ مِنْ أَنْ تَجْعَلُوا
وأورد بن الأثير في أسد الغابة وبن حَجَرٍ فِي الْإِصَابَةِ مِنْ رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ وَالْبَغَوِيُّ وبن حِبَّانَ وَغَيْرُهُمْ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ قَالَ أَتَيْنَا بِشْرَ بْنَ عَاصِمٍ فَقَالَ حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ مَالِكٍ وَكَانَ مِنْ رَهْطِهِ قَالَ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً فَأَغَارَتْ عَلَى قَوْمٍ فَشَدَّ مِنَ الْقَوْمِ رَجُلٌ فَأَتْبَعَهُ مِنَ السَّرِيَّةِ رَجُلٌ مَعَهُ سَيْفٌ شَاهِرٌ فَقَالَ لَهُ الشَّادُّ إِنِّي مُسْلِمٌ فَلَمْ يَنْظُرْ إِلَى مَا قال فضربه فقتله فنما الْخَبَرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ فِيهِ قَوْلًا شَدِيدًا فَبَلَغَ الْقَاتِلَ فَبَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ إِذْ قَالَ الْقَاتِلُ وَاللَّهِ مَا كَانَ الَّذِي قَالَ إِلَّا تَعَوُّذًا مِنَ الْقَتْلِ فَأَعْرَضَ عَنْهُ فَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثًا فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ تُعْرَفُ الْمَسَاءَةُ في وجهه فقال إن الله عزوجل أَبَى عَلَيَّ فِيمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ ذَكَرَ أَبُو عُمَرَ النُّمَيْرِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ عُقْبَةَ هَذَا رَوَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا وَاحِدًا(7/209)
178 - (بَاب مَا يُؤْمَرُ مِنْ انْضِمَامِ الْعَسْكَرِ وَسَعَتِهِ)
[2628] (يَزِيدُ بْنُ قُبَيْسٍ) بِمُوَحَّدَةٍ وَمُهْمَلَةٍ مُصَغَّرًا ثِقَةٌ (سَاحِلِ حِمْصٍ) بَدَلٌ مِنْ جَبَلَةَ (مُسْلِمَ بْنَ مِشْكَمٍ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْكَافِ (أَبَا عُبَيْدِ اللَّهِ) كُنْيَةُ مُسْلِمِ بْنِ مِشْكَمٍ (قال عمرو) هو بن عُثْمَانَ (فِي الشِّعَابِ) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ جَمْعُ الشِّعْبِ وَهُوَ الطَّرِيقُ فِي الْجَبَلِ أَوْ مَا انْفَرَجَ بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ (وَالْأَوْدِيَةِ) جَمْعُ الْوَادِي وَهُوَ الْمَسِيلُ مِمَّا بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ (إِنَّمَا ذَلِكُمْ) أَيْ تَفَرُّقُكُمْ (مِنَ الشَّيْطَانِ) أَيْ لِيُخَوِّفَ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ وَيُحَرِّكَ أَعْدَاءَهُ (فَلَمْ يَنْزِلْ) أَيْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فَلَمْ يَنْزِلُوا أَيِ النَّاسُ (بَعْدَ ذَلِكَ) أَيِ الْقَوْلِ (لَوْ بُسِطَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (لَعَمَّهُمْ) أَيْ لَشَمَلَ جَمِيعَهُمْ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ
[2629] (عَنْ أَسِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ (فَضَيَّقَ النَّاسُ الْمَنَازِلَ) أَيْ عَلَى غَيْرِهِمْ بِأَنْ أَخَذَ كُلٌّ مَنْزِلًا لَا حَاجَةَ لَهُ فِيهِ أَوْ فَوْقَ حَاجَتِهِ (وَقَطَعُوا الطَّرِيقَ) أَيْ بِتَضْيِيقِهَا عَلَى الْمَارَّةِ (فَلَا جِهَادَ لَهُ) فِيهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ تَضْيِيقُ الطَّرِيقِ الَّتِي يَمُرُّ بِهَا النَّاسُ وَنَفَى جِهَادَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ عَلَى طَرِيقِ الْمُبَالَغَةِ فِي الزَّجْرِ وَالتَّنْفِيرِ وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ تَضْيِيقُ الْمَنَازِلِ الَّتِي يَنْزِلُ فِيهَا(7/210)
الْمُجَاهِدُونَ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْإِضْرَارِ بِهِمْ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ سَهْلُ بْنُ مُعَاذٍ ضَعِيفٌ وَفِيهِ أَيْضًا إِسْمَاعِيلُ وَفِيهِ مَقَالٌ
79 - (بَاب فِي كَرَاهِيَةِ تَمَنِّي لِقَاءَ الْعَدُوِّ)
[2631] (وَكَانَ) أَيْ سَالِمٌ (كَاتِبًا لَهُ) أَيْ لِعُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ (كَتَبَ إِلَيْهِ) أَيْ إِلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ (عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى) فَاعِلُ كَتَبَ
ولفظ مسلم من طريق بن جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ أَبِي النَّضْرِ عَنْ كِتَابِ رَجُلٍ مِنْ أَسْلَمَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَالُ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى فَكَتَبَ إِلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ حِينَ سَارَ إِلَى الْحَرُورِيَّةِ وَعُمَرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْمَرٍ هُوَ التَّيْمِيُّ وَكَانَ أَمِيرًا عَلَى حرب الخوارج
ذكره بن أَبِي حَاتِمٍ وَذَكَرَ لَهُ رِوَايَةً عَنْ بَعْضِ التَّابِعِينَ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ جَرْحًا
كَذَا فِي الْفَتْحِ (إِلَى الْحَرُورِيَّةِ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَضَمِّ الرَّاءِ وهم طائفة من الخوارج نسبوا إلى حر وراء بِالْمَدِّ وَالْقَصْرِ وَهُوَ مَوْضِعٌ قَرِيبٌ مِنَ الْكُوفَةِ (لا تتمنوا لقاء العدو) قال بن بَطَّالٍ حِكْمَةُ النَّهْيِ أَنَّ الْمَرْءَ لَا يَعْلَمُ ما يؤول إِلَيْهِ الْأَمْرُ وَهُوَ نَظِيرُ سُؤَالِ الْعَافِيَةِ مِنَ الْفِتَنِ
وَقَالَ غَيْرُهُ إِنَّمَا نَهَى عَنْ تَمَنِّي لِقَاءِ الْعَدُوِّ لِمَا فِيهِ مِنْ صُورَةِ الْإِعْجَابِ وَالِاتِّكَالِ عَلَى النُّفُوسِ وَالْوُثُوقِ بِالْقُوَّةِ وَقِلَّةِ الِاهْتِمَامِ بالعدو وكل ذلك يبائن الِاحْتِيَاطَ وَالْأَخْذَ بِالْحَزْمِ
وَقِيلَ يُحْمَلُ النَّهْيُ عَلَى مَا إِذَا وَقَعَ الشَّكُّ فِي الْمَصْلَحَةِ أَوْ حُصُولِ الضَّرَرِ وَإِلَّا فَالْقِتَالُ فَضِيلَةٌ وَطَاعَةٌ
وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ تَعْقِيبُ النَّهْيِ بِقَوْلِهِ (وَسَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ) قَالَ النَّوَوِيُّ وَهِيَ مِنَ الْأَلْفَاظِ الْعَامَّةِ الْمُتَنَاوَلَةِ لِدَفْعِ جَمِيعِ الْمَكْرُوهَاتِ فِي الْبَدَنِ وَالْبَاطِنِ فِيِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَاصْبِرُوا أَيِ اثْبُتُوا وَلَا تُظْهِرُوا التَّأَلُّمَ مِنْ شَيْءٍ يَحْصُلُ لَكُمْ
فَالصَّبْرُ فِي الْقِتَالِ هُوَ كَظْمُ مَا يُؤْلِمُ مِنْ غَيْرِ إِظْهَارِ شَكْوَى وَلَا جَزَعٍ وَهُوَ(7/211)
الصَّبْرُ الْجَمِيلُ (أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَى ظِلَالِ السُّيُوفِ الدُّنُوُّ مِنَ الْقَرْنِ حَتَّى يَعْلُوَهُ بِظِلِّ سَيْفِهِ لَا يُوَلِّي عَنْهُ وَلَا يَنْفِرُ مِنْهُ وَكُلُّ مَا دَنَا مِنْكَ فَقَدْ أَظَلَّكَ
وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ هُوَ كِنَايَةٌ عَنِ الدُّنُوِّ مِنَ الضِّرَابِ فِي الْجِهَادِ حَتَّى يَعْلُوَهُ السَّيْفُ وَيَصِيرَ ظِلُّهُ عَلَيْهِ
وَقَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَاهُ أَنَّ الْجِهَادَ وَحُضُورَ مَعْرَكَةِ الْكُفَّارِ طَرِيقٌ إِلَى الْجَنَّةِ وَسَبَبٌ لِدُخُولِهَا (مُنْزِلَ الْكِتَابِ) جِنْسِهِ أَوِ الْقُرْآنِ (وَهَازِمَ الْأَحْزَابِ) أَيْ أَصْنَافِ الْكُفَّارِ السَّابِقَةِ مِنْ قَوْمِ نُوحٍ وَثَمُودَ وَعَادٍ وَغَيْرِهِمْ (اهْزِمْهُمْ) أَيْ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارَ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
8
( [2632] بَاب مَا يُدْعَى عِنْدَ اللِّقَاءِ)
أَيْ لِقَاءِ الْعَدُوِّ
(اللَّهُمَّ أَنْتَ عَضُدِي) بِفَتْحِ مُهْمَلَةٍ وَضَمِّ مُعْجَمَةٍ أَيْ مُعْتَمَدِي فَلَا أَعْتَمِدُ عَلَى غَيْرِكَ
وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ الْعَضُدُ بِالْفَتْحِ وَبِالضَّمِّ وَبِالْكَسْرِ وَكَكَتِفٍ وَنَدِسٍ وَعُنُقٍ مَا بَيْنَ الْمِرْفَقِ إِلَى الْكَتِفِ
وَالْعَضُدُ النَّاصِرُ وَالْمُعِينُ وَهُمْ عَضُدِي وَأَعْضَادِي (وَنَصِيرِي) أَيْ مُعِينِي عَطْفٌ تَفْسِيرِيٌّ (بِكَ أَحُولُ) أَيْ أَصْرِفُ كَيْدَ الْعَدُوِّ وَأَحْتَالُ لِدَفْعِ مَكْرِهِمْ مِنْ حَالَ يَحُولُ حِيلَةً وأصله حولة
قاله القارىء (وَبِكَ أَصُولُ) أَيْ أَحْمِلُ عَلَى الْعَدُوِّ حَتَّى أَغْلِبَهُ وَأَسْتَأْصِلَهُ وَمِنْهُ الصَّوْلَةُ بِمَعْنَى الْحَمْلَةِ (وَبِكَ أُقَاتِلُ) أَيْ أَعْدَاءَكَ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَاللَّهُ أعلم(7/212)
181 - (بَاب فِي دُعَاءِ الْمُشْرِكِينَ)
[2633] أَيْ إِلَى الْإِسْلَامِ عِنْدَ الْقِتَالِ
(أَنَّ ذَلِكَ) أَيْ دُعَاءَ الْمُشْرِكِينَ إِلَى الْإِسْلَامِ (بَنِي الْمُصْطَلِقِ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الطَّاءِ وَكَسْرِ اللَّامِ بَعْدَهَا قَافٌ بَطْنٌ شَهِيرٌ مِنْ خُزَاعَةَ (وَهُمْ غَارُّونَ) بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ جَمْعُ غَارٍّ أَيْ غَافِلُونَ فأخذهم على غزة وَالْجُمْلَةُ حَالٌ (فَقَتَلَ) أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مُقَاتِلَتَهُمْ) بِكَسْرِ التَّاءِ جَمْعُ مُقَاتِلٍ والتاء باعتبار الجماعة والمراد بها ها هنا مَنْ يَصْلُحُ لِلْقِتَالِ وَهُوَ الرَّجُلُ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ (وَسَبَى سَبْيَهُمْ) أَيْ نِسَاءَهُمْ وَصِبْيَانَهُمْ
قَالَ فِي السُّبُلِ الْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْمُقَاتَلَةِ قَبْلَ الدُّعَاءِ إِلَى الْإِسْلَامِ فِي حَقِّ الْكُفَّارِ الَّذِينَ قَدْ بَلَغَتْهُمُ الدَّعْوَةُ مِنْ غَيْرِ إِنْذَارٍ وَهَذِهِ أَصَحُّ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ وَهِيَ عَدَمُ وُجُوبِ الْإِنْذَارِ مُطْلَقًا وَالثَّانِي وُجُوبُهُ مُطْلَقًا وَالثَّالِثُ يَجِبُ إِنْ لَمْ تَبْلُغْهُمُ الدَّعْوَةُ وَلَا يَجِبُ إن بلغتهم ولكن يستحب
قال بن الْمُنْذِرِ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَعَلَى معناه تظافرت الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ انْتَهَى (هَذَا حَدِيثٌ نَبِيلٌ) أَيْ جَيِّدٌ يُقَالُ فُلَانٌ نَبِيلُ الرَّأْيِ أَيْ جَيِّدُهُ ولم يشركه فيه أحد أي بن عَوْنٍ تَفَرَّدَ بِهَذَا الْحَدِيثِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ
[2634] (وَكَانَ يَتَسَمَّعُ) بِشِدَّةِ الْمِيمِ مِنْ بَابِ التَّفَعُّلِ أَيْ يَضَعُ أُذُنَهُ وَيَتَوَجَّهُ بِسَمْعِهِ إِلَى صَوْتِ الْأَذَانِ (أَمْسِكْ) أَيِ امْتَنِعْ مِنَ الْإِغَارَةِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعِ الْأَذَانَ (أَغَارَ) لِكَوْنِهِ عَلَامَةَ الْكُفْرِ(7/213)
قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِيهِ بَيَانُ أَنَّ الْأَذَانَ شِعَارٌ لِدِينِ الْإِسْلَامِ فَلَوْ أَنَّ أَهْلَ بَلَدٍ أَجْمَعُوا عَلَى تَرْكِهِ كَانَ لِلسُّلْطَانِ قِتَالُهُمْ عَلَيْهِ
ذَكَرَهُ القارىء
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ
[2635] (إِذَا رَأَيْتُمْ مَسْجِدًا) أَيْ فِي دِيَارِ الْعَدُوِّ (أَوْ سَمِعْتُمْ مُؤَذِّنًا) أَيْ أَذَانَهُ
قَالَ فِي النَّيْلِ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مُجَرَّدَ وُجُودِ الْمَسْجِدِ فِي الْبَلَدِ كَافٍ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى إِسْلَامِ أَهْلِهِ وَإِنْ لَمْ يُسْمَعْ مِنْهُ الْأَذَانُ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُ سَرَايَاهُ بِالِاكْتِفَاءِ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ إِمَّا وُجُودِ مَسْجِدٍ أَوْ سَمَاعِ الْأَذَانِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
82 - (بَاب الْمَكْرِ فِي الْحَرْبِ)
[2636] (الْحَرْبُ خَدْعَةٌ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِيهَا ثَلَاثُ لُغَاتٍ مَشْهُورَاتٍ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ أَفْصَحَهُنَّ خَدْعَةٌ بِفَتْحِ الْخَاءِ وَإِسْكَانِ الدَّالِ
قَالَ ثَعْلَبٌ وَغَيْرُهُ وَهِيَ لُغَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالثَّانِيَةُ بِضَمِّ الْخَاءِ وَإِسْكَانِ الدَّالِ وَالثَّالِثَةٌ بِضَمِّ الْخَاءِ وَفَتْحِ الدَّالِ وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِ خِدَاعِ الْكُفَّارِ فِي الْحَرْبِ كَيْفَ أَمْكَنَ الْخِدَاعُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِ نَقْضُ عَهْدٍ أَوْ أَمَانٍ فَلَا يَحِلُّ
وَقَدْ صَحَّ فِي الْحَدِيثِ جَوَازُ الْكَذِبِ فِي ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ أَحَدُهَا فِي الْحَرْبِ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ والنسائي
[2637] (أخبرنا بن ثَوْرٍ) هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ
قَالَهُ الْمِزِّيُّ
وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ أَبُو ثَوْرٍ وَهُوَ غَلَطٌ (وَرَّى غَيْرَهَا) مِنَ التَّوْرِيَةِ وَهِيَ أَنْ يُرِيدَ الْإِنْسَانُ شَيْئًا فَيُظْهِرَ غَيْرَهُ كَذَا فِي مِرْقَاةِ الصعود
قال بن(7/214)
الْمَلَكِ أَيْ سَتَرَهَا بِغَيْرِهَا وَأَظْهَرَ أَنَّهُ يُرِيدُ غَيْرَهَا لِمَا فِيهِ مِنَ الْحَزْمِ وَإِغْفَالِ الْعَدُوِّ وَالْأَمْنِ مِنْ جَاسُوسٍ يَطَّلِعُ عَلَى ذَلِكَ فَيُخْبِرُ بِهِ الْعَدُوَّ انْتَهَى
وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ (قَالَ أَبُو دَاوُدَ إِلَخْ) لَمْ تُوجَدْ هَذِهِ الْعِبَارَةُ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ
83 - (بَابٌ فِي الْبِيَاتِ)
[2638] مَعْنَاهُ بِالْفَارِسِيَّةِ شبخون
وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ بَيَّتَ الْعَدُوَّ أَوْقَعَ بِهِمْ لَيْلًا
(سَبْعَةَ أَهْلِ أَبْيَاتٍ) أَيْ سَبْعَةَ عَشَائِرَ وَتَقَدَّمَ شَرْحُ هَذَا الْحَدِيثِ فِي بَابِ الرَّجُلِ يُنَادِي بِالشِّعَارِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وأخرجه النسائي وبن ماجه
84 - (باب لُزُومِ السَّاقَةِ)
[2639] قَالَ فِي الْقَامُوسِ سَاقَةُ الْجَيْشِ مؤخرة
(فَيُزْجِي) بِضَمِّ الْيَاءِ وَسُكُونِ الزَّايِ وَكَسْرِ الْجِيمِ أَيْ يَسُوقُ (الضَّعِيفَ) أَيْ مَرْكَبَهُ لِيُلْحِقَهُ(7/215)
بالرفاق
قاله القارىء (وَيُرْدِفُ) مِنَ الْإِرْدَافِ أَيْ يُرْكِبُ خَلْفَهُ الضَّعِيفَ مِنَ الْمُشَاةِ
وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ
85 - (بَاب عَلَى مَا يُقَاتَلُ الْمُشْرِكُونَ)
[2640] (أُمِرْتُ) أَيْ أَمَرَنِي اللَّهُ (حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) أي وأن محمدا رسول الله وَهُوَ غَايَةٌ لِقِتَالِهِمْ (فَإِذَا قَالُوهَا) أَيْ كَلِمَةَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ (إِلَّا بِحَقِّهَا) أَيِ الدِّمَاءِ وَالْأَمْوَالِ وَالْبَاءُ بِمَعْنَى عَنْ يَعْنِي هِيَ مَعْصُومَةٌ إِلَّا عَنْ حَقِّ اللَّهِ فِيهَا كَرِدَّةٍ وَحَدٍّ وَتَرْكِ صَلَاةٍ وَزَكَاةٍ أَوْ حَقِّ آدَمِيٍّ كَقَوَدٍ فَنَقْنَعُ مِنْهُمْ بِقَوْلِهَا وَلَا نُفَتِّشُ عَنْ قُلُوبِهِمْ
قَالَهُ الْعَزِيزِيُّ (وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ) أَيْ فِيمَا يَسْتُرُونَهُ مِنْ كُفْرٍ وَإِثْمٍ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وبن مَاجَهْ
[2641] (وَأَنْ يَسْتَقْبِلُوا قِبْلَتَنَا) إِنَّمَا ذَكَرَهُ مَعَ انْدِرَاجِهِ فِي قَوْلِهِ وَأَنْ يُصَلُّوا صَلَاتَنَا لِأَنَّ الْقِبْلَةَ أَعْرَفُ إِذْ كُلُّ أَحَدٍ يَعْرِفُ قِبْلَتَهُ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ صَلَاتَهُ وَلِأَنَّ فِي صَلَاتِنَا مَا يُوجَدُ فِي صَلَاةِ غَيْرِهِ وَاسْتِقْبَالُ قِبْلَتِنَا مَخْصُوصٌ بِنَا (ذَبِيحَتَنَا) فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ وَالتَّاءُ للجنس كما في الشاة قاله القارىء (وَأَنْ يُصَلُّوا صَلَاتَنَا) أَيْ كَمَا نُصَلِّي وَلَا تُوجَدُ إِلَّا مِنْ مُوَحِّدٍ مُعْتَرِفٍ بِنُبُوَّتِهِ وَمَنِ وقد اعْتَرَفَ بِهِ اعْتَرَفَ بِجَمِيعِ مَا جَاءَ بِهِ
وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ أُمُورَ النَّاسِ مَحْمُولَةٌ عَلَى الظَّاهِرِ فَمَنْ أَظْهَرَ شِعَارَ الدِّينِ أُجْرِيَتْ عَلَيْهِ أَحْكَامُ أَهْلِهِ مَا لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ خِلَافَ ذَلِكَ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ(7/216)
[2643] (إِلَى الْحُرَقَاتِ) بِضَمِّ الْحَاءِ وَفَتْحِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ ثُمَّ قَافٌ اسْمٌ لِقَبَائِلَ مِنْ جُهَيْنَةَ (فَنَذِرُوا) بِكَسْرِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ عَلِمُوا وَأَحَسُّوا (مَنْ لَكَ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) أَيْ مَنْ يُعِينُكَ إِذَا جَاءَتْ تِلْكَ الْكَلِمَةُ بِأَنَّ يُمَثِّلَهَا اللَّهُ فِي صُورَةِ رَجُلٍ مُخَاصِمٍ أَوْ مَنْ يُخَاصِمُ لَهَا مِنَ الْمَلَائِكَةِ أَوْ مَنْ تَلَفَّظَ بِهَا (مَخَافَةَ السِّلَاحِ) بِالنَّصْبِ أَيْ لِأَجْلِ خَوْفِهِ (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ) أَيِ الْمَخَافَةِ حتى وددت أني لم أسلم إلا يؤمئذ وَإِنَّمَا وَدَّ ذَلِكَ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَحُطُّ مَا فُعِلَ قَبْلَهُ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِيهِ مِنَ الْفِقْهِ أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا تَكَلَّمَ بِالشَّهَادَةِ وَإِنْ لَمْ يَصِفِ الْإِيمَانَ وَجَبَ الْكَفُّ عَنْهُ وَالْوُقُوفُ عَنْ قَتْلِهِ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ أَوْ قَبْلَهَا
وَفِي قَوْلِهِ هَلَّا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ إِنَّمَا يَجْرِي عَلَى الظَّاهِرِ وَأَنَّ السَّرَائِرَ مَوْكُولَةٌ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ
[2644] (أَرَأَيْتَ) أَيْ أَخْبِرْنِي (فَضَرَبَ) أَيِ الرَّجُلُ (ثُمَّ لَاذَ) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ أَيِ اعْتَصَمَ (أَسْلَمْتُ لِلَّهِ) أَيْ دَخَلْتُ فِي الْإِسْلَامِ (بَعْدَ أَنْ قَالَهَا) أَيْ بَعْدَ قَوْلِهِ أَسْلَمْتُ لِلَّهِ (فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَتِكِ) أَيْ فِي عِصْمَةِ(7/217)
الدَّمِ (وَأَنْتَ بِمَنْزِلَتِهِ) أَيْ فِي إِبَاحَةِ الدَّمِ
قال الخطابي قال الخوارج من يَذْهَبُ مَذْهَبَهُمْ فِي التَّكْفِيرِ بِالْكَبَائِرِ يَتَأَوَّلُونَهُ عَلَى أَنَّهُ بِمَنْزِلَتِهِ فِي الْكُفْرِ وَهَذَا تَأْوِيلٌ فَاسِدٌ وَإِنَّمَا وَجْهُهُ إِنَّمَا جَعَلَهُ بِمَنْزِلَتِهِ فِي إِبَاحَةِ الدَّمِ لِأَنَّ الْكَافِرَ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ مُبَاحُ الدَّمِ بِحَقِّ الدِّينِ فَإِذَا أَسْلَمَ فَقَتَلَهُ قَاتِلٌ فَإِنَّ قَاتِلَهُ مُبَاحُ الدَّمِ بِحَقِّ الْقِصَاصِ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ
86 - (باب النَّهْيِ عَنْ قَتْلِ مَنْ اعْتَصَمَ بِالسُّجُودِ)
[2645] (إِلَى خَثْعَمٍ) قَبِيلَةٌ (فَأَمَرَ لَهُمْ بِنِصْفِ الْعَقْلِ) أَيْ بِنِصْفِ الدِّيَةِ
قَالَ فِي فَتْحِ الْوَدُودِ لِأَنَّهُمْ أَعَانُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِمُقَامِهِمْ بَيْنَ الْكَفَرَةِ فَكَانُوا كَمَنْ هَلَكَ بِفِعْلِ نَفْسِهِ وَفِعْلِ غَيْرِهِ فَسَقَطَ حِصَّةُ جِنَايَتِهِ (بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ) أَيْ بَيْنَهُمْ وَلَفْظُ أَظْهُرِ مُقْحَمٌ (لَا تَرَايَا نَارَاهُمَا) كَذَا كُتِبَ فِي بَعْضِ
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه اللَّه قَالَ بَعْض أَهْل الْعِلْم إِنَّمَا أَمَرَ لَهُمْ بِنِصْفِ الْعَقْل بَعْد عِلْمه بِإِسْلَامِهِمْ لِأَنَّهُمْ قَدْ أَعَانُوا عَلَى أَنْفُسهمْ بِمَقَامِهِمْ بَيْن ظَهْرَانَيْ الْكُفَّار فَكَانُوا كَمَنْ هَلَكَ بِجِنَايَةِ نَفْسه وَجِنَايَة غَيْره
وَهَذَا حَسَن جِدًّا
وَاَلَّذِي يَظْهَر مِنْ مَعْنَى الْحَدِيث أَنَّ النَّار هِيَ شِعَار الْقَوْم عِنْد النُّزُول وَعَلَامَتهمْ وَهِيَ تَدْعُو إِلَيْهِمْ وَالطَّارِق يَأْنَس بِهَا فَإِذَا أَلَمَّ بِهَا جَاوَرَ أَهْلهَا وَسَالَمَهُمْ
فَنَار الْمُشْرِكِينَ تَدْعُو إِلَى الشَّيْطَان وَإِلَى نَار الْآخِرَة فَإِنَّهَا إِنَّمَا تُوقَد فِي مَعْصِيَة اللَّه وَنَار الْمُؤْمِنِينَ تَدْعُو إِلَى اللَّه وَإِلَى طَاعَته وَإِعْزَاز دِينه فَكَيْف تَتَّفِق النَّارَانِ وَهَذَا شَأْنهمَا وَهَذَا مِنْ أَفْصَح الْكَلَام وَأَجْزَله الْمُشْتَمِل عَلَى الْمَعْنَى الْكَثِير الْجَلِيل بِأَوْجَز عِبَارَة
وَقَدْ رَوَى النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيث بَهْز بْن حَكِيم عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّه قَالَ قُلْت يَا رَسُول اللَّه مَا أَتَيْتُك حَتَّى حَلَفْت أَكْثَر مِنْ عَدَدهنَّ لِأَصَابِع يَدَيْهِ أَنْ لَا آتِيك وَلَا آتِي دِينك وَإِنِّي كُنْت اِمْرَأً لَا أَعْقِل شَيْئًا إِلَّا عَلَّمَنِي اللَّه وَرَسُوله
وَإِنِّي أَسْأَلك بِوَجْهِ اللَّه بِمَ بَعَثَك رَبّنَا إِلَيْنَا قال(7/218)
النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا لَا تَرَاءَى
قَالَ فِي النِّهَايَةِ أَيْ يَلْزَمُ الْمُسْلِمَ وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَبَاعَدَ مَنْزِلُهُ عَنْ مَنْزِلِ الْمُشْرِكِ وَلَا يَنْزِلُ بِالْمَوْضِعِ الَّذِي إِنْ أُوقِدَتْ فِيهِ نَارُهُ تَلُوحُ وَتَظْهَرُ لِلْمُشْرِكِ إِذَا أَوْقَدَهَا فِي مَنْزِلِهِ وَلَكِنَّهُ يَنْزِلُ مَعَ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ حَثٌّ عَلَى الْهِجْرَةِ
وَالتَّرَائِي تَفَاعُلٌ مِنَ الرُّؤْيَةِ يُقَالُ تَرَاءَى الْقَوْمُ إِذَا رَأَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَتَرَاءَى الشَّيْءَ أَيْ ظَهَرَ حَتَّى رَأَيْتُهُ
وَإِسْنَادُ التَّرَائِي إِلَى النَّارِ مَجَازٌ مِنْ قَوْلِهِمْ دَارِي تَنْظُرُ مِنْ دَارِ فُلَانٍ أَيْ تُقَابِلُهَا
يَقُولُ نَارَاهُمَا تَخْتَلِفَانِ هَذِهِ تَدْعُو إِلَى اللَّهِ وَهَذِهِ تَدْعُو إِلَى الشَّيْطَانِ فَكَيْفَ يَتَّفِقَانِ
وَالْأَصْلُ فِي تَرَاءَى تَتَرَاءَى فَحَذَفَ إِحْدَى التَّائَيْنِ تَخْفِيفًا
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي مَعْنَاهُ ثَلَاثَةُ وُجُوهٍ قِيلَ مَعْنَاهُ لَا يَسْتَوِي حُكْمُهُمَا وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ فَرَّقَ بَيْنَ دَارَيِ الْإِسْلَامِ وَالْكُفْرِ فَلَا يَجُوزُ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُسَاكِنَ الْكُفَّارَ فِي بِلَادِهِمْ حَتَّى إِذَا أَوْقَدُوا نَارًا كَانَ مِنْهُمْ بِحَيْثُ يَرَاهَا
وَقِيلَ مَعْنَاهُ لَا يَتَّسِمِ الْمُسْلِمُ بِسِمَةِ الْمُشْرِكِ وَلَا يَتَشَبَّهْ بِهِ فِي هَدْيِهِ وَشَكْلِهِ
كَذَا فِي مِرْقَاةِ الصُّعُودِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ
وَذَكَرَ أَبُو دَاوُدَ أَنَّ جَمَاعَةً رَوَوْهُ مُرْسَلًا
وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا مُرْسَلًا وَقَالَ وَهَذَا أَصَحُّ وَذَكَرَ أَنَّ أكثر أصحاب إسماعيل يعني بن أبي خالد لم يذكروا فيه جرير أَوْ ذُكِرَ عَنِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ الصَّحِيحُ مُرْسَلٌ وَلَمْ يُخَرِّجْهُ النَّسَائِيُّ إِلَّا مُرْسَلًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ
87 - (بَاب فِي التَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ)
[2646] أَيِ الْفِرَارِ يَوْمَ الْجِهَادِ وَلِقَاءِ الْعَدُوِّ فِي الْحَرْبِ وَالزَّحْفُ الْجَيْشُ يَزْحَفُونَ إِلَى الْعَدُوِّ أَيْ يَمْشُونَ
قَالَهُ فِي الْمَجْمَعِ
(عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ خِرِّيتٍ) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ بَعْدَهَا تَحْتَانِيَّةٌ
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
بِالْإِسْلَامِ
قُلْت وَمَا آيَات الْإِسْلَام قَالَ أَنْ تَقُول أَسْلَمْت وَجْهِي إِلَى اللَّه وَتَخَلَّيْت وَتُقِيم الصَّلَاة وَتُؤْتِي الزَّكَاة
كُلّ الْمُسْلِم عَلَى الْمُسْلِم مُحَرَّم أَخَوَانِ نَصِيرَانِ لَا يَقْبَل اللَّه مِنْ مُشْرِك بَعْد مَا يُسْلِم عَمَلًا أَوْ يُفَارِق الْمُشْرِكِينَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ
وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيث سَمُرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ جَامَعَ الْمُشْرِك وَسَكَنَ مَعَهُ فَإِنَّهُ مِثْله وَفِي الْمَرَاسِيل لِأَبِي دَاوُدَ عَنْ مَكْحُول عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَتْرُكُوا الذُّرِّيَّة إِزَاء الْعَدُوّ(7/219)
سَاكِنَةٌ ثُمَّ مُثَنَّاةٌ فَوْقِيَّةٌ ثِقَةٌ مِنْ صِغَارِ التابعين (يغلبوا مائتين) أَيْ مِنَ الْكُفَّارِ
وَالْمَعْنَى لِيُقَاتِلِ الْعِشْرُونَ مِنْكُمُ المائتين معهم ويثبتوا منهم (فَشَقَّ ذَلِكَ) أَيِ الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ (الْآنَ خَفَّفَ الله عنكم) وَبَعْدَهُ (وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين) أَيْ لِتُقَاتِلُوا مِثْلَيْكُمْ وَتَثْبُتُوا لَهُمْ (قَالَ فَلَمَّا خفف الله عنهم إلخ) وهذا قاله بن عَبَّاسٍ تَوْقِيفًا عَلَى مَا يَظْهَرُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَالَهُ بِطَرِيقِ الِاسْتِقْرَاءِ قَالَهُ الْحَافِظُ
وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى وُجُوبِ ثَبَاتِ الْوَاحِدِ الْمُسْلِمِ إِذَا قَاوَمَ رَجُلَيْنِ مِنَ الْكُفَّارِ وَتَحْرِيمِ الْفِرَارِ عَلَيْهِ مِنْهُمَا سَوَاءٌ طَلَبَاهُ أَوْ طَالَبَهُمَا سَوَاءٌ وَقَعَ ذَلِكَ وَهُوَ وَاقِفٌ فِي الصَّفِّ مَعَ الْعَسْكَرِ أَوْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ عَسْكَرٌ وَهَذَا هو ظاهر تفسير بن عَبَّاسٍ
قَالَهُ الْحَافِظُ
وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ
[2647] (فَحَاصَ النَّاسُ) بِإِهْمَالِ الْحَاءِ وَالصَّادِ أَيْ جَالُوا جَوْلَةً يَطْلُبُونَ الْفِرَارَ
قَالَهُ السُّيُوطِيُّ
وَفِي الْمِرْقَاةِ لِلْقَارِي أَيْ مَالُوا عَنِ الْعَدُوِّ مُلْتَجِئِينَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى وَلَا يَجِدُونَ عَنْهَا محيصا أَيْ مَهْرَبًا
وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُ الْجَوْهَرِيُّ حَاصَ عَنْهُ عَدَلَ وَحَادَ وَيُقَالُ لِلْأَوْلِيَاءِ حَاصُوا عَنِ الْأَعْدَاءِ وَلِلْأَعْدَاءِ انْهَزَمُوا وَفِي الْفَائِقِ حَاصَ حَيْصَةً أَيِ انْحَرَفَ وَانْهَزَمَ انْتَهَى
(وَبُؤْنَا بِالْغَضَبِ) مِنْ بَاءَ يَبُوءُ عَلَى وَزْنِ قُلْنَا أَيْ رَجَعْنَا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ (فَنَثْبُتَ فِيهَا) أَيْ فِي الْمَدِينَةِ
وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فَنَبِيتُ مِنَ الْبَيْتُوتَةِ وَفِي بَعْضِهَا فَنَتَثَبَّتُ مِنْهَا وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ فَأَتَيْنَا الْمَدِينَةَ فَاخْتَفَيْنَا بِهَا لِنَذْهَبَ أَيْ إِلَى الْجِهَادِ مَرَّةً ثَانِيَةً (أَقَمْنَا) أَيْ فِي الْمَدِينَةِ (فَجَلَسْنَا) أَيْ(7/220)
مُتَرَصِّدِينَ (بَلْ أَنْتُمُ الْعَكَّارُونَ) أَيْ أَنْتُمُ الْعَائِدُونَ إِلَى الْقِتَالِ وَالْعَاطِفُونَ عَلَيْهِ يُقَالُ عَكَّرْتُ عَلَى الشَّيْءِ إِذَا عَطَفْتُ عَلَيْهِ وَانْصَرَفْتُ إِلَيْهِ بَعْدَ الذَّهَابِ عَنْهُ
قَالَ الْأَصْمَعِيُّ رَأَيْتُ أَعْرَابِيًّا يُفَلِّي ثِيَابَهُ فَيَقْتُلُ الْبَرَاغِيثَ وَيَتْرُكُ الْقَمْلَ فَقُلْتُ لِمَ تَصْنَعُ هَذَا قَالَ أَقْتُلُ الْفُرْسَانَ ثُمَّ أُعَكِّرُ عَلَى الرَّجَّالَةِ (أَنَا فِئَةُ الْمُسْلِمِينَ) فِي النِّهَايَةِ الْفِئَةُ الْجَمَاعَةُ مِنَ النَّاسِ فِي الْأَصْلِ وَالطَّائِفَةُ الَّتِي تَقُومُ وَرَاءَ الْجَيْشِ فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِمْ خوف أو هزيمة التجأوا إِلَيْهِ انْتَهَى
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ يُمَهِّدُ بِذَلِكَ عُذْرَهُمْ وهو تأويل قول الله سبحانه أو متحيرا إلى فئة انتهى قال المنذري وأخرجه الترمذي وبن مَاجَهْ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ
وَيَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ تَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ
[2648] (وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يومئذ) أي يوم لقائهم (دبره) بعده (إلا متحرفا لقتال أو متحيرا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ومأواه جهنم وبئس المصير) ومعنى قوله تعالى متحرفا لقتال أَيْ مُنْعَطِفًا لَهُ بِأَنْ يُرِيَهُمُ الْفَرَّةَ مَكِيدَةً وهو يريد الكرة وقوله (أو متحيرا) أي منضما
وقوله (إلى فئة) أَيْ جَمَاعَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ
يَسْتَنْجِدُ بِهَا أَيْ يَسْتَعِينُ بِالْفِئَةِ أَوْ يَقْوَى بِهَا
كَذَا فِي تَفْسِيرِ الْجَلَالَيْنِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ
آخِرُ السَّادِسَ عَشَرَ مِنْ أَصْلِ الْخَطِيبِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَصَلَاتُهُ وَسَلَامُهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ انْتَهَى كَلَامُ الْمُنْذِرِيِّ
88 - (بَاب فِي الْأَسِيرِ يُكْرَهُ عَلَى الْكُفْرِ)
[2649] (عَنْ خَبَّابٍ) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ الأولى هو بن الْأَرَتِّ (مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً) أَيْ كِسَاءً مُخَطَّطًا
وَالْمَعْنَى جَاعِلٌ الْبُرْدَةَ وِسَادَةً لَهُ مِنْ تَوَسَّدَ الشَّيْءَ جَعَلَهُ تَحْتَ رَأْسِهِ(7/221)
(فَشَكَوْنَا) أَيِ الْكُفَّارَ (أَلَا تَدْعُو اللَّهَ لَنَا) أَيْ عَلَى الْمُشْرِكِينَ فَإِنَّهُمْ يُؤْذُونَنَا (مُحْمَرًّا وَجْهُهُ) أَيْ مِنْ أَثَرِ النَّوْمِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ من الغضب وبه جزم بن التِّينِ قَالَهُ الْحَافِظُ (فَيُحْفَرُ لَهُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ يُجْعَلُ لَهُ حُفْرَةٌ (بِالْمِنْشَارِ) بِكَسْرِ الْمِيمِ هُوَ آلَةٌ يُشَقُّ بِهَا الْخَشَبَةُ (فَيُجْعَلُ فِرْقَتَيْنِ) أَيْ يُجْعَلُ الرَّجُلُ شِقَّيْنِ يَعْنِي يُقْطَعُ نِصْفَيْنِ (مَا يَصْرِفُهُ ذَلِكَ) أَيْ لَا يَمْنَعُهُ ذَلِكَ الْعَذَابُ الشَّدِيدُ (وَيُمْشَطُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ) جمع المشط وهو ما يتشط بِهِ الشَّعْرُ وَهُوَ بِالْفَارِسِيَّةِ شانه (مَا دُونَ عَظْمِهِ مِنْ لَحْمٍ وَعَصَبٍ) وَالْمَعْنَى مَا عِنْدَ عَظْمِهِ وَمِنْ بَيَانِيَّةٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ قَالَ القارىء أَيْ مَا تَحْتَ لَحْمِ ذَلِكَ الرَّجُلِ أَوْ غَيْرِهِ وَهُوَ الظَّاهِرُ
وَقَالَ الطِّيبِيُّ مِنْ بَيَانٌ لِمَا وَفِيهِ مُبَالَغَةٌ بِأَنَّ الْأَمْشَاطَ لِحِدَّتِهَا وَقُوَّتِهَا كَانَتْ تَنْفُذُ مِنَ اللَّحْمِ إِلَى الْعَظْمِ وَمَا يَلْتَصِقُ بِهِ مِنَ الْعَصَبِ (وَاللَّهِ) الْوَاوُ لِلْقَسَمِ (لَيُتِمَّنَّ اللَّهُ) بِضَمِّ حَرْفِ الْمُضَارَعَةِ وَكَسْرِ التَّاءِ (هَذَا الْأَمْرَ) أَيْ أَمْرَ الدِّينِ (الرَّاكِبُ) أَيْ رَجُلٌ أَوِ امْرَأَةٌ وَحْدَهُ (مَا بَيْنَ صَنْعَاءَ) بَلَدٍ بِالْيَمَنِ (وَحَضْرَمَوْتَ) هُوَ مَوْضِعٌ بِأَقْصَى الْيَمَنِ وَهُوَ بِفَتْحِ الْمِيمِ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ لِلتَّرْكِيبِ وَالْعَلَمِيَّةِ وَقِيلَ اسْمُ قَبِيلَةٍ وَقِيلَ مَوْضِعٌ حَضَرَ فِيهِ صَالِحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَمَاتَ فِيهِ وَحَضَرَ جِرْجِيسُ فَمَاتَ فِيهِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ (مَا يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ) لِعَدَمِ خَوْفِ السَّرِقَةِ وَنَحْوِهِ (وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ) أَيْ مَا يَخَافُ إِلَّا الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ
وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنَ الْمُبَالَغَةِ فِي حُصُولِ الْأَمْنِ وَزَوَالِ الْخَوْفِ (وَلَكِنَّكُمْ تَعْجَلُونَ) أَيْ سَيَزُولُ عَذَابُ الْمُشْرِكِينَ فَاصْبِرُوا عَلَى أَمْرِ الدِّينِ كَمَا صَبَرَ مَنْ سَبَقَكُمْ
قَالَ بن بَطَّالٍ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَنْ أُكْرِهَ عَلَى الْكُفْرِ وَاخْتَارَ الْقَتْلَ أَنَّهُ أَعْظَمُ أَجْرًا عِنْدَ اللَّهِ مِمَّنِ اخْتَارَ الرُّخْصَةَ وَأَمَّا غَيْرُ الْكُفْرِ فَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى أَكْلِ الْخِنْزِيرِ مَثَلًا فَالْفِعْلُ أَوْلَى انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ(7/222)
189 - (بَاب فِي حُكْمِ الْجَاسُوسِ إِذَا كَانَ مُسْلِمًا)
[2650] (الحسن بن محمد بن علي) أي بن أَبِي طَالِبٍ (وَكَانَ) أَيْ عُبَيْدُ اللَّهِ (أَنَا) كَذَا فِي جَمِيعِ النُّسَخِ الْحَاضِرَةِ وَكَذَا فِي صحيح البخاري والظاهر إياي
قال القارىء فَكَأَنَّهُ مِنْ بَابِ اسْتِعَارَةِ الْمَرْفُوعِ لِلْمَنْصُوبِ (وَالزُّبَيْرَ) أي بن العوام (والمقداد) بكسر الميم وهو بن عَمْرٍو الْكِنْدِيِّ (رَوْضَةَ خَاخٍ) بِخَائَيْنِ مُعْجَمَتَيْنِ مَصْرُوفًا وَقَدْ لَا يُصْرَفُ مَوْضِعٌ بِاثْنَيْ عَشَرَ مِيلًا مِنَ الْمَدِينَةِ وَقِيلَ بِمُهْمَلَةٍ وَجِيمٍ وَهُوَ تَصْحِيفٌ كَذَا فِي الْمَجْمَعِ وَالْمِرْقَاةِ (ظَعِينَةً) أَيِ امْرَأَةً اسْمُهَا سَارَّةٌ وَقِيلَ أُمُّ سَارَّةٍ مَوْلَاةٌ لِقُرَيْشٍ (مَعَهَا كِتَابٌ) أَيْ مَكْتُوبٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ (تَتَعَادَى) أَيْ تَتَسَابَقُ وَتَتَسَارَعُ مِنَ الْعَدْوِ (هَلُمِّي الْكِتَابَ) أَيْ أَعْطِيهِ (لَتُخْرِجِنَّ) بفتح لام فضم فسكون فكسرتين وتشديد نوع أَيْ لَتُظْهِرِنَّ (أَوْ لَتُلْقِيَنَّ) بِفَتْحٍ فَضَمِّ مُثَنَّاةٍ فَوْقِيَّةٍ فَسُكُونٍ فَكَسْرٍ فَفَتْحٍ فَتَشْدِيدِ نُونٍ كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ بِإِثْبَاتِ التَّحْتِيَّةِ الْمَفْتُوحَةِ
قَالَ القارىء فِي شَرْحِ الْمِشْكَاةِ قَالَ ميركُ كَذَا جَاءَتِ الرِّوَايَةُ بِإِثْبَاتِ الْيَاءِ مَكْسُورَةً وَمَفْتُوحَةً فَإِنْ قُلْتَ الْقَوَاعِدُ الْعَرَبِيَّةُ تَقْتَضِي أَنْ تُحْذَفَ تِلْكَ الْيَاءُ وَيُقَالُ لَتُلْقِنَّ قُلْتُ الْقِيَاسُ ذَلِكَ وَإِذَا صَحَّتِ الرِّوَايَةُ بِالْيَاءِ فَتَأْوِيلُ الْكَسْرَةِ أَنَّهَا لِمُشَاكَلَةِ لَتُخْرِجِنَّ وَالْفَتْحُ بِالْحَمْلِ عَلَى الْمُؤَنَّثِ الْغَائِبِ عَلَى طَرِيقِ الِالْتِفَاتِ مِنَ الْخِطَابِ إِلَى الْغَيْبَةِ انْتَهَى
وَالْمَعْنَى لَتَرْمِيِنَّ الثِّيَابَ وَتَتَجَرَّدِينَ عَنْهَا لِيَتَبَيَّنَ لَنَا الْأَمْرُ
وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ لَنُلْقِيَنَّ بِالنُّونِ بِصِيغَةِ جَمْعِ الْمُتَكَلِّمِ وَهُوَ ظَاهِرٌ (مِنْ عِقَاصِهَا) بِكَسْرِ الْعَيْنِ جَمْعُ عَقِيصَةٍ وَهِيَ الشَّعْرُ الْمَضْفُورُ
قَالَ الْحَافِظُ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رِوَايَةِ أَخْرَجَتْهُ مِنْ حُجْزَتِهَا أَيْ مَعْقِدِ الْإِزَارِ لِأَنَّ عَقِيصَتَهَا طَوِيلَةٌ بِحَيْثُ تَصِلُ إِلَى حُجْزَتِهَا فَرَبَطَتْهُ فِي عَقِيصَتِهَا وَغَرَزَتْهُ بِحُجْزَتِهَا (فَإِذَا هُوَ) أَيِ الْكِتَابُ (بِبَعْضِ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قال الْحَافِظُ وَفِي مُرْسَلِ عُرْوَةَ يُخْبِرُهُمْ بِالَّذِي أَجْمَعَ عليه(7/223)
رسول الله صلى الله عليه وسلم من الْأَمْرِ فِي السَّيْرِ إِلَيْهِمْ (لَا تَعْجَلْ عَلَيَّ) أَيْ فِي الْحُكْمِ بِالْكُفْرِ وَنَحْوِهِ (مُلْصَقًا) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ حَلِيفًا (فِي قُرَيْشٍ) أَيْ فِيمَا بَيْنَهُمْ
قَالَ النَّوَوِيُّ وَكَانَ حَلِيفَ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ (مِنْ أَنْفُسِهَا) الضَّمِيرُ لِقُرَيْشٍ (وَإِنَّ قُرَيْشًا لَهُمْ بِهَا قَرَابَاتٌ يَحْمُونَ بِهَا أَهْلِيهِمْ بِمَكَّةَ) وَلَفْظُ الشَّيْخَيْنِ الَّذِي وَقَعَ فِي الْمِشْكَاةِ هَكَذَا وَكَانَ مَنْ مَعَكَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ لَهُمْ قَرَابَةٌ يحمون بها أموالهم وأهليهم بمكة قال القارىء قَوْلُهُ قَرَابَةٌ أَيْ ذَوُو قَرَابَةٍ أَيْ أَقَارِبُ أَوْ قَرَابَةٌ مَعَ نَاسٍ (يَحْمُونَ) أَيِ الْأَقَارِبُ أَوِ النَّاسُ الَّذِينَ أَقَارِبُهُمْ يَحْفَظُونَ وَيُرَاعُونَ (بِهَا) أَيْ بِتِلْكَ الْقَرَابَةِ (أَمْوَالَهُمْ) أَيْ أَمْوَالَ الْمُهَاجِرِينَ انْتَهَى
قُلْتُ وَيُمْكِنُ أَنْ يَرْجِعَ الضَّمَائِرُ إِلَى الْمُهَاجِرِينَ وَبِهَذَا كُلِّهِ تَنْحَلُّ لَكَ عِبَارَةُ الْكِتَابِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (ذَلِكَ) أَيِ الْقُرْبُ مِنَ النَّسَبِ فِيهِمْ (أَنْ أَتَّخِذَ) مَفْعُولُ أَحْبَبْتُ (يَدًا) أَيْ نِعْمَةً وَمِنَّةً عَلَيْهِمْ (قَرَابَتِي) أَيِ الَّتِي بِمَكَّةَ (بِهَا) أَيْ بِتِلْكَ الْيَدِ (صَدَقَكُمْ) بِتَخْفِيفِ الدَّالِ أَيْ قَالَ الصِّدْقَ (دَعْنِي) اتْرُكْنِي (وَمَا يُدْرِيكَ) أَيْ أَيُّ شَيْءٍ يُعْلِمُكَ أَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لِلْقَتْلِ (اطَّلَعَ) بِتَشْدِيدِ الطَّاءِ أَيْ أَقْبَلَ (عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ) وَنَظَرَ إِلَيْهِمْ نَظْرَةَ الرَّحْمَةِ وَالْمَغْفِرَةِ (مَا شِئْتُمْ) أَيْ مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ قَلِيلَةً أَوْ كَثِيرَةً (فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ) الْمُرَادُ غُفْرَانُ ذُنُوبِهِمْ فِي الْآخِرَةِ وَإِلَّا فَلَوْ وَجَبَ عَلَى أَحَدِهِمْ حَدٌّ مَثَلًا لَمْ يَسْقُطْ فِي الدُّنْيَا
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ
(قَدْ سَارَ إِلَيْكُمْ) أَيْ لِلْغَزْوِ (فَأَنَخْنَاهَا) مِنَ الْإِنَاخَةِ وَهُوَ بِالْفَارِسِيَّةِ فروخوا بانيدن شتر وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فَابْتَحَثْنَاهَا مِنَ الْبَحْثِ أَيْ(7/224)
فَتَّشْنَاهَا [2651] وَفِي بَعْضِهَا فَانْتَحَيْنَاهَا
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَبِيبٍ كُوفِيٌّ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ حَكَى عَطَاءٌ عنه أنه قال صمت ثمانين رمضان حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُحَبَّبٍ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ الْأُولَى كَمُعَظَّمٍ عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ الْمَكْسُورَةِ عَنْ فُرَاتِ بْنِ حَيَّانَ بِتَحْتَانِيَّةٍ وَكَانَ عَيْنًا لِقُرَيْشٍ فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِهِ ثُمَّ أَسْلَمَ فَحَسُنَ إِسْلَامُهُ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَكَانَ عَيْنًا أَيْ جَاسُوسًا وَسُمِّيَ الْجَاسُوسُ عَيْنًا لِأَنَّ عَمَلَهُ بِعَيْنِهِ أَوْ لِشِدَّةِ اهْتِمَامِهِ بِالرُّؤْيَةِ وَاسْتِغْرَاقِهِ فِيهَا كَأَنَّ جَمِيعَ بَدَنِهِ صَارَ عَيْنًا نَكِلُهُمْ يُقَالُ وَكَلْتُ الْأَمْرَ إِلَيْهِ وَكْلًا مِنْ(7/225)
191 - بَابِ وَعَدَ وَوُكُولًا فَوَّضْتُهُ إِلَيْهِ وَاكْتَفَيْتُ بِهِ إِلَى إِيمَانِهِمْ الْقَائِلِينَ بِأَنَّنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَنُصَدِّقُهُمْ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ وَقَعَ فِي مُنْتَقَى الْأَخْبَارِ بِرِوَايَةِ أَحْمَدَ وَلَفْظُهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِقَتْلِهِ وَكَانَ ذِمِّيًّا وَكَانَ عَيْنًا لِأَبِي سُفْيَانَ وَحَلِيفًا لِرَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ فَمَرَّ إِلَخْ وَبِهَذَا ظَهَرَ مُنَاسَبَةُ الْحَدِيثِ بِالْبَابِ وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ قَتْلِ الْجَاسُوسِ الذِّمِّيِّ وَفِي فَتْحِ الْبَارِي قَتْلُ الْحَرْبِيِّ الْكَافِرِ يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ وَأَمَّا الْمُعَاهَدُ والذمي فقال مالك والأوزاعي ينتقض عهده بذلك وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فِيهِ خِلَافٌ أَمَّا لَوْ شُرِطَ عَلَيْهِ ذَلِكَ فِي عَهْدِهِ فَيَنْتَقِضُ بِالِاتِّفَاقِ انْتَهَى قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ أَبُو هَمَّامٍ الدَّلَّالِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَبِّبٍ وَلَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ وَهُوَ رَوَاهُ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ الثَّوْرِيِّ بِشْرُ بْنُ السَّرِيِّ الْبَصْرِيِّ وَهُوَ مِمَّنِ اتَّفَقَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَلَى الِاحْتِجَاجِ بِحَدِيثِهِ وَرَوَاهُ عَنِ الثَّوْرِيِّ عَبَّادُ بْنُ مُوسَى الْأَزْرَقُ الْعَبَادَانِيُّ وَكَانَ ثِقَةً وَفُرَاتٌ بِضَمِّ الْفَاءِ وَرَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَبَعْدَ الْأَلِفِ تَاءٌ ثَالِثُ الْحُرُوفِ وَفُرَاتٌ هَذَا لَهُ صُحْبَةٌ وَهُوَ عِجْلِيٌّ سَكَنَ الْكُوفَةَ وَكَانَ هَاجَرَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَزَلْ يَغْزُو مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى أن قبض فنزل الكوفة كَانَ الْأَوْلَى التَّعْبِيرُ بِالْجَاسُوسِ بِغَيْرِ أَمَانٍ كَمَا بَوَّبَ عَلَيْهِ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ بَابُ الْحَرْبِيِّ إِذَا دَخَلَ دَارَ الْإِسْلَامِ بِغَيْرِ أمان قاله بعض شيوخنا ويؤيده قول بن رَسْلَانَ الْآتِي
قُلْتُ وَمَقْصُودُ الْمُؤَلِّفِ أَنَّ الْكَافِرَ الْحَرْبِيَّ طَالِبًا لِلْأَمْنِ إِذَا دَخَلَ دَارَ الْإِسْلَامِ حَالَةَ الْأَمْنِ فَظَهَرَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ جَاسُوسٌ يَحِلُّ قَتْلُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
(عَيْنٌ) فَاعِلٌ أَتَى (وَهُوَ) أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والواو للحال (فجلس) أي الجاسوس
قال بن رَسْلَانَ فِي شَرْحِ السُّنَنِ أَيْ جَلَسَ عِنْدَ أَصْحَابِهِ بِغَيْرِ أَمَانٍ فَإِنَّ الْبُخَارِيَّ بَوَّبَ عَلَيْهِ بَابُ الْحَرْبِيِّ إِذَا دَخَلَ دَارَ الْإِسْلَامِ بِغَيْرِ أَمَانٍ انْتَهَى
قَالَ فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُ بِغَيْرِ أَمَانٍ أَيْ هَلْ يَجُوزُ قَتْلُهُ وَهِيَ مِنْ مَسَائِلِ الْخِلَافِ
قَالَ مَالِكٌ يُخَيَّرُ فِيهِ الْإِمَامُ وَحُكْمُهُ حُكْمُ أَهْلِ الْحَرْبِ
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ إِنِ ادَّعَى أَنَّهُ رَسُولٌ قُبِلَ مِنْهُ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ لَا يُقْبَلُ ذَلِكَ مِنْهُ
قال بن الْمُنِيرِ تَرْجَمَ الْبُخَارِيُّ بِالْحَرْبِيِّ إِذَا دَخَلَ بِغَيْرِ أَمَانٍ وَأَوْرَدَ الْحَدِيثَ الْمُتَعَلِّقَ بِعَيْنِ الْمُشْرِكِينَ وَهُوَ جَاسُوسُهُمْ وَحُكْمُ الْجَاسُوسِ مُخَالِفٌ لِحُكْمِ الْحَرْبِيِّ الْمُطْلَقِ الدَّاخِلِ بِغَيْرِ أَمَانٍ فَالدَّعْوَى أَعَمُّ مِنَ الدَّلِيلِ
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْجَاسُوسَ الْمَذْكُورَ أَوْهَمَ أَنَّهُ مِمَّنْ لَهُ أَمَانٌ فَلَمَّا قَضَى حَاجَتَهُ مِنَ التَّجَسُّسِ انْطَلَقَ مُسْرِعًا فَفَطِنَ لَهُ فَظَهَرَ أَنَّهُ حَرْبِيٌّ دَخَلَ بِغَيْرِ أَمَانٍ انْتَهَى (ثُمَّ انْسَلَّ) أَيِ انصرف (وأخذت سلبته) بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الثِّيَابِ وَالسِّلَاحِ سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ يُسْلَبُ عَنْهُ (فَنَفَّلَنِي) بِتَشْدِيدِ الْفَاءِ وَيَجُوزُ تَخْفِيفُهُ أَيْ أَعْطَانِي (إِيَّاهُ) أَيْ سَلَبَهُ
قَالَ الطِّيبِيُّ فَنَفَّلَنِي أَيْ أَعْطَانِي نَفْلًا وَهُوَ مَا يُخَصُّ بِهِ الرَّجُلُ مِنَ الْغَنِيمَةِ وَيُزَادُ عَلَى سَهْمِهِ
قَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ قَتْلُ الْجَاسُوسِ الْحَرْبِيِّ الْكَافِرِ وَهُوَ بِاتِّفَاقٍ وَأَمَّا المعاهد والذمي فقال مالك والأوزاعي ينتقض عهده بِذَلِكَ وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ خِلَافٌ أَمَّا لَوْ شُرِطَ عَلَيْهِ ذَلِكَ فِي عَهْدِهِ فَيَنْتَقِضُ اتِّفَاقًا انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَفِيهِ عَنْ إِيَاسٍ عَنْ أَبِيهِ(7/226)
[2654] (إِيَاسٌ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَتَخْفِيفِ التَّحْتَانِيَّةِ (نَتَضَحَّى) أَيْ يَأْكُلُ فِي وَقْتِ الضُّحَى كَمَا يُقَالُ نَتَغَدَّى
كَذَا فِي النَّيْلِ (وَعَامَّتُنَا مُشَاةٌ) جَمْعُ مَاشٍ (وَفِينَا ضَعْفَةٌ) قَالَ النَّوَوِيُّ ضَبَطُوهُ عَلَى وَجْهَيْنِ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ بِفَتْحِ الضَّادِ وَإِسْكَانِ الْعَيْنِ أَيْ حَالَةِ ضَعْفٍ وَهُزَالٍ وَالثَّانِي بِفَتْحِ الْعَيْنِ جَمْعُ ضَعِيفٍ (فَانْتَزَعَ) أَيْ أَخْرَجَ (طَلَقًا) بِفَتْحِ الطَّاءِ وَاللَّامِ وَبِالْقَافِ وَهُوَ الْعِقَالُ مِنْ جِلْدٍ (مِنْ حِقْوِ الْبَعِيرِ) فِي الْقَامُوسِ الْحِقْوُ الْكَشْحُ وَهُوَ بِالْفَارِسِيَّةِ تهيكاه (وَرِقَّةَ ظَهْرِهِمْ) بِكَسْرِ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ الْقَافِ أَيْ قِلَّةِ مَرَاكِبِهِمْ (خَرَجَ) أَيِ الرَّجُلُ (يَعْدُو) فِي الصُّرَاحِ الْعَدْوُ دويدن خواستن (يَرْكُضُهُ) فِي الْقَامُوسِ الرَّكْضُ اسْتِحْثَاثُ الْفَرَسِ لِلْعَدْوِ وَهُوَ بِالْفَارِسِيَّةِ اسب تاختن (مِنْ أَسْلَمَ) اسْمُ قَبِيلَةٍ (وَرْقَاءَ) أَيْ فِي لَوْنِهَا سَوَادٌ كَالْغَبَرَةِ (هِيَ أَمْثَلُ ظَهْرِ الْقَوْمِ) أَيْ أَفْضَلُ مَرَاكِبِهِمْ (عِنْدَ وَرِكِ الْجَمَلِ) فِي الْقَامُوسِ الْوَرِكُ بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ وَكَكَتِفٍ مَا فَوْقَ الْفَخِذِ وَالْوَرِكُ مُحَرَّكَةٌ عَظْمُهَا (بِخِطَامِ الْجَمَلِ) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ أَيْ بِزِمَامِهِ (اخْتَرَطْتُ سَيْفِي) أَيْ سَلَلْتُهُ مِنْ غِمْدِهِ (فَنَدَرَ) أَيْ سَقَطَ وَوَقَعَ (أَقُودُهَا) أَيْ أَجُرُّهَا (فِي النَّاسِ) أَيْ فِي جُمْلَةِ النَّاسِ (مُقْبِلًا) بِوَجْهِهِ (لَهُ سَلَبُهُ أَجْمَعُ) أَيْ كُلُّهُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مسلم(7/227)
192 - (بَاب فِي أَيِّ وَقْتٍ يُسْتَحَبُّ اللِّقَاءُ)
[2655] (يَعْنِي بن مُقَرِّنٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ الْمَكْسُورَةِ وَبِالنُّونِ (حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ إِلَخْ) ظَاهِرُ هَذَا أَنَّ التَّأْخِيرَ لِيَدْخُلَ وَقْتُ الصَّلَاةِ لِكَوْنِهِ مَظِنَّةَ الْإِجَابَةِ وَهُبُوبُ الرِّيحِ قَدْ وَقَعَ النَّصْرُ بِهِ فِي الْأَحْزَابِ فَصَارَ مَظِنَّةً لِذَلِكَ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ النُّعْمَانِ بْنِ مُقَرِّنٍ قَالَ غَزَوْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ أَمْسَكَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَإِذَا طَلَعَتْ قَاتَلَ فَإِذَا انْتَصَفَ النَّهَارُ أَمْسَكَ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ فَإِذَا زَالَتْ قَاتَلَ فَإِذَا دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ أَمْسَكَ حَتَّى يُصَلِّيَهَا ثُمَّ يُقَاتِلَ وَكَانَ يُقَالُ عِنْدَ ذَلِكَ تَهِيجُ رِيَاحُ النَّصْرِ وَيَدْعُو الْمُؤْمِنُونَ لِجُيُوشِهِمْ فِي صَلَاتِهِمْ قَالَ فِي الْفَتْحِ لَكِنْ فِيهِ انْقِطَاعٌ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ
93 - (بَاب فِيمَا يُؤْمَرُ بِهِ مِنْ الصَّمْتِ عِنْدَ اللِّقَاءِ)
[2656] الصَّمْتُ السُّكُوتُ (عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ) بِضَمِّ مُهْمَلَةٍ وَتَخْفِيفِ مُوَحَّدَةٍ هُوَ من تابعي البصرة (يكرهون الصوت) قال القارىء أَيْ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ
وَفِي النَّيْلِ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ رَفْعَ الصَّوْتِ حَالُ الْقِتَالِ وَكَثْرَةَ اللَّغَطِ وَالصُّرَاخَ مَكْرُوهَةٌ وَلَعَلَّ وَجْهَ كَرَاهَتِهِمْ لِذَلِكَ أَنَّ التَّصْوِيتَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ رُبَّمَا(7/228)
كَانَ مُشْعِرًا بِالْفَزَعِ وَالْفَشَلِ بِخِلَافِ الصَّمْتِ فَإِنَّهُ دَلِيلُ الثَّبَاتِ وَرِبَاطِ الْجَأْشِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ عُبَادٌ بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَبَعْدَهَا بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ مُخَفَّفَةٌ وَبَعْدَ الْأَلِفِ دَالٌ مُهْمَلَةٌ
94 - (بَابٌ فِي الرَّجُلِ يَتَرَجَّلُ عِنْدَ اللِّقَاءِ)
[2658] أَيْ يَمْشِي عَلَى الرِّجْلِ
(يَوْمَ حُنَيْنٍ) بِمُهْمَلَةٍ وَنُونَيْنِ مُصَغَّرًا وَادٍ إِلَى جَنْبِ ذِي الْمَجَازِ قَرِيبُ الطَّائِفِ
بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ بِضْعَةَ عَشَرَ مِيلًا مِنْ جِهَةِ عَرَفَاتٍ
خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسِتٍّ خَلَوْنَ مِنْ رَمَضَانَ قَالَهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ (فَانْكَشَفُوا) أَيِ انْهَزَمُوا (فَتَرَجَّلَ) أَيْ مَشَى عَلَى الرِّجْلِ وَفِي كُتُبِ اللُّغَةِ تَرَجَّلَ نَزَلَ عَنْ رَكُوبَتِهِ وَمَشَى انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ أَتَمَّ مِنْهُ فِي أَثْنَاءِ الْحَدِيثِ الطَّوِيلِ
95 - (بَابٌ فِي الْخُيَلَاءِ فِي الْحَرْبِ)
[2659] الْخُيَلَاءُ التَّكَبُّرُ
(فَالْغَيْرَةُ فِي الرِّيبَةِ) نَحْوَ أَنْ يَغْتَارَ الرَّجُلُ عَلَى مَحَارِمِهِ إِذَا رَأَى مِنْهُمْ فِعْلًا مُحَرَّمًا فَإِنَّ الغيرة(7/229)
فِي ذَلِكَ وَنَحْوِهِ مِمَّا يُحِبُّهُ اللَّهُ
وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ مَا أَحَدٌ أَغْيَرَ مِنَ اللَّهِ من أجل ذلك حرم الزنى (فَالْغَيْرَةُ فِي غَيْرِ رِيبَةٍ) نَحْوَ أَنْ يَغْتَارَ الرَّجُلُ عَلَى أُمِّهِ أَنْ يَنْكِحَهَا زَوْجُهَا وَكَذَلِكَ سَائِرُ مَحَارِمِهِ فَإِنَّ هَذَا مِمَّا يُبْغِضُهُ اللَّهُ تَعَالَى لِأَنَّ مَا أَحَلَّهُ اللَّهُ تَعَالَى فَالْوَاجِبُ عَلَيْنَا الرِّضَى بِهِ
فَإِنْ لَمْ نَرْضَ بِهِ كَانَ ذَلِكَ مِنْ إِيثَارِ حَمِيَّةِ الْجَاهِلِيَّةِ عَلَى مَا شَرَعَهُ اللَّهُ لَنَا (فَاخْتِيَالُ الرَّجُلِ نَفْسَهُ عِنْدَ الْقِتَالِ) لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ التَّرْهِيبِ لِأَعْدَاءِ اللَّهِ وَالتَّنْشِيطِ لِأَوْلِيَائِهِ (وَاخْتِيَالِهِ عِنْدَ الصَّدَقَةِ) فَإِنَّهُ رُبَّمَا كَانَ مِنْ أَسْبَابِ الِاسْتِكْثَارِ مِنْهَا وَالرُّغُوبِ فِيهَا فَاخْتِيَالُ الرَّجُلِ عِنْدَ الْقِتَالِ هُوَ الدُّخُولُ فِي الْمَعْرَكَةِ بِنَشَاطٍ وَقُوَّةٍ وَإِظْهَارِ الْجَلَادَةِ وَالتَّبَخْتُرِ فِيهِ وَالِاسْتِهَانَةُ وَالِاسْتِخْفَافُ بِالْعَدُوِّ لِإِدْخَالِ الرَّوْعِ فِي قَلْبِهِ
وَالِاخْتِيَالُ فِي الصَّدَقَةِ أَنْ يُعْطِيَهَا بِطِيبِ نَفْسِهِ وَيَنْبَسِطَ بِهَا صُورَةً وَلَا يَسْتَكْثِرُ وَلَا يُبَالِي بِمَا أَعْطَى (فَاخْتِيَالُهُ فِي الْبَغْيِ) نَحْوَ أَنْ يَذْكُرَ الرَّجُلُ أَنَّهُ قَتَلَ فُلَانًا وَأَخَذَ مَالَهُ ظُلْمًا أَوْ يَصْدُرَ مِنْهُ الِاخْتِيَالُ حَالَ الْبَغْيِ عَلَى مَالِ الرَّجُلِ أَوْ نَفْسِهِ (قال موسى) هو بن إِسْمَاعِيلَ (وَالْفَخْرِ) بِالْجَرِّ أَيْ قَالَ مُوسَى فِي رِوَايَتِهِ فِي الْبَغْيِ وَالْفَخْرِ وَلَمْ يَذْكُرْ مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ فِي رِوَايَتِهِ لَفْظَ وَالْفَخْرِ
وَاخْتِيَالُ الرَّجُلِ فِي الْفَخْرِ نَحْوُ أَنْ يَذْكُرَ مَا لَهُ مِنَ الْحَسَبِ وَالنَّسَبِ وَكَثْرَةِ الْمَالِ وَالْجَاهِ وَالشَّجَاعَةِ وَالْكَرَمِ لِمُجَرَّدِ الِافْتِخَارِ ثُمَّ يَحْصُلَ مِنْهُ الِاخْتِيَالُ عِنْدَ ذَلِكَ فَإِنَّ هَذَا الِاخْتِيَالَ مِمَّا يُبْغِضُهُ اللَّهُ تَعَالَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ
96 - (باب الرَّجُلِ يُسْتَأْسَرُ بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ)
[2660] أَيْ يُؤْخَذُ أَسِيرًا أَيْ أَخَذَهُ الْعَدُوُّ أَسِيرًا فَمَاذَا يَفْعَلُ فَهَلْ يُسْلِمُ نَفْسَهُ أَوْ يُنْكِرُ وَإِنْ قُتِلَ
(عَشَرَةً عَيْنًا) أَيْ جَاسُوسًا (وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَاصِمَ بْنَ ثَابِتٍ) أَيْ جَعَلَهُ أَمِيرًا (فَنَفَرُوا) أَيْ(7/230)
خَرَجُوا وَاسْتَعَدُّوا (لَهُمْ) أَيْ لِقِتَالِ الْعُيُونِ (هُذَيْلٌ) بَدَلٌ مِنَ الضَّمِيرِ فِي نَفَرُوا (فَلَمَّا أَحَسَّ بِهِمْ) أَيْ رَآهُمْ (إِلَى قَرْدَدٍ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ كَمَهْدَدٍ جَبَلٌ وَمَا ارْتَفَعَ مِنَ الْأَرْضِ
وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ هُوَ الْمَوْضِعُ الْمُرْتَفِعُ مِنَ الْأَرْضِ كَأَنَّهُمْ تَحَصَّنُوا بِهِ (فَأَعْطُوا بِأَيْدِيكُمْ) أَيِ انْقَادُوا (بِالنَّبْلِ) أَيِ السِّهَامِ (فِي سَبْعَةِ نَفَرٍ) أَيْ فِي جُمْلَتِهِمْ (مِنْهُمْ خُبَيْبٌ) بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ الْأُولَى بَيْنَهُمَا تَحْتِيَّةٌ سَاكِنَةٌ (وَزَيْدُ بْنُ الدَّثِنَةِ) بِفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْمُثَلَّثَةِ وَفَتْحِهَا وَفَتْحِ النُّونِ
قَالَهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ (وَرَجُلٌ آخَرُ) هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ طَارِقٍ الْبَلَوِيُّ (فَلَمَّا اسْتَمْكَنُوا مِنْهُمْ) أَيْ قَدَرُوا عَلَيْهِمْ (أَطْلَقُوا) أَيْ حَلُّوا (أَوْتَارَ قِسِيِّهِمْ) أَوْتَارٌ جَمْعُ وَتَرٍ وَقِسِيٌّ جَمْعُ قَوْسٍ (إِنَّ لِي بِهَؤُلَاءِ) أَيِ الْقَتْلَى (لَأُسْوَةً) بِالنَّصْبِ اسْمُ إِنَّ أَيِ اقْتِدَاءً (حَتَّى أَجْمَعُوا) أَيْ عَزَمُوا (فَاسْتَعَارَ) أَيْ طَلَبَ (مُوسَى) هِيَ مَا يُحْلَقُ بِهَا (يَسْتَحِدُّ بِهَا) الِاسْتِحْدَادُ حَلْقُ شَعْرِ الْعَانَةِ (أَرْكَعُ) أَيْ أُصَلِّي (لَوْلَا أَنْ تَحْسَبُوا مَا بِي جَزَعًا) أَيْ لَوْلَا أَنْ تَظُنُّوا الَّذِي مُتَلَبِّسٌ بِي مِنْ أَدَاءِ الصَّلَاةِ فَزَعًا مِنَ الْقَتْلِ
وَالْجَزَعُ نَقِيضُ الصَّبْرِ
وَقَوْلُهُ مَا بِي مَفْعُولٌ أَوَّلُ لِتَحْسَبُوا وَقَوْلُهُ جَزَعًا مَفْعُولُهُ الثَّانِي (لَزِدْتُ) جَوَابُ لَوْلَا
قَالَ الْحَافِظُ فِي رِوَايَةِ بُرَيْدَةَ بْنِ سُفْيَانَ لَزِدْتُ سَجْدَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ(7/231)
197 - (بَاب فِي الْكُمَنَاءِ)
[2662] جَمْعُ كَمِينٍ كَكُرَمَاءَ جَمْعُ كَرِيمٍ وَالْكَمِينُ الْمُخْتَفِي وَالْمُرَادُ مَنْ يَخْتَفِي فِي الْحَرْبِ لِلْأَعْدَاءِ
كَذَا فِي فَتْحِ الْوَدُودِ
(عَلَى الرُّمَاةِ) جَمْعُ رَامٍ (عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جُبَيْرٍ) بِالنَّصْبِ مَفْعُولُ جَعَلَ وَالْمَعْنَى أَمَّرَهُ عَلَيْهِمْ (تَخَطَّفُنَا الطَّيْرُ) كِنَايَةً عَنِ الْهَزِيمَةِ وَالْقَتْلِ (فَلَا تَبْرَحُوا) أَيْ لَا تُفَارِقُوا (وَأَوْطَأْنَاهُمْ) أَيْ غَلَبْنَاهُمْ (يُسْنِدْنَ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا نُونٌ مَكْسُورَةٌ وَدَالٌ مُهْمَلَةٌ أَيْ يَصْعَدْنَ يُقَالُ أَسْنَدَ فِي الْجَبَلِ يُسْنِدُ إِذَا صَعِدَ
وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ يَشْتَدِدْنَ أَيْ يُسْرِعْنَ فِي الصُّعُودِ يُقَالُ اشْتَدَّ فِي مَشْيِهِ إِذَا أَسْرَعَ (الْغَنِيمَةَ) بِالنَّصْبِ عَلَى الْإِغْرَاءِ (ظَهَرَ أَصْحَابُكُمْ) أَيْ غَلَبُوا (فَصُرِفَتْ وُجُوهُهُمْ) قَالَ الْحَافِظُ أَيْ تَحَيَّرُوا فَلَمْ يَدْرُوا أَيْنَ يَتَوَجَّهُونَ انْتَهَى
وَذَلِكَ عُقُوبَةٌ لِعِصْيَانِهِمْ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ
98 - (بَاب فِي الصُّفُوفِ)
[2663] (حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ) هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ (عَنْ حَمْزَةَ بْنِ أَبِي أسيد(7/232)
بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ السِّينِ وَسُكُونِ الْيَاءِ وَبِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ (عَنْ أَبِيهِ) هُوَ أَبُو أُسَيْدٍ وَاسْمُهُ مَالِكُ بْنُ رَبِيعَةَ الْأَنْصَارِيُّ السَّاعِدِيُّ (إِذَا أَكْثَبُوكُمْ) بِمُثَلَّثَةٍ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ أَيْ قَارَبُوكُمْ بِحَيْثُ يَصِلُ إِلَيْهِمْ سِهَامُكُمْ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ غَشَوْكُمْ وَأَصْلُهُ مِنَ الْكَثَبِ وَهُوَ الْقُرْبُ يَقُولُ إِذَا دَنَوْا مِنْكُمْ فَارْمُوهُمْ وَلَا تَرْمُوهُمْ عَلَى بُعْدٍ انْتَهَى
وَفِي الْقَامُوسِ أَكْثَبَهُ دَنَا مِنْهُ (بِالنَّبْلِ) بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ بِالسَّهْمِ الْعَرَبِيِّ الَّذِي لَيْسَ بِطَوِيلٍ كَالنُّشَّابِ
كَذَا فِي النِّهَايَةِ (وَاسْتَبْقُوا نَبْلَكُمْ) اسْتِفْعَالٌ مِنَ الْبَقَاءِ
قَالَ فِي الْمَجْمَعِ أَيْ لَا تَرْمُوهُمْ عَنْ بُعْدٍ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ فِي الْأَرْضِ أَوِ الْبَحْرِ فَذَهَبَتِ السِّهَامُ وَلَمْ يَحْصُلْ نِكَايَةٌ
وَقِيلَ ارْمُوهُمْ بِالْحِجَارَةِ فَإِنَّهَا لَا تَكَادُ تُخْطِئُ إِذَا رَمَى الْجَمَاعَةُ انْتَهَى
وَقِيلَ مَعْنَاهُ ارْمُوهُمْ بِبَعْضِ النَّبْلِ دُونَ الْكُلِّ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ
99 - (بَابٌ فِي سَلِّ السُّيُوفِ عِنْدَ اللِّقَاءِ)
[2664] السَّلُّ انْتِزَاعُكَ الشَّيْءَ وَإِخْرَاجُهُ فِي رِفْقٍ
(وَلَيْسَ) أَيْ إِسْحَاقُ بْنُ نَجِيحٍ هَذَا (بِالْمَلْطِيِّ) بَلْ إِسْحَاقُ بْنُ نَجِيحٍ هَذَا غَيْرُ الْمَلْطِيِّ
وَاعْلَمْ أَنَّ إِسْحَاقَ بْنَ نَجِيحٍ رَجُلَانِ أَحَدُهُمَا إِسْحَاقُ بْنُ نَجِيحٍ الرَّاوِي عَنْ مَالِكُ بْنِ حَمْزَةَ وَالثَّانِي إِسْحَاقُ بْنُ نَجِيحٍ الْأَزْدِيُّ الْمَلْطِيُّ فَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ إِسْحَاقَ بْنَ نَجِيحٍ الْأَوَّلُ هُوَ الْمَلْطِيُّ
فَمَقْصُودُ أَبِي دَاوُدَ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ قَوْلِهِ وَلَيْسَ بِالْمَلْطِيِّ الرَّدُّ عَلَيْهِ (لَا تَسُلُّوا السُّيُوفَ) أَيْ لَا تُخْرِجُوهَا مِنْ غِلَافِهَا (حَتَّى يَغْشَوْكُمْ) بِفَتْحِ الشِّينِ أَيْ حَتَّى يَقْرَبُوكُمْ قُرْبًا يَصِلُ سَيْفُكُمْ إِلَيْهِمْ
وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عنه المنذري(7/233)
20
( [2665] بَاب فِي الْمُبَارَزَةِ)
قَالَ فِي الْقَامُوسِ بَرَزَ بُرُوزًا خَرَجَ إِلَى الْبِرَازِ أَيِ الْفَضَاءِ وَبَارَزَ الْقِرْنَ مُبَارَزَةً وَبِرَازًا بَرَزَ إِلَيْهِ
وَفِي اللِّسَانِ الْبَرَازُ بِالْفَتْحِ الْمَكَانُ الْفَضَاءُ مِنَ الْأَرْضِ الْبَعِيدُ الْوَاسِعُ وَإِذَا خَرَجَ الْإِنْسَانُ إِلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ قِيلَ قَدْ بَرَزَ يَبْرُزُ بُرُوزًا أَيْ خَرَجَ إِلَى الْبِرَازِ وَالْمُبَارَزَةِ فِي الْحَرْبِ
وَقَدْ تَبَارَزَ الْقِرْنَانِ وَالْقِرْنُ بِالْكَسْرِ الْكُفُؤُ وَالنَّظِيرُ فِي الشَّجَاعَةِ وَالْحَرْبِ
(عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ) بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ المكسورة قبلها مُعْجَمَةٌ (تَقَدَّمَ) أَيْ مِنَ الْكُفَّارِ (وَتَبِعَهُ ابْنُهُ) أَيِ الْوَلِيدُ (وَأَخُوهُ) أَيْ شَيْبَةُ (فَنَادَى) أَيْ عُتْبَةُ (فَانْتَدَبَ) يُقَالُ نَدَبْتُهُ فَانْتَدَبَ أَيْ دَعَوْتُهُ فَأَجَابَ
كَذَا فِي النِّهَايَةِ (لَهُ) أَيْ لِعُتْبَةَ (شَبَابٌ) جَمْعُ شَابٍّ (بَنِي عَمِّنَا) أَيِ الْقُرَشِيِّينَ من أكفائنا (قم ياعبيدة بْنَ الْحَارِثِ) بِضَمِّ الْعَيْنِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْيَاءِ وَبِفَتْحِ التَّاءِ وَضَمِّهَا فَفِي الْكَافِيَةِ الْعَلَمُ الْمَوْصُوفُ بِابْنٍ مُضَافًا إِلَى عَلَمٍ آخَرَ يُخْتَارُ فتحه وأما بن فَمَنْصُوبٌ لَا غَيْرُ (فَأَقْبَلَ حَمْزَةُ إِلَى عُتْبَةَ) أَيْ إِلَى مُحَارَبَتِهِ فَقَتَلَهُ (وَأَقْبَلْتُ إِلَى شَيْبَةَ) أَيْ فَقَتَلْتُهُ (وَاخْتُلِفَ بَيْنَ عُبَيْدَةَ وَالْوَلِيدِ ضَرْبَتَانِ) أَيْ ضَرَبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ تَعَاقُبًا (فَأَثْخَنَ) أَيْ جَرَحَ وَأَضْعَفَ (صَاحِبَهُ) أَيْ قِرْنَهُ (ثُمَّ مِلْنَا) بِكَسْرِ الْمِيمِ مِنَ الْمَيْلِ
فِي شَرْحِ السُّنَّةِ فِيهِ إِبَاحَةُ الْمُبَارَزَةِ فِي جِهَادِ الْكُفَّارِ وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي جَوَازِهَا إِذَا أَذِنَ الْإِمَامُ وَاخْتَلَفُوا فِيهَا إِذَا لَمْ تَكُنْ عَنْ إِذْنِ الْإِمَامِ فَجَوَّزَهَا جَمَاعَةٌ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ انْتَهَى
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ مَا حَاصِلُهُ إِنَّ الْحَدِيثَ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْمُبَارَزَةِ بِإِذْنِ الْإِمَامِ وَبِغَيْرِهِ لِأَنَّ مُبَارَزَةَ حَمْزَةَ وَعَلِيٍّ كَانَتْ بِالْإِذْنِ وَالْأَنْصَارُ كَانُوا قَدْ خَرَجُوا وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ إِذْنٌ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ(7/234)
201 - (بَاب فِي النَّهْيِ عَنْ الْمُثْلَةِ)
[2666] يُقَالُ مَثَّلْتُ بِالْقَتِيلِ جَدَعْتُ أَنْفَهُ أَوْ أُذُنَهُ أَوْ مَذَاكِيرَهُ أَوْ شَيْئًا مِنْ أَطْرَافِهِ وَالِاسْمُ الْمُثْلَةُ
(عَنْ شِبَاكٍ) بِكَسْرِ الشِّينِ وَتَخْفِيفِ الْمُوَحَّدَةِ ثُمَّ كَافٍ الضَّبِّيِّ الْكُوفِيِّ الْأَعْمَى ثِقَةٌ وَكَانَ يُدَلِّسُ مِنَ السَّادِسَةِ
كَذَا فِي التَّقْرِيبِ (عَنْ هُنَيٍّ) بِنُونٍ مصغرا (بن نُوَيْرَةَ) بِنُونٍ مُصَغَّرًا (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ) أَيِ بن مَسْعُودٍ (أَعَفُّ النَّاسِ قِتْلَةً) بِكَسْرِ الْقَافِ هَيْئَةُ الْقَتْلِ أَيْ أَكَفُّهُمْ وَأَرْحَمُهُمْ مَنْ لَا يَتَعَدَّى فِي هَيْئَةِ الْقَتْلِ الَّتِي لَا يَحِلُّ فِعْلُهَا مِنْ تَشْوِيهِ الْمَقْتُولِ وَإِطَالَةِ تَعْذِيبِهِ (أَهْلُ الْإِيمَانِ) لِمَا جَعَلَ اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الرَّحْمَةِ وَالشَّفَقَةِ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ بِخِلَافِ أَهْلِ الْكُفْرِ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْمُنِيرِ
وَقَوْلُهُ أَعَفُّ أَفْعَلُ التَّفْضِيلِ مِنْ عَفَّ عَفًّا وَعَفَافًا وَعِفَّةً أَيْ كَفَّ عَمَّا لَا يَحِلُّ وَلَا يَجْمُلُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وأخرجه بن مَاجَهْ
[2667] (عَنِ الْهَيَّاجِ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَالتَّحْتَانِيَّةِ الْمُشَدَّدَةِ ثُمَّ جِيمٍ مَقْبُولٌ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ (أَنَّ عمران) هو بن حُصَيْنٍ (فَجَعَلَ لِلَّهِ عَلَيْهِ) أَيْ نَذَرَ (يَحُثُّنَا) أَيْ يَحُضُّنَا وَيُرَغِّبُنَا (وَيَنْهَانَا عَنِ الْمُثْلَةِ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ الْمُثْلَةُ تَعْذِيبُ الْمَقْتُولِ بِقَطْعِ أَعْضَائِهِ وَتَشْوِيهِ خَلْقِهِ قَبْلَ أَنْ يُقْتَلَ أَوْ بَعْدَهُ وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يُجْدَعَ أَنْفُهُ أَوْ أُذُنُهُ أَوْ تُفْقَأَ عَيْنُهُ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ أَعْضَائِهِ ثُمَّ قَالَ مَا حَاصِلُهُ إِنَّ النَّهْيَ إِذَا لَمْ يُمَثِّلِ الْكَافِرُ بِالْمَقْتُولِ الْمُسْلِمِ فَإِنْ مَثَّلَ بِالْمَقْتُولِ جَازَ أَنْ يُمَثَّلَ بِهِ وَلِذَلِكَ قَطَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْدِيَ الْعُرَنِيِّينَ وَأَرْجُلَهُمْ وَسَمَلَ أَعْيُنَهُمْ وَكَانُوا فَعَلُوا ذَلِكَ بِرِعَائِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَذَلِكَ جَازَ فِي الْقِصَاصِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إِذَا كَانَ الْقَاتِلُ قَطَعَ أَعْضَاءَ الْمَقْتُولِ وَعَذَّبَهُ قَبْلَ الْقَتْلِ فَإِنَّهُ يُعَاقَبُ بِمِثْلِهِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عليكم وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ(7/235)
202 - (باب في قتال النِّسَاءِ)
[2668] (فَأَنْكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتْلَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ) فِيهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَتْلُ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ عِنْدَهُمَا بِحَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْكُوفِيُّونَ إِذَا قَاتَلَتِ المرأة جاز قتلها
وقال بن حَبِيبٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ لَا يَجُوزُ الْقَصْدُ إِلَى قَتْلِهَا إِذَا قَاتَلَتْ إِلَّا إِنْ بَاشَرَتِ الْقَتْلَ أَوْ قَصَدَتْ إِلَيْهِ كَذَا فِي النَّيْلِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ
[2669] (عَنْ جَدِّهِ رباح) بفتح الراء والموحدة (بن رَبِيعٍ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ
وَفِي التَّقْرِيبِ رَبَاحُ بْنُ الرَّبِيعِ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَالْمُوَحَّدَةِ أَخُو حَنْظَلَةَ الْكَاتِبِ وَيُقَالُ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَبِالتَّحْتَانِيَّةِ صَحَابِيٌّ لَهُ حَدِيثٌ (عَلَى امْرَأَةٍ قَتِيلٍ) أَيْ مَقْتُولَةٍ وَإِذَا ذُكِرَ الْمَوْصُوفُ يَسْتَوِي فِي الْفَعِيلِ بِمَعْنَى المفعول المذكر والمؤنث قاله القارىء (مَا كَانَتْ هَذِهِ لِتُقَاتِلَ) اللَّامُ هِيَ الدَّاخِلَةُ فِي خَبَرِ كَانَ لِتَأْكِيدِ النَّفْيِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وما كان الله ليطلعكم على الغيب (وَعَلَى الْمُقَدِّمَةِ) بِكَسْرِ الدَّالِ وَيُفْتَحُ (وَلَا عَسِيفًا) بمهملتين وفاء كأجير وزنا ومعنى
قال القارىء وَلَعَلَّ عَلَامَتَهُ أَنْ يَكُونَ بِلَا سِلَاحٍ انْتَهَى
قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا قَاتَلَتْ قُتِلَتْ أَلَا تَرَى أَنَّهُ جَعَلَ الْعِلَّةَ فِي تَحْرِيمِ قَتْلِهَا لِأَنَّهَا لَا تُقَاتِلُ فَإِذَا قَاتَلَتْ دَلَّ عَلَى جَوَازِ قَتْلِهَا وَالْعَسِيفُ الْأَجِيرُ وَالتَّابِعُ(7/236)
انتهى
قال المنذري وأخرجه النسائي وبن مَاجَهْ
وَرَبَاحٌ هَذَا بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَيُقَالُ فِيهِ بِالْيَاءِ آخِرِ الْحُرُوفِ
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ لَيْسَ فِي الصَّحَابَةِ أَحَدٌ يُقَالُ لَهُ رَبَاحٌ إِلَّا هَذَا عَلَى اخْتِلَافٍ فِيهِ أَيْضًا بِكَسْرِ الرَّاءِ
[2670] (اقْتُلُوا شُيُوخَ الْمُشْرِكِينَ وَاسْتَبْقُوا شَرْخَهُمْ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ الشَّرْخُ ها هنا جَمْعُ شَارِخٍ يُقَالُ شَارِخٌ وَشَرْخٌ كَمَا قَالُوا رَاكِبٌ وَرَكْبٌ وَصَاحِبٌ وَصَحْبٌ يُرِيدُ بِهِمُ الصِّبْيَانَ ومن يبلغ مبلغ الرجال والشيوخ ها هنا الْمَسَانُّ وَإِذَا قِيلَ شَرْخُ الشَّبَابِ كَانَ مَعْنَاهُ أَوَّلَ الشَّبَابِ
قَالَ حَسَّانُ إِنَّ شَرْخَ الشَّبَابِ والشعر الأسود مَا لَمْ يُعَاصَ كَانَ جُنُونًا وَقَالَ فِي الْمَجْمَعِ أَرَادَ بِالشُّيُوخِ الرِّجَالَ الْمَسَانَّ أَهْلَ الْجَلَدِ وَالْقُوَّةِ عَلَى الْقِتَالِ لَا الْهَرْمَى وَالشَّرْخُ صِغَارٌ لَمْ يُدْرِكُوا
وَلَا يُنَافِي حَدِيثَ لَا تَقْتُلُوا شَيْخًا فَانِيًا وَقِيلَ أَرَادَ بِالشُّيُوخِ الْهَرْمَى الَّذِينَ إِذَا سُبُوا لَمْ يُنْتَفَعْ بِهِمْ فِي الْخِدْمَةِ وَأَرَادَ بِالشَّرْخِ الشَّبَابَ أَهْلَ الْجَلَدِ وَشَرْخُ الشَّبَابِ أَوَّلُهُ وَقِيلَ نَضَارَتُهُ وَقُوَّتُهُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ حَدِيثَ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ كِتَابٌ إِلَّا حَدِيثَ الْعَقِيقَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ
[2671] (تَعْنِي بَنِي قُرَيْظَةَ هَذَا تَفْسِيرٌ لِلضَّمِيرِ الْمَجْرُورِ فِي نِسَائِهِمْ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ (بِالسُّوقِ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِالسُّيُوفِ (إِذْ هَتَفَ هَاتِفٌ) أَيْ صَاحَ صَائِحٌ وَنَادَى مُنَادٍ (قَالَتْ حَدَثٌ أَحْدَثْتُهُ(7/237)
قَالَ الْخَطَّابِيُّ يُقَالُ إِنَّهَا كَانَتْ شَتَمَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الْحَدَثُ الَّذِي أَحْدَثَتْهُ وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى وُجُوبِ قَتْلِ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ
وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى لِمَنْ سَبَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوْبَةً وَيَقْبَلُ تَوْبَةَ مَنْ ذَكَرَ اللَّهَ بِسَبٍّ أَوْ شَتْمٍ وَيَكُفُّ عَنْهُ انْتَهَى
وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ
[2672] (عَنِ الصَّعْبِ) بِفَتْحِ الصَّادِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَتَيْنِ (بْنِ جَثَّامَةَ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ الْمُثَلَّثَةِ (عَنِ الدَّارِ) أَيْ عَنْ أَهْلِ الدَّارِ
وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَهْلِ الدَّارِ قَالَ الْحَافِظُ أَيِ الْمَنْزِلُ (يُبَيَّتُونَ) بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ الْمُشَدَّدَةِ بَعْدَ الْمُوَحَّدَةِ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ أَيْ يَغَارُ عَلَيْهِمْ لَيْلًا بِحَيْثُ لَا يُعْرَفُ رَجُلٌ مِنَ امْرَأَةٍ (فَيُصَابُ) أَيْ بِالْقَتْلِ وَالْجَرْحِ (مِنْ ذَرَارِيِّهِمْ) فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ الذَّرَارِيُّ بِالتَّشْدِيدِ أَفْصَحُ وَهِيَ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ انْتَهَى
وَالْمُرَادُ هُنَا الْأَطْفَالُ وَالْوِلْدَانُ مِنَ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ (هُمْ مِنْهُمْ) أَيِ الذَّرَارِيُّ وَالنِّسَاءُ مِنْ أَهْلِ الدَّارِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ
قَالَ الْقَسْطَلَّانِيُّ لَيْسَ الْمُرَادِ إِبَاحَةَ قَتْلِهِمْ بِطَرِيقِ الْقَصْدِ إِلَيْهِمْ بَلْ إِذَا لَمْ يُوصَلْ إِلَى قَتْلِ الرِّجَالِ إِلَّا بِذَلِكَ قُتِلُوا وَإِلَّا فَلَا تُقْصَدُ الْأَطْفَالُ وَالنِّسَاءُ بِالْقَتْلِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى تَرْكِ ذَلِكَ جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ الْمُصَرِّحَةِ بِالنَّهْيِ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَمَا هُنَا انْتَهَى (وَكَانَ عَمْرٌو إِلَخْ) قَائِلُهُ سُفْيَانُ (قَالَ الزُّهْرِيُّ ثُمَّ نَهَى إِلَخْ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ كَأَنَّ الزُّهْرِيُّ أَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى نَسْخِ حَدِيثِ الصَّعْبِ انْتَهَى
وَاسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ إِنَّهُ لَا يَجُوزُ قَتْلُ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ مُطْلَقًا
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا النَّسَائِيُّ وَلَمْ يَذْكُرْ هَذِهِ الزِّيَادَةَ غَيْرُ أَبِي دَاوُدَ وَأَخْرَجَهَا الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ جَعْفَرَ الْفِرْيَابِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ عَنْ سُفْيَانَ بِلَفْظِ وَكَانَ الزُّهْرِيُّ إِذَا حَدَّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ قَالَ وَأَخْبَرَنِي بن كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ عَمِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا بَعَثَ إلى بن أَبِي الْحُقَيْقِ نَهَى عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ
وأخرجه أيضا بن حِبَّانَ مُرْسَلًا كَأَبِي دَاوُدَ كَذَا فِي النَّيْلِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وبن ماجه(7/238)
203 - (بَاب فِي كَرَاهِيَةِ حَرْقِ الْعَدُوِّ بِالنَّارِ)
[2673] (أَمَّرَهُ) من التأمير أي جعله أميرا (الأرب النَّارِ) أَيِ اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ خَبَرٌ بِمَعْنَى النَّهْيِ وَهُوَ نَسْخٌ لِأَمْرِهِ السَّابِقِ
قَالَ الْقَسْطَلَّانِيُّ قَدِ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي التَّحْرِيقِ فَكَرِهَهُ عُمَرُ وبن عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُمَا مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ بِسَبَبِ كُفْرٍ أَوْ قِصَاصًا وَأَجَازَهُ عَلِيٌّ وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ
وَقَالَ الْمُهَلَّبُ لَيْسَ هَذَا النَّهْيُ عَلَى التَّحْرِيمِ بَلْ عَلَى سَبِيلِ التَّوَاضُعِ وَقَدْ سَمَلَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَعْيُنَ الْعُرَنِيِّينَ بِالْحَدِيدِ الْمُحْمَى وَحَرَّقَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اللَّائِطَ بِالنَّارِ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِيهِ لِلْجَوَازِ فَإِنَّ قِصَّةَ الْعُرَنِيِّينَ كَانَتْ قِصَاصًا أَوْ مَنْسُوخَةً وَتَجْوِيزُ الصَّحَابِيِّ مُعَارَضٌ بِمَنْعِ صَحَابِيٍّ غَيْرِهِ انْتَهَى
وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ
[2674] (فَذَكَرَ مَعْنَاهُ) أَيْ مَعْنَى الْحَدِيثِ السَّابِقِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ
[2675] (قَالَ غَيْرُ أَبِي صَالِحٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ سَعْدٍ) أَيْ بِذِكْرِ اسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ فَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ سَعْدٍ وَأَمَّا أبو صالح فقال في روايته عن بن سَعْدٍ بِغَيْرِ ذِكْرِ اسْمِهِ (عَنْ أَبِيهِ) هُوَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ(7/239)
مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (حُمَّرَةً) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ الْمَفْتُوحَةِ وَقَدْ يُخَفَّفُ طَائِرٌ صَغِيرٌ كَالْعُصْفُورِ (مَعَهَا فَرْخَانِ) تَثْنِيَةُ الْفَرْخِ
قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْفَرْخُ وَلَدُ الطَّائِرِ (فَجَعَلَتْ تَفْرُشُ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا تُعَرِّسُ وَفِي نُسْخَةِ الْخَطَّابِيِّ تَفْرُشُ أَوْ تَعْرِشُ
قَالَ فِي اللُّمَعَاتِ بِفَتْحِ التَّاءِ وَضَمِّ الرَّاءِ مِنْ فَرَشَ الطَّائِرُ إِذَا فَرَشَ جَنَاحَيْهِ وَبِفَتْحِهَا وَتَشْدِيدِ الراء أي تفرش فحذف إحدى التائين أَيْ تَرَفْرَفَتْ بِجَنَاحَيْهَا وَتَقَرَّبَتْ مِنَ الْأَرْضِ انْتَهَى
قَالَ الْخَطَّابِيُّ قَوْلُهُ تَفْرِشُ أَوْ تَعْرِشُ مَعْنَاهُ تُرَفْرِفُ وَالتَّفْرِيشُ مَأْخُوذٌ مِنْ فَرْشِ الْجَنَاحِ وَبَسْطِهِ وَالتَّعْرِيشُ أَنْ تَرْتَفِعَ فَوْقَهُمَا وَتُظَلِّلُ عَلَيْهِمَا انْتَهَى
(مَنْ فَجَّعَ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَتَشْدِيدِ الْجِيمِ كَذَا ضُبِطَ قَالَ فِي الْقَامُوسِ فَجَعَهُ كَمَنَعَهُ أَوْجَعَهُ كَفَجَعَهُ انْتَهَى
وَقَالَ غَيْرُهُ الْفَجْعُ أَنْ يُوجَعَ الْإِنْسَانُ بِشَيْءٍ يُكْرَمُ عَلَيْهِ فَيَعْدَمُهُ يُقَالُ فُجِعَ فِي مَالِهِ وَأَهْلِهِ وَبِمَالِهِ وَأَهْلِهِ مَجْهُولًا فَهُوَ مَفْجُوعٌ وَفَجَّعَهُ بِشِدَّةِ الْجِيمِ مِثْلُ فَجَعَهُ انْتَهَى (قَرْيَةَ نَمْلٍ) أَيْ مَوْضِعَ نَمْلٍ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ تَحْرِيقَ بُيُوتِ الزَّنَابِيرِ مَكْرُوهَةٌ وَأَمَّا النَّمْلُ فَالْعُذْرُ فِيهِ أَقَلُّ وَذَلِكَ أَنَّ ضَرَرَهُ قَدْ يَزُولُ مِنْ غَيْرِ إِحْرَاقٍ قَالَ وَالنَّمْلُ عَلَى ضَرْبَيْنِ أَحَدُهُمَا مُؤْذٍ ضَرَّارٌ فَدَفْعُ عَادِيَتِهِ جَائِزٌ وَالضَّرْبُ الْآخَرُ الَّذِي لَا ضَرَرَ فِيهِ وَهُوَ الطِّوَالُ الْأَرْجُلِ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيُّ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ سَمِعَ مِنْ أَبِيهِ وَصَحَّحَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ فِي جَامِعِهِ
04 - (بَاب فِي الرَّجُلِ يَكْرِي دَابَّتَهُ عَلَى النِّصْفِ أَوْ السَّهْمِ)
[2676] (السَّيْبَانِيُّ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ التَّحْتَانِيَّةِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ وَسَيْبَانُ بَطْنٌ مِنْ حِمْيَرٍ (وَقَدْ(7/240)
خَرَجَ) الْوَاوُ لِلْحَالِ (فَطَفِقْتُ فِي الْمَدِينَةِ أُنَادِي) أَيْ أَخَذْتُ وَشَرَعْتُ فِي النِّدَاءِ (أَلَا مَنْ يَحْمِلُ رَجُلًا لَهُ) الضَّمِيرُ الْمَجْرُورُ لِمَنْ (سَهْمُهُ) أَيْ سَهْمُ الرَّجُلِ (عَقَبَةً) أَيْ رَدِيفًا (فَأَصَابَنِي قَلَائِصُ) جَمْعُ قُلُوصٍ فِي الْقَامُوسِ الْقُلُوصُ مِنَ الْإِبِلِ الشَّابَّةُ أَوِ الْبَاقِيَةُ عَلَى السَّيْرِ أَوْ أَوَّلُ مَا يُرْكَبُ مِنْ إِنَاثِهَا إِلَى أَنْ تُثْنِي ثُمَّ هِيَ نَاقَةٌ وَالنَّاقَةُ الطَّوِيلَةُ الْقَوَائِمُ خَاصٌّ بِالْإِنَاثِ
قَلَائِصُ وَقُلُصٌ وَجَمْعُ قِلَاصٍ (عَلَى حَقِيبَةٍ) فِي الْقَامُوسِ الْحَقِيبَةُ الرِّفَادَةُ فِي مُؤَخَّرِ الْقَتَبِ وَكُلُّ مَا شُدَّ فِي مُؤَخَّرِ رَحْلٍ أَوْ قَتَبٍ فَقَدِ احْتُقِبَ (فَقَالَ) أَيِ الشَّيْخُ (قَالَ) أَيْ وَاثِلَةُ (إِنَّمَا هِيَ) أَيِ الْقَلَائِصُ (فَغَيْرُ سَهْمِكَ أَرَدْنَا) قَالَ الْخَطَّابِيُّ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَنِّي لَمْ أُرِدْ سَهْمَكَ مِنَ الْمَغْنَمِ إِنَّمَا أَرَدْتُ مُشَارَكَتَكَ فِي الْأَجْرِ وَالثَّوَابِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
قَالَ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا فَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِيمَنْ يُعْطِي فَرَسَهُ عَلَى النِّصْفِ مِمَّا يَغْنَمُهُ فِي غُزَاتِهِ أَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ بِهِ بَأْسٌ
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ مَا أَرَاهُ إِلَّا جَائِزًا وَكَانَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ يَكْرَهُهُ
وَفِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ لَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَهُ فَرَسًا عَلَى سَهْمٍ مِنَ الْغَنِيمَةِ فإن فعل فله أجر مثله رُكُوبِهِ انْتَهَى
وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ(7/241)
205 - (بَاب فِي الْأَسِيرِ يُوثَقُ)
[2677] (عَجِبَ رَبُّنَا) قَالَ فِي النِّهَايَةِ أَيْ عَظُمَ ذَلِكَ عِنْدَهُ وَكَبُرَ لَدَيْهِ
أَعْلَمَ اللَّهُ أَنَّهُ إِنَّمَا يَتَعَجَّبُ الْآدَمِيُّ مِنَ الشَّيْءِ إِذَا عَظُمَ مَوْقِعُهُ عِنْدَهُ وَخَفِيَ عَلَيْهِ سَبَبُهُ فَأَخْبَرَهُمْ بِمَا يَعْرِفُونَ لِيَعْلَمُوا مَوْقِعَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ عِنْدَهُ
وَقِيلَ مَعْنَى عَجِبَ رَبُّكَ أَيْ رَضِيَ وَأَثَابَ فَسَمَّاهُ عَجَبًا مَجَازًا وَلَيْسَ بِعَجَبٍ فِي الْحَقِيقَةِ وَالْأَوَّلُ الْوَجْهُ انْتَهَى (مِنْ قَوْمٍ يُقَادُونَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ يُجَرُّونَ (فِي السَّلَاسِلِ) حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ فِي يُقَادُونَ قَالَ القارىء وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ يُؤْخَذُونَ أُسَارَى قَهْرًا وَكَرِهَا فِي السَّلَاسِلِ وَالْقُيُودِ فَيَدْخُلُونَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ يَرْزُقُهُمُ اللَّهُ الْإِيمَانَ فَيَدْخُلُونَ بِهِ الْجَنَّةَ فَأَحَلَّ الدُّخُولَ فِي الْإِسْلَامِ مَحَلَّ دُخُولِ الْجَنَّةِ لِإِفْضَائِهِ إِلَيْهِ انْتَهَى
وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ وَتَبِعَهُ الْبِرْمَاوِيُّ لَعَلَّهُمْ الْمُسْلِمُونَ الَّذِينَ هُمْ أُسَارَى فِي أَيْدِي الْكُفَّارِ فَيَمُوتُونَ أَوْ يُقْتَلُونَ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ فَيُحْشَرُونَ عَلَيْهَا وَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ كَذَلِكَ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ
[2678] (عَنْ جُنْدُبٍ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَالدَّالُ تُفْتَحُ وتضم (بن مَكِيثٍ) بِوَزْنِ فَعِيلٍ آخِرُهُ مُثَلَّثَةٌ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ (فِي سَرِيَّةٍ) هِيَ طَائِفَةٌ مِنَ الْجَيْشِ يَبْلُغُ أَقْصَاهَا أَرْبَعَمِائَةٍ تُبْعَثُ إِلَى الْعَدُوِّ وَجَمْعُهَا السَّرَايَا (وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَشُنُّوا الْغَارَةَ عَلَى بَنِي الْمُلَوِّحِ بِالْكَدِيدِ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ أَصْلُ الشَّنِّ الصَّبُّ يُقَالُ شَنَنْتُ الْمَاءَ إِذَا صَبَبْتُهُ صَبًّا مُتَفَرِّقًا وَالشِّنَانُ مَا يُفَرَّقُ مِنَ الْمَاءِ
انْتَهَى
وَقَالَ فِي فَتْحِ الْوَدُودِ الْمُلَوِّحُ بِوَزْنِ اسْمِ الْفَاعِلِ مِنَ التَّلْوِيحِ وَالْكَدِيدُ بِفَتْحِ الْكَافِ وَالْمَعْنَى أَمَرَهُمْ أَنْ يُفَرِّقُوا الْغَارَةَ عَلَيْهِمْ مِنْ جَمِيعِ جِهَاتِهِمُ انْتَهَى (حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْكَدِيدِ) فِي(7/242)
النهاية الكديد التراب الناعم إذا وطىء ثَارَ تُرَابُهُ (فَشَدَدْنَاهُ وَثَاقًا) الْوَثَاقُ مَا يُوثَقُ بِهِ الْأَسْرَى
قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى جَوَازِ الِاسْتِيثَاقِ مِنَ الْأَسِيرِ الْكَافِرِ بِالرِّبَاطِ وَالْغُلِّ وَالْقَيْدِ وَمَا يَدْخُلُ فِي مَعْنَاهَا إِنْ خِيفَ انْفِلَاتُهُ وَلَمْ يُؤْمَنْ شَرُّهُ إِنْ تُرِكَ مُطْلَقًا
انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَالصَّوَابُ غَالِبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
انْتَهَى كَلَامُ الْمُنْذِرِيِّ
[2679] (خَيْلًا) أَيْ فُرْسَانًا وَالْأَصْلُ أَنَّهُمْ كَانُوا رِجَالًا عَلَى خَيْلٍ قَالَهُ الْحَافِظُ (قِبَلَ نَجْدٍ) بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِ الْمُوَحِّدَةِ أَيْ حِذَاءَهُ وَجَانِبَهُ
وَالنَّجْدُ مَا ارْتَفَعَ مِنَ الْأَرْضِ وَهُوَ اسْمٌ خَاصٌّ لِمَا دُونَ الْحِجَازِ مِمَّا يَلِي الْعِرَاقَ
قَالَهُ فِي الْمَجْمَعِ (فجاءت) أي الخيل (ثمامة) بمثلثة مضمومة (بن أُثَالٍ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ بَعْدَهَا مُثَلَّثَةٌ خَفِيفَةٌ (بِسَارِيَةٍ) أَيِ اسْتُوَانَةٍ (مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ) أَيَ الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ (مَاذَا عِنْدَكَ) أَيْ أَيُّ شَيْءٍ عِنْدَكَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مَا اسْتِفْهَامِيَّةً وَذَا مَوْصُوَلَةً وَعِنْدَكَ صِلَةٌ أَيْ مَا الَّذِي اسْتَقَرَّ فِي ظنك أن أفعله بك (قال عندي يامحمد خَيْرٌ) أَيْ لِأَنَّكَ لَسْتَ مِمَّنْ يَظْلِمُ بَلْ مِمَّنْ يَعْفُو وَيَحْسُنُ (إِنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ وَإِنَّ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ) هَذَا تَفْصِيلٌ لِقَوْلِهِ عِنْدِي خَيْرٌ وَفِعْلُ الشَّرْطِ إِذَا كُرِّرَ فِي الْجَزَاءِ دَلَّ عَلَى فَخَامَةِ الْأَمْرِ
قَالَ النَّوَوِيُّ قَوْلُهُ ذَا دَمٍ فِيهِ وُجُوهٌ أَحَدُهَا مَعْنَاهُ إِنَّ تَقْتُلْ تَقْتُلْ صَاحِبَ دَمٍ لِدَمِهِ مَوْقِعٌ يَشْتَفِي بِقَتْلِهِ قَاتِلُهِ بِثَأْرِهِ أَيْ لِرِيَاسَتِهِ وَفَضْلِهِ وَحَذْفُ هَذَا لِأَنَّهُمْ يَفْهَمُونَهُ فِي عُرْفِهِمْ وَثَانِيهَا إِنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ مِنْ عَلَيْهِ دَمٌ مَطْلُوبٌ بِهِ وَهُوَ مُسْتَحِقٌّ عَلَيْهِ فَلَا عَتَبَ عَلَيْكَ وَثَالِثُهَا ذَا ذَمٍّ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ أَيْ ذَا ذِمَامٍ وَحُرْمَةٍ فِي قَوِّمَهْ وَرَوَاهَا بَعْضُهُمْ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ كذلك
قال الْقَاضِي وَهِيَ ضَعِيفَةٌ لِأَنَّهَا تُقْلِبُ الْمَعْنَى فَإِنَّ احْتِرَامَهُ يَمْنَعُ الْقَتْلَ
قَالَ الشَّيْخُ(7/243)
وَيُمْكِنُ تَصْحِيحُهَا بِأَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ أَيْ تَقْتُلُ رَجُلًا جَلِيلًا يَحْتَفِلُ قَاتِلُهُ بِقَتْلِهِ بِخِلَافِ مَا إِذَا قَتَلَ حَقِيرًا مَهِينًا فَإِنَّهُ لَا فَضِيلَةَ وَلَا يُدْرَكُ بِهِ قَاتِلُهُ ثَأْرَهُ
كَذَا فِي الْمُرَقَّاةِ
قُلْتُ قَوْلُهُ رَوَاهَا بَعْضُهُمْ أَيْ بَعْضُ الرُّوَاةِ وَهُوَ عِيسَى بْنُ حَمَّادٍ الْمِصْرِيُّ شَيْخُ أَبِي دَاوُدَ
وَقَوُّلَهُ كَذَلِكَ أَيْ بِلَفْظِ ذَا ذَمٍّ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ
وَذِكْرَ أَبُو دَاوُدَ رِوَايَةَ عِيسَى هَذِهِ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ (تُعْطَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (مِنْهُ) أَيٌّ مِنَ الْمَالِ وَهُوَ بَيَانٌ لِقَوْلِهِ مَا شِئْتَ (حَتَّى إِذَا كَانَ الْغَدُ) أَيُّ وَقْعَ (فَأَعَادَ مِثْلَ هَذَا الْكَلَامِ) أَيِ الْمَذْكُورِ أَيْ إِنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ إِلَخْ (حَتَّى كَانَ بَعْدَ الْغَدِ) قَالَ الطِّيبِيُّ اسْمُ كَانَ ضَمِيرٌ عَائِدٌ إِلَى مَا هُوَ مَذْكُورٌ حُكْمًا أَيْ حَتَّى كَانَ مَا هُوَ عَلَيْهِ ثُمَامَةُ بَعْدَ الْغَدِ (أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ) أَيُّ حُلُّوهُ وَخَلُّوا سَبِيلَهُ (فَانْطَلَقَ إِلَى نَخْلٍ) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ تَقْدِيرُهُ انْطَلَقَ إِلَى نَخْلٍ فيه ماء قاله النووي
وفي رواية بن خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ فَانْطَلَقَ إِلَى حَائِطِ أَبِي طلحة قاله الحافظ (قال عيسى) أي بن حماد المصري (وقال ذَا ذِمٍّ) بِكَسْرِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ أَيْ ذَا ذِمَامٍ وَحُرْمَةٍ فِي قَوْمِهِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ
[2680] (قُدِمَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ أُتِيَ (بِالْأُسَارَى) جَمْعُ أَسِيرٍ أَيْ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ (عِنْدَ آلِ عَفْرَاءَ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الْفَاءِ وَبَعْدَهَا رَاءٌ اسْمُ امْرَأَةٍ (فِي مُنَاخِهِمْ) الْمُنَاخُ بِضَمِّ الْمِيمِ مَبْرَكُ الْإِبِلِ (عَلَى عَوْفٍ وَمُعَوِّذٍ) عَلَى وَزْنِ اسْمِ الْفَاعِلِ مِنَ التَّفْعِيلِ أَيْ عِنْدَ عَوْفٍ وَمُعَوِّذٍ وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ بَدَلٌ مِنْ(7/244)
قَوْلِهَا عِنْدَ آلِ عَفْرَاءَ (ابْنَيْ عَفْرَاءَ) الْمَشْهُورُ في الروايات أن ابني عفراء الذين قَتَلَا أَبَا جَهْلٍ هُمَا مُعَاذٌ وَمُعَوِّذٌ (عَلَيْهِنَّ) أَيْ عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِذَا أَتَيْتُ) أَيْ مِنْ عِنْدِ آلِ عَفْرَاءَ إِلَى مَجْمَعِ النَّاسِ (مَجْمُوعَةٌ يَدَاهُ إِلَى عُنُقِهِ بِحَبْلٍ) هَذَا هُوَ مَوْضِعُ التَّرْجَمَةِ (انْتَدَبَا) أَيْ أَجَابَا وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ
06 - (بَاب فِي الْأَسِيرِ يُنَالُ مِنْهُ وَيُضْرَبُ)
[2681] قَالَ فِي الْقَامُوسِ نَالَ مِنْ عِرْضِهِ سَبَّهُ
(نَدَبَ أَصْحَابَهُ) أَيْ دَعَاهُمْ (فَإِذَا هُمْ) أَيِ الصَّحَابَةُ الْتَقَوْا (بِرَوَايَا قُرَيْشٍ) جَمْعُ رَاوِيَةٍ وَهِيَ الْإِبِلُ الَّتِي يُسْتَقَى عَلَيْهَا
وَأَصْلُ الرَّاوِيَةِ الْمَزَادَةُ فَقِيلَ لِلْبَعِيرِ رَاوِيَةٌ لِحَمْلِهِ الْمَزَادَةَ قَالَهُ(7/245)
الْخَطَّابِيُّ (وَهُوَ يَسْمَعُ ذَلِكَ) الْوَاوُ لِلْحَالِ (فَلَمَّا انْصَرَفَ) مِنْ صَلَاتِهِ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ انْصَرَفَ قَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَى انْصَرَفَ سَلَّمَ مِنْ صَلَاتِهِ فَفِيهِ اسْتِحْبَابُ تَخْفِيفِهَا إِذَا عَرَضَ أَمْرٌ فِي أَثْنَائِهَا انْتَهَى (هَذِهِ قُرَيْشٌ) هَذَا مَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قَدْ أَقْبَلَتْ لِتَمْنَعَ أَبَا سُفْيَانَ) أَيْ لِيَدْفَعُوا تَعَرُّضَكُمْ عَنْهُ (فَسُحِبُوا) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ جُرُّوا
فِي الْقَامُوسِ سَحَبَهُ كَمَنَعَهُ جَرَّهُ عَلَى الْأَرْضِ
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ السَّحْبُ الْجَرُّ الْعَنِيفُ (فِي قَلِيبِ بَدْرٍ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ الْقَلِيبُ الْبِئْرُ الَّتِي لَمْ تُطْوَ وَإِنَّمَا هِيَ حُفَيْرَةٌ قُلِبَ تُرَابُهَا فَسُمِّيَتْ قَلِيبًا
وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ ضَرْبِ الْأَسِيرِ الْكَافِرِ إِذَا كَانَ فِي ضَرْبِهِ طَائِلٌ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَتَمُّ مِنْهُ
07 - (بَاب فِي الْأَسِيرِ يُكْرَهُ عَلَى الْإِسْلَامِ)
[2682] (وهذا لفظه) أي لفظ بن بشار (عن شعبة) أي أشعث وبن أَبِي عَدِيٍّ وَوَهْبِ بْنِ جَرِيرٍ كُلِّهِمْ عَنْ شُعْبَةَ (مِقْلَاتًا) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْقَافِ الْمَرْأَةُ الَّتِي لَا يَعِيشُ لَهَا وَلَدٌ وَأَصْلُهُ مِنَ الْقَلْتِ وَهُوَ الْهَلَاكُ كَذَا فِي مِرْقَاةِ الصُّعُودِ (فَتَجْعَلُ عَلَى نَفْسِهَا) أَيْ تَنْذُرُ (أَنْ تُهَوِّدَهُ) بفتح أن(7/246)
مَفْعُولُ تَجْعَلُ فَإِذَا عَاشَ الْوَلَدُ جَعَلَتْهُ فِي الْيَهُودِ كَذَا فِي مَعَالِمِ التَّنْزِيلِ (فَلَمَّا أُجْلِيَتْ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ جَلَا عَنِ الْوَطَنِ يَجْلُو وَأَجْلَى يُجْلِي إِذَا خَرَجَ مُفَارِقًا وَجَلَوْتُهُ أَنَا وَأَجْلَيْتُهُ كِلَاهُمَا لَازِمٌ وَمُتَعَدٍّ (بَنُو النَّضِيرِ) قَبِيلَةٌ مِنْ يَهُودٍ (فَقَالُوا) أَيْ الْأَنْصَارُ (لَا نَدَعُ) أَيْ لَا نَتْرُكُ (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) أَيْ عَلَى الدُّخُولِ فِيهِ (قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ) أَيْ ظَهَرَ بِالْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ أَنَّ الْإِيمَانَ رُشْدٌ وَالْكُفْرُ غَيٌّ
قَالَ فِي مَعَالِمِ التَّنْزِيلِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ خُيِّرَ أَصْحَابُكُمْ فَإِنِ اخْتَارُوكُمْ فَهُمْ مِنْكُمْ وَإِنِ اخْتَارُوهُمْ فَأَجْلُوهُمْ مَعَهُمْ انْتَهَى
قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ انْتَقَلَ مِنْ كُفْرٍ وَشِرْكٍ إِلَى يَهُودِيَّةٍ أَوْ نَصْرَانِيَّةٍ قَبْلَ مَجِيءِ دِينِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ يُقَرُّ عَلَى مَا كَانَ انْتَقَلَ إِلَيْهِ وَكَانَ سَبِيلُهُ سَبِيلَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي أَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْهُ وَجَوَازِ مُنَاكَحَتِهِ وَاسْتِبَاحَةِ ذَبِيحَتِهِ فَأَمَّا مَنِ انْتَقَلَ مِنْ شِرْكٍ إِلَى يَهُودِيَّةٍ أَوْ نَصْرَانِيَّةٍ بَعْدَ وُقُوعِ نَسْخِ الْيَهُودِيَّةِ وَتَبْدِيلِ مِلَّةِ النَّصْرَانِيَّةِ فَإِنَّهُ لَا يُقَرُّ عَلَى ذَلِكَ
وَأَمَّا قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَا إكراه في الدين فَإِنَّ حُكْمَ الْآيَةِ مَقْصُورٌ عَلَى مَا نَزَلَتْ فِيهِ مِنْ قِصَّةِ الْيَهُودِ وَأَمَّا إِكْرَاهُ الْكَافِرِ عَلَى دِينِ الْحَقِّ فَوَاجِبٌ وَلِهَذَا قَاتَلْنَاهُمْ عَلَى أَنْ يُسْلِمُوا أَوْ يُؤَدُّوا الْجِزْيَةَ وَيَرْضَوْا بِحُكْمِ الدِّينِ عَلَيْهِمُ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ
08 - (بَاب قَتْلِ الْأَسِيرِ وَلَا يُعْرَضُ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ)
[2683] (زَعَمَ السُّدِّيُّ) بِضَمِّ السِّينِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ اسمه إسماعيل (امن) أي أعطاهم الأمان (وبن أَبِي سَرْحٍ) وَهَذَا رَابِعُ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ (فَذَكَرَ الْحَدِيثَ) وَلَفْظُ النَّسَائِيِّ فِي بَابِ الْحُكْمِ فِي(7/247)
الْمُرْتَدِّ آمَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ إِلَّا أَرْبَعَةَ نَفَرٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَقَالَ اقْتُلُوهُمْ وَإِنْ وَجَدْتُمُوهُمْ مُتَعَلِّقِينَ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ عِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ خَطَلٍ وَمِقْيَسَ بْنَ صُبَابَةَ وَعَبْدَ اللَّهَ بْنَ سَعْدِ بْنِ أَبِي السَّرْحِ فَأَمَّا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَطَلٍ فَأُدْرِكَ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ فَاسْتَبَقَ إِلَيْهِ سَعِيدُ بْنُ حُرَيْثٍ وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ فَسَبَقَ سَعِيدٌ عَمَّارًا وَكَانَ أَشَبَّ الرَّجُلَيْنِ فَقَتَلَهُ وَأَمَّا مِقْيَسُ بْنُ صُبَابَةَ فَأَدْرَكَهُ النَّاسُ فِي السُّوقِ فَقَتَلُوهُ وَأَمَّا عِكْرِمَةُ فَرَكِبَ الْبَحْرَ فَأَصَابَتْهُمْ عَاصِفٌ فَقَالَ أَصْحَابُ السَّفِينَةِ أَخْلِصُوا فَإِنَّ آلِهَتَكُمْ لا تغني عنكم شيئا ها هنا فَقَالَ عِكْرِمَةُ وَاللَّهِ لَئِنْ لَمْ يُنْجِنِي مِنَ الْبَحْرِ إِلَّا الْإِخْلَاصُ لَا يُنْجِينِي فِي الْبَرِّ غَيْرُهُ اللَّهُمَّ إِنَّ لَكَ عَلَيَّ عَهْدًا إِنْ أَنْتَ عَافَيْتَنِي مِمَّا أَنَا فِيهِ أَنْ آتِي مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَضَعَ يَدِي فِي يَدِهِ فَلَأَجِدَنَّهُ عَفُوًّا كَرِيمًا فَجَاءَ فَأَسْلَمَ وَأَمَّا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ فَإِنَّهُ اخْتَبَأَ الْحَدِيثُ (اخْتَبَأَ) بِهَمْزَةٍ أَيِ اخْتَفَى (فَقَالَ) عُثْمَانُ (بَايِعْ) صِيغَةُ أَمْرٍ (عَبْدَ اللَّهِ) بْنَ سَعْدِ بْنِ أَبِي السَّرْحِ (فَرَفَعَ) النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (رَأْسَهُ) الْكَرِيمَةَ (فَنَظَرَ إِلَيْهِ) أَيْ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ (ثَلَاثًا) يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَأَنْ يَكُونَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ (يَأْبَى) أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُبَايِعَ بن أَبِي سَرْحٍ (فَبَايَعَهُ بَعْدَ ثَلَاثٍ) وَعِنْدَ النَّسَائِيِّ من قول بن عَبَّاسٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ الَّذِي كَانَ عَلَى مِصْرَ كَانَ يَكْتُبُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَزَلَّهُ الشَّيْطَانُ فَلَحِقَ بِالْكُفَّارِ فَأَمَرَ بِهِ أَنْ يُقْتَلَ يَوْمَ الْفَتْحِ فَاسْتَجَارَ لَهُ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ فَأَجَارَهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى
وَفِي أُسْدِ الْغَابَةِ فَفَرَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدٍ إِلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَغَيَّبَهُ عُثْمَانُ حَتَّى أَتَى بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد ما اطْمَأَنَّ أَهْلُ مَكَّةَ فَاسْتَأْمَنَهُ لَهُ فَصَمَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَوِيلًا ثُمَّ قَالَ نَعَمْ (ثُمَّ أَقْبَلَ) النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَقَالَ) وَفِي أُسْدِ الْغَابَةِ فَلَمَّا انْصَرَفَ عُثْمَانُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ حَوْلَهُ مَا صَمَتَ إِلَّا لِيَقُومَ إِلَيْهِ بَعْضُكُمْ فَيَضْرِبَ عُنُقَهُ (رَجُلٌ رَشِيدٌ) قال الخطابي معنى الرشيد ها هنا الْفِطْنَةُ لِصَوَابِ الْحُكْمِ فِي قَتْلِهِ انْتَهَى
وَفِيهِ أَنَّ التَّوْبَةَ عَنِ الْكُفْرِ فِي حَيَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ مَوْقُوفَةً عَلَى رِضَاهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّ الَّذِي ارْتَدَّ وَآذَاهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا آمَنَ سَقَطَ قَتْلُهُ قَالَهُ السِّنْدِيُّ (أَلَا) أَيْ هَلَّا كما عند النسائي
قال بن الْأَثِيرِ وَأَسْلَمَ ذَلِكَ الْيَوْمَ فَحَسُنَ إِسْلَامُهُ وَلَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ مَا يُنْكَرُ عَلَيْهِ وَهُوَ أَحَدُ الْعُقَلَاءِ الْكُرَمَاءِ مِنْ قُرَيْشٍ ثُمَّ وَلَّاهُ عُثْمَانُ بَعْدَ ذَلِكَ مِصْرَ سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ إِفْرِيقِيَّةَ وَكَانَ فَتْحًا عَظِيمًا بَلَغَ سَهْمُ الْفَارِسِ ثَلَاثَةَ آلَافِ مِثْقَالٍ ذَهَبًا وَسَهْمُ الرَّاجِلِ أَلْفَ مِثْقَالٍ وَشَهِدَ مَعَهُ هَذَا الْفَتْحَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ انْتَهَى(7/248)
مِنْ غَايَةِ الْمَقْصُودِ مُلَخَّصًا (أَوْمَأْتَ إِلَيْنَا بِعَيْنِكِ) معناه بالفارسية جرانه اشاره فرمودي بسوىء ما يجشم خود (خَائِنَةُ الْأَعْيُنِ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَى خَائِنَةِ الْأَعْيُنِ أَنْ يُضْمِرَ بِقَلْبِهِ غَيْرَ ما يظهره للناس فإذا كف بلسانه وأومى بِعَيْنِهِ إِلَى خِلَافِ ذَلِكَ وَكَانَ ظُهُورُ تِلْكَ الْخِيَانَةِ مِنْ قِبَلِ عَيْنِهِ فَسُمِّيَتْ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ
قَالَ وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ ظَاهِرَ السُّكُوتِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الشَّيْءِ يَرَاهُ يُصْنَعُ بِحَضْرَتِهِ يَحِلُّ مَحَلَّ الرِّضَى بِهِ وَالتَّقْرِيرِ لَهُ
قَالَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي السَّرْحِ كَانَ يَكْتُبُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَارْتَدَّ عَنِ الدِّينِ فَلِذَلِكَ غَلَّظَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْثَرَ مِمَّا غَلَّظَ عَلَى غَيْرِهِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَفِي إِسْنَادِهِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّدِّيُّ وَقَدِ احْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ وَتَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ
وَفِيهِ أَيْضًا أَسْبَاطُ بْنُ نَصْرٍ وَقَدِ احْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَتَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ
[2684] (لَا أُومِنُهُمْ) أَيْ لَا أُعْطِيهِمُ الْأَمَانَ (وَقَيْنَتَيْنِ) الْقَيْنَةُ أَمَةٌ غَنَّتْ أَوْ لَمْ تُغَنِّ وَالْمَاشِطَةُ وَكَثِيرًا مَا تُطْلَقُ عَلَى الْمُغَنِّيَةِ من الإماء (لمقيس) أي بن صُبَابَةَ (فَقُتِلَتْ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (وَأُفْلِتَتْ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ أُطْلِقَتْ (لَمْ أَفْهَمْ إِسْنَادَهُ) أَيْ إِسْنَادَ هذا الحديث (من بن الْعَلَاءِ) هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ شَيْخُ أَبِي دَاوُدَ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ أَبُو جَدِّهِ وَهُوَ سَعِيدُ بْنُ يَرْبُوعَ الْمَخْزُومِيُّ كَانَ اسْمُهُ الصُّدَيَّ فَسَمَّاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَعِيدًا(7/249)
[2685] (وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَبَعْدَ الْفَاءِ الْمَفْتُوحَةِ رَاءٌ زَرْدٌ يُنْسَجُ مِنَ الدُّرُوعِ عَلَى قَدْرِ الرَّأْسِ يُلْبَسُ تَحْتَ الْقَلَنْسُوَةِ (جَاءَهُ رَجُلٌ) هُوَ أَبُو بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيُّ (فقال) أي الرجل (بن خَطَلٍ) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ آخِرُهُ لَامٌ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ أَوْ عَبْدُ الْعُزَّى (فقال اقتلوه) أي بن خطل قال الخطابي وكان بن خَطَلٍ بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَجْهٍ مَعَ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ وَأَمَّرَ الْأَنْصَارِيَّ عَلَيْهِ فَلَمَّا كَانَ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ وَثَبَ عَلَى الْأَنْصَارِيِّ فَقَتَلَهُ وَذَهَبَ بِمَالِهِ فَلَمْ يُنْفِذْ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَمَانَ وَقَتَلَهُ بِحَقِّ مَا جَنَاهُ فِي الْإِسْلَامِ
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْحَرَمَ لَا يَعْصِمُ مِنْ إِقَامَةِ حُكْمٍ وَاجِبٍ وَلَا يُؤَخِّرُهُ عَنْ وَقْتِهِ انْتَهَى (وَكَانَ أَبُو بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيُّ) وَتَقَدَّمَ مِنْ رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ حُرَيْثٍ قَتَلَهُ
وَالتَّوْفِيقُ أَنَّ كُلًّا مِنَ الثَّلَاثَةِ أَيْ سَعِيدٍ وَعَمَّارٍ وَأَبِي بَرْزَةَ قَتَلُوهُ بَعْضُهُمْ بَاشَرَ بِالْقَتْلِ وَبَعْضُهُمْ أَعَانَ عَلَى الْقَتْلِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وبن ماجه
09 - (بَاب فِي قَتْلِ الْأَسِيرِ صَبْرًا)
[2686] قَتْلُ الصَّبْرِ أَنْ يُمْسَكَ بِحَيٍّ ثُمَّ يُرْمَى بِشَيْءٍ حَتَّى يَمُوتَ وَأَصْلُ الصَّبْرِ الْحَبْسُ كَذَا فِي مُخْتَصَرِ النهاية
(أراد الضحاك بن قيس) أي بن خَالِدٍ الْفِهْرِيُّ الْأَمِيرُ الْمَشْهُورُ شَهِدَ فَتْحَ دِمَشْقَ وَتَغَلَّبَ عَلَيْهَا بَعْدَ مَوْتِ يَزِيدَ وَدَعَا إِلَى الْبَيْعَةِ وَعَسْكَرَ بِظَاهِرِهَا فَالْتَقَاهُ مَرْوَانُ بِمَرْجِ رَاهِطٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ فَقُتِلَ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ (أَنْ يَسْتَعْمِلَ مَسْرُوقًا) أَيْ أَنْ يَجْعَلَهُ عَامِلًا (فقال له عمارة بن عقبة) أي بن أَبِي مُعَيْطٍ بِمُهْمَلَتَيْنِ مُصَغَّرًا
وَعُقْبَةُ هَذَا هُوَ الْأَشْقَى الَّذِي أَلْقَى سَلَا الْجَزُورِ عَلَى ظَهْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ (مِنْ بَقَايَا قَتَلَةِ عُثْمَانَ) جَمْعُ قَاتِلٍ (وَكَانَ) أَيْ(7/250)
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ (لَمَّا أَرَادَ قَتْلَ أَبِيكَ) الْخِطَابُ لِعُمَارَةِ بْنِ عُقْبَةَ وَهَذَا هُوَ مَحَلُّ تَرْجَمَةِ الْبَابِ لِأَنَّ عُقْبَةَ قُتِلَ صَبْرًا صَرَّحَ بِهِ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ (قَالَ) أَيْ أَبُوكَ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ (مَنْ لِلصِّبْيَةِ) بِكَسْرِ الصَّادِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ جَمْعُ صَبِيٍّ وَالْمَعْنَى مَنْ يَكْفُلُ بِصِبْيَانِي وَيَتَصَدَّى لِتَرْبِيَتِهِمْ وَحِفْظِهِمْ وَأَنْتَ تَقْتُلُ كَافِلَهُمْ (قَالَ) أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (النَّارُ) يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَحَدَهُمَا أَيْ يَكُونُ النَّارُ عِبَارَةً عَنِ الضَّيَاعِ يَعْنِي إِنْ صَلَحَتِ النَّارُ أَنْ تَكُونَ كَافِلَةً فَهِيَ هِيَ وَثَانِيهُمَا أَنَّ الْجَوَابَ مِنَ الْأُسْلُوبِ الْحَكِيمِ أَيْ لَكَ النَّارُ وَالْمَعْنَى اهْتَمَّ بِشَأْنِ نَفْسِكِ وَمَا هُيِّئَ لَكَ مِنَ النَّارِ وَدَعْ عَنْكَ أَمْرَ الصِّبْيَةِ فَإِنَّ كَافِلَهُمْ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى وَهَذَا هو الوجه
ذكره الطيبي
قال القارىء وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الْوَجْهُ فَإِنَّهُ لَوْ أُرِيدَ هَذَا الْمَعْنَى لَقَالَ اللَّهُ بَدَلَ النَّارِ (فَقَدْ رَضِيتُ لَكَ إِلَخْ) كَأَنَّ مَسْرُوقًا طَعَنَ عُمَارَةَ فِي مُقَابَلَةِ طَعْنِهِ إِيَّاهُ مُكَافَأَةً لَهُ
والحديث سكت عنه المنذري
1
( [2687] باب في قتل الْأَسِيرِ بِالنَّبْلِ)
هِيَ السِّهَامُ الْعَرَبِيَّةُ وَلَا وَاحِدَ لَهَا مِنْ لَفْظِهَا وَإِنَّمَا يُقَالُ سَهْمٌ وَنَشَّابَةٌ كذا في النهاية
(عن بن تِعْلِي) بِكَسْرِ الْمُثَنَّاةِ وَإِسْكَانِ الْمُهْمَلَةِ ثُمَّ لَامٍ مَكْسُورَةٍ اسْمُهُ عُبَيْدٌ الطَّائِيُّ الْفِلَسْطِينِيُّ وَثَّقَهُ النَّسَائِيُّ (فَأُتِيَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (بِأَرْبَعَةِ أَعْلَاجٍ) جَمْعُ عِلْجٍ
قَالَ فِي مُخْتَصَرِ النِّهَايَةِ الْعِلْجُ الرَّجُلُ الْقَوِيُّ الضَّخْمُ وَالرَّجُلُ مِنْ كُفَّارِ الْعَجَمِ جَمْعُهُ أَعْلَاجٌ وَعُلُوجٌ (فَأَمَرَ) أَيْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ (فَقُتِلُوا) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (صَبْرًا) قَالَ فِي مِرْقَاةِ الصُّعُودِ الْقَتْلُ صَبْرًا هُوَ أَنْ يُمْسَكَ مِنْ ذَوَاتِ الرُّوحِ بِشَيْءٍ حَيًّا ثُمَّ يُرْمَى بِشَيْءٍ حَتَّى يَمُوتَ وَكُلُّ مَنْ قُتِلَ فِي غَيْرِ مَعْرَكَةٍ وَلَا حَرْبٍ وَلَا خَطَأٍ فَإِنَّهُ مَقْتُولٌ صَبْرًا (قَالَ بِالنَّبْلِ صَبْرًا) أَيْ قَالَ قُتِلُوا بِالنَّبْلِ صَبْرًا(7/251)
(فَبَلَغَ ذَلِكَ) أَيْ قُتِلَ الْأَعْلَاجُ صَبْرًا (فَبَلَغَ ذَلِكَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ) الْمُشَارُ إِلَيْهِ قَوْلُ أَبِي أيوب
قال المنذري بن تِعْلِي بِكَسْرِ التَّاءِ ثَالِثِ الْحُرُوفِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ
11 - (بَاب فِي الْمَنِّ عَلَى الْأَسِيرِ بِغَيْرِ فِدَاءٍ)
[2688] (هَبَطُوا) أَيْ نَزَلُوا عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ (مِنْ جِبَالِ التَّنْعِيمِ) فِي الْقَامُوسِ التَّنْعِيمُ مَوْضِعٌ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالِ أَوْ أَرْبَعَةٍ مِنْ مَكَّةَ أَقْرَبُ أَطْرَافِ الْحِلِّ إِلَى الْبَيْتِ (سَلَمًا) قَالَ النَّوَوِيُّ ضبطوه بوجهين أحدهما بفتح السين والام وَالثَّانِي بِإِسْكَانِ اللَّامِ مَعَ كَسْرِ السِّينِ وَفَتْحِهَا
قَالَ الْحُمَيْدِيُّ وَمَعْنَاهُ الصُّلْحُ
قَالَ الْقَاضِي فِي الْمَشَارِقِ هَكَذَا ضَبَطَهُ الْأَكْثَرُونَ
قَالَ فِيهِ وَفِي الشَّرْحِ الرِّوَايَةُ الْأُولَى أَظْهَرُ وَمَعْنَاهَا أَسَرَهُمْ وَالسَّلَمُ الْأَسِيرُ وَجَزَمَ الْخَطَّابِيُّ بِفَتْحِ اللَّامِ وَالسِّينِ قَالَ وَالْمُرَادُ بِهِ الِاسْتِسْلَامُ وَالْإِذْعَانُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَأَلْقَوْا إليكم السلم أَيِ الِانْقِيَادِ وَهُوَ مَصْدَرٌ يَقَعُ عَلَى الْوَاحِدِ والاثنين والجمع
قال بن الْأَثِيرِ هَذَا هُوَ الْأَشْبَهُ بِالْقِصَّةِ فَإِنَّهُمْ لَمْ يُؤْخَذُوا صُلْحًا وَإِنَّمَا أُخِذُوا قَهْرًا وَأَسْلَمُوا أَنْفُسَهُمْ عَجْزًا
قَالَ وَلِلْقَوْلِ الْآخَرِ وَجْهٌ وَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَجْرِ مَعَهُمْ قِتَالٌ بَلْ عَجَزُوا عَنْ دَفْعِهِمْ وَالنَّجَاةِ مِنْهُمْ فَرَضُوا بِالْأَسْرِ فَكَأَنَّهُمْ قَدْ صُولِحُوا عَلَى ذَلِكَ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ [2689] (ثُمَّ كَلَّمَنِي) أَيْ شَفَاعَةً (فِي هَؤُلَاءِ النَّتْنَى) جَمْعُ نَتِنٍ بِالتَّحْرِيكِ بِمَعْنَى مُنْتِنٍ كَزَمِنٍ(7/252)
وَزَمْنَى وَإِنَّمَا سَمَّاهُمْ نَتْنَى إِمَّا لِرِجْسِهِمُ الْحَاصِلِ مِنْ كُفْرِهِمْ عَلَى التَّمْثِيلِ أَوْ لِأَنَّ الْمُشَارَ إِلَيْهِ أَبْدَانُهُمْ وَجِيَفُهُمُ الْمُلْقَاةُ فِي قَلِيبِ بَدْرٍ
قاله القارىء (لَأَطْلَقْتُهُمْ لَهُ) أَيْ لَتَرَكْتُهُمْ لِأَجْلِهِ يَعْنِي بِغَيْرِ فِدَاءٍ
وَإِنَّمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَلِكَ لِأَنَّهَا كَانَتْ لِلْمُطْعِمِ عِنْدَهُ يَدٌ وَهِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ فِي جِوَارِهِ لَمَّا رَجَعَ مِنَ الطَّائِفِ وَذَبَّ الْمُشْرِكِينَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَحَبَّ أَنَّهُ إِنْ كَانَ حَيًّا فَكَافَأَهُ عَلَيْهَا بِذَلِكَ
وَالْمُطْعِمُ الْمَذْكُورُ هُوَ وَالِدُ جُبَيْرٍ الرَّاوِي لِهَذَا الْحَدِيثِ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي الْحَدِيثِ إِطْلَاقُ الْأَسِيرِ وَالْمَنُّ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ فِدَاءٍ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ
12 - (بَاب فِي فِدَاءِ الْأَسِيرِ بِالْمَالِ)
[2690] (أَنْزَلَ اللَّهُ) جَوَابُ لَمَّا (أَسْرَى) جَمْعُ أَسِيرٍ (حتى يثخن في الأرض) أَيْ يُبَالِغَ فِي قَتْلِ الْكُفَّارِ وَتَمَامُ الْآيَةِ (تريدون) أي أيها المؤمنون عرض الدنيا أَيْ حُطَامَهَا بِأَخْذِ الْفِدَاءِ (وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ) أَيْ ثَوَابَهَا بِقَتْلِهِمْ (وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ
لَوْلَا كتاب من الله سبق) أَيْ بِإِحْلَالِ الْغَنَائِمِ وَالْأَسْرَى لَكُمْ (لَمَسَّكُمْ فِيمَا أخذتم) أي من الفداء عذاب عظيم (مِنَ الْفِدَاءِ) لَيْسَ هَذَا مِنَ الْآيَةِ بَلْ هُوَ تَفْسِيرٌ وَبَيَانٌ لِمَا فِي قَوْلِهِ فِيمَا أَخَذْتُمْ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِنَحْوِهِ فِي أَثْنَاءِ الْحَدِيثِ الطَّوِيلِ (قَالَ أَبُو دَاوُدَ سَمِعْتُ إِلَخْ) هَذِهِ الْعِبَارَةُ لَيْسَتْ فِي بَعْضِ النُّسَخِ (أَيْشِ تَصْنَعُ بِاسْمِهِ) أَيْ مَا تَفْعَلُ بِاسْمِهِ
وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ أَيُّ شيء مكان أيش(7/253)
[2691] (جعل فداء أهل الْجَاهِلِيَّةِ إِلَخْ) أَيْ جَعَلَ فَدَاءَ كُلِّ رَجُلٍ مِمَّنْ يُؤْخَذُ مِنْهُ الْفِدَاءُ أَرْبَعَمِائَةِ دِرْهَمٍ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ انْتَهَى
قُلْتُ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ إِلَّا أَبَا عَنْبَسٍ وَهُوَ مَقْبُولٌ
[2692] (لَمَّا بَعَثَ أَهْلَ مَكَّةَ فِي فِدَاءِ أُسَرَائِهِمْ) جَمْعُ أَسِيرٍ وَذَلِكَ حِينَ غَلَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ فَقَتَلَ بَعْضَهُمْ وَأَسَرَ بَعْضَهُمْ وَطَلَبَ مِنْهُمُ الْفِدَاءَ (بَعَثَتْ زَيْنَبُ) أَيْ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (في فِدَاءِ أَبِي الْعَاصِ) أَيْ زَوْجِهَا (بِقِلَادَةٍ) بِكَسْرِ الْقَافِ هِيَ مَا يُجْعَلُ فِي الْعُنُقِ (كَانَتْ) أَيِ الْقِلَادَةُ (أَدْخَلَتْهَا) أَيْ أَدْخَلَتْ خَدِيجَةُ الْقِلَادَةَ (بِهَا) أَيْ مَعَ زَيْنَبَ (عَلَى أَبِي الْعَاصِ) وَالْمَعْنَى دَفَعَتْهَا إِلَيْهَا حِينَ دَخَلَ عَلَيْهَا أَبُو الْعَاصِ وَزُفَّتْ إِلَيْهِ (فَلَمَّا رَآهَا) أَيِ الْقِلَادَةَ (رَقَّ لَهَا) أَيْ لِزَيْنَبَ يَعْنِي لِغُرْبَتِهَا وَوَحْدَتِهَا وَتَذَكَّرَ عَهْدَ خَدِيجَةَ وَصُحْبَتَهَا فَإِنَّ الْقِلَادَةَ كَانَتْ لَهَا وَفِي عُنُقِهَا (قَالَ) أَيْ لِأَصْحَابِهِ (إِنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تُطْلِقُوا لَهَا) أَيْ لِزَيْنَبَ (أَسِيرَهَا) يَعْنِي زَوْجَهَا (الَّذِي لَهَا) أَيْ مَا أَرْسَلَتْ
قَالَ الطِّيبِيُّ الْمَفْعُولُ الثَّانِي لِرَأَيْتُمْ وَجَوَابُ الشَّرْطِ مَحْذُوفَانِ أَيْ إِنْ رَأَيْتُمُ الْإِطْلَاقَ وَالرَّدَّ حَسَنًا فَافْعَلُوهُمَا (قَالُوا نَعَمْ) أَيْ رَأَيْنَا ذَلِكَ (أَخَذَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى أَبِي الْعَاصِ عَهْدًا (أَنْ يُخَلِّي سَبِيلَ زَيْنَبَ إِلَيْهِ) أَيْ يُرْسِلَهَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَأْذَنَ بِالْهِجْرَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ
قَالَ الْقَاضِي وَكَانَتْ تَحْتَ أَبِي الْعَاصِ زَوْجِهَا مِنْهُ قَبْلَ الْمَبْعَثِ (كُونَا) أَيْ قِفَا (بِبَطْنِ يَأْجِجَ) بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ وَهَمْزَةٍ سَاكِنَةٍ وَجِيمٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ جِيمٍ وَهُوَ مَوْضِعٌ قَرِيبٌ مِنَ التَّنْعِيمِ وَقِيلَ مَوْضِعٌ أَمَامَ مَسْجِدِ عَائِشَةَ
وَقَالَ الْقَاضِي بَطْنُ يَأْجِجَ مِنْ بُطُونِ الْأَوْدِيَةِ الَّتِي حَوْلَ الْحَرَمِ(7/254)
وَالْبَطْنُ الْمُنْخَفِضُ مِنَ الْأَرْضِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ (حَتَّى تَمُرَّ بِكُمَا زَيْنَبُ) أَيْ مَعَ مَنْ يَصْحَبُهَا (حَتَّى تَأْتِيَا بِهَا) أَيْ إِلَى الْمَدِينَةِ
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ خُرُوجِ الْمَرْأَةِ الشَّابَّةِ الْبَالِغَةِ مَعَ غَيْرِ ذِي مَحْرَمٍ لِضَرُورَةٍ دَاعِيَةٍ لَا سَبِيلَ لَهَا إِلَّا إِلَى ذَلِكَ
كَذَا فِي الشَّرْحِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ
[2693] (قَالَ وَذَكَرَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فِي الشُّرُوطِ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ (أَنَّ مَرْوَانَ) بْنَ الْحَكَمِ (وَالْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ) قَالَ الْكَرْمَانِيُّ صَحَّ سَمَاعُ مِسْوَرٍ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (حِينَ جَاءَهُ وَفْدُ هَوَازِنَ) الْوَفْدُ الرَّسُولُ يَجِيءُ مِنْ قَوْمٍ عَلَى عَظِيمٍ وَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ وَهَوَازِنُ قَبِيلَةٌ مَشْهُورَةٌ وَكَانُوا فِي حُنَيْنٍ وَهُوَ وَادٍ وَرَاءَ عَرَفَةَ دُونَ الطَّائِفِ وَقِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ لَيَالٍ
وَغَزْوَةُ هَوَازِنَ تُسَمَّى غَزْوَةَ حُنَيْنٍ وَكَانَتِ الْغَنَائِمُ فِيهَا مِنَ السَّبْيِ وَالْأَمْوَالِ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ تُحْصَى (مُسْلِمِينَ) حَالٌ (أَنْ يَرُدَّ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ) كَذَا فِي النُّسَخِ الْحَاضِرَةِ
وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَسَبْيَهُمْ (مَعِي مَنْ تَرَوْنَ) مِنَ السَّبَايَا غَيْرَ الَّتِي قُسِّمَتْ بَيْنَ الْغَانِمِينَ
وَفِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ مِنْ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فِي تَرْجَمَةِ الْبَابِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِوَفْدِ هَوَازِنَ حِينَ سَأَلُوهُ الْمَغَانِمَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم نصيبي لكم وعند بن إِسْحَاقَ فِي الْمَغَازِي مِنْ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَّا مَا كَانَ لِي وَلِبَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَهُوَ لَكُمْ فَقَالَ الْمُهَاجِرُونَ وَمَا كَانَ لَنَا فَهُوَ لِرَسُولِ اللَّهِ وَقَالَتْ الْأَنْصَارُ وَمَا كَانَ لَنَا فَهُوَ لِرَسُولِ الله وَالْحَاصِلُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجَابَهُمْ بِرَدِّ مَا عِنْدَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مِلْكِهِ (وَأَحَبُّ الْحَدِيثِ) كَلَامٌ إِضَافِيٌّ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ هُوَ قَوْلُهُ (أَصْدَقُهُ) أَيْ أَصْدَقُ الْحَدِيثِ
فَالْكَلَامُ الصَّادِقُ وَالْوَعْدُ الصَّادِقُ أَحَبُّ إِلَيَّ فَمَا قُلْتُ لَكُمْ هُوَ كَلَامٌ صَادِقٌ وَمَا وَعَدْتُ بِكُمْ فَعَلَيَّ إِيفَاؤُهُ
وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ فِي كِتَابِ الْعِتْقِ فَقَالَ إِنَّ مَعِي مَنْ تَرَوْنَ وَأَحَبُّ الْحَدِيثِ إِلَيَّ أَصْدَقُهُ فَاخْتَارُوا إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ إِمَّا الْمَالَ وَإِمَّا السَّبْيَ وَقَدْ كُنْتُ اسْتَأْنَيْتُ بِهِمْ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَظَرَهُمْ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً حِينَ قَفَلَ مِنَ الطَّائِفِ الْحَدِيثُ
وَمَعْنَى قَوْلِهِ اسْتَأْنَيْتُ بِهِمْ أَيْ أخرت قسم السبي ليحضروا وفد هوازن فأبطأوا وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ تَرَكَ السَّبْيَ بِغَيْرِ قِسْمَةٍ وَتَوَجَّهَ إِلَى الطَّائِفِ فَحَاصَرَهَا ثُمَّ رَجَعَ عَنْهَا إِلَى الْجِعِرَّانَةِ ثُمَّ قَسَمَ الْغَنَائِمَ(7/255)
هُنَاكَ فَجَاءَهُ وَفْدُ هَوَازِنَ بَعْدَ ذَلِكَ فَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ انْتَظَرَهُمْ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً
كَذَا فِي غَايَةِ الْمَقْصُودِ مُلَخَّصًا (فَاخْتَارُوا) أَمْرٌ مِنَ الاختيار (فقام) أي خطيبا (جاؤوا تَائِبِينَ) أَيْ مِنَ الشِّرْكِ رَاجِعِينَ عَنِ الْمَعْصِيَةِ مُسْلِمِينَ مُنْقَادِينَ (قَدْ رَأَيْتُ) مِنَ الرَّأْيِ (أَنْ يُطَيِّبَ ذَلِكَ) أَيِ السَّبْيَ يَعْنِي رَدَّهُ
وَقَالَ الْقَسْطَلَّانِيُّ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ الطَّاءِ وَتَشْدِيدِ التَّحْتِيَّةِ الْمَكْسُورَةِ
قَالَ الْحَافِظُ أَيْ يُعْطِيهِ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ (عَلَى حَظِّهِ) أَيْ نَصِيبِهِ
قَالَ الْحَافِظُ أَيْ بِأَنْ يَرُدَّ السَّبْيَ بِشَرْطِ أَنْ يُعْطَى عِوَضَهَ (حَتَّى نُعْطِيَهُ إِيَّاهُ) أَيْ عِوَضَهُ (مِنْ أَوَّلِ مَا يَفِيءُ الله) من الإفاءة
والفيء ماأخذ مِنَ الْكُفَّارِ بِغَيْرِ الْحَرْبِ كَالْجِزْيَةِ وَالْخَرَاجِ (قَدْ طَيَّبْنَا) بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَسُكُونِ الْبَاءِ (ذَلِكَ) أَيِ الرَّدَّ (مَنْ أَذِنَ مِنْكُمْ مِمَّنْ لَمْ يَأْذَنْ) أَيْ لَا نَدْرِي بِطَرِيقِ الِاسْتِغْرَاقِ مَنْ رَضِيَ ذَلِكَ الرَّدَّ مِمَّنْ لَمْ يَرْضَ أَوْ مَنْ أَذِنَ لَنَا مِمَّنْ لَمْ يَأْذَنْ (عُرَفَاؤُكُمْ) أَيْ رُؤَسَاؤُكُمْ وَنُقَبَاؤُكُمْ (أَنَّهُمْ) أَيِ النَّاسَ كُلَّهُمْ قَالَهُ القارىء (وَأَذِنُوا) أَيْ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَرُدَّ السَّبْيَ إِلَيْهِمْ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مُخْتَصَرًا وَمُطَوَّلًا
[2694] (فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ) أَيِ السَّابِقَةِ (رُدُّوا عَلَيْهِمْ) أَيْ عَلَى وَفْدِ هَوَازِنَ (فَمَنْ مَسَكَ بِشَيْءٍ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ يُرِيدُ مَنْ أَمْسَكَ يُقَالُ مَسَكْتُ الشَّيْءَ وَأَمْسَكْتُهُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَفِيهِ إِضْمَارٌ وَهُوَ الرَّدُّ كَأَنَّهُ قَالَ مَنْ أَصَابَ شَيْئًا مِنْ هَذَا الْفَيْءِ فَأَمْسَكَهُ ثُمَّ رَدَّهُ (سِتَّ فَرَائِضَ) جَمْعُ فَرِيضَةٍ وَهِيَ الْبَعِيرُ الْمَأْخُوذُ فِي الزَّكَاةِ ثُمَّ اتُّسِعَ فِيهِ حَتَّى سُمِّيَ الْبَعِيرُ فِي غَيْرِ الزَّكَاةِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ (مِنْ أَوَّلِ شَيْءٍ يُفِيئُهُ اللَّهُ عَلَيْنَا) قَالَ الْخَطَّابِيُّ يُرِيدُ الْخُمْسَ مِنَ الْفَيْءِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً يُنْفِقُ مِنْهُ عَلَى أَهْلِهِ(7/256)
وَيَجْعَلُ الْبَاقِي فِي مَصَالِحِ الدِّينِ وَمَنَافِعِ الْمُسْلِمِينَ وَذَلِكَ بِمَعْنَى قَوْلِهِ إِلَّا الْخُمْسُ وَالْخُمْسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ (ثُمَّ دَنَا) أَيْ قَرُبَ (وَبَرَةً) بِفَتَحَاتٍ أَيْ شَعْرَةً (وَلَا هَذَا) يُشِيرُ إِلَى مَا أَخَذَ
قَالَ الطِّيبِيُّ وَلَا هَذَا تَأْكِيدٌ وَهُوَ إِشَارَةٌ إِلَى الْوَبَرَةِ عَلَى تَأْوِيلِ شَيْءٍ (وَرَفَعَ أُصْبُعَيْهِ) أَيْ وَقَدْ رَفَعَ إِصْبَعَيْهِ اللَّتَيْنِ أَخَذَ بِهِمَا الْوَبَرَةَ (إِلَّا الْخُمْسَ) ضُبِطَ بِالرَّفْعِ وَالنَّصْبِ فَالرَّفْعُ عَلَى الْبَدَلِ وَالنَّصْبُ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ (وَالْخُمْسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ) أَيْ مَصْرُوفٌ فِي مَصَالِحِكُمْ مِنَ السِّلَاحِ وَالْخَيْلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ (فَأَدُّوا الْخِيَاطَ) بِكَسْرِ الْخَاءِ أَيِ الْخَيْطَ أَوْ جَمْعَهُ (وَالْمِخْيَطَ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْخَاءِ هُوَ الْإِبْرَةُ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ قَلِيلَ مَا يُغْنَمُ وَكَثِيرَهُ مَقْسُومٌ بَيْنَ مَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَسْتَبِدَّ مِنْهُ بِشَيْءٍ وَإِنْ قَلَّ إِلَّا الطَّعَامَ الَّذِي قَدْ وَرَدَتْ فِيهِ الرُّخْصَةُ وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ انْتَهَى مُخْتَصَرًا (فِي يَدِهِ كُبَّةٌ) بِضَمِّ الْكَافِ وَتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ قِطْعَةٌ مكبكبة من غزل شعر (برذعة) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَقِيلَ بِالْمُعْجَمَةِ وَفِي الْقَامُوسِ إِهْمَالُ الدَّالِ أَكْثَرُ وَفِي الْمُغْرِبِ هِيَ الحلس الذي تحت رحل البعير
قاله القارىء (أَمَّا مَا كَانَ لِي وَلِبَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَهُوَ لَكَ) أَيْ أَمَّا مَا كَانَ نَصِيبِي وَنَصِيبَهُمْ فَأَحْلَلْنَاهُ لَكَ وَأَمَّا مَا بَقِيَ مِنْ أَنْصِبَاءِ الْغَانِمِينَ فَاسْتِحْلَالُهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِنْهُمْ (فَقَالَ) أَيِ الرَّجُلُ (أَمَّا إِذَا بَلَغَتْ) أَيْ وَصَلَتِ الْكُبَّةُ (مَا أَرَى) أَيْ إِلَى مَا أَرَى مِنَ التَّبِعَةِ وَالْمُضَايَقَةِ أَوْ إِلَى هَذِهِ الْغَايَةِ (فَلَا أَرَبَ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالرَّاءِ أَيْ لَا حَاجَةَ (وَنَبَذَهَا) أَيْ أَلْقَاهَا
وَأَحَادِيثُ الْبَابِ تَدُلُّ عَلَى مَا تَرْجَمَ بِهِ أَبُو دَاوُدَ قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَا مُحَصِّلُهُ إِنَّ فِي حَدِيثِ جبير وحديث بن عباس وحديث بن مَسْعُودٍ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ مُخَيَّرٌ فِي الْأُسَارَى الْبَالِغِينَ إِنْ شَاءَ مَنَّ عَلَيْهِمْ وَأَطْلَقَهُمْ مِنْ غَيْرِ فِدَاءٍ وَإِنْ شَاءَ فَادَاهُمْ بِمَالٍ مَعْلُومٍ وَإِنْ شَاءَ قَتَلَهُمْ يَفْعَلُ مَا هُوَ أَحْفَظُ لِلْإِسْلَامِ وَأَصْلَحُ لِأَمْرِ الدِّينِ
وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ إِنْ شَاءَ قَتَلَهُمْ وَإِنْ شَاءَ فَادَاهُمْ وَإِنْ شَاءَ اسْتَرَقَّهُمْ وَلَا يَمُنُّ عَلَيْهِمْ فَيُطْلِقُهُمْ بِغَيْرِ عِوَضٍ
وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْمَنَّ خَاصٌّ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُونَ غَيْرِهِ
قَالَ وَالتَّخْصِيصُ لَا يَكُونُ إِلَّا بِدَلِيلٍ
وَقَوْلُهُ تَعَالَى إذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ(7/257)
وإما فداء الْآيَةُ عَامٌّ لِجَمَاعَةِ الْأُمَّةِ كُلِّهِمْ لَيْسَ فِيهِ تَخْصِيصٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى
قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَمُنَّ عَلَى مَنْ شَاءَ مِنَ الْأُسَارَى وَيَقْتُلَ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ وَيَفْدِي مَنْ شَاءَ
وَاخْتَارَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ الْقَتْلَ عَلَى الْفِدَاءِ
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ بَلَغَنِي أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ يَعْنِي قَوْلُهُ فإما منا بعد وإما فداء نسخها قوله واقتلوهم حيث ثقفتموهم وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ قُلْتُ لِأَحْمَدَ إِذَا أُسِرَ الْأَسِيرُ يُقْتَلُ أَوْ يُفَادَى أَحَبُّ إِلَيْكَ قَالَ إِنْ قَدَرَ أَنْ يُفَادَى فَلَيْسَ بِهِ بَأْسٌ وَإِنْ قُتِلَ فَمَا أَعْلَمُ بِهِ بَأْسًا
قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْإِثْخَانُ أَحَبُّ إِلَيَّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَعْرُوفًا فَأَطْمَعُ بِهِ الْكَثِيرَ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ
13 - (بَاب فِي الْإِمَامِ يُقِيمُ عِنْدَ الظُّهُورِ عَلَى الْعَدُوِّ بِعَرْصَتِهِمْ)
[2695] بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَتَيْنِ بَيْنَهُمَا رَاءٌ أَيْ بُقْعَتِهِمُ الْوَاسِعَةِ الَّتِي لَا بِنَاءَ بِهَا مِنْ دَارٍ وَغَيْرِهَا
(أَقَامَ بِالْعَرْصَةِ) أَيْ عَرْصَةِ الْقِتَالِ وَسَاحَتِهِ مِنْ أَرْضِهِ (ثَلَاثًا) أَيْ ثَلَاثَ لَيَالٍ لِأَنَّ الثَّلَاثَ أَكْثَرُ مَا يَسْتَرِيحُ الْمُسَافِرُ فِيهَا أَوْ لِقِلَّةِ احْتِفَالِهِمْ كَأَنَّهُ يَقُولُ نَحْنُ مُقِيمُونَ فَإِنْ كَانَتْ لَكُمْ قُوَّةٌ فَهَلُمُّوا إِلَيْنَا (قَالَ أَبُو دَاوُدَ إِلَخْ) لَمْ تُوجَدْ هَذِهِ الْعِبَارَةُ إِلَى آخِرِ الْبَابِ فِي بَعْضِ النُّسَخِ (كَانَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ) هُوَ الْقَطَّانُ (لِأَنَّهُ لَيْسَ من قديم حديث سعيد) أي بن أَبِي عَرُوبَةَ الرَّاوِي عَنْ قَتَادَةَ (لِأَنَّهُ(7/258)
أَيْ سَعِيدًا (تَغَيَّرَ) أَيْ حِفْظُهُ (إِلَّا بِآخِرِهِ) أَيْ بِآخِرِ عُمُرِهِ (إِنَّ وَكِيعًا حَمَلَ عَنْهُ) أَيْ سَمِعَ الْحَدِيثَ مِنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ (فِي تَغَيُّرِهِ) أَيْ فِي زَمَانِ تَغَيُّرِهِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ
14 - (بَاب فِي التَّفْرِيقِ بَيْنَ السَّبْيِ)
[2696] (فَرَّقَ) مِنَ التَّفْرِيقِ (بَيْنَ جَارِيَةٍ وَوَلَدِهَا) أَيْ بِبَيْعِ أَحَدِهِمَا (عَنْ ذَلِكَ) أَيِ التَّفْرِيقِ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ لَمْ يَخْتَلِفْ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّ التَّفْرِيقَ بَيْنَ الْوَلَدِ الصَّغِيرِ وَوَالِدَتِهِ غَيْرُ جَائِزٍ إِلَّا أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا في الحد بين الصغير الذي لايجوز مَعَهُ التَّفْرِيقُ وَبَيْنَ الْكَبِيرِ الَّذِي يَجُوزُ مَعَهُ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ الْحَدُّ فِي ذَلِكَ الِاحْتِلَامُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إِذَا بَلَغَ سَبْعًا أَوْ ثَمَانِيًا وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ إِذَا اسْتَغْنَى عَنْ أُمِّهِ فَقَدْ خَرَجَ مِنَ الصِّغَرِ وَقَالَ مَالِكٌ إِذَا أَشْعَرَ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ لَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِوَجْهٍ وَإِنْ كَبُرَ الْوَلَدُ وَاحْتَلَمَ وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ التَّفْرِيقُ بَيْنَ الْأَخَوَيْنِ إِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا صَغِيرًا وَالْآخَرُ كَبِيرًا فَإِنْ كان صَغِيرَيْنِ جَازَ وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَإِنَّهُ يَرَى التَّفْرِيقَ بين ذوي
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه اللَّه وَرَوَى عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي لَيْلَى عَنْ عَلِيّ قَالَ قُدِمَ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْيٍ فَأَمَرَنِي بِبَيْعِ أَخَوَيْنِ فَبِعْتهمَا وَفَرَّقْت بَيْنهمَا
ثُمَّ أَتَيْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَخْبَرْته
فَقَالَ أَدْرِكْهُمَا وَارْتَجِعْهُمَا وَبِعْهُمَا جَمِيعًا وَلَا تُفَرِّق بَيْنهمَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِم وَقَالَ هُوَ صَحِيح عَلَى شَرْطهمَا وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ
وَفِي جَامِع التِّرْمِذِيّ مِنْ حَدِيث أَبِي أَيُّوب الْأَنْصَارِيّ قَالَ سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول مَنْ فَرَّقَ بَيْن الْجَارِيَة وَوَلَدهَا فَرَّقَ اللَّه بَيْنه وَبَيْن أَحِبَّته يَوْم الْقِيَامَة قَالَ التِّرْمِذِيّ حَسَن غَرِيب
وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح عَلَى شَرْط مُسْلِم وَلَمْ يُخَرِّجهُ وَلَيْسَ كَمَا قَالَهُ
فَإِنَّ إِسْنَاده حُسَيْن بْن عَبْد اللَّه وَلَمْ يُخَرَّج لَهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ
وَقَالَ أَحْمَد فِي حَدِيثه مَنَاكِير
وَقَالَ الْبُخَارِيّ فِيهِ نَظَر
وَلَفْظ التِّرْمِذِيّ فِيهِ مَنْ فَرَّقَ بَيْن وَالِدَة وَوَلَدهَا(7/259)
الْأَرْحَامِ فِي الْبَيْعِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْبَيْعِ إِذَا وَقَعَ عَلَى التَّفْرِيقِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هُوَ مَاضٍ وَإِنْ كَرِهْنَاهُ وَغَالِبُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْبَيْعَ مَرْدُودٌ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ الْبَيْعُ مَرْدُودٌ وَاحْتَجُّوا بِخَبَرِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هَذَا إِلَّا أَنَّ إِسْنَادَهُ غَيْرُ مُتَّصِلٍ كَمَا ذَكَرَهُ أبو داود انتهى مختصرا (وميمون) هو بن أَبِي شُبَيْبٍ (قُتِلَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ مَيْمُونٌ (وَالْجَمَاجِمُ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَثَمَانِينَ) كَذَا فِي عَامَّةِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا ثَلَاثٌ وَثَلَاثِينَ وَهُوَ غَلَطٌ
قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ مَيْمُونُ بْنُ أَبِي شُبَيْبٍ صَدُوقٌ كَثِيرُ الْإِرْسَالِ مِنَ الثَّالِثَةِ
مَاتَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَثَمَانِينَ فِي وَقْعَةِ الْجَمَاجِمِ
وَفِي شَرْحِ الْقَامُوسِ وَالْجُمْجُمَةُ الْقَدَحُ يُسَوَّى مِنْ خَشَبٍ وَدَيْرُ الْجَمَاجِمِ قُرْبُ الْكُوفَةِ
قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ يُعْمَلُ فِيهِ الْأَقْدَاحُ مِنْ خشب وبه كانت وقعة بن الْأَشْعَثِ مَعَ الْحَجَّاجِ بِالْعِرَاقِ (وَالْحِرَّةُ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ) قَالَ فِي تَارِيخِ الْخُلَفَاءِ وَفِي سَنَةِ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ بَلَغَهُ يَعْنِي يَزِيدَ أَنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ خَرَجُوا عَلَيْهِ وَخَلَعُوهُ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ جَيْشًا كَثِيفًا وَأَمَرَهُمْ بِقِتَالِهِمْ ثُمَّ الْمَسِيرِ إِلَى مَكَّةَ لقتال بن الزبير فجاؤوا وَكَانَتْ وَقْعَةُ الْحِرَّةِ عَلَى بَابِ طَيْبَةَ انْتَهَى
قال الإمام بن الْأَثِيرِ يَوْمُ الْحِرَّةِ يَوْمٌ مَشْهُورٌ فِي الْإِسْلَامِ أَيَّامَ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ لَمَّا انْتَهَبَ الْمَدِينَةَ عَسْكَرُهُ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ الَّذِي نَدَبَهُمْ لِقِتَالِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ مُسْلِمَ بْنَ عُقْبَةَ الْمِزِّيَّ فِي ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ وَعَقِيبَهَا هَلَكَ يَزِيدُ وَالْحِرَّةُ هَذِهِ أَرْضٌ بِظَاهِرِ الْمَدِينَةِ بِهَا حِجَارَةٌ سُودٌ كَثِيرَةٌ وَكَانَتِ الْوَقْعَةُ بِهَا
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَمَيْمُونٌ لَمْ يُدْرِكْ عَلِيًّا
وَذَكَرَ الْخَطَّابِيُّ إِسْنَادَهُ غَيْرَ مُتَّصِلٍ كَمَا ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُدَ
15 - (بَابٌ الرُّخْصَةُ فِي الْمُدْرِكِينَ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمْ)
[2697] الْمُرَادُ مِنَ الْمُدْرِكِينَ الْبَالِغُونَ
(وَأَمَّرَهُ) أَيْ أَبَا بَكْرٍ (فَزَارَةَ) قَبِيلَةٌ (فَشَنَنَّا الْغَارَةَ) شَنُّ الْغَارَةِ هُوَ إِتْيَانُ الْعَدُوِّ مِنْ جِهَاتٍ(7/260)
مُتَفَرِّقَةٍ
قَالَ فِي فَتْحِ الْوَدُودِ أَيْ فَرَّقْنَا النَّهْبَ عَلَيْهِمْ مِنْ جَمِيعِ جِهَاتِهِمْ (إِلَى عُنُقٍ مِنَ النَّاسِ) بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَالنُّونِ أَيْ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ قَالَهُ فِي مِرْقَاةِ الصُّعُودِ (فَقَامُوا) أَيْ تَوَقَّفُوا وَلَمْ يَتَيَسَّرْ لَهُمْ أَنْ يَصْعَدُوا الْجَبَلَ (وَعَلَيْهَا قِشْعٌ) بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِهَا وَسُكُونِ الشِّينِ أَيْ جِلْدٌ يَابِسٌ كَذَا فِي فَتْحِ الْوَدُودِ
وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ القشع بالفتح الفر والخلق ثُمَّ قَالَ وَيُثَلَّثُ وَالنِّطَعُ أَوْ قِطْعَةٌ مِنْ نِطَعٍ (وَمَا كَشَفْتُ لَهَا ثَوْبًا) كِنَايَةً عَنْ عَدَمِ الْجِمَاعِ (لِلَّهِ أَبُوكَ) قَالَ أَبُو الْبَقَاءِ هُوَ فِي حُكْمِ الْقَسَمِ كَذَا فِي مِرْقَاةِ الصُّعُودِ (وَفِي أَيْدِيهُمْ) أَيْ أَهْلِ مَكَّةَ (أَسْرَى) جَمْعُ أَسِيرٍ الْأَخِيذُ وَالْأَسِيرُ الْمُقَيَّدُ وَالْمَسْجُونُ جَمْعُهُ أُسَارَى وَأَسْرَى
قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْأُمِّ وَوَلَدِهَا الْكَبِيرِ خِلَافَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ
16 - (بَاب فِي الْمَالِ يُصِيبُهُ الْعَدُوُّ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ يُدْرِكُهُ)
[2698] صَاحِبُهُ فِي الْغَنِيمَةِ أَيْ هَلْ يَأْخُذُهُ لِأَنَّهُ أَحَقُّ بِهِ أَوْ يَكُونُ مِنَ الْغَنِيمَةِ
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه اللَّه وَفِي صَحِيح الْحَاكِم مِنْ حَدِيث عُبَادَةَ بْن الصَّامِت قَالَ نَهَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُفَرَّق بَيْن الْأُمّ وَوَلَدهَا فَقِيلَ يَا رَسُول اللَّه إِلَى مَتَى قَالَ حَتَّى يَبْلُغ الْغُلَام وَتَحِيض الْجَارِيَة وَقَالَ صَحِيح الْإِسْنَاد وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ(7/261)
(أَبَقَ) أَيْ هَرَبَ (فَظَهَرَ عَلَيْهِ) أَيْ غَلَبَ عَلَى الْعَدُوِّ (فَرَدَّهُ) أَيِ الْغُلَامَ
وَالْحَدِيثُ فِيهِ دَلِيلٌ لِلشَّافِعِيَّةِ وَجَمَاعَةٍ عَلَى أَنَّ أَهْلَ الْحَرْبِ لَا يَمْلِكُونَ بِالْغَلَبَةِ شَيْئًا مِنْ مَالِ الْمُسْلِمِينَ وَلِصَاحِبِهِ أَخْذُهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَبَعْدَهَا
وَعِنْدَ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَآخَرِينَ إِنْ وَجَدَهُ مَالِكُهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ وَإِنْ وَجَدَهُ بَعْدَهَا فَلَا يَأْخُذْهُ إِلَّا بِالْقِيمَةِ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ بن عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا لَكِنَّ إِسْنَادَهُ ضَعِيفٌ جِدًّا وَبِذَلِكَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَّا فِي الْآبِقِ فَقَالَ مَالِكُهُ أَحَقُّ بِهِ مُطْلَقًا قَالَهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ (وَقَالَ غَيْرُهُ) أَيْ غَيْرُ يَحْيَى بْنِ أَبِي زَائِدَةَ (رَدَّهُ عَلَيْهِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ) أَيْ مَكَانَ رَدَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بن عمر
والمراد من غيره هو بن نُمَيْرٍ وَرِوَايَتُهُ مَذْكُورَةٌ بَعْدَ هَذَا الْحَدِيثِ
وَالْحَاصِلُ أَنَّ فِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ أَبِي زَائِدَةَ أَنَّ قِصَّةَ الْعَبْدِ كَانَتْ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّ الَّذِي رَدَّهُ إلى بن عُمَرَ هُوَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَفِي رِوَايَةِ غَيْرِ يَحْيَى وَهِيَ رِوَايَةُ بن نُمَيْرٍ الْآتِيَةِ أَنَّ قِصَّتَهُ كَانَتْ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّ الَّذِي رَدَّهُ إلى بن عُمَرَ هُوَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ
وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ
[2699] (ذَهَبَ فَرَسٌ لَهُ) أَيْ نَفَرَ وَشَرَدَ إِلَى الْكُفَّارِ (فَأَخَذَهَا) أَيِ الْفَرَسَ
وَالْفَرَسُ اسْمُ جِنْسٍ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ كَمَا فِي الصِّحَاحِ وَالْقَامُوسِ (فَظَهَرَ) أَيْ غَلَبَ (عَلَيْهِمْ) أَيْ عَلَى الْعَدُوِّ وَهُوَ يُطْلَقُ عَلَى الْمُفْرَدِ وَالْجَمْعِ (فَرُدَّ) بصيغة المجهول (عليه) أي على بن عمر
قال المنذري وأخرجه البخاري وبن ماجه(7/262)
217 - (بَاب فِي عَبِيدِ الْمُشْرِكِينَ يَلْحَقُونَ بِالْمُسْلِمِينَ فَيُسْلِمُونَ)
[2700] (خَرَجَ عِبْدَانُ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَضَمِّهَا وَسُكُونِ الْبَاءِ جَمْعُ عَبْدٍ بِمَعْنَى الْمَمْلُوكِ وَجَاءَ بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَالْبَاءِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ لَكِنْ قِيلَ الرِّوَايَةُ فِي الْحَدِيثِ بِالتَّخْفِيفِ كَذَا فِي فَتْحِ الْوَدُودِ (فَكَتَبَ إِلَيْهِ) أَيْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَوَالِيهُمْ) أَيْ أَسْيَادُهُمْ (هَرَبًا) بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ خَلَاصًا (فَقَالَ نَاسٌ) أَيْ جَمْعٌ مِنَ الصَّحَابَةِ (صَدَقُوا) أَيْ مَوَالِيهُمْ (رُدَّهُمْ) أَيْ عَبِيدَهُمْ (إِلَيْهِمْ) أَيْ إِلَى مَوَالِيهُمْ (فَغَضِبَ) قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ وَإِنَّمَا غَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُمْ عَارَضُوا حُكْمَ الشَّرْعِ فِيهِمْ بِالظَّنِّ وَالتَّخْمِينِ وَشَهِدُوا لِأَوْلِيَائِهِمُ الْمُشْرِكِينَ بِمَا ادَّعَوْهُ أَنَّهُمْ خَرَجُوا هَرَبًا مِنَ الرِّقِّ لَا رَغْبَةً فِي الْإِسْلَامِ وَكَانَ حُكْمُ الشَّرْعِ فِيهِمْ أَنَّهُمْ صَارُوا بِخُرُوجِهِمْ مِنْ دِيَارِ الْحَرْبِ مُسْتَعْصِمِينَ بِعُرْوَةِ الْإِسْلَامِ أَحْرَارًا لَا يَجُوزُ رَدُّهُمْ إِلَيْهِمْ فَكَانَ مُعَاوَنَتُهُمْ لِأَوْلِيَائِهِمْ تَعَاوُنًا عَلَى الْعُدْوَانِ (مَا أُرَاكُمْ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ أي ما أظنكم وبفتح الهمزة أي ماأعلمكم (تَنْتَهُونَ) أَيْ عَنِ الْعَصَبِيَّةِ أَوْ عَنْ مِثْلِ هَذَا الْحُكْمِ وَهُوَ الرَّدُّ (عَلَى هَذَا) أَيْ عَلَى مَا ذُكِرَ مِنَ التَّعَصُّبِ أَوِ الْحُكْمِ بِالرَّدِّ (وَقَالَ هُمْ عُتَقَاءُ اللَّهِ) قَالَ الطِّيبِيُّ هَذَا عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَقَالَ مَا أُرَاكُمْ وَمَا بَيْنَهُمَا قَوْلُ الرَّاوِي مُعْتَرِضٌ عَلَى سَبِيلِ التَّأْكِيدِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ أَتَمَّ مِنْهُ وَقَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ حَدِيثِ رِبْعِيِّ عَنْ عَلِيٍّ
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّازِ لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى عَنْ عَلِيٍّ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ رِبْعِيٍّ عَنْهُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى(7/263)
218 - (بَاب فِي إِبَاحَةِ الطَّعَامِ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ)
[2701] (غَنِمُوا) بِكَسْرِ النُّونِ (طَعَامًا وَعَسَلًا) تَخْصِيصٌ بَعْدَ تَعْمِيمٍ أَوْ أَرَادَ بِالطَّعَامِ أَنْوَاعَ الْحُبُوبِ وَمَا يُؤْخَذُ مِنْهَا (فَلَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُمُ الْخُمْسُ) أَيْ فِيمَا أَكَلُوا مِنْهَا
وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ
[2702] (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ) بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالْفَاءِ بِوَزْنِ مُحَمَّدٍ (دُلِّيَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنَ التَّدْلِيَةِ أَيْ رُمِيَ (جِرَابٌ) بِكَسْرِ الْجِيمِ أَيْ وِعَاءٌ مِنْ جِلْدٍ (مِنْ شَحْمٍ) أَيْ مَمْلُوءٌ مِنْ شَحْمٍ
وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فَرَمَى إِنْسَانٌ بِجِرَابٍ فِيهِ شَحْمٌ (فَالْتَزَمْتُهُ) أَيْ عَانَقْتُهُ وَضَمَمْتُهُ إلي (لا أعطي من هذا أحد الْيَوْمَ شَيْئًا) قَالَ الطِّيبِيُّ فِي قَوْلِهِ الْيَوْمَ إِشْعَارٌ بِأَنَّهُ كَانَ مُضْطَرًّا إِلَيْهِ وَبَلَغَ الِاضْطِرَارُ إِلَى أَنْ يَسْتَأْثِرَ نَفْسَهُ عَلَى الْغَيْرِ وَلَمْ يَكُنْ مِمَّنْ قِيلَ فِيهِ وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمِنْ ثَمَّ تَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَالْتَفَتُّ) أَيْ نَظَرْتُ (يَتَبَسَّمُ إِلَيَّ) زَادَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ فِي آخِرِهِ فَقَالَ هُوَ لَكَ كَذَا فِي الْفَتْحِ
وَالْحَدِيثَانِ يَدُلَّانِ عَلَى إِبَاحَةِ الطَّعَامِ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ
قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْقَاضِي أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِ أَكْلِ طَعَامِ الْحَرْبِيِّينَ مَا دَامَ الْمُسْلِمُونَ فِي دَارِ الْحَرْبِ عَلَى قَدْرِ حَاجَتِهِمْ وَيَجُوزُ بِإِذْنِ الْإِمَامِ وَبِغَيْرِ إِذْنِهِ
وَلَمْ يَشْتَرِطْ أَحَدٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ اسْتِئْذَانَ الْإِمَامِ إِلَّا الزُّهْرِيُّ انْتَهَى
وَفِي الْحَدِيثِ جَوَازُ أَكْلِ الشُّحُومِ الَّتِي تُوجَدُ عِنْدَ الْيَهُودِ وَكَانَتْ مُحَرَّمَةً عَلَى الْيَهُودِ وَكَرِهَهَا مَالِكٌ وَرُوِيَ عَنْهُ وَعَنْ أَحْمَدَ تَحْرِيمَهُ
كَذَا فِي النَّيْلِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ(7/264)
219 - (باب في النهي عن النهبى إذا كان فِي الطَّعَامِ)
[2703] قِلَّةٌ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ قَالَ الْخَطَّابِيُّ النُّهْبَى اسْمٌ مَبْنِيٌّ عَلَى فِعْلٍ مِنَ النَّهْبِ كَالرُّغْبَى مِنَ الرَّغْبَةِ انْتَهَى
وَالْمُرَادُ بِالنُّهْبَى أَخْذُ مَالِ الْغَنِيمَةِ بِلَا تَقْسِيمٍ
(بِكَابُلَ) كَآمُلٍ مِنْ ثُغُورِ طَخَارِسْتَانَ قَالَهُ فِي الْقَامُوسِ (فَانْتَهَبُوهَا) أَيْ أَخَذُوهَا بِلَا تَقْسِيمٍ (فَقَامَ) أَيْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَمُرَةَ (يَنْهَى عَنِ النُّهْبَى) قَالَ الْخَطَّابِيُّ إِنَّمَا نَهَى عَنِ النَّهْبِ لِأَنَّ النَّاهِبَ إِنَّمَا يَأْخُذُ مَا يَأْخُذُهُ عَلَى قَدْرِ قُوَّتِهِ لَا عَلَى قَدْرِ اسْتِحْقَاقِهِ فَيُؤَدِّي ذَلِكَ إِلَى أَنْ يَأْخُذَ بَعْضُهُمْ فَوْقَ حَظِّهِ وَأَنْ يُبْخَسَ بَعْضُهُمْ حَقُّهَ وَإِنَّمَا لَهُمْ سِهَامٌ مَعْلُومَةٌ لِلْفَرَسِ سَهْمَانِ وَلِلرَّجُلِ سَهْمٌ فَإِذَا انْتَهَبُوا الْغَنِيمَةَ بَطَلَتِ الْقِسْمَةُ وَعُدِمَتِ التَّسْوِيَةُ انْتَهَى
وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ
[2704] (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مُجَالِدٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ اللَّامِ (قَالَ قُلْتُ) أَيْ لِبَعْضِ الصَّحَابَةِ (هَلْ كُنْتُمْ تُخَمِّسُونَ) مِنَ التَّخْمِيسِ (فَقَالَ) أَيْ بَعْضُ الصَّحَابَةِ
وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ(7/265)
[2705] (فَانْتَهَبُوهَا) أَيْ أَخَذُوا مِنْهَا قَبْلَ الْقِسْمَةِ (فَأَكْفَأَ قُدُورَنَا) فِي الْقَامُوسِ كَفَأَهُ كَبَّهُ وَقَلَبَهُ كَأَكْفَأَهُ (ثُمَّ جَعَلَ يُرَمِّلُ اللَّحْمَ بِالتُّرَابِ) أَيْ يُلَطِّخُهُ بِهِ
قَالَ فِي الْقَامُوسِ أَرْمَلَ الطَّعَامَ جَعَلَ فيه الرمل (إن النهبة ليسب بِأَحَلَّ مِنَ الْمَيْتَةِ) النُّهْبَةُ بِضَمِّ النُّونِ الْمَالُ الْمَنْهُوبُ وَالْمَعْنَى أَنَّ النُّهْبَةَ وَالْمَيْتَةَ كِلَاهُمَا حَرَامَانِ لَيْسَ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ فِي الْحُرْمَةِ (الشَّكُّ مِنْ هناد) هو بن السَّرِيِّ
وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ
2
( [2706] بَاب فِي حمل الطعام من أرض العدو)
(أن بن حرشف) قال الحافظ بن حَرْشَفٍ الْأَزْدِيُّ كَأَنَّهُ تَمِيمِيٌّ الَّذِي رَوَى عَنْ قَتَادَةَ وَهُوَ مَجْهُولٌ مِنَ السَّادِسَةِ (كُنَّا نَأْكُلُ الْجَزَرَ) قَالَ فِي النَّيْلِ بِفَتْحِ الْجِيمِ جَمْعُ جَزُورٍ وَهِيَ الشَّاةُ الَّتِي تُجْزَرُ أَيْ تُذْبَحُ كَذَا قِيلَ
وَفِي الْقَامُوسِ فِي مَادَّةِ جَزَرَ مَا لَفْظُهُ وَالشَّاةُ السَّمِينَةُ ثُمَّ قَالَ وَالْجَزُورُ الْبَعِيرُ أَوْ خَاصٌّ بِالنَّاقَةِ الْمَجْزُورَةِ ثُمَّ قَالَ وَمَا يُذْبَحُ مِنَ الشَّاةِ انْتَهَى
وَقَدْ قِيلَ إِنَّ الْجُزُرَ فِي الْحَدِيثِ بِضَمِّ الْجِيمِ وَالزَّايِ جَمْعُ جَزُورٍ وَهُوَ مَا تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ الْجَزُورُ وكذلك في المشكاة
قال القارىء بِفَتْحِ الْجِيمِ أَيِ الْبَعِيرُ انْتَهَى
وَفِي بَعْضِهَا كُنَّا نَأْكُلُ الْحَزَرَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالزَّايِ ثُمَّ الرَّاءِ
قَالَ فِي النِّهَايَةِ لَا تَأْخُذُوا مِنْ جَزَرَاتِ أَمْوَالِ النَّاسِ أَيْ مَا يَكُونُ قَدْ أُعِدَّ لِلْأَكْلِ وَالْمَشْهُورُ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ انْتَهَى (إِلَى رِحَالِنَا) أَيْ مَنَازِلِنَا فِي الْمَدِينَةِ وَهُوَ الظَّاهِرُ من تبويب المؤلف
وقال القارىء الْمُرَادُ مِنَ الرِّحَالِ مَنَازِلُهُمْ فِي سَفَرِ الْغَزْوِ (وَأَخْرِجَتِنَا) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ عَلَى وَزْنِ أَفْعِلَةٍ جَمْعُ خُرْجٍ بِالضَّمِّ(7/266)
وَهِيَ الْجُوَالِقُ
فِي الْقَامُوسِ الْأَخْرِجَةُ جَمْعُ الْخُرْجِ والخرج بالضم وعاء معروف قاله القارىء (مِنْهُ) أَيْ مِنَ الْجُزُرِ (مُمْلَأَةٌ) أَيْ مَلْآنَةٌ
قَالَ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا يَخْرُجُ بِهِ الْمَرْءُ مِنَ الطَّعَامِ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ فَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ يَرُدُّ مَا أَخَذَ مِنْهُ إِلَى الْإِمَامِ وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ لَهُ أَنْ يَحْمِلَهُ لِأَنَّهُ إِذَا مَلَكَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَقَدْ صَارَ لَهُ فَلَا مَعْنَى لِمَنْعِهِ مِنَ الْخُرُوجِ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْأَوْزَاعِيُّ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ إِنَّمَا لَهُ الْأَكْلُ فَقَطْ فَإِنْ بَاعَهُ وُضِعَ ثَمَنَهُ فِي مَغَانِمِ الْمُسْلِمِينَ
وَكَانَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ يُرَخِّصُ فِي الْقَلِيلِ مِنْهُ كَاللَّحْمِ وَالْخُبْزِ وَنَحْوِهِمَا قَالَ لَا بَأْسَ أَنْ يَأْكُلَ فِي أَهْلِهِ وَكَذَلِكَ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ الْقَاسِمُ تَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ
21 - (بَاب فِي بَيْعِ الطَّعَامِ إِذَا فَضَلَ عَنْ النَّاسِ)
[2707] فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ (مِنْ أَهْلِ الْأُرْدُنِّ) ضُبِطَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَضَمِّ الدَّالِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ
قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْأُرْدُنُّ بِضَمَّتَيْنِ وَشَدِّ النُّونِ النُّعَاسُ وَكُورَةٌ بِالشَّامِ مِنْهَا عُبَادَةُ بْنُ نَسِيٍّ انْتَهَى
وَفِي الْمُغْنِي فِي النَّسَبِ الْأُرْدُنِّيُّ بِمَضْمُومَةٍ وَسُكُونِ رَاءٍ وَضَمِّ دَالٍ فَنُونٍ مُشَدَّدَةٍ (عَنْ عُبَادَةَ بْنِ نَسِيٍّ) بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ النُّونِ مُخْتَلَفٌ فِي صُحْبَتِهِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ (رَابَطْنَا مَدِينَةَ قِنَّسْرِينَ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ قِنَّسْرِينُ وَقِنَّسْرُونُ بِالْكَسْرِ فِيهِمَا كُورَةٌ بِالشَّامِ وَتُكْسَرُ نُونُهُمَا انْتَهَى
وَالرِّبَاطُ الْإِقَامَةُ عَلَى جِهَادِ الْعَدُوِّ بِالْحَرْبِ كَذَا فِي مُخْتَصَرِ النِّهَايَةِ (مَعَ شُرَحْبِيلَ بْنِ السِّمْطِ) بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمِيمِ الْكِنْدِيِّ الشَّامِيِّ جَزَمَ بن سَعْدٍ بِأَنَّ لَهُ وِفَادَةً ثُمَّ شَهِدَ الْقَادِسِيَّةَ وَفَتْحَ حِمْصٍ وَعَمِلَ عَلَيْهَا لِمُعَاوِيَةَ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ (فَلَمَّا فَتَحَهَا) أَيْ مَدِينَةَ قِنَّسْرِينَ وَالضَّمِيرُ المرفوع لشرحبيل(7/267)
(فَقَسَمَ فِينَا إِلَخْ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ قَوْلُهُ قَسَمَ فِينَا طَائِفَةً أَيْ قَدْرَ الْحَاجَةِ لِلطَّعَامِ وَقَسَمَ الْبَقِيَّةَ بَيْنَهُمْ عَلَى السِّهَامِ
وَالْأَصْلُ أَنَّ الْغَنِيمَةَ مَخْمُوسَةٌ ثُمَّ الْبَاقِي بَعْدَ ذَلِكَ مَقْسُومٌ إِلَّا أَنَّ الضَّرُورَةَ لَمَّا دَعَتْ إِلَى إِبَاحَةِ الطَّعَامِ لِلْجَيْشِ وَالْعَلَفِ لِدَوَابِّهِمْ صَارَ قَدْرُ الْكِفَايَةِ مِنْهَا مُسْتَثْنًى بِبَيَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ مَرْدُودٌ إِلَى الْمَغْنَمِ انْتَهَى
وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ
22 - (بَابٌ فِي الرَّجُلِ ينتفع من الغنيمة بشيء)
[2708] (مَوْلَى تُجَيْبَ) بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ وَكَسْرِ الْجِيمِ (عَنْ حَنَشٍ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ النُّونِ الْخَفِيفَةِ بَعْدَهَا مُعْجَمَةٌ (مِنْ فَيْءِ الْمُسْلِمِينَ) أَيْ غَنِيمَتِهِمُ الْمُشْتَرَكَةِ (حَتَّى إِذَا أَعْجَفَهَا) أَيْ أَضْعَفَهَا وَأَهْزَلَهَا (رَدَّهَا فِيهِ) أَيْ فِي الْفَيْءِ (حَتَّى إِذَا أَخْلَقَهُ) بِالْقَافِ أَيْ أَبْلَاهُ وَالْإِخْلَاقُ بِالْفَارِسِيَّةِ كهنة كردن
قَالَ فِي السُّبُلِ يُؤْخَذُ مِنْهُ جَوَازُ الرُّكُوبِ وَلُبْسُ الثَّوْبِ وَإِنَّمَا يَتَوَجَّهُ النَّهْيُ إِلَى الْإِعْجَافِ وَالْإِخْلَاقِ لِلثَّوْبِ فَلَوْ رَكِبَ مِنْ غَيْرِ إِعْجَافٍ وَلَبِسَ مِنْ غَيْرِ إِخْلَاقٍ وَإِتْلَافٍ جَازَ انْتَهَى
قَالَ فِي الْفَتْحِ وَقَدِ اتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ رُكُوبِ دَوَابِّهِمْ يَعْنِي أَهْلَ الْحَرْبِ وَلُبْسِ ثِيَابِهِمْ وَاسْتِعْمَالِ سِلَاحِهِمْ حَالَ الْحَرْبِ وَرَدِّ ذَلِكَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ
وَشَرَطَ الْأَوْزَاعِيُّ فِيهِ إِذْنَ الْإِمَامِ وَعَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ كُلَّمَا فَرَغَتْ حَاجَتُهُ وَلَا يَسْتَعْمِلُهُ فِي غَيْرِ الْحَرْبِ وَلَا يَنْتَظِرُ بِرَدِّهِ انْقِضَاءَ الْحَرْبِ لِئَلَّا يُعَرِّضَهُ لِلْهَلَاكِ
قَالَ وَحُجَّتُهُ حَدِيثُ رُوَيْفِعٍ الْمَذْكُورُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ(7/268)
223 - (بَاب فِي الرُّخْصَةِ فِي السِّلَاحِ يُقَاتَلُ بِهِ في المعركة)
[2709] (حدثني أبو عبيدة) هو بن عَبْدِ اللَّهِ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ وَالْأَشْهَرُ أَنَّهُ لَا اسْمَ لَهُ غَيْرُهَا وَيُقَالُ اسْمُهُ عَامِرٌ كُوفِيٌّ ثِقَةٌ مِنْ كِبَارِ الثَّالِثَةِ وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ سَمَاعُهُ مِنْ أَبِيهِ (صَرِيعٌ) أَيْ مَقْتُولٌ (قَدْ ضُرِبَتْ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (رِجْلُهُ) حَالٌ أَوْ بَيَانٌ لِقَوْلِهِ صَرِيعٌ (قَدْ أَخْزَى اللَّهُ الْأَخِرَ) بِوَزْنِ الْكَبِدِ أَيِ الْأَبْعَدَ الْمُتَأَخِّرَ عَنِ الْخَيْرِ وَقِيلَ هُوَ بِمَعْنَى الْأَرْذَلِ وَقِيلَ بِمَعْنَى اللَّئِيمِ وَقَوْلُهُ الْأَخِرَ هُوَ مَفْعُولُ أَخْزَى الْمُرَادُ بِهِ أَبُو جَهْلٍ (قَالَ) عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ (وَلَا أَهَابُهُ) أَيْ وَلَا أَخَافُ أَبَا جَهْلٍ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ لِأَنَّهُ مَجْرُوحُ الرِّجْلِ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ
وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ قَالَ انْتَهَيْتُ إِلَى أَبِي جَهْلٍ يَوْمَ بَدْرٍ وَهُوَ صَرِيعٌ وَهُوَ يَذُبُّ النَّاسَ عَنْهُ بِسَيْفٍ لَهُ فَجَعَلْتُ أَتَنَاوَلُهُ بِسَيْفٍ لِي غَيْرَ طَائِلٍ فَأَصَبْتُ يَدَهُ فَنَدَرَ سَيْفُهُ فَأَخَذْتُهُ فَضَرَبْتُهُ حَتَّى قَتَلْتُهُ ثُمَّ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ فَنَفَّلَنِي بِسَلَبِهِ انْتَهَى (فَقَالَ أَبْعَدُ مِنْ رَجُلٍ قَتَلَهُ قَوْمُهُ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ هَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَهُوَ غَلَطٌ وَإِنَّمَا هُوَ أَعْمُدُ بِالْمِيمِ بَعْدَ الْعَيْنِ كَلِمَةٌ لِلْعَرَبِ مَعْنَاهَا كَأَنَّهُ يَقُولُ هَلْ زَادَ عَلَى رَجُلٍ قَتَلَهُ قَوْمُهُ يَهُونُ عَلَى نَفْسِهِ مَا حَلَّ بِهَا مِنْ هَلَاكٍ حَكَاهَا أَبُو عُبَيْدٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ مَعْمَرِ بْنِ الْمُثَنَّى وَأَنْشَدَ لِابْنِ مَيَّادَةَ وَأَعْمَدُ مِنْ قَوْمٍ كَفَاهُمْ أَخُوهُمْ صِدَامَ الْأَعَادِي حِينَ فَلَّتْ بُيُوتَهَا يَقُولُ هَلْ زَادَنَا عَلَى أَنْ كَفَيْنَا إِخْوَانَنَا انْتَهَى
وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ فِي مَادَّةِ بَعُدَ أَيْ أَنْهَى وَأَبْلَغَ لِأَنَّ الشَّيْءَ الْمُتَنَاهِيَ فِي نَوْعِهِ يُقَالُ قَدْ أَبْعَدَ فِيهِ وَهَذَا أَمْرٌ بَعِيدٌ أَيْ لَا يَقَعُ مِثْلُهُ لِعِظَمِهِ يُرِيدُ أَنَّكَ اسْتَبْعَدْتَ قَتْلِي وَاسْتَعْظَمْتَ شَأْنِي فَهَلْ هُوَ أَبْعَدُ مِنْ رَجُلٍ قَتَلَهُ قَوْمُهُ وَالصَّحِيحُ رِوَايَةُ أَعْمُد بِمِيمٍ انْتَهَى
وَقَالَ فِي مَادَّةِ عَمَدَ أَيْ هَلْ زَادَ عَلَى رَجُلٍ قَتَلَهُ قَوْمُهُ وَهَلْ كَانَ إِلَّا هَذَا أَيْ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ بِعَارٍ
وَقِيلَ أَعْمَدُ بِمَعْنَى أَعْجَبُ أَيْ أَعْجَبُ مِنْ رَجُلٍ قَتَلَهُ قَوْمُهُ
وَقِيلَ أَعْمَدُ بِمَعْنَى أَغْضَبُ مِنْ قَوْلِهِمْ عَمِدَ عَلَيْهِ إِذَا غَضِبَ وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَتَوَجَّعُ وَأَشْتَكِي مِنْ قَوْلِهِمْ عَمَدَنِي(7/269)
الْأَمْرُ فَعُمِدْتُ أَيْ أَوْجَعَنِي فَوُجِعْتُ
وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ كُلِّهِ أَنْ يَهُونَ عَلَى نَفْسِهِ مَا حَلَّ بِهِ مِنَ الْهَلَاكِ وَأَنَّهُ لَيْسَ بِعَارٍ عَلَيْهِ أَنْ يَقْتُلَهُ قَوْمُهُ (بِسَيْفٍ غَيْرِ طَائِلٍ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ أَيْ غَيْرِ مَاضٍ وَأَصْلُ الطَّائِلِ النَّفْعُ وَالْفَائِدَةُ انْتَهَى
وَفِي النِّهَايَةِ أَيْ غَيْرِ مَاضٍ وَلَا قَاطِعٍ كَأَنَّهُ كَانَ سَيْفًا دُونًا بَيْنَ السُّيُوفِ وَكَفَنٍّ غَيْرِ طَائِلٍ أَيْ غَيْرِ رَفِيعٍ وَلَا نَفِيسٍ (فَلَمْ يَغْنِ) مِنْ بَابِ ضَرَبَ أَيْ لَمْ يَصْرِفْ وَلَمْ يَكُفَّ أَبُو جَهْلٍ عَنْ نَفْسِهِ (شَيْئًا) مِنْ وَقْعَةِ السَّيْفِ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ ضَرَبْتُهُ بِسَيْفٍ غَيْرِ قَاطِعٍ قَالَ فِي النِّهَايَةِ أَغْنِ عَنِّي شَرَّكَ أَيِ اصْرِفْهُ وَكُفَّهُ
وَفِي حَدِيثِ عُثْمَانَ أَنَّ عَلِيًّا بُعِثَ إِلَيْهِ بِصَحِيفَةٍ فَقَالَ لِلرَّسُولِ أَغْنِهَا عَنَّا أَيِ اصرفها وكفها
ومنه قول بن مَسْعُودٍ وَأَنَا لَا أُغْنِي لَوْ كَانَتْ لِي مَنَعَةٌ أَيْ لَوْ كَانَ مَعِي مَنْ يَمْنَعُنِي لَكَفَيْتُ شَرَّهُمْ وَصَرَفْتُهُمْ انْتَهَى (فَضَرَبْتُهُ بِهِ) أَيْ بِسَيْفِهِ (حَتَّى بَرَدَ) أَيْ مَاتَ
وَأَصْلُ الْكَلِمَةِ مِنَ الثُّبُوتِ يُرِيدُ سُكُونَ الْمَوْتِ وَعَدَمَ حَرَكَةِ الْحَيَاةِ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بَرَدَ لِي عَلَى فُلَانٍ حَقٌّ أَيْ ثَبَتَ وَفِيهِ أَنَّهُ قَدْ اسْتَعْمَلَ سِلَاحَهُ فِي قَتْلِهِ وَانْتَفَعَ بِهِ قَبْلَ الْقَسْمِ قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مُخْتَصَرًا وَأَبُو عُبَيْدَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ
24 - (بَاب فِي تَعْظِيمِ الْغُلُولِ)
[2710] (فَذَكَرُوا ذَلِكَ) أَيْ خَبَرَ مَوْتِهِ (صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ) وَالْمَعْنَى أَنَا لَا أُصَلِّي عَلَيْهِ (لِذَلِكَ) أَيْ لِامْتِنَاعِهِ مِنَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ حَيْثُ لَمْ يَعْرِفُوا سَبَبَهُ (خَرَزًا) بِفَتْحَتَيْنِ مَا يَنْتَظِمُ مِنْ جَوْهَرٍ وَلُؤْلُؤٍ وَغَيْرِهِمَا
قال المنذري وأخرجه بن ماجه(7/270)
[2711] (وَالْأَمْوَالَ) يَعْنِي الْمَوَاشِيَ وَالْعَقَارَ وَالْأَرْضَ وَالنَّخِيلَ (فَوَجَّهَ) مِنَ التَّفْعِيلِ بِمَعْنَى تَوَجَّهَ أَيْ أَقْبَلَ وَقَصَدَ (وَقَدْ أُهْدِيَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (يُقَالُ لَهُ مِدْعَمٌ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الدَّالِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ أَهْدَاهُ رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ (يَحُطُّ رَحْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ يَضَعُهُ عَنْ ظَهْرِ مَرْكُوبِهِ (كَلَّا) لِلرَّدْعِ أَيْ لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا تَظُنُّونَ (إِنَّ الشَّمْلَةَ) وَهِيَ كِسَاءٌ يَشْتَمِلُ بِهِ الرَّجُلُ (لَمْ تُصِبْهَا الْمَقَاسِمُ) قَالَ بن الْمَلَكِ الْجُمْلَةُ حَالٌ مِنْ مَنْصُوبِ أَخَذَهَا أَيْ غَيْرُ مَقْسُومَةٍ أَيْ أَخَذَهَا قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَكَانَ غُلُولًا لِأَنَّهَا كَانَتْ مُشْتَرَكَةً بَيْنَ الْغَانِمِينَ (ذَلِكَ) أَيِ الْوَعِيدَ الشَّدِيدَ (بِشِرَاكٍ) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ أَحَدُ سُيُورِ النَّعْلِ الَّتِي تَكُونُ عَلَى وَجْهِهَا
ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ (أَوْ شِرَاكَيْنِ) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي (شِرَاكٌ مِنْ نَارٍ أَوْ شِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ) قَالَ فِي فَتْحِ الْوَدُودِ أَيْ لَوْلَا رَدَدْتُ أَوْ لِأَنَّهُ رَدَّ فِي وَقْتٍ مَا يُمْكِنُ قِسْمَتُهُ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ
وَالشِّرَاكُ بِكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ أَحَدُ سُيُورِ النَّعْلِ الَّتِي تَكُونُ عَلَى وَجْهِهَا
25 - (بَاب فِي الْغُلُولِ إِذَا كَانَ يَسِيرًا يَتْرُكُهُ الْإِمَامُ)
[2712] وَلَا يُحَرِّقُ رَحْلَهُ (فَيَجِيئُونَ بِغَنَائِمِهِمْ) الْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ أَيْ يُحْضِرُونَهَا (فَيَخْمُسُهُ) مِنْ بَابِ نَصَرَ كَذَا فِي فتح(7/271)
الودود
وقال القارىء بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ وَتُخَفَّفُ
وَالضَّمِيرُ الْمَنْصُوبُ لِمَا يَجِيئُونَ بِهِ (بَعْدَ ذَلِكَ) أَيْ بَعْدَ التَّخْمِيسِ (بِزِمَامٍ) بِكَسْرِ الزَّايِ أَيْ بِخِطَامٍ (مِنْ شَعَرٍ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَيُسَكَّنُ (ثَلَاثًا) أَيْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فِي يَوْمٍ أَوْ أَيَّامٍ (فَاعْتَذَرَ إِلَيْهِ) أَيْ لِلتَّأْخِيرِ اعْتِذَارًا غَيْرَ مَسْمُوعٍ (كُنْ أَنْتَ تَجِيءُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) قَالَ الطِّيبِيُّ وَالْأَنْسَبُ أَنْ يَكُونَ أَنْتَ مُبْتَدَأٌ وَتَجِيءُ خَبَرُهُ وَالْجُمْلَةُ خَبَرُ كَانَ وَقُدِّمَ الْفَاعِلُ الْمَعْنَوِيُّ لِلتَّخْصِيصِ أَيْ أَنْتَ تَجِيءُ بِهِ لَا غَيْرُكَ (فَلَنْ أَقْبَلَهُ عَنْكَ) قَالَ الطِّيبِيُّ هَذَا وَارِدٌ عَلَى سَبِيلِ التَّغْلِيظِ لَا أَنَّ تَوْبَتَهُ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ وَلَا أَنَّ رَدَّ الْمَظَالِمِ عَلَى أَهْلِهَا أَوِ الِاسْتِحْلَالُ مِنْهُمْ غَيْرُ مُمْكِنٍ انْتَهَى
وَقَالَ الْمُظْهِرُ وَإِنَّمَا لَمْ يَقْبَلْ ذَلِكَ مِنْهُ لِأَنَّ جَمِيعَ الْغَانِمِينَ فِيهِ شَرِكَةٌ وَقَدْ تَفَرَّقُوا وَتَعَذَّرَ إِيصَالُ نَصِيبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِنْهُ إِلَيْهِ فَتَرَكَهُ فِي يَدِهِ لِيَكُونَ إِثْمُهُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ هُوَ الْغَاصِبُ
كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ كَانَ هَذَا فِي الْيَسِيرِ فَمَا الظَّنُّ بِمَا فَوْقَهُ
26 - (بَاب فِي عُقُوبَةِ الْغَالِّ)
[2713] (قَالَ النُّفَيْلِيُّ الْأَنْدَرَاوَرْدِيُّ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ النُّونِ وَفَتْحِ الدَّالِ الْأُولَى وَتُفْتَحُ الْوَاوُ بَعْدَ الْأَلِفِ كَذَا ضُبِطَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ أَيْ قَالَ النُّفَيْلِيُّ فِي رِوَايَتِهِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَنْدَرَاوَرْدِيُّ بِذِكْرِ نَسَبِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَلَمْ يَذْكُرُهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ
وَذَكَرَ نَسَبَهُ فِي التَّقْرِيبِ وَالْخُلَاصَةِ بِلَفْظِ الدَّرَاوَرْدِيِّ (قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَصَالِحٌ هَذَا أَبُو وَاقِدٍ) أَيْ كُنْيَتُهُ صَالِحُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَائِدَةَ أَبُو وَاقِدٍ (فَأُتِيَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (فَسَأَلَ) أَيْ مسلمة (سالما) أي بن
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه اللَّه وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو عُمَر بْن عَبْد الْبَرّ هَذَا الْحَدِيث وَزَادَ فِيهِ وَاضْرِبُوا عُنُقه بَدَل وَاضْرِبُوهُ قَالَ عَبْد الْحَقّ هَذَا حَدِيث يَدُور عَلَى صَالِح بْن مُحَمَّد وَهُوَ مُنْكَر الْحَدِيث ضَعِيفه لَا يُحْتَجّ بِهِ ضَعَّفَهُ الْبُخَارِيّ وغيره
انتهى(7/272)
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (عَنْهُ) أَيْ عَنْ حُكْمِ الرَّجُلِ الْغَالِّ (فَقَالَ) أَيْ سَالِمٌ (سَمِعْتُ أَبِي) أَيْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ (مُصْحَفًا) أَيْ قُرْآنًا
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَقَدْ أَخَذَ بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ وَهُوَ قَوْلُ مَكْحُولٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَعَنِ الْحَسَنِ يُحَرَّقُ مَتَاعُهُ كُلُّهُ إِلَّا الْحَيَوَانَ وَالْمُصْحَفَ وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ لَوْ صَحَّ الْحَدِيثُ لَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ حِينَ كَانَتِ الْعُقُوبَةُ بِالْمَالِ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَقَالَ سَأَلْتُ مُحَمَّدًا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ إِنَّمَا رَوَى هَذَا صَالِحُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَائِدَةَ وَهُوَ أَبُو وَاقِدٍ اللَّيْثِيُّ وَهُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ
وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَعْنِي الْبُخَارِيَّ وَقَدْ رَوَى فِي غَيْرِ حَدِيثٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْغَالِّ فَأَمَرَ فِيهِ بِحَرْقِ مَتَاعِهِ
هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ
وَصَالِحُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَائِدَةَ تَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ وَقَدْ قِيلَ إِنَّهُ تَفَرَّدَ بِهِ
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ وَعَامَّةُ أَصْحَابِنَا يَحْتَجُّونَ بِهَذَا فِي الْغُلُولِ وَهُوَ بَاطِلٌ لَيْسَ بِشَيْءٍ
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ أَنْكَرُوا هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى صَالِحِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ وَهَذَا حَدِيثٌ لَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهِ وَلَا أَصْلَ لِهَذَا الْحَدِيثِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
[2714] (مع الوليد بن هشام) أي بن عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ (وَطِيفَ بِهِ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنَ الطَّوَافِ (هَذَا أَصَحُّ الْحَدِيثَيْنِ) الْمَعْنَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ الْمَوْقُوفَ أَصَحُّ مِنَ الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ الَّذِي قَبْلَهُ (وَضَرَبَهُ) عَطْفٌ عَلَى أَحْرَقَ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ قَالَ أَبُو دَاوُدَ هَذَا أَصَحُّ الْحَدِيثَيْنِ إِلَخْ(7/273)
[2715] (حَرَّقُوا) بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ بِمَعْنَى أَحْرَقُوا (قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَزَادَ فِيهِ) أَيْ فِي الْحَدِيثِ (عَلِيُّ بْنُ بَحْرٍ) فَاعِلُ زَادَ (وَلَمْ أَسْمَعْهُ) أَيِ الحديث أو مازاد (مِنْهُ) أَيْ مِنْ عَلِيِّ بْنِ بَحْرٍ (وَمَنَعُوهُ سَهْمُهُ) مَفْعُولُ زَادَ أَيْ لَمْ يُعْطُوا الْغَالَّ سَهْمَهُ
وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ
(وَحَدَّثَنَا بِهِ) أَيْ بِحَدِيثِ إِحْرَاقِ مَتَاعِ الْغَالِّ (قَالَ حَدَّثَنَا الوليد) أي بن مُسْلِمٍ (عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ قَوْلَهَ) أَيْ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ (لَمْ يَذْكُرْ) أَيْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْمَوْقُوفِ (عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ نَجْدَةَ) بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْجِيمِ (الْحَوْطِيُّ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْوَاوِ (مَنْعَ سَهْمِهِ) مَفْعُولَ لَمْ يَذْكُرْ أَيْ لَمْ يَذْكُرْ عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْمَوْقُوفِ مَنْعَ سَهْمِ الْغَالِّ كَمَا ذَكَرَهُ عَلِيُّ بْنُ بَحْرٍ عَنِ الْوَلِيدِ فِي الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ الْمُتَقَدِّمِ بِلَفْظِ وَمَنَعُوهُ سَهْمَهُ وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ
27 - (بَاب النَّهْيِ عَنْ السَّتْرِ عَلَى مَنْ غَلَّ)
[2716] (مَنْ كَتَمَ غَالًّا) أَيْ سَتَرَ غَلُولَ غَالٍّ وَلَمْ يُظْهِرْهُ عِنْدَ الْأَمِيرِ فَهُوَ مِثْلُ الْغَالِّ فِي الْإِثْمِ وَالْعُقُوبَةِ
وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عنه المنذري
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه اللَّه وَعِلَّة هَذَا الْحَدِيث أَنَّهُ مِنْ رِوَايَة زُهَيْر بْن مُحَمَّد عَنْ عَمْرو بْن شُعَيْب وَزُهَيْر هَذَا ضَعِيف
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَزُهَيْر هَذَا يُقَال هُوَ مَجْهُول وَلَيْسَ بِالْمَكِّيِّ وَقَدْ رَوَاهُ أيضا مرسلا(7/274)
228 - (بَاب فِي السَّلَبِ يُعْطَى الْقَاتِلَ)
[2717] السَّلَبُ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَاللَّامِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ هُوَ مَا يُوجَدُ مَعَ الْمُحَارِبِ مِنْ مَلْبُوسٍ وَغَيْرِهِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ
وَعَنْ أَحْمَدَ لَا تَدْخُلُ الدَّابَّةُ
وَعَنِ الشَّافِعِيِّ يَخْتَصُّ بِأَدَاةِ الْحَرْبِ
قَالَهُ الْحَافِظُ
(فِي عَامِ حُنَيْنٍ) بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالنُّونِ مَصْرُوفًا بِوَزْنِ زُبَيْرٍ وَادٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ وَكَانَ فِي السَّنَةِ الثَّامِنَةِ (فَلَمَّا الْتَقَيْنَا) أَيْ نَحْنُ وَالْمُشْرِكُونَ (جَوْلَةٌ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْوَاوِ أَيْ تَقَدُّمٌ وَتَأَخُّرٌ وَعَبَّرَ بِذَلِكَ احْتِرَازًا عَنْ لَفْظِ الْهَزِيمَةِ وَكَانَتْ هَذِهِ الْجَوْلَةُ فِي بَعْضِ الْجَيْشِ لَا فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ حَوْلَهُ قَالَهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ
وَقَالَ السُّيُوطِيُّ أَيْ غَلَبَهُ مِنْ جَالَ فِي الْحَرْبِ عَلَى قِرْنِهِ يَجُولُ انْتَهَى
(قَدْ عَلَا رَجُلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ) أَيْ ظَهَرَ عَلَيْهِ وَأَشْرَفَ عَلَى قَتْلِهِ أَوْ صَرَعَهُ وَجَلَسَ عَلَيْهِ (فَاسْتَدَرْتُ) مِنَ اسْتَدَارَ بمعنى دار من الدور (عل حَبْلِ عَاتِقِهِ) بِكَسْرِ الْفَوْقِيَّةِ وَهُوَ مَا بَيْنَ الْعُنُقِ وَالْكَتِفِ وَفِي إِرْشَادِ السَّارِي بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ عِرْقٌ أَوْ عَصَبٌ عِنْدَ مَوْضِعِ الرِّدَاءِ مِنَ الْعُنُقِ أَوْ مَا بَيْنَ الْعُنُقِ وَالْمَنْكِبِ (فَضَمَّنِي) أَيْ ضَغَطَنِي وَعَصَرَنِي (وَجَدْتُ مِنْهَا رِيحَ الْمَوْتِ) اسْتِعَارَةٌ عَنْ أَثَرِهِ أَيْ وَجَدْتُ شِدَّةً كَشِدَّةِ الْمَوْتِ (فَلَحِقْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ) فِي السِّيَاقِ حَذْفٌ تُبَيِّنُهُ الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى من حديثه في البخاري وغيره بلفظثم قَتَلْتُهُ وَانْهَزَمَ الْمُسْلِمُونَ وَانْهَزَمْتُ مَعَهُمْ فَإِذَا بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ (مَا بَالُ النَّاسِ) أَيْ مُنْهَزِمِينَ (قَالَ أَمْرُ اللَّهِ) أَيْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ قَضَائِهِ وَقَدَرِهِ أَوْ مَا حَالُ الْمُسْلِمِينَ بَعْدَ الِانْهِزَامِ فَقَالَ أَمْرُ اللَّهِ غَالِبٌ وَالنُّصْرَةُ لِلْمُسْلِمِينَ (لَهُ) أَيْ لِلْقَاتِلِ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى قَتْلِهِ لِلْمَقْتُولِ (بَيِّنَةٌ) أَيْ شَاهِدٌ وَلَوْ وَاحِدًا (مَنْ يشهد(7/275)
لِي) أَيْ بِأَنِّي قَتَلْتُ رَجُلًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَيَكُونُ سَلَبُهُ لِي (مَا لَكَ يَا أَبَا قَتَادَةَ) أَيْ تَقُومُ وَتَجْلِسُ عَلَى هَيْئَةِ طَالِبٍ لِغَرَضٍ أَوْ صَاحِبَ غَرَضٍ (صَدَقَ) أَيْ أَبُو قَتَادَةَ (فَأَرْضِهِ مِنْهُ) أَمْرٌ مِنْ بَابِ الْإِفْعَالِ وَالْخِطَابِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْ فَأَعْطِهِ عِوَضًا عَنْ ذَلِكَ السَّلَبِ لِيَكُونَ لِي أَوْ أَرْضِهِ بِالْمُصَالَحَةِ بَيْنِي وَبَيْنَهُ
قَالَ الطِّيبِيُّ مَنْ فِيهِ ابْتِدَائِيَّةٌ أَيْ أَرْضِ أَبَا قَتَادَةَ لِأَجْلِي وَمِنْ جِهَتِي وَذَلِكَ إِمَّا بِالْهِبَةِ أَوْ بأخذه شيئا يسيرا من بدله (لاها الله) بِالْجَرِّ أَيْ لَا وَاللَّهِ أَيْ لَا يَفْعَلُ مَا قُلْتَ فَكَلِمَةُ هَا بَدَلٌ مِنْ وَاوِ الْقَسَمِ (إِذًا يَعْمِدُ إِلَى أَسَدٍ مِنْ أُسْدِ اللَّهِ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ السِّينِ وَقِيلَ بِضَمِّهِمَا جَمْعُ أَسَدٍ
وَالْمَعْنَى إِنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ قَصَدَ إِلَى إِبْطَالِ حَقِّ رَجُلٍ كَأَنَّهُ أَسَدٌ فِي الشَّجَاعَةِ وَإِعْطَاءِ سَلَبِهِ إِيَّاكَ
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي جَمِيعِ رِوَايَاتِ الْمُحَدِّثِينَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا إِذًا بِالْأَلِفِ قَبْلَ الذَّالِ وَأَنْكَرَهُ الْخَطَّابِيُّ وَأَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي مَعَالِمِ السُّنَنِ قَوْلُهُ لاها الله إذا هكذا يروى والصواب لاها الله ذَا بِغَيْرِ الْأَلِفِ قَبْلَ الذَّالِ وَمَعْنَاهُ لَا وَاللَّهِ يَجْعَلُونَ الْهَاءَ مَكَانَ الْوَاوِ وَمَعْنَاهُ لَا وَاللَّهِ لَا يَكُونُ ذَا انْتَهَى
وَقَدْ أَطَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ الْكَلَامَ فِي تَصْوِيبِ مَا فِي رِوَايَاتِ الْمُحَدِّثِينَ وَتَصْحِيحِ مَعْنَاهُ
وَاعْلَمْ أَنَّهُ وَقَعَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ أَبِي دَاوُدَ الْحَاضِرَةِ إِذًا يَعْمِدُ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَغَيْرِهِمَا إِذًا لَا يَعْمِدُ بِالنَّفْيِ فَمَعْنَى مَا فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ ظَاهِرٌ وَإِنْ شِئْتَ انْكِشَافَ مَا فِي رِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا فَعَلَيْكَ بِشُرُوحِهِمَا لَا سِيَّمَا فَتْحَ الْبَارِي لِلْحَافِظِ فَإِنَّهُ يُعْطِيكَ الثَّلَجَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (يُقَاتِلُ عَنِ اللَّهِ وَعَنْ رَسُولِهِ) أَيْ لِرِضَاهُمَا وَلِنُصْرَةِ دِينِهِمَا (صَدَقَ) أَيْ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ (فَأَعْطِهِ) أَيْ أَبَا قَتَادَةَ وَالْخِطَابُ لِلَّذِي اعْتَرَفَ بِأَنَّ السَّلَبَ عِنْدَهُ (إِيَّاهُ) أَيْ سَلَبَهُ (فَبِعْتُ الدِّرْعَ) بِكَسْرِ الدَّالِ وَسُكُونِ الرَّاءِ
ذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْهُ هُوَ حَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ وأن الثمن كان سبع أواقي (فَابْتَعْتُ) أَيِ اشْتَرَيْتُ (مَخْرَفًا) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ أَيْ بُسْتَانًا (فِي بَنِي سَلِمَةَ) بِكَسْرِ اللَّامِ (تَأَثَّلْتُهُ) أَيْ تَكَلَّفْتُ جَمْعَهُ وَجَعَلْتُهُ أَصْلَ مَالِي وَأَثْلُ كُلِّ شَيْءٍ أَصْلُهُ
وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ السَّلَبَ للقاتل(7/276)
وَأَنَّهُ لَا يُخَمَّسُ وَلِلْعُلَمَاءِ فِيهِ اخْتِلَافٌ وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ الْقَاتِلَ يَسْتَحِقُّ السَّلَبَ سَوَاءٌ قَالَ أَمِيرُ الْجَيْشِ قَبْلَ ذَلِكَ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ أَمْ لَا
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ والترمذي وبن مَاجَهْ
[2718] (يَعْنِي يَوْمَ حُنَيْنٍ) تَفْسِيرٌ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ (وَأَخَذَ أَسْلَابَهُمْ) فِيهِ أَنَّ السَّلَبَ لِلْقَاتِلِ وَإِنْ كَثُرَ الْمَقْتُولُ وَلَيْسَ لِغَيْرِهِ فِيهِ نِزَاعٌ (وَمَعَهَا خِنْجَرٌ) كَجَعْفَرٍ وَيُكْسَرُ خَاؤُهُ سِكِّينٌ كَبِيرٌ (أَبْعَجُ) أَيْ أَشَقُّ مِنْ بَابِ فَتَحَ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ قِصَّةَ أُمِّ سُلَيْمٍ فِي الْخِنْجَرِ بِنَحْوِهِ (قَالَ أَبُو دَاوُدَ) وَجَدْتُ هَذِهِ الْعِبَارَةَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ (أَرَدْنَا بِهَذَا) أَيِ الْحَدِيثِ (الْخِنْجَرَ) مَفْعُولُ أَرَدْنَا أَيْ أَرَدْنَا جَوَازَ اسْتِعْمَالِ الْخِنْجَرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
29 - (بَاب فِي الْإِمَامِ يمنع القاتل السلب)
[2719] الخ (فِي غَزْوَةِ مُؤْتَةَ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَهَمْزَةٍ سَاكِنَةٍ وَيَجُوزُ تَرْكُ الْهَمْزِ كَمَا فِي نَظَائِرِهِ وَهِيَ قَرْيَةٌ مَعْرُوفَةٌ فِي طَرَفِ الشَّامِ عِنْدَ الْكَرْكِ
قَالَهُ النَّوَوِيُّ (وَرَافَقَنِي) أَيْ صَارَ رَفِيقِي (مَدَدِي) يعني رجل(7/277)
من المدد الذين جاؤوا يَمُدُّونَ جَيْشَ مُؤْتَةَ وَيُسَاعِدُونَهُمْ (جَزُورًا) أَيْ بَعِيرًا (طَائِفَةً) أَيْ قِطْعَةً (كَهَيْئَةِ الدَّرَقِ) قَالَ فِي الصُّرَاحِ دَرَقَةٌ بِفَتْحَتَيْنِ سَيْرٌ جَمْعُهُ دُرُقٌ (أَشْقَرَ) أَيْ أَحْمَرَ (مُذْهَبٌ) بِضَمٍّ وَسُكُونٍ أَيْ مَطْلِيٌّ بِالذَّهَبِ (يَفْرِي) بِالْفَاءِ وَالرَّاءِ كَيَرْمِي أَيْ يُبَالِغُ فِي النِّكَايَةِ وَالْقَتْلِ يُقَالُ فُلَانٌ يَفْرِي إِذَا كَانَ يُبَالِغُ فِي الْأَمْرِ
وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ يُغْرِي بِالْغَيْنِ مِنَ الْإِغْرَاءِ أَيْ يُسَلِّطُ الْكَفَرَةَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَيَحُثُّهُمْ عَلَى قِتَالِهِمْ (فَقَعَدَ لَهُ) أَيْ لِلرُّومِيِّ (فَعَرْقَبَ فَرَسَهُ) أَيْ قَطَعَ قَوَائِمَهَا (وَعَلَاهُ) أَيْ عَلَا الْمَدَدِيُّ الرُّومِيَّ (وَحَازَ) أَيْ جَمَعَ (اسْتَكْثَرْتُهُ) أَيْ زَعَمْتُهُ كَثِيرًا (أَوْ لَأُعَرِّفَنَّكَهَا) مِنَ التَّعْرِيفِ أَيْ لَأُجَازِيَنَّكَ بِهَا حَتَّى تَعْرِفَ سُوءَ صَنِيعِكَ وَهِيَ كَلِمَةٌ تُقَالُ عِنْدَ التَّهْدِيدِ كَذَا فِي الْمَجْمَعِ
وَفِي بَعْضِ الْحَوَاشِي الْمَنْصُوبِ لِلْفَعْلَةِ أَيْ أَجْعَلَنَّكَ عَارِفًا بِجَزَائِهَا (دُونَكَ) أَيْ خُذْ مَا وَعَدْتُكَ (هَلْ أَنْتُمْ تَارِكُونَ لِي) وفي بعض النسخ تاركولي بِحَذْفِ النُّونِ
قَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا أَيْضًا صَحِيحٌ وَهِيَ لُغَةٌ مَعْرُوفَةٌ (أُمَرَائِي) أَيِ الْأُمَرَاءَ الَّذِينَ أَمَّرْتُهُمْ عَلَيْكُمْ مِنْهُمْ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ تَتْرُكُونَهُمْ بِمُخَالَفَتِهِمْ وَعَدَمِ مُتَابَعَتِهِمْ وَلَيْسَ صَنِيعُكُمْ هَذَا لَائِقًا بِشَأْنِ الْأُمَرَاءِ (لَكُمْ صِفْوَةُ أَمْرِهِمْ) بِكَسْرِ الصَّادِ خُلَاصَةُ الشَّيْءِ وَمَا صَفَا مِنْهُ قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ (وَعَلَيْهِمْ) أَيْ عَلَى الْأُمَرَاءِ (كَدَرُهُ) الْكَدَرُ بِالتَّحْرِيكِ ضِدُّ الصَّافِي
وَلَفْظُ مُسْلِمٍ فَمَرَّ خَالِدٌ بِعَوْفٍ فَجَرَّ بِرِدَائِهِ ثُمَّ قَالَ هَلْ أَنْجَزْتُ لَكَ ما(7/278)
ذَكَرْتُ لَكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَمِعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم فاستغضب فقال لا تعطه ياخالد لا تعطه ياخالد هل أنتم تاركولي أُمَرَائِي إِنَّمَا مِثْلُكُمْ وَمِثْلُهُمْ كَمِثْلِ رَجُلٍ اسْتَرْعَى إِبِلًا أَوْ غَنَمًا فَرَعَاهَا ثُمَّ تَحَيَّنَ سَقْيَهَا فَأَوْرَدَهَا حَوْضًا فَشَرَعَتْ فِيهِ فَشَرِبَتْ صَفْوَهُ وَتَرَكَتْ كَدَرَهُ فَصَفْوُهُ لَكُمْ وَكَدَرُهُ عَلَيْهِمْ انْتَهَى
قَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَاهُ أَنَّ الرَّعِيَّةَ يَأْخُذُونَ صَفْوَ الْأُمُورِ فَتَصِلُهُمْ أُعْطِيَّاتُهُمْ بِغَيْرِ نَكَدٍ وَتُبْتَلَى الْوُلَاةُ بِمُقَاسَاةِ النَّاسِ وَجَمْعِ الْأَمْوَالِ عَلَى وُجُوهِهَا وَصَرْفِهَا فِي وُجُوهِهَا وَحِفْظِ الرَّعِيَّةِ وَالشَّفَقَةِ عَلَيْهِمْ وَالذَّبِّ عَنْهُمْ وَإِنْصَافِ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ ثُمَّ مَتَى وَقَعَ عَلَقَةٌ أَوْ عُتْبٌ فِي بَعْضِ ذَلِكَ تَوَجَّهَ عَلَى الْأُمَرَاءِ دُونَ النَّاسِ انْتَهَى
وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُعْطِيَ السَّلَبَ غَيْرَ الْقَاتِلِ لِأَمْرٍ يَعْرِضُ فِيهِ مَصْلَحَةٌ مِنْ تَأْدِيبٍ أَوْ غَيْرِهِ وَفِيهِ أَنَّ الْفَرَسَ وَالسِّلَاحَ مِنَ السَّلَبِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ
3
( [2721] بَاب فِي السَّلَبِ لَا يُخَمَّسُ)
(وَلَمْ يُخَمِّسِ السَّلَبَ) وَالْمَعْنَى أَنَّهُ دَفَعَ السَّلَبَ كُلَّهُ إِلَى الْقَاتِلِ وَلَمْ يَقْسِمْهُ خَمْسَةَ أَقْسَامٍ بِخِلَافِ الْغَنِيمَةِ
وَفِيهِ دَلِيلٌ لِمَنْ قَالَ إِنَّهُ لَا يُخَمَّسُ السَّلَبُ
قال المنذري في إسناده بن عَيَّاشٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ(7/279)
231 - (باب من أجاز على جريح)
[2722] الخ قَالَ فِي الْقَامُوسِ أَجَزْتُ عَلَى الْجَرِيحِ أَجْهَزْتُ وَقَالَ جَهَزَ عَلَى الْجَرِيحِ كَمَنَعَ وَأَجْهَزَ أَثْبَتَ قَتْلَهُ وَأَسْرَعَهُ وَتَمَّمَ عَلَيْهِ وَقَالَ فِيهِ أَثْخَنَ فِي الْعَدُوِّ بَالَغَ فِي الْجِرَاحَةِ فِيهِمْ وَحَاصِلُ التَّرْجَمَةِ أَنَّ مَنْ أَسْرَعَ قَتْلَ الْجَرِيحِ الْمُثْخَنِ الَّذِي بِهِ رَمَقٌ يُعْطَى شَيْئًا مِنْ سَلَبِهِ
(نَفَّلَنِي) بِتَشْدِيدِ الْفَاءِ أَيْ أَعْطَانِي نَفْلًا زَائِدًا على سهم الغنيمة (كان) بن مَسْعُودٍ (قَتَلَهُ) أَيْ أَبَا جَهْلٍ يَعْنِي حَزَّ رَأْسَهُ وَبِهِ رَمَقٌ وَإِلَّا فَقَدْ قَتَلَهُ مُعَاذُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ وَمُعَاذُ بْنُ عَفْرَاءَ وَهَذَا مِنْ كَلَامِ الرَّاوِي وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِهِ عَلَى التَّجْرِيدِ أَوِ الِالْتِفَاتِ وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ لِمَا تَرْجَمَ بِهِ أَبُو دَاوُدَ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ
32 - (بَاب فِيمَنْ جَاءَ بَعْدَ الْغَنِيمَةِ لَا سَهْمَ لَهُ)
[2723] (قِبَلَ نَجْدٍ) بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ نَحْوَهُ (بَعْدَ أَنْ فَتَحَهَا) أَيْ بَعْدَ فَتْحِ خَيْبَرَ (وَإِنَّ حُزُمَ خَيْلِهِمْ) بِمُهْمَلَةٍ وَزَايٍ مَضْمُومَتَيْنِ جَمْعُ حِزَامٍ بِالْكَسْرِ وَهُوَ مَا يُشَدُّ بِهِ الْوَسَطُ وَمَعْنَاهُ بِالْفَارِسِيَّةِ تنك ستور (لِيفٌ) بِالْكَسْرِ مَعْنَاهُ بِالْفَارِسِيَّةِ بوست درخت خرما (فَقَالَ أَبَانُ أَنْتَ بِهَا) قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ أَنْتَ الْمُتَكَلِّمُ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَأَنْتَ بِهَذَا قَالَ الْحَافِظُ أَيْ وَأَنْتَ تَقُولُ بِهَذَا أَوْ أَنْتَ(7/280)
بهذا المكان والمنزلة مع رسول الله مَعَ كَوْنِكِ لَسْتَ مِنْ أَهْلِهِ وَلَا مِنْ قومه ولا من بلاده (ياوبر) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ دَابَّةٌ صَغِيرَةٌ كَالسِّنَّوْرِ وَحْشِيَّةٌ (تَحَدَّرُ) أَيْ تَدَلَّى وَهَبَطَ (مِنْ رَأْسِ ضَالٍ) بِتَخْفِيفِ اللَّامِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ يُقَالُ إِنَّهُ جَبَلٌ أَوْ مَوْضِعٌ
وَفِي فَتْحِ الْبَارِي أَرَادَ أَبَانُ تَحْقِيرَ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَنَّهُ لَيْسَ فِي قَدْرِ مَنْ يُشِيرُ بِعَطَاءٍ وَلَا بِمَنْعٍ وَأَنَّهُ قَلِيلُ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِتَالِ انْتَهَى
قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَفِي الْحَدِيثِ مِنَ الْفِقْهِ أَنَّ الْغَنِيمَةَ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ دُونَ مَنْ لَحِقَهُمْ بَعْدَ إِحْرَازِهَا
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ مَنْ لَحِقَ الْجَيْشَ بَعْدَ أَخْذِ الْغَنِيمَةِ قَبْلَ قَسْمِهَا فَهُوَ شَرِيكُ الْغَانِمِينَ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الْغَنِيمَةُ لِمَنْ حَضَرَ الْوَقْعَةَ وَكَانَ رِدْءًا لَهُمْ فَأَمَّا مَنْ لَمْ يَحْضُرْهَا فَلَا شَيْءَ لَهُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدِ بْنِ حَنْبَلٍ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا
[2724] (وَسَأَلَهُ) الضَّمِيرُ الْمَنْصُوبُ إِلَى الزُّهْرِيِّ
وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فِي الْمَغَازِي عَنْ عَلِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ وَسَأَلَهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ فَقَالَ أَخْبَرَنِي عَنْبَسَةُ بْنُ سَعِيدٍ الْحَدِيثَ (أَنْ يُسْهَمَ لِي) أَيْ مِنْ غَنَائِمِ خَيْبَرَ (بَعْضُ وَلَدِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ) هُوَ أَبَانُ بْنُ سَعِيدٍ (هذا) أي أبان بن سعيد (قاتل بن قَوْقَلٍ) بِقَافَيْنِ عَلَى وَزْنِ جَعْفَرٍ وَاسْمُهُ النُّعْمَانُ بْنُ مَالِكِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَصْرَمَ وَقَوْقَلٌ لَقَبُ ثَعْلَبَةَ وَأَصْرَمَ وَعِنْدَ الْبَغَوِيِّ فِي الصَّحَابَةِ أَنَّ النُّعْمَانَ بْنَ قَوْقَلٍ قَالَ يَوْمَ أُحُدٍ أقسمت عليك يارب أَنْ لَا تَغِيبَ الشَّمْسُ حَتَّى أَطَأَ بِعَرْجَتِي فِي الْجَنَّةِ فَاسْتُشْهِدَ ذَلِكَ الْيَوْمَ فَقَالَ النَّبِيُّ لَقَدْ رَأَيْتُهُ فِي الْجَنَّةِ وَمَا بِهِ عَرَجٌ قَالَهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ (فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ) كَذَا فِي جَمِيعِ النُّسَخِ الْحَاضِرَةِ
وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فقال بن سعيد بن العاص وهو الصحيح (ياعجبا) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَاعْجَبًا
قَالَ الْقَسْطَلَّانِيُّ بِالتَّنْوِينِ اسْمُ فِعْلٍ بِمَعْنَى أَعْجَبُ وَإِنْ لَمْ يُنَوَّنْ فَأَصْلُهُ وَاعَجَبِي فَأُبْدِلَتْ كَسْرَةُ الْبَاءِ فَتْحَةً وَالْيَاءُ ألفا كما فعل في ياأسفي وياحسرتي (لِوَبْرٍ) بِلَامٍ مَكْسُورَةٍ قَالَهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ وَتَقَدَّمَ مَعْنَى الْوَبْرِ (قَدْ تَدَلَّى) أَيِ انْحَدَرَ (مِنْ قَدُومِ ضَالٍ) بِفَتْحِ الْقَافِ(7/281)
وَضَمِّ الدَّالِ الْمُخَفَّفَةِ أَيْ طَرَفِهِ وَفَسَّرَ الْبُخَارِيُّ الضَّالَ بِالسِّدْرِ الْبَرِّيِّ وَكَذَا قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ إِنَّهُ السِّدْرُ الْبَرِّيُّ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ مِنْ رَأْسِ ضَانٍ بِالنُّونِ قِيلَ هُوَ رَأْسُ الْجَبَلِ لِأَنَّهُ فِي الْغَالِبِ مَوْضِعُ مَرْعَى الْغَنَمِ وَقِيلَ هُوَ جَبَلُ دَوْسٍ وَهُمْ قَوْمُ أَبِي هُرَيْرَةَ
كَذَا فِي النَّيْلِ
(أَكْرَمَهُ اللَّهُ) أَيْ بِالشَّهَادَةِ (عَلَى يَدَيَّ) بِتَشْدِيدِ التَّحْتِيَّةِ تَثْنِيَةُ يَدٍ (وَلَمْ يُهِنِّي) مِنَ الْإِهَانَةِ (عَلَى يَدَيْهِ) بِأَنْ يَقْتُلَنِي كَافِرًا فَأَدْخُلَ النَّارَ وَقَدْ عَاشَ أَبَانُ حَتَّى تاب وأسلم قبل خيبر وبعدالحديبية قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَقَالَ فِيهِ فَقَالَ بن سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْخَطِيبِ هَكَذَا رَوَى أَبُو دَاوُدَ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ حَامِدِ بْنِ يَحْيَى وَقَالَ فِيهِ فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ وَإِنَّمَا هو بن سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ وَاسْمُهُ أَبَانُ وَهُوَ الَّذِي قال لا تسهم له يارسول اللَّهِ
هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ
وَوَقَعَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ أن يسهم له وأن بن سعيد بن العاص قال للنبي لَا تُسْهِمْ لَهُ
وَفِي الْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَهُ أَنَّ أَبَانَ بْنَ سَعِيدٍ هُوَ الَّذِي سَأَلَ رسول الله أَنْ يَقْسِمَ لَهُمْ فَإِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ الْقَائِلُ لَا تُسْهِمُ لَهُ وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ هُوَ السَّائِلُ لرسول الله انْتَهَى كَلَامُ الْمُنْذِرِيِّ
[2725] (بُرَيْدٌ) بِالتَّصْغِيرِ (قَدِمْنَا) أَيْ مِنَ الْحَبَشَةِ (فَوَافَقْنَا) أَيْ صَادَفْنَا (أَوْ قَالَ فَأَعْطَانَا مِنْهَا) أَيْ غَنَائِمِ خَيْبَرَ وَأَوْ لِلشَّكِّ (إِلَّا لِمَنْ شَهِدَ مَعَهُ) اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ لِلتَّأْكِيدِ (إِلَّا أَصْحَابَ سَفِينَتِنَا) اسْتِثْنَاءٌ مُتَّصِلٌ مِنْ قَوْلِهِ لأحد ذكره الطيبي
قال القارىء وَقِيلَ جَعْلُهُ بَدَلًا أَظْهَرُ وَيَرُدُّهُ أَنَّ الرِّوَايَةَ بِالنَّصْبِ انْتَهَى (جَعْفَرٌ وَأَصْحَابُهُ) عَطْفُ بَيَانٍ لِأَصْحَابِ السَّفِينَةِ وَالْمُرَادُ بِهِمْ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ مع جماعة من أصحاب النبي كَانُوا هَاجَرُوا إِلَى الْحَبَشَةِ حِينَ كَانَ النَّبِيُّ بمكة فلما سمعوا بهجرة النبي وَقُوَّةِ دِينِهِ رَجَعُوا وَكَانُوا رَاكِبِينَ فِي السَّفِينَةِ فَوَافَقَ قُدُومُهُمْ فَتْحَ خَيْبَرَ (فَأَسْهَمَ لَهُمْ) أَيْ لِجَعْفَرٍ وَأَصْحَابِهِ (مَعَهُمْ) أَيْ مَنْ شَهِدُوا مَعَ النبي فِي فَتْحِ خَيْبَرَ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ يُشْبِهُ أَنْ يكون النبي إِنَّمَا أَعْطَاهُمْ مِنَ الْخُمْسِ الَّذِي هُوَ حَقُّهُ دُونَ حُقُوقِ مَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ انْتَهَى
وَفِي النيل وقال بن التِّينِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَعْطَاهُمْ بِرِضَا بَقِيَّةِ الجيش وبهذا(7/282)
جَزَمَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ فِي مَغَازِيهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَعْطَاهُمْ مِنْ جَمِيعِ الْغَنِيمَةِ لِكَوْنِهِمْ وَصَلُوا قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَبَعْدَ حَوْزِهَا وَهُوَ أَحَدُ الْأَقْوَالِ لِلشَّافِعِيِّ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ مُخْتَصَرًا وَمُطَوَّلًا
[2726] (يَعْنِي يَوْمَ بَدْرٍ) تَفْسِيرٌ مِنْ أَحَدِ الرُّوَاةِ (فِي حَاجَةِ اللَّهِ وَحَاجَةِ رَسُولِهِ) أَيْ فِي خِدْمَتِهِمَا وَسَبِيلِهِمَا وَأَمْرِ دِينِهِمَا وَعُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَخَلَّفَ فِي الْمَدِينَةِ لتمريض رقية بنت رسول الله وهي زوجته وماتت ودفنت وهو ببدر (وَإِنِّي أُبَايِعُ لَهُ) أَيْ لِأَجْلِهِ وَبَدَلِهِ فَضَرَبَ بيمينه عَلَى شِمَالِهِ وَقَالَ هَذِهِ يَدُ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهَذَا فِيهِ إِشْكَالٌ وَإِنِّي أَرَاهُ وَهْمًا مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ
وَوَجْهُ الْإِشْكَالِ أَنَّ رسول الله إِنَّمَا بَايَعَ عَنْ عُثْمَانَ فِي غَزْوَةِ الْحُدَيْبِيَةِ كَمَا فِي عَامَّةِ كُتُبِ الْحَدِيثِ وَالسِّيَرِ لَا فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ وَالَّذِي وَقَعَ فِي بَدْرٍ أن النبي خَلَّفَهُ عَلَى ابْنَتِهِ رُقَيَّةَ وَكَانَتْ مَرِيضَةً فَقَالَ له رسول الله إِنَّ لَكَ أَجْرَ رَجُلٍ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا وَسَهْمَهُ كَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فِي بَابِ مَنَاقِبِ عُثْمَانَ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ وَحَجَّ الْبَيْتَ فَرَأَى قَوْمًا جُلُوسًا فَقَالَ مَنْ هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ قَالَ هَؤُلَاءِ قُرَيْشٌ قَالَ فَمَنِ الشَّيْخُ فِيهِمْ قَالُوا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عمر قال يا بن عُمَرَ إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ شَيْءٍ فَحَدِّثْنِي عَنْهُ هَلْ تَعْلَمُ أَنَّ عُثْمَانَ فَرَّ يَوْمَ أُحُدٍ قَالَ نَعَمْ
فَقَالَ تَعْلَمُ أَنَّهُ تَغَيَّبَ عَنْ بَدْرٍ وَلَمْ يَشْهَدْ قَالَ نَعَمْ
قَالَ الرَّجُلُ هَلْ تَعْلَمُ أَنَّهُ تَغَيَّبَ عَنْ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ فَلَمْ يَشْهَدْهَا
قَالَ نَعَمْ
قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ
قال بن عُمَرَ تَعَالَ أُبَيِّنْ لَكَ أَمَّا فِرَارُهُ يَوْمَ أُحُدٍ
فَأَشْهَدُ أَنَّ اللَّهَ عَفَا عَنْهُ وَغَفَرَ لَهُ
وَأَمَّا تَغَيُّبُهُ عَنْ بَدْرٍ فَإِنَّهُ كَانَ تحته بنت رسول الله وكانت مريضة فقال له رسول الله إِنَّ لَكَ أَجْرَ رَجُلٍ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا وَسَهْمَهُ
وَأَمَّا تَغَيُّبُهُ عَنْ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ فَلَوْ كَانَ أَحَدٌ أَعَزَّ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ عُثْمَانَ لبعثه مكانه فبعث رسول الله عُثْمَانَ وَكَانَتْ بَيْعَةُ الرِّضْوَانِ بَعْدَ مَا ذَهَبَ عثمان إلى مكة فقال رسول الله بِيَدِهِ الْيُمْنَى هَذِهِ يَدُ عُثْمَانَ فَضَرَبَ بِهَا عَلَى يَدِهِ فَقَالَ هَذِهِ لِعُثْمَانَ
فَقَالَ لَهُ بن عُمَرَ اذْهَبْ بِهَا الْآنَ مَعَكَ انْتَهَى
فَكَانَتْ بَيْعَةُ الرِّضْوَانِ فِي غَزْوَةِ الْحُدَيْبِيَةِ لَا فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ
وَالسَّبَبُ فِي ذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ بَعَثَ عُثْمَانَ لِيُعْلِمَ قُرَيْشًا أَنَّهُ إِنَّمَا جَاءَ مُعْتَمِرًا لَا مُحَارِبًا فَفِي غَيْبَةِ عُثْمَانَ شَاعَ عِنْدَهُمْ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ تَعَرَّضُوا لِحَرْبِ الْمُسْلِمِينَ فَاسْتَعَدَّ المسلمون للقتال وبايعهم النبي حِينَئِذٍ تَحْتَ الشَّجَرَةِ عَلَى أَنْ لَا يَفِرُّوا وَذَلِكَ فِي غَيْبَةِ عُثْمَانَ
وَقِيلَ بَلْ جَاءَ الْخَبَرُ بِأَنَّ عُثْمَانَ قُتِلَ فَكَانَ ذَلِكَ سَبَبَ البيعة(7/283)
وَرَوَى الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أبيه قال خلف النبي
33 - (باب في المرأة والعبد يحذيان من الغنيمة)
[2727] بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ يُعْطَيَانِ
قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْحِذْوَةُ بِالْكَسْرِ الْعَطِيَّةُ
(عَنْ يَزِيدَ بْنِ هُرْمُزَ) بِضَمِّ الْهَاءِ وَالْمِيمِ غَيْرُ مَصْرُوفٍ وَقِيلَ مَصْرُوفٌ (نَجْدَةُ) بِفَتْحِ نُونٍ وَسُكُونِ جِيمٍ رَئِيسُ الْخَوَارِجِ (لَوْلَا أَنْ يَأْتِيَ أُحْمُوقَةً) بِضَمِّ هَمْزَةٍ وَمِيمٍ أَيْ لَوْلَا أَنْ يَفْعَلَ فِعْلَ الْحَمْقَى وَيَرَى رَأْيًا كَرَأْيِهِمْ
قَالَهُ فِي فَتْحِ الْوَدُودِ (فَكَانَ يُحْذَى) أَيْ يُعْطَى
وَفِيهِ أَنَّ الْعَبْدَ يُحْذَى لَهُ وَلَا يُسْهَمُ لَهُ وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ
وَقَالَ مَالِكٌ لَا يحذى له وقال الحسن وبن سِيرِينَ وَالنَّخَعِيُّ وَالْحَكَمُ
إِنْ قَاتَلَ أَسْهَمَ لَهُ
قَالَهُ النَّوَوِيُّ (فَكُنَّ يُدَاوِينَ الْجَرْحَى) جَمْعُ جَرِيحٍ
وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ(7/284)
[2728] (الْحَرُورِيُّ) بِفَتْحٍ فَضَمٍّ نِسْبَةٌ إِلَى قَرْيَةٍ بِظَاهِرِ الْكُوفَةِ نُسِبَتْ الْخَوَارِجُ إِلَيْهَا لِأَنَّهَا كَانَتْ مَحَلَّ اجْتِمَاعِهِمْ حِينَ خَرَجُوا عَلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (فَأَنَا كَتَبْتُ) هُوَ قَوْلُ يَزِيدَ بْنِ هُرْمُزَ الرَّاوِي (وَقَدْ كَانَ يُرْضَخُ لَهُنَّ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ يُعْطَى قَلِيلًا مِنَ الرُّضْخِ بِضَمِّ الرَّاءِ وَبِالْمُعْجَمَتَيْنِ وَهُوَ إِعْطَاءُ الْقَلِيلِ
وَفِيهِ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَسْتَحِقُّ الرُّضْخَ وَلَا تَسْتَحِقُّ السَّهْمَ وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَاللَّيْثُ وَالشَّافِعِيُّ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ تَسْتَحِقُّ السَّهْمَ إِنْ كَانَتْ تُقَاتِلُ أَوْ تُدَاوِي الْجَرْحَى
وَقَالَ مَالِكٌ لَا رَضْخَ لَهَا وَهَذَانِ الْمَذْهَبَانِ مَرْدُودَانِ بِهَذَا الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الصَّرِيحِ
قَالَهُ النَّوَوِيِّ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مُخْتَصَرًا وَمُطَوَّلًا
[2729] (حَدَّثَنِي حَشْرَجٌ) بِوَزْنِ جَعْفَرٍ (نَغْزِلُ الشَّعْرَ) عَنِ الْغَزْلِ وَهُوَ بِالْفَارِسِيَّةِ رشتن مِنْ بَابِ ضَرَبَ يَضْرِبُ (أَسْهَمَ لَنَا كَمَا أَسْهَمَ لِلرِّجَالِ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ ذَهَبَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ النِّسَاءَ
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه اللَّه وَيُحْتَمَل قَوْلهَا أَسْهَمَ لَنَا كَمَا أَسْهَمَ لِلرِّجَالِ أَنَّهَا تَعْنِي بِهِ أَنَّهُ أَشْرَكَ بَيْنهمْ فِي أَصْل الْعَطَاء لَا فِي قَدْره
فَأَرَادَتْ أَنَّهُ أَعْطَانَا مِثْل مَا أَعْطَى الرِّجَال لَا أَنَّهُ أَعْطَاهُنَّ بِقَدْرِهِمْ سَوَاء
وَاَللَّه أَعْلَم(7/285)
وَالْعَبِيدَ لَا يُسْهَمُ لَهُمْ وَإِنَّمَا يُرْضَخُ لَهُمْ إِلَّا أَنَّ الْأَوْزَاعِيَّ قَالَ يُسْهَمُ لَهُنَّ وَأَحْسَبُهُ ذَهَبَ إِلَى هَذَا الْحَدِيثِ وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ لَا تَقُومُ الْحُجَّةُ بِمِثْلِهِ انْتَهَى
(قَالَتْ تَمْرًا) قَالَ الحافظ بن القيم رحمه الله قولهاأسهم لَنَا كَمَا أَسْهَمَ لِلرِّجَالِ تَعْنِي بِهِ أَنَّهُ أَشْرَكَ بَيْنَهُمْ فِي أَصْلِ الْعَطَاءِ لَا فِي قَدْرِهِ فَأَرَادَتْ أَنَّهُ أَعْطَانَا مِثْلَ مَا أَعْطَى الرِّجَالَ لَا أَنَّهُ أَعْطَاهُنَّ بِقَدْرِهِ سَوَاءً انْتَهَى
وَفِي فَتْحِ الْوَدُودِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَسَمَ بَيْنَهُمْ شَيْئًا مِنَ التَّمْرِ فَسَوَّى بَيْنَهُمْ فِي الْقِسْمَةِ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ
وَجَدَّةُ حَشْرَجٍ هِيَ أُمُّ زِيَادٍ الْأَشْجَعِيَّةِ وَلَيْسَ لَهَا فِي كِتَابَيْهِمَا سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ
وَذَكَرَ الْخَطَّابِيُّ أَنَّ الْأَوْزَاعِيَّ قَالَ يُسْهَمُ لَهُنَّ قَالَ وَأَحْسَبُهُ ذَهَبَ إِلَى هَذَا الْحَدِيثِ وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ لَا تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ
هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ وَحَشْرَجٌ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَبَعْدَهَا رَاءٌ مُهْمَلَةٌ مَفْتُوحَةٌ وَجِيمٌ انْتَهَى
وَفِي التَّلْخِيصِ فِي إِسْنَادِهِ حَشْرَجٌ وَهُوَ مَجْهُولٌ
[2730] (مَوْلَى آبِي اللَّحْمِ) اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ أَبَى يَأْبَى
وَيَأْتِي وَجْهُ التَّسْمِيَةِ بِهِ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ (شَهِدْتُ) أَيْ حَضَرْتُ (مَعَ سَادَاتِي) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ مَعَ سَادَتِي أَيْ كِبَارِ أَهْلِي (فَكَلَّمُوا فِيَّ) أَيْ فِي شَأْنِي وَحَقِّي بِمَا هُوَ مَدْحٌ لِي أَوْ بِأَنْ يَأْخُذَنِي لِلْغَزْوِ (فَأَمَرَ بِي) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فَأَمَرَنِي أَيْ أَمَرَنِي بِأَنْ أَحْمِلَ السِّلَاحَ وَأَكُونَ مَعَ الْمُجَاهِدِينَ لِأَتَعَلَّمَ الْمُحَارَبَةَ (فَقُلِّدْتُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنَ التَّقْلِيدِ (فَإِذَا أَنَا أَجُرُّهُ) أَيْ أَسْحَبُ السَّيْفَ عَلَى الْأَرْضِ مِنْ صِغَرِ سِنِّي أَوْ قِصَرِ قَامَتِي (فَأُخْبِرَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ وَالضَّمِيرُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مِنْ خُرْثِيِّ الْمَتَاعِ) بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَكَسْرِ الْمُثَلَّثَةِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ أَيْ أَثَاثِ الْبَيْتِ وَأَسْقَاطِهِ كَالْقِدْرِ وَغَيْرِهِ (قَالَ أَبُو دَاوُدَ معنها إِلَخْ) هَذِهِ الْعِبَارَةُ لَمْ تُوجَدْ فِي بَعْضِ النُّسَخِ
قال المنذري وأخرجه الترمذي وبن مَاجَهْ
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ(7/286)
[2731] (أَبِي سُفْيَانَ) الْمَكِّيِّ هُوَ طَلْحَةُ بْنُ نَافِعٍ (عن جابر) هو بن عَبْدِ اللَّهِ قَالَهُ الْمُنْذِرِيُّ (كُنْتُ أَمِيحُ) مُضَارِعٌ مِنْ مَاحَ مَيْحًا إِذَا نَزَلَ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ فَمَلَأَ الدَّلْوَ بِيَدِهِ قَالَهُ السِّنْدِيُّ
وَقَالَ بن الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ فَنَزَلْنَا فِيهَا سِتَّةَ مَاحَةٍ هِيَ جَمْعُ مَائِحٍ وَهُوَ الَّذِي يَنْزِلُ فِي الرَّكِيَّةِ إِذَا قَلَّ مَاؤُهَا فَيَمْلَأُ الدَّلْوَ بِيَدِهِ وَقَدْ مَاحَ يَمِيحُ مَيْحًا انْتَهَى
وَالْحَدِيثُ لَا يَدُلُّ عَلَى تَرْجَمَةِ الْبَابِ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ مُتَعَلِّقَاتِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
34 - (بَاب في المشرك)
[2732] إلخ (قال يحيى) هو بن مَعِينٍ (فَقَالَ) النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ثُمَّ اتَّفَقَا) يَعْنِي مُسَدِّدًا وَيَحْيَى بْنَ مَعِينٍ (فَقَالَا) أَيْ مُسَدِّدٌ وَيَحْيَى فِي رِوَايَتِهِمَا (إِنَّا لَا نَسْتَعِينُ بِمُشْرِكٍ فَلَمَّا لَمْ يَرْضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى اسْتِعَانَةِ الْمُشْرِكِ فَكَيْفَ يُسْهَمُ لَهُ سَهْمٌ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مسلم والترمذي والنسائي وبن مَاجَهْ بِنَحْوِهِ
35 - (بَاب فِي سُهْمَانِ الْخَيْلِ)
[2733] جَمْعُ سَهْمٍ
وَاعْلَمْ أَنَّهُ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي سَهْمِ الْفَارِسِ وَالرَّاجِلِ مِنَ الْغَنِيمَةِ فَقَالَ الْجُمْهُورُ يَكُونُ لِلرَّاجِلِ سَهْمٌ وَاحِدٌ وَلِلْفَارِسِ ثَلَاثَةٌ أَسْهُمٍ سَهْمَانِ بِسَبَبِ فَرَسِهِ وَسَهْمٌ بِسَبَبِ
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه اللَّه الْأَعْلَى لِلْأَعْلَى وَالْأَسْفَل لِلْأَسْفَلِ
وَنَظِيره فِي ذَلِكَ الْجِنَازَة بِالْكَسْرِ لِلسَّيْرِ وَالْجَنَازَة بِالْفَتْحِ لِلْمَيِّتِ
قَالَ بَعْضهمْ مِنْ ذَلِكَ الدَّجَاج بِالْفَتْحِ لِلدِّيَكَةِ وَالدِّجَاج بِالْكَسْرِ لِلْإِنَاثِ(7/287)
نَفْسِهِ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لِلْفَارِسِ سَهْمَانِ فَقَطْ سَهْمٌ لَهَا وَسَهْمٌ لَهُ
قَالُوا وَلَمْ يَقُلْ بِقَوْلِهِ هَذَا أَحَدٌ إِلَّا مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَأَبِي مُوسَى
قَالَهُ النَّوَوِيُّ (سَهْمًا لَهُ وَسَهْمَيْنِ لِفَرَسِهِ) قَالَ الْمُظْهِرُ اللَّامُ فِي لَهُ لِلتَّمْلِيكِ وَفِي لِفَرَسِهِ لِلتَّسَبُّبِ أَيْ لِأَجْلِ فَرَسِهِ
وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ لِفَنَائِهِ فِي الْحَرْبِ إِذْ مُؤْنَةُ فَرَسِهِ إِذَا كَانَ مَعْلُوفًا تُضَاعَفُ عَلَى مُؤْنَةِ صَاحِبِهِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ ومسلم والترمذي وبن مَاجَهْ
وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ وَمُسْلِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسَمَ فِي النَّفْلِ لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ وَلِلرَّاجِلِ سَهْمًا وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ وَلِصَاحِبِهِ سَهْمًا وَفِي لَفْظٍ آخَرَ قَسَمَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ خَيْبَرَ لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ وَلِلرَّاجِلِ سَهْمًا قَالَ فَسَّرَهُ نَافِعٌ فَقَالَ إِذَا كَانَ مَعَ الرَّجُلِ فَرَسٌ فَلَهُ ثَلَاثَةٌ أَسْهُمٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ له فرس فله سهم
لفظ بن مَاجَهْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْهَمَ يَوْمَ خَيْبَرَ لِلْفَارِسِ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ لِلْفَرَسِ سَهْمَانِ وَلِلرَّجُلِ سَهْمٌ انْتَهَى كَلَامُ الْمُنْذِرِيِّ
[2734] (وَأَعْطَى الْفَرَسَ سَهْمَيْنِ) فَصَارَ لِلْفَارِسِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ سَهْمٌ لِنَفْسِهِ وَسَهْمَانِ لِأَجْلِ فَرَسِهِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ الْمَسْعُودِيُّ وَهُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُقْبَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَفِيهِ مَقَالٌ وَقَدِ اسْتَشْهَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ
[2735] (إِلَّا أَنَّهُ قَالَ ثَلَاثَةَ نَفَرٍ) أَيْ مَكَانَ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ
وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ
36 - (بَابٌ فيمن أسهم له)
[2736] أَيْ لِلْفَرَسِ (سَهْمًا) وَاحِدًا كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْحَنَفِيَّةُ
(أَخْبَرَنَا مُجَمِّعٌ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ الْمَكْسُورَةِ وَكَذَا(7/288)
مُجَمِّعُ بْنُ جَارِيَةَ (يَذْكُرُ) أَيْ يَعْقُوبُ (عَنْ عَمِّهِ) الضَّمِيرُ الْمَجْرُورُ يَرْجِعُ إِلَى يَعْقُوبَ (عَنْ عَمِّهِ مُجَمِّعٍ) وَالضَّمِيرُ الْمَجْرُورُ يَرْجِعُ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَارِيَةَ (قَالَ) عَبْدُ الرَّحْمَنِ (وَكَانَ) أَيْ مُجَمِّعُ بْنُ جَارِيَةَ (قَالَ) أَيْ مُجَمِّعُ (شَهِدْنَا الْحُدَيْبِيَةَ) أَيْ صُلْحَ الْحُدَيْبِيَةَ سَنَةَ سِتٍّ فِي ذِي الْقَعْدَةِ
وَالْحُدَيْبِيَةُ بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ وَتَشْدِيدِهَا وَهِيَ بِئْرٌ سُمِّيَ الْمَكَانُ بِهَا وَقِيلَ شَجَرَةٌ وَقَالَ الطَّبَرِيُّ قَرْيَةٌ قَرِيبَةٌ مِنْ مَكَّةَ أَكْثَرُهَا فِي الْحَرَمِ وَهِيَ عَلَى تِسْعَةِ أَمْيَالٍ مِنْ مَكَّةَ
كَذَا فِي الْمَوَاهِبِ اللَّدُنِّيَّةِ (مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَكَانَ مَعَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلْفٌ وَأَرْبَعُمِائَةِ نَفَرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَنْ مَعَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ إِلَى مَكَّةَ الْمُكَرَّمَةِ لِأَدَاءِ الْعُمْرَةِ فَلَمَّا كَانُوا بِذِي الْحُلَيْفَةِ أَحْرَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالصَّحَابَةُ بِالْعُمْرَةِ حَتَّى وَصَلُوا بِالْغَمِيمِ وَتَعَرَّضَ الْمُشْرِكُونَ بِالْمُسْلِمِينَ فَأَرْسَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ إِلَى مَكَّةَ وَقَالَ أَخْبِرْهُمْ أَنَّا لَمْ نَأْتِ لِقِتَالٍ وَإِنَّمَا جِئْنَا عُمَّارًا وَادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ فَبَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ عُثْمَانَ قَدْ قُتِلَ فَدَعَا إِلَى الْبَيْعَةِ فَثَارَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَبَايَعُوهُ وَلَمَّا تَمَّتِ الْبَيْعَةُ رَجَعَ عُثْمَانُ مِنْ مَكَّةَ سَالِمًا
وَأَخْبَرَ بُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ وَكَانَ مِمَّنْ كَتَمَ إِيمَانَهُ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ نَزَلُوا مِيَاهَ الْحُدَيْبِيَةِ وَهُمْ مُقَاتِلُوكَ وَصَادُّوكَ عَنَ الْبَيْتِ فَجَاءَ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيِّ وَغَيْرُهُ وَكَلَّمُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَمْرِ الْبَيْتِ وَصَدُّوهُ عَنِ الْبَيْتِ وَمَنَعُوهُ عَنْ أَدَاءِ الْعُمْرَةِ وَصَالَحُوهُ عَلَى أَنْ يَأْتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَيْتَ فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ وَكُتِبَ الْكِتَابُ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَالَ عمر بن الخطاب يارسول الله على ما تُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا وَنَرْجِعُ إِلَى الْمَدِينَةِ بِغَيْرِ أَدَاءِ الْعُمْرَةِ وَلَمْ يَحْكُمِ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَنَا وَبَيْنَ أَعْدَائِنَا فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ وَهُوَ نَاصِرِي وَلَسْتُ أَعْصِيهِ
فَلَمَّا فَرَغَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ قَضِيَّةِ الْكِتَابِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُومُوا وَانْحَرُوا ثُمَّ احْلِقُوا لَكِنْ مَا قَامَ مِنْهُمْ رَجُلٌ حَتَّى قَالَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَلَمَّا لَمْ يَقُمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُكَلِّمْ أَحَدًا وَنَحَرَ بَدَنَةً وَدَعَا حَالِقَهُ فَحَلَقَهُ فَلَمَّا رَأَى النَّاسُ ذَلِكَ قَامُوا وَفَعَلُوا مِثْلَهُ (فَلَمَّا انْصَرَفْنَا عَنْهَا) أَيْ عَنَ الْحُدَيْبِيَةِ وَرَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ (يَهُزُّونَ) بِضَمِّ الْهَاءِ وَالزَّايِ أَيْ يُحَرِّكُونَ رَوَاحِلَهُمْ قَالَهُ السُّيُوطِيُّ
قَالَ فِي الْقَامُوسِ هَزَّهُ وَبِهِ حَرَّكَهُ (الْأَبَاعِرَ) جَمْعُ بَعِيرٍ وَالْمَعْنَى يُحَرِّكُونَ وَيُسْرِعُونَ رَوَاحِلَهُمْ(7/289)
لِتَجْتَمِعَ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ (نُوجِفُ) أَيْ نُسْرِعُ وَنَرْكُضُ (عِنْدَ كُرَاعِ الْغَمِيمِ) بِضَمِّ الْكَافِ وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالْغَمِيمُ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ مَوْضِعٌ بَيْنَ مَكَّةَ والمدينة (إنا فتحنا لك فتحا مبينا) قال بن قُتَيْبَةَ قَضَيْنَا لَكَ قَضَاءً عَظِيمًا وَقَالَ مُجَاهِدٌ هُوَ مَا قَضَى اللَّهُ لَهُ بِالْحُدَيْبِيَةِ انْتَهَى
وَكَانَتْ قِصَّةُ الْحُدَيْبِيَةِ مُقَدَّمَةً بَيْنَ يَدَيِ الْفَتْحِ الْأَعْظَمِ الَّذِي أَعَزَّ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ وَجُنْدَهُ وَدَخَلَ النَّاسُ بِهِ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا فَكَانَتْ وَاقِعَةُ الْحُدَيْبِيَةِ بَابًا وَمِفْتَاحًا وَمُؤَذِّنًا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهَذِهِ عَادَةُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ فِي الْأُمُورِ الْعِظَامِ أَنْ يُوَطِّئَ لَهَا بَيْنَ يَدَيْهَا مُقَدِّمَاتٍ وَتَوْطِئَاتٍ تُؤْذِنُ بِهَا وَتَدُلُّ عَلَيْهَا وَكَانَتْ هَذِهِ الْوَاقِعَةُ مِنْ أَعْظَمِ الْفُتُوحِ فَإِنَّ النَّاسَ أَمِنَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَاخْتَلَطَ الْمُسْلِمُونَ بِالْكُفَّارِ وَنَادَوْهُمْ بِالدَّعْوَةِ وَأَسْمَعُوهُمُ الْقُرْآنَ وَنَاظَرُوهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ جَهْرَةً آمِنِينَ وَظَهَرَ مَنْ كَانَ مُخْتَفِيًا بِالْإِسْلَامِ وَدَخَلَ فِيهِ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ مَنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدْخُلَ وَلِذَا سَمَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى فَتْحًا مُبِينًا قاله الحافظ بن الْقَيِّمِ (فَقَالَ رَجُلٌ) هُوَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ كَمَا فِي زَادِ الْمَعَادِ (قَالَ نَعَمْ) فَقَالَ الصحابة هنيالك يارسول الله فما لنا فأنزل الله عزوجل هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ (إِنَّهُ لَفَتْحٌ) أَيْ خَبَرٌ لِفَتْحِ مَكَّةَ أَوْ فَتْحِ خَيْبَرَ الَّذِي وَقَعَ بَعْدَ صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ مُتَّصِلًا بِهِ (فَقُسِّمَتْ خَيْبَرُ) أَيْ غَنَائِمُهَا وَأَرَاضِيهَا (عَلَى أَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ) الَّذِينَ كَانُوا فِي صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ ألف وخمس مائة نَفْسٍ كَمَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ (فَأَعْطَى الْفَارِسَ) أَيْ صَاحِبَ فَرَسٍ مَعَ فَرَسِهِ (وَأَعْطَى الرَّاجِلَ) بِالْأَلِفِ أَيِ الْمَاشِيَ وَالْمَعْنَى جَعَلَ كُلَّ السِّهَامِ عَلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا فَأَعْطَى لِكُلِّ مِائَةٍ من الفوارس سهمين وكان ثلاث مائة فَارِسٍ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ فَصَارَتْ سِهَامُهُمْ سِتَّةَ سهام وبقي اثني عَشَرَ سَهْمًا وَكَانَتِ الرَّجَّالَةُ اثْنَيْ عَشَرَ مِائَةً فَكَانَ لِكُلِّ مِائَةٍ مِنَ الرَّجَّالَةِ سَهْمٌ وَاحِدٌ
وَهَذَا مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ لَكِنْ هَذِهِ الرِّوَايَةَ ضعيفة وسيجيء بيانه
وقال بن الْقَيِّمِ فِي زَادِ الْمَعَادِ وَقَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ عَلَى سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ سَهْمًا جَمَعَ كُلُّ سَهْمٍ مِائَةَ سَهْمٍ فَكَانَتْ ثَلَاثَةَ آلَافٍ وَسِتَّمِائَةِ سَهْمٍ فَكَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِلْمُسْلِمِينَ النِّصْفُ من ذلك وهو ألف وثمان مائة سَهْمٍ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَهْمٌ كَسَهْمِ أَحَدِ الْمُسْلِمِينَ وَعَزَلَ النِّصْفَ الْآخَرَ وَهُوَ أَلْفٌ وَثَمَانِ مِائَةِ سَهْمٍ لِنَوَائِبِهِ وَمَا نَزَلَ بِهِ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ(7/290)
وَإِنَّمَا قُسِّمَتْ عَلَى أَلْفٍ وَثَمَانِمِائَةِ سَهْمٍ لِأَنَّهَا كَانَتْ طُعْمَةً مِنَ اللَّهِ لِأَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ مَنْ شَهِدَ مِنْهُمْ وَمَنْ غَابَ عَنْهَا وَكَانُوا أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ وَكَانَ مَعَهُمْ مِائَتَا فَرَسٍ لِكُلِّ فَرَسٍ سهمان فقسمت على ألف وثمان مائة سَهْمٍ
وَلَمْ يَغِبْ عَنْ خَيْبَرَ مِنْ أَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ إِلَّا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَقَسَمَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَسَهْمِ مَنْ حَضَرَهَا وَقَسَمَ لِلْفَارِسِ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ وَلِلرَّاجِلِ سَهْمًا وَكَانُوا أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ وَفِيهِمْ مِائَتَا فَارِسٍ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي لَا رَيْبَ فِيهِ انْتَهَى (قَالَ أَبُو دَاوُدَ حَدِيثُ أَبِي مُعَاوِيَةَ) أَيِ الْمُتَقَدِّمُ الْمَذْكُورُ فِي بَابِ سُهْمَانِ الْخَيْلِ (أَصَحُّ) أَيْ مِنْ حَدِيثِ مُجَمِّعِ بْنِ جَارِيَةَ (وَالْعَمَلُ) أَيْ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى حَدِيثِ أَبِي مُعَاوِيَةَ
قَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ وَمُجَمِّعُ بْنُ يَعْقُوبَ يَعْنِي رَاوِيَ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَمِّهِ مُجَمِّعِ بْنِ جَارِيَةَ شَيْخٌ لَا يُعْرَفُ فَأَخَذْنَا فِي ذَلِكَ بِحَدِيثِ عُبَيْدِ اللَّهِ وَلَمْ يُرَ لَهُ مِثْلُهُ خَبَرًا يُعَارِضُهُ وَلَا يَجُوزُ رَدُّ خَبَرٍ إِلَّا بِخَبَرٍ مِثْلِهِ
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَالَّذِي رَوَاهُ مُجَمِّعُ بْنُ يَعْقُوبَ بِإِسْنَادِهِ فِي عَدَدِ الْجَيْشِ وَعَدَدِ الْفُرْسَانِ قَدْ خُولِفَ فِيهِ فَفِي رِوَايَةِ جَابِرٍ وَأَهْلِ الْمَغَازِي أَنَّهُمْ كَانُوا أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ وَهُمْ أهل الحديبية وفي رواية بن عَبَّاسٍ وَصَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ وَبَشِيرِ بْنِ يَسَارٍ وَأَهْلِ الْمَغَازِي أَنَّ الْخَيْلَ كَانَتْ مِائَتَيْ فَرَسٍ وَكَانَ لِلْفَرَسِ سَهْمَانِ وَلِصَاحِبِهِ سَهْمٌ وَلِكُلِّ رَاجِلٍ سَهْمٌ
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ حَدِيثُ أَبِي مُعَاوِيَةَ أَصَحُّ وَأَرَى الْوَهَمَ فِي حَدِيثِ مُجَمِّعٍ أَنَّهُ قَالَ ثَلَاثُمِائَةِ فَارِسٍ وَإِنَّمَا كَانُوا مِائَتَيْ فَارِسٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى مُلَخَّصًا مِنْ غَايَةِ الْمَقْصُودِ شَرْحِ سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ
37 - (بَاب فِي النَّفَلِ)
[2737] قَالَ الْخَطَّابِيُّ النَّفْلُ مَا زَادَ مِنَ الْعَطَاءِ عَلَى قَدْرِ الْمُسْتَحَقِّ مِنْهُ بِالْقِسْمَةِ وَمِنْهُ النَّافِلَةُ وَهِيَ الزِّيَادَةُ مِنَ الطَّاعَةِ بَعْدَ الْفَرْضِ انْتَهَى
وَفِي الْقَامُوسِ النَّفَلُ مُحَرَّكَةً الْغَنِيمَةُ وَالْهِبَةُ وَالْجَمْعُ أَنْفَالٌ وَنِفَالٌ انْتَهَى
وَفِي النِّهَايَةِ النَّفَلُ بِالتَّحْرِيكِ الْغَنِيمَةُ وَجَمْعُهُ أَنْفَالٌ وَالنَّفْلُ بِالسُّكُونِ وَقَدْ يُحَرَّكُ الزِّيَادَةُ وَلَا يَنْفِلُ الْأَمِيرُ مِنَ الْغَنِيمَةِ أَحَدًا مِنَ الْمُقَاتِلَةِ بَعْدَ إِحْرَازِهَا حَتَّى تُقَسَّمَ كُلُّهَا ثُمَّ يَنْفِلُهُ إِنْ شَاءَ مِنَ الْخُمُسِ فَأَمَّا قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَلَا انْتَهَى(7/291)
(فَلَهُ مِنَ النَّفَلِ) بِفَتْحِ النُّونِ وَالْفَاءِ زِيَادَةٌ يُزَادُهَا الْغَازِي عَلَى نَصِيبِهِ مِنَ الْغَنِيمَةِ (الْفِتْيَانُ) جَمْعُ فَتًى بِمَعْنَى الشَّابِّ (وَلَزِمَ الْمَشْيَخَةُ) بِفَتْحِ الْمِيمِ هُوَ جَمْعُ شَيْخٍ وَيُجْمَعُ أَيْضًا عَلَى شُيُوخٍ وَأَشْيَاخٍ وَشِيَخَةٍ وَشِيخَانٍ وَمَشَائِخَ كَذَا فِي النَّيْلِ (الرَّايَاتِ) جَمْعُ رَايَةٍ عَلَمُ الْجَيْشِ يُقَالُ أَصْلُهَا الْهَمْزُ لَكِنَّ الْعَرَبَ آثَرَتْ تَرْكَهُ تَخْفِيفًا وَمِنْهُمْ مَنْ يُنْكِرُ هَذَا الْقَوْلَ وَيَقُولُ لَمْ يُسْمَعِ الْهَمْزُ كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ (فَلَمْ يَبْرَحُوهَا) أَيْ لَمْ يَزَالُوا عِنْدَ الرَّايَاتِ يُقَالُ مَا بَرِحَ مَكَانَهُ لَمْ يُفَارِقْهُ وَمَا بَرِحَ يَفْعَلُ كَذَا بِمَعْنَى الْمُوَاظَبَةِ وَالْمُلَازَمَةِ (كُنَّا رِدْءًا لَكُمْ) بِكَسْرِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الدَّالِ مَهْمُوزٌ عَلَى وَزْنِ حِمْلٍ أَيْ عَوْنًا وَنَاصِرًا لَكُمْ (فِئْتُمْ إِلَيْنَا) أَيْ رَجَعْتُمْ إِلَيْنَا
وَفِي الدُّرِّ الْمَنْثُورِ مِنْ رواية الحاكم والبيهقي وغيرهما من حديث بن عَبَّاسٍ قَالَ لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ كَذَا وَكَذَا وَمَنْ أَسَرَ أَسِيرًا فَلَهُ كَذَا وَكَذَا فَأَمَّا الْمَشْيَخَةُ فَثَبَتُوا تَحْتَ الرَّايَاتِ وَأَمَّا الشُّبَّانُ فَتَسَارَعُوا إِلَى الْقَتْلِ وَالْغَنَائِمِ فَقَالَتِ الْمَشْيَخَةُ لِلشُّبَّانِ أَشْرِكُونَا مَعَكُمْ فَإِنَّا كُنَّا لَكُمْ رِدْءًا وَلَوْ كَانَ مِنْكُمْ شَيْءٌ لَلَجَأْتُمْ إِلَيْنَا فَاخْتَصَمُوا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فنزلت يسئلونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فَقَسَمَ الْغَنَائِمَ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ انْتَهَى (فَلَا تَذْهَبُونَ) بِالْمَغْنَمِ هُوَ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْغَنِيمَةِ أَيْ فَلَا تَأْخُذُونَ بِالْغَنِيمَةِ كُلِّهَا أَيُّهَا الشُّبَّانُ (وَنَبْقَى) نَحْنُ فَمَا نَأْخُذُهُ (فَأَبَى الْفِتْيَانُ) وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ في المصنف من حديث بن عَبَّاسٍ قَالَ لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ كَذَا وَمَنْ جَاءَ بِأَسِيرٍ فَلَهُ كَذَا فَجَاءَ أَبُو الْيَسَرِ بْنُ عَمْرٍو الأنصاري بأسيرين فقال يارسول اللَّهِ إِنَّكَ قَدْ وَعَدْتَنَا فَقَامَ سَعْدُ بْنُ عبادة فقال يارسول اللَّهِ إِنَّكَ إِنْ أَعْطَيْتَ هَؤُلَاءِ لَمْ يَبْقَ لِأَصْحَابِكِ شَيْءٌ وَإِنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنَا مِنْ هَذَا زَهَادَةٌ فِي الْأَجْرِ وَلَا جُبْنٌ عَنِ الْعَدُوِّ وَإِنَّمَا قُمْنَا هَذَا الْمَقَامَ مُحَافَظَةً عَلَيْكَ أَنْ يَأْتُوكَ مِنْ وَرَائِكِ فَتَشَاجَرُوا فَنَزَلَ الْقُرْآنُ يَسْأَلُونَكَ عن الأنفال إلى قوله وأصلحوا ذات بينكم فِيمَا تَشَاجَرْتُمْ بِهِ فَسَلِّمُوا الْغَنِيمَةَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشَهِدْتُ مَعَهُ بَدْرًا فَالْتَقَى النَّاسُ فَهَزَمَ اللَّهُ الْعَدُوَّ فَانْطَلَقَتْ طَائِفَةٌ فِي إِثْرِهِمْ يَهْزِمُونَ وَيَقْتُلُونَ وَأَكَبَّتْ طَائِفَةٌ عَلَى الْغَنَائِمِ يَحُوزُونَهُ وَيَجْمَعُونَهُ وَأَحْدَقَتْ طَائِفَةٌ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُصِيبُ الْعَدُوُّ مِنْهُ غِرَّةً حَتَّى إِذَا كَانَ اللَّيْلُ وَفَاءَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالَ الَّذِينَ جَمَعُوا الْغَنَائِمَ نَحْنُ حَوَيْنَاهَا وَجَمَعْنَاهَا فَلَيْسَ لِأَحَدٍ فِيهَا نَصِيبٌ وَقَالَ الَّذِينَ خَرَجُوا فِي طَلَبِ الْعَدُوِّ لَسْتُمْ بِأَحَقَّ بِهَا مِنَّا نَحْنُ نَفَيْنَا عَنْهَا الْعَدُوَّ(7/292)
وَهَزَمْنَاهُمْ وَقَالَ الَّذِينَ أَحْدَقُوا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَسْتُمْ بِأَحَقَّ مِنَّا نَحْنُ أَحْدَقْنَا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخِفْنَا أَنْ يُصِيبَ الْعَدُوُّ مِنْهُ غِرَّةً فَاشْتَغَلْنَا به فنزلت يسألونك عن الأنفال الْآيَةَ فَقَسَمَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى فَوَاقٍ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَفِي لَفْظٍ لَهُ فِينَا أَصْحَاب بَدْرٍ نَزَلَتْ حِينَ اخْتَلَفْنَا فِي النَّفْلِ وَسَاءَتْ فِيهِ أَخْلَاقُنَا فَنَزَعَهُ اللَّهُ مِنْ أَيْدِينَا فَجَعَلَهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَسَمَهُ بَيْنَنَا عَلَى سواء (يسألونك) يامحمد (عن الأنفال) الْغَنَائِمِ لِمَنْ هِيَ (قُلْ) لَهُمْ الْأَنْفَالُ لله والرسول يَجْعَلَانِهَا حَيْثُ شَاءَ (إِلَى قَوْلِهِ كَمَا أَخْرَجَكَ ربك إِلَخْ) وَتَمَامُ الْآيَةِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بينكم أَيْ حَقِيقَةَ مَا بَيْنَكُمْ بِالْمَوَدَّةِ وَتَرْكِ النِّزَاعِ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ
الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ
أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ
كَمَا أَخْرَجَكَ ربك من بيتك بالحق مُتَعَلِّقٌ بِأَخْرَجَ وَمَا مَصْدَرِيَّةٌ وَالْكَافُ نَعْتٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ الْأَنْفَالُ ثَابِتَةٌ لِلَّهِ ثُبُوتًا كَمَا أَخْرَجَكَ أَيْ ثُبُوتًا بِالْحَقِّ كَإِخْرَاجِكِ مِنْ بَيْتِكِ بالحق يعني أنه لامرية فِي ذَلِكَ
أَوْ أَنَّهَا فِي مَحَلِّ رَفْعٍ عَلَى خَبَرِ ابْتِدَاءٍ مُضْمَرٍ تَقْدِيرُهُ هَذِهِ الْحَالُ كَحَالِ إِخْرَاجِكِ بِمَعْنَى أَنَّ حَالَهُمْ فِي كَرَاهَةِ مَا رَأَيْتَ مِنْ تَنَفُّلِ الْغُزَاةِ مِثْلَ حَالِهِمْ فِي كَرَاهَةِ خُرُوجِهِمْ لِلْحَرْبِ
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ وَقَعَ لِلْمُسْلِمِينَ فِي وَقْعَةِ بَدْرٍ كَرَاهَتَانِ كَرَاهَةُ قِسْمَةِ الْغَنِيمَةِ عَلَى السَّوِيَّةِ وَهَذِهِ الْكَرَاهَةُ مِنْ شُبَّانِهِمْ فَقَطْ وَهِيَ لِدَاعِي الطَّبْعِ وَلِتَأْوِيلِهِمْ بِأَنَّهُمْ بَاشَرُوا الْقِتَالَ دُونَ الشُّيُوخِ وَالْكَرَاهَةُ الثَّانِيَةُ كَرَاهَةُ قِتَالِ قُرَيْشٍ وَعُذْرُهُمْ فِيهَا أَنَّهُمْ خَرَجُوا مِنَ الْمَدِينَةِ ابتداء لقصد الغنيمة ولم يتهيأوا لِلْقِتَالِ فَكَانَ ذَلِكَ سَبَبَ كَرَاهَتِهِمْ لِلْقِتَالِ فَشَبَّهَ اللَّهُ إِحْدَى الْحَالَتَيْنِ بِالْأُخْرَى فِي مُطْلَقِ الْكَرَاهَةِ قَالَهُ سُلَيْمَانُ الْجَمَلُ
(وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لكارهون) الْخُرُوجَ
وَذَلِكَ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ قَدِمَ بِعِيرٍ مِنَ الشَّامِ فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ لِيَغْنَمُوهَا فَعَلِمَتْ قُرَيْشٌ فَخَرَجَ أَبُو جَهْلٍ وَمُقَاتِلُو مَكَّةَ لِيَذُبُّوا عَنْهَا وَهُمُ النَّفِيرُ وَأَخَذَ أَبُو سُفْيَانَ بِالْعِيرِ طَرِيقَ السَّاحِلِ فَنَجَتْ فَقِيلَ لِأَبِي جَهْلٍ ارْجِعْ فَأَبَى وَسَارَ إِلَى بَدْرٍ فَشَاوَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهَ وَقَالَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَعَدَنِي إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ فَوَافَقُوهُ عَلَى قِتَالِ النَّفِيرِ وَكَرِهَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ وقالوا لم نستعد له (يقول) أي بن عَبَّاسٍ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى (فَكَانَ ذَلِكَ خَيْرًا لَهُمْ) أَيْ كَانَ الْخُرُوجُ إِلَى بَدْرٍ خَيْرًا لَهُمْ لِمَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ مِنَ النَّصْرِ والظفر (فكذلك(7/293)
أَيْضًا) أَيْ فَهَذِهِ الْحَالَةُ الَّتِي هِيَ قِسْمَةُ الْغَنَائِمِ عَلَى السَّوِيَّةِ بَيْنَ الشُّبَّانِ وَالْمَشْيَخَةِ وَعَدَمِ مُخَالَفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إِعْطَاءِ النَّفَلِ لِمَنْ أَرَادَهُ مِثْلُ الْخُرُوجِ فِي أَنَّ الْكُلَّ خَيْرٌ لَهُمْ (فَأَطِيعُونِي) فِي كُلِّ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَلَا تُخَالِفُونِي (بِعَاقِبَةِ هَذَا) أَيْ إِعْطَاءِ النَّفْلِ (مِنْكُمْ) وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ
[2739] (قَسَمَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالسَّوَاءِ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا إِذَا انْفَرَدَتْ مِنْهُ قِطْعَةٌ فَغَنِمْتُ شيئا كانت الغنيمة للجميع
قال بن عَبْدِ الْبَرِّ لَا يَخْتَلِفُ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ أَيْ إِذَا خَرَجَ الْجَيْشُ جَمِيعُهُ ثُمَّ انْفَرَدَتْ مِنْهُ قِطْعَةٌ انْتَهَى
وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْجَيْشَ الْقَاعِدَ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ لَا يُشَارِكُ الْجَيْشَ الخارج إلى بلاد العدو بل قال بن دَقِيقِ الْعِيدِ إِنَّ الْمُنْقَطِعَ مِنَ الْجَيْشِ عَنِ الْجَيْشِ الَّذِي فِيهِ الْإِمَامُ يَنْفَرِدُ بِمَا يَغْنَمُهُ
قَالَ وَإِنَّمَا قَالُوا هُوَ بِمُشَارَكَةِ الْجَيْشِ لَهُمْ إِذَا كَانُوا قَرِيبًا مِنْهُمْ يَلْحَقُهُمْ عَوْنُهُ وَغَوْثُهُ لَوِ احْتَاجُوا انْتَهَى
وَسَيَجِيءُ بَعْضُ الْبَيَانِ فِي الْبَابِ الْآتِي
وَقَوْلُهُ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ فَقَسَمَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على فَوَاقٍ أَيْ قَسَمَهَا بِسُرْعَةٍ فِي قَدْرِ مَا بَيْنَ الْحَلْبَتَيْنِ وَقِيلَ الْمُرَادُ فَضَّلَ فِي الْقِسْمَةِ فَجَعَلَ بَعْضَهُمْ أَفْوَقَ مِنْ بَعْضٍ عَلَى قَدْرِ عِنَايَتِهِ أَيْ لِإِيفَاءِ الْوَعْدِ وَهَذَا أَقْرَبُ
وَهَذَا الْبَابُ لِإِثْبَاتِ النَّفْلِ وَالْأَبْوَابُ الْآتِيَةُ لِأَحْكَامِ مَحَلِّ النَّفْلِ وَلِمَنْ هُوَ الْمُسْتَحِقُّ لَهُ كَذَا فِي الشَّرْحِ
[2740] (إِنَّ اللَّهَ قَدْ شَفَى صَدْرِي) وَلَفْظُ الْبَيْهَقِيِّ وَغَيْرِهِ كَمَا فِي الدُّرِّ الْمَنْثُورِ قَدْ شَفَانِي اللَّهُ الْيَوْمَ(7/294)
مِنَ الْمُشْرِكِينَ (يُعْطَاهُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ وَالضَّمِيرُ الْمَنْصُوبُ هُوَ مَفْعُولُهُ الثَّانِي وَنَائِبُ فَاعِلِهِ هُوَ قَوْلُهُ مَنْ لَمْ يُبْلَ (الْيَوْمَ) ظَرْفٌ لِيُعْطَى (مَنْ لَمْ يُبْلَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ وَالْمَعْنَى أَيْ لَمْ يَعْمَلْ مِثْلَ عَمَلِي فِي الْحَرْبِ كَأَنَّهُ أَرَادَ أَنَّ فِي الْحَرْبِ يُخْتَبَرُ الرَّجُلُ فَيَظْهَرُ حَالُهُ وَقَدِ اخْتُبِرْتُ أَنَا فَظَهَرَ مِنِّي مَا ظَهَرَ فَأَنَا أَحَقُّ لِهَذَا السَّيْفِ مِنَ الَّذِي لَمْ يُخْتَبَرْ مِثْلَ اخْتِبَارِي قَالَهُ السِّنْدِيُّ (فَهُوَ لَكَ)
وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ أَخَذَ أَبِي مِنَ الْخُمْسِ شَيْئًا فَأَتَى بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ هَبْ لِي هَذَا فَأَبَى فَأَنْزَلَ اللَّهُ يَسْأَلُونَكَ الْآيَةَ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ أَصَبْتُ سَيْفًا فَأَتَى بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم فقال يارسول اللَّهِ نَفِّلْنِيهِ فَقَالَ ضَعْهُ ثُمَّ قَامَ فَقَالَ يارسول اللَّهِ نَفِّلْنِيهِ فَقَالَ ضَعْهُ ثُمَّ قَامَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ نَفِّلْنِيهِ الْحَدِيثُ وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ سَعْدٍ قَالَ أَصَابَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَنِيمَةً عَظِيمَةً فَإِذَا فِيهَا سَيْفٌ فَأَخَذْتُهُ فَأَتَيْتُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ نَفِّلْنِي هَذَا السَّيْفَ فَأَنَا مَنْ عَلِمْتَ فَقَالَ رُدَّهُ من حيث أخذته الحديث
وعند بن مَرْدَوَيْهِ عَنْ سَعْدٍ قَالَ نَفَّلَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ سَيْفًا وَنَزَلَ في النفل قال المنذري سعد هو بن أَبِي وَقَّاصٍ
وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مُطَوَّلًا بِنَحْوِهِ
وَأَخْرَجَهُ الترمذي والنسائي انتهى
38 - (بَابٌ فِي النَّفْلِ لِلسَّرِيَّةِ تَخْرُجُ مِنَ الْعَسْكَرِ)
[2741] السَّرِيَّةُ طَائِفَةٌ مِنْ جَيْشٍ أَقْصَاهَا أَرْبَعُمِائَةٍ تُبْعَثُ إلى العدو(7/295)
(قبل نجد) بكسر القاف وفتح الموحدة أي جِهَتَهَا (فَكَانَ سُهْمَانُ الْجَيْشِ) بِضَمِّ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْهَاءِ جَمْعُ سَهْمٍ بِمَعْنَى النَّصِيبِ (اثْنَيْ عَشَرَ بَعِيرًا اثْنَيْ عَشَرَ بَعِيرًا) أَيْ كَانَ هَذَا الْقَدْرُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْجَيْشِ (وَنَفَّلَ) أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَهْلَ السَّرِيَّةِ) أَيْ أَعْطَاهُمْ زَائِدًا عَلَى سِهَامِهِمْ (فَكَانَتْ سُهْمَانُهُمْ) أَيْ مَعَ النَّفْلِ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يُنَفِّلَ بَعْضَ الْجَيْشِ بِبَعْضِ الْغَنِيمَةِ إِذَا كَانَ لَهُ مِنَ الْعِنَايَةِ وَالْمُقَاتَلَةِ مَا لَمْ يَكُنْ لِغَيْرِهِ
وَقَالَ عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ ذَلِكَ مُخْتَصٌّ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُونَ مَنْ بَعْدَهُ
وَكَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يَكُونَ بِشَرْطٍ مِنْ أَمِيرِ الْجَيْشِ كَأَنْ يُحَرِّضَ عَلَى الْقِتَالِ وَيَعِدَ بِأَنْ يُنَفِّلَ الرُّبْعَ أَوِ الثُّلُثَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْقِتَالَ حِينَئِذٍ يَكُونُ لِلدُّنْيَا فَلَا يَجُوزُ
قَالَ فِي الْفَتْحِ وَفِي هَذَا رَدٌّ عَلَى مَنْ حَكَى الْإِجْمَاعَ عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهِ
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ هُوَ مِنْ أَصْلِ الْغَنِيمَةِ أَوْ مِنَ الْخُمْسِ أَوْ مِنْ خُمْسِ الْخُمْسِ أَوْ مِمَّا عَدَا الْخُمْسِ عَلَى أَقْوَالٍ
وَاخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ عَنِ الشَّافِعِيِّ فِي ذَلِكَ فَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ مِنْ أَصْلِ الْغَنِيمَةِ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ مِنَ الْخُمْسِ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ مِنْ خُمْسِ الْخُمْسِ وَالْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ مِنْ خُمْسِ الْخُمْسِ وَنَقَلَهُ مُنْذِرُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكٍ وَهُوَ شَاذٌّ عِنْدَهُمْ
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَغَيْرُهُمْ النَّفْلُ مِنْ أَصْلِ الْغَنِيمَةِ وَقَالَ مَالِكٌ وَطَائِفَةٌ لَا نَفَلَ إِلَّا مِنَ الْخُمْسِ
قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ إِنْ أَرَادَ الْإِمَامُ تَفْضِيلَ بَعْضِ الْجَيْشِ لِمَعْنًى فِيهِ فَذَلِكَ مِنَ الْخُمْسِ لَا مِنْ رَأْسِ الْغَنِيمَةِ وَإِنِ انْفَرَدَتْ قِطْعَةٌ فَأَرَادَ أَنْ يُنَفِّلَهَا مِمَّا غَنِمَتْ دُونَ سَائِرِ الْجَيْشِ فَذَلِكَ مِنْ غَيْرِ الْخُمْسِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى الثُّلُثِ انْتَهَى
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ السَّرِيَّةَ إِذَا انْفَصَلَتْ مِنَ الْجَيْشِ فَجَاءَتْ بِغَنِيمَةٍ فَإِنَّهَا تَكُونُ مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْجَيْشِ لِأَنَّهُمْ رِدْءٌ لَهُمْ
وَاخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ الزِّيَادَةِ الَّتِي هِيَ النَّفْلُ مِنْ أَيْنَ أَعْطَاهُمْ إياها فكان بن الْمُسَيَّبِ يَقُولُ إِنَّمَا يُنَفِّلُ الْإِمَامُ مِنَ الْخُمْسِ يَعْنِي سَهْمَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ خُمْسُ الْخُمْسِ مِنَ الْغَنِيمَةِ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو عُبَيْدٍ
وَقَالَ غَيْرُهُمْ إِنَّمَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنَفِّلُ مِنَ الْغَنِيمَةِ الَّتِي يَغْنَمُوهَا كَمَا نَفَّلَ الْقَاتِلَ السَّلَبَ مِنْ جُمْلَةِ الْغَنِيمَةِ قَالَ وَعَلَى هَذَا دَلَّ أَكْثَرُ مَا رُوِيَ مِنَ الْأَخْبَارِ فِي هَذَا الْبَابِ انْتَهَى مُخْتَصَرًا
وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ المنذري
[2742] (حدثت بن الْمُبَارَكِ بِهَذَا الْحَدِيثِ) الْمَذْكُورِ مِنْ طَرِيقِ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ نَافِعٍ(7/296)
(قُلْتُ) هَذَا أَيْضًا مَقُولَةُ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ (وكذا حدثنا بن أَبِي فَرْوَةَ) هُوَ إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ ضَعِيفٌ جِدًّا
قَالَ الْبُخَارِيُّ تَرَكُوهُ وَقَالَ أَحْمَدُ لَا تَحِلُّ الرِّوَايَةُ عَنْهُ أي حدثنا به بن أَبِي فَرْوَةَ كَمَا حَدَّثَنَا بِهِ شُعَيْبٌ (قَالَ) عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ مُجِيبًا لِلْوَلِيدِ (لَا يَعْدِلُ) بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ الْغَائِبِ كَذَا فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا بِصِيغَةِ النَّهْيِ الْحَاضِرِ أَيْ لَا يُسَاوِي فِي الضَّبْطِ وَالْإِتْقَانِ وَالْحِفْظِ (مَنْ سَمَّيْتَ) بِصِيغَةِ الْخِطَابِ أَيْ مَنْ ذَكَرْتَ اسْمَهُ وهو شعيب وبن أَبِي فَرْوَةَ وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ فَاعِلٌ لَا يَعْدِلُ (بِمَالِكِ) بْنِ أَنَسٍ الْإِمَامِ فَشُعَيْبٌ دُونَ مَالِكٍ في الحفظ وبن أَبِي فَرْوَةَ ضَعِيفٌ (هَكَذَا أَوْ نَحْوَهُ) أَيْ قال بن الْمُبَارَكِ هَكَذَا بِهَذَا اللَّفْظِ أَوْ نَحْوَ هَذَا اللَّفْظِ (يَعْنِي مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ) هَذَا تَفْسِيرٌ من أحد الرواة أي أراد بن الْمُبَارَكِ بِمَالِكٍ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ
وَأَمَّا مَعْنَى كلام بن المبارك فهو أن في رواية شعيب وبن أَبِي فَرْوَةَ فَكَانَتْ سُهْمَانُهُمْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ
وَأَمَّا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ الْإِمَامُ فَرَوَاهُ بِلَفْظِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ سَرِيَّةً فِيهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قِبَلَ نَجْدٍ فَكَانَ سُهْمَانُهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ بَعِيرًا بِالشَّكِّ أَوْ أَحَدَ عَشَرَ بَعِيرًا كَمَا فِي الْمُوَطَّأِ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى اللَّيْثِيِّ
قَالَ بن عبد البر اتفق رواة المؤطأ عَلَى رِوَايَتِهِ بِالشَّكِّ إِلَّا الْوَلِيدَ بْنَ مُسْلِمٍ فَرَوَاهُ عَنْ شُعَيْبٍ وَمَالِكٍ جَمِيعًا فَقَالَ اثْنَيْ عَشَرَ فَلَمْ يَشُكَّ وَكَأَنَّهُ حَمَلَ رِوَايَةَ مَالِكٍ عَلَى رِوَايَةِ شُعَيْبٍ وَهُوَ مِنْهُ غَلَطٌ
وَكَذَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ عَنْ مَالِكٍ وَاللَّيْثِ بِغَيْرِ شَكٍّ فَكَأَنَّهُ أَيْضًا حَمَلَ رِوَايَةَ مَالِكٍ عَلَى رِوَايَةِ اللَّيْثِ وَالْقَعْنَبِيُّ إِنَّمَا رَوَاهُ فِي الْمُوَطَّأِ عَلَى الشَّكِّ فَلَا أَدْرِي أَمِنِ الْقَعْنَبِيِّ جَاءَ هَذَا حِينَ خَلَطَ حَدِيثَ اللَّيْثِ بِحَدِيثِ مَالِكٍ أَمْ مِنْ أَبِي دَاوُدَ
وَقَالَ سَائِرُ أَصْحَابِ نَافِعٍ اثْنَيْ عَشَرَ بَعِيرًا بِلَا شَكٍّ لَمْ يَقَعِ الشَّكُّ فِيهِ إِلَّا مِنْ قِبَلِ مَالِكٍ
كَذَا فِي شَرْحِ الْمُوَطَّأِ لِلزُّرْقَانِيِّ فَصَارَ الِاخْتِلَافُ فِي عَدَدِ السِّهَامِ
وَفِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ نَفَّلَ أَهْلَ السَّرِيَّةِ وَفَاعِلُ نَفَّلَ هُوَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَقَالَ مَالِكٌ فِي رِوَايَتِهِ وَنُفِّلُوا بَعِيرًا بَعِيرًا فَالِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمَا فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَقَوْلُهُ نُفِّلُوا بِضَمِّ النُّونِ مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ أَيْ أُعْطِيَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ زِيَادَةٌ عَلَى السَّهْمِ الْمُسْتَحَقِّ لَهُ بَعِيرًا بَعِيرًا
وَاعْلَمْ أَنَّهُ اخْتَلَفَتِ الرُّوَاةُ فِي الْقَسْمِ وَالتَّنْفِيلِ هَلْ كَانَا مَعًا مِنْ أَمِيرِ الْجَيْشِ أو(7/297)
مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ أَحَدُهُمَا مِنْ أَحَدِهِمَا فَلِأَبِي دَاوُدَ عَنْ مُحَمَّدِ بن إسحاق عن نافع عن بن عُمَرَ أَنَّ الْقِسْمَةَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّنْفِيلَ مِنَ الْأَمِيرِ
وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ شُعَيْبٍ عَنْ نَافِعٍ عن بن عُمَرَ قَالَ بَعَثَنَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِيهِ فَكَانَ سُهْمَانُ الْجَيْشِ اثْنَيْ عَشَرَ بَعِيرًا وَنَفَّلَ أَهْلَ السَّرِيَّةِ بَعِيرًا بَعِيرًا فكانت سهمانهم ثلاثة عشر بعيرا وأخرجه بن عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَقَالَ فِي رِوَايَتِهِ إِنَّ ذَلِكَ الْجَيْشَ كَانَ أَرْبَعَةَ آلَافٍ أي الذي خرجت منه السرية الخمسة عشر كما عند بن سَعْدٍ وَغَيْرِهِ وَظَاهِرُ رِوَايَةِ اللَّيْثِ عَنْ نَافِعٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَنَّ ذَلِكَ صَدَرَ مِنْ أَمِيرِ الْجَيْشِ وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَرَّ ذَلِكَ وَأَجَازَهُ لِأَنَّهُ قَالَ فِيهِ وَلَمْ يُغَيِّرْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عِنْدَهُ أَيْضًا وَنَفَّلَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعِيرًا بَعِيرًا وَهَذَا يُحْمَلُ عَلَى التَّقْدِيرِ فَتَجْتَمِعُ الرِّوَايَتَانِ مَعْنَاهُ أَنَّ أَمِيرَ السَّرِيَّةِ نَفَّلَهُمْ فَأَجَازَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَتْ نِسْبَتُهُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا
قَالَ فِي الِاسْتِذْكَارِ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ إِنَّ النَّفْلَ مِنَ الْخُمْسِ لَا مِنْ رَأْسِ الْغَنِيمَةِ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عَبْدُ الله وأيوب عن نافع وفي رواية بن إِسْحَاقَ عَنْهُ أَنَّهُ مِنْ رَأْسِ الْغَنِيمَةِ لَكِنَّهُ لَيْسَ كَهَؤُلَاءِ فِي نَافِعٍ انْتَهَى
وَذَهَبَتْ تِلْكَ السَّرِيَّةُ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ قَبْلَ فَتْحِ مكة قاله بن سَعْدٍ وَذَكَرَ غَيْرُهُ أَنَّهَا كَانَتْ فِي جُمَادَى الْأُولَى وَقِيلَ فِي رَمَضَانَ مِنَ السَّنَةِ وَكَانَ أَمِيرُهَا أَبُو قَتَادَةَ وَكَانُوا خَمْسَةَ عَشَرَ رَجُلًا وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فِي تِلْكَ السَّرِيَّةِ
قَالَهُ الْحَافِظُ كَذَا فِي الشَّرْحِ لِأَبِي الطَّيِّبِ وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِيهِ
[2743] (فَأَصَبْنَا نَعَمًا كَثِيرًا) النَّعَمُ بِالتَّحْرِيكِ وَقَدْ يُسَكَّنُ عَيْنُهُ الْإِبِلُ وَالشَّاءُ أَوْ خَاصٌّ بِالْإِبِلِ كَذَا فِي الْقَامُوسِ (بِالَّذِي أَعْطَانَا صَاحِبُنَا) أَيْ أَمِيرُنَا (وَلَا عَابَ) أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى أَمِيرِنَا (بَعْدَ مَا صَنَعَ) أَيِ الْأَمِيرُ (بِنَفْلِهِ) أَيْ مَعَ نَفْلِهِ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي هَذَا بَيَانٌ ظَاهِرٌ أَنَّ النَّفْلَ إِنَّمَا أَعْطَاهُمْ مِنْ جُمْلَةِ الْغَنِيمَةِ لَا مِنَ الْخُمْسِ(7/298)
الذي هو سهمه ونصيبه فظاهر حديث بن عُمَرَ أَنَّهُ أَعْطَاهُمْ هَذَا النَّفْلَ قَبْلَ الْخُمْسِ كَمَا نَفَّلَهُمُ السَّلَبَ قَبْلَ الْخُمْسِ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ أَبُو ثَوْرٍ
وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ
[2744] (فَكَانَتْ سُهْمَانُهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ بَعِيرًا) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ اثْنَا عَشَرَ بَعِيرًا وَهُوَ صَحِيحٌ عَلَى لُغَةِ مَنْ جَعَلَ الْمُثَنَّى بِالْأَلِفِ سَوَاءٌ كَانَ مَرْفُوعًا أَوْ مَنْصُوبًا أَوْ مَجْرُورًا وَهِيَ لُغَةُ أَرْبَعِ قَبَائِلَ مِنَ الْعَرَبِ قَالَهُ النَّوَوِيُّ (فَلَمْ يُغَيِّرْهُ) أَيْ لَمْ يُغَيِّرْ مَا فَعَلَهُ أَمِيرُنَا قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِنَحْوِهِ
[2745] (وَنَفَّلَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَيُفْهَمُ مِنَ الرِّوَايَةِ السَّابِقَةِ أَنَّ الْمُنَفِّلَ هُوَ أَمِيرُ السَّرِيَّةِ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَنَّ أَمِيرَ السَّرِيَّةِ نَفَّلَهُمْ فَأَجَازَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَجُوزُ نِسْبَتُهُ إِلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ
(رَوَاهُ بُرْدٌ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وسكون الراء (بن سِنَانٍ) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ (إِلَّا أَنَّهُ قَالَ وَنَفَّلَنَا) ضُبِطَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ بِصِيغَةِ الْمَعْرُوفِ وَالْمَجْهُولِ
[2746] (حَدَّثَنِي حُجَيْنٌ) بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ التحتية بعدها نون بن المثنى(7/299)
الْيَمَامِيُّ ثِقَةٌ (النَّفَلَ) بِالتَّحْرِيكِ وَيُسَكَّنُ بِالنَّصْبِ مَفْعُولٌ (وَالْخُمْسُ وَاجِبٌ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ) بِالْجَرِّ تَأْكِيدٌ لِقَوْلِهِ فِي ذَلِكَ وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِوُجُوبِ الْخُمْسِ فِي كُلِّ الْغَنَائِمِ قَالَهُ النَّوَوِيُّ
وَقَالَ فِي فَتْحِ الْوَدُودِ يُفِيدُ أَنَّ الْخُمْسَ يُؤْخَذُ أَوَّلًا مِنَ الْغَنِيمَةِ ثُمَّ يُنَفَّلُ مِنَ الْبَاقِي ثُمَّ يُقَسَّمُ مَا بَقِيَ انْتَهَى
وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ
[2747] (اللَّهُمَّ إِنَّهُمْ حُفَاةٌ) جَمْعُ حَافٍ مِنَ الْحِفَايَةِ وَهُوَ الْمَشْيُ بِغَيْرِ خُفٍّ وَلَا نَعْلٍ (عُرَاةٌ) (جِيَاعٌ) جَمْعُ جَائِعٍ (بِجَمَلٍ أَوْ جَمَلَيْنِ) هُوَ مَحَلُّ التَّرْجَمَةِ لِأَنَّ الْغَنَائِمَ تُقَسَّمُ بِالسَّوِيَّةِ وَمَا يُفَضَّلُ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ إِلَّا بِالنَّفْلِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ
39 - (بَاب فِيمَنْ قَالَ الْخُمُسُ قَبْلَ النَّفْلِ)
[2748] (يُنَفِّلُ الثُّلُثَ بَعْدَ الْخُمْسِ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ أَعْطَاهُمْ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ خَمَّسَ الْغَنِيمَةَ وَيُشْبِهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرَانِ مَعًا جَائِزَيْنِ وَفِيهِ أَنَّهُ بَلَغَ بِالنَّفْلِ الثُّلُثَ
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ مَكْحُولٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ لَا يُجَاوِزُ بِالنَّفْلِ الثُّلُثَ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَيْسَ فِي النَّفْلِ حَدٌّ لَا يُجَاوَزُ إِنَّمَا هُوَ اجتهاد الإمام انتهى
قال المنذري وأخرجه بن ماجه(7/300)
[2749] (كَانَ يُنَفِّلُ الرُّبْعَ) أَيْ فِي الْبَدْأَةِ (بَعْدَ الْخُمْسِ) أَيْ بَعْدَ أَنْ يُخْرِجَ الْخُمْسَ (وَالثُّلُثَ) أَيْ وَيُنَفِّلُ الثُّلُثَ (إِذَا قَفَلَ) قَيْدٌ لِلْمَعْطُوفِ أَيْ إِذَا رَجَعَ مِنَ الْغَزْوِ وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ
[2750] (فَمَا خَرَجْتُ مِنْ مِصْرَ وَبِهَا عِلْمٌ) مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ (إِلَّا حَوَيْتُ) بِصِيغَةِ الْمُتَكَلِّمِ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْعِلْمِ أَيْ مَا تَرَكْتُ بِمِصْرَ عِلْمًا إِلَّا أَخَذْتُهُ
قَالَ فِي النِّهَايَةِ يُقَالُ حَوَيْتُ الشَّيْءَ إِذَا جَمَعْتُهُ (ثُمَّ أَتَيْتُ الْحِجَازَ) أَيْ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ وَالطَّائِفَ وَالْيَمَنَ وَغَيْرَهَا (ثُمَّ أَتَيْتُ الْعِرَاقَ) أَيَ الْكُوفَةَ وَالْبَصْرَةَ وَالْبَغْدَادَ وَغَيْرَهَا (فِيمَا أُرَى) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ أَيْ فِي ظَنِّي (فَغَرْبَلْتُهَا) أَيْ كَشَفْتُ حَالَ مَنْ بِهَا كَأَنَّهُ جَعَلَهُمْ فِي غِرْبَالٍ فَفَرَّقَ بَيْنَ الْجَيِّدِ وَالرَّدِيءِ قَالَهُ فِي النِّهَايَةِ (نَفَّلَ الرُّبْعَ فِي الْبَدْأَةِ إِلَخْ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ رِوَايَةً عَنِ بن الْمُنْذِرِ إِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا فَرَّقَ بَيْنَ الْبَدْأَةِ وَالْقُفُولِ حِينَ فَضَّلَ أَحَدَ الْعَطِيَّتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى لِقُوَّةِ الظَّهْرِ عِنْدَ دُخُولِهِمْ وَضَعْفِهِ عِنْدَ خُرُوجِهِمْ وَلِأَنَّهُمْ وَهُمْ دَاخِلُونَ أَنْشَطُ وَأَشْهَى لِلسَّيْرِ وَالْإِمْعَانِ فِي بِلَادِ الْعَدُوِّ وَأَجَمُّ
وَهُمْ عِنْدَ الْقُفُولِ يَضْعُفُ دَوَابُّهُمْ وَأَبْدَانُهُمْ وَهُمْ أَشْهَى لِلرُّجُوعِ إِلَى أَوْطَانِهِمْ وَأَهَالِيهُمْ لِطُولِ عَهْدِهِمْ بِهِمْ وَحُبِّهِمْ لِلرُّجُوعِ فَيَرَى أَنَّهُ زَادَهُمْ فِي القفول لهذه العلل قال الخطابي كلام بن الْمُنْذِرِ هَذَا لَيْسَ بِالْبَيِّنِ لِأَنَّ فَحْوَاهُ(7/301)
يُوهِمُ أَنَّ الرَّجْعَةَ هِيَ الْقُفُولُ إِلَى أَوْطَانِهِمْ وَلَيْسَ هُوَ مَعْنَى الْحَدِيثِ وَالْبَدْأَةُ إِنَّمَا هِيَ ابْتِدَاءُ السَّفَرِ لِلْغَزْوِ وَإِذَا نَهَضَتْ سَرِيَّةٌ مِنْ جُمْلَةِ الْعَسْكَرِ فَإِذَا وَقَعَتْ بِطَائِفَةٍ مِنَ الْعَدُوِّ فَمَا غَنِمُوا كَانَ لَهُمْ فِيهِ الرُّبْعُ وَتُشْرِكُهُمْ سَائِرُ الْعَسْكَرِ فِي ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِهِ فَإِنْ قَفَلُوا مِنَ الْغَزْوَةِ ثُمَّ رَجَعُوا فَأَوْقَعُوا بِالْعَدُوِّ ثَانِيَةً كَانَ لَهُمْ مِمَّا غَنِمُوا الثُّلُثَ لِأَنَّ نُهُوضَهُمْ بَعْدَ الْقَفْلِ أَشَدُّ لِكَوْنِ الْعَدُوِّ عَلَى حَذَرٍ وَحَزْمٍ انْتَهَى
قَالَ فِي السُّبُلِ وَمَا قَالَهُ الخطابي هو الأقرب
وقال بن الْأَثِيرِ أَرَادَ بِالْبَدْأَةِ ابْتِدَاءَ الْغَزْوِ وَبِالرَّجْعَةِ الْقُفُولَ مِنْهُ وَالْمَعْنَى كَانَ إِذَا نَهَضَتْ سَرِيَّةٌ مِنْ جُمْلَةِ الْعَسْكَرِ الْمُقْبِلِ عَلَى الْعَدُوِّ فَأَوْقَعَتْ بِهِمْ نَفَّلَهَا الرُّبْعَ مِمَّا غَنِمَتْ وَإِذَا فَعَلَتْ ذَلِكَ عِنْدَ عَوْدِ الْعَسْكَرِ نَفَّلَهَا الثُّلُثَ لِأَنَّ الْكَرَّةَ الثَّانِيَةَ أَشَقُّ عَلَيْهِمْ وَالْخَطَرُ فِيهَا أَعْظَمُ وَذَلِكَ لِقُوَّةِ الظَّهْرِ عِنْدَ دُخُولِهِمْ وَضَعْفِهِ عِنْدَ خُرُوجِهِمْ وَهُمْ فِي الْأَوَّلِ أَنْشَطُ وَأَشْهَى لِلسَّيْرِ وَالْإِمْعَانِ فِي بِلَادِ الْعَدُوِّ وَهُمْ عِنْدَ الْقُفُولِ أَضْعَفُ وَأَفْتَرُ وَأَشُهَى لِلرُّجُوعِ إِلَى أَوْطَانِهِمْ فَزَادَهُمْ لِذَلِكَ انْتَهَى قَالَ الْمُنْذِرِيُّ أَنْكَرَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَكُونَ لِحَبِيبٍ هَذَا صُحْبَةٌ وَأَثْبَتَهَا لَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ وَقَدْ قَالَ فِي حَدِيثِهِ هَذَا شَهِدْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُنْيَتُهُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَكَانَ يُسَمَّى حَبِيبَ الرُّومِ لِكَثْرَةِ مُجَاهَدَتِهِ الروم وأخرجه بن ماجه بمعناه
4
( [2751] باب في السرية ترد بِصِيغَةِ الْمَعْرُوفِ)
أَيْ مَا تَغْنَمُهُ مِنَ الْأَمْوَالِ (عَلَى أَهْلِ الْعَسْكَرِ) الَّذِي خَرَجَتْ مِنْهُ السَّرِيَّةُ فَتَكُونُ السَّرِيَّةُ وَأَهْلُ الْعَسْكَرِ فِي أَخْذِ الْغَنِيمَةِ وَالْقِسْمَةِ سَوَاءً وَسَيَجِيءُ بَيَانُهُ
(تَتَكَافَأُ) بِالْهَمْزِ فِي آخِرِهِ أَيْ تَتَسَاوَى (دِمَاؤُهُمْ) أَيْ فِي الْقِصَاصِ وَالدِّيَاتِ لَا يُفَضَّلُ شَرِيفٌ عَلَى وَضِيعٍ كَمَا كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ (يَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ) أَيْ بِأَمَانِهِمْ (أَدْنَاهُمْ) أَيْ عَدَدًا وَهُوَ الْوَاحِدُ أَوْ مَنْزِلَةً
قَالَ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ أَيْ أَنَّ وَاحِدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِذَا آمَنَ كَافِرًا حَرُمَ عَلَى عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ دَمُهُ وَإِنْ كَانَ هَذَا الْمُجِيرُ أَدْنَاهُمْ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا أَوِ امْرَأَةً أَوْ عَسِيفًا تَابِعًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فَلَا يُخْفَرُ ذِمَّتُهُ (وَيُجِيرُ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ أَنَّ بَعْضَ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ كَانَ قَاصِيَ الدَّارِ إِذَا عَقَدَ لِلْكَافِرِ عَقْدًا لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَنْقُضَهُ وَإِنْ كَانَ أَقْرَبَ دَارٍ مِنَ الْمَعْقُودِ لَهُ (وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ) قَالَ(7/302)
أَبُو عُبَيْدَةَ أَيْ الْمُسْلِمُونَ لَا يَسَعُهُمُ التَّخَاذُلُ بَلْ يُعَاوِنُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا عَلَى جَمِيعِ الْأَدْيَانِ وَالْمِلَلِ
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَى الْيَدِ الْمُظَاهَرَةُ وَالْمُعَاوَنَةُ إِذَا اسْتُنْفِرُوا وَجَبَ عَلَيْهِمُ النَّفِيرُ وَإِذَا اسْتُنْجِدُوا أَنْجَدُوا وَلَمْ يَتَخَلَّفُوا وَلَمْ يَتَخَاذَلُوا انْتَهَى
وَفِي النِّهَايَةِ أَيْ هُمْ مُجْتَمِعُونَ عَلَى أَعْدَائِهِمْ لَا يَسَعُهُمُ التَّخَاذُلُ بَلْ يُعَاوِنُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا كَأَنَّهُ جَعَلَ أَيْدِيَهُمْ يَدًا وَاحِدَةً وَفِعْلَهُمْ فِعْلًا وَاحِدًا انْتَهَى
يَرُدُّ مُشِدُّهُمْ عَلَى مُضْعِفِهِمْ قَالَ الْخَطَّابِيُّ الْمُشِدُّ الْمُقَوِّي الَّذِي دَوَابُّهُ شَدِيدَةٌ قَوِيَّةٌ وَالْمُضْعِفُ مَنْ كَانَتْ دَوَابُّهُ ضِعَافًا انْتَهَى وَفِي النِّهَايَةِ يُرِيدُ أَنَّ الْقَوِيَّ مِنَ الْغُزَاةِ يُسَاهِمُ الضَّعِيفَ فِيمَا يَكْسِبُهُ مِنَ الْغَنِيمَةِ انْتَهَى
وَقَالَ السُّيُوطِيُّ وَجَاءَ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ الْمُضْعِفُ أَمِيرُ الرُّفْقَةِ أَيْ يَسِيرُونَ سَيْرَ الضَّعِيفِ لَا يَتَقَدَّمُونَهُ فَيَتَخَلَّفُ عَنْهُمْ وَيَبْقَى بِمَضْيَعَةٍ انْتَهَى
(وَمُتَسَرِّيهُمْ) بِالتَّاءِ الْفَوْقَانِيَّةِ وَبَعْدَهَا سِينٌ ثُمَّ الرَّاءُ ثُمَّ الْيَاءُ التَّحْتَانِيَّةُ
وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ مُتَسَرِّعُهُمْ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَ الرَّاءِ
قَالَ السُّيُوطِيُّ هُوَ غَلَطٌ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ الْمُتَسَرِّي هُوَ الَّذِي يَخْرُجُ فِي السَّرِيَّةِ وَمَعْنَاهُ أَنْ يَخْرُجَ الْجَيْشُ فَيَنْحُوَا بِقُرْبِ دَارِ الْعَدُوِّ ثُمَّ يَنْفَصِلُ مِنْهُمْ سَرِيَّةٌ فَيَغْنَمُوا فَإِنَّهُمْ يَرُدُّونَ مَا غَنِمُوا عَلَى الْجَيْشِ الَّذِي هُوَ رِدْءٌ لَهُمْ لَا يَنْفَرِدُونَ بِهِ فَأَمَّا إِذَا كَانَ خُرُوجُ السَّرِيَّةِ مِنَ الْبَلَدِ فَإِنَّهُمْ لَا يَرُدُّونَ عَلَى الْمُقِيمِينَ شَيْئًا فِي أَوْطَانِهِمْ (لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ إِلَخْ) يَأْتِي شَرْحُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ فِي كِتَابِ الدِّيَاتِ فِي بَابِ إِيقَادِ المسلم بالكافر (ولاذو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ) أَيْ لَا يُقْتَلُ مَعَاهَدٌ مَا دَامَ فِي عَهْدِهِ (الْقَوَدَ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَفَتْحِ الْوَاوِ الْقِصَاصَ وَقَتْلَ الْقَاتِلِ بَدَلَ الْقَتِيلِ وَالْمُرَادُ بِهِ قَوْلُهُ لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ
قال المنذري وأخرجه بن مَاجَهْ
[2752] (عَنْ أَبِيهِ) سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ (قَالَ أَغَارَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُيَيْنَةَ) بْنِ حِصْنٍ الْفَزَارِيُّ رَئِيسُ الْمُشْرِكِينَ (عَلَى إِبِلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ أَهْلُ الْمَغَازِي وَالسِّيَرِ إِنَّهُ كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِشْرُونَ لِقْحَةً وَهِيَ ذَوَاتُ اللَّبَنِ الْقَرِيبَةُ الْعَهْدِ بِالْوِلَادَةِ تَرْعَى بِالْغَابَةِ تَارَةً وَتَرْعَى بِذِي قَرَدٍ تَارَةً (فَقَتَلَ رَاعِيَهَا) أَيِ الْإِبِلِ وَكَانَ أَبُو ذَرٍّ وَابْنُهُ وَامْرَأَتُهُ فِيهَا قَالَهُ في المواهب(7/303)
وَفِي زَادِ الْمَعَادِ فِي غَزْوَةِ الْغَابَةِ أَغَارَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ الْفَزَارِيُّ فِي بَنِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ غَطَفَانَ عَلَى لِقَاحِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي بِالْغَابَةِ فَاسْتَاقَهَا وَقَتَلَ رَاعِيَهَا وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ غِفَارٍ وَاحْتَمَلُوا امْرَأَتَهُ قال عبد المؤمن بن خلف وهو بن أَبِي ذَرٍّ وَهُوَ غَرِيبٌ جِدًّا انْتَهَى (وَخَرَجَ) عبد الرحمن (يطرد الْإِبِلَ وَيَسُوقُهَا وَأُنَاسٌ مَعَهُ فِي خَيْلٍ) أَيْ فرسان
قال بن سَعْدٍ أَغَارَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فِي أَرْبَعِينَ فَارِسًا فاستاقوها وقتلوا بن أَبِي ذَرٍّ وَأَسَرُوا الْمَرْأَةَ (قِبَلَ الْمَدِينَةِ) بِكَسْرِ القاف وفتح الباء أي نحوها (ياصباحاه) كَلِمَةٌ يَقُولُهَا الْمُسْتَغِيثُ وَأَصْلُهَا إِذَا صَاحُوا لِلْغَارَةِ لِأَنَّهُمْ أَكْثَرُ مَا يُغِيرُونَ عِنْدَ الصَّبَاحِ فَكَانَ الْمُسْتَغِيثُ يَقُولُ قَدْ غَشِينَا الْعَدُوُّ
وَقِيلَ هُوَ نِدَاءُ الْمُقَاتِلِ عِنْدَ الصَّبَاحِ يَعْنِي وَقَدْ جَاءَ وَقْتُ الصَّبَاحِ فَتَهَيَّئُوا لِلْقِتَالِ وَفِي الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ عَنْ سَلَمَةَ خَرَجْتُ قَبْلَ أَنْ يُؤْذَنَ بِالْأُولَى وَكَانَتْ لِقَاحُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرْعَى بِذِي قَرَدٍ فَلَقِيَنِي غُلَامٌ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فَقَالَ أُخِذَتْ لِقَاحُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ مَنْ أَخَذَهَا قَالَ غَطَفَانُ وَفَزَارَةُ فَصَرَخْتُ ثَلَاثَ صَرَخَاتٍ يَا صَبَاحَاهُ يَا صَبَاحَاهُ فَأَسْمَعْتُ مَا بَيْنَ لابتي المدينة الحديث
فنودي ياخيل اللَّهِ ارْكَبِي وَكَانَ أَوَّلَ مَا نُودِيَ بِهَا
قاله بن سَعْدٍ وَرَكِبَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خَمْسِمِائَةٍ وَقِيلَ سَبْعِمِائَةٍ وَاسْتَخْلَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بن أُمِّ مَكْتُومٍ وَخَلَّفَ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ فِي ثَلَاثِمِائَةٍ يَحْرُسُونَ الْمَدِينَةَ وَكَانَ قَدْ عَقَدَ لِمِقْدَادِ بْنِ عَمْرٍو وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ أَقْبَلَ إِلَيْهِ وَعَلَيْهِ الدِّرْعُ وَالْمِغْفَرُ شَاهِرًا سَيْفَهُ فَعَقَدَ لَهُ لِوَاءً فِي رُمْحِهِ وَقَالَ لَهُ امْضِ حَتَّى تَلْحَقَكَ الْخُيُولُ وَأَنَا عَلَى أَثَرِكَ فَأَدْرِكْ أُخْرَيَاتِ الْعَدُوِّ (ثُمَّ اتَّبَعْتُ الْقَوْمَ) الْعَدُوَّ وَذَلِكَ بَعْدَ صَرِيخِهِ وَقَبْلَ أَنْ تَلْحَقَهُ فُرْسَانُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
فعند بن إِسْحَاقَ صَرَخَ وَاصَبَاحَاهْ ثُمَّ خَرَجَ يَشْتَدُّ فِي آثَارِ الْقَوْمِ فَكَانَ مِثْلَ السَّبُعِ حَتَّى لَحِقَ بِالْقَوْمِ وَهُوَ عَلَى رِجْلَيْهِ فَجَعَلَ يَرْمِيهِمْ بِالنَّبْلِ (فَجَعَلْتُ أَرْمِي) بِالسِّهَامِ (وَأَعْقِرُهُمْ) أَيْ أَقْتُلُ مَرْكُوبُهُمْ وَأَجْعَلُهُمْ رَاجِلِينَ بِعُقْرِ دَوَابِّهِمْ (فَإِذَا رَجَعَ إِلَيَّ فَارِسٌ) مِنَ الْعَدُوِّ (جَلَسْتُ فِي أَصْلِ شَجَرَةٍ) أَيْ مُخْتَفِيًا عَنْهُ
وَعِنْدَ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ فَمَا زِلْتُ أَرْمِيهِمْ وَأَعْقِرُهُمْ فَإِذَا رَجَعَ إِلَيَّ فَارِسٌ مِنْهُمْ أَتَيْتُ شَجَرَةً فَجَلَسْتُ فِي أَصْلِهَا ثُمَّ رَمَيْتُهُ فَعَقَرْتُ بِهِ فَإِذَا تَضَايَقَ الْجَبَلُ فَدَخَلُوا فِي مَضَائِقِهِ عَلَوْتُ الْجَبَلَ فَرَمَيْتُهُمْ بِالْحِجَارَةِ الْحَدِيثُ
(مِنْ ظَهْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ مِنْ إِبِلِهِ الَّتِي أَخَذُوهَا يُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَ مَا أَخَذُوهُ مِنْ إِبِلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذْتُهُ عَنْهُمْ وَتَرَكْتُهُ وَرَاءَ ظَهْرِنَا
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ اسْتَنْقَذَ جَمِيعَ اللِّقَاحِ وَهَكَذَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ
قَالَ الشَّامِيُّ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ لِصِحَّةِ سَنَدِهِ(7/304)
وفي رواية محمد بن إسحاق وبن سَعْدٍ وَالْوَاقِدِيِّ فَاسْتَنْقَذُوا عَشْرَ لِقَاحٍ وَهُوَ مُخَالِفٌ لرواية الصحيحين
وقال بن الْقَيِّمِ وَهَذَا غَلَطٌ بَيِّنٌ وَالَّذِي فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُمُ اسْتَنْقَذُوا اللِّقَاحَ كُلَّهَا وَلَفْظُ مُسْلِمٍ فِي صَحِيحِهِ عَنْ سَلَمَةَ حَتَّى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ مِنْ لِقَاحِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا خَلَّفْتُهُ وَرَاءَ ظَهْرِي وَأَسْلَبْتُ مِنْهُمْ ثَلَاثِينَ بُرْدَةً انْتَهَى (وَحَتَّى أَلْقَوْا) أَيْ طَرَحُوا (بُرْدَةً) كِسَاءٌ صَغِيرٌ مُرَبَّعٌ وَيُقَالُ كِسَاءٌ أَسْوَدٌ صَغِيرٌ (يَسْتَخِفُّونَ) بِتَشْدِيدِ الْفَاءِ أَيْ يَطْلُبُونَ الْخِفَّةَ مِنْهَا لِيَكُونُوا أَسْرَعَ فِي الْفِرَارِ (ثُمَّ أَتَاهُمْ عُيَيْنَةُ) بْنُ حِصْنٍ وَالِدُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ (مَدَدًا) أَيْ مَنْ يَنْصُرُ لَهُمْ وَيُعِينُهُمْ مِنَ الْأَعْوَانِ وَالْأَنْصَارِ
وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى فَأَتَوْا مَضِيقًا فَأَتَاهُمْ عُيَيْنَةُ مُمِدًّا لَهُمْ فَجَلَسُوا يَتَغَذَّوْنَ وَجَلَسْتُ عَلَى رَأْسِ قَرْنٍ فَقَالَ مَنْ هَذَا قَالُوا لَقِينَا مِنْ هَذَا الشِّدَّةَ وَالْأَذَى مَا فَارَقَنَا السِّحْرَ حَتَّى الْآنَ وَأَخَذَ كُلَّ شَيْءٍ فِي أَيْدِينَا وَجَعَلَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ (فَقَالَ) عُيَيْنَةُ (لِيَقُمْ إِلَيْهِ) أَيْ إِلَى سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ (فَلَمَّا أَسْمَعْتُهُمْ) أَيْ قَدَرْتُ عَلَى إِسْمَاعِهِمْ بِقُرْبِهِمْ مِنِّي (فَيَفُوتُنِي) فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ أَظُنُّ فَرَجَعُوا (فَمَا بَرِحْتُ) أَيْ مَا زِلْتُ مَكَانِي (إِلَى فَوَارِسَ) جَمْعُ فَارِسٍ (يَتَخَلَّلُونَ الشَّجَرَ) أَيْ يَدْخُلُونَ مِنْ خَلَائِلِهَا أَيْ بَيْنَهَا (أَوَّلُهُمِ الْأَخْرَمُ الْأَسَدِيُّ)
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ هُوَ أَوَّلُ فَارِسٍ لَحِقَ بِالْقَوْمِ (فَيَلْحَقُ) أَيْ لَحِقَ وَصِيغَةُ الْمُضَارِعِ لِإِحْضَارِ تِلْكَ الْحَالَةِ (فَعَقَرَ الْأَخْرَمُ) فَاعِلُ عَقَرَ (عَبْدَ الرَّحْمَنِ) مَفْعُولُ عَقَرَ أَيْ قَتَلَ الْأَخْرَمُ الْأَسَدِيُّ دَابَّةَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ (وَطَعَنَهُ) أَيِ الْأَخْرَمَ (عَبْدُ الرَّحْمَنِ) فَاعِلُ طَعَنَ (فَقَتَلَهُ) أَيْ قَتَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ رَئِيسَ الْمُشْرِكِينَ الْأَخْرَمَ الْأَسَدِيَّ (فَعَقَرَ) أَيْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ (بِأَبِي قَتَادَةَ) أَيْ قَتَلَ(7/305)
دَابَّتَهُ (جَلَّيْتُهُمْ عَنْهُ) هَكَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ الصَّحِيحَةِ بِالْجِيمِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ أَيْ نَفَيْتُهُمْ وَأَبْعَدْتُهُمْ عَنْهُ
وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ حَلَأْتُهُمْ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْهَمْزِ فِي آخِرِهِ
وَفِي نُسْخَةِ الْخَطَّابِيِّ حَلَّيْتُهُمْ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْيَاءِ مَكَانَ الْهَمْزَةِ وَهَذِهِ النُّسْخَةُ هِيَ الْمُعْتَمَدَةُ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ طَرَدْتُهُمْ عَنْهُ وَأَصْلُهُ الْهَمْزَةُ وَيُقَالُ حَلَأْتُ الرَّجُلَ عَنِ الْمَاءِ إِذَا مَنَعْتُهُ الْوُرُودَ انْتَهَى
وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ وَفِي حَدِيثِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ حَلَّيْتُهُمْ عَنْهُ بِذِي قَرَدٍ هَكَذَا جَاءَ فِي الرِّوَايَةِ غَيْرَ مَهْمُوزٍ فَقَلَبَ الْهَمْزَةَ يَاءً وَلَيْسَ بِالْقِيَاسِ لِأَنَّ الْيَاءَ لَا تُبْدَلُ مِنَ الْهَمْزَةِ إِلَّا أَنْ يكون ما قبلها مكسورا نحوه بِئْرِ وَائِلَافٍ وَقَدْ شَذَّ قَرَيْتُ فِي قَرَأْتُ وَلَيْسَ بِالْكَثِيرِ وَالْأَصْلُ الْهَمْزُ انْتَهَى (ذُو قَرَدٍ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَالرَّاءِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ آخِرَهُ
قَالَ الْحَافِظُ وَحُكِيَ الضَّمُّ فِيهِمَا
قَالَ الْحَازِمِيُّ الْأَوَّلُ ضَبْطُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ وَالضَّمُّ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ
وَقَالَ الْبَلَاذُرِيُّ الصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَهُوَ مَاءٌ عَلَى نَحْوِ بَرِيدٍ مِنَ الْمَدِينَةِ مِمَّا يَلِي بِلَادَ غَطَفَانَ وَقِيلَ عَلَى مَسَافَةِ يَوْمٍ
قَالَ السِّنْدِيُّ فَذُو قَرَدٍ اسْمُ ذَلِكَ الْمَاءِ
وَقَالَ السُّيُوطِيُّ هُوَ بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَخَيْبَرَ (فَأَعْطَانِي سَهْمَ الْفَارِسِ وَالرَّاجِلِ) وَلَفْظُ أَحْمَدَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ خَيْرُ فُرْسَانِنَا الْيَوْمَ أَبُو قَتَادَةَ وَخَيْرُ رَجَّالَتِنَا سَلَمَةُ ثُمَّ أَعْطَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَهْمَ الْفَارِسِ وَسَهْمَ الرَّاجِلِ فَجَعَلَهُمَا لِي جَمِيعًا قَالَ الْخَطَّابِيُّ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ إِنَّمَا أَعْطَاهُ مِنَ الْغَنِيمَةِ سَهْمَ الرَّاجِلِ حَسْبُ لِأَنَّ سَلَمَةَ كَانَ رَاجِلًا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَأَعْطَاهُ الزِّيَادَةَ نَفْلًا لِمَا كَانَ مِنْ حُسْنِ بَلَائِهِ انْتَهَى
وَهَذَا هُوَ مَحَلُّ تَرْجَمَةِ الْبَابِ لِأَنَّ سَلَمَةَ بْنَ الْأَكْوَعِ إِنَّمَا اسْتَنْقَذَ مِنْهُمْ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِينَ رُمْحًا وَثَلَاثِينَ بُرْدَةً وَقَالَ قَائِلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَأَخَذَ كُلَّ شَيْءٍ فِي أَيْدِينَا وَجَعَلَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يُعْطِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسَلَمَةَ بْنَ الْأَكْوَعِ أَكْثَرَ مِنْ سَهْمِ الرَّاجِلِ وَالْفَارِسِ وَلَمْ يَخُصَّ أَهْلَ السَّرِيَّةِ كَأَبِي قَتَادَةَ وَسَلَمَةَ وَغَيْرِهِمَا بِهَذِهِ الْأَمْوَالِ كُلِّهَا فَلَمْ تُرَدَّ تِلْكَ الْأَمْوَالُ إِلَّا عَلَى أَهْلِ الْعَسْكَرِ كُلِّهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
كَذَا فِي الشَّرْحِ لِأَخِينَا أَبِي الطَّيِّبِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَتَمَّ مِنْ هَذَا انْتَهَى
قُلْتُ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا فِي الْجِهَادِ وَفِي الْمَغَازِي(7/306)
241 - (باب في النفل من الذهب والفضة)
[2753] هَلْ يَجُوزُ أَمْ لَا فَدَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى الْجَوَازِ (وَمِنْ أَوَّلِ مَغْنَمٍ) أَيْ يَكُونُ النَّفْلُ مِنْ أَوَّلِ الْغَنِيمَةِ الَّتِي يَغْنَمُهَا الْمُجَاهِدُونَ وَلَيْسَ النَّفْلُ فِيمَا يُؤْخَذُ مِنْ مُبَاحَاتِ دَارِ الْحَرْبِ بَعْدَ الْقِتَالِ وَالْحَرْبِ بَلْ إِنَّهَا تَكُونُ بَيْنَ الْغَانِمِينَ سَوَاءً لَا يَخْتَصُّ بِهَا أَحَدٌ
(عَنْ أَبِي الْجُوَيْرِيَةِ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَفَتْحِ الْوَاوِ اسْمُهُ حِطَّانُ بْنُ خِفَافٍ تَابِعِيٌّ مَشْهُورٌ (الْجَرْمِيِّ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الرَّاءِ (جَرَّةً) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ ظَرْفٌ مَعْرُوفٌ مِنَ الْخَزَفِ (فِي إِمْرَةِ مُعَاوِيَةَ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْمِيمِ أَيْ فِي زَمَانِ إِمَارَتِهِ (وَعَلَيْنَا رَجُلٌ) أَيْ أَمِيرٌ (مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ) بِالتَّصْغِيرِ (مَعْنٌ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ (فَأَتَيْتُهُ بِهَا) أَيْ فَجِئْتُ إِلَى مَعْنٍ بِالْجَرَّةِ (فَقَسَمَهَا) أَيِ الدَّنَانِيرَ (بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ) أَيْ مِنَ الْغُزَاةِ (لَوْلَا أَنِّي سَمِعْتُ إِلَخْ) يُرِيدُ أَنَّ الْحَدِيثَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّفْلَ يَكُونُ مِنَ الْغَنِيمَةِ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْخُمُسِ وَهَذَا لَيْسَ بِغَنِيمَةٍ قَالَهُ فِي فَتْحِ الْوَدُودِ
وَقَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْحَقِّ الدِّهْلَوِيُّ قَوْلُهُ لَا نَفْلَ إلا بعد الخمس وههنا لَيْسَ بِخُمُسٍ لِأَنَّ هَذَا الْمَالَ لَمْ يَكُنْ غَنِيمَةً أُخِذَتْ عَنْوَةً بَلْ فَيْءٌ وَلَيْسَ فِيهِ الْخُمُسُ فَلَا نَفْلَ وَالنَّفْلُ أَيْضًا إِنَّمَا يَكُونُ فِي الْقِتَالِ انْتَهَى
وَفِي الْمِرْقَاةِ قَالَ الْقَاضِي ظَاهِرُ هَذَا الْكَلَامِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا لَمْ يُنَفِّلْ أَبَا الْجُوَيْرِيَةِ مِنَ الدَّنَانِيرِ الَّتِي وَجَدَهَا لِسَمَاعِهِ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا نَفْلَ إِلَّا بَعْدَ الْخُمُسِ وَأَنَّهُ الْمَانِعُ لِتَنْفِيلِهِ وَوَجْهُهُ أَنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّفْلَ إِنَّمَا يَكُونُ مِنَ الْأَخْمَاسِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي هِيَ لِلْغَانِمِينَ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ حَبِيبِ بْنِ مَسْلَمَةَ الْفِهْرِيِّ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَلَعَلَّ الَّتِي وَجَدَهَا كَانَتْ مِنْ عِدَادِ الْفَيْءِ فَلِذَلِكَ لَمْ يُعْطَ النَّفْلُ مِنْهُ انْتَهَى (لَأَعْطَيْتُكَ) هُوَ مَحَلُّ تَرْجَمَةِ الْبَابِ وَهِيَ جَوَازُ النَّفْلِ مِنَ الذهب والفضة(7/307)
وَأَنْ يَكُونَ النَّفْلُ مِنْ أَوَّلِ الْغَنِيمَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (ثُمَّ أَخَذَ يَعْرِضُ عَلَيَّ مِنْ نَصِيبِهِ) أي شرع عرض نَصِيبَهُ عَلَيَّ (فَأَبَيْتُ) أَيْ مِنْ أَخْذِ نَصِيبِهِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ عَاصِمُ بْنُ كُلَيْبٍ وَقَدْ قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ لَا يُحْتَجُّ بِهِ إِذَا تَفَرَّدَ وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ لَا بَأْسَ بِحَدِيثِهِ
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ صَالِحٌ وَقَالَ النَّسَائِيُّ ثِقَةٌ وَاحْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ
[2754] (حَدَّثَنَا هَنَّادٌ) هَكَذَا فِي جَمِيعِ النُّسَخِ الْحَاضِرَةِ
وَقَالَ الْمِزِّيُّ فِي الْأَطْرَافِ حَدِيثُ أَصَبْتُ جَرَّةً فِيهَا دَنَانِيرٌ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي الْجِهَادِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ مَحْبُوبِ بْنِ مُوسَى عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْفَزَارِيِّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِي الْجُوَيْرِيَةَ فَذَكَرَهُ وَعَنْ هَنَّادِ بْنِ السَّرِيِّ عن بن الْمُبَارَكِ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ بِمَعْنَاهُ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ فِي نُسْخَتَيْنِ مَرْوِيَّتَيْنِ عَنْ أَبِي دَاوُدَ هَذَا الْحَدِيثُ عن أبي إسحاق الفزاري عن بن الْمُبَارَكِ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ كليب انتهى
42 - (بَابٌ فِي الْإِمَامِ يَسْتَأْثِرُ)
[2755] مَعْنَى يَسْتَأْثِرُ يَخْتَارُ (مِنَ الْفَيْءِ) أَيْ مِنَ الْغَنِيمَةِ
(عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ) بِفَتَحَاتٍ (إِلَى بَعِيرٍ) أَيْ مُتَوَجِّهًا إِلَيْهِ وَالْمَعْنَى جَعَلَهُ سُتْرَةً لَهُ (وَبَرَةً) بِفَتَحَاتٍ أَيْ شَعْرَةً
قَالَ فِي فَتْحِ الْوَدُودِ الْوَبَرَةُ بِفَتْحَتَيْنِ وَاحِدٌ مِنْ صُوفِ الْغَنَمِ (مِثْلُ هَذَا) إِشَارَةٌ إلى الوبرة(7/308)
عَلَى تَأْوِيلِ شَيْءٍ (وَالْخُمْسُ مَرْدُودٌ فِيكُمْ) أَيْ مَصْرُوفٌ فِي مَصَالِحِكُمْ مِنَ السِّلَاحِ وَالْخَيْلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فِيهِ أَنَّ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ الْغَنِيمَةِ لِلْغَانِمِينَ وَأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ لَا يَأْخُذُ الْإِمَامُ مِنَ الْغَنِيمَةِ إِلَّا الْخُمْسَ وَيَقْسِمُ الْبَاقِي مِنْهَا بَيْنَ الْغَانِمِينَ وَالْخُمْسُ الَّذِي يَأْخُذُهُ أَيْضًا لَيْسَ هُوَ لَهُ وَحْدَهُ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ عَلَى حَسَبِ مَا فَصَّلَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ بِقَوْلِهِ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وبن السبيل وروى الطبراني في الأوسط وبن مردويه في التفسير من حديث بن عَبَّاسٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا بَعَثَ سَرِيَّةً قَسَمَ خُمْسَ الْغَنِيمَةِ فَضَرَبَ ذَلِكَ الْخُمْسَ فِي خَمْسَةٍ ثُمَّ قرأ واعلموا أنما غنمتم من شيء الْآيَةَ فَجَعَلَ سَهْمَ اللَّهِ وَسَهْمَ رَسُولِهِ وَاحِدًا وَسَهْمَ ذَوِي الْقُرْبَى هُوَ وَالَّذِي قَبْلَهُ فِي الْخَيْلِ وَالسِّلَاحِ وَجَعَلَ سَهْمَ الْيَتَامَى وَسَهْمَ الْمَسَاكِينِ وسهم بن السَّبِيلِ لَا نُعْطِيهِ غَيْرَهُمْ ثُمَّ جَعَلَ الْأَرْبَعَةَ الْأَسْهُمِ الْبَاقِيَةَ لِلْفَرَسِ سَهْمَانِ وَلِرَاكِبِهِ سَهْمٌ وَلِلرَّاجِلِ سَهْمٌ وَرَوَى أَيْضًا أَبُو عُبَيْدٍ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ نَحْوَهُ
وَفِي حَدِيثِ الْبَابِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْإِمَامُ السَّهْمَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ الصَّفِيُّ وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ بِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ بِمَا أَخْرَجَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي بَابِ صَفَايَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ كِتَابِ الْخَرَاجِ وَالْإِمَارَةِ وَيَجِيءُ هُنَاكَ بَيَانُهُ قال المنذري وأخرجه النسائي وبن مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ بِنَحْوِهِ
وَرُوِيَ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ وَالْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ
43 - (بَاب فِي الْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ)
[2756] (إِنَّ الْغَادِرَ) الْغَدْرُ ضِدُّ الْوَفَاءِ أَيْ الْخَائِنُ لِإِنْسَانٍ عَاهَدَهُ أَوْ أَمَّنَهُ (يُنْصَبُ لَهُ لِوَاءٌ) أَيْ عَلَمٌ خَلْفَهُ تَشْهِيرًا له بالغدر وتفضيحا على رؤوس الْأَشْهَادِ (فَيُقَالُ) أَيْ يُنَادَى عَلَيْهِ يَوْمَئِذٍ (هَذِهِ غَدْرَةُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ) أَيْ هَذِهِ الْهَيْئَةُ الْحَاصِلَةُ لَهُ مُجَازَاةُ غَدْرَتِهِ
قَالَهُ الْعَزِيزِيُّ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ(7/309)
244 - (باب في الإمام يستجن)
[2757] بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ
(بِهِ) أَيْ بِالْإِمَامِ (فِي الْعُهُودِ) وَالْمِيثَاقِ وَالصُّلْحِ وَالْأَمَانِ
وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بَابُ يُسْتَجَنُّ بِالْإِمَامِ فِي الْعُهُودِ
قَالَ الرَّاغِبُ أَصِلُ الْجَنِّ السَّتْرُ عَنِ الْحَاسَّةِ انْتَهَى
وَفِي لِسَانِ الْعَرَبِ جُنَّ الشَّيْءُ يَجِنُّهُ جَنًّا سَتَرَهُ وَكُلُّ شَيْءٍ سُتِرَ عَنْكَ فَقَدْ جُنَّ عَنْكَ وَأَجَنَّهُ سَتَرَهُ وَبِهِ سُمِّيَ الْجِنُّ لِاسْتِتَارِهِمْ وَاخْتِفَائِهِمْ عَنِ الأبصار ومنه سمي الجنين لا ستتاره فِي بَطْنِ أُمِّهِ وَاسْتَجَنَّ فُلَانٌ إِذَا اسْتَتَرَ بِشَيْءٍ انْتَهَى
وَالْمَعْنَى أَنَّ الْإِمَامَ يَسْتَتِرُ بِهِ وَأَنَّهُ مَحَلُّ الْعِصْمَةِ وَالْوِقَايَةِ لِلرَّعِيَّةِ فَالْإِمَامُ كَالْمِجَنِّ وَالتُّرْسِ فَإِنَّ مَنِ اسْتَتَرَ بِالتُّرْسِ فَقَدْ وَقَى نَفْسَهُ مِنْ أَذِيَّةِ الْعَدُوِّ فَكَذَا الْإِمَامُ يُسْتَتَرُ بِهِ فِي الْعُهُودِ وَالْمِيثَاقِ وَالصُّلْحِ وَالْأَمَانِ فَالْإِمَامُ إِذَا عَقَدَ الْعَهْدَ وَصَالَحَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَبَيْنَ غَيْرِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ إِلَى مُدَّةٍ فَالْمُسْلِمُونَ يَسِيرُونَ وَيَمُرُّونَ فِي بِلَادِ أَهْلِ الشِّرْكِ وَلَا يَتَعَرَّضُ لَهُمْ مُخَالِفُوهُمْ بِأَذِيَّةٍ وَلَا فَسَادٍ فِي أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ لِأَجْلِ هَذَا الصُّلْحِ وَكَذَا يَسِيرُونَ أَهْلُ الشِّرْكِ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ فَالسَّتْرُ وَالْمَنْعُ عَنِ الْأَذَى والفساد لا يحصل إلا بعهد وأمان الإمام وَاللَّهُ أَعْلَمُ
كَذَا فِي الشَّرْحِ
(إِنَّمَا الْإِمَامُ جُنَّةٌ) بِضَمِّ الْجِيمِ
قَالَ النَّوَوِيُّ أَيْ كَالسَّاتِرِ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الْعَدُوَّ مِنْ أَذَى الْمُسْلِمِينَ وَيَمْنَعُ النَّاسَ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ وَيَحْمِي بَيْضَةَ الْإِسْلَامِ انْتَهَى قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ أَنْ الْإِمَامَ هُوَ الَّذِي يَعْقِدُ الْعَهْدَ وَالْهُدْنَةَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَبَيْنَ أَهْلِ الشِّرْكِ فَإِذَا رَأَى ذَلِكَ صَلَاحًا لَهُمْ وَهَادَنَهُمْ فَقَدْ وَجَبَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُجِيزُوا أَمَانَهُ لَهُمْ
وَمَعْنَى الْجُنَّةِ الْعِصْمَةُ وَالْوِقَايَةُ وَلَيْسَ لِغَيْرِ الْإِمَامِ أَنْ يَجْعَلَ لِأُمَّةٍ بِأَسْرِهَا مِنَ الْكُفَّارِ أَمَانًا انْتَهَى (يُقَاتَلُ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (بِهِ) أَيْ بِرَأْيِهِ وَأَمْرِهِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ ومسلم والنسائي(7/310)
[2758] (أُلْقِيَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ أُوقِعَ (لَا أَخِيسُ) بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ بَعْدَهَا تَحْتِيَّةٌ أَيْ لَا أَنْقُضُ الْعَهْدَ مِنْ خَاسَ الشَّيْءَ فِي الْوِعَاءِ إِذَا فَسَدَ (وَلَا أَحْبِسُ) بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ (الْبُرُدَ) بِضَمَّتَيْنِ وَقِيلَ بِسُكُونِ الرَّاءِ جَمْعٌ بَرِيدٍ وَهُوَ الرَّسُولُ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّ الرِّسَالَةَ تَقْتَضِي جَوَابًا وَالْجَوَابُ لَا يَصِلُ إِلَى الْمُرْسِلِ إِلَّا مَعَ الرَّسُولِ بَعْدَ انْصِرَافِهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ عَقَدَ لَهُ الْعَقْدَ مُدَّةَ مَجِيئِهِ وَرُجُوعِهِ
قَالَ وَفِي قَوْلِهِ لَا أَخِيسُ بِالْعَهْدِ أَنَّ الْعَهْدَ يُرَاعَى مَعَ الْكَافِرِ كَمَا يُرَاعَى مَعَ الْمُسْلِمِ وَأَنَّ الْكَافِرَ إِذَا عَقَدَ لَكَ عَقْدَ أَمَانٍ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْكَ أَنْ تُؤَمِّنَهُ وَلَا تَغْتَالَهُ فِي دَمٍ وَلَا مَالٍ وَلَا مَنْفَعَةٍ انْتَهَى (فَإِنْ كَانَ) أَيْ ثَبَتَ (فِي نَفْسِكِ) أَيْ فِي مُسْتَقْبَلِ الزَّمَانِ (الَّذِي فِي نَفْسِكِ الْآنَ) يَعْنِي الْإِسْلَامَ (فَارْجِعْ) أَيْ مِنَ الْكُفَّارِ إِلَيْنَا (قَالَ بُكَيْرٌ) هو بن الْأَشَجِّ (وَأَخْبَرَنِي) أَيِ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ (قِبْطِيًّا) أَيْ عَبْدًا قِبْطِيًّا (وَالْيَوْمَ لَا يَصْلُحُ) أَيْ لَا يَصْلُحُ نِسْبَتُهُ إِلَى الرِّقِّ تَعْظِيمًا لِشَأْنِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ
كَذَا فِي بَعْضِ الْحَوَاشِي وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ وَالصَّحِيحُ مَا قَالَهُ الشيخ بن تَيْمِيَةَ فِي الْمُنْتَقَى مَعْنَاهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ كَانَ فِي الْمَرَّةِ الَّتِي شَرَطَ لَهُمْ فِيهَا أَنْ يَرُدَّ مَنْ جَاءَهُ مِنْهُمْ مُسْلِمًا انْتَهَى
وَقَالَ فِي زَادِ الْمَعَادِ وَكَانَ هَدْيُهُ أَيْضًا أَنْ لَا يَحْبِسَ الرَّسُولَ عِنْدَهُ إِذَا اخْتَارَ دِينَهُ وَيَمْنَعُهُ اللَّحَاقُ بِقَوْمِهِ بَلْ يَرُدُّهُ إِلَيْهِمْ كَمَا قَالَ أَبُو رَافِعٍ فَذَكَرَ حَدِيثَهُ
قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَكَانَ هَذَا فِي الْمُدَّةِ الَّتِي شَرَطَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْهِمْ مَنْ جَاءَ مِنْهُمْ وَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا وَأَمَّا الْيَوْمَ فَلَا يَصْلُحُ هَذَا
وَفِي قَوْلِهِ لَا أَحْبِسُ الْبُرُدَ إِشْعَارٌ بِأَنَّ هَذَا حُكْمٌ يَخْتَصُّ بِالرُّسُلِ مُطْلَقًا
وَأَمَّا رَدُّهُ لِمَنْ جَاءَ إِلَيْهِ مِنْهُمْ وَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا فَهَذَا إِنَّمَا يَكُونُ مَعَ الشَّرْطِ كَمَا قَالَ أَبُو دَاوُدَ
وَأَمَّا الرُّسُلُ فَلَهُمْ حُكْمٌ آخَرُ أَلَا تَرَاهُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِرَسُولَيْ مُسَيْلِمَةَ وَقَدْ قَالَا لَهُ فِي وَجْهِهِ مَا قَالَاهُ انْتَهَى
كَذَا فِي الشَّرْحِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ
قَالَ أَبُو دَاوُدَ هَكَذَا كَانَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ فَأَمَّا الْيَوْمَ لَا يَصْلُحُ
هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ
وَأَبُو رَافِعٍ اسْمُهُ إِبْرَاهِيمُ وَيُقَالُ أَسْلَمُ وَيُقَالُ ثَابِتٌ وَيُقَالُ هُرْمُزُ(7/311)
245 - (بَاب فِي الْإِمَامِ يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَدُوِّ عَهْدٌ فَيَسِيرُ)
[2759] إِلَيْهِ (عَنْ سُلَيْمٍ) بِالتَّصْغِيرِ (وَكَانَ يَسِيرُ نَحْوَ بِلَادِهِمْ) أَيْ يَذْهَبُ مُعَاوِيَةُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعَهْدِ لِيَقْرَبَ مِنْ بِلَادِهِمْ حِينَ انْقِضَاءِ الْعَهْدِ (عَلَى فَرَسٍ أَوْ بِرْذَوْنٍ) بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ قَالَ الطِّيبِيُّ الْمُرَادُ بِالْفَرَسِ هُنَا الْعَرَبِيُّ وَبِالْبِرْذَوْنِ التُّرْكِيُّ مِنَ الْخَيْلِ (يَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ) أَيْ تَعَجُّبًا وَاسْتِبْعَادًا (وَفَاءٌ لَا غَدْرٌ) بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّ لَا لِلْعَطْفِ أَيِ الْوَاجِبُ عَلَيْكَ وَفَاءٌ لَا غَدْرٌ (فَإِذَا عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَإِنَّمَا كَرِهَ عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ إِذَا هَادَنَهُمْ إِلَى مُدَّةٍ وَهُوَ مُقِيمٌ فِي وَطَنِهِ فَقَدْ صَارَتْ مُدَّةَ مَسِيرِهِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ الْمَضْرُوبَةِ كَالْمَشْرُوطِ مَعَ الْمُدَّةِ فِي أَنْ لَا يَغْزُوَهُمْ فِيهَا فَإِذَا سَارَ إِلَيْهِمْ فِي أَيَّامِ الْهُدْنَةِ كَانَ إيقاعه قبل الوقت الذي يتوقعونه قعد ذَلِكَ عَمْرٌو غَدْرًا
وَأَمَّا إِنْ نَقَضَ أَهْلُ الْهُدْنَةِ بِأَنْ ظَهَرَتْ مِنْهُمْ خِيَانَةٌ فَلَهُ أَنْ يَسِيرَ إِلَيْهِمْ عَلَى غَفْلَةٍ مِنْهُمْ (لَا يَشُدُّ عُقْدَةً وَلَا يَحُلُّهَا) بِضَمِّ الْحَاءِ مِنَ الْحَلِّ بِمَعْنَى نَقْضِ الْعَهْدِ وَالشَّدُّ ضِدُّهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَجْمُوعَ كِنَايَةٌ عَنْ حِفْظِ الْعَهْدِ وَعَدَمِ التَّعَرُّضِ لَهُ وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ فَلَا يَحُلَّنَّ عَهْدًا وَلَا يَشُدَّنَّهُ قَالَ فِي الْمِرْقَاةِ أَرَادَ بِهِ الْمُبَالَغَةَ عَنْ عَدَمِ التَّغْيِيرِ وَإِلَّا فَلَا مَانِعَ مِنَ الزِّيَادَةِ فِي الْعَهْدِ وَالتَّأْكِيدِ وَالْمَعْنَى لَا يُغَيِّرَنَّ عَهْدًا وَلَا يَنْقُضَنَّهُ بِوَجْهٍ
وَفِي رِوَايَةٍ فَيَشُدُّهُ وَلَا يَحُلُّهُ قَالَ الطِّيبِيُّ هَكَذَا بِجُمْلَتِهِ عِبَارَةٌ عَنْ عَدَمِ التَّغْيِيرِ فِي الْعَهْدِ فَلَا يَذْهَبُ على اعتبار معاني مفرداتها
وقال بن الْمَلَكِ أَيْ لَا يَجُوزُ نَقْضُ الْعَهْدِ وَلَا الزِّيَادَةُ عَلَى تِلْكَ الْمُدَّةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (أَمَدُهَا) بِالْأَمَدِ بِفَتْحَتَيْنِ بِمَعْنَى الْغَايَةِ (أَوْ يَنْبِذُ) بِكَسْرِ الْبَاءِ أَيْ يَرْمِي عَهْدَهُمْ (إِلَيْهِمْ) بِأَنْ يُخْبِرَهُمْ بِأَنَّهُ نَقَضَ الْعَهْدَ عَلَى تَقْدِيرِ خَوْفِ الْخِيَانَةِ مِنْهُمْ (عَلَى سَوَاءٍ) أَيْ لِيَكُونَ خَصْمُهُ مُسَاوِيًا مَعَهُ فِي النَّقْضِ كَيْ لَا يَكُونَ ذَلِكَ مِنْهُ غَدْرًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَإِمَّا تَخَافَنَّ(7/312)
مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ قَالَ الطِّيبِيُّ قَوْلُهُ (عَلَى سَوَاءٍ) حَالٌ انْتَهَى
قَالَ الْمُظْهِرُ أَيْ يُعْلِمُهُمْ أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَغْزُوَهُمْ وَأَنَّ الصُّلْحَ قَدِ ارْتَفَعَ فَيَكُونُ الْفَرِيقَانِ فِي عِلْمِ ذَلِكَ سَوَاءً
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ
46 - (بَاب فِي الْوَفَاءِ لِلْمُعَاهَدِ)
[2760] بِفَتْحِ الْهَاءِ أَشْهَرُ (وَحُرْمَةُ) بِالضَّمِّ مَا لَا يَحِلُّ انْتِهَاكُهُ (ذِمَّتِهِ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ وَتُفَسَّرُ الذِّمَّةُ بِالْعَهْدِ وَبِالْأَمَانِ وَسُمِّيَ الْمُعَاهَدُ ذِمِّيًّا نِسْبَةً إِلَى الذِّمَّةِ بِمَعْنَى الْعَهْدِ انْتَهَى
(مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا) قَالَ فِي النِّهَايَةِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِكَسْرِ الْهَاءِ وَفَتْحِهَا عَلَى الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ وَهُوَ فِي الْحَدِيثِ بِالْفَتْحِ أَشْهَرُ وَأَكْثَرُ وَالْمُعَاهَدُ مَنْ كَانَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَهْدٌ وَأَكْثَرُ مَا يُطْلَقُ فِي الْحَدِيثِ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى غَيْرِهِمْ مِنْ الْكُفَّارِ إِذَا صُولِحُوا عَلَى تَرْكِ الْحَرْبِ مُدَّةً مَا انْتَهَى
(فِي غَيْرِ كُنْهِهِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ كُنْهُ الْأَمْرِ حَقِيقَتُهُ وَقِيلَ وَقْتُهُ وَقَدْرُهُ وَقِيلَ غَايَتُهُ يَعْنِي مَنْ قَتَلَهُ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ أَوْ غَايَةِ أَمْرِهِ الَّذِي يَجُوزُ فِيهِ قَتْلُهُ انْتَهَى
وَقَالَ الْعَلْقَمِيُّ أَيْ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ أَوْ غَايَةِ أَمْرِهِ الَّذِي يَجُوزُ فِيهِ قَتْلُهُ (حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ) أَيْ لَا يَدْخُلُهَا مَعَ أَوَّلِ مَنْ يَدْخُلُهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ لَمْ يَقْتَرِفُوا الْكَبَائِرَ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ
47 - (بَابٌ فِي الرُّسُلِ)
[2761] جَمْعُ الرَّسُولِ
(كَانَ مُسَيْلِمَةُ) بِضَمِّ الْمِيمِ الْأُولَى وَفَتْحِ السِّينِ وَكَسْرِ اللَّامِ وَهُوَ الكذاب(7/313)
الْمَشْهُورُ بِدَعْوَةِ النُّبُوَّةِ (يَقُولُ لَهُمَا) أَيْ لِرَسُولَيْ مُسَيْلِمَةَ (حِينَ قَرَآ) بِالتَّثْنِيَةِ أَيِ الرَّسُولَانِ (نَقُولُ كَمَا قَالَ) أَيْ مُسَيْلِمَةُ بِأَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ وَهُوَ كُفْرٌ وَارْتِدَادٌ مِنْهُمَا فِي حَضْرَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِذَلِكَ قَالَ فِيهِمَا مَا قَالَ (أَمَا) بِالتَّخْفِيفِ لِلتَّنْبِيهِ (لَوْلَا أَنَّ الرُّسُلَ إِلَخْ) وَلَفْظُ أَحْمَدَ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ نُعَيْمِ بْنِ مَسْعُودٍ الْأَشْجَعِيِّ قَالَ سَمِعْتُ حِينَ قُرِئَ كِتَابُ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ قَالَ لِلْمَرْسُولَيْنِ فَمَا تَقُولَانِ أَنْتُمَا قَالَا نَقُولُ كَمَا قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاللَّهِ لَوْلَا أَنَّ الرُّسُلَ لَا تُقْتَلُ لَضَرَبْتُ أَعْنَاقَكُمَا فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ قَتْلِ الرُّسُلِ الْوَاصِلِينَ مِنَ الْكُفَّارِ وَإِنْ تَكَلَّمُوا بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ فِي حَضْرَةِ الْإِمَامِ
وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ
[2762] (عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ) بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ الْمَكْسُورَةِ قَبْلَهَا مُعْجَمَةٌ (أنه أتى عبد الله) أي بن مَسْعُودٍ (فَقَالَ) أَيْ حَارِثَةُ (حِنَةٌ) بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ النُّونِ الْمُخَفَّفَةِ أَيْ عَدَاوَةٌ وَحِقْدٌ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَاللُّغَةُ الصَّحِيحَةُ إِحْنَةٌ بِالْهَمْزَةِ
وَفِي الْقَامُوسِ الْإِحْنَةُ بِالْكَسْرِ الْحِقْدُ وَالْغَضَبُ وَالْمُوَاحَنَةُ الْمُعَادَاةُ (فاستتابهم) أي طلب التوبة منهم (غير بن النَّوَّاحَةِ) بِفَتْحِ النُّونِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ بَعْدَ الْأَلِفِ مُهْمَلَةً (قَالَ) أَيْ عَبْدُ اللَّهِ (لَهُ) أَيْ لِابْنِ النَّوَّاحَةِ (فَأَنْتَ) الْخِطَابُ لِابْنِ النَّوَّاحَةِ (فَأَمَرَ) أَيْ عَبْدُ اللَّهِ (قَرَظَةَ) بِفَتَحَاتٍ (فَضَرَبَ) أَيْ قرظة (عنقه) أي عنق بن النَّوَّاحَةِ (مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَخْ) أَيْ فَلْيَنْظُرْهُ فِي السُّوقِ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَيُشْبِهُ أَنْ يكون مذهب بن مَسْعُودٍ فِي قَتْلِهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِتَابَةٍ أَنَّهُ رَأَى قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْلَا أَنَّكَ رَسُولٌ لَضَرَبْتُ عُنُقَكَ حُكْمًا مِنْهُ بِقَتْلِهِ لَوْلَا عِلَّةُ الرِّسَالَةِ فَلَمَّا ظَفِرَ بِهِ وَرُفِعَتِ الْعِلَّةُ أَمْضَاهُ فِيهِ وَلَمْ يَسْتَأْنِفْ لَهُ حُكْمُ سَائِرِ الْمُرْتَدِّينَ انْتَهَى
وَعِنْدَ أَحْمَدَ فِي مسنده عن بن مسعود قال جاء بن النواحة وبن أَثَالٍ رَسُولَا مُسَيْلِمَةَ إِلَى(7/314)
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُمَا أتشهدان أني رسول الله قالا نشهد أن مسيلمة رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آمَنْتُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ لَوْ كُنْتُ قَاتِلًا رَسُولًا لَقَتَلْتُكُمَا
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ فَمَضَتِ السُّنَّةُ أَنَّ الرُّسُلَ لَا تُقْتَلُ انْتَهَى قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ
48 - (بَاب فِي أَمَانِ الْمَرْأَةِ)
[2763] (أَجَارَتْ رَجُلًا) أَيْ أَمَّنَتْهُ مِنَ الْإِجَارَةِ بِمَعْنَى الْأَمْنِ (وَآمَنَّا مَنْ آمَّنْتِ) أَيْ أَعْطَيْنَا الْأَمَانَ لِمَنْ أَعْطَيْتِهِ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ أَجْمَعَ عَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ أَمَانَ الْمَرْأَةِ جَائِزٌ وَكَذَلِكَ قَالَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ فِي أَمَانِ الْعَبْدِ غَيْرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَأَصْحَابَهُ فَرَّقُوا بَيْنَ الْعَبْدِ الَّذِي يُقَاتِلُ وَالَّذِي لَا يُقَاتِلُ فَأَجَازُوا أَمَانَهُ إِذَا كَانَ مِمَّنْ يُقَاتِلُ وَلَمْ يُجِيزُوا أَمَانَهُ إِنْ لَمْ يُقَاتِلْ فَأَمَّا أَمَانُ الصَّبِيِّ فَإِنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ لِأَنَّ الْقَلَمَ مَرْفُوعٌ عَنْهُ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ بِنَحْوِهِ
[2764] (إِنْ كَانَتْ) إِنْ مُخَفَّفَةٌ مِنَ الْمُثْقَلَةِ (لَتُجِيرُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) قَالَ فِي اللُّمَعَاتِ وَمَعْنَى عَلَى بِاعْتِبَارِ مَنْعِهِمْ مِنْهُ يُقَالُ أَجَارَ فُلَانٌ عَلَى فُلَانٍ إِذَا أَعَانَهُ عَلَيْهِ وَمَنَعَهُ مِنْهُ انْتَهَى
قَالَ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ
49 - (بَاب فِي صُلْحِ الْعَدُوِّ)
[2765] (زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ قَرْيَةٌ قَرِيبَةٌ مِنْ(7/315)
مَكَّةَ سُمِّيَتْ بِبِئْرٍ هُنَاكَ وَهِيَ مُخَفَّفَةُ الْيَاءِ وَكَثِيرٌ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ يُشَدِّدُونَهَا
وَقَالَ الْحَافِظُ هِيَ بِئْرٌ سُمِّيَ الْمَكَانُ بِهَا
قَالَ وَوَقَعَ عِنْدَ بن سَعْدٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ يوم الاثنين لهلال ذي العقدة (فِي بِضْعَ عَشْرَةَ مِائَةً) الْبِضْعُ بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَبِفَتْحٍ مَا بَيْنَ الثَّلَاثَةِ إِلَى التِّسْعَةِ وَقَدْ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي عَدَدِ أَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ فِي الْمَغَازِي
فَقَدْ جَاءَ أَنَّهُمْ كَانُوا أَرْبَعَ عَشَرَ مِائَةً أَوْ خَمْسَ عَشَرَ مِائَةً وَذَكَرُوا فِي التَّوْفِيقِ أَنَّهُمْ أَوَّلُ مَا خَرَجُوا كَانُوا أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ ثُمَّ زَادُوا
قَالَهُ السِّنْدِيُّ (قَلَّدَ الْهَدْيَ وَأَشْعَرَهُ) تَقْلِيدُهُ أَنْ يُعَلَّقَ شَيْءٌ عَلَى عُنُقِ الْبَدَنَةِ لِيُعْلَمَ أَنَّهَا هَدْيٌ وَإِشْعَارُهُ أَنْ يُطَعْنَ فِي سَنَامِهِ الْأَيْمَنِ أَوِ الْأَيْسَرِ حَتَّى يَسِيلَ الدَّمُ مِنْهُ لِيُعْلَمَ أنه هدي قاله بن مالك بِالثَّنِيَّةِ بِتَشْدِيدِ التَّحْتِيَّةِ وَهِيَ الْجَبَلُ الَّذِي عَلَيْهِ الطَّرِيقُ (الَّتِي يُهْبَطُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (عَلَيْهِمْ) أَيْ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ (مِنْهَا) أَيْ مِنَ الثَّنِيَّةِ (بَرَكَتْ بِهِ) أَيْ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْبَاءُ لِلْمُصَاحَبَةِ (حَلْ حَلْ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ كَلِمَةٌ تُقَالُ لِلنَّاقَةِ إِذَا تَرَكَتِ السَّيْرَ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ إِنْ قُلْتَ حَلْ وَاحِدَةً فَالسُّكُونُ وَإِنْ أَعَدْتَهَا نُوِّنَتْ فِي الْأُولَى وَسُكِّنَتْ فِي الثَّانِيَةِ
وَحَكَى غَيْرُهُ السُّكُونَ فِيهِمَا وَالتَّنْوِينَ كَنَظِيرِهِ فِي بَخٍ بَخٍ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ (خَلَأَتْ) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَاللَّامِ وَالْهَمْزَةِ أَيْ بَرَكَتْ مِنْ غَيْرِ عِلَّةٍ وَحَرَنَتْ (الْقَصْوَى) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا الْقَصْوَاءُ بِالْمَدِّ
قَالَ الْحَافِظُ هُوَ اسْمُ نَاقَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَقِيلَ كَانَ طَرَفُ أُذُنِهَا مَقْطُوعًا وَالْقَصْوُ قَطْعُ طَرَفِ الْأُذُنِ قَالَ وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ تَكُونَ بِالْقَصْرِ وَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ في بعض نسخ أبي ذر
وزعم الداؤدي أَنَّهَا لَا تُسْبَقُ فَقِيلَ لَهَا الْقَصْوَاءُ لِأَنَّهَا بَلَغَتْ مِنَ السَّبَقِ أَقْصَاهُ (مَا خَلَأَتْ) أَيِ القصواء
قال القارىء أَيْ لِلْعِلَّةِ الَّتِي تَظُنُّونَهَا
انْتَهَى (وَمَا ذَلِكَ) أَيِ الْخَلَاءُ وَهُوَ لِلنَّاقَةِ كَالْحِرَانِ لِلْفَرَسِ (لَهَا بِخُلُقٍ بِضَمَّتَيْنِ وَيُسَكَّنُ الثَّانِي أَيْ بِعَادَةٍ وَلَكِنْ حبسها حابس الفيل) زاد بن إِسْحَاقَ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ مَكَّةَ أَيْ حَبَسَهَا الله عزوجل عَنْ دُخُولِ مَكَّةَ كَمَا حَبَسَ الْفِيلَ عَنْ دُخُولِهَا
وَقِصَّةُ الْفِيلِ مَشْهُورَةٌ وَمُنَاسِبَةُ ذِكْرِهَا أَنَّ الصَّحَابَةَ لَوْ دَخَلُوا مَكَّةَ عَلَى تِلْكَ الصُّورَةِ وَصَدَّهُمْ قُرَيْشٌ عَنْ ذَلِكَ لَوَقَعَ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ قَدْ يُفْضِي إِلَى سَفْكِ الدِّمَاءِ وَنَهْبِ الْأَمْوَالِ كَمَا لَوْ قُدِّرَ دُخُولُ الْفِيلِ وَأَصْحَابُهُ مَكَّةَ لَكِنْ سَبَقَ فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْمَوْضِعَيْنِ أَنَّهُ سَيَدْخُلُ فِي الْإِسْلَامِ خَلْقٌ مِنْهُمْ وَيُسْتَخْرَجُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ نَاسٌ يُسْلِمُونَ وَيُجَاهِدُونَ
وَكَانَ بِمَكَّةَ فِي الْحُدَيْبِيَةِ جَمْعٌ كَثِيرٌ مُؤْمِنُونَ مِنَ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ فَلَوْ طَرَقَ الصَّحَابَةُ مَكَّةَ لَمَا أُمِنَ أَنْ يُصَابَ نَاسٌ(7/316)
مِنْهُمْ بِغَيْرِ عَمْدٍ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ تَعَالَى في قوله ولولا رجال مؤمنون الْآيَةِ
كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي (لَا يَسْأَلُونِي) بِتَخْفِيفِ النُّونِ وَيُشَدَّدُ وَضَمِيرُ الْجَمْعِ لِأَهْلِ مَكَّةَ وَالْمَعْنَى لَا يَطْلُبُونَنِي (خُطَّةً) بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ خَصْلَةً (يُعَظِّمُونَ بِهَا حُرُمَاتِ اللَّهِ) أَيْ مِنْ تَرْكِ الْقِتَالِ فِي الْحَرَمِ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَى تَعْظِيمِ حُرُمَاتِ اللَّهِ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ تَرْكُ الْقِتَالِ فِي الْحَرَمِ وَالْجُنُوحِ إِلَى الْمُسَالَمَةِ وَالْكَفِّ عَنْ إِرَادَةِ سَفْكِ الدِّمَاءِ
كَذَا فِي النَّيْلِ (إِلَّا أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا) أَيْ أَجَبْتُهُمْ إِلَيْهَا وَالضَّمِيرُ الْمَنْصُوبُ لِلْخُطَّةِ (ثُمَّ زَجَرَهَا) أَيِ الْقَصْوَاءَ (فَوَثَبَتْ) أَيْ قَامَتْ بِسُرْعَةٍ (فَعَدَلَ عَنْهُمْ) أَيْ مَالَ عَنْ طَرِيقِ أَهْلِ مَكَّةَ ودخولها وتوجه غير جانبهم
قاله القارىء (بِأَقْصَى الْحُدَيْبِيَةِ) أَيْ بِآخِرِهَا مِنْ جَانِبِ الْحَرَمِ (عَلَى ثَمَدٍ) بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ وَالْمِيمِ أَيْ حَفِيرَةٍ فِيهَا مَاءٌ مَثْمُودٌ أَيْ قَلِيلٌ وَقَوْلُهُ قَلِيلِ الْمَاءِ تَأْكِيدٌ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ أَنْ يُرَادَ لُغَةُ مَنْ يَقُولُ إِنَّ الثَّمَدَ الْمَاءُ الْكَثِيرُ
قَالَهُ الْحَافِظُ (فَجَاءَهُ) أَيِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (بُدَيْلٌ) بِالتَّصْغِيرِ (ثُمَّ أَتَاهُ) الضَّمِيرُ الْمَنْصُوبُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفَاعِلُهُ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ كَمَا فَسَّرَهُ الرَّاوِي (أَخَذَ بِلِحْيَتِهِ) أَيْ لِحْيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ عَادَةُ الْعَرَبِ أَنْ يَتَنَاوَلَ الرَّجُلُ لِحْيَةَ مَنْ يُكَلِّمُهُ لَا سِيَّمَا عِنْدَ الْمُلَاطَفَةِ (قَائِمٌ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ بِقَصْدِ الْحِرَاسَةِ وَنَحْوِهَا مِنْ تَرْهِيبِ الْعَدُوِّ (فَضَرَبَ) أَيِ الْمُغِيرَةُ (يَدَهُ) أَيْ يَدَ عُرْوَةَ حِينَ أَخَذَ لِحْيَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِجْلَالًا لَهُ لِأَنَّ هَذَا إِنَّمَا يَصْنَعُ النَّظِيرُ بِالنَّظِيرِ وَكَانَ عُرْوَةُ عَمَّ الْمُغِيرَةِ (بِنَعْلِ السَّيْفِ) هُوَ مَا يَكُونُ أَسْفَلَ الْقِرَابِ مِنْ فِضَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا (أَيْ غُدَرُ) بِوَزْنِ عُمَرَ مَعْدُولٌ عن غادر مبالغة في وصفه بالغدر (أو لست أَسْعَى فِي غَدْرَتِكَ) أَيْ فِي دَفْعِ شَرِّ غَدْرَتِكَ وَفِي إِطْفَاءِ شَرِّكَ وَجِنَايَتِكَ بِبَذْلِ الْمَالِ
قال بن هِشَامٍ فِي السِّيرَةِ أَشَارَ عُرْوَةُ بِهَذَا إِلَى مَا وَقَعَ لِلْمُغِيرَةِ قَبْلَ إِسْلَامِهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ نَفَرًا مِنْ ثَقِيفٍ مِنْ بَنِي مَالِكٍ فَغَدَرَ بِهِمْ وَقَتَلَهُمْ وَأَخَذَ أَمْوَالَهُمْ فَتَهَايَجَ الْفَرِيقَانِ بَنُو مَالِكٍ وَالْأَحْلَافُ رَهْطُ الْمُغِيرَةِ فَسَعَى عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ عَمُّ الْمُغِيرَةِ حَتَّى أَخَذُوا مِنْهُ دِيَةَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ نَفْسًا واصطلحوا(7/317)
وَفِي الْقِصَّةِ طُولٌ
قَالَ الْحَافِظُ وَقَدْ سَاقَ بن الْكَلْبِيِّ وَالْوَاقِدِيُّ الْقِصَّةَ وَحَاصِلُهَا أَنَّهُمْ كَانُوا خَرَجُوا زَائِرِينَ الْمُقَوْقَسَ بِمِصْرَ فَأَحْسَنَ إِلَيْهِمْ وَأَعْطَاهُمْ وَقَصَّرَ بِالْمُغِيرَةِ فَحَصَلَتْ لَهُ الْغَيْرَةُ مِنْهُمْ فَلَمَّا كَانُوا بِالطَّرِيقِ شَرِبُوا الْخَمْرَ فَلَمَّا سَكِرُوا وَثَبَ الْمُغِيرَةُ فَقَتَلَهُمْ وَلَحِقَ بِالْمَدِينَةِ فَأَسْلَمَ
(لَا حَاجَةَ لَنَا فِيهِ) لِكَوْنِهِ مَأْخُوذًا عَلَى طَرِيقَةِ الْغَدْرِ
وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ أَخْذُ أَمْوَالِ الْكُفَّارِ فِي حَالِ الْأَمْنِ غَدْرًا وَإِنَّمَا تَحِلُّ بِالْمُحَارَبَةِ والمغالبة كذا في فتح (فَذَكَرَ الْحَدِيثَ) أَيْ ذَكَرَ الرَّاوِي الْحَدِيثَ بِطُولِهِ وَقَدِ اخْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ الْحَدِيثَ فِي مَوَاضِعَ فَعَلَيْكَ أَنْ تُطَالِعَهُ بِطُولِهِ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فِي كتاب الشروط والمغازي
(أكتب أي ياعلي هَذَا مَا قَاضَى) بِوَزْنِ فَاعَلَ مِنْ قَضَيْتُ الشَّيْءَ أَيْ فَصَلْتُ الْحُكْمَ فِيهِ
وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فَجَاءَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو فَقَالَ هَاتِ أَكْتُبُ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابًا فَدَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكَاتِبَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اكْتُبْ إِلَخْ قَالَ الْحَافِظُ في رواية بن إِسْحَاقَ فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَرَى بَيْنَهُمَا الْقَوْلُ حَتَّى وَقَعَ بَيْنَهُمَا الصُّلْحُ عَلَى أَنْ تُوضَعَ الْحَرْبُ بَيْنَهُمَا عَشْرَ سِنِينَ وَأَنْ يَأْمَنَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَأَنْ يَرْجِعَ عَنْهُمْ عَامَهُمْ هَذَا (وَعَلَى أَنَّهُ) عَطْفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ أَيْ عَلَى أَنْ لَا تَأْتِينَا فِي هَذَا الْعَامِ وَعَلَى أَنْ تَأْتِيَنَا الْعَامَ الْمُقْبِلَ وَعَلَى أَنَّهُ لَا يَأْتِيكَ مِنَّا رَجُلٌ إِلَخْ وَالْحَدِيثُ قَدِ اخْتَصَرَهُ الْمُؤَلِّفُ وَهُوَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مُطَوَّلًا (فَلَمَّا فَرَغَ) أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
(ثُمَّ جَاءَ نِسْوَةٌ مُؤْمِنَاتٌ مُهَاجِرَاتٌ الْآيَةَ) كَذَا فِي النُّسَخِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ سَقَطَ بَعْضُ الْأَلْفَاظِ مِنْ هَذَا الْمَقَامِ
وَفِي الْمِشْكَاةِ بِرِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ ثُمَّ جَاءَ نِسْوَةٌ مُؤْمِنَاتٌ فأنزل الله تعالى ياأيها الذين امنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات الآية
قال الحافظ ظاهره أنهم جِئْنَ إِلَيْهِ وَهُوَ بِالْحُدَيْبِيَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا جِئْنَ إِلَيْهِ بَعْدُ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ (فَنَهَاهُمُ اللَّهُ أَنْ يَرُدُّوهُنَّ) نَسْخًا لِعُمُومِ الشَّرْطِ أَوْ لِأَنَّ الشَّرْطَ كَانَ مَخْصُوصًا بِالرِّجَالِ كَذَا فِي فَتْحِ الْوَدُودِ (وَأَمَرَهُمْ) أَيِ الصَّحَابَةَ (الصَّدَاقَ) أَيْ صَدَاقَهُنَّ إِلَى أَزْوَاجِهِنَّ مِنَ(7/318)
الْمُشْرِكِينَ
ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ (ثُمَّ رَجَعَ) أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَبُو بَصِيرٍ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ (رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ) بَدَلٌ مِنْ أَبُو بَصِيرٍ
وَزَادَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَهُوَ مُسْلِمٌ (يَعْنِي فَأَرْسَلُوا) أَيْ أَهْلُ مَكَّةَ رَجُلَيْنِ (فِي طَلَبِهِ) أَيْ فِي طَلَبِ أَبِي بَصِيرٍ وَلَعَلَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ أَعْنِي قَوْلَهُ فَأَرْسَلُوا فِي طَلَبِهِ كَانَتْ مَحْذُوفَةً فِي لَفْظِ حَدِيثِ الرَّاوِي الْأَوَّلِ
كَذَا فِي بَعْضِ الْحَوَاشِي (فَدَفَعَهُ) أَيْ دَفَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَصِيرٍ جَرْيًا عَلَى مُقْتَضَى الْعَهْدِ (فَاسْتَلَّهُ الْآخَرُ) أَيْ صَاحِبُ السَّيْفِ أَخْرَجَهُ مِنْ غِمْدِهِ (أَرِنِي) أَمْرٌ مِنَ الْإِرَاءَةِ (فَأَمْكَنَهُ) أَيْ أَقْدَرَهُ وَمَكَّنَهُ (مِنْهُ) أَيْ مِنَ السَّيْفِ (بَرَدَ) أَيْ مَاتَ
وَالْمَعْنَى أَنَّهُ سَكَنَتْ مِنْهُ حَرَكَةُ الْحَيَاةِ وَحَرَارَتُهَا (يَعْدُو) أَيْ مُسْرِعًا خَوْفًا مِنْ أَنْ يَلْحَقَهُ أَبُو بَصِيرٍ فَيَقْتُلُهُ (ذُعْرًا) بِضَمِّ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ فَزَعًا (قُتِلَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (وَإِنِّي لَمَقْتُولٌ) أَيْ قَرِيبٌ مِنَ الْقَتْلِ (فَقَالَ) أَيْ أَبُو بَصِيرٍ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قَدْ أَوْفَى اللَّهُ ذِمَّتَكَ) أَيْ فَلَيْسَ عَلَيْكَ مِنْهُمْ عِقَابٌ فِيمَا صَنَعْتُ أَنَا (وَيْلُ أُمِّهِ) بِضَمِّ اللَّامِ وَوَصْلِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْمِيمِ الْمُشَدَّدَةِ وَهِيَ كَلِمَةُ ذَمٍّ تَقُولُهَا الْعَرَبُ فِي الْمَدْحِ وَلَا يَقْصِدُونَ مَعْنَى مَا فِيهَا مِنَ الذَّمِّ لِأَنَّ الْوَيْلَ الْهَلَاكُ فَهُوَ كَقَوْلِهِمْ لِأُمِّهِ الْوَيْلُ
وَقَالَ فِي الْمِرْقَاةِ قَوْلُهُ وَيْلُ أُمِّهِ بِالنَّصْبِ عَلَى الْمَصْدَرِ وَبِالرَّفْعِ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ وَمَعْنَاهُ الْحُزْنُ وَالْمَشَقَّةُ وَالْهَلَاكُ وَقَدْ يَرِدُ بِمَعْنَى التَّعَجُّبِ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا عَلَى مَا فِي النِّهَايَةِ فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعَجَّبَ مِنْ حُسْنِ نَهْضَتِهِ لِلْحَرْبِ وَجَوْدَةِ مُعَالَجَتِهِ لَهَا مَعَ مَا فِيهِ خَلَاصُهُ مِنْ أَيْدِي الْعَدُوِّ انْتَهَى (مِسْعَرَ حَرْبٍ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ هُوَ بِالنَّصْبِ عَلَى التَّمْيِيزِ وَأَصْلُهُ مِنْ مُسَعِّرِ حَرْبٍ أَيْ يُسَعِّرُهَا
قَالَ الْخَطَّابِيُّ كَأَنَّهُ يَصِفُهُ بِالْإِقْدَامِ فِي الْحَرْبِ وَالتَّسْعِيرِ لِنَارِهَا
كَذَا في فتح الباري
وقال القارىء وَيُرْفَعُ أَيْ هُوَ مَنْ يُحْمِي الْحَرْبَ وَيُهَيِّجُ الْقِتَالَ انْتَهَى
وَفِي الْمُنْتَقَى مِسْعَرُ حَرْبٍ أَيْ مَوْقِدُ حَرْبٍ وَالْمِسْعَرُ وَالْمِسْعَارُ مَا يُحْمَى بِهِ النَّارُ مِنْ خَشَبٍ وَنَحْوِهِ انْتَهَى (لَوْ كَانَ له(7/319)
أَحَدٌ) جَوَابُ لَوْ مَحْذُوفٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ السَّابِقُ أَيْ لَوْ فُرِضَ لَهُ أَحَدٌ يَنْصُرُهُ لِإِسْعَارِ الْحَرْبِ لَأَثَارَ الْفِتْنَةَ وَأَفْسَدَ الصُّلْحَ
فَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ سَيَرُدُّهُ إِلَيْهِمْ إِذْ لَا نَاصِرَ لَهُ
قَالَهُ الْكَرْمَانِيُّ
وَقَالَ الْحَافِظُ وَفِي رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ لَوْ كَانَ لَهُ رِجَالٌ فَلَقَّنَهَا أَبُو بَصِيرٍ فَانْطَلَقَ
وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَيْهِ بِالْفِرَارِ لِئَلَّا يَرُدُّهُ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَرَمْزَ إِلَى مَنْ بَلَغَهُ ذَلِكَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَلْحَقُوا بِهِ (فَلَمَّا سَمِعَ) أَبُو بَصِيرٍ (ذَلِكَ) أَيِ الْكَلَامَ الْمَذْكُورَ (عَرَفَ أَنَّهُ سَيَرُدُّهُ إِلَيْهِمْ) قَالَ الْقَاضِي إِنَّمَا عُرِفَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ مِسْعَرَ حَرْبٍ لَوْ كَانَ لَهُ أَحَدٌ فَإِنَّهُ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ لَا يُؤْوِيهِ وَلَا يُعِينُهُ وَإِنَّمَا خَلَاصُهُ عَنْهُمْ بِأَنْ يَسْتَظْهِرَ بِمَنْ يُعِينُهُ عَلَى مُحَارَبَتِهِمْ (سِيفَ الْبَحْرِ) بِكَسْرِ السِّينِ وَسُكُونِ الْيَاءِ أَيْ سَاحِلَهُ (وَيَنْفَلِتُ) أَيْ تَخَلَّصَ مِنْ أَيْدِي الْمُشْرِكِينَ
وَفِي تَعْبِيرِهِ بِالصِّيغَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ إِشَارَةٌ إِلَى مُشَاهَدَةِ الْحَالِ (عِصَابَةٌ) أَيْ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ مَكَّةَ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ مُخْتَصَرًا وَمُطَوَّلًا عَنِ الْمِسْوَرِ وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ
[2766] (اصْطَلَحُوا) أَيْ صَالَحُوا (عَلَى وَضْعِ الْحَرْبِ) أَيْ عَلَى تَرْكِهِ (وَعَلَى أَنَّ بَيْنَنَا عَيْبَةً) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ وَبِالْمُوَحَّدَةِ مَا يُجْعَلُ فِيهِ الثِّيَابُ (مَكْفُوفَةً) أَيْ مَشْدُودَةً مَمْنُوعَةً
قَالَ فِي النَّيْلِ أَيْ أَمْرًا مَطْوِيًّا فِي صُدُورٍ سَلِيمَةٍ وَهُوَ إِشَارَةٌ إِلَى تَرْكِ الْمُؤَاخَذَةِ بِمَا تَقَدَّمَ بَيْنَهُمْ مِنْ أَسْبَابِ الْحَرْبِ وَغَيْرِهَا وَالْمُحَافَظَةِ عَلَى الْعَهْدِ الَّذِي وَقَعَ بَيْنَهُمْ (وَأَنَّهُ لَا إِسْلَالَ وَلَا إِغْلَالَ) أَيْ لَا سَرِقَةَ وَلَا خِيَانَةَ يُقَالُ أَغَلَّ الرَّجُلُ أَيْ خَانَ وَالْإِسْلَالُ مِنَ السَّلَّةِ وَهِيَ السَّرِقَةُ وَالْمُرَادُ أَنْ يَأْمَنَ النَّاسُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ فِي نُفُوسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ سِرًّا وَجَهْرًا
وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ
[2767] (إِلَى ذِي مِخْبَرٍ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الموحدة (عن(7/320)
الْهُدْنَةِ) بِوَزْنِ اللُّقْمَةِ أَيْ الصُّلْحِ هَلْ هُوَ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَبَيْنَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَأَهْلِ الشِّرْكِ (سَتُصَالِحُونَ الرُّومَ) الْخِطَابُ لِلْمُسْلِمِينَ (صُلْحًا) مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ (آمِنًا) بِالْمَدِّ صِفَةُ صُلْحًا أَيْ صُلْحًا ذَا أَمْنٍ (وَتَغْزُونَ أَنْتُمْ) أَيْ فَتُقَاتِلُونَ أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ
(وَهُمْ) أَيْ الرُّومُ الْمُصَالِحُونَ مَعَكُمْ (عَدُوًّا مِنْ وَرَائِكُمْ) أَيْ مِنْ خَلْفِكُمْ
وَسَيَجِيءُ هَذَا الْحَدِيثُ فِي كِتَابِ الْمَلَاحِمِ فِي بَابِ مَا يُذْكَرُ مِنْ مَلَاحِمِ الرُّومِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ بن ماجه
5
( [2768] باب في العدو يؤتي)
بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ
(عَلَى غِرَّةٍ) أَيْ غَفْلَةٍ فَيَدْخُلُ الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ عَلَى الْعَدُوِّ الْكَافِرِ وَيَقْتُلُهُ عَلَى غَفْلَةٍ مِنْهُ وَالْحَالُ أَنَّ الْعَدُوَّ لَا يَعْلَمُ بِعَزْمِ قَتْلِهِ وَلَا يَقِفُ عَلَى إِرَادَتِهِ (وَيَتَشَبَّهُ) أَيِ الْمُسْلِمُ الدَّاخِلُ عَلَى الْعَدُوِّ (بِهِمْ) أَيْ بِالْأَعْدَاءِ فِي ظَاهِرِ الْحَالِ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ فَيَتَشَبَّهُ بِهَيْئَتِهِمْ وَآدَابِهِمْ وَأَخْلَاقِهِمْ وَالتَّلَفُّظِ بِالْكَلِمَاتِ الَّتِي فِيهَا تَوْرِيَةٌ بَلْ بِالْكَلِمَاتِ الْمُنْكَرَةِ عِنْدَ الشَّرْعِ كَمَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ قَدْ سَأَلَنَا الصَّدَقَةَ وَقَدْ عَنَّانَا فَإِنَّ التَّلَفُّظَ بِأَمْثَالِ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ لَا يَجُوزُ قَطْعًا فِي غَيْرِ هَذِهِ الْحَالَةِ
وَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بن إسحاق فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ أَنَا لَكَ بِهِ يارسول اللَّهِ أَنَا أَقْتُلُهُ قَالَ فَافْعَلْ إِنْ قَدَرْتَ على ذلك قال يارسول اللَّهِ لَا بُدَّ لَنَا أَنْ نَقُولَ قَالَ قُولُوا مَا بَدَا لَكُمْ فَأَنْتُمْ فِي حِلٍّ مِنْ ذَلِكَ انْتَهَى
فَأَبَاحَ لَهُ الْكَذِبَ لِأَنَّهُ مِنْ خُدَعِ الْحَرْبِ
قَالَ الْحَافِظُ وَقَدْ ظَهَرَ من سياق بن سَعْدٍ لِلْقِصَّةِ أَنَّهُمُ اسْتَأْذَنُوهُ فِي أَنْ يَشْكُوَا منه وأن يعيبوا دينه انتهى
قال بن الْمُنِيرِ هُنَا لَطِيفَةٌ هِيَ أَنَّ النَّيْلَ مِنْ عِرْضِهِ كُفْرٌ وَلَا يُبَاحُ إِلَّا بِإِكْرَاهٍ لِمَنْ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَأَيْنَ الْإِكْرَاهُ هُنَا وَأَجَابَ بِأَنَّ كَعْبًا كَانَ يُحَرِّضُ عَلَى قَتْلِ الْمُسْلِمِينَ وَكَانَ فِي قَتْلِهِ خَلَاصُهُمْ فَكَأَنَّهُ أَكْرَهَ النَّاسَ عَلَى النُّطْقِ بِهَذَا الْكَلَامِ بِتَعْرِيضِهِ إِيَّاهُمْ لِلْقَتْلِ فَدَفَعُوا عَنْ أَنْفُسِهِمْ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَعَ أَنَّ قُلُوبَهُمْ مُطْمَئِنَّةٌ بِالْإِيمَانِ انْتَهَى وَهُوَ حَسَنٌ نَفِيسٌ
وَالْمَقْصُودُ مِنْ عَقْدِ هَذَا الْبَابِ أَنَّ هَذِهِ الْأَفْعَالَ وَالْخَدِيعَةَ وَأَشْبَاهَهَا تَجُوزُ لِقَتْلِ الْعَدُوِّ الْكَافِرِ لَكِنْ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ بِالْعَدُوِّ بَعْدَ الْأَمَانِ(7/321)
وَالصُّلْحِ وَالذِّمَّةِ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورُ فِي الْبَابِ
وَبَعْدَ الْأَمَانِ يَجُوزُ ذَلِكَ بِمَنْ نَقَضَ الْعَهْدَ وَأَعَانَ عَلَى قَتْلِ الْمُسْلِمِينَ كَمَا فَعَلَ بِكَعْبٍ الْيَهُودِيِّ وَقِصَّتُهُ كَمَا عِنْدَ بن إِسْحَاقَ وَغَيْرِهِ أَنَّ كَعْبًا كَانَ شَاعِرًا وَكَانَ يَهْجُو رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُحَرِّضُ عَلَيْهِ كُفَّارَ قُرَيْشٍ وَكَانَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَكَانَ الْيَهُودُ وَالْمُشْرِكُونَ يُؤْذُونَ الْمُسْلِمِينَ أَشَدَّ الْأَذَى فَأَمَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ وَالْمُسْلِمِينَ بِالصَّبْرِ فَلَمَّا أَبَى كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ أَنْ يَنْزِعَ عَنْ أَذَاهُ وَقَدْ كَانَ عَاهَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ لَا يُعِينَ عَلَيْهِ أَحَدًا فَنَقَضَ كَعْبٌ الْعَهْدَ وَسَبَّهُ وَسَبَّ أَصْحَابَهُ وَكَانَ مِنْ عَدَاوَتِهِ أَنَّهُ لَمَّا قَدِمَ الْبَشِيرَانِ بِقَتْلِ مَنْ قَتَلَ بِبَدْرٍ وَأَسْرِ مَنْ أَسْرَ قَالَ كَعْبٌ أَحَقٌّ هَذَا أَتَرَوْنَ أَنَّ مُحَمَّدًا قَتَلَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُسَمِّي هَذَانِ الرَّجُلَانِ فَهَؤُلَاءِ أَشْرَافُ الْعَرَبِ وَمُلُوكُ النَّاسِ وَاللَّهِ لَئِنْ كَانَ مُحَمَّدٌ أَصَابَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ لَبَطْنُ الْأَرْضِ خَيْرٌ مِنْ ظَهْرِهَا فَلَمَّا أَيْقَنَ الْخَبَرَ وَرَأَى الْأَسْرَى مُقَرَّنِينَ كُبِتَ وَذَلَّ وَخَرَجَ إِلَى قُرَيْشٍ يَبْكِي عَلَى قَتْلَاهُمْ وَيُحَرِّضُهُمْ عَلَى قِتَالِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَشَبَّبَ بِنِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى آذَاهُمْ
كَذَا فِي شَرْحِ الْمَوَاهِبِ لِلزُّرْقَانِيِّ
وَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّ قَتْلَ كَعْبٍ كَانَ قَبْلَ النَّهْيِ كَمَا سَيَجِيءُ
هَذَا مُلَخَّصٌ مِنْ شَرْحِ أَبِي دَاوُدَ لِأَبِي الطَّيِّبِ
(مَنْ لِكَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ) أَيْ مَنِ الَّذِي يُنْتَدَبُ إِلَى قَتْلِهِ (قَدْ آذَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ) لِأَنَّهُ كَانَ يَهْجُو النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمِينَ وَيُحَرِّضُ قُرَيْشًا (فَأْذَنْ لِي أَنْ أَقُولَ شَيْئًا) أَيْ قَوْلًا غَيْرَ مُطَابِقٍ لِلْوَاقِعِ يَسُرُّ كَعْبًا لِنَتَوَصَّلَ بِهِ إِلَى التَّمَكُّنِ مِنْ قَتْلِهِ وَإِنَّهُ اسْتَأْذَنَ أَنْ يَفْتَعِلَ شَيْئًا يَحْتَالُ بِهِ (فَأَتَاهُ) أَيْ أَتَى مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ كَعْبَ بْنَ الْأَشْرَفِ (إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ) يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَقَدْ عَنَّانَا) بِالْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ الْأُولَى مِنَ الْعَنَاءِ وَهُوَ التَّعَبُ (قَالَ) أَيْ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ (وَأَيْضًا) أَيْ وَزِيَادَةٌ عَلَى ذَلِكَ وَقَدْ فَسَّرَهُ بَعْدَ ذَلِكَ قَوْلُهُ (لَتَمَلُّنَّهُ) بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ وَالْمِيمِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ الْمَضْمُومَةِ وَبِالنُّونِ الْمُشَدَّدَةِ مِنَ الْمَلَالِ أَيْ لَيَزِيدَنَّ مَلَالَتُكُمْ وَضَجَرُكُمْ عَنْهُ (أَنْ نَدَعَهُ) أَيْ نَتْرُكَهُ إِلَى أَيِّ شَيْءٍ يَصِيرُ أَمْرُهُ أَيْ أَمْرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْ يَغْلِبُ النَّاسَ أَوْ يَغْلِبُهُ النَّاسُ كَذَا فِي فَتْحِ الْوَدُودِ (أَنْ تُسْلِفَنَا) السَّلَفُ وَالسَّلَمُ وَالْقَرْضُ (وَسْقًا) الْوَسْقُ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِهَا سِتُّونَ صَاعًا وَالصَّاعُ أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ (أَيَّ(7/322)
شَيْءٍ تَرْهَنُونِي) أَيْ أَيَّ شَيْءٍ تَدْفَعُونَهُ إِلَيَّ يَكُونُ رَهْنًا (قَالَ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا قَالُوا وَهُوَ الظَّاهِرُ (نِسَاءَكُمْ) بِالنَّصْبِ أَيْ أُرِيدُ نِسَاءَكُمْ (يُسَبُّ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (رُهِنْتُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (اللَّأْمَةَ) بِاللَّامِ وَسُكُونِ الْهَمْزَةِ (يُرِيدُ السِّلَاحَ) هَذَا تَفْسِيرُ اللَّأْمَةِ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ
وَقَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ اللَّأْمَةُ الدِّرْعُ فَعَلَى هَذَا إِطْلَاقُ السِّلَاحِ عَلَيْهَا مِنْ إِطْلَاقِ اسْمِ الْكُلِّ عَلَى الْبَعْضِ
وَفِي النِّهَايَةِ اللَّأْمَةُ مَهْمُوزَةٌ الدِّرْعُ وَقِيلَ السِّلَاحُ وَلَأْمَةُ الْحَرْبِ أَدَاتُهُ وَقَدْ يُتْرَكُ الهمز تخفيفا انتهى (ينضخ رَأْسُهُ) أَيْ يَفُوحُ مِنْهُ رِيحُ الطِّيبِ (جَاءَ مَعَهُ) أَيْ مَعَ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ (قَالَ دُونَكُمْ) أَيْ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ لِأَصْحَابِهِ خُذُوهُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ
[2769] (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حُزَابَةَ) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ ثُمَّ زَايٍ خَفِيفَةٍ وَبَعْدَ الْأَلِفِ مُوَحَّدَةٌ (الْإِيمَانُ قَيَّدَ الْفَتْكَ) بِفَتْحِ فَاءٍ وَسُكُونِ فَوْقِيَّةٍ
قَالَ(7/323)
فِي الْمَجْمَعِ هُوَ أَنْ يَأْتِيَ صَاحِبَهُ وَهُوَ غَافِلٌ فَيَشُدُّ عَلَيْهِ فَيَقْتُلُهُ وَقَالَ فِيهِ فِي مَادَّةِ قَيَدَ قَيَّدَ الْإِيمَانُ الْفَتْكَ أَيْ الْإِيمَانُ يَمْنَعُ عَنِ الْفَتْكِ كَمَا يَمْنَعُ الْقَيْدُ عَنِ التَّصَرُّفِ فَكَأَنَّهُ جَعَلَ الْفَتْكَ مُقَيَّدًا قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْفَتْكُ أَنْ يَأْتِيَ الرَّجُلُ صَاحِبَهُ وَهُوَ غَارٌّ غَافِلٌ فَيَشُدُّ عَلَيْهِ فَيَقْتُلُهُ وَالْغِيلَةُ أَنْ يَخْدَعَهُ ثُمَّ يَقْتُلُهُ فِي مَوْضِعٍ خَفِيٍّ انْتَهَى
قُلْتُ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ الْإِيمَانَ يَمْنَعُ مِنَ الْفَتْكِ الَّذِي هُوَ الْقَتْلُ بَعْدَ الْأَمَانِ غَدْرًا كَمَا يَمْنَعُ الْقَيْدُ مِنَ التَّصَرُّفِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (لَا يَفْتِكُ مُؤْمِنٌ) قَالَ فِي فَتْحِ الْوَدُودِ عَلَى بِنَاءِ الْفَاعِلِ بِضَمِّ التَّاءِ وَكَسْرِهَا وَالْخَبَرُ فِي مَعْنَى النَّهْيِ وَيَجُوزُ جَزْمُهُ عَلَى النَّهْيِ وَقَتْلُ كَعْبٍ وَغَيْرُهُ كَانَ قَبْلَ النَّهْيِ أَوْ هُوَ مَخْصُوصٌ
قَالَ فِي الْمَجْمَعِ أَيْ إِيمَانُهُ يَمْنَعُهُ عَنِ الْفَتْكِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ أَسْبَاطُ بْنُ بَكْرٍ الْهَمْدَانِيُّ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ السُّدِّيُّ وَقَدْ أَخْرَجَ لَهُمَا مُسْلِمٌ وَتَكَلَّمَ فِيهِمَا غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ
51 - (بَابٌ فِي التَّكْبِيرِ عَلَى كُلِّ شَرَفٍ فِي الْمَسِيرِ الشَّرَفُ)
[2770] بِفَتْحَتَيْنِ المكان مرتفع
(إذا قفل) أي رجع (ائبون) أَيْ رَاجِعُونَ (وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ) قَالَ الطِّيبِيُّ الَّذِينَ تَحَزَّبُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ فَهَزَمَهُمُ اللَّهُ بِغَيْرِ قتال
قال القارىء وَيُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ بِهِمْ أَنْوَاعُ الْكُفَّارِ الَّذِينَ غُلِبُوا بِالْهَزِيمَةِ وَالْفِرَارِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ
52 - (بَاب فِي الْإِذْنِ فِي الْقُفُولِ بَعْدَ النَّهْيِ)
[2771] الْقُفُولُ الرُّجُوعُ
لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يؤمنون بالله واليوم الآخر وَبَعْدَهُ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بالمتقين وَقَبْلَهُ عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَذِنَ لِجَمَاعَةٍ فِي التَّخَلُّفِ بِاجْتِهَادٍ مِنْهُ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةٌ عِتَابًا لَهُ وَقَدَّمَ الْعَفْوَ تَطْمِينًا لِقَلْبِهِ (الَّتِي فِي النُّورِ) أَيِ الْآيَةِ الَّتِي فِي سُورَةِ النُّورِ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ(7/324)
ورسوله وَبَعْدَهُ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لهم الله إن الله غفور رحيم قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ وَفِيهِ مَقَالٌ انْتَهَى
وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّازِقِ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ الْأَوْدِيِّ قَالَ اثْنَتَانِ فَعَلَهُمَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُؤْمَرْ فِيهِمَا بِشَيْءٍ إِذْنُهُ لِلْمُنَافِقَيْنِ وَأَخْذُهُ مِنَ الْأُسَارَى فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَفَا اللَّهُ عنك لم أذنت لهم الآية وأخرج بن جرير عن بن عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بالله واليوم الآخر قَالَ هَذَا تَفْسِيرٌ لِلْمُنَافِقِينَ حِينَ اسْتَأْذَنُوا فِي الْقُعُودِ عَنِ الْجِهَادِ بِغَيْرِ عُذْرٍ وَعَذَرَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لمن شئت منهم وأخرج البيهقي في سننه عن بن عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بالله قَالَ نَسَخَتْهَا الْآيَةُ الَّتِي فِي سُورَةِ النُّورِ إنما المؤمنون الذين امنوا بالله ورسوله إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ فَجَعَلَ اللَّهُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَعْلَى النَّظَرَيْنِ فِي ذَلِكَ مَنْ غَزَا غَزَا فِي فَضِيلَةٍ وَمَنْ قَعَدَ قَعَدَ فِي غَيْرِ حَرَجٍ إِنْ شَاءَ انْتَهَى قَالَ الْخَازِنُ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْبَرَاءَةِ (إنما يستأذنك) يعني في التخلف عن الجهاد معك يامحمد مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ واليوم الآخر وهم المنافقون لقوله وارتابت قلوبهم يَعْنِي شَكَّتْ قُلُوبُهُمْ فِي الْإِيمَانِ فَهُمْ فِي ريبهم يترددون يَعْنِي أَنَّ الْمُنَافِقِينَ مُتَحَيِّرُونَ لَا مَعَ الْكُفَّارِ وَلَا مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَقَدِ اخْتَلَفَ عُلَمَاءُ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ فَقِيلَ إِنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِالْآيَةِ الَّتِي فِي سُورَةِ النُّورِ وَهِيَ قَوْلُهُ سبحانه إن الذين يستأذنونك الآية
وقيل إنهما مُحْكَمَاتٌ كُلُّهَا وَوَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَ هَذِهِ الْآيَاتِ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ كَانُوا يُسَارِعُونَ إِلَى طَاعَةِ اللَّهِ وَجِهَادِ عَدُوِّهِمْ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ فَإِذَا عَرَضَ لِأَحَدِهِمْ عُذْرٌ اسْتَأْذَنَ فِي التَّخَلُّفِ فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُخَيَّرًا فِي الْإِذْنِ لَهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ منهم وَأَمَّا الْمُنَافِقُونَ فَكَانُوا يَسْتَأْذِنُونَ فِي التَّخَلُّفِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَعَيَّرَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِهَذَا الِاسْتِئْذَانِ لِكَوْنِهِ بِغَيْرِ عُذْرٍ
وَقَالَ الْخَازِنُ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ النُّورِ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ ورسوله وإذا كانوا مَعَهُ أَيْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أمر جامع أَيْ يَجْمَعُهُمْ مِنْ حَرْبٍ أَوْ صَلَاةٍ حَضَرَتْ أَوْ جُمُعَةٍ أَوْ عِيدٍ أَوْ جَمَاعَةٍ أَوْ تَشَاوُرٍ فِي أَمْرٍ نَزَلَ لَمْ يَذْهَبُوا أَيْ لَمْ يَتَفَرَّقُوا عَنْهُ وَلَمْ يَنْصَرِفُوا عَمَّا اجْتَمَعُوا لَهُ حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شأنهم أي أمرهم (فأذن لمن شئت منهم) أي في الانصراف والمعنى إن شئت فائذن وَإِنْ شِئْتَ فَلَا تَأْذَنِ انْتَهَى(7/325)
253 - (بَاب فِي بِعْثَةِ الْبُشَرَاءِ)
[2772] جَمْعُ بَشِيرٍ
(عَنْ جرير) هو بن عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَلَا) بِالتَّخْفِيفِ لِلتَّنْبِيهِ (تُرِيحُنِي) مِنَ الْإِرَاحَةِ (مِنْ ذِي الْخَلَصَةِ) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَاللَّامِ بَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ
قَالَ الْحَافِظُ وَالْخَلَصَةُ اسْمٌ لِلْبَيْتِ الَّذِي كَانَ فِيهِ الصَّنَمُ وَقِيلَ اسْمُ الْبَيْتِ الْخَلَصَةُ وَاسْمُ الصَّنَمِ ذُو الْخَلَصَةِ
وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ وَكَانَ بَيْتًا فِي خَثْعَمَ يُسَمَّى الْكَعْبَةَ الْيَمَانِيَةَ (فَأَتَاهَا) الضَّمِيرُ الْمَرْفُوعُ لِجَرِيرٍ وَالْمَنْصُوبُ لِذِي الْخَلَصَةِ (مِنْ أَحْمَسَ) اسْمُ قَبِيلَةٍ (يُكَنَّى) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ وَالضَّمِيرُ لِلرَّجُلِ (أَبَا أَرْطَاةَ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ بَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ وَبَعْدَ الْأَلِفِ تَاءُ تَأْنِيثٍ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو أَرْطَاةَ اسْمُهُ الْحُصَيْنُ بْنُ رَبِيعَةَ لَهُ صُحْبَةٌ
54 - (بَاب في إعطاء البشير)
[2773] (وقص بن السَّرْحِ الْحَدِيثَ) الْحَدِيثُ مَذْكُورٌ بِطُولِهِ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فِي الْجُزْءِ الثَّامِنَ عَشَرَ مِنْهُ (أَيُّهَا الثَّلَاثَةُ) بِالرَّفْعِ وَهُوَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الِاخْتِصَاصِ أَيْ مُتَخَصِّصِينَ بِذَلِكَ دُونَ بَقِيَّةِ النَّاسِ (إِذَا طَالَ عَلَيَّ) زَمَانٌ وَلَا يُكَلِّمُنِي أَحَدٌ (تَسَوَّرْتُ) أَيْ عَلَوْتُ سُورَ الدَّارِ(7/326)
(جِدَارَ حَائِطِ أَبِي قَتَادَةَ) أَيْ جِدَارَ بُسْتَانِهِ (يُهَرْوِلُ) أَيْ يُسْرِعُ بَيْنَ الْمَشْيِ وَالْعَدْوِ (وَهَنَّأَنِي) قَالَ فِي فَتْحِ الْوَدُودِ بِهَمْزَةٍ فِي آخِرِهِ أَيْ قَالَ هَنِيئًا لَكَ تَوْبَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ أَوْ نَحْوَهُ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ مُخْتَصَرًا وَمُطَوَّلًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ
55 - (بَاب فِي سُجُودِ الشُّكْرِ)
[2774] (أَمْرُ سُرُورٍ) بِالْإِضَافَةِ (أَوْ بُشِّرَ بِهِ) بِصِيغَةِ الْمَاضِي الْمَجْهُولِ مِنَ التَّبْشِيرِ وأو لِلشَّكِّ مِنَ الرَّاوِي
وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ يُسَرُّ بِهِ بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ الْمَجْهُولِ مِنَ السُّرُورِ
وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى شَرْعِيَّةِ سُجُودِ الشُّكْرِ
قَالَ فِي السُّبُلِ ذَهَبَ إِلَى شَرْعِيَّتِهِ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ خِلَافًا لِمَالِكٍ وَرِوَايَةُ أَبِي حَنِيفَةَ بِأَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِيهَا وَلَا نَدْبَ
وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ لِلْأَوَّلَيْنِ
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه اللَّه وَقَدْ رَوَى الْإِمَام أَحْمَد فِي مُسْنَده عَنْ أَبِي بَكْرَة أَنَّهُ شَهِدَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَاهُ بَشِير يُبَشِّرهُ بِظَفَرِ جُنْد لَهُ عَلَى عَدُوّهُمْ وَرَأْسه فِي حِجْر عَائِشَة فَقَامَ فَخَرَّ سَاجِدًا
وَفِي الْمُسْنَد أَيْضًا عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف قَالَ خَرَجَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَوَجَّهَ نَحْو صَدَقَته فَدَخَلَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَة فَخَرَّ سَاجِدًا فَأَطَالَ السُّجُود ثُمَّ رَفَعَ رَأْسه وَقَالَ إِنَّ جِبْرِيل أَتَانِي فَبَشَّرَنِي فَقَالَ إِنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ يَقُول لَك مَنْ صَلَّى عَلَيْك صَلَّيْت عَلَيْهِ وَمَنْ سَلَّمَ عَلَيْك سَلَّمْت عَلَيْهِ فَسَجَدْت لِلَّهِ شكرا(7/327)
وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدِ اخْتُلِفَ هَلْ يُشْتَرَطُ لَهَا الطَّهَارَةُ أَمْ لَا فَقِيلَ يُشْتَرَطُ قِيَاسًا عَلَى الصَّلَاةِ وَقِيلَ لَا يُشْتَرَطُ وَهُوَ الْأَقْرَبُ انْتَهَى
وَقَالَ فِي النَّيْلِ
وَلَيْسَ فِي أَحَادِيثِ سُجُودِ الشُّكْرِ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّكْبِيرِ انْتَهَى
وَفِي زَادِ الْمَعَادِ وَفِي سُجُودِ كَعْبٍ حِينَ سَمِعَ صَوْتَ الْمُبَشِّرِ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ أَنَّ تِلْكَ كَانَتْ عَادَةَ الصَّحَابَةِ وَهُوَ سُجُودُ الشُّكْرِ عِنْدَ النِّعَمِ الْمُتَجَدِّدَةِ وَالنِّقَمِ الْمُنْدَفِعَةِ وَقَدْ سَجَدَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ لَمَّا جَاءَهُ قَتْلُ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ وَسَجَدَ عَلِيٌّ لَمَّا وَجَدَ ذَا الثُّدَيَّةِ مَقْتُولًا فِي الْخَوَارِجِ وَسَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ بَشَّرَهُ جَبْرَائِيلُ أَنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ مَرَّةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا وَسَجَدَ حِينَ شَفَعَ لِأُمَّتِهِ فَشَفَّعَهُ اللَّهُ فِيهِمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَأَتَاهُ بَشِيرٌ فَبَشَّرَهُ بِظَفَرِ جُنْدٍ لَهُ عَلَى عَدُوِّهِمْ وَرَأْسُهُ فِي حِجْرِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَقَامَ فَخَرَّ سَاجِدًا
وَقَالَ أَبُو بَكْرَةَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَتَاهُ أَمْرٌ يَسُرُّهُ خَرَّ لِلَّهِ سَاجِدًا
وَهِيَ آثَارٌ صَحِيحَةٌ لَا مَطْعَنَ فيها انتهى
قال المنذري وأخرجه الترمذي وبن مَاجَهْ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ حَدِيثِ بَكَّارِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ
هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ
وَبَكَّارُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ فِيهِ مَقَالٌ وَقَدْ جَاءَ حَدِيثُ سَجْدَةِ الشُّكْرِ مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَمِنْ حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَغَيْرِ ذَلِكَ
[2775] (قَالَ أَبُو داود) هو المصنف (وهو) أي بن عُثْمَانَ (مِنْ عَزْوَرَا) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الزَّايِ وَفَتْحِ الْوَاوِ وَفَتْحِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ بِالْقَصْرِ وَيُقَالُ فِيهَا عَزْوَرُ ثَنِيَّةٌ بِالْجُحْفَةِ عَلَيْهَا الطَّرِيقُ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ
كَذَا فِي النِّهَايَةِ
وَفِي الْمَرَاصِدِ عَزْوَرُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ ثَانِيهِ وَفَتْحِ الْوَاوِ وَآخِرُهُ رَاءٌ مُهْمَلَةٌ مَوْضِعٌ أَوْ مَاءٌ قَرِيبٌ مِنْ مَكَّةَ وَقِيلَ ثَنِيَّةُ الْمَدِينَتَيْنِ إِلَى بَطْحَاءِ مَكَّةَ وَقِيلَ هِيَ ثَنِيَّةُ الْجُحْفَةِ عَلَيْهَا الطَّرِيقُ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ انْتَهَى (ذَكَرَهُ أحمد) هو بن صالح الراوي
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
وفي مسند لإمام أَحْمَد أَيْضًا إِنَّ عَلِيًّا سَجَدَ حِين وَجَدَ ذَا الثُّدَيَّة فِي الْخَوَارِج مَقْتُولًا
وَفِي سُنَن سَعِيد بْن مَنْصُور أَنَّ أَبَا بَكْر الصِّدِّيق سَجَدَ حِين جَاءَهُ قَتْل مُسَيْلِمَة الْكَذَّاب(7/328)
(فَأَعْطَانِي الثُّلُثَ الْآخِرَ) بِكَسْرِ الْخَاءِ وَقِيلَ بِفَتْحِهَا
قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ أَيْ فَأَعْطَانِيهِمْ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِمُ الْخُلُودُ وَتَنَالُهُمْ شَفَاعَتِي فَلَا يَكُونُونَ كَالْأُمَمِ السَّالِفَةِ فَإِنَّ مَنْ عُذِّبَ مِنْهُمْ وَجَبَ عَلَيْهِمُ الْخُلُودُ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ لُعِنُوا لِعِصْيَانِهِمْ أَنْبِيَائَهُمْ فَلَمْ تَنَلْهُمُ الشَّفَاعَةُ وَالْعُصَاةُ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ مَنْ عُوقِبَ مِنْهُمْ نُقِّيَ وَهُذِّبَ وَمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ عَلَى الشَّهَادَتَيْنِ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ وَإِنْ عُذِّبَ بِهَا وَتَنَالُهُ الشَّفَاعَةُ وَإِنِ اجْتَرَحَ الْكَبَائِرَ وَيُتَجَاوَزُ عَنْهُمْ مَا وَسْوَسَتْ بِهِ صُدُورُهُمْ مَا لَمْ يَعْمَلُوا أَوْ يَتَكَلَّمُوا إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْخَصَائِصِ الَّتِي خَصَّ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْأُمَّةَ كَرَامَةً لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى
كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ
وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي الدُّعَاءِ إِلَّا فِيمَا وَرَدَ الْأَثَرُ بِخِلَافِهِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ مُوسَى بْنُ يَعْقُوبَ الزَّمْعِيُّ وَفِيهِ مَقَالٌ
56 - (بَابٌ فِي الطُّرُوقِ)
[2776] وَهُوَ الدُّخُولُ لَيْلًا لِمَنْ وَرَدَ مِنْ سَفَرٍ
(طُرُوقًا) بِضَمِّ الطَّاءِ أَيْ لَيْلًا وَكُلُّ آتٍ فِي اللَّيْلِ فَهُوَ طَارِقٌ
قَالَهُ النَّوَوِيُّ وَفِي رِوَايَةٍ لِلشَّيْخَيْنِ إِذَا أَطَالَ أَحَدُكُمُ الْغَيْبَةَ فَلَا يَطْرُقْ أَهْلَهُ لَيْلًا قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ بِنَحْوِهِ(7/329)
[2777] (إِنَّ أَحْسَنَ مَا دَخَلَ الرَّجُلُ عَلَى أَهْلِهِ إِلَخْ) قِيلَ مَا مَوْصُولَةٌ وَالرَّاجِعُ إِلَيْهِ مَحْذُوفٌ وَالْمُرَادُ بِهِ الْوَقْتُ الَّذِي دَخَلَ فِيهِ الرَّجُلُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ مَصْدَرِيَّةً عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ أَيْ إِنَّ أَحْسَنَ دُخُولِ الرَّجُلِ دُخُولُ أَوَّلِ اللَّيْلِ
قَالَ الطِّيبِيُّ وَالْأَحْسَنُ أَنْ تَكُونَ مَوْصُوفَةً أَيْ أَحْسَنُ أَوْقَاتِ دُخُولِ الرَّجُلِ عَلَى أَهْلِهِ أَوَّلُ اللَّيْلِ
قِيلَ التَّوْفِيقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الَّذِي قَبْلَهُ أَنْ يُحْمَلَ الدُّخُولُ عَلَى الْخُلُوِّ بِهَا وَقَضَاءِ الْوَطَرِ مِنْهَا لَا الْقُدُومُ عَلَيْهَا وَإِنَّمَا اخْتَارَ ذَلِكَ أَوَّلَ اللَّيْلِ لِأَنَّ الْمُسَافِرَ لِبُعْدِهِ عَنْ أَهْلِهِ يَغْلِبُ عَلَيْهِ الشَّبَقُ فَإِذَا قَضَى شَهْوَتَهُ أَوَّلَ اللَّيْلِ سَكَّنَ نَفْسَهُ وَطَابَ نَوْمُهُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ بِنَحْوِهِ
[2778] (لِكَيْ تَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ) بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ أَيْ تُعَالِجَ بِالْمُشْطِ الْمُتَفَرِّقَةُ الشَّعْرِ (تَسْتَحِدَّ الْمُغِيبَةُ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْغَيْنِ أَيِ الَّتِي غَابَ زَوْجُهَا
قَالَ السُّيُوطِيُّ أَيْ تَحْلِقُ شَعْرَ الْعَانَةِ
وَقَالَ النَّوَوِيُّ الِاسْتِحْدَادُ اسْتِفْعَالٌ مِنَ اسْتِعْمَالِ الْحَدِيدَةِ وَالْمُرَادُ إِزَالَتُهُ كَيْفَ كَانَ
قَالَ وَمَعْنَى هَذِهِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ يُكْرَهُ لِمَنْ طَالَ سَفَرُهُ أَنْ يَقْدَمَ عَلَى امْرَأَتِهِ لَيْلًا بَغْتَةً فَأَمَّا مَنْ كَانَ سَفَرُهُ قَرِيبًا تَتَوَقَّعُ امْرَأَتُهُ إِتْيَانَهُ لَيْلًا فَلَا بَأْسَ وَإِذَا كَانَ فِي قَفْلٍ عَظِيمٍ أَوْ عَسْكَرٍ وَنَحْوِهِمْ وَاشْتُهِرَ قُدُومُهُمْ وَوُصُولُهُمْ وَعَلِمَتِ امْرَأَتُهُ وَأَهْلُهُ أَنَّهُ قَادِمٌ مَعَهُمْ وَأَنَّهُمُ الْآنَ دَاخِلُونَ فَلَا بَأْسَ بِقُدُومِهِ مَتَى شَاءَ لِزَوَالِ الْمَعْنَى الَّذِي نَهَى بِسَبَبِهِ فَإِنَّ الْمُرَادَ أَنْ يَتَأَهَّبُوا وَقَدْ حَصَلَ ذَلِكَ انْتَهَى مُخْتَصَرًا (الطَّرْقُ بَعْدَ الْعِشَاءِ) أَيِ الطُّرُوقُ الْمَنْهِيُّ هُوَ بَعْدَ الْعِشَاءِ وَبِهِ يَحْصُلُ التَّوْفِيقُ
وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ هُوَ أَنْ لَا يَدْخُلَ عَلَى الْأَهْلِ فَجْأَةً بَلْ يَدْخُلُ عَلَيْهِمْ بَعْدَ الْإِخْبَارِ بِالْمَجِيءِ لِيَسْتَعِدُّوا كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ التَّعْلِيلُ بِقَوْلِهِ لِكَيْ تَمْتَشِطَ إِلَخْ
كَذَا فِي فَتْحِ الْوَدُودِ (قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَبَعْدَ الْمَغْرِبِ إِلَخْ) هَذِهِ الْعِبَارَةُ لَمْ تُوجَدْ فِي بَعْضِ النُّسَخِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ
وَفِي الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ مَعْنَاهُ(7/330)
257 - (بَاب فِي التَّلَقِّي)
[2779] (مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ) بِتَقْدِيمِ التَّاءِ قَبْلَ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ
قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ بَاكَتِ النَّاقَةُ تَبُوكُ بَوْكًا سَمِنَتْ فَهِيَ بَائِكٌ بِغَيْرِ هَاءٍ وَبِهَذَا الْمُضَارِعِ سُمِّيَتْ غَزْوَةُ تَبُوكَ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزَاهَا فِي رَجَبٍ سَنَةَ تِسْعٍ فَصَالَحَ أَهْلَهَا عَلَى الْجِزْيَةِ مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ فَكَانَتْ خَالِيَةً عَنِ الْبُؤْسِ فَأَشْبَهَتِ النَّاقَةَ الَّتِي لَيْسَ بِهَا هُزَالٌ ثُمَّ سُمِّيَتِ الْبُقْعَةُ تَبُوكَ بِذَلِكَ وَهُوَ مَوْضِعٌ مِنْ بَادِيَةِ الشَّامِ قَرِيبٌ مِنْ مَدْيَنَ الَّذِينَ بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهِمْ شُعَيْبًا انْتَهَى (عَلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ الثَّنِيَّةُ الْعَقَبَةُ أَوْ طَرِيقُهَا أَوِ الْجَبَلُ أَوِ الطَّرِيقُ فِيهِ أَوْ إِلَيْهِ انْتَهَى
قَالَ فِي الْقَامُوسِ أَيْضًا ثَنِيَّةُ الْوَدَاعِ بِالْمَدِينَةِ سُمِّيَتْ لِأَنَّ مَنْ سَافَرَ إِلَى مَكَّةَ كَانَ يُوَدَّعُ ثَمَّ وَيُشَيَّعُ إِلَيْهَا انْتَهَى
قال المنذري وأخرجه الترمذي
58 - (باب مَا اسْتِفْهَامِيَّةٌ)
[2780] (يُسْتَحَبُّ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (مِنْ إِنْفَادِ الزَّادِ) أَيْ مِنْ أَجْلِ فَنَاءِ الزَّادِ وَانْقِطَاعِهِ
قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ نَفِدَ يَنْفَدُ مِنْ بَابِ تَعِبَ نَفَادًا فَنِيَ وَانْقَطَعَ (إِذَا قَفَلَ) أَيْ رَجَعَ عَنِ الْغَزْوِ
فَثَبَتَ بِالْحَدِيثِ أَنَّ مَنْ يُرِيدُ السَّفَرَ لِلْغَزْوِ وَلَيْسَ عِنْدَهُ مَا يَكْفِيهِ وَمَا يَتَهَيَّأُ بِهِ لِلْغَزْوِ فَلَهُ أَنْ يَسْأَلَ غَيْرَهُ لِإِنْجَاحِ هَذَا الْأَمْرِ وَلَمَّا جَازَ لَهُ ذَلِكَ فَسُؤَالُهُ عَنْ غَيْرِهِ وَقْتَ فَنَاءِ الزَّادِ عِنْدَ الْمُرَاجَعَةِ عَنِ الْغَزْوِ إِلَى الْوَطَنِ يَجُوزُ لَهُ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى لِأَنَّ احْتِيَاجَهُ فِي السَّفَرِ أَشَدُّ وَقَطْعَ مَسَافَةِ السَّفَرِ عَلَيْهِ أَشَقُّ وَلَيْسَ لَهُ أَنِيسٌ إِلَّا مَنْ هُوَ يَطْلُبُ مِنْهُ وَيَسْأَلُ عَنْهُ
هَذَا مَا يُفْهَمُ مِنْ تَبْوِيبِ الْمُؤَلِّفِ
كَذَا فِي الشَّرْحِ
(مِنْ أَسْلَمَ) قَبِيلَةٌ (لَيْسَ لِي مَالٌ أَتَجَهَّزُ بِهِ) أَيْ أَتَهَيَّأُ بِهِ لِلْغَزْوِ (مَا جَهَّزْتِنِي بِهِ) قَالَ فِي(7/331)
الْمَجْمَعِ تَجْهِيزُ الْغَازِي تَحْمِيلُهُ وَإِعْدَادُ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي غَزْوِهِ
وَقَالَ الْقَامُوسُ جَهَازُ الْمُسَافِرِ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ وَقَدْ جَهَّزَهُ تَجْهِيزًا فَتَجَهَّزَ (وَلَا تَحْبِسِي) أَيْ لَا تَمْنَعِي (فَوَاللَّهِ لَا تَحْبِسِينَ مِنْهُ) أَيْ مِمَّا جَهَّزْتِنِي
قَالَ النَّوَوِيُّ وَفِيهِ أَنَّ مَا نَوَى الْإِنْسَانُ صَرْفَهُ فِي جِهَةِ بِرٍّ فَتَعَذَّرَتْ عَلَيْهِ تِلْكَ الْجِهَةُ يُسْتَحَبُّ لَهُ بَذْلُهُ فِي جِهَةٍ أُخْرَى مِنَ الْبِرِّ وَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ مَا لَمْ يَلْزَمْهُ بِالنَّذْرِ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ
59 - (بَاب فِي الصَّلَاةِ عِنْدَ الْقُدُومِ مِنْ السَّفَرِ)
[2781] (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُتَوَكِّلِ الْعَسْقَلَانِيُّ) أَوْرَدَ هَذَا الْحَدِيثَ فِي الْأَطْرَافِ ثُمَّ قَالَ حَدِيثُ الْعَسْقَلَانِيِّ وَالْخَلَّالِ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَسَنِ بْنِ الْعَبْدِ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ دَاسَةَ وَلَمْ يَذْكُرْهُ أَبُو الْقَاسِمِ انْتَهَى
وَلَيْسَ عِنْدَ اللُّؤْلُؤِيِّ وَلِذَا لَمْ يَذْكُرْهُ الْمُنْذِرِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ (لَا يَقْدِمُ) بِكَسْرِ الدَّالِ أَيْ لَا يَرْجِعُ يُقَالُ قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ قُدُومًا أي عاد (قال الحسن) هو بن عَلِيٍّ (فِي الضُّحَى) بِالضَّمِّ وَالْقَصْرِ وَهُوَ وَقْتُ تُشْرِقُ الشَّمْسُ (فَرَكَعَ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ) أَيْ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ (ثُمَّ جَلَسَ فِيهِ) أَيْ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بَيْتَهُ لِيَزُورَهُ الْمُسْلِمُونَ
وَهَذَا الْحَدِيثُ لَيْسَ فِي نُسْخَةِ الْمُنْذِرِيِّ(7/332)
[2782] (فَأَنَاخَ) أَيْ أَجْلَسَ نَاقَتَهُ
وَفِي الْحَدِيثَيْنِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْمُسَافِرَ إِذَا قَدِمَ مِنَ السَّفَرِ فالمسنون له أن يبتدأ بِالْمَسْجِدِ وَيُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَقَدْ تَقَدَّمَ اخْتِلَافُ الْأَئِمَّةِ فِي الِاحْتِجَاجِ بِحَدِيثِهِ وَقَدْ جَاءَتْ هَذِهِ السُّنَّةُ فِي أَحَادِيثَ ثَابِتَةٍ
انْتَهَى كَلَامُ الْمُنْذِرِيِّ
6
( [2783] بَابٌ فِي كِرَاءِ الْمَقَاسِمِ)
بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ السِّينِ جَمْعُ مَقْسِمٍ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْقَافِ وَكَسْرِ السِّينِ مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ بِمَعْنَى الْقِسْمَةِ
وَفِي كُتُبِ اللُّغَةِ صَاحِبُ الْمَقَاسِمِ نَائِبُ الْأَمِيرِ وَهُوَ قَسَّامُ الْغَنَائِمِ انْتَهَى
أَيْ هَذَا بَابٌ فِي أَخْذِ الْأُجْرَةِ لِصَاحِبِ الْمَقَاسِمِ أَيْ لِقَسَّامِ الْغَنَائِمِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
(التِّنِّيسِيُّ) بِكَسْرِ مُثَنَّاةٍ فَوْقُ وَقِيلَ بِفَتْحِهَا وَكَسْرِ نُونٍ مُشَدَّدَةٍ فَمُثَنَّاةٍ تَحْتُ وَسِينٍ مُهْمَلَةٍ (عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُرَاقَةَ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَكَذَلِكَ فِي الْأَطْرَافِ وَكَذَا نَسَبَهُ فِي التَّهْذِيبِ وَالتَّقْرِيبِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الْحَاضِرَةِ عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سراقة بزيادة بن عَبْدِ اللَّهِ بَيْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُرَاقَةَ
(إِيَّاكُمْ وَالْقُسَامَةَ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ الْقُسَامَةُ مَضْمُومَةُ الْقَافِ اسْمٌ لِمَا يَأْخُذُهُ الْقَسَّامُ لِنَفْسِهِ فِي الْقِسْمَةِ كَالْفُضَاضَةِ لِمَا يَفْضَلُ وَالْعُجَالَةُ لِمَا يُعَجَّلُ لِلضَّيْفِ مِنَ الطَّعَامِ وَلَيْسَ فِي هَذَا تَحْرِيمٌ لِأُجْرَةِ الْقَسَّامِ إِذَا أَخَذَهَا بِإِذْنِ الْمَقْسُومِ لَهُمْ وَإِنَّمَا جَاءَ هَذَا فِيمَنْ وَلِيَ أَمْرَ قَوْمٍ وَكَانَ عَرِيفًا أَوْ نَقِيبًا فَإِذَا قَسَمَ بَيْنَهُمْ سِهَامَهُمْ أَمْسَكَ مِنْهَا شَيْئًا لِنَفْسِهِ يَسْتَأْثِرُ بِهِ عَلَيْهِمْ
وَقَدْ جَاءَ بَيَانُ ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ أَيِ الَّذِي يَأْتِي بَعْدَ هَذَا
وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ هِيَ بِالضَّمِّ مَا يَأْخُذُهُ الْقَسَّامُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ مِنْ أُجْرَتِهِ لِنَفْسِهِ كَمَا يَأْخُذُهُ السَّمَاسِرَةُ رَسْمًا مَرْسُومًا لَا أَجْرًا مَعْلُومًا كَتَوَاضُعِهِمْ(7/333)
أَنْ يَأْخُذُوا مِنْ كُلِّ أَلْفٍ شَيْئًا مُعَيَّنًا وَذَلِكَ حَرَامٌ انْتَهَى (يَكُونُ بَيْنَ النَّاسِ) لِلْقِسْمَةِ (فَيَنْتَقِصُ) الْقَسَّامُ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ ذَلِكَ الشَّيْءِ فَيَأْخُذُ مِنْ حَظِّ هَذَا وَحَظِّ هَذَا لِنَفْسِهِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ مُوسَى بْنُ يَعْقُوبَ الزَّمْعِيُّ وَفِيهِ مَقَالٌ
[2784] (نَحْوَهُ) أَيْ نَحْوَ الْحَدِيثِ السَّابِقِ (الرَّجُلُ يَكُونُ عَلَى الْفِئَامِ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ الْفِئَامُ الْجَمَاعَاتُ
قَالَ الْفَرَزْدَقُ فِئَامٌ يَنْهَضُونَ إِلَى فِئَامِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ هَذَا مُرْسَلٌ
61 - (بَاب فِي التجارة في الغزو)
[2785] (أخبرنا معاوية يعني بن سَلَّامٍ) بِالتَّشْدِيدِ (عَنْ زَيْدٍ) هُوَ أَخُو مُعَاوِيَةَ بْنِ سَلَّامٍ (أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَلَّامٍ) اسْمُهُ مَمْطُورٌ وَهُوَ جَدُّ مُعَاوِيَةَ وَزَيْدٍ الْمَذْكُورَيْنِ (حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَلْمَانَ) بِضَمِّ الْعَيْنِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ بِالتَّصْغِيرِ وَكَذَا هُوَ فِي الْأَطْرَافِ وَذَكَرَ حَدِيثَهُ فِي الْمُبْهَمَاتِ وَكَذَا هُوَ فِي التَّقْرِيبِ فَفِيهِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَلْمَانَ عَنْ صَحَابِيٍّ فَتَحَ خَيْبَرَ وَعَنْهُ أَبُو سَلَّامٍ مَجْهُولٌ
وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلْمَانَ بِالتَّكْبِيرِ وَهُوَ غَلَطٌ (مِنَ الْمَتَاعِ وَالسَّبْيِ) بَيَانٌ لِغَنَائِمِهِمْ (قَالَ وَيْحَكَ) كَلِمَةُ ترحم وتوجع (وأبتاع) أي أشتري (ثلاث مائة أُوقِيَّةٍ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَهِيَ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا (أَنَا أُنَبِّئُكَ) أَيْ أُخْبِرُكَ (بَعْدَ الصَّلَاةِ) أي المفروضة(7/334)
والحديث سكت عنه المنذري
وأخرج بن مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ رَأَيْتُ رَجُلًا سَأَلَ أَبِي عَنِ الرَّجُلِ يَغْزُو وَيَشْتَرِي وَيَبِيعُ وَيَتَّجِرُ فِي غَزْوِهِ فَقَالَ لَهُ إِنَّا كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَبُوكَ نَشْتَرِي وَنَبِيعُ وَهُوَ يَرَانَا وَلَا يَنْهَانَا وَفِي إِسْنَادِهِ سُنَيْدُ بْنُ دَاوُدَ الْمِصِّيصِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ لَكِنْ يَشْهَدُ لَهُ حَدِيثُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ سَلْمَانَ الْمَذْكُورُ فِي الْبَابِ
وَفِيهِمَا دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ التِّجَارَةِ فِي الْغَزْوِ وَعَلَى أَنَّ الْغَازِيَ مَعَ ذَلِكَ يَسْتَحِقُّ نَصِيبَهُ مِنَ الْمَغْنَمِ وَلَهُ الثَّوَابُ الْكَامِلُ بِلَا نَقْصٍ وَلَوْ كَانَتِ التِّجَارَةُ فِي الْغَزْوِ مُوجِبَةً لِنُقْصَانِ أَجْرِ الْغَازِي لَبَيَّنَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا لَمْ يُبَيِّنْ ذَلِكَ بَلْ قَرَّرَهُ دَلَّ عَلَى عَدَمِ النُّقْصَانِ
وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ جَوَازُ الِاتِّجَارِ فِي سَفَرِ الْحَجِّ لِمَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّهُ لَمَّا تَحَرَّجَ جَمَاعَةٌ مِنَ التِّجَارَةِ فِي سَفَرِ الْحَجِّ أَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ ربكم قاله الشوكاني
( [2786] بَابٌ فِي حَمْلِ السِّلَاحِ وَآلَاتِ الْحَرْبِ)
(إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ) أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ يَحْمِلُ السِّلَاحَ مُسْلِمٌ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ أَوْ يُعْطِيهِ مُسْلِمٌ كَافِرًا لِيَذْهَبَ بِهِ إِلَى دَارِ الْحَرْبِ فَهَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ فَدَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى جَوَازِ الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ صَرِيحًا وَعَلَى الصُّورَةِ الْأُولَى اسْتِنْبَاطًا
(يونس) هو بن أَبِي إِسْحَاقَ
وَلَفْظُ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ ذِي الْجَوْشَنِ الضِّبَابِيِّ (رَجُلٍ مِنَ الضِّبَابِ) بَدَلٌ مِنْ ذِي الْجَوْشَنِ
وَالضِّبَابُ بِكَسْرِ الضَّادِ هُوَ بن كِلَابِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ الْعَامِرِيُّ الْكِلَابِيُّ ثُمَّ الضِّبَابِيُّ وَإِنَّمَا قِيلَ لَهُ ذُو الْجَوْشَنِ لِأَنَّ صَدْرَهُ كَانَ نَائِيًا
وَيُقَالُ إِنَّهُ لُقِّبَ ذَا الْجَوْشَنِ لِأَنَّهُ دَخَلَ عَلَى كِسْرَى فَأَعْطَاهُ جَوْشَنًا فَلَبِسَهُ فَكَانَ أَوَّلُ عَرَبِيٍّ لَبِسَهُ هُوَ وَالِدَ شَمِرِ بْنِ ذِي الْجَوْشَنِ (أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ (يُقَالُ لَهَا) أَيْ لِلْفَرَسِ وَالْفَرَسُ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ (الْقَرْحَاءُ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَسُكُونِ الراء هذا لقب لفرسه (لتتخذه) أي بن الْفَرَسِ عَنِّي مَجَّانًا وَتَجْعَلَهُ لِنَفْسِكَ وَتَسْتَعْمِلَهُ (قَالَ) النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا حَاجَةَ لي فيه) أي في بن الْفَرَسِ وَكَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ أَنْ لَا يَسْتَعِينَ(7/335)
بِأَهْلِ الشِّرْكِ وَلَا يَأْخُذَ عَنْهُ مَجَّانًا (أَنْ أقيضك به) أي بابن الفرس
قال بن الْأَثِيرِ أَيْ أُبْدِلَكَ بِهِ وَأُعَوِّضَكَ عَنْهُ وَقَدْ قَاضَهُ يَقِيضُهُ وَقَايَضَهُ مُقَايَضَةً فِي الْبَيْعِ إِذَا أَعْطَاهُ سِلْعَةً وَأَخَذَ عِوَضَهَا سِلْعَةً انْتَهَى
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ أُبْدِلُكَ بِهِ وَأُعَوِّضُكَ مِنْهُ وَالْمُقَايَضَةُ فِي الْبُيُوعِ الْمُعَاوَضَةُ أَنْ يُعْطَى مَتَاعًا وَيَأْخُذَ آخَرَ لَا نَقْدَ فِيهِ انْتَهَى (الْمُخْتَارَةُ) أَيِ الدِّرْعُ الْمُخْتَارَةُ وَالْمُنْتَقَاةُ وَالنَّفِيسَةُ
قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ دِرْعُ الْحَدِيدِ مُؤَنَّثَةٌ فِي الْأَكْثَرِ (مِنْ دُرُوعِ بدر) الدرع ثوب ينسج من ذرد الْحَدِيدِ يُلْبَسُ فِي الْحَرْبِ وِقَايَةً مِنْ سِلَاحِ الْعَدُوِّ وَجَمْعُهَا أَدْرُعٌ وَدِرَاعٌ وَدُرُوعٌ وَمُصَغَّرُهَا دُرَيْعٌ بِلَا تَاءٍ (فَعَلْتُ) هَذَا هُوَ مَحَلُّ تَرْجَمَةِ الباب أي أقبل واخذ منك بن الْفَرَسِ عِوَضًا لِلدِّرْعِ مِنِّي وَلَكِنْ مَا رَضِيَ بِهِ ذُو الْجَوْشَنِ وَأَجَابَ بِقَوْلِهِ (مَا كُنْتُ أقيضه) أي أبدل بن الْفَرَسِ (بِغُرَّةٍ) بِضَمِّ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ أَيْ بِفَرَسٍ فَكَيْفَ أُبْدِلُ بِالشَّيْءِ الْآخَرِ هُوَ دُونَ الْفَرَسِ أَيِ الدِّرْعِ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيهِ أَنْ يُسَمَّى الْفَرَسُ غُرَّةً وَأَكْثَرُ مَا جَاءَ ذِكْرُ الْغُرَّةِ فِي الْحَدِيثِ إِنَّمَا يُرَادُ بِهَا التَّسْمِيَةُ مِنْ أَوْلَادِ آدَمَ عَبْدًا أَوْ أَمَةً انْتَهَى
وَفِي النِّهَايَةِ سُمِّيَ الْفَرَسُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ غُرَّةً وَأَكْثَرُ مَا يُطْلَقُ عَلَى الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِالْغُرَّةِ النَّفِيسَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ مَا كُنْتُ لِأُقِيضَهُ بِالشَّيْءِ النَّفِيسِ الْمَرْغُوبِ فِيهِ انْتَهَى
قُلْتُ هَذَا الْمَعْنَى حَسَنٌ جِدًّا (قَالَ) أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَلَا حاجة لي فيه) أي في بن الْفَرَسِ مَجَّانًا بِغَيْرِ عِوَضٍ
وَزَادَ فِي أُسْدِ الغابة من رواية بن أَبِي شَيْبَةَ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ياذا الْجَوْشَنِ أَلَا تُسْلِمُ فَتَكُونَ مِنْ أَوَّلِ هَذِهِ الْأُمَّةِ قَالَ قُلْتُ لَا قَالَ وَلِمَ قَالَ قُلْتُ لِأَنِّي قَدْ رَأَيْتُ قَوْمَكَ قَدْ وَلِعُوا بِكَ قَالَ وَكَيْفَ وَقَدْ بَلَغَكَ مَصَارِعُهُمْ قَالَ قُلْتُ بَلَغَنِي قَالَ فَأَنَّى يُهْدَى بِكَ قُلْتُ أَنْ تَغْلِبَ عَلَى الْكَعْبَةِ وَتَقْطُنَهَا قَالَ لَعَلَّ إِنْ عِشْتَ أَنْ تَرَى ذَلِكَ
ثُمَّ قَالَ يابلال خُذْ حَقِيبَةَ الرَّجُلِ فَزَوِّدْهُ مِنَ الْعَجْوَةِ فَلَمَّا أَدْبَرْتُ قَالَ إِنَّهُ مِنْ خَيْرِ فُرْسَانِ بَنِي عَامِرٍ
قَالَ فَوَاللَّهِ إِنِّي بِأَهْلِي بِالْعَوْدَةِ إِذَا أَقْبَلَ رَاكِبٌ فَقُلْتُ مِنْ أَيْنَ قَالَ مِنْ مَكَّةَ فَقُلْتُ مَا الْخَبَرُ قَالَ غَلَبَ عَلَيْهَا مُحَمَّدٌ وَقَطَنَهَا
قَالَ قُلْتُ هَبِلَتْنِي أُمِّي لَوْ أسلمت يومئذ قال بن الْأَثِيرِ قِيلَ إِنَّ أَبَا إِسْحَاقَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ وَإِنَّمَا سَمِعَ حَدِيثَهُ مِنِ ابْنِهِ شَمِرِ بْنِ ذِي الْجَوْشَنِ عَنْهُ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ ذُو الْجَوْشَنِ اسْمُهُ أَوْسٌ وَقِيلَ شُرَحْبِيلُ وَقِيلَ عثمان وسمي ذو الْجَوْشَنِ مِنْ أَجْلِ أَنَّ صَدْرَهُ كَانَ نَاتِئًا وَقِيلَ إِنَّ أَبَا إِسْحَاقَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ وَإِنَّمَا سَمِعَ مِنَ ابْنِهِ شَمِرٍ
وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ وَلَا أَعْلَمُ لِذِي الْجَوْشَنِ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ وَيُقَالُ إِنَّ أَبَا إِسْحَاقَ سَمِعَهُ مِنْ شَمِرِ بْنِ ذِي الْجَوْشَنِ عَنْ أَبِيهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ
وَالْحَدِيثُ لَا يَثْبُتُ فَإِنَّهُ دَائِرٌ بَيْنَ الِانْقِطَاعِ أَوْ رِوَايَةِ مَنْ لَا يُعْتَمَدُ عَلَى رِوَايَتِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى كَلَامُهُ
كَذَا فِي الشَّرْحِ(7/336)
263 - (بَاب فِي الْإِقَامَةِ بِأَرْضِ الشِّرْكِ هَلْ يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ)
[2787] (سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى أَبُو دَاوُدَ) بَدَلٌ مِنْ سُلَيْمَانَ فَسُلَيْمَانُ اسْمُهُ وَأَبُو دَاوُدَ كُنْيَتُهُ وَهُوَ الزُّهْرِيُّ الْكُوفِيُّ خُرَاسَانِيُّ الْأَصْلِ نَزَلَ الْكُوفَةَ ثُمَّ الدِّمَشْقَ
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ مَحَلُّهُ الصِّدْقُ صَالِحُ الْحَدِيثِ وذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ
قَالَ الذَّهَبِيُّ صُوَيْلِحُ الْحَدِيثِ وقال بن حَجَرٍ فِيهِ لِينٌ وَوَهِمَ الْعَلَّامَةُ الْمُنَاوِيُّ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَقَالَ حَدِيثُ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ حَسَّنَهُ السُّيُوطِيُّ وَفِيهِ سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى الْأُمَوِيُّ الْأَشْدَقُ
قَالَ فِي الْكَاشِفِ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ لَهُ مَنَاكِيرُ انْتَهَى
وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ مُوسَى الَّذِي وَقَعَ فِي سَنَدِهِ هُوَ أَبُو دَاوُدَ الزُّهْرِيُّ وَلَيْسَ هُوَ سُلَيْمَانَ الْأُمَوِيَّ الْأَشْدَقَ (سُلَيْمَانَ بْنِ سَمُرَةَ) بَدَلٌ مِنْ أَبِيهِ (مَنْ جَامَعَ) بِصِيغَةِ الْمَاضِي عَلَى وَزْنِ قَاتَلَ هَكَذَا فِي جَمِيعِ النُّسَخِ وَهُوَ الْمَحْفُوظُ
قَالَ أَصْحَابُ اللُّغَةِ جَامَعَهُ عَلَى كَذَا اجْتَمَعَ مَعَهُ وَوَافَقَهُ انْتَهَى (الْمُشْرِكَ) بِاللَّهِ وَالْمُرَادُ الْكُفَّارُ وَنَصَّ عَلَى الْمُشْرِكِ لِأَنَّهُ الْأَغْلَبُ حِينَئِذٍ وَالْمَعْنَى مَنِ اجْتَمَعَ مَعَ الْمُشْرِكِ وَوَافَقَهُ وَرَافَقَهُ وَمَشَى مَعَهُ
قَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ نَكَحَ الشَّخْصَ الْمُشْرِكَ يَعْنِي إِذَا أَسْلَمَ فَتَأَخَّرَتْ عَنْهُ زَوْجَتُهُ الْمُشْرِكَةُ حَتَّى بَانَتْ مِنْهُ فَحُذِّرَ مِنْ وَطْئِهِ إِيَّاهَا
وَيُؤَيِّدُهُ مَا رُوِيَ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ مَرْفُوعًا لَا تُسَاكِنُوا الْمُشْرِكِينَ وَلَا تُجَامِعُوهُمْ فَمَنْ سَاكَنَهُمْ أَوْ جَامَعَهُمْ فَهُوَ منهم انتهى
وقد ضبط بعضهم هذا الْجُمْلَةَ بِلَفْظِ مَنْ جَاءَ مَعَ الْمُشْرِكِ أَيْ أَتَى مَعَهُ مُنَاصِرًا وَظَهِيرًا لَهُ فَجَاءَ فِعْلٌ مَاضٍ وَمَعَ الْمُشْرِكِ جَارٌّ وَمَجْرُورٌ
قَالَهُ أَيْضًا الْمُنَاوِيُّ
قَالَ الشَّارِحُ فِي غَايَةِ الْمَقْصُودِ وَالصَّحِيحُ الْمُعْتَمَدُ لَفْظُ مَنْ جَامَعَ الْمُشْرِكَ فَالْمُشْرِكُ هُوَ مَفْعُولُ جَامَعَ وَأَيْضًا مَعْنَاهُ الْأَوَّلُ هُوَ الْقَوِيُّ (وَسَكَنَ مَعَهُ) أَيْ فِي دِيَارِ الْكُفْرِ (فَإِنَّهُ مِثْلُهُ) أَيْ مِنْ بَعْضِ(7/337)
الْوُجُوهِ لِأَنَّ الْإِقْبَالَ عَلَى عَدُوِّ اللَّهِ وَمُوَالَاتَهُ تُوجِبُ إِعْرَاضَهُ عَنِ اللَّهِ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ تَوَلَّاهُ الشَّيْطَانُ وَنَقَلَهُ إِلَى الْكُفْرِ
قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ وَهَذَا أَمْرٌ مَعْقُولٌ فَإِنَّ مُوَالَاةَ الْوَلِيِّ وَمُوَالَاةَ الْعَدُوِّ مُتَنَافِيَانِ وَفِيهِ إِبْرَامٌ وَإِلْزَامٌ بِالْقَلْبِ فِي مُجَانَبَةِ أَعْدَاءِ اللَّهِ وَمُبَاعَدَتِهِمْ وَالتَّحَرُّزِ عَنْ مُخَالَطَتِهِمْ وَمُعَاشَرَتِهِمْ لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دون المؤمنين وَالْمُؤْمِنُ أَوْلَى بِمُوَالَاةِ الْمُؤْمِنِ وَإِذَا وَالَى الْكَافِرَ جَرَّهُ ذَلِكَ إِلَى تَدَاعِي ضَعْفِ إِيمَانِهِ فَزَجَرَ الشَّارِعُ عَنْ مُخَالَطَتِهِ بِهَذَا التَّغْلِيظِ الْعَظِيمِ حَسْمًا لمادة الفساد ياأيها الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين وَلَمْ يَمْنَعْ مِنْ صِلَةِ أَرْحَامِ مَنْ لَهُمْ مِنَ الْكَافِرِينَ وَلَا مِنْ مُخَالَطَتِهِمْ فِي أَمْرِ الدُّنْيَا بِغَيْرِ سُكْنَى فِيمَا يَجْرِي مَجْرَى الْمُعَامَلَةِ مِنْ نَحْوِ بَيْعٍ وَشِرَاءٍ وَأَخْذٍ وَعَطَاءٍ لِيُوَالُوا فِي الدِّينِ أَهْلَ الدِّينِ وَلَا يَضُرُّهُمْ أَنْ يُبَارِزُوا مَنْ يُحَارِبُهُمْ مِنَ الْكَافِرِينَ
وَفِي الزُّهْدِ لأحمد عن بن دِينَارٍ (أَوْحَى اللَّهُ إِلَى نَبِيٍّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ قُلْ لِقَوْمِكَ لَا تَدْخُلُوا مَدَاخِلَ أَعْدَائِي وَلَا تَلْبَسُوا مَلَابِسَ أَعْدَائِي وَلَا تَرْكَبُوا مَرَاكِبَ أَعْدَائِي فتكونوا أعدائي كما هم أعدائي) كذ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ لِلْمُنَاوِيِّ
وَقَالَ الْعَلْقَمِيُّ فِي الْكَوْكَبِ الْمُنِيرِ شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ حَدِيثُ سَمُرَةَ إِسْنَادُهُ حَسَنٌ وَفِيهِ وُجُوبُ الْهِجْرَةِ عَلَى مَنْ قَدَرَ عَلَيْهَا وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى إِظْهَارِ الدِّينِ أَسِيرًا كَانَ أَوْ حَرْبِيًّا فَإِنَّ الْمُسْلِمَ مَقْهُورٌ مُهَانٌ بَيْنَهُمْ وَإِنِ انْكَفُّوا عَنْهُ فَإِنَّهُ لَا يَأْمَنُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يُؤْذُوهُ أَوْ يَفْتِنُوهُ عَنْ دِينِهِ
وَحَقٌّ عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَكُونَ مُسْتَظْهِرًا بِأَهْلِ دِينِهِ وَفِي حَدِيثٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ مَعَ مُشْرِكٍ وفي معناه أحاديث انتهى
قال الإمام بن تَيْمِيَةَ الْمُشَابَهَةُ وَالْمُشَاكَلَةُ فِي الْأُمُورِ الظَّاهِرَةِ تُوجِبُ مُشَابَهَةً وَمُشَاكَلَةً فِي الْأُمُورِ الْبَاطِنَةِ وَالْمُشَابَهَةُ فِي الْهُدْيِ الظَّاهِرِ تُوجِبُ مُنَاسَبَةً وَائْتِلَافًا وَإِنْ بَعُدَ الزَّمَانُ وَالْمَكَانُ وَهَذَا أَمْرٌ مَحْسُوسٌ فَمُرَافَقَتُهُمْ وَمُسَاكَنَتُهُمْ وَلَوْ قَلِيلًا سَبَبٌ لِنَوْعٍ مَا مِنَ انْتِسَابِ أَخْلَاقِهِمُ الَّتِي هِيَ مَلْعُونَةٌ وَمَا كَانَ مَظِنَّةٌ لِفَسَادٍ خَفِيٍّ غَيْرِ مُنْضَبِطٍ عُلِّقَ الْحُكْمُ بِهِ وَأُدِيرَ التَّحْرِيمُ عَلَيْهِ فَمُسَاكَنَتُهُمْ فِي الظَّاهِرِ سَبَبٌ وَمَظِنَّةٌ لِمُشَابَهَتِهِمْ فِي الْأَخْلَاقِ وَالْأَفْعَالِ الْمَذْمُومَةِ بَلْ فِي نَفْسِ الِاعْتِقَادَاتِ فَيَصِيرُ مُسَاكِنُ الْكَافِرِ مِثْلَهُ وَأَيْضًا الْمُشَارَكَةُ فِي الظَّاهِرِ تُورِثُ نَوْعَ مَوَدَّةٍ وَمَحَبَّةٍ وَمُوَالَاةٍ فِي الْبَاطِنِ كَمَا أَنَّ الْمَحَبَّةَ فِي الْبَاطِنِ تُورِثُ الْمُشَابَهَةَ فِي الظَّاهِرِ وَهَذَا مما يشهد به الحسن فَإِنَّ الرَّجُلَيْنِ إِذَا كَانَا مِنْ بَلَدٍ وَاجْتَمَعَا فِي دَارِ غُرْبَةٍ كَانَ بَيْنَهُمَا مِنَ الْمَوَدَّةِ وَالِائْتِلَافِ أَمْرٌ عَظِيمٌ بِمُوجِبِ الطَّبْعِ
وَإِذَا كَانَتِ الْمُشَابَهَةُ فِي أُمُورٍ دُنْيَوِيَّةٍ تُورِثُ الْمَحَبَّةَ وَالْمُوَالَاةَ فَكَيْفَ بِالْمُشَابَهَةِ فِي الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ فَالْمُوَالَاةُ لِلْمُشْرِكِينَ تُنَافِي الْإِيمَانَ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ انتهى كلامه(7/338)
وقال بن الْقَيِّمِ فِي كِتَابِ الْهَدْيِ النَّبَوِيِّ وَمَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ إِقَامَةِ الْمُسْلِمِ بَيْنَ الْمُشْرِكَيْنِ إِذَا قَدَرَ عَلَى الْهِجْرَةِ مِنْ بَيْنِهِمْ وَقَالَ أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مسلم يقيم بين أظهر المشركين قيل يارسول اللَّهِ وَلِمَ قَالَ لَا تَرَاءَى نَارَاهُمَا وَقَالَ مَنْ جَامَعَ مَعَ الْمُشْرِكِ وَسَكَنَ مَعَهُ فَهُوَ مِثْلُهُ وَقَالَ لَا تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ حَتَّى تَنْقَطِعَ التَّوْبَةُ وَلَا تَنْقَطِعُ التَّوْبَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا وَقَالَ سَتَكُونُ هِجْرَةٌ بَعْدَ هِجْرَةٍ فَخِيَارُ أَهْلِ الْأَرْضِ أَلْزَمُهُمْ مَهَاجِرَ إِبْرَاهِيمَ وَيَبْقَى فِي الْأَرْضِ شِرَارُ أَهْلِهَا يَلْفِظُهُمْ أَرَضُوهُمْ تُقْذِرُهُمْ نَفْسُ اللَّهِ وَيَحْشُرُهُمُ اللَّهُ مَعَ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ بَعْدَ إِيرَادِ حَدِيثِ سَمُرَةَ قَدْ تَقَدَّمَ نَحْوُهُ وَالْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي حَدِيثِ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
انْتَهَى(7/339)
( [2788] كِتَابِ الضَّحَايَا)
جَمْعُ ضَحِيَّةٍ كَعَطَايَا جَمْعُ عَطِيَّةٍ وَهِيَ مَا يُذْبَحُ يَوْمَ النَّحْرِ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ
قَالَ النَّوَوِيُّ فِيهَا أَرْبَعُ لُغَاتٍ أُضْحِيَّةٌ وَإِضْحِيَّةٌ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا وَجَمْعُهَا أَضَاحِيُّ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَتَخْفِيفِهَا وَاللُّغَةُ الثَّالِثَةُ ضَحِيَّةٌ وَجَمْعُهَا ضَحَايَا وَالرَّابِعَةُ أَضْحَاةٌ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْجَمْعُ أَضْحَى كَأَرْطَاةُ وَأَرْطَى وَبِهَا سُمِّيَ يَوْمُ الْأَضْحَى قِيلَ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تُفْعَلُ فِي الضُّحَى وَهُوَ ارْتِفَاعُ النهار انتهى
64 - (باب ما جاء في إيجاب الأضاحي)
(يزيد) هو بن زريع (بشر) هو بن الْمُفَضَّلِ وَكِلَاهُمَا يَرْوِيَانِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ قَالَهُ الْمِزِّيُّ (أَنْبَأَنَا مِخْنَفٌ) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ كمنبر (بن سُلَيْمٍ) بِالتَّصْغِيرِ (وَعَتِيرَةُ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قَالَ الْحَافِظ شَمْس الدِّين بْن الْقَيِّم رحمه الله وقال عبد الحق إسناد هذا الحديث ضعيف
وقال بن القطان يرويه حبيب بن مخنف وهو مجهول عن أبيه
وفيه أبو رملة عامر بن أبي رملة لا يعرف إلا به
انتهى
وقد روى أحمد في مسنده عن أبي رزين العقيلي أنه قال يا رسول الله إنا كنا نذبح في رجب ذبائح فنأكل منها ونطعم من جاءنا
فقال لا بأس بذلك(7/340)
الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْفَوْقِيَّةِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ بَعْدَهَا رَاءٌ وَهِيَ ذَبِيحَةٌ كَانُوا يَذْبَحُونَهَا فِي الْعَشْرِ الْأُوَلِ مِنْ رَجَبٍ وَيُسَمُّونَهَا الرَّجَبِيَّةَ
قَالَ النَّوَوِيُّ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى تَفْسِيرِ الْعَتِيرَةِ بِهَذَا
كَذَا فِي النَّيْلِ
وَفِي الْمِرْقَاةِ وَهِيَ شَاةٌ تُذْبَحُ فِي رَجَبٍ يَتَقَرَّبُ بِهَا أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ وَالْمُسْلِمُونَ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَهَذَا هُوَ الَّذِي يشبه معنى الحديث ويليق بحكم الدِّينِ
وَأَمَّا الْعَتِيرَةُ الَّتِي يَعْتِرُهَا أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ فَهِيَ الذَّبِيحَةُ الَّتِي كَانَتْ تُذْبَحُ لِلْأَصْنَامِ وَيُصَبُّ دَمُهَا عَلَى رَأْسِهَا
وَفِي النِّهَايَةِ كَانَتِ الْعَتِيرَةُ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ نُسِخَ انْتَهَى (الرَّجَبِيَّةُ) أَيِ الذَّبِيحَةُ الْمَنْسُوبَةُ إِلَى رَجَبٍ لِوُقُوعِهَا فِيهِ (الْعَتِيرَةُ مَنْسُوخَةٌ هَذَا خَبَرٌ مَنْسُوخٌ) قَدْ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِالْأَحَادِيثِ الْآتِيَةِ فِي بَابِ الْعَتِيرَةِ
وَادَّعَى الْقَاضِي عِيَاضٌ أَنَّ جَمَاهِيرَ الْعُلَمَاءِ عَلَى
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
وفي المسند أيضا وسنن النسائي عن الحارث بن عمرو أنه لقي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حجة الوداع
قال فقال رجل يا رسول الله الفرائع والعتائر قال من شاء فرع ومن شاء لم يفرع ومن شاء عتر ومن شاء لم يعتر
في الغنم أضحية
وسيأتي بعد هذا في باب العتيرة قَوْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كل سائمة من الغنم فرع
فهذه الأحاديث تدل على مشروعيته
وقال بن المنذر ثبت أن عائشة قالت أمر النبي صلى الله عليه وسلم في الفرعة من كل خمسين بواحدة قال وروينا عن نبيشة الهذلي قَالَ سُئِلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسلم فقالوا يا رسول الله إنا كنا نعتر عتيرة في الجاهلية في رجب فما تأمرنا فقال في كل سائمة فرع اختصر الحديث وسيأتي لفظه قال وخبر عائشة وخبر نبيشة ثابتان قال وقد كانت العرب تفعل ذلك في الجاهلية وفعله بعض أهل الإسلام فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بهما ثم نهى عنهما رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لا فرع ولا عتيرة فانتهى الناس عنهما لنهيه إياهم عنهما ومعلوم أن النهي لا يكون إلا عن شيء قد كان يفعل ولا نعلم أن أحدا من أهل العلم يقول أن النبي صلى الله عليه وسلم كان نهاهم عنهما ثم أذن فيهما والدليل على أن الفعل كان قبل النهي قوله في حديث نبيشة إنا كنا نعتر عتيرة في الجاهلية وإنا كنا نفرع فرعا في الجاهلية وفي إجماع عوام علماء الأمصار على عدم استعمالهم ذلك وقوف عن الأمر بهما مع ثبوت النهي عن ذلك بيان لما قلنا
وقد كان بن سيرين من بين أهل العلم يذبح العتيرة في شهر رجب وكان يروي فيها شيئا
وكان الزهري يقول الفرعة أول نتاج والعتيرة شاة كانوا يذبحونها في رجب آخر كلام بن المنذر
وقال أبو عبيد هذا منسوخ وكان إسحاق بن راهويه يحمل قوله لا فرع ولا عتيرة أي لا يجب ذلك
ويحمل هذه الأحاديث على الإذن فيها
قال الحازمي وهذا أولى مما سلكه بن المنذر(7/341)
ذَلِكَ وَلَكِنَّهُ لَا يَجُوزُ الْجَزْمُ بِهِ إِلَّا بَعْدَ ثُبُوتِ أَنَّهَا مُتَأَخِّرَةٌ وَلَمْ يَثْبُتْ
وَقَالَ جَمَاعَةٌ بِالْجَمْعِ بَيْنَ الْحَدِيثِ وَبَيْنَ الْأَحَادِيثِ الْآتِيَةِ وَهُوَ الْأَوْلَى وَسَيَأْتِي وَجْهُ الْجَمْعِ فِي كَلَامِ الْمُنْذِرِيِّ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ
وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْأُضْحِيَّةِ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَاخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ الْأُضْحِيَّةِ فَقَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِنَّهَا لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ وَلَكِنَّهَا مَنْدُوبٌ إِلَيْهَا
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هِيَ وَاجِبَةٌ وَحَكَاهُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ هِيَ وَاجِبَةٌ عَلَى الْمَيَاسِيرِ
قُلْتُ وَهَذَا الْحَدِيثُ ضَعِيفُ الْمَخْرَجِ وَأَبُو رَمْلَةَ مَجْهُولٌ انْتَهَى كَلَامُ الْخَطَّابِيِّ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ والنسائي
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
وقال الشافعي الفرعة شيء كان أهل الجاهلية يطلبون به البركة في أموالهم فكان أحدهم يذبح بكر ناقته لا يعدوه رجاء البركة فيما يأتي بعده فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم فقال افرعوا إن شئتم أي اذبحوا إن شئتم وكانوا يسألونه عما يصنعونه في الجاهلية خوفا أن يكون ذلك مكروها في الإسلام فأعلمهم أنه لا بركة لهم فيه وأمرهم أن يعدوه ثم يحملون عليه في سبيل الله
قال البيهقي أو يذبحونه ويطعمونه كما في حديث نبيشة
قال الشافعي وقوله الفرعة حق أي ليست بباطل ولكنه كلام عربي يخرج على جواب السائل
قال الشافعي وروي عنه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لَا فرع ولا عتيرة وليس باختلاف من الرواة إنما هو لا فرعة ولا عتيرة واجبة والحديث الآخر في الفرعة والعتيرة يدل على معنى هذا أنه أباح الذبح واختار له أن يعطيه أرملة أو يحمل عليه في سبيل الله
والعتيرة هي الرجبية
وهي ذبيحة كان أهل الجاهلية يتبررون بها في رجب
فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا عتيرة على معنى لا عتيرة لازمة
وقوله حين سئل عن العتيرة اذبحوا لله في أي شهر كان وبروا لله وأطعموا أي اذبحوا إن شئتم واجعلوا الذبح لله لا لغيره في أي شهر كان لا أنها في رجب دون ما سواه من الشهور
آخر كلامه
وقال أصحاب أحمد لا يسن شيء من ذلك
وهذه الأحاديث منسوخة
قال الشيخ أبو محمد ودليل النسخ أمران
أحدهما أن أبا هريرة هو الذي روى حديث لا فرع ولا عتيرة وهو متفق عليه
وأبو هريرة متأخر الإسلام أسلم في السنة السابعة من الهجرة
والثاني أن الفرع والعتيرة كان فعلهما أمرا متقدما على الإسلام
فالظاهر بقاؤهم عليه إلى حين نسخه واستمرار النسخ من غير رفع له قال ولو قدرنا تقدم النهي على الأمر بها لكانت قد نسخت ثم نسخ ناسخها
وهذا خلاف الظاهر(7/342)
وبن مَاجَهْ
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُ هَذَا الْحَدِيثَ مَرْفُوعًا إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ من حديث بن عَوْنٍ
هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ
وَقَدْ قِيلَ إِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا فَرَعَ وَلَا عَتِيرَةَ وَقِيلَ لَا فَرَعَ وَاجِبَةٌ وَلَا عَتِيرَةَ وَاجِبَةٌ لِيَكُونَ جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ ضَعِيفُ الْمَخْرَجِ وَأَبُو رَمْلَةَ مَجْهُولٌ
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْمُعَافِرِيُّ حَدِيثُ مِخْنَفِ بْنِ سُلَيْمٍ ضَعِيفٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ
هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ وَلَمْ يَرَهُ مَنْسُوخًا
وَأَبُو رَمْلَةَ اسْمُهُ عَامِرٌ وَهُوَ بِفَتْحِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَبَعْدَهَا مِيمٌ سَاكِنَةٌ وَلَامٌ مَفْتُوحَةٌ وَتَاءُ تَأْنِيثٍ
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي حَدِيثِ مِخْنَفِ بْنِ سُلَيْمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
وَهَذَا إِنْ صَحَّ فَالْمُرَادُ بِهِ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِحْبَابِ وَقَدْ جَمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعَتِيرَةِ وَالْعَتِيرَةُ غَيْرُ وَاجِبَةٍ بِالْإِجْمَاعِ
هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ
وقد قال الخطابي وقد كان بن سِيرِينَ مِنْ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَذْبَحُ الْعَتِيرَةَ فِي شَهْرِ رَجَبٍ وَيَرْوِي فِيهَا شَيْئًا
وَقَالَ اليحصبي وقال بعض السلف
ينفى حُكْمِهَا
[2789] (الْقِتْبَانِيُّ) بِكَسْرِ الْقَافِ وَسُكُونِ الْمُثَنَّاةِ (أُمِرْتُ بِيَوْمِ الْأَضْحَى) أَيْ بِجَعْلِهِ (جَعَلَهُ اللَّهُ) أَيْ يَوْمَ الْأَضْحَى (لِهَذِهِ الْأُمَّةِ) أَيْ عِيدًا (أَرَأَيْتَ) أَيْ أَخْبِرْنِي (إِلَّا مَنِيحَةً) فِي النِّهَايَةِ الْمَنِيحَةُ أَنْ يُعْطِيَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ نَاقَةً أَوْ شَاةً يَنْتَفِعُ بِلَبَنِهَا وَيُعِيدُهَا وَكَذَا إِذَا أُعْطِيَ لِيَنْتَفِعَ بِصُوفِهَا وَوَبَرِهَا زَمَانًا ثُمَّ يَرُدُّهَا
وَقَالَ الطِّيبِيُّ ولعل المراد من المنيحة ها هنا مَا يُمْنَحُ بِهَا وَإِنَّمَا مَنَعَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ شَيْءٌ سِوَاهَا يَنْتَفِعُ بِهِ (أُنْثَى) قِيلَ وَصْفُ مَنِيحَةٍ بِأُنْثَى يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَنِيحَةَ قَدْ تَكُونُ ذَكَرًا وَإِنْ كَانَ فِيهَا عَلَامَةُ التَّأْنِيثِ كَمَا يُقَالُ حَمَامَةٌ أُنْثَى وَحَمَامَةٌ ذَكَرٌ (فَتِلْكَ) أَيِ الْأَفْعَالُ الْمَذْكُورَةُ (تَمَامُ أُضْحِيَّتِكَ تَامَّةٌ بِنِيَّتِكَ الْخَالِصَةِ وَلَكَ بِذَلِكَ مِثْلُ ثَوَابِ الْأُضْحِيَّةِ)
ثُمَّ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ وُجُوبُ الْأُضْحِيَّةِ إِلَّا عَلَى الْعَاجِزِ وَلِذَا قَالَ جَمْعٌ مِنَ السَّلَفِ تجب حتى على المعسر قاله
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
فإذا ثبت هذا فإن المراد بالخبر نفي كونها سنة لا تحريم فعلها ولا كراهته
فلو ذبح إنسان ذبيحة في رجب أو ذبح ولد الناقة لحاجته إلى ذلك أو للصدقة به أو إطعامه لم يكن ذلك مكروها(7/343)
القارىء
وقال في الفتح قال بن حَزْمٍ لَا يَصِحُّ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ وَصَحَّ أَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ عَنِ الْجُمْهُورِ وَلَا خِلَافَ فِي كَوْنِهَا مِنْ شَرَائِعِ الدِّينِ وَهِيَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْجُمْهُورِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ عَلَى الْكِفَايَةِ
وَفِي وَجْهٍ لِلشَّافِعِيَّةِ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ تَجِبُ عَلَى الْمُقِيمِ الْمُوسِرِ وَعَنْ مَالِكٍ مِثْلُهُ
وَقَالَ أَحْمَدُ يُكْرَهُ تَرْكُهَا مَعَ الْقُدْرَةِ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ هِيَ سُنَّةٌ غَيْرُ مُرَخَّصٍ فِي تَرْكِهَا
قَالَ الطَّحَاوِيُّ وَبِهِ نَأْخُذُ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ
65 - (بَاب الْأُضْحِيَّةِ عَنْ الْمَيِّتِ)
[2790] (عَنْ حَنَشٍ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالنُّونِ الْمَفْتُوحَةِ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ (أَوْصَانِي أَنْ أُضَحِّيَ عَنْهُ) أَيْ بَعْدَ مَوْتِهِ إِمَّا بِكَبْشَيْنِ عَلَى مِنْوَالِ حَيَاتِهِ أَوْ بِكَبْشَيْنِ أحدهما عنه والآخر عن نفسي
قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ وَفِي رِوَايَةٍ صَحَّحَهَا الْحَاكِمُ أَنَّهُ كَانَ يُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِكَبْشَيْنِ عَنْ نَفْسِهِ وَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَنِي أَنْ أُضَحِّيَ عَنْهُ أَبَدًا فَأَنَا أُضَحِّي عَنْهُ أَبَدًا قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ قَدْ رَخَّصَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يُضَحَّى عَنِ الْمَيِّتِ وَلَمْ يَرَ بَعْضُهُمْ أَنْ يُضَحَّى عَنْهُ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يُتَصَدَّقَ عَنْهُ وَلَا يُضَحَّى وَإِنْ ضَحَّى فَلَا يَأْكُلُ مِنْهَا شَيْئًا وَيَتَصَدَّقُ بِهَا كُلِّهَا انْتَهَى
وَهَكَذَا فِي شَرْحِ السُّنَّةِ لِلْإِمَامِ الْبَغَوِيِّ
قَالَ فِي غُنْيَةِ الْأَلْمَعِيِّ قَوْلُ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ الَّذِي رَخَّصَ فِي الْأُضْحِيَّةِ عَنِ الْأَمْوَاتِ مُطَابِقٌ لِلْأَدِلَّةِ وَقَوْلُ مَنْ مَنَعَهَا لَيْسَ فِيهِ حُجَّةٌ فَلَا يُقْبَلُ كَلَامُهُ إِلَّا بِدَلِيلٍ أَقْوَى مِنْهُ وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ
وَالثَّابِتُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يُضَحِّي عَنْ أُمَّتِهِ مِمَّنْ شَهِدَ لَهُ بِالتَّوْحِيدِ وَشَهِدَ لَهُ بِالْبَلَاغِ وَعَنْ نَفْسِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ أُمَّتَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّنْ شَهِدَ لَهُ بِالتَّوْحِيدِ وَشَهِدَ لَهُ بِالْبَلَاغِ كَانَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ مَوْجُودًا زَمَنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ تُوُفُّوا فِي عَهْدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَالْأَمْوَاتُ وَالْأَحْيَاءُ كُلُّهُمْ مِنْ أُمَّتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلُوا فِي أُضْحِيَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَالْكَبْشُ الْوَاحِدُ كَمَا كَانَ لِلْأَحْيَاءِ مِنْ أُمَّتِهِ كَذَلِكَ لِلْأَمْوَاتِ مِنْ أُمَّتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَا تَفْرِقَةٍ
وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ مِنْ حَدِيثِ جَمَاعَاتٍ مِنَ الصَّحَابَةِ عَائِشَةَ وَجَابِرٍ وَأَبِي طَلْحَةَ وَأَنَسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي رَافِعٍ وحذيفة عند مسلم والدارمي وأبي داود وبن مَاجَهْ وَأَحْمَدَ وَالْحَاكِمِ وَغَيْرِهِمْ
وَلَمْ(7/344)
يُنْقَلْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْأُضْحِيَّةَ الَّتِي ضَحَّى بِهِمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نَفْسِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ وَعَنْ أُمَّتِهِ الْأَحْيَاءِ وَالْأَمْوَاتِ تَصَدَّقَ بِجَمِيعِهَا أَوْ تَصَدَّقَ بِجُزْءٍ مُعَيَّنٍ بِقَدْرِ حِصَّةِ الْأَمْوَاتِ بَلْ قَالَ أَبُو رَافِعٍ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا ضَحَّى اشْتَرَى كَبْشَيْنِ سَمِينَيْنِ أَقْرَنَيْنِ أَمْلَحَيْنِ فَإِذَا صَلَّى وَخَطَبَ النَّاسَ أَتَى بِأَحَدِهِمَا وَهُوَ قَائِمٌ فِي مُصَلَّاهُ فَذَبَحَهُ بِنَفْسِهِ بِالْمُدْيَةِ ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُمَّ هَذَا عَنْ أُمَّتِي جَمِيعًا مَنْ شَهِدَ لَكَ بِالتَّوْحِيدِ وَشَهِدَ لِي بِالْبَلَاغِ ثُمَّ يُؤْتَى بِالْآخَرِ فَيَذْبَحُهُ بِنَفْسِهِ وَيَقُولُ هَذَا عَنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ فَيُطْعِمُهُمَا جَمِيعًا الْمَسَاكِينَ وَيَأْكُلُ هُوَ وَأَهْلُهُ مِنْهُمَا فَمَكَثْنَا سِنِينَ لَيْسَ الرَّجُلُ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ يُضَحِّي قَدْ كَفَاهُ اللَّهُ الْمُؤْنَةَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْغُرْمِ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَكَانَ دَأْبُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَائِمًا الْأَكْلُ بِنَفْسِهِ وَبِأَهْلِهِ مِنْ لُحُومِ الْأُضْحِيَّةِ وَتَصَدَّقَهَا لِلْمَسَاكِينِ وَأَمَرَ أُمَّتَهُ بِذَلِكَ وَلَمْ يُحْفَظْ عَنْهُ خِلَافُهُ
وَأَخْرَجَ الشَّيْخَانِ عَنْ عَائِشَةَ وَفِيهِ قَالُوا نَهَيْتَ أَنْ تُؤْكَلَ لُحُومُ الْأَضَاحِيِّ بَعْدَ ثَلَاثٍ فَقَالَ إِنَّمَا نَهَيْتُكُمْ مِنْ أَجْلِ الدَّافَّةِ فَكُلُوا وَادَّخِرُوا وَتَصَدَّقُوا وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فكلوا ما بدالكم وَأَطْعِمُوا وَادَّخِرُوا فَكَمَا صَنَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْنَعُهُ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ حَتَّى يَقُومَ الدَّلِيلُ عَلَى الْخُصُوصِيَّةِ
فَإِنْ أُضَحِّي كَبْشًا أَوْ كَبْشَيْنِ أَمْ ثَلَاثَ كِبَاشٍ مَثَلًا عَنْ نَفْسِي وَأَهْلِ بَيْتِي وَعَنِ الْأَمْوَاتِ لِيَكْفِيَ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ لَا مَحَالَةَ وَيَصِلُ ثَوَابُهَا لِكُلِّ وَاحِدٍ بِلَا مِرْيَةٍ وَمَا بَدَا لِي آكُلٌ مِنْ لَحْمِهَا وَأُطْعِمُ غَيْرِي وَأَتَصَدَّقُ مِنْهَا فَإِنِّي عَلَى خِيَارٍ مِنَ الشَّارِعِ
نَعَمْ إِنْ تُخَصَّ الْأُضْحِيَّةُ لِلْأَمْوَاتِ مِنْ دُونِ شَرِكَةِ الْأَحْيَاءِ فِيهَا فَهِيَ حَقٌّ لِلْمَسَاكِينِ وَالْغُرَبَاءِ كَمَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى كَلَامُهُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ حَنَشٌ هُوَ أَبُو الْمُعْتَمِرِ الْكِنَانِيُّ الصَّنْعَانِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ شَرِيكٍ
هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ
وَحَنَشٌ تَكَلَّمَ فِيهِ غير واحد وقال بن حِبَّانَ الْبُسْتِيُّ وَكَانَ كَثِيرَ الْوَهْمِ فِي الْأَخْبَارِ يَنْفَرِدُ عَنْ عَلِيٍّ بِأَشْيَاءَ لَا يُشْبِهُ حَدِيثَ الثِّقَاتِ حَتَّى صَارَ مِمَّنْ لَا يُحْتَجُّ بِهِ
وشريك هو بن عَبْدِ اللَّهِ الْقَاضِي فِيهِ مَقَالٌ وَقَدْ أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ فِي الْمُتَابَعَاتِ
66 - (بَابٌ الرَّجُلُ يَأْخُذُ من شعره في العشر)
[2791] الخ أَيْ فِي أَوَّلِ عَشْرِ ذِي الْحَجَّةِ(7/345)
(ذِبْحٌ) بِكَسْرِ الذَّالِ اسْمٌ لِمَا يُذْبَحُ مِنَ الْحَيَوَانِ (فَإِذَا أَهَلَّ هِلَالُ ذِي الْحَجَّةِ) أَيْ ظَهَرَ
فَفِي الْقَامُوسِ هَلَّ الْهِلَالُ ظَهَرَ كَأَهَلَّ وَأَهَلَّ وَاسْتَهَلَّ بِضَمِّهِمَا (فَلَا يَأْخُذَنَّ إِلَخْ) اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ تَرْكِ أَخْذِ الشَّعْرِ وَالْأَظْفَارِ بَعْدَ دُخُولِ عَشْرِ ذِي الْحَجَّةِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ
قَالَ النَّوَوِيُّ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَرَبِيعَةُ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَدَاوُدُ وَبَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ إِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ حَتَّى يُضَحِّيَ فِي وَقْتِ الْأُضْحِيَّةِ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ هُوَ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ وَلَيْسَ بِحَرَامٍ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُكْرَهُ وَقَالَ مَالِكٌ فِي رِوَايَةٍ لَا يُكْرَهُ وَفِي رِوَايَةٍ يُكْرَهُ وَفِي رِوَايَةٍ يَحْرُمُ فِي التَّطَوُّعِ دُونَ الْوَاجِبِ انْتَهَى
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه اللَّه وَقَدْ اِخْتَلَفَ النَّاس فِي هَذَا الْحَدِيث وَفِي حُكْمه
فَقَالَتْ طَائِفَة لَا يَصِحّ رَفْعه وَإِنَّمَا هُوَ مَوْقُوف
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي كِتَاب الْعِلَل وَوَقَفَهُ عَبْد اللَّه بْن عَامِر الْأَسْلَمِيّ وَيَحْيَى الّقَطَّانُ وَأَبُو ضَمْرَة عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن حُمَيْدٍ عَنْ سَعِيد وَوَقَفَهُ عُقَيْل عَلَى سَعِيد قَوْله
وَوَقَفَهُ يَزِيد بْن عَبْد اللَّه بْن قُسَيْط عَنْ سَعِيد عَنْ أُمّ سَلَمَة قولها
ووقفه بن أَبِي ذِئْب عَنْ الْحَرْث بْن عَبْد الرَّحْمَن عَنْ أَبِي سَلَمَة عَنْ أُمّ سَلَمَة
قَوْلهَا وَوَقَفَهُ عَبْد الرَّحْمَن بْن حَرْمَلَة وَقَتَادَةُ وَصَالِح بْن حَسَّان عَنْ سَعِيد قَوْله
وَالْمَحْفُوظ عَنْ مَالِك مَوْقُوف
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالصَّحِيح عِنْدِي قَوْل مَنْ وَقَفَهُ وَنَازَعَهُ فِي ذَلِكَ آخَرُونَ فَصَحَّحُوا رَفْعه
مِنْهُمْ مُسْلِم بْن الْحَجَّاج وَرَوَاهُ فِي صَحِيحه مَرْفُوعًا
وَمِنْهُمْ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيّ قَالَ هذا حديث حسن صحيح
ومنهم بن حِبَّان خَرَّجَهُ فِي صَحِيحه
وَمِنْهُمْ أَبُو بَكْر الْبَيْهَقِيُّ قَالَ هَذَا حَدِيث قَدْ ثَبَتَ مَرْفُوعًا مِنْ أَوْجُه لَا يَكُون مِثْلهَا غَلَطًا وَأَوْدَعَهُ مُسْلِم فِي كِتَابه
وَصَحَّحَهُ غَيْر هَؤُلَاءِ وَقَدْ رَفَعَهُ سُفْيَان بْن عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن حُمَيْدٍ عَنْ سَعِيد عَنْ أُمّ سَلَمَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَفَعَهُ شُعْبَة عَنْ مَالِك عَنْ عَمْرو بْن مُسْلِم عَنْ سَعِيد عَنْ أُمّ سَلَمَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَلَيْسَ شُعْبَة وَسُفْيَان بِدُونِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَقَفُوهُ وَلَا مِثْل هَذَا اللَّفْظ مِنْ أَلْفَاظ الصَّحَابَة بَلْ هُوَ الْمُعْتَاد مِنْ خِطَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْله لَا يُؤْمِن أَحَدكُمْ أَيَعْجِزُ أَحَدكُمْ أَيُحِبُّ أَحَدكُمْ إِذَا أَتَى أَحَدكُمْ الْغَائِط إِذَا جَاءَ أَحَدكُمْ خَادِمه بِطَعَامِهِ وَنَحْو ذَلِكَ
وَأَمَّا اِخْتِلَافهمْ فِي مَتْنه فَذَهَبَتْ إِلَيْهِ طَائِفَة مِنْ التَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدهمْ
فَذَهَبَ إِلَيْهِ سَعِيد بْن(7/346)
قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْقَوْلِ بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ فَكَانَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ بِهِ وَيَمْنَعُ الْمُضَحِّيَ مِنْ أَخْذِ أَظْفَارِهِ وَشَعْرِهِ أَيَّامَ الْعَشْرِ مِنْ ذِي الْحَجَّةِ وَكَذَلِكَ قَالَ رَبِيعَةُ بْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أحمد وإسحاق بن رَاهْوَيْهِ وَكَانَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ يَرَيَانِ ذَلِكَ عَلَى النَّدْبِ وَالِاسْتِحْبَابِ وَرَخَّصَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ فِي ذَلِكَ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
الْمُسَيِّب وَرَبِيعَة بْن أَبِي عَبْد الرَّحْمَن وَإِسْحَاق بن راهويه والإمام أحمد وغيرهم
وذهب آخرون إِلَى أَنَّ ذَلِكَ مَكْرُوه لَا مُحَرَّم
وَحَمَلُوا الْحَدِيث عَلَى الْكَرَاهَة مِنْهُمْ مَالِك وَطَائِفَة مِنْ أَصْحَاب أَحْمَد مِنْهُمْ أَبُو يَعْلَى وَغَيْره
وَذَهَبَتْ طَائِفَة إِلَى الْإِبَاحَة وَأَنَّهُ غَيْر مَكْرُوه وَهُوَ قَوْل أَبِي حَنِيفَة وَأَصْحَابه
وَاَلَّذِينَ لَمْ يَقُولُوا بِهِ مِنْهُمْ مَنْ أَعَلَّهُ بِالْوَقْفِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ضَعْف هَذَا التَّعْلِيل وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هَذَا خِلَاف الْحَدِيث الثَّابِت عَنْ عَائِشَة الْمُتَّفَق عَلَى صِحَّته أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَبْعَث بِهَدْيِهِ وَيُقِيم حَلَالًا لَا يَحْرُم عَلَيْهِ شَيْء
قَالَ الشَّافِعِيّ فَإِنْ قَالَ قَائِل مَا دَلَّ عَلَى أَنَّهُ اِخْتِيَار لَا وَاجِب قِيلَ لَهُ رَوَى مَالِك عَنْ عَبْد اللَّه بْن أَبِي بَكْر عَنْ عَمْرَة عَنْ عَائِشَة قَالَتْ أَنَا فَتَلْت قَلَائِد هَدْي النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدَيَّ ثُمَّ قَلَّدَهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ بَعَثَ بِهَا مَعَ أَبِي بَكْر فَلَمْ يَحْرُم علي رسول الله صلى الله عليه وسلم شَيْء أَحَلَّهُ اللَّه لَهُ حَتَّى نَحَرَ الْهَدْي
قَالَ الشَّافِعِيّ وَفِي هَذَا دَلَالَة عَلَى مَا وَصَفْت وَعَلَى أَنَّ الْمَرْء لَا يُحْرِم بِبَعْثِهِ بِهَدْيِهِ يَقُول الْبَعْث بِالْهَدْيِ أَكْثَر مِنْ إِرَادَة الْأُضْحِيَّة
وَمِنْهُمْ مَنْ رَدَّ هَذَا الْحَدِيث بِخِلَافِهِ لِلْقِيَاسِ لِأَنَّهُ لَا يَحْرُم عَلَيْهِ الْوَطْء وَاللِّبَاس الطِّيب فَلَا يَحْرُم عَلَيْهِ حَلْق الشَّعْر وَلَا تَقْلِيم الظُّفْر
وَأَسْعَد النَّاس بِهَذَا الْحَدِيث مَنْ قَالَ بِظَاهِرِهِ لِصِحَّتِهِ وَعَدَم مَا يُعَارِضهُ
وَأَمَّا حَدِيث عَائِشَة فَهُوَ إِنَّمَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ مَنْ بَعَثَ بِهَدْيِهِ وَأَقَامَ فِي أَهْله فَإِنَّهُ يُقِيم حَلَالًا وَلَا يَكُون مُحْرِمًا بِإِرْسَالِ الْهَدْي رَدًّا عَلَى مَنْ قَالَ مِنْ السَّلَف يَكُون بِذَلِكَ مُحْرِمًا وَلِهَذَا رَوَتْ عَائِشَة لَمَّا حُكِيَ لَهَا هَذَا الْحَدِيث
وَحَدِيث أُمّ سَلَمَة يَدُلّ عَلَى أَنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّي أَمْسَكَ فِي الْعَشْر عَنْ أَخْذ شَعْره وَظُفْره(7/347)
وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ النَّدْبِ وَلَيْسَ عَلَى الْوُجُوبِ قَوْلُهَا فَتَلْتُ قَلَائِدَ هَدْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِي ثُمَّ قَلَّدَهَا ثُمَّ بَعَثَ بِهَا وَلَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ كُلُّ شَيْءٍ أَحَلَّهُ اللَّهُ لَهُ حَتَّى نَحَرَ الْهَدْيَ وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ اللِّبَاسُ وَالطِّيبُ كَمَا يَحْرُمَانِ عَلَى الْمُحْرِمِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ النَّدْبِ وَالِاسْتِحْبَابِ دُونَ الْحَتْمِ وَالْإِيجَابِ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وبن ماجه بمعناه
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
خَاصَّة فَأَيّ مُنَافَاة بَيْنهمَا وَلِهَذَا كَانَ أَحْمَد وَغَيْره يَعْمَل بِكِلَا الْحَدِيثَيْنِ هَذَا فِي مَوْضِعه وَهَذَا فِي مَوْضِعه
وَقَدْ سَأَلَ الْإِمَام أَحْمَد أَوْ غَيْره عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ عَنْ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ فَقَالَ هَذَا لَهُ وَجْه وَهَذَا لَهُ وَجْه
وَلَوْ قُدِّرَ بِطَرِيقِ الْفَرْض تَعَارُضهمَا لَكَانَ حَدِيث أُمّ سَلَمَة خَاصًّا وَحَدِيث عَائِشَة عَامًّا
وَيَجِب تَنْزِيل الْعَامّ عَلَى مَا عَدَا مَدْلُول الْخَاصّ تَوْفِيقًا بَيْن الْأَدِلَّة
وَيَجِب حَمْل حَدِيث عَائِشَة عَلَى مَا عَدَا مَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيث أُمّ سَلَمَة فَإِنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ لِيَفْعَل مَا نَهَى عَنْهُ وَإِنْ كَانَ مَكْرُوهًا
وَأَيْضًا فَعَائِشَة إِنَّمَا تَعْلَم ظَاهِر مَا يُبَاشِرهَا بِهِ أَوْ يَفْعَلهُ ظَاهِرًا مِنْ اللِّبَاس وَالطِّيب
وَأَمَّا مَا يَفْعَلهُ نَادِرًا كَقَصِّ الشَّعْر وَتَقْلِيم الظُّفْر مِمَّا لَا يُفْعَل فِي الْأَيَّام الْعَدِيدَة إِلَّا مَرَّة
فهي لم تخبر بوقوعه منه صلى الله عليه وسلم فِي عَشْر ذِي الْحِجَّة وَإِنَّمَا قَالَتْ لَمْ يَحْرُم عَلَيْهِ شَيْء
وَهَذَا غَايَته أَنْ يَكُون شَهَادَة عَلَى نَفْي فَلَا يُعَارِض حَدِيث أُمّ سَلَمَة
وَالظَّاهِر أَنَّهَا لَمْ تُرِدْ ذَلِكَ بِحَدِيثِهَا وَمَا كَانَ كَذَلِكَ فَاحْتِمَال تَخْصِيصه قَرِيب فَيَكْفِي فِيهِ أَدْنَى دَلِيل
وَخَبَر أُمّ سَلَمَة صَرِيح فِي النَّهْي فَلَا يَجُوز تَعْطِيله أَيْضًا
فَأُمّ سَلَمَة تُخْبِر عَنْ قَوْله وَشَرْعه لِأُمَّتِهِ فَيَجِب اِمْتِثَاله
وَعَائِشَة تُخْبِر عَنْ نَفْي مُسْتَنِد إِلَى رُؤْيَتهَا وَهِيَ إِنَّمَا رَأَتْ أَنَّهُ لَا يَصِير بِذَلِكَ مُحْرِمًا يَحْرُم عَلَيْهِ مَا يَحْرُم عَلَى الْمُحْرِم
وَلَمْ تُخْبِر عَنْ قَوْله إِنَّهُ لَا يَحْرُم عَلَى أَحَدكُمْ بِذَلِكَ شَيْء
وَهَذَا لَا يُعَارِض صَرِيح لَفْظه
وَأَمَّا رَدّ الْحَدِيث بِالْقِيَاسِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إِلَّا أَنَّهُ قِيَاس فَاسِد مُصَادِم لِلنَّصِّ لَكَفَى ذَلِكَ فِي رَدّ الْقِيَاس وَمَعْلُوم أَنَّ رَدّ الْقِيَاس بِصَرِيحِ السُّنَّة أَوْلَى مِنْ رَدّ السُّنَّة بِالْقِيَاسِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيق
كَيْف وَأَنَّ تَحْرِيم النِّسَاء وَالطِّيب وَاللِّبَاس أَمْر يَخْتَصّ بِالْإِحْرَامِ لَا يَتَعَلَّق بِالضَّحِيَّةِ وَأَمَّا تَقْلِيم الظُّفْر وَأَخْذ الشَّعْر فَإِنَّهُ مِنْ تَمَام التَّعَبُّد بِالْأُضْحِيَّةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيث عَبْد اللَّه بْن عَمْرو أَوَّل الْبَاب(7/348)
وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ فَلَا يَمَسَّ مِنْ شَعْرِهِ وَبَشَرِهِ شَيْئًا وَقَالَ بَعْضُهُمْ أَرَادَ بِالشَّعْرِ شَعْرَ الرَّأْسِ وَبِالْبَشَرِ بَشَرَ (شَعْرِ) الْبَدَنِ فَعَلَى هَذَا لَا يَدْخُلُ فِيهِ قَلْمُ الْأَظْفَارِ وَلَا يُكْرَهُ
وقيل أراد بالشعر جَمِيعَ الشَّعْرِ وَبِالْبَشَرِ الْأَظْفَارَ
وَيُؤَيِّدُ هَذَا أَنَّ لَفْظَ الْحَدِيثِ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَعِنْدَ جَمِيعِ مَنْ ذُكِرَ مَعَهُ مُشْتَمِلٌ عَلَى الشَّعْرِ وَالظُّفْرِ
67 - (بَاب ما يستحب من الضحايا)
[2792] (عن بن قُسَيْطٍ) بِضَمِّ الْقَافِ مُصَغَّرًا هُوَ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ (أَمَرَ بِكَبْشٍ) أَيْ بِأَنْ يُؤْتَى بِهِ إِلَيْهِ وَالْكَبْشُ فَحْلُ الضَّأْنِ فِي أَيِّ سِنٍّ كَانَ
وَاخْتُلِفَ فِي ابْتِدَائِهِ فَقِيلَ إِذَا أَثْنَى وَقِيلَ إِذَا أَرْبَعَ
قَالَهُ الْحَافِظُ (أَقْرَنُ) أَيِ الَّذِي لَهُ قَرْنَانِ مُعْتَدِلَانِ
قَالَهُ السُّيُوطِيُّ
وَقَالَ النَّوَوِيُّ الْأَقْرَنُ الَّذِي لَهُ قَرْنَانِ حَسَنَانِ (يَطَأُ فِي سَوَادٍ وَيَنْظُرُ فِي سَوَادٍ وَيَبْرُكُ فِي سَوَادٍ) أَيْ يَطَأُ الْأَرْضَ وَيَمْشِي فِي سَوَادٍ
وَالْمَعْنَى أَنَّ قَوَائِمَهُ وَبَطْنَهُ وَمَا حَوْلَ عَيْنَيْهِ أَسْوَدُ
قَالَهُ النَّوَوِيُّ (فَضَحَّى بِهِ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ لِيُضَحِّيَ بِهِ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى (هَلُمِّي الْمُدْيَةَ) أَيْ هَاتِيهَا وَهِيَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا وَفَتْحِهَا وَهِيَ السِّكِّينُ
قَالَهُ النَّوَوِيُّ (اشْحَذِيهَا) بِالشِّينِ
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
وَقَوْله تَأْخُذ مِنْ شَعْرك وَتَحْلِق عَانَتك فَتِلْكَ تَمَام أُضْحِيَّتك عِنْد اللَّه فَأَحَبَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوْفِير الشَّعْر وَالظُّفْر فِي الْعَشْر لِيَأْخُذهُ مَعَ الضَّحِيَّة فَيَكُون ذَلِكَ مِنْ تَمَامهَا عِنْد اللَّه
وَقَدْ شَهِدَ لِذَلِكَ أَيْضًا أنه صلى الله عليه وسلم شَرَعَ لَهُمْ إِذَا ذَبَحُوا عَنْ الْغُلَام عَقِيقَته أَنْ يَحْلِقُوا رَأْسه فَدَلَّ عَلَى أَنَّ حَلْق رَأْسه مَعَ الذَّبْح أَفْضَل وَأَوْلَى وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيق(7/349)
الْمُعْجَمَةِ وَالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ الْمَفْتُوحَةِ وَبِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ حَدِّدِيهَا (فَذَبَحَهُ وَقَالَ بِسْمِ اللَّهِ إِلَخْ) أَيْ أَرَادَ ذَبْحَهُ
وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ ثُمَّ ذَبَحَهُ ثُمَّ قَالَ إِلَخْ
قَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا الْكَلَامُ فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ وَتَقْدِيرُهُ فَأَضْجَعَهُ ثُمَّ أَخَذَ فِي ذَبْحِهِ قَائِلًا بِاسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَأُمَّتِهِ مُضَحِّيًا بِهِ
وَلَفْظَةُ ثُمَّ هُنَا مُتَأَوَّلَةٌ عَلَى مَا ذَكَرْتُهُ بلا شك (ثم ضحى به) قال القارىء أَيْ فَعَلَ الْأُضْحِيَّةَ بِذَلِكَ الْكَبْشِ
قَالَ وَهَذَا يُؤَيِّدُ تَأْوِيلَنَا قَوْلَهُ ثُمَّ ذَبَحَهُ بِأَنَّهُ أَرَادَ ذَبْحَهُ
وَقَالَ الطِّيبِيُّ نَقْلًا عَنِ الْأَسَاسِ أَيْ غَدَّى وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَجَازٌ وَالْحَمْلُ عَلَى الْحَقِيقَةِ أَوْلَى مَهْمَا أَمْكَنَ ثُمَّ مَعْنَى غَدَّى أَيْ غَدَّى النَّاسَ بِهِ أَيْ جَعَلَهُ طَعَامَ غَدَاءٍ لَهُمُ انْتَهَى
وَفِي الْحَدِيثِ اسْتِحْبَابُ التَّضْحِيَةِ بِالْأَقْرَنِ وَإِحْسَانُ الذَّبْحِ وَإِحْدَادُ الشَّفْرَةِ وَإِضْجَاعُ الْغَنَمِ فِي الذَّبْحِ
قَالَ النَّوَوِيُّ وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ إِضْجَاعَهَا يَكُونُ عَلَى جَانِبِهَا الْأَيْسَرِ لِأَنَّهُ أَسْهَلُ عَلَى الذَّابِحِ فِي أَخْذِ السِّكِّينِ بِالْيَمِينِ وَإِمْسَاكِ رَأْسِهَا بِالْيَسَارِ انْتَهَى
وَالْحَدِيثُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْأُضْحِيَّةِ الْوَاحِدَةِ عَنْ جَمِيعِ أَهْلِ الْبَيْتِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ
[2793] (بَدَنَاتٌ) جَمْعُ بَدَنَةٍ وَهِيَ الْوَاحِدَةُ مِنَ الْإِبِلِ سُمِّيَتْ بِهَا لِعِظَمِهَا وَسِمَنِهَا مِنَ الْبَدَانَةِ وَهِيَ كَثْرَةُ اللَّحْمِ وَتَقَعُ عَلَى الْجَمَلِ وَالنَّاقَةِ وَقَدْ تُطْلَقُ عَلَى الْبَقَرَةِ
كَذَا فِي النِّهَايَةِ (أَمْلَحَيْنِ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ الْأَمْلَحُ مِنَ الْكِبَاشِ هُوَ الَّذِي فِي خِلَالِ صُوفِهِ الْأَبْيَضِ طَاقَاتٌ سُودٌ
وَفِي الْمِرْقَاةِ لِلْقَارِيِّ الْأَمْلَحُ أَفْعَلُ مِنَ الْمُلْحَةِ وَهِيَ بَيَاضٌ يُخَالِطُهُ السَّوَادُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ أَهْلِ اللُّغَةِ
وَقِيلَ بَيَاضُهُ أَكْثَرُ مِنْ سَوَادِهِ وَقِيلَ هُوَ النَّقِيُّ الْبَيَاضِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ قِصَّةَ الْكَبْشَيْنِ فَقَطْ بِنَحْوِهِ(7/350)
[2794] (وَيُكَبِّرُ وَيُسَمِّي) أَيْ يَقُولُ بِسْمِ اللَّهِ وَاللَّهُ أَكْبَرُ (عَلَى صَفْحَتِهَا) أَيْ عَلَى جَانِبِ وَجْهِهَا وَالصَّفْحَةُ عُرْضُ الْوَجْهِ
وَفِي النِّهَايَةِ صَفْحُ كُلِّ شَيْءٍ جِهَتُهُ وَنَاحِيَتُهُ
قَالَ الْحَافِظُ وَفِي الْحَدِيثِ اسْتِحْبَابُ التَّكْبِيرِ مَعَ التَّسْمِيَةِ وَاسْتِحْبَابُ وَضْعِ الرِّجْلِ عَلَى صَفْحَةِ عُنُقِ الْأُضْحِيَّةِ الْأَيْمَنِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ إِضْجَاعَهَا يَكُونُ عَلَى الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ فَيَضَعُ رِجْلَهُ عَلَى الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ لِيَكُونَ أَسْهَلَ عَلَى الذَّابِحِ فِي أَخْذِ السِّكِّينِ بِالْيَمِينِ وَإِمْسَاكِ رَأْسِهَا بِيَدِهِ الْيَسَارِ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ
[2795] (مُوجَئَيْنِ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْوَاوِ وَفَتْحِ الْجِيمِ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ مَفْتُوحَةٌ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ مُوجَيَيْنِ بِالْيَاءِ مَكَانَ الْهَمْزَةِ وَفِي بعضها موجوئين أَيْ خَصِيَّيْنِ
قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْوِجَاءُ أَنْ ترض أي تدق أنثيا الْفَحْلِ رَضًّا شَدِيدًا يُذْهِبُ شَهْوَةَ الْجِمَاعِ
وَقِيلَ هُوَ أَنْ يُوجَأَ الْعُرُوقُ وَالْخُصْيَتَانِ بِحَالِهِمَا (فَلَمَّا وَجَّهَهُمَا) أَيْ نَحْوَ الْقِبْلَةِ (لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ والأرض) أَيْ إِلَى خَالِقِهِمَا وَمُبْدِعِهِمَا (عَلَى مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ) حَالٌ مِنَ الْفَاعِلِ أَوِ الْمَفْعُولِ فِي وَجَّهْتُ وَجْهِي أَيْ أَنَا عَلَى مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ يَعْنِي فِي الْأُصُولِ وَبَعْضِ الْفُرُوعِ (حَنِيفًا) حَالٌ مِنْ إِبْرَاهِيمَ أَيْ مَائِلًا عَنِ الْأَدْيَانِ الْبَاطِلَةِ إِلَى الْمِلَّةِ الْقَوِيمَةِ الَّتِي هِيَ التَّوْحِيدُ الْحَقِيقِيُّ (إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي) أَيْ سَائِرَ عِبَادَاتِي أَوْ تَقَرُّبِي بِالذَّبْحِ
قَالَ الطِّيبِيُّ جَمَعَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالذَّبْحِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي) أَيْ حَيَاتِي وَمَوْتِي
وَقَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ وَمَا آتِيهِ فِي حَيَاتِي وَمَا أَمُوتُ عَلَيْهِ مِنَ الْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ انْتَهَى (اللَّهُمَّ مِنْكَ) أَيْ هَذِهِ الْأُضْحِيَّةُ عَطِيَّةٌ وَمِنْحَةٌ وَاصِلَةٌ إِلَيَّ مِنْكَ (وَلَكَ) أَيْ مَذْبُوحَةٌ وَخَالِصَةٌ لَكَ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْخَصِيَّ فِي الضَّحَايَا غَيْرُ مَكْرُوهٍ وَقَدْ كَرِهَهُ(7/351)
بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ لِنَقْصِ الْعُضْوِ وَهَذَا النَّقْصُ لَيْسَ بِعَيْبٍ لِأَنَّ الْخِصَاءَ يَزِيدُ اللَّحْمَ طِيبًا وَيَنْفِي فِيهِ الزُّهُومَةَ وَسُوءَ الرَّائِحَةِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وأخرجه بن مَاجَهْ وَفِي إِسْنَادِهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ
وَعَيَّاشٌ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَبَعْدَهَا يَاءٌ آخِرُ الْحُرُوفِ مُشَدَّدَةٌ مَفْتُوحَةٌ وَبَعْدَ الْأَلِفِ شِينٌ مُعْجَمَةٌ
[2796] (فَحِيلٌ) بِوَزْنِ كَرِيمٍ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ هُوَ الْكَرِيمُ الْمُخْتَارُ لِلْفَحْلَةِ وَأَمَّا الْفَحْلُ فَهُوَ عَامٌّ فِي الذُّكُورَةِ مِنْهَا وَقَالُوا فِي ذُكُورَةِ الْفَحْلِ فِحَالٌ فَرْقًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَائِرِ الْفُحُولِ مِنَ الْحَيَوَانِ انْتَهَى
قَالَ فِي النَّيْلِ فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَحَّى بِالْفَحِيلِ كَمَا ضَحَّى بِالْخَصِيِّ (يَنْظُرُ فِي سَوَادٍ إِلَخْ) مَعْنَاهُ أَنَّ مَا حَوْلَ عَيْنَيْهِ وَقَوَائِمِهِ وَفَمِهِ أَسْوَدُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ والنسائي وبن مَاجَهْ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ
68 - (بَاب ما يجوز في الضحايا من السن)
[2797] (إِلَّا مُسِنَّةً) بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ السِّينِ وَالنُّونِ المشددة
قال بن الْمَلَكِ الْمُسِنَّةُ هِيَ
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه اللَّه وَهَذَا لَا يَصِحّ فَإِنَّ قَوْله لِأَحَدِ هؤلاء ولن تجزىء عَنْ أَحَد بَعْدك وَلَا رُخْصَة فِيهَا لِأَحَدٍ بَعْدك يَنْفِي تَعَدُّد الرُّخْصَة
وَقَدْ كُنَّا نَسْتَشْكِل هَذِهِ الْأَحَادِيث إِلَى أَنْ يَسَّرَ اللَّه بِإِسْنَادِ صِحَّتهَا وَزَوَال إِشْكَالهَا فَلَهُ الْحَمْد فَنَقُول أَمَّا حَدِيث أَبِي بُرْدَة بْن نِيَار فَلَا رَيْب فِي صِحَّته وَأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ فِي الْجَذَعَة مِنْ الْمَعْز ولن تجزىء عَنْ أَحَد بَعْدك وَهَذَا قَطْعًا يَنْفِي أَنْ تَكُون مُجْزِئَة عَنْ أَحَد بَعْده(7/352)