. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي وَذَلِكَ أَنَّهُ مَا مِنْ فِعْلٍ فِي الْغَالِب إِلَّا وَيُسَمَّى خَفِيفًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا هُوَ أَطْوَل مِنْهُ وَطَوِيلًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا هُوَ أَخَفّ مِنْهُ فَلَا يُمْكِن تَحْدِيد التَّخْفِيف الْمَأْمُور بِهِ فِي الصَّلَاة بِاللُّغَةِ وَلَا بِالْعُرْفِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ عَادَة فِي الْعُرْف كَالْقَبْضِ وَالْحَزْر وَالْإِحْيَاء وَالِاصْطِيَاد حَتَّى يُرْجَع فِيهِ إِلَيْهِ بَلْ هُوَ مِنْ الْعِبَادَات الَّتِي يُرْجَع فِي صِفَاتهَا وَمَقَادِيرهَا إِلَى الشَّارِع كَمَا يُرْجَع إِلَيْهِ فِي أَصْلهَا وَلَوْ جَازَ الرُّجُوع فِيهِ إِلَى الْعُرْف لَاخْتَلَفَتْ الصَّلَاة الشَّرْعِيَّة اِخْتِلَافًا مُتَبَايِنًا لَا يَنْضَبِط وَلَكَانَ لِكُلِّ أَهْل عَصْرٍ وَمِصْرٍ بَلْ لِأَهْلِ الدَّرْب وَالسِّكَّة وَكُلّ مَحَلّ لِكُلِّ طَائِفَة غَرَض وَعُرْف وَإِرَادَة فِي مِقْدَار الصَّلَاة يُخَالِف عُرْف غَيْرهمْ وَهَذَا يُفْضِي إِلَى تَغْيِير الشَّرِيعَة وَجَعْل السُّنَّةِ تَابِعَة لِأَهْوَاءِ النَّاس فَلَا يُرْجَع فِي التَّخْفِيف الْمَأْمُور بِهِ إِلَّا إِلَى فِعْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ كَانَ يصلي وراء الضَّعِيف وَالْكَبِير وَذُو الْحَاجَة وَقَدْ أَمَرَنَا بِالتَّخْفِيفِ لِأَجْلِهِمْ فَاَلَّذِي كَانَ يَفْعَلهُ هُوَ التَّخْفِيف إِذْ مِنْ الْمُحَال أَنْ يَأْمُر بِأَمْرٍ وَيُعَلِّلهُ بِعِلَّةٍ ثُمَّ يَفْعَل خِلَافه مَعَ وُجُود تَلِك الْعِلَّةِ إِلَّا أَنْ يَكُون مَنْسُوخًا
وَفِي صَحِيح مُسْلِمٍ عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ طُول صَلَاة الرَّجُل وَقِصَر خُطْبَته مَئِنَّةٌ مِنْ فِقْهه فَأَطِيلُوا الصَّلَاة وَاقْصَرُوا الْخُطْبَة وَإِنَّ مِنْ الْبَيَان سِحْرًا
فَجَعَلَ طُول الصَّلَاة عَلَامَة عَلَى فِقْه الرَّجُل وَأَمَرَ بِإِطَالَتِهَا وَهَذَا الْأَمْر إِمَّا أَنْ يَكُون عَامًّا فِي جَمِيع الصَّلَوَات وَإِمَّا أَنْ يَكُون الْمُرَاد بِهِ صَلَاة الْجُمْعَة فَإِنْ كَانَ عَامًّا فَظَاهِر وَإِنْ كَانَ خَاصًّا بِالْجُمْعَةِ مَعَ كَوْن الْجَمْع فِيهَا يَكُون عَظِيمًا وَفِيهِ الضَّعِيف وَالْكَبِير وَذُو الْحَاجَة وَتُفْعَل فِي شِدَّة الْحَرّ وَيَتَقَدَّمهَا خُطْبَتَانِ وَمَعَ هَذَا فَقَدْ أَمَرَ بِإِطَالَتِهَا فَمَا الظَّنّ بِالْفَجْرِ وَنَحْوهَا الَّتِي تُفْعَل وَقْت الْبَرْد وَالرَّاحَةِ مَعَ قِلَّة الْجَمْع وَقَدْ رَوَى النَّسَائِيُّ فِي سُنَنه أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ فِي الْفَجْر بِالرُّومِ وَفِي سُنَن أَبِي دَاوُدَ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إِذَا دَحَضَتْ الشَّمْس صَلَّى الظُّهْر وَقَرَأَ بِنَحْوٍ مِنْ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالْعَصْرِ كَذَلِكَ وَالصَّلَوَات كُلّهَا كَذَلِكَ إِلَّا الصُّبْح فَإِنَّهُ كَانَ يُطِيلهَا وَقَدْ رَوَى الْإِمَام أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْط مُسْلِمٍ عَنْ سُلَيْمَان بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ مَا صَلَّيْت وَرَاء أَحَد أَشْبَهَ صَلَاة بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فُلَان قَالَ سُلَيْمَانُ كَانَ يُطِيل الركعتين الأوليين من الظهر ويخفف الْأُخْرَيَيْنِ وَيُخَفِّف الْعَصْر وَيَقْرَأ فِي الْمَغْرِب بِقِصَارِ الْمُفَصَّل وَيَقْرَأ فِي الْعِشَاء بِوَسَطِ الْمُفَصَّل وَيَقْرَأ فِي الصُّبْح بِطِوَالِ الْمُفَصَّل وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي بَرْزَةَ قَالَ كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الصُّبْح فَيَنْصَرِف الرَّجُل فَيَعْرِف جَلِيسه وَكَانَ يَقْرَأ فِي الرَّكْعَتَيْنِ أَوْ إِحْدَاهُمَا مَا بَيْن السِّتِّينَ إِلَى الْمِائَة لَفْظ الْبُخَارِيِّ وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَمْرَيْنِ شِدَّة التَّغْلِيس بِهَا وَإِطَالَتهَا
فَإِنْ قِيلَ مَا ذَكَرْتُمُوهُ مِنْ الْأَحَادِيث مُعَارَض بِمَا يَدُلّ عَلَى نَقْضِهِ وَأَنَّ السُّنَّةَ هِيَ التَّخْفِيف فَرَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي سننه من حديث بن وَهْبٍ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أبي العمياء أن سهل بن أبي أمامة حَدَّثَهُ أَنَّهُ دَخَلَ هُوَ وَأَبُوهُ عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ بِالْمَدِينَةِ فِي زَمَن عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَهُوَ أَمِير(3/78)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
الْمَدِينَة فَإِذَا هُوَ يُصَلِّي صَلَاة خَفِيفَة كَأَنَّهَا صَلَاة مُسَافِر أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا فَلَمَّا سَلَّمَ قَالَ يَرْحَمك اللَّه أَرَأَيْت هَذِهِ الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة أم شيء تنقله قَالَ إِنَّهَا لَلْمَكْتُوبَة وَإِنَّهَا لَصَلَاة رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُول لَا تُشَدِّدُوا عَلَى أَنْفُسكُمْ فَيُشْدَدْ عَلَيْكُمْ فَإِنَّ قَوْمًا شَدَّدُوا عَلَى أَنْفُسكُمْ فَشُدِّدَ عَلَيْهِمْ فَتَلِك بَقَايَاهُمْ فِي الصَّوَامِع وَالدِّيَار
رَهْبَانِيَّة اِبْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ وَسَهْلُ بْنُ أَبِي أُمَامَةَ وَثَّقَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَغَيْره
وَرَوَى لَهُ مُسْلِمٌ وَفِي الصحيحين عن أنس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوجز الصلاة ويكلمها وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا عَنْهُ قَالَ مَا صَلَّيْت وَرَاء إِمَامٍ قَطّ أَخَفّ صَلَاة وَلَا أَتَمّ مِنْ صَلَاة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَادَ الْبُخَارِيُّ وَإِنْ كَانَ لَيَسْمَع بُكَاء الصَّبِيّ فَيُخَفِّف مَخَافَة أَنْ تُفْتَتَن أُمّه وَفِي سُنَن أَبِي دَاوُدَ عَنْ رَجُل مِنْ جُهَيْنَةَ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأ فِي الصُّبْح {إِذَا زُلْزِلَتْ} فِي الرَّكْعَتَيْنِ كِلْتَيْهِمَا فَلَا أَدْرِي أَنَسِيَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْ عَمْدًا فَعَلَ ذَلِكَ وَفِي صَحِيح مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأ في الظهر بالليل إذا يغشى وفي العصر نحو ذلك
وفي سنن بن ماجه عن بن عُمَرَ قَالَ كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأ فِي الْمَغْرِب {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} وَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}
وَفِي سنن بن مَاجَهْ عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ قَالَ كَأَنِّي أَسْمَعُ صَوْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأ فِي صَلَاة اِلْغَدَاهُ {فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ الْجَوَارِ الْكُنَّسِ}
وَفِي سُنَن أَبِي دَاوُدَ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأ فِي الظُّهْر وَالْعَصْر بِالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ وَشِبْههمَا
وَفِي صَحِيح مُسْلِمٍ عَنْهُ أَيْضًا قَالَ كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأ في الظهر بالليل إذا يغشى وفي العصر نَحْو ذَلِكَ وَفِي الصُّبْح أَطْوَل مِنْ ذَلِكَ
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ الْبَرَاءِ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ فِي الْعِشَاء بِالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ فِي السَّفَرِ وَفِي بَعْض السُّنَن عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَرَأَ فِي الصُّبْح بِالْمُعَوِّذَتَيْنِ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ جَابِرٍ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لِمُعَاذٍ أَفَتَّانٌ أَنْتَ يَا مُعَاذُ هَلَّا صَلَّيْت بِسَبْحِ اِسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِلنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ فَإِنَّ فِيهِمْ الضَّعِيفَ وَالسَّقِيم وَالْكَبِير وَإِذَا صَلَّى أَحَدكُمْ لِنَفْسِهِ فليطول ما شاء ورواه بن مَاجَهْ مِنْ حَدِيث عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ
وَفِي صَحِيح مُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْمَع بُكَاء الصَّبِيِّ مَعَ أُمّه وَهُوَ فِي الصَّلَاة فَيَقْرَأ بِالسُّورَةِ الْخَفِيفَة أَوْ بِالسُّورَةِ الْقَصِيرَة
فَالْجَوَاب أَنَّهُ لَا تَعَارُض بِحَمْدِ اللَّه بَيْن هَذِهِ الْأَحَادِيث بَلْ هِيَ أَحَادِيث يُصَدِّق بَعْضهَا بَعْضًا(3/79)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
وَأَنَّ مَا وَصَفَهُ أَنَسٌ مِنْ تَخْفِيف النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاته هُوَ مَقْرُون بِوَصْفِهِ إِيَّاهَا بِالتَّمَامِ كَمَا تَقَدَّمَ وَهُوَ الَّذِي وَصَفَ تَطْوِيله رُكْنَيْ الِاعْتِدَال حَتَّى كَانُوا يَقُولُونَ قَدْ أَوْهَمَ وَوَصَفَ صَلَاة عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ بِأَنَّهَا تُشْبِه صَلَاة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَنَّهُمْ قَدَّرُوهَا بِعَشْرِ تَسْبِيحَات وَالتَّخْفِيف الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ أَنَسٌ هُوَ تَخْفِيف الْقِيَام مَعَ تَطْوِيل الرُّكُوع وَالسُّجُود كَمَا جَاءَ مُصَرَّحًا بِهِ فِيمَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ قُتَيْبَةَ عَنْ الْعَطَّافِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ دَخَلْنَا عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فقال صليتم قلنا نعم قال ياجارية هَلُمِّي لَنَا وُضُوءًا
مَا صَلَّيْت وَرَاء إِمَام أَشْبَهَ بِصَلَاةِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ إِمَامكُمْ هَذَا قَالَ زَيْدٌ وَكَانَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ يُتِمّ الرُّكُوع وَالسُّجُود وَيُخَفِّف الْقِيَام وَالْقُعُود وَهَذَا حَدِيث صَحِيح فَإِنَّ العطاف بن خالد المخزومي وثقه بن مَعِينٍ وَقَالَ أَحْمَدُ ثِقَة صَحِيح الْحَدِيث
وَقَدْ جَاءَ هَذَا صَرِيحًا فِي حَدِيث عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ لَمَّا صَلَّى خَلْف عَلِيٍّ بِالْبَصْرَةِ قَالَ لَقَدْ ذَكَّرَنِي هَذَا صَلَاة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَتْ صَلَاة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعْتَدِلَة كَانَ يُخَفِّف الْقِيَام وَالْقُعُود وَيُطِيل الرُّكُوع وَالسُّجُود وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْل أَنَسٍ كَانَتْ صَلَاة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَقَارِبَة وَحَدِيث الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ أَنَّ قِيَامه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرُكُوعه وَسُجُوده كَانَ قَرِيبًا مِنْ السَّوَاء
فَهَذِهِ الْأَحَادِيث كُلّهَا تَدُلّ عَلَى مَعْنَى وَاحِد وَهُوَ أَنَّهُ كَانَ يُطِيل الرُّكُوع وَالسُّجُود وَيُخَفِّف الْقِيَام
وَهَذَا بِخِلَافِ مَا كَانَ يَفْعَلهُ بَعْض الْأُمَرَاء الَّذِينَ أَنْكَرَ الصَّحَابَة صَلَاتهمْ مِنْ إِطَالَة الْقِيَام عَلَى مَا كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلهُ غَالِبًا وَتَخْفِيف الرُّكُوع وَالسُّجُود وَالِاعْتِدَالَيْنِ
وَلِهَذَا أَنْكَرَ ثَابِتٌ عَلَيْهِمْ تَخْفِيف الِاعْتِدَالَيْنِ وَقَالَ كَانَ أَنَسٌ يَصْنَع شَيْئًا لَا أَرَاكُمْ تَصْنَعُونَهُ وحديث بن أَبِي الْعَمْيَاءِ إِنَّمَا فِيهِ أَنَّ صَلَاة أَنَسٍ كَانَتْ خَفِيفَة وَأَنَسٌ فَقَدْ وَصَفَ خِفَّة صَلَاة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّهَا أَشْبَهَ شَيْء بِصَلَاةِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ مَعَ تَطْوِيل الرُّكُوع وَالسُّجُود وَالِاعْتِدَالَيْنِ وَأَحَادِيثه لَا تَتَنَاقَض وَالتَّخْفِيف أَمْر نِسْبِيّ إِضَافِيّ فَعَشْر تَسْبِيحَات وَعِشْرُونَ آيَة أَخَفّ مِنْ مِائَة تَسْبِيحَة وَمِائَتَيْ آيَة فَأَيّ مُعَارَضَة فِي هَذَا لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة الصَّرِيحَة
وَأَمَّا تَخْفِيف النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْد بُكَاء الصَّبِيّ فَلَا يُعَارِض مَا ثَبَتَ عَنْهُ مِنْ صِفَة صَلَاته بَلْ قَدْ قَالَ فِي الْحَدِيث نَفْسه إِنِّي أَدْخُل فِي الصَّلَاة وَأَنَا أُرِيد أَنْ أَطْلِيهَا فَأَسْمَع بُكَاء الصَّبِيّ فَأَتَجَوَّز
فَهَذَا تَخْفِيف لِعَارِضٍ وَهُوَ مِنْ السُّنَّة كَمَا يُخَفِّف صَلَاة السَّفَر وَصَلَاة الْخَوْف وَكُلّ مَا ثَبَتَ عَنْهُ مِنْ التَّخْفِيف فَهُوَ لِعَارِضٍ كَمَا ثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ قَرَأَ فِي السَّفَر فِي الْعِشَاء بِالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَكَذَلِكَ قِرَاءَته فِي الصُّبْحِ بِالْمُعَوِّذَتَيْنِ فَإِنَّهُ كَانَ فِي السَّفَر وَلِذَلِكَ رَفَعَ اللَّه تَعَالَى الْجَنَاح عَنْ الْأُمَّة فِي قَصْر الصَّلَاة فِي السَّفَر وَالْخَوْف وَالْقَصْر قَصْرَانِ قَصْر الْأَرْكَان وَقَصْر الْعَدَد فَإِنْ اِجْتَمَعَ السَّفَر وَالْخَوْف اِجْتَمَعَ الْقَصْرَانِ وَإِنْ اِنْفَرَدَ السَّفَر وَحْده شُرِعَ قَصْر الْعَدَد وَإِنْ اِنْفَرَدَ الْخَوْف وَحْده شُرِعَ قَصْر الْأَرْكَان
وَبِهَذَا يُعْلَم سِرّ تَقْيِيد الْقَصْر الْمُطْلَق فِي الْقُرْآن بِالْخَوْفِ وَالسَّفَر فَإِنَّ الْقَصْر الْمُطْلَق الَّذِي يَتَنَاوَل الْقَصْرَيْنِ إِنَّمَا يُشْرَعُ عِنْد الْخَوْف وَالسَّفَر
فَإِنْ اِنْفَرَدَ أَحَدهمَا بَقِيَ مُطْلَق الْقَصْر إِمَّا فِي العدد وإما(3/80)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
فِي الْقَدْر وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَفَّفَ الصَّلَاة لَا لِعُذْرٍ كَانَ فِي ذَلِكَ بَيَان الْجَوَاز وَإِنَّ الِاقْتِصَار عَلَى ذَلِكَ لِلْعُذْرِ وَنَحْوه يَكْفِي فِي أَدَاء الْوَاجِب
فَإِمَّا أَنْ يَكُون هُوَ السُّنَّةُ وَغَيْره مَكْرُوه مَعَ أَنَّهُ فِعْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَغْلِب أَوْقَاته فَحَاشَى وَكَلَّا وَلِهَذَا رُوَاته عَنْهُ أَكْثَر مِنْ رُوَاة التَّخْفِيف وَاَلَّذِينَ رَوَوْا التَّخْفِيف رَوَوْهُ أَيْضًا فَلَا تُضْرَب سُنَنُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْضهَا ببعض بَلْ يُسْتَعْمَل كُلٌّ مِنْهَا فِي مَوْضِعه
وَتَخْفِيفه إِمَّا لِبَيَانِ الْجَوَاز وَتَطْوِيله لِبَيَانِ الْأَفْضَل وَقَدْ يَكُون تَخْفِيفه لِبَيَانِ الْأَفْضَل إِذَا عَرَضَ مَا يَقْتَضِي التَّخْفِيف فَيَكُون التَّخْفِيف فِي مَوْضِعه أَفْضَل وَالتَّطْوِيل فِي مَوْضِعه أَفْضَل فَفِي الْحَالَتَيْنِ مَا خَرَجَ عَنْ الْأَفْضَل وَهَذَا اللَّائِق بِحَالِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَزَاهُ عَنَّا أَفْضَل مَا جزى نَبِيًّا عَنْ أُمَّته وَهُوَ اللَّائِق بِمَنْ اِقْتَدَى بِهِ وَائْتَمَّ بِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَأَمَّا حَدِيث مُعَاذٍ فَهُوَ الَّذِي فَتَنَ النَّقَّارِينَ وَسُرَّاق الصَّلَاة لِعَدَمِ عِلْمهمْ بِالْقِصَّةِ وَسِيَاقهَا فَإِنَّ مُعَاذًا صَلَّى مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِشَاء الْآخِرَة ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ بِقِبَاءَ فَقَرَأَ بِهِمْ سُورَة الْبَقَرَة
هَكَذَا جَاءَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيث حَابِرٍ أَنَّهُ اِسْتَفْتَحَ بِهِمْ بِسُورَةِ الْبَقَرَة فَانْفَرَدَ بعض الْقَوْم وَصَلَّى وَحْده فَقِيلَ نَافَقَ فُلَانٌ فَقَالَ وَاللَّهِ مَا نَافَقْت وَلَآتِيَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَاهُ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَئِذٍ أَفَتَّانٌ أَنْتَ يامعاذ هَلَّا صَلَّيْت بِسَبْحِ اِسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى وَالشَّمْسِ وضحاها والليل إذا يغشى
وهكذا نقول إِنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلِّي الْعِشَاء بِهَذِهِ السُّوَر وَأَمْثَالهَا
فَأَيُّ مُتَعَلَّقٍ فِي هَذَا لِلنَّقَّارِينَ وَسُرَّاق الصَّلَاة وَمِنْ الْمَعْلُوم أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُؤَخِّر الْعِشَاء الْآخِرَةَ وَبُعْد مَا بَيْن بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وَبَيْن الْمَسْجِدِ ثُمَّ طُول سُورَة الْبَقَرَةِ فَهَذَا الَّذِي أَنْكَرَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مَوْضِع الْإِنْكَار وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ الْحَدِيث الْآخَر يَا أَيُّهَا النَّاسُ
إِنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ وَمَعْلُوم أَنَّ النَّاس لَمْ يَكُونُوا يَنْفِرُونَ مِنْ صَلَاة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا مِمَّنْ يُصَلِّي بِقَدْرِ صَلَاته وَإِنَّمَا يَنْفِرُونَ مِمَّنْ يَزِيد فِي الطُّول عَلَى صَلَاته فَهَذَا الَّذِي يُنَفِّر
وَأَمَّا إِنْ قُدِّرَ نُفُور كَثِير مِمَّنْ لَا يَأْتُونَ الصَّلَاة إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَكَثِير مِنْ الْبَاطُولِيَّة الَّذِينَ يَعْتَادُونَ النَّقْر كَصَلَاةِ الْمُنَافِقِينَ وَلَيْسَ لَهُمْ فِي الصَّلَاة ذَوْق وَلَا لَهُمْ فِيهَا رَاحَة بَلْ يُصَلِّيهَا أَحَدهمْ اِسْتِرَاحَة مِنْهَا لَا بِهَا فَهَؤُلَاءِ لَا عِبْرَة بِنُفُورِهِمْ فَإِنَّ أَحَدهمْ يَقِف بَيْن يَدَيْ الْمَخْلُوق مُعْظَم الْيَوْم وَيَسْعَى فِي خِدْمَته أَعْظَم السَّعْي فَلَا يَشْكُو طُول ذَلِكَ وَلَا يَتَبَرَّم بِهِ فَإِذَا وَقَفَ بَيْن يَدَيْ رَبّه فِي خِدْمَته جُزْءًا يَسِيرًا مِنْ الزَّمَان وَهُوَ أَقَلّ الْقَلِيل بِالنِّسْبَةِ إِلَى وُقُوفه فِي خِدْمَة الْمَخْلُوق اِسْتَثْقَلَ ذَلِكَ الْوُقُوف وَاسْتَطَالَ وَشَكَا مِنْهُ وَكَأَنَّهُ وَاقِف عَلَى الْجَمْر يَتَلَوَّى وَيَتَقَلَّى وَمَنْ كَانَتْ هَذِهِ كَرَاهَته لِخِدْمَةِ رَبّه وَالْوُقُوف بَيْن يَدَيْهِ فَاَللَّه تَعَالَى أَكْرَهُ لِهَذِهِ الْخِدْمَة مِنْهُ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَان(3/81)
(بَاب قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّ صَلَاةٍ لَا يُتِمُّهَا صَاحِبُهَا تُتَمُّ مِنْ تَطَوُّعِهِ)
[864] (فَنَسَّبَنِي) نَسَّبَ صِيغَةُ الْمَاضِي مِنَ التَّفْصِيلِ أَيْ أَظْهَرَ وَذَكَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ نَسَبَهُ مَعِي وَجَعَلَنِي فِي نَسَبِهِ وَبِالْفَارِسِيَّةِ بس إظهار نسب كردبا من ومرا دررشته ونسب خود داخل كرد
قَالَ فِي أَسَاسِ الْبَلَاغَةِ وَمِنَ الْمَجَازِ قَوْلُهُمْ جَلَسْتُ إِلَيْهِ فَنَسَّبَنِي فَانْتَسَبْتُ لَهُ
انْتَهَى
وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ سَأَلَ عَنْ نَسَبِي لِأَنَّهُ يُقَالُ لِلرَّجُلِ إِذَا سُئِلَ عَنْ نَسَبِهِ اسْتَنْسِبْ لَنَا أَيِ انْتَسِبْ لَنَا حَتَّى نَعْرِفَكَ
قَالَهُ أَبُو زَيْدٍ كَذَا فِي اللِّسَانِ (فَانْتَسَبْتُ لَهُ) صِيغَةُ الْمُتَكَلِّمِ مِنَ الِافْتِعَالِ وَمِنْ خَوَاصِّهِ الْمُطَاوَعَةُ وَمَعْنَاهُ فَاتَّصَلْتُ مَعَهُ فِي النَّسَبِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
قَالَ الْعِرَاقِيُّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ لَا تَعَارُضَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ أَوَّلَ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي الدِّمَاءِ فَحَدِيثُ الْبَابِ مَحْمُولٌ عَلَى حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَحَدِيثُ الصَّحِيحِ مَحْمُولٌ عَلَى حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ فِيمَا بَيْنَهُمْ فَإِنْ قِيلَ فَأَيُّهُمَا يُقَدَّمُ مُحَاسَبَةُ الْعِبَادِ عَلَى حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَمُحَاسَبَتُهُمْ عَلَى حُقُوقِهِمْ فَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا أَمْرٌ تَوْقِيفِيٌّ وَظَوَاهِرُ الْأَحَادِيثِ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ الَّذِي يَقَعُ أَوَّلًا الْمُحَاسَبَةُ عَلَى حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى قَبْلَ حُقُوقِ الْعِبَادِ كَذَا فِي مِرْقَاةِ الصُّعُودِ (انْظُرُوا فِي صَلَاةِ عَبْدِي) أَيْ صَلَاتِهِ الْفَرِيضَةِ (أَتَمَّهَا) أَيْ أَدَّاهَا تَامَّةً وَصَحِيحَةً (أَمْ نَقَصَهَا) أَيْ صَلَّاهَا نَاقِصَةً (هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ) فِي صَحِيفَتِهِ أَيْ سُنَّةٍ أَوْ نَافِلَةٍ مِنْ صَلَاةٍ عَلَى مَا هُوَ ظَاهِرٌ مِنَ السِّيَاقِ قَبْلَ الْفَرْضِ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ مُطْلَقًا (أَتِمُّوا لِعَبْدِي فَرِيضَتَهُ مِنْ تَطَوُّعِهِ) قَالَ الْعِرَاقِيُّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا الَّذِي وَرَدَ مِنْ إِكْمَالِ مَا يُنْتَقَصُ الْعَبْدُ من الفريضة(3/82)
بِمَا لَهُ مِنَ التَّطَوُّعِ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ مَا انْتَقَصَ مِنَ السُّنَنِ وَالْهَيْئَاتِ الْمَشْرُوعَةِ الْمُرَغَّبِ فِيهَا مِنَ الْخُشُوعِ وَالْأَذْكَارِ وَالْأَدْعِيَةِ وَأَنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ ثَوَابُ ذَلِكَ فِي الْفَرِيضَةِ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْهُ فِي الْفَرِيضَةِ وَإِنَّمَا فَعَلَهُ فِي التَّطَوُّعِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ مَا تَرَكَ مِنَ الْفَرَائِضِ رَأْسًا فَلَمْ يُصَلِّهِ فَيُعَوَّضَ عَنْهُ مِنَ التَّطَوُّعِ وَاللَّهُ تَعَالَى يَقْبَلُ مِنَ التَّطَوُّعَاتِ الصَّحِيحَةِ عوضا عن الصلاة المفروضة والله سُبْحَانَهُ أَنْ يَفْعَلَ مَا شَاءَ فَلَهُ الْفَضْلُ وَالْمَنُّ بَلْ لَهُ أَنْ يُسَامِحَ وَإِنْ لَمْ يُصَلِّ شَيْئًا لَا فَرِيضَةً وَلَا نَفْلًا (ثُمَّ تؤخذ الأعمال على ذاك) أي إن انتقض فَرِيضَةً مِنْ سَائِرِ الْأَعْمَالِ تُكَمَّلُ مِنَ التَّطَوُّعِ وَفِي رِوَايَةٍ لِابْنِ مَاجَهْ ثُمَّ يُفْعَلُ بِسَائِرِ الْأَعْمَالِ الْمَفْرُوضَةِ مِثْلُ ذَلِكَ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ بن مَاجَهْ
[866] (ثُمَّ الزَّكَاةُ مِثْلُ ذَلِكَ) أَيْ مِثْلُ الصَّلَاةِ إِنْ كَانَ انْتَقَصَ مِنْهَا شَيْئًا تُكَمَّلُ مِنَ التَّطَوُّعِ (ثُمَّ تُؤْخَذُ الْأَعْمَالُ عَلَى حَسَبِ ذَلِكَ) قَالَ فِي الْمِرْقَاةِ أَيْ تُؤْخَذُ سَائِرُ الْأَعْمَالِ مِنَ الْجِنَايَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ عَلَى حَسَبِ ذَلِكَ مِنَ الطَّاعَاتِ وَالْحَسَنَاتِ فَإِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ
وقال بن الْمَلِكِ أَيْ عَلَى حَسَبِ ذَلِكَ الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ فَمَنْ كَانَ حَقٌّ عَلَيْهِ لِأَحَدٍ يُؤْخَذُ مِنْ عَمَلِهِ الصَّالِحِ بِقَدْرِ ذَلِكَ وَيُدْفَعُ إِلَى صَاحِبِهِ انتهى
قال المنذري وأخرجه بن ماجه
(كتاب الركوع والسجود)
(بَاب تَفْرِيعِ أَبْوَابِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ ووَضْعِ الْيَدَيْنِ عَلَى الرُّكْبَتَيْنِ)
[867] (عَنْ أَبِي يَعْفُورَ) اسْمُهُ وَقْدَانُ العبدي الكوفي عن بن أبي أوفى وبن عُمَرَ وَأَنَسٍ وَعَنْهُ ابْنُهُ يُونُسُ وَشُعْبَةُ وَأَبُو عَوَانَةَ وَأَبُو الْأَحْوَصِ وَثَّقَهُ أَحْمَدُ
وَاعْلَمْ أَنَّ أَبَا يَعْفُورَ هَذَا هُوَ الْأَكْبَرُ كَمَا جَزَمَ به المزي وهو مقتضى صنيع بن عَبْدِ الْبَرِّ وَصَرَّحَ الدَّارِمِيُّ فِي رِوَايَتِهِ مِنْ طريق اسرائيل(3/83)
عَنْ يَعْفُورَ بِأَنَّهُ الْعَبْدِيُّ وَالْعَبْدِيُّ هُوَ الْأَكْثَرُ بِلَا نِزَاعٍ
وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ الْأَصْغَرُ وَتُعُقِّبَ (عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ) أي بن أَبِي وَقَّاصٍ (فَجَعَلْتُ يَدَيَّ بَيْنَ رُكْبَتِيَّ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فَطَبَّقْتُ بَيْنَ كَفَّيَّ ثُمَّ وَضَعْتُهُمَا بَيْنَ فَخِذَيَّ وَالتَّطْبِيقُ الْإِلْصَاقُ بَيْنَ بَاطِنَيِ الْكَفَّيْنِ حَالَ الرُّكُوعِ وَجَعْلُهُمَا بَيْنَ الْفَخِذَيْنِ (فَعُدْتُ) مِنَ الْعَوْدِ (فَإِنَّا كُنَّا نَفْعَلُهُ فَنُهِينَا عَنْ ذَلِكَ وَأُمِرْنَا إِلَخْ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى نَسْخِ التَّطْبِيقِ لِأَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ حُكْمُهَا الرَّفْعُ
قَالَ التِّرْمِذِيُّ التَّطْبِيقُ مَنْسُوخٌ وَبَعْضُ أَصْحَابِهِ أَنَّهُمْ يُطَبِّقُونَ انْتَهَى
وقد روى بن المنذر عن بن عُمَرَ بِإِسْنَادٍ قَوِيٍّ قَالَ إِنَّمَا فَعَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّةً يَعْنِي التَّطْبِيقَ
وروى بن خُزَيْمَةَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ عَلَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ طبق يديه بين ركبتيه فركع فَبَلَغَ ذَلِكَ سَعْدًا فَقَالَ صَدَقَ أَخِي كُنَّا نَفْعَلُ هَذَا ثُمَّ أُمِرْنَا بِهَذَا يَعْنِي الْإِمْسَاكَ بِالرُّكَبِ فَهَذَا شَاهِدٌ قَوِيٌّ لِطَرِيقِ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ
وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ مَا يُوَافِقُ قَوْلَ سَعْدٍ أَخْرَجَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ قَالَ صَلَّيْنَا مَعَ عَبْدِ اللَّهِ فَطَبَّقَ ثُمَّ لَقِينَا عُمَرَ فَصَلَّيْنَا مَعَهُ فَطَبَّقْنَا فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ ذَلِكَ شَيْءٌ كُنَّا نَفْعَلُهُ ثُمَّ تُرِكَ
وَفِي التِّرْمِذِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ قَالَ قَالَ لَنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِنَّ الرُّكَبَ سُنَّتْ لَكُمْ فَخُذُوا بِالرُّكَبِ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِلَفْظِ كُنَّا إِذَا ركعنا جعلنا أَيْدِيَنَا بَيْنَ أَفْخَاذِنَا فَقَالَ عُمَرُ إِنَّ مِنَ السُّنَّةِ الْأَخْذُ بِالرُّكَبِ
وَهَذَا أَيْضًا حُكْمُهُ حُكْمُ الرَّفْعِ لِأَنَّ الصَّحَابِيَّ إِذَا قَالَ السُّنَّةُ كَذَا أَوْ سُنَّ كَذَا الظَّاهِرُ انْصِرَافُ ذَلِكَ إِلَى سنة النبي صلى الله عليه وسلم ولاسيما إِذَا قَالَهُ مِثْلُ عُمَرَ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وبن ماجه
[868] (عن إبراهيم) هو بن يَزِيدَ بْنُ قَيْسِ بْنِ الْأَسْوَدِ النَّخَعِيُّ أَبُو عِمْرَانَ الْكُوفِيُّ الْفَقِيهُ يُرْسِلُ كَثِيرًا عَنْ عَلْقَمَةَ وَهَمَّامِ بْنِ الْحَارِثِ وَالْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ وَأَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَمَسْرُوقٍ وَعَنْهُ الْحَكَمُ ومنصور والأعمش وبن عَوْنٍ وَزُبَيْدٌ وَخَلْقٌ (فَلْيَفْرُشْ) بِضَمِّ الرَّاءِ أَيْ فَلْيَبْسُطْ (وَلْيُطَبِّقْ بَيْنَ كَفَّيْهِ) أَيْ وَلْيُلْصِقْ بَيْنَ بَاطِنَيْ كَفَّيْهِ فِي حَالِ الرُّكُوعِ وَلْيَجْعَلْهُمَا بَيْنَ فخذيه
قال(3/84)
النَّوَوِيُّ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً أَنَّ السُّنَّةَ وَضْعُ الْيَدَيْنِ عَلَى الرُّكْبَتَيْنِ وَكَرَاهَةُ التَّطْبِيقِ إِلَّا بن مَسْعُودٍ وَصَاحِبَيْهِ عَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدَ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّ السُّنَّةَ التَّطْبِيقُ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُمُ النَّاسِخُ وَهُوَ حَدِيثُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالصَّوَابُ مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ لِثُبُوتِ النَّاسِخِ الصَّرِيحِ
انْتَهَى
قُلْتُ تَقَدَّمَ آنِفًا حَدِيثُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَشَوَاهِدُهُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ
(بَاب مَا يَقُولُ الرَّجُلُ فِي ركوعه وسجوده)
[869] (عن موسى) هو بن أَيُّوبَ الْغَافِقِيُّ الْمِصْرِيُّ عَنْ عَمِّهِ إِيَاسِ بْنِ عامر وعنه الليث بن المبارك وثقه بن مَعِينٍ (قَالَ أَبُو سَلَمَةَ) كُنْيَةُ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ (مُوسَى بْنُ أَيُّوبَ) أَيْ نِسْبَةٌ إِلَى أبيه (اجعلوها) أَيْ مَضْمُونُهَا وَمَحْصُولُهَا (فِي رُكُوعِكُمْ) يَعْنِي قُولُوا سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ
قَالَ الْفَخْرُ الرَّازِيُّ مَعْنَى الْعَظِيمِ الْكَامِلُ فِي ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ وَمَعْنَى الْجَلِيلِ الْكَامِلُ فِي صِفَاتِهِ وَمَعْنَى الْكَبِيرِ الْكَامِلُ فِي ذَاتِهِ (اجْعَلُوهَا فِي سُجُودِكُمْ) يَعْنِي قُولُوا سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى
وَالْحِكْمَةُ فِي تَخْصِيصِ الرُّكُوعِ بِالْعَظِيمِ وَالسُّجُودِ بِالْأَعْلَى أَنَّ السُّجُودَ لَمَّا كَانَ فِيهِ غَايَةُ التَّوَاضُعِ لِمَا فِيهِ مِنْ وَضْعِ الْجَبْهَةِ التي هي أشرف الأعضاء على مواطىء الْأَقْدَامِ كَانَ أَفْضَلَ مِنَ الرُّكُوعِ فَحَسُنَ تَخْصِيصُهُ بِمَا فِيهِ صِيغَةُ أَفْعَلِ التَّفْضِيلِ وَهُوَ الْأَعْلَى بِخِلَافِ الْعَظِيمِ جَعْلًا لِلْأَبْلَغِ مَعَ الْأَبْلَغِ وَالْمُطْلَقِ مَعَ الْمُطْلَقِ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى وُجُوبِ التَّسْبِيحِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لِأَنَّهُ قَدِ اجْتَمَعَ فِي ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَبَيَانُ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَرْتِيبُهُ فِي مَوْضِعِهِ فِي الصَّلَاةِ فَتَرْكُهُ غَيْرُ جَائِزٍ
وَإِلَى إِيجَابِهِ ذَهَبَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَمَذْهَبُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَرِيبٌ مِنْهُ وَقَدْ رُوِيَ عن الحسن البصري نحو مِنْ هَذَا فَأَمَّا عَامَّةُ الْفُقَهَاءِ مَالِكٌ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ وَالشَّافِعِيُّ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَرَوْا تَرْكَهُ مُفْسِدًا للصلاة
انتهى(3/85)
[870] (عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى أَوْ مُوسَى بْنِ أَيُّوبَ) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي وَالصَّوَابُ أَنَّهُ مُوسَى بْنُ أَيُّوبَ كَمَا فِي الرِّوَايَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ (قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ) أَيْ وَبِحَمْدِهِ (نَخَافُ أَنْ لَا تَكُونَ مَحْفُوظَةً) أَيْ نَخَافُ أَنْ تَكُونَ غَيْرَ مَحْفُوظَةٍ
وَاعْلَمْ أَنَّ مَا رَوَاهُ الْمَقْبُولُ مُخَالِفًا لِمَنْ هُوَ أَوْلَى مِنْهُ فَهُوَ الشَّاذُّ وَمُقَابِلُهُ يُقَالُ لَهُ الْمَحْفُوظُ وَمَا رَوَاهُ الضَّعِيفُ مُخَالِفًا لِمَنْ هُوَ أَوْلَى مِنْهُ يُقَالُ لَهُ الْمُنْكَرُ وَمُقَابِلُهُ يُقَالُ لَهُ الْمَعْرُوفُ
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الشَّاذِّ وَالْمُنْكَرِ بِحَسَبِ غَالِبِ الِاسْتِعْمَالِ وَقَدْ يُطْلَقُ أَحَدُهُمَا مَكَانَ الْآخَرِ
قَالَ فِي التَّلْخِيصِ وهذه الزيادة للدارقطني من حديث بن مَسْعُودٍ أَيْضًا قَالَ مِنَ السُّنَّةِ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ فِي رُكُوعِهِ سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ وَفِي سُجُودِهِ سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى وَبِحَمْدِهِ
وَفِيهِ السَّرِيُّ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْهُ وَالسَّرِيُّ ضَعِيفٌ
وَقَدَ اخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى الشَّعْبِيِّ فَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ صِلَةَ عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ ثَلَاثًا وَفِي سُجُودِهِ سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى وَبِحَمْدِهِ ثَلَاثًا
وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى ضَعِيفٌ
وَقَدْ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْمُسْتَوْرِدِ بْنِ الْأَحْنَفِ عَنْ صِلَةَ عَنْ حُذَيْفَةَ وَلَيْسَ فِيهِ وَبِحَمْدِهِ
وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَأَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ وَهِيَ فِيهِ وَأَحْمَدُ مِنْ حديث بن السَّعْدِيِّ وَلَيْسَ فِيهِ وَبِحَمْدِهِ وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ
وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي جُحَيْفَةَ فِي تَارِيخِ نَيْسَابُورَ وَهِيَ فِيهِ وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ
وَفِي هَذَا جميعه رد لأنكار بن الصَّلَاحِ وَغَيْرِهِ هَذِهِ الزِّيَادَةَ
وَقَدْ سُئِلَ أَحْمَدُ بن حنبل عنه فيما حكاه بن الْمُنْذِرِ فَقَالَ أَمَّا أَنَا فَلَا أَقُولُ بِحَمْدِهِ
قُلْتُ وَأَصْلُ هَذِهِ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ الْحَدِيثَ
انْتَهَى
قَالَ المنذري وأخرجه بن مَاجَهْ بِدُونِ الزِّيَادَةِ(3/86)
[871] (أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ قَالَ) أَيْ شُعْبَةُ (بِآيَةِ تَخَوُّفٍ) مَصْدَرٌ مِنَ التَّفَعُّلِ أَيْ بِآيَةٍ مُخَوِّفَةٍ (عَنْ صِلَةَ) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ اللَّامِ الْخَفِيفَةِ (بْنِ زفر) بضم الزاء وَفَتْحِ الْفَاءِ الْعَبْسِيِّ بِالْمُوَحَّدَةِ كُنْيَتُهُ أَبُو الْعَلَاءِ أَوْ أَبُو بَكْرٍ الْكُوفِيُّ تَابِعِيٌّ كَبِيرٌ مِنَ الثَّانِيَةِ ثِقَةٌ جَلِيلٌ (إِلَّا وَقَفَ عِنْدَهَا) أَيْ عِنْدَ تِلْكَ الْآيَةِ (فَسَأَلَ) أَيِ الرَّحْمَةَ (فَتَعَوَّذَ) أي من العذاب وشر العقاب
قال بن رَسْلَانَ وَلَا بِآيَةِ تَسْبِيحٍ إِلَّا سَبَّحَ وَكَبَّرَ وَلَا بِآيَةِ دُعَاءٍ وَاسْتِغْفَارٍ إِلَّا دَعَا وَاسْتَغْفَرَ وَإِنْ مَرَّ بِمَرْجُوٍّ سَأَلَ يَفْعَلُ ذَلِكَ بِلِسَانِهِ أَوْ بِقَلْبِهِ
وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ هَذَا التَّسْبِيحِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَقَدْ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّهُ سُنَّةٌ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ التَّسْبِيحُ وَاجِبٌ فَإِنْ تَرَكَهُ عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ نَسِيَهُ لَمْ تَبْطُلْ
وَقَالَ الظَّاهِرِيُّ وَاجِبٌ مُطْلَقًا وَأَشَارَ الْخَطَّابِيُّ إِلَى اخْتِيَارِهِ كَمَا مَرَّ وَقَالَ أَحْمَدُ التَّسْبِيحُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَقَوْلُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ وَرَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ وَالذِّكْرُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَجَمِيعُ التَّكْبِيرَاتِ وَاجِبٌ فَإِنْ تَرَكَ مِنْهُ شَيْئًا عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ نَسِيَهُ لَمْ تَبْطُلْ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عَنْهُ
وَعَنْهُ رِوَايَةٌ أَنَّهُ سُنَّةٌ كَقَوْلِ الْجُمْهُورِ
وَاحْتَجَّ الْمُوجِبُونَ بِحَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْمَذْكُورِ وَبِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي وَبِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَسَبِّحُوهُ وَلَا وُجُوبَ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ فِيهَا
وَبِالْقِيَاسِ عَلَى الْقِرَاءَةِ
وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِحَدِيثِ الْمُسِيءِ صَلَاتِهِ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَهُ وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ وَلَمْ يُعَلِّمْهُ هَذِهِ الْأَذْكَارَ مَعَ أَنَّهُ عَلَّمَهُ تَكْبِيرَاتِ الْإِحْرَامِ وَالْقِرَاءَةِ فَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْأَذْكَارُ وَاجِبَةً لَعَلَّمَهُ إِيَّاهَا لِأَنَّ تَأْخِيرَ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ لَا يَجُوزُ فَيَكُونُ تَرْكُهُ لِتَعْلِيمِهِ دَالًّا عَلَى أَنَّ الْأَوَامِرَ الْوَارِدَةَ بِمَا زَادَ عَلَى مَا عَلَّمَهُ لِلِاسْتِحْبَابِ لَا لِلْوُجُوبِ
وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّسْبِيحَ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ يَكُونُ بِهَذَا اللَّفْظِ فَيَكُونُ مُفَسِّرًا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ عُقْبَةَ اجْعَلُوهَا فِي رُكُوعِكُمْ اجْعَلُوهَا فِي سُجُودِكُمْ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ والترمذي والنسائي وبن مَاجَهْ بِنَحْوِهِ مُخْتَصَرًا وَمُطَوَّلًا(3/87)
[872] (يَقُولُ فِي سُجُودِهِ وَرُكُوعِهِ سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ) بِضَمِّ أَوَّلِهِمَا وَفَتْحِهِمَا وَالضَّمُّ أَكْثَرُ وَأَفْصَحُ
قَالَ ثَعْلَبٌ كُلُّ اسْمٍ عَلَى فَعُّولٍ فَهُوَ مَفْتُوحُ الْأَوَّلِ إِلَّا السُّبُّوحَ وَالْقُدُّوسَ فَإِنَّ الضَّمَّ فِيهِمَا أَكْثَرُ
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ سُبُّوحٌ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ وَقَالَ بن فَارِسٍ وَالزُّبَيْدِيُّ وَغَيْرُهُمَا سُبُّوحٌ هُوَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَالْمُرَادُ الْمُسَبَّحُ وَالْمُقَدَّسُ فَكَأَنَّهُ يَقُولُ مُسَبَّحٌ مقدس
ومعنى سبوح المبرأ من النقائض والشريك وكل ما لا يليق بالإلهية وَقُدُّوسٌ الْمُطَهَّرُ مِنْ كُلِّ مَا لَا يَلِيقُ بالخالق وهما خبران مبتدأهما مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ رُكُوعِي وَسُجُودِي لِمَنْ هُوَ سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ
وَقَالَ الْهَرَوِيُّ قِيلَ الْقُدُّوسُ الْمُبَارَكُ
قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَقِيلَ فِيهِ سُبُّوحًا قُدُّوسًا عَلَى تَقْدِيرِ أُسَبِّحُ سُبُّوحًا أَوْ أَذْكُرُ أَوْ أُعَظِّمُ أَوْ أَعْبُدُ (رَبُّ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ) هُوَ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ لِأَنَّ الرُّوحَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَهُوَ مَلَكٌ عَظِيمٌ يَكُونُ إِذَا وَقَفَ كَجَمِيعِ الْمَلَائِكَةِ وَقِيلَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ جِبْرِيلُ وَقِيلَ خَلْقٌ لَا تَرَاهُمُ الْمَلَائِكَةُ كَنِسْبَةِ الْمَلَائِكَةِ إِلَيْنَا
كَذَا فِي النَّيْلِ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ
[873] (قُمْتُ) أَيْ مُصَلِّيًا (فَسَأَلَ) أَيِ الرَّحْمَةَ (فَتَعَوَّذَ) أَيْ بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِهِ (سُبْحَانَ ذِي الْجَبَرُوتِ) فَعَلُوتٌ مِنَ الْجَبْرِ بِمَعْنَى الْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ قَالَ الطِّيبِيُّ وَفِي الْحَدِيثِ يَكُونُ مُلْكٌ وَجَبَرُوتٌ أَيْ عُتُوٌّ وَقَهْرٌ (وَالْمَلَكُوتُ) فَعَلُوتٌ مِنَ الْمُلْكِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا (وَالْكِبْرِيَاءُ) الْكِبْرِيَاءُ الْعَظَمَةُ وَالْمُلْكُ أَوْ كَمَالُ الذَّاتِ وَكَمَالُ الْوُجُودِ قَوْلَانِ وَلَا يُوصَفُ بِهَا إِلَّا اللَّهُ مِنَ الْكِبْرِ بِالْكَسْرِ وَهُوَ الْعَظَمَةُ (ثُمَّ سَجَدَ بِقَدْرِ قِيَامِهِ) أَيْ لِلْقِرَاءَةِ (ثُمَّ قَامَ فَقَرَأَ بِآلِ عِمْرَانَ ثُمَّ قَرَأَ سُورَةً سُورَةً) قَالَ بن رَسْلَانَ يَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ ثُمَّ قَرَأَ سُورَةَ النِّسَاءِ ثُمَّ سُورَةَ الْمَائِدَةِ(3/88)
[874] (عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي عَبْسٍ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ كَأَنَّهُ صِلَةُ بْنُ زُفَرَ (يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ فَكَانَ) الْفَاءُ لِلتَّفْصِيلِ قَالَهُ الطِّيبِيُّ (يَقُولُ) أَيْ بَعْدَ النِّيَّةِ الْقَلْبِيَّةِ (اللَّهُ أَكْبَرُ) أَيْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ أَيْ أَعْظَمُ وَتَفْسِيرُهُمْ إِيَّاهُ بِالْكَبِيرِ ضَعِيفٌ
كَذَا قَالَهُ صَاحِبُ الْمُغْرِبِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَكْبَرُ مِنْ أَنْ يُعْرَفَ كُنْهُ كِبْرِيَائِهِ وَعَظَمَتِهِ وَإِنَّمَا قُدِّرَ لَهُ ذَلِكَ وَأُوِّلَ لِأَنَّ أَفْعَلَ فُعْلَى يَلْزَمُهُ الْأَلِفُ وَاللَّامُ أَوِ الْإِضَافَةُ كَالْأَكْبَرِ وَأَكْبَرِ الْقَوْمِ
كَذَا فِي النِّهَايَةِ (ذُو الْمَلَكُوتِ) أَيْ صَاحِبُ الْمُلْكِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَالصِّيغَةُ لِلْمُبَالَغَةِ (وَالْجَبَرُوتِ) قَالَ الطِّيبِيُّ فَعَلُوتٌ مِنَ الجبر القهر وَالْجَبَّارُ الَّذِي يَقْهَرُ الْعِبَادَ عَلَى مَا أَرَادَ وَقِيلَ هُوَ الْعَالِي فَوْقَ خَلْقِهِ (وَالْكِبْرِيَاءُ وَالْعَظَمَةُ) أَيْ غَايَةُ الْكِبْرِيَاءِ وَنِهَايَةُ الْعَظَمَةِ وَالْبَهَاءِ وَلِذَا قِيلَ لَا يُوصَفُ بِهِمَا إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى وَمَعْنَاهُمَا التَّرَفُّعُ عَنْ جَمِيعِ الْخَلْقِ مَعَ انْقِيَادِهِمْ لَهُ وَقِيلَ عِبَارَةٌ عَنْ كَمَالِ الذَّاتِ وَالصِّفَاتِ وَقِيلَ الْكِبْرِيَاءُ التَّرَفُّعُ وَالتَّنَزُّهُ عَنْ كُلِّ نَقْصٍ وَالْعَظَمَةُ تُجَاوِزُ الْقَدْرَ عَنِ الْإِحَاطَةِ
وَالتَّحْقِيقُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا لِلْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ فِي الصَّحِيحِ الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي فَمَنْ نَازَعَنِي فِيهِمَا فَصَمْتُهُ أَيْ كَسَرْتُهُ وَأَهْلَكْتُهُ (ثُمَّ اسْتَفْتَحَ) أَيْ قَرَأَ الثَّنَاءَ فَإِنَّهُ يُسَمَّى دُعَاءَ الِاسْتِفْتَاحِ أَوِ اسْتَفْتَحَ بِالْقِرَاءَةِ أَيْ بَدَأَ بِهَا مِنْ غَيْرِ الْإِتْيَانِ بِالثَّنَاءِ لِبَيَانِ الْجَوَازِ أَوْ بَعْدَ الثَّنَاءِ جَمْعًا بَيْنَ الرِّوَايَاتِ وَحَمْلًا عَلَى أَكْمَلِ الْحَالَاتِ (فَقَرَأَ الْبَقَرَةَ) أَيْ كُلَّهَا كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ (فَكَانَ رُكُوعُهُ) أَيْ طُولُهُ (نَحْوًا) أَيْ قَرِيبًا (مِنْ قِيَامِهِ) قَالَ مَيْرَكُ وَالْمُرَادُ أَنَّ رُكُوعَهُ مُتَجَاوِزٌ عَنِ الْمَعْهُودِ كَالْقِيَامِ (وَكَانَ يَقُولُ) حِكَايَةً لِلْحَالِ الْمَاضِيَةِ استحضارا
قاله بن حَجَرٍ (سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَيُسْكَنُ (فَكَانَ قِيَامُهُ) أَيْ بَعْدَ الرُّكُوعِ يَعْنِي اعْتِدَالَهُ (نَحْوًا مِنْ قِيَامِهِ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ نَحْوًا من ركوعه
قال بن حَجَرٍ وَفِيهِ تَطْوِيلُ الِاعْتِدَالِ مَعَ أَنَّهُ رُكْنٌ قَصِيرٌ وَمِنْ ثَمَّ اخْتَارَ النَّوَوِيُّ أَنَّهُ طَوِيلٌ بَلْ جَزَمَ بِهِ جَزْمَ الْمَذْهَبِ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ انْتَهَى
وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِنَفْسِهِ فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ
كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ (فَكَانَ سُجُودُهُ نَحْوًا مِنْ قِيَامِهِ) أَيْ لِلْقِرَاءَةِ
قَالَهُ عِصَامُ الدِّينِ وَكَأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ لَا يَكُونَ سُجُودُهُ أَقَلَّ مِنْ رُكُوعِهِ وَالْأَظْهَرُ(3/89)
الْأَقْرَبُ مِنْ قِيَامِهِ مِنَ الرُّكُوعِ لِلِاعْتِدَالِ ثُمَّ رأيت بن حجر قال أي من اعتداله قاله القارىء
(وَكَانَ يَقْعُدُ فِيمَا بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ نَحْوًا مِنْ سُجُودِهِ) أَيْ سُجُودِهِ الْأَوَّلِ (وَكَانَ يَقُولُ) أَيْ فِي جُلُوسِهِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ (فَقَرَأَ فِيهِنَّ) أَيْ فِي الرَّكَعَاتِ الْأَرْبَعِ (شَكَّ شُعْبَةُ) أَيْ رَاوِي الْحَدِيثِ وَالْأَظْهَرُ الْأَوَّلُ مُرَاعَاةً لِلتَّرْتِيبِ الْمُقَرَّرِ مَعَ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ التَّرْتِيبَ فِي جَمِيعِ السُّوَرِ وَهُوَ مَا عَلَيْهِ الْآنَ مَصَاحِفُ الزَّمَانِ لَيْسَ بِتَوْقِيفِيٍّ كَمَا بَوَّبَ لِذَلِكَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ بَابُ الْجَمْعِ بَيْنَ السُّورَتَيْنِ فِي رَكْعَةٍ وَالْقِرَاءَةُ بِالْخَوَاتِيمِ وَبِسُورَةٍ قَبْلَ سُورَةٍ
وَذَكَرَ السُّيُوطِيُّ فِي الْإِتْقَانِ فِي عُلُومِ الْقُرْآنِ أَنَّهُ تَوْقِيفِيٌّ وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ أَبُو حَمْزَةَ اسْمُهُ طَلْحَةُ بْنُ يَزِيدَ وَقَالَ النَّسَائِيُّ أَبُو حَمْزَةَ عِنْدَنَا طَلْحَةُ بْنُ يَزِيدَ وَهَذَا الرَّجُلُ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ صِلَةَ
هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ
وَطَلْحَةُ بْنُ يَزِيدَ أَبُو حَمْزَةَ الْأَنْصَارِيُّ مَوْلَاهُمُ الْكُوفِيُّ احْتَجَّ بِهِ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَصِلَةُ هو بن زُفَرَ الْعَبْسِيُّ الْكُوفِيُّ كُنْيَتُهُ أَبُو بَكْرٍ وَيُقَالُ أَبُو الْعَلَاءِ احْتَجَّ بِهِ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ رَضِيَ الله عنهم
انتهى
(باب الدُّعَاءِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ)
[875] (أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ) أَسْنَدَ الْقُرْبَ إِلَى الْوَقْتِ وَهُوَ لِلْعَبْدِ مَجَازًا أَيْ هُوَ فِي السُّجُودِ أَقْرَبُ مِنْ رَبِّهِ مِنْهُ فِي غَيْرِهِ وَالْمَعْنَى أَقْرَبُ أَكْوَانِ الْعَبْدِ وَأَحْوَالِهِ مِنْ رِضَا رَبِّهِ وَعَطَائِهِ وَهُوَ سَاجِدٌ وَقِيلَ أَقْرَبُ مُبْتَدَأٌ مَحْذُوفُ الْخَبَرِ لِسَدِّ الْحَالِ مَسَدَّهُ وَهِي وَهُوَ سَاجِدٌ أَيْ أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ حَالَةَ السُّجُودِ تَدُلُّ عَلَى غَايَةِ تَذَلُّلٍ وَاعْتِرَافٍ بِعُبُودِيَّةِ نَفْسِهِ وَرُبُوبِيَّةِ رَبِّهِ فَكَانَ مظنة(3/90)
الْإِجَابَةِ فَأَمَرَهُمْ بِإِكْثَارِ الدُّعَاءِ فِي السُّجُودِ
قَالَ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ كَثْرَةِ السُّجُودِ عَلَى طُولِ الْقِيَامِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ
[876] (سليمان بن سحيم) بمهلتين مصغر وثقه بن مَعِينٍ (كَشَفَ السِّتَارَةَ) بِكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَهِيَ السِّتْرُ الَّذِي يَكُونُ عَلَى بَابِ الْبَيْتِ وَالدَّارِ (لَمْ يَبْقَ مِنْ مُبَشِّرَاتِ النُّبُوَّةِ) أَيْ مِنْ أَوَّلِ مَا يَبْدُو مِنْهَا مَأْخُوذٌ مِنْ تَبَاشِيرِ الصُّبْحِ وَهُوَ أَوَّلُ مَا يَبْدُو مِنْهُ وَهُوَ كقول عائشة أول ما بدىء بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْوَحْيِ الْحَدِيثَ وَفِيهِ أَنَّ الرُّؤْيَا مِنَ الْمُبَشِّرَاتِ سَوَاءٌ رَآهَا الْمُسْلِمُ أَوْ رَآهَا غَيْرُهُ (أَوْ تُرَى لَهُ) عَلَى صِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ رَآهَا غَيْرُهُ لَهُ (وَإِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَقْرَأَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا) أَيْ إِنِّي نُهِيتُ عَنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِي هَذَيْنِ الْحَالَتَيْنِ وَالنَّهْيُ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهْيٌ لِأُمَّتِهِ كَمَا يُشْعِرُ بِذَلِكَ قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ أَمَّا الرُّكُوعُ إِلَخْ وَيُشْعِرُ بِهِ أَيْضًا مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ أَنَّ عَلِيًّا قَالَ نَهَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا وَهَذَا النَّهْيُ يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَفِي بُطْلَانِ الصَّلَاةِ بِالْقِرَاءَةِ حَالَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ خِلَافٌ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ لَمَّا كَانَ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ وَهُمَا غَايَةُ الذُّلِّ وَالْخُضُوعِ مَخْصُوصَيْنِ بِالذِّكْرِ وَالتَّسْبِيحِ نهى عليه السلام عَنِ الْقِرَاءَةِ فِيهِمَا كَأَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى وَكَلَامِ الْخَلْقِ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ فَيَكُونَانِ سَوَاءً
ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ
وَفِيهِ أنه ينتفض بالجمع بينهما في حال القيام
وقال بن الْمَلِكِ وَكَأَنَّ حِكْمَتَهُ أَنَّ أَفْضَلَ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ الْقِيَامُ وَأَفْضَلَ الْأَذْكَارِ الْقُرْآنُ فَجَعَلَ الْأَفْضَلَ لِلْأَفْضَلِ وَنَهَى عَنْ جَعْلِهِ فِي غَيْرِهِ لِئَلَّا يُوهِمَ استوائه مَعَ بَقِيَّةِ الْأَذْكَارِ
وَقِيلَ خُصَّتِ الْقِرَاءَةُ بِالْقِيَامِ أَوِ الْقُعُودِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْهُ لِأَنَّهُمَا مِنَ الْأَفْعَالِ الْعَادِيَةِ وَيَتَمَحَّضَانِ لِلْعِبَادَةِ بِخِلَافِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لِأَنَّهُمَا بِذَوَاتِهِمَا يُخَالِفَانِ الْعَادَةَ وَيَدُلَّانِ عَلَى الْخُضُوعِ وَالْعِبَادَةِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ حَالَانِ دَالَّانِ عَلَى الذُّلِّ وَيُنَاسِبُهُمَا الدُّعَاءُ وَالتَّسْبِيحُ فَنَهَى عَنِ الْقِرَاءَةِ فِيهِمَا تَعْظِيمًا لِلْقُرْآنِ الْكَرِيمِ وَتَكْرِيمًا لِقَارِئِهِ الْقَائِمِ مَقَامَ الْكَلِيمِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (فَأَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا الرَّبَّ فِيهِ) أَيْ قُولُوا سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ (وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ) فِيهِ الْحَثُّ عَلَى الدُّعَاءِ فِي السُّجُودِ (فَقَمِنٌ) قَالَ النَّوَوِيُّ هُوَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ فَمَنْ فَتَحَ فَهُوَ عِنْدَهُ مَصْدَرٌ لَا يُثَنَّى وَلَا(3/91)
يُجْمَعُ وَمَنْ كَسَرَ فَهُوَ وَصْفٌ يُثَنَّى وَيُجْمَعُ قَالَ وَفِيهِ لُغَةٌ ثَالِثَةٌ قَمِينٌ بِزِيَادَةِ الْيَاءِ وَفَتْحِ الْقَافِ وَكَسْرِ الْمِيمِ وَمَعْنَاهُ حَقِيقٌ وَجَدِيرٌ وَيُسْتَحَبُّ الْجَمْعُ بَيْنَ الدُّعَاءِ وَالتَّسْبِيحِ الْمُتَقَدِّمِ لِيَكُونَ الْمُصَلِّي عَامِلًا بِجَمِيعِ مَا وَرَدَ وَالْأَمْرُ بِتَعْظِيمِ الرَّبِّ فِي الرُّكُوعِ وَالِاجْتِهَادُ فِي الدُّعَاءِ فِي السُّجُودِ مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَقَدْ نُقِدَ ذِكْرُ مَنْ قَالَ بِوُجُوبِ تَسْبِيحِ الرُّكُوعِ والسجود
قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي وبن مَاجَهْ
[877] (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ) مِنَ الْإِكْثَارِ (أَنْ يَقُولَ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَدْ بَيَّنَ الْأَعْمَشُ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ أَبِي الضُّحَى فِي التَّفْسِيرِ ابْتِدَاءَ هَذَا الْفِعْلِ وَأَنَّهُ وَاظَبَ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَفْظُهُ مَا صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةً بَعْدَ أَنْ نَزَلَتْ عليه إذا جاء نصر الله والفتح إِلَّا يَقُولُ فِيهَا الْحَدِيثَ (سُبْحَانَكَ) هُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَصْدَرِيَّةِ (وَبِحَمْدِكَ) مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ التَّسْبِيحُ أَيْ وَبِحَمْدِكَ سَبَّحْتُكَ وَمَعْنَاهُ بِتَوْفِيقِكَ لِي وَهِدَايَتِكَ وَفَضْلِكَ عَلَيَّ سَبَّحْتُكَ لَا بِحَوْلِي وَقُوَّتِي
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَيَظْهَرُ وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ إِبْقَاءُ مَعْنَى الْحَمْدِ عَلَى أَصْلِهِ وَتَكُونُ الْبَاءُ بَاءَ السَّبَبِيَّةِ وَيَكُونُ مَعْنَاهُ بِسَبَبِ أَنَّكَ مَوْصُوفٌ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ وَالْجَلَالِ سَبَّحَكَ الْمُسَبِّحُونَ وَعَظَّمَكَ الْمُعَظِّمُونَ وَقَدْ رُوِيَ بِحَذْفِ الْوَاوِ مِنْ قَوْلِهِ وَبِحَمْدِكَ وَبِإِثْبَاتِهَا (يَتَأَوَّلُ الْقُرْآنَ) قَالَ الْحَافِظُ أَيْ يَفْعَلُ مَا أُمِرَ بِهِ وَقَدْ تَبَيَّنَ مِنْ رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقُرْآنِ بَعْضُهُ وَهُوَ السُّورَةُ الْمَذْكُورَةُ انْتَهَى
قَالَ الْقَاضِي جُمْلَةٌ وَقَعَتْ حَالًا عَنْ ضَمِيرِ يَقُولُ أَيْ يَقُولُ مُتَأَوِّلًا لِلْقُرْآنِ أَيْ مُبَيِّنًا مَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ فَسَبِّحْ بحمد ربك واستغفره آتِيًا بِمُقْتَضَاهُ
ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ البخاري ومسلم والنسائي وبن مَاجَهْ
[878] (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي كُلَّهُ) لِلتَّأَكُّدِ وَمَا بَعْدَهُ تَفْصِيلٌ لِأَنْوَاعِهِ أَوْ بَيَانُهُ وَيُمْكِنُ نَصْبُهُ بِتَقْدِيرِ أَعْنِي (دِقَّهُ) بِكَسْرِ الدَّالِ أَيْ دَقِيقَهُ وَصَغِيرَهُ (وَجِلَّهُ) بِكَسْرِ الْجِيمِ وَقَدْ تُضَمُّ أَيْ جَلِيلَهُ وَكَبِيرَهُ قِيلَ(3/92)
إِنَّمَا قَدَّمَ الدِّقَّ عَلَى الْجِلِّ لِأَنَّ السَّائِلَ يَتَصَاعَدُ فِي مَسْأَلَتِهِ أَيْ يَتَرَقَّى وَلِأَنَّ الْكَبَائِرَ تَنْشَأُ غَالِبًا مِنَ الْإِصْرَارِ عَلَى الصَّغَائِرِ وَعَدَمِ الْمُبَالَاةِ بِهَا فَكَأَنَّهَا وَسَائِلُ إِلَى الْكَبَائِرِ وَمِنْ حَقِّ الْوَسِيلَةِ أَنْ تُقَدَّمَ إِثْبَاتًا وَرَفْعًا (وَأَوَّلَهُ واخره) المقصود الإحاطة (زاد بن السَّرْحِ) أَيْ فِي رِوَايَتِهِ (عَلَانِيَتَهُ وَسِرَّهُ) أَيْ عِنْدَ غَيْرِهِ تَعَالَى وَإِلَّا فَهُمَا سَوَاءٌ عِنْدَهُ تَعَالَى يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ
[879] (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ (فَقَدْتُ) ضِدَّ صَادَفْتُ أَيْ طَلَبْتُ فَمَا وَجَدْتُّ (فَلَمَسْتُ الْمَسْجِدَ) أَيْ مَسِسْتُ بِيَدَيَّ الْمَوْضِعَ الَّذِي كَانَ يُصَلِّي فِيهِ (وَقَدَمَاهُ مَنْصُوبَتَانِ) أَيْ قَائِمَتَانِ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ فَالْتَمَسْتُهُ فَوَقَعَتْ يَدِي عَلَى بَطْنِ قَدَمِهِ وَهُوَ الْمَسْجَدُ وَهُمَا مَنْصُوبَتَانِ وَقَالَ فِي الْمِرْقَاةِ الْمَسْجَدُ بِفَتْحِ الْجِيمِ أَيْ فِي السُّجُودِ فَهُوَ مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ أَوْ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي كَانَ يُصَلِّي فِيهِ فِي حُجْرَتِهِ وَفِي نُسْخَةٍ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَهُوَ يَحْتَمِلُ مَسْجِدَ الْبَيْتِ بِمَعْنَى مَعْبَدِهِ وَالْمَسْجِدُ النَّبَوِيُّ
انْتَهَى (أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ) أَيْ مِنْ فِعْلٍ يُوجِبُ سَخَطَكَ عَلَيَّ أَوْ عَلَى أُمَّتِي (وَبِمُعَافَاتِكَ) أَيْ بِعَفْوِكَ وَأَتَى بِالْمُغَالَبَةِ لِلْمُبَالَغَةِ أَيْ بِعَفْوِكَ الْكَثِيرِ (مِنْ عُقُوبَتِكَ) وَهِيَ أَثَرٌ مِنْ آثَارِ السُّخْطِ وَإِنَّمَا اسْتَعَاذَ بِصِفَاتِ الرَّحْمَةِ لِسَبْقِهَا وَظُهُورِهَا مِنْ صِفَاتِ الْغَضَبِ (وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ) إِذْ لَا يَمْلِكُ أَحَدٌ مَعَكَ شَيْئًا فَلَا يُعِيذُهُ مِنْكَ إِلَّا أَنْتَ (لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ) قَالَ الطِّيبِيُّ الْأَصْلُ فِي الْإِحْصَاءِ الْعَدُّ بِالْحَصَى أَيْ لَا أُطِيقُ أَنْ أُثْنِي عَلَيْكَ كَمَا تَسْتَحِقُّهُ (أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ) مَا مَوْصُولَةٌ أَوْ مَوْصُوفَةٌ وَالْكَافُ بِمَعْنَى مِثْلِ
قَالَ الطِّيبِيُّ (عَلَى نَفْسِكَ) أَيْ عَلَى ذَاتِكَ
سُئِلَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ كَيْفَ شُبِّهَ ذَاتُهُ بِثَنَائِهِ وَهُمَا فِي غَايَةِ التَّبَايُنِ فَأَجَابَ بِأَنَّ فِي الْكَلَامِ حَذْفًا تَقْدِيرُهُ ثَنَاؤُكَ الْمُسْتَحَقُّ كَثَنَائِكَ عَلَى نَفْسِكَ فَحُذِفَ الْمُضَافُ مِنَ الْمُبْتَدَأِ فَصَارَ الضَّمِيرُ الْمَجْرُورُ مَرْفُوعًا
قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي هَذَا الْكَلَامِ مَعْنَى لَطِيفٌ وَهُوَ أَنَّهُ قَدِ اسْتَعَاذَ بِاللَّهِ أَنْ يُجِيرَهُ بِرِضَاهُ مِنْ سَخَطِهِ وَبِمُعَافَاتِهِ مِنْ عُقُوبَتِهِ وَالرِّضَى وَالسُّخْطُ ضِدَّانِ مُتَقَابِلَانِ وَكَذَلِكَ الْمُعَافَاةُ وَالْمُؤَاخَذَةُ بِالْعُقُوبَةِ فَلَمَّا صار إلى ذكر مالا ضِدَّ لَهُ وَهُوَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى اسْتَعَاذَ بِهِ مِنْهُ لَا غَيْرَ وَمَعْنَى ذَلِكَ الِاسْتِغْفَارُ مِنَ التَّقْصِيرِ مِنْ بُلُوغِ الْوَاجِبِ مِنْ حَقِّ عِبَادَتِهِ وَالثَّنَاءُ عَلَيْهِ
وَقَوْلُهُ لَا أُحْصِي ثَنَاءً(3/93)
عَلَيْكَ أَيْ لَا أُطِيقُهُ وَلَا أَبْلُغُهُ انْتَهَى
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ لِأَهْلِ السُّنَّةِ فِي جَوَازِ إِضَافَةِ الشَّرِّ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى كَمَا يُضَافُ إِلَيْهِ الْخَيْرُ لِقَوْلِهِ أَعُوذُ بك من سخطك وعن عُقُوبَتِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وبن مَاجَهْ
(بَاب الدُّعَاءِ فِي الصَّلَاةِ)
[880] (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ) وَمِنْهُ شِدَّةُ الضغطة ووحشة الوحدة
قال بن حَجَرٍ الْمَكِّيُّ وَفِيهِ أَبْلَغُ الرَّدِّ عَلَى الْمُعْتَزِلَةِ فِي إِنْكَارِهِمْ لَهُ وَمُبَالَغَتِهِمْ فِي الْحَطِّ عَلَى أَهْلِ السُّنَّةِ فِي إِثْبَاتِهِمْ لَهُ حَتَّى وَقَعَ لِسُنِّيٍّ أَنَّهُ صَلَّى عَلَى مُعْتَزِلِيٍّ فَقَالَ فِي دُعَائِهِ اللَّهُمَّ أَذِقْهُ عَذَابَ الْقَبْرِ فَإِنَّهُ كَانَ لا يؤمن به ويبالغ في نفيه ويخطىء مُثْبِتَهُ انْتَهَى
(وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْفِتْنَةُ الِامْتِحَانُ وَالِاخْتِبَارُ قَالَ عِيَاضٌ وَاسْتِعْمَالُهَا فِي الْعُرْفِ لِكَشْفِ مَا يُكْرَهُ انْتَهَى
وَتُطْلَقُ عَلَى الْقَتْلِ وَالْإِحْرَاقِ وَالنَّمِيمَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ
وَالْمَسِيحُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَتَخْفِيفِ الْمُهْمَلَةِ الْمَكْسُورَةِ وَآخِرُهُ حَاءٌ مُهْمَلَةٌ يُطْلَقُ عَلَى الدَّجَّالِ وعلى عيسى بن مريم عليه السلام لَكِنْ إِذَا أُرِيدَ الدَّجَّالُ قُيِّدَ بِهِ
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ فِي السُّنَنِ الْمِسِّيحُ عَلَى وَزْنِ سِكِّينٍ مُثَقَّلٌ الدَّجَّالُ وَمُخَفَّفٌ عِيسَى وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ وَأَمَّا مَا نَقَلَ الْفِرَبْرِيُّ فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي وَحْدَهُ عَنْهُ عَنْ خَلَفِ بْنِ عَامِرٍ وَهُوَ الْهَمْدَانِيُّ أَحَدُ الْحُفَّاظِ أَنَّ الْمِسِّيحَ بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيفِ وَاحِدٌ يُقَالُ لِلدَّجَّالِ وَيُقَالُ لِعِيسَى وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا بِمَعْنَى لَا اخْتِصَاصَ لِأَحَدِهِمَا بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ فَهُوَ رَأْيٌ ثَالِثٌ
وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ مَنْ قَالَهُ بِالتَّخْفِيفِ فَلِمَسْحِهِ الْأَرْضَ وَمَنْ قَالَهُ بِالتَّشْدِيدِ فَلِكَوْنِهِ مَمْسُوحَ الْعَيْنِ
وَحَكَى بَعْضُهُمْ أَنَّهُ قَالَ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ فِي الدَّجَّالِ وَنُسِبَ قَائِلُهُ إِلَى التَّصْحِيفِ
وَاخْتُلِفَ فِي تَلْقِيبِ الدَّجَّالِ بِذَلِكَ فَقِيلَ لِأَنَّهُ مَمْسُوحُ الْعَيْنِ وَقِيلَ لِأَنَّ أَحَدَ شِقَّيْ وَجْهِهِ خُلِقَ مَمْسُوحًا لَا عَيْنَ فِيهِ وَلَا حَاجِبَ وَقِيلَ لِأَنَّهُ يَمْسَحُ الْأَرْضَ إِذَا خَرَجَ
وَأَمَّا عِيسَى فَقِيلَ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ مَمْسُوحًا بِالدُّهْنِ وَقِيلَ لِأَنَّ زَكَرِيَّا مَسَحَهُ وَقِيلَ لِأَنَّهُ كَانَ لَا يَمْسَحُ ذا عاهة إلا بريء وَقِيلَ لِأَنَّهُ كَانَ يَمْسَحُ الْأَرْضَ بِسِيَاحَتِهِ وَقِيلَ لِأَنَّ رِجْلَهُ كَانَتْ لَا إِخْمَصَ لَهَا قَالَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَقَالَ الشَّيْخُ مَجْدُ الدِّينِ الفيروز آبادي في القاموس المسيح عيسى عليه(3/94)
السلام لِبَرَكَتِهِ وَذَكَرْتُ فِي اشْتِقَاقِهِ خَمْسِينَ قَوْلًا فِي شَرْحِي لِمَشَارِقِ الْأَنْوَارِ وَغَيْرِهِ وَالدَّجَّالُ لِشُؤْمِهِ انْتَهَى
(وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ) مَنْسَلِ الحياة والموت
قال بن دقيق العيد فتنة المحيا ما يعرض للإنسان مُدَّةَ حَيَاتِهِ مِنَ الِافْتِتَانِ بِالدُّنْيَا وَالشَّهَوَاتِ وَالْجَهَالَاتِ وَأَعْظَمُهَا وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ أَمْرُ الْخَاتِمَةِ عِنْدَ الْمَوْتِ وَفِتْنَةُ الْمَمَاتِ يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهَا الْفِتْنَةُ عِنْدَ الْمَوْتِ أُضِيفَتْ إِلَيْهِ لِقُرْبِهَا مِنْهُ وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِفِتْنَةِ الْمَحْيَا عَلَى هَذَا مَا قَبْلَ ذَلِكَ وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهَا فِتْنَةُ الْقَبْرِ
وَقَدْ صَحَّ فِي حَدِيثِ أَسْمَاءَ إِنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي قُبُورِكُمْ مِثْلَ أَوْ قَرِيبًا مِنْ فِتْنَةِ الدجال ولا يكون مع هذا الوجه متكررا مَعَ قَوْلِهِ عَذَابُ الْقَبْرِ لِأَنَّ الْعَذَابَ مُرَتَّبٌ عَنِ الْفِتْنَةِ وَالسَّبَبُ غَيْرُ الْمُسَبَّبِ
وَقِيلَ أَرَادَ بِفِتْنَةِ الْمَحْيَا الِابْتِلَاءَ مَعَ زَوَالِ الصَّبْرِ وَبِفِتْنَةِ الْمَمَاتِ السُّؤَالَ فِي الْقَبْرِ مَعَ الْحِيرَةِ وَهَذَا مِنَ الْعَامِّ بَعْدَ الْخَاصِّ لِأَنَّ عَذَابَ الْقَبْرِ دَاخِلٌ تَحْتَ فِتْنَةِ الْمَمَاتِ وَفِتْنَةُ الدَّجَّالِ دَاخِلَةٌ تَحْتَ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَأَخْرَجَ الْحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ فِي نَوَادِرِ الْأُصُولِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ إِنَّ الْمَيِّتَ إِذَا سُئِلَ مَنْ رَبُّكَ تَرَاءَى لَهُ الشَّيْطَانُ فَيُشِيرُ إِلَى نَفْسِهِ أَنِّي أَنَا رَبُّكَ فَلِهَذَا وَرَدَ سُؤَالُ التَّثَبُّتِ لَهُ حِينَ يُسْأَلُ
ثُمَّ أَخْرَجَ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ إِلَى عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ إِذَا وُضِعَ الْمَيِّتُ فِي الْقَبْرِ أَنْ يَقُولُوا اللَّهُمَّ أَعِذْهُ مِنَ الشَّيْطَانِ كَذَا فِي الْفَتْحِ (مِنَ الْمَأْثَمِ) إِمَّا مَصْدَرُ أَثِمَ الرَّجُلُ أَوْ مَا فِيهِ الْإِثْمُ أَوْ مَا يُوجِبُ الْإِثْمَ (وَالْمَغْرَمِ) أَيِ الدَّيْنِ يُقَالُ غَرِمَ بِكَسْرِ الرَّاءِ أَيِ ادَّانَ قِيلَ وَالْمُرَادُ بِهِ مَا يُسْتَدَانُ فِيمَا لَا يَجُوزُ أَوْ فِيمَا يَجُوزُ ثُمَّ يَعْجِزُ عَنْ أَدَائِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ وَقَدِ اسْتَعَاذَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ الْمَغْرَمُ الْغُرْمُ وَقَدْ نَبَّهَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى الضَّرَرِ اللَّاحِقِ مِنَ الْمَغْرَمِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (فَقَالَ قَائِلٌ) أَيْ عَائِشَةُ كَمَا فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ (مَا أَكْثَرَ) بِالنَّصْبِ وَمَا تَعَجُّبِيَّةٌ (مَا تَسْتَعِيذَ) مَا مَصْدَرِيَّةٌ أَيِ اسْتِعَاذَتُكَ (إِنَّ الرَّجُلَ) الْمُرَادُ بِهِ الْجِنْسُ (إِذَا غَرِمَ) بِكَسْرِ الرَّاءِ أَيْ لَزِمَهُ دَيْنٌ وَالْمُرَادُ اسْتَدَانَ وَاتَّخَذَ ذَلِكَ دَأْبَهُ وَعَادَتَهُ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ (حَدَّثَ) أَيْ أَخْبَرَ عَنْ مَاضِي الْأَحْوَالِ لِتَمْهِيدِ عُذْرٍ فِي التَّقْصِيرِ (فَكَذَبَ) لِأَنَّهُ إِذَا تَقَاضَاهُ رَبُّ الدَّيْنِ وَلَمْ يَحْضُرْهُ مَا يُؤَدِّي بِهِ دَيْنَهُ يَكْذِبُ لِيَتَخَلَّصَ مِنْ يَدهِ ويقول لي ما لغائب إذا حضر أؤدي دينك
وقال بن حَجَرٍ أَيْ حَدَّثَ النَّاسَ عَنْ حَالِهِ وَمُعَامَلَتِهِ فَكَذَبَ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَحْمِلَهُمْ عَلَى إِدَانَتِهِ وَإِنْ كَانَ مُعْدِمًا أَوِ الصَّبْرِ عَلَيْهِ لِيَرْبَحَ فِيهِ شَيْئًا يَبْقَى لَهُ قَبْلَ وَفَائِهِ (وَوَعَدَ) أَيْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بِأَنْ يَقُولَ أُعْطِيكَ غَدًا أَوْ فِي الْمُدَّةِ الْفُلَانِيَّةِ (فَأَخْلَفَ) أَيْ فِي وَعْدِهِ وقال بن حَجَرٍ وَوَعَدَ بِالْوَفَاءِ(3/95)
أَوْ غَيْرِهِ مُطْلَقًا أَوْ فِي وَقْتٍ مَعْلُومٍ فَأَخْلَفَ طَمَعًا فِي بَقَاءِ الْمَالِ فِي يَدِهِ أَوْ لِسُوءِ تَدْبِيرِهِ أَوْ تَصَرُّفِهِ
وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ غَرِمَ شَرْطٌ وَحَدَّثَ جَزَاءٌ وَكَذَبَ مُتَرَتِّبٌ عَلَى الْجَزَاءِ وَوَعَدَ عَطْفٌ عَلَى حَدَّثَ لَا عَلَى غَرِمَ خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَهُ لِفَسَادِ الْمَعْنَى حِينَئِذٍ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَأَخْلَفَ مُتَرَتِّبًا عَلَيْهِ قَالَهُ فِي الْمِرْقَاةِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ
[881] (فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ النَّارِ وَيْلٌ لِأَهْلِ النَّارِ) وَرَوَاهُ أَحْمَدُ بِلَفْظِ سَمِعْتُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي صَلَاةٍ لَيْسَتْ بِفَرِيضَةٍ فَمَرَّ بِذِكْرِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ فَقَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ إِلَخْ وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى اسْتِحْبَابِ التَّعَوُّذِ مِنَ النَّارِ عِنْدَ الْمُرُورِ بِذِكْرِهَا وَقَدْ قَيَّدَهُ الرَّاوِي بِصَلَاةٍ غَيْرِ فَرِيضَةٍ وَكَذَلِكَ حَدِيثُ حُذَيْفَةَ مُقَيَّدٌ بِصَلَاةِ اللَّيْلِ وَكَذَلِكَ حَدِيثُ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ
قَالَ المنذري وأخرجه بن مَاجَهْ وَأَبُو لَيْلَى لَهُ صُحْبَةٌ وَاخْتُلِفَ فِي اسْمِهِ فَقِيلَ يَسَارٌ وَقِيلَ دَاوُدُ وَقِيلَ أَوْسٌ وَقِيلَ أَخُوهُ وَفِي إِسْنَادِهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى وَهُوَ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ
[882] (لَقَدْ تَحَجَّرْتَ وَاسِعًا) أَيْ ضَيَّقْتَ مَا وَسَّعَهُ اللَّهُ وَخَصَصْتَ بِهِ نَفْسَكَ دُونَ إِخْوَانِكَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ هَلَّا سَأَلْتَ اللَّهَ لَكَ وَلِكُلِّ الْمُؤْمِنِينَ وَأَشْرَكْتَهُمْ فِي رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ
وَفِي هَذَا إِشَارَةٌ إِلَى تَرْكِ هَذَا الدُّعَاءِ وَالنَّهْيِ عَنْهُ وَأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الدُّعَاءُ لِغَيْرِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِالرَّحْمَةِ وَالْهِدَايَةِ وَنَحْوِهِمَا
وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا تَبْطُلُ صَلَاةُ مَنْ دَعَا بِمَا لَا يَجُوزُ جَاهِلًا لِعَدَمِ أَمْرِ هَذَا الدَّاعِي بِالْإِعَادَةِ (يُرِيدُ رَحْمَةَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ) قَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَسِعَتْ فِي الدُّنْيَا الْبَرَّ وَالْفَاجِرَ وَهِيَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِلْمُتَّقِينَ خَاصَّةً جَعَلَنَا اللَّهُ مِمَّنْ وَسِعَتْهُ رَحْمَتُهُ فِي الدَّارَيْنِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ(3/96)
[883] (كَانَ إِذَا قَرَأَ) إِلَخْ
قَالَ الْمُظْهِرُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَجُوزُ مِثْلُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ إِلَّا فِي غَيْرِهَا قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ وَكَذَا عِنْدَ مَالِكٍ يَجُوزُ فِي النَّوَافِلِ انْتَهَى
وَكَذَا الْحُكْمُ فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ صَلَّى وَرَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ إِذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا تَسْبِيحٌ سَبَّحَ وَإِذَا مَرَّ بِسُؤَالٍ سَأَلَ وَإِذَا مَرَّ بِتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ
كَذَا قال ملا علي القارىء فِي الْمِرْقَاةِ
قُلْتُ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ يُوَافِقُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الشَّافِعِيُّ
لِأَنَّ قَوْلَهُ كَانَ إِذَا قَرَأَ عَامٌّ يَشْمَلُ الصَّلَاةَ وَغَيْرَهَا وَحَدِيثُ حُذَيْفَةَ مُقَيَّدٌ بِصَلَاةِ اللَّيْلِ كَمَا مَرَّ فَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ لَمْ يُجَوِّزِ التَّسْبِيحَ وَالسُّؤَالَ وَالتَّعَوُّذَ عِنْدَ الْمُرُورِ بِآيَةٍ فِيهَا تَسْبِيحٌ أَوْ سُؤَالٌ أَوْ تَعَوُّذٌ فِي الصَّلَاةِ مُطْلَقًا
[884] (عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ) هُوَ الْهَمْدَانِيُّ الْكُوفِيُّ مَوْلَى آل جعدة بْنِ هُبَيْرَةَ الْمَخْزُومِيُّ
قَالَ فِي التَّقْرِيبِ ثِقَةٌ عَابِدٌ مِنَ الْخَامِسَةِ وَكَانَ يُرْسِلُ وَمَنْ دُونَهُ هُمْ رِجَالُ الصَّحِيحِ (كَانَ رَجُلٌ) جَهَالَةُ الصَّحَابِيِّ مُغْتَفَرَةٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَهُوَ الْحَقُّ (يُصَلِّي فَوْقَ بَيْتِهِ) فِيهِ جَوَازُ الصَّلَاةِ عَلَى ظَهْرِ الْبَيْتِ وَالْمَسْجِدِ وَنَحْوِهِمَا فَرْضًا أَوْ نَفْلًا عِنْدَ مَنْ جعل فعل الصحابي حجة أخذا بهذا
وَالْأَصْلُ الْجَوَازُ فِي كُلِّ مَكَانٍ مِنَ الْأَمْكِنَةِ مَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِهِ (سُبْحَانَكَ) أَيْ تَنْزِيهًا لَكَ أَنْ يَقْدِرَ أَحَدٌ عَلَى إِحْيَاءِ الْمَوْتَى غَيْرَكَ وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَصْدَرِ
وَقَالَ الْكِسَائِيُّ مَنْصُوبٌ عَلَى أَنَّهُ مُنَادَى مُضَافٌ (فَبَلَى) بِاللَّامِ وَفِي نُسْخَةٍ مِنْ سُنَنِ أَبِي داود فبكي بالكاف قال بن رَسْلَانَ وَأَكْثَرُ النُّسَخِ الْمُعْتَمَدَةِ بِاللَّامِ بَدَلَ الْكَافِ وَبَلَى حَرْفٌ لِإِيجَابِ النَّفْي وَالْمَعْنَى أَنْتَ(3/97)
قَادِرٌ عَلَى أَنْ تُحْيِيَ الْمَوْتَى
كَذَا فِي النَّيْلِ (يُعْجِبُنِي) مِنَ الْإِعْجَابِ أَيْ يُفْرِحُنِي وَيَسُرُّنِي (أَنْ يَدْعُوَ بِمَا فِي الْقُرْآنِ) فِي مَعْنَى كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَدْعُوَ فِي الصَّلَاةِ الْفَرِيضَةِ بَعْدَ التَّشَهُّدِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ بِالْأَدْعِيَةِ الَّتِي هِيَ مَذْكُورَةٌ فِي الْقُرْآنِ نَحْوَ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ وَمِثْلَ رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أن آمنوا بربكم فآمنا وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ الْكَرِيمَةِ وَثَانِيهُمَا أَنْ يَدْعُوَ فِي الْفَرِيضَةِ بِمَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ آيَاتِ الرَّحْمَةِ وَغَيْرِهَا أَيْ إِذَا يَمُرُّ الْمُصَلِّي بِآيَةٍ فِيهَا تَسْبِيحٌ سَبَّحَ وَإِذَا يَمُرُّ بِسُؤَالٍ سأل وإذا يمر بآية يُتَعَوَّذُ فِيهَا تَعَوَّذَ
وَهَذَا الْمَعْنَى هُوَ الْأَقْرَبُ إِلَى الصَّوَابِ
فَالْإِمَامُ أَحْمَدُ لَا يَخُصُّ هَذَا في النوافل بل يستحبه فِي الْفَرَائِضِ أَيْضًا وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ بَابُ الْوُقُوفِ عِنْدَ آيَةِ الرحمة وآية العذاب
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ أُحِبُّ لِلْإِمَامِ إِذَا قَرَأَ آيَةَ الرَّحْمَةِ أَنْ يَقِفَ فَيَسْأَلَ اللَّهَ وَيَسْأَلَ النَّاسُ وَإِذَا قَرَأَ آيَةَ الْعَذَابِ أَنْ يَقِفَ فَيَسْتَعِيذَ وَيَسْتَعِيذَ النَّاسُ بَلَغَنَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ فِي صَلَاتِهِ ثُمَّ سَاقَ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ حَدِيثَ حُذَيْفَةَ الَّذِي أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ ثُمَّ قَالَ وَرُوِّينَا عَنْ عَائِشَةَ وَعَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعْنَاهُ فِي آيَةِ الرَّحْمَةِ وَفِي آيَةِ الْعَذَابِ ثُمَّ روى من طريق عبدخير أَنَّ عَلِيًّا قَرَأَ فِي الصُّبْحِ بِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى فَقَالَ سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَهُمْ يَكْرَهُونَ هَذَا وَنَحْنُ نَسْتَحِبُّ هَذَا
وَيُرْوَى عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُشْبِهُهُ فَكَأَنَّهُ أَرَادَ مَا رُوِّينَا فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ أَوْ أَرَادَ مَا رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بن جبير عن بن عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا قَرَأَ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى قَالَ سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى إِلَّا أَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِي رَفْعِهِ وَفِي إِسْنَادِهِ
وَرُوِّينَا فِي حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنِ الْأَعْرَابِيِّ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ قَرَأَ مِنْكُمْ وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ فَانْتَهَى إِلَى آخِرِهَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ فَلْيَقُلْ وَأَنَا عَلَى ذَلِكَ مِنَ الشَّاهِدِينَ وَمَنْ قرأ لا أقسم بيوم القيامة فَانْتَهَى إِلَى أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أن يحيى الموتى فليقل بلى ومن قرأ والمرسلات فبلغ فبأي حديث بعده يؤمنون فَلْيَقُلْ آمَنَّا بِهِ انْتَهَى كَلَامُ الْبَيْهَقِيِّ(3/98)
5 - (بَاب مِقْدَارِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ)
[885] (رَمَقْتُ) أَيْ نَظَرْتُ (فَكَانَ يَتَمَكَّنُ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ) أَيْ يَلْبَثُ فِيهِمَا
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ السَّعْدِيُّ مَجْهُولٌ
[886] (سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ) بِفَتْحِ يَاءِ رَبِّيَ وَيُسَكَّنُ (وَذَلِكَ أَدْنَاهُ) وَفِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّ الْمُصَلِّيَ لَا يَكُونُ مُتَسَنِّنًا بِدُونِ الثَّلَاثِ
وَقَدْ قَالَ الّمَاوَرْدِيُّ إِنَّ الْكَمَالَ إِحْدَى عَشْرَةَ أَوْ تِسْعٌ وَأَوْسَطُهُ خَمْسٌ وَلَوْ سَبَّحَ مَرَّةً حَصَلَ التَّسْبِيحُ
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنِ بن الْمُبَارَكِ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ خَمْسُ تَسْبِيحَاتٍ لِلْإِمَامِ وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ وَلَا دَلِيلَ عَلَى تَقَيُّدِ الْكَمَالِ بِعَدَدٍ مَعْلُومِ بَلْ يَنْبَغِي الِاسْتِكْثَارُ مِنَ التَّسْبِيحِ عَلَى مِقْدَارِ تَطْوِيلِ الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِعَدَدٍ
وَأَمَّا إِيجَابُ سُجُودِ السَّهْوِ فِيمَا زَادَ عَلَى التِّسْعِ وَاسْتِحْبَابُ أَنْ يَكُونَ عَدَدُ التَّسْبِيحِ وِتْرًا لَا شَفْعًا فِيمَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ فَمِمَّا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ كَذَا فِي النَّيْلِ (هَذَا مُرْسَلٌ) أَرَادَ الْمُؤَلِّفُ بِالْمُرْسَلِ الْمُنْقَطِعَ لِأَنَّ الْمُرْسَلَ صُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ التَّابِعِيُّ سَوَاءٌ كَانَ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَا أَوْ فَعَلَ كَذَا أَوْ فُعِلَ بِحَضْرَتِهِ كَذَا أَوْ نَحْوَ ذلك
وها هنا ليس كذلك نعم صورة الانقطاع ها هنا مَوْجُودَةٌ وَهِيَ أَنْ يَسْقُطَ رَاوٍ وَاحِدٍ أَوْ أَكْثَرُ مِنَ الْإِسْنَادِ مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ (عون) بن عَبْدِ اللَّهِ الْمَذْكُورُ (لَمْ يُدْرِكْ عَبْدَ اللَّهِ) أي لم
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قَالَ الْحَافِظ شَمْسُ الدِّينِ بْنُ الْقَيِّمِ قَالَ بن الْقَطَّانِ السَّعْدِيُّ وَأَبُوهُ وَعَمّه مَا مِنْهُمْ مَنْ يعرف وقد ذكره بن السَّكَنِ فِي كِتَاب الصَّحَابَة فِي الْبَاب الَّذِي ذَكَرَ فِيهِ رِجَالًا لَا يُعْرَفُونَ(3/99)
يَلْقَهُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ الْكَبِيرِ وَقَالَ مُرْسَلٌ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ إِسْنَادُهُ لَيْسَ بِمُتَّصِلٍ
عَوْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ لم يلق بن مَسْعُودٍ
قُلْتُ وَعَوْنٌ هَذَا هُوَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ الْهُذَلِيُّ الْكُوفِيُّ انْفَرَدَ مُسْلِمٌ بِإِخْرَاجِ حَدِيثِهِ
انْتَهَى
[887] (أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ) هَذَا بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ آخِرِهَا وَمَعْنَى قَوْلِهِ أحكم الحاكمين أَيْ أَقْضَى الْقَاضِينَ يَحْكُمُ بَيْنَكَ وَبَيْنَ أَهْلِ التَّكْذِيبِ بِكَ يَا مُحَمَّدُ (فَلْيَقُلْ بَلَى) أَيْ نَعَمْ (وَأَنَا عَلَى ذَلِكَ) أَيْ كَوْنِكَ أَحْكَمَ الْحَاكِمِينَ (مِنَ الشَّاهِدِينَ) أَيْ أَنْتَظِمُ فِي سِلْكِ مَنْ لَهُ مُشَافَهَةٌ فِي الشَّهَادَتَيْنِ مِنْ أَنْبِيَاءِ الله وأوليائه
قال بن حَجَرٍ وَهَذَا أَبْلَغُ مِنْ أَنَا شَاهِدٌ وَمِنْ ثم قالوا في وكانت من القانتين وفي إنه في الآخرة لمن الصالحين أَبْلَغُ مِنْ وَكَانَتْ قَانِتَةً وَمِنْ إِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ صَالِحٌ لِأَنَّ مَنْ دَخَلَ فِي عِدَادِ الْكَامِلِ وَسَاهَمَ مَعَهُمُ الْفَضَائِلَ لَيْسَ كَمَنِ انْفَرَدَ عَنْهُمْ
انْتَهَى
وَقِيلَ لِأَنَّهُ كِنَايَةٌ وَهِيَ أَبْلَغُ من الصريح (أليس ذلك) أَيِ الَّذِي جَعَلَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ نُطْفَةٍ تُمْنَى فِي الرَّحِمِ (فَلْيَقُلْ بَلَى) قَالَ فِي الْمِرْقَاةِ وَفِي رِوَايَةٍ بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شيء قدير
وأما قول بن حَجَرٍ الْمَكِّيِّ فَلْيَقُلْ بَلَى وَأَنَا عَلَى ذَلِكَ مِنَ الشَّاهِدِينَ وَكَأَنَّهُ حُذِفَ لِفَهْمِهِ مِنَ الْأَوَّلِ فبعيد انتهى (فبأي حديث بعده) أَيْ بَعْدَ الْقُرْآنِ لِأَنَّهُ آيَةٌ مُبْصِرَةٌ وَمُعْجِزَةٌ بَاهِرَةٌ فَحِينَ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ فَبِأَيِّ كِتَابٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (فَلْيَقُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ) أَيْ بِهِ وَبِكَلَامِهِ وَلِعُمُومِ هَذَا لَمْ يَقُلْ آمَنَّا بِالْقُرْآنِ
وَقَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ قُلْ أُخَالِفُ أَعْدَاءَ اللَّهِ الْمُعَانِدِينَ قَالَهُ فِي الْمِرْقَاةِ
وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَنْ يَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَاتِ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَقُولَ تِلْكَ الْكَلِمَاتِ سَوَاءٌ كَانَ فِي الصَّلَاةِ أَوْ خَارِجَهَا
وَالْحَدِيثُ ضَعِيفٌ لِأَنَّ فِيهِ مجهولا
قال الترمذي بعد ما رَوَاهُ مُخْتَصَرًا إِنَّمَا يَرْوِي بِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنْ هَذَا الْأَعْرَابِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَا يُسَمِّي انْتَهَى
وَقَالَ فِي فَتْحِ الْوَدُودِ هَذَا الْأَعْرَابِيُّ لَا يُعْرَفُ فَفِي الْإِسْنَادِ جَهَالَةٌ وَمَعَ ذَلِكَ فَالْمَتْنُ لَا يُنَاسِبُ الْبَابَ
قُلْتُ الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ دَاخِلٌ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ لَكِنْ تَأْخِيرُهُ مِنْ تَصَرُّفِ النُّسَّاخِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (قَالَ(3/100)
إِسْمَاعِيلُ) بْنُ أُمَيَّةَ (ذَهَبْتُ أُعِيدُ) أَيْ شَرَعْتُ فِي إِعَادَةِ الْحَدِيثِ (عَلَى الرَّجُلِ الْأَعْرَابِيِّ) الْمَذْكُورِ (لَعَلَّهُ) أَيْ لَعَلَّ الْأَعْرَابِيَّ أَخْطَأَ فِي الْحَدِيثِ ولم يحفظه (فقال) الأعرابي (يا بن أَخِي أَتَظُنُّ أَنِّي لَمْ أَحْفَظْهُ) أَيِ الْحَدِيثَ وَالِاسْتِفْهَامُ إِنْكَارِيٌّ أَيْ لَا تَظُنَّنَّ بِي هَذَا الظَّنَّ فَإِنِّي قَوِيُّ الْحِفْظِ غَايَةَ الْقُوَّةِ وَإِنِ ارْتَبْتَ فِيَّ فِيمَا قُلْتُ لَكَ فَاسْتَمِعْ مَا أَقُولُ (لَقَدْ حَجَجْتُ سِتِّينَ حَجَّةً إِلَخْ) أَيْ وَاللَّهِ لَقَدْ حَجَجْتُ سِتِّينَ حَجَّةً فَمَنْ كَانَ هَذَا شَأْنُهُ فِي الْحِفْظِ فَكَيْفَ لَا يَحْفَظُ حَدِيثُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَكَذَا قَالَهُ الرَّجُلُ الْأَعْرَابِيُّ الْمَجْهُولُ لَكِنْ هَذِهِ مُبَالَغَةٌ عَظِيمَةٌ مِنْهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
[888] (عَنْ وَهْبِ بْنِ مَانُوسَ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ بِالنُّونِ وَقِيلَ بِالْمُوَحَّدَةِ الْبَصْرِيُّ نَزِيلُ الْيَمَنِ مَسْتُورٌ مِنَ السادسة
وقال في الخلاصة وثقه بن حِبَّانَ (مِنْ هَذَا الْفَتَى يَعْنِي عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ) بْنِ مَرْوَانَ الْخَلِيفَةَ الصَّالِحَ خَامِسَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ
قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ الْخُلَفَاءُ خَمْسَةٌ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَذَا فِي تَارِيخِ الْخُلَفَاءِ (قَالَ) أَيْ أَنَسٌ (فَحَزَرْنَا) بِتَقْدِيمِ الزَّاي الْمَفْتُوحَةِ أَيْ قَدَّرْنَا (فِي رُكُوعِهِ) قَالَ فِي الْمِرْقَاةِ أَيْ رُكُوعِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ رُكُوعِ عُمَرَ
انْتَهَى
قُلْتُ الظَّاهِرُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي رُكُوعِهِ يَرْجِعُ إِلَى عُمَرَ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (عَشْرُ تَسْبِيحَاتٍ) قِيلَ فِيهِ حُجَّةٌ لِمَنْ قَالَ إِنَّ كَمَالَ التَّسْبِيحِ عَشْرُ تَسْبِيحَاتٍ
وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْمُنْفَرِدَ يَزِيدُ فِي التَّسْبِيحِ مَا أَرَادَ وَكُلَّمَا زَادَ كَانَ أَوْلَى وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ فِي تَطْوِيلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاطِقَةٌ بِهَذَا وَكَذَلِكَ الْإِمَامُ إِذَا كَانَ الْمُؤْتَمُّونَ لَا يتأدون بِالتَّطْوِيلِ
كَذَا فِي النَّيْلِ (قُلْتُ لَهُ) الظَّاهِرُ أَنَّ الضَّمِيرَ الْمَجْرُورَ يَرْجِعُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُمَرَ بْنِ كَيْسَانَ (مَانُوسَ) بِالنُّونِ (أَوْ مَابُوسَ) بِالْمُوَحَّدَةِ (فَقَالَ) أَيْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ (أَمَّا عَبْدُ الرَّزَّاقِ(3/101)
فَيَقُولُ مَابُوسُ) أَيْ بِالْمُوَحَّدَةِ (وَأَمَّا حِفْظِي فَمَانُوسُ) أَيِ النُّونُ بِالنُّونِ (قَالَ أَحْمَدُ إِلَخْ) فِي روايته بالعنعنة في الموضعين وأما بن رافع فصرح بالسماع فيهما
(باب الرَّجُلِ يُدْرِكُ الْإِمَامَ سَاجِدًا كَيْفَ يَصْنَعُ)
[893] (وَنَحْنُ سجود) جمع سَاجِدٍ وَالْجُمْلَةُ حَالِيَّةٌ (فَاسْجُدُوا) فِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ السُّجُودِ مَعَ الْإِمَامِ لِمَنْ أَدْرَكَهُ سَاجِدًا (وَلَا تَعُدُّوهَا شَيْئًا) بِضَمِّ الْعَيْنِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ أَيْ لَا تَحْسِبُوهُ شَيْئًا وَالْمَعْنَى وَافِقُوهُ فِي السُّجُودِ وَلَا تَجْعَلُوا ذَلِكَ رَكْعَةً (وَمَنْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ) قِيلَ المراد به ها هنا الرُّكُوعُ فَيَكُونُ مُدْرِكُ الْإِمَامِ رَاكِعًا مُدْرِكًا لِتِلْكَ الرَّكْعَةِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الرَّكْعَةَ حَقِيقَةٌ لِجَمِيعِهَا وَإِطْلَاقُهَا عَلَى الرُّكُوعِ وَمَا بَعْدَهُ مَجَازٌ لَا يُصَارُ إِلَيْهِ إِلَّا لِقَرِينَةٍ كَمَا وَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ بِلَفْظِ فَوَجَدْتُ قِيَامَهُ فَرَكْعَتَهُ فَاعْتِدَالَهُ فَسَجَدْتَهُ فَإِنَّ وُقُوعَ الرَّكْعَةِ فِي مُقَابَلَةِ الْقِيَامِ وَالِاعْتِدَالِ وَالسُّجُودِ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى أن المراد بها الركوع وها هنا لَيْسَتْ قَرِينَةٌ تَصْرِفُ عَنْ حَقِيقَةِ الرَّكْعَةِ فَلَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مُدْرِكَ الْإِمَامِ رَاكِعًا مُدْرِكٌ لِتِلْكَ الرَّكْعَةِ
وَاعْلَمْ أَنَّهُ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ مِنَ الْأَئِمَّةِ إِلَى أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ رَاكِعًا دَخَلَ مَعَهُ وَاعْتَدَّ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ شَيْئًا مِنَ الْقِرَاءَةِ وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ رَاكِعًا لَمْ تُحْسَبْ لَهُ تِلْكَ الرَّكْعَةُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَحَكَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ عَنْ كُلِّ مَنْ ذَهَبَ إِلَى وُجُوبِ الْقِرَاءَةِ خلف الإمام واختاره بن خُزَيْمَةَ وَالضُّبَعِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ مُحَدِّثِي الشَّافِعِيَّةِ وَقَوَّاهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ السُّبْكِيُّ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ وَرَجَّحَهُ الْمَقْبِلِيُّ قَالَ وَقَدْ بَحَثْتُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَأَحَطْتُهَا فِي جَمِيعِ بَحْثِي فِقْهًا وَحَدِيثًا فَلَمْ أَحْصُلْ مِنْهَا عَلَى غَيْرِ مَا ذَكَرْتُ يَعْنِي مِنْ عَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِإِدْرَاكِ الرُّكُوعِ فَقَطْ(3/102)
وَاسْتَدَلَّ الْجُمْهُورُ بِحَدِيثِ الْبَابِ لَكِنِ الِاسْتِدْلَالُ بِهِ مَوْقُوفٌ عَلَى إِرَادَةِ الرُّكُوعِ مِنَ الرَّكْعَةِ وَقَدْ عرفت ما فيه وبحديث أبي بكرة حَيْثُ صَلَّى خَلْفَ الصَّفِّ مَخَافَةَ أَنْ تَفُوتَهُ الركعة فقال زَادَكَ اللَّهُ حِرْصًا وَلَا تَعُدْ وَلَمْ يَأْمُرْ بِإِعَادَةِ الرَّكْعَةِ
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ لَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ لِأَنَّهُ كَمَا لَمْ يَأْمُرْهُ بِالْإِعَادَةِ لَمْ يُنْقَلْ إِلَيْنَا أَنَّهُ اعْتَدَّ بِهَا وَالدُّعَاءُ لَهُ بِالْحِرْصِ لَا يَسْتَلْزِمُ الِاعْتِدَادَ بِهَا لِأَنَّ الْكَوْنَ مَعَ الْإِمَامِ مَأْمُورٌ بِهِ سَوَاءٌ كَانَ الشَّيْءُ الَّذِي يُدْرِكُهُ الْمُؤْتَمُّ مُعْتَدًّا بِهِ أَمْ لَا كَمَا فِي الْحَدِيثِ إِذَا جِئْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ وَنَحْنُ سجود فاسجدوا ولا تعددوها شيئا على أن النبي قد نهى أبا بكرة عَنِ الْعَوْدِ إِلَى ذَلِكَ وَالِاحْتِجَاجُ بِشَيْءٍ قَدْ نهي عنه لا يصح
وقد أجاب بن حَزْمٍ فِي الْمُحَلَّى عَنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ إِنَّهُ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لِأَنَّهُ ليس فيه اجتراء بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ
انْتَهَى
وَبِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَنْ أدرك المركوع مِنَ الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ فِي صَلَاتِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَلْيُضِفْ إِلَيْهَا رَكْعَةً أُخْرَى رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ لَكِنْ فِي إِسْنَادِهِ يَاسِينُ بْنُ مُعَاذٍ وَهُوَ مَتْرُوكٌ فَلَا يَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ
وَاسْتَدَلَّ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ رَاكِعًا لَمْ تُحْسَبْ لَهُ تِلْكَ الرَّكْعَةُ بِحَدِيثِ مَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ بِأَنَّهُ أمر رسول الله بِإِتْمَامِ مَا فَاتَهُ وَمَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ رَاكِعًا فَإِنَّهُ الْقِيَامُ وَالْقِرَاءَةُ فِيهِ وَهُمَا فَرْضَانِ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ إِتْمَامِهِمَا وَبِمَا رُوِيَ عَنْ أبي هريرة أنه قَالَ مَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي الرُّكُوعِ فَلْيَرْكَعْ مَعَهُ وَلْيُعِدِ الرَّكْعَةَ وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ إِنْ أَدْرَكْتَ الْقَوْمَ رُكُوعًا لَمْ تَعْتَدَّ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ
قَالَ الْحَافِظُ وَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَوْقُوفًا وَأَمَّا الْمَرْفُوعُ فَلَا أَصْلَ لَهُ
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ قَدْ عَرَفْتَ مِمَّا سَلَفَ وُجُوبَ الْفَاتِحَةِ عَلَى كُلِّ إِمَامٍ وَمَأْمُومٍ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَعَرَّفْنَاكَ أَنَّ تِلْكَ الْأَدِلَّةَ صَالِحَةٌ لِلِاحْتِجَاجِ بِهَا عَلَى أَنَّ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ فَمَنْ زَعَمَ أَنَّهَا تَصِحُّ صَلَاةٌ مِنَ الصَّلَوَاتِ أَوْ رَكْعَةٌ مِنَ الرَّكَعَاتِ بِدُونِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ فَهُوَ مُحْتَاجٌ إِلَى إِقَامَةِ بُرْهَانٍ يُخَصِّصُ تِلْكَ الأدلة ومن ها هنا يَتَبَيَّنُ لَكَ ضَعْفُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ رَاكِعًا دَخَلَ مَعَهُ وَاعْتَدَّ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ شَيْئًا مِنَ الْقِرَاءَةِ ثُمَّ بَيَّنَ دَلَائِلِ الْفَرِيقَيْنِ وَرَجَّحَ خِلَافَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَقَالَ قَدْ أَلَّفَ السَّيِّدُ الْعَلَّامَةُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْأَمِيرُ رِسَالَةً فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَرَجَّحَ مَذْهَبَ الْجُمْهُورِ وَقَدْ كَتَبْتُ أَبْحَاثًا فِي الْجَوَابِ عَلَيْهَا
انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ فِي النَّيْلِ مُلَخَّصًا مُحَرَّرًا
قُلْتُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ سَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ ثُمَّ الْمُنْذِرِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَفِيهِ يَحْيَى بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ الْمَدِينِيُّ
قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْحَدِيثِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ فِي جُزْءِ(3/103)
الْقِرَاءَةِ وَيَحْيَى هَذَا مُنْكَرُ الْحَدِيثِ رَوَى عَنْهُ أَبُو سَعِيدٍ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ الْبَصْرِيُّ مَنَاكِيرَ وَلَمْ يَتَبَيَّنْ سَمَاعُهُ من زيد ولا من بن الْمَقْبُرِيِّ وَلَا تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ
انْتَهَى
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَيُّوبَ حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى بْنُ أَبِي مَيْسَرَةَ حَدَّثَنَا بن أَبِي مَرْيَمَ حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ يَزِيدَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي عَتَّابٍ وَسَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ إِذَا جِئْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ وَنَحْنُ سُجُودٌ فَاسْجُدُوا وَلَا تَعُدُّوهَا شَيْئًا وَمَنْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ تَفَرَّدَ بِهِ يَحْيَى بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ هَذَا وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ انْتَهَى
وَفِي الْمِيزَانِ وَالتَّهْذِيبِ يَحْيَى بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ الْمَدَنِيُّ رَوَى عَنِ الْمَقْبُرِيِّ وَعَطَاءٍ وَعَنْهُ شُعْبَةُ وَأَبُو سَعِيدٍ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ وَأَبُو الْوَلِيدٍ
قَالَ أَبُو حاتم يكتب حديثه وليس بالقوي وذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ وَوَثَّقَهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ
انْتَهَى
وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ هَذِهِ الطَّرِيقِ أَيْ طَرِيقِ نَافِعِ بْنِ يَزِيدَ كَمَا ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُدَ سَنَدًا وَمَتْنًا وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَهَذَا لَفْظُهُ حَدَّثَنَا أَبُو طَالِبٍ الْحَافِظُ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَجَّاجِ بْنِ رِشْدِينَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ سِوَارٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ قالا حدثنا بن وهب ح
وحدثنا أبو طالب أخبرنا بن رشدين حدثنا حرملة حدثنا بن وَهْبٍ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ قُرَّةَ بن عبد الرحمن عن بن شِهَابٍ أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أن رسول الله قَالَ مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصَّلَاةِ فَقَدْ أَدْرَكَهَا قَبْلَ أَنْ يُقِيمَ الْإِمَامُ صُلْبَهُ
قَالَ في التعليق المغني عَلَى سُنَنِ الدَّارَقُطْنِيِّ الْحَدِيثُ فِيهِ يَحْيَى بْنُ حُمَيْدٍ قَالَ الْبُخَارِيُّ لَا يُتَابَعُ فِي حَدِيثِهِ وَضَعَّفَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ
وَأَمَّا قُرَّةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَأَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ فِي الشَّوَاهِدِ وَقَالَ الْجَوْزَجَانِيُّ سَمِعْتُ أَحْمَدَ يَقُولُ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ جِدًّا وَقَالَ يَحْيَى ضَعِيفُ الْحَدِيثِ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ لَيْسَ بِقَوِيٍّ
انْتَهَى
وَرَجَّحَ الْإِمَامُ أَبوْ عَبْدِ اللَّهِ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مَذْهَبَ مَنْ يَقُولُ بِعَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِإِدْرَاكِ الرُّكُوعِ فَقَطْ وَحَقَّقَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي كِتَابِهِ جُزْءِ الْقِرَاءَةِ مَا مُلَخَّصُهُ قَالَ الْبُخَارِيُّ وَتَوَاتَرَ الْخَبَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ لَا صَلَاةَ إِلَّا بِقِرَاءَةِ أُمِّ الْقُرْآنِ ثُمَّ أَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزَّاهِرِيَّةَ عَنْ كَثِيرِ بْنِ مُرَّةَ الْحَضْرَمِيِّ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ يقول سئل رسول الله أَفِي كُلِّ صَلَاةٍ قِرَاءَةٌ قَالَ نَعَمْ فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ وَجَبَتْ هَذِهِ
وَأَمَّا حَدِيثُ مَنْ كَانَ لَهُ إِمَامٌ فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ فَهَذَا خَبَرٌ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ وَأَهْلِ الْعِرَاقِ لِإِرْسَالِهِ وانقطاعه رواه بن شَدَّادٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَرَوَى الْحَسَنُ بْنُ(3/104)
صَالِحٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنِ النبي وَلَا يَدْرِي أَسَمِعَ جَابِرٌ مِنْ أَبِي الزُّبَيْرِ
وَذُكِرَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَعَبْدِ اللَّهِ بن عمرو صلى النبي صَلَاةَ الْفَجْرِ فَقَرَأَ رَجُلٌ خَلْفَهُ فَقَالَ لَا يَقْرَأَنَّ أَحَدُكُمْ وَالْإِمَامُ يَقْرَأُ إِلَّا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَلَوْ ثَبَتَ الْخَبَرَانِ كِلَاهُمَا لَكَانَ هَذَا مُسْتَثْنًى مِنَ الْأَوَّلِ لِقَوْلِهِ لَا يَقْرَأَنَّ إِلَّا بِأُمِّ الْكِتَابِ
وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةُ قَالَ رَسُولُ الله مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ
قَالَ الْبُخَارِيُّ فَإِنِ احْتَجَّ مُحْتَجٌّ فَقَالَ إِذَا أَدْرَكَ الرُّكُوعَ جَازَتْ فَكَمَا أَجَازَتْهُ فِي الرَّكْعَةِ كَذَلِكَ يُجْزِيهِ فِي الرَّكَعَاتِ قيل إنما أجاز زيد بن ثابت وبن عَمْرٍو الَّذِينَ لَمْ يَرَوُا الْقِرَاءَةَ خَلْفَ الْإِمَامِ
فَأَمَّا مَنْ رَأَى الْقِرَاءَةَ فَقَدْ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ لَا يُجْزِيهِ حَتَّى يُدْرِكَ الْإِمَامَ
وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ وَعَائِشَةُ لَا يَرْكَعُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَقْرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ إِجْمَاعًا لَكَانَ هَذَا الْمُدْرِكُ لِلرُّكُوعِ مُسْتَثْنًى مِنَ الْجُمْلَةِ مَعَ أَنَّهُ لَا إِجْمَاعَ فِيهِ
قَالَ الْبُخَارِيُّ وَقَالَ عِدَّةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ إِنَّ كُلَّ مَأْمُومٍ يَقْضِي فَرْضَ نَفْسِهِ وَالْقِيَامُ وَالْقِرَاءَةُ وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ عِنْدَهُمْ فَرْضٌ فَلَا يَسْقُطُ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ عَنِ الْمَأْمُومِ وَكَذَلِكَ الْقِرَاءَةُ فَرْضٌ فَلَا يَزُولُ فَرْضٌ عَنْ أَحَدٍ إِلَّا بِكِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ
وَقَالَ أَبُو قَتَادَةَ وَأَنَسٌ وَأَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النبي إِذَا أَتَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا فَمَنْ فَاتَهُ فَرْضُ الْقِرَاءَةِ وَالْقِيَامِ فعليه إتمامه كما أمر النبي
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أبيه أن النبي قَالَ فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ حميد عن أنس عن النبي فَلْيُصَلِّ مَا أَدْرَكَ وَلْيَقْضِ مَا سَبَقَهُ وَفِي لَفْظٍ لَهُ مَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَلَا تَأْتُوهَا تَسْعَوْنَ وَأْتُوهَا تَمْشُونَ وَعَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا ثُمَّ أَوْرَدَ حَدِيثَ أَبِي هريرة هذا نحو سبعة عشر طرقا بِلَفْظِ مَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا وَبِلَفْظِ مَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَاقْضُوا وَبِلَفْظِ صَلُّوا مَا أَدْرَكْتُمْ وَاقْضُوا مَا سُبِقْتُمْ
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ إِنَّمَا أَجَازَ إدراك الركوع من أصحاب النبي الَّذِينَ لَمْ يَرَوُا الْقِرَاءَةَ خَلْفَ الْإِمَامِ مِنْهُمُ بن مسعود وزيد بن ثابت وبن عُمَرَ
فَأَمَّا مَنْ رَأَى الْقِرَاءَةَ فَإِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ اقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِكَ يَا فَارِسِيُّ وَقَالَ لَا تَعْتَدَّ بِهَا حَتَّى تُدْرِكَ الإمام قائما(3/105)
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ وَمُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ وَمَعْقِلُ بْنُ مَالِكٍ قَالُوا حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ لَا يُجْزِئُكَ إِلَّا أَنْ تُدْرِكَ الْإِمَامَ قَائِمًا وَفِي لَفْظٍ لَهُ قَالَ إِذَا أَدْرَكْتَ الْقَوْمَ رُكُوعًا لَمْ تَعْتَدَّ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ وَفِي لفظ لَهُ لَا يُجْزِئُكَ إِلَّا أَنْ تُدْرِكَ الْإِمَامَ قَائِمًا قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ وَأَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ قَالَ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ لَا يَرْكَعُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَقْرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ قَالَ الْبُخَارِيُّ وَكَانَتْ عَائِشَةُ تَقُولُ ذَلِكَ
وَأَمَّا حَدِيثُ هَمَّامٍ عَنْ زِيَادٍ الْأَعْلَمِ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ أَنَّهُ انْتَهَى إِلَى النبي وَهُوَ رَاكِعٌ فَرَكَعَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَى الصف فذكر ذلك للنبي فَقَالَ زَادَكَ اللَّهُ حِرْصًا وَلَا تَعُدْ وَفِي رِوَايَةِ يُونُسَ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ فلما قضى رسول الله الصَّلَاةَ قَالَ لِأَبِي بَكْرَةَ أَنْتَ صَاحِبُ هَذَا النَّفَسِ قَالَ نَعَمْ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاكَ خَشِيتُ أَنْ تَفُوتَنِي رَكْعَةٌ مَعَكَ فَأَسْرَعْتُ الْمَشْيَ فَقَالَ رسول الله زَادَكَ اللَّهُ حِرْصًا وَلَا تَعُدْ صَلِّ مَا أَدْرَكْتَ وَاقْضِ مَا سَبَقَكَ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يعود لما نهى النبي وَلَيْسَ فِي جَوَابِهِ أَنَّهُ اعْتَدَّ بِالرُّكُوعِ عَنِ الْقِيَامِ وَالْقِيَامُ فَرْضٌ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ
قَالَ الله تعالى وقوموا لله قانتين وقال إذا قمتم إلى الصلاة وقال النبي صَلِّ قَائِمًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا
قَالَ الْبُخَارِيُّ وَرَوَى نَافِعُ بْنُ يَزِيدَ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ الْمَدَنِيُّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أبي عتاب وبن الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ إِذَا جِئْتُمْ إلى الصلاة ونحن سجود فاسجدوا ولا تعدوها شَيْئًا وَيَحْيَى هَذَا مُنْكَرُ الْحَدِيثِ رَوَى عَنْهُ أَبُو سَعِيدٍ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ الْبَصْرِيُّ مَنَاكِيرَ وَلَمْ يَتَبَيَّنْ سَمَاعُهُ من زيد ولا من بن المقبري ولا يقوم به الحجة
وزاد بن وَهْبٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ قُرَّةَ عن بن شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ فَقَدْ أَدْرَكَهَا قَبْلَ أَنْ يُقِيمَ الْإِمَامُ صُلْبَهُ وَأَمَّا يَحْيَى بْنُ حُمَيْدٍ فَمَجْهُولٌ
لَا يُعْتَمَدُ عَلَى حَدِيثِهِ غَيْرُ مَعْرُوفٍ بِصِحَّةِ خَبَرِهِ وَلَيْسَ هَذَا مِمَّا يَحْتَجُّ بِهِ أَهْلُ الْعِلْمِ وَإِنَّمَا الْحَدِيثُ هُوَ مَا رَوَاهُ مَالِكٌ الْإِمَامُ
حَدَّثَنَا يحيى بن قزعة حدثنا مالك عن بن شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أبي هريرة أن رسول الله قَالَ مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصَّلَاةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ ثُمَّ أَوْرَدَ رِوَايَةَ مَالِكٍ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ قَالَ حَدَّثَنَا مَالِكٌ مِثْلَهُ
وَقَدْ تَابَعَ مَالِكًا فِي حَدِيثِهِ ثَمَانِيَةُ أَنْفُسٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَيَحْيَى بن سعيد وبن الهاد ويونس ومعمر وبن عيينة وشعيب وبن جُرَيْجٍ
وَكَذَلِكَ قَالَ عِرَاكُ بْنُ مَالِكٍ عَنْ أبي هريرة عن النبي
وَقَدِ اتَّفَقَ هَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ فِي رِوَايَتِهِمْ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَلَى لَفْظِ مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الصَّلَاةِ فَقَدْ أَدْرَكَهَا وَتَابَعَ عِرَاكٌ أَبَا سَلَمَةَ وَهُوَ خَبَرٌ مُسْتَفِيضٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحِجَازِ وَغَيْرِهَا وَمَا قَالَ وَاحِدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ مِثْلَ مَا قَالَ يَحْيَى بْنُ حُمَيْدٍ بَلْ قَوْلُهُ قَبْلَ(3/106)
أَنْ يُقِيمَ الْإِمَامُ صُلْبَهُ لَا مَعْنَى لَهُ وَلَا وَجْهَ لِزِيَادَتِهِ
ثُمَّ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ أَحَادِيثَ هَؤُلَاءِ الرُّوَاةِ الثَّمَانِيَةِ وَكَذَا حَدِيثُ عِرَاكِ بْنِ مالك
ثم قال البخاري قال النبي مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الصَّلَاةِ رَكْعَةً فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ وَلَمْ يَقُلْ مَنْ أَدْرَكَ الرُّكُوعَ أَوِ السُّجُودَ أَوِ التَّشَهُّدَ
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ بن عَبَّاسٍ فَرَضَ اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ صَلَاةَ الخوف ركعة وقال بن عباس صلى النبي فِي الْخَوْفِ بِهَؤُلَاءِ رَكْعَةً وَبِهَؤُلَاءِ رَكْعَةً فَالَّذِي يُدْرِكُ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ مِنْ صَلَاةٍ لَا يَقْرَأُ فيها بفاتحة الكتاب فهي خِدَاجٌ وَلَمْ يَخُصَّ صَلَاةً دُونَ صَلَاةٍ
وَالَّذِي يعتمد على قول رسول الله وَهُوَ أَنْ لَا صَلَاةَ إِلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَمَا فَسَّرَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَأَبُو سَعِيدٍ لَا يَرْكَعَنَّ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَقْرَأَ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ
انْتَهَى كَلَامُهُ مُلَخَّصًا مُحَرَّرًا مُلْتَقَطًا مِنْ مَوَاضِعَ شَتَّى مِنْ كِتَابِهِ
وَفِي كَنْزِ الْعُمَّالِ أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْقِرَاءَةِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قال قال رسول الله لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ خَلْفَ الْإِمَامِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَالزِّيَادَةُ الَّتِي فِيهِ صَحِيحَةٌ مَشْهُورَةٌ مِنْ أَوْجُهٍ كَثِيرَةٍ
انْتَهَى كَلَامُهُ
فَهَذَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ أَحَدُ الْمُجْتَهِدِينَ وَوَاحِدٌ مِنْ أَرْكَانِ الدِّينِ قَدْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ مُدْرِكًا لِلرُّكُوعِ لَا يَكُونُ مُدْرِكًا لِلرَّكْعَةِ حَتَّى يَقْرَأَ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ فَمَنْ دَخَلَ مَعَ الْإِمَامِ فِي الرُّكُوعِ فَلَهُ أَنْ يَقْضِيَ تِلْكَ الرَّكْعَةَ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ بَلْ حَكَى الْبُخَارِيُّ هَذَا الْمَذْهَبَ عَنْ كُلِّ مَنْ ذَهَبَ إِلَى وُجُوبِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ
وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ تَحْتَ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا واستدل بِهِ عَلَى أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ رَاكِعًا لَمْ تُحْسَبْ لَهُ تِلْكَ الرَّكْعَةُ لِلْأَمْرِ بِإِتْمَامِ مَا فَاتَهُ الْوُقُوفُ وَالْقِرَاءَةُ فِيهِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ بَلْ حَكَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ عَنْ كُلِّ مَنْ ذَهَبَ إِلَى وجوب القراءة خلف الإمام واختاره بن خُزَيْمَةَ وَالضُّبَعِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ مُحَدِّثِي الشَّافِعِيَّةِ وَقَوَّاهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ السُّبْكِيُّ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ انْتَهَى
قَالَ الْعِرَاقِيُّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ بَعْدَ أَنْ حَكَى عَنْ شَيْخِهِ السُّبْكِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَخْتَارُ أَنَّهُ لَا يَعْتَدُّ بِالرَّكْعَةِ مَنْ لَا يُدْرِكُ الْفَاتِحَةَ مَا لَفْظُهُ وَهُوَ الَّذِي يَخْتَارُهُ وَقَالَ بن حَزْمٍ فِي الْمُحَلَّى لَا بُدَّ فِي الِاعْتِدَادِ بِالرَّكْعَةِ مِنْ إِدْرَاكِ الْقِيَامِ وَالْقِرَاءَةِ بِحَدِيثِ مَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ فَوْتِ الرَّكْعَةِ وَالرُّكْنِ وَالذِّكْرِ الْمَفْرُوضِ لِأَنَّ الْكُلَّ فَرْضٌ لَا تَتِمُّ الصَّلَاةُ إِلَّا بِهِ
قَالَ فَهُوَ مَأْمُورٌ بِقَضَاءِ مَا سَبَقَهُ الْإِمَامُ وَإِتْمَامِهِ فَلَا يَجُوزُ تَخْصِيصُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بِغَيْرِ نَصٍّ آخَرَ وَلَا سَبِيلَ(3/107)
إلى وجوده
قال وقدم أَقْدَمَ بَعْضُهُمْ عَلَى دَعْوَى الْإِجْمَاعِ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ كَاذِبٌ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ قَدْ رَوَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ لَا يُعْتَدُّ بِالرَّكْعَةِ حَتَّى يَقْرَأَ أُمَّ الْقُرْآنِ
ثُمَّ قَالَ فَإِنْ قِيلَ إِنَّهُ يُكَبِّرُ قَائِمًا ثُمَّ يَرْكَعُ فَقَدْ صَارَ مُدْرِكًا لِلْوَقْعَةِ قُلْنَا وَهَذِهِ مَعْصِيَةٌ أُخْرَى وَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ وَلَا رَسُولُهُ أَنْ يَدْخُلَ فِي الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ الْحَالِ الَّتِي يَجِدُ الْإِمَامَ عَلَيْهَا وَأَيْضًا لَا يُجْزِئُ قَضَاءُ شَيْءٍ يَسْبِقُ بِهِ مِنَ الصَّلَاةِ إِلَّا بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ لَا قَبْلَ ذَلِكَ
وَقَالَ أَيْضًا فِي الْجَوَابِ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِحَدِيثِ مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الصَّلَاةِ رَكْعَةً فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُ مَعَ ذَلِكَ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ قَضَاءُ مَا لَمْ يُدْرِكْ مِنَ الصَّلَاةِ انْتَهَى
وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ إِذَا أَدْرَكْتَ الْقَوْمَ رُكُوعًا لَمْ تَعْتَدَّ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ وَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ مَوْقُوفٌ وَأَمَّا الْمَرْفُوعُ فَلَا أَصْلَ لَهُ وَعَزَاهُ الرَّافِعِيُّ تَبَعًا للامام أن أبا عاصم العبادي عن بن خُزَيْمَةَ أَنَّهُ احْتَجَّ بِذَلِكَ
انْتَهَى
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ فَالْعَجَبُ مِمَّنْ يَدَّعِي الْإِجْمَاعَ وَالْمُخَالِفُ مِثْلُ هَؤُلَاءِ انْتَهَى
وَهَذَا أَيْ بِعَدَمِ الِاعْتِدَادِ هُوَ قَوْلُ شَيْخِنَا الْعَلَّامَةِ السَّيِّدِ مُحَمَّدِ نَذِيرِ حُسَيْنٍ الدِّهْلَوِيِّ مَتَّعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِطُولِ بَقَائِهِ
وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْأَئِمَّةِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ إِلَى أَنَّ مُدْرِكَ الرُّكُوعِ مُدْرِكٌ لِلرَّكْعَةِ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ قِرَاءَةِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ
قَالَ حَافِظُ الْمَغْرِبِ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي الِاسْتِذْكَارِ شَرْحِ الْمُوَطَّأِ قَالَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ رَاكِعًا فَكَبَّرَ وَرَكَعَ وَأَمْكَنَ يَدَيْهِ مِنْ رُكْبَتَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ فَقَدْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ وَمَنْ لَمْ يُدْرِكْ ذَلِكَ فَقَدْ فَاتَتْهُ الرَّكْعَةُ وَمَنْ فَاتَتْهُ الرَّكْعَةُ فَقَدْ فَاتَتْهُ السَّجْدَةُ أَيْ لَا يُعْتَدُّ بِهَا
هَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِمْ وَالثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ علي وبن مسعود وزيد وبن عُمَرَ وَقَدْ ذَكَرْنَا الْأَسَانِيدَ عَنْهُمْ فِي التَّمْهِيدِ
انْتَهَى كَلَامُهُ
وَلِلْجُمْهُورِ دَلَائِلُ مِنْهَا حَدِيثُ أَبِي بَكْرَةَ الْمُتَقَدِّمُ ذِكْرُهُ وَمِنْهَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي نَحْنُ فِي شَرْحِهِ وَمِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ مالك في الموطإ أنه بلغه أن بن عُمَرَ وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ كَانَا يَقُولَانِ مَنْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ فَقَدْ أَدْرَكَ السَّجْدَةَ وَمِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ أَيْضًا بَلَاغًا أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يَقُولُ مَنْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ فَقَدْ أَدْرَكَ السَّجْدَةَ وَمَنْ فَاتَهُ قِرَاءَةُ أُمِّ الْقُرْآنِ فَقَدْ فَاتَهُ خَيْرٌ كَثِيرٌ وَمِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ إِذَا فَاتَتْكَ الرَّكْعَةُ فَاتَتْكَ السجدة ومنها ما ذكره بن عبد البر عن علي وبن مسعود وزيد بن ثابت وبن عُمَرَ بِأَسَانِيدِهِ إِلَيْهِمْ فِي التَّمْهِيدِ شَرْحِ الْمُوَطَّأِ ومنها ماقاله الحافظ في التلخيص راجعت صحيح بن خزيمة فوجدته(3/108)
أَخْرَجَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصَّلَاةِ فَقَدْ أَدْرَكَهَا قَبْلَ أَنْ يُقِيمَ الْإِمَامُ صُلْبَهُ وَتَرْجَمَ لَهُ ذِكْرَ الْوَقْتِ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ الْمَأْمُومُ مُدْرِكًا لِلرَّكْعَةِ إِذَا رَكَعَ إِمَامُهُ قَبْلُ وَهَذَا مُغَايِرٌ لِمَا نَقَلُوهُ عَنْهُ
وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّهُ تَرْجَمَ بَعْدَ ذَلِكَ بَابَ إِدْرَاكِ الْإِمَامِ سَاجِدًا وَالْأَمْرِ بِالِاقْتِدَاءِ بِهِ فِي السُّجُودِ وَأَنْ لَا يُعْتَدَّ بِهِ إِذِ الْمُدْرِكُ لِلسَّجْدَةِ إِنَّمَا يَكُونُ بِإِدْرَاكِ الرُّكُوعِ قَبْلَهَا
وَأَخْرَجَ فِيهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا مَرْفُوعًا إِذَا جِئْتُمْ وَنَحْنُ سُجُودٌ فَاسْجُدُوا وَلَا تَعُدُّوهَا شَيْئًا وَمَنْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ وَذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْعِلَلِ نَحْوَهُ عَنْ مُعَاذٍ وَهُوَ مُرْسَلُ انْتَهَى
وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ فِي بَابِ مَنْ صَلَّى خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ وَقَدْ رُوِيَ عن جماعة من أصحاب رسول الله أَنَّهُمْ رَكَعُوا دُونَ الصَّفِّ ثُمَّ مَشَوْا إِلَى الصَّفِّ وَاعْتَدُّوا بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ الَّتِي رَكَعُوهَا دُونَ الصَّفِّ ثُمَّ سَاقَ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ دَخَلْتُ المسجد أنا وبن مَسْعُودٍ فَأَدْرَكْنَا الْإِمَامَ وَهُوَ رَاكِعٌ فَرَكَعْنَا ثُمَّ مَشَيْنَا حَتَّى اسْتَوَيْنَا بِالصَّفِّ فَلَمَّا قَضَى الْإِمَامُ الصَّلَاةَ قُمْتُ لِأَقْضِيَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ قَدْ أَدْرَكْتَ الصَّلَاةَ
وَأَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ سَيَّارٍ أَبِي الحكم عن طارق قال كنا مع بن مَسْعُودٍ فَقَامَ وَقُمْنَا فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ فَرَأَى النَّاسَ رُكُوعًا فِي مُقَدَّمِ الْمَسْجِدِ فَكَبَّرَ فَرَكَعَ وَمَشَى وَفَعَلْنَا مِثْلَ مَا فَعَلَ
وَأَخْرَجَ عَنْ سُفْيَانَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ قَالَ رَأَيْتُ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَالنَّاسُ رُكُوعٌ فَمَشَى حَتَّى إِذَا أَمْكَنَهُ أَنْ يَصِلَ إِلَى الصَّفِّ وَهُوَ رَاكِعٌ كَبَّرَ فَرَكَعَ ثُمَّ دَبَّ وَهُوَ رَاكِعٌ حَتَّى وَصَلَ الصَّفَّ
وَأَخْرَجَ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ كَانَ يَرْكَعُ عَلَى عَتَبَةِ الْمَسْجِدِ وَوَجْهُهُ إِلَى الْقِبْلَةِ ثُمَّ يَمْشِي معترضا على شقة الأيمن ثم يعتد بهاإن وَصَلَ إِلَى الصَّفِّ أَوْ لَمْ يَصِلْ
انْتَهَى
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ بَابُ إِذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ رَاكِعًا قَالَ الشَّافِعِيُّ بِإِسْنَادِهِ إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَالْإِمَامُ رَاكِعٌ فَرَكَعَ ثُمَّ دَبَّ رَاكِعًا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَهَكَذَا نَقُولُ وَقَدْ فَعَلَ هَذَا زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ ثُمَّ سَاقَ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَأَبَى أُمَامَةَ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ ثُمَّ قَالَ وَقَدْ رُوِّينَا فِي ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَفِي مَعْنَاهُ حَدِيثُ أَبِي بكرة أنه دخل المسجد والنبي رَاكِعٌ فَرَكَعَ دُونَ الصَّفِّ ثُمَّ مَشَى إِلَى الصَّفِّ وَفِي ذَلِكَ دَلَالَةٌ عَلَى إِدْرَاكِ الرَّكْعَةِ بإدراك الركوع وقد روي صريحا عن بن مسعود وزيد بن ثابت وبن عمر وفي خبر مرسل عن النبي وَفِي خَبَرٍ مَوْصُولٍ عَنْهُ غَيْرِ قَوِيٍّ
أَمَّا الْمُرْسَلُ فَرَوَاهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ رُفَيْعٍ عَنْ رجل عن النبي وَأَمَّا الْمَوْصُولُ فَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا إِذَا جِئْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ الْحَدِيثَ وَتَفَرَّدَ بِهِ يَحْيَى وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ
انْتَهَى كَلَامُهُ مُلَخَّصًا(3/109)
وَفِي كَنْزِ الْعُمَّالِ فِي سُنَنِ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ أخرج بن أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنَ الْأَنْصَارِ عن النبي أَنَّهُ سَمِعَ خَفْقَ نَعْلِي وَهُوَ سَاجِدٌ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ قَالَ مَنْ هَذَا الَّذِي سَمِعْتُ خَفْقَ نَعْلِهِ فَقَالَ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ فَمَا صَنَعْتَ قَالَ وَجَدْتُكَ سَاجِدًا فَسَجَدْتُ فَقَالَ هَكَذَا فَاصْنَعُوا وَلَا تَعْتَدُّوا بِهَا مَنْ وَجَدَنِي رَاكِعًا أَوْ قَائِمًا أَوْ سَاجِدًا فَلْيَكُنْ مَعِي عَلَى حَالَتِي الَّتِي أَنَا عَلَيْهَا وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ زَيْدَ بن ثابت وبن عُمَرَ كَانَا يُفْتِيَانِ الرَّجُلَ إِذَا انْتَهَى إِلَى الْقَوْمِ وَهُمْ رُكُوعٌ أَنْ يُكَبِّرَ تَكْبِيرَةً وَقَدْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ قَالَا وَإِنْ وَجَدَهُمْ سُجُودًا سَجَدَ مَعَهُمْ وَلَمْ يَعْتَدَّ بِذَلِكَ وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنِ بن مَسْعُودٍ قَالَ مَنْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ وَمَنْ فَاتَهُ الرُّكُوعُ فَلَا يَعْتَدَّ بِالسُّجُودِ انْتَهَى
وَقَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ تَحْتَ حَدِيثِ وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا اسْتَدَلَّ قَوْمٌ عَلَى أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ رَاكِعًا لَمْ تُحْسَبْ لَهُ تِلْكَ الرَّكْعَةُ لِلْأَمْرِ بِإِتْمَامِ مَا فَاتَهُ وَقَدْ فَاتَهُ الْقِيَامُ وَالْقِرَاءَةُ فِيهِ وَهُوَ أَيْضًا مَذْهَبُ مَنْ ذَهَبَ إِلَى وُجُوبِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا وَاخْتَارَهُ بن خُزَيْمَةَ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ يَكُونُ مُدْرِكًا لِتِلْكَ الرَّكْعَةِ لِحَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ حَيْثُ رَكَعَ دُونَ الصَّفِّ وَلَمْ يَأْمُرْ بِإِعَادَةِ تِلْكَ الرَّكْعَةِ
وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ قَالَ قَالَ رَسُولُ الله لَا تُبَادِرُونِي بِرُكُوعٍ وَلَا سُجُودٍ فَإِنَّهُ مَهْمَا أَسْبِقُكُمْ بِهِ إِذَا رَكَعْتُ تُدْرِكُونِي بِهِ إِذَا رَفَعْتُ وَإِنِّي قَدْ بَدَنْتُ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُقْتَدِيَ إِذَا لَحِقَ الْإِمَامَ وَهُوَ فِي الرُّكُوعِ فَلَوْ شَرَعَ مَعَهُ مَا لَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ يَصِيرُ مُدْرِكًا لِتِلْكَ الرَّكْعَةِ فَإِذَا شَرَعَ وَقَدْ رَفَعَ رَأْسَهُ لَا يَكُونُ مُدْرِكًا لِتِلْكَ الرَّكْعَةِ وَلَوْ رَكَعَ الْمُقْتَدِي قَبْلَ الْإِمَامِ فَلَحِقَهُ الْإِمَامُ قَبْلِ قِيَامِهِ يَجُوزُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ
انْتَهَى كَلَامُ الْعَيْنِيِّ
وَأَنْتَ رَأَيْتَ كَلَامَ الْعَلَّامَةِ الشَّوْكَانِيِّ فِي نَيْلِ الْأَوْطَارِ أَنَّهُ رَجَّحَ مَذْهَبَ مَنْ يَقُولُ بِعَدَمِ اعْتِدَادِ الرَّكْعَةِ بِإِدْرَاكِ الرُّكُوعِ مِنْ غَيْرِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِيهِ وَأَجَابَ عَنْ أَدِلَّةِ الْجُمْهُورِ الْقَائِلِينَ بِإِدْرَاكِ الرَّكْعَةِ بِمُجَرَّدِ الدُّخُولِ فِي الرُّكُوعِ مَعَ الْإِمَامِ وَحَقَّقَ الْعَلَّامَةُ الشَّوْكَانِيُّ فِي الْفَتْحِ الرَّبَّانِيِّ فِي فَتَاوَى الشَّوْكَانِيِّ خِلَافَ ذَلِكَ وَرَجَّحَ مَذْهَبَ الْجُمْهُورِ وَهَذِهِ عِبَارَتُهُ مِنْ غَيْرِ تَلْخِيصٍ وَلَا اخْتِصَارٍ مَا قَوْلُ عُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم فِي قِرَاءَةِ أُمِّ الْقُرْآنِ هَلْ يَجِبُ عَلَى مَنْ لَحِقَ إِمَامَهُ فِي الرُّكُوعِ أَنْ يَأْتِيَ بِرَكْعَةٍ عَقِبَ سَلَامِ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ قَدْ فَاتَهُ الْقِيَامُ وَالْقِرَاءَةُ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ مَفْهُومُ حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا وَفِي رِوَايَةٍ فَاقْضُوهَا وَكَمَا وَافَقَهُ زِيَادَةُ الطَّبَرَانِيِّ فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ بَعْدَ قَوْلِ النبي لَهُ زَادَكَ اللَّهُ حِرْصًا وَلَا تَعُدْ زَادَ الطبراني(3/110)
صَلِّ مَا أَدْرَكْتَ وَاقْضِ مَا سَبَقَكَ انْتَهَى
وكما في مصنف بن أَبِي شَيْبَةَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَا أَجِدُهُ عَلَى حَالَةٍ إِلَّا كُنْتُ عَلَيْهَا وَقَضَيْتُ مَا سَبَقَنِي فَوَجَدَهُ قد سبقه يعني النبي بِبَعْضِ الصَّلَاةِ أَوْ قَالَ بِبَعْضِ رَكْعَةٍ فَوَافَقَهُ فِيمَا هُوَ فِيهِ وَأَتَى بِرَكْعَةٍ بَعْدَ السَّلَامِ فقال إِنَّ مُعَاذًا قَدْ سَنَّ لَكُمْ فَهَكَذَا فَاصْنَعُوا أَوْ يَكُونُ مُدْرِكًا لِلرَّكْعَةِ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ قراءة الفاتحة بمقتضى ما أخرجه بن خزيمة في صحيحه أن رسول الله قَالَ مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مَعَ الْإِمَامِ قَبْلَ أَنْ يُقِيمَ صُلْبَهُ فَقَدْ أَدْرَكَهَا وَتَرْجَمَ لَهُ بن خُزَيْمَةَ بَابَ ذِكْرِ الْوَقْتِ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ الْمَأْمُومُ مُدْرِكًا لِلرَّكْعَةِ وَلِمَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مَنْ كَانَ لَهُ إِمَامٌ فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ وإن كان الحافظ بن حَجَرٍ فِي فَتْحِ الْبَارِي قَالَ طُرُقُهُ كُلُّهَا ضعاف عند جميع الحفاظ وقال بن تَيْمِيَةَ رُوِيَ مُسْنَدًا مِنْ طُرُقٍ كُلِّهَا ضِعَافٌ والصحيح أنه مرسل وقد قواه بن الْهُمَامِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِكَثْرَةِ طُرُقِهِ وَذَكَرَ الْفَقِيهُ صَالِحُ الْمَقْبِلِيُّ فِي الْأَبْحَاثِ الْمُسَدَّدَةِ بَحْثًا زَادَ السَّائِلَ تَرَدُّدًا فَأفْضُلُوا بِمَا يَطْمَئِنُّ بِهِ الْخَاطِرُ جَزَاكُمُ اللَّهُ خَيْرًا عَنِ الْمُسْلِمِينَ أَفْضَلَ الْجَزَاءِ
الْجَوَابُ لِبَقِيَّةِ الْحُفَّاظِ الْقَاضِي الْعَلَّامَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الشَّوْكَانِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ قَدْ تَقَرَّرَ بِالْأَدِلَّةِ الصَّحِيحَةِ أَنَّ الْفَاتِحَةَ وَاجِبَةٌ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ عَلَى كُلِّ مُصَلٍّ إِمَامٍ وَمَأْمُومٍ وَمُنْفَرِدٍ أَمَّا الْإِمَامُ وَالْمُنْفَرِدُ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا الْمَأْمُومُ فَلِمَا صَحَّ مِنْ طُرُقٍ مِنْ نَهْيهِ عَنِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ إِلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَأَنَّهُ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِهَا ولما ورد في حديث المسىء صلاته من قوله ثُمَّ كَذَلِكَ فِي كُلِّ رَكَعَاتِكَ فَافْعَلْ بَعْدَ أَنْ عَلَّمَهُ الْقِرَاءَةَ لِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَدِلَّةَ الْمُصَرِّحَةَ بِأَنْ لَا صَلَاةَ إِلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهَا أَنَّهَا تَكْفِي الْمَرَّةُ الْوَاحِدَةُ فِي جُمْلَةِ الصَّلَاةِ فَقَدْ دَلَّتِ الْأَدِلَّةُ عَلَى وُجُوبِهَا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ دَلَالَةً وَاضِحَةً ظَاهِرَةً بَيِّنَةً
إِذَا تَقَرَّرَ لَكَ هَذَا فَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ عَلَى حَالِهِ فَلْيَصْنَعْ كَمَا يَصْنَعُ الْإِمَامُ فَمَنْ وَصَلَ وَالْإِمَامُ فِي آخِرِ الْقِيَامِ فَلْيَدْخُلْ مَعَهُ فَإِذَا رَكَعَ بَعْدَ تَكْبِيرِ الْمُؤْتَمِّ فَقَدْ وَرَدَ الأمر بمتابعة لَهُ بِقَوْلِهِ وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا كَمَا فِي حديث إنما جعل الإمام ليأتم بِهِ وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ فَلَوْ تَوَقَّفَ الْمُؤْتَمُّ عَنِ الرُّكُوعِ بَعْدَ رُكُوعِ الْإِمَامِ وَأَخَذَ يَقْرَأُ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ لَكَانَ مُخَالِفًا لِهَذَا الْأَمْرِ فَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّهُ يَدْخُلُ مَعَ الْإِمَامِ وَتَقَرَّرَ أَنَّهُ يُتَابِعُهُ وَيَرْكَعُ بِرُكُوعِهِ ثُمَّ ثَبَتَ بِحَدِيثِ مَنْ أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً قَبْلَ أَنْ يُقِيمَ صُلْبَهُ فَقَدْ أَدْرَكَهَا أَنَّ هَذَا الدَّاخِلَ مَعَ الْإِمَامِ الَّذِي لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ قَدْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ بِمُجَرَّدِ إِدْرَاكِهِ لَهُ رَاكِعًا
فَعَرَفْتَ بِهَذَا أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْحَالَةِ مُخَصَّصَةٌ مِنْ عُمُومِ إِيجَابِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَأَنَّهُ لَا وَجْهَ لِمَا قِيلَ أَنَّهُ يَقْرَأُ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَيَلْحَقُ الْإِمَامَ رَاكِعًا وَأَنَّ الْمُرَادَ الْإِدْرَاكُ الْكَامِلُ وَهُوَ لَا يَكُونُ إِلَّا مَعَ إِدْرَاكِ الْفَاتِحَةِ(3/111)
فَإِنَّ هَذَا يُؤَدِّي إِلَى إِهْمَالِ حَدِيثِ إِدْرَاكِ الْإِمَامِ قَبْلَ أَنْ يُقِيمَ صُلْبَهُ فَإِنَّ ظَاهِرَهُ بَلْ صَرِيحَهُ أَنَّ الْمُؤْتَمَّ إِذَا وَصَلَ وَالْإِمَامُ رَاكِعٌ وَكَبَّرَ وَرَكَعَ قَبْلَ أَنْ يُقِيمَ الْإِمَامُ صُلْبَهُ فَقَدْ صَارَ مُدْرِكًا لِتِلْكَ الرَّكْعَةِ وَإِنْ لَمْ يَقْرَأْ حَرْفًا مِنْ حُرُوفِ الْفَاتِحَةِ فَهَذَا الْأَمْرُ الْأَوَّلُ مِمَّا يَقَعُ فِيهِ مَنْ عَرَضَتْ لَهُ الشُّكُوكُ لِأَنَّهُ إِذَا وَصَلَ وَالْإِمَامُ رَاكِعٌ أَوْ فِي آخِرِ الْقِيَامِ ثُمَّ أَخَذَ يَقْرَأُ وَيُرِيدُ أَنْ يَلْحَقَ الْإِمَامَ الَّذِي قَدْ صَارَ رَاكِعًا فَقَدْ حَاوَلَ مَا لَا يُمْكِنُ الْوَفَاءُ بِهِ فِي غَالِبِ الْحَالَاتِ فَمِنْ هَذِهِ الْحَيْثَيَّةِ مُهْمِلًا لِحَدِيثِ إِدْرَاكِ الْإِمَامِ قَبْلَ أَنْ يُقِيمَ صُلْبَهُ
الْأَمْرُ الثَّانِي أَنَّهُ صَارَ مُخَالِفًا لِأَحَادِيثِ الِاقْتِدَاءِ بِالْإِمَامِ وَإِيجَابِ الرُّكُوعِ بِرُكُوعِهِ وَالِاعْتِدَالِ بِاعْتِدَالِهِ وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّهُ وَصَلَ حَالَ رُكُوعِ الْإِمَامِ أَوْ بَعْدَ رُكُوعِهِ ثُمَّ أَخَذَ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ مِنْ أَوَّلهَا إِلَى آخِرِهَا وَمَنْ كَانَ هَكَذَا فَهُوَ مُخَالِفٌ لِإِمَامِهِ لَمْ يَرْكَعْ بِرُكُوعِهِ وَقَدْ يَفُوتُهُ أَنْ يَعْتَدِلَ بِاعْتِدَالِهِ وَامْتِثَالُ الْأَمْرِ بِمُتَابَعَةِ الْإِمَامِ وَاجِبٌ وَمُخَالَفَتُهُ حَرَامٌ
الْأَمْرُ الثَّالِثُ أَنَّ قوله من أدرك الإمام على حاله فليصنع كما يَصْنَعُ الْإِمَامُ يَدُلُّ عَلَى لُزُومِ الْكَوْنِ مَعَ الْإِمَامِ عَلَى الْحَالَةِ الَّتِي أَدْرَكَهُ عَلَيْهَا وَأَنَّهُ يَصْنَعُ مِثْلَ صُنْعِهِ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ الْوَفَاءُ بِذَلِكَ إِلَّا إِذَا رَكَعَ بِرُكُوعِهِ وَاعْتَدَلَ بِاعْتِدَالِهِ فَإِذَا أَخَذَ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ فَقَدْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ عَلَى حَالَةٍ وَلَمْ يَصْنَعْ كَمَا صَنَعَ إِمَامُهُ فَخَالَفَ الْأَمْرَ الَّذِي يَجِبُ امْتِثَالُهُ وَتَحْرُمُ مُخَالَفَتُهُ
وَإِذَا اتَّضَحَ لَكَ مَا فِي إِيجَابِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ عَلَى الْمُؤْتَمِّ الْمُدْرِكِ لِإِمَامِهِ حَالَ الرُّكُوعِ أَوْ بَعْدَهُ مِنَ الْمَفَاسِدِ الَّتِي حَدَثَتْ بِسَبَبِ وُقُوعِهِ فِي مُخَالَفَةِ ثَلَاثِ سُنَنٍ صِحَاحٍ كَمَا ذَكَرْنَا تَقَرَّرَ لَكَ أَنَّ الْحَقَّ مَا قَدَّمْنَا لَكَ مِنْ أَنَّ تِلْكَ الْحَالَةَ الَّتِي وَقَعَتْ لِلْمُؤْتَمِّ وَهِيَ إِدْرَاكُ إِمَامِهِ مُشَارِفًا لِلرُّكُوعِ أو ركعا أَوْ بَعْدَ الرُّكُوعِ مُخَصَّصَةٌ مِنْ أَدِلَّةِ إِيجَابِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ عَلَى كُلِّ مُصَلٍّ
وَمِمَّا يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْنَا الْحَدِيثُ الْوَارِدُ مَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ سَاجِدًا فَلْيَسْجُدْ مَعَهُ وَلَا يَعُدُّ ذَلِكَ شَيْئًا فَإِنَّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ أَدْرَكَهُ رَاكِعًا يَعْتَدُّ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ وَهَذَا الْحَدِيثُ يَنْبَغِي أَنْ يُجْعَلَ لَاحِقًا بِتِلْكَ الثَّلَاثَةِ الْأُمُورِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فَيَكُونَ رَابِعًا لَهَا فِي الِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى الْمَطْلُوبِ وَفِي كَوْنِ مَنْ لَمْ يَدْخُلْ مَعَ الْإِمَامِ وَيَعْتَدُّ بِذَلِكَ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَدْ خَالَفَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ هَذَا الْحَدِيثُ
وَفِي هَذَا الْمِقْدَارِ الَّذِي ذَكَرْنَا كِفَايَةٌ فَاشْدُدْ بِذَلِكَ وَدَعْ عَنْكَ مَا قَدْ وَقَعَ فِي هَذَا الْمَبْحَثِ مِنَ الْخَبْطِ وَالْخَلْطِ وَالتَّرَدُّدِ وَالتَّشَكُّكِ وَالْوَسْوَسَةِ
وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ
انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ بِلَفْظِهِ وَحُرُوفِهِ مِنَ الْفَتْحِ الرَّبَّانِيِّ
قَالَ شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ حُسَيْنُ بْنُ مُحْسِنٍ الْأَنْصَارِيُّ وَقَدْ كَتَبَ فِي هَذِهِ فِي فَتَاوَاهُ أَرْبَعَةَ سُؤَالَاتٍ وَقَدْ أَجَابَ عَنْهَا وَهَذَا آخِرُهَا وَهُوَ الَّذِي ارْتَضَاهُ كَمَا تَرَاهُ وَاسْمُ الْفَتَاوَى الْفَتْحُ الرَّبَّانِيُّ فِي فَتَاوَى الْإِمَامِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الشَّوْكَانِيِّ سَمَّاهُ بِذَلِكَ وَلَدُهُ الْعَلَّامَةُ شَيْخُنَا أَحْمَدُ بْنُ(3/112)
مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الشَّوْكَانِيِّ حَرَّرَهُ الْفَقِيرُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى حُسَيْنُ بْنُ مُحْسِنٍ الْخَزْرَجِيُّ السَّعْدِيُّ
انْتَهَى
وَقَدْ أَطَالَ الْكَلَامَ فِي غَايَةِ الْمَقْصُودِ وَهَذَا مُلْتَقَطٌ مِنْهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
(فَقَدْ أَدْرَكَ الصلاة) قال بن أَرْسَلَانَ الْمُرَادُ بِالصَّلَاةِ هُنَا الرَّكْعَةُ أَيْ صَحَّتْ لَهُ تِلْكَ الرَّكْعَةُ وَحَصَلَ لَهُ فَضِيلَتُهَا
انْتَهَى
قُلْتُ إِذَا أُرِيدَ بِالرَّكْعَةِ مَعْنَاهَا الْمَجَازِيُّ أَيِ الرُّكُوعُ فَإِرَادَةُ الرَّكْعَةِ بِالصَّلَاةِ ظَاهِرٌ وَأَمَّا إِذَا أُرِيدَ بِالرَّكْعَةِ مَعْنَاهَا الْحَقِيقِيُّ فَلَا
وَقِيلَ ثَوَابُ الجماعة
قال بن الْمَلِكِ وَقِيلَ الْمُرَادُ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ وَإِلَّا فَغَيْرُهَا يَحْصُلُ ثَوَابُ الْجَمَاعَةِ فِيهِ بِإِدْرَاكِ جُزْءٍ مِنَ الصَّلَاةِ
قَالَ الطِّيبِيُّ وَمَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ إِلَّا بِإِدْرَاكِ رَكْعَةٍ تَامَّةٍ سَوَاءٌ فِي الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا
كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ
(بَاب أَعْضَاءِ السُّجُودِ)
[889] (أُمِرَ) قَالَ الْحَافِظُ هُوَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ عَلَى الْبِنَاءِ لِمَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ وَهُوَ اللَّهُ جَلَّ جَلَالُهُ
قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ عُرِفَ ذَلِكَ بِالْعُرْفِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ
قِيلَ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ صِيغَةُ أَفْعَلَ
انْتَهَى
وَتَعَقَّبَ عَلَيْهِ الشَّوْكَانِيُّ حَيْثُ قَالَ لَفْظُ أُمِرَ أَدَلُّ عَلَى الْمَطْلُوبِ مِنْ صِيغَةِ أَفْعَلَ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ انْتَهَى
وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنِ بن عَبَّاسٍ بِلَفْظِ أُمِرْنَا (عَلَى سَبْعَةٍ) أَيْ عَلَى سَبْعَةِ أَعْضَاءٍ وَيَجِيءُ بَيَانُهَا (وَلَا يَكُفَّ شَعْرًا وَلَا ثَوْبًا) هُوَ إِمَّا بِمَعْنَى الْمَنْعِ أَيْ لَا يَمْنَعُهُمَا مِنَ الِاسْتِرْسَالِ حَالَ السُّجُودِ لِيَقَعَا عَلَى الْأَرْضِ أَوْ بِمَعْنَى الْجَمْعِ أَيْ لَا يَجْمَعُ ثَوْبَهُ وَلَا شَعْرَهُ وَظَاهِرُهُ يَقْتَضِي أَنَّ النَّهْيَ عَنْهُ فِي حَالِ الصَّلَاةِ وَإِلَيْهِ جَنَحَ الدَّاوُدِيُّ وَرَدَّهُ عِيَاضٌ بِأَنَّهُ خِلَافُ مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ فَإِنَّهُمْ كَرِهُوا ذَلِكَ لِلْمُصَلِّي سَوَاءٌ فَعَلَهُ فِي الصَّلَاةِ أَوْ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهَا
قَالَ الْحَافِظُ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُفْسِدُ الصلاة لكن حكى بن الْمُنْذِرِ عَنِ الْحَسَنِ وُجُوبَ الْإِعَادَةِ
قِيلَ وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا رَفَعَ ثَوْبَهُ وَشَعْرَهُ عَنْ مُبَاشَرَةِ الْأَرْضِ أَشْبَهَ الْمُتَكَبِّرَ
انْتَهَى
وَقَالَ النَّوَوِيُّ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى النَّهْيِ عَنْ الصَّلَاةِ وَثَوْبُهُ مُشَمَّرٌ أَوْ كُمُّهُ أَوْ نَحْوُهُ أَوْ رَأْسُهُ مَعْقُوصٌ أَوْ مَرْدُودٌ شَعْرُهُ تَحْتَ عِمَامَتِهِ أَوْ(3/113)
نَحْوَ ذَلِكَ فَكُلُّ هَذَا مَنْهِيٌّ عَنْهُ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ فَلَوْ صَلَّى كَذَلِكَ فَقَدْ أَسَاءَ وَصَحَّتْ صَلَاتُهُ
ثُمَّ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ أَنَّ النَّهْيَ مُطْلَقًا لِمَنْ صَلَّى كَذَلِكَ سَوَاءٌ تَعَمَّدَهُ لِلصَّلَاةِ أَمْ كَانَ قَبْلَهَا كَذَلِكَ لَا لَهَا بَلْ لِمَعْنًى آخَرَ وَهُوَ الْمُخْتَارُ الصَّحِيحُ وَهُوَ الظَّاهِرُ الْمَنْقُولُ عَنِ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ
انْتَهَى مُلَخَّصًا
[890] (أُمِرَ نَبِيُّكُمْ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ آرَابٍ) بِالْمَدِّ جَمْعُ إِرْبٍ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَإِسْكَانِ ثَانِيَهِ وَهُوَ الْعُضْوُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ
انْتَهَى
قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَأَخْطَأَ الْمُنْذِرِيُّ إِذَ عَزَا فِي مُخْتَصَرِهِ هَذَا الْحَدِيثَ لِلْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وليس فيهما لفظ اراب أَصْلًا
[891] (وَجْهُهُ) بِالرَّفْعِ بَيَانٌ لِسَبْعَةِ آرَابٍ وَالْمُرَادُ بالوجه ها هنا الْجَبْهَةُ وَالْأَنْفُ كَمَا فِي رِوَايَةٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ عن بن عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعٍ وَلَا أَكْفِتَ الشَّعْرَ وَلَا الثِّيَابَ الْجَبْهَةِ وَالْأَنْفِ وَالْيَدَيْنِ الْحَدِيثَ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ عَلَى الْجَبْهَةِ وَأَشَارَ بِيَدِهِ عَلَى أَنْفِهِ الْحَدِيثَ
قَالَ الْحَافِظُ كَأَنَّهُ ضَمَّنَ أشار معنى أمر بتشديد الراء فلذلك عبداه بِعَلَى دُونَ إِلَى وَوَقَعَ فِي الْعُمْدَةِ بِلَفْظِ إِلَى وَهِيَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ مِنْ رِوَايَةِ كَرِيمَةَ وَعِنْدَ النَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عيينة عن بن طاؤس فَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ وَقَالَ فِي آخِرِهِ قَالَ بن طَاوُسٍ وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى جَبْهَتِهِ وَأَمَرَّهَا عَلَى أَنْفِهِ وَقَالَ هَذَا وَاحِدٌ فَهَذِهِ رِوَايَةٌ مُفَسِّرَةٌ
انْتَهَى
وَاعْلَمْ أَنَّهُ ذَهَبَ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَغَيْرُهُمْ إِلَى وُجُوبِ السُّجُودِ عَلَى الْجَبْهَةِ وَالْأَنْفِ جَمِيعًا وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ السُّجُودُ عَلَى الْجَبْهَةِ دُونَ الْأَنْفِ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ إِنَّهُ يُجْزِئُ السُّجُودُ على الأنف وحدها
وقد نقل بن الْمُنْذِرِ إِجْمَاعَ الصَّحَابَةِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ السجود على الأنف وحده
واستدل الطائفة الأولى برواية مسلم المذكورة عن بن عَبَّاسٍ وَلِأَنَّهُ جَعَلَهُمَا كَعُضْوٍ وَاحِدٍ وَلَوْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عُضْوًا مُسْتَقِلًّا لَلَزِمَ أَنْ تَكُونَ الْأَعْضَاءُ ثَمَانِيَةً وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكْتَفِيَ بِالسُّجُودِ عَلَى الْأَنْفِ وَحْدَهَا وَالْجَبْهَةِ وَحْدَهَا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَعْضُ الْعُضْوِ وَهُوَ يَكْفِي كَمَا فِي غَيْرِهِ مِنَ الْأَعْضَاءِ(3/114)
وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الْمَشْيَ عَلَى الْحَقِيقَةِ هُوَ الْمُتَحَتِّمُ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْجَبْهَةَ وَالْأَنْفَ حَقِيقَةٌ فِي الْمَجْمُوعِ وَبِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ الَّذِي يَأْتِي فِي بَابِ السُّجُودِ عَلَى الْأَنْفِ وَالْجَبْهَةِ
وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِرِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ أُمِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْضَاءٍ وَلَا يَكُفَّ شَعَرًا وَلَا ثَوْبًا الْجَبْهَةِ وَالْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ وَتَمَسَّكَ الْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ بِرِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ الْمَذْكُورَةِ بِلَفْظِ أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ عَلَى الْجَبْهَةِ وَأَشَارَ بِيَدِهِ عَلَى أَنْفِهِ الْحَدِيثَ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الْجَبْهَةَ وَأَشَارَ إِلَى الْأَنْفِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ الْمُرَادُ
وَالْأَقْرَبُ إِلَى الصَّوَابِ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْأَوَّلُونَ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (وَقَدَمَاهُ) أَيْ أَطْرَافُ قَدَمَيْهِ
قَالَ المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وبن مَاجَهْ
انْتَهَى
وَاعْلَمْ أَنَّ حَدِيثَ الْعَبَّاسِ هَذَا عَزَاهُ جَمَاعَةٌ إِلَى مُسْلِمٍ مِنْهُمْ أَصْحَابُ الْأَطْرَافِ وَالْحُمَيْدِيُّ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سننه وبن الْجَوْزِيِّ فِي جَامِعِ الْمَسَانِيدِ وَفِي التَّحْقِيقِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ
ولم يذكر القاضي عياض لفظة اراب فِي مَشَارِقِ الْأَنْوَارِ الَّذِي وَضَعَهُ عَلَى أَلْفَاظِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَالْمُوَطَّأِ وَأَنْكَرَهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فقال قال المازري قوله عليه السلام سجد معه سبعة اراب
قال الهروي اراب الْأَعْضَاءُ وَاحِدُهَا إِرْبٌ
قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَهَذَا اللَّفْظُ لَمْ يَقَعْ عِنْدَ شُيُوخِنَا فِي مُسْلِمٍ وَلَا هِيَ فِي النُّسَخِ الَّتِي رَأَيْنَا وَالَّتِي فِي كِتَابِ مُسْلِمٍ سَبْعَةُ أَعْظُمٍ
انْتَهَى
قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَالَّذِي يَظْهَرُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَهُمْ سَبَقَ بِالْوَهْمِ فَتَبِعَهُ الْبَاقُونَ وَهُوَ مَحَلُّ اشْتِبَاهٍ
[892] (إِنَّ الْيَدَيْنِ تَسْجُدَانِ) الْمُرَادُ بِالْيَدَيْنِ الْكَفَّانِ لِئَلَّا يَدْخُلَ تَحْتَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ مِنَ افْتِرَاشِ السَّبْعِ والكلب
قال المنذري وأخرجه النسائي(3/115)
8 - (بَاب السُّجُودِ عَلَى الْأَنْفِ وَالْجَبْهَةِ)
[894] (وعَلَى أَرْنَبَتِهِ) بِفَتْحِ هَمْزَةٍ وَنُونٍ وَمُوَحَّدَةٍ وَسُكُونِ رَاءٍ طَرَفِ الْأَنْفِ (أَثَرُ طِينٍ) أَيْ وَمَاءٍ كَمَا فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ (مِنْ صَلَاةٍ صَلَّاهَا بِالنَّاسِ) أَيْ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَهُوَ دَالٌّ عَلَى وُجُوبِ السُّجُودِ عَلَيْهِمَا وَلَوْلَا ذَلِكَ لَصَانَهُمَا عَنْ لَوْثِ الطِّينِ
قَالَ الْحَافِظُ وَفِيهِ نَظَرٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الِاخْتِلَافِ فِي أَنَّ وُجُوبَ السُّجُودِ هَلْ هُوَ عَلَى الْجَبْهَةِ وَحْدَهَا أَوْ عَلَى الْأَنْفِ وَحْدَهَا أَوْ عَلَى الْجَبْهَةِ وَالْأَنْفِ جَمِيعًا وَلَا خِلَافَ أَنَّ السُّجُودَ عَلَى مَجْمُوعِ الْجَبْهَةِ وَالْأَنْفِ مُسْتَحَبٌّ
وَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ وَائِلٍ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْجُدُ عَلَى الْأَرْضِ وَاضِعًا جَبْهَتَهُ وَأَنْفَهُ فِي سُجُودِهِ
وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طريق عكرمة عن بن عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَا يُصِيبُ أَنْفُهُ مِنَ الْأَرْضِ مَا يُصِيبُ الْجَبِينُ
قَالَ الدارقطني الصواب عن عكرمة عن بن عَبَّاسٍ قَالَ إِذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَضَعْ أَنْفَهُ عَلَى الْأَرْضِ فَإِنَّكُمْ قَدْ أُمِرْتُمْ بِذَلِكَ كَذَا فِي النَّيْلِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِنَحْوِهِ أَتَمَّ مِنْهُ
(بَاب صِفَةِ السُّجُودِ)
[896] (وَرَفَعَ عَجِيزَتَهُ) هِيَ الْعَجُزُ لِلْمَرْأَةِ فَاسْتَعَارَهَا لِلرَّجُلِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ(3/116)
[897] (اعْتَدِلُوا فِي السُّجُودِ) أَيْ تَوَسَّطُوا بَيْنَ الِافْتِرَاشِ وَالْقَبْضِ وَبِوَضْعِ الْكَفَّيْنِ عَلَى الْأَرْضِ وَرَفْعِ الْمِرْفَقَيْنِ عَنْهَا وَعَنِ الْجَنْبَيْنِ وَالْبَطْنِ عَنِ الْفَخِذِ إِذْ هُوَ أَشْبَهُ بِالتَّوَاضُعِ وَأَبْلَغُ فِي تَمْكِينِ الْجَبْهَةِ وَأَبْعَدُ مِنَ الْكُسَالَةِ كَذَا فِي الْمَجْمَعِ
قَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ لَعَلَّ الْمُرَادَ بِالِاعْتِدَالِ هُنَا وَضْعُ هَيْئَةِ السُّجُودِ عَلَى وَفْقِ الْأَمْرِ لِأَنَّ الِاعْتِدَالَ الْحِسِّيَّ الْمَطْلُوبَ فِي الرُّكُوعِ لَا يَتَأَتَّى هُنَا فَإِنَّهُ هُنَاكَ اسْتِوَاءُ الظَّهْرِ وَالْعُنُقِ وَالْمَطْلُوبُ هُنَا ارْتِفَاعُ الْأَسَافِلِ عَلَى الْأَعَالِي قَالَ وَقَدْ ذُكِرَ الْحُكْمُ هُنَا مَقْرُونًا بِعِلَّتِهِ فَإِنَّ التَّشَبُّهَ بِالْأَشْيَاءِ الْخَسِيسَةِ يُنَاسِبُ تَرْكَهُ فِي الصَّلَاةِ انْتَهَى
قَالَ الْحَافِظُ وَالْهَيْئَةُ الْمَنْهِيُّ عَنْهَا أَيْضًا مُشْعِرَةٌ بِالتَّهَاوُنِ وَقِلَّةِ الِاعْتِنَاءِ بِالصَّلَاةِ (افْتِرَاشَ الْكَلْبِ) بِالنَّصْبِ أَيْ كَافْتِرَاشِ الْكَلْبِ أَيْ لَا يَجْعَلُ ذِرَاعَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ كَالْفِرَاشِ وَالْبِسَاطِ كَمَا يَجْعَلُهُمَا الْكَلْبُ
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ لَا شَكَّ فِي كَرَاهَةِ هَذِهِ الْهَيْئَةِ وَلَا فِي اسْتِحْبَابِ نَقِيضِهَا
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ بِنَحْوِهِ
[898] (جَافَى) أَيْ أَبْعَدَ وَفَرَّقَ (بَيْنَ يَدَيْهِ) أَيْ وَمَا يُحَاذِيهِمَا (أَنَّ بَهْمَةً) بِفَتْحِ الْبَاءِ وَسُكُونِ الْهَاءِ وَلَدُ الضَّأْنِ أَكْبَرُ مِنَ السخلة
قاله بن الْمَلِكِ
وَفِي الْقَامُوسِ الْبَهْمَةُ أَوْلَادُ الضَّأْنِ وَالْمَعْزِ
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ البهمة واحدة البهمة وَهِيَ أَوْلَادُ الْغَنَمِ مِنَ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ وَجَمْعُ البهمة بِهَامٌ بِكَسْرِ الْبَاءِ
وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ الْبَهْمَةُ مِنْ أَوْلَادِ الضَّأْنِ خَاصَّةً وَيُطْلَقُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى قَالَ وَالسِّخَالُ أَوْلَادُ الْمَعْزِ (مَرَّتْ) جَوَابُ لَوْ
قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي وبن مَاجَهْ
[899] (عَنِ التَّمِيمِيِّ) اسْمُهُ أَرْبِدَةُ بِسُكُونِ الرَّاءِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ مَكْسُورَةٌ وَيُقَالُ أَرْبِدُ الْمُفَسِّرُ صَدُوقٌ عن بن عَبَّاسٍ وَعَنْهُ أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ وَالْمِنْهَالُ بْنُ عَمْرٍو (فَرَأَيْتُ بَيَاضَ إِبْطَيْهِ) فِيهِ(3/117)
دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ قَمِيصٌ لِانْكِشَافِ إِبْطَيْهِ وَتُعُقِّبَ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْقَمِيصُ وَاسِعَ الْأَكْمَامِ وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ فِي الشَّمَائِلِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ كَانَ أَحَبَّ الثِّيَابِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقَمِيصُ أَوْ أَرَادَ الرَّاوِي أَنَّ مَوْضِعَ بَيَاضِهِمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ ثَوْبٌ لَرُئِيَ قَالَهُ الْقُرْطُبِيُّ
وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ إِبْطَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمَا شَعْرٌ وَفِيهِ نَظَرٌ فَقَدْ حَكَى الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ فِي الِاسْتِسْقَاءِ مِنَ الْأَحْكَامِ لَهُ أَنَّ مِنْ خَصَائِصِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْإِبْطَ مِنْ جَمِيعِ النَّاسِ مُتَغَيِّرُ اللَّوْنِ غَيْرُهُ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي (وَهُوَ مُجَخٍّ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْجِيمِ وَآخِرُهُ خَاءٌ مُشَدَّدَةٌ مُنَوَّنَةٌ بِالْكَسْرِ وَهُوَ مَنْقُوصٌ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ جَخَّ يُجَخِّي فَهُوَ مُجَخٍّ فَهُوَ مُجَخٍّ قَالَ الْخَطَّابِيُّ يُرِيدُ أَنَّهُ رَفَعَ مُؤَخَّرَهُ وَمَالَ قَلِيلًا هَكَذَا تَفْسِيرُهُ
وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ أَيْ فَتَحَ عَضُدَيْهِ وَجَافَاهُمَا عَنْ جَنْبَيْهِ وَرَفَعَ مُؤَخَّرَهُ وَمَالَ قَلِيلًا هَكَذَا تَفْسِيرُهُ
وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ أَيْ فَتَحَ عَضُدَيْهِ وَجَافَاهُمَا عَنْ جَنْبَيْهِ وَرَفَعَ بَطْنَهُ عَلَى الْأَرْضِ (قَدْ فَرَّجَ يَدَيْهِ) مِنَ التَّفْرِيجِ أَيْ نَحَّى كُلَّ يَدٍ عَنِ الْجَنْبِ الَّذِي يَلِيهَا
[900] (أَحْمَرُ بْنُ جَزْءٍ) بِفَتْحِ الْجِيمِ بَعْدَهَا زَايٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ هَمْزٌ صَحَابِيٌّ تَفَرَّدَ الْحَسَنُ بِالرِّوَايَةِ عَنْهُ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ (حَتَّى نَأْوِيَ لَهُ) آوَى يَأْوِي مِنْ بَابِ ضَرَبَ إِذَا رَقَّ وَتَرَحَّمَ أَيْ حَتَّى نَتَرَحَّمَ لَهُ لِمَا نَرَاهُ فِي شِدَّةٍ وَتَعَبٍ بِسَبَبِ الْمُبَالَغَةِ فِي الْمُجَافَاةِ وَقِلَّةِ الِاعْتِمَادِ
قَالَ المنذري وأخرجه بن مَاجَهْ وَقِيلَ إِنَّهُ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ غَيْرُ الْحَسَنِ وَلَمْ يَرْوِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا هذا وكنيته أبو جزىء
[901] (عن بن حُجَيْرَةَ) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْجِيمِ اسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْخَوْلَانِيُّ قَاضِي مِصْرَ وَثَّقَهُ النَّسَائِيُّ (وَلْيَضُمَّ فَخِذَيْهِ) فِيهِ أَنَّ الْمُصَلِّي يَضُمُّ فَخِذَيْهِ فِي السُّجُودِ لَكِنَّهُ مُعَارَضٌ بِحَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ فِي صِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا سَجَدَ فَرَّجَ بَيْنَ فَخِذَيْهِ غَيْرَ حَامِلٍ بَطْنَهُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَخِذَيْهِ رَوَاهُ الْمُؤَلِّفُ
وَقَوْلُهُ فَرَّجَ بَيْنَ فَخِذَيْهِ أَيْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ حَدِيثُ أَبِي حُمَيْدٍ هَذَا وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ التَّفْرِيجِ بَيْنَ الْفَخِذَيْنِ فِي السُّجُودِ وَرَفْعِ الْبَطْنِ عَنْهُمَا وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ انْتَهَى
وَأَحَادِيثُ الْبَابِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِلْمُصَلِّي أَنْ يُفَرِّجَ بَيْنَ يَدَيْهِ فِي السُّجُودِ وَيُبَاعِدَهُمَا عَنْ جَبِينِهِ وَلَا يَفْتَرِشَهُمَا عَلَى الْأَرْضِ
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ الْحِكْمَةُ فِي اسْتِحْبَابِ هَذِهِ الْهَيْئَةِ فِي السُّجُودِ أَنَّهُ يَخِفُّ بِهَا اعْتِمَادُهُ عَنْ وَجْهِهِ وَلَا يتأثر(3/118)
أَنْفُهُ وَلَا جَبْهَتُهُ وَلَا يَتَأَذَّى بِمُلَاقَاةِ الْأَرْضِ
وَقَالَ غَيْرُهُ هُوَ أَشْبَهُ بِالتَّوَاضُعِ وَأَبْلَغُ فِي تَمْكِينِ الْجَبْهَةِ وَالْأَنْفِ مِنَ الْأَرْضِ مَعَ مُغَايَرَتِهِ لِهَيْئَةِ الْكَسْلَانِ
وَقَالَ نَاصِرُ الدِّينِ بْنُ الْمُنِيرِ فِي الْحَاشِيَةِ الْحِكْمَةُ فِيهِ أَنْ يَظْهَرَ كُلَّ عُضْوٍ بِنَفْسِهِ وَيَتَمَيَّزَ حَتَّى يَكُونَ الْإِنْسَانُ الْوَاحِدُ فِي سُجُودِهِ كَأَنَّهُ عَدَدٌ وَمُقْتَضَى هَذَا أَنْ يَسْتَقِلَّ كُلُّ عُضْوٍ بِنَفْسِهِ وَلَا يَعْتَمِدُ بَعْضُ الْأَعْضَاءِ عَلَى بَعْضٍ فِي سُجُودِهِ وَهَذَا ضِدُّ مَا وَرَدَ فِي الصُّفُوفِ مِنَ الْتِصَاقِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَاكَ إِظْهَارُ الِاتِّحَادِ بَيْنَ الْمُصَلِّينَ حَتَّى كَأَنَّهُمْ جَسَدٌ وَاحِدٌ
كَذَا ذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ التَّفْرِيجِ الْمَذْكُورِ لَكِنْ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الْآتِي فِي بَابِ الرُّخْصَةِ فِي ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لِلِاسْتِحْبَابِ
(بَاب الرُّخْصَةِ فِي ذَلِكَ لِلضَّرُورَةِ أَيْ فِي تَرْكِ التَّفْرِيجِ)
[902] (إِذَا انْفَرَجُوا) أَيْ بَاعَدُوا الْيَدَيْنِ عَنِ الْجَنْبَيْنِ (فَقَالَ اسْتَعِينُوا بالركب) قال بن عَجْلَانَ وَذَلِكَ أَنْ يَضَعَ مِرْفَقَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ إِذَا طَالَ السُّجُودُ وَاعِيًا ذَكَرَهُ الْحَافِظُ وَقَالَ قَدْ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ وَلَمْ يَقَعْ فِي رِوَايَتِهِ إِذَا انْفَرَجُوا فَتَرْجَمَ لَهُ مَا جَاءَ فِي الِاعْتِمَادِ إِذَا قَامَ مِنَ السُّجُودِ فَجَعَلَ مَحَلَّ الِاسْتِعَانَةِ بِالرُّكَبِ لِمَنْ يَرْفَعُ مِنَ السُّجُودِ طَالِبًا لِلْقِيَامِ وَاللَّفْظُ مُحْتَمِلٌ مَا قَالَ لَكِنَّ الزِّيَادَةَ الَّتِي أَخْرَجَهَا أَبُو دَاوُدَ تُعَيِّنُ الْمُرَادَ
انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَذَكَرَ أَنَّهُ لَا يَعْرِفُهُ مِنْ هَذِهِ الطَّرِيقِ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مُرْسَلًا وَذَكَرَ أَنَّهُ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ
1 - (هَذَا الْوَجْهِ مُرْسَلًا وَكَأَنَّهُ أَصَحُّ)
[903] (زِيَادُ بْنُ صُبَيْحٍ) مُصَغَّرٌ وَقِيلَ بِالْفَتْحِ وَثَّقَهُ النَّسَائِيُّ (فَوَضَعْتُ يَدَيَّ عَلَى خَاصِرَتِيَّ(3/119)
الْخَاصِرَةُ بِالْفَارِسِيَّةِ تهى كاه
قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْخَاصِرَةُ الشَّاكِلَةُ وَمَا بَيْنَ الْحَرْقَفَةِ وَالْقُصَيْرَى وَفَسَّرَ الحرفقة بِعَظْمِ الْحَجَبَةِ أَيْ رَأْسِ الْوِرْكِ (قَالَ هَذَا الصَّلْبُ فِي الصَّلَاةِ) أَيْ شِبْهُ الصُّلْبِ لِأَنَّ الْمَصْلُوبَ يَمُدُّ بَاعَهُ عَلَى الْجِذْعِ وَهَيْئَةُ الصَّلْبِ فِي الصَّلَاةِ أَنْ يَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى خَاصِرَتِهِ وَيُجَافِي بَيْنَ عَضُدَيْهِ فِي الْقِيَامِ كَذَا فِي الْمَجْمَعِ (يَنْهَى عَنْهُ) أَيْ عَنِ الصَّلْبِ فِي الصَّلَاةِ
وَاعْلَمْ أَنَّهُ وَرَدَ الْحَدِيثُ فِي النَّهْيِ عَنْ وَضْعِ الْيَدِ عَلَى الْخَاصِرَةِ فِي الصَّلَاةِ بِلَفْظِ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ مُخْتَصِرًا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ
وَبِلَفْظِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ التَّخَصُّرِ فِي الصَّلَاةِ وَبِلَفْظِ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الِاخْتِصَارِ فِي الصَّلَاةِ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ الْمُؤَلِّفُ وَبِلَفْظِ نَهَى عَنِ الْخَصْرِ فِي الصَّلَاةِ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ
وَمَعْنَى الِاخْتِصَارِ وَالتَّخَصُّرِ وَالْخَصْرِ وَاحِدٌ هُوَ وَضْعُ الْيَدِ عَلَى الْخَاصِرَةِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ وَالْأَكْثَرُونَ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ
وَحَكَى الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ قَوْلًا آخَرَ فِي تَفْسِيرِهِ الِاخْتِصَارَ فَقَالَ وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ مَعْنَى الِاخْتِصَارِ هُوَ أَنْ يُمْسِكَ بِيَدَيْهِ مخصرة أي عصا يتوكأ عليها
قال بن الْعَرَبِيِّ وَمَنْ قَالَ إِنَّهُ الصَّلَاةُ عَلَى الْمِخْصَرَةِ لَا مَعْنَى لَهُ
وَفِيهِ قَوْلٌ ثَالِثٌ حَكَاهُ الهروي في الغريبين وبن الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ وَهُوَ أَنْ يَخْتَصِرَ السُّورَةَ فَيَقْرَأَ مِنْ آخِرِهَا آيَةً أَوْ آيَتَيْنِ
وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ حَكَاهُ الْهَرَوِيُّ وَهُوَ أَنْ يَحْذِفَ مِنَ الصَّلَاةِ فَلَا يَمُدُّ قِيَامَهَا وَرُكُوعَهَا وَسُجُودَهَا
وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ الِاخْتِصَارِ
وَقَدْ ذَهَبَ إلى ذلك أهل الظاهر وذهب بن عباس وبن عمر وعائشة وإبراهيم النخعي ومجاهد وأبو مجاز وَمَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَهْلُ الْكُوفَةِ وَآخَرُونَ إِلَى أَنَّهُ مَكْرُوهٌ وَالظَّاهِرُ مَا قَالَهُ أَهْلُ الظَّاهِرِ لِعَدَمِ قِيَامِ قَرِينَةٍ تَصْرِفُ النَّهْيَ عَنِ التَّحْرِيمِ الَّذِي هُوَ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيُّ كَمَا هُوَ الْحَقُّ
وَاخْتُلِفَ فِي الْمَعْنَى الَّذِي نَهَى عَنْ الِاخْتِصَارِ فِي الصَّلَاةِ لِأَجْلِهِ عَلَى أَقْوَالٍ الْأَوَّلُ التَّشْبِيهُ بِالشَّيْطَانِ
الثَّانِي أَنَّهُ تَشَبُّهٌ بِالْيَهُودِ
الثَّالِثُ أَنَّهُ رَاحَةُ أَهْلِ النَّارِ
وَالرَّابِعُ أَنَّهُ فِعْلُ الْمُخْتَالِينَ وَالْمُتَكَبِّرِينَ
وَالْخَامِسُ أَنَّهُ شَكْلٌ مِنْ أَشْكَالِ الْمَصَائِبِ يَصُفُّونَ أَيْدِيَهُمْ عَلَى الْخَوَاصِرِ إِذَا قَامُوا فِي الْمَأْتَمِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُؤَلِّفَ ذَكَرَ فِي تَرْجَمَةِ الْبَابِ الْإِقْعَاءَ أَيْضًا وَلَمْ يُورِدْ فِيهِ حَدِيثًا مَعَ أَنَّهُ تَرْجَمَ(3/120)
للاقعاء قبل وأورد فيه حديث بن عَبَّاسٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ وَيَجِيءُ بَعْضُ الْبَيَانِ فِي بَابِ الِاخْتِصَارِ فِي الصَّلَاةِ
2 - (بَاب الْبُكَاءِ فِي الصَّلَاةِ)
[904] (وَفِي صَدْرِهِ أَزِيزٌ) بِفَتْحِ الْأَلِفِ بَعْدَهَا زَايٌ مَكْسُورَةٌ ثُمَّ تَحْتَانِيَّةٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ زَايٌ أَيْضًا أَيْ صَوْتٌ (كَأَزِيزِ الرَّحَى) يَعْنِي الطَّاحُونَ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ أَزِيزُ الرَّحَى صَوْتُهَا وَحَرْحَرَتُهَا (مِنَ الْبُكَاءِ) أَيْ مِنْ أَجْلِهِ
قَالَ بن حَجَرٍ الْمَكِّيُّ فِي شَرْحِ الشَّمَائِلِ هُوَ بِالْقَصْرِ خُرُوجُ الدَّمْعِ مَعَ الْحُزْنِ وَبِالْمَدِّ خُرُوجُهُ مَعَ رَفْعِ الصَّوْتِ
انْتَهَى
وَرَوَى النَّسَائِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ بِلَفْظِ وَفِي صَدْرِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ الْمِرْجَلِ وَهُوَ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَفَتْحِ الْجِيمِ قِدْرٌ مِنْ نُحَاسٍ وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى قِدْرٍ يُطْبَخُ فِيهَا وَلَعَلَّهُ الْمُرَادُ فِي الْحَدِيثِ
قَالَ الطِّيبِيُّ أَزِيزُ الْمِرْجَلِ صَوْتُ غَلَيَانِهِ وَمِنْهُ الْأَزُّ وَهُوَ الْإِزْعَاجُ
قُلْتُ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى تَؤُزُّهُمْ أَزًّا وَقِيلَ الْمِرْجَلُ الْقِدْرُ مِنْ حَدِيدٍ أَوْ حَجَرٍ أَوْ خَزَفٍ لِأَنَّهُ إِذَا نُصِبَ كَأَنَّهُ أُقِيمَ عَلَى الرِّجْلِ قَالَهُ فِي الْمِرْقَاةِ
وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْبُكَاءَ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ سَوَاءٌ ظَهَرَ مِنْهُ حَرْفَانِ أَمْ لَا وَقَدْ قِيلَ إِنْ كَانَ الْبُكَاءُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ لَمْ يُبْطِلْ وَهَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَيْهِ وَيَدُلُّ عليه أيضا ما رواه بن حِبَّانَ بِسَنَدِهِ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ مَا كَانَ فِينَا فَارِسٌ يَوْمَ بَدْرٍ غَيْرُ الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا فِينَا قَائِمٌ إِلَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْتَ شَجَرَةٍ يُصَلِّي وَيَبْكِي حَتَّى أَصْبَحَ وَبَوَّبَ عَلَيْهِ ذِكْرَ الْإِبَاحَةِ لِلْمَرْءِ أَنْ يَبْكِي مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ
وَاسْتُدِلَّ عَلَى جَوَازِ الْبُكَاءِ فِي الصَّلَاةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى إِذَا تُتْلَى عليهم ايات الرحمن خروا سجدا وبكيا قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ(3/121)
13 - (بَاب كَرَاهِيَةِ الْوَسْوَسَةِ وَحَدِيثِ النَّفْسِ فِي الصَّلَاةِ)
[905] (فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ) أَيْ أَتَمَّهُ بِآدَابِهِ (لَا يَسْهُو فِيهِمَا) أَيْ لَا يَغْفُلُ فِيهِمَا قَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ يَكُونُ حَاضِرَ الْقَلْبِ أَوْ يَعْبُدُ اللَّهَ كَأَنَّهُ يَرَاهُ
كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ قُلْتُ رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ حُمْرَانَ مَوْلَى عُثْمَانَ أَنَّهُ رَأَى عُثْمَانَ دَعَا بِإِنَاءٍ فَأَفْرَغَ عَلَى كَفَّيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ الْحَدِيثَ
وَفِيهِ ثُمَّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ فَلَوْ أُرِيدَ بِقَوْلِهِ لَا يَسْهُو فِيهِمَا أَيْ لَا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ لَكَانَ أَوْلَى
وَالْأَحَادِيثُ يُفَسِّرُ بَعْضُهَا بَعْضًا وَحِينَئِذٍ يَظْهَرُ مُطَابَقَةُ الْحَدِيثِ أَتَمَّ ظُهُورٍ
قَالَ النَّوَوِيُّ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ لَا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ أَيْ لَا يُحَدِّثُ بِشَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا وَمَا لَا يَتَعَلَّقُ بِالصَّلَاةِ وَلَوْ عَرَضَ لَهُ حَدِيثٌ فَأَعْرَضَ عَنْهُ لِمُجَرَّدِ عُرُوضِهِ عُفِيَ عَنْهُ ذَلِكَ وَحَصَلَتْ لَهُ هَذِهِ الْفَضِيلَةُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ وَقَدْ عُفِيَ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَنِ الْخَوَاطِرِ الَّتِي تَعْرِضُ وَلَا تَسْتَقِرُّ
وَهَذَا مَوْضِعُ التَّرْجَمَةِ (غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) قُيِّدَ بِالصَّغَائِرِ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُ شُمُولُ الْكَبَائِرِ
[906] (فَيُحْسِنَ الْوُضُوءَ) مِنَ الْإِحْسَانِ (يُقْبِلُ) مِنَ الْإِقْبَالِ وَهُوَ خِلَافُ الْإِدْبَارِ أَيْ يَتَوَجَّهُ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مُقْبِلٌ (بِقَلْبِهِ وَوَجْهِهِ) أَرَادَ بِوَجْهِهِ ذَاتَهُ أَيْ يُقْبِلُ عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ بِظَاهِرِهِ وَبَاطِنِهِ
قَالَ النَّوَوِيُّ وَقَدْ جَمَعَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَاتَيْنِ اللَّفْظَتَيْنِ أَنْوَاعَ الْخُضُوعِ وَالْخُشُوعِ لِأَنَّ الْخُضُوعَ فِي الْأَعْضَاءِ وَالْخُشُوعَ بِالْقَلْبِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْحَدِيثُ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ مُطَوَّلًا(3/122)
14 - (بَاب الْفَتْحِ عَلَى الْإِمَامِ فِي الصَّلَاةِ)
[907] (عَنِ الْمُسَوَّرِ بْنِ يَزِيدَ الْمَالِكِيِّ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ وَفَتْحِهَا هُوَ الْأَسَدِيُّ الْمَالِكِيُّ
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ يُرْوَى عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثٌ وَاحِدٌ هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ
وَالْمَالِكِيُّ هَذَا نِسْبَةٌ إِلَى بَطْنٍ مِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ
وَفِي الرُّوَاةِ الْمَالِكِيُّ نِسْبَةً إِلَى قَبَائِلَ عِدَّةٍ وَالْمَالِكِيُّ إِلَى الْجَدِّ وَالْمَالِكِيُّ إِلَى الْمَذْهَبِ وَالْمَالِكِيُّ إِلَى الْقَرْيَةِ الْمَشْهُورَةِ عَلَى الْفُرَاتِ يُقَالُ لَهَا المالكية وذكره بن أَبِي حَاتِمٍ وَأَبُو عُمَرَ النَّمَرِيُّ وَغَيْرُهُمَا فِي بَابِ مَنِ اسْمُهُ مِسْوَرٌ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ السِّينِ وَالَّذِي قَيَّدَهُ الْحُفَّاظُ فِيهِ مَا ذَكَرْنَا
قَالَهُ الْمُنْذِرِيُّ
(وَرُبَّمَا قَالَ) أَيِ الْمِسْوَرُ بْنُ يَزِيدَ (أَذْكَرْتَنِيهَا) أَيِ الْآيَةَ الَّتِي تَرَكْتُهَا (قَالَ سُلَيْمَانُ فِي حَدِيثِهِ) أَيْ بَعْدَ قَوْلِهِ هَلَّا أَذْكَرْتَنِيهَا (قَالَ) أَيِ الرَّجُلُ (كُنْتُ أُرَاهَا) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ أَيْ كُنْتُ أَظُنُّ أَنَّ الْآيَةَ الَّتِي تَرَكْتَهَا نُسِخَتْ فَلِذَلِكَ لَمْ نَقْرَأْهَا
وَفِي رِوَايَةِ بن حِبَّانَ فَقَالَ ظَنَنْتُ أَنَّهَا قَدْ نُسِخَتْ قَالَ فَإِنَّهَا لَمْ تُنْسَخْ (وَقَالَ سُلَيْمَانُ قَالَ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ كَثِيرٍ) أَيْ بِلَفْظِ التَّحْدِيثِ وَنَسَبَهُ إِلَى أَبِيهِ وَأَمَّا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ فَقَالَ عَنْ يَحْيَى الْكَاهِلِيِّ بِلَفْظِ عَنْ وَلَمْ يَنْسُبْهُ إلى أبيه
(فلبس عليه) قال بن رسلان بفتح اللام والباء المو حدة الْمُخَفَّفَةِ أَيِ الْتَبَسَ وَاخْتَلَطَ عَلَيْهِ قَالَ وَمِنْهُ قوله تعالى وللبسنا عليهم ما يلبسون قَالَ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِضَمِّ اللَّامِ(3/123)
وَتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ الْمَكْسُورَةِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ لُبِسَ بِالتَّخْفِيفِ أَيْ مَعَ ضَمِّ اللَّامِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ (فَلَمَّا انْصَرَفَ) أَيْ فَرَغَ مِنَ الصَّلَاةِ (قَالَ لِأُبَيٍّ) أي بن كَعْبٍ (أَصَلَّيْتَ مَعَنَا) بِهَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ (قَالَ فَمَا مَنَعَكَ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْقُولٌ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ ما منعك أن تفتح علي إذا رأيتني قد لبس علي انتهى ولفظ بن حِبَّانَ فَالْتَبَسَ عَلَيْهِ فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ لِأُبَيٍّ أَشَهِدْتَ مَعَنَا قَالَ نَعَمْ
قَالَ فَمَا مَنَعَكَ أَنْ تَفْتَحَ عَلَيَّ وَالْحَدِيثَانِ يَدُلَّانِ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْفَتْحِ عَلَى الْإِمَامِ وَتَقْيِيدِ الْفَتْحِ بِأَنْ يَكُونَ عَلَى إِمَامٍ لَمْ يُؤَدِّ الْوَاجِبَ مِنَ الْقِرَاءَةِ وَبِآخِرِ رَكْعَةٍ مِمَّا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَكَذَا تَقْيِيدُهُ بِأَنْ يَكُونَ فِي الْقِرَاءَةِ الْجَهْرِيَّةِ وَالْأَدِلَّةُ قَدْ دَلَّتْ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْفَتْحِ مُطْلَقًا فَعِنْدَ نِسْيَانِ الْإِمَامِ الْآيَةَ فِي الْقِرَاءَةِ الْجَهْرِيَّةِ يَكُونُ الْفَتْحُ عَلَيْهِ بِتَذْكِيرِهِ تِلْكَ الْآيَةَ كَمَا فِي حَدِيثِ الْبَابِ وَعِنْدَ نِسْيَانِهِ لِغَيْرِهَا مِنَ الْأَرْكَانِ يَكُونُ الْفَتْحُ بِالتَّسْبِيحِ لِلرِّجَالِ وَالتَّصْفِيقِ لِلنِّسَاءِ
قَالَهُ فِي النَّيْلِ
5 - (بَاب النَّهْيِ عَنْ التَّلْقِينِ)
[908] الْمُرَادُ مِنَ التَّلْقِينِ هُوَ الْفَتْحُ عَلَى الْإِمَامِ
(عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ) هُوَ عَمْرُو بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ السَّبِيعِيُّ أَحَدُ ثِقَاتِ التَّابِعِينَ (عَنِ الْحَارِثِ) هُوَ أَبُو زُهَيْرٍ الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْكُوفِيُّ الْأَعْوَرُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ إِنَّهُ كَذَبَ (يَا عَلِيُّ لَا تَفْتَحُ عَلَى الْإِمَامِ فِي الصَّلَاةِ) احْتَجَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَنْ قَالَ بِكَرَاهَةِ الْفَتْحِ عَلَى الْإِمَامِ فِي الصَّلَاةِ لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ لَا يَنْتِهَضُ لِمُعَارَضَةِ الْأَحَادِيثِ الْقَاضِيَةِ بِمَشْرُوعِيَّةِ الْفَتْحِ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ إِسْنَادُ حَدِيثِ أُبَيٍّ جَيِّدٌ وَحَدِيثُ عَلَيٍّ هَذَا مِنْ رِوَايَةِ الْحَارِثِ وَفِيهِ مَقَالٌ (لَيْسَ هَذَا) أَيْ حَدِيثُ عَلِيٍّ (مِنْهَا) أَيْ مِنْ تِلْكَ الْأَحَادِيثِ الْأَرْبَعَةِ فَحَدِيثُ عَلِيٍّ هَذَا مُنْقَطِعٌ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ نَفْسِهِ أَنَّهُ قَالَ إِذَا اسْتَطْعَمَكُمُ الْإِمَامُ فَأَطْعِمُوهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ يُرِيدُ أَنَّهُ إِذَا تَعَايَا فِي(3/124)
الْقِرَاءَةِ فَلَقِّنُوهُ انْتَهَى
قُلْتُ وَقَدْ صَحَّحَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ أَثَرَ عَلِيٍّ هَذَا
وَاعْلَمْ أَنَّهُ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَرُوِيَ عَنْ عثمان بن عفان وبن عُمَرَ أَنَّهُمَا كَانَا لَا يَرَيَانِ بِهِ بَأْسًا وهو قول عطاء والحسن وبن سِيرِينَ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وروي عن بن مَسْعُودٍ الْكَرَاهِيَةُ فِي ذَلِكَ وَكَرِهَهُ الشَّعْبِيُّ وَكَانَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ يَكْرَهُهُ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إِذَا اسْتَفْتَحَهُ الْإِمَامُ فَفَتَحَهُ عَلَيْهِ فَإِنَّ هَذَا كَلَامٌ فِي الصَّلَاةِ بِلَا شَكٍّ وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ كَذَا قَالَ الْإِمَامُ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ فِي مَعَالِمِ السُّنَنِ
6 - (بَاب الِالْتِفَاتِ فِي الصَّلَاةِ)
[909] (مُقْبِلًا عَلَى الْعَبْدِ) أَيْ نَاظِرًا إِلَيْهِ الرَّحْمَةَ وَإِعْطَاءَ الْمَثُوبَةِ (وَهُوَ فِي صَلَاتِهِ) وَالْمَعْنَى لَمْ يَنْقَطِعْ أَثَرُ الرَّحْمَةِ عَنْهُ (مَا لَمْ يَلْتَفِتْ) أَيْ بِالْعُنُقِ (فَإِذَا الْتَفَتَ انْصَرَفَ عَنْهُ) أَيْ أَعْرَضَ عنه
قال بن الْمَلِكِ الْمُرَادُ مِنْهُ قِلَّةُ الثَّوَابِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ
وَأَبُو الْأَحْوَصِ هَذَا لَا يُعْرَفُ له اسم هو مولى بني ليس وَقِيلَ مَوْلَى بَنِي غِفَارٍ وَلَمْ يَرْوِ عَنْهُ غَيْرُ الزُّهْرِيِّ قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ لَيْسَ هُوَ بِشَيْءٍ وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ الْكَرَابِيسِيُّ لَيْسَ بِالْمَتِينِ عِنْدَهُمْ
انْتَهَى
وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى كَرَاهَةِ الِالْتِفَاتِ فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ إِجْمَاعٌ لَكِنِ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهَا لِلتَّنْزِيهِ
وَقَالَ الْمُتَوَلِّي يَحْرُمُ إِلَّا لِلضَّرُورَةِ وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الظَّاهِرِ
قَالَ الْحَافِظُ الْمُرَادُ بِالِالْتِفَاتِ مَا لَمْ يَسْتَدْبِرِ الْقِبْلَةَ بِصَدْرِهِ أَوْ عُنُقِهِ كُلِّهِ وَسَبَبُ كَرَاهَةِ الِالْتِفَاتِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِنَقْصِ الْخُشُوعِ أَوْ لِتَرْكِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ بِبَعْضِ الْبَدَنِ
انْتَهَى
[910] (هُوَ اخْتِلَاسٌ) أَيِ اخْتِطَافٌ بِسُرْعَةٍ وَوَقَعَ فِي النِّهَايَةِ وَالِاخْتِلَاسُ افْتِعَالٌ مِنَ الْخِلْسَةِ وَهِيَ مَا يُؤْخَذُ سَلْبًا مُكَابَرَةٍ وَفِيهِ نَظَرٌ
وَقَالَ غَيْرُهُ الْمُخْتَلِسُ الَّذِي يَخْطَفُ مِنْ غَيْرِ غَلَبَةٍ وَيَهْرُبُ(3/125)
وَلَوْ مَعَ مُعَايَنَةِ الْمَالِكِ لَهُ وَالنَّاهِبُ يَأْخُذُ بِقُوَّةٍ وَالسَّارِقُ يَأْخُذُ فِي خُفْيَةٍ فَلَمَّا كَانَ الشَّيْطَانُ قَدْ يَشْغَلُ الْمُصَلِّيَ عَنْ صَلَاتِهِ بِالِالْتِفَاتِ إِلَى شَيْءٍ مَا بِغَيْرِ حُجَّةٍ يُقِيمُهَا أَشْبَهَ المختلس
وقال بن بَزِيزَةَ أُضِيفَ إِلَى الشَّيْطَانِ لِأَنَّ فِيهِ انْقِطَاعًا مِنْ مُلَاحَظَةِ التَّوَجُّهِ إِلَى الْحَقِّ سُبْحَانَهُ
وَقَالَ الطيبي سمي اختلاسا تصوير القبح تِلْكَ الْفَعْلَةِ بِالْمُخْتَلِسِ لِأَنَّ الْمُصَلِّيَ يُقْبِلُ عَلَيْهِ الرَّبُّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَالشَّيْطَانُ مُرْتَصِدٌ لَهُ يَنْتَظِرُ فَوَاتَ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَإِذَا الْتَفَتَ اغْتَنَمَ الشَّيْطَانُ الْفُرْصَةَ فَسَلَبَهُ تِلْكَ الْحَالَةَ
قِيلَ الْحِكْمَةُ فِي جعل السجود جابر لِلْمَشْكُوكِ فِيهِ دُونَ الِالْتِفَاتِ وَغَيْرِهِ مِمَّا يُنْقِصُ الْخُشُوعَ لِأَنَّ السَّهْوَ لَا يُؤَاخَذُ بِهِ الْمُكَلَّفُ فَشُرِعَ لَهُ الْجَبْرُ دُونَ الْعَمْدِ لِيَتَيَقَّظَ الْعَبْدُ لَهُ فَيَجْتَنِبَهُ
كَذَا فِي الْفَتْحِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ
7 - (بَابُ السُّجُودِ عَلَى الْأَنْفِ)
[911] أَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ وَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِمَنِ اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ الِاكْتِفَاءِ بِالْأَنْفِ لِأَنَّ فِي سِيَاقِهِ أَنَّهُ سَجَدَ عَلَى جَبْهَتِهِ وَأَرْنَبَتِهِ
(أَبُو عَلِيٍّ) هُوَ الْإِمَامُ الْحَافِظُ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ اللُّؤْلُؤِيُّ الْبَصْرِيُّ رَاوِي هَذِهِ النسخة عن المؤلف أبي داود (لم يقرأه أَبُو دَاوُدَ فِي الْعَرْضَةِ الرَّابِعَةِ) أَيْ لَمَّا حَدَّثَ وَقَرَأَ أَبُو دَاوُدَ هَذَا الْكِتَابَ فِي الْمَرَّةِ الرَّابِعَةِ لَمْ يَقْرَأْ هَذَا الْحَدِيثَ
8 - (بَاب النَّظَرِ فِي الصَّلَاةِ)
[912] (وَهَذَا حَدِيثُهُ) أَيْ حَدِيثُ عُثْمَانَ (وَهُوَ أَتَمُّ) أَيْ مِنْ حَدِيثِ مُسَدَّدٍ (قَالَ عُثْمَانُ) أَيْ زَادَ(3/126)
عُثْمَانُ فِي رِوَايَتِهِ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسْجِدَ إِلَى قَوْلِهِ إِلَى السَّمَاءِ وَلَمْ يَزِدْ هَذَا الْكَلَامَ مُسَدَّدٌ فِي رِوَايَتِهِ فَلِذَلِكَ صَارَ حَدِيثُ عُثْمَانَ أَتَمَّ مِنْ حَدِيثِ مُسَدَّدٍ ثُمَّ اتَّفَقَ أَيْ مُسَدَّدٌ وَعُثْمَانُ (فَقَالَ لَيَنْتَهِيَنَّ رِجَالٌ) اللَّامُ جَوَابُ الْقَسَمِ وَفِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يُوَاجِهُ أَحَدًا بِمَكْرُوهٍ بَلْ إِنْ رَأَى أَوْ سَمِعَ مَا يَكْرَهُ عَمَّمَ كَمَا قَالَ مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ كَذَا (يُشْخِصُونَ) أَيْ يَرْفَعُونَ وَالْجُمْلَةُ صِفَةٌ لِرِجَالٍ (قَالَ مُسَدَّدٌ فِي الصَّلَاةِ) أَيْ زَادَ مُسَدَّدٌ فِي رِوَايَتِهِ لَفْظَةَ فِي الصَّلَاةِ (أَوْ لَا تَرْجِعُ إِلَيْهِمْ أَبْصَارُهُمْ) قَالَ الطِّيبِيُّ أَوْ ها هنا لِلتَّخْيِيرِ تَهْدِيدًا أَيْ لَيَكُونَنَّ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ كَقَوْلِهِ تعالى لنخرجك يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أو لتعودن في ملتنا انْتَهَى
وَفِيهِ النَّهْيُ الْأَكِيدُ وَالْوَعِيدُ الشَّدِيدُ فِي رَفْعِ الْأَبْصَارِ فِي الصَّلَاةِ
قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَاخْتَلَفُوا فِي كَرَاهَةِ رَفْعِ الْبَصَرِ إِلَى السَّمَاءِ فِي الدُّعَاءِ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ فَكَرِهَهُ شُرَيْحٌ وَآخَرُونَ وَجَوَّزَهُ الْأَكْثَرُونَ وَقَالُوا لِأَنَّ السَّمَاءَ قِبْلَةُ الدُّعَاءِ كَمَا أَنَّ الْكَعْبَةَ قِبْلَةُ الصَّلَاةِ وَلَا يُنْكَرُ رَفْعُ الْأَبْصَارِ إِلَيْهَا كَمَا لَا يُكْرَهُ رَفْعُ الْيَدِ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَفِي السَّمَاءِ رزقكم وما توعدون انتهى
قال علي القارىء نَاظِرًا فِي كَلَامِ الْقَاضِي هَذَا مَا نَصُّهُ قُلْتُ فِيهِ إِنَّ رَفْعَ الْيَدِ فِي الدُّعَاءِ مَأْثُورٌ وَمَأْمُورٌ وَرَفْعُ الْبَصَرِ فِيهِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ الْجَزَرِيُّ فِي آدَابِ الدُّعَاءِ فِي الْحُسْنِ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وأخرج بن مَاجَهْ طَرَفًا مِنْهُ
[913] (مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ فِي صَلَاتِهِمْ) زَادَ الْبُخَارِيُّ إِلَى السَّمَاءِ وَزَادَ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ الدُّعَاءِ قَالَ الْحَافِظُ فَإِنَّ حَمْلَ الْمُطْلَقِ عَلَى هَذَا الْمُقَيَّدِ اقْتَضَى اخْتِصَاصَ الْكَرَاهَةِ بِالدُّعَاءِ الْوَاقِعِ في الصلاة
وقد أخرجه بن ماجه وبن حبان من حديث بن عُمَرَ بِغَيْرِ تَقْيِيدٍ وَلَفْظُهُ لَا تَرْفَعُوا أَبْصَارَكُمْ إِلَى السَّمَاءِ يَعْنِي فِي الصَّلَاةِ وَأَخْرَجَهُ بِغَيْرِ تَقْيِيدٍ أَيْضًا مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وكعب بن مالك
وأخرج بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ كَانُوا يَلْتَفِتُونَ فِي(3/127)
صَلَاتِهِمْ حَتَّى نَزَلَتْ (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هم في صلاتهم خاشعون) فَأَقْبَلُوا عَلَى صَلَاتِهِمْ وَنَظَرُوا أَمَامِهُمْ وَكَانُوا يَسْتَحِبُّونَ أَنْ لَا يُجَاوِزَ بَصَرُ أَحَدِهِمْ مَوْضِعَ سُجُودِهِ وَصَلَهُ الْحَاكِمُ بِذِكْرِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِيهِ وَرَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ فِي آخِرِهِ فَطَأْطَأَ رَأْسَهُ انْتَهَى (فَاشْتَدَّ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ) إِمَّا بِتَكْرِيرِ هَذَا الْقَوْلِ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا يُفِيدُ الْمُبَالَغَةَ فِي الزَّجْرِ (لَيَنْتَهِيَنَّ) وَهُوَ جَوَابُ قَسَمٍ مَحْذُوفٍ وَفِيهِ رِوَايَتَانِ لِلْبُخَارِيِّ فَالْأَكْثَرُونَ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَضَمِّ الْهَاءِ وَحَذْفِ الْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ وَالثَّانِيَةُ بِضَمِّ الْيَاءِ وَسُكُونِ النُّونِ وَفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ وَالْهَاءِ وَالْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ لِلتَّأْكِيدِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (أَوْ لَتُحْفَظُنَّ) بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ وَفَتْحِ الْفَاءِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَيْ لَتُسْلَبُنَّ
قَالَ فِي النَّيْلِ لَا يَخْلُو الْحَالُ مِنْ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ إِمَّا الِانْتِهَاءُ عَنْهُ وَإِمَّا الْعَمَى وَهُوَ وَعِيدٌ عَظِيمٌ وَتَهْدِيدٌ شَدِيدٌ وَإِطْلَاقُهُ يَقْتَضِي بِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ الدُّعَاءِ أَوْ عِنْدَ غَيْرِهِ إِذَا كَانَ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ كَمَا وَقَعَ بِهِ التَّقْيِيدُ
وَالْعِلَّةُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا رَفَعَ بَصَرَهُ إِلَى السَّمَاءِ خَرَجَ عَنْ سَمْتِ الْقِبْلَةِ أَعْرَضَ عَنْهَا وَعَنْ هَيْئَةِ الصَّلَاةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ رَفْعَ الْبَصَرِ حَالَ الصَّلَاةِ حَرَامٌ لِأَنَّ الْعُقُوبَةَ بِالْعَمَى لَا تَكُونُ إِلَّا عَنْ مُحَرَّمٍ
وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ وبالغ بن حَزْمٍ فَقَالَ تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِهِ انْتَهَى
قَالَ المنذري وأخرجه البخاري والنسائي وبن مَاجَهْ
[914] (فِي خَمِيصَةٍ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الْمِيمِ وَبِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ كِسَاءٌ مُرَبَّعٌ لَهُ عَلَمَانِ قَالَهُ الْحَافِظُ
وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ خَمِيصَةٌ هِيَ ثَوْبُ خَزٍّ أَوْ صُوفٍ مُعَلَّمٍ وَقِيلَ لَا تُسَمَّى خَمِيصَةً إِلَّا أَنْ تَكُونَ سَوْدَاءَ مُعَلَّمَةً وَكَانَتْ مِنْ لِبَاسِ النَّاسِ قَدِيمًا وَجَمْعُهَا الْخَمَائِصُ (شَغَلَتْنِي) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ أَلْهَتْنِي وَهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ (أَعْلَامُ هَذِهِ) يَعْنِي الْخَمِيصَةَ
وَقَالَ فِي اللِّسَانِ عَلَمُ الثَّوْبِ رَقْمَةٌ فِي أَطْرَافِهِ (إِلَى أَبِي جَهْمٍ) هُوَ عُبَيْدٌ وَيُقَالُ عَامِرُ بْنُ حُذَيْفَةَ الْقُرَشِيُّ الْعَدَوِيُّ صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ وَإِنَّمَا خَصَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِرْسَالِ الْخَمِيصَةِ لِأَنَّهُ كَانَ أَهْدَاهَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا رَوَاهُ فِي الْمُوَطَّأِ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ أَهْدَى أَبُو جَهْمِ بْنُ حُذَيْفَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمِيصَةً لَهَا عَلَمٌ فَشَهِدَ فِيهَا الصَّلَاةَ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ رُدِّي هَذِهِ الْخَمِيصَةَ إِلَى أَبِي جَهْمٍ وَوَقَعَ عِنْدَ الزُّبَيْرِ بْنِ بَكَّارٍ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ فَأَخْرَجَ مِنْ وَجْهٍ مُرْسَلٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِخَمِيصَتَيْنِ سَوْدَاوَيْنِ فَلَبِسَ إِحْدَاهُمَا وَبَعَثَ الْأُخْرَى إِلَى أَبِي جَهْمٍ
وَلِأَبِّي دَاوُدَ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى وَأَخَذَ كرديا لأبي جهم(3/128)
فقيل يا رسول الْخَمِيصَةُ كَانَتْ خَيْرًا مِنَ الْكُرْدِيِّ قَالَهُ الْحَافِظُ (وَأَتَوْنِي بِأَنْبِجَانِيتِهِ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ النُّونِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَتَخْفِيفِ الْجِيمِ وَبَعْدَ النُّونِ يَاءُ النِّسْبَةِ كِسَاءٌ غَلِيظٌ لَا عَلَمَ لَهُ وَقَالَ ثَعْلَبٌ يَجُوزُ فَتْحُ هَمْزَتِهِ وَكَسْرُهَا وَكَذَا الْمُوَحَّدَةُ يُقَالُ كَبْشٌ أَنْبِجَانِيٌّ إِذَا كَانَ مُلْتَفًّا كَثِيرَ الصُّوفِ وَكِسَاءٌ أَنْبِجَانِيٌّ كَذَلِكَ
وَأَنْكَرَ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيُّ على من زعم أنه منسوب إلى من مَنْبَجَ الْبَلَدِ الْمَعْرُوفِ بِالشَّامِ
قَالَ صَاحِبُ الصِّحَاحِ إِذَا نَسَبْتَ إِلَى مَنْبِجَ فَتَحْتَ الْبَاءِ فَقُلْتَ كِسَاءٌ مَنْبَجَانِيٌّ أَخْرَجُوهُ مَخْرَجَ مَنْظَرَانِيٍّ
وَفِي الْجَمْهَرَةِ مَنْبِجُ مَوْضِعٌ أَعْجَمِيٌّ تَكَلَّمَتْ بِهِ الْعَرَبُ وَنَسَبُوا إِلَيْهِ الثِّيَابَ الْمَنْبَجَانِيَّةَ
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيُّ لَا يُقَالُ كِسَاءٌ أَنْبِجَانِيُّ وَإِنَّمَا يُقَالُ مَنْبَجَانِيٌّ قال وهذا مما تخطىء فِيهِ الْعَامَّةُ وَتَعَقَّبَهُ أَبُو مُوسَى كَمَا تَقَدَّمَ فَقَالَ الصَّوَابُ أَنَّ هَذِهِ النِّسْبَةَ إِلَى مَوْضِعٍ يُقَالُ لَهُ أَنْبِجَانُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
قَالَهُ الْحَافِظُ
قال بن بَطَّالٍ إِنَّمَا طَلَبَ مِنْهُ ثَوْبًا غَيْرَهَا لِيُعْلِمَهُ أَنَّهُ لَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ هَدِيَّتَهُ اسْتِخْفَافًا بِهِ قَالَ وَفِيهِ أَنَّ الْوَاهِبَ إِذَا رُدَّتْ عَلَيْهِ عَطِيَّتُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ هُوَ الرَّاجِعُ فيها فله أن يقبلها مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ ومسلم والنسائي وبن مَاجَهْ
[915] (وَأَخَذَ كُرْدِيًّا) أَيْ رِدَاءً كُرْدِيًّا الْكُرْدُ بِالضَّمِّ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الرِّدَاءُ مَنْسُوبًا إِلَى كُرْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ صَعْصَعَةَ وَكَانَ عَمْرُو بْنُ عَامِرٍ يَلْبَسُ كُلَّ يَوْمٍ حُلَّةً فَإِذَا كَانَ آخِرُ النَّهَارِ مَزَّقَهَا لِئَلَّا تُلْبَسَ بَعْدَهُ هَكَذَا ضَبَطَ نَسَبَهُ أَبُو الْيَقْظَانِ أَحَدُ أَئِمَّةِ النُّسَابِ
وَقِيلَ الْفَاضِلُ مُحَمَّدٌ أَفَنْدِي الْكُرْدِيُّ أَنَّهُ كُرْدُ بْنُ كَنْعَانَ بْنِ كُوشِ بْنِ حَامِ بْنِ نُوحٍ وَهُمْ قَبَائِلُ كَثِيرَةٌ يَرْجِعُونَ إِلَى أَرْبَعَةِ قَبَائِلَ السُّورَانِ وَالْكُورَانِ والكلهرِ واللرِ
كَذَا فِي شَرْحِ الْقَامُوسِ
(بَاب الرُّخْصَةِ فِي ذَلِكَ [916] يَعْنِي الِالْتِفَاتَ فِي الصَّلَاةِ أَوِ النَّظَرَ فِي الصَّلَاةِ)
وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ مَعْنًى وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا لَفْظًا لِأَنَّ الْحَدِيثَ المذكور في الباب يوافقه صراحة(3/129)
(عَنْ سَهْلِ بْنِ الْحَنْظَلِيَّةِ) وَهُوَ سَهْلُ بْنُ الرَّبِيعِ وَقِيلَ سَهْلُ بْنُ عَمْرٍو وَالْحَنْظَلِيَّةُ أُمُّهُ وَقِيلَ أُمُّ جَدِّهِ وَقِيلَ عُرِفَ بِذَلِكَ لِأَنَّ أُمَّ أَبِيهِ عَمْرٍو مِنْ بَنِي حَنْظَلَةَ بْنِ تَمِيمٍ قَالَهُ الْمُنْذِرِيُّ (ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ) أَيْ أُقِيمَتْ (وَهُوَ يَلْتَفِتُ إِلَى الشِّعْبِ) بِكَسْرِ الشِّينِ الطَّرِيقُ فِي الْجَبَلِ
وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَحَسَّنَهُ الْحَازِمِيُّ
وَأَخْرَجَ الْحَازِمِيُّ فِي الاعتبار عن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْتَفِتُ فِي صَلَاتِهِ يَمِينًا وَشِمَالًا وَلَا يَلْوِي عُنُقَهُ خَلْفَ ظَهْرِهِ قَالَ هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ تَفَرَّدَ بِهِ الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ مُتَّصِلًا وَأَرْسَلَهُ غَيْرُهُ عَنْ عِكْرِمَةَ
قَالَ وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى هَذَا وَقَالَ لَا بَأْسَ بِالِالْتِفَاتِ فِي الصَّلَاةِ مَا لَمْ يلو عنه وَإِلَيْهِ ذَهَبَ عَطَاءٌ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَهْلُ الْكُوفَةِ ثُمَّ سَاقَ الْحَازِمِيُّ حَدِيثَ الْبَابِ بِإِسْنَادِهِ وَجَزَمَ بِعَدَمِ الْمُنَاقَضَةِ بَيْنَ حَدِيثِ الباب وحديث بن عَبَّاسٍ قَالَ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الشِّعْبَ كَانَ فِي جِهَةِ الْقِبْلَةِ فَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْتَفِتُ إِلَيْهِ وَلَا يَلْوِي عُنُقَهُ وَاسْتُدِلَّ عَلَى نَسْخِ الِالْتِفَاتِ بِحَدِيثٍ رَوَاهُ بِإِسْنَادِهِ إِلَى سِيرِينَ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَامَ فِي الصَّلَاةِ نَظَرَ هَكَذَا وَهَكَذَا فَلَمَّا نَزَلَ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الذين هم في صلاتهم خاشعون نظر هكذا قال بن شِهَابٍ بِبَصَرِهِ نَحْوَ الْأَرْضِ
قَالَ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ مُرْسَلًا فَلَهُ شَوَاهِدُ وَاسْتُدِلَّ أَيْضًا بِقَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا صَلَّى رَفَعَ بَصَرَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَنَزَلَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خاشعون ذَكَرَهُ فِي النَّيْلِ
9 - (بَاب الْعَمَلِ فِي الصَّلَاةِ)
[917] (وَهُوَ حَامِلٌ أُمَامَةَ) قَالَ الْحَافِظُ الْمَشْهُورُ فِي الرِّوَايَاتِ بِالتَّنْوِينِ وَنَصْبِ أُمَامَةَ وَرُوِيَ بِالْإِضَافَةِ كَمَا قُرِئَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أمره بِالْوَجْهَيْنِ وَأُمَامَةُ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ(3/130)
وَتَخْفِيفِ الْمِيمَيْنِ كَانَتْ صَغِيرَةً عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَزَوَّجَهَا عَلِيٌّ بَعْدَ وَفَاةِ فَاطِمَةَ بِوَصِيَّةٍ مِنْهَا وَلَمْ تُعْقِبْ (فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَهَا) قَالَ الْحَافِظُ كَذَا لِمَالِكٍ أَيْضًا وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَمُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طريق الزبيدي وأحمد من طريق بن جريج وبن حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْعُمَيْسِ كُلُّهُمْ عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ شَيْخِ مَالِكٍ فَقَالُوا إِذَا رَكَعَ وَضَعَهَا وَلِأَبِي دَاوُدَ يَعْنِي الْمُؤَلِّفَ مِنْ طَرِيقِ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ حَتَّى إِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ أَخَذَهَا فَوَضَعَهَا ثُمَّ رَكَعَ (وَإِذَا قَامَ حَمَلَهَا) أَيْ أُمَامَةَ وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مِثْلَ هَذَا الْفِعْلِ مَعْفُوٌّ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ الْفَرِيضَةِ وَالنَّافِلَةِ وَالْمُنْفَرِدِ وَالْمُؤْتَمِّ وَالْإِمَامِ لِمَا فِي الرِّوَايَةِ الْآتِيَةِ بِلَفْظِ بَيْنَمَا نَحْنُ نَنْتَظِرُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلصَّلَاةِ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ الْحَدِيثَ وَلِمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ بِلَفْظِ وَهُوَ يَؤُمُّ النَّاسَ فِي الْمَسْجِدِ وَإِذَا جَازَ ذَلِكَ فِي حَالِ الْإِمَامَةِ فِي صَلَاةِ الْفَرِيضَةِ جار فِي غَيْرِهَا بِالْأَوْلَى
قَالَ النَّوَوِيُّ الْحَدِيثُ حَمَلَهُ أَصْحَابُ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّافِلَةِ وَمَنَعُوا جَوَازَ ذَلِكَ فِي الْفَرِيضَةِ وَهَذَا التَّأْوِيلُ فَاسِدٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ يَؤُمُّ النَّاسَ صَرِيحٌ أَوْ كَالصَّرِيحِ فِي أَنَّهُ كَانَ فِي الْفَرِيضَةِ
وَادَّعَى بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ وَبَعْضُهُمْ أَنَّهُ خَاصٌّ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَعْضُهُمْ أَنَّهُ كَانَ لِضَرُورَةٍ
وَكُلُّ هَذِهِ الدَّعَاوَى بَاطِلَةٌ وَمَرْدُودَةٌ فَإِنَّهُ لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا وَلَا ضَرُورَةَ إِلَيْهَا بَلِ الْحَدِيثُ صَحِيحٌ صَرِيحٌ فِي جَوَازِ ذَلِكَ وَلَيْسَ فِيهِ مَا يُخَالِفُ قَوَاعِدَ الشَّرْعِ لِأَنَّ الْآدَمِيَّ طَاهِرٌ وَمَا فِي جَوْفِهِ مِنَ النَّجَاسَةِ مَعْفُوٌّ عَنْهُ لِكَوْنِهِ فِي مَعِدَتِهِ وَثِيَابُ الْأَطْفَالِ وَأَجْسَادُهُمْ عَلَى الطَّهَارَةِ وَدَلَائِلُ الشَّرْعِ مُتَظَاهِرَةٌ عَلَى هَذَا وَالْأَفْعَالُ فِي الصَّلَاةِ لَا تُبْطِلُهَا إِذَا قَلَّتْ أَوْ تَفَرَّقَتْ وَفَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا بَيَانًا لِلْجَوَازِ وَتَنْبِيهًا بِهِ عَلَى هَذِهِ الْقَوَاعِدِ الَّتِي ذَكَرْتُهَا
انْتَهَى قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ
[918] (بَيْنَا نَحْنُ فِي الْمَسْجِدِ جُلُوسًا) جَمْعُ جَالِسٍ وَهُوَ بِالنَّصْبِ عَلَى الْحَالِيَّةِ (بِنْتُ أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ) اسْمُ أَبِي الْعَاصِ لَقِيطٌ وَقِيلَ مِقْسَمٌ وَقِيلَ الْقَاسِمُ وَقِيلَ مُهَشِّمٌ وَقِيلَ هُشَيْمٌ وَقِيلَ يَاسِرٌ وَهُوَ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ أَسْلَمَ قَبْلَ الْفَتْحِ وَهَاجَرَ وَرَدَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنَتَهُ زَيْنَبَ وَمَاتَتْ مَعَهُ وَأَثْنَى عَلَيْهِ فِي مُصَاهَرَتِهِ وَكَانَتْ وَفَاتُهُ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ (وهي صبية(3/131)
الصَّبِيَّةُ مَنْ لَمْ تُفْطَمْ بَعْدُ (عَلَى عَاتِقِهِ) وَهُوَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ إِلَى أَصْلِ الْعُنُقِ (يَضَعُهَا إِذَا رَكَعَ وَيُعِيدُهَا إِذَا قَامَ) هَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ فِعْلَ الْحَمْلِ وَالْوَضْعِ كَانَ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا مِنْ أمامة قال بن دَقِيقِ الْعِيدِ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ لَفْظَ حَمَلَ لَا يُسَاوِي لَفْظَ وَضَعَ فِي اقْتِضَاءِ فِعْلِ الْفَاعِلِ لِأَنَّا نَقُولُ فُلَانٌ حَمَلَ كَذَا وَلَوْ كَانَ غَيْرُهُ حَمَلَهُ بِخِلَافِ وَضَعَ فَعَلَى هَذَا فَالْفِعْلُ الصَّادِرُ مِنْهُ هُوَ الْوَضْعُ لَا الرَّفْعُ فَيَقِلُّ الْعَمَلُ
قَالَ وَقَدْ كُنْتُ أَحْسَبُ هَذَا حَسَنًا إِلَى أَنْ رَأَيْتُ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ الصَّحِيحَةِ فَإِذَا قَامَ أَعَادَهَا
انْتَهَى
وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ (يَفْعَلُ ذَلِكَ) أَيْ وَضَعَهَا حِينَ الرُّكُوعِ وَحَمَلَهَا حِينَ الْقِيَامِ (بِهَا) أَيْ بِأُمَامَةَ
[919] (يُصَلِّي لِلنَّاسِ) أَيْ يَؤُمُّهُمْ وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ حَمَلَ الْحَدِيثَ عَلَى النَّافِلَةِ (لَمْ يسمع مخرمة) يعني بن بُكَيْرٍ (مِنْ أَبِيهِ إِلَّا حَدِيثًا وَاحِدًا) وَهُوَ حَدِيثُ الْوِتْرِ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ قَالَ أَبُو دَاوُدَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ إِلَّا حَدِيثَ الْوِتْرِ
انْتَهَى
فَثَبَتَ أَنَّ رِوَايَةَ الْبَابِ هَذِهِ مُنْقَطِعَةٌ
[920] (لِلصَّلَاةِ فِي الظُّهْرِ أَوِ الْعَصْرِ) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي وَهَذَا نَصٌّ عَلَى أَنَّ إِمَامَتَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَامِلًا أُمَامَةَ كَانَ فِي الْفَرِيضَةِ (وَهِيَ) أَيْ أُمَامَةُ (فِي مَكَانِهَا) يَعْنِي عُنُقَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الَّذِي هِيَ) أَيْ أُمَامَةُ (فِيهِ) الضَّمِيرُ الْمَجْرُورُ يَرْجِعُ إِلَى مَكَانِهَا وَجُمْلَةُ وَهِيَ فِي مَكَانِهَا إِلَخْ حَالِيَّةٌ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ لِلصَّلَاةِ فِي مُصَلَّاهُ وَقُمْنَا خَلْفَهُ وَالْحَالُ أَنَّ أُمَامَةَ ثَبَتَتْ فِي مَكَانِهَا أَيْ عُنُقُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي كَانَتْ أُمَامَةُ مُسْتَقِرَّةً فِيهِ قَبْلَ قِيَامِهِ فِي مُصَلَّاهُ (قَالَ) أَبُو قَتَادَةَ (حَتَّى إِذَا أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَرْكَعَ(3/132)
أَخَذَهَا فَوَضَعَهَا إِلَى قَوْلِهِ فَرَدَّهَا فِي مَكَانِهَا) هَذَا يَرُدُّ تَأْوِيلَ الْخَطَّابِيِّ حَيْثُ قَالَ يُشْبِهُ أَنْ تَكُونَ الصَّبِيَّةُ قَدْ أَلِفَتْهُ فَإِذَا سَجَدَ تَعَلَّقَتْ بِأَطْرَافِهِ وَالْتَزَمَتْهُ فَيَنْهَضُ مِنْ سُجُودِهِ فَتَبْقَى مَحْمُولَةً كَذَلِكَ إِلَى أَنْ يَرْكَعَ فَيُرْسِلَهَا لِأَنَّ قَوْلَهُ حَتَّى إِذَا أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَرْكَعَ أَخَذَهَا فَوَضَعَهَا وَقَوْلُهُ أَخَذَهَا فَرَدَّهَا فِي مَكَانِهَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الرَّفْعَ صَادِرٌ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
ثُمَّ قَالَ الْخَطَّابِيُّ فَإِذَا كَانَ عَلَمُ الْخَمِيصَةِ يَشْغَلُهُ عَنْ صَلَاتِهِ يَسْتَبْدِلُ بِهَا الْأَنْبِجَانِيَّةَ فَكَيْفَ لَا يُشْغَلُ عَنْهَا بِمَا هَذِهِ صِفَتُهُ مِنَ الْأَمْرِ
انْتَهَى
وَتَعَقَّبَهُ النَّوَوِيُّ فَقَالَ وَأَمَّا قَضِيَّةُ الْخَمِيصَةِ فَلِأَنَّهَا تَشْغَلُ الْقَلْبَ بِلَا فَائِدَةٍ وَحَمْلُ أُمَامَةَ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يَشْغَلُ الْقَلْبَ وَإِنْ شَغَلَهُ فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ فَوَائِدُ وَبَيَانُ قَوَاعِدٍ مِمَّا ذَكَرْنَا وَغَيْرِهِ فَاحْتَمَلَ ذَلِكَ الشَّغْلُ لِهَذِهِ الْفَوَائِدِ بِخِلَافِ الْخَمِيصَةِ فَالصَّوَابُ الَّذِي لَا مَعْدِلَ عَنْهُ أَنَّ الْحَدِيثَ كَانَ لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَالتَّنْبِيهِ عَلَى هَذِهِ الْفَوَائِدِ فَهُوَ جَائِزٌ لَنَا وَشَرْعٌ مُسْتَمِرٌّ لِلْمُسْلِمِينَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ
وَاللَّهُ أَعْلَمُ
انْتَهَى
وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لَمْسَ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ لَا يَنْقُضُ الطَّهَارَةَ وَذَلِكَ لِأَنَّهَا لَا يُلَابِسُهُ هَذِهِ الْمُلَابَسَةَ إِلَّا وَقَدْ لَمَسَهُ بِبَعْضِ أَعْضَائِهَا
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ ثِيَابَ الْأَطْفَالِ وَأَبْدَانَهُمْ عَلَى الطَّهَارَةِ مَا لَمْ تُعْلَمْ نَجَاسَتُهُ
وَفِيهِ أَنَّ الْعَمَلَ الْيَسِيرَ لَا تَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ
وَفِيهِ أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا صَلَّى وَفِي كُمِّهِ مَتَاعٌ أَوْ عَلَى رَقَبَتِهِ كَارةٌ وَنَحْوُهَا فَإِنَّ صَلَاتَهُ مُجْزِيَةٌ
قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ
قُلْتُ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ إِدْخَالِ الصِّبْيَانِ فِي الْمَسَاجِدِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ وَقَدْ أَثْنَى عَلَيْهِ غَيْرُ وَاحِدٍ وَتَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ
[921] (اُقْتُلُوا الْأَسْوَدَيْنِ) هُوَ مِنْ بَابِ التَّغْلِيبِ كَالْقَمَرَيْنِ وَلَا يُسَمَّى بِالْأَسْوَدِ فِي الْأَصْلِ إِلَّا الْحَيَّةُ (الْحَيَّةُ وَالْعَقْرَبُ) بَيَانٌ لِلْأَسْوَدَيْنِ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي الْمَعَالِمِ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى جَوَازِ الْعَمَلِ الْيَسِيرِ فِي الصَّلَاةِ وَأَنَّ مُوَالَاةَ الْفِعْلِ مَرَّتَيْنِ فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ لَا تُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَذَلِكَ أَنَّ قَتْلَ الْحَيَّةِ غَالِبًا إِنَّمَا يَكُونُ بِالضَّرْبَةِ وَالضَّرْبَتَيْنِ فَأَمَّا إِذَا تَتَابَعَ الْعَمَلُ وَصَارَ فِي حَدِّ الْكَثْرَةِ بَطَلَتِ الصَّلَاةُ
وَفِي مَعْنَى(3/133)
الْحَيَّةِ كُلُّ ضِرَارٍ مُبَاحٍ قَتْلُهُ كَالزَّنَابِيرِ وَالشَّبَّتَانِ وَنَحْوِهَا
وَرَخَّصَ عَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي قَتْلِ الْأَسْوَدَيْنِ فِي الصَّلَاةِ إِلَّا إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيَّ وَالسُّنَّةُ أَوْلَى مَا اتُّبِعَ
وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَمْرَ بِقَتْلِ الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ مُطْلَقٌ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِضَرْبَةٍ أَوْ ضَرْبَتَيْنِ
وَقَدْ أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَفَاكَ لِلْحَيَّةِ ضَرْبَةٌ أَصَبْتَهَا أَمْ أَخْطَأْتَهَا
وَهَذَا يُوهِمُ التَّقَيُّدَ بِالضَّرْبَةِ
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ هَذَا إِنْ صَحَّ فَإِنَّمَا أَرَادَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وُقُوعَ الْكِفَايَةِ بِهَا فِي الْإِتْيَانِ بِالْمَأْمُورِ فَقَدْ أَمَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِهَا وَأَرَادَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ إِذَا امْتَنَعَتْ بِنَفْسِهَا عِنْدَ الْخَطَأِ وَلَمْ يُرِدْ بِهِ الْمَنْعَ مِنَ الزِّيَادَةِ عَلَى ضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ
ثُمَّ اسْتَدَلَّ الْبَيْهَقِيُّ عَلَى ذَلِكَ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مَنْ قَتَلَ وَزَغَةً فِي أَوَّلِ ضَرْبَةٍ فَلَهُ كَذَا وَكَذَا حَسَنَةً وَمَنْ قَتَلَهَا فِي الضَّرْبَةِ الثَّانِيَةِ فَلَهُ كَذَا وَكَذَا حَسَنَةً أَدْنَى مِنَ الْأَوَّلِ وَمَنْ قَتَلَهَا فِي الضَّرْبَةِ الثَّالِثَةِ فَلَهُ كَذَا وَكَذَا حَسَنَةً أَدْنَى مِنَ الثَّانِيَةِ ذَكَرَهُ فِي النَّيْلِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ
[922] (وَهَذَا لَفْظُهُ) أَيْ لَفْظُ مُسَدَّدٍ (قَالَ أَحْمَدُ) هُوَ بن حَنْبَلٍ (وَالْبَابُ عَلَيْهِ مُغْلَقٌ) فِيهِ أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ لِمَنْ صَلَّى فِي مَكَانٍ بَابُهُ إِلَى الْقِبْلَةِ أَنْ يُغْلِقَ الْبَابَ عَلَيْهِ لِيَكُونَ سُتْرَةً لِلْمَارِّ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِيَكُونَ أَسْتَرَ وَفِيهِ إِخْفَاءُ الصَّلَاةِ عَنِ الْآدَمِيِّينَ (فَجِئْتُ فَاسْتَفْتَحْتُ) أَيْ طَلَبْتُ فَتْحَ الْبَابِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا ظَنَّتْ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الصَّلَاةِ وَإِلَّا لَمْ تَطْلُبْهُ مِنْهُ كَمَا هُوَ اللائق بأدبها وعلمها (فمشى) قال بن رَسْلَانَ هَذَا الْمَشْيُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ مَشَىْ خُطْوَةً أَوْ خُطْوَتَيْنِ أَوْ مَشَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ مُتَفَرِّقًا وَهُوَ مِنَ التَّقْيِيدِ بِالْمَذْهَبِ وَلَا يَخْفَى فَسَادُهُ
قَالَهُ فِي النَّيْلِ (وَذَكَرَ) أَيْ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ (أَنَّ الْبَابَ كَانَ فِي الْقِبْلَةِ) أَيْ فَلَمْ يَتَحَوَّلْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهَا عِنْدَ مَجِيئِهِ إِلَيْهِ وَيَكُونُ رُجُوعُهُ إِلَى مُصَلَّاهُ عَلَى عَقِبَيْهِ إِلَى خَلْفُ
قَالَ الْأَشْرَفُ هَذَا قَطَعَ وَهْمَ مَنْ يَتَوَهَّمُ أَنَّ هَذَا الْفِعْلَ يَسْتَلْزِمُ تَرْكَ الْقِبْلَةِ
انْتَهَى
وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى إِبَاحَةِ الْمَشْيِ فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ لِلْحَاجَةِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَفِي حَدِيثِ النَّسَائِيِّ يُصَلِّي تَطَوُّعًا وَكَذَا تَرْجَمَ عَلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ رَحِمَهُ الله تعالى(3/134)
20 - (بَاب رَدِّ السَّلَامِ فِي الصَّلَاةِ)
[923] (عَنْ عَبْدِ الله) هو بن مَسْعُودٍ (فَيَرُدُّ عَلَيْنَا أَيِ السَّلَامَ بِاللَّفْظِ (فَلَمَّا رَجَعْنَا مِنْ عِنْدِ النَّجَاشِيِّ) بِفَتْحِ النُّونِ وَتَخْفِيفِ الْجِيمِ وَبَعْدَ الْأَلِفِ شِينٌ مُعْجَمَةٌ ثُمَّ يَاءٌ ثَقِيلَةٌ كَيَاءِ النَّسَبِ وَقِيلَ بِالتَّخْفِيفِ وَرَجَّحَهُ الصَّغَانِيُّ وَهُوَ لَقَبٌ مِنْ مَلِكِ الْحَبَشَةِ وَحَكَى الْمُطَّرِّزِيُّ تَشْدِيدَ الْجِيمِ عَنْ بعضهم وخطأه
قال بن الْمَلِكِ كَانَ هَاجَرَ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ مِنْ مَكَّةَ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ حِينُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ فَارِّينَ مِنْهَا لِمَا يَلْحَقُهُمْ مِنْ إِيذَاءِ الْكُفَّارِ فَلَمَّا خَرَجَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مِنْهَا إِلَى الْمَدِينَةِ وَسَمِعَ أُولَئِكَ بِمُهَاجَرَتِهِ هَاجَرُوا مِنَ الْحَبَشَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَوَجَدُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ ومنهم بن مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ (فَلَمْ يَرُدَّ علينا) أي السلام
روى بن أبي شيبة من مرسل بن سِيرِينَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَدَّ على بن مَسْعُودٍ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ السَّلَامَ بِالْإِشَارَةِ
كَذَا فِي الْفَتْحِ (إِنَّ فِي الصَّلَاةِ لَشُغْلًا) بِضَمِّ الشِّينِ وَسُكُونِ الْغَيْنِ وَبِضَمِّهِمَا وَالتَّنْكِيرُ فِيهِ لِلتَّنْوِيعِ أَيْ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ أَوْ لِلتَّعْظِيمِ أَيْ شُغْلًا وَأَيَّ شُغْلٍ لِأَنَّهَا مُنَاجَاةٌ مَعَ اللَّهِ تَسْتَدْعِي الِاسْتِغْرَاقَ بِخِدْمَتِهِ فَلَا يَصْلُحُ الِاشْتِغَالُ بِغَيْرِهِ
وَقَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَاهُ أَنَّ وَظِيفَةَ الْمُصَلِّي الِاشْتِغَالُ بِصَلَاتِهِ وَتَدَبُّرُ مَا يَقُولُهُ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَعْرُجَ عَلَى غَيْرِهَا مِنْ رَدِّ السَّلَامِ وَنَحْوِهِ
قَالَ الْإِمَامُ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ فِي الْمَعَالِمِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْمُصَلِّي يُسَلَّمُ عَلَيْهِ فَرَخَّصَتْ طَائِفَةٌ فِي الرَّدِّ كَانَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ لَا يَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا وَكَذَلِكَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَقَتَادَةُ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا سُلِّمَ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ رَدَّهُ حَتَّى يُسْمَعَ وَرُوِيَ عَنْ جَابِرٍ نَحْوُ ذَلِكَ
وَقَالَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ لَا يَرُدُّ السَّلَامَ
وروي عن بن عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ يَرُدُّ إِشَارَةً وَقَالَ عَطَاءٌ وَالشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ إِذَا انْصَرَفَ مِنَ الصَّلَاةِ رَدَّ السَّلَامَ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَرُدُّ السَّلَامَ وَلَا يُشِيرُ
قُلْتُ رَدُّ السَّلَامَ قَوْلًا وَنُطْقًا مَحْظُورٌ وَرَدُّهُ بَعْدَ الْخُرُوجِ مِنَ الصَّلَاةِ سُنَّةٌ
وَقَدْ رَدَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم على بن مَسْعُودٍ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ صَلَاتِهِ السَّلَامَ وَالْإِشَارَةُ حَسَنَةٌ
وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَشَارَ فِي الصَّلَاةِ وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي هَذَا الْبَابِ
انْتَهَى
قلت استدل(3/135)
الْمَانِعُونَ مِنْ رَدِّ السَّلَامِ فِي الصَّلَاةِ بِحَدِيثِ بن مَسْعُودٍ هَذَا لِقَوْلِهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْنَا وَلَكِنَّهُ ينبغي أن يحمل الرد المنفي ها هنا عَلَى الرَّدِّ بِالْكَلَامِ لَا الرَّدِّ بِالْإِشَارَةِ لِأَنَّ بن مَسْعُودٍ نَفْسَهُ رَوَى عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ رَدَّ عَلَيْهِ بِالْإِشَارَةِ
وَلَوْ لَمْ تُرْوَ عَنْهُ هَذِهِ الرِّوَايَةُ لَكَانَ الْوَاجِبُ هُوَ ذَلِكَ جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ قَالَهُ الشَّوْكَانِيُّ
وَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ قَالَ بِجَوَازِ رَدِّ السَّلَامِ فِي الصَّلَاةِ لَفْظًا
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ
[924] (كُنَّا نُسَلِّمُ فِي الصَّلَاةِ وَنَأْمُرُ بِحَاجَتِنَا) وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ كُنَّا نُسَلِّمُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَرُدُّ عَلَيْنَا السَّلَامَ حَتَّى قَدِمْنَا مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ (فَأَخَذَنِي مَا قَدُمَ وَمَا حَدُثَ) بِفَتْحِ الدَّالِ وَضَمِّهَا لِمُشَاكَلَةِ قَدُمَ يَعْنِي هُمُومَهُ وَأَفْكَارَهُ الْقَدِيمَةَ وَالْحَدِيثَةَ
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ الْحُزْنُ وَالْكَآبَةُ قَدِيمُهَا وَحَدِيثُهَا يُرِيدُ أَنَّهُ قَدْ عَاوَدَهُ قَدِيمُ الْأَحْزَانِ وَاتَّصَلَ بِحَدِيثِهَا
وَفِي النِّهَايَةِ يُرِيدُ أَنَّهُ عَاوَدَهُ أَحْزَانُهُ الْقَدِيمَةُ وَاتَّصَلَتْ بِالْحَدِيثَةِ
وَقِيلَ مَعْنَاهُ غَلَبَ عَلَيَّ التَّفَكُّرِ فِي أَحْوَالِي الْقَدِيمَةِ وَالْحَدِيثَةِ أَيِّهَا كَانَ سَبَبًا لِتَرْكِ رَدِّ السَّلَامِ عَلَيَّ (فَلَمَّا قَضَى) أَيْ أَدَّى (إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُحْدِثُ) أَيْ يُظْهِرُ (مِنْ أَمْرِهِ) أَيْ شَأْنِهِ أَوْ أَوَامِرِهِ (قَدْ أَحْدَثَ) أَيْ جَدَّدَ مِنَ الْأَحْكَامِ بِأَنْ نَسَخَ حِلَّ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ بِقَوْلِهِ نَاهِيًا عَنْهُ (أَنْ لَا تَكَلَّمُوا فِي الصَّلَاةِ) وَيَحْتَمِلُ كَوْنَ الْإِحْدَاثِ فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ أَوْ قَبْلَهَا (فَرَدَّ عَلَيَّ السَّلَامَ) يَعْنِي بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنَ الصَّلَاةِ
وَقَدِ اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ سُلِّمَ عَلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ أَنْ لَا يَرُدَّ السَّلَامَ إِلَّا بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنَ الصَّلَاةِ
وَرُوِيَ هَذَا عَنْ أَبِي ذر وعطاء والنخعي والثوري
قال بن رَسْلَانَ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ أَنْ يرد السلام في الصلاة بالإشارة
وقال بن الْمَلِكِ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ رَدِّ جَوَابِ السَّلَامِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الصَّلَاةِ
وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ عَلَى قَضَاءِ الْحَاجَةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ أَحَدٌ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ
[925] (عَنْ نَابِلٍ صَاحِبِ الْعَبَاءِ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ نابل صاحب العبا والأكسية والشمال(3/136)
مَقْبُولٌ مِنَ الثَّالِثَةِ انْتَهَى
وَوَثَّقَهُ النَّسَائِيُّ
وَقِيلَ لِلدَّارَقُطْنِيِّ أَثِقَةٌ هُوَ فَأَشَارَ بِيَدِهِ أَنْ لَا (فَرَدَّ إِشَارَةً) أَيْ بِالْإِشَارَةِ (قَالَ) أَيْ نَابِلٌ (ولا أعلمه إلا قال) أي بن عُمَرَ (إِشَارَةً بِأُصْبُعِهِ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ رَدِّ السَّلَامِ فِي الصَّلَاةِ بِالْإِشَارَةِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ وَحَدِيثُ صُهَيْبٍ حَسَنٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ اللَّيْثِ عَنْ بُكَيْرٍ وَقَالَ النَّسَائِيُّ نَابِلٌ لَيْسَ بِالْمَشْهُورِ
هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ وَنَابِلٌ أَوَّلُهُ نُونٌ وَبَعْدَ الألف بالواحدة وآخر لَامٌ هُوَ صَاحِبُ الْعَبَاءِ وَيُقَالُ صَاحِبُ الشِّمَالِ سمع من بن عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَوَى عَنْهُ بُكَيْرُ بْنُ الْأَشَجِّ وَصَالِحُ بْنُ عُبَيْدٍ
[926] (فَأَتَيْتُهُ) أَيْ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَكَلَّمْتُهُ) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ (فَقَالَ لِي بِيَدِهِ هَكَذَا) زَادَ فِي مُسْلِمٍ وَأَوْمَأَ زُهَيْرٌ بِيَدِهِ نَحْوَ الْأَرْضِ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ فَوَقَعَ فِي قَلْبِي مَا اللَّهُ بِهِ أَعْلَمُ قَالَ الْحَافِظُ قَوْلُهُ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ أَيْ بِاللَّفْظِ وَكَأَنَ جَابِرًا لَمْ يَعْرِفْ أَوَّلًا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِشَارَةِ الرَّدُّ عَلَيْهِ فَلِذَلِكَ قَالَ
فَوَقَعَ فِي قَلْبِي مَا اللَّهُ بِهِ أَعْلَمُ أَيْ مِنَ الْحُزْنِ (وَيُومِي بِرَأْسِهِ) أَيْ لِلرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ (فَإِنَّهُ لَمْ يَمْنَعنِي أَنْ أُكَلِّمَكَ إِلَّا أَنِّي كُنْتُ أُصَلِّي) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ أَمَا إِنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَرُدَّ عَلَيْكَ إِلَّا أَنِّي كُنْتُ أُصَلِّي قَالَ النَّوَوِيُّ وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَدَّ السَّلَامَ بِالْإِشَارَةِ وَأَنَّهُ لَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِالْإِشَارَةِ وَنَحْوِهَا مِنَ الْحَرَكَاتِ الْيَسِيرَةِ وَأَنَّهُ يَنْبَغِي لِمَنْ سُلِّمَ عَلَيْهِ وَمَنَعَهُ مِنْ رَدِّ السَّلَامِ مَانِعٌ أَنْ يَعْتَذِرَ إِلَى الْمُسَلِّمِ وَيَذْكُرَ لَهُ ذَلِكَ الْمَانِعَ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وبن ماجه(3/137)
[927] (إِلَى قُبَاءَ) بِضَمِّ قَافٍ وَخِفَّةِ مُوَحَّدَةٍ مَعَ مَدٍّ وَقَصْرٍ مَوْضِعٌ بِمِيلَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ مِنَ الْمَدِينَةِ (يُصَلِّي فِيهِ) أَيْ فِي مَسْجِدِهِ (وَبَسَطَ جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ كَفَّهُ وَجَعَلَ بَطْنَهُ) أَيْ بَطْنَ الْكَفِّ (أَسْفَلَ) أَيْ إِلَى جَانِبِ السُّفْلِ (وَجَعَلَ ظَهْرَهُ إِلَى فَوْقُ) وَاعْلَمْ أَنَّهُ وَرَدَ الْإِشَارَةُ لِرَدِّ السَّلَامِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِجَمِيعِ الْكَفِّ وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ بِالْيَدِ وَفِي حَدِيثِ بن عمر عن صهيب بالإصبع وفي حديث بن مَسْعُودٍ عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ بِلَفْظِ فَأَوْمَأَ بِرَأْسِهِ وَفِي رواية له قفال بِرَأْسِهِ يَعْنِي الرَّدَّ وَيُجْمَعُ بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ هَذَا مَرَّةً وَهَذَا مَرَّةً فَيَكُونُ جَمِيعُ ذَلِكَ جَائِزًا وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
[928] (لَا غِرَارَ فِي صَلَاةٍ وَلَا تَسْلِيمَ) يُرْوَى بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى الصَّلَاةِ وَبِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى غِرَارَ
قَالَهُ فِي الْمَجْمَعِ
قُلْتُ الرِّوَايَةُ الْآتِيَةُ تُؤَيِّدُ رِوَايَةَ الْجَرِّ
قَالَ الْإِمَامُ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ فِي الْمَعَالِمِ أَصْلُ الْغِرَارِ نُقْصَانُ لَبَنِ النَّاقَةِ يُقَالُ غَارَتِ النَّاقَةُ غِرَارًا فَهِيَ مُغَارًا إِذْ نَقَصَ لَبَنُهَا فَمَعْنَى قَوْلِهِ لَا غِرَارَ أَيْ لَا نُقْصَانَ فِي التَّسْلِيمِ وَمَعْنَاهُ أَنْ تَرُدَّ كَمَا يُسَلَّمُ عَلَيْكَ وَافِيًا لَا تَنْقُصُ فِيهِ مِثْلَ أَنْ يُقَالَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ فَتَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَلَا تَقْتَصِرُ عَلَى أَنْ تَقُولَ عَلَيْكُمُ السَّلَامُ وَلَا تَرُدَّ التَّحِيَّةَ كَمَا سَمِعْتَهَا مِنْ صَاحِبِكَ فَتَبْخَسُهُ حَقَّهُ مِنْ جَوَابِ الْكَلِمَةِ
وَأَمَّا الْغِرَارُ فِي الصَّلَاةِ فَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ لَا يَتِمَّ رُكُوعَهُ وَسُجُودَهُ وَالْآخَرُ أَنْ يَشُكَّ هَلْ صَلَّى ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا فَيَأْخُذُ بِالْأَكْثَرِ وَيَتْرُكُ الْيَقِينَ وَيَنْصَرِفُ بِالشَّكِّ وَقَدْ جَاءَتِ السُّنَّةُ فِي رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنْ يَطْرَحَ الشَّكَّ وَيَبْنِي عَلَى الْيَقِينِ وَيُصَلِّي رَكْعَةً رَابِعَةً حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهُ قَدْ أَكْمَلَهَا أَرْبَعًا
وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ الْغِرَارُ فِي الصَّلَاةِ نُقْصَانُ هَيْئَاتِهَا وَأَرْكَانِهَا وَقِيلَ أَرَادَ بِالْغِرَارِ النَّوْمَ أَيْ لَيْسَ فِي الصَّلَاةِ نَوْمٌ
قَالَ وَقَوْلُهُ وَلَا تَسْلِيمَ يُرْوَى بِالْجَرِّ وَالنَّصْبِ فَمَنْ جَرَّهُ كَانَ مَعْطُوفًا عَلَى صَلَاةٍ وَغِرَارُهُ أَنْ يَقُولَ الْمُجِيبُ وَعَلَيْكَ وَلَا يَقُولَ السَّلَامُ وَمَنْ نَصَبَهُ كَانَ مَعْطُوفًا عَلَى غِرَارٍ وَيَكُونُ الْمَعْنَى لَا نَقْصَ وَتَسْلِيمَ فِي الصَّلَاةِ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الصَّلَاةِ بِغَيْرِ(3/138)
كَلَامِهَا لَا يَجُوزُ انْتَهَى (قَالَ أَحْمَدُ) هُوَ بن حَنْبَلٍ (يَعْنِي فِيمَا أَرَى أَنْ لَا تُسَلِّمَ وَلَا يُسَلَّمَ عَلَيْكَ) أَيْ فِي الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِيهَا الْكَلَامُ وَهَذَا الْمَعْنَى عَلَى رِوَايَةِ نَصْبِ تَسْلِيمٍ عَطْفًا عَلَى غِرَارٍ (فَيَنْصَرِفَ) أَيْ مِنَ الصَّلَاةِ (وَهُوَ فِيهَا شَاكٌّ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ
وَالْحَدِيثُ اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ رَدِّ السَّلَامِ فِي الصَّلَاةِ وَيُجَابُ بِأَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى الْمَطْلُوبِ لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ فِي التَّسْلِيمِ عَلَى الْمُصَلِّي لَا فِي الرَّدِّ مِنْهُ وَلَوْ سَلَّمَ شُمُولَهُ لِلرَّدِّ لَكَانَ الْوَاجِبُ حَمْلَ ذَلِكَ عَلَى الرَّدِّ بِاللَّفْظِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ
[929] (قَالَ) أَيْ مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ (أُرَاهُ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَالضَّمِيرِ الْمَنْصُوبِ يَرْجِعُ إِلَى سُفْيَانَ أَيْ أَظُنُّ سُفْيَانَ (رَفَعَهُ) أَيِ الْحَدِيثَ
وَالْحَاصِلُ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مَهْدِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ بْنَ هِشَامٍ وَمُحَمَّدَ بْنَ فُضَيْلِ بْنِ غَزْوَانَ كُلَّهُمْ رَوَوْا عَنْ سفيان الثوري واما بن مَهْدِيٍّ فَجَعَلَهُ مِنْ رِوَايَةِ الثَّوْرِيِّ مَرْفُوعًا مِنْ غَيْرِ شَكٍّ وَمُعَاوِيَةُ عَنِ الثَّوْرِيِّ مَعَ الشَّكِّ وبن فُضَيْلٍ عَنِ الثَّوْرِيِّ لَمْ يَجْعَلْهُ مَرْفُوعًا بَلْ مَوْقُوفًا عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (لَا غِرَارَ فِي تَسْلِيمٍ وَلَا صَلَاةَ) بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى تَسْلِيمٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَى الْغِرَارُ فِي التسليم والصلاة (على لفظ بن مَهْدِيٍّ) أَيْ بِلَفْظِ لَا غِرَارَ فِي صَلَاةٍ وَلَا تَسْلِيمَ (وَلَمْ يَرْفَعْهُ) بَلْ وَقَفَهُ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ
1 - (بَاب تَشْمِيتِ الْعَاطِسِ فِي الصَّلَاةِ)
[930] (فَعَطَسَ) بِفَتْحِ الطَّاءِ
قَالَ فِي الْقَامُوسِ عَطَسَ يَعْطِسُ وَيَعْطُسُ عَطْسًا وَعُطَاسًا أَتَتْهُ(3/139)
الْعَطْسَةُ (فَقُلْتُ) أَيْ وَأَنَا فِي الصَّلَاةِ (يَرْحَمُكَ اللَّهُ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ فِي جَوَابِ قَوْلِهِ الْحَمْدُ الله (فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ) أَيْ أَسْرَعُوا فِي الِالْتِفَاتِ إِلَيَّ وَنُفُوذِ الْبَصَرِ فِيَّ اسْتُعِيرَتْ مِنْ رَمْيِ السَّهْمِ
قَالَ الطِّيبِيُّ وَالْمَعْنَى أَشَارُوا إِلَيَّ بِأَعْيُنِهِمْ مِنْ غَيْرِ كَلَامٍ وَنَظَرُوا إِلَيَّ نَظَرَ زَجْرٍ كيلا أتكلم في الصلاة (فقلت واثكل أمياه) بكسر الميم والمثكل بِضَمٍّ وَسُكُونٍ وَبِفَتْحِهِمَا فِقْدَانُ الْمَرْأَةِ وَلَدَهَا وَالْمَعْنَى وافقدها فَإِنِّي هَلَكْتُ (مَا شَأْنُكُمْ) أَيْ مَا حَالُكُمْ (تَنْظُرُونَ إِلَيَّ) نَظَرَ الْغَضَبِ (فَجَعَلُوا) أَيْ شَرَعُوا (يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ) قَالَ النَّوَوِيُّ يَعْنِي فَعَلُوا هَذَا لِيُسْكِتُوهُ وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ أَنْ يُشْرَعَ التَّسْبِيحُ لِمَنْ نَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلَاتِهِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْفِعْلِ الْقَلِيلِ فِي الصَّلَاةِ وَأَنَّهُ لَا تَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ وَأَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ إِذَا كَانَ لِحَاجَةٍ انْتَهَى (يُصَمِّتُونِي) بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ أَيْ يسكتوني (قال عثمان) هو بن أَبِي شَيْبَةَ (فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُسْكِتُونِي) أَيْ غَضِبْتُ وَتَغَيَّرْتُ قَالَهُ الطِّيبِيُّ (لَكِنِّي سَكَتُّ) أَيْ سَكَتُّ وَلَمْ أَعْمَلْ بِمُقْتَضَى الْغَضَبِ (بِأَبِي وَأُمِّي) مُتَعَلِّقٌ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ أَفْدِيهُ بِأَبِي وَأُمِّي (وَلَا كَهَرَنِي) أَيْ مَا انْتَهَرَنِي وَالْكَهْرُ الِانْتِهَارُ قَالَهُ أَبُو عُبَيْدٍ
وَفِي النِّهَايَةِ يُقَالُ كَهَرَهُ إِذَا زَبَرَهُ وَاسْتَقْبَلَهُ بِوَجْهٍ عَبُوسٍ (وَلَا سَبَّنِي) أَرَادَ نَفْيَ أَنْوَاعِ الزَّجْرِ وَالْعُنْفِ وَإِثْبَاتَ كَمَالِ الْإِحْسَانِ وَاللُّطْفِ (إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ) يَعْنِي مُطْلَقَ الصَّلَاةِ فَيَشْمَلُ الْفَرَائِضَ وَغَيْرَهَا (لَا يَحِلُّ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ) فِيهِ تَحْرِيمُ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ سَوَاءٌ كَانَ لِحَاجَةٍ أَوْ غَيْرِهَا وَسَوَاءٌ كَانَ لِمَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ أَوْ غَيْرِهَا فَإِنِ احْتَاجَ إِلَى تَنْبِيهٍ أَوْ إِذْنٍ لِدَاخِلٍ وَنَحْوِهِ سَبَّحَ إِنْ كَانَ رَجُلًا وَصَفَّقَتْ إِنْ كَانَتِ امْرَأَةً وَهَذَا مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ
وَقَالَ طَائِفَةٌ مِنْهُمُ الْأَوْزَاعِيُّ يَجُوزُ الْكَلَامُ لِمَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ وَهَذَا فِي كَلَامِ الْعَامِدِ الْعَالِمِ أَمَّا كَلَامُ الناس فَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِالْكَلَامِ الْقَلِيلِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ
وقال أبو حنيفة رحمه الله والكوفيون نبطل وَأَمَّا كَلَامُ الْجَاهِلِ إِذَا كَانَ قَرِيبَ عَهْدٍ بالإسلام فهو ككلام الناس فَلَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِقَلِيلِهِ لِحَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ هَذَا الَّذِي نَحْنُ فِيهِ لِأَنَّ النَّبِيَّ لَمْ يَأْمُرْهُ بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ لَكِنْ عَلَّمَهُ تَحْرِيمَ الكلام فيما يُسْتَقْبَلُ (إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ) قَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَاهُ هَذَا وَنَحْوُهُ فَإِنَّ التَّشَهُّدَ وَالدُّعَاءَ وَالتَّسْلِيمَ مِنَ الصَّلَاةِ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْأَذْكَارِ مَشْرُوعٌ فِيهَا فَمَعْنَاهُ لَا يَصْلُحُ فِيهَا(3/140)
شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ وَمُخَاطَبَاتِهِمْ وَإِنَّمَا هِيَ التَّسْبِيحُ وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِنَ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ وأشباهما مِمَّا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ النَّهْيُ عَنْ تَشْمِيتِ الْعَاطِسِ فِي الصَّلَاةِ وَأَنَّهُ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ الَّذِي يَحْرُمُ فِي الصَّلَاةِ وَتَفْسُدُ بِهِ إِذَا أَتَى بِهِ عَالِمًا عَامِدًا
قَالَ الشَّافِعِيَّةُ إِنْ قَالَ يَرْحَمُكَ اللَّهُ بِكَافِ الْخِطَابِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ قَالَ يَرْحَمُهُ اللَّهُ أَوِ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ أَوْ رَحِمَ اللَّهُ فُلَانًا لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِخِطَابٍ
وَأَمَّا الْعَاطِسُ فِي الصَّلَاةِ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَحْمَدَ اللَّهَ تَعَالَى سِرًّا هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَبِهِ قال مالك وغيره
وعن بن عُمَرَ وَالنَّخَعِيِّ وَأَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُ يَجْهَرُ بِهِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ وَالسُّنَّةُ فِي الْأَذْكَارِ فِي الصَّلَاةِ الْإِسْرَارُ إِلَّا مَا اسْتُثْنِيَ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي بَعْضِهَا وَنَحْوِهَا انْتَهَى (إِنَّا قَوْمٌ حَدِيثُ عَهْدٍ) أَيْ جَدِيدَةٌ (بِجَاهِلِيَّةٍ) مُتَعَلِّقٌ بِعَهْدٍ
وَمَا قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ يُسَمَّى جَاهِلِيَّةٌ لِكَثْرَةِ جَهَالَتِهِمْ (وَمِنَّا رِجَالٌ يَأْتُونَ الْكُهَّانَ) بِضَمِّ الْكَافِ جَمْعُ كَاهِنٍ وَهُوَ مَنْ يَدَّعِي مَعْرِفَةَ الضَّمَائِرِ
قَالَ الطِّيبِيُّ الْفَرْقُ بَيْنَ الْكَاهِنِ وَالْعَرَّافِ أَنَّ الْكَاهِنَ يَتَعَاطَى الْأَخْبَارَ عَنِ الْكَوَائِنِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَالْعَرَّافَ يَتَعَاطَى مَعْرِفَةَ الشَّيْءِ الْمَسْرُوقِ وَمَكَانَ الضَّالَّةِ وَنَحْوَهُمْا
انْتَهَى (فَلَا تَأْتِهِمْ) قَالَ الْعُلَمَاءُ إِنَّمَا نَهَى عَنْ إِتْيَانِ الْكُهَّانِ لِأَنَّهُمْ يَتَكَلَّمُونَ فِي مُغَيَّبَاتٍ قَدْ يُصَادِفُ بَعْضَهَا الْإِصَابَةُ فَيُخَافُ الْفِتْنَةُ عَلَى الْإِنْسَانِ بِسَبَبِ ذَلِكَ وَلِأَنَّهُمْ يُلْبِسُونَ عَلَى النَّاسِ كَثِيرًا مِنْ أَمْرِ الشَّرَائِعِ وَقَدْ تَظَاهَرَتِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ بِالنَّهْيِ عَنْ إِتْيَانِ الْكُهَّانِ وَتَصْدِيقِهِمْ فِيمَا يَقُولُونَ وَتَحْرِيمِ مَا يُعْطَوْنَ مِنَ الْحُلْوَانِ وَهُوَ حَرَامٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ
(وَمِنَّا رِجَالٌ يَتَطَيَّرُونَ) فِي النِّهَايَةِ الطِّيَرَةُ بِكَسْرِ الطَّاءِ وَفَتْحِ الْيَاءِ وَقَدْ تُسَكَّنُ هِيَ التَّشَاؤُمُ بِالشَّيْءِ وَهِيَ مَصْدَرُ تَطَيَّرَ طِيَرَةً كَمَا تَقُولُ تَخَيَّرَ خيرة ولم يجيء مِنَ الْمَصَادِرِ غَيْرُهُمَا
وَأَصْلُ التَّطَيُّرِ التَّفَاؤُلُ بِالطَّيْرِ وَاسْتُعْمِلَ لِكُلِّ مَا يُتَفَاءَلُ بِهِ وَيُتَشَاءَمُ وَقَدْ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَتَطَيَّرُونَ بِالصَّيْدِ كَالطَّيْرِ وَالظَّبْيِ فَيَتَيَمَّنُونَ بِالسَّوَانِحِ وَيَتَشَاءَمُونَ بِالْبَوَارِحِ وَالْبَوَارِحُ عَلَى مَا فِي الْقَامُوسِ مِنَ الصَّيْدِ مَا مَرَّ مِنْ مَيَامِنِكَ إِلَى مَيَاسِرِكَ وَالسَّوَانِحُ ضِدُّهَا وَكَانَ ذَلِكَ يَصُدُّهُمْ عَنْ مَقَاصِدِهِمْ وَيَمْنَعُ عَنِ السَّيْرِ إِلَى مَطَالِبِهِمْ فَنَفَاهُ الشَّرْعُ وَأَبْطَلَهُ وَنَهَاهُمْ عَنْهُ (ذَاكَ) أي التطهير (شَيْءٌ يَجِدُونَهُ فِي صُدُورِهِمْ) يَعْنِي هَذَا وَهْمٌ يَنْشَأُ مِنْ نُفُوسِهِمْ لَيْسَ لَهُ تَأْثِيرٌ فِي اجْتِلَابِ نَفْعٍ أَوْ ضُرٍّ وَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ يُسَوِّلُهُ الشَّيْطَانُ وَيُزَيِّنُهُ حَتَّى يَعْمَلُوا بِقَضِيَّتِهِ لِيَجُرَّهُمْ بِذَلِكَ إِلَى اعْتِقَادِ مُؤْثِّرٍ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ لَا يَحِلُّ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ
وَقَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ أَنَّ الطِّيَرَةَ شَيْءٌ تَجِدُونَهُ فِي نُفُوسِكُمْ ضَرُورَةً وَلَا عُتْبَ عَلَيْكُمْ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُكْتَسَبٍ لَكُمْ فَلَا تَكْلِيفَ بِهِ وَلَكِنْ لَا تُمْنَعُوا بِسَبَبِهِ مِنَ التَّصَرُّفِ فِي أُمُورِكُمْ فَهَذَا هُوَ الَّذِي تَقْدِرُونَ عَلَيْهِ وَهُوَ مُكْتَسَبٌ لَكُمْ فَيَقَعُ بِهِ التَّكْلِيفُ(3/141)
فَنَهَاهُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْعَمَلِ بِالطِّيَرَةِ وَالِامْتِنَاعِ مِنْ تَصَرُّفَاتِهِمْ بِسَبَبِهَا (فَلَا يَصُدُّهُمْ) أَيْ لَا يَمْنَعُهُمُ التَّطَيُّرُ مِنْ مَقَاصِدِهِمْ لِأَنَّهُ لا يضرهم ولا ينفهم مَا يَتَوَهَّمُونَهُ
وَقَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ لَا يَمْنَعُهُمْ عَمَّا يَتَوَجَّهُونَ مِنَ الْمَقَاصِدِ أَوْ مِنْ سُوءِ السَّبِيلِ مَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ مِنَ الْوَهْمِ فَالنَّهْيُ وَارِدٌ عَلَى مَا يَتَوَهَّمُونَهُ ظَاهِرًا وَهُمْ مَنْهِيُّونَ فِي الْحَقِيقَةِ عَنْ مُزَاوَلَةِ مَا يُوقِعُهُمْ مِنَ الْوَهْمِ فِي الصَّدْرِ (وَمِنَّا رِجَالٌ يَخُطُّونَ) الخط عند العرب فيما فسره بن الْأَعْرَابِيِّ قَالَ يَأْتِي الرَّجُلُ الْعَرَّافَ وَبَيْنَ يَدَيْهِ غُلَامٌ فَيَأْمُرُهُ أَنْ يَخُطَّ فِي الرَّمْلِ خُطُوطًا كَثِيرَةً وَهُوَ يَقُولُ ابْنَيْ عِيَانَ أَسْرِعَا الْبَيَانَ ثُمَّ يَأْمُرُ مَنْ يَمْحُو مِنْهَا اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ حَتَّى يَنْظُرَ آخِرَ مَا يَبْقَى مِنْ تِلْكَ الْخُطُوطِ
فَإِنْ كَانَ الْبَاقِي زَوْجًا فَهُوَ دَلِيلُ الْفَلَاحِ وَالظَّفْرِ وَإِنْ بَقِيَ فَرْدًا فَهُوَ دَلِيلُ الْخَيْبَةِ وَالْيَأْسِ وَقَدْ طَوَّلَ الْكَلَامَ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ
(قَالَ كَانَ نَبِيٌّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ يَخُطُّ) أَيْ فَيُعْرَفُ بِالْفِرَاسَةِ بِتَوَسُّطِ تِلْكَ الْخُطُوطِ قِيلَ هُوَ إِدْرِيسُ أَوْ دَانْيَالُ عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ (فَمَنْ وَافَقَ) ضَمِيرُ الْفَاعِلِ رَاجِعٌ إِلَى مَنْ أَيْ فَمَنْ وَافَقَ فِيمَا يَخُطُّ (خَطَّهُ) بِالنَّصْبِ عَلَى الْأَصَحِّ وَنَقَلَ السَّيِّدُ جَمَالُ الدِّينِ عَنِ الْبَيْضَاوِيِّ أَنَّ الْمَشْهُورَ خَطَّهُ بِالنَّصْبِ فَيَكُونُ الْفَاعِلُ مُضْمَرًا
وَرُوِيَ مَرْفُوعًا فَيَكُونُ الْمَفْعُولُ مَحْذُوفًا انْتَهَى
أَيْ مَنْ وَافَقَ خَطُّهُ خَطَّهُ أَيْ خَطَّ ذَلِكَ النَّبِيِّ (فَذَاكَ) أَيْ فَذَاكَ مُصِيبٌ أَوْ يُصِيبُ أَوْ يُعْرَفُ الْحَالُ بِالْفِرَاسَةِ كَذَلِكَ النَّبِيُّ وَهُوَ كَالتَّعْلِيقِ بِالْمُحَالِ
قَالَهُ فِي الْمِرْقَاةِ
قَالَ النَّوَوِيُّ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَاهُ فَالصَّحِيحُ أَنَّ مَعْنَاهُ مَنْ وَافَقَ خَطَّهُ فَهُوَ مُبَاحٌ لَهُ وَلَكِنْ لَا طَرِيقَ لَنَا إِلَى الْعِلْمِ الْيَقِينِيِّ بِالْمُوَافَقَةِ فَلَا يُبَاحُ وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ حَرَامٌ لِأَنَّهُ لَا يُبَاحُ إِلَّا بِيَقِينِ الْمُوَافَقَةِ وَلَيْسَ لَنَا يَقِينٌ بِهَا
وَإِنَّمَا قَالَ النبي فَمَنْ وَافَقَ خَطَّهُ فَذَاكَ وَلَمْ يَقُلْ هُوَ حَرَامٌ بِغَيْرِ تَعْلِيقٍ عَلَى الْمُوَافَقَةِ لِئَلَّا يَتَوَهَّمَ مُتَوَهِّمٌ أَنَّ هَذَا النَّهْيَ يَدْخُلُ فِيهِ ذَاكَ النبي الذي كان يخط فحافظ النبي عَلَى حُرْمَةِ ذَاكَ النَّبِيِّ مَعَ بَيَانِ الْحُكْمِ فِي حَقِّنَا
فَالْمَعْنَى أَنَّ ذَلِكَ النَّبِيَّ لَا مَنْعَ فِي حَقِّهِ
وَكَذَا لَوْ عَلِمْتُمْ مُوَافَقَتَهُ وَلَكِنْ لَا عِلْمَ لَكُمْ بِهَا
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ يَحْتَمِلُ النَّهْيَ عَنْ هَذَا الْخَطِّ إِذَا كَانَ عَلَمًا لِنُبُوَّةِ ذَلِكَ النَّبِيِّ وَقَدِ انْقَطَعَتْ فَنُهِينَا عَنْ تَعَاطِي ذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ الْمُخْتَارُ أَنَّ مَعْنَاهُ مَنْ وَافَقَ خَطَّهُ فَذَاكَ الَّذِي يَجِدُونَ إِصَابَتَهُ فِيمَا يَقُولُ لَا أَنَّهُ أَبَاحَ ذَلِكَ لِفَاعِلِهِ
قَالَ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ هَذَا نُسِخَ فِي شَرْعِنَا فَحَصَلَ مِنْ مَجْمُوعِ كَلَامِ الْعُلَمَاءِ فِيهِ الِاتِّفَاقُ عَلَى النَّهْيِ عَنْهُ الْآنَ
انْتَهَى
(قِبَلَ أُحُدٍ وَالْجَوَّانِيَّةِ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ وَبَعْدَ الْأَلِفِ نُونٌ مَكْسُورَةٌ ثُمَّ ياء مشددة(3/142)
مَوْضِعٌ بِقُرْبِ أُحُدٍ فِي شَمَالَيِ الْمَدِينَةِ
وَأَمَّا قَوْلُ الْقَاضِي عِيَاضٍ إِنَّهَا مِنْ عَمَلِ الْفُرُوعِ فَلَيْسَ بِمَقْبُولٍ لِأَنَّ الْفَرْعَ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ بَعِيدٌ مِنَ الْمَدِينَةِ وَأُحُدٍ فِي شَامِ الْمَدِينَةِ
وَقَدْ قَالَ فِي الْحَدِيثِ قِبَلَ أُحُدٍ وَالْجَوَّانِيَّةِ فَكَيْفَ يَكُونُ عِنْدَ الْفَرْعِ (آسَفٌ كَمَا يَأْسَفُونَ) أَيْ أَغْضَبُ كَمَا يَغْضَبُونَ وَمِنْ هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا منهم أَيْ أَغْضَبُونَا (لَكِنِّي صَكَكْتُهَا صَكَّةً) أَيْ لَطَمْتُهَا لطمة (فمعظم ذلك) أَيْ صَكِّي إِيَّاهَا (أَيْنَ اللَّهُ إِلَى قَوْلِهِ أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي الْمَعَالِمِ قَوْلُهُ أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ وَلَمْ يَكُنْ ظَهَرَ لَهُ مِنْ إِيمَانِهَا أَكْثَرُ مِنْ قَوْلِهَا حِينَ سَأَلَهَا أَيْنَ اللَّهُ قَالَتْ فِي السَّمَاءِ وَسَأَلَهَا من أنا فقالت رسول الله فَإِنَّ هَذَا سُؤَالٌ عَنْ أَمَارَةِ الْإِيمَانِ وَسِمَةِ أَهْلِهِ وَلَيْسَ بِسُؤَالٍ عَنْ أَصْلِ الْإِيمَانِ وَحَقِيقَتِهِ
وَلَوْ أَنَّ كَافِرًا جَاءَنَا يُرِيدُ الِانْتِقَالَ مِنَ الْكُفْرِ إِلَى دِينِ الْإِسْلَامِ فَوَصَفَ مِنَ الْإِيمَانِ هَذَا الْقَدْرَ الَّذِي تَكَلَّمَتِ الْجَارِيَةُ لَمْ يَصِرْ بِهِ مُسْلِمًا حَتَّى يَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَيَتَبَرَّأَ مِنْ دِينِهِ الَّذِي كَانَ يَعْتَقِدُهُ وَإِنَّمَا هَذَا كَرَجُلٍ وَامْرَأَةٍ يُوجَدَانِ فِي بَيْتٍ فَيُقَالُ لِلرَّجُلِ مِنْ هَذِهِ الْمَرْأَةُ فَيَقُولُ زَوْجَتِي فَتُصَدِّقُهُ الْمَرْأَةُ فَإِنَّا نُصَدِّقُهُمَا وَلَا نَكْشِفُ عَنْ أَمْرِهِمَا وَلَا نُطَالِبُهُمَا بِشَرَائِطِ عَقْدِ الزَّوْجِيَّةِ حَتَّى إِذَا جَاءَانَا وَهُمَا أَجْنَبِيَّانِ يُرِيدَانِ ابْتِدَاءَ عَقْدِ النِّكَاحِ بَيْنَهُمَا فَإِنَّا نُطَالِبُهُمَا حِينَئِذٍ بِشَرَائِطِ عَقْدِ الزَّوْجِيَّةِ مِنْ إِحْضَارِ الْوَلِيِّ وَالشُّهُودِ وَتَسْمِيَةِ الْمَهْرِ كَذَلِكَ الْكَافِرُ إِذَا عُرِضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ لَمْ يُقْتَصَرْ مِنْهُ عَلَى أَنْ يَقُولَ إِنِّي مُسْلِمٌ حَتَّى يَصِفَ الْإِيمَانَ بِكَمَالِهِ وَشَرَائِطِهِ فَإِذَا جَاءَنَا مَنْ نَجْهَلُ حَالَهُ فِي الْكُفْرِ وَالْإِيمَانِ فَقَالَ إِنِّي مُسْلِمٌ قَبِلْنَاهُ وَكَذَلِكَ إِذَا رَأَيْنَا عَلَيْهِ أَمَارَةَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ هَيْئَةٍ وَشَارَةٍ وَنَحْوِهِمَا حَكَمْنَا بِإِسْلَامِهِ إِلَى أَنْ يَظْهَرَ لَنَا خِلَافُ ذَلِكَ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ(3/143)
[931] (مَا لَكُمْ تَنْظُرُونَ إِلَيَّ بِأَعْيُنٍ شُزْرٍ) بِضَمِّ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الزَّايِ وَبَعْدَهَا رَاءٌ مُهْمَلَةٌ جمع شزر وهو النظر عن اليمين والشمال وقيل هو النظربمؤخر الْعَيْنِ وَأَكْثَرُ مَا يَكُونُ فِي حَالِ الْغَضَبِ وَإِلَى الْأَعْدَاءِ (فَإِذَا كُنْتَ فِيهَا) أَيْ فِي الصَّلَاةِ (فَلْيَكُنْ ذَلِكَ) إِشَارَةً إِلَى مَا ذُكِرَ مِنَ الْقِرَاءَةِ وَذِكْرِ اللَّهِ (شَأْنَكَ) بِالنَّصْبِ خَبَرُ فَلْيَكُنْ أَيْ حَالَكَ
(بَاب التَّأْمِينِ وَرَاءَ الْإِمَامِ)
[932] (أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ) هُوَ الثَّوْرِيُّ (عَنْ حُجْرٍ) بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْجِيمِ (أَبِي الْعَنْبَسِ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالْمُوَحَّدَةِ بَيْنَهُمَا نُونٌ (إِذَا قَرَأَ وَلَا الضَّالِّينَ قَالَ آمِينَ وَرَفَعَ بِهَا صَوْتَهُ) قَالَ الْحَافِظُ في
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه اللَّه حَدِيث وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ رَوَاهُ شُعْبَةُ وَسُفْيَانُ فَأَمَّا سُفْيَانُ فَقَالَ وَرَفَعَ بِهَا صَوْته وَأَمَّا شُعْبَةُ فَقَالَ خَفَضَ بِهَا صَوْته ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ
قَالَ الْبُخَارِيُّ حَدِيثُ سُفْيَانَ أَصَحّ وَأَخْطَأَ شُعْبَةُ فِي قَوْله خَفَضَ بِهَا صَوْته
وَفِي هَذَا الْحَدِيث أُمُور أَرْبَعَة أَحَدهَا اِخْتِلَاف شُعْبَةَ وَسُفْيَانَ فِي رَفَعَ وَخَفَضَ
الثَّانِي اِخْتِلَافهمَا فِي حُجْرٍ فَشُعْبَةُ يَقُول حُجْرٌ أَبُو الْعَنْبَسِ وَالثَّوْرِيُّ يقول حجر بن عنبس وَصَوَّبَ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو زُرْعَةَ قَوْل الثَّوْرِيِّ
الثَّالِث أَنَّهُ لَا يُعْرَف حَال حُجْرٍ
الرَّابِع أَنَّ الثَّوْرِيَّ وَشُعْبَةَ اِخْتَلَفَا
فَجَعَلَهُ الثَّوْرِيُّ مِنْ رِوَايَة حُجْرٍ عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ وَشُعْبَةُ جَعَلَهُ مِنْ رِوَايَة حُجْرٍ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ عَنْ وَائِلٍ وَالدَّارَقُطْنِيّ ذَكَرَ رِوَايَة الثَّوْرِيِّ وَصَحَّحَهَا وَلَمْ يَرَهُ مُنْقَطِعًا بِزِيَادَةِ شُعْبَةَ عَلْقَمَةَ بْنَ وَائِلٍ فِي الْوَسَط وَفِيهِ نَظَرٌ وَلِهَذِهِ الْعِلَّة لَمْ يُصَحِّحهُ التِّرْمِذِيُّ
وَاللَّهُ أَعْلَم(3/144)
التلخيص سنده صحيح وصححه الدارقطني وأعله بن الْقَطَّانِ بِحُجْرِ بْنِ عَنْبَسٍ وَأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ وَأَخْطَأَ فِي ذَلِكَ بَلْ هُوَ ثِقَةٌ مَعْرُوفٌ قيل له صحبته وَوَثَّقَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَغَيْرُهُ وَتَصَحَّفَ اسْمُ أبيه على بن حَزْمٍ فَقَالَ فِيهِ حُجْرُ بْنُ قَيْسٍ وَهُوَ مَجْهُولٌ وَهُوَ غَيْرُ مَقْبُولٍ مِنْهُ انْتَهَى
قَالَ المنذري وأخرجه والترمذي وبن مَاجَهْ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ
قُلْتُ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ مَدَّ بِهَا صَوْتَهُ مَكَانَ رَفَعَ بِهَا صَوْتَهُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنَ الْمَدِّ إِلَّا رَفْعَ الصَّوْتِ بِهَا
قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْحَقِّ الْمُحَدِّثُ الدِّهْلَوِيُّ فِي اللُّمَعَاتِ قَوْلُهُ مَدَّ بِهَا صَوْتَهُ أَيْ بِكَلِمَةِ آمِينَ يَحْتَمِلُ الْجَهْرَ بِهَا وَيَحْتَمِلُ مَدَّ الْأَلِفِ عَلَى اللُّغَةِ الْفَصِيحِ وَالظَّاهِرُ هُوَ الْأَوَّلُ بِقَرِينَةِ الرِّوَايَاتِ الْأُخَرِ فَفِي بَعْضِهَا يَرْفَعُ بِهَا صَوْتَهُ هَذَا صَرِيحٌ فِي مَعْنَى الجهر
وفي رواية بن مَاجَهْ حَتَّى يَسْمَعَهَا الصَّفُّ الْأَوَّلُ فَيَرْتَجَّ بِهَا الْمَسْجِدُ وَفِي بَعْضِهَا يَسْمَعُ مَنْ كَانَ فِي الصف الأول رواه أبو داود وبن مَاجَهْ انْتَهَى
وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ احْتَجَّ الرَّافِعِيُّ بِحَدِيثِ وَائِلٍ أَيِ الَّذِي بِلَفْظِ مَدَّ بِهَا صَوْتَهُ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْجَهْرِ بِآمِينَ
وَقَالَ فِي أَمَالِيهِ يَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّهُ تَكَلَّمَ عَلَى لُغَةِ الْمَدِّ دُونَ الْقَصْرِ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ وَلَكِنْ رِوَايَةُ مَنْ قَالَ رَفَعَ صَوْتَهُ تُبْعِدُ هَذَا الِاحْتِمَالَ
وَلِهَذَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ عَقِبَهُ وَبِهِ يَقُولُ غَيْرُ وَاحِدٍ يَرَوْنَ أَنَّهُ يَرْفَعُ صَوْتَهُ
انْتَهَى
وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى اسْتِنَانِ الْجَهْرِ بِآمِينَ
قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَبِهِ يَقُولُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النبي وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ يَرَوْنَ أَنْ يَرْفَعَ الرَّجُلُ صَوْتَهُ بِالتَّأْمِينِ وَلَا يُخْفِيهَا وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ انْتَهَى
وَقَالَ مَالِكٌ فِي رِوَايَةٍ وَالْحَنَفِيَّةُ بِالسِّرِّ بِهَا وَحُجَّتُهُمْ مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو يَعْلَى وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ حُجْرٍ أَبِي الْعَنْبَسِ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رسول الله لما بلغ غير المغضوب عليهم ولا الضالين قَالَ آمِينَ وَأَخْفَى بِهِ صَوْتَهُ وَلَفْظُ الْحَاكِمِ خَفَضَ صَوْتَهُ لَكِنْ قَدْ أَجْمَعَ الْحُفَّاظُ مِنْهُمُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ شُعْبَةَ وَهِمَ فِي قَوْلِهِ خَفَضَ صَوْتَهُ وَإِنَّمَا هُوَ مَدَّ صَوْتَهُ
قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ سَمِعْتُ مُحَمَّدًا يَقُولُ حَدِيثُ سُفْيَانَ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ فِي هَذَا وَأَخْطَأَ شُعْبَةُ فِي مَوَاضِعَ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ عَنْ حُجْرٍ أَبِي الْعَنْبَسِ وَإِنَّمَا هُوَ حُجْرُ بْنُ عَنْبَسٍ وَيُكَنَّى أَبَا السَّكَنِ وَزَادَ فِيهِ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ وَلَيْسَ فِيهِ عَنْ عَلْقَمَةَ وَإِنَّمَا هُوَ حُجْرُ بْنُ عَنْبَسٍ عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ وَقَالَ وَخَفَضَ بِهَا صَوْتَهُ وَإِنَّمَا هُوَ مَدَّ بِهَا صَوْتَهُ
قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَسَأَلْتُ أَبَا زُرْعَةَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ حَدِيثُ سُفْيَانَ فِي هَذَا أَصَحُّ
قَالَ رَوَى الْعَلَاءُ بْنُ صَالِحٍ الْأَسَدِيُّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ نَحْوَ رِوَايَةِ سُفْيَانَ انْتَهَى
وَطَعَنَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ
فِي حَدِيثِ شُعْبَةَ هَذَا بِأَنَّهُ قَدْ رَوَى عَنْهُ خِلَافَهُ كَمَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيِّ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ سَمِعْتُ حُجْرًا أَبَا عَنْبَسِ يُحَدِّثُ عَنْ وَائِلٍ(3/145)
الحضرمي أنه صلى خلف النبي فلما قال ولا الضالين قَالَ آمِينَ رَافِعًا بِهِ صَوْتَهُ قَالَ فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تُوَافِقُ رِوَايَةَ سُفْيَانَ
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ إِسْنَادُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ صَحِيحٌ وَكَانَ شُعْبَةُ يَقُولُ سُفْيَانُ أَحْفَظُ وَقَالَ يَحْيَى الْقَطَّانُ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ إِذَا خَالَفَ شُعْبَةُ سُفْيَانَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ سُفْيَانَ
قَالَ وَقَدْ أَجْمَعَ الْحُفَّاظُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ عَلَى أَنَّ شُعْبَةَ أَخْطَأَ فَقَدْ رَوَى مِنْ أَوْجُهٍ فَجَهَرَ بِهَا انْتَهَى
وَقَالَ الْإِمَامُ بن الْقَيِّمِ فِي إِعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ عَنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ لَا أَعْلَمُ اخْتِلَافًا بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ أَنَّ سُفْيَانَ وَشُعْبَةَ إِذَا اخْتَلَفَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ سُفْيَانَ
وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ لَيْسَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ شُعْبَةَ وَلَا يعد له عِنْدِي أَحَدٌ وَإِذَا خَالَفَهُ سُفْيَانُ أَخَذْتُ بِقَوْلِ سُفْيَانَ وَقَالَ شُعْبَةُ سُفْيَانُ أَحْفَظُ مِنِّي انْتَهَى
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ بَعْدَ إِخْرَاجِ حَدِيثِ شُعْبَةَ وَيُقَالُ إِنَّهُ وَهِمَ فِيهِ لِأَنَّ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ وَمُحَمَّدَ بْنَ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ وَغَيْرَهُمَا رَوَوْهُ عَنْ سَلَمَةَ فَقَالُوا وَرَفَعَ صَوْتَهُ بِآمِينَ وهو الصواب انتهى وقال الحافظ في التلخيص وَقَدْ رَجَحَتْ رِوَايَةُ سُفْيَانَ بِمُتَابَعَةِ اثْنَيْنٍ لَهُ بِخِلَافِ شُعْبَةَ فَلِذَلِكَ جَزَمَ النُّقَّادُ بِأَنَّ رِوَايَتَهُ أَصَحُّ
انْتَهَى
فَقَدْ تَحَصَّلَ لَكَ مِنْ هَذَا كُلِّهِ أُمُورٌ الْأَوَّلُ أَنَّ شُعْبَةَ خَالَفَ سُفْيَانَ فِي قَوْلِهِ خَفَضَ بِهَا صَوْتَهُ وَأَخْطَأَ فِيهِ وَالثَّانِي أَنَّهُ اتَّفَقَ الْمُحَدِّثُونَ عَلَى أَنَّ سُفْيَانَ وَشُعْبَةَ إِذَا اخْتَلَفَا فِي شَيْءٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ سُفْيَانَ وَالثَّالِثُ أَنَّهُ رَوَى شُعْبَةُ نَفْسُهُ مُوَافِقًا لِرِوَايَةِ سُفْيَانَ بِلَفْظِ فَلَمَّا قَالَ وَلَا الضَّالِّينَ قَالَ آمِينَ رَافِعًا بِهِ صَوْتَهُ وَالرَّابِعُ أَنَّهُ تَابَعَ سُفْيَانَ فِي الرَّفْعِ الْعَلَاءُ بْنُ صَالِحٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ سَلَمَةَ وَالْخَامِسُ أَنَّهُ لَمْ يُتَابِعْ شُعْبَةَ أَحَدٌ فِي الْخَفْضِ فَهَذِهِ الْأُمُورُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ رِوَايَةَ شُعْبَةَ شَاذَّةٌ ضَعِيفَةٌ فَالِاسْتِدْلَالُ بِهَا عَلَى الْإِسْرَارِ بِآمِينَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ
[933] (عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ أنه صلى خلف رسول الله فَجَهَرَ بِآمِينَ) رَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ صَالِحٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ حُجْرِ بْنِ عَنْبَسٍ عَنْ وَائِلٍ فَتَابَعَ عَلِيُّ بْنُ صَالِحٍ فِي الْجَهْرِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ كَمَا تَابَعَهُ فِيهِ الْعَلَاءُ بْنُ صَالِحٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ وَقَدْ مَرَّ ذِكْرُهُمَا
[934] (عَنْ بِشْرِ بْنِ رَافِعٍ) قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ بِشْرُ بْنُ رَافِعٍ الْحَرْثِيُّ أَبُو الْأَسْبَاطِ إِمَامُ مَسْجِدِ نَجْرَانَ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ وَعَنْهُ حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ وثقه بن معين وبن عدي(3/146)
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ لَا يُتَابَعُ (إِذَا تَلَا) أَيْ قَرَأَ (قَالَ آمِينَ حَتَّى يَسْمَعَ مَنْ يَلِيهِ من الصف الأول) وفي رواية بن مَاجَهْ (حَتَّى يَسْمَعَهَا أَهْلُ الصَّفِّ الْأَوَّلِ فَيَرْتَجَّ بِهَا الْمَسْجِدُ) وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَيْضًا الدَّارَقُطْنِيُّ وَقَالَ إِسْنَادُهُ حَسَنٌ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِهِمَا وَالْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ
قَالَهُ فِي النَّيْلِ
وَهَذَا الْحَدِيثُ أَيْضًا يَدُلُّ عَلَى الْجَهْرِ بِالتَّأْمِينِ وَيَشْهَدُ لِحَدِيثِ سُفْيَانَ الْمَذْكُورِ
[935] (فَقُولُوا آمِينَ) هُوَ بِالْمَدِّ وَالتَّخْفِيفِ فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ وَعَنْ جَمِيعِ الْقُرَّاءِ وَحَكَى أَبُو نَصْرٍ عَنْ حَمْزَةَ وَالْكِسَائِيِّ الْإِمَالَةَ وَفِيهِ ثَلَاثُ لُغَاتٍ أُخَرُ شَاذَّةٌ الْقَصْرُ حكاه ثعلب وأنشد له شاهدا وأنكره بن دُرُسْتُوَيْهِ وَطَعَنَ فِي الشَّاهِدِ بِأَنَّهُ لِضَرُورَةِ الشِّعْرِ وَحَكَى عِيَاضٌ وَمَنْ تَبِعَهُ عَنْ ثَعْلَبٍ إِنَّمَا أَجَازَهُ فِي الشِّعْرِ خَاصَّةً وَالثَّانِيَةُ التَّشْدِيدُ مَعَ الْمَدِّ وَالثَّالِثَةُ التَّشْدِيدُ مَعَ الْقَصْرِ وَخَطَّأَهُمَا جَمَاعَةٌ مِنْ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ وَآمِينَ مِنْ أَسْمَاءِ الْأَفْعَالِ وَيُفْتَحُ فِي الْوَصْلِ لِأَنَّهَا مِثْلُ كَيْفَ وَمَعْنَاهُ اللَّهُمَّ اسْتَجِبْ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ مَا يَرْجِعُ جَمِيعُهُ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى
وَقِيلَ إِنَّهُ اسْمٌ لِلَّهِ حَكَاهُ صَاحِبُ الْقَامُوسِ عَنِ الْوَاحِدِيِّ
قَالَ الْإِمَامُ الْخَطَّابِيُّ فِي مَعَالِمِ السُّنَنِ مَعْنَى قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِذَا قَالَ وَلَا الضالين فَقُولُوا آمِينَ أَيْ مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَقَعَ تَأْمِينُكُمْ وَتَأْمِينُهُ مَعًا فَأَمَّا قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا فَإِنَّهُ لَا يُخَالِفُهُ وَلَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ يُؤَخِّرُونَهُ عَنْ وَقْتِ تَأْمِينِهِ وَإِنَّمَا هُوَ كَقَوْلِ الْقَائِلِ إِذَا رَحَلَ الْأَمِيرُ فَارْحَلُوا يَعْنِي إِذَا أَخَذَ الْأَمِيرُ لِلرَّحِيلِ فتهيؤا لِلِارْتِحَالِ لِتَكُونَ رِحْلَتُكُمْ مَعَ رِحْلَتِهِ وَبَيَانُ هَذَا فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ إِنَّ الْإِمَامَ يَقُولُ آمِينَ وَالْمَلَائِكَةُ تَقُولُ آمِينَ فَمَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ الْمَلَائِكَةَ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَأُحِبُّ أَنْ يُجْمَعَ التَّأْمِينَانِ فِي وَقْتِ
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه اللَّه وَرَوَى الْحَاكِمُ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْمُسْتَدْرَك بِلَفْظٍ آخَر مِنْ حَدِيث الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَسَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا فَرَغَ مِنْ أُمِّ الْقُرْآنِ رَفَعَ صَوْته وَقَالَ آمِينَ
قَالَ الْحَاكِمُ هَذَا حَدِيث حَسَن صحيح(3/147)
رَجَاءِ الْمَغْفِرَةِ انْتَهَى
وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ التأمين للمأموم والجهر به وَقَدْ تَرْجَمَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ بَابَ جَهْرِ الْمَأْمُومِ بِالتَّأْمِينِ وَأَوْرَدَ فِيهِ هَذَا الْحَدِيثَ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ مُنَاسَبَةُ الْحَدِيثِ مُتَرْجَمَةٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ فِي الْحَدِيثِ الْأَمْرَ بِقَوْلِ آمِينَ وَالْقَوْلُ إِذَا وَقَعَ بِهِ الْخِطَابُ مُطْلَقًا حُمِلَ عَلَى الْجَهْرِ وَمَتَى أُرِيدَ بِهِ الْإِسْرَارُ أَوْ حَدِيثُ النَّفْسِ قُيِّدَ بِذَلِكَ
وقال بن رَشِيدٍ تُؤْخَذُ الْمُنَاسَبَةُ مِنْهُ مِنْ جِهَاتٍ مِنْهَا أَنَّهُ قَالَ إِذَا قَالَ الْإِمَامُ فَقُولُوا مُقَابِلَ الْقَوْلِ بِالْقَوْلِ وَالْإِمَامُ إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ جَهْرًا فَكَانَ الظَّاهِرُ الِاتِّفَاقُ فِي الصِّفَةِ وَمِنْهَا أَنَّهُ قَالَ فَقُولُوا وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِجَهْرٍ وَلَا غَيْرِهِ وَهُوَ مُطْلَقٌ فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ وَقَدْ عُمِلَ بِهِ فِي الْجَهْرِ بِدَلِيلِ مَا تَقَدَّمَ يَعْنِي فِي مَسْأَلَةِ الْإِمَامِ وَالْمُطْلَقُ إِذَا عُمِلَ بِهِ فِي صُورَةٍ لَمْ يَكُنْ حُجَّةً فِي غَيْرِهَا بِاتِّفَاقٍ وَمِنْهَا أَنَّهُ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَأْمُومَ مَأْمُورٌ بِالِاقْتِدَاءِ بِالْإِمَامِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْإِمَامَ يَجْهَرُ فَلَزِمَ جَهْرَهُ بِجَهْرِهِ انْتَهَى
قَالَ الْحَافِظُ وَهَذَا الأخير سبق إليه بن بَطَّالٍ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَجْهَرَ الْمَأْمُومُ بِالْقِرَاءَةِ لِأَنَّ الْإِمَامَ جَهَرَ بِهَا لَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يَنْفَصِلَ عَنْهُ بِأَنَّ الْجَهْرَ بِالْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ قَدْ نُهِيَ عَنْهُ فَبَقِيَ التَّأْمِينُ دَاخِلًا تَحْتَ عُمُومِ الْأَمْرِ بِاتِّبَاعِ الْإِمَامِ وَيَتَقَوَّى ذَلِكَ بِمَا تَقَدَّمَ عَنْهُ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ مَنْ خلف بن الزُّبَيْرِ كَانُوا يُؤَمِّنُونَ جَهْرًا
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ أَدْرَكْتُ مِائَتَيْنِ من أصحاب رسول الله فِي هَذَا الْمَسْجِدِ إِذَا قَالَ الْإِمَامُ وَلَا الضالين سَمِعْتُ لَهُمْ رَجَّةً بِآمِينَ انْتَهَى (فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ الْمَلَائِكَةِ) قَالَ النَّوَوِيُّ وَاخْتُلِفَ فِي هَؤُلَاءِ الْمَلَائِكَةِ فَقِيلَ هُمُ الْحَفَظَةُ وَقِيلَ غيرهم لقوله (مَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ أَهْلِ السَّمَاءِ) وَأَجَابَ الْأَوَّلُونَ بِأَنَّهُ إِذَا قَالَهُ الْحَاضِرُونَ مِنَ الْحَفَظَةِ قَالَهُ مَنْ فَوْقَهُمْ حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى أَهْلِ السَّمَاءِ وَالْمُرَادُ بِالْمُوَافَقَةِ الْمُوَافَقَةُ فِي وَقْتِ التَّأْمِينِ فَيُؤَمِّنُ مَعَ تَأْمِينِهِمْ قَالَهُ النَّوَوِيُّ (غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) ظَاهِرُهُ غُفْرَانُ جَمِيعِ الذُّنُوبِ الْمَاضِيَةِ وَهُوَ مَحْمُولٌ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ عَلَى الصَّغَائِرِ قَالَهُ الْحَافِظُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ
[936] (إِذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُؤْتَمَّ يُوقِعُ التَّأْمِينَ عِنْدَ تَأْمِينِ الْإِمَامِ وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ الْمَذْكُورَةِ آنِفًا أَنَّهُ يُوقِعُهُ عِنْدَ قَوْلِ الإمام غير المغضوب عليهم ولا الضالين وَجَمَعَ الْجُمْهُورُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ إِذَا أَمَّنَ أَيْ أَرَادَ التَّأْمِينَ لِيَقَعَ تَأْمِينُ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ مَعًا
قَالَ الْحَافِظُ وَيُخَالِفُهُ رِوَايَةُ معمر عن بن شِهَابٍ بِلَفْظِ إِذَا قَالَ الْإِمَامُ وَلَا الضَّالِّينَ فَقُولُوا آمِينَ فَإِنَّ(3/148)
الْمَلَائِكَةَ تَقُولُ آمِينَ وَالْإِمَامُ يَقُولُ آمِينَ قَالَ أخرجها النسائي وبن السَّرَّاجِ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي كَوْنِ الْإِمَامِ يُؤَمِّنُ
وَقِيلَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ إِذَا قَالَ وَلَا الضَّالِّينَ فَقُولُوا آمِينَ أَيْ وَلَوْ لَمْ يَقُلِ الْإِمَامُ آمِينَ وَقِيلَ الْأَوَّلُ لِمَنْ قَرُبَ مِنَ الْإِمَامِ وَالثَّانِي لِمَنْ تَبَاعَدَ عَنْهُ لِأَنَّ جَهْرَ الْإِمَامِ بِالتَّأْمِينِ أَخْفَضُ مِنْ جَهْرِهِ بِالْقِرَاءَةِ
وَقِيلَ يُؤْخَذُ مِنَ الرِّوَايَتَيْنِ تَخْيِيرُ الْمَأْمُومِ فِي قَوْلِهَا مَعَ الْإِمَامِ أَوْ بَعْدَهُ قَالَهُ الطَّبَرِيُّ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَهَذِهِ الْوُجُوهُ كُلُّهَا مُحْتَمَلَةٌ وَلَيْسَتْ بِدُونِ الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرُوهُ يَعْنِي الْجُمْهُورَ كَذَا فِي النَّيْلِ
وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى جَهْرِ الْإِمَامِ بِالتَّأْمِينِ وَوَجْهُ الدِّلَالَةِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنِ التَّأْمِينُ مَسْمُوعًا لِلْمَأْمُومِ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ وَقَدْ عَلَّقَ تَأْمِينَهُ بِتَأْمِينِهِ وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ مَوْضِعُهُ مَعْلُومٌ فَلَا يَسْتَلْزِمُ الْجَهْرَ بِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُخِلَّ بِهِ فَلَا يَسْتَلْزِمُ عِلْمَ الْمَأْمُومِ بِهِ وَقَدْ رَوَى رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ عَنْ مَالِكٍ فِي هذا الحديث قال بن شهاب وكان رسول الله إذا قال ولا الضالين جَهَرَ بِآمِينَ أَخْرَجَهُ السَّرَّاجُ وَلِابْنِ حِبَّانَ مِنْ رواية الزبيدي في حديث الباب عن بن شِهَابٍ كَانَ إِذَا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ أُمِّ الْقُرْآنِ رَفَعَ صَوْتَهُ وَقَالَ آمِينَ قَالَهُ الْحَافِظُ
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ رَسُولَ الله كَانَ يَجْهَرُ بِآمِينَ وَلَوْلَا جَهَرَ بِهِ لَمْ يَكُنْ لِمَنْ يَتَحَرَّى مُتَابَعَتَهُ فِي التَّأْمِينِ عَلَى سَبِيلِ الْمُدَارَكَةِ طَرِيقٌ إِلَى مَعْرِفَتِهِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَجْهَرُ بِهِ جَهْرًا يَسْمَعُهُ مَنْ ورائه
وَقَدْ رَوَى وَائِلُ بْنُ حُجْرٍ أَنَّ رَسُولَ الله كان إذا قرأ ولا الضالين قَالَ آمِينَ رَفَعَ بِهَا صَوْتَهُ وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادِهِ فِي هَذَا الْبَابِ انْتَهَى
(قال بن شهاب وكان رسول الله يقول منين) هُوَ مُتَّصِلٌ إِلَيْهِ بِرِوَايَةِ مَالِكٍ عَنْهُ وَأَخْطَأَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ مُعَلَّقٌ ثُمَّ هُوَ مِنْ مراسيل بن شِهَابٍ وَرَوَى عَنْهُ مَوْصُولًا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الغرائب والعلل من طريق حفص بن عمرو العدني عَنْ مَالِكٍ عَنْهُ وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ تَفَرَّدَ بِهِ حَفْصُ بْنُ عَمْرٍو وَهُوَ ضَعِيفٌ قَالَهُ الْحَافِظُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وبن ماجه
[937] (عن بلال) هو بن رَبَاحٍ الْمُؤَذِّنُ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا تَسْبِقْنِي بِآمِينَ) قَالَ الْحَافِظُ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ لَكِنْ قِيلَ إِنَّ أَبَا عُثْمَانَ لَمْ يَلْقَ بِلَالًا وَقَدْ رَوَى عَنْهُ بِلَفْظِ إِنَّ بِلَالًا قَالَ وَهُوَ ظَاهِرُ الْإِرْسَالِ وَرَجَّحَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ عَلَى الْمَوْصُولِ انْتَهَى
وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ نَحْوَ قَوْلِ بِلَالٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ كَانَ أَبِو هُرَيْرَةَ يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ وَقَدْ قَامَ الْإِمَامُ فَيُنَادِيهِ فَيَقُولُ لا(3/149)
تَسْبِقْنِي بِآمِينَ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ تَعْلِيقًا بِلَفْظِ لَا تَفُتْنِي بِآمِينَ وَهُوَ بِمَعْنَى لَا تَسْبِقْنِي
قَالَ الْحَافِظُ مُرَادُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنْ يُؤَمِّنَ مَعَ الْإِمَامِ دَاخِلَ الصَّلَاةِ وَقَدْ تَمَسَّكَ بِهِ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ فِي أَنَّ الْمَأْمُومَ لَا يُؤَمِّنُ وَقَالَ مَعْنَاهُ لَا تُنَازِعْنِي بِالتَّأْمِينِ الَّذِي هُوَ مِنْ وَظِيفَةِ الْمَأْمُومِ وَهَذَا تَأْوِيلٌ بَعِيدٌ انْتَهَى
قُلْتُ وَرِوَايَةُ بِلَالٍ تُضَعِّفُ هَذَا التَّأْوِيلَ لِأَنَّ بِلَالًا لَا يَقَعُ مِنْهُ مَا حَمَلَ هَذَا الْقَائِلُ كَلَامَ أَبِي هُرَيْرَةَ عَلَيْهِ
قَالَ الْحَافِظُ وَقَدْ جَاءَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ قَالَ كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُؤَذِّنُ لِمَرْوَانَ فَاشْتَرَطَ أَنْ لَا يَسْبِقَهُ بِالضَّالِّينَ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهُ دَخَلَ فِي الصَّفِّ وَكَأَنَّهُ كَانَ يَشْتَغِلُ بِالْإِقَامَةِ وَتَعْدِيلِ الصُّفُوفِ وَكَانَ مَرْوَانُ يُبَادِرُ إِلَى الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ قَبْلَ فَرَاغِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَنْهَاهُ عَنْ ذَلِكَ انْتَهَى
[938] (عَنْ صَبِيحٍ) قَالَ في الخلاصة صبيح بالفتح بن مُحْرِزٍ آخِرُهُ زَايٌ الْمَقْرَائِيُّ بِضَمِّ الْمِيمِ الْحِمْصِيُّ وقيده بن مَاكُولَا بِالضَّمِّ وَكَذَا عَبْدُ الْغَنِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ السُّكُونِيِّ وَعَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الفريابي وثقه بن حِبَّانَ (أَبُو مُصَبِّحٍ) بِمُوَحَّدَةٍ مَكْسُورَةٍ بَعْدَ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ الْمَفْتُوحَةِ عَلَى وَزْنِ مُحَدِّثٍ (الْمَقْرَائِيُّ) بِهَمْزَةٍ مَكْسُورَةٍ بَعْدَ رَاءٍ مَمْدُودَةٍ كَذَا ضَبَطَهُ فِي الْخُلَاصَةِ
وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالرَّاءِ بَيْنَهُمَا قَافٌ ثُمَّ هَمْزَةٌ قَبْلَ يَاءِ النِّسْبَةِ وَيَأْتِي بَسْطُ الْكَلَامِ فِيهِ (فَإِنَّ آمِينَ مِثْلُ الطَّابَعِ عَلَى الصَّحِيفَةِ) الطَّابَعُ بِفَتْحِ الْبَاءِ الْخَاتَمُ يُرِيدُ أَنَّهَا تَخْتِمُ عَلَى الدُّعَاءِ وَتَرْفَعُ كَفِعْلِ الْإِنْسَانِ بِمَا يَعِزُّ عَلَيْهِ (ذَاتَ لَيْلَةٍ) أَيْ سَاعَةً مِنْ سَاعَاتِ لَيْلَةٍ (قَدْ أَلَحَّ فِي الْمَسْأَلَةِ) أَيْ بَالَغَ فِي السُّؤَالِ وَالدُّعَاءِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى (أَوْجَبَ) أَيِ الْجَنَّةَ لِنَفْسِهِ يُقَالُ أَوْجَبَ الرَّجُلُ إِذَا فَعَلَ فِعْلًا وَجَبَتْ لَهُ بِهِ الْجَنَّةُ أَوِ النَّارُ أَوِ الْمَغْفِرَةُ لِذَنْبِهِ أَوِ الْإِجَابَةُ لِدُعَائِهِ
قَالَهُ فِي الْمِرْقَاةِ (إِنْ خَتَمَ) أَيِ الْمَسْأَلَةَ (فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ بِأَيِّ شَيْءٍ يَخْتِمُ فَقَالَ بِآمِينَ) قَالَ الطِّيبِيُّ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ مَنْ دَعَا يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَقُولَ آمِينَ بَعْدَ دُعَائِهِ وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ يَدْعُو وَالْقَوْمُ يُؤَمِّنُونَ فَلَا حَاجَةَ إِلَى تَأْمِينِ الْإِمَامِ اكْتِفَاءً بِتَأْمِينِ الْمَأْمُومِ انتهى قال علي القارىء(3/150)
وَفِيهِ نَظَرٌ إِذِ الْقِيَاسُ عَلَى الصَّلَاةِ أَنْ يُؤَمِّنَ الْإِمَامُ أَيْضًا وَأَمَّا فِي الْخَارِجِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجْمَعَ كُلٌّ بَيْنَ الدُّعَاءِ وَالتَّأْمِينِ (فَأَتَى الرَّجُلُ) أَيِ الَّذِي قَدْ أَلَحَّ فِي الْمَسْأَلَةِ (قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَالْمُقْرِيُّ قَبِيلٌ مِنْ حِمْيَرَ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ هَكَذَا ذَكَرَ غَيْرُهُ
وَذَكَرَ أَبُو سعيد المروزي أن هذه النسبة إلى مقرى قَرْيَةٌ بِدِمَشْقَ وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ
وَيُقَالُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِهَا وَصَوَّبَ بَعْضُهُمُ الْفَتْحَ
وَقَالَ أَبُو زُهَيْرٍ النُّمَيْرِيُّ قِيلَ اسْمُهُ فُلَانُ بْنُ شُرَحْبِيلَ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ إِنَّهُ غَيْرُ مَعْرُوفٍ بِكُنْيَتِهِ فَكَيْفَ يُعْرَفُ اسْمُهُ وَذَكَرَ لَهُ أَبُو عُمَرَ وَالنَّمَرِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ وَقَالَ لَيْسَ إِسْنَادُهُ بِالْقَائِمِ وَمُصَبِّحٌ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَتَشْدِيدِهَا وَبَعْدَهَا حَاءٌ مُهْمَلَةٌ انْتَهَى قَالَ فِي غَايَةِ الْمَقْصُودِ تَحْتَ قَوْلِهِ
وَالْمُقْرِي قَبِيلٌ مِنْ حِمْيَرَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي تَاجِ الْعَرُوسِ شَرْحِ الْقَامُوسِ مُقْرِءُ بْنُ سَبِيعِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مَالِكِ بْنِ زَيْدٍ عَلَى وَزْنِ مُكْرِمِ بَطْنٌ مِنْ حِمْيَرَ وَبِهِ عُرِفَ الْبَلَدُ الَّذِي بِالْيَمَنِ لِنُزُولِهِ وَوَلَدِهِ هُنَاكَ
وَنَقَلَ الرَّشَاطِيُّ عَنِ الْهَمْدَانِيِّ مُقْرِي بْنِ سَبِيعٍ بِوَزْنِ معطي قال فإذا نسبت إليه شددت الباء وَقَدْ شُدِّدَ فِي الشِّعْرِ
قَالَ الرَّشَاطِيُّ وَقَدْ وَرَدَ فِي الشِّعْرِ مَهْمُوزًا أَيْ مُقْرِءٌ
قَالَ الْحَافِظُ عَبْدُ الْغَنِيِّ بْنُ سَعِيدٍ الْهَمْدَانِيُّ عَلَيْهِ الْمُعَوَّلُ فِي نِسَابِ الْحِمْيَرِيِّينَ وَقَالَ الْحَافِظُ الذَّهَبِيُّ في كتاب المشتبه والمختلف مقرى بْنُ سَبِيعٍ بَطْنٌ مِنْ بَنِي جُشَمٍ وَهُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَبِفَتْحِهَا وَآخِرُهُ هَمْزَةٌ مَقْصُورَةٌ وَالنِّسْبَةُ إِلَيْهِ مَقْرَأِيٌّ وَيُكْتَبُ بِأَلِفٍ هِيَ صُورَةُ الْهَمْزَةِ ليفرق بينه وبين المقرئ من القراءة وقال بن الْكَلْبِيِّ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالنِّسْبَةُ إِلَيْهِ مَقْرَأيٌّ وَالْمُحَدِّثُونَ يضمونة وهو خطأ ومنهم أبو المصبح المرأي حَدَّثَ عَنْهُ صُبَيْحُ بْنُ مُحْرِزٍ الْمَقْرَأِيُّ الْحِمْصِيُّ انْتَهَى كَلَامُهُ
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَدْ ذَكَرَ فِي بَابِ التَّأْمِينِ وَرَاءَ الْإِمَامِ سَبْعَةَ أَحَادِيثَ وَمُنَاسَبَةُ الْحَدِيثِ الرَّابِعِ وَالْخَامِسِ وَالسَّادِسِ لِلْبَابِ ظَاهِرَةٌ وَأَمَّا الْأَوَّلُ وَالثَّانِي وَالثَّالِثُ فَحَيْثُ إنَّ الْمَأْمُومَ أُمِرَ بِاتِّبَاعِ الْإِمَامِ فِي شَأْنِهِ كُلِّهِ إِلَّا فِيمَا نُهِيَ عَنْهُ وَقَالَ النبي صلوا كما رأيتموني فلما أمن النبي وَكَانَ إِمَامًا ثَبَتَ التَّأْمِينُ لِلْمُقْتَدِي الْمَأْمُومِ وَأَمَّا السَّابِعُ فَحَيْثُ إِنَّ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ دُعَاءٌ فَمَنْ قَرَأَهَا إِمَامًا أَوْ مَأْمُومًا أَوْ مُنْفَرِدًا دَاخِلَ الصَّلَاةِ أَوْ خَارِجَهَا يُؤَمِّنُ عَقِبَهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ(3/151)
22 - (بَاب التَّصْفِيقِ فِي الصَّلَاةِ)
[939] (التَّسْبِيحُ لِلرِّجَالِ وَالتَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ) فِيهِ أَنَّ السُّنَّةَ لِمَنْ نَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلَاتِهِ كَإِعْلَامِ مَنْ يَسْتَأْذِنُ عَلَيْهِ وَتَنْبِيهِ الإمام وغير ذلك أن سبح (يُسَبِّحَ) إِنْ كَانَ رَجُلًا فَيَقُولَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَأَنْ تُصَفِّقَ إِنْ كَانَ امْرَأَةً فَتَضْرِبَ بَطْنَ كَفِّهَا الْأَيْمَنِ عَلَى ظَهْرِ كَفِّهَا الْأَيْسَرِ وَلَا تَضْرِبُ بَطْنَ كَفٍّ عَلَى بَطْنِ كَفٍّ عَلَى وَجْهِ اللَّهْوِ وَاللَّعِبِ
فَإِنْ فَعَلَتْ هَكَذَا عَلَى جِهَةِ اللَّعِبِ بَطَلَتْ صَلَاتُهَا لِمُنَافَاتِهِ الصَّلَاةَ قَالَهُ النَّوَوِيُّ
وَكَانَ مَنْعُ النِّسَاءِ مِنَ التَّسْبِيحِ لِأَنَّهَا مَأْمُورَةٌ بِخَفْضِ صَوْتِهَا فِي الصَّلَاةِ مُطْلَقًا لِمَا يُخْشَى مِنَ الِافْتِتَانِ وَمُنِعَ الرِّجَالُ مِنَ التَّصْفِيقِ لِأَنَّهُ مِنْ شَأْنِ النِّسَاءِ
قَالَهُ الْحَافِظُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ
[940] (ذَهَبَ إِلَى بني عمرو بن عوف) بن مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ أَحَدُ قَبِيلَتَيِ الْأَنْصَارِ وَهُمَا الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ وَبَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ بَطْنٌ كَبِيرٌ مِنَ الْأَوْسِ فِيهِ عِدَّةُ أَحْيَاءٍ كَانَتْ مَنَازِلُهُمْ بِقُبَاءَ (لِيُصْلِحَ بَيْنَهُمْ) وَلِلْبُخَارِيِّ فِي الصُّلْحِ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ أَنَّ أَهْلَ قُبَاءَ اقْتَتَلُوا حَتَّى تَرَامَوْا بِالْحِجَارَةِ فَأُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ فَقَالَ اذْهَبُوا بِنَا نُصْلِحُ بَيْنَهُمْ
وَلَهُ فِي الْأَحْكَامِ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ أَنَّ تَوَجُّهَهُ كَانَ بَعْدَ أَنْ صَلَّى الظُّهْرَ (وَحَانَتِ الصَّلَاةُ) أَيْ قَرُبَ وَقْتُهَا وَالْمُرَادُ بِالصَّلَاةِ صَلَاةُ الْعَصْرِ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ فَلَمَّا حَضَرَتْ صَلَاةُ الْعَصْرِ (فَجَاءَ الْمُؤَذِّنُ) هُوَ بِلَالٌ كَمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ الرِّوَايَةُ الْآتِيَةُ (فَأُقِيمَ) بِالنَّصْبِ وَيَجُوزُ الرَّفْعُ (فَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ) أَيْ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَتَقَدَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَكَبَّرَ وَفِي رِوَايَةِ الْمَسْعُودِيِّ عَنْ أَبِي حَازِمٍ فَاسْتَفْتَحَ أَبُو بَكْرٍ الصَّلَاةَ وَهِيَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَبِهَذَا يُجَابُ عَنِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَقَامَيْنِ حَيْثُ امْتَنَعَ أَبُو بَكْرٍ هُنَا أَنْ يَسْتَمِرَّ إِمَامًا وَحَيْثُ اسْتَمَرَّ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ صَلَّى خَلْفَهُ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ مِنَ الصُّبْحِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ(3/152)
مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ فِي الْمَغَازِي فَكَأَنَّهُ لَمَّا أَنْ مَضَى مُعْظَمُ الصَّلَاةِ حَسُنَ الِاسْتِمْرَارُ وَلَمَّا أن لم يمضي مِنْهَا إِلَّا الْيَسِيرُ لَمْ يَسْتَمِرَّ وَكَذَا وَقَعَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ حَيْثُ صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلْفَهُ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ مِنَ الصُّبْحِ فَإِنَّهُ اسْتَمَرَّ فِي صَلَاتِهِ إِمَامًا لِهَذَا الْمَعْنَى
وَقِصَّةُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ (فَتَخَلَّصَ) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْشِي فِي الصُّفُوفِ يَشُقُّهَا شَقًّا حَتَّى قَامَ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ (وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ لَا يَلْتَفِتُ) قِيلَ كَانَ ذَلِكَ لِعِلْمِهِ بِالنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ اخْتِلَاسٌ يَخْتَلِسُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ صَلَاةِ الْعَبْدِ وَقَدْ تَقَدَّمَ (فَرَفَعَ أَبُو بَكْرٍ يَدَيْهِ فَحَمِدَ اللَّهَ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ تَلَفَّظَ بِالْحَمْدِ (يَا أَبَا بَكْرٍ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَثْبُتَ إِذْ أَمَرْتُكَ) فِيهِ سُؤَالُ الرَّئِيسِ عَنْ سَبَبِ مُخَالَفَةِ أَمْرِهِ قَبْلَ الزَّجْرِ عَنْ ذَلِكَ وَفِيهِ إِكْرَامُ الْكَبِيرِ بِمُخَاطَبَتِهِ بِالْكُنْيَةِ وَاعْتِمَادُ ذِكْرِ الرَّجُلِ لِنَفْسِهِ بِمَا يُشْعِرُ بِالتَّوَاضُعِ مِنْ جِهَةِ اسْتِعْمَالِ أَبِي بَكْرٍ خِطَابَ الْغَيْبَةِ مَكَانَ الْحُضُورِ إِذْ كَانَ حَدُّ الْكَلَامِ أَنْ يَقُولَ أَبُو بَكْرٍ مَا كَانَ لِي فَعَدَلَ عَنْهُ إِلَى قَوْلِهِ مَا كَانَ لِابْنِ أَبِي قُحَافَةَ لِأَنَّهُ أَدَلُّ عَلَى التَّوَاضُعِ مِنَ الْأَوَّلِ (أَنْ يُصَلِّيَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ يَؤُمُّهُ كَمَا فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ (أَكْثَرْتُمْ مِنَ التَّصْفِيحِ) هُوَ التَّصْفِيقُ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْإِنْكَارَ إِنَّمَا حَصَلَ عَلَيْهِمْ لِكَثْرَتِهِ لَا لِمُطْلَقِهِ (مَنْ نَابَهُ) أَيْ أَصَابَهُ (فَلْيُسَبِّحْ) أَيْ فَلْيَقُلْ سُبْحَانَ اللَّهِ (الْتُفِتَ إِلَيْهِ) بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنْوَاعٌ مِنَ الْفِقْهِ مِنْهَا تَعْجِيلُ الصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ لَمَّا حَانَتِ الصَّلَاةُ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَائِبٌ لَمْ يُؤَخِّرُوهَا انْتِظَارًا لَهُ
وَمِنْهَا أَنَّ الِالْتِفَاتَ فِي الصَّلَاةِ لَا يُبْطِلُهَا مَا لَمْ يَتَحَوَّلِ الْمُصَلِّي عَنِ الْقِبْلَةِ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ
وَمِنْهَا أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يَأْمُرْهُمْ بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ كَمَا صَفَّقُوا بِأَيْدِيهِمْ وَفِيهِ أَنَّ التَّصْفِيقَ سُنَّةُ النِّسَاءِ فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ مَعْنَى التَّصْفِيحِ الْمَذْكُورِ فِي أَوَّلِ الْحَدِيثِ وَهُوَ أَنْ يُضْرَبَ بِظُهُورِ أَصَابِعِ الْيُمْنَىَ صَفْحَ الْكَفِّ مِنَ الْيُسْرَى وَمِنْهَا أَنَّ تَقَدُّمَ الْمُصَلِّي عَنْ مُصَلَّاهُ وَتَأَخُّرَهُ عن مقامه لحاجة تعريض لَهُ غَيْرُ مُفْسِدٍ صَلَاتَهُ مَا لَمْ تَطُلْ ذَلِكَ وَمِنْهَا إِبَاحَةُ رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي الصَّلَاةِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَعَالَى وَالثَّنَاءُ عَلَيْهِ فِي أَضْعَافِ(3/153)
الْقِيَامِ عِنْدَ مَا يَحْدُثُ لِلْمَرْءِ مِنْ نِعْمَةِ اللَّهِ وَيَتَجَدَّدُ لَهُ مِنْ صُنْعِ اللَّهِ تَعَالَى وَمِنْهَا جَوَازُ الصَّلَاةِ بِإِمَامَيْنِ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْآخَرِ وَمِنْهَا جَوَازُ الِائْتِمَامِ بِصَلَاةِ مَنْ لَمْ يَلْحَقْ أول الصلاة وفيه أن سنة الرجال عند ما يَنُوبُهُمْ شَيْءٌ فِي الصَّلَاةِ التَّسْبِيحُ وَفِيهِ أَنَّ الْمَأْمُومَ إِذَا سَبَّحَ يُرِيدُ بِذَلِكَ إِعْلَامَ الْإِمَامِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُفْسِدًا لِلصَّلَاةِ
انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ
[941] (إِنْ حَضَرَتْ صَلَاةُ الْعَصْرِ وَلَمْ آتِكَ فَمُرْ أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ) هَذَا لَا يُخَالِفُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ بِلَالٍ لِأَبِي بَكْرٍ أَتُصَلِّي بِالنَّاسِ لِأَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ اسْتَفْهَمَهُ هَلْ يُبَادِرُ أَوَّلَ الْوَقْتِ أَوْ يَنْتَظِرُ قَلِيلًا لِيَأْتِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَجَحَ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ الْمُبَادَرَةُ لِأَنَّهَا فَضِيلَةٌ مُتَحَقِّقَةٌ فَلَا تُتْرَكُ لِفَضِيلَةٍ مُتَوَهَّمَةٍ (قَالَ فِي آخِرِهِ) أَيْ آخِرِ الْحَدِيثِ (فَلْيُسَبِّحِ الرِّجَالُ وَلْيُصَفِّحِ النِّسَاءُ) وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَالَ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ أَيْ هُوَ مِنْ شَأْنِهِنَّ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ وَهُوَ عَلَى جِهَةِ الذَّمِ لَهُ وَلَا يَنْبَغِي فِعْلُهُ فِي الصَّلَاةِ لِرَجُلٍ وَلَا امْرَأَةٍ وَتُعُقِّبَ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ فَإِنَّهَا بِصِيغَةِ الْأَمْرِ فَهِيَ تَرُدُّ مَا تَأَوَّلَهُ أَهْلُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ الْقَوْلُ بِمَشْرُوعِيَّةِ التَّصْفِيقِ لِلنِّسَاءِ
هُوَ الصَّحِيحُ خَبَرًا وَنَظَرًا
[942] (عَنْ عِيسَى بْنِ أَيُّوبَ قَالَ) أَيْ عِيسَى (قَوْلُهُ التَّصْفِيحُ لِلنِّسَاءِ تَضْرِبُ بِإِصْبَعَيْنِ مِنْ يَمِينِهَا عَلَى كَفِّهَا الْيُسْرَى) هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّصْفِيحَ غَيْرُ التَّصْفِيقِ لِأَنَّ التَّصْفِيقَ الضَّرْبُ بِبَاطِنِ الرَّاحَةِ عَلَى الْأُخْرَى
قَالَ زَيْنُ الدِّينِ الْعِرَاقِيُّ وَالْمَشْهُورُ أَنَّ معناهما وَاحِدٌ
قَالَ عُقْبَةُ وَالتَّصْفِيحُ التَّصْفِيقُ
وَكَذَا قَالَ أبو علي البغدادي والخطابي والجوهري
قال بن حَزْمٍ لَا خِلَافَ فِي أَنَّ التَّصْفِيحَ وَالتَّصْفِيقَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَهُوَ الضَّرْبُ بِإِحْدَى صَفْحَتَيِ الْكَفِّ عَلَى الْأُخْرَى
قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَمَا ادَّعَاهُ مِنْ نَفْيِ الْخِلَافِ لَيْسَ بِجَيِّدٍ بَلْ فِيهِ قَوْلَانِ آخَرَانِ أَنَّهُمَا مُخْتَلِفَا الْمَعْنَى أَحَدُهُمَا أَنَّ التَّصْفِيحَ الضَّرْبُ بِظَاهِرِ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى وَالتَّصْفِيقُ الضَّرْبُ بباطن إحداهما(3/154)
عَلَى بَاطِنِ الْأُخْرَى حَكَاهُ صَاحِبُ الْإِكْمَالِ وَصَاحِبُ الْمُفْهِمِ وَالْقَوْلُ الثَّانِي إنَّ التَّصْفِيحَ الضَّرْبُ بِإِصْبَعَيْنِ لِلْإِنْذَارِ وَالتَّنْبِيهِ وَبِالْقَافِ بِالْجَمِيعِ لِلَّهْوِ وَاللَّعِبِ
3 - (بَاب الْإِشَارَةِ فِي الصَّلَاةِ)
[943] (كَانَ يُشِيرُ فِي الصَّلَاةِ) فِيهِ جَوَازُ الْإِشَارَةِ فِي الصَّلَاةِ لِحَاجَةٍ كَرَدِّ السَّلَامِ وَغَيْرِهِ
[944] (مَنْ أَشَارَ فِي صَلَاتِهِ إِشَارَةً تُفْهَمُ) عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ (عَنْهُ) الضَّمِيرُ يَرْجِعُ إِلَى مَنْ
وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الْإِشَارَةِ الْمُفْهِمَةِ لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ
قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ هَذَا الْحَدِيثُ وَهْمٌ
قُلْتُ وَقَدْ صَحَّحَتِ الْإِشَارَةُ الْمُفْهِمَةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من رِوَايَةَ أُمِّ سَلَمَةَ فِي حَدِيثِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ وَمِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَجَابِرٍ لَمَّا صَلَّى بِهِمْ جَالِسًا فِي مَرَضٍ لَهُ فَقَامُوا خَلْفَهُ فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ أَنِ اجْلِسُوا وَقَدْ تَقَدَّمَ أَحَادِيثُ الْإِشَارَةِ فِي الصَّلَاةِ لِرَدِّ السَّلَامِ
قَالَ فِي النَّيْلِ وَفِي إِسْنَادِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا أبو غطفان قال بن أَبِي دَاوُدَ هُوَ رَجُلٌ مَجْهُولٌ قَالَ وَآخِرُ الْحَدِيثِ زِيَادَةٌ وَالصَّحِيحُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يُشِيرُ فِي الصَّلَاةِ
قَالَ الْعِرَاقِيُّ قُلْتُ وَلَيْسَ بِمَجْهُولٍ فَقَدْ رَوَى عنه جماعة ووثقه النسائي وبن حِبَّانَ وَهُوَ أَبُو غَطَفَانَ الْمُرِّيُّ
قِيلَ اسْمُهُ سَعِيدٌ
اه
وَعَلَى فَرْضِ صِحَّتِهِ يَنْبَغِي أَنْ تُحْمَلَ الْإِشَارَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْحَدِيثِ عَلَى الْإِشَارَةِ لِغَيْرِ رَدِّ السَّلَامِ وَالْحَاجَةِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ(3/155)
24 - (باب مسح الحصا فِي الصَّلَاةِ)
[945] (عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ شَيْخٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ أَبَا الْأَحْوَصِ هَذَا لَا يُعْرَفُ اسْمُهُ وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَغَيْرُهُ
انْتَهَى
(إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ إِلَى الصَّلَاةِ) أَيْ شَرَعَ فِيهَا (فَإِنَّ الرَّحْمَةَ تُوَاجِهُهُ) أَيْ تَنْزِلُ عَلَيْهِ وَتُقْبِلُ إِلَيْهِ (فَلَا يَمْسَحِ الْحَصَا) هِيَ الْحِجَارَةُ الصَّغِيرَةُ
وَالتَّقْيِيدُ بِالْحَصَى خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ لِكَوْنِهِ كَانَ الْغَالِبَ عَلَى فُرُشِ مَسَاجِدِهِمْ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التُّرَابِ وَالرَّمْلِ عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ مُعَيْقِيبٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فِي الرَّجُلِ يُسَوِّي التُّرَابَ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ إِلَى الصَّلَاةِ الدُّخُولُ فِيهَا فَلَا يَكُونُ مَنْهِيًّا عَنْ مَسْحِ الْحَصَى إِلَّا بَعْدَ دُخُولِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ قَبْلَ الدُّخُولِ حَتَّى لَا يَشْتَغِلَ عِنْدَ إِرَادَةِ الصَّلَاةِ إِلَّا بِالدُّخُولِ فِيهَا
قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَيُرَجِّحُهُ حَدِيثُ مُعَيْقِيبٍ فَإِنَّهُ سَأَلَ عَنْ مَسْحِ الْحَصَى فِي الصَّلَاةِ دُونَ مَسْحِهِ عِنْدَ الْقِيَامِ كَمَا فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ قَالَهُ الشَّوْكَانِيُّ
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي الْمَعَالِمِ يُرِيدُ بِمَسْحِ الْحَصَى تَسْوِيَتَهُ لِيَسْجُدَ عَلَيْهِ وَكَانَ كَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ يَكْرَهُونَ ذَلِكَ وَكَانَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ لَا يَرَى بِهِ بَأْسًا وَيُسَوِّي فِي صَلَاتِهِ غَيْرَ مَرَّةٍ انتهى
قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وبن مَاجَهْ
[946] (عَنْ مُعَيْقِيبٍ) بِالْمُهْمَلَةِ وَبِالْقَافِ وَآخِرُهُ مُوَحَّدَةٌ مصغر هو بن أبي فاطمة الدوسي حليف بني عبدشمس كَانَ مِنَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ (لَا تَمْسَحْ) أَيِ الْحَصَى (وَأَنْتَ تُصَلِّي) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ أَيْ فِي حَالِ الصَّلَاةِ (فَإِنْ كُنْتَ لَا بُدَّ فَاعِلًا لِذَلِكَ فَوَاحِدَةً) بِالنَّصْبِ أَيْ فَافْعَلْ فَعْلَةً وَاحِدَةً أَوْ مَرَّةً وَاحِدَةً لَا أَزْيَدَ مِنْهَا
قَالَ الْحَافِظُ وَيَجُوزُ الرَّفْعُ فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ فَالْجَائِزُ وَاحِدَةٌ أَوْ فَيَجُوزُ وَاحِدَةٌ أَوْ فَمَرَّةٌ وَاحِدَةٌ تَكْفِي أَوْ تَجُوزُ (تَسْوِيَةَ الْحَصَا) أَيْ لِأَجْلِ تَسْوِيَةِ الْحَصَا
وَحَدِيثُ مُعَيْقِيبٍ أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ(3/156)
25 - (بَاب الرَّجُلِ يُصَلِّي مُخْتَصِرًا)
[947] (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الِاخْتِصَارِ فِي الصَّلَاةِ) قَالَ النَّوَوِيُّ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَى الِاخْتِصَارِ فَالصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ وَالْأَكْثَرُونَ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالْغَرِيبِ وَالْمُحَدِّثِينَ وَبِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا فِي كَتُبِ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْمُخْتَصِرَ هُوَ الَّذِي يُصَلِّي وَيَدُهُ عَلَى خَاصِرَتِهِ
وَقَالَ الْهَرَوِيُّ قِيلَ هُوَ أَنْ يَأْخُذَ بِيَدِهِ عَصًا يَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا
وَقِيلَ أَنْ يَخْتَصِرَ السُّورَةَ فَيَقْرَأَ مِنْ آخِرِهَا آيَةً أَوْ آيَتَيْنِ وَقِيلَ هُوَ أَنْ يَحْذِفَ فَلَا يَمُدَّ قِيَامَهَا وَرُكُوعَهَا وَسُجُودَهَا وَحُدُودَهَا وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ
قِيلَ نَهَى عَنْهُ لِأَنَّهُ فِعْلُ الْيَهُودِ وَقِيلَ فِعْلُ الشَّيْطَانِ وَقِيلَ لِأَنَّ إِبْلِيسَ هَبَطَ مِنَ الْجَنَّةِ كَذَلِكَ وَقِيلَ لِأَنَّهُ فِعْلُ الْمُتَكَبِّرِينَ انْتَهَى (قَالَ أَبُو دَاوُدَ يَعْنِي يَضَعُ يَدَهُ عَلَى خَاصِرَتِهِ) هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي مَعْنَى الِاخْتِصَارِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ بِنَحْوِهِ
وَقَدْ تَرْجَمَ الْمُؤَلِّفُ أَبُو دَاوُدَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَبْلَ بَابِ التَّخَصُّرِ وَالْإِقْعَاءِ وَأَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثَ زِيَادِ بْنِ صُبَيْحٍ الْحَنَفِيِّ قال صليت إلى جنب بن عُمَرَ فَوَضَعْتُ يَدَيَّ عَلَى خَاصِرَتِي الْحَدِيثَ وَتَرْجَمَ ها هنا بَابَ الرَّجُلِ يُصَلِّي مُخْتَصِرًا وَأَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ وَمُفَادُ التَّرْجَمَتَيْنِ وَالْحَدِيثَيْنِ وَاحِدٌ فَلَا أَدْرِي فِي الْإِعَادَةِ فَائِدَةً إِلَّا أَنْ يُقَالَ إِنَّ لَفْظَ الْحَدِيثِ نَهْيٌ عَنِ الِاخْتِصَارِ كَانَ مُحْتَمِلًا لِلْمَعَانِي مِنْهَا أَنْ يَخْتَصِرَ السُّورَةَ فَيَقْرَأَ مِنْ آخِرهَا آيَةً أَوْ آيَتَيْنِ وَلَمَّا كَانَ هَذَا الْمَعْنَى فِي الظَّاهِرِ مُوَافِقًا لِلَّفْظِ أَوْرَدَ الْبَابَ بِهَذَا اللَّفْظِ لَكِنْ تَرَجَّحَ عِنْدَ الْمُؤَلِّفِ غَيْرُ هَذَا الْمَعْنَى الظَّاهِرِ لِوُرُودِ هَذَا الْحَدِيثِ بِلَفْظٍ آخَرَ وَالْحَدِيثُ يُفَسِّرُ بَعْضَهُ بَعْضًا وَلِذَا عَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ قَالَ أَبُو دَاوُدَ يَعْنِي يَضَعُ يَدَهُ عَلَى خَاصِرَتِهِ
وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ نَهَى عَنِ الْخَصْرِ فِي الصَّلَاةِ
قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ فُسِّرَ الْخَصْرُ بِوَضْعِ الْيَدِ عَلَى الْخَاصِرَةِ وَهُوَ صُنْعُ الْيَهُودِ وَالْخَصْرُ لَمْ يُفَسَّرْ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ اللُّغَةِ وَلَمْ أَطَّلِعْ عَلَيْهِ إِلَى الْآنَ
وَالْحَدِيثُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَلَعَلَّ بَعْضَ الرُّوَاةِ ظَنَّ أَنَّ الْخَصْرَ يَرِدُ بِمَعْنَى الِاخْتِصَارِ وَهُوَ وَضْعُ الْيَدِ عَلَى الْخَاصِرَةِ وَفِي رِوَايَةٍ(3/157)
أُخْرَى لَهُ قَدْ نَهَى أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ مُخْتَصِرًا وَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالدَّارِمِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَفِي رِوَايَةِ الْمُؤَلِّفِ نَهَى عَنِ الِاخْتِصَارِ فِي الصَّلَاةِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ الِاخْتِصَارُ لَا الْخَصْرُ
قَالَ الطِّيبِيُّ رَدُّهُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَلَى مِثْلِ هَذِهِ الْأَئِمَّةِ الْمُحَدِّثِينَ بِقَوْلِهِ لَمْ يُفَسَّرِ الْخَصْرُ بِهَذَا الْوَجْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ اللُّغَةِ لَا وَجْهَ لَهُ لِأَنَّ ارْتِكَابَ الْمَجَازِ وَالْكِنَايَةِ لَمْ يَتَوَقَّفْ عَلَى السَّمَاعِ بَلْ عَلَى الْعَلَاقَةِ الْمُعْتَبَرَةِ وَبَيَانُهُ أَنَّ الْخَصْرَ وَسَطُ الْإِنْسَانِ وَالنَّهْيُ لَمَّا وَرَدَ عَلَيْهِ عُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ النَّهْيُ عَنْ أَمْرٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ وَلَمَّا اتَّفَقَتِ الرِّوَايَاتُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ وَضْعُ الْيَدِ عَلَى الْخَاصِرَةِ وَجَبَ حَمْلُهُ عَلَيْهِ وَهُوَ مِنَ الْكِنَايَةِ فَإِنَّ نَفْيَ الذَّاتِ أَقْوَى مِنْ نَفْيِ الصِّفَةِ ابْتِدَاءً انْتَهَى كَلَامُهُ
6 - (بَاب الرَّجُلِ يَعْتَمِدُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى عَصًا)
[948] (قَدِمْتُ الرَّقَّةَ) بِفَتْحِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْقَافِ الْمُشَدَّدَةِ بَلَدٌ بِالشَّامِ (هَلْ لَكَ فِي رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ هَلْ لَكَ رَغْبَةٌ فِي لِقَائِهِ (قُلْتُ غَنِيمَةٌ) أَيْ فَقُلْتُ نَعَمْ لقائه غَنِيمَةٌ (فَدَفَعْنَا) أَيْ ذَهَبْنَا (نَبْدَأُ فَنَنْظُرُ إِلَى دَلِّهِ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ الدَّلُّ كَالْهِدْيِ وَهُمَا مِنَ السَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ وَحُسْنِ الْمَنْظَرِ (فَإِذَا عَلَيْهِ قلنسوة لاطية) أَيْ لَازِقَةٌ بِالرَّأْسِ مُلْصَقَةٌ بِهِ (وَبُرْنُسٌ خَزٌّ) قال بن الأثير الخز ثياب تنسح مِنْ صُوفٍ وَإِبْرَيْسَمٍ وَهِيَ مُبَاحَةٌ وَقَدْ لَبِسَهَا الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ وَقَالَ غَيْرُهُ الْخَزُّ اسْمُ دَابَّةٍ ثُمَّ أُطْلِقَ عَلَى الثَّوْبِ الْمُتَّخَذِ مِنْ وَبَرِهَا وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ أَصْلُهُ مِنْ وَبَرِ الْأَرْنَبِ وَيُسَمَّى ذَكَرُهُ الْخَزُّ وَقِيلَ إِنَّ الْخَزَّ ضَرْبٌ مِنْ ثِيَابِ الْإِبْرَيْسَمِ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ
وَالْبُرْنُسُ كُلُّ ثَوْبٍ رَأْسُهُ مِنْهُ مُلْتَزِقٌ بِهِ مِنْ دُرَّاعَةٍ أَوْ جُبَّةٍ أَوْ غَيْرِهِ وَيَجِيءُ تَحْقِيقُ لُبْسِ الْخَزِّ فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (أَغْبَرُ) أَيْ كَأَنَّ لَوْنَهُ لَوْنُ التُّرَابِ (فَقُلْنَا) أَيْ فِي اعْتِمَادِهِ عَلَى الْعَصَا فِي الصَّلَاةِ (لَمَّا أَسَنَّ) أَيْ كَبِرَ (وَحَمَلَ اللَّحْمَ) أَيْ ضَعُفَ أَوْ كَثُرَ اللَّحْمُ (اتَّخَذَ عَمُودًا فِي مُصَلَّاهُ يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ) فِيهِ جَوَازُ(3/158)
الِاعْتِمَادِ عَلَى الْعَمُودِ وَالْعَصَا وَنَحْوِهِمَا لَكِنَّ الْقَيْدَ بِالْعُذْرِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ الْكِبَرُ وَكَثْرَةُ اللَّحْمِ وَيَلْحَقُ بِهِمَا الضَّعْفُ وَالْمَرَضُ وَنَحْوُهُمَا
قَالَ الْعَلَّامَةُ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَقَدْ ذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ مَنِ احْتَاجَ فِي قِيَامِهِ إِلَى أَنْ يَتَّكِئَ عَلَى عَصًا أَوْ عَلَى عُكَّازٍ أَوْ يَسْتَنِدَ إِلَى حَائِطٍ أَوْ يَمِيلَ عَلَى أَحَدِ جَانِبَيْهِ جَازَ لَهُ ذَلِكَ وَجَزَمَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ بِاللُّزُومِ وَعَدَمِ جَوَازِ الْقُعُودِ مَعَ إِمْكَانِ الْقِيَامِ مَعَ الِاعْتِمَادِ وَمِنْهُمُ الْمُتَوَلِّيُّ وَالْأَذْرَعِيُّ وكذا قال باللزوم بن قُدَامَةَ الْحَنْبَلِيُّ
وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ لَا يَلْزَمُ ذَلِكَ وَيَجُوزُ الْقُعُودُ
انْتَهَى مُلَخَّصًا
قُلْتُ قَدْ ثَبَتَ اعْتِمَادُ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ عَلَى الْعَصَا فِي صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ فَقَدْ رَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ أَمَرَ عُمَرُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ وَتَمِيمًا الدَّارِيَّ أَنْ يَقُومَا لِلنَّاسِ فِي رَمَضَانَ بِإِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً فَكَانَ الْقَارِئُ يقرأ بالمئتين حَتَّى كُنَّا نَعْتَمِدُ عَلَى الْعَصَا مِنْ طُولِ الْقِيَامِ فَمَا كُنَّا نَنْصَرِفُ إِلَّا فِي فروعِ (بُزُوغِ) الْفَجْرِ
7 - (بَاب النَّهْيِ عَنْ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ)
[949] (عَنِ الْحَارِثِ بْنِ شُبَيْلٍ) بِضَمِّ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ مُصَغَّرًا (كَانَ أَحَدُنَا يُكَلِّمُ الرَّجُلَ إِلَى جَنْبِهِ فِي الصَّلَاةِ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ إِنْ كُنَّا نَتَكَلَّمُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكَلِّمُ أَحَدُنَا صَاحِبَهُ بِحَاجَتِهِ (فَنَزَلَتْ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) أَيْ سَاكِتِينَ
قَالَ فِي النَّيْلِ فِيهِ إِطْلَاقُ الْقُنُوتِ عَلَى السُّكُوتِ
قَالَ زَيْنُ الدِّينِ الْعِرَاقِيُّ في شرح الترمذي وذكر بن الْعَرَبِيِّ أَنَّ لَهُ عَشَرَةَ مَعَانٍ قَالَ وَقَدْ نَظَمْتُهَا فِي بَيْتَيْنِ بِقَوْلِي وَلَفْظُ الْقُنُوتِ اعْدُدْ مَعَانِيِهِ تجدْ مَزِيدًا عَلَى عَشَرَةِ مَعَانِي مُرْضِيَهْ دُعَاءُ خُشُوعٍ وَالْعِبَادَةُ طَاعَةٌ إِقَامَتُهَا إِقْرَارُنَا بِالْعُبُودِيَّهْ سُكُوتُ صَلَاةٍ وَالْقِيَامُ وَطُولُهُ كَذَاكَ دَوَامُ الطَّاعَةِ الرابح الفيه(3/159)
وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ حَتَّى نَزَلَتْ
قَالَ الْحَافِظُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ نَسْخَ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ وَقَعَ بِهَذِهِ الْآيَةِ فَيَقْتَضِي أَنَّ النَّسْخَ وَقَعَ بِالْمَدِينَةِ لِأَنَّ الْآيَةَ مَدَنِيَّةٌ بِاتِّفَاقٍ فَيُشْكِلُ ذَلِكَ على قول بن مَسْعُودٍ إِنَّ ذَلِكَ وَقَعَ لَمَّا رَجَعُوا مِنْ عِنْدِ النَّجَاشِيِّ وَكَانَ رُجُوعُهُمْ مِنْ عِنْدِهِ إِلَى مَكَّةَ وَذَلِكَ أَنَّ بَعْضَ الْمُسْلِمِينَ هَاجَرَ إِلَى الْحَبَشَةِ ثُمَّ بَلَغَهُمْ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ أَسْلَمُوا فَرَجَعُوا إِلَى مَكَّةَ فَوَجَدُوا الْأَمْرَ بِخِلَافِ ذَلِكَ وَاشْتَدَّ الْأَذَى عَلَيْهِمْ فَخَرَجُوا إِلَيْهَا أَيْضًا فَكَانُوا فِي المرة الثانية أضعاف الأولى وكان بن مَسْعُودٍ مَعَ الْفَرِيقَيْنِ وَاخْتُلِفَ فِي مُرَادِهِ بِقَوْلِهِ فلما رجعنا هل أراد الرجوع الأول والثاني
فَجَنَحَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ وَآخَرُونَ إِلَى الْأَوَّلِ وَقَالُوا كَانَ تَحْرِيمُ الْكَلَامِ بِمَكَّةَ وَحَمَلُوا حَدِيثَ زَيْدٍ عَلَى أَنَّهُ وَقَوْمَهُ لَمْ يَبْلُغْهُمُ النَّسْخُ وَقَالُوا لَا مَانِعَ أَنْ يَتَقَدَّمَ الْحُكْمُ ثُمَّ تَنْزِلَ الْآيَةُ بِوِفْقِهِ
وَجَنَحَ آخَرُونَ إِلَى الترجيح فقالوا يترجح حديث بن مَسْعُودٍ بِأَنَّهُ حَكَى لَفْظَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخِلَافِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ فَلَمْ يحكه
وقال اخرون إنما أراد بن مَسْعُودٍ رُجُوعَهُ الثَّانِيَ وَقَدْ وَرَدَ أَنَّهُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَجَهَّزُ إِلَى بَدْرٍ
وَفِي مُسْتَدْرَكِ الْحَاكِمِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنِ بن مَسْعُودٍ قَالَ بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى النَّجَاشِيِّ ثَمَانِينَ رَجُلًا فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ وَفِي آخِرِهِ فَتَعَجَّلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ فَشَهِدَ بَدْرًا وَفِي السِّيَرِ لِابْنِ إِسْحَاقَ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ بِالْحَبَشَةِ لَمَّا بَلَغَهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ رَجَعَ مِنْهُمْ إِلَى مَكَّةَ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ رَجُلًا فَمَاتَ مِنْهُمْ رَجُلَانِ بِمَكَّةَ وَحُبِسَ مِنْهُمْ سَبْعَةٌ وَتَوَجَّهَ إِلَى الْمَدِينَةِ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ رَجُلًا فشهدوا بدرا فعلى هذا كان بن مَسْعُودٍ مِنْ هَؤُلَاءِ فَظَهَرَ أَنَّ اجْتِمَاعَهُ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ رُجُوعِهِ كَانَ بِالْمَدِينَةِ وَإِلَى هَذَا الْجَمْعِ نَحَا الْخَطَّابِيُّ وَلَمْ يَقِفْ مَنْ تَعَقَّبَ كَلَامَهُ عَلَى مُسْتَنَدِهِ وَيُقَوِّي هَذَا الْجَمْعَ رِوَايَةُ كُلْثُومٍ الْمُتَقَدِّمَةُ فَإِنَّهَا ظَاهِرَةٌ في أن كلا من بن مَسْعُودٍ وَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ حَكَى أَنَّ النَّاسِخَ قوله تعالى وقوموا لله قانتين انْتَهَى
(فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ وَنُهِينَا عَنِ الْكَلَامِ) قَوْلُهُ نُهِينَا عَنِ الْكَلَامِ لَيْسَ لِلْجَمَاعَةِ وَإِنَّمَا زَادَهُ الْمُؤَلِّفُ وَمُسْلِمٌ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ لَيْسَ نَهْيًا عَنْ ضِدِّهِ إِذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَحْتَجْ إِلَى قَوْلِهِ وَنُهِينَا عَنِ الْكَلَامِ
وَأُجِيبُ بِأَنَّ دِلَالَتَهُ عَلَى ضِدِّهِ دِلَالَةُ الْتِزَامٍ وَمِنْ ثَمَّ وَقَعَ الْخِلَافُ فَلَعَلَّهُ ذُكِرَ لِكَوْنِهِ أَصْرَحَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ
قَالَ الْحَافِظُ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ فِي الصَّلَاةِ مِنْ عَالِمٍ بِالتَّحْرِيمِ عَامِدٍ لِغَيْرِ مَصْلَحَتِهَا أَوْ إِنْقَاذِ مُسْلِمٍ مُبْطِلٌ لَهَا وَاخْتَلَفُوا فِي السَّاهِي وَالْجَاهِلِ فَلَا يُبْطِلُهَا الْقَلِيلُ مِنْهُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَأَبْطَلَهَا الْحَنَفِيَّةُ مُطْلَقًا وَاخْتَلَفُوا فِي أَشْيَاءَ أَيْضًا كَمَنْ جَرَى عَلَى لِسَانِهِ بِغَيْرِ قَصْدِ أَوْ تَعَمُّدِ إِصْلَاحِ الصَّلَاةِ لِسَهْوٍ دَخَلَ عَلَى إِمَامِهِ أَوْ لإنقاذ مسلم(3/160)
لِئَلَّا يَقَعَ فِي مَهْلَكَةٍ أَوْ فَتَحَ عَلَى إِمَامِهِ أَوْ سَبَّحَ لِمَنْ مَرَّ بِهِ أَوْ رَدَّ السَّلَامَ أَوْ أَجَابَ دَعْوَةَ أَحَدِ وَالِدَيْهِ أَوْ أُكْرِهَ عَلَى الْكَلَامِ أَوْ تَقَرَّبَ بِقُرْبَةٍ كَأَعْتَقْتُ عَبْدِي لِلَّهِ فَفِي جَمِيعِ ذَلِكَ خِلَافٌ محل بسطه كتب الفقه
قال بن الْمُنِيرِ فِي الْحَاشِيَةِ الْفَرْقُ بَيْنَ قَلِيلِ الْفِعْلِ لِلْعَامِدِ فَلَا يُبْطِلُ وَبَيْنَ قَلِيلِ الْكَلَامِ أَنَّ الْفِعْلَ لَا تَخْلُو مِنْهُ الصَّلَاةُ غَالِبًا لِمَصْلَحَتِهَا وَتَخْلُو مِنَ الْكَلَامِ الْأَجْنَبِيِّ غَالِبًا مُطَّرِدٌ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ
8 - (بَاب فِي صَلَاةِ الْقَاعِدِ)
[950] (قَالَ حُدِّثْتُ) عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ أَيْ حَدَّثَنِي النَّاسُ مِنَ الصَّحَابَةِ (صَلَاةَ الرَّجُلِ قَاعِدًا نِصْفُ الصَّلَاةِ) أَيْ قَائِمًا
قَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَاهُ أَنَّ ثَوَابَ الْقَاعِدِ فِيهَا نِصْفُ ثَوَابِ الْقَائِمِ فَيَتَضَمَّنُ صِحَّتَهَا وَنُقْصَانَ أَجْرِهَا
قَالَ وَهَذَا الْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى صَلَاةِ النَّفْلِ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ فَهَذَا لَهُ نِصْفُ ثَوَابِ الْقَائِمِ وَأَمَّا إِذَا صَلَّى النَّفْلَ قَاعِدًا لِعَجْزِهِ عَنِ الْقِيَامِ فَلَا يَنْقُصُ ثَوَابُهُ بَلْ يَكُونُ كَثَوَابِهِ قَائِمًا وَأَمَّا الْفَرْضُ فَإِنَّ الصَّلَاةَ قَاعِدًا مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْقِيَامِ لَمْ يَصِحَّ فَلَا يَكُونُ فِيهِ ثَوَابٌ بَلْ يَأْثَمُ
قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِنِ اسْتَحَلَّهُ كَفَرَ وَجَرَتْ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُرْتَدِّينَ كَمَا لَوِ اسْتَحَلَّ الرِّبَا وَالزِّنَا أَوْ غَيْرَهُ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ الشَّائِعَةِ التَّحْرِيمِ وَإِنْ صَلَّى الْفَرْضَ قَاعِدًا لِعَجْزِهِ عَنِ الْقِيَامِ أَوْ مُضْطَجِعًا لِعَجْزِهِ عَنِ الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ فَثَوَابُهُ كَثَوَابِهِ قَائِمًا لَا يَنْقُصُ بِاتِّفَاقِ أَصْحَابِنَا فَيَتَعَيَّنَ حَمْلُ الْحَدِيثِ فِي تَنْصِيفِ الثَّوَابِ عَلَى مَنْ صَلَّى النَّفْلَ قَاعِدًا مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْقِيَامِ
هَذَا تَفْصِيلُ مَذْهَبِنَا وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْحَدِيثِ وَحَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ جَمَاعَةٍ منهم الثوري وبن الْمَاجِشُونِ وَحُكِيَ عَنِ الْبَاجِيِّ مِنْ أَئِمَّةِ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ حَمَلَهُ عَلَى الْمُصَلِّي فَرِيضَةً لِعُذْرٍ أَوْ نَافِلَةً لِعُذْرٍ أَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ
قَالَ وَحَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى مَنْ لَهُ عُذْرٌ يُرَخِّصُ فِي الْقُعُودِ فِي الْفَرْضِ وَالنَّفْلِ وَيُمْكِنُهُ الْقِيَامُ بِمَشَقَّةٍ
انْتَهَى (فَوَضَعْتُ يَدِي عَلَى رَأْسِي) أَيْ بِالتَّعَجُّبِ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَوَضَعْتُ يَدِي عَلَى رَأْسِهِ قال علي القارىء أَيْ لِيَتَوَجَّهَ إِلَيْهِ وَكَأَنَّهُ كَانَ هُنَاكَ مَانِعٌ مِنْ أَنْ يَحْضُرَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَمِثْلُ هَذَا لَا يُسَمَّي خِلَافُ الْأَدَبِ عِنْدَ طَائِفَةِ الْعَرَبِ لِعَدَمِ تَكَلُّفِهِمْ وَكَمَالِ(3/161)
تَأَلُّفِهِمْ (وَلَكِنِّي لَسْتُ كَأَحَدٍ مِنْكُمْ) قَالَ النَّوَوِيُّ هُوَ عِنْدَ أَصْحَابِنَا مِنْ خَصَائِصِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجُعِلَتْ نَافِلَتُهُ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ كَنَافِلَتِهِ قَائِمًا تَشْرِيفًا لَهُ كَمَا خُصَّ بِأَشْيَاءَ مَعْرُوفَةٍ فِي كُتُبِ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ
وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ مَعْنَاهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَحِقَهُ مَشَقَّةٌ مِنَ الْقِيَامِ بِحُطَمِ النَّاسِ وَلِلسِّنِّ فَكَانَ أَجْرُهُ تَامًّا بِخِلَافِ غَيْرِهِ مَنْ لَا عُذْرَ لَهُ هَذَا كَلَامُهُ وَهُوَ ضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ لِأَنَّ غَيْرَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ كَانَ مَعْذُورًا فَثَوَابُهُ أَيْضًا كَامِلٌ وَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْقِيَامِ فَلَيْسَ هُوَ كَالْمَعْذُورِ فَلَا يَبْقَى فِيهِ تَخْصِيصٌ فَلَا يَحْسُنُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لَسْتُ كَأَحَدٍ مِنْكُمْ وَإِطْلَاقُ هَذَا الْقَوْلِ فَالصَّوَابُ مَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا إِنَّ نَافِلَتَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ ثَوَابُهَا كَثَوَابِهِ قَائِمًا وَهُوَ مِنَ الْخَصَائِصِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ
[951] (أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَلَاةِ الرَّجُلِ) ذِكْرُ الرَّجُلِ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ فَلَا مَفْهُومَ لَهُ بَلِ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ (وَصَلَاتُهُ قَاعِدًا عَلَى النِّصْفِ مِنْ صَلَاتِهِ قَائِمًا) قَالَ الْخَطَّابِيُّ إِنَّمَا هُوَ فِي التَّطَوُّعِ دُونَ الْفَرْضِ لِأَنَّ الْفَرْضَ لَا يَجُوزُ لِلْمُصَلِّي قَاعِدًا وَالْمُصَلِّي يَقْدِرُ عَلَى الْقِيَامِ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ جَوَازٌ لَمْ يَكُنْ لِشَيْءٍ مِنَ الْأَجْرِ ثَبَاتٌ (وَصَلَاتُهُ نَائِمًا عَلَى النِّصْفِ مِنْ صَلَاتِهِ قَاعِدًا) قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي مَعَالِمِ السُّنَنِ لَا أَعْلَمُ أَنِّي سَمِعْتُ هَذِهِ الرِّوَايَةَ إِلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَلَا أَحْفَظُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ رَخَّصَ فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ نَائِمًا كَمَا رَخَّصَ فِيهَا قَاعِدًا فَإِنْ صَحَّتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ كَلَامِ بَعْضِ الرُّوَاةِ أَدْرَجَهُ فِي الْحَدِيثِ وَقَاسَهُ عَلَى صَلَاةِ الْقَاعِدِ أَوِ اعْتَبَرَ بِصَلَاةِ الْمَرِيضِ نَائِمًا إِذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْقُعُودِ فَإِنَّ التَّطَوُّعَ مُضْطَجِعًا لِلْقَادِرِ عَلَى الْقُعُودِ جَائِزٌ كَمَا يَجُوزُ لِلْمُسَافِرِ إِذَا تَطَوَّعَ عَلَى رَاحِلَتِهِ فَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ فَلَا تَجُوزُ أَنْ يُصَلِّي قَاعِدًا لِأَنَّ الْقُعُودَ شَكْلٌ مِنْ أَشْكَالِ الصَّلَاةِ وَلَيْسَ الِاضْطِجَاعُ فِي شَيْءٍ مِنْ أَشْكَالِ الصَّلَاةِ
انْتَهَى
وَقَالَ بن بَطَّالٍ وَأَمَّا قَوْلُهُ مَنْ صَلَّى نَائِمًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَاعِدِ فَلَا يَصِحُّ مَعْنَاهُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ لِأَنَّهُمْ مُجْمِعُونَ أَنَّ النَّافِلَةَ لَا يُصَلِّيهَا الْقَادِرُ عَلَى الْقِيَامِ إِيمَاءً قَالَ وَإِنَّمَا دَخَلَ الوهم على(3/162)
نَاقِلِ الْحَدِيثِ
وَتَعَقَّبَ ذَلِكَ الْعِرَاقِيُّ فَقَالَ أَمَّا نفي الخطابي وبن بَطَّالٍ لِلْخِلَافِ فِي صِحَّةِ التَّطَوُّعِ مُضْطَجِعًا لِلْقَادِرِ فَمَرْدُودٌ فَإِنَّ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيَّةِ وَجْهَيْنِ الْأَصَحُّ مِنْهُمَا الصِّحَّةُ وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ حَكَاهَا الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الْإِكْمَالِ أَحَدُهَا الْجَوَازُ مُطْلَقًا فِي الِاضْطِرَارِ وَالِاخْتِيَارِ لِلصَّحِيحِ وَالْمَرِيضِ
وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ جَوَازَهُ فَكَيْفَ يَدَّعِي مَعَ هَذَا الْخِلَافِ الْقَدِيمِ وَالْحَدِيثِ الِاتِّفَاقَ
اه
قَالَ الطِّيبِيُّ وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ التَّطَوُّعَ نَائِمًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ أَوِ الْقُعُودِ فَذَهَبَ بَعْضٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى جَوَازِهِ وَأَجْرُهُ نِصْفُ الْقَاعِدِ وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَالْأَوْلَى لِثُبُوتِهِ فِي السُّنَّةِ
انْتَهَى
قُلْتُ مَنْ ذَهَبَ إِلَى الْجَوَازِ هُوَ الْحَقُّ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنَ الْحَدِيثِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
قَالَ فِي النَّيْلِ وَاخْتَلَفَ شُرَّاحُ الْحَدِيثِ فِي الْحَدِيثِ هَلْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى التَّطَوُّعِ أَوْ عَلَى الْفَرْضِ فِي حَقِّ غَيْرِ الْقَادِرِ فَحَمَلَهُ الْخَطَّابِيُّ عَلَى الثَّانِي وَهُوَ مَحْمَلٌ ضَعِيفٌ لِأَنَّ الْمَرِيضَ الْمُفْتَرِضَ الَّذِي أَتَى بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنَ الْقُعُودِ وَالِاضْطِجَاعِ يُكْتَبُ له جميع الأجر لا نصفه
قال بن بَطَّالٍ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَا يُقَالُ لِمَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الشَّيْءِ لَكَ نِصْفُ أَجْرِ الْقَادِرِ عَلَيْهِ بَلِ الْآثَارُ الثَّابِتَةُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ مَنْ مَنَعَهُ اللَّهُ وَحَبَسَهُ عَنْ عَمَلِهِ بِمَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ يُكْتَبُ لَهُ أَجْرُ عَمَلِهِ وَهُوَ صحيح
انتهى
وحمله سفيان الثوري وبن الْمَاجِشُونِ عَلَى التَّطَوُّعِ حَكَاهُ النَّوَوِيُّ عَنِ الْجُمْهُورِ وَقَالَ إِنَّهُ يَتَعَيَّنُ حَمْلُ الْحَدِيثِ عَلَيْهِ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ
[952] (كَانَ بِي النَّاصُورُ) قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ فِي مَعَالِمِ السُّنَنِ أَهْلُ اللُّغَةِ ذَكَرُوا النَّاسُورَ بِالسِّينِ خَاصَّةً
كَذَا ذَكَرَهُ الْأَقْلَشِيُّ انْتَهَى
وفي رواية البخاري كانت بن بَوَاسِيرُ قَالَ فِي الْفَتْحِ الْبَوَاسِيرُ جَمْعُ بَاسُورٍ يُقَالُ بِالْمُوَحَّدَةِ وَبِالنُّونِ وَالَّذِي بِالْمُوَحَّدَةِ وَرَمٌ فِي بَاطِنِ الْمَقْعَدَةِ وَالَّذِي بِالنُّونِ قُرْحَةٌ فَاسِدَةٌ لَا تَقْبَلُ الْبُرْءَ مَا دَامَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَسَادُ (فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ) أَيِ الْقِيَامَ (فَقَاعِدًا) أَيْ فَصَلِّ قَاعِدًا
وَلَمْ يُبَيِّنْ فِي الْحَدِيثِ كَيْفِيَّةَ الْقُعُودِ فَيُؤْخَذُ مِنْ إِطْلَاقِهِ جَوَازُهُ عَلَى أَيِّ صِفَةٍ شَاءَ الْمُصَلِّي وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي الْأَفْضَلِ فَعَنِ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ يُصَلِّي مُتَرَبِّعًا وَقِيلَ يَجْلِسُ مُفْتَرِشًا وَهُوَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ(3/163)
وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ وَقِيلَ مُتَوَرِّكًا وَفِي كُلٍّ مِنْهَا أَحَادِيثُ كَذَا فِي الْفَتْحِ (فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ) أَيِ الْقُعُودَ (فَعَلَى جَنْبٍ) فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ بِوَجْهِهِ وَهُوَ حُجَّةٌ لِلْجُمْهُورِ فِي الِانْتِقَالِ مِنَ الْقُعُودِ إِلَى الصَّلَاةِ عَلَى الْجَنْبِ وَعَنِ الْحَنَفِيَّةِ وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ يَسْتَلْقِي عَلَى ظَهْرِهِ وَيَجْعَلُ رِجْلَيْهِ إِلَى الْقِبْلَةِ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّ حَالَةَ الِاسْتِلْقَاءِ تَكُونُ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ حَالَةِ الِاضْطِجَاعِ وَاسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ لَا يَنْتَقِلُ الْمَرِيضُ بَعْدَ عَجْزِهِ عَنِ الِاسْتِلْقَاءِ إِلَى حَالَةٍ أُخْرَى كَالْإِشَارَةِ بِالرَّأْسِ ثُمَّ الْإِيمَاءِ بِالطَّرْفِ ثُمَّ إِجْرَاءِ الْقُرْآنِ وَالذِّكْرِ عَلَى اللِّسَانِ ثُمَّ عَلَى الْقَلْبِ لِكَوْنِ جَمِيعِ ذَلِكَ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْحَدِيثِ وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ
[953] (حَتَّى دَخَلَ فِي السِّنِّ) أَيْ حَتَّى كَبِرَ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ حَتَّى أَسَنَّ (حَتَّى إِذَا بَقِيَ أَرْبَعِينَ أَوْ ثَلَاثِينَ آيَةً قَامَ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ جَوَازُ الرَّكْعَةِ الْوَاحِدَةِ بَعْضِهَا مِنْ قِيَامٍ وَبَعْضِهَا مِنْ قُعُودِ وَهُوَ مَذْهَبنَا وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَعَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وَسَوَاءٌ قَامَ ثُمَّ قَعَدَ أَوْ قَعَدَ ثُمَّ قَامَ وَمَنَعَهُ بَعْضُ السَّلَفِ وَهُوَ غَلَطٌ وَحَكَى الْقَاضِي عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ صَاحِبَيْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي آخَرِينَ كَرَاهَةَ الْقُعُودِ بَعْدَ الْقِيَامِ وَلَوْ نَوَى الْقِيَامَ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَجْلِسَ جَازَ عِنْدَنَا وعند الجمهور
وجوزه من المالكية بن الْقَاسِمِ وَمَنَعَهُ أَشْهَبُ
انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ
[954] (فَإِذَا بَقِيَ مِنْ قِرَاءَتِهِ قَدْرُ مَا يَكُونُ ثَلَاثِينَ أَوْ أَرْبَعِينَ آيَةً قَامَ فَقَرَأَهَا وَهُوَ قَائِمٌ) فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الَّذِي كَانَ يَقْرَؤُهُ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ أَكْثَرُ لِأَنَّ الْبَقِيَّةَ تُطْلَقُ فِي الْغَالِبِ عَلَى الْأَقَلِّ وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لِمَنِ افْتَتَحَ النَّافِلَةَ قَاعِدًا أَنْ يَرْكَعَ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا أَنْ يَرْكَعَ قَائِمًا
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ(3/164)
الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ (قَالَ أَبُو دَاوُدَ رَوَاهُ عَلْقَمَةُ بْنُ وَقَّاصٍ عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوُهُ) وَصَلَهُ مُسْلِمٌ قال حدثنا بن نُمَيْرٍ قَالَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ قَالَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ قَالَ قُلْتُ لِعَائِشَةَ كَيْفَ كَانَ يَصْنَعُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ قَالَتْ كَانَ يَقْرَأُ فِيهِمَا فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ قَامَ فَرَكَعَ لَكِنْ بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَبَيْنَ الرِّوَايَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْكِتَابِ فَرْقٌ وَهُوَ أَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْلِسُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ وَيَقْرَأُ وَيُتِمُّ الْقِرَاءَةَ جَالِسًا فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ يَقُومُ فَيَرْكَعُ وَالرِّوَايَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْكِتَابِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَجْلِسُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ وَيَقْرَأُ لَكِنْ لَا يُتِمُّ الْقِرَاءَةَ جَالِسًا بَلْ إِذَا بَقِيَ قَدْرُ مَا يَكُونُ ثَلَاثِينَ آيَةً أَوْ أَرْبَعِينَ آيَةً يَقُومُ وَيَقْرَأُ قَائِمًا ثُمَّ يَرْكَعُ
[955] (فَإِذَا صَلَّى قَائِمًا رَكَعَ قَائِمًا وَإِذَا صَلَّى قَاعِدًا رَكَعَ قَاعِدًا) هَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَشْرُوعَ لِمَنْ قَرَأَ قَائِمًا أَنْ يَرْكَعَ وَيَسْجُدَ مِنْ قِيَامٍ وَمَنْ قَرَأَ قَاعِدًا أَنْ يَرْكَعَ وَيَسْجُدَ مِنْ قُعُودٍ
وَالْحَدِيثُ الَّذِي قَبْلَهُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الرُّكُوعِ مِنْ قِيَامٍ لِمَنْ قَرَأَ قَاعِدًا وَيُجْمَعُ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُ مَرَّةً كَذَا وَمَرَّةً كَذَا
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ
[956] (قَالَتِ الْمُفَصَّلُ) أَيْ قَالَتْ عَائِشَةُ نَعَمْ يَقْرَأُ فِي رَكْعَةٍ السُّورَةَ مِنَ الْمُفَصَّلِ وَهُوَ مِنْ ق إِلَى آخِرِ الْقُرْآنِ عَلَى الصَّحِيحِ وَسُمِّيَ مُفَصَّلًا لِكَثْرَةِ الْفَصْلِ بَيْنَ سُوَرَهِ بِالْبَسْمَلَةِ عَلَى الصَّحِيحِ (حِينَ حَطَمَهُ النَّاسُ) قَالَ الْهَرَوِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ يُقَالُ حَطَمَ فُلَانٌ أَهْلَهُ إِذَا كَبِرَ فِيهِمْ كَأَنَّهُ لَمَّا حَمَلَهُ مِنْ أُمُورِهِمْ وَأَثْقَالِهِمْ وَالِاعْتِنَاءِ بِمَصَالِحِهِمْ صَيَّرُوهُ شَيْخًا مَحْطُومًا وَالْحَطْمُ كَسْرُ الشَّيْءِ الْيَابِسِ ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ(3/165)
29 - (بَاب كَيْفَ الْجُلُوسُ فِي التَّشَهُّدِ)
[957] (ثُمَّ جَلَسَ فَافْتَرَشَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى) أَيْ وَجَلَسَ عَلَى بَاطِنِهَا وَنَصَبَ الْيُمْنَى (وَحَدَّ) بِصِيغَةِ الْمَاضِي مُشَدَّدَةُ الدَّالِ بَعْدَ الْوَاوِ الْعَاطِفَةِ (مِرْفَقَهُ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْفَاءِ وَيُعْكَسُ (الْأَيْمَنُ عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى) قِيلَ أَصْلُ الْحَدِّ الْمَنْعُ وَالْفَصْلُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ وَمِنْهُ سُمِّيَ الْمَنَاهِي حُدُودَ اللَّهِ وَالْمَعْنَى فَصَلَ بَيْنَ مِرْفَقِهِ وَجَنْبِهِ وَمَنَعَ أَنْ يَلْتَصِقَا فِي حَالِ اسْتِعْلَائِهِمَا عَلَى الْفَخِذِ كَذَا قَالَهُ الطِّيبِيُّ
وَقَالَ الْمُظْهِرُ أَيْ رَفَعَ مِرْفَقَهُ عَنْ فَخِذِهِ وَجَعَلَ عَظْمَ مِرْفَقِهِ كَأَنَّهُ رَأْسُ وَتَدٍ فَجَعَلَهُ مُشَدَّدَ الدَّالِ مِنَ الْحِدَّةِ
وَقَالَ الْأَشْرَفُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ وَحَدُّ مَرْفُوعًا مُضَافًا إِلَى الْمِرْفَقِ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَقَوْلُهُ عَلَى فَخِذِهِ الْخَبَرُ وَالْجُمْلَةُ حَالٌ وَأَنْ يَكُونَ مَنْصُوبًا عَطْفًا عَلَى مَفْعُولِ وَضَعَ أَيْ وَضَعَ يَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُسْرَى وَوَضَعَ حَدَّ مِرْفَقِهِ الْيُمْنَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى نَقَلَهُ مَيْرَكُ وَكَتَبَ تَحْتَهُ وَفِيهِ نَظَرٌ وَلَعَلَّ وَجْهَ النَّظَرِ أَنَّ وَضْعَ حَدِّ الْمِرْفَقِ لَا يَثْبُتُ عَنْ أَحَدِ الْعُلَمَاءِ وَلَا دَلَالَةَ عَلَى مَا قَالَهُ عَلَى مَا قِيلَ فِي حَدِيثٍ صَحَّحَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَهُوَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ جَعَلَ مِرْفَقَهُ الْيُمْنَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى كَمَا لَا يخفى كذا في المرقاة
وقال بن رَسْلَانَ يَرْفَعُ طَرَفَ مِرْفَقِهِ مِنْ جِهَةِ الْعَضُدِ عَنْ فَخِذِهِ حَتَّى يَكُونَ مُرْتَفِعًا عَنْهُ كَمَا يَرْتَفِعُ الْوَتِدُ عَنِ الْأَرْضِ وَيَضَعُ طَرَفَهُ الَّذِي مِنْ جِهَةِ الْكَفِّ عَلَى طَرَفِ فَخِذِهِ الْأَيْمَنِ انْتَهَى (وَقَبَضَ ثِنْتَيْنِ) أَيِ الْخِنْصَرَ وَالْبِنْصَرَ مِنْ أَصَابِعِ الْيُمْنَى (وَحَلَّقَ) بِتَشْدِيدِ اللَّامِ (حَلْقَةً) بِسُكُونِ اللَّامِ وَتُفْتَحُ أَيْ أَخَذَ إِبْهَامَهُ بِأُصْبُعِهِ الْوُسْطَى كَالْحَلْقَةِ (وَرَأَيْتُهُ) أَيِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَقُولُ) أَيْ يَفْعَلُ (وَحَلَّقَ بِشْرٌ) أَيِ بن الْمُفَضَّلِ (وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ) قَالَ الْعُلَمَاءُ خُصَّتِ السَّبَّابَةُ بِالْإِشَارَةِ لِاتِّصَالِهَا بِنِيَاطِ الْقَلْبِ فَتَحْرِيكُهَا سَبَبٌ لِحُضُورِهِ
قَالَ فِي السُّبُلِ وَمَوْضِعُ الْإِشَارَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ لِمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَنْوِي(3/166)
بِالْإِشَارَةِ التَّوْحِيدِ وَالْإِخْلَاصِ فِيهِ فَيَكُونُ جَامِعًا فِي التَّوْحِيدِ بَيْنَ الْفِعْلِ وَالْقَوْلِ وَالِاعْتِقَادِ وَلِذَلِكَ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْإِشَارَةِ بِالْأُصْبُعَيْنِ وَقَالَ أَحَدٌ أَحَدٌ لِمَنْ رَآهُ يُشِيرُ بِأُصْبُعَيْهِ انْتَهَى
قَالَ الْإِمَامُ الْخَطَّابِيُّ فِي مَعَالِمِ السُّنَنِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِثْبَاتُ الْإِشَارَةِ بِالسَّبَّابَةِ وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِرَاقِ لَا يَرَى الْإِشَارَةَ بِالسَّبَّابَةِ وَفِيهِ إِثْبَاتُ التَّحْلِيقِ بِالْإِبْهَامِ وَالْوُسْطَى
وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَا يَرَى التَّحْلِيقَ وَقَالَ يَقْبِضُ أَصَابِعَهُ الثَّلَاثَ وَيُشِيرُ بِالسَّبَّابَةِ وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَرَى أَنْ يُحَلِّقَ فَيَضَعَ أُنْمُلَتَهُ الْوُسْطَى بَيْنَ عقدي الإبهام وإنما السنة أن يحلق برؤوس الْأَنَامِلِ مِنَ الْإِبْهَامِ وَالْوُسْطَى حَتَّى يَكُونَ كَالْحَلْقَةِ الْمُسْتَدِيرَةِ لَا يَفْضُلُ مِنْ جَوَانِبِهَا شَيْءٌ انْتَهَى
وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ وَرَدَ فِي وَضْعِ الْيُمْنَى عَلَى الْفَخِذِ حَالَ التَّشَهُّدِ هَيْئَاتٌ إِحْدَاهَا التَّحْلِيقُ كَمَا فِي حَدِيثِ الْبَابِ وَالثَّانِيَةُ مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم كَانَ إِذَا جَلَسَ فِي الصَّلَاةِ وَضَعَ يَدَهُ اليمنى على ركبتيه الْيُمْنَى وَعَقَدَ ثَلَاثَةً وَخَمْسِينَ وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ
قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ صُورَتُهَا أَنْ يَجْعَلَ الْإِبْهَامَ مُعْتَرِضَةً تَحْتَ الْمُسَبِّحَةِ وَالثَّالِثَةُ قَبْضُ كُلِّ الْأَصَابِعِ والإشارة بالسبابة كما في حديث بن عُمَرَ عِنْدَ مُسْلِمٍ بِلَفْظِ كَانَ إِذَا جَلَسَ فِي الصَّلَاةِ وَضَعَ كَفَّهُ الْيُمْنَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى وَقَبَضَ أَصَابِعَهُ كُلَّهَا وَأَشَارَ بِأُصْبُعِهِ الَّتِي تَلِي الْإِبْهَامَ وَوَضَعَ كَفَّهُ الْيُسْرَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُسْرَى وَالرَّابِعَةُ مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ بن الزُّبَيْرِ بِلَفْظِ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَعَدَ يَدْعُو وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى وَيَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُسْرَى وَأَشَارَ بِأُصْبُعِهِ السَّبَّابَةِ وَوَضَعَ إِبْهَامَهُ عَلَى أُصْبُعِهِ الْوُسْطَى وَيُلْقِمُ كَفَّهُ الْيُسْرَى رُكْبَتَهُ
وَالْخَامِسَةُ وَضْعُ الْيَدِ الْيُمْنَى عَلَى الْفَخِذِ مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ وَالْإِشَارَةُ بِالسَّبَّابَةِ
وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ رواية أخرى عن بن الزُّبَيْرِ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ اقْتَصَرَ فِيهَا عَلَى مُجَرَّدِ الْوَضْعِ وَالْإِشَارَةِ وَكَذَلِكَ أَخْرَجَ عَنِ بن عُمَرَ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَكَذَلِكَ أَخْرَجَ الْمُؤَلِّفُ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ بِدُونِ ذِكْرِ الْقَبْضِ اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ تُحْمَلَ الرِّوَايَةُ الَّتِي لَمْ يُذْكَرْ فِيهَا الْقَبْضُ عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي فِيهَا الْقَبْضُ حَمْلَ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ
واعلم أن قوله في حديث بن عُمَرَ وَعَقَدَ ثَلَاثًا وَخَمْسِينَ إِشَارَةٌ إِلَى طَرِيقَةٍ مَعْرُوفَةٍ تَوَاطَأَتْ عَلَيْهَا الْعَرَبُ فِي عُقُودِ الْحِسَابِ وَهِيَ أَنْوَاعٌ مِنَ الْآحَادِ وَالْعَشَرَاتِ وَالْمِئِينَ وَالْأُلُوفِ أَمَّا الْآحَادُ فَلِلْوَاحِدِ عَقْدُ الْخِنْصَرِ إِلَى أَقْرَبِ مايليه مِنْ بَاطِنِ الْكَفِّ وَلِلِاثْنَيْنِ عَقْدُ الْبِنْصِرِ مَعَهَا كَذَلِكَ وَلِلثَّلَاثَةِ عَقْدُ الْوُسْطَى مَعَهَا كَذَلِكَ وَلِلْأَرْبَعَةِ حل الخنصر معها كذلك وَلِلْخَمْسَةِ حَلُّ الْبِنْصِرِ مَعَهَا دُونَ الْوُسْطَى وَلِلسِّتَّةِ عَقْدُ الْبِنْصِرِ وَحَلُّ جَمِيعِ الْأَنَامِلِ وَلِلسَّبْعَةِ بَسْطُ الْخِنْصَرِ إِلَى أَصْلِ الْإِبْهَامِ مِمَّا يَلِي الْكَفَّ وَلِلثَّمَانِيَةِ بَسْطُ الْبِنْصِرِ فَوْقَهَا كَذَلِكَ وَلِلتِّسْعَةِ بَسْطُ الْوُسْطَى فَوْقَهَا كَذَلِكَ وَأَمَّا الْعَشَرَاتُ فَلَهَا الْإِبْهَامُ وَالسَّبَّابَةُ فَلِلْعَشَرَةِ الْأُولَى عَقْدُ رَأْسِ الْإِبْهَامِ عَلَى طرف(3/167)
السَّبَّابَةِ وَلِلْعِشْرِينَ إِدْخَالُ الْإِبْهَامِ بَيْنَ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى وَلِلثَّلَاثِينَ عَقْدُ رَأْسِ السَّبَّابَةِ عَلَى رَأْسِ الْإِبْهَامِ عَكْسُ الْعَشَرَةِ وَلِلْأَرْبَعِينَ تَرْكِيبُ الْإِبْهَامِ عَلَى الْعَقْدِ الْأَوْسَطِ مِنَ السَّبَّابَةِ وَعَطْفُ الْإِبْهَامِ إِلَى أَصْلِهَا وَلِلْخَمْسِينَ عَطْفُ الْإِبْهَامِ عَلَى أَصْلِهَا وَلِلسِّتِّينَ تَرْكِيبُ السَّبَّابَةِ عَلَى ظَهْرِ الْإِبْهَامِ عَكْسُ الْأَرْبَعِينَ وَلِلسَّبْعِينَ إِلْقَاءُ رَأْسِ الْإِبْهَامِ عَلَى الْعَقْدِ الْأَوْسَطِ مِنَ السَّبَّابَةِ وَرَدُّ طَرَفِ السَّبَّابَةِ إِلَى الْإِبْهَامِ وَلِلثَّمَانِينَ رَدُّ طَرَفِ السَّبَّابَةِ إِلَى أَصْلِهَا وَبَسْطِ الْإِبْهَامِ عَلَى جَنْبِ السَّبَّابَةِ مِنْ نَاحِيَةِ الْإِبْهَامِ وَلِلتِّسْعِينَ عَطْفُ السَّبَّابَةِ إِلَى أَصْلِ الْإِبْهَامِ وَضَمُّهَا بِالْإِبْهَامِ وَأَمَّا الْمِئِينَ فَكَالْآحَادِ إِلَى تِسْعِ مِائَةٍ فِي الْيَدِ الْيُسْرَى وَالْأُلُوفُ كَالْعَشَرَاتِ فِي الْيُسْرَى
قَالَ المنذري وأخرجه النسائي بن ماجه
[958] (عن عبد الرحمن بن القاسم) بن محمد أبي بكر الصديق (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) بْنِ عمر كما في الموطأ بن الخطاب المدني التابعي الثقة سمي باسم أبيه وكني بكنيته (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ) بْنِ الْخَطَّابِ
وَفِي رِوَايَةِ الْمُوَطَّأِ مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِمْرَانَةَ أَخْبَرَهُ وَكَذَا فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَلَفْظُهُ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ هَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْقَاسِمِ حَمَلَهُ عَنْهُ بِلَا وَاسِطَةٍ وَقَدِ اخْتَلَفَ فِيهِ الرُّوَاةُ عَنْ مَالِكٍ فَأَدْخَلَ مَعْنُ بْنُ عِيسَى وَغَيْرُهُ عَنْهُ فِيهِ بَيْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ وَالِدَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ سَمِعَهُ مِنْ أَبِيهِ عَنْهُ ثُمَّ لَقِيَهُ أَوْ سَمِعَهُ مِنْهُ مَعَهُ وَثَبَّتَهُ فِيهِ أَبُوهُ انْتَهَى (قَالَ سُنَّةُ الصَّلَاةِ) هَذِهِ الصِّيغَةُ حُكْمُهَا الرَّفْعُ إِذَا قَالَهَا الصَّحَابِيُّ وَلَوْ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِزَمَانٍ كَمَا هُنَا
قَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مُسْنَدٌ لِأَنَّ الصَّحَابِيَّ إِذَا قَالَ سُنَّةٌ فَإِنَّمَا يُرِيدُ سُنَّةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِمَّا بِقَوْلِهِ أَوْ بِفِعْلٍ شاهد كذا قاله بن التِّينِ انْتَهَى (أَنْ تَنْصِبَ) أَيْ لَا تُلْصِقَهُ بِالْأَرْضِ (وَتَثْنِي) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ أَيْ أَنْ تَعْطِفَ
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ لَمْ يُبَيِّنْ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ مَا يَصْنَعُ بَعْدَ ثَنْيِهَا هَلْ يَجْلِسُ فَوْقَهَا أَوْ يَتَوَرَّكُ وَوَقَعَ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ أَرَاهُمْ الْجُلُوسَ فِي التَّشَهُّدِ فَنَصَبَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى وَثَنَى الْيُسْرَى وَجَلَسَ عَلَى وَرِكِهِ الْيُسْرَى وَلَمْ يَجْلِسْ عَلَى قَدَمِهِ ثُمَّ قَالَ أَرَانِي هَذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو حَدَّثَنِي أَنَّ أَبَاهُ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ انتهى(3/168)
[959] (قَالَ سَمِعْتُ يَحْيَى) بْنَ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيَّ وَرَوَى النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ الْقَاسِمَ حَدَّثَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ مِنْ سُنَّةِ الصَّلَاةِ أَنْ تَنْصِبَ الْيُمْنَى وَتَجْلِسَ عَلَى الْيُسْرَى انْتَهَى
[961] (أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ أَرَاهُمْ) وَلَفْظُ الْمُوَطَّأِ مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ أَرَاهُمْ الْجُلُوسَ فِي التَّشَهُّدِ فَنَصَبَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى وَثَنَى رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَجَلَسَ عَلَى وَرِكِهِ الْأَيْسَرِ وَلَمْ يَجْلِسْ عَلَى قَدَمِهِ ثُمَّ قَالَ أَرَانِي هَذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو حَدَّثَنِي أَنَّ أَبَاهُ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ
فَتَبَيَّنَ مِنْ رِوَايَةِ الْقَاسِمِ مَا أُجْمِلَ فِي رِوَايَةِ ابْنِهِ وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ الْبُخَارِيُّ وَالْمُؤَلِّفُ عَلَى رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ لِتَصْرِيحِهِ فِيهَا بِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ السُّنَّةُ لِاقْتِضَاءِ ذَلِكَ الرَّفْعَ بِخِلَافِ رِوَايَةِ الْقَاسِمِ
وَرَجَّحَ ذَلِكَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ حَدِيثَ أَبِي حُمَيْدٍ الْمُفْصِلَ بَيْنَ الْجُلُوسِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي عَلَى أَنَّ الصِّفَةَ الْمَذْكُورَةَ قَدْ يُقَالُ إِنَّهَا لَا تُخَالِفُ حَدِيثَ أَبِي حُمَيْدٍ لِأَنَّ فِي الْمُوَطَّأِ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ التصريح بأن جلوس بن عُمَرَ الْمَذْكُورَ كَانَ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ وَرَوَى النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا فَإِذَا حُمِلَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ عَلَى التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَرِوَايَةُ مَالِكٍ عَلَى التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ انْتَفَى عَنْهُمَا التَّعَارُضُ وَوَافَقَ ذَلِكَ التَّفْصِيلَ الْمَذْكُورَ فِي حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ قَالَهُ الْحَافِظُ
[962] (عَنْ إِبْرَاهِيمَ) بْنِ يَزِيدَ النَّخَعِيِّ فَقِيهِ أَهْلِ الْكُوفَةِ
وَأَوْرَدَ الْمِزِّيُّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ فِي الْأَطْرَافِ فِي كِتَابِ الْمَرَاسِيلِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ وَقَالَ فِي تَرْجَمَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ حَدِيثَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا جَلَسَ فِي الصَّلَاةِ افْتَرَشَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى
وَتَقَدَّمَ فِي تَرْجَمَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ(3/169)
أَبِيهِ
انْتَهَى كَلَامُ الْمِزِّيِّ (حَتَّى اسْوَدَّ) مِنَ السَّوَادِ أَيْ مِنْ كَثْرَةِ مُلَابَسَةِ الْأَرْضِ أَوْ نحوها
وأعلم أن هذه الرواية الخمسة أَيْ مِنْ قَوْلِهِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ إِلَى آخَرَ دُونَهُ حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ لَيْسَتْ فِي رِوَايَةِ اللُّؤْلُؤِيِّ وَلِذَا لَمْ يَذْكُرْهَا الْمُنْذِرِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَلَمْ تُوجَدْ فِي عَامَّةِ النُّسَخِ وَإِنَّمَا وُجِدَتْ فِي نُسْخَةٍ وَاحِدَةٍ صَحِيحَةٍ وَذَكَرَهَا الْمِزِّيُّ فِي الْأَطْرَافِ
وَقَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ فِي بَابِ بَيَانِ سُنَّةِ الْجُلُوسِ فِي التَّشَهُّدِ فِي ذِكْرِ مَنْ أَخْرَجَ حَدِيثَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ هَذَا غَيْرُ الْبُخَارِيِّ مَا نَصُّهُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ أَيْضًا فِي الصَّلَاةِ عَنِ الْقَعْنَبِيِّ وَعَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاذٍ وَعَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَعَنْ هَنَّادِ بْنِ السَّرِيِّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ فِيهِ عَنْ قُتَيْبَةَ عَنِ اللَّيْثِ وَعَنِ الرَّبِيعِ بْنِ سُلَيْمَانَ
انْتَهَى كَلَامُهُ
0 - (بَاب مَنْ ذَكَرَ التَّوَرُّكَ فِي الرَّابِعَةِ)
[963] (فِي عَشَرَةٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ فِي مَحْضَرِ عَشَرَةٍ يَعْنِي بَيْنَ عَشَرَةٍ وَحَضْرَتِهِمْ (قَالُوا فَاعْرِضْ) بِهَمْزَةِ وَصْلٍ أَيْ إِذَا كُنْتَ أَعْلَمُ فَاعْرِضْ فِي النِّهَايَةِ يُقَالُ عَرَضْتُ عَلَيْهِ أَمْرَ كَذَا أَوْ عَرَضْتُ لَهُ الشَّيْءَ أَظْهَرْتُهُ وَأَبْرَزْتُهُ إِلَيْهِ اعْرِضْ بِالْكَسْرِ لَا غَيْرَ أَيْ بَيِّنْ عِلْمَكَ بِصَلَاتِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِنْ كُنْتَ صَادِقًا فِيمَا تَدَّعِيهِ لِنُوَافِقُكَ إِنْ حَفِظْنَاهُ وَإِلَّا استنفدناه (وَيَفْتَخُ) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ (أَصَابِعَ رِجْلَيْهِ) أَيْ يَثْنِيهَا وَيُلِينُهَا فَيُوَجِّهُهَا إِلَى الْقِبْلَةِ
وَفِي النِّهَايَةِ أَيْ يُلَيِّنُهَا فَيَنْصِبُهَا وَيَغْمِزُ(3/170)
مَوْضِعَ الْمَفَاصِلِ وَيَثْنِيهَا إِلَى بَاطِنِ الرِّجْلِ يَعْنِي حِينَئِذٍ
قَالَ وَأَصْلُ الْفَتْخِ الْكَسْرُ وَمِنْهُ قِيلَ لِلْعُقَابِ فَتَخٌ لِأَنَّهَا إِذَا انْحَطَّتْ كَسَرَتْ جَنَاحَهَا
قال بن حجر المكي والمراد ها هنا نصبها مع الاعتماد على بطونها وجعل رؤوسها لِلْقِبْلَةِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ عَلَى الْجَبْهَةِ وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى أَنْفِهِ وَالْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَأَطْرَافِ الْقَدَمَيْنِ
وَلِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ سَجَدَ وَاسْتَقْبَلَ بِأَطْرَافِ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ الْقِبْلَةَ وَمِنْ لَازِمِهَا الِاسْتِقْبَالُ بِبُطُونِهَا وَالِاعْتِمَادُ عَلَيْهَا كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ (وَيَرْفَعُ) أَيْ رَأْسَهُ مُكَبِّرًا (وَيَثْنِي) بِفَتْحِ الْيَاءِ الْأُولَى أَيْ يَعْطِفُ (حَتَّى إِذَا كَانَتِ السَّجْدَةُ الَّتِي فِيهَا التَّسْلِيمُ) أَيْ فِي عَقِبِهَا التَّسْلِيمُ (أَخَّرَ) أَيْ أَخْرَجَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى أَيْ مِنْ تَحْتِ مَقْعَدَتِهِ إِلَى الْأَيْمَنِ (مُتَوَرِّكًا عَلَى شِقّهِ الْأَيْسَرِ) أَيْ مُفْضِيًا بِوَرِكِهِ الْيُسْرَى إِلَى الْأَرْضِ غَيْرَ قَاعِدٍ عَلَى رِجْلَيْهِ
قَالَ الطِّيبِيُّ التَّوَرُّكُ أَنْ يَجْلِسَ الرَّجُلُ عَلَى وَرِكِهِ أَيْ جَانِبِ إِلْيَتِهِ وَيُخْرِجَ رِجْلَهُ مِنْ تَحْتِهِ (قَالُوا) أَيِ الْعَشَرَةُ مِنَ الصَّحَابَةِ (صَدَقْتَ) أَيْ فِيمَا قُلْتَ هَكَذَا كَانَ أَيْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (ولم يذكر) أَيْ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَمُسَدَّدٌ (فِي الثِّنْتَيْنِ) أَيْ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ (كَيْفَ جَلَسَ) وَالْمَعْنَى أَنَّ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ وَمُسَدَّدًا لَمْ يُبَيِّنَا فِي رِوَايَتِهِمَا كَيْفِيَّةَ الْجُلُوسِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ وَأَمَّا غَيْرُهُمَا فَقَدْ صَرَّحَ فِي حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ هَذَا بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَلَسَ فِي الْأُولَيَيْنِ مُفْتَرِشًا
وَفِي حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ حُجَّةٌ قَوِيَّةٌ صَرِيحَةٌ عَلَى أَنَّ الْمَسْنُونَ فِي الْجُلُوسِ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ الِافْتِرَاشُ وَفِي الْجُلُوسِ فِي الْأَخِيرِ التَّوَرُّكُ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ الْحَقُّ عِنْدِي وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
قَالَ النَّوَوِيُّ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي أَنَّ الْأَفْضَلَ فِي الْجُلُوسِ فِي التَّشَهُّدَيْنِ التَّوَرُّكُ أَمِ الِافْتِرَاشُ فَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَطَائِفَةٌ تَفْضِيلُ التَّوَرُّكِ فِيهِمَا وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَطَائِفَةٌ يَفْتَرِشُ فِي الْأَوَّلِ وَيَتَوَرَّكُ فِي الْأَخِيرِ لِحَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ وَرُفْقَتِهِ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ التَّشَهُّدَيْنِ
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَالْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ بِتَوَرُّكٍ أَوِ افْتِرَاشٍ مُطْلَقَةٌ لَمْ يبين فيها(3/171)
أَنَّهُ فِي التَّشَهُّدَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا وَقَدْ بَيَّنَهُ أَبُو حُمَيْدٍ وَرُفْقَتُهُ وَوَصَفُوا الِافْتِرَاشَ فِي الْأَوَّلِ وَالتَّوَرُّكَ فِي الْأَخِيرِ وَهَذَا مُبَيَّنٌ فَوَجَبَ حَمْلُ ذَلِكَ الْمُجْمَلِ عَلَيْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى
وَقَدْ قِيلَ فِي حِكْمَةِ الْمُغَايَرَةِ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ أَقْرَبُ إِلَى عَدَمِ اشْتِبَاهِ عَدَدِ الرَّكَعَاتِ وَلِأَنَّ الْأَوَّلَ تَعْقُبُهُ حَرَكَةٌ بِخِلَافِ الثَّانِي وَلِأَنَّ الْمَسْبُوقَ إِذْ رَآهُ عَلِمَ قَدْرُ مَا سَبَقَ بِهِ وَاسْتَدَلَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا عَلَى أَنَّ تَشَهُّدَ الصُّبْحِ كَالتَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ مِنْ غَيْرِهِ لِعُمُومِ قَوْلِهِ حَتَّى إِذَا كَانَتِ السَّجْدَةُ الَّتِي فِيهَا التَّسْلِيمُ وَاخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ أَحْمَدَ وَالْمَشْهُورُ عَنْهُ اخْتِصَاصُ التَّوَرُّكِ بِالصَّلَاةِ الَّتِي فِيهَا تَشَهُّدَانِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ البخاري والترمذي والنسائي وبن مَاجَهْ بِنَحْوِهِ
[964] (بِهَذَا الْحَدِيثِ) أَيِ الْمَذْكُورِ (وَلَمْ يَذْكُرْ) أَيْ عِيسَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمِصْرِيُّ (أَبَا قَتَادَةَ) كَمَا ذَكَرَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَمُسَدَّدٌ فِي رِوَايَتِهِمَا الْمَذْكُورَةِ حَيْثُ قَالَا مِنْهُمْ أَبُو قَتَادَةُ (فَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ) أَيِ الْأُولَيَيْنِ (جَلَسَ عَلَى رِجْلِهِ الْيُسْرَى) زَادَ الْبُخَارِيُّ وَنَصَبَ الْيُمْنَى (فَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ قَدَّمَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى) أَيْ أَخْرَجَهَا مِنْ تَحْتِ مَقْعَدَتِهِ إِلَى الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ
فِي هَذَا الْحَدِيثِ حُجَّةٌ قَوِيَّةٌ لِلشَّافِعِيِّ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ فِي أَنَّ هَيْئَةَ الْجُلُوسِ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ غَيْرُ هَيْئَةِ الْجُلُوسِ فِي الْأَخِيرِ
وَاعْلَمْ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ وَمَنْ وَافَقَهُمْ حَمَلُوا هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى الْعُذْرِ وَعَلَى بَيَانِ الْجَوَازِ وَهُوَ حَمْلٌ يَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ وَذُكَرَ فِي إِثْبَاتِ مَذْهَبِهِمْ وَهُوَ الِافْتِرَاشُ فِي التَّشَهُّدَيْنِ أَحَادِيثُ لَا يَثْبُتُ بِهَا مَطْلُوبُهُمْ مِنْهَا حَدِيثِ عَائِشَةَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْرِشُ رِجْلَهُ وَيَنْصِبُ الْيُمْنَى وَحَدِيثُ وَائِلٍ صَلَّيْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا قَعَدَ وَتَشَهَّدَ فَرَشَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى أَخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ
وَحَدِيثُ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ أَنَّهُ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا جَلَسْتَ فَاجْلِسْ عَلَى فَخِذِكَ الْيُسْرَى أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَحَدِيثُ بن عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ مِنْ سُنَّةِ الصَّلَاةِ أَنْ تُضْجِعَ رِجْلَكَ الْيُسْرَى وَتَنْصِبَ الْيُمْنَى رَوَاهُ النَّسَائِيُّ
وَلَا يَخْفَى عَلَى الْفَطِنِ الْمُنْصِفِ أَنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ وَأَمْثَالَهَا بَعْضُهَا لَا يَدُلُّ عَلَى مَذْهَبِهِمْ صَرِيحًا بَلْ يَحْتَمِلُهُ وَغَيْرُهُ وَمَا كَانَ مِنْهَا دَالًّا صَرِيحًا لَا(3/172)
يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ فِي جَمِيعِ الْقَعَدَاتِ عَلَى مَا هُوَ الْمُدَّعَى وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ حَدِيثٌ يَدُلُّ صَرِيحًا عَلَى اسْتِنَانِ الْجُلُوسِ عَلَى الرِّجْلِ الْيُسْرَى فِي الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ وَحَدِيثُ أَبِي حُمَيْدٍ مُفَصَّلٌ فَلْيُحْمَلْ مُفَصَّلُ الْمُبْهَمِ عَلَى الْمُفَصَّلِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
[965] (فَإِذَا قَعَدَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ) أَيِ الْأُولَيَيْنِ (أَفْضَى بِوَرِكِهِ الْيُسْرَى إِلَى الْأَرْضِ) أَيْ مَسَّ بِمَا لَانَ مِنَ الْوَرِكِ الْأَرْضِ
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ أَفْضَى بِيَدِهِ إِلَى الْأَرْضِ إِذَا مَسَّهَا بِبَطْنِ رَاحَتِهِ (وَأَخْرَجَ قَدَمَيْهِ مِنْ نَاحِيَةٍ وَاحِدَةٍ) وَهِيَ نَاحِيَةِ الْيُمْنَى
وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى نَوْعٍ آخَرَ مِنَ التَّوَرُّكِ وَهُوَ إِخْرَاجُ الْقَدَمَيْنِ مِنْ نَاحِيَةٍ وَاحِدَةٍ لَكِنَّ الْحَدِيثَ ضَعِيفٌ
وَقَالَ فِي الْمِرْقَاةِ إِطْلَاقُ الْإِخْرَاجِ عَلَى الْيُمْنَى تَغْلِيبٌ لِأَنَّ الْمُخْرَجَ حَقِيقَةٌ هُوَ الْيُسْرَى لَا غَيْرَ
[966] (فَسَجَدَ فَانْتَصَبَ) أَيِ ارْتَفَعَ وَاعْتَمَدَ (وَهُوَ جَالِسٌ فَتَوَرَّكَ وَنَصَبَ قَدَمَهُ الْأُخْرَى) قَدْ تَقَدَّمَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ فِي بَابِ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ بِلَفْظِ وَهُوَ سَاجِدٌ ثُمَّ كَبَّرَ فَجَلَسَ فَتَوَرَّكَ وَنَصَبَ قَدَمَهُ الْأُخْرَى وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ هِيَ الصَّحِيحَةُ مَعْنًى
وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تُخَالِفُ رِوَايَةَ عَبْدَ الْحَمِيدِ فِي صِفَةِ الْجُلُوسِ فَإِنَّهَا ظَاهِرَةٌ فِي الِافْتِرَاشِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ فَاعْتَدَلَ عَلَى عَقِبِهِ وَصُدُورِ قَدَمَيْهِ قَالَ الْحَافِظُ فَإِنْ لَمْ يُحْمَلْ عَلَى التَّعَدُّدِ فَرِوَايَةُ عَبْدِ الْحَمِيدِ أَرْجَحُ (ثُمَّ جَلَسَ بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ) أَيِ الْأُولَيَيْنِ (حَتَّى إِذَا هُوَ أَرَادَ أَنْ يَنْهَضَ لِلْقِيَامِ قَامَ بِتَكْبِيرٍ) هذا(3/173)
يُخَالِفُ فِي الظَّاهِرِ رِوَايَةَ عَبْدِ الْحَمِيدِ حَيْثُ قَالَ ثُمَّ إِذَا قَامَ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ كَمَا كَبَّرَ عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ قَالَ الْحَافِظُ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ التَّشْبِيهَ وَاقِعٌ عَلَى صِفَةِ التْكَبِيرِ لَا عَلَى مَحَلِّهِ وَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ إِذَا قَامَ أَيْ أَرَادَ الْقِيَامَ أَوْ شَرَعَ فِيهِ (قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَلَمْ يَذْكُرْ) أَيْ عِيسَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ (فِي حَدِيثِهِ مَا ذَكَرَ عَبْدُ الْحَمِيدِ فِي التَّوَرُّكِ وَالرَّفْعِ إِذَا قَامَ مِنْ ثِنْتَيْنِ) حَاصِلُهُ أَنَّ عَبْدَ الْحَمِيدِ ذَكَرَ التَّوَرُّكَ فِي التَّشَهُّدِ وَرَفْعَ الْيَدَيْنِ حِينَ الْقِيَامِ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ وَلَمْ يَذْكُرْهُمَا عِيسَى (فَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ) قَدْ تَقَدَّمَ الْحَدِيثُ فِي بَابِ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ مُطَوَّلًا
[967] (ثُمَّ جَلَسَ فَافْتَرَشَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَأَقْبَلَ بِصَدْرِ الْيُمْنَى عَلَى قِبْلَتِهِ) قَدِ احْتَجَّ بِهِ الْقَائِلُونَ بِالِافْتِرَاشِ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ
وَأُجِيبُ بِأَنَّ هَذِهِ الْجِلْسَةَ الَّتِي ذُكِرَتْ هَيْئَتُهَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ هِيَ جِلْسَةُ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ بِدَلِيلِ الرِّوَايَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَإِنَّهُ وَصَفَ هَيْئَةَ الْجُلُوسِ الْأَوَّلِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَهَا هَيْئَةَ الْجُلُوسِ الْآخَرِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ
1 - (بَاب التَّشَهُّدِ)
[968] (قُلْنَا السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ قَبْلَ عِبَادِهِ) أَيْ قَبْلَ السَّلَامِ عَلَى عِبَادِهِ وَهُوَ ظَرْفُ قُلْنَا
قَالَ مَيْرَكُ كَذَا وَقَعَ فِي أَصْلِ سَمَاعِنَا فِي الْمِشْكَاةِ وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ بِفَتْحِ الْقَافِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ مِنْهُمَا بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا وَقَعَ في رواية البخاري(3/174)
بلفظ السَّلَامِ عَلَى اللَّهِ مِنْ عِبَادِهِ
انْتَهَى
وَالسَّلَامُ عَلَى اللَّهِ بِمَعْنَى الِاعْتِرَافِ بِسَلَامَتِهِ تَعَالَى مِنْ كل نقض فَعَلَى فِيهِ بِمَعْنَى اللَّامِ (السَّلَامُ عَلَى فُلَانٍ وَفُلَانٍ) فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ السَّلَامُ عَلَى جَبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ السَّلَامُ عَلَى فُلَانٍ وَفُلَانٍ وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ عَنِ الْأَعْمَشِ عِنْدَ بن مَاجَهْ يَعْنُونَ الْمَلَائِكَةَ
وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ فَنَعُدُّ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مَا شَاءَ اللَّهُ (لَا تَقُولُوا السَّلَامَ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلَامُ) قال البيضاوي ما حاصله إنه أَنْكَرَ التَّسْلِيمَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَبَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ عَكْسُ مَا يَجِبُ أَنْ يُقَالَ فَإِنَّ كُلَّ سَلَامَةٍ وَرَحْمَةٍ لَهُ وَمِنْهُ وَهُوَ مَالِكُهَا وَمُعْطِيهَا
وَقَالَ التُّورِبِشْتِيُّ وَجْهُ النَّهْيِ عَنِ السَّلَامِ عَلَى اللَّهِ لِأَنَّهُ الْمَرْجُوعُ إِلَيْهِ بِالْمَسَائِلِ الْمُتَعَالِي عَنِ الْمَعَانِي الْمَذْكُورَةِ فَكَيْفَ يُدْعَى لَهُ وَهُوَ الْمَدْعُوُّ عَلَى الْحَالَاتِ
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ الْمُرَادُ أَنَّ اللَّهَ هُوَ ذُو السَّلَامِ فَلَا تَقُولُوا السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ السَّلَامَ مِنْهُ بَدَأَ وَإِلَيْهِ يَعُودُ وَمَرْجِعُ الْأَمْرِ فِي إِضَافَتِهِ إِلَيْهِ أَنَّهُ ذُو السَّلَامِ مِنْ كُلِّ آفَةٍ وَعَيْبٍ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَرْجِعَهَا إِلَى حَظِّ الْعَبْدِ فِيمَا يَطْلُبُهُ مِنَ السَّلَامَةِ مِنَ الْآفَاتِ وَالْمَهَالِكِ كَذَا فِي الْفَتْحِ (وَلَكِنْ إِذَا جَلَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ) اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى وُجُوبِ التَّشَهُّدِ خِلَافًا لِمَنْ لَمْ يَقُلْ بِهِ كَمَالِكٍ
وَأَجَابَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ بِأَنَّ التَّسْبِيحَ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ مَنْدُوبٌ وَقَدْ وقع الأمر به في قوله لما نزلت فسبح باسم ربك العظيم اجْعَلُوهَا فِي رُكُوعِكُمْ الْحَدِيثَ فَكَذَلِكَ التَّشَهُّدُ
وَأَجَابَ الْكِرْمَانِيُّ بِأَنَّ الْأَمْرَ حَقِيقَتُهُ الْوُجُوبُ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ إِلَّا إِذَا دَلَّ دَلِيلٌ عَلَى خِلَافِهِ وَلَوْلَا الْإِجْمَاعُ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ التَّسْبِيحِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لَحَمَلْنَاهُ عَلَى الْوُجُوبِ انْتَهَى
وَفِي دَعْوَى هَذَا الْإِجْمَاعِ نَظَرٌ فَإِنَّ أَحْمَدَ يَقُولُ بِوُجُوبِهِ وَيَقُولُ بِوُجُوبِ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ أَيْضًا
وَقَدْ جَاءَ عن بن مَسْعُودٍ التَّصْرِيحُ بِفَرْضِيَّةِ التَّشَهُّدِ وَذَلِكَ فِيمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ طَرِيقِ عَلْقَمَةَ عن بن مَسْعُودٍ كُنَّا لَا نَدْرِي مَا نَقُولُ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيْنَا التَّشَهُّدُ (التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ) أَيْ دُونَ غَيْرِهِ قِيلَ التَّحِيَّةُ تَفْعِلَةٌ مِنَ الْحَيَاةِ بِمَعْنَى الْإِحْيَاءِ وَالتَّبْقِيَةِ وَقِيلَ التَّحِيَّةُ الْمُلْكُ سُمِّيَ بِهَا لِأَنَّ الْمُلْكَ سَبَبُ تَحِيَّةٍ مَخْصُوصَةٍ كَقَوْلِهِمْ أَبَيْتَ اللَّعْنَ وَأَسْلَمَ وأَنْعَمَ (وَالصَّلَوَاتُ) قِيلَ الْمُرَادُ الْخَمْسُ أَوْ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ من الفرائض والنوافذ فِي كُلِّ شَرِيعَةٍ وَقِيلَ الْمُرَادُ الْعِبَادَاتُ كُلُّهَا وَقِيلَ الدَّعَوَاتُ وَقِيلَ الْمُرَادُ الرَّحْمَةُ وَقِيلَ التَّحِيَّاتُ الْعِبَادَاتُ الْقَوْلِيَّةُ وَالصَّلَوَاتُ الْعِبَادَاتُ الْفِعْلِيَّةُ وَالطَّيِّبَاتُ الصَّدَقَاتُ الْمَالِيَّةُ (وَالطَّيِّبَاتُ) أَيْ مَا طَابَ مِنَ الْكَلَامِ وَحَسُنَ أَنْ يُثْنَى بِهِ عَلَى اللَّهِ دُونَ مَا لَا يَلِيقُ بِصِفَاتِهِ مِمَّا كَانَ الْمُلُوكُ يُحَيَّوْنَ بِهِ
وَقِيلَ الطَّيِّبَاتُ ذِكْرُ اللَّهِ وَقِيلَ الْأَقْوَالُ الصَّالِحَةُ كَالدُّعَاءِ وَالثَّنَاءِ وَقِيلَ الْأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ وَهُوَ أَعَمُّ
قَالَ الْقَاضِي يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ مَعْطُوفَتَيْنِ عَلَى التَّحِيَّاتِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ(3/175)
يَكُونَ الصَّلَوَاتُ مُبْتَدَأً وَخَبَرُهَا مَحْذُوفٌ وَالطَّيِّبَاتُ مَعْطُوفَةٌ عَلَيْهَا وَالْوَاوُ الْأُولَى لِعَطْفِ الْجُمْلَةِ عَلَى الْجُمْلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا وَالثَّانِيَةُ لِعَطْفِ الْمُفْرَدِ عَلَى الْجُمْلَةِ انْتَهَى (السَّلَامُ عَلَيْكَ) قِيلَ مَعْنَاهُ اسْمُ السَّلَامِ أَيِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْكَ فَإِنَّهُ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ الْمُسَلِّمُ لِعِبَادِهِ مِنَ الْآفَاتِ
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ السَّلَامُ بِمَعْنَى التَّسْلِيمِ وَمِنْ سَلَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنَ الْآفَاتِ كُلِّهَا وَقِيلَ السَّلَامَةُ مِنَ الْآفَاتِ كُلِّهَا عَلَيْكَ
قَالَ النَّوَوِيُّ يَجُوزُ فِيهِ وَفِيمَا بَعْدَهُ أَيِ السَّلَامِ حَذْفُ اللَّامِ وَإِثْبَاتُهَا وَالْإِثْبَاتُ أَفْضَلُ وَهُوَ الْمَوْجُودُ فِي رِوَايَاتِ الصَّحِيحَيْنِ انْتَهَى
قَالَ الْحَافِظُ لَمْ يَقَعْ فِي شَيْءٍ من طرق حديث بن مَسْعُودٍ بِحَذْفِ اللَّامِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ ذَلِكَ فِي حديث بن عَبَّاسٍ وَهُوَ مِنْ أَفْرَادِ مُسْلِمٍ
فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ شُرِعَ هَذَا اللَّفْظُ وَهُوَ خِطَابُ بَشَرٍ مَعَ كَوْنِهِ مَنْهِيًّا عَنْهُ فِي الصَّلَاةِ فَالْجَوَابُ أن ذلك من خصائصه (وَرَحْمَةُ اللَّهِ) أَيْ إِحْسَانُهُ وَهِيَ لُغَةُ عَطْفٍ وَمَيْلٍ نَفْسَانِيٍّ غَايَتُهُ التَّفَضُّلُ وَالْإِحْسَانُ وَالْإِنْعَامُ أَوْ إِرَادَةُ ذَلِكَ وَلِاسْتِحَالَةِ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى أُرِيدَ بِهَا غَايَتُهَا الَّتِي هِيَ صِفَةُ فِعْلٍ أَوْ صِفَةُ ذَاتٍ قَالَهُ فِي الْمِرْقَاةِ (وَبَرَكَاتُهُ) وَهُوَ اسْمٌ لِكُلِّ خَيْرٍ فَائِضٍ مِنْهُ تَعَالَى عَلَى الدَّوَامِ وَقِيلَ الْبَرَكَةُ الزِّيَادَةُ فِي الْخَيْرِ وَإِنَّمَا جُمِعَتِ الْبَرَكَةُ دُونَ السَّلَامِ وَالرَّحْمَةِ لِأَنَّهُمَا مَصْدَرَانِ (السَّلَامُ عَلَيْنَا) اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْبُدَاءَةِ بِالنَّفْسِ فِي الدُّعَاءِ
وَفِي التِّرْمِذِيِّ مُصَحَّحًا مِنْ حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّ رَسُولَ الله كَانَ إِذَا ذَكَرَ أَحَدًا فَدَعَا لَهُ بَدَأَ بِنَفْسِهِ
وَأَصْلُهُ فِي مُسْلِمٍ قَالَهُ الْحَافِظُ (وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ) الْأَشْهَرُ فِي تَفْسِيرِ الصَّالِحِ أَنَّهُ الْقَائِمُ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ وَحُقُوقِ عِبَادِهِ (إِذَا قُلْتُمْ ذَلِكَ أَصَابَ) فَاعِلُهُ ضَمِيرٌ ذَلِكَ أَيْ أَصَابَ ثَوَابَ هَذَا الدُّعَاءِ أَوْ بَرَكَتَهُ (كُلَّ عَبْدٍ صَالِحٍ) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ لَا يَصْلُحُ لِلْمُفْسِدِ
وَالصَّالِحُ هُوَ الْقَائِمُ بِحُقُوقِ اللَّهِ وَحُقُوقِ الْعِبَادِ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِهِ كُلُّ مُسْلِمٍ أَوْ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي (ثُمَّ لِيَتَخَيَّرْ) أَيْ لِيَخْتَرْ (مِنَ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ إِلَيْهِ) أَيْ أَحَبَّ الدُّعَاءِ وَأَرْضَاهُ مِنَ الدِّينِ وَالدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ
وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ الدُّعَاءِ فِي الصَّلَاةِ بِمَا اخْتَارَ الْمُصَلِّي مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ
وَالْمَعْرُوفُ فِي كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ لَا يَدْعُو فِي الصَّلَاةِ إِلَّا بِمَا جَاءَ فِي الْقُرْآنِ أَوْ ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ مَا كَانَ مَأْثُورًا
قَالَ قَائِلُهُمْ وَالْمَأْثُورُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَرْفُوعًا أَوْ غَيْرَ مَرْفُوعٍ لَكِنَّ ظَاهِرَ حَدِيثِ الْبَابِ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ قَالَهُ الْحَافِظُ(3/176)
قال الترمذي حديث بن مَسْعُودٍ رُوِيَ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ وَهُوَ أَصَحُّ حَدِيثٍ رُوِيَ فِي التَّشَهُّدِ وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بعدهم
قال وذهب الشافعي إلى حديث بن عباس في التشهد
انتهى
وقال البزار لَمَّا سُئِلَ عَنْ أَصَحِّ حَدِيثٍ فِي التَّشَهُّدِ قال هو عندي حديث بن مَسْعُودٍ وَرُوِيَ مِنْ نَيِّفٍ وَعِشْرِينَ طَرِيقًا ثُمَّ سَرَدَ أَكْثَرَهَا وَقَالَ لَا أَعْلَمُ فِي التَّشَهُّدِ أَثْبَتَ مِنْهُ وَلَا أَصَحَّ أَسَانِيدَ وَلَا أَشْهَرَ رِجَالًا
ذَكَرَهُ الْحَافِظُ وَقَالَ لَا اخْتِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْحَدِيثِ فِي ذَلِكَ وَمِمَّنْ جَزَمَ بِذَلِكَ الْبَغَوِيُّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ
وَمِنْ رُجْحَانِهِ أَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ دُونَ غَيْرِهِ وَأَنَّ الرُّوَاةَ عَنْهُ مِنَ الثِّقَاتِ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي أَلْفَاظِهِ بِخِلَافِ غيره وأنه تلقاه عن النبي تَلْقِينًا كَمَا رَوَى الطَّحَاوِيُّ بِلَفْظِ أَخَذْتُ التَّشَهُّدَ مِنْ فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَقَّنِّيهِ كَلِمَةً كَلِمَةً
قَالَ وَرُجِّحَ بِأَنَّهُ وَرَدَ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ مُجَرَّدُ حكاية
ولأحمد من حديث بن مسعود أن رسول الله عَلَّمَهُ وَأَمَرَهُ أَنْ يُعَلِّمَهُ النَّاسَ وَلَمْ يُنْقَلْ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى مَزِيَّتِهِ
وَقَالَ الشافعي بعد أن أخرج حديث بن عَبَّاسٍ رُوِيتْ أَحَادِيثُ فِي التَّشَهُّدِ مُخْتَلِفَةٌ وَكَانَ هَذَا أَحَبَّ إِلَيَّ لِأَنَّهُ أَكْمَلُهَا
وَقَدِ اخْتَارَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ تَشَهُّدَ عُمَرَ لِكَوْنِهِ عَلَّمَهُ لِلنَّاسِ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَلَمْ يُنْكِرُوهُ فَيَكُونُ إِجْمَاعًا ولفظه نحو حديث بن عَبَّاسٍ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ الزَّاكِيَاتُ بَدَلُ الْمُبَارَكَاتِ وَكَأَنَّهُ بِالْمَعْنَى
قَالَ ثُمَّ إِنَّ هَذَا الِاخْتِلَافَ إِنَّمَا هُوَ فِي الْأَفْضَلِ
وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ الِاتِّفَاقَ عَلَى جَوَازِ التَّشَهُّدِ بِكُلِّ مَا ثَبَتَ
انْتَهَى مُلَخَّصًا
قَالَ الْإِمَامُ الْخَطَّابِيُّ فِي الْمَعَالِمِ وَاخْتَلَفُوا فِي التَّشَهُّدِ هَلْ هُوَ وَاجِبٌ أَمْ لَا فَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ مَنْ لَمْ يَتَشَهَّدْ فَلَا صَلَاةَ لَهُ وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَمَذْهَبُ مَالِكٍ قَرِيبٌ مِنْهُ
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ وَقَتَادَةُ وَحَمَّادٌ إِنْ تَرَكَ التَّشَهُّدَ حَتَّى انْصَرَفَ مَضَتْ صَلَاتُهُ
وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْي التَّشَهُّدُ وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ وَآلِهِ مُسْتَحَبٌّ غَيْرُ وَاجِبٍ وَالْقُعُودُ قَدْرَ التَّشَهُّدِ وَاجِبٌ
انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ
وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْأَسْوَدِ بْنِ يزيد عن بن مسعود(3/177)
[969] (قَدْ عُلِّمَ) عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ مِنَ التَّعْلِيمِ أَيْ عَلِمَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى مَا لَمْ يَعْلَمْهُ (وَكَانَ يُعَلِّمُنَا كَلِمَاتٍ) أَيْ غَيْرَ التَّشَهُّدِ وَهِيَ اللَّهُمَّ أَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِنَا إِلَخْ (أَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِنَا) أَيْ أَوْقِعِ الْأُلْفَةَ بَيْنَهَا (وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا) أَيْ أَصْلِحْ أَحْوَالَ بَيْنِنَا قَالَ فِي الْمَجْمَعِ ذَاتُ الشَّيْءِ نَفْسُهُ وَحَقِيقَتُهُ وَالْمُرَادُ مَا أُضِيفَ إِلَيْهِ وَمِنْهُ إِصْلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ
أَيْ إِصْلَاحُ أَحْوَالِ بَيْنِكُمْ حَتَّى يَكُونَ أَحْوَالَ أُلْفَةٍ وَمَحَبَّةٍ وَاتِّفَاقٍ قَالَ وَلَمَّا كَانَتِ الْأَحْوَالُ مُلَابِسَةً لِلْبَيْنِ قِيلَ لَهَا ذَاتُ الْبَيْنِ (سُبُلَ السَّلَامِ) جَمْعُ سَبِيلٍ أَيْ طُرُقَ السَّلَامَةِ (وَجَنِّبْنَا الْفَوَاحِشَ) أَيِ الْكَبَائِرَ كَالزِّنَا (مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ) أَيْ عَلَانِيَتَهَا وَسِرَّهَا (أَتِمَّهَا) أَمْرٌ مِنَ الْإِتْمَامِ
[970] (إِذَا قُلْتَ هَذَا أَوْ قَضَيْتَ هَذَا إِلَخْ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي الْمَعَالِمِ قَدِ اخْتَلَفُوا فِي هَذَا الْكَلَامِ هَلْ هُوَ مِنْ قول النبي أو من قول بن مسعود فإن صح مرفوعا إلى النبي فَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ فِي التَّشَهُّدِ غَيْرُ وَاجِبَةٍ وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَدْ قَضَيْتَ صَلَاتَكَ يُرِيدُ مُعْظَمَ الصَّلَاةِ مِنَ الْقُرْآنِ وَالذِّكْرِ وَالْخَفْضِ وَالرَّفْعِ وَإِنَّمَا بَقِيَ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ مِنْهَا بِالسَّلَامِ وَكَنَّى عَنِ التَّسْلِيمِ بِالْقِيَامِ إِذَا كَانَ الْقِيَامُ إِنَّمَا يَقَعُ عَقِبَ السَّلَامِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقُومَ بِغَيْرِ تَسْلِيمٍ لِأَنَّهُ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مُخْتَصَرًا
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ قَوْلُهُ فَإِذَا قُلْتَ ذَلِكَ فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُكَ وَمَا بَعْدَهُ إِلَى اخر الحديث ليس من كلام النبي وإنما هو قول بن مَسْعُودٍ أُدْرِجَ فِي الْحَدِيثِ وَقَدْ بَيَّنَهُ شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ معاوية وفصل كلام بن مسعود من كلام(3/178)
النبي وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ ثَابِتِ بْنِ ثَوْبَانَ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْحُسَيْنِ مُفَصَّلًا مُبَيَّنًا
انْتَهَى
قَالَ أَبُو الْحَسَنِ السِّنْدِيُّ فِي شَرْحِ شَرْحِ النُّخْبَةِ وَأَمَّا قَوْلُ الْخَطَّابِيِّ فِي الْمَعَالِمِ اخْتَلَفُوا فِيهِ هَلْ هُوَ مِنْ قَوْلِ النبي أو من قول بن مَسْعُودٍ فَأَرَادَ اخْتِلَافَ الرُّوَاةِ فِي وَصْلِهِ وَفَصْلِهِ لااختلاف الْحُفَّاظِ فَإِنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهَا مُدْرَجَةٌ
كَذَا قاله العراقي
انتهى
[971] (قال بن عمر زدت فيها وبركاته) ثبتت زيادة بركاته فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مَرْفُوعَةٌ (زِدْتُ فِيهَا وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ) هَذِهِ الزِّيَادَةُ أَيْضًا ثَبَتَتْ فِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى عِنْدَ مُسْلِمٍ وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ الْمَوْقُوفِ فِي الْمُوَطَّأِ وَفِي حَدِيثِ بن عُمَرَ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ إِلَّا أَنَّ سَنَدَهُ ضَعِيفٌ
[972] (حِطَّانُ) بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الطَّاءِ (الرَّقَاشِيُّ) بِمَفْتُوحَةٍ وَخِفَّةِ قَافٍ وَشِينٍ مُعْجَمَةٍ نِسْبَةٌ إِلَى رَقَاشِ بِنْتِ ضُبَيْعَةَ بْنِ قَيْسٍ وَهِيَ قَبِيلَةٌ مِنْ بَنِي رَبِيعَةَ (أُقِرَّتْ) مِنَ الْقَرَارِ أَيْ أُثْبِتَتْ وَأُدِيمَتْ
قَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَاهُ قُرِنَتْ بِهِمَا وَأُقِرَّتْ مَعَهُمَا وَصَارَ الْجَمِيعُ مَأْمُورًا بِهِ (بِالْبِرِّ) بِالْكَسْرِ الْخَيْرُ وَالْفَضْلُ (وَالزَّكَاةِ) أَيِ الطَّهَارَةِ مِنَ الذُّنُوبِ وَالْآثَامِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى (وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا) أَيْ تُطَهِّرُهُمْ بِهَا كَذَا فِي الصِّحَاحِ لِلْجَوْهَرِيِّ (فَلَمَّا انْفَتَلَ) أَيِ انْصَرَفَ مِنَ الصَّلَاةِ (فَأَرَمَّ الْقَوْمُ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ قَالَ الْحَافِظُ بن الْأَثِيرِ أَيْ سَكَتُوا وَلَمْ يُجِيبُوا يُقَالُ أَرَمَّ فَهُوَ مُرِمٌّ وَيُرْوَى فَأَزَّمَ بِالزَّايِ وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ وَهُوَ بِمَعْنَاهُ لِأَنَّ الْأَزْمَ الْإِمْسَاكُ عَنِ الطَّعَامِ والكلام
انتهى(3/179)
كَلَامُهُ
وَأَيْضًا قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ هُوَ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ أَيْ سَكَتُوا (لَقَدْ رَهِبْتُ أَنْ تَبْكَعَنِي) هُوَ بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ فِي أَوَّلِهِ وَإِسْكَانِ الْمُوَحَّدَةِ بَعْدَهَا أَيْ تُبَكِّتُنِي بِهَا وَتُوَبِّخُنِي
قَالَ الْأَصْمَعِيُّ يُقَالُ بَكَعْتُ الرَّجُلَ بكعا إذا استقبله بِمَا يَكْرَهُ (فَأَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ) أَمْرٌ بِإِقَامَةِ الصُّفُوفِ وهو مأمور به بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ وَالْمُرَادُ تَسْوِيَتُهَا وَالِاعْتِدَالُ فِيهَا وَتَتْمِيمُ الْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ مِنْهَا وَالتَّرَاصُّ فِيهَا (ثُمَّ لِيَؤُمَّكُمْ أحدكم) فيه الأمر بالجماعة في المكتوبات ولاخلاف فِي ذَلِكَ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ أَمْرُ نَدْبٍ أَمْ إِيجَابٍ عَلَى أَرْبَعَةِ مَذَاهِبَ فَالرَّاجِحُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَعِنْدَ أَكْثَرِ أَصْحَابِهِ أَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ إِذَا فَعَلَهُ مَنْ يَحْصُلُ بِهِ إِظْهَارُ هَذَا الشِّعَارِ سَقَطَ الْحَرَجُ مِنَ الْبَاقِينَ وَإِنْ تَرَكُوهُ كُلُّهُمْ أَثِمُوا كُلُّهُمْ
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ هِيَ سُنَّةٌ وَقَالَ بن خُزَيْمَةَ هِيَ فَرْضُ عَيْنٍ لَكِنْ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فَمَنْ تَرَكَهَا وَصَلَّى مُنْفَرِدًا بِلَا عُذْرٍ أَثِمَ وَصَحَّتْ صَلَاتُهُ
وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الظَّاهِرِ هِيَ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ (فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا) فِيهِ أَمْرُ الْمَأْمُومِ بِأَنْ يَكُونَ تَكْبِيرُهُ عَقِبَ تَكْبِيرِ الْإِمَامِ وَيَتَضَمَّنُ مَسْأَلَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا أَنَّهُ لَا يُكَبِّرُ قَبْلَهُ وَلَا مَعَهُ بَلْ بَعْدَهُ فَلَوْ شَرَعَ الْمَأْمُومُ فِي تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ نَاوِيًا الِاقْتِدَاءَ بِالْإِمَامِ وَقَدْ بَقِيَ لِلْإِمَامِ مِنْهَا حَرْفٌ لَمْ يَصِحَّ إِحْرَامُ الْمَأْمُومِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ نَوَى الِاقْتِدَاءَ بِمَنْ لَمْ يَصِرْ إِمَامًا بَلْ بِمَنْ سَيَصِيرُ إِمَامًا إِذَا فَرَغَ مِنَ التَّكْبِيرِ وَالثَّانِيَةُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ كَوْنُ تَكْبِيرَةِ الْمَأْمُومِ عَقِبَ تَكْبِيرَةِ الْإِمَامِ وَلَا يَتَأَخَّرُ فَلَوْ تَأَخَّرَ جَازَ وَفَاتَهُ كَمَالُ فَضِيلَةِ تَعْجِيلِ التَّكْبِيرِ قَالَهُ النَّوَوِيُّ (وَإِذَا قَرَأَ غَيْرُ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ فَقُولُوا آمِينَ) فِيهِ دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ لِمَا قَالَهُ بَعْضُ عُلَمَاءِ الشَّافِعِيَّةِ وَغَيْرُهُمْ إِنَّ تَأْمِينَ الْمَأْمُومِ يَكُونُ مَعَ تَأْمِينِ الْإِمَامِ لَا بَعْدَهُ فَإِذَا قال الإمام ولا الضالين قَالَ الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ مَعًا آمِينَ وَتَأَوَّلُوا قَوْلَهُ إِذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا قَالُوا مَعْنَاهُ إِذَا أَرَادَ التَّأْمِينَ لِيُجْمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ هَذَا الْحَدِيثِ وَهُوَ يُرِيدُ التَّأْمِينَ فِي آخِرِ قَوْلِهِ وَلَا الضالين فَيَعْقُبُ إِرَادَتَهُ تَأْمِينُهُ وَتَأْمِينُكُمْ مَعًا
وَفِي آمِينَ لغتان المد والقصر أَفْصَحُ وَالْمِيمُ خَفِيفَةٌ فِيهِمَا وَمَعْنَاهُ اسْتَجِبْ قَالَهُ النَّوَوِيُّ (يُحِبُّكُمُ اللَّهُ) بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ مِنَ الْحُبِّ هَكَذَا فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا بِالْجِيمِ(3/180)
يُجِيبُكُمُ اللَّهُ وَهَكَذَا فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ قَالَ النووي أي يستحب دُعَاءَكُمْ وَهَذَا حَثٌّ عَظِيمٌ عَلَى التَّأْمِينِ فَيَتَأَكَّدُ الاهتمام به (فتلك بتلك) معناه اجعلوا تكبير لِلرُّكُوعِ وَرُكُوعَكُمْ بَعْدَ تَكْبِيرِهِ وَرُكُوعِهِ وَكَذَلِكَ رَفْعُكُمْ مِنَ الرُّكُوعِ يَكُونُ بَعْدَ رَفْعِهِ وَمَعْنَى تِلْكَ بِتِلْكَ أَنَّ اللَّحْظَةَ الَّتِي سَبَقَكُمُ الْإِمَامُ بِهَا فِي تَقَدُّمِهِ إِلَى الرُّكُوعِ تُجْبَرُ لَكُمْ بِتَأْخِيرِكُمْ فِي الرُّكُوعِ بَعْدَ رَفْعِهِ لَحْظَةً فَتِلْكَ اللَّحْظَةُ وَصَارَ قَدْرُ رُكُوعِكُمْ كَقَدْرِ رُكُوعِهِ وَقَالَ بِمِثْلِهِ فِي السُّجُودِ
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ فِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَرْدُودًا إِلَى قَوْلِهِ وَإِذَا قَرَأَ غَيْرُ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ فَقُولُوا آمِينَ يُجِيبُكُمُ اللَّهُ يُرِيدُ أَنَّ كَلِمَةَ آمِينَ يُسْتَجَابُ بِهَا الدُّعَاءُ الَّذِي تَضَمَّنَتْهُ السُّورَةُ وَالْآيَةُ كَأَنَّهُ قَالَ فَتِلْكَ الدَّعْوَةُ مُتَضَمَّنَةٌ بِتِلْكَ الْكَلِمَةِ أَوْ مُعَلَّقَةٌ بِهَا وَالْآخَرُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَعْطُوفًا عَلَى مَا يَلِيهِ مِنَ الْكَلَامِ وَإِذَا كَبَّرَ وَرَكَعَ فَكَبِّرُوا وَارْكَعُوا يُرِيدُ أَنَّ صَلَاتَكُمْ مُعَلَّقَةٌ بِصَلَاةِ إِمَامِكُمْ فَاتَّبِعُوهُ وَائْتَمُّوا بِهِ وَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ إِنَّمَا تَصِحُّ وَتَثْبُتُ بِتِلْكَ (وَإِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ يَسْمَعُ اللَّهُ لَكُمْ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ دَلَالَةٌ لِمَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ الْجَهْرُ بِقَوْلِهِ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ وَحِينَئِذٍ يَسْمَعُونَهُ فَيَقُولُونَ
وَفِيهِ دَلَالَةٌ لِمَذْهَبِ مَنْ يَقُولُ لَا يَزِيدُ الْمَأْمُومُ عَلَى قَوْلِهِ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ وَلَا يَقُولُ مَعَهُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ وَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ وَالْمُنْفَرِدُ لِأَنَّهُ ثَبَتَ أنه جمع بينهما وثبت أنه قَالَ صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي
وَمَعْنَى سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ أَيْ أَجَابَ دُعَاءَ مَنْ حمده ومعي يسمع الله لكم يستجيب دعاء كم
قَوْلُهُ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ هَكَذَا هُوَ هُنَا بِلَا وَاوٍ وَفِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ وَقَدْ جَاءَتِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ بِإِثْبَاتِ الْوَاوِ وَبِحَذْفِهَا وَكِلَاهُمَا جَاءَتْ بِهِ رِوَايَاتٌ كَثِيرَةٌ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ عَلَى وَجْهِ الْجَوَازِ وَأَنَّ الْأَمْرَيْنِ جَائِزَانِ وَلَا تَرْجِيحَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ (فَلْيَكُنْ مِنْ أَوَّلِ قَوْلِ أَحَدِكُمْ أَنْ يَقُولَ التَّحِيَّاتُ) اسْتَدَلَّ جَمَاعَةٌ بِهَذَا عَلَى أَنَّهُ يَقُولُ فِي أَوَّلِ جُلُوسِهِ التَّحِيَّاتُ وَلَا يَقُولُ بِسْمِ اللَّهِ وَلَيْسَ هَذَا الِاسْتِدْلَالُ بِوَاضِحٍ لِأَنَّهُ قَالَ فَلْيَكُنْ مِنْ أَوَّلَ وَلَمْ يَقُلْ فَلْيَكُنْ أَوَّلُ قَالَهُ النَّوَوِيُّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ(3/181)
[973] (زَادَ فَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا) وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ وَهِيَ قَوْلُهُ وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا مِمَّا اخْتَلَفَ الْحُفَّاظُ فِي صِحَّتِهِ فَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي السُّنَنِ الْكُبْرَى عَنْ أَبِي دَاوُدَ السَّجِسْتَانِيِّ أَنَّ هذه اللفظة ليست بمحفوظة وكذلك رواه عن يحيى بن معين وأبي حاتم الرازي والدارقطني والحافظ أبي عَلِيٍّ النَّيْسَابُورِيُّ شَيْخُ الْحَاكِمِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْحَافِظُ هَذِهِ اللَّفْظَةُ غَيْرُ مَحْفُوظَةٍ قَدْ خَالَفَ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ فِيهَا جَمِيعَ أَصْحَابِ قَتَادَةَ وَاجْتِمَاعُ هَؤُلَاءِ الْحُفَّاظِ عَلَى تَضْعِيفِهَا مُقَدَّمٌ عَلَى تَصْحِيحِ مُسْلِمٍ لَهَا لَا سِيَّمَا وَلَمْ يَرْوِهَا مُسْنَدَةً فِي صَحِيحِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى كَلَامُهُ
وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ رُوِيَ هَذَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَحَدِيثُ أَبِي مُوسَى رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ فِي بَابِ الْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالتَّشَهُّدِ فَقَالَ وَحَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ الْمَسْمَعِيُّ حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ حَدَّثَنَا أَبِي وَنَحْوُهُ وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ قَتَادَةَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ مِثْلَهُ يَعْنِي حَدِيثَ قَتَادَةَ عَنْ يُونُسَ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ حِطَّانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الرَّقَاشِيِّ عَنْ أَبِي موسى الأشعري عن النبي فَذَكَرَ حَدِيثَ إِذَا كَبَّرَ الْإِمَامُ فَكَبِّرُوا قَالَ مُسْلِمٌ وَفِي حَدِيثِ جَرِيرٍ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ قَتَادَةَ مِنَ الزِّيَادَةِ وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا ثُمَّ قَالَ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ يَعْنِي صَاحِبَ مُسْلِمٍ قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أُخْتِ أَبِي النَّضْرِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَيْ طَعَنَ فِيهِ فَقَالَ مُسْلِمٌ تُرِيدُ أَحْفَظَ مِنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ فَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ يَعْنِي وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا فَقَالَ مُسْلِمٌ هُوَ عِنْدِي صَحِيحٌ فَقَالَ لِمَ لَمْ تَضَعْهُ ها هنا فَقَالَ لَيْسَ كُلُّ شَيْءٍ عِنْدِي صَحِيحٌ وَضَعْتُهُ ها هنا إنما وضعت ها هنا مَا اجْتَمَعُوا عَلَيْهِ انْتَهَى كَلَامُ مُسْلِمٍ قَالَ المنذري وأخرجه مسلم والنسائي وبن مَاجَهْ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى قَوْلِهِ وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا فِي بَابِ الْإِمَامِ يُصَلِّي مِنْ قُعُودٍ فِي الْجُزْءِ الرَّابِعِ(3/182)
[974] (يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ) سُمِّيَ بِاسْمِ جُزْئِهِ الْأَشْرَفِ كَمَا هُوَ الْقَاعِدَةُ عِنْدَ الْبُلَغَاءِ فِي تَسْمِيَةِ الْكُلِّ بِاسْمِ الْبَعْضِ (كَمَا يُعَلِّمُنَا الْقُرْآنَ) فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى اهْتِمَامِهِ وَإِشَارَةٌ إِلَى وُجُوبِهِ (وَكَانَ يَقُولُ التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ) أَيِ النَّامِيَاتُ (الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ) قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ وَمِنْ جُمْلَةِ مَا يُرَجِّحُ تشهد بن مَسْعُودٍ أَنَّ وَاوَ الْعَطْفِ تَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ فَتَكُونُ كُلُّ جُمْلَةٍ ثَنَاءً مُسْتَقِلًّا بِخِلَافِ مَا إِذَا سَقَطَتْ فَإِنَّ مَا عَدَا اللَّفْظَ الْأَوَّلَ يَكُونُ صِفَةً لَهُ فَيَكُونُ جُمْلَةً وَاحِدَةً فِي الثَّنَاءِ وَالْأَوَّلُ أَبْلَغٌ وَحَذْفُ وَاوِ الْعَطْفِ وَلَوْ كَانَ جَائِزًا لَكِنَّ التَّقْدِيرَ خِلَافُ الظَّاهِرِ لِأَنَّ الْمَعْنَى صَحِيحٌ بِدُونِ تَقْدِيرِهَا (السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ) قَالَ الطِّيبِيُّ يَجُوزُ فِيهِ وَفِيمَا بَعْدَهُ أَعْنِي (السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ) حَذْفُ اللَّامِ وَإِثْبَاتُهُ وَالْإِثْبَاتُ أَفْضَلٌ وَهُوَ الْمَوْجُودُ فِي رِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ
قُلْتُ بَلْ فِي الصِّحَاحِ السِّتِّ (وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ) انفرد بن عَبَّاسٍ بِهَذَا اللَّفْظِ إِذْ فِي سَائِرِ التَّشَهُّدَاتِ الْوَارِدَةِ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَسْعُودٍ وَجَابِرٍ وَأَبِي مُوسَى وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ كُلِّهَا بِلَفْظِ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَأَمَّا قَوْلُ الرافعي المنقول أنه كَانَ يَقُولُ فِي تَشَهُّدِهِ وَأَشْهَدُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ فَمَرْدُودٌ بِأَنَّهُ لَا أَصْلَ لَهُ قَالَهُ علي القارىء
قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وبن مَاجَهْ
[975] (فَقُولُوا التَّحِيَّاتُ) قَالَ النَّوَوِيُّ جَمْعُ تَحِيَّةٍ وَهِيَ لِلْمَلِكِ قِيلَ الْبَقَاءُ وَقِيلَ الْعَظَمَةُ وَقِيلَ الْحَيَاةُ وَإِنَّمَا قِيلَ التَّحِيَّاتُ بِالْجَمْعِ لِأَنَّ مُلُوكَ الْعَرَبِ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يُحَيِّيِهِ أَصْحَابُهُ بِتَحِيَّةٍ مَخْصُوصَةٍ فَقِيلَ جَمِيعُ تَحِيَّاتِهِمْ لِلَّهِ تَعَالَى وَهُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِذَلِكَ حَقِيقَةً وَالْمُبَارَكَاتُ وَالزَّاكِيَاتُ فِي حَدِيثِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَالْبَرَكَةُ كَثْرَةُ الْخَيْرِ وَقِيلَ النَّمَاءُ وَكَذَا(3/183)
الزَّكَاةُ أَصْلُهَا النَّمَاءُ (وَالطَّيِّبَاتُ) أَيِ الْكَلِمَاتُ الطَّيِّبَاتُ (وَالصَّلَوَاتُ) هِيَ الصَّلَوَاتُ الْمَعْرُوفَةُ وَقِيلَ الدَّعَوَاتُ وَالتَّضَرُّعُ وَقِيلَ الرَّحْمَةُ أَيِ اللَّهُ الْمُتَفَضِّلُ بِهَا (ثُمَّ سَلِّمُوا) فَقِيلَ مَعْنَاهُ التَّعْوِيذُ بِاللَّهِ وَالتَّحْصِينُ بِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَإِنَّ السَّلَامَ اسْمٌ لَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى تَقْدِيرُهُ اللَّهُ عَلَيْكُمْ حَفِيظٌ وَكِيلٌ كَمَا يُقَالُ اللَّهُ مَعَكَ أَيْ بِالْحِفْظِ وَالْمَعُونَةِ وَاللُّطْفِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ السَّلَامَةُ وَالنَّجَاةُ لَكُمْ وَيَكُونُ مَصْدَرًا كَاللَّذَاذَةِ وَاللَّذَاذِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (فَسَلَامٌ لك من أصحاب اليمين) أَمَّا السَّلَامُ الَّذِي فِي آخِرِ الصَّلَاةِ وَهُوَ سَلَامُ التَّحْلِيلِ فَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ فَمِنْهُمْ مَنْ جَوَّزَ الْأَمْرَيْنِ فِيهِ هَكَذَا وَيَقُولُ الْأَلِفُ وَاللَّامُ أَفْضَلُ وَمِنْهُمْ مَنْ أَوْجَبَ الْأَلِفَ وَاللَّامَ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ إِلَّا بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ وَلِأَنَّهُ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي التَّشَهُّدِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُعِيدَهُ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ لِيَعُودَ التَّعْرِيفُ إِلَى سَابِقِ كَلَامِهِ كَمَا يَقُولُ جَاءَنِي رَجُلٌ فَأَكْرَمْتُ الرَّجُلَ انْتَهَى (قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَدَلَّتْ هَذِهِ الصَّحِيفَةُ عَلَى أَنَّ الْحَسَنَ سَمِعَ مِنْ سَمُرَةَ) وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ فِي بَابِ اتِّخَاذِ الْمَسَاجِدِ فِي الدُّورِ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى بنيه أما بعد فإن رسول الله الْحَدِيثَ فَثَبَتَ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَ أَبْنَاءِ سَمُرَةَ صَحِيفَةٌ مِنْ سَمُرَةَ وَأَنَّهُمْ جَمَعُوا مَا كَتَبَ إِلَيْهِمْ سَمُرَةُ فَصَارَتْ هَذِهِ الْمَكَاتِيبُ عِنْدَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الصَّحِيفَةِ وَالْكِتَابِ وَأَمَّا قَوْلُ الْمُؤَلِّفِ دَلَّتْ هَذِهِ الصَّحِيفَةُ فَوَجْهُ دَلَالَتِهَا وَتَعَلُّقِهَا بِالْبَابِ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ الَّذِي رَوَاهُ سُلَيْمَانُ بْنُ سَمُرَةَ عَنْ أَبِيهِ بِقَوْلِهِ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ إِلَخْ مِنْ أَلْفَاظِ الصَّحِيفَةِ الَّتِي أَمْلَاهَا سَمُرَةُ وَرَوَاهَا عَنْهُ وَلَدُهُ سُلَيْمَانُ فَأَرَادَ أَبُو دَاوُدَ أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ سَمُرَةَ كَمَا صَحَّ سَمَاعُهُ مِنْ أَبِيهِ بِهَذِهِ الصَّحِيفَةِ وَغَيْرِهَا كَذَلِكَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ صَحَّ سَمَاعُهُ بِهَذِهِ الصَّحِيفَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ سمرة لأن كل مِنْهُمَا أَيْ سُلَيْمَانُ بْنُ سَمُرَةَ وَكَذَا الْحَسَنُ بْنُ يَسَارٍ مِنَ الطَّبَقَةِ الثَّالِثَةِ فَدَلَّ ذَلِكَ أَنَّ الْحَسَنَ سَمِعَ مِنْ سَمُرَةَ كَمَا أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ سَمُرَةَ سَمِعَ مِنْ أَبِيهِ سَمُرَةَ لِأَنَّهُمَا مِنَ الطَّبَقَةِ الثَّالِثَةِ فَلَمَّا سَمِعَ سُلَيْمَانُ مِنْ أَبِيهِ سَمُرَةَ فَلَا مَانِعَ أَنْ يَكُونَ الْحَسَنُ سَمِعَ مِنْهُ وَأَنَّ أَبَا دَاوُدَ مِنَ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ ثَبَتَ سَمَاعُهُ مِنْ سَمُرَةَ وَإِنْ كَانَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ إِلَّا حَدِيثَ الْعَقِيقَةِ وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَصَحِيفَةٌ يَرْوِيهَا عَنْ سَمُرَةَ مِنْ غَيْرِ سَمَاعٍ مِنْهُ
وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا قَالَهُ الْإِمَامُ التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ فِي بَابِ مَا جَاءَ فِي الصَّلَاةِ الْوُسْطَى أَنَّهَا الْعَصْرُ حَدَّثَنَا عَبْدَةُ عَنْ سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جندب عن النبي أَنَّهُ قَالَ فِي الصَّلَاةِ الْوُسْطَى صَلَاةُ الْعَصْرِ
قَالَ أَبُو عِيسَى قَالَ مُحَمَّدٌ قَالَ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدِيثُ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ حَسَنٌ وَقَدْ سَمِعَ مِنْهُ
وَقَالَ أَيْضًا فِي هذا(3/184)
الْبَابِ قَالَ مُحَمَّدٌ قَالَ عَلِيٌّ سَمَاعُ الْحَسَنِ مِنْ سَمُرَةَ صَحِيحٌ وَاحْتَجَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ يَعْنِي حَدِيثَ الْعَقِيقَةِ وَفِي التِّرْمِذِيِّ أَيْضًا فِي بَابِ احتلاب المواشي إِذْنِ الْأَرْبَابِ حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ يَحْيَى بْنُ خَلَفٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى عَنْ سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ إِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ عَلَى مَاشِيَةٍ فَإِنْ كَانَ فِيهَا صَاحِبُهَا فَلْيَسْتَأْذِنْهُ الْحَدِيثَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ
قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ سَمَاعُ الْحَسَنِ مِنْ سَمُرَةَ صَحِيحٌ وَقَدْ تَكَلَّمَ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ وَقَالُوا إِنَّمَا يُحَدِّثُ عَنْ صَحِيفَةِ سَمُرَةَ انتهى
لكن قال الحافظ بن حَجَرٍ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَةِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ لَمْ يَظْهَرْ لِي وَجْهُ الدَّلَالَةِ بَعْدُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
كَذَا فِي غَايَةِ الْمَقْصُودِ شَرْحِ سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ
(باب الصلاة على النبي بَعْدَ التَّشَهُّدِ)
[976] الصَّلَاةُ الدُّعَاءُ وَالرَّحْمَةُ وَالِاسْتِغْفَارُ وَحُسْنُ الثناء من الله تعالى على رسوله وَهُوَ مِنَ الْعِبَادِ طَلَبُ إِفَاضَةِ الرَّحْمَةِ الشَّامِلَةِ لِخَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لِلْوُجُوبِ فَهِيَ وَاجِبَةٌ فِي الْجُمْلَةِ فَقِيلَ يَجِبُ كُلَّمَا جَرَى ذِكْرُهُ وَقِيلَ الْوَاجِبُ الَّذِي بِهِ يَسْقُطُ الْمَأْثَمُ هُوَ الْإِتْيَانُ بِهَا مرة كالشهادة بنبوته وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَهُوَ مَنْدُوبٌ كَذَا فِي اللُّمَعَاتِ
وَقَالَ فِي الْمِرْقَاةِ اعْلَمْ أَنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الْأَمْرَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تسليما هَلْ هُوَ لِلنَّدَبِ أَوْ لِلْوُجُوبِ ثُمَّ هَلِ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ فَرْضُ عَيْنٍ أَوْ فَرْضُ كِفَايَةٍ ثُمَّ هَلْ تَتَكَرَّرُ كُلَّمَا سُمِعَ ذِكْرُهُ أَمْ لَا وَإِذَا تَكَرَّرَ هَلْ تَتَدَاخَلُ فِي الْمَجْلِسِ أَمْ لَا فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إِلَى أَنَّ الصَّلَاةَ فِي الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ فَرْضٌ وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهَا سُنَّةٌ وَالْمُعْتَمَدُ عِنْدَنَا الْوُجُوبُ وَالتَّدَاخُلُ انْتَهَى
وَالْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ طَوِيلٌ وَقَدْ أَجَادَ وَأَحْسَنَ وَأَطَالَ الشَّيْخُ الْعَلَّامَةُ الْخَفَاجِيُّ فِي نَسِيمِ الرِّيَاضِ شرح شفاء القاضي عياض والإمام بن الْقَيِّمِ فِي جِلَاءِ الْأَفْهَامِ
(عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ) بِضَمِّ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الْجِيمِ (فَقَدْ عَرَفْنَاهُ) يَعْنِي بِمَا تَقَدَّمَ فِي أَحَادِيثِ التَّشَهُّدِ وَهُوَ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى تَأْخِيرِ مَشْرُوعِيَّةِ الصَّلَاةِ عَنِ التَّشَهُّدِ (فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ) فِيهِ أَنَّهُ يُنْدَبُ لِمَنْ أَشْكَلَ عَلَيْهِ كَيْفِيَّةُ مَا فَهِمَ جُمْلَتَهُ أن(3/185)
يَسْأَلَ عَنْهُ مَنْ لَهُ بِهِ عِلْمٌ (قُولُوا اللَّهُمَّ إِلَخْ) اسْتُدِلَّ بِذَلِكَ عَلَى وُجُوبِ الصَّلَاةِ عليه بَعْدَ التَّشَهُّدِ وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ عُمَرُ وَابْنُهُ عبد الله وبن مَسْعُودٍ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ وَالشَّعْبِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ وَأَبُو جَعْفَرٍ الْبَاقِرُ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بن حنبل وإسحاق وبن الْمَوَّازِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ مِنْهُمْ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَآخَرُونَ
قَالَ الطَّبَرِيُّ وَالطَّحَاوِيُّ
إِنَّهُ أَجْمَعَ الْمُتَقَدِّمُونَ وَالْمُتَأَخِّرُونَ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَدَعْوَى الْإِجْمَاعِ مِنَ الدَّعَاوَى الْبَاطِلَةِ لِمَا عَرَفْتَ مِنْ نِسْبَةِ الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ إِلَى جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالْفُقَهَاءِ وَلَكِنَّهُ لَا يَتِمُّ الِاسْتِدْلَالُ عَلَى وُجُوبِ الصَّلَاةِ بَعْدَ التَّشَهُّدِ بِمَا فِي حَدِيثِ الْبَابِ مِنَ الْأَمْرِ بِهَا وَبِمَا فِي سَائِرِ أَحَادِيثِ الْبَابِ لأن غايتها الأمر بمطلق الصلاة عليه وَهُوَ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ فِي الْجُمْلَةِ فَيَحْصُلُ الِامْتِثَالُ بِإِيقَاعِ فَرْدٍ مِنْهَا خَارِجَ الصَّلَاةِ فَلَيْسَ فِيهَا زِيَادَةٌ عَلَى مَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا وَلَكِنَّهُ يُمْكِنُ الِاسْتِدْلَالُ لِوُجُوبِ الصَّلَاةِ فِي الصَّلَاةِ بما أخرجه بن حبان والحاكم والبيهقي وصححوه وبن خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ وَالدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مَسْعُودٍ بِزِيَادَةِ كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ إِذَا نَحْنُ صَلَّيْنَا عَلَيْكَ فِي صَلَاتِنَا وَفِي رِوَايَةٍ كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ فِي صَلَاتِنَا وَغَايَةُ هَذِهِ الزِّيَادَةِ أن يتعين بها محل الصلاة عليه وَهُوَ مُطْلَقُ الصَّلَاةِ وَلَيْسَ فِيهَا مَا يُعَيِّنُ مَحَلَّ النِّزَاعِ وَهُوَ إِيقَاعُهَا بَعْدَ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ
وَيُمْكِنُ الِاعْتِذَارُ عَنِ الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ بِأَنَّ الْأَوَامِرَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْأَحَادِيثِ تَعْلِيمُ كَيْفِيَّةٍ وَهِيَ لَا تُفِيدُ الْوُجُوبَ فَإِنَّهُ لَا يَشُكُّ مَنْ لَهُ ذَوْقٌ أَنَّ مَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ إِذَا أَعْطَيْتُكَ دِرْهَمًا فَكَيْفَ أُعْطِيكَ إِيَّاهُ أَسِرًّا أَمْ جَهْرًا فَقَالَ لَهُ أَعْطِنِيهِ سِرًّا كَانَ ذَلِكَ أَمْرًا بِالْكَيْفِيَّةِ الَّتِي هِيَ السِّرِّيَّةُ لَا أَمْرًا بِالْإِعْطَاءِ وَتَبَادُرُ هَذَا الْمَعْنَى لُغَةً وَشَرْعًا وَعُرْفًا لَا يُدْفَعُ وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي السُّنَّةِ وَكَثُرَ فَمِنْهُ إِذَا قَامَ أَحَدُكُمُ اللَّيْلَ فَلْيَفْتَتِحِ الصَّلَاةَ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ الْحَدِيثَ
وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِي نَيْلِ الْأَوْطَارِ (وَآلِ مُحَمَّدٍ) بِحَذْفِ عَلَى وَسَائِرُ الرِّوَايَاتِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ بِإِثْبَاتِهَا وَقَدْ ذَهَبَ الْبَعْضُ إِلَى وُجُوبِ زِيَادَتِهَا كَذَا فِي نَيْلِ الْأَوْطَارِ
وَفِي الْمِرْقَاةِ قِيلَ الْآلُ مَنْ حَرُمَتْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ كَبَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ وَقِيلَ كُلُّ تَقِيٍّ آلُهُ ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ
وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْآلِ جَمِيعُ أُمَّةِ الْإِجَابَةِ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْآلِ الْأَزْوَاجُ وَمَنْ حَرُمَتْ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ وَيَدْخُلُ فِيهِمُ الذُّرِّيَّةُ وبذلك يجمع بين الأحاديث
وقال بن حَجَرٍ الْمَكِّيُّ هُمْ مُؤْمِنُو بَنِي هَاشِمٍ وَالْمُطَّلِبِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَجُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَقِيلَ أَوْلَادُ فَاطِمَةَ وَنَسْلُهُمْ وَقِيلَ أَزْوَاجُهُ وَذُرِّيَّتُهُ(3/186)
لِأَنَّهُمْ ذُكِرُوا جُمْلَةً فِي رِوَايَةٍ وَرُدَّ بِأَنَّهُ ثَبَتَ الْجَمْعُ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ وَقِيلَ كُلُّ مُسْلِمٍ وَمَالَ إِلَيْهِ مَالِكٌ وَاخْتَارَهُ الزُّهْرِيُّ وَآخَرُونَ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَغَيْرُهُ وَرَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَقَيَّدَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ بِالْأَتْقِيَاءِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَى تَمَامٌ فِي فَوَائِدِهِ وَالدَّيْلَمِيُّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ سُئِلَ رَسُولُ الله مَنْ آلُ مُحَمَّدٍ فَقَالَ كُلُّ تَقِيٍّ مِنْ آل محمد زاد الديملي ثم قرأ إن أولياؤه إلا المتقون
(كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ) ذُكِرَ فِي وَجْهِ تَخْصِيصِهِ مِنْ بَيْنِ الْأَنْبِيَاءِ وُجُوهٌ أَظْهَرُهَا كَوْنُهُ جد النبي وَقَدْ أُمِرْنَا بِمُتَابَعَتِهِ فِي أُصُولِ الدِّينِ أَوْ فِي التَّوْحِيدِ الْمُطْلَقِ وَالِانْقِيَادِ الْمُحَقَّقِ انْتَهَى كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ
وَقَالَ فِي نَيْلِ الْأَوْطَارِ وَاسْتَشْكَلَ جماعة من العلماء التشبيه للصلاة عليه بِالصَّلَاةِ عَلَى إِبْرَاهِيمَ كَمَا وَقَعَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَوْ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ كَمَا فِي بَعْضِ الرِّوَايَةِ مَعَ أَنَّ الْمُشَبَّهَ دُونَ الْمُشَبَّهِ به في الغالب وهو أَفْضَلُ مِنْ إِبْرَاهِيمَ وَآلِهِ وَأُجِيبُ عَنْ ذَلِكَ بِأَجْوِبَةٍ مِنْهَا أَنَّ الْمُشَبَّهَ مَجْمُوعُ الصَّلَاةِ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ بِمَجْمُوعِ الصَّلَاةِ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَآلِهِ وَفِي آلِ إِبْرَاهِيمَ مُعْظَمُ الْأَنْبِيَاءِ فَالْمُشَبَّهُ بِهِ أَقْوَى مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ وَمِنْهَا أَنَّ التَّشْبِيهَ وَقَعَ لِأَصْلِ الصَّلَاةِ بِأَصْلِ الصَّلَاةِ لَا لِلْقَدْرِ بِالْقَدْرِ وَمِنْهَا أَنَّ التَّشْبِيهَ وَقَعَ فِي الصَّلَاةِ على الآل لا على النبي وَهُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَمِنْهَا أَنَّهُ كَانَ ذَلِكَ منه قَبْلَ أَنْ يُعْلِمَهُ أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ إِبْرَاهِيمَ ومنها أن مراده أَنْ يُتِمَّ النِّعْمَةَ عَلَيْهِ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى إبراهيم وآله ومنها أن مراده أَنْ يَبْقَى لَهُ لِسَانُ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ كَإِبْرَاهِيمَ وَمِنْهَا أَنَّهُ سَأَلَ أَنْ يَتَّخِذَهُ اللَّهُ خَلِيلًا كَإِبْرَاهِيمَ (وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ) الْبَرَكَةُ هِيَ الثُّبُوتُ وَالدَّوَامُ مِنْ قَوْلِهِمْ بَرَكَ الْبَعِيرُ إِذَا ثَبَتَ وَدَامَ أَيْ أَدِمْ شَرَفَهُ وَكَرَامَتَهُ وَتَعْظِيمَهُ (إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ) أَيْ مَحْمُودُ الْأَفْعَالِ مُسْتَحِقٌّ لِجَمِيعِ الْمَحَامِدِ لِمَا فِي الصِّيغَةِ مِنَ الْمُبَالَغَةِ وَهُوَ تَعْلِيلٌ لِطَلَبِ الصَّلَاةِ مِنْهُ وَالْمَجِيدُ الْمُتَّصِفُ بِالْمَجْدِ وَهُوَ كَمَالُ الشَّرَفِ وَالْكَرْمِ وَالصِّفَاتِ الْمَحْمُودَةِ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ
[978] (بِإِسْنَادِهِ بِهَذَا) أَيِ الْحَدِيثُ (وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ) أَصْلُ آلِ أَهْلُ فَأُبْدِلَتِ الْهَاءُ هَمْزَةً ثم الهمزة ألفا بدل عَلَيْهِ تَصْغِيرُهُ عَلَى أُهَيْلٍ وَيَخْتَصُّ بِالْأَشْهَرِ الْأَشْرَفِ كَقَوْلِهِمُ الْقُرَّاءُ آلُ مُحَمَّدٍ وَلَا يُقَالُ آلُ الْخَيَّاطِ وَالْإِسْكَافِ اخْتَلَفُوا فِي الْآلِ مَنْ هُمْ قِيلَ مَنْ حَرُمَتْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ كَبَنِي هَاشِمٍ(3/187)
وَبَنِي الْمُطَّلِبِ وَالْفَاطِمَةِ وَالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ وَعَلِيٍّ وَأَخَوَيْهِ جعفر وعقيل وأعمامه الْعَبَّاسِ وَالْحَارِثِ وَحَمْزَةَ وَأَوْلَادِهِمْ وَقِيلَ كُلُّ تَقِيٍّ آله ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ وَتَقَدَّمَ آنِفًا بَيَانُهُ (كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ) هُمْ إِسْمَاعِيلُ وَإِسْحَاقُ وَأَوْلَادُهُمَا وَقَدْ جَمَعَ اللَّهُ لَهُمُ الرَّحْمَةَ وَالْبَرَكَةَ بِقَوْلِهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حميد مجيد ولم يجمعا لغيرهم فسأل النبي إعطاء ما تضمنته الآية قال بن تَيْمِيَةَ فِي الْمُنْتَقَى تَحْتَ حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ أَيْ بِلَفْظِ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ وَكَمَا بَارَكَتْ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا أَنَّ التِّرْمِذِيَّ قَالَ فِيهِ عَلَى إِبْرَاهِيمَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ لَمْ يَذْكُرْ آلَهُ
انْتَهَى
[979] (أَخْبَرَنِي أَبُو حُمَيْدٍ) بِالتَّصْغِيرِ وَاخْتُلِفَ فِي اسْمِهِ (قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ نصلي عليك) قال علي القارىء جَاءَ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ سبب هذا السؤال وَلَفْظُهُ لَمَّا نَزَلَتْ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عليه وسلموا تسليما قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا السَّلَامُ عَلَيْكَ قَدْ عَلِمْنَا مَا هُوَ فَكَيْفَ تَأْمُرُنَا أَنْ نصلي عليك (قولوا اللهم) أي ياالله فَالْمِيمُ عِوَضٌ عَنْ يَاءٍ وَمِنْ ثَمَّ شَذَّ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَقِيلَ الْمِيمُ مُقْتَطَعَةٌ مِنْ جُمْلَةٍ أخرى أي ياالله أُمَّنَا بِخَيْرٍ وَقِيلَ زَائِدَةٌ لِلتَّفْخِيمِ وَقِيلَ دَالَّةٌ عَلَى الْجَمْعِ كَالْوَاوِ أَيْ يَا مَنِ اجْتَمَعَتْ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ اللَّهُمَّ مُجْتَمَعُ الدُّعَاءِ وَقَوْلُ النَّضْرِ بْنِ شُمَيْلٍ مَنْ قَالَ اللَّهُمَّ فَقَدْ سَأَلَ اللَّهَ بِجَمِيعِ أَسْمَائِهِ وَقَوْلُ أَبِي رَجَاءٍ الْمِيمُ مَفْعُولُ الْمُضَعَّفِ سُمِّيَ بِهِ بِإِلْهَامٍ مِنَ اللَّهِ لِجَدِّهِ(3/188)
عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لِيَحْمَدَهُ أَهْلُ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَقَدْ حَقَّقَ اللَّهُ رَجَاءَهُ وَمِنْ ثَمَّ كَانَ يَقُولُ كَمَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ وَشَقَّ لَهُ مِنَ اسْمِهِ لِيُجِلَّهُ فَذُو الْعَرْشِ مَحْمُودٌ وَهَذَا مُحَمَّدُ وَهُوَ أَشْهَرُ أَسْمَائِهِ لِأَنَّ اللَّهَ جَمَعَ لَهُ مِنَ الْمَحَامِدِ وَصِفَاتِ الْحَمْدِ مَا لَمْ يَجْمَعْهُ لِغَيْرِهِ وَمِنْ ثَمَّ كَانَ بِيَدِهِ لِوَاءُ الْحَمْدِ وَكَانَ صَاحِبَ الْمَقَامِ الْمَحْمُودِ الَّذِي يَحْمَدُهُ فِيهِ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ وَأُلْهِمَ مِنْ مَجَامِعِ الْحَمْدِ حِينَ يَسْجُدُ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّهِ لِلشَّفَاعَةِ الْعُظْمَى فِي فَصْلِ الْقَضَاءِ الَّتِي هِيَ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ مَا لَمْ يُفْتَحْ بِهِ عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ وَسُمِّيَتْ أُمَّتُهُ الْحَمَّادُونَ لِحَمْدِهِمْ عَلَى السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ
وَأَمَّا أَحْمَدُ فَلَمْ يُسَمِّ بِهِ غَيْرُهُ قَطُّ
وَأَمَّا مُحَمَّدٌ فَكَذَلِكَ قَبْلَ أَوَانِ ظُهُورِهِ وَبَعْدَهُ مَدَّ أُنَاسٌ أَعْنَاقَهُمْ إِلَى رَجَائِهِمْ غَفْلَةً عَنْ أَنَّ اللَّهَ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ فَسَمَّوْا أبنائهم مُحَمَّدًا حَتَّى بَلَغُوا خَمْسَةَ عَشَرَ نَفْسًا
هَذَا وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إِنَّ زِيَادَةٌ وَارْحَمْ مُحَمَّدًا وَآلَ مُحَمَّدٍ كَمَا رَحِمْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ كَمَا يَقُولُهُ بَعْضُ النَّاسِ وَرُبَّمَا يَقُولُونَ تَرَحَّمْتَ بِالتَّاءِ لَمْ يَرِدْ بَلْ غَيْرُ صَحِيحٍ إِذْ لَا يُقَالُ رَحِمْتَ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ التَّرَحُّمَ فِيهِ مَعْنَى التَّكَلُّفِ وَالتَّصَنُّعِ فَلَا يَحْسُنُ إِطْلَاقُهُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى
وَقَالَ النَّوَوِيُّ هِيَ بِدْعَةٌ لَا أَصْلَ لَهَا وَوَافَقَهُ الْعُلَمَاءُ بَعْدَهُ (وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ) بضم المعجمة
وقال بن حَجَرٍ وَيَجُوزُ كَسْرُهَا مِنَ الذَّرْءِ أَيِ الْخَلْقِ وَسَقَطَتِ الْهَمْزَةُ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وَهِيَ نَسْلُ الْإِنْسَانِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِ لَا يَدْخُلُ فِيهِ أَوْلَادُ الْبَنَاتِ إِلَّا أَوْلَادَ بَنَاتِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِأَنَّهُمْ يُنْسَبُونَ إليه في الكفاءة وَغَيْرِهَا فَهُمْ هُنَا أَوْلَادُ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُا وَكَذَا غَيْرُهَا مِنْ بَنَاتِهِ لَكِنَّ بَعْضَهُنَّ لَمْ يُعْقِبْ وَبَعْضَهُنَّ انْقَطَعَ عَقِبُهُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وبن مَاجَهْ
[980] (عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ أتانا رسول الله) قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَيْضًا أبو داود بن خزيمة وبن حِبَّانَ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَحَسَّنَهُ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَالْبَيْهَقِيُّ(3/189)
وصححه وزاد والنبي الأمي بعد قوله قولوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَزَادَ أَبُو دَاوُدَ بَعْدَ قَوْلِهِ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ لَفْظَ فِي الْعَالَمِينَ وَفِي الْبَابِ عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ عِنْدَ الْجَمَاعَةِ وَعَنْ عَلِيٍّ عِنْدَ النَّسَائِيِّ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَعَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عِنْدَ النَّسَائِيِّ بِلَفْظِ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَآلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ وَفِي رِوَايَةٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَلَمْ يَقُلْ فِيهِمَا وَآلِ إِبْرَاهِيمَ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ والنسائي بن مَاجَهْ بِلَفْظِ قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَآلِ إِبْرَاهِيمَ وَعَنْ بُرَيْدَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ بِلَفْظِ اللَّهُمَّ اجْعَلْ صَلَوَاتِكَ وَرَحْمَتَكَ وَبَرَكَاتِكَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ كَمَا جَعَلْتَهَا عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ وَفِيهِ أَبُو دَاوُدَ الْأَعْمَى نُفَيْعٌ وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا
وَعَنْ زَيْدِ بْنِ خَارِجَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالنَّسَائِيِّ بِلَفْظِ قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ وَعَنْ أَبِي حُمَيْدٍ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ وَعَنْ رُوَيْفِعِ بن ثابت وجابر وبن عَبَّاسٍ عِنْدَ الْمُسْتَغْفِرِيِّ فِي الدَّعَوَاتِ
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ يَنْبَغِي أَنْ تَجْمَعَ مَا فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فَتَقُولَ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ فِي الْعَالَمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ
قَالَ الْعِرَاقِيُّ بَقِيَ عَلَيْهِ مِمَّا فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ أَلْفَاظٌ أُخَرُ وَهِيَ خَمْسَةٌ يَجْمَعُهَا قَوْلُكَ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَذُرِّيَّتِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ فِي الْعَالَمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ انْتَهَى
وَهَذِهِ الزِّيَادَاتُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْعِرَاقِيُّ ثابتة في أحاديث الباب التي ذكرها بن تَيْمِيَةَ فِي الْمُنْتَقَى
وَقَدْ وَرَدَتْ زِيَادَاتٌ غَيْرُ هذه في أحاديث أخر عن علي وبن مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِمَا وَلَكِنْ فِيهَا مَقَالٌ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ
وَفِي رِوَايَةِ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ تَمَّ كَلَامُهُ(3/190)
[982] (بِالْمِكْيَالِ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَهُوَ مَا يُكَالُ بِهِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنْ غَيْرِهَا وَأَوْفَرُ ثَوَابًا (أَهْلَ الْبَيْتِ) الْأَشْهُرُ فِيهِ النَّصْبُ عَلَى الِاخْتِصَاصِ وَيَجُوزُ إِبْدَالُهُ مِنْ ضَمِيرِ عَلَيْنَا (فَلْيَقُلِ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى محمد) قال الإسنوي قد اشتهر زِيَادَةُ سَيِّدِنَا قَبْلَ مُحَمَّدٍ عِنْدَ أَكْثَرِ الْمُصَلِّينَ وَفِي كَوْنِ ذَلِكَ أَفَضَلُ نَظَرٌ وَقْدَ رُوِيَ عن بن عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ جَعَلَهُ مِنْ بَابِ سُلُوكِ الْأَدَبِ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ سُلُوكَ طَرِيقِ الْأَدَبِ أَحَبُّ مِنَ الِامْتِثَالِ وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ أَبِي بكر حين أمره أَنْ يَثْبُتَ مَكَانَهُ فَلَمْ يَمْتَثِلْ وَقَالَ مَا كَانَ لِابْنِ أَبِي قُحَافَةَ أَنْ يَتَقَدَّمَ بَيْنَ يدي رسول الله وكذلك امتناع على محو اسم النبي مِنَ الصَّحِيفَةِ فِي صُلْحٍ الحديبيةِ بَعْدَ أَنْ أَمَرَهُ بِذَلِكَ وَقَالَ لَا أَمْحُو اسْمَكَ أَبَدًا
وكلا الحديثين في الصحيح فتقريره لَهُمَا عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنَ امْتِثَالِ الْأَمْرِ تَأَدُّبًا مُشْعِرٌ بِأَوْلَوِيَّتِهِ
وَالْحَدِيثُ اسْتَدَلَّ بِهِ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الزَّوْجَاتِ مِنَ الْآلِ وَالْقَائِلُونَ إِنَّ الذَّرِّيَّةَ مِنَ الآل وهو أدل دليلا عَلَى ذَلِكَ لِذِكْرِ الْآلِ فِيهِ مُجْمَلًا وَمُبِينًا
وَالْحَدِيثُ سَكْتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْمُنْذِرِيُّ وَهُوَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عَنِ الْمُجْمِرِ عَنْ أبي هريرة عنه
وَقَدِ اختِلِفَ فِيهِ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ وَأَخْرَجَهُ النِّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ عَاصِمٍ عَنْ حِبَّانَ بْنِ يَسَارٍ الكلابيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ طَلْحَةَ الْخُزَاعِيِّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ عن النبي بِلَفْظِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ
وَقَدِ اخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ وَعَلَى حِبَّانَ بْنِ يَسَارٍ
3 - (بَاب مَا يَقُولُ بَعْدَ التَّشَهُّدِ)
[983] (إِذَا فَرَغَ أَحَدُكُمْ مِنَ التَّشَهُّدِ الْآخَرِ) فِيهِ تَعْيِينُ مَحَلِّ هَذِهِ الِاسْتِعَاذَةِ بَعْدَ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ(3/191)
وَهُوَ مُقَيَّدٌ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ الْمَرْوِيُّ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَالسُّنَنِ بِلَفْظِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَدْعُو فِي الصَّلَاةِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ الْحَدِيثُ مُطْلَقٌ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ وَهُوَ يَرُدُّ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ بن حَزْمٍ مِنْ وُجُوبِهَا فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَمَا وَرَدَ مِنَ الْإذْنِ لِلْمُصَلِّي بِالدُّعَاءِ بِمَا شَاءَ بَعْدَ التَّشَهُّدِ يَكُونُ بَعْدَ هَذِهِ الِاسْتِعَاذَةِ لِقَوْلِهِ إِذَا فَرَغَ (فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ) اُسْتُدِلَّ بِهَذَا الْأَمْرِ عَلَى وُجُوبِ الِاسْتِعَاذَةِ وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ بَعْضُ الظَّاهِرِيَّةِ
وَفِي السُّبُلِ وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الِاسْتِعَاذَةِ مِمَّا ذَكَرَ وَهُوَ مُذْهَبُ الظَّاهِرِيَّةِ وبن حَزْمٍ مِنْهُمْ وَيَجِبُ عِنْدَهُ أَيْضًا فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ عَمَلًا مِنْهُ بِإِطْلَاقِ اللَّفْظِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ وَأَمَرَ طَاوُسٌ ابْنَهُ بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ لَمَّا لَمْ يَسْتَعِذْ فِيهَا فَإِنَّهُ يَقُولُ بِالْوُجُوبِ وَبُطْلَانِ الصَّلَاةِ مِنْ تَرْكِهَا وَالْجُمْهُورُ جَعَلُوهُ عَلَى النَّدْبِ انْتَهَى (من عذاب جهنم) قدم فإنه أَشَدُّ وَأَبْقَى بَدَلٌ بِإِعَادَةِ الْجَارِّ (وَمِنْ عَذَابِ القبر) فيه رد على المنكرين لذلك من الْمُعْتَزِلَةِ وَالْأَحَادِيثُ فِي الْبَابِ مُتَوَاتِرَةٌ (وَمِنْ فِتْنَةِ المحيا والممات) قال بن دقيق العيد فتنة المحيا ما يعرض للإنسان مُدَّةَ حَيَاتِهِ مِنَ الِافْتِنَانِ بِالدُّنْيَا وَالشَّهَوَاتِ وَالْجَهَالَاتِ وَأَعْظَمُهَا وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ أَمْرُ الْخَاتِمَةِ عِنْدَ الْمَوْتِ
وَفِتْنَةُ الْمَمَاتِ يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهَا الْفِتْنَةُ عِنْدَ الْمَوْتِ أُضِيفَتْ إِلَيْهِ لِقُرْبِهَا مِنْهُ وَيَكُونُ الْمُرَادُ عَلَى هَذَا بِفِتْنَةِ الْمَحْيَا مَا قَبْلَ ذَلِكَ وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهَا فِتْنَةُ الْقَبْرِ وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي قُبُورِهِمْ
وَقِيلَ أَرَادَ بِفِتْنَةِ الْمَحْيَا الِابْتِلَاءَ مَعَ زَوَالِ الصَّبْرِ وبفتنة الممات السؤال في القبر مع الحيرة
كَذَا فِي الْفَتْحِ (وَمِنْ شَرِّ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ) قَالَ أَبُو دَاوُدَ فِي السُّنَنِ مُثَقَّلٌ الدَّجَّالُ وَمُخَفَّفٌ عِيسَى وَنَقَلَ الْعَزِيزِيُّ عَنْ خَلَفِ بْنِ عَامِرٍ أَنَّ الْمَسِيحَ بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيفِ وَاحِدٌ وَيُقَالُ لِلدَّجَّالِ وَيُقَالُ لِعِيسَى وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ فِي الصِّحَاحِ مَنْ قَالَهُ بِالتَّخْفِيفِ فَلِمَسْحِهِ الْأَرْضَ وَمَنْ قَالَهُ بِالتَّشْدِيدِ فَلِكَوْنِهِ مَمْسُوحَ الْعَيْنِ
قَالَ الْحَافِظُ وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ فِي الدَّجَّالِ وَنُسِبَ قَائِلُهُ إِلَى التَّصْحِيفِ
قال في القاموس والمسيح عيسى بن مَرْيَمَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ لِبَرَكَتِهِ كَذَا فِي النَّيْلِ
وَفِي السُّبُلِ وَأَمَّا عِيسَى فَقِيلَ لَهُ الْمَسِيحُ لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ مَمْسُوحًا بِالدُّهْنِ وَقِيلَ لِأَنَّ زَكَرِيَّا مَسَحَهُ وَقِيلَ لِأَنَّهُ ما كان يمسح ذا عاهة إلا بريء
وَذَكَرَ صَاحِبُ الْقَامُوسِ أَنَّهُ جَمَعَ فِي وَجْهِ تَسْمِيَتِهِ بِذَلِكَ خَمْسِينَ قَوْلًا
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مسلم والنسائي وبن ماجه(3/192)
[984] (اللَّهُمَّ إِنِّي) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَسُكُونِهَا (مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ) وَمِنْهُ شِدَّةُ الضَّغْطَةِ وَوَحْشَةُ الْوَحْدَةِ
قَالَ بن حَجَرٍ الْمَكِّيُّ وَفِيهِ أَبْلَغُ الرَّدِّ عَلَى الْمُعْتَزِلَةِ فِي إِنْكَارِهِمْ لَهُ وَمُبَالَغَتِهِمْ فِي الْحَطِّ عَلَى أَهْلِ السُّنَّةِ فِي إِثْبَاتِهِمْ لَهُ حَتَّى وَقَعَ لِسُنِّيٍّ أَنَّهُ صَلَّى عَلَى مُعْتَزِلِيٍّ فَقَالَ فِي دُعَائِهِ اللَّهُمَّ أَذِقْهُ عَذَابَ الْقَبْرِ فَإِنَّهُ كَانَ لا يؤمن به ويبالغ في نفيه ويخطىء مُثْبِتَهُ (مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ) أَيِ ابْتِلَائِهِ وَامْتِحَانِهِ
[985] (أَنْ تَغْفِرَ لِي) أَيْ تَسْتُرَ بِي (إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) فَالْمَغْفِرَةُ سَتْرُ الذُّنُوبِ وَمَحْوُهَا وَالرَّحْمَةُ إِيصَالُ الْخَيْرَاتِ فَفِي الْأَوَّلِ طَلَبُ الزَّحْزَحَةِ عَنِ النَّارِ وَفِي الثَّانِي طَلَبُ إِدْخَالِ الْجَنَّةِ مَعَ الْأَبْرَارِ وَهَذَا هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَالنَّعِيمُ الْمُقِيمُ رَزَقَنَا اللَّهُ بِفَضْلِهِ الْكَرِيمِ (فَقَالَ) أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قال المنذري وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ
4 - (بَاب إِخْفَاءِ التَّشَهُّدِ)
[986] (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ مِنَ السُّنَّةِ أَنْ يُخْفَى التَّشَهُّدُ) قَالَ الطِّيبِيُّ إِذَا قَالَ الصَّحَابِيُّ مِنَ السُّنَّةِ كَذَا أَوِ السُّنَّةُ كَذَا فَهُوَ فِي الْحُكْمِ كَقَوْلِهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
هَذَا مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ وَالْفُقَهَاءِ وَجَعَلَهُ بَعْضُهُمْ مَوْقُوفًا وَلَيْسَ بِشَيْءٍ
وَقِيلَ مَعْنَى سَنَّ كَذَا شَامِلٌ لِمَعْنَى قَالَ وَفَعَلَ(3/193)
وَقَرَّرَ
وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ
5 - (بَاب الْإِشَارَةِ فِي التَّشَهُّدِ)
[987] (وَأَنَا أَعْبَثُ) الْوَاوُ حَالِيَّةٌ أَيْ أَلْعَبُ (وَقَبَضَ أَصَابِعَهُ كُلَّهَا) وَالْحَدِيثُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى قَبْضِ كُلِّ الْأَصَابِعِ وَالْإِشَارَةِ بِالسَّبَّابَةِ
وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ إِذَا جَلَسَ فِي الصَّلَاةِ وَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ بَاسِطَهَا عَلَيْهَا وَظَاهِرُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَدَمُ الْقَبْضِ لِشَيْءٍ مِنَ الْأَصَابِعِ إِلَّا أَنْ تُحْمَلَ الرِّوَايَةُ الَّتِي لَمْ يُذْكَرْ فِيهَا الْقَبْضُ عَلَى الرِّوَايَاتِ الَّتِي فِيهَا الْقَبْضُ حَمْلَ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ
وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ قَوْلَهُ وَيَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى رُكْبَتِهِ بَاسِطَهَا عَلَيْهَا مُشْعِرٌ بِقَبْضِ الْيُمْنَى وَلَكِنَّهُ إِشْعَارٌ فِيهِ خَفَاءٌ عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ تَوْصِيفُ الْيُسْرَى بِأَنَّهَا مَبْسُوطَةٌ نَاظِرًا إِلَى رَفْعِ أُصْبُعِ الْيُمْنَى لِلدُّعَاءِ فَيُفِيدَ أَنَّهُ لَمْ يَرْفَعْ أُصْبُعَ الْيُسْرَى لِلدُّعَاءِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
ذَكَرَهُ الشَّوْكَانِيُّ (وَأَشَارَ بِأُصْبُعِهِ الَّتِي تَلِي الْإِبْهَامَ) وَهِيَ السَّبَّابَةُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ
[988] (إِذَا قَعَدَ فِي الصَّلَاةِ) وَلَفْظُ مُسْلِمٍ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ بن الزُّبَيْرِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَجْعَلُ قَدَمَهُ الْيُسْرَى بَيْنَ فَخِذِهِ وَسَاقِهِ وَيَفْرِشُ قَدَمَهُ الْيُمْنَى وَاخْتَارَ هَذِهِ الصِّفَةَ أَبُو الْقَاسِمِ الْخَرَقِيُّ فِي مُصَنَّفِهِ وَلَعَلَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُ هَذَا تَارَةً وَقَدْ وَقَعَ الْخِلَافُ فِي الْجُلُوسِ لِلتَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ هَلْ هُوَ(3/194)
وَاجِبٌ أَمْ لَا فَقَالَ بِالْوُجُوبِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَأَبُو مَسْعُودٍ وَمِنَ الْأَئِمَّةِ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَمِنَ الْفُقَهَاءِ الثَّوْرِيُّ وَالزُّهْرِيُّ وَمَالِكٌ إِنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ
اسْتَدَلَّ الْأَوَّلُونَ بِمُلَازَمَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْآخِرُونَ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُعَلِّمْهُ الْمُسِيءَ وَمُجَرَّدُ الْمُلَازَمَةِ لَا تُفِيدُ الْوُجُوبَ
قال الشوكاني هذا هو الظاهر لاسيما مَعَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ الْمُسِيءِ بَعْدَ أَنْ عَلَّمَهُ فَإِذَا فَعَلْتَ هَذَا فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُكَ وَلَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ مَا دَلَّ عَلَى وُجُوبِ التَّسْلِيمِ دَلَّ عَلَى وُجُوبِ جُلُوسِ التَّشَهُّدِ لِأَنَّهُ لَا مُلَازَمَةَ بَيْنَهُمَا (أَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ) أَيِ الْمُسَبِّحَةِ حِينَ الْجُلُوسِ
وَقَدْ وَرَدَ فِي وَضْعِ الْيُمْنَى عَلَى الْفَخِذِ حَالَ التَّشَهُّدِ هَيْئَاتٌ الْأُولَى مَا أَخْرَجَهُ الْمُؤَلِّفُ مِنْ حَدِيثِ وَائِلٍ فِي صِفَةِ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِيهِ جَعَلَ حَدَّ مِرْفَقِهِ الْأَيْمَنِ عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى ثُمَّ قَبَضَ ثنيتين مِنْ أَصَابِعِهِ وَحَلَّقَ حَلَقَةً ثُمَّ رَفَعَ أُصْبُعَهُ فَرَأَيْتُهُ يُحَرِّكُهَا يَدْعُو بِهَا وَالثَّانِيَةُ مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم كَانَ إِذَا جَلَسَ فِي الصَّلَاةِ وَضَعَ يَدَهُ اليمنى على ركبتيه الْيُمْنَى وَعَقَدَ ثَلَاثَةً وَخَمْسِينَ وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ
وَالثَّالِثَةُ قبض كل الأصابع والاشارة بالسباحة كما في حديث بن عُمَرَ
وَالرَّابِعَةُ مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالْمُؤَلِّفُ مِنْ حديث بن الزُّبَيْرِ بِلَفْظِ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَعَدَ يَدْعُو وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى وَيَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُسْرَى وَأَشَارَ بِأُصْبُعِهِ السَّبَّابَةِ وَوَضَعَ إِبْهَامَهُ عَلَى أُصْبُعِهِ الْوُسْطَى وَيُلْقِمُ كَفَّهُ الْيُسْرَى رُكْبَتَهُ وَالْخَامِسَةُ وَضْعُ الْيَدِ الْيُمْنَى عَلَى الْفَخِذِ مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ وَالْإِشَارَةُ بِالسَّبَّابَةِ
وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ رواية أخرى عن بن الزُّبَيْرِ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ اقْتَصَرَ فِيهَا عَلَى مُجَرَّدِ الْوَضْعِ وَالْإِشَارَةِ وَتَقَدَّمَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ
وَكَذَلِكَ أَخْرَجَ الْمُؤَلِّفُ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ بِدُونِ ذِكْرِ الْقَبْضِ اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يحمل الرِّوَايَةُ الَّتِي لَمْ يُذْكَرْ فِيهَا الْقَبْضُ كَمَا تقدم بيانه آنفا
وقد جعل الحافظ بن الْقَيِّمِ فِي زَادِ الْمَعَادِ الرِّوَايَاتِ الْمَذْكُورَةَ كُلَّهَا وَاحِدَةً قَالَ فَإِنَّ مَنْ قَالَ قَبَضَ أَصَابِعَهُ الثَّلَاثَ أَرَادَ بِهِ أَنَّ الْوُسْطَى كَانَتْ مَضْمُومَةً وَلَمْ تَكُنْ مَنْشُورَةً كَالسَّبَّابَةِ وَمَنْ قَالَ قَبَضَ اثْنَيْنِ أَرَادَ أَنَّ الْوُسْطَى لَمْ تَكُنْ مَقْبُوضَةً مَعَ الْبِنْصِرِ بَلِ الْخِنْصَرُ وَالْبِنْصِرُ مُتَسَاوِيَتَانِ فِي الْقَبْضِ دُونَ الْوُسْطَى وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ مَنْ قَالَ وَعَقَدَ ثَلَاثًا وَخَمْسِينَ فَإِنَّ الْوُسْطَى فِي هَذَا الْعَقْدِ تَكُونُ مَضْمُومَةً وَلَا تَكُونُ مَقْبُوضَةً مَعَ الْبِنْصِرِ انْتَهَى
قُلْتُ مَا قَالَهُ الْحَافِظُ بن الْقَيِّمِ لَيْسَ بِوَاضِحٍ وَالصَّحِيحُ مَا قَالَ الرَّافِعِيُّ إِنَّ الْأَخْبَارَ وَرَدَتْ بِهَا جَمِيعًا وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَصْنَعُ مَرَّةً هَكَذَا وَمَرَّةً هَكَذَا انْتَهَى
وَقَالَ الطيبي وللفقهاء(3/195)
فِي كَيْفِيَّةِ عَقْدِهَا وُجُوهٌ أَحَدُهَا أَنْ يَعْقِدَ الْخِنْصَرَ وَالْبِنْصِرَ وَالْوُسْطَى وَيُرْسِلَ الْمُسَبِّحَةَ وَيَضُمَّ الْإِبْهَامَ إِلَى أَصْلِ الْمُسَبِّحَةِ وَهُوَ عَقْدُ ثَلَاثَةٍ وَخَمْسِينَ وَالثَّانِي أَنْ يَضُمَّ الْإِبْهَامَ إِلَى الْوُسْطَى الْمَقْبُوضَةِ كالقابض ثلاثا وعشرين فإن بن الزُّبَيْرِ رَوَاهُ كَذَلِكَ
قَالَ الْأَشْرَفُ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ فِي الصَّحَابَةِ مَنْ يَعْرِفُ هَذَا الْعَقْدَ وَالْحِسَابَ الْمَخْصُوصَ وَالثَّالِثُ أَنْ يَقْبِضَ الْخِنْصَرَ وَالْبِنْصِرَ وَيُرْسِلَ الْمُسَبِّحَةَ وَيُحَلِّقَ الْإِبْهَامَ وَالْوُسْطَى كَمَا رَوَاهُ وَائِلُ بْنُ حُجْرٍ انْتَهَى
قَالَ فِي الْمُحَلَّى وَهِيَ صُورَةُ عَقْدِ تِسْعِينَ وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَهُوَ الْقَوْلُ الْقَدِيمُ لِلشَّافِعِيِّ انْتَهَى
وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى اسْتِحْبَابِ وَضْعِ الْيَدَيْنِ عَلَى الرُّكْبَتَيْنِ حَالَ الْجُلُوسِ لِلتَّشَهُّدِ وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ
قال أصحاب الشافعي يكون الْإِشَارَةُ بِالْأُصْبُعِ عِنْدَ قَوْلِهِ إِلَّا اللَّهُ مِنَ الشَّهَادَةِ
قَالَ النَّوَوِيُّ وَالسُّنَّةُ أَنْ لَا يُجَاوِزَ بَصَرُهُ إِشَارَتَهُ وَفِيهِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَيُشِيرُ بِهَا مُوَجَّهَةً إِلَى الْقِبْلَةِ وينوي بالإشارة التوحيد والإخلاص
قال بن ارسلان وَالْحِكْمَةُ فِي الْإِشَارَةِ بِهَا إِلَى أَنَّ الْمَعْبُودَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَاحِدٌ لِيَجْمَعَ فِي تَوْحِيدِهِ بَيْنَ القول والفعل والاعتقاد
وروي عن بن عَبَّاسٍ فِي الْإِشَارَةِ أَنَّهُ قَالَ هِيَ الْإِخْلَاصُ وَقَالَ مُجَاهِدٌ مِقْمَعَةُ الشَّيْطَانِ
وَفِي الْمُحَلَّى شَرْحِ الْمُوَطَّأِ قَالَ الْحَلْوَانِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ يُقِيمِ إِصْبَعَهُ عِنْدَ قَوْلِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَيَضَعُ عِنْدَ قَوْلِهِ إِلَّا اللَّهُ فَيَكُونَ الرَّفْعُ لِلنَّفْيِ وَالْوَضْعُ لِلْإِثْبَاتِ وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ يُشِيرُ عِنْدَ قَوْلِهِ إِلَّا اللَّهُ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِيهِمَا حَدِيثًا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ وَفِيهِ حَدِيثُ خَفَّافٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُشِيرُ بِهَا لِلتَّوْحِيدِ ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ السُّنَّةُ أَنْ لَا يُجَاوِزَ بَصَرُهُ إِشَارَتَهُ كَمَا صَحَّ فِي أَبِي دَاوُدَ وَيُشِيرُ بِهَا مُوَجَّهَةً إِلَى الْقِبْلَةِ وَيَنْوِي بِالْإِشَارَةِ التَّوْحِيدَ وَالْإِخْلَاصَ انْتَهَى
وَسَيَجِيءُ بَعْضُ بَيَانِهِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ
[989] (كَانَ يُشِيرُ بِأُصْبُعِهِ إِذَا دَعَا) أَيْ إِذَا تَشَهَّدَ
قَالَ فِي الْمِرْقَاةِ وَالْمُرَادُ إِذَا تَشَهَّدَ وَالتَّشَهُّدُ حَقِيقَةُ النُّطْقِ بِالشَّهَادَةِ وَإِنَّمَا سُمِّيَ التَّشَهُّدُ دُعَاءً لِاشْتِمَالِهِ عَلَيْهِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ يَدْعُو بِهَا أَيْ يَتَشَهَّدُ بِهَا وَأَنْ يَسْتَمِرَّ عَلَى الرَّفْعِ إِلَى آخِرِ التَّشَهُّدِ
انْتَهَى
وَفِي الْمُحَلَّى شَرْحِ الْمُوَطَّأِ وَنُقِلَ عَنْ بَعْضِ أَئِمَّةِ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ يُدِيمُ رَفْعَهَا إِلَى آخِرِ التَّشَهُّدِ وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِمَا فِي أَبِي دَاوُدَ أَنَّهُ رَفَعَ إِصْبَعَهُ فرأيناه يحركها ويدعو وفيه تحريكها دائما إذا الدعاء بعد التشهد
قال بن حَجَرٍ الْمَكِّيُّ وَيُسَنُّ أَنْ يَسْتَمِرَّ إِلَى الرَّفْعِ إِلَى آخِرِ التَّشَهُّدِ انْتَهَى كَلَامُ صَاحِبِ الْمُحَلَّى(3/196)
وَقَالَ السَّيِّدُ الْعَلَّامَةُ نَذِيرُ حُسَيْنٍ الدَّهْلَوِيُّ فِي بَعْضِ فَتَاوَاهُ إنَّ الْمُصَلِّي يَسْتَمِرُّ إِلَى الرَّفْعِ إِلَى آخِرِ الدُّعَاءِ بَعْدَ التَّشَهُّدِ
وَقَدْ نَقَلَ صَاحِبُ غَايَةِ الْمَقْصُودِ فَتْوَاهُ بِتَمَامِهِ (وَلَا يُحَرِّكُهَا) قال بن الملك يدل على أنها لَا يُحَرِّكُ الْإِصْبَعَ إِذَا رَفَعَهَا لِلْإِشَارَةِ وَعَلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ
قَالَ الشَّيْخُ سَلَامُ اللَّهِ فِي الْمُحَلَّى شَرْحِ الْمُوَطَّأِ وَفِي حَدِيثِ وَائِلٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَفِيهِ ثُمَّ رَفَعَ أُصْبُعَهُ فَرَأَيْتُهُ يُحَرِّكُهَا يَدْعُو بِهَا فَفِيهِ تَحْرِيكُ السَّبَّابَةِ عِنْدَ الرَّفْعِ وَبِهِ أَخَذَ مَالِكٌ وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ المراد بالتحريك ها هنا هُوَ الرَّفْعُ لَا غَيْرَ فَلَا يُعَارِضُهُ مَا في مسلم عن بن الزُّبَيْرِ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُشِيرُ بِإِصْبَعِهِ إِذَا دَعَا وَلَا يُحَرِّكُهَا قَالَ الْمَالِكِيَّةُ إِنَّهُ لَا يُخَالِفُ مَا قَبْلَهُ لِأَنَّهُ تَرَكَهُ لِبَيَانِ أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ
انْتَهَى كَلَامُهُ (يَدْعُو كَذَلِكَ) أَيْ يُشِيرُ بِهَا أَيْ يَرْفَعُ إِصْبَعَهُ الْوَاحِدَةَ إِلَى وَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي دُعَائِهِ أَيْ تَشَهُّدِهِ وَهُوَ حَقِيقَةُ النُّطْقِ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَسُمِّيَ التشهد دعاء لاشتمالة عليه
قاله علي القارىء (وَيَتَحَامَلُ) أَيْ يَضَعُ
(قَالَ لَا يُجَاوِزُ بَصَرُهُ إِشَارَتَهُ) أَيْ بَلْ كَانَ يُتْبِعُ بَصَرَهُ إِشَارَتَهُ لِأَنَّهُ الْأَدَبُ الْمُوَافِقُ لِلْخُضُوعِ وَالْمَعْنَى لَا يَنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ حِينَ الْإِشَارَةِ إِلَى التَّوْحِيدِ كَمَا هُوَ عَادَةُ بَعْضِ النَّاسِ بَلْ يَنْظُرُ إِلَى إِصْبَعِهِ وَلَا يُجَاوِزُ بَصَرُهُ عَنْهَا
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ
[991] (قَدْ حَنَاهَا شَيْئًا) أَيْ أَمَالَهَا قليلا
قال المنذري وأخرجه النسائي وبن ماجه(3/197)
36 - (بَاب كَرَاهِيَةِ الِاعْتِمَادِ عَلَى الْيَدِ فِي الصَّلَاةِ)
[992] (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ) سَيَجِيءُ بَيَانُ أَلْفَاظِ شُيُوخِ الْمُؤَلِّفِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَهُنَاكَ تَظْهَرُ لَكَ الرِّوَايَةُ الرَّاجِحَةُ مِنَ الرواية المرجوحة
قال بن رسلان في شرح السنن وقال بن عَبْدِ الْمَلِكِ فِي رِوَايَتِهِ نَهَى أَنْ يَعْتَمِدَ الرَّجُلُ عَلَى يَدَيْهِ إِذَا نَهَضَ فِي الصَّلَاةِ
قَالَ شَارِحُ الْمَصَابِيحِ يَعْنِي لَا يَضَعُ يَدَيْهِ على الأرض ولا يتكىء عَلَيْهَا إِذَا نَهَضَ لِلْقِيَامِ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ حُجَّةٌ لِلْحَنَفِيَّةِ وَاخْتِيَارُ الْخَرَقِيِّ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ وعلي وبن مسعود وبن عمر وبن عَبَّاسٍ وَبِهِ يَقُولُ مَالِكٌ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ وَقَالَ أَحْمَدُ أَكْثَرُ الْأَحَادِيثِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجْلِسُ لِلِاسْتِرَاحَةِ وَلَا يَضَعُ يَدَيْهِ مُعْتَمِدًا عَلَيْهِمَا
وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إِلَى أَنَّهُ يَجْلِسُ وَبِهِ قَالَ مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ وَأَبُو حُمَيْدٍ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ
وَحُجَّةُ الشَّافِعِيَّةِ حَدِيثُ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فَإِذَا كَانَ فِي وِتْرٍ مِنْ صَلَاتِهِ لَمْ يَنْهَضْ حَتَّى يَسْتَوِيَ قَاعِدًا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ
وَأَجَابُوا عَنْ قَوْلِ أَحْمَدَ أَنَّهُ الَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَحَادِيثِ فَمُرَادُهُ أَنَّ أَكْثَرَ الْأَحَادِيثِ لَيْسَ فِيهَا ذِكْرُ الْجِلْسَةِ إِثْبَاتًا وَلَا نَفْيًا وَاحْتَجُّوا عَلَى الِاعْتِمَادِ عَلَى الْأَرْضِ لِلْقِيَامِ بِحَدِيثِ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عن أبي قلابة وفيه فإذا رَأْسَهُ مِنَ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ جَلَسَ وَاعْتَمَدَ عَلَى الْأَرْضِ ثُمَّ قَامَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ
وأجابوا عن حديث بن عمر هذه بِأَنَّهُ ضَعِيفٌ مِنْ وَجْهَيْنِ
أَحَدُهُمَا أَنَّ رِوَايَةَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ مَجْهُولٌ
وَالثَّانِي أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِرِوَايَةِ الثِّقَاتِ لِأَنَّ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ رَفِيقُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الْغَزَّالِ بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالزَّايِ الْمُشَدَّدَةِ فِي الرِّوَايَةِ لِهَذَا الْحَدِيثِ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَقَالَ فِيهِ نَهَى أَنْ يَجْلِسَ الرَّجُلُ فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ يَعْتَمِدُ عَلَى يَدِهِ وَلَمْ يَقُلْ بِالِاعْتِمَادِ عَلَى إِحْدَى اليدين دُونِ الْأُخْرَى أَحَدٌ وَقَدْ عُلِمَ مِنْ قَاعِدَةِ الْمُحَدِّثِينَ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ مَنْ خَالَفَ الثِّقَاتِ كَانَ حَدِيثُهُ شَاذًّا مَرْدُودًا وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّةِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ فَهِيَ مَحْمُولَةٌ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ ذَلِكَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ عِنْدَ كِبَرِهِ وَضَعْفِهِ وَهَذَا فِيهِ جَمْعٌ بَيْنَ الْأَخْبَارِ أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ فَعَلَهُ مَرَّةً لبيان الجواز
انتهى كلام بن رَسْلَانَ رَحِمَهُ اللَّهُ بِلَفْظِهِ
انْتَهَى(3/198)
وَقَالَ السَّيِّدُ عَبْدُ اللَّهِ الْأَمِيرُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى حديث بن عمر رضي الله عنهما فِي النَّهْي عَنْ الِاعْتِمَادِ عَلَى الْيَدِ فِي الصَّلَاةِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَرْبَعَةٍ مِنْ شُيُوخِهِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَأَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ شَبُّوَيْهِ وَمُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ وَلَفْظُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَجْلِسَ الرَّجُلُ فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ مُعْتَمِدٌ على يده قال بن رسلان الرواية الصحيحة يديه ولفظ بن رَافِعٍ نَهَى أَنْ يَعْتَمِدَ الرَّجُلُ عَلَى يَدَيْهِ فِي الصَّلَاةِ وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ وَذَكَرُوهُ فِي باب الرفع من السجدة
قال بن رَسْلَانَ يَعْنِي بَلْ يَضَعُهَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ انْتَهَى فعرف من هذا أن رواية بن شبويه وبن رَافِعٍ مُطْلَقَةٌ وَرِوَايَةَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ مُقَيَّدَةٌ بحال الجلوس ورواية بن عَبْدِ الْمَلِكِ مُقَيَّدَةٌ بِحَالِ النُّهُوضِ فَقَدْ تَعَارَضَ الْقَيْدَانِ وَالْحَدِيثُ وَاحِدٌ وَرَاوِيَةُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَرْجَحُ لِأَنَّهُ إِمَامٌ ثِقَةٌ مَشْهُورُ الْعَدَالَةِ
وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ الْوَاسِطِيُّ قَالَ فِيهِ فِي التَّقْرِيبِ صَدُوقٌ وَهُوَ مِمَّنْ يُصَحَّحُ حَدِيثُهُ أَوْ يُحَسَّنُ بِالْمُتَابَعَةِ وَالشَّوَاهِدِ
وَيُرَجِّحُ رِوَايَةَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَيْضًا مَا فِي الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ بِلَفْظِ وَاعْتَمَدَ عَلَى الْأَرْضِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَاعْتَمَدَ بِيَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ
انْتَهَى مِنْ خَطِّ السيد العلامة رحمه الله
وقال علي القارىء في المرقاة نهي أن يعتمد أي يتكىء الرَّجُلُ عَلَى يَدَيْهِ إِذَا نَهَضَ أَيْ قَامَ فِي الصَّلَاةِ بَلْ يَنْهَضَ عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ مِنْ غَيْرِ اعْتِمَادٍ عَلَى الْأَرْضِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ قَالَ فِي الْأَزْهَارِ قِيلَ مَعْنَى قَوْلِهِ أَنْ يَجْلِسَ الرَّجُلُ فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ مُعْتَمِدٌ عَلَى يَدِهِ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ فِي التشهد على الأرض ويتكىء عَلَيْهَا وَقِيلَ هُوَ أَنْ يَجْلِسَ الرَّجُلُ فِي الصَّلَاةِ وَيُرْسِلَ الْيَدَيْنِ إِلَى الْأَرْضِ مِنْ فَخِذَيْهِ وَقِيلَ هُوَ أَنْ تُوضَعَ عَلَى الْأَرْضِ قَبْلَ الرُّكْبَتَيْنِ فِي الْهُوِيِّ وَقِيلَ هُوَ أَنْ يَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ عِنْدَ الْقِيَامِ وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ إِلَى اللَّفْظِ يَعْنِي وَالْأَخِيرَ هُوَ فِي غَايَةٍ مِنَ الْبُعْدِ فِي اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى إِذْ مَعْنَاهُ لَا يُلَائِمُ النَّهْيَ عَنِ الْجُلُوسِ
وَأَيْضًا لَوْ حُمِلَ عَلَى الْمَعْنَى الْأَخِيرِ لَتَنَاقَضَتِ الرِّوَايَتَانِ عَنْ رَاوٍ وَاحِدٍ وَمَعَ هَذَا قَالَ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَتَمَسَّكَ أَبُو حَنِيفَةَ بِالرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى أَنَّ الْمُصَلِّي لَا يَعْتَمِدُ عَلَى يَدَيْهِ عِنْدَ قِيَامِهِ
وَيَعْتَمِدُ عَلَى ظُهُورِ الْقَدَمَيْنِ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَضُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
انْتَهَى كَلَامُ القارىء(3/199)
قُلْتُ حَدِيثُ صُدُورِ الْقَدَمَيْنِ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو داود بل أخرجه الترمذي وضعفه وأخرجه بن عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ وَهُوَ أَيْضًا ضَعِيفٌ فَلَا يَصْلُحُ لِمُعَارَضَةِ حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ الَّذِي عِنْدَ الْبُخَارِيِّ
نَعَمْ رُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ يَنْهَضُونَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى صُدُورِ قدميه أخرج عنهم بن أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ الرَّازِقِ فِي مُصَنَّفَيْهِمَا وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ لَكِنْ هَذَا كُلُّهُ مَوْقُوفٌ فَكَيْفَ يُتْرَكُ الْمَرْفُوعُ بِالْمَوْقُوفِ وَمَعْنَى رِوَايَةِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ هُوَ مَا ذَكَرَهُ الْعَلَّامَةُ عَبْدُ اللَّهِ الْأَمِيرُ الْيَمَانِيُّ وَقَالَ فِي الْأَزْهَارِ هُوَ أَقْرَبُ إِلَى اللَّفْظِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
(إِذَا نَهَضَ) أَيْ قَامَ
[993] (وَهُوَ مُشَبِّكٌ) التَّشْبِيكُ إِدْخَالُ أَصَابِعِ إِحْدَى الْيَدَيْنِ فِي أَصَابِعِ الْيَدِ الْأُخْرَى
[994] (وَهَذَا لَفْظُهُ) أَيْ لَفْظُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ (جَمِيعًا) حَالُ زيد بن الزرقاء أبي وبن وَهْبٍ أَيْ يَرْوِيَانِ جَمِيعًا (ثُمَّ اتَّفَقَا) أَيْ هَارُونُ بْنُ زَيْدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ (فَقَالَ) بن عُمَرَ (لَا تَجْلِسْ هَكَذَا) خِطَابٌ لِلرَّجُلِ الْمَذْكُورِ
وهذا الأثر يؤيد رواية بن عُمَرَ مَرْفُوعًا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ والله أعلم(3/200)
37 - (بَاب فِي تَخْفِيفِ الْقُعُودِ)
[995] (كَأَنَّهُ عَلَى الرَّضْفِ) بِسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ وَتُفْتَحُ الرَّاءُ وَبَعْدَهَا فَاءٌ جَمْعُ رَضْفَةٍ وَهِيَ حِجَارَةٌ مُحْمَاةٌ عَلَى النَّارِ أَرَادَ بِهِ تَخْفِيفَ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَسُرْعَةَ الْقِيَامِ فِي الثُّلَاثِيَّةِ وَالرُّبَاعِيَّةِ
قَالَهُ الطِّيبِيُّ يَعْنِي لَا يَلْبَثُ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ كَثِيرًا بَلْ يُخَفِّفُهُ وَيَقُومُ مُسْرِعًا كَمَنْ هُوَ قَاعِدٌ عَلَى حَجَرٍ حَارٍّ فَيَكُونُ مُكْتَفِيًا بِالتَّشَهُّدِ دُونَ الصَّلَاةِ وَالدُّعَاءِ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ أَوْ مُكْتَفِيًا بِالتَّشَهُّدِ وَالصَّلَاةِ على الدعاء عند الشافعية
قال بن حَجَرٍ الْمَكِّيُّ وَمِنْهُ أَخَذَ أَئِمَّتنَا أَنَّهُ لَا يُسَنُّ فِيهِ الصَّلَاةُ عَلَى الْآلِ وَالْأَظْهَرُ مَا قَالَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ إِنَّ مَعْنَاهُ إِذَا قَامَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ يَعْنِي الْأُولَى وَالثَّالِثَةَ مِنْ كُلِّ صَلَاةٍ رُبَاعِيَّةٍ فَهُمَا الْأُولَيَانِ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ تَقَعُ الْفَاصِلَةُ بَيْنَهُمَا بِالتَّشَهُّدِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الثَّالِثَةَ هِيَ الْأُولَى مِنَ الشَّفْعِ الثَّانِي وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْمَعْنَى حَيْثُ قَالَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ دُونَ بَعْدِهِمَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ (قَالَ) أَيْ شُعْبَةُ (قُلْنَا حَتَّى يَقُومَ) النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قَالَ) أَيِ سَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ (حَتَّى يَقُومَ) وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ قَالَ شُعْبَةُ ثُمَّ حَرَّكَ سَعْدٌ شَفَتَيْهِ بِشَيْءٍ فَأَقُولُ حَتَّى يَقُومَ فَيَقُولُ حَتَّى يَقُومَ
قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَخْتَارُونَ أَنْ لَا يُطِيلَ الرَّجُلُ الْقُعُودَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ وَلَا يَزِيدَ عَلَى التَّشَهُّدِ شَيْئًا فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ وَقَالُوا إِنْ زَادَ عَلَى التَّشَهُّدِ فَعَلَيْهِ سَجْدَةُ السَّهْوِ
هَكَذَا رُوِيَ عَنِ الشَّعْبِيِّ وَغَيْرِهِ انْتَهَى
وَفِي حَاشِيَةِ السِّنْدِيِّ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ فِي جُلُوسِ الرَّكْعَتَيْنِ فِي غَيْرِ الثُّنَائِيَّةِ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ حَتَّى يَقُومَ وَكَوْنُهُ عَلَى الرَّضْفِ كِنَايَةٌ عَنِ التَّخْفِيفِ وَحَتَّى فِي قَوْلِهِ حَتَّى يَقُومَ لِلتَّعْلِيلِ بِقَرِينَةِ الْجَوَابِ بِقَوْلِهِ ذَاكَ يُرِيدُ وَلَا يُنَاسِبُ هَذَا الْجَوَابُ كَوْنَ حَتَّى لِلْغَايَةِ انْتَهَى
وَلَفْظُ النَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ
وَفِيهِ قُلْتُ حَتَّى يَقُومَ قَالَ ذَاكَ يُرِيدُ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ إِلَّا أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ
وَأَبُو عُبَيْدَةَ هَذَا اسْمُهُ عَامِرٌ وَيُقَالُ اسْمُهُ كُنْيَتُهُ وَقَدِ احْتَجَّ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِحَدِيثِهِ فِي صَحِيحَيْهِمَا غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ كَمَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَالَ عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ سَأَلْتُ أَبَا عُبَيْدَةَ هَلْ تَذْكُرُ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ شَيْئًا قَالَ مَا أَذْكُرُ شَيْئًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ(3/201)
38 - (بَاب فِي السَّلَامِ)
[996] (كُلُّهُمْ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ) قَالَ أَخُونَا أَبُو الطَّيِّبِ فِي غَايَةِ الْمَقْصُودِ شَرْحِ سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ أَيْ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَزَائِدَةُ وَأَبُو الْأَحْوَصِ سَلَّامُ بْنُ سُلَيْمٍ الْحَنَفِيُّ الْكُوفِيُّ وَعُمَرُ بْنُ عُبَيْدٍ الطَّنَافِسِيُّ وَشَرِيكٌ وَإِسْرَائِيلُ هَؤُلَاءِ سِتَّةُ أَنْفُسٍ كُلُّهُمْ يَرْوُونَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ وَأَمَّا الْأَحْوَصُ عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ (عَنْ عبد الله) وهو بن مَسْعُودٍ (كَانَ يُسَلِّمُ) أَيْ مِنْ صَلَاتِهِ حَالَ كَوْنِهِ مُلْتَفِتًا بِخَدِّهِ (عَنْ يَمِينِهِ) قَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ مُجَاوِزًا نَظَرَهُ عَنْ يَمِينِهِ كَمَا يُسَلِّمُ أَحَدٌ عَلَى مَنْ فِي يَمِينِهِ (وَعَنْ شِمَالِهِ) فِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ أَنْ يَكُونَ التَّسْلِيمُ إِلَى جِهَةِ الْيَمِينِ ثُمَّ إِلَى جِهَةِ الشِّمَالِ
قَالَ النَّوَوِيُّ وَلَوْ سَلَّمَ التَّسْلِيمَتَيْنِ عَنْ يَمِينِهِ أَوْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ أَوِ الْأُولَى عَنْ يَسَارِهِ وَالثَّانِيَةُ عَنْ يَمِينِهِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَحَصَلَتِ التَّسْلِيمَتَانِ وَلَكِنْ فَاتَهُ الْفَضِيلَةُ فِي كَيْفِيَّتِهِمَا (حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ) بِضَمِّ الْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتُ مِنْ قَوْلِهِ يُرَى مَبْنِيًّا لِلْمَجْهُولِ كَذَا قال بن رَسْلَانَ وَبَيَاضٌ بِالرَّفْعِ عَلَى النِّيَابَةِ
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى الْمُبَالَغَةِ فِي الِالْتِفَاتِ إِلَى جِهَةِ الْيَمِينِ وَإِلَى جِهَةِ الْيَسَارِ وَزَادَ النَّسَائِيُّ فَقَالَ عَنْ يَمِينِهِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ الْأَيْمَنِ وَعَنْ يَسَارِهِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ الْأَيْسَرِ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ مِنْ ها هنا وبياض خده من ها هنا انْتَهَى (السَّلَامُ عَلَيْكُمْ إِلَخْ) إِمَّا حَالٌ مُؤَكَّدَةٌ أَيْ يُسَلِّمُ قَائِلًا السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَوْ جُمْلَةٌ اسْتِئْنَافِيَّةٌ عَلَى تَقْدِيرِ مَاذَا كَانَ يَقُولُ
كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ بن مَاجَهْ
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ(3/202)
(وَهَذَا لَفْظُ حَدِيثِ سُفْيَانَ) الثَّوْرِيِّ وَحَدِيثُ الثَّوْرِيِّ أَخْرَجَهُ أَيْضًا أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ كُلُّهُمْ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ مِثْلُهُ سَنَدًا وَمَتْنًا
وَأَخْرَجَ أَيْضًا أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ
وَأَخْرَجَ الطَّحَاوِيُّ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى الْعَبْسِيِّ وَأَبِي نُعَيْمٍ عَنْ سُفْيَانَ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ
فَهَذَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ لَمْ يَخْتَلِفْ عَلَيْهِ رُوَاتُهُ بَلِ اتَّفَقَ كُلُّ مَنْ رَوَاهُ عَنْهُ كَمُحَمَّدِ بن كثير وعبد الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ وَوَكِيعٍ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى وَأَبِي نُعَيْمٍ عَلَى هَذَا الْإِسْنَادِ وَالْمَتْنِ قَالُوا كُلُّهُمْ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النبي كَانَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ (وَحَدِيثُ إِسْرَائِيلَ لَمْ يُفَسِّرْهُ) يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ الْمَنْصُوبُ إِلَى حَدِيثِ سُفْيَانَ وَفَاعِلُهُ حَدِيثُ إِسْرَائِيلَ فَالْمَعْنَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَيْ لَمْ يُفَسِّرْ حَدِيثَ إِسْرَائِيلَ لِحَدِيثِ سُفْيَانَ وَلَمْ يُبَيِّنْهُ وَلَمْ يُوَافِقْهُ فِي الْإِسْنَادِ بَلْ يُخَالِفُهُ تَارَةً فِي الْمَتْنِ أَيْضًا لِأَنَّ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ يَرْوِي عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَإِنَّمَا إِسْرَائِيلُ يَرْوِي عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ وَالْأَسْوَدِ كِلَيْهِمَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بَلْ يَرْوِي إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهِ وَعَلْقَمَةُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ فَإِسْرَائِيلُ اخْتُلِفَ عَلَيْهِ فَرَوَى حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ إِسْرَائِيلَ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ أَيْ عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص والأسود عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
وَلَفْظُ أَحْمَدَ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا هَاشِمٌ وَحُسَيْنٌ الْمَعْنَى قَالَا حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص والأسود بْنُ يَزِيدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ رَأَيْتُ رسول الله يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ حَتَّى يَبْدُوَ بَيَاضُ خَدِّهِ الْأَيْمَنِ وَعَنْ يَسَارِهِ بِمِثْلِ ذَلِكَ وَرَوَى يَحْيَى بْنُ آدَمَ وَأَبُو أَحْمَدَ وَإِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ إِسْرَائِيلَ بِلَفْظٍ آخَرَ قَالَ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ وَأَبُو أَحْمَدَ قَالَا حَدَّثَنَا إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهِ وَعَلْقَمَةُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ يُكَبِّرُ فِي كُلِّ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ وَرَفْعٍ وَوَضْعٍ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَيُسَلِّمُونَ عَلَى أَيْمَانِهِمْ وَشَمَائِلِهِمُ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ بِسَنَدِهِ إِلَى إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ وَزُهَيْرٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهِ وَعَلْقَمَةُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ نَحْوَهُ
وَرَوَى وَكِيعٌ عَنْ إِسْرَائِيلَ بِلَفْظٍ آخَرَ قَالَ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ وَعَلْقَمَةُ أَوْ أَحَدُهُمَا عن عبد الله أن النبي كَانَ يُكَبِّرُ فِي كُلِّ رَفْعٍ وَخَفْضٍ قَالَ وَفَعَلَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَرَوَى أَسَدٌ عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَحَدِيثُهُ عِنْدَ الطَّحَاوِيِّ
وَرَوَى عُبَيْدُ الله بن موس عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ(3/203)
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ عِنْدَ الطَّحَاوِيِّ أَيْضًا
فَهَذَا الِاخْتِلَافُ كَمَا تَرَى عَلَى إِسْرَائِيلَ وَرُوِيَ عَنْهُ بِخَمْسَةِ أَوْجُهٍ وَأَمَّا سُفْيَانُ فَلَمْ يَخْتَلِفْ عَلَيْهِ وَتَابَعَ سُفْيَانَ عَلَى ذَلِكَ عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ الطَّنَافِسِيُّ فَإِنَّهُ يَرْوِي عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَحَدِيثُهُ عِنْدَ النسائي وأحمد وبن مَاجَهْ وَكَذَا تَابَعَهُ عَلِيُّ بْنُ صَالِحٍ أَبُو مُحَمَّدِ بْنِ الْكُوفِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ وَهُوَ عِنْدَ النَّسَائِيِّ وَكَذَا تَابَعَهُ حَسَنُ بْنُ صَالِحٍ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْكُوفِيُّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ وَهُوَ عِنْدَ أَحْمَدَ فِي مُسْنَدِهِ
وَاسْتُنْبِطَ مِنْ هَذَا الْبَيَانِ تَرْجِيحُ رِوَايَةِ سُفْيَانَ عَلَى رِوَايَةِ إِسْرَائِيلَ وَإِنْ كَانَ إِسْرَائِيلُ أَثْبَتَ وَأَحْفَظَ لِحَدِيثِ أَبِي إِسْحَاقَ
وَأُجِيبُ بِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ وَجْهَ التَّرْجِيحِ لِأَنَّ أَبَا إِسْحَاقَ رَوَى الْحَدِيثَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ وَعَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ جَمِيعًا وَقَدْ جَمَعَ الْحُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةَ فِي رِوَايَتِهِ فَقَالَ الْحُسَيْنُ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ عَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ وَأَبِي الْأَحْوَصِ قَالُوا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَحَدِيثُ حُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ عِنْدَ النَّسَائِيِّ وَالدَّارَقُطْنِيِّ
فَسُفْيَانُ رَوَى عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ وَحْدَهُ وَرَوَى إِسْرَائِيلُ عَنْ هَؤُلَاءِ جَمِيعًا مَرَّةً كَذَا وَمَرَّةً كَذَا عَلَى أَنَّ زُهَيْرًا رَوَى عَنْ أَبِي إسحاق عن عبد الرحمن بن الأسود عن أَبِيهِ أَيْضًا فَعَبْدُ الرَّحْمَنِ شَيْخٌ رَابِعٌ لِأَبِي إِسْحَاقَ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُؤَلِّفُ وَرَجَّحَ الدَّارَقُطْنِيُّ هَذَا الْإِسْنَادَ كَمَا سَيَجِيءُ (قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَرَوَاهُ زُهَيْرُ) بْنُ مُعَاوِيَةَ (عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ) وَحَدِيثُ زُهَيْرٍ وَصَلَهُ النَّسَائِيُّ بِقَوْلِهِ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأسود عن الأسود وعلقمة عن عبد الله قال رأيت رسول الله يُكَبِّرُ فِي كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ وَقِيَامٍ وَقُعُودٍ وَيُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ وَرَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ يَفْعَلَانِ ذَلِكَ
وَلَفْظُ أَحْمَدَ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ زُهَيْرٍ حَدَّثَنِي أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن الأسود عن الأسود وعلقمة عن عبد اللَّهِ الْحَدِيثَ
وَفِي لَفْظٍ لِأَحْمَدَ حَدَّثَنَا سَلْمَانُ بن داود حدثنا زهير حدثنا أبو إسحاق عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَلَفْظُ الدَّارَقُطْنِيِّ مِنْ طَرِيقِ حُمَيْدٍ الرَّوَاسِيِّ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ عَنْ أَبِي إسحاق عن عبد الرحمن بن الأسود عن أَبِيهِ وَعَلْقَمَةُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الْحَدِيثَ
وَفِي لَفْظٍ لِأَحْمَدَ حَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الأسود عن الأسود وعلقمة عن عبد الله الْحَدِيثَ (وَيَحْيَى بْنُ آدَمَ) أَيْ رَوَى يَحْيَى بْنُ آدَمَ (عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهِ) الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ (وَعَلْقَمَةَ) هَذَا مَعْطُوفٌ عَلَى(3/204)
عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَوْ عَلَى أَبِيهِ فِيهِ احْتِمَالَانِ فَعَلَى الْأَوَّلِ أَبُو إِسْحَاقَ رَوَى عَنْ عَلْقَمَةَ وَعَلَى الثَّانِي أَبُو إِسْحَاقَ رَوَى عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَلْقَمَةَ وَيُؤَيِّدُ الِاحْتِمَالَ الْأَوَّلَ كَوْنُ أَبِي إِسْحَاقَ كَثِيرَ الرِّوَايَةِ عَنْ عَلْقَمَةَ وَيُؤَيِّدُ الِاحْتِمَالَ الثَّانِيَ إِخْرَاجُ أَحْمَدَ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
(عَنْ عَبْدِ اللَّهِ) أَخْرَجَ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ وَأَبُو أَحْمَدَ قَالَا حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهِ وَعَلْقَمَةُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ يُكَبِّرُ فِي كُلِّ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ وَرَفْعٍ وَوَضْعٍ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَيُسَلِّمُونَ عَلَى أَيْمَانِهِمْ وَشَمَائِلِهِمُ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَرَجَّحَ الدَّارَقُطْنِيُّ إِسْنَادَ زهير عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بْنِ الْأَسْوَدِ فَقَالَ فِي سُنَنِهِ اخْتُلِفَ عَلَى أبي إسحاق في إسناده ورواه زهيرعن أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهِ وَعَلْقَمَةُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ أَحْسَنُ إِسْنَادًا وَإِنَّمَا رَجَّحَ الدَّارَقُطْنِيُّ إِسْنَادَ زُهَيْرٍ لِأَنَّ الْإِمَامَ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيَّ رَوَى حَدِيثَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ خَرَجَ النبي لِحَاجَتِهِ فَقَالَ الْتَمِسْ لِي ثَلَاثَةَ أَحْجَارٍ قَالَ فَأَتَيْتُهُ بِحَجِرِينَ الْحَدِيثُ بِإِسْنَادِ زُهَيْرٍ عَنْ أَبِي إسحاق عن عبد الرحمن بن الأسود عن أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ فَكَمَا اخْتُلِفَ عَلَى أَبِي إِسْحَاقَ فِي حَدِيثِ التَّسْلِيمِ اخْتُلِفَ فِي حَدِيثِ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحِجَارَةِ أَيْضًا فَالْبُخَارِيُّ رَجَّحَ فِي حَدِيثِ الِاسْتِنْجَاءِ رِوَايَةَ زُهَيْرٍ وَتَرَكَ كُلَّ مَا سِوَاهُ فَاخْتَارَ الدَّارَقُطْنِيُّ لِأَجْلِ هَذَا الِاخْتِلَافِ الْفَاحِشِ فِي حَدِيثِ التَّسْلِيمِ رِوَايَةَ زُهَيْرٍ كَمَا اخْتَارَهُ الْبُخَارِيُّ فِي حَدِيثِ الِاسْتِنْجَاءِ
وَلِلْأَئِمَّةِ فِي اخْتِيَارِ رِوَايَةِ زُهَيْرٍ هَذِهِ وَتَرْجِيحِهَا عَلَى غَيْرِهَا كَلَامٌ طَوِيلٌ
قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي بَابِ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرَيْنِ رَوَى مَعْمَرٌ وَعَمَّارُ بْنُ رُزَيْقٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَرَوَى زهير عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهِ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَرَوَى زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
قَالَ أَبُو عِيسَى سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَيُّ الرِّوَايَاتِ فِي هَذَا عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ أَصَحُّ فَلَمْ يَقْضِ فِيهِ بِشَيْءٍ وَسَأَلْتُ مُحَمَّدًا عَنْ هَذَا فَلَمْ يَقْضِ فِيهِ بِشَيْءٍ وَكَأَنَّهُ رَأَى حَدِيثَ زُهَيْرٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَشْبَهَ وَوَضَعَهُ فِي كِتَابِهِ الْجَامِعِ
انتهى مختصرا(3/205)
(قال أبو داود شعبة) بن الْحَجَّاجِ إِمَامٌ نَاقِدٌ (كَانَ يُنْكِرُ هَذَا الْحَدِيثَ) وَيُبْدِلُ مِنْهُ (حَدِيثَ أَبِي إِسْحَاقَ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ زِيَادَةُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ أَنْ يَكُونَ مَرْفُوعًا أَيْ يُنْكِرُ شُعْبَةُ حَدِيثَ أَبِي إِسْحَاقَ رَفَعَهُ إلى النبي وَلَيْسَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ فِي عَامَّةِ النُّسَخِ وَإِسْقَاطُهَا أَشْبَهُ إِلَى الصَّوَابِ لِأَنَّ حَدِيثَ أَبِي إِسْحَاقَ من رواية بن مَسْعُودٍ رَوَاهُ جَمٌّ غَفِيرٌ عَنْ أَبَى إِسْحَاقَ وَكُلُّهُمْ رَوَوْا عَنْهُ مَرْفُوعًا وَمَا رَوَى وَاحِدٌ منهم موقوفا على بن مَسْعُودٍ وَأَمَّا مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ أَبِي إِسْحَاقَ أَيْضًا فَحَدِيثٌ صَحَّ سَنَدُهُ وَثَبَتَ رَفْعُهُ
وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِ شُعْبَةَ عَلَى صُورَةِ حَذْفِ هَذِهِ الْعِبَارَةِ أَنَّ شُعْبَةَ يُنْكِرُ حَدِيثَ أَبِي إِسْحَاقَ وَلَمْ يَرَهُ مَحْفُوظًا لِأَجْلِ اخْتِلَافِهِ عَلَيْهِ وَبِسَبَبِ الِاضْطِرَابِ فِيهِ وَلَعَلَّ الْمَحْفُوظَ عِنْدَ شُعْبَةَ مَا رُوِيَ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ أَبِي إِسْحَاقَ وَهِيَ عِدَّةُ رِوَايَاتٍ مِنْهَا مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ كَأَنَّمَا أَنْظُرُ إِلَى بَيَاضِ خد رسول الله لِتَسْلِيمَتِهِ الْيُسْرَى وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ أَيْضًا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عبد الله عن رسول الله أَنَّهُ كَانَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ حَتَّى أَرَى بَيَاضَ وَجْهِهِ فَمَا نَسِيتُ بَعْدُ فِيمَا نَسِيتُ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ
وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ عَنِ الحكم عن مجاهد عن أبي معمر عن عَبْدِ اللَّهِ قَالَ سَمِعْتُهُ مَرَّةً رَفَعَهُ ثُمَّ تَرَكَهُ رَأَى أَمِيرًا أَوْ رَجُلًا سَلَّمَ تَسْلِيمَتَيْنِ فَقَالَ أَنَّى عَلِقَهَا
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ جِهَتِهِ فَقَالَ حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ قَالَ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنِ الْحَكَمِ عن مجاهد عن أبي معمر عن عبد اللَّهِ قَالَ شُعْبَةُ رَفَعَهُ مَرَّةً أَنَّ أَمِيرًا أَوْ رَجُلًا سَلَّمَ تَسْلِيمَتَيْنِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ أَنَّى عَلِقَهَا
وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ أَيْضًا حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنِ الْحَكَمِ وَمَنْصُورٌ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ أَنَّ أَمِيرًا كَانَ بِمَكَّةَ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَتَيْنِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ أَنَّى عَلِقَهَا
قَالَ الحكم في حديثه إن رسول الله كان يفعله
وأخرج الطحاوي حدثنا بن أَبِي دَاوُدَ حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ نَحْوَهُ أَوِ الْمَحْفُوظَ عِنْدَ شُعْبَةَ عَنْ أبي إسحاق من غير رواية بن مسعود كما أخرجه الطحاوي حدثنا بن(3/206)
مرزوق حدثنا وهب حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مَضْرِبٍ قَالَ كَانَ عَمَّارٌ أَمِيرًا عَلَيْنَا سَنَةً لَا يُصَلِّي صَلَاةً إِلَّا سَلَّمَ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ
وَعَلَى صُورَةِ إِثْبَاتِ هَذِهِ الْجُمْلَةِ مَعْنَى قَوْلِ شُعْبَةَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ أَبَا إِسْحَاقَ غَلِطَ فِي رَفْعِهِ وَإِنَّمَا هو موقوف على بن مَسْعُودٍ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ زُهَيْرٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ عَنْ مَنْصُورٍ وَفِيهِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ أَنَّى عَلِقَهَا وَلَمْ يَجْعَلْهُ مَنْصُورٌ مَرْفُوعًا وَأَمَّا الْحَكَمُ أَيْضًا مَرَّةً رَفَعَهُ ثُمَّ تَرَكَ رَفْعَهُ
وَأَخْرَجَ الطَّحَاوِيُّ حدثنا بن أَبِي دَاوُدَ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ أَمِيرًا صَلَّى بِمَكَّةَ فَسَلَّمَ تسليمتين فقال بن مسعود
أترى من أين علقها
وسمعت بن أَبِي دَاوُدَ يَقُولُ قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ هَذَا أَصَحُّ مَا رُوِيَ فِي هَذَا الْبَابِ
انْتَهَى
وَأُجِيبُ بِأَنَّ رَفْعَهُ لَيْسَ بِوَهْمٍ مِنْ أَبِي إِسْحَاقَ بَلْ إِنَّمَا الْمَحْفُوظُ رَفْعُهُ كَمَا عَرَفْتَ مِنَ الرِّوَايَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ
هَذَا غَايَةُ مَا فِي وُسْعِنَا فِي بَيَانِ مَعْنَى كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ وَقَوْلُ شُعْبَةَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمُرَادِ الْإِمَامِ فَإِنَّ فِي الْعِبَارَةِ الِاخْتِصَارَ الْمُفْضِيَ إِلَى فَوْتِ الْمَقْصُودِ انْتَهَى كَلَامُ صَاحِبِ غَايَةِ الْمَقْصُودِ بِلَفْظِهِ
[997] (عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ صَلَّيْتُ مع النبي فَكَانَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ إِلَخْ) قَالَ فِي سُبُلِ السَّلَامِ شَرْحِ بُلُوغِ الْمَرَامِ هَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ عَنْ أَبِيهِ وَنَسَبَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّلْخِيصِ إِلَى عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ وَائِلٍ وَقَالَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ فَأَعَلَّهُ بِالِانْقِطَاعِ وَهُنَا أَيْ فِي بُلُوغِ الْمَرَامِ قَالَ صَحِيحٌ وَرَاجَعْنَا سُنَنَ أَبِي دَاوُدَ فَرَأَيْنَاهُ رَوَاهُ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ عَنْ أَبِيهِ وَقَدْ صَحَّ سَمَاعُ عَلْقَمَةَ عَنْ أَبِيهِ خَالَفَ مَا فِي التَّلْخِيصِ وَحَدِيثُ التَّسْلِيمَتَيْنِ رَوَاهُ خَمْسَةَ عَشَرَ مِنَ الصَّحَابَةِ بِأَحَادِيثَ مُخْتَلِفَةٍ فِيهَا صَحِيحٌ وَحَسَنٌ وَضَعِيفٌ وَمَتْرُوكٌ وَكُلُّهَا بِدُونِ زِيَادَةِ وَبَرَكَاتُهُ إِلَّا فِي رِوَايَةِ وَائِلٍ هَذِهِ وَرِوَايَةٍ عن بن مسعود عند بن ماجه وعند بن حِبَّانَ وَمَعَ صِحَّةِ إِسْنَادِ حَدِيثِ وَائِلٍ كَمَا قَالَ الْحَافِظُ فِي بُلُوغِ(3/207)
الْمَرَامِ يَتَعَيَّنُ قَبُولُ زِيَادَتِهِ إِذْ هِيَ زِيَادَةُ عَدْلٍ وَعَدَمُ ذِكْرِهَا فِي رِوَايَةِ غَيْرِهِ لَيْسَتْ رِوَايَةً لِعَدَمِهَا وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّ الْوَارِدَ زِيَادَةُ وَبَرَكَاتُهُ وَقَدْ صَحَّتْ وَلَا عُذْرَ عَنِ الْقَوْلِ بِهَا
وَقَالَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ
وَقَوْلُ بن الصَّلَاحِ إِنَّهَا لَمْ تَثْبُتْ قَدْ تَعَجَّبَ مِنْهُ الحافظ وقال هي ثابتة عند بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَعِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَعِنْدَ بن مَاجَهْ
قَالَ صَاحِبُ السُّبُلِ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ بن رَسْلَانَ فِي شَرْحِ السُّنَنِ لَمْ نَجِدْهَا فِي بن ماجه
قال صاحب السبل راجعنا سنن بن مَاجَهْ مِنْ نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ مَقْرُوءَةٍ فَوَجَدْنَا فِيهِ مَا لَفْظُهُ بَابُ التَّسْلِيمِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عن عبد الله أن رسول الله كَانَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ انْتَهَى لَفْظُهُ
قَالَ مُؤَلِّفُ غَايَةِ الْمَقْصُودِ لَكِنَّ نُسْخَةَ السُّنَنِ لِابْنِ مَاجَهْ الَّتِي عِنْدَ شَيْخِنَا نَذِيرِ حُسَيْنٍ الْمُحَدِّثِ أَظُنُّهَا بِخَطِّ الْقَاضِي ثَنَاءِ اللَّهِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالَّتِي بِأَيْدِينَا تُؤَيِّدُ كلام بن رَسْلَانَ فَإِنَّهَا خَالِيَةٌ عَنْ هَذِهِ الزِّيَادَةِ لَكِنِ الِاعْتِمَادُ فِي ذَلِكَ الْبَابِ عَلَى نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ مَقْرُوءَةٍ عَلَى الْحُفَّاظِ كَمَا قَالَهُ الْأَمِيرُ الْيَمَانِيُّ فِي السُّبُلِ فَإِنَّهُ رَأَى هَذِهِ الزِّيَادَةَ وَأَيْضًا قد أثبت هذه الزيادة من رواية بن مَاجَهْ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْكُتُبِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَفِي تَلْقِيحِ الْأَفْكَارِ تَخْرِيجِ الْأَذْكَارِ للحافظ بن حَجَرٍ لَمَّا ذَكَرَ النَّوَوِيُّ أَنَّ زِيَادَةَ وَبَرَكَاتُهُ زِيَادَةٌ فَرْدَةٌ سَاقَ الْحَافِظُ طُرُقًا عِدَّةً لِزِيَادَةِ وَبَرَكَاتُهُ ثُمَّ قَالَ فَهَذِهِ عِدَّةُ طُرُقٍ ثَبَتَتْ بِهَا وَبَرَكَاتُهُ بِخِلَافِ مَا يُوهِمُهُ كَلَامُ الشَّيْخِ أَنَّهَا رِوَايَةٌ فَرْدَةٌ انْتَهَى كَلَامُهُ
وَحَيْثُ ثَبَتَ أن التسليمتين من فعله فِي الصَّلَاةِ وَقَدْ ثَبَتَ قَوْلُهُ صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي وَثَبَتَ حَدِيثُ تَحْرِيمِهَا التَّكْبِيرُ وَتَحْلِيلِهَا السَّلَامُ أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ فَيَجِبُ التَّسْلِيمُ لِذَلِكَ
وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِهِ الشَّافِعِيَّةُ
وَقَالَ النَّوَوِيُّ إِنَّهُ قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ
وَذَهَبَتِ الْحَنَفِيَّةُ وآخرون إلى أنه سنة مدلين على ذلك بقوله في حديث بن عُمَرَ إِذَا رَفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ مِنَ السَّجْدَةِ وَقَعَدَ ثُمَّ أَحْدَثَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ التَّسْلِيمَ لَيْسَ بِرُكْنٍ وَاجِبٍ وَإِلَّا لَوَجَبَتِ الْإِعَادَةُ وَلِحَدِيثِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ فإنه لَمْ يَأْمُرْهُ بِالسَّلَامِ
وَأُجِيبُ عَنْهُ بِأَنَّ حَدِيثَ بن عُمَرَ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ الْحُفَّاظِ فَإِنَّهُ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ هَذَا حَدِيثٌ إِسْنَادُهُ لَيْسَ بِذَاكَ الْقَوِيِّ وَقَدِ اضْطَرَبُوا فِي إِسْنَادِهِ وَحَدِيثُ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ لَا يُنَافِي الْوُجُوبَ فَإِنَّ هَذِهِ زِيَادَةٌ وَهِيَ مقبولة والاستدلال بقوله تعالى اركعوا واسجدوا عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ السَّلَامِ اسْتِدْلَالٌ غَيْرُ تَامٍّ لِأَنَّ الْآيَةَ مُجْمَلَةٌ بَيَّنَ الْمَطْلُوبَ مِنْهَا فِعْلُهُ وَلَوْ عُمِلَ بِهَا وَحْدَهَا لَمَا وَجَبَتِ الْقِرَاءَةُ ولا غيرها(3/208)
قَالَ أَصْحَابُ السُّبُلِ وَدَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى وُجُوبِ التَّسْلِيمِ عَلَى الْيَمِينِ وَالْيَسَارِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إِلَى أَنَّ الْوَاجِبَ تَسْلِيمَةٌ وَاحِدَةٌ وَالثَّانِيَةُ مَسْنُونَةٌ
قَالَ النَّوَوِيُّ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ الَّذِينَ يُعْتَدُّ بِهِمْ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ إِلَّا تَسْلِيمَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِنِ اقْتَصَرَ عَلَيْهَا اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يُسَلِّمَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ فَإِنْ سَلَّمَ تَسْلِيمَتَيْنِ جَعَلَ الْأُولَى عَنْ يَمِينِهِ وَالثَّانِيَةَ عَنْ يَسَارِهِ ولعل حجة الشافعي حديث عائشة أنه كَانَ إِذَا أَوْتَرَ بِتِسْعِ رَكَعَاتٍ لَمْ يَقْعُدْ إِلَّا فِي الثَّامِنَةِ فَيَحْمَدُ اللَّهَ وَيَذْكُرُهُ وَيَدْعُو ثُمَّ يَنْهَضُ وَلَا يُسَلِّمُ ثُمَّ يُصَلِّي التَّاسِعَةَ فَيَجْلِسُ وَيَذْكُرُ اللَّهَ وَيَدْعُو ثُمَّ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً أخرجه بن حِبَّانَ وَإِسْنَادُهُ عَنْ شَرْطِ مُسْلِمٍ
وَأُجِيبُ عَنْهُ بِأَنَّهُ لَا يُعَارِضُ حَدِيثَ الزِّيَادَةِ كَمَا عَرَفْتَ مِنْ قَبُولِ الزِّيَادَةِ إِذَا كَانَتْ مِنْ عَدْلٍ
وَعِنْدَ مَالِكٍ أَنَّ الْمَسْنُونَ تَسْلِيمَةٌ وَاحِدَةٌ
وَقَدْ بين بن عَبْدِ الْبَرِّ ضَعْفَ أَدِلَّةِ هَذَا الْقَوْلِ مِنَ الْأَحَادِيثِ
وَاسْتَدَلَّ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى كِفَايَةِ التَّسْلِيمَةِ الْوَاحِدَةِ بِعَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَهُوَ عَمَلٌ تَوَارَثُوهُ كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ
وَأُجِيبُ عَنْهُ بِأَنَّهُ قَدْ تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ عَمَلَهُمْ لَيْسَ بِحُجَّةٍ
وَقَدْ أطال الكلام فيه الحافظ بن الْقَيِّمِ فِي إِعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ عَنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ بِمَا لَا يَزِيدُ عَلَيْهِ
وَقَوْلُهُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ أَيْ مُنْحَرِفًا إِلَى الْجِهَتَيْنِ بِحَيْثُ يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ
[998] (يُومِي بِيَدِهِ) هَكَذَا فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا يَرْمِي
قَالَ الْإِمَامُ بن الْأَثِيرِ إِنْ صَحَّتِ الرِّوَايَةُ بِالرَّاءِ وَلَمْ يَكُنْ تَصْحِيفًا لِلْوَاوِ فَقَدْ جَعَلَ الرَّمْيَ بِالْيَدِ مَوْضِعَ الْإِيمَاءِ بِهَا لِجَوَازِ ذَلِكَ فِي اللُّغَةِ يَقُولُ رَمَيْتُ بِبَصَرِي إِلَيْكَ أَيْ مَدَدْتُهُ وَرَمَيْتُ إِلَيْكَ بِيَدِي أَيْ أَشَرْتُ بِهَا
قَالَ وَالرِّوَايَةُ الْمَشْهُورَةُ رواية مسلم علام ماتومؤن بِهَمْزَةٍ مَضْمُومَةٍ بَعْدَ الْمِيمِ وَالْإِيمَاءُ الْإِشَارَةُ أَوْمَأَ يومىء إيماء وهم يومؤن مَهْمُوزًا وَلَا تَقُلْ أَوْمَيْتُ بِيَاءٍ سَاكِنَةٍ قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ (كَأَنَّهَا أَذْنَابُ خَيْلٍ شُمْسٍ) قَالَ النَّوَوِيُّ وَهُوَ بِإِسْكَانِ الْمِيمِ وَضَمِّهَا وَهِيَ الَّتِي لَا تَسْتَقِرُّ بَلْ تَضْطَرِبُ وَتَتَحَرَّكُ بِأَذْنَابِهَا
وَفِي النَّيْلِ بِإِسْكَانِ الْمِيمِ وَضَمِّهَا مَعَ ضَمِّ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ جَمْعُ شَمُوسٍ بِفَتْحِ الشِّينِ وَهُوَ مِنَ الدَّوَابِّ النَّفُورُ الَّذِي يَمْتَنِعُ عَلَى رَاكِبِهِ وَمِنَ الرِّجَالِ صَعْبُ الْخُلُقِ (أَنْ يَقُولَ) أَيْ أَنْ يَفْعَلَ (هكذا وأشار) النبي (بِأُصْبُعِهِ) بِأَنْ يَضَعَ أَحَدُكُمْ يَدَهُ عَلَى فَخِذِهِ وَهَذَا الْمَعْنَى مُتَعَيِّنٌ لِأَنَّ الرِّوَايَةَ(3/209)
الْآتِيَةَ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْأَنْبَارِيَّ مُبَيِّنَةٌ لِلْمُرَادِ وَفِيهَا أَمَا يَكْفِي أَحَدَكُمْ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى فَخِذِهِ ثُمَّ يُسَلِّمُ وَأَرْوَدَ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ هَذِهِ الطَّرِيقِ أَيْ طَرِيقِ مِسْعَرٍ بِلَفْظِ كُنَّا إِذَا صَلَّيْنَا مَعَ رسول الله قُلْنَا السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى الْجَانِبَيْنِ فَقَالَ رسول الله إِنَّمَا يَكْفِي أَحَدَكُمْ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى فَخِذِهِ ثُمَّ يُسَلِّمُ عَلَى أَخِيهِ مَنْ عَلَى يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ وَمِنْ طَرِيقِ إِسْرَائِيلَ بِلَفْظِ فَكُنَّا إِذَا سَلَّمْنَا قُلْنَا بِأَيْدِينَا السَّلَامُ عَلَيْكُمْ فَنَظَرَ إلينا رسول الله فَقَالَ مَا شَأْنُكُمْ تُشِيرُونَ بِأَيْدِيكُمْ كَأَنَّهَا أَذْنَابُ خَيْلٍ شُمْسٍ إِذَا سَلَّمَ أَحَدُكُمْ فَلْيَلْتَفِتْ إِلَى صاحبه ولا يومي بيده انتهى
وليس المراد أن النبي نَهَى أَنْ يُشِيرَ بِيَدِهِ وَأَمَرَ أَنْ يُشِيرَ بِإِصْبَعِهِ وَأَنَّ عُثْمَانَ بْنَ أَبِي شَيْبَةَ شَيْخَ الْمُؤَلِّفِ تَفَرَّدَ بِهَذِهِ اللَّفْظَةِ وَغَيْرُهُ مِنَ الْحُفَّاظِ كَمُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْأَنْبَارِيِّ شَيْخِ الْمُؤَلِّفِ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبِي كُرَيْبٍ وَالْقَاسِمِ بْنِ زَكَرِيَّا مِنْ شُيُوخِ مُسْلِمٍ كُلُّهُمْ رَوَوْهُ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُورِ آنِفًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ [1000] (مَا لِيَ أَرَاكُمْ رَافِعِي أَيْدِيَكُمْ) قَالَ النَّوَوِيُّ وَالْمُرَادُ بِالرَّفْعِ المنهي عنه ها هنا رَفْعُهُمْ أَيْدِيَهِمْ عَنِ السَّلَامِ مُشِيرِينَ إِلَى السَّلَامِ مِنَ الْجَانِبَيْنِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى
وَقَدِ احْتَجَّ بَعْضُ مَنْ لَا خِبْرَةَ لَهُ بِحَدِيثِ جَابِرٍ هَذَا عَلَى تَرْكِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَالرَّفْعِ مِنْهُ وَهَذَا احْتِجَاجٌ بَاطِلٌ
قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي جُزْءِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ فَأَمَّا احْتِجَاجُ بَعْضِ مَنْ لَا يَعْلَمُ بِحَدِيثِ وَكِيعٍ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنِ الْمُسَيَّبِ بْنِ رَافِعٍ عَنْ تَمِيمِ بْنِ طَرَفَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ سمرة قال دخل علينا رسول الله وَنَحْنُ رَافِعُو أَيْدِينَا الْحَدِيثَ فَإِنَّمَا كَانَ هَذَا فِي التَّشَهُّدِ لَا فِي الْقِيَامِ كَانَ يُسْلِّمُ بعضهم على بعض فنهى النبي عَنْ رَفْعِ الْأَيْدِي فِي التَّشَهُّدِ وَلَا يَحْتَجُّ بِهَذَا مَنْ لَهُ حَظٌّ مِنَ الْعِلْمِ هَذَا مَعْرُوفٌ مَشْهُورٌ لَا اخْتِلَافَ فِيهِ وَلَوْ كَانَ كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ لَكَانَ رَفْعُ الْأَيْدِي فِي أَوَّلِ التَّكْبِيرَةِ وَأَيْضًا تَكْبِيرَاتِ صَلَاةِ الْعِيدِ مَنْهِيًّا عَنْهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَثْنِ رَفْعًا دُونَ رَفْعٍ وَقَدْ ثَبَتَ حَدِيثُ(3/210)
مِسْعَرٍ وَفِيهِ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى فَخِذِهِ ثُمَّ يُسَلِّمَ الْحَدِيثَ
قَالَ الْبُخَارِيُّ فَلْيَحْذَرْ أَمْرَهُ أن يتقول على رسول الله ما لم يقل
قال الله عزوجل فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فتنة أو يصيبهم عذاب أليم انتهى كلام البخاري
وقال بن حبان ذكر الخبر التقصي لِلْقِصَّةِ الْمُخْتَصَرَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ بِأَنَّ الْقَوْمَ إِنَّمَا أُمِرُوا بِالسُّكُونِ فِي الصَّلَاةِ عَنِ الْإِشَارَةِ بِالتَّسْلِيمِ دُونَ الرَّفْعِ الثَّابِتِ عِنْدَ الرُّكُوعِ ثُمَّ رَوَاهُ كَنَحْوِ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ
وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ وَلَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَى مَنْعِ الرَّفْعِ عَلَى الْهَيْئَةِ الْمَخْصُوصَةِ فِي الْمَوْضِعِ الْمَخْصُوصِ وَهُوَ الرُّكُوعُ وَالرَّفْعُ مِنْهُ لِأَنَّهُ مُخْتَصَرٌ مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ انْتَهَى
وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إِنَّهُمَا حَدِيثَانِ لَا يُفَسَّرُ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ كَمَا جَاءَ فِي لَفْظِ الْحَدِيثِ دَخَلَ عَلَيْنَا رسول الله وإذ الناس رافعي أيديهم في الصلاة فقال مالي أَرَاكُمْ رَافِعِي أَيْدِيكُمْ كَأَنَّهَا أَذْنَابُ خَيْلٍ شُمْسٍ اسْكُنُوا فِي الصَّلَاةِ وَالَّذِي يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَالَ التَّسْلِيمِ لَا يُقَالُ لَهُ اسْكُنْ فِي الصَّلَاةِ إِنَّمَا يُقَالُ ذَلِكَ لِمَنْ يَرْفَعُ يَدَيْهِ أَثْنَاءَ الصَّلَاةِ وَهُوَ حَالَةُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَالرَّاوِي هَذَا فِي وَقْتٍ آخَرَ كَمَا شَاهَدَهُ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ بُعْدٌ انْتَهَى كَلَامُ الزَّيْلَعِيِّ
قُلْتُ الْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ مِنَ الْإِمَامِ جَمَالِ الدِّينِ الزَّيْلَعِيِّ أَنَّهُ كَيْفَ قَالَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ وَلَوْ قَالَ غَيْرُهُ كَالطَّحَاوِيِّ وَالْعَيْنِيِّ وَأَمْثَالِهِمَا لَا يُعْجَبُ مِنْهُمْ إِنَّمَا مِنْهُ لِأَنَّهُ مُحَدِّثٌ كَبِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْإِنْصَافِ وَلَا يَخْفَى عَلَى مَنْ لَهُ مَذَاقٌ فِي الْعِلْمِ فَسَادُ بَيَانِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا لَيْسَا بِحَدِيثَيْنِ بَلْ هُمَا حَدِيثٌ وَاحِدٌ يُفَسَّرُ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ وَالرَّاوِي وَاحِدٌ وَهُوَ جَابِرُ بْنُ سَمُرَةَ وَالْمَتْنُ وَاحِدٌ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ
9 - (بَاب الرَّدِّ على الإمام)
[1001] (أن يرد عَلَى الْإِمَامِ) قَالَ فِي الْمِرْقَاةِ أَيْ نَنْوِيَ الرَّدَّ عَلَى الْإِمَامِ بِالتَّسْلِيمَةِ الثَّانِيَةِ مَنْ عَلَى يَمِينِهِ وَبِالْأُولَى مَنْ عَلَى يَسَارِهِ وَبِهِمَا مَنْ عَلَى مُحَاذَاتِهِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ
قَالَ الطِّيبِيُّ قِيلَ رَدُّ الْمَأْمُومِ عَلَى الْإِمَامِ سَلَامَهُ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَهُ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ يُسَّلِم الْمَأْمُومُ ثَلَاثَ تَسْلِيمَاتٍ تَسْلِيمَةً يَخْرُجُ بِهَا مِنَ الصَّلَاةِ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ يَتَيَامَنُ يَسِيرًا وَتَسْلِيمَةً على الإمام وتسليمة يَخْرُجُ بِهَا مِنَ الصَّلَاةِ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ يَتَيَامَنُ يَسِيرًا وَتَسْلِيمَةً عَلَى الْإِمَامِ وَتَسْلِيمَةً عَلَى مَنْ كان(3/211)
عَلَى يَسَارِهِ
وَفِي النَّيْلِ قَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ إِنْ كَانَ الْمَأْمُومُ عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ فَيَنْوِي الرَّدَّ عَلَيْهِ بِالثَّانِيَةِ وَإِنْ كَانَ عَنْ يَسَارِهِ فَيَنْوِي الرَّدَّ عَلَيْهِ بِالْأُولَى وَإِنْ حَاذَاهُ فِيمَا شاء وهو في الأولى أحب ولفظ بن مَاجَهْ قَالَ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُسَلِّمَ عَلَى أَئِمَّتِنَا وَأَنْ يُسَلِّمَ بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ
(أَنْ نَتَحَابَّ) تَفَاعُلٌ مِنَ الْمَحَبَّةِ أَيْ وَأَنْ نَتَحَابَّ مَعَ الْمُصَلِّينَ وَسَائِرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنْ يَفْعَلَ كُلٌّ مِنَّا مِنَ الْأَخْلَاقِ الْحَسَنَةِ وَالْأَفْعَالِ الصَّالِحَةِ وَالْأَقْوَالِ الصَّادِقَةِ وَالنَّصَائِحِ الْخَالِصَةِ مَا يُؤَدِّي إِلَى الْمَحَبَّةِ وَالْمَوَدَّةِ وَفِي النَّيْلِ بِتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ آخِرِ الْحُرُوفِ وَالتَّحَابُبُ التَّوَادُدُ وَتَحَابُّوا أَحَبَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ صَاحِبَهُ (وَأَنْ يُسَلِّمَ بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ) أَيْ فِي الصَّلَاةِ وَمَا قَبْلَهُ مُعْتَرِضَةٌ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ الْبَزَّازُ وَلَفْظُهُ وَأَنْ نُسَلِّمَ عَلَى أَئِمَّتنَا وَأَنْ يُسَلِّمَ بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فِي الصَّلَاةِ أَيْ يَنْوِي الْمُصَلِّي مَنْ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ مِنَ الْبَشَرِ وَكَذَا مِنَ الْمَلِكِ فَإِنَّهُ أَحَقُّ بِالتَّسْلِيمِ الْمُشْعِرِ بِالتَّعْظِيمِ
قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ هَذِهِ السُّنَّةُ تَرَكَهَا النَّاسُ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هَذَا فِي خَارِجِ الصَّلَاةِ
قَالَ الطِّيبِيُّ هَذَا عَطْفُ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ لِأَنَّ التَّحَابَّ أَشْمَلُ مَعْنًى مِنَ التَّسْلِيمِ لِيُؤْذَنَ بِأَنَّهُ فَتَحَ بَابَ الْمَحَبَّةِ وَمُقَدِّمَتَهَا
قال الحافظ بن حَجَرٍ وَإِسْنَادُهُ حَسَنٍ وَرَوَى أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا وَبَعْدَهَا أَرْبَعًا وَقَبْلَ الْعَصْرِ أَرْبَعًا يَفْصِلُ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ بِالتَّسْلِيمِ عَلَى الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ وَالنَّبِيِّينَ ومن معهم من المؤمنين قال علي القارىء وَلَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ حَدِيثَ عَلِيٍّ مَحْمُولٌ عَلَى تَسْلِيمِ التَّشَهُّدِ حَيْثُ يَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ
فَإِنَّ عِنْدَ التَّسْلِيمِ بِالْخُرُوجِ عَنِ الصَّلَاةِ لَا يَنْوِي الْأَنْبِيَاءُ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ
وَفِي النَّيْلِ ظَاهِرُهُ شَامِلٌ لِلصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا وَلَكِنَّهُ قَيَّدَهُ الْبَزَّارُ بِالصَّلَاةِ كَمَا تَقَدَّمَ وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ سَلَامُ الْإِمَامِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَأْمُومِينَ عَلَى الْإِمَامِ وَسَلَامُ الْمُقْتَدِينَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ
انْتَهَى
قال المنذري وأخرجه بن مَاجَهْ مُخْتَصَرًا قَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي سَمَاعِ الْحَسَنِ مِنْ سَمُرَةَ
0 - (بَاب التَّكْبِيرِ بَعْدَ الصَّلَاةِ)
[1002] (عن بن عَبَّاسٍ قَالَ كَانَ يُعْلَمُ انْقِضَاءُ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالتَّكْبِيرِ) أَيْ بعد الصلاة(3/212)
وفي الرواية الآتية بالذكر وهو أعلم مِنَ التَّكْبِيرِ وَالتَّكْبِيرُ أَخَصُّ وَهَذَا مُفَسِّرٌ لِلْأَعَمِّ
قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي
[1003] (بن جُرَيْجٍ) بِضَمِّ الْجِيمِ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ الرَّاءِ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ (أَبَا مَعْبَدٍ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ آخِرُهُ دَالٌ مُهْمَلَةٌ اسْمُهُ نَافِذٌ (كَانَ ذَلِكَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم) أي عَلَى زَمَانِهِ فَلَهُ حُكْمُ الرَّفْعِ وَحَمَلَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيمَا حَكَاهُ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّهُمْ جَهَرُوا بِهِ وَقْتًا يَسِيرًا لِأَجْلِ تَعْلِيمِ صِفَةِ الذِّكْرِ لَا أَنَّهُمْ دَاوَمُوا عَلَى الْجَهْرِ بِهِ وَالْمُخْتَارُ أَنَّ الْإِمَامَ وَالْمَأْمُومَ يُخْفِيَانِ الذِّكْرَ إِلَّا إِنِ احْتِيجَ إِلَى التعليم (وأن بن عَبَّاسٍ) أَيْ بِالْإِسْنَادِ السَّابِقِ كَمَا عِنْدَ مُسْلِمٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بِهِ (قَالَ كُنْتُ أَعْلَمُ) أَيْ أَظُنُّ (إِذَا انْصَرَفُوا بِذَلِكَ) أَيْ أَعْلَمُ وَقْتَ انْصِرَافِهِمْ بِرَفْعِ الصَّوْتِ (وَأَسْمَعُهُ) أَيِ الذِّكْرَ
وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ كُنْتُ أَعْلَمُ إِذَا انْصَرَفُوا بِذَلِكَ إِذَا سَمِعْتُهُ
قَالَ القسطلاني وظاهره أن بن عَبَّاسٍ لَمْ يَكُنْ يَحْضُرُ الصَّلَاةَ فِي الْجَمَاعَةِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ لِصِغَرِهِ أَوْ كَانَ حَاضِرًا لَكِنَّهُ فِي آخِرِ الصُّفُوفِ فَكَانَ لَا يَعْرِفُ انْقِضَاءَهَا بِالتَّسْلِيمِ وَإِنَّمَا كَانَ يَعْرِفُهُ بِالتَّكْبِيرِ
وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مُبَلِّغٌ جَهِيرُ الصَّوْتِ يُسْمِعُ مَنْ بعد انتهى
وقال النووي ونقل بن بَطَّالٍ وَآخَرُونَ أَنَّ أَصْحَابَ الْمَذَاهِبِ الْمَتْبُوعَةِ وَغَيْرَهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى عَدَمِ اسْتِحْبَابِ رَفْعِ الصَّوْتِ بِالذِّكْرِ وَالتَّكْبِيرِ وَحَمَلَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّهُ جَهَرَ وَقْتًا يَسِيرًا حَتَّى يُعْلِمَهُمْ صِفَةَ الذِّكْرِ لَا أَنَّهُمْ جَهَرُوا دَائِمًا فَاخْتَارَ لِلْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ أَنْ يَذْكُرَ اللَّهَ تَعَالَى بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الصَّلَاةِ وَيُخْفِيَانِ ذَلِكَ إِلَّا أن يكون إماما يريد أن يتعلم منه ثُمَّ يُسِرَّ وَحَمَلَ الْحَدِيثَ عَلَى هَذَا
انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ(3/213)
41 - (باب حذف السلام)
[1004] (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَفِي إِسْنَادِهِ قُرَّةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَعَافِرِيُّ الْمِصْرِيُّ قَالَ أحمد منكر الحديث جدا وقال بن مَعِينٍ ضَعِيفٌ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ وقال بن عَدِيٍّ لَمْ أَرَ لَهُ حَدِيثًا مُنْكَرًا وَأَرْجُو أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ وَقَدْ ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مَقْرُونًا بِعَمْرِو بْنِ الْحَرْثِ وَقَالَ الأوزاعي ما أعلم أحدا بالزهري من قرة وقد ذكره بن حِبَّانَ فِي ثِقَاتِهِ وَصَحَّحَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ طَرِيقِهِ (حَذْفُ السَّلَامِ) وَالْحَذْفُ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ بَعْدَهَا فَاءٌ وَهُوَ مارواه التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ أَنْ لَا يَمُدُّهُ مَدًّا يَعْنِي يَتْرُكُ الْإِطَالَةَ فِي لفظه ويسرع فيه
وقال بن الْأَثِيرِ هُوَ تَخْفِيفُهُ وَتَرْكُ الْإِطَالَةِ فِيهِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ النَّخَعِيِّ التَّكْبِيرُ جَزْمٌ وَالسَّلَامُ جَزْمٌ فَإِنَّهُ إِذَا جَزَمَ السَّلَامَ وَقَطَعَهُ فَقَدْ خَفَّفَهُ وَحَذَفَهُ
انْتَهَى
قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَهُوَ الَّذِي يَسْتَحِبُّهُ أَهْلُ الْعِلْمِ
قَالَ وَرُوِيَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قال التكبير جزم والسلام جزم
قال بن سَيِّدِ النَّاسِ قَالَ الْعُلَمَاءُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُدْرِجَ لَفْظَ السَّلَامِ وَلَا يَمُدُّهُ مَدًّا لَا أَعْلَمُ فِي ذَلِكَ خِلَافًا بَيْنَ الْعُلَمَاءِ
وَقَدْ ذَكَرَ الْمَهْدِيُّ فِي الْبَحْرِ أَنَّ الرَّمْيَ بِالتَّسْلِيمِ عَجِلًا مَكْرُوهٌ قَالَ لِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَكِينَةٍ وَوَقَارٍ انْتَهَى
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَهُوَ مَرْدُودٌ بِهَذَا الدَّلِيلِ الْخَاصِّ إِنْ كَانَ يُرِيدُ كَرَاهَةَ الِاسْتِعْجَالِ بِاللَّفْظِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ هَذَا صَحِيحٌ
هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ وَفِي إِسْنَادِهِ قُرَّةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَيْوِيلٍ الْمِصْرِيِّ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ قُرَّةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ صَاحِبُ الزُّهْرِيِّ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ جِدًّا (قال عيسى نهاني بن الْمُبَارَكِ) هَذِهِ الْعِبَارَةُ أَيْ مِنْ قَوْلِهِ قَالَ عِيسَى إِلَى قَوْلِهِ نَهَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَنْ رَفْعِهِ وُجِدَتْ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَالْأَكْثَرُ عَنْهَا خَالِيَةٌ
وَمَا ذَكَرَهُ الْحَافِظُ الْمِزِّيُّ فِي الْأَطْرَافِ أَيْضًا
وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ وَهَذَا لَفْظُهُ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ وَالْهِقْلُ بْنُ زِيَادٍ عَنِ(3/214)
الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ قُرَّةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هُرَيْرَةَ قَالَ حَذْفُ السَّلَامِ سُنَّةٌ انْتَهَى (لَمَّا رَجَعَ الْفِرْيَابِيُّ) أَيْ مَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ فِي رِوَايَتِهِ بَعْدَ الرُّجُوعِ مِنْ مَكَّةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَذْفُ السَّلَامِ سُنَّةٌ بَلْ قَالَ هَكَذَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ حَذْفُ السَّلَامِ سُنَّةٌ كَمَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنِ بن المبارك
وقال بن تَيْمِيَةَ فِي الْمُنْتَقَى أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مَوْقُوفًا عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ انْتَهَى
وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ شَارِحُهُ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَقَالَ لَيْسَ الْحَدِيثُ مَوْقُوفًا كَمَا قال بن تَيْمِيَةَ فَإِنَّ لَفْظَ التِّرْمِذِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قال حذف السلام سنة قال بن سَيِّدِ النَّاسِ وَهَذَا مِمَّا يَدْخُلُ فِي الْمُسْنَدِ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ أَوْ أَكْثَرِهِمْ وَفِيهِ خِلَافٌ بين الأصوليين معروف
انتهى
قلت بن تَيْمِيَةَ لَمْ يُرِدْ بِقَوْلِهِ مَوْقُوفًا إِلَّا مَا أَرَاهُ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ
وَالْفِرْيَابِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَهُوَ تَرْكُ الْقَوْلِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَذْفُ السَّلَامِ سُنَّةٌ وَالِاقْتِصَارُ عَلَى الْقَوْلِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ حَذْفُ السَّلَامِ سُنَّةٌ فَالْحَذْفُ لِجُمْلَةِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ مُرَادُ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ لِأَنَّ مَنْ رَوَاهُ مَرْفُوعًا وَمَنْ رَوَاهُ مَوْقُوفًا كُلُّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى لَفْظِ الْمَتْنِ وَهُوَ قَوْلُهُ حَذْفُ السَّلَامِ سُنَّةٌ وَمَا قَالَ الْحَافِظُ بن سَيِّدِ النَّاسِ هُوَ صَحِيحٌ أَنَّهُ مِمَّا يَدْخُلُ فِي الْمُسْنَدِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
كَذَا فِي غَايَةِ الْمَقْصُودِ (وَقَالَ) أَيِ الْمُؤَلِّفُ أَبُو دَاوُدَ (نَهَاهُ) الضَّمِيرُ الْمَنْصُوبُ إِلَى أَبِي دَاوُدَ أَيْ نَهَى أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ أَبَا دَاوُدَ عَنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا كَمَا تَقَدَّمَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
2 - (باب إذا أحدث في صلاته)
[1005] (عن علي بن طلق) بن الْمُنْذِرِ الْحَنَفِيِّ السُّحَيْمِيِّ وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَالْمَتْنِ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ فِي بَابِ فِيمَنْ يُحْدِثُ فِي الصَّلَاةِ فَلْيُرْجَعْ هُنَاكَ (إِذَا فَسَا أَحَدُكُمْ) أَيْ(3/215)
خَرَجَ مِنْهُ رِيحٌ بِلَا صَوْتٍ (فِي الصَّلَاةِ) أَيْ فِي أَثْنَائِهَا فَلَا يُنَافِي الْحَدِيثَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَحْدَثَ أَحَدُكُمْ وَقَدْ جَلَسَ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ فَقَدْ جَازَتْ صَلَاتُهُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ
وَقَالَ هَذَا حَدِيثٌ إِسْنَادُهُ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَقَدِ اضْطَرَبُوا فِي إِسْنَادِهِ (فَلْيَنْصَرِفْ) عَنْ صَلَاتِهِ (فَلْيَتَوَضَّأْ) وَفِي رِوَايَةٍ وَلْيَتَوَضَّأْ (وَلْيُعِدْ صَلَاتَهُ) قَالَ التِّرْمِذِيُّ قَالَ الْبُخَارِيُّ لَا أَعْلَمُ لِعَلِيِّ بْنِ طَلْقٍ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ الْوَاحِدِ
وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْفُسَاءَ نَاقِضٌ الْوُضُوءَ وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَيُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ مِنَ النَّوَاقِضِ وَأَنَّهَا تَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ فِي الْبَابِ الْمَذْكُورِ ذِكْرُ حَدِيثِ عَائِشَةَ فِي مَنْ أَصَابَهُ قَيْءٌ فِي صَلَاتِهِ أَوْ رُعَافٌ فَإِنَّهُ يَنْصَرِفُ وَيَبْنِي عَلَى صَلَاتِهِ حَيْثُ لَمْ يَتَكَلَّمْ وَهُوَ مُعَارِضٌ لِهَذَا وَكُلٌّ مِنْهُمَا فِيهِ مَقَالٌ فَالتَّرْجِيحُ لِحَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ طَلْقٍ لِأَنَّهُ قال بصحته بن حِبَّانَ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِصِحَّتِهِ فَهَذَا أَرْجَحُ مِنْ حَيْثُ الصِّحَّةِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وأخرجه الترمذي والنسائي وبن مَاجَهْ
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الطَّهَارَةِ
3 - (بَاب فِي الرَّجُلِ يَتَطَوَّعُ فِي مَكَانِهِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ)
الْمَكْتُوبَةَ [1006] (أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ) وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُصَلِّيَ النَّفْلَ فِي الْمَكَانِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ الْمَكْتُوبَةَ بَلْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ عَنْ يَمِينِهِ أَوْ شِمَالِهِ (قَالَ) أَيْ مُسَدَّدٌ عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ دُونَ حَمَّادٍ (فِي السُّبْحَةِ) أَيِ النَّفْلِ
قَالَ المنذري وأخرجه بن مَاجَهْ وَسُئِلَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ هَذَا فَقَالَ مَجْهُولٌ
[1007] (صَلَّى بِنَا إِمَامٌ لَنَا يُكْنَى) بِالتَّخْفِيفِ وَيُشَدَّدُ (أَبَا رِمْثَةَ) بِكَسْرِ الرَّاءِ (فَقَالَ) أَيْ أَبُو رِمْثَةَ(3/216)
(صَلَّيْتُ هَذِهِ الصَّلَاةَ) الْإِشَارَةُ هُنَا لَيْسَتْ لِلْخَارِجِ لِأَنَّ عَيْنَ الْمُشَارِ إِلَيْهِ الْوَاقِعِ فِي الْخَارِجِ لَمْ يُصَلِّهِ مَعَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا الَّذِي صَلَّاهُ مَعَهُ نَظِيرُهُ فَتَعَيَّنَتِ الْإِشَارَةُ لِلْحَقِيقَةِ الذِّهْنِيَّةِ الْمَوْجُودَةِ فِي ضِمْنِ هَذِهِ الْخَارِجِيَّةِ وَغَيْرِهَا وَلِذَا قَالَ (أَوْ) عَلَى الشَّكِّ (قَالَ أَيْ أَبُو رِمْثَةَ (وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ يَقُومَانِ فِي الصَّفِّ الْمُقَدَّمِ عَنْ يَمِينِهِ) لِقَوْلِهِ عليه السلام ليلني مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَفِيهِ إِفَادَةُ الْحَثِّ عَلَى أَنَّهُ يُسَنُّ تَحَرِّي الصَّفِّ الْأَوَّلِ ثُمَّ تَحَرِّي يَمِينِ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ أَفْضَلٌ (وَكَانَ رَجُلٌ قَدْ شَهِدَ التَّكْبِيرَةَ الْأُولَى) أَيْ تَكْبِيرَةَ التَّحْرِيمَةِ فَإِنَّهَا الْأُولَى حَقِيقَةً أَوْ تَكْبِيرَ الرُّكُوعِ فَإِنَّهَا تَكْبِيرَةُ الرَّكْعَةِ الْأُولَى (مِنَ الصَّلَاةِ) احْتِرَازٌ مِنَ التَّكْبِيرِ الْمُعْتَادِ بَعْدَ الصَّلَاةِ أَيْ تَكْبِيرَةُ التَّحْرِيمَةِ وَوَجْهُ ذكرها مزيد بيان أن مدركها إنما قَامَ عَقِبَ صَلَاتِهِ لِصَلَاةِ السُّنَّةِ إِلَّا لِكَوْنِهِ مَسْبُوقًا بَقِيَ عَلَيْهِ شَيْءٌ يَقُومُ لِإِكْمَالِهِ (فَصَلَّى نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ صَلَاتَهُ (ثُمَّ سَلَّمَ) أَيْ مَائِلًا وَمُنْصَرِفًا (عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ) وَلَيْسَ فِيهِ سَلَامٌ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ (حَتَّى رَأَيْنَا) مُتَعَلِّقٌ بِالْمُقَدَّرِ الْمَذْكُورِ (بَيَاضُ خَدَّيْهِ) أَيْ مِنْ طَرَفَيْ وَجْهِهِ أَيْ خَدُّهُ الْأَيْمَنُ فِي الْأُولَى وَالْأَيْسَرُ فِي الثَّانِيَةِ (ثُمَّ انْفَتَلَ) أَيِ انْصَرَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كَانْفِتَالِ أَبِي رِمْثَةَ) أَيْ كَانْفِتَالِي جَرَّدَ عَنْهُ نَفْسَهُ أَبَا رِمْثَةَ وَوَضَعَهُ مَوْضِعَ ضَمِيرِهِ مَزِيدًا لِلْبَيَانِ كَمَا بَيَّنَهُ الطِّيبِيُّ وَلِذَا قَالَ الرَّاوِي (يَعْنِي) أَيْ يُرِيدُ أَبُو رِمْثَةَ بِقَوْلِهِ أَبِي رِمْثَةَ (نَفْسَهُ) أَيْ ذَاتَهُ لَا غَيْرَهُ (يَشْفَعُ) بِالتَّخْفِيفِ وَيُشَدَّدُ أَيْ يُرِيدُ يُصَلِّي شَفْعًا مِنَ الصَّلَاةِ
قَالَ الطِّيبِيُّ الشَّفْعُ ضَمُّ الشَّيْءِ إِلَى مِثْلِهِ يَعْنِي قَامَ الرَّجُلُ يَشْفَعُ الصَّلَاةَ بِصَلَاةٍ أُخْرَى (فَوَثَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ) أَيْ قَامَ بِسُرْعَةٍ (فَأَخَذَ بِمَنْكِبَيْهِ) بِالتَّثْنِيَةِ (فَهَزَّهُ) بِالتَّشْدِيدِ أَيْ حَرَّكَهُ بِعُنْفٍ (فَإِنَّهُ) أَيِ الشَّأْنُ (إِلَّا أَنَّهُمْ) وَفِي نُسْخَةٍ إِلَّا أَنَّهُ أَيِ الشَّأْنُ (فَصْلٌ) أَيْ فَرْقٌ بِالتَّسْلِيمِ أَوِ التَّحْوِيلِ يَحْتَمِلُ أَنَّهُمْ كَانُوا أُمِرُوا بِالْفَصْلِ فَلَمْ يَمْتَثِلُوا وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُمْ لَمْ يُؤْمَرُوا بِهِ فَاعْتَقَدُوا اتِّصَالَ الصَّلَوَاتِ وَأَنَّهَا صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ فَصَلَّوْا أَوْ أَنَّهُمْ لَمْ يُؤَهَّلُوا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ عَقِبَ صَلَاتِهِمْ فَأَدَّى بِهِمْ ذَلِكَ إِلَى قَسْوَةِ الْقَلْبِ الْمُؤَدِّيَةِ إِلَى الْإِعْرَاضِ عَنِ اللَّهِ وَأَوَامِرِهِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ
قَالَ الطِّيبِيُّ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِعَدَمِ الْفَصْلِ تَرْكُ الذِّكْرِ بَعْدَ السَّلَامِ وَالتَّقْدِيرُ لَنْ يُهْلِكَهُمْ شَيْءٌ إِلَّا عَدَمُ الْفَصْلِ (فَرَفَعَ(3/217)
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَصَرَهُ) أَيْ إليهما (فقال أصاب الله بك يا بن الْخَطَّابِ) قِيلَ الْبَاءُ زَائِدَةٌ وَقِيلَ الْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ وَالْمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ أَيْ أَصَابَ اللَّهُ بِكَ الرُّشْدَ
وَقَالَ الطِّيبِيُّ مِنْ بَابِ الْقَلْبِ أَيْ أَصَبْتَ الرُّشْدَ فِيمَا فَعَلْتَ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ
وَقَالَ فِي إِعْلَامِ أَهْلِ الْعَصْرِ بِأَحْكَامِ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ وَالْفَصْلُ يَكُونُ بِالزَّمَانِ وَقَدْ يَكُونُ بِالتَّقَدُّمِ مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ أَمَّا الْفَصْلُ بِالزَّمَانِ فَكَمَا رَوَى أَحْمَدُ وَأَبُو يَعْلَى بِإِسْنَادٍ رِجَالُهُمَا رِجَالُ الصَّحِيحِ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الْعَصْرَ فَقَامَ رَجُلٌ يُصَلِّي فَرَآهُ عُمَرُ فَقَالَ لَهُ اجْلِسْ فَإِنَّمَا هَلَكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِصَلَاتِهِمْ فَصْلٌ
ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي رِمْثَةَ هَذَا ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ إِعْلَامِ أَهْلِ الْعَصْرِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمْ يُرِدْ بِالْفَصْلِ فَصْلًا بِالتَّقَدُّمِ لِأَنَّهُ قَالَ لَهُ اجْلِسْ وَلَمْ يَقُلْ تَقَدَّمْ أَوْ تَأَخَّرْ فَتَعَيَّنَ الْفَصْلُ بِالزَّمَانِ وَأَمَّا الْفَصْلُ بِالتَّقَدُّمِ أَوِ التَّأَخُّرِ فَكَمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ وَفِيهِ إِذَا صَلَّيْتَ الْجُمُعَةَ فَلَا تَصِلْهَا بِصَلَاةٍ حَتَّى تَكَلَّمَ أَوْ تَخْرُجَ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَنَا بِذَلِكَ أَنْ لَا نُوصِلَ صَلَاةً بِصَلَاةٍ حَتَّى نَتَكَلَّمَ أَوْ نَخْرُجَ انْتَهَى مُلَخَّصًا
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ أَشْعَثُ بْنُ شُعْبَةَ وَالْمِنْهَالُ بْنُ خَلِيفَةَ وَفِيهِمَا مَقَالٌ
4 - (بَاب السَّهْوِ فِي السَّجْدَتَيْنِ)
[1008] (عَنْ مُحَمَّدِ) بْنِ سِيرِينَ (إِحْدَى صَلَاتَيِ الْعَشِيِّ) هُوَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ
قَالَ الْأَزْهَرِيُّ هُوَ مَا بَيْنَ الشَّمْسِ وَغُرُوبِهَا وَقَدْ عَيَّنَهَا أَبُو هُرَيْرَةَ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ أَنَّهَا الظُّهْرُ وَفِي أُخْرَى أَنَّهَا الْعَصْرُ وَقَدْ جُمِعَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهَا تَعَدَّدَتِ الْقِصَّةُ (الظُّهْرِ) عَطْفُ بَيَانٍ أَوْ بَدَلٌ مِنْ إِحْدَى (ثُمَّ سَلَّمَ) فِي حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ الْمَرْوِيِّ فِي(3/218)
مُسْلِمٍ أَنَّهُ سَلَّمَ فِي ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ وَلَيْسَ بِاخْتِلَافٍ بَلْ وَهُمَا قَضِيَّتَانِ كَمَا حَكَاهُ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ عَنِ الْمُحَقِّقِينَ (ثُمَّ قَامَ إِلَى خَشَبَةٍ فِي مُقَدَّمِ الْمَسْجِدِ) بِتَشْدِيدِ الدَّالِ الْمَفْتُوحَةِ أي في جهة القبلة وفي رواية بن عَوْنٍ فَقَامَ إِلَى خَشَبَةٍ مَعْرُوضَةٍ أَيْ مَوْضُوعَةٍ بِالْعَرْضِ (فَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَيْهَا) أَيِ الْخَشَبَةِ (إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى) وَفِي رِوَايَةٍ وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ (يُعْرَفُ فِي وَجْهِهِ الْغَضَبُ) وَلَعَلَّ غَضَبَهُ لِتَأْثِيرِ التَّرَدُّدِ وَالشَّكِّ فِي فِعْلِهِ وَكَأَنَّهُ كَانَ غَضْبَانَ فَوَقَعَ لَهُ الشَّكُّ لِأَجْلِ غَضَبِهِ
كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ (ثُمَّ خَرَجَ سَرَعَانُ النَّاسِ) مِنَ الْمَسْجِدِ وَهُوَ بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ هُوَ الْمَشْهُورُ وَيُرْوَى بِإِسْكَانِ الرَّاءِ هُمُ الْمُسْرِعُونَ إِلَى الْخُرُوجِ قِيلَ وَبِضَمِّهَا وَسُكُونِ الرَّاءِ عَلَى أَنَّهُ جَمْعُ سَرِيعٍ كَقَفِيزٍ وَقُفْزَانٍ (وَفِي النَّاسِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَهَابَاهُ) أَيْ غَلَبَ عَلَيْهِمَا احْتِرَامُهُ وَتَعْظِيمُهُ عَنِ الِاعْتِرَاضِ عَلَيْهِ (أَنْ يُكَلِّمَاهُ) أَيْ بِأَنَّهُ سَلَّمَ عَلَى رَكْعَتَيْنِ وَخَشِيَا أَنْ يُكَلِّمَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نُقْصَانِ الصَّلَاةِ
وقوله أن يكلماه بدل اشتمال من ضميرها باه لِبَيَانِ أَنَّ الْمَقْصُودَ هَيْبَةُ تَكْلِيمِهِ لَا نَحْوَ نَظَرهِ وَاتِّبَاعِهِ (فَقَامَ رَجُلٌ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَمِّيهِ ذَا الْيَدَيْنِ) وَفِي رِوَايَةِ رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ الْخِرْبَاقُ بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ آخِرُهُ قَافٌ وكان في يديه طول
لقب ذي الْيَدَيْنِ لِطُولٍ كَانَ فِي يَدَيْهِ
وَفِي الصَّحَابَةِ رَجُلٌ آخَرُ يُقَالُ لَهُ ذُو الشِّمَالَيْنِ وَهُوَ غَيْرُ ذِي الْيَدَيْنِ وَوَهِمَ الزُّهْرِيُّ فَجَعَلَ ذَا اليدين وذا الشمالين واحد وقد بين العلماء وهمه
قال بن عَبْدِ الْبَرِّ ذُو الْيَدَيْنِ غَيْرُ ذِي الشِّمَالَيْنِ وَإِنَّ ذَا الْيَدَيْنِ هُوَ الَّذِي جَاءَ ذِكْرُهُ فِي سُجُودِ السَّهْوِ وَأَنَّهُ الْخِرْبَاقُ وَأَمَّا ذُو الشِّمَالَيْنِ فَإِنَّهُ عُمَيْرُ بْنُ عَمْرٍو انْتَهَى
(فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَسِيتَ أَمْ قُصِرَتِ الصَّلَاةُ) بِضَمِّ الْقَافِ وَكَسْرِ الصَّادِ وَرُوِيَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَضَمِّ الصَّادِ وَكُلُّهَا صَحِيحٌ وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ أَيْ شَرَعَ اللَّهُ قَصْرَ الرُّبَاعِيَّةِ إِلَى اثْنَيْنِ (قَالَ لَمْ أَنْسَ وَلَمْ تُقْصَرْ) بِالْوَجْهَيْنِ أَيْ فِي ظني (فأومأوا) أي أشاروا برؤوسهم
قَالَ فِي السَّيْلِ إِنَّ الْحَدِيثَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ نِيَّةَ الْخُرُوجِ مِنَ الصَّلَاةِ وَقَطْعِهَا إِذَا كَانَتْ بِنَاءً عَلَى ظَنِّ التَّمَامِ لَا يُوجِبُ بُطْلَانَهَا وَلَوْ سَلَّمَ التَّسْلِيمَتَيْنِ وَأَنَّ كَلَامَ النَّاسِ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ وَكَذَا(3/219)
كَلَامُ مَنْ ظَنَّ التَّمَامَ وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ العلماء من السلف والخلف وهو قول بن عباس وبن الزُّبَيْرِ وَأَخِيهِ عُرْوَةَ وَعَطَاءٍ وَالْحَسَنِ وَغَيْرِهِمْ وَقَالَ بِهِ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَجَمِيعُ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ
وَقَالَتِ الْحَنَفِيَّةُ التَّكَلُّمُ فِي الصَّلَاةِ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا يبطلها مستدلين بحديث بن مَسْعُودٍ وَحَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ فِي النَّهْيِ عَنِ التَّكَلُّمِ فِي الصَّلَاةِ وَقَالُوا هُمَا نَاسِخَانِ لهذا الحديث
وأجيب بأن حديث بن مَسْعُودٍ كَانَ بِمَكَّةَ مُتَقَدِّمًا عَلَى حَدِيثِ الْبَابِ بأعوام والمتقدم لا ينسح الْمُتَأَخِّرَ وَبِأَنَّ حَدِيثَ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَحَدِيثَ بن مَسْعُودٍ أَيْضًا عُمُومِيَّانِ وَهَذَا الْحَدِيثُ خَاصٌّ بِمَنْ تَكَلَّمَ ظَانًّا لِتَمَامِ صَلَاتِهِ فَيَخُصُّ بِهِ الْحَدِيثَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فَتَجْتَمِعُ الْأَدِلَّةُ مِنْ غَيْرِ إِبْطَالٍ لِشَيْءٍ مِنْهَا وَيَدُلُّ الْحَدِيثُ أَيْضًا أَنَّ الْكَلَامَ عَمْدًا لِإِصْلَاحِ الصَّلَاةِ لَا يُبْطِلُهَا كَمَا فِي كَلَامِ ذِي الْيَدَيْنِ
وَفِي رِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ فَقَالُوا وَفِي رِوَايَةِ الْمُؤَلِّفِ كَمَا سَيَأْتِي فَيُقَالُ يُرِيدُ الصَّحَابَةَ نَعَمْ فَإِنَّهُ كَلَامٌ عَمْدٌ لِإِصْلَاحِ الصَّلَاةِ
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْإِمَامَ إِذَا تَكَلَّمَ بِمَا تَكَلَّمَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الِاسْتِفْسَارِ وَالسُّؤَالِ عِنْدَ الشَّكِّ وَإِجَابَةِ الْمَأْمُومِ أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَفْسُدُ
وَقَدْ أُجِيبَ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَكَلَّمَ مُعْتَقِدًا لِلتَّمَامِ وَتَكَلَّمَ الصَّحَابَةُ مُعْتَقِدِينَ لِلنَّسْخِ وَظَنُّوا حِينَئِذٍ التَّمَامَ
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْأَمِيرُ الْيَمَانِيُّ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْجَزْمَ بِاعْتِقَادِهِمُ التَّمَامَ مَحَلُّ نَظَرٍ بَلْ فِيهِمْ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْقَصْرِ وَالنِّسْيَانِ وَهُوَ ذُو الْيَدَيْنِ نَعَمْ سَرَعَانُ النَّاسِ اعْتَقَدُوا الْقَصْرَ وَلَا يَلْزَمُ اعْتِقَادُ الْجَمِيعِ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا عُذْرَ عَنِ الْعَمَلِ بِالْحَدِيثِ لِمَنْ يَتَّفِقُ لَهُ مِثْلُ ذَلِكَ
وَمَا أَحْسَنَ كَلَامَ صَاحِبِ الْمَنَارِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ كَلَامَ الْمَهْدِيِّ وَدَعْوَاهُ نَسْخَهُ كَمَا ذَكَرْنَاهُ ثُمَّ رَدَّهُ بِمَا رَدَدْنَاهُ ثُمَّ قَالَ وَأَنَا أَقُولُ أَرْجُو اللَّهَ لِلْعَبْدِ إِذَا لَقِيَ اللَّهَ عَامِلًا لِذَلِكَ وَيُثَابُ عَلَى الْعَمَلِ بِهِ وَأَخَافُ عَلَى الْمُتَكَلِّفِينَ وَعَلَى الْمُجْبِرِينَ عَلَى الْخُرُوجِ مِنَ الصَّلَاةِ لِلِاسْتِئْنَافِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِأَحْوَطَ كَمَا تَرَى لِأَنَّ الْخُرُوجَ بِغَيْرِ دَلِيلٍ ممنوع وإبطال العمل
وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْأَفْعَالَ الْكَثِيرَةَ الَّتِي لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الصَّلَاةِ إِذَا وَقَعَتْ سَهْوًا أَوْ مَعَ ظَنِّ التَّمَامِ لَا تَفْسُدُ بِهَا الصَّلَاةُ فَإِنَّ فِي رِوَايَةِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ إِلَى مَنْزِلِهِ وَفِي أُخْرَى يَجُرُّ رِدَاءَهُ مُغْضَبًا وَكَذَلِكَ خُرُوجُ سَرَعَانُ النَّاسِ فَإِنَّهَا أَفْعَالٌ كَثِيرَةٌ قَطْعًا وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا الشَّافِعِيُّ
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ الْبِنَاءِ عَلَى الصَّلَاةِ بَعْدَ السَّلَامِ وَإِنْ طَالَ زَمَنُ الْفَصْلِ بَيْنَهُمَا وَقَدْ رُوِيَ هَذَا عَنْ رَبِيعَةَ وَنُسِبَ إِلَى مَالِكٍ وَلَيْسَ بِمَشْهُورٍ عَنْهُ(3/220)
وَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ قَالَ يَخْتَصُّ جَوَازُ الْبِنَاءِ إِذَا كَانَ الْفَصْلُ بِزَمَنٍ قَرِيبٍ وَقِيلَ بِمِقْدَارِ رَكْعَةٍ وَقِيلَ بِمِقْدَارِ الصَّلَاةِ
وَيَدُلُّ أَيْضًا أَنَّهُ يَجْبُرُ ذَلِكَ سُجُودُ السَّهْوِ وُجُوبًا لِحَدِيثِ صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي وَيَدُلُّ أَيْضًا عَلَى أَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ لَا يَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ أَسْبَابِ السَّهْوِ
وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ بَعْدَ السَّلَامِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وبن ماجه
وفي رواية قال فقام النَّاسُ نَعَمْ ثُمَّ رَفَعَ وَلَمْ يَقُلْ وَكَبَّرَ ولم يذكر فأومأوا إِلَّا حَمَّادَ بْنَ زَيْدٍ
وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ قُلْتُ فَالتَّشَهُّدُ قَالَ لَمْ أَسْمَعْ فِي التَّشَهُّدِ وَأَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يَتَشَهَّدَّ وَفِي رِوَايَةٍ كَبَّرَ ثُمَّ كَبَّرَ وَسَجَدَ
انْتَهَى كَلَامُ الْمُنْذِرِيِّ (ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ كَبَّرَ) قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ التَّكْبِيرَ لِلْإِحْرَامِ لِإِتْيَانِهِ بِثُمَّ الْمُقْتَضِيَةِ لِلتَّرَاخِي فَلَوْ كَانَ التَّكْبِيرُ لِلسُّجُودِ لَكَانَ مَعَهُ وَقَدِ اخْتُلِفَ هَلْ يُشْتَرَطُ لِسُجُودِ السَّهْوِ بَعْدَ السَّلَامِ تَكْبِيرَةُ إِحْرَامٍ أَوْ يُكْتَفَى بِتَكْبِيرِ السُّجُودِ فَالْجُمْهُورُ عَلَى الِاكْتِفَاءِ وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وُجُوبُ التَّكْبِيرِ لَكِنْ لَا تَبْطُلُ بِتَرْكِهِ وَأَمَّا نِيَّةُ إِتْمَامِ مَا بَقِيَ فَلَا بُدَّ مِنْهَا
ذَكَرَهُ الزُّرْقَانِيُّ (وَسَجَدَ) لِلسَّهْوِ (مِثْلَ سُجُودِهِ) لِلصَّلَاةِ (أَوْ أَطْوَلَ ثُمَّ رَفَعَ) مِنْ سُجُودِهِ (وَكَبَّرَ وَسَجَدَ) ثَانِيَةً (مِثْلَ سُجُودِهِ) لِلصَّلَاةِ (أَوْ أَطْوَلَ) مِنْهُ (ثُمَّ رَفَعَ) أَيْ ثَانِيًا مِنَ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ (وَكَبَّرَ) وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ تَشَهَّدَ بَعْدَ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ (قَالَ) أَيُّوبُ (فَقِيلَ لِمُحَمَّدِ) بْنِ سِيرِينَ وَالْقَائِلُ سَلَمَةُ بْنُ عَلْقَمَةَ (سَلَّمَ) بِحَذْفِ حَرْفِ الِاسْتِفْهَامِ (فِي السَّهْوِ) أَيْ بَعْدَ سُجُودِ السَّهْوِ عِنْدَ الْفَرَاغِ (فَقَالَ) مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ (ثُمَّ سَلَّمَ) النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَيَجِيءُ تَحْقِيقُهُ فسؤال سلمة بن علقمة من بن سِيرِينَ عَنْ أَمْرَيْنِ الْأَوَّلِ هَلْ سَلَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ سُجُودِ السَّهْوِ وَالثَّانِي هَلْ تَشَهَّدَ فِي سُجُودِ السَّهْوِ فَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَالْجَوَابُ عَنِ الثَّانِي فِي الرِّوَايَةِ الْآتِيَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
[1009] (عَنْ مُحَمَّدٍ بِإِسْنَادِهِ) إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ مَالِكٍ بِهِ
وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَلَفْظُهُ مَالِكٌ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْصَرَفَ مِنَ اثْنَتَيْنِ فَقَالَ لَهُ ذُو الْيَدَيْنِ أَقُصِرَتِ الصَّلَاةُ أَمْ نسيت يارسول اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصَدَقَ ذُو الْيَدَيْنِ فَقَالَ النَّاسُ نَعَمْ
فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(3/221)
فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ كَبَّرَ فَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ ثُمَّ رَفَعَ ثُمَّ كَبَّرَ فَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ ثُمَّ رَفَعَ هَذَا لَفْظُ الْمُوَطَّأِ
وَهَذَا يُوَضِّحُ الْإِغْلَاقَ الَّذِي فِي رِوَايَةِ الْمُؤَلِّفِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ فَإِنَّ أَبَا دَاوُدَ أَخْرَجَ الْحَدِيثَ مِنْ طريق مالك ولم يسبق أَلْفَاظَهُ بِتَمَامِهِ بَلِ اخْتَصَرَ اخْتِصَارًا لَا يَصِلُ (بِهِ) الطَّالِبُ إِلَى الْمَقْصُودِ
(لَمْ يَقُلْ) أَيْ مَالِكٌ فِي رِوَايَتِهِ (بِنَا) وَقَالَ حَمَّادٌ فِي روايته صلى بنا (ولم يقل) مالك (فأومأوا) كَمَا قَالَ حَمَّادٌ بَلْ (قَالَ) مَالِكٌ (فَقَالَ النَّاسُ نَعَمْ) مَكَانَ فَأَوْمَأَ أَيْ نَعَمْ (قَالَ) مَالِكٌ (ثُمَّ رَفَعَ) رَأْسَهُ أَيْ ثَانِيًا مِنَ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ (وَلَمْ يَقُلْ) مَالِكٌ (وَكَبَّرَ) كَمَا قَالَهُ حَمَّادٌ فِي رِوَايَتِهِ فَإِنَّهُ قَالَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ ثُمَّ رَفَعَ وَكَبَّرَ وَمَالِكٌ اقْتَصَرَ عَلَى لَفْظِ رَفَعَ دُونَ وَكَبَّرَ وَقَالَ مَالِكٌ هَذِهِ الْجُمْلَةَ كَمَا قَالَهَا حَمَّادٌ وَهِيَ (ثُمَّ كَبَّرَ وَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ ثُمَّ رَفَعَ وَتَمَّ حَدِيثُهُ) أَيْ حَدِيثُ مَالِكٍ عَلَى هَذِهِ الْجُمْلَةِ (لَمْ يَذْكُرْ) مَالِكٌ (مَا بَعْدَهُ) مِنَ الْكَلَامِ الَّذِي فِي رِوَايَةِ حَمَّادٍ وَهُوَ قَوْلُهُ فَقِيلَ لِمُحَمَّدٍ سَلَّمَ إِلَى قَوْلِهِ ثُمَّ سَلَّمَ
وَأَخْرَجَ الطَّحَاوِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ بِقَوْلِهِ حدثنا يونس أخبرنا بن وَهْبٍ أَنَّ مَالِكًا حَدَّثَهُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْصَرَفَ مِنَ اثْنَتَيْنِ فَقَالَ لَهُ ذُو الْيَدَيْنِ أَقُصِرَتِ الصَّلَاةُ ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ مَا بَعْدَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ نَحْوَ مَا ذَكَرَهُ حَمَّادٌ فِي حَدِيثِهِ مِنْ قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
انْتَهَى (ولم يذكر فأومأ إِلَّا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ) بَلْ حَمَّادٌ اخْتُلِفَ عَلَيْهِ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ هَكَذَا كَمَا قَالَ الْمُؤَلِّفُ بِلَفْظِ فأومأوا
وَرَوَى أَسَدٌ عَنْ حَمَّادٍ بِلَفْظِ قَالُوا نَعَمْ وَرِوَايَةُ أَسَدٍ عِنْدَ الطَّحَاوِيِّ (قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَكُلُّ مَنْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ) كَحَمَّادِ بْنِ سلمة ومالك الإمام عن أيوب عن بن سيرين وكذا يحيى بن عتيق وبن عون وحميد ويونس وعاصم وغيرهم عن بن سِيرِينَ (لَمْ يَقُلْ) أَحَدٌ مِنْهُمْ (فَكَبَّرَ) أَيْ زِيَادَةَ لَفْظَةِ فَكَبَّرَ قَبْلَ قَوْلِهِ ثُمَّ كَبَّرَ فَسَجَدَ غَيْرُ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ فَإِنَّ حَمَّادَ بْنَ زَيْدٍ عَنْ هِشَامٍ قَالَ فَكَبَّرَ ثُمَّ كَبَّرَ وَسَجَدَ كَمَا سَيَجِيءُ (وَلَا ذَكَرَ رَجَعَ) رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَقَامِهِ غَيْرُ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ وُجِدَتْ فِي بَعْضِ النُّسَخِ أَيْ مِنْ قَوْلِهِ قَالَ أَبُو دَاوُدَ إِلَى قَوْلِهِ رَجَعَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ(3/222)
[1010] (نُبِّئْتُ أَنَّ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَالْحَدِيثُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَتَشَهَّدُ لِسَجْدَتَيِ السَّهْوِ وَإِنْ سَجَدَهُمَا بَعْدَ السَّلَامِ
انْتَهَى
وَأَخْرَجَ أَيْضًا الْبُخَارِيُّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ عَلْقَمَةَ قال قلت لمحمد يعني بن سِيرِينَ فِي سَجْدَتَيِ السَّهْوِ تَشَهُّدٌ قَالَ لَيْسَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ وَرَدَ فِي حَدِيثِ غَيْرِهِ وَقَدْ رَوَى الْمُؤَلِّفُ وَالتِّرْمِذِيُّ وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ أَشْعَثَ بْنِ عَبْدِ الملك عن بن سِيرِينَ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بهم فسهى فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ تَشَهَّدَ ثُمَّ سَلَّمَ صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ عَلَى شَرْطِهِمَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ غَرِيبٌ وضعفه البيهقي وبن عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُمَا وَوَهَّمُوا رِوَايَةَ أَشْعَثَ لِمُخَالَفَةِ غيره من الحفاظ عن بن سِيرِينَ فَإِنَّ الْمَحْفُوظَ عَنْهُ فِي حَدِيثِ عِمْرَانَ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ التَّشَهُّدِ وَكَذَا الْمَحْفُوظُ عَنْ خَالِدٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ لَا ذِكْرَ لِلتَّشَهُّدِ فِيهِ كَمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فَصَارَتْ زِيَادَةُ أَشْعَثَ شَاذَّةً لَكِنْ قَدْ جَاءَ التَّشَهُّدُ فِي سُجُودِ السَّهْوِ عن بن مَسْعُودٍ عِنْدَ الْمُؤَلِّفِ وَالنَّسَائِيِّ وَعَنِ الْمُغِيرَةِ عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ وَفِي إِسْنَادِهِمَا ضَعْفٌ إِلَّا أَنَّهُ بِاجْتِمَاعِ الْأَحَادِيثِ الثَّلَاثَةِ تَرْتَقِي إِلَى دَرَجَةِ الْحَسَنِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِبَعِيدٍ وَقَدْ صَحَّ ذَلِكَ عِنْدَ أَبِي شيبة عن بن مَسْعُودٍ مِنْ قَوْلِهِ قَالَهُ الزُّرْقَانِيُّ فِي شَرْحِ الْمُوَطَّأِ
[1011] (عَنْ أَيُّوبَ وَهِشَامِ) بْنِ حَسَّانَ (وَيَحْيَى بن عتيق وبن عَوْنٍ عَنْ مُحَمَّدٍ) أَيْ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعِ كُلِّهِمْ يَرْوُونَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ (وَقَالَ هِشَامٌ يعني بن حَسَّانَ كَبَّرَ) فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى التَّكْبِيرِ لِلْإِحْرَامِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ (ثُمَّ كَبَّرَ) وَهَذَا التَّكْبِيرُ لِلسُّجُودِ (وَسَجَدَ) لِلسَّهْوِ لَكِنْ قَوْلُهُ كَبَّرَ فِي الْأَوَّلِ هُوَ مِمَّا تَفَرَّدَ بِهِ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُؤَلِّفُ الْإِمَامُ(3/223)
[1012] (حَتَّى يَقَّنَهُ اللَّهُ ذَلِكَ) أَيْ أَلْقَى اللَّهُ تَعَالَى الْيَقِينَ فِي قَلْبِهِ
قَالَ فِي سُبُلِ السَّلَامِ أَيْ صَيَّرَ تَسْلِيمَهُ عَلَى اثْنَتَيْنِ يَقِينًا عِنْدَهُ إِمَّا بِوَحْيٍ أَوْ تَذَكُّرٍ حَصَلَ لَهُ الْيَقِينُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ مَا مُسْتَنَدُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي هَذَا انْتَهَى كَلَامُهُ
[1013] (أَنَّ أَبَا بَكْرِ بْنَ سُلَيْمَانَ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَهُوَ مرسل أبو بَكْرٍ هَذَا تَابِعِيٌّ انْتَهَى(3/224)
[1014] (سَمِعَ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَقَالَ النَّسَائِيُّ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا ذَكَرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ غَيْرَ سَعْدٍ
انْتَهَى
[1015] (فَقَالَ النَّاسُ قَدْ فَعَلْتَ) احْتَجَّ الْأَوْزَاعِيُّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ الْعَمْدَ إِذَا كَانَ لِمَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ لَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ لِأَنَّ ذَا الْيَدَيْنِ تَكَلَّمَ عَامِدًا وَالْقَوْمُ أَجَابُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامِدِينَ مَعَ عِلْمِهِمْ بِأَنَّهُمْ لَمْ يُتِمُّوا الصَّلَاةَ
وَمَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ كَلَامَ النَّاسِ يُبْطِلُ الصَّلَاةَ زَعَمَ أَنَّ هَذَا كَانَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ بِمَكَّةَ وَحُدُوثُ هَذَا الْأَمْرِ كَانَ بِالْمَدِينَةِ لِأَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ مُتَأَخِّرُ الْإِسْلَامِ وَهَذَا الْقَوْلُ ضَعِيفٌ جِدًّا وَأَجَابَ عَنْهُ الْمُحَقِّقُونَ كَابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ وَالنَّوَوِيِّ بِأَجْوِبَةٍ شَافِيَةٍ
قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْكُوفَةِ إِذَا تَكَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا أَوْ مَا كَانَ فَإِنَّهُ يُعِيدُ الصَّلَاةَ وَاعْتَلُّوا بِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ كَانَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَرَأَى هَذَا حَدِيثًا صَحِيحًا فَقَالَ بِهِ وَقَالَ هَذَا أَصَحُّ مِنَ الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فِي الصَّائِمِ إِذَا أَكَلَ نَاسِيًا فَإِنَّهُ لَا يَقْضِي وَإِنَّمَا هُوَ رِزْقٌ رَزَقَهُ اللَّهُ
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَفَرَّقُوا هَؤُلَاءِ بَيْنَ الْعَمْدِ وَالنِّسْيَانِ فِي أَكْلِ الصَّائِمِ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ
قَالَ أَحْمَدُ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ إِنْ تَكَلَّمَ الْإِمَامُ فِي شَيْءٍ مِنْ صَلَاتِهِ وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ قَدْ أَكْمَلَهَا ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يُكْمِلْهَا يُتِمُّ صَلَاتَهُ وَمَنْ تَكَلَّمَ خَلْفَ الْإِمَامِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ عَلَيْهِ بَقِيَّةٌ مِنَ الصَّلَاةِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَقْبِلَهَا
وَاحْتَجَّ بِأَنَّ الْفَرَائِضَ كَانَتْ تُزَادُ وَتُنْقَصُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا تَكَلَّمَ ذُو الْيَدَيْنِ وَهُوَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ صَلَاتِهِ أَنَّهَا تَمَّتْ وَلَيْسَ هَكَذَا الْيَوْمَ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَكَلَّمَ عَلَى مَعْنَى مَا تَكَلَّمَ ذُو الْيَدَيْنِ لِأَنَّ الْفَرَائِضَ الْيَوْمَ لَا يُزَادُ فِيهَا وَلَا يُنْقَصُ
قَالَ أَحْمَدُ نَحْوًا مِنْ هَذَا الْكَلَامِ وَقَالَ إِسْحَاقُ نَحْوَ قَوْلِ أَحْمَدَ فِي هَذَا الْبَابِ انْتَهَى كلامه(3/225)
(رَوَاهُ دَاوُدُ بْنُ الْحُصَيْنِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ حَدِيثُ أَبِي سُفْيَانَ مَوْلَى أَبِي أَحْمَدَ هَذَا الَّذِي عَلَّقَهُ أَبُو دَاوُدَ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ وَأَبُو سُفْيَانَ هَذَا احْتَجَّ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِحَدِيثِهِ وَاسْمُهُ قَزْمَانُ وَقِيلَ وَهْبٌ وَقِيلَ عَطَاءٌ وَيُقَالُ فيه مولى أبي أحمد ومولى بن أَبِي أَحْمَدَ انْتَهَى
[1016] (عَنْ ضَمْضَمٍ بْنِ جَوْسٍ) بِفَتْحِ الْجِيمِ ثُمَّ مُهْمَلَةٌ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ (الْهِفَّانِيِّ) بِكَسْرِ الْهَاءِ وَفَتْحِ الْفَاءِ الْمُشَدَّدَةِ ثُمَّ النُّونُ هُوَ الْيَمَامِيُّ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ
[1017] (عن بن عُمَرَ قَالَ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ بن مَاجَهْ
[1018] (عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ) قَالَ النَّوَوِيُّ اسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُمَرَ وَقِيلَ مُعَاوِيَةُ بْنُ عُمَرَ وَقِيلَ عَمْرُو بْنُ مُعَاوِيَةَ
ذَكَرَ هَذِهِ الْأَقْوَالَ الثَّلَاثَةَ فِي اسْمِهِ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ وَآخَرُونَ وَقِيلَ اسْمُهُ النَّضْرُ بْنُ عَمْرَ الْجَرْمِيُّ الْأَزْدِيُّ الْبَصْرِيُّ التَّابِعِيُّ الْكَبِيرُ رَوَى عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانَ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ وَهُوَ عم أبي(3/226)
قِلَابَةَ الرَّاوِي عَنْهُ هُنَا (رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ الْخِرْبَاقُ) بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ وَفِي آخِرِهِ قَافٌ لَقَبُهُ أَوِ اسْمُهُ
قال بن حَجَرٍ أَسْلَمَ فِي أَوَاخِرِ زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَاشَ حَتَّى رَوَى عَنْهُ متأخروا التَّابِعِينَ وَهُوَ ذُو الْيَدَيْنِ السَّابِقُ كَمَا قَالَهُ الْمُحَقِّقُونَ وَغَيْرُ ذِي الشِّمَالَيْنِ خِلَافًا لِمَنْ وَهِمَ فِيهِ كَالزُّهْرِيِّ (مُغْضَبًا يَجُرُّ رِدَاءَهُ) وَاعْلَمْ أَنَّ حَدِيثَ ذِي الْيَدَيْنِ هَذَا فِيهِ فَوَائِدُ كَثِيرَةٌ وَقَوَاعِدُ مُهِمَّةٌ مِنْهَا جَوَازُ النِّسْيَانِ فِي الْأَفْعَالِ وَالْعِبَادَاتِ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ وَأَنَّهُمْ لَا يُقَرُّونَ عَلَيْهِ وَمِنْهَا الْوَاحِدُ إِذَا ادَّعَى شَيْئًا جَرَى بِحَضْرَةِ جَمْعٍ كَثِيرٍ لَا يَخْفَى عَلَيْهِمْ سُئِلُوا عَنْهُ وَلَا يُعْمَلُ بِقَوْلِهِ مَنْ غَيْرِ سُؤَالٍ وَمِنْهَا إِثْبَاتُ سُجُودِ السَّهْوِ وَأَنَّهُ سَجْدَتَانِ وَأَنَّهُ يُكَبِّرُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَأَنَّهُمَا عَلَى هَيْئَةِ سُجُودِ الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ أَطْلَقَ السُّجُودَ فَلَوْ خَالَفَ الْمُعْتَادَ لَبَيَّنَهُ وَأَنَّهُ يُسَلَّمُ مِنْ سُجُودِ السَّهْوِ وَأَنَّهُ لَا تَشَهُّدَ لَهُ وَأَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ فِي الزِّيَادَةِ يَكُونُ بَعْدَ السَّلَامِ وَأَنَّ الشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَحْمِلُهُ عَلَى أَنَّ تَأْخِيرَ سُجُودِ السَّهْوِ كَانَ نِسْيَانًا لَا عَمْدًا وَمِنْهَا أَنَّ كَلَامَ النَّاسِ لِلصَّلَاةِ وَالَّذِي يُظَنُّ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا لَا يُبْطِلُهَا وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنَ السَّلَفِ والخلف وهو قول بن عَبَّاسٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَأَخِيهِ عُرْوَةَ وَعَطَاءٍ وَالْحَسَنِ وَالشَّعْبِيِّ وَقَتَادَةَ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَجَمِيعِ الْمُحَدِّثِينَ
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعَمَلَ الْكَثِيرَ وَالْخُطُوَاتِ إِذَا كَانَتْ فِي الصَّلَاةِ سَهْوًا لَا تُبْطِلُهَا كَمَا لَا تبطلها الْكَلَامُ سَهْوًا وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْمُتَوَلِّي لَا يُبْطِلُهَا لِهَذَا الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ ثَبَتَ فِي مُسْلِمٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَشَى إِلَى الْجِذْعِ وَخَرَجَ السَّرَعَانُ وَفِي رِوَايَةٍ دَخَلَ الْحُجْرَةَ ثُمَّ خَرَجَ وَرَجَعَ النَّاسُ وَبَنَى عَلَى صَلَاتِهِ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ الصَّلَاةَ تَبْطُلُ بِذَلِكَ وَهَذَا مُشْكِلٌ وَتَأْوِيلُ الْحَدِيثِ صَعْبٌ عَلَى مَنْ أَبْطَلَهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ
انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ مُخْتَصَرًا
قَالَ النَّوَوِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ بن مَاجَهْ
5 - (بَاب إِذَا صَلَّى خَمْسًا)
[1019] (قَالَ حَفْصٌ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ) بْنُ الْحَجَّاجِ (عَنِ الْحَكَمِ) بِفَتْحَتَيْنِ بن عتيبة (عن(3/227)
إِبْرَاهِيمَ) بْنِ يَزِيدَ النَّخَعِيِّ (عَنْ عَلْقَمَةَ) بْنِ قَيْسٍ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ) بْنِ مَسْعُودٍ (فَقِيلَ لَهُ) عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا سَلَّمَ (أَزِيدَ فِي الصَّلَاةِ) بِهَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ الِاسْتِخْبَارِيِّ (قَالَ) عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ (وَمَا ذَاكَ) أَيْ وَمَا سُؤَالُكُمْ عَنِ الزِّيَادَةِ فِي الصَّلَاةِ (قَالَ صَلَّيْتَ خَمْسًا فَسَجَدَ) عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بَعْدَ أَنْ تَكَلَّمَ (سَجْدَتَيْنِ) لِلسَّهْوِ (بَعْدَ مَا سَلَّمَ) أَيْ بَعْدَ سَلَامِ الصَّلَاةِ لِتَعَذُّرِ السُّجُودِ قَبْلَهُ لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِالسَّهْوِ
وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْحَدِيثِ هَلِ انْتَظَرَهُ الصَّحَابَةُ أَوِ اتَّبَعُوهُ فِي الْخَامِسَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمُ اتَّبَعُوهُ لِتَجْوِيزِهِمُ الزِّيَادَةَ فِي الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ كَانَ زَمَانُ تَوَقُّعِ النَّسْخِ
أَمَّا غَيْرُ الزَّمَنِ النَّبَوِيِّ فَلَيْسَ لِلْمَأْمُومِ أَنْ يَتْبَعَ إِمَامَهُ فِي الْخَامِسَةِ مَعَ عِلْمِهِ بِسَهْوِهِ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ اسْتَقَرَّتْ فَلَوْ تَبِعَهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِعَدَمِ الْعُذْرِ بِخِلَافِ مَنْ سَهَا كَسَهْوِهِ
وَاسْتَدَلَّ الْحَنَفِيَّةُ بِالْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ كُلُّهُ بَعْدَ السَّلَامِ
وَظَاهِرُ صَنِيعِ الْإِمَامِ الْبُخَارِيِّ يَقْتَضِي التَّفْرِقَةَ بَيْنَ مَا إِذَا كَانَ السَّهْوُ بِالنُّقْصَانِ أَوِ الزِّيَادَةِ فَفِي النُّقْصَانِ يَسْجُدِ قبل السلام وفي الزيادة يسجد بعده وبذلك لِمَا ذَكَرَ قَالَ مَالِكٌ وَالْمُزَنِيُّ وَالشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ وَحَمَلَ فِي الْجَدِيدِ السَّهْوَ فِيهِ عَلَى أَنَّهُ تَدَارُكٌ لِلْمَتْرُوكِ قَبْلَ السَّلَامِ سَهْوًا لِمَا فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْأَمْرُ بِالسُّجُودِ قَبْلَ السَّلَامِ مِنَ التَّعَرُّضِ لِلزِّيَادَةِ وَلَفْظُهُ إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى فَلْيَطْرَحِ الشَّكَّ وَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ ثُمَّ يَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ وَفِي قَوْلٍ قَدِيمٍ ثَانٍ لِلشَّافِعِيِّ أَيْضًا يَتَخَيَّرُ إِنْ شَاءَ سَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ وَإِنْ شَاءَ بَعْدَهُ لِثُبُوتِ الْأَمْرَيْنِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا مَرَّ وَرَجَّحَهُ الْبَيْهَقِيُّ
وَنَقَلَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ الْإِجْمَاعَ عَلَى جَوَازِهِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْأَفْضَلِ وَلِذَا أَطْلَقَ النَّوَوِيُّ وَذَهَبَ أَحْمَدُ إِلَى أَنَّهُ يَسْتَعْمِلُ كُلَّ حَدِيثٍ فِيمَا يَرِدُ فِيهِ وَمَا لَمْ يَرِدُ فِيهِ شَيْءٌ يَسْجُدُ فِيهِ قَبْلَ السَّلَامِ ذَكَرَهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ
[1020] (فَلَا أَدْرِي زَادَ أَمْ نَقَصَ) بِالشَّكِّ
قَالَ فِي الْمِرْقَاةِ الرِّوَايَةُ الَّتِي فِيهَا فَقِيلَ لَهُ أَزِيدَ فِي(3/228)
الصلاة أصح مِنْ رِوَايَةِ زَادَ أَوْ نَقَصَ بِالشَّكِّ (فَإِذَا نَسِيتُ فَذَكِّرُونِي) فَكَانَ حَقُّهُمْ أَنْ يُذَكِّرُوهُ بِالْإِشَارَةِ أَوْ نَحْوِهَا عِنْدَ إِرَادَةِ قِيَامِهِ إِلَى الْخَامِسَةِ (فَلْيَتَحَرَّ) التَّحَرِّي طَلَبُ الْحَرِيَّ وَهُوَ اللَّائِقُ وَالْحَقِيقُ وَالْجَدِيرُ أَيْ فَلْيَطْلُبْ بِغَلَبَةِ ظَنِّهِ وَاجْتِهَادِهِ
قَالَ الطِّيبِيُّ التَّحَرِّي الْقَصْدُ وَالِاجْتِهَادُ فِي الطَّلَبِ وَالْعَزْمُ عَلَى تَحْصِيلِ الشَّيْءِ بِالْفِعْلِ وَالضَّمِيرُ الْبَارِزُ فِي (فَلْيُتِمَّ عَلَيْهِ) رَاجِعٌ إِلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ فليتحر والمعنى فليتم وَالْمَعْنَى فَلْيُتِمَّ عَلَى ذَلِكَ مَا بَقِيَ مِنْ صلاته بأن الضم إليه ركعة أو ركعتين أو ثلاثا وَلْيَقْعُدْ فِي مَوْضِعٍ يَحْتَمِلُ الْقَعْدَةَ الْأُولَى وُجُوبًا وَفِي مَكَانٍ يَحْتَمِلُ الْقَعْدَةَ الْأُخْرَى فَرْضًا
وَبَقِيَ حُكْمٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَحْصُلْ لَهُ اجْتِهَادٌ وَغَلَبَةُ ظَنًّ فَلْيَبْنِ عَلَى الْأَقَلِّ الْمُسْتَيْقَنِ كَمَا سَبَقَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ
كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ (ثُمَّ لِيُسَلِّمْ ثُمَّ لِيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ) وَثُمَّ لِمُجَرَّدِ التَّعْقِيبِ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ وَلَوْ وَقَعَ تَرَاخٍ يَجُوزُ مَا لَمْ يَقَعْ مِنْهُ مُنَافٍ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ
وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ والنسائي وبن مَاجَهْ
[1021] (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بِهَذَا قَالَ) النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ثُمَّ تَحَوَّلَ) النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ) أَيْ لِلسَّهْوِ (رَوَاهُ حُصَيْنٌ نَحْوَ الْأَعْمَشِ) أَيْ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الْجُمْلَةِ إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ فَلْيُتِمَّ عَلَيْهِ فَحُصَيْنٌ وَالْأَعْمَشُ مَا ذَكَرَا هَذِهِ الْجُمْلَةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ وَأَمَّا مَنْصُورٌ فَذَكَرَهَا عَنْ إِبْرَاهِيمَ وَحَدِيثُ مَنْصُورٍ أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ إِلَّا التِّرْمِذِيُّ فَإِنَّهُ لَمْ يُخْرِجْهُ أَصْلًا وَإِلَّا النَّسَائِيَّ فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ هَذِهِ الْجُمْلَةَ وَذَكَرَهُ أَبُو دَاوُدَ بِلَفْظِ الْبُخَارِيِّ
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ جَرِيرٍ عَنْ مَنْصُورٍ وَقَالَ فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ
وَهَذَا اللَّفْظُ فِي جُمْلَةِ حَدِيثٍ رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ سَهَا فَصَلَّى خَمْسًا
وَقَدْ رَوَى الْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ وَالْأَعْمَشُ تِلْكَ الْقِصَّةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ دُونَ لَفْظِ(3/229)
التَّحَرِّي وَرَوَاهَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سُوَيْدٍ عَنْ عَلْقَمَةَ عن عبد الله دون لفظ وَرَوَاهَا الْأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ دُونَ لَفْظِ التَّحَرِّي
فَذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَدِيثِ إِلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِالتَّحَرِّي فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَشْكُوكٌ فِيهِ فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ جهة بن مَسْعُودٍ أَوْ مَنْ دُونَهُ فَأُدْرِجَ فِي الْحَدِيثِ
وَذَهَبَ غَيْرُهُ إِلَى تَصْحِيحِ الْحَدِيثِ بِأَنَّ مَنْصُورَ بْنَ الْمُعْتَمِرِ مِنْ حُفَّاظِ الْحَدِيثِ وَثِقَاتِهِمْ وَقَدْ رَوَى الْقِصَّةَ بِتَمَامِهَا وَرَوَى فِيهَا لَفْظَ التَّحَرِّي غَيْرَ مُضَافٍ إِلَى غَيْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَوَاهَا عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْحُفَّاظِ مِسْعَرٌ وَالثَّوْرِيُّ وَشُعْبَةُ وَوَهْبُ بْنُ خَالِدٍ وَفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ وَجَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ وَغَيْرُهُمْ وَالزِّيَادَةُ مِنَ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا خِلَافُ رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ
وَالْجَوَابُ عَنْهُ مَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ مَعْنَاهُ فَلْيَتَحَرَّ الَّذِي يَظُنُّ أَنَّهُ نَقَصَهُ فَيُتِمَّهُ حَتَّى يَكُونَ التَّحَرِّي أَنْ يُعِيدَ مَا شَكَّ فِيهِ وَيَبْنِيَ عَلَى حَالٍ يَسْتَيْقِنُ فِيهَا
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ إِنَّ التَّحَرِّي يَكُونُ بِمَعْنَى الْيَقِينِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا انْتَهَى كَلَامُ الْبَيْهَقِيِّ مُخْتَصَرًا
[1022] (فَلَمَّا انْفَتَلَ) أَيِ انْصَرَفَ (تَوَشْوَشَ الْقَوْمُ بَيْنَهُمْ) الْوَشْوَشَةُ كَلَامٌ خَفِيٌّ مُخْتَلِطٌ لَا يَكَادُ يُفْهَمُ وَرُوِيَ بِسِينٍ مُهْمَلَةٍ وَيُرِيدُ بِهِ الْكَلَامَ الْخَفِيَّ كَمَا فِي فَتْحِ الْوَدُودِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ ضَبَطْنَاهُ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ
وَقَالَ الْقَاضِي رُوِيَ بِالْمُعْجَمَةِ وَالْمُهْمَلَةِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَمَعْنَاهُ تَحَرَّكُوا وَمِنْهُ وَسْوَاسُ الْحُلِيِّ بِالْمُهْمَلَةِ وَهُوَ تَحَرُّكُهُ وَوَسْوَسَةُ الشَّيْطَانِ
قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْوَشْوَشَةُ بِالْمُعْجَمَةِ صَوْتٌ فِي اخْتِلَاطٍ
قَالَ الْأَصْمَعِيُّ وَيُقَالُ رَجُلٌ وَشْوَاشٌ أَيْ خَفِيفٌ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي هَذَا الْبَابِ فَقَالَ بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ عَلْقَمَةُ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَعَطَاءٌ وَالنَّخَعِيُّ وَالزُّهْرِيِّ وَمَالِكٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ
قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ إِنْ كَانَ لَمْ يَجْلِسْ فِي الرَّابِعَةِ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يُعِيدَ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إِنْ كَانَ لَمْ يَقْعُدْ فِي الرَّابِعَةِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ وَسَجَدَ فِي الْخَامِسَةِ فَصَلَاتُهُ فاسدة وعليه أن يستقبل الصلاة وإن كان قد قعد في الرابعة قدر التشهد(3/230)
فقد تمت له الظهر والخامسة تطوع وَعَلَيْهِ أَنْ يُضِيفَ إِلَيْهَا رَكْعَةً ثُمَّ يَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ وَيَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ لِلسَّهْوِ وَتَمَّتْ صَلَاتُهُ
قَالَ الشَّيْخُ الْخَطَّابِيُّ وَمُتَابَعَةُ السُّنَّةِ أَوْلَى فَإِسْنَادُ هَذَا الْحَدِيثِ يَعْنِي حَدِيثَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ فِي الْجَوْدَةِ مِنْ إِسْنَادِ أَهْلِ الْكُوفَةِ قَالَ مَنْ صَارَ إِلَى ظَاهِرِ الْحَدِيثِ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَعَدَ فِي الرَّابِعَةِ أَوْ لَمْ يَكُنْ قَعَدَ فَإِنْ كَانَ قَعَدَ فِيهَا فَإِنَّهُ لَمْ يُضِفْ إِلَيْهَا السَّادِسَةَ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَقْعُدْ فِي الرَّابِعَةِ فَإِنَّهُ لَمْ يَسْتَأْنِفِ الصَّلَاةَ وَلَكِنِ احْتَسَبَ بِهَا وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ لِلسَّهْوِ فَعَلَى الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا يَدْخُلُ الْفَسَادُ عَلَى الْكُوفَةِ فِيمَا قَالُوهُ
انْتَهَى كَلَامُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ
[1023] (وعن معاوية بن خديج) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ
وَقَالَ أَبُو سَعِيدِ بْنُ يُونُسَ هَذَا أَصَحُّ حَدِيثٍ
6 - (بَاب إِذَا شَكَّ فِي الثِّنْتَيْنِ وَالثَّلَاثِ)
[1024] من قال يلقي بصيغة للمجهول
(الشَّكُّ) وَيَلْزَمُهُ الْبِنَاءُ عَلَى الْيَقِينِ وَهُوَ الْأَقَلُّ فَيَأْتِي بِمَا بَقِيَ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ فَمَنْ شَكَّ هَلْ صَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا مَثَلًا يَبْنِي عَلَى الْأَقَلِّ وَهُوَ الثَّلَاثُ وَمَنْ شَكَّ هَلْ صَلَّى ثَلَاثًا أَوِ اثْنَتَيْنِ يَبْنِي عَلَى اثْنَتَيْنِ
وَأَصْرَحُ فِي الْمُرَادِ حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ كَمَا سَيَأْتِي
قَالَ النَّوَوِيُّ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ فَإِنَّهُمْ قَالُوا فِي وُجُوبِ الْبِنَاءِ على اليقين وحملوا التحري في حديث بن مَسْعُودٍ عَلَى الْأَخْذِ بِالْيَقِينِ قَالُوا وَالتَّحَرِّي هُوَ القصد ومنه قوله تعالى تحروا رشدا فمعنى حديث عبد الله فليقصد الصواب فليعمل(3/231)
به وقصد الصواب هو ما بينه فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَغَيْرِهِ
انْتَهَى وَسَيَجِيءُ تَوْضِيحُهُ مِنْ كَلَامِ الْخَطَّابِيِّ وَسَلَفَ آنِفًا كَلَامُ الْبَيْهَقِيِّ فِيهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
(عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ) هُوَ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ (إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ) أَيْ تَرَدَّدَ بِلَا رُجْحَانٍ فَإِنَّهُ مَعَ الظَّنِّ يَبْنِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لِلشَّافِعَيِّ (فَلْيُلْقِ الشَّكَّ) أَيْ مَا يَشُكُّ فِيهِ وَهُوَ الرَّكْعَةُ الرَّابِعَةُ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (وَلْيَبْنِ) بِسُكُونِ اللَّامِ وَكَسْرِهِ (عَلَى الْيَقِينِ) أَيْ عَلِمَ يَقِينًا وَهُوَ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ (كَانَتِ الرَّكْعَةُ نَافِلَةً وَالسَّجْدَتَانِ) أَيْ نَافِلَتَانِ أَيْضًا (مُرْغِمَتَيِ الشَّيْطَانِ) مُرْغِمَةٌ اسْمُ فَاعِلٍ عَلَى وَزْنِ مُكْرِمَةٍ مِنَ الْإِفْعَالِ أَيْ مُذِلَّتَيْنِ
وَاعْلَمْ أَنَّ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ رُوِيَ مِنْ طُرُقٍ شَتَّى وَلَهُ أَلْفَاظٌ وَنَحْنُ نَسْرُدُهَا فَأَقُولُ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا فَلْيَطْرَحِ الشَّكَّ وَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ ثُمَّ يَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ فَإِنْ كَانَ صَلَّى خَمْسًا شَفَعْنَ لَهُ صَلَاتَهُ وَإِنْ كَانَ صَلَّى إِتْمَامًا لِأَرْبَعٍ كَانَتَا تَرْغِيمًا لِلشَّيْطَانِ وَلَفْظُ النَّسَائِيِّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلْيُلْغِ الشَّكَّ وَلْيَبْنِ عَلَى الْيَقِينِ فَإِذَا اسْتَيْقَنَ بِالتَّمَامِ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ قَاعِدٌ فَإِنْ كَانَ صَلَّى خَمْسًا شَفَعَتَا لَهُ صَلَاتَهُ وَإِنْ صَلَّى أَرْبَعًا كَانَتَا تَرْغِيمًا لِلشَّيْطَانِ وَفِي رِوَايَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ وَهُوَ يُصَلِّي فِي الثَّلَاثِ وَالْأَرْبَعِ فَلْيُصَلِّ رَكْعَةً حَتَّى يَكُونَ الشَّكُّ فِي الزِّيَادَةِ ثُمَّ يَسْجُدْ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ فَإِنْ كَانَ صَلَّى خَمْسًا شَفَعَتَا لَهُ صَلَاتَهُ وَإِنْ كَانَ أَتَمَّهَا فَهُمَا تُرْغِمَانِ أَنْفَ الشَّيْطَانِ وَفِي رِوَايَةِ لِلدَّارَقُطْنِيِّ أَيْضًا إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى أَرْبَعًا أَوْ ثَلَاثًا فَلْيَطْرَحِ الشَّكَّ وَلْيَبْنِ عَلَى الْيَقِينِ ثُمَّ لِيَقُمْ فَيُصَلِّي رَكْعَةً ثم سجد سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَإِنْ كَانَتْ صَلَاتُهُ أَرْبَعًا وَقَدْ زَادَ رَكْعَةً كَانَتْ هَاتَانِ السَّجْدَتَانِ تَشْفَعَانِ الْخَامِسَةَ وَإِنْ كَانَتْ صَلَاتُهُ ثَلَاثَةً كَانَتِ الرَّابِعَةُ تَمَامَهَا وَالسَّجْدَتَانِ تَرْغِيمًا لِلشَّيْطَانِ
وَمِنْ أحاديث الباب ما أخرجه الترمذي وبن مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِذَا سَهَا أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ أَثْلَاثًا صَلَّى أَمْ أَرْبَعًا فَلْيَبْنِ(3/232)
عَلَى ثَلَاثٍ وَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ قال الترمذي حسن صحيح
ولفظ بن مَاجَهْ إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي الثِّنْتَيْنِ وَالْوَاحِدَةِ فَلْيَجْعَلْهَا وَاحِدَةً وَإِذَا شَكَّ فِي الثِّنْتَيْنِ وَالثَّلَاثِ فَلْيَجْعَلْهَا ثِنْتَيْنِ وَإِذَا شَكَّ فِي الثَّلَاثِ وَالْأَرْبَعِ فَلْيَجْعَلْهَا ثَلَاثًا ثُمَّ لِيُتِمَّ مَا بَقِيَ مِنْ صَلَاتِهِ حَتَّى تَكُونَ الْوَهْمُ فِي الزِّيَادَةِ ثُمَّ يَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَلَفْظُهُ فَإِنَّ الزِّيَادَةَ خَيْرٌ مِنَ النُّقْصَانِ
(وَحَدِيثُ أَبِي خَالِدٍ أَشْبَعُ) أَيْ أَتَمُّ وَأَكْمَلُ مِنْ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ مُطَرِّفٍ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مسلم والنسائي وبن ماجه
[1025] (المرغمتين) قال بن الْأَثِيرِ يُقَالُ أَرْغَمَ اللَّهُ أَنْفَهُ أَيْ أَلْصَقَهُ بِالرَّغَامِ وَهُوَ التُّرَابُ
هَذَا هُوَ الْأَصْلُ ثُمَّ اسْتُعْمِلَ فِي الذُّلِّ وَالْعَجْزِ عَنِ الِانْتِصَافِ وَالِانْقِيَادِ عَلَى كُرْهٍ انْتَهَى
وَالْمَعْنَى الْمُذِلَّتَيْنِ لِلشَّيْطَانِ وَسَيَجِيءُ بَيَانُهُ أَيْضًا
[1026] (وَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ قَبْلَ التَّسْلِيمِ) هُوَ مِنْ أَدِلَّةِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ السُّجُودَ لِلسَّهْوِ قَبْلَ السَّلَامِ (شَفَعَهَا بِهَاتَيْنِ) يَعْنِي أَنَّ السَّجْدَتَيْنِ بِمَنْزِلَةِ الرَّكْعَةِ لِأَنَّهُمَا رُكْنَاهَا فَكَأَنَّهُ بِفِعْلِهِمَا قَدْ فَعَلَ رَكْعَةً سَادِسَةً فَصَارَتْ شَفْعًا فَالسَّجْدَتَانِ تَرْغِيمٌ لِلشَّيْطَانِ لِأَنَّهُ لَمَّا قَصَدَ التَّلْبِيسَ عَلَى المصلي وإبطال صلاته كان السَّجْدَتَانِ لِمَا فِيهِمَا مِنَ الثَّوَابِ تَرْغِيمًا لَهُ
وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّ مُجَرَّدَ حُصُولِ الشَّكِّ مُوجِبٌ لِلسَّهْوِ وَلَوْ زَالَ وَحَصَلَتْ مَعْرِفَةُ الصَّوَابِ
قَالَهُ الشَّوْكَانِيُّ
وَقَالَ الزُّرْقَانِيُّ قَوْلُهُ شَفَعَهَا بِهَاتَيْنِ السَّجْدَتَيْنِ أَيْ رَدَّهَا إِلَى الشَّفْعِ
قَالَ الْبَاجِيُّ يَحْتَمِلُ أن الصلاة(3/233)
مَبْنِيَّةٌ عَلَى الشَّفْعِ فَإِنْ دَخَلَ عَلَيْهِ مَا يُوتِرُهَا مِنْ زِيَادَةٍ وَجَبَ إِصْلَاحُ ذَلِكَ بِمَا يَشْفَعُهَا (وَإِنْ كَانَتْ رَابِعَةً فَالسَّجْدَتَانِ تَرْغِيمٌ) أَيْ إِغَاظَةٌ وَإِذْلَالٌ (لِلشَّيْطَانِ) قَالَ النَّوَوِيُّ هُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ الرَّغَامِ وَهُوَ التُّرَابُ وَمِنْهُ أَرْغَمَ اللَّهُ أَنْفَهُ وَالْمَعْنَى أَنَّ الشَّيْطَانَ لَبَّسَ عَلَيْهِ صَلَاتَهُ وَتَعَرَّضَ لِإِفْسَادِهَا وَنَقْضِهَا فَجَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى لِلْمُصَلِّي طَرِيقًا إِلَى جَبْرِ صَلَاتِهِ وَتَدَارُكِ مَا لَبَّسَهُ عَلَيْهِ وَإِرْغَامِ الشَّيْطَانِ وَرَدِّهِ خَاسِئًا مُبْعَدًا عَنْ مراده وكملت صلاة بن آدَمَ وَامْتَثَلَ أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي عَصَى بِهِ إِبْلِيسُ مِنِ امْتِنَاعِهِ مِنَ السُّجُودِ
انْتَهَى
قَالَ الْإِمَامُ الْخَطَّابِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي أَبْوَابِ السَّهْوِ عِدَّةَ أَحَادِيثَ فِي أَكْثَرِ أَسَانِيدِهَا مَقَالٌ وَالصَّحِيحُ مِنْهَا وَالْمُعْتَمَدُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ الْخَمْسَةُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَهِيَ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ مِنْ طَرِيقِ مَنْصُورٍ وَحَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَحَدِيثُ عَطَاءٍ مُرْسَلًا وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبٍي سَلَمَةَ وَحَدِيثُ عبد الله بن بُحَيْنَةَ
فَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ مُجْمَلٌ لَيْسَ فِيهِ بَيَانُ مَا يَصْنَعُهُ مِنْ شَيْءٍ سِوَى ذَلِكَ وَلَا فِيهِ بَيَانُ مَوْضِعِ السَّجْدَتَيْنِ مِنَ الصلاة وحاصل الأمر على حديث بن مسعود
فأما حديث بن مَسْعُودٍ وَهُوَ أَنَّهُ يَتَحَرَّى فِي صَلَاتِهِ وَيَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ بَعْدَ السَّلَامِ فَهُوَ مَذْهَبُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ
وَمَعْنَى التَّحَرِّيِ عِنْدَهُمْ غَالِبُ الظَّنِّ وَأَكْبَرُ الرَّأْيِ كَأَنَّهُ شَكَّ فِي الرَّابِعَةِ مِنَ الظُّهْرِ هَلْ صَلَّاهَا أَمْ لَا فَإِنْ كَانَ أَكْثَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّهَا أَضَافَ إِلَيْهَا أُخْرَى وَيَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ بَعْدَ السَّلَامِ وَإِنْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ فِي الرَّابِعَةِ أَنَّهُ صَلَّاهَا أَتَمَّهَا وَلَمْ يُضِفْ إِلَيْهَا رَكْعَةً وَسَجَدَ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ بَعْدَ السَّلَامِ هَذَا إِذَا كَانَ الشَّكُّ يَعْتَرِيهِ فِي الصَّلَاةِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ أَوَّلَ مَا سَهَا فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَأْنِفَ الصَّلَاةَ عِنْدَهُمْ
وأما حديث بن بُحَيْنَةَ وَذِي الْيَدَيْنِ فَإِنَّ مَالِكًا اعْتَبَرَهُمَا جَمِيعًا وَبَنَى مَذْهَبَهُ عَلَيْهِمَا فِي الْوَهْمِ إِذَا وَقَعَ فِي الصَّلَاةِ فَإِنْ كَانَ مِنْ زِيَادَةٍ زَادَهَا فِي صُلْبِ الصَّلَاةِ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ بَعْدَ السَّلَامِ لِأَنَّ فِي خَبَرِ ذِي الْيَدَيْنِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ ثِنْتَيْنِ وَهُوَ زِيَادَةٌ فِي الصَّلَاةِ وَإِنْ كَانَ مِنْ نُقْصَانٍ سَجَدَهُمَا قَبْلَ السَّلَامِ لِأَنَّ في حديث بن بُحَيْنَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ عَنْ ثِنْتَيْنِ وَلَمْ يَتَشَهَّدْ وَهَذَا نُقْصَانٌ فِي الصَّلَاةِ
وَذَهَبَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ إِلَى أَنَّ كُلَّ حَدِيثٍ مِنْهَا تُتَأَمَّلُ صِفَتُهُ وَيُسْتَعْمَلُ فِي مَوْضِعِهِ وَلَا يُحْمَلُ عَلَى الْخِلَافِ وَكَانَ يَقُولُ تَرْكُ الشَّكِّ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا إِلَى الْيَقِينِ وَالْآخَرُ إِلَى التَّحَرِّي
فَمَنْ رَجَعَ إِلَى الْيَقِينِ فَهُوَ أَنْ يُلْقِيَ الشَّكَّ وَيَسْجُدَ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ قَبْلَ السَّلَامِ عَلَى حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَإِذَا رَجَعَ إِلَى التَّحَرِّي وَهُوَ أَكْثَرُ لِتَوَهُّمٍ سَجَدَ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ بَعْدَ السَّلَامِ عَلَى حديث بن مَسْعُودٍ
فَأَمَّا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فَعَلَى الْجَمْعِ بَيْنَ(3/234)
الْأَخْبَارِ وَرَدِّ الْمُجْمَلِ مِنْهَا عَلَى الْمُفَسَّرِ وَالتَّفْسِيرُ إِنَّمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَهُوَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَلْيُلْقِ الشَّكَّ وَلْيَبْنِ عَلَى الْيَقِينِ وَقَوْلُهُ إِذَا لَمْ يَدْرِ أَثَلَاثًا صَلَّى أَمْ أَرْبَعًا فَلْيُصَلِّ رَكْعَةً وَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ قَبْلَ السَّلَامِ وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَإِنْ كَانَتِ الرَّكْعَةُ الَّتِي صَلَّاهَا خَامِسَةً شَفَعَهَا بِهَاتَيْنِ وَإِنْ كَانَتْ رَابِعَةً فَالسَّجْدَتَانِ تَرْغِيمُ الشَّيْطَانِ قَالَ وَهَذَا فُصُولٌ فِي الزِّيَادَاتِ حَفِظَهَا أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ لَمْ يَحْفَظْهَا غَيْرُهُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَقَبُولُ الزِّيَادَاتِ وَاجِبٌ فَكَانَ الْمَصِيرُ إِلَى حَدِيثِهِ أولى
ومعنى التحري المذكور في حديث بن مَسْعُودٍ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ هُوَ الْبِنَاءُ عَلَى الْيَقِينِ عَلَى مَا جَاءَ تَفْسِيرُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ
وَحَقِيقَةُ التَّحَرِّي هُوَ طَلَبُ إِحْدَى الْأَمْرَيْنِ وَأَوْلَاهُمَا بِالصَّوَابِ وَأَحْرَاهُمَا مَا جَاءَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ مِنَ الْبِنَاءِ عَلَى الْيَقِينِ لِمَا فِيهِ مِنْ كَمَالِ الصَّلَاةِ وَالِاحْتِيَاطِ لَهَا
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّحَرِّيَ قَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى الْيَقِينِ قَوْلُهُ تَعَالَى فَمَنْ أَسْلَمَ فأولئك تحروا رشدا وَأَمَّا حَدِيثُ ذِي الْيَدَيْنِ وَسُجُودُهُ فِيهَا بَعْدَ التَّسْلِيمِ فَإِنَّ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى السَّهْوِ فِي مَذْهَبِهِمْ لِأَنَّ تِلْكَ الصَّلَاةَ قَدْ نُسِبَتْ إِلَى السَّهْوِ فِي مَذْهَبِهِمْ فَجَرَى حُكْمُ أَحَدِهِمَا عَلَى مُشَاكَلَةِ حُكْمِ مَا تَقَدَّمَ مِنْهَا وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِخَبَرِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَقَدْ رُوِيَ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ كُلٌّ فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا أَنَّ تَقْدِيمَ السُّجُودِ قَبْلَ السَّلَامِ أَحْرَى الْأَمْرَيْنِ
وَقَدْ ضَعَّفَ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ قَوْمٌ زَعَمُوا أَنَّ مَالِكًا أَرْسَلَهُ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ
قَالَ الشَّيْخُ وَهَذَا مِمَّا لَا يَقْدَحُ فِي صِحَّتِهِ وَمَعْلُومٌ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يُرْسِلُ الْأَحَادِيثَ وَهِيَ عِنْدَهُ مُسْنَدةٌ وَذَلِكَ مَعْرُوفٌ مِنْ عَادَتِهِ وقد رواه أبو داود من طريق بن عَجْلَانَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَذَكَرَ أَنَّ هِشَامَ بْنَ سَعِيدٍ أَسْنَدَهُ فَبَلَغَ بِهِ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ قَالَ الشَّيْخُ وَقَدْ أَسْنَدَهُ أَيْضًا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ حَدَّثَنَاهُ حَمْزَةُ بْنُ الْحَارِثِ وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنُ زَيْرَكٍ قَالَا حَدَّثَنَا عَبَّاسُ الدُّورِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ دَاوُدَ قَالَ أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ في صلاته فلم يدركم صَلَّى أَثْلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا فَلْيَطْرَحِ الشَّكَّ وَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ ثُمَّ لِيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ فَإِنْ كَانَ صَلَّى خَمْسًا كَانَتَا شَفْعًا وَإِنْ كَانَ صَلَّى تَمَامَ الْأَرْبَعِ كَانَتَا تَرْغِيمًا لِلشَّيْطَانِ
قَالَ الشَّيْخُ وَرَوَاهُ بن عَبَّاسٍ كَذَلِكَ أَيْضًا حَدَّثُونَا بِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بن إسماعيل الصائغ قال أخبرنا بن قَعْنَبٍ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عن بن عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ أَثْلَاثًا صَلَّى أَمْ أَرْبَعًا فَلْيَقُمْ(3/235)
فَلْيُصَلِّ رَكْعَةً ثُمَّ لِيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ قَبْلَ السَّلَامِ فَإِنْ كَانَتِ الرَّكْعَةُ الَّتِي صَلَّى خَامِسَةً شَفَعَهَا بِهَاتَيْنِ وَإِنْ كَانَتْ رَابِعَةً فَالسَّجْدَتَانِ تَرْغِيمٌ لِلشَّيْطَانِ
قَالَ الشَّيْخُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ بَيَانُ فَسَادِ قَوْلِ مَنْ ذَهَبَ فِيمَنْ صَلَّى خَمْسًا إِلَى أَنَّهُ يُضِيفُ إِلَيْهَا سَادِسَةً إِنْ كَانَ قَدْ فَعَلَ وَاعْتَلُّوا بِأَنَّ النَّافِلَةَ لَا تَكُونُ رَكْعَةً وَقَدْ نَصَّ فِيهِ مِنْ طَرِيقِ بن عَجْلَانَ عَلَى أَنَّ تِلْكَ الرَّكْعَةَ الرَّابِعَةَ تَكُونُ نَافِلَةً ثُمَّ لَمْ يَأْمُرْهُ بِإِضَافَةِ أُخْرَى إِلَيْهَا
انتهى كلامه بحروفه
[1027] (عبد الرحمن القاريء) أَيْ مَنْسُوبٌ إِلَى بَنِي قَارَةَ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَهَذَا أَيْضًا مُرْسَلٌ (كَذَلِكَ) أَيْ كَمَا رَوَى القعنبي مرسلا (رواه بن وهب عن مالك) بن أنس مرسلا كَذَا رَوَى (حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ وَدَاوُدُ بْنُ قَيْسٍ وَهِشَامُ بْنُ سَعْدٍ) كُلُّهُمْ مِنْ أَقْرَانِ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ مُرْسَلًا إِلَّا أن هاشما أي بن سَعْدٍ (بَلَغَ بِهِ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ) فَهِشَامٌ مِنْ بَيْنِ أَقْرَانِ مَالِكٍ جَعَلَهُ مُتَّصِلًا بِذِكْرِ أبي سعيد الخدري ورواية بن وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ وَعَنْ حَفْصِ بْنِ مَيْسَرَةَ وَدَاوُدِ بْنِ قَيْسٍ وَهِشَامِ بْنِ سَعْدٍ أَخْرَجَهَا البيقهي فِي الْمَعْرِفَةِ
وَقَالَ الزُّرْقَانِيُّ فِي شَرْحِ الْمُوَطَّأِ هَكَذَا مُرْسَلًا عِنْدَ جَمِيعِ الرُّوَاةِ وَتَابَعَ مَالِكًا عَلَى إِرْسَالِهِ الثَّوْرِيُّ وَحَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ وَدَاوُدُ بْنُ قَيْسٍ فِي رِوَايَةٍ وَوَصَلَهُ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ وَيَحْيَى بْنُ رَاشِدٍ الْمَازِنِيُّ كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ
وَقَدْ وَصَلَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ وَدَاوُدَ بْنِ قَيْسٍ كِلَاهُمَا عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَلَهُ طُرُقٌ عند النسائي وبن مَاجَهْ عَنْ زَيْدٍ مَوْصُولًا وَلِذَا قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ هَذَا الْحَدِيثُ وَإِنْ كَانَ الصَّحِيحُ فِيهِ عَنْ مَالِكٍ الْإِرْسَالَ فَإِنَّهُ مُتَّصِلٌ مِنْ وُجُوهٍ ثَابِتَةٍ مِنْ حَدِيثِ مَنْ تُقْبَلُ زِيَادَتُهُ لِأَنَّهُمْ حُفَّاظٌ فَلَا يَضُرُّهُ تَقْصِيرُ مَنْ قَصَّرَ فِي وَصْلِهِ
وَقَدْ قَالَ الْأَثْرَمُ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَتَذْهَبُ إِلَى حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ إِنَّهُمْ(3/236)
يَخْتَلِفُونَ فِي إِسْنَادِهِ قَالَ إِنَّمَا قَصَّرَ بِهِ مالك وقد أسنده عدة منهم بن عَجْلَانَ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبٍي سَلَمَةَ
انْتَهَى
قال بن عَبْدِ الْبَرِّ وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ دَلَالَةٌ قَوِيَّةٌ لِقَوْلِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ وَغَيْرِهِمْ إِنَّ الشَّاكَّ يَبْنِي عَلَى الْيَقِينِ وَلَا يَجْزِيهِ التَّحَرِّي
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إِنْ كَانَ ذَلِكَ أَوَّلَ مَا شَكَّ اسْتَقْبَلَ وَإِنِ اعْتَرَاهُ غَيْرُ مَرَّةٍ تَحَرَّى
وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَحَادِيثِ فَرْقٌ بَيْنَ اعْتَرَاهُ ذَلِكَ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَوْ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ
وَقَالَ أَحْمَدُ الشَّكُّ عَلَى وَجْهَيْنِ الْيَقِينُ وَالتَّحَرِّي فَمَنْ رَجَعَ إِلَى الْيَقِينِ أَلْغَى الشَّكَّ وَسَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ عَلَى حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَإِذَا رَجَعَ إِلَى التَّحَرِّي وَهُوَ أَكْثَرُ الْوَهْمِ سَجَدَ لِلسَّهْوِ بَعْدَ السَّلَامِ عَلَى حَدِيثِ بن مَسْعُودٍ الَّذِي يَرْوِيهِ مَنْصُورٌ وَهُوَ حَدِيثٌ مَعْلُولٌ
وَقَالَ جَمَاعَةٌ التَّحَرِّي هُوَ الرُّجُوعُ إِلَى الْيَقِينِ
وَعَلَى هَذَا يَصِحُّ اسْتِعْمَالُ الْخَبَرَيْنِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَأَيُّ تَحَرٍّ يَكُونُ لِمَنِ انْصَرَفَ وَهُوَ شَاكٌّ غَيْرُ مُتَيَقِّنٍ وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَنْ تَحَرَّى عَلَى أَغْلَبِ ظَنِّهِ أَنَّ شُعْبَةً مِنَ الشَّكِّ تَصْحَبُهُ
انْتَهَى
وَتَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ الْخَطَّابِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
7 - (بَاب مَنْ قَالَ يُتِمُّ عَلَى أَكْثَرِ ظَنِّهِ)
[1028] قَالَ بِهِ الْحَنَفِيَّةُ
قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ إِنْ كَانَ لَهُ ظَنٌّ بَنَى على غالب ظنه وإلا فبنى على اليقين وحجتهم حديث بن مَسْعُودٍ مِنْ طَرِيقِ مَنْصُورٍ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَبْنِي عَلَى الْيَقِينِ مُطْلَقًا فِي الصُّوَرِ كُلِّهَا وَيَأْخُذُ بِحَدِيثِ الْخُدْرِيِّ وَحَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عوف انتهى
قال النووي حديث بن مَسْعُودٍ مِنْ طَرِيقِ مَنْصُورٍ دَلِيلٌ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَمُوَافِقِيهِ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الرَّأْيِ عَلَى أَنَّ مَنْ شَكَّ فِي صَلَاتِهِ فِي عَدَدِ رَكَعَاتٍ تَحَرَّى وَبَنَى عَلَى غَالِبِ ظَنِّهِ وَلَا يَلْزَمُهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْأَقَلِّ وَالْإِتْيَانِ في الزيادة وظاهر حديث بن مَسْعُودٍ حُجَّةٌ لَهُمْ
ثُمَّ اخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ فِي طَائِفَةٍ هَذَا لِمَنِ اعْتَرَاهُ الشَّكُّ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى وَأَمَّا غَيْرُهُ فَيَبْنِي عَلَى الْيَقِينِ وَقَالَ آخَرُونَ هُوَ عَلَى عُمُومِهِ
وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ إِلَى حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْمُتَقَدِّمِ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي وُجُوبِ الْبِنَاءِ عَلَى الْيَقِينِ
فَإِنْ قَالَتِ الْحَنَفِيَّةُ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ لَا يُخَالِفُ مَا قُلْنَا لِأَنَّهُ وَرَدَ فِي الشَّكِّ وَهُوَ مَا اسْتَوَى طَرَفَاهُ وَمَنْ شَكَّ وَلَمْ يَتَرَجَّحْ لَهُ أَحَدُ الطَّرَفَيْنِ بَنَى عَلَى الْأَقَلِّ بِالْإِجْمَاعِ بِخِلَافِ مَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ صَلَّى أَرْبَعًا مَثَلًا فَالْجَوَابُ أَنَّ تَفْسِيرَ الشَّكِّ بِمُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ إِنَّمَا هُوَ اصْطِلَاحٌ طارىء لِلْأُصُولِيِّينَ وَأَمَّا فِي اللُّغَةِ فَالتَّرَدُّدُ بَيْنَ وُجُودِ الشَّيْءِ وَعَدَمِهِ كُلُّهُ يُسَمَّى شَكًّا سَوَاءٌ الْمُسْتَوِي وَالرَّاجِحُ وَالْمَرْجُوحُ وَالْحَدِيثُ يُحْمَلُ(3/237)
عَلَى اللُّغَةِ مَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ حَقِيقَةٌ شَرْعِيَّةٌ أَوْ عُرْفِيَّةٌ وَلَا يَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى مَا يَطْرَأُ لِلْمُتَأَخِّرِينَ مِنَ الِاصْطِلَاحِ
انْتَهَى كَلَامُهُ
وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَالَّذِي يَلُوحُ لِي أَنَّهُ لَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ أَحَادِيثِ الْبِنَاءِ عَلَى الْأَقَلِّ وَالْبِنَاءِ عَلَى الْيَقِينِ وَتَحَرِّي الصَّوَابِ وَذَلِكَ لِأَنَّ التَّحَرِّيَ فِي اللُّغَةِ كَمَا عَرَفْتَ هُوَ طَلَبُ مَا هُوَ أَحْرَى إِلَى الصَّوَابِ وَقَدْ أمر به صلى الله عليه وسلم وأمر بِالْبِنَاءِ عَلَى الْيَقِينِ وَالْبِنَاءِ عَلَى الْأَقَلِّ عِنْدَ عُرُوضِ الشَّكِّ فَإِنْ أَمْكَنَ الْخُرُوجُ بِالتَّحَرِّي عَنْ أَثَرَةِ الشَّكِّ وَلَا يَكُونُ إِلَّا بِالِاسْتِيقَانِ بِأَنَّهُ قَدْ فَعَلَ مِنَ الصَّلَاةِ كَذَا رَكَعَاتٍ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْبِنَاءِ عَلَى الْأَقَلِّ لِأَنَّ الشَّارِعَ قَدْ شَرَطَ فِي جَوَازِ الْبِنَاءِ عَلَى الْأَقَلِّ عَدَمَ الدِّرَايَةِ
كَمَا فِي حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَهَذَا الْمُتَحَرِّي قَدْ حَصَلَتْ لَهُ الدَّارِيَةُ
وَأُمِرَ الشَّاكُّ بِالْبِنَاءِ عَلَى الْيَقِينِ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَمَنْ بَلَغَ بِهِ تَحَرِّيهِ إِلَى الْيَقِينِ قَدْ بَنَى عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ
وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنَّهُ لَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ وَأَنَّ التَّحَرِّيَ الْمَذْكُورَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْبِنَاءِ عَلَى الْأَقَلِّ انْتَهَى كَلَامُهُ
قُلْتُ وَمَا قَالَهُ الشَّوْكَانِيُّ حَسَنٌ جِدًّا وَاللَّهُ أَعْلَمُ
(عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ) لَمْ يَسْمَعْ أَبُو عُبَيْدَةَ مِنْ أَبِيهِ قَالَهُ الْحَافِظُ فِي التَّهْذِيبِ وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ سَمَاعُهُ مِنْ أَبِيهِ
وَفِي الْخُلَاصَةِ قَالَ عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ سَأَلْتُهُ هَلْ تَذْكُرُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ شَيْئًا قَالَ لَا قُلْتُ وَقَدْ ثَبَتَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنَ السُّنَنِ لِلتِّرْمِذِيِّ أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ (رَوَاهُ عَبْدُ الْوَاحِدِ عَنْ خُصَيْفٍ وَلَمْ يَرْفَعْهُ) وَالْحَاصِلُ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ سَلَمَةَ تَفَرَّدَ بِرَفْعِ هَذَا الْحَدِيثِ وَأَمَّا عَبْدُ الْوَاحِدِ وَسُفْيَانُ وَإِسْرَائِيلُ وَشَرِيكٌ فَهَؤُلَاءِ لَمْ يَرْفَعُوهُ وَكَذَا قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ وَرَوَى خُصَيْفٌ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا الْحَدِيثُ مُخْتَلَفٌ فِي رَفْعِهِ وَمَتْنِهِ وَخُصَيْفٌ غَيْرُ قَوِيٍّ وَأَبُو عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ مُرْسَلٌ انْتَهَى
وَفِي خُصَيْفِ بْنِ عَبْدِ الرحمن الجزري أبو عون صدوق سيء الْحِفْظِ خَلَّطَ بِآخِرِهِ وَرُمِيَ بِالْإرْجَاءِ
وَفِي الْخُلَاصَةِ ضعفه أحمد ووثقه بن مَعِينٍ وَأَبُو زُرْعَةَ انْتَهَى
فَالْحَدِيثُ مَعَ كَوْنِهِ غَيْرَ مُتَّصِلِ الْإِسْنَادِ ضَعِيفٌ أَيْضًا فَالِاحْتِجَاجُ بِهَذَا الْحَدِيثِ لِمَنْ يَقُولُ يُتِمُّ عَلَى أَكْبَرِ ظَنِّهِ غير(3/238)
صَحِيحٍ
وَلِذَا احْتَجَّ الزَّيْلَعِيُّ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ مِنْ طَرِيقِ مَنْصُورٍ وَكَذَا الِاحْتِجَاجُ بِحَدِيثِ أَبِي عُبَيْدَةَ هَذَا عَلَى التَّشَهُّدِ الثَّانِي بَعْدَ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ يَتَشَهَّدُ فِيهِمَا وَيُسَلِّمُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَيْسَ فِيهِمَا تَشَهُّدٌ وَتَسْلِيمٌ وَإِذَا سَجَدَهُمَا قَبْلَ التَّسْلِيمِ لَمْ يَتَشَهَّدْ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ قَالَا إِذَا سَجَدَ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ قَبْلَ السَّلَامِ لَمْ يَتَشَهَّدِ انْتَهَى قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ عُبَيْدةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ
قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَرَوَاهُ عَبْدُ الْوَاحِدِ عَنْ خُصَيْفٍ وَلَمْ يَرْفَعْهُ وَوَافَقَ عَبْدَ الْوَاحِدِ أَيْضًا سُفْيَانُ وَشَرِيكٌ وَاخْتَلَفُوا فِي الْكَلَامِ فِي مَتْنِ الْحَدِيثِ وَلَمْ يُسْنِدُوهُ انْتَهَى
[1029] (فَلَمْ يَدْرِ زَادَ أَمْ نَقَصَ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ قَاعِدٌ) قَدِ اسْتَدَلَّ بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ مَنْ قَالَ إِنَّ الْمُصَلِّيَ إِذَا شَكَّ فَلَمْ يَدْرِ زَادَ أَوْ نَقَصَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا سَجْدَتَانِ عَمَلًا بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ وَبِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْآتِي وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَطَائِفَةٌ مِنَ السَّلَفِ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَنَسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ وَغَيْرُهُمْ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَبْنِي عَلَى أَقَلَّ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَعْمَلُ عَلَى غَالِبِ ظَنِّهِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يُعِيدُ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْصِيلُ ذَلِكَ وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ أَكْثَرُ مِنْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِسَجْدَتَيْنِ عِنْدَ السَّهْوِ فِي الصَّلَاةِ وَلَيْسَ فِيهَا بَيَانُ مَا يَصْنَعُهُ مَنْ وَقَعَ لَهُ ذَلِكَ
وَالْأَحَادِيثُ الْآخِرَةُ قَدِ اشْتَمَلَتْ عَلَى زِيَادَةٍ وَهِيَ بَيَانُ مَا هُوَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ عِنْدَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ السُّجُودِ فَالْمَصِيرُ إِلَيْهَا وَاجِبٌ
وَظَاهِرُ قَوْلِهِ مَنْ شَكَّ فِي صَلَاتِهِ وَقَوْلُهُ فَإِذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْمُتَقَدِّمِ إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ وَقَوْلُهُ فِي حديث بن مَسْعُودٍ الْمُتَقَدِّمِ أَيْضًا وَإِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ أَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ مَشْرُوعٌ فِي صَلَاةِ النَّافِلَةِ كَمَا هُوَ مَشْرُوعٌ فِي صَلَاةِ الْفَرِيضَةِ وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ مِنَ الْعُلَمَاءِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا لِأَنَّ الْجُبْرَانَ وَإِرْغَامَ الشَّيْطَانِ يُحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي النَّفْلِ كَمَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي الْفَرْضِ
وذهب بن سِيرِينَ وَقَتَادَةُ وَرُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ وَنَقَلَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ عَنْ قَوْلِهِ الْقَدِيمِ إِلَى أَنَّ التَّطَوُّعَ لَا يُسْجَدُ فِيهِ وَهَذَا يَبْتَنِي عَلَى الْخِلَافِ فِي اسْمِ الصَّلَاةِ الَّذِي هُوَ حقيقة مشروعية في الأفعال المخصوصة هل هو متواطىء فَيَكُونَ مُشْتَرَكًا مَعْنَوِيًّا(3/239)
فَيَدْخُلَ تَحْتَهُ كُلُّ صَلَاةٍ أَوْ هُوَ مُشْتَرَكٌ لَفْظِيٌّ بَيْنَ صَلَاتَيِ الْفَرْضِ وَالنَّفْلِ فَذَهَبَ الرَّازِيُّ إِلَى الثَّانِي لِمَا بَيْنَ صَلَاتَيِ الْفَرْضِ وَالنَّفْلِ مِنَ التَّبَايُنِ فِي بَعْضِ الشُّرُوطِ كَالْقِيَامِ وَاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَعَدَمِ اعْتِبَارِ الْعَدَدِ الْمَعْنَوِيِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ
قَالَ الْعَلَائِيُّ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ مُشْتَرَكٌ مَعْنَوِيٌّ لِوُجُودِ الْقَدْرِ الْجَامِعِ بَيْنَ كُلِّ مَا يُسَمَّى صَلَاةً وَهُوَ التَّحْرِيمُ وَالتَّحْلِيلُ مَعَ مَا يَشْمَلُ الْكُلَّ مِنَ الشُّرُوطِ الَّتِي لَا تَنْفَكُّ
قَالَ فِي الْفَتْحِ وَإِلَى كَوْنِهِ مُشْتَرَكًا مَعْنَوِيًّا ذَهَبَ جمهور أهل الأصول
قال بن رَسْلَانَ وَهُوَ أَوْلَى لِأَنَّ الِاشْتِرَاكَ اللَّفْظِيَّ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ وَالتَّوَاطُؤُ خَيْرٌ مِنْهُ انْتَهَى
فَمَنْ قَالَ إِنَّ لَفْظَ الصَّلَاةِ مُشْتَرَكٌ مَعْنَوِيٌّ قَالَ بِمَشْرُوعِيَّةِ سُجُودِ السَّهْوِ فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ وَمَنْ قَالَ بِأَنَّهُ مُشْتَرَكٌ لَفْظِيٌّ فَلَا عُمُومَ لَهُ حِينَئِذٍ إِلَّا عَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ إِنَّ الْمُشْتَرَكَ يَعُمُّ جَمِيعَ مُسَمَّيَاتِهِ
وَقَدْ تَرْجَمَ الْبُخَارِيُّ عَلَى بَابِ السَّهْوِ فِي الْفَرْضِ وَالتَّطَوُّعِ وَذَكَرَ عَنِ بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ يَسْجُدُ بَعْدَ وِتْرِهِ وَذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ (إِلَّا مَا وَجَدَ رِيحًا بِأَنْفِهِ) أَيِ اسْتَيْقَنَ أَنَّهُ أَحْدَثَ قال المنذري وأخرجه بن مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ (وَهَذَا لَفْظُ حَدِيثِ أَبَانٍ) دُونَ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ (وَقَالَ مَعْمَرٌ وعلي بن المبارك) والحاصل أن هشام الدَّسْتُوَائِيَّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ عِيَاضٌ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ أَبِيهِ وَقَالَ أَبَانٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ هِلَالِ بْنِ عِيَاضٍ وَأَمَّا مَعْمَرٌ وَعَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ فَقَالَا عِيَاضُ بْنُ هِلَالٍ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ عِيَاضُ بْنُ أَبِي زُهَيْرٍ قَالَ الْحَافِظُ عِيَاضُ بْنُ هِلَالٍ وقيل بن أَبِي زُهَيْرٍ الْأَنْصَارِيُّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ هِلَالُ بْنُ عِيَاضٍ وَهُوَ مَرْجُوحٌ مَجْهُولٌ تَفَرَّدَ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ بِالرِّوَايَةِ عَنْهُ انْتَهَى
[1030] (إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَامَ يُصَلِّي) فَرْضًا أَوْ نَفْلًا (فَلَبَسَ عَلَيْهِ) بِتَخْفِيفِ الْمُوَحَّدَةِ الْمَفْتُوحَةِ عَلَى الصَّحِيحِ وَبِتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْضًا أَيْ خَلَطَ عَلَيْهِ أَمْرَ صَلَاتِهِ وَشَوَّشَ خَاطِرَهُ
قَالَ فِي النِّهَايَةِ لَبَسْتُ الْأَمْرَ بِالْفَتْحِ أُلْبِسَهُ إِذَا خَلَطْتَ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ وَمِنْهُ قوله تعالى وللبسنا عليهم ما(3/240)
يلبسون وَرُبَّمَا شُدِّدَ لِلتَّكْثِيرِ
وَقَالَ النَّوَوِيُّ أَيْضًا هُوَ بِالتَّخْفِيفِ أَيْ خَلَطَ عَلَيْهِ صَلَاتَهُ وَهُوَ شَبَّهَهَا عَلَيْهِ وَشَكَّكَهُ فِيهَا (حَتَّى لَا يَدْرِي كَمْ صَلَّى) أَيْ رَكْعَةً أَوْ رَكْعَتَيْنِ أَوْ غَيْرَهُمَا لِاشْتِغَالِ قَلْبِهِ (فَإِذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ ذَلِكَ) أَيِ التَّرَدُّدَ وَعَدَمَ الْعِلْمِ (سَجْدَتَيْنِ) فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَا زِيَادَةَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ سَهَا بِأُمُورٍ مُتَعَدِّدَةٍ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ
(وَكَذَا) أَيْ كَمَا رَوَاهُ مَالِكٌ وَانْتَهَى حَدِيثُهُ عَلَى قَوْلِهِ وَهُوَ جَالِسٌ مِنْ غَيْرِ ذكر جملة قبل أن يسلم (رواه بن عُيَيْنَةَ وَمَعْمَرٌ وَاللَّيْثُ) أَيْضًا فَهَؤُلَاءِ الْحُفَّاظُ مِنْ أصحاب الزهري مالك وبن عُيَيْنَةَ وَمَعْمَرٌ وَاللَّيْثُ لَمْ يَقُولُوا قَبْلَ أَنْ يسلم وإنما ذكرها بن إسحاق وبن أخي الزهري كلاهما عن بن شِهَابٍ كَمَا سَيَأْتِي
قَالَ الْحَافِظُ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا محمول عند مالك والليث وبن وَهْبٍ وَجَمَاعَةٍ عَلَى الْمُسْتَنْكَحِ الَّذِي لَا يَكَادُ يَنْفَكُّ عَنْهُ وَيَكْثُرُ عَلَيْهِ السَّهْوُ وَيَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ قَدْ أَتَمَّ لَكِنَّ الشَّيْطَانَ يُوَسْوِسُ لَهُ فَيَجْزِيهِ أَنْ يَسْجُدَ لِلسَّهْوِ دُونَ أَنْ يَأْتِيَ بِرَكْعَةٍ لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ أَنْ يَنُوبَهُ مِثْلُ ذَلِكَ فِيمَا يَأْتِي بِهِ وَأَمَّا مَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَمْ يُكْمِلْ صَلَاتَهُ فَيَبْنِي عَلَى يَقِينِهِ فَإِنِ اعْتَرَاهُ ذَلِكَ أَيْضًا فِيمَا يَبْنِي لَهَى عَنْهُ أَيْضًا كَمَا قَالَهُ بن الْقَاسِمِ وَغَيْرُهُ
وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا غَيْرُ حَدِيثِ الْبِنَاءِ عَلَى الْيَقِينِ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ رَاوِي حَدِيثِ الْبِنَاءِ عَلَى الْيَقِينِ الْمُتَقَدِّمِ رَوَى أَيْضًا حَدِيثَ إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلَمْ يَدْرِ أَزَادَ أَمْ نَقَصَ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ قَاعِدٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ
وَمُحَالٌ أن يكون معناهما واحد الاختلاف أَلْفَاظِهِمَا بَلْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَوْضِعٌ كَمَا ذَكَرْنَا انْتَهَى كَذَا فِي شَرْحِ الزُّرْقَانِيِّ عَلَى الْمُوَطَّأِ
[1032] (فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ) فِيهِ دَلِيلٌ لِمَنْ قَالَ إِنَّ سُجُودَ السَّهْوِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الْوَارِدَةُ فِي سُجُودِ السَّهْوِ لِأَجْلِ الشَّكِّ كَحَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عند أحمد والترمذي وبن مَاجَهْ وَأَبِي سَعِيدٍ الْمُتَقَدِّمِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهَا قَاضِيَةٌ بِأَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ لِهَذَا السَّبَبِ يَكُونُ قَبْلَ السَّلَامِ وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ الْآتِي لَا يَنْتَهِضُ لِمُعَارَضَتِهَا لَا سِيَّمَا مَعَ ما(3/241)
فِيهِ مِنَ الْمَقَالِ الَّذِي سَيَأْتِي وَلَكِنَّهُ يُؤَيِّدُهُ حديث بن مَسْعُودٍ الْمَذْكُورُ قَرِيبًا فَيَكُونُ الْكُلُّ جَائِزًا وَسَيَجِيءُ بعض البيان
8 - (باب من قال يسجد بعد التسليم)
[1033] حديث الباب أخرجه النسائي وأحمد في مسنده وبن خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ إِسْنَادُهُ لَا بَأْسَ بِهِ وَعُتْبَةُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَيُقَالُ عقبة ذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ وَمُصْعَبُ بْنُ شَيْبَةَ وَثَّقَهُ بن مَعِينٍ وَأَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ لَكِنْ ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو حَاتِمٍ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَقَالَ الْحَافِظُ الْحَازِمِيُّ فِي كِتَابِ الِاعْتِبَارِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي سُجُودِ السَّهْوِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ فَطَائِفَةٌ رَآهُ السَّجْدَةَ بَعْدَ السَّلَامِ عَمَلًا بِحَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ بِهِ مِنَ الصحابة علي وسعد وبن الزبير ومن التابعين الحسن والنخعي وبن أَبِي لَيْلَى وَالثَّوْرِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ وَأَهْلُ الْكُوفَةِ وَذَهَبَ طَائِفَةٌ إِلَى أَنَّ السُّجُودَ قَبْلَ السلام أخذا بحديث بن بُحَيْنَةَ وَبِحَدِيثِ مُعَاوِيَةَ عِنْدَ النَّسَائِيِّ وَزَعَمُوا أَنَّ حَدِيثَ ذِي الْيَدَيْنِ مَنْسُوخٌ
وَأَخْرَجَ الشَّافِعِيُّ بِسَنَدِهِ إِلَى الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ سَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ قَبْلَ السَّلَامِ وَبَعْدَهُ وَآخِرُ الْأَمْرَيْنِ قَبْلَ السَّلَامِ ثُمَّ أَكَّدَهُ الشَّافِعِيُّ بِحَدِيثِ مُعَاوِيَةَ الْمَذْكُورِ قَالَ وَصُحْبَةُ مُعَاوِيَةَ مُتَأَخِّرَةٌ كُلُّهَا ثَابِتَةٌ صَحِيحَةٌ وَفِيهَا نَوْعُ تَعَارُضٍ وَلَمْ يَثْبُتْ تَقَدُّمُ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ بِرِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ وَحَدِيثُ الزُّهْرِيُّ مُنْقَطِعٌ فَلَا يَدُلُّ عَلَى النَّسْخِ وَلَا يُعَارَضُ بِالْأَحَادِيثِ الثَّابِتَةِ وَالْأَوْلَى حَمْلُ الْأَحَادِيثِ عَلَى التَّوَسُّعِ وَجَوَازِ الْأَمْرَيْنِ
الْمَذْهَبُ الثَّالِثُ أَنَّ السَّهْوَ إِذَا كَانَ فِي الزِّيَادَةِ كَانَ السُّجُودُ بَعْدَ السَّلَامِ أَخْذًا بِحَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ وَإِذَا كَانَ فِي النُّقْصَانِ كَانَ قَبْلَ السَّلَامِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ
الْقَوْلُ الرَّابِعُ أَنَّهُ إِذَا نَهَضَ مِنْ ثِنْتَيْنِ سَجَدَهُمَا قبل السلام أخذا بحديث بن بُحَيْنَةَ وَكَذَا إِذَا شَكَّ فَرَجَعَ إِلَى الْيَقِينِ أَخْذًا بِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَإِذَا سَلَّمَ مِنْ ثِنْتَيْنِ سَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ أَخْذًا بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَكَذَا إِذَا شَكَّ وَكَانَ مِمَّنْ يَرْجِعُ إلى التحري أخذا بحديث بن مسعود(3/242)
وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَحْمَدُ فَإِنَّهُ احْتِيَاطٌ فَفَعَلَ مَا فَعَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ قَالَهُ فِي نَظِيرِ كُلِّ وَاقِعَةٍ عَنْهُ
انْتَهَى
وَحَكَى الْحَافِظُ زَيْنُ الدِّينِ الْعِرَاقِيُّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ فِي هَذَا ثَمَانِيَةَ مَذَاهِبَ لَا نُطِيلُ الْكَلَامَ فِي هَذَا الْمُخْتَصَرِ
وَقَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَازِرِيُّ
أَحَادِيثُ الْبَابِ خَمْسَةٌ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِيمَنْ شَكَّ فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى وَفِيهِ أَنَّهُ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ وَلَمْ يَذْكُرْ مَوْضِعَهُمَا وَحَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فِيمَنْ شَكَّ وَفِيهِ أَنَّهُ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يسلم وحديث بن مَسْعُودٍ وَفِيهِ الْقِيَامُ إِلَى خَامِسَةٍ وَأَنَّهُ سَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ
وَحَدِيثُ ذِي الْيَدَيْنِ وَفِيهِ السَّلَامُ مِنَ اثْنَتَيْنِ وَالْمَشْيُ وَالْكَلَامُ وَأَنَّهُ سَجَدَ بَعْدَ السلام وحديث بن بُحَيْنَةَ وَفِيهِ الْقِيَامُ مِنَ اثْنَتَيْنِ وَالسُّجُودُ قَبْلَ السَّلَامِ
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي كَيْفِيَّةِ الْأَخْذِ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ فَقَالَ أَبُو دَاوُدَ لَا يُقَاسُ عَلَيْهَا
بَلْ تُسْتَعْمَلُ فِي مَوَاضِعِهَا عَلَى مَا جَاءَتْ وَقَالَ أَحْمَدُ كَقَوْلِ دَاوُدَ فِي هَذِهِ الصَّلَوَاتِ خَاصَّةً وَخَالَفَهُ فِي غَيْرِهَا وَقَالَ يَسْجُدُ فِيمَا سِوَاهَا قَبْلَ السَّلَامِ لِكُلِّ سَهْوٍ
أَمَّا الَّذِينَ قَالُوا الْقِيَاسَ فَاخْتَلَفُوا فَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ مُخَيَّرٌ فِي كُلِّ سَهْوٍ إِنْ شَاءَ سَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ وَإِنْ شَاءَ قَبْلَهُ فِي الزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الْأَصْلُ هُوَ السُّجُودُ بَعْدَ السَّلَامِ وَتَأَوَّلَ بَاقِي الْأَحَادِيثِ عَلَيْهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الْأَصْلُ هُوَ السُّجُودُ قَبْلَ السَّلَامِ وَرَدَّ بَقِيَّةَ الْأَحَادِيثِ إِلَيْهِ
وَقَالَ مَالِكٌ إِنْ كَانَ السَّهْوُ زِيَادَةً سَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ وَإِنْ كَانَ نَقْصًا فَقَبْلَهُ فَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَيَقُولُ قَالَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ فَإِنْ كَانَتْ خَامِسَةً شَفَعَهَا وَنَصَّ عَلَى السُّجُودِ قَبْلَ السَّلَامِ مَعَ تَجْوِيزِ الزِّيَادَةِ والمجوز كالموجود ويتأول حديث بن مَسْعُودٍ فِي الْقِيَامِ إِلَى خَامِسَةٍ وَالسُّجُودِ بَعْدَ السَّلَامِ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا عَلِمَ السَّهْوَ إِلَّا بَعْدَ السَّلَامِ وَلَوْ عَلِمَهُ قَبْلَهُ يَسْجُدُ قَبْلَهُ وَيَتَأَوَّلُ حَدِيثَ ذِي الْيَدَيْنِ عَلَى أَنَّهَا صَلَاةٌ جَرَى فِيهَا سَهْوٌ فَسَهَا عَنِ السُّجُودِ قَبْلَ السَّلَامِ فَتَدَارَكَهُ بَعْدَهُ
وَهَذَا كَلَامُ الْمَازِرِيِّ قَالَ النَّوَوِيُّ وَهُوَ كَلَامٌ حَسَنٌ نَفِيسٌ
وَأَقْوَى الْمَذَاهِبِ هُنَا مَذْهَبُ مَالِكٍ ثُمَّ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ كَمَذْهَبِ مَالِكٍ وَقَوْلٌ بِالتَّخْيِيرِ وَعَلَى الْقَوْلِ بِمَذْهَبِ مَالِكٍ وَلَوِ اجْتَمَعَ فِي صَلَاةٍ خِلَافٌ بَيْنَ هَؤُلَاءِ الْمُخْتَلِفِينَ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَوْ سَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ أَوْ بَعْدَهُ لِلزِّيَادَةِ أَوِ النَّقْصِ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ وَلَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَإِنَّمَا اخْتِلَافُهُمْ فِي الْأَفْضَلِ
انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ
9 - (بَاب مَنْ قَامَ مِنْ ثِنْتَيْنِ وَلَمْ يَتَشَهَّدْ)
[1034] (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن بُحَيْنَةَ) مُصَغَّرًا بِنْتِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بن عبد مناف وهو صحابي(3/243)
ذكره بن عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ مِنَ الصَّحَابَةِ قَالَ وَأَبُوهُ مَالِكٌ لَهُ صُحْبَةٌ أَيْضًا وَإِنَّمَا بُحَيْنَةُ امْرَأَتُهُ وابنه عبد الله
وكان عبد الله بن بُحَيْنَةَ نَاسِكًا فَاضِلًا صَائِمَ الدَّهْرِ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَوْ كَتِبَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَالِكٍ بن بحينة ينبغي أن يكتب ألف بن وينون مالك ليندفع الوهم ويعرف أن بن بُحَيْنَةَ نَعْتٌ لِعَبْدِ اللَّهِ لَا لِمَالِكٍ (ثُمَّ قَامَ فَلَمْ يَجْلِسْ) هُوَ تَأْكِيدٌ لِقَامَ مِنْ بَابِ أَقُولُ لَهُ ارْحَلْ لَا تُقِيمَنَّ عِنْدَنَا أَيْ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ (فَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الْمُتَابَعَةِ حَيْثُ تَرَكُوا الْقُعُودَ الْأَوَّلَ وَتَشَهُّدَهُ (فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ) أَيْ لِلسَّهْوِ (قَبْلَ التَّسْلِيمِ ثُمَّ سَلَّمَ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الحديث دليل لمسائل كثيرة إحداهما أَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ قَبْلَ السَّلَامِ إِمَّا مُطْلَقًا كَمَا يَقُولُهُ الشَّافِعِيُّ وَمَا فِي النَّقْصِ كَمَا يَقُولُهُ مَالِكٌ الثَّانِيَةُ أَنَّ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ وَالْجُلُوسَ لَهُ لَيْسَا بِرُكْنَيْنِ فِي الصَّلَاةِ وَلَا وَاجِبَيْنِ إِذْ لَوْ كَانَا وَاجِبَيْنِ لَمَا جَبَرَهُمَا السُّجُودُ كَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَغَيْرِهِمَا وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ
وَقَالَ أَحْمَدُ فِي طَائِفَةٍ قَلِيلَةٍ هُمَا وَاجِبَانِ وَإِذَا سَهَا جَبَرَهُمَا السُّجُودُ عَلَى مُقْتَضَى الْحَدِيثِ
الثَّالِثَةُ فِيهِ أَنَّهُ يُشْرَعُ التَّكْبِيرُ لِسُجُودِ السَّهْوِ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إِذَا فَعَلَهُمَا بَعْدَ السَّلَامِ هَلْ يَتَحَرَّمُ وَيَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ أَمْ لَا
وَالصَّحِيحُ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يُسَلِّمُ وَلَا يَتَشَهَّدُ وَلَمْ يَثْبُتْ فِي التَّشَهُّدِ حَدِيثٌ انْتَهَى
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْأَمِيرُ فِي السَّيْلِ الْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ تَرْكَ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ سَهْوًا يَجْبُرُهُ سُجُودُ السَّهْوِ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَجُبْرَانُهُ هُنَا عِنْدَ تَرْكِهِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ وَاجِبًا فَإِنَّهُ يَجْبُرُهُ بِسُجُودِ السَّهْوِ وَالِاسْتِدْلَالُ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهِ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ وَاجِبًا لَمَا جَبَرَهُ السُّجُودُ إِذْ حَقُّ الْوَاجِبِ أَنْ يُفْعَلَ بِنَفْسِهِ لَا يُتَمُّ إِذْ يُمْكِنُ أَنَّهُ كَمَا قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ أَنَّهُ وَاجِبٌ وَلَكِنَّهُ إِنْ تُرِكَ سَهْوًا جَبَرَهُ سُجُودُ السَّهْوِ
وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا يَتِمُّ الِاسْتِدْلَالُ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهِ حَتَّى يَقُومَ الدَّلِيلُ أَنَّ كُلَّ وَاجِبٍ لَا يُجْزِئُ عَنْهُ سُجُودُ السَّهْوِ إِنْ تُرِكَ سَهْوًا وَقَوْلُهُ أَكْبَرُ دَلِيلٍ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ لِسُجُودِ السَّهْوِ وَأَنَّهَا غَيْرُ مُخْتَصَّةٍ بِالدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ وَأَنَّهُ يُكَبِّرُهَا وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ صَلَاتِهِ بِالسَّلَامِ مِنْهَا
وَأَمَّا تَكْبِيرَةُ النَّفْلِ فَلَمْ تُذْكَرْ هُنَا وَلَكِنَّهَا ذُكِرَتْ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ بِلَفْظِ يُكَبِّرُ فِي كُلِّ سَجْدَةٍ وَهُوَ جَالِسٌ وَيَسْجُدُ وَسَجَدَ النَّاسُ مَعَهُ
انْتَهَى
قلت حديث عبد الله بن بحينة له(3/244)
أَلْفَاظٌ فَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ وَعَلَيْهِ جُلُوسٌ فَلَمَّا أَتَمَّ صَلَاتَهُ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ يُكَبِّرُ فِي كُلِّ سَجْدَةٍ وَهُوَ جَالِسٌ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ وَسَجَدَهُمَا النَّاسُ مَعَهُ مَكَانَ مَا نَسِيَ مِنَ الْجُلُوسِ
وَفِي لَفْظٍ لَهُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قَامَ فِي الشَّفْعِ الَّذِي يُرِيدُ أَنْ يَجْلِسَ فِي صَلَاتِهِ فَلَمَّا كَانَ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ سَجَدَ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ ثُمَّ سَلَّمَ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ
[1035] (وَكَانَ مِنَّا الْمُتَشَهِّدُ) بِصِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ (فِي قِيَامِهِ) أَيْ كَانَ يَقْرَأُ التَّشَهُّدَ فِي حَالِ الْقِيَامِ وَالْمَعْنَى لَمَّا قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَجْلِسْ فِي التَّشَهُّدِ قُمْنَا أَيْضًا فَكَانَ يَقْرَأُ مِنَّا التَّشَهُّدَ حَالَ الْقِيَامِ وَظَنَنَّا أَنَّ الْجُلُوسَ قَدْ تَرَكْنَا بِمُتَابَعَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَيْفَ نَتْرُكُ التَّشَهُّدَ بَلْ نَقْرَأُ حَالَ الْقِيَامِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (وكذلك سجدهما) عبد الله (بن الزُّبَيْرِ قَامَ مِنْ ثِنْتَيْنِ) أَيْ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ كَمَا سَيَجِيءُ (قَبْلَ التَّسْلِيمِ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ ظَرْفٌ لِقَوْلِهِ سَجَدَ أَيْ سَجَدَ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ قَبْلَ السَّلَامِ وَسَلَّمَ بَعْدَهُمَا
وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ ظَرْفٌ لِقَوْلِهِ قَامَ أَيْ قَامَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ عَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ وَالْمُرَادُ بِهِ التَّشَهُّدُ لِأَنَّ فِيهِ التَّسْلِيمَ عَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ وَيُؤَيِّدُ هَذَا الثَّانِي مَا أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ بِسَنَدِهِ إِلَى يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ قَالَ صَلَّى بنا بن الزُّبَيْرِ فَقَامَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ فَسَبَّحْنَا بِهِ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهِمْ فَقَضَى مَا عَلَيْهِ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ بعد ما سلم ففي هذه الرواية أنه سجدهما بعد ما سَلَّمَ (وَهُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ) أَيْ مَنْ قَامَ مِنَ اثْنَتَيْنِ وَلَمْ يَتَشَهَّدْ لَا يَجْلِسْ بَلْ يَمْضِي فِي صَلَاتِهِ وَيَسْجُدْ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ قَبْلَ السَّلَامِ وَهُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ
قَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ إِنَّ سُجُودَ السَّهْوِ قَبْلَ السَّلَامِ مُطْلَقًا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالزُّهْرِيِّ وَمَكْحُولٍ وربيعة ويحيى بن سعيد الأنصاري والسائب القارىء وَالْأَوْزَاعِيِّ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ
انْتَهَى(3/245)
50 - (باب من نسي أن يتشهد وهو جالس يَسْجُدْ سَجْدَتَيِ)
السَّهْوِ كَمَا جَزَمَ بِهِ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ يَسْجُدُ لِتَرْكِ التَّشَهُّدِ وَإِنْ أَتَى بِالْجُلُوسِ كَمَا فِي النَّيْلِ وَبَوَّبَ التِّرْمِذِيُّ بَابَ مَا جَاءَ فِي الْإِمَامِ يَنْهَضُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ نَاسِيًا
[1036] (إِذَا قَامَ الْإِمَامُ) أَيْ شَرَعَ فِي الْقِيَامِ وَفِي مَعْنَاهُ الْمُنْفَرِدُ (فِي الرَّكْعَتَيْنِ) أَيْ بَعْدَهُمَا مِنَ الثُّلَاثِيَّةِ أَوِ الرُّبَاعِيَّةِ قَبْلَ أَنْ يَقْعُدَ وَيَتَشَهَّدَ (فَإِنْ ذَكَرَ) أَيْ تَذَكَّرَ أَنَّ عَلَيْهِ بَقِيَّةً مِنَ الصَّلَاةِ (قَبْلَ أَنْ يَسْتَوِيَ قَائِمًا) سَوَاءٌ يَكُونُ إِلَى الْقِيَامِ أَقْرَبُ أو إلى القعود واختاره الشيخ بن الْهُمَامِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَيُؤَيِّدُهُ الْحَدِيثُ (فَلْيَجْلِسْ) وَفِي وُجُوبِ سُجُودِ السَّهْوِ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ عَنِ اخْتِلَافٍ بَيْنَ الْمَشَايِخِ الْحَنَفِيَّةِ وَالْأَصَحُّ عِنْدَهُمْ عَدَمُ الْوُجُوبِ لِأَنَّ فِعْلَهُ لَمْ يُعَدَّ قِيَامًا فَكَانَ قُعُودًا
كذا في غنية المستملي
وقال بن حَجَرٍ الْمَكِّيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّ قَوْلَهُ الْآتِي وَيَسْجُدْ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ خَاصٌّ بِالْقِسْمِ الثَّانِي فَلَا يَسْجُدْ هُنَا لِلسَّهْوِ وَإِنْ كَانَ إِلَى الْقِيَامِ أَقْرَبُ وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ جُمْهُورِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي عِدَّةٍ مِنْ كُتُبِهِ وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ لَا سَهْوَ فِي وَثْبَةٍ مِنَ الصَّلَاةِ إِلَّا قِيَامٍ عَنْ جُلُوسٍ أَوْ جُلُوسٍ عَنْ قِيَامٍ انْتَهَى
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَتَمَسَّكَ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَنْ قَالَ إِنَّ السُّجُودَ إِنَّمَا هُوَ لِفَوَاتِ التَّشَهُّدِ لَا لِفِعْلِ الْقِيَامِ وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ النَّخَعِيُّ وَعَلْقَمَةُ وَالْأَسْوَدُ وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ
وَذَهَبَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ السُّجُودُ لِفِعْلِ الْقِيَامِ لما روي عن أنس أنه تَحَرَّكَ لِلْقِيَامِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْآخِرَتَيْنِ مِنَ الْعَصْرِ عَلَى جِهَةِ السَّهْوِ فَسَبَّحُوا لَهُ فَقَعَدَ ثُمَّ سَجَدَ لِلسَّهْوِ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ وَفِي بَعْضِ طُرُقِهِ أَنَّهُ قَالَ هَذِهِ السُّنَّةُ
قَالَ الْحَافِظُ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ
وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْحَاكِمُ والبيهقي عن بن عُمَرَ مِنْ حَدِيثِهِ بِلَفْظِ لَا سَهْوَ إِلَّا فِي قِيَامٍ عَنْ جُلُوسٍ أَوْ جُلُوسٍ عَنْ قِيَامٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ انْتَهَى
(فَإِنِ اسْتَوَى قَائِمًا) وَلَفْظُ أَحْمَدَ فِي مُسْنَدِهِ وَإِنِ اسْتَتَمَّ قَائِمًا (فَلَا يَجْلِسْ) لِتَلَبُّسِهِ بِفَرْضٍ فَلَا يَقْطَعْهُ (وَيَسْجُدُ) بِالرَّفْعِ (سَجْدَتَيِ السَّهْوِ) لِتَرْكِهِ وَاجِبًا وَهُوَ الْقَعْدَةُ الْأُولَى وَالْحَدِيثُ فِيهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ(3/246)
الْعَوْدُ إِلَى الْقُعُودِ وَالتَّشَهُّدِ بَعْدَ الِانْتِصَابِ الْكَامِلِ لِأَنَّهُ قَدْ تَلَبَّسَ بِالْفَرْضِ فَلَا يَقْطَعُهُ وَيَرْجِعْ إِلَى السُّنَّةِ وَقِيلَ يَجُوزُ لَهُ الْعَوْدُ مَا لَمْ يَشْرَعْ فِي الْقِرَاءَةِ فَإِنْ عَادَ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ بَطَلَتْ لِظَاهِرِ النَّهْيِ
وَلِأَنَّهُ زَادَ قُعُودًا وَهَذَا إِذَا تَعَمَّدَ الْعَوْدَ فَإِنْ عَادَ نَاسِيًا لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ وَأَمَّا إِذَا لَمْ يَسْتَتِمَّ الْقِيَامَ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْعَوْدُ لِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ فَلَمْ يَسْتَتِمَّ قَائِمًا فَلْيَجْلِسْ كَذَا فِي نَيْلِ الْأَوْطَارِ (قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَلَيْسَ فِي كِتَابِي) هَذَا حَدِيثٌ وَاحِدٌ (عَنْ جَابِرِ) بْنِ يَزِيدَ بْنِ الْحَارِثِ (الْجُعْفِيِّ) الْكُوفِيِّ (إِلَّا هَذَا الْحَدِيثَ) وَجَابِرٌ الْجُعْفِيُّ هَذَا أَحَدُ عُلَمَاءِ الشِّيعَةِ يُؤْمِنُ بِرَجْعَةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ
قَالَ الثَّوْرِيُّ كَانَ جَابِرٌ وَرِعًا فِي الْحَدِيثِ وَقَالَ شُعْبَةُ صَدُوقٌ وَإِذَا قَالَ حَدَّثَنَا وَسَمِعْتُ فَهُوَ مِنْ أَوْثَقِ النَّاسِ وَقَالَ وَكِيعٌ إِنَّ جَابِرًا ثِقَةٌ
هَذَا قَوْلُ الْمُعَدِّلِينَ فِيهِ وَأَمَّا أَقْوَالُ الْجَارِحِينَ فَقَالَ أَيُّوبُ كَذَّابٌ
وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ اتُّهِمَ بِالْكَذِبِ
وَتَرَكَهُ يَحْيَى الْقَطَّانُ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ النُّعْمَانُ الْكُوفِيُّ مَا رَأَيْتُ أَكْذَبَ مِنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ وَقَالَ لَيْثُ بْنُ أَبِي سَلِيمٍ كَذَّابٌ وَقَالَ النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ مَتْرُوكٌ وَتَرَكَهُ سُفْيَانُ بن عيينة وقال الجوزجاني كذاب
وقال بن عَدِيٍّ عَامَّةُ مَا قَذَفُوهُ بِهِ أَنَّهُ كَانَ يُؤْمِنُ بِالرَّجْعَةِ وَلَيْسَ لِجَابِرِ بْنِ الْجُعْفِيِّ فِي النَّسَائِيِّ وَأَبِي دَاوُدَ سِوَى حَدِيثٍ وَاحِدٍ فِي سجود السهود وقال بن حِبَّانَ كَانَ يَقُولُ إِنَّ عَلِيًّا يَرْجِعُ إِلَى الدُّنْيَا
وَقَالَ زَائِدَةُ جَابِرٌ الْجُعْفِيُّ رَافِضِيٌّ يَشْتُمُ أصحاب النبي
وَالْحَاصِلُ أَنَّ جَابِرًا ضَعِيفٌ رَافِضِيٌّ لَا يُحْتَجُّ بِهِ
كَذَا فِي غَايَةِ الْمَقْصُودِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ بن مَاجَهْ وَفِي إِسْنَادِهِ جَابِرٌ الْجُعْفِيُّ وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ
[1037] (فَنَهَضَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ) يَعْنِي أَنَّهُ قَامَ إِلَى الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ وَلَمْ يَتَشَهَّدْ عَقِبَ الرَّكْعَتَيْنِ
وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ فَلَمَّا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ قَامَ وَلَمْ يَجْلِسْ فَسَبَّحَ بِهِ مَنْ خَلْفَهُ فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ أَنْ قُومُوا فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ سَلَّمَ وَسَجَدَ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ فَلَمَّا أَتَمَّ صَلَاتَهُ وَسَلَّمَ سَجَدَ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ وَلَفْظُ الطَّحَاوِيِّ مِنْ هَذِهِ الطَّرِيقِ قَالَ صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فنها فَنَهَضَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ فَسَبَّحْنَا بِهِ فَمَضَى فَلَمَّا أَتَمَّ الصَّلَاةَ وَسَلَّمَ سَجَدَ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ انْتَهَى
وَفِي لَفْظٍ لِلطَّحَاوِيِّ قَالَ صَلَّى بِنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ فَقَامَ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ قَائِمًا فَقُلْنَا سبحان الله فأومئ وَقَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ فَمَضَى فِي(3/247)
صَلَاتِهِ فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ ثُمَّ قَالَ صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ فَاسْتَوَى قَائِمًا مِنْ جُلُوسِهِ فَمَضَى فِي صَلَاتِهِ فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ ثُمَّ قَالَ إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَقَامَ مِنَ الْجُلُوسِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَتِمَّ قَائِمًا فَلْيَجْلِسْ وَلَيْسَ عَلَيْهِ سَجْدَتَانِ فَإِنِ اسْتَوَى قَائِمًا فَلْيَمْضِ فِي صَلَاتِهِ وَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ انْتَهَى
وَحَدِيثُ الْمُغِيرَةِ فِيهِ دَلَالَةٌ أَنَّ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ بَعْدَ السَّلَامِ وَزَادَ التِّرْمِذِيُّ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بن بُحَيْنَةَ وَسَجَدَهُمَا النَّاسُ مَعَهُ مَكَانَ مَا نَسِيَ مِنَ الْجُلُوسِ وَفِي هَذِهِ الزِّيَادَةِ فَائِدَتَانِ إِحْدَاهُمَا أَنَّ الْمُؤْتَمَّ يَسْجُدُ مَعَ إِمَامهِ لِسَهْوِ الْإِمَامِ وَلِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ لَا تَخْتَلِفُوا وَقَدْ أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ وَالْبَزَّارُ عَنْ عَمِّهِ قَالَ قَالَ رسول الله إِنَّ الْإِمَامَ يَكْفِي مَنْ وَرَاءَهُ فَإِنْ سَهَا الْإِمَامُ فَعَلَيْهِ سَجَدَتَا السَّهْوِ وَعَلَى مَنْ وَرَاءَهُ أَنْ يَسْجُدُوا مَعَهُ وَإِنْ سَهَا أَحَدٌ مِمَّنْ خَلْفَهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَ وَالْإِمَامُ يَكْفِيهِ وَفِي إِسْنَادِهِ خَارِجَةُ بْنُ مُصْعَبٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَأَبُو الْحُسَيْنِ الْمَدَائِنِيُّ وَهُوَ مَجْهُولٌ وَالْحَكَمُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ وَهُوَ أَيْضًا ضَعِيفٌ
وَفِي الْبَابِ عن بن عباس عند بن عَدِيٍّ وَفِي إِسْنَادِهِ عَمْرٌو الْعَسْقَلَانِيُّ وَهُوَ مَتْرُوكٌ
وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْمُؤْتَمَّ يَسْجُدُ لِسَهْوِ الْإِمَامِ وَلَا يَسْجُدُ لِسَهْوِ نَفْسِهِ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَرُوِيَ عَنْ مَكْحُولٍ أَنَّهُ يَسْجُدُ لِسَهْوِهِ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَهُوَ الظَّاهِرُ لِعَدَمِ انْتِهَاضِ هَذَا الْحَدِيثِ لِتَخْصِيصِهَا وَإِنْ وَقَعَ السَّهْوُ مِنَ الْإِمَامِ وَالْمُؤْتَمِّ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَكْفِي سُجُودٌ وَاحِدٌ مِنَ الْمُؤْتَمِّ إِمَّا مَعَ الْإِمَامِ أَوْ مُنْفَرِدًا وَإِلَيْهِ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ
وَالْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ أَنَّ قَوْلَهُ مَكَانَ مَا نَسِيَ مِنَ الْجُلُوسِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ السُّجُودَ إِنَّمَا هُوَ لِأَجْلِ تَرْكِ الْجُلُوسِ لَا لِتَرْكِ التَّشَهُّدِ حَتَّى لَوْ أَنَّهُ جَلَسَ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ وَلَمْ يَتَشَهَّدْ لَا يَسْجُدُ وَجَزَمَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرُهُمْ أَنَّهُ يَسْجُدُ لِتَرْكِ التَّشَهُّدِ وَإِنْ أَتَى بِالْجُلُوسِ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ وَفِي إِسْنَادِهِ الْمَسْعُودِيُّ وَهُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ الْهُذَلِيُّ الْكُوفِيُّ اسْتَشْهَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ وَتَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ
وَحُكِيَ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ لا يحتج بحديث بن أَبِي لَيْلَى وَتَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُهُ
وَقَدْ أَشَارَ أبو داود إلى حديث بن أَبِي لَيْلَى وَقَالَ وَرَوَاهُ أَبُو عُمَيْسٍ عَنْ ثَابِتِ بْنِ عُبَيْدٍ قَالَ صَلَّى بِنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ مِثْلَ حَدِيثِ زِيَادِ بْنِ عَلَاقَةَ
قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَأَبُو عُمَيْسٍ أَخُو الْمَسْعُودِيِّ وَفَعَلَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ مِثْلَ مَا فَعَلَ الْمُغِيرَةُ وَعِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ وَالضَّحَّاكُ بْنُ قيس ومعاوية بن أبي سفيان وبن عَبَّاسٍ أَفْتَى بِذَلِكَ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ
قَالَ أَبُو دَاوُدَ هَذَا فِيمَنْ قَامَ مِنْ ثنتين سجدوه بعد ما سَلَّمُوا هَذَا كَلَامُهُ
وَحَدِيثُ أَبِي عُمَيْسٍ أَجْوَدُ شَيْءٍ فِي هَذَا فَإِنَّ أَبَا الْعُمَيْسِ عُتْبَةَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ ثِقَةٌ احْتَجَّ بِهِ الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا وَثَابِتُ بْنُ عُبَيْدٍ ثِقَةٌ احْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ انْتَهَى كَلَامُ الْمُنْذِرِيِّ(3/248)
(وكذلك) أي مثل رواية المسعودي (رواه بن أَبِي لَيْلَى) هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى
قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَقَدْ تَكَلَّمَ بعض أهل العلم في بن أَبِي لَيْلَى مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ
قَالَ أَحْمَدُ لا يحتج بحديث بن أَبِي لَيْلَى وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي لَيْلَى وَهُوَ صَدُوقٌ وَلَا أَرْوِي عَنْهُ لِأَنَّهُ لَا يُدْرَى صَحِيحُ حَدِيثِهِ مِنْ سَقِيمِهِ
وَكُلُّ مَنْ كَانَ مِثْلُ هَذَا فَلَا أَرْوِي عَنْهُ شَيْئًا (عَنِ الشَّعْبِيِّ) عَامِرٌ ثِقَةٌ إِمَامٌ (عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ وَرَفَعَهُ) وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الترمذي من طريق هشيم أخبرنا بن أَبِي لَيْلَى عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ صَلَّى بِنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ فَنَهَضَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ فَسَبَّحَ بِهِ الْقَوْمُ وَسَبَّحَ بِهِمْ فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ سَلَّمَ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ وَهُوَ جَالِسٌ ثم حدثهم أن رسول الله فَعَلَ بِهِمْ مِثْلَ الَّذِي فَعَلَ وَأَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ مَالِكٍ الرُّوَاسِيِّ عَنْ عامر الشعبي نحوه (ورواه أبو عميس مصغر) وَسَلَفَ آنِفًا تَرْجَمَتُهُ مِنْ كَلَامِ الْمُنْذِرِيِّ عَنْ ثَابِتِ بْنِ عُبَيْدٍ قَالَ صَلَّى بِنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ مِثْلَ حَدِيثِ زِيَادِ بْنِ عَلَاقَةَ وَمَقْصُودٌ الْمُؤَلِّفِ الْإِمَامِ بَيَانُ تَقْوِيَةِ رِوَايَةِ الْمَسْعُودِيِّ فَالْمَسْعُودِيُّ يَرْوِي عَنْ زِيَادِ بْنِ عَلَاقَةَ عَنِ المغيرة ويروي بن أَبِي لَيْلَى عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ عَنِ الْمُغِيرَةِ وَيَرْوِي أَبُو عُمَيْسٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنِ الْمُغِيرَةِ وَحَدِيثُ الْمُغِيرَةِ هَذَا فِيهِ حُجَّةٌ قَاطِعَةٌ عَلَى أَنَّهُ مَنْ قَامَ مِنَ اثْنَتَيْنِ وَلَمْ يَجْلِسْ وَلَمْ يَتَشَهَّدْ عَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ
وَفِيهِ دَلِيلٌ أَيْضًا لِمَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ بَعْدَ السَّلَامِ
وَأَمَّا مُطَابَقَةُ الْبَابِ من الحديث فبحيث أن النبي قَامَ مِنَ اثْنَتَيْنِ وَلَمْ يَتَشَهَّدْ فَسَجَدَ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ السَّجْدَتَيْنِ كَانَتْ لِتَرْكِ التَّشَهُّدِ لِأَنَّ الْجُلُوسَ لَا يَكُونُ إِلَّا لِقِرَاءَةِ التَّشَهُّدِ فَيُقَاسُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ جَلَسَ وَلَمْ يَتَشَهَّدْ يَسْجُدْ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ كَانَتِ السَّجْدَتَانِ لِأَجْلِ تَرْكِ الْجُلُوسِ لَا لِتَرْكِ التَّشَهُّدِ كَمَا تَقَدَّمَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (وَفَعَلَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ) مَالِكٌ الصَّحَابِيُّ الْجَلِيلُ (مِثْلَ مَا فَعَلَ الْمُغِيرَةُ) وَحَدِيثُ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ أَبِي وَقَّاصٍ أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ بَيَانٍ سَمِعْتُ قَيْسَ بْنَ أَبِي حَازِمٍ قَالَ صَلَّى بِنَا سَعْدُ بْنُ مَالِكٍ فَقَامَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ فَقَالُوا سُبْحَانَ اللَّهِ فَمَضَى فَلَمَّا سَلَّمَ سَجَدَ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ وَفِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ وَعَنْ قَيْسِ بْنِ حَازِمٍ قَالَ صَلَّى بِنَا سَعْدُ بْنُ(3/249)
أَبِي وَقَّاصٍ فَنَهَضَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ فَسَبَّحْنَا لَهُ فَاسْتَتَمَّ قَائِمًا قَالَ فَمَضَى فِي قِيَامِهِ حَتَّى فَرَغَ قَالَ أَكُنْتُمْ تَرَوْنَ أَنْ أَجْلِسَ إِنَّمَا صنعت كما رأيت رسول الله يَصْنَعُ رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى وَالْبَزَّارُ وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ (وَعِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ) الصَّحَابِيُّ أَيْ فَعَلَ عمران مثل ما فعل المغيرة كَذَلِكَ فَعَلَ (الضَّحَّاكُ بْنُ قَيْسٍ) الْفِهْرِيُّ الصَّحَابِيُّ ولد قبل وفاة النبي بسبع سنين كَذَلِكَ فَعَلَ (مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ) وَحَدِيثُهُ عِنْدَ الطَّحَاوِيِّ فِي شَرْحِ مَعَانِي الْآثَارِ وَالدَّارَقُطْنِيِّ فِي سُنَنِهِ وَالْبَيْهَقِيِّ فِي الْمَعْرِفَةِ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ مَوْلَى فَاطِمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ مَوْلَى عُثْمَانَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ صَلَّى بِهِمْ فَقَامَ وَعَلَيْهِ جُلُوسٌ فَلَمْ يَجْلِسْ فَلَمَّا كَانَ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ وقال هكذا رأيت رسول الله يصنع (وبن عَبَّاسٍ أَفْتَى بِذَلِكَ) أَيْ بِسَجْدَتَيِ السَّهْوِ عَلَى مَنْ قَامَ مِنَ اثْنَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَشَهُّدٍ وجلوس كَذَا أَفْتَى (عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ) الْخَلِيفَةُ الْعَادِلُ (وَهَذَا) الْحَدِيثُ أَيْ حَدِيثُ الْمُغِيرَةِ (فِي) حَقِّ (مَنْ قَامَ مِنْ ثِنْتَيْنِ) أَيِ الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَشَهُّدٍ وَجُلُوسٍ ثُمَّ (سَجَدُوا) مِنَ السَّهْوِ (بَعْدَ مَا سَلَّمُوا) أَيْ بَعْدَ السَّلَامِ
وَمُرَادُ الْمُؤَلِّفِ مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ بَيَانُ أَنَّ حَدِيثَ الْمُغِيرَةِ نَصَّ عَلَى أَمْرَيْنِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ مَنْ لَمْ يَجْلِسْ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ وقام يلزم عليه سجدتي السَّهْوِ وَهَكَذَا فَعَلَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ الْمَذْكُورِينَ
وَالثَّانِي أَنَّ سَجْدَةَ السَّهْوِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ السَّلَامِ وَأَمَّا فِعْلُ الصَّحَابَةِ فِي ذَلِكَ فَمُخْتَلِفٌ مِنْهُمْ مَنْ سَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ وَمِنْهُمْ مَنْ سَجَدَ قَبْلَهُ كَمَا عَرَفْتَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
[1038] (قَالَ عمْرُو) بْنُ عُثْمَانَ شَيْخُ الْمُؤَلِّفِ (وَحْدَهُ) دُونَ الرَّبِيعِ بْنِ نَافِعٍ وَعُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَشُجَاعِ بْنِ مَخْلَدٍ عَنْ شُيُوخِ الْمُؤَلِّفِ (عَنْ أَبِيهِ) وَهُوَ جُبَيْرُ بْنُ نُفَيْرٍ
وَالْمَعْنَى أَنَّ عَمْرَو بْنَ عُثْمَانَ قَالَ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ثَوْبَانَ وَقَالَ الْبَاقُونَ بِحَذْفِ عَنْ أَبِيهِ أَيْ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنْ ثَوْبَانَ (لِكُلِّ سَهْوٍ سَجْدَتَانِ بعد ما يسلم) قال(3/250)
الْحَافِظُ فِي بُلُوغِ الْمَرَامِ سَنَدُهُ ضَعِيفٌ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ انْفَرَدَ بِهِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ وَلَيْسَ بِقَوِيٍّ وَقَالَ الذَّهَبِيُّ قَالَ الْأَثْرَمُ هَذَا مَنْسُوخٌ وَقَالَ الزَّيْنُ الْعِرَاقِيُّ حَدِيثٌ مُضْطَرِبٌ وَقَالَ بن عبد الهادي وبن الجوزي بعد ما عَزَيَاهُ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ مقدوح فيه
وقال بن حَجَرٍ فِي سَنَدِهِ اخْتِلَافٌ انْتَهَى
قَالَ فِي سُبُلِ السَّلَامِ قَالُوا فِي إِسْنَادِهِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ وَفِيهِ مَقَالٌ وَخِلَافٌ
قَالَ الْبُخَارِيُّ إِذَا حَدَّثَ عَنْ أَهْلِ بَلَدِهِ يَعْنِي الشَّامِيِّينَ فَصَحِيحٌ وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنْ رِوَايَتِهِ عَنِ الشَّامِيِّينَ فَتَضْعِيفُ الْحَدِيثِ بِهِ فِيهِ نَظَرٌ
وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ لِمَسْأَلَتَيْنِ الْأُولَى أَنَّهُ إِذَا تَعَدَّدَ الْمُقْتَضِي لِسُجُودِ السَّهْوِ تَعَدَّدَ لِكُلِّ سَهْوٍ سَجْدَتَانِ وَقَدْ حُكِيَ عَنِ بن أَبِي لَيْلَى وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ لَا يَتَعَدَّدُ السجود وإن تعدد موجبه لأن النبي فِي حَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ سَلَّمَ وَتَكَلَّمَ وَمَشَى نَاسِيًا وَلَمْ يَسْجُدْ إِلَّا سَجْدَتَيْنِ
وَلَئِنْ قِيلَ إِنَّ الْقَوْلَ أَوْلَى بِالْعَمَلِ بِهِ مِنَ الْفِعْلِ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى تَعَدُّدِ السُّجُودِ لِتَعَدُّدِ مُقْتَضِيهِ بَلْ هُوَ لِلْعُمُومِ لِكُلِّ سَاهٍ فَيُفِيدُ الْحَدِيثُ أَنَّ كُلَّ مَنْ سَهَا فِي صَلَاتِهِ بِأَيِّ سَهْوٍ كَانَ يُشْرَعُ لَهُ سَجْدَتَانِ وَلَا يَخْتَصَّانِ بِالْمَوَاضِعِ الَّتِي سَهَا فِيهَا النبي وَلَا بِالْأَنْوَاعِ الَّتِي سَهَا بِهَا وَالْحَمْلُ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ وَإِنْ كَانَ هُوَ الظَّاهِرُ فِيهِ جَمْعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ
وَالْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ يَحْتَجُّ بِهِ مَنْ يَرَى سُجُودَ السَّهْوِ بَعْدَ السَّلَامِ انْتَهَى
وَفِي رَحْمَةِ الْأُمَّةِ وَإِذَا تَكَرَّرَ مِنْهُ السَّهْوُ كَفَاهُ لِلْجَمِيعِ سَجْدَتَانِ بِالِاتِّفَاقِ
وَعَنِ الْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ إِذَا كَانَ السَّهْوُ مِنْ جِنْسَيْنِ كَالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ سَجَدَ لِكُلِّ سَهْوٍ سَجْدَتَيْنِ
عَنِ بن أَبِي لَيْلَى أَنَّهُ قَالَ يَسْجُدُ لِكُلِّ سَهْوٍ سجدتين مطلقا
انتهى
قال المنذري وأخرجه بن مَاجَهْ
وَفِي إِسْنَادِهِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ وَفِيهِ مَقَالٌ
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْأَثْرَمُ لَا يَثْبُتُ حديث بن جَعْفَرٍ وَلَا حَدِيثُ ثَوْبَانَ
1 - (بَابٌ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ)
فِيهِمَا تَشَهُّدٌ وَتَسْلِيمٌ كَمَا قَالَهُ الْحَنَفِيَّةُ
[1039] (عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ) وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حسن غريب وروى بن(3/251)
سِيرِينَ عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ وَهُوَ عَمُّ أَبِي قِلَابَةَ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ وَرَوَى مُحَمَّدٌ هَذَا الحديث عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ وَأَبُو الْمُهَلَّبِ اسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَمْرٍو وَيُقَالُ مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو وَقَدْ رَوَى عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ وَهُشَيْمٌ وَغَيْرُ وَاحِدٍ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ بِطُولِهِ وَهُوَ حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَلَّمَ فِي ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ مِنَ الْعَصْرِ فَقَامَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ الْخِرْبَاقُ
وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي التَّشَهُّدِ فِي سَجْدَتَيِ السَّهْوِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ يَتَشَهَّدُ فِيهِمَا وَيُسَلِّمُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَيْسَ فِيهِمَا تَشَهُّدٌ وَتَسْلِيمٌ وَإِذَا سَجَدَهُمَا قَبْلَ التَّسْلِيمِ لَمْ يَتَشَهَّدْ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ قَالَا إِذَا سجد سجدتي السهو قبل السلام لم يتشهد
انْتَهَى
وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ
قُلْتُ وَفِي سِيَاقِ حَدِيثِ سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ الَّذِي تَقَدَّمَ فِي بَابِ السَّهْوِ فِي السَّجْدَتَيْنِ وَفِي غَيْرِ سُنَنِهِ أَنَّ هَذَا السَّهْوَ سَهْوُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي فِي خَبَرِ ذِي الْيَدَيْنِ فَإِنَّهُ فِيهِ بَعْدَ أَنْ سَاقَ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ إِلَى قَوْلِهِ ثُمَّ رَفَعَ وَكَبَّرَ مَا لَفْظُهُ فَقِيلَ لِمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ الرَّاوِي سَلَّمَ فِي السَّهْوِ فَقَالَ لَمْ أَحْفَظْهُ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَكِنْ نُبِّئْتُ أَنَّ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ قَالَ ثُمَّ سَلَّمَ
وَفِي السُّنَنِ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ سَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ مِنَ الْعَصْرِ ثُمَّ دَخَلَ فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ يُقَالُ الْخِرْبَاقُ كَانَ طَوِيلَ الْيَدَيْنِ إِلَى قَوْلِهِ فَقَالَ أَصَدَقَ فَقَالُوا نَعَمْ فَصَلَّى تِلْكَ الرَّكْعَةَ ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْهَا ثُمَّ سَلَّمَ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا الْبُخَارِيَّ وَالتِّرْمِذِيَّ
وَيَحْتَمِلُ أَنَّهَا تَعَدَّدَتِ الْقِصَّةُ
وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ عَقِبَ الصَّلَاةِ كَمَا تَدُلُّ لَهُ الْفَاءُ
وَفِيهِ تَصْرِيحٌ بِالتَّشَهُّدِ
قِيلَ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِوُجُوبِهِ وَلَفْظُ تَشَهَّدَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَتَى بِالشَّهَادَتَيْنِ وَبِهِ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ وَقِيلَ يَكْفِي التَّشَهُّدُ الْأَوْسَطُ وَاللَّفْظُ فِي الْأَوَّلِ أَظْهَرُ
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى شَرْعِيَّةِ التَّسْلِيمِ كَمَا يَدُلُّ لَهُ رِوَايَةُ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا لَا الرِّوَايَةُ الَّتِي فِي الْبَابِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِصَرِيحَةٍ أَنَّ التَّسْلِيمَ كَانَ لِسَجْدَتَيِ السَّهْوِ فَإِنَّهَا تَحْتَمِلُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ سَلَّمَ لِلصَّلَاةِ وَأَنَّهُ سَجَدَ لَهَا قَبْلَ السَّلَامِ ثُمَّ سَلَّمَ تَسْلِيمَ الصَّلَاةِ قَالَهُ فِي سُبُلِ السَّلَامِ
وَفِي نَيْلِ الْأَوْطَارِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ هَلْ حَدِيثُ عِمْرَانَ هَذَا وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُتَقَدِّمُ حِكَايَةٌ لِقِصَّةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ لِقِصَّتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ وَالظَّاهِرُ مَا قَالَهُ بن خُزَيْمَةَ وَمَنْ تَبِعَهُ مِنَ التَّعَدُّدِ لِأَنَّ دَعْوَى الِاتِّحَادِ تَحْتَاجُ إِلَى تَأْوِيلَاتٍ مُتَعَسِّفَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ غَرِيبٌ انْتَهَى(3/252)
52 - (بَاب انْصِرَافِ النِّسَاءِ قَبْلَ الرِّجَالِ مِنْ الصَّلَاةِ)
[1040] (إِذَا سَلَّمَ) أَيْ مِنَ الصَّلَاةِ (كَيْمَا يَنْفُذُ) بضم الفاء وبذال المعجمة أَي يَمْضِينَ وَيَتَخَلَّصْنَ مِنْ مُزَاحَمَةِ الرِّجَالِ
وَالْحَدِيثُ فِيهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ مُرَاعَاةُ أَحْوَالِ الْمَأْمُومِينَ وَالِاحْتِيَاطُ فِي الِاجْتِنَابِ مَا قَدْ يُفْضِي إِلَى الْمَحْذُورِ وَاجْتِنَابُ مَوَاقِعِ التُّهَمِ وَكَرَاهَةُ مُخَالَطَةِ الرِّجَالِ للنساء في الطرقات فضلا من الْبُيُوتِ
وَمُقْتَضَى التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ أَنَّ الْمَأْمُومِينَ إِذَا كَانُوا رِجَالًا فَقَطْ لَا يُسْتَحَبُّ هَذَا الْمُكْثُ وعليه حمل بن قَدَامَةَ حَدِيثَ عَائِشَةَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا سَلَّمَ لَا يَقْعُدُ إِلَّا قَدْرَ مَا يَقُولُ اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ قال المنذري وأخرجه البخاري والنسائي وبن مَاجَهْ
3 - (بَاب كَيْفَ الِانْصِرَافُ مِنْ الصَّلَاةِ)
[1041] (فَكَانَ يَنْصَرِفُ عَنْ شِقَّيْهِ) أَيْ حِينًا عَنْ يَمِينِهِ وحينا من شماله
قال المنذري وقد خرجه الترمذي وبن مَاجَهْ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثُ هُلْبٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ
[1042] (عن عبد الله) هو بن مَسْعُودٍ (أَنْ لَا يَنْصَرِفُ إِلَّا عَنْ يَمِينِهِ) بَيَانٌ لِمَا قَبْلَهُ وَهُوَ الْجَعْلُ أَوِ(3/253)
اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ كَأَنَّهُ قِيلَ كَيْفَ يَجْعَلُ لِلشَّيْطَانِ شَيْئًا مِنْ صَلَاتِهِ فَقَالَ يَرَى أَنَّ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ لَا يَنْصَرِفَ إِلَّا عَنْ يَمِينِهِ قال القسطلاني
قال النووي في حديث بن مَسْعُودٍ لَا يَجْعَلَنَّ أَحَدُكُمْ لِلشَّيْطَانِ مِنْ نَفْسِهِ جُزْءًا لَا يَرَى إِلَّا أَنَّ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ لَا يَنْصَرِفَ إِلَّا عَنْ يَمِينِهِ أَكْثَرُ مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْصَرِفُ عَنْ شِمَالِهِ وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ أَكْثَرُ مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْصَرِفُ عَنْ يَمِينِهِ وَفِي رِوَايَةٍ كَانَ يَنْصَرِفُ عَنْ يَمِينِهِ وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُ تَارَةً هَذَا وَتَارَةً هَذَا فَأَخْبَرَ كُلُّ وَاحِدٍ بِمَا اعْتَقَدَ أَنَّهُ الْأَكْثَرُ فِيمَا يَعْلَمُهُ فَدَلَّ عَلَى جَوَازِهِمَا وَلَا كَرَاهِيَةَ فِي وَاحِدٍ منهما
وأما الكراهية التي اقتضاها كلام بن مَسْعُودٍ فَلَيْسَتْ بِسَبَبِ أَصْلِ الِانْصِرَافِ عَنِ الْيَمِينِ أَوِ الشِّمَالِ وَإِنَّمَا هِيَ فِي حَقِّ مَنْ يَرَى أَنَّ ذَلِكَ لَا بُدَّ مِنْهُ فَإِنَّ من اعتقد وجوب واحد من الأمرين مخطىء وَلِهَذَا قَالَ يَرَى أَنَّ حَقًّا عَلَيْهِ فَإِنَّمَا ذَمَّ مَنْ رَآهُ حَقًّا عَلَيْهِ
وَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ لَا كَرَاهِيَةَ فِي وَاحِدٍ مِنَ الْأَمْرَيْنِ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَنْصَرِفَ فِي جِهَةِ حَاجَتِهِ سَوَاءٌ كانت عن يمينه أو شماله فإن استوى الْجِهَتَانِ فِي الْحَاجَةِ وَعَدَمِهَا فَالْيَمِينُ أَفْضَلُ لِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ الْمُصَرِّحَةِ بِفَضْلِ الْيَمِينِ فِي بَابِ الْمَكَارِمِ وَنَحْوِهَا
هَذَا صَوَابُ الْكَلَامِ فِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ وَقَدْ يُقَالُ فِيهِمَا خِلَافُ الصَّوَابِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ انتهى
قال المنذري قال عمارة وهو بن عُمَيْرٍ أَتَيْتُ الْمَدِينَةَ بَعْدُ فَرَأَيْتُ مَنَازِلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ يَسَارِهِ وَأَخْرَجَهُ البخاري ومسلم والنسائي وبن مَاجَهْ وَلَيْسَ فِيهِ قَوْلُ عُمَارَةَ وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَالنَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّدِّيِّ قَالَ سَأَلَتُ أَنَسًا كَيْفَ أَنْصَرِفُ إِذَا صَلَّيْتُ عَنْ يَمِينِي أَوْ عَنْ يَسَارِي قَالَ أَمَّا أَنَا فَأَكْثَرُ مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْصَرِفُ عَنْ يَمِينِهِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُكْثِرُ هَذَا مُدَّةً وَهَذَا مُدَّةً وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ
تَمَّ كَلَامُ الْمُنْذِرِيِّ (قَالَ عُمَارَةُ) بْنُ عُمَيْرٍ (أَتَيْتُ الْمَدِينَةَ بَعْدُ) مَبْنِيٌّ عَلَى الضَّمِّ أَيْ بَعْدَ سَمَاعِ هَذَا الْحَدِيثِ (فَرَأَيْتُ مَنَازِلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) جَمْعُ مَنْزِلٍ أَيْ بُيُوتَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (عَنْ يَسَارِهِ) يَسَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَالِ أَدَاءِ الصَّلَاةِ فَكَأَنَّ عُمَارَةَ بَيَّنَ وَجْهَ تَحَوُّلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى جَانِبِ الْيَسَارِ أَيْ لَمَّا فَرَغَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الصَّلَاةِ تَحَوَّلَ إِلَى جَانِبِ الْيَسَارِ لِلتَّسْبِيحِ أَوِ الدُّعَاءِ مَثَلًا ثُمَّ قَامَ ذَاهِبًا إِلَى بُيُوتِهِ وَهِيَ فِي جَانِبِ يَسَارِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ(3/254)
54 - (بَاب صَلَاةِ الرَّجُلِ التَّطَوُّعَ فِي بَيْتِهِ)
[1043] (اجْعَلُوا فِي بُيُوتِكُمْ) بِكَسْرِ الْبَاءِ وَضَمِّهَا (مِنْ صَلَاتِكُمْ) أَيْ بَعْضَ صَلَاتِكُمُ الَّتِي هِيَ النَّوَافِلُ مُؤَدَّاةً فِي بُيُوتِكُمْ وَقَوْلُهُ مِنْ صَلَاتِكُمْ مَفْعُولٌ أَوَّلٌ وَفِي بُيُوتِكُمْ مَفْعُولٌ ثَانٍ قُدِّمَ عَلَى الْأَوَّلِ لِلِاهْتِمَامِ بِشَأْنِ الْبُيُوتِ وَأَنَّ مِنْ حَقِّهَا أَنْ يجعل لها نصيبا مِنَ الطَّاعَاتِ لِتَصِيرَ مُنَوَّرَةً لِأَنَّهَا مَأْوَاكُمْ وَمُنْقَلَبُكُمْ وَلَيْسَتْ كَقُبُورِكُمُ الَّتِي لَا تَصْلُحُ لِصَلَاتِكُمْ
كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ
وَقَالَ النَّوَوِيُّ وَلَا يَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى الْفَرِيضَةِ
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ صَلُّوا أَيُّهَا النَّاسُ فِي بُيُوتِكُمْ فَإِنَّ أَفْضَلُ صَلَاةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا الْمَكْتُوبَةَ وَإِنَّمَا شُرِعَ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ أَبْعَدَ مِنَ الرِّيَاءِ وَلِتَنَزُّلِ الرَّحْمَةِ فِيهِ وَالْمَلَائِكَةِ
وفي حديث ذكر بن الصَّلَاحِ أَنَّهُ مُرْسَلٌ فَضْلُ صَلَاةِ النَّفْلِ فِيهِ عَلَى فِعْلِهَا فِي الْمَسْجِدِ كَفَضْلِ صَلَاةِ الْفَرِيضَةِ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى فِعْلِهَا فِي الْبَيْتِ لَكِنْ قال صاحب قوت الأحياء إن بن الْأَثِيرِ ذَكَرَهُ فِي مَعْرِفَةِ الصَّحَابَةِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ ضَمْرَةَ بْنِ حَبِيبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ حَبِيبِ بْنِ ضَمْرَةَ وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَأَسْنَدَ مَرْفُوعًا بِنَحْوِهِ مَا تَقَدَّمَ عَنْ صُهَيْبِ بْنِ النُّعْمَانِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ نَفْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَرَكْعَتَا الطَّوَافِ وَالْإِحْرَامِ وَالتَّرَاوِيحُ الْجَمَاعَةُ (وَلَا تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا) أَيْ مِثْلَ الْقُبُورِ الَّتِي لَيْسَتْ مَحَلًّا لِلصَّلَاةِ بِأَنْ لَا تُصَلُّوا فِيهَا كَالْمَيِّتِ الَّذِي انْقَطَعَتْ عَنْهُ الْأَعْمَالُ أَوِ الْمُرَادُ لَا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ أَوْطَانًا لِلنَّوْمِ لَا تُصَلُّونَ فِيهَا فَإِنَّ النَّوْمَ أَخُو الْمَوْتِ
ذَكَرَهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ
[1044] (قَالَ صَلَاةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ أَفْضَلُ) لِأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنَ الرِّيَاءِ
وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى اسْتِحْبَابِ فِعْلِ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ فِي الْبُيُوتِ وَأَنَّ فِعْلَهَا فِيهَا أَفْضَلُ مِنْ فِعْلِهَا فِي الْمَسَاجِدِ وَلَوْ كَانَتِ الْمَسَاجِدُ فَاضِلَةً كَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ
وَقَدْ وَرَدَ التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ فِي هَذَا(3/255)
الْحَدِيثِ فَإِنَّ فِيهِ صَلَاةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهِ فِي مَسْجِدِي هَذَا إِلَّا الْمَكْتُوبَةَ قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ
فَعَلَى هَذَا لَوْ صَلَّى نَافِلَةً فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ كَانَتْ بِأَلْفِ صَلَاةٍ عَلَى الْقَوْلِ بِدُخُولِ النَّوَافِلِ فِي عُمُومِ الْحَدِيثِ وَإِذَا صَلَّاهَا فِي بَيْتِهِ كَانَتْ أَفْضَلَ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ وَهَذَا حُكْمُ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَبَيْتِ الْمَقْدِسِ
وَقَدِ اسْتَثْنَى أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ مِنْ عُمُومِ أَحَادِيثِ الْبَابِ عِدَّةً مِنَ النَّوَافِلِ فَقَالُوا فِعْلُهَا فِي غَيْرِ الْبَيْتِ أَفْضَلُ وَهِيَ مَا تُشْرَعُ فِيهَا الْجَمَاعَةُ كَالْعِيدَيْنِ وَالْكُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ وَرَكْعَتَيِ الطَّوَافِ وَرَكْعَتَيِ الْإِحْرَامِ
قَالَهُ الشَّوْكَانِيُّ (إِلَّا الْمَكْتُوبَةَ) قَالَ الْعِرَاقِيُّ هُوَ فِي حَقِّ الرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ فَصَلَاتُهُنَّ فِي الْبُيُوتِ أَفْضَلُ وَإِنْ أُذِنَ لَهُنَّ فِي حُضُورِ بَعْضِ الْجَمَاعَاتِ
وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ إِذَا اسْتَأْذَنَكُمْ نِسَاؤُكُمْ بِاللَّيْلِ إِلَى الْمَسْجِدِ فَأْذَنُوا لَهُنَّ وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ وَالْمُرَادُ بِالْمَكْتُوبَةِ الْوَاجِبَاتُ بِأَصْلِ الشَّرْعِ وَالصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ دُونَ الْمَنْذُورَةِ
قَالَ النَّوَوِيُّ إِنَّمَا حَثَّ عَلَى النَّافِلَةِ فِي الْبَيْتِ لِكَوْنِهِ أَخْفَى وَأَبْعَدَ مِنَ الرياء وأصون من محيطات الْأَعْمَالِ وَلِيَتَبَرَّكَ الْبَيْتُ بِذَلِكَ وَتَنْزِلَ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَالْمَلَائِكَةُ وَيَنْفِرَ مِنْهُ الشَّيْطَانُ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ بِمِثْلِهِ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ
5 - (بَاب مَنْ صَلَّى لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ ثُمَّ عَلِمَ)
[1045] (كَانُوا يُصَلُّونَ) قَالَ الْبَغَوِيُّ فِي الْمَعَالِمِ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَوَّلَ مَا قَدِمَ الْمَدِينَةَ نَزَلَ عَلَى أَجْدَادِهِ أَوْ أَخْوَالِهِ مِنَ الْأَنْصَارِ وَأَنَّهُ صَلَّى قِبَلَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا وَكَانَ يُعْجِبُهُ أَنْ يَكُونَ قِبْلَتُهُ قِبَلَ الْبَيْتِ وَأَنَّهُ صَلَّى أَوَّلَ صَلَاةٍ صَلَّاهَا صَلَاةَ الْعَصْرِ وَصَلَّى مَعَهُ قَوْمٌ فَخَرَجَ رَجُلٌ مِمَّنْ صَلَّى مَعَهُ فَمَرَّ عَلَى أَهْلِ مَسْجِدٍ وَهُمْ رَاكِعُونَ فَقَالَ أَشْهَدُ بِاللَّهِ لَقَدْ صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبَلَ مَكَّةَ فَدَارُوا كَمَا هُمْ قِبَلَ الْبَيْتِ
وَكَانَ تَحْوِيلُ الْقِبْلَةِ فِي رَجَبٍ بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ قَبْلَ قِتَالِ بَدْرٍ بِشَهْرَيْنِ (مِنْ بَنِي سَلِمَةَ) بِكَسْرِ اللَّامِ غَيْرِ هَذَا (وَهُمْ رُكُوعٌ) جَمْعُ رَاكِعٍ(3/256)
(فَمَالُوا كَمَا هُمْ) أَيِ انْصَرَفُوا كَمَا كَانُوا رَاكِعِينَ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِيهِ مِنَ الْعِلْمِ أَنَّ مَا مَضَى مِنْ صَلَاتِهِمْ كَانَ جَائِزًا وَلَوْلَا جَوَازُهُ لَمْ يَجُزِ الْبِنَاءُ عَلَيْهِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ لَهُ أَصْلٌ صَحِيحٌ فِي التَّعَبُّدِ ثُمَّ طَرَأَ عَلَيْهِ الْفَسَادُ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ صَاحِبُهُ فَإِنَّ الْمَاضِيَ مِنْهُ صَحِيحٌ وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَجِدَ الْمُصَلِّي نَجَاسَةً بِثَوْبِهِ لَمْ يَكُنْ عَلِمَهَا حَتَّى صَلَّى رَكْعَةً فَإِنَّهُ إِذَا رَأَى النَّجَاسَةَ أَلْقَاهَا عَلَى نَفْسِهِ وَبَنَى عَلَى مَا مَضَى مِنْ صَلَاتِهِ وَكَذَلِكَ فِي الْمُعَامَلَاتِ فَلَوْ وَكَّلَ وَكِيلًا فَبَاعَ الْوَكِيلُ وَاشْتَرَى ثُمَّ عَزَلَهُ بَعْدَ أَيَّامٍ فَإِنَّ عُقُودَهُ الَّتِي عَقَدَهَا قَبْلَ بُلُوغِ الْخَبَرِ إِيَّاهُ صَحِيحَةٌ
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ قَبُولِ أَخْبَارِ الْآحَادِ
وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ النَّسْخِ وَوُقُوعِهِ
وَفِيهِ قَبُولُ خَبَرِ الْوَاحِدِ وَأَنَّ النَّسْخَ لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ الْمُكَلَّفِ حَتَّى يَبْلُغَهُ
وَقَوْلُهُ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ فِيهِ لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ
إِحْدَاهُمَا فَتْحُ الْمِيمِ وَإِسْكَانُ الْقَافِ وَالثَّانِيَةُ ضَمُّ الْمِيمِ وَفَتْحُ الْقَافِ
وَأَصْلُ الْمَقْدِسِ التَّقْدِيسُ مِنَ التَّطْهِيرِ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ(3/257)
(باب تَفْرِيعِ أَبْوَابِ الْجُمُعَةِ)
(بَاب فَضْلِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَلَيْلَةِ الْجُمُعَةِ)
[1046] (فِيهِ) أَيْ يَوْمِ جُمُعَةٍ (خُلِقَ آدَمُ) الَّذِي هُوَ مَبْنَى الْعَالَمِ (وَفِيهِ أُهْبِطَ) أَيْ أُنْزِلَ مِنَ الْجَنَّةِ إِلَى الْأَرْضِ لِعَدَمِ تَعْظِيمِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِمَا وَقَعَ لَهُ مِنَ الزَّلَّةِ لِيَتَدَارَكَهُ بَعْدَ النُّزُولِ فِي الطَّاعَةِ وَالْعِبَادَةِ فَيَرْتَقِيَ إِلَى أَعْلَى دَرَجَاتِ الْجَنَّةِ وَلِيَعْلَمَ قَدْرَ النِّعْمَةِ لِأَنَّ الْمِنْحَةَ تَتَبَيَّنُ عِنْدَ الْمِحْنَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ أُهْبِطَ هُنَا بِمَعْنَى أُخْرِجَ
وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ فِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا قِيلَ كَانَ الْإِخْرَاجُ مِنَ الْجَنَّةِ إِلَى السَّمَاءِ وَالْإِهْبَاطُ مِنْهَا إِلَى الْأَرْضِ فَيُفِيدُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا كَانَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِمَّا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ وَإِمَّا فِي يَوْمَيْنِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
(تِيبَ عَلَيْهِ) وَهُوَ مَاضٍ مَجْهُولٌ مِنْ تَابَ أَيْ وُفِّقَ لِلتَّوْبَةِ وَقُبِلَتِ التَّوْبَةُ مِنْهُ وَهِيَ أَعْظَمُ الْمِنَّةِ عَلَيْهِ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ اجْتَبَاهُ ربه فتاب عليه وهدى (وَفِيهِ) أَيْ فِي نَحْوِهِ مِنْ أَيَّامِ الْجُمُعَةِ (مَاتَ) وَالْمَوْتُ تُحْفَةُ الْمُؤْمِنِينَ كَمَا وَرَدَ عَنِ بن عُمَرَ مَرْفُوعًا رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا
قَالَ الْقَاضِي لَا شَكَّ أَنَّ خَلْقَ آدَمَ فِيهِ يُوجِبُ لَهُ شَرَفًا وَكَذَا وَفَاتُهُ فَإِنَّهُ سَبَبٌ لِوُصُولِهِ إِلَى الْجَنَابِ الْأَقْدَسِ وَالْخَلَاصِ عَنِ النَّكَبَاتِ (وَفِيهِ تَقُومُ السَّاعَةُ) وَفِيهَا نِعْمَتَانِ عَظِيمَتَانِ لِلْمُؤْمِنِينَ وُصُولُهُمْ إِلَى النَّعِيمِ الْمُقِيمِ وَحُصُولُ أَعْدَائِهِمْ فِي عَذَابِ الْجَحِيمِ
(وَمَا مِنْ دَابَّةٍ) زِيَادَةُ مِنْ لِإِفَادَةِ الِاسْتِغْرَاقِ فِي النَّفْي (إِلَّا وَهِيَ مُسِيخَةٌ) بِالسِّينِ بِإِبْدَالِ الصَّادِ سِينًا وَيُرْوَى مُصِيخَةٌ بِالصَّادِ وهما لغتان أي منتظرة أَيْ مُنْتَظِرَةٌ لِقِيَامِ السَّاعَةِ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ قَوْلُهُ مسيخة معناه مصيغة مُسْتَمِعَةٌ يُقَالُ أَصَاخَ وَأَسَاخَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ
انْتَهَى (يَوْمَ الْجُمُعَةِ) وَوَجْهُ إِصَاخَةِ كُلِّ دَابَّةٍ وَهِيَ مالا يَعْقِلُ هُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَجْعَلُهَا مُلْهَمَةً بِذَلِكَ مُسْتَشْعِرَةً عَنْهُ فَلَا عَجَبَ(3/258)
فِي ذَلِكَ مِنْ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى (مِنْ حِينَ تُصْبِحُ) قَالَ الطِّيبِيُّ بُنِيَ عَلَى الْفَتْحِ لِإِضَافَتِهِ إِلَى الْجُمْلَةِ وَيَجُوزُ إِعْرَابُهُ إِلَّا أَنَّ الرِّوَايَةَ بِالْفَتْحِ (حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ) لِأَنَّ الْقِيَامَةَ تَظْهَرُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَيْنَ الصُّبْحِ وَطُلُوعِ الشَّمْسِ (شَفَقًا) أَيْ خَوْفًا (مِنَ السَّاعَةِ) أَيْ مِنْ قِيَامِ الْقِيَامَةِ وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ سَاعَةً لِوُقُوعِهَا فِي سَاعَةٍ (إِلَّا الْجِنَّ وَالْإِنْسَ) فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ذَلِكَ أَوْ أَنَّهُمْ لَا يُلْهَمُونَ بِأَنَّ هَذَا يَوْمٌ يُحْتَمَلُ وُقُوعُ الْقِيَامَةِ فِيهِ (لَا يُصَادِفُهَا) أَيْ لَا يُوَافِقُهَا وَهُوَ يُصَلِّي حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا بِالِانْتِظَارِ (يَسْأَلُ اللَّهَ) حَالٌ أَوْ بَدَلٌ (حاجة) من أمر الدنيا والآخرة (إلا أعطاء إياه) بِالشُّرُوطِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي آدَابِ الدُّعَاءِ (ذَلِكَ فِي كُلِّ سَنَةٍ يَوْمٌ) قَالَ الطِّيبِيُّ الْإِشَارَةُ إِلَى الْيَوْمِ الْمَذْكُورِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى تِلْكَ السَّاعَةِ الشَّرِيفَةِ وَيَوْمٌ خَبَرُهُ (فَقُلْتُ بَلْ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ) قَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ هِيَ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ أَوْ فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ يَوْمٌ (فَقَرَأَ كَعْبٌ التوارة) بِالْحِفْظِ أَوْ بِالنَّظَرِ (فَقَالَ) أَيْ كَعْبٌ (صَدَقَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَفِي هَذَا مُعْجِزَةٌ عَظِيمَةٌ دَالَّةٌ عَلَى كَمَالِ عِلْمِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَنَّهُ أُمِّيٌّ حَيْثُ أَخْبَرَ بِمَا خَفِيَ عَلَى أَعْلَمِ أَهْلِ الْكِتَابِ (عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ) هُوَ صَحَابِيٌّ جَلِيلٌ كَانَ مِنْ عُلَمَاءِ الْيَهُودِ فَدَخَلَ فِي الإسلام (بمجلسي) أَيْ بِجُلُوسِي مَعَ كَعْبٍ وَمُذَاكَرَتِي مَعَهُ (أَيَّةَ سَاعَةٍ هِيَ) بِنَصَبِ أَيَّةَ أَيْ عَرَفْتُ تِلْكَ الساعة وبرفعها أيضا ورجحه بن حَجَرٍ الْمَكِّيُّ حَيْثُ قَالَ هِيَ هُنَا كَهِيَ فِي لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ (فَقُلْتُ لَهُ) أَيْ لِعَبْدِ اللَّهِ (فَأَخْبِرْنِي بِهَا) أَيْ بِتِلْكَ السَّاعَةِ (هِيَ آخِرُ سَاعَةٍ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ) قَالَ الْأَشْرَفُ يَدُلُّ عَلَى قَوْلِهِ حَدِيثُ الْتَمِسُوا السَّاعَةَ كَمَا سَيَأْتِي (وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ) وَالْحَالُ أَنَّهُ قَالَ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فِي شَأْنِهَا (لَا يُصَادِفُهَا) أَيْ لَا يُوَافِقُهَا (مَنْ جلس مجلسا(3/259)
أَيْ جُلُوسًا أَوْ مَكَانَ جُلُوسٍ (يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ) أَيْ فِيهِ (فَهُوَ فِي صَلَاةٍ) أَيْ حُكْمًا (حَتَّى يُصَلِّيَ) أَيْ حَقِيقَةً (فَقُلْتُ بَلَى) أَيْ بَلَى قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ (قَالَ) عَبْدُ اللَّهِ (هُوَ) أَيِ الْمُرَادُ بِالصَّلَاةِ (ذَاكَ) أَيِ الِانْتِظَارُ وَقِيلَ أَيِ السَّاعَةُ الْخَفِيفَةُ آخِرُ سَاعَةٍ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَتَذْكِيرُ الضَّمِيرِ بِاعْتِبَارِ الْوَقْتِ ذَكَرَهُ فِي الْمِرْقَاةِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ صَحِيحٌ
وَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ طَرَفًا مِنْهُ فِي ذِكْرِ سَاعَةِ الْجُمُعَةِ مِنْ رِوَايَةِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ الْفَصْلَ الْأَوَّلَ فِي فَضْلِ الْجُمُعَةِ مِنْ رِوَايَةِ الْأَعْرَجِ أَيْضًا
تَمَّ كَلَامُهُ
[1047] (إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمُ الْجُمُعَةِ) قال علي القارىء وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ يَوْمَ عَرَفَةَ أَفْضَلُ أَوْ مُسَاوٍ (فِيهِ خُلِقَ آدَمُ) أَيْ طِينَتُهُ (فِيهِ النَّفْخَةُ) أَيِ النَّفْخَةُ الثَّانِيَةُ الَّتِي تُوصِلُ الْأَبْرَارَ إِلَى النِّعَمِ الْبَاقِيَةِ
قَالَ الطِّيبِيُّ وَتَبِعَهُ بن حَجَرٍ الْمَكِّيُّ أَيِ النَّفْخَةُ الْأُولَى فَإِنَّهَا مَبْدَأُ قِيَامِ السَّاعَةِ وَمُقَدَّمُ النَّشْأَةِ الثَّانِيَةِ وَلَا مَنْعَ مِنَ الْجَمْعِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ (وَفِيهِ الصَّعْقَةُ) أَيِ الصَّيْحَةُ وَالْمُرَادُ بِهَا الصَّوْتُ الْهَائِلُ الَّذِي يَمُوتُ الْإِنْسَانُ مِنْ هَوْلِهِ وَهِيَ النَّفْخَةُ الْأُولَى فَالتَّكْرَارُ بِاعْتِبَارِ تَغَايُرِ الْوَصْفَيْنِ وَالْأَوْلَى مَا اخْتَرْنَاهُ مِنَ التَّغَايُرِ الْحَقِيقِيِّ (فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنَ الصَّلَاةِ فِيهِ) أَيْ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَإِنَّ الصَّلَاةَ مِنْ أَفْضَلِ الْعِبَادَاتِ وَهِيَ فِيهَا أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهَا لِاخْتِصَاصِهَا بِتَضَاعُفِ الْحَسَنَاتِ إِلَى سَبْعِينَ عَلَى سَائِرِ الْأَوْقَاتِ وَلِكَوْنِ إشْغَالَ الْوَقْتِ الْأَفْضَلِ بِالْعَمَلِ الْأَفْضَلِ هُوَ الْأَكْمَلُ وَالْأَجْمَلُ وَلِكَوْنِهِ سَيِّدَ الْأَيَّامِ فَيُصْرَفُ فِي خِدْمَةِ سَيِّدِ الْأَنَامِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ (فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ) يَعْنِي عَلَى وَجْهِ الْقَبُولِ فِيهِ وَإِلَّا فَهِيَ دَائِمًا تُعْرَضُ عَلَيْهِ بِوَاسِطَةِ الْمَلَائِكَةِ إِلَّا عِنْدَ رَوْضَتِهِ فَيَسْمَعُهَا بحضرته وقد جاء أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي فَضْلِ الصَّلَاةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلَيْلَتَهَا وَفَضِيلَةِ الْإِكْثَارِ مِنْهَا عَلَى سَيِّدِ الْأَبْرَارِ (وَقَدْ أَرَمْتَ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْمِيمِ وَفَتْحِ التَّاءِ الْمُخَفَّفَةِ وَيُرْوَى بِكَسْرِ الرَّاءِ أَيْ بَلِيتَ وَقِيلَ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ مِنَ الْأَرْمِ وَهُوَ الْأَكْلُ أَيْ صِرْتَ مَأْكُولًا لِلْأَرْضِ وَقِيلَ أَرَمَّتْ بِالْمِيمِ الْمُشَدَّدَةِ وَالتَّاءِ السَّاكِنَةِ أَيْ أَرَمَّتِ الْعِظَامُ وَصَارَتْ رَمِيمًا
كَذَا قَالَهُ التُّورِبِشْتِيُّ
قَالَ الطِّيبِيُّ وَيُرْوَى رَمَمْتَ بِالْمِيمَيْنِ أَيْ صِرْتَ رَمِيمًا
قِيلَ فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَرَمْتَ بِحَذْفِ إِحْدَى الْمِيمَيْنِ كَظَلْتَ ثُمَّ كُسِرَتِ الرَّاءُ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ يَعْنِي أَوْ فُتِحَتْ(3/260)
بِالْأَخَفِّيَّةِ أَوْ بِالنَّقْلِيَّةِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَحَلِّهِ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ أَصْلُهُ أَرْمَمْتَ فَحَذَفُوا إِحْدَى الْمِيمَيْنِ وَهِيَ لُغَةُ بَعْضِ الْعَرَبِ وَقَالَ غَيْرُهُ هُوَ أَرَمَّتْ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالْمِيمِ الْمُشَدَّدَةِ وَإِسْكَانِ التَّاءِ أَيْ أَرَمَّتِ الْعِظَامُ (قَالَ) أَيْ أَوْسٌ الرَّاوِي (يَقُولُونَ) أَيِ الصَّحَابَةُ أَيْ يُرِيدُونَ بِهَذَا الْقَوْلِ (بَلِيتَ فَقَالَ) أَيْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَرَّمَ عَلَى الْأَرْضِ) أَيْ مَنَعَهَا وَفِيهِ مُبَالَغَةٌ لَطِيفَةٌ (أَجْسَادَ الْأَنْبِيَاءِ) أَيْ مِنْ أَنْ تَأْكُلَهَا فإن الأنبياء في قبورهم أحياء
قال بن حَجَرٍ الْمَكِّيُّ وَمَا أَفَادَهُ مِنْ ثُبُوتِ حَيَاةِ الْأَنْبِيَاءِ حَيَاةً بِهَا يَتَعَبَّدُونَ وَيُصَلُّونَ فِي قُبُورِهِمْ مَعَ اسْتِغْنَائِهِمْ عَنِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ كَالْمَلَائِكَةِ أَمْرٌ لا مرية فيه وقد صنف البيهقي جزأ في ذلك
قال المنذري وأخرجه النسائي وبن مَاجَهْ وَلَهُ عِلَّةٌ دَقِيقَةٌ أَشَارَ إِلَيْهَا الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَدْ جَمَعْتُ طُرُقَهُ فِي جُزْءٍ
وَفِي النَّيْلِ بَعْدَ سَرْدِ الْأَحَادِيثِ فِي هَذَا الْبَابِ مَا نَصُّهُ وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ فِيهَا مَشْرُوعِيَّةُ الْإِكْثَارِ مِنَ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَأَنَّهَا تُعْرَضُ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّهُ حَيٌّ فِي قَبْرِهِ
وقد أخرج بن مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَبِي الدَّرْدَاءِ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَرَّمَ عَلَى الْأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ أَجْسَادَ الْأَنْبِيَاءِ وَفِي رِوَايَةٍ لِلطَّبَرَانِيِّ لَيْسَ مِنْ عَبْدٍ يُصَلِّي عَلَيَّ إِلَّا بَلَغَنِي صَلَاتُهُ قُلْنَا وَبَعْدَ وَفَاتِكَ قَالَ وَبَعْدَ وَفَاتِي إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَرَّمَ عَلَى الْأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ أَجْسَادَ الْأَنْبِيَاءِ وَقَدْ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُحَقِّقِينَ إِلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ حَيٌّ بَعْدَ وَفَاتِهِ وَأَنَّهُ يُسَرُّ بِطَاعَاتِ أُمَّتِهِ وَأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَا يَبْلُونَ مَعَ أَنَّ مطلق الإدراك كالعلم والسماع ثابت سائر الموتى
وقد صح عن بن عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا مَا مِنْ أَحَدٍ يَمُرُّ عَلَى قَبْرِ أَخِيهِ الْمُؤْمِنِ وَفِي رِوَايَةٍ بِقَبْرِ الرَّجُلِ كَانَ يَعْرِفُهُ فِي الدُّنْيَا فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِ إِلَّا عَرَفَهُ وَرَدَّ عَلَيْهِ وَلِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا إِذَا مَرَّ الرَّجُلُ بِقَبْرٍ يَعْرِفُهُ فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِ السَّلَامَ وَعَرَفَهُ وَإِذَا مَرَّ بِقَبْرٍ لَا يَعْرِفُهُ رَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ وَصَحَّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَخْرُجُ إِلَى الْبَقِيعِ لِزِيَارَةِ الْمَوْتَى وَيُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ
وَوَرَدَ النَّصُّ فِي كِتَابِ اللَّهِ فِي حَقِّ الشُّهَدَاءِ أَنَّهُمْ أَحْيَاءٌ يُرْزَقُونَ وَأَنَّ الْحَيَاةَ فِيهِمْ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْجَسَدِ فَكَيْفَ بِالْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ
وَقَدْ ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الْأَنْبِيَاءُ أَحْيَاءٌ فِي قُبُورِهِمْ رَوَاهُ الْمُنْذِرِيُّ وَصَحَّحَهُ الْبَيْهَقِيُّ
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَرَرْتُ بِمُوسَى لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي عِنْدَ الْكَثِيبِ الْأَحْمَرِ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي قَبْرٍ انتهى(3/261)
3 - (بَاب الْإِجَابَةِ أَيَّةُ سَاعَةٍ هِيَ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ)
[1048] (ثِنْتَا عَشْرَةَ يُرِيدُ سَاعَةً) وَلَفْظُ النَّسَائِيِّ يوم الجمعة اثنتا عشرة ساعة والمراد ها هنا السَّاعَةُ النُّجُومِيَّةُ وَالْمُرَادُ أَنَّهَا فِي عَدَدِ السَّاعَاتِ كَسَائِرِ الْأَيَّامِ (يَسْأَلُ اللَّهَ) أَيْ فِي سَاعَةٍ مِنْهَا وَهَذِهِ السَّاعَاتُ عُرْفِيَّةٌ وَضَمِيرُ الْتَمِسُوهَا رَاجِعٌ إِلَى هَذِهِ السَّاعَةِ (آخِرَ سَاعَةٍ) ظَرْفٌ لِالْتَمِسُوا وَالْمُرَادُ بِهَا السَّاعَةُ النُّجُومِيَّةُ فَلَا إِشْكَالَ فِي الظرفية بأن يقال كيف يلتمس السَّاعَةُ
كَذَا فِي حَاشِيَةِ النَّسَائِيِّ لِلسِّنْدِيِّ
قَالَ الْقَاضِي اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي وَقْتِ هَذِهِ السَّاعَةِ وَفِي مَعْنَى قَائِمٍ يُصَلِّي فَقَالَ بَعْضُهُمْ هِيَ مِنْ بَعْدِ الْعَصْرِ إِلَى الْغُرُوبِ قَالُوا وَمَعْنَى يُصَلِّي يَدْعُو وَمَعْنَى قَائِمٌ مُلَازِمٌ وَمُوَاظِبٌ كَقَوْلِهِ تعالى (ما دمت عليه قائما) وَقَالَ آخَرُونَ هِيَ مِنْ حِينِ خُرُوجِ الْإِمَامِ إِلَى فَرَاغِ الصَّلَاةِ وَقَالَ آخَرُونَ مِنْ حِينِ تُقَامُ الصَّلَاةُ حَتَّى يَفْرُغَ وَالصَّلَاةُ عِنْدَهُمْ عَلَى ظَاهِرِهَا وَقِيلَ مِنْ حِينِ يَجْلِسُ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ حَتَّى يَفْرُغَ مِنَ الصَّلَاةِ وَقِيلَ آخِرُ سَاعَةٍ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ
قَالَ الْقَاضِي وَقَدْ رُوِيَتْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كُلِّ هَذَا آثَارٌ مُفَسِّرَةٌ لِهَذِهِ الْأَقْوَالِ قَالَ وَقِيلَ عِنْدَ الزَّوَالِ وَقِيلَ مِنَ الزَّوَالِ إِلَى أَنْ يَصِيرَ الظِّلُّ نَحْوَ ذِرَاعٍ وَقِيلَ هِيَ مَخْفِيَّةٌ فِي الْيَوْمِ كُلِّهِ كَلَيْلَةِ الْقَدْرِ وَقِيلَ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ
قَالَ الْقَاضِي وَلَيْسَ مَعْنَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ وَقْتٌ لَهَا بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّهَا تَكُونُ فِي أَثْنَاءِ ذَلِكَ الْوَقْتِ لِقَوْلِهِ وَأَشَارَ بِيَدِهِ يُقَلِّلُهَا
هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَالصَّحِيحُ بَلِ الصَّوَابُ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا مَا بَيْنَ أَنْ يَجْلِسَ الْإِمَامُ إِلَى أَنْ تُقْضَى الصَّلَاةُ ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ
[1049] (عَنْ أَبِي بُرْدَةَ) هُوَ عَامِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ وَعَبْدُ اللَّهِ هُوَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ وَأَبُو(3/262)
بُرْدَةَ مِنَ التَّابِعِينَ الْمَشْهُورِينَ (يَقُولُ هِيَ) أَيْ سَاعَةُ الْجُمُعَةِ (مَا بَيْنَ أَنْ يَجْلِسَ الْإِمَامُ) أَيْ عَلَى (الْمِنْبَرِ إِلَى أَنْ تُقْضَى الصَّلَاةُ) وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ
وَذَكَرَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي عَنِ الْعُلَمَاءِ ثَلَاثَةً وَأَرْبَعِينَ قَوْلًا وَهَذَا الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي مُوسَى أَحَدُهَا وَرَجَّحَهُ مُسْلِمٌ عَلَى مَا رَوَى عَنْهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ هُوَ أَجْوَدُ شَيْءٍ فِي هَذَا الباب وأصحه وقال به البيهقي وبن الْعَرَبِيِّ وَجَمَاعَةٌ
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ هُوَ نَصٌّ فِي مَوْضِعِ الْخِلَافِ فَلَا يُلْتَفَتُ إِلَى غَيْرِهِ
وَقَالَ النَّوَوِيُّ هُوَ الصَّحِيحُ بَلِ الصَّوَابُ
قَالَ الْحَافِظُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهَا تَسْتَوْعِبُ جَمِيعَ الْوَقْتِ الَّذِي عَيَّنَ بَلْ تَكُونُ فِي أَثْنَائِهِ وَفَائِدَةُ ذِكْرِ الْوَقْتِ أَنَّهَا تَنْتَقِلُ فِيهِ فَيَكُونُ ابْتِدَاءُ مَظِنَّتِهَا ابْتِدَاءَ الْخُطْبَةِ مَثَلًا وَانْتِهَاؤُهَا انْتِهَاءُ الصَّلَاةِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ
(بَاب فَضْلِ الْجُمُعَةِ)
[1050] (وَزِيَادَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) هُوَ بِنَصَبِ زِيَادَةٍ عَلَى الظَّرْفِ كَمَا قَالَ النَّوَوِيُّ
قَالَ قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَى الْمَغْفِرَةِ لَهُ مَا بَيْنَ الْجُمُعَتَيْنِ وَثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَنَّ الْحَسَنَةَ الَّتِي تُجْعَلُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا وَصَارَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ الَّذِي فَعَلَ فِيهِ هَذِهِ الْأَفْعَالَ الْجَمِيلَةَ فِي مَعْنَى الْحَسَنَةِ الَّتِي تُجْعَلُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا
قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ وَالْمُرَادُ بِمَا بَيْنَ الْجُمُعَتَيْنِ مِنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَخُطْبَتِهَا إِلَى مِثْلِ ذَلِكَ الْوَقْتِ حَتَّى يَكُونَ سَبْعَةُ أَيَّامٍ بِلَا زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ وَيَضُمُّ إِلَيْهَا ثَلَاثَةً فَتَصِيرُ عَشَرَةً (وَمَنْ مَسَّ الْحَصَا فَقَدْ لَغَا) أَيْ سَوَّاهُ لِلسُّجُودِ غَيْرَ مَرَّةٍ فِي الصَّلَاةِ وَقِيلَ بِطَرِيقِ اللَّعِبِ فِي حَالِ الْخُطْبَةِ فَقَدْ لَغَا أي(3/263)
بِصَوْتِ لَغْوٍ مَانِعٍ عَنِ الِاسْتِمَاعِ فَيَكُونُ شَبِيهًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لهذا القران والغوا فيه وقال بن حَجَرٍ الْمَكِّيُّ فَقَدْ لَغَا أَيْ تَكَلَّمَ بِمَا لَا يُشْرَعُ لَهُ أَوْ عَبَثَ بِمَا يَظْهَرُ لَهُ صَوْتٌ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وبن مَاجَهْ
[1051] (فَيَرْمُونَ النَّاسَ بِالتَّرَابِيثِ أَوِ الرَّبَائِثِ) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي
قَالَ الْخَطَّابِيُّ إِنَّمَا هُوَ الرَّبَائِثُ جَمْعُ رَبِيثَةٍ وَهِيَ مَا يَعُوقُ الْإِنْسَانَ عَنِ الْوَجْهِ الَّذِي يَتَوَجَّهُ إِلَيْهِ وَأَمَّا التَّرَابِيثُ فَلَيْسَتْ بِشَيْءٍ
وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ إِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ غَدَتِ الشَّيَاطِينُ بِرَايَاتِهَا فَيَأْخُذُونَ النَّاسَ بِالرَّبَائِثِ فَيُذَكِّرُونَهُمُ الْحَاجَاتِ أَيْ لِيَرْبُثُوهُمْ بِهَا عَنِ الْجُمُعَةِ يُقَالُ رَبَثْتُهُ عَنِ الْأَمْرِ إِذَا حَبَسْتُهُ وَثَبَّطْتُهُ وَالرَّبَائِثُ جَمْعُ رَبِيثَةٍ وَهِيَ الْأَمْرُ الَّذِي يَحْبِسُ الْإِنْسَانَ عَنْ مَهَامِّهِ
وَقَدْ جَاءَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ يَرْمُونَ النَّاسَ بِالتَّرَابِيثِ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ
قُلْتُ يَجُوزُ إِنْ صَحَّتِ الرِّوَايَةُ أَنْ يَكُونَ جَمْعُ تَرْبِيثَةٍ وَهِيَ الْمَرَّةُ الْوَاحِدَةُ مِنَ التَّرْبِيثِ تَقُولُ رَبَثْتُهُ وَهُمَا قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ
قَالَ الْقَاضِي قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَعَامَّةُ الْعُلَمَاءِ تَرْبِيثًا وَتَرْبِيثَةً وَاحِدَةً مِثْلُ قَدَّمْتُهُ تَقْدِيمًا وَتَقْدِيمَةً وَاحِدَةً
انْتَهَى (وَيُثَبِّطُونَهُمْ) أَيْ يُؤَخِّرُونَهُمْ (وَالنَّظَرِ) أَيْ إِلَى الْإِمَامِ (فَأَنْصَتَ) أَيْ سَكَتَ (وَلَمْ يَلْغُ) مِنَ اللَّغْوِ (كَانَ لَهُ كِفْلَانِ) أَيْ سَهْمَانِ وَنَصِيبَانِ (فَإِنْ نَأَى) أَيْ تَبَاعَدَ (كَانَ لَهُ كِفْلٌ) بِالْكَسْرِ أَيْ حَظٌّ وَنَصِيبٌ (لِصَاحِبِهِ صَهْ) اسْمُ فِعْلٍ بِمَعْنَى اسْكُتْ (شَيْءٌ) مِنَ الْأَجْرِ
قَالَ النَّوَوِيُّ الْمَلَائِكَةُ الَّتِي تَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ هَؤُلَاءِ الْمَلَائِكَةُ غَيْرُ الْحَفَظَةِ وَظِيفَتُهُمْ كِتَابَةُ حَاضِرِي الْجُمُعَةِ
وَمَعْنَى فَقَدْ لَغَا أَيْ قَالَ اللَّغْوَ وَهُوَ الْكَلَامُ الْمَلْغِيُّ السَّاقِطُ الباطل المردود(3/264)
وَقِيلَ مَعْنَاهُ قَالَ غَيْرُ الصَّوَابِ وَقِيلَ تَكَلَّمَ بِمَا لَا يَنْبَغِي فَفِي الْحَدِيثِ النَّهْيُ عَنْ جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْكَلَامِ حَالَ الْخُطْبَةِ وَنَبَّهَ بِهَذَا عَلَى مَا سِوَاهُ لِأَنَّهُ إِذَا قَالَ أَنْصِتْ وَهُوَ فِي الْأَصْلِ أَمْرٌ بِمَعْرُوفٍ وَسَمَّاهُ لَغْوًا فَغَيْرُهُ مِنَ الْكَلَامِ أَوْلَى وَإِنَّمَا طَرِيقُهُ إِذَا أَرَادَ بِهِ نَهْيَ غَيْرِهِ عَنِ الْكَلَامِ أَنْ يُشِيرَ إِلَيْهِ بِالسُّكُوتِ إِنْ فَهِمَهُ فَإِنْ تَعَذَّرَ فَهْمُهُ فَلْيَنْهَهُ بِكَلَامٍ مُخْتَصَرٍ وَلَا يَزِيدُ عَلَى أَقَلِّ مُمْكِنٍ
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْكَلَامِ هَلْ هو حرام أو مكروه كراهة تنزيه يجب الْإِنْصَاتُ لِلْخُطْبَةِ وَاخْتَلَفُوا إِذَا لَمْ يَسْمَعِ الْإِمَامَ هَلْ يَلْزَمُهُ الْإِنْصَاتُ كَمَا لَوْ سَمِعَهُ فَقَالَ الجمهور يلزمه وقال النخعي وأحمد وأحد قولي الشَّافِعِيِّ لَا يَلْزَمُهُ
انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِيهِ رجل مجهول وعطاء بن أبي مسلم الخرساني وَثَّقَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَأَثْنَى عَلَيْهِ غَيْرُهُ وَتَكَلَّمَ بن حبان وكذبه سعيد بن المسيب
(عن بن جَابِرٍ) هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ (قَالَ) أَيِ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ بِالرَّبَائِثِ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ وَأَمَّا حَدِيثُ عِيسَى فَقَدْ روى عن بن جَابِرٍ بِالشَّكِّ بَيْنَ التَّرَابِيثِ وَالرَّبَائِثِ وَقَالَ أَيِ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ (مَوْلَى امْرَأَتِهِ) أَيْ عَطَاءٌ الخرساني (أُمِّ عُثْمَانَ) بَدَلٌ مِنَ امْرَأَتِهِ (بْنِ عَطَاءٍ) الخرساني والحاصل أن عطاء الخرساني يَرْوِي عَنْ مَوْلَى امْرَأَتِهِ وَلَمْ يَعْرِفِ اسْمَ مَوْلَاهَا وَأَمَّا امْرَأَةُ عَطَاءٍ فَهِيَ أُمُّ عُثْمَانَ وعثمان هذا هو بن عطاء الخرساني
وَاللَّهُ أَعْلَمُ
(بَاب التَّشْدِيدِ فِي تَرْكِ الْجُمُعَةِ)
[1052] (عَنْ أَبِي الْجَعْدِ الضَّمْرِيِّ) قَالَ فِي جَامِعِ الْأُصُولِ بِفَتْحِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْمِيمِ مَنْسُوبٌ إلى ضمرة بن بكر بن عبدمناف
وَفِي الْخُلَاصَةِ صَحَابِيٌّ لَهُ أَرْبَعَةُ أَحَادِيثَ (مَنْ تَرَكَ ثَلَاثَ جُمَعٍ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَفَتْحِ الْمِيمِ جَمْعُ جُمُعَةٍ (تَهَاوُنًا بِهَا) قَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ إهانة وقال بن الْمَلِكِ أَيْ تَسَاهُلًا عَنِ التَّقْصِيرِ لَا عَنْ عُذْرٍ (طَبَعَ اللَّهُ) أَيْ خَتَمَ (عَلَى قَلْبِهِ) بمنع(3/265)
إِيصَالَ الْخَيْرِ إِلَيْهِ وَقِيلَ كَتَبَهُ مُنَافِقًا قَالَ المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وبن مَاجَهْ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ وَحَدِيثُ أَبِي الْجَعْدِ حَدِيثٌ حَسَنٌ
قَالَ وَسَأَلْتُ مُحَمَّدًا يَعْنِي الْبُخَارِيَّ عَنِ اسم أبي الجعد الضمري فلم يعرفه اسْمَهُ وَقَالَ لَا أَعْرِفُ لَهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا هذا الحديث
قَالَ أَبُو عِيسَى وَلَا يُعْرَفُ هَذَا الْحَدِيثُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو
هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ
وَذَكَرَ الْكَرَابِيسِيُّ أَنَّ اسْمَ أَبِي الْجَعْدِ هَذَا عَمْرُو بْنُ بَكْرٍ وَقَالَ غَيْرُهُ اسْمُهُ أَدْرَعُ وَقِيلَ جُنَادَةُ
(بَاب كَفَّارَةِ مَنْ تَرَكَهَا)
[1053] (الْعُجَيْفِيُّ) مُصَغَّرًا نِسْبَةٌ إِلَى عُجَيْفِ بْنِ رَبِيعَةَ (عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ) بِضَمِّ الدَّالِ وَفَتْحِهَا (فَلْيَتَصَدَّقْ) الْأَمْرُ لِلتَّصَدُّقِ لِدَفْعِ إِثْمِ التَّرْكِ (بِدِينَارٍ) فِي الْأَزْهَارِ أَيْ كَفَّارَةً (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ) أَيِ الدِّينَارَ كَمَالَهُ (فَبِنِصْفِ دِينَارٍ) أَيْ فليتصدق بنصفه قال بن حَجَرٍ الْمَكِّيُّ وَهَذَا التَّصَدُّقُ لَا يَرْفَعُ إِثْمَ التَّرْكِ أَيْ بِالْكُلِّيَّةِ حَتَّى يُنَافِيَ خَبَرَ مَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ لَمْ يَكُنْ لَهَا كَفَّارَةٌ دُونَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَإِنَّمَا يُرْجَى بِهَذَا التَّصَدُّقِ تَخْفِيفُ الْإِثْمِ
وَذِكْرُ الدِّينَارِ وَنِصْفِهِ لِبَيَانِ الْأَكْمَلِ فَلَا يُنَافِي ذِكْرَ الدِّرْهَمِ أَوْ نِصْفِهِ وَصَاعِ حِنْطَةٍ أَوْ نِصْفِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْآتِيَةِ لِأَنَّ هَذَا الْبَيَانَ أَدْنَى مَا يَحْصُلُ بِهِ النَّدْبُ
قَالَ الْعَلَّامَةُ السِّنْدِيُّ وَالْحُكْمُ لِلتَّصَدُّقِ لِأَنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْأَمْرَ لِلِاسْتِحْبَابِ وَلِذَلِكَ جَاءَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الدِّرْهَمِ وَالنِّصْفِ وَلَا بُدَّ مِنَ التَّوْبَةِ مَعَ ذَلِكَ فَإِنَّهَا مَاحِيَةٌ لِلذَّنْبِ انْتَهَى
وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ
وَقِيلَ لِيَحْيَى بْنِ مَعِينٍ مَنْ قُدَامَةُ بْنُ وَبَرَةَ وَمَا حَالُهُ قَالَ ثِقَةٌ
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ قُدَامَةُ بْنُ وَبَرَةَ لَا يُعْرَفُ
وَحُكِيَ عَنِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ لَا يَصِحُّ سَمَاعُ قُدَامَةَ مِنْ سَمُرَةَ
(هَكَذَا رَوَاهُ خَالِدٌ) حَدِيثُ خَالِدٍ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ بِقَوْلِهِ أَخْبَرَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ أَنْبَأَنَا نُوحٌ(3/266)
عَنْ خَالِدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ مُتَعَمِّدًا فَعَلَيْهِ دِينَارٌ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَنِصْفُ دِينَارٍ انْتَهَى وَأَيْضًا وأخرجه بن مَاجَهْ نَحْوَهُ
[1054] (عَنْ قُدَامَةَ بْنِ وَبَرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ هَذَا مُرْسَلٌ وَقَدْ أَخْرَجَ النَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ هَذَا الْحَدِيثَ فِي سُنَنِهِمَا مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ وَهُوَ مُنْقَطِعٌ (وَقَالَ عَنْ سَمُرَةَ) أَيْ قَالَ سَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ قُدَامَةَ بْنِ وَبَرَةَ عَنْ سَمُرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْحَدِيثُ مُتَّصِلًا لَكِنْ رَجَّحَ الْمُؤَلِّفُ رِوَايَةَ هَمَّامٍ عَلَى رِوَايَةِ أَيُّوبَ وَسَعِيدِ بْنِ بَشِيرٍ فَإِنَّ فِي رِوَايَةِ هَمَّامٍ ذِكْرُ دِينَارٍ بِخِلَافِ رِوَايَةِ أَيُّوبَ فَفِيهَا ذِكْرُ دِرْهَمٍ وَالْمَحْفُوظُ ذِكْرُ الدِّينَارِ
وَاللَّهُ أَعْلَمُ
(بَاب مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ)
[1055] فَثَبَتَ بِحَدِيثَيِ الْبَابِ أَنَّ الْجُمُعَةَ وَاجِبَةٌ عَلَى مَنْ كَانَ خَارِجَ الْمِصْرِ وَالْبَلَدِ كَمَا كَانَتْ وَاجِبَةً عَلَى كُلِّ مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ
وَأَشَارَ بِهَذَا الْبَابِ إِلَى الرَّدِّ عَلَى الْكُوفِيِّينَ فَإِنَّهُمْ لَمْ يُوجِبُوا الْجُمُعَةَ عَلَى مَنْ كَانَ خَارِجَ الْمِصْرِ
(يَنْتَابُونَ الْجُمُعَةَ) يَفْتَعِلُونَ مِنَ النَّوْبَةِ أَيْ يَحْضُرُونَهَا(3/267)
نُوَبًا وَالِانْتِيَابُ افْتِعَالٌ مِنَ النَّوْبَةِ وَفِي رِوَايَةٍ يَتَنَاوَبُونَ (مِنْ مَنَازِلِهِمْ) الْقَرِيبَةِ مِنَ الْمَدِينَةِ (وَمِنَ الْعَوَالِي) جَمْعُ عَالِيَةٍ مَوَاضِعُ وَقُرًى شَرْقِيَّ الْمَدِينَةِ وَأَدْنَاهَا مِنَ الْمَدِينَةِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ أَوْ ثَلَاثَةٍ وَأَبْعَدُهَا ثَمَانِيَةٌ
قَالَهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ
وَفِي لِسَانِ الْعَرَبِ وَالْعَوَالِي هِيَ أَمَاكِنُ بِأَعْلَى أَرَاضِي الْمَدِينَةِ وَأَدْنَاهَا مِنَ الْمَدِينَةِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ وَأَبْعَدُهَا مِنْ جِهَةِ نَجْدٍ ثَمَانِيَةٌ
انْتَهَى
وَفِي كِتَابِ الْمَرَاسِيلِ لِأَبِي دَاوُدَ قَالَ مَالِكٌ الْعَوَالِي عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ مِنَ الْمَدِينَةِ
وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ فِي الْمَرَاسِيلِ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ عَمْرِو بن السرح عن بن وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ الْأَيْلِيِّ عَنِ بن شِهَابٍ قَالَ بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ أَهْلَ الْعَوَالِي فِي مَسْجِدِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ انْتَهَى
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَصَاحِبُ التَّوْضِيحِ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ رَدٌّ لِقَوْلِ الْكُوفِيِّينَ إِنَّ الْجُمُعَةَ لَا تَجِبُ عَلَى مَنْ كَانَ خَارِجَ الْمِصْرِ لِأَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْ عَنْهُمْ بِفِعْلٍ دَائِمٍ أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَنَاوَبُونَ الْجُمُعَةَ فَدَلَّ عَلَى لُزُومِهَا عَلَيْهِمْ
انْتَهَى
فَإِنْ قُلْتَ لَوْ كَانَ حُضُورُ أَهْلِ الْعَوَالِي وَاجِبًا إِلَى الْمَدِينَةِ مَا تَنَاوَبُوا وَلَكَانُوا يَحْضُرُونَ جَمِيعًا
قُلْتُ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهَا يَنْتَابُونَ أَنَّ بَعْضَ أَهْلِ الْعَوَالِي كَانُوا يَأْتُونَ مَسْجِدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَعْضَهُمْ يُجَمِّعُونَ فِي مَنَازِلِهِمْ بَلِ الْمُرَادُ مَنْ كَانَ حَاضِرًا فِي مَنَازِلِهِمْ حَضَرُوا الْمَدِينَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِأَنَّ فِيهِمْ مَنْ يَتَفَرَّقُ إِلَى حَوَائِجِهِ مِنْ سَفَرٍ أَوْ عَمَلٍ وَلَمْ يَصِلْ إِلَى مَنْزِلِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْأَعْذَارِ لَا يَسْتَطِيعُ الْحُضُورَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَكَيْفَ يَحْضُرُونَ جَمِيعًا
نَعَمْ لَمَّا وَصَلُوا هَؤُلَاءِ إِلَى مَنَازِلِهِمْ وَزَالَتْ عَنْهُمُ الْأَعْذَارُ كَانُوا يَحْضُرُونَ الْمَسْجِدَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ حَضَرَ الْمَدِينَةَ فِي الْجُمُعَةِ الْأُولَى لَعَلَّهُ غَابَ لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْجُمُعَةِ الْآخِرَةِ وَلَمْ يَصِلْ إِلَى الْمَدِينَةِ
وَالْحَاصِلُ أَنَّ بَعْضَ هَؤُلَاءِ يَحْضُرُونَ الْمَدِينَةَ فِي الْجُمُعَةِ الْأُولَى مَثَلًا ثُمَّ مِنْ هَؤُلَاءِ الْحَاضِرِينَ مَنْ يَغِيبُ فِي الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى فَصَدَقَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُا فِي قَوْلِهَا إِنَّهُمْ كَانُوا يَنْتَابُونَ فَانْتِيَابُهُمْ لِأَجْلِ هَذَا لَا لِعَدَمِ الْمُبَالَاةِ فِي حُضُورِ الصَّلَاةِ لِأَنَّ فِي الرِّوَايَةِ الْمَذْكُورَةِ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ أَهْلَ الْعَوَالِي فِي مَسْجِدِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ مُبَيِّنَةٌ لِلْمُرَادِ
وَالْحَدِيثُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى لُزُومِ حُضُورِ الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ لِمَنْ كَانَ عَلَى مَسَافَةِ ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ فَمَا دُونَهَا وَلَا يَحْسُنُ لَهُ التَّجْمِيعُ فِي غَيْرِهِ فَمَنْ جَمَّعَ فِي غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ شَرْعِيٍّ فَقَدْ خَالَفَ السُّنَّةَ وَأَثِمَ لَكِنْ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ مَا وَرَدَ فِيهِ أَمْرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا جَاءَ فِيهِ وَعِيدٌ وَأَمَّا مَنْ كَانَ عَلَى أَكْثَرِ مَسَافَةٍ مِنْهَا فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يُجَمِّعَ حَيْثُ شَاءَ مَعَ الْجَمَاعَةِ(3/268)
ويؤيده ما أخرجه بن ماجة عن بن عُمَرَ قَالَ إِنَّ أَهْلَ قُبَاءَ كَانُوا يُجَمِّعُونَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَسَنَدُهُ حَسَنٌ
وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ قُبَاءَ عَنْ أَبِيهِ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَمَرَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَشْهَدَ الْجُمُعَةَ مِنْ قُبَاءَ انْتَهَى
وَفِيهِ رَجُلٌ مَجْهُولٌ
وَقُبَاءُ مَوْضِعٌ بِقُرْبِ الْمَدِينَةِ مِنْ جِهَةِ الْجَنُوبِ نَحْوَ مِيلَيْنِ
وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ ثَابِتٍ قَالَ كَانَ أَنَسٌ يَكُونُ فِي أَرْضِهِ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَصْرَةِ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ فَيَشْهَدُ الْجُمُعَةَ بِالْبَصْرَةِ
وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ فِي الْمَرَاسِيلِ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ المرادي عن بن وهب عن بن لَهِيعَةَ أَنَّ بُكَيْرَ بْنَ الْأَشَجِّ حَدَّثَهُ أَنَّهُ كَانَ بِالْمَدِينَةِ تِسْعَةُ مَسَاجِدَ مَعَ مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْمَعُ أَهْلُهَا تَأْذِينَ بِلَالٍ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُصَلُّونَ فِي مَسَاجِدِهِمْ
وَلَفْظُ الْبَيْهَقِيِّ فِي الْمَعْرِفَةِ أَنْبَأَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَلِيٍّ حدثنا يحيى بن يحيى أخبرنا بن لَهِيعَةَ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الْأَشَجِّ قَالَ حَدَّثَنِي أشياخنا أنهم كانوا يصلون في تسع مَسَاجِدَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ يَسْمَعُونَ أَذَانَ بِلَالٍ فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ حَضَرُوا كُلُّهُمْ مَسْجِدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَقَالَ أَبُو بكر بن المنذر روينا عن بن عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لَا جُمُعَةَ إِلَّا فِي الْمَسْجِدِ الْأَكْبَرِ الَّذِي فِيهِ الْإِمَامُ انْتَهَى كَلَامُ الْبَيْهَقِيِّ
وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ أَهْلَ ذِي الْحُلَيْفَةِ كَانُوا يُجَمِّعُونَ بِالْمَدِينَةِ قَالَ وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ أَذِنَ لِأَحَدٍ فِي إِقَامَةِ الْجُمُعَةِ فِي شَيْءٍ مِنْ مَسَاجِدِ الْمَدِينَةِ وَلَا فِي الْقُرَى الَّتِي بِقُرْبِهَا
انْتَهَى
قَالَ الْأَثْرَمُ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَجْمَعُ جُمُعَتَيْنِ فِي مِصْرَ قَالَ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا فَعَلَهُ
وقال بن الْمُنْذِرِ لَمْ يَخْتَلِفِ النَّاسُ أَنَّ الْجُمُعَةَ لَمْ تَكُنْ تُصَلَّى فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي عَهْدِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ إِلَّا فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ أَبْيَنُ الْبَيَانِ بِأَنَّ الْجُمُعَةَ خِلَافُ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَأَنَّهَا لَا تُصَلَّى إِلَّا فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ
وَذَكَرَ الْخَطِيبُ فِي تَارِيخِ بَغْدَادَ أَنَّ أَوَّلَ جُمُعَةٍ أُحْدِثَتْ فِي الْإِسْلَامِ فِي بَلَدٍ مَعَ قِيَامِ الْجُمُعَةِ الْقَدِيمَةِ فِي أَيَّامِ الْمُعْتَصِمِ فِي دَارِ الْخِلَافَةِ مِنْ غَيْرِ بِنَاءِ مَسْجِدٍ لِإِقَامَةِ الْجُمُعَةِ وَسَبَبُ ذَلِكَ خَشْيَةُ الْخُلَفَاءِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ فِي الْمَسْجِدِ الْعَامِّ وَذَلِكَ فِي سَنَةِ ثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ ثُمَّ بُنِيَ فِي أيام المكتفى مسجد فجمعوا فيه
وذكر بن عَسَاكِرَ فِي مُقَدِّمَةِ تَارِيخِ دِمَشْقِ أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ إِلَى أَبِي مُوسَى وَإِلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَإِلَى سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنْ يَتَّخِذَ مَسْجِدًا جَامِعًا لِلْقَبَائِلِ فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ انْضَمُّوا إِلَى الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ فَشَهِدُوا الْجُمُعَةَ
وقال بن الْمُنْذِرِ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ بِتَعْدَادِ الْجُمُعَةِ غَيْرَ عَطَاءٍ
انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ(3/269)
قَالَ الْخَازِنُ فِي تَفْسِيرِهِ وَلَا تَنْعَقِدُ إِلَّا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ مِنَ الْبَلَدِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَبُو يُوسُفَ
وَقَالَ أَحْمَدُ تَصِحُّ بِمَوْضِعَيْنِ إِذَا كَثُرَ النَّاسُ وَضَاقَ الْجَامِعُ
وَفِي رَحْمَةِ الْأُمَّةِ وَالرَّاجِحُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْبَلَدَ إِذَا كَبُرَ وَعَسِرَ اجْتِمَاعُ أَهْلِهِ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ جَازَ إِقَامَةُ جُمُعَةٍ أُخْرَى بَلْ يَجُوزُ التَّعَدُّدُ بِحَسْبِ الْحَاجَةِ
وَقَالَ دَاوُدُ الْجُمُعَةُ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ يَجُوزُ لِأَهْلِ الْبَلَدِ أَنْ يُصَلُّوهَا فِي مَسَاجِدِهِمْ
انْتَهَى
وَأَنْتَ عَرَفْتَ أَنَّ الْجُمُعَةَ فِي بَلَدٍ وَاحِدٍ أَوْ قَرْيَةٍ وَاحِدَةٍ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ الْخُلَفَاءِ لَمْ تَكُنْ تُصَلَّى إِلَّا فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ وَلَمْ يُحْفَظْ عَنِ السَّلَفِ خِلَافُ ذَلِكَ إِلَّا مَا رُوِيَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَدَاوُدَ إِمَامِ الظَّاهِرِيَّةِ وَقَوْلُهُمَا هَذَا خِلَافُ السُّنَّةِ الثَّابِتَةِ فَلَا يُحْتَجُّ بِقَوْلِهِمَا
هَذَا مُلَخَّصٌ مِنْ غَايَةِ الْمَقْصُودِ وَالْمَطَالِبِ الرَّفِيعَةِ فِي الْمَسَائِلِ النَّفِيسَةِ كِلَاهُمَا لِأَخِينَا الْأَعْظَمِ أَبِي الطَّيِّبِ أَدَامَ اللَّهُ مَجْدَهُ
وَحَدِيثُ عَائِشَةَ هَذَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
[1056] (الْجُمُعَةُ) وَاجِبَةٌ (عَلَى كُلِّ مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ) أَوْ كَانَ فِي قُوَّةِ السَّامِعِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ الْجُمُعَةَ لَا تَجِبُ عَلَى مَنْ لَمْ يَسْمَعِ النِّدَاءَ وَإِنْ كَانَ فِي الْبَلَدِ الَّذِي تُقَامُ فِيهِ الْجُمُعَةُ أَوْ فِي خَارِجِهِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ الْآيَةَ
فَأَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالسَّعْيِ بِمُجَرَّدِ النِّدَاءِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالسَّمَاعِ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَالَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ أَوْ كَانَ فِي قُوَّةِ السَّامِعِ سَوَاءٌ كَانَ دَاخِلَ الْبَلَدِ أَوْ خَارِجَهُ انْتَهَى
وَقَدْ حَكَى الْحَافِظُ زَيْنُ الدِّينِ الْعِرَاقِيُّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ عَنِ
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه اللَّه حَدِيث الْجُمْعَة عَلَى مَنْ سَمِعَ النِّدَاء قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ الصَّحِيح أَنَّهُ مَوْقُوف وَفِيهِ أبو سلمة بن نبيه قال بن الْقَطَّانِ لَا يُعْرَفُ بِغَيْرِ هَذَا وَهُوَ مَجْهُولٌ وفيه أيضا الطائفي مجهول عند بن أَبِي حَاتِمٍ وَوَثَّقَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَفِيهِ أَيْضًا عَبْدُ الله بن هارون قال بن الْقَطَّانِ مَجْهُول الْحَال وَفِيهِ أَيْضًا قَبِيصَةُ قَالَ النَّسَائِيُّ كَثِير الْخَطَأ وَأَطْلَقَ وَقِيلَ كَثِير الْخَطَأ عَلَى الثَّوْرِيِّ وَقِيلَ هُوَ ثِقَةٌ إِلَّا فِي الثوري(3/270)
الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّهُمْ يُوجِبُونَ الْجُمُعَةَ عَلَى أَهْلِ الْمِصْرِ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعُوا النِّدَاءَ
انْتَهَى
وَالْحَدِيثُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ الْمَقَالُ كَمَا سَيَأْتِي لَكِنْ يَشْهَدُ لِصِحَّتِهِ قَوْلُهُ تَعَالَى إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة الْآيَةُ
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ إِنَّ الْبَيْهَقِيَّ قَالَ لَهُ شَاهِدٌ فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ
قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ
قَالَ وَيُغْنِي عَنْهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ قَالَ أَتَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ أعمى فقال يارسول اللَّهِ لَيْسَ لِي قَائِدٌ يَقُودُنِي إِلَى الْمَسْجِدِ فَسَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرَخِّصَ لَهُ فَيُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ فَرَخَّصَ لَهُ فَلَمَّا وَلَّى دَعَاهُ فَقَالَ هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ بِالصَّلَاةِ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَأَجِبْ وَرَوَى نحوه أبو داود بإسناد حسن عن بن أُمِّ مَكْتُومٍ قَالَ فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي مُطْلَقِ الْجَمَاعَةِ فَالْقَوْلُ بِهِ فِي خُصُوصِيَّةِ الْجُمُعَةِ أَوْلَى
وَالْمُرَادُ بِالنِّدَاءِ الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثِ هُوَ النِّدَاءُ الْوَاقِعُ وَقْتَ جُلُوسِ الْإِمَامِ عَلَى الْمِنْبَرِ لِأَنَّهُ الَّذِي كَانَ فِي زَمَنِ النُّبُوَّةِ (مَقْصُورًا) أَيْ مَوْقُوفًا (وَإِنَّمَا أَسْنَدَهُ قَبِيصَةُ) وَفِي إِسْنَادِهِ مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ الطَّائِفِيُّ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَفِيهِ مَقَالٌ
وَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ صَدُوقٌ
قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ وَهُوَ ثِقَةٌ
قَالَ وَهَذِهِ سُنَّةٌ تَفَرَّدَ بِهَا أَهْلُ الطَّائِفِ
انْتَهَى
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَقَدْ تَفَرَّدَ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ شَيْخِهِ أَبٍي سَلَمَةَ وَتَفَرَّدَ بِهِ أَبُو سَلَمَةَ عَنْ شَيْخِهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هَارُونَ وَقَدْ وَرَدَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مِنْ وَجْهٍ آخَرَ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ رِوَايَةِ الْوَلِيدِ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا وَالْوَلِيدُ وَزُهَيْرُ كِلَاهُمَا مِنْ رِجَالِ الصَّحِيحِ
قَالَ الْعِرَاقِيُّ لَكِنْ زُهَيْرُ رَوَى عَنْ أَهْلِ الشَّامِ مَنَاكِيرَ مِنْهُمُ الْوَلِيدُ وَالْوَلِيدُ مُدَلِّسٌ وَقَدْ رَوَاهُ بِالْعَنْعَنَةِ فَلَا يَصِحُّ وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ بْنِ عَطِيَّةَ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ ضَعِيفٌ جدا والحجاج هو بن أَرْطَاةَ وَهُوَ مُدَلِّسٌ مُخْتَلَفٌ فِي الِاحْتِجَاجِ بِهِ
والله أعلم(3/271)
8 - (بَاب الْجُمُعَةِ فِي الْيَوْمِ الْمَطِيرِ)
بِفَتْحِ الْمِيمِ صِيغَةُ اسْمِ الْفَاعِلِ أَيْ يَوْمٌ مَاطِرٌ أَيْ ذُو مَطَرٍ كَذَا فِي اللِّسَانِ أَيْ هَلْ يَلْزَمُ لِلْمُصَلِّي حُضُورُهُ فِي الْجَامِعِ أَوْ يُجَمِّعُ فِي رَحْلِهِ لِأَجْلِ الْمَطَرِ أَوْ يَسْقُطُ عَنْهُ الْجُمُعَةُ
[1057] (عَنْ أَبِي الْمُلَيْحِ) قَالَ الْمُنْذَرِيُّ وَأَبُو الْمَلِيحِ اسْمُهُ عَامِرُ بْنُ أُسَامَةَ وَقِيلَ زَيْدُ بْنُ أُسَامَةَ وَقِيلَ أُسَامَةُ بْنُ عَامِرٍ وَقِيلَ عُمَيْرُ بْنُ أُسَامَةَ هُذَلِيٌّ بَصْرِيٌّ اتَّفَقَ الشَّيْخَانِ عَلَى الِاحْتِجَاجِ بِحَدِيثِهِ وَأَبُوهُ لَهُ صُحْبَةٌ وَيُقَالُ إِنَّهُ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ إِلَّا ابْنُهُ أَبُو الْمَلِيحِ (أَنَّ يَوْمَ حُنَيْنٍ) مُصَغَّرٌ وَادٍ بَيْنَ مَكَّةَ وَالطَّائِفِ هُوَ مُذَكَّرٌ مُنْصَرِفٌ وَقَدْ يُؤَنَّثُ عَلَى مَعْنَى الْبُقْعَةِ وَقِصَّةُ حُنَيْنٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَحَ مَكَّةَ فِي رَمَضَانَ سَنَةِ ثَمَانٍ ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا لِقِتَالِ هَوَازِنَ وَثَقِيفٍ وَقَدْ بَقِيَتْ أَيَّامٌ مِنْ رَمَضَانَ فَسَارَ إِلَى حُنَيْنٍ فَلَمَّا الْتَقَى الْجَمْعَانِ انْكَشَفَ الْمُسْلِمُونَ ثُمَّ أَمَدَّهُمُ اللَّهُ بِنَصْرِهِ فَعَطَفُوا وَقَاتَلُوا الْمُشْرِكِينَ فَهَزَمُوهُمْ وَغَنِمُوا أَمْوَالَهُمْ وَعِيَالَهُمْ ثُمَّ صَارَ الْمُشْرِكُونَ إِلَى أَوْطَاسٍ فَمِنْهُمْ مَنْ سَارَ عَلَى نَخْلَةِ الْيَمَانِيَّةِ وَمِنْهُمْ مَنْ سَلَكَ الثَّنَايَا وَتَبِعَتْ خَيْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من سلك نخلة ويقال إنه صلى الله عليه وسلم أَقَامَ عَلَيْهَا يَوْمًا وَلَيْلَةً ثُمَّ سَارَ إِلَى أَوْطَاسٍ فَاقْتَتَلُوا وَانْهَزَمَ الْمُشْرِكُونَ إِلَى الطَّائِفِ وَغَنِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْهَا أَيْضًا أَمْوَالَهُمْ وَعِيَالَهُمْ ثُمَّ سَارَ إِلَى الطَّائِفِ فَقَاتَلَهُمْ بَقِيَّةَ شَوَّالٍ فَلَمَّا أَهَلَّ ذُو الْقَعْدَةِ تَرَكَ الْقِتَالَ لِأَنَّهُ شَهْرٌ حَرَامٌ وَرَحَلَ رَاجِعًا فَنَزَلَ جِعْرَانَةَ وَقَسَمَ بِهَا غَنَائِمَ أَوْطَاسٍ وَحُنَيْنٍ وَيُقَالُ كَانَتْ سِتَّةُ آلَافِ سَبِيٍّ قُلْتُ وَقَدِ اخْتُلِفَ عَلَى أَبِي الْمُلَيْحِ فَقَالَ قَتَادَةُ عَنْهُ إِنَّ الْقِصَّةَ وَقَعَتْ بِحُنَيْنٍ وَقَالَ خَالِدٌ الْحَذَّاءُ عَنْهُ إِنَّهَا وَقَعَتْ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ
وَاللَّهُ أَعْلَمُ
(الرِّحَالُ) جَمْعُ رَحْلٍ وَالْمُرَادُ بِهَا الدور والمساكن والمنازل
قاله بن الْأَثِيرِ
وَلَفْظُ النَّسَائِيِّ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الْمُلَيْحِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحُنَيْنٍ فَأَصَابَنَا مَطَرٌ فَنَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ صَلُّوا في رحالكم
[1058] (أخبرنا سعيد) هو بن عَبْدِ الْعَزِيزِ الدِّمَشْقِيُّ (عَنْ صَاحِبٍ لَهُ) أَيْ لِسَعِيدٍ وَلَمْ يُعْرَفْ هَذَا(3/272)
[1059] (قَالَ سُفْيَانُ بْنُ حَبِيبٍ خُبِّرَنَا) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنَ التَّفْعِيلِ وَالْمُخْبِرُ لِسُفْيَانَ بْنِ حَبِيبٍ لَمْ يعرف
وأخرج بن مَاجَهْ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي الْمُلَيْحِ قَالَ خَرَجْتُ فِي لَيْلَةٍ مَطِيرَةٍ فَلَمَّا رَجَعْتُ اسْتَفْتَحْتُ فَقَالَ أَبِي مَنْ هَذَا قَالَ أَبُو الْمُلَيْحِ قَالَ لَقَدْ رَأَيْتُنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم الحديبية وأصابنا سَمَاءٌ لَمْ تَبُلَّ أَسَافِلَ نِعَالِنَا فَنَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ (زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ) بِئْرٌ بِقُرْبِ مَكَّةَ عَلَى طَرِيقِ جُدَّةَ دُونَ مَرْحَلَةٍ ثُمَّ أُطْلِقَ عَلَى الْمَوْضِعِ وَيُقَالُ بَعْضُهُ فِي الْحِلِّ وَبَعْضُهُ في الحرم وهو أبعد أطراف الحرم على الْبَيْتِ وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ إِنَّهَا عَلَى تِسْعَةِ أَمْيَالٍ مِنَ الْمَسْجِدِ
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ الطَّبَرِيُّ حَدُّ الْحَرَمِ مِنْ طَرِيقِ الْمَدِينَةِ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ وَمِنْ طَرِيقِ جُدَّةَ عَشَرَةُ أَمْيَالٍ وَمِنْ طَرِيقِ الطَّائِفِ سَبْعَةُ أَمْيَالٍ وَمِنْ طَرِيقِ الْيَمَنِ سَبْعَةُ أَمْيَالٍ وَمِنْ طَرِيقِ الْعِرَاقِ سَبْعَةُ أَمْيَالٍ انْتَهَى
وَقَالَ الطَّرْطُوشِيُّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى (إِنَّا فَتَحْنَا لك فتحا مبينا) هو صلح الحديبية قال بن الْقَيِّمِ وَكَانَتْ سَنَةَ سِتٍّ فِي ذِي الْقَعْدَةِ عَلَى الصَّحِيحِ (لَمْ يَبْتَلَّ أَسْفَلُ نِعَالِهِمْ) وَالْمُرَادُ بِهِ قِلَّةُ الْمَطَرِ
وَاعْلَمْ أَنَّهُ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ عَلَى تَرْجَمَةِ الْبَابِ نَظَرٌ لِأَنَّ الرَّاوِيَ لَمْ يُبَيِّنْ أَنَّ النِّدَاءَ الْمَذْكُورَ كَانَ لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ نَعَمْ كَانَتْ هَذِهِ الْوَاقِعَةُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَيَحْتَمِلُ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ كَانَ لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَكَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِغَيْرِهَا مِنَ الصَّلَاةِ وَإِنْ تَعَيَّنَ احْتِمَالُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَهَذِهِ وَاقِعَةُ سَفَرٍ لَا يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى الْحَضَرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
(بَاب التَّخَلُّفِ عَنْ الْجَمَاعَةِ فِي الليلة الباردة)
[1060] (نَزَلَ بِضَجْنَانَ) بِفَتْحِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْجِيمِ بعدهما نُونٌ وَبَعْدَ أَلِفٍ نُونٌ آخَرُ وَهُوَ جَبَلٌ عَلَى بَرِيدٍ مِنْ مَكَّةَ
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ مِيلًا
كَذَا(3/273)
في عمدة القارىء (فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ (فِي اللَّيْلَةِ الْبَارِدَةِ أَوِ الْمَطِيرَةِ) وَفِي أُخْرَى لَهُ (إِذَا كَانَتْ ذَاتُ بَرْدٍ وَمَطَرٍ) وَفِي صَحِيحِ أَبِي عَوَانَةَ لَيْلَةٌ بَارِدَةٌ وَذَاتُ مَطَرٍ أَوْ ذَاتُ رِيحٍ وَفِيهِ أَنَّ كُلًّا مِنَ الثَّلَاثَةِ عذر في التأخر عن الجماعة
ونقل بن بَطَّالٍ فِيهِ الْإِجْمَاعَ لَكِنِ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الرِّيحَ عُذْرٌ فِي اللَّيْلِ فَقَطْ
وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ اخْتِصَاصُ الثَّلَاثَةِ بِاللَّيْلِ
وَفِي حَدِيثِ الْبَابِ من طريق بن إِسْحَاقَ عَنْ نَافِعٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فِي اللَّيْلَةِ الْمَطِيرَةِ وَالْغَدَاةِ الْقَرَّةِ وَفِيهَا بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الْمُلَيْحِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُمْ مُطِرُوا يَوْمًا فَرَخَّصَ لَهُمْ كَمَا تَقَدَّمَ وَكَذَلِكَ في حديث بن عَبَّاسٍ الْآتِي فِي الْبَابِ فِي يَوْمٍ مَطِيرٍ قَالَ الْحَافِظُ وَلَمْ أَرَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَحَادِيثِ التَّرْخِيصَ لِعُذْرِ الرِّيحِ فِي النَّهَارِ صَرِيحًا (أَنِ الصَّلَاةُ فِي الرِّحَالِ) فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ ثُمَّ يَقُولُ عَلَى أَثَرِهِ يَعْنِي أَثَرَ الْأَذَانِ أَلَا صَلُّوا فِي الرِّحَالِ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْقَوْلَ الْمَذْكُورَ كَانَ بَعْدَ فَرَاغِ الْأَذَانِ
وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ بِلَفْظِ فِي آخِرِ نِدَائِهِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ فِي آخِرِهِ قُبَيْلَ الْفَرَاغِ مِنْهُ جَمْعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ حديث بن عباس الآتي في الباب وحمل بن خزيمة حديث بن عَبَّاسٍ عَلَى ظَاهِرِهِ وَقَالَ إِنَّهُ يُقَالُ ذَلِكَ بَدَلًا مِنَ الْحَيْعَلَةِ نَظَرًا إِلَى الْمَعْنَى لِأَنَّ مَعْنَى حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ هَلُمُّوا إِلَيْهَا وَمَعْنَى الصَّلَاةِ فِي الرِّحَالِ تَأَخَّرُوا عَنِ الْمَجِيءِ فَلَا يُنَاسِبُ إِيرَادُ اللَّفْظَيْنِ مَعًا لِأَنَّ أَحَدَهُمَا نَقِيضُ الْآخَرِ
قَالَ الْحَافِظُ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ مَا ذُكِرَ بِأَنْ يَكُونَ مَعْنَى الصَّلَاةِ فِي الرِّحَالِ رُخْصَةٌ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَرَخَّصَ وَمَعْنَى هَلُمُّوا إِلَى الصَّلَاةِ نَدْبٌ لِمَنْ أراد أن يستكمل الفضيلة ولو يحمل الْمَشَقَّةِ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ حَدِيثُ جَابِرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ قَالَ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَمُطِرْنَا فَقَالَ لِيُصَلِّ مَنْ شَاءَ مِنْكُمْ فِي رَحْلِهِ وَالرِّحَالُ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الرَّحْلُ الْمَنْزِلُ وَجَمْعُهُ رِحَالٌ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ حَجَرٍ أَوْ مَدَرٍ أَوْ خَشَبٍ أَوْ وَبَرٍ أَوْ صُوفٍ أَوْ شَعْرٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ
وَفِي فَتْحِ الْبَارِي وَالصَّلَاةُ فِي الرَّحْلِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ بِجَمَاعَةٍ أَوْ مُنْفَرِدًا لَكِنَّهَا مَظِنَّةُ الِانْفِرَادِ وَالْمَقْصُودُ الْأَصْلِيُّ فِي الْجَمَاعَةِ إِيقَاعُهَا فِي الْمَسْجِدِ(3/274)
[1061] (وَرَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ) وَالْمَعْنَى أَنَّ حَمَّادَ بْنَ سَلَمَةَ يَرْوِي عَنْ أَيُّوبَ وَعُبَيْدِ اللَّهِ كِلَاهُمَا عَنْ نَافِعٍ بِحَرْفِ التَّرْدِيدِ أَيْ فِي اللَّيْلَةِ الْقَرَّةِ أَوِ الْمَطِيرَةِ وَأَمَّا إِسْمَاعِيلُ عَنْ أَيُّوبَ فَلَمْ يَذْكُرْ حَرْفُ التَّرْدِيدِ وَقَالَ فِي اللَّيْلَةِ الْبَارِدَةِ وَفِي اللَّيْلَةِ الْمَطِيرَةِ وَلَكِنِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ هَذِهِ وَاقِعَةُ سَفَرٍ وَخَالَفَهُمْ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ فَقَالَ كَانَ ذَلِكَ فِي الْمَدِينَةِ كَمَا سَيَأْتِي
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَخَالَفَهُ الثِّقَاتُ (فِي اللَّيْلَةِ الْقَرَّةِ) أَيِ الْبَارِدَةِ
قَالَ فِي النِّهَايَةِ يَوْمٌ قَرٌّ بِالْفَتْحِ أَيْ بَارِدٌ وَلَيْلَةٌ قَرَّةٌ بالفتح أي بارد وليلة قرة
قال المنذري وأخرجه بن مَاجَهْ وَفِي رِوَايَةٍ فِي اللَّيْلَةِ الْقَرَّةِ أَوِ الْمَطِيرَةِ
[1062] (عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى تَخْفِيفِ أَمْرِ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَطَرِ وَنَحْوِهِ مِنْ أَعْذَارٍ وَأَنَّهَا مُتَأَكِّدَةٌ إِذَا لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ وَأَنَّهَا مشروعة لمن تكلف الإتيان إليها ويحمل الْمَشَقَّةَ لِقَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ لِيُصَلِّ مَنْ شَاءَ فِي رَحْلِهِ وَأَنَّهَا مَشْرُوعَةٌ فِي السَّفَرِ وَأَنَّ الْأَذَانَ مَشْرُوعٌ فِي السَّفَرِ
وَفِي حَدِيثِ بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْ يَقُولَ أَلَا صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ فِي نَفْسِ الْأَذَانِ
وَفِي حديث بن عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ فِي آخِرِ نِدَائِهِ وَالْأَمْرَانِ جَائِزَانِ نَصَّ عَلَيْهِمَا الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فَيَجُوزُ بَعْدَ الْأَذَانِ وَفِي أَثْنَائِهِ لِثُبُوتِ السُّنَّةِ فِيهِمَا لَكِنَّ قَوْلَهُ بَعْدَهُ أَحْسَنُ لِيَبْقَى نَظْمُ الْأَذَانِ عَلَى وَضْعِهِ
وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ لَا يَقُولُهُ إِلَّا بَعْدَ الْفَرَاغِ وَهَذَا ضَعِيفٌ مُخَالِفٌ لصريح حديث بن عباس رضي الله عنه ولا منافاة بينهما لأن هذا جرى في وقت وذاك في وقت كلاهما صَحِيحٌ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
[1063] (عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ
[1064] (فِي اللَّيْلَةِ(3/275)
الْمَطِيرَةِ) أَيْ ذِي مَطَرٍ (وَالْغَدَاةِ الْقَرَّةِ) أَيِ الْبَارِدَةِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ فِيهِ مَقَالٌ وَقَدْ خَالَفَهُ الثِّقَاتُ وَالْقَاسِمُ هَذَا هُوَ بن مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَحَدُ الثِّقَاتِ النُّبَلَاءِ
[1065] (عَنْ جَابِرٍ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ والترمذي
[1066] (بن عَمِّ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ) قَالَ الدِّمْيَاطِيُّ لَيْسَ بن عَمِّهِ وَإِنَّمَا كَانَ زَوْجَ بِنْتِ سِيرِينَ فَهُوَ صِهْرُهُ
قَالَ فِي الْفَتْحِ لَا مَانِعَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ سِيرِينَ وَالْحَارِثِ إخْوَةٌ مِنَ الرَّضَاعِ وَنَحْوِهِ فَلَا يَنْبَغِي تَغْلِيطُ الرِّوَايَةِ الصَّحِيحَةِ مَعَ وُجُودِ الِاحْتِمَالِ الْمَقْبُولِ (قُلْ صَلُّوا فِي بُيُوتِكُمْ) بَدَلُ الْحَيْعَلَةِ مَعَ إِتْمَامِ الْأَذَانِ (فَكَأَنَّ النَّاسَ اسْتَنْكَرُوا ذَلِكَ) أَيْ قَوْلَهُ فَلَا تَقُلْ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ قُلْ صَلُّوا فِي بُيُوتِكُمْ (فَقَالَ) بن عَبَّاسٍ (قَدْ فَعَلَ ذَا) أَيِ الَّذِي قُلْتُهُ لِلْمُؤَذِّنِ (مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي) أَيْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ الْجُمُعَةَ عَزْمَةٌ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الزَّايِ أَيْ وَاجِبَةٌ فَلَوْ تَرَكْتُ الْمُؤَذِّنَ يَقُولُ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ لَبَادَرَ مَنْ سَمِعَهُ إِلَى الْمَجِيءِ فِي الْمَطَرِ فَيَشُقُّ عَلَيْهِ فَأَمَرْتُهُ أَنْ يَقُولَ صَلُّوا فِي بُيُوتِكُمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ الْمَطَرَ مِنَ الْأَعْذَارِ الَّتِي تُصَيِّرُ الْعَزِيمَةَ رُخْصَةً وَهَذَا مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ لَكِنْ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ مُقَيَّدٌ بِمَا يُؤْذِي بِبَلِّ الثَّوْبِ فَإِنْ كَانَ خَفِيفًا أَوْ وَجَدَ كِنًّا يَمْشِي فِيهِ فَلَا عُذْرَ(3/276)
وَعَنْ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يُرَخَّصُ فِي تَرْكِهَا بِالْمَطَرِ وَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ قَالَهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ فِي إِرْشَادِ السَّارِي
وَقَالَ الْعَيْنِيُّ فِي عُمْدَةِ القارىء والمراد بقول بن عَبَّاسٍ أَنَّ الْجُمُعَةَ عَزِيمَةٌ وَلَكِنَّ الْمَطَرَ مِنَ الْأَعْذَارِ الَّتِي تُصَيِّرُ الْعَزِيمَةَ رُخْصَةً وَهَذَا مَذْهَبُ بن عَبَّاسٍ أَنَّ مِنْ جُمْلَةِ الْأَعْذَارِ لِتَرْكِ الْجُمُعَةِ المطر وإليه ذهب بن سِيرِينَ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَمُرَةَ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ لَا يُتَخَلَّفُ عَنِ الجمعة في اليوم المطير
وروى بن قَانِعٍ قِيلَ لِمَالِكٍ أَنَتَخَلَّفُ عَنِ الْجُمُعَةِ فِي الْيَوْمِ الْمَطِيرِ قَالَ مَا سَمِعْتُ قِيلَ لَهُ فِي الْحَدِيثِ أَلَا صَلُّوا فِي الرِّحَالِ قَالَ ذَلِكَ فِي السَّفَرِ
انْتَهَى كَلَامُهُ
قُلْتُ هَذَا مِنَ اسْتِنْبَاطَاتِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلَمْ يَثْبُتْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَرِيحًا أَنَّهُ رَخَّصَ فِي تَرْكِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ لِأَجْلِ الْمَطَرِ وَالصَّحِيحُ عِنْدِي في معنى قول بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ الْجُمُعَةَ وَاجِبَةٌ مُتَحَتِّمَةٌ لَا تُتْرَكُ لَكِنْ يُرَخَّصُ لِلْمُصَلِّي فِي حُضُورِ الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ لِأَجْلِ الْمَطَرِ فَيُصَلِّي الْجُمُعَةَ فِي رَحْلِهِ بِمَنْ كَانَ مَعَهُ جَمَاعَةً وَلَيْسَ الْمُرَادُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ الْجُمُعَةَ تَسْقُطُ لِأَجْلِ الْمَطَرِ فَإِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ قَطُّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَغَرَضُ الْمُؤَلِّفِ مِنَ انْعِقَادِ هَذَا الْبَابِ أَنَّ التَّخَلُّفَ عَنِ الْجَمَاعَةِ فِي اللَّيْلَةِ الْبَارِدَةِ أَوِ الْمَطِيرَةِ كَمَا ثَبَتَ من حديث بن عُمَرَ فَكَذَا يَجُوزُ التَّخَلُّفُ عَنْ حُضُورِ الْمَسْجِدِ الجامع يوم الجمعة بدليل رواية بن عَبَّاسٍ كَذَا فِي غَايَةِ الْمَقْصُودِ (وَإِنِّي كَرِهْتُ أن أخرجكم) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْحَاءِ مِنَ الْحَرَجِ وَيُؤَيِّدُهُ ما في بعض الروايات أوثمكم أَيْ أَنْ أَكُونَ سَبَبًا فِي إِكْسَابِكُمُ الْإِثْمَ عِنْدَ حَرَجِ صُدُورِكُمْ فَرُبَّمَا يَقَعُ تَسَخُّطٌ أَوْ كَلَامٌ غَيْرُ مَرْضِيٍّ (فَتَمْشُونَ فِي الطِّينِ وَالْمَطَرِ) فَتَكُونُونَ فِي الْحَرَجِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ ومسلم وبن مَاجَهْ
(بَاب الْجُمُعَةِ لِلْمَمْلُوكِ وَالْمَرْأَةِ)
[1067] (عَنْ طَارِقِ بن شهاب) بن عبدشمس الْأَحْمَسِيِّ الْبَجَلِيِّ الْكُوفِيِّ أَدْرَكَ الْجَاهِلِيَّةَ وَرَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَيْسَ مِنْهُ سَمَاعٌ وَغَزَا فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ أَوْ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ غَزْوَةً(3/277)
وَسَرِيَّةً وَمَاتَ سَنَةَ اثْنَيْنِ وَثَمَانِينَ ذَكَرَهُ فِي السُّبُلِ (قَالَ الْجُمُعَةُ حَقٌّ) أَيْ ثَابِتٌ فَرْضِيَّتُهَا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ (وَاجِبٌ) أَيْ فَرْضٌ مُؤَكَّدٌ (عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ) فِيهِ رَدٌّ عَلَى الْقَائِلِ بِأَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ (فِي جَمَاعَةٍ) لِأَنَّهَا لَا تَصِحُّ إِلَّا بِجَمَاعَةٍ مَخْصُوصَةٍ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي الْعَدَدِ الَّذِي تَحْصُلُ بِهِ وَأَقَلُّهُمْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ثَلَاثَةٌ سِوَى الْإِمَامِ وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُمْ مِمَّنْ حَضَرَ الْخُطْبَةَ وَقَالَ اثْنَانِ سِوَى الْإِمَامِ
وقال بن حَجَرٍ الْمَكِّيُّ وَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ أَرْبَعِينَ كَامِلِينَ
قُلْتُ وَيَجِيءُ تَحْقِيقُ ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْبَابِ الْآتِي (أَوِ امْرَأَةٌ) فِيهِ عَدَمُ وُجُوبِ الْجُمُعَةِ عَلَى النِّسَاءِ أَمَّا غَيْرُ الْعَجَائِزِ فَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ وَأَمَّا الْعَجَائِزُ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُسْتَحَبُّ لَهُنَّ حُضُورُهَا (أَوْ صَبِيٌّ) فِيهِ أَنَّ الْجُمُعَةَ غَيْرُ وَاجِبَةٍ عَلَى الصِّبْيَانِ وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ (أَوْ مَرِيضٌ) فِيهِ أَنَّ الْمَرِيضَ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ إِذَا كَانَ الْحُضُورُ يَجْلِبُ عَلَيْهِ مَشَقَّةً وَقَدْ أَلْحَقَ بِهِ الْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ الْأَعْمَى وَإِنْ وَجَدَ قَائِدًا لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْمَشَقَّةِ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إِنَّهُ غَيْرُ مَعْذُورٍ عَنِ الْحُضُورِ إِنْ وَجَدَ قَائِدًا
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا جُمُعَةَ عَلَى الْمَرِيضِ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى شُهُودِ الْجُمُعَةِ إِلَّا بِأَنْ يَزِيدَ فِي مَرَضِهِ أَوْ يَبْلُغَ بِهِ مَشَقَّةً غَيْرَ مُحْتَمَلَةٍ وَكَذَلِكَ مَنْ كَانَ فِي مَعْنَاهُ مِنْ أَهْلِ الْأَعْذَارِ
انتهى
وقوله عبدمملوك أَوِ امْرَأَةٌ أَوْ صَبِيٌّ أَوْ مَرِيضٌ هَكَذَا فِي النُّسَخِ بِصُورَةِ الْمَرْفُوعِ
قَالَ السُّيُوطِيُّ وَقَدْ يَسْتَشْكِلُ بِأَنَّ الْمَذْكُورَاتِ عَطْفُ بَيَانٍ لِأَرْبَعَةٍ وَهُوَ مَنْصُوبٌ لِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ مُوجَبٍ وَالْجَوَابُ أَنَّهَا مَنْصُوبَةٌ لَا مَرْفُوعَةٌ وَكَانَتْ عَادَةُ الْمُتَقَدِّمِينَ أَنْ يَكْتُبُوا الْمَنْصُوبَ بِغَيْرِ أَلِفٍ وَيَكْتُبُوا عَلَيْهِ تَنْوِينَ النَّصْبِ ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ
قَالَ السُّيُوطِيُّ وَرَأَيْتُهُ أَنَا فِي كَثِيرٍ مِنْ كُتُبِ الْمُتَقَدِّمِينَ الْمُعْتَمَدَةِ وَرَأَيْتُهُ فِي خَطِّ الذَّهَبِيِّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُسْتَدْرَكِ وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ تَكُونَ مَرْفُوعَةً تُعْرَبُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ انْتَهَى
قَالَ الْخَطَّابِيُّ أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ النِّسَاءَ لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِنَّ فَأَمَّا الْعَبِيدُ فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِيهِمْ فَكَانَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ يُوجِبَانِ عَلَى الْعَبْدِ الْجُمُعَةَ إِذَا كَانَ مُخَارِجًا وَكَذَا قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْسَبُ أَنَّ مَذْهَبَ دَاوُدَ إِيجَابُ الْجُمُعَةِ عَلَيْهِ
وَقَدْ رُوِيَ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ إِذَا سَمِعَ الْمُسَافِرُ الْأَذَانَ فَلْيَحْضُرِ الْجُمُعَةَ
وَعَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ نَحْوٌ مِنْ ذَلِكَ
وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ فَرْضَ الْجُمُعَةِ مِنْ فُرُوضِ الْأَعْيَانِ وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَقَدْ عَلَّقَ الْقَوْلَ فِيهِ
وَقَالَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ هُوَ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ وَلَيْسَ إِسْنَادُ هَذَا الحديث(3/278)
بِذَاكَ
وَطَارِقُ بْنُ شِهَابٍ لَا يَصِحُّ لَهُ سَمَاعٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا أَنَّهُ قَدْ لَقِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى
وَيَجِيءُ الْجَوَابُ عَنْ ذلك (ولم يسمع منه شيئا) وقال بن أَبِي حَاتِمٍ سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ لَيْسَتْ لَهُ صُحْبَةٌ وَالْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ مُرْسَلٌ انْتَهَى
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ الْفَقِيهُ أخبرنا عبيد من مُحَمَّدٍ الْعِجْلِيُّ حَدَّثَنِي الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ الْعَنْبَرِيُّ حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ حَدَّثَنَا هُرَيْمُ بْنُ سُفْيَانَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْجُمُعَةُ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فِي جَمَاعَةٍ إِلَّا أَرْبَعَةً عَبْدٌ مَمْلُوكٌ أَوِ امْرَأَةٌ أَوْ صَبِيٌّ أَوْ مَرِيضٌ أَسْنَدَهُ عُبَيْدُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَأَرْسَلَهُ غيره فذكر البيهقي بإسناده رواية أي دَاوُدَ ثُمَّ قَالَ أَحْمَدُ الْبَيْهَقِيُّ هَذَا هُوَ الْمَحْفُوظُ مُرْسَلٌ وَهُوَ مُرْسَلٌ جَيِّدٌ وَلَهُ شَوَاهِدُ ذَكَرْنَاهَا فِي كِتَابِ السُّنَنِ وَفِي بَعْضِهَا الْمَرِيضُ وَفِي بَعْضِهَا الْمُسَافِرُ انْتَهَى كَلَامُ الْبَيْهَقِيِّ
وَقَالَ أبو داودالطيالسي حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَزَوْتُ فِي خِلَافَةِ أَبِي بكر
قال بن حَجَرٍ وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ قَدِمَ وَفْدُ بَجِيلَةَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ ابدأوا بالأحمسين ودعا لهم قال الحافظ بن حَجَرٍ إِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ لَقِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ صَحَابِيٌّ عَلَى الرَّاجِحِ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ فَرِوَايَتُهُ عَنْهُ مُرْسَلُ صَحَابِيٍّ وَهُوَ مَقْبُولٌ عَلَى الرَّاجِحِ
وَقَدْ أَخْرَجَ لَهُ النَّسَائِيُّ عِدَّةَ أَحَادِيثَ وَذَلِكَ مَصِيرٌ مِنْهُ إِلَى إِثْبَاتِ صُحْبَتِهِ
انْتَهَى
وَقَالَ الْحَافِظُ زَيْنٌ الْعِرَاقِيُّ فَإِذَا قَدْ ثَبَتَتْ صُحْبَتُهُ فَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ وَغَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ مُرْسَلَ صَحَابِيٍّ وَهُوَ حُجَّةٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ إِنَّمَا خَالَفَ فِيهِ أبو إسحاق الاسفرايني بَلِ ادَّعَى بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ مُرْسَلَ الصَّحَابِيِّ حُجَّةٌ انْتَهَى قُلْتُ عَلَى أَنَّهُ قَدِ انْدَفَعَ الْإِعْلَالُ بِالْإِرْسَالِ بِمَا فِي رِوَايَةِ الْحَاكِمِ وَالْبَيْهَقِيِّ مِنْ ذِكْرِ أَبِي مُوسَى
وَفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرٍ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ وَالْبَيْهَقِيِّ وَتَمِيمٍ الداري عند العقيلي والحاكم أبي أحمد وبن عُمَرَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ وَكُلُّهَا ضَعِيفَةٌ قَالَهُ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ
وَعَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ بلفظ نهينا عن اتباع الجنائز ولا جمعة علينا أخرجه بن خُزَيْمَةَ
وَقَدِ اسْتُدِلَّ بِهَذِهِ الرِّوَايَاتِ عَلَى أَنَّ الْجُمُعَةَ مِنْ فَرَائِضِ الْأَعْيَانِ وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
قَالَهُ فِي غَايَةِ الْمَقْصُودِ(3/279)
(بَاب الْجُمُعَةِ فِي الْقُرَى)
[1068] فِي هَذِهِ التَّرْجَمَةِ إِشَارَةٌ إِلَى خِلَافِ مَنْ خَصَّ الْجُمُعَةَ بِالْمُدُنِ دُونَ الْقُرَى وَالْقَرْيَةُ وَاحِدَةُ الْقُرَى كُلُّ مَكَانٍ اتَّصَلَتْ فِيهِ الْأَبْنِيَةُ وَاتُّخِذَ قَرَارًا وَيَقَعُ ذَلِكَ عَلَى الْمُدُنِ وَغَيْرِهَا
وَالْأَمْصَارُ الْمُدُنُ الْكِبَارُ وَاحِدُهَا مصر والكفور القرى الخارجة عن المضر وَاحِدُهَا كَفْرٌ بِفَتْحِ الْكَافِ
(طَهْمَانُ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وسكون الهاء الخرساني (عَنْ أَبِي جَمْرَةَ) بِالْجِيمِ وَالرَّاءِ نَصْرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عِصَامٍ (جُمِّعَتْ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ الْمَكْسُورَةِ (بِجُوَاثَا قَرْيَةٌ مِنْ قُرَى الْبَحْرَيْنِ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَتَخْفِيفِ الْوَاوِ وَقَدْ تُهْمَزُ ثُمَّ مُثَلَّثَةٌ خَفِيفَةٌ وَهِيَ قَرْيَةٌ مِنْ قُرَى عَبْدِ الْقِيسِ أَوْ مَدِينَةٌ أَوْ حِصْنٌ أَوْ قَرْيَةٌ مِنْ قُرَى الْبَحْرَيْنِ
وَفِيهِ جَوَازُ إِقَامَةِ الْجُمُعَةِ فِي الْقُرَى لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ عَبْدَ القيس لم يجمعوا إلا بأمر النبي لِمَا عُرِفَ مِنْ عَادَةِ الصَّحَابَةِ مِنْ عَدَمِ الِاسْتِبْدَادِ بِالْأُمُورِ الشَّرْعِيَّةِ فِي زَمَنِ نُزُولِ الْوَحْيِ وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ لَنَزَلَ فِيهِ الْقُرْآنُ كَمَا اسْتَدَلَّ بِذَلِكَ جَابِرٌ وَأَبُو سَعِيدٍ فِي جَوَازِ الْعَزْلِ بِأَنَّهُمْ فَعَلُوا وَالْقُرْآنُ يَنْزِلُ فَلَمْ يُنْهَوْا عَنْهُ وَحَكَى الْجَوْهَرِيُّ وَالزَّمَخْشَرِيُّ وبن الأثير أن جواثى اسْمُ حِصْنِ الْبَحْرَيْنِ
قَالَ الْحَافِظُ وَهَذَا لَا ينافي كونها قرية
وحكى بن التِّينِ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ اللَّخْمِيِّ أَنَّهَا مَدِينَةٌ وَمَا ثَبَتَ فِي نَفْسِ الْحَدِيثِ مِنْ كَوْنِهَا قَرْيَةً أَصَحُّ مَعَ احْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ قَرْيَةً ثُمَّ صَارَتْ مَدِينَةً
وَذَهَبَ أبو حنيفة وأصحابه وأسنده بن أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَلِيٍّ وَحُذَيْفَةَ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ الْجُمُعَةَ لَا تُقَامُ إِلَّا فِي الْمُدُنِ دُونَ الْقُرَى وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا لَا جُمُعَةَ وَلَا تَشْرِيقَ إِلَّا فِي مِصْرٍ جامع وقد ضعف أحمد رفعه وصحح بن حَزْمٍ وَقْفَهُ وَلِلِاجْتِهَادِ فِيهِ مَسْرَحٌ فَلَا يَنْهَضُ للاحتجاج به
وقد روى بن أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى أهل البحرين أن جمعوا حيث ما كنتم وهذا يشمل المدن والقرى وصححه بن خُزَيْمَةَ
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ سَأَلْتُ اللَّيْثَ بْنَ سَعْدٍ فَقَالَ كُلُّ مَدِينَةٍ أَوْ قَرْيَةٍ فِيهَا جَمَاعَةٌ أُمِرُوا بِالْجُمُعَةِ فَإِنَّ أَهْلَ مِصْرَ وَسَوَاحِلَهَا كَانُوا يُجَمِّعُونَ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ وَعُثْمَانَ بِأَمْرِهِمَا وَفِيهِمَا رِجَالٌ مِنَ الصحابة(3/280)
وأخرج عبد الرزاق عن بن عُمَرَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَنَّهُ كَانَ يَرَى أَهْلَ الْمِيَاهِ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ يُجَمِّعُونَ فَلَا يَعِيبُ عَلَيْهِمْ فَلَمَّا اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ وَجَبَ الرُّجُوعُ إِلَى الْمَرْفُوعِ
كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي
وَيُؤَيِّدُ عَدَمَ اشْتِرَاطِ الْمِصْرِ حَدِيثُ أُمِّ عَبْدِ اللَّهِ الدَّوْسِيَّةِ الْآتِي وَيَجِيءُ بَسْطُ الْكَلَامِ فِيهِ فِي آخِرِ الْبَابِ
وَذَهَبَ الْبَعْضُ إِلَى اشْتِرَاطِ الْمَسْجِدِ قَالَ لِأَنَّهَا لَمْ تُقَمْ إِلَّا فِيهِ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَسَائِرُ الْعُلَمَاءِ إِنَّهُ غَيْرُ شَرْطٍ وَهُوَ قَوِيٌّ إِنْ صَحَّتْ صَلَاتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِي بَطْنِ الْوَادِي وَقَدْ رَوَى صَلَاتَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ في بطن الوادي بن سَعْدٍ وَأَهْلُ السِّيَرِ وَلَوْ سُلِّمَ عَدَمُ صِحَّةِ ذَلِكَ لَمْ يَدُلَّ فِعْلُهَا فِي الْمُسْنَدِ عَلَى اشتراطه
قال المنذري وأخرجه البخاري
[1069] (ترحم) الناضي من التفعيل وفي رواية بن مَاجَهْ كُلَّمَا سَمِعَ أَذَانَ الْجُمُعَةِ يَسْتَغْفِرُ لِأَبِي أُمَامَةَ وَيُصَلِّي عَلَيْهِ (فِي هَزْمٍ) بِفَتْحِ الْهَاءِ وسكون الزاء المطمئن من الأرض
قال بن الْأَثِيرِ هَزْمُ بَنِي بَيَاضَةَ هُوَ مَوْضِعٌ بِالْمَدِينَةِ (النَّبِيتِ) بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ وَبَعْدَهَا تَاءٌ فَوْقِيَّةٌ هُوَ أَبُو حَيٍّ بِالْيَمَنِ اسْمُهُ عَمْرُو بْنُ مَالِكٍ كَذَا فِي الْقَامُوسِ (مِنْ حَرَّةٍ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ هِيَ الْأَرْضُ ذَاتُ الْحِجَارَةِ السُّودِ
الْعَيْنِيُّ هِيَ قَرْيَةٌ عَلَى مِيلٍ مِنَ الْمَدِينَةِ (بَنِي بَيَاضَةَ) هِيَ بَطْنٌ مِنَ الْأَنْصَارِ (فِي نَقِيعٍ) بِالنُّونِ ثُمَّ الْقَافِ ثُمَّ الْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ بعدها عين مهملة
قال بن الْأَثِيرِ هُوَ مَوْضِعٌ قَرِيبٌ مِنَ الْمَدِينَةِ كَانَ يَسْتَنْقِعُ فِيهِ الْمَاءُ أَيْ يَجْتَمِعُ
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي الْمَعَالِمِ النَّقِيعُ بَطْنُ الْوَادِي مِنَ الْأَرْضِ يَسْتَنْقِعُ فِيهِ الْمَاءُ مُدَّةً وَإِذَا نَضَبَ الْمَاءُ أَيْ غَارَ فِي الْأَرْضِ أَنْبَتَ الْكَلَأَ وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ أَنَّهُ حَمَى النَّقِيعَ لِخَيْلِ الْمُسْلِمِينَ
وَقَدْ يُصَحِّفُ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ فَيَرْوُونَهُ الْبَقِيعَ بِالْبَاءِ مَوْضِعُ الْقُبُورِ بِالْمَدِينَةِ وَهُوَ الْمَعَالِي مِنَ الْأَرْضِ
انْتَهَى
(يُقَالُ لَهُ) أَيِ النَّقِيعِ (نَقِيعُ الْخَضِمَاتِ) بِفَتْحِ الْخَاءِ وَكَسْرِ الضَّادِ الْمُعْجَمَتَيْنِ مَوْضِعٌ بِنَوَاحِي الْمَدِينَةِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ
وَالْمَعْنَى أَنَّهُ جَمَّعَ فِي قَرْيَةٍ يُقَالُ لَهَا هَزْمِ النَّبِيتِ وَهِيَ(3/281)
كَانَتْ فِي حَرَّةِ بَنِي بَيَاضَةَ فِي الْمَكَانِ الَّذِي يَجْتَمِعُ فِيهِ الْمَاءُ وَاسْمُ ذَلِكَ الْمَكَانِ نَقِيعُ الْخَضِمَاتِ وَتِلْكَ الْقَرْيَةُ هِيَ عَلَى مِيلٍ مِنَ الْمَدِينَةِ
كَذَا فِي غَايَةِ الْمَقْصُودِ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَفِي الْحَدِيثِ مِنَ الْفِقْهِ أَنَّ الْجُمُعَةَ جَوَازُهَا فِي الْقُرَى كَجَوَازِهِ فِي الْمُدُنِ وَالْأَمْصَارِ لِأَنَّ حَرَّةَ بَنِي بَيَاضَةَ يُقَالُ عَلَى مِيلٍ مِنَ الْمَدِينَةِ
وَقَدِ اسْتَدَلَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّ الْجُمُعَةَ لَا تَجُوزُ بِأَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِينَ رَجُلًا أَحْرَارًا مُقِيمِينَ وَذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الْجُمُعَةَ كَانَتْ أَوَّلَ مَا شُرِعَ مِنَ الْجُمُعَاتِ فَكَانَ جَمِيعُ أَوْصَافِهَا مُعْتَبَرَةٌ فِيهَا لِأَنَّ ذَلِكَ بَيَانٌ لِمُجْمَلٍ وَاجِبٍ وَبَيَانُ الْمُجْمَلِ الْوَاجِبِ وَاجِبٌ
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ اشْتِرَاطُ عَدَدِ الْأَرْبَعِينَ فِي الْجُمُعَةِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ
إِلَّا أَنَّ عُمَرَ قَدِ اشْتَرَطَ مَعَ عَدَدِ الْأَرْبَعِينَ أَنْ يَكُونَ فِيهَا وَالٍ وَلَيْسَ الْوَالِي مِنْ شَرْطِ الشَّافِعِيِّ
وَقَالَ مَالِكٌ إِذَا كَانَ جَمَاعَةٌ فِي الْقَرْيَةِ الَّتِي بُيُوتُهَا مُتَّصِلَةٌ وَفِيهَا مَسْجِدٌ يُجَمِّعُ فِيهِ وَسُوقٌ وَجَبَتْ عَلَيْهِمُ الْجُمُعَةُ وَلَمْ يَذْكُرْ عَدَدًا مَحْصُورًا وَلَمْ يَشْتَرِطِ الْوَالِيَ وَمَذْهَبُهُ فِي الْوَالِي كَمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ
وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْي لَا جُمُعَةَ إِلَّا فِي مِصْرٍ جَامِعٍ وَتَنْعَقِدُ عِنْدَهُمُ الْجُمُعَةُ بِأَرْبَعَةٍ
قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ إِذَا كَانُوا ثَلَاثَةً صَلُّوا جُمُعَةً إِذَا كَانَ فِيهِمُ الْوَالِي
وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ فِي الْعَدَدِ
انْتَهَى كَلَامُ الْخَطَّابِيِّ
قُلْتُ حَدِيثُ بن عَبَّاسٍ وَكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ الْمَذْكُورَانِ فِي الْبَابِ فِيهِمَا دَلَالَةٌ وَاضِحَةٌ عَلَى صِحَّةِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ في القرى فحديث بن عَبَّاسٍ أَخْرَجَهُ أَيْضًا الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَحَدِيثُ كعب أخرجه أيضا بن مَاجَهْ وَزَادَ فِيهِ كَانَ أَوَّلَ مَنْ صَلَّى بنا صلاة الجمعة قبل مقدم النبي من مكة وأخرجه الدارقطني وبن حِبَّانَ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ وَقَالَ حَسَنُ الْإِسْنَادِ صَحِيحٌ وَقَالَ فِي خِلَافِيَّاتِهِ رُوَاتُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ
وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ إِسْنَادُهُ حَسَنٌ
قُلْتُ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فَإِنَّ إِسْنَادَهُ حَسَنٌ قَوِيٌّ وَرُوَاتُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ وَفِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقٍ وَقَدْ عَنْعَنَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي أُمَامَةَ في رواية بن إِدْرِيسَ كَمَا عِنْدَ الْمُؤَلِّفِ أَبِي دَاوُدَ لَكِنْ أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ مِنْ طَرِيقِ وَهْبِ بْنِ جَرِيرٍ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ أَبِيهِ ثُمَّ سَاقَ الْحَدِيثَ
وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ثِقَةٌ عِنْدَ شُعْبَةَ وَعَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَأَحْمَدُ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَالْبُخَارِيُّ وَعَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَلَمْ يَثْبُتْ فِيهِ جرح(3/282)
فتقبل روايته إذا صرح بالتحديث وها هنا صَرَّحَ بِهِ فَارْتَفَعَتْ عَنْهُ مَظِنَّةُ التَّدْلِيسِ
وَفِي هَذَا كُلِّهِ رَدٌّ عَلَى الْعَلَّامَةِ الْعَيْنِيِّ حَيْثُ ضَعَّفَ الْحَدِيثَ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ لِأَجْلِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ وَهَذَا تَعَنُّتٌ وَعَصَبِيَّةٌ مِنْهُ
وَفِي الْبَابِ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أُمِّ عَبْدِ اللَّهِ الدَّوْسِيَّةِ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ الله الْجُمُعَةُ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ قَرْيَةٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا إِلَّا أَرْبَعَةٌ وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِثَلَاثَةِ طُرُقٍ وَكُلُّهَا ضَعِيفَةٌ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الطبراني والبيهقي وبن عَدِيٍّ وَضَعَّفُوهُ وَالتَّفْصِيلُ فِي التَّعْلِيقِ الْمُغْنِي عَلَى سُنَنِ الدَّارَقُطْنِيِّ
قَالَ الْعَيْنِيُّ لَيْسَ فِي حَدِيثِ كعب أن النبي أَمَرَهُمْ بِذَلِكَ أَوْ أَقَرَّهُمْ عَلَيْهِ
انْتَهَى
وَتَقَدَّمَ آنِفًا الْجَوَابُ عَنْ هَذَا الْكَلَامِ
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ وَكَانُوا لَا يَسْتَبِدُّونَ بِأُمُورِ الشَّرْعِ لِجَمِيلِ نِيَّاتِهِمْ فِي الْإِسْلَامِ فَالْأَشْبَهُ أَنَّهُمْ لَمْ يُقِيمُوا فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِلَّا بِأَمْرِ النَّبِيِّ
إنتهى
وقال الإمام بن حَزْمٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَمِنْ أَعْظَمِ الْبُرْهَانِ عَلَى صحتها في القرى أن النبي أَتَى الْمَدِينَةَ وَإِنَّمَا هِيَ قُرًى صِغَارٌ مُتَفَرِّقَةٌ فَبَنَى مَسْجِدَهُ فِي بَنِي مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ وَجَمَّعَ فِيهِ فِي قَرْيَةٍ لَيْسَتْ بِالْكَبِيرَةِ وَلَا مِصْرَ هُنَاكَ انْتَهَى
وَهَذَا الْكَلَامُ حَسَنٌ جِدًّا
وَأَخْرَجَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ صَاحِبُ الصَّحِيحِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ خَشْرَمٍ عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ عَنْ أَبِي رَافِعٍ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَتَبَ إِلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَسْأَلُهُ عَنِ الْجُمُعَةِ وَهُوَ بِالْبَحْرَيْنِ فَكَتَبَ إِلَيْهِمْ أن جمعوا حيث ما كُنْتُمْ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ إِسْنَادُ هَذَا الْأَثَرِ حَسَنٌ
قَالَ الشَّافِعِيُّ مَعْنَاهُ فِي أَيِّ قَرْيَةٍ كُنْتُمْ لِأَنَّ مُقَامَهُمْ بِالْبَحْرَيْنِ إِنَّمَا كَانَ في القرى
وأيضا أخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى أَهْلِ الْبَحْرَيْنِ أَنْ جَمِّعُوا حَيْثُمَا كُنْتُمْ قَالَ الْعَيْنِيُّ سَنَدُهُ صَحِيحٌ
وَأَيْضًا أَخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ منصور في سننه وصححه بن خُزَيْمَةَ وَهَذَا يَشْمَلُ الْمُدُنَ وَالْقُرَى
وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَالْأَوْسَطِ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ أَوَّلُ مَنْ قَدِمَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الْمَدِينَةَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ جَمَّعَ بِهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ جَمَّعَهُمْ قَبْلَ أَنْ يَقْدُمَ رسول الله وَهُمُ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا وَفِي إِسْنَادِهِ صَالِحُ بْنُ أَبِي الْأَخْضَرِ وَهُوَ ضَعِيفٌ
قَالَ الْحَافِظُ وَيُجْمَعُ بَيْنَ رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ هَذِهِ وَرِوَايَةِ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ الَّتِي عِنْدَ الْمُؤَلِّفِ بِأَنَّ أَسْعَدَ كَانَ آمِرًا وَكَانَ مُصْعَبٌ إِمَامًا
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ وَرُوِّينَا عَنْ مُعَاذِ بْنِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ وَمُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ أَنَّ النَّبِيَّ حِينَ رَكِبَ مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ فِي هِجْرَتِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ مَرَّ عَلَى بَنِي سَالِمٍ وَهِيَ قَرْيَةٌ بَيْنَ قُبَاءَ وَالْمَدِينَةِ فَأَدْرَكَتْهُ الْجُمُعَةُ فَصَلَّى فِيهِمُ الْجُمُعَةَ وَكَانَتْ أَوَّلَ جُمُعَةٍ صلاها رسول الله حين قدم(3/283)
انْتَهَى
ثُمَّ أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ قَالَ كُلُّ قَرْيَةٍ فِيهَا أَرْبَعُونَ رَجُلًا فَعَلَيْهِمُ الْجُمُعَةُ وَمِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ إِلَى أَهْلِ الْمِيَاهِ فِيمَا بَيْنَ الشَّامِ وَمَكَّةَ جَمِّعُوا إِذَا بَلَغْتُمْ أَرْبَعِينَ رَجُلًا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَرُوِّينَا عَنْ أَبِي الْمُلَيْحِ الرَّقِّيِّ أَنَّهُ قَالَ أَتَانَا كِتَابُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِذَا بَلَغَ أَهْلُ الْقَرْيَةِ أَرْبَعِينَ رَجُلًا فَلْيُجَمِّعُوا وَعَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ قَالَ كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى عَدِيِّ بْنِ عَدِيٍّ الْكِنْدِيِّ انْظُرْ كُلَّ قَرْيَةٍ أَهْلَ قَرَارٍ لَيْسُوا هُمْ بِأَهْلِ عَمُودٍ يَنْتَقِلُونَ فَأَمِّرْ عَلَيْهِمْ أَمِيرًا ثُمَّ مُرْهُ فَلْيُجَمِّعْ بِهِمْ
وَحَكَى اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ أَنَّ أَهْلَ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ وَمَدَائِنَ مِصْرَ وَمَدَائِنَ سَوَاحِلِهَا كَانُوا يُجَمِّعُونَ الْجُمُعَةَ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ بِأَمْرِهِمَا وَفِيهَا رِجَالٌ مِنَ الصَّحَابَةِ
وَكَانَ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ يَرْوِي عَنْ شَيْبَانَ عَنْ مَوْلًى لِآلِ سَعِيدِ بْنِ العاص أنه سأل بن عُمَرَ عَنِ الْقُرَى الَّتِي بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ مَا تَرَى فِي الْجُمُعَةِ قَالَ نَعَمْ إِذَا كَانَ عَلَيْهِمْ أَمِيرٌ فَلْيُجَمِّعْ انْتَهَى كَلَامُ الْبَيْهَقِيِّ
وَفِي الْمُصَنَّفِ عَنْ مَالِكٍ كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ فِي هَذِهِ الْمِيَاهِ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ يُجَمِّعُونَ انْتَهَى
هَذِهِ الْآثَارُ لِلسَّلَفِ فِي صِحَّةِ الْجُمُعَةِ فِي الْقُرَى وَيَكْفِي لَكَ عُمُومُ آيَةِ الْقُرْآنِ الكريم إذا نودي للصلاة الْآيَةُ وَلَا يَنْسَخُهَا أَوْ لَا يُخَصِّصُهَا إِلَّا آيَةٌ أُخْرَى أَوْ سُنَّةٌ ثَابِتَةٌ صَحِيحَةٌ عَنْ رسول الله وَلَمْ تَنْسَخْهَا آيَةٌ وَلَمْ يَثْبُتْ خِلَافُ ذَلِكَ عن رسول الله
وَاعْلَمْ أَنَّ جَمَاعَةً مِنَ الْأَئِمَّةِ اسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَمَا ذُكِرَ مِنَ الْآثَارِ عَلَى اشْتِرَاطِ أَرْبَعِينَ رَجُلًا فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَقَالُوا إِنَّ الْأُمَّةَ أَجْمَعَتْ عَلَى اشْتِرَاطِ الْعَدَدِ وَالْأَصْلُ الظُّهْرُ فَلَا تَصْلُحُ الْجُمُعَةُ إِلَّا بِعَدَدٍ ثَابِتٍ بِدَلِيلٍ وَقَدْ ثَبَتَ جَوَازُهَا بِأَرْبَعِينَ فَلَا يَجُوزُ بِأَقَلَّ مِنْهُ إِلَّا بِدَلِيلٍ صَحِيحٍ وَقَدْ ثبت أن النبي قَالَ صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي قَالُوا وَلَمْ تَثْبُتْ صَلَاتُهُ لَهَا بِأَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِينَ
وَأُجِيبُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَا دَلَالَةَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى اشْتِرَاطِ الْأَرْبَعِينَ لِأَنَّ هَذِهِ وَاقِعَةُ عَيْنٍ وذلك أن الجمعة فرضت على النبي وَهُوَ بِمَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ كَمَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ عن بن عَبَّاسٍ فَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ إِقَامَتِهَا هُنَالِكَ مِنْ أَجْلِ الْكُفَّارِ فَلَمَّا هَاجَرَ مَنْ هَاجَرَ مِنْ أَصْحَابِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ كَتَبَ إِلَيْهِمْ يَأْمُرُهُمْ أَنْ يُجَمِّعُوا فَجَمَّعُوا وَاتَّفَقَ أَنَّ عِدَّتَهُمْ إِذًا كَانَتْ أَرْبَعِينَ وَلَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ دُونَ الْأَرْبَعِينَ لَا تَنْعَقِدُ بِهِمُ الْجُمُعَةُ
وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ وَقَائِعَ الْأَعْيَانِ لَا يُحْتَجُّ بِهَا عَلَى الْعُمُومِ
وَرَوَى عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ جَمَّعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ قَبْلَ أَنْ يَقْدُمَ النَّبِيُّ وَقَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ الْجُمُعَةُ
قَالَتِ الْأَنْصَارُ لِلْيَهُودِ يَوْمٌ يُجَمِّعُونَ فِيهِ كُلَّ أُسْبُوعٍ وَلِلنَّصَارَى مِثْلُ ذَلِكَ فَهَلُمَّ فَلْنَجْعَلْ يَوْمًا نُجَمِّعُ فِيهِ فَنَذْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى وَنَشْكُرُهُ فَجَعَلُوهُ يَوْمَ(3/284)
الْعَرُوبَةِ وَاجْتَمَعُوا إِلَى أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ فَصَلَّى بِهِمْ يَوْمَئِذٍ رَكْعَتَيْنِ وَذَكَّرَهُمْ فَسَمَّوُا الْجُمُعَةَ حِينَ اجْتَمَعُوا إِلَيْهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ بَعْدُ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ للصلاة الْآيَةُ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ إِلَّا أَنَّهُ مُرْسَلٌ
وَقَوْلُهُمْ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ صَلَّى الْجُمُعَةَ بِأَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِينَ يَرُدُّهُ حَدِيثُ جَابِرٍ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ وَأَحْمَدَ وَالتِّرْمِذِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ كَانَ يَخْطُبُ قَائِمًا يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَجَاءَتْ عِيرٌ مِنَ الشَّامِ فَانْفَتَلَ النَّاسُ إِلَيْهَا حَتَّى لَمْ يَبْقَ إِلَّا اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا فَأُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إليها وتركوك قائما وَاللَّفْظُ لِأَحْمَدَ وَمَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ أُمِّ عَبْدِ اللَّهِ الدَّوْسِيَّةِ وَتَقَدَّمَ كُلُّ ذَلِكَ
وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِحَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ وَالْبَيْهَقِيِّ بِلَفْظِ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ رَجُلًا وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ وَقَالَ الْحَافِظُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ لَا يَصِحُّ فِي عَدَدِ الْجُمُعَةِ شَيْءٌ
وَقَالَ الْحَافِظُ بن حَجَرٍ فِي التَّلْخِيصِ وَقَدْ وَرَدَتْ عِدَّةُ أَحَادِيثَ تَدُلُّ عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِأَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِينَ وَكَذَلِكَ قَالَ السُّيُوطِيُّ لَمْ يَثْبُتْ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَحَادِيثِ تَعْيِينُ عَدَدٍ مَخْصُوصٍ انْتَهَى
وَالْخِلَافُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مُنْتَشِرٌ جِدًّا وَقَدْ ذَكَرَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ خَمْسَةَ عَشَرَ مَذْهَبًا لَا نُطِيلُ الْكَلَامَ بِذِكْرِهِ
وَاسْتَدَلَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّ الْجُمُعَةَ لَا تَجُوزُ فِي الْقُرَى بِمَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ لَا تَشْرِيقَ وَلَا جُمُعَةَ إِلَّا فِي مِصْرٍ جَامِعٍ وبن أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَامِّ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ لَا جُمُعَةَ وَلَا تَشْرِيقَ وَلَا صَلَاةَ فِطْرٍ وَلَا أَضْحَى إِلَّا فِي مِصْرٍ جَامِعٍ أَوْ مَدِينَةٍ عَظِيمٍ وَفِيهِمَا الْحَارِثُ الْأَعْوَرُ وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا لَا يَحِلُّ الاحتجاج به
وروى بن أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ طَلْحَةَ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ قَالَ قَالَ عَلِيٌّ لَا جُمُعَةَ وَلَا تَشْرِيقَ إِلَّا فِي مِصْرٍ جَامِعٍ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنْبَأَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ زُبَيْدٍ الْإِيَامِيِّ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ عن أبي الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ عَنْ عَلِيٍّ مِثْلَهُ قَالَ الْعَيْنِيُّ إِسْنَادُ طَرِيقِ جَرِيرٍ صَحِيحٌ
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ مَحْمُوَيْهِ حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَلَانِسِيُّ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ زُبَيْدٍ الْإِيَامِيِّ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ لَا تَشْرِيقَ وَلَا جُمُعَةَ إِلَّا فِي مِصْرٍ جَامِعٍ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الثَّوْرِيُّ عَنْ زُبَيْدٍ مَوْقُوفًا انْتَهَى(3/285)
قال البيهقي والزيلعي وبن حَجَرٍ لَمْ يَثْبُتْ حَدِيثُ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا وَأَمَّا موقوفا فيصح
وقال بن الْهُمَامِ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ وَكَفَى بِعَلِيٍّ قُدْوَةً وَإِمَامًا انْتَهَى
وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ مَسْرَحًا فَلَا تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ
وَقَدْ عَارَضَهُ عَمَلُ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَرِجَالٍ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم
وَهَذِهِ الْآثَارُ مُطَابِقَةٌ لِإِطْلَاقِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ وَالْأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ فَهِيَ أَحْرَى بِالْقَبُولِ وَلِذَا قال الحافظ بن حَجَرٍ فَلَمَّا اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ وَجَبَ الرُّجُوعُ إِلَى الْمَرْفُوعِ
قُلْتُ هَذَا هُوَ الْمُتَعَيِّنُ وَلَا يَحِلُّ سِوَاهُ
وَأَيْضًا لَا يُدْرَى مَا حَدُّ الْمِصْرِ الْجَامِعِ أَهِيَ الْقُرَى الْعِظَامُ أَمْ غَيْرُ ذَلِكَ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ بَلْ هِيَ الْقُرَى الْعِظَامُ قِيلَ لَهُ فَقَدْ جَمَّعَ النَّاسُ فِي الْقُرَى الَّتِي بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ عَلَى عَهْدِ السَّلَفِ وَبِالرَّبَذَةِ عَلَى عَهْدِ عُثْمَانَ كَمَا ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ وَإِنَّمَا رَأَيْنَا الْجُمُعَةَ وُضِعَتْ عَنِ الْمُسَافِرِ وَالنِّسَاءِ وَأَمَّا أَهْلُ الْقُرَى فَلَمْ تُوضَعْ عَنْهُمْ
قَالَ فِي التَّعْلِيقِ الْمُغْنِي وَحَاصِلُ الْكَلَامِ أَنَّ أَدَاءَ الْجُمُعَةِ كَمَا هُوَ فَرْضُ عَيْنٍ فِي الْأَمْصَارِ فَهَكَذَا فِي الْقُرَى مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَهُمَا وَلَا يَنْبَغِي لِمَنْ يُرِيدُ اتِّبَاعَ السُّنَّةِ أَنْ يَتْرُكَ الْعَمَلَ عَلَى ظَاهِرِ آيَةِ الْقُرْآنِ وَالْأَحَادِيثِ الصِّحَاحِ الثَّابِتَةِ بِأَثَرٍ مَوْقُوفٍ لَيْسَ عَلَيْنَا حُجَّةٌ عَلَى صُورَةِ الْمُخَالَفَةِ لِلنُّصُوصِ الظَّاهِرَةِ
وَأَمَّا أَدَاءُ الظُّهْرِ بَعْدَ أَدَاءِ الْجُمُعَةِ عَلَى سَبِيلِ الِاحْتِيَاطِ فَبِدْعَةٌ مُحْدَثَةٌ فَاعِلُهَا آثَمٌ بِلَا مِرْيَةَ فَإِنَّ هَذَا إِحْدَاثٌ فِي الدِّينِ وَاللَّهُ أعلم
(باب إذا وافق يوم الجمعة)
[1070] فَاعِلُ وَافَقَ (يَوْمَ عِيدٍ) مَفْعُولُهُ
(قَالَ صَلَّى الْعِيدَ) فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ (ثُمَّ رَخَّصَ فِي الْجُمُعَةِ) أَيْ فِي صَلَاتِهَا (فَقَالَ مَنْ شَاءَ أَنْ يُصَلِّيَ) أَيِ الْجُمُعَةَ (فَلْيُصَلِّ) هَذَا بَيَانٌ لِقَوْلِهِ رَخَّصَ وَإِعْلَامٌ بِأَنَّهُ كَانَ التَّرْخِيصُ بِهَذَا اللَّفْظِ وَسَيَأْتِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ قَدِ اجْتَمَعَ فِي يَوْمِكُمْ هَذَا عِيدَانِ فَمَنْ شَاءَ أَجْزَأَهُ من الجمعة وإنا مجمعون وأخرجه بن مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي صَالِحٍ(3/286)
وَفِي إِسْنَادِهِ بَقِيَّةُ وَصَحَّحَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ إِرْسَالَهُ وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ صَلَاةَ الْجُمُعَةِ بَعْدَ صلاة العيد الدارقطني وغيره إرساله والحديث دليل على صَلَاةَ الْعِيدِ تَصِيرُ رُخْصَةً وَلَا يَجُوزُ فِعْلُهَا وَلَا تَرْكُهَا وَهُوَ خَاصٌّ بِمَنْ صَلَّى الْعِيدَ دُونَ مَنْ لَمْ يُصَلِّهَا
وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَّا فِي حَقِّ الْإِمَامِ وَثَلَاثَةٍ مَعَهُ
وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَجَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهَا لَا تَصِيرُ رُخْصَةً مُسْتَدِلِّينَ بِأَنَّ دَلِيلَ وُجُوبِهَا عَامٌّ لِجَمِيعِ الْأَيَّامِ وَمَا ذُكِرَ مِنَ الْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ لَا يَقْوَى عَلَى تَخْصِيصِهَا لِمَا فِي أَسَانِيدِهَا مِنَ الْمَقَالِ
قَالَ فِي السُّبُلِ قُلْتُ حَدِيثُ زَيْدِ بن أرقم قد صححه بن خُزَيْمَةَ وَلَمْ يَطْعَنْ غَيْرُهُ فِيهِ فَهُوَ يَصْلُحُ لِلتَّخْصِيصِ فَإِنَّهُ يُخَصُّ الْعَامُّ بِالْآحَادِ انْتَهَى
وَفِي النَّيْلِ حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ أَخْرَجَهُ أَيْضًا الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيُّ وَفِي إِسْنَادِهِ إِيَاسُ بْنُ أَبِي رَمْلَةَ وَهُوَ مَجْهُولٌ انْتَهَى
وَذَهَبَ عَطَاءٌ إِلَى أَنَّهُ يَسْقُطُ فَرْضُهَا عَنِ الْجَمِيعِ لِظَاهِرِ قَوْلِهِ مَنْ شَاءَ أَنْ يُصَلِّيَ فليصل ولفعل بن الزُّبَيْرِ فَإِنَّهُ صَلَّى بِهِمْ فِي يَوْمِ عِيدٍ صَلَاةَ الْعِيدِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَالَ ثُمَّ جِئْنَا إلى الجمعة فلم يخرج إلينا فصلينا وحدانا
قال وكان بن عَبَّاسٍ فِي الطَّائِفِ فَلَمَّا قَدِمَ ذَكَرْنَا لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ أَصَابَ السُّنَّةَ وَفِي رِوَايَةٍ عَنِ بن الزُّبَيْرِ أَنَّهُ قَالَ عِيدَانِ اجْتَمَعَا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ فَجَمَعْتُهُمَا فَصَلَّاهُمَا رَكْعَتَيْنِ بُكْرَةً لَمْ يَزِدْ عَلَيْهِمَا حَتَّى صَلَّى الْعَصْرَ
وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْجُمُعَةَ الْأَصْلُ فِي يَوْمِهَا وَالظُّهْرُ بَدَلٌ فَهُوَ يَقْتَضِي صِحَّةَ هَذَا الْقَوْلِ لِأَنَّهُ إِذَا سَقَطَ وُجُوبُ الْأَصْلِ مَعَ إِمْكَانِ أَدَائِهِ سَقَطَ الْبَدَلُ وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَيْضًا حَيْثُ رَخَّصَ لَهُمْ فِي الْجُمُعَةِ وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِصَلَاةِ الظُّهْرِ مَعَ تَقْدِيرِ إِسْقَاطِ الْجُمُعَةِ لِلظُّهْرِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ كَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ الْمَغْرِبِيُّ فِي شَرْحِ بُلُوغِ الْمَرَامِ وأيد مذهب بن الزُّبَيْرِ
قَالَ فِي السُّبُلِ قُلْتُ وَلَا يَخْفَى أن عطاء أخبر أنه لم يخرج بن الزُّبَيْرِ لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِنَصٍّ قَاطِعٍ أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ الظُّهْرَ فِي مَنْزِلِهِ فَالْجَزْمُ بأن مذهب بن الزُّبَيْرِ سُقُوطُ صَلَاةِ الظُّهْرِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ يَكُونُ عِيدًا عَلَى مَنْ صَلَّى صَلَاةَ الْعِيدِ لِهَذِهِ الرِّوَايَةِ غَيْرُ صَحِيحٍ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ صَلَّى الظُّهْرَ فِي مَنْزِلِهِ بَلْ فِي قَوْلِ عَطَاءٍ إِنَّهُمْ صَلَّوْا وِحْدَانًا أَيِ الظُّهْرَ مَا يُشْعِرُ بِأَنَّهُ لَا قَائِلَ بِسُقُوطِهِ وَلَا يُقَالُ إِنَّ مُرَادَهُ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ وِحْدَانًا فَإِنَّهَا لَا تَصِحُّ إِلَّا جَمَاعَةً إِجْمَاعًا
ثُمَّ الْقَوْلُ بِأَنَّ الْأَصْلَ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ وَالظُّهْرُ بَدَلٌ عَنْهَا قَوْلٌ مَرْجُوحٌ بَلِ الظُّهْرُ هُوَ الْفَرْضُ الأصلي المفروض ليلة الاسراء والجمعة متأخرة فَرْضُهَا
ثُمَّ إِذَا فَاتَتْ وَجَبَ الظُّهْرُ إِجْمَاعًا فَهِيَ الْبَدَلُ عَنْهُ
وَقَدْ حَقَّقْنَاهُ فِي رِسَالَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ انْتَهَى كَلَامُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْأَمِيرِ
قال المنذري وأخرجه النسائي وبن ماجه(3/287)
[1071] (فَقَالَ أَصَابَ السُّنَّةَ) الْحَدِيثُ رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ وَحُكِيَ عَنِ الشَّافِعِيِّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ وَأَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ لَا تَرْخِيصَ لِأَنَّ دَلِيلَ وُجُوبِهَا لَمْ يُفْصَّلْ وَأَحَادِيثُ الْبَابِ تَرُدُّ عَلَيْهِمْ وَحُكِيَ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا أَنَّ التَّرْخِيصَ يَخْتَصُّ بِمَنْ كَانَ خَارِجَ الْمِصْرِ وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِقَوْلِ عُثْمَانَ مَنْ أَرَادَ مِنْ أَهْلِ الْعَوَالِي أَنْ يُصَلِّيَ مَعَنَا الْجُمُعَةَ فَلْيُصَلِّ وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْصَرِفَ فَلْيَفْعَلْ وَرَدُّهُ بِأَنَّ قَوْلَ عُثْمَانَ لَا يُخَصِّصُ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَهُ الشَّوْكَانِيُّ
قَالَ فِي رَحْمَةِ الْأُمَّةِ إِذَا اتَّفَقَ يَوْمُ عِيدٍ يَوْمَ جُمُعَةٍ فَالْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْجُمُعَةَ لَا تَسْقُطُ عَنْ أَهْلِ الْبَلَدِ بِصَلَاةِ الْعِيدِ وَأَمَّا مَنْ حَضَرَ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَالرَّاجِحُ عِنْدَهُ سُقُوطُهَا عَنْهُمْ فَإِذَا صَلَّوُا الْعِيدَ جَازَ لَهُمْ أَنْ يَنْصَرِفُوا وَيَتْرُكُوا الْجُمُعَةَ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ بِوُجُوبِ الْجُمُعَةِ عَلَى أَهْلِ الْبَلَدِ
وَقَالَ أَحْمَدُ لَا تَجِبُ الْجُمُعَةُ لَا عَلَى أَهْلِ الْقُرَى وَلَا عَلَى أَهْلِ الْبَلَدِ بَلْ يَسْقُطُ فَرْضُ الْجُمُعَةِ بِصَلَاةِ الْعِيدِ وَيُصَلُّونَ الظُّهْرَ
وَقَالَ عَطَاءٌ تَسْقُطُ الْجُمُعَةُ وَالظُّهْرُ مَعًا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فَلَا صَلَاةَ بَعْدَ الْعِيدِ إِلَّا الْعَصْرَ
انْتَهَى قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حديث وهب بن كيسان عن بن عَبَّاسٍ نَحْوَهُ مُخْتَصَرًا
[1072] (لَمْ يَزِدْ عَلَيْهِمَا حَتَّى صَلَّى الْعَصْرَ) قَالَ الشَّوْكَانِيُّ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ الظُّهْرَ وَفِيهِ أَنَّ الْجُمُعَةَ إِذَا سَقَطَتْ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ الْمُسَوِّغَةِ لَمْ يَجِبْ عَلَى مَنْ سَقَطَتْ عَنْهُ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ عَطَاءٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَقُولُ بِذَلِكَ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْجُمُعَةَ الْأَصْلُ
وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الَّذِي افْتَرَضَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ هُوَ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ فَإِيجَابُ صَلَاةِ الظُّهْرِ عَلَى مَنْ تَرَكَهَا لِعُذْرٍ أَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ مُحْتَاجٌ إِلَى دَلِيلٍ وَلَا دَلِيلَ يَصْلُحُ لِلتَّمَسُّكِ بِهِ عَلَى ذَلِكَ فِيمَا أَعْلَمُ انْتَهَى كَلَامُهُ
قُلْتُ هَذَا قَوْلٌ بَاطِلٌ وَالصَّحِيحُ مَا قَالَهُ الأمير اليماني في سبل السلام
قال بن تَيْمِيَةَ فِي الْمُنْتَقَى بَعْدَ أَنْ سَاقَ الرِّوَايَةَ المتقدمة عن بن الزُّبَيْرِ قُلْتُ إِنَّمَا وَجْهُ هَذَا أَنَّهُ رَأَى تَقْدِمَةَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ الزَّوَالِ فَقَدَّمَهَا وَاجْتَزَأَ بِهَا عَنِ الْعِيدِ انْتَهَى(3/288)
[1073] (وَإِنَّا مُجَمِّعُونَ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي إِسْنَادِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَقَالٌ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ لَوْ صَحَّ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فَمَنْ شَاءَ أَجْزَأَهُ مِنَ الْجُمُعَةِ أَيْ عَنْ حُضُورِ الْجُمُعَةِ وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ الظُّهْرُ وَأَمَّا صَنِيعُ بن الزُّبَيْرِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ عِنْدِي أَنْ يُحْمَلَ إِلَّا عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَرَى تَقْدِيمَ الصَّلَاةِ قبل الزوال وقد روي ذلك عن بن مسعود وروي عن بن عباس أنه بلغه فعل بن الزُّبَيْرِ فَقَالَ أَصَابَ السُّنَّةَ
وَقَالَ عَطَاءٌ كُلُّ عِيدٍ حِينَ يَمْتَدُّ الضُّحَى الْجُمُعَةُ وَالْأَضْحَى وَالْفِطْرُ
وَحَكَى إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ الْجُمُعَةُ قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ بَعْدَ الزَّوَالِ قَالَ إِنْ صَلَّيْتَ قَبْلَ الزوال فلا أعيبه وكذلك قال بن إسحاق
فعلى هذا يشبه أن يكون بن الزُّبَيْرِ صَلَّى الرَّكْعَتَيْنِ عَلَى أَنَّهُمَا جُمُعَةٌ وَجَعَلَ الْعِيدَيْنِ فِي مَعْنَى التَّبَعِ لَهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ
قال المنذري وأخرجه بن مَاجَهْ وَفِي إِسْنَادِهِ بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ وَفِيهِ مَقَالٌ (قَالَ عُمَرُ) بْنُ حَفْصٍ (عَنْ شُعْبَةَ) بِصِيغَةِ عَنْ وَأَمَّا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُصَفَّى فَقَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ
2 - (بَاب مَا يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ)
[1074] (مُخَوَّلٌ) عَلَى وَزْنِ مُحَمَّدٍ عَلَى الْأَشْهَرِ (كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلَخْ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ دَلِيلٌ فِي اسْتِحْبَابِهِمَا فِي صُبْحِ الْجُمُعَةِ وَأَنَّهُ لَا تُكْرَهُ قِرَاءَةُ آيَةِ السَّجْدَةِ فِي الصَّلَاةِ وَلَا السُّجُودِ وَكَرِهَ مَالِكٌ وَآخَرُونَ ذَلِكَ وَهُمْ مَحْجُوجُونَ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ الْمَرْوِيَّةِ مِنْ طُرُقٍ عن أبي هريرة وبن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ انْتَهَى
وَفِي كِتَابِ الشَّرِيعَةِ لِابْنِ أَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بن جبير عن بن عَبَّاسٍ قَالَ غَدَوْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ فَقَرَأَ سُورَةً فِيهَا سَجْدَةٌ فَسَجَدَ الْحَدِيثَ وَفِي إِسْنَادِهِ مَنْ يُنْظَرُ فِي حَالِهِ
وَلِلطَّبَرَانِيِّ(3/289)
فِي الصَّغِيرِ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجَدَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ فِي تَنْزِيلُ السَّجْدَةِ لَكِنْ فِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ قَالَهُ الْحَافِظُ
قَالَ الْعِرَاقِيُّ قَدْ فَعَلَهُ عمر بن الخطاب وعثمان وبن مسعود وبن عمر وبن الزُّبَيْرِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِاسْتِحْبَابِ قِرَاءَةِ الم تَنْزِيلُ السَّجْدَةِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ هَلْ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْرَأَ بَدَلَهَا سُورَةً أُخْرَى فِيهَا سَجْدَةٌ فَيَسْجُدَ فِيهَا أَوْ يمتنع ذلك فروى بن أَبِي شَيْبَةَ فِي الْمُصَنَّفِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ كَانَ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بسورة فيها سجدة
وروى أيضا عن بن عباس
وقال بن سِيرِينَ لَا أَعْلَمُ بِهِ بَأْسًا
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ مِنْ زَوَائِدِهِ لَوْ أَرَادَ أَنْ يَقْرَأَ آيَةً أَوْ آيَتَيْنِ فِيهِمَا سَجْدَةٌ لِغَرَضِ السُّجُودِ فَقَطْ لَمْ أَرَ فِيهِ كَلَامًا لِأَصْحَابِنَا قَالَ وَفِي كَرَاهَتِهِ خِلَافٌ لِلسَّلَفِ
[1075] (وَزَادَ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ بِسُورَةِ الْجُمُعَةِ وَإِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ اسْتِحْبَابُ قِرَاءَتِهِمَا بِكَمَالَيْهِمَا فِيهِمَا وَهُوَ مَذْهَبُ آخَرِينَ
قَالَ الْعُلَمَاءُ وَالْحِكْمَةُ فِي قِرَاءَةِ الْجُمُعَةِ اشْتِمَالُهَا عَلَى وُجُوبِ الْجُمُعَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا فِيهَا مِنَ الْفَوَائِدِ وَالْحَثِّ عَلَى التَّوَكُّلِ وَالذِّكْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَقِرَاءَةُ سُورَةِ الْمُنَافِقِينَ لِتَوْبِيخِ حَاضِرِيهَا مِنْهُمْ وَتَنْبِيهِهِمْ عَلَى التَّوْبَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا فِيهَا مِنَ الْقَوَاعِدِ لِأَنَّهُمْ مَا كَانُوا يَجْتَمِعُونَ فِي مَجْلِسٍ أَكْثَرَ مِنَ اجْتِمَاعِهِمْ فِيهَا
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وأخرجه ومسلم وَالنَّسَائِيُّ بِتَمَامِهِ وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ قِصَّةَ الْفَجْرِ خَاصَّةً وأخرجه أيضا بن مَاجَهْ
3 - (بَاب اللُّبْسِ لِلْجُمُعَةِ)
[1076] (رَأَى حُلَّةَ سِيَرَاءَ) فِي فَتْحِ الْبَارِي بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ التَّحْتَانِيَّةِ ثُمَّ رَاءٌ ثُمَّ مَدٌّ أَيْ حَرِيرٌ
قَالَ بن قُرْقُولٍ ضَبَطْنَاهُ عَنِ الْمُتْقِنِينَ بِالْإِضَافَةِ كَمَا يُقَالُ ثَوْبُ خَزٍّ وَعَنْ بَعْضِهِمْ بِالتَّنْوِينِ عَلَى الصِّفَةِ أَوِ الْبَدَلِ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ يُقَالُ حُلَّةٌ سِيَرَاءُ كناقة عشراء ووجهه بن التِّينِ فَقَالَ يُرِيدُ أَنَّ عُشَرَاءَ مَأْخُوذٌ مِنْ عَشَرَةٍ أَكْمَلَتِ النَّاقَةُ عَشَرَةَ أَشْهُرٍ فَسُمِّيَتْ عُشَرَاءَ كَذَلِكَ الْحُلَّةُ سُمِّيَتْ سِيَرَاءَ(3/290)
لِأَنَّهَا مَأْخُوذَةٌ مِنَ السُّيُورِ لِمَا فِيهَا مِنَ الْخُطُوطِ الَّتِي تُشْبِهُ السُّيُورَ
وَعُطَارِدٌ صَاحِبُ الْحُلَّةِ هو بن حَاجِبٍ التَّمِيمِيِّ انْتَهَى (إِنَّمَا يَلْبَسُ هَذِهِ) أَيْ حُلَّةَ الْحَرِيرِ (مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ) أَيْ مَنْ لَا حَظَّ لَهُ وَلَا نَصِيبَ لَهُ مِنَ الْخَيْرِ (فِي الْآخِرَةِ) كَلِمَةُ مَنْ يَدُلُّ عَلَى الْعُمُومِ فَيَشْمَلُ الذُّكُورَ وَالْإِنَاثَ لَكِنَّ الْحَدِيثَ مَخْصُوصٌ بِالرِّجَالِ لِقِيَامِ دَلَائِلَ أُخَرَ عَلَى إِبَاحَةِ الْحَرِيرِ لِلنِّسَاءِ (مِنْهَا) أَيْ مِنْ جِنْسِ الْحُلَّةِ السِّيَرَاءِ (وَقَدْ قُلْتَ فِي حُلَّةِ عُطَارِدٍ) بِضَمِّ المهملة وكسر الراء وهو بن حَاجِبِ بْنِ زُرَارَةَ التَّمِيمِيُّ قَدِمَ فِي وَفْدِ بَنِي تَمِيمٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَسْلَمَ وَلَهُ صُحْبَةٌ (مَا قُلْتَ) مِنْ أَنَّهُ إِنَّمَا يَلْبَسُهَا مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ (إِنِّي لَمْ أَكْسُكَهَا لِتَلْبَسَهَا) بَلْ لِتَنْتَفِعَ بِهَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ
وَفِيهِ دليل على أنه يقال كساء إِذَا أَعْطَاهُ كِسْوَةً لَبِسَهَا أَمْ لَا فَبَاعَهُ بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ لَكِنَّهُ يُشْكِلُ بِمَا هُنَا مِنْ قَوْلِهِ (فَكَسَاهَا عُمَرُ أَخًا لَهُ) مِنْ أُمِّهِ عُثْمَانَ بْنَ حَكِيمٍ
قَالَهُ الْمُنْذِرِيُّ أَوْ هُوَ أَخُو أَخِيهِ زَيْدُ بْنُ الْخَطَّابِ لِأُمِّهِ أَسْمَاءَ بِنْتِ وَهْبٍ قَالَهُ الدِّمْيَاطِيُّ أَوْ كَانَ أَخَاهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ
وَانْتِصَابُ أَخًا عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ ثَانٍ لِكَسَا يُقَالُ كِسَوْتُهُ جُبَّةً فَيَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ وَقَوْلُهُ فِي مَحَلِّ نَصْبِ صِفَةٍ لِقَوْلِهِ أَخًا كَائِنًا لَهُ وَكَذَا قَوْلُهُ (مُشْرِكًا بِمَكَّةَ) نُصِبَ صِفَةً بَعْدَ صِفَةٍ وَاخْتُلِفَ فِي إِسْلَامِهِ فَإِنْ قُلْتَ الصَّحِيحُ أَنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ وَمُقْتَضَاهُ تَحْرِيمُ لُبْسِ الْحَرِيرِ عَلَيْهِمْ فَكَيْفَ كَسَاهَا عُمَرُ أَخَاهُ الْمُشْرِكَ أُجِيبَ بِأَنَّهُ يُقَالُ كساء إِذَا أَعْطَاهُ كِسْوَةً لَبِسَهَا أَمْ لَا كَمَا مَرَّ فَهُوَ إِنَّمَا أَهْدَاهَا لَهُ لِيَنْتَفِعَ بِهَا وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ لُبْسُهَا قَالَهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ
[1077] (إِسْتَبْرَقٍ) هُوَ مَا غَلُظَ مِنَ الدِّيبَاجِ (ابْتَعْ) أَيِ اشْتَرِهَا (تَجَمَّلْ) أَيْ تَتَزَيَّنْ (لِلْوُفُودِ) جَمْعُ وَفْدٍ وَهُمُ الْقَوْمُ يَجْتَمِعُونَ وَيَرِدُونَ الْبِلَادَ وَكَذَلِكَ الَّذِينَ يَقْصِدُونَ الأمراء(3/291)
[1078] (مَا عَلَى أَحَدِكُمْ) قَالَ فِي الْمِرْقَاةِ قِيلَ مَا مَوْصُولَةٌ
وَقَالَ الطِّيبِيُّ مَا بِمَعْنَى لَيْسَ واسمه محذوف وعلى أَحَدِكُمْ خَبَرُهُ وَقَوْلُهُ (إِنْ وَجَدَ) أَيْ سَعَةً يَقْدِرُ بِهَا عَلَى تَحْصِيلٍ زَائِدٍ عَلَى مَلْبُوسِ مِهْنَتِهِ وَهَذِهِ شَرْطِيَّةٌ مُعْتَرِضَةٌ وَقَوْلُهُ (أَنْ يَتَّخِذَ) مُتَعَلِّقٌ بِالِاسْمِ الْمَحْذُوفِ مَعْمُولٌ لَهُ وَيَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ عَلَى بِالْمَحْذُوفِ وَالْخَبَرُ أَنْ يَتَّخِذَ كَقَوْلِهِ تعالى ليس على الأعمى حرج إلى قوله أن تأكلوا من بيوتكم وَالْمَعْنَى لَيْسَ عَلَى أَحَدٍ حَرَجٌ أَيْ نَقْصٌ يُخِلُّ بِزُهْدِهِ فِي أَنْ يَتَّخِذَ (ثَوْبَيْنِ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ) أَيْ يَلْبَسُهُمَا فِيهِ وَفِي أَمْثَالِهِ مِنَ الْعِيدِ وَغَيْرِهِ
وَفِيهِ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ شِيَمِ الْمُتَّقِينَ لَوْلَا تَعْظِيمَ الْجُمُعَةِ وَمُرَاعَاةِ شِعَارِ الْإِسْلَامِ (سِوَى ثَوْبَيْ مَهْنَتِهِ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَيُكْسَرُ أَيْ بِذْلَتِهِ وَخِدْمَتِهِ أَيْ غَيْرَ الثَّوْبَيْنِ اللَّذَيْنِ مَعَهُ فِي سَائِرِ الْأَيَّامِ
فِي الْفَائِقِ رُوِيَ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِهَا وَالْكَسْرُ عِنْدَ الْأَثْبَاتِ خَطَأٌ وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ بِالْفَتْحِ الْخِدْمَةُ وَلَا يُقَالُ بِالْكَسْرِ وَكَانَ الْقِيَاسُ لَوْ جِيءَ بِالْكَسْرِ أَنْ يَكُونَ كَالْجِلْسَةِ وَالْخِدْمَةِ إِلَّا أَنَّهُ جَاءَ عَلَى فَعْلَةٍ يُقَالُ مَهَنْتُ الْقَوْمَ أَمَهْنُهُمْ أَيْ أَبْتَذِلُهُمْ فِي الْخِدْمَةِ ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ وَاقْتَصَرَ فِي النِّهَايَةِ عَلَى الْفَتْحِ أَيْضًا لَكِنْ قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْمَهْنَةُ بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ
وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى اسْتِحْبَابِ لُبْسِ الثِّيَابِ الْحَسَنَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَتَخْصِيصُهُ بِمَلْبُوسٍ غَيْرِ مَلْبُوسِ سَائِرِ الْأَيَّامِ
قُلْتُ وَالْحَدِيثُ مُرْسَلٌ لِأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ مِنْ صِغَارِ التَّابِعِينَ (قَالَ عَمْرُو) بْنُ الْحَارِثِ (وَأَخْبَرَنِي) أَيْ كَمَا أَخْبَرَنِي يَحْيَى بن سعيد الأنصاري (بن أَبِي حَبِيبٍ) هُوَ يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ كما في رواية بن ماجه والرواية الآتية (عن بن حبان) هو محمد يحيى بن حبان كما عند بن ماجه (عن بن سَلَامٍ) هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ كَمَا عند بن مَاجَهْ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ (عَنْ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْإِصَابَةِ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ صَغِيرٌ وَحَفِظَ عَنْهُ وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ أَنَّ ليوسف صحبة ونقل بن أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ لَهُ رِوَايَةً وَكَلَامُ الْبُخَارِيِّ أَصَحُّ
وَقَالَ الْبَغَوِيُّ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وذكره بن سَعْدٍ فِي الطَّبَقَةِ الْخَامِسَةِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَذَكَرَهُ جماعة في الصحابة(3/292)
انتهى
وأخرج بن مَاجَهْ بِقَوْلِهِ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا شَيْخٌ لَنَا عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بن جعفر عن محمد بن يحيى بن حَبَّانَ عَنْ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ خَطَبَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْمِزِّيُّ
هَذَا الشَّيْخُ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيُّ
وَحَاصِلُ الْكَلَامِ أَنَّ الْحَدِيثَ اخْتُلِفَ فِي إِسْنَادِهِ مِنْ وُجُوهٍ الْأَوَّلُ الِاخْتِلَافُ عَلَى يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ فَرَوَى عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا كَمَا عِنْدَ الْمُؤَلِّفِ وَرَوَى يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأُمَوِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عن عمرة عن عائشة مرفوعا
قاله بن عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ
قَالَ الْحَافِظُ وَفِي إِسْنَادِهِ نَظَرٌ وَأَخْرَجَهُ مَالِكٌ بَلَاغًا
الثَّانِي الِاخْتِلَافُ عَلَى يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ فَرَوَى عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ يَزِيدَ عَنْ مُوسَى عَنِ بن حبان عن بن سلام كما عند المؤلف وهكذا عند بن مَاجَهْ وَهَذَا لَفْظُهُ حَدَّثَنَا حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ مُوسَى بْنِ سَعْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فَجَعَلَهُ مِنْ مُسْنَدَاتِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ وَرَوَى يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ عَنْ يَزِيدَ عَنْ مُوسَى عَنْ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ فَجَعَلَهُ مِنْ مُسْنَدَاتِ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ لَا مِنْ مُسْنَدَاتِ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ الثَّالِثُ رَوَى عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ عَنْ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ عَنْ أَبِيهِ كَمَا فِي الرِّوَايَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ لِابْنِ مَاجَهْ
قَالَ الْمِزِّيُّ فِي الْأَطْرَافِ هُوَ أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ انْتَهَى
أَيْ كَوْنُهُ مِنْ مُسْتَنَدَاتِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ لَا ابْنِهِ يُوسُفَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ كَذَا فِي غَايَةِ الْمَقْصُودِ
4 - (بَاب التَّحَلُّقِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ الصَّلَاةِ)
[1079] (وَأَنْ يُنْشَدَ فِيهِ شِعْرٌ) قَالَ التِّرْمِذِيُّ عَقِبَ رِوَايَتِهِ وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَيْرِ حَدِيثٍ رُخْصَةٌ فِي إِنْشَادِ الشِّعْرِ فِي الْمَسْجِدِ
قَالَ الْعِرَاقِيُّ فِي شَرْحِهِ وَيُجْمَعُ بَيْنَ أَحَادِيثِ النَّهْيِ وَبَيْنَ أَحَادِيثِ الرُّخْصَةِ فِيهِ بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يُحْمَلَ النَّهْيُ عَلَى التَّنْزِيهِ وَتُحْمَلَ الرُّخْصَةُ عَلَى بَيَانِ الْجَوَازِ وَالثَّانِي أَنْ يُحْمَلَ أَحَادِيثُ الرُّخْصَةِ عَلَى الشِّعْرِ الْحَسَنِ الْمَأْذُونِ فِيهِ كَهِجَاءِ الْمُشْرِكِينَ(3/293)
وَمَدْحِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْحَثِّ عَلَى الزُّهْدِ وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَيُحْمَلَ النَّهْيُ عَلَى التَّفَاخُرِ وَالْهِجَاءِ وَالزُّورِ وَصِفَةِ الْخَمْرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ (وَنَهَى عَنِ التَّحَلُّقِ) الْحَلْقَةِ وَالِاجْتِمَاعِ لِلْعِلْمِ وَالْمُذَاكَرَةِ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ إِنَّمَا كَرِهَ الِاجْتِمَاعَ قَبْلَ الصَّلَاةِ لِلْعِلْمِ وَالْمُذَاكَرَةِ وَأَمَرَ أَنْ يَشْتَغِلَ بِالصَّلَاةِ وَيُنْصِتَ لِلْخُطْبَةِ وَالذِّكْرِ فَإِذَا فَرَغَ مِنْهَا كَانَ الِاجْتِمَاعُ وَالتَّحَلُّقُ بَعْدَ ذَلِكَ وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ النَّهْيُ عَنِ التَّحَلُّقِ فِي الْمَسْجِدِ قَبْلَ الصَّلَاةِ إِذَا عَمَّ الْمَسْجِدَ وَغَلَبَهُ فَهُوَ مَكْرُوهٌ وَغَيْرُ ذَلِكَ لَا بَأْسَ بِهِ
وَقَالَ الْعِرَاقِيُّ وَحَمَلَهُ أَصْحَابُنَا وَالْجُمْهُورُ عَلَى بَابِهِ لِأَنَّهُ رُبَّمَا قَطَعَ الصُّفُوفَ مَعَ كَوْنِهِمْ مَأْمُورِينَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِالتَّكْبِيرِ وَالتَّرَاصِّ فِي الصُّفُوفِ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ
قَالَهُ السُّيُوطِيُّ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وأخرجه الترمذي والنسائي وبن مَاجَهْ
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَئِمَّةِ فِي الِاحْتِجَاجِ بِحَدِيثِ عمرو بن شعيب
5 - (باب اتخاذ المنبر)
[1080] (القارىء) بِالْقَافِ وَالرَّاءِ الْمُخَفَّفَةِ وَيَاءِ النِّسْبَةِ نِسْبَةً إِلَى قَارَةَ وَهِيَ قَبِيلَةٌ وَإِنَّمَا قِيلَ لَهُ الْقُرَشِيُّ لِأَنَّهُ حَلِيفُ بَنِي زُهْرَةَ كَذَا فِي عُمْدَةِ القارىء (أَبُو حَازِمٍ) بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالزَّايِ وَاسْمُهُ سَلَمَةُ الأعرج (أن رجالا) قال الحافظ بن حَجَرٍ لَمْ أَقِفْ عَلَى أَسْمَائِهِمْ (وَقَدِ امْتَرَوْا) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ أَيْ تَجَادَلُوا أَوْ شَكَوْا مِنَ الْمُمَارَاةِ وَهِيَ الْمُجَادَلَةُ قَالَ الرَّاغِبُ الِامْتِرَاءُ وَالْمُمَارَةُ الْمُجَادَلَةُ وَمِنْهُ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظاهرا وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ مِنَ الِامْتِرَاءِ وَهُوَ الشَّكُّ (فِي الْمِنْبَرِ) أَيْ مِنْبَرِ النَّبِيِّ (مِمَّ عُودُهُ) أَيْ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ هُوَ (فَسَأَلُوهُ) أَيْ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ (عَنْ ذَلِكَ) الْمُمْتَرَى فِيهِ (مِمَّا هُوَ) بِثُبُوتِ أَلِفِ مَا الِاسْتِفْهَامِيَّةِ الْمَجْرُورَةِ عَلَى الْأَصْلِ وَهُوَ قَلِيلٌ وَهِيَ قِرَاءَةُ عَبْدِ اللَّهِ وأبي في عم يتساءلون وَالْجُمْهُورُ بِالْحَذْفِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَإِنَّمَا أَتَى بِالْقَسَمِ مُؤَكَّدًا بِالْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ وَبِإِنَّ الَّتِي لِلتَّحْقِيقِ وَبِلَامِ التَّأْكِيدِ فِي الْخَبَرِ لِإِرَادَةِ التَّأْكِيدِ فِيمَا قَالَهُ لِلسَّامِعِ (وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ) أَيِ الْمِنْبَرَ (أَوَّلَ) أَيْ فِي أَوَّلِ (يَوْمٍ وُضِعَ) مَوْضِعَهُ هُوَ زِيَادَةٌ عَلَى السُّؤَالِ كَقَوْلِهِ (وَأَوَّلَ يَوْمٍ) أَيْ فِي أَوَّلِ يَوْمٍ وَفَائِدَةُ هَذِهِ الزِّيَادَةِ الْمُؤَكَّدَةِ بِاللَّامِ وقد إعلامهم بِقُوَّةِ مَعْرِفَتِهِ بِمَا سَأَلُوهُ عَنْهُ ثُمَّ شَرَحَ(3/294)
الْجَوَابَ بِقَوْلِهِ أَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى فُلَانَةَ امْرَأَةٍ بِعَدَمِ الصَّرْفِ فِي فُلَانَةَ لِلتَّأْنِيثِ وَالْعَلَمِيَّةِ وَلَا يُعْرَفُ اسْمُ الْمَرْأَةِ وَقِيلَ فَكِيهَةُ بِنْتُ عُبَيْدِ بْنِ دُلَيْمٍ أَوْ عُلَاثَةُ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْمُثَلَّثَةِ وَقِيلَ إِنَّهُ تَصْحِيفُ فُلَانَةَ أَوْ هِيَ عَائِشَةُ فَقَالَ لَهَا (قَدْ سَمَّاهَا سَهْلٌ) أَخْرَجَ قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ وَأَبُو سَعْدٍ فِي شَرَفِ الْمُصْطَفَى مِنْ طَرِيقِ يحيى بن بكير عن بن لَهِيعَةَ حَدَّثَنِي عُمَارَةُ بْنُ غَزِيَّةَ عَنْ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلٍ عَنْ أَبِيهِ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ إِلَى خَشَبَةٍ فَلَمَّا كَثُرَ النَّاسُ قِيلَ لَهُ لَوْ كُنْتَ جَعَلْتَ مِنْبَرًا وَكَانَ بِالْمَدِينَةِ نَجَّارٌ وَاحِدٌ يُقَالُ ميمون فذكر الحديث (أن مري) أصله أومري عَلَى افْعُلِي فَاجْتَمَعَتْ هَمْزَتَانِ فَثَقُلَتَا فَحُذِفَتِ الثَّانِيَةُ وَاسْتُغْنِيَ عَنْ هَمْزَةِ الْوَصْلِ فَصَارَ مُرِي عَلَى وَزْنِ عُلِي لِأَنَّ الْمَحْذُوفَ فَاءُ الْفِعْلِ (غُلَامَكِ النَّجَّارَ) بِالنَّصْبِ صِفَةٌ لِغُلَامٍ (أَجْلِسُ) بِالرَّفْعِ أَيْ أَنَا أَجْلِسُ أَوْ بِالْجَزْمِ جَوَابٌ لِلْأَمْرِ
وَالْغُلَامُ اسْمُهُ مَيْمُونٌ كَمَا عِنْدَ قَاسِمِ بْنِ أَصْبَغَ أَوْ إِبْرَاهِيمَ كَمَا فِي الْأَوْسَطِ لِلطَّبَرَانِيِّ أَوْ بَاقُولُ بِالْمُوَحَّدَةِ وَالْقَافِ الْمَضْمُومَةِ كَمَا عِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَوْ بَاقُومُ بِالْمِيمِ بَدَلَ اللَّامِ كَمَا عِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ فِي الْمَعْرِفَةِ أَوْ صُبَاحٌ بضم الصاد كما عند بن بَشْكُوَالَ أَوْ قَبِيصَةُ الْمَخْزُومِيُّ مَوْلَاهُمْ كَمَا ذَكَرَهُ عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ فِي الصَّحَابَةِ أَوْ كِلَابٌ مولى بن عَبَّاسٍ أَوْ تَمِيمٌ الدَّارِيُّ كَمَا عِنْدَ أَبِي داود والبيهقي أو مبنيا كما ذكره بن بشكوال أو رومي كما عند الترمذي وبن خُزَيْمَةَ وَصَحَّحَاهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ تَمِيمًا الدَّارِيَّ لِأَنَّهُ كَانَ كَثِيرَ السَّفَرِ إِلَى أَرْضِ الرُّومِ
وَأَشْبَهُ الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ أَنَّهُ مَيْمُونٌ وَلَا اعْتِدَادَ بِالْأُخْرَى لِوَهَائِهَا وَحَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّ الْجَمِيعَ اشْتَرَكُوا فِي عَمَلِهِ وَعُورِضَ بِقَوْلِهِ فِي كَثِيرٍ مِنَ الرِّوَايَاتِ وَلَمْ يَكُنْ بِالْمَدِينَةِ إِلَّا نَجَّارٌ وَاحِدٌ
وَأُجِيبَ بِاحْتِمَالِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَاحِدِ الْمَاهِرُ فِي صِنَاعَتِهِ وَالْبَقِيَّةُ أَعْوَانٌ لَهُ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَالْإِرْشَادِ
(فَأَمَرَتْهُ) أَيْ أَمَرَتِ الْمَرْأَةُ غُلَامَهَا أَنْ يَعْمَلَ (فَعَمِلَهَا) أَيِ الْأَعْوَادَ (مِنْ طَرْفَاءِ الْغَابَةِ) بِفَتْحِ الطَّاءِ وَسُكُونِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَبَعْدَ الرَّاءِ فَاءٌ مَمْدُودَةٌ شَجَرٌ مِنْ شَجَرِ الْبَادِيَةِ
وَفِي مُنْتَهَى الْأَرَبِ طُرَفَاءُ جَمْعُ طَرَفَةٍ بِالتَّحْرِيكِ بِالْفَارِسِيَّةِ درخت كز انْتَهَى
وَالْغَابَةُ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالْمُوَحَّدَةِ مَوْضِعٌ مِنْ عَوَالِي الْمَدِينَةِ مِنْ جِهَةِ الشَّامِ (ثُمَّ جَاءَ) الْغُلَامُ (بِهَا) بَعْدَ أَنْ عَمِلَهَا (فَأَرْسَلَتْهُ) أَيِ الْمَرْأَةُ (إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) تُعْلِمُهُ بِأَنَّهُ فَرَغَ مِنْهَا (فَأَمَرَ بِهَا) عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ (فَوُضِعَتْ) أُنِّثَ لِإِرَادَةِ الْأَعْوَادِ وَالدَّرَجَاتِ
فَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أبي حازم(3/295)
فَعُمِلَ لَهُ هَذِهِ الدَّرَجَاتُ الثَّلَاثُ (صَلَّى عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى الْأَعْوَادِ الْمَعْمُولَةِ مِنْبَرًا لِيَرَاهُ مَنْ قَدْ تَخْفَى عَلَيْهِ رُؤْيَتُهُ إِذَا صَلَّى عَلَى الْأَرْضِ (وَكَبَّرَ عَلَيْهَا) زَادَ فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فَقَرَأَ (ثُمَّ رَكَعَ وَهُوَ عَلَيْهَا) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ زَادَ سُفْيَانُ أَيْضًا ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ (ثُمَّ نَزَلَ الْقَهْقَرَى) أَيْ رَجَعَ إِلَى خَلْفِهِ مُحَافَظَةً عَلَى اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ (فَسَجَدَ فِي أَصْلِ الْمِنْبَرِ) أَيْ عَلَى الْأَرْضِ إِلَى جَنْبِ الدَّرَجَةِ السُّفْلَى مِنْهُ (ثُمَّ عَادَ) إِلَى الْمِنْبَرِ
وَفِي رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فَخَطَبَ النَّاسَ عَلَيْهِ ثُمَّ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَكَبَّرَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَأَفَادَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ تَقَدُّمَ الْخُطْبَةِ عَلَى الصَّلَاةِ (فَلَمَّا فَرَغَ) مِنَ الصَّلَاةِ (أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ) بِوَجْهِهِ الشَّرِيفِ (فَقَالَ) عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مُبَيِّنًا لِأَصْحَابِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ حِكْمَةَ ذَلِكَ (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا صَنَعْتُ ذَلِكَ لِتَأْتَمُّوا وَلِتَعَلَّمُوا صَلَاتِي) بِكَسْرِ اللَّامِ وَفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ وَالْعَيْنِ أَيْ لِتَتَعَلَّمُوا فَحُذِفَتْ إِحْدَى التَّاءَيْنِ تَخْفِيفًا وَفِيهِ جَوَازُ الْعَمَلِ الْيَسِيرِ فِي الصَّلَاةِ وَكَذَا الْكَثِيرُ إِنْ تَفَرَّقَ وَجَوَازُ قَصْدِ تَعْلِيمِ الْمَأْمُومِينَ أَفْعَالَ الصَّلَاةِ بِالْفِعْلِ وَارْتِفَاعِ الْإِمَامِ عَلَى الْمَأْمُومِينَ وَشُرُوعُ الْخُطْبَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ لِكُلِّ خَطِيبٍ وَاتِّخَاذُ الْمِنْبَرِ لِكَوْنِهِ أَبْلَغَ فِي مُشَاهَدَةِ الْخَطِيبِ وَالسَّمَاعِ مِنْهُ كَذَا ذَكَرَهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ فِي إِرْشَادِ السَّارِي قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ
[1081] (لَمَّا بَدَّنَ) قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ رُوِيَ بِالتَّخْفِيفِ وَإِنَّمَا هُوَ بِالتَّشْدِيدِ أَيْ كَبِرَ وَأَسَنَّ وَبِالتَّخْفِيفِ مِنَ الْبَدَانَةِ وَهِيَ كَثْرَةُ اللَّحْمِ وَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِينًا (أَوْ يَحْمِلُ عِظَامَكَ) كِنَايَةٌ عَنِ الْقُعُودِ عَلَيْهِ وَأَوْ لِلشَّكِّ مِنَ الرَّاوِي بَيْنَ لَفْظِ يَجْمَعُ أَوْ يَحْمِلُ (مَرْقَاتَيْنِ) بِفَتْحٍ أَفْصَحُ مِنْ كَسْرِهَا أَيْ ذَا دَرَجَتَيْنِ
وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَيْضًا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي دَاوُدَ هَذِهِ
قَالَ الْحَافِظُ في الفتح وإسناده جيد
وروى بن سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم كان يَخْطُبُ وَهُوَ مُسْتَنِدٌ(3/296)
إِلَى جِذْعٍ فَقَالَ إِنَّ الْقِيَامَ قَدْ شَقَّ عَلَيَّ فَقَالَ لَهُ تَمِيمٌ الدَّارِيُّ أَلَا أَعْمَلُ لَكَ مِنْبَرًا كَمَا رَأَيْتُ يُصْنَعُ بِالشَّامِ فَشَاوَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُسْلِمِينَ فِي ذَلِكَ فَرَأَوْا أَنْ يَتَّخِذَهُ فَقَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ إِنَّ لِي غُلَامًا يُقَالُ لَهُ كِلَابٌ أَعْمَلُ النَّاسِ فَقَالَ مُرْهُ أَنْ يَعْمَلَ الْحَدِيثَ قَالَ الْحَافِظُ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ إِلَّا الْوَاقِدِيَّ قال وليس في حديث بن عُمَرَ هَذَا التَّصْرِيحُ بِأَنَّ الَّذِي اتَّخَذَ الْمِنْبَرَ تَمِيمٌ الدَّارِيُّ بَلْ قَدْ تَبَيَّنَ مِنْ رِوَايَةِ بن سَعْدٍ أَنَّ تَمِيمًا لَمْ يَعْمَلْهُ
وَأَشْبَهُ الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ هُوَ مَيْمُونٌ انْتَهَى
فَإِنْ قُلْتَ قَدْ ثَبَتَ فِي حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَنَّ أَعْوَادَ الْمِنْبَرِ كانت ثلاث درجات وكذا عند بن مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ الطُّفَيْلِ بْنِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي إِلَى جِذْعٍ إِذَا كَانَ الْمَسْجِدُ عَرِيشًا وَكَانَ يَخْطُبُ إِلَى ذَلِكَ الْجِذْعِ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ لَكَ أَنْ تَجْعَلَ لَكَ مِنْبَرًا تَقُومُ عَلَيْهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَتُسْمِعُ النَّاسَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ خُطْبَتَكَ قَالَ نَعَمْ فَصُنِعَ لَهُ ثَلَاثُ درجات الحديث وفي حديث بن عُمَرَ هَذَا اتَّخَذَ لَهُ مِنْبَرًا دَرَجَتَيْنِ فَكَيْفَ التَّوْفِيقُ بَيْنَهُمَا قُلْتُ إِنَّ الْمِنْبَرَ لَمْ يَزَلْ عَلَى حَالِهِ ثَلَاثِ دَرَجَاتٍ حَتَّى زَادَهُ مَرْوَانُ فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ سِتَّ دَرَجَاتٍ مِنْ أَسْفَلِهِ وَالَّذِي قَالَ مَرْقَاتَيْنِ لَمْ يَعْتَبِرِ الدَّرَجَةَ الَّتِي كَانَ يَجْلِسُ عَلَيْهَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَقَالَ بن نَجَّارٍ وَغَيْرُهُ اسْتَمَرَّ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا مَا أُصْلِحَ مِنْهُ إِلَى أَنِ احْتَرَقَ مَسْجِدُ الْمَدِينَةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ وَسِتِّمِائَةٍ فَاحْتَرَقَ
قَالَهُ الْعَيْنِيُّ والله أعلم
6 - (بَابُ مَوْضِعِ الْمِنْبَرِ [1082] أَيْنَ يَكُونُ فِي الْمَسْجِدِ)
فَثَبَتَ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ جِدَارِ الْقِبْلَةِ
(كَانَ بَيْنَ مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ) وَرَوَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَاصِمٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ بِلَفْظِ كَانَ الْمِنْبَرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَائِطِ الْقِبْلَةِ إِلَّا قَدْرَ مَا يَمُرُّ الْعَنْزُ
وَلَفْظُ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ مَسْعَدَةَ عَنْ يَزِيدَ عَنْ سَلَمَةَ قَالَ وَكَانَ بَيْنَ الْمِنْبَرِ وَالْقِبْلَةِ قَدْرُ مَمَرِّ الشَّاةِ(3/297)
وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ قَالَ كَانَ جِدَارُ الْمَسْجِدِ عِنْدَ الْمِنْبَرِ مَا كَادَتِ الشَّاةُ تَجُوزُهَا (وَبَيْنَ الْحَائِطِ) أَيْ جِدَارِ الْقِبْلَةِ (كَقَدْرِ مَمَرِّ الشَّاةِ) وَهُوَ مَوْضِعُ مُرُورِهَا فَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ الْجِدَارِ نَظِيرُ مَسَافَةِ مَا بَيْنَ الْمِنْبَرِ وَالْجِدَارِ وَهَذِهِ المسافة بين المنبر وجدار القبلة كقدر مر الشَّاةِ
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ الدُّنُوِّ مِنَ السُّتْرَةِ مِنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ كَانَ بَيْنَ مَقَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ مَمَرُّ الْعَنْزِ وَلَفْظُ الشَّيْخَيْنِ قَالَ كَانَ بَيْنَ مُصَلَّى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ الْجِدَارِ مَمَرُّ الشَّاةِ كذا في غاية المقصود
7 - (باب الصلاة [1083] مِنَ السُّنَنِ وَالنَّوَافِلِ تَجُوزُ)
(يَوْمَ الْجُمُعَةِ) وَقْتَ اسْتِوَاءِ الشَّمْسِ (قَبْلَ الزَّوَالِ) وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي غَيْرِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ
(إِنَّ جَهَنَّمَ تُسْجَرُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنْ بَابِ نَصَرَ أَيْ تُوقَدُ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ قَوْلُهُ تُسْجَرُ جَهَنَّمُ وَبَيْنَ قَرْنَيِ الشَّيْطَانِ وَأَمْثَالِهَا مِنَ الْأَلْفَاظِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي أَكْثَرُهَا يَنْفَرِدُ الشَّارِعُ بِمَعَانِيهَا وَيَجِبُ عَلَيْنَا التَّصْدِيقُ بِهَا وَالْوُقُوفُ عِنْدَ الْإِقْرَارِ بِصِحَّتِهَا وَالْعَمَلِ بِمُوجَبِهَا
كَذَا فِي النِّهَايَةِ (إِلَّا يَوْمَ الْجُمُعَةِ) فَإِنَّهَا لَا تُسْجَرُ فَتَجُوزُ الصَّلَاةُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَقْتَ اسْتِوَاءِ الشَّمْسِ قَبْلَ الزَّوَالِ (هُوَ مُرْسَلٌ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَبُو الْخَلِيلِ صَالِحُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ ضُبَعِيٌّ بَصْرِيٌّ ثِقَةٌ احْتَجَّ بِهِ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
انْتَهَى
وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم نهى عَنِ الصَّلَاةِ نِصْفَ النَّهَارِ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ إِلَّا يَوْمَ الْجُمُعَةِ
وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي نَضْرَةَ الْعَبْدِيِّ أَنَّهُ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ الدَّوْسِيِّ صَاحِبَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الصَّلَاةِ نِصْفَ النَّهَارِ إِلَّا يَوْمَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ سَاقَ رِوَايَةَ أَبِي قَتَادَةَ وَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ هَذَا مُرْسَلٌ أَبُو الْخَلِيلِ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي قَتَادَةَ وَرِوَايَةُ أَبِي(3/298)
هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ فِي إِسْنَادِهِمَا مَنْ لَا يُحْتَجُّ بِهِ وَلَكِنَّهَا إِذَا انْضَمَّتْ إِلَى رِوَايَةِ أَبِي قَتَادَةَ أَخَذَتْ بَعْضَ الْقُوَّةِ
وَرُوِّينَا الرُّخْصَةَ في ذلك عن طاووس ومكحول انتهى مختصرا
قال الحافظ بن الْقَيِّمِ فِي زَادِ الْمَعَادِ فِي خَصَائِصِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ الْحَادِي عَشَرَ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ فِعْلُ الصَّلَاةِ فِيهِ وَقْتَ الزَّوَالِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَنْ وافقه وهو اختيار شيخنا بن تَيْمِيَّةَ وَحَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ أَبُو دَاوُدَ هُوَ مُرْسَلٌ وَالْمُرْسَلُ إِذَا اتَّصَلَ بِهِ عَمَلٌ وَعَضَّدَهُ قِيَاسٌ أَوْ قَوْلُ صَحَابِيٍّ أَوْ كَانَ مُرْسَلُهُ مَعْرُوفًا بِاخْتِيَارِ الشُّيُوخِ وَرَغْبَتِهِ عَنِ الرِّوَايَةِ عَنِ الضُّعَفَاءِ وَالْمَتْرُوكِينَ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَقْتَضِي قُوَّتَهُ عُمِلَ بِهِ
انْتَهَى مُلَخَّصًا
قَالَ صَاحِبُ الْإِمَامِ وَقَوَّى الشَّافِعِيُّ ذَلِكَ بِمَا رَوَاهُ عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي مَالِكٍ عَنْ عَامَّةِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ نِصْفَ النَّهَارِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ
قَالَ الْحَافِظُ بن حَجَرٍ كَرَاهَةُ الصَّلَاةِ نِصْفَ النَّهَارِ هُوَ مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَالْجُمْهُورِ وَخَالَفَ مَالِكٌ فَقَالَ وَمَا أَدْرَكْتُ أَهْلَ الْفَضْلِ إِلَّا وَهُمْ يَجْتَهِدُونَ يُصَلُّونَ نصف النهار
قال بن عَبْدِ الْبَرِّ وَقَدْ رَوَى مَالِكٌ حَدِيثَ الصُّنَابِحِيِّ وَلَفْظُهُ ثُمَّ إِذَا اسْتَوَتْ قَارَنَهَا فَإِذَا زَالَتْ فَارَقَهَا وَفِي آخِرِهِ وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الصَّلَاةِ فِي تِلْكَ السَّاعَاتِ
فَإِمَّا أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَهُ وَإِمَّا أَنَّهُ رَدَّهُ بِالْعَمَلِ الَّذِي ذَكَرَهُ
وَقَدِ اسْتَثْنَى الشَّافِعِيُّ وَمَنْ وَافَقَهُ مِنْ ذَلِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ
انْتَهَى كَذَا فِي إِعْلَامِ أَهْلِ الْعَصْرِ
وَأَمَّا صَلَاةُ الْجُمُعَةِ قَبْلَ الزَّوَالِ فَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ مِنْ طَرِيقِ ثَابِتِ بْنِ الْحَجَّاجِ الْكِلَابِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِيدَانَ السُّلَمِيِّ قَالَ شَهِدْتُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مَعَ أَبِي بَكْرٍ وَكَانَتْ صَلَاتُهُ وَخُطْبَتُهُ قَبْلَ نِصْفِ النَّهَارِ ثُمَّ شَهِدْتُهَا مَعَ عُمَرَ وَكَانَتْ صَلَاتُهُ وَخُطْبَتُهُ إِلَى أَنْ أَقُولَ انْتَصَفَ النَّهَارُ ثُمَّ شَهِدْتُهَا مَعَ عُثْمَانَ فَكَانَتْ صَلَاتُهُ وَخُطْبَتُهُ إِلَى أَنْ أَقُولَ زَالَ النَّهَارُ فَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا عَابَ ذَلِكَ وَلَا أَنْكَرَهُ قَالَ فِي التَّعْلِيقِ الْمُغْنِي الْحَدِيثُ رُوَاتُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ إِلَّا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَنْدَانَ وَقِيلَ سِيدَانَ
قَالَ الْبُخَارِيُّ لَا يُتَابَعُ عَلَى حَدِيثِهِ وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ اللَّالَكَائِيُّ مَجْهُولٌ وَقَالَ بن عَدِيٍّ شِبْهُ الْمَجْهُولِ
وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي زِيَادَاتِ الْمُسْنَدِ وَأَبُو نُعَيْمٍ شيخ البخاري في كتاب الصلاة له وبن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِيدَانَ
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ إِلَّا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سِيدَانَ فَإِنَّهُ تَابِعِيٌّ كَبِيرٌ إِلَّا أَنَّهُ غَيْرُ مَعْرُوفِ الْعَدَالَةِ
وَرَوَى بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ صَلَّى بِنَا عَبْدُ اللَّهِ يَعْنِي بن مَسْعُودٍ الْجُمُعَةَ ضُحًى وَقَالَ خَشِيتُ عَلَيْكُمُ الْحَرَّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَمَةَ صَدُوقٌ إِلَّا أَنَّهُ مِمَّنْ تَغَيَّرَ لَمَّا كَبِرَ
قَالَهُ شُعْبَةُ وَغَيْرُهُ
وَأَخْرَجَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ سُوَيْدٍ قَالَ صَلَّى بِنَا مُعَاوِيَةُ الْجُمُعَةَ ضُحًى وَسَعِيدٌ ذكره بن(3/299)
عدي في الضعفاء
وأخرج بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي رَزِينٍ قَالَ كُنَّا نُصَلِّي مَعَ عَلِيٍّ الْجُمُعَةَ فَأَحْيَانًا نَجِدُ فيأ وَأَحْيَانًا لَا نَجِدُ
كَذَا فِي الْفَتْحِ
وَقَالَ بن تَيْمِيَةَ فِي الْمُنْتَقَى حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِيدَانَ أَخْرَجَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِهِ عبد الله قال وكذلك روي عن بن مَسْعُودٍ وَجَابِرٍ وَسَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ وَمُعَاوِيَةَ أَنَّهُمْ صَلَّوْهَا قَبْلَ الزَّوَالِ
انْتَهَى
وَهَذِهِ الرِّوَايَاتُ اسْتَدَلَّ بِهَا مَنْ ذَهَبَ إِلَى جَوَازِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ قَبْلَ الزَّوَالِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الزَّوَالِ أَفْضَلُ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ
قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ لَا تَجُوزُ الْجُمُعَةُ إِلَّا بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ وَلَمْ يُخَالِفْ فِي هَذَا إِلَّا أَحْمَدُ بن حنبل وإسحاق فجواز مَا قَبْلَ الزَّوَالِ
انْتَهَى
وَقَدْ أَغْرَبَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فَنَقَلَ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهَا لَا تَجِبُ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ إِلَّا مَا نُقِلَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ إِنْ صَلَّاهَا قَبْلَ الزوال أجزأ
قال الحافظ وقد نقل بن قُدَامَةَ وَغَيْرُهُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ السَّلَفِ مِثْلَ قَوْلِ أَحْمَدَ
انْتَهَى
وَقَالَ الشَّيْخُ الْعَابِدُ الزَّاهِدُ عَبْدُ الْقَادِرِ الْجِيلَانِيُّ فِي غُنْيَةِ الطَّالِبِينَ وَوَقْتُهَا قَبْلَ الزَّوَالِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي تُقَامُ فِيهِ صَلَاةُ الْعِيدِ
انْتَهَى
وَالْحَاصِلُ أَنَّ صَلَاةَ الْجُمُعَةِ بَعْدَ الزَّوَالِ ثَابِتَةٌ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ غَيْرُ محتمل التَّأْوِيلِ وَقَوِيَّةٌ مِنْ حَيْثُ الدَّلِيلُ وَأَمَّا قَبْلَ الزوال فجائز أيضا
والله أعلم
8 - (باب وَقْتِ الْجُمُعَةِ)
[1084] (إِذَا مَالَتِ الشَّمْسُ) أَيْ زَالَتِ الشَّمْسُ
قَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ يَزِيدُ عَلَى الزَّوَالِ مَزِيدًا يُحِسُّ مَيَلَانَهَا
وَفِي الْمِرْقَاةِ أَيْ مَالَتْ إِلَى الْغُرُوبِ وَتَزُولُ عَنِ اسْتِوَائِهَا بَعْدَ تَحَقُّقِ الزَّوَالِ
انْتَهَى
قَالَ الشَّيْخُ الْعَارِفُ عَبْدُ الْقَادِرِ الْجِيلَانِيُّ فِي غُنْيَةِ الطَّالِبِينَ فَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَعْرِفَ ذَلِكَ فَقِسِ الظِّلَّ بِأَنْ تَنْصِبَ عَمُودًا أَوْ تُقَوِّمَ قَائِمًا فِي مَوْضِعٍ مِنَ الْأَرْضِ مُسْتَوِيًا مُعْتَدِلًا ثُمَّ عَلِّمْ عَلَى مُنْتَهَى الظِّلِّ بِأَنْ تَخُطَّ خَطًّا ثُمَّ انْظُرْ أَيَنْقُصُ أَوْ يَزِيدُ فَإِنْ رَأَيْتَهُ يَنْقُصُ عَلِمْتَ أَنَّ الشَّمْسَ لَمْ تَزُلْ بَعْدُ وَإِنْ رَأَيْتَهُ قَائِمًا لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ فَذَلِكَ قِيَامُهَا وَهُوَ نِصْفُ النهار لا تجوز الصَّلَاةُ حِينَئِذٍ فَإِذَا أَخَذَ الظِّلُّ(3/300)
فِي الزِّيَادَةِ فَذَلِكَ زَوَالُ الشَّمْسِ فَقِسْ مِنْ حَدِّ الزِّيَادَةِ إِلَى ظِلِّ ذَلِكَ الشَّيْءِ الَّذِي قِسْتَ بِهِ طُولَ الظِّلِّ فَإِذَا بَلَغَ إِلَى آخِرِ طُولِهِ فَهُوَ آخِرُ وَقْتِ الظُّهْرِ انْتَهَى
وَقَدْ أَطَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ كَلَامًا حَسَنًا
وَالْحَدِيثُ فِيهِ إِشْعَارٌ بِمُوَاظَبَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى صَلَاةِ الْجُمُعَةِ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ
[1085] (لَيْسَ لِلْحِيطَانِ فَيْءٌ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ ثُمَّ نَنْصَرِفُ وَلَيْسَ لِلْحِيطَانِ ظِلٌّ نَسْتَظِلُّ بِهِ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَمَا نَجِدُ فَيْئًا نَسْتَظِلُّ بِهِ وَعِنْدَ الشَّيْخَيْنِ أَيْضًا بِلَفْظِ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ ثُمَّ نَرْجِعُ نَتَتَبَّعُ الْفَيْءَ فَالْمُرَادُ نَفْيُ الظِّلِّ الَّذِي يُسْتَظَلُّ بِهِ لَا نَفْيُ أَصْلِ الظِّلِّ
وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ ثُمَّ نَرْجِعُ نَتَتَبَّعُ الْفَيْءَ بَلْ فِيهِ التَّصْرِيحُ بِأَنَّهُ قَدْ وُجِدَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَيْءٌ يَسِيرٌ
قَالَ النَّوَوِيُّ إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ لِشِدَّةِ التَّبْكِيرِ وَقِصَرِ حِيطَانِهِمُ انْتَهَى
فَلَا دَلَالَةَ فِي ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ قَبْلِ الزَّوَالِ
نَعَمْ يُسْتَدَلُّ عَلَى ذَلِكَ بِمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ حَسَنِ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ كُنَّا نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ نَرْجِعُ فَنُرِيحُ نَوَاضِحَنَا قَالَ حَسَنٌ فَقُلْتُ لِجَعْفَرٍ فِي أَيَّةِ سَاعَةٍ تِلْكَ قَالَ زَوَالُ الشَّمْسِ وَمِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَأَلَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ مَتَى كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ قَالَ كَانَ يُصَلِّي ثُمَّ نَذْهَبُ إِلَى جِمَالِنَا فَنُرِيحُهَا حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ يَعْنِي النَّوَاضِحَ وَقَالُوا وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ وَيَجْلِسُ بَيْنَهُمَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيُذَكِّرُ النَّاسَ كَمَا فِي مُسْلِمٍ مِنْ حديث أم هشام وعند بن مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ
وَعِنْدَ مسلم من حديث علي وأبي هريرة وبن عَبَّاسٍ وَلَوْ كَانَتْ خُطْبَتُهُ بَعْدَ الزَّوَالِ لَمَا انْصَرَفَ مِنْهَا إِلَّا وَقَدْ صَارَ لِلْحِيطَانِ ظِلٌّ يَسْتَظِلُّ بِهِ
وَالتَّفْصِيلُ فِي التَّعْلِيقِ الْمُغْنِي وَفِي السبل أجار مَالِكٌ الْخُطْبَةَ قَبْلَ الزَّوَالِ دُونَ الصَّلَاةِ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وبن ماجه
[1086] (نقيل ونتغذى بَعْدَ الْجُمُعَةِ) مِنَ الْقَيْلُولَةِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْمَقِيلُ وَالْقَيْلُولَةُ الِاسْتِرَاحَةُ(3/301)
نِصْفَ النَّهَارِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا نَوْمٌ انتهى
وحكوا عن بن قُتَيْبَةَ أَنَّهُ قَالَ لَا يُسَمَّى غَدَاءً وَلَا قَائِلَةً بَعْدَ الزَّوَالِ
وَالْحَدِيثُ اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ بِجَوَازِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ قَبْلَ الزَّوَالِ وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ أَنَّ الْغَدَاءَ وَالْقَيْلُولَةَ مَحِلَّهُمَا قَبْلَ الزَّوَالِ وَأَجَابَ الْمَانِعُونَ أَنَّ الْحَدِيثَ لَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى الصَّلَاةِ قَبْلَ الزَّوَالِ لِأَنَّهُمْ فِي الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ لَا يَقِيلُونَ وَلَا يَتَغَدَّوْنَ إِلَّا بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ كَمَا قَالَ تَعَالَى وَحِينَ تضعون ثيابكم من الظهيرة نَعَمْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَارِعُ بِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ فِي أَوَّلِ وَقْتِ الزَّوَالِ بِخِلَافِ الظُّهْرِ فَقَدْ كَانَ يُؤَخِّرُهُ بَعْدَهُ حَتَّى يَجْتَمِعَ النَّاسُ
قَالَهُ فِي السُّبُلِ قَالَ المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي وبن مَاجَهْ مُخْتَصَرًا مُطَوَّلًا
9 - (بَاب النِّدَاءِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ)
[1087] (أَنَّ الْأَذَانَ كَانَ أَوَّلُهُ) وَفِي رِوَايَةٍ لِابْنِ خُزَيْمَةَ كَانَ ابْتِدَاءُ النِّدَاءِ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلَهُ فِي رِوَايَتِهِ كَانَ الْأَذَانُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ أَذَانَيْنِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَفَسَّرَ الْأَذَانَيْنِ بِالْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ يَعْنِي تَغْلِيبًا (حِينَ يَجْلِسُ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ) قَالَ الْمُهَلَّبُ الْحِكْمَةُ فِي جَعْلِ الْأَذَانِ فِي هَذَا الْمَحَلِّ لِيَعْرِفَ النَّاسُ جُلُوسَ الْإِمَامِ عَلَى الْمِنْبَرِ فَيُنْصِتُونَ لَهُ إِذَا خَطَبَ
قَالَ الْحَافِظُ وَفِيهِ نَظَرٌ لمن عند الطبراني وغيره من طريق بن إِسْحَاقَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ بِلَالًا كَانَ يُؤَذِّنُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ
فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَانَ لِمُطْلَقِ الْإِعْلَامِ لَا لِخُصُوصِ الْإِنْصَاتِ نَعَمْ لَمَّا زِيدَ الْأَذَانُ الْأَوَّلُ كَانَ لِلْإِعْلَامِ وَكَانَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيِ الْخَطِيبِ لِلْإِنْصَاتِ (فَلَمَّا كَانَ خِلَافَةُ عُثْمَانَ وَكَثُرَ النَّاسُ) أَيْ بِالْمَدِينَةِ كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي رِوَايَةٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَكَانَ أَمْرُهُ بِذَلِكَ بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةٍ مِنْ خِلَافَتِهِ كَمَا عِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ (بِالْأَذَانِ الثالث) في رواية فأعمر عُثْمَانُ بِالنِّدَاءِ الْأَوَّلِ وَفِي رِوَايَةِ التَّأْذِينُ الثَّانِي أَمَرَ بِهِ عُثْمَانُ وَلَا مُنَافَاةَ لِأَنَّهُ سُمِّيَ ثَالِثًا بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ مَزِيدًا وَأَوَّلًا بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ فَعَلَهُ مُقَدَّمًا عَلَى الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَثَانِيًا بِاعْتِبَارِ الْأَذَانِ الْحَقِيقِيِّ لَا الْإِقَامَةَ قَالَ فِي عُمْدَةِ القارىء الْأَذَانُ الثَّالِثُ الَّذِي هُوَ الْأَوَّلُ فِي الْوُجُودِ لَكِنَّهُ ثَالِثٌ بِاعْتِبَارِ شَرْعِيَّتِهِ بِاجْتِهَادِ عُثْمَانَ وَمُوَافَقَةِ سَائِرِ الصَّحَابَةِ لَهُ بِالسُّكُوتِ وَعَدَمِ(3/302)
الْإِنْكَارِ فَصَارَ إِجْمَاعًا سُكُوتِيًّا وَإِنَّمَا أُطْلِقَ الْأَذَانُ عَلَى الْإِقَامَةِ لِأَنَّهَا إِعْلَامٌ كَالْأَذَانِ
انْتَهَى (عَلَى الزوراء) بفتح وَسُكُونِ الْوَاوِ بَعْدَهَا رَاءٌ مَمْدُودَةٌ
قَالَ الْبُخَارِيُّ هِيَ مَوْضِعٌ بِسُوقِ الْمَدِينَةِ
قَالَ الْحَافِظُ وَهُوَ المعتمد
وقال بن بَطَّالٍ هُوَ حَجَرٌ كَبِيرٌ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ ورد بما عند بن خزيمة وبن مَاجَهْ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّهَا دَارٌ بِالسُّوقِ يُقَالُ لَهَا الزَّوْرَاءُ وَعِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فَأَمَرَ بِالنِّدَاءِ الْأَوَّلِ عَلَى دَارٍ يُقَالُ لَهَا الزَّوْرَاءُ فَكَانَ يُؤَذَّنُ لَهُ عَلَيْهَا فَإِذَا جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ أَذَّنَ مُؤَذِّنُهُ الْأَوَّلَ فَإِذَا نَزَلَ أَقَامَ الصَّلَاةَ (فَثَبَتَ الْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ) أَيِ الْأَذَانُ الثَّالِثُ الَّذِي هُوَ الْأَوَّلُ فِي الْوُجُودِ قَالَ فِي الْفَتْحِ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ النَّاسَ أَخَذُوا بِفِعْلِ عُثْمَانَ فِي جَمِيعِ الْبِلَادِ إِذْ ذَاكَ لِكَوْنِهِ كَانَ خَلِيفَةً مُطَاعَ الْأَمْرِ لَكِنْ ذَكَرَ الْفَاكِهَانِيُّ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ أَحْدَثَ الْأَذَانَ الْأَوَّلَ بِمَكَّةَ الْحَجَّاجُ والبصرة زِيَادٌ
قَالَ الْحَافِظُ وَبَلَغَنِي أَنَّ أَهْلَ الْغَرْبِ الْأَدْنَى الْآنَ لَا تَأْذِينَ عِنْدَهُمْ سِوَى مَرَّةٍ وروى بن أبي شيبة من طريق بن عُمَرَ قَالَ الْأَذَانُ الْأَوَّلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِدْعَةٌ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَالَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْإِنْكَارِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ في زمن النبي وَكُلُّ مَا لَمْ يَكُنْ فِي زَمَنِهِ يُسَمَّى بِدْعَةً وَتَبَيَّنَ بِمَا مَضَى أَنَّ عُثْمَانَ أَحْدَثَهُ لِإِعْلَامِ النَّاسِ بِدُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ قِيَاسًا عَلَى بَقِيَّةِ الصَّلَوَاتِ وَأَلْحَقَ الْجُمُعَةَ بِهَا وَأَبْقَى خُصُوصِيَّتَهَا بِالْأَذَانِ بَيْنَ يَدَيِ الْخَطِيبِ وَأَمَّا مَا أَحْدَثَ النَّاسُ قَبْلَ الْجُمُعَةِ مِنَ الدُّعَاءِ إِلَيْهَا بِالذِّكْرِ والصلاة على النبي فَهُوَ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ دُونَ بَعْضٍ وَاتِّبَاعُ السَّلَفِ الصَّالِحِ أَوْلَى
كَذَا فِي الْفَتْحِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ والنسائي وبن مَاجَهْ
[1088] (كَانَ يُؤَذَّنُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ) قَالَ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ قَالَ الْفَرَّاءُ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى جَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يديها يَعْنِي الْمِسْخَةَ جُعِلَتْ نَكَالًا لِمَا مَضَى مِنَ الذُّنُوبِ وَلِمَا تُعْمَلُ بَعْدَهَا وَيُقَالُ بَيْنَ يَدَيْكَ كَذَا لِكُلِّ شَيْءٍ أَمَامَكَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وجل من بين أيديهم ومن خلفهم وَقَالَ الزَّجَّاجُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَلَا بِالَّذِي بين يديه أَرَادَ بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ الْكُتُبَ الْمُتَقَدِّمَةَ
انْتَهَى
وَقَالَ الْخَفَاجِيُّ فِي عِنَايَةِ الرَّاضِي وَقِيلَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَكُونُ بَيْنَ يَدَيْهِ عِبَارَةٌ عَنِ الْمُسْتَقْبَلِ فَإِنَّهُ يُرَادُ بِهِ مَا مَضَى وَقَدْ يُرَادُ بِهِ مَا سَيَأْتِي
انْتَهَى
وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ يُقَالُ إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ أَهْوَالًا أَيْ قُدَّامَهَا
انْتَهَى
وَهَكَذَا فِي الْقَامُوسِ
وَفِي تَفْسِيرِ لُبَابِ(3/303)
التَّأْوِيلِ لِلْخَازِنِ لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ مَجَازِ الْكَلَامِ وَذَلِكَ أَنَّ مَا بَيْنَ يَدَيْهِ فَهُوَ أَمَامَهُ فَقِيلَ لِكُلِّ شَيْءٍ تَقَدَّمَ عَلَى الشَّيْءِ هُوَ بَيْنَ يَدَيْهِ لِغَايَةِ ظُهُورِهِ وَاشْتِهَارِهِ
قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْأَنْبَارِيِّ الْيَدَانِ تَسْتَعْمِلُهُمَا الْعَرَبُ فِي الْمَجَازِ عَلَى مَعْنَى التَّقْدِمَةِ تَقُولُ هَذِهِ تَكُونُ فِي الْفِتَنِ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ يُرِيدُونَ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ تَشْبِيهًا وَتَمْثِيلًا بِمَا إِذَا كَانَتْ يَدَا الْإِنْسَانِ تَتَقَدَّمَانِهِ
انْتَهَى
قَالَ في المدارك ما بين أيدينا أَيْ لَهُ مَا قُدَّامَنَا
وَقَالَ فِي الْجَلَالَيْنِ ما بين أيدينا أَيْ أَمَامَنَا
وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَيْضًا الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بِلَفْظِ إِنَّ بِلَالًا كَانَ يُؤَذِّنُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ
وَالْحَاصِلُ أَنَّ بَيْنَ يَدَيْهِ يُسْتَعْمَلُ لِكُلِّ شَيْءٍ يَكُونُ قُدَّامَهُ وَأَمَامَهُ سَوَاءٌ كَانَ قَرِيبَهُ أَوْ بَعِيدَهُ
وَالْمَعْنَى أَنَّ بِلَالًا كَانَ يُؤَذِّنُ قُدَّامَ النَّبِيِّ وأمامه إذا جلس النبي عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لَكِنْ لَا يُؤَذِّنُ قُدَّامَهُ عِنْدَ الْمِنْبَرِ مُتَّصِلًا بِهِ كَمَا هُوَ الْمُتَعَارَفُ الْآنَ فِي أَكْثَرِ بِلَادِ الْهِنْدِ إِلَّا مَا عَصَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مَوْضِعَ الْأَذَانِ وَتَفُوتُ مِنْهُ فَائِدَةُ الْأَذَانِ بَلْ كَانَ يُؤَذِّنُ (عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ) وَهَذَا كَالتَّفْسِيرِ لِمَا بَيْنَ يَدَيْ لِأَنَّ بَيْنَ يَدَيْ بِمَعْنَى قُدَّامَ وَأَمَامَ وَهُمَا ظَرْفَانِ مُبْهَمَانِ
قَالَ فِي الْقَامُوسِ قُدَّامَ كَزُنَّارِ ضِدُّ الْوَرَاءِ وَالْأَمَامُ نَقِيضُ الْوَرَاءِ كَقُدَّامِ يَكُونُ اسْمًا ظَرْفًا
انْتَهَى
وَفَسَّرَ الْمُبْهَمَ مِنَ الْمَكَانِ بِالْجِهَاتِ السِّتِّ وَهِيَ أَمَامَ وَخَلْفَ وَيَمِينَ وَشِمَالَ وَفَوْقَ وَتَحْتَ وَمَا فِي مَعْنَاهُ فَإِنَّ أَمَامَ زَيْدٍ مَثَلًا يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ مَا يُقَابِلُ وَجْهَهُ إِلَى انْقِطَاعِ الْأَرْضِ فَيَكُونُ مُبْهَمًا
قَالَهُ الْجَامِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِيَةِ
وَقَالَ بَعْضُ مُحَشِّيهِ وَالْمُبْهَمُ هُوَ الَّذِي لَا حَدَّ ولا نهاية له
انتهى
فتعين أنه لايراد بقوله بين يديه قدام النبي عِنْدَ الْمِنْبَرِ بَلْ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا نَقَلَ حَافِظُ الْمَغْرِبِ أَبُو عُمَرَ بْنٌ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ الْإِمَامِ أن الأذان بين يدي الإمام ليس من الْأَمْرِ الْقَدِيمِ
وَقَالَ الزُّرْقَانِيُّ فِي شَرْحِ الْمَوَاهِبِ قَالَ الشَّيْخُ خَلِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ فِي التَّوْضِيحِ شرح كتاب بن الْحَاجِبِ وَاخْتَلَفَ النَّقْلُ هَلْ كَانَ يُؤَذَّنُ بَيْنَ يَدَيْهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَوْ عَلَى الْمَنَارِ الَّذِي نَقَلَهُ أَصْحَابُنَا أَنَّهُ كَانَ عَلَى الْمَنَارِ نَقَلَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ في المجموعة كتاب له
ونقل بن عَبْدِ الْبَرِّ فِي كَافِيهِ اسْمِ كِتَابٍ لَهُ فِي الْفِقْهِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْأَذَانَ بَيْنَ يَدَيِ الْإِمَامِ لَيْسَ مِنَ الْأَمْرِ الْقَدِيمِ انْتَهَى
وَقَالَ فِي الْمِرْقَاةِ نَقَلَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ عَنِ بن القاسم عن مالك أنه في زمنه لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ بَلْ عَلَى الْمَنَارَةِ
انتهى
وقال الإمام بن الْحَاجِّ مُحَمَّدٍ الْمَالِكِيُّ فِي كِتَابِ الْمَدْخَلِ إِنَّ السُّنَّةَ فِي أَذَانِ الْجُمُعَةِ إِذَا صَعِدَ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ أَنْ يَكُونَ الْمُؤَذِّنُ عَلَى الْمَنَارِ كذلك كان على عهد النبي وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَصَدْرًا مِنْ خِلَافَةِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم وَكَانَ الْمُؤَذِّنُونَ ثَلَاثَةً يُؤَذِّنُونَ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ ثُمَّ زَادَ عُثْمَانُ بْنُ(3/304)
عَفَّانَ أَذَانًا آخَرَ بِالزَّوْرَاءِ وَأَبْقَى الْأَذَانَ الَّذِي كان على عهد رسول الله عَلَى الْمَنَارِ وَالْخَطِيبُ عَلَى الْمِنْبَرِ إِذْ ذَاكَ ثُمَّ إِنَّهُ لَمَّا أَنْ تَوَلَّى هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ أَخَذَ الْأَذَانَ الَّذِي فَعَلَهُ عُثْمَانُ بِالزَّوْرَاءِ وَجَعَلَهُ عَلَى الْمَنَارِ وَكَانَ الْمُؤَذِّنُ وَاحِدًا يُؤَذِّنُ عِنْدَ الزَّوَالِ ثُمَّ نَقَلَ الْأَذَانَ الَّذِي كَانَ عَلَى الْمَنَارِ حِينَ صُعُودِ الْإِمَامِ عَلَى المنبر على عهد النبي وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَصَدْرًا مِنْ خِلَافَةِ عُثْمَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَكَانُوا يُؤَذِّنُونَ ثَلَاثَةً فَجَعَلَهُمْ يُؤَذِّنُونَ جماعة ويستريحون
قال علماؤنا وسنة النبي أَوْلَى أَنْ تُتَّبَعَ فَقَدْ بَانَ أَنَّ فِعْلَ ذَلِكَ فِي الْمَسْجِدِ بَيْنَ يَدَيِ الْخَطِيبِ بِدْعَةٌ وأن أذانهم جماعة أيضا بدعة أخرى فتسمك بَعْضُ النَّاسِ بِهَاتَيْنِ الْبِدْعَتَيْنِ وَهُمَا مِمَّا أَحْدَثَهُ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ثُمَّ تَطَاوَلَ الْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى صَارَ بَيْنَ النَّاسِ كَأَنَّهُ سُنَّةٌ مَعْمُولٌ بِهَا انْتَهَى كَلَامُهُ
وَمَا قَالَهُ بن الحاج حسن جدا غير أبي لَمْ أَقِفْ عَلَى نَقْلٍ صَرِيحٍ أَنَّ الْمُؤَذِّنِينَ كانوا ثلاثة على عهد النبي وَكُلُّهُمْ يُؤَذِّنُونَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ بَلْ سَيَجِيءُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِرَسُولِ اللَّهِ إِلَّا مُؤَذِّنٌ وَاحِدٌ بِلَالٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
ثُمَّ قال بن الْحَاجِّ فَصْلٌ فِي النَّهْي عَنْ الْأَذَانِ فِي الْمَسْجِدِ إِنَّ لِلْأَذَانِ ثَلَاثَةَ مَوَاضِعَ الْمَنَارَ وَعَلَى سَطْحِ الْمَسْجِدِ وَعَلَى بَابِهِ وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَيُمْنَعُ مِنَ الْأَذَانِ فِي جَوْفِ الْمَسْجِدِ لِوُجُوهٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ فِعْلِ مَنْ مَضَى الثَّانِي أَنَّ الْأَذَانَ إِنَّمَا هُوَ نِدَاءٌ لِلنَّاسِ لِيَأْتُوا إِلَى الْمَسْجِدِ وَمَنْ كَانَ فِيهِ فَلَا فَائِدَةَ لِنِدَائِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ تَحْصِيلُ حَاصِلٍ وَمَنْ كَانَ فِي بَيْتِهِ فَإِنَّهُ لَا يَسْمَعُهُ مِنَ الْمَسْجِدِ غَالِبًا وَإِذَا كَانَ الْأَذَانُ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ فَلَا فَائِدَةَ له وما ليس فيه فائدة تمنع
وَقَالَ فِي فَصْلِ مَوْضِعِ الْأَذَانِ وَمِنَ السُّنَّةِ الْمَاضِيَةِ أَنْ يُؤَذِّنَ الْمُؤَذِّنُ عَلَى الْمَنَارِ فَإِنْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ فَعَلَى سَطْحِ الْمَسْجِدِ فَإِنْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ فَعَلَى بَابِهِ
وَكَانَ الْمَنَارُ عِنْدَ السَّلَفِ بِنَاءً يَبْنُونَهُ عَلَى سَطْحِ الْمَسْجِدِ انْتَهَى
فَإِنْ قُلْتَ قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَإِذَا صَعِدَ الْإِمَامُ الْمِنْبَرَ جَلَسَ وَأَذَّنَ الْمُؤَذِّنُونَ بَيْنَ يَدَيِ الْمِنْبَرِ بِذَلِكَ جَرَى التَّوَارُثُ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى عَهْدِ رسول الله إِلَّا هَذَا الْأَذَانُ انْتَهَى وَقَالَ الْعَلَّامَةُ الْعَيْنِيُّ فِي الْبِنَايَةِ شَرْحِ الْهِدَايَةِ فِي تَفْسِيرِ التَّوَارُثِ يعني هكذا فعل النبي وَالْأَئِمَّةُ مِنْ بَعْدِهِ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا وَلَفْظُ التَّوَارُثِ إِنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِي أَمْرِ خَطَرٍ وَشَرَفٍ يُقَالُ تَوَارَثَ الْمَجْدَ كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ أَيْ كَبِيرًا عَنْ كَبِيرٍ فِي الْقَدْرِ وَالشَّرَفِ وَقِيلَ هِيَ حِكَايَةُ الْعَدْلِ عَنِ الْعَدْلِ انْتَهَى
قُلْتُ هَذِهِ الْمَذْكُورَةُ عِبَارَةُ الْهِدَايَةِ وَهَكَذَا فِي عَامَّةِ كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ لَا اخْتِلَافَ بَيْنَهمْ
وَمَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ الْخَطِيبَ إِذَا جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ أذن المؤذن أمام الخطيب ومستقبله عند(3/305)
المنبر ولا يبعد المؤذن عن المنبر بحيث يكون على المنارة أو المأذنة أَوْ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ أَوْ عَلَى السَّطْحِ وَيَكُونُ الْمُؤَذِّنُ قَرِيبًا مِنَ الْخَطِيبِ عِنْدَ الْمِنْبَرِ جَرَى التَّوَارُثُ
وَأَنْتَ خَبِيرٌ أَنَّ الْفَقِيهَ الْإِمَامَ بُرْهَانَ الدِّينِ مُؤَلِّفَ الْهِدَايَةِ مِنَ الْأَئِمَّةِ الْكِبَارِ لَكِنْ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ دَعْوَى التَّوَارُثِ عَلَى ذلك إلا بنقل صريح إلى النبي ولم يثبت قط فيما أعلم بل تبطل دعوى التوارث ما نقله بن عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ مَالِكٍ الْإِمَامِ كَمَا تَقَدَّمَ
وَمَا وَقَعَ فِي تَفْسِيرِ جُوَيْبِرٍ عَنِ الضَّحَّاكِ عَنْ بُرْدِ بْنِ سِنَانَ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ مُعَاذٍ أَنَّ عُمَرَ أَمَرَ مُؤَذِّنَيْنِ أَنْ يُؤَذِّنَا لِلنَّاسِ الْجُمُعَةَ خَارِجًا مِنَ الْمَسْجِدِ حَتَّى يَسْمَعَ النَّاسُ وَأَمَرَ أَنْ يُؤَذَّنَ بَيْنَ يَدَيْهِ كَمَا كان في عهد النبي وَأَبِي بَكْرٍ ثُمَّ قَالَ عُمَرُ نَحْنُ ابْتَدَعْنَاهُ لِكَثْرَةِ الْمُسْلِمِينَ فَضَعِيفٌ جِدًّا قَالَ الْحَافِظُ وَهَذَا الْأَثَرُ مُنْقَطِعٌ بَيْنَ مَكْحُولٍ وَمُعَاذٍ وَلَا يَثْبُتُ لِأَنَّ مُعَاذًا كَانَ خَرَجَ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى الشَّامِ فِي أَوَّلِ مَا غَزَوْا الشَّامَ وَاسْتَمَرَّ إِلَى أَنْ مَاتَ بِالشَّامِ فِي طَاعُونِ عَمْوَاسٍ وَقَدْ تَوَارَدَتِ الرِّوَايَاتُ أَنَّ عُثْمَانَ هُوَ الَّذِي زَادَهُ فَهُوَ الْمُعْتَمَدُ انْتَهَى
وَجُوَيْبِرُ بْنُ سَعِيدٍ الْمُفَسِّرُ صَاحِبُ الضَّحَّاكِ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ قَالَهُ النَّسَائِيُّ والدارقطني وغيرهما
وقال بن معين ليس بشيء وقال الجوزجاني لَا يُشْتَغَلُ بِهِ
وَضَحَّاكُ بْنُ مُزَاحِمٍ ضَعَّفَهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَوَثَّقَهُ الْأَكْثَرُونَ
وَاعْلَمْ أَنَّ أَذَانَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى هُوَ الْأَذَانُ حِينَ صُعُودِ الْإِمَامِ عَلَى الْمِنْبَرِ لِمَا أَخْرَجَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ حَدِيثِ السَّائِبِ كَانَ النِّدَاءُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِذَا جَلَسَ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَحَتَّى خِلَافَةِ عُثْمَانَ فَلَمَّا كَثُرَ النَّاسُ زَادَ النِّدَاءُ الثَّالِثُ عَلَى الزَّوْرَاءِ وعند بن خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي عَامِرٍ عن بن أَبِي ذِئْبٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ السَّائِبِ كَانَ ابْتِدَاءُ النِّدَاءِ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَكَذَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ كَمَا فِي الدُّرِّ الْمَنْثُورِ
وَحَدِيثُ أَذَانِ الْجُمُعَةِ
رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ وبن عُمَرَ وَسَعِيدِ بْنِ حَاطِبٍ
أَمَّا حَدِيثُ السَّائِبِ فَأَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ إِلَّا مُسْلِمًا وَأَيْضًا أَخْرَجَهُ أحمد وإسحاق بن راهويه في مسندهما وبن خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي السُّنَنِ وَالْمَعْرِفَةِ والطبراني وبن الْجَارُودِ فِي الْمُنْتَقَى وَيَدُورُ إِسْنَادُ حَدِيثِ السَّائِبِ علي بن شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ وَرَوَى عَنِ الزُّهْرِيِّ سَبْعَةُ أَنْفُسٍ بن أَبِي ذِئْبٍ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبٍي سَلَمَةَ الْمَاجِشُونِ وَعَقِيلُ بْنُ خَالِدٍ وَيُونُسُ بْنُ يَزِيدَ مصانح وَسُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ لَكِنْ هَؤُلَاءِ السَّبْعَةُ غَيْرَ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ مَا ذَكَرُوا فِي رِوَايَتِهِ مَوْضِعَ الْأَذَانِ وَمَا قَالُوا لَفْظَ بين يديه ولا غيره من الألفاظ المخبر لِتَعَيُّنِ الْمَكَانِ
نَعَمْ ذَكَرُوا وَقْتَ الْأَذَانِ وَهُوَ حِينَ جُلُوسِ الْإِمَامِ عَلَى الْمِنْبَرِ وَأَمَّا مُحَمَّدُ بن(3/306)
إِسْحَاقَ فَذَكَرَ فِي رِوَايَتِهِ مَوْضِعَ الْأَذَانِ وَهُوَ بين يدي رسول الله على باب المسجد
وحديث بن عُمَرَ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ كَانَ رَسُولُ الله إِذَا خَرَجَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَعَدَ عَلَى الْمِنْبَرِ أَذَّنَ بِلَالٌ وَفِي إِسْنَادِهِ مُصْعَبُ بْنُ سَلَامٍ ضَعَّفَهُ أَبُو دَاوُدَ كَذَا فِي التَّلْخِيصِ وَحَدِيثُ سعيد بن حاطب أخرجه بن مَنْدَهْ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ الْأُتْرُجِّيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ حَاطِبٍ قَالَ كان النبي يَخْرُجُ يَجْلِسُ عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ يُؤَذِّنُ الْمُؤَذِّنُ فَإِذَا فَرَغَ قَامَ يَخْطُبُ كَذَا فِي الْإِصَابَةِ وَهَكَذَا فِي أُسْدِ الْغَابَةِ فَلَيْسَ فِي الْبَابِ أَيْ لِتَعْيِينِ مَكَانِ أَذَانِ الْجُمُعَةِ غَيْرُ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ هَذَا ثِقَةٌ حُجَّةٌ وَلَمْ يَثْبُتْ فِيهِ جَرْحٌ وَمَا نُقِمَ عَلَيْهِ إِلَّا التَّدْلِيسُ وَفِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ قَدْ عَنْعَنَ لَكِنْ ثبت سماع محمد بن إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي حَدِيثِ أَذَانِ الْجُمُعَةِ كَمَا أَخْرَجَ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ حَدَّثَنَا أَبِي عن بن إِسْحَاقَ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الزُّهْرِيُّ عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ أُخْتِ نَمِرٍ قَالَ لَمْ يَكُنْ لِرَسُولِ الله إِلَّا مُؤَذِّنٌ وَاحِدٌ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا فِي الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا يُؤَذِّنُ وَيُقِيمُ قَالَ كَانَ بِلَالٌ يؤذن إذا جلس رسول الله عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَيُقِيمُ إِذَا نَزَلَ وَلِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ حَتَّى كَانَ عُثْمَانُ انْتَهَى وقال الحافظ بن عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ شَرْحِ الْمُوَطَّأِ بَعْدَ سرد الروايات وقال بن إِسْحَاقَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ كَانَ يُؤَذَّنُ بَيْنَ يدي رسول الله إِذَا جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى باب المسجد وأبي بكر وعمر ذكروا أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَا النُّفَيْلِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سلمة عن بن إِسْحَاقَ ثُمَّ سَاقَ حَدِيثَ يُونُسَ الَّذِي تَقَدَّمَ وفي حديث بن إِسْحَاقَ هَذَا مَعَ حَدِيثِ مَالِكٍ وَيُونُسَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَذَانَ كَانَ بَيْنَ يَدَيْ رسول الله إِلَّا أَنَّ الْأَذَانَ الثَّانِيَ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ وَالثَّالِثَ أَحْدَثَهُ عُثْمَانُ عَلَى الزَّوْرَاءِ انْتَهَى كَلَامُهُ
فهذا بن عَبْدِ الْبَرِّ قَدْ قَيَّدَ الْأَذَانَ الَّذِي يَكُونُ بَيْنَ يَدَيِ الْإِمَامِ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَلَمْ يَثْبُتْ حَرْفٌ وَاحِدٌ فِي الْأَذَانِ مُسْتَقْبِلَ الْإِمَامِ مُحَاذِيًا بِهِ عِنْدَ الْمِنْبَرِ كَمَا هُوَ الْمُتَعَارَفُ الْآنَ
فَإِنْ قُلْتَ مَنْ أَذَّنَ فِي الْبَابِ كَيْفَ يَكُونُ بَيْنَ يَدَيِ الْإِمَامِ وَمُسْتَقْبِلَهُ قُلْتُ قَدْ عَرَفْتَ أَنَّ بَيْنَ يَدَيْ بِمَعْنَى أَمَامَ وَهُوَ يَتَنَاوَلُ جميع ما يقابل وجهه إلى انقطاع الأرض فَإِذَا أَذَّنَ الرَّجُلُ فِي بَابِ الْمَسْجِدِ صَارَ أَمَامَ الْخَطِيبِ وَمُسْتَقْبِلَهُ لِأَنَّ بَابَ الْمَسْجِدِ يَكُونُ غَالِبًا مُسْتَقْبِلَ الْمِنْبَرِ وَهَكَذَا حَالُ الْمَسَاجِدِ مِنْ خير القرون إلى يومنا هذا
أخرج بن شَيْبَةَ فِي الْمُصَنَّفِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ عَنِ الْمُسْتَمِرِّ بْنِ الرَّيَّانِ قَالَ رَأَيْتُ أَنَسًا عِنْدَ الْبَابِ الْأَوَّلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَدِ اسْتَقْبَلَ الْمِنْبَرَ هَذَا مُلَخَّصٌ مِنْ غَايَةِ الْمَقْصُودِ وَالْمَطَالِبِ الرَّفِيعَةِ والله أعلم(3/307)
[1089] (إِلَّا مُؤَذِّنٌ وَاحِدٌ) فِيهِ أَنَّهُ قَدِ اشْتَهَرَ أنه كان للنبي جماعة من المؤذنين منهم بلال وبن أُمِّ مَكْتُومٍ وَسَعْدٌ الْقُرَظُ وَأَبُو مَحْذُورَةَ
وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ أَرَادَ فِي الْجُمُعَةِ وَفِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ ولم ينقل أن بن أُمِّ مَكْتُومٍ كَانَ يُؤَذِّنُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَلِ الَّذِي وَرَدَ عَنْهُ التَّأْذِينُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِلَالٌ وأبو محذورة جعله مُؤَذِّنًا بِمَكَّةَ وَسَعْدٌ جَعَلَهُ بِقُبَاءٍ (ثُمَّ ذَكَرَ) مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ (مَعْنَاهُ) أَيْ مَعْنَى حَدِيثِ يونس
وأخرج بن مَاجَهْ بِتَمَامِهِ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ ولفظه ما كان لرسول الله إِلَّا مُؤَذِّنٌ وَاحِدٌ إِذَا خَرَجَ أَذَّنَ وَإِذَا نَزَلَ أَقَامَ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَعُمَرُ كَذَلِكَ فَلَمَّا كَانَ عُثْمَانُ وَكَثُرَ النَّاسُ زَادَ النِّدَاءُ الثَّالِثُ عَلَى دَارٍ فِي السُّوقِ يُقَالُ لَهَا الزَّوْرَاءُ
[1090] (وَسَاقَ) أي صالح الراوي عن بن شهاب (هذا الحديث) مثل حديث يونس لَكِنْ (لَيْسَ) حَدِيثَ صَالِحٍ (بِتَمَامِهِ) أَيْ مَا سَاقَ صَالِحٌ حَدِيثَهُ بِالتَّمَامِ وَالْكَمَالِ كَمَا سَاقَ يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ يعقوب بن إبراهيم عن أبيه عن بن إِسْحَاقَ أَتَمَّ مِنْ حَدِيثِ صَالِحٍ وَتَقَدَّمَ آنِفًا
وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ أَيْضًا حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ حدثنا بن إِدْرِيسَ وَأَبُو شِهَابٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ أخت نمر قال ماكان لرسول الله إِلَّا مُؤَذِّنٌ وَاحِدٌ يُؤَذِّنُ
إِذَا قَعَدَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَيُقِيمُ إِذَا نَزَلَ وَأَبُو بَكْرٍ كَذَلِكَ وَعُمَرُ كَذَلِكَ
0 - (بَاب الْإِمَامِ يُكَلِّمُ الرَّجُلَ فِي خُطْبَتِهِ)
[1091] (لَمَّا اسْتَوَى) أَيْ جَلَسَ مُسْتَوِيًا عَلَى الْمِنْبَرِ (قَالَ اجْلِسُوا) قَالَ الطِّيبِيُّ فِيهِ دَلِيلٌ على(3/308)
جَوَازِ التَّكَلُّمِ فِي الْمِنْبَرِ انْتَهَى
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ كَلَامُ الْخَطِيبِ فِي أَثْنَاءِ الْخُطْبَةِ مَكْرُوهٌ إِذَا لَمْ يَكُنْ أَمْرًا بِالْمَعْرُوفِ (فَسَمِعَ ذَلِكَ) أَيْ أَمْرَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْجُلُوسِ (فَجَلَسَ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ) مُبَادَرَةً إِلَى الِامْتِثَالِ (فَقَالَ تَعَالَ) أَيِ ارْتَفِعْ عَنْ صَفِّ النِّعَالِ إِلَى مَقَامِ الرِّجَالِ وَهَلُمَّ إِلَى الْمَسْجِدِ
وَقَالَ الرَّاغِبُ أَصْلُهُ أَنْ يُدْعَى الْإِنْسَانُ إِلَى مَكَانٍ مُرْتَفِعٍ ثُمَّ جُعِلَ لِلدُّعَاءِ إِلَى كُلِّ مَكَانٍ وَتَعَلَّى ذَهَبَ صَاعِدًا يُقَالُ عَلَّيْتُهُ فَتَعَلَّى (إِنَّمَا رَوَاهُ الناس) والحديث المرسل أخرجه بن أبي شيبة بقوله حدثنا حفص عن بن جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ الْحَدِيثَ (وَمَخْلَدٌ هُوَ شَيْخٌ) أَيْ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ وَيُنْظَرُ فِيهِ ذَكَرَهُ بن الصَّلَاحِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَمَخْلَدٌ هَذَا الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ هُوَ مَخْلَدُ بْنُ يَزِيدَ الْجَزَرِيُّ وَهُوَ الذي روى هذا الحديث عن بن جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا وَقَدِ احْتَجَّ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صحيحهما بِحَدِيثِ مَخْلَدِ بْنِ يَزِيدَ هَذَا وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ كَانَ يَهِمُ
1 - (بَاب الْجُلُوسِ إِذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ)
[1092] (يَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ) أَيْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهَذَا إِجْمَالٌ وَتَفْصِيلُهُ (كَانَ يَجْلِسُ) اسْتِئْنَافُ مَهِينٍ وَقَوْلُهُ يَجْلِسُ هُوَ مَوْضِعُ التَّرْجَمَةِ وَالْجُلُوسُ عَلَى الْمِنْبَرِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ سُنَّةٌ وَعَلَيْهِ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ خلافا لأبي حنيفة
كذا قاله بن بطال وتبعه بن التِّينِ وَقَالَا خَالَفَ الْحَدِيثَ انْتَهَى
قُلْتُ وَفِي الْهِدَايَةِ مَا يُخَالِفُهُ وَهَذِهِ عِبَارَتُهُ وَإِذَا صَعِدَ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ جَلَسَ انْتَهَى (إِذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ) قَالَ الْعُلَمَاءُ يُسْتَحَبُّ الْخُطْبَةُ عَلَى الْمِنْبَرِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إِلَّا بِمَكَّةَ فَإِنَّ(3/309)
الْخُطْبَةَ عَلَى مِنْبَرِهَا بِدْعَةٌ وَإِنَّمَا السُّنَّةُ أَنْ يَخْطُبَ عَلَى بَابِ الْكَعْبَةِ كَمَا فَعَلَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ وَإِنَّمَا أَحْدَثَ ذَلِكَ بِمَكَّةَ مُعَاوِيَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَفِيهِ أَنَّهُ فَعَلَهُ وَأَقَرَّهُ السَّلَفُ مَعَ اعْتِرَاضِهِمْ عَلَيْهِ فِي وَقَائِعَ أُخْرَى تَدُلُّ عَلَى جَوَازِهِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ (حَتَّى يَفْرُغَ أُرَاهُ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ (الْمُؤَذِّنَ) بِالنَّصْبِ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ لِأُرَاهُ وَبِالرَّفْعِ عَلَى الْفَاعِلِيَّةِ لِيَفْرُغَ أي قال الراوي عن بن عمر أظن بن عُمَرَ قَالَ حَتَّى يَفْرُغَ الْمُؤَذِّنُ كَذَا قَالَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ
وَقَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ قَالَ الرَّاوِي أظن أن بن عمر أراد بإطلاق قوله حتى يفرغ تقيده بِالْمُؤَذِّنِ وَالْمَعْنَى كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْلِسُ عَلَى الْمِنْبَرِ مِقْدَارَ مَا يَفْرُغُ الْمُؤَذِّنُ مِنْ أَذَانِهِ (ثُمَّ يَجْلِسُ) أَيْ جِلْسَةً خَفِيفَةً (فَلَا يَتَكَلَّمُ) أَيْ حَالَ جُلُوسِهِ بِغَيْرِ الذِّكْرِ أَوِ الدُّعَاءِ أَوِ الْقِرَاءَةِ سِرًّا والأولى القراءة لرواية بن حِبَّانَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي جُلُوسِهِ كِتَابَ اللَّهِ وَالْأَوْلَى قِرَاءَةُ الْإِخْلَاصِ كَذَا فِي شَرْحِ الطِّيبِيِّ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ الْعُمَرِيُّ وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بن عمر حَفْصِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَفِيهِ مَقَالٌ
2 - (بَاب الْخُطْبَةِ قَائِمًا)
[1093] (كَانَ يَخْطُبُ قَائِمًا) فِيهِ أَنَّ الْقِيَامَ حَالَ الْخُطْبَةِ مَشْرُوعٌ
قال بن الْمُنْذِرِ وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ عَمَلُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ انْتَهَى وَاخْتُلِفَ فِي وُجُوبِهِ فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى الْوُجُوبِ وَنُقِلَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْقِيَامَ سُنَّةٌ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ قَالَهُ الشوكاني
وأخرج بن أَبِي شَيْبَةَ عَنْ طَاوُسٍ قَالَ لَمْ يَكُنْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ يَقْعُدَانِ عَلَى الْمِنْبَرِ وَأَوَّلُ من جلس على المنبر معاوية
وروى بن أَبِي شَيْبَةَ عَنْ جَرِيرٍ عَنْ مُغِيرَةَ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ إِنَّمَا خَطَبَ مُعَاوِيَةُ قَاعِدًا حَيْثُ كَثُرَ شَحْمُ بَطْنِهِ وَلَحْمِهِ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنِي صَالِحٌ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَخْطُبُونَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ خُطْبَتَيْنِ قِيَامًا يَفْصِلُونَ بَيْنَهُمَا بِالْجُلُوسِ حَتَّى جَلَسَ مُعَاوِيَةُ فِي الْخُطْبَةِ الْأُولَى فَخَطَبَ جَالِسًا وَخَطَبَ فِي الثَّانِيَةِ قَائِمًا
قُلْتُ إِنَّ الثَّابِتَ بِمُجَرَّدِهِ لَا يُفِيدُ الْوُجُوبَ (أَكْثَرَ من ألفي صلاة) قال النووي المراد الصلوات(3/310)
الْخَمْسُ لَا الْجُمُعَةُ انْتَهَى
وَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا لِأَنَّ الْجُمَعَ الَّتِي صَلَّاهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ مِنْ عِنْدِ افْتِرَاضِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ إِلَى عِنْدِ مَوْتِهِ لَا تَبْلُغُ الْمِقْدَارَ وَلَا نِصْفَهُ
وَقَالَ فِي فَتْحِ الْوَدُودِ ظَاهِرُ الْمَقَامِ يُفِيدُ أَنَّهُ أَرَادَ صَلَاةَ الْجُمُعَةِ فَالْعَدَدُ مُشْكِلٌ إِلَّا أَنْ يُرَادَ بِهِ الْكَثْرَةُ وَالْمُبَالَغَةُ فَإِنْ حُمِلَ عَلَى مُطْلَقِ الصَّلَاةِ فَالْأَمْرُ سَهْلٌ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ
[1094] (خُطْبَتَانِ يَجْلِسُ بَيْنَهُمَا) قَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ دَلِيلٌ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَكْثَرِينَ أَنَّ خُطْبَةَ الْجُمُعَةِ لَا تَصِحُّ مِنَ الْقَادِرِ عَلَى الْقِيَامِ إِلَّا قَائِمًا فِي الْخُطْبَتَيْنِ وَلَا يَصِحُّ حَتَّى يَجْلِسَ بَيْنَهُمَا وَأَنَّ الْجُمُعَةَ لَا تَصِحُّ إِلَّا بِخُطْبَتَيْنِ
قَالَ الْقَاضِي ذَهَبَ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ إِلَى اشْتِرَاطِ الْخُطْبَتَيْنِ لِصِحَّةِ الْجُمُعَةِ وَعَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَأَهْلِ الظَّاهِرِ وَرِوَايَةِ بن الْمَاجِشُونِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهَا تَصِحُّ بِلَا خُطْبَةٍ
وحكى بن عَبْدِ الْبَرِّ إِجْمَاعَ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الْخُطْبَةَ لَا تَكُونُ إِلَّا قَائِمًا لِمَنْ أَطَاقَهُ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَصِحُّ قَاعِدًا وَلَيْسَ الْقِيَامُ بِوَاجِبٍ
وَقَالَ مَالِكٌ هُوَ وَاجِبٌ وَلَوْ تُرِكَ أَسَاءَ وَصَحَّتِ الْجُمُعَةُ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَالْجُمْهُورُ الْجُلُوسُ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ سُنَّةٌ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَلَا شرط ومذهب الشافعي أنه فرض وشرط وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ فَرْضٌ وَشَرْطٌ لِصِحَّةِ الْخُطْبَةِ
قَالَ الطَّحَاوِيُّ لَمْ يَقُلْ هَذَا غَيْرُ الشَّافِعِيِّ
دَلِيلُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ ثَبَتَ هَذَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي انْتَهَى كَلَامُهُ
وَقَالَ الرَّافِعِيُّ وَاظَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْجُلُوسِ بَيْنَهُمَا انْتَهَى
واستشكل بن الْمُنْذِرِ إِيجَابَ الْجُلُوسِ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ
وَقَالَ إِنِ اُسْتُفِيدَ مِنْ فِعْلِهِ فَالْفِعْلُ بِمُجَرَّدِهِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَقْتَضِي الْوُجُوبَ وَلَوِ اقْتَضَاهُ لَوَجَبَ الْجُلُوسُ الْأَوَّلُ قَبْلَ الْخُطْبَةِ الْأُولَى وَلَوْ وَجَبَ لَمْ يَدُلَّ عَلَى إِبْطَالِ الْجُمُعَةِ بِتَرْكِهِ (يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيُذَكِّرُ النَّاسَ) فِيهِ دَلِيلٌ لِلشَّافِعَيَّ فِي أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْخُطْبَةِ الْوَعْظُ وَالْقِرَاءَةُ
قَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَصِحُّ الْخُطْبَتَانِ إِلَّا بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى وَالصَّلَاةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِمَا وَالْوَعْظِ وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ وَاجِبَاتٌ فِي الْخُطْبَتَيْنِ وَتَجِبُ قِرَاءَةُ آيَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ فِي أحديهما عَلَى الْأَصَحِّ وَيَجِبُ الدُّعَاءُ لِلْمُؤْمِنِينَ فِي الثَّانِيَةِ عَلَى الْأَصَحِّ
وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالْجُمْهُورُ يَكْفِي مِنَ الْخُطْبَةِ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمَالِكٌ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ يَكْفِي تَحْمِيدَةٌ أَوْ تَسْبِيحَةٌ أَوْ تَهْلِيلَةٌ وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ يُسَمَّى خُطْبَةً وَلَا يَحْصُلُ بِهِ مَقْصُودُهَا مَعَ مُخَالَفَتِهِ مَا ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَهُ النَّوَوِيُّ
قُلْتُ وَقَوْلُهُ يُذَكِّرُ النَّاسَ فِيهِ دَلِيلٌ صَرِيحٌ عَلَى أَنَّ الْخُطْبَةَ وَعْظٌ وَتَذْكِيرٌ لِلنَّاسِ وأن(3/311)
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُ أَصْحَابَهُ فِي خُطْبَتِهُ قَوَاعِدَ الْإِسْلَامِ وَشَرَائِعَهُ وَيَأْمُرُهُمْ وَيَنْهَاهُمْ فِي خُطْبَتِهِ إِذَا عَرَضَ لَهُ أَمْرٌ أَوْ نَهْي كَمَا أَمَرَ الدَّاخِلَ وَهُوَ يَخْطُبُ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ وَنَهَى الْمُتَخَطِّيَ رِقَابَ النَّاسِ عَنْ ذَلِكَ وَأَمَرَهُ بِالْجُلُوسِ وَكَانَ يَدْعُو الرَّجُلَ فِي خطبته تعال اجلس يافلان وَكَانَ يَأْمُرُهُمْ بِمُقْتَضَى الْحَالِ فِي خُطْبَتِهِ فَلَا بُدَّ لِلْخَطِيبِ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ وَيَعِظَ بِهِ وَيَأْمُرَ وَيَنْهَى وَيُبَيِّنَ الْأَحْكَامَ الْمُحْتَاجُ إِلَيْهَا فَإِنْ كان السامعون أعجميا يُتَرْجِمُ بِلِسَانِهِمْ فَإِنَّ أَثَرَ التَّذْكِيرِ وَالْوَعْظِ فِي غَيْرِ بِلَادِ الْعَرَبِ لَا يَحْصُلُ وَلَا يُفِيدُ إِلَّا بِالتَّرْجَمَةِ بِلِسَانِهِمْ
وَحَدِيثُ جَابِرٍ هَذَا هُوَ أَدَلُّ دَلِيلٍ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ
وَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بلسان قومه ليبين لهم الْآيَةَ
قَالَ فِي جَامِعِ الْبَيَانِ أَيْ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ مَا أُمِرُوا بِهِ فَيَفْهَمُوهُ بِلَا كُلْفَةٍ
وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ بُعِثَ إِلَى الْأَحْمَرِ وَالْأَسْوَدِ بِصَرَائِحِ الدَّلَائِلِ لَكِنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ بِلُغَةِ مَنْ هُوَ فِيهِمْ حَتَّى يَفْهَمُوا ثُمَّ يَنْقُلُوهُ وَيُتَرْجِمُوهُ انْتَهَى
فَإِنْ قُلْتَ إِنْ كَانَتْ التَّرْجَمَةُ تَجُوزُ فِي الْخُطْبَةِ فَتَجُوزُ قِرَاءَةُ تَرْجَمَةِ الْقُرْآنِ أَيْضًا فِي الصَّلَاةِ فَإِنْ صَلَّى وَاحِدٌ وَقَرَأَ تَرْجَمَةَ سُورَةِ الْفَاتِحَةِ مَثَلًا مَكَانَ الْفَاتِحَةِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ
قُلْتُ كَلَّا وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ قَطُّ
وَالْقِيَاسُ عَلَى الْخُطْبَةِ قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ لِأَنَّ الْخُطْبَةَ لَيْسَ فِيهَا أَلْفَاظٌ مَخْصُوصَةٌ وَأَذْكَارٌ مُعَيَّنَةٌ بَلْ إِنَّمَا هِيَ التَّذْكِيرُ كَمَا تَقَدَّمَ وَالصَّلَاةُ لَيْسَتْ بِتَذْكِيرٍ بَلْ إِنَّمَا هِيَ ذِكْرٌ وَبَيْنَ التَّذْكِيرِ وَالذِّكْرِ فَرْقٌ عَظِيمٌ وَلَا بُدَّ فِي الصَّلَاةِ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ لِلْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ وَالْمُنْفَرِدِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فاقرؤوا ما تيسر من القرآن فلفظ اقرؤوا صِيغَةُ أَمْرٍ يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ وَلَا يُمْتَثَلُ الْأَمْرُ إِلَّا بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ بِالنَّظْمِ الْعَرَبِيِّ كَمَا أنزل علينا ووصل إلينا بالنقل التواتر لِأَنَّ مَنْ يَقْرَأْ تَرْجَمَتَهُ فِي الصَّلَاةِ لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ بَلْ هُوَ خَالَفَ الْأَمْرَ الْمَأْمُورَ بِهِ فَكَيْفَ يَجُوزُ قِرَاءَةُ تَرْجَمَةِ الْقُرْآنِ فِي الصَّلَاةِ بَلْ هُوَ مَمْنُوعٌ
وَأَمَّا الْخُطْبَةُ فَهِيَ تَذْكِيرٌ فَلَا بُدَّ لِلْخَطِيبِ أَنْ يُفْهِمَ مَعَانِي الْقُرْآنِ بَعْدَ قِرَاءَتِهِ وَيُذَكِّرُ السَّامِعِينَ بلسانهم وإلا فيفوت مقصود الْخُطْبَةِ هَكَذَا قَالَهُ شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ نَذِيرٌ حُسَيْنٌ الْمُحَدِّثُ الدَّهْلَوِيُّ
كَذَا فِي غَايَةِ الْمَقْصُودِ مُلَخَّصًا
قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي وبن ماجه(3/312)
23 - (بَاب الرَّجُلِ يَخْطُبُ عَلَى قَوْسٍ)
[1096] (رُزَيْقٍ) بِتَقْدِيمِ الْمُهْمَلَةِ عَلَى الْمُعْجَمَةِ (الْكُلَفِيُّ بِضَمِّ الْكَافِ وَفَتْحِ اللَّامِ لَيْسَ لَهُ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ قَالَهُ السُّيُوطِيُّ (وَالشَّأْنُ إِذْ ذَاكَ دُونٌ إِلَخْ) أَيِ الْحَالُ يَوْمَئِذٍ كَانَتْ ضَعِيفَةً
وَالْحَدِيثُ فِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ الِاعْتِمَادِ عَلَى سَيْفٍ أَوْ عَصًا أَوْ قَوْسٍ حَالَ الْخُطْبَةِ
قِيلَ وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ الِاشْتِغَالُ عَنِ الْعَبَثِ وَفِيهِ أَيْضًا مَشْرُوعِيَّةُ اشْتِمَالِ الْخُطْبَةِ عَلَى الْحَمْدِ لِلَّهِ وَالْوَعْظِ وَأَمَّا الْحَمْدُ لِلَّهِ فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُ وَاجِبٌ فِي الْخُطْبَةِ وكذلك الصلاة على النبي صلىالله عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ شِهَابُ بْنُ خِرَاشٍ أَبُو الصَّلْتِ الْحَوْشِيُّ
قَالَ بن الْمُبَارَكِ ثِقَةٌ وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ لَا بَأْسَ بِهِ وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ وَقَالَ بن حبان كان رجلا صالحا وكان ممن يخطىء كَثِيرًا حَتَّى خَرَجَ عَنْ حَدِّ الِاعْتِدَادِ بِهِ إِلَّا عِنْدَ الِاعْتِبَارِ (قَالَ أَبُو عَلِيٍّ) مُحَمَّدُ اللُّؤْلُؤِيُّ تِلْمِيذُ الْمُؤَلِّفِ أَبِي دَاوُدَ (أَبَا دَاوُدَ) أَيِ الْمُؤَلِّفَ (قَالَ) أَبُو دَاوُدَ (ثَبَّتَنِي) مِنَ التَّثْبِيتِ أَيْ ذَكَّرَنِي بَعْدَ أَنْ غَابَ عَنِّي أَوْ شَكَكْتُ فِيهِ (فِي شَيْءٍ مِنْهُ) مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ (بَعْضُ أَصْحَابِي) هُوَ فَاعِلُ ثَبَّتَنِي (وَقَدْ كَانَ انْقَطَعَ) ذَلِكَ اللَّفْظُ (مِنَ الْقِرْطَاسِ) أَيْ مِنْ قِرْطَاسِ كِتَابِي فَلَمَّا ذَكَّرَنِي بَعْضُ أَصْحَابِي مَا غَابَ بِانْقِطَاعِ ذَلِكَ الْقِرْطَاسِ وَاللَّهُ أعلم(3/313)
[1097] (رَشَدَ) بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ (وَمَنْ يَعْصِهِمَا) فِيهِ جَوَازُ التَّشْرِيكِ بَيْنَ ضَمِيرِ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولهِ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْهُ صلىالله عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بِلَفْظِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا وَمَا ثبت أيضا أنه صلىالله عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ مُنَادِيًا يُنَادِي يَوْمَ خَيْبَرٍ إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَنْهَيَانِكُمْ عَنْ لُحُومِ الْحُمْرِ الْأَهْلِيَّةِ وَأَمَّا مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَسُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ أَنَّ خَطِيبًا خَطَبَ عِنْدَ النَّبِيِّ صلىالله عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَنْ يُطِعِ اللَّهَ تَعَالَى وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشَدَ وَمَنْ يَعْصِهِمَا فَقَدْ غَوَى
فَقَالَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِئْسَ الْخَطِيبُ أَنْتَ قُلْ مَنْ يَعْصِ اللَّهَ تَعَالَى وَرَسُولَهُ فَقَدْ غَوَى فَمَحْمُولٌ عَلَى مَا قَالَ النَّوَوِيُّ مِنْ أَنَّ سَبَبَ الْإِنْكَارِ عَلَيْهِ أَنَّ الْخُطْبَةَ شَأْنُهَا الْبَسْطُ وَالْإِيضَاحُ وَاجْتِنَابُ الْإِشَارَاتِ وَالرُّمُوزِ
قَالَ وَلِهَذَا ثَبَتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أَعَادَهَا ثَلَاثًا لِتُفْهَمَ عَنْهُ قَالَ وَإِنَّمَا ثَنَّى الضَّمِيرَ فِي مِثْلِ قَوْلِهِ أَنْ يكون الله رسوله أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا لِأَنَّهُ لَيْسَ خُطْبَةَ وَعْظٍ وَإِنَّمَا هُوَ تَعْلِيمُ حُكْمٍ فَكُلُّ مَا قَلَّ لَفْظُهُ كَانَ أَقْرَبَ إِلَى حِفْظِهِ بِخِلَافِ خُطْبَةِ الْوَعْظِ فَإِنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ حِفْظَهَا وَإِنَّمَا يُرَادُ الِاتِّعَاظُ بِهَا وَلَكِنَّهُ يَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ قد وقع الجمع بين الضميرين منه صلىالله عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ وَهُوَ وَارِدٌ فِي الْخُطْبَةِ لَا فِي تَعْلِيمِ الْأَحْكَامِ
وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا أَنْكَرَ عَلَى الْخَطِيبِ تَشْرِيكَهُ فِي الضَّمِيرِ الْمُقْتَضِي لِلتَّسْوِيَةِ وَأَمَرَهُ بِالْعَطْفِ تَعْظِيمًا لِلَّهِ تَعَالَى بِتَقْدِيمِ اسْمِهِ كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ لَا يَقُلْ أَحَدُكُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ وَشَاءَ فُلَانٌ وَلَكِنْ لِيَقُلْ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ مَا شَاءَ فُلَانٌ وَيَرُدُّ عَلَى هَذَا مَا قَدَّمْنَا مِنْ جَمْعِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ ضَمِيرِ اللَّهِ وَضَمِيرِهِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا أَنْكَرَ عَلَى ذَلِكَ الْخَطِيبِ التَّشْرِيكَ لِأَنَّهُ فَهِمَ مِنْهُ اعْتِقَادَ التَّسْوِيَةِ فَنَبَّهَهُ عَلَى خِلَافِ مُعْتَقَدِهِ وَأَمَرَهُ بِتَقْدِيمِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى اسْمِ رَسُولِهِ لِيُعْلَمَ بِذَلِكَ فَسَادُ مَا اعْتَقَدَهُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ عِمْرَانُ بْنُ دَاوُدَ أَبُو الْعَوَامِّ الْقَطَّانُ الْبَصْرِيُّ قَالَ عَفَّانُ كَانَ ثِقَةً وَاسْتَشْهَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَالنَّسَائِيُّ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مُرَّةَ لَيْسَ بِشَيْءٍ وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ كَانَ عِمْرَانُ حَرُورِيًّا وَكَانَ يَرَى السَّيْفَ عَلَى أَهْلِ الْقِبْلَةِ
هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ
ودَاوَرُ آخِرُهُ رَاءٌ مُهْمَلَةٌ(3/314)
[1098] (فَقَدْ غَوَى) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِهَا وَالصَّوَابُ الْفَتْحُ كَمَا فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَهُوَ مِنَ الْغَيِّ وَهُوَ الِانْهِمَاكُ فِي الشَّرِّ
وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي حُكْمِ خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ إِلَى الْوُجُوبِ وَنَسَبَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ إِلَى عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وَاسْتَدَلُّوا عَلَى الْوُجُوبِ بِمَا ثَبَتَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ ثُبُوتًا مُسْتَمِرًّا أَنَّهُ كَانَ يَخْطُبُ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ وَبِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي وَذَهَبَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَدَاوُدُ الظَّاهِرِيُّ وَالْجُوَيْنِيُّ إِلَى أَنَّ الْخُطْبَةَ مَنْدُوبَةٌ فَقَطْ
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَأَمَّا الِاسْتِدْلَالُ لِلْوُجُوبِ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا قَالَ كُلُّ كَلَامٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ فَهُوَ أَجْذَمُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَفِي رِوَايَةٍ الْخُطْبَةُ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا شَهَادَةٌ كَالْيَدِ الْجَذْمَاءِ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَبِحَدِيثِهِ أَيْضًا عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ مَرْفُوعًا حِكَايَةً عَنِ اللَّهِ تَعَالَى بلفظ وجعلت أمتك لا تجوز له خُطْبَةٌ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنَّكَ عَبْدِي وَرَسُولِي فَوَهْمٌ لِأَنَّ غَايَةَ الْأَوَّلِ عَدَمُ قَبُولِ الْخُطْبَةِ الَّتِي لَا حَمْدَ فِيهَا وَغَايَةُ الثَّانِي عَدَمُ جَوَازِ خطبة لا شهادة فيها بأنه صلىالله عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ وَالْقَبُولُ وَالْجَوَازُ وَعَدَمُهَا لَا مُلَازَمَةَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْوُجُوبَ قَطْعًا
انْتَهَى
قُلْتُ وَالْحَقُّ مَعَ الْجُمْهُورِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَهَذَا مُرْسَلٌ
[1099] (بِئْسَ الْخَطِيبُ) تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ هَذَا الْحَدِيثِ آنِفًا
وَقَدْ بَسَطَ الْكَلَامَ فِيهِ السُّيُوطِيُّ فِي مِرْقَاةِ الصُّعُودِ وَكَلَامُهُ أَحْسَنُ مِنْ كَلَامِ النَّوَوِيِّ يَطُولُ الْكَلَامُ بِذِكْرِهِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَفِيهِ بِئْسَ الْخَطِيبُ أَنْتَ وَكَذَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي كِتَابِ الْأَدَبِ(3/315)
[1100] (يَخْطُبُ بِهَا كُلَّ جُمُعَةٍ) قَالَ الطِّيبِيُّ إِنَّ المراد أول السورة لاجميعها لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمْ يَقْرَأْ جَمِيعَهَا في الخطبة
انتهى
قال القارىء وَفِيهِ أَنَّهُ لَمْ يُحْفَظْ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ يَقْرَأُ أَوَّلَهَا فِي كُلِّ جُمُعَةٍ وَإِلَّا لَكَانَتْ قِرَاءَتُهَا وَاجِبَةً أَوْ سُنَّةً مُؤَكَّدَةً بَلِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ بَعْضَهَا فَحُفِظَتِ الْكُلُّ فِي الْكُلِّ
انْتَهَى
وقال بن حَجَرٍ الْمَكِّيُّ قَوْلُهُ يَقْرَؤُهَا أَيْ كُلَّهَا وَحَمْلُهَا عَلَى أَوَّلِ السُّورَةِ صَرْفٌ لِلنَّصِّ عَنْ ظَاهِرِهِ
انتهى
قلت القول ما قال بن حَجَرٍ الْمَكِّيُّ وَمَا قَالَهُ الطِّيبِيُّ هُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ (وَكَانَ تَنُّورٌ) وَلَفْظُ مُسْلِمٍ لَقَدْ كَانَ تَنُّورُنَا وَتَنُّورُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاحِدًا سَنَتَيْنِ أَوْ سَنَةً وَبَعْضَ سَنَةٍ قَالَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى حِفْظِهَا وَمَعْرِفَتِهَا بِأَحْوَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقُرْبِهَا مِنْ مَنْزِلِهِ (عَنْ شُعْبَةَ قَالَ بِنْتُ حَارِثَةَ) بَيَّنَ الْمُؤَلِّفُ الِاخْتِلَافَ عَلَى شُعْبَةَ فَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ خُبَيْبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْنٍ عَنْ بِنْتِ الْحَارِثِ بْنِ النُّعْمَانِ وَرَوَى رَوْحُ بْنُ عبادة عن شعبة بلفظ بنت حارثة بن النعمان (وقال بن إِسْحَاقَ) فِي رِوَايَتِهِ (أُمُّ هِشَامٍ بِنْتُ حَارِثَةَ) وَحَدِيثُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو يَعْلَى وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ حَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا أَبِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زُرَارَةَ عَنْ أُمِّ هِشَامٍ بِنْتِ حَارِثَةَ بْنِ النُّعْمَانِ
الْحَدِيثَ
وَالْحَاصِلُ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ سَمَّى بِنْتَ الْحَارِثَةِ بِأُمِّ هِشَامٍ وَشُعْبَةُ قَدْ أَبْهَمَهَا
وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ
[1101] (قَصْدًا وَخُطْبَتُهُ قَصْدًا) الْقَصْدُ فِي الشَّيْءِ هُوَ الِاقْتِصَادُ فِيهِ وَتَرْكُ التَّطْوِيلِ وَإِنَّمَا كَانَتْ صَلَاتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَخُطْبَتُهُ كَذَلِكَ لِئَلَّا يَمَلَّ النَّاسُ
وَالْحَدِيثُ فِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ إِقْصَارِ(3/316)
الْخُطْبَةِ وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ وَاخْتُلِفَ فِي أَقَلِّ مَا يُجْزِئُ عَلَى أَقْوَالٍ مَبْسُوطَةٍ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ
قَالَهُ الشَّوْكَانِيُّ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ
[1102] (عَنْ عَمْرَةَ) بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زُرَارَةَ الْأَنْصَارِيَّةِ الْمَدَنِيَةِ (عَنْ أُخْتِهَا) هَذَا صَحِيحٌ يُحْتَجُ بِهِ وَلَا يَضُرُّ عَدَمُ تَسْمِيَّتِهَا لِأَنَّهَا صَحَابِيَّةٌ وَالصَّحَابَةُ كُلُّهُمْ عُدُولٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّ أُخْتَ عَمْرَةَ هِيَ أُمُّ هِشَامٍ كَمَا سَيَجِيءُ (كَانَ يَقْرَؤُهَا فِي كُلِ جُمْعَةٍ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ قِرَاءَةِ سُورَةٍ فِي الْخُطْبَةِ كُلَّ جُمْعَةٍ
قَالَ الْعُلَمَاءُ وَسَبَبُ اخْتِيَارِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسُلَّمُ هَذِهِ السُّورَةَ لِمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِنْ ذَكَرِ الْبَعْثِ وَالْمَوْتِ وَالْمَوَاعِظِ الشَّدِيدَةِ وَالزَّوَاجِرِ الْأَكِيدَةِ وَفِيهِ دَلَالَةٌ لِقِرَاءَةِ شيء من القرآن في الخطبة وهي مشروعة في الروعة بِلَا خِلَافٍ وَاخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِهَا وَالصَّحِيحُ عِنْدَنَا وجوبها أقلها اية
انتهى (كذا رواه يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ) أَيْ كَمَا رَوَى سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ بِلَفْظِ عن عمرة عن أختها أي وروى (بن أَبِي الرِّجَالِ) هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الرِّجَالِ الْأَنْصَارِيُّ ثِقَةٌ (عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ) بِلَفْظِ (عَنْ أُمِّ هِشَامٍ بِنْتِ حَارِثَةَ بْنِ النُّعْمَانِ) كَمَا رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ
(عَنْ عَمْرَةَ عَنْ أُخْتٍ لِعَمْرَةَ) أُخْتُ عَمْرَةَ هِيَ أُمُّ هِشَامٍ لَكِنْ يُشْكِلُ بِأَنَّ أُمَ هِشَامٍ هِيَ بِنْتُ حَارِثَةَ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ نَقْعِ بْنِ زَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ الخزرجيِّ
وَعَمْرَةُ هِيَ بِنْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زرارةَ الْأَنْصَارِيِّ فَكَيْفَ تَكُونُ أُخْتَهَا
وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ أُخْتُهَا منَ الرَّضَاعَةِ أَوْ منَ الْقَرَابَةِ الْبَعِيدَةِ فَلَا إِشْكَالَ وَرِوَايَةُ(3/317)
[1103] سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ وَيَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ أَخْرَجَهَا مُسْلِمٌ أَيْضًا فِي صَحِيحِهِ (كَانَتْ) أَيْ أُخْتٌ لِعَمْرَةَ (أَكْبَرَ مِنْهَا) مِنْ عَمْرَةَ (بِمَعْنَاهُ) أَيْ بِمَعْنَى حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
4 - (بَاب رَفْعِ الْيَدَيْنِ عَلَى الْمِنْبَرِ [1104] مَا حُكْمُهُ)
وَبَوَّبَ التِّرْمِذِيُّ بَابَ كَرَاهِيَةِ رَفْعِ الْأَيْدِي عَلَى الْمِنْبَرِ وَبَوَّبَ النَّسَائِيُّ بِقَوْلِهِ بَابُ الْإِشَارَةِ فِي الْخُطْبَةِ وَبَوَّبَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي الْمُصَنَّفِ بَابَ الرَّجُلِ يَخْطُبُ يُشِيرُ بِيَدِهِ
(عمارة) بضم وتخفيف الميم (بن رُوَيْبَةَ) بِالتَّصْغِيرِ (وَهُوَ) أَيْ بِشْرُ بْنُ مَرْوَانَ (يدعو في يوم جمعة) ولفظ مسلم وبن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِدْرِيسَ وَأَبِي عَوَانَةَ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ رُوَيْبَةَ قَالَ رَأَى بِشْرَ بْنَ مَرْوَانَ عَلَى الْمِنْبَرِ رَافِعًا يَدَيْهِ
وَكَذَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ عَنْ حُصَيْنٍ بِلَفْظِ رَفَعَ يَدَيْهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ مِنْ طَرِيقِ هُشَيْمٍ أَخْبَرَنَا حُصَيْنٌ قَالَ سَمِعْتُ عُمَارَةَ وَبِشْرَ بْنَ مَرْوَانَ يَخْطُبُ فَرَفَعَ يَدَيْهِ فِي الدُّعَاءِ
وَلَفْظُ أَحْمَدَ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا حُصَيْنٌ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ رُوَيْبَةَ أَنَّهُ رَأَى بِشْرَ بْنَ مَرْوَانَ عَلَى الْمِنْبَرِ رَافِعًا يَدَيْهِ يُشِيرُ بِأُصْبُعَيْهِ يَدْعُو فَقَالَ لَعَنَ اللَّهُ هَاتَيْنِ الْيَدَيْنِ وَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ عَلَى الْمِنْبَرِ يَدْعُو وَهُوَ يُشِيرُ بِإِصْبَعٍ قَالَ فِي الْمِرْقَاةِ قَوْلُهُ رَافِعًا يَدَيْهِ أَيْ عِنْدَ التَّكَلُّمِ كَمَا هُوَ دأب الوعاظ إذا جموا يَشْهَدُ لَهُ قَوْلُهُ الْآتِي وَأَشَارَ بِإِصْبَعِهِ الْمُسَبِّحَةِ قَالَهُ الطِّيبِيُّ
وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ أَنَّ السُّنَّةَ أَنْ لَا يَرْفَعَ الْيَدَ فِي الْخُطْبَةِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ
وَحَكَى الْقَاضِي عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ وَبَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ إِبَاحَتَهُ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَفَعَ يَدَيْهِ فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ حِينَ اسْتَسْقَى
وَأَجَابَ الْأَوَّلُونَ بِأَنَّ هَذَا الرَّفْعُ كَانَ لِعَارِضٍ
انْتَهَى
وَفِي الْمُصَنَّفِ لِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ قَالَ قُلْتُ لَهُ كَيْفَ كَانَ يَخْطُبُ النُّعْمَانُ قَالَ كَانَ يَلْمَعُ بِيَدَيْهِ قَالَ وَكَانَ الضَّحَّاكُ بْنُ قَيْسٍ إِذَا خطب ضم يده على فيه
حدثنا بن عيينة عن بن أبي نجيح عن مجاهد قال أذن الإمام يوم الجمعة أن يشير(3/318)
بيده حدثنا بن المهدي عن سفيان عن خالد عن بن سِيرِينَ قَالَ كَانُوا يَسْتَأْذِنُونَ الْإِمَامَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَلَمَّا كَانَ زِيَادٌ وَكَثُرَ ذَلِكَ قَالَ مَنْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى أَنْفِهِ فَهُوَ إِذْنُهُ
انْتَهَى
قُلْتُ وَهَلِ الْمُرَادُ فِي حَدِيثِ عُمَارَةَ بِالرَّفْعِ الْمَذْكُورِ رَفْعُ الْيَدَيْنِ عِنْدَ الدُّعَاءِ عَلَى الْمِنْبَرِ أَوِ الْمُرَادُ رَفْعُ الْيَدَيْنِ لَا وَقْتَ الدُّعَاءِ بَلْ عِنْدَ التَّكَلُّمِ كَمَا هُوَ دَأْبُ الْوُعَّاظِ وَالْقُصَّاصِ أَنَّهُمْ يُحَرِّكُونَ أَيْدِيَهمْ يَمِينًا وَشِمَالًا يُنَبِّهُونَ السَّامِعِينَ عَلَى الِاسْتِمَاعِ
فَحَدِيثُ عُمَارَةَ يَدُورُ إِسْنَادُهُ عَلَى حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَرُوَاتُهُ اخْتَلَفُوا عَلَيْهِ فَرِوَايَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِدْرِيسَ وَأَبِي عَوَانَةَ وَسُفْيَانَ كُلُّهمْ عَنْ حُصَيْنٍ تَدُلُّ عَلَى الْمَعْنَى الثَّانِي وَلِذَا بَوَّبَ النَّسَائِيُّ بَابَ الإشارة في الخطبة وبوب بن أَبِي شَيْبَةَ الرَّجُلَ يَخْطُبُ يُشِيرُ بِيَدِهِ وَهَكَذَا فهم الطيبي
ورواية هشيم وزائدة وبن فُضَيْلٍ كُلُّهمْ عَنْ حُصَيْنٍ تَدُلُّ عَلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ وَهَكَذَا فَهِمَ النَّوَوِيُّ وَأَمَّا تَرْجَمَةُ الْمُؤَلِّفِ وَكَذَا التِّرْمِذِيِّ فَمُتَحَمِّلٌ لِمَعْنَيَيْنِ وَعِنْدِي لِلْمَعْنَى الثَّانِي تَرْجِيحٌ مِنْ وَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ أَنَّ أَبَا عَوَانَةَ الْوَضَّاحَ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ إِدْرِيسَ أَوْثَقُ وَأَثْبَتُ مِنْ هُشَيْمِ بْنِ بَشِيرٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ وَإِنْ كَانَ زَائِدَةُ بْنُ قُدَامَةَ مِثْلَ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ فِي الْحِفْظِ فَتُعَارَضُ رِوَايَةُ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ الْحُفَّاظِ بِرِوَايَةِ زَائِدَةَ بْنِ قُدَامَةَ وَالْعَدَدُ الْكَثِيرُ أَوْلَى بِالْحِفْظِ
وَالثَّانِي أَنَّ قَوْلَهَ الْآتِي لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ مَا يَزِيدُ عَلَى هَذِهِ يَعْنِي السَّبَّابَةَ الَّتِي تَلِي الْإِبْهَامَ يُؤَيِّدُ هَذَا الْمَعْنَى الْأَخِيرَ لِأَنَّ رَفْعَ الْيَدَيْنِ فِي الدُّعَاءِ لَيْسَ مَأْثُورًا بِهَذِهِ الصِّفَةِ بَلْ أَرَادَ الرَّاوِي أَنَّ رَفْعَ الْيَدَيْنِ كِلْتَيْهِمَا لِتَخَاطُبِ السَّامِعِينَ لَيْسَ مِنْ دَأْبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ إِنَّمَا يُشِيرُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأُصْبُعِهِ السَّبَّابَةِ
انْتَهَى مُخْتَصَرًا مِنْ غَايَةِ الْمَقْصُودِ
(قَبَّحَ اللَّهُ هَاتَيْنِ الْيَدَيْنِ) دُعَاءٌ عَلَيْهِ أَوْ إِخْبَارٌ عَنْ قُبْحِ صُنْعِهِ نحو قوله تعالى تبت يد أبي لهب (وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ نَبَرَ الشَّيْءَ رَفَعَهُ وَمِنْهُ الْمِنْبَرُ بِكَسْرِ الْمِيمِ (مَا يَزِيدُ عَلَى هَذِهِ) وَلَفْظُ مُسْلِمٍ مَا يَزِيدُ عَلَى أَنْ يَقُولَ بِيَدِهِ هَكَذَا وَأَشَارَ بِأُصْبُعِهِ الْمُسَبِّحَةِ وَلَفْظُ النَّسَائِيِّ مَا زَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى هَذَا وَأَشَارَ بِأُصْبُعِهِ السَّبَّابَةِ قَالَ الطِّيبِيُّ وَالْمَعْنَى أَيْ يُشِيرُ عِنْدَ التَّكَلُّمِ فِي الْخُطْبَةِ بِأُصْبُعِهِ يُخَاطِبُ النَّاسَ وَيُنَبِّهُهُمْ عَلَى الِاسْتِمَاعِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ(3/319)
[1105] (عن بن أَبِي ذُبَابٍ) اسْمُهُ حَارِثُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ (شَاهِرًا يَدَيْهِ) أَيْ مُظْهِرًا رَافِعًا يَدَيْهِ حَيْثُ يَظْهَرُ بَيَاضُ إِبْطَيْهِ أَوْ نَحْوُهُ وَكَأَنَّهُ أَرَادَ الْمُبَالَغَةَ وَإِلَّا فَالرَّفْعُ مَعْلُومٌ عِنْدَ الدُّعَاءِ (وَلَا غَيْرِهِ) أَيِ الْمِنْبَرِ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ دَأْبِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَرْفَعَ يَدَيْهِ إِلَى هَذَا الْحَدِّ (يَقُولُ هَكَذَا) أَيْ يُشِيرُ هَكَذَا (وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ) كَأَنَّهُ يَرْفَعُهَا عِنْدَ التَّشَهُّدِ
وَهَذَا الْحَدِيثُ وَقَعَ جَوَابًا وَكَأَنَّ سَائِلًا سَأَلَ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ هَلْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو عَلَى الْمِنْبَرِ شَاهِرًا يَدَيْهِ فَأَجَابَ سَهْلٌ بِأَنَّهُ مَا رَأَيْتُ ذَلِكَ يَفْعَلُهُ بِالْوَصْفِ الْمَذْكُورِ إِنَّمَا رَأَيْتُهُ يُشِيرُ وَقْتَ الْمَوْعِظَةِ بِالسَّبَّابَةِ وَيَعْقِدُ الْوُسْطَى بِالْإِبْهَامِ كَأَنَّهُ يَرْفَعُهَا عِنْدَ التَّشَهُّدِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ الْقُرَشِيُّ الْمَدَنِيُّ وَيُقَالُ لَهُ عَبَّادُ بْنُ إِسْحَاقَ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُعَاوِيَةَ وَفِيهِمَا مَقَالٌ
5 - (بَاب إِقْصَارِ الْخُطَبِ)
[1106] (بِإِقْصَارِ الْخُطَبِ) إِنَّمَا إِقْصَارُ الْخُطْبَةِ عَلَامَةٌ مِنْ فِقْهِ الرَّجُلِ لِأَنَّ الْفَقِيهَ هُوَ الْمُطَّلِعُ عَلَى جَوَامِعِ الْأَلْفَاظِ فَيَتَمَكَّنُ بِذَلِكَ مِنَ التَّعْبِيرِ بِاللَّفْظِ الْمُخْتَصَرِ عَلَى الْمَعَانِي الْكَثِيرَةِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ أَبُو رَاشِدٍ هَذَا سَمِعَ عَمَّارًا لَمْ يُسْهَمْ وَلَمْ يُنْسَبْ
[1107] 1 (لَا يُطِيلُ الْمَوْعِظَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ) قَالَ فِي النَّيْلِ الْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ والمنذري(3/320)
وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ شَيْبَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّحْوِيِّ عَنْ سِمَاكٍ وَرِجَالٍ إِسْنَادُهُ ثِقَاتٌ
وَفِيهِ أَنَّ الْوَعْظَ فِي الْخُطْبَةِ مَشْرُوعٌ وَأَنَّ إِقْصَارَ الخطبة أولى من إطالتها
6 - (بَاب الدُّنُوِّ مِنْ الْإِمَامِ عِنْدَ الْمَوْعِظَةِ)
[1108] (وَجَدْتُ فِي كِتَابِ أَبِي) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي السُّنَنِ الْكُبْرَى كَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقَدْ أَخْبَرَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حِمْدَانَ الصَّيْرَفِيُّ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي أَخْبَرَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ فَذَكَرَهُ
قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَلَا أَظُنُّهُ إِلَّا وَهْمًا فِي ذِكْرِ سَمَاعِ مُعَاذٍ عَنْ أَبِيهِ هُوَ أَوْ شَيْخِهِ فَأَمَّا إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي فَهُوَ أَجَلُّ مِنْ ذَلِكَ انْتَهَى (جُنْدُبٍ) بِفَتْحِ الدَّالِ وَضَمِّهَا (اُحْضُرُوا الذِّكْرَ) أَيِ الْخُطْبَةَ الْمُشْتَمِلَةَ عَلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَتَذْكِيرِ الْأَنَامِ (وَادْنُوا) أَيِ اقْرَبُوا قَدْرَ مَا أَمْكَنَ (مِنَ الْإِمَامِ) يَعْنِي إِذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَانِعٌ مِنَ الدُّنُوِّ (فَإِنَّ الرَّجُلَ لَا يَزَالُ يَتَبَاعَدُ) أَيْ عَنْ مواطن الخيرات بلا عذر (حتى يؤخر الْجَنَّةِ) أَيْ فِي دُخُولِهَا أَوْ دَرَجَاتِهَا
قَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ لَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَتَبَاعَدُ عَنِ اسْتِمَاعِ الْخُطْبَةِ وَعَنِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ الَّذِي هُوَ مَقَامُ الْمُقَرَّبِينَ حَتَّى يُؤَخَّرَ إِلَى آخِرِ صَفِّ الْمُتَسَلِّقِينَ
وَفِيهِ تَوْهِينُ أَمْرِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَتَسْفِيهُ رَأْيِهِمْ حَيْثُ وَضَعُوا أَنْفُسَهُمْ مِنْ أَعَالِي الْأُمُورِ إِلَى أَسَافِلِهَا (وَإِنْ دَخَلَهَا) فِيهِ تَعْرِيضٌ بِأَنَّ الدَّاخِلَ قَنَعَ مِنَ الْجَنَّةِ وَمِنَ الدَّرَجَاتِ الْعَالِيَةِ وَالْمَقَامَاتِ الرَّفِيعَةِ بِمُجَرَّدِ الدُّخُولِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ وَفِي النَّيْلِ الْحَدِيثُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ انْقِطَاعٌ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ حُضُورِ الْخُطْبَةِ وَالدُّنُوِّ مِنَ الْإِمَامِ لِمَا فِي الْأَحَادِيثِ مِنَ الْحَضِّ عَلَى ذَلِكَ وَالتَّرْغِيبِ إِلَيْهِ وَفِيهِ أَنَّ التَّأَخُّرَ عَنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ مِنْ أَسْبَابِ التَّأَخُّرِ عَنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ
جَعَلَنَا اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ في دخولها(3/321)
27 - (بَاب الْإِمَامِ يَقْطَعُ الْخُطْبَةَ لِلْأَمْرِ يَحْدُثُ)
[1109] (يَعْثُرَانِ) مِنَ الْعَثْرَةُ وَهِيَ الزَّلَّةُ مِنْ بَابِ نَصَرَ (فَنَزَلَ) أَيْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْمِنْبَرِ (ثُمَّ قَالَ صَدَقَ اللَّهُ) إِلَخْ فِيهِ جَوَازُ الْكَلَامِ فِي الْخُطْبَةِ لِلْأَمْرِ يَحْدُثُ
وَمَا قَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ إِذَا تَكَلَّمَ أَعَادَ الْخُطْبَةَ فَهُوَ بَاطِلٌ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَالسُّنَّةُ أَوْلَى مَا اُتُّبِعَ (ثُمَّ أَخَذَ فِي الْخُطْبَةِ) أَيْ شَرَعَ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ إِنَّمَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ
هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ
وَالْحُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ هُوَ أَبُو قَاضِي مَرْوٍ ثِقَةٌ احْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ
(بَاب الِاحْتِبَاءِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ)
[1110] (نَهَى عَنِ الْحُبْوَةِ) هِيَ أَنْ يُقِيمَ الْجَالِسُ رُكْبَتَيْهِ وَيُقِيمَ رِجْلَيْهِ إِلَى بَطْنِهِ بِثَوْبٍ
يَجْمَعهُمَا بِهِ مع ظهره ويشد عليهما ويكون أَلْيَتَاهُ عَلَى الْأَرْضِ وَقَدْ يَكُونُ الِاحْتِبَاءُ بِالْيَدَيْنِ عِوَضَ الثَّوْبِ يُقَالُ احْتَبَى احْتِبَاءً وَالِاسْمُ الْحُبْوَةُ بِالضَّمِّ وَالْكَسْرِ مَعًا وَالْجَمْعُ حِبًى وَحُبًى بِالضَّمِّ وَالْكَسْرِ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَإِنَّمَا نَهَى عَنِ الِاحْتِبَاءِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لِأَنَّهُ يَجْلِبُ النَّوْمَ وَيُعَرِّضُ طهارته للانتقاض(3/322)
وَقَدْ وَرَدَ النَّهْي عَنِ الِاحْتِبَاءِ مُطْلَقًا غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِحَالِ الْخُطْبَةِ وَلَا بِيَوْمِ الْجُمُعَةِ لِأَنَّهُ مَظِنَّةٌ لِانْكِشَافِ عَوْرَةِ مَنْ كَانَ عَلَيْهِ ثَوْبٌ وَاحِدٌ
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي كَرَاهِيَةِ الِاحْتِبَاءِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ بِالْكَرَاهَةِ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ كَمَا قَالَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْهُمْ عُبَادَةُ بْنُ نُسَيِّ
قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَوَرَدَ عَنْ مَكْحُولٍ وَعَطَاءٍ وَالْحَسَنِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يَحْتَبُوا وَالْإِمَامُ يخطب يوم الجمعة رواه بن أَبِي شَيْبَةَ فِي الْمُصَنَّفِ قَالَ وَلَكِنَّهُ قَدِ اُخْتُلِفَ عَنِ الثَّلَاثَةِ فَنُقِلَ عَنْهُمُ الْقَوْلُ بِالْكَرَاهَةِ وَنُقِلَ عَنْهُمْ عَدَمُهَا
وَذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ كَمَا قَالَ الْعِرَاقِيُّ إِلَى عَدَمِ الْكَرَاهَةِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ
هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ
وَسَهْلُ بْنُ مُعَاذٍ كُنْيَتُهُ أَبُو أَنَسٍ جُهَنِيٌّ مِصْرِيٌّ ضَعَّفَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَتَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُهُ وَأَبُو مَرْحُومٍ عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مَيْمُونٍ مَوْلَى بَنِي لَيْثٍ مِصْرِيٌّ أَيْضًا ضَعَّفَهُ بْنُ مَعِينٍ
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ لَا يُحْتَجُّ بِهِ
[1111] (جُلُّ مَنْ) أَيْ أَكْثَرُ
وَفِي النَّيْلِ وَالْأَثَرُ الَّذِي رَوَاهُ يَعْلَى بْنُ شَدَّادٍ عَنِ الصَّحَابَةِ سَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْمُنْذِرِيُّ وَفِي إِسْنَادِهِ سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزبرقان وفيه لين وقد وثقه بن حبان
(كان بن عمر) أثر بن عمر وصله بن أَبِي شَيْبَةَ فِي الْمُصَنَّفِ حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ نَافِعٍ عن بن عمر أنه كان يحتبىء وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ ثُمَّ سَاقَ بِسَنَدَيْنِ آخَرَيْنِ عَنِ بن عمر كَذَا (أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ) الصَّحَابِيُّ (وَشُرَيْحٌ) الْقَاضِي مُخَضْرَمٌ وَقِيلَ لَهُ صُحْبَةٌ (وَصَعْصَعَةُ بْنُ صُوحَانَ) تَابِعِيٌّ كَبِيرٌ مُخَضْرَمٌ قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ (لا بأس بها) أي بالحبوة
وأخرج بن أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ عَنْ سَالِمٍ الْخَيَّاطِ قَالَ رَأَيْتُ الْحَسَنَ وَمُحَمَّدًا وَعِكْرِمَةَ بْنَ خَالِدٍ الْمَخْزُومِيِّ وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَأَبَا الزُّبَيْرِ وَعَطَاءً يَحْتَبُونَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ (وَلَمْ يَبْلُغْنِي أَنَّ أَحَدًا) مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَأَتْبَاعِهِمْ (كَرِهَهَا) أَيِ الْحُبْوَةَ (إِلَّا(3/323)
عُبَادَةَ بْنَ نُسَيٍّ) الشَّامِيَّ مِنَ التَّابِعِينَ لَكِنْ أخرج بن أَبِي شَيْبَةَ فِي الْمُصَنَّفِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُصْعَبٍ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ مَكْحُولٍ وَعَطَاءٍ وَالْحَسَنِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يَحْتَبُوا وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ
وَالْحَاصِلُ أَنَّ حَدِيثَ النَّهْيِ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَ الْمُؤَلِّفِ أَوْ ثَبَتَ لَكِنْ ثَبَتَ عِنْدَهُ نَسْخُهُ بِفِعْلِ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ الَّذِي رَوَى حَدِيثَ النَّهْيِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
9 - (بَاب الْكَلَامِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ)
[1112] (إِذَا قُلْتَ) أَيْ لِصَاحِبِكَ كَمَا فِي رِوَايَةِ (أَنْصِتْ) مِنَ الْإِنْصَاتِ بِمَعْنَى السُّكُوتِ مَقُولُ الْقَوْلِ (وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ مُشْعِرَةٌ بِأَنَّ ابْتِدَاءَ الْإِنْصَاتِ مِنَ الشُّرُوعِ فِي الْخُطْبَةِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ بِخُرُوجِ الْإِمَامِ نَعَمِ الْأَحْسَنُ الْإِنْصَاتُ (فَقَدْ لَغَوْتَ) قَالَ النَّوَوِيُّ وَمَعْنَى فَقَدْ لَغَوْتَ أَيْ قُلْتَ اللَّغْوَ وَهُوَ الْكَلَامُ الْمَلْغِيُّ السَّاقِطُ الْبَاطِلُ الْمَرْدُودُ وَقِيلَ مَعْنَاهُ قُلْتَ غَيْرَ الصَّوَابِ وَقِيلَ تَكَلَّمْتَ بِمَا لَا يَنْبَغِي فَفِي الْحَدِيثِ النَّهْيُ عَنْ جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْكَلَامِ حَالَ الْخُطْبَةِ وَنَبَّهَ بِهَذَا عَلَى مَا سِوَاهُ لِأَنَّهُ إِذَا قَالَ أَنْصِتْ وَهُوَ فِي الْأَصْلِ أَمْرٌ بِمَعْرُوفٍ وَسَمَّاهُ لَغْوًا فَغَيْرُهُ مِنَ الْكَلَامِ أَوْلَى وَإِنَّمَا طَرِيقُهُ إِذَا أَرَادَ بِهِ نَهْيَ غَيْرِهِ عَنِ الْكَلَامِ أَنْ يُشِيرَ إِلَيْهِ بِالسُّكُوتِ إِنْ فَهِمَهُ فَإِنْ تَعَذَّرَ فَهْمُهُ فَلْيُفْهِمْهُ بِكَلَامٍ مُخْتَصَرٍ وَلَا يَزِيدُ عَلَى أَقَلِّ مُمْكِنٍ
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْكَلَامِ هَلْ هُوَ حَرَامٌ أَوْ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ وَهُمَا قولان الشافعي
قَالَ الْقَاضِي قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَعَامَّةُ الْعُلَمَاءِ يَجِبُ الْإِنْصَاتُ لِلْخُطْبَةِ
وَحُكِيَ عَنِ النَّخَعِيِّ وَالشَّعْبِيِّ وَبَعْضِ السَّلَفِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ إلا إذا تلي فِيهَا الْقُرْآنَ قَالَ وَاخْتَلَفُوا إِذَا لَمْ يَسْمَعِ الْإِمَامَ هَلْ يَلْزَمُهُ الْإِنْصَاتُ كَمَا لَوْ سَمِعَهُ فَقَالَ الْجُمْهُورُ يَلْزَمُهُ وَقَالَ النَّخَعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ لَا يَلْزَمُهُ
وَفِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ وُجُوبَ الْإِنْصَاتِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْكَلَامِ إِنَّمَا هُوَ فِي حَالِ الْخُطْبَةِ وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَالْجُمْهُورِ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجِبُ الْإِنْصَاتُ بِخُرُوجِ الْإِمَامِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ ومسلم والنسائي وبن مَاجَهْ
[1113] (يَحْضُرُ الْجُمُعَةَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ) أَيِ اتَّصَفُوا بِأَوْصَافِ ثَلَاثَةٍ (فَرَجُلٌ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ بالفاء(3/324)
وَفِي بَعْضِهَا رَجُلٌ بِحَذْفِهَا وَالْفَاءُ تَفْصِيلِيَّةٌ لِأَنَّ التَّقْسِيمَ حَاصِرٌ فَإِنَّ حَاضِرِي الْجُمُعَةِ ثَلَاثَةٌ فَمِنْ رَجُلٍ لَاغٍ مُؤْذٍ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ فَحَظُّهُ مِنَ الْحُضُورِ اللَّغْوُ وَالْأَذَى وَمِنْ ثَانٍ طَالِبٍ حَظَّهُ غَيْرِ مُؤْذٍ فَلَيْسَ عَلَيْهِ وَلَا لَهُ إِلَّا أَنْ يَتَفَضَّلَ اللَّهُ بِكَرْمِهِ فَيُسْعِفَ مَطْلُوبَهُ وَمِنْ ثَالِثٍ طَالِبٍ رِضَا اللَّهِ عَنْهُ مُتَحَرٍّ احْتِرَامَ الْخَلْقِ فَهُوَ هُوَ ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ (حَضَرَهَا يَلْغُو) حَالٌ مِنَ الْفَاعِلِ (وَهُوَ) اللَّغْوُ (حَظُّهُ) أَيْ حَظُّ ذَلِكَ الرَّجُلِ (مِنْهَا) أَيْ مِنْ حضورها
قال بن حَجَرٍ الْمَكِّيُّ أَيْ لَا حَظَّ لَهُ كَامِلَ لِأَنَّ اللَّغْوَ يَمْنَعُ كَمَالَ ثَوَابِ الْجُمُعَةِ وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِاللَّغْوِ مَا يَشْمَلُ التَّخَطِّيَ وَالْإِيذَاءَ بِدَلِيلِ نَفْيِهِ عَنِ الثَّالِثِ أَيْ فَذَلِكَ الْأَذَى حَظُّهُ (وَرَجُلٍ حَضَرَهَا يَدْعُو) أَيْ مُشْتَغِلًا بِهِ حَالَ الْخُطْبَةِ حَتَّى مَنَعَهُ ذَلِكَ مِنْ أَصْلِ سَمَاعِهِ أَوْ كَمَالِهِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ فِي الثَّالِثِ بِإِنْصَاتٍ وَسُكُوتٍ (إِنْ شَاءَ أَعْطَاهُ) أَيْ مُدَّعَاهُ لِسَعَةِ حِلْمِهِ وَكَرْمِهِ (وَإِنْ شَاءَ مَنَعَهُ) عِقَابًا عَلَى مَا أَسَاءَ بِهِ مِنْ اشْتِغَالِهِ بِالدُّعَاءِ عَنْ سَمَاعِ الْخُطْبَةِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ (وَرَجُلٍ حَضَرَهَا بِإِنْصَاتٍ) أَيْ مُقْتَرِنًا بِسُكُوتٍ مَعَ اسْتِمَاعٍ (وَسُكُوتٍ) أَيْ مُجَرَّدٌ فَالْأَوَّلُ إِذَا كَانَ قَرِيبًا وَالثَّانِي إِذَا كَانَ بَعِيدًا وَهُوَ يُؤَيِّدُ قول محمد بن أبي سلمة وبن الْهُمَامِ مِنَ الْأَئِمَّةِ الْحَنَفِيَّةِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْإِنْصَاتَ وَالسُّكُوتَ بِمَعْنًى وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا لِلتَّأْكِيدِ وَمَحَلُّهُ إِذَا سَمِعَ الْخُطْبَةَ فَفِي النِّهَايَةِ الْإِنْصَاتُ أَنْ يَسْكُتَ سُكُوتَ مُسْتَمِعٍ وَفِي الْقَامُوسِ أَنْصَتَ سَكَتَ وَأَنْصَتَ لَهُ سَكَتَ لَهُ وَاسْتَمَعَ لِحَدِيثِهِ وَأَنْصَتَهُ أَسْكَتَهُ
انْتَهَى
فَيَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى الْمُتَعَدِّي بِأَنَّهُ يُسْكِتُ النَّاسَ بِالْإِشَارَةِ فَإِنَّ التَّأْسِيسَ أَوْلَى مِنَ التَّأْكِيدِ
قال بن حَجَرٍ الْمَكِّيُّ بِإِنْصَاتٍ لِلْخَطِيبِ وَسُكُوتٍ عَنِ اللَّغْوِ (وَلَمْ يَتَخَطَّ رَقَبَةَ مُسْلِمٍ) أَيْ لَمْ يَتَجَاوَزْ عَنْهَا (وَلَمْ يُؤْذِ أَحَدًا) أَيْ بِنَوْعٍ آخَرَ مِنَ الْأَذَى كَالْإِقَامَةِ مِنْ مَكَانِهِ أَوِ الْقُعُودِ عَلَى بَعْضِ أَعْضَائِهِ أَوْ عَلَى سَجَّادَتِهِ بِغَيْرِ رِضَاهُ أَوْ بِنَحْوِ رَائِحَةِ ثُومٍ أَوْ بَصَلٍ (فَهِيَ) أَيْ جُمْعَتُهُ الشَّامِلَةُ لِلْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ وَالْأَوْصَافِ الْمَذْكُورَةِ (كَفَّارَةٌ) أَيْ لَهُ
قَالَهُ الطِّيبِيُّ أَيْ لِذُنُوبِهِ مِنْ حِينِ انْصِرَافِهِ (إِلَى الْجُمُعَةِ الَّتِي) أَيْ إِلَى مِثْلِ تِلْكَ السَّاعَةِ مِنَ الْجُمُعَةِ التي (تليها) أي تقر بِهَا وَهِيَ الَّتِي قَبْلَهَا عَلَى مَا وَرَدَ مَنْصُوصًا (وَزِيَادَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى الْجُمُعَةِ (وَذَلِكَ) أَيْ مَا ذَكَرَ مِنْ كَفَّارَةِ مَا بَيْنَ الْجُمُعَتَيْنِ مِنَ السَّبْعَةِ وَزِيَادَةِ ثَلَاثَةٍ (بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ) أَيْ بِسَبَبِ مُطَابَقَةِ قَوْلِهِ تَعَالَى (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ(3/325)
أمثالها) فَإِنَّهُ لَمَّا قَامَ بِتَعْظِيمِ هَذَا الْيَوْمِ فَقَدْ جَاءَ بِحَسَنَةٍ تُكَفِّرُ ذَنْبَهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَتَتَعَدَّى الْكَفَّارَةُ إِلَى الْأَيَّامِ الْمَاضِيَةِ بِحُكْمِ أَقَلِّ التضاعف في الحسنة
والحديث أخرجه أيضا بن خزيمة في صحيحه
قاله علي القارىء
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ قَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ
0 - (بَاب استئذان المحدث للإمام)
[1114] (فَلْيَأْخُذْ بِأَنْفِهِ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ إِنَّمَا أَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِأَنْفِهِ لِيُوهِمَ الْقَوْمَ أَنَّ بِهِ رُعَافًا
وَفِي هَذَا الْبَابِ مِنَ الْأَخْذِ بِالْأَدَبِ فِي سَتْرِ الْعَوْرَةِ وَإِخْفَاءِ الْقَبِيحِ وَالتَّوْرِيَةِ بِمَا هُوَ أَحْسَنُ وَلَيْسَ يَدْخُلُ فِي بَابِ الرِّيَاءِ وَالْكَذِبِ وَإِنَّمَا هُوَ مِنَ التَّجَمُّلِ وَاسْتِعْمَالِ الْحَيَاءِ وَطَلَبِ السَّلَامَةِ مِنَ النَّاسِ
كَذَا فِي مِرْقَاةِ الصُّعُودِ قَالَ الْحَافِظُ الْإِمَامُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ بَابِ استئذان من حديث إِمَامَهُ فِي الْخُرُوجِ رُوِّينَا عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا أَنَّهُ قَالَ إِذَا أَحْدَثَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَلْيُمْسِكْ عَلَى أَنْفِهِ ثُمَّ لِيَخْرُجْ هَكَذَا رَوَاهُ الثَّوْرِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ هِشَامٍ مُرْسَلًا
وَقَدْ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَحْمَدَ الْأَصْبَهَانِيُّ الْحَافِظُ حَدَّثَنَا هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إِذَا أَحْدَثَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَلْيَأْخُذْ عَلَى أَنْفِهِ فَلْيَنْصَرِفْ وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ الْفَضْلِ السِّوَائِيُّ حَدَّثَنَا جَدِّي حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى فَذَكَرَهُ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَأْخُذْ عَلَى أَنْفِهِ فَلْيَنْصَرِفْ فليتوضأ تابعه بن جُرَيْجٍ وَعُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ هِشَامٍ فِي وَصْلِهِ
وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنْ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَأْذِنَ الْإِمَامَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ وَأَنَّ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يذهبوا حتى يستأذنوه خَاصٌّ فِي الْحَرْبِ وَنَحْوِهَا انْتَهَى كَلَامُهُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَذُكِرَ أَنَّ حَمَّادَ بْنَ سَلَمَةَ وَأَبَا أسامة رويا نحوه مرسلا
وأخرجه بن ماجه(3/326)
31 - (بَاب إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ)
[1115] (أَنَّ رَجُلًا جَاءَ) هُوَ سُلَيْكٌ بِضَمِّ السِّينِ كَمَا فِي الرِّوَايَةِ الْآتِيَةِ وَزَادَ مُسْلِمٌ عَنِ اللَّيْثِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ فَقَعَدَ سُلَيْكٌ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ (فَقَالَ) لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَصَلَّيْتَ) بِهَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ (قَالَ قُمْ فَارْكَعْ) وَالْحَدِيثُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ تُصَلَّى حَالَ الْخُطْبَةِ وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا طَائِفَةٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ وَيُخَفِّفُهُمَا لِيَفْرُغَ لِسَمَاعِ الْخُطْبَةِ
وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ إِلَى عَدَمِ شَرْعِيَّتِهِمَا حَالَ الْخُطْبَةِ وَالْحَدِيثُ هَذَا حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ وَقَدْ تَأَوَّلُوهُ بِأَحَدَ عَشَرَ تَأْوِيلًا كُلُّهَا مَرْدُودَةٌ سَرَدَهَا الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي بِرُدُودِهَا واستدلوا بقوله تعالى فاستمعوا له وأنصتوا وَلَا دَلِيلَ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ هَذَا خَاصٌّ وَذَلِكَ عَامٌّ وَلِأَنَّ الْخُطْبَةَ لَيْسَتْ قُرْآنًا وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى الرَّجُلَ أَنْ يَقُولَ لِصَاحِبِهِ وَالْخَطِيبُ يَخْطُبُ أَنْصِتْ وَهُوَ أَمْرٌ بِمَعْرُوفٍ وَجَوَابُهُ أَنَّ هَذَا أَمْرُ الشَّارِعِ وَهَذَا أَمْرُ الشَّارِعِ فَلَا تَعَارُضِ بَيْنَ أَمْرَيْهِ بَلِ الْقَاعِدُ يُنْصِتُ وَالدَّاخِلُ يَرْكَعُ التَّحِيَّةَ كَذَا فِي السُّبُلِ
وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ والنسائي وبن مَاجَهْ
[1116] (سُلَيْكٌ) بِضَمِّ السِّينِ وَفَتْحِ اللَّامِ (الْغَطَفَانِيُّ) بِفَتَحَاتِ (صَلِّ رَكْعَتَيْنِ) حَمَلَهُمَا الشَّافِعِيَّةُ عَلَى تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ فَإِنَّهَا وَاجِبَةٌ عِنْدَهُمْ وَكَذَا عِنْدَ أَحْمَدَ وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لَمَّا لَمْ تَجِبْ فِي غَيْرِ وَقْتِ الْخُطْبَةِ لَمْ تَجِبْ فِيهِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ
كَذَا قَالَ النَّوَوِيُّ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ جابر فقط وأخرجه بن ماجه بالإسنادين(3/327)
[1117] (فَلْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ) فِيهِ أَنَّ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ حَالَ الْخُطْبَةِ يَقْتَصِرُ عَلَى رَكْعَتَيْنِ
قَالَ فِي الْمُنْتَقَى وَمَفْهُومُهُ يَمْنَعُ مِنْ تَجَاوُزِ الرَّكْعَتَيْنِ بِمُجَرَّدِ خُرُوجِ الْإِمَامِ وَإِنْ لَمْ يَتَكَلَّمْ (يَتَجَوَّزُ فِيهِمَا) فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ التَّخْفِيفِ لِتِلْكَ الصَّلَاةِ لِيَتَفَرَّغَ لِسَمَاعِ الْخُطْبَةِ وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْقَائِلِينَ بِأَنَّهَا تُشْرَعُ صَلَاةُ التَّحِيَّةِ حَالَ الْخُطْبَةِ
وَقَالَ النَّوَوِيُّ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ كُلُّهَا صَرِيحَةٌ فِي الدَّلَالَةِ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَفُقَهَاءِ الْمُحَدِّثِينَ أَنَّهُ إِذَا دَخَلَ الْجَامِعَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ وَيُكْرَهُ الْجُلُوسُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَهَا وَأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَجَوَّزَ فِيهِمَا لِيَسْمَعَ بَعْدَهُمَا الْخُطْبَةَ
وَحُكِيَ هَذَا الْمَذْهَبُ أَيْضًا عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَغَيْرِهِ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ
قَالَ الْقَاضِي وَقَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَجُمْهُورُ السَّلَفِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَا يُصَلِّيهِمَا وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَحُجَّتُهُمُ الْأَمْرُ بِالْإِنْصَاتِ لِلْإِمَامِ وَتَأَوَّلُوا هَذِهِ الْأَحَادِيثَ أَنَّهُ كَانَ عُرْيَانًا فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بِالْقِيَامِ لِيَرَاهُ النَّاسُ وَيَتَصَدَّقُوا عَلَيْهِ وَهَذَا تَأْوِيلٌ بَاطِلٌ يَرُدُّهُ صَرِيحُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ وَلْيَتَجَوَّزْ فِيهِمَا وَهَذَا نَصٌّ لَا يَتَطَرَّقُ إِلَيْهِ التَّأْوِيلُ وَلَا أَظُنُّ عَالِمًا يَبْلُغُهُ هَذَا اللَّفْظُ صَحِيحًا فَيُخَالِفُهُ
وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ أَيْضًا جَوَازُ الْكَلَامِ فِي الْخُطْبَةِ لِحَاجَةٍ وَفِيهَا جَوَازُهُ لِلْخَطِيبِ وَغَيْرِهِ وَفِيهَا الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالْإِرْشَادُ إِلَى الْمَصَالِحِ فِي كُلِّ حَالٍ وَمَوْطِنٍ
وَفِيهَا أَنَّ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ رَكْعَتَانِ وَأَنَّ نَوَافِلَ النَّهَارِ رَكْعَتَانِ وَأَنَّ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ لَا تَفُوتُ بِالْجُلُوسِ فِي حَقِّ جَاهِلِ حُكْمِهَا
وَقَدْ أَطْلَقَ الشَّافِعِيَّةُ فَوَاتَهَا بِالْجُلُوسِ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْعَالِمِ بِأَنَّهَا سُنَّةٌ
أَمَّا الْجَاهِلُ فَيَتَدَارَكُهَا على قرب لهذا الحديث
والمستنبط مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ أَنَّ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ لَا تُتْرَكُ فِي أَوْقَاتِ النَّهْيِ عَنِ الصَّلَاةِ وَأَنَّهَا ذَاتُ سَبَبٍ تُبَاحُ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَيَلْحَقُ بِهَا كُلُّ ذَوَاتِ الْأَسْبَابِ كَقَضَاءِ الْفَائِتَةِ وَنَحْوِهَا لِأَنَّهَا لَوْ سَقَطَتْ فِي حَالٍ لَكَانَ هَذَا الْحَالُ أَوْلَى بِهَا فَإِنَّهُ مَأْمُورٌ بِاسْتِمَاعِ الْخُطْبَةِ فَلَمَّا تَرَكَ لَهَا اسْتِمَاعَ الْخُطْبَةِ وَقَطَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهَا الْخُطْبَةَ وَأَمَرَهُ بِهَا بَعْدَ أَنْ قَعَدَ وَكَانَ هَذَا الْجَالِسُ جَاهِلًا حُكْمَهَا دَلَّ عَلَى تَأَكُّدِهَا وَأَنَّهَا لَا تُتْرَكُ بِحَالٍ وَلَا فِي وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ(3/328)
32 - (بَاب تَخَطِّي رِقَابِ النَّاسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ)
[1118] (يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ) قَدْ فَرَّقَ النَّوَوِيُّ بَيْنَ التَّخَطِّي والتفريق بين الاثنين وجعل بن قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي التَّخَطِّيَ هُوَ التَّفْرِيقَ
قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ التَّفْرِيقَ يَحْصُلُ بِالْجُلُوسِ بَيْنَهُمَا وَإِنْ لَمْ يَتَخَطَّ
وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي حُكْمِ التَّخَطِّي يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَاكِيًا عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ إِنَّهُمْ كَرِهُوا تَخَطِّي الرِّقَابِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَشَدَّدُوا فِي ذَلِكَ
وَحَكَى أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ عَنِ الشَّافِعِيِّ التَّصْرِيحَ بِالتَّحْرِيمِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ إِنَّ الْمُخْتَارَ تَحْرِيمُهُ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَاقْتَصَرَ أَصْحَابُ أَحْمَدَ عَلَى الْكَرَاهَةِ فَقَطْ
وَرَوَى الْعِرَاقِيُّ عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ أَنَّهُ قَالَ لَأَنْ أَدَعَ الْجُمُعَةَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَتَخَطَّى الرِّقَابَ
وَقَالَ بن الْمُسَيَّبِ لَأَنْ أُصَلِّيَ الْجُمُعَةَ بِالْحَرَّةِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ التَّخَطِّي
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ نَحْوُهُ وَلَا يَصِحُّ عَنْهُ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ صَالِحٍ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ عَنْهُ
قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَقَدِ اسْتُثْنِيَ مِنَ التَّحْرِيمِ أَوِ الْكَرَاهَةِ الْإِمَامُ أَوْ مَنْ كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ فُرْجَةٌ لَا يَصِلُ إِلَيْهَا إِلَّا بِالتَّخَطِّي وَهَكَذَا أَطْلَقَ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ وَقَيَّدَ ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فَقَالَ إِذَا لَمْ يَجِدْ طَرِيقًا إِلَى الْمِنْبَرِ أَوِ الْمِحْرَابِ إِلَّا بِالتَّخَطِّي لَمْ يُكْرَهْ لِأَنَّهُ ضَرُورَةٌ وَرُوِيَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَحَدِيثُ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ الْمَرْوِيُّ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ قَالَ صَلَّيْتُ وَرَاءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ الْعَصْرَ ثُمَّ قَامَ مُسْرِعًا فَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ إِلَى بَعْضِ حُجَرِ نِسَائِهِ فَفَزِعَ النَّاسُ مِنْ سُرْعَتِهِ فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ التَّخَطِّي لِلْحَاجَةِ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ فَمَنْ خَصَّصَ الْكَرَاهَةَ بِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ فَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَهُمَا عِنْدَهُ وَمَنْ عَمَّمَ الْكَرَاهَةَ لِوُجُودِ عِلَّةِ التَّأَذِّي فَهُوَ مُحْتَاجٌ إِلَى الِاعْتِذَارِ عَنْهُ وَقَدْ خَصَّ الْكَرَاهَةَ بَعْضُهُمْ بِغَيْرِ مَنْ يَتَبَرَّكُ النَّاسُ بِمُرُورِهِ وَيَسُرُّهُمْ ذَلِكَ وَلَا يَتَأَذَّوْنَ لِزَوَالِ عِلَّةِ الْكَرَاهَةِ بَعْضُهُمْ بِغَيْرِ مَنْ يَتَبَرَّكُ النَّاسُ بِمُرُورِهِ وَيَسُرُّهُمْ ذَلِكَ وَلَا يَتَأَذَّوْنَ لِزَوَالِ عِلَّةِ الْكَرَاهَةِ الَّتِي هِيَ التَّأَذِّي قَالَهُ الشَّوْكَانِيُّ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ
وَأَبُو الزَّاهِرِيَّةِ اسْمُهُ حُدَيْرُ بْنُ كُرَيْبٍ حِمْيَرِيُّ وَيُقَالُ حَضْرَمِيٌّ شَامِيٌّ أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ(3/329)
33 - (بَاب الرَّجُلِ يَنْعَسُ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ)
[1119] (إِذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ) لَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ جَمِيعَ الْيَوْمِ بَلِ الْمُرَادُ بِهِ إِذَا كَانَ فِي الْمَسْجِدِ يَنْتَظِرُ صَلَاةَ الْجُمُعَةِ كَمَا وَرَدَ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ فِي مُسْنَدِهِ بِلَفْظِ إِذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ فِي الْمَسْجِدِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَسَوَاءٌ فِيهِ حَالُ الْخُطْبَةِ أَوْ قَبْلَهَا لَكِنْ حَالُ الْخُطْبَةِ أَكْثَرُ (فَلْيَتَحَوَّلْ) وَالْحِكْمَةُ فِي الْأَمْرِ بِالتَّحَوُّلِ أَنَّ الْحَرَكَةَ تُذْهِبُ النُّعَاسَ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْحِكْمَةَ فِيهِ انْتِقَالُهُ مِنَ الْمَكَانِ الَّذِي أَصَابَتْهُ فِيهِ الْغَفْلَةُ بِنَوْمِهِ وَإِنْ كَانَ النَّائِمُ لَا حَرَجَ عَلَيْهِ فَقَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِي قِصَّةِ نَوْمِهِمْ عَنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ فِي الْوَادِي بِالِانْتِقَالِ مِنْهُ وَأَيْضًا مَنْ جَلَسَ يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ فَهُوَ فِي صَلَاةٍ وَالنُّعَاسُ فِي الصَّلَاةِ مِنَ الشَّيْطَانِ فَرُبَّمَا كَانَ الْأَمْرُ بِالتَّحَوُّلِ لِإِذْهَابِ مَا هُوَ مَنْسُوبٌ إِلَى الشَّيْطَانِ مِنْ حَيْثُ غَفْلَةُ الْجَالِسِ فِي الْمَسْجِدِ عَنِ الذِّكْرِ أَوْ سَمَاعِ الْخُطْبَةِ أَوْ مَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ كَذَا ذَكَرَهُ فِي النَّيْلِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَفِيهِ إِذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الجمعة
4 - (باب الإمام يتكلم بعد ما يَنْزِلُ مِنْ الْمِنْبَرِ)
[1120] (لَا أَدْرِي كَيْفَ قَالَهُ مسلم أولا) ضمير قاله لقوله وهو بن حازم وقوله أولا بِسُكُونِ الْوَاوِ أَوْ عَاطِفَةٌ وَلَا نَافِيَةٌ وَالظَّاهِرُ أن يقال لا أدري أقاله مسلم أولا كَيْفَ قَالَهُ كَمَا لَا يَخْفَى
وَأَمَّا هَذَا الْكَلَامُ فَالظَّاهِرُ أَنْ يُقَدَّرَ كَيْفَ الْأَمْرُ ثُمَّ يُجْعَلَ قَالَهُ إِلَخْ بِتَقْدِيرِ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ لِجُمْلَةِ كَيْفَ الْأَمْرُ وَبَعْضُهُمْ ضَبَطُوا أَوَّلًا بِتَشْدِيدِ الْوَاوِ كَأَنَّ الْمَعْنَى لَا أَدْرِي كَيْفَ قَالَهُ مُسْلِمٌ أَوَّلَ مَا حَدَّثَنِي بِهِ وَهَذَا بَعِيدٌ كَذَا فِي فَتْحِ الْوَدُودِ لِلسِّنْدِيِّ
وَوُجِدَ فِي نُسْخَةِ الشَّيْخِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَالِمٍ بِتَسْكِينِ الْوَاوِ(3/330)
فِي الْأَصْلِ وَفِي الْهَامِشِ بَدَلَهَا أَمْ لَكِنْ نبه بن رَسْلَانَ بِتَشْدِيدِ الْوَاوِ وَهُوَ الَّذِي وَافَقَ الْمَقَامَ انْتَهَى
وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ بِقَوْلِهِ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مَيْمُونٍ حَدَّثَنَا الْفِرْيَابِيُّ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ أَنَسٍ الحديث
ولفظ بن مَاجَهْ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ الْحَدِيثَ
وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ أَخْبَرَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ أَخْبَرَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ الْحَدِيثَ (فَيَعْرِضُ لَهُ الرَّجُلُ) أَيْ فَيُكَلِّمُهُ الرَّجُلُ فِي الْحَاجَةِ (حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ) أَيْ يُكَلِّمَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا فِي رِوَايَةِ فَيُكَلِّمُهُ الرَّجُلُ فِي الْحَاجَةِ وَيُكَلِّمُهُ فِيهِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالْكَلَامِ بَعْدَ فَرَاغِ الْخَطِيبِ مِنَ الْخُطْبَةِ وَأَنَّهُ لَا يَحْرُمُ وَلَا يُكْرَهُ وَنَقَلَهُ بن قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي عَنْ عَطَاءٍ وَطَاوُسٍ وَالزُّهْرِيِّ وَبَكْرٍ الْمُزَنِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ومحمد
قال وروي ذلك عن بن عمر قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وبن مَاجَهْ
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ سَمِعْتُ مُحَمَّدًا يَعْنِي الْبُخَارِيَّ يَقُولُ وَهَمَ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَقَالَ وَجَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ رُبَّمَا يَهِمُ فِي الشَّيْءِ وَهُوَ صَدُوقٌ وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ تَفَرَّدَ بِهِ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ ثَابِتٍ (وَالْحَدِيثُ لَيْسَ بِمَعْرُوفٍ) وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ سَمِعْتُ مُحَمَّدًا يَقُولُ وَهَمَ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَالصَّحِيحُ مَا رَوَى ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ قَالَ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَأَخَذَ رَجُلٌ بِيَدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَا زَالَ يُكَلِّمُهُ حَتَّى نَعَسَ بَعْضُ الْقَوْمِ قَالَ مُحَمَّدٌ وَالْحَدِيثُ هُوَ هَذَا قَالَ مُحَمَّدٌ وَهَمَ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ فِي حَدِيثِ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَلَا تَقُومُوا حَتَّى تَرَوْنِي قَالَ مُحَمَّدٌ وَيُرْوَى عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ كُنَّا عِنْدَ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ فَحَدَّثَ حَجَّاجُ الصَّوَافُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَلَا تَقُومُوا حَتَّى تَرَوْنِي فَوَهَمَ جَرِيرُ فَظَنَّ أَنَّ ثَابِتًا حَدَّثَهُمْ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى كَلَامُهُ(3/331)
35 - (بَاب مَنْ أَدْرَكَ مِنْ الْجُمُعَةِ رَكْعَةً)
[1121] (مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصَّلَاةِ) وَفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ مَعَ الْإِمَامِ وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الْجُمُعَةِ رَكْعَةً فَلْيُصَلِّ إِلَيْهَا أُخْرَى وَمَنْ فَاتَتْهُ الرَّكْعَتَانِ فَلْيُصَلِّ أَرْبَعًا (فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ) قَالَ الشَّافِعِيُّ أَيْ لم تفته الجمعة صلاها ركعتين قال بن الْمَلِكِ فَيَقُومُ بَعْدَ تَسْلِيمِ الْإِمَامِ وَيُصَلِّي رَكْعَةً أُخْرَى
قَالَ الطِّيبِيُّ وَهَذَا مُخْتَصٌّ بِالْجُمُعَةِ وَالْأَظْهَرُ حَمْلُ هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى الْعُمُومِ وَلَا يُنَافِيهِ مَا وَرَدَ فِي خُصُوصِ الْجُمُعَةِ فِي حَدِيثِ من أدرك من الجمعة ركعة فليصل إليها أُخْرَى وَقَالَ النَّوَوِيُّ مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصَّلَاةِ فَقَدْ أَدْرَكَ تِلْكَ الصَّلَاةَ وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصَّلَاةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ وَفِي رِوَايَةِ مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ هَذَا لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَأَنَّهُ لَا يَكُونُ بِالرَّكْعَةِ مُدْرِكًا لِكُلِّ صَلَاةٍ وَتَكْفِيهِ وَتَحْصُلُ بَرَاءَتُهُ مِنَ الصَّلَاةِ بِهَذِهِ الرَّكْعَةِ بَلْ هُوَ مُتَأَوَّلٌ وَفِيهِ إِضْمَارٌ تَقْدِيرُهُ فَقَدْ أَدْرَكَ حُكْمَ الصَّلَاةِ أَوْ وُجُوبَهَا أَوْ فَضْلَهَا
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وبن ماجه
6 - (باب ما يقرأ فِي الْجُمُعَةِ)
[1122] (كَانَ يَقْرَأُ فِي الْعِيدَيْنِ) أَيِ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى أَيْ فِي صَلَاتِهِمَا (وَيَوْمَ الْجُمُعَةِ) أَيْ فِي صَلَاتِهَا (بِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) أَيْ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى بَعْدَ الْفَاتِحَةِ (وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ) أَيْ فِي الثَّانِيَةِ بَعْدَهَا وكأنه كان يقرأ ما ذكره بن عَبَّاسٍ تَارَةً مِنْ قِرَاءَةِ سُورَةِ الْجُمُعَةِ(3/332)
وَالْمُنَافِقِينَ كَمَا عِنْدَ مُسْلِمٍ وَمَا ذَكَرَهُ النُّعْمَانُ تَارَةً
وَفِي سُورَةِ سَبِّحْ وَالْغَاشِيَةِ مِنَ التَّذْكِيرِ بِأَحْوَالِ الْآخِرَةِ وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ مَا يُنَاسَبُ قِرَاءَتَهُمَا فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ الْجَامِعَةِ
وَقَدْ وَرَدَ فِي الْعِيدَيْنِ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ بِقَافٍ وَاقْتَرَبَتْ فَالسُّنَّةُ أَنْ يَقْرَأَ الْإِمَامُ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى بِالْجُمُعَةِ وَفِي الثَّانِيَةِ بِالْمُنَافِقِينَ أَوْ فِي الْأَوْلَى بِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى وَفِي الثَّانِيَةِ بِهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ أَوْ فِي الْأُولَى بِالْجُمُعَةِ وَفِي الثَّانِيَةِ بِهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ
قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَالْأَفْضَلُ مِنْ هَذِهِ الْكَيْفِيَّاتِ قِرَاءَةُ الْجُمُعَةِ فِي الْأُولَى ثُمَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الثَّانِيَةِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِيمَا رَوَاهُ عَنْهُ الرَّبِيعُ
وَقَدْ ثَبَتَتِ الْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا فَلَا وَجْهَ لِتَفْضِيلِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ إِلَّا أَنَّ الْأَحَادِيثَ الَّتِي فِيهَا لَفْظُ كَانَ مُشْعِرَةٌ بِأَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ فِي أَيَّامٍ مُتَعَدِّدَةٍ
وقال أبو حنيفة وأصحابه ورواه بن أَبِي شَيْبَةَ فِي الْمُصَنَّفِ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أنه يقرأ الإمام بما شاء
وقال بن عُيَيْنَةَ إِنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يَتَعَمَّدَ الْقِرَاءَةَ فِي الْجُمُعَةِ بِمَا جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ لِئَلَّا يُجْعَلَ ذَلِكَ مِنْ سننها وليس منها
قال بن العربي وهو مذهب بن مَسْعُودٍ وَقَدْ قَرَأَ فِيهَا أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ بالبقرة
وحكى بن عَبْدِ الْبَرِّ فِي الِاسْتِذْكَارِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ مِثْلَ قَوْلِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ
وَحُكِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِثْلُهُ وَخَالَفَهُمْ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ
وَمِمَّنْ خَالَفَهُمْ مِنَ الصَّحَابَةِ عَلِيٌّ وَأَبُو هُرَيْرَةَ
قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَأَبِي ثَوْرٍ انْتَهَى مُخْتَصَرًا
(وَرُبَّمَا اجْتَمَعَا) أَيِ الْعِيدُ وَالْجُمُعَةُ (فَقَرَأَ بِهِمَا) أَيْ بِهَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ
قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وبن مَاجَهْ
[1123] (أَنَّ الضَّحَّاكَ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ والنسائي وبن ماجه(3/333)
[1124] (يَقْرَأُ بِهِمَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مسلم والترمذي والنسائي وبن مَاجَهْ
[1125] (كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ بِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى إِلَخْ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ يَقْرَأُ فِي الْعِيدَيْنِ وَفِي الْجُمُعَةِ بِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ قَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ اسْتِحْبَابُ الْقِرَاءَةِ فِيهِمَا بِهِمَا وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ الْقِرَاءَةُ فِي الْعِيدِ بِقَافٍ وَاقْتَرَبَتْ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ فَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَقْتٍ يَقْرَأُ فِي الْجُمُعَةِ الْجُمُعَةَ وَالْمُنَافِقِينَ وَفِي وَقْتٍ سَبِّحْ وَهَلْ أَتَاكَ تَمَّ كَلَامُهُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ
(بَابُ الرَّجُلِ يَأْتَمُّ [1126] مِنَ الِائْتِمَامِ أَيْ يَقْتَدِي (بِالْإِمَامِ وَبَيْنَهُمَا جِدَارٌ))
هل يضر ذلك بالاقتداء أولا وَالظَّاهِرُ مِنْ حَدِيثِ الْبَابِ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْمَالِكِيَّةُ وَالْمَسْأَلَةُ ذَاتُ خِلَافٍ شَهِيرٍ وَمِنْهُمْ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْمَسْجِدَ وَغَيْرِهِ وَبَوَّبَ الْبُخَارِيُّ بِقَوْلِهِ بَابِ إِذَا كَانَ بَيْنَ الْإِمَامِ وَبَيْنَ الْقَوْمِ حَائِطٌ أَوْ سُتْرَةٌ
(فِي حُجْرَتِهِ) قَالَ الْحَافِظُ ظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُرَادَ حُجْرَةُ بَيْتِهِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ ذِكْرُ جِدَارِ الْحُجْرَةِ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ فِي حُجْرَتِهِ وَجِدَارُ الْحُجْرَةِ قَصِيرٌ الْحَدِيثَ وَأَوْضَحُ مِنْهُ رِوَايَةُ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ يَحْيَى عِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ بِلَفْظِ كَانَ يُصَلِّي فِي حُجْرَةٍ مِنْ حُجَرِ أَزْوَاجِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ الْحُجْرَةُ الَّتِي كَانَ احْتَجَرَهَا فِي الْمَسْجِدِ بِالْحَصِيرِ كَمَا فِي رِوَايَةٍ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبٍي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ وَكَذَا حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ
وَلِأَبِي دَاوُدَ وَمُحَمَّدِ بْنِ(3/334)
نَصْرٍ عَنْ أَبٍي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا هِيَ الَّتِي نَصَبَتْ لَهُ الْحَصِيرَ عَلَى بَابِ بَيْتِهَا فَإِمَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى التَّعَدُّدِ أَوْ عَلَى الْمَجَازِ فِي الْجِدَارِ وَفِي نِسْبَتِهِ الْحُجْرَةَ إِلَيْهَا (يَأْتَمُّونَ بِهِ مِنْ وَرَاءِ الْحُجْرَةِ) مُقْتَضَاهُ أَنَّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ بِصَلَاتِهِ وَهُوَ دَاخِلَ الْحُجْرَةِ وهم خارجها
وأخرج بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ صَالِحٍ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ قَالَ صَلَّيْتُ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ فَوْقَ الْمَسْجِدِ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ وَصَالِحٌ فِيهِ ضَعْفٌ لَكِنْ رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَاعْتَضَدَ
وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ أَيْضًا عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ فِي الرَّجُلِ يُصَلِّي خَلْفَ الْإِمَامِ أَوْ فَوْقَ السَّطْحِ يَأْتَمُّ بِهِ لا بأس بذلك
وأخرج بن أَبِي شَيْبَةَ عَنْ مُعْتَمِرٍ عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سَلِيمٍ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ نَحْوَهُ وَلَيْثٌ ضعيف لكن أخرجه عبد الرزاق عن بن التَّيْمِيِّ وَهُوَ مُعْتَمِرٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْهُ فَإِنْ كَانَ مَضْبُوطًا فَهُوَ إِسْنَادٌ صَحِيحٌ
كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ بِنَحْوِهِ
8 - (بَاب الصَّلَاةِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ)
[1127] (فِي مَقَامِهِ) أَيِ الْمَقَامِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ الْجُمُعَةَ (فَدَفَعَهُ) أَيْ مَنَعَهُ
[1128] (يُطِيلُ الصَّلَاةَ قَبْلَ الْجُمُعَةِ) وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الصَّلَاةِ قَبْلَ الْجُمُعَةِ وَلَمْ يَتَمَسَّكً الْمَانِعَ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا بِحَدِيثِ النَّهْيِ عَنِ الصَّلَاةِ وَقْتَ الزَّوَالِ وَهُوَ مَعَ كَوْنِ عُمُومِهِ مُخَصَّصًا بِيَوْمِ الْجُمُعَةِ لَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْمَنْعِ مِنَ الصَّلَاةِ قَبْلَ الْجُمُعَةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَغَايَةُ مَا فِيهِ الْمَنْعُ فِي وَقْتِ الزَّوَالِ وَهُوَ غَيْرُ مَحَلِّ النِّزَاعِ
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الصَّلَاةَ قَبْلَ الْجُمُعَةِ مُرَغَّبٌ فِيهَا عُمُومًا وَخُصُوصًا فَالدَّلِيلُ عَلَى مُدَّعِي الْكَرَاهَةِ عَلَى الْإِطْلَاقٍ قَالَهُ الشَّوْكَانِيُّ
وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ فصلى(3/335)
مَا قُدِّرَ لَهُ ثُمَّ أَنْصَتَ الْحَدِيثَ
وَأَخْرَجَ بن مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ بَقِيَّةَ عَنْ مُبَشِّرِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ حَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ عَطِيَّةَ العوفي عن بن عَبَّاسٍ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْكَعُ مِنْ قَبْلِ الْجُمُعَةِ أَرْبَعًا لَا يَفْصِلُ فِي شَيْءٍ مِنْهُنَّ وَهَذَا الْحَدِيثُ ضَعِيفٌ جِدًّا وَلَا تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ كَثِيرُ التَّدْلِيسِ وَمُبَشِّرٌ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ قَالَ أَحْمَدُ كَانَ يَضَعُ الْحَدِيثَ وَالْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ تركه يحيى القطان وبن مَهْدِيٍّ وَعَطِيَّةُ ضَعَّفَهُ الْجُمْهُورُ
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو شَامَةَ فِي كِتَابِ الْبَاعِثِ وَلَعَلَّ الْحَدِيثَ انْقَلَبَ عَلَى أَحَدِ هَؤُلَاءِ الضُّعَفَاءِ لِعَدَمِ ضَبْطِهِمْ وَإِتْقَانِهِمْ فَقَالَ قَبْلَ الْجُمُعَةِ وَإِنَّمَا هُوَ بَعْدَ الْجُمُعَةِ فَيَكُونُ مُوَافِقًا لِمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ انْتَهَى
وقال الترمذي وروي عن بن مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الْجُمُعَةِ أَرْبَعًا وبعدها أربعا وإليه ذهب الثوري وبن الْمُبَارَكِ (كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ) قَالَ أَبُو شَامَةَ فِي الْبَاعِثِ عَلَى إِنْكَارِ الْبِدَعِ وَالْحَوَادِثِ أَرَادَ بِقَوْلِهِ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي الركعتين بعد الجمعة في بيته ولا يصليهما فِي الْمَسْجِدِ وَذَلِكَ هُوَ الْمُسْتَحَبُّ وَقَدْ وَرَدَ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْحَدِيثِ وَأَرْشَدَ إِلَى هَذَا التَّأْوِيلِ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْأَدِلَّةِ عَلَى أَنَّهُ لا سنة للجمعة قبلها
وأما إطالة بن عُمَرَ الصَّلَاةَ قَبْلَ الْجُمُعَةِ فَذَلِكَ مِنْهُ وَمِنْ أَمْثَالِهِ تَطَوُّعًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُبَكِّرُونَ إِلَى حُضُورِ الْجُمُعَةِ فَيَشْتَغِلُونَ بِالصَّلَاةِ وَكَذَا المراد من صلاة بن مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَبْلَ الْجُمُعَةِ أَرْبَعًا أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ تَطَوُّعًا إِلَى خُرُوجِ الْإِمَامِ
فَمِنْ أَيْنَ لَكُمْ أَنَّهُ كَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّهَا سُنَّةُ الْجُمُعَةِ
وَقَدْ جَاءَ عَنْ غَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ
قَالَ أَبُو بكر بن المنذر روينا عن بن عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الْجُمُعَةِ اثْنَتَيْ عشرة ركعة
وعن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْهُمْ مِنْ بَابِ التَّطَوُّعِ مِنْ قِبَلِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ غَيْرِ تَوْقِيفٍ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِذَلِكَ اخْتَلَفَ الْعَدَدُ الْمَرْوِيُّ عَنْهُمْ وَبَابُ التَّطَوُّعِ مَفْتُوحٌ وَلَعَلَّ ذَلِكَ كَانَ يَقَعُ مِنْهُمْ أَوْ مُعْظَمُهُ قَبْلَ الْأَذَانِ وَدُخُولِ وَقْتِ الْجُمُعَةِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُبَكِّرُونَ وَيُصَلُّونَ حَتَّى يَخْرُجَ الْإِمَامُ
وَجَرَتْ عَادَةُ النَّاسِ أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ بَيْنَ الْأَذَانَيْنِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مُتَنَفِّلِينَ بِرَكْعَتَيْنِ أَوْ أَرْبَعٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ إِلَى خُرُوجِ الْإِمَامِ وَذَلِكَ جَائِزٌ وَمُبَاحٌ وَلَيْسَ بِمُنْكَرٍ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ صَلَّاهُ وَإِنَّمَا الْمُنْكَرُ اعتقاد العامة منهم ومعظم المتفقهه مِنْهُمْ أَنَّ ذَلِكَ سُنَّةٌ لِلْجُمُعَةِ قَبْلَهَا كَمَا يُصَلُّونَ السُّنَّةَ قَبْلَ الظُّهْرِ وَلَكَ ذَلِكَ بِمَعْزِلٍ عَنِ التَّحْقِيقِ وَالْجُمُعَةُ لَا سُنَّةَ لَهَا قَبْلَهَا كَالْعِشَاءِ وَالْمَغْرِبِ وَكَذَا الْعَصْرُ انْتَهَى كَلَامُهُ مُلَخَّصًا
قلت حديث بن عُمَرَ الَّذِي نَشْرَحُهُ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَقَالَ الْعِرَاقِيُّ فِي شرح الترمذي إسناده صحيح وقال الحافظ بن الملقن في رسالته(3/336)
إسناده صحيح لا جزم وأخرجه بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ انْتَهَى
وَأَمَّا الْمُشَارُ إِلَيْهِ في قول بن عُمَرَ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ فَالظَّاهِرُ مَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو شَامَةَ مِنْ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ فِي بَيْتِهِ
وَقَالَ الْحَافِظُ احتج النووي بحديث بن عُمَرَ عَلَى إِثْبَاتِ سُنَّةِ الْجُمُعَةِ الَّتِي قَبْلَهَا وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ قَوْلَهُ وَكَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ عَائِدٌ عَلَى قَوْلِهِ وَيُصَلِّي بَعْدَ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَيْنِ فِي بَيْتِهِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ اللَّيْثِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ كَانَ إِذَا صَلَّى الْجُمُعَةَ انْصَرَفَ فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ فِي بَيْتِهِ ثُمَّ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ ذَلِكَ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ
وَأَمَّا قَوْلُهُ كَانَ يُطِيلُ الصَّلَاةَ قَبْلَ الْجُمُعَةِ فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَرْفُوعًا لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَخْرُجُ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ فَيَشْتَغِلُ بِالْخُطْبَةِ ثُمَّ بِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ فَذَلِكَ مُطْلَقُ نَافِلَةٍ لَا صَلَاةُ رَاتِبَةٍ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِسُنَّةِ الْجُمُعَةِ الَّتِي قَبْلَهَا بَلْ هُوَ تَنَفُّلٌ مُطْلَقٌ وَقَدْ وَرَدَ التَّرْغِيبُ فِيهِ وَوَرَدَ فِي سُنَّةِ الْجُمُعَةِ الَّتِي قَبْلَهَا أَحَادِيثُ أُخْرَى ضَعِيفَةٌ انْتَهَى
وَيُؤَيِّدُ قَوْلَ الْحَافِظِ مَا أَخْرَجَهُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي الْمُصَنَّفِ حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ معاذ عن بن عون عن نافع قال كان بن عُمَرَ يَهْجُرُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَيُطِيلُ الصَّلَاةَ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ الْإِمَامُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ بِنَحْوِهِ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ بِمَعْنَاهُ
[1129] (صَلَّيْتُ مَعَهُ الْجُمُعَةَ فِي الْمَقْصُورَةِ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ قَصَرْتُهُ قصر أحبسته ومنه حور مقصورات في الخيام وَمَقْصُورَةُ الدَّارِ الْحُجْرَةُ مِنْهَا وَمَقْصُورَةُ الْمَسْجِدِ أَيْضًا انْتَهَى
قَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ اتِّخَاذِهَا فِي الْمَسْجِدِ إِذَا رَآهَا وَلِيُّ الْأَمْرِ مَصْلَحَةً
قَالُوا وَأَوَّلُ مَنْ عَمِلَهَا مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ حِينَ ضَرَبَهُ الْخَارِجِيُّ
قَالَ الْقَاضِي وَاخْتَلَفُوا فِي الْمَقْصُورَةِ فَأَجَازَهَا كَثِيرُونَ مِنَ السَّلَفِ وَصَلَّوْا فِيهَا مِنْهُمُ الْحَسَنُ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وسالم وغيرهم وكرهها بن عمر والشعبي وأحمد وإسحاق وكان بن عُمَرَ إِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ وَهُوَ فِي الْمَقْصُورَةِ خَرَجَ مِنْهَا إِلَى الْمَسْجِدِ
قَالَ الْقَاضِي وَقِيلَ إِنَّمَا يَصِحُّ فِيهَا الْجُمُعَةُ إِذَا كَانَتْ مُبَاحَةً لِكُلِّ أَحَدٍ فَإِنْ كَانَتْ مَخْصُوصَةً بِبَعْضِ النَّاسِ مَمْنُوعَةً مِنْ غَيْرِهِمْ لَمْ تَصِحَّ فِيهَا الْجُمُعَةُ لِخُرُوجِهَا عَنْ حُكْمِ الْجَامِعِ (لَا تَعُدْ) مِنَ الْإِعَادَةِ (فَلَا تَصِلْهَا) بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ وَسُكُونِ اللَّامِ الْمُخَفَّفَةِ مِنَ الْوَصْلِ أَيْ لَا تَصِلِ الْجُمُعَةُ بِصَلَاةٍ أُخْرَى (حَتَّى تَكَلَّمَ أَوْ تَخْرُجَ(3/337)
فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ النَّافِلَةَ الرَّاتِبَةَ وَغَيْرَهَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَحَوَّلَ لَهَا عَنْ مَوْضِعِ الْفَرِيضَةِ إِلَى مَوْضِعٍ آخَرَ وَأَفْضَلُهُ التَّحَوُّلُ إِلَى بَيْتِهِ وَإِلَّا فَمَوْضِعٌ آخَرُ مِنَ الْمَسْجِدِ أَوْ غَيْرِهِ لِيُكْثِرَ مَوَاضِعَ سُجُودِهِ وَلِتَنْفَصِلَ صُورَةُ النَّافِلَةِ عَنْ صُورَةِ الْفَرِيضَةِ وَقَوْلُهُ حَتَّى تَتَكَلَّمَ عَلَى أَنَّ الْفَصْلَ بَيْنَهُمَا يَحْصُلُ بِالْكَلَامِ أَيْضًا وَلَكِنْ بِالِانْتِقَالِ أَفْضَلُ قَالَهُ النَّوَوِيُّ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ
[1130] (فَصَلَّى الْجُمُعَةَ تَقَدَّمَ) لِيَفْصِلَ بَيْنَهُمَا بِالْمَشْيِ وَاخْتِلَافِ الْمَكَانِ (فَقِيلَ لَهُ) أَيْ سَأَلُوهُ عَنْ سَبَبِ ذلك
وفي النيل وكون بن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ كَانَ يُصَلِّي بِمَكَّةَ بَعْدَ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أَرْبَعًا وَإِذَا كَانَ بِالْمَدِينَةِ صَلَّى بَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ فِي بَيْتِهِ فَقِيلَ لَهُ فَقَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُ ذَلِكَ فَلَيْسَ فِي ذَلِكَ عِلْمٌ وَلَا ظَنٌّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُ بِمَكَّةَ ذَلِكَ وَإِنَّمَا أَرَادَ رَفْعَ فِعْلِهِ بِالْمَدِينَةِ فَحَسْبُ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ أَنَّهُ صَلَّى الْجُمُعَةَ بِمَكَّةَ وَعَلَى تَقْدِيرِ وُقُوعِهِ بِمَكَّةَ مِنْهُ فَلَيْسَ ذَلِكَ فِي أَكْثَرِ الْأَوْقَاتِ بَلْ نَادِرًا أَوْ رُبَّمَا كَانَتِ الْخَصَائِصُ فِي حَقِّهِ بِالتَّخْفِيفِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا خَطَبَ احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ وَعَلَا صَوْتُهُ وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ كَأَنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ الْحَدِيثَ فَرُبَّمَا لَحِقَهُ تَعَبٌ مِنْ ذَلِكَ فَاقْتَصَرَ عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ فِي بَيْتِهِ وَكَانَ يُطِيلُهُمَا كَمَا ثَبَتَ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ طُولُ الْقُنُوتِ أَيِ الْقِيَامِ فَلَعَلَّهَا كَانَتْ أَطْوَلَ مِنْ أَرْبَعٍ خِفَافٍ أَوْ مُتَوَسِّطَاتٍ
وَالْحَاصِلُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ الْأُمَّةَ مُخْتَصًّا بِهِمْ بِصَلَاةِ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ بَعْدَ الْجُمُعَةِ وَأَطْلَقَ ذَلِكَ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِكَوْنِهَا فِي الْبَيْتِ وَاقْتِصَارُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ركعتين كما في حديث بن عُمَرَ لَا يُنَافِي مَشْرُوعِيَّةَ الْأَرْبَعِ لِعَدَمِ الْمُعَارَضَةِ بَيْنَهُمَا
وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُؤَلِّفُ ثُمَّ الْمُنْذِرِيُّ قَالَ الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ
[1131] (فَلْيُصَلِّ أَرْبَعًا) قَالَ فِي سُبُلِ السَّلَامِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمُ الْجُمُعَةَ(3/338)
فَلْيُصَلِّ بَعْدَهَا أَرْبَعًا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى شَرْعِيَّةِ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ بَعْدَ الْجُمُعَةِ وَالْأَمْرُ بِهَا وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُ الْوُجُوبَ إِلَّا أَنَّهُ أَخْرَجَهُ عَنْهُ مَا وَقَعَ فِي لَفْظِهِ مِنْ رواية بن الصَّبَّاحِ مَنْ كَانَ مُصَلِّيًا بَعْدَ الْجُمُعَةِ فَلْيُصَلِّ أَرْبَعًا
أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَالْأَرْبَعُ أَفْضَلُ مِنَ الِاثْنَتَيْنِ لِوُقُوعِ الْأَمْرِ بِذَلِكَ وَكَثْرَةِ فِعْلِهِ لَهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ
قَالَ فِي الْهَدْي النَّبَوِيِّ وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى الْجُمُعَةَ دَخَلَ مَنْزِلَهُ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ سُنَّتَهَا وَأَمَرَ مَنْ صَلَّاهَا أَنْ يُصَلِّيَ بَعْدَهَا أربعا
قال شيخنا بن تَيْمِيَةَ إِنْ صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ صَلَّى أَرْبَعًا وإن صلى في بيته صَلَّى أَرْبَعًا وَإِذَا صَلَّى فِي بَيْتِهِ صَلَّى ركعتين وفي الصحيحين عن بن عمر أنه صلى عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي بَعْدَ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَيْنِ فِي بَيْتِهِ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ
(وَتَمَّ حَدِيثُهُ) أَيْ حَدِيثُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ زَكَرِيَّا عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ (وقال بن يُونُسَ) عَنْ زُهَيْرٍ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ (إِذَا صَلَّيْتُمُ الْجُمُعَةَ إِلَخْ) هذه اللفظة في رواية بن يُونُسَ عَنْ زُهَيْرٍ وَتَابَعَ زُهَيْرًا عَلَى ذَلِكَ خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ كِلَاهُمَا عَنْ سُهَيْلٍ وَرِوَايَتُهُمَا عِنْدَ مُسْلِمٍ وَأَمَّا الْجُمْلَةُ مَنْ كَانَ مُصَلِّيًا بَعْدَ الْجُمُعَةِ فَلْيُصَلِّ أَرْبَعًا هِيَ لَفْظَةُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ زَكَرِيَّا وَتَابَعَ إِسْمَاعِيلَ عَلَى هَذِهِ سُفْيَانُ وَجَرِيرٌ كِلَاهُمَا عَنْ سُهَيْلٍ وَرِوَايَتُهُمَا عِنْدَ مُسْلِمٍ زَادَ سُفْيَانُ فِي رِوَايَتِهِ لَفْظَ مِنْكُمْ أَيْ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مُصَلِّيًا وَبِاخْتِلَافِ هَذِهِ الْجُمْلَةِ يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ كَمَا عَرَفْتَ آنِفًا مِنْ كَلَامِ الْأَمِيرِ الْيَمَانِيُّ (قَالَ) أَيْ سُهَيْلٌ (فَقَالَ لِي أَبِي) أَبُو صَالِحٍ وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ في رواية بن يونس فقط دون بن الصَّبَّاحِ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِدْرِيسَ قَالَ سُهَيْلٌ فَإِنْ عُجِّلَ بِكَ شَيْءٌ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ فِي الْمَسْجِدِ وَرَكْعَتَيْنِ إِذَا رَجَعْتَ
[1132] (يُصَلِّي بَعْدَ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَيْنِ فِي بَيْتِهِ) اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ سُنَّةَ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَانِ وَمِمَّنْ فَعَلَ ذَلِكَ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ وَقَدْ حَكَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ
قَالَ الْعِرَاقِيُّ لَمْ يُرِدِ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بِذَلِكَ إِلَّا بَيَانَ أَقَلِّ مَا يُسْتَحَبُّ وَإِلَّا فَقَدِ اسْتَحَبَّا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَنَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ(3/339)
عَلَى أَنَّهُ يُصَلِّي بَعْدَ الْجُمُعَةِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ ذَكَرَهُ فِي بَابِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ
وَنَقَلَ بن قُدَامَةَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ إِنْ شَاءَ صَلَّى بَعْدَ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَيْنِ وَإِنْ شَاءَ صَلَّى أَرْبَعًا
قَالَهُ الشَّوْكَانِيُّ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ والنسائي وبن مَاجَهْ
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ فِي بَيْتِهِ (وَكَذَلِكَ) أَيْ كما رواه سالم عن أبيه بن عُمَرَ (رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ) الْعَدَوِيُّ مولى بن عمر (عن بن عمر) أيضا وهكذا رواه نافع عن بن عُمَرَ أَيْضًا وَحَدِيثُ نَافِعٍ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ وَأَصْحَابِ السُّنَنِ
[1133] (فَيَنْمَازُ) انْفِعَالٌ مِنَ الْمَيْزِ وَهُوَ الْفَصْلُ أَيْ فَيَنْفَصِلُ عَنِ الْمَكَانِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ ويفارقه قاله السندي
وقال في النهاية يماز عَنْ مُصَلَّاهُ أَيْ يَتَحَوَّلُ عَنْ مُقَامِهِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ وَاسْتَمَازَ رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ أَيِ انْفَصَلَ عَنْهُ وَتَبَاعَدَ وَهُوَ اسْتَفْعَلَ مِنَ الْمَيْزِ انْتَهَى (أَنْفَسَ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ أَبْعَدَ قَلِيلًا مِنَ الْأَوَّلِ
قَالَ فِي النِّهَايَةِ أَيْ أَفْسَحَ وَأَبْعَدَ قَلِيلًا (قَالَ مِرَارًا) أَيْ رَأَيْتُ مِرَارًا (رَوَاهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ الْعَرْزَمِيُّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ هَذَا الْحَدِيثُ ولم يتمه) كما أتم بن جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ بَلِ اقْتَصَرَ عَبْدُ الْمَلِكِ على بعض الحديث
9 - (باب في القعود بين الخطبتين)
هَذَا الْبَابُ مَعَ هَذَا الْحَدِيثِ وُجِدَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَتَقَدَمَ هَذَا الْحَدِيثُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَالْمَتْنِ فِي بَابِ الْجُلُوسِ إِذَا صَعَدَ الْمِنْبرَ وأورد الحديث ها هنا ثبات القعود بين الخطبتين وهناك ثبات الْجُلُوسِ بَعْدَ صُعُودِ الْمِنْبَرِ عِنْدَ الْأَذَانِ وَاللهُ أعلم(3/340)
40 - (بَاب صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ)
[1134] قَالَ النَّوَوِيُّ هِيَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَجُمْهُورِ أَصْحَابِهِ وَجَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ هِيَ فَرْضُ كِفَايَةٍ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هِيَ وَاجِبَةٌ فَإِذَا قُلْنَا فَرْضُ كِفَايَةٍ فَامْتَنَعَ أَهْلُ مَوْضِعٍ مِنْ إِقَامَتِهَا قُوتِلُوا عَلَيْهَا كَسَائِرِ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ وَإِذَا قُلْنَا إِنَّهَا سُنَّةٌ لَمْ يُقَاتَلُوا بِتَرْكِهَا كَسُنَّةِ الظُّهْرِ وَغَيْرِهَا وَقِيلَ يُقَاتَلُونَ لِأَنَّهَا شِعَارٌ ظَاهِرٌ
قَالُوا وَسُمِّيَ عِيدًا لِعَوْدِهِ وَتَكَرُّرِهِ وَقِيلَ لِعَوْدِ السُّرُورِ فِيهِ وَقِيلَ تَفَاؤُلًا بِعَوْدِهِ عَلَى مَنْ أَدْرَكَهُ كَمَا سُمِّيَتِ الْقَافِلَةُ حِينَ خُرُوجِهَا تَفَاؤُلًا لِقُفُولِهَا سَالِمَةً وَهُوَ رُجُوعُهَا وَحَقِيقَتُهَا الرَّاجِعَةُ (قَدَمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ) أَيْ مِنْ مَكَّةَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ (وَلَهُمْ) أَيْ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ (يَوْمَانِ) وَهُمَا يَوْمُ النَّيْرُوزِ وَيَوْمُ الْمِهْرَجَانِ كَذَا قَالَهُ الشُّرَّاحُ
وَفِي الْقَامُوسِ النَّيْرُوزُ أَوَّلُ يَوْمِ السَّنَةِ مُعَرَّبُ نَوْرُوزٍ وَالنَّوْرُوزُ مَشْهُورٌ وَهُوَ أَوَّلُ يَوْمٍ تَتَحَوَّلُ الشَّمْسُ فِيهِ إِلَى بُرْجِ الْحَمَلِ وَهُوَ أَوَّلُ السَّنَةِ الشَّمْسِيَّةِ كَمَا أَنَّ غُرَّةَ شَهْرِ الْمُحَرَّمِ أَوَّلُ السَّنَةِ الْقَمَرِيَّةِ
وَأَمَّا مِهْرَجَانُ فَالظَّاهِرُ بِحُكْمِ مُقَابِلَتِهِ بِالنَّيْرُوزِ أَنْ يَكُونَ أَوَّلَ يَوْمِ الْمِيزَانِ وَهُمَا يَوْمَانِ مُعْتَدِلَانِ فِي الْهَوَاءِ لَا حَرَّ وَلَا بَرْدَ وَيَسْتَوِي فِيهِمَا اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ فَكَأَنَّ الْحُكَمَاءُ الْمُتَقَدِّمِينَ الْمُتَعَلِّقِينَ بِالْهَيْئَةِ اخْتَارُوهُمَا لِلْعِيدِ فِي أَيَّامِهِمْ وَقَلَّدَهُمْ أَهْلُ زَمَانِهِمْ لِاعْتِقَادِهِمْ بِكَمَالِ عُقُولِ حُكَمَائِهِمْ فَجَاءَ الْأَنْبِيَاءُ وَأَبْطَلُوا مَا بَنَى عَلَيْهِ الْحُكَمَاءُ (فِي الْجَاهِلِيَّةِ) أَيْ فِي زَمَنِ الْجَاهِلِيَّةِ قَبْلَ أَيَّامِ الْإِسْلَامِ (أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا) الْبَاءُ هُنَا دَاخِلَةٌ عَلَى الْمَتْرُوكِ وَهُوَ الْأَفْصَحُ أَيْ جَعَلَ لَكُمْ بَدَلًا عَنْهُمَا خَيْرًا (مِنْهُمَا) أَيْ فِي الدُّنْيَا وَالْأُخْرَى وَخَيْرًا لَيْسَتْ أَفْعَلَ تَفْضِيلٍ إِذْ لَا خَيْرِيَّةَ فِي يَوْمَيْهِمَا (يَوْمَ الْأَضْحَى وَيَوْمَ الْفِطْرِ) بَدَلٌ مِنْ خَيْرًا أَوْ بَيَانٌ لَهُ(3/341)
وَقَدَّمَ الْأَضْحَى فَإِنَّهُ الْعِيدُ الْأَكْبَرُ قَالَهُ الطِّيبِيُّ وَنَهَى عَنِ اللَّعِبِ وَالسُّرُورِ فِيهِمَا أَيْ فِي النَّيْرُوزِ وَالْمِهْرَجَانِ
وَفِيهِ نِهَايَةٌ مِنَ اللُّطْفِ وَأَمَرَ بِالْعِبَادَةِ لِأَنَّ السُّرُورَ الْحَقِيقِيَّ فِيهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا قَالَ الْمُظْهِرُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ تَعْظِيمَ النَّيْرُوزِ وَالْمِهْرَجَانِ وَغَيْرِهِمَا أَيْ مِنْ أَعْيَادِ الْكُفَّارِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ
قَالَ أَبُو حَفْصٍ الْكَبِيرُ الْحَنَفِيُّ مَنْ أَهْدَى فِي النَّيْرُوزِ بَيْضَةً إِلَى مُشْرِكٍ تَعْظِيمًا لِلْيَوْمِ فَقَدْ كَفَرَ بِاللَّهِ تَعَالَى وَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْمَحَاسِنِ الْحَسَنُ بْنُ منصور الحنقي مَنِ اشْتَرَى فِيهِ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ يَشْتَرِيهِ فِي غَيْرِهِ أَوْ أَهْدَى فِيهِ هَدِيَّةً إِلَى غَيْرِهِ فَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ تَعْظِيمَ الْيَوْمِ كَمَا يُعَظِّمُهُ الْكَفَرَةُ فَقَدْ كَفَرَ وَإِنْ أَرَادَ بِالشِّرَاءِ التنعم والتنزه وبالإهداء التحاب جَرْيًا عَلَى الْعَادَةِ لَمْ يَكُنْ كُفْرًا لَكِنَّهُ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ التَّشْبِيهِ بِالْكَفَرَةِ حِينَئِذٍ فَيُحْتَرَزُ عَنْهُ
قاله علي القارىء
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ
1 - (بَاب وَقْتِ الْخُرُوجِ إِلَى الْعِيدِ)
[1135] فِي أَيِّ وَقْتٍ يُسْتَحَبُّ
(يزيد) بالياء التحتانية والزاي (بن خُمَيْرٍ) بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ (فَأَنْكَرَ) عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يسر (إِبْطَاءَ الْإِمَامِ) أَيْ تَأْخِيرَ الْإِمَامِ فِي الْخُرُوجِ إِلَى الْمُصَلَّى (فَقَالَ) عَبْدُ اللَّهِ (قَدْ فَرَغْنَا) أَيْ عَنْ صَلَاةِ الْعِيدِ فِي مِثْلِ هَذِهِ السَّاعَةِ زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَذَلِكَ) أَيْ وَكَانَ ذَلِكَ الْوَقْتُ (حِينَ التَّسْبِيحِ) قَالَ السُّيُوطِيُّ أَيْ حِينَ يُصَلِّي صَلَاةَ الضُّحَى وَقَالَ الْقَسْطَلَّانِيُّ أَيْ وَقْتَ صَلَاةِ السُّبْحَةِ وَهِيَ النَّافِلَةُ إِذَا مَضَى وَقْتُ الْكَرَاهَةِ
وَفِي رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ لِلطَّبَرَانِيِّ وَذَلِكَ حِينَ يُسَبِّحُ الضُّحَى قاله السندي في حاشية بن ماجه
وقال بن رَسْلَانَ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ شَاهِدًا عَلَى جَوَازِ حَذْفِ اسْمَيْنِ مُضَافَيْنِ وَالتَّقْدِيرُ وَذَلِكَ حِينَ وَقْتِ صَلَاةِ التَّسْبِيحِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى القلوب أَيْ فَإِنَّ تَعْظِيمَهَا مِنْ أَفْعَالِ ذَوِي الْقُرْبَى الْقُلُوبِ وَقَوْلُهُ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ أَيْ مِنْ أَثَرِ حَافِرِ فَرَسِ الرَّسُولِ وَقَوْلُهُ حِينَ التَّسْبِيحِ يَعْنِي ذَلِكَ الْحِينَ حِينَ وَقْتِ صَلَاةِ الْعِيدِ فَدَلَّ ذَلِكَ(3/342)
عَلَى أَنَّ صَلَاةَ الْعِيدِ سُبْحَةٌ ذَلِكَ الْيَوْمِ انْتَهَى
وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ يَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ التَّعْجِيلِ لِصَلَاةِ الْعِيدِ وَكَرَاهَةِ تَأْخِيرِهَا تَأْخِيرًا زَائِدًا عَلَى الْمِيعَادِ
وَحَدِيثُ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ تَعْجِيلِ الْأَضْحَى وَتَأْخِيرِ الْفِطْرِ وَلَعَلَّ الْحِكْمَةَ فِي ذَلِكَ مِنَ اسْتِحْبَابِ الْإِمْسَاكِ فِي صَلَاةِ الْأَضْحَى حَتَّى يَفْرُغَ مِنَ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ رُبَّمَا كَانَ تَرَكَ التَّعْجِيلَ لِصَلَاةِ الْأَضْحَى مِمَّا يَتَأَذَّى بِهِ مُنْتَظِرُ الصَّلَاةِ لِذَلِكَ وَأَيْضًا فَإِنَّهُ يَعُودُ إِلَى الِاشْتِغَالِ بِالذَّبْحِ لِأُضْحِيَّتِهِ بِخِلَافِ عِيدِ الْفِطْرِ فَإِنَّهُ لَا إِمْسَاكَ وَلَا ذَبِيحَةَ
وَأَحْسَنُ مَا وَرَدَ مِنَ الْأَحَادِيثِ فِي تَعْيِينِ وَقْتِ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ حَدِيثُ جُنْدُبٍ عِنْدَ الْحَافِظِ أَحْمَدَ بْنِ حَسَنٍ الْبَنَّاءِ فِي كِتَابِ الْأَضَاحِي قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِنَا يَوْمَ الْفِطْرِ وَالشَّمْسُ عَلَى قَيْدِ رُمْحَيْنِ وَالْأَضْحَى عَلَى قَيْدِ رُمْحٍ أَوْرَدَهُ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَيْهِ
قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ وَهِيَ مِنْ بَعْدِ انْبِسَاطِ الشَّمْسِ إِلَى الزَّوَالِ وَلَا أَعْرِفُ فِيهِ خِلَافًا
انْتَهَى
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ بن مَاجَهْ
2 - (بَاب خُرُوجِ النِّسَاءِ فِي الْعِيدِ)
[1136] (عَنْ محمد) هو بن سِيرِينَ (أَنَّ أُمَّ عَطِيَّةَ) هِيَ الْأَنْصَارِيَّةُ اسْمُهَا نَسِيبَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ (أَنْ نُخْرِجَ ذَوَاتِ الْخُدُورِ) قَالَ النَّوَوِيُّ الْخُدُورُ الْبُيُوتُ وَقِيلَ الْخُدُورُ سِتْرٌ يَكُونُ فِي نَاحِيَةِ الْبَيْتِ
قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَاخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي خُرُوجهنَّ لِلْعِيدَيْنِ فَرَأَى جَمَاعَةٌ ذَلِكَ حَقًّا عَلَيْهِنَّ مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ وَعَلِيٌّ وبن عُمَرَ وَغَيْرُهُمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم وَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَهُنَّ ذَلِكَ مِنْهُمْ عُرْوَةُ وَالْقَاسِمُ وَيَحْيَى الْأَنْصَارِيُّ وَمَالِكٌ وَأَبُو يُوسُفَ وَأَجَازَهُ أَبُو حَنِيفَةَ مَرَّةً وَمَنَعَهُ مَرَّةً (فَالْحُيَّضُ) هُوَ بِضَمِّ الْحَاءِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ الْمَفْتُوحَةِ جَمْعُ حَائِضٍ أَيِ الْبَالِغَاتُ مِنَ البنات أو المباشرات بالحيض مع أنهن غَيْرُ طَاهِرَاتٍ (قَالَ) النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (ليشهدن) أي يحضرن (الخير) وفي رواية الشيخين فيشهدن جماعة المسلمين (ودعوة المسلمين) أي دعاءهم ويكثرن سَوَادَهمْ (قَالَ) النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(3/343)
(تُلْبِسُهَا) مِنَ الْإِلْبَاسِ (صَاحِبَتُهَا) بِالرَّفْعِ عَلَى الْفَاعِلِيَّةِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ
[1137] (وَتَعْتَزِلُ الْحُيَّضُ) أَيْ تَنْفَصِلُ وَتَقِفُ فِي مَوْضِعٍ مُنْفَرِدَاتٍ لِئَلَّا يُؤْذِينَ غَيْرَهُنَّ بِدَمِهِنَّ أَوْ رِيحِهِنَّ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ أَمَرَ جَمِيعَ النِّسَاءِ بِحُضُورِ الْمُصَلَّى يَوْمَ الْعِيدِ لِتُصَلِّيَ مَنْ لَيْسَ لَهَا عُذْرٌ وَتَصِلُ بَرَكَةُ الدُّعَاءِ إِلَى مَنْ لَهَا عُذْرٌ
وَفِيهِ تَرْغِيبُ النَّاسِ فِي حُضُورِ الصَّلَوَاتِ وَمَجَالِسِ الذِّكْرِ وَمُقَارَبَةِ الصُّلَحَاءِ لِيَنَالَهُمْ بَرَكَتُهُمْ (وَلَمْ يَذْكُرْ) مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ فِي رِوَايَتِهِ (الثَّوْبَ) قِصَّةَ الثَّوْبِ (قَالَ) مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ (وَحَدَّثَ) أَيْ حَمَّادُ عَنْ أَيُّوبَ (عَنْ حَفْصَةَ) بِنْتِ سيرين (عن امرأة) لم تعرف اسمها (تحدثه) أَيِ الْحَدِيثَ (عَنِ امْرَأَةٍ أُخْرَى) هِيَ أُمُّ عَطِيَّةَ
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدٍ وَأَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيِّ عَنْ أَبِي الرَّبِيعِ كِلَاهُمَا عَنْ حَمَّادٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ وَعَنْ أَيُّوبَ عَنْ حَفْصَةَ عَنِ امْرَأَةٍ تُحَدِّثُ عَنِ امْرَأَةٍ أُخْرَى وَزَادَ أَبُو الرَّبِيعِ فِي رِوَايَةِ حَفْصَةَ ذَكَرَ الْجِلْبَابِ انْتَهَى
وَهَذِهِ الْمَرْأَةُ الَّتِي لَمْ تَعْرِفِ اسْمَهَا جَاءَ ذِكْرُهَا فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْوَارِثِ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ قُلْتُ كُنَّا نَمْنَعُ جَوَارِينَا أَنْ يَخْرُجْنَ يَوْمَ الْعِيدِ فَجَاءَتِ امرأة فنزلت قصر بني خَلَفٍ فَأَتَيْتُهَا فَحَدَّثَتْ أَنَّ زَوْجَ أُخْتِهَا غَزَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ غَزْوَةً فَكَانَتْ أُخْتُهَا مَعَهُ فِي سِتِّ غَزَوَاتٍ قَالَتْ فَكُنَّا نَقُومُ عَلَى الْمَرْضَى وَنُدَاوِي الكلمى فقالت يارسول اللَّهِ عَلَى إِحْدَانَا بَأْسٌ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا جِلْبَابٌ أَنْ لَا تَخْرُجَ فَقَالَ لِتُلْبِسْهَا صَاحِبَتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا قَالَتْ حَفْصَةُ فَلَمَّا قَدِمَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ أَتَيْتُهَا فَسَأَلَتُهَا أَسَمِعْتِ فِي كَذَا وَكَذَا قَالَتْ نَعَمْ الْحَدِيثَ
وَالْحَاصِلُ أَنَّ أَيُّوبَ حَدَّثَ حَمَّادًا عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ وَعَنْ حَفْصَةَ عَنْ أُمِّ عَطِّيةَ أَيْضًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ
كَذَا فِي غَايَةِ الْمَقْصُودِ (فَذَكَرَ) مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ (مَعْنَى) حَدِيثِ (مُوسَى) بْنِ إِسْمَاعِيلَ (فِي الثَّوْبِ) أَيْ فِي ذِكْرِ الثَّوْبِ مِنَ الجلباب وغيره(3/344)
[1138] (كُنَّا نُؤْمَرُ بِهَذَا الْخَبَرِ) وَمُسْلِمٌ سَاقَ الْحَدِيثَ بِتَمَامِهِ وَلَفْظُهُ كُنَّا نُؤْمَرُ بِالْخُرُوجِ فِي الْعِيدَيْنِ وَالْمُخْبَأَةُ وَالْبِكْرُ قَالَتِ الْحُيَّضُ يَخْرُجْنَ فِيكُنَّ خَلْفَ النَّاسِ (فَيُكَبِّرْنَ مَعَ النَّاسِ) فِيهِ جَوَازُ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى لِلْحَائِضِ وَالْجُنُبِ وَإِنَّمَا يَحْرُمُ عَلَيْهَا الْقُرْآنُ
قَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ التَّكْبِيرِ لِكُلِّ أَحَدٍ فِي الْعِيدَيْنِ وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ
قَالَ الْعُلَمَاءُ يُسْتَحَبُّ التَّكْبِيرُ لَيْلَتَيِ الْعِيدَيْنِ وَحَالَ الْخُرُوجِ إِلَى الصَّلَاةِ قَالَ الْقَاضِي التَّكْبِيرُ فِي الْعِيدَيْنِ أَرْبَعَةُ مَوَاطِنٍ فِي السَّعْي إِلَى الصَّلَاةِ إِلَى حِينِ يَخْرُجُ الْإِمَامُ وَالتَّكْبِيرُ فِي الصَّلَاةِ وَفِي الْخُطْبَةِ وَبَعْدَ الصَّلَاةِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَاخْتَلَفُوا فِيهِ فَاسْتَحَبَّهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالسَّلَفِ فَكَانُوا يُكَبِّرُونَ إِذَا خَرَجُوا حَتَّى يَبْلُغُوا الْمُصَلَّى يَرْفَعُونَ أَصْوَاتَهُمْ وَقَالَهُ الْأَوْزَاعِيُّ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَزَادَ اسْتِحْبَابَهُ لَيْلَةَ الْعِيدَيْنِ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يُكَبِّرُ فِي الْخُرُوجِ لِلْأَضْحَى دُونَ الْفِطْرِ وَخَالَفَهُ أَصْحَابُهُ فَقَالُوا بِقَوْلِ الْجُمْهُورِ
وَأَمَّا التَّكْبِيرُ بِتَكْبِيرِ الْإِمَامِ فِي الْخُطْبَةِ فَمَالِكٌ يَرَاهُ وَغَيْرُهُ يَأْبَاهُ
[1139] (فَأَرْسَلَ) النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَسَلَّمَ) عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ (عَلَيْهِ) عَلَى عُمَرَ (وَأَمَرَنَا) رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَالْعُتَّقَ) بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ الْمُشَدَّدَةِ جَمْعُ عَاتِقٍ
قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ وَهِيَ الْجَارِيَةُ البالغة
وقال بن دريد هي التي قاربت البلوغ قال بن السِّكِّيتِ هِيَ مَا بَيْنَ أَنْ يَبْلُغَ إِلَى أَنْ تَعْنُسَ مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ وَالتَّعْنِيسُ طُولُ الْمَقَامِ فِي بَيْتِ أَبِيهَا بِلَا زَوْجٍ حَتَّى تَطْعَنَ فِي السِّنِّ قَالُوا سُمِّيَتْ عَاتِقًا لِأَنَّهَا عَتَقَتْ مِنَ امْتِهَانهَا فِي الْخِدْمَةِ وَالْخُرُوجِ فِي الْحَوَائِجِ وَقِيلَ مَا قَارَبَتْ أَنْ تَتَزَوَّجَ فَتُعْتَقَ مِنْ قَهْرِ أَبَوَيْهَا وَأَهْلِهَا وَتَسْتَقِلُّ فِي بَيْتِ زوجها
قاله النووي قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ (لَا جُمْعَةَ) فَرْضٌ (عَلَيْنَا) كَمَا هِيَ فَرْضٌ على الرجال
وأخرج بن خُزَيْمَةَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ بِلَفْظِ نُهِينَا عَنِ اتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ وَلَا جُمْعَةَ عَلَيْنَا وَتَرْجَمَ عَلَيْهِ إِسْقَاطَ الْجُمُعَةِ عَنِ النِّسَاءِ (وَنَهَانَا) أَيْ لِقِلَّةِ صبرهن(3/345)
43 - (بَاب الْخُطْبَةِ يَوْمَ الْعِيدِ)
[1140] (وَعَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ) الْجَدَلِيِّ أَبُو عَمْرٍو الْكُوفِيُّ أَيْ يَرْوِي الْأَعْمَشُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَجَاءٍ وَيَرْوِي عَنْ قيس بن مسلم فلأعمش شَيْخَانِ وَلَهُمَا إِسْنَادَانِ (أَخْرَجَ مَرْوَانُ الْمِنْبَرَ) لِيَخْطُبَ عَلَيْهِ وَهَذَا يُؤَيِّدُ عَلَى أَنَّ مَرْوَانَ أَوَّلُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ وَوَقَعَ فِي الْمُدَوَّنَةِ لِمَالِكٍ وَرَوَاهُ عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ عَنْ أَبِي غَسَّانَ عَنْهُ قَالَ أَوَّلُ مَنْ خَطَبَ النَّاسَ فِي الْمُصَلَّى عَلَى مِنْبَرٍ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ قَالَ الْحَافِظُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عُثْمَانُ فَعَلَ ذَلِكَ مَرَّةً ثُمَّ تَرَكَهُ حَتَّى أَعَادَهُ مَرْوَانُ (فَبَدَأَ بِالْخُطْبَةِ قَبْلَ الصَّلَاةِ) وَقَدِ اعْتَذَرَ مَرْوَانُ عَنْ فِعْلِهِ لَمَّا قَالَ لَهُ أَبُو سَعِيدٍ غَيَّرْتُمْ وَاللَّهِ كَمَا فِي الْبُخَارِيِّ بِقَوْلِهِ إِنَّ النَّاسَ لَمْ يَكُونُوا يَجْلِسُونَ لَنَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَجَعَلْتُهَا قَبْلَهَا
قَالَ فِي الْفَتْحِ وَهَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّ مَرْوَانَ فَعَلَ ذَلِكَ بِاجْتِهَادٍ مِنْهُ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ لَكِنْ قِيلَ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي زَمَنِ مَرْوَانَ يَتَعَمَّدُونَ تَرْكَ سَمَاعِ الْخُطْبَةِ لِمَا فِيهَا مِنْ سَبِّ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ السَّبَّ وَالْإِفْرَاطِ فِي مَدْحِ بَعْضِ النَّاسِ فَعَلَى هَذَا إِنَّمَا رَاعَى مَصْلَحَةَ نَفْسِهِ (فَقَامَ رَجُلٌ) فِي الْمُبْهَمَاتِ أَنَّهُ عُمَارَةُ بْنُ رُوَيْبَةَ وَقَالَ فِي الْفَتْحِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ أَبَا مَسْعُودٍ كما في رواية الرَّزَّاقِ
وَفِي الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ أَنَّ أَبَا مَسْعُودٍ أَنْكَرَ عَلَى مَرْوَانَ أَيْضًا فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْإِنْكَارُ مِنْ أَبِي سَعِيدٍ وَقَعَ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ ثُمَّ تَعَقَّبَهُ الْإِنْكَارُ مِنَ الرَّجُلِ الْمَذْكُورِ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ بِلَفْظِ فَإِذَا مَرْوَانُ يُرِيدُ أَنْ يَرْتَقِيَهُ يَعْنِي الْمِنْبَرَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ فَجَبَذْتُ بِثَوْبِهِ فَجَذَبَنِي فَارْتَفَعَ فَخَطَبَ فَقُلْتُ لَهُ غَيَّرْتُمْ فَقَالَ يَا أَبَا سَعِيدٍ قَدْ ذَهَبَ مَا تَعْلَمُ فَقُلْتُ مَا أَعْلَمُ وَاللَّهِ خَيْرٌ مِمَّا لَا أَعْلَمُ وَفِي مُسْلِمٍ فَإِذَا مَرْوَانُ يُنَازِعُنِي يَدَهُ كَأَنَّهُ يَجُرُّنِي نَحْوَ الْمِنْبَرِ وَأَنَا أَجُرُّهُ نَحْوَ الصَّلَاةِ فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ مِنْهُ قُلْتُ أَيْنَ الِابْتِدَاءُ بِالصَّلَاةِ فَقَالَ لَا أَبَا سَعِيدٍ قَدْ تُرِكَ مَا تَعْلَمُ فَقُلْتُ كَلَّا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَأْتُونَ بِخَيْرٍ مِمَّا أَعْلَمُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ انْصَرَفَ وَالْحَدِيثُ فِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ بِالْيَدِ إِنِ استطاع(3/346)
ذَلِكَ وَإِلَّا فَبِاللِّسَانِ وَإِلَّا فَبِالْقَلْبِ وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الْإِيمَانِ شَيْءٌ (فَقَدْ قَضَى مَا عَلَيْهِ) مِنَ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنِ الْمُنْكَرِ (فإن لم يستطع) أي التغير بِيَدِهِ (فَبِلِسَانِهِ) أَيْ فَيُنْكِرَ بِلِسَانِهِ (فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ) أَيِ الْإِنْكَارَ بِلِسَانِهِ (فَبِقَلْبِهِ) أَيْ فَيُنْكِرَ بِقَلْبِهِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ
[1141] (فَبَدَأَ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ) كَمَا كَانَ دَأْبُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (نَزَلَ فَأَتَى النِّسَاءَ) قَالَ الْقَاضِي هَذَا النُّزُولُ كَانَ فِي أَثْنَاءِ الْخُطْبَةِ
قَالَ النَّوَوِيُّ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ إِنَّمَا نَزَلَ إِلَيْهِنَّ بَعْدَ فَرَاغِ خُطْبَةِ الْعِيدِ وَبَعْدَ انْقِضَاءِ وَعْظِ الرِّجَالِ كَمَا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ هَذَا وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ أَتَاهُنَّ بَعْدَ فَرَاغِ خُطْبَةِ الرِّجَالِ
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ اسْتِحْبَابُ وَعْظِ النِّسَاءِ وَتَذْكِيرِهِنَّ الْآخِرَةَ وَأَحْكَامَ الْإِسْلَامِ وَحَثُّهُنَّ عَلَى الصَّدَقَةِ وَهَذَا إِذَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَى ذَلِكَ مَفْسَدَةٌ وَخَوْفٌ عَلَى الْوَاعِظِ أَوِ الْمَوْعُوظِ وَغَيْرِهِمَا وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ خُطْبَتَهُ كَانَتْ عَلَى شَيْءٍ عَالٍ
وَفِيهِ أَنَّ النِّسَاءَ إِذَا حَضَرْنَ صَلَاةَ الرِّجَالِ وَمَجَامِعِهِمْ يَكُنَّ بِمَعْزِلٍ عَنْهُمْ خَوْفًا مِنْ فِتْنَةٍ أَوْ نَظْرَةٍ أَوْ فِكْرٍ وَنَحْوِهِ
وَفِيهِ أَنَّ صَدَقَةَ التَّطَوُّعِ لَا تَفْتَقِرُ إِلَى إِيجَابٍ وَقَبُولٍ بَلْ تَكْفِي فِيهَا الْمُعَاطَاةُ لِأَنَّهُنَّ أَلْقَيْنَ الصَّدَقَةَ فِي ثَوْبِ بِلَالٍ مِنْ غَيْرِ كَلَامٍ مِنْهُنَّ وَلَا مِنْ بِلَالٍ وَلَا مِنْ غَيْرِهِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَقَالَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا الْعِرَاقِيِّينَ تَفْتَقِرُ إِلَى إِيجَابٍ وَقَبُولٍ بِاللَّفْظِ كَالْهِبَةِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَبِهِ جَزَمَ الْمُحَقِّقُونَ (وَهُوَ يَتَوَكَّأُ عَلَى يَدِ بِلَالٍ) قَالَ الطِّيبِيُّ فِيهِ أَنَّ الْخَطِيبَ يَنْبَغِي أَنْ يَعْتَمِدَ عَلَى شَيْءٍ كالقوس والسيف والعنزة والعصا أو يتكىء عَلَى إِنْسَانٍ (وَبِلَالٌ بَاسِطٌ ثَوْبَهُ) مَعْنَاهُ أَنَّهُ بَسَطَهُ لِيَجْمَعَ الصَّدَقَةَ فِيهِ (قَالَ تُلْقِي الْمَرْأَةُ فَتَخَهَا) هُوَ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقُ وَبِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَاحِدُهَا فَتَخَةٌ كَقَصَبَةٍ وَقَصَبٍ وَاخْتُلِفَ في(3/347)
تَفْسِيرِهَا فَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ قَالَ هِيَ الْخَوَاتِيمُ الْعِظَامُ قَالَ الْأَصْمَعِيُّ هِيَ خواتيم لا فصوص لها وقال بن السكيت خواتيم يلبس في أصابع اليد وقال ثعلب وقد يَكُونُ فِي أَصَابِعِ الْوَاحِدِ مِنَ الرِّجَالِ وَقَالَ بن دُرَيْدٍ وَقَدْ يَكُونُ لَهَا فُصُوصٌ وَتُجْمَعُ أَيْضًا فَتَخَاتٌ وَأَفْتَاخٌ
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ جَوَازُ صَدَقَةِ الْمَرْأَةِ مِنْ مَالِهَا بِغَيْرِ إِذْنِ زَوْجِهَا فَلَا يَتَوَقَّفُ ذَلِكَ عَلَى ثُلُثِ مَالِهَا هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ
قَالَ مَالِكٌ لَا يَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى ثُلُثِ مَالِهَا إِلَّا بِرِضَاءِ زَوْجِهَا (وَقَالَ بن بكر فتختها) بِزِيَادَةِ التَّاءِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ
[1142] (أَكْبَرُ عِلْمِ شُعْبَةَ) أَيْ أَغْلَبُ ظَنِّ شُعْبَةَ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ أَيُّوبَ هَذَهِ الْجُمْلَةَ أَيْضًا يَعْنِي فأمرهن بالصدقة انتهى
[1143] (قال) بن عَبَّاسٍ (فَظَنَّ) أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَنَّهُ لَمْ يُسْمِعِ النِّسَاءَ) لِبُعْدِهِنَّ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَكَانَتِ الْمَرْأَةُ تُلْقِي القرط) قال بن دُرَيْدٍ كُلُّ مَا عَلِقَ مِنْ شَحْمَةِ الْأُذُنِ فَهُوَ قُرْطٌ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ خَرَزٍ (وَالْخَاتَمُ) وَفِيهِ أَرْبَعُ لُغَاتٍ فَتْحُ التَّاءِ وَكَسْرُهَا وَخَاتَامٌ وَخَيْتَامٌ
[1144] (فَقَسَمَهُ عَلَى فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ) وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الصَّدَقَاتِ الْعَامَّةِ إِنَّمَا يَصْرِفُهَا فِي مَصَارِفَهَا الْإِمَامُ
وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ اسْتِحْبَابُ وَعْظِ النِّسَاءِ وَتَعْلِيمِهِنَّ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ وَتَذْكِيرِهِنَّ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِنَّ وَاسْتِحْبَابُ حَثِّهِنَّ عَلَى الصَّدَقَةِ وَتَخْصِيصِهِنَّ بِذَلِكَ فِي مَجْلِسٍ مُنْفَرِدٍ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وبن ماجة بنحوه(3/348)
44 - (بَاب يَخْطُبُ عَلَى قَوْسٍ)
[1145] (نُوِّلَ يَوْمَ الْعِيدِ قوسا) بواو واحد وَكَأَنَّ أَصْلَهُ بِوَاوَيْنِ مِنَ الْمُنَاوَلَةِ هَكَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا بِالْوَاوَيْنِ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مُطَوَّلًا وَلَفْظُهُ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو حَدَّثَنَا زَائِدَةُ حَدَّثَنَا أَبُو جُنَابٍ الْكَلْبِيُّ حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ كُنَّا جُلُوسًا فِي الْمُصَلَّى يَوْمَ أَضْحَى فَأَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّاسِ ثُمَّ قَالَ إِنَّ أَوَّلَ نُسُكِ يَوْمِكُمْ هَذَا الصَّلَاةُ قَالَ فَتَقَدَّمَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ اسْتَقْبَلَ النَّاسَ بِوَجْهِهِ وَأُعْطِيَ قَوْسًا أَوْ عَصًا فَاتَّكَأَ عَلَيْهِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ الْحَدِيثَ
قَالَ في التلخيص وأخرجه الطبراني وصححه بن السكن(3/349)
46 - (بَابُ تَرْكِ الْأَذَانِ فِي الْعِيدِ)
[1146] (أَشَهِدْتَ الْعِيدَ) أَيْ أَحَضَرْتَ صَلَاتَهُ (قَالَ نَعَمْ) أَيْ شَهِدْتُهُ (وَلَوْلَا مَنْزِلَتِي مِنْهُ) أَيْ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْنِي لَوْلَا قُرْبِي وَمَكَانِي مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا شَهِدْتُهُ (مِنَ الصِّغَرِ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ عَلِيٍّ عَنْ يَحْيَى الْقَطَّانِ عَنْ سُفْيَانَ بِلَفْظِ وَلَوْلَا مَكَانِي مِنْهُ مَا شَهِدْتُهُ يعني من صغره قال العيني هذ مِنْ كَلَامِ الرَّاوِي وَكَلِمَةُ مِنْ لِلتَّعْلِيلِ
وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُسَدَّدٍ عَنْ يَحْيَى عَنْ سُفْيَانَ بِلَفْظِ وَلَوْلَا مَكَانِي مِنَ الصِّغَرِ مَا شَهِدْتُهُ قَالَ الْعَيْنِيُّ فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ وَحَذْفٌ تَقْدِيرُهُ وَلَوْلَا مَكَانِي مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ أَشْهَدْهُ لِأَجْلِ الصِّغَرِ وَكَلِمَةُ مِنْ لِلتَّعْلِيلِ
وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ عَلِيٍّ يُؤَيِّدُ هَذَا الْمَعْنَى وَهُوَ قَوْلُهُ لَوْلَا مَكَانِي مِنْهُ مَا شَهِدْتُهُ أَيْ لَوْلَا مَكَانِي مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا حَضَرْتُهُ أَيِ الْعِيدَ
وَفَسَّرَ الرَّاوِي هُنَاكَ عِلَّةَ عَدَمِ الْحُضُورِ بِقَوْلِهِ يَعْنِي مِنْ صِغَرِهِ فَالصِّغَرُ عِلَّةٌ لِعَدَمِ الْحُضُورِ وَلَكِنْ قُرْبُ بن عَبَّاسٍ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَكَانُهُ عِنْدَهُ كَانَ سَبَبًا لِحُضُورِهِ انْتَهَى كَلَامُهُ
وَكَلَامُ الْعَيْنِيِّ هَذَا حَسَنٌ جِدًّا لَا مَزِيدَ عَلَى حُسْنِهِ
(الْعَلَمُ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَاللَّامِ وَهُوَ الْمَنَارُ وَالْجَبَلُ وَالرَّايَةُ وَالْعَلَامَةُ (عِنْدَ دَارِ كَثِيرِ بْنِ الصَّلْتِ) كَثِيرُ بْنُ الصَّلْتِ هُوَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وُلِدَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَهُ دَارٌ كَبِيرَةٌ بِالْمَدِينَةِ قِبْلَةَ الْمُصَلَّى لِلْعِيدَيْنِ وَكَانَ اسْمُهُ قَلِيلًا فَسَمَّاهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ كَثِيرًا وَكَانَ يُعَدُّ فِي أهل الحجاز (فصلى ثم خطب) روى بن مَاجَهْ عَنْ جَابِرٍ قَالَ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فِطْرٍ أَوْ ضحى فَخَطَبَ قَائِمًا ثُمَّ(4/3)
قَعَدَ قَعْدَةً ثُمَّ قَامَ وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ فِيهِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ وَأَبُو بَحْرٍ وَهُمَا ضَعِيفَانِ
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ وَمَا رُوِيَ عَنِ بن مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ السُّنَّةُ أَنْ يَخْطُبَ فِي الْعِيدِ خُطْبَتَيْنِ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِجُلُوسٍ ضَعِيفٌ غَيْرُ مُتَّصِلٍ وَلَمْ يَثْبُتْ فِي تَكْرِيرِ الْخُطْبَةِ شَيْءٌ وَالْمُعْتَمَدُ فِيهِ الْقِيَاسُ عَلَى الْجُمُعَةِ (وَلَمْ يَذْكُرْ) أي بن عَبَّاسٍ فِي بَيَانِ كَيْفِيَّةِ صَلَاتِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ (أَذَانًا وَلَا إِقَامَةً) فَالْجُمْلَةُ مُعْتَرِضَةٌ (ثُمَّ أَمَرَ بِالصَّدَقَةِ) أَيْ بِصَدَقَةِ الْفِطْرِ أَوْ بِالزَّكَاةِ أَوْ بِمُطْلَقِ الصَّدَقَةِ (إِلَى آذَانِهِنَّ) بِالْمَدِّ جَمْعُ أُذُنٍ (وَحُلُوقِهِنَّ) جَمْعُ حَلْقٍ وَهُوَ الْحُلْقُومُ أَيْ ما فيهما من القرط والقلادة
وقال بن الْمَلَكِ الْحُلُوقُ جَمْعُ حَلَقَةٍ
قَالَهُ فِي الْمِرْقَاةِ
وَقَالَ الْعَيْنِيُّ حَلَقَ بِفَتْحِ اللَّامِ جَمْعُ حَلَقَةٍ وَهِيَ الْخَاتَمُ لَا فَصَّ لَهُ
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ مِنْهَا أَنَّ الصَّبِيَّ إِذَا مَلَكَ نَفْسَهُ وَضَبَطَهَا عَنِ اللَّعِبِ وَعَقَلَ الصَّلَاةَ شُرِعَ لَهُ حُضُورُ الْعِيدِ وَغَيْرِهِ وَمِنْهَا الْمُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَعِظَ النِّسَاءَ وَيُذَكِّرَهُنَّ إِذَا حَضَرْنَ مُصَلَّى الْعِيدِ وَيَأْمُرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ وَمِنْهَا الْخُطْبَةُ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ بَعْدَهَا مِنْ غَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إِقَامَةٍ وَمِنْهَا أَنْ يُصَلِّيَ فِي الصَّحْرَاءِ انْتَهَى
قَالَ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ عَطِيَّةِ الْمَرْأَةِ بِغَيْرِ إِذْنِ زَوْجِهَا وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَّا مَا حُكِيَ عن مالك (قال) بن عَبَّاسٍ (فَأَمَرَ) النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ثُمَّ رَجَعَ) بِلَالٌ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ
[1147] (صَلَّى الْعِيدَ بِلَا أَذَانٍ وَلَا إِقَامَةٍ) وأخرج الشيخان من حديث بن عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ قَالَا لَمْ يَكُنْ يُؤَذَّنُ يَوْمَ الْفِطْرِ وَلَا يَوْمَ الْأَضْحَى وَلِمُسْلِمٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ أَخْبَرَنِي جَابِرٌ أَنْ لَا أَذَانَ لِلصَّلَاةِ يوم الفطر حين يخرج الإمام ولا بعد ما يَخْرُجُ وَلَا إِقَامَةَ وَلَا نِدَاءَ وَلَا شَيْءَ ولا نداء يومئذ ولا إقامة أَنَّ (أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ) صَلَّيَا الْعِيدَ بِلَا أَذَانٍ وَلَا إِقَامَةٍ وَهَذَا عَطْفٌ عَلَى اسْمِ أَنَّ (أَوْ عُثْمَانَ) مَكَانَ عُمَرَ (شَكَّ يَحْيَى) هُوَ الْقَطَّانُ قَالَهُ الْمُنْذِرِيُّ
وَفِي الْبَابِ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عِنْدَ الْبَزَّارِ فِي مُسْنَدِهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الْعِيدَ بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إِقَامَةٍ وَكَانَ يَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ قَائِمًا يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِجِلْسَةٍ وَعَنِ البراء بن عازب عندالطبراني فِي الْأَوْسَطِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي يَوْمِ الْأَضْحَى بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إِقَامَةٍ وَعَنْ أَبِي رَافِعٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْكَبِيرِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَخْرُجُ إِلَى الْعِيدِ مَاشِيًا بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إِقَامَةٍ وَفِي إِسْنَادِهِ مِنْدَلٌ وَفِيهِ مَقَالٌ
وَأَحَادِيثُ الْبَابِ تَدُلُّ عَلَى عَدَمِ شَرْعِيَّةِ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ
قَالَ(4/4)
العراقي وعليه عمل العلماء كافة
وقال بن قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي وَلَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا مِمَّنْ يُعْتَدُّ بِخِلَافِهِ إِلَّا أَنَّهُ رُوِيَ عن بن الزُّبَيْرِ أَنَّهُ أَذَّنَ وَأَقَامَ
قَالَ وَقِيلَ إِنَّ أَوَّلَ مَنْ أَذَّنَ فِي الْعِيدَيْنِ زِيَادٌ انْتَهَى
قال المنذري وأخرجه بن مَاجَهْ مُخْتَصَرًا
[1148] (غَيْرَ مَرَّةٍ وَلَا مَرَّتَيْنِ) قَالَ الطِّيبِيُّ حَالٌ أَيْ كَثِيرًا (بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إِقَامَةٍ) فِي شَرْحِ السُّنَّةِ الْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَا أَذَانَ وَلَا إِقَامَةَ لِصَلَاةِ الْعِيدِ وَلَا لِشَيْءٍ مِنَ النَّوَافِلِ وَفِي الْأَزْهَارِ بَلْ يُكْرَهُ وَلَا عِبْرَةَ بِإِحْدَاثِ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنَ الْوُلَاةِ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ
7 - (بَابُ التَّكْبِيرِ فِي الْعِيدَيْنِ)
[1149] (فِي الْأُولَى) أَيِ الرَّكْعَةِ الْأُولَى (وَفِي الثَّانِيَةِ) أَيِ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ
قَالَ النَّوَوِيُّ وَأَمَّا التَّكْبِيرُ الْمَشْرُوعُ فِي أَوَّلِ صَلَاةِ الْعِيدِ
فَقَالَ الشَّافِعِيُّ هُوَ سَبْعٌ فِي الْأُولَى غَيْرُ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَخَمْسٌ فِي الثَّانِيَةِ غَيْرُ تَكْبِيرَةِ الْقِيَامِ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ كَذَلِكَ لَكِنْ سَبْعٌ فِي الْأُولَى إِحْدَاهُنَّ تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ خَمْسٌ فِي الْأُولَى وأربع في الثانية بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَالْقِيَامِ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ يَرَى هَذِهِ التَّكْبِيرَاتِ مُتَوَالِيَةً مُتَّصِلَةً
وَقَالَ عَطَاءٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ يُسْتَحَبُّ بَيْنَ كُلِّ تَكْبِيرَتَيْنِ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى
وروي هذا أيضا عن بن مَسْعُودٍ وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَفِي رِوَايَةٍ سِوَى تَكْبِيرَتَيِ الركوع وأخرجه بن مَاجَهْ وَفِي إِسْنَادِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ لَهِيعَةَ وَلَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ في المستدرك
وقال تفرد به بن لَهِيعَةَ وَقَدِ اسْتَشْهَدَ بِهِ مُسْلِمٌ فِي مَوْضِعَيْنِ
قال وفي الباب عن بن عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَالطُّرُقُ إِلَيْهِمْ فَاسِدَةٌ انْتَهَى
وَذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي علله أن فيه اضطرابا فقيل عن بن لَهِيعَةَ عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ عَنِ(4/5)
الزُّهْرِيِّ وَقِيلَ عَنْهُ عَنْ عَقِيلٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَقِيلَ عَنْهُ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ وَقِيلَ عَنْهُ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أبي هريرة قال والاضطراب فيه من بن لَهِيعَةَ انْتَهَى
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي عِلَلِهِ سَأَلْتُ مُحَمَّدًا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَضَعَّفَهُ وَقَالَ لَا أعلم رواه غير بن لَهِيعَةَ انْتَهَى
[1150] (خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ) وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ من طريق خالد بن يزيد عن بن شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ كَبَّرَ فِي الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى سَبْعًا وَخَمْسًا سِوَى تَكْبِيرَتَيِ الرُّكُوعِ انْتَهَى
وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الْحَاكِمُ مِنْ هذا الوجه
ومرة قال بن لَهِيعَةَ عَنْ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَهُوَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ قَالَ فِي التَّلْخِيصِ يَحْتَمِلُ أن بن لَهِيعَةَ سَمِعَ مِنَ الثَّلَاثَةِ أَيْ عَقِيلٍ وَخَالِدٍ وَيُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ (بِإِسْنَادِهِ) بِإِسْنَادِ حَدِيثِ قُتَيْبَةَ أي عن الزهري عن بن شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ (سِوَى تَكْبِيرَتَيِ الرُّكُوعِ) أَيْ سَبْعُ تَكْبِيرَاتٍ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَخَمْسٌ فِي الثَّانِيَةِ كُلُّهَا اثْنَتَا عَشْرَةَ تَكْبِيرَةً سِوَى تَكْبِيرَتَيِ الرُّكُوعِ فَمَعَ تَكْبِيرَتَيِ الرُّكُوعِ تَصِيرُ التَّكْبِيرَاتُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ تَكْبِيرَةً
[1151] (عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عبد الرحمن الطائفي) قال بن الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ وَالطَّائِفِيُّ هَذَا ضَعَّفَهُ جَمَاعَةٌ منهم بن مَعِينٍ قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ
وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطَّائِفِيُّ وَفِيهِ مَقَالٌ
وَقَدْ أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ فِي الْمُتَابَعَاتِ
وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ انْتَهَى
وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ
قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي الْعِلَلِ سَأَلْتُ الْبُخَارِيَّ عَنْهُ فَقَالَ هُوَ صَحِيحٌ انْتَهَى
وَفِي التَّلْخِيصِ رَوَى أَحْمَدُ وَأَبُو داود وبن مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ وَصَحَّحَهُ أَحْمَدُ وَعَلِيٌّ وَالْبُخَارِيُّ فِيمَا حَكَاهُ التِّرْمِذِيُّ انْتَهَى
(وَالْقِرَاءَةُ) الْحَمْدُ وَسُورَةٌ (بَعْدَهُمَا كِلْتَيْهِمَا) زَادَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِيهِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي نُعَيْمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطَّائِفِيِّ وَخَمْسٌ فِي الثَّانِيَةِ سِوَى تَكْبِيرَةِ الصَّلَاةِ وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْقِرَاءَةَ بَعْدَ التَّكْبِيرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّهُ يُقَدِّمُ التَّكْبِيرَ فِي الْأُولَى وَيُؤَخِّرُهُ فِي الثَّانِيَةِ لِيُوَالِيَ بَيْنَ الْقِرَاءَتَيْنِ(4/6)
[1152] (عَنْ أَبِي يَعْلَى الطَّائِفِيِّ) هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْلَى بْنِ كَعْبٍ الطَّائِفِيِّ أَبُو يَعْلَى (فَيُكَبِّرُ أَرْبَعًا) هَكَذَا رَوَاهُ سليمان بن حيان وَخَالَفَ أَصْحَابَ عَبْدِ اللَّهِ الطَّائِفِيِّ (رَوَاهُ وَكِيعٌ وبن الْمُبَارَكِ) أَيْ رَوَيَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الطَّائِفِيِّ (قَالَا سَبْعًا وَخَمْسًا) بِخِلَافِ سُلَيْمَانَ فَإِنَّهُ قَالَ سبعا وأربعا ورواية بن المبارك أخرجها بن مَاجَهْ بِلَفْظِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْلَى عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النبي كَبَّرَ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ سَبْعًا وَخَمْسًا
[1153] (عَنْ عبد الرحمن بن ثوبان) قال بن الجوزي في التحقيق قال بن مَعِينٍ هُوَ ضَعِيفٌ وَقَالَ أَحْمَدُ لَمْ يَكُنْ بِالْقَوِيِّ وَأَحَادِيثُهُ مَنَاكِيرُ انْتَهَى
قَالَ الْحَافِظُ شَمْسُ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ الْهَادِي فِي التَّنْقِيحِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ ثَوْبَانَ وَثَّقَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ وَقَالَ بن مَعِينٍ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ وَلَكِنْ أَبُو عَائِشَةَ قال بن حزم فيه مجهول وقال بن الْقَطَّانِ لَا أَعْرِفُهُ انْتَهَى (يُكَبِّرُ فِي الْأَضْحَى والفطر) أي في صلاتهما (كان) النبي (يُكَبِّرُ) أَيْ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ (أَرْبَعًا) أَيْ مُتَوَالِيَةً
وَالْمَعْنَى مَعَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَمَعَ تَكْبِيرَةِ الرُّكُوعِ فِي الثَّانِيَةِ (تَكْبِيرَهُ) أَيْ مِثْلَ عَدَدِ تَكْبِيرِهِ (عَلَى الْجَنَائِزِ) صَلَاةِ الْجَنَائِزِ (صَدَقَ) أَبُو مُوسَى (حَيْثُ كُنْتُ عَلَيْهِمْ) أَيْ أَمِيرًا (وَأَنَا حَاضِرٌ) وَقْتَ هَذِهِ الْمُكَالَمَةِ وَالْحَدِيثُ اسْتَدَلَّ بِهِ الْحَنَفِيَّةُ وَقَالُوا يُصَلِّي الْإِمَامُ بِالنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ يُكَبِّرُ فِي الْأُولَى لِلِافْتِتَاحِ وَثَلَاثًا بَعْدَهَا ثُمَّ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةِ وَسُورَةً وَيُكَبِّرُ تَكْبِيرَةً يَرْكَعُ بِهَا ثُمَّ يَبْتَدِي فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ بِالْقِرَاءَةِ ثُمَّ يُكَبِّرُ ثَلَاثًا بَعْدَهَا وَيُكَبِّرُ رَابِعَةً يركع بها وهذا قول بن مَسْعُودٍ وَهُوَ قَوْلُنَا كَذَا فِي(4/7)
الْهِدَايَةِ
وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ ثُمَّ الْمُنْذِرِيُّ لَكِنْ فِيهِ كَلَامٌ كَمَا تَقَدَّمَ
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ هَذَا قَدْ ضَعَّفَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَالْمَشْهُورُ مِنْ هَذِهِ القصة أنهم أسندوا أمرهم إلى بن مسعود فأفتاه بن مَسْعُودٍ بِأَرْبَعٍ فِي الْأُولَى قَبْلَ الْقِرَاءَةِ وَأَرْبَعٍ فِي الثَّانِيَةِ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ وَيَرْكَعُ لِرَابِعَةٍ وَلَمْ يسنده إلى النبي كَذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو إِسْحَاقَ السَّبَيْعِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ شُيُوخِهِمْ وَلَوْ كَانَ عِنْدَ أَبِي مُوسَى فِيهِ علم عن النبي لما كان يسأله عن بن مَسْعُودٍ
وَرُوِيَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ خَمْسٌ فِي الْأُولَى وَأَرْبَعٌ فِي الثَّانِيَةِ وَهَذَا يُخَالِفُ الرِّوَايَةَ الْأُولَى عَنْهُ انْتَهَى كَلَامُهُ
قُلْتُ رِوَايَةُ أَبِي إِسْحَاقَ الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا الْبَيْهَقِيُّ أَخْرَجَهَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَلْقَمَةَ والأسود قال كان بن مَسْعُودٍ جَالِسًا وَعِنْدَهُ حُذَيْفَةُ وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ فَسَأَلَهُمْ سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ عَنِ التَّكْبِيرِ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ فَقَالَ حُذَيْفَةُ سَلِ الْأَشْعَرِيَّ فَقَالَ الْأَشْعَرِيُّ سَلْ عَبْدَ اللَّهِ فَإِنَّهُ أَقْدَمُنَا وَأَعْلَمُنَا فسأله فقال بن مَسْعُودٍ يُكَبِّرُ أَرْبَعًا ثُمَّ يَقْرَأُ ثُمَّ يُكَبِّرُ فَيَرْكَعُ فَيَقُومُ فِي الثَّانِيَةِ فَيَقْرَأُ ثُمَّ يُكَبِّرُ أَرْبَعًا بَعْدَ الْقِرَاءَةِ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ أن بن مَسْعُودٍ كَانَ يُكَبِّرُ فِي الْعِيدَيْنِ تِسْعًا أَرْبَعٌ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ ثُمَّ يُكَبِّرُ فَيَرْكَعُ وَفِي الثَّانِيَةِ يَقْرَأُ فَإِذَا فَرَغَ كَبَّرَ أَرْبَعًا ثُمَّ رَكَعَ وأخرج بن أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ حَدَّثَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ قال صلى بن عَبَّاسٍ يَوْمَ عِيدٍ فَكَبَّرَ تِسْعَ تَكْبِيرَاتٍ خَمْسًا فِي الْأُولَى وَأَرْبَعًا فِي الْآخِرَةِ وَوَالَى بَيْنَ الْقِرَاءَتَيْنِ وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ شَهِدْتُ بن عَبَّاسٍ كَبَّرَ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ بِالْبَصْرَةِ تِسْعَ تَكْبِيرَاتٍ وَوَالَى بَيْنَ الْقِرَاءَتَيْنِ قَالَ وَشَهِدْتُ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ فَعَلَ ذَلِكَ أَيْضًا فَسَأَلْتُ خَالِدًا كيف كان فعل بن عباس ففسر لنا كما صنع بن مَسْعُودٍ فِي حَدِيثِ مَعْمَرٍ وَالثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي إسحاق سواء وأخرج بن أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ أَشْعَثَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ كَانَ يُكَبِّرُ فِي الْعِيدِ تِسْعًا فَذَكَرَ مثل حديث بن مسعود انتهى
وأشعث هو بن سَوَّارٍ ضَعِيفٌ
وَهَذِهِ الْآثَارُ كُلُّهَا تُؤَيِّدُ مَذْهَبَ أبي حنيفة رحمه الله وروي عن عباس أيضا خلاف ذلك أخرج بن أبي شيبة حدثنا وكيع عن بن جريج عن عطاء أن بن عَبَّاسٍ كَبَّرَ فِي الْعِيدِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَبْعًا فِي الْأُولَى وَسِتًّا فِي الْآخِرَةِ بِتَكْبِيرَةِ الرُّكُوعِ كلهن قبل القراءة أخبرنا بن إدريس حدثنا بن جُرَيْجٍ بِهِ نَحْوَهُ
حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ حَجَّاجٍ وعبد الملك عن عطاء عن بن عباس أنه كان يكبر في العيد ثَلَاثَ عَشْرَةَ تَكْبِيرَةً حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ عَنْ عَمَّارِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ أن بن عَبَّاسٍ كَبَّرَ فِي الْعِيدِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ تَكْبِيرَةً سَبْعًا فِي الْأُولَى(4/8)
وخمسا في الآخرة انتهى وكانت رواية يزيد بن هارون هذه الرواية الثانية عن بن عَبَّاسٍ لِأَنَّهُ كَبَّرَ فِي الْأُولَى سَبْعًا بِتَكْبِيرَةِ الرُّكُوعِ وَكَبَّرَ فِي الثَّانِيَةِ خَمْسًا بِتَكْبِيرَةِ الرُّكُوعِ فالجملة اثني عَشْرَةَ تَكْبِيرَةً وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَخْرَجَ مَالِكٌ فِي الموطإ عن نافع مولى بن عمر قال شهدت الأضحىوالفطر مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ فَكَبَّرَ فِي الْأُولَى سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ وَفِي الْآخِرَةِ خَمْسًا قَبْلَ الْقِرَاءَةِ قَالَ مَالِكٌ وَهُوَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ بِإِسْنَادِهِ إِلَى الشَّافِعِيِّ أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أن أبا أَيُّوبَ وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ أَمَرَاهُ أَنْ يُكَبِّرَ فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ سَبْعًا وَخَمْسًا وَهَذِهِ الْآثَارُ كُلُّهَا تُوَافِقُ مَذْهَبَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْأَئِمَّةِ وَجَاءَتْ فِيهِ الْأَحَادِيثُ الْمَرْفُوعَةُ أَيْضًا غَيْرُ مَا تَقَدَّمَتْ
فَمِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وبن مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ الْمُزَنِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ الْمُزَنِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَبَّرَ فِي الْعِيدَيْنِ فِي الْأُولَى سَبْعًا قَبْلَ الْقِرَاءَةِ وَفِي الْآخِرَةِ خَمْسًا قَبْلَ الْقِرَاءَةِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَهُوَ أَحْسَنُ شَيْءٍ رُوِيَ فِي هَذَا الْبَابِ وَقَالَ فِي عِلَلِهِ الْكُبْرَى سَأَلْتُ مُحَمَّدًا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ لَيْسَ شَيْءٌ أصح منه وبه أقول انتهى قال بن الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ هَذَا لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي التَّصْحِيحِ فَقَوْلُهُ هُوَ أَصَحُّ شَيْءٍ فِي الْبَابِ يَعْنِي مَا فِي الْبَابِ وَأَقَلُّ ضَعْفًا وَقَوْلُهُ بِهِ أَقُولُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ أَيْ وَأَنَا أَقُولُ إِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ أَشْبَهُ مَا فِي الْبَابِ لِأنَّ كَثِيرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عِنْدَهُمْ مَتْرُوكٌ
وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ بن مَاجَهْ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَعْدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ سَعْدٍ مُؤَذِّنُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُكَبِّرُ فِي الْعِيدَيْنِ فِي الْأُولَى سَبْعًا قَبْلَ الْقِرَاءَةِ وَفِي الْآخِرَةِ خَمْسًا قَبْلَ الْقِرَاءَةِ وَهَذَا الْحَدِيثُ ضَعِيفٌ لِضَعْفِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدٍ وَأَبُوهُ لَا يُعْرَفُ حَالُهُ قَالَهُ السِّنْدِيُّ وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكَبِّرُ فِي الْعِيدَيْنِ فِي الْأُولَى سَبْعًا وَفِي الْآخِرَةِ خَمْسًا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ عَبْدُ الله بن محمد قال فيه بن مَعِينٍ لَيْسَ بِشَيْءٍ وَقَالَ الذَّهَبِيُّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ آبَائِهِ ضَعَّفَهُ بن مَعِينٍ قَالَ عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ قُلْتُ لِيَحْيَى كَيْفَ حَالُ هَؤُلَاءِ قَالَ لَيْسُوا بِشَيْءٍ انْتَهَى
وَمِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ فَرَجِ بن فضالةعن يحيى بن سعيد عن نافع عن بْنُ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّكْبِيرُ فِي الْعِيدَيْنِ فِي الْأُولَى سَبْعُ تَكْبِيرَاتٍ وَفِي الْآخِرَةِ خَمْسُ تَكْبِيرَاتٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي عِلَلِهِ الْكُبْرَى سَأَلْتُ مُحَمَّدًا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ الْفَرَجُ بْنُ فَضَالَةَ(4/9)
ذَاهِبُ الْحَدِيثِ وَالصَّحِيحُ مَا رَوَاهُ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ مِنَ الْحُفَّاظِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِعْلَهُ انْتَهَى
وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي يَحْيَى عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ عَلِيٌّ يُكَبِّرُ فِي الْأَضْحَى وَالْفِطْرِ وَالِاسْتِسْقَاءِ سَبْعًا فِي الْأُولَى وَخَمْسًا فِي الْأُخْرَى وَيُصَلِّي قَبْلَ الْخُطْبَةِ وَيَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ قَالَ وَكَانَ رَسُولُ الله وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ وَإِبْرَاهِيمُ بن أبي يحيى ضعفه بن معين وأحمد ووثقه الشافعي
قال بن الْقَطَّانِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ لَيْسَ فِي تكبير العيدين عن النبي حَدِيثٌ صَحِيحٌ
وَرَوَى الْعُقَيْلِيُّ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ لَيْسَ يُرْوَى فِي التَّكْبِيرِ فِي الْعِيدَيْنِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ مَرْفُوعٌ وَكَذَا قَالَ الْحَاكِمُ وَسَلَفَ كَلَامُهُ
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْخِلَافِيَّاتِ لَا شَكَّ فِي صِحَّتِهِ مَوْقُوفًا عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَنِ بن عَبَّاسٍ مِثْلُهُ وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ وَكَذَا الطَّبَرَانِيُّ قَالَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الصَّحِيحُ الْمَوْقُوفُ
وَقَالَ بن عبد البر روي عن النبي مِنْ طُرُقِ حِسَانٍ أَنَّهُ كَبَّرَ فِي الْعِيدَيْنِ سَبْعًا فِي الْأُولَى وَخَمْسًا فِي الثَّانِيَةِ مِنْ حديث عبد الله بن عمر وبن عَمْرٍو وَجَابِرٍ وَعَائِشَةَ وَأَبِي وَاقِدٍ وَعَمْرِو بْنِ عَوْفٍ الْمُزَنِيِّ وَلَمْ يُرْوَ عَنْهُ مِنْ وَجْهٍ قَوِيٍّ وَلَا ضَعِيفٍ خِلَافُ هَذَا وَهُوَ أَوْلَى مَا عُمِلَ بِهِ انْتَهَى
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي عَدَدِ التَّكْبِيرَاتِ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ وَفِي وَضْعِ التَّكْبِيرِ عَلَى عَشَرَةِ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ يُكَبِّرُ فِي الْأُولَى سَبْعًا قَبْلَ الْقِرَاءَةِ وَفِي الثَّانِيَةِ خَمْسًا قَبْلَ الْقِرَاءَةِ
قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالْأَئِمَّةِ قَالَ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ وَجَابِرٍ وبن عمر وبن عَبَّاسٍ وَأَبِي أَيُّوبَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَعَائِشَةَ وَهُوَ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالزُّهْرِيِّ وَمَكْحُولٍ وَبِهِ يَقُولُ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَإِسْحَاقُ إِنَّ السَّبْعَ فِي الْأُولَى بَعْدَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ
الْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ مَعْدُودَةٌ مِنَ السَّبْعِ فِي الْأُولَى وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَالْمُزَنِيِّ
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ أَنَّ التَّكْبِيرَ فِي الْأُولَى سَبْعٌ وَفِي الثَّانِيَةِ سَبْعٌ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَالْمُغِيرَةِ بن شعبة وبن عَبَّاسٍ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَالنَّخَعِيِّ
الْقَوْلُ الرَّابِعُ فِي الْأُولَى ثَلَاثٌ بَعْدَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ وَفِي الثَّانِيَةِ ثَلَاثٌ بَعْدَ(4/10)
الْقِرَاءَةِ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ بن مَسْعُودٍ وَأَبِي مُوسَى وَأَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ وَهُوَ قول الثوري وأبي حنفية
وَالْقَوْلُ الْخَامِسُ يُكَبِّرُ فِي الْأُولَى سِتًّا بَعْدَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَقَبْلَ الْقِرَاءَةِ وَفِي الثَّانِيَةِ خَمْسًا بَعْدَ الْقِرَاءَةِ وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ
وَبَاقِي الْأَقْوَالِ الْخَمْسَةِ مَذْكُورَةٌ فِي نَيْلِ الْأَوْطَارِ فَلْيُرْجَعْ إِلَيْهِ
وَأَمَّا رَفْعُ الْيَدَيْنِ فِي تَكْبِيرَاتِ الْعِيدَيْنِ فَلَمْ يَثْبُتْ فِي حَدِيثٍ صَحِيحٍ مَرْفُوعٍ وَإِنَّمَا جَاءَ فِي ذَلِكَ أَثَرٌ
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ بَابُ رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي تَكْبِيرِ الْعِيدِ قَالَ أَحْمَدُ وَالْبَيْهَقِيُّ وَرُوِّينَاهُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي حَدِيثٍ مُرْسَلٍ وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَقَاسَهُ الشافعي على رفع رسول الله يَدَيْهِ حِينَ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ وَحِينَ أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ وَحِينَ رَفَعَ رَأْسَهَ مِنَ الرُّكُوعِ وَلَمْ يَرْفَعْ فِي السُّجُودِ قَالَ فَلَمَّا رَفَعَ يَدَيْهِ فِي كُلِّ ذِكْرٍ كَانَ حِينَ يَذْكُرُ اللَّهَ قَائِمًا أَوْ رَافِعًا إِلَى قِيَامٍ مِنْ غَيْرِ سُجُودٍ لَمْ يَجُزْ إِلَّا أَنْ يُقَالَ يَرْفَعُ الْمُكَبِّرُ فِي الْعِيدَيْنِ يَدَيْهِ عِنْدَ كُلِّ تَكْبِيرَةٍ كَانَ قَائِمًا فِيهَا
انْتَهَى
وَاللَّهُ أَعْلَمُ
8 - (بَاب في مَا يُقْرَأُ فِي الْأَضْحَى وَالْفِطْرِ)
[1154] (كَانَ يَقْرَأُ فِيهِمَا بِقَافْ إِلَخْ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ دَلِيلٌ لِلشَّافِعِيِّ وَمُوَافِقِيهِ أَنَّهُ تُسَنُّ الْقِرَاءَةُ بِهِمَا
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه اللَّه أَبُو وَاقِدٍ اللَّيْثِيُّ اِسْمه الْحَارِثُ بْنُ عَوْفٍ عَلَى الْمَشْهُور
وَالْحَدِيث غَيْر مُتَّصِلٍ فِي ظَاهِره لِأَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ لَا سَمَاع لَهُ مِنْ عُمَرَ
وَقَدْ ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ بِغَيْرِ هَذَا فَبَيَّنَ فِيهِ الِاتِّصَال فَإِنَّهُ أَخْرَجَهُ مِنْ رِوَايَة فُلَيْحِ بْنِ سَلْمَانَ عَنْ ضَمُرَةَ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ قَالَ سَأَلَنِي عُمَرُ وَسُؤَال عُمَرَ عَنْ هَذَا وَمِثْله لَا يَخْفَى عَلَيْهِ لَعَلَّهُ لِيُخْبِرهُ هَلْ حَفِظَهُ أَمْ لَا أَوْ يَكُون دَخَلَ عَلَيْهِ الشَّكّ أَوْ نَازَعَهُ غَيْره فَأَحَبَّ الِاسْتِشْهَاد أَوْ نَسِيَهُ
وَاللَّهُ أَعْلَم(4/11)
فِي الْعِيدَيْنِ
قَالَ الْعُلَمَاءُ وَالْحِكْمَةُ فِي قِرَاءَتِهِمَا لِمَا اشْتَمَلَتَا عَلَيْهِ مِنَ الْإِخْبَارِ بِالْبَعْثِ وَالْإِخْبَارِ عَنِ الْقُرُونِ الْمَاضِيَةِ وَإِهْلَاكِ الْمُكَذِّبِينَ وَتَشْبِيهِ بُرُوزِ الناس للعيد ببروزهم للبعث وخروجهم من الأجداث كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وبن ماجه
9 - (بَاب الْجُلُوسِ لِلْخُطْبَةِ)
[1155] (الْبَزَّازُ) بِمُعْجَمَتَيْنِ (فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ إِلَخْ) وَفِيهِ أَنَّ الْجُلُوسَ لِسَمَاعِ خُطْبَةِ الْعِيدِ غَيْرُ وَاجِبٍ
قَالَ فِي الْمُنْتَقَى وَفِيهِ بَيَانُ أَنَّ الْخُطْبَةَ سُنَّةٌ إِذْ لَوْ وَجَبَتْ وَجَبَ الْجُلُوسُ لَهَا
انْتَهَى
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَفِيهِ أَنَّ تَخْيِيرَ السَّامِعِ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْخُطْبَةِ بَلْ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ سَمَاعِهَا إِلَّا أَنْ يُقَالَ إِنَّهُ يَدُلُّ مِنْ بَابِ الْإِشَارَةِ لِأنَّهُ إِذَا لَمْ يَجِبْ سَمَاعُهَا لَا يَجِبُ فِعْلُهَا وَذَلِكَ لِأَنَّ الْخُطْبَةَ خِطَابٌ وَلَا خِطَابَ إِلَّا لِمُخَاطَبٍ فَإِذَا لَمْ يَجِبِ السَّمَاعُ عَلَى الْمُخَاطَبِ لَمْ يَجِبِ الْخِطَابُ
وَقَدِ اتَّفَقَ الْمُوجِبُونَ لِصَلَاةِ الْعِيدِ وَغَيْرُهُمْ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ خُطْبَتِهِ وَلَا أَعْرِفُ قَائِلًا يَقُولُ بِوُجُوبِهَا
وَقَالَ النَّوَوِيُّ اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَدَّمَهَا عَلَى الصَّلَاةِ صَحَّتْ وَلَكِنَّهُ يَكُونُ تَارِكًا لِلسُّنَّةِ مُفَوِّتًا لِلْفَضِيلَةِ بِخِلَافِ خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ تَقَدُّمُ خُطْبَتِهَا عَلَيْهَا لِأنَّ خُطْبَةَ الْجُمُعَةِ وَاجِبَةٌ وَخُطْبَةَ الْعِيدِ مَنْدُوبَةٌ (وَهَذَا مُرْسَلٌ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَكَذَا قَالَ النَّسَائِيُّ وَنَقَلَ الْبَيْهَقِيُّ عن بن مَعِينٍ أَنَّهُ قَالَ غَلِطَ الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى فِي إِسْنَادِهِ وَإِنَّمَا هُوَ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلٌ انْتَهَى قال المنذري وأخرجه النسائي وبن مَاجَهْ وَقَالَ النَّسَائِيُّ هَذَا خَطَأٌ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ مرسل(4/12)
50 - (باب الخروج إلى العيد في طريق ويرجع في طريق)
[1156] (أخذ يوم العيد في طريق إِلَخْ) وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى اسْتِحْبَابِ الذَّهَابِ إِلَى صَلَاةِ الْعِيدِ فِي طَرِيقٍ وَالرُّجُوعِ فِي طَرِيقٍ أُخْرَى لِلْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي الْحِكْمَةِ فِي مُخَالَفَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الطَّرِيقَ فِي الذَّهَابِ وَالرُّجُوعِ يَوْمَ الْعِيدِ عَلَى أَقْوَالٍ كَثِيرَةٍ
قَالَ الْحَافِظُ اجْتَمَعَ لِي مِنْهَا أَكْثَرُ مِنْ عِشْرِينَ قَوْلًا
قَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ الْمَالِكِيُّ ذَكَرَ فِي ذَلِكَ فَوَائِدَ بَعْضُهَا قَرِيبٌ وَأَكْثَرُهَا دَعَاوَى فَارِغَةٌ
انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وأخرجه بن مَاجَهْ وَفِي إِسْنَادِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ الْعُمَرِيُّ وَفِيهِ مَقَالٌ وَقَدْ أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ مَقْرُونًا بِأَخِيهِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ
1 - (بَاب إِذَا لَمْ يخرج الإمام للعيد من يومه يخرج من الْغَدِ)
[1157] (عَنْ أَبِي عُمَيْرِ بْنِ أَنَسٍ) أَيْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيِّ يُقَالُ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ مَعْدُودٌ فِي صِغَارِ التَّابِعِينَ عَمَّرَ بَعْدَ أَبِيهِ زَمَانًا طَوِيلًا (عَنْ عُمُومَةٍ لَهُ) جَمْعُ عَمٍّ كَالْبُعُولَةِ جَمْعُ بَعْلٍ
ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ كَأُبُوَّةٍ وَخُؤُولَةٍ (مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) صِفَةُ عُمُومَةِ وَجَهَالَةِ الصَّحَابِيِّ لَا تَضُرُّ فَإِنَّهُمْ كُلُّهُمْ عُدُولٌ (أَنَّ رَكْبًا) جَمْعُ رَاكِبٍ كَصَحْبٍ جَمْعُ صَاحِبٍ (يَشْهَدُونَ) أَيْ يُؤَدُّونَ الشَّهَادَةَ (أَنَّهُمْ رَأَوُا الْهِلَالَ بِالْأَمْسِ) وَلَفْظُ أَحْمَدَ(4/13)
في مسنده عم عَلَيْنَا هِلَالُ شَوَّالٍ فَأَصْبَحْنَا صِيَامًا فَجَاءَ رَكْبٌ مِنْ آخِرِ النَّهَارِ فَشَهِدُوا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ رَأَوُا الْهِلَالَ بِالْأَمْسِ فَأَمَرَ النَّاسَ أَنْ يُفْطِرُوا مِنْ يَوْمِهِمْ وَأَنْ يَخْرُجُوا لِعِيدِهِمْ مِنَ الْغَدِ وَهَكَذَا فِي رواية بن مَاجَهْ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ وَالدَّارَقُطْنِيِّ أَنَّهُمْ قَدِمُوا آخر النهار وصحح الداقطني إِسْنَادَهَ بِهَذَا اللَّفْظِ وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ وَقَدْ وَقَعَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ مِنْ رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُمْ شَهِدُوا بَعْدَ الزَّوَالِ وَبِهِ أَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ أَنَّ وَقْتَهَا مِنَ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ إِلَى زَوَالِهَا إِذْ لَوْ كَانَتْ صَلَاةُ الْعِيدِ تُؤَدَّى بَعْدَ الزَّوَالِ لَمَا أَخَّرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْغَدِ (فَأَمَرَهُمْ) أَيِ النَّاسَ (أَنْ يُفْطِرُوا) أَيْ ذَلِكَ الْيَوْمَ (وَإِذَا أَصْبَحُوا يَغْدُوا) أَيْ يَذْهَبُوا فِي الْغَدْوَةِ جَمِيعًا (إِلَى مُصَلَّاهُمْ) لِصَلَاةِ الْعِيدِ يَعْنِي لَمْ يَرَوُا الْهِلَالَ فِي الْمَدِينَةِ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ رمضان فصاموا ذلك اليوم فجائت قَافِلَةٌ فِي أَثْنَاءِ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَشَهِدُوا أَنَّهُمْ رَأَوُا الْهِلَالَ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْإِفْطَارِ وَبِأَدَاءِ صَلَاةِ الْعِيدِ في اليوم الحادي والثلاثين قاله علي القارىء
وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ لِمَنْ قَالَ إِنَّ صَلَاةَ الْعِيدِ تُصَلَّى فِي الْيَوْمِ الثَّانِي إِنْ لَمْ يَتَبَيَّنِ الْعِيدُ إِلَّا بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِ صَلَاتِهِ وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ الْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ
وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّ الصَّلَاةَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي أَدَاءٌ لَا قَضَاءٌ
وَرَوَى الْخَطَّابِيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُمْ إِنْ عَلِمُوا بِالْعِيدِ قَبْلَ الزوال صلوا وَإِلَّا لَمْ يُصَلُّوا يَوْمَهُمْ وَلَا مِنَ الْغَدِ لِأَنَّهُ عَمَلٌ فِي وَقْتٍ فَلَا يُعْمَلُ فِي غَيْرِهِ قَالَ وَكَذَا قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو ثَوْرٍ قَالَ الْخَطَّابِيُّ سُنَّةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلَى بِالِاتِّبَاعِ وَحَدِيثُ أَبِي عُمَيْرٍ صَحِيحٌ فَالْمَصِيرُ إِلَيْهِ وَاجِبٌ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ
وَأَبُو عُمَيْرٍ هَذَا هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيُّ
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلَى وَحَدِيثُ أَبِي عُمَيْرٍ صَحِيحٌ فَالْمَصِيرُ إِلَيْهِ وَاجِبٌ يُرِيدُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَعْلَمُوا بِذَلِكَ قُبَيْلَ الزَّوَالِ أَوْ بَعْدَهَ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَبِي ثَوْرٍ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ شَهِدُوا بِذَلِكَ بَعْدُ وَيُحْتَجُّ لِلشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَبِي ثَوْرٍ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ شَهِدُوا بِذَلِكَ بَعْدَ الزَّوَالِ
تَمَّ كَلَامُ الْمُنْذِرِيِّ
قلت وقد عرفت من رواية أحمد وبن مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيِّ أَنَّهُمْ شَهِدُوا بِذَلِكَ آخِرَ النَّهَارِ
والحديث أخرجه أيضا بن حبان في صحيحه وصححه بن المنذر وبن السكن وبن حزم والخطابي وبن حجر وقول بن عَبْدِ الْبَرِّ إِنَّ أَبَا عُمَيْرٍ مَجْهُولٌ مَرْدُودٌ بِأَنَّهُ قَدْ عَرَفَهُ مَنْ صَحَّحَ لَهُ
قَالَهُ الْحَافِظُ
[1158] (إِسْحَاقُ بْنُ سَالِمٍ مَوْلَى) قَالَ الذَّهَبِيُّ في الميزان لا يعرف لكن قال بن السكن إسناده(4/14)
صَالِحٌ
قُلْتُ لَا يُعْرَفُ إِسْحَاقُ وَبَكْرٌ بِغَيْرِ هَذَا الْخَبَرِ
انْتَهَى
وَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ هُوَ مَجْهُولُ الْحَالِ (بَكْرُ بْنُ مُبَشِّرٍ الْأَنْصَارِيُّ) قَالَ بن الأثير هو بن جَبْرٍ الْأَنْصَارِيُّ مِنْ بَنِي عُبَيْدٍ بَطْنٍ مِنَ الْأَوْسِ لَهُ صُحْبَةٌ عِدَادُهُ فِي أَهْلِ الْمَدِينَةِ قال بن مَنْدَهْ هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ تَفَرَّدَ بِهِ سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سُوَيْدٍ
قُلْتُ قَالَ أَبُو عُمَرَ رَوَى عَنْهُ إِسْحَاقُ بْنُ سَالِمٍ وَأُنَيْسُ بْنُ أَبِي يَحْيَى وَلَيْسَ كَذَلِكَ إِنَّمَا أُنَيْسٌ رَاوٍ عَنْ إِسْحَاقَ
انْتَهَى كَلَامُ بن الْأَثِيرِ
وَفِي الْإِصَابَةِ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ لَهُ صحبة وكذا قال بن حبان وقال بن السَّكَنِ لَهُ حَدِيثٌ وَاحِدٌ بِإِسْنَادٍ صَالِحٍ وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ وَأَبُو دَاوُدَ وَالْبُخَارِيُّ فِي تاريخه والبارودي وقال بن الْقَطَّانِ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ إِلَّا إِسْحَاقُ بْنُ سَالِمٍ وَإِسْحَاقُ لَا يُعْرَفُ
انْتَهَى (كُنْتُ أَغْدُو) قَالَ الْجَوْهَرِيُّ فِي الصِّحَاحِ الْغُدُوُّ نَقِيضُ الرَّوَاحِ وقد غدا يغدوا غُدُوًّا
انْتَهَى
وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ الْغَدْوَةُ الْمَرَّةُ مِنَ الْغُدُوِّ وَهُوَ سَيْرُ أَوَّلِ النَّهَارِ نَقِيضُ الرَّوَاحِ وَقَدْ غَدَا يَغْدُو غُدُوًّا وَالْغُدْوَةُ بِالضَّمِّ مَا بَيْنَ صَلَاةِ الْغَدَاةِ وَطُلُوعِ الشَّمْسِ
انْتَهَى
وَفِي لِسَانِ الْعَرَبِ وَغَدَا عَلَيْهِ غُدُوًّا وَغَدَوْا وَاغْتَدَى بَكَّرَ غَادَاهُ بَاكَرَهُ وَغَدَا عَلَيْهِ وَيُقَالُ غَدَا الرَّجُلُ يَغْدُو فَهُوَ غَادٍ
انْتَهَى
وَالْمَعْنَى أَيْ أَسِيرُ وَأَذْهَبُ أَوَّلَ النَّهَارِ إِلَى الْمُصَلَّى مَعَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (بَطْنُ بَطْحَانَ) بِفَتْحِ الْبَاءِ اسْمُ وَادِي الْمَدِينَةِ وَالْبَطْحَانِيُّونَ مَنْسُوبُونَ إِلَيْهِ وَأَكْثَرُهُمْ يضمون الباء وَلَعَلَّهُ الْأَصَحُّ انْتَهَى
وَاعْلَمْ أَنَّ حَدِيثَ بَكْرِ بْنِ مُبَشِّرٍ هَذَا وُجِدَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْكِتَابِ فِي هَذَا الْبَابِ أَيْ بَابِ إِذَا لم يخرج الإمام للعيد من يومه يخرج مِنَ الْغَدِ وَهَكَذَا فِي مُخْتَصَرِ الْمُنْذِرِيِّ وَوُجِدَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ هَذَا الْحَدِيثُ قَبْلَ هَذَا الْبَابِ أَيْ فِي بَابِ الْخُرُوجِ إِلَى الْعِيدِ فِي طَرِيقٍ وَيَرْجِعُ فِي طَرِيقٍ فَإِدْخَالُ الْحَدِيثِ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ أَيْ بَابِ مُخَالَفَةِ الطَّرِيقِ ظاهر لاخفاء فِيهِ مِنْ حَيْثُ أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالَفَ الطَّرِيقَ كَمَا فِي حَدِيثِ بن عُمَرَ وَأَقَرَّ عَلَى مَنْ يُخَالِفُ كَمَا فِي حَدِيثِ بَكْرِ بْنِ مُبَشِّرٍ لِأَنَّ مُخَالَفَةَ الطَّرِيقِ مِنَ الْمَنْدُوبَاتِ وَالْبَابُ يَشْمَلُ الصُّورَتَيْنِ مَعَ أَنَّ حَدِيثَ بَكْرٍ ضَعِيفٌ وَأَمَّا إِدْخَالُهُ فِي الْبَابِ الثَّانِي فَلَا يَسْتَقِيمُ لِأَنَّ قَوْلَهُ كُنْتُ أَغْدُو ليس فعل مِنَ الْغَدِ الَّذِي أَصْلُهُ الْغُدُوُّ وَحَذَفَ الْوَاوَ بِلَا عِوَضٍ وَيَدْخُلُ فِيهِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ لِلتَّعْرِيفِ وَهُوَ الْيَوْمُ الَّذِي يَأْتِي بَعْدَ يَوْمِكَ أَيْ ثَانِي يَوْمِكَ فَلَا يُقَالُ كُنْتُ أَغْدُو بِمَعْنَى كُنْتُ أَسِيرُ وَأَذْهَبُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي بَعْدَ يَوْمِي هَذَا وَلَا يُسْتَعْمَلُ بِهَذَا الْمَعْنَى فِي مُحَاوَرَةِ الْعَرَبِ فَلَا يُطَابِقُ الْحَدِيثَ مِنَ الْبَابِ بَلْ هُوَ مِنْ تَصَرُّفَاتِ النُّسَّاخِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ(4/15)
52 - (بَاب الصَّلَاةِ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِيدِ)
[1159] (لَمْ يُصَلِّ) أَيْ سُنَّةً
قَالَهُ الطِّيبِيُّ
هَذَا النَّفْيُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُصَلِّي لِخَبَرِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يُصَلِّي قَبْلَ الْعِيدِ شَيْئًا فَإِذَا رَجَعَ إِلَى منزله صلى ركعتين رواه بن مَاجَهْ وَأَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَحَسَّنَهُ الْحَافِظُ فِي الفتح
وحديث بن عَبَّاسٍ هَذَا أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى كَرَاهَةِ الصَّلَاةِ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ وَبَعْدَهَا وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ
قَالَ بن قدامة وهو مذهب بن عباس وبن عمر
قال وروي ذلك عن علي وبن مَسْعُودٍ وَحُذَيْفَةَ وَبُرَيْدَةَ وَسَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ وَجَابِرٍ وبن أَبِي أَوْفَى وَقَالَ بِهِ شُرَيْحٌ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُغَفَّلٍ وَمَسْرُوقٌ وَالضَّحَّاكُ وَالْقَاسِمُ وَسَالِمٌ وَمَعْمَرٌ وبن جُرَيْجٍ وَالشَّعْبِيُّ وَمَالِكٌ وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ لَا يَتَطَوَّعُ فِي الْمُصَلَّى قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا وَلَهُ فِي الْمَسْجِدِ رِوَايَتَانِ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ لَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْ عُلَمَائِنَا يَذْكُرُ أَنَّ أَحَدًا مِنْ سَلَفِ هَذِهِ الْأُمَّةِ كَانَ يُصَلِّي قبل تلك الصلاة ولا بعدها
قال بن قُدَامَةَ وَهُوَ إِجْمَاعٌ كَمَا ذَكَرْنَا عَنِ الزُّهْرِيِّ وعن غيره
انتهى
ويردد دَعْوَى الْإِجْمَاعِ مَا حَكَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُمْ رَأَوْا جَوَازَ الصَّلَاةِ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ وَبَعْدَهَا وَرَوَى ذَلِكَ الْعِرَاقِيُّ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَجَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ وَأَمَّا أَقْوَالُ التَّابِعِينَ فَرَوَاهَا بن أَبِي شَيْبَةَ وَبَعْضُهَا فِي الْمَعْرِفَةِ لِلْبَيْهَقِيِّ
وَرَوَى بن الْمُنْذِرِ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ الْكُوفِيُّونَ يُصَلُّونَ بَعْدَهَا لَا قَبْلَهَا وَالْبَصْرِيُّونَ يُصَلُّونَ قَبْلَهَا لَا بَعْدَهَا وَالْمَدَنِيُّونَ لَا قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا قَالَ فِي الْفَتْحِ وَبِالْأَوَّلِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَالْحَنَفِيُّ وَبِالثَّانِي قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَجَمَاعَةٌ وَبِالثَّالِثِ قَالَ الزهري وبن جُرَيْجٍ وَأَحْمَدُ وَأَمَّا مَالِكٌ فَمَنَعَهُ فِي الْمُصَلَّى وَعَنْهُ فِي الْمَسْجِدِ رِوَايَتَانِ انْتَهَى وَعَنْ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُصَلِّي بَعْدَهَا لَا قَبْلَهَا (تُلْقِي خِرْصَهَا) هُوَ الْحَلَقَةُ الصَّغِيرَةُ مِنَ الْحُلِيِّ وَفِي الْقَامُوسِ الْخُرْصُ بِالضَّمِّ وَيُكْسَرُ حَلْقَةُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ أَوْ حَلْقَةُ الْقُرْطِ أَوِ الْحَلْقَةُ الصَّغِيرَةُ مِنَ الْحُلِيِّ انْتَهَى (وَسِخَابَهَا) بِسِينٍ مُهْمَلَةٍ مَكْسُورَةٍ بَعْدَهَا خَاءٌ مُعْجَمَةٌ وَهُوَ(4/16)
خَيْطٌ تُنَظَّمُ فِيهِ الْخَرَزَاتُ
وَفِي الْقَامُوسِ أَنَّ السِّخَابَ كَكِتَابٍ قِلَادَةٌ مِنْ سُكٍّ وَقَرَنْفُلٍ وَمَحْلَبٍ بِلَا جَوْهَرٍ
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ الْخِرْصُ الْحَلْقَةُ وَالسِّخَابُ الْقِلَادَةُ
وَفِي الْحَدِيثِ مِنَ الْفِقْهِ أَنَّ عَطِيَّةَ الْمَرْأَةِ الْبَالِغَةِ وَصَدَقَتَهَا بِغَيْرِ إِذْنِ زَوْجِهَا جَائِزَةٌ مَاضِيَةٌ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مُفْتَقِرًا إِلَى إِذْنِ الْأَزْوَاجِ لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَأْمُرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ قَبْلَ أَنْ يَسْتَأْذِنَ أَزْوَاجَهُنَّ فِي ذَلِكَ
انْتَهَى
3 - (بَاب يُصَلِّي بِالنَّاسِ الْعِيدَ فِي الْمَسْجِدِ)
إِذَا كَانَ يَوْمُ مَطَرٍ [1160] (أَنَّهُ) أَيِ الشَّأْنُ (أَصَابَهُمْ) أَيِ الصَّحَابَةَ (صَلَاةَ الْعِيدِ في المسجد) أي مسجد المدينة
قال بن الْمَلَكِ يَعْنِي كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي صَلَاةَ الْعِيدِ فِي الصَّحْرَاءِ إِلَّا إِذَا أَصَابَهُمْ مَطَرٌ فَيُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ فَالْأَفْضَلُ أَدَاؤُهَا فِي الصَّحْرَاءِ فِي سَائِرِ الْبُلْدَانِ وَفِي مَكَّةَ خِلَافٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ فِي مَكَّةَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْعَمَلُ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ وَلَمْ يُعْرَفْ خِلَافُهُ مِنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَلَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ السَّلَفِ الْكِرَامِ فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ بِحُكْمِ قَوْلِهِ تعالى إن أول بيت وضع للناس لِعُمُومِ عِبَادَاتِهِمْ مِنْ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَالْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَالْجِنَازَةِ وَالْكُسُوفِ وَالْخُسُوفِ
ذَكَرَهُ فِي الْمِرْقَاةِ
وَفِي السُّبُلِ وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ عَلَى قَوْلَيْنِ هَلِ الْأَفْضَلُ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ الْخُرُوجُ إِلَى الْجَبَّانَةِ أَوِ الصَّلَاةُ فِي مَسْجِدِ الْبَلَدِ إِذَا كَانَ وَاسِعًا
الْأَوَّلُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ إِذَا كَانَ مَسْجِدُ الْبَلَدِ وَاسِعًا صَلَّوْا فِيهِ وَلَا يَخْرُجُونَ فَكَلَامُهُ يَقْضِي بِأَنَّ الْعِلَّةَ فِي الْخُرُوجِ طَلَبُ الِاجْتِمَاعِ وَلِذَا أَمَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِخْرَاجِ الْعَوَاتِقِ وَذَوَاتِ الْخُدُورِ فَإِذَا حَصَلَ ذَلِكَ فِي الْمَسْجِدِ فَهُوَ أَفْضَلُ وَلِذَلِكَ أَهْلُ مَكَّةَ لَا يَخْرُجُونَ لِسَعَةِ مَسْجِدِهَا وَضِيقِ أَطْرَافِهَا وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ جَمَاعَةٌ قَالُوا الصَّلَاةُ فِي الْمَسْجِدِ أَفْضَلُ
وَالْقَوْلُ الثَّانِي لِمَالِكٍ أَنَّ الْخُرُوجَ إِلَى الْجَبَّانَةِ أَفْضَلُ وَلَوِ اتَّسَعَ الْمَسْجِدُ لِلنَّاسِ وَحُجَّتُهُمْ مُحَافَظَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يُصَلِّ فِي الْمَسْجِدِ إِلَّا لِعُذْرِ الْمَطَرِ وَلَا يُحَافِظُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا عَلَى الْأَفْضَلِ وَلِقَوْلِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَنَّهُ رُوِيَ أَنَّهُ خَرَجَ إِلَى الْجَبَّانَةِ لِصَلَاةِ الْعِيدِ وَقَالَ(4/17)
لَوْلَا أَنَّهُ السُّنَّةُ لَصَلَّيْتُ فِي الْمَسْجِدِ وَاسْتَخْلَفَ مَنْ يُصَلِّي بِضَعَفَةِ النَّاسِ فِي الْمَسْجِدِ قَالُوا فَإِنْ كَانَ فِي الْجَبَّانَةِ مَسْجِدٌ مَكْشُوفٌ فَالصَّلَاةُ فِيهِ أَفْضَلُ وَإِنْ كَانَ مَسْقُوفًا فَفِيهِ تُرَدَّدٌ
انْتَهَى
قَالَ فِي فَتْحِ الْبَارِي قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَخْرُجُ فِي الْعِيدَيْنِ إِلَى الْمُصَلَّى بِالْمَدِينَةِ وَهَكَذَا مَنْ بَعْدَهُ إِلَّا مِنْ عُذْرِ مَطَرٍ وَنَحْوِهِ وَكَذَا عَامَّةُ أَهْلِ الْبُلْدَانِ إِلَّا أَهْلَ مَكَّةَ
انْتَهَى
وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ بن مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ وَسَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْمُنْذِرِيُّ وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ
انْتَهَى
قُلْتُ فِي إِسْنَادِهِ رَجُلٌ مَجْهُولٌ وَهُوَ عِيسَى بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ أَبِي فَرْوَةَ الْفَرْوِيُّ الْمَدَنِيُّ قَالَ فِيهِ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ لَا يَكَادُ يعرف وقال هذا حديث منكر
وقال بن الْقَطَّانِ لَا أَعْلَمُ عِيسَى هَذَا مَذْكُورًا فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الرِّجَالِ وَلَا فِي غَيْرِ هذا الإسناد انتهى
قال المنذري وأخرجه بن ماجه
(كتاب صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ وَتَفْرِيعِهَا)
[1161] (جُمَّاعٌ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ يُقَالُ جُمَّاعُ النَّاسِ أَيِ اخْتِلَاطُهُمْ (وَتَفْرِيعُهَا) بِالرَّفْعِ مَعْطُوفٌ عَلَى الْجُمَّاعِ أَيْ تَفْرِيعُ أَبْوَابِ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ وَالْفَرْعُ مَا يَتَفَرَّعُ مِنْ أَصْلِهِ يُقَالُ فَرَّعْتُ مِنْ هَذَا الْأَصْلِ مَسَائِلَ فَتَفَرَّعَتْ أَيِ اسْتُخْرِجَتُ فَخَرَجَتْ وَالْمَعْنَى هَذِهِ مَجْمُوعُ أَبْوَابِ الِاسْتِسْقَاءِ وَمَا يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ مِنَ الْمَسَائِلِ مِنْ تَحْوِيلِ الرِّدَاءِ وَالْخُطْبَةِ وَرَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي الدُّعَاءِ بِهَيْئَةٍ مَخْصُوصَةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
(عَنْ عَمِّهِ) الْمُرَادُ بِعَمِّهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ الْمُتَكَرِّرُ فِي الرِّوَايَاتِ (خَرَجَ بِالنَّاسِ) فِيهِ اسْتِحْبَابُ الْخُرُوجِ لِلِاسْتِسْقَاءِ إِلَى الصَّحْرَاءِ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الِافْتِقَارِ وَالتَّوَاضُعِ وَلِأَنَّهَا أَوْسَعُ لِلنَّاسِ (فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ الرَّكْعَتَيْنِ فِي صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ (جَهَرَ بِالْقِرَاءَةِ فِيهِمَا) وَلَمْ يَذْكُرْ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ الْجَهْرَ بِالْقِرَاءَةِ وذكره البخاري(4/18)
وَأَجْمَعُوا عَلَى اسْتِحْبَابِهِ وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَا يُؤَذَّنُ لَهَا وَلَا يُقَامُ لِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ عَنْ أَحْمَدَ أَبِي هُرَيْرَةَ [1162] (وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ) أَيْ جَعَلَ الْيَمِينَ مِنْ رِدَائِهِ عَلَى عَاتِقِهِ الشِّمَالِ وَالشِّمَالَ مِنْهُ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْمَنِ وَصَارَ ظَاهِرُهُ بَاطِنًا وَبَاطِنُهُ ظَاهِرًا
قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي اللُّمَعَاتِ وَطَرِيقَةُ هَذَا الْقَلْبِ وَالتَّحْوِيلِ أَنْ يَأْخُذَ بِيَدِهِ الْيُمْنَى الطَّرَفَ الْأَسْفَلَ مِنْ جَانِبِ يَسَارِهِ وَبِيَدِهِ الْيُسْرَى الطَّرَفَ الْأَسْفَلَ مِنْ جَانِبِ يَمِينِهِ وَيَقْلِبُ يَدَيْهِ خَلْفَ ظَهْرِهِ حَتَّى يَكُونَ الطَّرَفُ الْمَقْبُوضُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى عَلَى كَتِفِهِ الْأَعْلَى مِنْ جَانِبِ الْيَمِينِ وَالطَّرَفُ الْمَقْبُوضُ بِيَدِهِ الْيُسْرَى عَلَى كَتِفِهِ الْأَعْلَى مِنْ جَانِبِ الْيَسَارِ
انْتَهَى
وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ تَحْوِيلِ الرِّدَاءِ فِي أَثْنَائِهَا لِلِاسْتِسْقَاءِ قَالَ النَّوَوِيُّ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الِاسْتِسْقَاءَ سُنَّةٌ وَاخْتَلَفُوا هَلْ تُسَنُّ لَهُ صَلَاةٌ أَمْ لَا فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا تُسَنُّ لَهُ صَلَاةٌ بَلْ يُسْتَسْقَى بِالدُّعَاءِ بِلَا صَلَاةٍ وَقَالَ سَائِرُ الْعُلَمَاءِ من السلف والخلف الصحابة وَالتَّابِعُونَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ تُسَنُّ الصَّلَاةُ وَلَمْ يُخَالِفْ فِيهِ إِلَّا أَبُو حَنِيفَةَ وَتَعَلَّقَ بِأَحَادِيثِ الِاسْتِسْقَاءِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا صَلَاةٌ وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِالْأَحَادِيثِ الثَّابِتَةِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى لِلِاسْتِسْقَاءِ رَكْعَتَيْنِ وَأَمَّا الْأَحَادِيثُ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا ذِكْرُ الصَّلَاةِ فَبَعْضُهَا مَحْمُولٌ عَلَى نِسْيَانِ الرَّاوِي وَبَعْضُهَا كَانَ فِي الْخُطْبَةِ لِلْجُمُعَةِ وَيَتَعَقَّبُهُ الصَّلَاةُ لِلْجُمُعَةِ فَاكْتَفَى بِهَا وَلَوْ لَمْ يُصَلِّ أَصْلًا كَانَ بَيَانًا لِجَوَازِ الِاسْتِسْقَاءِ بِالدُّعَاءِ بِلَا صَلَاةٍ وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ وَتَكُونُ الْأَحَادِيثُ الْمُثْبِتَةُ لِلصَّلَاةِ مُقَدَّمَةً لِأَنَّهَا زِيَادَةُ عِلْمٍ وَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَهُمَا
قَالَ أَصْحَابُنَا الِاسْتِسْقَاءُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ أَحَدُهَا الِاسْتِسْقَاءُ بِالدُّعَاءِ مِنْ غَيْرِ صَلَاةٍ الثَّانِي الِاسْتِسْقَاءُ فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ أَوْ فِي أَثَرِ صَلَاةٍ مَفْرُوضَةٍ وَهُوَ أَفْضَلُ مِنَ النَّوْعِ الَّذِي قَبْلَهُ وَالثَّالِثُ وَهُوَ أَكْمَلُهَا أَنْ يَكُونَ بِصَلَاةِ رَكْعَتَيْنِ وَخُطْبَتَيْنِ وَيُتَأَهَّبُ قَبْلَهُ بِصَدَقَةٍ وَصِيَامٍ وَتَوْبَةٍ وَإِقْبَالٍ عَلَى الْخَيْرِ وَمُجَانَبَةِ الشَّرِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وبن ماجه
[1163] (عن محمد بن مسلم) هو بن شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ (لَمْ يَذْكُرْ) أَيِ الزبيدي(4/19)
عَنِ الزُّهْرِيِّ قِصَّةَ الصَّلَاةِ (وَقَالَ) أَيِ الزُّبَيْدِيُّ (فَجَعَلَ عِطَافَهُ الْأَيْمَنَ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ أَصْلُ الْعِطَافِ الرِّدَاءُ وَإِنَّمَا أَضَافَ الْعِطَافَ إِلَى الرِّدَاءِ لِأَنَّهُ أَرَادَ أَحَدَ شِقَّيِ الْعِطَافِ
انْتَهَى
قَالَ فِي شَرْحِ الْمِشْكَاةِ فَالْهَاءُ ضَمِيرُ الْرِدَاءِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُرِيدُ بِالْعِطَافِ جَانِبَ الرِّدَاءِ
قَالَ التُّورْبَشْتِيُّ سُمِّيَ الرِّدَاءُ عِطَافًا لِوُقُوعِهِ عَلَى الْعِطْفَيْنِ وَهُمَا الْجَانِبَانِ
انْتَهَى
[1164] (وَعَلَيْهِ خَمِيصَةٌ) أَيْ كِسَاءٌ أَسْوَدُ مُرَبَّعٌ لَهُ عَلَمَانِ فِي طَرَفَيْهِ مِنْ صُوفٍ وَغَيْرِهِ وَسَوْدَاءُ صِفَةٌ لِخَمِيصَةٍ وَفِيهِ تَجْرِيدٌ قَالَ فِي النِّهَايَةِ هِيَ ثَوْبُ خَزٍّ أَوْ صُوفٍ مُعَلَّمٍ وَقِيلَ لَا تُسَمَّى خَمِيصَةً إِلَّا أَنْ تَكُونَ سَوْدَاءَ مُعَلَّمَةً وَكَانَتْ مِنْ لِبَاسِ النَّاسِ قَدِيمِهَا وَجَمْعُهَا الْخَمَائِصُ انْتَهَى (فَلَمَّا ثَقُلَتْ) الْخَمِيصَةُ أَيْ عَسُرَتْ عَلَيْهِ (قَلَّبَهَا) بِتَشْدِيدِ اللَّامِ وَقِيلَ بِتَخْفِيفِهَا (عَلَى عَاتِقَيْهِ) بِالتَّثْنِيَةِ هَكَذَا فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا بِالْإِفْرَادِ وَالْمَعْنَى أَيْ لَمْ يَجْعَلْ أَسْفَلَهَا أَعْلَاهَا بَلْ جَعَلَ مَا عَلَى كَتِفِهِ الْأَيْمَنِ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ
وَزَادَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَتِهِ حَوَّلَ النَّاسُ مَعَهُ وَقَالَ الْحَاكِمُ هُوَ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ
[1165] (نَحْوَهُ) أَيْ رِوَايَةُ عُثْمَانَ نَحْوُ رِوَايَةِ النُّفَيْلِيِّ وَهُوَ كَقَوْلِهِ الْمَعْنَى أَيْ مَعْنَى حَدِيثِهِمَا وَاحِدٌ (قَالَ عُثْمَانُ) بْنُ أَبِي شيبة (بن عُقْبَةَ) بِالْقَافِ بَعْدَ الْعَيْنِ هُوَ صِفَةُ الْوَلِيدِ أَيْ قَالَ عُثْمَانُ فِي رِوَايَتِهِ الْوَلِيدُ بْنُ عُقْبَةَ وَأَمَّا النُّفَيْلِيُّ فَقَالَ الْوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةَ بِالتَّاءِ بَعْدَ الْعَيْنِ (مُتَبَذِّلًا) بِتَقْدِيمِ التَّاءِ عَلَى الْمُوَحَّدَةِ أَيْ لَابِسًا لِثِيَابِ الْبِذْلَةِ تَارِكًا لِثِيَابِ الزِّينَةِ تَوَاضُعًا لِلَّهِ تَعَالَى
التَّبَذُّلُ وَالِابْتِذَالُ تَرْكُ(4/20)
التَّزَيُّنِ وَالتَّهَيُّؤِ بِالْهَيْئَةِ الْحَسَنَةِ الْجَمِيلَةِ عَلَى جِهَةِ التَّوَاضُعِ (مُتَضَرِّعًا) أَيْ مُظْهِرًا لِلضَّرَاعَةِ وَهِيَ التَّذَلُّلُ عند طلب الحاجة (فلم يخطب خطبكم هَذِهِ) النَّفْيُ مُتَوَجِّهٌ إِلَى الْقَيْدِ لَا إِلَى الْمُقَيَّدِ كَمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ الْأَحَادِيثُ الْمُصَرِّحَةُ بِالْخُطْبَةِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا قَوْلُهُ فِي هَذَا الحديث فرقي المنبر ولم يخطب خطبكم هَذِهِ فَإِنَّمَا نَفَى وُقُوعَ خُطْبَةٍ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُشَابَهَةً لِخُطْبَةِ الْمُخَاطَبِينَ وَلَمْ يَنْفِ وُقُوعَ مُطْلَقِ الْخُطْبَةِ مِنْهُ عَلَى ذَلِكَ فَلَا يَصِحُّ التَّمَسُّكُ بِهِ لِعَدَمِ مَشْرُوعِيَّةِ الْخُطْبَةِ
وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ مَفْهُومُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ خَطَبَ لَكِنَّهُ لَمْ يَخْطُبْ كَمَا يَفْعَلُ فِي الْجُمُعَةِ وَلَكِنَّهُ خَطَبَ الْخُطْبَةَ وَاحِدَةً فَلِذَلِكَ نَفَى النَّوْعَ وَلَمْ يَنْفِ الْجِنْسَ وَلَمْ يُرْوَ أَنَّهُ خَطَبَ خُطْبَتَيْنِ فَلِذَلِكَ قَالَ أَبُو يُوسُفَ يَخْطُبُ خُطْبَةً وَاحِدَةً وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ يَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ وَلَمْ أَجِدْ لَهُ شَاهِدًا انْتَهَى (ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ الصَّلَاةِ لَمْ يُخَالِفْ فِيهِ إِلَّا الْحَنَفِيَّةُ (كَمَا يُصَلِّي فِي الْعِيدِ) تَمَسَّكَ بِهِ الشَّافِعِيُّ وَمَنْ مَعَهُ فِي مَشْرُوعِيَّةِ التَّكْبِيرِ فِي صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ كَتَكْبِيرِ الْعِيدِ وَتَأَوَّلَهُ الْجُمْهُورُ عَلَى أن المراد كصلاة العيد في عدد الركعة وَالْجَهْرِ بِالْقِرَاءَةِ وَكَوْنِهَا قَبْلَ الْخُطْبَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ
وَذَكَرَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيُّ فِي كِتَابِهِ أَنَّ إِسْحَاقَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كِنَانَةَ رَوَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مُرْسَلًا انْتَهَى
(بَابُ فِي أَيِّ وَقْتٍ إِلَخْ)
[1166] (اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ اسْتِحْبَابُ اسْتِقْبَالِهَا لِلدُّعَاءِ وَيَلْحَقُ بِهِ الْقِرَاءَةُ وَالْأَذَانُ(4/21)
وَسَائِرُ الطَّاعَاتِ إِلَّا مَا خَرَجَ بِدَلِيلٍ كَالْخُطْبَةِ (ثُمَّ حَوَّلَ رِدَاءَهُ) فِيهِ دَلِيلٌ لِجَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ فِي اسْتِحْبَابِ تَحْوِيلِ الرِّدَاءِ وَلَا يَسْتَحِبُّهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْحَدِيثُ يُرَدُّ عَلَيْهِ
قَالُوا وَالتَّحْوِيلُ شُرِعَ تَفَاؤُلًا بِتَغَيُّرِ الْحَالِ مِنَ الْقَحْطِ إِلَى نُزُولِ الْغَيْثِ وَالْخِصْبِ وَمِنْ ضِيقِ الْحَالِ إِلَى سَعَةٍ
قَالَهُ النَّوَوِيُّ
(بَابُ رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي الِاسْتِسْقَاءِ)
[1168] (عَنْ عُمَيْرٍ) بِالتَّصْغِيرِ (مَوْلَى بَنِي آبِي اللَّحْمِ) بالمداسم رَجُلٍ مِنْ قُدَمَاءِ الصَّحَابَةِ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِامْتِنَاعِهِ مِنْ أَكْلِ اللَّحْمِ أَوْ لَحْمِ مَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ اسْتُشْهِدَ يَوْمَ حُنَيْنٍ
قِيلَ هُوَ الَّذِي يَرْوِي هَذَا الْحَدِيثَ وَلَا يُعْرَفُ لَهُ حَدِيثٌ سِوَاهُ وَعُمَيْرٌ عَنْهُ وَلَهُ أَيْضًا صُحْبَةٌ (عِنْدَ أَحْجَارِ الزَّيْتِ) وَهُوَ مَوْضِعٌ بِالْمَدِينَةِ مِنَ الْحَرَّةِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِسَوَادِ أَحْجَارِهَا بِهَا كَأَنَّهَا طُلِيَتْ بِالزَّيْتِ (مِنَ الزَّوْرَاءِ) بِفَتْحِ الزَّايِ الْمُعْجَمَةِ مَوْضِعٌ بِالْمَدِينَةِ (قَائِمًا يَدْعُو يَسْتَسْقِي) حَالَانِ أَيْ دَاعِيًا مُسْتَسْقِيًا (قِبَلَ وَجْهِهِ) بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ قُبَالَتَهُ (لَا يُجَاوِزُ بِهِمَا) أَيْ بِيَدَيْهِ حِينَ رَفَعَهُمَا (رَأْسَهُ) وَلَا يُنَافِي مَا يَأْتِي فِي رِوَايَةِ أَنَسٍ أَنَّهُ كَانَ يُبَالِغُ فِي الرَّفْعِ لِلِاسْتِسْقَاءِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ ذَلِكَ أَكْثَرُ أَحْوَالِهِ وَهَذَا فِي نَادِرٍ مِنْهَا أَوْ بِالْعَكْسِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ عُمَيْرٍ مَوْلَى آبِي اللَّحْمِ
وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ كَذَا قَالَ قُتَيْبَةُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ آبِي اللَّحْمِ وَلَا يُعْرَفُ لَهُ عَنِ النَّبِيِّ إِلَّا هَذَا الْحَدِيثُ الْوَاحِدُ
وَعُمَيْرٌ مَوْلَى آبِي اللحم قد روى عن النبي أحاديث وله صحبة(4/22)
[1169] (أتت النبي بَوَاكِي) جَمْعُ بَاكِيَةٍ أَيْ جَاءَتْ عِنْدَ النَّبِيِّ نُفُوسٌ بَاكِيَةٌ أَوْ نِسَاءٌ بَاكِيَاتٌ لِانْقِطَاعِ الْمَطَرِ عَنْهُمْ مُلْتَجِئَةً إِلَيْهِ وَهَذِهِ هِيَ الرِّوَايَةُ الْمَشْهُورَةُ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ هَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَتِنَا وَفِي غَيْرِهَا مِمَّا شَاهَدْنَاهُ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ الْمَفْتُوحَةِ وَذَكَرَ الْخَطَّابِيُّ قَالَ رَأَيْتُ النبي يُوَاكِي بِضَمِّ الْيَاءِ بِاثْنَتَيْنِ مِنْ تَحْتِهَا
انْتَهَى
قُلْتُ الْمُوَاكَاةُ وَالتَّوَكُّؤُ وَالِاتِّكَاءُ وَالتَّحَامُلُ عَلَى الشَّيْءِ
قال الخطابي في العالم مَعْنَاهُ التَّحَامُلُ عَلَى يَدَيْهِ إِذَا رَفَعَهُمَا وَمَدَّهُمَا فِي الدُّعَاءِ وَمِنْ هَذَا التَّوَكُّؤُ عَلَى الْعَصَا وَهُوَ التَّحَامُلُ عَلَيْهَا انْتَهَى
وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ أَيْ يَتَحَامَلُ عَلَى يَدَيْهِ أَيْ يَرْفَعُهُمَا وَيَمُدُّهُمَا فِي الدُّعَاءِ وَمِنْهُ التَّوَكُّؤُ عَلَى الْعَصَا وَهُوَ التَّحَامُلُ عَلَيْهَا انْتَهَى
وَقَدْ أَخَذَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ صَاحِبُ الْمِشْكَاةِ أَيْضًا
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ قَالَ بَعْضُهُمْ وَالصَّحِيحُ مَا ذَكَرَهُ الْخَطَّابِيُّ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَلِلرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ وَجْهٌ انْتَهَى
وَرَجَّحَ السِّنْدِيُّ الرِّوَايَةَ الْمَشْهُورَةَ وَبَالَغَ فِي رَدِّ غَيْرِهَا وَلَمْ يَقِفْ عَلَى كلام الخطابي وبن الْأَثِيرِ وَالْمُنْذِرِيِّ
وَقَالَ النَّوَوِيُّ وَهَذَا الَّذِي ادَّعَاهُ الْخَطَّابِيُّ لَمْ تَأْتِ بِهِ الرِّوَايَةُ وَلَا انْحَصَرَ الصَّوَابُ فِيهِ بَلْ لَيْسَ هُوَ وَاضِحُ الْمَعْنَى
وَفِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيِّ أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم هو ازل بَدَلَ بَوَاكِي انْتَهَى
قُلْتُ عَلَى رِوَايَةِ الْخَطَّابِيِّ يُوَافِقُ الْحَدِيثَ بِالْبَابِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ كَذَا فِي غَايَةِ الْمَقْصُودِ
(اسْقِنَا) بِالْوَصْلِ وَالْقَطْعِ (غَيْثًا) أَيْ مَطَرًا (مُغِيثًا) بِضَمِّ أَوَّلِهِ أَيْ مُعِينًا مِنَ الْإِغَاثَةِ بِمَعْنَى الْإِعَانَةِ (مَرِيئًا) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْمَدِّ وَيَجُوزُ إِدْغَامُهُ أَيْ هَنِيئًا مَحْمُودَ الْعَاقِبَةِ لَا ضَرَرَ فِيهِ مِنَ الْغَرَقِ وَالْهَدْمِ (مَرِيعًا) يُرْوَى عَلَى وَجْهَيْنِ بِالْيَاءِ وَالْبَاءِ فَمَنْ رَوَاهُ بِالْيَاءِ جَعَلَهُ مِنَ الْمَرَاعَةِ وَهُوَ الْخِصْبُ يُقَالُ مِنْهُ أَمْرَعَ الْمَكَانُ إِذَا أَخْصَبَ وَمَنْ رَوَاهُ مَرْبَعًا كَانَ مَعْنَاهُ مَنْبَتًا لِلرَّبِيعِ قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ
وَفِي شَرْحِ الْمِشْكَاةِ مَرِيعًا بِفَتْحِ الْمِيمِ وَبِضَمٍّ أَيْ كَثِيرًا
وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ ذَا مَرَاعَةٍ وَخِصْبٍ وَيُرْوَى مُرْبِعًا بِالْبَاءِ بِضَمِّ الْمِيمِ أَيْ مُنْبِتًا لِلرَّبِيعِ وَيُرْوَى مَرْتَعًا بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالتَّاءِ أَيْ يَنْبُتُ بِهِ مَا يَرْتَعُ الْإِبِلَ وَكُلُّ خِصْبٍ مَرْتَعٌ وَمِنْهُ يَرْتَعُ وَيَلْعَبُ ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ (فَأَطْبَقَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ) عَلَى بِنَاءِ الْفَاعِلِ وَقِيلَ بِالْمَفْعُولِ يقال أطبق إذا جعل الطَّبَقَ عَلَى رَأْسِ شَيْءٍ وَغَطَّاهُ بِهِ أَيْ جُعِلَتْ عَلَيْهِمُ السَّحَابُ كَطَبَقٍ قِيلَ أَيْ ظَهَرَ السَّحَابُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَغَطَّاهُمُ السَّحَابُ كَطَبَقٍ فوق رؤوسهم بِحَيْثُ لَا يَرَوْنَ السَّمَاءَ مِنْ تَرَاكُمِ السَّحَابِ وَعُمُومِهِ الْجَوَانِبَ وَقِيلَ أَطْبَقَتْ بِالْمَطَرِ الدَّائِمِ يُقَالُ أَطْبَقَتْ عَلَيْهِ الْحُمَّى أَيْ دَامَتْ
وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ أَيْ مَلَأْتُ وَالْغَيْثُ الْمُطْبَقُ هُوَ الْعَامُّ الواسع(4/23)
[1170] (إِلَّا فِي الِاسْتِسْقَاءِ) قَالَ فِي النَّيْلِ ظَاهِرُهُ نَفْيُ الرَّفْعِ فِي كُلِّ دُعَاءٍ غَيْرَ الِاسْتِسْقَاءِ وَهُوَ مُعَارِضٌ لِلْأَحَادِيثِ الثَّابِتَةِ فِي الرَّفْعِ فِي غَيْرِ الِاسْتِسْقَاءِ وَهِيَ كَثِيرَةٌ وَقَدْ أَفْرَدَهَا الْبُخَارِيُّ بِتَرْجَمَةٍ فِي كِتَابِ الدَّعَوَاتِ وَسَاقَ فِيهَا عِدَّةَ أَحَادِيثَ وَصَنَّفَ الْمُنْذِرِيُّ فِي ذَلِكَ جُزْءًا
وَقَالَ النَّوَوِيُّ هِيَ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَرَ قَالَ وَقَدْ جَمَعْتُ مِنْهَا نَحْوًا مِنْ ثَلَاثِينَ حَدِيثًا مِنَ الصَّحِيحَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا قَالَ وَذَكَرْتُهَا فِي آخِرِ بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ
انْتَهَى
فَذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّ الْعَمَلَ بِهَا أَوْلَى وَحَمَلَ حَدِيثَ أَنَسٍ عَلَى نَفْيِ رُؤْيَتِهِ وَذَلِكَ لَا يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ رُؤْيَةِ غَيْرِهِ وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى تَأْوِيلِ حَدِيثِ أَنَسٍ الْمَذْكُورِ لِأَجْلِ الْجَمْعِ بِأَنْ يُحْمَلَ النَّفْيُ عَلَى جِهَةٍ مَخْصُوصَةٍ إِمَّا عَلَى الرَّفْعِ الْبَلِيغِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إِبِطَيْهِ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ غَالِبَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي وَرَدَتْ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي الدُّعَاءِ إِنَّمَا الْمُرَادُ بِهَا مَدُّ الْيَدَيْنِ وَبَسْطُهُمَا عِنْدَ الدُّعَاءِ وَكَأَنَّهُ عِنْدَ الِاسْتِسْقَاءِ زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَرَفَعَهُمَا إِلَى جِهَةِ وَجْهِهٍ حَتَّى حَاذَتَاهُ وَحِينَئِذٍ يُرَى بَيَاضُ إِبْطَيْهِ وَإِمَّا عَلَى صِفَةِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ الْمَذْكُورَةِ وَلِأَبِي دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ كَانَ يَسْتَسْقِي هَكَذَا وَمَدَّ يَدَيْهِ وَجَعَلَ بُطُونَهُمَا مِمَّا يَلِي الْأَرْضَ حَتَّى رَأَيْتُ بَيَاضَ إِبْطَيْهِ كَمَا سَيَأْتِي
وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَنْبَغِي الْبَقَاءَ عَلَى النَّفْيِ الْمَذْكُورِ عَنْ أَنَسٍ فَلَا تُرْفَعُ الْيَدُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَدْعِيَةِ إِلَّا فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي وَرَدَ فِيهَا الرَّفْعُ وَيُعْمَلُ فِيمَا سِوَاهَا بِمُقْتَضَى النَّفْيِ وَتَكُونُ الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي الرَّفْعِ فِي غَيْرِ الِاسْتِسْقَاءِ أَرْجَحَ مِنَ النَّفْيِ الْمَذْكُورِ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ إِمَّا لِأَنَّهَا خَاصَّةٌ فَيُبْنَى الْعَامُّ عَلَى الْخَاصِّ أَوْ لِأَنَّهَا مُثْبِتَةٌ وَهِيَ أَوْلَى مِنَ النَّفْيِ
وَغَايَةُ مَا فِي حَدِيثِ أَنَسٍ نَفْيُ الرَّفْعِ فِيمَا يَعْلَمُهُ وَمَنْ عَلِمَ حُجَّةً عَلَى مَنْ لَمْ يَعْلَمِ انْتَهَى كَلَامُهُ
وَالْحَقُّ أَنَّ أَنَسًا لَمْ يَنْفِ رَفْعَ الْيَدَيْنِ فِي الدُّعَاءِ بَلْ إِنَّمَا مُرَادُهُ أن النبي لَا يُبَالِغُ فِي الرَّفْعِ رَفْعًا بَلِيغًا فَوْقَ حِذَاءِ الصَّدْرِ بِحَيْثُ يَجْعَلُ بُطُونَ يَدَيْهِ مِمَّا يَلِي الْأَرْضَ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إِبْطَيْهِ إِلَّا فِي الِاسْتِسْقَاءِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ والنسائي وبن مَاجَهْ
[1171] (وَمَدَّ يَدَيْهِ وَجَعَلَ بُطُونَهُمَا إِلَخْ) قَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَالسُّنَّةُ فِي كُلِّ دُعَاءٍ لرفع بلاء(4/24)
كَالْقَحْطِ وَنَحْوِهِ أَنْ يَرْفَعَ يَدَيْهِ وَيَجْعَلَ ظَهْرَ كَفَّيْهِ إِلَى السَّمَاءِ وَإِذَا دَعَا لِسُؤَالِ شَيْءٍ وَتَحْصِيلِهِ جَعَلَ بَطْنَ كَفَّيْهِ إِلَى السَّمَاءِ وَاحْتَجُّوا بِهَذَا الْحَدِيثِ قَالَهُ النَّوَوِيُّ
وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مُخْتَصَرًا بِنَحْوِهِ
[1172] (مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ) هُوَ التَّيْمِيُّ وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ
[1173] (خَالِدُ بْنُ نزار) بكسر النون وفتح الزاء الْمُخَفَّفَةِ (قُحُوطَ الْمَطَرِ) بِضَمِّ الْقَافِ هُوَ مَصْدَرٌ كَالْقَحْطِ مَعْنَاهُ احْتِبَاسُ الْمَطَرِ وَفَقْدُهُ
فِي الْقَامُوسِ الْقَحْطُ احْتِبَاسُ الْمَطَرِ (فَأَمَرَ بِمِنْبَرٍ إِلَخْ) فِيهِ اسْتِحْبَابُ الصُّعُودِ عَلَى الْمِنْبَرِ لِخُطْبَةِ الِاسْتِسْقَاءِ (وَوَعَدَ النَّاسَ يَوْمًا) أَيْ عَيَّنَهُ لَهُمْ وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَجْمَعَ النَّاسَ وَيَخْرُجَ بِهِمْ إِلَى خَارِجِ الْبَلَدِ (حَاجِبُ الشَّمْسِ) فِي الْقَامُوسِ حَاجِبُ الشَّمْسِ ضَوْءُهَا أَوْ نَاحِيَتُهَا انْتَهَى
وَإِنَّمَا سُمِّيَ الضَّوْءُ حَاجِبًا لِأَنَّهُ يَحْجُبُ جُرْمَهَا عَنِ الْإِدْرَاكِ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ الْخُرُوجِ لِصَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ
وقد أخرج الحاكم وأصحاب السنن عن بن عباس أن النبي صَنَعَ فِي الِاسْتِسْقَاءِ كَمَا صَنَعَ فِي الْعِيدِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ صَلَّاهَا وَقْتَ صَلَاةِ الْعِيدِ كَمَا قال الحافظ وقد حكى بن الْمُنْذِرِ الِاخْتِلَافَ فِي وَقْتِهَا قَالَ فِي الْفَتْحِ وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ لَا وَقْتَ لَهَا مُعَيَّنٌ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُ أَحْكَامِهَا كَالْعِيدِ لَكِنَّهَا مُخَالِفَةٌ بِأَنَّهَا لا تختص بيوم معين
ونقل بن قُدَامَةَ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهَا لَا تُصَلَّى فِي وقت الكراهة
وأفاد بن حبان بأن خروجه لِلِاسْتِسْقَاءِ كَانَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ سِتٍّ مِنَ الْهِجْرَةِ (جَدْبَ دِيَارِكُمْ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ المهملة أي قحطها (واستيخار الْمَطَرِ) أَيْ تَأَخُّرَهُ
قَالَ الطِّيبِيُّ وَالسِّينُ لِلْمُبَالَغَةِ يُقَالُ اسْتَأْخَرَ الشَّيْءَ إِذَا تَأَخَّرَ تَأَخُّرًا بَعِيدًا (عَنْ إِبَّانِ زَمَانِهِ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ الْبَاءِ أَيْ وَقْتِهِ مِنْ إِضَافَةِ الْخَاصِّ إِلَى الْعَامِّ يعني عن أول زمان المطر وإلا بان أَوَّلُ الشَّيْءِ
قَالَ فِي(4/25)
النِّهَايَةِ قِيلَ نُونُهُ أَصْلِيَّةٌ فَيَكُونُ فِعَالًا وَقِيلَ زَائِدَةٌ فَيَكُونُ فِعْلَانُ مِنْ آبَ الشَّيْءُ يَؤُبُّ إِذَا تَهَيَّأَ لِلذَّهَابِ
وَفِي الْقَامُوسِ إِبَّانَ الشَّيْءِ بِالْكَسْرِ حِينُهُ أَوْ أَوَّلُهُ (وَقَدْ أَمَرَكُمُ اللَّهُ) يُرِيدُ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ
(ثُمَّ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ افْتِتَاحِ الْخُطْبَةِ بِالْبَسْمَلَةِ بَلْ بِالْحَمْدَلَةِ وَلَمْ تأت رواية عنه أَنَّهُ افْتَتَحَ الْخُطْبَةَ بِغَيْرِ التَّحْمِيدِ كَمَا فِي السُّبُلِ (مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ) بِقَصْرِ الْمِيمِ أَيْ بِلَا أَلِفٍ بَعْدَ الْمِيمِ فِي مَالِكٍ (قُوَّةً) أَيْ بِالْقُوتِ حَتَّى لَا نَمُوتَ وَالْمَعْنَى اجْعَلْهُ مَنْفَعَةً لَنَا لَا مَضَرَّةً عَلَيْنَا (وَبَلَاغًا) أَيْ زَادًا يُبَلِّغُنَا (إِلَى حِينِ) أَيْ مِنْ أَحْيَانِ آجَالِنَا
قَالَ الطِّيبِيُّ الْبَلَاغُ مَا يَتَبَلَّغُ بِهِ إِلَى الْمَطْلُوبِ وَالْمَعْنَى اجْعَلِ الْخَيْرَ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْنَا سَبَبًا لِقُوَّتِنَا وَمَدَدًا لَنَا مَدَدًا طِوَالًا (ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَخْ) فِيهِ اسْتِحْبَابُ الْمُبَالَغَةِ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ الِاسْتِسْقَاءِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ (ثُمَّ حَوَّلَ إِلَى النَّاسِ ظَهْرَهُ) فِيهِ اسْتِحْبَابُ اسْتِقْبَالِ الْخَطِيبِ عِنْدَ تَحْوِيلِ الرِّدَاءِ الْقِبْلَةَ وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ التَّفَاؤُلُ بِتَحَوُّلِهِ عَنِ الْحَالَةِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا وَهِيَ الْمُوَاجَهَةُ لِلنَّاسِ إِلَى الْحَالَةِ الْأُخْرَى وَهِيَ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ وَاسْتِدْبَارُهُمْ لِيَتَحَوَّلَ عَنْهُمُ الْحَالُ الَّذِي هُمْ فِيهِ وَهُوَ الْجَدْبُ بِحَالٍ آخَرَ وَهُوَ الْخَصْبُ (وَقَلَّبَ) بِالتَّشْدِيدِ (أَوْ حَوَّلَ رِدَاءَهُ) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي (فَأَنْشَأَ اللَّهُ سَحَابَةً) أَيْ أَوْجَدَ وَأَحْدَثَ (فَرَعَدَتْ وَبَرَقَتْ) بِفَتْحِ الرَّاءِ أَيْ ظَهَرَ فِيهَا الرَّعْدُ وَالْبَرْقُ فَالنِّسْبَةُ مَجَازِيَّةٌ قَالَ فِي النِّهَايَةِ بَرَقَتْ بِالْكَسْرِ بِمَعْنَى الْحِيرَةِ وَبِالْفَتْحِ مِنَ الْبَرِيقِ اللَّمَعَانِ (ثُمَّ أَمْطَرَتْ بِإِذْنِ اللَّهِ) فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ جَاءَ فِي الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ أَمْطَرَتْ بِالْأَلِفِ وَهُوَ دَلِيلٌ لِلْمَذْهَبِ الْمُخْتَارِ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ وَالْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّ أَمْطَرَتْ وَمَطَرَتْ لُغَتَانِ فِي الْمَطَرِ
وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ لَا يُقَالُ أَمْطَرَتْ إِلَّا فِي الْعَذَابِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حجارة والمشهور الأول
قال تعالى عارض ممطرنا وَهُوَ الْخَيْرُ لِأَنَّهُمْ يُحِبُّونَ خَيْرًا (فَلَمْ يَأْتِ) رسول الله مِنَ الْمَحِلِّ الَّذِي اسْتَسْقَى فِيهِ الصَّحْرَاءَ (مَسْجِدَهُ) أَيِ النَّبَوِيَّ فِي الْمَدِينَةِ (حَتَّى سَالَتِ السُّيُولُ) أَيْ مِنَ الْجَوَانِبِ (رَأَى سُرْعَتَهَمْ) أَيْ سُرْعَةَ مَشْيِهِمْ وَالْتِجَائِهِمْ (إِلَى الْكِنِّ) بِكَسْرِ(4/26)
الْكَافِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ وَهُوَ مَا يُرِدْ بِهِ الْحَرُّ وَالْبَرْدُ مِنَ الْمَسَاكِنِ
وَفِي الْقَامُوسِ الْكِنُّ وِقَاءُ كُلِّ شَيْءٍ وَسِتْرُهُ كَالْكِنَّةِ وَالْكِنَانِ بِكَسْرِهِمَا وَالْبَيْتُ الْجَمْعُ أَكْنَانٌ وَأَكِنَّةٌ انْتَهَى (حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ) النَّوَاجِذُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْقَامُوسِ أَقْصَى الْأَضْرَاسِ وَهِيَ أَرْبَعَةٌ أَوْ هِيَ الْأَنْيَابُ أَوِ الَّتِي تَلِي الْأَنْيَابَ أَوْ هِيَ الْأَضْرَاسُ كُلُّهَا جَمْعُ نَاجِذٍ وَالنَّجْذُ شِدَّةُ الْعَضِّ بِهَا انْتَهَى
قَالَ الطِّيبِيُّ وَكَأَنَّ ضَحِكَهُ تَعَجُّبًا مِنْ طَلَبِهِمُ الْمَطَرَ اضْطِرَارًا ثُمَّ طَلَبِهِمُ الْكِنَّ عَنْهُ فِرَارًا وَمِنْ عَظِيمِ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِظْهَارِ قُرْبَةِ رَسُولِهِ وَصِدْقِهِ بِإِجَابَةِ دُعَائِهِ سَرِيعًا وَلِصِدْقِهِ أَتَى بِالشَّهَادَتَيْنِ (هَذَا) أَيْ حَدِيثُ عَائِشَةَ الَّذِي فِيهِ مَلِكُ يَوْمِ الدِّينِ (حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَلَيْسَ بِمَشْهُورٍ لِتَفَرُّدِ رُوَاتِهِ (إِسْنَادُهُ جَيِّدٌ) أَيْ قَوِيٌّ لَا عِلَّةَ فِيهِ لِاتِّصَالِ إِسْنَادِهِ وَثِقَاتِ رُوَاتِهِ وأخرجه أيضا أبو عوانة وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وصححه بن السَّكَنِ (مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ) أَيْ بِغَيْرِ أَلِفٍ
قال بْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ قَرَأَ بَعْضُ الْقُرَّاءِ مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ أَيْ بِغَيْرِ أَلِفٍ وَقَرَأَ آخَرُونَ مَالِكِ بِالْأَلِفِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ مُتَوَاتِرٌ فِي السَّبْعِ وَقَدْ رَجَّحَ كُلًّا مِنَ الْقِرَاءَتَيْنِ مُرَجِّحٌ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى وَكِلَاهُمَا صَحِيحَةٌ حَسَنَةٌ وَرَجَّحَ الزَّمَخْشَرِيُّ مَلِكِ بِغَيْرِ أَلِفٍ لِأَنَّهَا قِرَاءَةُ أَهْلِ الْحَرَمَيْنِ (حُجَّةٌ لَهُمْ) أَيْ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَيَجِيءُ الْكَلَامُ فِيهِ فِي كِتَابِ الْقِرَاءَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
[1174] (وَيُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ) الْبَصْرِيُّ وَهَذَا عَطْفٌ عَلَى عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالْمَعْنَى أَنَّ حَمَّادَ بْنَ زَيْدٍ رَوَاهُ بِإِسْنَادَيْنِ الْأَوَّلُ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ أَنَسٍ وَالثَّانِي عَنْ يُونُسَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ الثَّانِي أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْجُمُعَةِ وَفِي عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ الْمِزِّيُّ كَذَا فِي الشَّرْحِ (فَبَيْنَمَا هُوَ يَخْطُبُنَا إِلَخْ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إِذَا اتَّفَقَ وُقُوعُ الِاسْتِسْقَاءِ يَوْمَ جُمُعَةٍ انْدَرَجَتْ خُطْبَةُ الِاسْتِسْقَاءِ وَصَلَاتُهَا فِي الْجُمُعَةِ وَقَدْ بَوَّبَ لِذَلِكَ الْبُخَارِيُّ (الْكُرَاعُ) بِضَمِّ الْكَافِ جَمَاعَةُ(4/27)
الْخَيْلِ (الشَّاءُ) جَمْعُ شَاةٍ (لِمِثْلِ الزُّجَاجَةِ) أَيْ كِنَايَةٌ عَنْ صَفَائِهَا (عَزَالِيهَا) بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ ثُمَّ الزَّايِ جَمْعُ عَزْلَاءَ وَزْنُ حَمْرَاءَ فَمُ الْمَزَادَةِ الْأَسْفَلُ وَالْجَمْعُ الْعَزَالِي بِفَتْحِ اللَّامِ وَكَسْرِهَا وَقَوْلُهُ أَرْسَلَتِ السَّمَاءُ عَزَالِيهَا إِشَارَةٌ إِلَى شِدَّةِ وَقْعِ الْمَطَرِ عَلَى التَّشْبِيهِ بِنُزُولِهِ مِنْ أَفْوَاهِ الْمَزَادَاتِ كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ قُلْتُ عَزْلَاءُ هُوَ فَمُ الْمَزَادَةِ الْأَسْفَلُ فَشَبَّهَ اتِّسَاعَ الْمَطَرِ وَانْدِفَاقَهُ بِالَّذِي يَخْرُجُ مِنَ الْمَزَادَةِ (ثُمَّ قَالَ حَوَالَيْنَا) بِفَتْحِ اللَّامِ وَالْحَوَالُ وَالْحَوْلُ بِمَعْنَى الْجَانِبِ فَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ حَوْلَنَا وَعِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَأَبِي دَاوُدَ حَوَالَيْنَا تَثْنِيَةُ حَوَالٍ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَهُوَ ظَرْفٌ يَتَعَلَّقُ بِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ اللَّهُمَّ أَنْزِلْ وَأَمْطِرْ حَوَالَيْنَا وَلَا تُنْزِلْ عَلَيْنَا وَالْمُرَادُ بِهِ صَرْفُ الْمَطَرِ عَنِ الْأَبْنِيَةِ وَالدُّورِ (وَلَا عَلَيْنَا) فِيهِ بَيَانٌ لِلْمُرَادِ بِقَوْلِهِ حَوَالَيْنَا لِأَنَّهُ يَشْمَلُ الطُّرُقَ الَّتِي حَوْلَهُمْ فَأَرَادَ إِخْرَاجَهَا بِقَوْلِهِ وَلَا عَلَيْنَا
قَالَ الطِّيبِيُّ فِي إِدْخَالِ الْوَاوِ هُنَا مَعْنًى لَطِيفٌ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَوْ أَسْقَطَهَا لَكَانَ مُسْتَسْقِيًا لِلْآكَامِ وَمَا مَعَهَا فَقَطْ وَدُخُولُ الْوَاوِ يَقْتَضِي أَنَّ طَلَبَ الْمَطَرِ عَلَى الْمَذْكُورَاتِ لَيْسَ مَقْصُودًا لِعَيْنِهِ وَلَكِنْ لِيَكُونَ وِقَايَةً مِنْ أَذَى الْمَطَرِ فَلَيْسَتِ الْوَاوُ مُحَصِّلَةً لِلْعَطْفِ وَلَكِنَّهَا لِلتَّعْلِيلِ كَقَوْلِهِمْ تَجُوعُ الْحُرَّةُ وَلَا تَأْكُلُ بِثَدْيَيْهَا فَإِنَّ الْجُوعَ لَيْسَ مَقْصُودًا لِعَيْنِهِ وَلَكِنْ لِيَكُونَ مَانِعًا مِنَ الرَّضَاعِ بِأُجْرَةٍ إِذْ كَانُوا يَكْرَهُونَ ذَلِكَ آنِفًا
انْتَهَى (يَتَصَدَّعُ) أَيْ يَنْقَطِعُ وَيَتَفَرَّقُ (كَأَنَّهُ إِكْلِيلٌ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ يُرِيدُ أَنَّ الْغَيْمَ تَقَشَّعَ وَاسْتَدَارَ فِي آفَاقِهَا لِأنَّ الْإِكْلِيلَ يُجْعَلُ كَالْحَلْقَةِ وَيُوضَعُ عَلَى الرَّأْسِ وَهُوَ شِبْهُ عِصَابَةٍ مُزَيَّنَةٍ بِالْجَوْهَرِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مُخْتَصَرًا
[1175] (عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ(4/28)
[1176] (عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ) أَيْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ (قَالَ اللَّهُمَّ اسْقِ) بِهَمْزَةِ الْوَصْلِ أَوِ الْقَطْعِ (عِبَادَكَ) يَشْمَلُ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ وَالْعَبِيدَ وَالْإِمَاءَ (وَبَهَائِمَكَ) أَيْ مِنْ جَمِيعِ دَوَابِّ الْأَرْضِ وَحَشَرَاتِهَا (وَانْشُرْ) بِضَمِّ الشِّينِ أَيِ ابْسُطْ (وَأَحْيِي بَلَدَكَ الْمَيِّتَ) أَيْ بِإِنْبَاتِ الْأَرْضِ بعد موتها أي يبسها وفي تلميح إلى قوله تعالى يحيي به الأرض بعد موتها قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَحَدِيثُ مَالِكٍ الَّذِي ذَكَرَهُ فِيهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ مرسل
(بَاب صَلَاةِ الْكُسُوفِ)
[1177] قَالَ النَّوَوِيُّ يُقَالُ كَسَفَتِ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِفَتْحِ الْكَافِ وَقَالَ فِي الْمِصْبَاحِ خسف القمر ذهب ضوءه أَوْ نَقَصَ وَهُوَ الْكُسُوفُ أَيْضًا وَقَالَ ثَعْلَبٌ أَجْوَدُ الْكَلَامِ خَسَفَ الْقَمَرُ وَكَسَفَتِ الشَّمْسُ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ إِذَا ذَهَبَ بَعْضُ نُورِ الشَّمْسِ فَهُوَ الْكُسُوفُ وَإِذَا ذَهَبَ جَمِيعُهُ فَهُوَ الْخُسُوفُ
انْتَهَى
وَعَقَدَ الْمُؤَلِّفُ هَذَا الْبَابَ لِإِثْبَاتِ صَلَاةِ الْكُسُوفِ فَقَطْ وَأَمَّا الْبَابُ الْآتِي فَلِبَيَانِ هَيْئَتِهَا وَأَنْوَاعِهَا
كَذَا فِي الشَّرْحِ
قَالَ النَّوَوِيُّ وَاعْلَمْ أَنَّ صَلَاةَ الْكُسُوفِ رُوِيَتْ عَلَى أَوْجُهٍ كَثِيرَةٍ ذَكَرَ مُسْلِمٌ مِنْهَا جُمْلَةً وَأَبُو دَاوُدَ أُخْرَى وَغَيْرُهُمَا أُخْرَى
وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهَا سُنَّةٌ
وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَجُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ يُسَنُّ فِعْلُهَا جَمَاعَةً
وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ فُرَادَى
وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ فِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ وَاخْتَلَفُوا فِي صِفَتِهَا فَالْمَشْهُورُ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهَا رَكْعَتَانِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قِيَامَانِ وَقِرَاءَتَانِ وَرُكُوعَانِ وَأَمَّا السُّجُودُ فَسَجْدَتَانِ كَغَيْرِهِمَا وَسَوَاءٌ تَمَادَى الْكُسُوفُ أَمْ لَا
وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَجُمْهُورُ عُلَمَاءِ الْحِجَازِ وَغَيْرُهُمْ وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ هُمَا رَكْعَتَانِ كَسَائِرِ النَّوَافِلِ عَمَلًا بِظَاهِرِ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ
وَأَبِي بَكْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ
وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ حَدِيثُ عَائِشَةَ مِنْ رِوَايَةِ عُرْوَةَ وعمرة وحديث جابر وبن عباس وبن عمر وبن الْعَاصِ أَنَّهَا رَكْعَتَانِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ رُكُوعَانِ وسجدتان
قال بن عَبْدِ الْبَرِّ وَهَذَا(4/29)
أَصَحُّ مَا فِي هَذَا الْبَابِ
قَالَ وَبَاقِي الرِّوَايَاتِ الْمُخَالِفَةُ مُعَلَّلَةٌ ضَعِيفَةٌ
انْتَهَى
وَمَا قَالَهُ بن عَبْدِ الْبَرِّ فِيهِ كَلَامٌ
وَاللَّهُ أَعْلَمُ
(أَخْبَرَنِي مَنْ أُصَدِّقُ) وَهَكَذَا فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ
قَالَ النووي له حكم المرسل إذا قُلْنَا بِمَذْهَبِ الْجُمْهُورِ إِنَّ قَوْلَهُ أَخْبَرَنِي الثِّقَةُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ قُلْتُ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ عَائِشَةَ (وَظَنَنْتُ) وَلَفْظُ مُسْلِمٍ حَسِبْتُهُ وَهَذِهِ مَقُولَةُ عَطَاءٍ (أَنَّهُ) أَيْ عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ (قَالَ كَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) بِالْمَدِينَةِ فِي السَّنَةِ الْعَاشِرَةِ مِنَ الْهِجْرَةِ كَمَا عَلَيْهِ جُمْهُورُ أَهْلِ السِّيَرِ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ أَوْ فِي رَمَضَانَ أَوْ فِي ذِي الْحِجَّةِ فِي عَاشِرِ الشَّهْرِ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ (قِيَامًا شَدِيدًا) أَيْ طَوِيلًا لِطُولِ الْقِرَاءَةِ فِيهِ (فِي كُلِّ رَكْعَةٍ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ) أَيْ ثَلَاثُ رُكُوعَاتٍ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَشْرُوعَ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ ثَلَاثُ رُكُوعَاتٍ أَيْضًا (حَتَّى إِنَّ سِجَالَ الْمَاءِ) جَمْعُ سَجْلٍ وَهُوَ الدَّلْوُ الْمُلَاءُ (حَتَّى تَجَلَّتِ الشَّمْسُ) بِالْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ أَيْ صَفَتْ وَعَادَ نُورُهَا (لِمَوْتِ أَحَدٍ) مِنَ النَّاسِ (فَافْزَعُوا إِلَى الصَّلَاةِ) أَيْ بَادِرُوا إِلَيْهَا
قَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَاهُ بَادِرُوا بِالصَّلَاةِ وَأَسْرِعُوا إِلَيْهَا حَتَّى يَزُولَ عَنْكُمْ هَذَا الْعَارِضُ الَّذِي يُخَافُ كَوْنُهُ مُقَدِّمَةَ عَذَابٍ
انْتَهَى
وَفِيهِ بَيَانُ أَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يُصَلَّى الْكُسُوفُ جَمَاعَةً وَفِيهِ بَيَانُ أَنْ يَرْكَعَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ يَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ فِي رَكْعَةٍ رُكُوعٌ وَاحِدٌ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ
وَاخْتَلَفَتِ الرِّوَايَاتُ فِي هَذَا الْبَابِ فَرُوِيَ أَنَّهُ رَكَعَ رَكْعَتَيْنِ فِي أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ وَأَرْبَعِ سَجَدَاتٍ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَرُوِيَ أَنَّهُ رَكَعَهُمَا فِي رَكْعَتَيْنِ وَأَرْبَعِ سَجَدَاتٍ وَرُوِيَ أَنَّهُ رَكَعَ رَكْعَتَيْنِ فِي سِتِّ رَكَعَاتٍ وَأَرْبَعِ سَجَدَاتٍ وَرُوِيَ أَنَّهُ رَكَعَ رَكْعَتَيْنِ فِي عَشْرِ رَكَعَاتٍ وَأَرْبَعِ سَجَدَاتٍ
وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو دَاوُدَ أنواعا(4/30)
مِنْهَا وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّهُ صَلَّاهَا مَرَّاتٍ وَكَرَّاتٍ فَكَانَتْ إِذَا طَالَتْ مُدَّةُ الْكُسُوفِ مَدَّ فِي صَلَاتِهِ وَزَادَ فِي عَدَدِ الرُّكُوعِ وَإِذَا قَصُرَتْ نَقَصَ مِنْ ذَلِكَ وَكُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ يُصَلَّى عَلَى حَسَبِ الْحَالِ وَمِقْدَارِ الْحَاجَةِ فِيهِ
انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مسلم والنسائي بنحوه
باب من قال [1178] أَيْ مِنَ الْأَئِمَّةِ كَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَجُمْهُورِ عُلَمَاءِ الْحِجَازِ
(أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ) أَيْ أَرْبَعُ رُكُوعَاتٍ فِي الرَّكْعَتَيْنِ فَصَارَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ رُكُوعَانِ وَهَذَا هُوَ الرَّاجِحُ الصَّحِيحُ وَلِذَا بَوَّبَ عَلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ
وَأَمَّا مَنْ قَالَ غَيْرَ ذَلِكَ وَرَآهَا وَاسِعًا وَلَمْ يَخْتَصَّ بِصُورَةٍ وَاحِدَةٍ فَأَوْرَدَ دَلَائِلَهُمْ أَيْضًا فِي هَذَا الْبَابِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
(الْيَوْمُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ إِبْرَاهِيمُ) هُوَ فِي السَّنَةِ العاشرة من الهجرة وهو بن ثَمَانِيَةَ عَشَرَ شَهْرًا أَوْ أَكْثَرُ وَكَانَ ذَلِكَ يَوْمَ عَاشِرِ الشَّهْرِ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْحُفَّاظِ وَفِيهِ رَدٌّ لِقَوْلِ أَهْلِ الْهَيْئَةِ لَا يُمْكِنُ كُسُوفُهَا فِي غَيْرِ يَوْمِ السَّابِعِ أَوِ الثَّامِنِ أَوِ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ إِلَّا أَنْ يُرِيدُوا أَنَّ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ الْعَادَةِ وَهَذَا خَارِقٌ لَهَا (سِتَّ رَكَعَاتٍ) أَيْ رُكُوعَاتٍ إِطْلَاقًا لِلْكُلِّ وَإِرَادَةً لِلْجُزْءِ (فِي أَرْبَعِ سَجَدَاتٍ) أَيْ فِي رَكْعَتَيْنِ فَيَكُونُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ ثَلَاثُ رُكُوعَاتٍ وَسَجْدَتَانِ
قَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ كُلُّ رَكْعَةٍ بِثَلَاثِ رُكُوعَاتٍ
وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الْخُسُوفَ إِذَا تَمَادَى جَازَ أَنْ يَرْكَعَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ ثَلَاثَ رُكُوعَاتٍ وَخَمْسَ رُكُوعَاتٍ وَأَرْبَعَ رُكُوعَاتٍ انْتَهَى
وَقَالَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ لَا مَسَاغَ لِحَمْلِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ عَلَى بَيَانِ الْجَوَازِ إِلَّا إِذَا تَعَدَّدَتِ الْوَاقِعَةُ وَهِيَ لَمْ تَتَعَدَّدْ لِأَنَّ مَرْجِعَهَا كُلِّهَا إِلَى صَلَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ يَوْمَ مَاتَ ابْنُهُ إِبْرَاهِيمُ وَحِينَئِذٍ يَجِبُ تَرْجِيحُ أَخْبَارِ الرُّكُوعَيْنِ فَقَطْ لِأَنَّهَا أَصَحُّ وَأَشْهَرُ وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ الْجَامِعِينَ بَيْنَ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ كَابْنِ الْمُنْذِرِ فَذَهَبُوا إِلَى تَعَدُّدِ الْوَاقِعَةِ وَحَمَلُوا الرِّوَايَاتِ فِي الزِّيَادَةِ وَالتَّكْرِيرِ عَلَى بَيَانِ الْجَوَازِ وَقَوَّاهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وغيره (نحوا(4/31)
مِمَّا قَامَ) أَيْ مُمَاثِلًا لِلْقِيَامِ فِي الْمِقْدَارِ (الْقِرَاءَةَ الثَّالِثَةَ) أَيْ فِي الْمَرَّةِ الثَّالِثَةِ (فَانْحَدَرَ) أَيِ انْخَفَضَ (فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ) فَائِدَةُ ذِكْرِهَا أَنَّ الزِّيَادَةَ مُنْحَصِرَةٌ فِي الرُّكُوعِ دُونَ السُّجُودِ (لَيْسَ فِيهَا رَكْعَةٌ) أَيْ رُكُوعٌ (نَحْوٌ مِنْ قِيَامِهِ) أَيْ فِي الطُّولِ (قَالَ) جَابِرٌ (ثُمَّ تَأَخَّرَ) النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فِي صَلَاتِهِ) مِنْ مَوْضِعِهِ الَّذِي كَانَ فِيهِ (فَتَأَخَّرَتِ الصُّفُوفُ مَعَهُ) مَعَ النَّبِيِّ اتِّبَاعًا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم (ثُمَّ تَقَدَّمَ) النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ (فَقَامَ فِي مَقَامِهِ) السَّابِقِ وَتَقَدَّمَتِ الصُّفُوفُ كَذَلِكَ اتِّبَاعًا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا كَانَ وَجْهُ تَأَخُّرِهِ وَتَقَدُّمِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُؤْيَتَهُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ لِمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ بِلَفْظِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَيْتُ فِي مَقَامِي هَذَا كُلَّ شَيْءٍ وُعِدْتُمْ حَتَّى لَقَدْ رَأَيْتُنِي أُرِيدُ أَنْ آخُذَ قَطْفًا مِنَ الْجَنَّةِ حِينَ رَأَيْتُمُونِي جَعَلْتُ أَتَقَدَّمُ وَلَقَدْ رَأَيْتُ جَهَنَّمَ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا حِينَ رَأَيْتُمُونِي تَأَخَّرْتُ الْحَدِيثَ (إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ إِلَخْ) وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُمْ قَالُوا كَسَفَتْ لِمَوْتِ إِبْرَاهِيمَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الْكَلَامَ رَدًّا عَلَيْهِمْ
قَالَ الْعُلَمَاءُ وَالْحِكْمَةُ فِي هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ بَعْضَ الْجَهَلَةِ الضُّلَّالِ كَانُوا يُعَظِّمُونَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ فَبَيَّنَ أَنَّهُمَا آيَتَانِ مَخْلُوقَتَانِ لِلَّهِ تَعَالَى لَا صُنْعَ لَهُمَا بَلْ هُمَا كَسَائِرِ الْمَخْلُوقَاتِ يَطْرَأُ عَلَيْهِمَا النَّقْصُ وَالتَّغْيِيرُ كَغَيْرِهِمَا وَكَانَ بَعْضُ الضُّلَّالِ مِنَ الْمُنَجِّمِينَ وَغَيْرِهِمْ يَقُولُ لَا يَنْكَسِفَانِ إِلَّا لِمَوْتِ عَظِيمٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَبَيَّنَ أَنَّ هَذَا بَاطِلٌ لَا يُغْتَرُّ بِأَقْوَالِهِمْ لَا سِيَّمَا وَقَدْ صَادَفَ مَوْتَ إِبْرَاهِيمَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِذَا رَأَيْتُمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَصَلُّوا وَفِي رِوَايَةٍ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا فَكَبِّرُوا وَادْعُوا اللَّهَ وَصَلُّوا وَتَصَدَّقُوا وَفِيهِ الْحَثُّ عَلَى هَذِهِ الطَّاعَاتِ وَهُوَ أَمْرُ اسْتِحْبَابٍ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بطوله(4/32)
[1179] (يَخِرُّونَ) أَيْ يَسْقُطُونَ (فَأَطَالَ) أَيِ الرُّكُوعَ (فَأَطَالَ) أَيِ الْقِيَامَ (فَكَانَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ) أَيْ رُكُوعَاتٍ وَفِيهِ دَلِيلٌ لِمَنْ ذَهَبَ إِلَى اخْتِيَارِ الرُّكُوعَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ
وَالْحَدِيثُ اخْتُلِفَ عَلَى جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَرَوَى عَنْهُ عَطَاءٌ كَمَا تَقَدَّمَ فَصَلَّى بِالنَّاسِ سِتَّ رَكَعَاتٍ وَرَوَى عَنْهُ أَبُو الزُّبَيْرِ فَكَانَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَلِأَجْلِ هَذَا الِاخْتِلَافِ أَوْرَدَ الْمُؤَلِّفُ الرِّوَايَتَيْنِ مَعًا مِنْ غَيْرِ اقْتِصَارٍ عَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ وَإِنْ كَانَتْ هِيَ الثَّانِيَةُ فَقَطْ مُطَابِقَةً لِلْبَابِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ كَذَا فِي الشَّرْحِ
قَالَ الْفَاكِهَانِيُّ إِنَّ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ تَقْدِيرَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ بِنَحْوِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَالثَّانِي بِنَحْوِ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ وَالثَّالِثِ بِنَحْوِ سُورَةِ النِّسَاءِ وَالرَّابِعِ بِنَحْوِ سُورَةِ الْمَائِدَةِ وَاسْتَشْكَلَ تَقْدِيرُ الثَّالِثِ بِالنِّسَاءِ مَعَ كَوْنِ الْمُخْتَارِ أَنْ يَكُونَ الْقِيَامُ الثَّالِثُ أَقْصَرَ مِنَ الْقِيَامِ الثَّانِي وَالنِّسَاءُ أَطْوَلُ مِنْ آلِ عِمْرَانَ وَلَكِنَّ الْحَدِيثَ الَّذِي ذَكَرَهُ غَيْرُ مَعْرُوفٍ نَعَمْ يُطَوِّلُ الْقِيَامَ الأول نحوا من سورة البقرة لحديث بن عَبَّاسٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ وَأَنَّ الثَّانِيَ دُونَهُ وَأَنَّ الْقِيَامَ الْأَوَّلَ مِنَ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ نَحْوُ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ وَكَذَا الْبَاقِي نَعَمْ فِي الدَّارَقُطْنِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّهُ قَرَأَ فِي الْأَوَّلِ بالعنكبوت والروم وفي الثاني بيس ذَكَرَهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ
[1180] (وَصَفَّ النَّاسُ) بِالرَّفْعِ اصْطَفُّوا يُقَالُ صَفَّ الْقَوْمُ إِذَا صَارُوا صَفًّا وَيَجُوزُ النَّصْبُ وَالْفَاعِلُ مَحْذُوفٌ وَالْمُرَادُ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَاقْتَرَأَ) افْتِعَالٌ مِنَ الْقِرَاءَةِ (وَانْجَلَتِ الشَّمْسُ إِلَخْ) فيه أن(4/33)
الِانْجِلَاءَ وَقَعَ قَبْلَ انْصِرَافِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الصَّلَاةِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ
[1181] (فِي كُلِّ رَكْعَةٍ رَكْعَتَيْنِ) أَيْ رُكُوعَيْنِ تَسْمِيَةُ الْجُزْءِ بِاسْمِ الْكُلِّ
قَالَ النَّوَوِيُّ وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ حَدِيثُ عَائِشَةَ مِنْ رِوَايَةِ عُرْوَةَ وَعَمْرَةَ وحديث جابر وبن عباس وبن عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهَا رَكْعَتَانِ فِي كُلِّ ركعة ركوعان وسجدتان
قال بن عَبْدِ الْبَرِّ وَهَذَا أَصَحُّ مَا فِي هَذَا الْبَابِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ
[1182] (صَلَّى بِهِمْ) أَيْ صَلَاةَ الْكُسُوفِ (فَقَرَأَ بِسُورَةٍ مِنَ الطُّوَلِ) بِضَمِّ الطَّاءِ وَتُكْسَرُ وَبِفَتْحِ الْوَاوِ قَالَ الطِّيبِيُّ جَمْعُ الطُّولَى كَالْكُبْرَى وَالْكُبَرِ (وَرَكَعَ خَمْسَ رَكَعَاتٍ) أَيْ رُكُوعَاتٍ (ثُمَّ قَامَ الثَّانِيَةَ) بِالنَّصْبِ عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ وَفِي نُسْخَةٍ إِلَى الثَّانِيَةِ (ثُمَّ جَلَسَ كَمَا هُوَ) أَيْ كَائِنًا عَلَى الْهَيْئَةِ الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا (مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ) بِالنَّصْبِ أَيْ جَلَسَ بَعْدَ الصَّلَاةِ كَجُلُوسِهِ فِيهَا يَعْنِي مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ (يَدْعُو حَتَّى انْجَلَى كُسُوفُهَا) أَيِ انْكَشَفَ وَارْتَفَعَ
وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي زِيَادَاتِ الْمُسْنَدِ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ هَذَا سَنَدٌ لَمْ يَحْتَجَّ الشَّيْخَانِ بِمِثْلِهِ وَهَذَا تَوْهِينٌ مِنْهُ لِلْحَدِيثِ بِأَنَّ سَنَدَهُ مِمَّا لَا يَصْلُحُ لِلِاحْتِجَاجِ بِهِ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ لَا أَنَّهُ تَقْوِيَةٌ لِلْحَدِيثِ وَتَعْظِيمٌ لِشَأْنِهِ كَمَا فَهِمَهُ بعض المتأخرين
وروي عن بن السَّكَنِ تَصْحِيحُ هَذَا الْحَدِيثِ وَقَالَ الْحَاكِمُ رُوَاتُهُ(4/34)
صَادِقُونَ وَفِي إِسْنَادِهِ أَبُو جَعْفَرٍ عِيسَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيُّ
قَالَ الْفَلَّاسُ سَيِّئُ الْحِفْظِ وقال بن المديني يخلط وقال بن مَعِينٍ ثِقَةٌ وَاحْتَجَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ صَلَاةَ الْكُسُوفِ رَكْعَتَانِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ خَمْسُ رُكُوعَاتٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ أَبُو جَعْفَرٍ وَاسْمُهُ عِيسَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَاهَانَ الرَّازِيُّ وَفِيهِ مَقَالٌ وَاخْتُلِفَ فِيهِ قول بن معين وبن المديني رضي الله عنهم
[1183] (عن بْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) الْحَدِيثُ مَعَ كَوْنِهِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَمَعَ تصحيح الترمذي له قد قال بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ إِنَّهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ قَالَ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عن طاووس ولم يسمعه حبيب من طاووس وَحَبِيبٌ مَعْرُوفٌ بِالتَّدْلِيسِ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِالسَّمَاعِ مِنْ طاووس وَقَدْ خَالَفَهُ سُلَيْمَانُ الْأَحْوَلُ فَوَقَفَهُ وَرَوَى عَنْ حُذَيْفَةَ نَحْوَهُ قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ
وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مِنْ جُمْلَةِ صِفَاتِ صَلَاةِ الْكُسُوفِ رَكْعَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ أَرْبَعَةُ رُكُوعَاتٍ (وَالْأُخْرَى مِثْلُهَا) أَيِ الرَّكْعَةُ الْأُخْرَى مِثْلُ الْأُولَى بِأَرْبَعِ رُكُوعَاتٍ قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي
[1184] (بن عباد) بكسر المهملة وتخفيف الموحدة (بن جُنْدَبٍ) بِفَتْحِ الدَّالِ وَضَمِّهَا مَعَ ضَمِّ الْجِيمِ (غَرَضَيْنِ) الْغَرَضُ بِالتَّحْرِيكِ الْهَدَفُ الَّذِي يُرْمَي إِلَيْهِ وَالْجَمْعُ أَغْرَاضٌ مِثْلُ سَبَبٍ وَأَسْبَابٍ وَبِالْفَارِسِيَّةِ نشائه تير (قِيدَ) بِكَسْرِ الْقَافِ يُقَالُ قِيدُ رُمْحٍ وَقَادُ رُمْحٍ أَيْ قَدْرُ رُمْحٍ (حَتَّى آضَتْ) بِالْمَدِّ أَيْ رَجَعَتْ وَصَارَتْ كَأَنَّهَا تَنُّومَةٌ بِفَتْحِ فَوْقِيَّةٍ وَتَشْدِيدِ نُونٍ مَضْمُومَةٍ نَوْعٌ مِنْ نَبَاتِ الْأَرْضِ فِيهَا وَفِي ثَمَرِهَا سَوَادٌ قَلِيلٌ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ التَّنُّومُ نَبْتٌ لَوْنُهُ إِلَى السَّوَادِ وَيُقَالُ بَلْ هُوَ شَجَرٌ لَهُ ثَمَرٌ كَمَدِّ اللَّوْنِ (لَيُحْدِثَنَّ) مِنَ الْإِحْدَاثِ بِالنُّونِ الثَّقِيلَةِ (شَأْنُ هَذِهِ الشَّمْسِ) مَرْفُوعٌ بِالْفَاعِلِيَّةِ (حَدَثًا) أَيْ(4/35)
أَمْرًا جَدِيدًا (فَدُفِعْنَا) عَلَى بِنَاءِ الْفَاعِلِ أَوِ الْمَفْعُولِ أَيْ دَفَعَنَا الِانْطِلَاقُ (وَإِذَا هُوَ بَارِزٌ) قال الحافظ بن الْأَثِيرِ جَاءَ هَذَا الْحَدِيثُ هَكَذَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ بَارِزٌ بِرَاءٍ ثُمَّ زَاءٍ مِنَ الْبُرُوزِ وَهُوَ الظُّهُورُ وَهُوَ تَصْحِيفٌ مِنَ الرَّاوِي
قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي الْمَعَالِمِ وَالْأَزْهَرِيُّ فِي التَّهْذِيبِ وَإِنَّمَا هُوَ بِأُزُزٍ بِبَاءِ الْجَرِّ وَهَمْزَةٍ مَضْمُومَةٍ وزائين معجمتين أي بجمع كثير يقال أوتيت الْوَالِيَ وَالْمَجْلِسُ أُزُزٌ أَيْ كَثِيرُ الزِّحَامِ لَيْسَ فِيهِ مُتَّسَعٌ وَالنَّاسُ أُزُزٌ إِذَا انْضَمَّ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ وَالْمَعْنَى انْتَهَيْتُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم ممتلىء بِالنَّاسِ (فِي صَلَاةٍ قَطُّ) فِيهِ اسْتِعْمَالُ قَطُّ فِي الْإِثْبَاتِ وَهِيَ مُخْتَصَّةٌ بِالنَّفْيِ بِإِجْمَاعِ النُّحَاةِ وَخَرَّجَهُ الشَّيْخُ جَمَالُ الدِّينِ بْنُ هِشَامٍ عَلَى أَنَّهُ وَقَعَ قَطُّ بَعْدَ مَا الْمَصْدَرِيَّةِ كَمَا يَقَعُ بَعْدَ مَا النَّافِيَةِ
قَالَ الرَّضِيُّ وَرُبَّمَا يُسْتَعْمَلُ قَطُّ بِدُونِ النَّفْيِ لَفْظًا وَمَعْنًى كُنْتُ أَرَاهُ قَطُّ أَيْ دَائِمًا وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ بِدُونِهِ لَفْظًا لَا مَعْنًى هَلْ رَأَيْتَ ذِئْبًا قَطُّ قَالَهُ السُّيُوطِيُّ (لَا نَسْمَعُ لَهُ صَوْتًا) قَالَ فِي الْمُنْتَقَى وَهَذَا يَحْتَمِلُ أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْهُ لِبُعْدِهِ لِأَنَّ فِي رِوَايَةٍ مَبْسُوطَةٍ لَهُ أَتَيْنَا وَالْمَسْجِدُ قَدِ امْتَلَأَ وَعِنْدَ الشَّيْخَيْنِ وَالتِّرْمِذِيِّ وَصَحَّحَهُ وعند أحمد والطيالسي وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَهَرَ بِالْقِرَاءَةِ وَعِنْدَ الشافعي وأبي يعلى عن بن عَبَّاسٍ قَالَ كُنْتُ إِلَى جَنْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ فَمَا سَمِعْتُ مِنْهُ حَرْفًا مِنَ الْقُرْآنِ وَفِي إسناده بن لَهِيعَةَ
قَالَ الْبُخَارِيُّ حَدِيثُ عَائِشَةَ فِي الْجَهْرِ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ سَمُرَةَ وَرَجَّحَ الشَّافِعِيُّ رِوَايَةَ سمرة بأنها موافقة لرواية بن عَبَّاسٍ
قُلْتُ حَدِيثُ عَائِشَةَ أَرْجَحُ لِكَوْنِهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَلِكَوْنِهِ مُتَضَمِّنًا لِلزِّيَادَةِ وَلِكَوْنِهِ مُثْبِتًا وَلِكَوْنِهِ معتضدا بما أخرجه بن خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُ عَنْ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا مِنْ إِثْبَاتِ الجهر وحديث سمرة صححه الترمذي وبن حبان والحاكم لكن أعله بن حَزْمٍ بِجَهَالَةِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عِبَادٍ رَاوِيهِ عَنْ سمرة وقد قال بن المديني إنه مجهول وذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ مَعَ أَنَّهُ لَا رَاوِيَ لَهُ إِلَّا الْأَسْوَدُ بْنُ قَيْسٍ قَالَهُ الْحَافِظُ
وفي سند حديث بن عباس رضي الله عنه بن لَهِيعَةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ
وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى الْجَهْرِ أحمد وإسحاق وبن خزيمة وبن المنذر وبه قال صاحب أبي حنيفة وبن الْعَرَبِيِّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَحَكَى النَّوَوِيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَاللَّيْثِ بْنِ(4/36)
سَعْدٍ وَجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ يُسِرُّ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ وَيَجْهَرُ فِي خُسُوفِ الْقَمَرِ
وَقَدِ احْتَجَّ بِحَدِيثِ سَمُرَةَ هَذَا وَحَدِيثُ قَبِيصَةَ الْآتِي بِأَنَّ صَلَاةَ الْكُسُوفِ رَكْعَتَانِ بِرُكُوعٍ وَاحِدٍ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مُخْتَصَرًا وَالنَّسَائِيُّ مُطَوَّلًا ومختصرا وبن مَاجَهْ مُخْتَصَرًا
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ
[1185] (عَنْ قَبِيصَةَ الْهِلَالِيِّ قَالَ كَسَفَتِ الشَّمْسُ إِلَخْ
) قَالَ السِّنْدِيُّ فِي حَاشِيَةِ النَّسَائِيِّ وَقَوْلُهُ وَصَلُّوا كَأَحْدَثِ صَلَاةٍ
فِيهِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُلَاحَظَ وَقْتُ الْكُسُوفِ فَيُصَلِّي لِأَجْلِهِ صَلَاةً هِيَ مِثْلُ مَا صَلَّاهَا مِنَ الْمَكْتُوبَةِ قُبَيْلَهَا وَيَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ عَدَدُ الرَّكَعَاتِ عَلَى حَسَبِ تِلْكَ الصَّلَاةِ وَأَنْ يَكُونَ الرُّكُوعُ وَاحِدًا
وَمُقْتَضَى هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى النَّاسِ الْعَمَلُ بِهَذَا وَإِنْ سَلَّمَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِرُكُوعَيْنِ لِأَنَّ هَذَا أَمْرٌ لِلنَّاسِ وَذَلِكَ فِعْلٌ انْتَهَى كَلَامُهُ
وَفِي النَّيْلِ وَأَمَّا حَدِيثُ قَبِيصَةَ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ وَسَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْمُنْذِرِيُّ وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ عِنْدَ النَّسَائِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ مِثْلَ صَلَاتِكُمْ هَذِهِ وَقَدِ احْتَجَّ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ صَلَاةَ الْكُسُوفِ رَكْعَتَانِ بِرُكُوعٍ وَاحِدٍ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَقَدْ رَجَحَتْ أَدِلَّةُ هَذَا الْمَذْهَبِ بِاشْتِمَالِهَا عَلَى الْقَوْلِ كَمَا فِي حَدِيثِ قَبِيصَةَ وَالْقَوْلُ أَرْجَحُ مِنَ الْفِعْلِ
وَأَشَارَ صَاحِبُ الْمُنْتَقَى إِلَى تَرْجِيحِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي فِيهَا تَكْرَارُ الرُّكُوعِ وَلَا شَكَّ أَنَّهَا أَرْجَحُ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ مِنْهَا كَثْرَةُ طُرُقِهَا
وَكَوْنُهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَاشْتِمَالُهَا عَلَى الزِّيَادَةِ
انْتَهَى
وَكَذَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ(4/37)
5 - (بَاب الْقِرَاءَةِ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ)
[1187] (فَقَامَ فَحَزَرْتُ) بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَزَاءٍ مُعْجَمَةٍ ثُمَّ رَاءٍ مُهْمَلَةٍ أَيْ قَدَّرْتُ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَجْهَرْ بِالْقِرَاءَةِ فِيهَا وَلَوْ جَهَرَ لَمْ تَحْتَجْ فِيهَا إِلَى الْحَزْرِ وَالتَّخْمِينِ
وَمِمَّنْ قَالَ لَا يَجْهَرْ بِالْقِرَاءَةِ فِيهَا مَالِكٌ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ
[1188] (فَجَهَرَ بِهَا يَعْنِي فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ هَذَا خِلَافُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى عَنْ عَائِشَةَ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ قَالُوا وَقَوْلُ الْمُثْبِتِ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ النَّافِي لِأَنَّهُ حَفِظَ زِيَادَةً لَمْ يَحْفَظْهَا النَّافِي وَقَالَ وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْجَهْرُ إِنَّمَا جَاءَ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ دُونَ صَلَاةِ النَّهَارِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ جَهَرَ مَرَّةً وَخَفَتَ مَرَّةً أُخْرَى وَكُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ انْتَهَى
وَتَقَدَّمَ بَعْضُ الْكَلَامِ آنِفًا
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ بِمَعْنَاهُ
[1189] (عن بن عَبَّاسٍ) فِي فَتْحِ الْبَارِي وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ اللُّؤْلُؤِيِّ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ عَنْ أَبِي هريرة(4/38)
بدل بن عَبَّاسٍ وَهُوَ غَلَطٌ
وَقَالَ الْمِزِّيُّ فِي الْأَطْرَافِ وَوَقَعَ فِي نُسْخَةِ الْقَاضِي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ وَهْمٌ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ
(بَاب يُنَادَى فِيهَا بِالصَّلَاةِ)
[1190] (فَنَادَى أَنَّ الصَّلَاةَ جَامِعَةٌ) وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى فَبَعَثَ مُنَادِيًا أَنْ ينادي بهذه الجملة
قال بن الْهُمَامِ لِيَجْتَمِعُوا إِنْ لَمْ يَكُونُوا اجْتَمَعُوا
قَالَ الطِّيبِيُّ الصَّلَاةُ مُبْتَدَأٌ وَجَامِعَةٌ خَبَرُهُ أَيِ الصَّلَاةُ تَجْمَعُ النَّاسَ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ الصَّلَاةُ ذَاتُ جَمَاعَةٍ أَيْ تُصَلَّى جَمَاعَةً لَا مُنْفَرِدًا كَالسُّنَنِ الرَّوَاتِبِ فَالْإِسْنَادُ مَجَازِيٌّ كَطَرِيقِ سَائِرِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ
وَفِي فَتْحِ الْبَارِي أَنِ الصَّلَاةَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَتَخْفِيفِ النُّونِ وَهِيَ الْمُفَسِّرَةُ وَرُوِيَ بِتَشْدِيدِ النُّونِ وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ إِنَّ الصَّلَاةَ ذَاتُ جَمَاعَةٍ حَاضِرَةٍ
وَيُرْوَى جَامِعَةٌ عَلَى أَنَّهُ الخبر قال بن دَقِيقِ الْعِيدِ هَذَا الْحَدِيثُ حُجَّةٌ لِمَنِ اسْتَحَبَّ ذَلِكَ وَقَدِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُؤَذَّنُ لَهَا وَلَا يُقَامُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مُطَوَّلًا وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ
(بَابُ الصَّدَقَةِ)
فِيهَا [1191] (فَادْعُوا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ) أَيِ اعْبُدُوهُ وَأَفْضَلُ الْعِبَادَاتِ الصَّلَاةُ وَالْأَمْرُ لِلِاسْتِحْبَابِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ
قال بن الْمَلَكِ إِنَّمَا أُمِرَ بِالدُّعَاءِ لِأَنَّ النُّفُوسَ عِنْدَ مُشَاهَدَةِ مَا هُوَ خَارِقٌ لِلْعَادَةِ تَكُونُ مُعْرِضَةً عَنِ الدُّنْيَا وَمُتَوَجِّهَةً إِلَى الْحَضْرَةِ الْعُلْيَا فَتَكُونُ أَقْرَبَ إِلَى الْإِجَابَةِ (وَكَبِّرُوا) أَيْ عَظِّمُوا الرَّبَّ أَوْ قُولُوا اللَّهُ أَكْبَرُ (وَتَصَدَّقُوا) بِالتَّرَحُّمِ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْأَغْنِيَاءَ(4/39)
هُمُ الْمَقْصُودُ بِالتَّخْوِيفِ كَمَا فِي الْمِرْقَاةِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ مُطَوَّلًا
(بَابُ الْعِتْقِ)
فِيهَا [1192] (يَأْمُرُ بِالْعَتَاقَةِ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَفِي لَفْظِ الْبُخَارِيِّ فِي كِتَابِ الْعِتْقِ مِنْ طَرِيقِ غَنَّامِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ هِشَامٍ كُنَّا نُؤْمَرُ عِنْدَ الْكُسُوفِ بِالْعَتَاقَةِ وَفِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ الْإِعْتَاقِ عِنْدَ الْكُسُوفِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ
(بَاب مَنْ قَالَ [1193] مِنَ الْأَئِمَّةِ كَأَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ)
(يَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ) أَيْ يَرْكَعُ بِرُكُوعَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ رُكُوعٌ وَاحِدٌ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَتَقَدَّمَ بَعْضُ الْأَحَادِيثِ الَّذِي يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فِي بَابِ مَنْ قَالَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَمَعَ ذَلِكَ أَفْرَدَ الْمُؤَلِّفُ هَذَا الْبَابَ
(فَجَعَلَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ إِنْ كَانَ هَذَا الْحَدِيثُ مَحْفُوظًا احْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ رَكْعَتَيْنِ أَيْ رُكُوعَيْنِ وَقَدْ وَقَعَ التَّعْبِيرُ بِالرُّكُوعِ عَنِ الرَّكْعَةِ فِي حَدِيثِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِي مُسْنَدِهِ وَلَفْظُهُ قَالَ خَسَفَ الْقَمَرُ وبن عَبَّاسٍ أَمِيرٌ عَلَى الْبَصْرَةِ فَخَرَجَ فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ رَكْعَتَيْنِ (وَيَسْأَلُ عَنْهَا) قَالَ الْحَافِظُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ السُّؤَالُ بِالْإِشَارَةِ فَلَا يَلْزَمُ التَّكْرَارُ
وَقَدْ أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ كُلَّمَا رَكَعَ رَكْعَةً أَرْسَلَ رَجُلًا يَنْظُرُ هَلِ انْجَلَتْ فَتَعَيَّنَ الِاحْتِمَالُ الْمَذْكُورُ
وَإِنْ ثَبَتَ تَعَدُّدُ الْقِصَّةِ زَالَ الْإِشْكَالُ
انْتَهَى
وَقَالَ فِي الْمِرْقَاةِ قَالَ الْمُظْهِرُ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ صَلَّاهَا مَرَّاتٍ(4/40)
قَالَ الطِّيبِيُّ وَيَسْأَلُ اللَّهَ بِالدُّعَاءِ أَنْ يَكْشِفَ عَنْهَا أَوْ يَسْأَلُ النَّاسَ عَنِ انْجِلَائِهَا أَيْ كُلَّمَا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ يَسْأَلُ هَلِ انْجَلَتْ فَالْمُرَادُ بِتَكْرَارِ الرَّكْعَتَيْنِ الْمَرَّاتُ وَهَذَا بِظَاهِرِهِ يُنَافِي الْأَحَادِيثَ الْمُتَقَدِّمَةَ وَيُقَرِّبُ إِلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ
انْتَهَى كَلَامُهُ
وَقَالَ السِّنْدِيُّ تَحْتَ قَوْلِهِ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ قِيلَ رُكُوعَيْنِ رُكُوعَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَيُبْعِدُهُ مَا فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ وَيَسْأَلُ عَنْهَا
قَالَ المنذري وأخرجه النسائي وبن مَاجَهْ فِي إِسْنَادِهِ الْحَارِثُ بْنُ عُمَيْرٍ أَبُو عُمَيْرٍ الْبَصْرِيُّ اسْتَشْهَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ وَوَثَّقَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَأَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ ثِقَةٌ رَجُلٌ صَالِحٌ وَكَانَ حَمَّادُ بن زيد يقدمه ويثني عليه وقال بن حِبَّانَ كَانَ مِمَّنْ يَرْوِي عَنِ الْأَثْبَاتِ الْأَشْيَاءَ الْمَوْضُوعَاتِ
[1194] (لَمْ يَكَدْ يَرْكَعُ) أَيْ أَطَالَ الْقِيَامَ (فَلَمْ يَكَدْ يَرْفَعُ) هَذَا كِنَايَةٌ عَنْ إِطَالَةِ الرُّكُوعِ (ثُمَّ نَفَخَ فِي آخِرِ سُجُودِهِ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ النَّفْخَ لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ هِجَاءٌ فَيَكُونُ كَلِمَةٌ تَامَّةٌ (فَقَالَ أُفْ أُفْ) لَا يَكُونُ كَلَامًا حَتَّى يُشَدِّدَ الْفَاءَ فِي نَفْخِهِ مُشَدَّدَةً فَلَا يَكَادُ يُخْرِجُهَا فَاءً فَتَكُونُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَحْرُفٍ مِنَ التَّأْفِيفِ كَقَوْلِكَ أُفٌّ لِكَذَا فَأَمَّا الْفَاءُ خَفِيفَةٌ فَلَيْسَ بِكَلَامٍ وَالنَّافِخُ يُخْرِجُ الْفَاءَ صَادِقَةً مِنْ مَخْرَجِهَا بَيْنَ الشَّفَةِ السُّفْلَى فِي مَقَادِيمِ الْأَسْنَانِ الْعُلْيَا لَكِنَّهُ يُخْرِجُهَا مِنْ غَيْرِ إِطْبَاقِ السِّنِّ عَلَى الشَّفَةِ وَلَا تَشْدِيدَ وَمَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ كَلَامًا وَقَدْ قَالَ عَامَّةُ الْفُقَهَاءِ إِذَا نَفَخَ فِي صَلَاتِهِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ إِلَّا أَبَا يُوسُفَ فَإِنَّهُ قَالَ صَلَاتُهُ جَائِزَةٌ (وَقَدْ أَمَحَصَتِ الشَّمْسُ) مَعْنَاهُ انْجَلَتْ وَأَصْلُ الْمَحْصِ الْخُلُوصُ يُقَالُ مَحَصْتُ الشَّيْءَ مَحْصًا إِذَا خَلَّصْتُهُ مِنَ الشَّوْبِ وَأَمْحَصَ هُوَ إِذَا أَخْلَصَ وَمِنْهُ التَّمْحِيصُ مِنَ الذُّنُوبِ وَهُوَ التَّطْهِيرُ مِنْهَا
وَفِي الْحَدِيثِ بَيَانُ أَنَّ السُّجُودَ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ يُطَوَّلُ كَمَا يُطَوَّلُ الرُّكُوعُ
وَقَالَ مَالِكٌ لَمْ نَسْمَعْ أَنَّ السُّجُودَ يُطَوَّلُ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ
وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ يُطَوَّلُ السُّجُودُ كَالرُّكُوعِ
انْتَهَى كَلَامُ الْخَطَّابِيِّ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَفِي(4/41)
إِسْنَادِهِ عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ أَخْرَجَ لَهُ الْبُخَارِيُّ حَدِيثًا مَقْرُونًا بِأَبِي بِشْرٍ وَقَالَ أَبُو أَيُّوبَ هُوَ ثِقَةٌ وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ لَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ وَفَرَّقَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ بَيْنَ مَنْ سَمِعَ مِنْهُ قَدِيمًا وَمَنْ سَمِعَ مِنْهُ حَدِيثًا
[1195] (قَالَ بَيْنَمَا أَنَا أَتَرَمَّى) أَيْ أَطْرَحُ مِنَ الْقَوْسِ (بِأَسْهُمٍ) جَمْعِ سِهَامٍ (فِي حَيَاةِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يَعْنِي امْتِثَالًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ من قوة فَإِنَّهُ صَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَّرَهَا بِالرَّمْيِ وَقَالَ مَنْ تَعَلَّمَ الرَّمْيَ فَتَرَكَهُ فَلَيْسَ مِنَّا (فَنَبَذْتُهُنَّ) أَيْ وَضَعْتُ الْأَسْهُمَ وَأَلْقَيْتُهَا (وَقُلْتُ) فِي نَفْسِي أَوْ لِأَصْحَابِي (لَأَنْظُرَنَّ) أَيْ لَأُبْصِرَنَّ (مَا أَحْدَثَ) أَيْ تَجَدَّدَ مِنَ السُّنَّةِ (حَتَّى حُسِرَ) أَيْ أُزِيلَ الْكُسُوفُ وَكُشِفَ عَنْهَا (فَقَرَأَ بِسُورَتَيْنِ وَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ) وَلَفْظُ مُسْلِمٍ بَيْنَمَا أَنَا أَرْمِي بِأَسْهُمِي فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذِ انْكَسَفَتِ الشَّمْسُ فَنَبَذْتُهُنَّ وَقُلْتُ لَأَنْظُرَنَّ مَا يَحْدُثُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي انْكِسَافِ الشَّمْسِ فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِ وَهُوَ رَافِعٌ يَدَيْهِ يَدْعُو وَيُكَبِّرُ وَيَحْمَدُ وَيُهَلِّلُ حَتَّى جُلِيَ عَنِ الشَّمْسِ فَقَرَأَ سُورَتَيْنِ وَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ وَفِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ لِمُسْلِمٍ قَالَ فَأَتَيْتُهُ وَهُوَ قَائِمٌ فِي الصَّلَاةِ رَافِعٌ يَدَيْهِ فَجَعَلَ يُسَبِّحُ وَيَحْمَدُ وَيُهَلِّلُ وَيُكَبِّرُ وَيَدْعُو حَتَّى حُسِرَ عَنْهَا قَالَ فَلَمَّا حُسِرَ عَنْهَا قَرَأَ سُورَتَيْنِ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ قَالَ الطِّيبِيُّ يَعْنِي دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ وَوَقَفَ فِي الْقِيَامِ الْأَوَّلِ وَطَوَّلَ التَّسْبِيحَ وَالتَّهْلِيلَ وَالتَّكْبِيرَ وَالتَّحْمِيدَ حَتَّى ذَهَبَ الْخُسُوفُ ثُمَّ قَرَأَ الْقُرْآنَ وَرَكَعَ ثُمَّ سجد ثم قال فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ وَقَرَأَ فِيهَا الْقُرْآنَ وَرَكَعَ وَسَجَدَ وَتَشَهَّدَ وَسَلَّمَ انْتَهَى
وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ هَذَا مِمَّا يُسْتَشْكَلُ وَيُظَنُّ أَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ ابْتَدَأَ صَلَاةُ الْكُسُوفِ بَعْدَ انْجِلَاءِ الشَّمْسِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ ابْتِدَاءُ صَلَاتِهَا بَعْدَ الِانْجِلَاءِ وَهَذَا الْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ وَجَدَهُ فِي الصَّلَاةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ ثُمَّ جَمَعَ الرَّاوِي جَمِيعَ مَا جَرَى فِي الصَّلَاةِ مِنْ دُعَاءٍ وَتَكْبِيرٍ وَتَهْلِيلٍ وَتَسْبِيحٍ وَتَحْمِيدٍ وَقِرَاءَةِ سُورَتَيْنِ فِي الْقِيَامَيْنِ الْآخَرَيْنِ لِلرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ وَكَانَتِ السُّورَتَانِ بَعْدَ الِانْجِلَاءِ تَتْمِيمًا لِلصَّلَاةِ فَتَمَّتْ جُمْلَةُ الصَّلَاةِ رَكْعَتَيْنِ أَوَّلُهَا فِي حَالِ الْكُسُوفِ وَآخِرُهَا بَعْدَ الِانْجِلَاءِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْتُهُ مِنْ تَقْدِيرِهِ لَا بُدَّ مِنْهُ لِأَنَّهُ مُطَابِقٌ لِلرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ وَلِقَوَاعِدِ الْفِقْهِ وَلِرِوَايَاتِ بَاقِي الصَّحَابَةِ وَالرِّوَايَةُ الْأُولَى مَحْمُولَةٌ عَلَيْهِ أَيْضًا لِيَتَّفِقَ الرِّوَايَتَانِ
وَنَقَلَ(4/42)
الْقَاضِي عَنِ الْمَازِرِيِّ أَنَّهُ تَأَوَّلَهُ عَلَى صَلَاةِ رَكْعَتَيْنِ تَطَوُّعًا مُسْتَقِلًّا بَعْدَ انْجِلَاءِ الْكُسُوفِ لَا أَنَّهَا صَلَاةُ كُسُوفٍ وَهَذَا ضَعِيفٌ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ وَقَوْلُهُ هُوَ رَافِعٌ يَدَيْهِ فِيهِ دَلِيلٌ لِأَصْحَابِنَا فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي الْقُنُوتِ وَرَدٌّ عَلَى مَنْ يَقُولُ لَا تُرْفَعِ الْأَيْدِي فِي دَعَوَاتِ الصَّلَاةِ انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ
(بَاب الصَّلَاةِ عِنْدَ الظُّلْمَةِ وَنَحْوِهَا مِنَ الرِّيحِ وَالزَّلَازِلِ)
[1196] (عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ النَّضْرِ) بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَكُلَّمَا كَانَ بِاللَّامِ فَهُوَ بِالْمُعْجَمَةِ (فَنُبَادِرُ الْمَسْجِدَ) أَيْ نُسْرِعُ وَنَسْعَى إليه لأجل الصلاة وذكر الله
وأخرج بن السُّنِّيِّ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا إِذَا وَقَعَتْ كَبِيرَةٌ أو هاجت ريح مظلمة فعليكم بالتكبير فإنه يُجْلِي الْعَجَاجَ الْأَسْوَدَ وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّ رِيحًا هَاجَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَبَّهَا رَجُلٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَسُبَّهَا فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ وَلَكِنْ قُلِ اللَّهُمَّ إِنَى أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا وَخَيْرَ مَا فِيهَا وَخَيْرَ مَا أُمِرَتْ بِهِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ مَا فِيهَا وَشَرِّ مَا أُمِرَتْ بِهِ وَأَخْرَجَ الشَّافِعِيُّ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ صَلَّى فِي زَلْزَلَةٍ سِتَّ رَكَعَاتٍ فِي أَرْبَعِ سَجَدَاتٍ خَمْسَ رَكَعَاتٍ وَسَجْدَتَيْنِ فِي رَكْعَةٍ وَرَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ فِي رَكْعَةٍ
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَلَوْ ثَبَتَ هَذَا الْحَدِيثُ عِنْدَنَا عَنْ عَلِيٍّ لَقُلْنَا بِهِ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا وَقَالَ هُوَ ثَابِتٌ عن بن عباس
وأخرج بن جَرِيرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْعَبَّاسِ بَيْنَا هُوَ بِالْبَصْرَةِ وَهُوَ أَمِيرٌ عَلَيْهَا اسْتَعْمَلَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ إِذْ زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ فَانْطَلَقَ إِلَى الْمَسْجِدِ وَالنَّاسُ مَعَهُ فَكَبَّرَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ يُطِيلُ فِيهِنَّ الْقِرَاءَةَ ثُمَّ رَكَعَ ثُمَّ قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ ثُمَّ كَبَّرَ أَرْبَعًا يُطِيلُ فِيهِنَّ الْقِيَامَ ثُمَّ رَكَعَ ثُمَّ قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ ثُمَّ كَبَّرَ أَرْبَعًا يُطِيلُ فِيهِنَّ الْقِيَامَ ثُمَّ رَكَعَ ثُمَّ قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ قَالَ فَكَبَّرَ أَرْبَعًا يُطِيلُ فِيهِنَّ الْقِيَامَ ثُمَّ رَكَعَ ثُمَّ قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ ثُمَّ قَامَ فَكَبَّرَ أَرْبَعًا يُطِيلُ فِيهِنَّ الْقِيَامَ ثُمَّ رَكَعَ ثُمَّ قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ ثُمَّ قَامَ فَكَبَّرَ(4/43)
أَرْبَعًا يُطِيلُ فِيهِنَّ الْقِيَامَ ثُمَّ رَكَعَ ثُمَّ قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ فَكَانَتْ أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ تَكْبِيرَةً وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ وَقَالَ هَذِهِ صَلَاةُ الْآيَاتِ كَذَا فِي كَنْزِ الْعُمَّالِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ تَحْتَ حَدِيثِ أَنَسٍ حَكَى الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ فِيهِ اضْطِرَابًا
1 - (بَاب السُّجُودِ عِنْدَ الْآيَاتِ)
[1197] (مَاتَتْ فُلَانَةٌ) أَيْ صَفِيَّةُ وَقِيلَ حَفْصَةُ (بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) بِالرَّفْعِ بَدَلٌ أَوْ بَيَانٌ أَوْ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ وَالنَّصْبُ بِتَقْدِيرِ يَعْنُونَ (فَخَرَّ) أَيْ سَقَطَ وَوَقَعَ (سَاجِدًا) آتِيًا بِالسُّجُودِ (فَقِيلَ لَهُ تَسْجُدُ) بِحَذْفِ الِاسْتِفْهَامِ (فِي هَذِهِ السَّاعَةِ) أَيْ فِي السَّاعَةِ الَّتِي وَصَلَ إِلَيْكَ خَبَرُ مَوْتِهَا (إِذَا رَأَيْتُمْ آيَةً) أَيْ عَلَامَةً مَخُوفَةً
قَالَ الطِّيبِيُّ قَالُوا الْمُرَادُ بِهَا الْعَلَامَاتُ الْمُنْذِرَةُ بِنُزُولِ الْبَلَايَا وَالْمِحَنِ الَّتِي يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهَا عِبَادَهُ وَوَفَاةُ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ تِلْكَ الْآيَاتِ لِأَنَّهُنَّ ضَمَمْنَ إِلَى شَرَفِ الزَّوْجِيَّةِ شَرَفَ الصُّحْبَةِ وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا أَمَنَةُ أَصْحَابِي فَإِذَا ذَهَبْتُ أَتَى أَصْحَابِي مَا يُوعَدُونَ وَأَصْحَابِي أَمَنَةُ أَهْلِ الْأَرْضِ الْحَدِيثَ فَهُنَّ أَحَقُّ بِهَذَا الْمَعْنَى مِنْ غَيْرِهِنَّ فَكَانَتْ وَفَاتُهُنَّ سَالِبَةً لِلْأَمَنَةِ وَزَوَالُ الْأَمَنَةِ مُوجِبُ الْخَوْفِ (فَاسْجُدُوا) قَالَ الطِّيبِيُّ هَذَا مُطْلَقٌ فَإِنْ أُرِيدَ بِالْآيَةِ خُسُوفُ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ فَالْمُرَادُ بِالسُّجُودِ الصَّلَاةُ وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَهَا كَمَجِيءِ الرِّيحِ الشَّدِيدَةِ وَالزَّلْزَلَةِ وَغَيْرِهِمَا فَالسُّجُودُ هُوَ الْمُتَعَارَفُ وَيَجُوزُ الْحَمْلُ عَلَى الصَّلَاةِ أَيْضًا لِمَا وَرَدَ كَانَ إِذَا حَزَنَهُ أَمْرٌ فَزِعَ إِلَى الصَّلَاةِ (وَأَيُّ آيَةٍ أَعْظَمُ) لِأَنَّهُنَّ ذَوَاتُ الْبَرَكَةِ فَبِحَيَاتِهِنَّ يُدْفَعُ الْعَذَابُ عَنِ النَّاسِ وَيُخَافُ الْعَذَابُ بِذَهَابِهِنَّ فَيَنْبَغِي الِالْتِجَاءُ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَالسُّجُودُ عِنْدَ انْقِطَاعِ بَرَكَتِهِنَّ لِيَنْدَفِعَ الْعَذَابُ بِبَرَكَةِ الذِّكْرِ وَالصَّلَاةِ
كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ
هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ وَفِي إِسْنَادِهِ سَلْمُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ يَحْيَى بْنُ كَثِيرٍ الْعَنْبَرِيُّ كَانَ ثِقَةً وَقَالَ الْمُوصِلِيُّ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ لَا يُحْتَجُّ بِهِ وَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ(4/44)
(كتاب أَبْوَابِ صَلَاةِ السَّفَرِ)
(بَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ)
[1198] أَيْ أَبْوَابُ صَلَاةِ السَّفَرِ وَمَا يَتَفَرَّعُ عَلَيْهَا مِنَ الْمَسَائِلِ وَالْأَحْكَامِ
(قَالَتْ فُرِضَتِ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ إِلَخْ) اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْقَصْرِ فِي السَّفَرِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ يَجُوزُ الْقَصْرُ وَالْإِتْمَامُ وَالْقَصْرُ أَفْضَلُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَكَثِيرُونَ الْقَصْرُ وَاجِبٌ وَلَا يَجُوزُ الْإِتْمَامُ وَيَحْتَجُّونَ بِأَنَّ أَكْثَرَ فِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ كَانَ الْقَصْرُ وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ وَمُوَافِقُوهُ بِالْأَحَادِيثِ الْمَشْهُورَةِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ أَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يُسَافِرُونَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمِنْهُمُ الْقَاصِرُ وَمِنْهُمُ الْمُتِمُّ وَمِنْهُمُ الصَّائِمُ وَمِنْهُمُ الْمُفْطِرُ لَا يَعِيبُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِأَنَّ عُثْمَانَ كَانَ يُتِمُّ وَكَذَلِكَ عَائِشَةُ وَغَيْرُهَا وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصلاة وَهَذَا يَقْتَضِي رَفْعَ الْجُنَاحِ وَالْإِبَاحَةِ
وَأَمَّا حَدِيثُ فُرِضَتِ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ فَمَعْنَاهُ فُرِضَتْ رَكْعَتَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ الِاقْتِصَارَ عَلَيْهِمَا فَزِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ رَكْعَتَانِ عَلَى سَبِيلِ التَّحَتُّمِ أُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ عَلَى جَوَازِ الِاقْتِصَارِ وَثَبَتَتْ دَلَائِلُ جَوَازِ الْإِتْمَامِ فَوَجَبَ الْمَصِيرُ إِلَيْهَا وَالْجَمْعُ بَيْنَ دَلَائِلِ الشَّرْعِ
ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ هَذَا قَوْلُ عَائِشَةَ عَنْ نَفْسِهَا وَلَيْسَتْ بِرِوَايَةٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا بِحِكَايَةٍ عَنْ قوله وقد روي عن بن عَبَّاسٍ مِثْلُ ذَلِكَ عَنْ قَوْلِهِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ كَمَا قَالَاهُ لِأَنَّهُمَا فَقِيهَانِ عَالِمَانِ وَقَدْ شَهِدَا زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَحِبَاهُ وَإِنْ لَمْ يَكُونَا شَهِدَا أَوَّلَ زَمَانِ الشَّرِيعَةِ وَقْتَ إِنْشَاءِ فَرْضِ الصَّلَاةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ الصَّلَاةَ فُرِضَتْ عَلَيْهِ بِمَكَّةَ وَلَمْ تَكُنْ عَائِشَةُ(4/45)
عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا بالمدينة ولم يكن بن عَبَّاسٍ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ فِي سِنِّ مَنْ يعقل الأمور ويعرف حقائقها ولايبعد أَنْ يَكُونَ قَدْ أَخَذَ هَذَا الْكَلَامَ عَنْ عَائِشَةَ فَإِنَّهُ قَدْ يَفْعَلُ ذَلِكَ كَثِيرًا فِي حَدِيثِهِ وَإِذَا فَتَّشْتَ عَنْ أَكْثَرِ مَا يَرْوِيهِ كَانَ ذَلِكَ سَمَاعًا عَنْ أَكْثَرِ الصَّحَابَةِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَإِنَّ عَائِشَةَ نَفْسَهَا قَدْ ثَبَتَ عَنْهَا أَنَّهَا كَانَتْ تُتِمُّ فِي السَّفَرِ وَتُصَلِّي أَرْبَعًا
انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ
[1199] (عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَابَيْهِ) بِمُوَحَّدَةٍ فَأَلِفٍ فَمُوَحَّدَةٍ ثَانِيَةٍ مَفْتُوحَةٍ فَمُثَنَّاةٍ تَحْتُ وَيُقَالُ بَابَاهُ كَذَا فِي الْمُغْنِي (عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ) مُصَغَّرًا أَسْلَمَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَشَهِدَ حُنَيْنًا وَالطَّائِفَ وَتَبُوكَ (ذَهَبَ ذَلِكَ الْيَوْمُ) أَيْ وَذَهَبَ الْخَوْفُ فَمَا وَجْهُ الْقَصْرِ (عَجِبْتُ مِمَّا عَجِبْتَ مِنْهُ) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ عَجِبْتُ مَا عَجِبْتَ مِنْهُ وَالرِّوَايَةُ الْأُولَى هِيَ الْمَشْهُورَةُ الْمَعْرُوفَةُ
قَالَهُ النَّوَوِيُّ (فَقَالَ صَدَقَةٌ إِلَخْ) أَيْ صَلَاةُ الْقَصْرِ صَدَقَةٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى
وَفِيهِ جَوَازُ قَوْلِ الْقَائِلِ تَصَدَّقَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَاللَّهُمَّ تَصَدَّقْ عَلَيْنَا وَقَدْ كَرِهَهُ بَعْضُ السَّلَفِ قَالَ النَّوَوِيُّ وَهُوَ غَلَطٌ ظَاهِرٌ
وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ هَلِ الْقَصْرُ وَاجِبٌ أَمْ رُخْصَةٌ وَالتَّمَامُ أَفْضَلُ فَذَهَبَ إِلَى الْأَوَّلِ الْحَنَفِيَّةُ وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَعُمَرَ وَنَسَبَهُ النَّوَوِيُّ إِلَى كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي الْمَعَالِمِ كَانَ مَذَاهِبُ أَكْثَرِ عُلَمَاءِ السَّلَفِ وَفُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ عَلَى أَنَّ الْقَصْرَ هُوَ الْوَاجِبُ فِي السَّفَرُ وَهُوَ قَوْلُ علي وعمر وبن عمر وبن عَبَّاسٍ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَقَتَادَةَ وَالْحَسَنِ وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ يُعِيدُ مَنْ يُصَلِّي فِي السَّفَرِ أَرْبَعًا وَقَالَ مَالِكٌ يُعِيدُ مَا دَامَ فِي الْوَقْتِ
انْتَهَى كَلَامُ الْخَطَّابِيِّ
وَإِلَى الثَّانِي الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ
قَالَ النَّوَوِيُّ وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ وَرُوِيَ عَنْ عائشة وعثمان وبن عباس
قال بن الْمُنْذِرِ وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَقْصُرُ فِي الصُّبْحِ وَلَا فِي الْمَغْرِبِ
قَالَ النَّوَوِيُّ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ الْقَصْرُ فِي كُلِّ سَفَرٍ مُبَاحٍ وَذَهَبَ بَعْضٌ إِلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْقَصْرِ الْخَوْفُ فِي السَّفَرِ وَبَعْضُهُمْ كَوْنُهُ سَفَرَ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ وَعَنْ بَعْضِهِمْ كَوْنُهُ سَفَرَ طَاعَةٍ(4/46)
(فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ) أَيْ سَوَاءٌ حَصَلَ الْخَوْفُ أَمْ لَا إِنَّمَا قَالَ فِي الْآيَةِ إِنْ خِفْتُمْ لِأَنَّهُ قَدْ خَرَجَ مَخْرَجَ الْأَغْلَبِ فَحِينَئِذٍ لَا تَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْقَصْرِ إِنْ لَمْ يَكُنْ خوش وَأَمْرُ فَاقْبَلُوا ظَاهِرُهُ الْوُجُوبُ فَيُؤَيِّدُ قَوْلَ مَنْ قَالَ إِنَّ الْقَصْرَ عَزِيمَةٌ وَقَدْ قَالَ الْبَغَوِيُّ أَكْثَرُهُمْ عَلَى وُجُوبِ الْقَصْرِ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ حُجَّةٌ لِمَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْإِتْمَامَ هُوَ الْأَصْلُ أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا قَدْ تَعَجَّبَا مِنَ الْقَصْرِ مَعَ عَدَمِ شَرْطِ الْخَوْفِ فَلَوْ كَانَ أَصْلُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ رَكْعَتَيْنِ لَمْ يَتَعَجَّبَا مِنْ ذَلِكَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْقَصْرَ إِنَّمَا هُوَ عَنْ أَصْلٍ كَامِلٍ قَدْ تَقَدَّمَهُ فَحَذَفَ بَعْضَهُ وَأَبْقَى بَعْضَهُ وَفِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ رُخْصَةٌ رَخَّصَ لَهُمْ فِيهَا وَالرُّخْصَةُ إِنَّمَا تَكُونُ إِبَاحَةً لَا عَزِيمَةً انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ
[1200] (رَوَاهُ أَبُو عَاصِمٍ وَحَمَّادُ بْنُ مَسْعَدَةَ) وروح بن عبادة كلهم عن بن جريج (كما رواه بن بكر) أي محمد بن بكر عن بن جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَابَيْهِ
وَحَدِيثُ رَوْحٍ عِنْدَ الطَّحَاوِيِّ وَحَدِيثُ أَبِي عَاصِمٍ عِنْدَ الدَّارِمِيِّ لكن بلفظ أخبرنا أبو عاصم عن بن جريج عن بن أَبِي عَمَّارٍ
وَأَمَّا عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَكَذَا يَحْيَى عند مسلم فقالا عن بن جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَابَيْهِ
وَأَمَّا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ عِنْدَ مسلم والنسائي وبن ماجه فقال عن بن جريج عن بن أَبِي عَمَّارٍ
فَأَشَارَ الْمُؤَلِّفُ إِلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ كَذَا فِي غَايَةِ الْمَقْصُودِ
(بَابُ مَتَى يَقْصُرُ الْمُسَافِرُ)
[1201] وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ بَابٌ فِي كَمْ يقصر الصلاة(4/47)
(إِذَا خَرَجَ مَسِيرَةَ ثَلَاثةِ أَمْيَالٍ) اخْتُلِفَ فِي تَقْدِيرِ الْمِيلِ فَقَالَ فِي الْفَتْحِ الْمِيلُ هُوَ مِنَ الْأَرْضِ مُنْتَهَى مَدِّ الْبَصَرِ لِأَنَّ الْبَصَرَ يَمِيلُ عَنْهُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ حَتَّى يَفْنَى إِدْرَاكُهُ وَبِذَلِكَ جَزَمَ الْجَوْهَرِيُّ وَقِيلَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى الشَّخْصِ فِي أَرْضٍ مُسْتَوِيَةٍ فَلَا يَدْرِي أَرْجُلٌ هُوَ أَمِ امْرَأَةٌ أَمْ ذَاهِبٌ أَوْ آتٍ
قَالَ النَّوَوِيُّ الْمِيلُ سِتَّةُ آلَافِ ذِرَاعٍ وَالذِّرَاعُ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ إِصْبَعًا مُعْتَرِضَةٌ مُعْتَدِلَةٌ وَالْإِصْبَعُ سِتُّ شُعَيْرَاتٍ مُعْتَرِضَةٍ مُعْتَدِلَةٍ
قَالَ الْحَافِظُ وَهَذَا الَّذِي قَالَ هُوَ الْأَشْهَرُ
وَمِنْهُمْ مَنْ عَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ بِاثْنَيْ عَشَرَ أَلْفِ قَدَمٍ بِقَدَمِ الْإِنْسَانِ وَقِيلَ هُوَ أَرْبَعَةُ آلَافِ ذِرَاعٍ وَقِيلَ ثَلَاثَةُ آلَافِ ذِرَاعٍ
نَقَلَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَقِيلَ خمسمائة وصححه بن عَبْدِ الْبَرِّ وَقِيلَ أَلْفَا ذِرَاعٍ
وَمِنْهُمْ مَنْ عَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ بِأَلْفِ خُطْوَةٍ لِلْجَمَلِ
قَالَ ثُمَّ إِنَّ الذَّارِعَ الَّذِي ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ تَحْرِيرُهُ قَدْ حُرِّرَ غَيْرُهُ بِذِرَاعِ الْحَدِيدِ الْمَشْهُورِ فِي مِصْرَ وَالْحِجَازِ فِي هَذِهِ الْأَعْصَارِ فَوَجَدَهُ يَنْقُصُ عَنْ ذِرَاعِ الْحَدِيدِ بِقَدْرِ الثُّمُنِ فَعَلَى هَذَا فَالْمِيلُ بِذِرَاعِ الْحَدِيدِ فِي الْقَوْلِ الْمَشْهُورِ خَمْسَةُ آلَافِ ذِرَاعٍ وَمِائَتَانِ وَخَمْسُونَ ذِرَاعًا (أَوْ ثَلَاثَةُ فراسخ) الفرسخ في الأصل السكون ذكره بن سِيدَهْ وَقِيلَ السَّعَةُ وَقِيلَ الشَّيْءُ الطَّوِيلُ وَذَكَرَ الْفَرَّاءُ أَنَّ الْفَرْسَخَ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ
وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ وَقَعَ الْخِلَافُ الطَّوِيلُ بَيْنَ عُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ فِي مِقْدَارِ الْمَسَافَةِ الَّتِي يَقْصُرُ فِيهَا الصَّلَاةُ
قَالَ فِي الْفَتْحِ فَحَكَى بن الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ فِيهَا نَحْوًا مِنْ عِشْرِينَ قَوْلًا أَقَلُّ مَا قِيلَ فِي ذَلِكَ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَأَكْثَرُهُ مَا دَامَ غَائِبًا عَنْ بَلَدِهِ وَقِيلَ أَقَلُّ مَا قِيلَ فِي ذَلِكَ الْمِيلِ كَمَا رواه بن شيبة بإسناد صحيح عن بن عمر وإلى ذلك ذهب بن حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ وَاحْتَجَّ لَهُ بِإِطْلَاقِ السَّفَرِ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى كَقَوْلِهِ وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأرض الْآيَةَ
وَفِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَلَمْ يَخُصَّ اللَّهُ وَلَا رَسُولُهُ وَلَا الْمُسْلِمُونَ بِأَجْمَعِهِمْ سَفَرًا مِنْ سَفَرٍ ثُمَّ احْتَجَّ عَلَى تَرْكِ الْقَصْرِ فِيمَا دُونَ الْمِيلِ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ خَرَجَ إِلَى الْبَقِيعِ لِدَفْنِ الْمَوْتَى وَخَرَجَ إِلَى الْفَضَاءِ لِلْغَائِطِ وَالنَّاسُ مَعَهُ فَلَمْ يَقْصُرْ وَلَا أَفْطَرَ
وَقَدْ أَخَذَ بِظَاهِرِ حَدِيثِ أَنَسٍ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ الظَّاهِرِيَّةُ كَمَا قَالَ النَّوَوِيُّ فَذَهَبُوا إِلَى أَنَّ أَقَلَّ مَسَافَةِ الْقَصْرِ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ
قَالَ فِي الْفَتْحِ وَهُوَ أَصَحُّ حَدِيثٍ وَرَدَ فِي ذَلِكَ وَأَصْرَحُهُ
وَقَدْ حَمَلَهُ مَنْ خَالَفَهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْمَسَافَةُ الَّتِي يُبْتَدَأُ مِنْهَا الْقَصْرُ لَا غَايَةَ السَّفَرِ
قَالَ وَلَا يَخْفَى بَعْدَ هَذَا الْحَمْلِ مَعَ أَنَّ الْبَيْهَقِيَّ ذَكَرَ فِي رِوَايَتِهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ أَنَّ يَحْيَى بْنَ يَزِيدَ رَاوِيهِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ سَأَلْتُ أَنَسًا عَنْ قَصْرِ الصَّلَاةِ وَكُنْتُ أَخْرُجُ إِلَى الْكُوفَةِ يَعْنِي مِنَ الْبَصْرَةِ فَأُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ حَتَّى أَرْجِعَ فَقَالَ أَنَسٌ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ
قَالَ فَظَهَرَ أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنْ جَوَازِ الْقَصْرِ في السفر لا عن الموضع الذي يبتدىء الْقَصْرَ مِنْهُ
وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَصْحَابُهُمَا وَاللَّيْثُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَفُقَهَاءُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ وَغَيْرُهُمْ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إِلَّا فِي مَسِيرَةِ مَرْحَلَتَيْنِ(4/48)
وَهُمَا ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ مِيلًا هَاشِمِيَّةٌ كَمَا قَالَ النَّوَوِيُّ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْكُوفِيُّونَ لَا يَقْصُرُ فِي أَقَلِّ مِنْ ثَلَاثِ مَرَاحِلَ
وَقَدْ أَوْرَدَ الْبُخَارِيُّ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اخْتِيَارَهُ أَنَّ أَقَلَّ مَسَافَةِ الْقَصْرِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ يَعْنِي قَوْلَهُ فِي صَحِيحِهِ وَسَمَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّفَرَ يَوْمًا وَلَيْلَةً بَعْدَ قَوْلِهِ بَابٌ فِي كَمْ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ إِنْ ثَبَتَ هَذَا الْحَدِيثُ كَانَتِ الثَّلَاثَةُ فَرَاسِخُ حَدًّا فِيمَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ إِلَّا أَنِّي لَا أَعْرِفُ أَحَدًا مِنَ الْفُقَهَاءِ يَقُولُ بِهِ
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ فيما بينه وبين خمسة فراسخ
وعن بن عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ إِنِّي لَأُسَافِرُ السَّاعَةَ مِنَ النَّهَارِ فَأَقْصُرُ وَعَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ خَرَجَ إِلَى الْبَجِيلَةِ فَصَلَّى بِهِمُ الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَجَعَ مِنْ يَوْمِهِ
وَقَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ لِي جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ أَقْصُرُ بِعَرَفَةَ
فَأَمَّا مَذْهَبُ الْفُقَهَاءِ فَإِنَّ الْأَوْزَاعِيَّ قَالَ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ يَقُولُونَ مَسِيرَةُ يَوْمٍ تَامٍّ وَبِهَذَا نَأْخُذُ
وَقَالَ مَالِكٌ الْقَصْرُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى عُسَفَانَ وَإِلَى الطَّائِفِ وَإِلَى جَدَّةَ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقَ وَإِلَى نَحْوِهِ أَشَارَ الشَّافِعِيُّ حِينَ قَالَ لَيْلَتَيْنِ قَاصِدَتَيْنِ
وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ وَالزُّهْرِيِّ قَرِيبٌ مِنْ ذَلِكَ قَالَا يَقْصُرُ فِي مَسِيرَةِ يومين
واعتمد الشافعي في ذلك قول بن عَبَّاسٍ حِينَ سُئِلَ فَقِيلَ لَهُ نَقْصُرُ إِلَى عَرَفَةَ قَالَ لَا وَلَكِنْ إِلَى عُسَفَانَ وَإِلَى جدة وإلى الطائف
وروي عن بن عُمَرَ مِثْلُ ذَلِكَ وَهُوَ أَرْبَعَةُ بُرُدٍ وَهَذَا عن بن عُمَرَ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ
وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ لَا يَقْصُرُ إِلَّا فِي مَسَافَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ
[1202] (الْعَصْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ) وَقَدِ اسْتَدَلَّ بِذَلِكَ عَلَى إِبَاحَةِ الْقَصْرِ فِي السَّفَرِ الْقَصِيرِ لِأَنَّ بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَذِي الْحُلَيْفَةِ سِتَّةَ أَمْيَالٍ
وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ ذَا الْحُلَيْفَةِ لَمْ تَكُنْ مُنْتَهَى السَّفَرِ وَإِنَّمَا خَرَجَ إِلَيْهَا حَيْثُ كَانَ قَاصِدًا إِلَى مَكَّةَ وَاتَّفَقَ نُزُولُهُ بِهَا وَكَانَتْ أَوَّلَ صَلَاةٍ حَضَرَتْ صَلَاةُ الْعَصْرِ فَقَصَرَهَا وَاسْتَمَرَّ يَقْصُرُ إِلَى أَنْ رَجَعَ قَالَ فِي الْمِرْقَاةِ لَا يَجُوزُ الْقَصْرُ إِلَّا بَعْدَ مُفَارَقَتِهِ بُنْيَانَ الْبَلَدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَرِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ وَعَنْهُ إِنَّهُ يَقْصُرُ إِذَا كَانَ مِنَ الْمِصْرِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ وَقَالَ بَعْضُ التَّابِعِينَ إِنَّهُ يَجُوزُ أن يقصر من منزله
وروى بن أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ خَرَجَ مِنَ الْبَصْرَةِ فَصَلَّى الظُّهْرَ أَرْبَعًا ثُمَّ قَالَ إِنَّا لَوْ جَاوَزْنَا هَذَا الْخُصَّ لَصَلَّيْنَا رَكْعَتَيْنِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ(4/49)
3 - (بَاب الْأَذَانِ فِي السَّفَرِ)
[1203] (أَبَا عُشَّانَةَ) بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ (يَعْجَبُ رَبُّكَ) أَيْ يَرْضَى
قَالَ النَّوَوِيُّ التَّعَجُّبُ عَلَى اللَّهِ مُحَالٌ إِذْ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ أَسْبَابُ الْأَشْيَاءِ وَالتَّعَجُّبُ إِنَّمَا يَكُونُ مِمَّا خَفِيَ سَبَبُهُ فَالْمَعْنَى عَظُمَ ذَلِكَ عِنْدَهُ وَكَبُرَ وَقِيلَ مَعْنَاهُ الرِّضَا وَالْخِطَابُ إِمَّا لِلرَّاوِي أَوْ لِوَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ غَيْرِهِ
وَقِيلَ الْخِطَابُ عَامٌّ (مِنْ رَاعِي غَنَمٍ) اخْتَارَ الْعُزْلَةَ مِنَ النَّاسِ (فِي رَأْسِ شَظِيَّةٍ بِجَبَلٍ) بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ التَّحْتَانِيَّةِ أَيْ قِطْعَةٍ مِنْ رَأْسِ الْجَبَلِ وَقِيلَ هِيَ الصَّخْرَةُ الْعَظِيمَةُ الْخَارِجَةُ مِنَ الْجَبَلِ كَأَنَّهَا أَنْفُ الْجَبَلِ (يُؤَذِّنُ لِلصَّلَاةِ وَيُصَلِّي) وَفَائِدَةُ تَأْذِينِهِ إِعْلَامُ الْمَلَائِكَةِ وَالْجِنِّ بِدُخُولِ الْوَقْتِ فَإِنَّ لَهُمْ صَلَاةً أَيْضًا وَشَهَادَةُ الْأَشْيَاءِ عَلَى تَوْحِيدِهِ وَمُتَابَعَةُ سُنَّتِهِ وَالتَّشَبُّهُ بِالْمُسْلِمِينَ فِي جَمَاعَتِهِمْ
وَقِيلَ إِذَا أَذَّنَ وَأَقَامَ تُصَلِّي الْمَلَائِكَةُ مَعَهُ وَيَحْصُلُ لَهُ ثَوَابُ الْجَمَاعَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (فَيَقُولُ اللَّهُ عزوجل) أَيْ لِمَلَائِكَتِهِ وَأَرْوَاحِ الْمُقَرَّبِينَ عِنْدَهُ (انْظُرُوا إِلَى عَبْدِي هَذَا) تَعْجِيبٌ لِلْمَلَائِكَةِ مِنْ ذَلِكَ الْأَمْرِ بَعْدَ التَّعَجُّبِ لِمَزِيدِ التَّفْخِيمِ وَكَذَا تَسْمِيَتُهُ بِالْعَبْدِ وَإِضَافَتُهُ إِلَى نَفْسِهِ وَالْإِشَارَةُ بِهَذَا تَعْظِيمٌ عَلَى تَعْظِيمٍ (يَخَافُ مِنِّي) أَيْ يَفْعَلُ ذَلِكَ خَوْفًا مِنْ عَذَابِي لَا لِيَرَاهُ أَحَدٌ
وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ لِلْمُنْفَرِدِ (قَدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِي) فَإِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ (وَأَدْخَلْتُهُ الْجَنَّةَ) فَإِنَّهَا دَارُ الْمَثُوبَاتِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ رِجَالُ إسناده ثقات
(بَابُ الْمُسَافِرِ يُصَلِّي [1204] فِي الطَّرِيقِ)
(وَهُوَ) الْمُسَافِرُ الْمُصَلِّي (يَشُكُّ فِي الْوَقْتِ) هَلْ جَاءَ وَقْتُ الصَّلَاةِ أَمْ لَا فَلَا(4/50)
اعْتِبَارَ لِشَكِّهِ وَإِنَّمَا الِاعْتِمَادُ فِي مَعْرِفَةِ الْأَوْقَاتِ على الإمام فإن تيقن الإمام على مَجِيءَ الْوَقْتِ فَلَا يُعْتَبَرُ بِشَكِّ بَعْضِ الْأَتْبَاعِ
(فَقُلْنَا زَالَتِ الشَّمْسُ أَوْ لَمْ تَزُلْ) الشَّمْسُ أَيْ لَمْ يَتَيَقَّنْ أَنَسٌ وَغَيْرُهُ بِزَوَالِ الشَّمْسِ وَلَا بِعَدَمِهِ وَأَمَّا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ أَعْرَفَ النَّاسِ لِلْأَوْقَاتِ فَلَا يُصَلِّي الظُّهْرَ إِلَّا بَعْدَ الزَّوَالِ
وَفِيهِ دَلِيلٌ إِلَى مُبَادَرَةِ صَلَاةِ الظُّهْرِ بَعْدَ الزَّوَالِ مَعًا مِنْ غَيْرِ تَأْخِيرٍ
سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ
[1205] (إِذَا نَزَلَ مَنْزِلًا) أَيْ قُبَيْلَ الظُّهْرِ لَا مُطْلَقًا كَيْفَ وَقَدْ صَحَّ عَنْ أَنَسٍ إِذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الظُّهْرَ إِلَى وَقْتِ الْعَصْرِ (وَإِنْ كَانَ بِنِصْفِ النَّهَارِ) مُتَعَلِّقٌ بِمَا يُفْهَمُ مِنَ السِّيَاقِ مِنَ التَّعْجِيلِ أَيْ يَعْجَلُ وَلَا يُبَالِي بِهَا وَإِنْ كَانَ بِنِصْفِ النَّهَارِ
وَالْمُرَادُ قُرْبُ نِصْفِ النَّهَارِ إِذْ لَا بُدَّ مِنَ الزَّوَالِ
قَالَهُ السِّنْدِيُّ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ
قُلْتُ وَبَوَّبَ بَابَ تَعْجِيلِ الظُّهْرِ في السفر انتهى
وبوب بن أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ بَابَ مَنْ قَالَ إذا كنت في سفر فقل أَزَالَتِ الشَّمْسُ أَمْ لَا وَأَوْرَدَ فِيهِ رِوَايَةَ جرير عن مِسْحَاجِ بْنِ مُوسَى الضَّبِّيِّ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ لِمُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو إِذَا كُنْتَ فِي سَفَرٍ فَقُلْتَ أَزَالَتِ الشَّمْسُ أَوْ لَمْ تَزُلْ أَوِ انْتَصَفَ النَّهَارُ أَوْ لَمْ يَنْتَصِفْ فَصَلِّ قَبْلَ أَنْ يَرْتحَلَ
وَمِنْ طَرِيقِ مَنْصُورِ بْنِ الْحَكَمِ قَالَ إِذَا كُنْتَ فِي سَفَرٍ فَقُلْتَ زَالَتِ الشَّمْسُ أَوْ لَمْ تَزُلْ فَصَلِّ
انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ
(بَابُ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ)
[1206] قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَكْثَرُونَ يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي وَقْتِ أَيَّتِهِمَا شاء وبين(4/51)
الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي وَقْتِ أَيَّتِهِمَا شَاءَ
وَشَرْطُ الْجَمْعِ فِي وَقْتِ الْأُولَى أَنْ يُقَدِّمَهَا وَيَنْوِي الْجَمْعَ قَبْلَ فَرَاغِهِ مِنَ الْأُولَى وَأَنْ لَا يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا وَإِنْ أَرَادَ الْجَمْعَ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ وَجَبَ أَنْ يَنْوِيَهُ فِي وَقْتِ الْأُولَى وَيَكُونُ قَبْلَ ضِيقِ وَقْتِهَا بِحَيْثُ يَبْقَى مِنَ الْوَقْتِ مَا يَسَعُ تِلْكَ الصَّلَاةَ فَأَكْثَرُ فَإِنْ أَخَّرَهَا بِلَا نِيَّةٍ عَصَى وَصَارَتْ قَضَاءً وَإِذَا أَخَّرَهَا بِالنِّيَّةِ اسْتُحِبَّ أَنْ يُصَلِّيَ الْأُولَى أَوَّلًا وَأَنْ يَنْوِيَ الْجَمْعَ وَأَنْ لَا يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا قاله النووي
(فكان رسول الله يَجْمَعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ إِلَخْ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي هَذَا بَيَانٌ وَاضِحٌ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي غَيْرِ يَوْمِ عَرَفَةَ وَبِغَيْرِ الْمُزْدَلِفَةِ جَائِزٌ وَفِيهِ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ لِمَنْ كَانَ نَازِلًا فِي السَّفَرِ غَيْرَ سَائِرٍ جَائِزٌ
وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي غَيْرِ يَوْمِ عَرَفَةَ بِعَرَفَةَ وَالْمُزْدَلِفَةِ فَقَالَ قَوْمٌ لَا يَجْمَعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فَيُصَلِّي كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فِي وَقْتِهَا رَوَى ذَلِكَ عَنْ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيِّ وَحَكَاهُ عَنْ أَصْحَابِ عَبْدِ اللَّهِ وَكَانَ الْحَسَنُ وَمَكْحُولٌ يَكْرَهَانِ الْجَمْعَ فِي السَّفَرِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ
وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ إِذَا جَمَعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي السَّفَرِ أَخَّرَ الظُّهْرَ إِلَى آخِرِ وَقْتِهَا وَعَجَّلَ الْعَصْرَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا فَلَا يَجْمَعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي وَقْتِ إِحْدَاهُمَا
وَرُوِيَ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّهُ كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا كَذَلِكَ
وَقَالَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَجْمَعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي وَقْتِ إِحْدَاهُمَا إِنْ شَاءَ قَدَّمَ الْعَصْرَ وَإِنْ شَاءَ أَخَّرَ الظُّهْرَ عَلَى ظَاهِرِ الْأَخْبَارِ الْمَرْوِيَّةِ فِي هذا الباب
هذا قول بن عَبَّاسٍ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَسَالِمِ بْنِ عبد الله وطاووس وَمُجَاهِدٍ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ إِنْ فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ بِهِ بَأْسٌ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ فَدَلَّ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ هَؤُلَاءِ حَدِيثُ بن عمر وأنس عن النبي وَقَدْ ذَكَرَهُمَا أَبُو دَاوُدَ فِي هَذَا الْبَابِ انْتَهَى
قَالَ المنذري وأخرجه مسلم والنسائي وبن مَاجَهْ
[1207] (اسْتَصْرَخَ عَلَى صَفِيَّةَ) يُقَالُ اسْتَصْرَخَ بِهِ إِذَا أَتَاهُ الصَّارِخُ وَهُوَ الْمُصَوِّتُ يُعْلِمُهُ بِأَمْرٍ(4/52)
حَادِثٍ يَسْتَعِينُ بِهِ عَلَيْهِ أَوْ يَنْعِي لَهُ مَيِّتًا
وَالِاسْتِصْرَاخُ الِاسْتِغَاثَةُ كَذَا فِي النِّهَايَةِ
وَالْمُرَادُ ها هنا إِعْلَامُ أَمْرِ مَوْتِهَا أَيْ أَنَّهُ أُخْبِرَ بِمَوْتِهَا (فَنَزَلَ فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا) قَالَ الْخَطَّابِيُّ ظَاهِرُ اسْمِ الْجَمْعِ عُرْفًا لَا يَقَعُ عَلَى مَنْ أَخَّرَ الظُّهْرَ حَتَّى صَلَّاهَا فِي آخِرِ وَقْتِهَا وَعَجَّلَ الْعَصْرَ فَصَلَّاهَا فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا لِأَنَّ هَذَا قَدْ صَلَّى كُلَّ صَلَاةٍ مِنْهُمَا فِي وَقْتِهَا الْخَاصِّ مِنْهَا وَإِنَّمَا الْجَمْعُ الْمَعْرُوفُ بَيْنَهُمَا أَنْ تَكُونَ الصَّلَاتَانِ مَعًا فِي وَقْتِ إِحْدَاهُمَا أَلَا تَرَى أَنَّ الْجَمْعَ بِعَرَفَةَ وَالْمُزْدَلِفَةِ كَذَلِكَ وَمَعْقُولٌ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ مِنَ الرُّخَصِ الْعَامَّةِ لِجَمِيعِ النَّاسِ عَامِّهِمْ وَخَاصِّهِمْ وَمَعْرِفَةُ أَوَائِلِ الْأَوْقَاتِ وَأَوَاخِرِهَا مِمَّا لَا يُدْرِكُهُ أَكْثَرُ الْخَاصَّةِ فَضْلًا عَنِ الْعَامَّةِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ فِي اعْتِبَارِ السَّاعَاتِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَهَبُوا إِلَيْهِ مِمَّا يُبْطِلُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الرُّخْصَةُ عَامَّةً عَلَى مَا فِيهِ مِنَ الْمَشَقَّةِ الْمُرَتَّبَةِ عَلَى تَفْرِيقِ الصَّلَوَاتِ فِي أَوْقَاتِهَا الْمُؤَقَّتَةِ انْتَهَى
قُلْتُ وحديث بن عُمَرَ هَذَا اسْتَدَلَّ بِهِ مِنْ قَالَ بِاخْتِصَاصِ رُخْصَةِ الْجَمْعِ فِي السَّفَرِ بِمَنْ كَانَ سَائِرًا لَا نَازِلًا
وَأُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ بِمَا وَقَعَ مِنَ التَّصْرِيحِ فِي حَدِيثِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ الْمَذْكُورِ بِلَفْظِ خَرَجَ فَصَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا ثُمَّ دَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ قَوْلُهُ ثُمَّ دَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ لَا يَكُونُ إِلَّا وَهُوَ نَازِلٌ فَلِلْمُسَافِرِ أَنْ يَجْمَعَ نازلا ومسافرا
وقال بن عَبْدِ الْبَرِّ هَذَا أَوْضَحُ دَلِيلٍ فِي الرَّدِّ عَلَى مَنْ قَالَ لَا يَجْمَعُ إِلَّا مَنْ جَدَّ بِهِ السَّيْرُ وَهُوَ قَاطِعٌ لِلِالْتِبَاسِ وَهَذِهِ الأحاديث تخصص أَحَادِيثَ الْأَوْقَاتِ الَّتِي بَيَّنَهَا جِبْرِيلُ وَبَيَّنَهَا النَّبِيُّ لِلْأَعْرَابِيِّ حَيْثُ قَالَ فِي آخِرِهَا الْوَقْتُ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ بِمَعْنَاهُ أَتَمَّ مِنْهُ وَقَدْ أَخْرَجَ الْمُسْنَدَ مِنْهُ بِمَعْنَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ
[1208] (تَبُوكَ) غَيْرُ مُنْصَرِفٍ عَلَى الْمَشْهُورِ وَهُوَ مَوْضِعٌ قَرِيبٌ مِنَ الشَّامِ (إِذَا زَاغَتْ) أَيْ مَالَتِ (الشَّمْسُ) أَيْ عَنْ وَسَطِ السَّمَاءِ إِلَى جَانِبِ الْمَغْرِبِ أَرَادَ بِهِ الزَّوَالَ (جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ(4/53)
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَحُكِيَ عَنْ أَبِي دَاوُدَ أَنَّهُ أَنْكَرَ
وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَقَدْ حُكِيَ عَنْ أَبِي دَاوُدَ أَنَّهُ قَالَ لَيْسَ فِي تَقْدِيمِ الْوَقْتِ حَدِيثٌ قَائِمٌ (رَوَاهُ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ) أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عن بن جُرَيْجٍ حَدَّثَنِي حُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عِكْرِمَةَ وَعَنْ كريب مولى بن عَبَّاسٍ قَالَ أَلَا أُخْبِرُكُمْ عَنْ صَلَاةِ رَسُولِ الله فِي السَّفَرِ قُلْنَا بَلَى قَالَ كَانَ إِذَا زَاغَتْ لَهُ الشَّمْسُ فِي مَنْزِلِهِ جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ يَرْكَبَ وَإِذَا لَمْ تَزُغْ لَهُ فِي مَنْزِلِهِ سَارَ حَتَّى إِذَا حَانَتِ الْعَصْرُ نَزَلَ فَجَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَإِذَا حَانَتْ لَهُ الْمَغْرِبُ فِي مَنْزِلِهِ جَمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعِشَاءِ وَإِذَا لَمْ تَحِنْ فِي مَنْزِلِهِ رَكِبَ حَتَّى إِذَا حَانَتِ الْعِشَاءُ نَزَلَ فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ حجاج عن بن جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي حُسَيْنٌ عَنْ كُرَيْبٍ وَحْدَهُ عن بن عباس
ورواه عثمان بن عمر عن بن جريج عن حسين عن عكرمة عن بن عباس
ورواه عبد المجيد عن بن جُرَيْجٍ سَمِعَهُ أَوَّلًا مِنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عن حسين عن كريب عن بن عباس وكلهم ثقات
فاحتمل أن يكون بن جُرَيْجٍ سَمِعَهُ أَوَّلًا مِنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ حُسَيْنٍ كَقَوْلِ عَبْدِ الْمَجِيدِ عَنْهُ ثُمَّ لقي بن جُرَيْجٍ حُسَيْنًا فَسَمِعَهُ مِنْهُ كَقَوْلِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وحجاج عن بن جُرَيْجٍ حَدَّثَنِي حُسَيْنٌ
وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ حُسَيْنٌ سَمِعَهُ مِنْ عِكْرِمَةَ وَمِنْ كُرَيْبٍ جَمِيعًا عَنِ بن عَبَّاسٍ وَكَانَ يُحَدِّثُ بِهِ مَرَّةً عَنْهُمَا جَمِيعًا كَرِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْهُ وَمَرَّةً عَنْ كُرَيْبٍ وحده كقول حجاج وبن أَبِي رَوَّادٍ وَمَرَّةً عَنْ عِكْرِمَةَ وَحْدَهُ عَنِ بن عَبَّاسٍ كَقَوْلِ عُثْمَانَ بْنِ عَمْرٍو تَصِحُّ الْأَقَاوِيلُ كُلُّهَا انْتَهَى
وَفِي التَّلْخِيصِ وَرَوَى إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ عَنْ أَخِيهِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ عَنْ هشام بن عروة عن كريب عن بن عَبَّاسٍ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَذَكَرَ أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْدَلُسِيُّ أَنَّ حديث بن عَبَّاسٍ فِي الْبَابِ صَحِيحٌ وَلَيْسَ لَهُ عِلَّةٌ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ سَكَنَ إِلَى مَا رَآهُ فِي كِتَابِ الدَّارَقُطْنِيِّ مِنْ جَوَابِهِ عَلَى اخْتِلَافِ الطُّرُقِ فِيهِ
وَحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ هَذَا هُوَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ حُسَيْنٌ الْهَاشِمِيُّ الْمَدِينِيُّ وَلَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ
انْتَهَى مُخْتَصَرًا(4/54)
[1209] (ما جمع رسول الله) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ أَبُو مُحَمَّدٍ الْمَخْزُومِيُّ مَوْلَاهُمُ الْمَدَنِيُّ الصَّائِغُ قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ ثِقَةٌ وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ لَا بَأْسَ بِهِ وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ لَمْ يَكُنْ صَاحِبَ حَدِيثٍ كَانَ ضَيِّقًا فِيهِ وَكَانَ صَاحِبَ رَأْيٍ وَكَانَ يُفْتِي أَهْلَ الْمَدِينَةِ بِرَأْيِ مَالِكٍ وَلَمْ يَكُنْ فِي الْحَدِيثِ بِذَاكَ
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ يُعْرَفُ حِفْظُهُ وَيُنْكَرُ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِّيُ لَيْسَ بِالْحَافِظِ هُوَ لَيِّنٌ يُعْرَفُ حِفْظُهُ وَيُنْكَرُ وَكِتَابُهُ أَصَحُّ انتهى
فلم يثبت حديث بن عُمَرَ مَرْفُوعًا وَإِنَّمَا رُوِيَ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ
فَرَوَى أَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ عَنْهُ أَنَّهُ لَمْ يَرَ بن عُمَرَ جَمَعَ بَيْنَهُمَا إِلَّا تِلْكَ اللَّيْلَةِ وَرَوَى مكحول عن نافع أنه رأى بن عُمَرَ فَعَلَ ذَلِكَ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ
[1210] (فِي غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا سَفَرٍ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ قَالَ مَالِكٌ أَرَى ذَلِكَ كَانَ فِي مَطَرٍ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَلَيْسَ فِيهِ كَلَامُ مَالِكٍ
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي جَوَازِ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ لِلْمَطَرِ فِي الْحَضَرِ فَأَجَازَهُ جَمَاعَةٌ من السلف وروي ذلك عن بن عمر وفعله عروة وبن الْمُسَيَّبِ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَأَبُو سَلَمَةَ وَعَامَّةُ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ غَيْرَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ اشْتَرَطَ أَنْ يَكُونَ الْمَطَرُ قَائِمًا فِي وَقْتِ افْتِتَاحِ الصَّلَاتَيْنِ مَعًا وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَلَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ غَيْرُهُمَا وَكَانَ مَالِكٌ يَرَى أَنْ يَجْمَعَ الْمَمْطُورَ بَيْنَهُمَا فِي الطِّينِ وَفِي حَالِ الظُّلْمَةِ وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ
وَقَالَ(4/55)
الْأَوْزَاعِيُّ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ يُصَلِّي الْمَمْطُورُ كُلَّ صَلَاةٍ فِي وَقْتِهَا انْتَهَى (قَالَ فِي سَفْرَةٍ سَافَرْنَاهَا إِلَى تَبُوكَ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَحَدِيثُ قُرَّةَ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُدَ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ انْتَهَى
قُلْتُ وَلَفْظُ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ قُرَّةَ قِيلَ أَخْبَرَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ قَالَ أَخْبَرَنَا سعيد بن جبير قال أخبرنا بن عباس أن رسول الله جَمَعَ بَيْنَ الصَّلَاةِ فِي سَفْرَةٍ سَافَرْنَاهَا فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ فَجَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ
قَالَ سَعِيدٌ فَقُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ مَا حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ قَالَ أَرَادَ أَنْ لَا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ
[1211] (أَرَادَ أَنْ لَا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ هَذَا حَدِيثٌ لَا يَقُولُ بِهِ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ إِلَّا مَا تَكَلَّمُوا فيه من أمر حبيب وكان بن الْمُنْذِرَ يَقُولُ بِهِ وَيَحْكِيهِ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ
وَسَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ الْقَفَّالَ يَحْكِيهِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ وَحُكِيَ عَنِ بن سِيرِينَ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ إِذَا كَانَتْ حَاجَةٌ أَوْ شَيْءٌ مِمَّا لَا يَتَّخِذُهُ عَادَةً
وَتَأَوَّلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي حَالِ الْمَرَضِ
قال بن الْمُنْذِرِ وَلَا مَعْنَى لِحَمْلِ الْأَمْرِ فِيهِ عَلَى عذر من الأعذار لأن بن عَبَّاسٍ قَدْ أَخْبَرَ بِالْعِلَّةِ فِيهِ وَهُوَ قَوْلُهُ أَرَادَ أَنْ لَا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ فَرَخَّصَ فِيهِ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ لِلْمَرِيضِ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ
وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ يَجْمَعُ الْمَرِيضُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ إِلَّا أَنَّهُمْ أَبَاحُوا ذَلِكَ عَلَى شَرْطِهِمْ فِي جَمْعِ الْمُسَافِرِ بَيْنَهُمَا وَمَنَعَ ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ فِي الْحَضَرِ إِلَّا لِلْمَمْطُورِ
انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ
[1212] (مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ) فُضَيْلُ بْنُ غَزْوَانَ
وَمُحَمَّدٌ وَأَبُوهُ فُضَيْلٌ كِلَاهُمَا ثِقَتَانِ
وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى مَعْنَى الْجَمْعِ الصُّورِيِّ الَّذِي تَأَوَّلَ به(4/56)
الْحَنَفِيَّةُ أَحَادِيثَ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ وَيَجِيءُ تَحْقِيقُ الكلام فيه (رواه بن جَابِرٍ) هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ (نَحْوَ هَذَا) أَيْ نَحْوَ حَدِيثِ فُضَيْلِ بن غزوان
[1213] (عن بن جَابِرٍ بِهَذَا الْمَعْنَى) وَحَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ جَابِرٍ وَصَلَهُ الطَّحَاوِيُّ مِنْ طَرِيقِ بشر بن بكر قال حدثني بن جَابِرٍ حَدَّثَنِي نَافِعٌ وَلَفْظُهُ حَتَّى إِذَا كَانَ فِي آخِرِ الشَّفَقِ نَزَلَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ ثُمَّ صَلَّى الْعِشَاءَ وَوَصَلَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْوَلِيدِ بن مزيد سمعت بن جَابِرٍ حَدَّثَنِي نَافِعٌ نَحْوَهُ (حَتَّى إِذَا كَانَ) أي بن عُمَرَ (عِنْدَ ذَهَابِ الشَّفَقِ) وَهُوَ آخِرُ الْمَغْرِبِ [1214] (صلى بنا رسول الله بالمدينة) أي ثمان رَكَعَاتٍ أَرْبَعًا لِلظُّهْرِ وَأَرْبَعًا لِلْعَصْرِ وَسَبْعَ رَكَعَاتٍ ثَلَاثًا لِلْمَغْرِبِ وَأَرْبَعًا لِلْعِشَاءِ
وَأَوْرَدَ الْبُخَارِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي بَابِ تَأْخِيرِ الظُّهْرِ إِلَى الْعَصْرِ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ جَابِرِ بن زيد عن بن عباس أن النبي صَلَّى بِالْمَدِينَةِ سَبْعًا وَثَمَانِيًا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ فَقَالَ أَيُّوبُ لَعَلَّهُ فِي لَيْلَةٍ مَطِيرَةٍ قَالَ عَسَى وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ التَّهَجُّدِ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ عَنْ عَمْرٍو سَمِعْتُ أَبَا الشعثاء جابرا سمعت بن(4/57)
عباس قال صليت مع رسول الله ثمانيا جميعا وسبعا جميعا
قلت ياأبا الشَّعْثَاءِ أَظُنُّهُ أَخَّرَ الظُّهْرَ وَعَجَّلَ الْعَصْرَ وَعَجَّلَ الْعِشَاءَ وَأَخَّرَ الْمَغْرِبَ قَالَ وَأَنَا أَظُنُّهُ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ
قَالَ أَبُو داود ورواه صالح مولى التوأمة عن بن عَبَّاسٍ قَالَ فِي غَيْرِ مَطَرٍ
هَذَا آخِرُ كلامه
وصالح هذا هو بن نَبْهَانَ الْمَدَنِيُّ وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ وَالتَّوْأَمَةُ هِيَ بِنْتُ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ كَانَ مَعَهَا أُخْتٌ لَهَا فِي بَطْنٍ
وَفِي مُسْلِمٍ قلت ياأبا الشَّعْثَاءِ أَظُنُّهُ أَخَّرَ الظُّهْرَ وَعَجَّلَ الْعَصْرَ وَأَخَّرَ الْمَغْرِبَ وَعَجَّلَ الْعِشَاءَ قَالَ وَأَنَا أَظُنُّ ذَلِكَ
وَفِي الْبُخَارِيِّ مَعْنَاهُ وَأَدْرَجَ هَذَا الْكَلَامَ فِي الْحَدِيثِ فِي كِتَابِ النَّسَائِيِّ وَفِي كِتَابِ الْبُخَارِيِّ فَقَالَ أَقُولُ لَعَلَّهُ فِي لَيْلَةٍ مَطِيرَةٍ قَالَ عَسَى
[1215] (فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا بِسَرِفَ) بِكَسْرِ الرَّاءِ اسْمُ مَوْضِعٍ قَرِيبٍ بِمَكَّةَ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ فِي إِسْنَادِهِ يَحْيَى الْجَارِي
قَالَ الْبُخَارِيُّ يَتَكَلَّمُونَ فِيهِ
[1216] وَذَكَرَ أَبُو دَاوُدَ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ بَيْنَهُمَا عَشَرَةُ أَمْيَالٍ يَعْنِي بَيْنَ مَكَّةَ وَسَرِفَ
هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ
وَقَدْ ذَكَرَ غَيْرُهُ أَنَّ سَرِفَ عَلَى سِتَّةِ أَمْيَالٍ مِنْ مَكَّةَ وَقِيلَ سَبْعَةٍ وَقِيلَ تِسْعَةٍ وَقِيلَ اثْنَيْ عَشَرَ وَهِيَ بِفَتْحِ السِّينِ وَكَسْرِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَبَعْدَهَا فَاءٌ
[1217] (قَالَ) أَيِ اللَّيْثُ (قَالَ رَبِيعَةُ يَعْنِي كَتَبَ) رَبِيعَةُ (إِلَيْهِ) إِلَى اللَّيْثِ (حَدَّثَنِي) الْقَائِلُ حَدَّثَنِي هُوَ رَبِيعَةُ وَالْمَعْنَى اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ يَرْوِي عَنْ رَبِيعَةَ مُكَاتَبَةً وَيَرْوِي رَبِيعَةُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ (حَتَّى غَابَ الشفق) قال بن الْأَثِيرِ الشَّفَقُ مِنَ الْأَضْدَادِ يَقَعُ عَلَى الْحُمْرَةِ الَّتِي تُرَى فِي الْمَغْرِبِ بَعْدَ مَغِيبِ الشَّمْسِ وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ وَعَلَى الْبَيَاضِ الْبَاقِي فِي الْأُفُقِ الْغَرْبِيِّ بَعْدَ(4/58)
الْحُمْرَةِ الْمَذْكُورَةِ وَبِهِ أَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ انْتَهَى (وَتَصَوَّبَتِ النُّجُومُ) أَيِ اجْتَمَعَتْ (ثُمَّ إِنَّهُ) أَيْ عبد الله بن عمر (ثم قال) بن عمر (إذا جدبه السَّيْرُ) أَيِ اشْتَدَّ قَالَهُ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ وَقَالَ عياض جدبه السَّيْرُ أَيْ أَسْرَعَ
كَذَا قَالَ وَكَأَنَّهُ نَسَبَ الْإِسْرَاعَ إِلَى السَّيْرِ تَوَسُّعًا كَذَا فِي الْفَتْحِ
وقال بن الْأَثِيرِ أَيْ إِذَا اهْتَمَّ بِهِ وَأَسْرَعَ فِيهِ يقال جد يجد ويجد بالضم والكسر وجدبه الْأَمْرُ وَجَدَّ فِيهِ إِذَا اجْتَهَدَ انْتَهَى
وَلَفْظُ الْمُوَطَّأِ إِذَا عَجَّلَهُ السَّيْرُ
وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ إِذَا أَعْجَلَهُ السَّيْرُ
وَتَعَلَّقَ بِهِ مَنِ اشْتَرَطَ فِي الْجَمْعِ الْجَدَّ فِي السَّيْرِ وَرَدَّهُ الْحَافِظُ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ بِأَنَّهُ إِنَّمَا حَكَى الْحَالَ الَّتِي رَأَى وَلَمْ يَقُلْ لَا يَجْمَعُ إِلَّا أَنْ يَجِدَّ بِهِ فَلَا يُعَارِضُ حَدِيثَ مُعَاذٍ قَبْلَهُ
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى أن الجمع بينهما من بن عُمَرَ كَانَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّفَقِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ مِنْ فِعْلِهِ
(رَوَاهُ عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَخِيهِ) عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ (عَنْ سَالِمٍ) وَهَذَا التَّعْلِيقُ وَصَلَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِإِسْنَادِهِ إِلَى عاصم بن محمد عن أخيه عمر بن مُحَمَّدٍ عَنْ نَافِعٍ وَعَنْ سَالِمٍ قَالَ أَتَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ خَبَرٌ مِنْ صَفِيَّةَ فأسرع السير ثم ذكر عن النبي نَحْوَهُ وَقَالَ بَعْدَ أَنْ غَابَ الشَّفَقُ (وَرَوَاهُ بن أَبِي نَجِيحٍ) هُوَ عَبْدُ اللَّهِ (عَنْ إِسْمَاعِيلَ بن عبد الرحمن بن ذؤيب) أو بن أَبِي ذُؤَيْبٍ الْأَسَدِيِّ الْمَدَنِيِّ وَهَذَا التَّعْلِيقُ وَصَلَهُ الطحاوي من طريق بن عيينة عن بن أَبِي نَجِيحٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي ذُؤَيْبٍ قال كنت مع بن عمرو فِيهِ فَسَارَ حَتَّى ذَهَبَتْ فَحْمَةُ الْعِشَاءِ وَرَأَيْنَا بَيَاضَ الْأُفُقِ فَنَزَلَ فَصَلَّى ثَلَاثًا الْمَغْرِبَ وَاثْنَيْنِ العشاء الحديث (أن الجمع بينهما من بن عُمَرَ كَانَ بَعْدَ غُيُوبِ الشَّفَقِ) الْجَمْعُ مِنِ بن عُمَرَ بَعْدَ غُيُوبِ الشَّفَقِ هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ مِنْ فِعْلِهِ وَهَكَذَا رَوَاهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ خَمْسَةٌ مِنْ حُفَّاظِ أَصْحَابِهِ كَأَسْلَمَ مَوْلَى عُمَرَ وَحَدِيثُهُ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فِي الْجِهَادِ من طريق أسلم عن بن عُمَرَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ حَتَّى كَانَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّفَقِ نَزَلَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمْعًا بَيْنَهُمَا وَكَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ وَتَقَدَّمَ حَدِيثُهُ وَكَإِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي ذُؤَيْبٍ وَتَقَدَّمَ حَدِيثُهُ أَيْضًا وَكَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمَدَنِيِّ وَتَقَدَّمَ حَدِيثُهُ أَيْضًا وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ نَافِعٍ وَفِيهِ
فَقُلْتُ لَهُ الصَّلَاةُ فَقَالَ سِرْ حَتَّى صَارَ مِيلَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً ثم نزل فصلى الحديث وكنافع مولى بن عُمَرَ وَأَمَّا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَاقِدٍ فَخَالَفَهُمْ وَالْعَدَدُ الْكَثِيرُ أَوْلَى(4/59)
بِالْحِفْظِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَاقِدٍ مَقْبُولٌ وَهَؤُلَاءِ ثِقَاتٌ أَثْبَاتٌ فَلَا يُعْتَبَرُ بِرِوَايَتِهِ مَعَ وُجُودِ رِوَايَةِ هَؤُلَاءِ الْحُفَّاظِ
لَكِنِ اخْتُلِفَ عَلَى نَافِعٍ فَرَوَى مِنْ حُفَّاظِ أَصْحَابِ نَافِعٍ عَنْهُ أَنَّ نُزُولَهُ كَانَ بَعْدَ غُيُوبِ الشَّفَقِ كَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَنَّ بن عُمَرَ جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بَعْدَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ وَكَاللَّيْثِ عَنْهُ عِنْدَ الطَّحَاوِيِّ وَلَفْظُهُ فَسَارَ حَتَّى هَمَّ الشَّفَقُ أَنْ يَغِيبَ وَأَصْحَابُهُ يُنَادُونَهُ لِلصَّلَاةِ فَأَبَى عَلَيْهِمْ حَتَّى إِذَا أَكْثَرُوا عليه قال إني رأيت رسول الله يَجْمَعُ بَيْنَ هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ وَأَنَا أَجْمَعُ بَيْنَهُمَا وَكَأَيُّوبَ وَمُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ فَأَخَّرَ الْمَغْرِبَ بَعْدَ ذَهَابِ الشَّفَقِ حَتَّى ذَهَبَ هَوًى مِنَ اللَّيْلِ أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْهُمَا وَرِوَايَةُ أَيُّوبَ عِنْدَ الطَّحَاوِيِّ وَرِوَايَةُ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ أَيْضًا وَرَوَى يَحْيَى بن سعيد عن نافع عن بن عمر قال كان رسول الله إذا جدبه السَّيْرُ جَمْعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ إِلَى رُبُعِ اللَّيْلِ
وَأَمَّا فُضَيْلُ بْنُ غَزْوَانَ مِنْ أَصْحَابِ نَافِعٍ فَرَوَى عَنْهُ أَنَّ نُزُولَهُ كَانَ قَبْلَ غُيُوبِ الشَّفَقِ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ ثُمَّ انْتَظَرَ حَتَّى غَابَ الشَّفَقُ فَصَلَّى الْعِشَاءَ
وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ قَدْ تَفَرَّدَ بِهَا فُضَيْلٌ بَيْنَ ثِقَاتِ أَصْحَابِ نَافِعٍ مَا قَالَهَا أَحَدٌ غَيْرُهُ
وَفُضَيْلٌ وَإِنْ كَانَ ثِقَةً لَكِنْ لَا شَكَّ أَنَّهُ دُونَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فِي الْحِفْظِ وَالْإِتْقَانِ وَالثَّبَاتِ حَتَّى قَدَّمَهُ أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ عَلَى مَالِكٍ فِي نَافِعٍ وَأَنَّهُ دُونَ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ فَإِنَّ أَيُّوبَ ثِقَةٌ ثَبْتٌ حُجَّةٌ مِنْ كِبَارِ الْفُقَهَاءِ الْعُبَّادِ وَدُونَ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ فَإِنَّهُ ثِقَةٌ فَقِيهٌ إِمَامٌ فِي الْمَغَازِي وَدُونَ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ فَإِنَّهُ ثِقَةٌ ثَبْتٌ فَقِيهٌ إِمَامٌ مَشْهُورٌ فحديث فضيل شاذ لا يقبل
وأما بن جَابِرٍ عَنْ نَافِعٍ فَقَالَ حَتَّى إِذَا كَانَ فِي آخِرِ الشَّفَقِ نَزَلَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ ثُمَّ الْعِشَاءَ
وَأَمَّا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَلَاءِ عَنْ نَافِعٍ فَقَالَ حَتَّى إِذَا كَانَ عِنْدَ ذَهَابِ الشَّفَقِ نَزَلَ فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا وَتَقَدَّمَ حَدِيثُهُمَا
وَأَمَّا عِطَافُ بْنُ خَالِدٍ الْمَخْزُومِيُّ عَنْ نَافِعٍ فَقَالَ حَتَّى إِذَا كَادَ الشَّفَقُ أَنْ يَغِيبَ نَزَلَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ وَغَابَ الشَّفَقُ فَصَلَّى الْعِشَاءَ وَحَدِيثُهُ عِنْدَ الطَّحَاوِيِّ وَالدَّارَقُطْنِيِّ
وَأَمَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ عَنْهُ فَقَالَ حَتَّى إِذَا كَانَ عِنْدَ غَيْبُوبَةِ الشَّفَقِ نَزَلَ فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ
فَابْنُ جَابِرٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَلَاءِ وَإِنْ كَانَا ثِقَتَيْنِ لَكِنْ لَا يُسَاوِيَانِ الْحُفَّاظَ الْأَرْبَعَةَ الْمَذْكُورَةَ مِنْ أَصْحَابِ نَافِعٍ
وَعِطَافٌ صَدُوقٌ يَهِمُ وَأُسَامَةُ ضعيف
وعلى أن ليس في حديث بن جابر وعبد الله بن العلاء أن بن عُمَرَ صَلَّى الْمَغْرِبَ قَبْلَ غُيُوبِ الشَّفَقِ وَإِنَّمَا فِي حَدِيثِهِمَا أَنَّهُ نَزَلَ عِنْدَ غَيْبُوبَةِ الشَّفَقِ وَثَبَتَ فِي رِوَايَاتِ الْحُفَّاظِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ أَصْحَابِ نَافِعٍ وَكَذَا فِي رِوَايَةِ أَسْلَمَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي ذُؤَيْبٍ مِنْ أجلاء حفاظ أصحاب بن عُمَرَ أَنَّهُ صَلَّى الْمَغْرِبَ بَعْدَ غُيُوبِ(4/60)
الشفق بل في رواية سالم أن بن عُمَرَ سَارَ بَعْدَ غُيُوبِ الشَّمْسِ مِيلَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةَ أَمْيَالٍ ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّى فَرِوَايَاتُ هَؤُلَاءِ الثِّقَاتِ الْأَثْبَاتِ مُقَدَّمَةٌ عِنْدَ التَّعَارُضِ وَمُفَسِّرَةٌ لِإِبْهَامِ رِوَايَةِ غَيْرِهِمُ انْتَهَى مُخْتَصَرًا مِنْ غَايَةِ الْمَقْصُودِ
[1218] (إِذَا ارْتَحَلَ فِي سَفَرِهِ (قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ) أَيْ قَبْلَ الزَّوَالِ (قَبْلَ أَنْ يَرْتَحِلَ صَلَّى الظُّهْرَ) أَيْ وَحْدَهُ وَهُوَ الْمَحْفُوظُ مِنْ رِوَايَةِ عَقِيلٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ كَانَ لَا يَجْمَعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ إِلَّا فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ مِنْهُمَا وَبِهِ احْتَجَّ مَنْ أَبَى جَمْعَ التَّقْدِيمِ لَكِنْ رَوَى إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ شَبَابَةَ بْنِ سِوَارٍ عَنِ اللَّيْثِ عَنْ عَقِيلٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ وَفِيهِ إِذَا كَانَ فِي سَفَرٍ فَزَالَتِ الشَّمْسُ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا ثُمَّ ارْتَحَلَ أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَأُعِلَّ بِتَفَرُّدِ إِسْحَاقَ بِذَلِكَ عَنْ شَبَابَةَ بْنِ سِوَارٍ ثُمَّ تَفَرَّدَ جَعْفَرُ الْفِرْيَابِيُّ بِهِ عَنْ إِسْحَاقَ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِحٍ فَإِنَّهُمَا إِمَامَانِ حَافِظَانِ
وَقَالَ النَّوَوِيُّ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَالتَّلْخِيصِ
وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ فِي الْأَرْبَعِينَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ هُوَ الْأَصَمُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ وَهُوَ أَحَدُ شُيُوخِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا حَسَّانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْوَاسِطِيُّ عَنِ المفضل بن فضالة عن عقيل عن بن شهاب عن أنس أن النبي كَانَ إِذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الظُّهْرَ إِلَى وَقْتِ الْعَصْرِ ثُمَّ نَزَلَ فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا فَإِنْ زَاغَتِ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَرْتَحِلَ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ ثُمَّ رَكِبَ
قَالَ الْحَافِظُ سَنَدُهُ صَحِيحٌ
وَقَالَ الْحَافِظُ صَلَاحُ الدِّينِ الْعَلَائِيُّ سَنَدُهُ جَيِّدٌ
وَفِي رِوَايَةِ أَبِي نُعَيْمٍ فِي مُسْتَخْرَجِهِ عَلَى صَحِيحِ مُسْلِمٍ كَانَ النَّبِيُّ إِذَا كَانَ فِي سَفَرٍ فَزَالَتِ الشَّمْسُ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا ثُمَّ ارْتَحَلَ فَقَدْ أَفَادَتْ رِوَايَةُ الْإِسْمَاعِيلِيِّ وَالْحَاكِمِ وَأَبِي نُعَيْمٍ ثُبُوتَ جَمْعِ التقديم من فعله وَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْجَمْعُ الصُّورِيُّ وَهَذِهِ الرِّوَايَاتُ صَحِيحَةٌ كَمَا قَالَ الْحَافِظُ فِي بُلُوغِ الْمَرَامِ والفتح إلا أنه قال بن الْقَيِّمِ إِنَّهُ اخْتُلِفَ فِي رِوَايَةِ الْحَاكِمِ فَمِنْهُمْ مَنْ صَحَّحَهَا وَمِنْهُمْ مَنْ حَسَّنَهَا وَمِنْهُمْ مَنْ قَدَحَ فِيهَا وَجَعَلَهَا مَوْضُوعَةً وَهُوَ الْحَاكِمُ فَإِنَّهُ حَكَمَ بِوَضْعِهِ ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ الْحَاكِمِ فِي وضع الحديث ثم رده بن القيم واختار أنه ليس بموضوع وسكوت بن حَجَرٍ هُنَا عَلَيْهِ وَجَزْمُهُ بِأَنَّهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ يَدُلُّ عَلَى رَدِّهِ لِكَلَامِ الْحَاكِمِ(4/61)
وَأَمَّا رِوَايَةُ الْمُسْتَخْرَجِ وَالْإِسْمَاعِيلِيِّ فَإِنَّهُ لَا مَقَالَ فِيهَا
وَيُؤَيِّدُ صِحَّتَهُ حَدِيثُ مُعَاذٍ الْمُتَقَدِّمُ وَلَفْظُهُ لِجَمْعِ التَّأْخِيرِ كِلَيْهِمَا لَكِنْ حَدِيثُ أَنَسٍ الْآتِي مِنْ طَرِيقِ قُتَيْبَةَ عَنِ اللَّيْثِ هُوَ كَالتَّفْصِيلِ لِلْمُجْمَلِ
وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا حَدِيثُ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ حَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْهَاجِرَةِ إِلَى الْبَطْحَاءِ فَتَوَضَّأَ فَصَلَّى الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ وَالْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ وَبَيْنَ يَدَيْهِ عَنَزَةٌ قَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى الْقَصْرِ وَالْجَمْعِ فِي السَّفَرِ وَفِيهِ أَنَّ الْأَفْضَلَ لِمَنْ أَرَادَ الْجَمْعَ وَهُوَ نَازِلٌ فِي وَقْتِ الْأُولَى أَنْ يُقَدِّمَ الثَّانِيَةَ إِلَى الْأُولَى
انْتَهَى
وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ فِي بَابِ سُتْرَةِ الْإِمَامِ سُتْرَةٌ لِمَنْ خَلْفَهُ مِنْ طَرِيقِ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَبِي يحدث أن النبي صَلَّى بِهِمْ بِالْبَطْحَاءِ وَبَيْنَ يَدَيْهِ عَنَزَةٌ الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ وَالْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ وَلَهُ أَلْفَاظٌ
وَأَوْرَدَ دَلَائِلَ إِثْبَاتِ جَمْعِ التَّقْدِيمِ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ
وَإِلَى جَوَازِ الْجَمْعِ لِلْمُسَافِرِ تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمْ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ يَجُوزُ لِلْمُسَافِرِ جَمْعُ التَّأْخِيرِ فَقَطْ دُونَ جَمْعِ التَّقْدِيمِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مالك وأحمد بن حنبل واختاره بن حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ
وَقَدْ عُرِفَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ أَحَادِيثَ جَمْعِ التَّقْدِيمِ بَعْضُهَا صَحِيحٌ وَبَعْضُهَا حَسَنٌ وَذَلِكَ يَرُدُّ مَا حُكِيَ عَنْ أَبِي دَاوُدَ أَنَّهُ قَالَ لَيْسَ فِي جَمْعِ التَّقْدِيمِ حَدِيثٌ قَائِمٌ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ وَيُؤَخِّرُ الْمَغْرِبَ
[1220] (لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ إِلَّا قُتَيْبَةُ وَحْدَهُ) وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَرَوَى عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَنْ قُتَيْبَةَ هَذَا الْحَدِيثَ وَحَدِيثُ مُعَاذٍ حَسَنٌ غَرِيبٌ تَفَرَّدَ بِهِ قُتَيْبَةُ لَا نعرف أحدا(4/62)
رَوَاهُ عَنِ اللَّيْثِ غَيْرَهُ وَحَدِيثُ اللَّيْثِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَنْ مُعَاذٍ حَدِيثٌ غَرِيبٌ وَالْمَعْرُوفُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ حَدِيثُ مُعَاذٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَنْ مُعَاذٍ انْتَهَى
وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَذَكَرَ أَبُو سَعْدِ بْنِ يُونُسَ الْحَافِظُ لَمْ يُحَدِّثْ بِهِ إِلَّا قُتَيْبَةُ وَقَالَ إِنَّهُ غَلَطَ فِيهِ فَغَيَّرَ بَعْضَ الْأَسْمَاءِ وَأَنَّ مَوْضِعَ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ أَبُو الزُّبَيْرِ
وَذَكَرَ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ الْحَدِيثَ مَوْضُوعٌ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ثِقَةٌ مَأْمُونٌ وَحُكِيَ عَنِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ قُلْتُ لِقُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ مَعَ مَنْ كَتَبْتَ عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ حَدِيثَ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي الطفيل فقال كتبته مع خالد المدائني
قال البخاري وكان خالد المدائني يُدْخِلُ الْأَحَادِيثَ عَلَى الشُّيُوخِ
هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ وَخَالِدٌ هَذَا هُوَ أَبُو الْهَيْثَمِ بْنُ الْقَاسِمِ المدائني متروك الحديث انتهى
وفي التلخيص قال بن أَبِي حَاتِمٍ فِي الْعِلَلِ عَنْ أَبِيهِ لَا أَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ وَالَّذِي عِنْدِي أَنَّهُ دَخَلَ لَهُ حَدِيثٌ فِي حَدِيثٍ
وَأَطْنَبَ الْحَاكِمُ فِي عُلُومِ الْحَدِيثِ فِي بَيَانِ عِلَّةِ هَذَا الخبر فليراجع منه
وأعله بن حَزْمٍ بِأَنَّهُ مُعَنْعَنٌ لِيَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ وَلَا يُعْرَفُ لَهُ عَنْهُ رِوَايَةٌ انْتَهَى
قَالَ فِي الْبَدْرِ الْمُنِيرِ إِنَّ لِلْحُفَّاظِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ خَمْسَةَ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ حَسَنٌ غَرِيبٌ
قَالَهُ التِّرْمِذِيُّ ثَانِيهَا أَنَّهُ محفوظ صحيح قاله بن حِبَّانَ ثَالِثُهَا مُنْكَرٌ قَالَهُ أَبُو دَاوُدَ رَابِعُهَا أنه منقطع قاله بن حَزْمٍ خَامِسُهَا أَنَّهُ مَوْضُوعٌ قَالَهُ الْحَاكِمُ
وَأَصْلُ الْحَدِيثِ أَبِي الطُّفَيْلِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَأَبُو الطُّفَيْلِ عَدْلٌ ثِقَةٌ مَأْمُونٌ انْتَهَى
وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِي غَايَةِ الْمَقْصُودِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
(بَابُ قَصْرِ قِرَاءَةِ الصَّلَاةِ فِي السَّفَرِ)
[1221] (فَقَرَأَ فِي إِحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ إِلَخْ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وبن ماجه بنحوه
(بَاب التَّطَوُّعِ فِي السَّفَرِ)
[1222] (أَبِي بُسْرَةَ) بِضَمِّ الْبَاءِ وَسُكُونِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَآخِرُهُ تَاءُ تَأْنِيثٍ قَالَهُ(4/63)
الْمُنْذِرِيُّ قَالَ الْمِزِّيُّ فِي الْأَطْرَافِ لَمْ يُعْرَفِ اسْمُ أَبِي بُسْرَةَ انْتَهَى وَأَمَّا أَبُو بَصْرَةَ بِالصَّادِ الْغِفَارِيُّ فَاسْمُهُ حُمَيْلٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (فَمَا رَأَيْتُهُ تَرَكَ رَكْعَتَيْنِ) لَعَلَّهُمَا شُكْرُ الْوُضُوءِ أَوِ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِمَا فِي سُنَّةِ الظُّهْرِ (إِذَا زَاغَتْ) مَالَتْ (قَبْلَ الظُّهْرِ) ظَرْفٌ لِتَرَكَ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ غَرِيبٌ وَقَالَ وَسَأَلْتُ مُحَمَّدًا عَنْهُ فَلَمْ يَعْرِفْهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَلَمْ يَعْرِفِ اسْمُ أَبِي بُسْرَةَ وَرَآهُ حَسَنًا انْتَهَى
[1223] (يُسَبِّحُونَ) أَيْ يُصَلُّونَ النَّافِلَةَ (ولو كنت مسبحا) قال النووي المسبح ها هنا الْمُتَنَفِّلُ بِالصَّلَاةِ وَالسُّبْحَةُ هُنَا صَلَاةُ النَّفْلِ مَعْنَاهُ لَوِ اخْتَرْتُ التَّنَفُّلَ لَكَانَ إِتْمَامُ فَرِيضَتِي أَرْبَعًا أَحَبَّ إِلَيَّ وَلَكِنِّي لَا أَرَى وَاحِدًا مِنْهُمَا بَلِ السُّنَّةُ الْقَصْرُ وَتَرْكُ التَّنَفُّلِ وَمُرَادُهُ النَّافِلَةُ الرَّاتِبَةُ مَعَ الْفَرَائِضِ كَسُنَّةِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْمَكْتُوبَاتِ وَأَمَّا النَّوَافِلُ الْمُطْلَقَةُ فَقَدْ كَانَ بن عُمَرَ يَفْعَلُهَا فِي السَّفَرِ وَرَوَى هُوَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كان يَفْعَلُهَا كَمَا ثَبَتَ فِي مَوَاضِعَ مِنَ الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ وَقَدِ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى اسْتِحْبَابِ النَّوَافِلِ الْمُطْلَقَةِ فِي السَّفَرِ وَاخْتَلَفُوا فِي اسْتِحْبَابِ النَّوَافِلِ الراتبة فتركها بن عُمَرَ وَآخَرُونَ وَاسْتَحَبَّهَا الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ وَالْجُمْهُورُ وَدَلِيلُهُ الْأَحَادِيثُ الْعَامَّةُ فِي نَدْبِ الرَّوَاتِبِ وَحَدِيثُ صَلَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الضُّحَى يَوْمَ الْفَتْحِ بِمَكَّةَ وَرَكْعَتَيِ الصُّبْحِ حِينَ نَامُوا وَأَحَادِيثُ أُخَرُ صَحِيحَةٌ
وَلَعَلَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي الرَّوَاتِبَ فِي رَحْلِهِ وَلَا يَرَاهُ بن عُمَرَ فَإِنَّ النَّافِلَةَ فِي الْبَيْتِ أَفْضَلُ وَلَعَلَّهُ تَرَكَهَا فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ تَنْبِيهًا عَلَى جَوَازِ تَرْكِهَا (وَصَحِبْتُ عُثْمَانَ) وَذَكَرَ مُسْلِمٌ فِي حَدِيثِ بن عُمَرَ قَالَ وَمَعَ عُثْمَانَ صَدْرًا مِنْ خِلَافَتِهِ ثم أتمها وفي رواية ثمان سِنِينَ أَوْ سِتَّ سِنِينَ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ أَنَّ عُثْمَانَ أَتَمَّ بَعْدَ سِتِّ سِنِينَ مِنْ خِلَافَتِهِ وَتَأَوَّلَ الْعُلَمَاءُ(4/64)
هَذِهِ الرِّوَايَةَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ عُثْمَانَ لَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ فِي غَيْرِ مِنَى وَالرِّوَايَاتُ الْمَشْهُورَةُ بِإِتْمَامِ عُثْمَانَ بَعْدَ صَدْرٍ مِنْ خِلَافَتِهِ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْإِتْمَامِ بِمِنًى خَاصَّةً وَقَدْ فَسَّرَ عِمْرَانُ بْنُ الْحُصَيْنِ فِي رِوَايَتِهِ أَنَّ إِتْمَامَ عُثْمَانَ إِنَّمَا كَانَ بِمِنًى وَكَذَا ظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ الَّتِي ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ
وَاعْلَمْ أَنَّ الْقَصْرَ مَشْرُوعٌ بِعَرَفَاتٍ وَمُزْدَلِفَةَ وَمِنًى لِلْحَاجِّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ مَكَّةَ وَمَا قَرُبَ مِنْهَا وَلَا يَجُوزُ لِأَهْلِ مَكَّةَ وَمَنْ كَانَ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ
هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالْأَكْثَرِينَ
وَقَالَ مَالِكٌ يَقْصُرُ أَهْلُ مَكَّةَ وَمِنًى وَمُزْدَلِفَةَ وَعَرَفَاتٍ فَعِلَّةُ الْقَصْرِ عِنْدَهُ فِي تِلْكَ الْمَوَاضِعِ النُّسُكُ وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ عِلَّتُهُ السَّفَرُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ والنسائي وبن مَاجَهْ مُخْتَصَرًا وَمُطَوَّلًا
(بَاب التَّطَوُّعِ عَلَى الرَّاحِلَةِ وَالْوِتْرِ)
[1224] (يُسَبِّحُ عَلَى الرَّاحِلَةِ) يُقَالُ يُصَلِّي سُبْحَةً أَيْ يَتَنَفَّلُ وَالسُّبْحَةُ بِضَمِّ السِّينِ وَإِسْكَانِ الْبَاءِ النَّافِلَةُ (أَيَّ وَجْهٍ تَوَجَّهَ) يَعْنِي فِي جِهَةِ مَقْصِدِهِ
قَالَ الْعُلَمَاءُ فَلَوْ تَوَجَّهَ إِلَى غَيْرِ الْمَقْصِدِ فَإِنْ كَانَ إِلَى الْقِبْلَةِ جَازَ وَإِلَّا فَلَا (وَيُوتِرُ عَلَيْهَا) فِيهِ دَلِيلٌ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَالْجُمْهُورُ أَنَّهُ يَجُوزُ الْوِتْرُ عَلَى الرَّاحِلَةِ فِي السَّفَرِ حَيْثُ تَوَجَّهَ وَأَنَّهُ سُنَّةٌ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هُوَ وَاجِبٌ وَلَا يَجُوزُ عَلَى الرَّاحِلَةِ وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الْمَرْوِيَّةُ فِي ذَلِكَ تَرُدُّ عَلَيْهِ وَقَدْ أَطْنَبَ الْكَلَامَ فِيهِ الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرِ الْمَرْوَزِيُّ فِي كِتَابِ قِيَامِ اللَّيْلِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ
[1225] (فَأَرَادَ أَنْ يَتَطَوَّعَ) أَيْ يَتَنَفَّلَ رَاكِبًا وَالدَّابَّةُ تَسِيرُ (اسْتَقْبَلَ بِنَاقَتِهِ الْقِبْلَةَ فَكَبَّرَ) أَيْ لِلِاسْتِفْتَاحِ عَقِبَ الِاسْتِقْبَالِ
قَالَ فِي الْمُحِيطِ مِنْهُمْ مَنْ شَرَطَ التَّوَجُّهَ إِلَى الْقِبْلَةِ عِنْدَ التَّحْرِيمَةِ يَعْنِي بِشَرْطِ(4/65)
كَوْنِهَا سَهْلَةً وَزِمَامُهَا بِيَدِهِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْحَنَفِيَّةُ لَمْ يَأْخُذُوا بِهِ هَذَا فِي النَّفْلِ وَأَمَّا فِي الْفَرْضِ فَقَدِ اشْتَرَطَ التَّوَجُّهَ إِلَيْهَا عِنْدَ التَّحْرِيمَةِ وَفِي الْخُلَاصَةِ أَنَّ الْفَرْضَ عَلَى الدَّابَّةِ يَجُوزُ عِنْدَ الْعُذْرِ وَمَنِ الْأَعْذَارِ الْمَطَرُ وَالْخَوْفُ مِنْ عَدُوٍّ أَوْ سَبُعٍ وَالْعَجْزُ عَنِ الرُّكُوبِ لِلضَّعْفِ (حَيْثُ وَجَّهَهُ رِكَابُهُ) أَيْ ذَهَبَ بِهِ مَرْكُوبُهُ
[1226] (يُصَلِّي عَلَى حِمَارٍ) قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ هَذَا غَلَطٌ مِنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى المازني قالوا وإنما لمعروف فِي صَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَاحِلَتِهِ أَوْ عَلَى الْبَعِيرِ وَالصَّوَابُ أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْحِمَارِ مِنْ فِعْلِ أَنَسٍ كَمَا ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرِ الْبُخَارِيُّ حَدِيثَ عَمْرٍو
هَذَا كَلَامُ الدَّارَقُطْنِيِّ وَمُتَابِعِيهِ
وَفِي الْحُكْمِ بتغليط رِوَايَةِ عَمْرٍو نَظَرٌ لِأَنَّهُ ثِقَةٌ نَقَلَ شَيْئًا مُحْتَمَلًا فَلَعَلَّهُ كَانَ الْحِمَارُ مَرَّةً وَالْبَعِيرُ مَرَّةً أَوْ مَرَّاتٍ لَكِنْ قَدْ يُقَالُ إِنَّهُ شَاذٌ فَإِنَّهُ مُخَالِفٌ لِرِوَايَةِ الْجُمْهُورِ فِي الْبَعِيرِ وَالرَّاحِلَةِ وَالشَّاذُ مَرْدَودٌ وَهُوَ الْمُخَالِفُ لِلْجَمَاعَةِ ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وقال النسائي عَمْرُو بْنُ يَحْيَى لَا يُتَابَعُ عَلَى قَوْلِهِ يُصَلِّي عَلَى حِمَارٍ وَرُبَّمَا يَقُولُ عَلَى رَاحِلَتِهِ وَقَالَ غَيْرُهُ وَهِمَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ عَمْرُو بْنُ يَحْيَى فِي قَوْلِهِ عَلَى حِمَارٍ وَالْمَعْرُوفُ عَلَى رَاحِلَتِهِ وَعَلَى الْبَعِيرِ
هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ
وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ فِعْلِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَأَخْرَجَهُ الْإِمَامُ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ فِي الْمُوَطَّأِ مِنْ فِعْلِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَيْضًا وَقَالَ فِيهِ يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ إِيمَاءً مِنْ غَيْرِ أَنْ يضع وجهه على شيء
[1227] (فَجِئْتُ) أَيْ إِلَيْهِ (وَهُوَ يُصَلِّي) حَالٌ (عَلَى رَاحِلَتِهِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ) ظَرْفٌ أَيْ يُصَلِّي إِلَى جَانِبِ الْمَشْرِقِ أَوْ حَالٌ أَيْ مُتَوَجِّهًا نَحْوَ الْمَشْرِقِ أَوْ كَانَتْ مُتَوَجِّهَةً إِلَى جَانِبِ الْمَشْرِقِ (وَالسُّجُودُ أَخْفَضُ مِنَ الرُّكُوعِ) أَيْ أَسْفَلُ مِنْ إِيمَائِهِ إِلَى الرُّكُوعِ أَيْ يَجْعَلُ رَأْسَهُ لِلسُّجُودِ أَخْفَضَ مِنْهُ لِلرُّكُوعِ
وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ فِيهَا دَلَالَةٌ عَلَى جَوَازِ صَلَاةِ الْوِتْرِ وَالتَّطَوُّعِ عَلَى الرَّاحِلَةِ لِلْمُسَافِرِ قَبْلَ جِهَةِ مَقْصِدِهِ وَهُوَ إِجْمَاعٌ كَمَا قال النووي والعراقي وبن حَجَرٍ وَغَيْرُهُمْ وَإِنَّمَا(4/66)
الْخِلَافُ فِي جَوَازِ ذَلِكَ فِي الْحَضَرِ فَجَوَّزَهُ أَبُو يُوسُفَ وَأَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ وَأَهْلُ الظَّاهِرِ
قال بن حَزْمٍ وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ كَانُوا يُصَلُّونَ عَلَى رِحَالِهِمْ وَدَوَابِّهِمْ حَيْثُمَا تَوَجَّهَتْ قَالَ وَهَذِهِ حِكَايَةٌ عَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ عُمُومًا فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ
قَالَ النَّوَوِيُّ هُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ الْعِرَاقِيُّ اسْتَدَلَّ مَنْ ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ بِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي لَمْ يُصَرَّحْ فِيهَا بِذِكْرِ السَّفَرِ وَحَمَلَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ الروايات المطلقة على المقيدة بِالسَّفَرِ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ بِنَحْوِهِ أَتَمَّ مِنْهُ
وَفِي حَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ وَحْدَهُ السُّجُودُ أَخْفَضُ مِنَ الرُّكُوعِ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ
(بَابُ الْفَرِيضَةِ عَلَى الرَّاحِلَةِ مِنْ عُذْرٍ [1228] هَلْ تَجُوزُ)
وَهَكَذَا لَفْظُ الْبَابِ أَيِ الْفَرِيضَةُ عَلَى الرَّاحِلَةِ مِنْ عُذْرٍ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ الْحَاضِرَةِ
وَأَمَّا فِي النُّسْخَتَيْنِ مِنَ الْمُنْذِرِيِّ بِخَطٍّ عَتِيقٍ فَبَابُ الْفَرِيضَةِ عَلَى الرَّاحِلَةِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ بِزِيَادَةِ لَفْظِ غَيْرِ
(هَلْ رُخِّصَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ رُخِّصَ فِي زَمَانِ نُزُولِ الْوَحْيِ (لَمْ يُرَخَّصْ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي أَدَاءِ الصَّلَاةِ عَلَى الدَّوَابِّ (فِي شِدَّةٍ) وَالْمُرَادُ بِالشِّدَّةِ الْأَمْرُ الَّذِي تُجْعَلُ عَلَى نَفْسِهَا شَدِيدَةً مُحْكَمَةً مِنْ غَيْرِ أَنْ يَحْكُمَ بِهِ الشَّرْعُ
وَمِثْلُهُ رِوَايَةُ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ يُسَبِّحُ يُومِئُ بِرَأْسِهِ قِبَلَ أَيِّ وَجِهَةٍ تَوَجَّهَ وَلَمْ يَكُنْ يَصْنَعُ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَتُحْمَلُ هَذِهِ الرِّوَايَةُ عَلَى غَيْرِ الضَّرُورَةِ الشَّرْعِيَّةِ وَأَمَّا الضَّرُورَةُ الشَّرْعِيَّةُ فَيَجُوزُ أَدَاءُ الْفَرْضِ عَلَى الدَّوَابِّ وَالرَّاحِلَةِ لِمَا أَخْرَجَ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى إِلَى مَضِيقٍ هُوَ وَأَصْحَابُهُ وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ وَالسَّمَاءُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَالْبِلَّةُ مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ فَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَأَمَرَ الْمُؤَذِّنُ فَأَذَّنَ وَأَقَامَ ثُمَّ تَقَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَاحِلَتِهِ فَصَلَّى بِهِمْ يُومِئُ إِيمَاءً يَجْعَلُ السُّجُودَ أَخْفَضَ مِنَ الرُّكُوعِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ غَرِيبٌ تَفَرَّدَ بِهِ عُمَرُ بْنُ مَيْمُونِ بْنِ الرَّمَّاحِ الْبَلْخِيُّ لَا يُعْرَفُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِهِ
وَقَدْ رَوَى عَنْهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ
وَكَذَا روي عن(4/67)
أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ صَلَّى فِي مَاءٍ وَطِينٍ عَلَى دَابَّتِهِ وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَبِهِ يَقُولُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ انْتَهَى
قَالَ فِي شَرْحِ الْأَحْكَامِ لِابْنِ تَيْمِيَةَ وَالْحَدِيثُ صَحَّحَهُ عَبْدُ الْحَقِّ وَحَسَّنَهُ النَّوَوِيُّ وَضَعَّفَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْبَعْضُ مِنْ صِحَّةِ صَلَاةِ الْفَرِيضَةِ عَلَى الرَّاحِلَةِ كَمَا تَصِحُّ فِي السَّفِينَةِ بِالْإِجْمَاعِ
وَقَدْ صَحَّحَ الشَّافِعِيُّ الصَّلَاةَ الْمَفْرُوضَةَ عَلَى الرَّاحِلَةِ بِالشُّرُوطِ الَّتِي سَتَأْتِي
وَحَكَى النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَالْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ الْإِجْمَاعَ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ تَرْكِ الِاسْتِقْبَالِ فِي الْفَرِيضَةِ
قَالَ الْحَافِظُ لَكِنْ رَخَّصَ فِي شِدَّةِ الْخَوْفِ وَحَكَى النَّوَوِيُّ أَيْضًا الْإِجْمَاعَ عَلَى عَدَمِ صَلَاةِ الْفَرِيضَةِ عَلَى الدَّابَّةِ قَالَ فَلَوْ أَمْكَنَهُ اسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ وَالْقِيَامَ وَالرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ عَلَى دَابَّةٍ وَاقِفَةٍ عَلَيْهَا هَوْدَجٌ أَوْ نَحْوُهُ جَازَتِ الْفَرِيضَةُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فَإِنْ كَانَتْ سَائِرَةً لَمْ تَصِحَّ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ لِلشَّافِعِيِّ وَقِيلَ تَصِحُّ كَالسَّفِينَةِ فَإِنَّهَا تَصِحُّ فِيهَا الْفَرِيضَةُ بِالْإِجْمَاعِ
وَلَوْ كَانَ فِي رَكْبٍ وَخَافَ لَوْ نَزَلَ لِلْفَرِيضَةِ انْقَطَعَ عَنْهُمْ وَلَحِقَهُ الضَّرَرُ قَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ يُصَلِّي الْفَرِيضَةَ عَلَى الدَّابَّةِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ وَيَلْزَمُهُ إِعَادَتُهَا لِأَنَّهُ عُذْرٌ نَادِرٌ انْتَهَى
قَالَ فِي شَرْحِ الْأَحْكَامِ وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ صَلَاةِ الْفَرِيضَةِ عَلَى الرَّاحِلَةِ وَلَا دَلِيلَ عَلَى اعْتِبَارِ تِلْكَ الشُّرُوطِ إِلَّا عُمُومَاتٌ يَصْلُحُ هَذَا الْحَدِيثُ لِتَخْصِيصِهَا وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ إِلَّا ذِكْرُ عُذْرِ الْمَطَرِ وَنَدَاوَةِ الْأَرْضِ فَالظَّاهِرُ صِحَّةُ الْفَرِيضَةِ عَلَى الرَّاحِلَةِ فِي السَّفَرِ لِمَنْ حَصَلَ لَهُ مِثْلُ هَذَا الْعُذْرِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي هَوْدَجٍ إِلَّا أَنْ يَمْنَعَ مِنْ ذَلِكَ إِجْمَاعٌ وَلَا إِجْمَاعَ فَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ أَنَّهُمَا يَقُولَانِ بِجَوَازِ الْفَرِيضَةِ عَلَى الرَّاحِلَةِ إِذَا لَمْ يَجِدْ مَوْضِعًا يُؤَدِّي فِيهِ الْفَرِيضَةَ نَازِلًا وَرَوَاهُ الْعِرَاقِيُّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ عَنِ الشَّافِعِيِّ انْتَهَى
(هَذَا فِي الْمَكْتُوبَةِ) أَيْ عَدَمُ الرُّخْصَةِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ تَفَرَّدَ بِهِ النُّعْمَانُ بْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ عَطَاءٍ هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ وَالنُّعْمَانُ بْنُ الْمُنْذِرِ هَذَا غَسَّانِيٌّ دِمَشْقِيٌّ ثِقَةٌ كُنْيَتُهُ أَبُو الْوَزِيرِ انْتَهَى
(بَابُ مَتَى يُتِمُّ الْمُسَافِرُ [1229] صَلَاتُهُ إِذَا نَزَلَ فِي مَوْضِعٍ وَأَقَامَ فيه)
(حماد) هو بن مَسْلَمَةَ فَحَمَّادٌ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ عُلَيَّةَ كِلَاهُمَا يَرْوِيَانِ(4/68)
عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ لَكِنْ هَذَا لَفْظُ بن عُلَيَّةَ دُونَ حَمَّادٍ (فَأَقَامَ) أَيْ مَكَثَ (يَقُولُ) أي بعد تسليمه خطابا للمقتدين به (ياأهل الْبَلَدِ صَلُّوا أَرْبَعًا) أَيْ أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ (فَإِنَّا) أَيْ فَإِنِّي وَأَصْحَابِي (سَفْرٌ) بِسُكُونِ الْفَاءِ جَمْعُ سَافِرٍ كَرَكْبٍ وَصَحْبٍ أَيْ مُسَافِرُونَ
قَالَ الطِّيبِيُّ الْفَاءُ هِيَ الْفَصِيحَةُ لِدَلَالَتِهَا عَلَى مَحْذُوفٍ هُوَ سَبَبٌ لِمَا بَعْدَ الْفَاءِ أَيْ صَلُّوا أَرْبَعًا وَلَا تَقْتَدُوا بِنَا فَإِنَّا سَفْرٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فَانْفَجَرَتْ أَيْ فَضَرَبَ فَانْفَجَرَتْ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ هَذَا العدد جعله الشافعي حدا في القصر لما كَانَ فِي حَرْبٍ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ الْعَدُوَّ وَكَذَلِكَ كَانَ حَالُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَّامَ مُقَامِهِ بِمَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ فَأَمَّا فِي حَالِ الْأَمْنِ فَإِنَّ الْحَدَّ فِي ذَلِكَ عِنْدَهُ أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ فَإِذَا أَزْمَعَ مُقَامَ أَرْبَعٍ أَتَمَّ الصَّلَاةَ وَذَهَبَ فِي ذَلِكَ إِلَى مُقَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجِّهِ بِمَكَّةَ وَذَلِكَ أَنَّهُ دَخَلَهَا يَوْمَ الْأَحَدِ وَخَرَجَ مِنْهَا يَوْمَ الْخَمِيسِ كُلُّ ذَلِكَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ فَكَانَ مُقَامُهُ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ أَنَّهُ قَالَ مَنْ أَزْمَعَ مُقَامَ أَرْبَعٍ فَلْيُتِمَّ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكِ بْنِ أنس وأبي ثور واختلفت الروايات عن بن عَبَّاسٍ فِي مُقَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ فَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَامَ سبع عشر بِمَكَّةَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ وَعَنْهُ أَقَامَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَعَنْهُ أَنَّهُ أَقَامَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَكُلٌّ قَدْ ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُدَ عَلَى اخْتِلَافِهِ فَكَانَ خَبَرُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَصَحَّهَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَسْلَمَهَا مِنَ الِاخْتِلَافِ فَصَارَ إِلَيْهِ
وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ إِذَا أَجْمَعَ الْمُسَافِرُ مُقَامَ خَمْسَ عَشْرَةَ أَتَمَّ الصَّلَاةَ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونُوا ذَهَبُوا إلى إحدى الروايات عن بن عَبَّاسٍ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ إِذَا أَقَامَ اثْنَيْ عَشْرَةَ ليلة أتم الصلاة وروي ذلك عن بن عمر
وقال الحسن بن صالح بن حي إِذَا عَزَمَ مُقَامَ عَشْرٍ أَتَمَّ الصَّلَاةَ وَأَرَاهُ ذَهَبَ إِلَى حَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بِنَحْوِهِ
وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ
هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ
وَفِي إِسْنَادِهِ عَلِيُّ بْنُ زَيْدِ بْنِ جَدْعَانَ وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ حَدِيثٌ لَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ لِكَثْرَةِ اضْطِرَابِهِ
[1230] (أَقَامَ سَبْعَ عَشْرَةَ بِمَكَّةَ) بِتَقْدِيمِ السِّينِ قَبْلَ الْبَاءِ لَكِنْ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ عَاصِمٍ وَحُصَيْنٍ عن عكرمة عن بن عَبَّاسٍ بِلَفْظِ تِسْعَةَ عَشَرَ بِتَقْدِيمِ التَّاءِ قَبْلَ السين(4/69)
وَلَفْظُهُ أَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِسْعَةَ عَشَرَ يَقْصُرُ فَنَحْنُ إِذَا سَافَرْنَا تِسْعَةَ عَشَرَ قَصَرْنَا وَإِنْ زِدْنَا أَتْمَمْنَا انْتَهَى
وَكَذَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْمَغَازِي مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عن عاصم وحده وكذا رواه بن الْمُنْذِرِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَصْبَهَانِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ لَكِنْ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ هذا الوجه أي من طريق بن الْأَصْبَهَانِيِّ بِلَفْظِ سَبْعَةَ عَشَرَ بِتَقْدِيمِ السِّينِ وَكَذَا أَخْرَجَهُ الْمُؤَلِّفُ مِنْ طَرِيقِ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ عَنْ عَاصِمٍ قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَقَالَ عَبَّادُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ عِكْرِمَةَ تِسْعَ عَشَرَةَ بِتَقْدِيمِ التَّاءِ كَذَا ذَكَرَهَا مُعَلَّقَةً وَقَدْ وَصَلَهَا الْبَيْهَقِيُّ
وَتَقَدَّمَ لِأَبِي دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَفِيهِ فَأَقَامَ بِمَكَّةَ ثَمَانِيَ عَشَرَةَ لَيْلَةً لَا يُصَلِّي إِلَّا رَكْعَتَيْنِ وَلِأَبِي دَاوُدَ مِنْ طريق بْنِ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عن بن عَبَّاسٍ أَقَامَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ خَمْسَ عَشَرَةَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ قَالَ الْحَافِظُ وَجَمَعَ الْبَيْهَقِيُّ بَيْنَ هَذَا الِاخْتِلَافِ بِأَنَّ مَنْ قَالَ تِسْعَ عَشَرَةَ عَدَّ يَوْمَيِ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ وَمَنْ قَالَ سَبْعَ عَشَرَةَ حَذَفَهُمَا
وَمَنْ قَالَ ثَمَانِيَ عَشَرَةَ عَدَّ أَحَدَهُمَا وَأَمَّا رِوَايَةُ خَمْسَةَ عَشَرَ فَضَعَّفَهَا النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ وَلَيْسَ بِجَيِّدٍ لِأَنَّ رُوَاتَهَا ثِقَاتٌ وَلَمْ ينفرد بها بن إِسْحَاقَ فَقَدْ أَخْرَجَهَا النَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ كَذَلِكَ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهَا صَحِيحَةٌ فَلْيُحْمَلْ عَلَى أَنَّ الرَّاوِيَ ظَنَّ أَنَّ الْأَصْلَ رِوَايَةُ سَبْعَ عَشَرَةَ فَحَذَفَ مِنْهَا يَوْمَيِ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ فَذَكَرَ أَنَّهَا خَمْسَ عَشَرَةَ وَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ رِوَايَةَ تِسْعَ عَشَرَةَ أَرْجَحُ الرِّوَايَاتِ وَبِهَذَا أَخَذَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ وَيُرَجِّحُهَا أَيْضًا أَنَّهَا أَكْثَرُ مَا وَرَدَتْ بِهِ الرِّوَايَاتُ الصَّحِيحَةُ وَأَخَذَ الثَّوْرِيُّ وَأَهْلُ الْكُوفَةِ بِرِوَايَةِ خَمْسَ عَشَرَةَ لِكَوْنِهَا أَقَلَّ مَا وَرَدَ فَيُحْمَلُ مَا زَادَ عَلَى أَنَّهُ وَقَعَ اتِّفَاقًا وَأَخَذَ الشَّافِعِيُّ بِحَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ لَكِنْ مَحَلُّهُ عِنْدَهُ فِيمَنْ لَمْ يُزْمِعِ الْإِقَامَةَ فَإِنَّهُ إِذَا مَضَتْ عَلَيْهِ الْمَذْكُورَةُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِتْمَامُ فَإِنْ أَزْمَعَ الْإِقَامَةَ فِي أَوَّلِ الْحَالِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ أَتَمَّ عَلَى خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِهِ فِي دخول يومي الدخول والخروج فيها أولا انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ مُلَخَّصًا
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ البخاري والترمذي وبن ماجه
ولفظ البخاري والترمذي وبن مَاجَهْ
تِسْعَةَ عَشْرَ
[1231] (عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ(4/70)
عُبَيْدِ اللَّهِ مُتَّصِلًا فَقَدْ رَوَاهُ كَذَلِكَ بَعْضُ أصحاب بن إسحاق عنه ورواه عبد بن سليمان وسلمة بن الفضل عن بن إسحاق لم يذكر بن عَبَّاسٍ وَرَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ عَنِ بن إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَوْلُهُ انْتَهَى
وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ وأخرجه بن مَاجَهْ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ بِنَحْوِهِ وَفِي إِسْنَادِهِ مُحَمَّدُ بن إسحاق
واختلف على بن إِسْحَاقَ فِيهِ فَرُوِيَ عَنْهُ مُسْنَدًا وَمُرْسَلًا وَرُوِيَ عنه عن الزهري من قوله انتهى
[1233] (أَقَمْنَا عَشْرًا) قَالَ الْحَافِظُ لَا يُعَارِضُ ذَلِكَ حديث بن عباس المذكور لأن حديث بن عَبَّاسٍ كَانَ فِي فَتْحِ مَكَّةَ وَحَدِيثَ أَنَسٍ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ مِنْ حديث بن عَبَّاسٍ قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ لِصُبْحِ رَابِعَةٍ الْحَدِيثَ
وَلَا شَكَّ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ صُبْحَ الرَّابِعِ عَشَرَ فَتَكُونُ مُدَّةُ الْإِقَامَةِ بِمَكَّةَ وَنَوَاحِيهَا عَشَرَةَ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا كَمَا قَالَ أَنَسٌ وَتَكُونُ مُدَّةُ إِقَامَتِهِ بِمَكَّةَ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ سَوَاءً لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْهَا فِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ فَصَلَّى الظُّهْرَ بِمِنًى وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الشَّافِعِيُّ إِنَّ الْمُسَافِرَ إِذَا أَقَامَ بِبَلْدَةٍ قَصَرَ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ وَقَالَ أَحْمَدُ إِحْدَى وَعِشْرِينَ صَلَاةً انْتَهَى
وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَقَدَّرَهَا الشَّافِعِيُّ بِأَرْبَعَةِ أَيَّامٍ فَإِنْ نَوَاهَا صَارَ مُقِيمًا وَيَرُدُّهُ حَدِيثُ أَنَسٍ فَإِنَّ فِيهِ قُلْتُ كَمْ أَقَمْتُمْ بِمَكَّةَ قَالَ أَقَمْنَا بِهَا عَشْرًا
وَلَا يُقَالُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُمْ عَزَمُوا عَلَى السَّفَرِ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي أَوِ الثَّالِثِ وَاسْتَمَرَّ بِهِمْ ذَلِكَ إِلَى عَشْرٍ لِأنَّ الْحَدِيثَ إِنَّمَا هُوَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَتَعَيَّنَ أَنَّهُمْ نَوَوُا الْإِقَامَةَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ لِأَجْلِ قَضَاءِ النُّسُكِ
نَعَمْ كَانَ يَسْتَقِيمُ هَذَا لَوْ كَانَ الْحَدِيثُ فِي قَضِيَّةِ الْفَتْحِ
والحاصل أنهما حديثان أحدهما حديث بن عَبَّاسٍ وَكَانَ فِي الْفَتْحِ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي بعض طرقه(4/71)
أَقَامَ بِمَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ وَالْآخَرُ حَدِيثُ أَنَسٍ وَكَانَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ
انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ والنسائي وبن مَاجَهْ
[1234] (قَالَ) أَبُو أُسَامَةَ (أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ) وهذا لفظ بن الْمُثَنَّى وَأَمَّا عُثْمَانُ فَقَالَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ كَمَا سَيَأْتِي (عَنْ أَبِيهِ) مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ (عَنْ جَدِّهِ) عُمَرَ بْنِ عَلِيٍّ (إِذَا سَافَرَ) مِنْ مَنْزِلِهِ (حَتَّى تَكَادَ) أَيْ تَقْرَبُ الشَّمْسُ (أَنْ تُظْلِمَ) مِنْ بَابِ الْإِفْعَالِ أَيْ تُظْلِمَ الشَّمْسُ مَا عَلَى الْأَرْضِ بِحَيْثُ لَا يَبْقَى أَثَرٌ مِنْ شُعَاعِ الشَّمْسِ وَضَوْئِهَا عَلَى الْأَرْضِ وَتَظْهَرُ ظُلْمَةُ اللَّيْلِ (فَيُصَلِّي الْمَغْرِبَ) لَمْ يُبَيِّنِ الرَّاوِي أَنَّ صَلَاةَ الْمَغْرِبِ كَانَتْ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّفَقِ أَوْ بَعْدَهُ وَالِاحْتِمَالُ فِي الْجَانِبَيْنِ قَائِمٌ
(ثُمَّ يَدْعُو بِعَشَائِهِ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ أَيْ يَطْلُبُ طَعَامَ الْعَشِيِّ (فَيَتَعَشَّى) أَيْ فَيَأْكُلُ طَعَامَ الْعَشِيِّ (ثُمَّ يُصَلِّي الْعِشَاءَ) لَمْ يُبَيِّنِ الرَّاوِي وَقْتَ أَدَائِهَا وَالِاحْتِمَالُ فِي كِلَا الْجَانِبَيْنِ مَوْجُودٌ فَلَيْسَ فِيهِ حُجَّةٌ لِلْحَنَفِيَّةِ عَلَى جَمْعِ الصُّورِيِّ
وَاعْلَمْ أن الحديث ها هنا فِي هَذَا الْبَابِ مَوْجُودٌ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ الْحَاضِرَةِ وَكَذَا مَوْجُودٌ فِي مُخْتَصَرِ الْمُنْذِرِيِّ لَكِنِ الْحَدِيثُ لَيْسَ مُطَابِقًا لِتَرْجَمَةِ الْبَابِ فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ أَوْرَدَهُ الْمُؤَلِّفُ عَقِبَ هَذَا الْبَابِ تَتْمِيمًا لِأَحَادِيثِ الْجَمْعِ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنَ الْبُعْدِ أَوْ هَذَا التَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ مِنْ تَصَرُّفَاتِ النُّسَّاخِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ
(قَالَ عثمان) بن أَبِي شَيْبَةَ فِي رِوَايَتِهِ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ) بالعنعنة وأما بن الْمُثَنَّى فَبِالْإِخْبَارِ (سَمِعْتُ أَبَا دَاوُدَ) يَعْنِي الْمُؤَلِّفَ وَهَذِهِ الْمَقُولَةُ لِأَبِي عَلِيٍّ اللُّؤْلُؤِيِّ رَاوِي السُّنَنِ (يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا) أَيِ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ (حِينَ يَغِيبُ الشَّفَقُ) فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ مُفَسِّرَةٌ لِإِجْمَالِ مَا فِي رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي(4/72)
طَالِبٍ (مِثْلُهُ) أَيْ مِثْلُ حَدِيثِ حَفْصِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ فَرِوَايَةُ حَفْصٍ وَالزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ مُتَّفِقَتَانِ عَلَى أَنَّ الْجَمْعَ كَانَ بَعْدَ غُيُوبِ الشَّفَقِ وَتَقَدَّمَتْ رِوَايَةُ الزُّهْرِيِّ فِي بَابِ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ بِلَفْظِ وَيُؤَخِّرُ الْمَغْرِبَ حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعِشَاءِ حِينَ يَغِيبُ الشَّفَقُ
1 - (بَابُ إِذَا أَقَامَ بِأَرْضِ الْعَدُوِّ يَقْصُرُ)
[1235] (يَقْصُرُ الصَّلَاةَ) وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَقْدِيرِ الْمُدَّةِ الَّتِي يَقْصُرُ فِيهَا الْمُسَافِرُ إِذَا أَقَامَ بِبَلْدَةٍ وَكَانَ مُتَرَدِّدًا غَيْرَ عَازِمٍ عَلَى إِقَامَةِ أَيَّامٍ مَعْلُومَةٍ فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يَعْزِمْ إِقَامَةَ مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ كَمُنْتَظِرِ الْفَتْحِ يَقْصُرُ إِلَى شَهْرٍ وَيُتِمُّ بَعْدَهُ وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ الشَّافِعِيِّ إِلَى أَنَّهُ يَقْصُرُ أَبَدًا لِأَنَّ الْأَصْلَ السَّفَرُ
وَمَا رُوِيَ مِنْ قَصْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَكَّةَ وَتَبُوكَ دَلِيلٌ لَهُمْ لَا عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَصَرَ مُدَّةَ إِقَامَتِهِ وَلَا دَلِيلَ عَلَى التَّمَامِ فِيمَا بَعْدَ تِلْكَ الْمُدَّةِ ويؤيد ذلك ما أخرجه البيهقي عن بن عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَامَ بِحُنَيْنٍ أَرْبَعِينَ يَوْمًا يَقْصُرُ الصَّلَاةَ وَلَكِنَّهُ قَالَ تَفَرَّدَ بِهِ الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ وَهُوَ غير محتج به وروي عن بن عُمَرَ وَأَنَسٍ أَنَّهُ يُتِمُّ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَالْحَقُّ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْمُقِيمِ الْإِتْمَامُ لِأَنَّ الْقَصْرَ لَمْ يَشْرَعْهُ الشَّارِعُ إِلَّا لِلْمُسَافِرِ وَالْمُقِيمُ غَيْرُ مُسَافِرٍ فَلَوْلَا مَا ثَبَتَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ قَصْرِهِ بِمَكَّةَ وَتَبُوكَ مَعَ الْإِقَامَةِ لَكَانَ الْمُتَعَيَّنَ هُوَ الْإِتْمَامُ فَلَا يُنْتَقَلُ عَنْ ذَلِكَ الْأَصْلِ إِلَّا بِدَلِيلٍ وَقَدْ دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى الْقَصْرِ مَعَ التَّرَدُّدِ إِلَى عِشْرِينَ يَوْمًا كَمَا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ وَلَمْ يَصِحَّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَصَرَ فِي الْإِقَامَةِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَيَقْتَصِرُ عَلَى هَذَا الْمِقْدَارِ وَلَا شَكَّ أَنَّ قَصْرَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ لَا يَنْفِي الْقَصْرَ فِيمَا زَادَ عَلَيْهَا وَلَكِنْ مُلَاحَظَةُ الْأَصْلِ الْمَذْكُورَةُ هِيَ الْقَاضِيَةُ بِذَلِكَ (غير معمر لا يسنده) ورواه بن حبان والبيهقي من حديث معمر وصححه بن حَزْمٍ وَالنَّوَوِيُّ وَأَعَلَّهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْعِلَلِ بِالْإِرْسَالِ وَالِانْقِطَاعِ وَأَنَّ عَلِيَّ بْنَ الْمُبَارَكِ وَغَيْرَهُ مِنَ الْحُفَّاظِ رَوَوْهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عن بن ثَوْبَانَ مُرْسَلًا وَأَنَّ الْأَوْزَاعِيَّ رَوَاهُ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَنَسٍ فَقَالَ بِضْعَ عَشَرَةَ وَبِهَذَا اللَّفْظِ رَوَاهُ جَابِرٌ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِهِ وَاللَّهُ أعلم(4/73)
12 - (بَابُ صَلَاةِ الْخَوْفِ)
[1236] (مَنْ رَأَى) أَيْ مِنَ الْأَئِمَّةِ مَنْ ذَهَبَ إِلَى (أَنْ يُصَلِّيَ) الْإِمَامُ (بِهِمْ) أَيْ بِالنَّاسِ الْمُجْتَمَعِينَ (وَهُمْ) أَيِ النَّاسُ الْمُجْتَمِعُونَ (فَيُكَبِّرُ بِهِمْ) أَيْ فَيُكَبِّرُ الْإِمَامُ بِهَؤُلَاءِ فَيَفْتَحُونَ الصَّلَاةَ كُلُّهُمْ مَعًا (ثُمَّ يَرْكَعُ بِهِمْ جَمِيعًا) أَيْ يَرْكَعُ الْإِمَامُ بِهَؤُلَاءِ كُلِّهِمْ (ثُمَّ يَسْجُدُ الْإِمَامُ) سَجْدَتَيْنِ (وَالصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ) أَيِ الصَّفُّ الْمُقَدَّمُ الَّذِي يَلِي الْإِمَامَ هُوَ يَسْجُدُ مَعَ الْإِمَامِ (وَالْآخَرُونَ) الَّذِينَ هُمْ فِي الصَّفِّ الْمُؤَخَّرِ (قِيَامٌ) جَمْعُ قَائِمٍ (يَحْرُسُونَهُمْ) أَيْ يَحْرُسُونَ الْإِمَامَ وَالصَّفَّ الْمُقَدَّمَ (فَإِذَا قَامُوا) أَيِ الَّذِينَ فِي الصَّفِّ الْمُقَدَّمِ (الَّذِينَ كَانُوا خَلْفَهُمْ) أَيْ خَلْفَ الصَّفِّ الْمُقَدَّمِ وَلَمْ يَسْجُدُوا مَعَهُمْ
(عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي عَيَّاشٍ الزُّرَقِيِّ) اسْمُهُ زَيْدُ بْنُ الصَّامِتِ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ بِلَفْظِ حَدَّثَنَا أَبُو عَيَّاشٍ قَالَ وَفِي هَذَا تَصْرِيحٌ بِسَمَاعِ مُجَاهِدٍ مِنْ أَبِي عَيَّاشٍ انْتَهَى (بِعُسْفَانَ) بِضَمِّ الْعَيْنِ وَسُكُونِ السِّينِ مَوْضِعٌ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ وَقِيلَ هِيَ قَرْيَةٌ جَامِعَةٌ عَلَى سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ مِيلًا مِنْ مَكَّةَ وَهِيَ حَدُّ تِهَامَةَ كَذَا فِي مَرَاصِدِ الِاطِّلَاعِ (وَعَلَى الْمُشْرِكِينَ خَالِدٌ) أَيْ كَانَ أَمِيرُهُمْ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ (لَقَدْ أَصَبْنَا غِرَّةً) بِكَسْرِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ أَيْ غَفْلَةً فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ يُرِيدُونَ فَلَوْ حَمَلْنَا عَلَيْهِمْ كَانَ أَحْسَنَ (فَنَزَلَتْ آيَةُ الْقَصْرِ) وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ فَنَزَلَتْ يَعْنِي صَلَاةُ(4/74)
الْخَوْفِ (فَصَلَّاهَا بِعُسْفَانَ وَصَلَّاهَا يَوْمَ بَنِي سُلَيْمٍ) وَلَفْظُ النَّسَائِيِّ وَصَلَّى مَرَّةً بِأَرْضِ بَنِي سُلَيْمٍ وَلَفْظُ أَحْمَدَ وَالدَّارَقُطْنِيِّ فَصَلَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّتَيْنِ مَرَّةً بِعُسْفَانَ وَمَرَّةً بِأَرْضِ بَنِي سُلَيْمٍ انْتَهَى
وَحَدِيثُ أَبِي عَيَّاشٍ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ وَكَذَا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الَّذِي سَيَذْكُرُهُ الْمُؤَلِّفُ مُعَلَّقًا أَنَّ صَلَاةَ الطَّائِفَتَيْنِ مَعَ الْإِمَامِ جَمِيعًا وَاشْتِرَاكَهُمْ فِي الْحِرَاسَةِ وَمُتَابَعَتَهُ فِي جَمِيعِ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ إِلَّا السُّجُودُ فَتَسْجُدُ مَعَهُ طَائِفَةٌ وَتَنْتَظِرُ الْأُخْرَى حَتَّى تَفْرُغَ الطَّائِفَةُ الْأُولَى ثُمَّ تَسْجُدُ وَإِذَا فَرَغُوا مِنَ الرَّكْعَةِ الْأُولَى تَقَدَّمَتِ الطَّائِفَةُ الْمُتَأَخِّرَةُ مَكَانَ الطَّائِفَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَتَأَخَّرَتِ الْمُتَقَدِّمَةُ (رَوَاهُ أَيُّوبُ وَهِشَامٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ هَذَا الْمَعْنَى) حَدِيثُ هِشَامٍ وَصَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ بِلَفْظِ فَكَبَّرُوا جَمِيعًا وَرَكَعُوا جَمِيعًا ثُمَّ سَجَدَ الَّذِينَ يلونه وَالْآخَرُونَ قِيَامٌ فَلَمَّا رَفَعُوا رُؤُوسَهُمْ سَجَدَ الْآخَرُونَ ثُمَّ تَقَدَّمَ هَؤُلَاءِ وَتَأَخَّرَ هَؤُلَاءِ فَكَبَّرُوا جَمِيعًا وَرَكَعُوا جَمِيعًا ثُمَّ سَجَدَ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ وَالْآخَرُونَ قِيَامٌ فَلَمَّا رَفَعُوا رُؤُوسَهُمْ سَجَدَ الْآخَرُونَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ وحديث أيوب وصله بن مَاجَهْ (وَكَذَلِكَ) أَيْ كَمَا رَوَاهُ أَبُو عَيَّاشٍ الزُّرَقِيُّ (رَوَاهُ دَاوُدُ بْنُ حُصَيْنٍ) حَدِيثُ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ وَصَلَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ حَدَّثَنِي دَاوُدُ بْنُ الْحُصَيْنِ عن عكرمة عن بن عَبَّاسٍ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ (وَكَذَلِكَ) أَيْ كَحَدِيثِ أَبِي عَيَّاشٍ رَوَاهُ (عَبْدُ الْمَلِكِ) بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ (عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ) وَحَدِيثُ عَبْدِ الْمَلِكِ وَصَلَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ (عَنْ أَبِي(4/75)
موسى) الأشعري (فعله) موقوفا عليه
وأخرج بن أَبِي شَيْبَةَ فِي الْمُصَنَّفِ مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ بِلَفْظٍ آخَرَ وَكَذَا مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي مُوسَى (وَكَذَلِكَ) أَيْ كَحَدِيثِ أَبِي عَيَّاشٍ رَوَاهُ (عِكْرِمَةُ بْنُ خَالِدٍ) بْنِ الْعَاصِ ثِقَةٌ (عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) مُرْسَلًا
وَفِي الْمُصَنَّفِ مِنْ طَرِيقِ عُمَرَ بْنِ ذَرٍّ سَمِعَهُ مِنْ مُجَاهِدٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ ثُمَّ قَالَ مُجَاهِدٌ فَكَانَ تَكْبِيرُهُمْ وَرُكُوعُهُمْ وَتَسْلِيمُهُ عَلَيْهِمْ سَوَاءً وَتَنَاصَفُوا فِي السُّجُودِ (هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) مُرْسَلًا
فَهَذِهِ الرِّوَايَاتُ كُلُّهَا مِثْلُ حَدِيثِ أَبِي عَيَّاشٍ الزُّرَقِيِّ (وهو قول الثوري) سفيان الإمام وبن أبي ليلى قاله بن عَبْدِ الْبَرِّ وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ فَحَدِيثُ جَابِرٍ مِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ وَحَدِيثُ أَبِي عَيَّاشٍ الزُّرَقِيِّ مَفْهُومُهُمَا وَاحِدٌ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ صَلَاةُ الْخَوْفِ أَنْوَاعٌ وَقَدْ صَلَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَيَّامٍ مُخْتَلِفَةٍ عَلَى أَشْكَالٍ مُتَبَايِنَةٍ يَتَوَخَّى فِي كُلِّهَا مَا هُوَ أَحْوَطُ لِلصَّلَاةِ وَأَبْلَغُ فِي الْحِرَاسَةِ وَهِيَ عَلَى اخْتِلَافِ صُوَرِهَا مُؤْتَلِفَةٌ فِي الْمَعَانِي وَهَذَا النَّوْعُ مِنْهَا هُوَ الِاخْتِيَارُ إِذَا كَانَ الْعَدُوُّ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ فَإِذَا كَانَ الْعَدُوُّ وَرَاءَ الْقِبْلَةِ صَلَّى بِهِمْ صَلَاتَهُ فِي يَوْمِ ذَاتِ الرِّقَاعِ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ إِلَّا أَنَّ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ يَشُكُّ فِي سَمَاعِ مُجَاهِدٍ مِنْ أَبِي عَيَّاشٍ ثُمَّ ذَكَرَ الْحَدِيثَ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَيَّاشٍ وَقَالَ بَيَّنَ فِيهِ سَمَاعَ مُجَاهِدٍ مِنْ أَبِي عَيَّاشٍ
هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ وَسَمَاعُهُ مِنْهُ مُتَوَجِّهٌ فَإِنَّهُ ذَكَرَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَوْلِدَ مُجَاهِدٍ سَنَةَ عِشْرِينَ وَعَاشَ أَبُو عَيَّاشٍ إِلَى بَعْدَ الْأَرْبَعِينَ وَقِيلَ إِلَى بَعْدَ الْخَمْسِينَ انْتَهَى
3 - (بَاب مَنْ قَالَ يوم يَقُومُ صَفٌّ مَعَ الْإِمَامِ وَصَفٌّ)
وِجَاهَ الْعَدُوِّ [1237] هُوَ بِكَسْرِ الْوَاوِ وَضَمِّهَا يُقَالُ وِجَاهُهُ وَتُجَاهُهُ أَيْ قُبَالَتُهُ (فَيَصِفُوا) مِنْ نَصَرَ يَنْصُرُ (وَتَجِيءُ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى) الطَّائِفَةُ الْفِرْقَةُ أَوِ الْقِطْعَةُ مِنَ الشَّيْءِ تَقَعُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ لَكِنْ قَالَ(4/76)
الشَّافِعِيُّ أَكْرَهُ أَنْ تَكُونَ الطَّائِفَةُ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ فَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الطَّائِفَةُ الَّتِي مَعَ الْإِمَامِ ثَلَاثَةً فَأَكْثَرُ وَالَّذِينَ فِي وَجْهِ الْعَدُوِّ كَذَلِكَ وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِ اللَّهِ تعالى وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا الْآيَةَ فَأَعَادَ عَلَى كُلِّ طَائِفَةٍ ضَمِيرَ الْجَمْعِ وَأَقَلُّ الْجَمْعِ ثَلَاثَةٌ عَلَى الْمَشْهُورِ وَخَالَفَ فِيهِ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ كَمَا سَيَجِيءُ (ثُمَّ يُسَلِّمُ) الْإِمَامُ (بِهِمْ جَمِيعًا) أَيْ بِالطَّائِفَتَيْنِ جَمِيعًا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ لَكِنْ حَدِيثُ الْبَابِ لَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ
(فَصَلَّى) النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (بِالَّذِينَ يَلُونَهُ رَكْعَةً) وَلَمْ يَذْكُرْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ الْقَاسِمِ أَنَّ أَهْلَ الصَّفِ الْأَوَّلِ الَّذِينَ يَلُونَهُ صَلَّوْا وَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً أُخْرَى أَمْ لَا لَكِنْ رَوَى يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُمْ أَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمُ الرَّكْعَةَ الْبَاقِيَةَ وَالْمُؤَلِّفُ حَمَلَ هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى ذَلِكَ الْمَعْنَى الْمُفَسِّرِ وَلِذَا قَالَ فِي تَرْجَمَةِ الْبَابِ حَتَّى يُصَلِيَ الَّذِينَ مَعَهُ رَكْعَةً أُخْرَى إِلَخْ (ثُمَّ قَامَ) النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَلَمْ يَزَلْ قَائِمًا) لِكَيْ يَفْرُغَ أهل الصف الأول من الركعة الثانية ولأجل أن يصلي معه أهل الصف المؤخر ركعة بعد فراغ أَهْلُ الصَّفِ الْأَوَّلِ (حَتَّى صَلَّى الَّذِينَ خَلْفَهُمْ رَكْعَةً) أَيْ خَلْفَ أَهْلِ الصَّفِ الْأَوَّلِ وَهَذِهِ غَايَةٌ لِقِيَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَتْ صَلَاةُ الصَّفِ الْمُؤَخَّرِ مَعَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ فَرَاغِ الصَّفِّ الْمُقَدَّمِ وَلِذَا فَصَلَ الْكَلَامَ وَقَالَ (ثُمَّ تَقَدَّمُوا) أَيْ أَهْلُ الصَّفِ الْمُؤَخَّرِ لِلصَّلَاةِ مَعَ النَّبِيِّ صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَتَأَخَّرَ الَّذِينَ كَانُوا قُدَّامَهُمْ) أَيْ قُدَّامَ الصَّفِّ الْمُؤَخِّرِ وَكَانَ تَأَخَّرَ ذَلِكَ الصَّفُّ الْمُقَدَّمِ لِأَجْلِ الْحِرَاسَةِ وَهُمْ قَدْ فَرَغُوا مِنَ الصَّلَاةِ (فَصَلَّى بِهِمْ) أَيْ بِالصَّفِّ الْمُؤَخَّرِ (رَكْعَةً) وَاحِدَةً (ثُمَّ قَعَدَ) النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّشَهُّدِ (حَتَّى صَلَّى الَّذِينَ تَخَلَّفُوا) عَنِ الرَّكْعَةِ الْأُولِى وَهُمْ أَهْلُ الصَّفِّ الْمُؤَخَّرِ (رَكْعَةً) أُخْرَى (ثُمَّ سَلَّمَ) النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذِهِ الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ أَوْ بِالطَّائِفَتِينِ جَمِيعًا وَإِلَيْهِ جَنَحَ الْمُؤَلِّفُ وَالظَّاهِرُ هُوَ الْأَوَّلُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَفِي رِوَايَةٍ وَثَبَتَ قائما وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وبن ماجه مختصرا ومطولا انتهى(4/77)
14 - (باب من قال إذا صلى [1238] الْإِمَامُ)
(أَتَمُّوا) الَّذِينَ يَلُونَ الْإِمَامَ (لِأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً) أُخْرَى (ثُمَّ سَلَّمُوا) هَؤُلَاءِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ (وَاخْتَلَفَ) الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ (فِي السَّلَامِ) فَلَا يَكُونُ سَلَامُ بَعْضِ الْمَأْمُومِينَ مَعَ الْإِمَامِ
(عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَشَدَّةِ الْوَاوِ تَابِعِيٌّ ثِقَةٌ وَأَبُوهُ صَحَابِيٌّ جَلِيلٌ (عَمَّنْ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قِيلَ هُوَ سَهْلُ بْنُ أَبِي حَثْمَةَ
قَالَ الْحَافِظُ وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ أَبُوهُ خَوَّاتُ بْنُ جُبَيْرٍ كَمَا جَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي تَهْذِيبِهِ وَقَالَ إِنَّهُ مُحَقَّقٌ مِنْ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ وَذَلِكَ لِأَنَّ أَبَا أُوَيْسٍ رَوَاهُ عَنْ يَزِيدَ شَيْخِ مَالِكٍ فَقَالَ عَنْ صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ أخرجه بن مَنْدَهْ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ صَالِحًا سَمِعَهُ مِنْ أَبِيهِ وَمِنْ سَهْلٍ فَأَبْهَمَهُ تَارَةً وَعَيَّنَهُ أُخْرَى لَكِنْ قَوْلُهُ (يَوْمَ ذَاتِ الرِّقَاعِ) يُعَيِّنُ أَنَّ الْمُبْهَمَ أَبُوهُ إِذْ لَيْسَ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ عَنْ سَهْلٍ أَنَّهُ صَلَّاهَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُؤَيِّدُ أَنَّ سَهْلًا لَمْ يَكُنْ فِي سِنِّ مَنْ يَخْرُجُ فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ لِصِغَرِهِ لَكِنْ لَا يَلْزَمُ أَنْ لَا يَرْوِيَهَا فَرِوَايَتُهُ إِيَّاهَا مُرْسَلُ صَحَابِيٍّ فَبِهَذَا يَقَوَى تَفْسِيرُ الَّذِي صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَوَّاتٍ
وَسُمِّيَتْ ذَاتُ الرِّقَاعِ لِأَنَّ أَقْدَامَ الْمُسْلِمِينَ نُقِّبَتْ مِنَ الْحَفَاءِ فَكَانُوا يَلُفُّونَ عَلَيْهَا الْخِرَقَ (ثُمَّ ثَبَتَ) حَالَ كَوْنِهِ (قَائِمًا وَأَتَمُّوا) أَيِ الَّذِينَ صَلَّى بِهِمُ الرَّكْعَةَ (لِأَنْفُسِهِمْ) رَكْعَةً أُخْرَى (الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى) الَّتِي كَانَتْ وِجَاهَ الْعَدُوِّ (ثُمَّ ثَبَتَ جَالِسًا) لَمْ يَخْرُجْ مِنْ صَلَاتِهِ (ثُمَّ سَلَّمَ) النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (بِهِمْ) بِالطَّائِفَةِ الْأُخْرَى
وَأَمَّا الِاخْتِلَافُ فِي السَّلَامِ مَعَ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ فَكَانَ مَعَ الطَّائِفَةِ الْأُولَى فَقَطْ فَإِنَّهُمْ أَتَمُّوا(4/78)
لِأَنْفُسِهِمْ بِالسَّلَامِ وَالطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ سَلَّمُوا مَعَ الْإِمَامِ
وَأَمَّا فِي الرِّوَايَةِ الْآتِيَةِ فَالِاخْتِلَافُ لِلطَّائِفَتَيْنِ مَعَ الْإِمَامِ فِي السَّلَامِ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الِاخْتِلَافُ مُرَادَ الْمُؤَلِّفِ بِقَوْلِهِ وَاخْتُلِفَ فِي السَّلَامِ فِي تَرْجَمَةِ الْبَابِ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ وَإِلَى هَذَا الْحَدِيثِ ذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ إِذَا كَانَ الْعَدُوُّ مِنْ وَرَائِهِمْ وَأَمَّا أَصْحَابُ الرَّأْيِ فَإِنَّهُمْ ذَهَبُوا إِلَى حديث بن عُمَرَ انْتَهَى (قَالَ مَالِكٌ وَحَدِيثُ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ) هَذَا فِي رِوَايَةِ الْقَعْنَبِيِّ عَنْ مَالِكٍ وَأَمَّا فِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى اللَّيْثِيِّ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ مَالِكٍ
فَقَالَ قَالَ مَالِكٌ وَحَدِيثُ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ انْتَهَى
[1239] (يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) هُوَ الْأَنْصَارِيُّ كَمَا فِي رِوَايَةِ بن مَاجَهْ (أَنْ يَقُومَ الْإِمَامُ) مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ كَمَا عند بن ماجه (مواجهة العدو) وعند بن مَاجَهْ وَطَائِفَةٌ مِنْ قِبَلِ الْعَدُوِّ وَوُجُوهُهُمْ إِلَى الصَّفِّ (ثُمَّ يُسَلِّمُونَ) وَفِي الطَّرِيقِ الْأُولَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَبَتَ جَالِسًا وَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ ثُمَّ سَلَّمَ بِهِمْ وَفِي الطَّرِيقِ الثَّانِيَةِ أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَنْتَظِرُ الْمَأْمُومَ وَأَنَّ الْمَأْمُومَ إنما يقضي بعد سلام الإمام
قال بن مَاجَهْ بَعْدَ أَنْ رَوَى حَدِيثَ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ فَسَأَلْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ الْقَطَّانَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَحَدَّثَنِي عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ (إِلَّا أَنَّهُ خَالَفَهُ فِي السَّلَامِ) فَفِي رِوَايَةِ يَحْيَى الْأَنْصَارِيِّ يُسَلِّمُ الْإِمَامُ قَبْلَ إِتْمَامِ الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ صَلَاتَهُمْ وَفِي رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ يُسَلِّمُ الْإِمَامُ بِالطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ بَعْدَ انْتِظَارِ إِتْمَامِهَا جُلُوسًا (وَرِوَايَةُ عُبَيْدِ اللَّهِ) بْنِ معاذ(4/79)
الْعَنْبَرِيِّ الْمُتَقَدِّمَةُ (نَحْوُ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ (قَالَ) يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ (قَالَ) الْقَاسِمُ (وَيَثْبُتُ قَائِمًا) هَذِهِ الْجُمْلَةُ أَيْ قَوْلُهُ رِوَايَةُ عُبَيْدِ اللَّهِ نَحْوُ رِوَايَةِ يَحْيَى إِلَخْ تَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ الْأَوَّلُ أَنَّهُ رِوَايَةُ عُبَيْدِ اللَّهِ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنِ الْقَاسِمِ نَحْوُ رِوَايَةِ يَحْيَى الْأَنْصَارِيِّ عَنِ الْقَاسِمِ لَكِنْ رِوَايَةُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِيهَا اخْتِصَارٌ وَهُوَ عَدَمُ الذِّكْرِ لِإِتْمَامِ الطَّائِفَةِ الْأُولَى رَكْعَتَهُمُ الْأُخْرَى وَانْتِظَارِ الْإِمَامِ لَهُمْ قَائِمًا لَكِنْ رِوَايَةُ يَحْيَى الْأَنْصَارِيِّ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى هَذِهِ الزِّيَادَةِ فَتُحْمَلُ رِوَايَةُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَلَى رِوَايَةِ يَحْيَى
وَالثَّانِي أَنَّ رِوَايَةَ عُبَيْدِ اللَّهِ أَيْضًا نَحْوُ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَيْ بِذِكْرِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ وَهُوَ ذِكْرُ إِتْمَامِ الطَّائِفَةِ الْأُولَى رَكْعَتَهُمُ الْآخِرَةَ الْمُعَبَّرَ بِقَوْلِهِ وَيَثْبُتُ قَائِمًا لَكِنْ لَمْ يَسُقِ الْمُؤَلِّفُ رِوَايَةَ عُبَيْدِ اللَّهِ هَذِهِ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ فَهِمَ هَذَا الْمَعْنَى وَلِذَا قَالَ تَحْتَ حَدِيثِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاذٍ وَفِي رِوَايَةِ وثبت قائما
5 - (باب من قال يكبرون جميعا إلخ)
[1240] (أَبُو الْأَسْوَدِ) هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَسَدِيُّ كَمَا عِنْدَ الطَّحَاوِيِّ (عَامَ غَزْوَةِ نَجْدٍ) قال بن الْقَيِّمِ غَزَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَفْسِهِ غَزْوَةَ ذَاتِ الرِّقَاعِ وَهِيَ غَزْوَةُ نَجْدٍ فَلَقِيَ جَمْعًا مِنْ غَطَفَانَ فَتَوَافَقُوا وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ إِلَّا أَنَّهُ صَلَّى بِهِمْ يَوْمَئِذٍ صَلَاةَ الْخَوْفِ انْتَهَى
وَالنَّجْدُ اسْمٌ لِكُلِّ مَا ارْتَفَعَ مِنْ بِلَادِ الْعَرَبِ مِنْ تِهَامَةَ إِلَى الْعِرَاقِ
قَالَ الْأَبْهَرِيُّ وَالْمُرَادُ هُنَا نَجْدُ الْحِجَازِ لَا نَجْدُ الْيَمَنِ قَالَ الْعَيْنِيُّ قَالَ الْحَاكِمُ فِي الْإِكْلِيلِ حِينَ ذَكَرَ غَزْوَةَ الرِّقَاعِ وَقَدْ تُسَمَّى هَذِهِ الْغَزْوَةُ غَزْوَةَ مُحَارِبٍ وَيُقَالُ غَزْوَةُ خَصَفَةَ وَيُقَالُ غَزْوَةُ ثَعْلَبَةَ وَيُقَالُ غَطَفَانُ وَالَّذِي صَحَّ أَنَّهُ صَلَّى(4/80)
بِهَا صَلَاةَ الْخَوْفِ مِنَ الْغَزَوَاتِ ذَاتُ الرِّقَاعِ وَذُو قِرْدٍ وَعُسْفَانُ وَغَزْوَةُ الطَّائِفِ وَلَيْسَ بَعْدَ غَزْوَةِ الطَّائِفِ إِلَّا تَبُوكَ وَلَيْسَ فِيهَا لِقَاءُ الْعَدُوِّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ غَزْوَةَ نَجْدٍ مَرَّتَانِ وَالَّذِي شَهِدَهَا أَبُو مُوسَى وَأَبُو هُرَيْرَةَ هِيَ غَزْوَةُ نَجْدٍ الثَّانِيَةُ لِصِحَّةِ حَدِيثِهِمَا فِي شُهُودِهَا انْتَهَى (رَكْعَةً رَكْعَةً) أَيْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَالْحَدِيثُ فِيهِ أَنَّ مِنْ صِفَةِ صَلَاةِ الْخَوْفِ أَنْ تَدْخُلَ الطَّائِفَتَانِ مَعَ الْإِمَامَ فِي الصَّلَاةِ جَمِيعًا ثُمَّ تَقُومُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ وَتُصَلِّي مَعَهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ رَكْعَةً ثُمَّ يَذْهَبُونَ فَيَقُومُونَ فِي وِجَاهِ الْعَدُوِّ ثُمَّ تَأْتِي الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى فَتُصَلِّي لِنَفْسِهَا رَكْعَةً وَالْإِمَامُ قَائِمٌ ثُمَّ يُصَلِّي بِهِمُ الرَّكْعَةَ الَّتِي بَقِيَتْ مَعَهُ ثُمَّ تَأْتِي الطَّائِفَةُ الْقَائِمَةُ فِي وِجَاهِ الْعَدُوِّ فَيُصَلُّونَ لِأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً وَالْإِمَامُ قَاعِدٌ ثُمَّ يُسَلِّمُ الْإِمَامُ وَيُسَلِّمُونَ جَمِيعًا
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ
[1241] (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ) وَفِي رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ (إِذَا كُنَّا بِذَاتِ الرِّقَاعِ) بِكَسْرِ الرَّاءِ
قَالَ فِي مَرَاصِدِ الِاطِّلَاعِ ذَاتُ الرِّقَاعِ بِهِ غَزْوَةٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِيلَ هِيَ اسْمُ شَجَرَةٍ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ
وقيل جبل(4/81)
وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا مَوْضِعٌ انْتَهَى
وَقَالَ النَّوَوِيُّ هِيَ غَزْوَةٌ مَعْرُوفَةٌ كَانَتْ سَنَةَ خَمْسٍ مِنَ الْهِجْرَةِ بِأَرْضِ غَطَفَانَ مِنْ نَجْدٍ سُمِّيَتْ ذَاتَ الرِّقَاعِ لِأنَّ أَقْدَامَ الْمُسْلِمِينَ نُقِّبَتْ مِنَ الْحَفَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ وَقِيلَ سُمِّيَتْ لِشَجَرَةٍ هُنَاكَ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ كُلَّهَا وُجِدَتْ فِيهَا انْتَهَى (مِنْ نَخْلٍ) بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْخَاءِ وَآخِرُهُ اللَّامُ جَمْعُ نَخْلَةٍ مَنْزِلٌ مِنْ مَنَازِلِ بَنِي ثَعْلَبَةَ مِنَ الْمَدِينَةِ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ وَقِيلَ مَوْضِعٌ بِنَجْدٍ مِنْ أَرْضِ غَطَفَانَ وَهُوَ مَوْضِعٌ فِي طَرَفِ الشَّامِ مِنْ نَاحِيَةِ مِصْرَ كَذَا فِي الْمَرَاصِدِ (فَذَكَرَ) أَيْ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ (مَعْنَاهُ) أَيْ مَعْنَى حَدِيثِ حَيْوَةَ (وَلَفْظُهُ) أَيْ لَفْظُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ (مَشَوُا الْقَهْقَرَى) أَيْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ
وَتَمَامُ الْحَدِيثِ عِنْدَ الطَّحَاوِيِّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَلَفْظُهُ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الْخَوْفِ فَصَدَعَ النَّاسَ صَدْعَيْنِ فَصَلَّتْ طَائِفَةٌ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَطَائِفَةٌ تُجَاهَ الْعَدُوِّ فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَنْ خَلْفَهُ رَكْعَةً وَسَجَدَ بِهِمْ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ قَامَ وَقَامُوا مَعَهُ فَلَمَّا اسْتَوَوْا قِيَامًا رَجَعَ الَّذِينَ خَلْفَهُ وَرَاءَهُمُ الْقَهْقَرَى فَقَامُوا وَرَاءَ الَّذِينَ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ وَجَاءَ الْآخَرُونَ فَقَامُوا خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّوْا لِأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ ثُمَّ قَامُوا فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِمْ أُخْرَى فَكَانَتْ لَهُمْ وَلِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَانِ وَجَاءَ الَّذِينَ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ فَصَلَّوْا لِأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ ثُمَّ جَلَسُوا خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلَّمَ بِهِمْ جَمِيعًا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ وَقَدْ رُوِيَ عَنِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ وَفِيهَا أَنَّ الطَّائِفَةَ الثَّانِيَةَ قَضَتِ الرَّكْعَةَ الْأُولَى عِنْدَ مَجِيئِهَا ثُمَّ صَلَّتِ الْأُخْرَى مَعَ الْإِمَامِ ثُمَّ قَضَتِ الطَّائِفَةُ الْأُولَى الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ ثُمَّ كَانَ السَّلَامُ
وَقَالَ فِي حَدِيثِهِ إِنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ نَخْلٍ
وروى بْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في تلك الغزوة خلاف فَصَارَتِ الرِّوَايَتَانِ مُتَعَارِضَتَيْنِ وَرَجَّحَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ إِسْنَادَ حديث بن عُمَرَ فَأَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ دُونَ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَدْ قِيلَ فِيهِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ انْتَهَى
قُلْتُ كَذَا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَسَيَجِيءُ بَعْضُ الْبَيَانِ فِي آخِرِ كِتَابِ الْخَوْفِ
(وَكَبَّرَتِ الطَّائِفَةُ الَّذِينَ صُفُّوا) وَهُمُ الطَّائِفَةُ الْأُولَى (جَالِسًا) أَيْ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ(4/82)
(فَنَكَصُوا) رَجَعُوا (حَتَّى قَامُوا مِنْ وَرَائِهِمْ) وَلَفْظُ الطَّحَاوِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَامُوا وَرَاءَ الَّذِينَ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ (فَسَجَدُوا مَعَهُ) السَّجْدَةَ الْأُولَى (ثُمَّ سَجَدَ) النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّجْدَةَ الْأُولَى (وَسَجَدُوا) كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (مَعَهُ) السَّجْدَةَ الثَّانِيَةَ (كَأَسْرَعِ الْأَسْرَاعِ) أَسْرَعَ عَلَى وَزْنِ أَفْعَلَ صِيغَةُ الْمُبَالَغَةِ وَأَسْرَاعٌ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ صِيغَةُ جَمْعٌ (جَاهِدًا) أَيْ مُجْتَهِدًا فِي السُّرْعَةِ (لَا يَأْلُونَ) أَيْ لَا يُقَصِّرُونَ (سِرَاعًا) بِكَسْرِ السِّينِ وَالْمَعْنَى أَنَّ الْجَمَاعَةَ كُلَّهَا قَدْ بَالَغَتْ فِي السُّرْعَةِ لِإِتْمَامِ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ
قُلْتُ رِوَايَةُ حَيْوَةَ وَمُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ لَيْسَ بَيْنَهُمَا تَعَارُضٌ إِلَّا أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ وَحْدَهُ ذَكَرَ فِي رِوَايَتِهِ رَجْعَةَ الْقَهْقَرَى وَلَمْ يَذْكُرِ اسْتِدْبَارَ الْقِبْلَةِ فَالرِّوَايَتَانِ فِي جُمْلَةِ الْهَيْئَاتِ مُسَاوِيَتَانِ
وَأَمَّا رِوَايَةُ عَائِشَةَ فَتَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ صِفَةً ثَانِيَةً مِنْ صِفَاتِ صَلَاةِ الْخَوْفِ غَيْرِ الصِّفَةِ الَّتِي فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ لِمُخَالَفَتِهَا فِي هَيْئَاتٍ كَثِيرَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
6 - (بَابُ مَنْ قَالَ يُصَلِّي بِكُلِّ طَائِفَةٍ)
إلخ [1243] لَيْسَ الْفَرْقُ فِي التَّرْجَمَةِ بَيْنَ هَذَا الْبَابِ وَالْبَابِ الْآتِي فِي الظَّاهِرِ لَكِنْ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ كَمَا قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ شَرْحِ مسلم إن الفرق بين حديث بن عمر وحديث بن مسعود أن في حديث بن عمر كان قضائهم فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَيَبْقَى الْإِمَامُ كَالْحَارِسِ وَحْدَهُ وفي حديث بن(4/83)
مسعود كان قضائهم مُتَفَرِّقًا عَلَى صِفَةِ صَلَاتِهِمُ انْتَهَى
فَلَعَلَّ الْمُؤَلِّفَ أَرَادَ هَذَا الْفَرْقَ بَيْنَ الْبَابَيْنِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
(صَلَّى بِإِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ) وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ شُعَيْبٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِلَفْظِ غَزَوْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبَلَ نَجْدٍ فَوَازَيْنَا الْعَدُوَّ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ
وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ طَائِفَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ اسْتِوَاءُ الْفَرِيقَيْنِ فِي الْعَدَدِ لَكِنْ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الَّتِي تَحْرُسُ تَحْصُلُ الْقُوَّةُ وَالثِّقَةُ بِهَا فِي ذَلِكَ
قَالَ الْحَافِظُ وَالطَّائِفَةُ تُطْلَقُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ حَتَّى عَلَى الْوَاحِدِ فَلَوْ كَانُوا ثَلَاثَةً وَوَقَعَ لَهُمُ الْخَوْفُ جَازَ لِأَحَدِهِمْ أَنْ يُصَلِّيَ بِوَاحِدٍ وَيَحْرُسَ وَاحِدٌ ثُمَّ يُصَلِّي الْأُخَرُ وَهُوَ أَقَلُّ مَا يُتَصَوَّرُ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ جَمَاعَةً انْتَهَى
وَالْحَدِيثُ فِيهِ أَنَّ مِنْ صِفَةِ صَلَاةِ الْخَوْفِ أَنْ يُصَلِّيَ الْإِمَامُ بِطَائِفَةٍ مِنَ الْجَيْشِ رَكْعَةً وَالطَّائِفَةُ الْأُخْرَى قَائِمَةٌ تُجَاهَ الْعَدُوِّ ثُمَّ تَنْصَرِفُ الطَّائِفَةُ الَّتِي صَلَّتْ مَعَهُ الرَّكْعَةَ وَتَقُومُ تُجَاهَ الْعَدُوِّ وَتَأْتِي الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى فَتُصَلِّي مَعَهُ رَكْعَةً ثُمَّ تَقْضِي كُلُّ طَائِفَةٍ لِنَفْسِهَا رَكْعَةً
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ ثُمَّ قَامَ هَؤُلَاءِ فَقَضَوْا رَكْعَتَهُمْ وَقَامَ هَؤُلَاءِ فَقَضَوْا رَكْعَتَهُمْ أَنَّهُمْ أَتَمُّوا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُمْ أَتَمُّوا عَلَى التَّعَاقُبِ
قَالَ وَهُوَ الرَّاجِحُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى وَإِلَّا فَيَسْتَلْزِمُ تَضْيِيعَ الْحِرَاسَةِ الْمَطْلُوبَةِ وَإِفْرَادَ الإمام وحده ويرجحه حديث بن مَسْعُودٍ الْآتِي انْتَهَى مُخْتَصَرًا
قَالَ النَّوَوِيُّ وَبِحَدِيثِ بن عُمَرَ أَخَذَ الْأَوْزَاعِيُّ وَالْأَشْهَبُ الْمَالِكِيُّ وَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ ثُمَّ قِيلَ إِنَّ الطَّائِفَتَيْنِ قَضَوْا رَكْعَتَهُمُ الْبَاقِيَةَ مَعًا وَقِيلَ مُتَفَرِّقِينَ وَهُوَ الصَّحِيحُ وبحديث بن أَبِي حَثْمَةَ أَخَذَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وغيرهم انتهى وقد رجح بن عَبْدِ الْبَرِّ هَذِهِ الْكَيْفِيَّةَ الْوَارِدَةَ فِي حَدِيثِ بن عُمَرَ عَلَى غَيْرِهَا لِقُوَّةِ الْإِسْنَادِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ (وَكَذَلِكَ رَوَاهُ نافع) حديث نافع عند مسلم والنسائي وبن أَبِي شَيْبَةَ وَالطَّحَاوِيِّ وَالدَّارَقُطْنِيِّ (وَكَذَلِكَ قَوْلُ مَسْرُوقٍ) أخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ بِلَفْظِ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ مُغِيرَةَ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ أَنَّهُ قَالَ صَلَاةُ الْخَوْفِ يَقُومُ الْإِمَامُ وَيَصُفُّونَ خَلْفَهُ(4/84)
صَفَّيْنِ ثُمَّ يَرْكَعُ الْإِمَامُ فَيَرْكَعُ الَّذِينَ يَلُونَهُ ثُمَّ يَسْجُدُ بِالَّذِينَ يَلُونَهُ فَإِذَا قَامَ تَأَخَّرَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَلُونَهُ وَجَاءَ الْآخَرُونَ فَقَامُوا مَقَامَهُمْ فَرَكَعَ بِهِمْ وَسَجَدَ بِهِمْ وَالْآخَرُونَ قِيَامٌ ثُمَّ يَقُومُونَ فَيَقْضُونَ رَكْعَةً رَكْعَةً فَيَكُونُ لِلْإِمَامِ رَكْعَتَانِ في جماعة ويكون للقوم رَكْعَةً رَكْعَةً فِي جَمَاعَةٍ وَيَقْضُونَ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ كذلك روى (يوسف بن مهران عن بن عباس) قال بن أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مِهْرَانَ
عن بن عَبَّاسٍ مِثْلَ ذَلِكَ أَيْ مِثْلَ قَوْلِ مَسْرُوقٍ (وَكَذَلِكَ رَوَى يُونُسُ عَنِ الْحَسَنِ إِلَخْ) قَالَ بن أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى عَنْ يُونُسَ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ أَبَا مُوسَى صَلَّى بِأَصْحَابِهِ بِأَصْبَهَانَ فَصَلَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَهُ وَطَائِفَةٌ مُوَاجِهَةُ الْعَدُوِّ فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَةً ثُمَّ نَكَصُوا وَأَقْبَلَ الْآخَرُونَ يَتَخَلَّلُونَهُمْ فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَةً ثُمَّ سَلَّمَ وَقَامَتِ الطَّائِفَتَانِ فَصَلَّتَا رَكْعَةً
7 - (بَاب مَنْ قَالَ يصلي إلخ)
[1244] (أخبرنا خصيف) هو بن عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْحَضْرَمِيُّ بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ الْأُولَى ضَعَّفَهُ أحمد وقال البيهقي ليس بالقوى ووثقه بن مَعِينٍ وَأَبُو زُرْعَةَ وَقَالَ النَّسَائِيُّ صَالِحٌ (عَنْ أبي عبيدة) هو بن مَسْعُودٍ اسْمُهُ عَامِرٌ
قَالَ عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ سَأَلْتُهُ هَلْ تَذْكُرُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ شَيْئًا قَالَ لَا يَعْنِي لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ
كَذَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ لَكِنْ قَالَ الْعَيْنِيُّ قَالَ أَبُو دَاوُدَ كَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ يَوْمَ مات أبوه بن سبع سنين مميز وبن سَبْعِ سِنِينَ يَحْتَمِلُ السَّمَاعَ انْتَهَى
(ثُمَّ سَلَّمَ) النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَقَامَ هَؤُلَاءِ) أَيِ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ (ثُمَّ سَلَّمُوا) قَالَ الْحَافِظُ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الطَّائِفَةَ الثَّانِيَةَ وَالَتْ بَيْنَ رَكْعَتَيْهَا ثُمَّ أَتَمَّتِ الطَّائِفَةُ الْأُولَى بَعْدَهَا(4/85)
[1245] (رَوَاهُ الثَّوْرِيُّ بِهَذَا الْمَعْنَى) أَخْرَجَ الطَّحَاوِيُّ مِنْ طَرِيقِ قَبِيصَةَ وَمُؤَمِّلٍ قَالَا حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ خُصَيْفٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الْخَوْفِ فِي بَعْضِ أَيَّامِهِ فَصَفَّ صَفًّا خَلْفَهُ وَصَفًّا مُوَازِيَ الْعَدُوِّ وَكُلُّهُمْ فِي صَلَاةٍ فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَةً ثُمَّ ذَهَبَ هَؤُلَاءِ إِلَى مَصَافِّ هَؤُلَاءِ وَجَاءَ هَؤُلَاءِ إِلَى مَصَافِّ هَؤُلَاءِ فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَةً ثُمَّ قَضَوْا رَكْعَةً رَكْعَةً ثُمَّ ذَهَبَ هَؤُلَاءِ إِلَى مَصَافِّ هَؤُلَاءِ وَجَاءَ هَؤُلَاءِ إِلَى مَصَافِّ هَؤُلَاءِ فَقَضَوْا رَكْعَةً انْتَهَى
وَمُرَادُ الْمُؤَلِّفِ أَنَّ فِي رِوَايَةِ شَرِيكٍ عَنْ خُصَيْفٍ فَكَبَّرَ الصَّفَّانِ جَمِيعًا وَلَيْسَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ عَنْ خُصَيْفٍ لَكِنْ رَوَاهُ الثَّوْرِيُّ بِمَعْنَى رِوَايَةِ شَرِيكٍ فَقَالَ الثَّوْرِيُّ فِي رِوَايَتِهِ وَكُلُّهُمْ فِي صَلَاةٍ كَمَا سَلَفَ (وَصَلَّى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَمُرَةَ) صَحَابِيٌّ أَسْلَمَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَافْتَتَحَ سِجِسْتَانَ وَكَابُلَ (هكذا) أي كما ذكر في حديث بن مَسْعُودٍ (إِلَّا أَنَّ الطَّائِفَةَ الَّتِي صَلَّى بِهِمْ رَكْعَةً) وَهِيَ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ الَّتِي دَخَلَتْ مَعَ الْإِمَامِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ (ثُمَّ سَلَّمَ) الْإِمَامُ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ (مَضَوْا) خَبَرُ أَنَّ (وَجَاءَ هَؤُلَاءِ) وَهِيَ الطَّائِفَةُ الْأُولَى الَّتِي صَلَّتْ مَعَ الْإِمَامِ الرَّكْعَةَ الْأُولَى (ثُمَّ رَجَعُوا) أَيِ الطَّائِفَةُ الْأُولَى (إِلَى مَقَامِ أُولَئِكَ) أَيِ الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ (فَصَلَّوْا) أَيِ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ رَكْعَتَهُمُ الْبَاقِيَةَ
والفرق بين رواية بن مَسْعُودٍ وَأَثَرِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ أَنَّ في حديث بن مَسْعُودٍ أَنَّ الطَّائِفَةَ الثَّانِيَةَ وَالَتْ بَيْنَ رَكْعَتَيْهَا ثُمَّ أَتَمَّتِ الطَّائِفَةُ الْأُولَى بَعْدَهَا وَفِي فِعْلِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ الطَّائِفَةَ الثَّانِيَةَ أَتَمَّتْ رَكْعَتَهُمُ الْبَاقِيَةَ بَعْدَ إِتْمَامِ الطَّائِفَةِ الْأُولَى رَكْعَتَهُمُ الثَّانِيَةَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (أَخْبَرَنِي أَبِي) هُوَ حَبِيبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَزْدِيُّ (كَابُلَ) بِضَمِّ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَيُقَالُ كَابُلِسْتَانُ وَهِيَ بَيْنَ الْهِنْدِ وَسِجِسْتَانَ فِي ظَهْرِ الْغَوْرِ وَبِهِ زَعْفَرَانٌ وَعُودٌ وَأَهْلِيلَجُ كَذَا في المراصد(4/86)
18 - (بَابُ مَنْ قَالَ يُصَلِّي [1246] الْإِمَامُ)
(وَلَا يَقْضُونَ) مِنْ خَلْفِهِ رَكْعَةً أُخْرَى
(بِطَبَرِسْتَانَ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَثَانِيهِ وَكَسْرِ الرَّاءِ بِلَادٌ وَاسِعَةٌ وَمُدُنٌ كَثِيرَةٌ يَشْتَمِلُهَا هَذَا الِاسْمُ يَغْلِبُ عَلَيْهَا الْجِبَالُ وَهِيَ تُسَمَّى بِمَازِنْدِرَانَ كَذَا فِي الْمَرَاصِدِ (وَلَمْ يَقْضُوا) وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُؤَلِّفُ وَالْمُنْذِرِيُّ وَرِجَالُ إِسْنَادِهِ رِجَالُ الصَّحِيحِ
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مِنْ صِفَةِ صَلَاةِ الْخَوْفِ الِاقْتِصَارُ عَلَى رَكْعَةٍ لِكُلِّ طَائِفَةٍ
قَالَ الْحَافِظُ وَبِالِاقْتِصَارِ عَلَى رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ فِي الْخَوْفِ يَقُولُ الثَّوْرِيُّ وَإِسْحَاقُ وَمَنْ تَبِعَهُمَا وَقَالَ بِهِ أَبُو هُرَيْرَةَ وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ التَّابِعِينَ وَمِنْهُمْ مَنْ قَيَّدَ بِشِدَّةِ الْخَوْفِ
وَقَالَ الْجُمْهُورُ قَصْرُ الْخَوْفِ قَصْرُ هَيْئَةٍ لَا قَصْرُ عَدَدٍ وَتَأَوَّلُوا هَذَا الْحَدِيثَ وَأَشْبَاهَهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا رَكْعَةٌ مَعَ الْإِمَامِ وَلَيْسَ فِيهَا نَفْيُ الثَّانِيَةِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ قَوْلَهُ وَلَمْ يَقْضُوا وَكَذَا بَعْضُ الرِّوَايَاتِ الْآتِيَةِ يَرُدُّ ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (وَكَذَا رَوَاهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بن عبد الله) عن بن عَبَّاسٍ وَحَدِيثُهُ عِنْدَ النَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الْجَهْمِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ وَلَمْ يقضوا وأخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي الْجَهْمِ نَحْوَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ هَذِهِ الْجُمْلَةَ أَيْ ولم يقضوا (ومجاهد عن بن عباس) وسيجيء هذا الحديث كَذَا رَوَاهُ (عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَقِيقٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) وَحَدِيثُهُ عِنْدَ النَّسَائِيِّ بِلَفْظِ تَكُونُ لَهُمْ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَةٌ رَكْعَةٌ وَلِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَانِ (وَيَزِيدُ الْفَقِيرُ) حَدِيثَ يَزِيدَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمَسْعُودِيِّ عَنْهُ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا(4/87)
عِنْدَ النَّسَائِيِّ بِلَفْظِ فَصَلَّى بِالَّذِينَ خَلْفَهُ رَكْعَةً وَسَجَدَ بِهِمْ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ إِنَّهُمُ انْطَلَقُوا وَجَاءَتْ تِلْكَ الطَّائِفَةُ فَصَلَّى بِهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَةً وَسَجَدَ بِهِمْ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَلَّمَ فَسَلَّمَ الَّذِينَ خَلْفَهُ وَسَلَّمَ أُولَئِكَ انتهى مختصرا
وأخرج بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ حَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيُّ وَمِسْعَرٌ عَنْ يَزِيدَ الْفَقِيرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ صَلَاةُ الْخَوْفِ رَكْعَةٌ رَكْعَةٌ (وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ عَنْ شُعْبَةَ) عَنِ الْحَكَمِ عَنْ يَزِيدَ الْفَقِيرِ (أَنَّهُمْ قَضَوْا رَكْعَةً أُخْرَى) أَخْرَجَ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ حَجَّاجِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ يَزِيدَ الْفَقِيرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بِلَفْظِ فَكَانَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَانِ وَلَهُمْ ركعة وكذا عند بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ غُنْدَرٍ عَنْ شُعْبَةَ نَحْوُهُ وَلَيْسَ عِنْدَهُمَا هَذَا اللَّفْظُ أَيْ أَنَّهُمْ قَضَوْا رَكْعَةً أُخْرَى (وَكَذَلِكَ) أَيْ كَمَا رَوَى هَؤُلَاءِ (رَوَاهُ سِمَاكٌ الْحَنَفِيُّ) هُوَ سِمَاكُ بْنُ الْوَلِيدِ الْيَمَامِيُّ ثُمَّ الْكُوفِيُّ (وَكَذَلِكَ رَوَاهُ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ) أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ صلاة حذيفة
وأخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ
وَأَخْرَجَ الطَّحَاوِيُّ بِلَفْظِ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الْخَوْفِ فَصَفَّ صَفًّا خَلْفَهُ وَصَفًّا مُوَازِيَ الْعَدُوِّ فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَةً ثُمَّ ذَهَبَ هَؤُلَاءِ إِلَى مَصَافِّ هَؤُلَاءِ وَجَاءَ هَؤُلَاءِ إِلَى مَصَافِّ هَؤُلَاءِ فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَةً ثُمَّ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ وَفِي لَفْظٍ لَهُ فَكَانَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَانِ وَلِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَةٌ رَكْعَةٌ
[1247] (بُكَيْرِ بْنِ الْأَخْنَسِ) الْكُوفِيِّ رَوَى عَنْهُ أَشْعَثُ وَالْأَعْمَشُ وَأَبُو عوانة
قال بن مَعِينٍ وَأَبُو زُرْعَةَ وَأَبُو حَاتِمٍ وَالنَّسَائِيُّ ثِقَةٌ وَأَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ (وَفِي الْخَوْفِ رَكْعَةً) قَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ قَدْ عَمِلَ بِظَاهِرِهِ طَائِفَةٌ مِنَ السَّلَفِ مِنْهُمُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالضَّحَّاكُ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَالْجُمْهُورُ إِنَّ صَلَاةَ الْخَوْفِ كَصَلَاةِ الْأَمْنِ فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ فَإِنْ كَانَتْ فِي الْحَضَرِ وَجَبَ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ وَإِنْ كَانَتْ فِي السَّفَرِ وَجَبَ رَكْعَتَانِ وَلَا يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ فِي حَالٍ من الأحوال وتأولوا حديث بن عَبَّاسٍ هَذَا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ رَكْعَةٌ مَعَ الْإِمَامِ وَرَكْعَةٌ أُخْرَى يَأْتِي بِهَا مُنْفَرِدًا كَمَا جاءت(4/88)
الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ فِي صَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ فِي الْخَوْفِ وَهَذَا التَّأْوِيلُ لَا بُدَّ مِنْهُ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ انْتَهَى
قَالَ السِّنْدِيُّ قُلْتُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ وُجُوبِ وَاحِدَةٍ وَالْعَمَلِ بِاثْنَتَيْنِ حَتَّى يُحْتَاجَ إِلَى التَّأْوِيلِ لِلتَّوْفِيقِ لِجَوَازِ أَنَّهُمْ عَمِلُوا بِالْأَحَبِّ وَالْأَوْلَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وبن ماجه
9 - (باب من قال إلخ)
[1248] (فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَالْحَدِيثُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مِنْ صِفَاتِ صَلَاةِ الْخَوْفِ أَنْ يُصَلِّيَ
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه اللَّه وَحَدِيث أَبِي بَكْرَة هَذَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْهُ فَقَالَ فِيهِ إِنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِالْقَوْمِ صَلَاة الْمَغْرِب ثَلَاث رَكَعَات ثُمَّ اِنْصَرَفَ وَجَاءَ الْآخَرُونَ فَصَلَّى بِهِمْ ثَلَاث رَكَعَات وَكَانَ لَهُ سِتّ رَكَعَات وَلِلْقَوْمِ ثلاث ركعات قال بن الْقَطَّانِ وَعِنْدِي أَنَّ الْحَدِيثَيْنِ غَيْر مُتَّصِلَيْنِ فَإِنَّ أَبَا بَكْرَة لَمْ يُصَلِّ مَعَهُ صَلَاة الْخَوْف لِأَنَّهُ بِلَا رَيْب أَسْلَمَ فِي حِصَار الطَّائِف فَتَدَلَّى بِبَكْرَةِ مِنْ الْحِصْن فَسُمِّيَ أَبَا بَكْرَة وَهَذَا كَانَ بَعْد فَرَاغه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ هَوَازِن ثُمَّ لَمْ يَلْقَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْدًا إِلَى أَنْ قَبَضَهُ اللَّه
وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ لَا رَيْب فِيهِ لَكِنَّ مِثْل هَذَا لَيْسَ بِعِلَّةٍ وَلَا اِنْقِطَاع عِنْد جَمِيع أَئِمَّة الْحَدِيث وَالْفِقْه فَإِنَّ أَبَا بكرة وإن لَمْ يَشْهَد الْقِصَّة فَإِنَّهُ سَمِعَهَا مِنْ صَحَابِيّ غَيْره وَقَدْ اِتَّفَقَتْ الْأُمَّة عَلَى قَبُول رِوَايَة بن عَبَّاس وَنُظَرَائِهِ مِنْ الصَّحَابَة مَعَ أَنَّ عَامَّتهَا مُرْسَلَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُنَازِع فِي ذَلِكَ اِثْنَانِ مِنْ السَّلَف وَأَهْل الْحَدِيث وَالْفُقَهَاء
فَالتَّعْلِيل عَلَى هَذَا بَاطِل والله أعلم(4/89)
الْإِمَامُ بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ فَيَكُونُ مُفْتَرِضًا فِي رَكْعَتَيْنِ وَمُتَنَفِّلًا فِي رَكْعَتَيْنِ
قَالَ النَّوَوِيُّ وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَحَكَوْهُ عَنِ الْحَسَنِ وَادَّعَى الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ وَلَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُ إِذْ لَا دَلِيلَ لِنَسْخِهِ انْتَهَى
وَقَالَ السِّنْدِيُّ فِيهِ اقْتِدَاءُ المفترض بالمتنقل قَطْعًا وَلَمْ أَرَ لَهُمْ عَنْهُ جَوَابًا شَافِيًا انْتَهَى (وَكَذَلِكَ فِي الْمَغْرِبِ) وَهُوَ قِيَاسٌ صَحِيحٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ أَبِي دَاوُدَ وَلَكِنْ أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ بُكَيْرٍ عَنْ أَبِي دَاوُدَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاذٍ نَحْوَهُ سَنَدًا وَمَتْنًا وَفِيهِ كَذَلِكَ فِي الْمَغْرِبِ إِلَى آخِرِ الْقَوْلِ ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَهَذَا أَظُنُّهُ مِنْ قَوْلِ الْأَشْعَثِ
وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقِ عُمَرَ وَالْبَكْرَاوِيِّ حَدَّثَنَا أَشْعَثُ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِالْقَوْمِ صَلَاةَ الْمَغْرِبِ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ ثُمَّ انْصَرَفَ وَجَاءَ الْآخَرُونَ فَصَلَّى بِهِمْ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ فَكَانَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتُّ رَكَعَاتٍ وَلِلْقَوْمِ ثَلَاثٌ ثَلَاثٌ
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ وَرَوَاهُ عُمَرُ وَالْبَكْرَاوِيُّ عَنْ أَشْعَثَ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَغْرِبِ وَهُوَ وَهْمٌ وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ أَيْ قَوْلُ أَشْعَثَ (وَكَذَلِكَ رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ) يَعْنِي فِي غَيْرِ الْمَغْرِبِ وَحَدِيثُهُ عِنْدَ مُسْلِمٍ بِلَفْظِ فَصَلَّى بِطَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ تَأَخَّرُوا فَصَلَّى بِالطَّائِفَةِ الْأُخْرَى رَكْعَتَيْنِ قَالَ فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَلِلْقَوْمِ رَكْعَتَانِ (وَكَذَلِكَ) أَيْ كَمَا رَوَاهُ أَبُو سَلَمَةَ عَنْ جَابِرٍ رَوَاهُ سُلَيْمَانُ الْيَشْكُرِيُّ أَيْضًا وَهَكَذَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَفِي حَدِيثِ هَؤُلَاءِ كُلِّهِمْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِالْقَوْمِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ صَلَّى بِالْقَوْمِ الْآخَرِينَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ فَكَانَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَلِهَؤُلَاءِ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ حَدِيثُ أَبِي بَكْرَةَ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ انْتَهَى
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ قال الحافظ بن عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ رُوِيَ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وُجُوهٌ كَثِيرَةٌ فَذَكَرَ مِنْهَا سِتَّةَ أَوْجُهٍ الْأَوَّلُ ما دل عليه حديث بن عُمَرَ قَالَ بِهِ مِنَ الْأَئِمَّةِ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَشْهَبُ
قَالَ الْعَيْنِيُّ وَقَالَ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ
قال بن عَبْدِ الْبَرِّ الثَّانِي حَدِيثُ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ قَالَ بِهِ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ
الثَّالِثُ حَدِيثُ بن مَسْعُودٍ قَالَ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ إِلَّا أَبَا يُوسُفَ
الرَّابِعُ حَدِيثُ أَبِي عَيَّاشٍ الزُّرَقِيِّ قال به بن أَبِي لَيْلَى وَالثَّوْرِيُّ
الْخَامِسُ حَدِيثُ حُذَيْفَةَ قَالَ بِهِ الثَّوْرِيُّ فِي مُجِيزِهِ وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ جماعة من الصحابة منهم حذيفة وبن عَبَّاسٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
السَّادِسُ حَدِيثُ أَبِي بَكْرَةَ(4/90)
أَنَّهُ صَلَّى بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ وَكَانَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ يُفْتِي بِهِ وَقَدْ حَكَى الْمُزَنِيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَوْ صَلَّى فِي الْخَوْفِ بِطَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ فَصَلَّى بِالطَّائِفَةِ الْأُخْرَى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ كَانَ جَائِزًا قَالَ وَهَكَذَا صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَطْنِ نَخْلٍ
قال بن عَبْدِ الْبَرِّ وَرُوِيَ أَنَّ صَلَاتَهُ هَكَذَا كَانَتْ يَوْمَ ذَاتِ الرِّقَاعِ وَذَكَرَ أَبُو دَاوُدَ فِي سننه لصلاة الخوف ثمانية صور وذكرها بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ تِسْعَةَ أَنْوَاعٍ وَذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الْإِكْمَالِ لِصَلَاةِ الْخَوْفِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ وجها وذكر النووي أنها تَبْلُغُ سِتَّةَ عَشَرَ وَجْهًا وَلَمْ يُبَيِّنْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ
وَقَالَ الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ قَدْ جُمِعَتْ طُرُقُ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ فَبَلَغَتْ سَبْعَةَ عَشَرَ وَجْهًا وَبَيَّنَهَا لكن يمكن التداخل في بعضها
وحكى بن الْقَصَّارِ الْمَالِكِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم صلاها عشر مرات وقال بن الْعَرَبِيِّ صَلَّاهَا أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ مَرَّةً وَبَيَّنَ الْقَاضِي عِيَاضٌ تِلْكَ الْمَوَاطِنَ وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِيهِ
كَذَا في عمدة القارىء مُخْتَصَرًا
وَفِي التَّخْلِيصِ رُوِيَتْ صَلَاةُ الْخَوْفِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَرْبَعَةَ عشر نوعا ذكرها بن حَزْمٍ فِي جُزْءٍ مُفْرَدٍ وَبَعْضُهَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَمُعْظَمُهَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ
وَذَكَرَ الحاكم منها ثمانية أنواع وبن حِبَّانَ تِسْعَةَ أَنْوَاعٍ وَقَالَ لَيْسَ بَيْنَهَا تَضَادٌّ وَلَكِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى صَلَاةَ الْخَوْفِ مِرَارًا وَالْمَرْءُ مُبَاحٌ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ مَا شَاءَ عِنْدَ الْخَوْفِ مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ وهي من الاختلاف المباح
ونقل بن الْجَوْزِيِّ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ مَا أَعْلَمُ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثًا إِلَّا صَحِيحًا انْتَهَى
هَذَا كُلُّهُ مُلَخَّصًا عَنْ غَايَةِ الْمَقْصُودِ
0 - (بَابُ صلاة الطالب)
[1249] (عن بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ هَذَا هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ جَاءَ ذَلِكَ مُبَيَّنًا مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ الْحَرَّانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ انْتَهَى
وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْمُنْذِرِيُّ وَحَسَّنَ إِسْنَادَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَالْحَدِيثُ اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ الصَّلَاةِ عِنْدَ شِدَّةِ الْخَوْفِ بِالْإِيمَاءِ وَهَذَا الِاسْتِدْلَالٌ صَحِيحٌ لَا شَكَّ فِيهِ لِأنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُنَيْسٍ فَعَلَ ذَلِكَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَلِكَ زَمَانَ نُزُولِ الْوَحْيِ وَمُحَالٌ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ وَفِعْلُ الصَّحَابِيِّ أَيْضًا حُجَّةٌ مَا لَمْ يُعَارِضْهُ حديث مرفوع
كذا في الغاية
قال بن الْمُنْذِرِ كُلُّ مَنْ أَحْفَظُ عَنْهُ الْعِلْمَ يَقُولُ أن المطلوب يصلي على دابته يؤمى إِيمَاءً وَإِنْ كَانَ طَالِبًا نَزَلَ فَصَلَّى بِالْأَرْضِ
قَالَ الشَّافِعِيُّ إِلَّا أَنْ يَنْقَطِعَ عَنْ أَصْحَابِهِ فَيَخَافَ عَوْدَ الْمَطْلُوبِ عَلَيْهِ فَيُجْزِئُهُ ذَلِكَ(4/91)
وَعُرِفَ بِهَذَا أَنَّ الطَّالِبَ فِيهِ التَّفْصِيلُ بِخِلَافِ الْمَطْلُوبِ وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ شِدَّةَ الْخَوْفِ فِي الْمَطْلُوبِ ظَاهِرَةٌ لِتَحَقُّقِ السَّبَبِ الْمُقْتَضِي لَهَا وَأَمَّا الطَّالِبُ فَلَا يَخَافُ اسْتِيلَاءَ الْعَدُوِّ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يَخَافُ أَنْ يَفُوتَهُ الْعَدُوُّ
قَالَ فِي الْفَتْحِ وما نقله بن الْمُنْذِرِ مُتَعَقَّبٌ بِكَلَامِ الْأَوْزَاعِيِّ فَإِنَّهُ قَيَّدَهُ بِشِدَّةِ الْخَوْفِ وَلَمْ يَسْتَثْنِ طَالِبًا مِنْ مَطْلُوبٍ وَبِهِ قال بن حَبِيبٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَذَكَرَ أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ فِي كِتَابِ السُّنَنِ لَهُ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ قَالَ إِذَا خَافَ الطَّالِبُونَ إِنْ نَزَلُوا الْأَرْضَ فَوْتَ الْعَدُوِّ وَصَلُّوا حَيْثُ وُجِّهُوا عَلَى كُلِّ حَالٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَرْجِعَ هَذَا الْخِلَافِ إِلَى الْخَوْفِ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ فَمَنْ قَيَّدَهُ بِالْخَوْفِ عَلَى النَّفْسِ وَالْمَالِ مِنَ الْعَدُوِّ فَرَّقَ بَيْنَ الطَّالِبِ وَالْمَطْلُوبِ وَمَنْ جَعَلَهُ أَعَمَّ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا وَجَوَّزَ الصَّلَاةَ الْمَذْكُورَةَ لِلرَّاجِلِ وَالرَّاكِبِ عِنْدَ حُصُولِ أَيِّ خَوْفٍ قَالَهُ فِي شرح المنتقي
وقال في عمدة القارىء وَمَذَاهِبُ الْفُقَهَاءِ فِي هَذَا الْبَابِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إِذَا كَانَ الرَّجُلُ مَطْلُوبًا فَلَا بَأْسَ بِصَلَاتِهِ سَائِرًا وَإِنْ كَانَ طَالِبًا فَلَا وَقَالَ مَالِكٌ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ هُمَا سَوَاءٌ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُصَلِّي عَلَى دَابَّتِهِ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ فِي آخَرِينَ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ وَالْحَسَنِ وَالثَّوْرِيِّ وَأَحْمَدَ وَأَبِي ثَوْرٍ
وَعَنِ الشَّافِعِيِّ إِنْ خَافَ الطَّالِبُ فَوْتَ الْمَطْلُوبِ أَوْمَأَ وَإِلَّا فَلَا انْتَهَى (عُرَنَةَ) بِضَمِّ الْعَيْنِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَالنُّونِ وَادٍ بِحِذَاءِ عَرَفَاتٍ (فَاقْتُلْهُ) أَيْ خَالِدَ بْنَ سُفْيَانَ (أَنْ يَكُونَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ) أَيْ خَالِدٍ (مَا) مَوْصُولَةٌ أَيِ الْقِتَالُ والحرب أو الكيد والمكر (أن أوخر الصَّلَاةَ) وَلَفْظُ أَحْمَدَ أَنْ يَكُونَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ مَا يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ (نَحْوَهُ) أَيْ نَحْوَ عُرَنَةَ فَكَانَ الِاسْتِقْبَالُ إِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ (قَالَ) خَالِدٌ (إِنَّكَ تَجْمَعُ) الْعَسَاكِرَ (لِهَذَا الرَّجُلِ) أَيْ لِقِتَالِهِ يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فِي ذَاكَ) الْأَمْرِ
وَهَذَا الْكَلَامُ ذُو الْمَعْنَيَيْنِ وَلَقَدْ صَدَقَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٍ فِيمَا عَنَى بِهِ وَمَا اطَّلَعَ عَدُوُّ اللَّهِ خَالِدٌ عَلَى هَذِهِ التَّوْرِيَةِ (لَفِي ذَاكَ) أَيْ فِي جَمْعِ الْعَسَاكِرِ (فَمَشَيْتُ مَعَهُ سَاعَةً) لِأَجْلِ التَّمْكِينِ وَالْقُدْرَةِ عَلَيْهِ (حَتَّى إِذَا أَمْكَنَنِي) أَيْ سَهُلَ وَتَيَسَّرَ لِي أَمْرُ الْمُخَادَعَةِ (حَتَّى بَرَدَ) أَيْ مَاتَ(4/92)
(كتاب التطوع وركعات السنة)
باب [1250] (عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ) وَهِيَ أُخْتُ مُعَاوِيَةَ زَوْجَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ثِنْتَيْ عَشْرَةَ) بِسُكُونِ الشِّينِ وَتُكْسَرُ (رَكْعَةً) بِسُكُونِ الْكَافِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ ذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ مِنَ الْوَاضِحَاتِ لِأَنَّهَا عَلَى أَلْسِنَةِ كَثِيرٍ مِنَ الْعَوَامِّ تَجْرِي بِفَتْحِهَا لِكَوْنِ جَمْعِهَا كَذَلِكَ (بُنِيَ لَهُ بِهِنَّ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ) مُشْتَمِلٌ عَلَى أَنْوَاعٍ مِنَ النِّعْمَةِ
قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وبن مَاجَهْ
[1251] (كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ) فِيهِ اسْتِحْبَابُ النَّوَافِلِ الرَّاتِبَةِ فِي الْبَيْتِ كَمَا يُسْتَحَبُّ فِيهِ غَيْرُهَا وَسَوَاءٌ فِيهِ رَاتِبَةُ فَرَائِضِ النَّهَارِ وَاللَّيْلِ
وَقَالَ مَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ الْأَفْضَلُ فِعْلُ نَوَافِلِ النَّهَارِ الرَّاتِبَةِ فِي الْمَسْجِدِ وَرَاتِبَةِ اللَّيْلِ فِي الْبَيْتِ
قُلْتُ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى سُنَّةَ الصُّبْحِ وَالْجُمُعَةِ فِي بَيْتِهِ وَهُمَا صَلَاتَا نَهَارٍ مَعَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ صَلَاةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا الْمَكْتُوبَةَ وَهَذَا عَامٌّ صَحِيحٌ صَرِيحٌ لَا مُعَارِضَ لَهُ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ الْعُدُولُ عَنْهُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (فَإِذَا(4/93)
قَرَأَ وَهُوَ قَائِمٌ رَكَعَ وَسَجَدَ) أَيْ يَنْتَقِلُ مِنَ الْقِيَامِ وَكَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ رَكَعَ وَسَجَدَ وَهُوَ قَاعِدٌ لَكِنْ هَذَا فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ وَفِي بَعْضِهَا يَنْتَقِلُ مِنَ الْقُعُودِ إِلَى الْقِيَامِ وَيَقْرَأُ بَعْضَ الْقِرَاءَةِ ثُمَّ يَنْتَقِلُ مِنَ الْقِيَامِ إِلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَلَمْ يُرْوَ عَكْسُ ذَلِكَ فَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ قَائِمًا فِي كُلِّهَا وَقَاعِدًا فِي بَعْضِهَا ثُمَّ قَائِمًا انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ مُخْتَصَرًا وَمُطَوَّلًا
[1252] (كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ رَكْعَتَيْنِ) وَالتَّثْنِيَةُ لَا تُنَافِي الْجَمْعَ وَبِهِ يَحْصُلُ الْجَمْعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ لَا يَدَعُ أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ (فِي بَيْتِهِ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ قَيَّدَ لِلْأَخِيرَةِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ
[1253] (كَانَ لَا يَدْعُ) أَيْ لَا يَتْرُكُ (أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ) وَهِيَ سُنَّةُ الظُّهْرِ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا فِي الْأَكْثَرِ وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ أَيْضًا وَالرَّاجِحُ هُوَ الْأَرْبَعُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وأخرجه البخاري والنسائي(4/94)
2 - (بَابُ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ)
[1254] (لَمْ يَكُنْ عَلَى شَيْءٍ) أَيْ عَلَى مُحَافَظَةِ شَيْءٍ (مِنَ النَّوَافِلِ) أَيِ الزَّوَائِدِ عَلَى الْفَرَائِضِ مِنَ السُّنَنِ (أَشَدَّ) خَبَرُ لَمْ يَكُنْ (مُعَاهَدَةً) أَيْ مُحَافَظَةً وَمُدَاوَمَةً (مِنْهُ) أَيْ مِنْ تُعَاهُدِهِ عَلَى السَّلَامِ (عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الصُّبْحِ) قَالَ الطِّيبِيُّ قَوْلُهَا عَلَى مُتَعَلِّقَةٌ بمعاهدة ويجوز تقديم معمول التمييز عَلَيْهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ خَبَرَ لَمْ يَكُنْ عَلَى شَيْءٍ أَيْ لَمْ يَكُنْ يَتَعَاهَدُ عَلَى شَيْءٍ مِنَ النَّوَافِلِ وَأَشَدُّ مُعَاهَدَةً حَالٌ أَوْ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ عَلَى تَأْوِيلِ أَنْ يَكُونَ الْمُعَاهَدُ مُتَعَاهِدًا كقوله أو أشد خشية قاله علي القارىء
وَالْحَدِيثُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى عِظَمِ فَضْلِهِمَا وَأَنَّهُمَا أَقْوَى وَأَوْكَدُ السُّنَنِ الرَّوَاتِبِ وَالْمُحَافَظَةُ عَلَيْهِمَا أَشَدُّ مِنْ غَيْرِهِمَا
وَاسْتَدَلَّ بِهِ لِمَنْ قَالَ بِالْوُجُوبِ وَهُوَ الْمَنْقُولُ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَنَقَلَ أَبُو غَسَّانَ مِثْلَهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
(بَاب فِي تَخْفِيفِهِمَا)
[1255] (حَتَّى إِنِّي لَأَقُولُ) لَيْسَ الْمَعْنَى أَنَّهَا شَكَّتْ فِي قِرَاءَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفَاتِحَةِ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنَّهُ كَانَ يُطِيلُ فِي النَّوَافِلِ وَيُرَتِّلُ فَلَمَّا خَفَّفَ فِي قِرَاءَةِ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ صَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَقْرَأْ بِالنِّسْبَةِ إِلَى غَيْرِهَا
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ ومسلم والنسائي(4/95)
[1256] (قَرَأَ فِي رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ) فِيهِ دَلِيلٌ لِمَذْهَبِ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُقْرَأَ فِيهِمَا بَعْدَ الْفَاتِحَةِ سُورَةٌ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ هَاتَانِ السُّورَتَانِ أَوِ الْآيَتَانِ الْمَذْكُورَتَانِ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى
وَقَالَ مَالِكٌ وَجُمْهُورُ أَصْحَابِهِ لَا يَقْرَأُ غَيْرَ الْفَاتِحَةِ
وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ لَا يَقْرَأُ شَيْئًا وَكِلَاهُمَا خِلَافُ هَذِهِ السُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ الَّتِي لَا مُعَارِضَ لها
قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي وبن مَاجَهْ
[1257] (لِيُؤْذِنَهُ) مِنَ الْإِيذَانِ بِمَعْنَى الْإِعْلَامِ (حَتَّى فَضَحَهُ الصُّبْحُ) بِالْفَاءِ وَالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ دَهَمَتْهُ فَضْحَةُ الصُّبْحِ وَهِيَ بَيَاضُهُ وَالْأَفْضَحُ الْأَبْيَضُ لَيْسَ بِشَدِيدِ الْبَيَاضِ وَقِيلَ فَضَحَهُ أَيْ كَشَفَهُ وَبَيَّنَهُ لِلْأَعْيُنِ بِضَوْئِهِ وَيُرْوَى بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ بِمَعْنَاهُ وَقِيلَ مَعْنَاهُ لَمَّا تَبَيَّنَ الصُّبْحُ جِدًّا ظَهَرَتْ غَفْلَتُهُ عَنِ الْوَقْتِ فَصَارَ كَمَا يَفْتَضِحُ بِعَيْبٍ ظَهَرَ مِنْهُ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ (وَأَخْبَرَهُ) أَيْ أَخْبَرَ بِلَالٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَصْبَحَتْ جَدًّا) أَيْ وَمَعَ ذَلِكَ صَلَّيْتُ الْغَافِلَةَ [1258] (لَا تَدَعُوهُمَا) مِنَ الْوَدَعِ وَهُوَ التَّرْكُ
(وَإِنْ طَرَدَتْكُمُ الْخَيْلُ) فِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ تَأْوِيلَانِ
الْأَوَّلُ لَا تَتْرُكُوا رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ وَإِنْ دَفَعَتْكُمُ الْفُرْسَانُ وَالرُّكْبَانُ لِلرَّحِيلِ يَعْنِي إِنْ حَانَ وَقْتُ رَحِيلِ الْجَيْشِ وَسَارَ الْجَيْشُ وَعُجِّلَ لِلرَّحِيلِ فَلَا تَتْرُكُوا فِي هَذَا الْوَقْتِ الْمُضَيَّقِ أَيْضًا وإن يستمر(4/96)
الْجَيْشُ وَيَتْرُكَكُمْ فَفِيهِ غَايَةُ التَّأْكِيدِ لِأَدَاءِ سُنَّةِ الْفَجْرِ لِأنَّ الْعَرَبَ لَا يَتْرُكُونَ مُصَاحَبَةَ الْجَيْشِ وفي فقدانها لهم مصائب عظيمة ومع أنه قَدْ أُمِرُوا بِإِتْيَانِهِمَا
قَالَهُ الشَّيْخُ الْمُحَدِّثُ السَّيِّدُ نَذِيرٌ حُسَيْنُ الدَّهْلَوِيُّ
وَالثَّانِي وَإِنْ طَرَدَتْكُمُ الْخَيْلُ أَيْ خَيْلُ الْعَدُوِّ وَمَعْنَاهُ إِذَا كَانَ الرَّجُلُ مَثَلًا هَارِبًا مِنَ الْعَدُوِّ وَالْعَدُوُّ يَرْكُضُ فَرَسَهُ لِيَقْتُلَهُ فَلَا يَنْبَغِي لِلْمَطْلُوبِ تَرْكُ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ
وَالْمَقْصُودُ التَّأْكِيدُ مِنَ الشَّارِعِ فِي الْإِتْيَانِ بِهِمَا وَعَدَمُ تَرْكِهِمَا وَإِنْ كَانَ فِي حَالَةٍ شَاقَّةٍ كَمَنْ يَطْلُبُهُ الْعَدُوُّ خَلْفَهُ عَلَى الْخَيْلِ لِيَقْتُلَهُ قَالَهُ الشَّيْخُ الْمُحَدِّثُ حُسَيْنُ بْنُ مُحْسِنٍ الْأَنْصَارِيُّ
وَقَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ أَيْ جَيْشُ الْعَدُوِّ انْتَهَى
وَقَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَا تَدَعُوا رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ أَيْ صَلَاتَهُمَا وَإِنْ طَرَدَتْكُمُ الْخَيْلُ خَيْلُ الْعَدُوِّ بَلْ صَلُّوهُمَا رُكْبَانًا وَمُشَاةً بِالْإِيمَاءِ وَلَوْ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ وَهَذَا اعْتِنَاءٌ عَظِيمٌ بِرَكْعَتَيِ الْفَجْرِ وَحَثٌّ عَلَى شِدَّةِ الْحِرْصِ عَلَيْهِمَا حَضَرًا وَسَفَرًا وَأَمْنًا وَخَوْفًا انْتَهَى
هَذَا مُلَخَّصٌ مِنْ إِعْلَامِ أَهْلِ الْعَصْرِ بِأَحْكَامِ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ الْمَدَنِيُّ وَيُقَالُ فِيهِ عَبَّادُ بْنُ إِسْحَاقَ أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ وَاسْتَشْهَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ وَوَثَّقَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ لَا يُحْتَجُّ بِهِ وَهُوَ حَسَنُ الْحَدِيثِ وَلَيْسَ بِثَبْتٍ وَلَا قَوِيٍّ
وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ سَأَلْتُ عَنْهُ بِالْمَدِينَةِ فَلَمْ يَحْمَدُوهُ
وَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّمَا لَمْ يَحْمَدُوهُ فِي مَذْهَبِهِ فَإِنَّهُ كَانَ قَدَرِيًّا فَنَفَوْهُ مِنَ الْمَدِينَةِ فَأَمَّا رِوَايَاتُهُ فَلَا بَأْسَ
وَقَالَ البخاري مقارب الحديث وبن سِيلَانَ هُوَ عَبْدُ رَبِّهِ أَبُو سِيلَانَ جَاءَ مُبَيَّنًا فِي بَعْضِ طُرُقِهِ وَقِيلَ هُوَ جَابِرُ بْنُ سِيْلَانَ وَهُوَ بِكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْيَاءِ آخِرِ الْحُرُوفِ وَآخِرُهُ نُونٌ وَقَدْ رَوَاهُ أيضا بن الْمُنْكَدِرِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
[1259] (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ كَثِيرًا إِلَخْ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وأخرجه مسلم والنسائي(4/97)
[1260] (شك الداروردي) هُوَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ
(بَابُ الِاضْطِجَاعِ بعدها أي بعد سنة الفجر)
[1261] (فَلِيَضْطَجِعْ عَلَى يَمِينِهِ) قَالَ فِي إِعْلَامِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ بِأَحْكَامِ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ وَيُسَنُّ الِاضْطِجَاعُ بَعْدَ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ سَوَاءٌ كَانَ لَهُ تَهَجُّدٌ بِاللَّيْلِ أَمْ لَا وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ وَهُوَ الْمَرْوِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَرْبَعَةِ أَنْفُسٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَائِشَةُ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو وَتَفْصِيلُ الْمُقَامِ فِيهِ فَارْجِعْ إِلَيْهِ (أَمَا يُجْزِئُ) هَمْزَةُ اسْتِفْهَامٍ وَمَا نَافِيَةٌ أَيْ يَكْفِي (مَمْشَاهُ) أَيْ مَشْيُهُ (أَكْثَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ) أَيْ إِكْثَارًا يَعُودُ ضَرَرُهُ إِلَيْهِ مِنْ حَيْثُ السَّهْوِ وَالْخَطَأِ وَمِنْ حَيْثُ تَكَلُّمِ النَّاسِ وَاعْتِرَاضِهِمْ (وَلَكِنَّهُ اجْتَرَأَ) مِنَ الْجُرْأَةِ بِمَعْنَى الْإِقْدَامِ عَلَى شَيْءٍ (وَجَبُنَّا) مِنَ الْجُبْنِ صِيغَةُ مَاضٍ مَعَ الْغَيْرِ وَهُوَ ضِدُّ الْجُرْأَةِ يُقَالُ جَبَنَ الرَّجُلُ كَنَصَرَ وَكَرُمَ يُرِيدُ أَنَّهُ أَقْدَمَ عَلَى الْإِكْثَارِ مِنَ الْحَدِيثِ وَجَبُنَّا نَحْنُ عَنْهُ فَكَثُرَ حَدِيثُهُ وَقَلَّ حَدِيثُنَا
ذَكَرَهُ فِي فَتْحِ الْوَدُودِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ
وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ
وَقَدْ قِيلَ إِنَّ أَبَا صَالِحٍ لَمْ يَسْمَعْ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَيَكُونُ مُنْقَطِعًا
انْتَهَى
وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ إِسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ
وَقَالَ فِي رِيَاضِ الصَّالِحِينَ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ
وَقَالَ زَكَرِيَّا الْأَنْصَارِيُّ فِي فَتْحِ الْعَلَّامِ إِسْنَادُهُ على شرط الشيخين انتهى(4/98)
[1262] (فَإِنْ كُنْتُ مُسْتَيْقِظَةً حَدَّثَنِي) وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الِاضْطِجَاعِ بَعْدَ صَلَاةِ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ إِلَى أَنْ يُؤْذَنَ بِالصَّلَاةِ
وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي حُكْمِ هَذَا الِاضْطِجَاعِ عَلَى سِتَّةِ أَقْوَالٍ الْأَوَّلُ وَهُوَ الصَّحِيحُ أَنَّهُ مَشْرُوعٌ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْبَابِ
قَالَ الْعِرَاقِيُّ فَمَنْ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ أَوْ يُفْتِي بِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ وَرَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ واختلف فيه على بن عُمَرَ فَرُوِيَ عَنْهُ فِعْلُ ذَلِكَ كَمَا ذَكَرَهُ بن أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ وَرُوِيَ عَنْهُ إِنْكَارُهُ
وممن قال به من التابعين بن سِيرِينَ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَخَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بن عتبة وسليمان بن يسار
قال بن حَزْمٍ وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ غَيَّاثٍ أَنَّهُ حَدَّثَهُ قَالَ كَانَ الرَّجُلُ يَجِيءُ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يُصَلِّي بِالنَّاسِ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ فِي مُؤَخَّرِ الْمَسْجِدِ وَيَضَعُ جَنْبَهُ فِي الْأَرْضِ وَيَدْخُلُ مَعَهُ فِي الصَّلَاةِ
وَمِمَّنْ قَالَ بِاسْتِحْبَابِ ذَلِكَ مِنَ الْأَئِمَّةِ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ وَتَمَامُ الْكَلَامِ فِي إِعْلَامِ أَهْلِ الْعَصْرِ فَلْيُرْجَعْ إِلَيْهِ (وَإِنْ كُنْتُ نَائِمَةً أَيْقَظَنِي) أَيْ لِلْحَدِيثِ أَوْ لِلْوِتْرِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ البخاري ومسلم والترمذي
[1263] (عمن حدثه) فاعل حيث زِيَادُ بْنُ سَعْدٍ وَالضَّمِيرُ الْمَنْصُوبُ يَرْجِعُ إِلَى من الموصولة (بن أَبِي عَتَّابٍ) بَدَلٌ مِنْ مَنِ الْمَوْصُولَةِ وَاسْمُهُ زَيْدٌ أَوْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَهُ الْمِزِّيُّ (أَوْ غيره) أي غير بن أبي عتاب فالشيخ لزياد بن سعد مجهول لا يدرى هو بن أَبِي عَتَّابٍ أَوْ غَيْرِهِ (فَإِنْ كُنْتُ نَائِمَةً اضْطَجَعَ) هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ (وَإِنْ كنت مستيقظة حدثني) قال بن الْمَلَكِ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْفَصْلَ بَيْنَ سُنَّةِ الصُّبْحِ وَبَيْنَ الْفَرِيضَةِ جَائِزٌ وَعَلَى أَنَّ الْحَدِيثَ مَعَ الْأَهْلِ سُنَّةٌ(4/99)
يَعْنِي مَنْ قَالَ إِنَّ الْكَلَامَ بَيْنَ السُّنَّةِ وَالْفَرْضِ يُبْطِلُ الصَّلَاةَ أَوْ ثَوَابَهَا فَقَوْلُهُ بَاطِلٌ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ رَجُلٌ مَجْهُولٌ
[1264] (لَا يَمُرُّ بِرَجُلٍ إِلَّا نَادَاهُ بِالصَّلَاةِ إِلَخْ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنْ يُوقِظَ مُسْتَيْقِظٌ النَّائِمَ لِلصَّلَاةِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ أَبُو الْفَضْلِ الْأَنْصَارِيُّ وَهُوَ غَيْرُ مَشْهُورٍ (أَبُو الْفُضَيْلِ) هَكَذَا مُصَغَّرًا فِي بَعْضِ النُّسَخِ
وَالَّذِي فِي التَّقْرِيبِ أَبُو الْفَضْلِ بْنُ خَلَفٍ الْأَنْصَارِيُّ وَقِيلَ فِيهِ أَبُو المفضل بزيادة ميم وقيل بن الْفَضْلِ
انْتَهَى
(بَابُ إِذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ وَلَمْ يصل رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ)
[1265] (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنُ سَرْجِسَ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إِذَا صَادَفَ الْإِمَامَ فِي الْفَرِيضَةِ لَمْ يَشْتَغِلْ بِرَكْعَتَيِ الْفَجْرِ وَيَتْرُكُهُمَا إِلَى أَنْ يَقْضِيَهُمَا بَعْدَ الصَّلَاةِ (أَيَّتُهُمَا صَلَاتُكَ) مَسْأَلَةُ إِنْكَارٍ يُرِيدُ بِذَلِكَ التَّهْدِيدَ عَلَى فِعْلِهِ وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ الْوَقْتُ يَتَّسِعُ الْفَرَاغُ مِنْهَا قَبْلَ خُرُوجِ الْإِمَامِ مِنْ صَلَاتِهِ لِأنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوِ الَّتِي صَلَّيْتَ مَعَنَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ
هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْخَطَّابِيِّ
وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُصَلِّي بَعْدَ الْإِقَامَةِ نَافِلَةً وَإِنْ كَانَ يُدْرِكُ الصَّلَاةَ مَعَ الْإِمَامِ وَرَدٌّ عَلَى مَنْ قَالَ إِنْ عَلِمَ أَنَّهُ يُدْرِكُ الرَّكْعَةَ الْأُولَى وَالثَّانِيَةَ يُصَلِّي النَّافِلَةَ
وَقَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ كُلُّ هَذَا إِنْكَارٌ مِنْهُ لِذَلِكَ الْفِعْلِ فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُصَلِّيَ فِي الْمَسْجِدِ شَيْئًا مِنَ النَّوَافِلِ إِذَا قَامَتِ الْمَكْتُوبَةُ
قال المنذري وأخرجه مسلم والنسائي وبن ماجة(4/100)
[1266] (أَخْبَرْنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ) وَهُوَ يَرْوِي عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ كَمَا عِنْدَ الدَّارِمِيِّ (عَنْ وَرْقَاءَ) وَهُوَ يَرْوِي عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ كما عند مسلم (عن بن جُرَيْجٍ) يَرْوِي عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ (عَنْ أَيُّوبَ) عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ كَمَا عِنْدَ بن مَاجَهْ (كُلُّهُمْ) أَيْ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ وَوَرْقَاءُ وبن جُرَيْجٍ وَأَيُّوبُ وَزَكَرِيَّا بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي هَذَا رَدٌّ عَلَى الطَّحَاوِيِّ حَيْثُ قَالَ أَصْلُ الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ لَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَمَامُ الْكَلَامِ فِي الْإِعْلَامِ (إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ) وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الشُّرُوعُ فِي النَّافِلَةِ عِنْدَ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ وَغَيْرِهِمَا
وَقَدِ اخْتَلَفَتِ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ فِي ذَلِكَ عَلَى تِسْعَةِ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا الْكَرَاهَةُ وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الصَّحِيحُ لِصِحَّةِ الْحَدِيثِ فِي نَهْيِهِ وَلَا مُعَارِضَ لِحَدِيثٍ صَحِيحٍ ثَابِتٍ إِلَّا مِثْلُهُ وَلَيْسَ فِي الْجَوَازِ وَاحِدٌ مِنَ الْحَدِيثِ الصَّحِيحُ الْمَرْفُوعُ
فَإِنْ قُلْتَ أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ الْكُبْرَى أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ الْحَارِثِ أَنْبَأَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَيَّانَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ دَاوُدَ حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو الْحَلَبِيُّ حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ نُصَيْرٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ لَيْثٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إِلَّا الْمَكْتُوبَةَ إِلَّا رَكْعَتَيِ الصُّبْحِ
قُلْتُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ هَذِهِ الزِّيَادَةُ لَا أَصْلَ لَهَا وَحَجَّاجُ بْنُ نُصَيْرٍ وَعَبَّادُ بْنُ كَثِيرٍ ضَعِيفَانِ انْتَهَى
وَقَالَ بن الْقَيِّمِ فِي إِعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ فَهَذِهِ الزِّيَادَةُ كَاسْمِهَا زِيَادَةٌ فِي الْحَدِيثِ لَا أَصْلَ لَهَا انْتَهَى
وَقَدْ يُعَارِضُ هَذِهِ الزِّيَادَةَ مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وبن عَدِيٍّ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ خَالِدٍ الزِّنْجِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فلا صلاة إلا المكتوبة قيل يارسول اللَّهِ وَلَا رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ قَالَ وَلَا رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ إِسْنَادُهُ حَسَنٌ
قال المنذري وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وبن مَاجَهْ
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ بِظَاهِرِهِ وَرَوَى الْكَرَاهِيَةَ فيه عن بن عمر وسعيد بن جبير وبن سِيرِينَ وَعُرْوَةِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَعَطَاءٍ والشافعي وأحمد وروى الرخصة فيه عن بن مسعود ومسروق(4/101)
وَالْحَسَنِ وَمُجَاهِدٍ وَمَكْحُولٍ وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَضْرِبُ عَلَى صَلَاةِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْإِقَامَةِ وَذَهَبَ إِلَيْهِ بَعْضُ الظَّاهِرِيَّةِ وَرَأَوْا أَنَّهُ يَقْطَعُ صَلَاتَهُ إِذَا أُقِيمَتْ عليه الصلاة وكلهم يقولون لا يبتدىء نافلة بعد الإقامة لنهيا النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
(بَابُ مَنْ فَاتَتْهُ مَتَى يَقْضِيهَا)
[1267] (فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِيهِ بَيَانُ أَنَّ لِمَنْ فَاتَتْهُ الرَّكْعَتَانِ قَبْلَ الْفَرِيضَةِ أَنْ يُصَلِّيَهُمَا بَعْدَهَا قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَأَنَّ النَّهْيَ عَنِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ إِنَّمَا هُوَ فِيمَا يَتَطَوَّعُ بِهِ الْإِنْسَانُ إِنْشَاءً وَابْتِدَاءً دُونَ مَا كَانَ لَهُ تَعَلُّقٌ بِسَبَبٍ
وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي وَقْتِ قَضَاءِ رَكْعَتَيِ الفجر فروي عن بن عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ يَقْضِيهِمَا بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ وبه قال عطاء وطاووس وبن جُرَيْجٍ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ يَقْضِيهِمَا إِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ وَبِهِ قَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ
وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ أُحِبُّ قَضَاءَهُمَا إِذَا ارْتَفَعَتِ الشَّمْسُ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ تَطَوُّعٌ
وَقَالَ مَالِكٌ أُحِبُّ أَنْ يَقْضِيَهُمَا ضُحًى إِلَى وَقْتِ زَوَالِ الشَّمْسِ وَلَا يَقْضِيهِمَا بَعْدَ الزَّوَالِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الترمذي وبن ماجه
وقال الترمذي لا نعرفه مِثْلَ هَذَا إِلَّا مِنْ حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ سَعِيدٍ وَذَكَرَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ إِنَّمَا يُرْوَى مُرْسَلًا وَأَنَّ إِسْنَادَهُ لَيْسَ بِمُتَّصِلٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ قَيْسٍ هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ
وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ بن بُحَيْنَةَ قَالَ أُقِيمَتْ صَلَاةُ الصُّبْحِ فَرَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يُصَلِّي وَالْمُؤَذِّنُ يُقِيمُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتُصَلِّي الصُّبْحَ أَرْبَعًا وَفِي رِوَايَةٍ يُوشِكُ أَنْ يُصَلِّيَ أَحَدُكُمُ الصُّبْحَ أَرْبَعًا وَقَالَ بَعْضُهُمْ هَذِهِ إِشَارَةٌ إِلَى عِلَّةِ الْمَنْعِ حِمَايَةً لِلذَّرِيعَةِ لِئَلَّا يَطُولَ الْأَمْرُ وَيَكْثُرَ ذَلِكَ فَيَظُنُّ الظَّانُّ أَنَّ الْفَرْضَ قَدْ تَغَيَّرَ وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ يُجِيزُ صَلَاةَ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ فِي
ــــــــــــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه اللَّه وَقَيْس هَذَا هُوَ قَيْس بْن عَمْرو ويقال قيس بن فهد وجعلهما بن السكن اثنين بن فهد وبن عَمْرو
وَسَعْد بْن سَعِيد رَاوِيه عَنْ مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم فِيهِ اِخْتِلَاف(4/102)
الْمَسْجِدِ وَالْإِمَامُ يُصَلِّي الصُّبْحَ وَإِنْ أَدْرَكَهَا مَعَهُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ بِأَيِّ الصَّلَاتَيْنِ اعْتَدَدْتَ أَبِصَلَاتِكَ وَحْدَكَ أَمْ بِصَلَاتِكَ مَعَنَا انْتَهَى
[1268] (يُحَدِّثُ بِهَذَا الْحَدِيثِ) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ وَرَوَاهُ الْحُمَيْدِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ سَعْدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ قَيْسٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ قَيْسٍ جَدِّ سَعْدٍ
قَالَ سُفْيَانُ وَكَانَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ يَرْوِي هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ سَعْدٍ
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَرَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ سَعِيدٍ وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي كِتَابِ السُّنَنِ ثُمَّ قَالَ بَعْضُ الرُّوَاةِ فِيهِ قَيْسُ بْنُ عَمْرٍو وَقَالَ بَعْضُهُمْ قَيْسُ بْنُ فَهْدٍ وَقَيْسُ بْنُ عَمْرٍو أَصَحُّ
قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ هُوَ قَيْسُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَهْلٍ جَدُّ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ يَحْيَى وَسَعْدٌ أَخَوَانِ انْتَهَى (أَنَّ جَدَّهُمْ زَيْدًا) هَكَذَا فِي جَمِيعِ النُّسَخِ الْحَاضِرَةِ وَحَذْفُ لَفْظِ زَيْدٍ أَصَحُّ
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْإِصَابَةِ زَيْدٌ جَدُّ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي بَابِ مَنْ فَاتَتْهُ رَكْعَتَا الْفَجْرِ فَقَالَ قَالَ عَبْدُ رَبِّهِ وَيَحْيَى ابْنَا سَعِيدٍ صَلَّى جَدُّنَا زَيْدٌ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَكَذَا قَرَأْتُ بِخَطِّ شَيْخِنَا الْبُلْقِينِيِّ الْكَبِيرِ فِي هَامِشِ نُسْخَتِهِ مِنْ تَجْرِيدِ الذَّهَبِيِّ وَلَمْ أَرَ فِي النُّسَخِ الْمُعْتَمَدَةِ مِنَ السُّنَنِ لَفْظَ زَيْدٍ بَلْ فِيهَا جَدُّنَا خَاصَّةً فَلْيُحْرَزْ فَإِنَّ نَسَبَ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ لَيْسَ فِيهِ أَحَدٌ يُقَالُ لَهُ زَيْدٌ إِلَّا زَيْدُ بن ثعلبة وهو جد أعلى جدا هَلَكَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ
انْتَهَى
كَذَا فِي غَايَةِ المقصود
(بَاب الْأَرْبَعِ قَبْلَ الظُّهْرِ وَبَعْدَهَا)
[1269] (مَنْ حَافَظَ) أَيْ دَاوَمَ وَوَاظَبَ (وَأَرْبَعٍ بَعْدَهَا) رَكْعَتَانِ مِنْهَا مُؤَكَّدَةٌ وَرَكْعَتَانِ مُسْتَحَبَّةٌ(4/103)
فَالْأُولَى بِتَسْلِيمَتَيْنِ (حَرُمَ عَلَى النَّارِ) أَيْ حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ وَفِي رِوَايَةٍ لَمْ تَمَسَّهُ النار وفي رواية حرم اللَّهُ عَلَى النَّارِ وَفِي أُخْرَى حَرَّمَ اللَّهُ لَحْمَهُ عَلَى النَّارِ وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي مَعْنَى ذَلِكَ هَلِ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ النَّارَ أَصْلًا أَوْ أَنَّهُ وَإِنْ قُدِّرَ عَلَيْهِ دُخُولُهَا لَا تَأْكُلُهُ النَّارُ أَوْ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى النَّارِ أَنْ تَسْتَوْعِبَ أَجْزَاءَهُ وَإِنْ مَسَّتْ بَعْضَهُ كَمَا فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ عِنْدَ النَّسَائِيِّ بِلَفْظِ فَتَمَسَّ وَجْهَهُ النَّارُ أَبَدًا وَهُوَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ وَحَرَّمَ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ مَوَاضِعَ السُّجُودِ فَيَكُونُ قَدْ أَطْلَقَ الْكُلَّ وَأُرِيدَ الْبَعْضُ مَجَازًا وَالْحَمْلُ عَلَى الْحَقِيقَةِ أَوْلَى وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحَرِّمُ جَمِيعَهُ عَلَى النَّارِ وَفَضْلُ اللَّهِ تَعَالَى أَوْسَعُ وَرَحْمَتُهُ أَعَمُّ
وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى تَأَكُّدِ اسْتِحْبَابِ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ وَأَرْبَعٍ بَعْدَهُ وَكَفَى بِهَذَا التَّرْغِيبِ بَاعِثًا عَلَى ذَلِكَ
وَظَاهِرُ قَوْلِهِ مَنْ صَلَّى أَنَّ التَّحْرِيمَ عَلَى النَّارِ يَحْصُلُ مَرَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنَّهُ قَدْ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُمَا بِلَفْظِ مَنْ حَافَظَ فَلَا يَحْرُمُ عَلَى النَّارِ إِلَّا الْمُحَافِظُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ وَذَكَرَ أَبُو زُرْعَةَ وَهِشَامُ بْنُ عُمَارَةَ وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّسَائِيُّ أَنَّ مَكْحُولًا لَمْ يسمع من عنبسة بن أَبِي سُفْيَانَ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ صَاحِبِ أَبِي أُمَامَةَ
وَالْقَاسِمُ هَذَا اخْتُلِفَ فِيهِ فَمِنْهُمْ مَنْ يُضَعِّفُ رِوَايَتَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يُوَثِّقُهُ
[1270] (أَرْبَعٌ) مِنَ الرَّكَعَاتِ يُصَلِّيهِنَّ الْإِنْسَانُ (قَبْلَ الظُّهْرِ) أَيْ قَبْلَ صَلَاتِهِ أَوْ قُبَيْلَ دُخُولِ وَقْتِهِ وَهُوَ عِنْدَ الزَّوَالِ (لَيْسَ فِيهِنَّ تَسْلِيمٌ) أَيْ لَيْسَ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ مِنْهَا فَصْلٌ بِسَلَامٍ (تُفْتَحُ لَهُنَّ أَبْوَابُ السَّمَاءِ) كِنَايَةٌ عَنْ حُسْنِ الْقَبُولِ وَسُرْعَةِ الْوُصُولِ وَتُسَمَّى هَذِهِ سُنَّةُ الزَّوَالِ وَهِيَ غَيْرُ سُنَّةِ الظُّهْرِ صَرَّحَ بِهِ الْغَزَالِيُّ
قَالَهُ المناوي
قال المنذري وأخرجه الترمذي وبن مَاجَهْ
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ(4/104)
عُبَيْدَةُ ضَعِيفٌ
هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ
وَعُبَيْدَةُ هَذَا هو بن مُعَتِّبٍ الضَّبِّيُّ الْكُوفِيُّ لَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ وَهُوَ بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ
(بَابُ الصلاة قبل العصر)
[1271] (رحم الله امرءا صَلَّى قَبْلَ الْعَصْرِ أَرْبَعًا) فِي النَّيْلِ وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَنِ بِلَفْظِ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي قَبْلَ الْعَصْرِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ يفصل بينهن بالتسليم وزاد الترمذي والنسائي وبن مَاجَهْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُؤْمِنِينَ وَلَهُ حَدِيثٌ آخَرُ بِمَعْنَاهُ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْكَبِيرِ وَالْأَوْسَطِ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ مَنْ صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الْعَصْرِ لَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الْعَصْرِ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَمْ يُسْمَعْ مِنْهُ
وَعَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ عِنْدَ أَبِي يَعْلَى بِلَفْظِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ حَافَظَ عَلَى أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الْعَصْرِ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْكَبِيرِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الْعَصْرِ حَرَّمَ اللَّهُ بَدَنَهُ عَلَى النَّارِ وَالْأَحَادِيثُ الْمَذْكُورَةُ تَدُلُّ عَلَى اسْتِحْبَابِ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الْعَصْرِ وَالدُّعَاءُ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالرَّحْمَةِ لِمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ وَالتَّصْرِيحُ بِتَحْرِيمِ بَدَنِهِ عَلَى النَّارِ مِمَّا يَتَنَافَسُ فِيهِ الْمُتَنَافَسُونَ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ
هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ
وَأَبُو الْمُثَنَّى اسْمُهُ مُسْلِمُ بْنُ المثنى الكوفي القرشي
وقال بن مِهْرَانَ مُؤَذِّنُ الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ بِالْكُوفَةِ وَهُوَ ثِقَةٌ
[1272] (كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الْعَصْرِ رَكْعَتَيْنِ) أَيْ أَحْيَانًا فَلَا يُنَافِي مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْأَرْبَعِ
وَمِنْ جِهَةِ الِاخْتِلَافِ فِي الرِّوَايَاتِ صَارَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْأَرْبَعِ وَالرَّكْعَتَيْنِ جَمْعًا بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ وَالْأَرْبَعُ أَفْضَلُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ عَاصِمُ بْنُ ضَمْرَةَ وَثَّقَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَغَيْرُهُ وَتَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ(4/105)
9 - (بَاب الصَّلَاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ)
[1273] (فَرَدُّونِي إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْعَالِمِ إِذَا طُلِبَ مِنْهُ تَحْقِيقُ أَمْرٍ مُهِمٍّ وَيَعْلَمُ أَنَّ غَيْرَهُ أَعْلَمُ بِهِ أَوْ أَعْرَفُ بِأَصْلِهِ أن يرشد إليه إذا أمكنه
وفي الِاعْتِرَافُ لِأَهْلِ الْفَضْلِ بِمَزِيَّتِهِمْ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَدَبِ الرَّسُولِ فِي حَاجَةٍ وَأَنَّهُ لَا يَسْتَقِلُّ فِيهَا بِتَصَرُّفٍ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِيهِ وَلِهَذَا لَمْ يَسْتَقِلَّ كُرَيْبٌ بِالذَّهَابِ إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ لِأَنَّهُمْ إِنَّمَا أَرْسَلُوهُ إِلَى عَائِشَةَ فَلَمَّا أَرْشَدَتْهُ عَائِشَةُ إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ وَكَانَ رَسُولًا لِلْجَمَاعَةِ لَمْ يَسْتَقِلَّ بِالذَّهَابِ حَتَّى رَجَعَ إِلَيْهِمْ فَأَخْبَرَهُمْ فَأَرْسَلُوهُ إِلَيْهَا (فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ الْجَارِيَةُ) فِيهِ قَبُولُ خَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْمَرْأَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْيَقِينِ بِالسَّمَاعِ مِنْ لَفْظِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَقُولِي لَهُ تَقُولُ أُمُّ سَلَمَةَ) إِنَّمَا قَالَتْ عَنْ نَفْسِهَا تَقُولُ أُمُّ سَلَمَةَ فَكَنَّتْ نَفْسَهَا وَلَمْ تَقُلْ هِنْدُ بِاسْمِهَا لِأَنَّهَا مَعْرُوفَةٌ بِكُنْيَتِهَا وَلَا بَأْسَ بِذِكْرِ الْإِنْسَانِ نَفْسَهُ بِالْكُنْيَةِ إِذَا لَمْ يُعْرَفْ إِلَّا بِهَا أَوِ اشْتُهِرَ بِهَا بِحَيْثُ لَا يُعْرَفُ غَالِبًا إِلَّا بِهَا وَكُنِّيَتْ بِابْنِهَا سَلَمَةَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ وَكَانَ صَحَابِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (فَأَشَارَ بِيَدِهِ) فِيهِ أَنَّ إِشَارَةَ الْمُصَلِّي بِيَدِهِ وَنَحْوِهَا مِنَ الْأَفْعَالِ الْخَفِيفَةِ لَا تُبْطِلُ الصَّلَاةَ(4/106)
(فَهُمَا هَاتَانِ) فِيهِ فَوَائِدُ مِنْهَا إِثْبَاتُ سُنَّةِ الظُّهْرِ بَعْدَهَا وَمِنْهَا أَنَّ السُّنَنَ الرَّاتِبَةَ إِذَا فَاتَتْ يُسْتَحَبُّ قَضَاؤُهَا وَهُوَ الصَّحِيحُ وَمِنْهَا أَنَّ الصَّلَاةَ الَّتِي لَهَا سَبَبٌ لَا تُكْرَهُ فِي وَقْتِ النَّهْيِ وَإِنَّمَا يُكْرَهُ مَا لَا سَبَبَ لَهَا
فَإِنْ قِيلَ هَذَا خَاصٌّ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْنَا الْأَصْلُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَدَمُ التَّخْصِيصِ حَتَّى يَقُومَ دَلِيلٌ بِهِ بَلْ هُنَا دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى عَدَمِ التَّخْصِيصِ وَهِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيَّنَ أَنَّهَا سُنَّةُ الظُّهْرِ وَلَمْ يَقُلْ هَذَا الْفِعْلَ مُخْتَصٌّ بِي وَسُكُوتُهُ ظَاهِرٌ فِي جَوَازِ الِاقْتِدَاءِ
نَعَمْ إِنَّ الْمُدَاوَمَةَ عَلَيْهِمَا مِنْ خَصَائِصِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى كَلَامُ النووي مختصرا
وقال الحافظ بن عَبْدِ الْبَرِّ إِنَّمَا الْمَعْنَى فِي نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ عَلَى التَّطَوُّعِ الْمُبْتَدَأِ وَالنَّافِلَةِ وَأَمَّا الصَّلَوَاتُ الْمَفْرُوضَاتُ أَوِ الصَّلَوَاتُ الْمَسْنُونَاتُ أَوْ مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوَاظِبُ عَلَيْهِ مِنَ النَّوَافِلِ فَلَا يَدْخُلُ فِي النَّهْيِ
وَاحْتَجُّوا بِالْإِجْمَاعِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْجَنَائِزِ بَعْدَ الْعَصْرِ وَبَعْدَ الصُّبْحِ إِذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَ الْغُرُوبِ وَلَا عِنْدَ الطُّلُوعِ وَبِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ الْحَدِيثَ
وَبِقَوْلِهِ مَنْ نَسِيَ صَلَاةً أَوْ نَامَ عَنْهَا فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا وَبِحَدِيثِ قَيْسِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يُصَلِّي بَعْدَ الصُّبْحِ رَكْعَتَيْنِ الْحَدِيثَ وَبِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ بَعْدَ الْعَصْرِ فَصَلَّى عِنْدِي رَكْعَتَيْنِ الْحَدِيثَ
قَالُوا فَفِي قَضَاءِ الرَّجُلِ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ وَسُكُوتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَضَائِهِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ وَهُمَا مِنَ السُّنَّةِ شُغِلَ عَنْهُمَا فَقَضَاهُمَا بَعْدَ الْعَصْرِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ نَهْيَهُ عَنِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ وَبَعْدَ الْعَصْرِ إِنَّمَا هُوَ غَيْرُ الصَّلَوَاتِ الْمَسْنُونَاتِ وَالْمُفْتَرَضَاتِ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّ نَهْيَهُ إِنَّمَا أَصْبَحَ عَلَى غَيْرِ مَا أَبَاحَهُ وَلَا سَبِيلَ إِلَى اسْتِعْمَالِ الْأَحَادِيثِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا بِمَا ذَكَرَ
قَالَ وَفِي صَلَاةِ النَّاسِ بِكُلِّ مِصْرٍ عَلَى الْجَنَائِزِ بَعْدَ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ دَلِيلٌ عَلَى مَا ذَكَرَ
هَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ فِي هَذَا الْبَابِ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ أَنَّهُمْ كَرِهُوا الصَّلَاةَ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ وَأَمَّا الصَّلَوَاتُ الْفَوَائِتُ فَلَا بَأْسَ أَنْ تُقْضَى بَعْدَ الْعَصْرِ وَبَعْدَ الصُّبْحِ وَقَدْ أَسْرَدَ الرِّوَايَاتِ فِي إِعْلَامِ أَهْلِ الْعَصْرِ وَقَالَ فِي آخِرِهِ فَثَبَتَ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ أَنَّ قَضَاءَ الرَّاتِبَةِ بَعْدَ الْعَصْرِ جَائِزٌ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى رَكْعَتَيِ الظُّهْرِ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ بَعْدَ نَهْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ وَهَكَذَا نَقُولُ إِنَّ الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَاتِ وَالسُّنَنَ الرَّوَاتِبَ تُقْضَى بَعْدَ الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ انْتَهَى كَلَامُهُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ(4/107)
(باب من رخص فيهما إذا كانت الشمس مُرْتَفِعَةً)
[1274] فَلَا تُكْرَهُ الصَّلَاةُ عِنْدَهُ بَعْدَ الْعَصْرِ إِذَا كَانَتِ الشَّمْسُ حَيَّةً بَيْضَاءَ
قَالَ الْحَافِظُ بن عَبْدِ الْبَرِّ قَالَ طَائِفَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ إِنَّهُ لَا بَأْسَ بِالتَّطَوُّعِ بَعْدَ الصُّبْحِ وَبَعْدَ الْعَصْرِ لِأَنَّ النَّهْيَ إِنَّمَا قُصِدَ بِهِ إِلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَعِنْدَ غُرُوبِهَا وَاحْتَجُّوا بِأَحَادِيثِ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ رَوَوُا النَّهْيَ عَنِ الصَّلَاةِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُصَلُّوا بَعْدَ الْعَصْرِ إِلَّا أَنْ تُصَلُّوا وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ وَبِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَحَرَّوْا بِصَلَاتِكُمْ طُلُوعَ الشَّمْسِ وَلَا غُرُوبِهَا وَبِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الصَّلَاةِ عَلَى الْجَنَائِزِ بَعْدَ الصُّبْحِ وَبَعْدَ الْعَصْرِ إِذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَ الطُّلُوعِ وَعِنْدَ الْغُرُوبِ
قَالُوا فَالنَّهْيُ عَنِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ وَالصُّبْحِ هَذَا مَعْنَاهُ وَحَقِيقَتُهُ
قَالُوا وَنَهْيُهُ عَلَى قَطْعِ الذَّرِيعَةِ لِأَنَّهُ لَوْ أُبِيحَتِ الصَّلَاةُ بَعْدَ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ لَمْ يُؤْمَنِ التَّمَادِي فِيهِمَا إِلَى الْأَوْقَاتِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا وَهِيَ حِينَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وحين غروبها
هذا مذهب بن عُمَرَ وَقَالَ بِهِ جَمَاعَةٌ ذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أخبرنا بن جريج عن نافع سمع بن عُمَرَ يَقُولُ أَمَّا أَنَا فَلَا أَنْهَى أَحَدًا يُصَلِّي مِنْ لَيْلٍ وَنَهَارٍ غَيْرَ أَنْ لَا يَتَحَرَّى طُلُوعَ الشَّمْسِ وَلَا غُرُوبَهَا فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عن ذَلِكَ
وَرَوَى مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دينار عن بن عمر معناه وهو قول عطاء وطاووس وعمرو بن دينار وبن جريج وروى عن بن مسعود نحوه ومذهب بن عُمَرَ فِي هَذَا الْبَابِ خِلَافُ مَذْهَبِ أَبِيهِ ومذهب عائشة في هذا الباب كمذهب بن عمر لما روى بن طاووس عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ وَهِمَ عُمَرُ إِنَّمَا نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الصَّلَاةِ أَنْ يَتَحَرَّاهَا طُلُوعَ الشَّمْسِ أَوْ غُرُوبَهَا انْتَهَى
كَذَا فِي إِعْلَامِ أَهْلِ الْعَصْرِ
وَفِي الْفَتْحِ حَكَى أَبُو الْفَتْحِ الْيَعْمُرِيُّ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ السَّلَفِ أَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّ النَّهْيَ عَنِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ وَبَعْدَ الْعَصْرِ إِنَّمَا هُوَ إِعْلَامٌ بِأَنَّهُمَا لَا يُتَطَوَّعُ بَعْدَهُمَا وَلَمْ يَقْصِدِ الْوَقْتَ بِالنَّهْيِ كَمَا قَصَدَ بِهِ وَقْتَ الطُّلُوعِ وَوَقْتَ الْغُرُوبِ وَتُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ أَبِي دَاوُدَ عَنْ عَلِيٍّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبَعْدِيَّةِ لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ وَقْتُ الطُّلُوعِ وَوَقْتُ الْغُرُوبِ وَمَا قَارَبَهَا
وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي الْحَجِّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ العزيز بن رفيع قال رأيت بن الزُّبَيْرِ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ وَيُخْبِرُ أَنَّ عَائِشَةَ حَدَّثَتْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَدْخُلْ بَيْتَهَا إِلَّا صَلَّاهُمَا وَكَأَنَّ بن الزُّبَيْرِ فَهِمَ مِنْ ذَلِكَ مَا فَهِمَتْهُ خَالَتُهُ عائشة
انتهى(4/108)
(إِلَّا وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ) فَتَجُوزُ الصَّلَاةُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَتِ الْمَكْتُوبَةَ الْفَائِتَةَ أَوْ سُنَّةً أَوْ نَفْلًا أَوِ الْجِنَازَةَ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ
[1275] (فِي إِثْرِ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الثَّاءِ أَيْ خَلْفِ (إِلَّا الْفَجْرَ وَالْعَصْرَ) فَلَا يُصَلِّي بَعْدَهُمَا أَيْ فِي الْمَسْجِدِ لِقَطْعِ الذَّرِيعَةِ كَمَا تَقَدَّمَ وَإِلَّا فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بَعْدَ الْعَصْرِ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَخَفِيَ ذَلِكَ عَلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ
[1276] (حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ) قَالَ فِي الْإِعْلَامِ إِنَّ الْأَوْقَاتِ الَّتِي نُهِيَ فِيهَا عَنِ الصَّلَاةِ عَلَى نَوْعَيْنِ أَحَدُهُمَا مَا يَتَعَلَّقُ الْكَرَاهَةُ فِيهِ بِالْفِعْلِ بِمَعْنَى أَنَّهُ إِنْ تَأَخَّرَ الْفِعْلُ لَمْ تُكْرَهِ الصَّلَاةُ قَبْلَهُ وَإِنْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ كُرِهَتْ وَذَلِكَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ وَصَلَاةِ الْعَصْرِ فَفِي هَذَا يَخْتَلِفُ وَقْتُ الْكَرَاهَةِ فِي الطُّولِ وَالْقِصَرِ
وَثَانِيهِمَا مَا يَتَعَلَّقُ فِيهِ الْكَرَاهَةُ بِالْوَقْتِ كَطُلُوعِ الشَّمْسِ إِلَى الِارْتِفَاعِ وَوَقْتِ الِاسْتِوَاءِ وَوَقْتِ الْغُرُوبِ وَمُحَصَّلُ مَا وَرَدَ مِنَ الْأَخْبَارِ فِي تَعْيِينِ الْأَوْقَاتِ الَّتِي تُكْرَهُ فِيهَا الصَّلَاةُ أَنَّهَا خَمْسَةٌ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَعِنْدَ غُرُوبِهَا وَبَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَبَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ وَعِنْدَ الِاسْتِوَاءِ وَتَرْجِعُ بِالتَّحْقِيقِ إِلَى ثَلَاثَةٍ وَقْتُ الِاسْتِوَاءِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الصُّبْحِ إِلَى أَنْ تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ فَيَدْخُلَ فِيهِ الصَّلَاةُ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَكَذَا مِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعَصْرِ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ انْتَهَى
وَاعْلَمْ أَنَّ حَدِيثَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ظَاهِرٌ فِي النَّهْيِ عَنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ وَإِنْ كَانَتْ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ أَوْ قَبْلَ غُرُوبِهَا كَمَا هُوَ مَذْهَبُ عُمَرَ وَجَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ الْأَئِمَّةِ
وَقَيَّدَ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ الْكَرَاهَةَ وَقْتَ الطُّلُوعِ وَالْغُرُوبِ كَمَا تَقَدَّمَ فَقَالُوا(4/109)
لَا تُكْرَهُ الصَّلَاةُ بَعْدَ الصُّبْحِ وَلَا بَعْدَ الْعَصْرِ إِلَّا لِمَنْ قَصَدَ بِصَلَاتِهِ طُلُوعَ الشَّمْسِ وغروبها
وقوى هذا المعنى الإمام بن الْمُنْذِرِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ
[1277] (عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ) بِالْحَرَكَاتِ (أَيُّ اللَّيْلِ أَسْمَعُ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ يُرِيدُ أَنَّ أَيَّ أَوْقَاتِ اللَّيْلِ أَرْجَى لِلدَّعْوَةِ وَأَوْلَى لِلِاسْتِجَابَةِ (قَالَ جَوْفُ اللَّيْلِ الْآخِرِ) أَيْ ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرِ وَهُوَ الْجُزْءُ الْخَامِسُ مِنْ أَسْدَاسِ اللَّيْلِ (فَإِنَّ الصَّلَاةَ مَشْهُودَةٌ) أَيْ تَشْهَدُهَا الْمَلَائِكَةُ وَتَكْتُبُ أَجْرَ الْمُصَلِّينَ (ثُمَّ أَقْصِرْ) أَيِ انْتَهِ عَنِ الصَّلَاةِ وَكُفَّ عَنْهَا (فَتَرْتَفِعُ) فِيهِ أَنَّ النَّهْيَ عَنِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ لَا يَزُولُ بِنَفْسِ طُلُوعِ الشمس بل لابد مِنَ الِارْتِفَاعِ
وَقَدْ وَقَعَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ بِلَفْظِ حَتَّى تَشْرُقَ الشَّمْسُ وَالْإِشْرَاقُ الْإِضَاءَةُ
وَفِي حَدِيثِ عُقْبَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَأَصْحَابِ السُّنَنِ حَتَّى تَشْرُقَ الشَّمْسُ بَازِغَةً وَذَلِكَ يُبَيِّنُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالطُّلُوعِ الِارْتِفَاعُ وَالْإِضَاءَةُ لَا مُجَرَّدُ الظُّهُورِ
ذَكَرَ مَعْنَى ذَلِكَ الْقَاضِي عِيَاضٌ
قَالَ النَّوَوِيُّ وَهُوَ مُتَعَيِّنٌ لَا عُدُولَ عَنْهُ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ (قِيسَ رُمْحٍ) بِكَسْرِ الْقَافِ أَيْ قَدْرَ رُمْحٍ فِي رَأْيِ الْعَيْنِ
قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْقِيسُ وَالْقِيدُ سَوَاءٌ أَيِ الْقَدْرُ (فَإِنَّهَا) أَيِ الشَّمْسُ (تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ) قَالَ النَّوَوِيُّ قِيلَ الْمُرَادُ بِقَرْنَيِ الشَّيْطَانِ حِزْبُهُ وَأَتْبَاعُهُ وَقِيلَ غَلَبَةُ أَتْبَاعِهِ وَانْتِشَارُ فَسَادِهِ وَقِيلَ الْقَرْنَانِ نَاحِيَتَا الرَّأْسِ وَأَنَّهُ عَلَى ظَاهِرُهُ قَالَ وَهَذَا الْأَقْوَى وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ يُدْنِي رَأْسَهُ إِلَى الشَّمْسِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ لِيَكُونَ السَّاجِدُونَ لَهَا مِنَ الْكُفَّارِ كَالسَّاجِدِينَ لَهُ فِي الصُّورَةِ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ لَهُ وَلِشِيعَتِهِ تَسَلُّطٌ ظَاهِرٌ وَتَمَكُّنٌ مِنْ أَنْ يُلْبِسُوا عَلَى الْمُصَلِّينَ صَلَاتَهُمْ فَكُرِهَتِ الصَّلَاةُ حِينَئِذٍ صِيَانَةً لَهَا كَمَا كُرِهَتْ فِي الْأَمَاكِنِ الَّتِي هِيَ مَأْوَى الشَّيْطَانِ (وَيُصَلِّي لَهَا) أَيْ لِلشَّمْسِ (الْكُفَّارُ) وَعِنْدَ مُسْلِمٍ وَأَحْمَدَ وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ (ثُمَّ) أَيْ بَعْدَ ارْتِفَاعِهَا قَدْرَ رُمْحٍ (مَشْهُودَةٌ مَكْتُوبَةٌ) أَيْ تَشْهَدُهَا الْمَلَائِكَةُ وَيَحْضُرُونَهَا وَتَكْتُبُ أَجْرَهَا وَذَلِكَ أَقْرَبُ إِلَى الْقَبُولِ وَحُصُولِ الرَّحْمَةِ (حَتَّى يَعْدِلَ الرُّمْحُ ظِلَّهُ) وَلَفْظُ مُسْلِمٍ حَتَّى يَسْتَقِلَّ الظِّلُّ بِالرُّمْحِ قَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَقُومُ مُقَابِلَهُ فِي الشِّمَالِ لَيْسَ مَائِلًا إِلَى(4/110)
الْمَشْرِقِ وَلَا إِلَى الْمَغْرِبِ وَهَذَا حَالَةَ الِاسْتِوَاءِ انْتَهَى
وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يَكُونُ الظِّلُّ فِي جَانِبِ الرُّمْحِ وَلَمْ يَبْقَ عَلَى الْأَرْضِ مِنْ ظِلِّهِ شَيْءٌ وَهَذَا يَكُونُ فِي بَعْضِ أَيَّامِ السَّنَةِ وَيُقَدَّرُ فِي سَائِرِ الْأَيَّامِ عَلَيْهِ
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ وَهُوَ إِذَا قَامَتِ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ تَزُولَ وَإِذَا تَنَاهَى قِصَرُ الظِّلِّ فَهُوَ وَقْتُ اعْتِدَالِهِ فَإِذَا أَخَذَ فِي الزِّيَادَةِ فَهُوَ وَقْتُ الزَّوَالِ (فَإِنَّ جَهَنَّمَ تُسْجَرُ) بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَالْجِيمِ وَالرَّاءِ أَيْ يُوقَدُ عَلَيْهَا إِيقَادًا بَلِيغًا
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ ذِكْرُ تَسْجِيرِ جَهَنَّمَ وَكَوْنِ الشَّمْسِ بَيْنَ قَرْنَيِ الشَّيْطَانِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي تُذْكَرُ عَلَى سَبِيلِ التَّعْلِيلِ لِتَحْرِيمِ شَيْءٍ أَوْ لِنَهْيٍ عَنْ شَيْءٍ مِنْ أُمُورٍ لَا تُدْرَكُ مَعَانِيهَا مِنْ طَرِيقِ الْحِسِّ وَالْعِيَانِ وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْنَا الْإِيمَانُ بِهَا (حَتَّى تُصَلِّيَ الْعَصْرَ) قَالَ فِي النَّيْلِ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ وَقْتَ النَّهْيِ لَا يَدْخُلُ بِدُخُولِ وَقْتِ الْعَصْرِ وَلَا بصلاة غير المصلي وإنما يُكْرَهُ لِكُلِّ إِنْسَانٍ بَعْدَ صَلَاتِهِ نَفْسِهِ حَتَّى لَوْ أَخَّرَهَا عَنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ لَمْ يُكْرَهِ التَّنَقُّلُ قَبْلَهَا انْتَهَى
قُلْتُ هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنَ الْحَدِيثِ وَحَمَلَهُ الْآخَرُونَ عَلَى وَقْتِ الْغُرُوبِ وَعَلَى وَقْتِ الطُّلُوعِ كَمَا تَقَدَّمَ (لَا أُرِيدُهُ) أَيْ يَكُونُ ذَلِكَ الْخَطَأُ مِنِّي بِلَا اخْتِيَارٍ وَتَعَمُّدٍ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مُخْتَصَرًا بِمَعْنَاهُ وَقَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ
هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ طَرَفًا مِنْهُ فِي أَثْنَاءِ الْحَدِيثِ الطَّوِيلِ
[1278] (لَا تُصَلُّوا بَعْدَ الْفَجْرِ) أَيْ بَعْدَ طُلُوعِهَا (إِلَّا سَجْدَتَيْنِ) أَيْ سُنَّةَ الْفَجْرِ
وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى كَرَاهَةِ التَّطَوُّعِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إِلَّا رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ
قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَهُوَ مِمَّا أَجْمَعَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ كَرِهُوا أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إِلَّا رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ
قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ دَعْوَى التِّرْمِذِيِّ الْإِجْمَاعَ عَلَى الْكَرَاهَةِ لِذَلِكَ عَجِيبٌ
فَإِنَّ الْخِلَافَ فِيهِ مَشْهُورٌ حكاه بن الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ وَقَدْ أَطْنَبَ فِي ذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ انْتَهَى
وَطُرُقُ حَدِيثِ الْبَابِ يُقَوِّي بَعْضُهَا بَعْضًا فَتَنْهَضُ لِلِاحْتِجَاجِ بها على الكراهة
وقد أفرط بن حَزْمٍ فَقَالَ الرِّوَايَاتُ فِي أَنَّهُ لَا(4/111)
صَلَاةَ بَعْدَ الْفَجْرِ إِلَّا رَكْعَتَا الْفَجْرِ سَاقِطَةٌ مَطْرُوحَةٌ مَكْذُوبَةٌ
كَذَا فِي النَّيْلِ قُلْتُ وَإِدْخَالُ الْحَدِيثِ فِي الْبَابِ لَا يَخْلُو عَنْ تَكَلُّفٍ شديد
قال المنذري وأخرجه الترمذي وبن مَاجَهْ مُخْتَصَرًا
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ قُدَامَةَ بْنِ مُوسَى وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ الْكَبِيرِ وَسَاقَ اخْتِلَافَ الرُّوَاةِ فِيهِ
[1279] (إِلَّا صَلَّى بَعْدَ الْعَصْرِ رَكْعَتَيْنِ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ صَلَاةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْوَقْتِ قِيلَ إِنَّهُ مَخْصُوصٌ بِذَلِكَ وَقِيلَ إِنَّ الْأَصْلَ فِيهِ أَنَّهُ صَلَّاهَا يَوْمًا قَضَاءً لِفَائِتِ رَكْعَتَيِ الظُّهْرِ وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا فَعَلَ فِعْلًا وَاظَبَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَقْطَعْهُ فِيمَا بَعْدُ وَقِيلَ إِنَّهُ صَلَّى بَعْدَ الْعَصْرِ تَنْبِيهًا لِأُمَّتِهِ أَنَّ نَهْيَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ وَبَعْدَ الْعَصْرِ عَلَى وَجْهِ الْكَرَاهِيَةِ لَا عَلَى وَجْهِ التَّحْرِيمِ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ
[1280] (وَيُوَاصِلُ) أَيْ فِي الصِّيَامِ بِأَنْ يَصُومَ وَلَا يُفْطِرُ يَوْمَيْنِ أَوْ أَيَّامًا
كَذَا فِي النِّهَايَةِ
قُلْتُ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ عَنْ ذَكْوَانَ عَنْ عَائِشَةَ مُخَالِفَةٌ لِمَا عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بن طاؤس عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ وَهِمَ عُمَرُ إِنَّمَا نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُتَحَرَّى طُلُوعُ الشَّمْسِ وَغُرُوبُهَا
فَإِنَّمَا مُفَادُ كَلَامِهَا فِي رِوَايَةِ ذَكْوَانَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ وَمُفَادُ كَلَامِهَا فِي رِوَايَةِ طاؤس أَنَّ النَّهْيَ يَتَعَلَّقُ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ وَغُرُوبِهَا وَلَا بِفِعْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ وَثَبَتَ عَنْهَا أَنَّهَا كَانَتْ تُصَلِّي بَعْدَ الْعَصْرِ كَمَا عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ أن بن عَبَّاسٍ وَغَيْرَهُ أَرْسَلَ كُرَيْبًا إِلَى عَائِشَةَ يَسْأَلُهَا عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ وَقَالَ قُلْ لَهَا إِنَّا أُخْبِرْنَا أَنَّكِ تُصَلِّيهِمَا
فَتَأْوِيلُ قَوْلِ عَائِشَةَ الَّذِي فِي رِوَايَةِ ذَكْوَانَ أَنَّهَا كَانَتْ تَرَى مُدَاوَمَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمَا مِنْ خَصَائِصِهِ وَكَانَتْ تَقُولُ إِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُصَلِّيهِمَا فِي الْمَسْجِدِ مَخَافَةَ أَنْ يَثْقُلَ عَلَى أُمَّتِهِ وَكَانَ يُحِبُّ مَا خُفِّفَ عَنْهُمْ فَهَذَا يَرْجِعُ إِلَى اسْتَدَامِهِ لَهُمَا لَا إِلَى أَصْلِ الصَّلَاةِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ هَذَا مُلَخَّصٌ مِنْ إِعْلَامِ أَهْلِ الْعَصْرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي الِاحْتِجَاجِ بِحَدِيثِهِ(4/112)
11 - (بَاب الصَّلَاةِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ)
[1281] (صَلُّوا قَبْلَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ) وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ قَالَ فِي الثَّالِثَةِ لِمَنْ شَاءَ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ صَلُّوا قَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَقَالَ فِي الثَّالِثَةِ لِمَنْ شَاءَ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي نُعَيْمٍ صَلُّوا قَبْلَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ قَالَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ لِمَنْ شَاءَ (خَشْيَةَ) وَفِي الْبُخَارِيِّ كَرَاهِيَةَ أَنْ يَتَّخِذَهَا النَّاسُ سُنَّةً وَانْتِصَابُ خَشْيَةٍ وَكَرَاهِيَةٍ عَلَى التَّعْلِيلِ وَمَعْنَى سُنَّةٍ طَرِيقَةٌ لَازِمَةٌ يُوَاظِبُونَ عَلَيْهَا
قَالَ فِي السُّبُلِ أَيْ طَرِيقَةٌ مَأْلُوفَةٌ لَا يَتَخَلَّفُونَ عَنْهَا فَقَدْ يُؤَدِّي إِلَى فَوَاتِ أَوَّلِ الْوَقْتِ وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا تُنْدَبُ الصَّلَاةُ قَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ إِذْ هُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ لَا أَنَّ الْمُرَادَ قَبْلَ الْوَقْتِ لِمَا عُلِمَ مِنْ أَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنِ الصَّلَاةِ فِيهِ
وَفِي رِوَايَةٍ لِابْنِ حِبَّانَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى قَبْلَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ فَثَبَتَ شَرْعِيَّتُهُمَا بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ انْتَهَى وَتَجِيءُ هَذِهِ الرِّوَايَةُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ بِنَحْوِهِ
[1282] (مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْبَزَّازُ) بِزَائِينَ مُعْجَمَتَيْنِ هَكَذَا فِي تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظِ لِلذَّهَبِيِّ
وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ هَذَا الْمَعْرُوفُ بِصَاعِقَةَ وَهَكَذَا فِي تُحْفَةِ الْأَشْرَافِ
وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْبَرْقِيُّ وَهُوَ أَيْضًا مِنْ شُيُوخِ أَبِي دَاوُدَ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْأَصَحُّ
كَذَا فِي غَايَةِ الْمَقْصُودِ (عَنِ الْمُخْتَارِ بْنِ فُلْفُلٍ) بِضَمَّتَيْنِ (قُلْتُ) قَوْلُ الْمُخْتَارِ الرَّاوِي (فَلَمْ يَأْمُرْنَا وَلَمْ يَنْهَنَا) قَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ لَمْ يَأْمُرْ مَنْ لَمْ يُصَلِّ وَلَمْ يَنْهَ مَنْ صَلَّى انْتَهَى
وَفِيهِ تَقْرِيرٌ مِنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي هَذِهِ الرِّوَايَاتِ اسْتِحْبَابُ رَكْعَتَيْنِ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَصَلَاةِ المغرب وفي(4/113)
الْمَسْأَلَةِ مَذْهَبَانِ لِلسَّلَفِ وَاسْتَحَبَّهُمَا جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَلَمْ يَسْتَحِبَّهُمَا أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ وَحُجَّةُ هَؤُلَاءِ أَنَّ اسْتِحْبَابَهُمَا يُؤَدِّي إِلَى تَأْخِيرِ الْمَغْرِبِ عَنْ أَوَّلِ وَقْتِهَا قَلِيلًا
وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ فِي جَوَابِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ وَالْمُخْتَارُ اسْتِحْبَابُهَا لِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ يُؤَدِّي إِلَى تَأْخِيرِ الْمَغْرِبِ فَهَذَا خَيَالٌ مُنَابِذٌ لِلسُّنَّةِ فَلَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ وَمَعَ هَذَا فَهُوَ زَمَنٌ يَسِيرٌ لَا تَتَأَخَّرُ بِهِ الصَّلَاةُ عَنْ أَوَّلِ وَقْتِهَا
وَأَمَّا مَنْ زَعَمَ النَّسْخَ فَهُوَ مُجَازِفٌ لِأَنَّ النَّسْخَ لَا يُصَارُ إِلَيْهِ إِلَّا إِذَا عَجَزْنَا عَنِ التَّأْوِيلِ وَالْجَمْعِ بين الأحاديث وعلمنا التاريخ وليس ها هنا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ انْتَهَى كَلَامُهُ مُخْتَصَرًا
وَأَخْرَجَ الْإِمَامُ الْحَافِظُ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ حَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ عَبْدِ الْوَارِثِ بْنِ سَعِيدٍ حَدَّثَنِي أَبِي حدثنا حسين عن بْنِ بُرَيْدَةَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ الْمُزَنِيَّ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم صَلَّى قَبْلَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قَالَ صَلُّوا قَبْلَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قَالَ عِنْدَ الثَّالِثَةِ لِمَنْ شَاءَ خَافَ أَنْ يَحْسِبَهَا النَّاسُ سُنَّةً
قَالَ الْعَلَّامَةُ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْمَقْرِيزِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ فَإِنَّ عَبْدَ الْوَارِثِ بْنَ عَبْدِ الصَّمَدِ احْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ وَالْبَاقُونَ احْتَجَّ بِهِمُ الْجَمَاعَةُ
وَقَدْ صح في بن حِبَّانَ حَدِيثٌ آخَرُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ
قَالَ بن حِبَّانَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ عَبْدِ الْوَارِثِ حَدَّثَنِي أَبِي حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ الْمُعَلَّمُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ الْمُزَنِيَّ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى قَبْلَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ
انْتَهَى كَلَامُ الْمَقْرِيزِيِّ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ
[1283] (بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ) الْمُرَادُ بِالْأَذَانَيْنِ الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ تَغْلِيبًا
وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ وَأَنَسٍ يَدُلُّ عَلَى اسْتِحْبَابِ هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ بِخُصُوصِهَا وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ بِعُمُومِهَا
وَأَخْرَجَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم ما مِنْ صَلَاةٍ مَفْرُوضَةٍ إِلَّا وَبَيْنَ يَدَيْهَا سَجْدَتَانِ يَعْنِي رَكْعَتَيْنِ كَذَا فِي غَايَةِ الْمَقْصُودِ مُخْتَصَرًا
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ
[1284] (مَا رَأَيْتُ أَحَدًا) الْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُؤَلِّفُ ثُمَّ الْمُنْذِرِيُّ فَهُوَ صَالِحُ الْإِسْنَادِ عِنْدَهُمَا(4/114)
وصححه العيني وبن الهمام
وشعيب الراوي عن طاووس هُوَ شُعَيْبٌ بَيَّاعُ الطَّيَالِسَةِ
قَالَ أَبُو زُرْعَةَ لا بأس به وذكره بن حبان في الثقات وروى عنه وكيع وبن أَبِي غُنْيَةَ وَعُمَرُ بْنُ عُبَيْدٍ الطَّنَافِسِيُّ وَمُوسَى بن إسماعيل قاله العيني
وقال بن حَزْمٍ سَنَدُهُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ عَنْ أَبِي شُعَيْبٍ أَوْ شُعَيْبٍ وَلَا يُدْرَى مَنْ هُوَ انْتَهَى
وَعِنْدِي أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ وَهْمٌ مِنْ شعيب الراوي عن طاووس وتفرد بروايته عن طاووس وَكَيْفَ تَصِحُّ هَذِهِ الرِّوَايَةُ وَقَدْ رَوَى جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ وَأَنَسٍ وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ وَغَيْرِهِمْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَذِنَ فِي ذَلِكَ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ وَفُعِلَ فِي عَهْدِهِ بِحَضْرَتِهِ فَلَمْ يَنْهَ عَنْهُ
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ أَنَّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ قَبْلَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ فَمِنَ الصَّحَابَةِ أَنَسٌ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَأَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ وَأَبُو الدَّرْدَاءِ وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَغَيْرُهُمْ وَرِوَايَةُ هَؤُلَاءِ مَرْوِيَّةٌ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ لِمُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ كَذَا فِي الشَّرْحِ (هو) أي الراوي عن طاووس (شُعَيْبٌ) لَا أَبُو شُعَيْبٍ (وَهِمَ شُعْبَةُ) الرَّاوِي عَنْ شُعَيْبٍ (فِي اسْمِهِ) فَقَالَ أَبُو شُعَيْبٍ بِالْكُنْيَةِ وَإِنَّمَا هُوَ شُعَيْبٌ فَشُعْبَةُ وَهِمَ فِيهِ
وَعَلَى كُلِّ حَالٍ هَذَا الرَّاوِي لَيْسَ بِذَاكَ الْقَوِيِّ الَّذِي يُعَارَضُ حَدِيثُهُ بِحَدِيثِ الشَّيْخَيْنِ الَّذِي هُوَ فِي أَعْلَى مَرْتَبَةِ الصِّحَّةِ
وَنَازَعَ فِي هذا الشيخ بن الْهُمَامِ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ وَكَلَامُهُ بَاطِلٌ وَفَاسِدٌ لا يعبأ به
وقد أشيع الْكَلَامَ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ صَاحِبُ الدِّرَاسَاتِ فَأَجَادَ وَأَحْسَنَ
كَذَا فِي الشَّرْحِ لِأَخِينَا أَبِي الطَّيِّبِ
2 - (بَاب صَلَاةِ الضُّحَى)
[1285] قَالَ الْخَطَّابِيُّ الْمُرَادُ وَقْتُ الضُّحَى وَهُوَ صَدْرُ النَّهَارِ حِينَ تَرْتَفِعُ الشَّمْسُ وتلقي شعاعها انتهى
قال القارىء قِيلَ التَّقْدِيرُ صَلَاةُ وَقْتِ الضُّحَى وَالظَّاهِرُ أَنَّ إِضَافَةَ الصَّلَاةِ إِلَى الضُّحَى بِمَعْنَى فِي كَصَلَاةِ اللَّيْلِ وَصَلَاةِ النَّهَارِ فَلَا حَاجَةَ إِلَى الْقَوْلِ بِحَذْفِ الْمُضَافِ وَقِيلَ مِنْ بَابِ إِضَافَةِ الْمُسَبَّبِ كَصَلَاةِ الظُّهْرِ
وَقَالَ مَيْرَكُ الضَّحْوَةُ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ ارْتِفَاعُ النَّهَارِ وَالضُّحَى بِالضَّمِّ وَالْقَصْرِ شُرُوقُهُ وَبِهِ سُمِّيَ صَلَاةُ الضُّحَى وَالضَّحَاءُ بِالْفَتْحِ وَالْمَدِّ هُوَ إِذَا عَلَتِ الشَّمْسُ إِلَى زَيْغِ الشَّمْسِ فَمَا بَعْدَهُ وَقِيلَ وَقْتُ الضُّحَى عِنْدَ مضي(4/115)
رُبُعِ الْيَوْمِ إِلَى قُبَيْلِ الزَّوَالِ وَقِيلَ هَذَا وَقْتُهُ الْمُتَعَارَفُ وَأَمَّا وَقْتُهُ فَوَقْتُ صَلَاةِ الْإِشْرَاقِ وَقِيلَ الْإِشْرَاقُ أَوَّلُ الضُّحَى
قَالَ النَّوَوِيُّ وَإِنَّ أقلها ركعتان وأكملها ثمان رَكَعَاتٍ وَأَوْسَطَهَا أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ أَوْ سِتٌّ
(يَحْيَى بْنُ عُقَيْلٍ) بِضَمِّ الْعَيْنِ قَالَهُ السُّيُوطِيُّ (عَلَى كُلِّ سُلَامَى) هُوَ بِضَمِ السِّينِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ وَأَصْلُهُ عِظَامُ الْأَصَابِعِ وَسَائِرِ الْكَفِّ ثُمَّ اسْتُعْمِلَ فِي جَمِيعِ عِظَامِ الْبَدَنِ وَمَفَاصِلِهِ
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ خُلِقَ الْإِنْسَانُ عَلَى سِتِّينَ وَثَلَاثِمِائَةِ مِفْصَلٍ عَلَى كُلِّ مِفْصَلٍ صَدَقَةٌ قَالَهُ النَّوَوِيُّ وَفِي النِّهَايَةِ السُّلَامَى جَمْعُ سُلَامِيَةٍ وَهِيَ الْأُنْمُلَةُ مِنْ أَنَامِلِ الْأَصَابِعِ وَقِيلَ وَاحِدُهُ وَجَمْعُهُ سَوَاءٌ وَيُجْمَعُ عَلَى سُلَامَيَاتٍ وَهِيَ الَّتِي بَيْنَ كُلِّ مِفْصَلَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الْإِنْسَانِ وَقِيلَ السُّلَامَى كُلُّ عَظْمٍ مُجَوَّفٍ مِنْ صِغَارِ الْعِظَامِ الْمَعْنَى عَلَى كل عظم من عظام بن آدَمَ صَدَقَةٌ انْتَهَى
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ إِنَّ كُلَّ عُضْوٍ وَمِفْصَلٍ مِنْ بَدَنِهِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ
انْتَهَى (وَإِمَاطَةُ الْأَذَى) أَيْ إِزَالَةُ الْأَذَى (وَبُضْعَةُ أَهْلِهِ) الْبُضْعُ بِضَمِّ الْبَاءِ هُوَ الْجِمَاعُ وَالْمَعْنَى مُبَاشَرَتُهُ مع أهله (ويجزىء من ذلك كله) ويجزىء بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَضَمِّهِ فَالضَّمُّ مِنَ الْإِجْزَاءِ وَالْفَتْحُ من جزى يجزئ أَيْ كَفَى وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى لَا تَجْزِي نفس وَفِي الْحَدِيثِ لَا يُجْزِئُ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى عِظَمِ فَضْلِ الضُّحَى وَكَبِيرِ مَوْقِعِهَا وَأَنَّهَا تَصِحُّ رَكْعَتَيْنِ وَالْحَثُّ عَلَى الْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا
وَفِي الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يُصَلِّي الضُّحَى إِلَّا أَنْ يَجِيءَ مِنْ مَغِيبِهِ وَأَنَّهَا مَا رَأَتْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي سبحة الضحى قط قالت وإني لَأَسْبَحُهَا وَإِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيَدَعَ الْعَمَلَ وَهُوَ يَجِبُ أَنْ يُعْمَلَ بِهِ خَشْيَةَ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ النَّاسُ فَيُفْرَضُ عَلَيْهِمْ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهَا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي الضُّحَى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَيَزِيدُ مَا يَشَاءُ وَفِي رِوَايَةٍ مَا شَاءَ اللَّهُ وَفِي حَدِيثِ أُمِّ هَانِئٍ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم صلى ثمان رَكَعَاتٍ وَفِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وأبي الدارداء رَكْعَتَانِ وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ الْمَرْوِيَّةُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ كُلُّهَا مُتَّفِقَةٌ لَا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمَا عِنْدَ أَهْلِ التَّحْقِيقِ وَحَاصِلُهَا أَنَّ الضُّحَى سُنَّةٌ مُتَأَكِّدَةٌ وَأَنَّ أَقَلَّهَا رَكْعَتَانِ وَأَكْمَلَهَا ثَمَانِ رَكَعَاتٍ وَبَيْنَهُمَا أَرْبَعٌ أَوْ سِتٌّ كِلَاهُمَا أَكْمَلُ مِنْ رَكْعَتَيْنِ وَدُونَ ثَمَانٍ وَأَمَّا الْجَمْعُ بَيْنَ حَدِيثَيْ عَائِشَةَ فِي نَفْيِ صَلَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الضُّحَى وَإِثْبَاتِهَا فَهُوَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّيهَا بَعْضَ الْأَوْقَاتِ لِفَضْلِهَا وَيَتْرُكُهَا فِي بِعْضِهَا خَشْيَةَ(4/116)
أَنْ تُفْرَضَ كَمَا ذَكَرَتْهُ عَائِشَةُ وَيُتَأَوَّلُ قَوْلُهَا مَا كَانَ يُصَلِّيهَا إِلَّا أَنْ يَجِيءَ مِنْ مَغِيبِهِ عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ مَا رَأَيْتُهُ كَمَا قَالَتْ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي سُبْحَةَ الضُّحَى وَسَبَبُهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا كَانَ يَكُونُ عِنْدَ عَائِشَةَ فِي وَقْتِ الضُّحَى إِلَّا فِي نَادِرٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِي ذَلِكَ مُسَافِرًا وَقَدْ يَكُونُ حَاضِرًا وَلَكِنَّهُ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ فِي موضع آخر وإذا كَانَ عِنْدَ نِسَائِهِ فَإِنَّمَا كَانَ لَهَا يَوْمٌ مِنْ تِسْعَةٍ فَيَصِحُّ قَوْلُهَا مَا رَأَيْتُهُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَفِي الْأَلْفَاظِ اخْتِلَافٌ (وَحَدِيثُ عَبَّادٍ) مِنْ رِوَايَةِ أَحْمَدَ بْنِ مَنِيعٍ عَنْهُ عَنْ وَاصِلٍ (أَتَمُّ) مِنْ حَدِيثِ مُسَدَّدٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ وَاصِلٍ (وَلَمْ يُذْكَرْ مُسَدَّدٌ) فِي رِوَايَتِهِ (الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ) كَمَا ذَكَرَهُ أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ (زَادَ) أَيْ مُسَدَّدٌ فِي رِوَايَتِهِ (وَقَالَ كَذَا وَكَذَا) هَكَذَا أُبْهِمَ وَلَمْ يَذْكُرِ الْمُشَارَ إِلَيْهِ وَصَرَّحَ أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ به وهو ذكر الأمر والنهي (وزاد بن مَنِيعٍ) دُونَ مُسَدَّدٍ (يَقْضِي شَهْوَتَهُ) أَيْ يُجَامِعُ أَهْلَهُ لِقَضَاءِ شَهْوَتِهِ (قَالَ) النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَرَأَيْتَ) أَيْ أَخْبِرْنِي (لَوْ وَضَعَهَا) أي شهوته (في غير حلها) وهو الزنى (ألم يكن يأثم) ويرتكب المعصية
[1287] (عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ الْجُهَنِيِّ) مَنْسُوبٌ إِلَى قَبِيلَةِ جُهَيْنَةَ مُصَغَّرًا (مَنْ قَعَدَ) أَيِ اسْتَمَرَّ (فِي مُصَلَّاهُ) مِنَ الْمَسْجِدِ أَوِ الْبَيْتِ مُشْتَغِلًا بِالذِّكْرِ أَوِ الْفِكْرِ أَوْ مُفِيدًا لِلْعِلْمِ أَوْ مُسْتَفِيدًا وَطَائِفًا بِالْبَيْتِ (حِينَ يَنْصَرِفُ) أَيْ يُسَلِّمُ (مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ حَتَّى يُسَبِّحَ) أَيْ إِلَى أَنْ يُصَلِّيَ(4/117)
(رَكْعَتَيِ الضُّحَى) أَيْ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَارْتِفَاعِهَا (لَا يَقُولُ) أَيْ فِيمَا بَيْنَهُمَا (إِلَّا خَيْرًا) أَيْ وَهُوَ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الثَّوَابُ وَاكْتَفَى بِالْقَوْلِ عَنِ الْفِعْلِ (غُفِرَ لَهُ خَطَايَاهُ) أَيِ الصغائر ويحتمل الكبائر قاله علي القارىء
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ سَهْلُ بْنُ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ ضَعِيفٌ وَالرَّاوِي عَنْهُ زَبَّانُ بْنُ فَايِدٍ الْحَمْرَاوِيُّ ضَعِيفٌ أَيْضًا وَمُعَاذُ بْنُ أَنَسٍ الْجُهَنِيُّ لَهُ صُحْبَةٌ مَعْدُودٌ فِي أَهْلِ مِصْرَ وَالشَّامِ وَزَبَّانُ بِفَتْحِ الزَّايِ وَبَعْدَهَا بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ مُشَدَّدَةٌ مَفْتُوحَةٌ وَبَعْدَ الْأَلِفِ نُونٌ وَفَايِدٌ بِالْفَاءِ وَبَعْدَ الْأَلِفِ يَاءٌ آخِرُ الْحُرُوفِ وَدَالٌ مُهْمَلَةٌ
[1288] (صَلَاةٌ فِي إِثْرِ صَلَاةٍ) أَيْ صَلَاةٌ تَتْبَعُ صَلَاةً وَتَتَّصِلُ بِهَا فَرْضًا أَوْ سُنَّةً أَوْ نَفْلًا (لَا لَغْوَ بَيْنَهُمَا) أَيْ لَيْسَ بَيْنَهُمَا كَلَامٌ بَاطِلٌ وَلَا لَغَطٌ وَاللَّغْوُ اخْتِلَاطُ الْكَلَامِ (كِتَابٌ فِي عِلِّيِّينَ) أَيْ مَكْتُوبٌ وَمَقْبُولٌ تَصْعَدُ بِهِ الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ إِلَى عِلِيِّينَ لِكَرَامَةِ الْمُؤْمِنِ وَعَمَلِهِ الصَّالِحِ قَالَهُ الْمُنَاوِيُّ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ قَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى الْقَاسِمِ هَذَا وَاخْتِلَافُ الْأَئِمَّةِ فِي الِاحْتِجَاجِ بحديثه
[1289] (ياابن آدَمَ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِحَذْفِ حَرْفِ النِّدَاءِ (لَا تُعْجِزْنِي) يُقَالُ أَعْجَزَهُ الْأَمْرُ إِذَا فَاتَهُ أَيْ لَا تُفَوِّتْنِي مِنَ الْعِبَادَةِ
قَالَ الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ أَيْ تُفِتْنِي بِأَنْ لَا تَفْعَلَ ذَلِكَ فَيَفُوتَكَ كِفَايَتِي آخِرَ النَّهَارِ (فِي أَوَّلِ نَهَارِكِ) يَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهَا فَرْضُ الصُّبْحِ وَرَكْعَتَا الْفَجْرِ أَوْ أُرِيدَ بِالْأَرْبَعِ الْمَذْكُورَةِ صَلَاةُ الضُّحَى وَإِلَيْهِ جَنَحَ الْمُؤَلِّفُ وَعَلَيْهِ عَمِلَ النَّاسُ (أَكْفِكَ آخِرَهُ) يَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ كِفَايَتُهُ مِنَ الْآفَاتِ وَالْحَوَادِثِ الضَّارَّةِ وَأَنْ يُرَادَ حِفْظُهُ مِنَ الذُّنُوبِ وَالْعَفْوِ عَمَّا وَقَعَ مِنْهُ فِي ذَلِكَ أَوْ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ قَالَهُ السُّيُوطِيُّ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَاسْتُدِلَّ بِالْحَدِيثِ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الضُّحَى وَلَكِنَّهُ لَا يَتِمُّ إِلَّا عَلَى تَسْلِيمِ أَنَّهُ أُرِيدَ بِالْأَرْبَعِ الْمَذْكُورَةِ صَلَاةُ الضُّحَى
وَقَدْ قِيلَ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهَا فَرْضُ الصُّبْحِ وَرَكْعَتَا الْفَجْرِ لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي أَوَّلُ النَّهَارِ حَقِيقَةً وَيَكُونُ مَعْنَاهُ كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ صَلَّى(4/118)
الصُّبْحَ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ قَالَ الْعِرَاقِيُّ وهذا ينبىء عَلَى أَنَّ النَّهَارَ هَلْ هُوَ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَوْ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَالْمَشْهُورُ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ جُمْهُورِ أَهْلِ اللُّغَةِ وَعُلَمَاءِ الشَّرِيعَةِ أَنَّهُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ
قَالَ وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ النَّهَارُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَلَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يُرَادَ بِهَذِهِ الْأَرْبَعِ الرَّكَعَاتُ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ لِأَنَّ ذَلِكَ الْوَقْتَ مَا خَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ أَوَّلَ النَّهَارِ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنَ الْحَدِيثِ وَعَمَلِ النَّاسِ فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِهَذِهِ الْأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ صَلَاةَ الضُّحَى انْتَهَى
وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي وَقْتِ دُخُولِ الضُّحَى فَرَوَى النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ وَقْتَ الضُّحَى يَدْخُلُ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهَا إِلَى ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ وَذَهَبَ الْبَعْضُ مِنْهُمْ إِلَى أَنَّ وَقْتَهَا يَدْخُلُ مِنَ الِارْتِفَاعِ وَبِهِ جزم الرافعي وبن الرِّفْعَةِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَأَبِي ذَرٍّ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ
وَفِي إِسْنَادِهِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ وَفِيهِ مَقَالٌ وَمِنَ الْأَئِمَّةِ مَنْ يُصَحِّحُ حَدِيثَهُ عَنِ الشَّامِيِّينَ وَهَذَا الْحَدِيثُ شَامِيُّ الْإِسْنَادِ وَحَدِيثُ أَبِي هَمَّارٍ قَدِ اخْتَلَفَ الرُّوَاةُ فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا وَقَدْ جُمِعَتْ طُرُقُهُ فِي جُزْءٍ مُفْرَدٍ
وَحَمَلَ الْعُلَمَاءُ هَذِهِ الرَّكَعَاتِ عَلَى صَلَاةِ الضُّحَى
وَقَالَ بَعْضُهُمُ النَّهَارُ يَقَعُ عِنْدَ أَكْثَرِهِمْ عَلَى مَا بَيْنَ طُلُوعِ الشَّمْسِ إِلَى غُرُوبِهَا وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ فِي بَابِ صَلَاةِ الضُّحَى وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ نُعَيْمَ بْنَ هَمَّارٍ روى عن النبي صلى الله عليه وسلم حَدِيثًا وَاحِدًا وَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ
وَقَدْ وَقَعَ لَنَا أَحَادِيثُ مِنْ رِوَايَتِهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُ هَذَا
وَقَدْ قِيلَ فِي اسْمِ أَبِيهِ هَبَّارٌ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَهَدَّارٌ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَهَمَّامٌ بِمِيمَيْنِ وَقِيلَ خَمَارٌ بِالْخَاءِ الْمَفْتُوحَةِ الْمُعْجَمَةِ وَقِيلَ حِمَارٌ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ الْمَكْسُورَةِ انْتَهَى
[1290] (صَلَّى سُبْحَةَ الضُّحَى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ) قَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا أَوْضَحُ مِنْ حَدِيثِهَا الَّذِي فِي الصَّحِيحِ وَيُبَيِّنُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ صَلَاةُ الضُّحَى وَبِهِ يَنْدَفِعُ تَوَقُّفُ الْقَاضِي عِيَاضٍ وَغَيْرِهِ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِهِ قَائِلِينَ أَنَّهَا أَخْبَرَتْ عَنْ وَقْتِ صَلَاتِهِ لَا عَنْ نِيَّتِهَا فَلَعَلَّهَا كَانَتْ صَلَاةَ شُكْرٍ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى الْفَتْحِ
قَالَ إِسْنَادُ أَبِي دَاوُدَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ انْتَهَى (قَالَ أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ) مَقْصُودُهُ ذِكْرُ اخْتِلَافِ لَفْظِ أَحْمَدَ بْنِ صَالِحٍ وَأَحْمَدَ بْنِ عَمْرٍو فَذَكَرَ أَحْمَدُ بْنُ(4/119)
صَالِحٍ لَفْظَهُ سُبْحَةَ الضُّحَى أَيْ صَلَّى يَوْمَ الفتح سبحة الضحى ثمان ركعات ولم يذكره بن السرح بل قال صلى يوم الفتح ثمان ركعات
قال المنذري أخرجه بن مَاجَهْ
[1291] (يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ اغْتَسَلَ فِي بَيْتِهَا) قال الحافظ بن حَجَرٍ ظَاهِرُهُ أَنَّ الِاغْتِسَالَ وَقَعَ فِي بَيْتِهَا وَوَقَعَ فِي الْمُوَطَّأِ وَمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُرَّةَ عَنْ أُمِّ هَانِئٍ أَنَّهَا ذَهَبَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِأَعْلَى مكة فوجدته يغتسل وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ ذَلِكَ تَكَرَّرَ مِنْهُ
وَيُؤَيِّدُهُ ما رواه بن خُزَيْمَةَ مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ عَنْ أُمِّ هَانِئٍ وَفِيهِ أَنَّ أَبَا ذَرٍّ سَتَرَهُ لَمَّا اغْتَسَلَ وَأَنَّ فِي رِوَايَةِ أَبِي مُرَّةَ عَنْهَا أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَهُ هِيَ الَّتِي سَتَرَتْهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ نَزَلَ فِي بَيْتِهَا بِأَعْلَى مَكَّةَ وَكَانَتْ هِيَ فِي بَيْتٍ آخَرَ بِمَكَّةَ فَجَاءَتْ إِلَيْهِ فَوَجَدَتْهُ يَغْتَسِلُ فَيَصِحُّ الْقَوْلَانِ وَأَمَّا السِّتْرُ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَحَدَهُمَا سَتَرُهُ فِي ابْتِدَاءِ الْغُسْلِ والآخر في أثنائه والله أعلم (وصلى ثمان رَكَعَاتٍ) زَادَ كُرَيْبٌ عَنْ أُمِّ هَانِئٍ فِي الرِّوَايَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ وَكَذَا أخرجه بن خُزَيْمَةَ أَيْضًا
وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ تَمَسَّكَ به في صلاتها موصولة سواء صلى ثمان رَكَعَاتٍ أَوْ أَقَلَّ
وَفِي الطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ بن أَبِي أَوْفَى أَنَّهُ صَلَّى الضُّحَى رَكْعَتَيْنِ فَسَأَلَتْهُ امْرَأَتُهُ فَقَالَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى يَوْمَ الْفَتْحِ رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ رَأَى مِنْ صَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ وَرَأَتْ أُمَّ هَانِئٍ بقية الثمان وَهَذَا يُقَوِّي أَنَّهُ صَلَّاهَا مَفْصُولَةً وَاللَّهُ أَعْلَمُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ
[1292] (فَقَالَتْ لَا إِلَّا أَنْ يَجِيءَ مِنْ مَغِيبِهِ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْغَيْنِ أَيْ مِنْ سَفَرِهِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ أَخَذَ قَوْمٌ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ فَلَمْ يَرَوْا صَلَاةَ الضُّحَى وَقَالُوا إِنَّ الصَّلَاةَ الَّتِي صَلَّاهَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(4/120)
يَوْمَ الْفَتْحِ هِيَ سُنَّةُ الْفَتْحِ
قَالَ وَهَذَا التَّأَوُّلُ لَا يَدْفَعُ صَلَاةَ الضُّحَى لِتَوَاتُرِ الرِّوَايَاتِ بِهَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَمَعْنَى حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّهُ مَا صَلَّاهَا مُعْلِنًا بِهَا
وَمَذْهَبُ السَّلَفِ الِاسْتِتَارُ بِهَا وَتَرْكُ إِظْهَارِهَا
قَالَ وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ لِلتَّرْغِيبِ فِيهَا لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُوصِي بِعَمَلٍ إِلَّا وَفِي فِعْلِهِ جَزِيلُ الْأَجْرِ وَالثَّوَابِ انْتَهَى (يَقْرِنُ) أَيْ يَجْمَعُ (بَيْنَ السُّوَرِ) أَيْ بَيْنَ سُوَرِ الْقُرْآنِ فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ (مِنَ الْمُفَصَّلِ) وَهُوَ السُّبْعُ الْأَخِيرُ مِنَ الْقُرْآنِ
قَالَ الطِّيبِيُّ أَوَّلُهُ سُورَةُ الْحُجُرَاتِ لِأَنَّ سُوَرَهُ قِصَارٌ كُلُّ سُورَةٍ كَفَصْلٍ مِنَ الْكَلَامِ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مُخْتَصَرًا وَمُطَوَّلًا
[1293] (مَا سَبَّحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ النَّوَوِيُّ أَيْ مَا يُدَاوِمُ عَلَيْهَا فَيَكُونُ نَفْيًا لِلْمُدَاوَمَةِ لَا لِأَصْلِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَأَمَّا ما صح عن بن عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ فِي الضُّحَى هِيَ بِدْعَةٌ فَمَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ صَلَاتَهَا فِي الْمَسْجِدِ وَالتَّظَاهُرُ بِهَا كَمَا كَانُوا يَفْعَلُونَهُ بِدْعَةٌ لَا أَنَّ أَصْلَهَا فِي الْبُيُوتِ وَنَحْوِهَا مَذْمُومٌ
أَوْ يُقَالُ إن بن عُمَرَ لَمْ يَبْلُغْهُ فِعْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الضُّحَى وَأَمْرُهُ بِهَا وَكَيْفَ كَانَ فَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى اسْتِحْبَابِ الضُّحَى (مَا سَبَّحَ) أَيْ مَا صَلَّى (سُبْحَةَ الضُّحَى) بِضَمِّ السِّينِ أَيْ نَافِلَةَ الضُّحَى (وَإِنْ كَانَ) مُخَفَّفَةٌ مِنْ مُثَقَّلَةٍ (لَيَدَعَ) بِفَتْحِ اللَّامِ وَفَتْحِ الدَّالِ أَيْ يَتْرُكَ (أَنْ يَعْمَلَ بِهِ) بِفَتْحِ الْيَاءِ أَيْ يَعْمَلَهُ
وَفِيهِ بَيَانُ كَمَالِ شَفَقَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَأْفَتِهِ بِأُمَّتِهِ
وَفِيهِ إِذَا تَعَارَضَتْ مَصَالِحُ قُدِّمَ أَهَمُّهَا انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
[1294] (فَإِذَا طَلَعَتْ قَامَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ لِصَلَاةِ الْإِشْرَاقِ أَيْ لِلصَّلَاةِ وَهِيَ الضَّحْوَةُ الصُّغْرَى يُقَالُ لَهَا الْإِشْرَاقُ وَالْقِيَامُ إِلَى الصَّلَاةِ هُوَ ظَاهِرٌ مِنْ تَبْوِيبِ الْمُؤَلِّفِ
وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ حَسَنًا هُوَ بِفَتْحِ السِّينِ وَبِالتَّنْوِينِ أَيْ طُلُوعًا حَسَنًا أَيْ مُرْتَفِعَةً
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ بنحوه(4/121)
13 - (بَابُ صَلَاةِ النَّهَارِ)
[1295] (صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مثنى) قال الخطابي روي هذا عن بن عمر نافع وطاووس وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ لَمْ يَذْكُرْ فِيهَا أَحَدٌ صَلَاةَ النَّهَارِ وَإِنَّمَا هُوَ صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى إِلَّا أَنَّ سَبِيلَ الزِّيَادَاتِ أَنْ تُقْبَلَ
وَقَدْ قَالَ بِهَذَا فِي النَّوَافِلِ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَقَدْ صَلَّى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الضُّحَى يوم الفتح ثمان رَكَعَاتٍ سَلَّمَ عَنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ وَصَلَاةُ الْعِيدِ رَكْعَتَانِ وَصَلَاةُ الِاسْتِسْقَاءِ رَكْعَتَانِ وَهَذِهِ كُلُّهَا مِنْ صَلَاةِ النَّهَارِ
وَقَالَ فِي النَّيْلِ
وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ فِي صَلَاةِ تَطَوُّعِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَنْ يَكُونَ مَثْنَى مَثْنَى إِلَّا مَا خُصَّ مِنْ ذَلِكَ إِمَّا مِنْ جَانِبِ الزِّيَادَةِ كَحَدِيثِ عَائِشَةَ صَلَّى أَرْبَعًا فَلَا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ ثُمَّ صَلَّى أَرْبَعًا فَلَا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ وَإِمَّا فِي جَانِبِ النُّقْصَانِ كأحاديث الإيثار بركعة
قال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وبن مَاجَهْ
قَالَ التِّرْمِذِيُّ اخْتَلَفَ أَصْحَابُ شُعْبَةَ فِي حديث بن عُمَرَ فَرَفَعَهُ بَعْضُهُمْ وَوَقَفَهُ بَعْضُهُمْ وَقَالَ الصَّحِيحُ ما روي عن بْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى وَرَوَى الثِّقَاتُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ صَلَاةَ النَّهَارِ
وَقَالَ النَّسَائِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ عِنْدِي خَطَأٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَقَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ هَكَذَا جَاءَ الْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الثَّابِتُ وَقَدْ يُرْوَى عَنْهُ خَبَرٌ يُثْبِتُ أَهْلُ الْحَدِيثِ مِثْلَهُ فِي صَلَاةِ النَّهَارِ
وَذَكَرَ حَدِيثَ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ هَذَا
وَسُئِلَ الْبُخَارِيُّ عَنْ حَدِيثِ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ أَصَحِيحُ هُوَ فَقَالَ نَعَمْ
وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ مَا أَدْرَكْتُ فُقَهَاءَ أَرْضِنَا إِلَّا يُسَلِّمُونَ فِي كُلِّ اثْنَتَيْنِ مِنَ النَّهَارِ وَذَكَرَ فِي الْبَابِ أَحَادِيثَ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ
وَحَكَى ذَلِكَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ
ثُمَّ ذَكَرَ الْمُنْذِرِيُّ كَلَامَ الْخَطَّابِيِّ الَّذِي تَقَدَّمَ
[1296] (الصَّلَاةُ مَثْنَى مَثْنَى) قَالَ الْعِرَاقِيُّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يُسَلِّمَ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ(4/122)
وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ يَتَشَهَّدُ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ وَإِنْ جَمَعَ رَكَعَاتٍ بِتَسْلِيمٍ وَاحِدٍ فَيَكُونُ قَوْلُهُ عَقِبَهُ (أَنْ تَشَهَّدَ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ) تَفْسِيرُ الْمَعْنَى مَثْنَى مَثْنَى (وَأَنْ تَبْأَسَ) أَيْ تُظْهِرُ بُؤْسًا وَفَاقَةً
قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ إِظْهَارُ الْبُؤْسِ وَالْفَاقَةِ
وَقَالَ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيِّ أَيْ تُظْهِرَ خُضُوعًا وَفَقْرًا
قَالَ الْخَطَّابِيُّ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ يُغَلِّطُونَ شُعْبَةَ فِي رِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ أَخْطَأَ شُعْبَةُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فِي مَوَاضِعَ قَالَ عَنْ أَنَسِ بْنِ أَبِي أَنَسٍ وَإِنَّمَا هُوَ عِمْرَانُ بْنُ أَبِي أَنَسٍ وَقَالَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ وَإِنَّمَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ وَرَبِيعَةُ بْنُ الْحَارِثِ هو بن الْمُطَّلِبِ فَقَالَ هُوَ عَنِ الْمُطَّلِبِ
وَالْحَدِيثُ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الْفَضْلَ
قُلْتُ وَرَوَاهُ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي أَنَسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الصَّحِيحُ
وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِثْلَ قَوْلِ الْبُخَارِيِّ وَخَطَّأَ شُعْبَةَ وَصَوَّبَ اللَّيْثَ بْنَ سَعْدٍ وَكَذَلِكَ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إسحاق بن خزيمة انتهى
(وتمسكن) من المسكنة وَقِيلَ مِنَ السُّكُونِ وَالْوَقَارِ وَالْمِيمُ مَزِيدَةٌ فِيهَا قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ أَيْ تَظْهَرُ سُكُونًا وَوَقَارًا فَمِيمُهُ زَائِدٌ
وَقَالَ الْعِرَاقِيُّ مُضَارِعٌ حُذِفَ مِنْهُ أَحَدُ التَّائَيْنِ (وَتُقْنِعَ بِيَدَيْكَ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ إِقْنَاعُ الْيَدَيْنِ رفعهما في الدعاء المسألة انتهى
وجعل بن الْعَرَبِيِّ هَذَا الرَّفْعَ بَعْدَ الصَّلَاةِ فِيهَا
قَالَ الْعِرَاقِيُّ لَا يَتَعَيَّنُ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ الرَّفْعُ فِي قُنُوتِ الصَّلَاةِ فِي الصُّبْحِ وَالْوِتْرِ انتهى (وتقول اللهم اللهم) نداء معناه ياالله أَيْ أَعْطِنِي كَذَا وَكَذَا (فَهِيَ خِدَاجٌ) أَيْ نُقْصَانٌ فِي الْأَجْرِ وَالْفَضِيلَةِ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ البخاري وبن ماجه
وفي حديث بن مَاجَهْ الْمُطَّلِبُ بْنُ أَبِي وَدَاعَةَ وَهُوَ وَهْمٌ وَقِيلَ هُوَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ بْنُ رَبِيعَةَ وَقِيلَ الصَّحِيحُ فِيهِ رَبِيعَةُ بْنُ الْحَارِثِ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ
وَأَخْطَأَ فِيهِ شُعْبَةُ فِي مَوَاضِعَ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ إِنَّهُ لَا يَصِحُّ انْتَهَى
قُلْتُ هَكَذَا فِي نُسْخَتَيْنِ مِنَ الْمُنْذِرِيِّ وَلَيْسَ الْحَدِيثُ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ أَصْلًا
وَقَالَ الْمِزِّيُّ فِي الْأَطْرَافِ حَدِيثُ الصَّلَاةُ مَثْنَى مَثْنَى أَنْ تَشْهَدَ فِي كُلِّ ركعتين أخرجه أبو داود والنسائي وبن مَاجَهْ انْتَهَى
وَهَذَا وَهْمٌ مِنَ الْمُنْذِرِيِّ جَرَى الْقَلَمُ بِلَفْظِ الْبُخَارِيِّ مَكَانَ النَّسَائِيِّ كَذَا فِي الشرح(4/123)
14 - (باب صلاة التسبيح)
[1297] (ياعماه) إِشَارَةٌ إِلَى مَزِيدِ اسْتِحْقَاقِهِ وَهُوَ مُنَادَى مُضَافٌ إِلَى يَاءِ الْمُتَكَلِّمِ فَقُلِبَتْ يَاؤُهُ أَلِفًا وَأُلْحِقَتْ بِهَاءِ السَّكْتِ كَيَا غُلَامَاهُ (أَلَا أَمْنَحُكَ) أَيْ أَلَا أُعْطِيكَ مِنْحَةً
قَالَ فِي الْمُغْرِبِ الْمَنْحُ أَنْ يُعْطِيَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ شَاةً أَوْ نَاقَةً لِيَشْرَبَ لَبَنَهَا ثُمَّ يَرُدَّهَا إِذَا ذَهَبَ دَرُّهَا هَذَا أَصْلُهُ ثُمَّ كَثُرَ اسْتِعْمَالُهُ حَتَّى قِيلَ فِي كُلِّ عَطَاءٍ (أَلَا أَحْبُوكَ) يُقَالُ حَبَاهُ كذا وبكذا إذ أَعْطَاهُ وَالْحِبَاءُ الْعَطِيَّةُ
كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَهُوَ قَرِيبُ الْمَعْنَى
وَكَرَّرَ أَلْفَاظًا مُتَقَارِبَةَ الْمَعْنَى تَقْرِيرًا للتأكيد قال السيوطي وأفرط بن الْجَوْزِيِّ فَأَوْرَدَ هَذَا الْحَدِيثَ فِي كِتَابِ الْمَوْضُوعَاتِ وَأَعَلَّهُ بِمُوسَى بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ إِنَّهُ مَجْهُولٌ
قَالَ الْحَافِظُ أَبُو الْفَضْلِ بْنُ حَجَرٍ فِي كِتَابِ الْخِصَالِ الْمُكَفِّرَةِ لِلذُّنُوبِ الْمُقَدَّمَةِ وَالْمُؤَخَّرَةِ أساء بن الْجَوْزِيِّ بِذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي الْمَوْضُوعَاتِ
وَقَوْلُهُ إِنَّ مُوسَى بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ مَجْهُولٌ لَمْ يصب فيه فإن بن مَعِينٍ وَالنَّسَائِيَّ وَثَّقَاهُ
وَقَالَ فِي أَمَالِي الْأَذْكَارِ هَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي جُزْءِ الْقِرَاءَةِ خلف الإمام وأبو داود وبن ماجه وبن خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ وَصَحَّحَهُ البيهقي وغيرهم وقال بن شَاهِينَ فِي التَّرْغِيبِ سَمِعْتُ أَبَا بَكْرِ بْنِ أَبِي دَاوُدَ يَقُولُ سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ أَصَحُّ حَدِيثٍ فِي صَلَاةِ التَّسْبِيحِ هَذَا قَالَ وَمُوسَى بن عبد العزيز وثقه بن معين والنسائي وبن حِبَّانَ وَرَوَى عَنْهُ خَلْقٌ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي جُزْءِ الْقِرَاءَةِ هَذَا الْحَدِيثَ بِعَيْنِهِ وَأَخْرَجَ لَهُ فِي الْأَدَبِ حَدِيثًا فِي سَمَاعِ الرَّعْدِ
وَبِبَعْضِ هَذِهِ الْأُمُورِ تَرْتَفِعُ الْجَهَالَةُ
وَمِمَّنْ صَحَّحَ هَذَا الحديث أو حسنه غير من تقدم بن مَنْدَهْ وَأَلَّفَ فِي تَصْحِيحِهِ كِتَابًا وَالْآجُرِّيُّ وَالْخَطِيبُ وَأَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ وَأَبُو مُوسَى الْمَدِينِيُّ وَأَبُو الحسن بن المفضل والمنذري وبن الصَّلَاحِ وَالنَّوَوِيُّ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَآخَرُونَ
وَقَالَ الدَّيْلَمِيُّ فِي مُسْنَدِ الْفِرْدَوْسِ صَلَاةُ التَّسْبِيحِ أَشْهَرُ الصَّلَوَاتِ وَأَصَحُّهَا إِسْنَادًا
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي حَامِدٍ الشَّرَفِيِّ قَالَ كُنْتُ عِنْدَ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ وَمَعَنَا هَذَا الْحَدِيثُ فَسَمِعْتُ مُسْلِمًا يَقُولُ لَا يُرْوَى فِيهَا إِسْنَادٌ أَحْسَنُ مِنْ هذا
وقال الترمذي قد رأى بن الْمُبَارَكِ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ صَلَاةَ التَّسْبِيحِ وَذَكَرُوا الْفَضْلَ فِيهَا
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ يُصَلِّيهَا وَتَدَاوَلَهَا الصَّالِحُونَ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ وَفِيهِ تَقْوِيَةٌ لِلْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ
وَلِحَدِيثِ بن عَبَّاسٍ هَذَا طُرُقٌ(4/124)
فَتَابَعَ مُوسَى بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانٍ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَكَمِ وَمِنْ طَرِيقِهِ أخرجه بن راهويه وبن خزيمة والحاكم وتابع عكرمة عن بن عَبَّاسٍ عَطَاءٌ وَأَبُو الْجَوْزَاءِ وَمُجَاهِدٌ
وَوَرَدَ حَدِيثُ صَلَاةِ التَّسْبِيحِ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَابْنِهِ الْفَضْلِ وَأَبِي رَافِعٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَجَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ وَأُمِّ سَلَمَةَ وَالْأَنْصَارِيِّ الَّذِي أَخْرَجَ الْمُؤَلِّفُ حَدِيثَهُ وَسَيَجِيءُ
وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ غلط بن الْجَوْزِيِّ بِلَا شَكٍّ فِي جَعْلِهِ مِنَ الْمَوْضُوعَاتِ لِأَنَّهُ رَوَاهُ مِنْ ثَلَاثَةِ طُرُقٍ أَحَدُهَا حَدِيثُ بن عَبَّاسٍ وَهُوَ صَحِيحٌ وَلَيْسَ بِضَعِيفٍ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ مَوْضُوعًا وَغَايَةُ مَا عَلَّلَهُ بِمُوسَى بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَقَالَ مَجْهُولٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَقَدْ رَوَى عَنْهُ بِشْرُ بْنُ الْحَكَمِ وَابْنُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَإِسْحَاقُ بْنُ أَبِي إِسْرَائِيلَ وَزَيْدُ بن المبارك الصنعاني وغيرهم
وقال فيه بن مَعِينٍ وَالنَّسَائِيُّ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ وَلَوْ ثَبَتَتْ جَهَالَتُهُ لَمْ يَلْزَمْ أَنْ يَكُونَ الْحَدِيثُ مَوْضُوعًا مَا لَمْ يَكُنْ فِي إِسْنَادِهِ مَنْ يُتَّهَمُ بِالْوَضْعِ
وَالطَّرِيقَانِ الْآخَرَانِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا ضَعِيفٌ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ضَعْفِهِمَا أَنْ يَكُونَ حَدِيثُهُمَا مَوْضُوعًا انْتَهَى
(عَشْرَ خِصَالٍ) بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ لِلْأَفْعَالِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَلَى سَبِيلِ التَّنَازُعِ قَالَ التُّورْبَشْتِيُّ الْخَصْلَةُ هِيَ الْخِلَّةُ أَيْ عَشَرَةُ أَنْوَاعٍ ذُنُوبُكُ وَالْخِصَالُ الْعَشْرُ مُنْحَصِرَةٌ فِي قَوْلِهِ أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ وَقَدْ زَادَهَا إِيضَاحًا بِقَوْلِهِ عَشْرُ خِصَالٍ بَعْدَ حَصْرِ هَذِهِ الْأَقْسَامِ أَيْ هَذِهِ عَشْرُ خِصَالٍ
وَقَالَ مَيْرَكُ فَالْخِصَالُ الْعَشْرُ هِيَ الْأَقْسَامُ الْعَشْرُ مِنَ الذُّنُوبِ
وَقَالَ بَعْضُهُمُ الْمُرَادُ بِالْعَشْرِ الْخِصَالِ التَّسْبِيحَاتُ وَالتَّحْمِيدَاتُ وَالتَّهْلِيلَاتُ وَالتَّكْبِيرَاتُ فَإِنَّهَا سِوَى الْقِيَامِ عَشْرٌ عَشْرٌ انْتَهَى (أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ) بِالنَّصْبِ قَالَ التُّورْبَشْتِيُّ أَيْ مَبْدَأَهُ وَمُنْتَهَاهُ وَذَلِكَ أَنَّ من الذنب مالا يُوَاقِعُهُ الْإِنْسَانُ دَفْعَةً وَاحِدَةً وَإِنَّمَا يَتَأَتَّى مِنْهُ شَيْئًا فَشَيْئًا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ (سِرَّهُ وَعَلَانِيَتَهُ) وَالضَّمِيرُ فِي هَذِهِ كُلِّهَا عَائِدٌ إِلَى قَوْلِهِ ذنبك وفي شرح العلامة الاردبيلي ها هنا بَحْثٌ شَرِيفٌ (أَنْ تُصَلِّيَ) أَنْ مُفَسِّرَةٌ لِأَنَّ التَّعْلِيمَ فِي مَعْنَى الْقَوْلِ أَوْ هِيَ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ وَالْمُقَدَّرُ عَائِدٌ إِلَى ذَلِكَ أَيْ هُوَ يَعْنِي الْمَأْمُورَ بِهِ أَنْ تُصَلِّيَ (فِي أَوَّلِ رَكْعَةٍ) أَيْ قَبْلَ الرُّكُوعِ (خَمْسَ عَشْرَةَ مَرَّةً) وَفِيهِ أَنَّ التَّسْبِيحَ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ وَبِهِ أَخَذَ أَكْثَرُ الْأَئِمَّةِ وَأَمَّا مَا كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ يَفْعَلُهُ مِنْ(4/125)
جَعْلِهِ خَمْسَ عَشْرَةَ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ وَبَعْدَ الْقِرَاءَةِ عَشْرًا وَلَا يُسَبِّحُ فِي الِاعْتِدَالِ فَهُوَ مُخَالِفٌ لِهَذَا الْحَدِيثِ وَوَافَقَهُ النَّوَوِيُّ فِي الْأَذْكَارِ فَجَعَلَ قَبْلَ الْفَاتِحَةِ عَشْرًا لَكِنَّهُ أَسْقَطَ فِي مُقَابِلَتِهَا مَا يُقَالُ فِي جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ
وَقَالَ بَعْضُهُمْ وفي رواية عن بن الْمُبَارَكِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ عِشْرِينَ فِي السَّجْدَةِ الثانية
قال القارىء وَهَذَا وَرَدَ فِي أَثَرٍ بِخِلَافِ مَا قَبْلَ الْقِرَاءَةِ (ثُمَّ تَرْكَعُ فَتَقُولُهَا وَأَنْتَ رَاكِعٌ عَشْرًا) أَيْ بَعْدَ تَسْبِيحِ الرُّكُوعِ فَتَقُولُهَا عَشْرًا أَيْ بعد التسبيح وَالتَّحْمِيدِ (وَأَنْتَ سَاجِدٌ عَشْرًا) أَيْ بَعْدَ تَسْبِيحِ السُّجُودِ (ثُمَّ تَسْجُدُ) أَيْ ثَانِيًا (ثُمَّ تَرْفَعُ رَأَسَكَ) أَيْ مِنَ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ (فَتَقُولُهَا عَشْرًا) أَيْ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ عَلَى مَا فِي الحصن
قال القارىء وَهُوَ يَحْتَمِلُ جِلْسَةَ الِاسْتِرَاحَةِ وَجِلْسَةَ التَّشَهُّدِ انْتَهَى
قُلْتُ الْحَدِيثُ الثَّانِي فِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ جِلْسَةُ الِاسْتِرَاحَةِ لَا غَيْرُهَا (فَذَلِكَ) أَيْ مَجْمُوعُ مَا ذُكِرَ مِنَ التَّسْبِيحَاتِ (خَمْسٌ وَسَبْعُونَ) مَرَّةً (فِي أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ) أَيْ فِي مَجْمُوعِهَا بِلَا مُخَالَفَةٍ بَيْنَ الْأُولَى وَالثَّلَاثِ فَتَصِيرُ ثَلَاثَ مِائَةِ تَسْبِيحَةٍ
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ وَيَبْدَأُ فِي الرُّكُوعِ بِسُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ ثَلَاثًا وَفِي السُّجُودِ سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى ثَلَاثًا ثُمَّ يُسَبِّحُ التَّسْبِيحَاتِ الْمَذْكُورَةَ
وَقِيلَ لَهُ إِنْ سَهَا فِي هَذِهِ الصَّلَاةِ هَلْ يُسَبِّحُ فِي سَجْدَتَيِ السَّهْوِ عَشْرًا عَشْرًا قَالَ لَا إِنَّمَا هِيَ ثَلَاثُ مِائَةِ تسبيحة
وذكر الترمذي عن بن الْمُبَارَكِ أَنَّهُ قَالَ إِنْ صَلَّاهَا لَيْلًا فَأَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يُسَلِّمَ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ وَإِنْ صَلَّاهَا نَهَارًا فَإِنْ شَاءَ سَلَّمَ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يُسَلِّمْ غَيْرَ أَنَّ التَّسْبِيحَ الَّذِي يَقُولُهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ يُؤَدِّي إِلَى جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ
وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ يُسَبِّحُ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ مَرَّةً ثُمَّ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ عَشْرًا وَالْبَاقِي كَمَا فِي الْحَدِيثِ وَلَا يُسَبِّحُ بَعْدَ الرَّفْعِ مِنَ السَّجْدَتَيْنِ
قَالَهُ التِّرْمِذِيُّ
كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ بن ماجه(4/126)
[1298] (يَرَوْنَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ يَظُنُّونَ (وَأُثِيبُكَ) أَيْ أُعْطِيكَ
يُقَالُ أَثَابَهُ اللَّهُ إِثَابَةً جَازَاهُ وَأَثَابَ اللَّهُ الرَّجُلَ مَثُوبَتَهُ أَعْطَاهُ إِيَّاهَا (قَالَ) النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَتَيْتَهُ غَدًا (إِذَا زَالَ النَّهَارُ) أَيْ زَالَتِ الشَّمْسُ (فَاسْتَوِ جَالِسًا وَلَا تَقُمْ حَتَّى تُسَبِّحَ) وَهَذَا تَصْرِيحٌ فِي إِثْبَاتِ التَّسْبِيحَاتِ وَالتَّكْبِيرَاتِ وَالتَّحْمِيدَاتِ وَالتَّهْلِيلَاتِ فِي جلسة الاستراحة
قال السيوطي في اللآلىء قَالَ الْمُنْذِرِيُّ رُوَاةُ هَذَا الْحَدِيثِ ثِقَاتٌ
وَقَالَ الحافظ بن حَجَرٍ لَكِنِ اخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى أَبِي الْجَوْزَاءِ فَقِيلَ عَنْهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَقِيلَ عَنْهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَقِيلَ عَنْهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرٍ مَعَ الِاخْتِلَافِ عَلَيْهِ فِي رَفْعِهِ وَوَقْفِهِ
وَقَدْ أَكْثَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ تَخْرِيجِ طُرُقِهِ عَلَى اخْتِلَافِهَا انْتَهَى
وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ (الْمُسْتَمِرُّ بْنُ الرَّيَّانِ) قَالَ عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ إِسْنَادُ حَدِيثِ أَبِي الْجَوْزَاءِ ضَعِيفٌ كُلٌّ يَرْوِي عَنْ عَمْرِو بْنِ مَالِكٍ النُّكَرِيِّ وَفِيهِ مَقَالٌ قُلْتُ لَهُ قَدْ رَوَاهُ الْمُسْتَمِرُّ بْنُ الرَّيَّانِ عَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ قَالَ مَنْ حَدَّثَكَ قُلْتُ مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ فَقَالَ الْمُسْتَمِرُّ شيخ ثقة وكأنه أعجبه
قال الحافظ بن حَجَرٍ فَكَأَنَّ أَحْمَدَ لَمْ يَبْلُغْهُ إِلَّا مَنْ رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ مَالِكٍ فَلَمَّا بَلَغَهُ مُتَابَعَةُ الْمُسْتَمِرِّ أَعْجَبَهُ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ تَضْعِيفِهِ
كذا في اللآلىء (عن بن عباس قوله(4/127)
مَوْقُوفًا عَلَيْهِ (وَقَالَ) الرَّاوِي (فِي حَدِيثِ رَوْحٍ) هذه الجملة التالية (فقال) أي بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (حَدِيثُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ هَذَا حَدِيثُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْ مَرْفُوعًا وَلَا أَقُولُ لَكُمْ مِنْ قِبَلِ نَفْسِي وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ حَدَّثْتُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم بصيغة المتكلم قال الحافظ بن حَجَرٍ فِي أَمَالِي الْأَذْكَارِ وَرِوَايَةُ رَوْحٍ وَصَلَهَا الدَّارَقُطْنِيُّ فِي كِتَابِ صَلَاةِ التَّسْبِيحِ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى النَّيْسَابُورِيِّ عَنْهُ
وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ الصَّنْعَانِيِّ عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ هِشَامِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْمَخْزُومِيِّ عَنْ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عَبْدِ الْقُدُّوسِ بْنِ حَبِيبٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عن بن عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا
وَعَبْدُ الْقُدُّوسِ شَدِيدُ الضَّعْفِ كَذَا في اللآلىء
[1299] (حَدَّثَنِي الْأَنْصَارِيُّ) قَالَ الْحَافِظُ فِي أَمَالِي الْأَذْكَارِ وَالْأَنْصَارِيُّ غَيْرُ مُسَمًى قَالَ الْمِزِّيُّ قِيلَ إِنَّهُ جابر بن عبد الله وأن بن عَسَاكِرٍ أَخْرَجَ فِي تَرْجَمَةِ عُرْوَةَ بْنِ رُوَيْمٍ أَحَادِيثَ عَنْ جَابِرٍ وَهُوَ الْأَنْصَارِيُّ فَجَوَّزَ أَنْ يكون هو الذي ها هنا لَكِنْ تِلْكَ الْأَحَادِيثُ مِنْ رِوَايَةِ غَيْرِ مُحَمَّدِ بْنِ مُهَاجِرٍ عَنْ عُرْوَةَ قَالَ وَقَدْ وُجِدَتْ فِي تَرْجَمَةِ عُرْوَةَ هَذَا مِنَ الشَّامِيِّينَ لِلطَّبَرَانِيِّ حَدِيثَيْنِ أَخْرَجَهُمَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي تَوْبَةَ الرَّبِيعِ بْنِ نَافِعٍ بِهَذَا السَّنَدِ بِعَيْنِهِ فَقَالَ فِيهِمَا حَدَّثَنِي أَبُو كَبْشَةَ الْأَنْمَارِيُّ فَلَعَلَّ الْمِيمَ كَبُرَتْ قَلِيلًا فَأَشْبَهَتِ الصَّادَ فَإِنْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَصَحَابِيٌّ هَذَا حَدِيثُ أَبِي كَبْشَةَ وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَسَنَدُ هَذَا الْحَدِيثِ لَا يَنْحَطُّ عَنْ دَرَجَةِ الْحَسَنِ فَكَيْفَ إِذَا ضُمَّ إِلَى رِوَايَةِ أَبِي الْجَوْزَاءِ عن عبد الله بن عمرو كذا فِي اللَّآلِئِ
هَذَا مُلَخَّصٌ مِنْ غَايَةِ الْمَقْصُودِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَقَدْ أَخْرَجَ حَدِيثَ صَلَاةِ التَّسْبِيحِ الترمذي وبن مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ وَقَالَ أَيْضًا وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُ حَدِيثٍ فِي صَلَاةِ التَّسْبِيحِ وَلَا يَصِحُّ مِنْهُ كَبِيرُ شَيْءٍ
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو الْعُقَيْلِيُّ الْحَافِظُ لَيْسَ فِي صَلَاةِ التَّسْبِيحِ حَدِيثٌ يَثْبُتُ هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ وَقَدْ وَقَعَ لَنَا حَدِيثُ صَلَاةِ التَّسْبِيحِ مِنْ حَدِيثِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِمَا وَفِي كِلَيْهِمَا مَقَالٌ
وَأَمْثَلُ الأحاديث فيها حديث عكرمة عن بن عَبَّاسٍ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ أَوَّلَ هَذَا الْبَابِ فَإِنَّ أبا داود وبن مَاجَهْ أَخْرَجَاهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ بِشْرِ بْنِ الْحَكَمِ الْعَبْدِيِّ النَّيْسَابُورِيِّ وَهُوَ مِمَّنِ اتَّفَقَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَلَى الِاحْتِجَاجِ بِحَدِيثِهِ فِي صَحِيحَيْهِمَا عَنْ مُوسَى بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَهُوَ أَبُو سَعِيدٍ الْعَدَنِيُّ الْقَنْبَارِيُّ رَوَى عَنْهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بِشْرِ بْنِ الْحَكَمِ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَكَمِ بْنِ أَسَدٍ الْخُشَنِيُّ وَقَالَ يَحْيَى بْنُ(4/128)
معين لا أرى به بَأْسًا عَنِ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانٍ وَقَدْ وَثَّقَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ أَحَدُ الْعُبَّادِ وَعِكْرِمَةُ مَوْلَى بن عَبَّاسٍ وَإِنْ كَانَ قَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ جَمَاعَةٌ فَقَدْ وَثَّقَهُ جَمَاعَةٌ وَاحْتَجَّ بِهِ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ انْتَهَى كَلَامُهُ
وَفِي التَّلْخِيصِ وَالْحَقُّ أَنَّ طرقه كلها ضعيفة وإن كان حديث بن عَبَّاسٍ يَقْرُبُ مِنْ شَرْطِ الْحَسَنِ إِلَّا أَنَّهُ شَاذٌّ لِشِدَّةِ الْفَرْدِيَّةِ فِيهِ وَعَدَمِ الْمُتَابِعِ وَالشَّاهِدِ مِنْ وَجْهٍ مُعْتَبَرٍ وَمُوسَى بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَإِنْ كَانَ صَادِقًا صَالِحًا فَلَا يَحْتَمِلُ مِنْهُ هذا التفرد وقد ضعفها بن تيمية والمزي وتوقف الذهبي حكاه بن عَبْدِ الْهَادِي عَنْهُمْ فِي أَحْكَامِهِ انْتَهَى
5 - (بَابُ رَكْعَتَيْ الْمَغْرِبِ أَيْنَ تُصَلَّيَانِ)
[1300] (الْفِطْرِيُّ) بِكَسْرِ الْفَاءِ وَسُكُونِ الطَّاءِ قَالَهُ الْحَافِظُ (كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ) بِضَمِّ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الْجِيمِ (بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ) طَائِفَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ (رَآهُمْ يُسَبِّحُونَ) أَيْ يَتَطَوَّعُونَ وَيُصَلُّونَ نَافِلَةً (فَقَالَ هَذِهِ) أَيِ النَّوَافِلُ (صَلَاةُ الْبُيُوتِ) أَيِ الْأَفْضَلُ كَوْنُهَا فِيهَا لِأَنَّهَا أَبْعَدُ مِنَ الرِّيَاءِ وَأَقْرَبُ إِلَى الْإِخْلَاصِ لِلَّهِ تَعَالَى وَلِأَنَّهُ فِيهِ حَظٌّ لِلْبُيُوتِ مِنَ الْبَرَكَةِ فِي الْقُوتِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا إِنَّمَا هُوَ لِمَنْ يُرِيدُ الرُّجُوعَ إِلَى بَيْتِهِ بِخِلَافِ الْمُعْتَكِفِ فِي الْمَسْجِدِ فَإِنَّهُ يُصَلِّيهَا فِيهِ وَلَا كَرَاهَةَ بِالِاتِّفَاقِ
وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ قَامَ نَاسٌ يَتَنَفَّلُونَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْكُمْ بِهَذِهِ الصَّلَاةِ فِي الْبُيُوتِ انْتَهَى قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ إِنَّ إِسْحَاقَ بْنَ كَعْبٍ تَابِعِيٌّ مَسْتُورٌ تَفَرَّدَ بِحَدِيثِ سُنَّةِ الْمَغْرِبِ وَهُوَ غَرِيبٌ جدا انتهى
قال المنذري وأخرجه الترمذي وبن مَاجَهْ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَالصَّحِيحُ مَا روي عن بن عُمَرَ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ فِي بَيْتِهِ(4/129)
[1301] (يُطِيلُ الْقِرَاءَةَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ) أَيْ أحيانا لما روى بن مَاجَهْ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ فِيهِمَا الْكَافِرُونَ وَالْإِخْلَاصَ (حَتَّى يَتَفَرَّقَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّيهِمَا فِي الْمَسْجِدِ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ فِعْلَهُمَا فِيهِ لِعُذْرٍ مَنَعَهُ مِنْ دُخُولِ الْبَيْتِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى بَيَانِ الْجَوَازِ (رَوَاهُ نَصْرٌ الْمُجَدَّرُ) هُوَ نَصْرُ بْنُ زَيْدٍ الْهَاشِمِيُّ أَبُو الْحَسَنِ الْبَغْدَادِيُّ وَالْمُجَدَّرُ عَلَى وَزْنِ مُعَظَّمٍ لَقَبُ نَصْرِ بْنِ زَيْدٍ
كَذَا فَإِنَّ التَّاجَ (الْقُمِّيَّ) بِضَمِّ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ الْمَكْسُورَةِ (وَأَسْنَدَهُ) أَيْ جَعَلَهُ مَوْصُولًا كَمَا رَوَاهُ مَوْصُولًا طَلْقُ بْنُ غنام بذكر بن عَبَّاسٍ
[1302] وَأَمَّا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ وَسُلَيْمَانُ بْنُ داود فلم يذكرا في روايتهما بن عَبَّاسٍ لَكِنْ قَالَ يَعْقُوبُ الْقُمِّيُّ كُلُّ شَيْءٍ حَدَّثْتُكُمْ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي الْمُغِيرَةِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فهو مسند عن بْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَارَ الْحَدِيثُ مَوْصُولًا
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ الْقُمِّيُّ الْأَشْعَرِيُّ كُنْيَتُهُ أَبُو الْحَسَنِ
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ انتهى
6 - (بَابُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْعِشَاءِ)
[1303] (الْعُكْلِيُّ) بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْكَافِ (إِلَّا صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ) أي ركعتان(4/130)
مؤكدة بتسليمة وركعتان مستحبة قاله القارىء (أَوْ سِتَّ رَكَعَاتٍ) يَحْتَمِلُ الشَّكَّ وَالتَّنْوِيعَ فَرَكْعَتَانِ نافلة قاله القارىء
وَقَالَ الزَّرْقَانِيُّ فِي شَرْحِ الْمَوَاهِبِ قَالَتْ عَائِشَةُ مَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِشَاءَ قَطُّ فَدَخَلَ بَيْتِي إِلَّا صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ أَيْ تَارَةً أَوْ سِتَّ رَكَعَاتٍ أَيْ أُخْرَى فَلَيْسَتْ أَوْ لِلشَّكِّ وَفِي مُسْلِمٍ قَالَتْ عَائِشَةُ ثُمَّ يُصَلِّي بِالنَّاسِ الْعِشَاءَ وَيَدْخُلُ بيتي فيصلي ركعتين وكذا في حديث بن عُمَرَ الشَّيْخَيْنِ
وَمُفَادُ الْأَحَادِيثِ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي بِحَسَبِ مَا تَيَسَّرَ رَكْعَتَيْنِ وَأَرْبَعًا وَسِتًّا إِذَا دَخَلَ بَيْتَهُ بَعْدَ الْعِشَاءِ انْتَهَى (وَلَقَدْ مُطِرْنَا) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (فَطَرَحْنَا لَهُ) أَيْ فَرَشْنَا وَبَسَطْنَا لَهُ عَلَى الْأَرْضِ (نِطَعًا) بِكَسْرِ النُّونِ وَفَتْحِ الطَّاءِ عَلَى وَزْنِ عِنَبٍ قَالَهُ السُّيُوطِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ الْمُتَّخَذُ مِنَ الْأَدِيمِ وَالْجِلْدِ لِيُصَلَّى عَلَيْهِ وَلَا تَصِلُ إِلَيْهِ رُطُوبَةُ الْأَرْضِ النَّدَى
قَالَتْ عَائِشَةُ وَإِنِّي أَحْفَظُ هَذِهِ الْوَاقِعَةَ (فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى ثَقْبٍ) أَيْ خَرْقٍ الَّذِي كَانَ (فِيهِ) أَيِ النِّطَعِ (يَنْبُعُ الْمَاءُ) مِنْ بَابِ نَصَرَ وَضَرَبَ وَفَتَحَ أَيْ يَخْرُجُ وَيَجْرِي الْمَاءُ (مِنْهُ) أَيْ مِنَ الثَّقْبِ الَّذِي كَانَ فِي النِّطَعِ وَوَصَلَ الْمَاءُ إِلَى قَرِيبِ النِّطَعِ فَأَصَابَهُ وَقَالَتْ عَائِشَةُ فِي كَيْفِيَّةِ تَوَاضُعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَمَا رَأَيْتُهُ) أَيِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مُتَّقِيًا) مِنَ الِاتِّقَاءِ أَيْ مُجْتَنِبًا (الْأَرْضَ) أَيْ مِنَ الْأَرْضِ النَّدَى أَوِ الْيَابِسَةَ (بِشَيْءٍ مِنْ ثِيَابِهِ قَطُّ) بِشَيْءٍ مُتَعَلِّقٍ بِقَوْلِهَا مُتَّقِيًا أَيْ بِسَبَبِ صِيَانَةِ الثِّيَابِ مِنَ الطِّينِ وَالتُّرَابِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
كَذَا فِي الشَّرْحِ
2 - (كتاب قيام الليل)(4/131)
(بَابُ نَسْخِ قِيَامِ اللَّيْلِ وَالتَّيْسِيرِ فِيهِ)
[1304] (قَالَ فِي الْمُزَّمِّلِ) أَيْ فِي سُورَةِ الْمُزَّمِّلِ يُقَالُ تَزَمَّلَ وَتَدَثَّرَ بِثَوْبِهِ إِذَا تَغَطَّى بِهِ أَرَادَ ياأيها النَّائِمُ قُمْ فَصَلِّ
قَالَ الْعُلَمَاءُ كَانَ هَذَا الْخِطَابُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَوَّلِ الْوَحْيِ قَبْلَ تَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ ثُمَّ خُوطِبَ بعد بالنبي والرسول (قم الليل) أي للصلاة (إلا قليلا) وَكَانَ الْقِيَامُ فَرِيضَةً فِي الِابْتِدَاءِ ثُمَّ بَيَّنَ قَدْرَهُ فَقَالَ تَعَالَى نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قليلا أَيْ إِلَى الثُّلُثِ أَوْ زِدْ عَلَيْهِ أَيْ عَلَى النِّصْفِ إِلَى الثُّلُثَيْنِ خَيَّرَهُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَنَازِلِ فَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ يَقُومُونَ عَلَى هَذِهِ الْمَقَادِيرِ وَكَانَ الرَّجُلُ لَا يَدْرِي مَتَى ثُلُثُ اللَّيْلِ وَمَتَى النِّصْفُ وَمَتَى الثُّلُثَانِ فَكَانَ يَقُومُ حَتَّى يُصْبِحَ مَخَافَةَ أَنْ لَا يَحْفَظَ الْقَدْرَ الْوَاجِبَ وَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ حَتَّى انْتَفَخَتْ أَقْدَامُهُمْ فَرَحِمَهُمُ اللَّهُ وَخَفَّفَهُ عَنْهُمْ وَنَسَخَهَا اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ الْآتِي كَمَا قَالَ الرَّاوِي (نَسَخَتْهَا) أَيْ هَذِهِ الْآيَةُ (الْآيَةُ) الْأُخْرَى (الَّتِي فِيهَا) أَيْ فِي هَذِهِ السُّورَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ (عَلِمَ أَنْ لن تحصوه) أي لن تطيقوه (فتاب عليكم) أي فعاد عليكم بالعفو والتخفيف (فاقرؤوا ما تيسر من القرآن) مِنْ غَيْرِ تَحْدِيدٍ لِوَقْتٍ لَكِنْ قُومُوا مِنَ اللَّيْلِ مَا تَيَسَّرَ عَبَّرَ عَنِ الصَّلَاةِ بِالْقِرَاءَةِ فَهَذِهِ الْآيَةُ نَسَخَتِ الَّذِي كَانَ اللَّهُ أَوْجَبَهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَوَّلًا مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُدَّةِ الَّتِي بَيْنَهُمَا سَنَةٌ أَوْ قَرِيبٌ مِنْهَا أَوْ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا أَوْ عَشْرَ سِنِينَ
أَخْرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي زَوَائِدِ الزُّهْدِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَلَّمَا يَنَامُ مِنَ اللَّيْلِ لَمَّا قَالَ اللَّهُ لَهُ قُمِ اللَّيْلَ إلا قليلا وأخرج بن أبي شيبة والحاكم والبيهقي وغيرهم عن بن عباس قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ أَوَّلُ الْمُزَّمِّلِ كَانُوا يَقُومُونَ نَحْوًا مِنْ قِيَامِهِمْ فِي شَهْرِ(4/132)
رَمَضَانَ حَتَّى أُنْزِلَ آخِرُهَا وَكَانَ بَيْنَ أَوَّلِهَا وآخرها نحو من سنة وأخرج بن جَرِيرٍ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ قال لما نزلت ياأيها الْمُزَّمِّلُ قَامُوا حَوْلًا حَتَّى وَرِمَتْ أَقْدَامُهُمْ وَسُوقُهُمْ حتى نزلت فاقرؤوا ما تيسر منه فاستراح الناس وأخرج بن جَرِيرٍ وَغَيْرُهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ لما نزلت ياأيها المزمل قم الليل إلا قليلا مَكَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ عَشْرَ سِنِينَ يَقُومُ اللَّيْلَ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ وَكَانَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ يَقُومُونَ مَعَهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ بَعْدَ عَشْرِ سِنِينَ إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ إِلَى قَوْلِهِ فَأَقِيمُوا الصلاة فَخَفَّفَ اللَّهُ عَنْهُمْ بَعْدَ عَشْرِ سِنِينَ كَذَا فِي الدُّرِّ الْمَنْثُورِ (وَنَاشِئَةُ اللَّيْلِ أَوَّلُهُ) أَيْ أول الليل هذا تفسير من بن عَبَّاسٍ فِي مَعْنَى نَاشِئَةِ اللَّيْلِ
وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عن بن عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ قَالَ قِيَامُ اللَّيْلِ بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ إِذَا قَامَ الرَّجُلُ قَالُوا نَشَأَ
وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا فِي سُنَنِهِ عن بن أبي مليكة قال سألت بن عباس وبن الزُّبَيْرِ عَنْ نَاشِئَةِ اللَّيْلِ قَالَا قِيَامُ اللَّيْلِ (وَكَانَتْ صَلَاتُهُمْ) أَيِ الصَّحَابَةِ (لِأَوَّلِ اللَّيْلِ) أَيْ كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُومُونَ لِلتَّهَجُّدِ فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ خَشْيَةَ أَنْ لا يقومون بَعْدَ نَوْمِهِمْ فَيَفُوتُ عَنْهُمُ الْفَرْضُ وَهُوَ قِيَامُ الليل (يقول) أي بن عَبَّاسٍ (هُوَ) قِيَامُ أَوَّلِ اللَّيْلِ (أَجْدَرُ) أَيْ أَلْيَقُ وَأَحْرَى (وَقَوْلُهُ) تَعَالَى (أَقْوَمُ قِيلًا) قَالَ بن عَبَّاسٍ فِي تَفْسِيرِهِ (هُوَ أَجْدَرُ أَنْ يُفَقَّهَ فِي الْقُرْآنِ) لِأَنَّ قِيَامَ اللَّيْلِ أَصْوَبُ قِرَاءَةً وَأَصَحُّ قَوْلًا مِنَ النَّهَارِ لِسُكُوتِ الْأَصْوَاتِ فِي الليل فيتدبر في معاني القرآن (يقول) بن عباس في تفسير قوله سبحا طويلا أَيْ فِرَاقًا طَوِيلًا أَيْ لَكَ تَقَلُّبًا وَإِقْبَالًا وَإِدْبَارًا فِي حَوَائِجِكِ وَتَصَرُّفًا فِي أَشْغَالِكِ لَا تَفْرُغُ فِيهِ لِتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ فَعَلَيْكَ بِهَا فِي اللَّيْلِ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ الْفَرَاغِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدِ المروزي وفي مَقَالٌ
[1305] (وَكَانَ بَيْنَ أَوَّلِهَا) أَيْ أَوَّلِ السُّورَةِ وهو قوله قم الليل إلا قليلا (وَآخِرِهَا) أَيِ السُّورَةِ (سَنَةٌ) وَاحِدَةٌ وَقِيلَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ وَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ آنِفًا
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَقَدْ صَحَّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ وَأَمْسَكَ اللَّهُ خَاتِمَتَهَا اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا فِي السماء انتهى(4/133)
2 - (بَابُ قِيَامِ اللَّيْلِ)
[1306] (يَعْقِدُ) بِكَسْرِ الْقَافِ أَيْ يَشُدُّ (عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ) أَيْ قَفَاهُ وَمُؤَخَّرِهِ وَقِيلَ وَسَطِهِ (ثَلَاثَ عُقَدٍ) جَمْعُ عُقْدَةٍ وَالْمُرَادُ بِهَا عُقَدُ الْكَسَلِ أَيْ يَحْمِلُهُ الشَّيْطَانُ عليه قاله بن الملك
قال الطيبي أراد تثقليه وَإِطَالَتَهُ فَكَأَنَّهُ قَدْ شَدَّ عَلَيْهِ شَدًّا وَعَقَدَهُ ثَلَاثَ عُقَدٍ قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ الْقَافِيَةُ الْقَفَا وَقَفَا كُلِّ شَيْءٍ وَقَافِيَتُهُ آخِرُهُ وَعَقَدَ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَتِهِ اسْتِعَارَةٌ عَنْ تَسْوِيلِ الشَّيْطَانِ وَتَحْبِيبِهِ النَّوْمَ إِلَيْهِ وَالدَّعَةَ وَالِاسْتِرَاحَةَ وَالتَّقْيِيدُ بِالثَّلَاثِ لِلتَّأْكِيدِ أَوْ لِأَنَّ الَّذِي يَنْحَلُّ بِهِ عُقْدَتُهُ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءٍ الذِّكْرُ وَالْوُضُوءُ وَالصَّلَاةُ وَكَأَنَّ الشَّيْطَانَ مَنَعَهُ عَنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا بِعُقْدَةٍ عَقَدَهَا عَلَى قَافِيَتِهِ وَلَعَلَّ تَخْصِيصَ الْقَفَا لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْوَاهِمَةِ وَمَحَلُّ تَصَرُّفِهَا وَهُوَ أَطْوَعُ الْقُوَى لِلشَّيْطَانِ وَأَسْرَعُ إِجَابَةً لِدَعَوْتِهِ (يَضْرِبُ) أَيْ بِيَدِهِ تَأْكِيدًا أَوْ إِحْكَامًا (مَكَانَ كُلِّ عُقْدَةٍ) قِيلَ مَعْنَى يَضْرِبُ يَحْجُبُ الْحِسَّ عَنِ النَّائِمِ حَتَّى لَا يَسْتَيْقِظَ
قَالَ مَيْرَكُ وَاخْتُلِفَ فِي هَذَا الْعَقْدِ فَقِيلَ عَلَى الْحَقِيقَةِ كَمَا يَعْقِدُ السَّاحِرُ مَنْ يَسْحَرُهُ وَيُؤَيِّدُهُ مَا وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ إِنَّ عَلَى رَأْسِ كُلِّ آدَمِيٍّ حَبْلًا فِيهِ ثَلَاثُ عقد وذلك عند بن ماجه ونحوه لأحمد وبن خزيمة وبن حِبَّانَ
وَقِيلَ عَلَى الْمَجَازِ كَأَنَّهُ شَبَّهَ فِعْلَ الشَّيْطَانِ بِالنَّائِمِ مِنْ مَنْعِهُ مِنَ الذِّكْرِ وَالصَّلَاةِ بِفِعْلِ السَّاحِرِ بِالْمَسْحُورِ مِنْ مَنْعِهِ عَنْ مُرَادِهِ (عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ) وَهَكَذَا وَقَعَ فِي جَمِيعِ رِوَايَاتِ لَيْلٍ بِالرَّفْعِ
وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رِوَايَةُ الْأَكْثَرِ عَنْ مُسْلِمٍ بِالنَّصْبِ عَلَى الْإِغْرَاءِ
وَقَالَ الطِّيبِيُّ عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ مَعَ مَا بَعْدَهُ أَيْ قَوْلِهِ (فَارْقُدْ) مَفْعُولٌ لِلْقَوْلِ الْمَحْذُوفِ أَيْ يُلْقِي الشَّيْطَانُ عَلَى كُلِّ عُقْدَةٍ يَعْقِدُهَا هَذَا الْقَوْلَ وَهُوَ عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ (فَإِنِ اسْتَيْقَظَ) أَيْ مِنْ نَوْمِ الْغَفْلَةِ (فَذَكَرَ اللَّهَ) بِقَلْبِهِ أَوْ لِسَانِهِ (انْحَلَّتْ) أَيِ انْفَتَحَتْ (عُقْدَةٌ) أَيْ عُقْدَةُ الْغَفْلَةِ (فَإِنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ) أَيْ عُقْدَةُ النَّجَاسَةِ (فَإِنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ) أَيْ عقدة الكسالة والبطالة
قال الحافظ بن حَجَرٍ وَقَعَ بِلَفْظِ الْجَمْعِ أَيْ عُقْدَةٌ بِغَيْرِ اخْتِلَافٍ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَفِي الْمُوَطَّأِ بِلَفْظِ الْإِفْرَادِ (فَأَصْبَحَ) أَيْ دَخَلَ فِي الصَّبَاحِ أَوْ صَارَ (نَشِيطًا) أَيْ لِلْعِبَادَةِ (طَيِّبَ النَّفْسِ) أَيْ ذَاتَ فَرَحٍ لِأَنَّهُ تَخَلَّصَ عَنْ وِثَاقِ الشَّيْطَانِ وتخفف عنه(4/134)
أَعْبَاءُ الْغَفْلَةِ وَالنِّسْيَانِ وَحَصَلَ لَهُ رِضَا الرَّحْمَنِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ كَذَلِكَ بَلْ أَطَاعَ الشَّيْطَانَ وَنَامَ حَتَّى تَفُوتَهُ صَلَاةُ الصُّبْحِ
ذَكَرَهُ مَيْرَكُ وَالظَّاهِرُ حَتَّى تَفُوتَهُ صَلَاةُ التَّهَجُّدِ (أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ) مَحْزُونَ الْقَلْبِ كَثِيرَ الْهَمِّ مُتَحَيِّرًا فِي أَمْرِهِ (كَسْلَانَ) كَذَا فِي النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا كَسْلَانًا أَيْ لَا يَحْصُلُ مُرَادُهُ فِيمَا يَقْصِدُهُ مِنْ أُمُورِهِ لِأَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِقَيْدِ الشَّيْطَانِ وَمُبْعَدٌ عَنْ قُرْبِ الرَّحْمَنِ
ذَكَرَهُ عَلِيٌّ القارىء
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ
[1307] (وَكَانَ إِذَا مَرِضَ أَوْ كَسِلَ) أَيْ تَعِبَ وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ التَّنَفُّلِ قَاعِدًا مَنْ لَهُ كَسَلٌ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ
قَالَ النَّوَوِيُّ وهو إجماع العلماء
قال بن حَجَرٍ الْمَكِّيُّ وَمِنْ خَصَائِصِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّ ثَوَابَ تَطَوُّعِهِ جَالِسًا كَهُوَ قَائِمًا لِأَنَّ الْكَسَلَ الْمُقْتَضِي لِكَوْنِ أَجْرِ الْقَاعِدِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ أَجْرِ الْقَائِمِ كَمَا فِي الصَّحِيحِ مَأْمُونٌ فِي حَقِّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ انْتَهَى
وَفِيهِ أَنَّ كُلَّ مَنْ صَلَّى جَالِسًا ضَرُورَةً فَرْضًا أَوْ نَفْلًا يَكُونُ ثَوَابُهُ كَامِلًا فَلَا يُعَدُّ مِثْلُ هَذَا مِنَ الْخَصَائِصِ اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُرَادَ بِهِ الْإِطْلَاقُ سَوَاءٌ جُلُوسُهُ يَكُونُ بِعُذْرٍ أَوْ بغير عذر قاله علي القارىء وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ صَلَاةُ الرَّجُلِ قَاعِدًا نِصْفُ الصَّلَاةِ قال فأتيته فوجدته يصلي جالسا قلت يارسول اللَّهِ إِنَّكَ قُلْتَ صَلَاةُ الرَّجُلِ قَاعِدًا عَلَى نِصْفِ الصَّلَاةِ وَأَنْتَ تُصَلِّي قَاعِدًا قَالَ أَجَلْ وَلَكِنِّي لَسْتُ كَأَحَدٍ مِنْكُمْ وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ
[1308] (قَامَ مِنَ اللَّيْلِ) أَيْ بَعْضَهُ (فَصَلَّى) أَيِ التَّهَجُّدَ (وَأَيْقَظَ امْرَأَتَهُ) بِالتَّنْبِيهِ أَوِ الْمَوْعِظَةِ وَفِي مَعْنَاهَا مَحَارِمُهُ (فَإِنْ أَبَتْ) أَيِ امْتَنَعَتْ لِغَلَبَةِ النَّوْمِ وَكَثْرَةِ الْكَسَلِ (نَضَحَ) أَيْ رَشَّ (فِي وَجْهِهَا الْمَاءَ) وَالْمُرَادُ التَّلَطُّفُ مَعَهَا وَالسَّعْيُ فِي قِيَامِهَا لِطَاعَةِ رَبِّهَا مَهْمَا أَمْكَنَ قَالَ تعالى وتعاونوا على البر والتقوى وقال بن الْمَلَكِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ إِكْرَاهَ أَحَدٍ عَلَى الْخَيْرِ يَجُوزُ بَلْ(4/135)