الْيَمين الرَّاوِي عَن أبي هُرَيْرَة.
والْحَدِيث مر فِي أول كتاب الْأَدَب.
قَوْله: فرغ مِنْهُ أَي: أتم خلقه وَهُوَ تَعَالَى لَا يشْغلهُ شَأْن عَن شَأْن. وَقَالَ النَّوَوِيّ، رَحمَه الله: الرَّحِم الَّتِي توصل وتقطع إِنَّمَا هِيَ معنى من الْمعَانِي لَا يَأْتِي مِنْهَا الْكَلَام إِذْ هِيَ قرَابَة تجمعها رحم وَاحِدَة فيتصل بَعْضهَا بِبَعْض، فَالْمُرَاد تَعْظِيم شَأْنهَا وفضيلة واصلها وتأثيم قاطعها على عَادَة الْعَرَب فِي اسْتِعْمَال الاستعارات. قَوْله: مَه أما كلمة ردع وزجر وَإِمَّا للاستفهام، فتقلب الْألف هَاء. قَوْله: هَذَا مقَام العائذ أَي المعتصم الملتجىء المستجير بك من قطع الْأَرْحَام. وَقَالَ الْكرْمَانِي: قَالَ بَعضهم: فَإِن قيل: الْفَاء فِي: فَقَالَ، يُوجب كَون قَول الله عقيب قَول الرَّحِم، فَيكون حَادِثا. قلت: لما دلّ الدَّلِيل على قدمه وَجب حمله على معنى إفهامه إِيَّاهَا، أَو على قَول ملك أُمُور يَقُول لَهَا: قَالَ، وَقَول الرَّحِم: مَه؟ وَمَعْنَاهُ الزّجر مَال توجهه فَوَجَبَ توجهه إِلَى من عاذت الرَّحِم بِاللَّه من قطعه إِيَّاهَا، ثمَّ قَالَ الْكرْمَانِي: أَقُول: منشأ الْكَلَام الأول قلَّة عقله، ومنشأ الثَّانِي فَسَاد نَقله.
7503 - حدّثنا مُسَدَّدٌ، حدّثنا سُفْيانُ، عنْ صالِحٍ عنْ عُبَيْدِ الله، عَنْ زَيْدِ بنِ خالِدٍ قَالَ: مُطِرَ النبيُّ فَقَالَ: قَالَ الله أصْبَحَ: مِنْ عِبادي كافِرٌ بِي ومُؤْمِنٌ بِي
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: قَالَ الله
وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَصَالح هُوَ ابْن كيسَان، وَعبيد الله هُوَ ابْن عبد الله بن عتبَة، وَزيد بن خَالِد الْجُهَنِيّ.
والْحَدِيث طرف من حَدِيث طَوِيل مضى فِي الاسْتِسْقَاء.
قَوْله: مطر النَّبِي بِضَم الْمِيم أَي: وَقع الْمَطَر بدعائه، قد ذكرنَا أَن مطر فِي الرَّحْمَة وأمطر فِي الْعَذَاب. وَقَالَ الْهَرَوِيّ: الْعَرَب تَقول: مطرَت السَّمَاء وأمطرت، يَعْنِي: بِمَعْنى وَاحِد. قَوْله: أصبح من عبَادي بَينه فِي الحَدِيث الآخر قَالَ: فَمن قَالَ مُطِرْنَا بِفضل الله وَرَحمته فَذَلِك مُؤمن بِي وَكَافِر بالكوكب، وَمن قَالَ: مُطِرْنَا بِنَوْء كَذَا، فَهُوَ مُؤمن بالكوكب كَافِر بِي.
7504 - حدّثنا إسْماعِيلُ، حدّثني مالِكٌ عنْ أبي الزِّنادِ، عنِ الأعْرَجِ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: قَالَ الله: إذَا أحَبَّ عَبْدِي لِقائِي أحْبَبْتُ لِقاءَهُ، وإذَا كَرِهَ لِقائِي كَرِهْتُ لِقاءَهُ
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: قَالَ الله
وَرِجَاله قد ذكرُوا عَن قريب.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الرقَاق فِي: بَاب من أحب لِقَاء الله.
قَوْله: لقائي أَي: الْمَوْت.
7505 - حدّثنا أبُو اليَمانِ، أخبرنَا شُعَيْبٌ، حدّثنا أبُو الزِّنادِ، عنِ الأعْرَجِ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: قَالَ الله: أَنا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي
انْظُر الحَدِيث 7405 وطرفه
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: قَالَ الله
وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع، وَأَبُو الزِّنَاد عبد الله، والأعرج عبد الرَّحْمَن.
والْحَدِيث مضى فِي أَوَائِل التَّوْحِيد فِي: بَاب {لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذاَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَىْءٍ إِلاَ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرْكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ قُلْ إِن تُخْفُواْ مَا فِى صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِى السَّمَاوَاتِ وَمَا فِى الاَْرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدَا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفُ بِالْعِبَادِ} أَي: إِن كَانَ مستظهر برحمتي وفضلي فارحمه بِالْفَضْلِ.
7506 - حدّثنا إسْماعِيلُ، حدّثني مالِكٌ عنْ أبي الزِّنادِ، عنِ الأعْرَجِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: قَالَ رجُلٌ لَمْ يَعْمَلْ خَيْراً قَطُّ، فإذَا ماتَ فَحَرِّقُوهُ واذْرُوا نِصْفَهُ فِي البَرِّ ونِصْفَهُ فِي البَحْرِ، فَوَالله لَئِنْ قَدَرَ الله عَلَيْهِ لَيُعَذِّبَنَهُ عَذَاباً لَا يُعَذِّبُهُ أحَداً مِنَ العالِمَينَ، فأمَرَ الله البَحْرُ فَجَمَعَ مَا فِيهِ، وأمَرَ البَرَّ فَجَمَعَ مَا فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: لِمَ فَعَلْتَ؟ قَالَ: مِنْ خَشْيَتِكَ وأنْتَ أعْلَمُ، فَغَفَرَ لَهُ
انْظُر الحَدِيث 3481
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ثمَّ قَالَ: لم فعلت؟
وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن أبي أويس.
والْحَدِيث مضى فِي بني إِسْرَائِيل وَفِي الرقَاق.
قَوْله: قَالَ رجل هُوَ كَانَ نباشاً فِي بني إِسْرَائِيل. قَوْله: فَإِذا مَاتَ فِيهِ الْتِفَات وَمُقْتَضى الْكَلَام أَن يُقَال: فَإِذا مت. قَوْله: وَأَنت أعلم جملَة حَالية أَو مُعْتَرضَة. قَوْله: فغفر لَهُ قيل: إِن كَانَ مُؤمنا فَلم شكّ فِي قدرَة الله، وَإِن كَانَ كَافِرًا فَكيف غفر لَهُ؟ وَأجِيب: بِأَنَّهُ كَانَ مُؤمنا بِدَلِيل الخشية، وَمعنى: قدر، مخففاً ومشدداً: حكم وَقضى أَو ضيق. كَقَوْلِه تَعَالَى: {أَيَحْسَبُ أَن لَّن(25/162)
يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ} وَقيل أَيْضا على ظَاهره وَلكنه قَالَه وَهُوَ غير ضَابِط لنَفسِهِ، بل قَالَه فِي حَال دُخُول الدهش وَالْخَوْف عَلَيْهِ فَصَارَ كالغافل لَا يُؤَاخذ بِهِ، أَو أَنه جهل صفة من صِفَات الله وجاهل الصّفة كفره مُخْتَلف فِيهِ، أَو أَنه كَانَ فِي زمَان يَنْفَعهُ مُجَرّد التَّوْحِيد، أَو كَانَ فِي شرعهم جَوَاز الْعَفو عَن الْكَافِر، أَو مَعْنَاهُ: لَئِن قدر الله على مُجْتَمع صَحِيح الْأَعْضَاء ليعذبني وَحسب أَنه إِذا قدر عَلَيْهِ محترقاً مفترقاً لَا يعذبه.
7507 - حدّثنا أحْمَدُ بنُ إسْحاقَ، حدّثنا عَمُرُو بنُ عاصِمٍ، حَدثنَا هَمَّامٌ، حَدثنَا إسْحاقُ بنُ عَبْدِ الله سَمِعْتُ عَبْدُ الرَّحْمانِ بنَ أبي عَمْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ النبيَّ قَالَ: إنَّ عَبْداً أصابَ ذَنْباً ورُبَّما قَالَ: أذْنَبَ ذَنْباً فَقَالَ: ربِّ أذْنَبْتُ ذَنْباً، ورُبَّما قَالَ: أصَبْتُ فاغْفِر لي. فَقَالَ ربُّهُ: أعَلِمَ عَبْدِي أنَّ لهُ ربّاً يَغْفِرُ الذَّنْبَ ويأْخذُ بِهِ؟ غَفَرْتُ لِعَبْدِي، ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ الله، ثُمَّ أصابَ ذَنْباً أوْ أذْنَبَ ذَنْباً فَقَالَ: رَبِّ أذْنَبْتُ أوْ أصَبْتُ آخَرَ فاغْفِرْهُ. فَقَالَ: أعَلِمَ عَبْدِي أنَّ لهُ رَبّاً يَغْفِرُ الذَّنْبَ ويأْخُذُ بِهِ؟ غَفَرْتُ لِعَبْدِي، ثُمَّ مَكَثَ مَا شاءَ الله ثُمَّ أذْنَبَ ذَنْباً ورُبَّما قَالَ: أصابَ ذَنْباً قَالَ: قَالَ رَبِّ أصَبْتُ أوْ أذْنَبْتُ آخَرَ فاغْفِرْهُ لي. فَقَالَ: أعَلِمَ عَبْدِي أنَّ لهُ رَبّاً يَغْفِرُ الذَّنْبَ، ويَأْخُذُ بِهِ؟ غَفَرْتُ لِعَبْدِي ثَلاَثاً فَلْيَعْمَلْ مَا شَاءَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: فَقَالَ ربه وَفِي قَوْله: فَقَالَ: أعلم عَبدِي؟
وَأحمد بن إِسْحَاق بن الْحصين بن جَابر بن جندل أَبُو إِسْحَاق السّلمِيّ السرماري نِسْبَة إِلَى سرمارة قَرْيَة من قرى بُخَارى، وَعَمْرو بن عَاصِم الكلاباذي الْبَصْرِيّ حدث عَنهُ البُخَارِيّ بِلَا وَاسِطَة فِي كتاب الصَّلَاة وَغَيرهَا، وَهَمَّام هُوَ ابْن يحيى وَإِسْحَاق بن عبد الله بن أبي طَلْحَة الْأنْصَارِيّ التَّابِعِيّ الْمَشْهُور، وَعبد الرَّحْمَن بن أبي عمْرَة تَابِعِيّ جليل من أهل الْمَدِينَة لَهُ فِي البُخَارِيّ عَن أبي هُرَيْرَة عشرَة أَحَادِيث غير هَذَا الحَدِيث، وَاسم أَبِيه كنيته، وَهُوَ أَنْصَارِي صَحَابِيّ، وَيُقَال: إِن لعبد الرَّحْمَن رُؤْيَة، وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم: لَيست لَهُ صُحْبَة.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي التَّوْبَة عَن عبد بن حميد وَغَيره. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة عَن عَمْرو بن مَنْصُور.
قَالَ ربه: أعلم؟ بِهَمْزَة الِاسْتِفْهَام وَالْفِعْل الْمَاضِي. قَوْله: يَأْخُذ بِهِ أَي: يُعَاقِبهُ عَلَيْهِ. قَوْله: ثمَّ مكث مَا شَاءَ الله أَي: من الزَّمَان. قَوْله: فاغفره لي أَي: اغْفِر الذَّنب لي واعف عني. قَوْله: فليعمل مَا شَاءَ مَعْنَاهُ: مَا دمت تذنب فتتوب غفرت لَك. وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي الحَدِيث: إِن الذُّنُوب وَلَو تَكَرَّرت مائَة مرّة بل ألفا وَأكْثر وَتَابَ فِي كل مرّة قبلت تَوْبَته، أَو تَابَ عَن الْجَمِيع تَوْبَة وَاحِدَة صحت تَوْبَته.
7508 - حدّثنا عَبْدُ الله بنُ أبي الأسْوَد، حدّثنا مُعَتَمرٌ، سَمِعْتُ أبي، حَدثنَا قَتادَةُ عَن عُقْبَةَ بنِ عَبْدِ الغافِرِ، عنْ أبي سَعِيدٍ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنهُ ذَكَرَ رَجُلاً فِيمَنْ سَلَفَ أوْ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ قَالَ كَلِمَةً يَعْنِي: أعْطاهُ الله مَالا ووَلَداً، فَلمَّا حَضَرَتِ الوَفاةُ قَالَ لِبَنِيهِ: أيَّ أبٍ كُنْتُ لَكُمْ؟ قالُوا: خَيْرَ أبٍ. قَالَ: فإنَّهُ لَمْ يَبْتَئِرْ أوْ لَمْ يَبْتَئِزْ عِنْدَ الله خَيْراً، وإنْ يَقْدِرِ الله عَلَيْهِ يُعَذِّبْهُ فانْظُرُوا إِذا مُتُّ فأحْرِقُونِي حتَّى إِذا صِرْتُ فَحْماً فاسْحَقْونِي أوْ قَالَ: فاسْحَكُوني فَإِذا كَانَ يَوْمُ رِيحٍ عاصِفٍ فأذْرونِي فِيها، فَقَالَ نَبِيُّ الله فأخَذَ مَواثِيقَهُمْ عَلى ذالِكَ وَرَبِّي فَفَعَلُوا، ثُمَّ أذْرَوْهُ فِي يَوْمِ عَاصِفٍ، فَقَالَ الله عَزَّ وجلَّ: كُنْ فَإِذا هُوَ رَجُلٌ قائِمٌ، قَالَ الله: أيْ عَبْدِي مَا حَمَلَكَ عَلى أنْ فَعَلْتَ مَا فَعَلْتَ؟ قَالَ: مَخَافَتُكَ أَو فَرَقٌ مِنْكَ قَالَ: فَما تَلافاهُ أنْ رَحِمَهُ عِنْدَها وَقَالَ(25/163)
مَرَّةً أُخْراى: فَما تَلاَفاهُ غَيْرُها.
فَحَدَّثْتُ بِهِ أَبَا عُثْمانَ فَقَالَ: سَمِعْتُ هاذَا مِنْ سَلْمانَ غَيْرَ أنَّهُ زَادَ فِيهِ: أذْرُونِي فِي البَحْرِ، أوْ كَمَا حَدَّثَ.
انْظُر الحَدِيث 3468 وطرفه
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: قَالَ الله. أَي عَبدِي
وَشَيخ البُخَارِيّ عبد الله بن أبي الْأسود هُوَ عبد الله بن مُحَمَّد بن أبي الْأسود وَاسم أبي الْأسود حميد بن الْأسود الْبَصْرِيّ ومعتمر هُوَ ابْن سُلَيْمَان يروي عَن أَبِيه سُلَيْمَان بن طرخان التَّيْمِيّ الْبَصْرِيّ، وَعقبَة بن عبد الغافر أَبُو نَهَار الْأَزْدِيّ العوذي الْبَصْرِيّ، وَأَبُو سعيد سعد بن مَالك الْخُدْرِيّ، وَفِيه ثَلَاثَة من التَّابِعين.
والْحَدِيث مضى فِي ذكر بني إِسْرَائِيل عَن أبي الْوَلِيد، وَفِي الرقَاق عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل، وَمضى الْكَلَام فِيهِ على نسق.
قَوْله: أَو فِيمَن كَانَ شكّ من الرَّاوِي. قَوْله: قَالَ كلمة أَي قَالَ النَّبِي، كلمة. قَوْله: يَعْنِي: أعطَاهُ الله مَالا وَولدا تَفْسِير لقَوْله: كلمة، وَهُوَ صفة لقَوْله: رجلا قَوْله: أَي أَب كنت لكم؟ لفظ: أَي، مَنْصُوب بقوله: كنت وَجَاز تَقْدِيمه لكَونه استفهاماً. وَيجوز الرّفْع. قَوْله: قَالُوا: خير أَب بِالنّصب على تَقْدِير: كنت خير أَب، وَيجوز الرّفْع بِتَقْدِير أَنْت خير أَب. قَوْله: لم يبتئر من الافتعال من بأر بِالْبَاء الْمُوَحدَة وَالرَّاء أَي: لم يقدم خبيئة خير وَلم يدّخر، يُقَال فِيهِ: بارت الشَّيْء وابتارته أباره وابتئره. قَوْله: أَو لم يبتئز بالزاي مَوضِع الرَّاء، كَذَا فِي رِوَايَة أبي ذَر، وَقيل: ينْسب هَذَا إِلَى أبي زيد الْمروزِي. قَوْله: فاسحقوني من سحق الدَّوَاء دقه وَمِنْه مسك سحيق. قَوْله: أَو قَالَ: فاسحكوني شكّ من الرَّاوِي وَهُوَ بِمَعْنَاهُ، ويروى: فاسهكوني بِالْهَاءِ بدل الْحَاء الْمُهْملَة وَقَالَ الْخطابِيّ، ويروى فأسحلوني، يَعْنِي: بِاللَّامِ، ثمَّ قَالَ: مَعْنَاهُ أبردوني بالمسحل وَهُوَ الْمبرد، وَيُقَال للبرادة سحالة. قَوْله: فأذروني فِيهَا أَي: الرّيح من ذرى الرّيح الشَّيْء وأذرته أطارته. قَوْله: وربي قسم من الْمخبر بِذَاكَ عَنْهُم تَأْكِيد لصدقه. قَوْله: أَو فرق شكّ من الرَّاوِي أَي: خوف مِنْك. قَوْله: فَمَا تلافاه بِالْفَاءِ أَي: فَمَا تَدَارُكه. قَوْله: أَن رَحمَه أَي: بِأَن رَحمَه. قَالَ الْكرْمَانِي: مَفْهُومه عكس الْمَقْصُود، ثمَّ قَالَ: مَا، مَوْصُولَة أَي: الَّذِي تلافاه هُوَ الرَّحْمَة أَو نَافِيَة وَكلمَة الِاسْتِثْنَاء محذوفة عِنْد من جوز حذفهَا، أَو المُرَاد مَا تلافى عدم الابتئار لأجل أَن رَحمَه الله، أَو بِأَن رَحمَه.
قَوْله: فَحدثت بِهِ أَبَا عُثْمَان وَهُوَ عبد الرَّحْمَن النَّهْدِيّ وَالْقَائِل بِهِ هُوَ سُلَيْمَان التَّيْمِيّ، وَقَالَ بَعضهم: ذهل الْكرْمَانِي فَجزم بِأَنَّهُ قَتَادَة. قلت: لم أر هَذَا فِي شَرحه، وَلَئِن كَانَ مَوْجُودا فَلهُ أَن يَقُول: أَنْت ذهلت لِأَنَّهُ لم يبرهن على مَا قَالَه. قَوْله: من سلمَان هُوَ سلمَان الْفَارِسِي الصَّحَابِيّ، وَأَبُو عُثْمَان مَعْرُوف بالرواية عَنهُ.
حدّثنا مُوسَى حَدثنَا مُعْتَمرٌ، وَقَالَ: لَمْ يَبْتَئِرْ. وَقَالَ خَلِيفَةُ: حَدثنَا مُعْتَمِرٌ وَقَالَ: لَمْ يَبْتَئِزْ، فَسَّرَهُ قَتادَةُ: لَمْ يَدَّخِرْ.
مُوسَى هُوَ ابْن إِسْمَاعِيل التَّبُوذَكِي حدث عَن مُعْتَمر بن سُلَيْمَان، وَقَالَ: لم يبتئر، يَعْنِي بالراء وَقد سَاقه بِتَمَامِهِ فِي الرقَاق. قَوْله: وَقَالَ خَليفَة أَي: ابْن خياط أحد شُيُوخ البُخَارِيّ حدث عَن مُعْتَمر، وَقَالَ: لم يبتئز بالزاي. قَوْله: فسره أَي: فسر لفظ لم يبتئز قَتَادَة بِأَن مَعْنَاهُ لم يدّخر.
36 - (بابُ كَلاَمِ الرَّبِّ عَزَّ وجَلَّ يَوْمَ القِيامَةِ مَعَ الأنْبِياءِ وغَيْرِهِمْ)
أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان كَلَام الرب عز وَجل ... الخ لما بَين كَلَام الرب مَعَ الْمَلَائِكَة الْمُشَاهدَة لَهُ ذكر فِي هَذَا الْبَاب كَلَامه مَعَ الْبشر يَوْم الْقِيَامَة بِخِلَاف مَا حرمهم فِي الدُّنْيَا. لحجابه الْأَبْصَار عَن رُؤْيَته فِيهَا، فيرفع فِي الْآخِرَة ذَلِك الْحجاب عَن أَبْصَارهم ويكلمهم على حَال الْمُشَاهدَة، كَمَا قَالَ، لَيْسَ بَينه وَبَينه ترجمان، وَفِي جَمِيع أَحَادِيث الْبَاب كَلَام الْعَرَب عز وَجل مَعَ عباده.
7509 - حدّثنا يُوسفُ بنُ راشِدٍ، حَدثنَا أحْمَدُ بنُ عَبْدِ الله، حَدثنَا أبُو بَكْرِ بنُ عَيَّاش، عنْ حُمَيْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ أنَساً، رَضِي الله عَنهُ: قَالَ: سَمِعْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ إذَا كانَ يَوْمُ القِيامَةِ(25/164)
شُفِّعْتُ فَقُلْتُ: يَا ربِّ أدْخِلِ الجَنَّةَ مَنْ كانَ فِي قَلْبِهِ خَرْدَلَةٌ؛ فَيَدْخُلونَ، ثُمَّ أقُولُ: أدْخِلِ الجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ أدْنَى شَيْءٍ
فَقَالَ أنَسٌ: كأنِّي أنْظُرُ إِلَى أصابِعِ رسولِ الله
ا
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَن السِّيَاق يدل عَلَيْهَا من التشفيع وَقَوله: يَا رب والإجابة مَعَ أَن الحَدِيث مُخْتَصر.
ويوسف بن رَاشد هُوَ يُوسُف بن موساى بن رَاشد الْقطَّان الْكُوفِي نزيل بَغْدَاد، ونسبته لجده أشهر، وَأحمد بن عبد الله بن يُونُس الْيَرْبُوعي روى عَنهُ البُخَارِيّ بِغَيْر وَاسِطَة فِي الْوضُوء وَغَيره، وَأَبُو بكر بن عَيَّاش بِالْعينِ الْمُهْملَة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف الْأَسدي القارىء، وَحميد هُوَ الطَّوِيل.
قَوْله: شفعت على صِيغَة الْمَجْهُول كَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني بفتحه مخففاً فَالْأول من التشفيع وَهُوَ تَفْوِيض الشَّفَاعَة إِلَيْهِ وَالْقَبُول مِنْهُ. قَوْله: أَدخل الْجنَّة بِفَتْح الْهمزَة من الإدخال. قَوْله: من كَانَ مَفْعُوله. قَوْله: خردلة أَي: من الْإِيمَان.
وَقَالَ بَعضهم وَيُسْتَفَاد مِنْهُ: صِحَة القَوْل بتجزيء الْإِيمَان وزيادته ونقصانه. قلت: الْإِيمَان هُوَ التَّصْدِيق بِالْقَلْبِ وَهُوَ لَا يقبل الشدَّة والضعف، فَكيف يتجزىء؟ وَلَفظ الخردلة والذرة والشعيرة تَمْثِيل.
قَوْله: كَأَنِّي أنظر إِلَى أَصَابِع رَسُول الله، صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسلم يَعْنِي: عِنْد قَوْله: أدنى شَيْء يضم أَصَابِعه وَيُشِير بهَا.
7510 - حدّثنا سُلَيْمانُ بنُ حَرْبٍ، حدّثنا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، حَدثنَا مَعْبَدُ بنُ هِلاَلٍ العَنَزِيُّ قَالَ: اجْتَمَعْنا ناسٌ مِنْ أهْلِ البَصْرَةِ فَذَهَبْنا إِلَى أنَسِ بنِ مالِكٍ وذَهَبْنا مَعَنا بِثابتٍ إلَيْهِ يَسْألُهُ لَنا عنْ حَدِيثِ الشّفاعَةِ، فإذَا هُوَ فِي قَصْرِهِ، فَوَافَقْناهُ يُصَلِّي الضُّحَى، فاسْتأْذَنَّاهُ فأذِنَ لَنا وهُوَ قاعِدٌ عَلى فِرَاشِهِ، فَقُلْنا لِثابتٍ: لَا تَسْألْهُ عنْ شَيْءٍ أوَّلَ مِنْ حَدِيثِ الشَّفاعَةِ. فَقَالَ: يَا أَبَا حَمْزَة هاؤُلاَءِ إخْوَانُكَ مِنْ أهْلِ البَصْرَةِ جاؤُوكَ يَسْألُونَكَ عنْ حَدِيثِ الشّفاعَةِ. فَقَالَ: حدّثنا مُحَمَّدٌ قَالَ: إذَا كانَ يَوْمَ القِيامَةِ ماجَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ فَيأْتُونَ آدَمَ فَيقُولونَ: اشْفَعْ لَنا إِلَى رَبِّكَ، فَيَقُولُ: لَسْتُ لَها، ولَكِنْ عَلَيْكُمْ بِإبْرَاهِيمَ فَإنَّهُ خَلِيلُ الرَّحْمانِ، قَالَ: فَيأْتُونَ إبْرَاهِيمَ فَيَقُولُ: لَسْتُ لَها، ولَكِنْ عَلَيْكُمْ بِمُوساى فإنَّهُ كَلِيمُ الله، فَيأْتُونَ مُوساى فَيَقُولُ: لَسْتُ لَهَا ولَكِنْ عَلَيْكُمْ بِعِيسَى، فإنَّهُ رُوحُ الله وكَلِمَتُهُ، فَيأْتُونَ عِيسَى فَيَقُولُ: لسْتُ لَهَا، ولَكِنْ عَليْكُمْ بِمُحَمَّدٍ فَيأْتُوني فأقُولُ: أَنا لَهَا. فأسْتَأذِنُ عَلى رَبِّي فَيُؤْذَنُ لِي ويُلْهِمُني مَحامِدَ أحْمَدُهُ بِها لَا تَحْضُرُني الآنَ، فأحْمَدُهُ بِتِلْكَ المَحامِدِ وأخرُّ لهُ ساجِداً، فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رأسَكَ وقُلْ يُسْمَعْ لَكَ وسَلْ تُعْطَهْ، واشْفَعْ تُشَفَّعْ. فأقُولُ: يَا ربِّ أُمَّتي أُمَّتِي، فَيُقالُ: انْطَلِقْ فأخْرِجْ مِنْها مَنْ كانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقالُ شَعِيرَةٍ مِنْ إيمانٍ، فأنْطَلِقُ فأفْعَلُ، ثُمَّ أعُودُ فأحْمَدُهُ بِتِلْكَ المَحامِدِ ثُمَّ أخرُّ لهُ ساجِداً فَيُقالُ: يَا مُحَمَّد ارْفَعْ رأسَكَ وقُلْ يُسْمَعْ لَكَ وسَلْ تُعْطَ واشْفَعْ تُشَفَّعْ، فأقُولُ: يَا رَبِّ أُمَّتي أُمَّتِي، فَيُقَال: انْطَلِقْ فأخرِجْ مِنْها مَنْ كانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقالُ ذَرَّةٍ أوْ خَرْدَلَةٍ مِنْ إيمانٍ، فأنْطَلِقُ فأفْعَلُ، ثُمَّ أعُودُ. فأحْمَدُهُ بِتِلْكَ المَحامِدِ، ثُمَّ أخِرُّ لهُ ساجِداً فيقالُ: يَا مُحَمَّد ارْفَعْ رأسَكَ وقُلْ يُسْمَعْ لَكَ وسَلْ تُعْطَهْ واشْفَعْ تُشَفَّعْ، فأقُولُ: يَا رَبِّ أُمَّتي أُمَّتِي، فَيَقُولُ: انْطَلِقْ فأخْرِجْ مَنْ كانَ فِي قَلْبِهِ أدْنَى أدْنَى أدْنَى مِثْقالِ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَان فأخْرِجُه مِنَ النَّار، فأنْطَلِقُ فأفْعَلُ
فَلمَّا خَرَجْنا مِنْ عِنْدَ أنَسٍ قُلْتُ لِبَعْضٍ أصْحابِنا: لوْ مرَرْنا بِالحَسَنِ وهْوَ مُتَوارٍ فِي مَنْزِلِ أبي خَلِيفَةَ، فَحَدَّثْناهُ بِما حدّثنا أنَسُ بنُ(25/165)
مالِكٍ فأتَيْناهُ فَسَلَّمْنا عَلَيْهِ فأذِنَ لَنا، فَقُلْنا لهُ: يَا أَبَا سَعِيدٍ جِئْناكَ مِنْ عِنْدِ أخِيكَ أنَسِ بنِ مالِكٍ فَلَمْ نَرَ مِثْلَ مَا حدَّثَنا فِي الشَّفاعَةِ، فَقَالَ: هِيهِ؟ فَحَدَّثْناهُ بِالحدِيثِ فانْتهاى إِلَى هاذَا المَوْضِعِ، فَقَالَ: هِيهِ؟ فَقُلْنا: لَمْ يَزِدْ لَنا عَلى هاذا، فَقَالَ: لَقَدْ حَدّثني وهْوَ جَميعٌ مُنْذُ عِشْرِينَ سَنَةً، فَلا أدْرِي أنَسِيَ أمْ كَرِهَ أنْ تَتَّكِلُوا؟ قُلْنا: يَا أَبَا سَعِيدٍ فَحَدِّثْنا. فَضَحِكَ وَقَالَ خُلقَ الإنْسانُ عَجُولاً مَا ذَكَرْتُهُ إِلَّا وَأَنا أُرِيدُ أنْ أُحَدِّثَكُمْ: حَدَّثَني كَمَا حَدَّثَكُمْ بِهِ، قَالَ: ثُمَّ أعُودُ الرَّابِعَةَ فأحمَدُهُ بِتلْكَ المَحامِدِ ثُمَّ أخِرُّ لهُ ساجِداً فَيقُالُ يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأسَكَ وقلْ يُسْمَعْ وسَلْ تُعْطَهْ واشْفَعْ تُشَفَّعْ، فأقُولُ: يَا رَبِّ ائْذَنْ لِي فِيمَنْ قَالَ: لَا إلاهَ إلاّ الله، فَيَقُولُ: وعِزَّتِي وَجلالِي وكِبْرِيائي وعَظَمَتِي لأُخْرِجَنَّ مِنْها مَنْ قَالَ: لَا إلاهَ إلاَّ الله
ا
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. فَإِن فِيهِ سُؤَالَات من النَّبِي والأجوبة من الله عز وَجل.
ومعبد بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وبالدال الْمُهْملَة ابْن هِلَال الْعَنزي نِسْبَة إِلَى عنز بِالْعينِ الْمُهْملَة وبالنون وَالزَّاي، وَهُوَ عبد الله بن وَائِل بن قاسط يَنْتَهِي إِلَى ربيعَة بن نزار، وَهُوَ بَصرِي، وَقَالَ الْكرْمَانِي: لم يتَقَدَّم ذكره. قلت: كَأَنَّهُ أَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَنه لم يرو فِي البُخَارِيّ إلاَّ حَدِيث الشَّفَاعَة هَذَا.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْإِيمَان عَن أبي ربيع الزهْرَانِي وَغَيره. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي التَّفْسِير عَن يحيى بن جُنْدُب وَلم يذكر فِيهِ حَدِيث الْحسن.
قَوْله: نَاس من أهل الْبَصْرَة بَيَان لقَوْله: اجْتَمَعنَا وَهُوَ مَرْفُوع على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: وهم نَاس، أَو: وَنحن نَاس من أهل الْبَصْرَة، يَعْنِي: لَيْسَ فيهم أحد من غير أَهلهَا. قَوْله: بِثَابِت بالثاء الْمُثَلَّثَة فِي أَوله ابْن أسلم الْبَصْرِيّ أَبُو مُحَمَّد الْبنانِيّ، نِسْبَة إِلَى بنانة بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَخْفِيف النُّون الأولى، وَكَانَت أمة لسعد بن لؤَي حضنت بنته، وَقيل: زَوجته وَنسب إِلَيْهَا ولد سعد، وَعبد الْعَزِيز بن صُهَيْب لَيْسَ مَنْسُوبا إِلَى الْقَبِيلَة، وَإِنَّمَا قيل لَهُ الْبنانِيّ لِأَنَّهُ كَانَ ينزل سكَّة بنانة بِالْبَصْرَةِ، وَعلي بن إِبْرَاهِيم الْبنانِيّ مَنْسُوب إِلَى بنانة نَاحيَة من نواحي الشاهجان. قَوْله: يسْأَله أَي: يسْأَل ثَابت أنسا وَهُوَ من الْأَحْوَال الْمقدرَة. قَوْله: فِي قصره كَانَ قصر أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، بِموضع يُسمى الزاوية على نَحْو فرسخين من الْبَصْرَة. قَوْله: أول أَي: أسبق ووزنه أفعل أَو فوعل فِيهِ اخْتِلَاف بَين عُلَمَاء التصريف. قَوْله: يَا أَبَا حَمْزَة أَصله: يَا أَبَا حَمْزَة، حذفت الْألف للتَّخْفِيف، وَأَبُو حَمْزَة بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي كنية أنس. قَوْله: فَقَالَ: حَدثنَا أَي: فَقَالَ أنس: حَدثنَا مُحَمَّد قَوْله: ماج النَّاس أَي: اضْطَرَبُوا واختلطوا من هَيْبَة ذَلِك الْيَوْم، يُقَال: ماج الْبَحْر اضْطَرَبَتْ أمواجه. قَوْله: لست لَهَا أَي: لَيْسَ لي هَذِه الْمرتبَة. قَوْله: عَلَيْكُم بإبراهيم لم يذكر فِيهِ نوحًا فَإِنَّهُ سبق فِي الرِّوَايَات الْأُخَر، قَالَ آدم: عَلَيْكُم بِنوح، ونوح قَالَ: عَلَيْكُم بإبراهيم، وَقَالَ الْكرْمَانِي: لَعَلَّ آدم قَالَ: ائْتُوا غَيْرِي نوحًا وَإِبْرَاهِيم وَغَيرهمَا، قلت: لَيْسَ فِيهِ مَا يُغني عَن الْجَواب، وَيُمكن أَن يكون آدم ذكر نوحًا أَيْضا وَذهل عَنهُ الرَّاوِي هُنَا. قَوْله: فَإِنَّهُ كليم الله كَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: فَإِنَّهُ كلم الله بِلَفْظ الْفِعْل الْمَاضِي. قَوْله: فَيُقَال: يَا مُحَمَّد وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: فَيَقُول، فِي الْمَوَاضِع الثَّلَاثَة. قَوْله: أَنا لَهَا أَي: للشفاعة يَعْنِي: أَنا أتصدى بِهَذَا الْأَمر. قَوْله: فَأَقُول: يَا رب أمتِي أمتِي قيل الطالبون للشافعة مِنْهُ عَامَّة الْخَلَائق وَذَلِكَ أَيْضا للإراحة من هول الْموقف لَا للإخراج من النَّار، وَأجَاب القَاضِي عِيَاض وَقَالَ: المُرَاد فَيُؤذن لي فِي الشَّفَاعَة الْمَوْعُود بهَا فِي إِزَالَة الهول، وَله شفاعات أخر خَاصَّة بأمته، وَفِيه اخْتِصَار. وَقَالَ الْمُهلب: فَأَقُول: يَا رب أمتِي أمتِي مِمَّا زَاد سُلَيْمَان بن حَرْب على سَائِر الروَاة، وَقَالَ الدَّاودِيّ: وَلَا أرَاهُ مَحْفُوظًا. لِأَن الْخَلَائق اجْتَمعُوا واستشفعوا وَلَو كَانَت هَذِه الْأمة لم تذْهب إِلَى غير نبيها، وَأول هَذَا الحَدِيث لَيْسَ مُتَّصِلا بِآخِرهِ، وَإِنَّمَا أَتَى فِيهِ بِأول الْأَمر وَآخره وَفِيمَا بَينهمَا ليذْهب كل أمة من كَانَ يعبد، وَحَدِيث: يُؤْتى بجهنم، وَحَدِيث ذكر الموازين والصراط وتناثر الصُّحُف وَالْخِصَام بَين يَدي الرب، جلّ جَلَاله، وَأكْثر أُمُور يَوْم الْقِيَامَة هِيَ فِيمَا بَين أول هَذَا الحَدِيث وَآخره. قَوْله: ذرة بِفَتْح الذَّال الْمُعْجَمَة(25/166)
وَتَشْديد الرَّاء، وصحف شُعْبَة فَرَوَاهُ بِالضَّمِّ وَالتَّخْفِيف. قَوْله: أدنى أَي: أقل، وَفَائِدَة التّكْرَار التَّأْكِيد، وَيحْتَمل أَن يُرَاد التَّوْزِيع على الْحبَّة والخردلة وَالْإِيمَان أقل حَبَّة من أقل خردلة من أقل إِيمَان.
قَوْله: بالْحسنِ أَي: الْبَصْرِيّ. قَوْله: وَهُوَ متوارٍ أَي: مختف فِي منزل أبي خَليفَة الطَّائِي الْبَصْرِيّ خوفًا من الْحجَّاج بن يُوسُف الثَّقَفِيّ. قَوْله: من عِنْد أَخِيك أَي: فِي الدّين والمؤمنون إخْوَة. قَوْله: فَقَالَ: هيه؟ بِكَسْر الهاءين وَهِي كلمة استزادة فِي الحَدِيث وَقد تنون، وَقَالَ ابْن التِّين: قرأناه بِكَسْر الْهَاء من غير تَنْوِين وَمَعْنَاهُ: زد من هَذَا الحَدِيث، وَالْهَاء بدل من الْهمزَة، كَمَا أبدلت فِي هراق وَأَصله أرقاق، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: إِذا قلت إيه يَا رجل؟ تُرِيدُ بِكَسْر الْهَاء غير منونة فَإِنَّمَا تَأمره أَن يزيدك من الحَدِيث الْمَعْهُود. كَأَنَّك قلت: هَات الحَدِيث، وَإِن نونت كَأَنَّك قلت: هَات حَدِيثا مَا. قَوْله: وَهُوَ جَمِيع أَي: مُجْتَمع أَرَادَ أَنه كَانَ حينئذٍ شَابًّا، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: الرجل الْمُجْتَمع الَّذِي بلغ أشده وَلَا يُقَال ذَلِك للْأُنْثَى. قَوْله: مُنْذُ عشْرين سنة مُنْذُ ومذ يَصح أَن يَكُونَا حرفي جر وَيصِح أَن يَكُونَا اسْمَيْنِ فَترفع مَا بعدهمَا على التَّارِيخ أَو على التَّوْقِيت. تَقول فِي التَّارِيخ: مَا رَأَيْته مذ يَوْم الْجُمُعَة، أَي: أول انْقِطَاع الرُّؤْيَة يَوْم الْجُمُعَة، وَفِي التَّوْقِيت مَا رَأَيْته مُنْذُ سنة أَي: أمد ذَلِك سنة. قَوْله: أَن تتكلوا أَي: تعتمدوا على الشَّفَاعَة فتتركون الْعَمَل. قَوْله: وَعِزَّتِي لَا فرق بَين هَذِه الْأَلْفَاظ وَأَنَّهَا مترادفة، وَقيل: نقيض الْعِزَّة الذل ونقيض الْكبر الصغر ونقيض العظمة الحقارة ونقيض الْجَلِيل الدَّقِيق وبضدها تتبين الْأَشْيَاء وَإِذا أطلقت على الله فَالْمُرَاد لوازمها بِحَسب مَا يَلِيق بِهِ، وَقيل: الْكِبْرِيَاء يرجع إِلَى كَمَال الذَّات، وَالْعَظَمَة إِلَى كَمَال الصِّفَات، والجلال إِلَى كمالها. قَوْله: لأخْرجَن مِنْهَا من قَالَ: لَا إلاه إِلَّا الله فَإِن قلت: لَو لم يقل: مُحَمَّد رَسُول الله، لكفاه. قلت: لَا، وَهَذَا إِشْعَار كَمَال الْكَلِمَة وتمامها كإطلاق: الْحَمد لله رب الْعَالمين وَإِرَادَة السُّورَة بِتَمَامِهَا.
7511 - حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ خالِدٍ، حدّثنا عُبَيْدُ الله بنُ مُوساى، عنْ إسْرَائِيلَ، عنْ مَنْصُورٍ، عنْ إبْراهيمَ، عنْ عَبِيدَةَ عنْ عَبْدِ الله قَالَ: قَالَ رسولُ الله إنَّ آخِرَ أهْلِ الجَنَّةِ دُخُولاً الجَنَّةَ وآخِرَ أهْلِ النَّارِ خُرُوجاً مِنَ النَّارِ رَجُلٌ يَخْرُجُ حَبْواً فَيقُولُ لهُ رَبَّهُ ادْخُلِ الجَنَةَ فَيَقُولُ رَبِّ الجَنّةُ مَلْأى، فَيَقُولُ لهُ ذالِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، فَكُلُّ ذَلِكَ يُعِيدُ عَلَيْه: الجَنَّةُ مَلْأى، فَيقُولُ: إنَّ لَكَ مثْلَ الدُّنْيا عَشْرَ مِرارٍ
انْظُر الحَدِيث 6571
مطابقه للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة فِي قَوْله: فَيَقُول لَهُ ربه
وَمُحَمّد بن خَالِد، قَالَ الْكرْمَانِي: هُوَ الذهلي بِضَم الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْهَاء. قلت: هُوَ مُحَمَّد بن يحيى بن عبد الله بن خَالِد بن فَارس نسب لجد أَبِيه وَبِذَلِك جزم الْحَاكِم والكلاباذي وَأَبُو مَسْعُود، وَقيل: مُحَمَّد بن خَالِد بن جبلة الرافقي، وَبِذَلِك جزم أَبُو أَحْمد بن عدي وَخلف الوَاسِطِيّ فِي الْأَطْرَاف وَوَقع فِي رِوَايَة الْكشميهني: مُحَمَّد بن مخلد، وَالْأول هُوَ الصَّوَاب، وَلم يذكر أحد مِمَّن صنف رجال البُخَارِيّ وَلَا فِي رجال الْكتب السِّتَّة أحدا اسْمه مُحَمَّد بن مخلد، وَهُوَ يروي عَن عبيد الله بن مُوسَى الْكُوفِي وَكَثِيرًا يروي البُخَارِيّ عَنهُ بِلَا وَاسِطَة، وَإِسْرَائِيل هُوَ ابْن مُوسَى بن أبي إِسْحَاق عَمْرو السبيعِي، وَمَنْصُور هُوَ ابْن الْمُعْتَمِر، وَإِبْرَاهِيم هُوَ النَّخعِيّ، وَعبيدَة بِفَتْح الْعين ابْن عَمْرو السَّلمَانِي، وَعبد الله هُوَ ابْن مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
والْحَدِيث قد مضى فِي صفة الْجنَّة عَن عُثْمَان عَن جرير، وَمضى مطولا فِي الرقَاق وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
فِيهِ قَوْله (حبواً) وَهُوَ الْمَشْي على الْيَدَيْنِ وعَلى الْبَطن أَو على الأست. قَوْله: فَكل ذَلِك بِالْفَاءِ فِي رِوَايَة الْكشميهني وَفِي رِوَايَة غَيره: كل ذَلِك، بِدُونِ الْفَاء. قَوْله: عشر مرار وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: عشر مَرَّات.
7512 - حدّثنا عَلِيُّ بنُ حُجْرِ، أخبرنَا عِيسَى بنُ يُونُسَ، عنِ الأعْمَشِ، عنْ خَيْثَمَة، عنْ عَدِيِّ بنِ حاتِمٍ قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا مِنْكُمْ مِنْ أحَدٍ إلاَّ سيُكَلِّمُهُ ربُّهُ، لَيْسَ بَيْنَهُ وبَيْنَهُ(25/167)
تُرْجُمانٌ، فَيَنْظُرُ أيْمَن مِنْهُ فَلاَ يَرَى إلاّ مَا قَدَّمَ مِنْ عَمَلِهِ، ويَنْظُرُ أشْأمَ مِنْهُ فَلا يَرَى إلاَّ مَا قَدَّمَ، ويَنْظرُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَلاَ يَرَى إلاّ النّارَ تِلْقاءَ وَجِههِ، فاتَّقُوا النَّارَ ولَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ
قَالَ الأعْمَشُ: وحدّثني عَمْرُو بنُ مُرَّةَ عنْ خَيْثَمَةَ مِثْلُهُ، وزادَ فِيهِ: ولَوْ بِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ
ا
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعلي بن حجر بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْجِيم السَّعْدِيّ الْمروزِي، وَعِيسَى بن يُونُس بن أبي إِسْحَاق السبيعِي، وَالْأَعْمَش سُلَيْمَان، وخيثمة بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالثاء الْمُثَلَّثَة ابْن عبد الرَّحْمَن الْجعْفِيّ.
قَالَ الْكرْمَانِي: والْحَدِيث مضى فِي الزَّكَاة. قلت: لَيْسَ كَذَلِك، بل مضى فِي الرقَاق عَن عمر بن حَفْص وَإِنَّمَا أخرجه فِي الزَّكَاة مُسلم.
قَوْله: ترجمان بِفَتْح التَّاء وَضم الْجِيم وبفتحهما وضمهما. قَوْله: أَيمن مِنْهُ الْأَيْمن الميمنة. قَوْله: أشأم مِنْهُ الأشام المشئمة.
قَوْله: قَالَ الْأَعْمَش مَوْصُول بالسند الْمَذْكُور.
7513 - حدّثنا عُثْمانُ بنُ أبي شَيْبَةَ، حدّثنا جَريرٌ، عنْ مَنْصُور، عنْ إبْرَاهِيمَ، عنْ عَبْيدَةَ، عنْ عبْدِ الله، رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: جاءَ حَبْرٌ مِنَ اليَهُودِ فَقَالَ: إنَّهُ إذَا كانَ يَوْمُ القِيامَةِ جَعَلَ الله السَّماوَاتِ عَلى إصْبَعٍ، والأرَضينَ عَلى إصْبَعٍ والماءَ والثَّرَى عَلى إصْبَعٍ والخَلاَئِقَ عَلى إصْبَعٍ ثُمَّ يَهُزهُنَّ ثُمَّ يَقُولُ: أَنا المَلِكُ أَنا المَلِكُ، فَلَقَدْ رَأيْتُ النَّبِي يَضْحكُ حتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ تَعَجُّباً وتَصْدِيقاً لِقَوْلِه، ثُمَّ قَالَ النبيُّ إِلَى قَوْله {وَمَا قَدَرُواْ اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالاَْرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}
ا
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ثمَّ يَقُول: أَنا الْملك أَنا الْملك
وَجَرِير هُوَ ابْن عبد الحميد، وَمَنْصُور بن الْمُعْتَمِر، وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ، وَعبيدَة السَّلمَانِي. وَكلهمْ كوفيون.
والْحَدِيث مضى قبل هَذَا الْبَاب بِسِتَّة عشر بَابا فِي: بَاب قَول الله تَعَالَى: وَمضى الْكَلَام فِيهِ، وَقد قُلْنَا: إِن الحَدِيث من المتشابهات وَالْأَمر فِيهِ إِمَّا التَّفْوِيض وَإِمَّا التَّأْوِيل، وَالْمَقْصُود بَيَان استحقار الْعَالم عِنْد قدرته إِذْ يسْتَعْمل الْحمل بالإصبع عِنْد الْقُدْرَة بالسهولة وحقارة الْمَحْمُول، كَمَا تَقول لمن اسْتَقل شَيْئا: أَنا أحملهُ بخنصري.
قَوْله: ثمَّ يَهُزهُنَّ وَفِيه إِشَارَة أَيْضا إِلَى حقارتها أَي: لَا يثقل عَلَيْهِ لَا إِِمْسَاكهَا وَلَا تحريكها وَلَا قبضهَا وَلَا بسطها.
7514 - حدّثنا مُسَدَّدٌ، حَدثنَا أَبُو عَوَانَةَ، عنْ قَتادَةَ، عنْ صَفْوَانَ بنِ مُحرِزٍ أنَّ رجُلاً سألَ ابنَ عُمَرَ: كَيْفَ سَمِعْتَ رسولَ الله يَقُولُ فِي النَّجْوَى؟ قَالَ: يَدْنُو أحَدُكُمْ مِنْ رَبِّهِ حتَّى يَضَعَ كَنَفَهُ عَلَيْهِ، فَيَقُولُ: أعَمِلْتَ كَذَا وَكَذَا؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، ويَقُولُ: أعمِلْتَ كَذَا وكَذَا؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، فَيُقَرِّرُهُ ثُمَّ يَقُولُ: إنِّي سَتَرْتُ عَلَيْكَ فِي الدُّنْيا وَأَنا أغْفِرُها لَكَ اليَوْمَ
وَقَالَ آدَمُ: حدّثنا شَيْبانُ حدّثنا قَتادَةُ حَدثنَا صَفْوَانُ عنِ ابنِ عُمَرَ: سَمِعْتُ النبيَّ
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: فَيَقُول فِي الْمَوْضِعَيْنِ.
وَأَبُو عوَانَة بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة الوضاح الْيَشْكُرِي، وَصَفوَان بن مُحرز على صِيغَة اسْم فَاعل من الْإِحْرَاز بِالْمُهْمَلَةِ وَالزَّاي الْمَازِني.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْمَظَالِم.
قَوْله: فِي النَّجْوَى أَي: التناجي الَّذِي بَين الله وَعَبده الْمُؤمن يَوْم الْقِيَامَة. قَوْله: يدنو من الدنو وَالْمرَاد بِهِ الْقرب الرتبي لَا المكاني. قَوْله: كنفه بِفتْحَتَيْنِ وَهُوَ السَّاتِر أَي: حَتَّى تحيط بِهِ عنايته التَّامَّة وَهُوَ أَيْضا من المتشابهات وَفِيه فضل عَظِيم من الله عز وَجل على عباده الْمُؤمنِينَ. قَوْله: فيقرره أَي: يَجعله مقرا بذلك أَو مُسْتَقرًّا عَلَيْهِ ثَابتا.
قَوْله: وَقَالَ آدم هُوَ ابْن أبي إِيَاس ذكر هَذِه الرِّوَايَة لتصريح قَتَادَة فِيهَا بقوله: حَدثنَا صَفْوَان وشيبان هُوَ ابْن عبد الرَّحْمَن.(25/168)
37 - (بابُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً} )
أَي: هَذَا بَاب فِي قَول الله عز وَجل: {وكلم الله مُوسَى تكليماً} وَفِي بعض النّسخ: بَاب مَا جَاءَ فِي قَوْله عز وَجل: {وكلم الله مُوسَى تكليماً} وَكَذَا فِي رِوَايَة أبي زيد الْمروزِي، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: بَاب مَا جَاءَ {وكلم الله مُوسَى تكليماً} ولغيرهما: بَاب قَوْله تَعَالَى: {وكلم الله مُوسَى تكليماً} وَأورد البُخَارِيّ هَذِه الْآيَة مستدلاً بِأَن الله مُتَكَلم، وَأجْمع أهل السّنة على أَن الله تَعَالَى كلم مُوسَى بِلَا وَاسِطَة وَلَا ترجمان، وأفهمه مَعَاني كَلَامه وأسمعه إِيَّاه إِذْ الْكَلَام مِمَّا يَصح سَمَاعه، وَهَذِه الْآيَة أقوى مَا ورد فِي الرَّد على الْمُعْتَزلَة.
وَقَالَ ابْن التِّين: اخْتلف المتكلمون فِي سَماع كَلَام الله فَقَالَ الْأَشْعَرِيّ: كَلَام الله الْقَائِم بِذَاتِهِ يسمع عِنْد تِلَاوَة كل تالٍ وَعند قِرَاءَة كل قارىء، وَقَالَ الباقلاني: إِنَّمَا تسمع التِّلَاوَة دون المتلو وَالْقِرَاءَة دون المقروء.
7515 - حدّثنا يَحْياى بنُ بُكَيْرٍ، حَدثنَا اللَّيْثُ، حَدثنَا عُقَيْلٌ عنِ ابنِ شِهاب، حَدثنَا حُمَيدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمانِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ أنَّ النبيَّ قَالَ: احْتَجَّ آدمُ ومُوسَى فَقَالَ مُوسَى: أنْتَ آدَمُ الَّذِي أخْرَجْتَ ذُرِّيَّتَكَ مِنَ الجَنَّةِ، قَالَ آدَمُ: أنْتَ مُوسَى الّذِي اصْطَفاكَ الله بِرِسالاتِهِ وبِكَلاَمِهِ، بِمَ تَلُومُنِي عَلى أمْرٍ قَدْ قُدِّرَ عَلَيَّ قَبْلَ أنْ أُخْلَقَ؟ فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى
ا
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: اصطفاك الله برسالته وبكلامه
وَعقيل بِالضَّمِّ هُوَ ابْن خَالِد. والْحَدِيث قد مضى فِي كتاب الْقدر.
قَوْله: احْتج آدم ومُوسَى أَي: تحاجا وتناظرا. قَوْله: أخرجت ذريتك من الْجنَّة أَي: كنت سَببا لخروجهم بِوَاسِطَة أكل الشَّجَرَة. قَوْله: وبكلامه كَذَا فِي رِوَايَة الْكشميهني: بِكَلَامِهِ، بِالْبَاء وَفِي رِوَايَة غَيره: كَلَامه، بِلَا بَاء. قَوْله: بِمَ أَصله بِمَا تلومني؟ ويروى: ثمَّ تلومني؟ بالثاء الْمُثَلَّثَة. قَوْله: فحج أَي: غلب آدم مُوسَى بِالْحجَّةِ.
7516 - حدّثنا مُسْلِمُ بنُ إبْرَاهِيمَ، حَدثنَا هِشامٌ، حَدثنَا قَتادَةُ، عنْ أنَسٍ، رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُجْمَعُ المُؤْمِنُونَ يَوْمَ القِيامَةِ فَيَقُولُونَ لَوِ اسْتَشْفَعْنا إِلَى رَبِّنا فَيُريحُنا مِنْ مَكانِنا هاذَا فَيأتُونَ آدَمَ فَيَقُولُونَ لهُ: أنْتَ آدَمُ أبُو البَشَرِ خَلَقَكَ الله بِيَدِهِ وأسْجَدَ لَكَ الملائِكَةَ وعَلْمَكَ أسْماءَ كلِّ شَيْءٍ، فاشْفَعْ لَنا إِلَى ربِّنا حتَّى يُرِيحَنا. فَيَقُولُ لَهُمْ: لَسْتُ هُناكُم ... فَيَذْكُرُ لَهُمْ خَطِيئَتَهُ الّتي أصابَ
ا
هَذَا قِطْعَة من حَدِيث أنس طَوِيل، وَقد مضى فِي الرقَاق.
وَهِشَام هُوَ الدستوَائي: قَالَ الْكرْمَانِي: أَيْن التَّرْجَمَة؟ ثمَّ قَالَ: تَمام الحَدِيث وَهُوَ قَول إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ السَّلَام؛ عَلَيْكُم بمُوسَى فَإِنَّهُ كليم الله، وَقَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ؛ أَرَادَ ذكر مُوسَى، قَالُوا لَهُ: وكلمك الله ... فَلم يذكرهُ.
7517 - حدّثنا عَبْدُ العَزِيزِ بنُ عَبْدِ الله، حدّثني سُلَيمانُ عَن شَرِيكِ بنِ عَبدِ الله أنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ ابنَ مالِكٍ يَقُولُ، لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِرَسُولِ الله مِنْ مَسْجِدِ الكَعْبَةِ إنّهُ جاءَهُ ثَلاثَةُ نَفَرٍ قَبْلَ أَن يُوحَى إلَيْهِ وهْوَ نائِمٌ فِي المَسْجِدِ الحرامِ، فَقَالَ أوَّلُهُمْ: أيُّهُمْ هُوَ؟ فَقَالَ أوْسَطُهُمْ: هُوَ خَيْرُهُمْ. فَقَالَ آخِرُهُمْ: خُذُوا خَيْرَهُمْ، فَكانَتْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، فَلَمْ يَرَهُمْ حتَّى أتَوْهُ لَيْلَةً أُخْراى فِيما يَراى قَلْبُهُ، وتَنامُ عَيْنُهُ وَلَا يَنامُ قَلْبُهُ، وكَذالِكَ الأنْبِيَاءُ تَنامُ أعْيُنُهُمْ وَلَا تَنامُ قُلُوبُهُمْ، فَلَمْ يُكَلِّمُوهُ حتَّى احْتَمَلُوهُ فَوَضَعُوهُ عِنْدَ بِئرِ زَمْزَمَ، فَتَوَلاَّهُ مِنْهُمْ جِبْرِيلُ، فَشَقَّ جِبْرِيلُ مَا بَيْنَ(25/169)
نَحْرِهِ إِلَى لَبَّتِهِ حتَّى فَرَغَ مِنْ صدْرِهِ وجَوْفِهِ، فَغَسَلَهُ مِنْ ماءِ زَمْزَمَ بِيَدِهِ، حتَّى أنْقاى جَوْفَهُ، ثُمَّ أُتِيَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ فِيهِ تَوْرٌ مِنْ ذَهَبٍ مَحْشُوّاً إِيمَانًا وحِكْمَةً، فَحَشا بِهِ صَدْرَهُ ولَغادِيدَهُ يَعْني: عُرُوقَ حَلْقِهِ ثُمَّ أطْبقَهُ ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى السَّماءِ الدُّنْيا، فَضَرَبَ بَابا مِنْ أبْوابِها فَنادَاهُ أهْلُ السَّماءِ: مَنْ هاذَا؟ فَقَالَ: جِبْرِيلُ. قالُوا: ومَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مَعِي مُحَمَّدٌ. قَالَ: وقَدْ بُعِثَ إلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قالُوا: فَمَرْحَباً بِهِ وأهْلاً، فَيَسْتَبْشِرُ بِهِ أهْلُ السَّماءِ لَا يَعْلَمُ أهْلُ السَّماءِ مَا يُرِيدُ الله بِهِ فِي الأرْضِ حَتَّى يُعْلِمَهُمْ، فَوَجَدَ فِي السَّماءِ الدُّنْيا آدَمَ، فَقَالَ لهُ جِبْرِيلُ: هاذا أبُوكَ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، ورَدَّ عَلَيْهِ آدَمُ وَقَالَ: مَرَحْباً وأهْلاً بِابْنِي نِعْمَ الابْنُ أنْتَ، فَإِذا هُوَ فِي السَّماءِ الدُّنْيا بِنَهْرَيْنِ يَطِردانِ، فَقَالَ: مَا هاذانِ النَّهَرانِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هاذانِ النَّيلُ والفُراتُ عُنْصُرُهُما، ثُمَّ مَضاى بِهِ فِي السَّماءِ فَإِذا هُوَ بِنَهَرٍ آخَرَ عَلَيْهِ قَصْرٌ مِنْ لُؤلُؤٍ وَزَبَرْجَدٍ، فَضَرَبَ يَدَهُ فَإِذا هُوَ مِسْكٌ أذْفَرُ، قَالَ: مَا هاذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هاذا الكَوْثَرُ الّذِي خَبَأ لَكَ رَبُّكَ، ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى السَّماءِ الثَّانِيَةِ، فَقالَتِ المَلائِكَةُ لهُ مِثْلَ مَا قالَت لهُ الأُولَى: مَنْ هاذا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ. قالُوا: ومَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ قالُوا: وقَدْ بُعِثَ إلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قالُوا: مرْحباً بِهِ وأهْلاً، ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى السَّماءِ الثَّالِثَةِ وقالُوا لهُ مِثْلَ مَا قالَتِ الأُولَى والثانِيَةُ، ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى الرَّابِعَةِ فقالُوا لهُ مِثْلَ ذالِكَ، ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى السَّماءِ الخامِسَةِ فقالُوا لهُ مِثْلَ ذالِكَ، ثمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى السَّادِسَةِ فقالُوا لهُ مِثْلَ ذالِكَ، ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى السَّماءِ السَّابِعَةِ فقالُوا لهُ مِثْلَ ذالِكَ، كُلُّ سَماءٍ فِيها أنْبِياءٌ قَدْ سَمَّاهُمْ، فأوْعَيْتُ مِنْهُمْ: إدْرِيسَ فِي الثانِيَةِ، وهارُونَ فِي الرَّابِعَةِ، وآخَرَ فِي الخامِسَةِ لَمْ أحْفَظِ اسْمهُ، وإبْرَاهِيمَ فِي السَّادِسَةِ، ومُوساى فِي السَّابِعَةِ بِتَفْضِيلِ كَلامِ الله، فَقَالَ مُوساى: رَبِّ لَمْ أُظُنَّ أنْ يَرْفَعَ عَلَيَّ أحَدٌ. ثُمَّ عَلاَ بِهِ فَوْق ذالِكَ بِما لَا يَعْلَمُهُ إلاَّ الله حتَّى جاءَ سِدْرَةَ المُنْتَهاى، ودَنا الجَبَّارُ رَبُّ العزةِ فَتَدَلّى حتَّى كانَ مِنْهُ قابَ قَوْسَينِ أوْ أدْنَى فأوْحاى الله فِيما أوْحاى إلَيْهِ: خَمْسِينَ صَلاةً عَلى أُمَّتِكَ كُلَّ يَوْمٍ ولَيْلَةٍ، ثمَّ هَبَطَ حتَّى بَلَغَ مُوساى فاحْتَبَسَهُ مُوساى فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ مَاذَا عَهِدَ إلَيْكَ ربُّكَ؟ قَالَ: عَهِدَ إلَيَّ خَمْسِينَ صَلاةً كُلَّ يَوْمٍ ولَيْلَةٍ، قَالَ: إنَّ أمَّتَكَ لَا تَسْتَطِيعُ ذالِكَ، فارْجِعْ فَلْيُخَفِّفْ عَنْكَ رَبُّكَ وعَنْهُمْ، فالْتَفَتَ النبيُّ إِلَى جِبْرِيلَ كأنَّهُ يَسْتَشِيرُهُ فِي ذالِكَ، فأشارَ إلَيْهِ جِبْرِيلُ؛ أنْ نَعَمْ، إنْ شِئْتَ. فَعَلا بِهِ إِلَى الجَبَّارِ فَقَالَ وهْوَ مَكانَهُ: يَا رَبِّ خَفِّفْ عَنَّا، فإنَّ أُمَّتِي لَا تَسْتَطِيعُ هاذا، فَوَضَعَ عَنْهُ عَشْرَ صَلَواتٍ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مُوساى فاحْتَبَسَهُ، فَلَمْ يَزَلْ يُرَدِّدُه مُوساى إِلَى رَبِّهِ حتَّى صارَتْ إِلَى خَمْسِ صَلَوات، ثُمَّ احْتَبَسَهُ مُوساى عِنْدَ الخَمْسِ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ وَالله لَقَدْ راوَدْتُ بَنِي إسْرائِيلَ قَوْمِي عَلى أدْنَى مِنْ هاذا فَضَعفُوا فَتَرَكُوهُ، فأُمَّتَكَ أضْعَفُ أجْساداً وقُلُوباً وأبْداناً وأبْصاراً وأسْماعاً، فارْجِعْ فَلْيُخَفِّفْ عَنْكَ رَبُّكَ، كلَّ ذالِكَ يَلْتَفِتُ النبيُّ إِلَى جِبْرِيلَ لِيُشِيرَ عَلَيْهِ وَلَا يَكْرَهُ ذالِكَ جِبْرِيلُ، فَرَفَعَهُ عِنْدَ الخامِسَةَ فَقَالَ: يَا رَبّ(25/170)
ِ إنَّ أُمَّتِي ضُعَفاءُ أجْسادُهُمْ وقُلُوبُهُمْ وأسْماعُهُمْ وأبْدانُهُمْ، فَخَفِّفْ عَنَّا؟ . فَقَالَ الجَبَّارُ: يَا مُحَمَّدُ قَالَ: لَبَّيْكَ وسَعْدَيْكَ. قَالَ: إنّهُ لَا يُبَدَّلُ القَوْلُ لَدَيَّ، كَمَا فَرَضْتُ عَلَيْكَ فِي أُمِّ الكِتابِ. قَالَ: فَكُلُّ حَسَنَةٍ بِعَشْرِ أمْثالِها فَهْيَ خَمْسُونَ فِي أُمِّ الكِتاب، وهْيَ خَمْسٌ عَلَيْكَ، فَرَجَعَ إِلَى مُوساى فَقَالَ: كَيْفَ فَعَلْتَ؟ فَقَالَ: خَفَّفَ عَنَّا، أعْطانا بِكُلِّ حَسَنَةٍ عَشْرَ أمْثالِها. قَالَ مُوساى: قَدْ وَالله رَاوَدْتُ بَنِي إسْرائِيلَ عَلى أدْنَى مِنْ ذالِكَ فَتَرَكُوهُ، ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَلْيُخَفِّفْ عَنْكَ أيْضاً: قَالَ رسولُ الله يَا مُوساى قَدْ وَالله اسْتَحْيَيْتُ مِنْ رَبِّي مِمَّا اخْتَلفْتُ إلَيْهِ. قَالَ: فاهْبِطْ بِسْمِ الله. قَالَ: واسْتَيْقَظَ وهْوَ فِي مَسْجِدِ الحَرامِ
ا
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: ومُوسَى فِي السَّابِعَة بتفضيل كَلَام الله
وَعبد الْعَزِيز بن عبد الله بن يحيى الأويسي الْمدنِي، وَسليمَان هُوَ ابْن بِلَال، وَشريك بن عبد الله بن أبي نمر بِفَتْح النُّون وَكسر الْمِيم الْمدنِي التَّابِعِيّ، وَهُوَ أكبر من شريك بن عبد الله النَّخعِيّ القَاضِي وَقَالَ النَّوَوِيّ: جَاءَ فِي رِوَايَة شريك أَوْهَام أنكرها الْعلمَاء من جُمْلَتهَا أَنه قَالَ ذَلِك قبل أَن يُوحى إِلَيْهِ، وَهُوَ غلط لم يُوَافق عَلَيْهِ، وَأَيْضًا: الْعلمَاء أَجمعُوا على أَن فرض الصَّلَاة كَانَ لَيْلَة الْإِسْرَاء، فَكيف يكون قبل الْوَحْي؟ قَوْله: ابْن مَالك هُوَ أنس بن مَالك، كَذَا وَقع فِي كثير من النّسخ، وَصرح فِي بَعْضهَا: أنس بن مَالك، رَضِي الله عَنهُ.
ثمَّ إِن البُخَارِيّ أورد حَدِيث الْإِسْرَاء من رِوَايَة الزُّهْرِيّ عَن أنس عَن أبي ذَر فِي أَوَائِل كتاب الصَّلَاة، وَأوردهُ من رِوَايَة قَتَادَة عَن أنس عَن مَالك بن صعصعة فِي بَدْء الْخلق وَفِي أَوَائِل الْبعْثَة قبيل الْهِجْرَة وَفِي صفة النَّبِي عَن إِسْمَاعِيل بن أبي أويس. وَأخرجه مُسلم فِي الْإِيمَان عَن هَارُون بن سعيد الْأَيْلِي.
قَوْله أَنه جَاءَهُ وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: إِذْ جَاءَهُ. قَوْله: ثَلَاثَة نفر أَي: من الْمَلَائِكَة. قَوْله: قبل أَن يُوحى إِلَيْهِ أنكرها الْخطابِيّ وَابْن حزم وَعبد الْحق وَالْقَاضِي عِيَاض وَالنَّوَوِيّ، وَقد مضى الْآن مَا قَالَه النَّوَوِيّ، وَقد صرح هَؤُلَاءِ المذكورون بِأَن شَرِيكا تفرد بذلك. قيل: فِيهِ نظر، لِأَنَّهُ وَافقه كثير بن خُنَيْس بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح النُّون عَن أنس كَمَا أخرجه سعيد بن يحيى بن سعيد الْأمَوِي فِي الْمَغَازِي من طَرِيقه. قَوْله: وَهُوَ نَائِم فِي الْمَسْجِد الْحَرَام قد أكد هَذَا بقوله فِي آخر الحَدِيث فَاسْتَيْقَظَ وَهُوَ فِي الْمَسْجِد الْحَرَام قَوْله: أَيهمْ هُوَ؟ أَي: مُحَمَّد، وَكَانَ عِنْد رَسُول الله رجلَانِ آخرَانِ. قيل إنَّهُمَا حَمْزَة بن عبد الْمطلب عَمه وجعفر بن أبي طَالب ابْن عَمه. قَوْله: فَقَالَ أحدهم أَي: أحد النَّفر الثَّلَاثَة. قَوْله: أوسطهم هُوَ خَيرهمْ أَي: مطلوبك هُوَ خير هَؤُلَاءِ. قَوْله: خُذُوا خَيرهمْ لأجل أَن يعرج بِهِ إِلَى السَّمَاء. قَوْله: وَكَانَت أَي: كَانَت هَذِه الْقِصَّة فِي تِلْكَ اللَّيْلَة لم يَقع شَيْء آخر فِيهَا. قَوْله: فَلم يرهم أَي: بعد ذَلِك حَتَّى أَتَوْهُ لَيْلَة أُخْرَى لم يعين الْمدَّة الَّتِي بَين المجيئين فَيحمل على أَن الْمَجِيء الثَّانِي كَانَ بَدْء الْوَحْي إِلَيْهِ وحينئذٍ وَقع الْإِسْرَاء والمعراج، وَإِذا كَانَ بَين المجيئين مُدَّة فَلَا فرق بَين أَن تكون تِلْكَ الْمدَّة لَيْلَة وَاحِدَة أَو ليَالِي كَثِيرَة أَو عدَّة سِنِين، وَبِهَذَا يرْتَفع الْإِشْكَال عَن رِوَايَة شريك وَيحصل الْوِفَاق أَن الْإِسْرَاء كَانَ فِي الْيَقَظَة بعد الْبعْثَة وَقبل الْهِجْرَة، فَيسْقط تشنيع الْخطابِيّ وَابْن حزم وَغَيرهمَا بِأَن شَرِيكا خَالف الْإِجْمَاع فِي دَعْوَاهُ أَن الْمِعْرَاج كَانَ قبل الْبعْثَة. وَقَالَ الْكرْمَانِي: ثَبت فِي الرِّوَايَات الْأُخَر أَن الْإِسْرَاء كَانَ فِي الْيَقَظَة. وَأجَاب بقوله: إِن قُلْنَا بتعدده فَظَاهر، وَإِن قُلْنَا باتحاده فَيمكن أَن يُقَال: كَانَ فِي أول الْأَمر فِي الْيَقَظَة وَآخره فِي النّوم، وَلَيْسَ فِيهِ مَا يدل على كَونه نَائِما فِي الْقِصَّة كلهَا. قَوْله: حَتَّى احتملوه أَي: احْتمل هَؤُلَاءِ النَّفر الثَّلَاثَة النَّبِي فوضعوه عِنْد بِئْر زَمْزَم فَإِن قلت: فِي حَدِيث أبي ذَر: فرج سقف بَيْتِي، وَفِي حَدِيث مَالك بن صعصعة: أَنه كَانَ فِي الْحطيم. قلت: إِذا تعدد الْإِسْرَاء فَلَا إِشْكَال، وَإِذا اتَّحد فالإشكال باقٍ على حَاله. قَوْله: إِلَى لبته بِفَتْح اللَّام وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة هُوَ مَوضِع القلادة من الصَّدْر، وَقَالَ الدَّاودِيّ: إِلَى لبته: إِلَى عانته، لِأَن اللبة الْعَانَة. وَقَالَ ابْن التِّين: وَهُوَ الْأَشْبَه، وَفِيه الرَّد على من أنكر شقّ الصَّدْر عِنْد الْإِسْرَاء، وَزعم أَن ذَلِك إِنَّمَا وَقع وَهُوَ صَغِير، وَثَبت ذَلِك فِي غير رِوَايَة شريك فِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث أبي ذَر، وَوَقع الشق أَيْضا عِنْد الْبعْثَة كَمَا أخرجه أَبُو دَاوُد(25/171)
الطَّيَالِسِيّ فِي مُسْنده وَأَبُو نعيم وَالْبَيْهَقِيّ فِي دَلَائِل النُّبُوَّة قَوْله: ثمَّ أَتَى بطست بِفَتْح الطَّاء وَكسرهَا وَيُقَال بِالْإِدْغَامِ طس، وَهُوَ الْإِنَاء الْمَعْرُوف. قَوْله: فِيهِ تور بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَسُكُون الْوَاو وبالراء وَهُوَ إِنَاء يشرب فِيهِ. قَوْله: محشواً كَذَا وَقع بِالنّصب على الْحَال، وَقَالَ بَعضهم: حَال من الضَّمِير فِي الْجَار وَالْمَجْرُور، وَالتَّقْدِير: بطست كَائِن من ذهب، فَنقل الضَّمِير من اسْم الْفَاعِل إِلَى الْجَار وَالْمَجْرُور. انْتهى. قلت: هَذَا كَلَام من لم يشم شَيْئا من الْعَرَبيَّة، وَالَّذِي يتَصَدَّى لشرح مثل هَذَا الْكتاب يتَكَلَّم فِي أَلْفَاظ الْأَحَادِيث النَّبَوِيَّة مثل هَذَا الْكَلَام أَفلا يعلم أَنه يعرض مَا يَقُوله على ذَوي الْأَلْبَاب والبصائر؟ وَالَّذِي يُقَال: إِن محشواً حَال من التور الْمَوْصُوف بقوله: من ذهب قَوْله: إِيمَانًا قَالَ بَعضهم: مَنْصُوب على التَّمْيِيز، وَهَذَا أَيْضا تصرف واهٍ، وَإِنَّمَا هُوَ مفعول قَوْله: محشواً لِأَن اسْم الْمَفْعُول يعْمل عمل فعله. وَقَوله: وَحِكْمَة عطف عَلَيْهِ قبل الْإِيمَان وَالْحكمَة مَعْنيانِ فَكيف يحشى بهما؟ وَأجِيب: بِأَن مَعْنَاهُ أَن الطست كَانَ فِيهِ شَيْء يحصل بِهِ كَمَا لَهما، فَالْمُرَاد سببهما مجَازًا. قَوْله: فحشا بِهِ صَدره حَشا على بِنَاء الْمَعْرُوف وَفِيه ضمير يرجع إِلَى جِبْرِيل، عَلَيْهِ السَّلَام، وصدره مَنْصُوب على المفعولية، وَهَذَا هَكَذَا رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: حشي، على بِنَاء الْمَجْهُول وصدره مَرْفُوع بِهِ. قَوْله: ولغاديده بِفَتْح اللَّام وبالغين الْمُعْجَمَة وبالدالين الْمُهْمَلَتَيْنِ جمع لغد، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: اللغاديد هِيَ اللحمات يَعْنِي الَّتِي بَين الحنك وصفحة الْعُنُق، وَاحِدهَا لغدود أَو لغديد، وَيُقَال لَهُ أَيْضا: لغد، وَجمعه: ألغاد. وَقد فَسرهَا فِي الحَدِيث بقوله: يَعْنِي عروق حلقه قَوْله: ثمَّ عرج بِهِ بِفَتْح الرَّاء أَي صعد بِهِ. قَوْله: إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا فَإِن قلت: كَيفَ كَانَ مَجِيئه من عِنْد بِئْر زَمْزَم بعد الشق والإطباق إِلَى سَمَاء الدُّنْيَا؟ قلت: إِن كَانَت الْقِصَّة مُتعَدِّدَة فَلَا إِشْكَال، وَإِن كَانَت متحدة فَفِي الْكَلَام حذف كثير تَقْدِيره: ثمَّ أركبه الْبراق إِلَى بَيت الْمُقَدّس ثمَّ أَتَى بالمعراج. قَوْله: مَا يُرِيد الله بِهِ فِي الأَرْض كَذَا فِي رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: بِمَا يُرِيد، أَي: على لِسَان من شَاءَ كجبريل، عَلَيْهِ السَّلَام. قَوْله: يطردان أَي: يجريان. فَإِن قلت: هَذَا يُخَالف حَدِيث مَالك بن صعصعة فَإِن فِيهِ بعد ذكر سِدْرَة الْمُنْتَهى، فَإِذا فِي أَصْلهَا أَرْبَعَة أَنهَار. قلت: أصل نبعهما من تَحت سِدْرَة الْمُنْتَهى ومقرهما فِي السَّمَاء الدُّنْيَا وَمِنْهَا ينزلان إِلَى الأَرْض: فالنيل نهر مصر والفرات بِالتَّاءِ الممدودة فِي الْخط وصلا ووقفاً فَهُوَ عَلَيْهِ ريف الْعرَاق. قَوْله: عنصرهما أَي: عنصر النّيل والفرات، وَقَالَ الْكرْمَانِي بِضَم الصَّاد وَفتحهَا وَهُوَ مَرْفُوع بالبدلية. قَوْله: أذفر بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة وبالفاء وَالرَّاء مسك جيد إِلَى الْغَايَة شَدِيد ذكاء الرّيح. فَإِن قلت: الْكَوْثَر فِي الْجنَّة وَالْجنَّة فِي السَّمَاء السَّابِعَة لما روى أَحْمد عَن حميد الطَّوِيل عَن أنس رَفعه: دخلت الْجنَّة فَإِذا فِيهَا نهر حافتاه خيام اللُّؤْلُؤ فَضربت بيَدي مجْرى مَائه فَإِذا مسك أذفر، فَقَالَ جِبْرِيل، عَلَيْهِ السَّلَام: هَذَا الْكَوْثَر الَّذِي أَعْطَاك الله تَعَالَى قلت: أُجِيب بِأَنَّهُ يُمكن أَن يكون فِي هَذَا الْموضع شَيْء مَحْذُوف تَقْدِيره: ثمَّ مضى بِهِ من السَّمَاء الدُّنْيَا إِلَى السَّمَاء السَّابِعَة، وَفِيه تَأمل. قَوْله: إِبْرَاهِيم فِي السَّادِسَة ومُوسَى فِي السَّابِعَة قيل: مر فِي آخر كتاب الْفَضَائِل أَن مُوسَى كَانَ فِي السَّادِسَة وَإِبْرَاهِيم فِي السَّابِعَة. وَأجِيب: بِأَن النَّوَوِيّ قَالَ: إِن كَانَ الْإِسْرَاء مرَّتَيْنِ فَلَا إِشْكَال، وَإِن كَانَ مرّة وَاحِدَة فَلَعَلَّهُ وجده فِي السَّادِسَة ثمَّ ارْتقى هُوَ أَيْضا إِلَى السَّابِعَة. قَوْله: بتفضيل كَلَام الله أَي: بِسَبَب أَن لَهُ فضلا بِكَلَام الله إِيَّاه، وَهَذَا هَكَذَا فِي رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: بِفضل كَلَام الله. قَوْله: فَقَالَ موساى: رب لم أَظن أَن يرفع عَليّ أحد، كَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْكشميهني: أَن يرفع، على صِيغَة الْمَجْهُول، و: أحد، بِالرَّفْع بِهِ وَفِي رِوَايَة غَيره: أَن ترفع عَليّ، صِيغَة الْمَعْلُوم خطاب الله عز وَجل، وَاحِدًا مفعول: ترفع. وَقَالَ ابْن بطال: فهم مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَام، من اخْتِصَاصه بِكَلَام الله عز وَجل لَهُ فِي الدُّنْيَا دون غَيره من الْبشر بقوله تَعَالَى: {قَالَ ياَمُوسَى إِنْى اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَآ ءاتَيْتُكَ وَكُنْ مِّنَ الشَّاكِرِينَ} أَن المُرَاد بِالنَّاسِ هُنَا الْبشر كلهم، فَلَمَّا فضل الله مُحَمَّدًا عَلَيْهِ بِمَا أعطَاهُ من الْمقَام الْمَحْمُود وَغَيره ارْتَفع على مُوسَى وَغَيره بذلك. قَوْله: ثمَّ علا بِهِ أَي: ثمَّ علا جِبْرِيل بِالنَّبِيِّ، عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام بِمَا لَا يُعلمهُ إلاَّ الله حَتَّى جَاءَ سِدْرَة الْمُنْتَهى أَي: مُنْتَهى علم الْمَلَائِكَة. أَو مُنْتَهى صعودهم، أَو أَمر الله تَعَالَى أَو أَعمال الْعباد. قَوْله: ودنا الْجَبَّار قيل: مجَاز عَن قربه الْمَعْنَوِيّ وَظُهُور مَنْزِلَته عِنْد الله وتدلى أَي: طلب زِيَادَة الْقرب وقاب قوسين هُوَ مِنْهُ، عبارَة عَن لطف الْمحل وإيضاح الْمعرفَة، وَمن الله إجَابَته ورفيع دَرَجَته إِلَيْهِ: و: القاب، مَا بَين(25/172)
مقبض الْقوس والسية بِكَسْر السِّين وخفة التَّحْتَانِيَّة وَهِي مَا عطف من طرفيها، وَلكُل قَوس قابان، وَقيل: أَصله قابي قَوس. وَقَالَ الْخطابِيّ: لَيْسَ فِي هَذَا الْكتاب حَدِيث أبشع مذاقاً مِنْهُ لقَوْله: ودنا الْجَبَّار فَتَدَلَّى فَإِن الدنو يُوجب تَحْدِيد الْمسَافَة والتدلي يُوجب التَّشْبِيه بالمخلوق الَّذِي تعلق من فَوق إِلَى أَسْفَل، وَلقَوْله: وَهُوَ مَكَانَهُ لَكِن إِذا اعْتبر النَّاظر لَا يشكل عَلَيْهِ وَإِن كَانَ فِي الرُّؤْيَا فبعضها مثل ضرب ليتأول على الْوَجْه الَّذِي يجب أَن يصرف إِلَيْهِ معنى التَّعْبِير فِي مثله، ثمَّ إِن الْقِصَّة إِنَّمَا حَكَاهَا بحليتها أنس بعبارته من تِلْقَاء نَفسه لم يعزها إِلَى رَسُول الله ثمَّ إِن شَرِيكا كثير التفرد بمناكير لَا يُتَابِعه عَلَيْهَا سَائِر الروَاة، ثمَّ إِنَّهُم أولُوا التدلي فَقيل: تدلى جِبْرِيل، عَلَيْهِ السَّلَام، بعد الِارْتفَاع حَتَّى رَآهُ النَّبِي، متدلياً كَمَا رَآهُ مرتفعاً، وَقيل: تدلى مُحَمَّد شاكراً لرَبه على كرامته، وَلم يثبت فِي شَيْء صَرِيحًا أَن التدلي: مُضَاف إِلَى الله تَعَالَى، ثمَّ أولُوا مَكَانَهُ بمَكَان النَّبِي، قَوْله: مَاذَا عهد إِلَيْك رَبك؟ أَي: أَمرك أَو أَوْصَاك؟ قَالَ: عهد إليّ خمسين صَلَاة فِيهِ حذف تَقْدِيره: عهد إِلَيّ أَن أُصَلِّي وآمر أمتِي أَن يصلوا خمسين صَلَاة. قَوْله: أَن نعم هَذَا هَكَذَا رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: أَي نعم، وَكلمَة: أَن، بِالْفَتْح وَسُكُون النُّون مفسرة. فَهِيَ فِي الْمَعْنى هُنَا مثل: أَي. قَوْله: إِنَّه لَا يُبدل القَوْل لدي قيل: مَا تَقول فِي النّسخ فَإِنَّهُ تَبْدِيل القَوْل؟ وَأجِيب: بِأَنَّهُ لَيْسَ هَذَا تبديلاً بل هُوَ بَيَان انتهاه الحكم. قَوْله: فِي أم الْكتاب هُوَ اللَّوْح الْمَحْفُوظ. قَوْله: قد وَالله راودت قيل: قد حرف لَازم دُخُوله على الْفِعْل، وَأجِيب بِأَنَّهُ دَاخل عَلَيْهِ وَالْقسم مقحم بَينهمَا لتأكيده، وَجَوَاب الْقسم مَحْذُوف أَي: وَالله قد راودت. قَوْله: راودت بني إِسْرَائِيل من المراودة وَهِي الْمُرَاجَعَة. قَوْله: أبداناً وَالْفرق بَين الْبدن والجسم أَن الْبدن من الْجَسَد مَا دون الرَّأْس والأطراف. قَوْله: كل ذَلِك يلْتَفت وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: يلْتَفت. قَوْله: فرفعه وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي: يرفعهُ، بِالْيَاءِ آخر الْحُرُوف وَالْأول أولى. قَوْله: عِنْد الْخَامِسَة أَي: عِنْد الْمرة الْخَامِسَة. قَالَ الْكرْمَانِي: إِذا خفف كل مرّة عشر فَفِي الْمرة الْأَخِيرَة خمس تكون هَذِه الدفعة سادسة، ثمَّ أجَاب بقوله: لَيْسَ فِيهِ هَذَا الْحصْر، فَرُبمَا خفف بِمرَّة وَاحِدَة خَمْسَة عشرا وَأَرَادَ بِهِ عِنْد تَمام الْخَامِسَة، وَقيل: هَذَا التَّنْصِيص على الْخَامِسَة على أَنَّهَا الْأَخِيرَة يُخَالف رِوَايَة ثَابت عَن أنس أَنه وضع عَنهُ فِي كل مرّة خمْسا، وَأَن الْمُرَاجَعَة كَانَت تسع مَرَّات. قلت: كَأَن الْكرْمَانِي لم يقف على رِوَايَة ثَابت، فَلذَلِك أغفلها. قَوْله: ارْجع إِلَى رَبك فليخفف عَنْك هَذَا أَيْضا بعد قَوْله: إِنَّه لَا يُبدل القَوْل لدي قَالَ الدَّاودِيّ: لَا يثبت هَذَا لتواطؤ الرِّوَايَات على خِلَافه، وَمَا كَانَ مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَام، ليأمره بِالرُّجُوعِ بعد أَن يَقُول الله تَعَالَى لَهُ ذَلِك. قَوْله: قَالَ: فاهبط بِسم الله ظَاهر السِّيَاق يشْعر بِأَن الْقَائِل بقوله اهبط بِالْخِطَابِ للنَّبِي، أَنه مُوسَى، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَلَيْسَ كَذَلِك بل الْقَائِل بذلك هُوَ جِبْرِيل، عَلَيْهِ السَّلَام، وَبِذَلِك جزم الدَّاودِيّ. قَوْله: واستيقظ أَي رَسُول الله وَالْحَال أَنه فِي الْمَسْجِد الْحَرَام. قَالَ الْقُرْطُبِيّ: يحْتَمل أَن يكون استيقاظاً من نومَة نامها بعد الْإِسْرَاء، لِأَن إسراءه لم يكن طول ليلته وَإِنَّمَا كَانَ بَعْضهَا، وَيحْتَمل أَن يكون الْمَعْنى: أَفَقْت مِمَّا كنت فِيهِ مِمَّا خامر بَاطِنه من مُشَاهدَة الْمَلأ الْأَعْلَى لقَوْله تَعَالَى: {لَقَدْ رَأَى مِنْءَايَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} فَلم يرجع إِلَى حَال بشريته إلاَّ وَهُوَ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام، وَأما قَوْله فِي أَوله: بَينا أَنا نَائِم فمراده فِي أول الْقِصَّة وَذَلِكَ أَنه كَانَ قد ابْتَدَأَ نَومه فَأَتَاهُ الْملك فأيقظه. وَفِي قَوْله فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: بَينا أَنا بَين النَّائِم وَالْيَقظَان. أَتَانِي الْملك، إِشَارَة إِلَى أَنه لم يكن استحكم فِي نَومه. فَإِن قلت: مَا وَجه تَخْصِيص مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَام، بالقضية الْمَذْكُورَة دون غَيره مِمَّن لقِيه النَّبِي من الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم السَّلَام؟ قلت: إِمَّا لِأَنَّهُ فِي السَّابِعَة فَهُوَ أول من وصل إِلَيْهِ أَو لِأَن أمته أَكثر من أمة غَيره وإيذاءهم لَهُ أَكثر من غَيره، أَو لِأَن دينه فِيهِ الْأَحْكَام الْكَثِيرَة والتشريعات الْعَظِيمَة الوافرة إِذا الْإِنْجِيل مثلا أَكثر مواعظ. فَإِن قلت: فِي حَدِيث مَالك بن صعصعة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَنه لقِيه فِي الصعُود فِي السَّادِسَة؟ قلت: يحْتَمل أَن مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَام، صعد إِلَى السَّابِعَة من السَّادِسَة فَلَقِيَهُ النَّبِي فِي الهبوط فِي السَّابِعَة.
38 - (بابُ كَلامِ الرَّبِّ عَزَّ وجَلَّ مَعَ أهْلِ الجَنَّةِ)(25/173)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان كَلَام الرب مَعَ أهل الْجنَّة، أَي: بعد دُخُولهمْ الْجنَّة، وَقد تقدم بَيَان كَلَام الرب، جلّ جَلَاله، مَعَ الْأَنْبِيَاء وَالْمَلَائِكَة، عَلَيْهِم السَّلَام، ثمَّ شرع يبين فِي هَذَا كَلَامه مَعَ أهل الْجنَّة.
7518 - حدّثنا يَحْياى بنُ سُلَيْمان، حدّثني ابنُ وَهْبٍ قَالَ: حدّثني مالِكٌ، عنْ زَيْدِ بنِ أسْلَمَ، عنْ عَطاءِ بنِ يَسارٍ، عنْ أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إنَّ الله يقُولُ لِأهْلِ الجَنّةِ: يَا أهْلَ الجَنّةِ فَيَقُولُونَ: لَبَّيْكَ رَبَّنا وسَعْدَيْكَ والخَيْرُ فِي يَدَيْكَ فَيَقُولُ: هَلْ رَضِيتُمْ؟ فَيَقُولُون: وَمَا لَنا لَا نَرْضاى يَا رَبِّ وقَدْ أعْطَيْتَنا مَا لَمْ تُعْطِ أحَداً مِنْ خَلْقِكَ؟ فَيَقُولُ: أَلا أُعْطِيكُمْ أفْضَلَ مِنْ ذالِكَ؟ فَيَقُولُونَ: يَا رَبِّ وأيُّ شَيْءٍ أفْضَلُ مِنْ ذالِكَ؟ فَيقولُ: أُحِلُّ عَلَيْكُمْ رُضِوَانِي فَلاَ أسْخَطُ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أبَداً
انْظُر الحَدِيث 6549
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَيحيى بن سلميان أَبُو سعيد الْجعْفِيّ الْكُوفِي سكن مصر وَسمع عبد الله بن وهب.
والْحَدِيث مضى فِي: بَاب صفة الْجنَّة عَن معَاذ بن أَسد، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: وَالْخَيْر فِي يَديك قيل: الشَّرّ أَيْضا فِي يَدَيْهِ، لِأَنَّهُ لَا مُؤثر إلاَّ الله. وَأجِيب: بِأَنَّهُ خصصه رِعَايَة للأدب وَالْكل بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ تَعَالَى خير، وَكَذَا قَوْله: بِيَدِك الْخَيْر قيل: ظَاهر الحَدِيث أَن اللِّقَاء أفضل من الرِّضَا. وَأجِيب بِأَنَّهُ لم يقل: أفضل من كل شَيْء، بل أفضل من الْإِعْطَاء، فَجَاز أَن يكون اللِّقَاء أفضل من الرِّضَا وَهُوَ من الْإِعْطَاء، أَو اللِّقَاء مُسْتَلْزم للرضا، فَهُوَ من بَاب إِطْلَاق اللَّازِم وَإِرَادَة الْمَلْزُوم، وَقيل: الْحِكْمَة فِي ذكر دوَام رِضَاهُ بعد الِاسْتِقْرَار لِأَنَّهُ لَو أخبر بِهِ قبل الِاسْتِقْرَار لَكَانَ خيرا من علم الْيَقِين، فَأخْبر بِهِ بعد الِاسْتِقْرَار ليَكُون من بَاب عين الْيَقِين. قَوْله: فَلَا أَسخط عَلَيْكُم بعده أبدا فِيهِ أَن لله تَعَالَى إِن سخط على أهل الْجنَّة لِأَنَّهُ من متفضل عَلَيْهِم بالإنعامات كلهَا سَوَاء كَانَت دنيوية أَو أخروية، وَكَيف لَا وَالْعَمَل المتناهي لَا يَقْتَضِي إلاَّ الْجَزَاء المتناهي، وَفِي الْجُمْلَة لَا يجب على الله شَيْء.
7519 - حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ سِنان، حدّثنا فُلَيْحٌ، حدّثنا هِلالٌ، عنْ عَطاءِ بنِ يَسارٍ عنْ أبي هُرَيْرَةَ أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَوْماً يُحَدِّثُ، وعِنْدَهُ رَجُلٌ مِنْ أهْلِ البادِيةِ: أنَّ رَجُلاً مِنْ أهْلِ الجَنّةِ اسْتَأْذَنَ رَبَّهُ فِي الزَّرْعِ، فَقَالَ لهُ: أوَ لَسْتَ فِيما شِئْتَ؟ قَالَ: بَلاى ولاكِنِّي أُحِبُّ أنْ أزْرَعَ، فأسْرَعَ وبَذَرَ، فَتَبادَرَ الطَّرْفَ نَباتُهُ واسْتِواؤُهُ واسْتِحْصادُهُ وتَكْوِيرُهُ أمْثالَ الجِبالِ، فَيقُولُ الله تَعَالَى: دُونَكَ يَا ابنَ آدَمَ فإنَّهُ لَا يُشْبِعُكَ شَيْءٌ
فَقَالَ الأعْرابِيُّ: يَا رسولَ الله لَا تَجِدُ هاذا إلاّ قُرَشِيّاً أوْ أنْصارِيّاً، فإنَّهُمْ أصْحابُ زَرْعٍ، فأمَّا نَحْنُ فَلَسْنا بِأصْحابِ زَرْعٍ. فَضَحِكَ رسولُ الله
انْظُر الحَدِيث 2348
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَمُحَمّد بن سِنَان بِكَسْر السِّين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف النُّون الأولى، وفليح مُصَغرًا ابْن سُلَيْمَان، وَقد مر غير مرّة، وهلال هُوَ ابْن عَليّ، وَعَطَاء بن يسَار ضد الْيَمين.
وَمضى الحَدِيث فِي كتاب الْمُزَارعَة فِي بَاب مُجَرّد عقيب: بَاب كِرَاء الأَرْض بِالذَّهَب.
قَوْله: وَعِنْده الْوَاو فِيهِ للْحَال. قَوْله: أَن رجلا هُوَ مفعول: يحدث. قَوْله: أَو لست الْهمزَة فِيهِ للاستفهام، وَالْوَاو للْعَطْف أَي: أَو مَا رضيت بِمَا أَنْت فِيهِ من النعم؟ قَوْله: فتبادر الطّرف بِالنّصب. وَقَوله: نَبَاته بِالرَّفْع فَاعل: تبادر، يَعْنِي: نبت قبل طرفَة عين واستوى واستحصد. قَوْله: وتكويره أَي: جمعه كَمَا فِي البيدر. قَوْله: دُونك أَي: خُذْهُ. قَوْله: فَإِنَّهُ لَا يشبعك شَيْء من الإشباع كَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي: لَا يسعك، من الوسع قبل: قَوْله تَعَالَى: {إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلاَ تَعْرَى} معَارض لهَذَا. وَأجِيب: بِأَن نفي الشِّبَع لَا يُنَافِي الْجُوع لِأَن بَينهمَا وَاسِطَة وَهِي الْكِفَايَة. قيل: يَنْبَغِي أَن لَا يشْبع لِأَن(25/174)
الشِّبَع يمْنَع طول الْأكل المستلذ مِنْهُ مُدَّة الشِّبَع، وَالْمَقْصُود مِنْهُ بَيَان حرصه وَترك القناعة كَأَنَّهُ قَالَ: لَا يشْبع عَيْنك شَيْء. وَيُقَال: وَاخْتلف فِي الشِّبَع فِي الْجنَّة، وَالصَّوَاب: أَن لَا يشْبع فِيهَا، إِذْ لَو كَانَ لمنع دوَام الْأكل المستلذ وَأكل أهل الْجنَّة لَا عَن جوع فِيهَا.
قَوْله: فَقَالَ الْأَعرَابِي مُفْرد الْأَعْرَاب. قَالَه الْكرْمَانِي، وَفِيه تَأمل، والأعراب جنس من الْعَرَب يسكنون الْبَوَادِي لَا زرع لَهُم وَلَا استنبات.
39 - (بابُ ذِكْرِ الله بالأمْرِ وذِكْرِ العِبادِ بالدُّعاءِ والتَّضَرُّعِ والرِّسالَةِ والإبْلاَغِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر الله تَعَالَى لِعِبَادِهِ يكون بأَمْره لَهُم بِعِبَادَتِهِ والتزام طَاعَته، وَيكون مَعَ رَحمته لَهُم وإنعامه عَلَيْهِم إِذا أطاعوه أَو بعذابه إِذا عصوه. قَوْله: وَذكر الْعباد لَهُ بِأَن يَدعُوهُ ويتضرعوا لَهُ ويبلغوا رسَالَته إِلَى الْخَلَائق يَعْنِي: المُرَاد بذكرهم الْكَمَال لأَنْفُسِهِمْ والتكميل للْغَيْر، وَقيل: الْبَاء فِي قَوْله: بِالْأَمر بِمَعْنى: مَعَ. قَوْله: والإبلاغ هَذَا هَكَذَا فِي رِوَايَة غير الْكشميهني وَفِي رِوَايَته: والبلاغ.
لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاذْكُرُونِى أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ} {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ ياَقَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَّقَامِى وَتَذْكِيرِى بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُو اْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَآءَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُو اْ إِلَىَّ وَلاَ تُنظِرُونَ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِّنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِىَ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ}
احْتج البُخَارِيّ بقوله تَعَالَى: {فَاذْكُرُونِى أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ} أَن العَبْد إِذا ذكر الله بِالطَّاعَةِ يذكرهُ الله عز وَجل بِالرَّحْمَةِ وَالْمَغْفِرَة. وَعَن ابْن عَبَّاس، فِي هَذِه الْآيَة: إِذا ذكر العَبْد ربه وَهُوَ على طَاعَته ذكره برحمته، وَإِذا ذكره وَهُوَ على مَعْصِيَته ذكره بلعنته. وَذكر الْمُفَسِّرُونَ فِيهَا مَعَاني كَثِيرَة لَيْسَ هَذَا الْموضع مَحل ذكرهَا.
قَوْله {واتل عَلَيْهِم نبأ نوح} قَالَ ابْن بطال: أَشَارَ إِلَى أَن الله تَعَالَى ذكر نوحًا، عَلَيْهِ السَّلَام، بِمَا بلغ بِهِ من أمره وَذكر بآيَات ربه، وَكَذَلِكَ فرض على كل نَبِي تَبْلِيغ كِتَابه وشريعته. وَقَالَ الْمُفَسِّرُونَ: أَي يَا مُحَمَّد اقْرَأ على الْمُشْركين خبر نوح أَي: قصَّته، وَفِيه دَلِيل على نبوته حَيْثُ أخبر عَن قصَص الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم السَّلَام، وَلم يكن يقْرَأ الْكتب. قَوْله: {إِذا قَالَ} أَي: حِين قَالَ لِقَوْمِهِ: {إِن كانبحير} أَي عظم وَثقل وشق {عَلَيْكُم مقَامي} أَي مكثي بَين أظْهركُم. وَقَالَ الْفراء: الْمقَام بِضَم الْمِيم الْإِقَامَة وَبِفَتْحِهَا الْموضع الَّذِي يقوم فِيهِ. قَوْله: {وتذكيري بآيَات الله} أَي: عظتي وتخويفي إيَّاكُمْ عُقُوبَة الله. قَوْله: {فعلى الله توكلت} جَوَاب الشَّرْط، وَكَانَ متوكلاً على الله فِي كل حَال، وَلَكِن بَين أَنه متوكل فِي هَذَا على الْخُصُوص ليعلم قومه أَن الله تَعَالَى يَكْفِيهِ أَمرهم أَي: إِن لم تنصروني فَإِنِّي أتوكل على من ينصرني. قَوْله: {فاجمعوا أَمركُم} من الْإِجْمَاع وَهُوَ الإعداد والعزيمة على الْأَمر. قَوْله: {وشركاءكم} أَي: وَأمر شركائكم، أَقَامَ الْمُضَاف إِلَيْهِ مقَام الْمُضَاف. قَوْله: غمَّة يَأْتِي تَفْسِيره الْآن. قَوْله: {ثمَّ اقضوا عَليّ} أَي: مَا فِي نفوسكم من مَكْرُوه مَا تُرِيدُونَ. قَوْله: أَي: وَلَا تمهلون. قَوْله: {وَلَا تنْظرُون} أَي: أعرضتم عَن الْإِيمَان {فَمَا سألتكم من أجر} يَعْنِي: لم يكن دعائي إيَّاكُمْ طَمَعا فِي مالكم. قَوْله: {إِن أجري إِلَّا على الله} أَي: مَا أجري وثوابي إلاَّ على الله. قَوْله: {أمرت أَن أكون من الْمُسلمين} أَي: أَن أنقاد لما أمرت بِهِ فَلَا يضرني كفركم وَإِنَّمَا يضركم.
غُمَّةٌ: هَمٌّ وضِيقٌ.
فسر الْغُمَّة الْمَذْكُورَة فِي الْآيَة بالهم والضيق، يُقَال: الْقَوْم فِي غمَّة إِذا غطى عَلَيْهِم أَمرهم والتبس، وَمِنْه: غم الْهلَال أَي: غشيه مَا غطاه، وَأَصله مُشْتَقّ من الغمامة.
قَالَ مُجاهِدٌ: إليَّ مَا فِي أنْفُسِكُمْ، يُقالُ افْرُقِ اقْضِ.
أَشَارَ بِهَذَا إِلَى تَفْسِير مُجَاهِد. قَوْله: ثمَّ اقضوا إليّ مَا فِي أَنفسكُم من إهلاكي وَنَحْوه من سَائِر الشرور، وَوصل(25/175)
الْفرْيَابِيّ هَذَا فِي تَفْسِيره عَن وَرْقَاء بن عمر عَن ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد فِي قَوْله تَعَالَى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ ياَقَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَّقَامِى وَتَذْكِيرِى بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُو اْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَآءَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُو اْ إِلَىَّ وَلاَ تُنظِرُونَ} اقضوا إليّ مَا فِي أَنفسكُم. وَحكى ابْن التِّين افعلوا مَا بدا لكم. وَقَالَ غَيره: أظهرُوا الْأَمر وميزوه بِحَيْثُ لَا تبقى شُبْهَة، ثمَّ اقضوا بِمَا شِئْتُم من قتل أَو غَيره من غير إمهال. قَوْله: يُقَال: افرق اقْضِ قيل: هَذَا لَيْسَ من كَلَام مُجَاهِد بِدَلِيل قَوْله: يُقَال، وَيُؤَيِّدهُ أَيْضا، إِعَادَة قَوْله بعده. وَقَالَ مُجَاهِد، وَفِي بعض النّسخ لَيْسَ فِيهِ لفظ: يُقَال، فعلى هَذَا يكون من قَول مُجَاهِد وَمَعْنَاهُ: أظهر الْأَمر وأفصله وميزه بِحَيْثُ لَا تبقى شُبْهَة وسترة وكتمان ثمَّ اقضِ بِالْقَتْلِ ظَاهرا مكشوفاً وَلَا تمهلني بعد ذَلِك.
وَقَالَ مُجاهِدٌ {وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذاَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ} إنْسانٌ يأتِيهِ فَيَسْتمِعُ مَا يَقُولُ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ، فَهْوَ آمِنٌ حتَّى يَأْتِيَهُ فَيَسْمَعَ كَلاَمَ الله، وحتَّى يَبْلُغَ مأْمَنَهُ حَيْثُ جاءَهُ.
قَالَ ابْن بطال: ذكر هَذِه الْآيَة من أجل أَمر الله تَعَالَى نبيه بِإِجَارَة الَّذِي يسمع الذّكر حَتَّى يسمعهُ فَإِن آمن فَذَاك وَإِلَّا فَيبلغ مأمنه حَتَّى يقْضِي الله فِيهِ مَا شَاءَ. قَوْله: إِنْسَان يَأْتِيهِ إِلَى آخِره تَفْسِير مُجَاهِد. قَوْله تَعَالَى: {وَأَن أحد من الْمُشْركين استجارك} أَصله: وَإِن استجارك أحد، فَحذف استجارك لدلَالَة استجارك الظَّاهِر عَلَيْهِ. قَوْله: إِنْسَان أَي مُشْرك يَعْنِي: إِن أَرَادَ مُشْرك سَماع كَلَام الله تَعَالَى فَأَعْرض عَلَيْهِ الْقُرْآن وبلغه إِلَيْهِ وأمنه عِنْد السماع، فَإِن أسلم فَذَاك، وإلاَّ فَرده إِلَى مأمنه من حَيْثُ أَتَاك. وَتَعْلِيق مُجَاهِد هَذَا وَصله الْفرْيَابِيّ بالسند الَّذِي ذَكرْنَاهُ آنِفا.
النَّبأُ العَظيمُ: القُرْآنُ.
هُوَ تَفْسِير مُجَاهِد أَيْضا. وَقَالَ الْكرْمَانِي أَي: مَا قَالَ جلّ جَلَاله: {عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ} أَي: الْقُرْآن، فأجب عَن سُؤَالهمْ وَبلغ الْقُرْآن إِلَيْهِم. قَالَ ابْن بطال: سمي نبأ لِأَنَّهُ ينبأ بِهِ، وَالْمعْنَى إِذا سَأَلُوا عَن النبإ الْعَظِيم فأحبهم وَبلغ الْقُرْآن إِلَيْهِم. وَقيل: حق الْخَبَر الَّذِي يُسمى نبأ أَن يتعرى عَن الْكَذِب.
صَوَاباً: حَقّاً فِي الدُّنْيا وعَمَلٌ بِهِ.
أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفّاً لاَّ يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَانُ وَقَالَ صَوَاباً} أَي: قَالَ حَقًا فِي الدُّنْيَا وَعمل بِهِ فَإِنَّهُ يُؤذن لَهُ فِي الْقِيَامَة بالتكلم، وَهَذَا وَصله الْفرْيَابِيّ أَيْضا بِسَنَدِهِ الْمَذْكُور، وَوجه مُنَاسبَة ذكره هَذَا هَاهُنَا على عَادَته أَنه إِذا ذكر آيَة مُنَاسبَة للمقصود يذكر مَعهَا بعض مَا يتَعَلَّق بِتِلْكَ السُّورَة الَّتِي فِيهَا تِلْكَ الْآيَة مِمَّا ثَبت عِنْده تَفْسِيره وَنَحْوه على سَبِيل التّبعِيَّة.
40
- (بابُ قَوْلِ الله تَعَالَى: {الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ الاَْرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَآءَ بِنَآءً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} وقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ {قُلْ أَءِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِى خَلَقَ الاَْرْضَ فِى يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ} وقَوْلِهِ {وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَاهَاءَاخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذالِكَ يَلْقَ أَثَاماً} {وَلَقَدْ أُوْحِىَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ}
غَرَض البُخَارِيّ فِي هَذَا الْبَاب إِثْبَات نِسْبَة الْأَفْعَال كلهَا إِلَى الله تَعَالَى سَوَاء كَانَت من المخلوقين خيرا أَو شرا، فَهِيَ لله خلق وللعباد كسب، وَلَا ينْسب شَيْء من الْخلق إِلَى غير الله تَعَالَى، فَيكون شَرِيكا ونداً ومساوياً لَهُ فِي نِسْبَة الْفِعْل إِلَيْهِ، وَقد نبه الله تَعَالَى عباده على ذَلِك بِالْآيَاتِ الْمَذْكُورَة وَغَيرهَا المصرحة بِنَفْي الأنداد والآلهة المدعوة مَعَه، فتضمنت الرَّد على من يزْعم أَنه يخلق أَفعاله، والأنداد جمع ند بِكَسْر النُّون وَتَشْديد الدَّال وَيُقَال لَهُ: النديد، أَيْضا، وَهُوَ نَظِير الشَّيْء الَّذِي يُعَارضهُ فِي أُمُوره، وَقيل: ند الشَّيْء من يُشَارِكهُ فِي جوهره فَهُوَ ضرب من الْمثل، لَكِن الْمثل يُقَال فِي أَي مُشَاركَة كَانَت، فَكل ندٍ مثلّ من غير عكس. وَقَالَ الْكرْمَانِي: التَّرْجَمَة مشعرة بِأَن الْمَقْصُود من الْبَاب إِثْبَات نفي الشَّرِيك لله تَعَالَى، فَكَانَ الْمُنَاسب ذكره فِي أَوَائِل كتاب التَّوْحِيد. وَأجَاب: بِأَن الْمَقْصُود لَيْسَ ذَلِك، بل هُوَ بَيَان كَون أَفعَال الْعباد بِخلق الله تَعَالَى، وَفِيه الرَّد على الْجَهْمِية حَيْثُ قَالُوا، لَا قدرَة للْعَبد أصلا، وعَلى الْمُعْتَزلَة حَيْثُ قَالُوا: لَا دخل لقدرة الله فِيهَا، إِذْ الْمَذْهَب الْحق أَن لَا جبر وَلَا قدر، وَلَكِن أَمر بَين(25/176)
الْأَمريْنِ، أَي: بِخلق الله وَكسب العَبْد، وَهُوَ قَول الأشعرية. قيل: لَا تَخْلُو أَفعَال العَبْد إِمَّا أَن تكون بقدرته، وَإِمَّا أَن لَا تكون بقدرته، إِذْ لَا وَاسِطَة بَين النَّفْي وَالْإِثْبَات، فَإِن كَانَت بقدرته فَهُوَ الْقدر الَّذِي هُوَ مَذْهَب الْمُعْتَزلَة، وَإِن لم تكن بهَا فَهُوَ الْجَبْر الْمَحْض الَّذِي هُوَ مَذْهَب الْجَهْمِية. وَأجِيب: بِأَن للْعَبد قدرَة فَلَا جبر، وَبهَا يفرق بَين النَّازِل من المنارة والساقط مِنْهَا، وَلَكِن لَا تَأْثِير لَهَا بل الْفِعْل وَاقع بقدرة الله وتأثير قدرته فِيهِ بعد تَأْثِير قدرَة العَبْد عَلَيْهِ، وَهَذَا هُوَ الْمُسَمّى بِالْكَسْبِ، فَقيل: الْقُدْرَة صفة تُؤثر على وفْق الْإِرَادَة فَإِذا نفيت التَّأْثِير عَنْهَا فقد نفيت الْقُدْرَة لانْتِفَاء الْمَلْزُوم عِنْد انْتِفَاء لَازمه، وَأجِيب: بِأَن هَذَا التَّعْرِيف غير جَامع لخُرُوج الْقُدْرَة الْحَادِثَة عَنهُ، بل التَّعْرِيف الْجَامِع لَهَا هُوَ أَنَّهَا صفة يَتَرَتَّب عَلَيْهَا الْفِعْل أَو التّرْك.
وَقَالَ عِكْرِمَةُ {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُّشْرِكُونَ} {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ} {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالاَْرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} فَذَلِكَ إيمانُهُمْ وهُمْ يَعْبُدُونَ غَيْرَهُ
عِكْرِمَة هُوَ مولى ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله الطَّبَرِيّ عَن هناد بن السّري عَن أبي الْأَحْوَص عَن سماك بن حَرْب عَن عِكْرِمَة، فَذكره. قَوْله: {إِلَّا وهم مشركون} يَعْنِي: إِذا سَأَلُوا عَن الله وَعَن صفته وصفوه بِغَيْر صفته وَجعلُوا لَهُ ولدا وأشركوا بِهِ.
وَمَا ذُكِرَ فِي خَلْقِ أفْعالِ العِباد وأكْسابِهِمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {الَّذِى لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالاَْرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِى المُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَىْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً}
هَذَا عطف على قَول الله الْمُضَاف إِلَيْهِ تَقْدِيره: بَاب فِيمَا ذكر فِي خلق أَفعَال الْعباد وإكسابهم، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: أَعمال الْعباد، ويروى: واكتسابهم من بَاب الافتعال الْخلق لله وَالْكَسْب للعباد، وَاحْتج على ذَلِك بقوله: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالاَْرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَّهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَىْءٍ وهُوَ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ} لِأَن لَفْظَة: كل، إِذا أضيفت إِلَى نكرَة تَقْتَضِي عُمُوم الْأَفْرَاد.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: مَا تَنَزَّلُ المَلاَئِكَةُ إلاّ بالحَقِّ بالرِّسالَةِ والعَذَابِ.
هَذَا وَصله الْفرْيَابِيّ عَن وَرْقَاء عَن ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد. وَقَالَ الْكرْمَانِي: مَا ننزل الْمَلَائِكَة، بالنُّون وَنصب الْمَلَائِكَة فَهُوَ استشهاد لكَون نزُول الْمَلَائِكَة بِخلق الله تَعَالَى وبالتاء الْمَفْتُوحَة وَالرَّفْع فَهُوَ لكَون نزولهم بكسبهم.
{لِّيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً أَلِيماً} المبَلِّغِينَ المُؤَدِّينَ مِنَ الرُّسُلِ
هَذَا فِي تَفْسِير الْفرْيَابِيّ أَيْضا بالسند الْمَذْكُور. قَوْله: {ليسأل الصَّادِقين} أَي: الْأَنْبِيَاء المبلغين المؤدين للرسالة عَن تبليغهم.
{أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} ، {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} عِنْدَنا.
هَذَا أَيْضا من قَول مُجَاهِد أخرجه الْفرْيَابِيّ بالسند الْمَذْكُور.
{وَالَّذِى جَآءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَائِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} القُرْآنُ وصَدَّقَ بِهِ المُؤْمِنُ يَقُولُ يَوْمَ القِيامَةِ هاذَا الّذِي أعْطَيْتَني عَمِلْتُ بِما فِيهِ.
هَذَا وَصله الطَّبَرِيّ من طَرِيق مَنْصُور بن الْمُعْتَمِر عَن مُجَاهِد قَالَ: {الَّذِي جَاءَ بِالصّدقِ} وَصدق بِهِ هم أهل الْقُرْآن يجيئون بِهِ يَوْم الْقِيَامَة يَقُولُونَ: هَذَا الَّذِي أعطيتمونا عَملنَا بِمَا فِيهِ، وَرُوِيَ عَن عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس: الَّذِي جَاءَ بِالصّدقِ وَصدق بِهِ رَسُول الله بِلَا إلاه إلاَّ الله، وَعَن عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، الَّذِي جَاءَ بِالصّدقِ مُحَمَّد، وَالَّذِي صدق بِهِ أَبُو بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
7520 - حدّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ، حدّثنا جَرِيرٌ، عنْ مَنْصُورٍ، عنْ أبي وائِلٍ، عنْ عَمْرِو بنِ شُرَحْبِيلَ، عنْ عَبْدِ الله قَالَ: سَألْتُ النبيَّ أيُّ الذَّنْبِ أعْظَمُ عِنْدَ الله؟ قَالَ: أنْ تَجْعَلَ(25/177)
نِدّاً وهْوَ خَلَقَكَ قُلْتُ إنَّ ذالِكَ لَعَظِيمٌ قُلْتُ ثُمَّ أيِّ قَالَ: ثُمَّ أنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ تَخافُ أنْ يَطْعَمَ مَعَكَ قُلْتُ ثُمَّ أيّ قَالَ: ثُمَّ أنْ تُزانِيَ بِحَلِيلَةِ جارِكَ
ا
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة تُؤْخَذ من قَوْله: أَن تجْعَل لله ندا وَجَرِير هُوَ ابْن عبد الحميد، وَمَنْصُور هُوَ ابْن الْمُعْتَمِر، وَأَبُو وَائِل شَقِيق بن سَلمَة، وَعَمْرو بن شُرَحْبِيل بِضَم الشين الْمُعْجَمَة وَفتح الرَّاء وَسُكُون الْحَاء الْمُهْملَة وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة وبالياء آخر الْحُرُوف الساكنة منصرفاً وَغير منصرف الْهَمدَانِي أبي ميسرَة، وَعبد الله هُوَ ابْن مَسْعُود.
والْحَدِيث مضى فِي: بَاب إِثْم الزناة فِي كتاب الْحُدُود.
قَوْله: أَن تقتل ولدك تخَاف أَن يطعم مَعَك وَفِي التَّوْضِيح يَعْنِي الموؤدة قلت: الموؤدة الَّتِي كَانَت تقتل لأجل الْعَار، وَالْمرَاد هُنَا من يقتل وَلَده خشيَة الْفقر، كَمَا قَالَ الله تَعَالَى: 8 9 {وَلاَ تَقْتُلُو اْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا} قيل: هُوَ بِدُونِ مَخَافَة الطّعْم أعظم أَيْضا. وَأجِيب بِأَن مَفْهُومه لَا اعْتِبَار لَهُ إِذْ شَرط اعْتِبَاره أَن لَا يكون خَارِجا مخرج الْأَغْلَب وَلَا بَيَانا للْوَاقِع. قَوْله: بحليلة أَي: بِزَوْجَة جَارك وَالْحَال أَنه خلق لَك زَوْجَة وتقطع بالزنى الرَّحِم. .
41
- (بابُ قَوْلِ الله تَعَالَى: {وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلاَ أَبْصَارُكُمْ وَلاَ جُلُودُكُمْ وَلَاكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لاَ يَعْلَمُ كَثِيراً مِّمَّا تَعْمَلُونَ}
أَي: هَذَا بَاب فِي قَول الله عز وَجل: {وَمَا كُنْتُم} الْآيَة وَقد سَاق الْآيَة كلهَا فِي رِوَايَة كَرِيمَة، وَفِي رِوَايَة غَيره إِلَى: {سمعكم} ثمَّ قَالَ: الْآيَة. قَالَ صَاحب التَّوْضِيح غَرَض البُخَارِيّ من الْبَاب إِثْبَات السّمع لله تَعَالَى وَإِذ ثَبت أَنه سميع وَجب كَونه سَامِعًا يسمع كَمَا أَنه لما ثَبت أَنه عَالم وَجب كَونه عَالما لم يعلم خلافًا لمن أنكر صِفَات الله من الْمُعْتَزلَة، وَقَالُوا: معنى وَصفه بِأَنَّهُ سامع للمسموعات وَصفه بِأَنَّهُ عَالم بالمعلومات، وَلَا سمع لَهُ وَلَا هُوَ سامع حَقِيقَة، وَهَذَا رد لظواهر كتاب الله ولسنن رَسُول الله، قَوْله: أَي: تخافون. وَقيل: تخشون، وَسبب نزُول هَذِه الْآيَة يبين فِي حَدِيث الْبَاب.
7521 - حدّثنا الحُمَيْدِيُّ، حدّثنا سُفْيانُ، حدّثنا مَنْصُورٌ، عنْ مُجاهِدٍ، عنْ أبي مَعْمَرٍ، عنْ عَبْدِ الله، رَضِي الله عَنهُ، قَالَ اجْتَمَعَ عِنْدَ البَيْتِ ثَقَفِيَّانِ وقَرَشِيٌّ أوْ قُرَشِيَّانِ وثَقَفِيٌّ كَثِيرَةٌ شَحْمُ بُطُونِهِمْ قَلِيلَةٌ فِقْهُ قُلُوبِهِمْ، فَقَالَ أحَدُهُمْ: أتُرَوْنَ أنَّ الله يَسْمَعُ مَا نَقُولُ؟ قَالَ الآخرُ: يَسْمَعُ إنْ جَهَرْنا وَلَا يَسْمَعُ إنْ أخْفَيْنا. وَقَالَ الآخَرُ: إنْ كَانَ يَسْمَعُ إِذا جَهَرْنا فإنَّهُ يَسْمَعُ إِذا أخْفَيْنا، فأنْزَلَ الله تَعَالَى {وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلاَ أَبْصَارُكُمْ وَلاَ جُلُودُكُمْ وَلَاكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لاَ يَعْلَمُ كَثِيراً مِّمَّا تَعْمَلُونَ} الآيَةَ
انْظُر الحَدِيث 4816 وطرفه
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
والْحميدِي هُوَ عبد الله بن الزبير، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَمَنْصُور بن الْمُعْتَمِر، وَمُجاهد بن جبر بِفَتْح الْجِيم الْمُفَسّر الْمَكِّيّ يَحْكِي أَنه رأى هاروت وماروت، وَأَبُو معمر بِفَتْح الميمين عبد الله بن سَخْبَرَة الْأَزْدِيّ، وَعبد الله بن مَسْعُود.
والْحَدِيث قد مضى مرَّتَيْنِ فِي سُورَة حم السَّجْدَة: أَحدهمَا: عَن الْحميدِي عبد الله بن الزبير ... إِلَى آخِره مثل مَا أخرجه هُنَا.
قَوْله: كَثِيرَة شَحم بطونهم إِشَارَة إِلَى وَصفهم. فَقَوله: بطونهم، مُبْتَدأ و: كَثِيرَة شَحم، خَبره والكثيرة مُضَافَة إِلَى الشَّحْم هَذَا إِذا كَانَ بطونهم مَرْفُوعا وَإِذا كَانَ مجروراً بِالْإِضَافَة يكون الشَّحْم الَّذِي هُوَ مُضَاف مَرْفُوعا بِالِابْتِدَاءِ، وكثيرة مقدما خَبره. واكتسب الشَّحْم التَّأْنِيث من الْمُضَاف إِلَيْهِ إِن كَانَت الْكَثِيرَة غير مُضَافَة، وَكَذَلِكَ الْكَلَام فِي قَليلَة فقه قُلُوبهم قَوْله: أَتَرَوْنَ؟ بِالضَّمِّ أَي: أتظنون، وَوجه الْمُلَازمَة فِيمَا قَالَ إِنَّه كَانَ يسمع هُوَ أَن نِسْبَة جَمِيع المسموعات إِلَى الله تَعَالَى على السوَاء.
وَفِي الحَدِيث من الْفِقْه إِثْبَات الْقيَاس الصَّحِيح وَإِبْطَال الْفَاسِد، فَالَّذِي قَالَ: يسمع إِن جهرنا وَلَا يسمع إِن أخفينا قد أَخطَأ فِي قِيَاسه لِأَنَّهُ شبه الله تَعَالَى بخلقه الَّذين يسمعُونَ الْجَهْر وَلَا يسمعُونَ السِّرّ، وَالَّذِي قَالَ: إِن كَانَ يسمع إِن جهرنا فَإِنَّهُ يسمع إِذا أخفينا أصَاب فِي قِيَاسه حَيْثُ لم(25/178)
يشبه الله بالمخلوقين ونزهه عَن مماثلتهم. فَإِن قلت: الَّذِي أصَاب فِي قِيَاسه كَيفَ وصف بقلة الْفِقْه؟ قلت: لِأَنَّهُ لم يعْتَقد حَقِيقَة مَا قَالَ وَلم يقطع بِهِ.
42 - (بابُ قَوْلِ الله تَعَالَى: {يَسْأَلُهُ مَن فِى السَّمَاوَاتِ وَالاَْرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِى شَأْنٍ} )
أَي: هَذَا بَاب فِي قَول الله عز وَجل: {كل يَوْم هُوَ فِي شَأْن} أَي: فِي شَأْن يحدثه لَا يبديه يعز ويذل ويحيي وَيُمِيت ويخفض وَيرْفَع وَيغْفر ذَنبا ويكشف كرباً ويجيب دَاعيا. وَعَن ابْن عَبَّاس ينظر فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ كل يَوْم سِتِّينَ وثلاثمائة نظرة.
{مَا يَأْتِيهِمْ مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِمْ مُّحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ} وَقَوْلِهِ تَعالى: {ياأيُّهَا النَّبِىُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَآءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُواْ الْعِدَّةَ وَاتَّقُواْ اللَّهَ رَبَّكُمْ لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلاَ يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لاَ تَدْرِى لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً} وأنَّ حَدَثَهُ لَا يُشْبِهُ حَدَثَ المَخْلُوقِينَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالاَْرْضِ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَمِنَ الاَْنْعَامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}
قَالَ الْمُهلب غَرَض البُخَارِيّ من الْبَاب الْفرق بَين وصف كَلَامه بِأَنَّهُ مَخْلُوق وَوَصفه بِأَنَّهُ حَادث يَعْنِي: لَا يجوز إِطْلَاق الْمَخْلُوق عَلَيْهِ وَيجوز إِطْلَاق الْحَادِث عَلَيْهِ. وَقَالَ الْكرْمَانِي: لم يقْصد ذَلِك وَلَا يرضى بِمَا نسبه إِلَيْهِ إِذْ لَا فرق بَينهمَا عقلا ونقلاً وَعرفا. وَقيل: إِن مَقْصُوده أَن حُدُوث الْقُرْآن وإنزاله إِنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْنَا. وَقيل: الَّذِي ذكره الْمُهلب هُوَ قَول بعض الْمُعْتَزلَة وَبَعض الظَّاهِرِيَّة فَإِنَّهُم اعتمدوا على قَوْله عز وَجل: {مَا يَأْتِيهِمْ مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِمْ مُّحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ} فَإِنَّهُ وصف الذّكر الَّذِي هُوَ الْقُرْآن بِأَنَّهُ مُحدث وَهَذَا خطأ لِأَن الذّكر الْمَوْصُوف فِي الْآيَة بالإحداث لَيْسَ هُوَ نفس كَلَامه تَعَالَى لقِيَام الدَّلِيل على أَن مُحدثا ومخلوقاً ومخترعاً، ومنشأ أَلْفَاظ مترادفة على معنى وَاحِد، فَإِذا لم يجز وصف كَلَامه تَعَالَى الْقَائِم بِذَاتِهِ بِأَنَّهُ مَخْلُوق لم يجز وَصفه بِأَنَّهُ مُحدث، فالذكر الْمَوْصُوف فِي الْآيَة بِأَنَّهُ مُحدث هُوَ الرَّسُول لِأَنَّهُ قد سَمَّاهُ الله فِي آيَة أُخْرَى ذكرا. فَقَالَ تَعَالَى: {أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً فَاتَّقُواْ اللَّهَ ياأُوْلِى الأَلْبَابِ الَّذِينَءَامَنُواْ قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً رَّسُولاً يَتْلُو عَلَيْكُمْءَايَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَ الَّذِينَءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الاَْنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقاً} فَسَماهُ ذكرا فِي هَذِه الْآيَة فَيكون الْمَعْنى: مَا يَأْتِيهم من رَسُول من رَبهم مُحدث وَيحْتَمل أَن يكون المُرَاد بِالذكر هُنَا هُوَ وعظ الرَّسُول وتحذيره إيَّاهُم من الْمعاصِي، فَسُمي وعظه ذكرا وأضافه إِلَيْهِ لِأَنَّهُ فَاعل لَهُ. وَقيل: رُجُوع الإحداث إِلَى الْإِنْسَان لَا إِلَى الذّكر الْقَدِيم، لِأَن نزُول الْقُرْآن على رَسُول الله كَانَ شَيْئا بعد شَيْء، فَكَانَ يحدث نُزُوله حينا بعد حِين، وَقيل: جَاءَ الذّكر بِمَعْنى الْعلم كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِى إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ} وَبِمَعْنى العظمة كَمَا فِي قَوْله: {ص وَالْقُرْءَانِ ذِى الذِّكْرِ} أَي: العظمة، وَبِمَعْنى الصَّلَاة كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {ياأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُو اْ إِذَا نُودِىَ لِلصَّلَواةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْاْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُواْ الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} وَبِمَعْنى الشّرف كَمَا فِي قَوْله: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ} فَإِذا كَانَ الذّكر يَجِيء بِهَذِهِ الْمعَانِي وَهِي كلهَا محدثة كَانَ حمله على أحد هَذِه الْمعَانِي أولى. وَقَالَ الدَّاودِيّ: الذّكر فِي الْآيَة الْقُرْآن. قَالَ: وَهُوَ مُحدث عندنَا، وَهَذَا ظَاهر قَول البُخَارِيّ لقَوْله: وَأَن حَدثهُ لَا يشبه حدث المخلوقين فَأثْبت أَنه مُحدث وَهُوَ من صِفَاته وَلم يزل سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِجَمِيعِ صِفَاته، وَقَالَ ابْن التِّين: هَذَا مِنْهُ عَظِيم، واستدلاله يرد عَلَيْهِ لِأَنَّهُ إِذا كَانَ لم يزل بِجَمِيعِ صِفَاته وَهُوَ قديم فَكيف تكون صفته محدثة وَهُوَ لم يزل بهَا؟ إِلَّا أَن يُرِيد أَن الْمُحدث غير الْمَخْلُوق، كَمَا يَقُوله الْبَلْخِي وَمن تبعه، وَهُوَ ظَاهر كَلَام البُخَارِيّ حَيْثُ قَالَ: وَأَن حَدثهُ لَا يشبه حدث المخلوقين فَأثْبت أَنه مُحدث. ثمَّ قَالَ الدَّاودِيّ نَحْو مَا ذكره فِي شرح قَول عَائِشَة: ولشأني أَحْقَر من أَن يتَكَلَّم الله فِي يَأْمر يُتْلَى قَالَ الدَّاودِيّ: فِيهِ أَن الله تَعَالَى تكلم بِبَرَاءَة عَائِشَة حِين أنزل فِيهَا بِخِلَاف بعض قَول النَّاس أَنه لم يتَكَلَّم. وَقَالَ ابْن التِّين أَيْضا: هَذَا من الدَّاودِيّ عَظِيم لِأَنَّهُ يلْزم مِنْهُ أَن يكون الله متكلماً بِكَلَام حَادث فَتحل فِيهِ الْحَوَادِث، تَعَالَى الله عَن ذَلِك، وَإِنَّمَا المُرَاد بأنزل الْإِنْزَال الَّذِي هُوَ الْمُحدث لَيْسَ أَن الْكَلَام الْقَدِيم نزل الْآن. وَقَالَ الْكرْمَانِي: قَوْله: وحدثه أَي: إحداثه. ثمَّ قَالَ: اعْلَم أَن صِفَات الله تَعَالَى إِمَّا سلبية وَتسَمى بالتنزيهات، وَإِمَّا وجودية حَقِيقِيَّة كَالْعلمِ وَالْقُدْرَة، وَإِنَّهَا قديمَة لَا محَالة، وَإِمَّا إضافية كالخلق والرزق وَهِي حَادِثَة لَا يلْزم تغير فِي ذَات الله وَصِفَاته الَّتِي هِيَ بِالْحَقِيقَةِ صِفَات لَهُ، كَمَا أَن تعلق الْعلم وَالْقُدْرَة بالمعلومات والمقدورات حَادِثَة، وَكَذَا كل صفة فعلية لَهُ، فحين تقررت هَذِه الْقَاعِدَة فالإنزال مثلا حَادث والمنزل قديم، وَتعلق الْقُدْرَة حَادث وَنَفس الْقُدْرَة قديمَة، وَالْمَذْكُور وَهُوَ الْقُرْآن قديم وَالذكر حَادث.(25/179)
وَقَالَ ابنُ مسْعُودٍ عَن النبيِّ إنَّ الله يُحْدِث مِنْ أمْرِهِ مَا يَشاءُ وإنَّ مِمَّا أحْدَثَ أنْ لَا تَكَلَّمُوا فِي الصّلاةِ
أَرَادَ يُرَاد هَذَا الْمُعَلق جَوَاز الْإِطْلَاق على الله بِأَنَّهُ مُحدث بِكَسْر الدَّال لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله يحدث من أمره مَا يَشَاء وَلَكِن إحداثه لَا يشبه إِحْدَاث المخلوقين. وَأخرج أَبُو دَاوُد هَذَا الحَدِيث من طَرِيق عَاصِم بن أبي النجُود عَن أبي وَائِل عَن عبد الله قَالَ: كُنَّا نسلم فِي الصَّلَاة ونأمر بحاجتنا، فَقدمت على رَسُول الله، وَهُوَ يُصَلِّي، فَسلمت عَلَيْهِ فَلم يرد عليّ السَّلَام، فأخذني مَا قدم وَمَا حدث. فَلَمَّا قضى صلَاته قَالَ: إِن الله يحدث من أمره مَا يَشَاء، وَإِن الله قد أحدث أَن لَا تكلمُوا فِي الصَّلَاة وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ أَيْضا وَفِي رِوَايَته: وَإِن مِمَّا أحدث ... وَرَوَاهُ أَيْضا أَحْمد وَابْن حبَان وَصَححهُ.
7522 - حدّثنا عَلِيُّ بنُ عَبدِ الله، حدّثنا حاتِمُ بنُ ورْدَانَ، حَدثنَا أيُّوبُ، عنْ عِكْرِمَةَ، عَن ابنِ عَبَّاسٍ، رَضِي الله عَنْهُمَا، قَالَ: كَيْفَ تَسْألُونَ أهْلَ الكِتابِ عنْ كُتُبِهِمْ وعِنْدَكُمْ كِتابُ الله أقْرَبُ الكُتُبِ عَهْداً بِاللَّه تَقْرَأُونَهُ مَحْضاً لَمْ يُشَبْ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: أقرب الْكتب وَقد رُوِيَ فِيهِ: أحدث الْكتب.
أخرجه مَوْقُوفا عَن عَليّ بن عبد الله بن الْمَدِينِيّ عَن حَاتِم بن وردان الْبَصْرِيّ عَن أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ عَن عِكْرِمَة إِلَى آخِره.
قَوْله: لم يشب بِضَم الْيَاء أَي: لم يخلط بِالْغَيْر كَمَا خلط الْيَهُود حَيْثُ حرفوا التَّوْرَاة.
7523 - حدّثنا أبُو اليَمانِ، أخبرنَا شُعْيْبٌ، عنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبرنِي عُبَيْدُ الله بنُ عَبْدِ الله أنَّ عبْدَ الله بنَ عَبَّاسٍ قَالَ: يَا مَعْشَرَ المُسْلِمِينَ كَيْف تَسألُونَ أهْلَ الكِتابِ عنْ شَيْءٍ وكِتابُكُمُ الّذِي أنْزَلَ الله عَلى نَبِيِّكُمْ أحْدَثُ الأخْبارِ بِاللَّه مَحْضاً لَمْ يُشَبْ؟ وقَدْ حَدَّثَكُمُ الله أنَّ أهْلَ الكِتابِ قَدْ بَدَّلُوا مِنْ كُتُبِ الله وغَيَّرُوا، فَكَتَبُوا بأيْدِيهِمْ قالُوا: هُوَ مِنْ عِنْدِ الله لِيَشْتَرُوا بِذَلِكَ ثَمَناً قَلِيلاً، أوَ لَا يَنْهاكُمْ مَا جاءَكُمْ مِنَ العِلْمِ، عنْ مَسْألِتِهمْ؟ فَلاَ وَالله مَا رَأيْنا رَجُلاً مِنْهُمْ يَسْألُكُمْ عنِ الَّذِي أنْزَلَ عَلَيْكُمْ.
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس الْمَذْكُور.
وَهُوَ أَيْضا مَوْقُوف أخرجه عَن أبي الْيَمَان الحكم بن نَافِع عَن شُعَيْب بن أبي حَمْزَة عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ عَن عبيد الله بن عبد الله بن عتبَة بن مَسْعُود عَن ابْن عَبَّاس.
قَوْله: أحدث الْأَخْبَار أَي: لفظا إِذا الْقَدِيم هُوَ الْمَعْنى الْقَائِم بِهِ عز وَجل، أَو نزولاً. أَو إِخْبَارًا من الله تَعَالَى. قَوْله: وَقد حَدثكُمْ الله حَيْثُ قَالَ: {فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَاذَا مِنْ عِندِ اللَّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ} قَوْله: ليشتروا بذلك وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي: ليشتروا بِهِ. قَوْله: مَا جَاءَكُم من الْعلم إِسْنَاد الْمَجِيء إِلَى الْعلم مجَاز كإسناد النَّهْي إِلَيْهِ. قَوْله: فَلَا وَالله أَي: مَا يسألكم رجل مِنْهُم مَعَ أَن كِتَابهمْ محرف فَلم تسْأَلُون أَنْتُم مِنْهُم؟ وَقد مر فِي آخر الِاعْتِصَام بِالْكتاب فِي: بَاب قَول النَّبِي لَا تسألوا أهل الْكتاب عَن شَيْء. قَوْله: عَن الَّذِي أنزل عَلَيْكُم فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي: إِلَيْكُم.
43 - (بابُ قَوْلِ الله تَعَالَى: {لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} وفِعْلِ النبيِّ حَيْثُ يُنْزَلُ عَلَيْهِ الوَحْيُ)
أَي: هَذَا بَاب فِي قَول الله عز وَجل: {لَا تحرّك لسَانك} أَي بِالْقُرْآنِ: لتعجل بِهِ وغرض البُخَارِيّ أَن قِرَاءَة الْإِنْسَان(25/180)
وتحريك شفيته وَلسَانه عمل لَهُ يُؤجر عَلَيْهِ، وَكَانَ يُحَرك بِهِ لِسَانه عِنْد قِرَاءَة جِبْرِيل، عَلَيْهِ السَّلَام، مبادرة مِنْهُ مَا يسمعهُ، فَنَهَاهُ الله تَعَالَى عَن ذَلِك وَرفع عَنهُ الكلفة وَالْمَشَقَّة الَّتِي كَانَت تناله فِي ذَلِك مَعَ ضَمَانه تَعَالَى تسهيل الْحِفْظ عَلَيْهِ وَجمعه لَهُ فِي صَدره، كَمَا ذكره فِي حَدِيث الْبَاب.
وَقَالَ أبُو هُرَيْرَةَ عنِ النبيِّ قَالَ الله تَعَالَى: أَنا مَعَ عَبْدِي حَيْثُما ذَكَرَنِي وتَحَرَّكَتْ بِي شَفَتاهُ
هَذَا من الْأَحَادِيث الَّتِي علقها البُخَارِيّ وَلم يصلها فِي مَوضِع آخر فِي كِتَابه. وَأخرجه أَحْمد بأتم مِنْهُ وَلَفظه: إِذا ذَكرنِي، ويروى: مَا إِذا ذَكرنِي. قَوْله: أَنا مَعَ عَبدِي هَذِه الْمَعِيَّة معية الرَّحْمَة، وَأما فِي قَوْله: وَهُوَ مَعكُمْ أَيْنَمَا كُنْتُم فَهِيَ معية الْعلم. وَحَاصِل الْكَلَام أَنا مَعَ عَبدِي زمَان ذكره لي بِالْحِفْظِ والكلاءة لَا على أَنه مَعَه بِذَاتِهِ، وَمعنى قَوْله: وتحركت بِي شفتاه تحركت باسمي وَذكره لي إِذْ محَال حُلُوله فِي الْأَمَاكِن ووجوده فِي الأفواه وتعاقب الحركات عَلَيْهِ.
7524 - حدّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعيدٍ، حدّثنا أبُو عَوَانَة، عنْ مُوسَى بنِ أبي عَائِشَةَ، عنْ سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ عنِ ابنِ عبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} قَالَ: كانَ النبيُّ يُعالِجُ مِنَ التَّنْزِيلِ شِدَّةً وكانَ يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ فَقَالَ لي ابنُ عَبَّاسٍ: أُحَرِّكُهُما لَكَ كَمَا كانَ رسولُ الله يُحَرِّكُهُما؟ فَقَالَ سَعيدٌ: أَنا أُحَرِّكُهُما كَمَا كانَ ابنُ عبَّاس يُحَرِّكُهُما، فَحَرَّكَ شَفَتَيْهِ فأنْزَلَ الله عَزَّ وجَلَّ: {لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْءَانَهُ} قَالَ: جَمْعُهُ فِي صَدْركَ ثُم تَقْرَأُوهُ {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْءَانَهُ} قَالَ: فاسْتَمِعْ لهُ وأنْصِتْ: {ثمَّ إِن علينا} أَن تَقْرَأهُ. قَالَ: فَكانَ رسولُ الله إذَا أتاهُ جِبْرِيلُ، عليْهِ السَّلاَمُ، استَمَعَ فإذَا انْطَلَقَ جِبْرِيلُ قَرَأهُ النبيُّ كَما أقْرَأهُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَأَبُو عوَانَة بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة الوضاح بن عبد الله الْيَشْكُرِي، ومُوسَى بن أبي عَائِشَة أَبُو بكر الْهَمدَانِي.
والْحَدِيث تقدم مشروحاً فِي أول الْكتاب، وَالْمَقْصُود من الْبَاب بَيَان كَيْفيَّة تلقي النَّبِي كَلَام الله من جِبْرِيل، عَلَيْهِ السَّلَام. وَقيل: مُرَاد البُخَارِيّ بِهَذَيْنِ الْحَدِيثين الْمُعَلق والموصول الرَّد على من زعم أَن قِرَاءَة القارىء قديمَة، فأبان أَن حَرَكَة اللِّسَان بِالْقُرْآنِ فعل القارىء بِخِلَاف المقروء فَإِنَّهُ كَلَام الله الْقَدِيم، كَمَا أَن حَرَكَة لِسَان ذكر الله حَادِثَة من فعله، وَالْمَذْكُور وَهُوَ الله تَعَالَى قديم، وَإِلَى ذَلِك أَشَارَ بالتراجم الَّتِي تَأتي بعد هَذَا.
44 - (بابُ قَوْلِ الله تَعَالَى: {وَأَسِرُّواْ قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُواْ بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} يَتَخَافَتُونَ يَتسارُّونَ)
أَي: هَذَا بَاب فِي قَول الله عز وَجل: {وأسروا قَوْلكُم أَو اجهروا بِهِ} يَعْنِي: أَن الله عَالم بالسر من أقوالكم والجهر بِهِ فَلَا يخفى عَلَيْهِ شَيْء من ذَلِك. وَقَالَ ابْن بطال: مُرَاده بِهَذَا الْبَاب إِثْبَات الْعلم لله تَعَالَى صفة ذاتية لِاسْتِوَاء علمه بالجهر من القَوْل والسر، وَقد بَينه فِي آيَة أُخْرَى: {سَوَآءٌ مِّنْكُمْ مَّنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِالَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ} وَأَن اكْتِسَاب العَبْد من القَوْل وَالْفِعْل لله تَعَالَى لقَوْله: {وَأَسِرُّواْ قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُواْ بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} ثمَّ قَالَ عقيب ذَلِك: {أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} فَدلَّ على أَنه عَالم بِمَا أسروه وَمَا جهروا بِهِ وَأَنه خَالق لذَلِك فيهم. وَقَالَ ابْن الْمُنِير: ظن الشَّارِح أَنه قصد بالترجمة إِثْبَات الْعلم وَلَيْسَ كَمَا ظن وإلاَّ لتعاطفت الْمَقَاصِد مِمَّا اشْتَمَلت عَلَيْهِ التَّرْجَمَة، لِأَنَّهُ لَا مُنَاسبَة بَين الْعلم وَبَين حَدِيث: لَيْسَ منا من لم يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ، وَإِنَّمَا قصد البُخَارِيّ الْإِشَارَة إِلَى النُّكْتَة الَّتِي كَانَت سَبَب محنته بِمَسْأَلَة اللَّفْظ، فَأَشَارَ بالترجمة إِلَى أَن تلاوات الْخلق تتصف بالسر والجهر ويستلزم أَن تكون مخلوقة، وَسِيَاق الْكَلَام يَأْبَى ذَلِك، فقد قَالَ البُخَارِيّ فِي كتاب خلق أَفعَال الْعباد بعد أَن ذكر عدَّة أَحَادِيث دَالَّة على ذَلِك: فَبين النَّبِي، أَن أصوات الْخلق وقراءتهم ودراستهم وتعليمهم وألسنتهم مُخْتَلفَة(25/181)
بَعْضهَا أحسن وأزين وَأحلى وأصوت وأرتل وألحن وَأَعْلَى وأخفض وأغض وأخشع وأجهر وأخفى وأمهر وأمد وألين من بعض. قَوْله: يتخافتون أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {فَانطَلَقُواْ وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ} ثمَّ فسره بقوله: يتسارون بتَشْديد الرَّاء أَي: يتساررون فِيمَا بَينهم بِكَلَام خَفِي. وَقيل فِي بعض النّسخ بشين مُعْجمَة وَزِيَادَة وَاو بِغَيْر تثقيل أَي: يتراجعون.
7525 - حدّثني عَمْرُو بنُ زُرارَةَ، عنْ هُشَيْمٍ، أخبرنَا أبُو بِشْرٍ، عنْ سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ، عنِ ابنِ عَبَّاسٍ، رَضِي الله عَنْهُمَا، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَدْعُ الإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَآءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإِنْسَانُ عَجُولاً} قَالَ: نَزَلَتْ ورسولُ الله مُخْتَفٍ بِمَكَّةَ فَكانَ إِذا صَلَى بِأصْحابِهِ رَفَعَ صَوْتَهُ بِالقُرآنِ، فَإِذا سَمَعَهُ المُشْرِكُونَ سَبُّوا القُرآنَ ومَنْ أنْزَلَهُ ومَنّ جَاءَ بِهِ، فَقَالَ الله لِنَبِيِّهِ {قُلِ ادْعُواْ اللَّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَانَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الاَْسْمَآءَ الْحُسْنَى وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذاَلِكَ سَبِيلاً} أيْ بِقِراءَتِكَ فَيَسْمَعَ المُشْرِكُونَ فَيَسُبُّوا القُرْآنَ {وَلَا تخَافت بهَا} عنْ أصْحابِكَ فَلَا تُسْمِعُهُم {قُلِ ادْعُواْ اللَّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَانَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الاَْسْمَآءَ الْحُسْنَى وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذاَلِكَ سَبِيلاً}
مطابقته للتَّرْجَمَة لَا تخفى.
وَعَمْرو بن زُرَارَة بِضَم الزَّاي وَتَخْفِيف الرَّاء الأولى ابْن وَاقد الْكلابِي النَّيْسَابُورِي، وروى عَنهُ مُسلم أَيْضا، وهشيم بن بشير وَأَبُو بشر بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة جَعْفَر بن أبي وحشية واسْمه إِيَاس.
والْحَدِيث مضى فِي تَفْسِير سُورَة بني إِسْرَائِيل فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم عَن هشيم ... إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: فَيسمع بِالنّصب وَالرَّفْع قيل: إِذا كَانَ النَّبِي، مختفياً عَن الْكفَّار فَكيف يرفع الصَّوْت؟ وَهُوَ يُنَافِي الاختفاء؟ وَأجِيب: بِأَنَّهُ لَعَلَّه أَرَادَ الْإِتْيَان بشبه الْجَهْر أَو إِنَّه مَا كَانَ يبْقى لَهُ عِنْد الصَّلَاة ومناجاة الرب اخْتِيَار لاستغراقه فِي ذَلِك.
7526 - حدّثنا عُبَيْدُ بنُ إسْماَعيلَ، حدَّثنا أبُو أُسامَةَ، عنْ هِشامٍ عنْ أبِيهِ عنْ عَائِشَةَ، رَضِي الله عَنْهَا، قالَتْ: نَزَلَتْ هاذِهِ الآيَةُ {قُلِ ادْعُواْ اللَّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَانَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الاَْسْمَآءَ الْحُسْنَى وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذاَلِكَ سَبِيلاً} فِي الدُّعاء.
انْظُر الحَدِيث 4723 وطرفه
أَشَارَ بِهَذَا إِلَى وَجه آخر فِي سَبَب نزُول هَذِه الْآيَة، أخرجه عَن عبيد بن إِسْمَاعِيل واسْمه فِي الأَصْل عبد الله الْقرشِي الْكُوفِي، وَأَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة، وَهِشَام هُوَ ابْن عُرْوَة يروي عَن أَبِيه عُرْوَة بن الزبير، وَقد مر فِي تَفْسِير سُورَة سُبْحَانَ.
7527 - حدّثنا إسْحَاقُ، حدّثنا أبُو عاصِمٍ، أخبرنَا ابنُ جُرَيْجٍ، أخبرنَا ابنُ شِهابٍ، عنْ أبي سَلَمَةَ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالقُرْآنِ وزادَ غَيْرُهُ يَجْهَرُ بِهِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِي قَوْله: من لم يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ إِضَافَة الْفِعْل إِلَيْهِ، وَذَلِكَ يدل على أَن أَفعَال الْعباد مخلوقة لله تَعَالَى.
وَإِسْحَاق قَالَ الْحَاكِم: هُوَ ابْن نصر، وَقَالَ الغساني: هُوَ ابْن مَنْصُور أشبه، وَأَبُو عَاصِم الضَّحَّاك وَهُوَ من مَشَايِخ البُخَارِيّ روى عَنهُ كثيرا بِلَا وَاسِطَة، وَابْن جريج عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج، وَابْن شهَاب مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ، وَأَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف.
والْحَدِيث مضى فِي فَضَائِل الْقُرْآن.
قَوْله: لَيْسَ منا أَي: لَيْسَ من أهل سنتنا، وَلَيْسَ المُرَاد أَنه لَيْسَ من أهل ديننَا. قَوْله: من لم يَتَغَنَّ أَي: من لم يجْهر بِقِرَاءَة الْقُرْآن. قَوْله: غَيره هُوَ صَاحب لأبي هُرَيْرَة، زَاد فِي آخر الحَدِيث يجْهر بِهِ أَي: بِالْقُرْآنِ.
45
- (بابُ قَوْلِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (رَجُلٌ آتاهُ الله القُرْآنَ فَهُوَ يَقُومُ بِهِ آناءَ اللَّيْلِ والنَّهارِ) ، ورَجُلٌ يَقُولُ: لَوْ أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِيَ هَذا فَعَلْتُ كَمَا يَفْعَلُ، فَبَيَّنَ الله أنَّ قِيامُهُ بالكِتابِ هُوَ فِعلُهُ.(25/182)
وَقَالَ {وَمِنْءَايَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالاَْرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِى ذالِكَ لأَيَاتٍ لِّلْعَالَمِينَ} وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: {ياأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُواْ ارْكَعُواْ وَاسْجُدُواْ وَاعْبُدُواْ رَبَّكُمْ وَافْعَلُواْ الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}
أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر قَول النَّبِي، رجل ... إِلَى آخِره، وغرضه من هَذَا الْبَاب أَن قَول الْعباد وفعلهم منسوبان إِلَيْهِم، وَهُوَ كالتعميم بعد التَّخْصِيص بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْبَاب الْمُتَقَدّم عَلَيْهِ. قيل إِن التَّرْجَمَة مخرومة إِذْ ذكر من صَاحب الْقُرْآن حَال الْمَحْسُود فَقَط، وَمن صَاحب المَال حَال الْحَاسِد فَقَط، وَهُوَ خرم غَرِيب ملبس. قَالَ الْكرْمَانِي: نعم مخروم وَلَكِن لَيْسَ غَرِيبا وَلَا ملبساً، إِذْ الْمَتْرُوك هُوَ نصف الحَدِيث بِالْكُلِّيَّةِ حَاسِدًا ومحسوداً، وَهُوَ حَال ذِي المَال وَالْمَذْكُور هُوَ بَيَان صَاحب الْقُرْآن حَاسِدًا ومحسوداً، إِذْ المُرَاد من رجل ثَانِيًا هُوَ الْحَاسِد، وَمن مثل مَا أُوتِيَ هُوَ الْقُرْآن لَا المَال. وَمر الحَدِيث أَولا فِي كتاب الْعلم وآخراً فِي كتاب التَّمَنِّي. قَوْله: آنَاء اللَّيْل أَي: سَاعَات اللَّيْل. وَقَالَ الْأَخْفَش: وَاحِدهَا: أَنِّي، مثل معي، وَقيل: أنو، يُقَال: مضى أنيان من اللَّيْل، وأنوان. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: وَاحِدهَا أَنى مثل نحى، وَالْجمع: آنَاء. قَوْله: فَبين الله لَيْسَ فِي كثير من النّسخ إِلَّا قَوْله: فَبين، فَقَط بِدُونِ ذكر فَاعله، وَلِهَذَا قَالَ الْكرْمَانِي: إِن النَّبِي قَالَ: إِن قيام الرجل بِالْقُرْآنِ فعله حَيْثُ أسْند الْقيام إِلَيْهِ، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: إِن قِرَاءَة الْكتاب فعله. قَوْله: أَلْسِنَتكُم أَي: لغاتكم، إِذْ لَا اخْتِلَاف فِي الْعُضْو الْمَخْصُوص بِحَيْثُ يصير فِي الْآيَات. قَوْله: وافعلوا الْخَيْر هَذَا عَام فِي فعل الْخَيْر يتَنَاوَل قِرَاءَة الْقُرْآن وَالذكر وَالدُّعَاء.
7528 - حدّثنا قُتَيْبَةُ، حدّثنا جَرِيرٌ، عنِ الأعْمَشِ، عنْ أبي صالِحٍ، عنْ أبي هُرَيْرَ قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تحاسُدَ إلاّ فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتاهُ الله القُرْآنَ فَهْوَ يَتْلُوهُ آناءَ اللَّيْلِ وآناءَ النَّهارِ، فَهْوَ يَقُولُ: لوْ أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِيَ هَذَا لَفَعَلْتُ كَمَا يَفْعَلُ، ورَجُلٌ آتاهُ الله مَالا فَهْوَ يُنْفِقُهُ فِي حَقِّهِ فَيَقُولُ: لوْ أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِيَ عَمِلْتُ فِيهِ مِثْلَ مَا يَعْمَلُ.
انْظُر الحَدِيث 5026 وطرفه
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَجَرِير بن عبد الحميد، وَالْأَعْمَش سُلَيْمَان، وَأَبُو صَالح ذكْوَان الزيات.
والْحَدِيث مضى فِي الْعلم كَمَا ذكرنَا الْآن. قَوْله: لَا تحاسد إلاّ فِي اثْنَتَيْنِ ويروى: إلاَّ فِي اثْنَيْنِ، بالتذكير. قيل: الخصلتان من بَاب الْغِبْطَة. وَأجِيب بِأَن مُرَاده: لَا تحاسد إلاَّ فيهمَا، وَلَيْسَ مَا فيهمَا حسد فَلَا حسد. كَقَوْلِه: {لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلاَّ الْمَوْتَةَ الاُْولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ} وَأطلق الْحَسَد وَأَرَادَ الْغِبْطَة. قَوْله: رجل أَي: خصْلَة رجل ليَصِح بَيَانا لاثْنَتَيْنِ. قَوْله: فَهُوَ يَقُول أَي: الْحَاسِد ... وَبَقِيَّة لكَلَام مرت فِي الْعلم.
7529 - حدّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله، حدَّثنا سُفْيانُ، قَالَ الزُّهْرِيُّ: عنْ سالِمٍ عنْ أبِيهِ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لاَ حَسَدَ فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتاهُ الله القُرْآنَ فَهْوَ يَتْلُوهُ آناءَ اللَّيْلِ وآناءَ النَّهارِ، ورَجُلٌ آتاهُ الله مَالا فَهو يُنْفِقُهُ آناءَ اللَّيْلِ وآناءَ النَّهارِ.
سَمِعْتُ سُفْيان مِراراً، لَمْ أسْمَعْهُ يَذْكُرُ الخَبَرَ، وهْوَ مِنْ صَحِيحِ حَدِيثِهِ.
انْظُر الحَدِيث 5025
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعلي بن عبد الله هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَسَالم بن عبد الله يروي عَن أَبِيه عبد الله بن عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم.
قَوْله: سَمِعت قَائِله هُوَ عَليّ بن عبد الله شيخ البُخَارِيّ أَي: سَمِعت هَذَا الحَدِيث من سُفْيَان مرَارًا وَلم أسمعهُ يذكرهُ بِلَفْظ أخبرنَا أَو حَدثنَا الزُّهْرِيّ هَل يَقُول بِلَفْظ: قَالَ وَمَعَ هَذَا هُوَ من صَحِيح حَدِيثه وَلَا قدح فِيهِ لِأَنَّهُ قد علم من الطّرق الآخر الصحيحات.
46
- (بابُ قَوْلِ الله تَعَالَى: {يَ اأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِى الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ مِنَ الله عَزَّ وجَلَّ الرِّسالة، وعَلى رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم البَلاَغُ وعَلْينا التَّسْلِيمُ.)(25/183)
أَي هَذَا بَاب فِي قَول الله تَعَالَى ... إِلَى آخِره، قَالَ الْكرْمَانِي: الشَّرْط وَالْجَزَاء متحدان، إِذْ معنى إِن لم تفعل إِن لم تبلغ. وَأجَاب بِأَن المُرَاد من الْجَزَاء لَازمه نَحْو: من كَانَت هجرته إِلَى دنيا يُصِيبهَا فَهجرَته إِلَى مَا هَاجر إِلَيْهِ. قَوْله: رسالاته، أَي: الْإِرْسَال لَا بُد فِي الرسَالَة من ثَلَاثَة أُمُور الْمُرْسل والمرسل إِلَيْهِ وَالرَّسُول، وَلكُل مِنْهُم أَمر: للمرسل الْإِرْسَال، وَلِلرَّسُولِ التَّبْلِيغ وللمرسل إِلَيْهِ الْقبُول وَالتَّسْلِيم.
وَقَالَ: {لِّيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُواْ رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَىْءٍ عَدَداً} وَقَالَ تَعَالَى: {أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّى وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ أَوَ عَجِبْتُمْ أَن جَآءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِّنْكُمْ لِيُنذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُواْ وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ فَكَذَّبُوهُ فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِئَايَاتِنَآ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً عَمِينَ وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَاهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ قَالَ يَاقَوْمِ لَيْسَ بِى سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّى رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّى وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ}
وَقَالَ هَكَذَا فِي بعض النّسخ بِدُونِ ذكر فَاعله، وَفِي بَعْضهَا: وَقَالَ الله: {لِّيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُواْ رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَىْءٍ عَدَداً}
وَقَالَ كَعْبُ بنُ مالِكٍ حِينَ تَخَلَّفَ عنِ النبيِّ {وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}
كَعْب بن مَالك الْأنْصَارِيّ هُوَ أحد الثَّلَاثَة الَّذين تخلفوا عَن رَسُول الله، صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسلم، عَن غَزْوَة تَبُوك. قَالَ الْكرْمَانِي: وَجه مناسبته لهَذِهِ التَّرْجَمَة التَّفْوِيض والانقياد وَالتَّسْلِيم، وَلَا يستحسن أحد أَن يُزكي أَعماله بالعجلة، بل يُفَوض الْأَمر إِلَى الله تَعَالَى. وَحَدِيث كَعْب فِي تَفْسِير سُورَة بَرَاءَة مطولا.
وقالَتْ عائِشَةُ: إذَا أعْجَبَكَ حُسْنُ عَمَلِ امْرِىءٍ {وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ أحَدٌ.
أَرَادَت عَائِشَة بذلك أَن أحدا لَا يستحسن عمل غَيره، فَإِذا أعجبه ذَلِك فَلْيقل: اعْمَلُوا فسيرى الله عَمَلكُمْ وَرَسُوله والمؤمنون قَوْله: وَلَا يستخفيك أحد بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة الْمَكْسُورَة وَالْفَاء الْمَفْتُوحَة وَالنُّون الثَّقِيلَة للتَّأْكِيد، حَاصِل الْمَعْنى: لَا تغتر بِعَمَل أحد فتظن بِهِ الْخَيْر إلاَّ إِن رَأَيْته وَاقِفًا عِنْد حُدُود الشَّرِيعَة. وَهَذَا الحَدِيث ذكره البُخَارِيّ فِي كتاب خلق أَفعَال الْعباد مطولا، وَفِيه إِذا أعْجبك حسن عمل امرىء إِلَى آخِره، وأرادت بِالْعَمَلِ مَا كَانَ من الْقِرَاءَة وَالصَّلَاة وَنَحْوهمَا، فَسَمت كل ذَلِك عملا.
وَقَالَ مَعْمَرٌ {ذَالِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ} هاذَا القُرْآنَ {ذَالِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ} بَيانٌ ودِلاَلَةٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلواةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} هاذَا حُكْمُ الله.
معمر بِفَتْح الميمين قيل: هُوَ أَبُو عُبَيْدَة بِالضَّمِّ اللّغَوِيّ وَقيل: هُوَ معمر بن رَاشد الْبَصْرِيّ ثمَّ التَّيْمِيّ. قَوْله: هَذَا الْقُرْآن، يَعْنِي: ذَلِك، بِمَعْنى: هَذَا، وَهُوَ خلاف الْمَشْهُور، وَهُوَ أَن ذَلِك للبعيد وَهَذَا للقريب. كَقَوْلِه: {لكم حكم الله} أَي: هَذَا حكم الله وَكَقَوْلِه: {تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ} وَغَيرهَا أَي: هَذِه أَعْلَام الْقُرْآن. قَوْله: {هدى لِلْمُتقين} فسره بقوله: بَيَان وَدلَالَة، بِكَسْر الدَّال وَفتحهَا ودلولة أَيْضا، حَكَاهُمَا الْجَوْهَرِي. قَالَ: الْفَتْح أَعلَى. قَالَ الْكرْمَانِي: تعلقه بالترجمة نوع من التَّبْلِيغ سَوَاء كَانَ بِمَعْنى الْبَيَان أَو الدّلَالَة.
{ذَالِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ} لَا شَكَّ {تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ} وَغَيرهَا يَعْنِي هاذِهِ أعْلاَمُ القُرْآنِ.
فسر قَوْله: {لَا ريب فِيهِ} أَي: لَا شكّ. قَوْله: بِكُل آيَات الله أَي: هَذِه آيَات الله، وَاسْتعْمل: تِلْكَ، الَّتِي للبعيد فِي مَوضِع: هَذِه، الَّتِي للقريب.
ومِثْلُهُ: {هُوَ الَّذِى يُسَيِّرُكُمْ فِى الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِى الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَآءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَآءَهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّو اْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَاذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ} يَعني: بِكُمْ.
أَي: مثل الْمَذْكُور فِيمَا مضى فِي اسْتِعْمَال الْبعيد وَإِرَادَة الْقَرِيب. قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى إِذا كُنْتُم فِي الْفلك وجرين بهم} يَعْنِي: بكم.
وَقَالَ أنَسٌ: بَعَثَ النبيُّ خالهُ حَرَاماً إِلَى قَوْمِهِ، وَقَالَ: أتُؤْمِنُونِي أُبَلِّغُ رِسالَةَ رسولِ الله فَجَعَل يُحَدِّثُهُمْ.
هَذَا قِطْعَة من حَدِيث مضى فِي الْجِهَاد مَوْصُولا من طَرِيق همام عَن إِسْحَاق بن عبد الله بن أبي طَلْحَة عَن أنس، قَالَ: بعث النَّبِي أَقْوَامًا من بني سليم ... الحَدِيث، وَلَفظه فِي الْمَغَازِي: عَن أنس: فَانْطَلق حرَام أَخُو أم سليم فَذكره، وَحرَام ضد حَلَال ابْن(25/184)
ملْحَان بِكَسْر الْمِيم وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة الْأنْصَارِيّ البدري الأحدي، بَعثه رَسُول الله إِلَى بني عَامر فَقَالَ لَهُم: أتؤمنوني؟ أَي: تجعلوني آمنا، فآمنوه فَبَيْنَمَا هُوَ يُحَدِّثهُمْ عَن النَّبِي إِذا أومؤوا إِلَى رجل مِنْهُم فطعنه، فَقَالَ: الله أكبر فزت وَرب الْكَعْبَة. وَقد مر فِي قصَّة بِئْر مَعُونَة، فَافْهَم.
7530 - حدّثنا الفَضْلُ بنُ يَعْقُوبَ، حدّثنا عبْدُ الله بنُ جَعْفَرٍ الرَّقِّيُّ، حَدثنَا المُعْتَمِرُ بنُ سُلَيْمانَ، حدّثنا سَعيدُ بنُ عَبْيدِ الله الثَّقَفِيُّ، حدّثنا بَكْرُ بنُ عَبْدِ الله المُزَنِيُّ وزِيادُ بنُ جُبَيْرٍ بنِ حَيَّةَ، عنْ جُبَيْرِ بنِ حَيَّةَ، قَالَ المُغِيرَةُ: أخبرنَا نَبِيُّنا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عنْ رِسالةِ رَبِّنا، أنّهُ: مَنْ قُتِلَ مِنَّا صارَ إِلَى الجَنَةِ
انْظُر الحَدِيث 3159
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَالْفضل بن يَعْقُوب الرخامي الْبَغْدَادِيّ، وَعبد الله بن جَعْفَر الرقي، وَزِيَاد بن جُبَير بِضَم الْجِيم وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة ابْن حَبَّة بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف وَهُوَ يروي عَن وَالِده جُبَير بن حَيَّة، والمغيرة هُوَ ابْن شُعْبَة.
والْحَدِيث مضى مطولا فِي كتاب الْجِزْيَة. وَفِي التَّوْضِيح إِسْنَاد حَدِيث الْمُغيرَة فِيهِ موضعان نبه عَلَيْهِمَا الجياني. أَحدهمَا: كَانَ فِي أصل أبي مُحَمَّد الْأصيلِيّ معمر بن سُلَيْمَان، ثمَّ ألحق تَاء بَين الْعين وَالْمِيم فَصَارَ: مُعْتَمِرًا، وَهُوَ الْمَحْفُوظ ثَانِيهمَا: سعيد بن عبيد الله مُصَغرًا هُوَ الصَّوَاب، وَوَقع فِي نُسْخَة أبي الْحسن مكبراً، وَكَذَا كَانَ فِي نُسْخَة أبي مُحَمَّد عبد الله إلاَّ أَنه أصلحه بِالتَّصْغِيرِ فَزَاد يَاء وَكتب فِي الْحَاشِيَة: هُوَ سعيد بن عبيد الله بن جُبَير بن حَيَّة، وَكَذَا رَوَاهُ ابْن السكن على الصَّوَاب، وحية بن مَسْعُود بن معتب بن مَالك بن عَمْرو بن سعد بن عَوْف بن ثَقِيف، اتفقَا عَلَيْهِ، عَن ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، وَانْفَرَدَ البُخَارِيّ بِأَبِيهِ جُبَير، ولاه زِيَاد أصفهان. وَتُوفِّي فِي أَيَّام عبد الْملك بن مَرْوَان، وَقد روى عَن عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ صَاحب التَّوْضِيح ورايت بِخَط الدمياطي: معمر بن سُلَيْمَان، قيل: إِنَّه وهم وَالصَّوَاب مُعْتَمر بن سُلَيْمَان، لِأَن عبد الله بن جَعْفَر لَا يروي عَن معمر، وَهَذَا عكس مَا أسلفناه عَن الجياني.
7531 - حدّثنا مُحَمَّدُ بن يُوسُفَ، حدّثنا سُفْيانُ، عنْ إسْماعِيلَ، عنِ الشَّعْبِيِّ عنْ مَسْرُوقٍ، عنْ عائِشَةَ، رَضِي الله عَنْهَا، قالَتْ: مَنْ حَدَّثَكَ أنَّ مُحَمَّداً كتَمَ شَيْئاً
وَقَالَ مُحَمَّدٌ، حَدثنَا أبُو عامِرٍ العَقَدِيُّ، حَدثنَا شُعْبَةُ، عنْ إسْماعيل بنِ أبي خالِدٍ، عنِ الشّعْبِيِّ عنْ مَسْرُوقٍ، عنْ عائِشَةَ، رَضِي الله عَنْهَا، قالَتْ: مَنْ حَدَّثَكَ أنَّ النبيَّ كتَمَ شَيَئْاً مِنَ الوَحْيِ فَلاَ تُصَدِّقْهُ إنَّ الله تَعَالَى يَقُولُ: {يَ اأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِى الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}
ا
مطابقته للترجمتة ظَاهِرَة.
وَأخرجه من طَرِيقين أَولهمَا: عَن مُحَمَّد بن يُوسُف الْفرْيَابِيّ البُخَارِيّ البيكندي عَن سُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ عَن إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد واسْمه سعد، على خلاف فِيهِ، عَن عَامر الشّعبِيّ عَن مَسْرُوق بن الأجدع عَن أم الْمُؤمنِينَ عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا. وَالثَّانِي: عَن مُحَمَّد وَهُوَ إِن كَانَ مُحَمَّد الْمَذْكُور فِي الأول فَهُوَ مَرْفُوع، وَإِن كَانَ غَيره يكون مُعَلّقا. وَأَبُو عَامر عبد الْملك الْعَقدي.
قَوْله: يَا أَيهَا الرَّسُول بلغ وَجه الِاسْتِدْلَال بِهِ أَن مَا أنزل عَام وَالْأَمر للْوُجُوب فَيجب عَلَيْهِ تَبْلِيغ كل مَا أنزل عَلَيْهِ.
7532 - حدّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ، حدّثنا جَرِيرٌ، عنِ الأعْمَشِ، عنْ أبي وائِلٍ، عنْ عَمْرِو بنِ شُرَحْبِيلَ قَالَ: قَالَ عَبْدُ الله: قالَ رَجُلٌ: يَا رسولَ الله أيُّ الذَّنْبِ أكْبَرُ عِنْدَ الله تَعَالَى؟ قَالَ: أنْ تَدْعُوَ نِدّاً وهْوَ خَلَقَكَ قَالَ: ثُمَّ أيّ؟ قَالَ: ثُمَّ أنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ أنْ يَطْعَمَ مَعَكَ قَالَ: ثُمَّ أيِّ؟ قَالَ: أنْ تُزانِيَ حَلِيلَةَ(25/185)
جارِكَ فأنْزَلَ الله تَصْدِيقَها {وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَاهَاءَاخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذالِكَ يَلْقَ أَثَاماً} الآيَةَ
ا
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَن يكون نزُول الْآيَة الْمَذْكُورَة قبل الحَدِيث، وَأَن النَّبِي استنبط مِنْهَا هَذِه الْأَشْيَاء الثَّلَاثَة وَبَلغهَا فَيكون الحَدِيث مِمَّا تضمنته الْآيَة فَيدْخل فِيهَا وَفِي تبليغها.
والْحَدِيث مضى عَن قريب بِعَين هَذَا الْإِسْنَاد والمتن فِي: بَاب قَول الله تَعَالَى: {الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ الاَْرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَآءَ بِنَآءً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
47 - (بابُ قَوْلِ الله تَعَالَى: {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ لِّبَنِى إِسْرَاءِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَاءِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُواْ بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} )
أَي: هَذَا بَاب فِي قَول الله عز وَجل: {قل فَأتوا بِالتَّوْرَاةِ} وَسبب نُزُولهَا مَا رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، أَنه قَالَ: كَانَ إِسْرَائِيل اشْتَكَى عرق النِّسَاء فَكَانَ لَهُ صياح فَقَالَ: إِن أبرأني الله من ذَلِك لَا آكل عرقاً. وَقَالَ عَطاء: لُحُوم الْإِبِل وَأَلْبَانهَا. قَالَ الضَّحَّاك: قَالَ الْيَهُود لرَسُول الله، حرم علينا هَذَا فِي التَّوْرَاة، فأكذبهم الله تَعَالَى وَأخْبر أَن إِسْرَائِيل حرم على نَفسه من قبل أَن تنزل التَّوْرَاة ودعاهم إِلَى إحضارها، فَقَالَ: {قل فَأتوا بِالتَّوْرَاةِ} الْآيَة ثمَّ إِن غَرَض البُخَارِيّ من هَذِه التَّرْجَمَة أَن يبين أَن المُرَاد بالتلاوة الْقِرَاءَة، وَقد فسرت التِّلَاوَة بِالْعَمَلِ، وَالْعَمَل من فعل الْفَاعِل، وسيظهر الْكَلَام وضوحاً مِمَّا يَأْتِي الْآن.
وقَوْلِ النبيِّ أُعْطِيَ أهْلُ التَّوْرَاةِ التَّوْرَاةَ فَعَملُوا بِها، وأُعْطِيَ أهْلُ الإنْجِيلِ الإنِجِيلَ فَعَمَلُوا بِهِ، وأُعْطِيتُمُ القُرْآنَ فَعَمِلْتُمْ بِهِ
وَقَول النَّبِي، بِالْجَرِّ عطفا على قَول الله تَعَالَى: {قل فَأتوا بِالتَّوْرَاةِ} وَالْمَقْصُود من ذكر هَذَا وَمَا بعده ذكر أَنْوَاع التَّسْلِيم الَّذِي هُوَ الْغَرَض من الْإِرْسَال والإنزال وَهُوَ التِّلَاوَة وَالْإِيمَان بِهِ وَالْعَمَل بِهِ، وَهَذَا الْمُعَلق يَأْتِي الْآن فِي آخر الْبَاب مَوْصُولا بِلَفْظ: أُوتِيَ وأوتيتم، وَقد مضى فِي اللَّفْظ الْمُعَلق: أعطي وأعطيتم، فِي بَاب الْمَشِيئَة والإرادة فِي أَوَائِل كتاب التَّوْحِيد.
وَقَالَ أبُو رَزِينٍ: يَتْلُونَهُ يَتَّبِعُونَهُ ويَعْمَلُونَ بِهِ حَقَّ عَمَلَهِ.
أَبُو رزين بِفَتْح الرَّاء وَكسر الزَّاي وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالنون هُوَ ابْن مَسْعُود مَالك الْأَسدي التَّابِعِيّ الْكَبِير الْكُوفِي. وَفَسرهُ قَوْله تَعَالَى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ أُوْلَائِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمن يَكْفُرْ بِهِ فَأُوْلَائِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} بقوله: يتبعونه ويعملون بِهِ حق عمله، كَذَا فِي رِوَايَة أبي ذَر، وَفِي رِوَايَة غَيره: يتلونه يتبعونه ويعملون بِهِ حق عمله، وَوَصله سُفْيَان الثَّوْريّ فِي تَفْسِيره من رِوَايَة أبي حُذَيْفَة مُوسَى بن مَسْعُود عَنهُ عَن مَنْصُور بن الْمُعْتَمِر عَن أبي رزين فَذكره.
يُقالُ: يُتْلاى يُقْرَأُ، حَسَنُ التّلاوَةِ حَسَن القِراءَةِ لِلْقُرآنِ.
أَرَادَ بِهَذَا أَن معنى التِّلَاوَة الْقِرَاءَة، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ أَنه يُقَال: فلَان حسن التِّلَاوَة، وَيُقَال أَيْضا: حسن الْقِرَاءَة. قَوْله: لِلْقُرْآنِ، يَعْنِي لقِرَاءَة الْقُرْآن، وَالْفرق بَينهمَا أَن التِّلَاوَة تَأتي بِمَعْنى الإتباع وَهِي تقع بالجسم تَارَة، وَتارَة بالاقتداء فِي الحكم، وَتارَة بِالْقِرَاءَةِ وتدبر الْمَعْنى. قَالَ الرَّاغِب: التِّلَاوَة فِي عرف الشَّرْع تخْتَص بِاتِّبَاع كتب الله الْمنزلَة: تَارَة بِالْقِرَاءَةِ وَتارَة بامتثال مَا فِيهَا من أَمر وَنهي، وَهِي أَعم من الْقِرَاءَة، فَكل قِرَاءَة تِلَاوَة من غير عكس.
لَا يَمَسُّهُ: لَا يَجِدُ طَعْمَهُ ونَفْعَهُ إِلَّا مَنْ آمَنَ بِالقُرْآنِ، وَلَا يَحْمِلُهُ بِحَقِّهِ إلاّ المُوقِنُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُواْ التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِئَايَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِى الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}(25/186)
أَشَارَ بِهَذَا إِلَى تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: {لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ} وَفسّر قَوْله: لَا يمسهُ بقوله: لَا يجد طعمه ونفعه إلاَّ من آمن بِالْقُرْآنِ. أَي: الْمُطهرُونَ من الْكفْر، وَلَا يحملهُ بِحقِّهِ إِلَّا الموقن بِكَوْنِهِ من عِنْد الله الْمُطهرُونَ من الْجَهْل وَالشَّكّ وَنَحْوه، لَا الغافل كالحمار مثلا الَّذِي يحمل الْأَسْفَار وَلَا يدْرِي مَا هِيَ. قَوْله: إلاَّ الموقن، وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي: إلاَّ الْمُؤمن.
وسَمَّى النبيُّ الإسْلاَمَ والإيمَانَ والصَّلاَةَ عَمَلاً قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: قَالَ النبيُّ لِبِلالٍ أخْبِرْنِي بِأرْجاى عَمَلٍ عَمِلْتَهُ فِي الإسْلاَمِ قَالَ: مَا عَمِلْتُ عَمَلاً أرْجاى عِنْدِي أنِّي لَمْ أتَطَهَّرْ إلاّ صَلَّيْتُ، وسُئِلَ: أيُّ العَمَلِ أفْضَلُ؟ قَالَ: إيمانٌ بِالله ورَسُولِهِ ثُمَّ الجِهادُ ثُمَّ حَجٌّ مَبْرُورٌ
قيل: لَا فَائِدَة زَائِدَة فِي قَوْله: وسمى النَّبِي، إِلَى آخِره لِأَنَّهُ لم يُنكر أحد كَون هَذِه الْأَشْيَاء أعمالاً لِأَن الْإِسْلَام وَالْإِيمَان من أَعمال الْقلب وَاللِّسَان، وَالصَّلَاة من أَعمال الْجَوَارِح. قَوْله: قَالَ أَبُو هُرَيْرَة، قد مضى مَوْصُولا فِي كتاب التَّهَجُّد فِي: بَاب فضل الطّهُور بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار، وَقد وهم بَعضهم حَيْثُ قَالَ: تقدم مَوْصُولا فِي مَنَاقِب بِلَال قَوْله: وَسُئِلَ أَي النَّبِي أَي: الْأَعْمَال أفضل؟ ... إِلَى آخِره قد مضى فِي الْإِيمَان فِي: بَاب من قَالَ: إِن الْإِيمَان هُوَ الْعَمَل، أخرجه من حَدِيث سعيد بن الْمسيب عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله سُئِلَ ... إِلَى آخِره، وَمضى كَذَلِك فِي الْحَج فِي: بَاب فضل الْحَج المبرور، وَفِيه: سُئِلَ أَي الْأَعْمَال؟ وَفِي الَّذِي فِي الْإِيمَان. سُئِلَ: أَي الْعَمَل؟ بِالْإِفْرَادِ.
7533 - حدّثنا عَبْدانُ، أخبرنَا عَبْدُ الله، أخبرنَا يُونُسُ، عنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبرنِي سالِمٌ، عنِ ابنِ عُمَرَ، رَضِي الله عَنْهُمَا، أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إنّما بَقاؤُكمْ فِيمَنْ سَلَفَ مِنَ الأُمَمِ كَمَا بَيْنَ صَلاةِ العَصْرِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، أُوتِيَ أهْلُ التَّوْرَاةِ التَّوْراةَ فَعَمِلُوا بِها حتَّى انْتَصَف النَّهارُ ثُمَّ عَجَزُوا، فأُعْطُوا قِيراطاً قِيراطاً، ثُمَّ أُوتِيَ أهْلُ الإنْجِيلِ الإنْجِيلَ، فَعَمِلُوا بِهِ حتَّى صُلِّيَت العَصْرُ، ثُمَّ عَجَزُوا، فأُعْطُوا قِيراطاً قِيراطاً، ثُم أُوتِيتُمُ القُرْآنَ فَعَمِلْتُمْ بِهِ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، فأُعْطِيتُمْ قِيراَطَيْنِ قِيراطَيْن. فَقَالَ أهْلُ الكِتابِ: هاؤُلاءِ أقَلُّ مِنَّا عَمَلاً وأكْثَرُ أجْراً؟ قَالَ الله تَعَالَى: هَلْ ظَلَمْتُكُمْ مِنْ حَقِّكُمْ شَيْئاً؟ قالُوا: لَا. قَالَ: فَهْوَ فَضْلِي أُوتِيه مَنْ أشاءُ
ا
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: أُوتِيَ أهل التَّوْرَاة التَّوْرَاة
وعبدان لقب عبد الله بن عُثْمَان الْمروزِي، وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك، وَيُونُس هُوَ ابْن يزِيد.
والْحَدِيث مضى أَولا فِي كتاب مَوَاقِيت الصَّلَاة فِي: بَاب من أدْرك رَكْعَة من الْعَصْر، ثمَّ مضى فِي كتاب التَّوْحِيد فِي: بَاب الْمَشِيئَة والإرادة، وَمضى الْكَلَام فِيهِ مكرراً.
48 - (بابٌ وسَمَّى النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الصَّلاَةَ عَمَلاً، وَقَالَ: (لَا صَلاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأُ بِفاتِحَةِ الكِتابِ))
هَذَا بَاب مُجَرّد عَن التَّرْجَمَة لِأَنَّهُ كالفصل لما قبله، وَلِهَذَا قَالَ: وسمى بِالْوَاو. وَقَوله: لَا صَلَاة ... إِلَى آخِره قد مضى فِي الصَّلَاة فِي: بَاب وجوب الْقِرَاءَة للْإِمَام وَالْمَأْمُوم، وَأخرجه من حَدِيث عبَادَة بن الصَّامِت أَن رَسُول الله، قَالَ: لَا صَلَاة لمن لم يقْرَأ بِفَاتِحَة الْكتاب، وَقَالَ الْكرْمَانِي: لَا صَلَاة، أَي: لَا صِحَة للصَّلَاة لِأَنَّهَا أقرب إِلَى نفي الْحَقِيقَة بِخِلَاف الْكَمَال وَنَحْوه. قلت: لم لَا تَقول أَيْضا فِي قَوْله، لَا صَلَاة لِجَار الْمَسْجِد إلاَّ فِي الْمَسْجِد؟ وَالْقَوْل: بِلَا كَمَال للصَّلَاة إلاَّ بِفَاتِحَة الْكتاب مُتَعَيّن لقَوْله تَعَالَى: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَىِ الَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَآئِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ الَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَلَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْءَانِ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُمْ مَّرْضَى وَءَاخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِى الاَْرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ وَءَاخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُواْ الصَّلَواةَ وَءَاتُواْ الزَّكَواةَ وَأَقْرِضُواُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَمَا تُقَدِّمُواْ لاَِنفُسِكُمْ مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} أجمع أهل التَّفْسِير أَنَّهَا نزلت فِي الصَّلَاة.(25/187)
7534 - حدّثنا سُلَيْمانُ، حدّثنا شُعْبَةُ، عنِ الوَلِيدِ. وحدّثني عَبَّادُ بنُ يَعْقُوبَ الأسَدِيُّ، أخبرنَا عَبَّادُ بنُ العَوَّامِ، عنِ الشَّيْبانِيِّ، عنِ الوَلِيدِ بنِ العَيزارِ، عنْ أبي عَمْرْوٍ الشَّيْبانِيِّ، عنِ ابنِ مَسْعُودٍ، رَضِي الله عَنهُ، أنَّ رَجُلاً سَألَ النبيَّ أيُّ الأعْمالِ أفْضَلُ قَالَ: الصَّلاةُ لِوَقْتِها، وبِرُّ الوالِدَيْنِ ثُمَّ الجهادُ فِي سَبِيلِ الله
مطابقته للأحاديث الَّتِي مَضَت فِيمَا قبل ظَاهِرَة.
وَأخرجه من طَرِيقين أَحدهمَا: عَن سُلَيْمَان بن حَرْب عَن شُعْبَة عَن الْوَلِيد بِالْفَتْح ابْن الْعيزَار عَن أبي عَمْرو بن سعد بن إِيَاس الشَّيْبَانِيّ عَن عبد الله بن مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَالطَّرِيق الثَّانِي: عَن عباد بتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة ابْن يَعْقُوب الْأَسدي عَن عباد بِالتَّشْدِيدِ أَيْضا ابْن الْعَوام بتَشْديد الْوَاو عَن الشَّيْبَانِيّ سُلَيْمَان بن فَيْرُوز أبي إِسْحَاق الْكُوفِي عَن الْوَلِيد بن الْعيزَار ... إِلَى آخِره.
وَعباد هَذَا شيخ البُخَارِيّ مَذْكُور بالرفض وَلكنه مَوْصُوف بِالصّدقِ وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ إلاَّ هَذَا الحَدِيث الْوَاحِد، وَسَاقه على لَفظه. قلت: ترك الرِّوَايَة عَن مثل هَذَا هُوَ الأوجب، والرفض إِذا ثَبت فَهُوَ جرح عَظِيم.
والْحَدِيث مضى فِي الصَّلَاة لوَقْتهَا وَفِي الْأَدَب أَيْضا وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
49
- (بابُ قَوْلِ الله تَعَالَى:
{إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً} )
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله عز وَجل: إِن الْإِنْسَان الخ. غَرَضه من هَذَا الْبَاب إِثْبَات خلق الله تَعَالَى للْإنْسَان بأخلاقه الَّتِي خلقه عَلَيْهَا من الْهَلَع وَالْمَنْع والإعطاء وَالصَّبْر على الشدَّة واحتسابه ذَلِك على ربه تَعَالَى، وَفسّر الهلوع بقوله: ضجوراً. وَقَالَ الْجَوْهَرِي: الْهَلَع أفحش الْجُوع، وَقَالَ الدَّاودِيّ: إِنَّه والجزع وَاحِد، وَقَالَ بعض الْمُفَسّرين: الهلوع فسره الله تَعَالَى بقوله: إِذا مَسّه إِلَى آخِره.
50 - (بابُ ذِكْرِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ورِوايَتِهِ عنْ رَبِّهِ)
أَي هَذَا بَاب فِي ذكر النَّبِي وَرِوَايَته عَن ربه أَي: بِدُونِ وَاسِطَة جِبْرِيل، عَلَيْهِ السَّلَام، وَيُسمى بِالْحَدِيثِ الْقُدسِي.(25/188)
وَقَالَ صَاحب التَّوْضِيح معنى هَذَا الْبَاب أَنه روى عَن ربه السّنة كَمَا روى عَنهُ الْقُرْآن، وَهَذَا مُبين فِي كتاب الله {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْىٌ يُوحَى}
7536 - حدّثني مُحَمَّدُ بنُ عبْده الرَّحِيمِ، حَدثنَا أبُو زَيْدٍ سَعيدُ بنُ الرَّبِيعِ الهَرَوِيُّ، حدّثنا شُعْبَةُ، عنْ قتادَةَ عنْ أنَسٍ، رَضِي الله عَنهُ، عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَرْوِيهِ عنْ رَبِّهِ قَالَ: إذَا تَقَرَّبَ العَبْدُ إليَّ شِبْراً تَقَرَّبْتُ إلَيْهِ ذِراعاً، وإذَا تَقَرَّبَ مِنِّي ذِراعاً تَقَرَّبْتُ مِنْهُ باعاً، وإذَا أَتَانِي يَمْشِي أتَيْتُهُ هَرْوَلَةً
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَمُحَمّد بن عبد الرَّحِيم الَّذِي يُقَال لَهُ صَاعِقَة، وَسَعِيد بن الرّبيع بياع الثِّيَاب الهروية روى عَنهُ البُخَارِيّ فِي جَزَاء الصَّيْد بِدُونِ الْوَاسِطَة.
والْحَدِيث يَأْتِي الْآن عَن أنس عَن أبي هُرَيْرَة، فعلى هَذَا الحَدِيث مُرْسل صَحَابِيّ.
والهرولة: الْإِسْرَاع، وَنَوع من الْعَدو وأمثال هَذِه الإطلاقات لَيست إِلَّا على التَّجَوُّز إِذْ الْبَرَاهِين الْعَقْلِيَّة قَائِمَة على استحالتها على الله تَعَالَى، فَمَعْنَاه: من تقرب إِلَيّ بِطَاعَة قَليلَة أجزيته بِثَوَاب كثير، وَكلما زَاد فِي الطَّاعَة أَزِيد فِي الثَّوَاب، وَإِن كَانَ كَيْفيَّة إِتْيَانه بِالطَّاعَةِ على التأني تكون كَيْفيَّة إتياني بالثواب على السرعة، وَالْغَرَض أَن الثَّوَاب رَاجِح على الْعَمَل مضاعف عَلَيْهِ كَمَا وكيفاً، وَلَفظ التَّقَرُّب والهرولة إِنَّمَا هُوَ على سَبِيل المشاكلة أَو طَرِيق الِاسْتِعَارَة أَو على قصد إِرَادَة لوازمها.
7537 - حدّثنا مُسَدَّدٌ، عنْ يَحْياى عنِ التَّيْمِيِّ، عنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: رُبَّما ذَكَر النبيَّ قَالَ: إذَا تَقَرَّبَ العَبْدُ مِنِّي شِبْراً، تَقَرَّبْتَ مِنْهُ ذِراعاً، وإذَا تَقَرَّبَ مِنِّي ذِراعاً، تَقَرَّبْتُ مِنْهُ باعاً أوْ بُوعاً
وَقَالَ مُعْتَمِرٌ: سَمِعْتُ أبي سَمِعْتُ أنَساً عنِ النبيَّ يَرْوِيهِ عنْ رَبِّهِ عَزَّ وجَلْ
انْظُر الحَدِيث 7405 وطرفه
هَذَا الحَدِيث مثل الحَدِيث الَّذِي مضى غير أَن أنسا هُنَا يروي عَن أبي هُرَيْرَة وَهُنَاكَ روى عَن النَّبِي، وَهنا أَيْضا قَالَ مُعْتَمر بن سُلَيْمَان سَمِعت أبي سُلَيْمَان بن طرخان قَالَ سَمِعت أنسا يرويهِ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَرَادَ بِهَذَا التَّعْلِيق بَيَان التَّصْرِيح بالرواية فِيهِ عَن الله عز وَجل، وَقد وَصله مُسلم من رِوَايَة مُعْتَمر.
وَيحيى هُوَ الْقطَّان، والتيمي هُوَ سُلَيْمَان بن طرخان.
قَوْله رُبمَا ذكر النَّبِي، أَي: رُبمَا ذكر أَبُو هُرَيْرَة النَّبِي، صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسلم، كَذَا فِي الرِّوَايَات كلهَا، وَلَيْسَ فِيهِ الرِّوَايَة عَن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. وروى مُسلم: حَدثنَا مُحَمَّد بن بشار حَدثنَا يحيى هُوَ ابْن سعيد وَابْن أبي عدي كِلَاهُمَا عَن سُلَيْمَان، فَذكره بِلَفْظ: عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي، قَالَ: قَالَ الله عز وَجل فَإِن قلت: قَالَ هُنَا إِذا تقرب العَبْد مني وَفِي الحَدِيث السَّابِق قَالَ: إِذا تقرب العَبْد إِلَيّ قلت: الأَصْل: من، واستعماله بإلى لقصد معنى الِانْتِهَاء، وَالصَّلَاة تخْتَلف بِحَسب الْمَقْصُود. قَوْله: أَو بوعاً قَالَ الْخطابِيّ: البوع مصدر بَاعَ إِذا مد بَاعه وَيحْتَمل أَن يكون جمع بَاعَ مثل سَاق وسوق، وَمعنى الحَدِيث مضاعفة الثَّوَاب حَتَّى يكون مشبهاً بِفعل من أقبل نَحْو صَاحبه قدر شبر فَاسْتَقْبلهُ صَاحبه ذِرَاعا، وَقد يكون معنه التَّوْفِيق لَهُ بِالْعَمَلِ الَّذِي يقرب فِيهِ.
7538 - حدّثنا آدَمُ، حدّثنا شُعْبَةُ، حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ زِيادٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ عنِ النبيِّ يَرْوِيهِ عنْ ربِّكُمْ قَالَ: لِكلِّ عَمَلٍ كَفَّارَةٌ والصَّوْمُ لِي، وَأَنا أجْزِي بِهِ، ولَخُلُوفُ(25/189)
فَمِ الصَّائِمِ أطْيَبُ عِنْدَ الله مِنْ رِيحِ المِسْكِ
ا
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. والْحَدِيث مضى فِي الصّيام بأتم مِنْهُ فِي: بَاب فضل الصَّوْم من رِوَايَة الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة وَمضى أَيْضا فِي التَّوْحِيد فِي بَاب قَوْله الله تَعَالَى: {سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُواْ كَلَامَ اللَّهِ قُل لَّن تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِن قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُواْ لاَ يَفْقَهُونَ إِلاَّ قَلِيلاً}
قَوْله: لكل عمل أَي: من الْمعاصِي كَفَّارَة أَي: مَا يُوجب سترهَا وغفرانها، قيل: جَمِيع الطَّاعَات لله. وَأجِيب بِأَن الصَّوْم لم يتَقرَّب بِهِ إِلَى معبود غير الله بِخِلَاف غَيره من الطَّاعَات. فَإِن قلت: جَزَاء الْكل من الله تَعَالَى؟ قلت: رُبمَا فوض جَزَاء غير الصّيام إِلَى الْمَلَائِكَة. قَوْله: ولخلوف بِضَم الْخَاء؛ الرَّائِحَة المتغيرة للفم. فَإِن قلت: الله منزه عَن الأطيبية. قلت: هُوَ على سَبِيل الْفَرْض، يَعْنِي: لَو فرض لَكَانَ أطيب مِنْهُ. فَإِن قلت: دم الشَّهِيد كريح الْمسك والخلوف أطيب مِنْهُ فالصائم أفضل من الشَّهِيد؟ قلت: منشأ الأطيبية رُبمَا تكون الطَّهَارَة لِأَنَّهُ طَاهِر، وَالدَّم نجس. فَإِن قلت: مَا الْحِكْمَة فِي تَحْرِيم إِزَالَة الدَّم مَعَ أَن رَائِحَته مُسَاوِيَة لرائحة الْمسك وَعدم تَحْرِيم إِزَالَة الخلوف مَعَ أَنه أطيب مِنْهُ؟ قلت: إِمَّا أَن تَحْصِيل مثل ذَلِك الدَّم محَال بِخِلَاف الخلوف، أَو أَن تَحْرِيمه مُسْتَلْزم للجرح، أَو رُبمَا يُؤَدِّي إِلَى ضَرَر كأدائه إِلَى النَّحْر، أَو أَن الدَّم لكَونه نجسا وَاجِب الْإِزَالَة شرعا.
7539 - حدّثنا حَفْصُ بنُ عُمَرَ، حدّثنا شُعْبَةُ، عنْ قتادَةَ. ح وَقَالَ لي خَلِيفَةُ: حدّثنا يَزِيدُ بنُ زُرَيْعٍ، عنْ سَعيدٍ، عنْ قَتادَةَ، عنْ أبي العالِيَةِ، عنِ ابنِ عبَّاسٍ، رَضِي الله عَنْهُمَا، عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيما يَرْوِيهِ عنْ رَبِّهِ قَالَ: لَا يَنْبَغِي لِعَبْدٍ أنْ يَقُولَ: إنَّهُ خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بنِ مَتَّى، ونَسَبَهُ إِلَى أبِيهِ
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: فِيمَا يرويهِ عَن ربه
وَأخرجه من طَرِيقين: الأول: عَن حَفْص بن عمر عَن شُعْبَة عَن قَتَادَة عَن أبي الْعَالِيَة رفيع مُصَغرًا عَن ابْن عَبَّاس. وَالثَّانِي: بطرِيق المذاكرة عَن خَليفَة بن خياط عَن يزِيد من الزِّيَادَة ابْن زُرَيْع مصغر زرع عَن سعيد بن أبي عرُوبَة عَن قَتَادَة ... إِلَى آخِره، وَسَاقه على لفظ سعيد، وَمضى الحَدِيث فِي أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم السَّلَام، فِي تَرْجَمَة يُونُس، عَلَيْهِ السَّلَام، عَن حَفْص بن عمر بالسند الْمَذْكُور هُنَا، وَمضى أَيْضا فِي تَفْسِير سُورَة الْأَنْعَام، وَصرح فِيهِ بِالتَّحْدِيثِ عَن ابْن عَبَّاس.
قَوْله: وَنسبه إِلَى أَبِيه جملَة حَالية مُوضحَة، وَقيل: مَتى اسْم أمه وَالْأول أصح عِنْد الْجُمْهُور، وَإِنَّمَا خصصه من بَين سَائِر الْأَنْبِيَاء لِئَلَّا يتَوَهَّم غَضَاضَة فِي حَقه بِسَبَب نزُول قَوْله تَعَالَى: {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلاَ تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ} قَوْله: إِنَّه خير ويروى: أَنا خير، وَهِي الْأَشْهر. قَالَ الْكرْمَانِي: يحْتَمل لفظ: أَنا، أَن يكون كِنَايَة عَن رَسُول الله، أَو عَن كل مُتَكَلم، وَإِنَّمَا قَالَه مَعَ أَنه سيد ولد آدم قبل علمه بِأَنَّهُ سيدهم وأفضلهم، أَو قَالَه تواضعاً وهضماً لنَفسِهِ.
7540 - حدّثنا أحْمَدُ بنُ أبي سُرَيْجٍ، أخبرنَا شَبابَةُ، حدّثنا شُعْبَةُ، عنْ مُعاوِيَةَ بنِ قُرَّةَ، عنْ عَبْدِ الله بنِ مُغَفَّلٍ المُزَنِيِّ قَالَ: رَأيْتُ رسولَ الله يَوْمَ الفَتْحِ عَلى ناقَةٍ لهُ يَقْرَأُ سُورَةَ الفَتْحِ، أوْ: مِنْ سُورَةِ الفَتْحِ، قَالَ: فَرَجَّعَ فِيها. قَالَ: ثُمَّ قَرَأَ مُعاوِيَةُ يَحْكِي قراءَةَ ابنِ مُغَفَّلٍ، وَقَالَ: لوْلا أنْ يَجْتَمِعَ النَّاسُ عَلَيْكُمْ لَرَجَّعْتُ كَمَا رَجَّعَ ابنُ مُغَفَّلٍ يَحْكِي النبيَّ فَقُلْتُ لِمُعاوِيَةَ كَيْفَ كَانَ تَرْجِيعُهُ قَالَ:، ثَلاثَ مَرَّاتٍ.
ا
تعلق هَذَا الحَدِيث بِالْبَابِ من حَيْثُ إِن الرِّوَايَة عَن الرب أَعم من أَن تكون قُرْآنًا أَو غَيره بالواسطة أَو بِدُونِهَا، لَكِن الْمُتَبَادر إِلَى الذِّهْن المتداول على الْأَلْسِنَة مَا كَانَ بِغَيْر الْوَاسِطَة. وَقَالَ الْمُهلب: معنى هَذَا الْبَاب لَهُ، روى عَن ربه السّنة كَمَا روى عَنهُ الْقُرْآن، وَدخُول حَدِيث ابْن مُغفل فِيهِ للتّنْبِيه على أَن الْقُرْآن أَيْضا رِوَايَة لَهُ عَن ربه. وَقيل: قَول النَّبِي، قَالَ الله، و: روى عَن ربه، سَوَاء.
وَشَيخ البُخَارِيّ أَحْمد بن أبي سُرَيج(25/190)
مصغر السرج بِالسِّين الْمُهْملَة وبالراء وبالجيم واسْمه الصَّباح أَبُو جَعْفَر النَّهْشَلِي الرَّازِيّ، وشبابة بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الباءين الموحدتين ابْن سوار بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْوَاو وبالراء الْفَزارِيّ بِالْفَتْح، وَمُعَاوِيَة بن قُرَّة الْمُزنِيّ، وَعبد الله بن مُغفل بِضَم الْمِيم وَفتح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْفَاء الْمَفْتُوحَة الْمُزنِيّ ويروى الْمُغَفَّل بِالْألف وَاللَّام.
وَمضى الحَدِيث فِي فَضَائِل الْقُرْآن فِي: بَاب الترجيع.
قَوْله: فَرجع فِيهَا من الترجيع وَهُوَ ترديد الصَّوْت فِي الْحلق وتكرار الْكَلَام جَهرا بعد إخفائه، وَقَول مُعَاوِيَة يدل على أَن الْقِرَاءَة بالترجيع والألحان أَن تجمع نفوس النَّاس إِلَى الإصغاء والفهم، ويستميلها ذَلِك حَتَّى لَا يكَاد يصير عَن اسْتِمَاع الترجيع المشوب بلذة الْحِكْمَة المفهمة. قَوْله: كَيفَ كَانَ ترجيعه؟ قَالَ: ثَلَاث مَرَّات. فَإِن قلت: فِي رِوَايَة مُسلم بن إِبْرَاهِيم فِي تَفْسِير سُورَة الْفَتْح عَن شُعْبَة: قَالَ مُعَاوِيَة: لَو شِئْت أَن أحكي لكم قِرَاءَته لفَعَلت، وَهَذَا ظَاهره أَنه لم يرجع. قلت: يحمل الأول على أَنه حكى الْقِرَاءَة دون الترجيع.
51 - (بابُ مَا يَجُوزُ مِنْ تَفْسِير التَّوْرَاةِ وغَيْرِها مِنْ كُتُبِ الله بِالعَرَبِيَّةِ وغيْرِهالِقَوْلِ الله تَعَالَى: {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ لِّبَنِى إِسْرَاءِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَاءِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُواْ بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} )
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا يجوز من تَفْسِير التَّوْرَاة وَغَيرهَا مثل الْإِنْجِيل وَالزَّبُور والصحف الَّتِي نزلت على بعض الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم السَّلَام، بِالْعَرَبِيَّةِ أَي: باللغة الْعَرَبيَّة وَغَيرهَا من اللُّغَات. وَقَالَ الْكرْمَانِي: قَوْله: تَفْسِير التوارة وَغَيرهَا، وَكتب الله عطف الْخَاص على الْعَام، وَفِي بعض النّسخ لم يُوجد لفظ وَغَيرهَا، فَهُوَ عطف الْعَام على الْخَاص، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني بالعبرانية مَوضِع الْعَرَبيَّة. قَوْله: لقَوْل الله تَعَالَى: {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ لِّبَنِى إِسْرَاءِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَاءِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُواْ بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} قيل: الْآيَة لَا تدل على التَّفْسِير وَأجِيب بِأَن الْغَرَض أَنهم يتلونها حَتَّى يترجم عَن مَعَانِيهَا، وَالْحَاصِل أَن الَّذِي بِالْعَرَبِيَّةِ مثلا يجوز التَّعْبِير عَنهُ بالعبرانية وَبِالْعَكْسِ، وَهل تَقْيِيد الْجَوَاز لمن لَا يفقه ذَلِك اللِّسَان أَو لَا؟ الأول قَول الْأَكْثَرين، وَقد كَانَ وهب بن مُنَبّه وَغَيره يترجمون كتب الله إلاَّ أَنه لَا يقطع على صِحَّتهَا لقَوْله، لَا تصدقوا أهل الْكتاب فِيمَا يفسرونه من التَّوْرَاة بِالْعَرَبِيَّةِ، لثُبُوت كتمانهم لبَعض الْكتاب وتحريفهم لَهُ.
7541 - وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ أَخْبرنِي: أبُو سُفْيانَ بنُ حَرْبٍ أنَّ هِرَقْلَ دَعا تُرْجُمانَهُ، ثُمَّ دَعا بِكتابِ النبيِّ فَقَرأهُ بِسْمِ الله الرَّحْمانِ الرَّحِيمِ، مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ الله ورسولِهِ إِلَى هِرَقْلَ: {قُلْ ياأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلِمَةٍ سَوَآءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} الْآيَة.
ا
هَذَا قِطْعَة من الحَدِيث الطَّوِيل الَّذِي مضى مَوْصُولا فِي بَدْء الْوَحْي.
وَأَبُو سُفْيَان صَخْر بن حَرْب الْأمَوِي وَالِد مُعَاوِيَة، وهرقل اسْم قَيْصر الرّوم، والترجمان الَّذِي يعبر بلغَة عَن لُغَة.
قَوْله: دَعَا ترجمانه وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: بترجمانه، وَكَانَ غَرَض النَّبِي، فِي إرْسَاله إِلَيْهِ أَن يترجم عِنْده ليفهم مضمونه، وَاحْتج أَبُو حنيفَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، بِحَدِيث هِرقل وَأَنه دَعَا ترجمانه وَترْجم لَهُ كتاب رَسُول الله، بِلِسَانِهِ حَتَّى فهمه على أَنه يجوز قِرَاءَته بِالْفَارِسِيَّةِ، وَقَالَ: إِن الصَّلَاة تصح بذلك.
7542 - حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ، حدّثنا عُثْمانُ بنُ عُمَرَ، أخبرنَا عَليُّ بنُ المُبَارَكِ، عنْ يَحْياى ابنِ أبي كَثِيرٍ، عَن أبي سَلَمَةَ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: كانَ أهْلُ الكِتابِ يَقرأونَ التَّوْراةَ بالعِبْرَانِيَّةِ، ويُفَسِّرُونَها بالعَرَبِيَّةِ لِأَهْلِ الإسْلامِ، فَقَالَ رسولُ الله لَا تَصَدِّقُوا أهْلَ الكِتابِ وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ {قُولُو اْءَامَنَّا بِاللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَآ أُوتِىَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَآ أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} الآيَةَ
انْظُر الحَدِيث 4485 وطرفه
مطابقته للتَّرْجَمَة لَا تخفى على من يَتَأَمَّلهَا.
وَعُثْمَان بن عمر بن فَارس الْبَصْرِيّ.
والْحَدِيث مضى بِهَذَا الْإِسْنَاد فِي تَفْسِير(25/191)
سُورَة الْبَقَرَة وَفِي الِاعْتِصَام فِي: بَاب لَا تسألوا أهل الْكتاب عَن شَيْء وَهَذَا من النَّوَادِر يَقع مكرراً فِي ثَلَاث مَوَاضِع بِسَنَد وَاحِد، وَقَالَ ابْن بطال: اسْتدلَّ بِهَذَا الحَدِيث من قَالَ بِجَوَاز قِرَاءَة الْقُرْآن بِالْفَارِسِيَّةِ. قلت: هَذَا مَذْهَب أبي حنيفَة كَمَا ذكرنَا الْآن أَيْضا.
7543 - حدّثنا مُسَدَّدٌ، حدّثنا إسْماعِيلُ، عنْ أيُّوبَ، عنْ نافِعٍ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهُمَا، قَالَ: أُتِيَ النبيُّ بِرَجُلٍ وامْرأةٍ مِنَ اليَهُودِ قَدْ زَنَيا، فَقَالَ لِلْيَهُودِ: مَا تَصْنَعُونَ بِهِما قالُوا: نُسَخِّمُ وُجُوهَهُما ونُخْزِيهِما. قَالَ: {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ لِّبَنِى إِسْرَاءِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَاءِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُواْ بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} فجاؤوا فقالُوا لِرَجُلِ مِمَّنْ يَرْضَوْنَ: يَا أعْوَرُ اقْرَأْ، فَقَرَأَ حتَّى انْتَهى إِلَى مَوْضِعٍ مِنْها، فَوَضَعَ يَدَهُ عَليْهِ. قَالَ: ارْفَعْ يَدَكِ، فَرَفَعَ يَدَهُ فَإِذا فِيهِ آيَةُ الرَّجْمِ تَلُوحُ. فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إنَّ عَلَيْهِما الرَّجْمَ ولاكِنَّا نُكاتِمُهُ بَيْنَنَا، فأمَرَ بِهِما فَرُجِما، فَرَأيْتُهُ يُجانِىءُ عَلَيْهَا الحِجارَةَ.
ا
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: إِن عَلَيْهِمَا الرَّجْم ... إِلَى آخِره لِأَن الَّذِي قَرَأَهُ فسره بِالْعَرَبِيَّةِ أَن عَلَيْهِمَا الرَّجْم حَتَّى رجما.
وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن علية وَهُوَ اسْم أمه وَأَبوهُ إِبْرَاهِيم، وَأَيوب هُوَ السّخْتِيَانِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي آخر عَلَامَات النُّبُوَّة وَمضى أَيْضا فِي كتاب الْمُحَاربين فِي: بَاب الرَّجْم فِي البلاط.
قَوْله: نسخم من التسخيم بِالسِّين الْمُهْملَة وَالْخَاء الْمُعْجَمَة وَهُوَ تسويد الْوَجْه. قَوْله: ونخزيهما أَي: نفضحهما بِأَن نركبهما على الْحمار معكوسين وندورهما فِي الْأَسْوَاق. قَوْله: لرجل هُوَ عبد الله بن صوريا مَقْصُورا الْأَعْوَر الْيَهُودِيّ كَانَ حبرًا مِنْهُم. قَوْله: يَا أَعور منادى مَبْنِيّ على الضَّم، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني؛ أَعور، بِالْجَرِّ على أَنه صفة رجل. قَوْله: وَوضع يَده عَلَيْهِ هَكَذَا فِي رِوَايَة الْكشميهني، أَي: على الْموضع، وَفِي رِوَايَة غَيره: عَلَيْهَا، أَي: على آيَة الرَّجْم. قَوْله: قَالَ: ارْفَعْ يدك أبهم الْقَائِل وَلم يذكرهُ، وَقد تقدم أَنه عبد الله بن سَلام. قَوْله: نكاتمه أَي: الرَّجْم، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: نكاتمها. أَي: الْآيَة الَّتِي فِيهَا الرَّجْم. قَوْله: يجانىء بِالْجِيم وَكسر النُّون بعد الْألف وبالهمز أَي: يكب عَلَيْهَا، يُقَال جنىء الرجل على الشَّيْء وجانأ عَلَيْهِ وتجانأ عَلَيْهِ إِذا أكب، وَرُوِيَ بِالْمُهْمَلَةِ أَي: يحني عَلَيْهَا ظَهره، أَي: يغطيها يُقَال: حنوت الْعود عطفته وحنيت لُغَة. قَوْله: عَلَيْهَا الْحِجَارَة فِي أَكثر النّسخ هَكَذَا، وَفِي بَعْضهَا: للحجارة، بِاللَّامِ وَعند عدم اللَّام تَقْدِيره: عَن الْحِجَارَة، أَو مُضَاف مُقَدّر نَحْو: اتقاء الْحِجَارَة، أَو فعل نَحْو يَقِيهَا الجارة.
52 - (بابُ قَوْلِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (الماهِرُ بالقُرْآن مَعَ السَفَرَةِ الكِرامِ البَرَرَةِ وزَيِّنُوا القُرآنَ بِأصْواتِكُمْ)
أَي: هَذَا بَاب فِي قَول النَّبِي الماهر إِلَى آخِره. والماهر الحاذق المُرَاد بِهِ هُنَا جودة التِّلَاوَة مَعَ حسن الْحِفْظ. قَوْله: مَعَ السفرة الْكِرَام السفرة الكتبة جمع سَافر مثل كَاتب وزنا وَمعنى، وهم الكتبة الَّذين يَكْتُبُونَ من اللَّوْح الْمَحْفُوظ، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: مَعَ سفرة الْكِرَام، من: بَاب إِضَافَة الْمَوْصُوف إِلَى الصّفة. قَوْله: الْكِرَام أَي: الْمُكرمين عِنْد الله. قَوْله: البررة أَي: المطيعين المطهرين من الذُّنُوب، وَفِي التِّرْمِذِيّ: الَّذِي يقْرَأ الْقُرْآن وَهُوَ بِهِ ماهر مَعَ السفرة الْكِرَام البررة، وَقَالَ: هُوَ حسن صَحِيح. وأصل الحَدِيث مضى مُسْندًا فِي التَّفْسِير لَكِن بِلَفْظ: مثل الَّذِي يقْرَأ الْقُرْآن وَهُوَ حَافظ لَهُ مَعَ السفرة الْكِرَام البررة، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: مَعَ السفرة الْكِرَام البررة، أَي: الْمَلَائِكَة. قَوْله: وزينوا الْقُرْآن بِأَصْوَاتِكُمْ هَذَا من الْأَحَادِيث الَّتِي علقها البُخَارِيّ وَلم يصلها فِي مَوضِع آخر من كِتَابه. وَأخرجه فِي كتاب خلق أَفعَال الْعباد من رِوَايَة عبد الرَّحْمَن بن عَوْسَجَة عَن الْبَراء بِهَذَا، وَأخرجه أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه من هَذَا الْوَجْه، وَأخرجه ابْن حبَان فِي صَحِيحه وَمعنى: زَينُوا الْقُرْآن بِأَصْوَاتِكُمْ يَعْنِي: بِالْمدِّ والترتيل، وَلَيْسَ بالتطريف الْفَاحِش الَّذِي يخرج إِلَى حد الْغناء.(25/192)
7544 - حدّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ حَمْزَةَ، حدّثني ابنُ أبي حازِمٍ، عنْ يَزِيدَ، عنْ مُحَمَّدٍ بنِ إبْراهِيمَ، عنْ أبي سَلَمَة عنْ أبي هُرَيْرَةَ أنَّهُ سَمِعَ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ مَا أذِنَ الله لِشَيءٍ مَا أذِنَ لِنَبِيَ حَسَنِ الصَّوْتِ بالقُرْآنِ يَجْهَرُ بِهِ
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من معنى الحَدِيث.
وَإِبْرَاهِيم بن حَمْزَة بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي أَبُو إِسْحَاق الزبيرِي الْأَسدي الْمَدِينِيّ مَاتَ سنة ثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ وَهُوَ من أَفْرَاده، وَابْن أبي حَازِم هُوَ عبد الْعَزِيز بن أبي حَازِم بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي واسْمه سَلمَة بن دِينَار الْمدنِي، وَيزِيد من الزِّيَادَة ابْن الْهَاد، وَهُوَ ابْن عبد الله بن أُسَامَة بن الْهَاد اللَّيْثِيّ الْمدنِي الْأَعْرَج، وَمُحَمّد بن إِبْرَاهِيم بن الْحَارِث أَبُو عبد الله التَّيْمِيّ الْقرشِي الْمدنِي، وَأَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب التَّوْحِيد فِي: بَاب {وَأَسِرُّواْ قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُواْ بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}
قَوْله: مَا أذن الله معنى: أذن هُنَا اسْتمع، وَالْمرَاد لَازمه وَهُوَ الرِّضَا بِهِ والإرادة لَهُ.
7545 - حدّثنا يَحْياى بنُ بُكَيْرٍ، حدّثنا اللَّيْثُ، عنْ يُونُسَ، عنِ ابنِ شِهابٍ أَخْبرنِي عُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ، وسَعيدُ بنُ المُسَيَّبِ وعَلْقَمَةُ بنُ وَقَّاصٍ وعُبَيْدُ الله بنُ عَبْدِ الله عنْ حَدِيثِ عائِشَةَ حِينَ قَالَ لَها أهْلُ الإفْكِ مَا قالُوا، وكُلٌّ حدّثني طائِفَة مِنَ الحَدِيثِ، قالَتْ: فاضْطَجعْتُ عَلى فِراشِي وَأَنا حِينَئذٍ أعْلَمُ أنِّي بَرِيئَةٌ، وأنَّ الله يُبَرئُي، ولاكِنْ وَالله مَا كُنْتُ أظُنَّ أنَّ الله يُنْزِلُ فِي شَأْنِي وَحْياً يُتْلَى ولَشَأنِي فِي نَفْسِي كَانَ أحْقَرَ مِنْ أنْ يَتَكَلَّمَ الله فِيَّ بِأمْرِ يُتْلَى، وأنْزَلَ الله عَزَّ وجَلَّ: {إِنَّ الَّذِينَ جَآءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنْكُمْ لاَ تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِىءٍ مِّنْهُمْ مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ وَالَّذِى تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} العَشْرَ الآياتِ كُلَّها.
ا
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: بِأَمْر يُتْلَى أَي: بالأصوات فِي المحاريب والمحافل.
وَرِجَاله كلهم قد ذكرُوا غير مرّة.
والْحَدِيث طرف من حَدِيث مطول قد مضى فِي تَفْسِير سُورَة النُّور، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: وكل أَي: قَالَ الزُّهْرِيّ: وكل من هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة حَدثنِي قِطْعَة من حَدِيث الْإِفْك. قَوْله: يبرئني أَي برؤيا يَرَاهَا رَسُول الله وَنَحْوهَا. قَوْله: وَلَكِن وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: وَلَكِنِّي. قَوْله: ولشأني اللَّام فِيهِ مَفْتُوحَة للتَّأْكِيد. قَوْله: فِي بتَشْديد الْيَاء.
7547 - حدّثنا حَجَّاجُ بنُ مِنْهالٍ، حدّثنا هُشَيْمٌ عنْ أبي بِشْرٍ، عنْ سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ، عنِ ابنِ عَبَّاسٍ، رَضِي الله عَنْهُمَا، قَالَ: كَانَ النبيُّ مُتَوارِياً بِمَكَّةَ وَكَانَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ، فَإِذا سَمِعَ المُشْرِكُونَ سَبُّوا القُرْآنَ ومَنْ جاءَ بِهِ، فَقَالَ الله عَزَّ وجَلَّ لِنَبِيِّهِ {قُلِ ادْعُواْ اللَّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَانَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الاَْسْمَآءَ الْحُسْنَى وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذاَلِكَ سَبِيلاً}
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ بَيَان اخْتِلَاف الصَّوْت بالجهر والإسرار.
وهشيم مُصَغرًا ابْن بشير كَذَلِك الوَاسِطِيّ، وَأَبُو بشر جَعْفَر بن أبي وحشية إِيَاس الوَاسِطِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي تَفْسِير سُورَة سُبْحَانَ، وَمضى قَرِيبا أَيْضا فِي: بَاب(25/193)
قَوْله: {وَأَسِرُّواْ قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُواْ بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}
7548 - حدّثنا إسْمَاعِيلُ، حدّثني مالِك، عنْ عَبْدِ الرَّحْمانِ بنِ عَبْدِ الله بنِ عَبْدِ الرَّحْمانِ بنِ أبي صَعَصَعَةَ عنْ أبِيهِ، أنَّهُ أخبرهُ أنَّ أَبَا سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ، رَضِي الله عَنهُ، قَالَ لهُ: إنِّي أراكَ تُحِبُّ الغَنَمَ والبادِيَةَ، فَإِذا كُنْتَ فِي غَنَمِكَ أوْ بادِيَتِكَ فأذَّنْتَ لِلصّلاةِ فارْفَعْ صَوْتَكَ بِالنِّداءِ فإنَّهُ لَا يَسْمَعُ مَدى صَوْتِ المُؤْذِّنِ جنٌّ وَلَا إنْسٌ وَلَا شَيْءٌ إلاَّ شَهِدَ لهُ يَوْمَ القِيامَةِ.
قَالَ أبُو سَعِيدٍ: سَمِعْتُهُ مِنْ رسولِ الله.
انْظُر الحَدِيث 609 وطرفه
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن رفع الصَّوْت بِالْقُرْآنِ أَحَق بِالشَّهَادَةِ وَأولى.
وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن أبي أويس.
والْحَدِيث قد مضى فِي كتاب الصَّلَاة فِي: بَاب رفع الصَّوْت بالنداء، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك إِلَى آخِره.
7549 - حدّثنا قَبِيصَةُ، حدّثنا سُفْيانُ، عَن مَنْصُورٍ عَن أمِّهِ عَنْ عَائِشَةَ، رَضِي الله عَنْهَا، قالَتْ: كَانَ النبيُّ يَقْرَأُ القُرْآنَ ورَأسُهُ فِي حَجْرِي وَأَنا حائضٌ.
انْظُر الحَدِيث 297
مطابقته للتَّرْجَمَة يُمكن أَن تُؤْخَذ من قَوْله: يقْرَأ الْقُرْآن
وَقبيصَة هُوَ ابْن عقبَة، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ، وَمَنْصُور هُوَ ابْن عبد الرَّحْمَن التَّيْمِيّ وَأمه صَفِيَّة بنت شيبَة الحَجبي الْمَكِّيّ.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْحيض.
قَوْله: حجري بِفَتْح الْحَاء وَكسرهَا. قَوْله: وَأَنا حَائِض جملَة حَالية. فَافْهَم.
53 - (بابُ قَوْلِ الله تَعَالَى: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَىِ الَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَآئِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ الَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَلَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْءَانِ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُمْ مَّرْضَى وَءَاخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِى الاَْرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ وَءَاخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُواْ الصَّلَواةَ وَءَاتُواْ الزَّكَواةَ وَأَقْرِضُواُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَمَا تُقَدِّمُواْ لاَِنفُسِكُمْ مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} )
أَي هَذَا بَاب فِي قَوْله عز وَجل: {فاقرؤا مَا تيَسّر من الْقُرْآن} قَالَ الْمُهلب: يُرِيد مَا تيَسّر من حفظه على اللِّسَان من لُغَة وإعراب. قَوْله: من الْقُرْآن، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: مَا تيَسّر مِنْهُ، وكل من اللَّفْظَيْنِ فِي السُّورَة، وَقَالَ بَعضهم: وَالْمرَاد بِالْقِرَاءَةِ الصَّلَاة لِأَن الْقِرَاءَة بعض أَرْكَانهَا. قلت: هَذَا لم يقل بِهِ أحد، والمفسرون مجمعون على أَن المُرَاد مِنْهُ الْقِرَاءَة فِي الصَّلَاة وَهُوَ حجَّة على جَمِيع من يرى فَرضِيَّة قِرَاءَة الْفَاتِحَة فِي الصَّلَاة.
7550 - حدّثنا يَحْياى بنُ بُكَيْرٍ، حدّثنا اللَّيْثُ، عَن عُقَيْلٍ، عنِ ابنِ شِهابٍ، حدّثني عُرْوَةُ أنَّ المِسْوَرَ بنَ مَخْرَمَةَ وعَبْدَ الرَّحْمانِ بنَ عَبْدٍ القارِيَّ حَدَّثاهُ أنَّهُما سَمِعا عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ يَقُولُ: سَمِعْتُ هِشامَ بنَ حَكِيمٍ يَقْرأُ سُورَةَ الفُرْقانِ فِي حَياةِ رسولِ الله فاسْتَمَعْتُ لِقِراءَتِهِ فَإذا هُوَ يَقْرَأُ عَلى حُرُوفٍ كَثِيرَة لَمْ يُقْرِئْنِيها رسولُ الله فَكِدْتُ أُساوِرُهُ فِي الصَّلاةِ، فَتَصَبَّرْتُ حتَّى سَلَّمَ فَلَبَبْتُهُ بِرِدِائِهِ، فَقُلْتُ: مَنْ أقْرَأكَ هاذِهِ السُّورَةَ الّتِي سَمِعْتُكَ تَقْرَأُ؟ قَالَ: أَقْرَأنِيها رسولُ الله فَقُلْتُ كَذَبْتَ أقْرَأنِيها عَلى غَيْرِ مَا قَرَأْتَ. فانْطَلَقْتُ بِهِ أقُودُهُ إِلَى رسولِ الله فَقُلْتُ إنِّي سَمِعْتُ هاذَا يَقْرَأُ سورَةَ الفرْقانِ عَلى حُرُوفٍ لَمْ تُقْرِئْنِيها. فَقَالَ: أرْسِلْهُ اقْرَأْ يَا هِشامُ فَقَرَأ القِرَاءَةَ الَّتي سَمِعْتُهُ، فَقَالَ رسولُ الله كَذَلِكَ أُنْزِلَتْ ثُمَّ قَالَ رسولُ الله اقْرَأْ يَا عُمَرُ فَقَرَأتُ التِي أقْرَأنِي، فَقَالَ: كَذَلِكَ أُنْزِلَتْ إنَّ هاذَا القُرْآنَ أنْزِلَ عَلى سَبْعَةِ أحْرُفٍ فاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ
ا
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله فِي آخر الحَدِيث: فاقرأوا مَا تيَسّر مِنْهُ
وَعقيل بِضَم الْعين ابْن خَالِد، والمسور بِكَسْر الْمِيم ابْن مخرمَة بِفَتْحِهَا(25/194)
وَعبد الرَّحْمَن بن عبد بِالتَّنْوِينِ الْقَارِي مَنْسُوب، إِلَى القارة بِالْقَافِ.
والْحَدِيث مضى فِي الْخُصُومَات وَفِي فَضَائِل الْقُرْآن فِي: بَاب أنزل الْقُرْآن على سَبْعَة أحرف، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: أساوره أَي: أواثبه. قَوْله: فتصبرت ويروى: تربصت قَوْله: فلببته من التلبيب بالموحدتين جمع الثِّيَاب عِنْد الصَّدْر فِي الْخُصُومَة والجر. قَوْله: فَقَالَ: أرْسلهُ أَي: أطلقهُ. قَوْله: على سَبْعَة أحرف أَي: سبع لُغَات، وَقيل الْحَرْف الْإِعْرَاب يُقَال: فلَان يقْرَأ حرف عَاصِم أَي: بِالْوَجْهِ الَّذِي اخْتَارَهُ من الْإِعْرَاب. وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ: هُوَ قصر فِي السَّبْعَة فَقيل هِيَ فِي صُورَة التِّلَاوَة من إدغام وَإِظْهَار وَنَحْوهمَا ليقْرَأ كل بِمَا يُوَافق لغته وَلَا يُكَلف الْقرشِي الْهَمْز وَلَا الْأَسدي فتح حرف المضارعة. وَقيل: بل السَّبْعَة كلهَا لمضر وَحدهَا.
54 - (بابُ قَوْلِ الله تَعَالَى: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْءَانَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِى وَنُذُرِ إِنَّآ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِى يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ تَنزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِى وَنُذُرِ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْءَانَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْءَانَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُدَّكِرٍ} )
أَي: هَذَا بَاب فِي قَول الله عز وَجل: {وَلَقَد يسرنَا الْقُرْآن للذّكر} تيسير الْقُرْآن للذّكر تسهيله على اللِّسَان ومسارعته إِلَى الْقِرَاءَة حَتَّى إِنَّه رُبمَا يسْبق اللِّسَان إِلَيْهِ فِي الْقِرَاءَة فيجاوز الْحَرْف إِلَى مَا بعده، وتحذف الْكَلِمَة حرصاً على مَا بعْدهَا. قيل: المُرَاد بِالذكر الْأَذْكَار والأتعاظ، وَقيل: الْحِفْظ. قَوْله: {فَهَل من مدكر} أَصله مفتعل من الذّكر، قلبت التَّاء دَالا وأدغمت الدَّال فِي الدَّال.
وَقَالَ النبيُّ كُلٌّ مُيَسَّرٌ لِما خُلقَ لهُ
الْآن يَأْتِي هَذَا مَوْصُولا من حَدِيث عمرَان وَعلي، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا.
يُقَالُ: مُيَسَّرٌ: مُهَيَّأٌ.
هَذَا تَفْسِير البُخَارِيّ إِذا تيَسّر أَمر من الْأُمُور يُقَال: تهَيَّأ.
وَقَالَ مُجاهِدٌ: يَسَّرْنا القُرْآنَ بِلِسانِك: هَوَّنَّا قِراءَتَهُ عَلَيْكَ.
وَصله الْفرْيَابِيّ عَن وَرْقَاء عَن ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلَقَد يسرنَا الْقُرْآن للذّكر} قَالَ هوَّنا قِرَاءَته، وَالْمَذْكُور رِوَايَة أبي ذَر، وَفِي رِوَايَة غَيره: هوناه عَلَيْك.
وَقَالَ مَطَرٌ الوَرَّاقُ {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْءَانَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} {وَلَقَد يَسَّرْنَا الْقُرْءَانَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْءَانَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُدَّكِرٍ} قَالَ: هَلْ مِنْ طالِب عِلْمٍ فَيُعانَ عَلَيْهِ.
مطر هُوَ ابْن طهْمَان أَبُو رَجَاء الْخُرَاسَانِي الْوراق، سكن الْبَصْرَة وَكَانَ يكْتب الْمَصَاحِف، مَاتَ سنة تسع عشرَة وَمِائَة، وَوَقع هَذَا التَّعْلِيق عِنْد أبي ذَر عَن الْكشميهني وَحده، وَثَبت أَيْضا للجرجاني عَن الْفربرِي، وَوَصله الْفرْيَابِيّ عَن ضَمرَة بن ربيعَة عَن عبد الله بن سودب عَن مطر.
7551 - حدّثنا أبُو مَعْمَرٍ، حدّثنا عَبْدُ الوارِثِ قَالَ يَزِيدُ: حدّثني مُطَرِّفُ بنُ عَبْدِ الله، عنْ عِمْرَانَ قَالَ: قلْتُ: يَا رسولَ الله فِيمَا يَعْمَلُ العامِلُونَ؟ قَالَ: كُلٌّ مُيَسَّرٌ لِما خُلِقَ لَهُ
انْظُر الحَدِيث 6596
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي لفظ التَّيْسِير.
وَأَبُو معمر بِفَتْح الميمين عبد الله بن عَمْرو الْبَصْرِيّ المقعد، وَعبد الْوَارِث بن سعيد، وَيزِيد من الزِّيَادَة ابْن أبي يزِيد واسْمه سِنَان القسام، وَيُقَال لَهُ بِالْفَارِسِيَّةِ: رشك، بِكَسْر الرَّاء وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة كَانَ يقسم الدّور وَيمْسَح بِمَكَّة، ومطرف على صِيغَة اسْم الْفَاعِل من التطريف بِالطَّاءِ الْمُهْملَة ابْن عبد الله العامري يروي عَن عمرَان بن حُصَيْن، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
وَهَذَا مُخْتَصر من حَدِيث مضى فِي كتاب الْقدر عَن عمرَان وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: فِيمَا ويروى: فيمَ، بِحَذْف الْألف بِكَلِمَة: مَا، الاستفهامية، قَالَ ذَلِك حِين قَالَ رَسُول الله، مَا مِنْكُم إِلَّا كتب مَكَانَهُ فِي الْجنَّة أَو النَّار كل وَاحِد مِنْهُمَا يسهل عَلَيْهِ مَا كتب من عملهما.(25/195)
7552 - حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ بَشّارٍ، حَدثنَا غُنْدَرٌ، حدّثنا شُعْبَةُ عنْ مَنْصُورٍ والأعْمَش سَمِعا سَعْدَ بنَ عُبَيْدَةَ عنْ أبي عَبْدِ الرَّحْمانِ عنْ عَليَ، رَضي الله عَنهُ، عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنَّهُ كانَ فِي جَنازَةٍ، فأخَذَ عُوداً فَجَعَلَ يَنْكُتُ فِي الأرْضِ، فَقَالَ: مَا مِنْكُمْ مِنْ أحدٍ إلاّ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ النَّار أوْ مِنَ الجَنَّةِ قالُوا: أَلا نتَّكِلُ؟ قَالَ: اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى} الآيَةَ
ا
مطابقته للتَّرْجَمَة مثل مُطَابقَة الحَدِيث الأول.
وغندر بِضَم الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون النُّون مُحَمَّد بن جَعْفَر، وَمَنْصُور هُوَ ابْن الْمُعْتَمِر، وَالْأَعْمَش هُوَ سُلَيْمَان، وَسعد بن عُبَيْدَة أَبُو حَمْزَة بِالْمُهْمَلَةِ وَالزَّاي السّلمِيّ بِالضَّمِّ الْكُوفِي ختن أبي عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ واسْمه عبد الله بن حبيب الْكُوفِي الْقَارِي ولأبيه صُحْبَة.
والْحَدِيث مضى فِي الْجَنَائِز مطولا فِي: بَاب موعظة الْمُحدث عِنْد الْقَبْر.
قَوْله: ينكت أَي: يضْرب فِي الأَرْض فيؤثر فِيهَا. قَوْله: إِلَّا كتب أَي: قدر فِي الْأَزَل أَن يكون من أهل النَّار أَو من أهل الْجنَّة. فَقَالُوا: أَلا نعتمد على مَا قدر الله عَليّ نَا ونترك الْعَمَل؟ فَقَالَ: لَا، اعْمَلُوا فَإِن أهل السَّعَادَة ييسرون لعملهم، وَأهل الشقاوة لعملهم.
55
- (بابُ قَوْلِ الله تَعَالَى: {كَلاَّ إِذَا دُكَّتِ الاَْرْضُ دَكّاً دَكّاً وَجَآءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً} {وَالطُّورِ وَكِتَابٍ مُّسْطُورٍ}
قَالَ قتادَةُ: مَكْتُوبٌ، يَسْطُرُونَ: يَخُطُّون فِي أُمِّ الكِتابِ جُمْلةِ الكِتاب. وأصْلِهِ مَا يَتَكَلَّمُ مِنْ شَيْءٍ إلاَّ كُتِبَ عَلَيْهِ.)
مجيد أَي كريم على الله، وقرىء: مجيد، بالخفض أَي: قُرْآن رب مجيد، وَقيل: معنى مجيد أحكمت آيَاته وبينت وفصلت وَقَرَأَ نَافِع: مَحْفُوظ، بِالرَّفْع على أَنه نعت لقرآن، وَقَرَأَ غَيره بالخفض على أَنه نعت للوح، وَالطور قيل: جبل بِالشَّام، وَكتاب مسطور قَالَ قَتَادَة: مَكْتُوب، وَصله البُخَارِيّ فِي كتاب خلق أَفعَال الْعباد من طَرِيق يزِيد بن زُرَيْع عَن سعيد بن أبي عرُوبَة عَن قَتَادَة فِي قَوْله تَعَالَى: ة {وَالطُّورِ وَكِتَابٍ مُّسْطُورٍ} قَالَ: المسطور الْمَكْتُوب. قَوْله: يسطرون، أَي: يَكْتُبُونَ، رَوَاهُ عبد بن حميد من طَرِيق شَيبَان بن عبد الرَّحْمَن عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ} قَالَ: وَمَا يَكْتُبُونَ. قَوْله: فِي أم الْكتاب جملَة الْكتاب وَأَصله وَصله أَبُو دَاوُد فِي كتاب النَّاسِخ والمنسوخ من طَرِيق معمر عَن قَتَادَة نَحوه. قَوْله: مَا يلفظ إِلَى آخِره، وَصله ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق شُعَيْب بن أبي عرُوبَة عَن قَتَادَة وَالْحسن، فَذكره.
وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: يُكْتَبُ الخَيْرُ والشَّرُّ.
يَعْنِي فِي قَوْله: {مَا يلفظ من قَول} وَصله الطَّبَرِيّ وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق هِشَام ابْن حسان عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {مَا يلفظ من قَول} قَالَ: إِنَّمَا يكْتب الْخَيْر وَالشَّر.
يُحَرِّفونَ: يُزِيلُونَ ولَيْسَ أحَدٌ يُزِيلُ لَفْظَ كِتابٍ مِنْ كُتُبِ الله عَزَّ وجَلَّ، وَلاكِنَّهُمْ يُحَرِّفُونَهُ يَتَأوَّلُونَهُ عَلى غَيْرِ تَأْوِيلِهِ دِرَاسَتُهُمْ: تلاوَتُهُمْ، وَاعِيَةٌ: حافِظَةٌ؛ وتَعِيَها: تحْفَظُها {قُلْ أَىُّ شَىْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ اللَّهِ شَهِيدٌ بِيْنِى وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِىَ إِلَىَّ هَاذَا الْقُرْءَانُ لاُِنذِرَكُمْ بِهِ وَمَن بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِءَالِهَةً أُخْرَى قُل لاَّ أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَاهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِى بَرِىءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ} يَعْنِي: أهْلَ مَكَّةَ ومَن بَلَغَ هاذَا القُرْآنُ فَهْوَ لَهُ نَذِيرٌ.
قَوْله: يحرفُونَ. فِي قَوْله تَعَالَى: {فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظَّا مِّمَّا ذُكِرُواْ بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} أَي: يزيلونه من جِهَة الْمَعْنى ويؤولونه بِغَيْر المُرَاد الْحق قَوْله: دراستهم، فِي قَوْله تَعَالَى: {أَن تَقُولُو اْ إِنَّمَآ أُنزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَآئِفَتَيْنِ مِن قَبْلِنَا وَإِن كُنَّا عَن دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ} أَي: عَن تلاوتهم، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: {فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظَّا مِّمَّا ذُكِرُواْ بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} يقلبون ويغيرون. قَوْله: وَاعِيَة فِي قَوْله تَعَالَى: {لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَآ أُذُنٌ وَاعِيَةٌ} أَي: حافظة، وَصله ابْن أبي حَاتِم، من طَرِيق عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس. قَوْله: وأوحي إِلَى آخِره، وَصله ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس.(25/196)
7553 - وَقَالَ لِي خَلِيفَةُ بنُ خَيَّاطٍ: حدّثنا مُعْتَمِرٌ سَمِعْتُ أبي عنْ قَتادَةَ عنْ أبي رافِعٍ عنْ أبي هُرَيْرَةَ عنِ النبيِّ قَالَ: لَمَّا قَضاى الله الخَلْقَ كَتَبَ كِتاباً عِنْدَهُ غَلَبَتْ أوْ قَالَ سَبَقَتْ رَحْمَتِي غَضَبِي، فَهْوَ عِنْدَهُ فَوْقَ العَرْشِ
ا
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه يُشِير بِهِ إِلَى أَن اللَّوْح الْمَحْفُوظ فَوق الْعَرْش.
ومعتمر هُوَ ابْن سُلَيْمَان يروي عَن أَبِيه سُلَيْمَان بن طرخان بِفَتْح الْمُهْملَة هُوَ الْمَشْهُور، وَقَالَ الغساني: هُوَ بِالضَّمِّ وَالْكَسْر، وَأَبُو رَافع اسْمه نفيع مصغر نفع الصَّائِغ الْبَصْرِيّ، يُقَال: أدْرك الْجَاهِلِيَّة وَكَانَ بِالْمَدِينَةِ ثمَّ تحول إِلَى الْبَصْرَة، قَالَ أَبُو دَاوُد: قَتَادَة لم يسمع من أبي رَافع، وَقَالَ غَيره: سمع مِنْهُ.
والْحَدِيث مضى فِي التَّوْحِيد من حَدِيث الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة نَحوه فِي: بَاب {وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الاَْوَّلِينَ}
قَوْله: قضى الله أَي: أتم الله خلقه. قَوْله: كتب كتابا إِمَّا حَقِيقَة عَن كِتَابَة اللَّوْح الْمَحْفُوظ، وَمعنى الْكِتَابَة: خلق صورته فِيهِ أَو أَمر بِالْكِتَابَةِ، وَإِمَّا مجَاز عَن تعلق الحكم بِهِ والإخبار بِهِ. قَوْله: عِنْده العندية المكانية مستحيلة فِي حَقه تَعَالَى، فَهِيَ مَحْمُولَة على مَا يَلِيق بِهِ، أَو مفوضة إِلَيْهِ أَو مَذْكُورَة على سَبِيل التَّمْثِيل والاستعارة، وَهِي من المتشابهات. وَقَالَ الْكرْمَانِي: كَيفَ يتَصَوَّر السَّبق فِي الصِّفَات الْقَدِيمَة إِذْ معنى الْقَدِيم هُوَ عدم المسبوقية؟ وَأجَاب بِأَنَّهَا من صِفَات الْأَفْعَال أَو المُرَاد: سبق تعلق الرَّحْمَة، وَذَلِكَ لِأَن إِيصَال الْعقُوبَة بعد عصيان العَبْد بِخِلَاف إِيصَال الْخَيْر فَإِنَّهُ من مقتضيات صِفَاته.
56 - (بابُ قَوْلِ الله تَعَالَى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} )
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله عز وَجل: {وَالله خَلقكُم وَمَا تَعْمَلُونَ} قَالَ الْمُهلب: غَرَض البُخَارِيّ من هَذِه التَّرْجَمَة، إِثْبَات أَن أَفعَال الْعباد وأقوالهم مخلوقة لله تَعَالَى، وَقيل: وَمَا تَعْمَلُونَ من الْأَصْنَام من الْخشب وَالْحِجَارَة، وَقَالَ قَتَادَة: وَمَا تَعْمَلُونَ بِأَيْدِيكُمْ، وَقيل: يجوز أَن تكون كلمة: مَا، نَافِيَة أَي: وَمَا تَعْمَلُونَ وَلَكِن الله خالقه، وَيجوز أَن تكون: مَا، مَصْدَرِيَّة أَي: وعملكم، وَيجوز أَن تكون استفهاماً بِمَعْنى التوبيخ.
{إِنَّا كُلَّ شَىْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}
الظَّاهِر أَنه سقط مِنْهُ: قَوْله تَعَالَى، قَالَ الْكرْمَانِي التَّقْدِير خلقنَا كل شَيْء بِقدر فيستفاد مِنْهُ أَن الله خَالق كل شَيْء.
ويُقالُ لِلْمُصَوِّرِينَ: أحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ.
كَذَا وَقع فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَهُوَ الْمَحْفُوظ وَفِي رِوَايَة الْكشميهني وَيَقُول أَي: بقول الله عز وَجل، أَو: يَقُول الْملك بأَمْره، وَهَذَا الْأَمر للتعجيز.
{إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِى خَلَقَ السَمَاوَاتِ وَالاَْرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِى الَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالاَْمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}
قَالَ ابنُ عُيَيْنَةَ: بَيَّن الله الخَلْقَ مِنَ الأمْرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِى خَلَقَ السَمَاوَاتِ وَالاَْرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِى الَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالاَْمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}
سَاق فِي رِوَايَة كَرِيمَة الْآيَة كلهَا، وَالْمُنَاسِب مِنْهَا لما تقدم. قَوْله: فيخص بِهِ قَوْله: {قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالاَْرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِّن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ لاَ يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِى الاَْعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِى الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَىْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَىْءٍ وَهُوَ عَلَى كُل شَىْءٍ وَكِيلٌ} وَلذَلِك عقبه بقوله: وَقَالَ ابْن عُيَيْنَة هُوَ سُفْيَان بَين الله الْخلق من الْأَمر بقوله: وَهَذَا الْأَثر وَصله ابْن أبي حَاتِم فِي كتاب الرَّد على الْجَهْمِية من طَرِيق بشار بن مُوسَى. قَالَ: كُنَّا عِنْد سُفْيَان بن عُيَيْنَة فَقَالَ: {أَلا لَهُ الْخلق وَالْأَمر} فالخلق هُوَ الْمَخْلُوقَات وَالْأَمر هُوَ الْكَلَام. وَقَالَ الرَّاغِب: الْأَمر لفظ عَام للأفعال والأقوال كلهَا، وَمِنْه قَوْله عز وَجل: {وَللَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالاَْرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الاَْمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} وَيُقَال للإبداع أَمر نَحْو قَوْله تَعَالَى: {أَلا لَهُ الْخلق وَالْأَمر} وَقيل: المُرَاد بالخلق فِي الْآيَة الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا. وبالأمر الْآخِرَة وَمَا فِيهَا، فَهُوَ(25/197)
كَقَوْلِه: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}
وسَمَّى النبيُّ الإيمانَ عَمَلاً قَالَ أبُو ذَرَ وأبُو هُرَيْرَةَ: سُئِلَ النبيُّ أيُّ الأعْمالِ أفْضَلُ قَالَ: إيمانٌ بِاللَّه وجِهادٌ فِي سَبِيلِهِ، وَقَالَ: {فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفِىَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} وَغَيرهَا وَقَالَ وفْدُ عَبْدِ القَيْسِ لِلنبيِّ مُرْنا بِجُمَلٍ مِنَ الأمْره إنْ عَمَلْنا بِها دَخَلْنا الجَنَّةَ، فأمَرهُمْ بِالإيمانِ والشَّهاَدَةِ وإقامِ الصَّلاةِ وإيتاءِ الزَّكاةِ، فَجعَلَ ذالِكَ كُلَّهُ عَمَلاً.
قد مر فِي كتاب الْإِيمَان فِي: بَاب من قَالَ: الْإِيمَان هُوَ الْعَمَل، وبسطنا الْكَلَام فِيهِ قَوْله: قَالَ أَبُو ذَر إِلَى قَوْله: {فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفِىَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} وغيرهاف تقدم الْكَلَام فِيهِ فِي: بَاب قَول الله تَعَالَى: {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ لِّبَنِى إِسْرَاءِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَاءِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُواْ بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} وَهُوَ قبل هَذَا الْبَاب بِثمَانِيَة أَبْوَاب. قَوْله: {فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفِىَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} ، وَغَيرهَا أَي: من الطَّاعَات. قَالَ الْكرْمَانِي: أَي من الْإِيمَان وَسَائِر الطَّاعَات، أَدخل قَوْله: من الْإِيمَان، لأجل مذْهبه على مَا لَا يخفى. قَوْله: وَفد عبد الْقَيْس إِلَى آخِره يَأْتِي الْكَلَام فِيهِ بعد حَدِيث وَاحِد.
7555 - حدّثنا عَبْدُ الله بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ، حدّثنا عَبْدُ الوَهَّابِ، حَدثنَا أيُّوبُ عنْ أبي قِلابَةَ والقاسِمِ التَّمِيميِّ، عنْ زَهْدَمٍ قَالَ: كَانَ بَيْنَ هاذا الحيِّ مِنْ جَرْمٍ وبَيْنَ الأشْعَرِيِّينَ وُدٌّ وإخاءٌ، فَكُنَّا عِنْدَ أبي مُوساى الأشْعَرِيِّ، فَقُرِّبَ إلَيْهِ الطّعامُ فِيهِ لَحْمُ دَجاجٍ، وعِنْدَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَيْم الله، كأنّهُ مِنَ المَوالِي، فَدَعاهُ إلَيْهِ فَقَالَ: إنِّي رَأيْتُهُ يَأْكُلُ شَيْئاً فَقذرْتُهُ، فَحَلَفْتُ لَا آكلُهُ. فقالَ: هَلمَّ فلأُحَدِّثْكَ عنْ ذَاكَ: إنِّي أتَيْتُ النبيَّ فِي نَفَرٍ مِنَ الأشْعَرِيِّينَ نَسْتَحْمِلُهُ قَالَ: وَالله لَا أحْمِلُكُمْ، وَمَا عِنْدِي مَا أحْمِلُكُمْ فأُتِيَ النبيُّ بِنَهْبِ إبِلٍ فَسألَ عَنَّا، فَقَالَ: أيْنَ النَّفَرُ الأشْعْرِيُّونَ فَأمَرَ لَنا بخَمْسِ ذَوْدٍ غُرِّ الذُّراى، ثُمَّ انْطَلْقَنا. قُلْنا: مَا صَنَعْنا؟ حَلَفَ رسولُ الله لَا يَحْمِلُنا وَمَا عِنْدَهُ مَا يَحْمِلُنا، ثُمَّ حَمَلَنا. تَغَفَّلْنا رسولَ الله يَمِينَهُ وَالله لَا نُفْلِحُ أبدا. فَرَجَعْنا إلَيْهِ فَقُلْنا لهُ. فَقَالَ: لَسْتُ أَنا أحْمِلُكُمْ ولاكِنَّ الله حَمَلَكُمْ، إنِّي وَالله لَا أحْلِفُ عَلى يَمِينٍ فأراى غَيْرَها خَيْراً مِنْها إلاّ أتَيْتُ الذِي هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ وتَحَلَّلْتُها
ا
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: وَلَكِن الله حملكم حَيْثُ نسب الْحمل إِلَى الله تَعَالَى.
وَشَيْخه عبد الله بن عبد الْوَهَّاب الحَجبي أَبُو مُحَمَّد، وَشَيْخه عبد الْوَهَّاب بن عبد الْمجِيد الثَّقَفِيّ، وَأَيوب هُوَ السّخْتِيَانِيّ، وَأَبُو قلَابَة بِكَسْر الْقَاف عبد الله بن زيد الْجرْمِي، وَالقَاسِم بن عَاصِم التَّمِيمِي، وَيُقَال: الْكَلْبِيّ، وَيُقَال: اللَّيْثِيّ، زَهْدَم بِفَتْح الزَّاي ابْن مضرب على وزن اسْم الْفَاعِل من التضريب بالضاد الْمُعْجَمَة.
والْحَدِيث قد مضى فِي مَوَاضِع كَثِيرَة فِي الْمَغَازِي عَن أبي نعيم وَفِي النذور والذبائح أَيْضا عَن أبي معمر وَفِي النذور أَيْضا عَن قُتَيْبَة وَفِي الذَّبَائِح عَن يحيى عَن وَكِيع.
قَوْله وَبَين الْأَشْعَرِيين جمع أشعري نِسْبَة إِلَى أشعر، أَبُو قَبيلَة من الْيمن. قَوْله: يَأْكُل شَيْئا أَي: من النَّجَاسَة، هَكَذَا فِي رِوَايَة الْكشميهني وَفِي رِوَايَة غَيره: يَأْكُل فَقَط. قَوْله: فقذرته بِكَسْر الذَّال الْمُعْجَمَة. أَي: كرهته. قَوْله: فلأحدثك كَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: فلأحدثنك، بنُون التَّأْكِيد. قَوْله: نستحمله أَي: نطلب مِنْهُ الحملان، أَي: أَن يحملنا. قَوْله: بِنَهْب أَي: غنيمَة. قَوْله: ذود بِفَتْح الذَّال الْمُعْجَمَة وَهِي من الْإِبِل مَا بَين الثَّلَاث إِلَى الْعشْرَة الذرى بِضَم الذَّال جمع ذرْوَة وَهِي أَعلَى كل شَيْء أَي: ذرى الأسنمة الْبيض أَي: من سمنهن وَكَثْرَة شحمهن. قَوْله: ثمَّ حملنَا بِفَتْح اللَّام. قَوْله: تغفلنا أَي: طلبنا غفلته وَكُنَّا سَبَب ذُهُوله عَن الْحَال الَّتِي وَقعت. قَوْله: وَلَكِن الله حملكم يحْتَمل وُجُوهًا: أَن يُرِيد إِزَالَة الْمِنَّة عَنْهُم وَإِضَافَة النِّعْمَة إِلَى الله(25/198)
تَعَالَى، أَو أَنه نسي وَفعل النَّاسِي مُضَاف إِلَى الله تَعَالَى، كَمَا جَاءَ فِي الصَّائِم إِذا أكل نَاسِيا فَإِن الله أطْعمهُ، وَأَن الله حِين سَاق هَذِه الْغَنِيمَة إِلَيْهِم فَهُوَ أَعْطَاهُم. أَو نظرا إِلَى الْحَقِيقَة فَإِن الله خَالق كل الْأَفْعَال. قَوْله: وتحللتها من التَّحَلُّل وَهُوَ التفصي من عُهْدَة الْيَمين وَالْخُرُوج من حرمتهَا إِلَى مَا يحل لَهُ بِالْكَفَّارَةِ.
7556 - حدّثنا عَمْرُو بنُ عَلِيَ، حَدثنَا أبُو عاصِمٍ، حَدثنَا قُرَّةُ بنُ خالِدٍ، حَدثنَا أبُو جَمْرَةَ الضُّبعِي قُلْتُ لابنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: قَدِمَ وفْدُ عبْدِ القَيْسِ على رَسُول الله فقالُوا: إنَّ بَيْنَنَا وبَيْنَك المُشْرِكِينِ مِنْ مُضَرَ، وَإِنَّا لَا نَصِلُ إلَيْكَ إِلَّا فِي أشْهُرٍ حُرُمٍ، فَمُرْنا بِجُمَلٍ مِنَ الأمْر إنْ عَمِلْنا بِهِ دَخَلْنا الجَنَّةَ، ونَدْعُو إلَيْهَا مَنْ وراءَنا. قَالَ: آمُرُكُمْ بأرْبَعٍ وأنْهاكُمْ عَنْ أرْبَعٍ آمُرُكُمْ بالإيمانِ بِاللَّه، وهَلْ تَدْرُونَ مَا الإيمانُ بِاللَّه؟ شهادَةُ أنْ لَا إلاهَ إِلَّا الله، وإقامُ الصَّلاةِ وإيتاءُ الزَّكاةِ، وتُعْطُوا مِنْ المَغْنَمِ الخُمْسَ. وأنْهاكْم عنْ أرْبَعٍ: لَا تَشْرَبُوا فِي الدُّبَّاءِ، والنَّقِيرِ والظُّرُوفِ المُزَفْتَةِ والحَنْتَمَةِ
ا
هَذَا حَدِيث وَفد عبد الْقَيْس الَّذِي مضى عَن قريب. وَقَالَ: وَفد عبد الْقَيْس الَّذِي مضى عَن قريب للنَّبِي،
أخرجه عَن عَمْرو بن عَليّ بن يحيى الصَّيْرَفِي عَن أبي عَاصِم الضَّحَّاك. وَهُوَ شيخ البُخَارِيّ، روى عَنهُ كثيرا بِلَا وَاسِطَة عَن قُرَّة بِضَم الْقَاف وَتَشْديد الرَّاء ابْن السدُوسِي عَن أبي جَمْرَة بِالْجِيم وَالرَّاء نصر بن عمرَان الضبعِي بِضَم الضَّاد الْمُعْجَمَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة والْحَدِيث قد مضى فِي كتاب الْإِيمَان فِي بَاب أَدَاء الْخمس من الْإِيمَان وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: قلت لِابْنِ عَبَّاس، فَقَالَ: قدم كَذَا فِي هَذِه الرِّوَايَة، لم يذكر مفعول. قلت: وَالتَّقْدِير: قلت: حَدثنَا إِمَّا مُطلقًا وَإِمَّا عَن قصَّة عبد الْقَيْس. قَوْله: من مُضر غير منصرف قَبيلَة كَانُوا بَين ربيعَة وَالْمَدينَة. قَوْله: فِي أشهر حرم هِيَ: ذُو الْقعدَة وَذُو الْحجَّة وَالْمحرم وَرَجَب، وَذَلِكَ لأَنهم كَانُوا يمتنعون عَن الْقِتَال فِيهَا. قَوْله: النقير بِفَتْح النُّون جذع ينقر وَسطه وينبذ فِيهِ. قَوْله: والحنتمة بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون النُّون وَفتح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَيجمع على: حنتم، وَهِي جرار خضر يجلب فِيهَا الْخمر.
7557 - حدّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعيدٍ، حدّثنا اللّيْثُ، عنْ نافِعٍ، عنِ القاسِمِ بنِ مُحَمَّدٍ، عنْ عائِشَة، رَضِي الله عَنْهَا، أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إنَّ أصْحابَ هاذِهِ الصُّوَرِ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ القِيامَةِ ويقالُ لَهُمْ أحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ
ا
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن من زعم أَنه يخلق فعل نَفسه لَو صحت دَعْوَاهُ لما وَقع الْإِنْكَار على هَؤُلَاءِ المصورين. وَقَالَ الْكرْمَانِي: أسْند الْخلق إِلَيْهِم صَرِيحًا، وَهُوَ خلاف التَّرْجَمَة، وَلَكِن المُرَاد كسبهم فَأطلق لفظ الْخلق عَلَيْهِ استهزاءً، أَو أطلق بِنَاء عل زعمهم.
والْحَدِيث أخرجه النَّسَائِيّ فِي الزِّينَة عَن قُتَيْبَة أَيْضا، وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي التِّجَارَات عَن مُحَمَّد بن رمح.
قَوْله: أَصْحَاب هَذِه الصُّور أَي: المصورين. قَوْله: أحيوا أَي: اجعلوه حَيَوَانا ذَا روح، وَهَذَا الْأَمر أَمر تعجيز.
7558 - حدّثنا أبُو النُّعْمانِ، حدّثنا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، عنْ أيُّوبَ عنْ نافِعٍ عنِ ابنِ عُمَرَ، رَضِي الله عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إنَّ أصْحابَ هاذِهِ الصُّوَرِ يُعَذّبُونَ يَوْم القِيامَةِ، ويُقالُ لَهُمْ: أحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ
انْظُر الحَدِيث 5951
الْكَلَام فِيهِ مثل الْكَلَام فِي حَدِيث عَائِشَة.
وَأَبُو النُّعْمَان مُحَمَّد بن الْفضل السدُوسِي، وَأَيوب هُوَ السّخْتِيَانِيّ.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي اللبَاس عَن أبي الرّبيع وَغَيره. وَالنَّسَائِيّ فِي الزِّينَة عَن قُتَيْبَة وَغَيره.(25/199)
7559 - حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ العَلاءِ، حدّثنا ابنُ فُضَيْلٍ، عنْ عُمارَةَ، عنْ أبي زُرْعَةَ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ، رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: سَمِعْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ قَالَ الله عَزَّ وجَلَّ ومَنْ أظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ كَخَلْقِي، فَلْيَخْلُقُوا ذَرَّةً أوْ لِيَخْلُقُوا حَبَّةً أوْ شَعِيرَةً
انْظُر الحَدِيث 5953
الْكَلَام فِي مُطَابقَة هَذَا مثل مَا مر فِيمَا قبله.
وَابْن فُضَيْل مصغر وَهُوَ مُحَمَّد، وَعمارَة بن الْقَعْقَاع، وَأَبُو زرْعَة اسْمه هرم بِفَتْح الْهَاء وَكسر الرَّاء البَجلِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي اللبَاس عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل. وَأخرجه مُسلم فِي اللبَاس عَن ابْن نمير وَغَيره.
قَوْله: ذهب من الذّهاب الَّذِي هُوَ بِمَعْنى الْقَصْد والإقبال إِلَيْهِ. قَوْله: فليخلقوا ذرة بِفَتْح الذَّال الْمُعْجَمَة وَهِي النملة الصَّغِيرَة، وَهَذَا استهزاء، أَو قَول على زعمهم، أَو التَّشْبِيه فِي الصُّورَة وَحدهَا لَا من سَائِر الْوُجُوه. قَوْله: أَو شعيرَة عطف الْخَاص على الْعَام، أَو هُوَ شكّ من الرَّاوِي، وَالْغَرَض تعجيزهم وتعذيبهم تَارَة بِخلق الْحَيَوَان، وَأُخْرَى بِخلق الجماد، وَفِيه نوع من الترقي فِي الخساسة وَنَوع من التنزل فِي الْإِلْزَام.
57 - (بابُ قِرَاءَةِ الفاجِرِ والمُنافِقِ وأصْوَاتُهُمْ وتِلاَوَتُهُمْ لاَ تُجاوِزُ حَناجِرَهُمْ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حَال قِرَاءَة الْفَاجِر. قَالَ الْكرْمَانِي: الْفَاجِر الْمُنَافِق بِقَرِينَة جعله قسيماً لِلْمُؤمنِ فِي الحَدِيث، ومقابلاً لَهُ. وَعطف الْمُنَافِق عَلَيْهِ إِنَّمَا هُوَ من بَاب الْعَطف التفسيري. قَوْله: وتلاوتهم، مُبْتَدأ وَخَبره: لَا تجَاوز، وَإِمَّا جمع الضَّمِير فَهُوَ حِكَايَة عَن لفظ الحَدِيث، وَزيد فِي بعض الرِّوَايَات: وأصواتهم، والحناجر جمع حنجرة وَهِي الْحُلْقُوم، وَهُوَ مجْرى النَّفس كَمَا أَن المري مجْرى الطَّعَام وَالشرَاب.
7560 - حدّثنا هُدْبةُ بنُ خالِدٍ، حدّثنا هَمَّامٌ، حَدثنَا قتادَةُ، حَدثنَا أنسٌ عنْ أبي مُوسَى، رَضِي الله عَنهُ، عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَثَلُ المُؤْمِنِ الَّذِي يَقْرَأُ القُرْآنَ كالأُتْرُجَّةِ، طَعْمُها طَيِّبٌ ورِيحُها طَيِّبٌ، والّذِي لَا يَقْرَأُ كالتَّمْرَةِ طَعْمُها طَيِّبٌ، ولاَ رِيحَ لَها، ومَثَلُ الفاجِرِ الّذِي يَقْرَأُ القُرْآنَ، كَمَثَلِ الرَّيْحانَةِ ريحُها طَيِّبٌ وطَعْمها مُرٌّ، ومَثَلُ الفاجِرِ الّذِي لَا يَقْرَأُ القُرْآنَ كَمَثَلِ الحَنْظَلَةِ طَعْمُها مُرٌّ وَلَا رِيحَ لَهَا
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وهدبة بِضَم الْهَاء ابْن خَالِد الْقَيْسِي بِفَتْح الْقَاف، وَهَمَّام بتَشْديد الْمِيم هُوَ ابْن يحيى العوذي، وَأنس هُوَ ابْن مَالك، وَأَبُو مُوسَى عبد الله بن قيس الْأَشْعَرِيّ.
وَالرِّجَال كلهم بصريون، وَفِيه: رِوَايَة الصَّحَابِيّ عَن الصَّحَابِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي فَضَائِل الْقُرْآن عَن مُسَدّد، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: كالأترجة بِضَم الْهمزَة وَيُقَال: الأترنجة والترنجة وَفِي التَّوْضِيح كالأترجة، كَذَا فِي الْأُصُول وَلأبي الْحسن: كالأترنجة، بالنُّون وَالصَّوَاب الأول لِأَن النُّون والهمزة لَا يَجْتَمِعَانِ، وَالْمَعْرُوف: الأترج. وَحكى أَبُو زيد: ترنجة وترج. وَقَالُوا: الأترجة أفضل الثِّمَار للخواص الْمَوْجُودَة فِيهَا مثل: كبر جرمها، وَحسن منظرها، ولين ملمسها، ولونها يسر الناظرين، ثمَّ أكلهَا يُفِيد بعد الالتذاذ طيب النكهة ودباغ الْمعدة، وَقُوَّة الهضم، واشتراك الْحَواس الْأَرْبَعَة: الْبَصَر والذوق والشم واللمس فِي الاحتظاء بهَا، ثمَّ إِن أجزاءها تَنْقَسِم على طبائع: فقشرها حَار يَابِس، وجرمها حَار رطب، وحماضها بَارِد يَابِس، وبزرها حَار مجفف. قَوْله: كَمثل الحنظلة وَهِي شَجَرَة مَشْهُورَة، وَفِي بعض الْبِلَاد تسمى: بطيخ أبي جهل، فَإِن قلت: قَالَ فِي آخر فَضَائِل الْقُرْآن: كالحنظلة طعمها مر وريحها مر. وَهنا قَالَ: وَلَا ريح لَهَا؟ قلت: الْمَقْصُود مِنْهُمَا وَاحِد، وَذَلِكَ هُوَ بَيَان عدم النَّفْع لَا لَهُ وَلَا لغيره، وَرُبمَا كَانَ مضراً فَمَعْنَاه: لَا ريح لَهَا نافعة.
7561 - حدّثنا عَلِيُّ، حَدثنَا هِشامٌ، أخبرنَا مَعْمَرٌ، عنِ الزُّهْرِيِّ. ح وحدّثني أحْمَدُ بنُ صالِحٍ(25/200)
حَدثنَا عَنْبَسَةُ، حَدثنَا يُونُسُ، عنِ ابنِ شِهابٍ، أَخْبرنِي يَحْياى بنُ عُرْوَةَ بنِ الزُّبَيْرِ أنّهُ سَمِعَ عُرْوَةَ بنَ الزُّبَيْرِ يَقُولُ: قالَتْ عائِشةُ، رَضِي الله عَنْهَا، سألَ أُناسٌ النبيَّ عنِ الكُهَّانِ فَقَالَ: إنَّهُمْ لَيْسُوا بِشَيْءٍ فقالُوا: يَا رسولَ الله فإنَّهُمْ يُحَدِّثُونَ بالشّيءِ يَكُونُ حَقاً. قَالَ: فَقَالَ النبيُّ تِلْكَ الكَلِمَةُ مِنَ الحَقِّ يَخْطُفُها الجِنِّيُّ فَيُقَرْقِرُها فِي أُذُنِ وَلِيِّهِ، كَقَرْقَرَةِ الدَّجاجَةِ، فَيَخْلِطُونَ فِيهِ أكْثَرَ مِنْ مِائَةِ كَذْبَةٍ
ا
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ مشابهة الكاهن بالمنافق من حَيْثُ إِنَّه لَا يتنفع بِالْكَلِمَةِ الصادقة لغَلَبَة الْكَذِب عَلَيْهِ ولفساد حَاله، كَمَا لَا ينْتَفع الْمُنَافِق بقرَاءَته لفساد عقيدته وانضمام خبثه إِلَيْهَا.
وَأخرجه من طَرِيقين: الأول: عَن عَليّ بن الْمَدِينِيّ عَن هِشَام بن يُوسُف الصَّنْعَانِيّ عَن معمر بن رَاشد عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ. وَالثَّانِي: عَن أَحْمد بن صَالح أبي جَعْفَر الْمصْرِيّ عَن عَنْبَسَة بن خَالِد بن يزِيد بن أبي النجا ابْن أخي يُونُس بن يزِيد الْأَيْلِي، سمع عَمه يُونُس بن يزِيد عَن ابْن شهَاب الزُّهْرِيّ عَن يحيى بن عُرْوَة بن الزبير عَن أَبِيه عُرْوَة بن الزبير عَن عَائِشَة.
والْحَدِيث مضى فِي أَوَاخِر الطِّبّ فِي: بَاب الكهانة، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: سَأَلَ أنَاس وَفِي رِوَايَة معمر: نَاس، وَكِلَاهُمَا وَاحِد. قَوْله: عَن الْكُهَّان أَي: عَن حَالهم، والكهان جمع كَاهِن وَهُوَ الَّذِي يتعاطى الْخَبَر عَن الكائنات فِي مُسْتَقْبل الزَّمَان، وَيَدعِي معرفَة الْأَسْرَار. قَوْله: يَخْطفهَا بِالْفَتْح على اللُّغَة الفصيحة وبكسرها، والجني مُفْرد الْجِنّ أَي: يختلسها الجني من أَخْبَار، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: يحفظها، من الْحِفْظ. قَوْله: فيقرقرها من القرقرة وَهُوَ الْوَضع فِي الْأذن بالصوت، والقر الْوَضع فِيهَا بِدُونِ الصَّوْت، وَإِضَافَة القرقرة إِلَى الدَّجَاجَة من إِضَافَة الْفَاعِل، والدجاجة بِفَتْح الدَّال وَكسرهَا. وَقَالَ الْخطابِيّ: غَرَضه نفي مَا يتعاطون من علم الْغَيْب. قَالَ: وَالصَّوَاب كقرقرة الزجاجة ليلائم معنى القارورة الَّذِي فِي الحَدِيث الآخر، وَتَكون إِضَافَة القرقرة إِلَى الْمَفْعُول فِيهِ نَحْو مكر اللَّيْل.
7562 - حدّثنا أبُو النُّعْمانِ، حَدثنَا مَهْدِيُّ بنُ مَيْمُونٍ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ سِيرين، يُحَدِّثُ عنْ مَعْبَدِ بنِ سِيرين عنْ أبي سَعيدٍ الخُدْرِيِّ، رَضِي الله عَنهُ، عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يَخْرُجُ ناسٌ مِنْ قِبَلِ المَشْرِقِ ويَقْرأونَ القُرْآنَ لَا يُجاوِزُ تَراقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، ثُمَّ لَا يَعُودونَ فِيهِ حتَّى يَعُودَ السَّهْمُ إِلَى فُوقِهِ، قِيلَ: مَا سِيْماهُمْ؟ قَالَ: سِيْماهُمُ التَّحْلِيقُ أوْ قَالَ: التَّسْبِيدُ
ا
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: يقرأون الْقُرْآن لَا يُجَاوز تراقيهم
وَأخرجه عَن أبي النُّعْمَان مُحَمَّد بن الْفضل عَن مهْدي بن مَيْمُون الْأَزْدِيّ عَن مُحَمَّد بن سِيرِين عَن أَخِيه معبد بن سِيرِين بِفَتْح الْمِيم، وَالْأَرْبَعَة بصريون.
قَوْله: يخرج نَاس من قبل الْمشرق تقدم فِي الْفِتَن أَنهم: الْخَوَارِج. قَوْله: تراقيهم جمع ترقوة بِفَتْح أَوله وَسُكُون الرَّاء وَضم الْقَاف وَفتح الْوَاو وَهِي الْعظم الَّذِي بَين نقرة النَّحْر والعاتق. قَوْله: يَمْرُقُونَ أَي: يخرجُون. قَوْله: من الرَّمية بِكَسْر الْمِيم الْخَفِيفَة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف، فعيلة بِمَعْنى المرمية أَي: المرمى إِلَيْهَا. قَوْله: إِلَى فَوْقه بِضَم الْفَاء وَهُوَ مَوضِع الْوتر من السهْم. قَوْله: مَا سِيمَاهُمْ؟ بِكَسْر الْمُهْملَة مَقْصُورا وممدوداً: الْعَلامَة. قَوْله: التحليق هُوَ إِزَالَة الشّعْر. قَوْله: أَو التسبيد بِالْمُهْمَلَةِ وَالْبَاء الْمُوَحدَة وَهُوَ استيصال الشّعْر. فَإِن قلت: يلْزم من وجود الْعَلامَة وجود ذِي الْعَلامَة، فَكل محلوق الرَّأْس مِنْهُم لكنه خلاف الْإِجْمَاع. قلت: كَانَ فِي عهد الصَّحَابَة لَا يحلقون رؤوسهم إلاَّ فِي النّسك أَو الْحَاجة، وَأما هَؤُلَاءِ فقد جعلُوا الْحلق شعارهم، وَيحْتَمل أَن يُرَاد بِهِ حلق الرَّأْس واللحية وَجَمِيع شُعُورهمْ.
58 - (بابُ قَوْلِ الله تَعَالَى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} )
أَي: هَذَا بَاب فِي قَول الله عز وَجل: {وَنَضَع الموازين بِالْقِسْطِ} وَفِي رِوَايَة أبي ذَر أَي: فِي يَوْمهَا، والموازين جمع ميزَان وَأَصله: موزان، قلبت الْوَاو يَاء لسكونها وانكسار مَا قبلهَا، والقسط مصدر يَسْتَوِي فِيهِ الْمُفْرد الْمثنى وَالْجمع، أَي:(25/201)
تضع الموازين العادلات. قيل: ثمَّة ميزَان وَاحِد يُوزن بِهِ الْحَسَنَات. وَأجِيب بِأَنَّهُ جمع بِاعْتِبَار الْعباد وأنواع الموزونات. وَقَالَ الزّجاج: أَي نضع الموازين ذَوَات الْقسْط. قَالَ أهل السّنة: إِنَّه جسم محسوس ذُو لِسَان وكفتين، وَالله تَعَالَى يَجْعَل الْأَعْمَال والأقوال كالأعيان موزونة أَو توزن صحفها، وَقيل: ميزَان كميزان الشّعْر، وَفَائِدَته إِظْهَار الْعدْل وَالْمُبَالغَة فِي الْإِنْصَاف والإلزام قطعا لأعذار الْعباد.
وأنَّ أعْمالَ بَني آدَمَ وقَوْلَهُمْ يُوزَنُ.
قد ذكرُوا أَن الْأَعْمَال والأقوال تتجسد بِإِذن الله تَعَالَى فتوزن، أَو توزن الصحائف الَّتِي فِيهَا الْأَعْمَال.
وَقَالَ مُجاهِدٌ: القُسْطاطُ: العَدْلُ بالرُّومِيَّةِ.
أَي: قَالَ مُجَاهِد فِي قَوْله تَعَالَى: {يَابَنِى آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْءَايَاتِى فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} ، {وَزِنُواْ بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ} وَهُوَ بِضَم الْقَاف وَكسرهَا الْعدْل بلغَة أهل الرّوم، هُوَ من توَافق اللغتين.
ويُقالُ: القِسْطُ مَصْدَرُ المُقْسِطِ، وهْوَ العادِلُ. وأمَّا القاسِطُ فَهْوَ الجائِرُ.
اعْترض الْإِسْمَاعِيلِيّ على البُخَارِيّ فِي قَوْله: الْقسْط مصدر المقسط، ومصدر المقسط الإقساط، يُقَال: أقسط إِذا عدل، وقسط إِذا جَار. وَقَالَ الْكرْمَانِي: الْمصدر الْمَحْذُوف الزَّوَائِد نظرا إِلَى أَصله.
قلت: هَذَا لَيْسَ بكاف فِي الْجَواب.
7563 - حدّثنا أحْمَدُ بنُ إشْكابٍ، حَدثنَا مُحَمَّدُ بنُ فُضَيْلٍ، عنْ عُمارَةَ بنِ القَعْقاعِ، عنْ أبي زُرْعَةَ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ، رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَلِمتانِ حَبيبَتان إِلَى الرَّحْمانِ خَفِيفتانِ عَلى اللِّسانِ، ثَقيلَتانِ فِي المِيزانِ: سبْحان الله وبِحَمْدِهِ، سبْحانَ الله العَظِيمِ
انْظُر الحَدِيث 6406 وطرفه
ختم البُخَارِيّ كِتَابه بالتسبيح والتحميد كَمَا بَدَأَ أَوله بِحَدِيث النِّيَّة عملا بِهِ.
وَأَبُو زرْعَة اسْمه: هرم، وَمر رِجَاله عَن قريب.
وَقد مضى الحَدِيث فِي الدَّعْوَات عَن زُهَيْر بن حَرْب وَفِي الْأَيْمَان وَالنُّذُور عَن قُتَيْبَة، وَهنا رَوَاهُ عَن أَحْمد بن إشكاب بِكَسْر الْهمزَة وَفتحهَا وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة وبالكاف وبالباء الْمُوَحدَة غير منصرف، وَقيل: هُوَ منصرف أَبُو عبد الله الصفار الْكُوفِي سكن مصر وَيُقَال: أَحْمد بن مَيْمُون بن إشكاب، وَيُقَال: أَحْمد بن عبد الله بن إشكاب، وَيُقَال: اسْم إشكاب مجمع مَاتَ سنة تسع عشر وَمِائَتَيْنِ وَهُوَ من أَفْرَاده.
قَوْله: كلمتان أَي: كلامان، وَتطلق الْكَلِمَة عَلَيْهِ كَمَا يُقَال: كلمة الشَّهَادَة. قَوْله: حبيبتان أَي: محبوبتان يَعْنِي بِمَعْنى الْمَفْعُول لَا الْفَاعِل، وَالْمرَاد محبوبية قائلهما، ومحبة الله للْعَبد إِرَادَة إِيصَال الْخَيْر إِلَيْهِ والتكريم. قيل: مَا وَجه لُحُوق عَلامَة التَّأْنِيث؟ والفعيل إِذا كَانَ بِمَعْنى الْمَفْعُول يَسْتَوِي فِيهِ الْمُذكر والمؤنث. فَأُجِيب: بِأَن التَّسْوِيَة جَائِزَة لَا وَاجِبَة، ووجوبها فِي الْمُفْرد لَا فِي الْمثنى، أَو أَن هَذِه التَّاء للنَّقْل من الوصفية إِلَى الاسمية. قَوْله: إِلَى الرَّحْمَن تَخْصِيص لفظ الرَّحْمَن من بَين سَائِر الْأَسْمَاء الْحسنى لِأَن الْقَصْد من الحَدِيث بَيَان سَعَة رَحْمَة الله تَعَالَى على عباده، حَيْثُ يجازي على الْفِعْل الْقَلِيل بالثواب الْكثير، وَلَا يُقَال: إِنَّه سجع، لِأَن الْمنْهِي سجع الْكُهَّان. قَوْله: سُبْحَانَ مصدر لَازم النصب بإضمار الْفِعْل، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: سُبْحَانَ علم للتسبيح كعثمان علم للرجل، قيل: سُبْحَانَ وَاجِب الْإِضَافَة فَكيف الْجمع بَين الْإِضَافَة والعلمية؟ وَأجِيب: بِأَنَّهُ يُنكر ثمَّ يُضَاف، وَمعنى التَّسْبِيح التَّنْزِيه يَعْنِي: أنزه الله تَنْزِيها عَمَّا لَا يَلِيق بِهِ. قَوْله: وَبِحَمْدِهِ الْوَاو للْحَال أَي: أسبحه ملتبساً بحمدي لَهُ من أجل توفيقه لي للتسبيح وَنَحْوه. أَو لعطف الْجُمْلَة على الْجُمْلَة أَي: أسبح وألتبس بِحَمْدِهِ، وَالْحَمْد هُوَ الثَّنَاء بالجميل على وَجه التَّفْضِيل، وتكرار التَّسْبِيح للإشعار بتنزيهه على الْإِطْلَاق، وَالْحَمْد لله وَحده، وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد النَّبِي الْأُمِّي وعَلى آله وَصَحبه وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا دَائِما.(25/202)
فرغت يَمِين مُؤَلفه ومسطره العَبْد الْفَقِير إِلَى رَحْمَة ربه الْغَنِيّ أَبُو مُحَمَّد محمودبن أَحْمد الْعَيْنِيّ من تأليف هَذَا الْجُزْء وتسطيره. الْحَادِي وَالْعِشْرين من عُمْدَة الْقَارِي فِي شرح البُخَارِيّ الَّذِي بِهِ كمل الشَّرْح بِتَوْفِيق الله وعونه ولطفه وَكَرمه، فِي آخر الثُّلُث الأول من لَيْلَة السبت الْخَامِس من شهر جُمَادَى الأولى عَام سَبْعَة وَأَرْبَعين وَثَمَانمِائَة من الْهِجْرَة النَّبَوِيَّة، فِي دَاره الَّتِي مُقَابلَة مدرسته البدرية فِي حارة كتامة بِالْقربِ من الْجَامِع الْأَزْهَر، وَكَانَ ابْتِدَاء شروعي فِي تأليفه فِي آخر شهر رَجَب الْأَصَم الأصب سنة عشْرين وَثَمَانمِائَة، وفرغت من الْجُزْء الأول يَوْم الِاثْنَيْنِ السَّادِس عشر من شهر ذِي الْحجَّة الْحَرَام سنة عشْرين وَثَمَانمِائَة، وفرغت من الْجُزْء الثَّانِي نَهَار الثُّلَاثَاء السَّابِع من شهر جُمَادَى الْآخِرَة سنة إِحْدَى وَعشْرين وَثَمَانمِائَة، وفرغت من الْجُزْء الثَّالِث يَوْم الْجُمُعَة الثَّامِن من جُمَادَى الأولى سنة ثَلَاثَة وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة، بعد أَن مكثت فِيهِ نصف سنة، وَكَانَ الْخُلُو بَين الثَّانِي وَالثَّالِث مِقْدَار سِتَّة عشر سنة، وَأكْثر، وفرغت من الرَّابِع يَوْم الثُّلَاثَاء التَّاسِع من ربيع الآخر سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة، ثمَّ استمريت فِي الْكِتَابَة والتأليف إِلَى التَّارِيخ الْمَذْكُور فِي الْحَادِي وَالْعِشْرين وَكَانَت مُدَّة مكثي فِي التَّأْلِيف مِقْدَار عشر سِنِين مَعَ تخَلّل أَيَّام كَثِيرَة فِيهَا، وَالْحَمْد لله تَعَالَى على هَذِه النِّعْمَة، صلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وعَلى آله وَصَحبه وَسلم.
أحمدك يَا من أوضحت سنَن الْحق لسالكيها بآيَات بَيِّنَات. وأبنت طرق الْهِدَايَة بعلامات واضحات. وكشفت عَن الضَّلَالَة حجب الأوهام والخزعبلات. فظهرت وحشية المنظر منفورة الشكل لَدَى أَرْبَاب البصائر والإدراكات. فَانْدفع الْبَاطِل وزهق بِمَا للْحَقِيقَة من قُوَّة وصدمات. فتعالى وانتصر سَبِيل دين الْحق الْمُؤَيد بِأم الْكتاب الَّتِي هِيَ آيَات محكمات. والمدعم بِسنة خير خلق الله المعزز بالبراهين والمعجزات. فنشهد أَن لَا إلاه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ شَهَادَة دائمة فِي الْمحيا وَالْمَمَات. ونشهد أَن سيدنَا مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله صَاحب الْمقَام الْمَحْمُود والمناقب الباهرات. اللَّهُمَّ صل على سيدنَا مُحَمَّد وعَلى آله وَصَحبه مَا دَامَت أزمنة وأوقات. وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا وَبَارك عَلَيْهِم وعَلى من تبع هديهم بتحيات مباركات زاكيات.(25/203)