هُوَ مُحَمَّد بن يحيى بن عبد الله بن خَالِد بن فَارس بن ذُؤَيْب الذهلي النَّيْسَابُورِي الْحَافِظ الْمَشْهُور، وَقَالَ صَاحب كتاب (رجال الصَّحِيحَيْنِ) : روى عَنهُ البُخَارِيّ فِي قريب من ثَلَاثِينَ موضعا وَلم يقل: حَدثنَا مُحَمَّد بن يحيى الذهلي مُصَرحًا بل يَقُول: حَدثنَا مُحَمَّد تَارَة وَلَا يزدْ عَلَيْهِ، وَتارَة يَقُول: حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الله، فينسبه إِلَى جده، وَتارَة يَقُول: حَدثنَا مُحَمَّد بن خَالِد فينسبه إِلَى جد أَبِيه، وَالسَّبَب فِي ذَلِك أَن البُخَارِيّ لما دخل نيسابور، شغب عَلَيْهِ مُحَمَّد بن يحيى الذهلي فِي مَسْأَلَة خلق اللَّفْظ وَكَانَ قد سمع مِنْهُ وَلم يتْرك الرِّوَايَة عَنهُ وَلم يُصَرح باسمه. وَمَات مُحَمَّد بن يحيى بعد البُخَارِيّ بِيَسِير، تَقْدِيره نَحْو سنة سبع وَخمسين وَمِائَتَيْنِ، وَعُثْمَان بن عمر بن فَارس الْبَصْرِيّ مر فِي الْغسْل يروي عَن عبد الله بن عون عَن الْحسن الْبَصْرِيّ عَن عبد الرَّحْمَن بن سَمُرَة الْقرشِي سكن الْبَصْرَة وَمَات بِالْكُوفَةِ سنة خمسين.
والْحَدِيث مضى فِي أول كتاب الْأَيْمَان وَالنُّذُور فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن أبي النُّعْمَان مُحَمَّد بن الْفضل، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (الْإِمَارَة) ، بِكَسْر الْهمزَة أَي: الْأَمر قَوْله: (إِن أعطيتهَا فِي الْمَوْضِعَيْنِ على صِيغَة الْمَجْهُول وَكَذَلِكَ قَوْله (أعنت) (ووكلت) وَهُوَ بتَخْفِيف الْكَاف وَمَعْنَاهُ: وكلت إِلَى نَفسك وعجزت. قَوْله: (فَرَأَيْت) من الرَّأْي لَا من الرُّؤْيَة بالبصر. قَوْله: (غَيرهَا) قد ذكرنَا عَن قريب أَن مرجع الضَّمِير للْيَمِين وَلكنه بالتأويل وَهُوَ بِاعْتِبَار الْخصْلَة الْمَوْجُودَة فِيهِ. قَوْله: (وَكفر عَن يَمِينك) هَكَذَا بِالْوَاو وَفِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، ويروى: فيكفر، بِالْفَاءِ.
تابَعَهُ أشْهَلُ عنِ ابْن عَوْنِ
أَي: تَابع عُثْمَان بن عمر فِي رِوَايَته عَن عبد الله بن عون أشهل على وزن أَحْمد بالشين الْمُعْجَمَة ابْن حَاتِم، وَفِي بعض النّسخ صرح باسم أَبِيه، وأشهل مَرْفُوع لِأَنَّهُ فَاعل وَالضَّمِير فِي: تَابعه، مَنْصُوب لِأَنَّهُ مفعول ووصول هَذِه الْمُتَابَعَة أَبُو عوَانَة وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق أبي قلَابَة الرقاشِي عَن مُحَمَّد بن عبد الله الْأنْصَارِيّ، وأشهل بن حَاتِم قَالَا: حَدثنَا ابْن عون بِهِ.
وتابَعَهُ يُونُسُ وسِماكُ بنُ عَطِيّةَ وسِماكُ بنُ حَرْبٍ وحُمَيْدٌ وقَتادةُ ومَنْصُورٌ وهِشامٌ والرَّبِيعُ
يَعْنِي هَؤُلَاءِ الثَّمَانِية تابعوا عبد الله بن عون فِي رِوَايَته عَن الْحسن عَن سَمُرَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قيل: وَقع فِي نُسْخَة من رِوَايَة أبي ذَر: وَحميد عَن قَتَادَة، وَهُوَ خطأ وَالصَّوَاب: وَحميد وَقَتَادَة، بواو الْعَطف.
أما مُتَابعَة يُونُس وَهُوَ ابْن عبيد بن دِينَار الْعَبْدي الْبَصْرِيّ فوصلها البُخَارِيّ فِي كتاب الْأَحْكَام فِي: بَاب من سَأَلَ الْإِمَارَة وكل إِلَيْهَا. قَالَ: حَدثنَا أَبُو معمر حَدثنَا عبد الْوَارِث حَدثنَا يُونُس عَن الْحسن قَالَ: حَدثنِي عبد الرَّحْمَن بن سَمُرَة قَالَ: قَالَ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا عبد الرَّحْمَن بن سَمُرَة! لَا تسْأَل الْإِمَارَة ... الحَدِيث. وَأما مُتَابعَة سماك بِكَسْر السِّين المهلمة وَتَخْفِيف الْمِيم وبكاف ابْن عَطِيَّة المربدي من أهل الْبَصْرَة. فوصلها مُسلم، وَقَالَ: حَدثنَا أَبُو كَامِل الجحدري حَدثنَا حَمَّاد بن زيد عَن سماك بن عَطِيَّة وَيُونُس بن عبيد وَهِشَام بن حسان كلهم عَن الْحسن عَن عبد الرَّحْمَن بن سَمُرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ثمَّ أَحَالهُ على حَدِيث جرير بن حَازِم، فَإِنَّهُ أخرجه عَنهُ فَقَالَ: حَدثنَا شَيبَان بن فروخ حَدثنَا جرير بن حَازِم حَدثنَا الْحسن حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن سَمُرَة قَالَ: قَالَ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا عبد الرَّحْمَن بن سَمُرَة ... الحَدِيث. وَأما مُتَابعَة سماك بن حَرْب ضد الصُّلْح أبي الْمُغيرَة الْكُوفِي فوصلها عبد الله بن أَحْمد فِي (زياداته) وَالطَّبَرَانِيّ فِي (الْكَبِير) من طَرِيق حَمَّاد بن زيد عَنهُ عَن الْحسن. وَأما مُتَابعَة حميد بن أبي حميد الطَّوِيل فوصلها مُسلم من طَرِيق هشيم قَالَ: حَدثنِي عَليّ بن حجر السَّعْدِيّ حَدثنَا هشيم عَن يُونُس وَمَنْصُور وَحميد عَن الْحسن. وَأما مُتَابعَة قَتَادَة فوصلها مُسلم أَيْضا قَالَ: حَدثنَا عقبَة بن المكرم الْعمي حَدثنَا سعيد بن عَامر عَن سعيد عَن قَتَادَة، وَذكر جمَاعَة آخَرين قبله، ثمَّ قَالَ: كلهم عَن الْحسن عَن عبد الرَّحْمَن بن سَمُرَة ... الحَدِيث. وَأما مُتَابعَة مَنْصُور هُوَ ابْن الْمُعْتَمِر فوصلها مُسلم أَيْضا، وَقد مر الْآن. وَأما مُتَابعَة هِشَام هُوَ ابْن حسان الفردوسي فوصلها أَبُو نعيم فِي (مستخرج مُسلم) من طَرِيق حَمَّاد بن زيد عَن هِشَام عَن الْحسن. وَأما مُتَابعَة الرّبيع بِفَتْح الرَّاء ابْن مُسلم الجُمَحِي(23/228)
الْبَصْرِيّ جزم بِهِ الْحَافِظ الدمياطي وَهُوَ من رجال مُسلم. وَقَالَ بَعضهم بِالظَّنِّ: إِنَّه الرّبيع بن صبيح بِفَتْح الصَّاد وَهُوَ من رجال التِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه، فوصلها أَبُو عوَانَة من طَرِيق الْأسود بن عَامر عَن الرّبيع بن صبيح عَن الْحسن، وَوَصلهَا الْحَافِظ يُوسُف بن خَلِيل فِي الْجُزْء الَّذِي جمع فِيهِ طرق هَذَا الحَدِيث من طَرِيق وَكِيع عَن الرّبيع عَن الْحسن وَلم ينْسب الرّبيع، فَيحْتَمل أَن يكون مثل مَا قَالَ الْحَافِظ الدمياطي، وَيحْتَمل أَن يكون مثل مَا روى أَبُو عوَانَة، وَلَكِن يُؤَكد قَول من يَقُول بِالْجَزْمِ دون الظَّن. وَالله أعلم.
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
58 - (كتابُ الفَرَائِضِ)
أَي: هَذَا كتاب فِي بَيَان أَحْكَام الْفَرَائِض، وَهُوَ جمع فَرِيضَة، وَهِي فِي اللُّغَة اسْم مَا يفْرض على الْمُكَلف، وَمِنْه فَرَائض الصَّلَوَات والزكوات، وَسميت أَيْضا الْمَوَارِيث فَرَائض وفروضاً لما أَنَّهَا مقدرات لأصحابها ومبينات فِي كتاب الله تَعَالَى ومقطوعات لَا تجوز الزِّيَادَة عَلَيْهَا وَلَا النُّقْصَان مِنْهَا، وَهِي فِي الأَصْل مُشْتَقَّة من الْفَرْض وَهُوَ الْقطع وَالتَّقْدِير وَالْبَيَان، يُقَال: فرضت لفُلَان كَذَا أَي: قطعت لَهُ شَيْئا من المَال. وَقَالَ الله تَعَالَى: {سُورَة أنزلناها وفرضناها} (النُّور: 1) أَي: قَدرنَا فِيهَا الْأَحْكَام، وَقد قَالَ تَعَالَى: {قد فرض الله لكم تَحِلَّة أَيْمَانكُم} (التَّحْرِيم: 2) أَي: بيَّن كَفَّارَة أَيْمَانكُم.
1 - (بَاب وقَوْلِهِ تَعَالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِى أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الاُْنْثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَآءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلاَِبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُنْ لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلاُِمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلاُِمِّهِ السُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِى بِهَآ أَوْ دَيْنٍءَابَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَّمْ يَكُنْ لَّهُنَّ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَآ أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُنْ لَّكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَآ أَوْ دَيْنٍ وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَو امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ فَإِن كَانُو اْ أَكْثَرَ مِن ذالِكَ فَهُمْ شُرَكَآءُ فِى الثُّلُثِ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَآ أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَآرٍّ وَصِيَّةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ} (النِّسَاء: 11 21)
وَقَول الله بِالْجَرِّ عطف على قَوْله الْفَرَائِض، والآيتان المذكورتان سبقتا بتمامهما فِي رِوَايَة أبي ذَر وَغَيره، سَاق الْآيَة الأولى وَقَالَ بعده قَوْله: {عليماً حكيماً} إِلَى قَوْله: {وَالله عليم حَلِيم} هَاتَانِ الْآيَتَانِ الكريمتان وَالْآيَة الَّتِي هِيَ خَاتِمَة السُّورَة الَّتِي هما مِنْهَا، وَهِي سُورَة النِّسَاء، آيَات علم الْفَرَائِض وَهُوَ مستنبط من هَذِه الْآيَات وَمن الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي ذَلِك مِمَّا هِيَ كالتفسير لذَلِك، وَكَانَت الوراثة فِي الْجَاهِلِيَّة بالرجولية وَالْقُوَّة، أَي: كَانُوا يورثون الرِّجَال دون النِّسَاء، وَكَانَ فِي ابْتِدَاء الْإِسْلَام أَيْضا بالمحالفة قَالَ الله تَعَالَى: {وَالَّذين عَاقَدَتْ أَيْمَانكُم} يَعْنِي: الحلفاء {آتوهم نصِيبهم} (النِّسَاء: 33) أَي: أعطوهم حظهم من الْمِيرَاث، فَصَارَت بعده بِالْهِجْرَةِ، فنسخ هَذَا كُله وَصَارَت الوراثة بِوَجْهَيْنِ: بِالنّسَبِ وَالسَّبَب، فالسبب النِّكَاح وَالْوَلَاء، وَالنّسب الْقَرَابَة. وَبحث ذَلِك فِي علم الْفَرَائِض. وَالَّذين لَا يسقطون من الْمِيرَاث أصلا سِتَّة: الأبوان والولدان والزوجان، وَالَّذين لَا يَرِثُونَ أصلا سِتَّة: العَبْد وَالْمُرْتَدّ وَالْمكَاتب وَأم الْوَلَد وَقَاتل الْعمد وَأهل الملتين. وَزَاد بَعضهم أَرْبَعَة أُخْرَى هِيَ: التبني وجهالة الْوَارِث وجهالة تَارِيخ الْمَوْتَى والارتداد، وَسَيَجِيءُ تَفْسِير هَذِه الْآيَات وَبَيَان سَبَب نُزُولهَا فِي الْأَبْوَاب الَّتِي تذكر هَهُنَا، ولنذكر بعض شَيْء.(23/229)
قَوْله: {يُوصِيكُم الله} أَي: يَأْمُركُمْ بِالْعَدْلِ فِي أَوْلَادكُم، وَبِذَلِك نسخ مَا كَانَت الْجَاهِلِيَّة تَفْعَلهُ من عدم تَوْرِيث النِّسَاء، فَجعل للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ لاحتياج الرجل إِلَى مُؤمنَة النَّفَقَة والكلفة ومقاساة التِّجَارَة والتكسب وَتحمل الْمَشَقَّة. قَوْله: {فَإِن كن نسَاء} أَي: فَإِن كَانَت المتروكات نسَاء فَوق اثْنَتَيْنِ يَعْنِي اثْنَتَيْنِ فَصَاعِدا، قيل: لفظ فَوق صلَة كَقَوْلِه تَعَالَى: {فاضربوا فَوق الْأَعْنَاق} وَقيل: هَذَا غير مُسلم لَا هُنَا وَلَا هُنَاكَ وَلَيْسَ فِي الْقُرْآن شَيْء زَائِد لَا فَائِدَة فِيهِ. قَوْله: {وَإِن كَانَت وَاحِدَة} أَي: وَإِن كَانَت المتروكة وَاحِدَة بِنْتا كَانَت أَو امْرَأَة، وَوَاحِدَة نصب على أَنه خبر: كَانَت، وقرىء بِالرَّفْع على معنى: وَإِن وَقعت وَاحِدَة، فحينئذٍ لَا خبر لَهُ لِأَن كَانَ تكون تَامَّة. قَوْله: {ولأبويه} أَي: ولابوي الْمَيِّت، كِنَايَة عَن غير مَذْكُور، والقرينة دَالَّة عَلَيْهِ. قَوْله: {لكل وَاحِد مِنْهُمَا} أَي: من الْأَبَوَيْنِ {السُّدس مِمَّا ترك} أَي: الْمَيِّت إِن كَانَ لَهُ أَي للْمَيت ولد. وَقَوله: {ولد} يَشْمَل ولد الابْن، وَالْأَب هُنَا صَاحب فرض فَإِن لم يكن لَهُ أَي للْمَيت ولد، وَالْحَال أَن أَبَوَيْهِ يرثانه فلأمه الثُّلُث من التَّرِكَة، وَيعلم مِنْهُ أَن الْبَاقِي وَهُوَ الثُّلُثَانِ للْأَب. قَوْله: {فَإِن كَانَ لَهُ} أَي للْمَيت إخْوَة اثْنَيْنِ كَانَ أَو أَكثر ذكراناً أَو إِنَاثًا فلإمه السُّدس، هَذَا قَول عَامَّة الْفُقَهَاء، وَكَانَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، لَا يحجب الْأُم عَن الثُّلُث إِلَى السُّدس بِأَقَلّ من ثَلَاثَة أخوة، وَكَانَ يَقُول فِي أبوين وأخوين: للْأُم الثُّلُث وَمَا بَقِي فللأب، اتبع ظَاهر اللَّفْظ. قَوْله: {من بعد وَصِيَّة يُوصي بهَا} أَي: الْمَيِّت. قَوْله: {أَو دين} أَي: بعددين. أجمع الْعلمَاء سلفا وخلفاً على أَن الدَّين مقدم على الْوَصِيَّة، وَلَكِن الدَّين على نَوْعَيْنِ: دين الله وَدين الْعباد، فدين الله إِن لم يوص بِهِ يسْقط عندنَا، سَوَاء كَانَ صَلَاة أَو زَكَاة، وَيبقى عَلَيْهِ المأثم والمطالبة يَوْم الْقِيَامَة، وَعند الشَّافِعِي: يلْزم قَضَاؤُهُ كَدين الْعباد، أوصى أَولا: وَإِن بعض الدّين أولى من بعض، فدين الصِّحَّة وَمَا ثَبت بالمعاينة فِي الْمَرَض أَو بِالْبَيِّنَةِ أولى مِمَّا يثبت عَلَيْهِ بِالْإِقْرَارِ عندنَا. وَقَالَ الشَّافِعِي: دين الصِّحَّة وَمَا أقرّ بِهِ فِي مَرضه سَوَاء، وَمَا أقرّ بِهِ فِيهِ مقدم على الْوَصِيَّة، وَلَا يَصح إِقْرَاره فِيهِ لوَارِثه بدين أَو عين عندنَا، خلافًا قَالَه فِي أحد قوليه: إلاَّ أَن تجيزه بَقِيَّة الْوَرَثَة فَيجوز، وَإِذا اجْتمع الدَّينان فدين الْعباد أولى عندنَا، وَعِنْده دين الله أولى، وَعنهُ: أَنَّهُمَا سَوَاء. وَأما الْوَصِيَّة فِي مِقْدَار الثُّلُث فمقدمة على الْمِيرَاث بعد قَضَاء الدُّيُون فَلَا يحْتَاج إِلَى إجَازَة الْوَرَثَة. قَوْله: {آباؤكم وأبناؤكم} أَي: لَا تَدْرُونَ من أَنْفَع لكم من آبائكم وأبنائكم الَّذين يموتون أَمن أوصى مِنْهُم أم من لم يوص؟ يَعْنِي: إِن من أوصى بِبَعْض مَاله فعركضم لثواب الْآخِرَة بإمضاء الْوَصِيَّة فَهُوَ أقرب لكم نفعا. قَالَ مُجَاهِد: فِي الدُّنْيَا وَقَالَ الْحسن: لَا تَدْرُونَ أَيهمْ أسعد فِي الدّين وَالدُّنْيَا. قَوْله: {فَرِيضَة} نصب على الصَّدْر أَي: هَذَا الَّذِي ذكرنَا من تَفْصِيل الْمِيرَاث وَإِعْطَاء بعض الْوَرَثَة أَكثر من بعض هُوَ فرض من الله حَاصله: فرض الله ذَلِك فَرِيضَة وَحكم بِهِ وَقَضَاء وَهُوَ الْعَلِيم الْحَكِيم الَّذِي يضع الْأَشْيَاء فِي محلهَا وَيُعْطِي كلَاما يسْتَحقّهُ بحسه. قَوْله: {وَلكم} أَي: وَلكم أَيهَا الرِّجَال {نصف مَا ترك أزواجكم} إِذا متن وَلم يكن لَهُنَّ ولد. قَوْله: {ولهن} أَي: المزوجات، وَسَوَاء فِي الرّبع أَو الثّمن الزَّوْجَة والزوجتان وَالثَّلَاث والأربع يشتركن فِيهِ قَوْله: {وَإِن كَانَ رجل يُورث} صفة لرجل، وكلالة نصب على أَنه خبر: كَانَ، وَهِي مُشْتَقَّة من الإكليل وَهُوَ الَّذِي يُحِيط بِالرَّأْسِ من جوانبه، وَالْمرَاد هُنَا من يَرِثهُ من حَوَاشِيه لَا أُصُوله وَلَا فروعه: وَهُوَ من لَا وَالِد لَهُ وَلَا ولد، وَهَكَذَا قَالَ عَليّ بن أبي طَالب وَابْن مَسْعُود وَعبد الله بن عَبَّاس وَزيد بن ثَابت رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَبِه قَالَ الشّعبِيّ وَالنَّخَعِيّ وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَقَتَادَة وَجَابِر بن زيد وَالْحكم، وَبِه يَقُول أهل الْمَدِينَة والكوفة وَالْبَصْرَة، وَهُوَ قَول الْفُقَهَاء السَّبْعَة والأثمة الْأَرْبَعَة وَجُمْهُور الْخلف وَالسَّلَف بل جَمِيعهم، وَقد حكى الْإِجْمَاع على ذَلِك غير وَاحِد. وَقَالَ طَاوُوس: الْكَلَالَة مَا دون الْوَلَد، وَقَالَ عَطِيَّة: هِيَ الْأُخوة للْأُم: وَقَالَ عبيد بن عُمَيْر: هِيَ الْأُخوة للْأَب، وَقيل: هِيَ الْأُخوة وَالْأَخَوَات. وَقيل: هِيَ مَا دون الْأَب. قَوْله: {أَو امْرَأَة} عطف على رجل. قَوْله: {وَله أَخ أَو أُخْت} وَلم يقل: وَلَهُمَا، لِأَن الْمَذْكُور الرجل وَالْمَرْأَة لِأَن الْعَرَب إِذا ذكرت اسْمَيْنِ وأخبرت عَنْهُمَا وَكَانَا فِي الحكم سَوَاء رُبمَا أضافت إِلَى أَحدهمَا وَرُبمَا أضافت إِلَيْهِمَا جَمِيعًا، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: { (2) وَاسْتَعِينُوا بِالصبرِ وَالصَّلَاة إِنَّهَا لكبيرة} (الْبَقَرَة: 54) . قَوْله: {وَله أَخ} أَي: لأم أَو أُخْت لأم، دَلِيله قِرَاءَة سعد بن أبي وَقاص رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: وَله أَخ أَو أُخْت من أم. قَوْله: {فهم شُرَكَاء فِي الثُّلُث} بَينهم بِالسَّوِيَّةِ ذكورهم وإناثهم سَوَاء. قَوْله: {أَو دين} غير مضار يَعْنِي: على الْوَرَثَة وَهُوَ أَن يُوصي بدين لَيْسَ عَلَيْهِ. وروى ابْن أبي حَاتِم بِإِسْنَادِهِ إِلَى ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: الْإِضْرَار فِي الْوَصِيَّة من الْكَبَائِر. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: قَوْله: غير مضار، حَال أَي: يُوصي بهَا وَهُوَ غير مضار لوَرثَته، وَذَلِكَ بِأَن يُوصي بِزِيَادَة على الثُّلُث.(23/230)
3276 - حدّثنا قتيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ حدّثنا سُفيْانُ عنْ مُحَمَّدِ بن المُنْكَدِرِ سَمِعَ جابِرَ بنَ عَبْدِ الله رَضِي الله عَنْهُمَا، يَقُولُ: مَرِضْتُ فَعادَني رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأبُو بَكْرٍ وهُما ماشيان فأتياني وقَدْ أُغْمِيَ عَلَيَّ، فَتَوَضَّأ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَصَبَّ عَلَيَّ وَضُوءَهُ فأفَقْتُ فَقُلْتُ: يَا رسُولَ الله! كَيْفَ أصْنَعُ فِي مَالِي؟ كَيْفَ أقْضِي فِي مَالِي؟ فلَمْ يُجِبْنِي بِشَيْءٍ حتَّى نَزَلَتْ آيَةُ المَوَارِيثِ.
مطابقته للآيتين المذكورتين اللَّتَيْنِ هما كالترجمة ظَاهِرَة لِأَن فيهمَا ذكر الْمَوَارِيث. وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة.
والْحَدِيث مضى فِي الطِّبّ عَن عبد الله بن مُحَمَّد.
قَوْله: (وهما ماشيان) الْوَاو فِيهِ للْحَال. قَوْله: (فأتياني) ويروى فَأَتَانِي أَي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (وَقد أغمى) بِلَفْظ الْمَجْهُول، (وَعلي) بتَشْديد الْيَاء. قَوْله: (وضوءه) بِفَتْح الْوَاو على الْمَشْهُور. قَوْله: (آيَة الْمَوَارِيث) ويروى: آيَة الْمِيرَاث، وَهِي قَوْله: {يُوصِيكُم الله} (النِّسَاء: 11)
إِلَى آخِره. فَإِن قلت: رُوِيَ أَنَّهَا نزلت فِي سعد بن أبي وَقاص رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
قلت: لَا مُنَافَاة لاحْتِمَال أَن بَعْضهَا نزل فِي هَذَا وَبَعضهَا فِي ذَلِك، أَو كَانَ فِي وَقت وَاحِد.
وَقَالَ الْكرْمَانِي: فِيهِ: أَنه كَانَ ينْتَظر الْوَحْي وَلَا يحكم بِالِاجْتِهَادِ ثمَّ أجَاب بقوله: وَلَا يلْزم من عدم اجْتِهَاده فِي هَذِه الْمَسْأَلَة عدم اجْتِهَاده مُطلقًا، أَو كَانَ يجْتَهد بعد الْيَأْس من الْوَحْي، أَو حَيْثُ مَا تيَسّر عَلَيْهِ، أَو لم يكن من الْمسَائِل التعبدية. وَفِيه: عِيَادَة الْمَرِيض وَالْمَشْي فِيهَا والتبرك بآثار الصَّالِحين وطهارة المَاء الْمُسْتَعْمل وَظُهُور بركَة أثر الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
2 - (بابُ تَعْلِيمِ الفَرائِضِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان تَعْلِيم الْفَرَائِض. قيل: لَا وَجه لدُخُول هَذَا فِي هَذَا الْبَاب، ورد بِأَنَّهُ حث على تَعْلِيم الْعلم وَمن الْعلم الْفَرَائِض، وَقد ورد حَدِيث فِي الْحَث على تَعْلِيم الْفَرَائِض وَلَكِن لم يكن على شَرطه فَلذَلِك لم يذكرهُ، وَهُوَ مَا رَوَاهُ أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ من حَدِيث ابْن مَسْعُود رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: تعلمُوا الْفَرَائِض وعلموها النَّاس، فَإِنِّي امْرُؤ مَقْبُوض، وَإِن الْعلم سيقبض حَتَّى يخْتَلف الإثنان فِي الْفَرِيضَة فَلَا يجدان من يفصل بَينهمَا.
وَقَالَ عُقْبَةُ بنُ عامِرٍ: تَعَلَّمُوا قَبْلَ الظَّانِّينَ، يَعْنِي: الَّذِينَ يَتَكَلَّمُونَ بالظَّنِّ
عقبَة بِالْقَافِ ابْن عَامر الْجُهَنِيّ وَالِي مصر من قبل مُعَاوِيَة، وَليهَا سنة أَربع وَأَرْبَعين ثمَّ عَزله بِمسلمَة بن مخلد، وَجمع لَهُ مُعَاوِيَة بَين مصر وَالْمغْرب، مَاتَ سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ بِالْمَدِينَةِ، وَقيل: بِمصْر، وَقَالَ ابْن يُونُس: توفّي بإسكندرية، وَكَانَ عقبَة ابتنى بِمصْر دَارا وَقَالَ أَبُو عمر: توفّي فِي آخر خلَافَة مُعَاوِيَة. وَقَالَ الْوَاقِدِيّ: وَدفن فِي المقطم. وَقَالَ خَليفَة: توفّي سنة ثَمَان وَخمسين. قَوْله: (تعلمُوا) أَي الْعلم حذف مَفْعُوله ليشْمل كل علم وَيدخل فِيهِ علم الْفَرَائِض أَيْضا، وَهَذَا وَجه الْمُنَاسبَة، وَبِهَذَا يرد كَلَام (التَّوْضِيح) : حَيْثُ قَالَ: وَأما كَلَام عقبَة والْحَدِيث الَّذِي بعده فَلَا مُنَاسبَة بَينهمَا لما ذكره.
قلت: من لَهُ أدنى فهم يَقُول بالمناسبة لما ذكرنَا، على أَنه يجوز أَن يكون مُرَاد عقبَة من قَوْله: تعلمُوا، أَي: علم الْفَرَائِض، يُرِيد بِهِ هَذَا الْعلم الْمَخْصُوص شدَّة الاهتمام بِهِ لِأَن الحَدِيث الَّذِي ذَكرْنَاهُ الْآن يدل على شدَّة الاعتناء بِعلم الْفَرَائِض وبتعلمه وتعليمه، وَكَيف لَا وَقد جعله النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نصف الْعلم فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة، رَوَاهُ ابْن مَاجَه عَنهُ: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (تعلمُوا الْفَرَائِض وعلموها النَّاس فَإِنَّهَا نصف الْعلم، وَهُوَ أول شَيْء ينسى من أمتِي) وروى الْحَاكِم من حَدِيث عبد الله بن عَمْرو: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (الْعلم ثَلَاثَة مَا سوى ذَلِك فَهُوَ فضل: آيَة محكمه، أَو سنة قَائِمَة، أَو فَرِيضَة عادلة. قَوْله: (قبل الظانين) فسره بقوله: يَعْنِي الَّذين يَتَكَلَّمُونَ بِالظَّنِّ، قَالَ الْكرْمَانِي: أَي قبل اندراس الْعلم وَالْعُلَمَاء وحدوث الَّذين لَا يعلمُونَ شَيْئا ويتكلمون بِمُقْتَضى ظنونهم الْفَاسِدَة.
4276 - حدّثنا مُوسَى بنُ إسْماعِيلَ حدّثنا وُهَيْبٌ حَدثنَا ابنُ طاوُوس عَنْ أبِيهِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إيَّاكُمْ والظَّنَّ فإنَّ الظَّنَّ أكْذَبُ الحَدِيثِ، وَلَا تَحَسَّسُوا وَلَا(23/231)
تَجَسَّسُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَدَابَرُوا وكُونُوا عِبادَ الله إخْواناً) .
مطابقته لأثر عقبَة ظَاهِرَة فِي قَوْله: (إيَّاكُمْ وَالظَّن) ووهيب مصغر وهب هُوَ ابْن خَالِد الْبَصْرِيّ، يروي عَن عبد الله بن طَاوُوس عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب النِّكَاح فِي: بَاب لَا يخْطب على خطْبَة أَخِيه.
قَوْله: (إيَّاكُمْ وَالظَّن) مَعْنَاهُ: اجتنبوه، قَالَ الْمُهلب: هَذَا الظَّن لَيْسَ هُوَ الِاجْتِهَاد على الظَّن وَإِنَّمَا هُوَ الظَّن الْمنْهِي عَنهُ فِي الْكتاب وَالسّنة وَهُوَ الَّذِي لَا يسْتَند إِلَى أصل. وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَالْأَظْهَر أَن المُرَاد بِهِ ظن السوء بِالْمُسْلِمين لَا مَا يتَعَلَّق بِالْأَحْكَامِ. قَوْله: (أكذب الحَدِيث) قيل: الْكَذِب لَا يقبل الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان. فَكيف جَاءَ مِنْهُ أفعل التَّفْضِيل؟ وَأجِيب: بِأَن مَعْنَاهُ الظَّن أَكثر كذبا من سَائِر الْأَحَادِيث. قيل: الظَّن لَيْسَ بِحَدِيث. وَأجِيب: بِأَنَّهُ حَدِيث نفساني وَمَعْنَاهُ: الحَدِيث الَّذِي منشؤه الظَّن أَكثر كذبا من غَيره. وَقَالَ الْخطابِيّ أَي: الظَّن منشأ أَكثر الْكَذِب. (وَلَا تجسسوا) بِالْجِيم وَهُوَ مَا تطلبه لغيرك (وَلَا تحسسوا) بِالْحَاء وَهُوَ مَا تطلبه لنَفسك. وَقيل: التَّجَسُّس بِالْجِيم الْبَحْث عَن بواطن الْأُمُور وَأكْثر مَا يُقَال ذَلِك فِي الشَّرّ، وَقيل: بِالْجِيم فِي الْخَيْر وَبِالْحَاءِ فِي الشَّرّ، وَقَالَ الْجرْمِي: مَعْنَاهُمَا وَاحِد وهما تطلب معرفَة الْأَخْبَار. قَوْله: (وَلَا تدابروا) أَي: وَلَا تقاطعوا وَلَا تهاجروا.
3 - (بابُ قَوْل النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنا صَدَقَةٌ))
: أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَا نورث) على صِيغَة الْمَجْهُول، وَلَو رُوِيَ بِكَسْر الرَّاء على صِيغَة الْمَعْلُوم لَكَانَ لَهُ وَجه لصِحَّة الْمَعْنى.
قلت: وَوجه هَذَا أَن الله عز وَجل لما بَعثه إِلَى عباده ووعده على التَّبْلِيغ لدينِهِ والصدع بأَمْره الْجنَّة، وَأمره أَن لَا يَأْخُذ أجرا وَلَا شَيْئا من مَتَاع الدُّنْيَا بقوله: { (25) قل مَا أَسأَلكُم عَلَيْهِ من أجر} (الْفرْقَان: 75، وص: 68) أَرَادَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن لَا ينْسب إِلَيْهِ من مَتَاع الدُّنْيَا شَيْء يكون عِنْد النَّاس فِي معنى الْأجر وَالثمن، فَلم يحل لَهُ شَيْء مِنْهَا، وَمَا وصل إِلَى الْمَرْء وَأَهله فَهُوَ وَاصل إِلَيْهِ فَلذَلِك حرم الْمِيرَاث على أَهله لِئَلَّا يظنّ بِهِ أَنه جمع المَال لوَرثَته، كَمَا حرم عَلَيْهِم الصَّدقَات الْجَارِيَة على يَدَيْهِ فِي الدُّنْيَا لِئَلَّا ينْسب إِلَى مَا تَبرأ مِنْهُ فِي الدُّنْيَا، وَكَذَلِكَ سَائِر الرُّسُل على مَا عرف فِي مَوْضِعه. قَوْله: (مَا تركنَا صَدَقَة) كلمة: مَا، مَوْصُولَة (تركنَا) صلَة (وَصدقَة) بِالرَّفْع خَبره أعنى: خبر: مَا، وَيجوز أَن يقدر فِيهِ لَفْظَة هُوَ: أَي الَّذِي تَرَكْنَاهُ هُوَ صَدَقَة، وَهُوَ معنى قَوْله: إِن آل مُحَمَّد لَا تحل لَهُم الصَّدَقَة، وَعَن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (أَنا معشر الْأَنْبِيَاء لَا نورث مَا تركنَا صَدَقَة) فَهَذَا عَام فِي جَمِيع الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام، وَلَا يُعَارضهُ قَوْله تَعَالَى: {وَورث سُلَيْمَان دَاوُد} (النَّمْل: 61) لِأَن المُرَاد إِرْث النُّبُوَّة وَالْعلم وَالْحكم، وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {يَرِثنِي وَيَرِث من آل يَعْقُوب} (مَرْيَم: 6) .
5276 - حدّثنا عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ حَدثنَا هِشامٌ أخبرنَا مَعْمَرٌ عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ عُرْوةَ عنْ عائِشَةَ أنَّ فاطِمَة والعَبَّاسَ عَلَيْهِما السّلامُ، أتَيا أَبَا بَكْرٍ يَلْتَمِسانِ مِيرَاثَهُما مِنْ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهُما حِينَئِذٍ يَطْلُبان أرْضَيْهِما مِنْ فَدَكٍ وسَهْمَهُما مِنْ خَيْبَرَ. فَقَالَ لَهما أَبُو بكر سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول لَا نورث مَا تركنَا صَدَقَة إِنَّمَا يَأْكُل آل مُحَمَّد من هَذَا المَال قَالَ أَبُو بكر وَالله لَا أدع أمرا رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يصنعه فِيهِ إِلَّا صَنعته قَالَ فَهجرَته فَاطِمَة فَلم تكَلمه حَتَّى مَاتَت) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَعبد الله بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بالمسندي وَهِشَام هُوَ ابْن يُوسُف الْيَمَانِيّ قاضيها وَمعمر بِفَتْح الميمين هُوَ ابْن رَاشد يروي عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ والْحَدِيث مضى بأتم مِنْهُ فِي بَاب فرض الْخمس وَمضى الْكَلَام فِيهِ قَوْله من فدك بِفَتْح الْفَاء وَالدَّال الْمُهْملَة وبالكاف مَوضِع على مرحلَتَيْنِ من الْمَدِينَة كَانَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صَالح أَهله على نصف أرضه وَكَانَ خَالِصا لَهُ قَوْله من خَيْبَر كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فتحهَا عنْوَة وَكَانَ خمسها لَهُ لكنه كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَا يستأثر بِهِ بل ينْفق حَاصله(23/232)
على أَهله وعَلى الْمصَالح الْعَامَّة قَوْله من هَذَا المَال أَشَارَ بِهِ إِلَى المَال الَّذِي يحصل من خمس خَيْبَر وَكلمَة من للتَّبْعِيض أَي يَأْكُلُون الْبَعْض من هَذَا المَال مِقْدَار نَفَقَتهم قَوْله " لَا أدع " أَي لَا أترك قَوْله فَهجرَته فَاطِمَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أَي هجرت أَبَا بكر يَعْنِي انقبضت عَن لِقَائِه وَلَيْسَ المُرَاد مِنْهُ الهجران الْمحرم من ترك الْكَلَام وَنَحْوه وَهِي مَاتَت قَرِيبا من ذَلِك بِسِتَّة أشهر بل أقل مِنْهَا -
7276 - حدّثنا إسْماعِيلُ بنُ أبانَ أخبرنَا ابنُ المُبارَكِ عنْ يُونسَ عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ عُرْوَةَ عَنْ عائِشَةَ: أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنا صَدَقَةٌ) . (انْظُر الحَدِيث 434 وطرفه) .
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث عَائِشَة الْمَذْكُور أخرجه عَن إِسْمَاعِيل بن أبان بِفَتْح الْهمزَة وَتَخْفِيف الْبَاب الْمُوَحدَة وبالنون أبي إِسْحَاق الْوراق الْأَزْدِيّ الْكُوفِي عَن عبد الله بن الْمُبَارك الْمروزِي عَن يُونُس بن يزِيد عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ.
8276 - حدّثنا يَحْيَاى بنُ بُكَيْرٍ حدّثنا اللَّيْثُ عنْ عَقِيْلٍ عَن ابنِ شِهابٍ قَالَ: أَخْبرنِي مالِكُ بنُ أوْسِ بنِ الحَدَثانِ، وَكَانَ مُحَمَّدُ بنُ جُبَيْرِ بنِ مُطْعِمٍ ذَكَرَ لِي ذِكْراً مِنْ حَدِيثِهِ ذالِك، فانْطَلقْتُ حتَّى دَخَلْتُ عَلَيْه فَسألْتُهُ، فَقَالَ: انْطَلَقْتُ حتَّى أدْخُلَ على عُمَرَ فأتاهُ حاجِبُهُ يَرْفَأُ فَقَالَ: هَلْ لَكَ فِي عُثْمانَ وعَبْدِ الرَّحْمانِ والزُّبَيْرِ وسَعْدٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، فأذِنَ لَهُمْ ثُمَّ قَالَ: هَلْ لَكَ فِي عَلِيٍّ وعَبَّاسٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ عَبَّاسٌ: يَا أميرَ المؤْمِنِينَ {اقْضه بَيْنِي وبيْنَ هاذا. قَالَ: أنْشدُكُمْ بِالله الّذِي بإذْنِهِ تَقُوم السَّماءُ والأرضُ، هَلْ تَعْلَمُونَ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنا صَدَقَةُ) يُرِيدُ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَفْسَهُ، فَقَالَ الرَّهْطُ: قَدْ قَالَ ذالِكَ، فأقْبَلَ عَلى عَلِيٍّ وعَبَّاسٍ فَقَالَ: هَلْ تَعْلَمانِ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ذَلِكَ؟ قَالَا: قَدْ قَالَ ذَلِكَ. قَالَ عُمَرُ: فإنِّي أُحدِّثُكُمْ عنْ هاذا الأمْرِ، إنَّ الله قَدْ كَانَ خَصَّ رسولَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي هاذا الفَيْءه بِشَيءٍ لَمْ يُعْطِهِ أحَداً غَيْرَهُ، فَقَالَ عَزَّ وجَلَّ: {مَا أَفَاء الله على رَسُوله} إِلَى قَوْلِهِ {قدير} (الْحَشْر: 6) فكانَتْ خالصَةَ لرسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالله مَا احْتازَها دُونَكُمْ وَلَا اسْتَأْثَرَ بِها عَليْكُمْ، لَقَدْ أعْطاكُمُوهُ وبَثَّها فِيكُمْ حتَّى بَقِيَ مِنْها هاذا المالُ، فَكَانَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُنْفِقُ عَلى أهْلِهِ مِنْ هاذا المَال نَفَقَة سَنتِهِ ثُمَّ يَأْخُذُ مَا بَقِيَ فَيَجْعَلُهُ مَجْعَلَ مالِ الله، فَعَمِلَ بِذَلِكَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَياتَهُ، أنْشُدُكُمْ بِاللَّه} هَلْ تَعْلَمُون ذالِكَ؟ قالُوا: نَعَمْ. ثُمَّ قَالَ لِعَليٍّ وعَبَّاسٍ: أنْشدُكُما بِاللَّه! هَلْ تَعْلَمانِ ذالِك؟ قَالَا: نَعمْ. فَتَوفَّى الله نَبِيِّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ أبُو بَكْر: أَنا وَلِيُّ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَبَضَها فَعَمِلَ بِما عَمِلَ بِهِ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ثُمَّ تَوَفَّى الله أَبَا بَكْر، فَقُلْتُ: أَنا وَلِيُّ وَلِيِّ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَبَضْتُها سَنَتَيْنِ أعْمَلُ فِيهَا مَا عَمِلَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأبُو بَكْرٍ، ثمَّ جِئتُمانِي وكَلِمَتُكُما واحِدٌ وأمْرُكُما جَمِيعٌ، جِئتَنِي تَسْألُنِي نَصِيبَكَ مِن ابنِ أخِيكَ. وأتانِي هاذا يَسْألنِي نَصِيبَ امْرأتِهِ مِنْ أبِيها، فَقُلْتُ: إنْ شِئْتُما دَفَعْتُها إلَيْكُما بِذالِكَ، فَتَلْتَمِسانِ مِنِّي قَضاءً غَيْرَ ذالِكَ فَوَالله الّذِي بإذْنِهِ تَقُومُ السَّماءُ والأرْضُ لَا أقْضِي فِيها قَضاءً غَيْرَ(23/233)
ذالِكَ حتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ، فإنْ عَجَزْتُما فادْفعاها إلَيَّ فَأَنا أكْفِيكُماها.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (لَا نورث مَا تركنَا صَدَقَة) وَيحيى بن بكير وَهُوَ يحيى بن عبد الله بن بكير بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة مصغر بكر الْمصْرِيّ، يروي عَن لَيْث بن سعد الْمصْرِيّ عَن عقيل بِضَم الْعين المهلمة ابْن خَالِد الْأَيْلِي عَن مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ عَن مَالك بن أَوْس بن الْحدثَان بِفَتْح الْحَاء المهلمة وَالدَّال الْمُهْملَة وبالثاء الْمُثَلَّثَة إِلَى آخِره.
والْحَدِيث مضى فِي: بَاب فرض الْخمس بأطول مِنْهُ، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن إِسْحَاق بن مُحَمَّد الْفَروِي: حَدثنَا مَالك بن أنس عَن ابْن شهَاب عَن مَالك بن أَوْس بن الْحدثَان وَمُحَمّد بن جُبَير ذكر لي من حَدِيثه ذَلِك إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (من حَدِيثه) أَي: من حَدِيث مَالك ابْن أَوْس. قَوْله: (يرفأ) بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَسُكُون الرَّاء وبالفاء مَهْمُوز وَغير مهموزاً وَهُوَ علم حَاجِب عمر رَضِي الله عَنهُ. قَوْله: (هَل لَك فِي عُثْمَان؟) يَعْنِي ابْن عَفَّان (وَعبد الرَّحْمَن) يَعْنِي ابْن عَوْف (وَالزُّبَيْر) يَعْنِي: ابْن الْعَوام (وَسعد) يَعْنِي: ابْن أبي وَقاص رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، أَرَادَ: هَل لَك رَغْبَة من دُخُولهمْ عَلَيْك؟ قَوْله: (أنْشدكُمْ الله) بِضَم الشين أَي: أَسأَلكُم بِاللَّه. قَوْله: (يُرِيد نَفسه) وَسَائِر الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام: فَلذَلِك قَالَ: لَا نورث، بالنُّون. قَوْله: (قَالَ الرَّهْط) أَرَادَ بِهِ الصَّحَابَة الْمَذْكُورين. قَوْله: (وَلم يُعْطه غَيره) حَيْثُ خصص الْفَيْء كُله برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقيل: أَي حَيْثُ حلل الْغَنِيمَة لَهُ وَلم تحل لسَائِر الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام. قَوْله: (فَكَانَت خَالِصَة) كَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر عَن الْمُسْتَمْلِي والكشميهني: خَاصَّة. قَوْله: (مَا احتازها) بِالْحَاء الْمُهْملَة وبالزاي أَي: مَا جمعهَا لنَفسِهِ دونكم. قَوْله: (وَلَا أستأثر) أَي: وَلَا استبد بهَا وَتفرد. قَوْله: (لقد أعطاكموه) أَي: المَال وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: لقد أعطاكموها أَي الْخَالِصَة. قَوْله: (وبثها فِيكُم) أَي: نشرها وفرقها عَلَيْكُم. قَوْله: (هَذَا المَال) أَشَارَ بِهِ إِلَى الْمِقْدَار من المَال الَّذِي يطلبان حصتهما مِنْهُ. قَوْله: (مجعل مَال الله) أَي: الْموضع الَّذِي جعل مَال الله فِي جِهَة مصَالح الْمُسلمين. قَوْله: (وكلمتكما وَاحِدَة) أَي: متفقان لَا نزاع بَيْنكُمَا. قَوْله: (بذلك) أَي: بِأَن تعملا فِيهِ كَمَا عمل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعمل أَبُو بكر فِيهَا، فدفعتها، إلَيْكُمَا هَذَا الْوَجْه فاليوم جئتما وتسألان مني قَضَاء غير ذَلِك، وَقَالَ الْخطابِيّ: هَذِه الْقَضِيَّة مشكلة لِأَنَّهُمَا إِذا كَانَا قد أخذا هَذِه الصَّدَقَة من عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، على الشريطة فَمَا الَّذِي بدا لَهما بعد حَتَّى تخاصما؟ وَقَالَ الْكرْمَانِي: الْجَواب أَنه كَانَ شقّ عَلَيْهِمَا الشّركَة فطلبا أَن تقسم بَينهمَا ليستقل كل مِنْهُمَا بِالتَّدْبِيرِ وَالتَّصَرُّف فِيمَا يصير إِلَيْهِ، فمنعهما عمر الْقِسْمَة لِئَلَّا يجْرِي عَلَيْهَا اسْم الْملك، لِأَن الْقِسْمَة إِنَّمَا تقع فِي الْأَمْلَاك ويتطاول الزَّمَان يظنّ بِهِ الملكية. قَوْله: (فتلتمسان) أَي: فتطلبان. قَوْله: (فوَاللَّه الَّذِي) وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: فوالذي بِحَذْف الْجَلالَة.
9276 - حدّثنا إسْماعِيلُ قَالَ: حدّثني مالِكٌ عنْ أبي الزِّنادِ عنِ الأعْرَجِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (لَا يَقْتَسِمُ وَرَثتِي دِيناراً، مَا تَرَكْتُ بَعْدَ نَفَقَةِ نِسِائِي ومَؤُونَةِ عامِلِي فَهُوَ صَدَقَةٌ) . (انْظُر الحَدِيث 6772 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن أبي أويس، وَأَبُو الزِّنَاد بالزاي وَالنُّون عبد الله بن ذكْوَان، والأعرج عبد الرَّحْمَن ابْن هُرْمُز.
والْحَدِيث مضى فِي الْخمس والوصايا عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك.
قَوْله: (لَا يقتسم) وَفِي رِوَايَة أبي ذَر عَن الْكشميهني: لَا يقسم بِحَذْف التَّاء الْفَوْقِيَّة وَهُوَ بِرَفْع الْمِيم على أَن لَا للنَّفْي. وَقَالَ ابْن التِّين: كَذَلِك قرأته، وَكَذَلِكَ فِي (الْمُوَطَّأ) وَرُوِيَ: لَا يقسم، بِالْجَزْمِ كَأَنَّهُ نَهَاهُم إِن خلف شَيْئا أَن لَا يقسم بعده. فَإِن قلت: يُعَارضهُ مَا تقدم فِي الْوَصَايَا من حَدِيث عَمْرو ابْن الْحَارِث الْخُزَاعِيّ: مَا ترك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دِينَارا وَلَا درهما.
قلت: نَهَاهُم هُنَا عَن الْقِسْمَة على غير قطع بِأَنَّهُ لَا يخلف دِينَارا وَلَا درهما، لِأَنَّهُ يجوز أَن يملك ذَلِك قبل مَوته وَلكنه نَهَاهُم عَن قسمته. وَفِي حَدِيث الْخُزَاعِيّ: الْمَعْنى مَا ترك دِينَارا وَلَا درهما لأجل الْقِسْمَة فيتحد مَعْنَاهُمَا. قَوْله: (لَا يقتسم ورثتي) أَي: لَا يقتسمون بِالْقُوَّةِ لَو كنت مِمَّن يُورث، أَو لَا يقتسمون مَا تركته لجِهَة الْإِرْث، فَلذَلِك أَتَى بِلَفْظ: الْوَرَثَة، وقيدها ليَكُون اللَّفْظ مشعراً بِمَا بِهِ الِاشْتِقَاق، وَهُوَ الْإِرْث، فَظهر أَن الْمَنْفِيّ الاقتسام(23/234)
بطرِيق الْإِرْث عَنهُ. قَوْله: (دِينَارا) التَّقْيِيد بالدينار من بَاب التَّنْبِيه على مَا سواهُ كَمَا قَالَ الله عز وَجل: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ} (الزلزلة: 7) قَوْله: (بعد نَفَقَة نسَائِي) يُرِيد أَنه تُؤْخَذ نَفَقَة نِسَائِهِ لأَنهم محبوسات عِنْده مُحرمَات على غَيره بِنَصّ الْقُرْآن قَوْله: (ومؤونة عَامِلِي) قيل: هُوَ الْقَائِم على هَذِه الصَّدقَات والناظر فِيهَا، وَقيل: كل عَامل للْمُسلمين من خَليفَة وَغَيره، لِأَنَّهُ عَامل للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وناب عَنهُ فِي أمته. وَقيل: خادمه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقيل: حافر قَبره، وَقيل: الْأَجِير. فَإِن قيل: كَيفَ اخْتصّت النِّسَاء بِالنَّفَقَةِ وَالْعَامِل بالمؤونة وَهل بَينهمَا فرق؟ قيل لَهُ: بِأَن المؤونة الْقيام بالكفاية، والإنفاق بذل الْقُوَّة، وَهَذَا يَقْتَضِي أَن النَّفَقَة دون المؤونة وَكَانَ لَا بُد من النَّفَقَة لِأَزْوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فاقتصر على مَا يدل عَلَيْهِ. وَالْعَامِل فِي صُورَة الْأَجِير فَيحْتَاج إِلَى مَا يَكْفِيهِ فاقتصر على مَا يدل عَلَيْهِ. قَوْله: (فَهُوَ صَدَقَة) يَعْنِي: لَا تحل لآله.
وَمِمَّا يُسْتَفَاد من الحَدِيث: جَوَاز الْوَقْف وَأَن يجْرِي بعد الْوَفَاة كالحياة فَلَا يُبَاع وَلَا يملك حكم الشَّارِع فِيمَا أَفَاء الله عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَا يُورث، وَلَكِن يصرف لما ذكره وَالْبَاقِي لمصَالح الْمُسلمين، وَهَهُنَا أَسَاءَ الْأَدَب صَاحب (التَّوْضِيح) : حَيْثُ قَالَ: وبيَّن أَي: الحَدِيث الْمَذْكُور فَسَاد قَول أبي حنيفَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
قلت: الْفساد قَول من لَا يدْرك الْأُمُور، فَأَبُو حنيفَة لم ينْفَرد بِبُطْلَان الْوَقْف ولإقالة بِرَأْيهِ، وَهَذَا شُرَيْح قَالَ: جَاءَ مُحَمَّد بِبيع الْحَبْس وَلِأَن الْملك فِيهِ باقٍ، وَلِأَنَّهُ يتَصَدَّق بالغلة وبالمنفعة المعدومة وَهُوَ غير جَائِز إلاَّ فِي الْوَصِيَّة.
0376 - حدّثنا عَبْدُ الله بنُ مَسْلَمَة عنْ مالكٍ عنِ ابنِ شِهابٍ عنْ عُرْوَةَ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا، أنَّ أزْوَاجَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِينَ تُوُفِّيَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أرَدْنَ أنْ يَبْعَثْنَ عُثْمانَ إِلَى أبي بَكْرٍ يَسْألْنَهُ مِيرَاثَهُنَّ، فقالَتْ عائِشَةُ: ألَيْسَ قَدْ قَالَ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنا صَدَقَة) (انْظُر الحَدِيث 4304 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْمَغَازِي عَن يحيى بن يحيى. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْخراج عَن القعْنبِي. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْفَرَائِض عَن قُتَيْبَة، ثَلَاثَتهمْ عَن مَالك بِهِ.
4 - (بابُ قَوْلِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (مَنْ تَرَكَ مَالا فِلأهْلِهِ))
أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (من ترك مَالا فلأهله) أَي: فَهُوَ لأَهله.
1376 - حدّثنا عَبْدَانُ أخبرنَا عَبْدُ الله أخبرنَا يُونُسُ عنِ ابنِ شِهاب حدّثني أبُو سَلَمَة عنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ، عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (أَنا أوْلَى بالمُؤْمِنِينَ مِنْ أنْفُسِهِمْ، فَمَنْ ماتَ وعَلَيْهِ دَيْنٌ ولَمْ يَتْرُكْ وَفَاء فعَلَيْنا قَضاؤُهُ، ومَنْ تَرَك مَالا فَلِوَرَثَتِهِ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي آخر الحَدِيث، لِأَن ورثته هم أَهله.
وعبدان لقب عبد الله بن عُثْمَان بن جبلة الْمروزِي، يروي عَن: عبد الله بن الْمُبَارك الْمروزِي عَن يُونُس بن يزِيد عَن مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ عَن أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف عَن أبي هُرَيْرَة.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم أَيْضا فِي الْفَرَائِض عَن زُهَيْر بن حَرْب وَغَيره.
قَوْله: (أَنا أولى بِالْمُؤْمِنِينَ) هَكَذَا أوردهُ مُخْتَصرا، وَقد مضى فِي الْكفَالَة من طَرِيق عقيل عَن ابْن شهَاب وَلَفظه: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَانَ يُؤْتى بِالرجلِ المتوفي عَلَيْهِ الدّين فَيَقُول: هَل ترك لدينِهِ قَضَاء؟ فَإِن قيل: نعم صلى عَلَيْهِ، وإلاَّ قَالَ: صلوا على صَاحبكُم، فَلَمَّا فتح الله عَلَيْهِ الْفتُوح قَالَ: أَنا أولى بِالْمُؤْمِنِينَ من أنفسهم ... الحَدِيث. قَوْله: (فَمن مَاتَ) يَعْنِي من الْمُسلمين، وَالْحَال أَن عَلَيْهِ دينا وَلم يتْرك وَفَاء أَي: مَا بَقِي بِدِينِهِ. قَوْله: (فعلينا قَضَاؤُهُ) قَالَ الْمُهلب: هَذَا، لوعد مِنْهُ لما وعد الله بِهِ من الفتوحات من ملك الكسرى وَقَيْصَر، وَلَيْسَ على الضَّمَان بِدَلِيل تَأَخره عَن الصَّلَاة على الْمديَان حَتَّى ضمنه بعض من حضر، وَقَالَ غَيره: إِنَّه نَاسخ لترك الصَّلَاة على من مَاتَ وَعَلِيهِ دين. وَقَوله: (فعلينا قَضَاؤُهُ) أَي: فعلينا الضَّمَان اللَّازِم، وَقَالَ الْكرْمَانِي: قَضَاء دين الْمُعسر الْمَيِّت كَانَ من خَصَائِصه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَانَ من خَالص مَاله(23/235)
وَقيل: من بَيت المَال، وَفِيه: أَنه قَائِم بمصالح الْأمة حَيا وَمَيتًا وَولي أَمرهم فِي الْحَالين. قَوْله: (وَمن ترك مَالا فلورثته) وَهَذَا مجمع عَلَيْهِ وَكَذَا ثَبت فِي رِوَايَة الْكشميهني هُنَا، يَعْنِي: لوَرثَته. وَكَذَا فِي رِوَايَة مُسلم وَفِي رِوَايَة عبد الرَّحْمَن بن عمْرَة: فلورثة عصبته من كَانُوا، قَالَ الدَّاودِيّ: المُرَاد بالعصبة هُنَا الْوَرَثَة لَا من يَرث بِالتَّعْصِيبِ، لِأَن العاصب فِي الِاصْطِلَاح من لَيْسَ لَهُ سهم مُقَدّر من الْمجمع على توريثهم، وَيَرِث كل المَال إِذا انْفَرد، وَيَرِث مَا فضل بعد الْفُرُوض، وَقيل: المُرَاد من الْعصبَة هُنَا قرَابَة الرجل وَهُوَ من يلتقي مَعَ الْمَيِّت فِي أَب وَلَو علا.
5 - (بابُ مِيرَاث الوَلَدِ مِنْ أبِيهِ وأُمِّهِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مِيرَاث الْوَلَد من أَبِيه وَأمه، وَالْولد يَشْمَل الذّكر وَالْأُنْثَى وَولد الْوَلَد وَإِن سفل.
وَقَالَ زَيْدُ بنُ ثابِتٍ: إذَا تَرَكَ رجُلٌ أوِ امْرَأةٌ بِنْتاً فَلَها النِّصْفُ، وإنْ كانَتا اثْنَتَيْنِ أوْ أكْثَرَ فَلَهُنَّ الثُّلُثانِ، وإنْ كانَ مَعَهُنَّ ذَكَرٌ بُدِيءَ بِمَنْ شَرِكَهُمْ، فَيُؤْتَى فَرِيضَتَهُ فَما بَقِيَ {فللذكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ} (النِّسَاء: 671) .
زيد بن ثَابت بن الضَّحَّاك الْأنْصَارِيّ النجاري الْمدنِي كَاتب وَحي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَانَ من فضلاء الصَّحَابَة وَمن أَصْحَاب الْفَتْوَى، مَاتَ بِالْمَدِينَةِ، سنة خمس وَأَرْبَعين، وَقَالَ أَبُو عمر: أصل مَا بنى عَلَيْهِ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأهل الْحجاز وَمن وافقهم فِي الْفَرَائِض قَول زيد بن ثَابت، وأصل مَا بنى عَلَيْهِ أهل الْعرَاق وَمن وافقهم فِيهَا قَول عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وكل من الْفَرِيقَيْنِ لَا يُخَالف صَاحبه إلاَّ فِي الْيَسِير النَّادِر، إِذا ظهر، وَوصل أَثَره سعيد بن مَنْصُور عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي الزِّنَاد عَن أَبِيه عَن خَارِجَة بن زيد بن ثَابت عَن أَبِيه فَذكر مثله. قَوْله: فلهَا النّصْف، أَي: فللبنت الْوَاحِدَة النّصْف، هَذَا قَول الْجَمَاعَة إلاَّ من يَقُول بِالرَّدِّ، وَكَذَا فِي الابنتين فَأكْثر إلاَّ من يَقُول بِالرَّدِّ، وإلاَّ ابْن عَبَّاس فَإِنَّهُ كَانَ يَجْعَل للبنتين النّصْف. قَوْله: وَإِن كَانَ مَعَهُنَّ، أَي: مَعَ الْبَنَات ذكر بدىء على صِيغَة الْمَجْهُول بِمن شركهم أَي: بِمن شرك الْبَنَات وَالذكر، فغلب التَّذْكِير على التَّأْنِيث يَعْنِي: إِن كَانَ مَعَ الْبَنَات أَخ لَهُنَّ وَكَانَ مَعَهم غَيرهم فَمن لَهُ فرض مُسَمّى كالأم مثلا، كَمَا لَو مَاتَ عَن بَنَات وَابْن وَأم، يبْدَأ بِالْأُمِّ فتعطى فَرضهَا وَمَا بَقِي فَهُوَ بَين الْبَنَات وَالِابْن {للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ} وَقَالَ ابْن بطال: قَوْله: وَإِن كَانَ مَعَهُنَّ ذكر، يُرِيد: إِن كَانَ مَعَ الْبَنَات أَخ من أبيهن وَكَانَ مَعَهم غَيرهم مِمَّن لَهُ فرض مُسَمّى كَالْأَبِ مثلا، قَالَ: فَلذَلِك قَالَ: شركهم، وَلم يقل: شركهن. فَيعْطى الْأَب مثلا فَرْضه وَيقسم مَا بَقِي بَين الابْن وَالْبَنَات {للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ} قَالَ: وَهَذَا تَأْوِيل حَدِيث الْبَاب، وَهُوَ قَوْله ألْحقُوا الْفَرَائِض بِأَهْلِهَا.
2376 - حدّثنا مُوسَى بنُ إسْماعِيلَ حدّثنا وُهَيْبٌ حَدثنَا ابنُ طَاوُوس عنْ أبِيهِ عَن ابْن عبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهُمَا، عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (ألْحَقُوا الفَرائِضَ بأهْلِها، فَمَا بَقِيَ فَهْوَ لأوْلَى رَجلٍ ذَكَرٍ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه يدْخل فِيهِ مِيرَاث الابْن على مَا لَا يخفى.
ووهيب هوابن خَالِد يروي عَن عبد الله بن طَاوس عَن أَبِيه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْفَرَائِض أَيْضا عَن أُميَّة بن بسطَام وَعَن غَيره. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ أَيْضا عَن أَحْمد بن صَالح وَغَيره. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ عَن عبد بن حميد بِهِ وَغَيره. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن مُحَمَّد بن معمر وَغَيره، وَقيل: تفرد بوصله وهيب وَرَوَاهُ الثَّوْريّ عَن طَاوُوس وَلم يذكر ابْن عَبَّاس، بل أرْسلهُ. أخرجه النَّسَائِيّ والطَّحَاوِي، وَأَشَارَ النَّسَائِيّ إِلَى تَرْجِيح الْإِرْسَال والمرجح فِي (الصَّحِيحَيْنِ) : الْوَصْل وَإِذا تعَارض الْوَصْل والإرسال وَلم يرجح أحد الطَّرفَيْنِ قدم الْوَصْل.
قَوْله: (ألْحقُوا الْفَرَائِض) أَي: الْأَنْصِبَاء الْمقدرَة فِي كتاب الله، وَهِي النّصْف وَالرّبع وَالثمن وَالثُّلُثَانِ وَالثلث وَالسُّدُس، وأصحابها مَذْكُورَة فِي الْفَرَائِض. قَوْله: (بِأَهْلِهَا) هُوَ من يَسْتَحِقهَا بِنَصّ الْقُرْآن، وَوَقع فِي رِوَايَة روح بن الْقَاسِم عَن ابْن طَاوُوس: اقسموا المَال بَين أهل الْفَرَائِض على كتاب الله، أَي: على وفْق مَا أنزل الله فِي كِتَابه. قَوْله: (فَمَا بَقِي) أَي: من أَصْحَاب الْفَرَائِض. قَوْله: (فَهُوَ لأولى رجل) قَالَ النَّوَوِيّ المُرَاد بِالْأولَى الْأَقْرَب وإلاَّ لخلا عَن الْفَائِدَة، لأَنا لَا نَدْرِي من هُوَ(23/236)
الأحق. وَقَالَ الْخطابِيّ الأولى الْأَقْرَب رجل من الْعصبَة.
وَفِي (التَّلْوِيح) : قَوْله: (فَهُوَ لأولى رجل) يُرِيد إِذا كَانَ فِي الذُّكُور من هُوَ أولى من صَاحبه بِقرب أَو بطن فَأَما إِذا اسْتَووا فِي التَّعَدُّد، وأدلوا بالإناث والأمهات مَعًا كالإخوة وشبههم فَلم يقصدوا بِهَذَا الحَدِيث لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْبَنِينَ من هُوَ أولى مِنْهُم، لأَنهم قد اسْتَووا فِي الْمنزلَة وَلَا يجوز أَن يُقَال: أولى، وهم سَوَاء فَلم يرد الْبَنِينَ بِهَذَا الحَدِيث، وَإِنَّمَا أَرَادَ غَيرهم. وَوَقع فِي رِوَايَة الْكشميهني: فَلأولى رجل، بِفَتْح الْهمزَة وَاللَّام بَينهمَا وَاو سَاكِنة على وزن: أفعل التَّفْضِيل من الْوَلِيّ بِسُكُون اللَّام وَهُوَ الْقرب، أَي: لمن يكون أقرب فِي النّسَب إِلَى الْمَوْرُوث، وَلَيْسَ المُرَاد هُنَا الأحق. وَقَالَ عِيَاض: إِن فِي رِوَايَة ابْن الْحذاء عَن ابْن ماهان فِي (مُسلم) : فَهُوَ لأدنى، بدال وَنون، وَهُوَ بِمَعْنى الْأَقْرَب، وَقَالَ ابْن التِّين: إِنَّمَا المُرَاد بِهِ الْعمة مَعَ الْعم وَبنت الْأَخ مَعَ ابْن الْأَخ وَبنت الْعم مَعَ ابْن الْعم، وَخرج من ذَلِك الْأَخ وَالْأُخْت لِأَبَوَيْنِ أَو لأَب فَإِنَّهُم يَرِثُونَ. بِنَصّ قَوْله تَعَالَى: {وَإِن كَانُوا إخْوَة رجَالًا وَنسَاء فللذكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ} (النِّسَاء: 671) وَيسْتَثْنى من ذَلِك من يحجب، كالأخ للْأَب مَعَ الْبِنْت ولأخت الشَّقِيقَة، وَكَذَا يخرج الْأَخ وَالْأُخْت لأم بقوله تَعَالَى: {فَلِكُل وَاحِد مِنْهُمَا السُّدس} (النِّسَاء: 11) وَقد نقل الْإِجْمَاع على أَن المُرَاد بهَا الْأُخوة من الْأُم. قَوْله: (رجل ذكر) فِيهِ أَقْوَال كَثِيرَة، أَعنِي: فِي توصيف الرجل بالذكورة.
الأول: قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ وَالْمُنْذِرِي: هَذِه اللَّفْظَة لَيست بمحفوظة، وَقَالَ ابْن الصّلاح: فِيهَا بعد عَن الصِّحَّة من حَيْثُ اللُّغَة، فضلا عَن الرِّوَايَة. الثَّانِي: إِنَّمَا وصف الرجل بِالذكر للتّنْبِيه على سَبَب اسْتِحْقَاقه وَهِي الذُّكُورَة الَّتِي هِيَ سَبَب الْعُصُوبَة وَسبب التَّرْجِيح فِي الْإِرْث. الثَّالِث: قَالَ السُّهيْلي: قَوْله: (ذكر) صفة لأولي لَا: لرجل، والأولي بِمَعْنى: الْقَرِيب الْأَقْرَب فَكَأَنَّهُ قَالَ: فَهُوَ لقريب الْمَيِّت ذكر من جِهَة الرجل وصلب لَا من جِهَة بطن ورحم، فالأولي من حَيْثُ الْمَعْنى مُضَاف إِلَى الْمَيِّت. وَقد أُشير بِذكر الرجل إِلَى جِهَة الْأَوْلَوِيَّة، فأفيد بذلك نفي الْمِيرَاث عَن الأولي الَّذِي هُوَ من جِهَة الْأُم كالخال، وَبِقَوْلِهِ: ذكر، إِلَى نَفيهَا عَن النِّسَاء بالعصوبة، وَإِن كن من الْأَوَّلين للْمَيت من جِهَة الصلب، وَلَو جَعَلْنَاهُ صفة لرجل يلْزم اللَّغْو، وَأَن لَا يبْقى مَعَه حكم الطِّفْل الرَّضِيع إِذْ لَا يُطلق الرجل إلاّ على الْبَالِغ، وَقد علم أَنه يَرث وَلَو ابْن سَاعَة، وَأَن لَا تحصل التَّفْرِقَة بَين قرَابَة الْأَب وقرابة الْأُم. الرَّابِع: قَالَ الْخطابِيّ إِنَّمَا قَالَ: (ذكر) لبَيَان إِرْثه بالذكورة ليعلم أَن الْعصبَة إِذا كَانَ عَمَّا أَو ابْن عَم مثلا وَكَانَ مَعَه أُخْت لَهُ لَا تَرث وَلَا يكون المَال بَينهمَا للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ، ورد بِأَنَّهُ ظَاهر من التَّعْبِير بقوله: (رجل) الْخَامِس: قَالَ ابْن التِّين: إِنَّه للتَّأْكِيد كَمَا فِي قَوْله: ابْن لبون ذكر، ورد بِأَن هَذَا لَيْسَ بتأكيد لَفْظِي وَلَا معنوي. السَّادِس: قَالَ غَيره: هَذَا التَّأْكِيد لمتعلق الحكم وَهُوَ الذُّكُورَة، لِأَن الرجل قد يُرَاد بِهِ معنى النجدة وَالْقُوَّة فِي الْأَمر، فقد حكى سِيبَوَيْهٍ: مَرَرْت بِرَجُل رجل أَبوهُ، فَلهَذَا احْتَاجَ الْكَلَام إِلَى زِيَادَة التوكيد: بِذكر حَتَّى لَا يظنّ أَن المُرَاد بِهِ خُصُوص الْبَالِغ. السَّابِع: إِنَّمَا قيد: بِذكر، خشيَة أَن يظنّ أَن المُرَاد من الرجل الشَّخْص، وَهُوَ أَعم من الذّكر وَالْأُنْثَى، وَفِيه مَا فِيهِ على مَا لَا يخفى. الثَّامِن: مَا قَالَه بعض الفرضيين: إِنَّه احْتِرَاز عَن الْخُنْثَى. التَّاسِع: مَا قيل: إِن المُرَاد بِالرجلِ الْمَيِّت لِأَن الْغَالِب فِي الْأَحْكَام أَن تذكر الرِّجَال وَتدْخل النِّسَاء فيهم بالتبعية. الْعَاشِر: أَنه للْإِشَارَة إِلَى الْكَمَال فِي ذَلِك، كَمَا يُقَال: امْرَأَة أُنْثَى، وَفِيه مَا فِيهِ. وَقيل غير ذَلِك مِمَّا الْغَالِب فِيهِ النّظر والتردد.
6 - (بَاب مِيرَاثِ البَناتِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مِيرَاث الْبَنَات، وَالْأَصْل فِيهِ الْآيَة الَّتِي تقدّمت فِي أول الْكتاب وَهِي قَوْله تَعَالَى: {يُوصِيكُم الله فِي أَوْلَادكُم للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ} الْآيَة وَإِن الْجَاهِلِيَّة كَانُوا لَا يورثون الْبَنَات فَأبْطل الله ذَلِك وشاركهن مَعَ الذُّكُور وَقد مر بَيَانه هُنَاكَ.
3376 - حدّثنا الحُمَيْدِيُّ حدّثنا سُفْيانُ حدّثنا الزُّهرِيُّ قَالَ: أَخْبرنِي عامِر بنُ سَعْدِ بنِ أبِي وِقَاصٍ عنْ أبِيهِ قَالَ: مَرِضْتُ بِمَكَّةَ مَرَضاً فأشْفَيْتُ مِنْهُ عَلى المَوْتِ، فَأَتَانِي النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَعُودُونِي فَقُلْتُ: يَا رسولَ الله! إنَّ لِي مَالا كَثِيراً ولَيْسَ يَرِثُنْي إلاّ ابْنَتِي، أفأتَصَدَّقُ بِثلُثَيْ مَالِي؟ قَالَ: (لَا) . قَالَ:(23/237)
قُلْتُ: فالشَّطْرُ؟ قَالَ: (لَا) . قُلْتُ: الثُّلُثَ؟ قَالَ: (الثُّلُثُ كَبِيرٌ، إنّكَ إنْ تَرَكْتَ وَلَدَكَ أغْنياءَ خَيْرٌ مِنْ أنْ تَتْرُكَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ، وإنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةَ إلاّ أُجِرْتَ عَلَيْها، حَتَّى اللُّقمَةَ تَرْفَعُها إِلَى فِي امْرَأتِكَ) فَقُلْتُ: يَا رسولَ الله! آاخَلَّفُ عنْ هِجْرَتِي؟ فَقَالَ: (لَنْ تُخَلَّفَ بَعْدِي فَتَعْمَلَ عَمَلاً تُرِيدُ بِهِ وجْهَ الله إلاّ ازْدَدْتَ بِهِ رفْعَةً ودَرَجَةً، ولَعَلَّ أنْ تُخَلَّفَ بَعْدي حتَّى يَنْتَفِعَ بِكَ أقْوَامٌ ويُضَرَّبِكَ آخَرُونَ) . لَكِنِ البائِسُ سَعْدُ بنُ خَوْلَةَ يَرْثِي لهُ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنْ ماتَ بِمَكَةَ. قَالَ سُفْيانُ: وسَعْدُ بنُ خَوْلَةَ رَجلٌ مِنْ بَنِي عامِرِ بنِ لُؤَي.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (لَيْسَ يَرِثنِي إلاَّ ابْنَتي) والْحميدِي عبد الله بن الزبير بن عِيسَى نِسْبَة إِلَى حميد بِالضَّمِّ أحد أجداده، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة يروي عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْجَنَائِز فِي: بَاب رثاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، سعد بن خَوْلَة، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك عَن ابْن شهَاب عَن عَامر بن سعد بن أبي وَقاص ... إِلَى آخِره، وَأَيْضًا مضى فِي كتاب الْوَصَايَا فِي: بَاب أَن تتْرك وَرثتك أَغْنِيَاء، أخرجه فِيهِ عَن أبي نعيم عَن سُفْيَان، وَفِي الْبَاب الَّذِي يَلِيهِ عَن قُتَيْبَة عَن سُفْيَان، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (فأشفيت) أَي: فَأَشْرَفت قَوْله: (مَالا كثيرا) بالثاء الْمُثَلَّثَة وبالباء الْمُوَحدَة قَوْله: (فَالشَّطْر) بِالْجَرِّ وَالرَّفْع، قَالَه الْكرْمَانِي وَلم يبين وجههما.
قلت: أما الْجَرّ فبالعطف على قَوْله: (بِثُلثي مَالِي) وَأما الرّفْع فعلى أَنه مُبْتَدأ وَخَبره مَحْذُوف تَقْدِيره: فَالشَّطْر أَتصدق بِهِ، أَي: النّصْف. قَوْله: (إِن تركت) بِكَسْر الْهمزَة وَفتحهَا. قَوْله: (خير) أَي: فَهُوَ خير ليَكُون جَزَاء للشّرط. قَوْله: (عَالَة) جمع عائل وَهُوَ الْفَقِير. قَوْله: (يَتَكَفَّفُونَ) أَي يمدون إِلَى النَّاس أكفهم للسؤال. قَوْله: (أجرت) على صِيغَة الْمَجْهُول من الْأجر. قَوْله: (وأخلف) على صِيغَة الْمَجْهُول أَي: أبقى بِمَكَّة مُتَخَلِّفًا عَن الْهِجْرَة؟ قَوْله: (لَعَلَّ) ويروى: ولعلك، اسْتعْمل هُنَا اسْتِعْمَال عَسى. قَوْله: (ويضربك) على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (البائس) بِالْبَاء الْمُوَحدَة شَدِيد الْحَاجة أَو الْفَقِير. قَوْله: (يرثي) بِكَسْر الثَّاء الْمُثَلَّثَة أَي: يرق وَيرْحَم. قيل: هُوَ كَلَام سعد، وَقيل: كَلَام الزُّهْرِيّ، وَسعد بن خَوْلَة مَاتَ بِمَكَّة فِي حجَّة الْوَدَاع وَتَقَدَّمت فِيهِ مبَاحث فِي كتاب الْجَنَائِز.
4376 - حدّثني مَحْمُودٌ حدّثنا أبُو النضْرِ حَدثنَا أبُو مُعاوِيَةَ شَيْبانُ عنْ أشْعَثَ عنِ الأسْوَدِ بن يَزِيدَ قَالَ: أَتَانَا مُعاذُ بنُ جُبَلٍ باليَمنِ مُعَلِّماً وأمِيراً، فَسألْناهُ عنْ رجُلٍ تُوُفِّيَ وتَرَكَ ابْنَتَهُ وأُخْتَهُ، فأعْطَى الإبْنَةَ النِّصْفَ والأُخْتَ النِّصْفَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (أعْطى الِابْنَة النّصْف) ومحمود هُوَ ابْن غيلَان بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة أَبُو أَحْمد الْمروزِي، وَأَبُو النَّضر هُوَ هَاشم التَّمِيمِي الملقب بقيصر، وَأَشْعَث بالشين الْمُعْجَمَة وبالعين الْمُهْملَة وبالثاء الْمُثَلَّثَة ابْن سليم يكنى بالشعثاء الْكُوفِي، وَالْأسود ابْن يزِيد بن قيس النَّخعِيّ الْكُوفِي.
والْحَدِيث أخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْفَرَائِض عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل.
قَوْله: (فَأعْطى الِابْنَة النّصْف) أجمع الْعلمَاء على أَن مِيرَاث الْبِنْت الْوَاحِدَة النّصْف، وَللْأُخْت النّصْف، بِنَصّ الْقُرْآن.
7 - (بابُ مِيرَاثِ ابنِ الابِنِ إذَا لَمْ يَكُنِ ابنٌ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان إِرْث ابْن ابْن الرجل إِذا لم يكن لَهُ ابْن لصلبه.
وَقَالَ زَيْدٌ: ولَدُ الأبْناءِ بِمَنْزِلَةِ الوَلَدَ إذَا لَمْ يَكُنْ دُونَهُمْ وَلَدٌ ذَكَرٌ ذَكَرُهُمْ كَذَكَرِهِمْ، وأُنْثاهُمْ كأُنْثاهُمْ يَرِثُونَ كَمَا يَرِثُونَ ويَحْجُبُونَ كَما يَحْجُبُونَ، وَلَا يَرِثُ ولَدُ الابِنِ مَعَ الابِنِ.
أَي: قَالَ زيد بن ثَابت الْأنْصَارِيّ ... إِلَى آخِره، وَهَذَا الَّذِي قَالَه زيد إِجْمَاع، وَوصل أَثَره سعيد بن مَنْصُور عَن عبد الرَّحْمَن(23/238)
ابْن أبي الزِّنَاد عَن أَبِيه. وَأخرجه عَن خَارِجَة بن زيد عَن أَبِيه أَيْضا يزِيد بن هَارُون عَن مُحَمَّد بن سَالم عَن الشّعبِيّ عَنهُ. قَوْله: بِمَنْزِلَة الْوَلَد، أَي: بِمَنْزِلَة الْوَلَد للصلب، قَوْله: (دونهم) أَي: إِذا لم يكن بَينهم وَبَين الْمَيِّت ولد للصلب. قَوْله: (ذكر) كَذَا فِي رِوَايَة الْكشميهني وَلَيْسَ فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين لفظ: ذكر. وَاحْترز بِالذكر عَن الأثنى. قَوْله: (ذكرهم كذكرهم) أَي: ذكر ولد الْأَبْنَاء كذكر الْأَبْنَاء، وأنثاهم أَي أُنْثَى ولد الْأَبْنَاء كأنثى الْأَبْنَاء، يَرِثُونَ أَي ولد الْأَبْنَاء كَمَا يَرث الْأَبْنَاء، وَهُوَ ظَاهر. قَوْله: (ويحجبون) أَي: يَرِثُونَ جَمِيع المَال إِذا انفردوا ويحجبون دونهم فِي الطَّبَقَة مِمَّن بَينهم وَبَين الْمَيِّت. وَقَالَ ابْن بطال: قَالَ أَكثر الْفُقَهَاء فِيمَن خلفت زوجا وَأما وبنتاً وَابْن ابْن وَبنت ابْن: يقدم الْفَرْض: للزَّوْج الرّبع، وَللْأُمّ السُّدس، وللبنت النّصْف، وَمَا بَقِي بَين وَلَدي الابْن للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ، فَإِن كَانَت الْبِنْت أَسْفَل من الابْن فالباقي لَهُ دونهَا، وَقيل الْبَاقِي لَهُ مُطلقًا. لقَوْله: فَمَا بَقِي فَلَا ولي رجل ذكر. قَوْله: (وَلَا يَرث ولد الابْن مَعَ الابْن) ذكر هَذَا تَأْكِيدًا لما تقدم فَإِن حجب أَوْلَاد الابْن بالابن إِنَّمَا يُؤْخَذ من قَوْله: إِذا لم يكن دونهم ... إِلَى آخِره، بطرِيق الْمَفْهُوم.
8 - (بابُ مِيرَاثِ ابْنَةِ ابنٍ مَعَ ابْنَةٍ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مِيرَاث ابْنة ابْن مَعَ وجود ابْنة، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: مَعَ بنت.
6376 - حدّثنا آدَمُ حَدثنَا شُعْبَةُ حَدثنَا أبُو قَيْسٍ سَمِعْتُ هُزَيْلَ بنَ شُرَحْبِيلَ قَالَ: سُئِلَ أبُو مُوسَى عَنْ ابْنَةٍ وابْنَةٍ ابنٍ وأُخْتٍ فَقَالَ: لِلابْنَةِ النِّصْفُ، وللاخْتِ النِّصْفُ وأتِ ابنَ مَسْعُودٍ فَسَيُتابِعُنِي، فَسُئِلَ ابنُ مَسْعُودٍ وأُخْبِرَ بِقَوْلِ أبي مُوسَى، فَقَالَ: لَقَدْ { (6) ضَلَلْتُ إذَا وَمَا أَنا مِنَ المُهْتَدِين} (الْأَنْعَام: 65) أقْضِي فِيها بِما قَضَي النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: للابْنَةِ النِّصْفُ ولابْنَةِ الابنِ السُّدُسُ تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ، وَمَا بَقِيَ فلِلأخْتِ. فأتَيْنا أَبَا مُوسَى فأخْبرَناهُ بِقَوْلِ ابنِ مسْعُودٍ، فَقَالَ: لَا تَسألوني مَا دَامَ هاذَا الخَبْرُ فِيكُمْ. (الحَدِيث 6376 طرفه فِي: 2476) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وآدَم هُوَ ابْن أبي إِيَاس، وَأَبُو قيس بِفَتْح الْقَاف وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالسين الْمُهْملَة واسْمه عبد الرَّحِم بن ثروان بِفَتْح الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَسُكُون الرَّاء وبالواو وَالنُّون الأودي بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الْوَاو وبالدال الْمُهْملَة، مَاتَ سنة عشْرين وَمِائَة، وهزيل بِضَم الْهَاء وَفتح الزَّاي وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وباللام، وَلَقَد صحف من قَالَ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة مَوضِع الزَّاي، ابْن شُرَحْبِيل بِضَم الشين الْمُعْجَمَة وَفتح الرَّاء وَسُكُون الْحَاء الْمُهْملَة وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وباللام، قَالَ الْكرْمَانِي: وَلم يتَقَدَّم ذكرهمَا.
والْحَدِيث أخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْفَرَائِض عَن عبد الله بن عَامر بن زُرَارَة. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن الْحسن بن عَرَفَة. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن مَحْمُود بن غيلَان. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن عَليّ بن مُحَمَّد عَن وَكِيع.
قَوْله: (سُئِلَ أَبُو مُوسَى) وَرِوَايَة غنْدر عَن شُعْبَة عَن النَّسَائِيّ: جَاءَ رجل إِلَى أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ وَهُوَ الْأَمِير، وَإِلَى سلمَان بن ربيعَة الْبَاهِلِيّ فَسَأَلَهُمَا. . وَكَذَا أخرجه أَبُو دَاوُد، وَكَذَا لِلتِّرْمِذِي وَابْن مَاجَه والطَّحَاوِي والدارمي من طرق عَن سُفْيَان الثَّوْريّ بِزِيَادَة: سلمَان بن ربيعَة، مَعَ أبي مُوسَى، وَقد ذكرُوا أَن سلمَان الْمَذْكُور كَانَ على قَضَاء الْكُوفَة. قَوْله: (وائتِ ابْن مَسْعُود) ، قَالَ ذَلِك للاستثبات. قَوْله: {لقد ضللت إِذا وَمَا أَنا من المهتدين} (الْأَنْعَام: 65) قَالَ الْكرْمَانِي: غَرَض عبد الله بن مَسْعُود من قِرَاءَة هَذِه الْآيَة هُوَ أَنه لَو قَالَ بحرمان بنت الابْن لَكَانَ ضَالًّا.
قلت: الْحَاصِل من ذَلِك أَن قَول ابْن مَسْعُود(23/239)
هَذَا جَوَاب عَن قَول أبي مُوسَى أَنه سيتابعني، وَأَشَارَ إِلَى أَنه لَو تَابعه لخالف صَرِيح السّنة الَّتِي عِنْده، وَأَنه لَو خالفها عَامِدًا لضل. قَوْله: (أقضى فِيهَا) أَي فِي هَذِه الْمَسْأَلَة أَو فِي هَذِه الْقَضِيَّة (بِمَا قضى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) وَالَّذِي قَضَاهُ هُوَ قَوْله: (للابنة النّصْف) إِلَى آخِره، وَفِي رِوَايَة الدَّارَقُطْنِيّ من طَرِيق حجاج بن أَرْطَأَة عَن عبد الرَّحْمَن بن ثروان: فَقَالَ ابْن مَسْعُود: كَيفَ أَقُول يَعْنِي مثل قَول أبي مُوسَى وَقد سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول؟ ... فَذكره، وَكَانَت هَذِه الْقَضِيَّة فِي زمن عُثْمَان رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أمَّر أَبَاهُ مُوسَى على الْكُوفَة، وَكَانَ ابْن مَسْعُود قبل ذَلِك أميرها ثمَّ عزل قبل ولَايَة أبي مُوسَى عَلَيْهَا بِمدَّة. قَوْله: (فأتينا أَبَاهُ مُوسَى) فِيهِ إِشْعَار بِأَن هزيلاً الرَّاوِي الْمَذْكُور توجه مَعَ السَّائِل إِلَى ابْن مَسْعُود فَسمع جَوَابه، فَعَاد، إِلَى أبي مُوسَى مَعَه فَأخْبرهُ، فَلذَلِك ذكر الْمزي فِي (الْأَطْرَاف) : هَذَا الحَدِيث من رِوَايَة هزيل عَن ابْن مَسْعُود. قَوْله: (مَا دَامَ هَذَا الحبر) بِفَتْح الْحَاء وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة وبالراء، وَأَرَادَ بِهِ ابْن مَسْعُود، والحبر هُوَ الَّذِي يحسن الْكَلَام ويزينه. وَذكر الْجَوْهَرِي الحبر بِالْفَتْح وَالْكَسْر وَرجح الْكسر، وَجزم الْفراء بِالْكَسْرِ، وَقَالَ سمي: بالحبر الَّذِي يكْتب بِهِ. قلت: هُوَ بِالْفَتْح فِي رِوَايَة جَمِيع الْمُحدثين، وَأنكر أَبُو الْهَيْثَم الْكسر.
وَفِيه: أَن الْحجَّة عِنْد التَّنَازُع سنة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَيجب الرُّجُوع إِلَيْهَا. وَفِيه: بَيَان مَا كَانُوا عَلَيْهِ من الْإِنْصَاف وَالِاعْتِرَاف بِالْحَقِّ وَالرُّجُوع إِلَيْهِ وَشَهَادَة بَعضهم لبَعض بِالْعلمِ وَالْفضل وَكَثْرَة إطلاع ابْن مَسْعُود على السّنة، وَتثبت أبي مُوسَى عَن الْفتيا حَيْثُ دلّ على من ظن أَنه أعلم مِنْهُ. قَالَ ابْن بطال: وَلَا خلاف بَين الْعلمَاء فِيمَا رَوَاهُ ابْن مَسْعُود، وَفِي جَوَاب أبي مُوسَى إِشْعَار بِأَنَّهُ رَجَعَ عَمَّا قَالَه، وَقَالَ أَبُو عمر: لم يُخَالف فِي ذَلِك إلاَّ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ وسلمان بن ربيعَة الْبَاهِلِيّ، وَقد رَجَعَ أَبُو مُوسَى عَن ذَلِك، وَلَعَلَّ سلمَان أَيْضا رَجَعَ كَأبي مُوسَى، وسلمان هَذَا مُخْتَلف فِي صحبته وَله أثر فِي فتوح الْعرَاق أَيَّام عمر وَعُثْمَان رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، وَاسْتشْهدَ فِي زمَان عُثْمَان وَكَانَ يُقَال لَهُ: سلمَان الْخَيل، لمعرفته بهَا، وَقَالَ ابْن الْعَرَبِيّ: يُؤْخَذ من قصَّة أبي مُوسَى وَابْن مَسْعُود جَوَاز الْعَمَل بِالْقِيَاسِ قبل معرفَة الْخَبَر وَالرُّجُوع إِلَى الْخَبَر بعد مَعْرفَته، وَنقض الحكم إِذا خَالف النَّص.
9 - (بابُ مِيراثِ الجَدِّ مَعَ الأبِ والإخْوَةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم مِيرَاث الْجد الَّذِي من قبل الْأَب مَعَ الْأَب والأخوة الأشقاء، وَمن الْأَب وَقد انْعَقَد الْإِجْمَاع على أَن الْجد لَا يَرث مَعَ وجود الْأَب.
وَقَالَ أبُو بَكْرٍ ابنُ عَبَّاسٍ وابنُ الزُّبَيْرِ: الجَدُّ أبٌ
أَي: الْجد الصَّحِيح أَب أَي: حكمه حكم الْأَب عِنْد عَدمه بِالْإِجْمَاع. وَالْجد الصَّحِيح هُوَ الَّذِي لَا يدْخل فِي نسبته إِلَى الْمَيِّت أم، وَقد يُطلق على الْجد أَب فِي قَوْله عز وَجل: {كَمَا أخرج أبويكم من الْجنَّة} (الْأَعْرَاف: 72) والمخرج من الْجنَّة آدم جدنا الْأَعْلَى فَإِذا أطلق على الْجد الْأَعْلَى أَب فإطلاقه على أَب الْأَب بطرِيق الأولى، فَإِذا كَانَ أَبَا فَلهُ أَحْوَال ثَلَاث: الْفَرْض الْمُطلق وَالْفَرْض والنصيب والتعصيب الْمَحْض فَهُوَ كَالْأَبِ فِي جَمِيع أَحْوَاله إلاَّ فِي أَربع مسَائِل فَإِنَّهُ لَا يقوم مقَام الْأَب فِيهَا. الأولى: أَن بني الْأَعْيَان والجدات كلهم يسقطون بِالْأَبِ بِالْإِجْمَاع وَلَا يسقطون بالجد إلاَّ عِنْد أبي حنيفَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. الثَّالِثَة: أَن الْأُم مَعَ أحد الزَّوْجَيْنِ وَالْأَب تَأْخُذ ثلث مَا يبْقى، وَمَعَ الْجد تَأْخُذ ثلث الْجَمِيع إلاَّ عِنْد أبي يُوسُف فَإِن عِنْده الْجد كَالْأَبِ فِيهِ. وَالثَّانيَِة: أَن أم الْأَب، وَإِن علت تسْقط بِالْأَبِ وَلَا تسْقط بالجد وَإِن علت. الرَّابِعَة: أَن الْمُعْتق إِذا ترك أَبَا الْمُعْتق وَابْنه فسدس الْوَلَاء للْأَب وَالْبَاقِي للِابْن عِنْد أبي يُوسُف، وَعِنْدَهُمَا: كُله للِابْن، وَلَو ترك ابْن الْمُعْتق وجده فَالْولَاء كُله للِابْن بالِاتِّفَاقِ، وَهَذَا هُوَ شرح كَلَام هَؤُلَاءِ الصَّحَابَة، وَلم أر أحدا من الشُّرَّاح ذكر شَيْئا من ذَلِك. وَقَالَ بَعضهم: قَوْله: (الْجد أَب) أَي: هُوَ أَب حَقِيقَة.
قلت: لم يقل بذلك أحد مِمَّن يُمَيّز بَين الْحَقِيقَة وَالْمجَاز، وَأما قَول أبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فوصله الدَّارمِيّ بِسَنَد على شَرط مُسلم عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ: أَن أَبَا بكر جعل الْجد أَبَا. وَأما قَول ابْن عَبَّاس فَأخْرجهُ(23/240)
مُحَمَّد بن نصر الْمروزِي فِي كتاب الْفَرَائِض من طَرِيق عَمْرو بن دِينَار عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: الْجد أَب، وَأما قَول عبد الله بن الزبير فَمضى فِي المناقب مَوْصُولا من طَرِيق ابْن أبي مليكَة، قَالَ: كتب أهل الْكُوفَة إِلَى ابْن الزبير فِي الْجد فَقَالَ: إِن أَبَا بكر أنزلهُ أَبَا.
وقَرَأ ابنُ عَبَّاسٍ {يَا بني آدم} (الْأَعْرَاف: 62، وَغَيرهَا) {وَاتَّبَعت مِلَّة آبَائِي إِبْرَاهِيم وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب} (يُوسُف: 83) ولَمْ يَذْكُرْ أنَّ أحَداً خالَفَ أَبَا بَكْرٍ فِي زَمانِهِ وأصْحابُ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُتَوَافِرُونَ.
وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: يَرِثُنِي ابنُ ابْني دُونَ إخْوَتِي وَلَا أرِثُ أَنا ابنَ ابْنِي.
أَشَارَ بقوله: وَقَرَأَ ابْن عَبَّاس {يَا بني آدم} إِلَى احتجاجه بِأَن الْجد أَب بقوله تَعَالَى: {يَا بني آدم} وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاتَّبَعت مِلَّة آبَائِي إِبْرَاهِيم وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب} فَإِنَّهُ أطلق على هؤلا الْأَب مَعَ أَنهم أجداد، وروى سعيد بن مَنْصُور من طَرِيق عَطاء عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الْجد أَب، وَقَرَأَ {وَاتَّبَعت مِلَّة آبَائِي إِبْرَاهِيم} الْآيَة. قَوْله: وَلم يذكر، على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: خَالف أَبَا بكر أَي: فِيمَا قَالَه من الْجَسَد حكمه حكم الْأَب. قَوْله: (وَأَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) الْوَاو فِيهِ للْحَال. قَوْله: (متوافرون) أَي: فيهم كَثْرَة وَعدد، وَهُوَ إِجْمَاع سكوتي. وَمِمَّنْ قَالَ مثل قَول ابْن عَبَّاس: معَاذ وَأَبُو الدَّرْدَاء وَأَبُو مُوسَى وَأبي بن كَعْب وَأَبُو هُرَيْرَة وَعَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم. وَمن التَّابِعين أَيْضا: عَطاء وطاووس وَشُرَيْح وَالشعْبِيّ، وَقَالَ أَيْضا من الْفُقَهَاء: عُثْمَان البتي وَأَبُو حنيفَة وَإِسْحَاق وَأَبُو ثَوْر وَدَاوُد والمزني وَابْن شُرَيْح، وَذهب عمر وَعلي وَزيد بن ثَابت وَابْن مَسْعُود إِلَى تَوْرِيث الْإِخْوَة مَعَ الْجد، لَكِن اخْتلفُوا فِي كَيْفيَّة ذَلِك، وموضعه كتب الْفَرَائِض.
قَوْله: (وَقَالَ ابْن عَبَّاس يَرِثنِي)
إِلَى آخِره أَرَادَ بِهِ الْإِنْكَار أَي: لم لَا يَرث الْجد فَيكون ردا على من حجب الْجد بالإخوة، أَو مَعْنَاهُ: فَلم لَا يَرث الْجد وَحده دون الْإِخْوَة، كَمَا فِي الْعَكْس، فَهُوَ رد على من قَالَ بِالشّركَةِ بَينهمَا. وَقَالَ أَبُو عمر: وَجه قِيَاس ابْن عَبَّاس أَن ابْن الابْن لما كَانَ كالابن عِنْد عدم الابْن كَانَ أَبُو الْأَب عِنْد عدم الْأَب كَالْأَبِ.
ويُذْكَرُ عنْ عُمَرَ وعَلِيٍّ وابنِ مَسْعُودٍ وزَيْدٍ أقاوِيلُ مُخْتَلِفَةٌ
وَيذكر على صِيغَة الْمَجْهُول إِشَارَة إِلَى التمريض، وَقد ذكرنَا الْآن أَنهم ذَهَبُوا إِلَى تَوْرِيث الْإِخْوَة مَعَ الْجد وَلَكِن باخْتلَاف بَينهم فِي ذَلِك. وَقَول عمر: إِنَّه كَانَ يقاسم الْجد مَعَ الْأَخ والأخوين فَإِذا زادوا أعطَاهُ الثُّلُث وَكَانَ يُعْطِيهِ مَعَ الْوَلَد السُّدس، رَوَاهُ الدَّارمِيّ من طَرِيق عِيسَى الحناط عَن الشّعبِيّ فَذكره، وَقَول عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَرَوَاهُ الشّعبِيّ: كتب ابْن عَبَّاس إِلَى عَليّ يسْأَله عَن سِتَّة إخْوَة وجد، فَكتب إِلَيْهِ أَن أجعله كأحدهم وامح كتابي، وروى الْحسن الْبَصْرِيّ أَن عليا كَانَ يُشْرك الْجد مَعَ الْإِخْوَة إِلَى السُّدس، وَله أَقْوَال أخر، وَقَول ابْن مَسْعُود رُوِيَ فِي امْرَأَة تركت زَوجهَا وَأمّهَا وجدهَا وأخاها لأَبِيهَا أَن للزَّوْج ثَلَاثَة أسْهم: النّصْف وَللْأُمّ ثلث مَا بَقِي وَهُوَ السُّدس من رَأس المَال، وللأخ سهم وللجد سهم. وَقَول زيد بن ثَابت فَرَوَاهُ الدَّارمِيّ من طَرِيق الْحسن الْبَصْرِيّ قَالَ: كَانَ زيد يُشْرك الْجد مَعَ الْأُخوة إِلَى الثُّلُث، وَأخرج عبد الرَّزَّاق من طَرِيق إِبْرَاهِيم قَالَ: كَانَ زيد يُشْرك الْجد مَعَ الْإِخْوَة إِلَى الثُّلُث، فَإِذا بلغ الثُّلُث أعطَاهُ إِيَّاه وللأخوة مَا بَقِي ويقاسم الْأَخ للْأَب ثمَّ يرد على أَخِيه ويقاسم الْأُخوة من الْأَب مَعَ الْأُخوة الأشقاء، وَلَا يُورث الْأُخوة للْأَب شَيْئا، وَلَا يُعْطي أَخا لأم مَعَ الْجد شَيْئا، وَله أَقْوَال أُخْرَى طوينا ذكرهَا طلبا للاختصار.
7376 - حدّثنا سُلَيْمانُ بنُ حَرْبٍ حدّثنا وُهَيْبٌ عَن ابنِ طاوُوسٍ عَن أبِيهِ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهُمَا، عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (ألْحِقُوا الفَرائِضَ بِأهْلِها، فَما بَقِيَ فَلأولَى رَجُلٍ ذَكَرٍ) .
وَجه إِيرَاد هَذَا الحَدِيث هُنَا، مَعَ أَنه تقدم عَن قريب وَتقدم شَرحه، هُوَ أَن الَّذِي يبْقى بعد الْفَرْض يصرف لأَقْرَب النَّاس إِلَى الْمَيِّت، فَكَانَ الْجد أقرب فَيقدم. وَقَالَ ابْن بطال: وَقد احْتج بِهِ من يُشْرك بَين الْجد وَالْأَخ فَإِنَّهُ أقرب إِلَى الْمَيِّت وَهُوَ ظَاهر(23/241)
ووهيب هُوَ ابْن خَالِد يروي عَن عبد الله بن طَاوُوس عَن أَبِيه عَن ابْن عَبَّاس.
8376 - حدّثنا أبُو مَعْمَرٍ حدّثنا عَبْدُ الوارِثِ حدّثنا أيُّوبَ عنْ عِكْرِمَةَ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أمَّا الّذِي قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذاً مِنْ هاذِهِ الأُمَّةِ خَلِيلاً لاتَّخَذْتُهُ ولاكِنْ خلَّةُ الإسْلامِ أفْضَلُ) أوْ قَالَ: خَيْرٌ فإنَّهُ أنْزَلَهُ أَبَا، أوْ قَالَ قَضاهُ أَبَا.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (فَإِنَّهُ أنزلهُ أَبَا) فَإِن أَبَا بكر أنزل الْجد أَبَا.
وَأَبُو معمر بِفَتْح الميمين اسْمه عبد الله بن عَمْرو بن أبي الْحجَّاج الْمنْقري المقعد، وَعبد الْوَارِث بن سعيد الْبَصْرِيّ، وَأَيوب السّخْتِيَانِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي الصَّلَاة فِي: بَاب الخوخة فِي الْمَسْجِد.
قَوْله: (لَو كنت متخذاً) يَعْنِي: لَو كنت مُنْقَطِعًا إِلَى غير الله لانقطعت إِلَى أبي بكر، لَكِن هَذَا مُمْتَنع لِامْتِنَاع ذَلِك (وَلَكِن خلة الْإِسْلَام) مَعَه أفضل من الْخلَّة مَعَ غَيره. قَوْله: (أَو قَالَ خير) شكّ من الرَّاوِي. قَوْله: (أَو قَالَ: قَضَاء أَبَا) أَيْضا شكّ من الرَّاوِي أَي: حكم بِأَنَّهُ أَب.
01 - (بابُ مِيراثِ الزَّوْجِ مَعَ الوَلَدِ وغَيْرِهِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مِيرَاث الزَّوْج مَعَ الْوَلَد وَغَيره من الْوَارِثين، فَلَا يسْقط الزَّوْج بِحَال، وَإِنَّمَا ينحط بِالْوَلَدِ من النّصْف إِلَى الرّبع.
11 - (بابُ مِيراثِ المَرْأةِ والزَّوْجِ مَعَ الوَلَدِ وغَيْرِهِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مِيرَاث الْمَرْأَة ... إِلَى آخِره، قَوْله: وَغَيره، أَي: من الْوَارِثين، فَلَا يحط إِرْث وَاحِد من الْمَرْأَة وَالزَّوْج بِحَال، بل يحط الْوَلَد الزَّوْج من النّصْف إِلَى الرّبع، ويحط الْمَرْأَة من الرّبع إِلَى الثّمن.
0476 - حدّثنا قُتَيْبَةُ حدّثنا اللَّيْثُ عنِ ابنِ شِهابٍ عَن ابْن المُسَيَّبِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ أنَّهُ قَالَ: قضَى رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي جَنِينِ امْرَأةٍ منْ بَي لَحْيانَ سَقَطَ مَيِّتاً بِغُرَّةٍ عَبْدٍ أوْ أمَةٍ، ثمَّ إنَّ المَرْأةَ الَّتِي قَضَى عَلَيْها بالغُرَّةِ تُوُفِّيَتْ، فَقَضى رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأنَّ مِيراثَها لِبَنِيها وزَوْجِها، وأنَّ العَقْلَ علَى عَصَبَتِها. (انْظُر الحَدِيث 8575 وأطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَابْن شهَاب مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ، وَابْن الْمسيب سعيد.
والْحَدِيث ذكره أَيْضا فِي الدِّيات عَن عبد الله بن يُوسُف. وَأخرجه بَقِيَّة الْجَمَاعَة مَا خلا ابْن مَاجَه كلهم عَن قُتَيْبَة، فَمُسلم فِي الْحُدُود، وَالتِّرْمِذِيّ فِي الْفَرَائِض، وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ فِي الدِّيات، وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ يُونُس عَن الزُّهْرِيّ عَن أبي سَلمَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مُرْسلا.
قَوْله: (فِي جَنِين امْرَأَة) قَالَ البُخَارِيّ فِي الدِّيات: اقْتتلَتْ امْرَأَتَانِ من هُذَيْل فرمت إِحْدَاهمَا الْأُخْرَى بِحجر(23/242)
فَقَتلهَا وَمَا فِي بَطنهَا ... الحَدِيث يُقَال: إِن الضاربة يُقَال لَهَا أم عفيف بنت مسروج، والمضروبة مليكَة بنت عويم، وَقيل: عُوَيْمِر، برَاء ذكره أَبُو عمر، وَفِي لفظ للْبُخَارِيّ: أَن امْرَأتَيْنِ من هُذَيْل رمت إِحْدَاهمَا الْأُخْرَى فطرحت جَنِينهَا ... الحَدِيث، وَهنا قَالَ: إِن المضروبة من بني لحيان. وَلَا تخَالف بَينهمَا. فَإِن لحيان بِكَسْر اللَّام وَقيل بِفَتْحِهَا بطن من هُذَيْل وَهُوَ لحيان بن هُذَيْل بن مدركة. قَالَ الْجَوْهَرِي: لحيان أَبُو قَبيلَة وَضَبطه بِكَسْر اللَّام، وَفِي رِوَايَة: هذلية وعامرية، وَفِي إسنادها ابْن أبي فَرْوَة وَهُوَ ضَعِيف، وظاهرهما التَّعَارُض، وَفِي (الصَّحِيح) : أَن إِحْدَاهمَا كَانَت ضرَّة الْأُخْرَى، وَفِي رِوَايَة من طَرِيق مجَالد: وكل مِنْهُمَا تَحت زوج، وَلَا مُنَافَاة أَيْضا لاحْتِمَال إِرَادَة كَونهمَا ليستا ضرتين، وَجَاء أَيْضا أَنَّهَا ضربتها بعمود فسطاط، وَجَاء: فحذفتها، وَجَاء: فدقت إِحْدَاهمَا الْأُخْرَى بِحجر، وَلَا تخَالف لاحْتِمَال تكَرر الْفِعْل. قَوْله: (سقط) أَي: الْجَنِين حَال كَونه مَيتا. قَوْله: (بغرة) مُتَعَلق بقوله: (قضى) قَوْله: (عبد) بِالتَّنْوِينِ بَيَان لغرة ويروى، بِالْإِضَافَة أَيْضا. قَوْله: (أَو أمة) كلمة: أَو، للتنويع وَلَيْسَت للشَّكّ، وَعَن أبي دَاوُد: فَقضى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي جَنِينهَا بغرة عبد أَو أمة أَو فرس أَو بغل أَو حمَار، والْحَدِيث مَعْلُول، وَفِي رِوَايَة لِابْنِ أبي شبيبة من حَدِيث عَطاء مُرْسلا: أَو بغل، فَقَط وَأُخْرَى: أَو فرس من حَدِيث هِشَام عَن أَبِيه، وَقَالَ بِهِ مُجَاهِد وطاووس. وَفِي الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث معمر عَن ابْن طَاوُوس عَن أَبِيه أَن عمر قَالَ: أَو فرس، وَقَالَ ابْن سِيرِين: يجزىء مائَة شَاة، وَفِي بعض طرق أبي دَاوُد: وَخَمْسمِائة شَاة، وَهُوَ وهم، وَصَوَابه: مائَة شَاة كَمَا نبه عَلَيْهِ أَبُو دَاوُد. وَفِي (مُسْند الْحَارِث بن أبي أُسَامَة) من حَدِيث حمل بن مَالك: أَو عشر من الْإِبِل، أَو مائَة شَاة. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرَوَاهُ أَبُو الْمليح أَيْضا عَن أَبِيه عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إلاَّ أَنه قَالَ: أَو عشرُون وَمِائَة شَاة، وَإسْنَاد ضَعِيف، وروى وَكِيع عَن عبد الله بن أبي بكر عَن أبي الْمليح الْهُذلِيّ قَالَ: كَانَت تَحت حمل بن مَالك امْرَأَتَانِ: امْرَأَة من بني سعد، وَامْرَأَة من بني لحيان. فرمت السعدية اللحيانية فقتلتها وأسقطت غُلَاما، فَقضى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْجَنِين بغرة. فَقَالَ عُوَيْمِر، أحد من قضى عَلَيْهِم بالغرة: يَا رَسُول الله {لَا غرَّة لي قَالَ: فعشر من الْإِبِل. قَالَ: يَا رَسُول الله} لَا إبل لي قَالَ: فعشرون وَمِائَة من الشَّاة لَيْسَ فِيهَا عوراء وَلَا فارض وَلَا عضباء، قَالَ: يَا رَسُول الله! فاعني بهَا من صَدَقَة بني لحيان. فَقَالَ لرجل: فأعنه بهَا، وروى عبد الرَّزَّاق عَن أبي جَابر البياضي وَهُوَ واهٍ عَن سعيد بن الْمسيب عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي جَنِين يقتل فِي بطنن الْمَرْأَة بغرة فِي الذّكر غُلَام وَفِي الْأُنْثَى جَارِيَة، وَقَالَ أَبُو عمر: الْغرَّة مَعْنَاهَا الْأَبْيَض فَلَا يُؤْخَذ فِيهَا الْأسود. وَقَالَ مَالك: الحمران أحب إِلَيّ من السودَان، وَقَالَ الْأَبْهَرِيّ: يَعْنِي الْبيض، فَإِن لم يكن عبيد تِلْكَ الْبَلدة بيضًا كَانَ من السودَان، وَقَالَ مَالك: وَيكون من أَوسط عبيد تِلْكَ الْبَلدة فَإِن كَانَ أَكْثَرهم الحمران فَمن أوسطهم وَقَالَ مَالك هُوَ عبد أَو وليدة. قَوْله: (بِأَن مِيرَاثهَا) أَي: مِيرَاث هَذِه الْمَرْأَة المقتولة لبنيها وَزوجهَا، وَقَالَ أَبُو عمر: جُمْهُور النَّاس على الْمِيرَاث فِي هَذِه الْغرَّة للْوَرَثَة وَالْعقل على الْعصبَة.
وَاخْتلفُوا على من تجب الْغرَّة؟ فَقَالَت طَائِفَة، مِنْهُم مَالك وَالْحسن بن حَيّ: هِيَ فِي مَال الْجَانِي ثمَّ الْكَفَّارَة، وَهُوَ قَول الْحسن وَالشعْبِيّ، وَرُوِيَ ذَلِك عَن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَبِه جزم إِبْرَاهِيم وَعَطَاء وَالْحكم. وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ على الْعَاقِلَة، وَمِمَّنْ قَالَ: الثَّوْريّ وَالنَّخَعِيّ وَأَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وأصحابهم، وَهُوَ قَول ابْن سِيرِين وَإِبْرَاهِيم فِي رِوَايَة، وحجتهم حَدِيث الْمُغيرَة الَّذِي فِيهِ: وَجعل الْغرَّة عل عَاقِلَة الْمَرْأَة، وَقَالَ أَبُو عمر: وَهُوَ نَص ثَابت صَحِيح فِي مَوضِع الْخلاف يجب الحكم بِهِ.
وَاخْتلفُوا فِي قيمَة الْغرَّة، فَقَالَ مَالك: تقوم بِخَمْسِينَ دِينَارا أَو بستمائة دِرْهَم نصف عشر دِيَة الْحر الْمُسلم الذّكر، وَعشر دِيَة الْحرَّة، وَهُوَ قَول الزُّهْرِيّ. وَرَبِيعَة وَسَائِر أهل الْمَدِينَة، وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَسَائِر الْكُوفِيّين: قيمتهَا خَمْسمِائَة دِرْهَم، وَهُوَ قَول إِبْرَاهِيم وَالشعْبِيّ. وَاخْتلفُوا فِي صفة الْجَنِين الَّذِي تجب فِيهِ الْغرَّة مَا هِيَ؟ فَقَالَ مَالك: مَا طرحته من مُضْغَة أَو علقَة أَو مَا علم أَنه ولد فَفِيهِ الْغرَّة. فَإِن سقط وَلم يستهل فَفِيهِ غرَّة وَسَوَاء تحرّك أَو عطس فَفِيهِ الْغرَّة أَيْضا حَتَّى يستهل فَفِيهِ الدِّيَة كَامِلَة. وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا شَيْء فِيهِ حَتَّى يتَبَيَّن من خلقه شَيْء. فَإِن علمت حَيَاته بحركة أَو بعطاس أَو باستهلال أَو بِغَيْر ذَلِك مِمَّا يستيقن بِهِ حَيَاته ثمَّ مَاتَ فَفِيهِ الدِّيَة، وَقَالَ ابْن عبد الْبر: وَهُوَ قَول سَائِر الْفُقَهَاء، وَأجْمع الْفُقَهَاء على أَن الْجَنِين إِذا خرج ثمَّ مَاتَ كَانَت فِيهِ الدِّيَة وَالْكَفَّارَة مَعهَا، فَقَالَ مَالك: بقسامة، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: بِدُونِهَا. وَاخْتلفُوا فِي الْكَفَّارَة إِذا خرج مَيتا، فَقَالَ مَالك: فِيهِ الْغرَّة وَالْكَفَّارَة، وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: فَفِيهِ(23/243)
الْغرَّة وَلَا كَفَّارَة وَبِه. قَالَ دَاوُد: قَوْله: (وَإِن الْعقل على عصبتها) الْعقل الدِّيَة. وَأَصله أَن الْقَاتِل كَانَ إِذا قتل قَتِيلا جمع الدِّيَة من الْإِبِل فعقلها بِفنَاء أَوْلِيَاء الْمَقْتُول. أَي: شدها فِي عقالها ليسلمها إِلَيْهِم ويقبضوها مِنْهُ، فسميت الدِّيَة: عقلا، بِالْمَصْدَرِ يُقَال: عقل الْبَعِير يعقله عقلا وَجمعه عقول والعصبة الْأَقَارِب من جِهَة الْأَب لأَنهم يعصبونه ويعتصب بهم أَي: يحيطون بِهِ ويشد بهم.
21 - (بابُ مِيراثِ الأخَوَاتِ مَعَ البَناتِ عَصَبَةٌ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مِيرَاث الْأَخَوَات مَعَ اجْتِمَاع الْبَنَات. قَوْله: عصبَة، بِالنّصب حَال وبالرفع خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: هِيَ عصبَة وَأَجْمعُوا على أَن الْأَخَوَات عصبَة الْبَنَات، فَمن مَاتَ وَترك بِنْتا وأختاً فللبنت النّصْف وَللْأُخْت النّصْف.
1476 - حدّثنا بِشْرُ بنُ خالِدٍ حَدثنَا مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ عنْ شعْبَةَ عَن سَلَيْمانَ عنْ إبْراهِيمَ عنِ الأسْوَدِ قَالَ: قَضَي فِينا مُعاذُ بنُ جَبَلٍ عَلى عَهْدِ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: النِّصْفُ للابْنَةِ والنِّصُفُ لْلأخْتِ، ثُمَّ قَالَ سُلَيْمانُ: قَضَى فِينا ولمْ يَذْكُرْ: عَلى عَهْدِ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. (انْظُر الحَدِيث 4376) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَبشر بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة ابْن خَالِد أَبُو مُحَمَّد العسكري وَهُوَ شيخ مُسلم أَيْضا مَاتَ سنة ثَلَاث وَخمسين وَمِائَتَيْنِ، وَمُحَمّد بن جَعْفَر هُوَ غنْدر، وسلميان هُوَ الْأَعْمَش، وَإِبْرَاهِيم هُوَ النَّخعِيّ، وَالْأسود بن يزِيد خَال إِبْرَاهِيم الرَّاوِي عَنهُ.
والْحَدِيث مضى عَن قريب فِي: بَاب مِيرَاث الْبَنَات.
قَوْله: (قضى فِينَا معَاذ بن جبل) أَرَادَ أَنه قضى فِي الْيَمين وَكَانَ أرْسلهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِلَيْهِم أَمِيرا ومعلماً. قَوْله: (قَالَ سُلَيْمَان) أَي: قَالَ شُعْبَة: ثمَّ قَالَ سُلَيْمَان أَي: الْأَعْمَش (قضى فِينَا) وَلم يذكر: على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَالْحَاصِل أَن الْأَعْمَش روى الحَدِيث أَولا بِإِثْبَات قَوْله: (على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) فَيكون مَرْفُوعا على الرَّاجِح، وَمرَّة بِدُونِهَا فَيكون مَوْقُوفا.
2476 - حدّثني عَمْرُو بنُ عَبَّاسٍ حدّثنا عَبْدُ الرَّحْمانِ حدّثنا سُفْيانُ عَنْ أبي قيْسٍ عنْ هُذَيْلٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ الله: لأقْضِينَّ فِيها بِقَضاءِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أوْ قَالَ: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: قَوْله: (لابْنَةِ النِّصْفُ ولابْنَةِ الابنِ السُّدُسُ وَمَا بَقِيَ فَلِلأخْتِ) . (انْظُر الحَدِيث 6376) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعَمْرو بن عَبَّاس بالمهملتين الْبَصْرِيّ، وَعبد الرَّحْمَن هُوَ ابْن مهْدي، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ، وَأَبُو قيس هُوَ عبد الرَّحْمَن بن ثروان، وهذيل مصغر هذل هُوَ ابْن شُرَحْبِيل وَعبد الله هُوَ ابْن مَسْعُود.
والْحَدِيث مضى قبل هَذَا الْبَاب بأَرْبعَة أَبْوَاب.
قَوْله: (لأقضين فِيهَا) أَي: فِي هَذِه الْمَسْأَلَة الَّتِي سُئِلَ عَنْهَا، وَمرَاده: الْقَضَاء بِسنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بطرِيق الْفَتْوَى فَإِن ابْن مَسْعُود يومئذٍ لم يكن قَاضِيا وَلَا أَمِيرا. قَوْله: (وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) هُوَ شكّ من بعض الروَاة، فَفِي رِوَايَة وَكِيع وَغَيره عَن سُفْيَان عِنْد النَّسَائِيّ وَغَيره سأقضي فِيهَا بِمَا قضى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَجَمَاعَة الْعلمَاء إلاَّ من شَذَّ على أَن الْأَخَوَات عصبات الْبَنَات يرثن مَا فضل عَن الْبِنْت كَبِنْت وَأُخْت للْبِنْت النّصْف وَللْأُخْت الْبَاقِي، وكبنتين وَأُخْت لَهما الثُّلُثَانِ وَللْأُخْت مَا بَقِي، وكبنت وَبنت ابْن وَأُخْت وَهِي فَتْوَى ابْن مَسْعُود: للأولى النّصْف وللثانية السُّدس وللثالثة الْبَاقِي.
31 - (بابُ مِيراثِ الأخَواتِ والإخْوَةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مِيرَاث الْأَخَوَات وَهِي جمع أُخْت، وَالإِخْوَة جمع أَخ.(23/244)
3476 - حدّثنا عَبْدُ الله بنُ عُثْمانَ أخبرنَا عَبْدُ الله أخبرنَا شُعْبَةُ عنْ مُحَمَّدِ بنِ المُنْكَدِرِ قَالَ: سَمِعْتُ جابِراً رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: دَخَلَ عَلَيَّ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنا مَرِيضٌ فَدَعا بِوَضُوءِ فَتَوَضَّأ ثُمَّ نَضَحَ عَلَيَّ مِنْ وُضُوئِهِ، فأفَقْتُ فَقُلْتُ: يَا رسولَ الله! إنّما لِي أخَواتٌ ... فَنَزَلَتْ آيَةُ الفَرائِضِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (إِنَّمَا لي أَخَوَات) لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنه لم يكن لَهُ ولد. واستنبط البُخَارِيّ الْإِخْوَة وَقدم الْأَخَوَات فِي التَّرْجَمَة للتصريح بِهن فِي الحَدِيث.
وَعبد الله بن عُثْمَان بن جبلة الملقب بعبدان الْمروزِي يروي عَن عبد الله بن الْمُبَارك الْمروزِي ... إِلَى آخِره.
والْحَدِيث مضى فِي أول كتاب الْفَرَائِض بأتم مِنْهُ، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (بِوضُوء) بِفَتْح الْوَاو وَهُوَ المَاء الَّذِي يتَوَضَّأ بِهِ. قَوْله: (ثمَّ نضح) بالنُّون وَالضَّاد الْمُعْجَمَة وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة أَي: رش. قَوْله: (فَنزلت آيَة الْفَرَائِض) أَي: آيَة الْمَوَارِيث، وَبَين فِيهَا أَن الْأَخَوَات يرثن، وَأَجْمعُوا على أَن الْإِخْوَة وَالْأَخَوَات من الْأَبَوَيْنِ أَو من الْأَب ذُكُورا كَانُوا أَو إِنَاثًا لَا يَرِثُونَ مَعَ الابْن وَلَا مَعَ ابْن الابْن وَإِن سفل وَلَا مَعَ الْأَب.
وَاخْتلفُوا فِي مِيرَاث الْأَخَوَات مَعَ الْجد على مَا سبق وَمَا عدا ذَلِك فللواحدة من الْأَخَوَات النّصْف وللبنتين فَصَاعِدا الثالثان إلاَّ فِي الأكدرية وَهِي زوج وَأم وجد وَأُخْت شَقِيقَة، أَو لأَب فَللزَّوْج النّصْف وَللْأُمّ الثُّلُث وللجد السُّدس وَللْأُخْت النّصْف وتعول إِلَى تِسْعَة، ثمَّ يجمع نصيب الْجد وَنصِيب الْأُخْت وَهُوَ أَرْبَعَة فَيقسم بَينهمَا للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ فَأَرْبَعَة على ثَلَاثَة لَا يَصح فَيضْرب ثَلَاثَة فِي تِسْعَة يكون سَبْعَة وَعشْرين للزَّوْج تِسْعَة وَللْأُمّ سِتَّة وللجد ثَمَانِيَة وَللْأُخْت أَرْبَعَة، وَإِنَّمَا سميت أكدرية، لِأَن عبد الْملك بن مَرْوَان سَأَلَ عَنْهَا رجلا. يُقَال لَهُ أكدر فأخطا فِيهَا فنسبت إِلَيْهِ. وَقيل: كَانَ اسْم الْمَيِّت أكدر، وَقيل: سميت بذلك لِأَنَّهَا كدرت على زيد بن ثَابت أَصْلهَا لِأَنَّهُ لَا يفْرض للْأُخْت مَعَ الْجد إلاَّ فِي هَذِه الْمَسْأَلَة.
41
- (بابٌ {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِى الْكَلَالَةِ إِن امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَآ إِن لَّمْ يَكُنْ لَّهَآ وَلَدٌ فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِن كَانُو اْ إِخْوَةً رِّجَالاً وَنِسَآءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الاُْنثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ} (النِّسَاء: 671) 2.
أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر قَوْله عز وَجل: {يستفتونك} الْآيَة، وَإِنَّمَا ترْجم بِهَذِهِ الْآيَة لِأَن فِيهَا التَّنْصِيص على مِيرَاث الْأُخوة قَوْله: {يستفتونك} من الإستفتاء وَهُوَ طلب الْفَتْوَى وَهِي جَوَاب الْحَادِثَة وَالتَّقْدِير: يستفتونك فِي الْكَلَالَة. {قل الله يفتيكم فِي الْكَلَالَة} فَحذف الأول لدلَالَة الثَّانِي عَلَيْهِ. قَوْله: {إِن امْرُؤ هلك} أَي: إِن هلك امْرُؤ فَحذف لدلَالَة الثَّانِي عَلَيْهِ أَي: إِن امْرُؤ مَاتَ، وَقد مر تَفْسِير الْكَلَالَة عَن قريب قَوْله: {وَله أُخْت} أَي: من أَبِيه وَأمه أَو أَبِيه لِأَن ذكر أَوْلَاد الْأُم قد سبق فِي أول السُّورَة. قَوْله: {فلهَا نصف مَا ترك} بَيَان فَرضهَا عِنْد الِانْفِرَاد. قَوْله: {أَن تضلوا} أَي: لِئَلَّا تضلوا. وَقَالَ البصريون: هَذَا خطأ لَا يجوز إِضْمَار وَالْمعْنَى عِنْدهم: كَرَاهِيَة أَن تضلوا، وَقيل: مَعْنَاهُ يبين الله لكم الضلال كَمَا فِي قَوْلك: يُعجبنِي أَن تقوم، أَي: قيامك.
حدّثنا عُبَيْدُ الله بنُ مُوسى عنْ إسْرائِيلَ عنْ أبي إسْحاق عنِ البَراءِ رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: آخِرُ آيَة نَزَلَتْ خاتِمَةُ سُورَةِ النِّساءِ {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِى الْكَلَالَةِ إِن امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَآ إِن لَّمْ يَكُنْ لَّهَآ وَلَدٌ فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِن كَانُو اْ إِخْوَةً رِّجَالاً وَنِسَآءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الاُْنثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ} (النِّسَاء: 671) .
الْمُطَابقَة بَين الْآيَة وَحَدِيث الْبَاب ظَاهِرَة. وَعبيد الله بن موس بن باذام أَبُو مُحَمَّد الْكُوفِي، وروى عَنهُ مُسلم بالواسطة، وَإِسْرَائِيل هُوَ ابْن يُونُس بن أبي إِسْحَاق عَمْرو السبيعِي يروي عَن جده أبي إِسْحَاق عَن الْبَراء بن عَازِب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
والْحَدِيث مضى فِي الْمَغَازِي عَن عبد الله بن رَجَاء، وَقَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: تقدم فِي الْبَقَرَة أَن آخر آيَة نزلت آيَة الرِّبَا؟ .
قلت: الرَّاوِي فِي الْمَوْضِعَيْنِ لم ينْقل عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بل قَالَ ثمَّة: ابْن عَبَّاس عَن ظَنّه وَهنا الْبَراء، عَن ظَنّه. انْتهى.
قلت: وَجَاء عَن(23/245)
ابْن عَبَّاس أَيْضا: إِن آخر آيَة نزلت {لقد جَاءَكُم رَسُول من أَنفسكُم} (التَّوْبَة: 821) وَجَاء عَنهُ أَيْضا: إِن آخر آيَة نزلت {وَاتَّقوا يَوْمًا ترجعون فِيهِ إِلَى الله} (الْبَقَرَة: 182) وَهَذِه ثَلَاث رِوَايَات عَن ابْن عَبَّاس، فَهَل قَالَهَا كُله بِالظَّنِّ؟ فَلَا يُقَال ذَلِك.
51 - (بَاب ابْنَيْ عَمٍّ أحَدُهُما أخٌ لِلأمِّ والآخَرُ زَوْجٌ)
أَي: هَذَا بَاب فِي شَأْن امْرَأَة مَاتَت عَن ابْني عَم: أَحدهمَا أَخُوهَا لأمها وَالْآخر زَوجهَا، وَهَذِه التَّرْجَمَة مثل اللغز لَيْسَ فِيهَا بَيَان صورتهَا وَلَا بَيَان حكمهَا وَلَكِن حكمهَا يظْهر من قَول عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَصورتهَا: رجل تزوج بِامْرَأَة فَجَاءَت مِنْهُ بِابْن ثمَّ تزوج بِأُخْرَى فَجَاءَت مِنْهُ بِابْن، ثمَّ فَارق الْمَرْأَة الثَّانِيَة فَتَزَوجهَا أَخُوهُ فَجَاءَت مِنْهُ ببنت فَهِيَ أُخْت الإبن الثَّانِي لأمه وَابْنَة عَمه، فَتزوّجت هَذِه الْبِنْت الابْن الأول وَهُوَ ابْن عَمها ثمَّ مَاتَت عَن ابْني عَم أَحدهمَا أَخُوهَا لأمها وَالْآخر زَوجهَا.
وَقَالَ عَلِيٌّ: لِلزَّوْجِ النِّصْفُ ولِلأخِ منَ الأُمِّ السُّدْسُ وَمَا بَقِيَ بَيْنَهُما نِصْفانِ
أَي: قَالَ عَليّ بن أبي طَالب فِي الصُّورَة الْمَذْكُورَة: للزَّوْج النّصْف لِأَنَّهُ زوج وفرضه النّصْف، وللأخ من الْأُم السُّدس لكَونه أَخا من أم وفرضه السُّدس، وَمَا بَقِي وَهُوَ الثُّلُث بَينهمَا أَي: بَين ابْني عَمها أَحدهمَا الزَّوْج وَالْآخر أَخُوهَا من أمهَا نِصْفَانِ بطرِيق الْعُصُوبَة فَيصح للْأولِ الَّذِي هُوَ الزَّوْج الثُّلُثَانِ النّصْف بطرِيق الْفَرْض وَالسُّدُس بطرِيق التَّعْصِيب، وَيصِح للثَّانِي وَهُوَ ابْن عَمها الآخر الثُّلُث بطرِيق الْفَرْض والتعصيب. قَالَ ابْن بطال: وَبقول عَليّ قَالَ المدنيون وَالثَّوْري وَمَالك وَأَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق. وَقَالَ عَمْرو بن مَسْعُود: جَمِيع المَال للَّذي جمع القرابتين لِأَنَّهُمَا قَالَا فِي ابْني الْعم أَحدهمَا أَخ لَام أَن الْأَخ للْأُم أَحَق بِالْمَالِ لَهُ السُّدس بِالْفَرْضِ وَبَاقِي المَال بِالتَّعْصِيبِ، وَهُوَ قَول الْحسن الْبَصْرِيّ وَعَطَاء وَالنَّخَعِيّ وَابْن سِيرِين وَإِلَيْهِ ذهب أَبُو ثَوْر وَأهل الظَّاهِر، وَتَعْلِيق عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، رَوَاهُ يزِيد بن هَارُون عَن حَمَّاد بن سَلمَة عَن أَوْس بن ثَابت عَن حَكِيم بن عقال قَالَ: أفتى شُرَيْح فِي امْرَأَة تركت ابْني عَمها أَحدهمَا زَوجهَا وَالْآخر أَخُوهَا لأمها، فَأعْطِي الزَّوْج النّصْف وَأعْطِي الْأَخ من الْأُم مَا بَقِي فَبلغ ذَلِك عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ، فَقَالَ: ادْع لي العَبْد لأنظر، فَدَعَا شُرَيْح فَقَالَ: مَا قضيت أبكتاب الله أَو بِسنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ فَقَالَ شُرَيْح: بِكِتَاب الله. قَالَ: أَيْن؟ قَالَ: {وَأولُوا الْأَرْحَام بَعضهم أولى بِبَعْض فِي كتاب الله} (الْأَحْزَاب: 33) فَقَالَ عَليّ، فَهَل قَالَ للزَّوْج النّصْف وَله مَا بَقِي؟ ثمَّ أعْطى الزَّوْج النّصْف وَالْأَخ من الْأُم السُّدس ثمَّ قسم مَا بَقِي بَينهمَا.
5476 - حدّثنا مَحْمُودٌ أخبرنَا عُبَيْدُ الله عنْ إسْرائِيلَ عنْ أبي حَصِينٍ عنْ أبي صالحٍ عنْ أبي هُرَّيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (أَنا أوْلَى بالمُؤْمِنِينَ مِنْ أنْفُسِهِمْ، فَمَنْ ماتَ وتَرَكَ مَالا فَمالُهُ لِمَوالِي العَصَبَةِ، ومَنْ تَرَك كَلاًّ أوْ ضَياعاً فَأَنا وَلِيُّهُ فَلأُدْعى لهُ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة بالتعسف تُؤْخَذ من قَوْله: (فَمَاله لموَالِي الْعصبَة) لِأَن التَّرْجَمَة الَّتِي صورتهَا مَا ذكرنَا فِيهَا الْفَرْض والتعصيب فيطابق قَوْله: (لموَالِي الْعصبَة) ، وَالْإِضَافَة فِيهِ للْبَيَان نَحْو: شجر الْأَرَاك أَي: الموَالِي الَّذين هم الْعصبَة. قيل: قد يكون لأَصْحَاب الْفُرُوض، قيل لَهُ: أَصْحَاب الْفُرُوض مقدمون على الْعصبَة فَإِذا كَانَ للأبعد فبالطريق الأولى يكون للأقرب.
ومحمود شيخ البُخَارِيّ هُوَ ابْن غيلَان بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة يروي عَن عبيد الله بن مُوسَى وَهُوَ أَيْضا شيخ البُخَارِيّ يروي عَنهُ كثيرا بِلَا وَاسِطَة، وَإِسْرَائِيل هُوَ ابْن يُونُس بن أبي إِسْحَاق السبيعِي، وَأَبُو حُصَيْن بِفَتْح الْحَاء وَكسر الصَّاد الْمُهْمَلَتَيْنِ واسْمه عُثْمَان بن عِصَام، وَأَبُو صَالح هُوَ ذكْوَان السمان.
والْحَدِيث أخرجه النَّسَائِيّ فِي الْفَرَائِض عَن أَحْمد بن سُلَيْمَان.
قَوْله: (أَنا أولى بِالْمُؤْمِنِينَ من أنفسهم) يَعْنِي: الأولولية النُّصْرَة أَي: أَنا أتولى أُمُورهم بعد وفاتهم فأنصرهم فَوق مَا كَانَ مِنْهُم لَو عاشوا، فَإِن تركُوا شَيْئا من المَال فأذب المستأكل من الظلمَة أَن يحوم حوله فيخلص لورثتهم، وَإِن لم يتْركُوا وَتركُوا ضيَاعًا وكلاًّ من الْأَوْلَاد(23/246)
فَأَنا كافلهم وَإِلَى ملجؤهم ومأواهم، وَإِن تركُوا دينا فعلي أَدَاؤُهُ فَلذَلِك وَصفَة الله فِي كِتَابه بقوله: {بِالْمُؤْمِنِينَ رؤوف رَحِيم} (التَّوْبَة: 821) وَهَكَذَا يَنْبَغِي أَن تفسر الْآيَة أَيْضا وَزَاد فِي رِوَايَة الْأَصْلِيّ هُنَا: {وأزواجه أمهاتهم} (الْأَحْزَاب: 6) وَقَالَ عِيَاض: وَهِي زِيَادَة فِي الحَدِيث لَا معنى لَهَا هُنَا، وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: إِنَّمَا يلتئم قَوْله: {وأزواجه أمهاتهم} إِذا قُلْنَا إِنَّه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَالْأَبِ المشفق لَهُم بل هُوَ أراف وأرحم بهم. قَوْله: (فَمن مَاتَ) الْفَاء فِيهِ تفسيرية مفصلة لما أجمل من قَوْله: (أَنا أولى بِالْمُؤْمِنِينَ) قَوْله: (فَمَاله لموَالِي الْعصبَة) قد مر تَفْسِيره الْآن قَوْله: (وَمن ترك كلاًّ) بِفَتْح الْكَاف وَتَشْديد اللَّام وَهُوَ الثّقل، قَالَ تَعَالَى: {وَهُوَ كل على مَوْلَاهُ} (النَّحْل: 67) . وَجمعه: كلول، وَهُوَ يَشْمَل الدّين والعيال. قَوْله: (أَو ضيَاعًا) بِفَتْح الضَّاد الْمُعْجَمَة مصدر من ضَاعَ الشَّيْء يضيع ضَيْعَة وضياعاً أَي: هلك، قيل: فَهُوَ على تَقْدِير مَحْذُوف أَي: ذَا ضيَاع، وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: الضّيَاع اسْم مَا هُوَ فِي معرض أَن يضيع إِن لم يتعهد: كالذرية الصغار والزمن الَّذين لَا يقومُونَ بِكُل أنفسهم وَمن يدْخل فِي معناهم، وَقَالَ أَيْضا: رُوِيَ الضّيَاع بِالْكَسْرِ على أَنه جمع ضائع كجياع فِي جمع جَائِع. قَوْله: (فلأدعى لَهُ) بِلَفْظ أَمر الْغَائِب الْمَجْهُول، وَالْأَصْل فِي لَام الْأَمر أَن تكون مَكْسُورَة كَقَوْلِه تَعَالَى: {وليوفوا نذورهم وليطوفوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيق} (الْحَج: 92) قرىء بِكَسْر اللَّام وإسكانها وَقد تسكن مَعَ الْفَاء أَو الْوَاو غَالِبا فيهمَا، وَإِثْبَات الْألف بعد عين (لادعى) جَائِز على قَول من قَالَ:
ألم يَأْتِيك والأنباء تنمي
وَكَانَ الْقيَاس: فلادع لَهُ أَي: فادعوني لَهُ حَتَّى أقوم بكله وضياعه، لِأَن حذفهَا عَلامَة الْجَزْم لِأَنَّهُ مجزوم بلام الْأَمر، لِأَن كل فعل فِي آخِره واوا وياء أَو ألف فجزمه بِحَذْف آخِره، هَذَا هُوَ الْمَشْهُور فِي اللُّغَة، وَفِي رِوَايَة لِابْنِ كثير أَنه قَرَأَ: {من يَتَّقِي ويصبر} (يُوسُف: 09) بِإِثْبَات الْيَاء وَإِسْكَان الرَّاء وَهِي لُغَة أَيْضا.
6476 - حدّثنا أُمَيَّةُ بنُ بِسْطامٍ حدّثنا يَزِيدُ بنُ زُرَيْعٍ عنْ رَوح عنْ عَبْدِ الله بنِ طاوُوسٍ عنْ أبِيهِ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (أَلْحِقُوا الفَرائِضَ بِأهْلِها فَما تَرَكَتِ الفَرائِضُ فَلأوْلَى رَجلٍ ذَكَرٍ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة يُمكن أَن يُوَجه مثل مَا وَجه فِي تَرْجَمَة الحَدِيث السَّابِق. وَأُميَّة بِضَم الْهمزَة وَفتح الْمِيم وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف ابْن بسطَام بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَكسرهَا الْبَصْرِيّ، وروح بِفَتْح الرَّاء وَسُكُون الْوَاو ابْن الْقَاسِم الْعَنْبَري.
والْحَدِيث قد مر عَن قريب فِي: بَاب مِيرَاث الْوَلَد من أَبِيه وَأمه، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
61 - (بابُ ذَوِي الأرْحامِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم ذَوي الْأَرْحَام هَل يَرِثُونَ أم لَا؟ وَمن هم؟ وذوو الْأَرْحَام جمع ذِي الرَّحْمَن وَهُوَ خلاف الْأَجْنَبِيّ، والأرحام جمع الرَّحِم وَالرحم فِي الأَصْل منبت الْوَلَد ووعاؤه فِي الْبَطن ثمَّ سميت الْقَرَابَة والوصلة من جِهَة الْولادَة رحما وَفِي الشَّرِيعَة: عبارَة عَن كل قريب لَيْسَ بِذِي سهم وَلَا عصبَة، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: وذوو الرَّحِم هم الأقراب، وَيَقَع على كل من يجمع بَيْنك وَبَينه نسب وَيُطلق فِي الْفَرَائِض على الْأَقَارِب من جِهَة النِّسَاء، يُقَال: ذَوُو رحم محرم ومحرم هُوَ من لَا يحل نِكَاحه كالأم وَالْبِنْت وَالْأُخْت والعمة وَالْخَالَة. انْتهى. وَقَالَ فِي (التَّلْوِيح) : ذَوُو الْأَرْحَام هم الَّذين لَا سهم لَهُم فِي الْكتاب وَالسّنة من قرَابَة الْمَيِّت وَلَيْسوا بعصبة الْبَنَات كأولادها وَأَوْلَاد الْأَخَوَات وَأَوْلَاد الْأُخوة لأم وَبَنَات الْأَخ والعمة وَالْخَالَة وعمة الْأَب وَالْعم أَخُو الْأَب لأمه وَالْجد أبي الْأُم وَالْجدّة أم أبي الْأُم وَمن أدلى بهم.
وَاخْتلفُوا فِي هَذَا الْبَاب. فَقَالَت طَائِفَة: إِذا لم يكن للْمَيت وَارِث لَهُ فرض مُسَمّى فَمَاله لموَالِي الْعتَاقَة الَّذين أعتقوه، فَإِن لم يكن فَمَاله لبيت مَال الْمُسلمين، وَلَا يَرث من فرض لَهُ من ذَوي الْأَرْحَام، رُوِيَ هَذَا عَن أبي بكر وَزيد بن ثَابت وَابْن عمر، وَرِوَايَة عَن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَهُوَ قَول أهل الْمَدِينَة وَالزهْرِيّ وَأبي الزِّنَاد وَرَبِيعَة وَمَالك وروى عَن مَكْحُول وَالْأَوْزَاعِيّ، وَبِه قَالَ الشَّافِعِي، وَكَانَ عمر بن الْخطاب وَابْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس ومعاذ وَأَبُو الدَّرْدَاء يورثون ذَوي الْأَرْحَام وَلَا يُعْطون الْوَلَاء مَعَ الرَّحِم شَيْئا، وبتوريث ذَوي الْأَرْحَام قَالَ ابْن أبي ليلى وَالنَّخَعِيّ وَعَطَاء وَجَمَاعَة من التَّابِعين، وَهُوَ قَول الْكُوفِيّين وَأحمد وَإِسْحَاق.(23/247)
7476 - حدّثني إسْحَاقُ بنُ إبْراهِيمَ قَالَ: قُلْتُ ل أبي أُسامَةَ: حَدَّثَكُمْ إدْرِيسُ حدّثنا طَلْحَةُ عنْ سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ: {وَلكُل جعلنَا موالى وَالَّذين عاقلت أَيْمَانكُم} (النِّسَاء: 33) قَالَ: كَانَ المُهاجِرُونَ حِينَ قَدِمُوا المَدِينَةَ يَرِثُ الأنْصارِيُّ المُهاجِرِيُّ دُونَ ذَوِي رَحِمِهِ لْلأُخُوَّةِ الّتِي آخَى النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بَيْنَهُمْ فَلَمَّا نَزَلَتْ {وَلكُل جعلنَا موالى} قَالَ: نَسَخَتْها: {وَالَّذين عقدت أَيْمَانكُم} .
مطابقته للتَّرْجَمَة يُمكن أَن تُؤْخَذ من قَوْله: {جعلنَا موالى} لِأَن الموالى الْوَرَثَة، وَكَذَا فسر ابْن عَبَّاس فِي هَذَا الحَدِيث لِأَنَّهُ ذكره فِي الْكفَالَة بقوله: حَدثنَا الصَّلْت بن مُحَمَّد حَدثنَا أَبُو أُسَامَة بن إِدْرِيس عَن طَلْحَة بن مصرف عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس {وَلَك جعلنَا موالى} (النِّسَاء: 33) قَالَ: وَرَثَة ... الحَدِيث، وَلَفظ الْوَرَثَة يُطلق على ذَوي الْأَرْحَام، فترجم بقوله: بَاب ذَوي الْأَرْحَام، لكنه مُبْهَم لَا يفهم مِنْهُ أَنهم يَرِثُونَ أم لَا، وَلَكِن ذكره هَذَا الحَدِيث بِهَذَا السِّيَاق يدل على أَنهم لَا يَرِثُونَ، وَلَكِن فِي هَذَا السِّيَاق نظر لِأَنَّهُ يشْعر بِأَن قَوْله: {وَالَّذين عاقدت أَيْمَانكُم} (النِّسَاء: 33) هُوَ نَاسخ، وَالصَّوَاب أَنه هُوَ الْمَنْسُوخ نبه عَلَيْهِ الطَّبَرِيّ وَغَيره فِي رِوَايَة عَن ابْن عَبَّاس، وَجُمْهُور السّلف على أَن النَّاسِخ لهَذِهِ الْآيَة هُوَ قَوْله تَعَالَى: {وَأولُوا الْأَرْحَام بَعضهم أولى بِبَعْض} (الْأَحْزَاب: 33) رُوِيَ هَذَا عَن ابْن عَبَّاس وَقَتَادَة وَالْحسن وَهُوَ الَّذِي أثْبته أَبُو عبيد فِي ناسخه ومسوخه.
وَفِيه قَول آخر: روى الزُّهْرِيّ عَن الْمسيب قَالَ: أَمر الله تَعَالَى الَّذين تبنوا غير أبنائهم فِي الْجَاهِلِيَّة وورثوهم فِي الْإِسْلَام أَن يجْعَلُوا لَهُم نَصِيبا فِي الْوَصِيَّة، ورد الْمِيرَاث إِلَى ذِي الرَّحِم والعصبة. وَقَالَت طَائِفَة: قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذين عاقدت أَيْمَانكُم} محكمَة وَإِنَّمَا أَمر الله الْمُؤمنِينَ أَن يُعْطوا الحلفاء أنصبائهم من النُّصْرَة والنصيحة والرفادة وَمَا أشبه ذَلِك دون الْمِيرَاث، ذكره أَيْضا الطَّبَرِيّ عَن ابْن عَبَّاس، وَهُوَ قَول مُجَاهِد وَالسُّديّ، وَقَالَ فُقَهَاء الْأَمْصَار وَالْعراق والكوفة وَالْبَصْرَة وَجَمَاعَة من الْعلمَاء فِي سَائِر الْآفَاق بتوريث ذَوي الْأَرْحَام، وَقد روى أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه من حَدِيث الْمِقْدَام بن معدي كرب: الْخَال وَارِث من لَا وَارِث لَهُ يعقل عَنهُ ويرثه وَصَححهُ ابْن حبَان وَالْحَاكِم، وروى التِّرْمِذِيّ مَرْفُوعا محسناً، عَن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: (الْخَال وَارِث من لَا وَارِث لَهُ) ، وَأخرجه النَّسَائِيّ من حَدِيث عَائِشَة، وَأخرجه عبد الرَّزَّاق أَيْضا عَن ابْن جريج عَن عَمْرو بن مُسلم حَدثنَا طَاوُوس عَنْهَا رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا. فَإِن قلت: روى الْحَاكِم من حَدِيث عبد الله بن جَعْفَر عَن عبد الله بن دِينَار عَن ابْن عمر قَالَ: أقبل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، على حمَار فَلَقِيَهُ رجل فَقَالَ: يَا رَسُول الله {رجل ترك عمَّة وَخَالَة لَا وَارِث لَهُ غَيرهمَا، فَرفع رَأسه إِلَى السَّمَاء فَقَالَ: اللَّهُمَّ} رجل ترك عمته وخالته لَا وَارِث لَهُ غَيرهمَا، ثمَّ قَالَ: أَيْن السَّائِل؟ قَالَ: هَا أَنا ذَا. قَالَ: لَا مِيرَاث لَهما، وَقَالَ الْحَاكِم: صَحِيح الْإِسْنَاد.
قلت: عبد الله بن جَعْفَر الْمَدِينِيّ فِيهِ مقَال، قَالَ أَبُو حَاتِم: مُنكر الحَدِيث جدا يحدث عَن الثِّقَات بِالْمَنَاكِيرِ يكْتب حَدِيثه وَلَا يحْتَج بِهِ، وَقَالَ الْجِرْجَانِيّ: واهي الحَدِيث، وَقَالَ النَّسَائِيّ: مَتْرُوك الحَدِيث، وَعنهُ: لَيْسَ بِثِقَة. وَأخرجه الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث أبي عَاصِم مَوْقُوفا.
وَشَيخ البُخَارِيّ فِي هَذَا الحَدِيث هُوَ إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الْمَعْرُوف بِابْن رَاهَوَيْه، وَأَبُو أُسَامَة هُوَ حَمَّاد بن أُسَامَة وَإِدْرِيس هُوَ ابْن يزِيد من الزِّيَادَة ابْن عبد الرَّحْمَن الأودي، وَطَلْحَة هُوَ ابْن مصرف بِكَسْر الرَّاء الْمُشَدّدَة وبالفاء.
والْحَدِيث أخرجه النَّسَائِيّ وَأَبُو دَاوُد جَمِيعًا فِي الْفَرَائِض عَن هَارُون بن عبد الله عَن أبي أُسَامَة.
قَوْله: (يَرث الْأنْصَارِيّ) بِالرَّفْع لِأَنَّهُ فَاعل. وَقَوله: (الْمُهَاجِرِي) بِالنّصب مَفْعُوله، ولسيت الْيَاء فِيهِ للنسبة وَإِنَّمَا هِيَ للْمُبَالَغَة كَمَا يُقَال الأحمري فِي الْأَحْمَر، وَقيل: زيدت فِيهِ يَاء النِّسْبَة للمشاكلة، وَقَالَ الْكرْمَانِي: أَيْن الْعَائِد إِلَى اسْم كَانَ؟ .
قلت: وضع الْمُهَاجِرِي مَكَانَهُ وَاللَّازِم فِي مثله الارتباط بَينهمَا سَوَاء كَانَ بالضمير أَو بِغَيْرِهِ، وَقَالَ أَيْضا: تقدم فِي سُورَة النِّسَاء بِالْعَكْسِ، وَقَالَ: يَرث الْمُهَاجِرِي الْأنْصَارِيّ.
قلت: الْمَقْصُود مِنْهُمَا بَيَان إِثْبَات الوراثة بَينهمَا فِي الْجُمْلَة ثمَّ قَالَ: وَفِيه آخر عكس ذَلِك وَهُوَ أَنه قَالَ ثمَّة: {وَلكُل جعلنَا} والمنسوخ {وَالَّذين عاقدت} وَالْمَفْهُوم هُنَا عَكسه.
قلت: فَاعل نسختها آيَة {وَلكُل جعلنَا} {وَالَّذين عاقدت} مَنْصُوب على الْعِنَايَة أَي: أَعنِي {وَالَّذين عاقدت} وَقيل: الضَّمِير فِي نسختها عَائِد على المؤاخاة لَا على الْآيَة وَالضَّمِير فِي نسختها وَهُوَ الْفَاعِل الْمُسْتَتر يعود على قَوْله: {وَلكُل جعلنَا موالى} وَقَوله: {وَالَّذين عاقدت أَيْمَانكُم} يدل(23/248)
من الضَّمِير، وأصل الْكَلَام: لما نزلت {لكل جعلنَا موَالِي} نسخت {وَالَّذين عاقدت أَيْمَانكُم} .
71 - (بابُ ميراثِ المُلاعَنَةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم مِيرَاث الْمُلَاعنَة بِكَسْر الْعين وَهِي الَّتِي وَقع اللّعان بَينهَا وَبَين زَوجهَا. وَقَالَ بَعضهم بِفَتْح الْعين، وَيجوز كسرهَا.
قلت: الْأَمر بِالْعَكْسِ وَالْمَقْصُود من مِيرَاث الْمُلَاعنَة بَيَان من يَرث ولد الْمُلَاعنَة وَمَا تَرث الْمُلَاعنَة من ابْنهَا، فَقَالَ مَالك: بَلغنِي أَنه قَالَ عُرْوَة فِي ولد الْمُلَاعنَة وَولد الزِّنَا: إِذا مَاتَ ورثت أمه حَقّهَا فِي كتاب الله وَإِخْوَته للْأُم حُقُوقهم. وَيُورث الْبَقِيَّة مولى أَبِيه إِن كَانَ مَوْلَاهُ، وَإِن كَانَت عَرَبِيَّة ورثت حَقّهَا وورثت إخْوَته لأمه حُقُوقهم وَكَانَ مَا بَقِي للْمُسلمين. قَالَ مَالك: وَبَلغنِي عَن سُلَيْمَان بن يسَار كَذَلِك، قَالَ: وعَلى ذَلِك أدْركْت أهل الْعلم ببلدنا، وَقَالَ أَبُو عمر: هَذَا مَذْهَب زيد بن ثَابت، وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس مثل ذَلِك، وَرُوِيَ عَن عَليّ وَابْن مَسْعُود: أَن مَا بَقِي يكون لعصبة أمه إِذا لم يخلف ذَا رحم لَهُ سهم وَإِن خَلفه جعل فَاضل المَال ردا عَلَيْهِ، وَحكى عَن عَليّ أَيْضا أَنه ورث ذَوي الْأَرْحَام برحمهم وَلَا شَيْء لبيت المَال، وَإِلَيْهِ ذهب أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه، وَمن قَالَ بِالرَّدِّ يرد الْبَاقِي على أمه، وَيَقُول زيد: قَالَ جُمْهُور أهل الْمَدِينَة وَابْن الْمسيب وَعُرْوَة وَسليمَان وَعمر بن عبد الْعَزِيز وَالزهْرِيّ وَرَبِيعَة وَأَبُو الزِّنَاد وَمَالك، وَبِه قَالَ الشَّافِعِي وَالْأَوْزَاعِيّ.
8476 - حدّثني يَحْيَاى بنُ قَزَعَةَ حدّثنا مالِكٌ عنْ نافِعٍ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهُمَا، أنَّ رَجلاً لَا عَنَ امْرَأتَهُ فِي زَمَنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وانْتَفى منْ وَلَدِها، فَفَرَّقَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَيْنَهُما وألْحَقَ الوَلَدَ بالمَرْأةِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من آخر الحَدِيث، لِأَن المُرَاد من إِلْحَاق الْوَلَد بِالْأُمِّ جَرَيَان الْإِرْث بَينهمَا لِأَنَّهُ لما ألحقهُ بهَا قطع نسب أَبِيه فَصَارَ كمن لَا أَب لَهُ من أَوْلَاد الْفَيْء الَّذِي لم يخْتَلف أَن الْمُسلمين عصبته.
وَيحيى بن قزعة بِالْقَافِ وَالزَّاي وَالْعين الْمُهْملَة المفتوحات الْحِجَازِي.
والْحَدِيث مضى فِي الطَّلَاق عَن يحيى بن بكير عَن مَالك، وروى أَبُو دَاوُد من رِوَايَة عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده قَالَ: جعل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِيرَاث ابْن الْمُلَاعنَة لأمه ولورثتها من بعْدهَا، وروى أَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة عَن وَاثِلَة رَفعه: تحوز الْمَرْأَة ثَلَاثَة مَوَارِيث: عتيقها ولقيطها وَوَلدهَا الَّذِي لاعنت عَلَيْهِ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: لَيْسَ بِثَابِت، ورد عَلَيْهِ بِأَن التِّرْمِذِيّ حسنه وَالْحَاكِم صَححهُ وَلَيْسَ فِيهِ سوى عَمْرو بن رؤبة بِضَم الرَّاء وَسُكُون الْوَاو وبباء مُوَحدَة مُخْتَلف فِيهِ، قَالَ البُخَارِيّ: فِيهِ نظر، وَوَثَّقَهُ جمَاعَة.
81 - (بابٌ الوَلَدُ لِلْفِرَاشِ حُرَّةً كانَتْ أوْ أمَةً)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ الْوَلَد للْفراش أَي الصاحب الْفراش، قَالَ أَصْحَابنَا: الْفراش كِنَايَة عَن الزَّوْج، وَقَالَ جرير.
(باتت تعانقه وَبَات فراشها)
يَعْنِي: زَوجهَا وَيُقَال: الْفراش وَإِن كَانَ يَقع على الزَّوْج فَإِنَّهُ يَقع على الزَّوْجَة أَيْضا لِأَن كل وَاحِد مِنْهُمَا فرَاش لصَاحبه. قَوْله: حرَّة كَانَت أَي الْمَرْأَة، أَو أمة، فَعِنْدَ مَالك وَالشَّافِعِيّ تصير الْأمة فراشا لسَيِّدهَا بِوَطْئِهِ إِيَّاهَا أَو بِإِقْرَارِهِ أَنه وَطئهَا، وَبِهَذَا حكم عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَهُوَ قَول ابْن عمر أَيْضا، فَمَتَى أَتَت بِولد لسِتَّة أشهر من يَوْم وَطئهَا ثَبت نِسْبَة مِنْهُ وَصَارَت بِهِ أم ولد لَهُ، وَله أَن يَنْفِيه إِذا ادّعى الِاسْتِبْرَاء، وَلَا يكون فراشا بِنَفس الْملك دون الْوَطْء عِنْد مَالك وَالشَّافِعِيّ، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يكون فراشا بِالْوَطْءِ وَلَا بِالْإِقْرَارِ بِهِ أصلا، فَلَو وَطئهَا أَو أقرّ بِوَطْئِهَا فَأَتَت بِولد لم يلْحقهُ وَكَانَ مَمْلُوكا وَأمه مَمْلُوكَة لَهُ، وَإِنَّمَا يلْحقهُ وَلَدهَا إِذا أقرّ بِهِ وَله أَن يَنْفِيه بِمُجَرَّد قَوْله، وَلَا يحْتَاج أَن يَدعِي الِاسْتِبْرَاء.
9476 - حدّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ أخبرنَا مالكٌ عنِ ابنِ شِهابٍ عنْ عُرْوَةَ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا، قالَتْ: كَانَ عُتْبَةُ عَهِدَ إِلَى أخِيهِ سَعْدٍ أنَّ ابنَ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ مِنِّي، فاقْبِضُهُ إلَيْكَ، فَلمَّا(23/249)
كَانَ عامُ الفَتْحِ أخَذَهُ سَعْدٌ، فَقَالَ: ابنُ أخِي عَهِدَ إلَيَّ فِيهِ، فَقام عَبْدَ بنُ زَمْعَةَ فَقَالَ: أخِي وابنُ وَلِيدَةِ أبِي، وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ، فَتَساوَقا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ سَعْدٌ: يَا رسولَ الله {ابنُ أخِي قَدْ كَانَ عَهِدَ إلَيَّ فِيهِ، فَقَالَ عَبْدُ بنُ زَمْعَةَ: أخِي وابنُ وَلِيدَةِ أبي وُلِدَ عَلى فِراشِهِ، فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ بنَ زَمْعَةَ، الوَلَدُ لِلْفِرِاشِ وللْعاهِرِ الحَجَرُ) . ثمَّ قَالَ لِسَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ: احْتَجِبِي مِنْهُ، لِما رَأى منْ شَبَهِهِ بِعُتْبَةَ، فَما رَآها حتَّى لَقِيَ الله.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (الْوَلَد للْفراش وللعاهد الْحجر) .
والْحَدِيث مضى فِي الْبيُوع عَن يحيى بن قزعة عَن مَالك وَمضى فِي الْوَصَايَا وَفِي الْمَغَازِي عَن القعْنبِي عَن مَالك، وَسَيَجِيءُ فِي الْأَحْكَام عَن إِسْمَاعِيل بن عبد الله عَن مَالك وَمضى الْكَلَام فِيهِ، وَلَكِن نذْكر بعض شَيْء لبعد الْمسَافَة.
وَعتبَة بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وبالباء الْمُوَحدَة ابْن أبي وَقاص وَهُوَ أَخُو سعد بن أبي وَقاص، مُخْتَلف فِي صحبته فَذكره العسكري فِي الصَّحَابَة وَذكر أَنه أصَاب دَمًا بِمَكَّة فِي قُرَيْش فانتقل إِلَى الْمَدِينَة، وَلما مَاتَ أوصى إِلَى سعد، وَذكره ابْن مَنْدَه فِي الصَّحَابَة وَلم يذكر مُسْتَندا إلاَّ قَول سعد: عهد إِلَى أخي أَنه وَلَده، وَأنكر أَبُو نعيم ذَلِك وَذكر أَنه الَّذِي شج وَجه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأحد، وَمَا علمت لَهُ إسلاماً، بل قد روى عبد الرَّزَّاق من طَرِيق عُثْمَان الْجَزرِي عَن مقسم أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَعَا بِأَن لَا يحول على عتبَة الْحول حَتَّى يَمُوت كَافِرًا فَمَاتَ قبل الْحول، وَهَذَا مُرْسل، وَجزم الدمياطي وَابْن التِّين بِأَنَّهُ مَاتَ كَافِرًا، وَأم عتبَة هِنْد بنت وهب بن الْحَارِث ابْن زهرَة وَأم أَخِيه سعد حمْنَة بنت سُفْيَان بن أُميَّة.
قَوْله: (عهد إِلَى أَخِيه) أَي: أوصى إِلَى أَخِيه سعد بن أبي وَقاص عِنْد مَوته. قَوْله: (إِن ابْن وليدة زَمعَة مني) أَي: ابْن أمة زَمعَة مني، وَكَذَا وَقع فِي الْمَظَالِم والوليدة: فعيلة من الْولادَة. قَالَ الْجَوْهَرِي: هِيَ الصبية وَالْأمة وَالْجمع ولائد وَكَانَت أمة يَمَانِية وَزَمعَة آخر غَيره، وَنبهَ عَلَيْهِ الطَّحَاوِيّ أَيْضا، وَقَالَ: عبد بن زَمعَة، بِفَتْح الزَّاي وَسُكُون الْمِيم وَقد يُحَرك، وَقَالَ النَّوَوِيّ: السّكُون أشهر، وَقَالَ أَبُو الْوَلِيد الوقشي: التحريك هُوَ الصَّوَاب، وَهُوَ قيس بن عبد شمس الْقرشِي العامري وَالِد سَوْدَة زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (فَلَمَّا كَانَ عَام الْفَتْح أَخذه سعد) أَي: سعد بن أبي وَقاص وَكَانَ رَآهُ يَوْم الْفَتْح فَعرفهُ بالشبه فَاحْتَضَنَهُ إِلَيْهِ، وَقَالَ: ابْن أخي وَرب الْكَعْبَة. وَفِي رِوَايَة اللَّيْث قَالَ سعد: يَا رَسُول الله} هَذَا ابْن أخي عتبَة بن أبي وَقاص، عهد إِلَى أَنه ابْنه. قَوْله: (فَقَامَ عبد بن زَمعَة، فَقَالَ: أخي) أَي: هَذَا أخي وَابْن وليدة أبي، أَي: ابْن أمته ولد على فرَاشه، وَعبد هَذَا بِغَيْر إِضَافَة إِلَى شَيْء. قيل: وَقع فِي (مُخْتَصر ابْن الْحَاجِب) : عبد الله، ورد عَلَيْهِ بِأَنَّهُ غلط لِأَن عبد الله بن زَمعَة هُوَ ابْن الْأسود بن عبد الْمطلب بن أَسد بن عبد الْعُزَّى، وَقيل: قد وَقع لِابْنِ مَنْدَه فِيهِ خبط فِي تَرْجَمَة عبد الرَّحِم بن زَمعَة فَإِنَّهُ زعم أَن عبد الرَّحْمَن وَعبد الله، وعبداً بِغَيْر إِضَافَة أخوة ثَلَاثَة أَوْلَاد زَمعَة بن الْأسود وَلَيْسَ كَذَلِك، بل عبد بِغَيْر إِضَافَة وَعبد الرَّحْمَن أَخَوان عامريان من قُرَيْش، وَعبد الله بن زَمعَة أسدي من قُرَيْش أَيْضا. قَوْله: (فتساوقا) من التساوق وَهُوَ الْمُتَابَعَة كَانَ أَحدهمَا يتبع الآخر ويسوقه. قَوْله: (أخي) أَي: هُوَ أخي (وَابْن وليدة أبي) أَي: ابْن أمته. قَوْله: (هُوَ لَك يَا عبد بن زَمعَة) حكم لَهُ بِأَن يَأْخُذهُ، وَيقْرَأ بِنصب عبد وَرَفعه، قَالَه صَاحب (التَّوْضِيح) وَمَعْنَاهُ: بِأَنَّهُ يكون لَك أَخا على دعواك فأقره وَلم يقل إِن الْأمة لَا تكون فراشا. وَقَالَ بَعضهم: وَقد سلك الطَّحَاوِيّ فِيهِ مسلكاً آخر فَقَالَ: معنى قَوْله: (هُوَ لَك) أَي: يدك عَلَيْهِ لَا أَنَّك تملكه، وَلَكِن تمنع غَيْرك مِنْهُ إِلَى أَن يتَبَيَّن أمره كَمَا قَالَ لصَاحب اللّقطَة: هِيَ لَك، وَقَالَ لَهُ: إِذا جَاءَ صَاحبهَا فَردهَا إِلَيْهِ، قَالَ: وَلما كَانَت سَوْدَة شريكة لعبد فِي ذَلِك لَكِن لم يعلم مِنْهَا تَصْدِيق ذَلِك وَلَا الدَّعْوَى بِهِ ألزم عبدا بِمَا أقربه على نَفسه وَلم يَجْعَل ذَلِك حجَّة عَلَيْهَا فَأمرهَا بالاحتجاب ثمَّ قَالَ هَذَا النَّاقِل عَن الطَّحَاوِيّ: هَذَا الْكَلَام وَكَلَامه متعقب بالرواية الْمُصَرّح، فِيهَا بقوله: (هُوَ أَخُوك) فَإِنَّهَا رفعت الْإِشْكَال وَكَأَنَّهُ لم يقف عَلَيْهَا وَلَا على حَدِيث ابْن الزبير وَسَوْدَة الدَّال على أَن سَوْدَة وَافَقت أخاها: عبدا فِي الدَّعْوَى بذلك. انْتهى.
قلت: روى أَبُو دَاوُد هَذَا الحَدِيث عَن سعيد بن مَنْصُور ومسدد، وَفِيه: وَزَاد مُسَدّد فِي حَدِيثه: هُوَ أَخُوك، وَالصَّحِيح مَا رَوَاهُ سعيد(23/250)
ابْن مَنْصُور وَزِيَادَة مُسَدّد لم يُوَافقهُ عَلَيْهَا أَحْمد، وَلَئِن سلمنَا صِحَة هَذِه الزِّيَادَة وَلَكِن يُرَاد بِهِ أَخُوك فِي الدّين، وَيحْتَمل أَن يكون أصل الحَدِيث: هُوَ لَك، فَظن الرَّاوِي أَن مَعْنَاهُ: أَخُوهُ فِي النّسَب فَحَمله على الْمَعْنى الَّذِي عِنْده. وَالْخَبَر الَّذِي يرويهِ عبد الله بن الزبير صرح بِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: فَإِنَّهُ لَيْسَ لَك بِأَخ. وَقَالَ الْخطابِيّ وَغَيره: كَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة يقررون على ولائدهم الضرائب فيكتسبن بِالْفُجُورِ وَكَانُوا يلحقون بالزناة إِذا دعوا كَمَا فِي النِّكَاح، وَكَانَت لزمعة أمة وَكَانَ يلم بهَا فَظهر بهَا حمل وَزعم عتبَة بن أبي وَقاص أَنه مِنْهُ وعهد إِلَى أَخِيه سعد أَن يستلحقه، فخاصم فِيهِ عبد بن زَمعَة فَقَالَ سعد: هُوَ ابْن أخي على مَا كَانَ الْأَمر فِي الْجَاهِلِيَّة، وَقَالَ عبد هُوَ أخي على مَا اسْتَقر عَلَيْهِ الحكم فِي الْإِسْلَام، فَأبْطل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، حكم الْجَاهِلِيَّة وألحقه بزمعة. قَوْله: (الْوَلَد للْفراش) مر تَفْسِيره عَن قريب. وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : وَعند جُمْهُور الْعلمَاء أَن الْحرَّة لَا تكون فراشا إلاَّ بِإِمْكَان الْوَطْء وَيلْحق الْوَلَد فِي مُدَّة تَلد فِي مثلهَا واقل ذَلِك سِتَّة أشهر، وشذ أَبُو حنيفَة فَقَالَ: إِذا طَلقهَا عقيب النِّكَاح من غير إِمْكَان وَطْء فَأَتَت بِولد لسِتَّة أشهر من وَقت العقد فَإِنَّهُ يلْحقهُ، وَقَالَ أَيْضا وَمَا ذهب إِلَيْهِ أَبُو حنيفَة خلاف مَا أجْرى الله تَعَالَى بِهِ الْعَادة من أَن الْوَلَد إِنَّمَا يكون من مَاء الرجل وَمَاء الْمَرْأَة.
قلت: أَبُو حنيفَة لم يشذ فِيمَا ذهب إِلَيْهِ وَلَا خَالف مَا أجْرى الله بِهِ الْعَادة، وَأَن صَاحب (التَّوْضِيح) : وَمن سلك مسلكة لم يدركا فِي هَذِه الْمَسْأَلَة مَا أدْركهُ أَبُو حنيفَة، لِأَنَّهُ احْتج فِيمَا ذهب إِلَيْهِ بقوله: (الْوَلَد للْفراش) أَي: لصَاحب الْفراش، وَلم يذكر فِيهِ اشْتِرَاط الْوَطْء، وَلَا ذكره وَلِأَن العقد فِيهَا كَالْوَطْءِ بِخِلَاف الْأمة فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهَا فرَاش فَلَا يثبت نسب مَا وَلدته الْأمة إلاَّ باعتراف مَوْلَاهَا. قَوْله: (وللعاهر الْحجر) أَي: وللزاني الخيبة والحرمان والعهر بِفتْحَتَيْنِ الزِّنَا، وَمعنى الخيبة الحرمان من الْوَلَد الَّذِي يَدعِيهِ، وَعَادَة الْعَرَب أَن تَقول لمن خَابَ: لَهُ الْحجر وَبَقِيَّة الْحجر وَالتُّرَاب، وَنَحْو ذَلِك وَقيل: المُرَاد بِالْحجرِ هُنَا أَنه يرْجم قَالَ النَّوَوِيّ: وَهُوَ ضَعِيف لِأَن الرَّجْم مُخْتَصّ بالمحصن. قَوْله: (ثمَّ قَالَ لسودة بنت زَمعَة) أَي: زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: احتجبي مِنْهُ، أَي: من ابْن الوليدة الْمُدعى تورعاً واحتياطاً، وَذَلِكَ لشبهه بِعتبَة بن أبي وَقاص.
0576 - حدّثنا مُسَدَّدٌ عنْ يَحْيَاى عنْ شُعْبَةَ عنْ مُحَمَّدِ بنِ زِيادٍ أنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (الوَلَدُ لِصاحِبِ الفِراشِ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَفِيه تَفْسِير لقَوْله فِي الحَدِيث الْمَاضِي: (الْوَلَد للْفراش) أَي: لصَاحب الْفراش، وَهَذَا الحَدِيث مُسْتَقل بِنَفسِهِ بِخِلَاف الحَدِيث الْمَاضِي فَإِنَّهُ ذكر تبعا لحَدِيث عبد بن زَمعَة. قَالَ الطَّحَاوِيّ: فِيهِ: فَإِن قيل: فَمَا معنى قَوْله الَّذِي وَصله بِهَذَا: (الْوَلَد للْفراش وللعاهر الْحجر) قيل: لَهُ ذَلِك على التَّعْلِيم مِنْهُ لسعد أَي: أَنْت تَدعِي لأخيك وأخوك لم يكن لَهُ فرَاش، وَإِنَّمَا يثبت النّسَب مِنْهُ لَو كَانَ فرَاش فَهُوَ عاهر وللعاهر الْحجر. انْتهى.
وَقَالَ ابْن عبد الْبر: حَدِيث (الْوَلَد للْفراش) هُوَ من أصح مَا يرْوى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، جَاءَ عَن بضعَة وَعشْرين من الصَّحَابَة، فَذكر البُخَارِيّ هُنَا حَدِيث عَائِشَة وَحَدِيث أبي هُرَيْرَة هَذَا، وَقَالَ التِّرْمِذِيّ عقيب حَدِيث أبي هُرَيْرَة: وَفِي الْبَاب عَن عمر وَعُثْمَان وَعبد الله بن مَسْعُود وَعبد الله بن الزبير وَعبد الله بن عَمْرو وَأبي أُمَامَة وَعَمْرو بن خَارِجَة والبراء وَزيد بن أَرقم فَحَدِيث عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، عِنْد ابْن مَاجَه، وَحَدِيث عُثْمَان رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، عِنْد أبي دَاوُد، وَحَدِيث عبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ عَن النَّسَائِيّ، وَحَدِيث عبد الله بن الزبير عِنْد النَّسَائِيّ أَيْضا، وَحَدِيث عبد الله بن عَمْرو عَن أبي دَاوُد، وَحَدِيث أبي أُمَامَة عِنْد أبي دَاوُد وَابْن مَاجَه، وَحَدِيث عَمْرو بن خَارِجَة عِنْد التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه، وَحَدِيث الْبَراء عِنْد الطَّبَرَانِيّ فِي (الْكَبِير) ، وَحَدِيث زيد بن أَرقم عِنْد الطَّبَرَانِيّ أَيْضا فِيهِ، وَزَاد شَيخنَا زين الدّين على هَؤُلَاءِ: مُعَاوِيَة وَابْن عمر، فَحَدِيث مُعَاوِيَة عِنْد أبي يعلى الْموصِلِي، وَحَدِيث ابْن عمر عِنْد الْبَزَّار، وَوَقع عِنْد هَؤُلَاءِ جَمِيعهم: (الْوَلَد للْفراش وللعاهر الْحجر) وَمِنْهُم من اقْتصر على الْجُمْلَة الأولى.
91 - (بابٌ الوَلاءُ لِمَنْ أعْتَقَ)
أَي هَذَا بَاب يذكر فِيهِ الْوَلَاء لمن أعتق، وَفِي أَكثر النّسخ، بَاب إِنَّمَا الْوَلَاء لمن أعتق، الْوَلَاء بِفَتْح الْوَاو مُشْتَقّ من الْولَايَة بِالْفَتْح(23/251)
وَهِي النُّصْرَة والمحبة لِأَن فِي وَلَاء الْعتَاقَة والموالاة تناصر أَو محبَّة من الْوَلِيّ وَهُوَ الْقرب، وَهِي قرَابَة حكمِيَّة حَاصِلَة من الْعتْق أَو من الْمُوَالَاة، وَهِي الْمُتَابَعَة لِأَن فِي وَلَاء الْعتَاقَة إِرْثا يوالي وجود الشَّرْط، وَكَذَا فِي وَلَاء الْمُوَالَاة، وَفِي الشَّرْع: هُوَ عبارَة عَن التناصر بولاء الْعتَاقَة، أَو بولاء الْمُوَالَاة وَمن إثارة الْإِرْث وَالْعقل. قَوْله: (الْوَلَاء لمن أعتق) ، لفظ الحَدِيث أخرجه الْأَئِمَّة السِّتَّة عَن عَائِشَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
ومِيراثُ اللَّقِيطِ
هُوَ بِالرَّفْع عطف على مَا قبله، وَيجوز بِالْجَرِّ على تَقْدِير أَن يُقَال: وَفِي مِيرَاث اللَّقِيط، وَلكنه لم يذكر شَيْئا فِيهِ. وَقَالَ الْكرْمَانِي: لِأَنَّهُ لم يتَّفق لَهُ حَدِيث على شَرطه وَأَرَادَ بِهِ أَنه ذكر هَذِه اللَّفْظَة وبيض لَهَا حَتَّى يذكرهَا فِيهِ فَلم يجد شَيْئا وَاسْتمرّ على التَّرْجَمَة، وَالظَّاهِر أَنه اكْتفى بأثر عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَإِن فِيهِ بَيَان حكمه، كَمَا نقُول الْآن.
وَقَالَ عُمَرُ: اللَّقِيطُ حُرٌّ
أَي: قَالَ عمر بن الْخطاب: اللَّقِيط حر فَإِذا كَانَ حرا يكون وَلَاؤُه فِي بَيت المَال لِأَن ولاءه يكون لجَمِيع الْمُسلمين، وَإِلَيْهِ ذهب مَالك وَالثَّوْري وَالْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَأَبُو ثَوْر، وَقَالَ شُرَيْح: إِن ولاءه لملتقطه، وَبِه قَالَ إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه، وَاحْتج بِحَدِيث سِنِين أبي جميلَة عَن عمر أَنه قَالَ لَهُ فِي المنبوذ: اذْهَبْ فَهُوَ حر وَلَك وَلَاؤُه، وَقَالَ ابْن الْمُنْذر أَبُو جميلَة مَجْهُول لَا يعرف لَهُ خبر غير هَذَا الحَدِيث، وَحمل قَول عمر: لَك وَلَاؤُه، على أَنه أَنْت الَّذِي تتولى تَرْبِيَته وَالْقِيَام بأَمْره، وَهَذِه ولَايَة الْإِسْلَام لَا ولَايَة الْعتْق. وَقَالَ عَطاء وَابْن شهَاب، إِنَّه حر، فَإِن أحب أَن يوالي الَّذِي التقطه فَلهُ أَن يواليه، وَإِن أحب أَن يوالي غَيره فَلهُ أَن يواليه. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَهُ أَن ينْقل بولائه حَيْثُ شَاءَ، فَإِن عقل عَنهُ الَّذِي وَالَاهُ جِنَايَة لم يكن لَهُ أَن ينْقل ولاءه عَنهُ ويرثه.
قلت: سِنِين، بِضَم السِّين الْمُهْملَة وَفتح النُّون وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره نون أَبُو جميلَة الضمرِي. وَيُقَال: السّلمِيّ، روى عَنهُ ابْن شهَاب. قَالَ عَنهُ معمر: حَدثنِي أَبُو جميلَة وَزعم أَنه أدْرك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقَالَ الزبيدِيّ عَن الزُّهْرِيّ: أدْركْت ثَلَاثَة من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أنس بن مَالك، وَسَهل بن سعد، وَأَبا جميلَة سِنِين، وَقَالَ مَالك عَن ابْن شهَاب: أَخْبرنِي سِنِين أَبُو جميلَة أَنه أدْرك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَام الْفَتْح، وَقَالَ الذَّهَبِيّ: أَبُو جميلَة سِنِين السّلمِيّ أدْرك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَخرج مَعَه عَام الْفَتْح، وَحَدِيثه فِي التِّرْمِذِيّ. وروى عَنهُ الزُّهْرِيّ.
1576 - حدّثنا حَفْصُ بنُ عُمَرَ حدّثنا شُعْبَةُ عنِ الحَكَمِ عنْ إبْراهِيمَ عَن الأسْوَدِ عنْ عائِشَةَ قالَتْ: اشْتَرَيْتُ بَرِيرَةَ، فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (اشْتَرِيها فإنَّ الوَلاءَ لِمَنْ أعْتَقَ) وأُهْدِيَ لَها شاةٌ فَقَالَ: (هُوَ لَها صَدَقَةٌ ولَنا هَدِيَّةٌ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَحَفْص بن عمر بن الْحَارِث أَبُو عمر الحوضي وَالْحكم بِفتْحَتَيْنِ هُوَ ابْن عتيبة مصغر عتبَة الْبَاب وَإِبْرَاهِيم هُوَ النَّخعِيّ وَالْأسود هُوَ ابْن يزِيد، وَالثَّلَاثَة تابعيون كوفيون.
والْحَدِيث مضى فِي كَفَّارَة الْأَيْمَان عَن سُلَيْمَان بن حَرْب وَفِي الطَّلَاق عَن عبد الله بن رَجَاء وَفِيه وَفِي الزَّكَاة عَن آدم، وَمر الْكَلَام فِيهِ غير مرّة.
قَوْله: (بَرِيرَة) بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة. قَوْله: (وأهدي) على صِيغَة الْمَجْهُول.
وَقَالَ الحَكَمُ: وَكَانَ زَوْجُها حُرًّا، وقَوْلُ الحَكَمِ مُرْسَلٌ
هَذَا مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور، وَلَكِن قَوْله: مُرْسل، يَعْنِي: لَيْسَ بِمُسْنَد إِلَى عَائِشَة صَاحِبَة الحَدِيث، وَقَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ: قَول الحكم لَيْسَ من الحَدِيث إِنَّمَا هُوَ مدرج، وَقيل: قَول البُخَارِيّ مُرْسل مُخَالف للإصلاح إِذْ الْكَلَام الْمَوْقُوف على بعض الروَاة لَا يُسمى مُرْسلا. قَوْله: وَكَانَ زَوجهَا، أَي: زوج بَرِيرَة.(23/252)
وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: رَأيْتُهُ عَبْداً
أَي: قَالَ عبد الله بن عَبَّاس: رَأَيْت زوج بَرِيرَة عبدا وَهَذَا أصح لِأَنَّهُ رَآهُ كَمَا سَيَجِيءُ. قَالَ ابْن عَبَّاس: كَانَ يُقَال لَهُ: مغيث، وَكَانَ عبدا لآل الْمُغيرَة من بني مَخْزُوم، فَخير رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَرِيرَة وأمرها أَن تَعْتَد. قَالُوا: إِنَّمَا خَيرهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأجل كَون زَوجهَا عبدا. وَقَول ابْن عَبَّاس هَذَا مضى فِي الطَّلَاق مَوْصُولا فِي: بَاب خِيَار الْأمة تَحت العَبْد، وَفِي الْبَاب الَّذِي يَلِيهِ.
02 - (بابُ مِيراثِ السَّائِبَةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مِيرَاث السائبة بِالسِّين الْمُهْملَة على وزن فاعلة أَي: الْمُهْملَة كَالْعَبْدِ يعْتق على أَن لَا وَلَاء لأحد عَلَيْهِ وَقد قيل فِي قَوْله تَعَالَى: { (5) مَا جعل الله من بحيرة وَلَا سائبة} (الْمَائِدَة: 301) هُوَ أَن يَقُول لعَبْدِهِ: أَنْت سائبة لم يكن عَلَيْهِ وَلَاء وَأول من سيب السوائب عَمْرو بن لحي. وَاخْتلف الْعلمَاء فِي مِيرَاث السائبة، فَقَالَ الْكُوفِيُّونَ وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق وَأَبُو ثَوْر: وَلَاؤُه لمعتقه، وَاحْتَجُّوا بِحَدِيث الْبَاب، وَقَالَت طَائِفَة: مِيرَاثه للْمُسلمين، وَرُوِيَ ذَلِك عَن عمر بن الْخطاب، وَرُوِيَ أَيْضا عَن عمر بن عبد الْعَزِيز وَرَبِيعَة وَأبي الزِّنَاد، وَهُوَ قَول مَالك وَهُوَ مَشْهُور مذْهبه. وَقَالَ الزُّهْرِيّ: بوالي الْمُعْتق سائبته من شَاءَ فَإِن مَاتَ وَلم يوالِ أحدا فولاؤه للْمُسلمين.
3576 - حدّثنا قَبِيصَةُ بنُ عُقْبةَ حدّثنا سُفْيانُ عنْ أبي قَيْسٍ عنْ هُزَيْلٍ عنْ عَبْدِ الله قَالَ: إنَّ أهْل الإسْلامِ لَا يُسَيِّبُونَ وإنَّ أهْلَ الجاهِلِيَّةِ كَانُوا يُسَيِّبُون.
وَهَذَا الحَدِيث مُخْتَصر ومطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ مَا جَاءَ فِيهِ وَهُوَ أَنه جَاءَ رجل إِلَى عبد الله فَقَالَ: إِنِّي أعتقت عبدا سائبة فَمَاتَ وَترك مَالا وَلم يدع وَارِثا، فَقَالَ عبد الله: إِن أهل الْإِسْلَام لَا يسيبون، وَإِنَّمَا كَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة يسيبون وَأَنت ولي نعْمَته فلك مِيرَاثه.
وَأخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ. وسُفْيَان فِي السَّنَد هُوَ الثَّوْريّ، وَأَبُو قيس هُوَ عبد الرَّحْمَن بن مَرْوَان، وهزيل مصغر هزل بالزاي ابْن شُرَحْبِيل يروي عَن عبد الله بن مَسْعُود.
4576 - حدّثنا مُوسى احدّثنا أبُو عَوَانَةَ عنْ مَنْصُورٍ عنْ إبراهِيمَ عنِ الأسْوَدِ أنَّ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا، اشْتَرَتْ بَرِيرَةَ لِتُعْتِقَها واشْتَرَطَ أهْلُها وَلاءَها، فقالَتْ: يَا رسولَ الله! إنِّي اشْتَرَيْتُ بَرِيرَةَ لأعْتِقَها وإنَّ أهْلها يَشْتَرِطُونَ وَلاءَها، فَقَالَ: (أعْتَقِيها، فإنَّما الوَلاءُ لِمَنْ أعْتَقَ) . أوْ قَالَ: (أعْطى الثَّمَنَ) قَالَ: فاشْتَرَتْها فأعْتَقَتْها، قَالَ: وخُيِّرَتْ فاخْتارَتْ نَفْسَها، وقالَتْ: لَوْ أُعْطِيتُ كَذَا وكَذا مَا كُنْتُ مَعَهُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن الْوَلَاء لما كَانَ للْمُعْتق اسْتَوَى السائبة وَغَيرهَا.
ومُوسَى هُوَ ابْن إِسْمَاعِيل التَّبُوذَكِي، وَأَبُو عوَانَة بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْوَاو وَبعد الْألف نون واسْمه الوضاح الْيَشْكُرِي، وَمَنْصُور هُوَ ابْن الْمُعْتَمِر، وَإِبْرَاهِيم هُوَ النَّخعِيّ، وَالْأسود هُوَ ابْن يزِيد.
والْحَدِيث قد مضى أَكثر من عشْرين مرّة.
قَوْله: (وَاشْترط أَهلهَا) يَعْنِي: يبيعونها بِشَرْط أَن يكون الْوَلَاء لَهُم.(23/253)
قَوْله: (أَو قَالَ: أعْطى الثّمن) شكّ من الرَّاوِي. قَوْله: (وخيرت) على صِيغَة الْمَجْهُول أَي: لما عتقت خيرت بَين فسخ نِكَاحهَا وَاخْتِيَار نَفسهَا وإمضاء النِّكَاح وَاخْتِيَار الزَّوْج، وَقد مر أَن اسْمه: مغيث. قَوْله: (وَقَالَت: لَو أَعْطَيْت) أَي قَالَت بَرِيرَة: لَو أَعْطَانِي زَوجي كَذَا وَكَذَا من المَال مَا كنت مَعَه. أَي: مَا كنت أَصْحَبهُ وَلَا أَقمت عِنْده، وَكَذَا فِي رِوَايَة النَّسَائِيّ حَيْثُ قَالَ: فَخَيرهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، من زَوجهَا، قَالَت: لَو أَعْطَانِي كَذَا وَكَذَا مَا أَقمت عِنْده، فَاخْتَارَتْ نَفسهَا وَكَانَ زَوجهَا حرا.
قَالَ الأسْوَدُ: وَكَانَ زَوْجُها حُرًّا. قَوْلُ الأسْوَدِ مُنْقَطَعٌ
أَي: قَول الْأسود بن يزِيد الرَّاوِي عَن عَائِشَة: كَانَ زوج بَرِيرَة حرا، ثمَّ قَالَ البُخَارِيّ: قَول الْأسود مُنْقَطع، فَقيل: الْمُنْقَطع هُوَ أَن يسْقط من الْإِسْنَاد رجل أَو يذكر فِيهِ رجل مُبْهَم، وَقَالَ الْخَطِيب: الْمُنْقَطع مَا روى عَن التَّابِعِيّ فَمن دونه مَوْقُوفا عَلَيْهِ من قَوْله أَو فعله، وَقيل: الْمُنْقَطع مثل الْمُرْسل وَهُوَ كل مَا لَا يتَّصل إِسْنَاده، غير أَن الْمُرْسل أَكثر مَا يُطلق على مَا رَوَاهُ التَّابِعِيّ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْمَشْهُور أَن الْمُرْسل قَول غير الصَّحَابِيّ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وقَوْلُ ابنِ عَبَّاسٍ: رَأيْتهُ عَبْداً، أصَحُّ
أَي: قَول ابْن عَبَّاس: رَأَيْت زوج بَرِيرَة عبدا أصح من قَول الْأسود، لِأَنَّهُ رَآهُ وَشَاهده، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ.
12 - (بابُ إثْمِ مَنْ تَبَرَّأ مِنْ مَوالِيهِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان إِثْم من تَبرأ من موَالِيه بِأَن نفى كَونه من موَالِي فلَان أَو وَالِي غَيره، وروى أَحْمد فِي (مُسْنده) : من طَرِيق سهل بن معَاذ بن أنس عَن أَبِيه عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: (إِن لله عباداً لَا يكلمهم الله) الحَدِيث وَفِيه: رجل أنعم عَلَيْهِ قوم فَكفر نعمتهم وتبرأ مِنْهُم.
5576 - حدّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ حدّثنا جَرِيرٌ عنِ الأعْمَشِ عنْ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عنْ أبِيهِ قَالَ: قَالَ عَلِيُّ رَضِي الله عَنهُ عندنَا كِتابٌ نَقْرَؤُهُ إلاّ كِتابُ الله غَيْرَ هاذِهِ الصَّحِيفَةِ، قَالَ: فأخْرَجَها فَإِذا فِيهَا أشْياءُ مِنَ الجِراحاتِ وأسْنانِ الإبِلِ. قَالَ وفيهَا: المَدِينَةُ حَرَامٌ مَا بَيْنَ عَيْرِ إِلَى ثَوْرٍ فَمَنْ أحْدَثَ فِيهَا حَدَثاً أوْ آوَى مُحْدثاً فَعَليْهِ لَعْنَةُ الله والمَلائِكَةِ والنَّاسِ أجْمَعِينَ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ يَوْمَ القِيامَةِ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ، ومَنْ والَى قَوْماً بِغَيْرِ إذْن مَوالِيهِ فَعَليْهِ لَعْنَةُ الله والمَلائِكَةِ والنَّاسِ أجْمَعِينَ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ يَوْمَ القِيامَةِ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ، وذِمَّةُ المُسْلِمِينَ واحِدَةٌ يَسْعاى بِها أدْناهُمْ فَمَنْ أخْفَرَ مُسْلِماً فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ الله والمَلاَئِكَةِ والنَّاسِ أجْمَعِينَ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ يَوْمَ القِيامَةِ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (وَمن والى قوما) إِلَى قَوْله: (وَذمَّة الْمُسلمين) فَإِن قلت: التَّرْجَمَة مُطلقَة والْحَدِيث:. (من والى قوما بِغَيْر إِذن موَالِيه) فَإِن الْمَفْهُوم مِنْهُ أَنه إِذا والى بإذنهم لَا يَأْثَم وَلَا يكون متبرءاً.
قلت: لَيْسَ هَذَا لتقييد الحكم وَإِنَّمَا هُوَ إِيرَاد الْكَلَام على الْغَالِب، وَقيل: هُوَ للتَّأْكِيد لِأَنَّهُ إِذا اسْتَأْذن موَالِيه فِي ذَلِك منعُوهُ.
وَجَرِير هُوَ ابْن عبد الحميد، وَالْأَعْمَش هُوَ سُلَيْمَان، وَإِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ هُوَ إِبْرَاهِيم بن يزِيد من الزِّيَادَة ابْن شريك التَّيْمِيّ تيم الربَاب وَلَيْسَ هُوَ إِبْرَاهِيم بن يزِيد بن الْأسود بن عَمْرو، وَقيل: ابْن عمر بن يزِيد بن الْأسود بن عمر، وَأَبُو عمرَان النَّخعِيّ الْكُوفِي، وَإِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ يروي عَن أَبِيه يزِيد بن شريك بن طَارق التَّيْمِيّ، عداده فِي أهل الْكُوفَة سمع عَليّ بن أبي طَالب وَغَيره من الصَّحَابَة.
والْحَدِيث مضى فِي الْحَج عَن مُحَمَّد بن بشار وَفِي الْجِزْيَة عَن مُحَمَّد بن وَكِيع وَسَيَجِيءُ فِي الِاعْتِصَام عَن عمر بن حَفْص.
قَوْله: (غير هَذِه الصَّحِيفَة) حَال(23/254)
أَو هُوَ اسْتثِْنَاء آخر، وحرف الْعَطف مُقَدّر كَمَا فِي: التَّحِيَّات المباركات الصَّلَوَات تَقْدِيره: والصلوات. قَوْله: (أَشْيَاء) جمع شَيْء وَهُوَ لَا ينْصَرف. قَالَ الْكسَائي: تركُوا صرفه لِكَثْرَة اسْتِعْمَاله. قَوْله: (من الْجِرَاحَات) أَي: من أَحْكَام الْجِرَاحَات وأسنان الْإِبِل الدِّيات. قَوْله: (حرَام) ويروى: حرم. قَوْله: (عير) بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالراء وَهُوَ اسْم جبل بِالْمَدِينَةِ. قَوْله: (إِلَى ثَوْر) بِفَتْح الثَّاء الْمُثَلَّثَة، وَقَالَ القَاضِي عِيَاض: أما ثَوْر بِلَفْظ الْحَيَوَان الْمَشْهُور فَمنهمْ من ترك مَكَانَهُ بَيَاضًا لأَنهم اعتقدوا أَن ذكر ثَوْر خطأ إِذْ لَيْسَ فِي الْمَدِينَة مَوضِع يُسمى ثوراً وَمِنْهُم من كنى عَنهُ بِلَفْظ: كَذَا، وَقيل: الصَّحِيح أَن بدله: أحد أَي: عير إِلَى أحد، وَقيل: إِن ثوراً كَانَ اسْما لجبل هُنَاكَ أما أحدا وَغَيره فخفى إسمه. قَوْله: (حَدثا) بِفتْحَتَيْنِ وَهُوَ الْأَمر الْحَادِث الْمُنكر الَّذِي لَيْسَ بمعتاد وَلَا مَعْرُوف فِي السّنة. قَوْله: (أَو أَوَى) الْقصر فِي اللَّازِم وَالْمدّ فِي الْمُتَعَدِّي. قَوْله: (مُحدثا) بِكَسْر الدَّال وَفتحهَا على الْفِعْل وَالْمَفْعُول، فَمَعْنَى الْكسر من نصر جانباً وآواه وَأَجَارَهُ من خَصمه وَحَال بَينه وَبَين أَن يقْتَصّ مِنْهُ، وَمعنى الْفَتْح هُوَ الْأَمر المبتدع نَفسه، وَيكون معنى الإيواء فِيهِ الرِّضَا بِهِ وَالصَّبْر عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ إِذا رَضِي ببدعته وَأقر فاعلها عَلَيْهَا وَلم ينكرها فقد آواه. قَوْله: (لعنة الله) المُرَاد باللعنة الْبعد عَن الْجنَّة الَّتِي هِيَ دَار الرَّحْمَة فِي أول الْأَمر لَا مُطلقًا. قَوْله: (صرف) الصّرْف الْفَرِيضَة، وَالْعدْل النَّافِلَة، وَقيل بِالْعَكْسِ، وَقيل: الصّرْف التَّوْبَة وَالْعدْل الْفِدْيَة. قَوْله: (من والى قوما) أَي: اتخذهم أَوْلِيَاء لَهُ. قَوْله: (بِغَيْر إِذن موَالِيه) قد مر الْكَلَام فِيهِ الْآن. قَوْله: (وَذمَّة الْمُسلمين) المُرَاد بِالذِّمةِ الْعَهْد والأمان يَعْنِي: أَمَان الْمُسلم للْكَافِرِ صَحِيح والمسلمون كَنَفس وَاحِدَة فِيهِ. قَوْله: (أَدْنَاهُم) أَي: مثل الْمَرْأَة وَالْعَبْد فَإِذا أَمن أحدهم حَرْبِيّا لَا يجوز لأحد أَن ينْقض ذمَّته. قَوْله: (وَمن أَخْفَر) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَالْفَاء أَي من نقض عَهده، يُقَال: خفرته أَي كنت لَهُ خفيراً أمْنَعهُ، وأخفرته أَيْضا.
وَفِيه: جَوَاز لعنة أهل الْفسق من الْمُسلمين وَمن تَبرأ من موَالِيه لم تجز شَهَادَته وَعَلِيهِ التَّوْبَة وَالِاسْتِغْفَار لِأَن الشَّارِع لَعنه، وكل من لَعنه فَهُوَ فَاسق.
6576 - حدّثنا أبُو نُعَيْمٍ حدَّثنا سُفْيان عنْ عَبْدِ الله بنِ دِينارٍ عنْ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهُمَا، قَالَ: نَهَى النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عنْ بَيْعِ الوَلاءِ وعنْ هِبَتِهِ. (انْظُر الحَدِيث 5352) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِي هَذَا الحَدِيث قد صرح بِالنَّهْي عَن بيع الْوَلَاء وهبته فَيُؤْخَذ مِنْهُ عدم اعْتِبَار الْإِذْن فِي ذَلِك الحَدِيث بِالطَّرِيقِ الأولى لِأَن السَّيِّد إِذا منع من بيع الْوَلَاء مَعَ مَا فِيهِ من الْعِوَض، وَعَن الْهِبَة مَعَ مَا فِيهَا من الْمِنَّة فَمَنعه من الْإِذْن فِيهِ مجَّانا وَبلا منَّة أولى.
وَأَبُو نعيم، بِضَم النُّون الْفضل بن دُكَيْن، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْعتْق عَن مُحَمَّد بن عبد الله. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الْبيُوع عَن بنْدَار عَن ابْن مهْدي، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْفَرَائِض عَن عَليّ بن سعيد بن مَسْرُوق. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن عَليّ بن مُحَمَّد عَن وَكِيع. وَقَالَ الْمزي: روى يحيى بن سليم هَذَا عَن عبيد الله عَن نَافِع عَن ابْن عمر وَهُوَ وهم، وروى الثَّقَفِيّ وَعبد الله بن نمير وَغير وَاحِد عَن عبد الله بن دِينَار عَن ابْن عمر وَهَذَا أصح، وَإِنَّمَا نهى عَن بيع الْوَلَاء لِأَنَّهُ حق إِرْث الْمُعْتق من الْعَتِيق، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ غير مَقْدُور التَّسْلِيم وَنَحْوه. فَإِن قلت: روى ابْن أبي شيبَة عَن أبي بكر بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم أَن امْرَأَة من محَارب اعتقت عبدا ووهبت ولاءه لعبد الرَّحْمَن بن أبي بكر، فَأَجَازَهُ عُثْمَان. وَعَن الشّعبِيّ وَقَتَادَة وَابْن الْمسيب نَحوه.
قلت: حَدِيث الْبَاب يرد هَذَا، وَقيل: بيع الْوَلَاء وهبته منسوخان بِحَدِيث الْبَاب، وَيحْتَمل أَن الحَدِيث مَا بلغ هَؤُلَاءِ، وَالله أعلم.
22 - (بابٌ إذَا أسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ)
أَي: هَذَا بَاب تَرْجَمته إِذا أسلم على يَدَيْهِ، كَذَا فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ، أَي: إِذا أسلم رجل على يَدي رجل، وَفِي رِوَايَة الْفربرِي: إِذا أسلم على يَدي رجل، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: إِذا أسلم على يَدي الرجل، بِالْألف وَاللَّام، وبدونهما أولى.
وَاخْتلف الْعلمَاء فِيمَن أسلم على يَدي رجل من الْمُسلمين، فَقَالَ الْحسن وَالشعْبِيّ: لَا مِيرَاث للَّذي أسلم على يَدَيْهِ وَوَلَاؤُهُ للْمُسلمين إِذا لم يدع(23/255)
وَارِثا، وَلَا ولاءه للَّذي أسلم على يَدَيْهِ وَهُوَ قَول ابْن أبي ليلى وَالثَّوْري وَمَالك وَالْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ وَأحمد، وحجتهم حَدِيث الْبَاب، وَذكر ابْن وهب عَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: لَا وَلَاء للَّذي أسلم على يَدَيْهِ، وَكَذَا رُوِيَ عَن ابْن مَسْعُود وَزِيَاد بن أبي سُفْيَان، وَرُوِيَ عَن النَّخعِيّ وَأَيوب: أَن ولاءه للَّذي أسلم على يَدَيْهِ وَإنَّهُ يَرِثهُ وَيعْقل عَنهُ وَله أَن يحول عَنهُ إِلَى غَيره مَا لم يعقل عَنهُ، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وصاحبيه.
وكَانَ الحَسَنَ لَا يَرَى لهُ ولايَةً
أَي: وَكَانَ الْحسن الْبَصْرِيّ لَا يرى للَّذي أسلم على يَدَيْهِ رجل ولَايَة ويروى: وَلَاء عَن الْكشميهني، وَوصل سُفْيَان الثَّوْريّ أثر الْحسن هَذَا فِي (جَامعه) : عَن مطرف عَن الشّعبِيّ وَعَن يُونُس هُوَ ابْن عبيد عَن الْحسن قَالَ فِي الرجل يوالي الرجل، قَالَا: هُوَ بَين الْمُسلمين. قَالَ سُفْيَان: وَبِذَلِك أَقُول.
وَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (الولاءُ لِمَنْ أعْتَقَ)
احْتج بِهِ الْحسن وَقَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (الْوَلَاء لمن أعتق) يَعْنِي: أَن الْوَلَاء لَا يكون إلاَّ للْمُعْتق.
ويُذْكَرُ عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رَفَعَهُ قَالَ: هُوَ أوْلَى النَّاسِ بِمَحْياهُ ومَماتِهِ
يذكر على صِيغَة الْمَجْهُول إِشَارَة إِلَى تمريضه. قَوْله: عَن تَمِيم، هُوَ ابْن أَوْس الدَّارِيّ بِالدَّال الْمُهْملَة وبالراء نِسْبَة إِلَى بني الدَّار بطن من لحم. قَوْله: (رَفعه) الضَّمِير الْمَنْصُوب يرجع إِلَى حَدِيث: إِذا أسلم على يَدَيْهِ، وَهُوَ الَّذِي ذكره بعده، وَهُوَ قَوْله: أولى النَّاس بمحياه ومماته، وَمعنى: رَفعه، مثل معنى قَوْله: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَسَنذكر الحَدِيث وَمن أخرجه. قَوْله: (بمحياه) ، أَي: فِي حَيَاته بالنصرة (ومماته) أَي: فِي مَوته بِالْغسْلِ والتكفين وَالصَّلَاة عَلَيْهِ لَا فِي مِيرَاثه، لِأَن الْوَلَاء لمن أعتق، والمحيا وَالْمَمَات مصدران ميميان.
واخْتَلَفُوا فِي صِحَّةِ هَذَا الخَبَرِ
أَي: فِي خبر تَمِيم الدَّارِيّ الْمَذْكُور، فَقَالَ البُخَارِيّ: قَالَ بَعضهم: عَن ابْن موهب سمع تميماً، وَلَا يَصح لقَوْل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (الْوَلَاء لمن أعتق) . وَقَالَ الشَّافِعِي: هَذَا الحَدِيث لَيْسَ بِثَابِت إِنَّمَا يرويهِ عبد الْعَزِيز بن عمر عَن ابْن موهب، وَابْن موهب لَيْسَ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا نعلمهُ لَقِي تميماً، وَمثل هَذَا لَا يثبت. وَقَالَ الْخطابِيّ: ضعف هَذَا الحَدِيث أَحْمد، وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: لَيْسَ إِسْنَاده بِمُتَّصِل قَالَ: وَأدْخل بَعضهم بَين ابْن موهب وَبَين تَمِيم قبيصَة رَوَاهُ يحيى بن حَمْزَة، وَقيل: إِنَّه تفرد فِيهِ بِذكر قبيصَة، وَقد رَوَاهُ أَبُو إِسْحَاق السبيعِي عَن ابْن موهب بِدُونِ ذكر تَمِيم، وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ أَيْضا، وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: هَذَا الحَدِيث مُضْطَرب، هَل هُوَ عَن ابْن موهب عَن تَمِيم أَو بَينهمَا قبيصَة؟ وَقَالَ بعض الروَاة فِيهِ: عَن عبد الله بن موهب، وَبَعْضهمْ: ابْن موهب، وَعبد الْعَزِيز رَاوِيه لَيْسَ بِالْحَافِظِ. وَقَالَ بَعضهم: ابْن موهب لم يدْرك تميماً، وَقد أَشَارَ النَّسَائِيّ إِلَى أَن الرِّوَايَة الَّتِي وَقع التَّصْرِيح فِيهَا بِسَمَاعِهِ من تَمِيم خطأ، وَلَكِن وَثَّقَهُ بَعضهم، وَكَانَ عمر بن عبد الْعَزِيز رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، ولاَّه الْقَضَاء بفلسطين. وَنقل أَبُو زرْعَة الدِّمَشْقِي فِي (تَارِيخه) : بِسَنَد لَهُ صَحِيح عَن الْأَوْزَاعِيّ: أَنه كَانَ يدْفع هَذَا الحَدِيث وَلَا يرى لَهُ وَجها. انْتهى كَلَامه.
قلت: صحّح هَذَا الحَدِيث أَبُو زرْعَة الدِّمَشْقِي وَقَالَ: هَذَا حَدِيث حسن الْمخْرج مُتَّصِل، ورد على الْأَوْزَاعِيّ فَقَالَ: وَلَيْسَ كَذَلِك وَلم أر أحدا من أهل الْعلم يرفعهُ، وَأخرجه الْحَاكِم من طَرِيق ابْن موهب عَن تَمِيم، ثمَّ قَالَ: صَحِيح على شَرط مُسلم. وَأخرجه الْأَرْبَعَة فِي الْفَرَائِض: فَأَبُو دَاوُد رَوَاهُ عَن يزِيد بن خَالِد بن موهب الرَّمْلِيّ وَهِشَام بن عمار الدِّمَشْقِي قَالَا: حَدثنَا يحيى هُوَ ابْن حَمْزَة عَن عبد الْعَزِيز بن عمر قَالَ: سَمِعت عبد الله بن موهب يحدث عمر بن عبد الْعَزِيز عَن قبيصَة بن ذُؤَيْب، وَقَالَ هِشَام: عَن تَمِيم الدَّارِيّ أَنه قَالَ: يَا رَسُول الله {وَقَالَ يزِيد: إِن تميماً قَالَ: يَا رَسُول الله} مَا السّنة فِي الرجل يسلم على يَدي الرجل من الْمُسلمين؟ فَقَالَ: هُوَ أولى النَّاس بمحياه ومماته. انْتهى. وَقد علم من عَادَة أبي دَاوُد أَنه إِذا روى حَدِيثا وَسكت عَنهُ فَإِنَّهُ يدل(23/256)
على صِحَة عِنْده، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا أَبُو كريب قَالَ: حَدثنَا أَبُو أُسَامَة وَابْن نمير ووكيع عَن عبد الْعَزِيز عَن عبد الله بن موهب، وَقَالَ بَعضهم: عبد الله بن موهب عَن تَمِيم الدَّارِيّ قَالَ: سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مَا السّنة؟ ... الحَدِيث، وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ: أخبرنَا عَمْرو بن عَليّ بن حَفْص قَالَ: حَدثنَا عبد الله بن دَاوُد عَن عبد الْعَزِيز بن عمر بن عبد الْعَزِيز عَن عبد الله بن موهب عَن تَمِيم الدَّارِيّ قَالَ: سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الرجل من الْمُشْركين أسلم على يَدي الرجل من الْمُسلمين، قَالَ: هُوَ أولى النَّاس بِهِ حَيَاته وَمَوته، وَأخرجه من طَرِيقين آخَرين وَلم يتَعَرَّض إِلَى شَيْء مِمَّا قيل فِيهِ. وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه: حَدثنَا أَبُو بكر بن أبي شيبَة قَالَ: حَدثنَا وَكِيع عَن عبد الْعَزِيز بن عمر بن عبد الْعَزِيز عَن عبد الله بن موهب قَالَ: سَمِعت تميماً الدَّارِيّ يَقُول: قلت: يَا رَسُول الله {مَا السّنة فِي الرجل من أهل الْكتاب يسلم على يَدي الرجل؟ قَالَ: هُوَ أولى النَّاس بمحياه ومماته.
وَمِمَّا يُؤَيّد صِحَة حَدِيث تَمِيم الدَّارِيّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، مَا رَوَاهُ ابْن جرير الطَّبَرِيّ فِي (التَّهْذِيب) : وروى خصيف عَن مُجَاهِد قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَقَالَ: إِن رجلا أسلم على يَدي وَمَات وَترك ألف دِرْهَم فَلِمَنْ مِيرَاثه؟ قَالَ: أَرَأَيْت لَو جنى جِنَايَة من كَانَ يعقل عَنهُ؟ قَالَ: أَنا. قَالَ: فميراثه لَك. وَرَوَاهُ مَسْرُوق عَن ابْن مَسْعُود، وَقَالَهُ إِبْرَاهِيم وَابْن الْمسيب وَمَكْحُول وَعمر بن عبد الْعَزِيز، وَفِي (الاستذكار) : هُوَ قَول أبي حنيفَة وصاحبيه وَرَبِيعَة، قَالَه يحيى بن سعيد فِي الْكَافِر الْحَرْبِيّ إِذا أسلم على يَد مُسلم. وَرُوِيَ عَن عمر وَعُثْمَان وَعلي وَابْن مَسْعُود أَنهم أَجَازُوا الْمُوَالَاة وورثوا، وَقَالَ اللَّيْث عَن عَطاء وَالزهْرِيّ وَمَكْحُول نَحوه.
وَالْجَوَاب عَمَّا قَالَه الشَّافِعِي: هَذَا الحَدِيث لَيْسَ بِثَابِت يردهُ كَلَام أبي زرْعَة الدِّمَشْقِي الَّذِي ذَكرْنَاهُ وَحكم الْحَاكِم بِصِحَّتِهِ على شَرط مُسلم، وَرِوَايَة الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة فِي كتبهمْ أَلا يرى أَن البُخَارِيّ لما ذكره مُعَلّقا لم يجْزم بضعفه؟ وَكَيف يَقُول: وَابْن موهب لَيْسَ بِمَعْرُوف. وَقد روى عَنهُ عبد الْعَزِيز بن عمر وَالزهْرِيّ وَابْنه زيد بن عبد الله وَعبد الْملك بن أبي جميلَة وَعمر بن مهَاجر؟ وَقَالَ صَاحب (الْكَمَال) : ابْن موهب ولاه عمر بن عبد الْعَزِيز قَضَاء فلسطين، وَهَذَا كُله يدل على أَنه لَيْسَ بِمَجْهُول لَا عينا وَلَا حَالا، وَكَفاهُ شهرة وثقة تَوْلِيَة عمر بن عبد الْعَزِيز إِيَّاه.
وَقَالَ يَعْقُوب بن سُفْيَان: حَدثنَا أَبُو نعيم حَدثنَا عبد الْعَزِيز بن عمر وَهُوَ ثِقَة عَن ابْن موهب الْهَمدَانِي وَهُوَ ثِقَة قَالَ: سَمِعت تميماً. . وَكَذَا ذكر الصريفيني فِي كِتَابه بِخَطِّهِ.
وَكَيف يَقُول: وَلَا نعلمهُ لَقِي تميماً وَقد قَالَ فِي رِوَايَة يَعْقُوب بن سُفْيَان الْمَذْكُور: سَمِعت تميماً، وَقد صرح بِالسَّمَاعِ عَنهُ، وَهل يتَصَوَّر السماع إلاَّ باللقى؟ وَعدم علمه بلقيه تميماً لَا يسْتَلْزم نفي علم غَيره بلقيه، وَعبد الْعَزِيز بن عمر ثِقَة من رجال الْجَمَاعَة، وَقَالَ يحيى وَأَبُو دَاوُد: ثِقَة، وَعَن يحيى: ثَبت، وَقَالَ بَعضهم: عبد الْعَزِيز لَيْسَ بِالْحَافِظِ كَلَام سَاقِط، لِأَن الِاعْتِبَار كَونه ثِقَة وَهُوَ مَوْجُود. وَقَالَ مُحَمَّد بن عمار: الْمُشبه فِي الْحِفْظ بِالْإِمَامِ أَحْمد ثِقَة لَيْسَ بَين النَّاس فِيهِ اخْتِلَاف، وَقَول الْخطابِيّ: ضعف أَحْمد هَذَا الحَدِيث، لَيْسَ كَذَلِك، لِأَنَّهُ لم يبين وَجه ضعفه. وَقَول التِّرْمِذِيّ: لَيْسَ إِسْنَاده بِمُتَّصِل، يردهُ أَنه سمع من تَمِيم بِوَاسِطَة وَبلا وَاسِطَة، وَلَئِن سلمنَا أَنه لم يسمع مِنْهُ وَلَا لحقه فالواسطة هُوَ قبيصَة وَهُوَ ثِقَة أدْرك زمَان تَمِيم بِلَا شكّ، فعنعنته مَحْمُولَة على الِاتِّصَال. وَقَول ابْن الْمُنْذر: هَذَا الحَدِيث مُضْطَرب، كَلَام مُضْطَرب لِأَن رُوَاته كلهم ثقاة فَلَا يضر هَل هُوَ عَن ابْن موهب عَن تَمِيم أَو بَينهمَا قبيصَة؟ وَالِاضْطِرَاب لَا يضر الحَدِيث إِذا كَانَت رِجَاله ثقاة.
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: إِنَّه حَدِيث غَرِيب من حَدِيث أبي إِسْحَاق السبيعِي عَن ابْن موهب، تفرد بِهِ عَنهُ ابْنه يُونُس، وَتفرد بِهِ أَبُو بكر الْحَنَفِيّ عَنهُ فَأفَاد الدَّارَقُطْنِيّ مُتَابعًا لعبد الْعَزِيز وَهُوَ أَبُو إِسْحَاق، والغرابة لَا تدل على الضعْف، فقد تكون فِي الصَّحِيح والإسناد الَّذِي ذكره صَحِيح على شَرط الشَّيْخَيْنِ، وَفِيه رد لقَوْل ابْن الْمُنْذر أَيْضا: وَكَيف يُشِير النَّسَائِيّ إِلَى أَن الرِّوَايَة الَّتِي وَقع فِيهَا التَّصْرِيح بِسَمَاعِهِ من تَمِيم خطأ؟ ثمَّ يَقُول: وَلكنه وَثَّقَهُ بَعضهم فآخر كَلَامه ينْقض أَوله، وَكَيف يحكم بالْخَطَأ وَقد ذكرنَا عَن ثقتين جليلين أَنَّهُمَا صرحا بِسَمَاع ابْن موهب عَن تَمِيم؟ وروى ابْن بنت منيع عَن جمَاعَة عَن عبد الْعَزِيز بِلَفْظ: سَمِعت تميماً، فَيجوز أَن تكون رِوَايَته عَن قبيصَة عَن تَمِيم، وَعَن تَمِيم بِلَا وَاسِطَة؟} .
7576 - حدّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعْدٍ عنْ مالِكٍ عنْ نافعٍ عنِ ابنِ عُمَرَ أنَّ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا، أُمَّ المُؤْمِنِينَ أرادَتْ أنْ تَشْتَرِيَ جارِيَةً تُعْتِقُها، فَقَالَ أهْلُها: نبِيعُكِها على أنَّ ولاءَها لنا، فَذَكَرَتْ(23/257)
لِرَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: (لَا يَمْنعُكِ ذالِكِ فإنَّما الوَلاءُ لِمَنْ أعْتَقَ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة مَا قَالَه الْكرْمَانِي: اللَّام للاختصاص يَعْنِي الْوَلَاء مُخْتَصّ بِمن أعْتقهُ وبذل المَال فِي إِعْتَاقه.
قلت: حَاصِل كَلَامه أَن من أسلم على يَده رجل لَيْسَ لَهُ وَلَاء لِأَنَّهُ مُخْتَصّ بِمن أعْتقهُ واختصاصه بِهِ بِاللَّامِ وَلَكِن كَون اللَّام فِيهِ للاختصاص فِيهِ نظر لَا يخفى لِأَنَّهُ يجوز أَن يكون للاستحقاق، وَهِي الْوَاقِعَة بَين معنى وَذَات كاللام فِي نَحْو: {ويل لِلْمُطَفِّفِينَ} (المطففين: 1) وَاسْتِحْقَاق الْمُعْتق الْوَلَاء لَا يُنَافِي اسْتِحْقَاق غَيره، وَيجوز أَن تكون للصيرورة، لِأَن صيرورة الْوَلَاء للْمُعْتق لَا تنَافِي صَيْرُورَته لغيره، وَقد ذكرنَا أَن هَذَا الحَدِيث قد مر غير مرّة.
قَوْله: (تعتقها) أَصله: لِأَن تعتقها. قَوْله: (فَذكرت ذَلِك) أَي: ذكرت عَائِشَة قَوْلهم: (نبيعكها على أَن ولاءها لنا) قَوْله: (لَا يمنعك ذَلِك) أَي: قَوْلهم هَذَا، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: لَا يمنعنك، بنُون التوكيد.
8576 - حدّثنا مُحَمَّدٌ أخبرنَا جَرِيرٌ عنْ مَنْصُورٍ عنْ إبْرَاهِيمَ عنِ الأسْودِ عنْ عائشَةَ رَضِي الله عَنْهَا، قالَتِ: اشْتَرَيْتُ بَرِيرَةَ فاشْتَرَطَ أهْلُها ولاءَها فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِلنبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: (أعْتِقِيها، فإنَّ الوَلاءَ لِمَنْ أعْطَى الوَرِقَ) قَالَتْ: فاعْتَقْتُها. قالَتْ: فَدَعاها رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فخَيَّرَها مَنْ زَوْجِها، فقالَتْ: لَوْ أعْطانِي كَذَا وكَذَا مَا بتُّ عِنْدَهُ، فاخْتارَتْ نَفْسَها.
الْكَلَام فِي مطابقته للتَّرْجَمَة مثل مَا ذكرنَا فِي الحَدِيث السَّابِق. وَمُحَمّد شيخ البُخَارِيّ قَالَ الغساني: هُوَ مُحَمَّد بن سَلام وَفِي رِوَايَة أبي ذَر عَن الْكشميهني: مُحَمَّد بن يُوسُف البيكندي، وَجَرِير هُوَ ابْن عبد الحميد، وَوَقع فِي الاستقراض: حَدثنَا مُحَمَّد، حَدثنَا جرير، وَلَيْسَ فِي الْكتاب مُحَمَّد عَن جرير سوى هذَيْن الْمَوْضِعَيْنِ، وَمَنْصُور هُوَ ابْن الْمُعْتَمِر، وَإِبْرَاهِيم هُوَ النَّخعِيّ وَالْأسود هُوَ ابْن يزِيد خَال إِبْرَاهِيم.
قَوْله: (الْوَرق) بِفَتْح الْوَاو وَكسر الرَّاء هُوَ الْفضة، وَالْبَاقِي ظَاهر، وَفِي بعض النّسخ فِي آخر الحَدِيث قَالَ: وَكَانَ زَوجهَا حرا.
32 - (بابُ مَا يَرِثُ النِّساءُ مِنَ الوَلاءِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا يَرث النِّسَاء من الْوَلَاء.
9576 - حدّثنا حَفْصُ بنُ عُمَرَ حدّثنا هَمَّامٌ عنْ نافِعٍ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهُمَا، قَالَ: أرَادَتْ عائِشَةُ أنْ تَشْتَرِيَ بَرِيرَةَ، فقالَتْ لِلنبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إنَّهُمْ يَشْتَرِطُونَ الوَلاءَ! فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (اشْتَرِيها، فإنَّما الوَلاءُ لِمَنْ أعْتَق) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ دلَالَة على أَن النِّسَاء إِذا أعتقن تسْتَحقّ الْوَلَاء وَهَمَّام بِالتَّشْدِيدِ هُوَ ابْن يحيى. والْحَدِيث كَمَا مر.
0676 - حدّثنا ابنُ سَلاَمٍ أخبرنَا وَكِيعٌ عنْ سُفْيانَ عنْ مَنْصُورٍ عنْ إبْراهِيمَ عنِ الأسْوَدِ عنْ عائِشَةَ قالَتْ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (الوَلاَءُ لِمَنْ أعْطَى الوَرِقَ وَوَلِيَ النِّعْمَةَ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة مثل مَا ذكرنَا الْآن. وَابْن سَلام هُوَ مُحَمَّد ابْن سَلام بتَخْفِيف اللَّام على الْأَشْهر وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ وَالْبَاقِي ظَاهر، وَتفرد الثَّوْريّ بقوله: (وَولي النِّعْمَة) مَعْنَاهُ: لمن أعتق بعد إِعْطَاء الثّمن لِأَن ولَايَة النِّعْمَة الَّتِي تسْتَحقّ بهَا الْمِيرَاث لَا تكون إِلَّا بِالْعِتْقِ، وكل مَوضِع يكون فِيهِ: الْوَلَاء للْمُعْتق، الرجل وَالْمَرْأَة الْمُعتقَة كَذَلِك، فَإِذا أعتق رجل وَامْرَأَة عبدا ثَبت الْوَلَاء لَهما وَوَلَاء وَلَده ذكورهم وإناثهم، وَوَلَاء ولد الذُّكُور كَذَلِك.(23/258)
42 - (بابُ مَوْلَى القَوْمِ مِنْ أنْفْسِهِمْ، وابنُ الأُخْتِ مِنْهُمْ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان أَن مولى الْقَوْم أَي: عتيقهم مِنْهُم فِي النِّسْبَة إِلَيْهِم وَالْمِيرَاث مِنْهُ قَوْله: (وَابْن الْأُخْت مِنْهُم) أَي: ابْن أُخْت الْقَوْم مِنْهُم فِي أَنه يرثهم تَوْرِيث ذَوي الْأَرْحَام. وَفِي (التَّوْضِيح) : أما ابْن أُخْت الْقَوْم مِنْهُم فَهُوَ مَحْمُول عِنْد أهل الْمَدِينَة على أَن يكون ابْن أختهم من عتيقهم، وَعند أهل الْعرَاق الَّذين يورثون ذَوي الْأَرْحَام: ابْن أُخْت الْقَوْم مِنْهُم يرثهم ويرثونه.
1676 - حدّثنا آدَمُ حَدثنَا شعْبَةُ حدّثنا مُعاوِيَةُ بنُ قُرَّةَ وقتَادة عنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضِي الله عَنهُ، عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (مَوْلَى القَوْمِ مِنْ أنْفُسِهِم) أوْ كَما قَالَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. والْحَدِيث هَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة آدم عَن شُعْبَة مَقْرُونا، وَأكْثر الروَاة قَالُوا: عَن شُعْبَة عَن قَتَادَة وَحده عَن أنس.
2676 - حدّثنا أبُو الوَلِيدِ حَدثنَا شُعْبَةُ عنْ قَتَادَةَ عنْ أنَسٍ عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (ابنُ أُخْتِ القَوْمِ مِنْهُمْ) أوْ: مِنْ أنْفسِهِمْ.
مطابقته للجزء الثَّانِي للتَّرْجَمَة وَهُوَ قَوْله: (وَابْن أُخْت الْقَوْم مِنْهُم) .
وَأَبُو الْوَلِيد هِشَام بن عبد الْملك، وَاخْتَصَرَهُ هُنَا وبأتم مِنْهُ مضى فِي مَنَاقِب قُرَيْش فِي: بَاب ابْن أُخْت الْقَوْم وَمولى الْقَوْم مِنْهُم: حَدثنَا سُلَيْمَان بن حَرْب حَدثنَا شُعْبَة عَن قَتَادَة عَن أنس قَالَ: دَعَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، الْأَنْصَار خَاصَّة فَقَالَ: (هَل فِيكُم أحد من غَيْركُمْ؟) قَالُوا: لَا إلاَّ ابْن أُخْت لنا. فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (ابْن أُخْت الْقَوْم مِنْهُم) وَاحْتج بِهِ من قَالَ بتوريث ذَوي الْأَرْحَام، وَبِه قَالَ شُرَيْح وَالشعْبِيّ وَالنَّخَعِيّ ومسروق وعلقمة بن الْأسود وطاووس وَالثَّوْري وَابْن أبي ليلى وَالْحسن بن صَالح وَأَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَأحمد وَإِسْحَاق وَيحيى بن آدم وَضِرَار بن صرد ونوح بن دراج وَغَيرهم من الْأَئِمَّة، وَهُوَ قَول عَامَّة الصَّحَابَة مِنْهُم عَليّ بن أبي طَالب وَابْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس فِي أشهر الرِّوَايَتَيْنِ عَنهُ، ومعاذ بن جبل وَأَبُو الدَّرْدَاء وَأَبُو عُبَيْدَة بن الْجراح وَالْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة، على مَا قَالَه القَاضِي أَبُو حَازِم. وَذهب عُثْمَان بن عَفَّان وَزيد بن ثَابت وَعبد الله بن الزبير رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم. إِلَى أَن لَا مِيرَاث لِذَوي الْأَرْحَام، فَمن مَاتَ وَلم يخلف وَارِثا فرض أَو عصبَة فَمَاله لبيت المَال، وَبِه أَخذ مَالك وَالْأَوْزَاعِيّ وَمَكْحُول وَسَعِيد بن الْمسيب وَالشَّافِعِيّ، وَأهل الْمَدِينَة وَأهل الظَّاهِر إِلَّا أَن أَصْحَاب الشَّافِعِي يفتون الْيَوْم بتوريث ذَوي الْأَرْحَام على قَول أهل التَّنْزِيل لفساد بَيت المَال. وَعَن أبي بكر الصّديق رِوَايَتَانِ فِيهِ.
52 - (بابُ مِيراَثِ الأسِيرِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم مِيرَاث الْأَسير الَّذِي فِي أَيدي الْعَدو. وَاخْتلف فِيهِ فَعَن سعيد بن الْمسيب لَا يُورث الْأَسير الَّذِي فِي أَيدي الْعَدو، وَرَوَاهُ أَبُو بكر بن أبي شيبَة عَنهُ، وَفِي رِوَايَة عَنهُ، يُورث، وَعَن الزُّهْرِيّ رِوَايَتَانِ نَحوه، وَعنهُ: لَا يجوز للأسير فِي مَاله إلاَّ الثُّلُث، وَنقل ابْن بطال عَن أَكثر الْعلمَاء أَنهم ذَهَبُوا إِلَى أَن الْأَسير إِذا وَجب لَهُ مِيرَاث أَنه يُوقف لَهُ، هَذَا قَول مَالك والكوفيين وَالشَّافِعِيّ وَالْجُمْهُور، وَذَلِكَ لِأَن الْأَسير إِذا كَانَ مُسلما فَهُوَ دَاخل تَحت عُمُوم قَوْله: من ترك مَالا فلورثته الْمُسلمين، وَهُوَ من جملَة الْمُسلمين الَّذين يجْرِي عَلَيْهِم أَحْكَام الْمُسلمين، وَلَا يتَزَوَّج امْرَأَته وَلَا يقسم مَاله مَا تحققت حَيَاته وَعلم مَكَانَهُ، فَإِذا انْقَطع خَبره وَجَهل حَاله فَهُوَ مَفْقُود يجْرِي فِيهِ أَحْكَام الْمَفْقُود.
قَالَ: وكانَ شُرَيْحٌ يُوَرِّثُ الأسيرَ فِي أيْدي العَدُوِّ، ويَقُولُ: هُوَ أحْوَجُ إلَيْهِ(23/259)
لَيْسَ فِي كثير من النّسخ لفظ: قَالَ، فعلى تَقْدِير وجوده يكون فَاعله البُخَارِيّ أَي: قَالَ البُخَارِيّ، وَكَانَ شُرَيْح بن الْحَارِث القَاضِي الْكِنْدِيّ الْكُوفِي ... إِلَى آخِره، وَوَصله ابْن أبي شيبَة والدارمي من طَرِيق دَاوُد بن أبي هِنْد عَن الشّعبِيّ عَن شُرَيْح، فَذكره.
وَقَالَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العزِيزِ: أجِزْ وصِيَّةَ الأسِير وَعَتاقَهُ وَمَا صَنَعَ فِي مالِهِ مَا لمْ يَتَغَيَّرْ عنْ دِينِهِ فإنَّما هُوَ مالُهُ يَصْنَعُ فِيهِ مَا يَشاءُ.
هَذَا أَيْضا يُوضح الْإِبْهَام الَّذِي فِي التَّرْجَمَة. قَوْله: (أجز) أَمر من الْإِجَازَة. قَوْله: (وَصِيَّة الْأَسير) مَنْصُوب. قَوْله: (وعتاقه) ، عطف عَلَيْهِ ويروى: عتاقته. قَوْله: (مَا يَشَاء) . بِصُورَة الْمُضَارع وَعند الْكشميهني: مَا شَاءَ، بِلَفْظ الْمَاضِي، وَوصل هَذَا التَّعْلِيق عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن إِسْحَاق بن رَاشد أَن عمر كتب إِلَيْهِ: أجز وَصِيَّة الْأَسير.
3676 - حدّثنا أبُو الوَلِيدِ حدّثنا شُعْبَةُ عنْ عَدِيٍّ عنْ أبي حازِمٍ عنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ، عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (مَنْ تَرَكَ مَالا فَلِوَرَثَتِهِ ومَنْ تَرَكَ كَلاًّ فإلَيْنا) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَن الْأَسير فِي أَيدي الْعَدو دَاخل تَحت قَوْله: (من ترك) .
وَأَبُو الْوَلِيد هِشَام بن عبد الْملك، وعدي هُوَ ابْن ثَابت الْأنْصَارِيّ، وَأَبُو حَازِم بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي سلمَان الْأَشْجَعِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي الاستقراص عَن أبي الْوَلِيد أَيْضا.
قَوْله: (كلاًّ) بِفَتْح الْكَاف وَتَشْديد اللَّام أَي: عيالاً.
62 - (بابٌ لَا يَرِثُ المُسْلِمُ الكافِرِ وَلَا الكافِرُ المُسْلِمَ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَا يَرث الْمُسلم الْكَافِر وَلَا يَرث الْكَافِر الْمُسلم) ، أما الْكَافِر فَإِنَّهُ لَا يَرث الْمُسلم بِالْإِجْمَاع. وَبِالْحَدِيثِ، وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلنْ يَجْعَل الله للكفارين على الْمُؤمنِينَ سَبِيلا} (النِّسَاء: 141) وَفِي الْمِيرَاث إِثْبَات السَّبِيل للْكَافِرِ على الْمُسلم وَالْمرَاد مِنْهُ نفي السَّبِيل من حَيْثُ الحكم لَا من حَيْثُ الْحَقِيقَة ليتَحَقَّق حَقِيقَة السَّبِيل. وَأما الْمُسلم فَهَل يَرث من الْكَافِر أم لَا؟ فَقَالَت عَامَّة الصَّحَابَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، لَا يَرث، وَبِه أَخذ عُلَمَاؤُنَا وَالشَّافِعِيّ، وَهَذَا اسْتِحْسَان، وَالْقِيَاس أَن يَرث وَهُوَ قَول معَاذ بن جبل وَمُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان وَبِه أَخذ مَسْرُوق وَالْحسن وَمُحَمّد بن الْحَنَفِيَّة وَمُحَمّد بن عَليّ بن حُسَيْن، وَأما إِرْث الْمُسلم من الْمُرْتَد فباعتبار الِاسْتِنَاد إِلَى حَال الْإِسْلَام، وَلِهَذَا قَالَ أَبُو حنيفَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: إِنَّه يُورث عَنهُ كسب إِسْلَامه دون كسب ردته، وَلَا يَرث هُوَ من الْمُسلم عُقُوبَة لَهُ على ردته.
وَإِذا أسْلَمَ قَبْلَ أنْ يُقْسَمَ المِيرَاثُ فَلاَ مِيرَاثَ لهُ
أَي: إِذا أسلم الْكَافِر قبل أَن يقسم مِيرَاث أَبِيه أَو أَخِيه مثلا فَلَا مِيرَاث لَهُ لِأَن الِاعْتِبَار بِوَقْت الْمَوْت لَا بِوَقْت الْقِسْمَة وَهُوَ قَول جُمْهُور الْفُقَهَاء، وَقَالَت طَائِفَة: إِذا أسلم قبل الْقِسْمَة فَلهُ نصِيبه، رُوِيَ عَن عمر وَعُثْمَان رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، من طَرِيق لَا يَصح، وَبِه قَالَ الْحسن وَعِكْرِمَة وَحَكَاهُ ابْن هُبَيْرَة عَن أَحْمد، وَحَكَاهُ ابْن التِّين عَن جَابر، وَرُوِيَ عَن الْحسن أَيْضا: الْإِرْث فِيمَا لم يقسم خَاصَّة.
4676 - حدّثنا أبُو عاصِمٍ عنِ ابنِ جُرَيْجٍ عنِ ابْن شِهابٍ عنْ عَليِّ بنِ حُسَيْنِ عنْ عُمَرَ ابنِ عُثْمانَ عنْ أُسامةَ بنِ زَيْدٍ رَضِي الله عَنْهُمَا، أَن النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (لَا يَرِث المُسْلِمَ الكافِرَ وَلَا الكافِرُ المُسْلِمَ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَنَّهَا لفظ الحَدِيث. وَأَبُو عَاصِم الضَّحَّاك بن مخلد النَّبِيل الْبَصْرِيّ، وَابْن جريج هُوَ عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج، وَابْن شهَاب مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ، وَعلي بن حُسَيْن الْمَعْرُوف بزين العابدين، وَعمر بن عُثْمَان بن(23/260)
عَفَّان الْقرشِي الْأمَوِي، وكل من رَوَاهُ عَن ابْن شهَاب قَالَ: عَمْرو، بِالْوَاو إلاَّ مَالِكًا فَإِنَّهُ قَالَ: عمر، بِدُونِ الْوَاو وَلم يَخْتَلِفُوا أَنه كَانَ لعُثْمَان ابْن يُسمى: عمر بِلَا وَاو وَآخر يُسمى: عمر وبالواو إلاَّ أَن هَذَا الحَدِيث كَانَ لعَمْرو عِنْد الْجَمَاعَة، قَالَ الكلاباذي: وهم مَالك فِيهِ فَقَالَ: عمر بِدُونِ الْوَاو.
والْحَدِيث مضى فِي الْمَغَازِي عَن سُلَيْمَان بن عبد الرَّحْمَن عَن سَعْدَان بن يحيى عَن مُحَمَّد ابْن أبي حَفْصَة عَن الزُّهْرِيّ بِهِ.
72 - (بابُ مِيرَاثِ العَبْدِ النَّصْرَانِيِّ والمُكاتَبِ النَّصْرَانِيِّ وإثْمِ مَنِ انْتَفَى مِنْ وَلَدِهِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي مِيرَاث العَبْد النَّصْرَانِي. . إِلَى آخِره. كَذَا وَقع عَن الْأَكْثَرين بِغَيْر حَدِيث، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر عَن الْمُسْتَمْلِي والكشميهني: بَاب من ادّعى أَخا وَابْن أَخ. وَلم يذكر فِيهِ حَدِيثا. وَقَالَ الْكرْمَانِي: هُنَا ثَلَاث تراجم مُتَوَالِيَة: بَاب مِيرَاث العَبْد النَّصْرَانِي، بَاب إِثْم من انْتَفَى من وَلَده بَاب من ادّعى أَخا. وَقد ذكرُوا أَن البُخَارِيّ ترْجم الْأَبْوَاب واراد أَن يلْحق بهَا الْأَحَادِيث وَلم يتَّفق لَهُ وخلا بَين الترجمتين بَيَاضًا والنقلة ضمُّوا الْبَعْض إِلَى الْبَعْض. انْتهى. وَجعلُوا فِي: بَاب إِثْم من انْتَفَى من وَلَده قصَّة سعد وَعبد بن زَمعَة، وَجرى ابْن بطال وَابْن التِّين على حذف: بَاب من انْتَفَى من وَلَده، وَجعلا قصَّة ابْن زَمعَة لباب من ادّعى أَخا، وَلم يذكرَا فِي: بَاب مِيرَاث العَبْد النَّصْرَانِي، حَدِيثا على مَا وَقع عِنْد الْأَكْثَرين، وَوَقع عِنْد النَّسَفِيّ: بَاب مِيرَاث العَبْد النَّصْرَانِي وَالْمكَاتب النَّصْرَانِي، وَقَالَ: لم يكْتب فِيهِ حَدِيثا، وَفِي عقبه: بَاب إِثْم من انْتَفَى من وَلَده وَمن ادّعى، أَخا أَو ابْن أَخ، وَذكر فِيهِ قصَّة عبد بن زَمعَة، وَقَالَ ابْن بطال: مَذْهَب الْعلمَاء أَن العَبْد النَّصْرَانِي إِذا مَاتَ فَمَاله لسَيِّده بِالرّقِّ، لِأَن ملك العَبْد غير صَحِيح وَهُوَ مَال السَّيِّد يسْتَحقّهُ لَا بطرِيق الْإِرْث، وَعَن ابْن سِيرِين: مَاله لبيت المَال وَلَيْسَ للسَّيِّد فِيهِ شَيْء، وَأما الْمكَاتب فَإِذا مَاتَ قبل أَدَاء الْكِتَابَة وَكَانَ فِي مَاله وَفَاء لباقي كِتَابَته أَخذ ذَلِك فِي كِتَابَته، فَمَا فضل فَهُوَ لبيت المَال، وَحكى ابْن التِّين فِي مِيرَاث النَّصْرَانِي إِذا أعْتقهُ الْمُسلم ثَمَانِيَة أَقْوَال: فَقَالَ عمر بن عبد الْعَزِيز وَاللَّيْث وَالشَّافِعِيّ: هُوَ كالمولى الْمُسلم إِن كَانَت لَهُ وَرَثَة وإلاَّ فَمَاله لسَيِّده، وَقيل: يَرِثهُ الْوَلَد خَاصَّة، وَقيل: الْوَلَد وَالْوَالِد خَاصَّة، وَقيل: هما والأخوة، وَقيل: هم والعصبة، وَقيل: مِيرَاثه لِذَوي رَحمَه، وَقيل: لبيت المَال، وَقيل: يُوقف فَمن ادَّعَاهُ من النَّصَارَى كَانَ لَهُ.
81 - (بابُ مَن ادَّعَى أَخا أوِ ابنَ أخِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم من ادّعى أَخا وَابْن أَخ، وَفِي بعض النّسخ وَقع هَكَذَا: بَاب إِثْم من انْتَفَى من وَلَده وَمن ادّعى أَخا أَو ابْن أَخ.
5676 - حدّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعيدٍ حدّثنا اللَّيْثُ عنِ ابنِ شهابٍ عنْ عُرْوَةَ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا، أَنَّهَا قالَتِ: اخْتَصَمَ سَعْدُ بنُ أبي وقَّاصٍ وعَبْدُ بنُ زَمْعَةَ فِي غُلاَمٍ، فَقَالَ سَعْدٌ: هاذَا يَا رسولَ الله ابنُ أخِي عُتْبَةَ بنِ أبي وقَّاصٍ، عَهدَ إلَيَّ أنَّهُ ابْنُهُ، انْظُرْ إِلَى شَبَهِه. وَقَالَ عبْدُ بنُ زَمْعَةَ: هاذَا أخِي يَا رسُولَ الله {وُلِدَ عَلى فِرَاشِ أبي مِنْ ولِيدَتِهِ، فَنَظَر رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى شَبَهِهِ فَرَأى شبهَاً بَيِّناً بِعُتْبَةَ، فَقَالَ: (هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ} الولَدُ لِلْفِرَاشِ لِلْعاهِرِ الحَجَرُ، واحْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ بِنْتَ زَمعَةَ) قَالَتْ: فَلَمْ يَرَ سَوْدَةَ قَطُّ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَن فِيهِ دَعْوَى أَخ وَدَعوى ابْن أَخ، وَهُوَ ظَاهر.
والْحَدِيث مر عَن قريب فِي: بَاب الْوَلَد للْفراش وَفِي غَيره وَمضى الْكَلَام فِيهِ. قَوْله: (من وليدته) أَي: أمته. وَسَوْدَة بنت زَمعَة زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (فَلم ير سَوْدَة قطّ) أَي: وَلم ير سَوْدَة ذَلِك الْغُلَام قطّ واسْمه عبد الرَّحْمَن، وَقد مضى أَنه لَا يجوز استلحاق غير الْأَب.
وَاخْتلف الْعلمَاء فِيمَا إِذا مَاتَ الرجل وَخلف ابْنا وَاحِدًا لَا وَارِث لَهُ غَيره فَأقر بِأَخ، فَقَالَ ابْن الْقصار: عِنْد مَالك والكوفيين لَا يثبت نسبه وَهُوَ الْمَشْهُور عَن أبي حنيفَة، وَقَالَ(23/261)
الشَّافِعِي: يثبت، فَقَالَ: هُوَ قَائِم مقَام الْمَيِّت فَصَارَ إِقْرَاره كإقراره فِي حَيَاته. وَاحْتج هَؤُلَاءِ بِأَنَّهُ حمل النّسَب على الْغَيْر فَلَا يجوز، وَأما من انْتَفَى من وَلَده فقد ورد فِيهِ وَعِيد شَدِيد، وروى مُجَاهِد عَن ابْن عمر رَفعه: من انْتَفَى من ولد ليفضحه فِي الدُّنْيَا فضحه الله يَوْم الْقِيَامَة، وَفِي سَنَده: الْجراح وَالِد وَكِيع مُخْتَلف فِيهِ، وَأخرج ابْن عدي عَن ابْن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، من انْتَفَى من وَلَده فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار، وَفِي سَنَده: مُحَمَّد بن الزعيزعة، رَاوِيه عَن نَافِع قَالَ أَبُو حَاتِم: مُنكر الحَدِيث، وروى أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ عَن أبي هُرَيْرَة وَصَححهُ الْحَاكِم وَابْن حبَان بِلَفْظ: وَأَيّمَا رجل جحد وَلَده وَهُوَ ينظر إِلَيْهِ احتجب الله مِنْهُ، وَفِي سَنَده عبد الله بن يُونُس حجازي، مَا روى عَنهُ سوى يزِيد بن الْهَاد.
92 - (بَاب مَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أبِيهِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان إِثْم من انتسب إِلَى غير أَبِيه، وَجَوَاب: من، مَحْذُوف يظْهر من الحَدِيث.
6676 - حدّثنا مُسَدَّدٌ حدّثنا خالِدٌ هُوَ بنُ عَبْدِ الله حدّثنا خالِدٌ عنْ أبي عُثْمانَ عنْ سَعْدٍ رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: سَمِعْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ: (مَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أبِيهِ وهْوَ يَعْلَمُ أنَّهُ غَيْرُ أبِيهِ فالْجَنَّةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ) فَذَكَرْتُهُ لأبي بَكْرَةَ فَقَالَ: وَأَنا سَمِعَتْهُ أُذُنايَ ووعاهُ قَلْبِي مِنْ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. (انْظُر الحَدِيث 7234) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّهَا بعض الحَدِيث.
وخَالِد شيخ شيخ البُخَارِيّ هُوَ ابْن عبد الله الطَّحَّان الوَاسِطِيّ وَشَيْخه خَالِد ابْن مهْرَان الْحذاء يروي عَن أبي عُثْمَان عبد الرَّحْمَن النَّهْدِيّ، وَسعد هُوَ ابْن أبي وَقاص رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
والْحَدِيث مضى فِي الْمَغَازِي فِي غَزْوَة حنين من رِوَايَة عَاصِم الْأَحول عَن أبي عُثْمَان: سَمِعت سَعْدا وَأَبا بكرَة.
قَوْله: (من ادّعى) أَي: من انتسب إِلَى غير أَبِيه، وَالْحَال يعلم أَنه غير أَبِيه، وَفِي رِوَايَة مُسلم: من ادّعى أَبَا فِي الْإِسْلَام غير أَبِيه، وَالْبَاقِي مثله. قَوْله: (فالجنة عَلَيْهِ حرَام) وَفِي الحَدِيث الْآتِي: فقد كفر، يَعْنِي: إِذا اسْتحلَّ لِأَن الْجنَّة مَا حرمت إلاَّ على الْكَافرين، أَو المُرَاد: كفران النِّعْمَة وإنكار حق الله وَحقّ أَبِيه أَو هُوَ للتغليظ. كَقَوْلِه: {وَمن كفر فَإِن الله غَنِي} (آل عمرَان: 79، ولقمان: 21) قَوْله: (فَذَكرته) أَي: قَالَ أَبُو عُثْمَان: فَذكرت الحَدِيث لأبي بكرَة بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة واسْمه نفيع مصغر نفع الثَّقَفِيّ.
8676 - حدّثنا أصْبَغُ بنُ الفَرَجِ حدّثنا ابْن وَهْب أخبَرني عمْروٌ وعنْ جَعْفَرِ بنِ رَبِيعَةَ عنْ عِراكٍ عَن أبي هُرَيْرَةَ عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (لَا تَرْغَبُوا عنْ آبائِكُمْ فَمَنْ رَغبَ عنْ أبِيهِ فَقَدْ كَفَرَ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ مَعْنَاهُ: وَابْن وهب هُوَ عبد الله بن وهب الْمصْرِيّ، وَعمر وَهُوَ ابْن الْحَارِث الْمصْرِيّ، وعراك بِكَسْر الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الرَّاء وبالكاف هُوَ ابْن مَالك الْغِفَارِيّ، والْحَدِيث مر فِي مَنَاقِب قُرَيْش.
قَوْله: (لَا ترغبوا) هَذِه الْكَلِمَة إِذا اسْتعْملت بِكَلِمَة: عَن، تكون بِمَعْنى الْإِعْرَاض وَالتّرْك، وَإِذا اسْتعْملت بِكَلِمَة: فِي، تكون بِمَعْنى الإقبال والتوجه. قَوْله: (فقد كفر) قد مر مَعْنَاهُ الْآن، هَذِه رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: فَهُوَ كفر، وكذ رِوَايَة مُسلم.
03 - (بابٌ إذَا ادَّعَتِ المَرْأةُ ابْناً)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ إِذا ادَّعَت الْمَرْأَة ابْنا.
9676 - حدّثنا أبُو اليَمانِ أخبرنَا شُعَيْبٌ قَالَ: حدّثنا أَبُو الزِّنادِ عنْ عَبْدِ الرَّحْمانِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ. أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (كانَتِ امْرَأتانِ مَعَهُما ابْناهُما جاءَ الذِّئْبُ فَذَهَبَ بابْنِ إحْداهُما، فقالَتْ لِصاحِبَتِها: إنّما ذَهَبَ بابْنِكِ. وقالَتِ الأُخْرَى: إنّما ذَهَبَ بِابْنِكِ، فَتَحَاكَمَتا إِلَى داوُدَ عَلَيْهِ السلامُ فَقَضى بِهِ لِلْكُبْرى، فَخَرَجَتا عَلى سُلَيْمانَ بنِ داوُدَ، عَلَيْهما السَّلامُ، فأخْبَرَتاهُ(23/262)
فَقَالَ: ائْتُونِي بالسِّكِين أشُقُّهُ بَيْنَهُما. فَقالتِ الصُّغْرى: لَا تَفْعَلْ يَرْحَمُكَ الله هُوَ ابْنُها فَقَضى بِهِ لِلصُّغْرَى)
قَالَ أبُو هُرَيْرَةَ: وَالله إنْ سَمِعْتُ بالسِّكِينِ قَطُّ إلاّ يَوْمَئذٍ، وَمَا كُنَّا نَقُولُ إلاّ: المُدْيَةَ. (انْظُر الحَدِيث 7243) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ دَعْوَى كل وَاحِدَة من الْمَرْأَتَيْنِ أَن الابْن لَهَا، قيل: مَا وَجه إِيرَاده هَذَا الحَدِيث وَلَا يتَعَلَّق بِهِ حكم؟ .
قلت: يستنبط مِنْهُ حكم، وَهُوَ أَن امْرَأَة لَا زوج لَهَا إِذا قَالَت لِابْنِ لَا يعرف لَهُ أَب: هَذَا ابْني، وَلم ينازعها أحد فَإِنَّهُ يعْمل بقولِهَا: وترثه ويرثها وترثه إخْوَته لأمه، وَإِذا كَانَ لَهَا زوج، وَادعت أَن هَذَا ابْني وَأنْكرهُ لَا يعْمل بقولِهَا إلاَّ إِذا أَقَامَت الْبَيِّنَة فحينئذٍ تقبل.
قَوْله: (حَدثنَا أَبُو الْيَمَان) أَي: الحكم بن نَافِع. قَوْله: (حَدثنَا أَبُو الزِّنَاد) بالزاي وَالنُّون وَهُوَ عبد الله بن ذكْوَان يروي عَن عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة.
والْحَدِيث مضى فِي تَرْجَمَة سُلَيْمَان من أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام.
قَوْله: (فتحاكمتا) أَي: الْمَرْأَتَانِ المذكورتان، ويروى: فتحاكما، بالتذكير بِاعْتِبَار الشَّخْص، قيل: كَيفَ نقض سُلَيْمَان حكم دَاوُد عَلَيْهِمَا السَّلَام؟ وَأجِيب: بِأَنَّهُمَا حكما بِالْوَحْي. وَحكم سُلَيْمَان كَانَ نَاسِخا أَو بِالِاجْتِهَادِ، وَجَاز النَّقْض لدَلِيل أقوى على أَن الضَّمِير فِي قَوْله: (فَقضى) يحْتَمل أَن يكون رَاجعا إِلَى دَاوُد.
قلت: فِي الْجَواب الأول نظر، لِأَن عمر سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام، كَانَ حينئذٍ أحد عشر سنة وَلم يكن يُوحى إِلَيْهِ، قَالُوا: اسْتَخْلَفَهُ دَاوُد وعمره كَانَ اثْنَي عشرَة سنة. وَقَالَ مقَاتل: كَانَ سُلَيْمَان أقضى من دَاوُد وَكَانَ دَاوُد أَشد تعبداً من سُلَيْمَان. وَقَالَ الْكرْمَانِي: لما اعْترف الْخصم بِأَن الْحق لصَاحبه كَيفَ حكم بِخِلَافِهِ؟ ثمَّ قَالَ: لَعَلَّه علم بِالْقَرِينَةِ أَنه لَا يُرِيد حَقِيقَة الْأَمر، وَقَالَ النَّوَوِيّ: اسْتدلَّ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام، بشفقة الصُّغْرَى على أَنَّهَا أمه وَلَعَلَّ الْكُبْرَى أقرَّت بعد ذَلِك بِهِ للصغرى.
قَوْله: (إِن سَمِعت بالسكين) ، يَعْنِي باسم السكين قطّ إلاَّ يومئذٍ يَعْنِي: يَوْم سمع الحَدِيث. قَوْله: (إلاَّ المدية) بِضَم الْمِيم وَفتحهَا وَكسرهَا وَسُكُون الدَّال سميت بهَا لِأَنَّهَا تقطع مدى حَيَاة الْحَيَوَان، والسكين لِأَنَّهَا تسكن حركته.
13 - (بابُ القائِفِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم الْقَائِف، وَهُوَ على وزن فَاعل من القيافة، وَهِي معرفَة الْآثَار. وَفِي اصْطِلَاح الْفُقَهَاء: هُوَ الَّذِي يعرف الشّبَه ويميز الْأَثر، وَسمي بذلك لِأَنَّهُ يقفو الْأَشْيَاء أَي: يتبعهَا. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: هُوَ الَّذِي يقفو الْأَثر ويقتافه قفواً وقيافة، وَيجمع الْقَائِف على الْقَافة. قيل: لَا وَجه لذكر: بَاب الْقَائِف فِي كتاب الْفَرَائِض. وَأجِيب: بِجَوَاب لَا يمشي إلاَّ على مَذْهَب من يعْمل بالقافة، وَهُوَ الرَّد على من لَا يعْمل بهَا، وَيلْزم من قَول من يعْمل بهَا التَّوَارُث بَين الملحق والملحق بِهِ فَلهُ تعلق بالفرائض من هَذَا الْوَجْه.
0776 - حدّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ حدّثنا اللَّيْثُ عنِ ابنِ شِهابٍ عنْ عُرْوَةَ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا، قالَتْ: إنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَخَلَ عَلَيَّ مَسْرُوراً تَبْرُقُ أساريرُ وَجْهِهِ، فَقَالَ: (ألَمْ تَرَيْ أنَّ مُجَزِّزاً نَظَرَ آنِفاً إِلَى زَيْدِ بنِ حارثَةَ وأُسامَةَ بنِ زَيْدٍ فَقَالَ: إنَّ هاذِهِ الأقْدامَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَن مجززاً الْمَذْكُور حكم بالقيافة فِي زيد بن حَارِثَة وَأُسَامَة بن زيد، وَكَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّة يقدحون فِي نسب أُسَامَة لِأَنَّهُ كَانَ أسود شَدِيد السوَاد لَكِن أمه كَانَت سَوْدَاء، وَكَانَ أَبوهُ زيد أَبيض من الْقطن، فَلَمَّا قَالَ هَذَا الْقَائِف مَا قَالَ مَعَ اخْتِلَاف اللَّوْن سر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بذلك لكَونه كافاً لَهُم عَن الطعْن فِيهِ لاعتقادهم ذَلِك.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي النِّكَاح عَن يحيى بن يحيى وَغَيره. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الطَّلَاق. وَالتِّرْمِذِيّ فِي الْوَلَاء. وَالنَّسَائِيّ فِي الطَّلَاق.
قَوْله: (دخل عليَّ مَسْرُورا) أَي: دخل إِلَى حجرَة عَائِشَة حَال كَونه مَسْرُورا أَي: فرحاناً. قَوْله: (تبرق أسارير وَجهه) جملَة حَالية والأسارير هِيَ الخطوط الَّتِي تجمع فِي الْجَبْهَة وتنكسروا وَاحِدهَا سرو سرر وجمها أسرار وأسرة وَجمع الْجمع أسارير، وَرُوِيَ عَن عَائِشَة أَنَّهَا(23/263)
قَالَت: دخل عَليّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، تبرق أكاليل وَجهه، جمع إكليل وَهِي نَاحيَة الْجَبْهَة وَمَا يتَّصل بهَا من الجبين، وَذَلِكَ إِنَّمَا يوضع الإكليل هُنَاكَ وكل مَا أحَاط بالشَّيْء وتكاله من جوانبه فَهُوَ إكليل قَالَه الْخطابِيّ. قَوْله: (ألم تري) ويروى: ألم تَرين، بالنُّون فِي آخِره وَالْمرَاد بِالرُّؤْيَةِ هُنَا الْإِخْبَار أَو الْعلم. قَوْله: (أَن مجززاً) بِضَم الْمِيم وَفتح الْجِيم وَتَشْديد الزَّاي الْمَكْسُورَة ويحكى فتحهَا وَفِي آخِره زَاي أُخْرَى، وَسمي بذلك لِأَنَّهُ كَانَ إِذا أَخذ أَسِيرًا فِي الْجَاهِلِيَّة جزنا صيته وَأطْلقهُ وَهُوَ ابْن الْأَعْوَر ابْن جعدة المدلجي نِسْبَة إِلَى مُدْلِج بن مرّة بن عبد منَاف بن كنَانَة. وَقَالَ الذَّهَبِيّ: روى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَذكره ابْن يُونُس فِيمَن شهد فتح مصر، وَقَالَ: لَا أعلم لَهُ رِوَايَة. وَقَالَ ابْن مَاكُولَا: إِن مجززاً لَهُ صُحْبَة روى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَه الطَّبَرِيّ، وَقَالَ الْكَلْبِيّ: بَعثه عمر بن الْخطاب فِي جَيش إِلَى الْحَبَشَة فهلكوا كلهم، وَقَالَ ابْن مَاكُولَا أَيْضا، بعد أَن ضبط مجززاً كَمَا ذَكرْنَاهُ. قَالَ ابْن عُيَيْنَة: مُحرز، يَعْنِي: بِسُكُون الْحَاء الْمُهْملَة وَكسر الرَّاء وَفِي آخِره زَاي. فَإِن قلت: هَل كَانَت القيافة مَخْصُوصَة ببني مُدْلِج أم لَا؟ .
قلت: كَانَت القيافة فيهم وَفِي بني أَسد وَالْعرب تعترف لَهُم بذلك، وَالصَّحِيح أَنَّهَا لَيست خَاصَّة بهم قد أخرج يزِيد بن هَارُون فِي الْفَرَائِض بِسَنَد صَحِيح إِلَى سعيد بن الْمسيب أَن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، كَانَ قائفاً أوردهُ فِي قصَّته وَعمر قرشي لَيْسَ مدلجياً وَلَا أسدياً لَا أَسد قُرَيْش وَلَا أَسد خُزَيْمَة. قَوْله: (نظر آنِفا) بِالْمدِّ وَيجوز بِالْقصرِ أَي: السَّاعَة، من قَوْلك: استأنفت أَي: ابتدأت وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {مَاذَا قَالَ آنِفا} (مُحَمَّد: 61) أَي: فِي وَقت يقرب منا. قَوْله: (إِلَى زيد بن حَارِثَة) الخ ذكر فِي الرِّوَايَة الَّتِي بعْدهَا: دخل عَليّ فَرَأى أُسَامَة بن زيد وزيداً وَعَلَيْهِمَا قطيفة قد غطيا رؤوسهما وبدت أقدامهما، فَقَالَ: إِن هَذِه الْأَقْدَام بَعْضهَا من بعض. وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: بعضهما لمن بعض.
فِيهِ: إِثْبَات الحكم بالقافة، وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ أنس بن مَالك وَهُوَ أصح الرِّوَايَتَيْنِ عَن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَبِه قَالَ عَطاء وَمَالك وَالْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَأَبُو ثَوْر، وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ وَالثَّوْري وَأَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه: الحكم بهَا بَاطِل لِأَنَّهَا حدس، وَلَا يجوز ذَلِك فِي الشَّرِيعَة وَلَيْسَ فِي حَدِيث لباب حجَّة فِي إِثْبَات الحكم بهَا لِأَن أُسَامَة قد كَانَ ثَبت نِسْبَة قبل ذَلِك وَلم يحْتَج الشَّارِع فِي إِثْبَات ذَلِك إِلَى قَول أحد، وَإِنَّمَا تعجب من إِصَابَة مجزز كَمَا يتعجب من ظن الرجل الَّذِي يُصِيب ظَنّه حَقِيقَة الشَّيْء الَّذِي ظَنّه، وَلَا يجب الحكم بذلك. وَترك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، الْإِنْكَار عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لم يتعاط بذلك إِثْبَات مَا لم يكن ثَابتا وَقد قَالَ تَعَالَى: {وَلَا تقف مَا لَيْسَ لَك بِهِ علم} (الْإِسْرَاء: 63) .
1776 - حدّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ حدّثنا سُفْيانُ عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ عُرْوَةَ عنْ عائِشَةَ قالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذاتَ يَوْمٍ وهْوَ مَسْرُورٌ، فَقَالَ: (يَا عائِشَةُ! ألَمْ تَرَيْ أنَّ مُجَزِّزاً المُدْلِجِيَّ دَخَلَ عَلَيَّ فَرَأى أسامَةَ وزَيْداً وعَلَيْهِما قَطِيفَةٌ قَدْ غَطَّيا رُؤُوسَهُما وبَدَتْ أقْدَامُهُما، فَقَالَ: إنَّ هاذِهِ الأقْدامَ بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ) .
هَذَا هُوَ الحَدِيث الْمَذْكُور غير أَنه أخرجه عَن قُتَيْبَة من طَرِيقين: أَحدهمَا: عَن قُتَيْبَة عَن اللَّيْث ... الخ. وَالْآخر: عَن قُتَيْبَة أَيْضا عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة ... الخ. وَفِيه زِيَادَة تَفْسِير مَا ذكر فِي الحَدِيث السَّابِق من اختصاره على ذكر الْأَقْدَام. والقطيفة كسَاء، وَفِي (الْمغرب) : دثار مخمل، وَالْجمع: قطائف وقطف.
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
68 - (كِتابُ الحُدُودِ)
أَي: هَذَا كتاب فِي بَيَان أَحْكَام الْحُدُود، وَهُوَ جمع حد وَهُوَ الْمَنْع لُغَة وَلِهَذَا يُقَال للبواب حداداً لمَنعه النَّاس عَن الدُّخُول، وَفِي الشَّرْع: الْحَد عُقُوبَة مقدرَة لله تَعَالَى وَإِنَّمَا جمعه لاشْتِمَاله على أَنْوَاع وَهِي: حد الزِّنَا وحد الْقَذْف وحد الشّرْب، وَالْمَذْكُور فِيهِ حد الزِّنَا وَالْخمر وَالسَّرِقَة، وَقد تطلق الْحُدُود وَيُرَاد بهَا نفس الْمعاصِي كَقَوْلِه تَعَالَى: {تِلْكَ حُدُود الله فَلَا تقربوها} (الْبَقَرَة: 781) وعَلى فعل فِيهِ شَيْء مُقَدّر، وَمِنْه {وَمن يَتَعَدَّ حُدُود الله فقد ظلم نَفسه} (الطَّلَاق: 1) والبسملة ثَابِتَة قبل. قَوْله: كتاب الْحُدُود فِي غير رِوَايَة أبي ذَر(23/264)
وَلَا تتْرك الْبَسْمَلَة عِنْد ذكر كل أَمر ذِي بَال. وَفِي رِوَايَة النَّسَفِيّ جعل الْبَسْمَلَة بَين الْكتاب وَالْبَاب، ثمَّ قَالَ: لَا يشرب الْخمر ... وَقَالَ ابْن عَبَّاس.
(بابُ مَا يُحْذَرُ مِنَ الحُدُودِ)
أَي: بَاب فِي ذكر مَا يحذر من الْحُدُود وَلم يذكر فِيهِ حَدِيثا، وَفِي رِوَايَة غَيره: كتاب الْحُدُود وَمَا يحذر من الْحُدُود. عطفا على الْحُدُود، وَتَقْدِيره: كتاب فِي بَيَان الْحُدُود وَفِي بَيَان مَا يحذر من الْحُدُود.
1 - (بابٌ لاَ يُشْرَبُ الخَمْرُ)
أَي: هَذَا بَاب فِيهِ لَا يشرب الْمُسلم الْخمر، وَهَذَا مِمَّا حذف فَاعله، قَالَه ابْن مَالك، وَيجوز أَن يكون: لَا يشرب، على صِيغَة الْمَجْهُول وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي: بَاب الزِّنَا وَشرب الْخمر. أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم الزِّنَا وَشرب الْخمر.
وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ يُنْزِعُ مِنْهُ نُورُ الْإِيمَان فِي الزِّنا.
هَذَا مُطَابق للجزء الأول للتَّرْجَمَة. قَوْله: (ينْزع مِنْهُ) أَي: من الزَّانِي، وَوَصله أَبُو بكر بن أبي شيبَة فِي كتاب الْإِيمَان من طَرِيق عُثْمَان بن أبي صَفِيَّة قَالَ: كَانَ ابْن عَبَّاس يَدْعُو بغلمانه غُلَاما غُلَاما فَيَقُول: أَلا أزَوجك؟ مَا من عبد يَزْنِي إلاَّ نزع الله مِنْهُ نور الْإِيمَان. وَقد روى مَرْفُوعا أخرجه الطَّبَرِيّ من طَرِيق مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس: سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: من زنى نزع الله نور الْإِيمَان من قلبه، فَإِن شَاءَ أَن يردهُ إِلَيْهِ رده.
2776 - حدّثني يَحْيَاى بنُ بُكَيْرٍ حدّثنا اللَّيْثُ عنْ عُقَيْلٍ عنِ ابنِ شِهابٍ عنْ أبي بَكْرِ بن عَبدِ الرَّحْمانِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وهْوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ الخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ وهْوَ مُؤْمِنٌ، ولاَ يَسْرِق حِينَ يَسْرِقُ وهْوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَنْتَهبُ نُهْبَةً يَرْفَعُ النَّاسُ إلَيْهِ فِيها أبْصارَهُمْ وهْوَ مُؤْمِنٌ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعقيل بِضَم الْعين ابْن خَالِد، وَأَبُو بكر بن عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث بن هِشَام المَخْزُومِي وَوَقع فِي رِوَايَة مُسلم من طَرِيق شُعَيْب بن اللَّيْث عَن أَبِيه عَن جده: حَدثنِي عقيل بن خَالِد قَالَ: قَالَ ابْن شهَاب: أَخْبرنِي أَبُو بكر ابْن عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث بن هِشَام.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم كَمَا ذكرنَا من طَرِيق عقيل عَن ابْن شهَاب. وَأخرجه ابْن مَاجَه أَيْضا فِي الْفِتَن من طَرِيق عقيل عَن الزُّهْرِيّ.
وَذكر الطَّبَرِيّ أَن من قبلنَا اخْتلفُوا فِي هَذَا الحَدِيث: فَأنْكر بَعضهم أَن يكون رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَه، قَالَ عَطاء: اخْتلف الروَاة فِي أَدَاء لفظ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بذلك، فَقَالَ مُحَمَّد بن زيد بن وَاقد بن عبد الله بن عمر بن الْخطاب، وَسُئِلَ عَن تَفْسِير هَذَا الحَدِيث، فَقَالَ: إِنَّمَا قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا يَزْنِين مُؤمن وَلَا يَسْرِقن مُؤمن. . وَقَالَ آخَرُونَ. عَنى بذلك لَا يَزْنِي الزَّانِي وَهُوَ مستحل للزنى غير مُؤمن بِتَحْرِيم الله ذَلِك عَلَيْهِ، فَأَما إِن زنى وَهُوَ مُعْتَقد تَحْرِيمه فَهُوَ مُؤمن، روى ذَلِك عِكْرِمَة من مَوْلَاهُ، وحجتهم فِيهِ حَدِيث أبي ذَر يرفعهُ: من قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله دخل الْجنَّة وَإِن زنى وَإِن سرق، وَقَالَ آخَرُونَ: ينْزع مِنْهُ الْإِيمَان فيزول عَنهُ، فَيُقَال لَهُ: مُنَافِق وفاسق، رُوِيَ هَذَا عَن الْحسن قَالَ: النِّفَاق نفاقان: تَكْذِيب بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَهَذَا لَا يغْفر، ونفاق خَطَايَا وذنوب يُرْجَى لصَاحبه، وَعَن الْأَوْزَاعِيّ: كَانُوا لَا يكفرون أحدا بذنب وَلَا يشْهدُونَ على أحد بِكفْر ويتخوفون نفاق الْأَعْمَال على أنفسهم، وَقَالَ آخَرُونَ: إِذا أَتَى الْمُؤمن كَبِيرَة نزع مِنْهُ الْإِيمَان فَإِذا فَارقهَا عَاد إِلَيْهِ الْإِيمَان. وَقَالَ بعض الْخَوَارِج والرافضة والأباضية: من فعل شَيْئا من ذَلِك فَهُوَ كَافِر خَارج عَن الْإِيمَان لأَنهم يكفرون الْمُؤمن بالذنب ويوجبون عَلَيْهِ التخليد فِي النَّار بِالْمَعَاصِي، وحجتهم ظَاهر حَدِيث أبي هُرَيْرَة هَذَا، وَقَالَ الْمُهلب: قَوْله: (ينْزع مِنْهُ نور الْإِيمَان) يَعْنِي: ينْزع نور بصيرته فِي طَاعَة الله لغَلَبَة شَهْوَته عَلَيْهِ، فَكَأَن تِلْكَ البصيرة نور طفته الشَّهْوَة من قلبه، يشْهد لهَذَا قَوْله عز وَجل {كلا بل ران على قُلُوبهم مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} (المطففين: 41) وَقيل: هَذَا من بَاب التَّغْلِيظ أَو مَعْنَاهُ نفي الْكَمَال. وَقَالَ ابْن عَبَّاس: المُرَاد مِنْهُ الْإِنْذَار بِزَوَال الْإِيمَان إِذا اعتاده، فَمن حام حول الْحمى أَو شكّ أَن يَقع(23/265)
فِيهِ) قَوْله: (حِين يَزْنِي) قَالَ الْكرْمَانِي كلمة: حِين مُتَعَلقَة بِمَا قبلهَا أَو بِمَا بعْدهَا ثمَّ قَالَ: تحتملهما أَي: لَا يَزْنِي فِي أَي حِين كَانَ أَو وَهُوَ مُؤمن حِين يَزْنِي. وَفِيه: تَنْبِيه على جَمِيع أَنْوَاع الْمعاصِي لِأَنَّهَا إِمَّا بدنية كَالزِّنَا، أَو مَالِيَّة إِمَّا سرا كالسرقة أَو جَهرا كالنهب أَو عقلية كَالْخمرِ فَإِنَّهَا مزيلة لَهُ. قَوْله: (نهبة) بِضَم النُّون وَهُوَ المَال المنهوب، وَقَالَ الْكرْمَانِي: النهبة، بِالْفَتْح مصدر وَبِضَمِّهَا المَال المنهوب يَعْنِي: لَا يَأْخُذ الرجل مَال غَيره قهرا وظلماً وهم ينظرُونَ إِلَيْهِ ويتضرعون ويبكون وَلَا يقدرُونَ على دَفعه، ثمَّ قَالَ: مَا فَائِدَة ذكر الْأَبْصَار؟ فَأجَاب بِأَنَّهُ إِخْرَاج الْمَوْهُوب الْمشَاع والموائد الْعَامَّة، فَإِن رَفعهَا لَا يكون عَادَة إلاّ فِي الغارات ظلما صَرِيحًا. انْتهى. وَقيل: يحْتَمل أَن يكون كِنَايَة عَن عدم التستر بذلك، فَيكون صفة لَازِمَة للنهب بِخِلَاف السّرقَة والاختلاس فَإِنَّهُ يكون فِي خُفْيَة والانتهاب أَشد لما فِيهِ من مزِيد الجرأة وَعدم المبالاة.
وعنِ ابنِ شِهابٍ عنْ سَعِيدِ بنِ المُسَّيبِ وَأبي سَلَمَةَ عَن أبي هُرَيْرَةَ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمِثْلِهِ، إلاَّ النُّهْبَةَ.
هَذَا مَوْصُول بالسند الْمَذْكُور أَي: وَرُوِيَ عَن مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ عَن سعيد بن الْمسيب وَأبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مثله أَي: مثل الحَدِيث الْمَذْكُور إلاَّ لفظ: النهبة لَيْسَ فِيهِ، وَأخرجه مُسلم من طَرِيق شُعَيْب بن اللَّيْث بِلَفْظ: قَالَ ابْن شهَاب. وحَدثني سعيد بن الْمسيب وَأَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن عَن أبي هُرَيْرَة عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمثل حَدِيث أبي بكر هَذَا إلاَّ النهبة.
2 - (بابُ مَا جاءَ فِي ضَرْبِ شارِبِ الخَمْر)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ مَا جَاءَ من الْخَبَر فِي ضرب شَارِب الْخمر.
3776 - حدّثنا حَفْصُ بنُ عُمَرَ حَدثنَا هِشام عنْ قَتادَةَ عنْ أنَسٍ أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. (الحَدِيث 4776 طرفَة فِي: 6776) .
(ح) وحدّثنا آدَمُ حدّثنا شُعْبَةُ حدّثنا قَتادَةُ عنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضِي الله عَنهُ، أنَّ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ضَرَبَ فِي الخَمْرِ بالجَرِيده النِّعالِ، وجَلَدَ أبُو بَكْرِ أرْبَعِين.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأخرجه من طَرِيقين.
الأول: عَن حَفْص بن عمر عَن هِشَام الدستوَائي عَن قَتَادَة.
وَالثَّانِي: عَن آدم بن إِيَاس عَن شُعْبَة الخ.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْحُدُود أَيْضا عَن أبي مُوسَى وَبُنْدَار. وَأخرجه أَبُو دادو فِيهِ عَن مُسلم بن إِبْرَاهِيم. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ عَن بنْدَار بِهِ. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن عَليّ بن مُحَمَّد مُخْتَصرا، وَلم يذكر: (وَجلد أَبُو بكر أَرْبَعِينَ) وَاحْتج الشَّافِعِي وَأحمد وَإِسْحَاق وَأهل الظَّاهِر على أَن حد السَّكْرَان أَرْبَعُونَ سَوْطًا. وَقَالَ ابْن حزم: وَهُوَ قَول أبي بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي وَالْحسن بن عَليّ وَعبد الله بن جَعْفَر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم. وَبِه يَقُول الشَّافِعِي وَأَبُو سُلَيْمَان وأصحابنا، وَقَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ وَالشعْبِيّ وَأَبُو حنيفَة وَمَالك وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَأحمد فِي رِوَايَة: ثَمَانُون سَوْطًا، وَرُوِيَ ذَلِك عَن عَليّ وخَالِد بن الْوَلِيد وَمُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان، قَالَ أَبُو عمر: الْجُمْهُور من عُلَمَاء السّلف وَالْخلف على أَن الْحَد فِي الشّرْب ثَمَانُون، وَهُوَ قَول مَالك وَالثَّوْري وَالْأَوْزَاعِيّ وَعبيد الله بن الْحسن وَالْحسن بن حَيّ وَإِسْحَاق وَأحمد، وَهُوَ أحد قولي الشَّافِعِي. وَقَالَ: اتّفق إِجْمَاع الصَّحَابَة فِي زمن عمر على الثَّمَانِينَ فِي حد الْخمر وَلَا مُخَالف لَهُم مِنْهُم وعَلى ذَلِك جمَاعَة التَّابِعين وَجُمْهُور فُقَهَاء الْمُسلمين. وَالْخلاف فِي ذَلِك كالشذوذ المحجوج بالجمهور، وَقَالَ ابْن مَسْعُود: مَا رَآهُ الْمُسلمُونَ حسنا فَهُوَ عِنْد الله حسن. وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: عَلَيْكُم بِسنتي وَسنة الْخُلَفَاء الرَّاشِدين من بعدِي، وروى الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث يحيى بن فليح عَن مُحَمَّد بن يزِيد عَن عِكْرِمَة عَن مَوْلَاهُ أَن الشُّرَّاب كَانُوا يضْربُونَ فِي عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِالْأَيْدِي وَالنعال والعصي حَتَّى توفّي، وَكَانَ فِي خلَافَة أبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فجلدهم أَرْبَعِينَ ثمَّ عمر كَذَلِك ... الحَدِيث إِلَى أَن قَالَ: فَقَالَ عمر: مَاذَا ترَوْنَ؟ فَقَالَ عَليّ: إِذا شرب سكر وَإِذا سكر هذى وَإِذا هذى افترى وعَلى المفتري ثَمَانُون جلدَة، فَأمر عمر فجلده ثَمَانِينَ أَي: جلد السَّكْرَان ثَمَانِينَ سَوْطًا.(23/266)
3 - (بابُ مَنْ أمَرَ بِضَرْبِ الحَدِّ فِي البَيْتِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر من أَمر بِضَرْب الْحَد فِي الْبَيْت فَكَأَنَّهُ ترْجم هَذَا الْبَاب ردا على من قَالَ: لَا يضْرب الْحَد سرا، وروى ابْن سعد عَن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فِي قصَّة وَلَده أبي شحمة لما شرب بِمصْر فحده عَمْرو بن الْعَاصِ فِي الْبَيْت فَأنْكر عمر عَلَيْهِ وأحضره إِلَى الْمَدِينَة وضربه الْحَد جَهرا، وَحمل الْعلمَاء على الْمُبَالغَة فِي تَأْدِيب وَلَده لَا لِأَن إِقَامَة الْحَد لَا تصح إلاَّ جَهرا.
4 - (بابُ الضَّربِ بالجَرِيدِ والنِّعالِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الضَّرْب فِي شرب الْخمر بِالْجَرِيدِ وَالنعال، وَأَشَارَ بذلك إِلَى جَوَاز الِاكْتِفَاء فِي شرب الْخمر بِالضَّرْبِ بِالْجَرِيدِ وَالنعال، وَقَالَ النَّوَوِيّ: أجمعو على الِاكْتِفَاء فِي الْخمر بِالْجَرِيدِ وَالنعال، وأطراف الثِّيَاب، ثمَّ قَالَ: وَالأَصَح جَوَازه بِالسَّوْطِ، وشذ من قَالَ: هُوَ شَرط وَهُوَ غلط منابذ للأحاديث الصَّحِيحَة.
قلت: اخْتلف فِيهِ بعض الْأَئِمَّة من الشَّافِعِيَّة فَصرحَ أَبُو الطّيب وَمن تبعه بِأَنَّهُ لَا يجوز بِالسَّوْطِ، وَصرح القَاضِي حُسَيْن بِتَعْيِين السَّوْط، وَاحْتج بِأَنَّهُ إِجْمَاع الصَّحَابَة.
5776 - حدّثنا سُلَيْمانُ بنُ حَرْبٍ حدّثنا وُهَيْبُ بنُ خالِدٍ عنْ أيُّوبَ عنْ عَبْدِ الله بنِ أبي مُلَيْكَةَ عنْ عُقْبَةَ بنِ الحارِثِ أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أُتِيَ بِنُعَيْمانَ أَو: بابنِ نُعَيْمانِ وهْوَ سَكْرَان فَشَقَّ عَلَيْهِ وأمَرَ مَنْ فِي البَيْتِ أنْ يَضْرِبُوهُ، فَضَرَبُوهُ بالجَرِيدِ والنِّعال، وكُنْتُ فِيمَنْ ضَرَبَهُ. (انْظُر الحَدِيث 6132 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَهُوَ الحَدِيث الَّذِي تقدم فِي الْبَاب الَّذِي قبله، أخرجه عَن قُتَيْبَة بن عبد الْوَهَّاب عَن أَيُّوب إِلَى(23/267)
آخِره، وَتقدم الْكَلَام فِيهِ.
6776 - حدّثنا مُسْلِمٌ حدّثنا هِشامٌ حدّثنا قَتادَةُ عنْ أنَسِ، قَالَ: جَلدَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الخَمْرِ بالجَرِيدِ والنِّعالِ، وجَلَدَ أبُو بَكْرِ أرْبَعِينَ. (انْظُر الحَدِيث 3776) .
مُطَابقَة هَذَا أَيْضا للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَقد تقدم هَذَا أَيْضا عَن قريب فِي: بَاب مَا جَاءَ فِي ضرب شَارِب الْخمر. فَإِن قلت: ذكر هُنَاكَ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ضرب فِي الْخمر وَهَهُنَا قَالَ: جلد؟ .
قلت: لَا مُنَافَاة بَينهمَا لِأَن المُرَاد هُنَا من قَوْله: (جلد ضربه) فَأصَاب جلده، وَلَيْسَ المُرَاد بِهِ: ضربه بِالْجلدِ، وَمُسلم شيخ البُخَارِيّ وَهُوَ ابْن إِبْرَاهِيم الْبَصْرِيّ وَهِشَام هُوَ الدستوَائي.
7776 - حدّثنا قُتَيْبَةُ حدّثنا أبُو ضَمْرَةَ أنَسٌ عنْ يَزِيدَ بنِ الهادِ عنْ مُحَمَّدٍ بنِ إبْرَاهِيمَ عنْ أبي سَلَمَةَ عنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: أُتِيَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِرَجلٍ قَدْ شَرِبَ قَالَ: (اضْرِبُوه) قَالَ أبُو هُرَيْرَةَ: فَمِنَّا الضَّارِبُ بِيَدِهِ والضَّارِبُ بِنَعْلِهِ والضَّارِبُ بِثَوْبِهِ، فلمَّا انْصَرَفَ قَالَ بَعْضُ القَوْمِ: أحْزَاكَ الله. قَالَ: لَا تَقُولُوا هكَذا، لَا تُعينُوا عَلَيْهِ الشَّيْطانَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأَبُو ضَمرَة بِفَتْح الضَّاد الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْمِيم وبالراء اسْمه أنس بن عِيَاض، وَيزِيد من الزِّيَادَة هُوَ يزِيد بن عبد الله بن أُسَامَة بن عبد الله بن شَدَّاد بن الْهَاد نسب إِلَى جده الْأَعْلَى، وَمُحَمّد بن إِبْرَاهِيم بن الْحَارِث بن خَالِد التَّيْمِيّ، وَسَلَمَة بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، وَيزِيد وَشَيْخه وَشَيخ شَيْخه مدنيون تابعيون.
والْحَدِيث أخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْحُدُود أَيْضا عَن قُتَيْبَة بِهِ وَعَن غَيره. قَوْله: (بِرَجُل) قيل: يحْتَمل أَن يكون هَذَا عبد الله الَّذِي كَانَ يلقب حمارا، وَسَيَأْتِي فِي الحَدِيث عَن عمر فِي الْبَاب الَّذِي بعده، وَيحْتَمل أَن يكون نعيمان وَيحْتَمل أَن يكون ثَالِثا. قَوْله: (قَالَ: اضْرِبُوهُ) لم يعين فِيهِ الْعدَد لِأَنَّهُ لم يكن مؤقتاً حينئذٍ، وَقد روى أَبُو دَاوُد من حَدِيث ابْن عَبَّاس: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لم يقت فِي الْخمر حدا أَي لم: يُوَقت، وَيُقَال أَي: لم يقدر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لَهُ مِقْدَارًا، وَلم يحدده بِعَدَد مَخْصُوص. قَوْله: (أخزاك الله) أَي: لَا تدعوا عَلَيْهِ بالخزي بالمعجمتين، وَهُوَ الذل والهوان، يُقَال: خزى يخزى من بَاب علم بِعلم خزياً بِالْكَسْرِ وَأما خزي يخزى خزاية بِالْفَتْح فَمَعْنَاه اسْتَحى. قَوْله: (لَا تعينُوا عَلَيْهِ الشَّيْطَان) يَعْنِي: إِذا دعوتم عَلَيْهِ بالخزي فقد اعنتم الشَّيْطَان، فَإِنَّهُ إِذا دعِي عَلَيْهِ بِحَضْرَتِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلم ينْه عَنهُ ينفر عَنهُ، أَو لِأَنَّهُ يتَوَهَّم أَنه مُسْتَحقّ لذَلِك، فيوقع الشَّيْطَان فِي قلبه وساوس.
8776 - حدّثنا عبْدُ الله بنُ عبْدِ الوَهَّابِ حدّثنا خالِدُ بنُ الحارِثِ حَدثنَا سُفْيانُ حَدثنَا أَبُو حَصِينٍ: سَمِعْتُ عُمَيْرَ بنَ سَعِيدٍ النَّخَعِيَّ قَالَ: سَمِعْتُ عَلَيَّ بنَ أبي طالِبٍ رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: مَا كُنْتُ لأقِيمَ حَدًّا عَلَى أحَدٍ فَيَمُوتَ فأجدَ فِي نَفْسِي إلاَّ صاحِبَ الخَمْرِ، فإنَّه لوْ ماتَ ودَيْتُهُ وذالِكَ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَمْ يَسُنَّهُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي آخر الحَدِيث لِأَن معنى قَوْله: (لم يسنه) لم يقدر فِيهِ حدا، مضبوطاً كَذَا فسره النَّوَوِيّ، وَقيل: مَعْنَاهُ لم يُعينهُ بِضَرْب السِّيَاط، وَهُوَ مُطَابق للتَّرْجَمَة لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ حد مَعْلُوم.
وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ، وَأَبُو حُصَيْن بِفَتْح الْحَاء وَكسر الصَّاد الْمُهْمَلَتَيْنِ واسْمه عُثْمَان بن عَاصِم الْأَسدي الْكُوفِي، وَعُمَيْر بِضَم الْعين وَفتح الْمِيم بن سعيد بِالْيَاءِ بعد الْعين النَّخعِيّ كَذَا ضَبطه الْكرْمَانِي وَقَالَ: لم يتَقَدَّم ذكره، ويروى: سعد، بِدُونِ الْيَاء، وَهُوَ سَهْو قَالَه الغساني، وَقَالَ النَّوَوِيّ: هَكَذَا وَقع فِي جَمِيع النّسخ من (الصَّحِيحَيْنِ) : وَوَقع للحميدي فِي الْجَمِيع: سعد، بِسُكُون الْعين وَهُوَ غلط، وَوَقع فِي (الْمُهَذّب) : عمر بن سعد بِحَذْف الْيَاء(23/268)
مِنْهُمَا وَهُوَ غلط فَاحش، وَقَالَ بَعضهم: وَوَقع للنسائي والطَّحَاوِي: عمر، بِضَم الْعين وَفتح الْمِيم.
قلت: لم يَقع للطحاوي مَا ذكره فَإِنِّي شرحت (مَعَاني الْآثَار) : لَهُ وَلَيْسَ فِيهِ إلاَّ عُمَيْر بن سعيد، مثل مَا وَقع للْبُخَارِيّ وَغَيره، وَهُوَ تَابِعِيّ كَبِير ثِقَة مَاتَ سنة خمس عشرَة وَمِائَة.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْحُدُود أَيْضا عَن مُحَمَّد بن الْمنْهَال وَغَيره. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن إِسْمَاعِيل بن مُوسَى. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن إِسْمَاعِيل بِهِ وَعَن غَيره.
قَوْله: (مَا كنت لأقيم) اللَّام فِيهِ مَكْسُورَة لتأكيد النَّفْي كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَمَا كَانَ الله لِيُضيع أَيْمَانكُم} (الْبَقَرَة: 341) وأقيم مَنْصُوب بِأَن الْمقدرَة فِيهِ. قَوْله: (فَيَمُوت) ، بِالنّصب. قَوْله: (فأجد) بِالرَّفْع قَالَه الْكرْمَانِي من وجد الرجل يجد إِذا حزن، وَقَالَ الطَّيِّبِيّ. قَوْله: (فَيَمُوت) مسبب عَن أقيم. وَقَوله: (فأجد) مسبب عَن مَجْمُوع السَّبَب، والمسبب وَالِاسْتِثْنَاء فِي قَوْله: (إلاَّ صَاحب الْخمر) ، مُنْقَطع أَي: لَكِن أجد من صَاحب الْخمر إِذا مَاتَ شَيْئا وَيجوز أَن يكون التَّقْدِير: مَا أجد من موت أحد يُقَام عَلَيْهِ الْحَد شَيْئا، إلاَّ من موت صَاحب الْخمر فَيكون مُتَّصِلا. قَوْله: (وديته) أَي: أَعْطَيْت دِيَته وغرمتها من ودى يَدي دِيَة أَصْلهَا ودية. قَوْله: (وَذَلِكَ) إِشَارَة إِلَى مَا قَالَه: (مَا كنت لأقيم. .) إِلَى آخِره. قَوْله: (لم يسنه) قد مر تَفْسِيره الْآن، وَفِي رِوَايَة ابْن مَاجَه فَإِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يسن فِيهِ شَيْئا إِنَّمَا هُوَ شَيْء جَعَلْنَاهُ نَحن. فَإِن قلت: روى الطَّحَاوِيّ حَدثنَا ابْن أبي دَاوُد قَالَ: حَدثنَا مُسَدّد بن مسرهد قَالَ: حَدثنَا يحيى، قَالَ: حَدثنَا سعيد بن أبي عرُوبَة عَن الداناج عَن حُصَيْن بن الْمُنْذر الرقاشِي أبي ساسان عَن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: جلد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْخمر أَرْبَعِينَ، وَأَبُو بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَرْبَعِينَ وكملها عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، ثَمَانِينَ وكل سنة. وَأخرجه أَبُو دَاوُد عَن مُسَدّد نَحوه. قَوْله: (وكل سنة) أَي: كل وَاحِد من الْأَرْبَعين والثمانين سنة. وَقَالَ الْخطابِيّ: تَقول: إِن الْأَرْبَعين سنة قد عمل بهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي زَمَانه، والثمانين سنة قد عمل بهَا عمر رَضِي الله عَنهُ، فِي زَمَانه.
قلت: وَلما روى الطَّحَاوِيّ هَذَا قَالَ: ذهب قوم إِلَى أَن الْحَد الَّذِي يجب على شَارِب الْخمر إِنَّمَا هُوَ أَرْبَعُونَ، وَاحْتَجُّوا بِهَذَا الحَدِيث، ثمَّ قَالَ: وَخَالفهُم فِي ذَلِك آخَرُونَ، فَادعوا فَسَاد هَذَا الحَدِيث، وأنكروا أَن يكون عَليّ رَضِي الله عَنهُ، قَالَ من ذَلِك شَيْئا، لِأَنَّهُ قد روى عَنهُ مَا يُخَالف ذَلِك، ويدفعه ثمَّ روى حَدِيث عُمَيْر بن سعيد عَنهُ الَّذِي مضى الْآن، ثمَّ أَطَالَ الْكَلَام فِي دفع هَذَا الحَدِيث الَّذِي رَوَاهُ الداناج الْمَذْكُور عَن حُصَيْن عَنهُ، وَقَالَ غَيره: حَدِيث الداناج غير صَحِيح لِأَن حَدِيث البُخَارِيّ، أَعنِي: الْمَذْكُور هُنَا يردهُ وَيُخَالِفهُ، وَفِي قَول عَليّ رَضِي الله عَنهُ: مَا كنت لأقيم حدا ... الخ حجَّة لمن قَالَ: لَا قَود على أحد إِذا مَاتَ الْمَحْدُود فِي الضَّرْب. وَقَالَ أَصْحَابنَا: لَا دِيَة فِيهِ على الإِمَام وَعَلِيهِ الْكَفَّارَة، وَقيل: على بَيت المَال، لكِنهمْ اخْتلفُوا فِيمَن مَاتَ من التَّعْزِير، فَقَالَ الشَّافِعِي: عقله على عَاقِلَة الإِمَام وَعَلِيهِ الْكَفَّارَة، وَقيل: على بَيت المَال، وَجُمْهُور الْعلمَاء على أَنه: لَا يجب شَيْء على أحد. وَفِي (التَّوْضِيح) : اخْتلف إِذا مَاتَ فِي ضربه على أَقْوَال: فَقَالَ مَالك وَأحمد: لَا ضَمَان على الإِمَام وَالْحق قَتله. وَقَالَ الشَّافِعِي إِن مَاتَ الْمَحْدُود وَكَانَ ضربه بأطراف الثِّيَاب وَالنعال لَا يضمن الإِمَام قولا وَاحِدًا، وَإِن كَانَ ضربه بِالسَّوْطِ فَإِنَّهُ يضمن، وَفِي صفة مَا يضمن وَجْهَان: أَحدهمَا: يضمن جَمِيع الدِّيَة، وَالثَّانِي: لَا يضمن إلاَّ مَا زَاد على ألم النِّعَال، وَعنهُ أَيْضا إِن ضرب بالنعال وأطراف الثِّيَاب ضربا يُحِيط الْعلم أَنه لَا يبلغ الْأَرْبَعين، أَو يبلغهَا أَو لَا يتجاوزها فَمَاتَ، فَالْحق قَتله. فَإِن كَانَ كَذَلِك فَلَا عقل وَلَا دِيَة وَلَا كَفَّارَة على الإِمَام، وَإِن ضربه أَرْبَعِينَ سَوْطًا فَمَاتَ، فديته على عَاقِلَة الإِمَام دون بَيت المَال.
9776 - حدّثنا مَكْيٌّ بنُ إبْراهِيمَ عنِ الجُعَيْدِ عنْ يَزِيدَ بنِ خُصَيْفَةَ عنِ السَّائِبِ بنِ يَزِيدَ قَالَ: كُنَّا نُؤْتَى بالشَّارِبِ عَلَى عَهْدِ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وإمْرَةِ أبي بَكْرٍ وصَدْراً مِنْ خِلاَفَةِ عُمَر، فَنَقُومُ إلَيْهِ بأيْدِينا ونعالِنا وأرْدِيَتِنا حتَّى كانَ آخِرُ إمْرَةِ عُمَرَ فَجلَدَ أرْبَعِينَ، حتَّى إذَا عَتَوْا وفَسَقُوا جَلَدَ ثَمانِينَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. والجعيد بِضَم الْجِيم وَفتح الْعين الْمُهْملَة مصغر جعد بن عبد الرَّحْمَن التَّابِعِيّ من صغَار التَّابِعين وَسَنَد البُخَارِيّ هَذَا فِي غَايَة الْعُلُوّ لِأَن بَينه وَبَين التَّابِعِيّ فِيهِ وَاحِد فَهُوَ فِي حكم الثلاثيات، وَيزِيد من الزِّيَادَة ابْن خصيفَة بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح الصَّاد الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالفاء الْكُوفِي، والسائب بِالْهَمْزَةِ بعد(23/269)
الْألف ابْن يزِيد من الزِّيَادَة الْكِنْدِيّ. والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (كُنَّا نؤتى) على صِيغَة الْمَجْهُول. فَإِن قلت: كَانَ السَّائِب صَغِيرا جدا على عهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ ابْن سِتّ سِنِين فَكيف أَدخل نَفسه فِي جمَاعَة الْحَاضِرين وَقت إتْيَان الشَّارِب فِي زَمَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ .
قلت: الظَّاهِر أَن مُرَاده من قَوْله: كُنَّا الصَّحَابَة، وَلَكِن يحْتَمل أَن يكون قد حضر هُنَاكَ مَعَ أَبِيه أَو غَيره فشاركهم فِيهِ فَيكون الْإِسْنَاد على الْحَقِيقَة. قَوْله: (وإمرة أبي بكر) بِكَسْر الْهمزَة وَسُكُون الْمِيم أَي: إمارته. قَوْله: (وصدراً) من خلَافَة عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَي: أَوَائِل خِلَافَته. قَوْله: (وأرديتنا) جَمِيع رِدَاء. قَوْله: (حَتَّى كَانَ آخر إمرة عمر) أَي آخر خِلَافَته. قَوْله: (حَتَّى إِذا عتوا) أَي: إِذا انهمكوا فِي الطغيان وبالغوا فِي الْفساد. قَوْله: (وفسقوا) أَي: خَرجُوا عَن الطَّاعَة فَلم يرتدعوا جلدهمْ ثَمَانِينَ جلدَة، وَلَو أدْرك هَذَا الزَّمَان لجلدهم أَضْعَاف ذَلِك، وروى عبد الرَّزَّاق بِسَنَد صَحِيح عَن عبيد بن عُمَيْر، أحد كبار التَّابِعين، نَحْو حَدِيث السَّائِب وَفِيه: أَن عمر جعله أَرْبَعِينَ سَوْطًا، فَلَمَّا رَآهُمْ لَا يتناهون جعله سِتِّينَ سَوْطًا، فَلَمَّا رَآهُمْ لَا يتناهون جعله ثَمَانِينَ سَوْطًا. وَقَالَ: هَذَا أدنى الْحُدُود.
5 - (بابُ مَا يُكْرَهُ مِنْ لَعْنِ شارِبِ الخَمْرِ وإنَّهُ لَيْسَ بِخارجٍ مِنَ المِلَّةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا يكره من لعن شَارِب الْخمر، وَكَأَنَّهُ أَرَادَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَة وَجه التَّوْفِيق بَين حَدِيث الْبَاب الَّذِي فِيهِ النَّهْي عَن لعن الشَّارِب وَبَين قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا يشرب الْخمر وَهُوَ مُؤمن، وَقد مر عَن قريب، وَهُوَ أَن المُرَاد بِحَدِيث: لَا يشرب الْخمر وَهُوَ مُؤمن نفي كَمَال الْإِيمَان لَا أَنه يخرج عَن الْإِيمَان، وَهُوَ معنى قَوْله: (وَإنَّهُ) أَي: إِن شَارِب الْخمر لَيْسَ بِخَارِج عَن الْملَّة، فَإِذا لم يكن خَارِجا عَن الْملَّة لَا يسْتَحق اللَّعْن. فَإِن قلت: قد لعن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَارِب الْخمر وَكَثِيرًا من أهل الْمعاصِي مِنْهُم: المصورون وَمن ادّعى إِلَى غير أَبِيه وَغير ذَلِك.
قلت: أَرَادَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، باللعنة الملازمين لَهَا غير التائبين مِنْهَا ليرتدع بذلك من فعلهَا، وَالَّذِي نهى عَن لَعنه هَهُنَا قد كَانَ أَخذ مِنْهُ حد الله تَعَالَى الَّذِي جعله مطهراً لَهُ من الذُّنُوب فَنهى عَن ذَلِك خشيَة أَن يُوقع الشَّيْطَان فِي قلبه أَن من لعن بِحَضْرَتِهِ وَلم يُغير ذَلِك وَلَا نهى عَنهُ أَنه مُسْتَحقّ الْعقُوبَة فِي الْآخِرَة، وَأَنه يقره على ذَلِك ويقويه، وَقيل: الَّذِي لعن الشَّارِع إِنَّمَا لعن الْجِنْس على معنى الإرداع وَلم يعين أحدا، وَمِنْهُم من منع مُطلقًا فِي الْمعِين وَجوز فِي حق غير الْمعِين لِأَن فِيهِ زجرا عَن تعَاطِي ذَلِك الْفِعْل وَفِي حق الْمعِين أَذَى وَسَب وَقد ثَبت النَّهْي عَن أَذَى الْمُسلم.
0876 - حدّثنا يَحْيَاى بنُ بُكَيْرٍ حدّثنا اللَّيْثُ قَالَ: حدّثني خالِدُ بنُ يَزِيدَ عنْ سَعِيدِ بنِ أبي هِلالٍ عنْ زَيْدِ بنِ أسْلَمَ عنْ أبِيهِ عنْ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ: أنَّ رَجُلاً كانَ عَلَى عَهْدِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كانَ اسْمُهُ عَبْدَ الله وَكَانَ يُلَقَّبُ حِماراً. وَكَانَ يُضْحِكُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَانَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَدْ جَلَدَهُ فِي الشَّرابِ، فأُتِيَ بِهِ يَوْماً فأمَرَ بِهِ فَجُلِدَ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ: اللَّهُمَّ الْعَنْهُ مَا أكْثَرَ مَا يُؤْتَى بِهِ، فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَا تَلْعَنُوهُ فَوَالله مَا عَلِمْتُ إلاّ أنَّهُ يُحِبُّ الله ورسُولَهُ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَيحيى بن بكر مصغر بكير هُوَ يحيى بن عبد الله بن بكير أَبُو زَكَرِيَّا المَخْزُومِي الْمصْرِيّ، وخَالِد بن يزِيد من الزِّيَادَة البَجلِيّ الْفَقِيه، وَسَعِيد بن أبي هِلَال اللَّيْثِيّ الْمدنِي، وَزيد بن أسلم مولى عمر بن الْخطاب يروي عَن أَبِيه أسلم مولى عمر الحبشي البُخَارِيّ كَانَ من سبي عين التَّمْر ابتاعه عمر بن الْخطاب بِمَكَّة سنة إِحْدَى عشر لما بَعثه أَبُو بكر الصّديق ليقيم للنَّاس الْحَج والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (وَكَانَ يلقب حمارا) لَعَلَّه كَانَ لَا يكره ذَلِك اللقب وَكَانَ قد اشْتهر بِهِ، وَجوز ابْن عبد الْبر أَنه ابْن النُّعْمَان الْمُبْهم فِي حَدِيث عقبَة بن الْحَارِث، وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَكَانَ يهدي إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، العكة من السّمن والعكة من الْعَسَل، فَإِذا جَاءَ صَاحبهَا يتقاضاه جَاءَ بِهِ، وَقَالَ: يَا رَسُول الله! أعْط هَذَا ثمن(23/270)
مَتَاعه، فَمَا يزِيد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، على أَن يتبسم وَيَأْمُر بِهِ فَيعْطى ثمنه.
قلت: هَذَا رَوَاهُ أَبُو يعلى الْموصِلِي من طَرِيق هِشَام بن سعد عَن زيد بن أسلم. قَوْله: (وَكَانَ يضْحك) بِضَم الْيَاء من الإضحاك. وَفِيه: جَوَاز إضحاك الإِمَام والعالم بنادرة من الْحق لَا من الْبَاطِل. قَوْله: (فَقَالَ رجل) قيل: هُوَ عمر بن الْخطاب. لِأَنَّهُ جَاءَ فِي رِوَايَة الْوَاقِدِيّ: فَقَالَ عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَكَذَا فِي رِوَايَة الْوَاقِدِيّ أَيْضا: لَا تفعل يَا عمر فَإِنَّهُ يحب الله وَرَسُوله، وَذَلِكَ عِنْد قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَا تلعنوه) . قَوْله: (ماأكثر مَا يُؤْتى بِهِ) فِيهِ دلَالَة على تكرره مِنْهُ. قَوْله: (فوَاللَّه مَا علمت إلاَّ أَنه) أَي: الملقب بِحِمَار (يحب الله وَرَسُوله) ويروى: فوَاللَّه مَا علمت أَنه يحب الله وَرَسُوله. قَالَ الْكرْمَانِي: مَا، مَوْصُولَة لَا نَافِيَة فَكيف وَقع جَوَابا بالقسم. ثمَّ أجَاب بقوله: (أَنه يحب الله وَرَسُوله) وَهُوَ خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: هُوَ مَا علمت مِنْهُ، وَالْجُمْلَة مُعْتَرضَة بَين الْقسم وَجَوَابه، أَو: مَا، نَافِيَة ومفعول: علمت، مَحْذُوف.
قلت: إِذا كَانَ: مَا، نَافِيَة يكون همزَة أَنه مَفْتُوحَة مَعَ أَن رِوَايَة الْأَكْثَرين أَن الْهمزَة مَكْسُورَة إلاَّ على رِوَايَة ابْن السكن فَإِنَّهُ جوز الْفَتْح وَالْكَسْر. وَقَالَ صَاحب (الْمطَالع) : مَا مَوْصُولَة وَإنَّهُ بِكَسْر الْهمزَة مُبْتَدأ، وَقيل: بِفَتْحِهَا وَهُوَ مفعول: علمت، وَقَالَ الطَّيِّبِيّ شيخ شَيْخي: فعلى هَذَا علمت بِمَعْنى عرفت، وَأَنه خبر الْمَوْصُول، وَقيل: مَا، زَائِدَة أَي: فوَاللَّه علمت والهمزة على هَذَا مَفْتُوحَة وَقيل يحْتَمل أَن يكون الْمَفْعُول محذوفاً أَي مَا علمت عَلَيْهِ أَو فِيهِ سوءا ثمَّ اسْتَأْنف فَقَالَ إِنَّه يجب الله وَرَسُوله، وَقيل: مَا زَائِدَة للتَّأْكِيد وَالتَّقْدِير: علمت، وَقد جَاءَ هَكَذَا فِي بعض الرِّوَايَات وعَلى هَذَا فالهمزة مَفْتُوحَة. وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: جعل: مَا، نَافِيَة أظهر لاقْتِضَاء الْقسم أَن يتقى بِحرف النَّفْي وَبِأَن وباللام بِخِلَاف الموصولة، وَيُؤَيِّدهُ أَنه وَقع فِي (شرح السّنة) : فوَاللَّه مَا علمت إلاَّ أَنه. قَالَ: فَمَعْنَى الْحصْر فِي هَذِه الرِّوَايَة بِمَنْزِلَة تَاء الْخطاب فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى لإِفَادَة مزِيد الْإِنْكَار على الْمُخَاطب، وَقيل: قد وَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر عَن الْكشميهني مثل مَا وَقع فِي (شرح السّنة) .
1876 - حدّثنا عَلِيٌّ بنُ عَبْدِ الله بنِ جَعْفَرٍ حدّثنا أنَسُ بنُ عِياض حدّثنا ابنُ الهادِ عنْ مُحَمَّدِ بنِ إبْراهِيمَ عنْ أبي سَلَمَةَ عنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: أُتِيَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِسَكْرَانَ فأمَرَ بِضَرْبِهِ، فَمِنَّا مَنْ يَضْرِبُهُ بِيَدِهِ، ومنَّا مَنْ يَضْرِبُهُ بِنَعْلِهِ، ومِنَّا مَنْ يَضْرِبُهُ بِثَوْبِهِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ رَجُلٌ: مالَهُ أخْزاهُ الله؟ فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَا تَكُونُوا عَوْنَ الشَّيْطانِ عَلَى أخِيكُمْ) . (انْظُر الحَدِيث 7776) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعلي بن عبد الله هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ، وَابْن الْهَاد هُوَ عبد الله بن شَدَّاد بن الْهَاد وَاسم الْهَاد أُسَامَة اللَّيْثِيّ الْكُوفِي، وَمُحَمّد بن إِبْرَاهِيم بن الْحَارِث التَّيْمِيّ، وَأَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف.
والْحَدِيث مضى عَن قريب فِي: بَاب الضَّرْب بِالْجَرِيدِ وَالنعال، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
6 - (بابُ السَّارِقِ حِينَ يَسْرِقُ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ السَّارِق حِين يسرق مَا يكون حَاله، وَقد بَينه فِي الحَدِيث بقوله: وَلَا يسرق السَّارِق حِين يسرق وَهُوَ مُؤمن، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: بَاب لَا يسرق السَّارِق، وَفِي رِوَايَة غَيره سقط لفظ: السَّارِق.
2876 - حدّثني عَمْرُو بنُ عَلِيٍّ حدّثنا عَبْدُ الله بنُ دَاوُدَ حدّثنا فُضَيْلُ بنُ غَزْوانَ عنْ عِكْرِمَةَ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهُمَا، عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وهْوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وهْوَ مُؤْمِنٌ) .
مطابقته للترجمتة من حَيْثُ إِنَّه يوضحها لِأَنَّهُ اختصر التَّرْجَمَة بِحَيْثُ إِنَّهَا لَا تفِيد إِلَّا بِحَدِيث الْبَاب.
وَعَمْرو بن عَليّ ابْن بَحر الصَّيْرَفِي وَهُوَ شيخ مُسلم أَيْضا، وَعبد الله بن دَاوُد بن عَامر الْكُوفِي سكن الخريبة من الْبَصْرَة وَهُوَ من أَفْرَاده، وفضيل بِضَم الْفَاء وَفتح الضَّاد الْمُعْجَمَة ابْن غَزوَان بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون الزَّاي الْكُوفِي.
والْحَدِيث يَأْتِي فِي الْمُحَاربين عَن مُحَمَّد بن الْمثنى. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الرَّجْم عَن عبد الرَّحْمَن بن سَلام، وَمضى شَرحه فِي حَدِيث أبي(23/271)
هُرَيْرَة فِي أول: بَاب الْحُدُود.
7 - (بابُ لَعْنِ السَّارِقِ إِذا لَمْ يُسَمَّ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم لعن السَّارِق إِذا لم يُعينهُ، وَكَأَنَّهُ أَشَارَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَة إِلَى وَجه التَّوْفِيق بَين النَّهْي عَن لعن الشَّارِب الْمعِين وَبَين حَدِيث الْبَاب، وَقَالَ صَاحب (التَّلْوِيح) : قَوْله فِي التَّرْجَمَة: بَاب لعن السَّارِق إِذا لم يسم، كَذَا فِي جَمِيع النّسخ فَإِن صحت التَّرْجَمَة فَهُوَ أَنه لَا يَنْبَغِي تعيير أهل الْمعاصِي ومواجهتهم باللعن، وَإِنَّمَا يَنْبَغِي أَن يلعن فِي الْجُمْلَة من فعل فعلهم ليَكُون ذَلِك ردعاً وزحراً عَن انتهاك شَيْء مِنْهَا، فَإِذا وَقعت من معِين لم يلعن بِعَيْنِه لِئَلَّا يقنط وييأس، ولنهي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَن لعن النعيمان، وَقَالَ ابْن بطال: فَإِن كَانَ البُخَارِيّ أَشَارَ إِلَى هَذَا فَهُوَ غيرصحيح، لِأَن الشَّارِع إِنَّمَا نهى عَن لَعنه بعد إِقَامَة الْحَد عَلَيْهِ، فَدلَّ على أَن الْفرق بَين من يجب لَعنه وَبَين من لَا يجب، وَبِأَن بَيَانه أَن من أقيم عَلَيْهِ الْحَد لَا يَنْبَغِي لعنته، وَأَن من لم يقم عَلَيْهِ فاللعنة متوجهة إِلَيْهِ سَوَاء سمي وَعين أم لَا، لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يلعن إلاَّ من تجب عَلَيْهِ اللَّعْنَة مَا دَامَ على تِلْكَ الْحَالة الْمُوجبَة لَهَا، فَإِذا تَابَ مِنْهَا وطهره الْحَد فَلَا لعنة تتَوَجَّه إِلَيْهِ.
3876 - حدّثنا عُمَرُ بنُ حَفْصِ بنِ غِياثٍ حدّثني أبي حدّثنا الأعْمَشُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا صالحِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (لَعَنَ الله السَّارِقَ يَسْرِقُ البَيْضَةَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ، ويَسْرقُ الحَبْلَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ) . قَالَ الأعْمَشُ: كانُوا يَرَوْنَ أنَّهُ بَيْضُ الحَدِيدِ، والحَبْلُ كانُوا يَرَوْنَ أنَّهُ مِنْها مَا يُساوِي دَرَاهِمَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَأخرج الحَدِيث عَن عمر بن حَفْص عَن أَبِيه حَفْص بن غياث بن طلق النَّخعِيّ الْكُوفِي قاضيها عَن سلميان الْأَعْمَش عَن أبي صَالح ذكْوَان الزيات عَن أبي هُرَيْرَة.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْحُدُود أَيْضا عَن أبي بكر وَأبي كريب. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْقطع عَن عبد الله بن مُحَمَّد المَخْزُومِي وَأحمد بن حَرْب. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الْحُدُود عَن أبي بكر.
قَوْله: (قَالَ الْأَعْمَش) مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور. قَوْله: (كَانُوا يرَوْنَ) بِفَتْح الرَّاء من الرَّأْي يُرِيد بِهِ أَن الَّذين رووا هَذَا الحَدِيث كَانُوا يَقُولُونَ: إِن المُرَاد بالبيضة بيض الْحَدِيد وَهُوَ الْبَيْضَة الَّتِي تكون على رَأس الْمقَاتل، وبالحبل مَا يُسَاوِي مِنْهَا دَرَاهِم، وَقَالَ الْكرْمَانِي: يُرَاد بِهِ ثَلَاثَة دَرَاهِم.
قلت: نظر فِي ذَلِك إِلَى أَن أقل الْجمع ثَلَاثَة وَأَنه أَيْضا أَشَارَ بِهِ إِلَى مذْهبه، فَإِن عِنْده يقطع يَد السَّارِق فِي ربع دِينَار وَهُوَ ثَلَاثَة دَرَاهِم، ثمَّ قَالَ: وغرضه أَنه لَا قطع فِي الشَّيْء الْقَلِيل بل مَاله نِصَاب كربع الدِّينَار، وَعِنْدنَا لَا قطع فِي أقل من عشر دَرَاهِم على مَا يَجِيء بَيَانه إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وَفِي (التَّوْضِيح) : وَقَول الْأَعْمَش: الْبَيْضَة هُنَا بَيْضَة الْحَدِيد الَّتِي تغْفر الرَّأْس فِي الْحَرْب، وَالْحَبل من حبال السفن، تَأْوِيل لَا يجو عِنْد من يعرف صَحِيح كَلَام الْعَرَب، لِأَن كل وَاحِد من هذَيْن بِدَنَانِير كَثِيرَة وَفِي الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث أبي خباب الدَّلال: حَدثنَا مُخْتَار بن نَافِع حَدثنَا أَبُو حَيَّان التَّيْمِيّ عَن أَبِيه عَن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَنه قطع فِي بَيْضَة من حَدِيد قيمتهَا إِحْدَى وَعِشْرُونَ درهما، وَلَيْسَ من عَادَة الْعَرَب والعجم أَن يَقُولُوا: قبح الله فلَانا عرض نَفسه للضرب فِي عقد جَوْهَر وَتعرض للعقوبة بالغلول فِي جراب مسك، وَإِنَّمَا الْعَادة فِي مثل هَذَا أَن يُقَال: لَعنه الله تعرض لقطع الْيَد فِي حَبل رت، أَو كبة شعر، أَو رِدَاء خلق. وَكلما كَانَ من هَذَا الْفَنّ أَحْقَر فَهُوَ أبلغ. وَقَالَ الْخطابِيّ: إِن ذَلِك من بَاب التدريج لِأَنَّهُ إِذا اسْتمرّ ذَلِك بِهِ لم يَأْمَن أَن يُؤَدِّيه ذَلِك إِلَى سَرقَة مَا فَوْقهَا حَتَّى يبلغ فِيهِ الْقطع فتقطع يَده فليحذر هَذَا الْفِعْل وليتركه قبل أَن تملكه الْعَادة وَيَمُوت عَلَيْهَا ليسلم من سوء عاقبته، وَقَالَ الدَّاودِيّ: مَا قَالَه الْأَعْمَش مُحْتَمل، وَقد يحْتَمل أَن يكون هَذَا قبل أَن يبين الشَّارِع الْقدر الَّذِي يقطع فِيهِ السَّارِق، وَقيل: هَذَا مَحْمُول على الْمُبَالغَة فِي التَّنْبِيه على عظم مَا خسر وحقر مَا حصل، وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: وَنَظِير حمله على الْمُبَالغَة مَا حمل عَلَيْهِ قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من بنى لله مَسْجِدا وَلَو كمفحص قطاة فَإِن أحدا لم يقل فِيهِ إِنَّه أَرَادَ الْمُبَالغَة فِي ذَلِك، وإلاَّ فَمن الْمَعْلُوم أَن مفحص الْقُضَاة وَهُوَ قدر مَا تحصن بِهِ بيضها لَا يتَصَوَّر أَن يكون مَسْجِدا. وَمِنْه: تصدقن وَلَو(23/272)
بظلف محرق، وَهُوَ مِمَّا لَا يتَصَدَّق بِهِ، وَمثله كثير فِي كَلَامهم. وَاحْتج الْخَوَارِج بِهَذَا الحَدِيث على أَن الْقطع يجب فِي قَلِيل الْأَشْيَاء وكثيرها وَلَا حجَّة لَهُم فِي ذَلِك لِأَن قَوْله تَعَالَى: {وَالسَّارِق والسارقة فَاقْطَعُوا أَيْدِيهِمَا} (الْمَائِدَة: 83) لما نزل قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ذَلِك على ظَاهر مَا نزل، ثمَّ أعلمهُ الله أَن الْقطع لَا يكون إلاَّ فِي مِقْدَار مَعْلُوم، فَكَانَ بَيَانا لما أجمل فَوَجَبَ الْمصير إِلَيْهِ، وَفِي هَذَا الْمِقْدَار اخْتِلَاف بَين الْعلمَاء على مَا يَجِيء بَيَانه إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
8 - (بابٌ الحُدُودُ كَفَّارَةٌ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ معنى الْحُدُود كَفَّارَة، فَقَوله: الْحُدُود مُبْتَدأ، أَو كَفَّارَة خَبره.
4876 - حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ يُوسُفَ حدّثنا ابنُ عُيَيْنَةَ عَن الزُّهْرِيِّ عنْ أبي إدْرِيسَ الخَوْلانِيِّ عنْ عُبادَةَ بنِ الصَّامِتِ رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مَجْلِسٍ فَقَالَ: (بايعُونِي عَلى أنْ لَا تُشْرِكُوا بِالله شَيْئاً وَلَا تَسْرِقُوا وَلَا تَزُنُوا) وقَرَأ هاذِهِ الآيَةَ كُلَّها فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فأجْرُهُ عَلى الله ومَنْ أصابَ مِنْ ذالِكَ شَيْئاً فَعُوقِبَ بِهِ فَهْوَ كَفَّارَتُهُ ومَنْ أصابَ مِنْ ذالِكَ شَيْئاً فَسَتَرَهُ الله عَلَيْهِ إنْ شاءَ غَفَرَ لهُ وإنْ شاءَ عَذَّبَهُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (فَعُوقِبَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَته) .
وَمُحَمّد بن يُوسُف جزم بِهِ أَبُو نعيم أَنه الْفرْيَابِيّ، وَيحْتَمل أَن يكون البيكندي، وَابْن عُيَيْنَة هُوَ سُفْيَان يروي عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ عَن أبي إِدْرِيس عَائِذ الله بِالْعينِ الْمُهْملَة وبالهمزة بعد الْألف وبالذال الْمُعْجَمَة الْخَولَانِيّ بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْوَاو وبالنون فِي آخِره. يروي عَن عبَادَة بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة ابْن الصَّامِت.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْإِيمَان فِي: بَاب حَدثنَا أَبُو الْيَمَان قَالَ: حَدثنَا شُعْبَة عَن الزُّهْرِيّ قَالَ: أخبرنَا أَبُو إِدْرِيس عَائِذ الله بن عبد الله: أَن عبَادَة بن الصَّامِت، وَكَانَ شهد بَدْرًا وَهُوَ أحد النُّقَبَاء لَيْلَة الْعقبَة. أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: وَحَوله عِصَابَة من أَصْحَابه: بايعوني ... الحَدِيث، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (وَقَرَأَ هَذِه الْآيَة) قَالَ الْكرْمَانِي: وَهَذِه الْآيَة هِيَ: {يَا أَيهَا النَّبِي إِذا جَاءَك الْمُؤْمِنَات يبايعنك} (الممتحنة: 21)
الْآيَة.
قلت: قد مر فِي كتاب الْإِيمَان: بايعوني على أَن لَا تُشْرِكُوا بِاللَّه شَيْئا وَلَا تَسْرِقُوا وَلَا تَزْنُوا وَلَا تقتلُوا أَوْلَادكُم وَلَا تَأْتُوا بِبُهْتَان تفترونه بَين أَيْدِيكُم وأرجلكم، وَلَا تعصوا فِي مَعْرُوف. فَإِن قلت: رُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا أَدْرِي الْحُدُود كَفَّارَة أم لَا؟ .
قلت: قَالَ ابْن بطال: سَنَد حَدِيث عبَادَة أصح من إِسْنَاد حَدِيث أبي هُرَيْرَة، وَقَالَ ابْن التِّين: حَدِيث أبي هُرَيْرَة قبل حَدِيث عبَادَة، ثمَّ أعلمهُ الله تَعَالَى أَنَّهَا مطهرة على مَا فِي حَدِيث عبَادَة. فَإِن قلت: حَدِيث أبي هُرَيْرَة مُتَأَخّر لِأَنَّهُ مُتَأَخّر الْإِسْلَام عَن بيعَة الْعقبَة لِأَن بيعَة الْعقبَة كَانَت قبل إِسْلَام أبي هُرَيْرَة بست سِنِين.
قلت: أجابوا بِأَن الْبيعَة الْمَذْكُورَة فِي حَدِيث الْبَاب كَانَت متراخية عَن إِسْلَام أبي هُرَيْرَة بِدَلِيل أَن الْآيَة الْمشَار إِلَيْهَا فِي قَوْله: (وَقَرَأَ الْآيَة) وَهِي قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيهَا النَّبِي إِذا جَاءَك الْمُؤْمِنَات يبايعنك على أَن لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّه شَيْئا} (الممتحنة: 21)
إِلَى آخرهَا كَانَ نُزُولهَا فِي فتح مَكَّة، وَذَلِكَ بعد إِسْلَام أبي هُرَيْرَة بِنَحْوِ سنتَيْن، والإشكال إِنَّمَا وَقع من قَوْله هُنَاكَ: إِن عبَادَة بن الصَّامِت، وَكَانَ أحد النُّقَبَاء لَيْلَة الْعقبَة، قَالَ: إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: بايعوني على أَن لَا تُشْرِكُوا ... الحَدِيث، فَإِنَّهُ يُوهم أَن ذَلِك كَانَ لَيْلَة الْعقبَة، وَلَيْسَ كَذَلِك، بل الْبيعَة الَّتِي وَقعت فِي لَيْلَة الْعقبَة كَانَت على السّمع وَالطَّاعَة فِي الْعسر واليسر والمنشط وَالْمكْره الخ. فَإِن قلت: آيَة الْمُحَاربَة تعَارض حَدِيث عبَادَة وَهِي قَوْله تَعَالَى: {ذَلِك لَهُم خزي فِي الدُّنْيَا} يَعْنِي الْحُدُود {وَلَهُم فِي الْآخِرَة عَذَاب عَظِيم} (الْمَائِدَة: 33) فدلت على أَن الْحُدُود لَيست كَفَّارَة.
قلت: الْوَعيد فِي الْمُحَاربَة عِنْد جَمِيع الْمُؤمنِينَ مُرَتّب على قَوْله تَعَالَى: {إِن الله لَا يغْفر أَن يُشْرك بِهِ} (النِّسَاء: 84 و 611)
الْآيَة فَتَأْوِيل الْآيَة: إِن شَاءَ الله ذَلِك لقَوْله: {لمن يَشَاء} فَهَذِهِ الْآيَة تبطل نَفاذ الْوَعيد على غير أهل الشّرك إلاَّ أَن ذكر الشّرك فِي حَدِيث عبَادَة مَعَ سَائِر الْمعاصِي لَا يُوجب أَن من عُوقِبَ فِي الدُّنْيَا وَهُوَ مُشْرك كَانَ ذَلِك كَفَّارَة لَهُ، لِأَن الْأمة(23/273)
مجمعة على تخليد الْكفَّار فِي النَّار، وَبِذَلِك نطق الْكتاب وَالسّنة، فَحَدِيث عبَادَة مَعْنَاهُ الْخُصُوص فِيمَن أقيم عَلَيْهِ الْحَد من الْمُسلمين خَاصَّة أَن ذَلِك كَفَّارَة لَهُ، وَالله أعلم.
9 - (بابٌ ظَهْرُ المُؤْمِنِ حِمًى إلاّ فِي حَدٍّ أوْ حَقٍّ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان أَن ظهر الْمُؤمن حمى بِكَسْر الْحَاء أَي: محمي أَي: مَحْفُوظ عَن الإيذا. وَقَالَ ابْن الْأَثِير: أحميت الْمَكَان فَهُوَ محمي إِذا جعلته حمى أَي: مَحْظُورًا لَا يقرب وحميته حماية إِذا دفعت عَنهُ ومنعت مِنْهُ من يقربهُ.
قلت: أصل حمى حمى على وزن فعل قَوْله: إلاَّ فِي حق أَي: لَا يحمي فِي حد وَجب عَلَيْهِ أَو حق أَي أَو فِي حق أحد. وَقَالَ الْمُهلب: قَوْله: (ظهر الْمُؤمن حمى) يَعْنِي: أَنه لَا يحل للْمُسلمِ أَن يستبيح ظهر أَخِيه وَلَا بَشرته لنائرة تكون بَينه وَبَينه أَو عَدَاوَة كَمَا كَانَت الْجَاهِلِيَّة تَفْعَلهُ وتستبيحه من الْأَعْرَاض والدماء، وَإِنَّمَا يجوز اسْتِبَاحَة ذَلِك فِي حُقُوق الله أَو حُقُوق الْآدَمِيّين أَو فِي أدب لمن قصر فِي الدّين كتأديب عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، بِالدرةِ، وَهَذِه التَّرْجَمَة لفظ حَدِيث أخرجه أَبُو الشَّيْخ فِي كتاب السّرقَة من طَرِيق مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز بن الزُّهْرِيّ عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة، قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (ظُهُور الْمُسلمين حمى إلاَّ فِي حُدُود الله) ، وَمُحَمّد ابْن عبد الْعَزِيز ضَعِيف. وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث عصمَة بن الْملك الخطمي بِلَفْظ: ظهر الْمُؤمن حمى إلاَّ بِحقِّهِ، وَفِي سَنَده الْفضل بن مُخْتَار وَهُوَ ضَعِيف، وَمن حَدِيث أبي أُمَامَة: (من جرد ظهر مُسلم بِغَيْر حق لَقِي الله وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَان) ، وَفِي سَنَده أَيْضا مقَال.
5876 - حدّثني مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الله حدّثنا عاصِمُ بنُ عَلِيٍّ حدّثنا عاصِمُ بنُ مُحَمَّدٍ عنْ واقِدٍ ابنِ مُحَمَّدٍ سَمِعْتُ أبي قَالَ، عَبْدُ الله: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَجَّةِ الوَداعِ: (ألاَ أيُّ شَهْرٍ تَعْلَمُونَهُ أعْظَمُ حُرْمَةً؟) قالُوا: ألاَ شَهْرُنا هاذا. قَالَ: (أَلا أيُّ بَلَدٍ تَعْلَمُونَهُ أعْظَمُ حُرْمَةً؟) قالُوا: ألاَ بَلَدُنا هَذَا. قَالَ: (أَلا أيُّ يَوْمٍ تَعْلَمُونَهُ أعْظَمُ حُرْمَةً؟) قالُوا: ألاَ يَوْمُنا هاذا. قَالَ: (فإنَّ الله تَبارَكَ وتَعالى قَدْ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ دِماءَكُمْ وأمْوالَكُمْ وأعْراضَكُمْ إلاّ بِحَقِّها كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هاذا فِي بَلَدِكُمْ هاذا فِي شَهْرِكُمْ هاذا ألاَ هَلْ بَلَّغْتُ) ثَلاَثاً كُلُّ ذالِكَ يُجِيبُونهُ: ألاَ نَعَمْ، قَالَ: (وَيْحَكُمْ أوْ وَيْلَكُمْ لَا تَرْجِعُنَّ بَعْدِي كُفَّاراً يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقابَ بَعْضٍ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (فَإِن الله تَعَالَى قد حرم عَلَيْكُم دماءكم وَأَمْوَالكُمْ وَأَعْرَاضكُمْ) بَيَان ذَلِك أَن دم الْمُؤمن وَمَاله وَعرضه حمى لِلْمُؤمنِ، وَلَا يحل لأحد أَن يستبيحه إلاَّ بِحَق.
وَشَيخ البُخَارِيّ مُحَمَّد بن عبد الله. قَالَ الْحَاكِم: مُحَمَّد بن عبد الله هَذَا هُوَ الذهلي.
قلت: هُوَ مُحَمَّد بن يحيى بن عبد الله بن خَالِد بن فَارس بن ذُؤَيْب أَبُو عبد الله الذهلي النَّيْسَابُورِي، روى عَنهُ البُخَارِيّ فِي الصَّوْم والطب والجنائز وَالْعِتْق وَغَيرهَا فِي قريب من ثَلَاثِينَ موضعا، وَلم يقل مُحَمَّد بن يحيى الذهلي مُصَرحًا. وَيَقُول: حَدثنَا مُحَمَّد وَلَا يزِيد عَلَيْهِ، وَرُبمَا يَقُول: مُحَمَّد بن عبد الله ينْسبهُ إِلَى جده، وَيَقُول: مُحَمَّد بن خَالِد ينْسبهُ إِلَى جد أَبِيه. قَوْله: حَدثنِي مُحَمَّد بن عبد الله، هَكَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: حَدثنَا، بنُون الْجمع، وَعَاصِم بن عَليّ بن عَاصِم بن صُهَيْب أَبُو الْحُسَيْن مولى قريبَة بنت مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، الْقرشِي من أهل وَاسِط وَهُوَ أحد مَشَايِخ البُخَارِيّ روى عَنهُ فِي الصَّلَاة ومواضع بِغَيْر وَاسِطَة، مَاتَ سنة إِحْدَى وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ، وَعَاصِم الثَّانِي هُوَ ابْن مُحَمَّد ابْن زيد بن عبد الله بن عمر بن الْخطاب الْعَدوي الْقرشِي، يروي عَن أَخِيه وَاقد بن مُحَمَّد بن زيد يروي عَن أَبِيه مُحَمَّد بن زيد بن عبد الله بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، وَعبد الله هُوَ ابْن عمر بن الْخطاب جد الرَّاوِي.
والْحَدِيث مضى فِي الْحَج فِي: بَاب الْخطْبَة أَيَّام منى فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مُحَمَّد بن الْمثنى عَن يزِيد بن هَارُون عَن عَاصِم بن مُحَمَّد بن زيد عَن(23/274)
أَبِيه عَن ابْن عمر ... الخ. وَأخرجه فِي مَوَاضِع كَثِيرَة ذَكرْنَاهُ هُنَاكَ، وَمضى الْكَلَام فِيهِ أَيْضا.
قَوْله: (أَلا) بِفَتْح الْهمزَة وَتَخْفِيف اللَّام تزاد فِي أول الْكَلَام للتّنْبِيه لما يُقَال، وَقد ذكر هُنَا سؤالاً وجواباً. قَوْله: (أَي شهر؟) قَالَ ابْن التِّين: أَي: هُنَا مَرْفُوعَة وَيجوز نصبها وَالِاخْتِيَار الرّفْع. قَوْله: (يونا هَذَا) يَعْنِي: يَوْم النَّحْر، قيل: صَحَّ أَن أفضل الْأَيَّام يَوْم عَرَفَة. وَأجِيب: بِأَن المرا د بِالْيَوْمِ وَقت أَدَاء الْمَنَاسِك، وهما فِي حكم شَيْء وَاحِد. قَوْله: (ثَلَاثًا) أَي: قَالَه ثَلَاث مَرَّات. قَوْله: (أَو وَيْلكُمْ) شكّ من الرَّاوِي، وويحكم كلمة رَحْمَة وويلكم كلمة عَذَاب. قَوْله: (وَلَا ترجعن) بِضَم الْعين وبالنون الثَّقِيلَة خطاب للْجَمَاعَة ويروى: لَا ترجعوا، وَكَذَا فِي رِوَايَة مُسلم. قَوْله: (بعدِي) قَالَ الطَّبَرِيّ، مَعْنَاهُ بعد فراقي من موقفي، وَكَانَ يَوْم النَّحْر فِي حجَّة الْوَدَاع أَو يكون: بعدِي، بِمَعْنى خلا فِي أَي: لَا تخلفوا فِي أَنفسكُم بِغَيْر الَّذِي أَمرتك بِهِ، أَو يكون تحقق، عَلَيْهِ السَّلَام، أَن هَذَا لَا يكون فِي حَيَاته فنهاهم عَنهُ بعد مماته. قَوْله: (كفَّارًا يضْرب بَعْضكُم رِقَاب بعض) وَفِي مَعْنَاهُ سَبْعَة أَقْوَال: أَحدهَا: أَن ذَلِك كفر فِي حق المستحل بِغَيْر حق وَالثَّانِي: أَن المُرَاد كفر النِّعْمَة وَحقّ الْإِسْلَام وَالثَّالِث: أَنه يقرب من الْكفْر وَيُؤَدِّي إِلَيْهِ وَالرَّابِع: أَنه فعل كَفعل الْكفَّار. وَالْخَامِس: المُرَاد حَقِيقَة الْكفْر وَمَعْنَاهُ لَا تكفرُوا بل دوموا مُسلمين. وَالسَّادِس: حَكَاهُ الْخطابِيّ وَغَيره: المُرَاد المتكفرون بِالسِّلَاحِ، وَقَالَ الْأَزْهَرِي: يُقَال للابس السِّلَاح: كَافِر وَالسَّابِع: مَعْنَاهُ: لَا يكفر بَعْضكُم بَعْضًا فتستحلوا قتال بَعْضكُم بَعْضًا، وَأظْهر الْأَقْوَال القَوْل الرَّابِع، قَالَه النَّوَوِيّ وَاخْتَارَهُ القَاضِي عِيَاض. قَوْله: (يضْرب) بِضَم الْبَاء كَذَا رَوَاهُ المتقدمون والمتأخرون وَبِه يَصح الْمَقْصُود هُنَا، وَحكى عِيَاض عَن بَعضهم ضَبطه بِإِسْكَان الْبَاء، وَكَذَا قَالَه أَبُو الْبَقَاء العكبري على تَقْدِير شَرط مُضْمر أَي: أَن ترجعوا يضْرب وَصوب عِيَاض وَالنَّوَوِيّ الأول.
01 - (بابُ إقامَةِ الحُدُودِ والإنتِقامِ لِحُرُماتِ الله)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان وجوب إِقَامَة الْحُدُود وَوُجُوب الانتقام لحرمات الله تَعَالَى، وَهِي جمع حُرْمَة كظلمات جمع ظلمَة، وَالْحُرْمَة مَا لَا يحل انتهاكه. وَقَالَ الْمُهلب: لَا يحل لأحد من الْأَئِمَّة ترك حرمات الله أَن تنتهك وَعَلَيْهِم تَغْيِير ذَلِك، والانتقام افتعال من نقم ينقم من بَاب علم يعلم، ونقم ينقم من بَاب ضرب يضْرب، ونقم من فلَان الْإِحْسَان إِذا جعله مِمَّا يُؤَدِّيه إِلَى كفر النِّعْمَة، وَمعنى الانتقام لحرمات الله الْمُبَالغَة فِي عُقُوبَة من ينتهكها.
6876 - حدّثنا يَحْيَاى بنُ بُكَيْرٍ حدّثنا اللَّيْثُ عنْ عُقَيْلٍ عنِ ابنِ شِهابٍ عنْ عُرْوَةَ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا، قالَتْ: مَا خُيِّرَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَيْنَ أمْرَيْنِ إلاّ اخْتارَ أيْسَرَهُما مَا لَمْ يَأَثَمْ، فَإِذا كانَ الإثْجمُ كانَ أبْعَدَهُمَا مِنْهُ، وَالله مَا انْتَقَمَ لِنَفْسِهِ فِي شَيْءٍ يُؤْتَى إلَيْهِ قَطُّ حتَّى تُنْتَهَكُ حُرَماتُ الله فَيَنْتَقِمُ لله.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (وَالله مَا انتقم لنَفسِهِ) أَي: مَا عاقب أحدا على مَكْرُوه أَتَاهُ من قبله.
وَأخرج الحَدِيث عَن يحيى بن عبد الله بن بكير الْمصْرِيّ عَن اللَّيْث بن سعد عَن عقيل بِضَم الْعين ابْن خَالِد عَن مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة بن الزبير الخ، وَمضى فِي: بَاب صفة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك عَن ابْن شهَاب عَن عُرْوَة الخ.
قَوْله: (مَا خير رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) قَالَ ابْن بطال: هَذَا التَّخْيِير لَيْسَ من الله، لِأَن الله لَا يُخَيّر رَسُوله بَين أَمريْن أَحدهمَا إِثْم إلاَّ إِن كَانَ فِي الدّين أَحدهمَا يؤول إِلَى الْإِثْم كالغلو فَإِنَّهُ مَذْمُوم كَمَا لَو أوجب على نَفسه شَيْئا شاقاً من الْعِبَادَة فيعجر عَنهُ، وَمن ثمَّة نهى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الترهب. وَقَالَ ابْن التِّين: المُرَاد التخير فِي أَمر الدُّنْيَا، وَأما أَمر الْآخِرَة فَكل مَا صَعب كَانَ أعظم ثَوابًا. وَقَالَ الْكرْمَانِي رَحمَه الله: إِن كَانَ التَّخْيِير من الْكفَّار فَظَاهر، وَإِن كَانَ من الله وَالْمُسْلِمين فَمَعْنَاه مَا لم يؤده إِلَى إِثْم كالتخيير فِي المجاهدة والاقتصاد فِيهَا، فَإِن المجاهدة بِحَيْثُ تنجر إِلَى الْهَلَاك لَا تجوز. قَوْله: (مَا لم يَأْثَم) وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي: مَا لم يكن إِثْم قَوْله: (كَانَ أبعدهُمَا مِنْهُ) أَي: كَانَ الْإِثْم أبعد الْأَمريْنِ من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (يُؤْتى) على(23/275)
صِيغَة الْمَجْهُول بِالنّصب حول قَوْله: (فيتقم) يجوز فِيهِ النصب وَالرَّفْع فالنصب عطف على تنتهك وَالرَّفْع على التَّقْدِير فَهُوَ ينْتَقم لله
11 - (بابُ إقامَةِ الحُدُودِ على الشَّرِيفِ والوضِيعِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان وجوب إِقَامَة الْحُدُود على الشريف أَي: على الرجل الْوَجِيه الْمُحْتَرَم عِنْد النَّاس، والوضيع أَي: الحقير الَّذِي لَا يُبَالِي بِهِ يَعْنِي: لَا يفرق بَينهمَا فَيتْرك الشريف وَيحد الوضيع. وَقَالَ الْمُهلب: لَا يحل للأئمة ترك الْحُدُود على الشريف لوضيع وَأَن من ترك ذَلِك من الْأَئِمَّة فقد خَالف سنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَرغب عَن اتِّبَاع سَبيله.
7876 - حدّثنا أبُو الوَلِيدِ حدّثنا اللَّيْثُ عنِ ابْن شِهابٍ عنْ عُرْوَةَ عنْ عائِشَةَ أنَّ أُسامَةَ كَلَّمَ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي امْرَأةٍ فَقَالَ: قَوْله: (إنّما هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ أنَّهُمْ كانُوا يُقيمُونَ الحَدَّ عَلى الوَضِيعِ وَيَتُرُكُونَ الشرِيفَ، والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ {لَوْ أنَّ فَاطِمَةَ فَعَلَتْ ذالِكَ لَقَطَعْتُ يَدَهَا) .
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من معنى الحَدِيث. وَأَبُو الْوَلِيد هِشَام بن عبد الْملك الطَّيَالِسِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي ذكر بني إِسْرَائِيل وَفِي فضل أُسَامَة عَن قُتَيْبَة. وَأخرجه بَقِيَّة الْجَمَاعَة، وَأُسَامَة هُوَ ابْن زيد بن حَارِثَة مولى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أَبَوَيْهِ.
قَوْله: (كلم النَّبِي فِي امْرَأَة) يَعْنِي: شفع فِيهَا، وَهِي فَاطِمَة المخزومية. قَوْله: (والوضيع) وَقع هُنَا بِلَفْظ: الوضيع، وَفِي الطَّرِيق الَّذِي يَلِيهِ بِلَفْظ: الضَّعِيف. وَهِي رِوَايَة الْأَكْثَرين فِي هَذَا الحَدِيث، وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ أَيْضا بِلَفْظ: الضَّعِيف، وَفِي رِوَايَة لَهُ بِلَفْظ: الدون الضَّعِيف. قَوْله: (ويتركون الشريف) أَي: يتركون إِقَامَة الْحَد على الشريف، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر عَن الْكشميهني: ويتركون على الشريف، أَي: يتركون الْحَد الَّذِي وَجب عَلَيْهِ. قَوْله: (أَن فَاطِمَة فعلت ذَلِك) كَذَا وَقع فِي الْأُصُول، وَأوردهُ ابْن التِّين بِحَذْف: أَن، ثمَّ قَالَ: تَقْدِيره: لَو فعلت ذَلِك لِأَن: لَو، يَليهَا الْفِعْل دون الِاسْم، وَقد أنكر بَعضهم على ابْن التِّين إِيرَاده هُنَا بِحَذْف: أَن، وَلَيْسَ بموجه، لِأَن ذَلِك ثَابت هُنَا فِي رِوَايَة أبي ذَر عَن غير الْكشميهني، وَكَذَا فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ، وَوَقع عِنْد النَّسَائِيّ: لَو سرقت فَاطِمَة، وَفَاطِمَة هَذِه هِيَ بنت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
21 - (بابُ كَراهِيَةِ الشَّفاعَةِ فِي الحَدِّ إِذا رُفِعَ إِلَى السُّلْطانِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان كَرَاهِيَة الشَّفَاعَة فِي الْحَد يَعْنِي فِي تَركه إِذا رفع إِلَى السُّلْطَان، وتقييده بقوله: إِذا رفع إِلَى السُّلْطَان، يدل على جَوَاز الشَّفَاعَة فِي الْحُدُود قبل وصولها إِلَى السُّلْطَان، رُوِيَ ذَلِك عَن أَكثر أهل الْعلم، وَبِه قَالَ الزبير بن الْعَوام وَابْن عَبَّاس وعمار، وَقَالَ بِهِ من التَّابِعين: سعيد بن جُبَير وَالزهْرِيّ، وَهُوَ قَول الْأَوْزَاعِيّ، قَالُوا: لَيْسَ على الإِمَام التَّجَسُّس على مَا لم يبلغهُ، وَكره ذَلِك طَائِفَة، فَقَالَ ابْن عمر: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: من حَالَتْ شَفَاعَته دون حد من حُدُود الله فقد ضاد الله فِي حكمه، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَأحمد وَالْحَاكِم وَصَححهُ.
8876 - حدّثنا سَعِيدُ بنُ سُلَيْمانَ حدّثنا اللَّيْثُ عنِ ابنِ شِهابٍ عنْ عُرْوَةَ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا، أنَّ قُرَيْشاً أهَمَّهُمُ المَرْأةُ المَخْزُومِيةُ الّتِي سَرَقَتْ، فقالُوا: مَنْ يُكَلِّمُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ ومَنْ يَجْترِى عَلَيهِ إلاّ أسُامَةُ حِبُّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ فَكَلَّمَ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: (أتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ الله؟) ثُمَّ قامَ فَخَطَبَ، قَالَ: (يَا أيُّها النَّاس} إنّما ضَلَّ مِنْ قَبْلَكُمْ أنّهُمْ كانُوا إِذا سَرَقَ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذا سَرقَ الضَّعِيفُ فِيهِمْ أقامُوا عَلَيْهِ الحَدَّ، وأيْمُ الله لَوْ أنَّ فاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعَ مُحَمَّدٌ يَدَهَا) .(23/276)
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث عَائِشَة الْمَذْكُور فِي الْبَاب الَّذِي قبله بأتم مِنْهُ، أخرجه عَن سعيد بن سُلَيْمَان الْبَزَّاز بتَشْديد الزَّاي الأولى الْبَغْدَادِيّ عَن اللَّيْث بن سعد ... الخ، كَذَا هُوَ عَن عَائِشَة عِنْد الْحفاظ من أَصْحَاب ابْن شهَاب، وشذ عمر بن قيس الماصر بِكَسْر الصَّاد الْمُهْملَة، فَقَالَ: عَن ابْن شهَاب عَن عُرْوَة عَن أم سَلمَة، فَذكر كَحَدِيث الْبَاب سَوَاء. وَأخرجه أَبُو الشَّيْخ فِي كتاب السّرقَة وَالطَّبَرَانِيّ، وَقَالَ: تفرد بِهِ عمر بن قيس، يَعْنِي: من حَدِيث أم سَلمَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: الصَّوَاب رِوَايَة الْجَمَاعَة.
قلت: مَا الْمَانِع من رِوَايَة هَذَا الحَدِيث عَن عَائِشَة وَعَن أم سَلمَة كلتيهما.
قَوْله: (أَن قُريْشًا) أَي: الْقَبِيلَة الْمَشْهُورَة، وَلَكِن الظَّاهِر أَن المُرَاد بهم هَهُنَا من أدْرك، مِنْهُم الْقِصَّة الَّتِي بِمَكَّة. قَوْله: (أهمتهم) أَي: جلبت إِلَيْهِم هما، أَو صيرتهم فِي هموم بِسَبَب مَا وَقع مِنْهَا، يُقَال: أهمني الْأَمر أَي: أقلقني، وَالْمعْنَى: أهمتهم شَأْن الْمَرْأَة الَّتِي سرقت وَهِي فَاطِمَة بنت الْأسود بن عبد الْأسد بن عبد الله بن عمر بن مَخْزُوم، وَهِي بنت أخي أبي سَلمَة بن عبد الْأسد الصَّحَابِيّ الْجَلِيل الَّذِي كَانَ زوج أم سَلمَة قبل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قتل أَبوهَا كَافِرًا يَوْم بدر قَتله حَمْزَة بن عبد الْمطلب، وَوهم من زعم أَن لَهُ صُحْبَة، وَقيل: هِيَ أم عمر وَبنت سُفْيَان بن عبد الْأسد وَهِي بنت عمر الْمَذْكُورَة، وَفِيه نظر. قَوْله: (الَّتِي سرقت) زَاد يُونُس فِي رِوَايَته: فِي عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غَزْوَة الْفَتْح، وَبَين ابْن مَاجَه فِي رِوَايَته أَن الْمَسْرُوق القطيفة من بَيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَوَقع فِي مُرْسل حبيب بن أبي ثَابت أَنَّهَا سرقت حليا، وَيُمكن الْجمع بِأَن الْحلِيّ كَانَ فِي القطيفة، وَوَقع فِي رِوَايَة معمر عَن الزُّهْرِيّ فِي هَذَا الحَدِيث أَن الْمَرْأَة الْمَذْكُورَة كَانَت تستعير الْمَتَاع وتجحده، أخرجه مُسلم وَأَبُو دَاوُد، وَقد تعلق بِهِ قوم فَقَالُوا: من اسْتعَار مَا يجب الْقطع فِيهِ وجحده فَعَلَيهِ الْقطع، وَبِه قَالَ أَحْمد وَإِسْحَاق، وَقَالَ أَحْمد: لَا أعلم شَيْئا يَدْفَعهُ، وَخَالفهُم المدنيون والكوفيون وَجُمْهُور الْعلمَاء وَالشَّافِعِيّ، وَقَالُوا: لَا قطع فِيهِ، وحجتهم حَدِيث الْبَاب، وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: قد يجوز أَن تستعير الْمَتَاع وتجحده، ثمَّ سرقت فَوَجَبَ الْقطع للسرقة. قَوْله: (من يكلم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟) أَي: من يشفع عِنْده فِيهَا أَن لَا تقطع إِمَّا بفعو وَإِمَّا بِفِدَاء، وَأمر الْفِدَاء جَاءَ فِي حَدِيث مَسْعُود بن الْأسود، وَلَفظه بعد قَوْله: (أعظمنا ذَلِك فَجِئْنَا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا: نَحن نفديها بِأَرْبَعِينَ أُوقِيَّة، فَقَالَ: تطهر خير لَهَا، وَكَأَنَّهُم ظنُّوا أَن الْحَد يسْقط بالفدية. قلت: مَسْعُود بن الْأسود بن حَارِثَة الْقرشِي الْعَدوي كَانَ من أَصْحَاب الشَّجَرَة وأستشهد يَوْم مُؤْتَة قَوْله: (وَمن يجترىء عَلَيْهِ) من الاجتراء وَقَالَ بَعضهم يجترىء يفتعل من الجرأة
قلت: بل من الاجتراء كَمَا قُلْنَا، والجرأة الْإِقْدَام على الشَّيْء. قَوْله: (حب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة أَي: محبوبه، وَكَانَ السَّبَب فِي اخْتِصَاص أُسَامَة بذلك مَا أخرجه ابْن سعد من طَرِيق جَعْفَر بن مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحُسَيْن، رضوَان الله عَلَيْهِم، عَن أَبِيه: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لأسامة فِي حد، وَكَانَ إِذا شفع شفعه بتَشْديد الْفَاء أَي: قيل شَفَاعَته. قَوْله: (فَكلم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) بِالنّصب، وَفِي رِوَايَة قُتَيْبَة: فَكَلمهُ أُسَامَة. قَوْله: (أَتَشفع؟) بِهَمْزَة الِاسْتِفْهَام على سَبِيل الْإِنْكَار. قَوْله: (وأيم الله) بِهَمْزَة الْوَصْل وَقد مر الْكَلَام فِيهِ فِي كتاب الْأَيْمَان، وَوَقع فِي رِوَايَة أبي الْوَلِيد: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ، وَفِي رِوَايَة يُونُس، وَالَّذِي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ، قَوْله: (لَو أَن فَاطِمَة بنت مُحَمَّد) إِنَّمَا خص فَاطِمَة ابْنَته رَضِي الله عَنْهَا، لِأَنَّهَا أعز أَهله عِنْده. قَوْله: (لقطع مُحَمَّد يَدهَا) وَفِي رِوَايَة أبي الْوَلِيد والأكثرين: لقطعتُ يَدهَا. وَفِي الأول تَجْرِيد.
31 - (بابُ قَوْلِ الله تَعَالَى: {وَالسَّارِق والسارقة فَاقْطَعُوا أَيْدِيهِمَا} (الْمَائِدَة: 83)
أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر قَول الله تَعَالَى: {وَالسَّارِق والسارقة} ... إِلَى آخِره، إِنَّمَا ترْجم الْبَاب بِهَذِهِ الْآيَة الْكَرِيمَة لبَيَان أَن قطع يَد السَّارِق ثَبت بِالْقُرْآنِ وبالأحاديث أَيْضا، وَأطلق الْيَد، وَالْمرَاد مِنْهَا: الْيَمين، يدل عَلَيْهِ قِرَاءَة ابْن مَسْعُود {وَالسَّارِق والسارقة فَاقْطَعُوا أيمانهما} رَوَاهُ الثَّوْريّ عَن جَابر بن يزِيد عَن عَامر بن شرَاحِيل الشّعبِيّ عَن ابْن مَسْعُود. وَالسَّرِقَة على وزن فعلة بِفَتْح الْفَاء وَكسر الْعين من سرق يسرق من بَاب ضرب يضْرب وَهِي فِي اللُّغَة: أَخذ الشَّيْء خُفْيَة بِغَيْر إِذن صَاحبه مَالا كَانَ أَو غَيره، وَفِي الشَّرْع: هِيَ أَخذ مُكَلّف خُفْيَة قدر عشرَة دَرَاهِم مَضْرُوبَة محرزة بمَكَان أَو حَافظ، وَفِي الْمِقْدَار خلاف سَنذكرُهُ.(23/277)
وَفِي كمْ يُقْطَعُ.
أَي: فِي مِقْدَار كم من المَال يقطع؟ وَفِيه خلاف كثير، فَقَالَت الظَّاهِرِيَّة: يقطع فِي الْقَلِيل وَالْكثير وَلَا نِصَاب لَهُ، وَعند الْحَنَفِيَّة: عشرَة دَرَاهِم، وَعند الشَّافِعِي: ربع دِينَار، وَعند مَالك: قدر ثَلَاثَة دَرَاهِم، وروى ابْن أبي شيبَة عَن أبي هُرَيْرَة وَعَن أبي سعيد أَنَّهُمَا قَالَا: لَا تقطع الْيَد إلاَّ فِي أَرْبَعَة دَرَاهِم فَصَاعِدا، أَو قطع ابْن الزبير فِي نَعْلَيْنِ، وَقَالَ ابْن معمر: كَانُوا يتسارقون السِّيَاط، فَقَالَ عُثْمَان: لَئِن عدتم لأقطعن فِيهِ، وَكَانَ عُرْوَة بن الزبير وَالزهْرِيّ وَسليمَان بن يسَار يَقُولُونَ: ثمن الْمِجَن خَمْسَة دَرَاهِم، وَحكى أَبُو عمر فِي (استذكاره) : عَن عُثْمَان البتي: يقطع فِي دِرْهَم، وروى مَنْصُور عَن الْحسن أَنه كَانَ لَا يُوَقت فِي السّرقَة شَيْئا وَيَتْلُو {وَالسَّارِق والسارقة} وَفِي رِوَايَة قَتَادَة عَنهُ: أجمع على دِرْهَمَيْنِ، وَذكر عَن النَّخعِيّ: أَرْبَعُونَ درهما، وَعَن ابْن الزبير: أَنه قطع فِي نصف دِرْهَم، وَعَن زِيَاد: فِي دِرْهَمَيْنِ، وَعَن أبي سعيد: فِي أَرْبَعَة، وَقيل: تقطع فِي كل مَاله قمية قل أَو كثر.
وقَطَع عَلَيٌّ رَضِي الله عَنهُ مِنَ الكَفِّ.
أَي: قطع عَليّ بن أبي طَالب يَد السَّارِق من الْكَفّ، رَوَاهُ أَبُو بكر عَن وَكِيع عَن سَمُرَة ابْن معبد أبي عبد الرَّحْمَن. قَالَ: رَأَيْت أَبَا خيرة مَقْطُوعًا من الْمفصل، فَقلت: من قَطعك؟ فَقَالَ: الرجل الصَّالح عَليّ، أما أَنه لم يظلمني. وَحكى ابْن التِّين عَن بَعضهم قطع الْيَد من الْإِبِط، وَهُوَ بعيد عَجِيب، وروى سعيد بن مَنْصُور عَن حَمَّاد بن زيد عَن عَمْرو بن دِينَار قَالَ: كَانَ عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، يقطع عَن الْمفصل، وَعلي يقطع من مشط الْقدَم، وروى ابْن أبي شيبَة من طَرِيق أبي خبْرَة أَن عليا قطعه من الْمفصل، وَذكر الشَّافِعِي فِي كتاب (اخْتِلَاف عَليّ وَابْن مَسْعُود) : أَن عليا كَانَ يقطع من يَد السَّارِق الْخِنْصر والبنصر وَالْوُسْطَى خَاصَّة، وَيَقُول: أستحي من الله أَن أتركه بِلَا عمل، وَوَقع فِي بعض نسخ البُخَارِيّ: وَقطع عَليّ الْكَفّ بِدُونِ كلمة: من.
وَقَالَ قَتادَةُ فِي امْرَأةٍ سَرَقَتْ: فَقُطِعَتْ شِمالُها لَيْسَ إلاّ ذالِكَ.
وَصله أَحْمد فِي (تَارِيخه) : عَن مُحَمَّد بن الْحسن الوَاسِطِيّ عَن عَوْف الْأَعرَابِي عَنهُ هَكَذَا، وَقَالَ قَتَادَة: قَالَ مَالك وَابْن الْمَاجشون: لَا يجزىء ذَلِك، وَإِذا تعمد الْقَاطِع قطع شِمَاله قَالَ الْأَبْهَرِيّ: فِيهِ نظر، وَيجوز أَن يُقَال: عَلَيْهِ الْقود. وَعَن مَالك وَأبي حنيفَة: إِذا غلط الْقَاطِع فَقطع الْيُسْرَى أَنه يجزىء عَن قطع الْيَمين وَلَا إِعَادَة عَلَيْهِ، وَعَن الشَّافِعِي وَأحمد: على الْقَاطِع المخطىء الدِّيَة وَفِي وجوب إِعَادَة الْقطع قَولَانِ عِنْد الشَّافِعِي، وروايتان عِنْد أَحْمد، رَحمَه الله.
9876 - حدّثنا عَبْدُ الله بنُ مَسْلَمَةَ حدّثنا إبْراهِيمُ بنُ سَعْدٍ عنِ ابنِ شِهابٍ عنْ عَمْرَةَ عنْ عائِشَةَ قالَتْ: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (تُقْطَعُ اليَدُ فِي رُبُعٍ دِينارٍ فَصاعِداً) .
مطابقته لقَوْله فِي التَّرْجَمَة: فِي كم يقطع؟ ظَاهِرَة. والْحَدِيث يوضحها أَيْضا لِأَنَّهَا مُبْهمَة.
وَإِبْرَاهِيم بن سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف عَن ابْن شهَاب عَن عمْرَة بنت عبد الرَّحْمَن الْأنْصَارِيّ.
والْحَدِيث أخرجه بَقِيَّة الْجَمَاعَة: فَمُسلم فِي الْحُدُود أَيْضا عَن يحيى بن يحيى وَآخَرين. وَأَبُو دَاوُد فِيهِ عَن أَحْمد بن حَنْبَل. وَالتِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن عَليّ بن حجر. وَالنَّسَائِيّ فِي الْقطع عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَغَيره. وَابْن مَاجَه فِي الْحُدُود عَن أبي مَرْوَان مُحَمَّد بن عُثْمَان، وَقَالَ الْمزي: رُوِيَ هَذَا الحَدِيث عَن الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة وَحده، وَرُوِيَ عَنهُ عَن عمْرَة وَحدهَا، وَرُوِيَ عَنهُ وعنها جَمِيعًا، وَرُوِيَ عَنهُ عَن عمْرَة عَن عَائِشَة.
قَوْله: (الْيَد) أَي: يَد السَّارِق. قَوْله: (فَصَاعِدا) ، نصب على الْحَال الْمُؤَكّدَة أَي: ذهب ربع دِينَار حَال كَونه صاعداً إِلَى مَا فَوْقه، وَيُؤَيِّدهُ مَا وَقع فِي رِوَايَة مُسلم عَن سُلَيْمَان بن يسَار عَن عمْرَة فَمَا فَوْقه. وَقَالَ صَاحب (الْمُحكم) : يخْتَص هَذَا بِالْفَاءِ وَيجوز ثمَّ بدلهَا وَلَا يجوز الْوَاو ... واحتجت الشَّافِعِيَّة بِهَذَا الحَدِيث على أَن ربع الدِّينَار أصل فِي الْقطع، وَنَصّ فِيهِ لَا فِيمَا سواهُ.(23/278)
قَالُوا: وَحَدِيث ثمن الْمِجَن أَنه كَانَ ثَلَاثَة دَرَاهِم لَا يُنَافِي هَذَا لِأَنَّهُ إِذْ ذَاك كَانَ الدِّينَار اثْنَي عشر درهما فَهِيَ ثمن ربع دِينَار فَأمكن الْجمع بِهَذَا الطَّرِيق، ويروى هَذَا عَن عمر بن الْخطاب وَعُثْمَان بن عَفَّان وَعلي بن أبي طَالب رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَبِه يَقُول عمر ابْن عبد الْعَزِيز وَمَالك وَاللَّيْث بن سعد وَالْأَوْزَاعِيّ وَإِسْحَاق فِي رِوَايَة، وَأَبُو ثَوْر وَدَاوُد بن عَليّ الظَّاهِرِيّ، وَقَالَ أَحْمد: إِذا سرق من الذَّهَب ربع دِينَار قطعت، وَإِذا سرق من الدَّرَاهِم ثَلَاثَة دَرَاهِم قطعت، وَعنهُ: أَن نصابها ربع دِينَار أَو ثَلَاثَة دَرَاهِم أَو قيمَة ثَلَاثَة دَرَاهِم من الْعرُوض والتقويم بِالدَّرَاهِمِ خَاصَّة والأثمان أصُول لَا يقوم بَعْضهَا بِبَعْض، وَعنهُ: أَن نصابها ثَلَاثَة دَرَاهِم أَو قيمَة ذَلِك من الذَّهَب وَالْعرُوض، وَقَالَ عَطاء بن أبي رَبَاح وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وسُفْيَان الثَّوْريّ وأيمن الحبشي وَحَمَّاد بن أبي سُلَيْمَان وَأَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَزفر: لَا تقطع حَتَّى يكون عشرَة دَرَاهِم مَضْرُوبَة، وَقَالَ الكاساني: وَرُوِيَ عَن عمر وَعُثْمَان وَعلي وَعبد الله بن مَسْعُود مثل مَذْهَبنَا، وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِمَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ: حَدثنَا ابْن أبي دَاوُد وَعبد الرَّحْمَن بن عمر والدمشقي قَالَا: نَا أَحْمد بن خَالِد الْوَهْبِي قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن إِسْحَاق عَن أَيُّوب بن مُوسَى عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ قيمَة الْمِجَن الَّذِي قطع فِيهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عشرَة دَرَاهِم، وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ: حَدثنَا عبيد الله بن سعد أَنا عمي حَدثنَا أبي عَن ابْن إِسْحَاق حَدثنِي عَمْرو بن شُعَيْب أَن عَطاء بن أبي رَبَاح حَدثهُ أَن عبد الله بن عَبَّاس كَانَ يَقُول: ثمنه عشرَة دَرَاهِم. وَأخرج النَّسَائِيّ أَيْضا من حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده، قَالَ: كَانَ ثمن الْمِجَن على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عشرَة دَرَاهِم.،
تَابَعَهُ عَبْدُ الرَّحْمانِ بنُ خالِدٍ وابنُ أخِي الزُّهْرِيِّ ومَعْمَرٌ عنِ الزُّهْرِيِّ.
أَي: تَابع إِبْرَاهِيم بن سعد عبد الرَّحْمَن بن خَالِد الفهمي الْمصْرِيّ واليها، وَتَابعه أَيْضا ابْن أخي الزُّهْرِيّ وَهُوَ مُحَمَّد بن عبد الله بن مُسلم. وَتَابعه أَيْضا معمر بن رَاشد، وَهَؤُلَاء الثَّلَاثَة تابعوا إِبْرَاهِيم بن سعد فِي روايتهم عَن الزُّهْرِيّ فِي الِاقْتِصَار على عمْرَة، أما مُتَابعَة عبد الرَّحْمَن بن خَالِد وَابْن أخي الزُّهْرِيّ فَقَالَ صَاحب (التَّلْوِيح) : وَتَبعهُ صَاحب (التَّوْضِيح) : فرواها مُحَمَّد بن يحيى الذهلي فِي كِتَابه (علل أَحَادِيث الزُّهْرِيّ) : عَن روح بن عبَادَة وَمُحَمّد بن بكر عَنْهُمَا، وَقَالَ بَعضهم: قَرَأت بِخَط مغلطاي وقلده شَيخنَا ابْن الملقن: أَن الذهلي أخرجه فِي (علل أَحَادِيث الزُّهْرِيّ) : عَن مُحَمَّد بن بكر وروح بن عبَادَة جَمِيعًا عَن عبد الرَّحْمَن وَهَذَا الَّذِي قَالَه لَا وجود لَهُ بل لَيست لروح وَلَا لمُحَمد بن بكر عَن عبد الرَّحْمَن رِوَايَة أصلا.
قلت: أَرَادَ بمغلطاي صَاحب (التَّلْوِيح) : وبشيخه صَاحب (التَّوْضِيح) : وَهَذَا مِنْهُ كَلَام لَا وَجه لَهُ من وُجُوه: الأول: أَنه نافٍ والمثبت مقدم وَالثَّانِي: أَن عدم اطِّلَاعه على ذَلِك لَا يسْتَلْزم عدم اطلَاع صَاحب (التَّلْوِيح) : عَلَيْهِ أَيْضا وَالثَّالِث: فِيهِ الْقدح لصَاحب (التَّلْوِيح) : مَعَ أَنه تبعه شَيْخه باعترافه، فَلَا يتْرك كَلَام شيخين عارفين بِهَذِهِ الصَّنْعَة مَعَ اطلاعهما عل كتب كَثِيرَة من هَذَا الْفَنّ ويصغى إِلَى كَلَام من يعطن فِي الأكابر. وَالرَّابِع: أَن نفي رِوَايَة روح وَرِوَايَة مُحَمَّد بن بكر عَن عبد الرَّحْمَن بن خَالِد يحْتَاج إِلَى معرفَة تَارِيخ زمانهم، فَلَا يحكم بذلك بِلَا دَلِيل. وَأما مُتَابعَة معمر فرواها مُسلم فِي (صَحِيحه) : عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَابْن حميد كِلَاهُمَا عَن عبد الرَّزَّاق عَن معمر، وَلَكِن لم يسق لَفظه.
0976 - حدّثنا إسْماعِيلُ بنُ أبي أُوَيْسٍ عنِ ابنِ وَهْبٍ عنْ يُونُسَ عنِ ابنِ شِهابٍ عنْ عُرْوَةَ ابنِ الزُّبَيْرِ وعمْرَةَ عنْ عائِشَةَ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ فِي رُبُع دِينارٍ) . (انْظُر الحَدِيث 9876 وطرفه) .
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث عَائِشَة وَلَكِن فِيهِ: عَن ابْن شهَاب عَن عُرْوَة بن الزبير وَعمرَة بنت عبد الرَّحْمَن كِلَاهُمَا عَن عَائِشَة بِخِلَاف الطَّرِيق الَّذِي مضى فَإِن فِيهِ الِاقْتِصَار على عمْرَة، وَهَذَا أَيْضا مِمَّا يحْتَج بِهِ الشَّافِعِيَّة فِي قطع يَد السَّارِق فِي ربع دِينَار. وَقَالُوا: هَذَا إِخْبَار من عَائِشَة عَن قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَدلَّ ذَلِك على أَن مَا ذكر عَنْهَا فِي الحَدِيث السَّابِق من قطع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي ربع دِينَار فَصَاعِدا أَنَّهَا إِنَّمَا أخذت ذَلِك عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِمَّا وَقفهَا عَلَيْهِ، على مَا فِي هَذَا الحَدِيث، لَا من جِهَة تقويمها لما كَانَ(23/279)
قطع فِيهِ. وَأجَاب الطَّحَاوِيّ عَن ذَلِك بِأَنا كُنَّا نسلم مَا ذكترم من ذَلِك لَو لم يخْتَلف فِي ذَلِك عَن عَائِشَة، فقد روى ابْن عُيَيْنَة عَن الزُّهْرِيّ عَن عمْرَة عَن عَائِشَة، قَالَت: كَانَ يقطع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي ربع دِينَار فَصَاعِدا. فَفِي رِوَايَة سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن الزُّهْرِيّ عَن عمْرَة عَنْهَا إِخْبَار عَن قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَيُونُس هَذَا لَا يُقَارب عنْدكُمْ وَلَا عِنْد غَيْركُمْ سُفْيَان بن عُيَيْنَة فَكيف تحتجون بقول يُونُس وتتركون قَول سُفْيَان؟ وَقَالَ بَعضهم: نقل الطَّحَاوِيّ عَن الْمُحدثين أَنهم يقدمُونَ ابْن عُيَيْنَة فِي الزُّهْرِيّ على يُونُس، فَلَيْسَ مُتَّفقا عَلَيْهِ عِنْدهم بل أَكْثَرهم على الْعَكْس، وَمِمَّنْ جزم بِتَقْدِيم يُونُس على سُفْيَان فِي الزُّهْرِيّ يحيى بن معِين وَأحمد بن صَالح الْمصْرِيّ. انْتهى.
قلت: سُفْيَان إِمَام عَالم ورع زاهد حجَّة ثَبت مجمع على صِحَة حَدِيثه، وَكَيف يقارنه يُونُس بن يزِيد، وَقد قَالَ ابْن سعد: كَانَ يُونُس حُلْو الحَدِيث وَكَثِيره، وَلَيْسَ بِحجَّة، وَرُبمَا جَاءَ بالشَّيْء الْمُنكر.
1976 - حدّثنا عِمْرانُ بنُ مَيْسَرَةَ حَدثنَا عبْدُ الوارِثِ حَدثنَا الحُسَيْنُ عنْ يَحْيَاى عنْ محَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمانِ الأنْصارِيِّ عنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عبْدِ الرَّحْمانِ حدَّثَتْهُ أنَّ عائِشَةَ رَضِي الله عَنَّا، حدَّثَتْهُمْ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (تُقْطَعُ اليَدُ فِي رُبُعِ دِينارٍ) . (انْظُر الحَدِيث 9876 وطرفه) .
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث عَائِشَة أخرجه عمرَان بن ميسرَة ضد الميمنة عَن عبد الْوَارِث بن سعيد الْبَصْرِيّ عَن الْحُسَيْن ابْن ذكْوَان الْمعلم الْبَصْرِيّ عَن يحيى بن كثير ضد الْقَلِيل عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن الْأنْصَارِيّ عَن عمْرَة بنت عبد الرَّحْمَن، وَهِي بنت عمته. وَأجَاب الْحَنَفِيَّة عَن هَذَا بِأَنَّهُ روى أَيْضا مَوْقُوفا على عَائِشَة، رَوَاهُ أَيُّوب عَن عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة، وَقَالُوا أَيْضا: إِنَّه تعارضه الْأَحَادِيث الَّتِي فِيهَا الْقطع فِيمَا دون الْعشْرَة، وَهَذَا يبيحه، وَخبر الْحَظْر أولى من خبر الْإِبَاحَة.
2976 - حدّثنا عُثْمانُ بنُ أبي شَيْبَةَ حَدثنَا عَبْدَةَ عنْ هِشامٍ عنْ أبِيهِ قَالَ: أخبرَتْني عائِشَةُ أنَّ يَدَ السَّارِقِ لَمْ تُقْطَعْ عَلى عَهْدِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إلاَّ فِي ثَمَنِ مِجَنٍّ حَجَفَةٍ أوْ تُرْسٍ.
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث عَائِشَة أخرجه عَن عُثْمَان بن أبي شيبَة هُوَ عُثْمَان بن مُحَمَّد بن أبي شيبَة واسْمه إِبْرَاهِيم الْعَبْسِي الْكُوفِي أَخُو أبي بكر بن أبي شيبَة عَن عَبدة بن سُلَيْمَان عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عُرْوَة بن الزبير عَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم أَيْضا عَن عُثْمَان فِي الْحُدُود.
قَوْله: (مجن) بِكَسْر الْمِيم وَفتح الْجِيم من الاجتنان وَهُوَ الاستتار، وَقَالَ صَاحب (الْمغرب) : الْمِجَن الترس لِأَن صَاحبه يسْتَتر بِهِ. وَفِي (التَّوْضِيح) : الْمِجَن والحجفة والترس وَاحِد، والحجفة بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَالْجِيم وَالْفَاء وَهِي الدرفة، وَالَّذِي يدل عَلَيْهِ لفظ الحَدِيث أَن الْمِجَن والحجفة وَاحِد لِأَن كلاًّ مِنْهُمَا بِالتَّنْوِينِ، فالجحفة بَيَان لَهُ. قَوْله: (أَو ترس) كلمة: أَو، للشَّكّ لِأَن الترس يطارق فِيهِ بَين جلدين والحجفة قد تكون من خشب أَو عظم وتغلف بِالْجلدِ وَغَيره، وَلم يعين فِيهِ مِقْدَار ثمن هَذِه الْأَشْيَاء فَيحْتَمل أَن تكون كل قيمَة وَاحِد مِنْهَا ربع دِينَار، وَيحْتَمل أَن تكون عشرَة دَرَاهِم، فَلَا تقوم بِهِ حجَّة لأحد فِيمَا ذهب إِلَيْهِ.
حدّثنا عُثْمانُ حَدثنَا حُمَيْدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمانِ حَدثنَا هِشامٌ عنْ أبِيهِ عنْ عائِشَةَ مِثْلَهُ.
هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث السَّابِق أخرجه عَن عُثْمَان بن أبي شيبَة عَن حميد بِضَم الْحَاء ابْن عبد الرَّحْمَن بن حميد الرواسِي ابْن رواس بن كلاب الْكُوفِي عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة. وَأخرجه مُسلم أَيْضا عَن عُثْمَان. قَوْله: (مثله) أَي: مثل الحَدِيث السَّابِق عَن عُثْمَان أَيْضا.
3976 - حدّثنا مُحمَّدُ بنُ مُقاتلٍ أخبرنَا عَبْد الله أخبرنَا هِشامُ بنُ عُرْوَةَ عنْ أبِيهِ عنْ عائِشَةَ قالَتْ: لَمْ تَكُنْ تُقْطَعْ يَدُ السَّارِقِ فِي أدْنَى مِنْ حَجَفَةٍ أوْ تُرْسٍ كلُّ واحِدٍ مِنْهُما ذُو ثَمَنٍ. (انْظُر الحَدِيث 2976 وطرفه) .
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث عَائِشَة وَهُوَ مَوْقُوف أخرجه عَن مُحَمَّد بن مقَاتل الْمروزِي عَن عبد الله بن الْمُبَارك الْمروزِي إِلَى(23/280)
آخِره. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْقطع عَن سُوَيْد بن نصر عَن ابْن الْمُبَارك.
قَوْله: (فِي أدنى) أَي: فِي أقل. قَوْله: (كل وَاحِد مِنْهُمَا) أَي: من الحجفة والترس، وكل وَاحِد كَلَام إضافي مَرْفُوع على أَنه مُبْتَدأ. قَوْله: (ذُو ثمن) خَبره وَقَالَ بَعضهم: وَكَانَ كل وَاحِد مِنْهُمَا ذَا ثمن، وَزَاد فِيهِ لفظ: كَانَ، وَنصب: ذَا ثمن، ثمَّ قَالَ: كَذَا ثَبت فِي الْأُصُول ثمَّ قَالَ: وَأفَاد الْكرْمَانِي أَنه وَقع فِي بعض النّسخ: وَكَانَ كل وَاحِد مِنْهُمَا ذُو ثمن، بِالرَّفْع وخرجه على تَقْدِير ضمير الشان فِي كَانَ. انْتهى.
قلت: هَذَا التَّصَرُّف مِنْهُمَا مَا أبعده، أما قَول هَذَا الْقَائِل: كَذَا ثَبت فِي الْأُصُول غير مُسلم، بل الَّذِي ثَبت فِي الْأُصُول هُوَ الْعبارَة الَّتِي ذَكرنَاهَا لِأَنَّهَا على الْقَاعِدَة السالمة عَن الزِّيَادَة فِيهِ المؤدية إِلَى تَقْدِير شَيْء، وَأما كَلَام الْكرْمَانِي بِأَنَّهُ وَقع فِي بعض النّسخ غير مُسلم أَيْضا، لِأَن مثل هَذَا الَّذِي يحْتَاج فِيهِ إِلَى تَأْوِيل غَالِبا من النساخ الجهلة، وَقَالَ الْكرْمَانِي أَيْضا: قَوْله: (ذُو ثمن) إِشَارَة إِلَى أَن الْقطع لَا يكون فِيمَا قل بل يخْتَص بِمَالِه ثمن ظَاهر.
قلت: زَاد الْإِبْهَام على مَا فِي الحَدِيث من الْإِبْهَام فَإِذا كَانَ الترس الْمَسْرُوق يُسَاوِي أقل من ربع دِينَار يَنْبَغِي أَن يقطع لِأَنَّهُ ثمن ظَاهر، وَلَو كَانَ درهما وَاحِدًا، وإمامه لم يقل بِهِ.
روَاهُ وكِيعٌ وَابْن إدْرِيسَ عنْ هِشامٍ عنْ أبِيهِ مُرْسلاً.
أَي: روى الحَدِيث الْمَذْكُور وَكِيع بن الْجراح الْكُوفِي وَعبد الله بن إِدْرِيس الأودي الْكُوفِي عَن هِشَام عَن أَبِيه مُرْسلا، لِأَنَّهُ لم يرفع إِسْنَاده، وَقَالَ الْكرْمَانِي: لَعَلَّه خلاف الِاصْطِلَاح الْمَشْهُور فِي المرسلات، أما رِوَايَة وَكِيع فأخرجها ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) : عَنهُ وَلَفظه: عَن هِشَام عَن أَبِيه قَالَ: كَانَ السَّارِق فِي عهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يقطع فِي ثمن الْمِجَن، وَكَانَ الْمِجَن يومئذٍ لَهُ ثمن وَلم يكن قطع فِي الشَّيْء التافه، وَأما رِوَايَة عبد الله بن إِدْرِيس فأخرجها الدَّارَقُطْنِيّ فِي (الْعِلَل) : وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق يُوسُف بن مُوسَى عَن جرير ووكيع وَعبد الله بن إِدْرِيس ثَلَاثَتهمْ عَن هِشَام عَن أَبِيه، فَذكره.
4976 - حدّثني يُوسُفُ بنُ مُوسَى حَدثنَا أبُو أُسامَةَ قَالَ هِشامُ بنُ عُرْوةَ: أخبرنَا عنْ أبِيهِ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا، قالَتْ: لَمْ تُقْطَعْ يَدُ سارِقٍ عَلى عَهْدِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي أدْنَى مِنْ ثَمَنِ المِجَنَّ تَرْسٍ أوْ حَجَفَةٍ وكانَ كلُّ واحِدٍ مِنْهُما ذَا ثَمَن. (انْظُر الحَدِيث 2976 وطرفه) .
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث عَائِشَة أخرجه عَن يُوسُف بن مُوسَى بن رَاشد بن بِلَال الْقطَّان الْكُوفِي سكن بَغْدَاد عَن أبي أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة عَن هِشَام ... الخ وَأخرجه مُسلم عَن أبي كريب عَن أبي أُسَامَة بِهِ.
قَوْله: (أخبرنَا) أَي: أخبرنَا هِشَام عَن أَبِيه عُرْوَة عَن عَائِشَة، وَبَقِيَّة الشَّرْح قد مرت عَن قريب.
5976 - حدّثني إسْماعِيلُ حدّثني مالِكُ بنُ أنَسٍ عنْ نافِعٍ مَوْلَى عَبْدِ الله بنِ عُمَرَ عنْ عَبْدِ الله بنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهُمَا، أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَطَعَ فِي مِجَنٍّ ثَمَنُهُ ثَلاثَةُ دَراهَمَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن أبي أويس واسْمه عبد الله ابْن أُخْت مَالك.
وَأخرجه مُسلم عَن يحيى بن يحيى عَن مَالك. وَأخرجه الطَّحَاوِيّ من خمس طرق صِحَاح بينتها فِي (شرح مَعَاني الْآثَار) : قَالَ ابْن حزم: لم يروه عَن عمر إلاَّ نَافِع، وَقَالَ أَبُو عمر: هُوَ أصح حَدِيث رُوِيَ فِي ذَلِك، وروى الطَّحَاوِيّ من حَدِيث ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ قيمَة الْمِجَن الَّذِي قطع بِهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عشرَة دَرَاهِم، وَعَن عمر بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده مثله. وَأخرجه النَّسَائِيّ أَيْضا، وروى عَن أم أَيمن مثله، وَلما وَقع الِاخْتِلَاف فِي مِقْدَار قيمَة الْمِجَن اختبط فِي ذَلِك، فَلم يقطع إلاَّ فِيمَا أجمع عَلَيْهِ، وَهُوَ عشرَة دَرَاهِم أَو دِينَار.
تابَعَهُ مُحَمَّدُ بنُ إسْحاقَ.
يَعْنِي عَن نَافِع فِي قَوْله: عَنهُ، وَوَصلهَا الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق عبد الله بن الْمُبَارك عَن مَالك وَمُحَمّد بن إِسْحَاق، وَعبيد الله بن عمر(23/281)
ثَلَاثَتهمْ عَن نَافِع عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قطع فِي مجن ثمنه ثَلَاثَة دَرَاهِم.
وَقَالَ اللَّيْثُ: حدّثني نافِعٌ: قِيمَتُهُ.
أَرَادَ أَن اللَّيْث بن سعد رَوَاهُ عَن نَافِع كالجماعة لَكِن قَالَ: قِيمَته، بدل قَوْلهم: ثمنه، وَرَوَاهُ مُسلم عَن قُتَيْبَة، وَمُحَمّد بن رمج عَن اللَّيْث عَن نَافِع عَن ابْن عمر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قطع سَارِق فِي مجن، قِيمَته ثَلَاثَة دَرَاهِم، قَوْله: قطع، مَعْنَاهُ أَمر بِالْقطعِ لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يُبَاشر الْقطع بِنَفسِهِ، وَقد رُوِيَ أَن بِلَالًا رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، هُوَ الَّذِي بَاشر قطع يَد الْمَرْأَة المخزومية، فَيحْتَمل أَنه كَانَ موكلاً بذلك، وَيحْتَمل غَيره. قَوْله: (قِيمَته) قيمَة الشَّيْء مَا يَنْتَهِي إِلَيْهِ الرَّغْبَة فِيهِ، وَمن رَوَاهُ بِلَفْظ الثّمن متجوز، وَأما أَن الْقيمَة وَالثمن كَانَا حينئذٍ مستويين.
6976 - حدّثنا مُوسَى بنُ إسْماعِيلَ حدّثنا جُوَيْرِيَةُ عنْ نافعٍ عنِ ابنِ عُمَرَ قَالَ: قَطَعَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مِجَنٍّ ثَمَنُهُ ثَلاَثَة دَراهِمَ.
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث عبد الله بن عمر أخرجه عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل التَّبُوذَكِي عَن جوَيْرِية بن أَسمَاء الضبعِي عَن نَافِع ... الخ. والْحَدِيث من أَفْرَاده.
7976 - حدّثنا مُسَدَّدٌ حَدثنَا يَحْيَاى عنْ عُبَيْدِ الله قَالَ: حدّثني نافِعٌ عنْ عَبْدِ الله قَالَ: قَطَعَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مِجَنٍّ ثَمَنُهُ ثَلاَثةُ دَرَاهِمَ.
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث ابْن عمر أخرجه عَن مُسَدّد عَن يحيى الْقطَّان عَن عبيد الله بن عمر بن حَفْص بن عَاصِم بن عمر بن الْخطاب عَن نَافِع. وَأخرجه مُسلم عَن ابْن نمير عَن أَبِيه عَن عبيد الله نَحوه.
8976 - حدّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ المُنْذِرِ حدّثنا أبُو ضَمْرَةَ حدّثنا مُوسَى بنُ عُقْبَةَ عنْ نافِعٍ أنَّ عبدَ الله بنَ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهُمَا، قَالَ: قَطَعَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَدَ سارِقٍ فِي مِجَنٍّ ثَمَنُهُ ثَلاَثَةُ درَاهِمِ.
هَذَا طَرِيق آخر أخرجه عَن إِبْرَاهِيم بن الْمُنْذر الْحزَامِي الْمَدِينِيّ عَن أبي ضَمرَة بِفَتْح الضَّاد الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْمِيم وبالراء واسْمه أنس بن عِيَاض عَن مُوسَى بن عقبَة بِضَم الْعين وَسُكُون الْقَاف ... الخ، وَهُوَ من أَفْرَاده.
9976 - حدّثنا مُوسَى بنُ إسْماعِيلُ حَدثنَا عَبْدُ الوَاحِدِ حَدثنَا الأعْمَشُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا صالِحٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَعِنَ الله السَّارِقَ يَسْرِقُ البَيْضَةَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ، ويَسْرِقُ الحَبْلَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ) . (انْظُر الحَدِيث 3876) .
هَذَا حَدِيث قد مضى عَن قريب فِي: بَاب لعن السَّارِق إِذا لم يسم، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عمر بن حَفْص عَن أَبِيه عَن الْأَعْمَش عَن أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة. وَهنا أخرجه عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل الْمنْقري الْبَصْرِيّ الَّذِي يُقَال لَهُ التَّبُوذَكِي عَن عبد الْوَاحِد بن زِيَاد عَن سُلَيْمَان الْأَعْمَش عَن أبي صَالح ذكْوَان الزيات عَن أبي هُرَيْرَة ... الخ وَوجه إِعَادَته فِي هَذَا الْبَاب يُمكن أَن يكون إِشَارَة إِلَى أَن الْبَيْضَة وَالْحَبل الْمَذْكُور فيهمَا الْقطع مِمَّا يبلغ قيمتهمَا ربع دِينَار أَو عشرَة دَرَاهِم على الِاخْتِلَاف بِقَرِينَة الْأَحَادِيث الْمَذْكُورَة فِي هَذَا الْبَاب، فَلذَلِك خَتمهَا بِهَذَا الحَدِيث، وَقد ذكر بَعضهم هُنَا كلَاما لَا يعجب سامعه فَلذَلِك تركته.
41 - (بابُ تَوْبَةِ السَّارِقِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان تَوْبَة السَّارِق إِذا تَابَ أَي: هَل تفيده فِي رفع اسْم الْفسق عَنهُ حَتَّى تقبل شَهَادَته أم لَا؟ فَحَدِيث الْبَاب يدل(23/282)
على قبُول تَوْبَته لقَوْل عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا: فتابت وَحسنت توبتها، فَإِذا كَانَ كَذَلِك تسمع شَهَادَته، وَقد اخْتلف الْعلمَاء فِي قبُول شَهَادَته فِي كل شَيْء مِمَّا حد فِيهِ وَفِي غَيره فَقَالَ مَالك فِي الْقَذْف وَالزِّنَا وَالسَّرِقَة وَغَيرهَا، إِذا تَابُوا قبلت شَهَادَتهم إِذا زادوا فِي الصّلاح، وَعنهُ: تقبل فِي كل شَيْء إلاَّ فِي الْقَذْف وَالزِّنَا وَالسَّرِقَة، وَقَالَ أَصْحَابنَا: لَا تقبل شَهَادَة الْقَاذِف وَإِن تَابَ وَحسنت تَوْبَته وحاله، وَنقل الْبَيْهَقِيّ عَن الشَّافِعِي أَنه قَالَ: يحْتَمل أَن يسْقط كل حق لله تَعَالَى بِالتَّوْبَةِ، وَعَن اللَّيْث وَالْحسن: لَا يسْقط شَيْء من الْحُدُود، وَعَن الطَّحَاوِيّ: لَا يسْقط إلاَّ قطع الطَّرِيق لوُرُود النَّص فِيهِ.
0086 - حدّثنا إسْماعِيلُ بنُ عَبْدِ الله قَالَ: حدّثني ابنُ وهْبٍ عنْ يُونسَ عنِ ابنِ شِهابٍ عنْ عُرْوَةَ عنْ عائِشَةَ أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَطَعَ يَدَ امْرأةٍ، قالَتْ عائِشَةَ وكانَتْ تأتِي بَعْدَ ذلِكَ فأرْفَعُ حاجَتَها إِلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فتابَتْ وحَسُنَتْ تَوْبَتُها.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من آخر الحَدِيث لِأَن الْوَصْف بالْحسنِ يَقْتَضِي أَن هَذَا الْوَصْف إِنَّمَا يثبت للتائب مثل هَذَا.
وَإِسْمَاعِيل بن عبد الله هُوَ إِسْمَاعِيل بن أبي أويس يروي عَن عبد الله بن وهب الْمصْرِيّ عَن يُونُس بن يزِيد عَن مُحَمَّد بن مُسلم ابْن شهَاب الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة بن الزبير عَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا.
والْحَدِيث مضى بأتم مِنْهُ فِي الشَّهَادَات عَن إِسْمَاعِيل ابْن عبد الله إِلَى آخِره وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
1086 - حدّثنا عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ الجُعْفِيُّ حدّثنا هِشامُ بنُ يُوسُفَ أخبرنَا مَعْمَرٌ عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ أبي إدْرِيسَ عنْ عُبادَةَ بن الصَّامِتِ رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: بايَعْتُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي رَهْطٍ فَقَالَ: (أُبايِعُكُمْ عَلى أنْ لَا تُشْرِكُوا بِاللَّه شَيْئاً وَلَا تَسْرِقُوا وَلَا تَقْتُلُوا أوْلادَكُمْ وَلَا تَأْتوا بِبُهْتانٍ تَفْتَرُونهُ بَيْنَ أيْدِيَكُمْ وأرْجُلِكُمْ، وَلَا تَعْصُونِي فِي مَعْرُوف، فَمَنْ وَفاى مِنْكُمْ فأجْرُهُ عَلى الله، ومَنْ أصابَ من ذالِكَ شَيْئاً فأُخِذَ بِهِ فِي الدُّنيْا فَهْوَ كَفَّارَةٌ لهُ وطهُورٌ، ومَنْ سَتَرَهُ الله فَذالِكَ إِلَى الله إنْ شاءَ عَذَّبَهُ وإنْ شاءَ غَفَرَ لهُ) .
طابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن من أقيم عَلَيْهِ الْحَد وصف بالتطهر فَإِذا انْضَمَّ إِلَى ذَلِك أَنه تَابَ فَإِنَّهُ يعود إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ فيقتضى ذَلِك قبُول شَهَادَته أَيْضا.
وَأخرجه عَن عبد الله بن مُحَمَّد بن الْيَمَان أبي جَعْفَر الْجعْفِيّ بِضَم الْجِيم وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وبالفاء نِسْبَة إِلَى جَعْفَر بن سعد الْعَشِيرَة من مذْحج، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: هُوَ أَبُو قَبيلَة من الْيمن وَالنِّسْبَة إِلَيْهِ كَذَلِك وَهُوَ الْمَعْرُوف بالمسندي، وَمعمر بِفَتْح الميمين هُوَ ابْن رَاشد، وَأَبُو إِدْرِيس عَائِذ الله.
والْحَدِيث مضى فِي الْإِيمَان عقيب: بَاب عَلامَة الْإِيمَان فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن أبي الْيَمَان عَن شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ عَن أبي إِدْرِيس عَائِد الله بن عبد الله عَن عبَادَة بن الصَّامِت إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَالَ أبُو عَبْدِ الله: إِذا تابَ السَّارِقُ بَعْدَ مَا قُطِعَ يَدُهُ قُبِلَتْ شَهادَتُهُ، وكُلُّ مَحْدُودٍ كَذالِكَ إِذا تَابَ قُبِلَتْ شَهادَتُهُ.
أَبُو عبد الله هُوَ البُخَارِيّ نَفسه، هَذَا ثَبت فِي رِوَايَة أبي ذَر عَن الْكشميهني وَحده، وَفِيه خلاف، وَمضى الْكَلَام فِيهِ عَن قريب. قَوْله: (إِذا تَابَ قبلت شَهَادَته) وَفِي بعض النّسخ: إِذا تَابَ أَصْحَابهَا قبلت شَهَادَتهم، وَالله أعلم.(23/283)
51 - (كِتابُ المُحارِبِينَ مِنْ أهْلِ الكُفْرِ والرِّدَّةِ)
أَي هَذَا كتاب فِي بَيَان أَحْكَام الْمُحَاربين من أهل الْكفْر وَالرِّدَّة، وَقَالَ بَعضهم فِي كَون هَذِه التَّرْجَمَة فِي هَذَا الْموضع إِشْكَال وأظنها مِمَّا انْقَلب على الَّذين نسخوا كتاب الْبَارِي من المسودة، وَالَّذِي يظْهر أَن محلهَا بَين كتاب الدِّيات وَبَين اسْتِتَابَة الْمُرْتَدين، وَأطَال الكلامم فِيهِ.
قلت: هَذَا بعيد جدا لتوفر الدَّوَاعِي من ضباط هَذَا الْكتاب من حِين أَلفه البُخَارِيّ إِلَى يَوْمنَا وَلَا سِيمَا اطلَاع خلق كثير من أكَابِر الْمُحدثين وأكابر الشُّرَّاح عَلَيْهِ. والمناسبة فِي وضع هَذِه التَّرْجَمَة هُنَا مَوْجُودَة لِأَن كتاب الحدودالذي قبله مُشْتَمل على أَبْوَاب مُشْتَمِلَة على شرب الْخمر وَالسَّرِقَة وَالزِّنَا، وَهَذِه معاصٍ دَاخِلَة فِي محاربة الله وَرَسُوله. وَأَيْضًا قد ثَبت فِي بعض النّسخ فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ بعد قَوْله: من أهل الْكفْر وَالرِّدَّة، وَمن يجب عَلَيْهِ حد الزِّنَا، وقدضم حد الزِّنَا إِلَى الْمُحَاربين فَيكون دَاخِلا فِيهَا لإفضائه إِلَى الْقَتْل فِي بعض الصُّور، وَقَالَ هَذَا الْقَائِل أَيْضا: وعَلى هَذَا فَالْأولى أَن يُبدل لفظ كتاب بِبَاب وَتَكون الْأَبْوَاب كلهَا دَاخِلَة فِي كتاب الْحُدُود.
قلت: فِيهِ أَبْوَاب لَا تتَعَلَّق إلاَّ بِغَيْر مَا تتَعَلَّق بالمحاربين فحينئذٍ ذكره بِلَفْظ كتاب أولى لِأَنَّهُ يشْتَمل على أَبْوَاب.
وقَوْلِ الله تَعَالَى: {إِنَّمَا جَزَآءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِى الاَْرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُو اْ أَوْ يُصَلَّبُو اْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الاَْرْضِ ذاَلِكَ لَهُمْ خِزْىٌ فِى الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِى الاَْخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (الْمَائِدَة: 33) [/ ح.
وَقَول الله: بِالْجَرِّ عطف على الْمُحَاربين، سيقت هَذِه الْآيَة الْكَرِيمَة إِلَى {من الأَرْض} فِي رِوَايَة كَرِيمَة وَغَيرهَا، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر {إِنَّمَا جَزَاء الَّذين يُحَاربُونَ الله وَرَسُوله} . . الْآيَة. وَظَاهر كَلَام البُخَارِيّ أَنه يُرِيد بالذين يُحَاربُونَ الله وَرَسُوله فِي الْآيَة الْكَرِيمَة الْكفَّار لَا قطاع الطَّرِيق. وَقَالَ الْجُمْهُور: هِيَ فِي حق القطاع، وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأَبُو ثَوْر، وَمِمَّنْ قَالَ: إِن هَذِه الْآيَة نزلت فِي أهل الشّرك: الْحسن وَالضَّحَّاك وَعَطَاء وَالزهْرِيّ، وَقَالَ ابْن الْقصار: وَقيل: نزلت فِي أهل الذِّمَّة الَّذين نقضوا الْعَهْد، وَقيل: فِي الْمُرْتَدين، وَكله خطأ، وَلَيْسَ قَول من قَالَ: إِن الْآيَة، وَإِن كَانَت نزلت فِي الْمُسلمين، منَاف فِي الْمَعْنى لقَوْل من قَالَ: إِنَّهَا نزلت فِي أهل الرِّدَّة وَالْمُشْرِكين، لِأَن الْآيَة، وَإِن كَانَت نزلت فِي الْمُرْتَدين بأعيانهم فلفظها عَام يدْخل فِي مَعْنَاهُ كل من فعل مثل فعلهم من الْمُحَاربَة وَالْفساد فِي الأَرْض.
وَأما تَرْتِيب أَقْوَال الْعلمَاء الَّذين جعلُوا الْآيَة نزلت فِي الْمُسلمين فِي حد الْمُحَارب الْمُسلم. فَقَالَ مَالك: إِذا أشهر السِّلَاح وأخاف السَّبِيل وَلم يقتل وَلم يَأْخُذ مَالا كَانَ الإِمَام مُخَيّرا فِيهِ، فَإِن رأى أَن يقْتله أَو يصلبه أَو يقطع يَده وَرجله من خلاف، أَو يَنْفِيه فعل ذَلِك. وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ وَالشَّافِعِيّ: إِذا لم يقتل وَلَا أَخذ مَالا لم يكن عَلَيْهِ إلاَّ التعزيز وَإِنَّمَا يقْتله الإِمَام إِن قتل ويقطعه إِن سرق ويصلبه إِذا أَخذ المَال وَقتل وينفيه إِذا لم يفعل شَيْئا من ذَلِك، وَلَا يكون الإِمَام مُخَيّرا فِيهِ، وَالنَّفْي عِنْد الشَّافِعِي التَّعْزِير بِالْإِخْرَاجِ من بَلَده. وَقَالَ: الْجُمْهُور من الْمَالِكِيَّة: النَّفْي الْحَبْس فِي بلد آخر وَفِي (التَّلْوِيح) : قَول أبي حنيفَة: الْحَبْس ضد النَّفْي وَالنَّفْي هُوَ الْإِخْرَاج عَن الوطن لِأَنَّهُ أبلغ فِي الردع ثمَّ يحبس فِي الْمَكَان الَّذِي يخرج إِلَيْهِ حَتَّى تظهر تَوْبَته، هَذِه حَقِيقَة النَّفْي.
2086 - حدّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله حدّثنا الوَلِيدُ بنُ مُسْلِمٍ حدّثنا الأوْزاعِيُّ حدّثني يَحْيَاى بنُ أبي كَثِير قَالَ: حدّثني أبُو قِلابَةَ الجرْمِيُّ عنْ أنَسٍ رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: قَدِمَ عَلى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَفَرٌ منْ عُكْلٍ فأسْلَمُوا، فاجْتَوَوْا المَدِينَة فأمَرَهُمْ أنْ يَأْتُوا إبِلَ الصَّدَقَةِ فَيَشْرَبُوا مِنْ أبْوالِها وألْبانِها، فَفَعَلُوا فَصَحُّوا فارْتَدُّوا وقَتلُوا رُعاتَها واسْتاقوها، فَبَعَثَ فِي آثارِهمْ فأُتِي بِهِمْ فَقَطَعَ أيْدِيَهُمْ وأرْجُلَهُمْ وسَمَلَ أعْيُنَهُمْ ثمَّ لَمْ يَحْسِمْهُمْ حَتَّى ماتُوا.(23/284)
قَالَ ابْن بطال: ذهب البُخَارِيّ إِلَى أَن آيَة الْمُحَاربَة نزلت فِي أهل الْكفْر وَالرِّدَّة، وسَاق حَدِيث العرنيين، وَلَيْسَ فِيهِ تَصْرِيح بذلك، وَلَكِن روى عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن قَتَادَة حَدِيث العرنيين وَفِي آخِره قَالَ: فَبَلغنَا أَن هَذِه الْآيَة نزلت فيهم: {إِنَّمَا جَزَاء الَّذين يُحَاربُونَ الله وَرَسُوله} (الْمَائِدَة: 33)
الْآيَة. وَوَقع مثله فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
وَشَيخ البُخَارِيّ عَليّ بن عبد الله الْمَعْرُوف بِابْن الْمَدِينِيّ، والوليد بن مُسلم الْأمَوِي، وَالْأَوْزَاعِيّ عبد الرَّحْمَن بن عَمْرو، وَأَبُو قلَابَة بِكَسْر الْقَاف عبد الله بن الْجرْمِي بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الرَّاء أُرِيد على الْقَضَاء بِالْبَصْرَةِ فهرب إِلَى الشَّام فَمَاتَ بهَا سنة أَربع أَو خمس وَمِائَة فِي ولَايَة يزِيد بن عبد الْملك.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْوضُوء فِي: بَاب أَبْوَال الْإِبِل وَالدَّوَاب وَالْغنم، عَن سُلَيْمَان بن حَرْب وَفِي الْجِهَاد عَن مُعلى بن أَسد وَفِي التَّفْسِير عَن عَليّ بن عبد الله وَفِي الدِّيات عَن قُتَيْبَة.
قَوْله: (نفر من عكل) النَّفر رَهْط الْإِنْسَان وعشيرته وَهُوَ اسْم جمع يَقع على جمَاعَة من الرِّجَال خَاصَّة مَا بَين الثَّلَاثَة إِلَى الْعشْرَة، وَلَا وَاحِد لَهُ من لَفظه، وعكل بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْكَاف قَبيلَة. قَوْله: (فاجتووا) من الاجتواء أَي: كَرهُوا الْإِقَامَة بِالْمَدِينَةِ لسقم أَصَابَهُم. قَوْله: (وسمل أَعينهم) ، أَي: فقأها وأذهب مَا فِيهَا. قَوْله: (وَلم يحسمهم) يُقَال: حسم الْعرق كواه بالنَّار لينقطع دَمه، وقدمرا لكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى.
61 - (بابٌ لَمْ يَحْسِمِ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم المُحارِبِينَ مِنْ أهْلِ الرِّدَّةِ حتَّى هَلَكُوا)
أَي: هَذَا بَاب يذكرفيه لم يحسم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وقدمر تَفْسِير الحسم الْآن، وَقَالَ الدَّاودِيّ: الحسم هُنَا أَن تُوضَع اليدبعد الْقطع فِي زَيْت حَار، هَذَا من صور الحسم وَلَيْسَ مَقْصُورا عَلَيْهِ.
3086 - حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ الصَّلْتِ أبُو يَعْلَى حدّثنا الوَلِيدُ حدّثني الأوْزاعِيُّ عنْ يَحْيَاى عنْ أبي قِلابَةَ عَن أنَسٍ: أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَطَعَ العُرَنِيِّينَ ولَمْ يحسِمْهُمْ حتَّى ماتُوا.(23/285)
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث أنس وضع لَهُ تَرْجَمَة سمر الْأَعْين.
وَأخرجه عَن قُتَيْبَة عَن حَمَّاد بن زيد عَن أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ عَن أبي قلَابَة عبد الله عَن أنس.
قَوْله: (بلقاح) بِكَسْر اللَّام جمع اللقحة وَهِي النَّاقة الحلوب. قَوْله: (حَتَّى إِذا برئوا) من برأت من الْمَرَض أَبْرَأ بِالْفَتْح فَأَنا بارىء، وأبرأني الله من الْمَرَض وغي أهل الْحجاز يَقُولُونَ: بَرِئت بِالْكَسْرِ برأَ بِالضَّمِّ. قَوْله: (النعم) بِفتْحَتَيْنِ واحدالأنعام وَهِي المَال الراعية وَأكْثر مَا يَقع هَذَا الِاسْم على الْإِبِل، قَالَ الْفراء: هَذَا ذكر لَا يؤنث، يقولو: هَذَا نعم وَارِد، وَيجمع على: نعْمَان، مثل: جمل وجملان، والإنعام يذكر وَيُؤَنث. قَوْله: (حَتَّى جِيءَ بهم) وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: حَتَّى أُتي بهم. قَوْله: (وألقوا) بِضَم الْهمزَة على صِيغَة الْمَجْهُول.
قَوْله: (قَالَ أَبُو قلَابَة) هُوَ عبد الله الرَّاوِي. قَوْله: (هَؤُلَاءِ) أَي: العكليون أَو العرنيون (قوم سرقوا)
الخ.(23/286)
91 - (بابُ فَضْلِ مَنْ تَرَكَ الفَواحِشَ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان فضل من ترك الْفَوَاحِش جمع فَاحِشَة وَهِي كل مَا اشْتَدَّ قبحه من الذُّنُوب فعلا أَو قولا، وَكَذَا الْفَحْشَاء وَالْفُحْش، وَمِنْه الْكَلَام الْفَاحِش، وَيُطلق غَالِبا على الزِّنَا وَمِنْه قَوْله عز وَجل: {وَلَا تقربُوا الزِّنَا إِنَّه كَانَ فَاحِشَة} (الْإِسْرَاء: 23) .
6086 - حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ سَلامِ أخبرنَا عَبْدُ الله عنْ عُبَيْدِ الله بنِ عُمَرَ عنْ خُبَيْبِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمانِ عنْ حَفْصٍ بنِ عاصِمٍ عنْ أبي هُرَيْرَةَ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ الله يَوْمَ القِيامَةِ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إلاّ ظِلُّهُ: إمامٌ عادِلٌ، وشابٌّ نَشَأ فِي عِبادَةِ الله، ورَجُلٌ ذَكَرَ الله فِي خَلاءِ فَفاضَتْ عَيْناهُ، ورَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي المَسْجِدِ، ورَجُلانِ تَحابَّا فِي الله، ورَجُلٌ دَعَتْهُ امْرأةٌ ذاتُ مَنْصِبٍ وجَمالٍ إِلَى نَفْسِها، قَالَ: إِنِّي أخافُ الله، ورَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فأخْفاها حتَّى لَا تَعْلَمَ شِمالُهُ مَا صَنَعَتْ يَمِينُهُ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (وَرجل دَعَتْهُ امْرَأَة) إِلَى قَوْله: (وَرجل تصدق) وَلَا يخفى فضل هَذَا، عِنْد الله تَعَالَى.
قَوْله: حَدثنَا مُحَمَّد بن سَلام ويروى حَدثنِي مُحَمَّد بن سَلام، وَقد وَقع فِي غَالب النّسخ: مُحَمَّد، غير مَنْسُوب فَقَالَ أَبُو عَليّ الغساني: وَقع فِي رِوَايَة الْأصيلِيّ مُحَمَّد بن مقَاتل، وَفِي رِوَايَة الْقَابِسِيّ مُحَمَّد بن سَلام. قَالَ الْكرْمَانِي: وَالْأول هُوَ الصَّوَاب.
قلت: لِأَنَّهُ قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد أخبرنَا عبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك وَمُحَمّد بن مقَاتل مَشْهُور بالرواية عَنهُ وَكِلَاهُمَا مروزيان، وَعبيد الله بن عمر بن حَفْص بن عَاصِم بن عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وخبيب بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف ثمَّ بَاء مُوَحدَة ابْن عبد الرَّحْمَن بن خبيب الْأنْصَارِيّ الْمدنِي، وَحَفْص بن عَاصِم بن عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
والْحَدِيث مضى فِي الزَّكَاة عَن مُسَدّد، وَفِي الصَّلَاة وَفِي الرقَاق عَن مُحَمَّد بن بشار، ومضي الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (إلاَّ ظله) إِضَافَة الظل إِلَى الله تَعَالَى إِضَافَة تشريف إِذْ الظل الْحَقِيقِيّ هُوَ منزه عَنهُ لِأَنَّهُ من خَواص الْأَجْسَام، وَقيل: ثمَّة مَحْذُوف أَي: ظلّ عَرْشه، وَقيل: المُرَاد مِنْهُ الكنف من المكاره فِي ذَلِك الْموقف الَّذِي تَدْنُو الشَّمْس مِنْهُم ويشتد عَلَيْهِم الْحر ويأخذهم الْعرق، يُقَال: فلَان فِي ظلّ فلَان أَي: فِي كنفه وحمايته. قَوْله: (عَادل) هُوَ الْوَاضِع كل شَيْء فِي مَوْضِعه. قَوْله: (وشاب) قيل: لم يقل: رجل، لِأَن الْعِبَادَة فِي الشَّاب أشق وَأَشد لغَلَبَة الشَّهَوَات. قَوْله: (فِي خلاء) أَي: فِي مَوضِع هُوَ وَحده إِذْ لَا يكون فِيهِ شَائِبَة الرِّيَاء. قَوْله: (فَفَاضَتْ عَيناهُ) قيل: الْعين لَا تقبض بل الدمع. وَأجِيب: أَنه أسْند الْفَيْض إِلَيْهَا مُبَالغَة كَقَوْلِه تَعَالَى: {ترى أَعينهم تفيض من الدمع} (الْمَائِدَة: 38) قَوْله: (فِي الْمَسْجِد) أَي: بِالْمَسْجِدِ، وَمَعْنَاهُ شَدِيد الْمُلَازمَة للْجَمَاعَة فِيهِ. قَوْله: (تحابا) أَصله: تحابيا أدغمت الْبَاء فِي الْبَاء قَالَ الْكرْمَانِي: هُوَ نَحْو تبَاعد، إِلَّا نَحْو: تجاهلا، قَوْله: (فِي الله) أَي: بِسَبَبِهِ كَمَا ورد: فِي النَّفس المؤمنة مائَة من إبل أَي: بِسَبَبِهَا أَي: لَا تكون الْمحبَّة لغَرَض دُنْيَوِيّ. قَوْله: (ذَات منصب) أَي: ذَات حسب وَنسب وخصصها بِالذكر لِكَثْرَة الرَّغْبَة فِيهَا. قَوْله: (لَا تعلم) يجوز بِالرَّفْع وَالنّصب وَذكر الْيَمين وَالشمَال مُبَالغَة فِي الْإخْفَاء أَي: لَو قدرت الشمَال رجلا متيقظاً لما علم صَدَقَة الْيَمين لمبالغته فِي الْإِسْرَار وَهَذَا فِي صَدَقَة التَّطَوُّع.
7086 - حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ أبي بَكْرٍ حدّثنا عُمَرُ بنُ عَلِيٍّ.
(ح) وحدّثني خَلِيفَةُ حدّثنا عُمَرُ بنُ عَليٍّ حدّثنا أبُو حازِمٍ عنْ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (مَنْ تَوَكَّلَ لِي مَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ وَمَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ تَوَكَّلْتُ لهُ بالجَنَّةِ) . (انْظُر الحَدِيث 4746) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن من حفظ لِسَانه وفرجه يكون لَهُ فضل من ترك الْفَوَاحِش.
وَمُحَمّد بن أبي بكر الْمقدمِي بِلَفْظ اسْم الْمَفْعُول من التَّقْدِيم، يروي عَن عَمه عمر بن عَليّ وَهُوَ مَوْصُوف بالتدليس، لكنه صرح بِالتَّحْدِيثِ فِي هَذِه(23/287)
الرِّوَايَة، وَقد أوردهُ فِي الرقَاق عَن مُحَمَّد بن أبي بكر وَحده وقرنه هُنَا بخليفة بن خياط. وسَاق الحَدِيث على لفظ خَليفَة وَهُوَ أَيْضا من مشايخه، وَأَبُو حَازِم بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي واسْمه سَلمَة بن دِينَار الْأَعْرَج.
والْحَدِيث أخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الزّهْد عَن مُحَمَّد بن عبد الْأَعْلَى وَقَالَ: حَدِيث حسن صَحِيح غَرِيب.
قَوْله: (من توكل) أَي: من تكفل، وأصل التَّوْكِيل الِاعْتِمَاد على الشَّيْء والوثوق بِهِ. قَوْله: (مَا بَين رجلَيْهِ) أَي: فرجه. قَوْله: (وَمَا بَين لحييْهِ) أَي: لِسَانه، وَقيل: نطقه ولحييه بفت اللَّام وَهُوَ مبنت اللِّحْيَة والأسنان وَيجوز كسر اللَّام، وَإِنَّمَا ثنى لِأَن لَهُ أَعلَى وأسفل، وَأكْثر بلَاء الْإِنْسَان من هذَيْن العضوين، فَمن سلم من ضررهما فقد سلم من الْعَذَاب. قَوْله: (لَهُ بِالْجنَّةِ) ، بِالْبَاء عِنْد الْأَكْثَرين وَفِي رِوَايَة أبي ذَر عَن الْمُسْتَمْلِي والسرخسي بِحَذْف الْبَاء.
02 - (بابُ إثْمِ الزُّناةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان إِثْم الزناة، وَهُوَ جمع زانٍ كعصاة جمع عَاص، وَتعلق هَذَا الْبَاب بِالْكتاب ارْتِكَاب مَا حرم الله وَهُوَ دَاخل فِي محاربة الله وَرَسُوله.
وقَوْلِ الله تَعَالَى: {وَلَا يزنون} (الْفرْقَان: 86) {وَلَا تقربُوا الزِّنَا إِنَّه كَانَ فَاحِشَة وساء سَبِيلا} (الْإِسْرَاء: 23)
وَقَول الله بِالْجَرِّ عطف على إِثْم الزناة. قَوْله: {وَلَا يزنون} من الْآيَة الَّتِي فِي الْفرْقَان وأولها: {وَالَّذين لَا يدعونَ مَعَ الله إِلَهًا آخر وَلَا يقتلُون النَّفس الَّتِي حرم الله إلاّ بِالْحَقِّ وَلَا يزنون} ... الْآيَة وَعَن ابْن عَبَّاس أَن نَاسا من أهل الشّرك قد قتلوا فَأَكْثرُوا وزنوا فَأَكْثرُوا ثمَّ أَتَوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقَالُوا: إِن الَّذِي تَقول وتدعونا إِلَيْهِ لحسن لَو تخبرنا أَن لما عَمِلْنَاهُ كَفَّارَة، فَنزلت: {وَالَّذين لَا يدعونَ} الْآيَة وَقيل: نزلت فِي وَحشِي غُلَام بن مطعم. قَوْله: {وَلَا تقربُوا} الْآيَة بِالْقصرِ على الْأَكْثَر والمدلغة، وَالْمرَاد مِنْهُ النَّهْي عَن مُقَدمَات الزِّنَا كالمس والتقبيل وَنَحْوهمَا، وَلَو كَانَ المُرَاد مِنْهُ نفس الزِّنَا لقَالَ: لَا تَزْنُوا.
9086 - حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى أخبرنَا إسْحاقُ بنُ يُوسُفَ أخبرنَا الفُضَيْلُ بنُ غَزْوانَ عنْ عِكْرِمَةَ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَا يَزْنِي العَبْدُ حِينَ يَزْنِي وهْوَ مُؤْمنٌ،(23/288)
وَلَا يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وهْوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ حينَ يَشْرَبُ وهْوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَقْتُلُ وهْوَ مُؤْمِنٌ) . (انْظُر الحَدِيث 2876) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي أول الحَدِيث وَإِسْحَاق بن يُوسُف الوَاسِطِيّ الْمَعْرُوف بالأزرق، والفضيل مصغر فضل بالضاد الْمُعْجَمَة ابْن غَزوَان بِفَتْح الْعين الْمُعْجَمَة وَسُكُون الزَّاي.
والْحَدِيث مر فِي أول كتاب الْحُدُود وَهُنَاكَ فِيهِ: قَضِيَّة النهبة، وَهنا قَوْله: وَلَا يقتل وَهُوَ مُؤمن وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَالَ عِكْرِمَةُ: قُلْتُ لابْنِ عَبَّاسٍ: كَيْفَ يُنْزَعُ الإيمانُ مِنْهُ؟ قَالَ: هاكَذَا، وشَبَّكَ بَيْنَ أصابِعِهِ ثُمَّ أخْرَجَها، فإنْ تابَ عادَ إلَيْهِ هاكَذا، وشَبَّكَ بَيْنَ أصابِعِهِ.
قَوْله: (قَالَ عِكْرِمَة) ، مَوْصُول بالسند الْمَذْكُور. قَوْله: (كَيفَ ينْزع الْإِيمَان مِنْهُ؟) يَعْنِي: عِنْد ارْتِكَاب إِحْدَى هَذِه الْأُمُور الْمَذْكُورَة وَهِي الزِّنَا وَالسَّرِقَة وَشرب الْخمر وَقتل النَّفس الْمُحرمَة. قَوْله: (فَإِن تَابَ) أَي: المرتكب من هَذِه الْأُمُور عَاد أَي الْإِيمَان إِلَيْهِ.
0186 - حدّثنا آدَمُ حدّثنا شُعْبَةُ عنِ الأعْمَشِ عنْ ذَكْوَان عنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وهْوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وهْوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ حِينَ يَشْرَبُ وهْوَ مُؤْمِنٌ، والتَّوْبَةُ مَعْرُوضَةٌ بَعْدُ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (لَا يَزْنِي الزَّانِي حِين يَزْنِي وَهُوَ مُؤمن) .
وآدَم هوابن أبي إِيَاس يروي عَن شُعْبَة عَن سُلَيْمَان الْأَعْمَش عَن ذكْوَان بِفَتْح الذَّال الْمُعْجَمَة هُوَ أَبُو صَالح الزيات.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْإِيمَان، وَالنَّسَائِيّ فِي الْقطع وهما جَمِيعًا عَن مُحَمَّد بن الْمثنى.
قَوْله: (وَالتَّوْبَة معروضة بعد) أَي: معروضة على فاعلها بعد ذَلِك، يَعْنِي: بَاب التَّوْبَة مَفْتُوح عَلَيْهِ بعد فعلهَا.
1186 - حدّثنا عَمْرُو بنُ عَليٍّ حَدثنَا يَحْيَاى حَدثنَا سُفْيانُ قَالَ: حدّثني مَنْصُورٌ وسُلَيْمانُ عنْ أبي وائِلٍ عنْ أبي مَيْسَرَةَ عنْ عَبْدِ الله رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رسُولَ الله {أيُّ الذَّنْبِ أعْظَمُ؟ قَالَ: قَوْله: (أنْ تَجْعَلَ لله نِدًّا وهْوَ خَلَقَكَ) قُلْتُ: ثُمَّ أيٌّ؟ قَالَ: (أنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ مِنْ أجْلِ أنْ يَطْعَمَ مَعَكَ) . قُلْتُ: ثُمَّ أيٌّ؟ قَالَ: (أنْ تُزَانِيَ حَليلَةَ جارِكَ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (أَن تُزَانِي حَلِيلَة جَارك) . وَعَمْرو بِالْوَاو ابْن عَليّ هُوَ الفلاس، وَيحيى هُوَ ابْن سعيد الْقطَّان، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ، وَمَنْصُور هُوَ ابْن الْمُعْتَمِر، وَسليمَان هُوَ ابْن مهْرَان الْأَعْمَش، وَأَبُو وَائِل هُوَ شَقِيق بن سَلمَة، وَأَبُو ميسرَة ضد الميمنة اسْمه عمر بن شُرَحْبِيل، وَعبد الله هُوَ ابْن مَسْعُود.
قَوْله: (أَي الذَّنب أعظم؟) هَذَا رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَقع فِي رِوَايَة عَاصِم عَن أبي وَائِل عَن عبد الله: أعظم الذَّنب عِنْد الله. وَفِي رِوَايَة أبي عُبَيْدَة بن معن عَن الْأَعْمَش: أَي الذُّنُوب أكبر عِنْد الله؟ وَفِي رِوَايَة الْأَعْمَش عِنْد أَحْمد وَغَيره: أَي الذَّنب أكبر؟ وَفِي رِوَايَة الْحُسَيْن بن عبد الله عَن وَائِل: أكبر الْكَبَائِر.
والْحَدِيث مضى فِي التَّفْسِير عَن عُثْمَان ابْن أبي شيبَة. وَفِيه أَيْضا: عَن مُسَدّد وَفِي الْأَدَب عَن مُحَمَّد بن كثير وَسَيَجِيءُ فِي التَّوْحِيد عَن قُتَيْبَة.
قَوْله: (من أجل) فِي كثير من النّسخ: أجل، بِدُونِ كلمة: من، بِفَتْح اللَّام وَفَسرهُ الشُّرَّاح بِمن أجل فَحذف الْجَار وانتصب، وَذكر الْأكل لِأَنَّهُ كَانَ الْأَغْلَب من حَال الْعَرَب. قَوْله: (أَن تُزَانِي) ويروى: أَن تَزني بحليلة جَارك قَوْله: (حَلِيلَة جَارك) أَي: امْرَأَة جَارك، وَالرجل حليل لِأَن كل وَاحِد مِنْهُمَا يحل على صَاحبه. وَقيل: حَلِيلَة بِمَعْنى محللة من الْحَلَال، وَإِنَّمَا عظم الزِّنَا بحليلة جَاره وَإِن كَانَ الزِّنَا كُله عَظِيما لِأَن الْجَار لَهُ من الْحُرْمَة وَالْحق مَا لَيْسَ لغيره، وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَا يُؤمن من لم يَأْمَن جَاره بوائقه) .
قَالَ يَحْيَاى وحدّثنا سُفْيانُ حدّثني واصلٌ عنْ أبي وائِلٍ عنْ عَبْدِ الله قلْتُ: يَا رسولَ الله} ... مِثْلهُ.(23/289)
أَي: قَالَ يحيى الْمَذْكُور وَحدثنَا سُفْيَان الثَّوْريّ قَالَ: حَدثنِي وَاصل بن حَيَّان بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف الْمَعْرُوف بالأحدب عَن أبي وَائِل شَقِيق عَن عبد الله بن مَسْعُود. قَالَ: قلت يَا رَسُول الله! أَي الذَّنب أعظم؟ ... فَذكر الحَدِيث مثله، أَي: مثل حَدِيث أبي وَائِل عَن ميسرَة عَن عبد الله بن مَسْعُود، وَهنا لم يذكر أَبُو وَائِل أَبَا ميسرَة.
قَالَ عَمْرٌ و: فَذَكَرْتُهُ لِعَبْدِ الرَّحْمانِ، وكانَ حدّثنا عنْ سُفْيانَ عنِ الأعْمَشِ ومَنْصُورٍ وواصِلٍ عنْ أبي وائِلٍ عنْ أبي مَيْسَرَةَ، قَالَ: دَعْهُ دعْهُ.
أَي: قَالَ عَمْرو بن عَليّ الْمَذْكُور: فَذَكرته، أَي: الحَدِيث الْمَذْكُور لعبد الرَّحْمَن بن مهْدي، وَكَانَ أَي: وَالْحَال أَن عبد الرَّحْمَن كَانَ حَدثنَا بِهَذَا الحَدِيث عَن سُفْيَان الثَّوْريّ عَن سُلَيْمَان الْأَعْمَش وَمَنْصُور بن الْمُعْتَمِر وواصل الأحدب ثَلَاثَتهمْ شَقِيق عَن أبي ميسرَة عَمْرو بن شُرَحْبِيل قَوْله: (قَالَ دَعه دَعه) أَي قَالَ عبد الرَّحْمَن دع الْإِسْنَاد أَي الْإِسْنَاد الَّذِي لَيْسَ فِيهِ ذكر أبي ميسرَة بَين أبي وَائِل وَعبد الله بن مَسْعُود، وَحَاصِله أَن أَبَا وَائِل، وَإِن كَانَ قد روى كثيرا، عَن عبد الله بن مَسْعُود، إِلَّا أَن هَذَا الحَدِيث لم يروه عَنهُ، قَالَ الْكرْمَانِي: كَيفَ جَازَ الطعْن عَلَيْهِ وَقد ثبتَتْ رِوَايَته عَنهُ كثيرا؟ . وَأجَاب بقوله: لم يطعن عَلَيْهِ وَلكنه أَرَادَ تَرْجِيح طَرِيق ترك الْوَاسِطَة لموافقة الْأَكْثَرين.
12 - (بابُ رَجْمِ المُحْصَنِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم رجم الْمُحصن. وَوَقع هُنَا قبل ذكر الْبَاب عِنْد ابْن بطال: كتاب الرَّجْم، ثمَّ قَالَ: بَاب الرَّجْم، وَلم يَقع ذَلِك فِي الرِّوَايَات الْمُعْتَمدَة، والمحصن بِفَتْح الصَّاد على صِيغَة اسْم الْمَفْعُول من الْإِحْصَان وَهُوَ الْمَنْع فِي اللُّغَة. وَجَاء فِيهِ كسر الصَّاد، فَمَعْنَى الْفَتْح أحصن نَفسه بالتزوج عَن عمل الْفَاحِشَة، وَمعنى الْكسر على الْقيَاس وَهُوَ ظَاهر، وَالْفَتْح على غير الْقيَاس. قَالَ ابْن الْأَثِير: وَهُوَ أحد الثَّلَاثَة الَّتِي جئن نَوَادِر، يُقَال: أحصن فَهُوَ مُحصن، وأسهب فَهُوَ مسهب، والفج فَهُوَ ملفج: وَقَالَ ابْن فَارس والجوهري: هَذَا أحد مَا جَاءَ: أفعل فَهُوَ مفعل، بِالْفَتْح يَعْنِي فتح الصَّاد، وَقَالَ ثَعْلَب: كل امرىء عفيف فَهُوَ مُحصن، وكل امْرَأَة متزوجة فبالفتح لَا غير.
وَقَالَ أَصْحَابنَا: شُرُوط الْإِحْصَان فِي الرَّجْم سَبْعَة: الْحُرِّيَّة وَالْعقل وَالْبُلُوغ وَالْإِسْلَام وَالْوَطْء وَالسَّادِس الْوَطْء بِنِكَاح صَحِيح وَالسَّابِع كَونهمَا محصنين حَالَة الدُّخُول بِنِكَاح صَحِيح. وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: الْإِسْلَام لَيْسَ بِشَرْط لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجم يهوديين. قُلْنَا: كَانَ ذَلِك بِحكم التَّوْرَاة قبل نزُول آيَة الْجلد فِي أول مَا دخل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة، فَصَارَ مَنْسُوخا بهَا. وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: وَأَجْمعُوا على أَنه لَا يكون الْإِحْصَان بِالنِّكَاحِ الْفَاسِد وَلَا الشُّبْهَة، وَخَالفهُم أَبُو ثَوْر فَقَالَ: يكون مُحصنا، وَاخْتلفُوا إِذا تزوج الْحر أمة هَل تحصنه؟ فَقَالَ الْأَكْثَرُونَ: نعم، وَعَن عَطاء وَالْحسن وَقَتَادَة وَالثَّوْري والكوفيين وَأحمد وَإِسْحَاق لَا. وَاخْتلفُوا إِذا تزوج كِتَابِيَّة، فَقَالَ إِبْرَاهِيم وطاووس وَالشعْبِيّ: لَا تحصنه، وَعَن الْحسن: لَا تحصنه حَتَّى يطَأ فِي الْإِسْلَام، وَعَن جَابر ابْن زيد وَابْن الْمسيب: تحصنه، وَبِه قَالَ عَطاء وَسَعِيد بن جُبَير.
وَقَالَ الحَسَنُ: مَنْ زَنَى بأُخْتِهِ حَدُّهُ حدُّ الزَّانِي.
أَي: قَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ، كَذَا وَقع فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَعَن الْكشميهني وَحده قَالَ: مَنْصُور، بدل الْحسن، وزيفوه. قَوْله: (حد الزَّانِي) أَي: كَحَد الزِّنَا وَهُوَ الْجلد، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: حَده حد الزِّنَا، وروى ابْن أبي شيبَة عَن حَفْص بن غياث قَالَ: سَأَلت عمر: مَا كَانَ الْحسن يَقُول فِيمَن تزوج ذَات محرم وَهُوَ يعلم؟ قَالَ: عَلَيْهِ الْحَد، وروى أَيْضا من طَرِيق جَابر بن زيد، وَهُوَ أَبُو الشعْثَاء التَّابِعِيّ الْمَشْهُور فِيمَن أَتَى ذَات محرم مِنْهُ قَالَ: يضْرب عُنُقه.
2186 - حدّثنا آدَمُ حدّثنا شُعْبَةُ حدّثنا سَلَمَةُ بنُ كُهيْلٍ قَالَ: سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ يحَدِّثُ عنْ عَليٍّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، حِينَ رجَمَ المَرْأةَ يَوْمَ الجُمُعَةِ، وَقَالَ: قَدْ رجَمتُها بِسُنَّةِ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.(23/290)
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وآدَم هُوَ ابْن أبي إِيَاس، وَسَلَمَة بن كهيل مصغر كهل وَالشعْبِيّ عَامر بن شرَاحِيل، وَعلي هُوَ ابْن أبي طَالب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الرَّجْم عَن عَمْرو بن يزِيد وَغَيره، وقصتها أَن عليا رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، جلد شراحة يَوْم الْخَمِيس ورجمها يَوْم الْجُمُعَة، فَقيل لَهُ: أَجمعت بَين حَدَّيْنِ عَلَيْهَا؟ فَقَالَ: جلدتها بِكِتَاب الله ورجمتها بِسنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قلت: شراحة بنت مَالك بِضَم الشين الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الرَّاء ثمَّ حاء مُهْملَة الهمدانية بِسُكُون الْمِيم، وَقَالَ الْحَازِمِي: بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي، لم تثبت الْأَئِمَّة سَماع الشّعبِيّ من عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. وَقيل للدارقطني: سمع الشّعبِيّ عَن عَليّ؟ قَالَ: سمع مِنْهُ حرفا مَا سمع مِنْهُ غير هَذَا، فَإِن قلت: ذكر البُخَارِيّ فِي كتاب الْحيض: وَيذكر عَن عَليّ، فَذكر فِي الْحيض أثرا صَحِيحا، قَالُوا: إِذا ذكر البُخَارِيّ أثرا ممرضاً كَانَ غير صَحِيح عِنْده، وَلَئِن سلمنَا مَا قَالُوا فَتكون رِوَايَة الشّعبِيّ عَن عَليّ مُنْقَطِعَة لِأَنَّهُ لَا عِلّة فِي السَّنَد الممرض غير رِوَايَة الشّعبِيّ عَن عَليّ.
قلت: لَعَلَّ البُخَارِيّ لم يَصح عِنْده سَماع الشّعبِيّ عَن عَليّ إلاَّ هَذَا الْحَرْف، كَمَا ذكر الدَّارَقُطْنِيّ، فَأتي بِهِ هُنَا مُسْندًا، وَالَّذِي فِي الْحيض لم يَصح عِنْده سَماع الشّعبِيّ مِنْهُ فمرضه! وَاحْتج جمَاعَة بأثر عَليّ هَذَا على جَوَاز الْجمع بَين الْجلد وَالرَّجم، وَقَالَ الْحَازِمِي: وَهُوَ قَول أَحْمد وَإِسْحَاق وَدَاوُد وَابْن الْمُنْذر، وَقَالَ الْجُمْهُور: لَا يجمع بَينهمَا، وَهُوَ رِوَايَة عَن أَحْمد. وَقَالَت طَائِفَة: ندب الْجمع إِذا كَانَ الزَّانِي شَيخا ثَيِّبًا لَا شَابًّا ثَيِّبًا وَقَالُوا: إِنَّه قَول بَاطِل.
3186 - حدّثني إسْحاقُ حدّثنا خالِدٌ عنِ الشَّيْبانِيِّ سألْتُ عَبْدَ الله بنَ أبي أوْفَى: هَلْ رجمَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ: قَبْلَ سُورَةِ النُّور أمْ بَعْدُ؟ قَالَ: لَا أدْرِي. (الحَدِيث 3186 طرفه فِي: 0486) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. قَوْله: (حَدثنِي) وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: حَدثنَا، بنُون الْجمع.
وَإِسْحَاق شيخ البُخَارِيّ، قَالَ الكلاباذي: ابْن شاهين الوَاسِطِيّ، وخَالِد هُوَ ابْن عبد الله الطَّحَّان، والشيباني بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالباء الْمُوَحدَة سُلَيْمَان بن أبي سُلَيْمَان واسْمه فَيْرُوز، مَشْهُور بكنيته أبي إِسْحَاق الشَّيْبَانِيّ، وَعبد الله بن أبي أوفى واسْمه عَلْقَمَة الْأَسْلَمِيّ شهد بيعَة الرضْوَان.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْحُدُود عَن أبي كَامِل وَأبي بكر بن أبي شيبَة. قَوْله: (سُورَة النُّور) يُرِيد بِهِ قَوْله تَعَالَى: {الزَّانِيَة وَالزَّانِي فاجلدا كل وَاحِد مِنْهُمَا مائَة جلدَة} (النُّور: 2) وَهل: هُوَ نَاسخ لحكم الْآيَة أم لَا؟ وَقد وَقع الدَّلِيل على أَن الرَّجْم وَقع بعد سُورَة النُّور لِأَن نُزُولهَا كَانَ فِي قصَّة الْإِفْك. وَاخْتلف: هَل كَانَ سنة أَربع أَو خمس أَو سِتّ؟ وَالرَّجم كَانَ بعد ذَلِك، وَقد حَضَره أَبُو هُرَيْرَة، وَإِنَّمَا أسلم سنة سبع.
13 - (حَدثنَا مُحَمَّد بن مقَاتل أخبرنَا عبد الله أخبرنَا يُونُس عَن ابْن شهَاب قَالَ حَدثنِي أَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن عَن جَابر بن عبد الله الْأنْصَارِيّ أَن رجلا من أسلم أَتَى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فحدثه أَنه قد زنى فَشهد على نَفسه أَربع شَهَادَات فَأمر بِهِ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فرجم وَكَانَ قد أحصن) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَمُحَمّد بن مقَاتل الْمروزِي وَشَيْخه عبد الله بن الْمُبَارك الْمروزِي وَيُونُس هُوَ ابْن يزِيد قَوْله " حَدثنَا " وَفِي رِوَايَة أبي ذَر " أخبرنَا " والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْحُدُود عَن إِسْحَق بن إِبْرَاهِيم وَغَيره وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن مُحَمَّد بن المتَوَكل وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن الْحسن بن عَليّ بِهِ وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْجَنَائِز عَن مُحَمَّد بن يحيى وَفِي الرَّجْم عَن ابْن السَّرْح وَغَيره قَوْله " أَن رجلا " هُوَ مَاعِز بن مَالك قَوْله " من أسلم " أَي من بني أسلم وَهِي الْقَبِيلَة الْمَشْهُورَة قَوْله وَشهد على نَفسه أَي أقرّ على نَفسه أَربع مَرَّات وَاخْتلفُوا فِي اشْتِرَاط تكْرَار إِقْرَاره أَربع مَرَّات فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه لَا يجب إِلَّا باعترافه أَربع مَرَّات فِي أَربع مجَالِس وَهُوَ أَن يغيب عَن القَاضِي حَتَّى لَا يرَاهُ ثمَّ يعود إِلَيْهِ فَيقر(23/291)
كَمَا فِي حَدِيث مَاعِز فَإِن اعْترف فِي مجْلِس وَاحِد ألف مرّة فَهُوَ اعْتِرَاف وَاحِد وَقَالَ ابْن أبي ليلى وَأحمد وَإِسْحَاق وَالثَّوْري وَالْحسن بن حييّ وَالْحكم بن عتيبة يجب باعترافه أَربع مَرَّات فِي مجْلِس وَاحِد وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ يَكْفِي مرّة وَاحِدَة وَحَدِيث الْبَاب حجَّة عَلَيْهِمَا قَوْله " وَكَانَ قد أحصن " أَي وَكَانَ تزوج فَهُوَ مُحصن وَيجوز أحصن بِصِيغَة الْمَعْلُوم والمجهول -
22 - (بابٌ لَا يُرْجَمُ المَجْنُونُ والمَجْنُونَةُ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ لَا يرْجم الرجل الْمَجْنُون وَلَا الْمَرْأَة الْمَجْنُونَة وَهَذَا إِذا وَقع الزِّنَا فِي حَالَة الْجُنُون، وَهَذَا إِجْمَاع، وَأما إِذا وَقع فِي حَالَة الصِّحَّة ثمَّ طَرَأَ الْجُنُون هَل يُؤَخر إِلَى وَقت الْإِفَاقَة؟ قَالَ الْجُمْهُور: لَا لِأَنَّهُ يُرَاد بِهِ التّلف بِخِلَاف الْجلد فَإِنَّهُ يقْصد بِهِ الإيلام فيؤخر حَتَّى يفِيق.
وَقَالَ عَلِيٌّ لِعُمَرَ: أما علِمْتَ أنَّ القَلَمَ رُفِعَ عنِ المَجْنُونِ حتَّى يُفِيقَ وعنِ الصَّبِيِّ حتَّى يُدْرِكَ وعنِ النَّائِمِ حتَّى يَسْتَيْقظَ؟ .
أَي: قَالَ عَليّ بن أبي طَالب لعمر بن الْخطاب، وَهَذَا التَّعْلِيق رَوَاهُ النَّسَائِيّ مَرْفُوعا فَقَالَ: أَنبأَنَا أَحْمد بن السَّرْح فِي حَدِيثه عَن ابْن وهب أَخْبرنِي جرير بن حَازِم عَن سُلَيْمَان بن مهْرَان عَن أبي ظبْيَان عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: مر عَليّ بن أبي طَالب بمجنونة بني فلَان قد زنت، فَأمر عمر برجمها فَردهَا عَليّ وَقَالَ لعمر: أما تذكر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: رفع الْقَلَم عَن ثَلَاثَة: عَن الْمَجْنُون المغلوب على عقله، وَعَن النَّائِم حَتَّى يَسْتَيْقِظ، وَعَن الصَّبِي حَتَّى يَحْتَلِم قَالَ: صدقت، فخلاعنها.
5186 - حدّثنا يَحْيَاى بنُ بُكَيْرٍ حدّثنا اللَّيْثُ عنْ عُقَيْلٍ عنِ ابنِ شِهابٍ عنْ أبي سلَمَةَ وسَعِيدِ بنِ المسَيَّبِ عنْ أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: أتَى رجُلٌ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهْوَ فِي المَسْجدِ فَناداهُ فَقَالَ: يَا رسولَ الله! إنِّي زَنَيْتُ، فأعْرَضَ عَنْهُ حتَّى رَدَّدَ عَلَيْهِ أرْبَعَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا شَهِدَ عَلى نَفْسِهِ أرْبَعَ مَرَّاتٍ دعاهُ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: (أبكَ جُنُونٌ) . قَالَ: لاَ. قَالَ: (فَهَلْ أحْصَنْتَ؟) قَالَ: نَعَمْ. فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إذهَبُوا بِهِ فارْجُمُوهُ) . قَالَ ابنُ شِهابٍ: فَأَخْبرنِي مَنْ سَمِعَ جابرَ بنَ عَبْدِ الله قَالَ: فَكُنْتُ فِيمَنْ رَجَمَهُ فَرَجَمْناهُ بالمُصَلَّى، فَلَمَّا أذْلَقَتْهُ الحِجارَةُ هَربَ فأدْرَكْناهُ بالحَرَّةِ فَرَجَمْناهُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (أبك جُنُون؟) لِأَن الْمَفْهُوم مِنْهُ أَنه إِذا كَانَ مَجْنُونا لَا يرْجم.
وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة قَرِيبا وبعيداً.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْحُدُود عَن عبد الْملك بن شُعَيْب. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الرَّجْم عَن مُحَمَّد بن عبد الله.
قَوْله: (أَتَى رجل) وَفِي رِوَايَة شُعَيْب بن اللَّيْث رجل من الْمُسلمين، وَفِي رِوَايَة ابْن مُسَافر: رجل من النَّاس، وَفِي رِوَايَة يُونُس وَمعمر: أَن رجلا من أسلم، وَفِي رِوَايَة جَابر بن سَمُرَة عِنْد مُسلم: رَأَيْت مَاعِز بن مَالك الْأَسْلَمِيّ حِين جِيءَ بِهِ إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ... الحَدِيث، وَفِيه: رجل قصير أعضل لَيْسَ عَلَيْهِ رِدَاء، وَفِي لفظ: ذُو عضلات، وَهُوَ جمع عضلة، قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: هِيَ مَا اجْتمع من اللَّحْم فِي أَعلَى بَاطِن السَّاق، وَقَالَ الْأَصْمَعِي: كل عصبَة مَعهَا لحم فَهِيَ عضلة. قَوْله: (حَتَّى ردد عَلَيْهِ) وَفِي رِوَايَة الْكشميهني حَتَّى رد بدال وَاحِدَة. قَوْله: (أَربع مَرَّات) هَكَذَا فِي رِوَايَة أبي ذَر، وَفِي رِوَايَة غَيره: أَربع شَهَادَات. قَوْله: (أبك جُنُون؟) وَفِي رِوَايَة شُعَيْب عَن عَاصِم فِي الطَّلَاق: وَهل بك جُنُون؟ وَقَالَ عِيَاض: فَائِدَة سُؤَاله: أبك جُنُون؟ استقراء لحاله واستبعاد أَن يلح عَاقل بالاعتراف بِمَا يَقْتَضِي إهلاكه، أَو لَعَلَّه يرجع عَن قَوْله. قَوْله: (فَهَل أحصنت؟) أَي: تزوجت.
قَوْله: (قَالَ ابْن شهَاب) أَي: قَالَ مُحَمَّد بن(23/292)
مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ رَاوِي الحَدِيث، وَهُوَ مَوْصُول بالسند الْمَذْكُور.
قَوْله: (فَأخْبرنَا) بِفَتْح الرَّاء. قَوْله: (من سمع) فَاعل أخبرنَا، وَقَالَ الْكرْمَانِي: من سمع قيل يشبه أَن يكون ذَلِك هُوَ أَبُو سَلمَة لما صرح باسمه فِي الرِّوَايَات الْأُخَر. قَوْله: (بالمصلى) أَي: مصلى الْجَنَائِز وَهُوَ بَقِيع الْغَرْقَد. قَوْله: (فَلَمَّا أذلقته) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة وبالقاف أَي: فَلَمَّا أقلقته وأصابته بحرها. قَوْله: (بِالْحرَّةِ) بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الرَّاء، وَهِي أَرض ذَات حِجَارَة سود. وَالْمَدينَة بَين حرتين.
32 - (بابٌ لِلْعاهِرِ الحَجَرُ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ للعاهر أَي: للزاني الْحجر أَي: الخيبة والحرمان، وَقيل: الرَّجْم.
7186 - حدّثنا أبُو الوَلِيدِ حَدثنَا اللَّيثُ عنِ ابنِ شِهابٍ عنْ عُرْوَةَ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا، قالَتِ: اخْتَصَمَ سَعْدٌ وابنُ زَمْعَةَ فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (هُوَ لَكَ يَا عبْدُ بنُ زَمْعَةَ، الوَلَدُ لِلْفِراشِ، واحتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ) زَادَ لَنا قُتَيْبَةَ عنِ اللَّيْثِ: ولِلْعاهِرِ الحَجَرُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأَبُو الْوَلِيد هِشَام بن عبد الْملك. وَقد أخرجه مُخْتَصرا، وَمضى بِتَمَامِهِ فِي كتاب الْفَرَائِض فِي: بَاب الْوَلَد للْفراش حرَّة كَانَت أَو أمة، أخرجه عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك عَن ابْن شهَاب، وَمضى الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى.
وَسعد هُوَ ابْن أبي وَقاص، وَابْن زَمعَة: هُوَ عبد بن زَمعَة، وَسَوْدَة: هِيَ بنت زَمعَة أم الْمُؤمنِينَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا. قَوْله: (زَاد لنا) يَعْنِي: قَالَ البُخَارِيّ زَاد لنا قُتَيْبَة بن سعيد أحد مشايخه عَن اللَّيْث بن سعد بعد قَوْله: قَوْله: (الْوَلَد للْفراش وللعاهر الْحجر) وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: وزادنا.
42 - (بابُ الرَّجْمِ فِي البَلاطِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الرَّجْم فِي البلاط، وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي: بالبلاط وَالْبَاء فِيهِ ظرفية أَيْضا، وَهُوَ بِكَسْر الْبَاء وَفتحهَا وَقد اسْتعْمل فِي مَعَاني كَثِيرَة على مَا نذكرهُ الْآن، لَكِن المُرَاد بِهِ هَهُنَا مَوضِع مَعْرُوف عِنْد: بَاب الْمَسْجِد النَّبَوِيّ، وَكَانَ مفروشاً بالبلاط يدل عَلَيْهِ كَلَام ابْن عمر فِي آخر حَدِيث الْبَاب: وَزعم بعض النَّاس أَن المُرَاد بالبلاط الْحجر الَّذِي يرْجم بِهِ، وَهُوَ مَا يفرش بِهِ الدّور حَتَّى اسْتشْكل ابْن بطال هَذِه التَّرْجَمَة فَقَالَ: البلاط وَغَيره سَوَاء، وَهُوَ بعيد، لِأَن المُرَاد بالبلاط مثل مَا ذَكرْنَاهُ. وَكَذَا قَالَ أَبُو عبيد الْبكْرِيّ: البلاط مَوضِع بِالْمَدِينَةِ بَين الْمَسْجِد النَّبَوِيّ والسوق، وَقيل: يحْتَمل أَن يُرَاد بِهِ عدم اشْتِرَاط الْحفر للمرجوم لِأَن البلاط لَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْحفر، وَهَذَا أَيْضا احْتِمَال بعيد، وَقد ثَبت فِي (صَحِيح مُسلم) أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَمر فحفرت لماعز بن مَالك حفيرة فرجم فِيهَا، وَقَالَ ياقوت الْحَمَوِيّ فِي (الْمُشْتَرك) : البلاط بِفَتْح أَوله وبكسره قَرْيَة بغوطة دمشق، وبلاط عَوْسَجَة حصن من أَعمال شنتبرية بالأندلس، والبلاط أَيْضا مَدِينَة خربَتْ كَانَت قَصَبَة كورة الحوار من نواحي حلب، والبلاط مَوضِع بِالْقُسْطَنْطِينِيَّةِ كَانَ مَجْلِسا للأسرى أَيَّام سيف الدولة بن حمدَان، ذكره أَبُو فراس فِي شعره، وَقَالَ أَيْضا البلاط مَوضِع بِالْمَدِينَةِ وَهُوَ مَوضِع مبلط بِالْحِجَارَةِ بَين مَسْجِد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، والسوق.
9186 - حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ عُثْمانَ حدّثنا خالِدُ بنُ مَخْلَد عنْ سلَيْمانَ حدّثني عَبْدُ الله بنُ دِينارٍ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهُمَا، قَالَ: أُتِيَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِيَهُودِيٍّ ويَهُودِيَّةٍ قَدْ أحْدَثا جَمِيعاً، فَقَالَ لَهُمْ: (مَا تَجِدُونَ فِي كِتابِكُمْ) قالُوا: إنَّ أحْبارَنا أحْدَثُوا تَحْمِيمَ الوَجْهِ والتَّجْبِيَةَ. قَالَ عَبْدُ الله بنُ سَلامٍ: ادْعُهُمْ يَا رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالتَّوْرَاةِ، فأُتِيَ بِها فَوَضع أحَدُهُمْ يَدَهُ عَلى آيَةِ الرَّجْمِ وجَعَلَ يَقْرَأُ مَا قَبْلَها وَمَا بَعْدَها، فَقَالَ لهُ ابنُ سَلامٍ: إرْفَعْ يَدَكَ، فَإِذا آيَةُ الرَّجْمِ تَحْتَ يَدِهِ، فأمَرَ بِهِما(23/293)
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَرُجِما:
قَالَ ابنُ عُمَرَ: فَرُجِما عِنْدَ البَلاطِ، فَرَأيْتُ اليَهُودِيَّ أجْنَأ عَلَيْها.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي آخر الحَدِيث وَمُحَمّد بن عُثْمَان شيخ البُخَارِيّ زَاد فِيهِ أَبُو ذَر بن كَرَامَة الْعجلِيّ الْكُوفِي وَهُوَ من أَفْرَاده، وخَالِد بن مخلد بِفَتْح الْمِيم وَاللَّام وَسُكُون الْخَاء الْمُعْجَمَة بَينهمَا الْقَطوَانِي الْكُوفِي، وَهُوَ أَيْضا أحد مَشَايِخ البخارى روى عَنهُ فِي مَوَاضِع بِلَا وَاسِطَة، وَسليمَان هُوَ ابْن بِلَال أَبُو أَيُّوب مولى عبد الله بن أبي عَتيق.
والْحَدِيث رَوَاهُ مُسلم من رِوَايَة نَافِع أَن عبد الله بن عمر أخبرهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أُتِي بِيَهُودِيٍّ وَيَهُودِيَّة قد زَنَيَا، فَانْطَلق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى جَاءَ يهود فَقَالَ: مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاة على من زنى؟ قَالُوا: نسود وُجُوههمَا وَنُحَمِّمهُمَا وَنُخَالِف بَين وُجُوههمَا وَيُطَاف بهما، قَالَ: فَأتوا بِالتَّوْرَاةِ إِن كُنْتُم صَادِقين، فجاؤوا بهَا فقرؤوها حَتَّى إِذا مروا بِآيَة الرَّجْم وضع الْفَتى الَّذِي يقْرَأ يَده على آيَة الرَّجْم وَقَرَأَ مَا بَين يَديهَا وَمَا وَرَاءَهَا، فَقَالَ لَهُ عبد الله بن سَلام، وَهُوَ مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فَليرْفَعْ يَده، فَرَفعهَا فَإِذا تحتهَا آيَة الرَّجْم، فَأمر بهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فرجمهما. قَالَ عبد الله بن عمر: كنت فِيمَن رجمهما فَلَقَد رَأَيْته يَقِيهَا من الْحِجَارَة بِنَفسِهِ، وروى أَبُو دَاوُد من رِوَايَة زيد بن أسلم عَن ابْن عمر: أَتَى نفر من الْيَهُود فدعو رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِلَى الأسقف، فَأَتَاهُم فِي بَيت الْمدَارِس فَقَالُوا: إِن رجلا منا زنى بِامْرَأَة، فاحكم بَينهمَا، وَوَضَعُوا لَهُ وسَادَة فَجَلَسَ عَلَيْهَا فَقَالَ: ائْتُونِي بِالتَّوْرَاةِ، فَأتي بهَا فَنزع الوسادة من تَحْتَهُ وَوضع التَّوْرَاة عَلَيْهَا، وَقَالَ: آمَنت بك وبمن أنزلك. ثمَّ قَالَ: ائْتُونِي بأعلمكم، فَأتي بفتى شَاب، ثمَّ ذكر قصَّة الرَّجْم ... الحَدِيث.
قَوْله: (أُتِي) على صِيغَة الْمَجْهُول من الْإِتْيَان. قَوْله: (بِيَهُودِيٍّ) وَيَهُودِيَّة قَالَ الزّجاج: كَانَا من أهل خَيْبَر وَعَن ابْن الطلاع ذكر البُخَارِيّ أَنهم أهل ذمَّة. قَوْله: (أحدثا) أَي: زَنَيَا من أحدث إِذا زنى، وَيُقَال مَعْنَاهُ: فعلا فعلا فَاحِشا، وَأُرِيد بِهِ الزِّنَا. قَوْله: (إِن أحبارنا) أَي: علماءنا وَهُوَ جمع حبر وَهُوَ الْعَالم الَّذِي يزين الْكَلَام. قَوْله: (أَحْدَثُوا) أَي: ابتكروا، قَالَ الْكرْمَانِي: هُوَ من الإحداث وَهُوَ الإبداء وَهُوَ الْإِظْهَار أَي: أظهرُوا تحميم الْوَجْه وَهُوَ تسجيمه بِالْجِيم أَي: تسويده بالفحم والحمم بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح الْمِيم المخففة، قَالَ ابْن الْأَثِير: هُوَ جمع حمة وَهِي الفحمة. قَوْله: (وَالتَّجْبِيَة) بِالْجِيم وَالْبَاء الْمُوَحدَة من بَاب تخرجه وَهُوَ الإركاب معكوساً. وَقيل: أَن يحمل الزانيان على حمَار مُخَالفا بَين وُجُوههمَا. قَوْله: (فَأتى بهَا) أَي: بِالتَّوْرَاةِ قَوْله: (فَقَالَ لَهُ ابْن سَلام) هُوَ عبد الله بن سَلام. قَوْله: (أجنأ عَلَيْهَا) ، بِالْجِيم يُقَال: أجنا عَلَيْهِ يجنىء إجناء إِذا أكب عَلَيْهِ يَقِيه شَيْئا، وَقَالَ ابْن التِّين: ورويناه هُنَا أجنابالجيم والهمزة وَفِي رِوَايَة فرأيته يجاني عَلَيْهَا من بَاب المفاعلة ويروى بِالْحَاء الْمُهْملَة أحنى عَلَيْهَا أَي اكب عَلَيْهَا وَقَالَ الْخطابِيّ الَّذِي جَاءَ فِي كتاب السّنَن أجنا، يَعْنِي بِالْجِيم، وَالْمَحْفُوظ إِنَّمَا هُوَ أحنى، بِالْحَاء يُقَال: حنا يحنو حنوا، وأحنى يحني أَي: يعْطف ويشفق، قيل: فَهِيَ سبع رِوَايَات كلهَا رَاجِعَة إِلَى الْوِقَايَة.
وَاخْتلف الْعلمَاء فِي الحكم بَينهم إِذا ترافعوا إِلَيْنَا أواجب ذَلِك علينا أم نَحن فِيهِ مخيرون؟ فَقَالَ جمَاعَة من فُقَهَاء الْحجاز وَالْعراق: إِن الإِمَام أَو الْحَاكِم مُخَيّر إِن شَاءَ حكم بَينهم إِذا تحاكموا بِحكم الْإِسْلَام، وَإِن شَاءَ أعرض عَنْهُم. وَقَالُوا: إِن قَوْله تَعَالَى: {فَإِن جاؤك} محكمَة لم ينسخها شَيْء، وَمِمَّنْ قَالَ بذلك: مَالك وَالشَّافِعِيّ فِي أحد قوليه، وَهُوَ قَول عَطاء وَالشعْبِيّ وَالنَّخَعِيّ، وَرُوِيَ ذَلِك عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا، فِي قَوْله: {فَإِن جاؤك} قَالَ: نزلت فِي بني قُرَيْظَة وَهِي محكمَة. وَقَالَ عَامر وَالنَّخَعِيّ: إِن شَاءَ حكم وَإِن شَاءَ لم يحكم، وَعَن ابْن الْقَاسِم: إِذا تحاكم أهل الذِّمَّة إِلَى حَاكم الْمُسلمين وَرَضي الخصمان بِهِ جَمِيعًا فَلَا يحكم بَينهمَا إلاَّ بِرِضا من أساقفتهما، فَإِن كره ذَلِك أساقفتهم فَلَا يحكم بَينهم، وَكَذَلِكَ إِن رَضِي الأساقفة وَلم يرض الخصمان أَو أَحدهمَا لم يحكم بَينهم. وَقَالَ الزُّهْرِيّ: مَضَت السّنة أَن يرد أهل الذِّمَّة فِي حُقُوقهم ومعاملاتهم ومواريثهم إِلَى أهل دينهم، إِلَّا أَن يَأْتُوا راغبين فِي حكمنَا فَيحكم بَينهم بِكِتَاب الله عز وَجل، وَقَالَ آخَرُونَ: وَاجِب على الْحَاكِم أَن يحكم بَينهم إِذا تحاكموا إِلَيْهِ بِحكم الله تَعَالَى، وَزَعَمُوا أَن قَوْله تَعَالَى: {وَأَن احكم بَينهم بِمَا أنزل الله تَعَالَى} نَاسخ للتَّخْيِير فِي الحكم بَينهم فِي الْآيَة الَّتِي قبل هَذِه، وَرُوِيَ ذَلِك(23/294)
عَن ابْن عَبَّاس، وَبِه قَالَ الزُّهْرِيّ وَعمر بن عبد الْعَزِيز وَالسُّديّ، وَإِلَيْهِ ذهب أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه، وَهُوَ أحد قولي الشَّافِعِي، إلاَّ أَن أَبَا حنيفَة قَالَ: إِذا جَاءَت الْمَرْأَة وَالزَّوْج فَعَلَيهِ أَن يحكم بَينهمَا بِالْعَدْلِ، وَإِن جَاءَت الْمَرْأَة وَحدهَا وَلم يرض الزَّوْج لم يحكم، وَقَالَ صَاحِبَاه: يحكم، وَكَذَا اخْتلف أَصْحَاب مَالك، وَاخْتلف الْفُقَهَاء أَيْضا فِي الْيَهُودِيين من أهل الذِّمَّة إِذا زَنَيَا: هَل يرجمان إِن رفعهم حكامهم إِلَيْنَا أم لَا؟ فَقَالَ مَالك: إِذا زنى أهل الذِّمَّة وَشَرِبُوا الْخمر فَلَا يتَعَرَّض لَهُم الإِمَام إلاَّ أَن يظهروا ذَلِك فِي ديار الْمُسلمين فَيدْخلُونَ عَلَيْهِم الضَّرَر فيمنعهم السُّلْطَان من الضَّرَر بِالْمُسْلِمين قَالَ مَالك: وَإِنَّمَا رجم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، اليهودين لِأَنَّهُ لم يكن للْيَهُود يومئذٍ ذمَّة، وتحاكموا إِلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه: يحدان إِذا زَنَيَا كَحَد الْمُسلمين، وَهُوَ أحد قولي الشَّافِعِي.
52 - (بابُ الرَّجْمِ بالمُصَلَّى)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان أَن الرَّجْم الَّذِي وَقع فِي قَضِيَّة مَاعِز بن مَالك كَانَ بالمصلى أَي: مصلى الْجَنَائِز، ويوضحه مَا فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: ببقيع الْغَرْقَد، وَاعْترض ابْن بطال وَابْن التِّين على هَذَا التَّبْوِيب بِأَنَّهُ لَا معنى لَهُ، لِأَن الرَّجْم فِي الْمصلى وَغَيره من سَائِر الْمَوَاضِع سَوَاء. وَأجِيب عَن هَذَا بِأَنَّهُ ذكر ذَلِك لوُقُوعه مَذْكُورا فِي حَدِيث الْبَاب، وَقيل: معنى: بالمصلى، أَي عِنْد الْمصلى، لِأَن المُرَاد الْمَكَان الَّذِي يُصَلِّي عِنْده الْعِيد والجنائز، وَهُوَ من نَاحيَة بَقِيع الْغَرْقَد، وَقد وَقع فِي حَدِيث أبي سعيد عِنْد مُسلم: فَأمرنَا أَن نرجمه فَانْطَلَقْنَا بِهِ إِلَى بَقِيع الْغَرْقَد، وَفهم عِيَاض من قَوْله: بالمصلى، أَن الرَّجْم وَقع فِي دَاخل الْمصلى.
قلت: كَأَنَّهُ فهم ذَلِك من الْبَاء الظَّرْفِيَّة، فعلى هَذَا لَيْسَ لمصلى الأعياد والجنائز حكم الْمَسْجِد، وَقَالَ آخَرُونَ: لَهُ حكم الْمَسْجِد، لِأَن الْبَاء فِيهِ بِمَعْنى عِنْد كَمَا ذكرنَا، وَفِيه نظر.
0286 - حدّثنا مَحْمُودٌ حدّثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أخبرنَا مَعْمَرٌ عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ أبي سَلَمَةَ عنْ جابِرٍ أنَّ رَجُلاً مِنْ أسْلَمَ جاءَ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فاعْتَرَفَ بالزِّنا، فأعْرَضَ عَنْهُ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حتَّى شَهدَ على نَفْسِهِ أرْبَعَ مَرَّاتٍ، قَالَ لهُ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (أبِكَ جُنُونٌ؟) قَالَ: لَا قَالَ: (آحْصَنْتَ؟) قَالَ: نَعَمْ. فأمَرَ بِهِ فَرُجِمَ بالمُصَلى، فَلَمَّا أذْلَقَتْهُ الحِجارَةُ فَرَّ فأُدْرِكَ فَرُجِمَ حتَّى مَاتَ، فَقَالَ لَهُ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَيْراً وصَلَّى عَلَيْهِ.
لَمْ يَقُلْ يُونُسُ وابنُ جُرَيْجٍ عنْ الزُّهْرِيِّ: فَصَلَّى عَلَيْهِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فرجم بالمصلى) ومحمود هُوَ ابْن غيلَان بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة الْمروزِي، وَأكْثر البُخَارِيّ عَنهُ، وَمعمر بِفَتْح الميمين هُوَ ابْن رَاشد يروي عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ عَن أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْحُدُود عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم عَن عبد الرَّزَّاق. وَأخرجه الْجَمَاعَة مَا خلا ابْن مَاجَه.
قَوْله: (حَدثنَا مَحْمُود) هَكَذَا فِي رِوَايَة أبي ذَر، وَفِي رِوَايَة الْأَكْثَرين: حَدثنِي، وَفِي رِوَايَة النَّسَفِيّ: حَدثنَا مَحْمُود بن غيلَان، بِذكر أَبِيه صَرِيحًا. قَوْله: (أَن رجلا من أسلم) اسْمه مَاعِز بن مَالك الْأَسْلَمِيّ، وَقد مر هَكَذَا فِي حَدِيث جَابر أَيْضا عَن قريب فِي: بَاب رجم الْمُحصن، وَلَيْسَ فِي هَذِه الرِّوَايَة الَّتِي مَضَت فرجم بالمصلى. قَوْله: (فَلَمَّا أذلقته) أَي: أقلقته، وَقد مر عَن قريب. قَوْله: (فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، خيرا) أَي: ذكره بجميل. وَوَقع فِي حَدِيث سُلَيْمَان بن بُرَيْدَة عَن أَبِيه عِنْد مُسلم: فَكَانَ النَّاس فِيهِ. أَي: فِي مَاعِز فرْقَتَيْن فَقَائِل يَقُول: لقد هلك لقد أحاطت بِهِ خطيئته، وَقَائِل يَقُول: مَا تَوْبَة أفضل من تَوْبَة مَاعِز؟ الحَدِيث إِلَى أَن قَالَ: لقد تَابَ تَوْبَة لَو قسمت بَين أمة لوسعتهم. وَفِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة عِنْد النَّسَائِيّ: لقد رَأَيْته بَين أَنهَار الْجنَّة ينغمس قَالَ: يَعْنِي يتنعم وَفِي حَدِيث جَابر عِنْد أبي عوَانَة لقد رَأَيْته يتخضخض فِي أَنهَار الْجنَّة، وَفِي حَدِيث اللجاج عِنْد أبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ: لَا تقل لَهُ خَبِيث، لَهو عِنْد الله أطيب من ريح الْمسك وَفِي حَدِيث أبي ذَر عِنْد أَحْمد: قد غفر لَهُ وَأدْخلهُ الْجنَّة.
قَوْله: (وَصلى عَلَيْهِ) هَكَذَا وَقع هُنَا عَن مَحْمُود بن غيلَان عَن عبد الرَّزَّاق، وَقَالَ الْمُنْذِرِيّ: رَوَاهُ ثَمَانِيَة أنفس عَن عبد الرَّزَّاق فَلم يذكرُوا قَوْله: (فصلى(23/295)
عَلَيْهِ) وَرَوَاهُ مُحَمَّد بن يحيى الذهلي وَجَمَاعَة عَن عبد الرَّزَّاق فَقَالُوا فِي آخِره: وَلم يصلى عَلَيْهِ، وَالْجمع بَين الرِّوَايَتَيْنِ بِأَن رِوَايَة الْمُثبت مُقَدّمَة على رِوَايَة النَّافِي، أَو يحمل رِوَايَة من قَالَ: وَلم يصلى عَلَيْهِ، يَعْنِي حِين رجم لم يصل عَلَيْهِ، ثمَّ صلى عَلَيْهِ بعد ذَلِك، وَيُؤَيِّدهُ مَا رَوَاهُ عبد الرَّزَّاق من حَدِيث أبي أُمَامَة بن سهل بن حنيف فِي قصَّة مَاعِز، قَالَ: فَقيل: يَا رَسُول الله! أَتُصَلِّي عَلَيْهِ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَلَمَّا كَانَ من الْغَد قَالَ: صلوا على صَاحبكُم، فصلى عَلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالنَّاس. فَهَذَا الحَدِيث يجمع الِاخْتِلَاف.
قَوْله: (لم يقل يُونُس) يَعْنِي: ابْن يزِيد وَابْن جريج يَعْنِي عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ (فصلى عَلَيْهِ) فرواية يُونُس وَصلهَا البُخَارِيّ فِي: بَاب رجم الْمُحصن، وَلَفظه: فَأمر بِهِ فرجم، وَكَانَ قد أحصن، وَرِوَايَة ابْن جريج رَوَاهَا مُسلم مقرونة بِرِوَايَة معمر وَلم يسق الْمَتْن، وأحاله على رِوَايَة إِسْحَاق شيخ مُسلم فِي سَنَده، فَلم يذكر فِيهِ، فصلى عَلَيْهِ.
وسُئِلَ أبُو عَبْدِ الله: فَصَلَّى عَلَيهِ، يَصِحُّ؟ قَالَ: رواهُ مَعْمَرٌ، قِيلَ لهُ: رواهُ غَيْرُ مَعْمَرٍ؟ قَالَ: لَا.
وَقع هَذَا الْكَلَام فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي وَحده عَن الفريري: وَأَبُو عبد الله هُوَ البُخَارِيّ نَفسه قَوْله: (فصلى عَلَيْهِ يَصح) يَعْنِي: لفظ: فصلى عَلَيْهِ، أَي: على مَاعِز هَل يَصح أم لَا؟ فَقَالَ: رَوَاهُ معمر بن رَاشد، وَقيل لَهُ: هَل رَوَاهُ غير معمر؟ قَالَ: لَا. وَاعْترض على البُخَارِيّ فِي جزمه بِأَن معمراً روى هَذِه الزِّيَادَة، وَأجِيب بِأَن معمراً من الثِّقَات المأمونين. وَالْفُقَهَاء الْمُتَّقِينَ الورعين، وَمن رجال الْكتب السِّتَّة، وَمثل هَذَا تقبل زِيَادَته وانفراده بهَا.
62 - (بابُ مَنْ أصابَ ذَنْباً دُونَ الحَدِّ فأُخْبَرَ الإمامَ فَلاَ عُقُوبَةَ عَلَيْهِ بَعْدَ التوْبَةِ إِذا جاءَ مُسْتَفْتِياً.)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان من أصَاب ذَنبا أَي: ارْتَكَبهُ دون الْحَد أَي: ذَنبا لَا حد لَهُ نَحْو الْقبْلَة والغمزة. قَوْله: (فَأخْبر) ، على صِيغَة الْمَعْلُوم، وَالضَّمِير الَّذِي فِيهِ يرجع إِلَى قَوْله: من. وَقَوله: (الإِمَام) بِالنّصب مَفْعُوله، وَلَا عُقُوبَة عَلَيْهِ بعد التَّوْبَة، يَعْنِي: يسْقط عَنهُ مَا أصَاب من الذُّنُوب الَّذِي لَا حد لَهُ، وَلَيْسَ للْإِمَام الِاعْتِرَاض عَلَيْهِ، بل يُؤَكد بصيرته فِي التَّوْبَة ويأمره بهَا لينتشر ذَلِك، فيتوب المذنب، وَأما من أصَاب ذَنبا فِيهِ حد فَإِن التَّوْبَة لَا ترفعه وَلَا يجوز للْإِمَام الْعَفو عَنهُ إِذا بلغه، وَمن التَّوْبَة عِنْد الْعلمَاء أَن يطهر وَيكفر بِالْحَدِّ، إلاَّ الشَّافِعِي فَذكر عَنهُ ابْن الْمُنْذر أَنه قَالَ: إِذا تَابَ قبل أَن يُقَام عَلَيْهِ الْحَد سقط عَنهُ، وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : وَلَيْسَ مُرَاده بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْبَاطِن، وَأما بِالنِّسْبَةِ إِلَى الظَّاهِر فَالْأَظْهر من مذْهبه عدم سُقُوطه. قَوْله: مستفتياً، حَال من الضَّمِير الَّذِي فِي: جَاءَ، وَهُوَ من الأستفتاء وَهُوَ طلب الْفَتْوَى وَهُوَ جَوَاب الْحَادِثَة. وَهَكَذَا هَذِه اللَّفْظَة عِنْد الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: مستغيثاً من الاستغاثة، وَهُوَ طلب الْغَوْث بالغين الْمُعْجَمَة والثاء الْمُثَلَّثَة، ويروى: مستعتباً من الاستعتاب، وَهُوَ طلب الرِّضَا وَطلب إِزَالَة العتب، وَفِي بعض النّسخ: مستقيلاً من طلب الْإِقَالَة.
وَقَالَ عَطَاءٌ: لَمْ يُعاقِبْهُ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
أَي: قَالَ عَطاء بن أبي رَبَاح: لم يُعَاقب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، الَّذِي أخبر أَنه وَقع فِي مَعْصِيّة، بل أمهله حَتَّى صلى مَعَه، ثمَّ أخبر بِأَن صلَاته كفرت ذنُوبه، وَقَالَ الْكرْمَانِي: لم يُعَاقِبهُ، أَي: من أصَاب ذَنبا لَا حد عَلَيْهِ وَتَابَ، وَقيل: يَعْنِي المحترق المجامع فِي نَهَار رَمَضَان، وَقد تقدم. فَإِن قلت: هَذَا إِضْمَار قبل الذّكر.
قلت: لَا، لِأَن الضَّمِير الْمَنْصُوب الَّذِي فِيهِ يرجع إِلَى كلمة: من أصَاب فِي التَّرْجَمَة.
وَقَالَ ابنُ جُرَيْجٍ: ولَمْ يُعاقِبِ الذِي جامَعَ فِي رَمَضَانَ.
أَي: قَالَ عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج لم يُعَاقب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الرجل الَّذِي جَامع فِي نَهَار رَمَضَان، بل أعطَاهُ مَا يكفر بِهِ، وَهَذَا الْأَثر وَالَّذِي قبله يوضحان معنى التَّرْجَمَة.
ولَمْ يُعاقِبْ عُمَرُ صاحِبَ الظبْيِ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
هَذَا إِيضَاح للتَّرْجَمَة أَي: لم يُعَاقب عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، صَاحب الظبي وَهُوَ قبيصَة بن جَابر وَكَانَ محرما واصطاد(23/296)
ظَبْيًا وَأمره عمر بالجزاء وَلم يُعَاقِبهُ عَلَيْهِ، وَوَصله سعيد بن مَنْصُور عَن قبيصَة بن جَابر.
وفِيهِ عنْ أبي عُثْمانَ عنِ ابنِ مَسْعُودٍ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِثْلَهُ.
أَي: وَفِي معنى الحكم الْمَذْكُور فِي التَّرْجَمَة جَاءَ حَدِيث عَن أبي عُثْمَان عبد الرَّحْمَن بن مل النَّهْدِيّ عَن عبد الله بن مَسْعُود، وَوَقع فِي بعض النّسخ عَن أبي مَسْعُود: وَلَيْسَ بِصَحِيح، وَالصَّوَاب ابْن مَسْعُود، وَهُوَ الَّذِي وَصله البُخَارِيّ فِي أَوَائِل كتاب مَوَاقِيت الصَّلَاة فِي: بَاب الصَّلَاة كَفَّارَة من رِوَايَة سُلَيْمَان التَّيْمِيّ عَن أبي عُثْمَان عَن ابْن مَسْعُود: أَن رجلا أصَاب من امْرَأَة قبْلَة، فَأتى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَأخْبرهُ، فَأنْزل الله: {أقِم الصَّلَاة طرفِي النَّهَار وَزلفًا من اللَّيْل إِن الْحَسَنَات يذْهبن السَّيِّئَات} فَقَالَ يَا رَسُول الله إِلَيّ هَذَا؟ قَالَ: لجَمِيع أمتِي كلهم. قَوْله: مثله، إِنَّمَا وَقع هَذَا فِي روية الْكشميهني وَحده أَي: مثل مَا وَقع فِي التَّرْجَمَة.
1286 - حدّثنا قُتَيْبَةُ حدّثنا اللَّيْثُ عنِ ابنِ شِهابٍ عنْ حُمَيْدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمانِ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ، أنَّ رَجُلاً وَقَعَ بِامْرَأتِهِ فِي رَمَضَانَ فاسْتَفْتَى رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: (هَلْ تَجِدُ رَقَبَةً؟) قَالَ: لَا. قَالَ: (هَلْ تَسْتَطِيعُ صِيامَ شَهْرَيْنِ؟) قَالَ: لَا. قَالَ: (فأطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِيناً) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يُعَاقب هَذَا الْوَاقِع فِي رَمَضَان.
وَحميد بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف الزُّهْرِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الصّيام عَن أبي الْيَمَان، وَفِي الْأَدَب عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل وَعَن القعْنبِي وَفِي النّذر عَن عَليّ بن عبد الله وَعَن مُحَمَّد بن مَحْبُوب، وَكَذَا فِي الْهِبَة عَنهُ، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
2286 - وَقَالَ اللَّيْثُ: عنْ عَمْرِو بنِ الحارِثِ عنْ عَبْدِ الرَّحْمانِ بنِ القاسِمِ عنْ مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ ابنِ الزُّبَيْرِ عنْ عَبَّادِ بن عَبْدِ الله بنِ الزُّبَيْرِ عَن عائِشَةَ: أتاى رَجُلٌ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي المَسْجِدِ قَالَ: احْتَرَقْتُ. قَالَ: (مِمَّ ذَاك؟) قَالَ: وقَعَتُ بِامْرَأتِي فِي رَمَضَانَ. قَالَ لهُ: (تَصَدَّقْ) قَالَ: مَا عِنْدِي شَيْءٌ، فَجَلَسَ. وأتاهُ إنْسانٌ يَسُوقُ حِماراً، ومَعَهُ طَعامٌ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمانِ مَا أدْرِي مَا هُو إِلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: (أيْنَ المُحْتَرِقُ؟) فَقَالَ: هَا أَنا ذَا. قَالَ: (خُذْ هاذا فَتَصَدَّقَ بِهِ) قَالَ: عَلَى أحْوَجَ مِنِّي؟ مَا لإهْلِي طَعامٌ. قَالَ: (فَكُلُوهُ) . (انْظُر الحَدِيث 5391) .
هَذَا التَّعْلِيق وَصله البُخَارِيّ فِي (التَّارِيخ الصَّغِير) قَالَ: حَدثنِي عبد الله بن صَالح حَدثنِي اللَّيْث بِهِ.
قَوْله: (تصدق) فِيهِ اخْتِصَار إِذا الْكَفَّارَة مرتبَة وَهُوَ بعد الْإِعْتَاق وَالصِّيَام. قَوْله: (فكلوه) ، ويروى: فكله، الأول رِوَايَة ابْن وهب.
قَالَ أبُو عَبْدِ الله: الحَدِيثُ الأوَّلُ أبْيَنُ؛ قَوْلُهُ: أطْعِمْ أهْلَكَ.
أَبُو عبد الله هُوَ الْبَارِي. وَأَرَادَ بِالْحَدِيثِ الأول حَدِيث أبي عُثْمَان النَّهْدِيّ، وَهُوَ أبين شَيْء فِي الْبَاب، وَلم يَقع هَذَا فِي كثير من النّسخ.(23/297)
27 - (بابٌ إِذا أقَرَّ بالحَدِّ ولَمْ يُبَيِّنْ هَلْ لِلإمامِ أنْ يَسْتُرَ عَلَيْهِ؟)
أَي: هَذَا بَاب فِيهِ إِذا أقرّ شخص بِالْحَدِّ عِنْد الإِمَام بِأَن قَالَ: إِنِّي أصبت مَا يُوجب الْحَد، هَل للْإِمَام أَن يستر عَلَيْهِ؟ فَجَوَابه: لَهُ أَن يستر عَلَيْهِ. وَلم يذكر الْجَواب بِنَاء على عَادَته اكْتِفَاء بِمَا فِي حَدِيث الْبَاب أَلا ترى إِلَى قولهصلى الله عَلَيْهِ وَسلم للرجل الَّذِي قَالَ: إِنِّي أصبت حدا فأقمه عليّ: أَلَيْسَ قد صليت مَعنا؟ فَلم يستكشفه عَنهُ، فَدلَّ على أَن السّتْر أولى. لِأَن فِي الْكَشْف عَنهُ نوع نجسس مَنْهِيّ عَنهُ، وَجعلهَا شُبْهَة دارئة للحد.
6823 - ح دّثنا عَبْدُ القُدُّوسِ بنُ مُحَمَّدٍ، حدّثني عَمْرُو بنُ عاصِمٍ الكِلاَبِيُّ، حَدثنَا هَمَّامُ بنُ يَحْياى، حَدثنَا إسْحاقُ بنُ عَبْدِ الله بنِ أبي طَلْحَةَ، عنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ النَّبيِّ فَجاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رسولَ الله إنِّي أصَبْتُ حَدّاً فأقِمْهُ عَلَيَّ. قَالَ: ولَمْ يَسألْهُ عنْهُ، قَالَ: وحَضَرَتِ الصَّلاَة فَصَلَّى مَعَ النبيِّ فَلمَّا قَضَى النبيُّ قامَ إلَيْهِ الرَّجُلُ فَقَالَ: يَا رسولَ الله إنِّي أصَبْتُ حَدّاً فأقِمْ فِيَّ كِتابَ الله قَالَ ألَيْسَ قَدْ صَلَّيْتَ مَعَنا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فإنَّ الله قَدْ غَفَرَ لَكَ ذَنْبَكَ أوْ: حَدَّكَ
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة من حَيْثُ إِنَّه يوضحها وَيبين الحكم فِيهَا.
وَعبد القدوس بن مُحَمَّد بن عبد الْكَبِير بن شُعَيْب بن الحبحاب بمهملتين وبموحدتين الْبَصْرِيّ الْعَطَّار وَهُوَ من أَفْرَاده وَمَا لَهُ فِي البُخَارِيّ إلاَّ هَذَا الحَدِيث الْوَاحِد وَقد طعن فِيهِ الْحَافِظ أَبُو بكر أَحْمد بن هَارُون البرذنجي فَقَالَ: هَذَا عِنْدِي حَدِيث مُنكر، وَهَمَ فِيهِ عَمْرو بن عَاصِم مَعَ أَن هماماً كَانَ يحيى بن سعيد لَا يرضاه وَهُوَ عِنْدِي صَدُوق يكْتب حَدِيثه وَلَا يحْتَج بِهِ، وَأَبَان الْعَطَّار أمثل مِنْهُ. وَأجِيب عَنهُ بِأَنَّهُ لم يبين الْوَهم وَكَونه مُنْكرا على طَرِيقَته فِي تَسْمِيَته مَا ينْفَرد بِهِ الرَّاوِي مُنْكرا إِذا لم يكن فِيهِ متابع.
والْحَدِيث صَحِيح أخرجه مُسلم أَيْضا فِي التَّوْبَة عَن حسن بن عَليّ الْحلْوانِي عَن عَمْرو بن عَاصِم.
قَوْله: إِنِّي أصبت حدا أَي: فعلت فعلا يُوجب الْحَد. قَوْله: فأقمه عَليّ بتَشْديد الْيَاء. قَوْله: وَلم يسْأَله عَنهُ أَي: لم يستفسره. قَوْله: فَلَمَّا قضى النَّبِي أَي: فَلَمَّا أدّى: وَقَالَهَا بعد الصَّلَاة لَا قبلهَا لِأَن الصَّلَاة مكفرة للخطايا 8 9 0 هود: 114 قَوْله: أَو: حدك شكّ من الرَّاوِي أَي: أَو مَا يُوجب حدك.
28 - (بابٌ هَلْ يَقُولُ الإمامُ لِلْمُقِرِّ: لَعَلَّكَ لَمَسْتَ أوْ غَمَزْتَ)(24/2)
أَي: هَذَا بَاب فِيهِ: هَل يَقُول الإِمَام للْمقر بِالزِّنَا: لَعَلَّك لمست الْمَرْأَة أَو غمزتها بِعَيْنَيْك أَو بيديك؟ وَفِي بعض النّسخ بعد هَذَا: أَو نظرت، يَعْنِي: أَو نظرت إِلَيْهَا. وَجَوَاب الِاسْتِفْهَام مُقَدّر يُوضحهُ حَدِيث الْبَاب.
6824 - ح دّثنا عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ الجُعْفِيُّ، حدّثنا وهْبُ بنُ جَرِيرٍ، حدّثنا أبي قَالَ: سَمِعْتُ يَعْلَى بنَ حَكِيمٍ، عنْ عِكْرِمَةَ، عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهُمَا، قَالَ: لمَّا أتَى ماعِزُ بنُ مالِكٍ النَّبيَّ قَالَ لهُ: لَعَلَّكَ قَبَّلْتَ أوْ غَمَزْتَ أوْ نَظَرْتَ قَالَ: لَا يَا رسولَ الله. قَالَ: أنِكْتَها؟ لَا يَكْنِي، قَالَ: فَعِنْدَ ذَلِكَ أمَرَ بِرَجْمِهِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. ووهب يروي عَن أَبِيه جرير بن حَازِم بن زيد الْبَصْرِيّ، ويعلى بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وَفتح اللَّام بِوَزْن يرضى ابْن حَكِيم بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة الثَّقَفِيّ مَوْلَاهُم من أهل الْبَصْرَة مَاتَ بِالشَّام.
والْحَدِيث أخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْحُدُود عَن زُهَيْر بن حَرْب وَغَيره وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الرَّجْم عَن عَمْرو بن عَليّ وَغَيره.
قَوْله: لَعَلَّك قبَّلت؟ حذف مَفْعُوله للْعلم بِهِ أَي: الْمَرْأَة الْمَعْهُودَة.
قَوْله: أنكتها؟ بِكَسْر النُّون من النيك. قَوْله: لَا يكني أَي: لَا يُصَرح بِغَيْر هَذِه اللَّفْظَة، حَاصله أَنه صرح بِلَفْظ النيك لِأَن الْحُدُود لَا تثبت بالكنايات.
وَفِيه: جَوَاز تلقين الْمقر فِي الْحُدُود، إِذْ لفظ الزِّنَى يَقع على نظر الْعين وَغَيره.
29 - (بابُ سُؤالِ الإمامِ المُقِرَّ: هَلْ أحْصَنْتَ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ سُؤال الإِمَام الْمقر: هَل أحصنت؟ لِأَن الْإِحْصَان شَرط الرَّجْم، وَهُوَ أَن يتَزَوَّج امْرَأَة وَيدخل بهَا.
22 - (حَدثنَا سعيد بن عفير قَالَ حَدثنِي اللَّيْث حَدثنِي عبد الرَّحْمَن بن خَالِد عَن ابْن شهَاب عَن ابْن الْمسيب وَأبي سَلمَة أَن أَبَا هُرَيْرَة قَالَ أَتَى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رجل من النَّاس وَهُوَ فِي الْمَسْجِد فناداه يَا رَسُول الله إِنِّي زَنَيْت يُرِيد نَفسه فَأَعْرض عَنهُ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَتنحّى لشق وَجهه الَّذِي أعرض قبله فَقَالَ يَا رَسُول الله إِنِّي زَنَيْت فَأَعْرض عَنهُ فجَاء لشق وَجه النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الَّذِي أعرض عَنهُ فَلَمَّا شهد على نَفسه أَربع شَهَادَات دَعَاهُ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ أبك جُنُون قَالَ لَا يَا رَسُول الله فَقَالَ أحصنت قَالَ نعم يَا رَسُول الله قَالَ اذْهَبُوا بِهِ فارجموه) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله فَقَالَ أحصنت وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة وَابْن الْمسيب هُوَ سعيد بن الْمسيب وَأَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف والْحَدِيث مر عَن قريب فِي بَاب لَا يرْجم الْمَجْنُون والمجنونة قَوْله " رجل من النَّاس " يَعْنِي لَيْسَ من أكَابِر النَّاس وَلَا من الْمَشْهُورين فيهم قَوْله " يُرِيد نَفسه " فَائِدَة هَذَا الْكَلَام بَيَان أَنه لم يكن مستفتيا من جِهَة الْغَيْر مُسْندًا إِلَى نَفسه على سَبِيل الْفَرْض كَمَا هُوَ عَادَة المستفتي للْغَيْر هَكَذَا قَالَه الْكرْمَانِي وَغَيره قلت الظَّاهِر أَنه يُرِيد بِهِ التَّأْكِيد بِأَنَّهُ هُوَ الزَّانِي قَوْله فَتنحّى أَي بعد الرجل للجانب الَّذِي أعرض مُقَابلا لَهُ وَقَبله بِكَسْر الْقَاف أَي مُقَابلا ومعاينا لَهُ
(قَالَ ابْن شهَاب أَخْبرنِي من سمع جَابِرا قَالَ فَكنت فِيمَن رجمه فرجمناه بالمصلى فَلَمَّا أذلقته الْحِجَارَة جمز حَتَّى أدركناه بِالْحرَّةِ فرجمناه) أَي قَالَ مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ وَهُوَ مَوْصُول بالسند الْمَذْكُور قَوْله " من سمع " قيل أَنه أَبُو سَلمَة قَوْله " جمز " بِالْجِيم وَالْمِيم وَالزَّاي المفتوحات أَي عدا وأسرع وَبَقِيَّة الشَّرْح مرت فِي بَاب لَا يرْجم الْمَجْنُون(24/3)
30 - (بابُ الاعْتِرافِ بالزِّنى)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم الِاعْتِرَاف بِالزِّنَا.
6827 - 6828 ح دّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله حدّثنا سُفيانُ، قَالَ: حَفِظْناهُ مِنْ فِي الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبرنِي عُبَيْدُ الله أنّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ وزَيْدَ بنَ خالِدٍ قَالَا: كُنَّا عِنْدَ النَّبيِّ فقامَ رَجُلٌ فَقَالَ: أنْشُدُكَ الله إلاّ مَا قَضَيْتَ بَيْنَنَا بِكِتابِ الله، فقامَ خَصْمُهُ وكانَ أفْقَهَ منْهُ فَقَالَ: اقضِ بَيْنَنا بِكِتابِ الله وأذَنْ لي. قَالَ: قلْ قَالَ: إنَّ ابْنِي كانَ عَسِيفاً عَلى هاذَا، فَزَنَي بِامْرَأتِهِ، فافْتَدَيْتُ مِنْهُ بِمائَةِ شاةٍ وخادِمٍ، ثُمَّ سَألْتُ رِجالاً مِنْ أهْلِ العِلْمِ، فأخْبَرُونِي أنَّ عَلى ابْنِي جَلْدَ مِائَةٍ وتَغْرِيبَ عامٍ، وعَلى امْرَأتِهِ الرَّجْمَ، فَقَالَ النَّبي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لأقْضِيَنَّ بَيْنَكُما بِكِتابِ الله جَلَّ ذِكْرُهُ، المِائَةُ شاةٍ والخادِمُ رَدٌّ، وعَلى ابْنِكَ. جَلْدُ مِائَةٍ وتَغْرِيبُ عامٍ، واغْدُ يَا أُنَيْسُ عَلى امْرَأةِ هاذا، فإنِ اعْتَرَفَت فارْجُمْها فَغَدا عَلَيْها فاعْتَرَفَتْ فَرَجَمَها. قُلْتُ لِسُفْيانَ: لَمْ يَقُلْ: فأخْبَرُونِي أنَّ عَلى ابْنِي الرَّجْمَ. فَقَالَ: أشُكُّ فِيها مِنَ الزُّهْرِيِّ، فَرُبَّما قُلْتُها وَرُبَّمَا سَكَتُّ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: فَاعْترفت فرجمها
وَعلي بن عبد الله هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَعبيد الله هُوَ ابْن عبد الله بن عتبَة.
والْحَدِيث مضى فِي الْوكَالَة عَن أبي الْوَلِيد وَفِي الشُّرُوط عَن قُتَيْبَة وَفِي النذور عَن إِسْمَاعِيل بن أبي أويس وَغير ذَلِك فِي مَوَاضِع كَثِيرَة. وَأخرجه بَقِيَّة الْجَمَاعَة وَمضى الْكَلَام فِيهِ مفرقاً.
قَوْله من فِي الزُّهْرِيّ أَي: من فَمه، وَفِي رِوَايَة الْحميدِي: حَدثنَا الزُّهْرِيّ، وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: سَمِعت الزُّهْرِيّ. قَوْله: كُنَّا عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي رِوَايَة شُعَيْب: بَيْنَمَا نَحن عِنْد النبيصلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي رِوَايَة ابْن أبي ذِئْب: وَهُوَ جَالس فِي الْمَسْجِد. قَوْله: فَقَامَ رجل فِي رِوَايَة الشُّرُوط: أَن رجلا من الْأَعْرَاب جَاءَ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي رِوَايَة شُعَيْب فِي الْأَحْكَام: إِذا قَامَ رجل من الْأَعْرَاب. قَوْله: أنْشدك الله بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون النُّون وَضم الشين الْمُعْجَمَة من قَوْلهم: نشده إِذا سَأَلَهُ رَافعا نشيدته وَهِي صَوته، وَضمن معنى: أنْشدك أذكرك. قَالَ سِيبَوَيْهٍ معنى: وأنشدك إلاَّ فعلت مَا أطلب مِنْك إلاَّ فعلك. وَقيل: يحْتَمل أَن يكون: إلاَّ، جَوَاب الْقسم لما فِيهَا من معنى الْحصْر، وَتَقْدِيره: أَسأَلك بِاللَّه لَا تفعل شَيْئا إلاَّ الْقَضَاء بِكِتَاب الله. فَإِن قلت: مَا فَائِدَة هَذَا وَالنَّبِيّ لَا يحكم إلاَّ بِكِتَاب الله؟ . قلت: هَذَا من خَفَاء وَجه الحكم عَلَيْهِ حِين سَأَلَ أهل الْعلم الَّذين أجابوا بِمِائَة جلدَة وتغريب عَام، وَهَذَا من قبيل قَول الْملكَيْنِ لداود عَلَيْهِ السَّلَام. ص: 22 وَمن هَذَا قَالُوا: يجوز قَول الْخصم للْإِمَام الْعَادِل: اقْضِ بَيْننَا بِالْحَقِّ، على أَن النَّبِي لم يُنكر عَلَيْهِ قَوْله ذَلِك. قَوْله: إلاَّ قضيت بِكَسْر الْهمزَة وَتَشْديد اللَّام وَهِي كلمة اسْتثِْنَاء، وَالْمعْنَى: مَا أطلب مِنْك إلاَّ الْقَضَاء بِحكم الله. قَوْله: بِكِتَاب الله قَالَ شَيخنَا زين الدّين: هَل المُرَاد بقوله: بِكِتَاب الله، أَي بِقَضَائِهِ وَحكمه؟ أَو المُرَاد بِهِ الْقُرْآن؟ يحْتَمل كلا الْأَمريْنِ. قَوْله: فَقَامَ خَصمه، وَكَانَ أفقه مِنْهُ الْوَاو فِي: وَكَانَ، للْحَال وَفِي رِوَايَة مَالك: وَقَالَ الآخر وَهُوَ أفقههما. إِمَّا مُطلقًا وَإِمَّا فِي هَذِه الْقَضِيَّة الْخَاصَّة. قَوْله: وائذن لي أَي: فِي التَّكَلُّم، وَهَذَا من جملَة كَلَام الرجل لَا الْخصم، وَهَذَا من جملَة أفقهيته حَيْثُ اسْتَأْذن بِحسن الْأَدَب وَترك رفع الصَّوْت، وَقد ورد حَدِيث مَرْفُوع، وَإِن كَانَ ضَعِيفا: أَن حسن السُّؤَال نصف الْعلم. قَوْله: إِن ابْني ويروى: إِن ابْني هَذَا. فَإِن قلت: إِقْرَار الْأَب عَلَيْهِ لَا يقبل. قلت: قَالَ الْكرْمَانِي: هَذَا أَيْضا جَوَاب لاستفتائه، أَي: إِن كَانَ ابْنك زنى وَهُوَ بكر فَعَلَيهِ كَذَا. قلت: الْأَحْسَن مَا قَالَه النَّوَوِيّ، على مَا يَجِيء عَن قريب. قَوْله: كَانَ عسيفاً بِفَتْح الْمُهْملَة الأولى: الْأَجِير، قَالَه مَالك، وَقَالَ أَبُو عمر: وَقد يكون العَبْد والسائل، وَفِي الْمُحكم العسيف الْأَجِير المستهان، وَقيل: هُوَ الْمَمْلُوك المستهان، وَقيل: كل خَادِم عسيف وَالْجمع عسفاء على الْقيَاس وعسفة على غير قِيَاس، وَفِي شرح الْمُوَطَّأ لعبد الْملك(24/4)
بن حبيب: العسيف الْغُلَام الَّذِي لم يبلغ الْحلم. قَوْله: وخادم الْخَادِم الْجَارِيَة الْمعدة للْخدمَة بِدَلِيل لفظ مَالك: وَجَارِيَة لي. قَوْله: ثمَّ سَأَلت رجَالًا من أهل الْعلم وَفِيه إِشْعَار بِأَن الصَّحَابَة كَانُوا يفتون فِي عهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد ذكر مُحَمَّد بن سعد مِنْهُم أَبَا بكر وَعمر وَعُثْمَان وعليّاً وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَأبي بن كَعْب ومعاذ بن جبل وَزيد بن ثَابت رَضِي الله عَنْهُم. قَوْله: الْمِائَة شَاة على مَذْهَب الْكُوفِيّين. قَوْله: وخادم عطف عَلَيْهِ. قَوْله: رد أَي: مَرْدُود، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: رد عَلَيْك وعَلى ابْنك جلد مائَة وتغريب عَام قَالَ النَّوَوِيّ رَحمَه الله: هُوَ مَحْمُول على أَنه علم أَن الابْن كَانَ بكرا وَأَنه اعْترف بالزنى، وَيحْتَمل أَنه أضمر اعترافه، وَالتَّقْدِير: وعَلى ابْنك إِن اعْترف، وَالْأول أليق وَأَنه كَانَ فِي مقَام الحكم، فَلَو كَانَ فِي مقَام الْإِفْتَاء لم يكن فِيهِ إِشْكَال لِأَن التَّقْدِير إِن كَانَ زنى وَهُوَ بكر، وقرينة اعترافه حُضُوره مَعَ أَبِيه وسكوته على مَا نسبه إِلَيْهِ. وَأما الْعلم بِكَوْنِهِ بكرا فَوَقع صَرِيحًا من كَلَام أَبِيه فِي رِوَايَة عَمْرو بن شُعَيْب، وَلَفظه: كَانَ ابْني أَجِيرا لامْرَأَة هَذَا وَابْني لم يحصن. قَوْله: واغد يَا أنيس كلمة: غَدا، أَمر من غَدا غدواً وَهُوَ الذّهاب هُنَا والتوجه وَلَيْسَ المُرَاد حَقِيقَة الغدو، وَهُوَ التَّأْخِير إِلَى أول النَّهَار. وَحكى عِيَاض أَن بَعضهم اسْتدلَّ بِهِ على جَوَاز تَأْخِير إِقَامَة الْحَد عِنْد ضيق الْوَقْت، واستضعفه بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْخَبَر أَن ذَلِك كَانَ فِي آخر النَّهَار، وأنيس مصغر أنس وَاخْتلف فِيهِ فِي هَذَا الحَدِيث: فَالْمَشْهُور أَنه أنيس بن الضَّحَّاك الْأَسْلَمِيّ وَكَانَت الْمَرْأَة أَيْضا أسلمية كَمَا ذهب ابْن عبد الْبر إِلَى هَذَا، وَقيل: أنيس بن مرْثَد، وَقيل: ابْن أبي مرْثَد، وَهُوَ غير صَحِيح لِأَن أنيس بن أبي مرْثَد صَحَابِيّ مَشْهُور غنوي بالغين الْمُعْجَمَة وَالنُّون الْأَسْلَمِيّ وَهُوَ بِفتْحَتَيْنِ غير مصغر وَلم يَصح أَيْضا قَول من قَالَ: إِنَّه أنس بن مَالك وصغرهصلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَنَّهُ أَنْصَارِي لَا أسلمي، وَوَقع فِي رِوَايَة شُعَيْب وَابْن أبي ذِئْب: وَأما أَنْت يَا أنيس لرجل من أسلم، فاغدُ. قيل: حد الزِّنَى لَا يثبت بالتجسس والاستكشاف عَنهُ فَمَا وَجه إرْسَال أنيس إِلَى الْمَرْأَة؟ وَأجِيب: بِأَن الْمَقْصُود مِنْهُ إعلامها بِأَن هَذَا الرجل قَذفهَا وَلها عَلَيْهِ حد الْقَذْف، فإمَّا أَن تطالبه بِهِ أَو تَعْفُو عَنهُ أَو تعترف بالزنى. قَوْله: قلت لِسُفْيَان الْقَائِل لِسُفْيَان بن عُيَيْنَة هُوَ عَليّ بن عبد الله شيخ البُخَارِيّ. قَوْله: لم يقل: فَأَخْبرُونِي أَن على ابْني الرَّجْم أَي: لم يقل الرجل الَّذِي قَالَ: إِن ابْني كَانَ عسيفاً، فِي كَلَامه، فَأَخْبرُونِي أَن على ابْني الرَّجْم. قَوْله: فَقَالَ أَي: سُفْيَان: أَشك فِيهَا أَي: فِي سماعهَا من الزُّهْرِيّ، فَتَارَة أذكرها وَتارَة أسكت عَنْهَا.
وَفِي الحَدِيث فَوَائِد: الترافع إِلَى السُّلْطَان الْأَعْلَى فِيمَا قد قضى فِيهِ غَيره مِمَّن هُوَ دونه إِذا لم يُوَافق الْحق، وَفسخ كل صلح وَقع على خلاف السّنة، وَمَا قَبضه الَّذِي قضى لَهُ بِالْبَاطِلِ لَا يصلح أَن يكون ملكا لَهُ، وللعالم أَن يُفْتِي فِي مصر فِيهِ من هُوَ أعلم مِنْهُ. وَفِيه: جَوَاز عدم الِاقْتِصَار على قَول وَاحِد من الْعلمَاء، وَجَوَاز قَول الْخصم للْإِمَام الْعدْل: اقضِ بَيْننَا بِالْحَقِّ. وَفِيه: النَّفْي والتغريب للبكر الزَّانِي استدلت بِهِ الشَّافِعِيَّة وَأَبُو حنيفَة لَا يَقُول بِالنَّفْيِ لِأَن إِيجَابه زِيَادَة على النَّص وَالزِّيَادَة على النَّص بِخَبَر الْوَاحِد نسخ، فَلَا يجوز وَفِيه رجم الثّيّب بِلَا جلد، على مَا ذهب إِلَيْهِ أَئِمَّة الْفَتْوَى فِي الْأَمْصَار. وَفِيه: إرْسَال الْوَاحِد لتنفيذ الحكم. وَفِيه: أَن المخدرة الَّتِي لَا تعتاد البروز لَا تكلّف الْحُضُور لمجلس الحكم بل يجوز أَن يُرْسل إِلَيْهَا من يحكم لَهَا وَعَلَيْهَا، وَقد ترْجم النَّسَائِيّ فِي ذَلِك.
6829 - ح دّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله، حدّثنا سُفْيانُ، عنِ الزُّهْرِيِّ، عنْ عُبَيْدِ الله عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ عُمَرُ: لَقَدْ خَشِيتُ أنْ يَطُولَ بالنَّاسِ زَمانٌ حتَّى يَقُولَ قائِلٌ: لَا نَجِدُ الرَّجْمَ فِي كِتابِ الله فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ أنْزَلَها الله، أَلا وإنَّ الرَّجْمَ حَقٌّ عَلى مَنْ زَنَى وقَدْ أحْصَنَ، إِذا قامَتِ البَيِّنَةُ أوْ كَانَ الحَمْلُ أَو الاعْتِرَافُ.
قَالَ سُفْيانُ: كَذا حَفِظْتُ، أَلا وقَدْ رَجَمَ رسولُ الله ورَجَمْنا بَعْدَهُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: أَلا وَإِن الرَّجْم إِلَى آخِره. وَرِجَاله هم المذكورون فِي الحَدِيث السَّابِق.
قَوْله: فيضلوا(24/5)
من الضلال. قَوْله: أنزلهَا الله أَي: بِاعْتِبَار مَا كَانَ الشَّيْخ وَالشَّيْخَة إِذا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا، من الْقُرْآن فنسخت تِلَاوَته، أَو بِاعْتِبَار أَنه 3 هَا 0 النَّجْم: 3 4 قَوْله: وَقد أحصن على صِيغَة الْمَجْهُول من الْإِحْصَان فِي مَوضِع الْحَال، وَقد علم أَن الْمَاضِي إِذا وَقع حَالا لَا بُد فِيهِ من كلمة: قد، إِمَّا تَحْقِيقا وَإِمَّا تَقْديرا. قَوْله: أَو كَانَ الْحمل أَي: أَو ثَبت الْحمل، ويروى: الْحَبل، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة مَوضِع الْمِيم.
قَوْله: قَالَ سُفْيَان مَوْصُول بالسند الْمَذْكُور. قَوْله: كَذَا حفظت جملَة مُعْتَرضَة بَين قَوْله: أَو الِاعْتِرَاف وَقَوله: أَلا وَقد رجم
31 - (بابُ رَجْمِ الحُبْلَى مِنَ الزِّنى إِذا أحْصَنَتْ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان رجم الْمَرْأَة الَّتِي حبلت من الزِّنَى إِذا أحصنت أَي: تزوجت. قَوْله: من الزِّنَى، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: فِي الزِّنَى، وَالْإِجْمَاع على أَنَّهَا ترْجم وَلَكِن بعد الْوَضع عِنْد الْكُوفِيّين، وَقيل: بعد الْفِطَام، وَقَالَ مَالك: إِذا وضعت حدث إِذا وجد للمولود من يرضعه وإلاَّ أخرت حَتَّى ترْضِعه وتفطمه خشيَة هَلَاكه. وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا ترْجم حَتَّى تفطمه، كَمَا جرى للمرجومة.
وَاخْتلفُوا فِي الْمَرْأَة تُوجد حَامِلا وَلَا زوج لَهَا، فَقَالَ مَالك: إِن قَالَت: استكرهت أَو تزوجت، فَلَا يقبل مِنْهَا ويقام عَلَيْهَا الْحَد إلاَّ أَن تقيم بَيِّنَة على مَا ادَّعَت من ذَلِك، أَو تَجِيء بِنِدَاء أَو استغاثة. وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ وَالشَّافِعِيّ: لَا حد عَلَيْهَا إلاَّ أَن تقرّ بالزنى أَو تقوم عَلَيْهَا بَيِّنَة.
6830 - حدّثنا عَبْدُ العَزِيزِ بنُ عَبْدِ الله، حَدثنِي إبْراهِيمُ بنُ سَعْدٍ، عنْ صالِحٍ، عنِ ابنِ شِهابٍ عنْ عُبَيْدِ الله بنِ عَبْدِ الله بنِ عُتْبَةَ بنِ مَسْعُودٍ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كُنْتُ أُقْرِىءُ رِجالاً مِنَ المُهاجِرِينَ منْهُمْ عَبْدُ الرَّحْمانِ بنُ عَوْفٍ، فَبَيْنَما أَنا فِي مَنْزِلِهِ بِمِنًى، وَهْوَ عِنْدَ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ فِي آخِرِ حَجَةٍ حَجَّها، إذْ رَجَعَ إلَيَّ عَبْدُ الرَّحْمانِ فَقَالَ: لوْ رَأيْتَ رَجُلاً أتَى أمِيرَ المُؤْمِنِينَ اليَوْمَ فَقَالَ: يَا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ هَلْ لَكَ فِي فُلانٍ؟ يَقُولُ: لوْ قَدْ ماتَ عُمَرُ لَقَدْ بايَعْتُ فُلاناً، فَوَالله مَا كانَتْ بَيْعَة أبي بَكْرٍ إِلَّا فَلْتَةً فَتمَّتْ، فَغَضِبَ عُمَرُ ثُمَّ قَالَ: إنِّي، إنْ شاءَ الله، لَقَائِمٌ العشِيَّةَ فِي النَّاس فَمُحَذِّرُهُمْ، هاؤُلاء الّذِينَ يُرِيدُونَ أنْ يَغْصبُوهُمْ أُمُورَهُمْ. قَالَ عَبْدُ الرَّحْمانِ: فَقُلْتُ: يَا أميرَ المُؤْمِنِينَ لَا تَفعلْ فإنَّ المَوْسِمَ يَجْمَعُ رَعاعَ النَّاسِ وغَوْغاءَهُمْ، فإنَّهُمْ هُمُ الّذِينَ يَغْلِبُونَ عَلى قُرْبِكَ، حِينَ تَقُومُ فِي النَّاس، وَأَنا أخْشَى أنْ تَقُومَ فَتَقُولَ مَقالَةً يُطَيِّرُها عَنْكَ كُلُّ مُطَيِّرٍ وأنْ لَا يَعُوها وأنْ لَا يَضَعُوها عَلى مَواضِعِها، فأمْهِلْ حتَّى تَقْدَمَ المَدِينَةَ فإنَّها دارُ الهِجْرَةِ والسُّنةِ، فَتَخْلُصَ بِأهْلِ الفِقْهِ وأشْرافِ النَّاسِ، فَتَقُول ماقُلْتَ مُتَمَكِّناً، فَيَعِي أهْلُ العِلْمِ مَقالَتَكَ ويَضَعُونَها عَلى مَواضِعها. فَقَالَ عُمَرُ: أما وَالله، إنْ شاءَ الله، لأقومَنَّ بِذالِكَ أوَّلَ مَقَامٍ أقُومُهُ بِالمدِينَةِ، قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: فَقَدِمْنا المَدِينَةَ فِي عَقِيبِ ذِي الحِجَّةِ، فَلَمَّا كانَ يَوْمُ الجُمُعَةِ عَجَّلْنا الرَّواحَ حِينَ زاغَتِ الشَّمْسُ، حتَّى أجِدَ سَعِيدَ بنَ زَيْدِ بنِ عَمْرِو بنِ نُفَيْلٍ جالِساً إِلَى رُكْنِ المِنْبَرِ، فَجَلَسْتُ حَوْلَهُ تَمَسُّ رُكْبَتِي، رُكْبَتَهُ، فَلَمْ أنْشَبْ أنْ خَرَجَ عُمَرُ بنُ الخطّابِ، فَلمَّا رأيْتُهُ مُقْبِلاً قُلْتُ لِسَعِيدِ بنِ زَيْدِ بنِ عَمْرِو بن نُفَيْلٍ: ليَقُولَنَّ العَشِيَّةَ مَقالَةً لَمْ يَقُلْها مُنْذُ اسْتُخْلِفَ، فأنْكَرَ عَلَيَّ، وَقَالَ: مَا عَسَيْتَ أنْ يَقُولَ مَا لَمْ(24/6)
يَقُلْ قَبْلَهُ، فَجَلَسَ عُمَرُ عَلى المِنْبَرِ، فَلمَّا سَكَتَ المُؤَذِّنُونَ قامَ فأثْنى عَلى الله بِما هُوَ أهْلُهُ ثمَّ قَالَ: أمَّا بَعْدُ، فإنِّي قائِلٌ لَكُمْ مَقالَةً قَدْ قُدِّرَ لِي أنْ أقُولَها، لَا أدْرِي لَعَلَّها بَيْنَ يَدَيْ أجَلِي، فَمَنْ عَقَلَها وَوعاها فَلْيُحَدِّثْ بِها حَيْثُ انْتَهَتْ بِهِ راحِلَتُهُ، ومَنْ خَشِيَ أنْ لَا يَعْقِلَها فَلا أُحِلُّ لأِحَدٍ أنْ يَكْذِبَ عَلَيَّ: إنَّ الله بعَثَ مُحَمَّداً بالحَقِّ وأنْزَلَ عَلَيْهِ الكِتابَ فَكانَ مِمَّا أنْزَلَ الله آيَةُ الرَّجْمِ، فَقَرَأْناها وعَقَلْناها وَوَعَيْناها، فَلِذَا رَجَمَ رسولُ الله وَرَجَمْنا بَعْدَهُ، فأخْشَى إنْ طالَ بالنَّاسِ زَمانٌ أنْ يَقُولَ قائِلٌ: وَالله مَا نَجِدُ آيَةَ الرَّجْمِ فِي كِتابِ الله فَيَضِلُّوا بِتَرْك فَرِيضَةٍ أنْزَلَهَا الله، والرَّجْمُ فِي كِتابِ الله حَقٌّ عَلى مَنْ زَنَى، إِذا أُحْصِنَ مِنَ الرِّجالِ والنِّساءِ، إِذا قامَتِ البَيِّنَةُ أوْ كَانَ الحَبَلُ أَو الاعِتْرِافُ، ثُمَّ إنَّا كُنَّا نَقْرَأُ فِيما نَقْرَأُ مِنْ كِتابِ الله: أنْ لَا تَرْغَبُوا عنْ آبائِكُمْ فإنَّهُ كُفْرٌ بِكُمْ أنْ تَرْغَبُوا عنْ آبائِكُمْ، أوْ إنَّ كُفْراً بِكُمْ أنْ تَرْغَبُوا عنْ آبائِكُمْ، أَلا ثُمَّ إنَّ رسولَ الله قَالَ: لَا تُطْرُونِي كَمَا أُطْرِيَ عِيسى ابنُ مَرْيَمَ وقُولُوا عَبْدُ الله ورسُولُهُ ثُمَّ إنّهُ بَلَغَنِي أنَّ قائِلاً مِنْكُمْ يَقُولُ: وَالله لوْ ماتَ عُمَرُ بايَعْتُ فُلاناً، فَلا يَغْتَرَّنَ امْرُؤٌ أنْ يَقُولَ: إنّما كانَتْ بَيْعَةُ أبي بَكْرٍ فَلْتَةً، وتَمَّتْ، ألاَّ وإنَّها قَدْ كانَتْ كَذالِكَ، ولاكِنَّ الله وَقاى شَرَّها ولَيْسَ مِنْكُمْ مَنْ تُقْطَعُ الأعْناقُ إلَيْهِ مِثْلُ أبي بَكْرٍ، مَنْ بايَعَ رَجُلاً مِنْ غَيْرِ مَشُورَةٍ مِنَ المُسْلِمِينَ فَلا يُبايَعُ هُوَ، وَلَا الّذِي بايَعَهُ تَغِرَّةً أنْ يُقْتَلاَ، وإنهُ قَدْ كانَ منْ خَيْرِنا حِينَ تُوَفَّي الله نَبيَّهُ أَلا إنَّ الأنْصارَ، خالَفُونا واجْتَمَعُوا بِأسْرِهِمْ فِي سَقِيفَةَ بَنِي ساعِدَةَ، وخالَفَ عَنَّا عَلِيٌّ والزُّبَيْرُ ومَنْ مَعَهُما، واجْتَمَعَ المُهاجِرُون إِلَى أبي بَكْرٍ فَقُلْتُ لأبي بَكْرٍ: يَا أَبَا بَكْر انْطَلِقْ بِنا إِلَى إخْوانِنا هاؤلاءِ مِنَ الأنْصارِ، فانْطَلَقْنا نُريدهُمْ فَلَمَّا دَنَوْنا مِنْهُمْ لَقِينا مِنْهُمْ رَجُلانِ صالِحانِ فَذَكَرا مَا تَمالاى عَلَيْهِ القَوْمُ فَقالا: أيْنَ تُرِيدُونَ يَا مَعْشَرَ المُهاجِرِينَ؟ فَقُلْنا: نُرِيدُ إخْوانَنا هاؤلاءِ مِنَ الأنْصارِ، فَقَالَا: لَا عَلَيْكُمْ أنْ لَا تَقْرَبُوهُمُ، اقْضُوا أمْرَكُمْ. فَقُلْتُ: وَالله لَنَأْتِيَنَّهُمْ، فانْطَلَقْنا حتَّى أتيْناهُمْ فِي سَقِيفَةِ بَنِي ساعِدَةَ، فَإِذا رَجُلٌ مُزَمَّلٌ بَيْنَ ظَهْرانَيْهِمْ، فَقُلْتُ: مَنْ هاذا؟ فَقالُوا: هاذا سَعْدُ بنُ عُبادَةَ. فَقُلْتُ: مَا لهُ؟ قالُوا: يُوعَكُ، فَلمَّا جَلَسْنا قَلِيلاً تَشَهَّدَ خَطِيبُهُمْ فأثْناى عَلى الله بِما هُوَ أهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: أما بَعْدُ فَنَحْنُ أنْصارُ الله وكَتِيبَةُ الإسْلامِ، وأنْتُمْ مَعْشَرَ المُهاجِرِينَ رَهطٌ، وقَدْ دَفَّتْ دافَّةٌ مِنْ قَوْمِكُمْ، فَإِذا هُمْ يُرِيدُونَ أنْ يَخْتَزِلونا مِنْ أصْلِنا، وأنْ يَحْضُنُونا مِنَ الأمْرِ، فَلَمَّا سَكَتَ أرَدْتُ أنْ أتَكَلَّمَ وكُنْتُ زَوَّرْتُ مَقالَةً أعْجَبَتَنِي أُريدُ أنْ أُقَدِّمَها بَيْنَ يَدَيْ أبي بَكْرٍ، وكُنْتُ أُدارِي مِنْهُ بَعْضَ الحَدِّ، فَلَمَّا أرَدْتُ أنْ أتَكَلَّمَ قَالَ أبُو بَكْرٍ: عَلى رِسْلِكِ ... فكَرِهْتُ أَن أغْضِبَهُ، فَتَكَلَّمَ أبُو بَكْرٍ فَكانَ هُوَ أحْلَمَ مِنِّي وأوْقَرَ، وَالله مَا تَرَكَ مِنْ كَلِمَةٍ أعْجَبَتْنِي فِي تَزْوِيرِيِ إلاَّ قَالَ فِي بَديهَتِهِ مِثْلَها، أوْ أفْضَلَ مِنْها حتَّى سَكَتَ، فَقَالَ: مَا ذَكَرْتُمْ فِيكُمْ مِنْ خَيْرٍ(24/7)
فأنْتُمْ لهُ أهلٌ، ولَنْ يُعْرَفَ هاذا الأمْرُ إلاْ لِهاذا الحيِّ مِنْ قُرَيْشٍ هُمْ أوْسَطُ العَرَبِ نَسَباً وداراً، وقَدْ رَضِيتُ لَكُمْ أحَدَ هاذِينِ الرَّجُلَيْنِ فَبايِعُوا أيَّهُما شِئْتُمْ، فأخَذَ بِيَدِي وبِيَدِ أبي عُبَيْدَةَ بن الجَرَّاحِ وهْوَ جالِسٌ بَيْنَنا، فَلَمْ أكْرَهْ مِمَّا قَالَ غَيْرَهَا، كانَ وَالله أنْ أُقَدَّمَ فَتُضْرَبَ عُنْقِي لَا يُقَرِّبُنِي ذالِكَ مِنْ إثْمٍ أحَبَّ إلَيَّ مِنْ أنْ أتَأمَّر عَلى قَوْمٍ فِيهمْ أبُو بَكْرٍ، اللَّهُمَّ إلاّ أنْ تُسَوِّلَ إلَيَّ نَفْسِي عِنْدَ المَوْتِ شَيْئاً لَا أجِدُهُ الآنَ، فَقَالَ قائِلٌ مِنَ الأنْصارِ: أَنا جُذَيْلُها المُحَكَّكُ وعُذَيْقُها المُرَجَّبُ مِنَّا أمِيرٌ ومِنْكُمْ أمِيرٌ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، فَكَثُرَ اللَّغَطُ وارْتَفَعَتِ الأصْواتُ حتَّى فَرِقْتُ مِنَ الاخْتِلافِ، فَقُلْتُ: ابْسُطْ يَدَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ، فَبَسَطَ يَدَهُ، فَبَايَعْتُهُ وبايَعَهُ المُهاجِرُونَ ثُمَّ بايَعَتْهُ الأنْصارُ ونَزَوْنا عَلى سَعْدِ بنِ عُبادَةَ، فَقَالَ قائِلٌ مِنْهُمْ: قَتَلْتُمْ سَعْدَ بنَ عُبادَةَ، فَقُلْتُ: قَتَلَ الله سَعْدَ بنَ عُبادَةَ. قَالَ عُمَرُ: وإنَّا وَالله مَا وَجَدْنا فِيما حَضْرنا مِنْ أمْرٍ أقْواى مِنْ مُبايَعَةِ أبي بَكْرٍ، خَشِينا إنْ فارَقْنا القَوْمَ ولَمْ تَكُنْ بَيْعَةٌ أنْ يُبايِعُوا رَجُلاً مِنْهُمْ بَعْدَنا، فإمَّا بايَعْناهُمْ عَلى مَا لَا نَرْضاى وإمَّا نُخالِفُهُمْ فَيَكُونُ فَسادٌ، فَمَنْ بايَعَ رَجُلاً عَلَى غَيْرِ مَشُورَةٍ مِنَ المُسْلِمِينَ فَلا يُتابَعُ هُوَ وَلَا الّذِي بايَعَهُ تَغِرَّةَ أنْ يُقْتَلاَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: إِذا أحصن من الرِّجَال وَالنِّسَاء إِذا قَامَت الْبَيِّنَة
وَعبد الْعَزِيز بن عبد الله بن يحيى الأويسي الْمدنِي، وَإِبْرَاهِيم بن سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن، وَصَالح بن كيسَان.
قَوْله كنت أقرىء بِضَم الْهمزَة من الإقراء أَي: كنت اقرىء قُرْآنًا وَفِيه دلَالَة على أَن الْعلم يَأْخُذهُ الْكَبِير عَن الصَّغِير، وَأغْرب الدَّاودِيّ فَقَالَ: يَعْنِي يقْرَأ عَلَيْهِم ويلقنونه، وَاعْتَرضهُ ابْن التِّين وَقَالَ: هَذَا خُرُوج عَن الظَّاهِر. قَوْله: فِي آخر حجَّة حَجهَا يَعْنِي عمر رَضِي الله عَنهُ، وَكَانَ ذَلِك فِي سنة ثَلَاث وَعشْرين. قَوْله: إِذْ رَجَعَ جَوَاب قَوْله: فَبَيْنَمَا قَوْله: إِلَيّ بتَشْديد الْيَاء. قَوْله: لَو رَأَيْت رجلا جَزَاؤُهُ مَحْذُوف تَقْدِيره: لرأيت عجبا، أَو كلمة: لَو، لِلتَّمَنِّي فَلَا تحْتَاج إِلَى جَوَاب. قَوْله: هَل لَك فِي فلَان؟ لم يدر اسْمه. قَوْله: لَو قد مَاتَ عمر كلمة: قد، مقحمة لِأَن لَو، لَازم أَن يدْخل على الْفِعْل، وَقيل: قد، فِي تَقْدِير الْفِعْل وَمَعْنَاهُ: لَو تحقق موت عمر. قَوْله: لقد بَايَعت فلَانا يَعْنِي: طَلْحَة بن عبيد الله، وَقَالَ الْكرْمَانِي: هُوَ رجل من الْأَنْصَار وَكَذَا نَقله ابْن بطال عَن الْمُهلب، لَكِن لم يذكر مُسْتَنده فِي ذَلِك. قَوْله: إلاَّ فلتة بِفَتْح الْفَاء وَسُكُون اللَّام وبالتاء الْمُثَنَّاة من فَوق أَي: فَجْأَة يَعْنِي: بَايعُوهُ فَجْأَة من غير تدبر. قَوْله: وتمت أَي: وتمت الْمُبَايعَة عَلَيْهِ. قَوْله: أَن يغصبوهم أَمرهم كَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْجمع بغين مُعْجمَة وصاد مُهْملَة، وَفِي رِوَايَة مَالك: يغتصبوهم بِزِيَادَة تَاء الافتعال ويروى: أَن يغصبونهم، وَهِي لُغَة كَقَوْلِه تَعَالَى: الْبَقَرَة: 237 بِالرَّفْع وَهُوَ تشبيههم أَن بِمَا المصدرية فَلَا ينصبون بهَا، أَي: الَّذين يقصدون أموراً لَيْسَ ذَلِك وظيفتهم وَلَا لَهُم مرتبَة ذَلِك فيريدون مباشرتها بالظلم وَالْغَصْب، وَحكى ابْن التِّين أَنه رُوِيَ بِالْعينِ الْمُهْملَة وَضم أَوله: من أعصب، أَي: صَار لَا نَاصِر لَهُ، والمعصوب الضَّعِيف من أعصبت الشَّاة إِذا انْكَسَرَ أحد قرنيها أَو قرنها الدَّاخِل وَهُوَ المشاش، وَالْمعْنَى: أَنهم يغلبُونَ على الْأَمر فيضعف لضعفهم. قَوْله: رعاع النَّاس بِفَتْح الرَّاء وبعينين مهملتين وهم الجهلة الأراذل والغوغاء بغينين معجمتين بَينهمَا وَاو سَاكِنة، وَهُوَ فِي الأَصْل: الْجَرَاد الصغار حِين يبْدَأ فِي الطيران وَيُطلق على السفلة المتسرعين إِلَى الشَّرّ. قَوْله: يغلبُونَ على قربك أَي: هم الَّذين يكونُونَ قَرِيبا مِنْك عِنْد قيامك للخطبة لغلبتهم، وَلَا يتركون الْمَكَان الْقَرِيب إِلَيْك لأولي النهى من النَّاس، وَوَقع فِي رِوَايَة الْكشميهني وَأبي زيد الْمروزِي: قرنك، بِكَسْر الْقَاف وبالنون وَهُوَ خطأ، وَفِي رِوَايَة ابْن وهب عَن مَالك: على مجلسك إِذا قُمْت فِي النَّاس. قَوْله: يطيرها بِضَم الْيَاء من الإطارة يُقَال: أطار الشَّيْء إِذا أطلقهُ. قَوْله: كل مطير بِالرَّفْع فَاعل: يطيرها وَالضَّمِير الْمَنْصُوب فِيهِ يرجع إِلَى الْمقَالة، و: مطير، بِضَم الْمِيم اسْم فَاعل من الإطارة،(24/8)
وَفِي رِوَايَة السَّرخسِيّ، يطير بهَا، بِفَتْح الْيَاء وبالياء الْمُوَحدَة بعد الرَّاء أَي: يحملون مَقَالَتك على غير وَجههَا. قَوْله: وَأَن لَا يعوها أَي: وَأَن لَا يحفظوها، من الوعي وَهُوَ الْحِفْظ. قَوْله: وَأَن لَا يضعونها وَترك النصب جَائِز مَعَ الناصب لكنه خلاف الْأَفْصَح. قَوْله: فأمهل أَمر من الْإِمْهَال هُوَ التؤدة والرفق والتأني يُقَال: أمهلته إِذا انتظرته وَلم تعاجله. قَوْله: فتخلص بِضَم اللَّام وبالصاد الْمُهْملَة أَي: تصل. قَوْله: مُتَمَكنًا حَال من الضَّمِير الَّذِي فِي: قلت. قَوْله: فيعي أَي: يحفظ أهل الْعلم مَقَالَتك. قَوْله: أقومه وَفِي رِوَايَة السَّرخسِيّ: أقوم، بِدُونِ الضَّمِير. قَوْله: فِي عقب ذِي الْحجَّة بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَكسر الْقَاف أَو السّكُون، وَالْأول أولى لِأَنَّهُ يُقَال لما بعد التكملة وَالثَّانِي لما قرب مِنْهَا، يُقَال: جَاءَ عقب الشَّهْر بِالْوَجْهَيْنِ، وَالْوَاقِع الثَّانِي لِأَن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قدم قبل أَن يَنْسَلِخ ذُو الْحجَّة فِي يَوْم الْأَرْبَعَاء، وَقَالَ الْكرْمَانِي قَوْله: عقب ذِي الْحجَّة أَي: يَوْم هُوَ آخِره، أَو الشَّهْر المعاقب لَهُ، أَي: أول الْمحرم. وَفِي التَّوْضِيح يُقَال: جَاءَ على عقب الشَّهْر وَفِي عقبه بِضَم الْعين وَإِسْكَان الْقَاف إِذا جَاءَ بعد تَمَامه. قَوْله: عجلنا الرواح ويروى: عجلنا بالرواح، وَهَكَذَا رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: عجلت الرواح، بِدُونِ الْبَاء. قَوْله: حِين زاغت الشَّمْس أَي: حِين زَالَت الشَّمْس عَن مَكَانهَا، وَالْمرَاد بِهِ اشتداد الْحر. قَوْله: حَتَّى أجد قَالَ الْكرْمَانِي: أجد، بِالرَّفْع. قلت: لَا يرْتَفع الْفِعْل بعد حَتَّى إلاَّ إِذا كَانَ حَالا ثمَّ إِذا كَانَ الْحَال بِالنِّسْبَةِ إِلَى زمن التَّكَلُّم فالرفع وَاجِب وَإِن كَانَ محكياً جَازَ الرّفْع وَالنّصب كَمَا فِي قِرَاءَة نَافِع: حَتَّى يَقُول الرَّسُول، بِالرَّفْع. قَوْله: سعيد بن زيد هُوَ أحد الْعشْرَة المبشرة. قَوْله: حوله وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: حذوه، وَفِي رِوَايَة إِسْحَاق الْفربرِي عَن مَالك: حذاه، وَفِي رِوَايَة معمر: فَجَلَست إِلَى جنبه تمس ركبتي ركبته. قَوْله: فَلم أنشب بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة أَي: فَلم أمكث وَلم أتعلق بِشَيْء حَتَّى خرج عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، من مَكَانَهُ إِلَى جِهَة الْمِنْبَر. قَوْله: مَا عَسَيْت أَن يَقُول الْقيَاس أَن يَقُول: مَا عَسى أَن يَقُول، فَكَأَنَّهُ فِي معنى: رَجَوْت وتوقعت. قَوْله: لَعَلَّهَا بَين يَدي أَجلي أَي: بِقرب موتِي، وَهُوَ من الْأُمُور الَّتِي وَقعت على لِسَان عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَوَقَعت كَمَا قَالَ. قَوْله: وعاها أَي: حفظهَا. قَوْله: فليحدث بهَا يَعْنِي: على حسب مَا وعى وعقل. وَفِيه: الحض لأهل الْعلم على تبليغه ونشره. قَوْله: فَلَا أحل بِضَم الْهمزَة من الْإِحْلَال وَذَلِكَ نهي لأجل التَّقْصِير وَالْجهل عَن الحَدِيث بِمَا لم يعلموه وَلَا ضبطوه. قَوْله: لأحد ظَاهره يَقْتَضِي أَن يُقَال: لَهُ، ليرْجع الضَّمِير إِلَى الْمَوْصُول، وَلَكِن الشَّرْط هُوَ الارتباط وَعُمُوم الْأَحَد قَائِم مقَامه. قَوْله: إِن الله بعث مُحَمَّد قَالَ الطَّيِّبِيّ: قدم عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، هَذَا الْكَلَام قبل مَا أَرَادَ أَن يَقُول تَوْطِئَة لَهُ ليتيقظ السَّامع لما يَقُول. قَوْله: آيَة الرَّجْم مَرْفُوع لِأَنَّهُ اسْم كَانَ، وَخَبره هُوَ قَوْله: مِمَّا أنزل الله مقدما وَكلمَة: من للتَّبْعِيض وَآيَة الرَّجْم هِيَ قَوْله: الشَّيْخ وَالشَّيْخَة إِذا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا وَهُوَ قُرْآن نسخت تِلَاوَته دون حكمه. قَوْله: مِمَّا أنزل الله وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: فِيمَا أنزل الله. قَوْله: ووعيناها أَي: حفظناها. قَوْله: رجم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: ورجم، بِزِيَادَة الْوَاو. قَوْله: إِن طَال بِكَسْر الْهمزَة. قَوْله: أَن يَقُول بِفَتْح الْهمزَة. قَوْله: بترك فَرِيضَة أنزلهَا الله أَي: فِي الْآيَة الْمَذْكُورَة الَّتِي نسخت تلاوتها وَبَقِي حكمهَا، وَقد وَقع مَا خشيه عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَإِن طَائِفَة من الْخَوَارِج أَنْكَرُوا الرَّجْم، وَكَذَا بعض الْمُعْتَزلَة أنكروه. قَوْله: وَالرَّجم فِي كتاب الله حق أَي: فِي قَوْله تَعَالَى: النِّسَاء: 15 وَبَين النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن المُرَاد بِهِ رجم الثّيّب وَجلد الْبكر. قَوْله: أَو كَانَ الْحَبل بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَالْبَاء الْمُوَحدَة، وَفِي رِوَايَة معمر: الْحمل، بِالْمِيم. قَوْله: أَو الِاعْتِرَاف أَي: الْإِقْرَار بالزنى. قَوْله: ثمَّ إِنَّا كُنَّا نَقْرَأ فِيمَا نَقْرَأ من كتاب الله أَي: مِمَّا نسخت تِلَاوَته وَبَقِي حكمه. قَوْله: لَا ترغبوا عَن آبائكم أَي: لَا تتركوا النِّسْبَة عَن آبائكم فتنسبون إِلَى غَيرهم. قَوْله: فَإِنَّهُ كفر بكم أَي: فَإِن انتسابكم إِلَى غير آبائكم كفر بكم أَي: كفر حق ونعمة. قَوْله: أَو إِن كفرا بكم شكّ من الرَّاوِي، قَالَ الْكرْمَانِي: أَو إِن كفرا، شكّ فِيمَا كَانَ فِي الْقُرْآن، وَهُوَ أَيْضا من الْمَنْسُوخ التِّلَاوَة دون الحكم. قَوْله: ألاَّ ثمَّ إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَلا بِفَتْح الْهمزَة وَتَخْفِيف اللَّام حرف افْتِتَاح كَلَام غير الَّذِي قبله، وَفِي رِوَايَة مَالك: أَلا وَإِن، بِالْوَاو بدل: ثمَّ، قَوْله: لَا تطروني من الإطراء وَهُوَ الْمُبَالغَة فِي الْمَدْح. قَوْله: كَمَا أطري عِيسَى على صِيغَة الْمَجْهُول، وَفِي رِوَايَة سُفْيَان: كَمَا أطرت النَّصَارَى عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام، حَيْثُ قَالُوا: هُوَ ابْن الله، وَمِنْهُم من ادّعى أَنه هُوَ الله. قَوْله: أَلا وَإِنَّهَا أَي: وَإِن بيعَة أبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَوْله: كَانَت كَذَلِك أَي: فلتة، وَصرح بذلك فِي(24/9)
رِوَايَة إِسْحَاق بن عِيسَى عَن مَالك. وَقَالَ الدَّاودِيّ: معنى قَوْله: قَوْله: كَانَت فلتة أَنَّهَا وَقعت من غير مشورة مَعَ جَمِيع من كَانَ يَنْبَغِي أَن يشاوروا، وَأنكر هَذَا الْكَرَابِيسِي، وَقَالَ: المُرَاد أَن أَبَا بكر وَمن مَعَه تفلتوا فِي ذهابهم إِلَى الْأَنْصَار فَبَايعُوا أَبَا بكر بحضرتهم، وَالْمرَاد بالفلتة مَا وَقع من مُخَالفَة الْأَنْصَار وَمَا أرادوه من مبايعة سعد بن عبَادَة، وَقَالَ ابْن حبَان: معنى قَوْله: قَوْله: كَانَت فلتة أَن ابتداءها كَانَ عَن غير مَلأ كثير. وَفِي التَّوْضِيح قَالَ عمر: وَالله مَا وجدنَا فِيمَا حَضَرنَا من أَمر أقوى من بيعَة أبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَلِأَن أقدم فَيضْرب عنقِي أحب إليّ من أَن أتأمر على قوم فيهم أَبُو بكر، فَهَذَا يبين أَن قَول عمر: كَانَت فلتة، لم يرد مبايعة أبي بكر، وَإِنَّمَا أَرَادَ مَا وَصفه من خلَافَة الْأَنْصَار عَلَيْهِم، وَمَا كَانَ من أَمر سعد بن عبَادَة وَقَومه. قَوْله: وَلَكِن الله وقى شَرها أَي: وَلَكِن الله رفع شَرّ خلَافَة أبي بكر رَضِي الله عَنهُ، وَمَعْنَاهُ: أَن الله وقاهم مَا فِي العجلة غَالِبا من الشَّرّ، وَقد بَين عمر سَبَب إسراعهم ببيعة أبي بكر، وَذَلِكَ أَنه لما خَشوا أَن يُبَايع الْأَنْصَار سعد بن عبَادَة، وَقَالَ أَبُو عبيد: عجلوا بيعَة أبي بكر خيفة انتشار الْأَمر وَأَن يتَعَلَّق بِهِ من لَا يسْتَحق فَيَقَع الشَّرّ. قَوْله: من تقطع الْأَعْنَاق أَي: أَعْنَاق الْإِبِل يَعْنِي: تقطع من كَثْرَة السّير، حَاصله لَيْسَ فِيكُم مثل أبي بكر فِي الْفضل والتقدم فَلذَلِك مَضَت بيعَته على حَال فَجْأَة وَوقى شَرها فَلَا يطمعن من أحد فِي مثل ذَلِك. قَوْله: عَن غير مشورة بِفَتْح الْمِيم وَضم الشين الْمُعْجَمَة وبفتح الْمِيم وَسُكُون الشين وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: من غير مشورة. قَوْله: فَلَا يُبَايع جَوَاب: من، على صِيغَة الْمَجْهُول من الْمُبَايعَة بِالْبَاء الْمُوَحدَة ويروى بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة من فَوق: من الْمُتَابَعَة، وَهَذِه أولى لقَوْله: وَلَا الَّذِي تَابعه بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة من فَوق فِي أَوله وبالياء الْمُوَحدَة بعد الْألف. قَوْله: تغرة أَن يقتلا أَي: المبايع والمتابع بِالْمُوَحَّدَةِ وَفتح الْيَاء آخر الْحُرُوف فِي الأول، وبالمثناة من فَوق وَكسر الْمُوَحدَة فِي الثَّانِي، وتغرة بالغين الْمُعْجَمَة مصدر يُقَال: غرر نَفسه تغريراً وتغرة إِذا عرضهَا للهلاك، وَفِي الْكَلَام مُضَاف مَحْذُوف تَقْدِيره: خوف تغرة أَن يقتلا، أَي: خوف وقوعهما فِي الْقَتْل فَحذف الْمُضَاف الَّذِي هُوَ الْخَوْف وأقيم الْمُضَاف إِلَيْهِ الَّذِي هُوَ تغرة مقَامه وانتصب على أَنه مفعول لَهُ. قَوْله: وَإنَّهُ قد كَانَ أَي: وَإِن أَبَا بكر قد كَانَ من خيرنا بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف كَذَا فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي، وَفِي رِوَايَة غَيره بِالْبَاء الْمُوَحدَة، فعلى رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي يقْرَأ إِن الْأَنْصَار، بِكَسْر همزَة: إِن، على أَنه ابْتِدَاء كَلَام، وعَلى رِوَايَة غَيره بِفَتْحِهَا على أَنه خبر كَانَ، وَكلمَة: أَلا مُعْتَرضَة. قَوْله: ألاَّ إِن الْأَنْصَار قد ذكرنَا غير مرّة أَن كلمة: أَلا، لافتتاح الْكَلَام يُنَبه بهَا الْمُخَاطب على مَا يَأْتِي. قَوْله: بأسرهم أَي: بكليتهم. قَوْله: فِي سَقِيفَة بني سَاعِدَة وَهِي الصّفة، وَقَالَ الْكرْمَانِي: كَانَ لَهُم طاق يَجْتَمعُونَ فِيهِ لفصل القضايا وتدبير الْأُمُور. قَوْله: وَخَالف عَنَّا أَي: معرضًا عَنَّا. وَقَالَ الْمُهلب: أَي فِي الْحُضُور والاجتماع لَا بِالرَّأْيِ وَالْقلب. وَفِي رِوَايَة مَالك وَمعمر: أَن عليّاً وَالزُّبَيْر وَمن كَانَ مَعَهُمَا تخلفوا فِي بَيت فَاطِمَة بنت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَذَا فِي رِوَايَة سُفْيَان، لَكِن قَالَ: الْعَبَّاس، بدل: الزبير رَضِي الله عَنهُ. قَوْله: فَانْطَلَقْنَا نريدهم زَاد جوَيْرِية: فلقينا أَبَا عُبَيْدَة بن الْجراح، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَأخذ أَبُو بكر بِيَدِهِ يمشي بيني وَبَينه. قَوْله: لَقينَا رجلَانِ فعل وفاعل وهما: عويم بن سَاعِدَة ومعن بن عدي الْأنْصَارِيّ. قَوْله: صالحان صفة: رجلَانِ، وَفِي رِوَايَة معمر عَن ابْن شهَاب: شَهدا بَدْرًا، وَفِي رِوَايَة ابْن إِسْحَاق: رجلا صدق: عويم بن سَاعِدَة ومعن بن عدي، كَذَا أدرج تسميتهما وَبَين مَالك أَنه قَول عُرْوَة وَلَفظه، قَالَ ابْن شهَاب: أَخْبرنِي عُرْوَة أَنَّهُمَا معن بن عدي وعويم بن سَاعِدَة، قلت: معن بن عدي بن الْجد بن عجلَان بن ضبيعة البلوي من بلي ابْن الْحَارِث بن قضاعة شهد الْعقبَة وبدراً وأحداً وَالْخَنْدَق وَسَائِر مشَاهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقتل يَوْم الْيَمَامَة شَهِيدا فِي خلَافَة أبي بكر الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وعويم بن سَاعِدَة بن عايش بن قيس شهد العقبتين جَمِيعًا فِي قَول الْوَاقِدِيّ وَغَيره، وَشهد بَدْرًا وأحداً وَالْخَنْدَق، وَمَات فِي خلَافَة عمر بِالْمَدِينَةِ. قَوْله: مَا تمالأ عَلَيْهِ الْقَوْم أَي: مَا اتّفق عَلَيْهِ الْقَوْم وَهُوَ بِفَتْح اللَّام وبالهمزة من بَاب التفاعل. قَوْله: لَا عَلَيْكُم أَن لَا تقربوهم كلمة: لَا، بعد: أَن، زَائِدَة. قَوْله: رجل مزمل على وزن اسْم الْمَفْعُول من التزميل وَهُوَ الْإخْفَاء واللف فِي الثَّوْب. قَوْله: بَين ظهرانيهم بِفَتْح الظَّاء الْمُعْجَمَة وَالنُّون أَي: بَينهم، وَأَصله بَين ظهريهم فزيدت الْألف وَالنُّون للتَّأْكِيد. قَوْله: يوعك بِضَم الْيَاء وَفتح الْعين أَي: يحصل لَهُ الوعك وَهُوَ الْحمى بنافض وَلذَلِك زمل. قَوْله: تشهد خطيبهم أَي: قَالَ كلمة الشَّهَادَة، قيل: كَانَ ثَابت بن قيس بن شماس خطيب الْأَنْصَار(24/10)
فَيحْتَمل أَن يكون الْخَطِيب. قَوْله: وكتيبة الْإِسْلَام بِفَتْح الْكَاف وَكسر التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالباء الْمُوَحدَة وَهُوَ الْجَيْش الْمُجْتَمع الَّذِي لَا ينتشر وَيجمع على كتائب. قَوْله: معشر الْمُهَاجِرين كَذَا فِي رِوَايَة الْكشميهني وَفِي رِوَايَة غَيره معاشر الْمُهَاجِرين. قَوْله: رَهْط أَي: قَلِيل. قَالَ الْخطابِيّ: رَهْط، أَي: نفر يسير بِمَنْزِلَة الرَّهْط وَهُوَ من الثَّلَاثَة إِلَى الْعشْرَة، أَي: عددكم بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأَنْصَار قَلِيل، وَرَفعه على الخبرية. قَوْله: وَقد دفت دافة بتَشْديد الْفَاء أَي: عدد قَلِيل، وَقَالَ الْكرْمَانِي: الدافة الرّفْقَة يَسِيرُونَ سيراً لينًا. أَي: وأنكم قوم طراد غرباء أقبلتم من مَكَّة إِلَيْنَا تُرِيدُونَ أَن تختزلونا من الاختزال بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَالزَّاي وَهُوَ الاقتطاع أَي: تقتطعونا عَن الْأَمر وتنفردون بِهِ دُوننَا. قَوْله: وَأَن يحضنونا بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالضَّاد الْمُعْجَمَة. أَي: يخرجوننا من الْأَمر أَي: الْإِمَارَة والحكومة ويستأثرون علينا، يُقَال: حضنت الرجل عَن الْأَمر إِذا اقتطعته دونه وعزلته عَنهُ، وَوَقع فِي رِوَايَة أبي عَليّ بن السكن: يحتصونا بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة من فَوق، وَالصَّاد الْمُهْملَة الْمُشَدّدَة وَفِي رِوَايَة الْكشميهني يحصونا بِضَم الْحَاء بِدُونِ التَّاء وَهُوَ بِمَعْنى الاقتطاع والاستئصال، وَفِي رِوَايَة أبي بكر الْحَنَفِيّ عَن مَالك عِنْد الدَّارَقُطْنِيّ: ويخطفونا، بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة والطاء الْمُهْملَة وبالفاء. واتفقت الرِّوَايَات على أَن قَوْله: فَإِذا هم الخ بَقِيَّة كَلَام خطيب الْأَنْصَار. قَوْله: فَلَمَّا سكت أَي: خطيب الْأَنْصَار. قَوْله: زورت من التزوير بالزاي وَالْوَاو، وَهُوَ التهيئة والتحسين، وَفِي رِوَايَة مَالك: رويت، برَاء وواو مُشَدّدَة ثمَّ يَاء آخر الْحُرُوف من الروية ضد البديهة. قَوْله: وَكنت أداري مِنْهُ بعض الْحَد أَي: أدفَع عَنهُ بعض مَا يعتري لَهُ من الْغَضَب وَنَحْوه. قَوْله: على رسلك بِكَسْر الرَّاء أَي: اتئد وَاسْتعْمل الرِّفْق والتؤدة. قَوْله: أَن أغضبهُ بِضَم الْهمزَة وَسُكُون الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَكسر الضَّاد الْمُعْجَمَة وبالباء الْمُوَحدَة من الإغضاب، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: بمهملتين وياء آخر الْحُرُوف من الْعِصْيَان. قَوْله: هُوَ أحلم مني أَي: أَشد حلماً مني والحلم هُوَ الطُّمَأْنِينَة عِنْد الْغَضَب. قَوْله: وأوقر أَي: أَكثر وقاراً وَهُوَ الثَّانِي فِي الْأُمُور والرزانة عِنْد التَّوَجُّه إِلَى الْمطلب. قَوْله: مَا ذكرْتُمْ أَي: من النُّصْرَة وكونكم كَتِيبَة الْإِسْلَام. قَوْله: وَلنْ يعرف على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: هَذَا الْأَمر أَي: الْخلَافَة، وَفِي رِوَايَة مَالك: وَلنْ تعرف الْعَرَب هَذَا الْأَمر إلاَّ لهَذَا الْحَيّ من قُرَيْش. قَوْله: هم أَوسط الْعَرَب وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: هُوَ، بدل: هم، وَالْأول أوجه، وَمعنى أَوسط: أعدل وَأفضل، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: الْبَقَرَة: 143 أَي: عدلا. قَوْله: أحد هذَيْن الرجلَيْن هما عمر وَأَبُو عُبَيْدَة بن الْجراح بَين ذَلِك بقوله: فَأخذ بيَدي وَيَد أبي عُبَيْدَة بن الْجراح والآخذ بِيَدِهِ هُوَ أَبُو بكر وَالضَّمِير فِي: يَده، يرجع إِلَى عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَالَ الْكرْمَانِي: كَيفَ جَازَ لَهُ أَن يَقُول هَذَا القَوْل وَقد جعله، صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسلم، إِمَامًا فِي الصَّلَاة وَهِي عُمْدَة الْإِسْلَام؟ ثمَّ قَالَ: قَالَه تواضعاً وتأدباً وعلماً بِأَن كلاًّ مِنْهُمَا لَا يرى نَفسه أَهلا لذَلِك بِوُجُودِهِ، وَأَنه لَا يكون للْمُسلمين إلاّ إِمَام وَاحِد. قَوْله: وَهُوَ جَالس أَي: أَبُو بكر جَالس بَيْننَا. قَوْله: فَلم أكره مِمَّا قَالَ غَيرهَا هَذَا قَول عمر رَضِي الله عَنهُ. أَي: لم أكره مِمَّا قَالَ أَبُو بكر غير هَذِه الْمقَالة، وَهِي قَوْله: وَقد رضيت لكم أحد هذَيْن الرجلَيْن فَبَايعُوا أَيهمَا شِئْتُم قَوْله: كَانَ وَالله أَن أقدم على صِيغَة الْمَجْهُول من التَّقْدِيم وَكلمَة: أَن، مَفْتُوحَة لِأَنَّهَا اسْم: كَانَ، وَلَفْظَة: وَالله، مُعْتَرضَة بَينهمَا. قَوْله: فَتضْرب عنقِي بِالنّصب عطف على: أَن أقدم، قَوْله: لَا يقربنِي ذَلِك أَي: تَقْدِيم عنقِي وضربه من الْإِثْم. قَوْله: أحب إليّ بِالنّصب خبر كَانَ. قَوْله: من أَن أتامر كلمة، إِن، مَصْدَرِيَّة أَي: من كوني أَمِيرا على قوم فيهم أَبُو بكر مَوْجُود. قَوْله: أَن تسول بِضَم التَّاء وَفتح السِّين وَتَشْديد الْوَاو الْمَكْسُورَة أَي: أَن تزين نَفسِي، يُقَال: سَوَّلت لَهُ نَفسه شَيْئا أَي: زينته، وَيَقُول لَهُ الشَّيْطَان: افْعَل كَذَا وَكَذَا. قَوْله: إِلَيّ بتَشْديد الْيَاء. قَوْله: شَيْئا مَنْصُوب بقوله: أَن تسول قَوْله: لَا أَجِدهُ الْآن من الوجدان أَي: السَّاعَة هَذِه. قَوْله: فَقَالَ قَائِل من الْأَنْصَار كَذَا فِي رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: فَقَالَ قَائِل الْأَنْصَار، بِإِضَافَة قَائِل إِلَى الْأَنْصَار، وَقد سمى سُفْيَان هَذَا الْقَائِل فِي رِوَايَته عِنْد الْبَزَّار فَقَالَ: حباب بن الْمُنْذر، وحباب بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة الأولى ابْن الْمُنْذر على وزن اسْم الْفَاعِل من الْإِنْذَار ابْن الجموح بن يزِيد بن حرَام الْأنْصَارِيّ شهد بَدْرًا وَاحِدًا والمشاهد كلهَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَوْله: منا أَمِير إِنَّمَا قَالَ ذَلِك لِأَن الْعَرَب لم تكن تعرف الْإِمَارَة، إِنَّمَا كَانَت(24/11)
تعرف السِّيَادَة بِكَوْن لكل قَبيلَة سيد لَا تطيع إلاَّ سيد قَومهَا، فَجرى هَذَا القَوْل مِنْهُ على الْعَادة الْمَعْهُودَة حِين لم يعرف أَن حكم الْإِسْلَام بِخِلَافِهِ، فَلَمَّا بلغه أَن الْخلَافَة فِي قُرَيْش أمسك عَن ذَلِك. وَأَقْبَلت الْجَمَاعَة إِلَى الْبيعَة. قَوْله: إِنَّا جذيلها بِضَم الْجِيم. مصغر الجذل بِفَتْح الْجِيم وَكسرهَا وَسُكُون الذَّال وَهُوَ أصل الشّجر، وَالْمرَاد بِهِ عود ينصب فِي العطن للجربى لتحتك. أَي: أَنا مِمَّن يستشفى فِيهِ برأيي كَمَا يستشفى الْإِبِل الجربى بالاحتكاك بِهِ، والتصغير للتعظيم، والمحكك صفة: جذيل. قَوْله: وعذيقها مصغر العذق بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الذَّال الْمُعْجَمَة النّخل وبالكسر القنو مِنْهَا. قَوْله: المرجب من الترجيب وَهُوَ التَّعْظِيم وَهُوَ أَنَّهَا إِذا كَانَت كَرِيمَة فمالت بنوا لَهَا من جَانبهَا المائل بِنَاء رفيعاً كالدعامة ليعتمدها وَلَا يسْقط، وَلَا يعْمل ذَلِك إلاَّ لكرمها، وَقيل: هُوَ ضم عذاقها إِلَى سعفاتها وشدها بالخوص لِئَلَّا ينفضها الرّيح، أَو يوضع الشوك حولهَا لِئَلَّا تصل إِلَيْهَا الْأَيْدِي المتفرقة. قَوْله: اللَّغط بالغين الْمُعْجَمَة الصَّوْت والجلبة. قَوْله: حَتَّى فرقت بِكَسْر الرَّاء أَي: حَتَّى خشيت، وَفِي رِوَايَة مَالك: حَتَّى خفت، وَفِي رِوَايَة جوَيْرِية: حَتَّى أشفقنا الِاخْتِلَاف. قَوْله: ونزونا بِفَتْح النُّون وَالزَّاي وَسُكُون الْوَاو أَي: وثبنا عَلَيْهِ وغلبنا عَلَيْهِ. قَوْله: قتلتم سعد بن عبَادَة قيل: مَا مَعْنَاهُ وَهُوَ كَانَ حَيا؟ وَأجِيب: بِأَن هَذَا كِنَايَة عَن الْإِعْرَاض والخذلان والاحتساب فِي عدد الْقَتْلَى لِأَن من أبطل فعله وسلب قوته فَهُوَ كالمقتول. قَوْله: فَقلت: قتل الله سعد بن عبَادَة الْقَائِل هُوَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَوجه قَوْله هَذَا إِمَّا إِخْبَار عَمَّا قدر الله عَن إهماله وَعدم صَيْرُورَته خَليفَة، وَإِمَّا دُعَاء صدر عَنهُ عَلَيْهِ فِي مُقَابلَة عدم نصرته للحق. قيل: إِنَّه تخلف عَن الْبيعَة وَخرج إِلَى الشَّام فَوجدَ مَيتا فِي مغتسله وَقد اخضر جسده وَلم يشعروا بِمَوْتِهِ حَتَّى سمعُوا قَائِلا يَقُول وَلَا يرَوْنَ شخصه.
الْخَزْرَج سعد بن عبَادَة فرميناه بسهمين فَلم نخط فُؤَاده.
قَوْله: مَا وجدنَا أَي: من دفن رَسُول الله قَوْله: من أَمر فِي مَوضِع الْمَفْعُول. قَوْله: أقوى مفعول. قَوْله: مَا وجدنَا قَوْله: وَلم تكن بيعَة جملَة حَالية. قَوْله: أَن يبايعوا بِفَتْح همزَة أَن لِأَنَّهُ مفعول قَوْله: خشينا قَوْله: فإمَّا بايعناهم من الْمُبَايعَة بِالْبَاء الْمُوَحدَة وبالياء آخر الْحُرُوف قبل الْعين وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: تابعناهم بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة من فَوق وبالباء الْمُوَحدَة قبل الْعين. قَوْله: على مَا لَا نرضى ويروى: على مَا نرضى، وَالْأول هُوَ الْوَجْه وَهُوَ رِوَايَة مَالك أَيْضا. قَوْله: فَمن بَايع رجلا بِالْبَاء الْمُوَحدَة وَفِي رِوَايَة مَالك: بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة من فَوق. قَوْله: فَلَا يُتَابع هُوَ على صِيغَة الْمَجْهُول من الْمُتَابَعَة بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة من فَوق. قَوْله: وَلَا الَّذِي بَايعه بِالْبَاء الْمُوَحدَة. قَوْله: تغرة أَن يقتلا أَي خوف وقوعهما فِي الْقَتْل، وَقد مر تَفْسِير هَذَا عَن قريب.
32 - (بابٌ البِكْرَانِ يُجْلَدانِ ويُنْفَيانِ)
أَي: هَذَا بَاب فِيهِ البكران يجلدان وينفيان، وَهُوَ تَثْنِيَة بكر وَهُوَ الَّذِي لم يُجَامع فِي نِكَاح صَحِيح وَإِنَّمَا ثنَّاه ليشْمل الرجل وَالْمَرْأَة. فَقَوله: البكران، مُبْتَدأ: ويجلدان، على صِيغَة الْمَجْهُول خَبره وَقد ورد خبر بِلَفْظ التَّرْجَمَة أخرجه ابْن أبي شيبَة من طَرِيق الشّعبِيّ عَن مَسْرُوق عَن أبي بن كَعْب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، مثله.
النُّور: 2 3 ف
سَاق فِي رِوَايَة كَرِيمَة إِلَى قَوْله: الْمُؤْمِنُونَ كَمَا ذكر هُنَا، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر سَاق من قَوْله: الزَّانِيَة إِلَى قَوْله: فِي دين الله ثمَّ قَالَ الْآيَة، ثمَّ إِنَّه ذكر الْآيَة الأولى لبَيَان أَن الْجلد ثَابت بِكِتَاب الله عز وَجل، وَذكر الْآيَة الثَّانِيَة لتعلقها بِمَا قبلهَا وَذَلِكَ لِأَن قَوْله: الزاينة وَالزَّانِي يدلان على الجنسين المنافيين لجنسي الْعَفِيف والعفيفة، ثمَّ أَشَارَ إِلَى هَذَا {الزَّانِي لَا ينْكح إِلَّا زَانِيَة} يَعْنِي لَا يرغب فِي نِكَاح الصوالح من النِّسَاء، وَكَذَا الزَّانِيَة لَا ترغب فِي نِكَاح الصلحاء من الرِّجَال.
وَسبب نزُول هَذِه الْآيَة مَا قَالَه مُجَاهِد: إِنَّه كَانَ فِي(24/12)
الْجَاهِلِيَّة نسَاء يَزْنِين فَأَرَادَ أنَاس من الْمُسلمين نِكَاحهنَّ، فَنزلت. وَبِه قَالَ الزُّهْرِيّ وَقَتَادَة، وَعَن سعيد بن الْمسيب: إِن هَذِه الْآيَة مَنْسُوخَة بقوله تَعَالَى: {وَانْكِحُوا الايامى مِنْكُم} (0 النُّور: 32 ف وَالْآيَة الأولى ناسخة لقَوْله تَعَالَى: واللاتي يَأْتِين الْفَاحِشَة من نِسَائِكُم} 0 النِّسَاء: 15 ف الْآيَة وَلقَوْله: {واللذان يأتيانها مِنْكُم فأذوها} 0 النِّسَاء: 16 ف فَكل من زنى مِنْهُمَا أوذي إِلَى الْمَوْت، قَالَه مُجَاهِد، وَقَالَ النّحاس: لَا خلاف فِي ذَلِك بَين الْمُفَسّرين قَوْله: {لَا تأخذكم بهما رأفة} أَي: لَا تأخذكم بسببهما رَحْمَة، وَالْمعْنَى: لَا تخففوا الْعَذَاب وَلَكِن أوجعوهما. قَوْله: إِن كُنْتُم تؤمنون بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر يَعْنِي: إِن كُنْتُم تصدقُونَ بتوحيد الله وبالبعث الَّذِي فِيهِ جَزَاء الْأَعْمَال.
قَوْله: طَائِفَة اخْتلفُوا فِي مبلغ عَددهَا، فَعَن النَّخعِيّ وَمُجاهد: أَقَله رجل وَاحِد فَمَا فَوْقه، وَعَن عَطاء وَعِكْرِمَة: رجلَانِ فَصَاعِدا، وَعَن الزُّهْرِيّ: ثَلَاثَة فَصَاعِدا وَعَن ابْن زيد: أَرْبَعَة بِعَدَد من تقبل شَهَادَته على الزِّنَى، وَعَن قَتَادَة نفر من الْمُسلمين. وَقَالَ الزّجاج: لَا يجوز أَن تكون الطَّائِفَة وَاحِدًا لِأَن مَعْنَاهَا معنى الْجَمَاعَة، وَالْجَمَاعَة لَا تكون أقل من اثْنَيْنِ، وَقَالَ غَيره: لَا يمْنَع ذَلِك على قَول أهل اللُّغَة، لِأَن معنى طَائِفَة: قِطْعَة، يُقَال أكلت طَائِفَة من الشَّاة أَي: قِطْعَة مِنْهَا.
وَقَالَ ابنُ عُيَيْنَةَ: رَأْفَةٌ فِي إقامَةِ الحُدُودِ.
أَي: قَالَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تأخذكم بهما رأفة} 0 النُّور: 2 يَعْنِي: رَحْمَة فِي إِقَامَة الْحُدُود، ويروى: رأفة ويروى: رأفة إِقَامَة الْحُدُود بِدُونِ لفظ فِي، ويروى: قَالَ ابْن علية بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَفتح اللَّام وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف وَعَلِيهِ جرى ابْن بطال، وَالْمُعْتَمد هُوَ الأول، وَابْن علية اسْمه إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم الْأَسدي الْبَصْرِيّ، وَعَلِيهِ اسْم أمه مولاة لبني أَسد.
6831 - حدّثنا مالِكُ بنُ إسْمَاعِيلَ، حدّثنا عَبْدُ العَزِيزِ، أخبرنَا ابنُ شِهابٍ، عنْ عُبَيْدِ الله بنِ عَبْدِ الله بنِ عُتْبَةَ، عنْ زَيْدِ بنِ خالِدٍ الجُهَنِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَأْمُرُ فِيمَنْ زَنَى ولَمْ يُحْصَنْ جَلْدَ مِائَةٍ وتَغْرِيبَ عامٍ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعبد الْعَزِيز هُوَ ابْن أبي سَلمَة الْمَاجشون.
والْحَدِيث مضى فِي الشَّهَادَات عَن يحيى بن بكير عَن اللَّيْث عَن الزُّهْرِيّ عَن عبيد الله ... الخ. وَأخرجه بَقِيَّة الْجَمَاعَة.
قَوْله: وَلم يحصن على صِيغَة الْمَجْهُول والمعلوم. قَوْله: جلد مائَة بِالنّصب بِنَزْع الْخَافِض أَي: بجلد مائَة. قَوْله: وتغريب عَام عطف عَلَيْهِ.
وَفِي التَّوْضِيح فِي الحَدِيث تغريب الْبكر مَعَ الْجلد وَهُوَ حجَّة على أبي حنيفَة وَمُحَمّد فِي إِنْكَار التَّغْرِيب. قلت: أَبُو حنيفَة يحْتَج بِظَاهِر الْقُرْآن فَإِنَّهُ لَا نفي فِيهِ، وَقَالَ مَالك: ينفى الْبكر الْحر وَلَا تغرب الْمَرْأَة وَلَا العَبْد، وَقَالَ الثَّوْريّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ: يغرب الْمَرْأَة وَالرجل. وَاخْتلف قَول الشَّافِعِي فِي نفي العَبْد، وَعند الشَّافِعِيَّة: لَا تغرب الْمَرْأَة وَحدهَا بل مَعَ زوج أَو محرم وَاخْتلف فِي الْمسَافَة الَّتِي تغرب إِلَيْهَا، فَروِيَ عَن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَنه قَالَ: إِلَى فدك، وَمثله عَن ابْنه، وَبِه قَالَ عبد الْملك، وَزَاد: إِلَى مثل الجيار من الْمَدِينَة، وَرُوِيَ عَن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: من الْكُوفَة إِلَى الْبَصْرَة، وَقَالَ الشّعبِيّ: يَنْفِيه من عمله إِلَى غَيره. وَقَالَ مَالك: يغرب عَاما فِي بلد يحبس فِيهِ لِئَلَّا يرجع إِلَى الْبَلَد الَّذِي نفي مِنْهُ، وَعَن أَحْمد: إِلَى قدر مَا تقصر فِيهِ الصَّلَاة، وَقَالَ أَبُو ثَوْر: إِلَى ميل وَأَقل مِنْهُ. وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: يجزىء من ذَلِك مَا يَقع عَلَيْهِ اسْم النَّفْي قل أَو كثر.
(قَالَ ابْن شهَاب وَأَخْبرنِي عُرْوَة بن الزبير أَن عمر بن الْخطاب غرب ثمَّ لم تزل تِلْكَ السّنة) هَذَا مَوْصُول بالسند الْمَذْكُور أَي قَالَ مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ أَخْبرنِي عُرْوَة بن الزبير بن الْعَوام أَن عمر إِلَى آخِره وَهَذَا مُنْقَطع لِأَن عُرْوَة لم يسمع من عمر رَضِي الله عَنهُ لكنه ثَبت عَن عمر من وَجه آخر أخرجه التِّرْمِذِيّ حَدثنِي أَبُو كريب وَيحيى بن أكتم قَالَا حَدثنَا عبد الله بن إِدْرِيس عَن عبيد الله عَن نَافِع عَن ابْن عمر أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ضرب وَغرب وَأَن أَبَا بكر ضرب وَغرب وَأَن عمر ضرب وَغرب وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ أَيْضا وَابْن خُزَيْمَة وَصَححهُ الْحَاكِم وَذكر التِّرْمِذِيّ أَن أَكثر أَصْحَاب عبيد الله بن عمر رَوَوْهُ عَنهُ مَوْقُوفا على أبي بكر وَعمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَوْله " ثمَّ لم تزل " بِفَتْح الزَّاي قَوْله " تِلْكَ "(24/13)
السّنة بِالرَّفْع وَالنّصب أَي دَامَت وَزَاد عبد الرَّزَّاق عَن مَالك ثمَّ لم تزل تِلْكَ السّنة حَتَّى غرب مَرْوَان ثمَّ ترك النَّاس ذَلِك يَعْنِي أهل الْمَدِينَة -
6833 - ح دّثنا يَحْياى بنُ بُكَيْرٍ، حدّثنا اللَّيْثُ، عنْ عُقَيْلِ، عنِ ابنِ شِهابٍ، عنْ سَعِيدِ بنِ المُسَيَّبِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ، رَضِي الله عَنهُ، أنَّ رسولَ الله قَضاى فِيمَنْ زَنَى ولَمْ يُحْصَنْ بِنَفْي عامٍ بِإقامَةِ الحَدِّ عَليْهِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعقيل بِضَم الْعين ابْن خَالِد.
والْحَدِيث أخرجه النَّسَائِيّ فِي الرَّجْم عَن مُحَمَّد بن رَافع.
قَوْله: وَلم يحصن بِصِيغَة الْمَعْلُوم والمجهول. قَوْله: بِإِقَامَة الْحَد أَي: ملتبساً جَامعا بَينهمَا، ويروى: وَإِقَامَة الْحَد.
33 - (بابُ نَفْيِ أهْلِ المَعاصِي والمُخَنَّثِينَ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان نفي أهل الْمعاصِي وَهُوَ جمع مَعْصِيّة. قَوْله: والمخنثين أَي: وَفِي بَيَان نفي المخنثين وَهُوَ جمع مخنث بتَشْديد النُّون الْمَفْتُوحَة وبكسرها وَالْفَتْح أشهر، وَهُوَ الْقيَاس مَأْخُوذ من خنثت الشَّيْء فتخنث أَي: عطفته فتعطف، وَمِنْه سمي المخنث، قَالَه الْجَوْهَرِي، وَفِي الْمغرب تركيب الخنث يدل على لين وتكسر وَمِنْه المخنث وَهُوَ الْمُشبه فِي كَلَامه بِالنسَاء تكسراً وتعطفاً. وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَالْغَرَض من ذكر هَذَا الْبَاب هُنَا التَّنْبِيه على أَن التَّغْرِيب على المذنب الَّذِي لَا حد عَلَيْهِ ثَابت، وعَلى الَّذِي عَلَيْهِ الْحَد بِالطَّرِيقِ الأولى. قلت: يفهم من هَذَا أَن المرتكب لمعصية من الْمعاصِي يجوز نَفْيه. والترجمة أَيْضا تدل عَلَيْهِ، وَقَالَ بعض الْعلمَاء: لَا ينفى إلاَّ ثَلَاثَة: بكر زَان، ومخنث، ومحارب، والمخنث إِذا كَانَ يُؤْتى رجم مَعَ الْفَاعِل أحصنا أَو لم يحصنا عِنْد مَالك، وَقَالَ الشَّافِعِي: إِن كَانَ غير مُحصن فَعَلَيهِ الْحَد، وَكَذَا عِنْد مَالك إِذا كَانَا كَافِرين أَو عَبْدَيْنِ، وَقيل: يرقى بالمرجوم على رَأس جبل ثمَّ يتبع بِالْحِجَارَةِ، وَهُوَ نوع من الرَّجْم وَفعله جَائِز، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا حد فِيهِ وَإِنَّمَا فِيهِ التَّعْزِير، وَعند بعض أَصْحَابنَا: إِذا تكَرر يقتل. وَحَدِيث: ارجموا الْفَاعِل وَالْمَفْعُول بِهِ، مُتَكَلم فِيهِ، وَقَالَ بعض أهل الظَّاهِر: لَا شَيْء على من فعل هَذَا الصَّنِيع، وَقَالَ الْخطابِيّ: هَذَا أبعد الْأَقْوَال من الصَّوَاب.
28 - (حَدثنَا مُسلم بن إِبْرَاهِيم حَدثنَا هِشَام حَدثنَا يحيى عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ لعن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - المخنثين من الرِّجَال والمترجلات من النِّسَاء وَقَالَ أخرجوهم من بُيُوتكُمْ وَأخرج فلَانا وَأخرج فلَانا) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي آخر الحَدِيث وَهِشَام هُوَ الدستوَائي وَيحيى هُوَ ابْن أبي كثير والْحَدِيث مضى فِي اللبَاس وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْأَدَب عَن مُسلم بن إِبْرَاهِيم بِهِ وَأخرجه التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ أَيْضا قَوْله والمترجلات أَي النِّسَاء الشبيهات بِالرِّجَالِ المتكلفات فِي الرجولة وَهُوَ بِالْحَقِيقَةِ ضد المخنثين لأَنهم المتشبهون بِالنسَاء قَوْله " وَأخرج فلَانا " قَالَ الْكرْمَانِي هما ماتع بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة من فَوق وبالعين الْمُهْملَة وهيت بِكَسْر الْهَاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالتاء الْمُثَنَّاة من فَوق قَوْله " وَأخرج فلَانا " فِي رِوَايَة أبي ذَر وَأخرج عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فلَانا قلت فعلى هَذَا فَاعل أخرج الأول هُوَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وفاعل أخرج الثَّانِي هُوَ عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وعَلى رِوَايَة غير أبي ذَر الْفَاعِل فِي كليهمَا هُوَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَيُؤَيِّدهُ رِوَايَة أبي دَاوُد الحَدِيث عَن مُسلم بن إِبْرَاهِيم شيخ البُخَارِيّ الْمَذْكُور وَفِيه فَقَالَ أخرجوهم من بُيُوتكُمْ وأخرجوا فلَانا وَفُلَانًا من المخنثين وَأَرَادَ بقوله فلَانا وَفُلَانًا هما اللَّذين سماهما الْكرْمَانِي وَأما اسْم فلَان الَّذِي أخرجه عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَقيل أَنه أَبُو ذُؤَيْب وَقيل جعدة السّلمِيّ وَعَن مسلمة بن محَارب عَن إِسْمَاعِيل بن مُسلم أَن أُميَّة بن يزِيد الْأَسدي وَمولى مزينة كَانَا يحكران الطَّعَام بِالْمَدِينَةِ فأخرجهما عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ(24/14)
وَذكر بَعضهم يحْتَمل أَن يُفَسر قَوْله " وَأخرج " عمر فلَانا أَن يكون وَاحِد هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورين الَّذين أخرجهم عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ -
34 - (بابُ مَنْ أمَرَ غَيْرَ الإِمَام بإقامَةِ الحَدِّ غائِباً عَنْهُ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان من أَمر ... الخ، وَقَالَ الْكرْمَانِي: فِي عِبَارَته تعسف وَالْأولَى أَن يُقَال: من أمره الإِمَام وغائباً حَال من فَاعل الْإِقَامَة وَهُوَ الْغَيْر، وَيحْتَمل أَن يكون حَالا من الْمَحْدُود الْمقَام عَلَيْهِ.
6835 - 6836 حدّثنا عاصِمُ بنُ عَلِيَ، حدّثنا ابنُ أبي ذِئْبٍ، عنِ الزُّهْرِيِّ، عنْ عُبَيْدِ الله، عنْ أبي هُرَيْرَةَ، وزَيْدِ بنِ خالِدٍ أنَّ رَجُلاً مِنَ الأعْرَابِ جاءَ إِلَى النَّبيِّ وهْوَ جالِسٌ فَقَالَ: يَا رسولَ الله اقْضِ بِكتاب الله. فقامَ خَصْمُهُ فَقَالَ: صَدَقَ اقْضِ لهُ يَا رسولَ الله بِكِتابِ الله، إنَّ ابْنِي كانَ عَسِيفاً عَلى هَذَا فَزَنَى بِامْرَأتِهِ، فأخْبرُونِي أنَّ عَلى ابْنِي الرَّجْم، فافْتَديْتُ بِمِائَةٍ مِنَ الغَنَمِ وَوَلِيدَةٍ، ثُمَّ سَألْتُ أهْلَ العِلْمِ فَزَعَمُوا أنَّ مَا عَلَى ابْنِي جَلْدُ مِائَةٍ وتَغْريب عامٍ، فَقَالَ: والّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لأقْضِيَنَّ بَيْنَكُما بِكِتابِ الله، أمَّا الغَنَمُ والوَلِيدَةُ فَرَدٌّ عَلَيْكَ، وعلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ وتَغْرِيبُ عامٍ، وأمَّا أنْتَ يَا أُنَيْسُ فاغْدُ عَلى امْرَأةِ هاذا فارْجُمْها فَغَدَا أُنَيْسٌ فَرَجَمَها.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي آخر الحَدِيث. وَابْن أبي ذِئْب بِلَفْظ الْحَيَوَان الْمَشْهُور هُوَ مُحَمَّد بن عبد الرحمان، وَعبيد الله هُوَ ابْن عبد الله بن عتبَة بن مَسْعُود.
والْحَدِيث مضى فِي مَوَاضِع كَثِيرَة فِي النذور عَن إِسْمَاعِيل بن أبي أويس وَفِي الْمُحَاربين عَن عبد الله بن يُوسُف وَفِي الصُّلْح وَالْأَحْكَام عَن آدم وَفِي الْوكَالَة عَن أبي الْوَلِيد وَفِي الشُّرُوط عَن قُتَيْبَة وسيجىء فِي الِاعْتِصَام وَخبر الْوَاحِد. وَأخرجه بَقِيَّة الْجَمَاعَة وَقد مر تَفْسِيره غير مرّة وَقد مر عَن قريب أَيْضا فِي: بَاب الِاعْتِرَاف بالزنى.
قَوْله: إِن ابْني هَذَا كَلَام الْأَعرَابِي لَا خَصمه، مر فِي كتاب الصُّلْح هَكَذَا: جَاءَ الْأَعرَابِي فَقَالَ: يَا رَسُول الله اقضِ بَيْننَا بِكِتَاب الله، فَقَامَ خَصمه فَقَالَ: صدق، فَقَالَ الْأَعرَابِي: إِن ابْني. . هَكَذَا قَالَه الْكرْمَانِي، وَقَالَ بَعضهم: بل الَّذِي قَالَ: اقْضِ بَيْننَا هُوَ وَالِد العسيف. قلت: الِاخْتِلَاف فِي هَذَا على ابْن أبي ذِئْب يظْهر ذَلِك بِالتَّأَمُّلِ. قَوْله: كَانَ عسيفاً أَي أَجِيرا. قَوْله: فارجمها فِيهِ اخْتِصَار أَي: فَإِن اعْترفت بالزنى فارجمها، تشهد عَلَيْهِ سَائِر الرِّوَايَات وَالْقَوَاعِد الشَّرْعِيَّة.
35 - (بابُ قَوْلِ الله تَعَالَى: {وَمن لم يسْتَطع مِنْكُم طولا أَن ينْكح الْمُحْصنَات الْمُؤْمِنَات فمما ملكت أيمانكن من فَتَيَاتكُم الْمُؤْمِنَات وَالله أعلم بإيمانكم بَعْضكُم من بعض فانكحوهن بِإِذن أهلهن وآتوهن أُجُورهنَّ بِالْمَعْرُوفِ محصنات غير مسافحات وَلَا متخذاتت أخدان فَإِذا أحصن فَإِن أتين بِفَاحِشَة فعليهن نصف مَا على الْمُحْصنَات من الْعَذَاب ذَلِك لمن خشِي الْعَنَت مِنْكُم وَأَن تصبروا خير لكم وَالله غَفُور رجيم} )
أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر قَول الله تَعَالَى: {وَمن لم يسْتَطع} الخ، هَكَذَا سَاقه وَفِي رِوَايَة كَرِيمَة، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر {وَمن لم يسْتَطع مِنْكُم طولا} ء آالآية، وَهَكَذَا وَقع فِي أصُول البُخَارِيّ وَلم يذكر فِيهِ حَدِيثا. وَابْن بطال أَدخل فِيهِ حَدِيث أبي هُرَيْرَة الَّذِي فِي الْبَاب الَّذِي بعده ثمَّ ذكره فِيهِ أَيْضا. لَكِن من طَرِيق آخر وأباه ابْن التِّين فَذكره كَمَا ذكرنَا قَوْله: طولا أَي: فضلا وسعة وقدرة. قَوْله: {الْمُحْصنَات الْمُؤْمِنَات} أَي: الْحَرَائِر العفائف الْمُؤْمِنَات. قَوْله: {فمما} أَي: فتزوجوا مِمَّا ملكت أَيْمَانكُم من فَتَيَاتكُم أَي: من إمائكم الْمُؤْمِنَات، والفتيات جمع فتاة وَهِي الْأمة، فِيهِ دَلِيل على أَنه لَا يجوز نِكَاح الْأمة الْكَافِرَة من دَلِيل(24/15)
الْخطاب. وَالْمَعْرُوف من مَذْهَب مَالك: أَن نِكَاح الْأمة الذِّمِّيَّة لَا يجوز وَأَجَازَهُ الْآخرُونَ. قَوْله: {وَالله اعْلَم بإيمانكم} يَعْنِي: هُوَ الْعَالم بحقائق الْأُمُور وسرائرها وَإِنَّمَا لكم أَيهَا النَّاس الظَّاهِر من الْأُمُور. قَوْله: {بَعْضكُم من بعض} فِيهِ قَولَانِ: أَحدهمَا: أَنكُمْ مُؤمنُونَ وَأَنْتُم إخْوَة. وَالثَّانِي: أَنكُمْ بَنو آدم، وَإِنَّمَا قيل لَهُم هَذَا فِيمَا رُوِيَ لأَنهم كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّة يعيرون بالهجانة ويسمون ابْن الْأمة هجيناً فَقَالَ تَعَالَى: {بَعْضكُم من بعض} قَوْله: {فانكهوهن بِإِذن اهلهن} يدل على أَن السَّيِّد هُوَ ولي أمته لَا تزوج إلاَّ بِإِذْنِهِ، وَكَذَلِكَ هُوَ ولي عَبده وَلَا يتَزَوَّج إلاَّ بِإِذْنِهِ، وَإِن كَانَ مَالك الْأمة امْرَأَة زَوجهَا من يُزَوّج الْمَرْأَة بِإِذْنِهَا لما جَاءَ فِي الحَدِيث: لَا تزوج الْمَرْأَة الْمَرْأَة وَلَا تزوج الْمَرْأَة نَفسهَا، فَإِن الزَّانِيَة هِيَ الَّتِي تزوج نَفسهَا. قَوْله: {وآتوهن أُجُورهنَّ} أَي: وأعطوهن مهورهن أَي: عَن طيب نفس مِنْكُم وَلَا تبخسوهن مِنْهُ شَيْئا استهانة بِهن لكونهن إِمَاء مملوكات. قَوْله: {محصنات} أَي: عفائف عَن الزِّنَى لَا يتعاطينه، وَلِهَذَا قَالَ: {غير مسافحات} أَي: غير زواني اللَّاتِي لَا يمنعن أَنْفسهنَّ من أحد. قَوْله: 0 أَي: أخلاه، وَهُوَ جمع خدن بِكَسْر الْخَاء وَهُوَ الصّديق وَكَذَلِكَ الْخَدين، وَوَقع فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي وَحده: غير مسافحات زواني وَلَا متخذات أخدان أخلاء. قَوْله: فَإِذا أحصن فِيهِ قراءتان إِحْدَاهمَا: بِضَم الْهمزَة وَكسر الصَّاد. وَالْأُخْرَى: بِفَتْح الْهمزَة وَالصَّاد فعل لَازم، فَقيل: معنى الْقِرَاءَتَيْن وَاحِد. وَاخْتلفُوا فِيهِ على قَوْلَيْنِ: أَحدهمَا: إِن المُرَاد بالإحصان هُنَا الْإِسْلَام، رُوِيَ ذَلِك عَن ابْن مَسْعُود وَابْن عمر وَأنس وَالْأسود بن زيد وزر بن حُبَيْش وَسَعِيد بن جُبَير وَعَطَاء وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَالشعْبِيّ وَالسُّديّ، وَبِه قَالَ مَالك وَاللَّيْث وَالْأَوْزَاعِيّ والكوفيون وَالشَّافِعِيّ. وَالْآخر: أَن المُرَاد هَاهُنَا التَّزَوُّج، وَهُوَ قَول ابْن عَبَّاس وَمُجاهد وَعِكْرِمَة وَطَاوُس وَالْحسن وَقَتَادَة. قَوْله: يَعْنِي: الزِّنَى. قَوْله: {فعليهن نصف مَا على الْمُحْصنَات من الْعَذَاب} يَعْنِي: الْحَد كَمَا فِي قَوْله: 0 النُّور: 8 وَهُوَ خَمْسُونَ جلدَة وتغريب نصف سنة. قَوْله: إِشَارَة إِلَى نِكَاح الْإِمَاء عِنْد عدم الطول. قَوْله: {الْعَنَت} يَعْنِي: الْإِثْم وَالضَّرَر بِغَلَبَة الشَّهْوَة، هَكَذَا فسره الثَّعْلَبِيّ، وَيُقَال: الْعَنَت الزِّنَى وَهُوَ فِي الأَصْل الْمَشَقَّة. قَوْله: {وَإِن تصبروا} كلمة: أَن، مَصْدَرِيَّة أَي: وصبركم عَن نِكَاح الْإِمَاء خبر لكم
36 - (بابٌ إِذا زَنَتِ الأمَةُ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ إِذا زنت الْأمة وَلم يذكر جَوَاب إِذا الَّذِي هُوَ الحكم اكْتِفَاء بِمَا ذكره فِي الحَدِيث على عَادَته، وَلم يذكر الْأصيلِيّ هَذِه التَّرْجَمَة، وَجرى على ذَلِك ابْن بطال.
6838 - ح دّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ، أخبرنَا مالكٌ، عنِ ابنِ شِهابٍ، عنْ عُبَيْدِ الله بن عَبْدِ الله عنْ أبي هُرَيْرَةَ وزَيْدِ بنِ خالِدٍ رَضِي الله عَنْهُمَا: أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ عَن الأمَةِ إِذا زَنَتْ ولمْ تُحْصَنْ؟ قَالَ: إِذا زَنَتْ فاجْلدُوها، ثُمَّ إنْ زَنَتْ فاجْلِدُوها، ثُمَّ إنْ زَنَتْ فاجْلِدُوها ثمَّ بيعُوها ولوْ بِضَفِيرٍ
قَالَ ابنُ شِهابٍ: لَا أدْرِي بَعْد الثَّالِثَةِ أَو الرَّابِعَةِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: سُئِلَ عَن الْأمة إِذا زنت
والْحَدِيث مضى فِي الْبيُوع عَن إِسْمَاعِيل بن أبي أويس وَعَن زُهَيْر بن حَرْب وَفِي الْعتْق عَن مَالك بن إِسْمَاعِيل وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله " وَلم تحصن " من الْإِحْصَان الَّذِي هُوَ بِمَعْنى الْعِفَّة عَن الزِّنَا وَفِي التَّلْوِيح اخْتلف الْعلمَاء فِي إِحْصَان الْإِمَاء غير ذَات الْأزْوَاج مَا هُوَ فَقَالَت طَائِفَة إِحْصَان الْأمة تَزْوِيجهَا فَإِذا زنت وَلَا زوج لَهَا فعلَيْهَا الْأَدَب وَلَا حد عَلَيْهَا هَذَا قَول ابْن عَبَّاس وَطَاوُس وَقَتَادَة وَبِه قَالَ أَبُو عُبَيْدَة وَقَالَت طَائِفَة إحصانها إسْلَامهَا فَإِذا كَانَت الْأمة مسلمة وزنت وَجَبت عَلَيْهَا خَمْسُونَ جلدَة سَوَاء كَانَت ذَات زوج أَو لم تكن رُوِيَ هَذَا عَن عمر بن الْخطاب فِي رِوَايَة وَهُوَ قَول عَليّ وَابْن مَسْعُود وَابْن عمر وَأنس وَإِلَيْهِ ذهب النَّخعِيّ وَمَالك وَاللَّيْث وَالْأَوْزَاعِيّ والكوفيون وَالشَّافِعِيّ وَزعم أهل الْمقَالة الأولى أَنه لم يقل فِي هَذَا الحَدِيث وَلم تحصن غير مَالك وَلَيْسَ كَمَا زَعَمُوا لِأَنَّهُ رَوَاهُ يحيى بن سعيد عَن ابْن شهَاب كَمَا رَوَاهُ مَالك وَرَوَاهُ كَذَلِك طَائِفَة عَن ابْن عُيَيْنَة عَن الزُّهْرِيّ وَإِذا اتّفق مَالك وَيحيى وسُفْيَان على شَيْء فهم حجَّة على من خالفهم قَوْله " وَلَو(24/16)
بضفيرة " بِفَتْح الضَّاد الْمُعْجَمَة وَكسر الْفَاء وبالراء وَهُوَ الشّعْر المنسوج وَالْحَبل المفتول بِمَعْنى المضفور فعيل بِمَعْنى مفعول قَوْله " ثمَّ بيعوها " أَمر ندب وحث على مباعدة الزَّانِيَة وَخرج اللَّفْظ فِي ذَلِك على الْمُبَالغَة وَقَالَت الظَّاهِرِيَّة بِوُجُوب بيعهَا إِذا زنت الرَّابِعَة وجلدت وَلم يقل بِهِ أحد من السّلف قَوْله " قَالَ ابْن شهَاب " مَوْصُول بالسند الْمَذْكُور قَوْله " لَا أَدْرِي " بعد الثَّالِثَة أَي لَا أَدْرِي هَل يجلدها ثمَّ يَبِيعهَا وَلَو بضفير بعد الزنية الثَّالِثَة أَو بعد الزنية الرَّابِعَة وروى التِّرْمِذِيّ من حَدِيث أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذا زنت أمة أحدكُم فليجلدها ثَلَاثًا بِكِتَاب الله فَإِن عَادَتْ فليبعها وَلَو بِحَبل من شعر فَهَذَا يدل على أَن بيعهَا بعد الرَّابِعَة وروى النَّسَائِيّ من حَدِيث حميد بن عبد الرَّحْمَن عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ أَتَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رجل فَقَالَ جاريتي زنت فَتبين زنَاهَا قَالَ أجلدها خمسين فَأَتَاهُ وَقَالَ عَادَتْ فَتبين زنَاهَا قَالَ أجلدها خمسين ثمَّ أَتَاهُ فَقَالَ عَادَتْ فَتبين زنَاهَا قَالَ بعها وَلَو بِحَبل من شعر فَهَذَا يدل على أَن بيعهَا بعد الثَّالِثَة
(بَاب لَا يثرب على الْأمة إِذا زنت وَلَا تنفى)
أَي هَذَا بَاب يذكر فِيهِ لَا يثرب على صِيغَة الْمَجْهُول من التثريب بالثاء الْمُثَلَّثَة وَهُوَ التوبيخ والملامة والتعيير وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {لَا تَثْرِيب عَلَيْكُم} قَوْله " وَلَا تنفى " على صِيغَة الْمَجْهُول أَيْضا واستنبط عدم النَّفْي من قَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ثمَّ بيعوها لِأَن الْمَقْصُود من النَّفْي الإبعاد عَن الوطن الَّذِي وَقعت فِيهِ الْمعْصِيَة وَهُوَ لَا يلْزم حُصُوله من البيع
31 - (حَدثنَا عبد الله بن يُوسُف حَدثنَا اللَّيْث عَن سعيد المَقْبُري عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة أَنه سَمعه يَقُول قَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذا زنت الْأمة فَتبين زنَاهَا فليجلدها وَلَا يثرب ثمَّ إِن زنت فليجلدها وَلَا يثرب ثمَّ إِن زنت الثَّالِثَة فليبعها وَلَو بِحَبل من شعر) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله وَلَا يثرب وَسَعِيد المَقْبُري يروي عَن أَبِيه كيسَان مولى بني لَيْث عَن أبي هُرَيْرَة والْحَدِيث مضى فِي الْبيُوع عَن عبد الْعَزِيز بن عبد الله وَأخرجه مُسلم فِي الْحُدُود وَالنَّسَائِيّ فِي الرَّجْم جَمِيعًا عَن عِيسَى بن حَمَّاد وَقَالَ الْمزي رَوَاهُ غير وَاحِد عَن سعيد عَن أبي هُرَيْرَة قَوْله " فَتبين " أَي تحقق زنَاهَا وَثَبت وَفِيه إِقَامَة السَّيِّد الْحَد على عَبده وَأمته وَهِي مَسْأَلَة خلافية فَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد واسحق وَأَبُو ثَوْر يعم الْحُدُود كلهَا وَهُوَ قَول جمَاعَة من الصَّحَابَة أَقَامُوا الْحُدُود على عبيدهم مِنْهُم ابْن عمر وَابْن مَسْعُود وَأنس بن مَالك رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم وَقَالَ الثَّوْريّ وَالْأَوْزَاعِيّ يحده الْمولى فِي الزِّنَا وَقَالَ مَالك وَاللَّيْث يحده فِي الزِّنَا وَالشرب وَالْقَذْف إِذا شهد عِنْده الشُّهُود لَا بِإِقْرَار العَبْد إِلَّا الْقطع خَاصَّة فَإِنَّهُ لَا يقطعهُ إِلَّا الإِمَام وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ لَا يقيمها إِلَّا الإِمَام خَاصَّة وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِيَ عَن الْحسن وَعبد الله بن محيريز وَعمر بن عبد الْعَزِيز أَنهم قَالُوا الْجُمُعَة وَالْحُدُود وَالزَّكَاة وَالنَّفْي إِلَى السُّلْطَان خَاصَّة وَفِيه دَلِيل على التغابن فِي البيع وَأَن الْمَالِك الصَّحِيح الْملك جَائِز لَهُ أَن يَبِيع مَاله الْقدر الْكَبِير بالتافه الْيَسِير وَهَذَا مَا لَا خلاف فِيهِ بَين الْعلمَاء إِذا عرف قدر ذَلِك وَاخْتلفُوا فِيهِ إِذا لم يعرف قدر ذَلِك قَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - دعوا النَّاس يرْزق الله بَعضهم من بعض
(تَابعه إِسْمَاعِيل بن أُميَّة عَن سعيد عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -) أَي تَابع اللَّيْث إِسْمَاعِيل بن أُميَّة عَن سعيد المَقْبُري عَن أبي هُرَيْرَة وَهَذِه الْمُتَابَعَة فِي الْمَتْن لَا فِي السَّنَد لِأَنَّهُ نقص مِنْهُ قَوْله عَن أَبِيه وَوَصلهَا النَّسَائِيّ من طَرِيق بشر بن الْمفضل عَن إِسْمَاعِيل بن أُميَّة
(بَاب أَحْكَام أهل الذِّمَّة وإحصانهم إِذا زنوا وَرفعُوا إِلَى الإِمَام)
أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان أَحْكَام أهل الذِّمَّة الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَسَائِر من تُؤْخَذ مِنْهُ الْجِزْيَة قَوْله " وإحصانهم " أَي وَفِي بَيَان إحصانهم هَل الْإِسْلَام شَرط فِيهِ أم لَا كَمَا سَيَأْتِي بَيَان الْخلاف فِيهِ قَوْله " إِذا زنوا " ظرف لقَوْله أَحْكَام أهل الذِّمَّة قَوْله " وَرفعُوا " على صِيغَة الْمَجْهُول إِلَى الْإِمَاء سَوَاء جاؤا إِلَى(24/17)
الإِمَام بِأَنْفسِهِم أَو جَاءَ بهم غَيرهم للدعوى عَلَيْهِم وَهنا فصلان (الأول) اخْتلف الْعلمَاء فِي إِحْصَان أهل الذِّمَّة (فَقَالَت) طَائِفَة فِي الزَّوْجَيْنِ الكتابيين يزنيان ويرفعان إِلَيْنَا عَلَيْهِمَا الرَّجْم وهما مُحْصَنَانِ وَهَذَا قَول الزُّهْرِيّ وَالشَّافِعِيّ وَقَالَ الطَّحَاوِيّ وروى عَن أبي يُوسُف أَن أهل الْكتاب يحصن بَعضهم بَعْضًا ويحصن الْمُسلم النَّصْرَانِيَّة وَلَا تحصنه النَّصْرَانِيَّة وَقَالَ النَّخعِيّ لَا يكونَانِ محصنين حَتَّى يجامعا بعد الْإِسْلَام وَهُوَ قَول مَالك والكوفيين وَقَالُوا الْإِسْلَام من شَرط الْإِحْصَان " الْفَصْل الثَّانِي " أَيْضا اخْتلفُوا فِي وجوب الحكم بَين أهل الذِّمَّة فروى التَّخْيِير فِيهِ عَن ابْن عَبَّاس وَعَطَاء وَالشعْبِيّ وَالنَّخَعِيّ وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد وَالشَّافِعِيّ وَقَالَ آخَرُونَ أَنه وَاجِب وَرُوِيَ ذَلِك عَن مُجَاهِد وَعِكْرِمَة وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَهُوَ الْأَظْهر من قولي الشَّافِعِي
32 - (حَدثنَا مُوسَى بن إِسْمَاعِيل حَدثنَا عبد الْوَاحِد حَدثنَا الشَّيْبَانِيّ قَالَ سَأَلت عبد الله بن أبي أوفى عَن الرَّجْم فَقَالَ رجم النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقلت أقبل النُّور أم بعده قَالَ لَا أَدْرِي) قَالَ الْكرْمَانِي مطابقته للتَّرْجَمَة إِطْلَاق قَوْله رجم وَقيل جرى على عَادَته فِي الْإِشَارَة إِلَى مَا ورد فِي بعض طرق الحَدِيث وَهُوَ مَا أخرجه أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ والإسماعيلي من طَرِيق هشيم عَن الشَّيْبَانِيّ قَالَ قلت هَل رجم النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ نعم رجم يَهُودِيّا وَيَهُودِيَّة وَعبد الْوَاحِد هُوَ ابْن زِيَاد والشيباني بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالباء الْمُوَحدَة اسْمه سُلَيْمَان بن أبي سُلَيْمَان فَيْرُوز أَبُو إِسْحَاق الْكُوفِي وَعبد الله بن أبي أوفى اسْمه عَلْقَمَة بن خَالِد الْأَسْلَمِيّ والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْحُدُود عَن أبي كَامِل عَن ابْن أبي شيبَة قَوْله أقبل النُّور الْهمزَة فِيهِ للاستفهام على سَبِيل استخبار وَأَرَادَ بِالنورِ سُورَة النُّور قَوْله أم بعده أَي أم رجم بعد نزُول سُورَة النُّور وَقَوله أم بعده بالضمير رِوَايَة الْكشميهني وَفِي رِوَايَة غَيره أم بعد بِضَم الدَّال قَوْله لَا أَدْرِي يدل على تحريه وتثبته فيمدح بِهِ وَلَا عيب فِيهِ
(تَابعه عَليّ بن مسْهر وخَالِد بن عبد الله والمحاربي وَعبيدَة بن حميد عَن الشَّيْبَانِيّ) أَي تَابع عبد الْوَاحِد عَليّ بن مسْهر بِضَم الْمِيم وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة وَكسر الْهَاء وبالراء أَبُو الْحسن الْقرشِي الْكُوفِي وَتَابعه أَيْضا خَالِد بن عبد الله الطَّحَّان وَتَابعه أَيْضا الْمحَاربي بِصِيغَة اسْم الْفَاعِل من الْمُحَاربَة واسْمه عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد الْكُوفِي وَتَابعه أَيْضا عُبَيْدَة بِفَتْح الْعين وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة ابْن حميد بِضَم الْحَاء الصَّبِي الْكُوفِي وكل هَؤُلَاءِ تابعوه فِي روايتهم عَن الشَّيْبَانِيّ الْمَذْكُور فِي رِوَايَته عَن عبد الله بن أبي أوفى أما مُتَابعَة عَليّ بن مسْهر فرواها ابْن أبي شيبَة عَنهُ عَن الشَّيْبَانِيّ قَالَ قلت لعبد الله بن أبي أوفى فَذكر مثله بِلَفْظ قلت بعد سُورَة النُّور وَأما مُتَابعَة خَالِد بن عبد الله فرواها البُخَارِيّ عَن إِسْحَاق عَن خَالِد عَن الشَّيْبَانِيّ سَأَلت عبد الله بن أبي أوفى وَقد مضى هَذَا فِي بَاب رجم الْمُحصن وَأما مُتَابعَة الْمحَاربي فَلم أَقف عَلَيْهَا وَأما مُتَابعَة عُبَيْدَة فرواها الْإِسْمَاعِيلِيّ من رِوَايَة أبي ثَوْر وَأحمد بن منيع قَالَا حَدثنَا عُبَيْدَة بن حميد وَجَرِير عَن الشيبان وَلَفظه قبل النُّور أَو بعْدهَا
(وَقَالَ بَعضهم الْمَائِدَة وَالْأول أصح) أَي قَالَ بعض هَؤُلَاءِ التَّابِعين الْمَذْكُورين قيل أَنه عُبَيْدَة لِأَن لَفظه فِي مُسْند أَحْمد بن منيع فَقلت بعد سُورَة الْمَائِدَة أَو قبلهَا قَوْله الْمَائِدَة أَي ذكر سُورَة الْمَائِدَة بدل سُورَة النُّور وَلَعَلَّ من ذكر سُورَة الْمَائِدَة توهم من ذكر الْيَهُودِيّ واليهودية أَن المُرَاد سُورَة الْمَائِدَة لِأَن فِيهَا الْآيَة الَّتِي نزلت بِسَبَب سُؤال الْيَهُود عَن حكم اللَّذين زَنَيَا مِنْهُم وَهِي قَوْله تَعَالَى {وَكَيف يحكمونك وَعِنْدهم التَّوْرَاة} قَوْله وَالْأول أصح أَي من ذكر النُّور
33 - (حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن عبد الله حَدثنِي مَالك عَن نَافِع عَن عبد الله بن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا(24/18)
أَنه قَالَ إِن الْيَهُود جاؤا إِلَى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَذكرُوا لَهُ أَن رجلا مِنْهُم وَامْرَأَة زَنَيَا فَقَالَ لَهُم رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاة فِي شَأْن الرَّجْم فَقَالُوا نفضحهم ويجلدون قَالَ عبد الله بن سَلام كَذبْتُمْ إِن فِيهَا الرَّجْم فَأتوا بِالتَّوْرَاةِ فنشروها فَوضع أحدهم يَده على آيَة الرَّجْم فَقَرَأَ مَا قبلهَا وَمَا بعْدهَا فَقَالَ لَهُ عبد الله بن سَلام ارْفَعْ يدك فَرفع يَده فَإِذا فِيهَا آيَة الرَّجْم قَالُوا صدق يَا مُحَمَّد فِيهَا آيَة الرَّجْم فَأمر بهما رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَرُجِمَا فَرَأَيْت الرجل يحني على الْمَرْأَة يَقِيهَا الْحِجَارَة) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة والْحَدِيث مضى عَن قريب فِي بَاب الرَّجْم فِي البلاط من رِوَايَة عبد الله بن دِينَار عَن ابْن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا وَمضى أَيْضا فِي عَلَامَات النُّبُوَّة عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك عَن نَافِع عَنهُ وَمضى الْكَلَام فِيهِ قَوْله نفضحهم بِفَتْح النُّون وَالضَّاد الْمُعْجَمَة من الفضيحة وَمَعْنَاهُ نكشف مساويهم يُقَال فضحه فافتضح قَوْله ويجلدون على صِيغَة الْمَجْهُول قَوْله فَأتوا بِصِيغَة الْمَاضِي قَوْله يحني بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالنُّون الْمَكْسُورَة من حنا إِذا عطف أَو من جنا بِالْجِيم والهمزة إِذا أكب عَلَيْهِ قَوْله يَقِيهَا من الْوِقَايَة وَهِي الْحِفْظ وَقد مر الْكَلَام مُسْتَوفى فِي لفظ يحني وَقد ذكرُوا فِي ضَبطه عشرَة أوجه وَفِيه من الْفَوَائِد وجوب الْحَد على الْكَافِر الذِّمِّيّ إِذا زنى وَهُوَ قَول الْجُمْهُور وَقبُول شَهَادَة أهل الذِّمَّة بَعضهم على بعض وَأَن أنكحة الْكفَّار صَحِيحَة وَأَن الْيَهُود كَانُوا ينسبون إِلَى التَّوْرَاة مَا لَيْسَ فِيهَا وَإِن شرع من قبلنَا يلْزمنَا مَا لم يقص الله بالإنكار وَاحْتج بِهِ الشَّافِعِي وَأحمد وَأَن الْإِسْلَام لَيْسَ بِشَرْط الْإِحْصَان وَقَالَت الْمَالِكِيَّة وَأكْثر الْحَنَفِيَّة أَنه شَرط وَأَجَابُوا عَن حَدِيث الْبَاب بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِنَّمَا رجمهما بِحكم التَّوْرَاة وَلَيْسَ هُوَ من حكم الْإِسْلَام فِي شَيْء
(بَاب إِذا رمى امْرَأَته أَو امْرَأَة غَيره بِالزِّنَا عِنْد الْحَاكِم وَالنَّاس هَل على الْحَاكِم أَن يبْعَث إِلَيْهَا فيسألها عَمَّا رميت بِهِ)
أَي هَذَا بَاب فِيهِ إِذا رمى إِلَى آخِره يَعْنِي إِذا قَالَ امْرَأَتي زنت أَو قَالَ امْرَأَة فلَان زنت قَوْله " هَل على الْحَاكِم أَن يبْعَث إِلَيْهَا " أَي إِلَى الْمَرْأَة المرمية بِالزِّنَا فيسألها عَمَّا رميت بِهِ وَهُوَ على صِيغَة الْمَجْهُول وَجَوَاب هَل مَحْذُوف تَقْدِيره نعم يجب عَلَيْهِ ذَلِك وَلم يذكرهُ اكْتِفَاء بِمَا فِي الحَدِيث وَقد قَامَ الْإِجْمَاع على أَن هَذَا الْقَاذِف إِذا لم يَأْتِ بِبَيِّنَة لزمَه الْحَد إِلَّا أَن تقر المقذوفة بِهِ
34 - (حَدثنَا عبد الله بن يُوسُف أخبرنَا مَالك عَن ابْن شهَاب عَن عبيد الله بن عبد الله بن عتبَة بن مَسْعُود عَن أبي هُرَيْرَة وَزيد بن خَالِد أَنَّهُمَا أخبراه أَن رجلَيْنِ اخْتَصمَا إِلَى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ أَحدهمَا اقْضِ بَيْننَا بِكِتَاب الله وَقَالَ الآخر وَهُوَ أفقههما أجل يَا رَسُول الله فَاقْض بَيْننَا بِكِتَاب الله وَأذن لي أَن أَتكَلّم قَالَ تكلم قَالَ إِن ابْني كَانَ عسيفا على هَذَا قَالَ مَالك والعسيف الْأَجِير فزنى بامرأته فَأَخْبرُونِي أَن على ابْني الرَّجْم فَافْتَدَيْت مِنْهُ بِمِائَة شَاة وبجارية لي ثمَّ إِنِّي سَأَلت أهل الْعلم فَأَخْبرُونِي أَن مَا على ابْني جلد مائَة وتغريب عَام وَإِنَّمَا الرَّجْم على امْرَأَته فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أما وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لأقضين(24/19)
بَيْنكُمَا بِكِتَاب الله أما غنمك وجاريتك فَرد عَلَيْك وَجلد ابْنه مائَة وغربه عَاما وَأمر أنيسا الْأَسْلَمِيّ أَن يَأْتِي امْرَأَة الآخر فَإِن اعْترفت فارجمها فَاعْترفت فرجمها) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة والْحَدِيث قد مر غير مرّة فآخره قد مر عَن قريب فِي بَاب من أَمر غير الإِمَام بِإِقَامَة الْحَد وَقد مر الْكَلَام فِيهِ قَوْله وَأذن لي قَالَ الْكرْمَانِي هُوَ من كَلَام الْأَعرَابِي لَا من كَلَام الأفقه قد مر فِي الصُّلْح صَرِيحًا وَقَالَ النَّوَوِيّ وَفِي اسْتِئْذَانه دَلِيل على أفقهيته
(بَاب من أدب أَهله أَو غَيره دون السُّلْطَان)
أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان من أدب أَهله من زَوجته وأرقائه قَوْله أَو غَيره أَي وأدب غير أَهله قَوْله دون السُّلْطَان يَعْنِي من غير أَن يَسْتَأْذِنهُ فِي ذَلِك وَقَالَ الْكرْمَانِي دون السُّلْطَان يحْتَمل أَن يكون بِمَعْنى عِنْده وَغَيره وَقَالَ بَعضهم هَذِه التَّرْجَمَة معقودة لبَيَان الْخلاف هَل يحْتَاج من وَجب عَلَيْهِ الْحَد من الأرقاء إِلَى أَن يسْتَأْذن سَيّده الإِمَام فِي إِقَامَة الْحَد عَلَيْهِ أَو لَهُ أَن يُقيم عَلَيْهِ ذَلِك بِغَيْر مشورة انْتهى قلت لم يبين الْخلاف فِي هَذِه التَّرْجَمَة أصلا (وَأما كَيْفيَّة) الْخلاف فقد قَالَ مَالك يحد الْمولى عَبده وَأمته فِي الزِّنَا وَشرب الْخمر وَالْقَذْف إِذا شهد عِنْده الشُّهُود لَا بِإِقْرَارِهِ وَلَا يقطعهُ فِي السّرقَة وَإِنَّمَا يقطعهُ الإِمَام وَبِه قَالَ اللَّيْث وروى عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة أَنهم أَقَامُوا الْحُدُود على عبيدهم مِنْهُم ابْن عمر بن مَسْعُود وَأنس ابْن مَالك وَقَالَ ابْن أبي ليلى أدْركْت بقايا الْأَنْصَار يضْربُونَ الوليدة من ولائدهم إِذا زنت فِي مجَالِسهمْ وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه لَا يُقيم الْحُدُود على العبيد وَالْإِمَاء إِلَّا السُّلْطَان دون الْمولى فِي الزِّنَا وَسَائِر الْحُدُود (وَبِه) قَالَ الْحسن بن حييّ وَقَالَ الثَّوْريّ وَالْأَوْزَاعِيّ بحده فِي الزِّنَا وَقَالَ الشَّافِعِي يحده فِي كل حد ويقطعه
(وَقَالَ أَبُو سعيد عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذا صلى فَأَرَادَ أحد أَن يمر بَين يَدَيْهِ فليدفعه فَإِن أَبى فليقاتله وَفعله أَبُو سعيد) ذكر هَذَا التَّعْلِيق عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ واسْمه سعد بن مَالك لدلالته على تَأْدِيب الرجل غير أَهله إِذا كَانَ فِي وَاجِب فَإِن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أذن لمن صلى وَأَرَادَ أحد أَن يمر بَين يَدَيْهِ بِأَن يَدْفَعهُ وَهُوَ تَأْدِيب لَهُ وَقد مر هَذَا التَّعْلِيق مَوْصُولا فِي كتاب الصَّلَاة فِي بَاب يرد الْمُصَلِّي من مر بَين يَدَيْهِ قَوْله وَفعله أَبُو سعيد أَي فعل أَبُو سعيد مَا أَمر النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي دفع الْمَار بَين يَدي الْمُصَلِّي وَقد مر هَذَا أَيْضا فِي الْبَاب الْمَذْكُور.
35 - (حَدثنَا إِسْمَاعِيل حَدثنِي مَالك عَن عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم عَن أَبِيه عَن عَائِشَة قَالَت جَاءَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ وَرَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَاضع رَأسه على فَخذي فَقَالَ حبست رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَالنَّاس وَلَيْسوا على مَاء فعاتبني وَجعل يطعن بِيَدِهِ فِي خاصرتي وَلَا يَمْنعنِي من التحرك إِلَّا مَكَان رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَأنْزل الله آيَة التَّيَمُّم) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَن أَبَا بكر أدب ابْنَته عَائِشَة بِحَضْرَة النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من غير أَن يَسْتَأْذِنهُ وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن أبي أويس واسْمه عبد الله بن أُخْت مَالك وَعبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم يروي عَن أَبِيه الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق عَن عَائِشَة والْحَدِيث مضى مطولا فِي الطَّهَارَة وَفِي النِّكَاح عَن عبد الله بن يُوسُف وَفِي فضل أبي بكر عَن قُتَيْبَة وَفِي التَّفْسِير عَن إِسْمَاعِيل الْمَذْكُور وَأخرجه مُسلم فِي الطَّهَارَة عَن يحيى بن يحيى عَن مَالك وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ وَفِي التَّفْسِير عَن قُتَيْبَة عَن مَالك وَمضى الْكَلَام فِيهِ فِي الطَّهَارَة قَوْله وَرَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَاضع جملَة حَالية قَوْله حبست قَول أبي بكر لعَائِشَة لِأَنَّهَا كَانَت سَبَب توقف رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذا فقدت قلادتها فتوقفوا لطلب المَاء قَوْله وَالنَّاس بِالنّصب عطف على مَا قبله وَالْوَاو فِي وَلَيْسوا للْحَال قَوْله يطعن بِضَم(24/20)
الْعين وَقيل بِفَتْحِهَا وَقَالَ ابْن فَارس طعن بِالرُّمْحِ يطعن بِالضَّمِّ وَطعن يطعن بِالْفَتْح فِي القَوْل قَوْله إِلَّا مَكَان رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِفَتْح الْمِيم وَقَالَ الْكرْمَانِي هُوَ كَقَوْلِهِم جنَّات فلَان أَو مَجْلِسه أَو إِلَّا مَكَانَهُ على فَخذي أَو عِنْدِي أَو إِلَّا كَونه عِنْدِي
36 - (حَدثنَا يحيى بن سُلَيْمَان حَدثنِي ابْن وهب أَخْبرنِي عمر وَأَن عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم حَدثهُ عَن أَبِيه عَن عَائِشَة قَالَت أقبل أَبُو بكر فلكزني لكزة شَدِيدَة وَقَالَ حبست النَّاس فِي قلادة فَبِي الْمَوْت لمَكَان رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَقد أوجعني نَحوه) هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور أخرجه عَن يحيى بن سُلَيْمَان أَبُو سعيد الْكُوفِي نزيل مصر عَن عبد الله بن وهب الْمصْرِيّ عَن عَمْرو بن الْحَرْث الْمصْرِيّ قَوْله " فلكزني " بالزاي أَي وكزني وَقَالَ أَبُو عبيد اللكز الضَّرْب بِالْجمعِ على الْعَضُد وَقَالَ أَبُو زيد فِي جَمِيع الْجَسَد وَالْجمع بِضَم الْجِيم وَسُكُون الْمِيم وَهُوَ الضَّرْب بِجَمِيعِ أَصَابِعه المضمومة يُقَال ضربه بِجمع كَفه قَوْله فَبِي الْمَوْت أَي فالموت ملتبس بِي لمَكَان رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مني فَخفت أَن أكون سَبَب تنبهه من النّوم قَوْله وَقد أوجعني أَي لكزه إيَّايَ قَوْله نَحوه أَي نَحْو الحَدِيث الْمَذْكُور
(قَالَ أَبُو عبد الله لكز ووكز وَاحِد) أَبُو عبد الله هُوَ البُخَارِيّ نَفسه وَأَرَادَ أَن هذَيْن اللَّفْظَيْنِ بِمَعْنى وَاحِد وَهُوَ من كَلَام أبي عُبَيْدَة وَلم يثبت هَذَا أَعنِي قَوْله قَالَ أَبُو عبد الله إِلَّا فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي -
(بَاب منْ رأى مَعَ امْرَأتِهِ رجلا فَقَتَلَهُ)
أَي: هَذَا بَاب فِيمَن رأى ... إِلَى آخِره، كَذَا أطلق وَلم يبين الحكم، وَقد اخْتلف فِيهِ، فَقَالَ الْجُمْهُور: عَلَيْهِ الْقود، وَقَالَ أَحْمد وَإِسْحَاق: إِن أَقَامَ بَيِّنَة أَنه وجده مَعَ امْرَأَته هدر دَمه، وَقَالَ الشَّافِعِي: يَسعهُ فِيمَا بَينه وَبَين الله قتل الرجل إِن كَانَ ثَيِّبًا، وَعلم أَنه نَالَ مِنْهَا مَا يُوجب الْغسْل، وَلَكِن لَا يسْقط عَنهُ الْقود فِي ظَاهر الحكم، وَقَالَ ابْن حبيب: إِن كَانَ الْمَقْتُول مُحصنا فَالَّذِي يُنجي قَاتله من الْقَتْل أَن يُقيم أَرْبَعَة شُهَدَاء تشهد أَنه فعل بامرأته، وَإِن كَانَ غير مُحصن فعلى قَاتله الْقود وَإِن أَتَى بأَرْبعَة شُهَدَاء. وَذكر ابْن مزين عَن ابْن الْقَاسِم: أَن ذَلِك فِي الْبكر وَالثَّيِّب سَوَاء يتْرك قَاتله إِذا قَامَت لَهُ الْبَيِّنَة بِالرُّؤْيَةِ. وَقَالَ إصبغ: عَن ابْن الْقَاسِم وَأَشْهَب اسْتحبَّ الدِّيَة فِي الْبكر فِي مَال الْقَاتِل، وَقَالَ الْمُغيرَة: لَا قَود فِيهِ وَلَا دِيَة، وَقد أهْدر عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، دَمًا من هَذَا الْوَجْه، وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: الْأَخْبَار عَن عمر فِي هَذَا مُخْتَلفَة وعامتها مُنْقَطِعَة فَإِن ثَبت عَن عمر أَنه أهْدر الدَّم فِيهَا فَإِنَّمَا ذَلِك لشَيْء ثَبت عِنْده يسْقط الْقود.
6846 - ح دّثنا مُوسَى، حدّثنا أبُو عَوَانَة، حدّثنا عبْدُ المَلِكِ، عنْ ورَّادٍ، كاتِب المُغِيرَةِ عنِ المُغِيرَةِ قَالَ: قَالَ سَعْدُ بن عُبادَةَ: لوْ رأيْتُ رجُلاً مَعَ امْرَأتي لَضَرَبْتُهُ بالسيْفِ غَيْرَ مُصْفَحٍ، فَبَلَغَ ذالِكَ النبيَّ فَقَالَ: أتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ؟ لأَنا أغْيَرُ مِنْهُ وَالله أغْيَرُ منِّي
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن الَّذِي يفهم من كَلَام سعد بن عبَادَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَن هَذَا الْأَمر لَو وَقع لَهُ لقتل الرجل، وَلِهَذَا لما بلغ النَّبِي لم يَنْهَهُ عَن ذَلِك حَتَّى قَالَ الدَّاودِيّ: قَوْله: صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم: أتعجبون من غيرَة سعد؟ يدل على أَنه حمد ذَلِك وَأَجَازَهُ لَهُ فِيمَا بَينه وَبَين الله، والغيرة من أَحْمد الْأَشْيَاء، وَمن لم تكن فِيهِ فَلَيْسَ على خلق مَحْمُود، وَبَالغ أَصْحَابنَا فِي هَذَا حَيْثُ قَالُوا: رجل وجد مَعَ امْرَأَته أَو جَارِيَته رجلا يُرِيد أَن يغلبها ويزني بهَا، لَهُ أَن يقْتله، فَإِن رَآهُ مَعَ امْرَأَته أَو مَعَ محرم لَهُ(24/21)
وَهِي مطاوعة لَهُ على ذَلِك قتل الرجل وَالْمَرْأَة جَمِيعًا، وَمِنْهُم من منع ذَلِك مُطلقًا، فَقَالَ الْمُهلب: الحَدِيث دَال على وجوب الْقود فِيمَن قتل رجلا وجده مَعَ امْرَأَته لِأَن الله عز وَجل وَإِن كَانَ أغير من عباده، فَإِن أوجب الشُّهُود فِي الْحُدُود فَلَا يجوز لأحد أَن يَتَعَدَّ حُدُود الله، وَلَا يسْقط دَمًا بِدَعْوَى. وروى عبد الرَّزَّاق عَن الثَّوْريّ عَن الْمُغيرَة بن النُّعْمَان عَن هانىء بن حرَام: أَن رجلا وجد مَعَ امْرَأَته رجلا فَقَتَلَهُمَا، قَالَ: فَكتب عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، كتابا فِي الْعَلَانِيَة أَن يقتلوه، وَفِي السِّرّ أَن يعطوه الدِّيَة.
ومُوسَى شيخ البُخَارِيّ هُوَ ابْن إِسْمَاعِيل، وَأَبُو عوَانَة بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة هُوَ الوضاح الْيَشْكُرِي، وَعبد الْملك هُوَ ابْن عُمَيْر، ووراد بِفَتْح الوو وَتَشْديد الرَّاء كَاتب الْمُغيرَة بن شُعْبَة الثَّقَفِيّ يروي عَن الْمُغيرَة بن شُعْبَة.
والْحَدِيث مضى فِي أَوَاخِر النِّكَاح فِي: بَاب الْغيرَة وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: غير مصفح بِضَم الْمِيم وَفتح الصَّاد الْمُهْملَة وَفتح الْفَاء وَكسرهَا أَي: ضَربته بِحَدّ السَّيْف للإهلاك لَا بصفحه وَهُوَ عرضه للإرهاب. قَوْله: من غيرَة سعد؟ بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة. الْمَنْع أَي: منع من التَّعَلُّق بأجنبي بِنَظَر وَغَيره، وغيرة الله تَعَالَى مَنعه عَن الْمعاصِي.
42 - (بابُ مَا جاءَ فِي التَّعْرِيضِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا جَاءَ فِي التَّعْرِيض وَهُوَ نوع من الْكِتَابَة ضد التَّصْرِيح، وَقَالَ الرَّاغِب: هُوَ كَلَام لَهُ ظَاهر وباطن، فقصد قَائِله الْبَاطِن وَيظْهر إِرَادَة الظَّاهِر.
6847 - ح دّثنا إسْماعِيلُ، حدّثني مالِكٌ عنِ ابنِ شِهابٍ عنْ سَعِيدِ بنِ المُسَيَّبِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ، رَضِي الله عَنهُ، أنَّ رسولَ الله جاءَهُ أعْرَابِيٌّ فَقَالَ: يَا رسُولَ اللَّهِصلى الله عَلَيْهِ وَسلم إنَّ امْرَأتِي وَلَدَتْ غُلاَماً أسْوَدَ. فَقَالَ: هَلْ لَكَ من إبِلٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: مَا ألْوَانُها؟ قَالَ: حُمْرٌ. قَالَ: هَلْ فِيها مِنْ أوْرَقَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فأنَّى كانَ ذَلِكَ؟ قَالَ: أُراهُ عِرْقٌ نَزَعُهُ. قَالَ: فَلَعَلَّ ابْنَكَ هاذَا نَزَعَهُ عِرْقٌ 0 انْظُر الحَدِيث 5305 وطرفهف
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: غُلَاما أسود وَمَعْنَاهُ: أَنا أَبيض وَهُوَ أسود. فَهُوَ لَيْسَ مني وَأمه زَانِيَة.
وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن أبي أويس. والْحَدِيث مضى فِي الطَّلَاق عَن يحيى بن قزعة وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: هَل لَك من إبل؟ إِنَّمَا سَأَلَهُ عَن ألوان الْإِبِل لِأَن الْحَيَوَانَات تجْرِي طباع بَعْضهَا على مشاكلة بعض فِي اللَّوْن والخلقة، ثمَّ قد ينْدر مِنْهَا الشَّيْء لعَارض، فَكَذَلِك الْآدَمِيّ يخْتَلف بِحَسب نَوَادِر الطباع ونوادر الْعُرُوق. قَوْله: هَل فِيهَا من أَوْرَق؟ الأورق من الْإِبِل مَا فِي لَونه ب يَا ض إِلَى سَواد كالرماد، وَقَالَ ابْن التِّين: الأورق الأسمر، وَمِنْه: بعير أَوْرَق إِذا كَانَ لَونه لون الرماد. قَوْله: فَأنى؟ بِفَتْح الْهمزَة وَفتح النُّون الْمُشَدّدَة أَي: من أَيْن كَانَ ذَلِك؟ قَوْله: أرَاهُ بِضَم الْهمزَة أَي: أَظُنهُ عرق نَزعَة قَالَ ابْن التِّين: لَعَلَّه وَقع بِالنِّسْبَةِ إِلَى أحد آبَائِهِ.
وَقَالَ الْخطابِيّ: فِيهِ أَن التَّعْرِيض بِالْقَذْفِ يُوجب الْحَد. قلت: اخْتلف الْعلمَاء فِي هَذَا الْبَاب. فَقَالَ قوم: لَا حدَّ فِي التَّعْرِيض، وَإِنَّمَا يجب بالتصريح الْبَين، وَرُوِيَ هَذَا عَن ابْن مَسْعُود، وَبِه قَالَ الْقَاسِم بن مُحَمَّد وَالشعْبِيّ وَطَاوُس وَحَمَّاد وَابْن الْمسيب فِي رِوَايَة، وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَالْحسن بن حييّ، وَإِلَيْهِ ذهب الثَّوْريّ وَأَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ إِلَّا أَنَّهُمَا يوجبان عَلَيْهِ الْأَدَب والزجر، وَاحْتَجُّوا بِحَدِيث الْبَاب وَعَلِيهِ يدل تبويب البُخَارِيّ. وَقَالَ آخَرُونَ: التَّعْرِيض كالتصريح، وَرُوِيَ ذَلِك عَن عمر وَعُثْمَان وَعُرْوَة وَالزهْرِيّ وَرَبِيعَة، وَبِه قَالَ مَالك وَالْأَوْزَاعِيّ، وَقَالَ ابْن عبد الْبر: رُوِيَ عَن وُجُوه أَن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، حد فِي التَّعْرِيض بالفاحشة، وَعَن ابْن جريج الَّذِي حَده عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فِي التَّعْرِيض عِكْرِمَة بن عَامر بن هِشَام بن عبد منَاف بن عبد الدَّار، هجا وهب بن زَمعَة بن الْأسود بن عبد الْمطلب بن أَسد، فَعرض لَهُ فِي هجائه. وَسمعت ابْن أبي مليكَة يَقُول ذَلِك، وَرُوِيَ نَحْو هَذَا عَن ابْن الْمسيب. وَفِيه: إِثْبَات الشُّبْهَة وَإِثْبَات الْقيَاس بِهِ. وَفِيه: الزّجر عَن تَحْقِيق ظن السوء وَتقدم حكم الْفراش على اعْتِبَار المشابهة.
43 - (بابٌ كَمِ التَّعْزِيرُ والأدَبُ)(24/22)
أَي: هَذَا بَاب فِيهِ كم التَّعْزِير، وَأَشَارَ بِلَفْظ: كم إِلَى الْخلاف فِي عدد التَّعْزِير على مَا يَجِيء عَن قريب، وَالتَّعْزِير مصدر من عزّر بِالتَّشْدِيدِ مَأْخُوذ من العزر وَهُوَ الرَّد وَالْمَنْع، وَاسْتعْمل فِي الدّفع عَن الشَّخْص لدفع أعدائه عَنهُ ومنعهم عَن إضراره، وَمِنْه: عزره القَاضِي إِذا أدبه لِئَلَّا يعود إِلَى الْقَبِيح، وَيكون بالْقَوْل وَالْفِعْل بِحَسب مَا يَلِيق بالمعزر. قَوْله: وَالْأَدب بِمَعْنى التَّأْدِيب وَهُوَ أَعم من التَّعْزِير، وَمِنْه تَأْدِيب الْوَالِد وتأديب الْمعلم. وَقَالَ الْأَزْهَرِي وَأَبُو زيد: الْأَدَب اسْم يَقع على كل رياضة محمودة يتَخَرَّج بهَا الْإِنْسَان فِي فَضِيلَة من الْفَضَائِل.
وَاخْتلف الْعلمَاء فِي مبلغ التَّعْزِير على أَقْوَال. أَحدهَا: لَا يُزَاد على عشر جلدات إلاّ فِي حد، وَهُوَ قَول أَحْمد وَإِسْحَاق. وَالثَّانِي رُوِيَ عَن اللَّيْث أَنه قَالَ: يحْتَمل أَن لَا يتَجَاوَز بالتعزير عشرَة أسواط، وَيحْتَمل مَا سوى ذَلِك. وَالثَّالِث: أَن لَا يبلغ فَوق عشْرين سَوْطًا. وَالرَّابِع: أَن لَا يبلغ أَكثر من ثَلَاثِينَ جلدَة، وهما مرويان عَن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. وَالْخَامِس قَالَ الشَّافِعِي فِي قَوْله الآخر: لَا يبلغ عشْرين سَوْطًا. وَالسَّادِس قَالَ أَبُو حنيفَة وَمُحَمّد: لَا يبلغ بِهِ أَرْبَعِينَ سَوْطًا بل ينقص مِنْهُ سَوْطًا، وَبِه قَالَ الشَّافِعِي فِي قَول وَالسَّابِع قَالَ ابْن أبي ليلى وَأَبُو يُوسُف: أَكْثَره خَمْسَة وَسَبْعُونَ سَوْطًا. وَالثَّامِن قَالَ مَالك: التَّعْزِير رُبمَا كَانَ أَكثر من الْحَد إِذا أدّى الإِمَام اجْتِهَاده إِلَى ذَلِك، وَرُوِيَ مثله عَن أبي يُوسُف وَأبي ثَوْر وَالتَّاسِع قَالَ اللَّيْث: لَا يتَجَاوَز تِسْعَة وَأَقل، وَبِه قَالَ أهل الظَّاهِر، نَقله ابْن حزم والعاشر قَالَ الطَّحَاوِيّ: وَلَا يجوز اعْتِبَار التَّعْزِير بالحدود لأَنهم لم يَخْتَلِفُوا فِي أَن التَّعْزِير موكول إِلَى اجْتِهَاد الإِمَام فيخفف تَارَة ويشدد أُخْرَى.
6848 - ح دّثنا عَبْدُ الله بن يُوسُفَ، حدّثنا اللَّيْثُ، حدّثني يَزِيدُ بنُ أبي حَبِيبٍ، عنْ بُكَيْرِ بنِ عَبْدِ الله، عنْ سُلَيْمانَ بنِ يَسارٍ، عنْ عَبْدِ الرَّحْمانِ بنِ جابِرِ بنِ عَبْدِ الله، عنْ أبي بُرْدَةَ، رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: كانَ النَّبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ لَا يُجْلَدُ فوْقَ عَشْرِ جَلَدَاتٍ إلاّ فِي حَدَ مِنْ حُدُودِ الله
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه بَين قَوْله فِي التَّرْجَمَة: كم التَّعْزِير، وَفِيه بحث يَأْتِي عَن قريب.
وَيزِيد من الزِّيَادَة ابْن أبي حبيب بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة أَبُو رَجَاء الْمصْرِيّ وَاسم أبي حبيب سُوَيْد، وَبُكَيْر بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة ابْن عبد الله بن الْأَشَج، وَسليمَان بن أبي يسَار ضد الْيَمين وَعبد الرحمان بن جَابر بن عبد الله الْأنْصَارِيّ، وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ: عَن أبي أَحْمد الْجِرْجَانِيّ عبد الرحمان عَن جَابر ثمَّ خطّ على قَوْله: عَن جَابر، فَصَارَ: عَن عبد الرحمان عَن أبي بردة بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة اسْمه هانىء بِكَسْر النُّون ابْن نيار بِكَسْر النُّون وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف الأوسي الْحَارِثِيّ الْأنْصَارِيّ الْمدنِي، خَال الْبَراء بن عَازِب، شهد بَدْرًا وَسمع النَّبِي وروى عَنهُ جَابر بن عبد الله عِنْد الشَّيْخَيْنِ، وَعبد الرحمان بن جَابر عِنْد البُخَارِيّ هَاهُنَا.
وَأخرجه مُسلم فِي الْحُدُود عَن أَحْمد بن عِيسَى. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن قُتَيْبَة عَن اللَّيْث بِهِ وَعَن أَحْمد بن صَالح عَن ابْن وهب بِهِ. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن قُتَيْبَة. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن قُتَيْبَة وَعَن مُحَمَّد بن أبي عبد الرحمان الْمنْقري عَن أَبِيه عَن سعيد بن أبي أَيُّوب عَن يزِيد بن أبي حبيب عَن بكير عَن سُلَيْمَان عَن عبد الرحمان بن فلَان عَن أبي بردة بِهِ وَعَن مُحَمَّد بن وهب الْحَرَّانِي عَن مُحَمَّد بن سَلمَة عَن أبي عبد الرَّحِيم عَن زيد بن أبي أنيسَة عَن يزِيد بن أبي حبيب عَن بكير عَن سُلَيْمَان عَن عبد الرحمان بن جَابر عَن أَبِيه عَن أبي بردة وَفِي الْمُحَاربَة عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن بزيغ عَن فُضَيْل بن سُلَيْمَان نَحوه. وَابْن مَاجَه فِي الْحُدُود عَن مُحَمَّد بن رمح التجِيبِي عَن اللَّيْث بِهِ، وَفِي حَدِيث أبي لَهِيعَة: حَدثنِي بكير عَن سُلَيْمَان عَن عبد الرحمان بن جَابر حَدثنِي أَبُو بردة بِهِ. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: قَالَ مُسلم: عَن عبد الرحمان بن جَابر عَن رجل من الْأَنْصَار عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ حَفْص بن ميسرَة: عَن عبد الرحمان بن جَابر عَن أَبِيه، قَالَ: وَالْقَوْل قَول اللَّيْث وَمن تَابعه، وَفِي مَوضِع آخر: حَدِيث عَمْرو بن الْحَارِث عَن بكير عَن سُلَيْمَان عَن عبد الرحمان بن جَابر عَن أَبِيه عَن أبي بردة صَحِيح، وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا حَدِيث ثَابت وَأحسن مَا يُصَار إِلَيْهِ فِي هَذَا مَا ثَبت عَن بكير فَذكره، قَالَ: وَقد أَقَامَ إِسْنَاده عَمْرو بن الْحَارِث فَلَا يضرّهُ تَقْصِير من قصره. فَإِن قلت: قَالَ ابْن الْمُنْذر: فِي إِسْنَاده مقَال، وَنقل ابْن بطال عَن الْأصيلِيّ: أَنه اضْطربَ حَدِيث عبد الله بن جَابر(24/23)
فَوَجَبَ تَركه لاضطرابه ولوجود عمل الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ بِخِلَافِهِ. قلت: رد عَلَيْهِ بِأَن عبد الرحمان ثِقَة صرح بِسَمَاعِهِ وإبهام الصَّحَابِيّ لَا يضر، وَقد اتّفق الشَّيْخَانِ على تَصْحِيحه وهم الْعُمْدَة فِي الصَّحِيح وَلَا يضر هَذَا الِاخْتِلَاف عِنْدهمَا فِي صِحَة الحَدِيث لِأَنَّهُ كَيفَ مَا دَار يَدُور على ثِقَة، وَحَاصِل الِاخْتِلَاف هَل هُوَ صَحَابِيّ مُبْهَم أَو مُسَمّى؟ فالراجح الثَّانِي، وإبهام الصَّحَابِيّ أَيْضا لَا يضر، فالراجح أَنه أَبُو بردة بن نيار، وَهل بَين عبد الرحمان وَأبي بردة وَاسِطَة وَهُوَ أَبوهُ جَابر أَو لَا؟ . فالراجح هُوَ الثَّانِي أَيْضا.
قَوْله: إِلَّا فِي حد من حُدُود الله ظَاهره أَن المُرَاد بِالْحَدِّ مَا ورد فِيهِ من الشَّارِع عدد من الْجلد أَو الضَّرْب الْمَخْصُوص أَو عُقُوبَة، وَقيل: المُرَاد بِالْحَدِّ حق الله، وَقيل: المُرَاد بِالْحَدِّ هَاهُنَا الْحُقُوق الَّتِي هِيَ أوَامِر الله تَعَالَى ونواهيه وَهِي المُرَاد بقوله: وَفِي آيَة أُخْرَى وَقَالَ: وَقَالَ: وَمعنى الحَدِيث: لَا يُزَاد على الْعشْر فِي التأديبات الَّتِي لَا تتَعَلَّق بِمَعْصِيَة: كتأديب الْأَب وَلَده الصَّغِير، وَقيل: يحْتَمل أَن يفرق بَين مَرَاتِب الْمعاصِي، فَمَا ورد فِيهِ تَقْدِير لَا يُزَاد عَلَيْهِ، وَمَا لم يرد فِيهِ التَّقْدِير فَإِن كَانَ كَبِيرَة جَازَت الزِّيَادَة فِيهِ، وَكَانَ مَالك يرى الْعقُوبَة بِقدر الذَّنب، وَيرى ذَلِك موكولاً إِلَى اجْتِهَاد الْأَئِمَّة وَإِن جَاوز ذَلِك الْحَد. وَقَالَ الدَّاودِيّ: لم يبلغ مَالِكًا هَذَا الحَدِيث، يَعْنِي حَدِيث الْبَاب، وَقَالَ ابْن الْقصار: لما كَانَ طَرِيق التَّعْزِير إِلَى اجْتِهَاد الإِمَام على حسب مَا يغلب على ظَنّه أَنه يردع بِهِ، وَكَانَ فِي النَّاس من يردعه الْكَلَام وَفِيهِمْ من لَا يردعه مائَة سَوط، وَهِي عِنْده كضرب الْمُزَوجَة، فَلم يكن للتحديد فِيهِ معنى وَكَانَ مفوضاً إِلَى مَا يُؤَدِّيه اجْتِهَاده بِأَن يردع مثله. وَقَالَ الْمُهلب: ألاّ يرى أَن سيدنَا رَسُول الله زَاد المواصلين فِي النكال؟ فَكَذَلِك يجوز للْإِمَام أَن يزِيد فِيهِ على حسب اجْتِهَاده، فَيجب أَن يضْرب كل وَاحِد على قدر عصيانه للسّنة ومعاندته أَكثر مِمَّا يضْرب الْجَاهِل، وَلَو كَانَ فِي شَيْء من ذَلِك حد، لم يجز خِلَافه. وَقَالَ ابْن حزم: الْحَد فِي سَبْعَة أَشْيَاء: الرِّدَّة، والحرابة قبل أَن يقدر عَلَيْهِ، والزنى، وَالْقَذْف بِالزِّنَا، وَشرب الْمُسكر أسكر أم لم يسكر، وَالسَّرِقَة، وَجحد الْعَارِية. وَأما سَائِر الْمعاصِي فَإِنَّمَا فِيهَا التَّعْزِير فَقَط وَهُوَ الْأَدَب. وَمن الْأَشْيَاء الَّتِي رأى فِيهَا قوم من الْمُتَقَدِّمين حدا وَاجِبا: السكر وَالْقَذْف بِالْخمرِ والتعريض وَشرب الدَّم وَأكل الْخِنْزِير وَالْميتَة وَفعل قوم لوط وإتيان الْبَهِيمَة وسحق النِّسَاء وَترك الصَّلَاة غير جَاحد لَهَا وَالْفطر فِي رَمَضَان وَالسحر.
6849 - ح دّثنا عَمْرُو بنُ عَلِيَ، حدّثنا فضَيْلُ بنُ سُلَيْمانَ، حدّثنا مُسْلِمُ بنُ أبي مَرْيَمَ، حدّثني عَبْدُ الرَّحْمانِ بنُ جابِرٍ عَمَّنْ سَمَعَ النبيَّصلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا عُقُوبَةَ فَوْقَ عَشْر ضَرَبات إلاّ فِي حَدَ مِنْ حُدُودِ الله
انْظُر الحَدِيث 6848 وطرفه
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَهُوَ طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور أخرجه عَن عَمْرو بن عَليّ بن بَحر أبي حَفْص الْبَاهِلِيّ الْبَصْرِيّ الصَّيْرَفِي، وَهُوَ شيخ مُسلم أَيْضا عَن فُضَيْل تَصْغِير فضل بالضاد الْمُعْجَمَة ابْن سُلَيْمَان النميري الْبَصْرِيّ عَن مُسلم بن أبي مَرْيَم السّلمِيّ الْمَدِينِيّ عَن عبد الرحمان بن جَابر بن عبد الله عَمَّن سمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَوْله: عَمَّن سمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُبْهَم وَلَكِن لَا يضر إِبْهَام الصَّحَابِيّ كَمَا ذَكرْنَاهُ عَن قريب، وَقد سَمَّاهُ أَبُو حَفْص بن ميسرَة فَقَالَ: عَن مُسلم بن أبي مَرْيَم عَن عبد الرحمان بن جَابر عَن أَبِيه، أخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ، وَقَالَ: رَوَاهُ إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه عَن عبد الرَّزَّاق عَن ابْن جريج عَن مُسلم بن أبي مَرْيَم عَن عبد الرحمان بن جَابر عَن رجل من الْأَنْصَار. وَقَوله: عَن رجل من الْأَنْصَار، يحْتَمل أَن يكون أَبَا بردة، وَيحْتَمل أَن يكون جَابر بن عبد الله، لِأَن كلّاً من أبي بردة وَجَابِر بن عبد الله أَنْصَارِي.
6850 - حدّثنا يَحْيى بنُ سُلَيْمان، حدّثني ابنُ وَهْبٍ أَخْبرنِي عَمْرٌ وَأَن بُكَيْراً حدَّثَهُ قَالَ: بَيْنَما أَنا جالِسٌ عِنْدَ سُلَيْمانَ بنِ يَسارٍ، إذْ جاءَ عَبْدُ الرَّحْمانِ بنُ جابِرٍ، فَحَدَّثَ سُلَيْمان بنَ يَسارٍ، ثمَّ أقْبَلَ عَليْنا سُلَيْمانُ بنُ يَسارٍ، فَقَالَ: حدّثني عبْدُ الرَّحْمانِ بنُ جابِرٍ أنَّ أباهُ حدَّثَهُ أنَّهُ سَمِعَ أَبَا بُرْدَةَ الأنْصاريَّ(24/24)
قَالَ: سَمِعْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ لَا تَجْلِدُوا فَوْقَ عَشَرةِ أسْواطٍ إلاّ فِي حَدَ مِنْ حُدُودِ الله
انْظُر الحَدِيث 6848 وطرفه
هَذَا طَرِيق ثَالِث فِي الحَدِيث الْمَذْكُور أخرجه عَن يحيى بن سُلَيْمَان الْكُوفِي نزل مصر عَن عبد الله بن وهب عَن عَمْرو بن الْحَارِث بن بكير بن عبد الله بن الْأَشَج إِلَى آخِره، وَمعنى هَذَا الحَدِيث فِي الطَّرِيق الثَّلَاثَة وَاحِد غير أَن أَلْفَاظه مُخْتَلفَة، فَفِي الأول: عشر جلدات، وَفِي الثَّانِي: عشر ضربات، وَفِي الثَّالِث: عشرَة أسواط.
6851 - حدّثنا يَحْياى بنُ بَكَيْرٍ، حدّثنا اللَّيْثُ عنْ عُقَيْلٍ، عنِ ابنِ شِهابٍ، حدّثنا أبُو سَلَمَة أنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: نَهاى رسولُ الله عنِ الوِصالِ فَقَالَ لهُ رِجالٌ مِنَ المُسْلِمِينَ: فإنّكَ يَا رسولَ الله تُواصِلُ فَقَالَ رسولُ الله أيُّكُمْ مِثْلِي؟ إنِّي أبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي ويسْقِين فَلَمَّا أبَوْا أنْ يَنْتَهُوا عنِ الوِصالِ واصَلَ بِهِمْ يَوْماً، ثمَّ يَوْماً، ثُمَّ رَأوُا الهِلالَ فَقَالَ: لَوْ تَأخَّرَ لَزِدْتُكُمْ كالمُنَكِّلِ بِهِمْ حِينَ أبَوْا.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: كالمنكل بهم أَي: كالمحذر المريد لعقوبتهم. وَيُسْتَفَاد مِنْهُ: جَوَاز التَّعْزِير بالتجويع وَنَحْوه من الْأُمُور المعنوية.
وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة قَرِيبا وبعيداً، وَعقيل بِضَم الْعين ابْن خَالِد، وَأَبُو سَلمَة بن عبد الرحمان بن عَوْف والْحَدِيث بِهَذَا الْوَجْه من أَفْرَاده.
قَوْله: عَن الْوِصَال أَي: بَين الصومين. قَوْله: فَقَالَ لَهُ رجال ويروى: رجل، بِالْإِفْرَادِ. قَوْله: إِنِّي أَبيت قد مر فِي كتاب الصَّوْم: أظل، وَيُرَاد مِنْهُمَا الْوَقْت الْمُطلق لَا الْمُقَيد بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار. قَوْله: يطعمني إطْعَام الله تَعَالَى لَهُ وسقيه مَحْمُول على الْحَقِيقَة بِأَن يرزقه الله تَعَالَى طَعَاما وَشَرَابًا من الْجنَّة ليَالِي صِيَامه كَرَامَة لَهُ، وَقيل: هُوَ مجَاز عَن لازمها وَهُوَ الْقُوَّة، وَقيل: الْمجَاز هُوَ الْوَجْه لِأَنَّهُ لَو أكل حَقِيقَة بِالنَّهَارِ لم يكن صَائِما، وبالليل لم يكن مواصلاً. قَوْله: فَلَمَّا أَبَوا أَي: فَلَمَّا امْتَنعُوا. قَوْله: أَن ينْتَهوا كلمة: أَن، مَصْدَرِيَّة أَي: الِانْتِهَاء، وَإِنَّمَا لم ينْتَهوا لأَنهم فَهموا مِنْهُ أَنه للتنزيه والإرشاد إِلَى الْأَصْلَح وَإِنَّمَا رَضِي لَهُم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالوصال لاحْتِمَال الْمصلحَة تَأْكِيدًا لزجرهم وبياناً للمفسدة المترتبة على الْوِصَال. قَوْله: لَو تَأَخّر أَي: الْهلَال لزدت الْوِصَال عَلَيْكُم إِلَى تَمام الشَّهْر حَتَّى يظْهر عجزكم. قَوْله: كالمنكل أَي: قَالَ ذَلِك كالمنكل من النكال وَهُوَ الْعقُوبَة.
تابَعَهُ شُعَيْبٌ ويَحْياى بنُ سَعِيدٍ ويُونُسُ عنِ الزُّهْرِيِّ.
أَي: تَابع عقيلاً شُعَيْب بن أبي حَمْزَة وَيحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ وَيُونُس بن يزِيد فِي روايتهم عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ. أما مُتَابعَة شُعَيْب فرواها البُخَارِيّ فِي كتاب الصّيام فِي: بَاب التنكيل لمن أَكثر الْوِصَال: حَدثنَا أَبُو الْيَمَان أخبرنَا شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ قَالَ: حَدثنِي أَبُو سَلمَة بن عبد الرحمان أَن أَبَا هُرَيْرَة قَالَ: نهى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْوِصَال فِي الصَّوْم فَقَالَ لَهُ رجل من الْمُسلمين: إِنَّك تواصل ... الخ. وَأما مُتَابعَة يحيى بن سعيد فوصلها الذهلي فِي الزهريات وَأما مُتَابعَة يُونُس فوصلها مُسلم من طَرِيق ابْن وهب عَنهُ: حَدثنِي أَبُو الطَّاهِر قَالَ: سَمِعت عبد الله بن وهب يحدث عَن يُونُس عَن ابْن شهَاب، وحَدثني حَرْمَلَة بن يحيى قَالَ؟ أخبرنَا ابْن وهب قَالَ: أَخْبرنِي يُونُس عَن ابْن شهَاب. قَالَ: أَخْبرنِي سعيد بن الْمسيب، وَأَبُو سَلمَة بن عبد الرحمان ... الحَدِيث مطولا.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمانِ بنُ خالِدٍ: عنِ ابنِ شِهابٍ عنْ سَعِيدٍ عنْ أبي هُرَيْرَةَ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وسلمأي قَالَ عبد الرحمان بن خَالِد بن مُسَافر الفهمي الْمصْرِيّ أَمِير مصر لهشام بن عبد الْملك بن مَرْوَان يروي عَن مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ عَن سعيد بن الْمسيب عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي وَذكر الْإِسْمَاعِيلِيّ أَن أَبَا صَالح رَوَاهُ عَن اللَّيْث عَن عبد الرحمان بن خَالِد، فَجمع فِيهِ بَين سعيد وَأبي سَلمَة.(24/25)
6852 - ح دّثني عَيَّاشُ بنُ الوَلِيدِ، حَدثنَا عَبْدُ الأعْلَى، حدّثنا مَعْمَرٌ، عنِ الزُّهْرِيِّ، عنْ سالِمٍ، عنْ عَبْدِ الله بنِ عُمرَ أنَّهُمْ كانُوا يُضْرَبُونَ عَلى عَهْدِ رسولِ الله إذَا اشْتَرَوْا طَعاماً جِزَافاً أنْ يَبِيعُوهُ فِي مَكانِهمْ حتَّى يَؤْوُهُ إِلَى رِحالِهمْ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: إِنَّهُم كَانُوا يضْربُونَ الخ، وَذَلِكَ لمخالفتهم الْأَمر الشَّرْعِيّ.
وَعَيَّاش بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف ابْن الْوَلِيد أَبُو الْوَلِيد الرقام الْبَصْرِيّ، وَمعمر بِفَتْح الميمين ابْن رَاشد، وَسَالم هُوَ ابْن عبد الله بن عمر، وَقَالَ الجياني: كَذَا رَوَاهُ مُسْندًا مُتَّصِلا عَن ابْن السكن وَأبي زيد وَغَيرهمَا، وَفِي نُسْخَة أبي أَحْمد مُرْسلا لم يذكر فِيهِ ابْن عمر أرْسلهُ عَن سَالم وَالصَّوَاب مَا تقدم، وَقد وَقع فِي رِوَايَة مُسلم: عَن أبي بكر بن أبي شيبَة عَن عبد الْأَعْلَى بِهَذَا الْإِسْنَاد عَن سَالم عَن ابْن عمر بِهِ، وَقد تقدم فِي الْبيُوع من طَرِيق يُونُس عَن الزُّهْرِيّ: أَخْبرنِي سَالم بن عبد الله أَن ابْن عمر قَالَ ... فَذكر نَحوه.
قَوْله: يضْربُونَ على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَي: على زَمَانه. قَوْله: جزَافا بِالْجِيم بالحركات الثَّلَاث وَهُوَ فَارسي مُعرب وَأَصله: كزافاً، بِالْكَاف مَوضِع الْجِيم وَهُوَ البيع بِلَا كيل وَنَحْوه. قَوْله: أَن يبيعوه أَي: لِأَن يبيعوه، فكلمة: أَن مَصْدَرِيَّة أَي: يضْربُونَ لبيعهم فِي مكانهم. قَوْله: حَتَّى يؤوه كلمة: حَتَّى، للغاية و: أَن، مقدرَة بعْدهَا، وَالْمعْنَى: إيواؤهم إِيَّاهَا إِلَى رحالهم أَي: إِلَى مَنَازِلهمْ. وَالْمَقْصُود النَّهْي عَن بيع الْمَبِيع حَتَّى يقبضهُ المُشْتَرِي.
6853 - ح دّثنا عَبْدَانُ، أخبرنَا عبْدُ الله، أخبرنَا يُونُسُ، عنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبرنِي عُرْوَةُ، عنْ عائِشَةَ، رَضِي الله عَنْهَا، قالَتْ: مَا انْتَقَمَ رسولُ الله لِنَفْسِهِ فِي شَيْءٍ يُؤْتى إلَيْهِ حتَّى يُنْتَهكَ مِنْ حُرْماتِ الله فَيَنْتَقِمَ لله.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ ينْتَقم لله إِذا انتهك حُرْمَة حد من حُدُود الله إِمَّا بِالضَّرْبِ وَإِمَّا بِالْحَبْسِ وَإِمَّا بِشَيْء آخر يكرههُ، وَهَذَا دَاخل فِي: بَاب التَّعْزِير والتأديب.
وعبدان هُوَ لقب عبد الله بن عُثْمَان يروي عَن عبد الله بن الْمُبَارك عَن يُونُس بن يزِيد عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة بن الزبير عَن عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن حَرْمَلَة عَن ابْن وهب عَن يُونُس.
قَوْله: مَا انتقم من الانتقام وَهُوَ الْمُبَالغَة فِي الْعقُوبَة، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: معنى الحَدِيث مَا عاقب رَسُول الله أحدا على مَكْرُوه أَتَاهُ من قبله، يُقَال: نقم ينقم ونقم ينقم فَالْأول من بَاب علم وَالثَّانِي من بَاب ضرب. قَوْله: حَتَّى ينتهك أَي: حَتَّى يُبَالغ فِي خرق محارم الشَّرْع وإتيانها، والانتهاك ارْتِكَاب الْمعْصِيَة. وَفِيه حذف تَقْدِيره: حَتَّى ينتهك شَيْء من حرمات الله جمع حُرْمَة كظلمة تجمع على ظلمات وَالْحُرْمَة مَا لَا يحل انتهاكه. قَوْله: فينتقم بِالنّصب عطف على قَوْله: حَتَّى ينتهك لِأَن: أَن، مقدرَة بعد: حَتَّى فَافْهَم.
44 - (بابُ مَنْ أظْهَرَ الفاحِشَةَ واللَّطْخَ والتُّهَمَةَ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم من أظهر الْفَاحِشَة وَهِي أَن يتعاطى مَا يدل عَلَيْهَا عَادَة من غير أَن يثبت ذَلِك بِبَيِّنَة أَو بِإِقْرَار. قَوْله: واللطخ، بِفَتْح اللَّام وَسُكُون الطَّاء الْمُهْملَة وبالخاء الْمُعْجَمَة وَهُوَ الرَّمْي بِالشَّرِّ، يُقَال: لطخ فلَان بِكَذَا أَي: رمي بشر، ولطخه بِكَذَا بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيد: لوثه بِهِ. قَوْله: والتهمة، بِضَم التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَسُكُون الْهَاء، وَقَالَ الْكرْمَانِي: الْمَشْهُور سُكُون الْهَاء لَكِن قَالُوا: الصَّوَاب فتحهَا، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: التُّهْمَة فعلة من الْوَهم وَالتَّاء بدل من الْوَاو، يُقَال: اتهمته إِذا ظَنَنْت فِيهِ مَا نسب إِلَيْهِ، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: اتهمت فلَانا بِكَذَا، وَالِاسْم التُّهْمَة بِالتَّحْرِيكِ وأصل التَّاء فِيهِ وَاو.
6854 - ح دّثنا عَلِيٌّ، حدّثنا سُفْيانُ، قَالَ الزُّهرِيُّ: عنْ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ قَالَ: شَهِدْتُ المُتَلاَعِنَيْنِ(24/26)
وَأَنا ابنُ خَمْسَ عَشْرَةَ، فَرَّقَ بَيْنَهُما فَقَالَ زوْجُها: كَذَبْتُ عَليْها إنْ أمْسَكْتُها، قَالَ: فَحَفِظْتُ ذاكَ مِنَ الزُّهْرِيِّ: إنْ جاءَتْ بِهِ كَذا وكَذا فَهْوَ، وإنْ جاءَتْ بِهِ كَذَا وكَذا كأنهُ وَحَرَةٌ فَهُوَ، وسَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ يَقُولُ: جاءَتْ بِهِ لِلّذِي يُكْرَهُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة من حَيْثُ إِن فِيهِ إِظْهَار الْفَاحِشَة واللطخ.
وَعلي شيخ البُخَارِيّ وَهُوَ ابْن عبد الله بن الْمَدِينِيّ، وَفِي بعض النّسخ: أَبوهُ عبد الله مَذْكُور مَعَه، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة.
والْحَدِيث مضى فِي الطَّلَاق عَن إِسْمَاعِيل بن عبد الله بن يُوسُف وَعَن أبي الرّبيع الزاهراني، وَسَيَجِيءُ فِي الِاعْتِصَام وَفِي الْأَحْكَام، وَمضى الْكَلَام فِيهِ فِي الطَّلَاق.
قَوْله: وَأَنا ابْن خمس عشرَة الْوَاو فِيهِ للْحَال، ويروى: ابْن خمس عشرَة سنة بِإِظْهَار الْمُمَيز. قَوْله: فَحفِظت ذَاك أَي: الْمَذْكُور بعده، وَهُوَ: إِن جَاءَت بِهِ أسود أعين ذَا إليتين فَلَا أرَاهُ إلاَّ قد صدق عَلَيْهَا، وَإِن جَاءَت بِهِ أَحْمَر قَصِيرا كَأَنَّهُ وحرة فَلَا أَرَاهَا إلاَّ قد صدقت وَكذب عَلَيْهَا. قَوْله: إِن جَاءَت بِهِ أَي: بِالْوَلَدِ كَذَا وَكَذَا فَهُوَ وَقع بِالْكِنَايَةِ وَهُوَ قَوْله: فَهُوَ وبالاكتفاء فِي الْمَوْضِعَيْنِ: وَبَيَانه مَا ذَكرْنَاهُ الْآن. قَوْله: وحرة بِفَتْح الْوَاو والحاء الْمُهْملَة وَالرَّاء وَهِي دويبة كسام أبرص، وَقيل: دويبة حَمْرَاء تلصق بِالْأَرْضِ، وَقَالَ الْقَزاز: هِيَ كالوزغة تقع فِي الطَّعَام فتفسده، فَيُقَال: وحر. قَوْله: وَسمعت الزُّهْرِيّ الْقَائِل بِهَذَا هُوَ سُفْيَان. قَوْله: جَاءَت بِهِ أَي: جَاءَت الْمَرْأَة بِالْوَلَدِ للَّذي يكره
6855 - ح دّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله، حدّثنا سُفْيان، حدّثنا أبُو الزِّنادِ، عنِ القاسِمِ بنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: ذَكَر ابنُ عَبَّاسٍ المُتَلاعِنَيْنِ فَقَالَ عَبْدُ الله بنُ شَدَّادٍ: هِيَ الَّتِي قَالَ رسولُ الله لَوْ كُنْتُ راجِماً امْرأةً عنْ غَيْرِ بَيْنَةٍ قَالَ: لَا تِلْكَ امْرأةٌ أعْلَنَتْ
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: عَن غير بَيِّنَة وَأَبُو الزِّنَاد بِكَسْر الزَّاي وَتَخْفِيف النُّون عبد الله بن ذكْوَان، وَالقَاسِم بن مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَعبد الله بن شَدَّاد بن الْهَاد اللَّيْثِيّ والْحَدِيث مضى فِي اللّعان.
قَوْله: عَن غير بَيِّنَة كَذَا فِي رِوَايَة الْكشميهني بِلَفْظَة عَن وَفِي رِوَايَة غَيره: من غير بَيِّنَة بِلَفْظَة من، بِالْمِيم. قَوْله: قَالَ لَا أَي: قَالَ ابْن عَبَّاس: لَا، تِلْكَ امْرَأَة أعلنت أَي: السوء والفجور.
6856 - ح دّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ، حدّثنا اللَّيْثُ، حدّثني يَحْياى بنُ سَعِيدٍ، عنْ عَبْدِ الرَّحْمانِ بنِ القاسِمِ، عنِ القاسِمِ بن مُحَمَّدٍ، عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهُمَا، قَالَ: ذُكِرَ التَلاَّعُنُ عِنْدَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ عاصِمُ بنُ عَدِيَ فِي ذالِكَ قَوْلاً، ثُمَّ انْصَرَفَ، فأتاهُ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ يَشْكُو أنَّهُ وَجَدَ مَعَ أهْلِهِ رَجُلاً، فَقَالَ عاصِمٌ: مَا ابْتُلِيتُ بهاذا إلاّ لِقَوْلِي، فَذَهَبَ بِهِ إِلَى النبيِّ فأخْبَرَهُ بالّذِي وَجَدَ عَلَيْهِ امْرأتَهُ، وَكَانَ ذالِكَ الرَّجُلُ مُصْفَرّاً قَلِيلَ اللَّحْمِ، سَبْطَ الشَّعَر، وَكَانَ الّذي ادَّعاى عَليْهِ أنَّهُ وجَدَهُ عِنْدَ أهْلِهِ آدَمَ خَدِلاً كَثِيرَ اللَّحْمِ، فَقَالَ النَّبيُّ اللَّهُمَّ بَيِّنْ فَوَضَعَتْ شَبِيهاً بالرَّجُل الّذِي ذَكَرَ زَوْجُها أنَّهُ وجَدَهُ عِنْدَها، فَلاَعَنَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَيْنَهُما، فَقَالَ رَجلٌ لاِبنِ عَبَّاس فِي المَجْلِسِ هِيَ الَّتِي قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَوْ رَجَمْتُ أحَداً بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ رَجَمْتُ هاذِهِ فَقَالَ: لَا، تِلْكَ امْرأةٌ كانَتْ تُظْهرُ فِي الإسْلامِ السُّوءَ(24/27)
هَذَا طَرِيق آخر مطول فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس، وَهُوَ أَيْضا مضى فِي اللّعان.
قَوْله: ذكر التلاعن بِضَم الذَّال على صِيغَة الْمَجْهُول والتلاعن مَرْفُوع. قَوْله: عَاصِم بن عدي بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَكسر الدَّال ابْن الْجد بن عجلَان الْعجْلَاني ثمَّ البلوي شهد بَدْرًا وَاحِدًا وَالْخَنْدَق والمشاهد كلهَا، وَقيل: لم يشْهد بَدْرًا، مَاتَ سنة خمس وَأَرْبَعين وَقد بلغ قَرِيبا من عشْرين وَمِائَة سنة. قَوْله: فَأَتَاهُ رجل أَي: فَأتى عَاصِم بن عدي رجل وَهُوَ عُوَيْمِر مصغر عَامر قَوْله: من قومه أَي: من قوم عَاصِم بن عدي، يَعْنِي: هُوَ الآخر عجلاني. قَوْله: مَعَ أَهله أَي: مَعَ امْرَأَته. قَوْله: مَا ابْتليت على صِيغَة الْمَجْهُول من الِابْتِلَاء. قَوْله: فَذهب بِهِ أَي: فَذهب عَاصِم بِالرجلِ الْمَذْكُور إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَوْله: مصفراً أَي: مصفر اللَّوْن. قَوْله: سبط الشّعْر بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة وسكونها وَهُوَ نقيض الْجَعْد. قَوْله: آدم من الأدمة وَهِي السمرَة الشَّدِيدَة، وَقيل: من أدمة الأَرْض وَهِي لَوْنهَا وَمِنْه سمى آدم، عَلَيْهِ السَّلَام. قَوْله: خدلاً بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون الدَّال الْمُهْملَة وَهُوَ الممتلىء السَّاق غليظاً، وَقَالَ ابْن فَارس: يُقَال: امْرَأَة خدلة أَي ممتلئة الْأَعْضَاء دقيقة الْعِظَام، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: الخدلاء الْبَيِّنَة الخدل وَهِي الممتلئة السَّاقَيْن والذراعين، وَقَالَ الْهَرَوِيّ: الخدل الممتلىء السَّاق، وَذكر الحَدِيث، ورويناه: خدلاً بِفَتْح الدَّال وَتَشْديد اللَّام وَقَالَ الْكرْمَانِي: ويروى بِكَسْر الْخَاء وَالتَّخْفِيف. قَوْله: فَقَالَ رجل لِابْنِ عَبَّاس الرجل هُوَ عبد الله بن شَدَّاد الْمَذْكُور فِي الحَدِيث السَّابِق. قَوْله: كَانَت تظهر فِي الْإِسْلَام السوء
قَالَ النَّوَوِيّ: أَي: أَنه اشْتهر عَنْهَا وشاع وَلَكِن لم تقم الْبَيِّنَة عَلَيْهَا بذلك وَلَا اعْترفت، فَدلَّ على أَن الْحَد لَا يجب بالاستفاضة. وَقَالَ الْمُهلب: فِيهِ: أَن الْحَد لَا يجب على أحد إلاَّ بِبَيِّنَة أَو إِقْرَار وَلَو كَانَ مُتَّهمًا بالفاحشة.
45 - (بابُ رَمْي المُحْصَناتِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم قذف الْمُحْصنَات أَي: العفيفات، وَلَا يخْتَص بالمتزوجات.
{إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُواْ فِى الدُّنْيَا وَالاَْخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}
ذكر هَاتين الْآيَتَيْنِ لِأَن الأولى تدل على بَيَان حكم حد الْقَذْف، وَالثَّانيَِة تدل على أَنه من الْكَبَائِر. قَوْله: اب ة أَي: العفائف الْحَرَائِر المسلمات، وناب فِيهَا ذكر رمي النِّسَاء عَن ذكر رمي الرِّجَال إِذْ حكم المحصنين فِي الْقَذْف كَحكم الْمُحْصنَات قِيَاسا واستدلالاً، وَأَن من قذف حرا عفيفاً مُؤمنا عَلَيْهِ الْحَد ثَمَانُون كمن قذف حرَّة مُؤمنَة، وَاخْتلف فِي حكم قذف الأرقاء على مَا سَيَأْتِي، إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وَاعْلَم أَن الْآيَة الأولى سَاقهَا أَبُو ذَر والنسفي كَذَا. الْآيَة وساقها غَيرهمَا إِلَى قَوْله: سَاق الْآيَة الثَّانِيَة أَبُو ذَر كَذَا. الْآيَة وسَاق غَيره إِلَى:
عَذَاب عَظِيم
47 - (حَدثنَا عبد الْعَزِيز بن عبد الله حَدثنَا سُلَيْمَان عَن ثَوْر بن زيد عَن أبي الْغَيْث عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ اجتنبوا السَّبع الموبقات قَالُوا يَا رَسُول الله وَمَا هن قَالَ الشّرك بِاللَّه وَالسحر وَقتل النَّفس الَّتِي حرم الله إِلَّا بِالْحَقِّ وَأكل الرِّبَا وَأكل مَال الْيَتِيم والتولي يَوْم الزَّحْف وَقذف الْمُحْصنَات الْمُؤْمِنَات الْغَافِلَات) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي آخر الحَدِيث وَعبد الْعَزِيز بن عبد الله بن يحيى الأويسي الْمَدِينِيّ من أَفْرَاد البُخَارِيّ وَسليمَان هُوَ ابْن بِلَال وثور بِفَتْح الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَسُكُون الْوَاو ابْن زيد الْمدنِي وَأَبُو الْغَيْث اسْمه سَلام مولى ابْن مُطِيع(24/28)
والْحَدِيث مضى فِي الْوَصَايَا وَفِي الطِّبّ وَمضى الْكَلَام فِيهِ قَوْله الموبقات أَي المهلكات وَقَالَ الْمُهلب سميت بذلك لِأَنَّهَا سَبَب لإهلاك مرتكبها -
46 - (بابُ قَذْفِ العَبِيدِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم قذف العبيد، وَالْإِضَافَة فِيهِ إِضَافَة إِلَى الْمَفْعُول، وطوي ذكر الْفَاعِل، وَقَالَ بَعضهم: وَيحْتَمل أَن تكون الْإِضَافَة للْفَاعِل وَالْحكم فِيهِ أَن على العَبْد إِذا قذف نصف مَا على الْحر ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى، وَهَذَا قَول الْجُمْهُور، وَعَن عمر بن عبد الْعَزِيز وَالزهْرِيّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَأهل الظَّاهِر: حَده ثَمَانُون. انْتهى. قلت: حَدِيث الْبَاب يدل على أَن الْإِضَافَة للْمَفْعُول على مَا لَا يخفى، وَإِن كَانَ فِيهِ احْتِمَال لما قَالَه، وَالْمرَاد بقوله: العبيد الأرقاء، وَقَالَ بَعضهم: عبر بالعبيد اتبَاعا للفظ الحَدِيث، وَحكم العَبْد وَالْأمة فِي الْقَذْف سَوَاء. قلت: لفظ الحَدِيث مَمْلُوكه وَلَيْسَ فِيهِ اتِّبَاع من حَيْثُ اللَّفْظ وَإِن كَانَ يُطلق على العَبْد مَمْلُوك.
48 - (حَدثنَا مُسَدّد حَدثنَا يحيى بن سعيد عَن فُضَيْل بن غَزوَان عَن ابْن أبي نعم عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ سَمِعت أَبَا الْقَاسِم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول من قذف مَمْلُوكه وَهُوَ بَرِيء مِمَّا قَالَ جلد يَوْم الْقِيَامَة إِلَّا أَن يكون كَمَا قَالَ) مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَن لفظ الْمَمْلُوك يُطلق على العَبْد وَيحيى بن سعيد الْقطَّان وفضيل مصغر فضل بالضاد الْمُعْجَمَة ابْن غَزوَان بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون الزَّاي وَابْن أبي نعم اسْمه عبد الرَّحْمَن البَجلِيّ الْكُوفِي وَأَبُو نعم بِضَم النُّون وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة لم أَقف على اسْمه والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْأَيْمَان وَالنُّذُور عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَغَيره وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْأَدَب عَن إِبْرَاهِيم بن مُوسَى الرَّازِيّ وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الْبر عَن أَحْمد بن مُحَمَّد وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الرَّجْم عَن سُوَيْد بن نصر قَوْله سَمِعت أَبَا الْقَاسِم فِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ حَدثنَا أَبُو الْقَاسِم نَبِي التَّوْبَة قَوْله من قذف مَمْلُوكه وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ من قذف عَبده بِشَيْء قَوْله وَهُوَ بَرِيء الْوَاو فِيهِ للْحَال قَوْله جلد يَوْم الْقِيَامَة فِيهِ إِشْعَار أَنه لَا حد عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَقَالَ الْمُهلب الْعلمَاء مجمعون على أَن الْحر إِذا قذف عبدا فَلَا حد عَلَيْهِ وحجتهم قَوْله جلد يَوْم الْقِيَامَة فَلَو وَجب عَلَيْهِ الْحَد فِي الدُّنْيَا لذكره كَمَا ذكره فِي الْآخِرَة وَقَالَ الشَّافِعِي وَمَالك من قذف من يحسبه عبدا فَإِذا هُوَ حر فَعَلَيهِ الْحَد وَقَالَ ابْن الْمُنْذر وَاخْتلفُوا فِيمَا يجب على قَاذف أم الْوَلَد فَقَالَ ابْن عمر عَلَيْهِ الْحَد وَبِه قَالَ مَالك وَهُوَ قِيَاس قَول الشَّافِعِي وَرُوِيَ عَن الْحسن أَنه لَا حد عَلَيْهِ -
47 - (بابٌ هَلْ يَأمُرُ الإمامُ رَجُلاً فَيَضْرِبُ الحَدَّ غائِباً عَنْهُ)
أَي: هَذَا بَاب فِيهِ هَل يَأْمر الإِمَام رجلا فَيضْرب الْحَد رجلا غَائِبا عَنهُ؟ حَاصِل معنى هَذِه التَّرْجَمَة أَن رجلا إِذا وَجب عَلَيْهِ الْحَد وَهُوَ غَائِب عَن الإِمَام هَل لَهُ أَن يَقُول لرجل: اذْهَبْ إِلَى فلَان الَّذِي هُوَ غَائِب فأقم عَلَيْهِ الْحَد؟ وَجَوَاب الِاسْتِفْهَام مَحْذُوف تَقْدِيره: لَهُ ذَلِك.
وقَدْ فَعَلَهُ عُمَر.
أَي: وَقد فعل هَذَا الَّذِي استفهم عَنهُ عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَهَذَا لم يثبت إلاَّ فِي رِوَايَة الْكشميهني، وروى هَذَا الْأَثر سعيد بن مَنْصُور بِسَنَد صَحِيح عَن عمر أَنه كتب إِلَى عَامله: إِن عَاد فحدوه، وَذكره فِي قصَّة طَوِيلَة.
6860 - ح دّثنا مُحَمَّدٌ بنُ يُوسُفَ، حدّثنا ابنُ عُييْنَة، عنِ الزُّهْرِيِّ، عنْ عُبَيْدِ الله بنِ عَبْدِ الله(24/29)
بنِ عُتْبَةَ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ وزَيْدِ بنِ خالِدٍ الجُهَنِّي قَالَا: جاءَ رَجُلٌ إِلَى النبيِّ فَقَالَ: أنْشُدُكَ الله إلاّ قَضَيْتَ بَيْنَنَا بِكِتابِ الله، فقامَ خَصْمُهُ وَكَانَ أفْقَهَ مِنْهُ فَقَالَ: صَدَقَ اقْضِ بَيْنَنَا بِكِتابِ الله، واذَنْ لِي يَا رسولَ الله. فَقَالَ النبيُّ قُلْ فَقَالَ: إنَّ ابْني كَانَ عَسِيفاً فِي أهْلِ هاذا فَزَنَى بِامْرأتِهِ، فافْتَدَيْتُ مِنْهُ بِمِائَةِ شاةٍ وخادِم، وإنِّي سَألتُ رِجالاً مِنْ أهْلِ العِلْمِ فأخبَرُونِي أنَّ عَلى ابْنِي جَلْدَ مِائَةٍ وتَغْرِيبَ عامٍ، وأنَّ عَلى امْرأةِ هاذا الرَّجْمَ. فَقَالَ: والّذي نَفْسِي بِيَدِهِ لأقْضِيَنَّ بَيْنَكُما بِكِتابِ الله، المِائَةُ والخادِمُ ردٌّ عَلَيْكَ، وعَلى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ وتغْرِيبُ عامٍ، وَيَا أُنَيْسُ اغْدُ عَلى امْرأةِ هاذا فَسَلْها، فإنِ اعْتَرَفَتْ فارْجُمْها فاعْتَرَفَتْ فَرَجَمَها.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: يَا أنيس اغْدُ على امْرَأَة هَذَا إِلَى آخِره.
والْحَدِيث قد مر غير مرّة، وَآخره مر عَن قريب فِي: بَاب إِذا رمى امْرَأَته أَو امْرَأَة غَيره بِالزِّنَا عِنْد الْحَاكِم، وَمر الْكَلَام فِيهِ غير مرّة.
قَوْله: أنْشدك الله أَي: مَا أطلب مِنْك إلاَّ قضاءك بِحكم الله. قَوْله: واذن لي هُوَ كَلَام الرجل لَا كَلَام خَصمه بِدَلِيل رِوَايَة كتاب الصُّلْح. قَوْله: عسيفاً أَي، أَجِيرا. قَوْله: يَا أنيس إِنَّمَا خصّه لِأَنَّهُ أسلمي وَالْمَرْأَة أسلمية. قَوْله: فَاعْترفت فِيهِ حذف تَقْدِيره: فَذهب أنيس إِلَيْهَا فَسَأَلَهَا: هَل زَنَيْت؟ فَاعْترفت، أَي: أقرَّت بالزنى فرجمها بإقرارها
(كِتابُ الدِّيَاتِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان أَحْكَام الدِّيات وَهُوَ جمع دِيَة أَصْلهَا: ودى من وديت الْقَتِيل أديه دِيَة إِذا أَعْطَيْت دِيَته، واتديت أَي: أخذت دِيَته، فحذفت الْوَاو مِنْهُ وَعوض عَنْهَا الْهَاء، وَإِذا أردْت الْأَمر مِنْهُ تَقول: د، بِكَسْر الدَّال أَصله: أودِ، فحذفت الْوَاو مِنْهُ تبعا لفعله فَصَارَ أدِ، وَاسْتغْنى عَن الْهمزَة فحذفت فَصَارَ، دِ، على وزن: عِ فَتَقول: دِ، دياً، دو، أُدي، دياً، دين وَيجوز إِدْخَال هَاء السكت فِي أَمر الْوَاحِد فَيُقَال: ده، كَمَا يُقَال: قه، قِ، الَّذِي هُوَ أَمر يقي وقِي الْمغرب الدِّيَة مصدر: ودي الْقَتِيل إِذا أعطي وليه دِيَته، وأصل التَّرْكِيب على معنى الجري وَالْخُرُوج، وَمِنْه الْوَادي لِأَن المَاء يَدي فِيهِ أَي: يجْرِي فِيهِ. فَإِن قلت: ترْجم غير البُخَارِيّ كتاب الْقصاص وَأدْخل تَحْتَهُ الدِّيات، وَالْبُخَارِيّ بِالْعَكْسِ؟ . قلت: تَرْجَمته أَعم من تَرْجَمَة غَيره لِأَن مَا يجب فِيهِ الْقصاص يجوز الْعَفو عَنهُ على مَال، فتشمله الدِّيَة.
وقَوْلِ الله تَعَالَى: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً}
وَقَول الله بِالْجَرِّ عطف على قَوْله: الدِّيات، هَذَا على وجود الْوَاو، أَي: فِي قَول الله، وعَلى قَول أبي ذَر والنسفي بِدُونِ الْوَاو، وَكَذَا قَول الله فَيكون حينئذٍ مَرْفُوعا على الِابْتِدَاء وَخَبره هُوَ قَوْله: {وَمن يقتل} فَإِن قلت: مَا وَجه تصدير هَذِه التَّرْجَمَة بِهَذِهِ الْآيَة؟ . قلت: لِأَن فِيهَا وعيداً شَدِيدا عِنْد الْقَتْل مُتَعَمدا بِغَيْر حق فَإِن من فعل هَذَا وصولح عَلَيْهِ بِمَال فتشمله الدِّيَة، وَإِذا احْتَرز الشَّخْص عَن ذَلِك فَلَا يحْتَاج إِلَى شَيْء، وَاخْتلف الْعلمَاء فِي تَأْوِيل هَذِه الْآيَة: هَل للْقَاتِل تَوْبَة فِي ذَلِك أم لَا؟ فَروِيَ عَن ابْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس وَزيد بن ثَابت وَابْن عمر أَنه: لَا تَوْبَة لَهُ، وَأَنَّهَا غير مَنْسُوخَة، وَأَنَّهَا نزلت بعد الْآيَة الَّتِي فِي الْفرْقَان الَّتِي فِيهَا تَوْبَة الْقَاتِل بِسِتَّة أشهر، وَنزلت آيَة الْفرْقَان فِي أهل الشّرك، وَنزلت آيَة النِّسَاء فِي الْمُؤمنِينَ، وروى سعيد بن الْمسيب أَن ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، سَأَلَهُ رجل: إِنِّي قتلت فَهَل لي من تَوْبَة؟ قَالَ: تزَود من المَاء الْبَارِد فَإنَّك لَا تدخل الْجنَّة أبدا، وَذكره ابْن أبي شيبَة أَيْضا عَن أبي هُرَيْرَة وَأبي سعيد الْخُدْرِيّ وَأبي الدَّرْدَاء، وَرُوِيَ عَن عَليّ وَابْن عَبَّاس وَابْن عمر: للْقَاتِل تَوْبَة من طرق لَا يحْتَج بهَا، وَاحْتج أهل السّنة بِأَن الْقَاتِل فِي مَشِيئَة الله بِحَدِيث عبَادَة بن الصَّامِت الَّذِي فِيهِ ذكر بيعَة الْعقبَة، وَفِيه: من أصَاب ذَنبا فَأمره إِلَى الله إِن شَاءَ غفر لَهُ(24/30)
وَإِن شَاءَ عذبه وَإِلَى هَذَا ذهب جمَاعَة من التَّابِعين وفقهاء الْأَمْصَار، وَقيل: الْآيَة فِي حق المستحل، وَقيل: المُرَاد بالخلود طول الْإِقَامَة.
6861 - ح دّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ، حدّثنا جَرِيرٌ عنِ الأعْمَشِ، عنْ أبي وائِلٍ، عنْ عَمْرِو بنِ شُرَحْبِيلَ قَالَ: قَالَ عَبْدُ الله: قَالَ رجُلٌ: يَا رسُولَ الله أيُّ الذَّنْبِ أكْبَرُ عِنْدَ الله؟ قَالَ: أنْ تَدْعُو لله نِدّاً وهْوَ خَلَقَك قَالَ: ثُمَّ أَي؟ قَالَ: ثُمَّ أنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ خَشْيَةَ أنْ يَطْعَمَ مَعَكَ قَالَ: ثُمَّ أيٌّ؟ قَالَ: ثُمَّ أنْ تُزَانِيَ بِحَلِيلَةِ جارِكَ فأنْزَلَ الله عزَّ وجَلَّ تَصْدِيقَها 0 الْفرْقَان: 68 ف الآيَةَ
مطابقته للتَّرْجَمَة لِلْآيَةِ الْمَذْكُورَة فِي قَوْله:
وَجَرِير هُوَ ابْن عبد الحميد، وَالْأَعْمَش هُوَ سُلَيْمَان، وَأَبُو وَائِل هُوَ شَقِيق بن سَلمَة، وَعَمْرو بِفَتْح الْعين ابْن شُرَحْبِيل بِضَم الشين الْمُعْجَمَة وَفتح الرَّاء وَسُكُون الْحَاء الْمُهْملَة وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف الْهَمدَانِي الْكُوفِي، وَعبد الله هُوَ ابْن مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
والْحَدِيث مضى فِي التَّفْسِير عَن عُثْمَان بن أبي شيبَة وَفِي الْأَدَب عَن مُحَمَّد بن كثير وَسَيَجِيءُ فِي التَّوْحِيد أَيْضا وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: ندا بِكَسْر النُّون وَتَشْديد الدَّال الْمُهْملَة، وَهُوَ النظير والمثل وَكَذَلِكَ النديد. قَوْله: وَهُوَ خلقك الْوَاو فِيهِ للْحَال. قَوْله: ثمَّ أَي؟ بِفَتْح الْهمزَة وَتَشْديد الْيَاء أَي: ثمَّ أَي ذَنْب بعد ذَلِك؟ قَوْله: خشيَة أَن يطعم أَي: لأجل خشيَة أَن يطعم مَعَك، قيل: الْقَتْل مُطلقًا أعظم فَمَا وَجه هَذَا التَّقْيِيد؟ . وَأجِيب: بِأَنَّهُ خرج مخرج الْغَالِب إِذْ كَانَت عَادَتهم ذَلِك، وَهَذَا الْمَفْهُوم لَا اعْتِبَار لَهُ، وَجَوَاب آخر وَهُوَ أَن فِيهِ شَيْئَيْنِ: الْقَتْل وَضعف الِاعْتِقَاد فِي أَن الله هُوَ الرَّزَّاق، وَهَذَا نَظِير قَوْله تَعَالَى: 8 9 0 الْإِسْرَاء: 31 ف وَقَوله تَعَالَى: 0 1 2 3 4 0 الْأَنْعَام: 140 ف قَوْله: بحليلة أَي: بِزَوْجَة جَارك وَهُوَ بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَفِيه الزِّنَى والخيانة مَعَ الْجَار الَّذِي أوصى الله بِحِفْظ حَقه. قَوْله: فَأنْزل الله تصديقها أَي: تَصْدِيق هَذِه الْأَشْيَاء الْمَذْكُورَة فِي سُورَة الْفرْقَان وَهُوَ قَوْله عز وَجل: 0 1 2 إِلَى آخر الْآيَة. قَوْله: الْآيَة أَي اقْرَأ تَمام الْآيَة آأقال مُجَاهِد: الأثام وادٍ فِي جَهَنَّم، وَقَالَ سِيبَوَيْهٍ والخليل: أَي يلق جَزَاء الأثام، وَقَالَ القتبي: الأثام الْعقُوبَة.
6862 - ح دّثنا عَلِيٌّ، حدّثنا إسْحَاقُ بنُ سَعِيدِ بنِ عَمْرو بنِ سَعِيدِ بنِ العاصِ، عنْ أبِيهِ عنِ ابنِ عُمَر، رَضِي الله عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَنْ يَزالَ المُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَماً حَراماً
هَذَا مُطَابق للْحَدِيث السَّابِق المطابق لِلْآيَةِ الْمَذْكُورَة.
وَعلي شيخ البُخَارِيّ ذكر هَكَذَا غير مَنْسُوب وَلم يذكرهُ أَبُو عَليّ الجياني فِي تَقْيِيده وَلَا نبه عَلَيْهِ الكلاباذي، وَقيل: إِنَّه عَليّ بن الْجَعْد. قلت: عَليّ بن الْجَعْد بن عبيد أَبُو الْحسن الْجَوْهَرِي الْهَاشِمِي مَوْلَاهُم الْبَغْدَادِيّ، قَالَ جَامع رجال الصَّحِيحَيْنِ روى عَنهُ البُخَارِيّ فِي كِتَابه اثْنَي عشر حَدِيثا وَذكر فِي تَرْجَمَة عَليّ بن أبي هَاشم أَنه سمع إِسْحَاق بن سعيد الْمَذْكُور. والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: لن يزَال كَذَا فِي رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: لَا يزَال قَوْله: فِي فسحة بِضَم الْفَاء وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة وحاء مُهْملَة أَي: فِي سَعَة منشرح الصَّدْر وَإِذا قتل نفسا بِغَيْر حق صَار منحصراً ضيقا لما أوعد الله عَلَيْهِ مَا لم يوعد على غَيره. قَوْله: من دينه كَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين بِكَسْر الدَّال الْمُهْملَة من الدّين. وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: من ذَنبه، بِفَتْح الذَّال الْمُعْجَمَة وَسُكُون النُّون وبالباء الْمُوَحدَة، فَمَعْنَى الأول: أَنه يضيق عَلَيْهِ دينه بِسَبَب الْوَعيد لقَاتل النَّفس عمدا بِغَيْر حق، وَمعنى الثَّانِي: أَنه يصير فِي ضيق بِسَبَب ذَنبه.(24/31)
6863 - ح دّثني أحْمَدُ بنُ يَعْقُوبَ، حدّثنا إسْحَاقُ سَمِعْتُ أبي يُحَدِّثُ عنْ عَبْدِ الله بن عُمَرَ قَالَ: إنَّ مِنْ وَرْطَاتِ الأُمُورِ الَّتِي لَا مَخْرَجَ لِمَنْ أوْقَعَ نَفْسَهُ فِيها سَفْكَ الدَّمِ الحَرامِ بِغَيْرِ حلِّهِ. 0 انْظُر الحَدِيث 6862 ف
هَذَا حَدِيث ابْن عمر أَيْضا لكنه مَوْقُوف عَلَيْهِ. قَوْله: حَدثنِي أَحْمد بن يَعْقُوب ويروى: حَدثنَا بنُون الْجمع أَحْمد بن يَعْقُوب المَسْعُودِيّ الْكُوفِي وَهُوَ من أَفْرَاده. قَوْله: حَدثنَا إِسْحَاق يرْوى: أخبرنَا إِسْحَاق وَهُوَ ابْن سعيد بن عَمْرو بن سعيد بن الْعَاصِ الْمَذْكُور فِي الحَدِيث السَّابِق.
قَوْله: من ورطات الْأُمُور هِيَ جمع ورطة بِفَتْح الْوَاو وَسُكُون الرَّاء وَهِي الْهَلَاك يُقَال: وَقع فلَان فِي ورطة أَي فِي شَيْء لَا ينجو مِنْهُ. قَوْله: الَّتِي لَا مخرج ... الخ تَفْسِير الورطات. قَوْله: بِغَيْر حلّه أَي: بِغَيْر حق من الْحُقُوق المحللة للسفك. قَالَ الْكرْمَانِي: الْوَصْف بالحرام يُغني عَن هَذَا الْقَيْد، ثمَّ أجَاب بقوله: الْحَرَام يُرَاد بِهِ مَا شَأْنه أَن يكون حرَام السفك، أَو هُوَ للتَّأْكِيد.
6864 - ح دّثنا عُبَيْدُ الله بنُ مُوساى، عنِ الأعْمَشِ، عنْ أبي وائِلٍ، عنْ عَبْدِ الله قَالَ: قَالَ النَّبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أوَّلُ مَا يُقْضاى بَيْنَ النَّاس فِي الدِّماءِ 0 انْظُر الحَدِيث 6533 ف
مطابقته لِلْآيَةِ الْمَذْكُورَة من حَيْثُ كَون الْوَعيد الشَّديد فِيهَا يكون أول مَا يقْضى يَوْم الْقِيَامَة بَين النَّاس فِي الدِّمَاء أَي: فِي الْقَضَاء بهَا لِأَنَّهَا أعظم الْمَظَالِم فِيمَا يرجع إِلَى الْعباد.
أخرجه عَن عبيد الله بن مُوسَى بن باذام أبي مُحَمَّد الْعَبْسِي الْكُوفِي عَن سُلَيْمَان الْأَعْمَش عَن أبي وَائِل شَقِيق بن سَلمَة عَن عبد الله بن مَسْعُود، وَفِي رِوَايَة مُسلم من طَرِيق آخر: أول مَا يقْضى يَوْم الْقِيَامَة بَين النَّاس، وَقَالَ بَعضهم: هَذَا السَّنَد يلْتَحق بالثلاثيات وَهِي أَعلَى مَا عِنْد البُخَارِيّ من حَيْثُ الْعدَد، وَهَذَا فِي حكمه من جِهَة أَن الْأَعْمَش تَابِعِيّ وَإِن كَانَ روى هَذَا عَن تَابِعِيّ آخر فَإِن ذَلِك التَّابِعِيّ أدْرك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِن لم يكن لَهُ صُحْبَة. انْتهى. قلت: إِذا لم يكن لَهُ صُحْبَة كَيفَ يكون الحَدِيث من الثلاثيات؟ فَالَّذِي لَيست لَهُ صُحْبَة هُوَ من آحَاد النَّاس سَوَاء كَانَ تابعياً أَو غَيره. فَإِن قلت: رُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة: أول مَا يُحَاسب بِهِ الْمَرْء صلَاته، أخرجه النَّسَائِيّ وَبَينهمَا تعَارض. قلت: لَا تعَارض لِأَن حَدِيث عبد الله فِيمَا بَينه وَبَين غَيره، وَحَدِيث أبي هُرَيْرَة فِي خَاصَّة نَفسه.
6865 - ح دّثنا عَبْدانُ، حدّثنا عَبْدُ الله، حدّثنا يُونُسُ عنِ الزُّهْرِيِّ، حدّثنا عَطاءُ بنُ يَزِيدَ أنَّ عُبَيْدَ الله بنَ عَدِيَ حَدَّثَهُ أنَّ المِقْدَادَ بنَ عَمْرٍ والكِنْدِيَّ حَلِيف بَنِي زُهْرَةَ حَدَّثَهُ وَكَانَ شَهِدَ بَدْراً مَعَ النبيِّ أنَّهُ قَالَ: يَا رسولَ الله إنْ لَ قِيتُ كافِراً فَاقْتَتَلْنا فَضَرَبَ يَدِي بالسَّيْفِ فَقَطَعَها، ثُمَّ لاذَ بِشَجَرَةٍ، وَقَالَ: أسْلَمْتُ لله أقْتُلُهُ بَعْدَ أنْ قالَها؟ قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تَقْتُلُهُ قَالَ: يَا رسولَ الله فإنَّهُ طَرَحَ إحْداى يَدَيَّ، ثُمَّ قَالَ ذالِكَ بَعْدَ مَا قَطَعَها، أقْتُلُهُ؟ . قَالَ: لَا تَقْتُلْهُ فإنْ قَتَلْتَهُ، فإنَّهُ بِمَنْزِلَتِكَ قَبْلَ أنْ تَقْتُلَهُ، وأنْتَ بِمَنْزِلَتِهِ قَبْلَ أنْ يَقُولَ كَلِمَتَهُ الَّتِي قَالَ
0 - انْظُر الحَدِيث 4019 ف
مطابقته لِلْآيَةِ الْمَذْكُورَة من حَيْثُ إِن فِيهِ نهيا عَظِيما عَن قتل النَّفس الَّتِي أسلمت لله.
وعبدان هُوَ لقب عبد الله بن عُثْمَان يروي عَن عبد الله بن الْمُبَارك عَن يُونُس بن يزِيد عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ عَن عَطاء بن يزِيد من الزِّيَادَة اللَّيْثِيّ عَن عبيد الله بن عدي بن الْخِيَار بِكَسْر الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف النَّوْفَلِي، لَهُ إِدْرَاك عَن الْمِقْدَاد بن عَمْرو، وَهُوَ الْمَعْرُوف بالمقداد بن الْأسود، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
والْحَدِيث مضى فِي الْمَغَازِي فِي غَزْوَة بدر عَن أبي عَاصِم عَن ابْن جريج وَعَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم. وَأخرجه مُسلم فِي الْإِيمَان عَن قُتَيْبَة وَغَيره. وَأخرجه أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ فِيهِ جَمِيعًا عَن قُتَيْبَة: فَأَبُو دَاوُد فِي الْجِهَاد، وَالنَّسَائِيّ فِي السّير.
قَوْله: إِن لقِيت كَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين بِكَلِمَة، إِن، الشّرطِيَّة وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: إِنِّي لقِيت، بِصِيغَة الْإِخْبَار عَن الْمَاضِي، وَظَاهر هَذَا يَقْتَضِي أَن سُؤال الْمِقْدَاد عَن الَّذِي وَقع لَهُ فِي نفس الْأَمر لِأَنَّهُ سَأَلَ عَن الحكم فِي ذَلِك إِذا وَقع، وَالَّذِي وَقع فِي غَزْوَة(24/32)
بدر بِلَفْظ: أَرَأَيْت إِن لقِيت رجلا من الْكفَّار ... الحَدِيث، وَهَذَا يُؤَيّد رِوَايَة الْأَكْثَرين. قَوْله: فَضرب بِالسَّيْفِ قَالَ الْكرْمَانِي: كَيفَ قطع يَده وَهُوَ مِمَّن يكتم إيمَانه؟ فَأجَاب بقوله: دفعا للصائل، أَو السُّؤَال كَانَ على سَبِيل الْفَرْض والتمثيل لَا سِيمَا وَفِي بعض الرِّوَايَات: إِن لقِيت، بِحرف الشَّرْط. قَوْله: ثمَّ لَاذَ بشجرة أَي: التجأ إِلَيْهَا، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: ثمَّ لَاذَ مني أَي منع نَفسه مني، وَقَالَ: أسلمت لله. أَي: دخلت فِي الْإِسْلَام. قَوْله: أَقتلهُ؟ أَي: أأقتله؟ وهمزة الِاسْتِفْهَام فِيهِ مقدرَة. قَوْله: بعد أَن قَالَهَا أَي: بعد أَن قَالَ كلمة الْإِسْلَام. قَوْله: فَإِن قتلته أَي: بعد أَن قَالَ: أسلمت لله. . الخ قَالَه الْكرْمَانِي. قَوْله: بمنزلتك أَي: الْكَافِر مُبَاح الدَّم قبل الْكَلِمَة، فَإِذا قَالَهَا صَار مَحْظُور الدَّم كَالْمُسلمِ، فَإِن قَتله الْمُسلم بعد ذَلِك صَار دَمه مُبَاحا بِحَق الْقصاص كالكافر بِحَق الدّين، فالتشبيه فِي إِبَاحَة الدَّم لَا فِي كَونه كَافِرًا. وَقيل: مَعْنَاهُ أَنْت بِقصد قَتله آثِما كَانَ هُوَ أَيْضا بِقصد قَتلك آثِما، فالتشبيه بالإثم انْتهى. قلت: قَوْله الأول كَلَام الْخطابِيّ نَقله عَنهُ وَحَاصِله اتِّحَاد المنزلتين مَعَ اخْتِلَاف المأخذ، فَالْأول: أَنه مثلك فِي صون الدَّم، وَالثَّانِي: أَنَّك مثله فِي الهدر. وَقَوله الثَّانِي كَلَام الْمُهلب، وَقَالَ الدَّاودِيّ: مَعْنَاهُ أَنَّك صرت قَاتلا كَمَا كَانَ هُوَ قَاتلا. قَالَ: وَهَذَا من المعاريض لِأَنَّهُ أَرَادَ الإغلاظ بِظَاهِر اللَّفْظ دون بَاطِنه، وَإِنَّمَا أَرَادَ أَن كلاًّ مِنْهُمَا قَاتل وَلم يرد أَنه صَار كَافِرًا بقتْله إِيَّاه. وَقيل: إِن قتلته مستحلاً لقَتله فِي الْكفْر فَأَنت مستحل مثله، وَالْحَاصِل من هَذَا كُله النَّهْي عَن قتل من يشْهد بِالْإِسْلَامِ. وَاحْتج بَعضهم بقوله: أسلمت لله، على صِحَة إِسْلَام من قَالَ ذَلِك وَلم يزدْ عَلَيْهِ، ورد ذَلِك بِأَنَّهُ كَانَ ذَلِك فِي الْكَفّ على أَنه ورد فِي بعض طرقه أَنه قَالَ: لَا إلاه إلاَّ الله، وَهِي رِوَايَة معمر عَن الزُّهْرِيّ عِنْد مُسلم فِي هَذَا الحَدِيث.
6866 - وَقَالَ حَبِيبُ بنُ أبي عَمْرَةَ: عنْ سَعِيدٍ، عنِ ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِلْمِقْدَادِ إِذا كَانَ رجُلٌ مُؤْمِنٌ يُخْفي إيمانَهُ مَعَ قَوْمٍ كُفَّارٍ فأظْهَرَ إيمانَهُ فَقَتلْتَهُ، فَكَذالِكَ كُنْتَ أنْتَ تُخْفي إيمانَكَ بِمَكَّةَ مِنْ قَبْلُ
مطابقته لحَدِيث الْمِقْدَاد من حَيْثُ إِن الْمَعْنى قريب. وحبِيب ضد الْعَدو ابْن أبي عمْرَة بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْمِيم وبالراء القصاب الْكُوفِي، وَسَعِيد هُوَ ابْن جُبَير.
وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله الْبَزَّار وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي الْأَفْرَاد وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير من رِوَايَة أبي بكر بن عَليّ بن عَطاء بن مقدم وَالِد مُحَمَّد بن أبي بكر الْمقدمِي عَن حبيب بن أبي ثَابت. وَفِي أَوله: بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَرِيَّة فِيهَا الْمِقْدَاد، فَلَمَّا أتوهم وجدوهم تفَرقُوا، وَفِيهِمْ رجل لَهُ مَال كثير لم يبرح فَقَالَ: أشهد، أَن لَا إلاه إِلَّا الله، فَأَهوى إِلَيْهِ الْمِقْدَاد فَقتله ... الحَدِيث. وَفِيه: فَذكرُوا ذَلِك لرَسُول الله فَقَالَ: يَا مقداد قتلت رجلا قَالَ: لَا إلاه إِلَّا الله؟ فَكيف لَك: بِلَا إلاه إلاَّ الله؟ فَأنْزل الله تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَواةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذالِكَ كُنتُمْ مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً} الْآيَة فَقَالَ النَّبِي لِلْمِقْدَادِ: كَانَ رجل مُؤمن يخفي إيمَانه الخ.
2 - (بابُ قَوْلِ الله تَعَالَى: {مِنْ أَجْلِ ذالِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِى إِسْرَاءِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى الاَْرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَآءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالّبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ بَعْدَ ذالِكَ فِى الاَْرْضِ لَمُسْرِفُونَ} قَالَ ابنُ عَبَّاس: منْ حَرَّ مَقَتْلَها إلاّ بِحَقِّ حَيِيَ النَّاسُ مِنْهُ جَمِيعاً)
أَي: هَذَا بَاب فِي قَول الله تَعَالَى: {مِنْ أَجْلِ ذالِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِى إِسْرَاءِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى الاَْرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَآءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالّبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ بَعْدَ ذالِكَ فِى الاَْرْضِ لَمُسْرِفُونَ} وَقع فِي رِوَايَة غير أبي ذَر: بَاب قَوْله تَعَالَى: وَزَاد الْمُسْتَمْلِي والأصيلي {مِنْ أَجْلِ ذالِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِى إِسْرَاءِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى الاَْرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَآءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالّبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ بَعْدَ ذالِكَ فِى الاَْرْضِ لَمُسْرِفُونَ} وَأول الْآيَة:) ( {مَنْ قَتَلَ نَفْسا بِغَيْرِ نَفْس أوْ فَسَاد فِي الأَرْض فَكَأنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَميعا وَمن أَحْيَاهَا} {مِنْ أَجْلِ ذالِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِى إِسْرَاءِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى الاَْرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَآءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالّبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ بَعْدَ ذالِكَ فِى الاَْرْضِ لَمُسْرِفُونَ} الْآيَة وَتَعْلِيق ابْن عَبَّاس أخرجه إِسْمَاعِيل بن أبي زِيَاد السَّامِي فِي تَفْسِيره عَنهُ، وَرَوَاهُ وَكِيع عَن سُفْيَان عَن خصيف عَن مُجَاهِد عَنهُ فَذكره.
6867 - ح دّثنا قَبِيصةُ، حدّثنا سُفْيانُ عنِ الأعْمَشِ، عنْ عَبْدِ الله بن مُرَّةً، عنْ مَسْرُوقٍ، عنْ(24/33)
عَبْدِ الله، رَضِي الله عَنهُ، عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا تُقْتَلُ نَفْسٌ إلاّ كَانَ عَلى ابْنِ آدَمَ الأوَّلِ كِفْلٌ مِنْها
مطابقته لصدر الْآيَة الَّتِي فِيهَا ظَاهِرَة، لِأَن المُرَاد من ذكر وَمن أَحْيَاهَا صدرها وَهُوَ قَوْله: {من قتل نفسا} الْآيَة.
وَقبيصَة بِفَتْح الْقَاف وَهُوَ ابْن عقبَة، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَقيل: الثَّوْريّ وَالْأول هُوَ الظَّاهِر، وَالْأَعْمَش سُلَيْمَان، وَعبد الله بن مرّة بِضَم الْمِيم وَتَشْديد الرَّاء الخارفي بخاء مُعْجمَة وَرَاء مَكْسُورَة وبالفاء الْكُوفِي.
وَفِيه ثَلَاثَة من التَّابِعين فِي نسق. وهم كوفيون وَعبد الله هُوَ ابْن مَسْعُود.
والْحَدِيث مضى فِي خلق آدم عَن عمر بن حَفْص عَن أَبِيه. وَأخرجه مُسلم فِي الْحُدُود عَن أبي بكر بن أبي شيبَة، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: لَا تقتل نفس زَاد حَفْص فِي رِوَايَته: ظلما. قَوْله: على ابْن آدم الأول هُوَ: قابيل. قتل هابيل. قَوْله: كفل بِكَسْر الْكَاف أَي: نصيب. قَالَ، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: من سنّ سنة سَيِّئَة فَعَلَيهِ وزرها ووزر من عمل بهَا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة.
6868 - ح دّثنا أبُو الوليدِ، حَدثنَا شُعْبَةُ قَالَ وافِدُ بنُ عَبْدِ الله: أَخْبرنِي عنْ أبِيهِ أنّهُ سَمِعَ عَبْدَ الله بن عُمَرَ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّاراً يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقابَ بَعْضٍ
مطابقته لِلْآيَةِ الْمَذْكُورَة تتأتى على قَول من فسر قَوْله: كفَّارًا بِحرْمَة الدِّمَاء فَإِن فِيهِ ثَمَانِيَة أَقْوَال مِنْهَا هَذَا، وَقد ذَكرْنَاهُ فِي أَوَائِل كتاب الْحُدُود فِي: بَاب ظهر الْمُؤمن حمى، وَمضى الحَدِيث فِيهِ أَيْضا.
وَأَبُو الْوَلِيد شيخ البُخَارِيّ اسْمه هِشَام بن عبد الْملك، وواقد بِكَسْر الْقَاف وبالدال الْمُهْملَة ابْن مُحَمَّد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الْخطاب، نسبه الرَّاوِي إِلَى جد أَبِيه، فَالْمُرَاد بقولنَا: أَبِيه، مُحَمَّد لَا عبد الله، وَهُوَ يروي عَن جده عبد الله فَقَوْل أبي ذَر فِي رِوَايَته: كَذَا وَقع هُنَا وَاقد بن عبد الله، وَالصَّوَاب: وَاقد بن مُحَمَّد. قلت: نعم، وَكَذَا وَقع وَاقد بن مُحَمَّد: سَمِعت أبي فِي: بَاب ظهر الْمُؤمن حمى، لَكِن وَجه هَذِه الرِّوَايَة مَا ذَكرْنَاهُ الْآن.
قَوْله: أَخْبرنِي عَن أَبِيه من بَاب تَقْدِيم اسْم الرَّاوِي على صِيغَة الْإِخْبَار عَنهُ: تَقْديرا لكَلَام: حَدثنَا شُعْبَة أَخْبرنِي وَاقد بن عبد الله عَن أَبِيه يَعْنِي: مُحَمَّد بن زيد بن عبد الله بن عمر يروي عَن أَبِيه عَن جده عبد الله كَمَا ذكرنَا، فَافْهَم فَإِن فِيهِ قلقاً.
6869 - ح دّثنا مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ، حدّثنا غُنْدَرٌ، حدّثنا شعْبَةُ عنْ عَلِيِّ بنِ مدْرِكٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ بنَ عَمْرِو بنِ جَرِيرٍ، عنْ جَرِيرٍ قَالَ: قَالَ النبيُّ فِي حَجَّةِ الوَداعِ: اسْتَنْصِتِ النَّاسَ لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّاراً يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقابَ بَعْضٍ
مطابقته لِلْآيَةِ الْمَذْكُورَة مثل مُطَابقَة الحَدِيث السَّابِق.
وَالْحَدِيثَانِ سَوَاء غير أَن الَّذِي سبق عَن عبد الله بن عمر، وَهَذَا عَن جرير بن عبد الله البَجلِيّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. أخرجه عَن مُحَمَّد بن بشار بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَشْديد الشين الْمُعْجَمَة عَن غنْدر بِضَم الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون النُّون وَهُوَ لقب مُحَمَّد بن جَعْفَر، وَقد مر غير مرّة. قَوْله: سَمِعت أَبَا زرْعَة هُوَ هرم بِفَتْح الْهَاء وَكسر الرَّاء ابْن عبد الله بن جرير بن عبد الله سمع جده جرير بن عبد الله. والْحَدِيث مضى فِي الْعلم عَن حجاج بن منهال، وَفِي المغاز عَن حَفْص بن عمر وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ويروى: قَالَ: قَالَ لي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فعلى هَذِه الرِّوَايَة قَوْله: استنصت النَّاس أَمر أَي: أسكتِ النَّاس ليسمعوا الْخطْبَة، وَالْخطاب لجرير، ويروى: استنصت النَّاس، بِصِيغَة الْمَاضِي جملَة حَالية، وَمعنى الْبَاقِي قد مر غير مرّة.
رواهُ أبُو بَكْرَةَ وابنُ عبَّاس عنِ النبيِّ
أَي: روى قَوْله: لَا ترجعوا بعدِي كفَّارًا ... الحَدِيث أَبُو بكرَة بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة نفيع بِضَم النُّون وَفتح الْفَاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالعين الْمُهْملَة ابْن الْحَارِث الثَّقَفِيّ صَاحب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وروى البُخَارِيّ حَدِيثه هَذَا مطولا فِي كتاب الْحَج.(24/34)
قَوْله: وَابْن عَبَّاس أَي: وَرَوَاهُ أَيْضا عبد الله بن عَبَّاس، وَقد مضى فِي الْحَج أَيْضا.
6870 - ح دّثني مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ، حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ، حدّثنا شُعْبَةُ، عنْ فِراسٍ، عنْ الشَّعْبِيِّ، عنْ عَبْدِ الله بنِ عَمْرٍ وعنِ النبيِّ قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الكَبائِرُ الإشْرَاكُ بِاللَّه، وعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ أوْ قَالَ: اليَمِينُ الغَمُوسُ شَكَّ شُعْبَةُ
وَقَالَ معاذٌ: حدّثنا شُعْبَةُ قَالَ: الكَبائِرُ: الإشْرَاكُ بِاللَّه واليَمِينُ الغَمُوسُ وعُقُوقُ الوالِدَيْنِ، أوْ قَالَ: وقَتْلُ النَّفْسِ.
انْظُر الحَدِيث 6675 وطرفه
لِلْآيَةِ الْمَذْكُورَة فِي قَوْله: وَقتل النَّفس وَمُحَمّد بن جَعْفَر هُوَ غنْدر، وَقد مضى الْآن، وَشَيْخه شُعْبَة يروي عَن فراس بِكَسْر الْفَاء وَتَخْفِيف الرَّاء وبالسين الْمُهْملَة ابْن يحيى الخارفي بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَالرَّاء وَالْفَاء عَن عَامر الشّعبِيّ عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ.
والْحَدِيث مضى فِي الْأَيْمَان وَالنُّذُور فِي: بَاب الْيَمين الْغمُوس، أخرجه عَن مُحَمَّد بن مقَاتل عَن النَّضر عَن شُعْبَة عَن فراس ... الخ.
قَوْله: أَو قَالَ: الْيَمين الْغمُوس شكّ من شُعْبَة. قَوْله: وَقَالَ معَاذ بِضَم الْمِيم ابْن معَاذ الْعَنْبَري، وَقَالَ الْكرْمَانِي: هَذَا إِمَّا تَعْلِيق من البُخَارِيّ وَإِمَّا مقول لِابْنِ بشار. انْتهى. وَقد وَصله الْإِسْمَاعِيلِيّ من رِوَايَة عبيد الله بن معَاذ عَن أَبِيه وَلَفظه: الْكَبَائِر: الْإِشْرَاك بِاللَّه وعقوق الْوَالِدين، أَو قَالَ: قتل النَّفس وَالْيَمِين والغموس، والغموس على وزن فعول بِمَعْنى فَاعل أَي: تغمس صَاحبهَا فِي الْإِثْم أَو النَّار وَهِي الكاذبة الَّتِي يتعمدها صَاحبهَا عَالما أَن الْأَمر بِخِلَافِهِ.
10 - (حَدثنَا إِسْحَاق بن مَنْصُور حَدثنَا عبد الصَّمد حَدثنَا شُعْبَة حَدثنَا عبيد الله بن أبي بكر سمع أنسا رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ الْكَبَائِر ح وَحدثنَا عَمْرو حَدثنَا شُعْبَة عَن ابْن أبي بكر عَن أنس بن مَالك عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ أكبر الْكَبَائِر الْإِشْرَاك بِاللَّه وَقتل النَّفس وعقوق الْوَالِدين وَقَول الزُّور أَو قَالَ وَشَهَادَة الزُّور) مطابقته لِلْآيَةِ الْمَذْكُورَة فِي قَوْله وَقتل النَّفس وَأخرجه من طَرِيقين أَحدهمَا عَن اسحق بن مَنْصُور بن بهْرَام الكوسج أبي يَعْقُوب الْمروزِي عَن عبد الصَّمد بن عبد الْوَارِث الْعَنْبَري الْبَصْرِيّ عَن شُعْبَة عَن عبيد الله بن أبي بكر ابْن أنس بن مَالك عَن جده أنس بن مَالك وَالْآخر عَن عَمْرو بن مَرْزُوق عَن شُعْبَة عَن عبيد الله الخ والْحَدِيث مضى فِي الشَّهَادَات عَن عبد الله بن نمير وَفِي الْأَدَب عَن مُحَمَّد بن الْوَلِيد وَالطَّرِيق الثَّانِي أخرجه مُسلم فِي الْإِيمَان عَن يحيى بن حبيب وَغَيره وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الْبيُوع وَفِي التَّفْسِير عَن مُحَمَّد بن عبد الْأَعْلَى وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْقَضَاء وَالتَّفْسِير وَالْقصاص عَن اسحق بن إِبْرَاهِيم وَغَيره وَهنا ذكر عَن شُعْبَة قتل النَّفس بِغَيْر شكّ وَتارَة ذكرهَا بِالشَّكِّ وَتارَة لم يذكرهَا أصلا قَوْله " أَو شَهَادَة الزُّور " شكّ من الرَّاوِي وَلَيْسَ الْعدَد فِيهِ محصورا قيل لِابْنِ عَبَّاس هِيَ سبع قَالَ هِيَ إِلَى السّبْعين أقرب وَعنهُ أَيْضا إِلَى السبعمائة أقرب وَقيل هِيَ إِحْدَى عشرَة وَقَالَت جمَاعَة من أهل السّنة كل الْمعاصِي سَوَاء لَا يُقَال صَغِيرَة أَو كَبِيرَة لِأَن الْمَعْنى وَاحِد وظواهر الْكتاب وَالسّنة ترد عَلَيْهِم وَقد قَالَ الله تَعَالَى {إِن تجتنبوا كَبَائِر مَا تنهون عَنهُ} الْآيَة
11 - (حَدثنَا عَمْرو بن زُرَارَة أخبرنَا هشيم أخبرنَا حُصَيْن حَدثنَا أَبُو ظبْيَان قَالَ سَمِعت أُسَامَة بن زيد بن حَارِثَة رَضِي الله عَنْهُمَا يحدث قَالَ بعثنَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَى الحرقة من جُهَيْنَة قَالَ فصبحنا الْقَوْم فهزمناهم قَالَ وَلَحِقت أَنا وَرجل من الْأَنْصَار رجلا مِنْهُم قَالَ فَلَمَّا غشيناه قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله قَالَ فَكف عَنهُ الْأنْصَارِيّ فطعنته برمحي حَتَّى قتلته قَالَ فَلَمَّا قدمنَا بلغ ذَلِك النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ فَقَالَ لي يَا أُسَامَة أقتلته بعد مَا قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله قَالَ قلت يَا رَسُول(24/35)
الله إِنَّمَا كَانَ مُتَعَوِّذًا قَالَ أقتلته بعد أَن قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله قَالَ فَمَا زَالَ يكررها عَليّ حَتَّى تمنيت أَنِّي لم أكن أسلمت قبل ذَلِك الْيَوْم) مطابقته لِلْآيَةِ الْمَذْكُورَة تُؤْخَذ من معنى قَوْله أقتلته بعد أَن قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله بالتكرر وَفِيه عظم قتل النَّفس المؤمنة وَعَمْرو ابْن زُرَارَة بِضَم الزَّاي وَتَخْفِيف الرَّاء الأولى ابْن وَاقد الْكلابِي النَّيْسَابُورِي وَهُوَ شيخ مُسلم أَيْضا قَالَ الْكرْمَانِي روى البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث بِهَذَا الْإِسْنَاد فِي الْمَغَازِي قبيل غَزْوَة الْفَتْح إِلَّا أَن ثمَّة عَمْرو بن مُحَمَّد بدل ابْن زُرَارَة قلت كِلَاهُمَا من شُيُوخ البُخَارِيّ قَوْله " أخبرنَا هشيم " هَكَذَا فِي رِوَايَة الْكشميهني وَفِي رِوَايَة غَيره وَحدثنَا هشيم بِضَم الْهَاء وَفتح الشين الْمُعْجَمَة ابْن بشير بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الشين الْمُعْجَمَة الوَاسِطِيّ قَوْله أخبرنَا حُصَيْن هَكَذَا فِي رِوَايَة أبي ذَر والأصيلي وَفِي رِوَايَة غَيرهمَا حَدثنَا حُصَيْن بِضَم الْحَاء وَفتح الصَّاد الْمُهْمَلَتَيْنِ ابْن عبد الرَّحْمَن الوَاسِطِيّ من صغَار التَّابِعين وَأَبُو ظبْيَان بِفَتْح الظَّاء الْمُعْجَمَة وَكسرهَا وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالنون واسْمه حُصَيْن أَيْضا ابْن جُنْدُب الْمذْحِجِي بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الذَّال الْمُعْجَمَة وَكسر الْحَاء الْمُهْملَة وبالجيم وَهُوَ من كبار التَّابِعين وَأُسَامَة بن زيد بن حَارِثَة بِالْحَاء الْمُهْملَة وبالثاء الْمُثَلَّثَة حب رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَابْن حبه وَابْن مَوْلَاهُ الْقُضَاعِي بِضَم الْقَاف وخفة الضَّاد الْمُعْجَمَة وبالعين الْمُهْملَة قَوْله " إِلَى الحرقة " بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح الرَّاء وبالقاف قَبيلَة من جُهَيْنَة وَقَالَ ابْن الْكَلْبِيّ سموا بذلك لِوَقْعَة كَانَت بَينهم وَبَين بني مرّة بن عَوْف بن سعد بن دِينَار فأحرقوهم بِالسِّهَامِ لِكَثْرَة من قتل مِنْهُم وَكَانَ هَذَا الْبَعْث فِي رَمَضَان سنة سبع أَو ثَمَان قَوْله " فصبحنا الْقَوْم " أَي أتيناهم صباحا قَوْله " فَلَمَّا غشيناه " بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَكسر الشين الْمُعْجَمَة أَي لحقنا بِهِ قَوْله " حَتَّى قتلته " قَالَ الْكرْمَانِي الْمَقْتُول هُوَ مرداس بِكَسْر الْمِيم ابْن نهيك بِفَتْح النُّون وَكسر الْهَاء وبالكاف قلت هَذَا قَول الْكَلْبِيّ وَقَالَ أَبُو عمر مرداس بن عَمْرو الفدكي قَوْله " مُتَعَوِّذًا " نصب على الْحَال قَالَ الْكرْمَانِي أَي لم يكن بذلك قَاصِدا للْإيمَان بل كَانَ غَرَضه التَّعَوُّذ من الْقَتْل وَفِي رِوَايَة الْأَعْمَش قَالَهَا خوفًا من السِّلَاح وَفِي رِوَايَة ابْن أبي عَاصِم من وَجه آخر عَن أُسَامَة إِنَّمَا فعل ذَلِك ليحرز دَمه وَقَالَ الْكرْمَانِي كَيفَ جَازَ تمني عدم سبق الْإِسْلَام ثمَّ أجَاب بقوله تمنى إسلاما لَا ذَنْب فِيهِ أَو ابْتِدَاء الْإِسْلَام ليجب مَا قبله وَقَالَ الْخطابِيّ وَيُشبه أَن أُسَامَة قد أول قَوْله تَعَالَى {فَلم يَك يَنْفَعهُمْ إِيمَانهم لما رَأَوْا بأسنا} وَهُوَ معنى مقَالَته كَانَ مُتَعَوِّذًا وَلذَلِك لم تلْزمهُ دِيَته وَفِي التَّوْضِيح قتل أُسَامَة هَذَا الرجل لظَنّه كَافِر أَو جعل مَا سمع مِنْهُ من الشَّهَادَة تعوذا من الْقَتْل وَأَقل أَحْوَال أُسَامَة فِي ذَلِك أَن يكون قد أَخطَأ فِي فعله لِأَنَّهُ إِنَّمَا قصد إِلَى قتل كَافِر عِنْده وَلم يكن عرف بِحكمِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِيمَن أظهر الشَّهَادَة وَقَالَ ابْن بطال كَانَت هَذِه الْقِصَّة سَبَب تخلف أُسَامَة أَن لَا يُقَاتل مُسلما بعد ذَلِك وَمن ثمَّة تخلف عَن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فِي الْجمل وصفين قَوْله فَمَا زَالَ يكررها أَي يُكَرر مقَالَته أقتلته بعد أَن قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله كَذَا فِي رِوَايَة الْكشميهني وَفِي رِوَايَة غَيره بَعْدَمَا قَالَ وَفِيه تَعْظِيم أَمر الْقَتْل بَعْدَمَا يَقُول الشَّخْص لَا إِلَه إِلَّا الله قَوْله حَتَّى تمنيت الخ حَاصِل الْمَعْنى أَنِّي تمنيت أَن يكون إسلامي الَّذِي كَانَ قبل ذَلِك الْيَوْم بِلَا ذَنْب لِأَن الْإِسْلَام يجب مَا قبله فتمنيت أَن يكون ذَلِك الْوَقْت أول دخولي فِي الْإِسْلَام لآمن من جريرة تِلْكَ الفعلة وَلم يرد أَنه تمنى أَن لَا يكون مُسلما قبل ذَلِك وَقد مر مَا قَالَه الْكرْمَانِي فِيهِ -
6873 - ح دّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ، حدّثنا اللّيْثُ، حدّثنا يَزِيدُ، عنْ أبي الخَيْرِ، عنِ الصُّنابحِيِّ، عنْ عُبادَةَ بنِ الصَّامِتِ، رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: إنِّي مِنَ النُّقَباءِ الَّذِين بايَعُوا رسولَ الله بايَعْنَاهُ عَلى أنْ لَا نُشْرِكَ بِاللَّه شَيْئاً، وَلَا تَسْرِقَ، وَلَا نَزْنيَ، وَلَا نَقْتُلَ النّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ الله، وَلَا نَنْتَهِبَ وَلَا نَعْصِيَ بالجَنّة، إنْ فَعَلْنا ذَلِكَ، فإنْ غَشِينا مِنْ ذَلِكَ شَيْئاً كانَ قضاءُ ذَلِكَ إِلَى الله.(24/36)
مطابقته لِلْآيَةِ الْمَذْكُورَة فِي قَوْله: وَلَا تقتل النَّفس الَّتِي حرم الله
وَيزِيد من الزِّيَادَة هُوَ ابْن أبي حبيب، وَأَبُو الْخَيْر هُوَ مرْثَد بن عبد الله، والصنابحي بِضَم الصَّاد الْمُهْملَة وَتَخْفِيف النُّون وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة نِسْبَة إِلَى صنابح بن زَاهِر بن عَامر بطن من مُرَاد واسْمه عبد الرحمان بن عسيلة مصغر العسلة بالمهملتين ابْن عسل بن عَسَّال.
والْحَدِيث مضى فِي المناقب فِي: بَاب وُفُود الْأَنْصَار، أخرجه عَن قُتَيْبَة عَن اللَّيْث عَن يزِيد بن أبي حبيب عَن أبي الْخَيْر ... الخ، وَمضى فِي كتاب الْإِيمَان فِي بَاب مُجَرّد أخرجه عَن أبي الْيَمَان.
قَوْله: بَايعُوا رَسُول الله يَعْنِي: لَيْلَة الْعقبَة. قَوْله: وَلَا ننتهب ويروى: وَلَا ننهب فَالْأول من الانتهاب وَالثَّانِي من النهب. قَوْله: وَلَا نعصي أَي: فِي الْمَعْرُوف بِالْعينِ الْمُهْملَة وَذكر ابْن التِّين أَنه رُوِيَ بِالْقَافِ على مَا يَأْتِي، وَذكره ابْن قرقول بِالْعينِ وَالصَّاد الْمُهْمَلَتَيْنِ، وَقَالَ: كَذَا لأبي ذَر والنسفي وَابْن السكن والأصيلي، وَعند الْقَابِسِيّ: وَلَا نقضي، أَي: وَلَا نحكم بِالْجنَّةِ من قبلنَا، وَقَالَ القَاضِي: الصَّوَاب الْعين. كَمَا فِي آيَة 6 7 8 9 0 الممتحنة: 12 ف قَوْله: بِالْجنَّةِ على رِوَايَة الْعين وَالصَّاد الْمُهْمَلَتَيْنِ يتَعَلَّق بقوله: بَايَعْنَاهُ أَي: بَايَعْنَاهُ بِالْجنَّةِ، وعَلى رِوَايَة الْقَابِسِيّ يتَعَلَّق بقوله: وَلَا نقضي قَوْله: ذَلِك إِشَارَة أَولا إِلَى التروك وَثَانِيا إِلَى الْأَفْعَال. قَوْله: فَإِن غشينا بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَكسر الشين الْمُعْجَمَة أَي: إِن أصبْنَا شَيْئا من ذَلِك، وَهُوَ الْإِشَارَة إِلَى الْأَفْعَال. قَوْله: كَانَ قَضَاء ذَلِك أَي: حكمه. إِلَى الله إِن شَاءَ عاقب وَإِن شَاءَ عَفا عَنهُ.
وَفِيه: دَلِيل لأهل السّنة على أَن الْمعاصِي لَا يكفر بهَا.
6874 - ح دّثنا مُوسَى بنُ إسْماعِيلَ، حدّثنا جُوَيْرِيَةُ، عنْ نافِعٍ، عنْ عَبْدِ الله بنِ عُمَر، رَضِي الله عَنْهُمَا عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَنْ حَمَلَ عَلَيْنا السِّلاَحَ فَلَيْسَ مِنا
مطابقته لِلْآيَةِ تُؤْخَذ من معنى الحَدِيث لِأَن المُرَاد من حمل السِّلَاح عَلَيْهِم قِتَالهمْ. قَالَ الْكرْمَانِي: أَي: قاتلنا من جِهَة الدّين أَو من استباح ذَلِك، وَجُوَيْرِية مصغر جَارِيَة ابْن أَسمَاء. والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: فَلَيْسَ منا أَي: فَلَيْسَ على طريقنا.
رَواهُ أَبُو مُوسَى عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أَي: روى الحَدِيث الْمَذْكُور أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ واسْمه عبد الله بن قيس، وَسَيَأْتِي مَوْصُولا فِي كتاب الْفِتَن فِي: بَاب قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من حمل علينا السِّلَاح
6875 - ح دّثنا عَبْدُ الرَّحْمانِ بنُ المُبَارَكِ، حَدثنَا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، حدّثنا أيُّوبُ ويُونُسُ عنِ الحَسَنِ، عنِ الأحْنَفِ بنِ قَيْسٍ قَالَ: ذَهَبْتُ لأنْصُرَ هَذَا الرَّجُلَ فَلَقِينِي أبُو بَكْرَة. فَقَالَ: أيْنَ تُرِيدُ؟ قُلْتُ: أنْصُرُ هاذا الرَّجُلَ، قَالَ: ارْجِعْ فإنِّي سَمِعْتُ رسولَ الله يَقُولُ إذَا الْتَقَى المُسْلِمَانِ بِسَيْفهما فالقاتلُ والمَقْتُولُ فِي النّارِ قُلْتُ يَا رَسُول الله هاذَا القاتِلُ فَما بالُ المَقْتُولِ؟ قَالَ: إنَّهُ كانَ حَريصاً عَلى قَتْلِ صاحِبهِ
مطابقته لِلْآيَةِ الْمَذْكُورَة ظَاهِرَة.
وَعبد الرحمان بن الْمُبَارك بن عبد الله، وَأَيوب هُوَ السّخْتِيَانِيّ، وَيُونُس هُوَ ابْن عبيد الْبَصْرِيّ، وَالْحسن هُوَ الْبَصْرِيّ، والأحنف بن قيس السَّعْدِيّ الْبَصْرِيّ واسْمه الضَّحَّاك، والأحنف لقبه عرف بِهِ يكنى أَبَا بَحر أدْرك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يره، قَالَه أَبُو عَمْرو، قَالَ: أسلم على عهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قلت: فَلذَلِك دَعَا لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَاتَ سنة سبع وَسِتِّينَ بِالْكُوفَةِ، وَأَبُو بكرَة نفيع بن الْحَارِث.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْإِيمَان فِي: بَاب الْمعاصِي من أَمر الْجَاهِلِيَّة، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: لأنصر هَذَا الرجل أَرَادَ بِهِ عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله عَنهُ، وَكَانَ الْأَحْنَف تخلف عَنهُ فِي وقْعَة الْجمل. قَوْله: ارْجع أَمر من الرُّجُوع. قَوْله: بسيفهما بإفراد السَّيْف رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره بالتثنية. قَوْله: فالقاتل بِالْفَاءِ لِأَنَّهُ جَوَاب: إِذا، وَقَالَ الْكرْمَانِي: ويروى بِدُونِ الْفَاء، وَهُوَ دَلِيل على جَوَاز حذف الْفَاء من جَوَاب الشَّرْط نَحْو:
من يفعل الْحَسَنَات الله يشكرها
وَقَالَ: يحْتَمل أَن يُقَال: إِذا، ظرفية وَفِيه تَأمل. وَقَالَ الْخطابِيّ: هَذَا الْوَعيد إِذا لم يَكُونَا يتقاتلان على(24/37)
تَأْوِيل، وَإِنَّمَا يتقاتلان على عَدَاوَة أَو طلب دنيا وَنَحْوه، وَأما من قَاتل أهل الْبَغي أَو دفع الصَّائِل فَقتل فَإِنَّهُ لَا يدْخل فِي هَذَا الْوَعيد لِأَنَّهُ مَأْمُور بِالْقِتَالِ للذب عَن نَفسه غير قَاصد بِهِ قتل صَاحبه.
3 - (بابُ قَوْلِ الله تَعَالَى {ياأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالاُْنثَى بِالاُْنْثَى فَمَنْ عُفِىَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَىْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَآءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذاَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذاَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} الْبَقَرَة: 178)
أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر قَول الله عز وَجل: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا} إِلَى آخِره وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا كتب عَلَيْكُم الْقصاص فِي الْقَتْلَى} الْآيَة وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ وَابْن عَسَاكِر (الْحر بِالْحرِّ) إِلَى قَوْله: عَذَاب أَلِيم وسَاق فِي رِوَايَة كَرِيمَة الْآيَة كلهَا وَلم يذكر فِي هَذَا الْبَاب حَدِيثا، وَذكر بعده أبواباً تشْتَمل على مَا فِي الْآيَة الْمَذْكُورَة: من الْأَحْكَام، وَسَيَأْتِي بَيَان سَبَب نزُول هَذِه الْآيَة. فَقَالَ: حَدثنَا قُتَيْبَة بن سعيد حَدثنَا سُفْيَان عَن عَمْرو عَن مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ فِي بني إِسْرَائِيل قصاص وَلم تكن فيهم الدِّيَة، فَقَالَ الله لهَذِهِ الْأمة: كتب عَلَيْكُم الْقصاص إِلَى آخر الحَدِيث. قَوْله: ج ح خَ أَي: من ترك لَهُ من أَخِيه شَيْء يَعْنِي بعد اسْتِحْقَاق الدَّم فاتباع أَي: فَذَلِك الْعَفو اتِّبَاع بِالْمَعْرُوفِ، أَي: قتل الطَّالِب اتِّبَاع بِالْمَعْرُوفِ إِذا قبل الدِّيَة. ش ص ض يَعْنِي من الْقَاتِل يَعْنِي: من غير ضَرَر. قَوْله:؟ أَي: أَخذ الدِّيَة فِي الْعمد تَخْفيف من الله عَلَيْكُم وَرَحْمَة. قَوْله: ف أَي: فَمن قتل بعد أَخذ الدِّيَة ف ق أَي: موجع شَدِيد.
4 - (بابُ سؤالِ القاتِلِ حتَّى يُقِرَّ والإقْرَارِ فِي الحُدُودِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان سُؤال الإِمَام الْقَاتِل يَعْنِي: من اتهمَ بِالْقَتْلِ وَلم تقم عَلَيْهِ الْبَيِّنَة، ويسأله حَتَّى يقر فيقيم عَلَيْهِ الْحَد، هَذِه التَّرْجَمَة هَكَذَا وَقعت فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين وَلم يَقع فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ وكريمة لفظ: بَاب، وَإِنَّمَا وَقع بعد قَوْله: ف ق وَإِذا لم يزل يسْأَل الْقَاتِل حَتَّى أقرّ، وَالْإِقْرَار فِي الْحُدُود.
6876 - ح دّثنا حَجَّاجُ بنُ مِنْهالٍ، حدّثنا هَمَّامٌ، عنْ قَتادَةَ، عنْ أنَس بنِ مالِكٍ، رَضِي الله عَنهُ، أنَّ يَهُودِيّاً رضَّ رأْسَ جاريةٍ بَيْنَ حَجَرَيْنِ، فَقِيلَ لَهَا: مَنْ فَعَلَ بِكِ هَذَا فُلانٌ أَو فُلانٌ؟ حتَّى سُمِّيَ اليَهُودِيُّ، فأُتِي بهِ النَّبيُّ فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى أقَرَّ، فَرُضَّ رأْسُهُ بالْحِجارَةِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: فَلم يزل بِهِ حَتَّى أقرّ وَهَمَّام هُوَ ابْن يحيى.
والْحَدِيث مضى فِي الْأَشْخَاص عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل وَفِي الْوَصَايَا عَن حسان بن أبي عباد، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: رض بالضاد الْمُعْجَمَة الْمُشَدّدَة من رض يرض رضَا إِذا رضخ ودق وَفِيه الْقصاص بِالْمثلِ. قَوْله: رَأس جَارِيَة قَالَ بَعضهم: يحْتَمل أَن تكون أمة، وَيحْتَمل أَن تكون حرَّة، لَكِن دون الْبلُوغ. قلت: تقدم فِي الطَّلَاق بِلَفْظ: عدا يَهُودِيّ على جَارِيَة، فَأخذ أَوْضَاحًا كَانَت عَلَيْهَا ورضخ رَأسهَا، وَفِيه: فَأتى أَهلهَا رسولَ الله وَهِي فِي آخر رَمق ... الحَدِيث، وَهَذَا يدل على أَنَّهَا كَانَت حرَّة، وَقَالَ هَذَا الْقَائِل الْمَذْكُور: وَهَذَا لَا يعين كَونهَا حرَّة لاحْتِمَال أَن يُرَاد بِأَهْلِهَا مواليها رقيقَة كَانَت أَو عتيقة. قلت: هَذَا عدُول عَن الظَّاهِر، فَإِن الموَالِي لَا يُطلق عَلَيْهِم: أهل، بِالْحَقِيقَةِ وَالِاحْتِمَال الناشىء عَن غير دَلِيل لَا يثبت الحكم. والأوضاح جمع وضح وَهِي الْحلِيّ من فضَّة، قَالَه أَبُو عُبَيْدَة وَغَيره، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: الأوضاح حلي من الدَّرَاهِم الصِّحَاح. قَوْله: فلَان أَو فلَان؟ هَذَا هَكَذَا فِي رِوَايَة أبي ذَر والأصيلي وَابْن عَسَاكِر، وَلأبي ذَر عَن الْكشميهني: أفلان أم فلَان؟ وَفِي رِوَايَة غَيره: أفلان وَفُلَان؟ بِهَمْزَة الِاسْتِفْهَام على سَبِيل الاستخبار، وَتقدم فِي الْأَشْخَاص من وَجه آخر عَن همام: أفلان أفلان؟ بالتكرار بِغَيْر وَاو الْعَطف. قَوْله: حَتَّى سمي الْيَهُودِيّ بِضَم السِّين على بِنَاء الْمَجْهُول. قَوْله: فَأتي بِهِ أَي: باليهودي. قَوْله: حَتَّى أقرّ أَي الْيَهُودِيّ، أَي: حَتَّى أقرّ أَنه فعل بهَا مَا ذكر، وَفِي رِوَايَة الْوَصَايَا: حَتَّى اعْترف. قَالَ أَبُو مَسْعُود: لَا أعلم أحدا(24/38)
قَالَ فِي هَذَا الحَدِيث: حَتَّى اعْترف وَلَا حَتَّى أقرّ إلاَّ همام بن يحيى. وَقَالَ غَيره: هَذِه اللَّفْظَة إِنَّمَا جَاءَت من رِوَايَة قَتَادَة وَلم ينقلها غَيره، وَهِي مِمَّا عد عَلَيْهِ. قلت: ثبتَتْ هَذِه اللَّفْظَة فِي الصَّحِيحَيْنِ فَيرد بِهِ مَا قيل مِمَّا ذكرنَا، وَيرد بِهِ أَيْضا سُؤال من قَالَ: كَيفَ قتل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْيَهُودِيّ بِلَا بَيِّنَة وَلَا اعْتِرَاف؟ وَأجِيب: عَن هَذَا أَيْضا: بِأَن هَذَا كَانَ فِي ابْتِدَاء الْإِسْلَام، وَكَانَ يقتل الْقَاتِل بقول الْقَتِيل، وَقيل: يُمكن أَنه قَتله لَا بِبَيِّنَة وَلَا اعْتِرَاف بل بِسَبَب آخر مُوجب لقَتله، وَقيل: كَانَ علمه بِالْوَحْي فَلذَلِك قَتله.
وَاخْتلف الْعلمَاء فِي صفة الْقود. فَقَالَ مَالك: إِنَّه يقتل بِمثل مَا قتل بِهِ، فَإِن قَتله بعصا أَو بِحجر أَو بالخنق أَو بالتغريق قتل بِمثلِهِ، وَبِه قَالَ الشَّافِعِي وَأحمد وَأَبُو ثَوْر وَإِسْحَاق وَابْن الْمُنْذر، وَقَالَ الشَّافِعِي: إِن طَرحه فِي النَّار عمدا حَتَّى مَاتَ طرح فِي النَّار حَتَّى يَمُوت، وَقَالَ إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وعامر الشّعبِيّ وَالْحسن الْبَصْرِيّ وسُفْيَان الثَّوْريّ وَأَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه: لَا يقتل الْقَاتِل فِي جَمِيع الصُّور إِلَّا بِالسَّيْفِ. وَاحْتَجُّوا بِمَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ: حَدثنَا ابْن مَرْزُوق حَدثنَا أَبُو عَاصِم قَالَ: حَدثنَا سُفْيَان الثَّوْريّ عَن جَابر عَن أبي عَازِب عَن النُّعْمَان قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا قَود إلاَّ بِالسَّيْفِ، وَأَبُو عَاصِم الضَّحَّاك بن مخلد شيخ البُخَارِيّ وَجَابِر الْجعْفِيّ، وَأَبُو عَازِب مُسلم بن عَمْرو أَو مُسلم بن أَرَاك، والنعمان بن بشير. وَأخرجه أَبُو دَاوُد وَالطَّيَالِسِي وَلَفظه: لَا قَود إِلَّا بحديدة، وَأَجَابُوا عَن حَدِيث الْبَاب بِأَنَّهُ نسخ بنسخ الْمثلَة كَمَا فعل رَسُول الله بالعرنيين. فَإِن قلت: قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا الحَدِيث لم يثبت لَهُ إِسْنَاد، وَجَابِر مطعون فِيهِ. قلت: وَإِن طعن فِيهِ فقد قَالَ وَكِيع: مهما شَكَكْتُمْ فِي شَيْء فَلَا تَشكوا فِي أَن جَابِرا ثِقَة. وَقَالَ شُعْبَة: صَدُوق فِي الحَدِيث. وَأخرج لَهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه وَقد رُوِيَ مثله عَن أبي بكرَة، رَوَاهُ ابْن مَاجَه بِإِسْنَادِهِ الْجيد عَن أبي هُرَيْرَة، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث الزُّهْرِيّ عَن أبي سَلمَة عَنهُ نَحوه، وَعَن عبد الله بن مَسْعُود. وَأخرجه الْبَيْهَقِيّ أَيْضا من حَدِيث إِبْرَاهِيم عَن عَلْقَمَة عَنهُ، وَلَفظه: لَا قَود إِلَّا بِالسِّلَاحِ، وَعَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، رَوَاهُ مُعلى بن هِلَال عَن أبي إِسْحَاق عَن عَاصِم بن ضَمرَة عَنهُ، وَلَفظه: لَا قَود إلاَّ بحديدة، وَعَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث أبي عَازِب عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ عَن النَّبِي قَالَ: الْقود بِالسَّيْفِ وَالْخَطَأ على الْعَاقِلَة.
وَهَؤُلَاء ستتة أنفس من الصَّحَابَة رووا عَن النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسلم: أَن الْقود لَا يكون إلاَّ بِالسَّيْفِ، ويشد بعضه بَعْضًا. وَأَقل أَحْوَاله أَن يكون حسنا، فصح الِاحْتِجَاج بِهِ.
5 - (بابٌ إذَا قَتَلَ بِحَجَرٍ أوْ بِعَصاً)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ إِذا قتل شخص شخصا بِحجر أَو قَتله بعصاً. وَجَوَاب: إِذا، مَحْذُوف تَقْدِيره: يقتل بِمَا قتل بِهِ، وَإِنَّمَا قَدرنَا هَكَذَا، وَإِن كَانَ يحْتَمل أَن يُقَال: لَا يقتل إلاَّ بِالسَّيْفِ مُوَافقَة لحَدِيث الْبَاب، وَلم يذكرهُ على عَادَته اكْتِفَاء بِحَدِيث الْبَاب. وَقَالَ بَعضهم: كَذَا أطلق وَلم يثبت الحكم إِشَارَة إِلَى الِاخْتِلَاف فِي ذَلِك، وَلَكِن إِيرَاده الحَدِيث يُشِير إِلَى تَرْجِيح قَول الْجُمْهُور. انْتهى. قلت: الْوَجْه فِي تَركه الْجَواب مَا ذَكرْنَاهُ، وَأي شَيْء من التَّرْجَمَة يدل على الِاخْتِلَاف فِيهِ، وَلَا وَجه أَيْضا لقَوْله: إِيرَاده الحَدِيث يُشِير إِلَى تَرْجِيح قَول الْجُمْهُور.
6877 - حدّثنا مُحَمَّدٌ، أخبرنَا عبدُ الله بن إدْرِيسَ، عنْ شُعْبَةَ، عنْ هِشام بنِ زَيْدِ بنِ أنَسٍ عنْ جَدِّهِ أنَس بنِ مالِكٍ قَالَ: خَرَجَتْ جارِيَةٌ عَليْها أوْضاحٌ بالمَدِينَة، قَالَ: فَرَماها يهُودِيٌّ بِحَجرٍ. قَالَ: فَجِيءَ بِها إِلَى النَّبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبهَا رمَقٌ، فَقَالَ لَهَا رسولُ الله فُلاَنٌ قتلَكِ فَرَفَعَتْ رأْسَها، فأعادَ عليْها، قَالَ: فُلاَنٌ قَتَلَكِ فَرَفَعتْ رأْسَها، فَقَالَ لَهَا فِي الثّالِثَةِ: فُلاَنٌ قتلَكِ فَخَفَضَتْ رأْسَها، فَدَعا بِهِ رسُولُ الله فَقَتَلَهُ بَيْنَ الحجَرَيْنِ
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: فَرَمَاهَا يَهُودِيّ بِحجر
وَمُحَمّد هُوَ ابْن عبد الله بن نمير فِي قَول الكلاباذي، وَقَالَ أَبُو عَليّ بن السكن: هُوَ مُحَمَّد بن سَلام.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْحُدُود عَن أبي مُوسَى وَبُنْدَار وَغَيرهمَا. وَأخرجه(24/39)
أَبُو دَاوُد فِي الدِّيات عَن عُثْمَان بن أبي شيبَة. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن إِسْمَاعِيل بن مَسْعُود. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن بنْدَار وَغَيره.
قَوْله: أوضاح جمع وضح وَقد مر تَفْسِيره عَن قريب. قَوْله: رَمق وَهُوَ بَقِيَّة الْحَيَاة. قَوْله: فخفضت أَرَادَ بِهِ الْإِشَارَة برأسها.
6 - (بابُ قَوْلِ الله تَعَالَى: {وكنبنا عَلَيْهِم فِيهَا أَن النَّفس بِالنَّفسِ وَالْعين وَالْأنف بالأنف وَالْأُذن بالأذن وَالسّن بِالسِّنِّ والجروح فصاص فَمن تصدق بِهِ فَهُوَ كَفَّارَة لَهُ وَمن لم يحكم بِمَا أنزل الله فَأُولَئِك هم الظَّالِمُونَ} )
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله تَعَالَى: {وكتبنا عَلَيْهِم فِيهَا أَن النَّفس بِالنَّفسِ الْآيَة بكمالها سيقت فِي رِوَايَة كَرِيمَة، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر والأصيلي: بَاب قَول الله تَعَالَى: وَفِي رِوَايَة النَّسَفِيّ كَذَا وَلَكِن بعده إِلَى قَوْله: وَإِنَّمَا ذكر البُخَارِيّ هَذِه الْآيَة لمطابقتها قَوْله فِي حَدِيث الْبَاب: النَّفس بِالنَّفسِ، وَاحْتج بهَا أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه على أَن الْمُسلم يُقَاد بالذمي فِي الْعمد، وَبِه قَالَ الثَّوْريّ، وَجعلُوا هَذِه الْآيَة ناسخة لِلْآيَةِ الَّتِي فِي الْبَقَرَة، وَهِي قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا كتب عليكن الْقصاص بالقتلى الْحر بِالْحرِّ} عَن أبي مَالك أَن هَذِه الْآيَة مَنْسُوخَة بقوله: {إِن النَّفس بِالنَّفسِ} وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: بَاب فِيمَن لَا قصاص بَينه باخْتلَاف الدّين قَالَ الله تَعَالَى: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا كتب عَلَيْكُم الْقصاص الْحر بِالْحرِّ} إِلَى قَوْله: {فَمن عُفيَ لَهُ من أَخِيه شَيْء} وَقَالَ صَاحب الْجَوْهَر النقي قلت: هَذِه الْآيَة حجَّة لخصمه لِأَن عُمُوم الْقَتْل يَشْمَل الْمُؤمن وَالْكَافِر وخوطب الْمُؤْمِنُونَ بِوُجُوب الْقصاص فِي عُمُوم الْقَتْل وَكَذَا قَوْله تَعَالَى: {الْحر بِالْحرِّ} يشملهما بِعُمُومِهِ. قَوْله: أَن النَّفس بِالنَّفسِ يُؤْخَذ مِنْهُ جَوَاز قتل الْحر بِالْعَبدِ وَالْمُسلم بالذمي وَهُوَ قَول الثَّوْريّ والكوفيين، وَقَالَ مَالك وَاللَّيْث وَالْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق وَأَبُو ثَوْر: لَا يقتل حر بِعَبْد، وَفِي التَّوْضِيح هَذَا مَذْهَب أبي بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي وَزيد بن ثَابت، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم. قَوْله: {وَالْعين بِالْعينِ} قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: المعطوفات كلهَا قَرَأت مَنْصُوبَة ومرفوعة، وَالْمعْنَى: فَرضنَا عَلَيْهِم فِيهَا أَي: فِي التَّوْرَاة: أَن النَّفس مَأْخُوذَة بِالنَّفسِ مقتولة بهَا إِذا قتلتها بِغَيْر حق، وَكَذَلِكَ الْعين مفقوءة بِالْعينِ، وَالْأنف مجدوع بالأنف، وَالْأُذن مصلومة بالأذن وَالسّن مقلوعة بِالسِّنِّ. قَوْله: والجروح قصاص يَعْنِي: ذَات قصاص، وَهُوَ المقاصصة وَمَعْنَاهُ: مَا يُمكن فِيهِ الْقصاص وتعرف الْمُسَاوَاة. قَوْله: فَمن تصدق بِهِ أَي: فَمن تصدق من أَصْحَاب الْحق بِهِ، أَي: بِالْقصاصِ وَعَفا عَنهُ. قَوْله: {فَمن تصدق} أَي: التَّصَدُّق بِهِ كَفَّارَة للمتصدق يكفر الله عَنهُ سيئاته. وَعَن عبد الله بن عمر: ويهدم عَنهُ ذنُوبه بِقدر مَا تصدق بِهِ. قَوْله: {وَمن لم يحكم} إِلَى آخِره قَالَ، هُنَا {فَأُولَئِك هم الظَّالِمُونَ} لأَنهم لم ينصفوا الْمَظْلُوم من الظَّالِم الَّذين أمروا بِالْعَدْلِ والتسوية بَينهم فِيهِ فخالفوا وظلموا وتعدوا.
6878 - حدّثنا عُمَرُ بنُ حَفْصٍ، حَدثنَا أبي، حَدثنَا الأعْمَشُ، عنْ عبْدِ الله بن مُرَّةَ، عنْ مَسْرُوقٍ، عنْ عبْدِ الله قَالَ: قَالَ رسولُ الله: لَا يَحِلُّ دَمُ امْرىءٍ مُسْلِمٍ يَشهَدُ أنْ لَا إلاهَ إلاَّ الله وأنِّي رسُولُ الله إلاَّ بإِحْدَى ثَلاَثٍ: النَّفْسُ بالنَّفْسِ، والثَّيِّبُ الزَّاني، والمارِقُ مِنَ الدِّينِ التارِكُ لِلْجماعَةِ
الْمُطَابقَة بَينه وَبَين الْآيَة الْمَذْكُورَة فِي قَوْله: النَّفس بِالنَّفسِ كَمَا ذَكرْنَاهُ عَن قريب.
وَعمر بن حَفْص يروي عَن أَبِيه حَفْص بن غياث عَن سُلَيْمَان الْأَعْمَش عَن عبد الله بن مرّة بِضَم الْمِيم وَتَشْديد الرَّاء عَن مَسْرُوق بن الأجدع عَن عبد الله بن مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْحُدُود عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَغَيره. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن عَمْرو بن عون. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الدِّيات عَن هناد. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْمُحَاربَة عَن إِسْحَاق بن مَنْصُور وَفِي(24/40)
الْقود عَن بشر بن خَالِد.
قَوْله: إلاَّ بِإِحْدَى ثَلَاث أَي: بِإِحْدَى خِصَال ثَلَاث. قَوْله: وَالنَّفس بِالنَّفسِ أَي: تقتل النَّفس الَّتِي قتلت عمدا بِغَيْر حق بِمُقَابلَة النَّفس المقتولة. قَوْله: وَالثَّيِّب الزَّانِي أَي: الثّيّب من لَيْسَ ببكر يَقع على الذّكر وَالْأُنْثَى، يُقَال: رجل ثيب وَامْرَأَة ثيب، وَأَصله واوي لِأَنَّهُ من ثاب يثوب إِذا رَجَعَ لِأَن الثّيّب بصدد الْعود وَالرُّجُوع. قلت: أَصله ثويب، قلبت الْوَاو يَاء وأدغمت الْيَاء فِي الْيَاء وَهُوَ الثَّانِي من الثَّلَاث، وَهُوَ بَيَان اسْتِحْقَاق الزَّانِي الْمُحصن للْقَتْل وَهُوَ الرَّجْم بِالْحِجَارَةِ. وَأجْمع الْمُسلمُونَ على ذَلِك، وَكَذَلِكَ أَجمعُوا على أَن الزَّانِي الَّذِي لَيْسَ بمحصن حَده جلد مائَة. قَوْله: والمارق من الدّين كَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر عَن الْكشميهني: والمفارق لدينِهِ وَفِي رِوَايَة النَّسَفِيّ والسرخسي وَالْمُسْتَمْلِي. والمارق لدينِهِ وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: هُوَ التارك لدينِهِ من المروق وَهُوَ الْخُرُوج، وَلَفظ التِّرْمِذِيّ: والتارك لدينِهِ المفارق للْجَمَاعَة، وَقَالَ شَيخنَا فِي شرح التِّرْمِذِيّ هُوَ الْمُرْتَد، وَقد أجمع الْعلمَاء على قتل الرجل الْمُرْتَد إِذا لم يرجع إِلَى الْإِسْلَام، وأصر على الْكفْر. وَاخْتلفُوا فِي قتل الْمُرْتَدَّة فَجَعلهَا أَكثر الْعلمَاء كَالرّجلِ الْمُرْتَد، وَقَالَ أَبُو حنيفَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: لَا تقتل الْمُرْتَدَّة لعُمُوم قَوْله: نهى عَن قتل النِّسَاء وَالصبيان قَوْله: التارك للْجَمَاعَة قيد بِهِ للإشعار بِأَن الدّين الْمُعْتَبر هُوَ مَا عَلَيْهِ الْجَمَاعَة.
وَقَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: الشَّافِعِي يقتل بترك الصَّلَاة؟ . قلت: لِأَنَّهُ تَارِك للدّين الَّذِي هُوَ الْإِسْلَام يَعْنِي الْأَعْمَال ثمَّ قَالَ: لم لَا يقتل تَارِك الزَّكَاة وَالصَّوْم؟ وَأجَاب بِأَن الزَّكَاة يَأْخُذهَا الإِمَام قهرا، وَأما الصَّوْم فَقيل: تَاركه يمْنَع من الطَّعَام وَالشرَاب لِأَن الظَّاهِر أَنه ينويه لِأَنَّهُ مُعْتَقد لوُجُوبه. انْتهى. قلت: فِي كل مَا قَالَه نظر. أما قَوْله فِي الصَّلَاة: لِأَنَّهُ تَارِك للدّين الَّذِي هُوَ الْإِسْلَام، يَعْنِي الْأَعْمَال فَإِنَّهُ غير موجه، لِأَن الْإِسْلَام هُوَ الدّين والأعمال غير دَاخِلَة فِيهِ، لِأَن الله عز وَجل عطف الْأَعْمَال على الْإِيمَان فِي سُورَة الْعَصْر، والمعطوف غير الْمَعْطُوف عَلَيْهِ، وَلِهَذَا اسْتشْكل إِمَام الْحَرَمَيْنِ قتل تَارِك الصَّلَاة من مَذْهَب الشَّافِعِي، وَاخْتَارَ الْمُزنِيّ أَنه: لَا يقتل، وَاسْتدلَّ الْحَافِظ أَبُو الْحسن عَليّ بن الْفضل الْمصْرِيّ الْمَالِكِي بِهَذَا الحَدِيث على أَن تَارِك الصَّلَاة لَا يقتل إِذا كَانَ تكاسلاً من غير جحد. فَإِن قلت: احْتج بعض الشَّافِعِيَّة على قتل تَارِك الصَّلَاة بقوله أمرت أَن أقَاتل النَّاس حَتَّى يشْهدُوا أَن لَا إلاه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله ويقيموا الصَّلَاة ويؤتوا الزَّكَاة قلت: قد رد عَلَيْهِ ابْن دَقِيق الْعِيد بِأَن هَذَا إِن أَخذه من مَنْطُوق قَوْله: أَن أقَاتل النَّاس فَفِيهِ بعد، فَإِنَّهُ فرق بَين الْمُقَاتلَة على الشَّيْء وَالْقَتْل عَلَيْهِ، وَإِن أَخذه من قَوْله: فَإِذا فعلوا ذَلِك فقد عصموا مني دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالهمْ فَهَذَا دلَالَة الْمَفْهُوم، وَالْخلاف فِيهَا مَعْرُوف. وَدلَالَة مَنْطُوق حَدِيث الْبَاب تترجح على دلَالَة الْمَفْهُوم.
وَأما قَول الْكرْمَانِي بِأَن الزَّكَاة يَأْخُذهَا الإِمَام قهرا مِنْهُ فَفِيهِ خلاف مَشْهُور فَلَا تقوم بِهِ حجَّة. وَأما قَوْله: لِأَنَّهُ مُعْتَقد لوُجُوبه أَي: لِأَن تَارِك الصَّوْم مُعْتَقد لوُجُوبه فَيرد عَلَيْهِ أَن تَارِك الصَّلَاة أَيْضا يعْتَقد وُجُوبهَا، وَاسْتدلَّ بعض جمَاعَة بقوله: التارك الْجَمَاعَة، على أَن مُخَالف الْإِجْمَاع كَافِر فَمن أنكر وجوب مجمع عَلَيْهِ فَهُوَ كَافِر، وَالصَّحِيح تَقْيِيده بإنكار مَا يعلم وُجُوبه من الدّين ضَرُورَة: كالصلوات الْخمس، وَقيد بَعضهم ذَلِك بإنكار وجوب مَا علم وُجُوبه بالتواتر: كالقول بحدوث الْعَالم فَإِنَّهُ مَعْلُوم بالتواتر، وَقد حكى القَاضِي عِيَاض الْإِجْمَاع على تَكْفِير الْقَائِل، بقدم الْعَالم وَاسْتثنى بَعضهم مَعَ الثَّلَاثَة الْمَذْكُورَة: الصَّائِل، فَإِنَّهُ يجوز قَتله للدَّفْع؟ وَأجِيب عَنهُ بِأَنَّهُ إِنَّمَا يجوز دَفعه إِذا أدّى إِلَى الْقَتْل. فَلَا يحل تعمد قَتله إِذا انْدفع بِدُونِ ذَلِك، فَلَا يُقَال: يجوز قَتله، بل دَفعه. وَقيل: الصَّائِل على قتل النَّفس دَاخل فِي قَوْله. التارك الْجَمَاعَة، وَاسْتدلَّ بِهِ أَيْضا على قتل الْخَوَارِج والبغاة لدخولهم فِي مُفَارقَة الْجَمَاعَة، وَفِيه حصر مَا يُوجب الْقَتْل فِي الْأَشْيَاء الثَّلَاثَة الْمَذْكُورَة، وَحكى ابْن الْعَرَبِيّ عَن بعض أَصْحَابهم: أَن أَسبَاب الْقَتْل عشرَة، وَقَالَ ابْن الْعَرَبِيّ: وَلَا يخرج عَن هَذِه الثَّلَاثَة بِحَال، فَإِن من سحر أَو سبّ الله أَو سبّ النَّبِي أَو الْملك فَإِنَّهُ كَافِر، وَقَالَ الدَّاودِيّ: هَذَا الحَدِيث مَنْسُوخ بقوله تَعَالَى: {من قتل نفسا بِغَيْر نفس أَو فَسَاد فِي الأَرْض فأباح الْقَتْل بِالْفَسَادِ، وَبِحَدِيث قتل الْفَاعِل وَالْمَفْعُول بِهِ فِي الَّذِي يعْمل عمل قوم لوط، وَقيل: هما فِي الْفَاعِل بالبهيمة.
7 - (بابُ مَنْ أقادَ بالحَجَرِ)(24/41)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان من أقاد أَي اقْتصّ بِالْحجرِ من الْقود وَهُوَ الْقصاص.
6879 - حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ، حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ جعْفَرٍ، حدّثنا شُعْبَةُ، عنْ هِشام بنِ زَيْدٍ عنْ أنَسٍ، رَضِي الله عَنهُ، أنَّ يَهُودِيّاً قَتَلَ جارِيَةً على أوضاحٍ لَهَا، فَقَتَلَها بحَجَرٍ، فَجِيءَ بهَا إِلَى النَّبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبهَا رمَقٌ، فَقَالَ: أقَتَلَكِ فُلاَنٌ فأشارَتْ بِرَأسِها أنْ لَا، ثُمَّ قَالَ الثانِيَةَ: فأشارَتْ بِرَأسِها أنْ لَا، ثُمَّ سألَها الثّالِثَةَ فأشارَتْ بِرَأسِها أنْ نَعَمْ، فَقَتلَهُ النَّبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِحَجَرَيْن.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَمُحَمّد بن جَعْفَر هُوَ غنْدر. وَقد مر الحَدِيث عَن قريب فِي: بَاب إِذا قتل بِحجر، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: أَن لَا كلمة: أَن، فِي الْمَوْضِعَيْنِ تفسيرية تفسر مَا بعْدهَا. قَوْله: أَن نعم هَكَذَا رِوَايَة الْكشميهني وَفِي رِوَايَة غَيره: أَي نعم.
8 - (بابٌ مَنْ قُتِلَ لهُ قَتيلٌ فَهْوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ)
أَي: هَذَا بَاب فِيهِ ذكر من قتل لَهُ قَتِيل أَي: الْقَتِيل بِهَذَا الْقَتْل لَا بقتل سَابق لِأَن قتل الْقَتِيل محَال. وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَمثله. يذكر فِي علم الْكَلَام على سَبِيل المغالطة، قَالُوا: لَا يُمكن إِيجَاد مَوْجُود لِأَن الموجد إِمَّا أَن يوجده فِي حَال وجوده فَهُوَ تَحْصِيل الْحَاصِل، وَأما فِي حَال الْعَدَم فَهُوَ جمع بَين النقيضين، فيجاب بِاخْتِيَار الشق الأول إِذْ لَيْسَ إيجاداً للموجود بِوُجُود سَابق ليَكُون تَحْصِيل الْحَاصِل، بل إِيجَاد لَهُ بِهَذَا الْوُجُود، وَكَذَا حَدِيث: من قتل قَتِيلا فَلهُ سلبه. قَوْله: فَهُوَ أَي: ولي الْقَتِيل بِخَير النظرين أَي: الدِّيَة أَو الْقصاص.
6880 - حدّثنا أبُو نُعَيْمٍ، حدّثنا شَيْبانُ، عنْ يَحْياى، عنْ أبي سَلَمَة، عنْ أبي هُرَيْرَةَ أنَّ خُزاعَةَ قَتَلُوا رَجُلاً.
وَقَالَ عَبْدُ الله بنُ رَجاءٍ: حدّثنا حَرْبٌ، عنْ يَحْياى، حدّثنا أبُو سَلمَةَ، حدّثنا أبُو هُرَيْرَةَ أنهُ عامَ فَتحِ مَكَّةَ قَتَلتْ خُزاعَةُ رَجلاً. مِنْ بَنِي لَيْثٍ بِقَتِيلٍ لَهُمْ فِي الجاهِلِيَّةِ، فقامَ رسولُ الله فَقَالَ: إنَّ الله حَبَسَ عنْ مَكَّةَ الفِيلَ، وسَلَّطَ عَليْهمْ رَسولَهُ والمُؤْمِنِينَ، أَلا وإنَّها لَمْ تَحِلَّ لأحَدٍ قَبْلِي، وَلَا تَحِلُّ لأِحَدٍ بَعْدِي، أَلا وإنّما أُحِلَّتْ لِي ساعَةً مِنْ نَهارٍ، أَلا وإنَّها ساعَتي هاذِهِ حَرامٌ: لَا يُخْتَلاى شوْكُها، وَلَا يُعْضَدُ شَجَرُها وَلَا يَلْتَقِطُ ساقِطَتَها إلاّ مُنْشِدٌ، ومَنْ قُتِلَ لهُ قَتِيلٌ فَهْوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ، إمَّا يُودَى وإمَّا يُقادُ فقامَ رَجُلٌ مِنْ أهْل اليَمَنِ يُقال لهُ أبُو شاةٍ، فقالَ: اكْتُبْ لِي يَا رسولَ الله. فَقَالَ رسولُ الله اكْتُبُوا لأبي شاةٍ ثُمَّ قامَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْش فَقَالَ: يَا رسولَ الله إلاّ الإذْخِرَ، فإنّما نَجْعَلُهُ فِي بُيُوتِنا وقُبُورنا، فَقَالَ رسولُ الله إلاّ الإذْخِرَ
انْظُر الحَدِيث 112 وطرفه
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن التَّرْجَمَة من لفظ الحَدِيث.
وَأخرجه من طَرِيقين. أَحدهمَا عَن أبي نعيم بِضَم النُّون الْفضل بن دُكَيْن عَن شَيبَان بن عبد الرحمان النَّحْوِيّ أَصله بَصرِي سكن الْكُوفَة عَن يحياى بن أبي كثير اليمامي الطَّائِي وَاسم أبي كثير صَالح بن المتَوَكل عَن أبي سَلمَة بن عبد الرحمان بن عَوْف عَن أبي هُرَيْرَة وَمضى هَذَا فِي الْعلم فِي: بَاب كِتَابَة الْعلم، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن أبي نعيم عَن شَيبَان ... الخ نَحوه. وَفِيه بعض الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان. وَالطَّرِيق الآخر: أخرجه عَن عبد الله بن رَجَاء بن الْمثنى الْبَصْرِيّ فِي صُورَة التَّعْلِيق، وَهُوَ أَيْضا شَيْخه روى عَنهُ فِي غير مَوضِع، وروى عَن مُحَمَّد غير مَنْسُوب عَنهُ(24/42)
عَن حَرْب بن شَدَّاد عَن يحياى عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة وَوَصله الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق هِشَام بن عَليّ السيرافي عَنهُ، وسَاق البُخَارِيّ الحَدِيث هُنَا على لفظ حَرْب، وسَاق الطَّرِيق الأول على لفظ شَيبَان، كَمَا فِي كتاب الْعلم، وَمرَاده من الطَّرِيق الثَّانِي تَبْيِين عدم تَدْلِيس يحياى بن أبي كثير، وَتقدم فِي اللّقطَة من طَرِيق الْوَلِيد بن مُسلم عَن الْأَوْزَاعِيّ عَن يحياى عَن أبي سَلمَة مُصَرحًا بِالتَّحْدِيثِ فِي جَمِيع السَّنَد.
قَوْله: أَنه أَي: الشَّأْن. قَوْله: خُزَاعَة بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وبالزاي وَهِي قَبيلَة كَانُوا غلبوا على مَكَّة وحكموا فِيهَا، ثمَّ أخرجُوا مِنْهَا فصاروا فِي ظَاهرهَا، وَكَانَت بَينهم وَبَين بني بكر عَدَاوَة ظَاهِرَة فِي الْجَاهِلِيَّة، وَكَانَت خُزَاعَة حلفاء بني هَاشم بن عبد منَاف إِلَى عهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَت بَنو بكر حلفاء قُرَيْش. قَوْله: رجلا من بني لَيْث وَاسم الرجل الْقَاتِل من خُزَاعَة: خرَاش، بِالْخَاءِ والشين المعجمتين ابْن أُميَّة الْخُزَاعِيّ، وَاسم الْمَقْتُول مِنْهُم فِي الْجَاهِلِيَّة: أَحْمَر، وَاسم الْمَقْتُول من بني لَيْث: قَبيلَة، لم يدر اسْمه، وَبَنُو لَيْث قَبيلَة مَشْهُورَة ينسبون إِلَى لَيْث بن بكر بن كنَانَة بن خُزَيْمَة بن مدركة بن إلْيَاس بن مُضر. قَوْله: حبس عَن مَكَّة الْفِيل أَشَارَ بِهِ إِلَى قصَّة الْحَبَشَة وَهِي مَشْهُورَة. قَوْله: أَلا بِفَتْح الْهمزَة وَاللَّام المخففة وَهِي كلمة تَنْبِيه تدل على تحقق مَا بعْدهَا، وَتَأْتِي لمعان أخر. قَوْله: وَلَا يخْتَلى بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة أَي: لَا يجز شَوْكهَا. قَوْله: وَلَا يعضد أَي: لَا يقطع. قَوْله: وَلَا يلتقط بِفَتْح الْيَاء من الِالْتِقَاط وفاعله هُوَ قَوْله: إلاَّ منشد بِالرَّفْع وَهُوَ الْمُعَرّف يَعْنِي: لَا يجوز لقطتهَا إِلَّا للتعريف. قَوْله: فَهُوَ أَي: ولي الْقَتِيل بِخَير النظرين، وهما: الدِّيَة وَالْقصاص. قَوْله: إِمَّا يودَى بِضَم الْيَاء على صِيغَة الْمَجْهُول ويروى: إِمَّا أَن يُؤدى، أَي: إِمَّا أَن يعْطى الدِّيَة، وَإِمَّا أَن يُقَاد أَي يقْتَصّ من الْقود وَهُوَ الْقصاص. وَاخْتلف الْعلمَاء فِي أَخذ الدِّيَة من قَاتل الْعمد، فَروِيَ عَن سعيد بن الْمسيب وَالْحسن وَعَطَاء: أَن ولي الْمَقْتُول بِالْخِيَارِ بَين الْقصاص وَأخذ الدِّيَة، وَبِه قَالَ اللَّيْث وَالْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق وَأَبُو ثَوْر، وَقَالَ الثَّوْريّ والكوفيون: لَيْسَ لَهُ إِذا كَانَ عمدا إلاَّ الْقصاص، وَلَا يَأْخُذ الدِّيَة إلاَّ إِذا رَضِي الْقَاتِل، وَبِه قَالَ مَالك فِي الْمَشْهُور عَنهُ. قَوْله: أَبُو شاه بِالْهَاءِ لَا غير على الْمَشْهُور، وَقيل: بِالتَّاءِ. قَوْله: ثمَّ قَامَ رجل من قُرَيْش هُوَ الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مَبْسُوطا فِي كتاب الْعلم وَكتاب الْحَج. والإذخر بِكَسْر الْهمزَة وَسُكُون الذَّال الْمُعْجَمَة وَكسر الْخَاء الْمُعْجَمَة وبالراء وَهِي: حشيشة طيبَة الرَّائِحَة تسقف بهَا الْبيُوت فَوق الْخشب، وهمزتها زَائِدَة.
وتابَعَهُ عُبَيْدُ الله عَنْ شَيْبَانَ فِي الفِيلِ.
أَي: تَابع حَرْب بن شَدَّاد عبيد الله بن مُوسَى بن باذام الْكُوفِي، وَهُوَ شيخ البُخَارِيّ أَيْضا، فِي رِوَايَته عَن شَيبَان عَن يحيى عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة بِلَفْظ: الْفِيل، بِالْفَاءِ وَهُوَ الْحَيَوَان الْمَشْهُور، وَقد مر فِي كتاب الْعلم حبس مَكَّة عَن الْقَتْل أَو الْفِيل بِالشَّكِّ.
قَالَ بَعْضُهُمْ: عنْ أبي نُعَيْمٍ: القَتْلُ.
أَرَادَ بِالْبَعْضِ مُحَمَّد بن يحياى الذهلي فَإِنَّهُ روى عَن أبي نعيم الْفضل بن دُكَيْن: الْقَتْل، بِالْقَافِ وَالتَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق، وَقد مر فِي الْعلم: وجعلوه على الشَّك، كَذَا قَالَ أَبُو نعيم: الْفِيل أَو الْقَتْل، وَغَيره يَقُول: الْفِيل، يَعْنِي بِالْفَاءِ.
وَقَالَ عُبَيْدُ الله: إمَّا أنْ يُقادَ أهْلُ القَتِيلِ.
هُوَ عبيد الله بن مُوسَى الْمَذْكُور شيخ البُخَارِيّ أَي: قَالَ فِي رِوَايَته. . الحَدِيث الْمَذْكُور عَن شَيبَان بعد قَوْله: إِمَّا أَن يودى وَإِمَّا أَن يُقَاد أهل الْقَتِيل، يَعْنِي: زَاد هَذِه اللَّفْظَة، وَهِي فِي رِوَايَته: إِمَّا أَن يعْطى الدِّيَة وَإِمَّا أَن يُقَاد أهل الْقَتِيل، وَمَعْنَاهُ: يُؤْخَذ لأهل الْقَتِيل بثأرهم، هَكَذَا يُفَسر حَتَّى لَا يبْقى الْإِشْكَال، وَقد استشكله الْكرْمَانِي ثمَّ أجَاب بقوله: هُوَ مفعول مَا لم يسم فَاعله ليودى لَهُ، وَأما مفعول: يُقَاد، ضمير عَائِد إِلَى الْقَتِيل، وبالتفسير الَّذِي فسرناه يَزُول الْإِشْكَال فَلَا يحْتَاج إِلَى التَّكَلُّف.
6881 - حدّثنا قُتَيْبَة بنُ سَعيدٍ، حدّثنا سُفْيانُ، عنْ عَمْرٍ و، عنْ مُجاهدٍ، عَن ابنِ عبَّاسٍ، رَضِي(24/43)
الله عَنْهُمَا، قَالَ: كانَتْ فِي بَنِي إسْرَائِيلَ قِصاصٌ ولَمْ تَكُنْ فِيهِمْ الدِّيَةُ، فَقَالَ الله لِهَذِهِ الأُمّةِ. {كتب عَلَيْكُم الْقصاص فِي الْقَتْلَى} إِلَى هَذِهِ الْآيَة {فَمن عُفيَ لَهُ من أَخِيه شَيْء}
قَالَ ابنُ عبَّاسٍ: فالعَفْوِ أنْ يَقْبَلَ الدِّيَةَ فِي العمدِ، قَالَ: ز س أنْ يَطْلُبَ بِمَعْرُوفٍ ويُؤدِّيَ بإِحْسانٍ
انْظُر الحَدِيث 4498
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن لوَلِيّ الْقَتِيل ترك الْقصاص وَالرِّضَا بِالدِّيَةِ وَأَن الِاخْتِيَار فِي أَخذ الدِّيَة أَو الاقتصاص رَاجع إِلَى ولي الْقَتِيل وَلَا يشْتَرط فِي ذَلِك رضَا الْقَاتِل، وَكَذَا كَانَ قصد البُخَارِيّ من التَّرْجَمَة الْمَذْكُورَة.
وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة وَعَمْرو بِفَتْح الْعين ابْن دِينَار وَقد تقدم فِي سُورَة الْبَقَرَة عَن الْحميدِي عَن سُفْيَان: حَدثنَا عَمْرو سَمِعت مُجَاهدًا عَن ابْن عَبَّاس، هَكَذَا وَصله ابْن عُيَيْنَة عَن عَمْرو بن دِينَار وَهُوَ أثبت النَّاس فِي عَمْرو، وَرَوَاهُ وَرْقَاء بن عمر عَن عَمْرو فَلم يذكر فِيهِ ابْن عَبَّاس. أخرجه النَّسَائِيّ.
قَوْله كَانَت فِي بني إِسْرَائِيل قصاص كَذَا هُنَا، كَانَت، بالتأنيث وَفِي رِوَايَة الْحميدِي عَن سُفْيَان: كَانَ، وَهُوَ أوجه وَلكنه أنث هُنَا بِاعْتِبَار معنى الْمُقَاصَّة، وَلم يكن فِي دين عِيسَى، عَلَيْهِ السَّلَام، الْقصاص فَكل وَاحِد مِنْهُمَا وَاقع فِي الطّرف، وَهَذَا الدّين الإسلامي هُوَ الْوَاقِع وسطا. قَوْله: فَقَالَ الله: إِلَى قَوْله: {فَمن عُفيَ لَهُ من أَخِيه شَيْء} كَذَا وَقع فِي رِوَايَة قُتَيْبَة، وَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر والأكثرين، وَوَقع فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ والقابسي إِلَى قَوْله: {فَمن لَهُ من أَخِيه شَيْء} وَوَقع فِي رِوَايَة ابْن أبي عمر فِي مُسْنده إِلَى قَوْله: فِي هَذِه الْآيَة، وَبِهَذَا يظْهر المُرَاد وإلاَّ فَالْأول يُوهم أَن قَوْله: {فَمن عُفيَ لَهُ من أَخِيه شَيْء} فِي آيَة تلِي الْآيَة المبدأ بهَا وَلَيْسَ كَذَلِك. قَوْله: فالعفو أَن يقبل أَي ولي الْقَتِيل أَن يقبل الدِّيَة فِي الْعمد، يَعْنِي: يتْرك لَهُ دَمه ويرضى مِنْهُ بِالدِّيَةِ. قَوْله: {فاتباع بِالْمَعْرُوفِ} أَي: فِي الْمُطَالبَة بِالدِّيَةِ من الْقَاتِل وعَلى الْقَاتِل إِذْ ذَاك أَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَان وَهُوَ معنى قَوْله: وَيُؤَدِّي بِإِحْسَان أَي: الْقَاتِل كَمَا ذكرنَا.
9 - (بابُ مَنْ طَلَبَ دَمَ امْرِىءٍ بِغَيْرِ حَقَ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم من طلب دم رجل بِغَيْر حق.
6882 - حدّثنا أبُو اليَمانِ، أخبرنَا شُعَيْبٌ، عنْ عَبْدِ الله بنِ أبي حُسَيْنٍ، حدّثنا نافِعُ بنُ جُبَيْرٍ، عَن ابْن عَبَّاسٍ أنَّ النَّبيَّ قَالَ: أبْغَضُ النَّاسِ إِلَى الله ثَلاثةٌ: مُلْحِدٌ فِي الحَرَمِ، ومُبْتَغٍ فِي الإسْلامِ سُنَّةَ الجاهِليَّةِ، ومُطَّلِبُ دَمِ امْرِىءٍ بِغَيْرِ حَقَ لِيُهَرِيقَ دَمَهُ
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع وَشُعَيْب بن أبي حَمْزَة، وَعبد الله بن أبي حُسَيْن هُوَ عبد الله بن عبد الرحمان بن أبي حُسَيْن الْمدنِي النَّوْفَلِي، نسب إِلَى جده، وَنَافِع بن جُبَير بِضَم الْجِيم وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف ابْن مطعم الْقرشِي الْمدنِي. والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: أبْغض النَّاس أفعل التَّفْضِيل هُنَا بِمَعْنى الْمَفْعُول من البغض، والبغض من الله إِرَادَة إِيصَال الْمَكْرُوه. قَوْله: النَّاس أَي: الْمُسلمين. قَوْله: ملحد بِضَم الْمِيم وَهُوَ المائل عَن الْحق الْعَادِل عَن الْقَصْد أَي: الظَّالِم. فَإِن قلت: مرتكب الصَّغِيرَة مائل عَن الْحق؟ . قلت: هَذِه الصِّيغَة فِي الْعرف تسْتَعْمل للْخَارِج عَن الدّين فَإِذا وصف بهَا من ارْتكب مَعْصِيّة كَانَ فِي ذَلِك إِشَارَة إِلَى عظمها. وَقيل: إِيرَاده بِالْجُمْلَةِ الاسمية مشْعر بِثُبُوت الصّفة والتنكير للتعظيم فَيكون فِي ذَلِك إِشَارَة إِلَى عظم الذَّنب، وَقيل: مَعْنَاهُ الظُّلم فِي أَرض الْحرم بتغييرها عَن وصفهَا أَو تَبْدِيل أَحْكَامهَا. قَوْله: ومبتغ فِي الْإِسْلَام سنة الْجَاهِلِيَّة أَي: طَالب فِي الْإِسْلَام طَريقَة الْجَاهِلِيَّة كالنياحة مثلا. وَفِي التَّوْضِيح ومبتغ رُوِيَ بالغين يَعْنِي من الابتغاء وَهُوَ الطّلب وبالعين الْمُهْملَة من التتبع وَالَّذِي شَرحه ابْن بطال الأول. فَإِن قيل: هَذِه صَغِيرَة؟ أُجِيب بِأَن معنى الطّلب سنيتها لَيْسَ فعلهَا بل إِرَادَة بَقَاء تِلْكَ الْقَاعِدَة وإشاعتها وتنفيذها، بل جَمِيع قواعدها لِأَن اسْم الْجِنْس الْمُضَاف عَام، وَلِهَذَا لم يقل: فاعلها. قَوْله: ومطلب بِضَم الْمِيم وَتَشْديد الطَّاء وَكسر اللَّام، وَأَصله: متطلب، لِأَنَّهُ من بَاب الافتعال فأبدلت التَّاء طاء وأدغمت الطَّاء فِي الطَّاء، وَمَعْنَاهُ: متكلف للطلب. قَوْله: بِغَيْر حق احْتِرَازًا عَمَّن يفعل ذَلِك بِحَق كَالْقصاصِ(24/44)
مثلا. قَوْله: ليهريق بِفَتْح الْهَاء وسكونها وَقَالَ الْكرْمَانِي: الإهراق هُوَ الْمَحْظُور الْمُسْتَحق لمثل هَذَا الْوَعيد لَا مُجَرّد الطّلب، ثمَّ أجَاب بقوله: المُرَاد الطّلب الْمُرَتّب عَلَيْهِ الْمَطْلُوب، أَو ذكر الطّلب ليلزم فِي الإهراق بِالطَّرِيقِ الأولى، وَقَالَ الْمُهلب: المُرَاد بهؤلاء الثَّلَاثَة أَنهم أبْغض أهل الْمعاصِي إِلَى الله تَعَالَى فَهُوَ كَقَوْلِه: أكبر الْكَبَائِر، وإلاَّ فالشرك أبْغض إِلَى الله من جَمِيع الْمعاصِي.
10 - (بابُ العَفْوِ فِي الخَطَإِ بَعْدَ المَوْتِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان عَفْو ولي الْمَقْتُول عَن الْقَاتِل فِي الْقَتْل الْخَطَأ بعد موت الْمَقْتُول، وَلَيْسَ المُرَاد عَفْو الْمَقْتُول لِأَنَّهُ محَال، وَإِنَّمَا قَيده بِمَا بعد الْمَوْت لِأَنَّهُ لَا يظْهر أَثَره إلاَّ فِيهِ إِذْ لَو عَفا الْمَقْتُول ثمَّ مَاتَ لم يظْهر لعفوه أثر لِأَنَّهُ لَو عَاشَ تبين أَن لَا شَيْء لَهُ بعفوه عَنهُ. وَقَالَ ابْن بطال: أَجمعُوا على أَن عَفْو الْوَلِيّ إِنَّمَا يكون بعد موت الْمَقْتُول، وَأما قبل ذَلِك فالعفو للقتيل خلافًا لأهل الظَّاهِر فَإِنَّهُم أبطلوا عَفْو الْقَتِيل.
6883 - حدّثنا فَرْوَةُ، حدّثنا عليُّ بنُ مُسْهِرٍ، عنْ هِشَام، عنْ أبِيهِ عنْ عائِشَةَ: هُزِمَ المُشْرِكُونَ يَوْمَ أُحُدٍ.
وحدّثني مُحَمَّدُ بنُ حَرْبٍ، حدّثنا أبُو مَرْوانَ يَحْيى بنُ أبي زَكَرِيَّاءَ، عنْ هِشامٍ، عنْ عُرْوَةَ، عنْ عائِشَةَ، رَضِي الله عَنْهَا، قالَتْ: صَرَخَ إبْلِيسُ يَوْمَ أُحُدٍ فِي النَّاسِ: يَا عِبادَ الله أُخْراكُمْ. فَرَجَعَتْ أُولاهُمْ عَلى أُخْرَاهُمْ حتَّى قَتَلُوا اليَمانَ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: أبي أبي فَقَتَلُوهُ؟ فَقَالَ حُذَيْفَةُ: غَفَرَ اللَّهُ لَكُمْ. قَالَ: وقَدْ كَانَ انْهَزَمَ مِنْهُم قَوْمٌ حتَّى لَحِقوا بالطائِفِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: غفر الله لكم لِأَن مَعْنَاهُ: عَفَوْت عَنْكُم، لِأَن الْمُسلمين كَانُوا قتلوا الْيَمَان أَبَا حُذَيْفَة خطأ يَوْم أحد فَعَفَا حُذَيْفَة عَنْهُم بعد قَتله.
وَقد أخرج أَبُو إِسْحَاق الْفَزارِيّ فِي السّير عَن الْأَوْزَاعِيّ عَن الزُّهْرِيّ قَالَ: أَخطَأ الْمُسلمُونَ بِأبي حُذَيْفَة يَوْم أحد حَتَّى قَتَلُوهُ، فَقَالَ حُذَيْفَة: يغْفر الله لكم وَهُوَ أرْحم الرَّاحِمِينَ: فبلغت النَّبِي فزاده عِنْده خيرا ووداه من عِنْده.
وفروة شيخ البُخَارِيّ بِفَتْح الْفَاء وَسُكُون الرَّاء وبالواو ابْن أبي المغراء أَبُو الْقَاسِم الْكِنْدِيّ الْكُوفِي وَعلي بن مسْهر بِضَم الْمِيم اسْم فَاعل من الإسهار بِالسِّين المهلمة وَالرَّاء، وَهِشَام هُوَ ابْن عُرْوَة يروي عَن أَبِيه عُرْوَة بن الزبير عَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا.
وَأخرجه من طَرِيقين: أَحدهمَا: هُوَ الَّذِي ذَكرْنَاهُ، وَسقط هَذَا فِي رِوَايَة أبي ذَر. وَالثَّانِي: عَن مُحَمَّد بن حَرْب بياع النشا بالنُّون والشين الْمُعْجَمَة الوَاسِطِيّ عَن أبي مَرْوَان يحيى بن أبي زَكَرِيَّا الغساني الشَّامي سكن وَاسِط. قيل: ظَاهره أَن الرِّوَايَتَيْنِ سَوَاء، وَلَيْسَ كَذَلِك، وسَاق الْمَتْن هُنَا على لفظ أبي مَرْوَان، وَأما لفظ عَليّ بن مسْهر فقد تقدم فِي: بَاب من حنث نَاسِيا، فِي كتاب الْأَيْمَان وَالنُّذُور. وَمر الحَدِيث فِي: بَاب صفة إِبْلِيس فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن زَكَرِيَّا بن يحيى عَن أبي أُسَامَة عَن هِشَام عَن أَبِيه عَن عَائِشَة، وَمر الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: أخراكم أَي: اقْتُلُوا أَو احْذَرُوا. قَوْله: حَتَّى قتلوا الْيَمَان أَي: قتل الْمُسلمُونَ الْيَمَان بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَتَخْفِيف الْمِيم وبالنون وَهُوَ وَالِد حُذَيْفَة. قَوْله: أبي أبي أَي: قَالَ حُذَيْفَة: هَذَا أبي، أبي لَا تقتلوه، وَلم يسمعوا مِنْهُ فَقَتَلُوهُ ظانين أَنه من الْمُشْركين فَدَعَا لَهُم حُذَيْفَة. قَالَ الْكرْمَانِي: فَدَعَا لَهُم وَتصدق بديته على الْمُسلمين. وَقَالَ الْخطابِيّ: فِيهِ: أَن الْمُسلم إِذا قتل صَاحبه خطأ عِنْد اشتباك الْحَرْب لَا شَيْء عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ فِي جَمِيع الازدحامات إلاَّ إِذا فعله قَاصِدا لهلاكه. قَوْله: مِنْهُم أَي: من الْمُشْركين. قَوْله: بِالطَّائِف وَهُوَ الْبَلَد الْمَشْهُور وَرَاء مَكَّة، شرفها الله.
(بابُ قَوْلِ الله تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لمُؤْمِن أَن يقتل مُؤمنا إِلَّا خطئا وَمن قتل مُؤمنا خطئاً فَتَحْرِير رَقَبَة مُؤمنَة ودية مسلمة إِلَى أَهله إِلَّا أَن يصدقُوا فَإِن كَانَ من قوم عَدو لكم وَهُوَ مُؤمن فَتَحْرِير رَقَبَة مُؤمنَة وَإِن كَانَ من قوم بَيْنكُم وَبينهمْ مِيثَاق فديَة مسلمة إِلَى ؤهله(24/45)
وتحرير رَقَبَة مُؤمنَة فَمن لم يجد فَصِيَام شَهْرَيْن مُتَتَابعين تَوْبَة من الله وَكَانَ الله عليماً حكيماً} )
أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر قَول الله عز وَجل. . إِلَى آخِره، كَذَا سيقت الْآيَة بِتَمَامِهَا عِنْد الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر هَكَذَا: بَاب قَول الله تَعَالَى: {مَا كَانَ لمُؤْمِن أَن يقتل مُؤمنا إِلَّا خطأ} وَكَذَا فِي رِوَايَة ابْن عَسَاكِر، وَلم يذكر معظمهم فِي هَذَا الْبَاب حَدِيثا هَذِه الْآيَة أصل فِي الدِّيات فَذكر فِيهَا ديتين وَثَلَاث كَفَّارَات ذكر الدِّيَة وَالْكَفَّارَة بقتل الْمُؤمن فِي دَار الْإِسْلَام وَذكر الْكَفَّارَة دون الدِّيَة بقتل الْمُؤمن فِي دَار الْحَرْب فِي صف الْمُشْركين إِذا حضر مَعَهم الصَّفّ فَقتله مُسلم، وَذكر الدِّيَة وَالْكَفَّارَة بقتل الذِّمِّيّ فِي دَار الْإِسْلَام، وَقَالَ مُجَاهِد وَعِكْرِمَة: هَذِه الْآيَة نزلت فِي عَيَّاش بن أبي ربيعَة المَخْزُومِي، قتل رجلا مُسلما وَلم يعلم بِإِسْلَامِهِ وَكَانَ ذَلِك الرجل يعذبه بِمَكَّة مَعَ أبي جهل ثمَّ أسلم وَخرج مُهَاجرا إِلَى النَّبِي فَلَقِيَهُ عَيَّاش فِي الطَّرِيق فَقتله وَهُوَ يحسبه كَافِرًا، ثمَّ جَاءَ إِلَى النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسلم، فَأخْبرهُ بذلك فَأمره أَن يعْتق رَقَبَة، وَنزلت الْآيَة، حَكَاهُ الطَّبَرِيّ عَنْهُمَا. وَقَالَ السّديّ: قَتله يَوْم الْفَتْح، وَقد خرج من مَكَّة وَلَا يعلم بِإِسْلَامِهِ، وَقيل: نزلت فِي أبي عَامر وَالِد أبي الدَّرْدَاء، خرج إِلَى سَرِيَّة فَعدل إِلَى شعب فَوجدَ رجلا فِي غنم فَقتله وَأَخذهَا، وَكَانَ يَقُول: لَا إلاه إلاَّ الله، فَوجدَ فِي نَفسه من ذَلِك فَذكره لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأنْكر عَلَيْهِ قَتله إِذْ قَالَ: لَا إلاه إِلَّا الله، فَنزلت الْآيَة. وَقيل: نزلت فِي وَالِد حُذَيْفَة بن الْيَمَان قتل خطأ يَوْم أحد، وَقد مضى عَن قريب.
قَوْله: إلاَّ خطأ ظَاهره غير مُرَاد فَإِنَّهُ لَا يشرع قَتله خطأ وَلَا عمدا لَكِن تَقْدِيره: إِن قَتله خطأ. وَقَالَ الْأَصْمَعِي وَأَبُو عبيد: الْمَعْنى إلاَّ أَن يقْتله مخطئاً، وَهُوَ اسْتثِْنَاء مُنْقَطع. قَوْله: 0 لَا تجوز الْكَافِرَة، وَحكى ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس وَالشعْبِيّ وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَالْحسن الْبَصْرِيّ أَنهم قَالُوا: لَا يجزىء الصَّغِير إلاَّ أَن يكون قَاصِدا للْإيمَان، وَاخْتَارَ ابْن جرير أَنه إِن كَانَ مولوداً بَين أبوين مُسلمين جَازَ وإلاَّ فَلَا، وَالَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُور أَنه مَتى كَانَ مُسلما صَحَّ عتقه عَن الْكَفَّارَة سَوَاء كَانَ صَغِيرا أَو كَبِيرا. قَوْله: {إِلَّا أَن يصدقُوا} أَي: إلاَّ أَن يتصدقوا بِالدِّيَةِ فَلَا يجب. قَوْله: {فَإِن كَانَ من قوم عدوٍ لكم} أَي: إِذا كَانَ الْقَتِيل مُؤمنا وَلَكِن أولياؤه من الْكفَّار أهل الْحَرْب فَلَا دِيَة لَهُم وعَلى قَاتله تَحْرِير رَقَبَة مُؤمنَة لَا غير. قَوْله: مِيثَاق أَي: عهد وهدنة فَالْوَاجِب دِيَة مسلمة إِلَى أهل الْقَتِيل وتحرير رَقَبَة. قَوْله: مُتَتَابعين يَعْنِي لَا إفطار بَينهمَا فَإِن أفطر من غير عذر من مرض أَو حيض أَو نِفَاس اسْتَأْنف الصَّوْم. وَاخْتلفُوا فِي السّفر: هَل يقطع أم لَا؟ عل قَوْلَيْنِ. قَوْله: تَوْبَة أَي: رَحْمَة رَحْمَة من الله بكم أَي: التَّيْسِير عَلَيْكُم بتَخْفِيف عَنْكُم بتحرير الرَّقَبَة المؤمنة إِذا أيسرتم بهَا. قَوْله: {وَكَانَ الله عليماً حكيماً} أَي: لم يزل عليماً بِمَا يصلح عباده فِيمَا يكلفهم من فَرَائِضه، حكيماً بِمَا يقْضِي فِيهِ وَيَأْمُر.
12 - (بابٌ إِذا أقَرَّ بالقَتْلِ مَرَّةً قُتلَ بِهِ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ إِذا أقرّ شخص بِالْقَتْلِ مرّة وَاحِدَة قتل بِهِ أَي: بذلك الْإِقْرَار، كَذَا وَقعت هَذِه التَّرْجَمَة عِنْد الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة النَّسَفِيّ لم تذكر هَذِه التَّرْجَمَة بل قَالَ بعد قَوْله خطأ: الْآيَة وَإِذا أقرّ إِلَى آخِره.
6884 - حدّثني إسْحَاقُ، أخبرنَا حَبَّانُ، حدّثنا هَمَّامٌ، حدّثنا قتادَةُ، حدّثنا أنَسُ بنُ مالِكٍ: أنَّ يَهُودِياً رَضَّ رَأسَ جَارِيةٍ بَيْنَ حَجَرَيْنِ، فَقِيلَ لَها: مَنْ فَعَلَ بِكِ هاذا؟ أفُلانٌ أفُلانٌ؟ حتَّى سُمِّيَ اليَهُودِيُّ فأوْمَأتْ بِرَأسِها، فَجِيءَ باليَهُودِيِّ فاعْتَرَفَ، فأمَرَ بِهِ النَّبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَرُضَّ رَأسُهُ بالحِجارَةِ وقَدْ قَالَ هَمَّامٌ: بِحَجَرَيْنِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَإِسْحَاق شيخ البُخَارِيّ قَالَ الغساني: لم أَجِدهُ مَنْسُوبا عِنْد أحد، وَيُشبه أَن يكون ابْن مَنْصُور. قلت: إِسْحَاق بن مَنْصُور بن بهْرَام الكوسج أَبُو يَعْقُوب الْمروزِي، انْتقل بآخرة إِلَى نيسابور وَهُوَ شيخ(24/46)
مُسلم أَيْضا، مَاتَ سنة إِحْدَى وَخمسين وَمِائَتَيْنِ، وَقيل: لَا يبعد أَن يكون إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه فَإِنَّهُ كثير الرِّوَايَة عَن حبَان بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة ابْن هِلَال الْبَاهِلِيّ، وَهَمَّام بتَشْديد الْمِيم بن يحيى بن دِينَار الْبَصْرِيّ.
والْحَدِيث قد مر فِي مَوَاضِع فِي الْأَشْخَاص وَفِي الْوَصَايَا وَفِي الدِّيات، وَمضى عَن قريب فِي: بَاب من أقاد بِالْحجرِ. وَأخرجه بَقِيَّة الْجَمَاعَة.
قَوْله: فَقيل لَهَا أَي: لِلْجَارِيَةِ، أَي: سُئِلَ عَنْهَا وَإِنَّمَا سُئِلَ عَنْهَا مَعَ أَنه لَا يثبت بإقرارها شَيْء عَلَيْهِ لِأَن يعرف الْمُتَّهم من غَيره فَيُطَالب فَإِن اعْترف ثَبت عَلَيْهِ. قَوْله: فَأمر بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَي: بعد موت الْجَارِيَة الْمَذْكُورَة.
وَفِي التَّوْضِيح فِيهِ: حجَّة على الْكُوفِيّين فِي قَوْلهم: لَا بُد من الْإِقْرَار مرَّتَيْنِ، وَهُوَ خلاف الحَدِيث لِأَنَّهُ لم يذكر فِيهِ أَن الْيَهُودِيّ أقرّ أَكثر من مرّة وَاحِدَة، وَلَو كَانَ فِيهِ حد مَعْلُوم لبينه، وَبِه قَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ. انْتهى. قلت: اشْتِرَاط الْكُوفِيّين مرَّتَيْنِ فِي الْإِقْرَار قِيَاس على اشْتِرَاط الْأَرْبَع فِي الزِّنَى، وَمُطلق الِاعْتِرَاف لَا ينْحَصر على الْمرة.
13 - (بابُ قَتْل الرَّجُلِ بالمَرْأةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان وجوب قتل الرجل بِمُقَابلَة قَتله الْمَرْأَة، وَهُوَ قَول فُقَهَاء عَامَّة الْأَمْصَار وَجَمَاعَة الْعلمَاء، وشذ الْحسن وَرَوَاهُ عَن عَطاء فَقَالَا: إِن قتل أَوْلِيَاء الْمَرْأَة الرجل بهَا أَدّوا نصف الدِّيَة، وَإِن قتل أَوْلِيَاء الرجل الْمَرْأَة أخذُوا من أوليائها نصف دِيَة الرجل، وَرُوِيَ مثله عَن الشّعبِيّ عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَبِه قَالَ عُثْمَان البتي، وَحجَّة الْجَمَاعَة حَدِيث الْبَاب أخرجه غير مرّة.
6885 - حدّثنا مُسَدَّدٌ، حدّثنا يَزِيدُ بنُ زُرَيْعٍ، حدّثنا سَعِيدٌ، عنْ قَتادَة، عنْ أنسٍ بن مالِكٍ، رَضِي الله عَنهُ، أنَّ النَّبيَّ قَتَلَ يَهُودِيّاً بِجارِيَةٍ قَتَلَها عَلى أوْضاحٍ لَها.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه يُوضح حكمهَا. وَيزِيد من الزِّيَادَة ابْن زُرَيْع مصغر زرع وَسَعِيد هُوَ ابْن أبي عرُوبَة بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَضم الرَّاء، وَذكر غير مرّة مَعَ شَرحه.
والأوضاح جمع وضح نوع من الْحلِيّ يعْمل من فضَّة سميت بهَا لبياضها لِأَن الوضح الْبيَاض من كل شَيْء.
14 - (بابُ القِصاص بَيْنَ الرِّجالِ والنَّساءِ فِي الجراحاتِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان وجوب الْقصاص ... الخ، والجراحات جمع جِرَاحَة وَوُجُوب الْقصاص فِي ذَلِك قَول الثَّوْريّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَمَالك وَالشَّافِعِيّ، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا قصاص بَين الرِّجَال وَالنِّسَاء فِيمَا دون النَّفس من الْجِرَاحَات، لِأَن الْمُسَاوَاة مُعْتَبرَة فِي النَّفس دون الْأَطْرَاف، ألاَّ ترى أَن الْيَد الصَّحِيحَة لَا تُؤْخَذ بيد شلاء؟ وَالنَّفس الصَّحِيحَة تُؤْخَذ بالمريضة؟ .
وَقَالَ أهْلُ العِلْمِ: يُقْتَلُ الرَّجُلُ بِالمْرَأةِ.
أَرَادَ بِأَهْل الْعلم الْجُمْهُور من الْعلمَاء فَإِن عِنْدهم: يقتل الرجل بِالْمَرْأَةِ، بِالنَّصِّ.
ويُذْكَرُ عنْ عُمَرَ: تُقادُ المَرأةُ مِنَ الرَّجُلِ فِي كلِّ عَمْدٍ يَبْلُغُ نَفْسَهُ فَما دُونَها مِنَ الجِراحِ.
أَي: يذكر عَن عمر بن الْخطاب: تقتص الْمَرْأَة من الرجل، يَعْنِي: إِذا قتلت الرجل فِي قتل الْعمد الَّذِي يبلغ نفس الرجل فَمَا دونهَا من الْجراح، يَعْنِي فِي: كل عُضْو من أعضائها عِنْد قطعهَا من أَعْضَاء الرجل، وَفِيه الْخلاف الَّذِي ذَكرْنَاهُ آنِفا.
وَهَذَا الْأَثر وَصله سعيد بن مَنْصُور من طَرِيق النَّخعِيّ قَالَ: فِيمَا جَاءَ بِهِ عُرْوَة الْبَارِقي إِلَى شُرَيْح من عِنْد عمر، قَالَ: جروح الرِّجَال وَالنِّسَاء سَوَاء. قلت: لم يَصح سَماع النَّخعِيّ من شُرَيْح فَلذَلِك ذكر البُخَارِيّ أثر عمر هَذَا بِصِيغَة التمريض.
وبِهِ قَالَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيزِ وإبْراهِيمُ وأبُو الزِّنادِ عنْ أصْحابِهِ.
أَي: وَبِمَا رُوِيَ عَن عَمْرو بن الْخطاب قَالَ عَمْرو بن عبد الْعَزِيز وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَأَبُو الزِّنَاد بالزاي وَالنُّون عبد الله بن(24/47)
ذكْوَان الْمدنِي. قَوْله: عَن أَصْحَابه أَي: عَن أَصْحَاب أبي الزِّنَاد مثل عبد الرحمان بن هُرْمُز الْأَعْرَج وَالقَاسِم بن مُحَمَّد وَعُرْوَة بن الزبير وَغَيرهم. وَأثر عمر بن عبد الْعَزِيز وَإِبْرَاهِيم أخرجه ابْن أبي شيبَة من طَرِيق الثَّوْريّ عَن جَعْفَر بن برْقَان عَن عمر بن عبد الْعَزِيز وَعَن مُغيرَة عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ قَالَا: الْقصاص بَين الرجل وَالْمَرْأَة فِي الْعمد سَوَاء. وَأثر أبي الزِّنَاد أخرجه الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق عبد الرحمان بن أبي الزِّنَاد عَن أَبِيه. قَالَ: كل من أدْركْت من فقهائنا وَذكر السَّبْعَة فِي مشيخة سواهُم أهل فقه وَفضل وَدين، قَالَ: رُبمَا اخْتلفُوا فِي الشَّيْء فأخذنا بقول أَكْثَرهم وأفضلهم رَأيا أَنهم كَانُوا يَقُولُونَ: الْمَرْأَة تقاد بِالرجلِ عينا بِعَين وأذناً بأذن وكل شَيْء من الْجَوَارِح على ذَلِك وَإِن قَتلهَا قتل بهَا.
وجَرَحَتْ أُخْتُ الرُّبَيِّعِ إنْساناً فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم القِصاصُ
هَذَا تَعْلِيق من البُخَارِيّ: وَالربيع بِضَم الرَّاء وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف مصغر الرّبيع ضد الخريف بنت النَّضر بِفَتْح النُّون وَسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة وَالصَّوَاب: بنت النَّضر عمَّة أنس، وَقَالَ الْكرْمَانِي: قيل صَوَابه حذف لفظ الْأُخْت وَهُوَ الْمُوَافق لما مر فِي سُورَة الْبَقَرَة فِي آيَة: {كتب عَلَيْكُم الْقصاص} أَن الرّبيع نَفسهَا كسرت ثنية جَارِيَة ... إِلَى آخِره اللَّهُمَّ إلاَّ أَن يُقَال: هَذِه امْرَأَة أُخْرَى، لكنه لم ينْقل عَن أحد. انْتهى. قلت: وَقد ذكر جمَاعَة أَنَّهُمَا قضيتان، وَقَالَ النَّوَوِيّ: قَالَ الْعلمَاء: الْمَعْرُوف رِوَايَة البُخَارِيّ وَيحْتَمل أَن تَكُونَا قضيتين، وَجزم ابْن حزم أَنَّهُمَا قضيتان صحيحتان وقعتا لامْرَأَة وَاحِدَة. إِحْدَاهمَا أَنَّهَا جرحت إنْسَانا فقضي عَلَيْهَا بِالضَّمَانِ، وَالْأُخْرَى أَنَّهَا كسرت ثنية جَارِيَة فقضي عَلَيْهَا بِالْقصاصِ، وَحلفت أمهَا فِي الأولى وأخوها فِي الثَّانِيَة، وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ بعد أَن أورد الرِّوَايَتَيْنِ: ظَاهر الْخَبَرَيْنِ يدل على أَنَّهُمَا قضيتان. قَوْله: الْقصاص، بِالنّصب على الإغراء وَهُوَ التحريض على الْأَدَاء أَي: أدوه، وَفِي رِوَايَة النَّسَفِيّ: كتاب الله الْقصاص، قيل: الْجراحَة غير مضبوطة فَلَا يتَصَوَّر التكافؤ فِيهَا. وَأجِيب قد تكون مضبوطة، وَجوز بَعضهم: الْقصاص، على وَجه التَّحَرِّي.
6886 - حدّثنا عَمْرُو بنُ عَلِيَ، حدّثنا يَحْياى، حدّثنا سُفْيانُ، حدّثنا مُوساى بنُ أبي عائِشَةَ، عنْ عُبَيْدِ الله بنِ عَبْدِ الله عنْ عائِشَةَ، رَضِي الله عَنْهَا، قالَتْ: لَدَدْنا النبيَّ فِي مَرَضِهِ، فَقَالَ: لَا تَلُدُّونِي فَقُلْنا: كَراهِيَةُ المَرِيضِ لِلدَّواءِ فَلمَّا أفاقَ قَالَ: لَا يَبْقَى أحَدٌ مِنْكُمْ إلاّ لُدَّ غَيْرَ العَبَّاسِ فإنَّهُ لَمْ يَشْهَدْكُمْ
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ قصاص الرجل من الْمَرْأَة لِأَن الَّذين لدوه كَانُوا رجَالًا وَنسَاء، بل أَكثر الْبَيْت كَانُوا نسَاء.
وَعَمْرو بن عَليّ بن بَحر أَبُو حَفْص الْبَاهِلِيّ الْبَصْرِيّ الصَّيْرَفِي وَهُوَ شيخ مُسلم أَيْضا، وَيحيى هُوَ ابْن سعيد الْقطَّان، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ، ومُوسَى بن أبي عَائِشَة الْهَمدَانِي الْكُوفِي أَبُو بكر، وَعبيد الله بن عبد الله بتصغير الابْن وتكبير الْأَب ابْن عتبَة بن مَسْعُود.
والْحَدِيث مضى فِي: بَاب مرض النَّبِي ووفاته.
قَوْله: لددنا مُشْتَقّ من اللدود وَهُوَ مَا يصب فِي المسعط من الدَّوَاء فِي أحد شقي الْفَم، وَقد لد الرجل فَهُوَ ملدود وألددته أَنا والتد هُوَ. قَوْله: لَا تلدوني بِضَم اللَّام. قَوْله: كَرَاهِيَة الْمَرِيض للدواء يَعْنِي: لم ينهنا نهي تَحْرِيم بل نهي تَنْزِيه لِأَنَّهُ كرهه كَرَاهِيَة الْمَرِيض الدَّوَاء. قَوْله: إلاَّ لد بِلَفْظ الْمَجْهُول أَي: لَا يبْقى أحد إلاَّ لد قصاصا ومكافأة لفعلهم. وَقَالَ الْكرْمَانِي: يحْتَمل أَن يكون ذَلِك عُقُوبَة لَهُم لمخالفتهم نَهْيه، وَقَالَ الْخطابِيّ. فِيهِ: حجَّة لمن رأى فِي اللَّطْمَة وَنَحْوهَا من الإيلام وَالضَّرْب الْقصاص على جِهَة التَّحَرِّي، وَإِن لم يُوقف على حَده، لِأَن اللدود يتَعَذَّر ضَبطه وَتَقْدِيره: على حد لَا يتَجَاوَز وَلَا يُوقف عَلَيْهِ إلاَّ بِالتَّحَرِّي. قَوْله: فَإِنَّهُ لم يشهدكم أَي: لم يحضركم.
(مَنْ أخَذَ حَقَّهُ أوِ اقْتَصَّ دُونَ السُّلْطانِ)(24/48)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان من أَخذ حَقه من جِهَة غَرِيمه بِغَيْر حكم حَاكم. قَوْله: أَو اقْتصّ مِمَّن وَجب لَهُ قصاص فِي نفس أَو طرف. قَوْله: دون السُّلْطَان يَعْنِي بِغَيْر أَمر السُّلْطَان، وَمرَاده بالسلطان الْحَاكِم لِأَن من لَهُ حكم لَهُ تسلط وَالنُّون فِيهِ زَائِدَة، وَجَوَاب: من، غير مَذْكُور، وَفِيه بَيَان الحكم وَلم يذكرهُ على عَادَته إِمَّا اكْتِفَاء بِمَا ذكر فِي حَدِيث الْبَاب، وَإِمَّا اعْتِمَادًا على ذهن مستنبط الحكم من الْخَبَر. وَقَالَ ابْن بطال: اتّفق أَئِمَّة الْفَتْوَى على أَنه لَا يجوز لأحد أَن يقْتَصّ من حَقه دون السُّلْطَان. قَالَ: وَإِنَّمَا اخْتلفُوا فِيمَن أَقَامَ الْحَد على عَبده، وَقد تقدم. قَالَ: وَأما أَخذ الْحق فَإِنَّهُ يجوز عِنْدهم أَن يَأْخُذ حَقه من المَال خَاصَّة إِذا جَحده إِيَّاه وَلَا بَيِّنَة لَهُ عَلَيْهِ، وَقيل: إِذا كَانَ السُّلْطَان لَا ينصر الْمَظْلُوم وَلَا يوصله إِلَى حَقه جَازَ لَهُ أَن يقْتَصّ دون الإِمَام.
6887 - حدّثنا أَبُو اليَمانِ، أخبرنَا شُعَيْبٌ، حدّثنا أبُو الزِّنادِ أنَّ الأعْرَجَ حَدَّثَهُ أنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: إنَّهُ سَمِعَ رسولَ الله يَقُولُ نَحْنُ الآخِرُونَ السَّابِقُونَ
قيل: لَا مُطَابقَة أصلا بَين التَّرْجَمَة والْحَدِيث الْمَذْكُور. وَقَالَ صَاحب التَّوْضِيح أَدخل هَذَا الحَدِيث فِي الْبَاب وَلَيْسَ مِنْهُ لِأَنَّهُ سمع الْحَدِيثين مَعًا. قلت: يَعْنِي: سمع هَذَا الحَدِيث والْحَدِيث الَّذِي بعده فِي نسق وَاحِد فَحدث بهما جَمِيعًا كَمَا سمعهما، وَبِهَذَا أجَاب الْكرْمَانِي قبله، وَأجَاب الْكرْمَانِي بجوابين أَيْضا: أَحدهمَا: أَن الرَّاوِي عَن أبي هُرَيْرَة سمع مِنْهُ أَحَادِيث أَولهَا ذَلِك فَذكرهَا على التَّرْتِيب الَّذِي سَمعه مِنْهُ، وَالْآخر: كَانَ أول الصَّحِيفَة ذَلِك فَاسْتَفْتَحَ بِذكرِهِ. انْتهى.
ثمَّ إِنَّه أخرج هَذَا الحَدِيث عَن أبي الْيَمَان الحكم بن نَافِع عَن شُعَيْب بن أبي حَمْزَة عَن أبي الزِّنَاد بالزاي وَالنُّون عبد الله بن ذكْوَان عَن عبد الرحمان بن هُرْمُز الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة وَاخْتَصَرَهُ، وَقد مر فِي آواخر كتاب الْوضُوء فِي: بَاب الْبَوْل فِي المَاء الدَّائِم، بِعَين هَذَا الْإِسْنَاد عَن أبي الْيَمَان ... الخ.
قَوْله: نَحن الْآخرُونَ يَعْنِي: فِي الدُّنْيَا وَالسَّابِقُونَ فِي الْآخِرَة، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: نَحن الْآخرُونَ السَّابِقُونَ يَوْم الْقِيَامَة.
6888 - وبِإسْنادِهِ: لَوِ اطَّلَعَ فِي بَيْتِكَ أحَدٌ، ولَمْ تَأذَنْ لهُ خَذَفْتَهُ بِحَصاةٍ فَفَقَأتَ عَيْنَهُ مَا كانَ عَلَيْكَ مِنْ جُناحٍ
هَذَا الحَدِيث يُطَابق التَّرْجَمَة وَسَيَأْتِي عَن قريب. قَوْله: وبإسناده أَي: بِإِسْنَاد الحَدِيث الْمُتَقَدّم.
قَوْله لَو اطلع بتَشْديد الطَّاء. وَقَوله: أحد فَاعله قَوْله: وَلم يَأْذَن لم قيد بِهِ لِأَنَّهُ لَو أذن لَهُ بذلك ففقأ عينه بحصاة أَو نواة وَنَحْوهمَا يلْزمه الْقصاص. قَوْله: خذفته بِالْخَاءِ والذال المعجمتين، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر والقابسي بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالْأول أوجه لِأَنَّهُ ذكر الْحَصَاة وَالرَّمْي بالحصاة الْخذف بِالْمُعْجَمَةِ وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: الرِّوَايَة بِالْمُهْمَلَةِ خطأ لِأَن فِي نفس الْخَبَر أَنه الرَّمْي بالحصاة وَهُوَ بِالْمُعْجَمَةِ جزما، وَهَذَا الرَّمْي إِمَّا أَن يكون بَين الْإِبْهَام والسبابة، وَإِمَّا بَين السبابتين. قَوْله: ففقأت عينه أَي: فقلعتها. وَقَالَ ابْن القطاع: فَقَأَ عينه أطفأ ضوءها. قَوْله: من جنَاح بِالضَّمِّ أَي: من إِثْم أَو مُؤَاخذَة، وَفِي رِوَايَة لِابْنِ أبي عَاصِم: من حرج بدل جنَاح، ويروى: مَا كَانَ عَلَيْهِ فِي ذَلِك من شَيْء، وَفِي رِوَايَة أُخْرَى: يحل لَهُم فقء عينه، ويروى من حَدِيث ثَوْبَان مَرْفُوعا. لَا يحل لأمرىء من الْمُسلمين أَن ينظر فِي جَوف بَيت حَتَّى يسْتَأْذن فَإِن فعل فقد دخل. وَقَالَ الطَّحَاوِيّ: لم أجد لِأَصْحَابِنَا فِي الْمَسْأَلَة نصا غير أَن أصلهم أَن من فعل شَيْئا دفع بِهِ عَن نَفسه مِمَّا لَهُ فعله أَنه لَا ضَمَان عَلَيْهِ مِمَّا تلف مِنْهُ، كالمعضوض: إِذا انتزع يَده من فِي العاض لِأَنَّهُ دفع عَن نَفسه. وَقَالَ أَبُو بكر الرَّازِيّ: لَيْسَ هَذَا بِشَيْء، ومذهبهم أَنه يضمن لِأَنَّهُ يُمكنهُ أَن يَدْفَعهُ عَن الِاطِّلَاع من غير فقء الْعين، بِخِلَاف المعضوض لِأَنَّهُ لم يُمكنهُ خلاصه إلاَّ بِكَسْر سنّ العاض، وروى ابْن عبد الحكم عَن مَالك: أَن عَلَيْهِ الْقود، وَقَالَت الْمَالِكِيَّة: الحَدِيث خرج مخرج التَّغْلِيظ.
6889 - حدّثنا مُسَدَّدٌ، حدّثنا يَحْيى، عنْ حُمَيْد: أنَّ رَجُلاً اطَّلَعَ فِي بَيْتِ النَّبيّ(24/49)
ِ فَسَدَّدَ إلَيْهِ مِشْقَصاً فَقُلْتُ مَنْ حَدَّثَكَ بِهَذا؟ قَالَ: أنَسُ بنُ مالِكٍ.
(انْظُر الحَدِيث 6242 وطرفه)
قَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: هَذَا الحَدِيث لَا يُطَابق التَّرْجَمَة لِأَنَّهُ هُوَ الإِمَام الْأَعْظَم فَلَا يدل على جَوَاز ذَلِك لآحاد النَّاس. قلت: حكم أَقْوَاله وأفعاله عَام متناول للْأمة إلاَّ مَا دلّ دَلِيل على تَخْصِيصه بِهِ.
وَيحيى هُوَ ابْن سعيد الْقطَّان، وَحميد هُوَ الطَّوِيل.
وَهَذَا الحَدِيث مُرْسل أَولا وَمُسْندًا آخرا. قَالَ الْكرْمَانِي. قلت: كَونه مُرْسلا أَولا لِأَن حميدا لم يدْرك الْقِصَّة، وَكَونه مُسْندًا آخرا لِأَنَّهُ قَالَ: من حَدثَك بِهَذَا؟ قَالَ: أنس
قَوْله: أَن رجلا اطلع بتَشْديد الطَّاء. قَوْله: فسدد إِلَيْهِ بِالسِّين الْمُهْملَة وَتَشْديد الدَّال الأولى أَي: صوب وفاعله النَّبِي ومشقصاً مَفْعُوله وَهُوَ بِكَسْر الْمِيم وبالقاف وبالصاد الْمُهْملَة النصل العريض أَو السهْم الَّذِي فِيهِ ذَلِك، وَقَالَ ابْن التِّين: روينَاهُ بتَشْديد الشين الْمُعْجَمَة أَي: أوثقه. قَالَ: وَرُوِيَ بِالسِّين الْمُهْملَة أَي قومه وهداه إِلَى ناحيته. قَوْله: من حَدثَك الْقَائِل يحيى لحميد. قَوْله: قَالَ: أنس بن مَالك أَي: حَدثنِي أنس بن مَالك، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
16 - (بابٌ إِذا ماتَ فِي الزِّحامِ أوْ قُتِلَ)
أَي: هَذَا بَاب مترجم بِمَا إِذا مَاتَ شخص فِي الزحام أَو قتل، وَفِي رِوَايَة ابْن بطال: أَو قتل بِهِ، أَي: بالزحام، وَلم يذكر جَوَاب: إِذا، الَّذِي هُوَ الحكم لمَكَان الِاخْتِلَاف فِيهِ، على مَا سَيَجِيءُ بَيَانه عَن قريب إِن شَاءَ الله.
6890 - حدّثني إسْحاقُ بنُ مَنْصُورٍ، أخبرنَا أبُو أُسامَة قَالَ: هِشامٌ أخبرنَا عَن أبِيهِ، عنْ عائِشَةَ قالَتْ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ هُزِمَ المُشْرِكُونَ، فَصاحَ إبْلِيسُ: أيْ عِبادَ الله أُخْرَاكُمْ، فَرَجَعَتْ أولاهُمْ فاجْتَلَدَتْ هِيَ وأُخْراهُمْ، فَنَظَرَ حُذَيْفَةُ فَإِذا هُوَ بِأبِيهِ اليَمانِ فَقَالَ: أيْ عِبادَ الله أبي أبي قالَتْ: فَوَالله مَا احْتَجَزُوا حتَّى قَتَلُوهُ. فَقَالَ حُذَيْفَةُ: غَفَرَ الله لَكُمْ.
قَالَ عُرْوَةُ: فَما زالَتْ فِي حُذَيْفَةَ منْهُ بَقيَّةٌ حتَّى لَحِقَ بِالله.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: فوَاللَّه مَا احتجزوا حَتَّى قَتَلُوهُ لأَنهم كَانُوا متزاحمين عَلَيْهِ.
قَوْله: حَدثنِي إِسْحَاق ويروى: أخبرنَا. وَأما إِسْحَاق هَذَا فقد قَالَ الغساني: لَا يَخْلُو أَن يُرَاد بِهِ إِمَّا ابْن مَنْصُور وَإِمَّا ابْن نصر وَإِمَّا ابْن إِبْرَاهِيم الْحَنْظَلِي. قلت: وَقع فِي بعض النّسخ: إِسْحَاق بن مَنْصُور، بِذكر أَبِيه، وَأَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة، وَهِشَام هُوَ ابْن عُرْوَة بن الزبير.
قَوْله: قَالَ: هِشَام أخبرنَا عَن أَبِيه من تَقْدِيم اسْم الرَّاوِي على الصِّيغَة.
قَوْله: هزم على بِنَاء الْمَجْهُول. قَوْله: أَي عباد الله أَي: يَا عباد الله أخراكم أَي: قَاتلُوا أخراكم. قَوْله: فاجتلدت من الْجلد وَهُوَ الْقُوَّة وَالصَّبْر. قَوْله: الْيَمَان اسْم أبي حُذَيْفَة. قَوْله: أبي أبي أَي: هَذَا أبي لَا تقتلوه. قَوْله: فَمَا احتجزوا أَي: فَمَا امْتَنعُوا وَمَا انفكوا، وَيُقَال: فَمَا تَرَكُوهُ، وَمن ترك شَيْئا فقد انحجز عَنهُ. قَوْله: قَتَلُوهُ أَي: الْمُسلمُونَ قَتَلُوهُ. قَوْله: مِنْهُ قَالَ بَعضهم: أَي من ذَلِك الْفِعْل، وَهُوَ الْعَفو. قلت: الظَّاهِر أَن الْمَعْنى أَي: من قَتلهمْ الْيَمَان. قَوْله: بَقِيَّة أَي: بَقِيَّة خير، قَالَه الْكرْمَانِي، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ عَن قريب فِي: بَاب الْعَفو عَن الْخَطَأ، وَمر مطولا فِي غَزْوَة أحد.
وَاخْتلفُوا فِي حكم التَّرْجَمَة الْمَذْكُورَة، فَروِيَ عَن عمر وَعلي، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا: أَن دِيَته تجب فِي بَيت المَال، وَبِه قَالَ إِسْحَاق، وَقَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ: إِن دِيَته تجب على من حضر، وَقَالَ الشَّافِعِي: يُقَال لوَلِيِّه، أدع على من شِئْت واحلف، فَإِن حلف اسْتحق الدِّيَة، وَإِن نكل حلف الْمُدعى عَلَيْهِ على النَّفْي، وَسَقَطت الْمُطَالبَة. وَقَالَ مَالك: دَمه هدر.
17 - (بابٌ إِذا قَتَلَ نَفْسَهُ خَطأَ فَلا دِيَةَ لهُ)
أَي: هَذَا بَاب فِيهِ إِذا قتل شخص نَفسه خطأ أَي: مخطئاً أَي: قتلا خطأ فَلَا دِيَة لَهُ أَي: فَلَا تجب الدِّيَة لَهُ، وَزَاد الْإِسْمَاعِيلِيّ(24/50)
وَلَا إِذا قتل نَفسه عمدا. وَقَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ: وَلَيْسَ مطابقاً لما بوب لَهُ. قلت: إِنَّمَا قَالَ: خطأ، لمحل الْخلاف فِيهِ. قَالَ ابْن بطال، قَالَ الْأَوْزَاعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق: تجب دِيَته على عَاقِلَته فَإِن عَاشَ فَهِيَ لَهُ عَلَيْهِم وَإِن مَاتَ فَهِيَ لوَرثَته. وَقَالَ الْجُمْهُور، مِنْهُم: ربيعَة وَمَالك وَالثَّوْري وَأَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: لَا شَيْء فِيهِ. وَحَدِيث الْبَاب حجَّة لَهُم حَيْثُ لم يُوجب الشَّارِع لعامر بن الْأَكْوَع دِيَة على عَاقِلَته وَلَا على غَيرهَا، وَلَو وَجب عَلَيْهَا شَيْء لبينه لِأَنَّهُ مَكَان يحْتَاج فِيهِ إِلَى الْبَيَان، إِذْ لَا يجوز تَأْخِير الْبَيَان عَن وَقت الْحَاجة، وَالنَّظَر يمْنَع أَن يجب للمرء على نَفسه شي بِدَلِيل الْأَطْرَاف فَكَذَا الْأَنْفس. وَأَجْمعُوا على أَنه إِذا قطع طرفا من أَطْرَافه عمدا أَو خطأ لَا يجب فِيهِ شَيْء. قَالَ الْكرْمَانِي: إِن لفظ: فَلَا دِيَة لَهُ، فِي التَّرْجَمَة الْمَذْكُورَة لَا وَجه لَهُ، وموضعه اللَّائِق بِهِ التَّرْجَمَة السَّابِقَة أَي: إِذا مَاتَ فِي الزحام فَلَا دِيَة لَهُ على المزاحمين عَلَيْهِ، لظُهُور: أَن قَاتل نَفسه لَا دِيَة لَهُ، وَلَعَلَّه من تَصَرُّفَات النقلَة عَن نُسْخَة الأَصْل. وَقَالَت الظَّاهِرِيَّة: دِيَته على عَاقِلَته، فَرُبمَا أَرَادَ البُخَارِيّ بِهَذَا ردهم. انْتهى. قلت: على هَذَا لَا وَجه لقَوْله: وموضعه اللَّائِق بِهِ التَّرْجَمَة السَّابِقَة، بل اللَّائِق بِهِ أَن يذكر فِي الترجمتين جَمِيعًا. فَافْهَم.
6891 - حدّثنا المَكّيُّ بنُ إبْراهِيمَ، حدّثنا يَزيدُ بنُ أبي عُبَيْدٍ، عنْ سَلَمَةَ قَالَ: خَرَجْنا مَعَ النَّبيِّ إِلَى خَيْبَرَ، فَقَالَ رَجُل مِنْهُمْ: أسْمِعْنا يَا عامِرُ مِنْ هُنَيَّاتِكَ، فَحَدَا بِهِمْ فَقَالَ النبيُّ مَنْ السَّائِقُ قالُوا: عامِرٌ. فَقَالَ: رَحِمَهُ الله فقالُوا: يَا رسولَ الله هَلاَّ أمْتَعْتَنا بِهِ؟ فأُصيبَ صَبِيحَةَ لَيْلَتِهِ فقالَ القَوْمُ: حَبطَ عَمَلُهُ قَتَلَ نَفْسَهُ، فَلمَّا رَجَعْتُ وهُمْ يَتَحَدَّثُونَ أنَّ عامِراً حَبِطَ عَمَلُهُ، فَجِئْتُ إِلَى النَّبيِّ فَقُلْتُ يَا نَبِيَّ الله فَداكَ أبي وأُمِّي زَعَمُوا أَن عامِراً حَبِطَ عَمَلُهُ؟ فقالَ: كَذَبَ مَنْ قالَها، إنَّ لهُ لأجْرَيْنِ اثْنَيْنِ: إنَّهُ لَجَاهِدٌ مُجاهِدٌ وأيُّ قَتْلٍ يَزِيدُهُ عَلَيْهِ؟
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه لم يحكم بِالدِّيَةِ لوَرَثَة عَامر على عَاقِلَته أَو على بَيت مَال الْمُسلمين.
وَيزِيد من الزِّيَادَة ابْن أبي عبيد مولى سَلمَة بن الْأَكْوَع بِفتْحَتَيْنِ ابْن عَمْرو بن الْأَكْوَع واسْمه سِنَان الْأَسْلَمِيّ.
وَهَذَا الحَدِيث هُوَ التَّاسِع عشر من ثلاثيات البُخَارِيّ، وَقد مضى فِي الْمَغَازِي عَن القعْنبِي، وَفِي الْأَدَب عَن قُتَيْبَة، وَفِي الْمَظَالِم عَن أبي عَاصِم النَّبِيل، وَفِي الذَّبَائِح عَن مكي بن إِبْرَاهِيم، وَفِي الدَّعْوَات عَن مُسَدّد. وَأخرجه مُسلم وَابْن مَاجَه أَيْضا. وَقد مضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: إِلَى خَيْبَر هِيَ قَرْيَة كَانَت للْيَهُود نَحْو أَربع مراحل من الْمَدِينَة إِلَى الشَّام. قَوْله: أسمعنا بِفَتْح الْهمزَة أَمر من الإسماع. وعامر هُوَ عَم سَلمَة، وَقيل: أَخُوهُ. قَوْله: من هنياتك بِضَم الْهَاء وَفتح النُّون وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف جمع هنيَّة وَقد تبدل الْيَاء هَاء فَيُقَال: هنيهة، وَيجمع على هنيهات، وَأَرَادَ بهَا الأراجيز، وَوَقع فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي بِحَذْف الْيَاء. قَوْله: فحدا بهم أَي: ساقهم منشداً للأراجيز. قَوْله: أمتعتنا بِهِ أَي: وَجَبت لَهُ الشَّهَادَة بدعائك وليتك تركته لنا وَكَانُوا قد عرفُوا أَنه لَا يَدْعُو لأحد خَاصَّة عِنْد الْقِتَال إلاَّ اسْتشْهد. قَوْله: فأصيب على صِيغَة الْمَجْهُول أَي: فأصيب عَامر صَبِيحَة ليلته تِلْكَ. قَوْله: فَلَمَّا رجعت الْقَائِل بِهِ عَامر. قَوْله: وهم يتحدثون الْوَاو فِيهِ للْحَال. قَوْله: اثْنَيْنِ تَأْكِيد لقَوْله: أَجْرَيْنِ قَوْله: لجاهد مُجَاهِد كِلَاهُمَا اسْم الْفَاعِل الأول من جهد وَالثَّانِي من جَاهد مجاهدة، وَمَعْنَاهُ: جَاهد فِي الْخَيْر مُجَاهِد فِي سَبِيل الله، وَقَالَ الْكرْمَانِي: ويروى أَنه لجاهد بِلَفْظ الْمَاضِي مُجَاهِد بِفَتْح الْمِيم جمع مجهد يَعْنِي: حضر مَوَاطِن من الْجِهَاد عدَّة مُجَاهِد. قَوْله: وَأي قتل يزِيدهُ عَلَيْهِ أَي: أَي قتل يزِيدهُ الْأجر على أجره؟ ويروى: يزِيد، بِدُونِ الْهَاء، وَقيل: أَي أَنه بلغ أرقى الدَّرَجَات وَفضل النِّهَايَة. وَفِي التَّوْضِيح وَإِنَّمَا قَالُوا: حَبط عمله، لقَوْله تَعَالَى: {وَلَا تقتلُوا أَنفسكُم} وَهَذَا إِنَّمَا هُوَ فِيمَن يتَعَمَّد قتل نَفسه، إِذْ الْخَطَأ لَا ينْهَى عَنهُ أحد، وَقَالَ الدَّاودِيّ: وَيحْتَمل أَن يكون هَذَا قبل قَوْله تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لمُؤْمِن أَن يقتل مُؤمنا إِلَّا خطأ}(24/51)
18 - (بابٌ إِذا عَضَّ رَجُلاً فَوَقَعَتْ ثَناياهُ)
أَي: هَذَا بَاب فِيهِ إِذا عض رجل رجلا، والعض هُوَ الْقَبْض بالأسنان، يُقَال: عضه وعض بِهِ وعض عَلَيْهِ. قَوْله: فَوَقَعت ثناياه أَي: ثنايا العاض. وَهُوَ جمع ثنية وَهُوَ مقدم الْأَسْنَان، وَجَوَاب إِذا مَحْذُوف تَقْدِيره: هَل يلْزمه شَيْء أم لَا؟ وَاخْتلف الْعلمَاء فِيهِ فَقَالَت طَائِفَة: من عض يَد رجل فَانْتزع المعضوض يَده من فَم العاض فَقلع شَيْئا من أَسْنَان العاض فَلَا شَيْء عَلَيْهِ فِي السن، رُوِيَ هَذَا عَن أبي بكر الصّديق وَشُرَيْح، وَهُوَ قَول الْكُوفِيّين وَالشَّافِعِيّ، قَالُوا: وَلَو جرحه المعضوض فِي مَوضِع آخر فَعَلَيهِ ضَمَانه. وَقَالَ ابْن أبي ليلى وَمَالك: هُوَ ضَامِن لدية السن، وَقَالَ عُثْمَان البتي: إِن كَانَ انتزعها من ألم أَو وجع أَصَابَهُ فَلَا شَيْء عَلَيْهِ، وَإِن انتزعها من غير ألم فَعَلَيهِ الدِّيَة، وَحَدِيث الْبَاب حجَّة الْأَوَّلين.
6892 - حدّثنا آدَمُ، حدّثنا شُعْبَةُ، حدّثنا قَتادَةُ قَالَ: سَمِعْتُ زُرارَةَ بن أوْفاى عنْ عِمْرانَ بنِ حَصَيْنٍ: أنَّ رَجُلاً عَضَّ يَدَ رَجُلٍ فَنَزَعَ يَدَهُ مِن فَمِهِ فَوَقَعَتْ ثَنِيَّتاهُ، فاخْتَصَمُوا إِلَى النَّبيِّ فَقَالَ: يَعَضُّ أحَدُكُمْ أخاهُ كَمَا يَعَضُّ الفَحْلُ؟ لَا دِيَةَ لَكَ
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه يُوضح مَا فِيهَا من الْإِبْهَام.
وزرارة بِضَم الزَّاي وَتَخْفِيف الرَّاء الأولى ابْن أوفى بِالْفَاءِ من الْوَفَاء أَبُو حَاجِب العامري قَاضِي الْبَصْرَة.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْحُدُود عَن أبي مُوسَى وَبُنْدَار، وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الدِّيات عَن عَليّ بن حشرم. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْقصاص عَن ابْن بشار وَابْن الْمثنى وَغَيرهمَا. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الدِّيات عَن عَليّ بن مُحَمَّد.
قَوْله: أَن رجلا عض يَد رجل كِلَاهُمَا هُنَا مبهمان، وَوَقع فِي رِوَايَة مُسلم بِهَذَا السَّنَد عَن عمرَان قَالَ: قَاتل يعلى بن أُميَّة رجلا فعض أَحدهمَا صَاحبه ... الحَدِيث وَيُسْتَفَاد مِنْهُ تعْيين أحد المبهمين، وَأَنه يعلى بن أُميَّة، وَلَكِن لم يُمَيّز العاض من المعضوض. وَوَقع فِي صَحِيح مُسلم فِي حَدِيث عمرَان قَالَ: قَاتل يعلى بن منية أَو ابْن أُميَّة رجلا فعض أَحدهمَا صَاحبه، وَوَقع أَيْضا فِيهِ وَفِي البُخَارِيّ من حَدِيث يعلى بن أُميَّة. قَالَ كَانَ لي أجِير فقاتل إنْسَانا فعض أَحدهمَا يَد الآخر، قَالَ: لقد أَخْبرنِي صَفْوَان أَيهمَا عض الآخر فَنسيته، وَلمُسلم من رِوَايَة صَفْوَان بن يعلى أَن أَجِيرا ليعلى بن أُميَّة عض رجل ذراعه فجذبها. انْتهى فَتعين من هَذَا أَن يعلى هُوَ العاض وَلَا يُنَافِيهِ قَوْله فِي الصَّحِيحَيْنِ كَانَ لي أجِير فقاتل إنْسَانا، لِأَنَّهُ يجوز أَن يكنى عَن نَفسه وَلَا يبين للسامعين أَنه العاض، كَمَا قَالَت عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا: قبَّل النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسلم، امْرَأَة من نِسَائِهِ، فَقَالَ لَهَا الرَّاوِي: وَمن هِيَ إلاَّ أَنْت؟ فَضَحكت. وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح مُسلم قَالَ الْحفاظ: الصَّحِيح الْمَعْرُوف أَن المعضوض هُوَ أجِير يعلى لَا يعلى، قَالَ: وَيحْتَمل أَنَّهُمَا قضيتان جرتا ليعلى وأجيره فِي وَقت أَو وَقْتَيْنِ، وَقَالَ شَيخنَا زين الدّين فِي شرح التِّرْمِذِيّ لَيْسَ فِي شَيْء من طرق مُسلم أَن يعلى هُوَ المعضوض، بل وَلَا فِي شَيْء من الْكتب السِّتَّة، وَالَّذِي عِنْد مُسلم: أَن أجِير يعلى هُوَ المعضوض وَيتَعَيَّن أَن يعلى هُوَ العاض، وَالله أعلم. قَوْله: فَنزع يَده من فَمه هَكَذَا رِوَايَة الْكشميهني: من فَمه، وَفِي رِوَايَة غَيره: من فِيهِ. قَوْله: فَوَقَعت ثنيتاه كَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، ثنيتاه، بالتثنية وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: ثناياه بِصِيغَة الْجمع وَوَقع فِي رِوَايَة هِشَام عَن قَتَادَة: فَسَقَطت ثنيته، بِالْإِفْرَادِ، وَوَقع فِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: فندرت ثنيته، والتوفيق بَين هَذِه الرِّوَايَات أَن الِاثْنَيْنِ يُطلق عَلَيْهِمَا صِيغَة الْجمع وَأَن رِوَايَة الْإِفْرَاد على إِرَادَة الْجِنْس، كَذَا قيل، وَلَكِن يُعَكر عَلَيْهِ رِوَايَة مُحَمَّد بن عَليّ: فَانْتزع إِحْدَى ثنيتيه، فعلى هَذَا يحمل على التَّعَدُّد. قَوْله: كَمَا يعَض الْفَحْل هُوَ الذّكر من الْحَيَوَان. قَوْله: لَا دِيَة لَك هَكَذَا رِوَايَة الْكشميهني: لَا دِيَة لَك وَفِي رِوَايَة غَيره: لَا دِيَة لَهُ، وَفِي رِوَايَة هِشَام: فأبطله، وَقَالَ: أردْت أَن تَأْكُل لَحْمه؟ .
6893 - حدّثنا أبُو عَاصِمِ، عنِ ابنِ جُرَيْجٍ، عنْ عَطاءٍ، عنْ صَفْوانَ بنِ يَعْلَى، عنْ أبِيهِ قَالَ: خَرَجْتُ فِي غَزْوَةٍ فَعَضَّ رَجُلٌ فانْتَزَعَ ثَنِيَّتَهُ، فأبْطَلَها النبيُّ(24/52)
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ إِيضَاح مَا أبهم فِي الحَدِيث السَّابِق.
وَأَبُو عَاصِم هُوَ الضَّحَّاك بن مخلد النَّبِيل، وَابْن جريج هُوَ عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج الْمَكِّيّ، وَعَطَاء هُوَ ابْن أبي رَبَاح الْمَكِّيّ، وَصَفوَان بن يعلى يروي عَن أَبِيه يعلى بِوَزْن يرضى من الْعُلُوّ بِالْعينِ الْمُهْملَة ابْن منية بِضَم الْمِيم وَسُكُون النُّون وَفتح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَهِي أمه، وَأما اسْم أَبِيه: فأمية، بِضَم الْهمزَة وَفتح الْمِيم وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف، وَقَالَ أَبُو عمر: يعلى بن أُميَّة بن أبي عُبَيْدَة التَّمِيمِي الْحَنْظَلِي وَيُقَال لَهُ: يعلى بن منية، ينْسب حينا إِلَى أَبِيه وحيناً إِلَى أمه، أسلم يَوْم الْفَتْح وَشهد حنيناً والطائف وتبوك، وَقتل سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ مَعَ عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، بصفين بعد أَن شهد الْجمل مَعَ عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، وَهَذَا السَّنَد وَقع هُنَا بعلو دَرَجَة وَمضى فِي الْإِجَارَة وَالْجهَاد والمغازي من طَرِيق ابْن جريج بنزول، لَكِن سَاقه فِيهَا بأتم مِمَّا هُنَا.
قَوْله فِي غَزْوَة وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: فِي غزَاة، وَثَبت ذَلِك فِي رِوَايَة سُفْيَان أَنَّهَا غَزْوَة تَبُوك، وَمثله فِي رِوَايَة ابْن علية بِلَفْظ: جَيش الْعسرَة، وَأبْعد من قَالَ: إِنَّه كَانَ فِي سفر كَانَ فِيهِ الْإِحْرَام بِعُمْرَة، وَاعْتمد فِي هَذَا على مَا رُوِيَ من حَدِيث يعلى فِي: بَاب من أحرم جَاهِلا وَعَلِيهِ قَمِيص ... الحَدِيث وَفِيه: عض رجل يَد رجل فَانْتزع ثنيته فأبطله النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم، لِأَن هَذَا مَحْمُول على أَن الرَّاوِي سمع الْحَدِيثين فأوردهما مَعًا عاطفاً لأَحَدهمَا على الآخر بِالْوَاو الَّتِي لَا تَقْتَضِي التَّرْتِيب. قَوْله: فعض رجل فَانْتزع ثنيته كَذَا وَقع هُنَا عِنْد البُخَارِيّ بالاختصار المجحف، وَقد بَينه الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق يحيى الْقطَّان عَن ابْن جريج وَلَفظه: قَاتل رجل آخر فعض يَده فَانْتزع يَده فاندرت ثنيته. قَوْله: فأبطلها النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَي: حكم بِأَن لَا ضَمَان على المعضوض.
19 - (بابٌ السِّنُّ بالسِّنِّ)
أَي: هَذَا بَاب فِيهِ السن يقْلع فِي مُقَابلَة السن إِذا قلعه أحد، وَقَالَ ابْن بطال: أَجمعُوا على قلع السن بِالسِّنِّ فِي الْعمد. وَاخْتلفُوا فِي سَائِر عِظَام الْجَسَد، فَقَالَ مَالك: فِيهَا الْقود إلاَّ مَا كَانَ مخوفا أَو كَانَ كالمأمومة والمنقلة والهاشمة فَفِيهَا الدِّيَة. وَقَالَ الشَّافِعِي وَاللَّيْث وَالْحَنَفِيَّة: لَا قصاص فِي عظم غير السن لِأَن دون الْعظم حَائِل من جلد وَلحم وَعصب تتعذر مَعَه الْمُمَاثلَة، وَقَالَ الطَّحَاوِيّ: اتَّفقُوا على أَنه لَا قصاص فِي عظم الرَّأْس فَيلْحق بِهِ سَائِر الْعِظَام، وَقَالَ بَعضهم: وَتعقب بِأَنَّهُ قِيَاس مَعَ وجود النَّص فَإِن فِي حَدِيث الْبَاب أَنَّهَا كسرت الثَّنية فَأمرت بِالْقصاصِ مَعَ أَن الْكسر لَا تطرد فِيهِ الْمُمَاثلَة. قلت: لَا يرد مَا ذكره لِأَن مُرَاده من قَوْله: سَائِر الْعِظَام هِيَ الَّتِي لَا تتَحَقَّق فِيهَا الْمُمَاثلَة.
6894 - حدّثنا الأنْصارِيُّ، حدّثنا حُمَيْدٌ، عنْ أنسٍ، رَضِي الله عَنهُ، أنَّ ابْنَةَ النَّضْرِ لَطَمَتْ جارِيَةً فَكَسَرَتْ ثَنِيَّتَها، فأتَوْا النَّبيَّ فأمَرَ بِالقِصاصِ
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. والأنصاري هُوَ مُحَمَّد بن عبد الله بن الْمثنى بن عبد الله بن أنس بن مَالك أَبُو عبد الله الْأنْصَارِيّ الْبَصْرِيّ، وَحميد بِالضَّمِّ الطَّوِيل.
وَهَذَا الحَدِيث هُوَ الموفي للعشرين من ثلاثيات البُخَارِيّ، وَسَماهُ البُخَارِيّ فِي سُورَة الْبَقَرَة حَيْثُ قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الله الْأنْصَارِيّ حَدثنَا حميد أَن أنسا حَدثهمْ عَن النَّبِي قَالَ: كتاب الله الْقصاص ...
قَوْله: إِن ابْنة النَّضر هِيَ الرّبيع بِضَم الرَّاء وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف، بنت النَّضر بِفَتْح النُّون وَسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة وَهُوَ جد أنس بن مَالك بن النَّضر بن ضَمْضَم، وَالربيع الْمَذْكُورَة عمَّة أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَتقدم فِي التَّفْسِير بِهَذَا السَّنَد: أَن الرّبيع عمته، وَفِي تَفْسِير الْمَائِدَة من رِوَايَة الْفَزارِيّ عَن حميد عَن أنس: كسرت عمَّة أنس، وَلأبي دَاوُد من طَرِيق مُعْتَمر عَن حميد عَن أنس: كسرت الرّبيع أُخْت أنس بن النَّضر. قَوْله: لطمت جَارِيَة وَفِي رِوَايَة الْفَزارِيّ: جَارِيَة من الْأَنْصَار، وَفِي رِوَايَة مُعْتَمر: امْرَأَة، بدل: جَارِيَة، وَهَذَا يُوضح أَن المُرَاد بالجارية الْمَرْأَة الشَّابَّة لَا الْأمة الرقيقة. قَوْله: فَأتوا النَّبِي أَي: فَأتى أهل الْجَارِيَة النَّبِي فطلبوا الْقصاص فَأمر بِالْقصاصِ وَقَالَ الْكرْمَانِي: سبق آنِفا أَنَّهَا جرحت، وَقَالَ هَاهُنَا: كسرت، وَالْجرْح غير الْكسر، ثمَّ أجَاب عَن ذَلِك فَنحْن نذكرهُ بِأَحْسَن مِنْهُ. فَقَوله: سبق آنِفا، أَشَارَ بِهِ(24/53)
إِلَى الحَدِيث الْمَذْكُور فِي: بَاب الْقصاص بَين الرِّجَال وَالنِّسَاء، وَقد مر عَن قريب، وَالْجَوَاب: أَنه ورد فِي الرّبيع حديثان مُخْتَلِفَانِ وحكمان اثْنَان فِي قضيتين مختلفتين لجارية وَاحِدَة، أحد الْحكمَيْنِ فِي جِرَاحَة جرحتها الرّبيع إنْسَانا فَقضى بِالْقصاصِ من تِلْكَ الْجراحَة، فَحَلَفت أَنه لَا تقتص مِنْهَا، فأبر الله قسمهَا وَرَضوا بِالدِّيَةِ. وَالثَّانِي: فِي ثنية امْرَأَة كسرتها فَقضى بِالْقصاصِ، فَحلف أَخُوهَا أنس بن النَّضر أَن لَا تقتص مِنْهَا، وَرَضوا بِالْأَرْشِ، وَكَانَ هَذَا قبل أحد، لِأَن أنس بن النَّضر قتل يَوْم أحد.
20 - (بابُ دِيةِ الأصابِعِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان دِيَة الْأَصَابِع هَل هِيَ مستوية أَو مُخْتَلفَة؟ .
6895 - حدّثنا آدَمُ، حدّثنا شُعْبَةُ، عنْ قتادَةَ، عنْ عِكْرِمَةَ، عنِ ابْن عَبَّاسٍ عَن النَّبيِّ قَالَ: هاذِهِ وهاذِهِ سَواءٌ يعْني: الخِنْصَرَ والإبْهامَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه أوضح الحكم فِي التَّرْجَمَة.
والْحَدِيث أخرجه أَبُو دَاوُد فِي الدِّيات عَن نصر بن عَليّ وَغَيره. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن بنْدَار عَن يحيى. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن نصر بن عَليّ بِهِ وَغَيره. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن عَليّ بن مُحَمَّد وَغَيره.
قَوْله: سَوَاء يَعْنِي: فِي الدِّيَة، والخنصر بِالْكَسْرِ الإصبع الصُّغْرَى.
وَثَبت فِي كتاب الدِّيات الَّذِي كتبه سيدنَا رَسُول الله لآل عَمْرو بن حزم أَنه قَالَ فِي: الْيَد خَمْسُونَ من الْإِبِل فِي كل إِصْبَع عشر من الْإِبِل، وَأجْمع الْعلمَاء على أَن فِي الْيَد نصف الدِّيَة، وأصابع الْيَد وَالرجل سَوَاء، وعَلى هَذَا أَئِمَّة الْفَتْوَى، وَلَا فضل لبَعض الْأَصَابِع عِنْدهم على بعض. وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: روينَا عَن عمر وَعلي وَعُرْوَة بن الزبير تَفْضِيل بعض الْأَصَابِع على بعض، روى الثَّوْريّ وَحَمَّاد بن زيد بن يحيى بن سعيد عَن ابْن الْمسيب: أَن عمر جعل فِي الْإِبْهَام خمس عشرَة وَفِي البنصر تسعا، وَفِي الْخِنْصر سِتا، وَفِي السبابَة وَالْوُسْطَى عشرا عشرا. حَتَّى وجد فِي كتاب الدِّيات عِنْد آل عَمْرو بن حزم أَنه، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، قَالَ: الْأَصَابِع كلهَا سَوَاء فَأخذ بِهِ وَترك الأول. وَرَوَاهُ جَعْفَر بن عون عَن يحيى بن سعيد عَن ابْن الْمسيب قَالَ: قضى عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فِي الْإِبْهَام بِثَلَاث عشرَة وَالَّتِي تَلِيهَا بثنتي عشرَة وَفِي الْوُسْطَى بِعشْرَة وَفِي الَّتِي تَلِيهَا بتسع وَفِي الْخِنْصر بست، وَلم يلْتَفت أحد من الْفُقَهَاء إِلَى هذَيْن الْقَوْلَيْنِ لما ثَبت فِي حَدِيث الْبَاب عَن ابْن عَبَّاس، وَحَدِيث عَمْرو بن حزم.
وَأما مفاصل الْأَصَابِع فَروِيَ عَن قَتَادَة عَن عِكْرِمَة عَن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَنه قضى فِي كل أُنْمُلَة بِثلث دِيَة الإصبع، وَعَن عبد الرَّزَّاق عَن ابْن جريج عَن رجل عَن مَكْحُول عَن زيد بن ثَابت أَنه قَالَ: فِي الإصبع الزَّائِدَة ثلث دِيَة الإصبع، وَقَالَ آخَرُونَ: لَا شَيْء فِيهَا، وَقَالَ آخَرُونَ: فِيهَا حكم.
حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ، حدّثنا ابنُ أبي عَدِيَ، عنْ شُعْبَةَ، عَن قتادَةَ، عنْ عِكْرِمَةَ، عَن ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ: سَمِعْتُ النبيَّ نَحْوَهُ
أَي: هَذَا طَرِيق آخر نَازل دَرَجَة من السَّنَد الأول من أجل وُقُوع التَّصْرِيح بِسَمَاع ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي وَفِي الطَّرِيق الأول نوع إرْسَال صوري لروايته بِلَفْظَة: عَن.
قَوْله: نَحوه أَي: نَحْو الحَدِيث السَّابِق. وَأخرجه ابْن مَاجَه من رِوَايَة ابْن أبي عدي بِلَفْظ: الْأَصَابِع سَوَاء، وَابْن أبي عدي مُحَمَّد وَاسم أبي عدي إِبْرَاهِيم.
21 - (بابٌ إِذا أصابَ قَوْمٌ مِنْ رَجُلٍ هَلْ يُعاقَبُ؟ أوْ يُقْتَصُّ مِنْهُمْ كُلِّهِمْ)
أَي: هَذَا بَاب فِيهِ إِذا أصَاب قوم من رجل يَعْنِي: إِذا فجعوه، قَوْله: يُعَاقب، على بِنَاء الْمَجْهُول كَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة: يعاقبون بِصِيغَة الْجمع وَفِي رِوَايَة: يعاقبوا، بِحَذْف النُّون وَهِي لُغَة ضَعِيفَة، وَقَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: مَا مفعول قَوْله: يُعَاقب؟ . قلت: هُوَ من تنَازع الْفِعْلَيْنِ فِي لفظ كلهم. فَإِن قلت: مَا فَائِدَة الْجمع بَين المعاقبة والاقتصاص؟ . قلت: الْغَالِب أَن الْقصاص يسْتَعْمل فِي الدَّم والمعاقبة الْمُكَافَأَة والمجازاة، مثل مجازاة اللد وَنَحْوه، فَلَعَلَّ غَرَضه التَّعْمِيم، وَلِهَذَا فسرنا الْإِصَابَة بالتفجيع(24/54)
ليتناول الْكل. قَوْله: أَو يقْتَصّ مِنْهُم كلهم يَعْنِي إِذا قتل أَو جرح جمَاعَة شخصا وَاحِدًا هَل يجب الْقصاص على الْجَمِيع أَو يتَعَيَّن وَاحِد ليقتص مِنْهُ؟ وَلم يذكر الْجَواب اكْتِفَاء بِمَا ذكره فِي الْبَاب، ولمكان الِاخْتِلَاف فِيهِ، فَروِيَ عَن مُحَمَّد بن سِيرِين أَنه قَالَ، فِي الرجل يقْتله الرّجلَانِ: يقتل أَحدهمَا، وَيُؤْخَذ الدِّيَة من الآخر. وَقَالَ الشّعبِيّ، فِي الرجل يقْتله النَّفر: يدْفع إِلَى أَوْلِيَاء الْمَقْتُول فيقتلون من شاؤوا ويعفون عَمَّن شاؤوا، وَنَحْوه عَن ابْن الْمسيب وَالْحسن وَإِبْرَاهِيم.
وَمذهب جُمْهُور الْعلمَاء أَن جمَاعَة إِذا قتلوا وَاحِدًا قتلوا بِهِ أجمع، وَرُوِيَ نَحوه عَن عَليّ والمغيرة بن شُعْبَة وَعَطَاء، وَرُوِيَ عَن عبد الله بن الزبير ومعاذ: أَن لوَلِيّ الْقَتِيل أَن يقتل وَاحِدًا من الْجَمَاعَة وَيَأْخُذ بَقِيَّة الدِّيَة من البَاقِينَ، مثل أَن يقْتله عشرَة أنفس فَلهُ أَن يقتل وَاحِدًا مِنْهُم وَيَأْخُذ من التِّسْعَة تِسْعَة أعشار الدِّيَة، وَبِه قَالَ ابْن سِيرِين وَالزهْرِيّ، وَقَالَت الظَّاهِرِيَّة: لَا قَود على وَاحِد مِنْهُم أصلا وَعَلَيْهِم الدِّيَة، وَبِه، قَالَ ربيعَة، وَهُوَ خلاف مَا أَجمعت عَلَيْهِ الصَّحَابَة.
وَقَالَ مُطَرِّفٌ عنِ الشَّعْبِيِّ فِي رَجُلَيْنِ شَهِدا عَلى رَجُل أنَّهُ سَرَقَ فَقَطَعَهُ عَليٌّ، ثُمَّ جَاءَا بِآخَرَ وَقَالا: أخْطَأْنا، فأبْطَلَ شَهَادَتْهما وأُخِذا بِدِيَةِ الأوَّلِ، وَقَالَ: لوْ عَلِمْتُ أنَّكُما تَعَمَّدْتُما لَقَطعْتُكُما.
مطرف بِضَم الْمِيم اسْم فَاعل من التطريف بِالطَّاءِ الْمُهْملَة وَالرَّاء ابْن طريف بِفَتْح الطَّاء وَكسر الرَّاء، يروي عَن عَامر الشّعبِيّ.
قَوْله: شَهدا على رجل كَانَت الشَّهَادَة عِنْد عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، بِأَن الرجل الْمَذْكُور سرق، فَقَطعه عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. لثُبُوت سَرقته عِنْده بِشَهَادَة هذَيْن الِاثْنَيْنِ قَوْله: ثمَّ جَاءَا بآخر بِلَفْظ التَّثْنِيَة أَي: ثمَّ جَاءَ هَذَانِ الشَّاهِدَانِ عِنْد عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، بِرَجُل آخر، وَقَالا: أَخْطَأنَا فِي ذَلِك، وَكَانَ السَّارِق هَذَا لَا ذَاك. قَوْله: فَأبْطل أَي: عَليّ شَهَادَتهمَا هَذِه الَّتِي وَقعت على الرجل الثَّانِي لِكَوْنِهِمَا صَارا متهمين. قَوْله: وأخذا على صِيغَة الْمَجْهُول أَي: وَأخذ الشَّاهِدَانِ الْمَذْكُورَان بدية الأول أَي: الرجل الأول الَّذِي قطعت يَده، ويروى: وَأخذ بِالْإِفْرَادِ على صِيغَة الْمَعْلُوم أَي: وَأَخذهمَا عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، بدية الرجل الأول. قَوْله: وَقَالَ أَي: عَليّ: لَو علمت أنكما تعمدتما أَي: فِي شهادتكهما لقطعتكما لِأَنَّهُمَا قد أقرا بالْخَطَأ فِيهِ، وَهَذَا التَّعْلِيق رَوَاهُ الشَّافِعِي، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة أحد مشايخه عَن مطرف الْمَذْكُور. وَفِي التَّلْوِيح رَوَاهُ الطَّبَرِيّ عَن بنْدَار عَن شُعْبَة عَن قَتَادَة عَنهُ.
6896 - وَقَالَ لِي ابنُ بَشَّارٍ: حدّثنا يَحْياى، عنْ عُبَيْدِ الله، عنْ نافِعٍ، عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهُمَا، أنَّ غُلاماً قُتِلَ غيلَةً، فَقَالَ عُمَرُ: لَوِ اشْتَرَكَ فِيها أهْلُ صَنْعاءَ لَقَتَلْتُهُمْ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَابْن بشار بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَشْديد الشين الْمُعْجَمَة وبالراء وَهُوَ مُحَمَّد بن بشار الْمَعْرُوف ببندار، وَيحيى هُوَ ابْن سعيد الْقطَّان، وَعبيد الله هُوَ ابْن عمر الْعمريّ.
وَهَذَا الْأَثر مَوْصُول إِلَى عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، بِسَنَد صَحِيح، وَرَوَاهُ ابْن أبي شيبَة من وَجه آخر: حَدثنَا وَكِيع حَدثنَا الْعمريّ عَن نَافِع عَن ابْن عمر: أَن عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قتل سَبْعَة من أهل صنعاء بِرَجُل، وَقَالَ: لَو اشْترك فِيهِ أهل صنعاء لقتلتهم. قَوْله: قتل على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: غيلَة بِكَسْر الْغَيْن الْمُعْجَمَة أَي: غَفلَة وخديعة. قَوْله: فِيهَا أَي: فِي هَذِه الفعلة، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: فِيهِ، وَهُوَ أوجه. قَوْله: أهل صنعاء بِالْمدِّ بَلْدَة بِالْيمن، وَهَذَا الْأَثر حجَّة لِلْجُمْهُورِ على أَن الْجمع يقتل بِوَاحِد، وَقَالَ صَاحب التَّوْضِيح كَأَن البُخَارِيّ أَرَادَ بأثر عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، الرَّد على مُحَمَّد بن سِيرِين، قَالَ: فِي الرجل يقْتله الرّجلَانِ يقتل أَحدهمَا وَيُؤْخَذ الدِّيَة من الآخر، وَقد ذَكرْنَاهُ عَن قريب.
وَقَالَ مُغيرَةُ بنُ حَكِيمٍ عنْ أبِيهِ: إنَّ أرْبَعةَ قَتَلُوا صَبِيّاً، فَقَالَ عُمَرُ ... مِثْلَهُ.
مُغيرَة بن حَكِيم الصَّنْعَانِيّ الْأَنْبَارِي، وَثَّقَهُ يحيى وَالْعجلِي وَالنَّسَائِيّ وَابْن حبَان، وروى لَهُ مُسلم وَالنَّسَائِيّ وَالتِّرْمِذِيّ وَاسْتشْهدَ بِهِ البُخَارِيّ، وأثره هَذَا مُخْتَصر من الْأَثر الَّذِي وَصله عبد الله بن وهب وَمن طَرِيقه قَاسم بن إصبغ والطَّحَاوِي(24/55)
وَالْبَيْهَقِيّ، وَقَالَ ابْن وهب: حَدثنِي جرير بن حَازِم أَن الْمُغيرَة بن حَكِيم الصَّنْعَانِيّ حَدثهُ عَن أَبِيه: أَن امْرَأَة بِصَنْعَاء غَابَ عَنْهَا زَوجهَا وَترك فِي حجرها ابْنا لَهُ من غَيرهَا، غُلَاما يُقَال لَهُ: أصيل، فاتخذت الْمَرْأَة بعد زَوجهَا خَلِيلًا، فَقَالَت لَهُ: إِن هَذَا الْغُلَام يفضحنا، فاقتله فَأبى فامتنعت مِنْهُ، فطاوعها فَاجْتمع على قتل الْغُلَام الرجل وَرجل آخر وَالْمَرْأَة وخادمها، فَقَتَلُوهُ ثمَّ قطعُوا أعضاءه وجعلوه فِي عَيْبَة بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَالْبَاء الْمُوَحدَة الْمَفْتُوحَة، وَهِي وعَاء من أَدَم فطرحوه فِي ركية بِفَتْح الرَّاء وَكسر الْكَاف وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف، وَهِي الْبِئْر الَّتِي لم تطوَ فِي نَاحيَة الْقرْيَة لَيْسَ فِيهَا مَاء ... فَذكر الْقِصَّة. وَفِيه: فَأخذ خليلها فاعترف، ثمَّ اعْترف الْبَاقُونَ فَكتب يعلى وَهُوَ يومئذٍ أَمِير بشأنهم إِلَى عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَكتب إِلَيْهِ عمر بِقَتْلِهِم. قَوْله: إِن أَرْبَعَة هم: خَلِيل الْمَرْأَة وَرجل آخر وَالْمَرْأَة وخادمها. قَوْله: صَبيا هُوَ الَّذِي ذكرنَا اسْمه الْآن، قَوْله: مثله أَي: مثل قَوْله: لَو اشْترك فِيهَا أهل صنعاء لقتلتهم.
وأقادَ أبُو بَكْرٍ وابنُ الزُّبَيْرِ وعَلِيٌّ وسُوَيْدُ بنُ مُقَرِّنٍ مِنْ لَطْمَةٍ.
أَي: أَمر بالقود أَبُو بكر الصّديق وَعبد الله بن الزبير وَعلي بن أبي طَالب وسُويد بِضَم السِّين الْمُهْملَة ابْن مقرن بِالْقَافِ وَكسر الرَّاء الْمُشَدّدَة وبالنون الْمُزنِيّ من لطمة أَي: من أجل لطمة. وَهِي الضَّرْب على الخد بالكف.
فأثر أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة: عَن شَيبَان عَن شَبابَة عَن يحيى عَن شيبَة بن الْحَضْرَمِيّ قَالَ: سَمِعت طَارق بن شهَاب يَقُول: لطم أَبُو بكر يَوْمًا رجلا لطمة، فَقيل: مَا رَأينَا كَالْيَوْمِ قطّ مَنعه ولطمه؟ فَقَالَ أَبُو بكر: إِن هَذَا أَتَانِي يستحملني فَحَملته فَإِذا هُوَ يمنعهُم، فَحَلَفت لَا أحملهُ ثَلَاث مَرَّات، ثمَّ قَالَ لَهُ: اقْتصّ، فَعَفَا الرجل. وَأثر ابْن الزبير رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة أَيْضا عَن ابْن عُيَيْنَة عَن عَمْرو عَنهُ: أَنه أقاد من لطمة. وَأثر عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة أَيْضا عَن أبي عبد الرحمان المَسْعُودِيّ عبد الله بن عبد الْملك عَن نَاجِية أبي الْحسن عَن أَبِيه: أَن عليّاً، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ فِي رجل لطم رجلا، فَقَالَ للملطوم: اقْتصّ. وَأثر سُوَيْد بن مقرن رَوَاهُ وَكِيع عَن سُفْيَان بن سعيد عَن مُغيرَة عَن إِبْرَاهِيم عَن الشّعبِيّ عَنهُ.
وأقادَ عُمَرُ منْ ضَرْبَةٍ بالدِّرَّةِ.
أَي: أقاد عمر بن الْخطاب من أجل ضَرْبَة بالدِّرة بِكَسْر الدَّال وَتَشْديد الرَّاء وَهِي الْآلَة الَّتِي يضْرب بهَا. وَأخرجه أَبُو الْفرج الْأَصْبَهَانِيّ فِي تَارِيخه بِسَنَد فِيهِ ضعف وَانْقِطَاع.
وأقادَ عَلِيٌّ مِنْ ثَلاثَةِ أسْواطٍ.
أَي: أقاد عَليّ بن أبي طَالب من أجل زِيَادَة الجالد على المجلود ثَلَاثَة أسواط. وَأخرجه أَبُو بكر ابْن أبي شيبَة: حَدثنَا أَبُو خَالِد عَن أَشْعَث عَن فُضَيْل عَن عبد الله بن معقل قَالَ: كنت عِنْد عَليّ فَجَاءَهُ رجل فساره فَقَالَ عَليّ: يَا قنبر أخرج هَذَا واجلده، ثمَّ جَاءَهُ المجلود فَقَالَ: إِنَّه زَاد عليّ ثَلَاثَة أسواط، فَقَالَ لَهُ عَليّ: مَا تَقول؟ قَالَ: صدق يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ. قَالَ: خُذ السَّوْط واجلده ثَلَاث جلدات، ثمَّ قَالَ: يَا قنبر إِذا جلدت فَلَا تتعد الْحُدُود.
واقْتَصَّ شُرَيْحٌ مِنْ سَوْطٍ وخُمُوش.
أَي: اقْتصّ شُرَيْح بن الْحَارِث القَاضِي من أجل سَوط وخموش بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَهُوَ الخدوش وزنا وَمعنى: وَأخرج هَذَا الْأَثر سعيد بن مَنْصُور من طَرِيق إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى شُرَيْح فَقَالَ: أقدني من جلوازك فَسَأَلَهُ فَقَالَ: ازدحموا عَلَيْك فضربته سَوْطًا، فأقاده مِنْهُ. وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي إِسْحَاق عَن شُرَيْح أَنه أقاد من لطمة وخموش. قلت: الجلواز، بِكَسْر الْجِيم وَسُكُون اللَّام وَآخره، زَاي هُوَ الشرطي، سمي بذلك لِأَن من شَأْنه حمل الجلواز بِكَسْر الْجِيم وَهُوَ السّير الَّذِي يشد فِي الْوسط، وَعَادَة الشرطي أَن يربطه فِي وَسطه، وَقَالَ اللَّيْث وَابْن الْقَاسِم: يُقَاد من الضَّرْب بِالسَّوْطِ وَغَيره إلاَّ اللَّطْمَة فِي الْعين فَفِيهَا الْعقُوبَة خشيَة على الْعين، وَالْمَشْهُور عَن مَالك، وَهُوَ قَول الْأَكْثَرين: لَا قَود فِي اللَّطْمَة إلاّ(24/56)
َ إِن جرحت فَفِيهَا حُكُومَة، وَالسَّبَب فِيهِ تعذر الْمُمَاثلَة، وَإِن كَانَت اللَّطْمَة على الخد فَفِيهَا الْقود. وَقَالَت طَائِفَة: لَا قصاص فِي اللَّطْمَة، رُوِيَ هَذَا عَن الْحسن وَقَتَادَة، وَهُوَ قَول مَالك والكوفيين وَالشَّافِعِيّ، وَقَالَ الشَّافِعِي: إِذا جرح فَفِيهِ حُكُومَة.
6897 - حدّثنا مُسَدَّدٌ، حَدثنَا يَحْياى عنْ سُفْيانَ، حدّثنا مُوساى بنُ أبي عائشَةَ، عنْ عُبَيْدِ الله بن عَبْدِ الله قَالَ: قالَتْ عائِشَةُ: لَدَدْنا رسولَ الله فِي مَرَضِهِ، وجَعَلَ يُشِيرُ إلَيْنا: لَا تَلُدُّونِي. قَالَ: فقُلْنا: كَراهِيَةُ المَرِيضِ بالدَّواءِ، فَلَمَّا أفاقَ قَالَ: ألَمْ أنْهَكُمْ أنْ تَلُدُّونِي؟ قَالَ: قُلْنا: كَراهِيَةٌ لِلدَّواءِ. فَقَالَ رسولُ الله لَا يَبْقَى مِنْكُمْ أحَدٌ إلاّ لُدَّ، وَأَنا أنْظُرُ، إلاّ العَبَّاسَ فإنَّهُ لَمْ يَشْهَدْكُمْ.
هَذَا الحَدِيث قد مضى عَن قريب فِي: بَاب الْقصاص بَين الرِّجَال وَالنِّسَاء فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عَمْرو بن عَليّ عَن يحيى إِلَى آخِره، وَهنا أخرجه عَن مُسَدّد عَن يحيى الْقطَّان عَن سُفْيَان الثَّوْريّ عَن مُوسَى بن أبي عَائِشَة الْهَمدَانِي عَن عبيد الله بن عبد الله بن عتبَة بن مَسْعُود. وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَحَدِيث اللدود لَيْسَ صَرِيحًا فِي الْقصاص لاحْتِمَال أَن يكون عُقُوبَة لَهُم حَيْثُ خالفوا أمره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ شَارِح التراجم أما الْقصاص من اللَّطْمَة والدرة والأسواط فَلَيْسَ من التَّرْجَمَة، لِأَنَّهُ من شخص وَاحِد، وَقد يُجَاب عَنهُ بِأَنَّهُ إِذا كَانَ الْقود يُؤْخَذ من هَذِه المحقرات فَكيف لَا يُقَاد من الْجمع من الْأُمُور الْعِظَام كَالْقَتْلِ وَالْقطع وَأَشْبَاه ذَلِك.
قَوْله: لَا تلدوني بِالضَّمِّ، وَقيل بِالْكَسْرِ. قَوْله: قَالَ أَي: قَالَ قَوْله: كَرَاهِيَة بِالنّصب وَالرَّفْع قَوْله: بالدواء ويروى: للدواء. قَوْله: ألم أنهكم؟ ويروى: ألم أنهكن؟ قَوْله: إلاَّ لد بِضَم اللَّام وَتَشْديد الدَّال على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: وَأَنا أنظر جملَة حَالية أَي: بحضوري وَحَالَة نَظَرِي إِلَيْهِ. قَوْله: إلاَّ الْعَبَّاس اسْتثِْنَاء من أحد وَهُوَ لم يكن حَاضرا وَقت اللد فَلَا قصاص عَلَيْهِ، وَمر الْكَلَام فِيهِ فِي الْبَاب الْمَذْكُور فَليرْجع إِلَيْهِ.
22 - (بابُ القَسامَةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الْقسَامَة وأحكامها. والقسامة بِفَتْح الْقَاف وَتَخْفِيف السِّين الْمُهْملَة مصدر أقسم قسما وقسامة، وَفِي بعض النّسخ: كتاب الْقسَامَة، وَقَالَ الْكرْمَانِي: هِيَ مُشْتَقَّة من الْقسم على الدَّم أَو من قسمته الْيَمين انْتهى. يُقَال: أَقْسَمت إِذا حَلَفت، وَقسمت قسَامَة لِأَن فِيهَا الْيَمين، وَالصَّحِيح أَنَّهَا اسْم للأيمان. وَقَالَ الْأَزْهَرِي: إِنَّهَا اسْم للأولياء الَّذين يحلفُونَ على اسْتِحْقَاق دم الْمَقْتُول، وَقَالَ ابْن سَيّده: الْقسَامَة الْجَمَاعَة يقسمون على الشَّيْء أَو يشْهدُونَ بِهِ، وَيَمِين الْقسَامَة منسوبة إِلَيْهِم ثمَّ أطلقت على الْأَيْمَان نَفسهَا.
وَقَالَ الأشْعَثُ بنُ قَيْسٍ: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَاهِداكَ أوْ يَمِينُهُ
قَالَ بَعضهم: أَشَارَ البُخَارِيّ بِذكرِهِ هُنَا إِلَى تَرْجِيح رِوَايَة سعيد بن عبيد فِي حَدِيث الْبَاب: أَن الَّذِي يبْدَأ فِي يَمِين الْقسَامَة الْمُدعى عَلَيْهِم. قلت: الظَّاهِر أَن البُخَارِيّ ذهب إِلَى ترك الْقَتْل بالقسامة لِأَنَّهُ صدر هَذَا الْبَاب، أَولا بِحَدِيث الْأَشْعَث بن قيس وَالْحكم فِيهِ مَقْصُور على الْبَيِّنَة أَو الْيَمين، ثمَّ ذكر عَن ابْن أبي مليكَة وَعمر بن عبد الْعَزِيز بِالْإِرْسَال بِغَيْر إِسْنَاد، وروى ابْن أبي شيبَة عَن عبد الرَّحِيم بن سُلَيْمَان عَن الْحسن: أَن أَبَا بكر وَعمر وَالْجَمَاعَة الأول لم يَكُونُوا يقتلُون بالقسامة، وَرُوِيَ عَن إِبْرَاهِيم بِسَنَدِهِ: الْقود بالقسامة جور، وَفِي رِوَايَة أبي معشر: الْقسَامَة يسْتَحق فِيهَا الدِّيَة وَلَا يُقَاد فِيهَا، كَذَا قَالَه قَتَادَة.
والأشعث بِسُكُون الشين الْمُعْجَمَة وَفتح الْعين الْمُهْملَة وبالثاء الْمُثَلَّثَة ابْن قيس الْكِنْدِيّ قدم على النَّبِي فِي سِتِّينَ رَاكِبًا من كِنْدَة وَأسلم ثمَّ ارْتَدَّ عَن الْإِسْلَام بعد النَّبِي ثمَّ رَجَعَ إِلَى الْإِسْلَام فِي خلَافَة أبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَمَات سنة أَرْبَعِينَ بعد قتل عَليّ بن أبي طَالب،(24/57)
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، بِأَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَصلى عَلَيْهِ الْحسن بن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا. وَحَدِيثه قد مضى مطولا مَوْصُولا فِي كتاب الشَّهَادَات ثمَّ فِي كتاب الْأَيْمَان وَالنُّذُور. وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
وَقَالَ ابنُ أبي مُلَيْكَةَ: لَمْ يُقِدْ بِها مُعاوَيَةُ.
أَي: قَالَ عبد الله بن أبي مليكَة بِضَم الْمِيم واسْمه زُهَيْر وَهُوَ جد عبد الله وَأَبوهُ عبد الرحمان نسب إِلَى جده وَكَانَ قَاضِي ابْن الزبير، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا. قَوْله: لم يقد بِضَم الْيَاء من أقاد أَي: لم يقْتَصّ مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان، يَعْنِي: لم يحكم بالقود فِي الْقسَامَة، وَوَصله حَمَّاد بن سَلمَة فِي مُصَنفه عَن ابْن أبي مليكَة: سَأَلَني عمر بن عبد الْعَزِيز، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، عَن الْقسَامَة فَأَخْبَرته أَن عبد الله بن الزبير أقاد بهَا، وَأَن مُعَاوِيَة يَعْنِي ابْن أبي سُفْيَان لم يقد بهَا. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: روينَا عَن مُعَاوِيَة خِلَافه، وَقَالَ ابْن بطال: وَقد صَحَّ عَن مُعَاوِيَة أَنه أقاد بهَا.
وكَتَبَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيزِ إِلَى عَديِّ بن أرْطاةُ وَكَانَ أمَّرَهُ عَلى البَصْرَةِ فِي قَتِيلٍ وُجِدَ عنْدَ بَيْتٍ منْ بُيُوتِ السَّمَّانينَ: إنْ وَجَدَ أصْحابُهُ بَيِّنةً وإلاَّ فَلا تَظْلِمِ النَّاسَ، فإنَّ هاذا لَا يُقْضاى فِيهِ إِلَى يَوْمِ القِيامَةِ.
عدي بن أَرْطَاة غير منصرف الْفَزارِيّ من أهل دمشق. قَوْله: وَكَانَ أمره أَي: جعله أَمِيرا على الْبَصْرَة فِي سنة تسع وَتِسْعين وَقَتله مُعَاوِيَة بن يزِيد بن الْمُهلب فِي آخر سنة اثْنَتَيْنِ وَمِائَة. قَوْله: فِي قَتِيل أَي: فِي أَمر قَتِيل. قَوْله: السمانين جمع سمان وهم الَّذين يبيعون السّمن. قَوْله: إِن وجد الخ بَيَان كتاب عمر بن عبد الْعَزِيز، وَهُوَ إِن وجد أَصْحَاب الْقَتِيل بَيِّنَة فاحكم بهَا. قَوْله: وإلاَّ أَي: وَإِن لم يجد أَصْحَاب الْقَتِيل بَيِّنَة فَلَا تظلم النَّاس أَي: لَا تحكم بِشَيْء فِيهِ، فَإِن هَذِه الْقَضِيَّة من القضايا الَّتِي لَا يحكم فِيهَا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة لِأَن فِيهَا الشَّهَادَة على الْغَائِب، وَشَهَادَة من لَا يصلح لَهَا. وروى ابْن أبي شيبَة: حَدثنَا عبد الْأَعْلَى عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ قَالَ: دَعَاني عمر بن عبد الْعَزِيز فَسَأَلَنِي عَن الْقسَامَة، وَقَالَ: بدا لي أَن أردهَا. أَن الْأَعرَابِي يشْهد وَالرجل الْغَائِب يَجِيء فَيشْهد. قلت: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِنَّك لن تَسْتَطِيع ردهَا، قضى بهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْخُلَفَاء بعده، وَحدثنَا ابْن نمير حَدثنَا سعيد عَن قَتَادَة أَن سُلَيْمَان بن يسَار حدث أَن عمر بن عبد الْعَزِيز، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ: مَا رَأَيْت مثل الْقسَامَة قطّ أقيد بهَا، وَالله تَعَالَى يَقُول: {واشهدوا ذوى عدل مِنْكُم} وَقَالَت الأسباط: {وَمَا شَهِدنَا إِلَّا بِمَا علمنَا} قَالَ سُلَيْمَان: فَقلت: الْقسَامَة حق قضى بهَا رَسُول الله
6898 - حدّثنا أبُو نُعَيْمٍ، حدّثنا سَعِيدُ بنُ عُبَيْدٍ، عنْ بُشَيْرِ بنِ يَسارٍ زَعَمَ أنَّ رَجُلاً منَ الأنْصارِ يُقالُ لهُ: سَهْلُ بنُ أبي حَثْمَة أخْبَرَهُ أنَّ نَفَراً مِنْ قَوْمِهِ انْطَلَقُوا إِلَى خَيْبَرَ فَتَفَرَّقُوا فِيها، ووَجَدُوا أحَدَهُمْ قَتِيلاً، وقالُوا لِلّذي وُجدَ فِيهِمْ: قَتَلْتُمْ صاحِبَنا قالُوا: مَا قتَلْنا وَلَا عَلِمْنا قاتِلاً فانْطَلَقُوا إِلَى النَّبيِّ فَقالُوا: يَا رسولَ الله انْطَلَقْنا إِلَى خَيْبَرَ فَوَجَدْنا أحَدنا قَتيلاً. فَقَالَ: الكُبْرَ الكُبْرَ فَقَالَ لَهُمْ: تَأْتُونَ بِالبَيِّنَةِ عَلى مَنْ قَتَلَهُ؟ قَالُوا: مَا لَنا بَيِّنَةٌ. قَالَ: فَيَحْلِفُونَ قالُوا: لَا نَرْضاى بأيْمانِ اليَهُود، فَكَرِهَ رسولُ الله أنْ يُبْطِلَ دَمَهُ فَوَدَاهُ مِائَةً مِنْ إبِلِ الصَّدَقَة.
أَي: ذكر البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث مطابقاً لما قبله فِي عدم الْقود فِي الْقسَامَة، وَأَن الحكم فِيهَا مَقْصُور على الْبَيِّنَة وَالْيَمِين كَمَا فِي حَدِيث الْأَشْعَث.
وَأخرجه عَن أبي نعيم الْفضل بن دُكَيْن عَن سعيد بن عبيد أبي الْهُذيْل الطَّائِي الْكُوفِي عَن بشير بِضَم(24/58)
الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الشين الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالراء ابْن يسَار بِفَتْح الْيَاء، آخر الْحُرُوف وَتَخْفِيف السِّين الْمُهْملَة وبالراء الْمدنِي مولى الْأَنْصَار، وَقَالَ ابْن سعد: كَانَ شَيخا كَبِيرا فَقِيها أدْرك عَامَّة الصَّحَابَة، وَوَثَّقَهُ يحيى بن معِين وَالنَّسَائِيّ وكناه مُحَمَّد بن إِسْحَاق: أَبَا كيسَان، وَهُوَ يروي عَن سهل بن أبي حثْمَة بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الثَّاء الْمُثَلَّثَة، وَقَالَ الْحَافِظ الْمزي: هُوَ سهل بن عبد الله بن أبي حثْمَة بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة والثاء الْمُثَلَّثَة واسْمه عَامر بن سَاعِدَة الْأنْصَارِيّ وكنيته أَبُو يحيى، وَقيل: أَبُو مُحَمَّد. والْحَدِيث مضى فِي الصُّلْح وَفِي الْجِزْيَة عَن مُسَدّد وَفِي الْأَدَب عَن سُلَيْمَان بن حَرْب. وَأخرجه بَقِيَّة الْجَمَاعَة، وَقد ذَكرْنَاهُ. وَأخرجه الطَّحَاوِيّ من أَربع طرق صِحَاح. الأول: قَالَ: حَدثنَا يُونُس قَالَ: حَدثنَا سُفْيَان عَن يحيى بن سعيد سمع بشير بن يسَار عَن سهل بن أبي حثْمَة قَالَ: وجد عبد الله بن سهل قَتِيلا فِي قليب من قُلُبِ خَيْبَر، فجَاء أَخُوهُ عبد الرحمان بن سهل وعماه حويصة ومحيصة ابْنا مَسْعُود إِلَى رَسُول الله فَذهب عبد الرحمان ليَتَكَلَّم فَقَالَ النَّبِي الْكبر الْكبر ليَتَكَلَّم أحد عميه إِمَّا حويصة وَإِمَّا محيصة، فَتكلم الْكَبِير مِنْهُمَا، فَقَالَ: يَا رَسُول الله إِنَّا وجدنَا عبد الله بن سهل قَتِيلا فِي قليب من قُلُب خَيْبَر، وَذكر عَدَاوَة الْيَهُود لَهُم، قَالَ: أفتبرئكم الْيَهُود بِخَمْسِينَ يَمِينا أَنهم لم يقتلوه؟ قَالَ: فَقلت: وَكَيف نرضى بأيمانهم وهم مشركون؟ قَالَ: فَيقسم مِنْكُم خَمْسُونَ أَنهم قَتَلُوهُ؟ قَالُوا: كَيفَ نقسم على مَا لم نره، فوداه رَسُول الله من عِنْده. وَإِنَّمَا ذكرنَا هَذَا لِأَنَّهُ كالشرح لحَدِيث الْبَاب.
قَوْله: زعم أَي: قَالَ، وَلَيْسَ فِي رِوَايَة ابْن نمير: زعم، بل عِنْده: عَن سهل بن أبي حثْمَة الْأنْصَارِيّ أَنه أخبرهُ. قَوْله: أَن نَفرا بِفَتْح النُّون وَالْفَاء وَهُوَ رَهْط الْإِنْسَان وعشيرته وَهُوَ اسْم جمع يَقع على جمَاعَة من الرِّجَال خَاصَّة مَا بَين الثَّلَاثَة إِلَى الْعشْرَة وَلَا وَاحِد لَهُ من لَفظه، وَقد بَين الطَّحَاوِيّ هَؤُلَاءِ النَّفر وهم: عبد الرحمان بن سهل وعماه حويصة ومحيصة. قَوْله: ووجدوا أحدهم وَهُوَ عبد الله بن سهل. قَوْله: وَقَالُوا للَّذي وجد فيهم أَي: للَّذين وجد فيهم، وَهَذَا مثل قَوْله تَعَالَى: {وخضتم كَالَّذي خَاضُوا} قَوْله: الْكبر الْكبر بِضَم الْكَاف فيهمَا وَبِالنَّصبِ فيهمَا على الإغراء. وَقَالَ الْكرْمَانِي: الْكبر، بِضَم الْكَاف مصدر أَو جمع الْأَكْبَر أَو مُفْرد بِمَعْنى الْأَكْبَر، يُقَال: هُوَ كبرهم أَي: أكبرهم، ويروى: الْكبر بِكَسْر الْكَاف وَفتح الْبَاء أَي: كَبِير السن أَي: قدمُوا الْأَكْبَر سنا فِي الْكَلَام. قَوْله: أَن يبطل بِضَم الْيَاء من الْإِبْطَال وَيجوز فتحهَا من الْبطلَان. قَوْله: فوداه مائَة وَفِي رِوَايَة الْكشميهني، بِمِائَة، بِزِيَادَة حرف الْبَاء. قَوْله: من إبل الصَّدَقَة وَزعم بَعضهم أَنه غلط من سعيد بن عبيد لتصريح يحيى بن سعيد من عِنْده. ووفق قوم بَين الرِّوَايَتَيْنِ بِأَنَّهُ يحْتَمل أَنه كَانَ اشْتَرَاهُ من إبل الصَّدَقَة بِمَال دَفعه من عِنْده، أَي: من بَيت المَال المرصد للْمصَالح، وَأطلق عَلَيْهِ الصَّدَقَة بِاعْتِبَار الِانْتِفَاع بِهِ مجَّانا لما فِي ذَلِك من قطع الْمُنَازعَة وَإِصْلَاح ذَات الْبَين.
وَهَذَا الحَدِيث مُشْتَمل على أَحْكَام:
الأول: فِيهِ مَشْرُوعِيَّة الْقسَامَة فِي الدَّم، وَهُوَ أَمر كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة فأقره رَسُول الله فِي الْإِسْلَام، وتوقفت طَائِفَة عَن الحكم بالقسامة، رُوِيَ ذَلِك عَن سَالم بن عبد الله بن عمر وَأبي قلَابَة وَعمر بن عبد الْعَزِيز وَالْحكم بن عتيبة، وَقد ذكرنَا بعض ذَلِك. الثَّانِي: أَن الْقَوْم إِذا اشْتَركُوا فِي معنى من معَان الدَّعْوَى وَغَيرهَا كَانَ أولاهم أَن يبْدَأ بالْكلَام أكبرهم. الثَّالِث: فِيهِ جَوَاز الْوكَالَة فِي الْمُطَالبَة بالحدود. الرَّابِع: فِيهِ جَوَاز وكَالَة الْحَاضِر لِأَن ولي الدَّم فِيهِ هُوَ عبد الرحمان بن سهل أَخُو الْقَتِيل وحويصة ومحيصة ابْنا عَمه. الْخَامِس: فِيهِ كَيْفيَّة الْقسَامَة الْوَاجِبَة فِيهِ. وَقد اخْتلفُوا فِيهَا، فَقَالَ يحيى بن سعيد وَأَبُو الزِّنَاد وَرَبِيعَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَاللَّيْث بن سعد: يسْتَحْلف المدعون بِالدَّمِ فَإِذا حلفوا استحقوا مَا ادعوا، وَهَذَا فِي الْقسَامَة خَاصَّة وَهُوَ يخص قَوْله الْبَيِّنَة على الْمُدَّعِي وَالْيَمِين على من أنكر، لما روى عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسلم: الْبَيِّنَة على الْمُدَّعِي وَالْيَمِين على من أنكر إلاَّ فِي الْقسَامَة وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا الحَدِيث مَخْصُوص بِمَا أخبرنَا عَليّ بن بشير أخبرنَا عَليّ بن مُحَمَّد الْمصْرِيّ حَدثنَا عَبدة بن سُلَيْمَان حَدثنَا مطرف بن عبد الله حَدثنَا الزنْجِي عَن ابْن جريج عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده: أَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَآله وَسلم قَالَ: الْبَيِّنَة على من ادّعى وَالْيَمِين على من أنكر إلاَّ فِي الْقسَامَة وَقَالَ عُثْمَان البتي وَالْحسن بن صَالح وسُفْيَان الثَّوْريّ وَعبد الرحمان(24/59)
بن أبي ليلى وَعبد الله بن شبْرمَة وعامر الشّعبِيّ وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَأَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد، رَحِمهم الله: يبْدَأ بأيمان الْمُدعى عَلَيْهِم فَيحلفُونَ ثمَّ يغرمون الدِّيَة، وَرُوِيَ ذَلِك عَن عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
وَأَجَابُوا عَن حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب بِأَنَّهُ مَعْلُول من خَمْسَة وُجُوه. الأول: أَن الزنْجِي هُوَ مُسلم بن خَالِد شيخ الشَّافِعِي ضَعِيف، كَذَا قَالَ الْبَيْهَقِيّ نَفسه فِي سنَنه فِي: بَاب من زعم أَن التَّرَاوِيح بِالْجَمَاعَة أفضل، وَقَالَ ابْن الْمَدِينِيّ: لَيْسَ بِشَيْء، وَقَالَ أَبُو زرْعَة وَالْبُخَارِيّ: مُنكر الحَدِيث. الثَّانِي: أَن ابْن جريج لم يسمع من عَمْرو، حَكَاهُ الْبَيْهَقِيّ أَيْضا فِي سنَنه فِي: بَاب وجوب الْفطْرَة على أهل الْبَادِيَة عَن البُخَارِيّ: أَن ابْن جريج لم يسمع من عَمْرو. الثَّالِث: الِاحْتِجَاج بِعَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده مُخْتَلف فِيهِ. الرَّابِع: أَن الزنْجِي مَعَ ضعفه خَالفه عبد الرَّزَّاق وحجاج وَقَتَادَة فَرَوَوْه عَن ابْن جريج عَن عَمْرو مُرْسلا، كَذَا ذكره الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه الْخَامِس: أَن الزنْجِي اخْتلف عَلَيْهِ فِيهِ. قَالَ الذَّهَبِيّ: قَالَ عُثْمَان بن مُحَمَّد بن عُثْمَان الرَّازِيّ: حَدثنَا مُسلم بن خَالِد الزنْجِي عَن ابْن جريج عَن عَطاء عَن أبي هُرَيْرَة: أَن رَسُول الله قَالَ: الْبَيِّنَة على الْمُدَّعِي وَالْيَمِين على من أنكر إلاَّ فِي الْقسَامَة
السَّادِس: من الْأَحْكَام فِيهِ أَن الْقَتِيل إِذا وجد فِي الْمحلة فالقسامة وَالدية على أهل الْمحلة.
وَقَالَ أَبُو عمر: مَا نعلم فِي شَيْء من الْأَحْكَام المروية عَن رَسُول الله فِي الِاضْطِرَاب والتضاد مَا فِي هَذِه الْقَضِيَّة فَإِن الْآثَار فِيهَا متضادة متدافعة، وَهِي قَضِيَّة وَاحِدَة. وَذكر أَبُو الْقَاسِم الْبَلْخِي فِي معرفَة الرِّجَال عَن ابْن إِسْحَاق قَالَ: سَمِعت عَمْرو بن شُعَيْب يحلف فِي الْمَسْجِد الْحَرَام: وَالله الَّذِي لَا إلاه إلاَّ هُوَ إِن حَدِيث سهل بن أبي حثْمَة فِي الْقسَامَة لَيْسَ كَمَا حدث، وَلَقَد وهم. وَقَالَ أَبُو عمر: وَقد خطأ جمَاعَة من أهل الحَدِيث حَدِيث سعيد بن عبيد وذموا البُخَارِيّ فِي تَخْرِيجه وَتَركه رِوَايَة يحيى بن سعيد. قَالَ الْأصيلِيّ: أسْندهُ عَن يحيى شُعْبَة وسُفْيَان بن عُيَيْنَة وَعبد الْوَهَّاب الثَّقَفِيّ وَعِيسَى بن حَمَّاد وَبشر بن الْمفضل وَهَؤُلَاء سِتَّة نفر أسندوه، وأرسله مَالك عَن يحيى بن سعيد عَن بشير بن يسَار، وَلم يذكر سهل بن أبي حثْمَة. وَقَالَ الْأَثْرَم: قَالَ أَحْمد: الَّذِي أذهب إِلَيْهِ فِي الْقسَامَة حَدِيث بشير من رِوَايَة يحيى فقد وَصله عَنهُ حفاظ وَهُوَ أصح من حَدِيث سعيد بن عبيد. وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَا أعلم أحدا تَابع سعيد بن عبيد على رِوَايَته عَن بشير، وَقَالَ صَاحب التَّوْضِيح قد ذكره الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث حبيب بن أبي ثَابت عَن بشير مثله.
قلت: حَدِيث يحيى بن سعيد رَوَاهُ مُسلم من طرق عديدة مِنْهَا: مَا رَوَاهُ وَقَالَ: حَدثنَا قُتَيْبَة بن سعيد حَدثنَا لَيْث عَن يحيى بن سعيد عَن بشير بن يسَار عَن سهل بن أبي حثْمَة، قَالَ يحيى: وحسبت قَالَ: وَعَن رَافع بن خديج أَنَّهُمَا قَالَا: خرج عبد الله بن سهل بن زيد ومحيصة بن مَسْعُود بن زيد حَتَّى إِذا كَانَا بِخَيْبَر تفَرقا فِي بعض مَا هُنَالك، ثمَّ إِذا محيصة يجد عبد الله بن سهل قَتِيلا، فدفنه ثمَّ أقبل إِلَى رَسُول الله هُوَ وحويصة بن مَسْعُود وَعبد الرحمان بن سهل وَكَانَ أَصْغَر الْقَوْم، فَذهب عبد الرحمان ليَتَكَلَّم قبل صَاحبه فَقَالَ لَهُ رَسُول كبر الْكبر فِي السن، فَصمت وَتكلم صَاحِبَاه وَتكلم مَعَهُمَا، فَذكرُوا لرَسُول الله مقتل عبد الله بن سهل، فَقَالَ لَهُم: أتحلفون خمسين يَمِينا فتستحقون صَاحبكُم؟ قَالُوا: كَيفَ نحلف وَلم نشْهد؟ قَالَ: فتبرئكم يهود بِخَمْسِينَ يَمِينا؟ قَالُوا: وَكَيف نقبل أَيْمَان كفار؟ فَلَمَّا رأى ذَلِك رَسُول الله أعْطى عقله.
6899 - حدّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ، حدّثنا أبُو بِشْرٍ إسْماعِيلُ بنُ إبْراهِيمَ الأسَدِيُّ، حدّثنا الحَجَّاجُ ابنُ أبي عُثمانَ، حدّثني أبُو رجاءٍ مِنْ آلِ أبي قِلابَةَ، حدّثني أبُو قِلابَةَ أنَّ عُمَرَ بنَ عَبْدِ العزِيزِ أبْرَزَ سَرِيرَهُ يَوْماً لِلنَّاسِ، ثُمَّ أذِنَ لَهُمْ فَدَخَلُوا فَقَالَ: مَا تَقُولُونَ فِي القَسامَةِ؟ قَالَ: نَقُولُ: القَسامَةُ القَوَد بِها حَقٌّ، وقَدْ أقادَتْ بِها الخُلَفاءُ. قَالَ لي: مَا تَقُولُ يَا أَبَا قلَابَة؟ ونَصَبَنِي لِلنَّاسِ. فَقُلْتُ: يَا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ عِنْدَكَ رُؤُوسُ الأجْنادِ وأشْرافُ العَرَبِ، أرَأيْتَ لَوْ أنَّ خَمْسِينَ مِنْهُمْ شَهِدُوا عَلى رَجُلٍ مُحْصَن(24/60)
بِدِمَشْقَ أنَّهُ قَدْ زَنَى ولَمْ يَرَوْهُ، أكُنْتَ تَرْجُمُهُ؟ قَالَ: لَا. قُلْتُ: أرَأيْتَ لَوْ أنَّ خَمْسِينَ مِنْهُمْ شَهِدُوا عَلى رَجُلٍ بِحِمْصَ أنهُ سَرَقَ أكُنْتَ تَقْطَعُهُ ولَمْ يَرَوْهُ؟ قَالَ: لَا. قُلْتُ: فَوَالله مَا قَتَلَ رسولُ الله أحَداً قَط، إلاّ فِي إحْدَى ثَلاثِ خِصالٍ: رَجُلٌ قَتَلَ بِجَرِيرَةِ نَفْسِهِ فَقُتِلَ، أوْ رَجُلٌ زَنَى بَعْدَ إحْصانٍ، أوْ رَجُلٌ حارَبَ الله ورَسُولَهُ وارْتَدَّ عَنِ الإسْلاَمِ. فَقَالَ القَوْمُ: أوَ لَيْسَ قَدْ حَدَّثَ أنَسُ بنُ مالِكٍ أنَّ رسولَ الله قَطَعَ فِي السَّرَقِ، وسَمَرَ الأعْيُنَ ثُمَّ نَبَذَهُمْ فِي الشَّمْسِ؟ فَقُلْتُ: أَنا أُحَدِّثُكُمْ حَدِيثَ أنَس.
حدّثني أنَس أنَّ نَفَراً مِنْ عُكْلٍ ثَمَانِيَةً قَدِمُوا عَلى رسولِ الله فَبَايَعُوهُ عَلى الإسْلامِ فاسْتَوْخَمُوا الأرْضَ فَسَقِمَتْ أجْسامُهُمْ، فَشَكَوْا ذالِكَ إِلَى رسولِ الله قَالَ: أفَلا تَخْرُجُونَ مَعَ راعِينا فِي إبِلِهِ فَتُصِيبُونَ مِنْ ألْبانِها وأبْوالِها قالُوا: بَلاى، فَخَرَجُوا فَشَرِبُوا مِنْ ألْبانِها وأبْوالِها فَصَحُّوا فَقَتلُوا راعِيَ رسولِ الله وأطْرَدُوا النَعَمَ، فَبَلَغَ ذالِكَ رسولَ الله فأرْسَلَ فِي آثارِهِمْ، فأُدْركُوا فَجِيءَ بِهِمْ فأمَرَ بِهِمْ فَقُطِّعَتْ أيْدِيهِمْ وأرْجُلُهُمْ وسَمَرَ أعْيُنَهُمْ ثُمَّ نَبَذَهُمْ فِي الشَّمْسِ، حتَّى ماتُوا. قُلْتُ: وأيُّ شيءٍ أشَدُّ مِمَّا صَنَعَ هَؤُلاءِ؟ ارْتَدُّوا عَنِ الإسْلامِ، وَقَتَلُوا، وَسَرَقُوا. فَقَالَ عَنْبَسَةُ بنُ سَعيدٍ: وَالله إنْ سَمِعْتُ كاليَوْمِ قَطُّ. فَقُلْتُ: أتَرُدُّ عَلَيَّ حَدِيثِي يَا عَنْبَسَةُ؟ قَالَ: لَا، ولاكِنْ جِئْتَ بِالحَدِيثِ عَلى وَجْهِهِ، وَالله لَا يَزالُ هاذا الجُنْدُ بِخَيْرٍ مَا عاشَ هاذا الشَّيْخُ بَيْنَ أظْهُرِهِمْ. قُلْتُ: وَقَدْ كَانَ فِي هاذا سُنَّةٌ مِنْ رسولِ الله دَخَلَ عَلَيْهِ نَفَرٌ مِن الأنْصارِ فَتَحَدَّثُوا عِنْدَهُ، فَخَرَجَ رَجُلٌ مِنْهُمْ بَيْن أيْدِيهِمْ فقُتِلَ، فَخَرَجُوا بَعْدَهُ فَإِذا هُمْ بِصاحِبِهِمْ يَتَشَحَّطُ فِي الدَّمِ، فَرَجَعُوا إِلَى رَسُول الله فقالُوا: يَا رسولَ الله صاحِبنا كَانَ تَحَدَّثَ مَعَنا فَخَرَجَ بَيْنَ أيْدينا فَإِذا نَحْنُ بِهِ يَتَشَحَّطُ فِي الدَّمِ، فَخَرَجَ رسولُ الله فَقَالَ: بِمَنْ تَظُنَّونَ أوْ تَرَوْنَ قَتْلَهُ؟ قالُوا: نَراى أنَّ اليَهُودَ قَتَلَتْهُ. فأرْسَلَ إِلَى اليَهُودِ فَدَعاهُمْ، فَقَالَ: آنْتُمْ قَتَلْتُمْ هَذا؟ قالُوا: لَا. قَالَ: أتَرْضَوْنَ نَفَلَ خَمْسِينَ مِنَ اليَهُودِ مَا قَتَلُوهُ؟ فقالُوا: مَا يُبالُونَ أنْ يَقْتُلونا أجْمَعِينَ، ثُم يَنْتَفِلُونَ. قَالَ: أفَتَسْتَحِقُّونَ الدِّيَةَ بِأيْمانِ خَمْسِينَ مِنْكُمْ؟ قالُوا: مَا كنَّا لِنَحْلِفَ. فَوَداهُ مِنْ عِنْدِهِ. قُلْتُ: وقَدْ كانَتْ هُذَيْلٌ خَلَعُوا حَلِيفاً لَهُمْ فِي الجاهِلِيَّةِ، فَطَرَقَ أهْلَ بَيْتٍ مِنَ اليَمَنِ بِالبَطْحاءِ فانْتَبَهَ لهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ، فَحَذَفَهُ بِالسَّيْفِ فَقَتَلَهُ، فَجاءَتْ هُذَيْلٌ فأخَذُوا اليَمانِيَ فَرَفَعُوهُ إِلَى عُمَرَ بِالمَوْسِمِ، وقالُوا: قَتَلَ صاحِبَنا. فَقَالَ: إنَّهُمْ قَد خَلَعُوهُ. فَقَالَ: يُقْسِمُ خَمْسُونَ مِنْ هُذَيْلٍ مَا خَلَعُوهُ؟ قَالَ: فأقْسَمَ مِنْهُمْ تِسْعَةٌ وأرْبَعُونَ رَجُلاً، وقَدِمَ رَجُلٌ مِنْهُمْ مِنَ الشَّأمِ، فَسَألُوهُ أنْ يُقْسِمَ فافْتَدَى يَمِينَهُ مِنْهُمْ بألْفِ دِرْهَمٍ، فأدْخَلُوا مَكانَهُ رَجُلاً آخَرَ، فَدَفَعَهُ إِلَى أخِي المَقْتُولِ، فَقُرِنَتْ يَدُهُ بِيَدِهِ. قالُوا: فانْطَلَقْنا والخَمْسُونَ الّذِينَ أقْسَمُوا، حتَّى إِذا كانُوا بِنَخْلَةَ(24/61)
أخَذَتْهُمُ السَّماءُ، فَدَخَلُوا فِي غارٍ فِي الجَبَلِ فانْهَجَمَ الغارُ عَلى الخَمْسِينَ الّذِينَ أقْسَمُوا، فَماتُوا جَمِيعاً، وأفْلَتَ القَرينانِ واتَّبَعَهُما حَجَرٌ، فَكَسَرَ رِجْلَ أخِي المَقْتُولِ، فَعاشَ حَوْلاً ثُمَّ مَاتَ. قُلْتُ: وقَدْ كَانَ عَبْدُ المَلِكِ بنِ مَرْوانَ أقادَ رَجُلاً بِالقَسامَةِ، ثُمَّ نَدِمَ بَعْدَ مَا صَنَعَ، فأمَرَ بالخَمْسِينَ الذِينَ أقْسَمُوا، فَمَحُوا مِنَ الدِّيوانِ وسَيَّرَهُمْ إِلَى الشَّامِ.
إِيرَاد البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث هُنَا من حَيْثُ إِن الْحلف فِيهِ توجه أَولا على الْمُدعى عَلَيْهِ لَا على الْمُدَّعِي كقصة النَّفر من الْأَنْصَار.
وَأَبُو بشر بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة هُوَ إِسْمَاعِيل الْمَشْهُور بِابْن علية اسْم أمه الْأَسدي بِفَتْح السِّين مَنْسُوب إِلَى بني أَسد بن خُزَيْمَة لِأَن أَصله بل من مواليهم، وَالْحجاج بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْجِيم الأولى هُوَ الْمَعْرُوف بِالصَّوَابِ، وَاسم أبي عُثْمَان ميسرَة، وَقيل: سَالم، وكنية الْحجَّاج أَبُو الصَّلْت، وَيُقَال غير ذَلِك، وَهُوَ بَصرِي وَهُوَ مولى بني كِنْدَة، وَأَبُو رَجَاء ضد الْخَوْف اسْمه سلمَان وَهُوَ مولى أبي قلَابَة بِكَسْر الْقَاف وَتَخْفِيف اللَّام عبد الله بن زيد الْجرْمِي بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الرَّاء، وَوَقع هَاهُنَا من آل أبي قلَابَة. وَفِيه تجوز، فَإِنَّهُ مِنْهُم بِاعْتِبَار الْوَلَاء لَا بِالْأَصَالَةِ.
وَقد أخرجه أَحْمد فَقَالَ: حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم حَدثنَا حجاج عَن أبي رَجَاء مولى أبي قلَابَة، وَكَذَا عِنْد مُسلم عَن أبي شيبَة.
وَعمر بن عبد الْعَزِيز هُوَ أَمِير الْمُؤمنِينَ. من الْخُلَفَاء الرَّاشِدين. قَوْله: أبرز أَي: أظهر سَرِيره وَهُوَ مَا جرت عَادَة الْخُلَفَاء بالاختصاص بِالْجُلُوسِ عَلَيْهِ، وَالْمرَاد بِهِ أَنه أخرجه إِلَى ظَاهر الدَّار لَا إِلَى جِهَة الشَّارِع، وَكَانَ ذَلِك زمن خِلَافَته وَهُوَ بِالشَّام. قَوْله: ثمَّ أذن لَهُم أَي: للنَّاس فَدَخَلُوا عِنْده. قَوْله: الْقسَامَة الْقود بهَا حق الْقسَامَة مُبْتَدأ. وَقَوله: الْقود مُبْتَدأ ثَان، وَحقّ خَبره وَالْجُمْلَة خبر الْمُبْتَدَأ الأولى وَمعنى حق وَاجِب. قَوْله: الْخُلَفَاء نَحْو مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان وَعبد الله بن الزبير وَعبد الْملك بن مَرْوَان، لِأَنَّهُ نقل عَنْهُم أَنهم كَانُوا يرَوْنَ الْقود بالقسامة. قَوْله: يَا با قلَابَة أَصله: يَا أَبَا قلَابَة، بِالْهَمْزَةِ حذفت للتَّخْفِيف، وَأَبُو قلَابَة هُوَ الرَّاوِي فِي الحَدِيث. قَوْله: ونصبني قَالَ الْكرْمَانِي أَي: أجلسني خلف سَرِيره للإفتاء ولإسماع الْعلم. وَقيل: مَعْنَاهُ أبرزني لمناظرتهم، أَو لكَونه خلف السرير فَأمره أَن يظْهر، وَهَذَا التَّفْسِير أحسن ويساعده رِوَايَة أبي عوَانَة: وَأَبُو قلَابَة خلف السرير قَاعد، فَالْتَفت إِلَيْهِ فَقَالَ: مَا تَقول يَا أَبَا قلَابَة؟ قَوْله: رُؤُوس الأجناد بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الْجِيم: جمع جند، وَهُوَ فِي الأَصْل الْأَنْصَار والأعوان ثمَّ اشْتهر فِي الْمُقَاتلَة، وَكَانَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قسم الشَّام بعد موت أبي عُبَيْدَة ومعاذ على كل أَرْبَعَة أُمَرَاء مَعَ كل أَمِير جند، فَكَانَ كل من فلسطين ودمشق وحمص وقنسرين يُسمى جنداً باسم الْجند الَّذين نزلوها. وَقيل: كَانَ الرَّابِع الْأُرْدُن، وَإِنَّمَا أفردت قنسرين بعد ذَلِك وَكَانَ أُمَرَاء الأجناد خَالِد بن الْوَلِيد، وَيزِيد بن أبي سُفْيَان، وشرحبيل بن حَسَنَة، وَعَمْرو بن الْعَاصِ، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم. قَوْله: وأشراف الْعَرَب وَفِي رِوَايَة أَحْمد بن حَرْب: وأشراف النَّاس، الْأَشْرَاف جمع شرف يُقَال: فلَان شرف قومه، أَي: رئيسهم وكريمهم وَذُو قدر وَقِيمَة عِنْدهم يرفع النَّاس أَبْصَارهم للنَّظَر إِلَيْهِ ويستشرفونه. قَوْله: أَرَأَيْت؟ أَي: أَخْبرنِي. قَوْله: بِدِمَشْق أَي: كَائِن بِدِمَشْق بكسرالدال وَفتح الْمِيم وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة الْبَلَد الْمَشْهُور بِالشَّام ديار الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم السَّلَام. قَوْله: بحمص بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْمِيم بلد مَشْهُور بِالشَّام، وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو الْحسن الْقَابِسِيّ: لم يمثل أَبُو قلَابَة بِمَا شبهه لِأَن الشَّهَادَة طريقها غير طَرِيق الْيَمين. وَقَالَ: وَالْعجب من عمر بن عبد العزيز، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، على مكانته من الْعلم كَيفَ لم يُعَارض أَبَا قلَابَة فِي قَوْله وَلَيْسَ أَبُو قلَابَة من فُقَهَاء التَّابِعين، وَهُوَ عِنْد النَّاس مَعْدُود فِي الْبَلَد؟ وَقَالَ صَاحب التَّوْضِيح وَيدل على صِحَة مقَالَة الشَّيْخ أبي الْحسن فِي الْفرق بَين الشَّهَادَة وَالْيَمِين أَنه عرض على أَوْلِيَاء الْمَقْتُول الْيَمين وَعلم أَنهم لم يحضروا بِخَيْبَر. قَوْله: إلاَّ فِي إِحْدَى وَفِي رِوَايَة أَحْمد بن حَرْب: إلاَّ بِإِحْدَى. قَوْله: قتل بجريرة نَفسه بِفَتْح الْجِيم وَهُوَ الذَّنب وَالْجِنَايَة أَي: قتل نفسا بِمَا يجر إِلَى نَفسه من الذَّنب أَو الْجِنَايَة أَي: قتل ظلما فَقتل قصاصا. قَوْله: فَقتل على صِيغَة الْمَجْهُول، ويروى: فَقتل، على صِيغَة الْمَعْلُوم أَي: قَتله رَسُول الله(24/62)
قيل: هَذَا الحَدِيث حجَّة على أبي قلَابَة لِأَنَّهُ إِذا ثَبت الْقسَامَة فَقتل قصاصا أَيْضا. وَأجِيب: بِأَنَّهُ رُبمَا أجَاب بِأَنَّهُ بعد ثُبُوتهَا لَا يسْتَلْزم الْقصاص لانْتِفَاء الشَّرْط. قَوْله: أَو لَيْسَ؟ الْهمزَة للاستفهام وَالْوَاو للْعَطْف على مُقَدّر لَائِق بالْمقَام. قَوْله: فِي السرق بِفَتْح السِّين وَالرَّاء مصدر سرق سرقاً، وَقَالَ الْكرْمَانِي: السرق جمع سَارِق وبالكسر السّرقَة. قَوْله: وَسمر الْأَعْين بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف وَمَعْنَاهُ: كحلها بالمسامير. قَوْله: ثمَّ نبذهم أَي: طرحهم. قَوْله: من عكل بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْكَاف وَهِي قَبيلَة. فَإِن قلت: قد تقدم فِي الطَّهَارَة: من العرنيين؟ . قلت: كَانَ بَعضهم من عكل وَبَعْضهمْ من العرنيين، وَثَبت كَذَلِك فِي بعض الطّرق. قَوْله: ثَمَانِيَة بِالنّصب بدل من نفر. قَوْله: فاستوخموا الأَرْض أَي: لم توافقهم وكرهوها، وَأَصله من الوخم بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة، يُقَال: وخم الطَّعَام إِذا ثقل فَلم يستمرىء فَهُوَ وخيم. قَوْله: فسقمت بِكَسْر الْقَاف. قَوْله: أجسامهم وَفِي رِوَايَة أَحْمد بن حَرْب: أَجْسَادهم. قَوْله: مَعَ راعينا اسْمه يسَار ضد الْيَمين النوبي بِضَم النُّون وبالباء الْمُوَحدَة. قَوْله: واطردوا النعم أَي: ساقوا الْإِبِل. قَوْله: فأدركوا على صِيغَة الْمَجْهُول وَهَذَا الحَدِيث قد مر أَكثر من عشر مَرَّات. مِنْهَا فِي كتاب الْوضُوء: قَوْله: فَقَالَ عَنْبَسَة بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون النُّون وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة ثمَّ بِالسِّين الْمُهْملَة ابْن سعيد الْأمَوِي أَخُو عَمْرو بن سعيد الْأَشْدَق وَاسم جده الْعَاصِ بن سعيد بن الْعَاصِ بن أُميَّة. وَكَانَ عَنْبَسَة من خِيَار أهل بَيته، وَكَانَ عبد الْملك بن مَرْوَان بعد أَن قتل أَخَاهُ عَمْرو بن سعيد يُكرمهُ، وَله رِوَايَة وأخبار مَعَ الْحجَّاج بن يُوسُف، وَوَثَّقَهُ ابْن معِين وَغَيره. قَوْله: إِن سَمِعت كَالْيَوْمِ قطّ كلمة: إِن بِكَسْر الْهمزَة وَسُكُون النُّون بِمَعْنى: مَا، النافية ومفعول: سَمِعت، مَحْذُوف تَقْدِيره: مَا سَمِعت قبل الْيَوْم مثل ماسمعت مِنْك الْيَوْم. قَوْله: فَقلت: أترد عليّ؟ الْقَائِل، أَبُو قلَابَة كَأَنَّهُ فهم من كَلَام عَنْبَسَة إِنْكَار مَا حدث بِهِ. قَوْله: قَالَ: لَا أَي: قَالَ عَنْبَسَة: لَا أرد عَلَيْك. قَوْله: هَذَا الشَّيْخ أَي: أَبُو قلَابَة. قَوْله: وَقد كَانَ إِلَى قَوْله: فوداه من عِنْده من كَلَام أبي قلَابَة، أورد فِيهِ لِأَنَّهُ قصَّة عبد الله بن سهل الْمَذْكُورَة. قَوْله: فِي هَذَا قَالَ الْكرْمَانِي أَي: فِي مثل هَذَا سنة، وَهِي أَنه يحلف الْمُدعى عَلَيْهِ أَولا. قَوْله: دخل عَلَيْهِ إِلَى قَوْله: وَقد كَانَت هُذَيْل بَيَان الْقِصَّة الْمَذْكُورَة أَي: دخل على رَسُول الله فَقتل على صِيغَة الْمَجْهُول، قَوْله: فَإِذا هم كلمة ... إِذا، للمفاجأة قَوْله: يَتَشَحَّط بالشين الْمُعْجَمَة وَبِالْحَاءِ والطاء الْمُهْمَلَتَيْنِ أَي: يضطرب. قَوْله: فَخرج رَسُول الله لَعَلَّه لما جاؤوه كَانَ فِي دَاخل بَيته أَو فِي الْمَسْجِد فَخرج إِلَيْهِم فأجابهم. قَوْله: أَو ترَوْنَ؟ بِضَم أَوله شكّ من الرَّاوِي وَهِي بِمَعْنى تظنون. قَوْله: نرى بِضَم النُّون أَي: نظن أَن الْيَهُود قتلته هَكَذَا بتاء التَّأْنِيث فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي وَفِي رِوَايَة غَيره قَتله بِدُونِ التَّاء، وَقَالَ بَعضهم فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي: قتلنه بِصِيغَة الْجمع. قلت: هَذَا غلط فَاحش لِأَنَّهُ مُفْرد مؤنث وَلَا يَصح أَن يَقُول: قتلنه، بالنُّون بعد اللاَّم لِأَنَّهُ صِيغَة جمع الْمُؤَنَّث. قَوْله: أَتَرْضَوْنَ نفل خمسين يَمِينا بِفَتْح النُّون وَسُكُون الْفَاء وَبِفَتْحِهَا، وَهُوَ الْحلف. وَقَالَ ابْن الْأَثِير: يُقَال نفلته فنفل أَي: حلفته فَحلف، وَنفل وانتقل إِذا حلف، وأصل النَّفْل النَّفْي، يُقَال: نفلت الرجل عَن نسبه أَي: نفيته، وَسميت الْيَمين فِي الْقسَامَة نفلا لِأَن الْقصاص ينفى بهَا. قَوْله: ثمَّ يَنْتَفِلُونَ من بَاب الافتعال أَي: ثمَّ يحلفُونَ. قَوْله: بأيمان خمسين بِالْإِضَافَة أَو الْوَصْف. وَهُوَ أولى. قَوْله: مَا كُنَّا لنحلف بِكَسْر اللَّام وبنصب الْفَاء أَي: لِأَن نحلف. قَوْله: فَقلت الْقَائِل هُوَ أَبُو قلَابَة. قَوْله: وَقد كَانَت هُذَيْل بِضَم الْهَاء وَفتح الذَّال الْمُعْجَمَة، وَهِي الْقَبِيلَة الْمَشْهُورَة، ينسبون إِلَى هُذَيْل بن مدركة بن إلْيَاس بن مُضر، وَهِي قصَّة مَوْصُولَة بالسند الْمَذْكُور إِلَى أبي قلَابَة لَكِنَّهَا مُرْسلَة لِأَن أَبَا قلَابَة لم يدْرك عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَوْله: حليفاً بِالْحَاء الْمُهْملَة وبالفاء، هَكَذَا رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: خليعاً، بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وبالعين الْمُهْملَة على وزن فعيل بِفَتْح الْفَاء وَكسر الْعين، والخليع يُقَال لرجل قَالَ لَهُ قومه: مَا لنا مِنْك وَلَا علينا، وَبِالْعَكْسِ. وتخالع الْقَوْم إِذا نقضوا الْحلف فَإِذا فعلوا ذَلِك لم يطالبوه بِجِنَايَة، فكأنهم خلعوا الْيَمين الَّتِي كَانُوا كتبوها مَعَه، وَمِنْه سمي الْأَمِير إِذا عزل: خليعاً. قَوْله: فطرق بِضَم الطَّاء الْمُهْملَة أَي: هجم عَلَيْهِم لَيْلًا. قَوْله: بالبطحاء أَي: ببطحاء مَكَّة، وَهُوَ وَاد بهَا الَّذِي فِيهِ حَصَاة اللين فِي بطن المسيل، والبطحاء(24/63)
الْحَصَى الصغار. قَوْله: فانتبه لَهُ أَي: للخليع الْمَذْكُور فَحَذفهُ أَي: رَمَاه بِسيف فَقتله. قَوْله: فاخذوا الْيَمَانِيّ بتَخْفِيف الْيَاء أَي: الرجل الْيَمَانِيّ. قَوْله: فَرَفَعُوهُ إِلَى عمر أَي: فَرفعُوا أمره إِلَى عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَوْله: بالموسمي بِكَسْر السِّين وَهُوَ الْوَقْت الَّذِي يجْتَمع فِيهِ الْحَاج كل سنة كَأَنَّهُ وسم بذلك الوسم، وَهُوَ مفعل مِنْهُ اسْم للزمان لِأَنَّهُ معلم لَهُم يُقَال وسمه يسمه وسما وسمة إِذا أثر فِيهِ بَكَى. قَوْله: قد خلعوا أَي: قد خلعوه. قَوْله: تِسْعَة وَأَرْبَعُونَ رجلا فَإِن قلت: قَالَ عمر: يقسم خَمْسُونَ رجلا من هُذَيْل. قلت: مثل هَذَا الْإِطْلَاق جَائِز من بَاب إِطْلَاق الْكل وَإِرَادَة الْجُزْء، أَو المُرَاد الْخَمْسُونَ تَقْرِيبًا. قَوْله: بنخلة بِفَتْح النُّون وَسُكُون الْخَاء الْمُعْجَمَة مَوضِع على لَيْلَة من مَكَّة وَلَا ينْصَرف. قَوْله: أخذتهم السَّمَاء أَي: الْمَطَر. قَوْله: فانهجم الْغَار أَي: سقط. قَوْله: فماتوا جَمِيعًا لأَنهم حلفوا كاذبين. قَوْله: وأفلت القرينان أَخُو الْمَقْتُول وَالرجل الَّذِي أكمل الْخمسين وهما اللَّذَان قرنت يَد أَحدهمَا بيد الآخر. وَقَوله: أفلت على صِيغَة الْمَجْهُول أَي: تخلص، يُقَال: أفلت وتفلت وانفلت كلهَا بِمَعْنى تخلص. قَوْله: واتبعهما حجر بتَشْديد التَّاء أَي: وَقع عَلَيْهِمَا بعد أَن خرجا من الْغَار. قَوْله: قلت الْقَائِل هُوَ أَبُو قلَابَة. قَوْله: فمحوا بِضَم الْمِيم من المحو. قَوْله: من الدِّيوَان بِكَسْر الدَّال وَفتحهَا وَهُوَ الدفتر الَّذِي يكْتب فِيهِ أَسمَاء الْجَيْش وأصل الْعَطاء، وَأول من دون الدِّيوَان عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَهُوَ فَارسي مُعرب. قَوْله: إِلَى الشَّام أَي: نفاهم، وَفِي رِوَايَة أَحْمد بن حَرْب: من الشَّام، وَهَذِه أوجه لِأَن إِمَامَة عبد الْملك كَانَت بِالشَّام اللَّهُمَّ إلاَّ أَن يُقَال: لما نفاهم كَانَ بالعراق لمحاربة مُصعب بن الزبير، فحينئذٍ يكونُونَ من أهل الْعرَاق فنفاهم إِلَى الشَّام، وَقَالَ الْقَابِسِيّ: عجبا لعمر بن عبد الْعَزِيز، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، كَيفَ أبطل حكم الْقسَامَة الثَّابِت بِحكم رَسُول الله وَعمل الْخُلَفَاء الرَّاشِدين بقول أبي قلَابَة، وَهُوَ من جملَة التَّابِعين؟ وَسمع مِنْهُ فِي ذَلِك قولا مُرْسلا غير مُسْند مَعَ أَنه انقلبت عَلَيْهِ قصَّة الْأَنْصَار إِلَى قصَّة خَيْبَر، فَركب إِحْدَاهمَا بِالْأُخْرَى لقلَّة حفظه؟ وَكَذَا سمع حِكَايَة مُرْسلَة مَعَ أَنَّهَا لَا تعلق بهَا بالقسامة إِذْ الْخلْع لَيْسَ قسَامَة، وَكَذَا محو عبد الْملك لَا حجَّة فِيهِ، وَالله أعلم.
23 - (بابُ مَنِ اطّلَعَ فِي بَيْتِ قَوْمٍ فَفَقؤوا عَيْنَهُ فَلاَ دِيَةَ لهُ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم من اطلع فِي بَيت قوم ... الخ قَوْله: اطلع، بتَشْديد الطَّاء. قَوْله: ففقؤوا عينه أَي: ففقأ الْقَوْم عين المطلع. قَوْله: فَلَا دِيَة لَهُ، جَوَاب: من أَي: فَلَا تجب الدِّيَة للمطلع قَالَ الْجَوْهَرِي: فقأت عينه فَقَأَ وفقأتها تفقئه إِذا بخصتها، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: الفقء الشق والبخص، وَمِنْه حَدِيث مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَام، أَنه فَقَأَ ملك الْمَوْت.
6900 - حدّثنا أبُو اليَمانِ، حدّثنا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، عنْ عُبَيْدِ الله بنِ أبِي بَكْرِ بنِ أنَسٍ، عنْ أنسٍ، رَضِي الله عَنهُ، أنَّ رجلا اطّلَعَ فِي بَعْضِ حُجَرِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَامَ إلَيْهِ بِمِشْقَصٍ أوْ بِمشاقِصَ وجَعَلَ يَخْتِلُهُ لِيَطْعُنَهُ.
انْظُر الحَدِيث 6242 وطرفه
قيل: لَا يُطَابق الحَدِيث التَّرْجَمَة لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ التَّصْرِيح بِأَنَّهُ لَا دِيَة لَهُ. وَأجِيب بِأَن فِي بعض طرقه التَّصْرِيح بذلك، وَقد جرت عَادَته بِالْإِشَارَةِ إِلَى مَا ورد فِيهِ من ذَلِك، وَمر مثله كثيرا.
وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع، وَفِي بعض النّسخ: حَدثنَا أَبُو النُّعْمَان وَهُوَ مُحَمَّد بن الْفضل، وَعبيد الله بن أبي بكر يروي عَن جده أنس بن مَالك.
والْحَدِيث مضى فِي الاسْتِئْذَان عَن مُسَدّد، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: أَن رجلا قَالَ ابْن بشكوال عَن الْحسن بن مغيث: إِنَّه الحكم بن الْعَاصِ بن أُميَّة. قَوْله: اطلع أَي: نظر من علو. قَوْله: من حجر فِي بعض حجر النَّبِي قَالَ الْكرْمَانِي: الْحجر أَولا البنية وَثَانِيا جمع الْحُجْرَة. قلت: الْحجر، بِالْكَسْرِ الْحَائِط وَالْمعْنَى أَنه اطلع من حَائِط فِي بعض حجر النَّبِي وَهُوَ بِضَم الْحَاء وَفتح الْجِيم جمع حجرَة الدَّار. قَوْله: بمشقص بِكَسْر الْمِيم وَهُوَ النصل العريض. قَوْله: أَو بمشاقص شكّ من الرَّاوِي هُوَ جمع مشقص، ويروى: مشاقص، بِدُونِ الْبَاء فِي أَوله. قَوْله: يختله بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة أَي: يستغفله ويأتيه من حَيْثُ يرَاهُ. قَوْله: ليطعنه بِضَم الْعين وَفتحهَا.(24/64)
6901 - حدّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ، حَدثنَا لَ يْثٌ، عنِ ابنِ شِهابٍ أنَّ سَهْلَ بنَ سَعْد السَّاعِدِيَّ أخْبَرَهُ أنَّ رَجُلاً اطَّلَعَ فِي جُحْرٍ فِي بابِ رسُولِ الله ومَعَ رسولِ الله مِدرًى يَحُكُّ بِهِ رأسَهُ، فَلمَّا رآهُ رسولُ الله قَالَ: لَوْ أعْلَمُ أنْ تَنْتَظِرَني لَطَعَنْتُ بهِ فِي عَيْنَيْكَ قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّمَا جُعِلَ الإذْنُ مِنْ قِبَلِ البَصَرِ
انْظُر الحَدِيث 5924 وطرفه
الْكَلَام فِي وَجه التَّرْجَمَة مثل الْكَلَام فِي الحَدِيث السَّابِق. والْحَدِيث مضى فِي: بَاب الاسْتِئْذَان، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: فِي جُحر بِضَم الْجِيم وَسُكُون الْحَاء وَهُوَ البخش أَو الشق فِي الْبَاب. قَوْله: فِي بَاب رَسُول الله وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: من بَاب رَسُول الله وَكَذَلِكَ من جُحر عِنْده. قَوْله: مذرى بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الذَّال الْمُعْجَمَة وبالراء مَقْصُورا منوناً حَدِيدَة يسوى بهَا شعر الرَّأْس، وَقيل: هِيَ شَبيهَة بالمشط. قَوْله: تنتظرني أَي: تنتظرني يَعْنِي: ماطعنت لِأَنِّي كنت متردداً بَين نظره وَوَقفه غير نَاظر. قَوْله: من قبل الْبَصَر بِكَسْر الْقَاف وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة يَعْنِي: إِنَّمَا شرع الاسْتِئْذَان فِي دُخُول الدَّار من جِهَة الْبَصَر لِئَلَّا يطلع على عَورَة أَهلهَا، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: من جِهَة النّظر.
6902 - حدّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله، حدّثنا سُفْيانُ، حَدثنَا أبُو الزِّناددِ عَن الأعْرَجِ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ أبُو الْقَاسِم لَوْ أنَّ امْرءاً اطّلَعَ عَلَيْكَ بِغَيْرِ إذنٍ فَخَذَفْتَهُ بِحَصاةٍ فَفَقأتَ عَيْنَهُ لمْ يَكُنْ عَلَيْكَ جُناحٌ
انْظُر الحَدِيث 6888
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: لم يكن عَلَيْك جنَاح أَي: حرج.
وَعلي بن عبد الله هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَأَبُو الزِّنَاد بالزاي وَالنُّون عبد الله بن ذكْوَان، والأعرج عبد الرحمان بن هُرْمُز.
قَالَ الْكرْمَانِي: والْحَدِيث مضى فِي: بَاب بَدْء السَّلَام، وَلَيْسَ فِيهِ هَذَا. وَقَالَ صَاحب التَّوْضِيح وَقد سلف فِي: بَاب من أَخذ حَقه أَو اقْتصّ دون السُّلْطَان، وَلَيْسَ كَذَلِك أَيْضا، وَإِنَّمَا الَّذِي سلف فِيهِ عَن أنس بن مَالك وَذكره الْمزي فِي الْأَطْرَاف عَن البُخَارِيّ فِي كتاب الدِّيات وَلم يذكر شَيْئا غَيره. قَوْله: فخذفته بِالْخَاءِ والذال المعجمتين أَي: رميته، قيد بالحصاة لِأَنَّهُ لَو رَمَاه بِحجر ثقيل أَو سهم مثلا تعلق بِهِ الْقصاص، وَفِي وَجه للشَّافِعِيَّة: لَا ضَمَان مُطلقًا، وَلَو لم ينْدَفع إلاَّ بذلك جَازَ. قَوْله: جنَاح أَي: خرج كَمَا ذكرنَا، وَعند مُسلم من هَذَا الْوَجْه: مَا كَانَ عَلَيْك من جنَاح.
وَاسْتدلَّ بِهِ على جَوَاز رمي من يتجسس، وَلَو لم ينْدَفع، بالشَّيْء الْخَفِيف جَازَ بالثقيل، وَأَنه إِن أُصِيبَت نَفسه أَو بعضه فَهُوَ هدر، وَذهب الْمَالِكِيَّة إِلَى الْقصاص وَاعْتَلُّوا بِأَن الْمعْصِيَة لَا تدفع بالمعصية، ورد بِأَن الْمَأْذُون فِيهِ إِذا ثَبت الْإِذْن لَا يُسمى مَعْصِيّة، وَهل يشْتَرط الْإِنْذَار قبل الرَّمْي؟ فِيهِ وَجْهَان للشَّافِعِيَّة، قيل: يشْتَرط كدفع الصَّائِل وأصحهما: لَا.
24 - (بابُ العاقِلَةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الْعَاقِلَة وَهُوَ جمع عَاقل، وَهُوَ دَافع الدِّيَة وَسميت الدِّيَة عقلا تَسْمِيَة بِالْمَصْدَرِ لِأَن الْإِبِل كَانَت تعقل بِفنَاء ولي الْقَتِيل، ثمَّ كثر الِاسْتِعْمَال حَتَّى أطلق الْعقل على الدِّيَة، وَلَو لم يكن إبِلا، وَقيل: اشتقاقها من عقل يعقل إِذا تحمل، فَمَعْنَاه أَنه يحمل الدِّيَة عَن الْقَاتِل، وَقيل: من عقل يعقل إِذا منع وَدفع يدْفع، وَذَلِكَ أَنه كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة كل من قتل التجأ إِلَى قومه لِأَنَّهُ يطْلب ليقْتل فيمنعون عَنهُ الْقَتْل فسميت عَاقِلَة أَي: مَانِعَة. وَقَالَ ابْن فَارس: عقلت الْقَتِيل أَي: أَعْطَيْت دِيَته، وعقلت عَنهُ إِذا التزمت دِيَته فأديتها عَنهُ، والعاقلة: أهل الدِّيوَان وهم أهل الرَّايَات وهم الْجَيْش الَّذين كتبت أَسمَاؤُهُم فِي الدِّيوَان، وَعند مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: هم أهل الْعَشِيرَة وَهِي الْعَصَبَات، وَعَن بعض الشَّافِعِيَّة: عَاقِلَة الرجل من قبل الْأَب وهم عصبته، وَقَالَ الْكرْمَانِي: الْعَاقِلَة أَوْلِيَاء النِّكَاح، وَقَالَ أَصْحَابنَا: إِن لم يكن الْقَاتِل من أهل الدِّيوَان فعاقلته أهل حرفته، وَإِن لم يكن فَأهل حلفه.(24/65)
6903 - حدّثنا صَدَقَةُ بنُ الفَضْلِ، أخبرنَا ابنُ عُيَينَةَ، حدّثنا مُطرِّفٌ قَالَ: سَمِعْتُ الشعْبيَّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جُحَيْفَةَ، قَالَ: سألْتُ عَلِيّاً، رَضِي الله عَنهُ: هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ مَا لَيْسَ فِي القُرْآنِ؟ وَقَالَ مَرَّةً: مَا لَيْسَ عِنْدَ النَّاسِ؟ فَقَالَ: والّذِي فَلَقَ الحَبَّةَ وَبَرَأ النّسَمَةَ مَا عِنْدَنا إلاَّ مَا فِي القُرْآنِ، إلاّ فَهْماً يُعْطَى رجُلٌ فِي كِتابه وَمَا فِي الصَّحِيفَةِ؟ . قُلْتُ: وَمَا فِي الصَّحِيفَةِ؟ قَالَ: العَقْلُ، وفِكَاكُ الأسِيرِ، وأنْ لَا يُقْتَلَ مُسْلِمٌ بِكافِرِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: الْعقل وَهِي الدِّيَة. وَابْن عُيَيْنَة سُفْيَان، ومطرف بِوَزْن اسْم فَاعل من التطريف بِالطَّاءِ الْمُهْملَة ابْن طريف بِالطَّاءِ الْمُهْملَة أَيْضا، وَالشعْبِيّ هُوَ عَامر بن شرَاحِيل، وَأَبُو جُحَيْفَة بِضَم الْجِيم وَفتح الْحَاء الْمُهْملَة وبالفاء اسْمه وهب بن عبد الله السوَائِي.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْعلم فِي: بَاب كِتَابَة الْعلم، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مُحَمَّد بن سَلام عَن وَكِيع عَن سُفْيَان عَن مطرف ... الخ.
قَوْله: (قَالَ مطرف كَذَا فِي رِوَايَة أبي ذَر، وَفِي رِوَايَة البَاقِينَ: حَدثنَا مطرف، وَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْحميدِي عَن ابْن عُيَيْنَة. قَوْله: لَيْسَ فِي الْقُرْآن أَي: مَا كتبتموه عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَوَاء حفظتموه أَو لَا وَلَيْسَ المُرَاد تَعْمِيم كل مَكْتُوب أَو مضبوط لِكَثْرَة الثَّابِت عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، من مرويه عَن النَّبِي مِمَّا لَيْسَ فِي الصَّحِيفَة الْمَذْكُورَة. قَوْله: فلق الْحبّ أَي: شقها. قَوْله: وبرأ النَّسمَة أَي: خلق الْإِنْسَان. قَوْله: إلاَّ فهما اسْتثِْنَاء مُنْقَطع أَي: لَكِن الْفَهم عندنَا هُوَ الَّذِي أعْطِيه الرجل، وَقيل: حرف الْعَطف مُقَدّر أَي: وَفهم، وَقد مر فِي كتاب الْعلم أَنه قَالَ: لَا إِلَّا كتاب الله أَو فهم أعْطِيه رجل مُسلم، أَو مافي هَذِه الصَّحِيفَة. والفهم بِالسُّكُونِ وَالْحَرَكَة وَهُوَ مَا يفهم من فحوى كَلَامه ويستدرك من بَاطِن مَعَانِيه الَّتِي هِيَ غير الظَّاهِر عَن نَصه، وَيدخل فِيهِ جَمِيع وُجُوه الْقيَاس، قَالَه الْخطابِيّ. قَوْله: يعْطى رجل بِضَم الْيَاء على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: فِي كِتَابه أَي: فِي كتاب الله عز وَجل. قَوْله: قلت الْقَائِل هُوَ أَبُو جُحَيْفَة. قَوْله: الْعقل أَي: الدِّيَة أَي أَحْكَام الدِّيَة. قَوْله: وفكاك الْأَسير بِالْكَسْرِ وَالْفَتْح، قَالَ الْكرْمَانِي: مر فِي كتاب الْحَج فِي: بَاب حرم الْمَدِينَة أَن فِيهَا أَيْضا: الْمَدِينَة حرم مَا بَين عائر إِلَى كَذَا ... الحَدِيث، وَأجَاب بِأَن عدم التَّعْرِيض لَيْسَ تعرضاً للعدم فَلَا مُنَافَاة. قَوْله: وَأَن لَا يقتل الْمُسلم بِكَافِر احْتج بِهِ عمر بن عبد الْعَزِيز وَالْأَوْزَاعِيّ وَالثَّوْري وَابْن شبْرمَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق وَأَبُو ثَوْر على أَن الْمُسلم لَا يقتل بالكافر، وَإِلَيْهِ ذهب أهل الظَّاهِر، وَقَالَ ابْن حزم فِي الْمحلى وَإِن قتل مُسلم عَاقل بَالغ ذِمِّيا أَو مستأمناً عمدا أَو خطأ فَلَا قَود عَلَيْهِ وَلَا دِيَة وَلَا كَفَّارَة، لَكِن يُؤَدب فِي الْعمد خَاصَّة، ويسجن حَتَّى يَتُوب كفا لضرره. وَقَالَ الشّعبِيّ وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَمُحَمّد بن أبي ليلى وَعُثْمَان البتي وَأَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَزفر، فِيمَا ذكره الرزاي: يقتل الْمُسلم بالكافر، وَرُوِيَ ذَلِك عَن عمر بن الْخطاب وَعبد الله بن مَسْعُود، وَأَجَابُوا عَن ذَلِك: بِأَن المُرَاد لَا يقتل مُؤمن بِكَافِر غير ذِي عهد، وَقد بسطنا الْكَلَام فِيهِ فِي شرحنا لمعاني الْآثَار وللطحاوي، فَليرْجع إِلَيْهِ.
25 - (بابُ جنِينِ المَرأةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم جَنِين الْمَرْأَة. والجنين على وزن قَتِيل حمل الْمَرْأَة مَا دَامَ فِي بَطنهَا سمي بذلك لاستتاره، فَإِن خرج حَيا فَهُوَ ولد، وَإِن خرج مَيتا فَهُوَ: سقط، سَوَاء كَانَ ذكرا أَو أُنْثَى مَا لم يستهل صَارِخًا.
6904 - حدّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ، أخبرنَا مالِكٌ. وحدّثنا إسْماعِيلُ، حدّثنا مالِكٌ عَن ابْن شِهابٍ عنْ أبي سَلمَةَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمانِ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ، رَضِي الله عَنهُ، أنَّ امْرَأتَيْنِ مِنْ هُذَيْلٍ رمَتْ إحْداهُما الأُخْرَى فَطَرَحَتْ، جَنِينَها، فقَضَى رسولُ الله فِيها بِغُرَّةٍ عَبْدٍ أوْ أمَةٍ
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأخرجه عَن مَالك عَن شيخين. أَحدهمَا: عَن عبد الله بن يُوسُف عَنهُ وَالْآخر: عَن إِسْمَاعِيل بن أبي أويس عَنهُ، وَسَقَطت رِوَايَة إِسْمَاعِيل هُنَا لأبي ذَر.
وَمضى الحَدِيث فِي الطِّبّ عَن قُتَيْبَة عَن مَالك. وَأخرجه مُسلم عَن يحيى(24/66)
بن يحيى عَن مَالك. وَأخرجه النَّسَائِيّ عَن أبي الطَّاهِر عَن مَالك.
قَوْله: أَن امْرَأتَيْنِ هما كَانَتَا ضرتين تَحت حمل بن مَالك بن النَّابِغَة الْهُذلِيّ من هُذَيْل بن مدركة بن إلْيَاس بن مُضر، نزل الْبَصْرَة، ذكره مُسلم فِي تَسْمِيَة من روى عَن النَّبِي قلت: حمل بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَالْمِيم وَيُقَال حمله. قَوْله: رمت إِحْدَاهمَا الْأُخْرَى وَفِي رِوَايَة يُونُس وَعبد الرحمان بن خَالِد: فرمت إِحْدَاهمَا الْأُخْرَى بِحجر، وَزَاد عبد الرحمان: فَأصَاب بَطنهَا وَهِي حَامِل، وروى أَبُو دَاوُد من طَرِيق حمل بن مَالك: فَضربت إِحْدَاهمَا الْأُخْرَى بمسطح، وَعند مُسلم من طَرِيق عبيد بن نَضْلَة عَن الْمُغيرَة بن شُعْبَة قَالَ: ضربت امْرَأَة ضَرَّتهَا بعمود فسطاط وَهِي حُبْلَى فقتلتها، وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد من حَدِيث بُرَيْدَة: أَن امْرَأَة حذفت امْرَأَة أُخْرَى فطرحت جَنِينهَا، وَفِي رِوَايَة عبد الرحمان بن خَالِد: فقتلت وَلَدهَا فِي بَطنهَا، وَفِي رِوَايَة يُونُس: فقتلتها. قَوْله: غرَّة بِضَم الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الرَّاء، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: الْغرَّة العَبْد نَفسه أَو الْأمة، وأصل الْغرَّة الْبيَاض الَّذِي يكون فِي وَجه الْفرس، وَكَانَ أَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء يَقُول: الْغرَّة عبد أَبيض أَو أمة بَيْضَاء، وَسمي غرَّة لبياضه فَلَا يقبل فِي الدِّيَة عبد أسود وَلَا جَارِيَة سَوْدَاء، وَلَيْسَ ذَلِك شرطا عِنْد الْفُقَهَاء، وَإِنَّمَا الْغرَّة عِنْدهم مَا بلغ ثمنه نصف عشر الدِّيَة من العبيد وَالْإِمَاء. قَوْله: عبد أَو أمة قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ: قِرَاءَة الْعَامَّة بِالْإِضَافَة يَعْنِي: بِإِضَافَة الْغرَّة إِلَى العَبْد وَغَيرهم بِالتَّنْوِينِ. قلت: على هَذَا الْوَجْه يكون العَبْد بَدَلا من الْغرَّة، وَحكى القَاضِي عِيَاض الِاخْتِلَاف، وَقَالَ: التَّنْوِين أوجه لِأَنَّهُ بَيَان للغرة مَا هِيَ، وَقَالَ الْبَاجِيّ: يحْتَمل أَن يكون: أَو، شكا من الرَّاوِي فِي تِلْكَ الْوَاقِعَة لمخصوصة، وَيحْتَمل أَن يكون للتنويع وَهُوَ الْأَظْهر، وَقيل: الْمَرْفُوع من الحَدِيث قَوْله: بغرة وَأما قَوْله: عبد أَو أمة فَمن الرَّاوِي، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: وَقد جَاءَ فِي بعض الرِّوَايَات فِي هَذَا الحَدِيث: بغرة عبد أَو أمة أَو فرس أَو بغل، وَقيل: إِن الْفرس والبغل غلط من الرَّاوِي، ثمَّ إِن الْغرَّة إِنَّمَا تجب فِي الْجَنِين إِذا سقط مَيتا وَإِن سقط حَيا ثمَّ مَاتَ فَفِيهِ الدِّيَة كَامِلَة.
6905 - حدّثنا مُوسى بنُ إسْماعِيلَ، حَدثنَا وُهَيْبٌ، حدّثنا هِشامٌ، عنْ أبِيهِ عنِ المُغيرَةِ بنِ شُعْبَةَ عنْ عُمَرَ رَضِي الله عَنهُ، أنّهُ اسْتَشارَهُمْ فِي إملاَصِ المَرأةِ، فَقَالَ المُغِيرَةُ: قَضَى النبيُّ بالْغُرَّةِ عَبْدٍ أوْ أمَةٍ قَالَ: ائْتِ مَنْ يَشْهَدُ مَعَكَ، فَشَهِدَ مُحَمَّدُ بنُ مَسْلمَةَ أنّهُ شَهِدَ النبيَّ قَضَى بِهِ.
الحَدِيث 6906 طرفه فِي: 6908، 7318
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. ووهيب هُوَ ابْن خَالِد، وَهِشَام هُوَ ابْن عُرْوَة يروي عَن أَبِيه عُرْوَة بن الزبير.
والْحَدِيث أخرجه أَبُو دَاوُد فِي الدِّيات أَيْضا عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل عَن وهيب.
قَوْله: استشارهم أَي: اسْتَشَارَ الصَّحَابَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَفِي رِوَايَة مُسلم: عَن هِشَام عَن أَبِيه عَن الْمسور بن مخرمَة: اسْتَشَارَ النَّاس. قَوْله: فِي إملاص الْمَرْأَة بِكَسْر الْهمزَة وَهُوَ إِلْقَاء الْمَرْأَة وَلَدهَا مَيتا، وَسَيَجِيءُ فِي الِاعْتِصَام من طَرِيق أبي مُعَاوِيَة: عَن هِشَام عَن أَبِيه عَن الْمُغيرَة سَأَلَ عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، عَن إملاص الْمَرْأَة وَهِي الَّتِي تضرب بَطنهَا فتلقي جَنِينهَا، فَقَالَ: أَيّكُم سمع من النَّبِي فِيهِ شَيْئا؟ قَوْله: فَقَالَ الْمُغيرَة فِيهِ تَجْرِيد لِأَن السِّيَاق يَقْتَضِي أَن يَقُول: فَقلت.
قَوْله: فَشهد مُحَمَّد بن مسلمة بِفَتْح الْمِيم وَاللَّام الخزرخي البدري الْكَبِير الْقدر، مَاتَ سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين. قَوْله: أَنه شهد النَّبِي أَي: حَضَره. وَفِي الحَدِيث الَّذِي يَأْتِي قَالَ: ائْتِ بِمن شهد مَعَك. أَي: قَالَ النَّبِي للْمُغِيرَة بن شُعْبَة: ائْتِ من يشْهد مَعَك، قيل: خبر الْوَاحِد حجَّة يجب قبُوله، فَلم طلب الشَّاهِد؟ وَأجِيب للتثبيت والتأكيد وَمَعَ هَذَا فشهادته لم تخرج عَن خبر الْوَاحِد.
6907 - حدّثنا عُبَيْدُ الله بنُ مُوسَى، عنْ هِشامٍ، عنْ أبِيهِ أنَّ عُمَرَ نَشَدَ النَّاسَ مَنْ سَمِعَ النبيَّ قَضَي فِي السِّقْطِ. وَقَالَ المُغِيرَةُ: أَنا سَمِعْتُهُ قَضَى فِيهِ بِغُرَّةٍ عبْدٍ أوْ أمةٍ. قَالَ: ائْتِ مَنْ يَشْهَد مَعَكَ عَلى هاذَا، فَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ مسْلَمَة: أَنا أشْهَدُ عَلى النبيِّ بِمِثْلِ هاذَا.
انْظُر الحَدِيث 6906 وطرفه
هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور، وَهَذَا فِي حكم الثلاثيات. لِأَن هشاماً تَابِعِيّ.
قَوْله: عَن أَبِيه عَن عمر هَذَا صورته(24/67)
الْإِرْسَال لِأَن عُرْوَة لم يسمع عمر، لَكِن تبين من الرِّوَايَة السَّابِقَة واللاحقة أَن عُرْوَة حمله عَن الْمُغيرَة عَن عمر، وَإِن لم يُصَرح بِهِ فِي هَذِه الرِّوَايَة. قَوْله: فَقَالَ الْمُغيرَة كَذَا فِي رِوَايَة أبي ذَر بِالْفَاءِ وَفِي رِوَايَة غَيره بِالْوَاو. قَوْله: ائْتِ من يشْهد كَذَا بِصِيغَة الْأَمر من الْإِتْيَان، وَوَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر عَن غير الْكشميهني: آنت؟ بِأَلف ممدودة ثمَّ نون سَاكِنة ثمَّ تَاء مثناة من فَوق بِصِيغَة اسْتِفْهَام الْمُخَاطب على إِرَادَة الاستثبات أَي: اأنت تشهد؟ ثمَّ استفهمه ثَانِيًا: من يشْهد مَعَك؟ .
قَوْله: بِمثل هَذَا أَي: بِمثل مَا شهد الْمُغيرَة.
6908 - حدّثني مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الله، حَدثنَا مُحَمَّدُ بنُ سابِقٍ، حدّثنا زَائِدةُ، حدّثنا هِشامُ بنُ عُرْوَةَ، عنْ أبِيهِ أنّهُ سَمِعَ المُغِيرَةَ بنَ شُعْبَةَ يُحَدِّثُ عنْ عُمَرَ أنّهُ اسْتَشارَهُمْ فِي إمْلاصِ المَرْأة. . مِثْلَهُ.
هَذَا طَرِيق آخر أخرجه عَن مُحَمَّد بن عبد الله هُوَ مُحَمَّد بن يحيى بن عبد الله الذهلي عَن مُحَمَّد بن سَابق الْفَارِسِي الْبَغْدَادِيّ روى عَنهُ البُخَارِيّ بِدُونِ وَاسِطَة فِي: بَاب الْوَصَايَا، فَقَط وَهُوَ يروي عَن زَائِدَة من الزِّيَادَة ابْن قدامَة بِضَم الْقَاف الثَّقَفِيّ ... الخ.
قَوْله: مثله أَي: مثل الحَدِيث الْمَذْكُور، وَهُوَ رِوَايَة وهيب الْمَذْكُورَة.
26 - (بابُ جَنِينِ المَرْأةِ وأنَّ العَقْلَ عَلى الوالِدِ وعَصَبَةِ الوالِدِ لَا عَلى الوَلَد)
أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم جَنِين الْمَرْأَة وَفِي بَيَان أَن الْعقل أَي: الدِّيَة أَي: دِيَة الْمَرْأَة المقتولة على الْوَالِد أَي على وَالِد القاتلة وعَلى عصبته، وَذكر لفظ: الْوَالِد إِشَارَة إِلَى مَا ورد فِي بعض طرق الْقِصَّة. قَوْله: لَا على الْوَلَد قَالَ ابْن بطال: يُرِيد أَن ولد الْمَرْأَة إِذا لم يكن من عصبتها لَا يعقل عَنْهَا لِأَن الْعقل على الْعصبَة دون ذَوي الْأَرْحَام، وَلذَلِك لَا تعقل الْإِخْوَة من الْأُم. قَالَ: وَمُقْتَضى الْخَبَر أَن من يَرِثهَا لَا يعقل عَنْهَا إِذا لم يكن من عصبتها، ثمَّ قَالَ: قَالَ ابْن الْمُنْذر: وَهَذَا قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَأبي ثَوْر وكل من أحفظ عَنْهُم.
6909 - حدّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ حَدثنَا اللَّيْثُ عنِ ابنِ شِهابٍ عنْ سَعيدٍ بنِ المُسَيَّبِ عنْ أبي هُرَيْرةَ: أنَّ رسولَ الله قَضَى فِي جَنِينِ امْرأةٍ مِنْ بَنِي لِحْيانَ بِغُرَّةٍ عبْد أوْ أمَةٍ، ثُمَّ إنَّ المرْأةَ الّتي قَضَى عَلَيْها بالغُرَّةِ توُفِّيَتْ، فَقَضَى رسولُ الله أنَّ مِيراثَها لِبَنِيها وزَوْجِها، وأنَّ العقْلَ عَلى عَصَبَتِها.
قيل: لَا مُطَابقَة بَين التَّرْجَمَة والْحَدِيث لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إِيجَاب الْعقل على الْوَالِد. وَأجِيب بِأَن لفظ: الْوَالِد، قد ورد فِي بعض طرق الحَدِيث، وعادته أَنه يترجم بِمثل هَذَا.
وَأخرجه عَن عبد الله بن يُوسُف عَن اللَّيْث بن سعد عَن مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ الخ، وَقد مضى فِي الْفَرَائِض عَن قُتَيْبَة، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: من بني لحيان بِكَسْر اللَّام وَسُكُون الْحَاء الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف وهم بطن من هُذَيْل فَلَا مُنَافَاة بَينه وَبَين قَوْله فِيمَا تقدم: إِنَّهَا من هُذَيْل. قَوْله: بغرة عبد أَو أمة بِالْإِضَافَة أَو الْوَصْف كَمَا ذَكرْنَاهُ عَن قريب، وَاخْتلفُوا لمن تكون هَذِه الْغرَّة، فَذكر ابْن حبيب أَن مَالِكًا اخْتلف فِيهِ. قَوْله: فَمرَّة قَالَ: إِنَّهَا لأمه، وَهُوَ قَول اللَّيْث. وَمرَّة قَالَ: إِنَّهَا بَين الْأَبَوَيْنِ: الثُّلُثَانِ للْأَب وَالثلث للام. وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ. قَوْله: وَأَن الْعقل أَي: الدِّيَة أَي: وَقضى أَن عقل الْمَرْأَة الَّتِي توفيت على عصبتها، وَهِي الَّتِي قضى عَلَيْهَا بالغرة هِيَ المتوفاة حتف أنفها.
6910 - حدّثنا أحْمَدُ بنُ صالِحٍ، حدّثنا ابنُ وَهْب، حَدثنَا يُونُسُ، عنِ ابنِ شِهاب، عنِ ابنِ المُسَيَّبِ وَأبي سَلَمَة بنِ عبْدِ الرَّحْمانِ أنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: اقْتَتَلَت امْرَأتانِ مِنْ هُذَيْلٍ فَرَمَتْ إحْدَاهُما الأخُرَى بِحَجَرٍ قَتَلَتْها وَمَا فِي بَطْنها، فاخْتَصَمُوا إِلَى النبيِّ فَقَضَى أنَّ دِيَةَ جَنِينها(24/68)
غرَّةٌ: عبْدٌ أوْ وَلِيدَةٌ، وقَضَى أنَّ دِيَةَ المَرْأةِ عَلى عَاقِلَتِها.
هَذَا وَجه آخر فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة الْمَذْكُور وَأخرجه عَن أَحْمد بن صَالح أبي جَعْفَر الْمصْرِيّ عبد الله بن وهب الْمصْرِيّ عَن مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ عَن سعيد بن الْمسيب عَن أبي سَلمَة بن عبد الرحمان بن عَوْف ... إِلَى آخِره.
قَوْله: وَمَا فِي بَطنهَا أَي: وَقتل مَا فِي بطن الْمَرْأَة وَهُوَ الْجَنِين. قَوْله: غرَّة بِالرَّفْع لِأَنَّهُ خبر إِن وَاسْمهَا قَوْله: دِيَة جَنِينهَا قَوْله: على عاقلتها هِيَ: عصبتها.
27 - (بابُ مَنِ اسْتَعَانَ عَبْداً أوْ صَبِيّاً)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان من اسْتَعَانَ من الِاسْتِعَانَة وَهِي طلب العون هَكَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين: اسْتَعَانَ، بالنُّون وَفِي رِوَايَة النَّسَفِيّ والإسماعيلي: اسْتعَار بالراء من الِاسْتِعَارَة وَهِي طلب الْعَارِية، وَوجه ذكر هَذَا الْبَاب فِي كتاب الدِّيات هُوَ أَنه إِذا هلك العَبْد فِي الِاسْتِعْمَال تجب الدِّيَة. وَاخْتلفُوا فِي دِيَة الصَّبِي. وَفِي التَّوْضِيح إِن اسْتَعَانَ حرا بَالغا مُتَطَوعا أَو بِإِجَارَة وأصابه شَيْء فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ عِنْد الْجَمِيع إِن كَانَ ذَلِك الْعَمَل لَا غرر فِيهِ، وَإِنَّمَا يضمن من جنى وتعدى. وَاخْتلف إِذا اسْتعْمل عبدا بَالغا فِي شَيْء فَعَطب، فَقَالَ ابْن الْقَاسِم: إِن اسْتعْمل عبدا فِي بِئْر يحفرها وَلم يَأْذَن لَهُ سَيّده فِي الْإِجَارَة فَهُوَ ضَامِن إِن عطب، وَذَلِكَ إِذا بَعثه إِلَى سفر بِكِتَاب، وروى ابْن وهب عَن مَالك: لَا ضَمَان عَلَيْهِ سَوَاء أذن لَهُ سَيّده فِي الْإِجَارَة أَو لم يَأْذَن مِمَّا أصَاب، إلاَّ أَن يَسْتَعْمِلهُ فِي غرر كَبِير لِأَنَّهُ لم يُؤذن لَهُ فِيهِ.
ويُذْكَرُ أنَّ أُمَّ سَلَمَةَ بَعَثَتْ إِلَى مُعَلِّمِ الكُتَّابِ: ابْعَثْ إليَّ غِلْماناً يَنْفُشُون صُوفاً وَلَا تَبْعَثْ إليَّ حُرّاً.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأم سَلمَة زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَاسْمهَا: هِنْد. قَوْله: قَوْله: معلم الْكتاب وَفِي رِوَايَة النَّسَفِيّ: معلم كتاب، وَهُوَ بِضَم الْكَاف وَتَشْديد التَّاء، قَالَ الْجَوْهَرِي: الْكتاب الكتبة وَالْكتاب أَيْضا والمكتب وَاحِد، وَالْجمع: الكتاتيب وَالْمكَاتب. قَوْله: ينفشون بِالْفَاءِ من نفشت الْقطن أَو الصُّوف أنفشه نفشاً وعهن منفوش. قَوْله: وَلَا تبْعَث إِلَيّ بِكَسْر الْهمزَة وَتَشْديد الْيَاء، كَذَا فِي رِوَايَة الْجُمْهُور، وَذكره ابْن بطال بِلَفْظ: إلاَّ، الَّتِي هِيَ حرف الِاسْتِثْنَاء، وَشَرحه على ذَلِك، وَهَذَا عكس معنى رِوَايَة الْجُمْهُور، وَاشْتِرَاط أم سَلمَة أَن لَا يُرْسل إِلَيْهَا حرا لِأَن الْجُمْهُور قَائِلُونَ: بِأَن من اسْتَعَانَ صَبيا حرا لم يبلغ أَو عبدا بِغَيْر إِذن مَوْلَاهُ فهلكا فِي ذَلِك الْعَمَل فَهُوَ ضَامِن لقيمة العَبْد ولدية الصَّبِي الْحر على عَاقِلَته. وَقَالَ الدَّاودِيّ: يحْتَمل فعل أم سَلمَة لِأَنَّهَا أمّهم. وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَلَعَلَّ غرضها من منع الْحر إكرام الْحر وإيصال الْعِوَض لِأَنَّهُ على تَقْدِير هَلَاكه فِي ذَلِك الْعَمَل لَا يضمنهُ، بِخِلَاف العَبْد فَإِن الضَّمَان عَلَيْهَا لَو هلك بِهِ، وَهَذَا التَّعْلِيق رَوَاهُ وَكِيع بن الْجراح عَن معمر عَن سُفْيَان عَن ابْن الْمُنْكَدر عَن أم سَلمَة، وَهُوَ مُنْقَطع، لِأَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر لم يسمع من أم سَلمَة، فَلذَلِك ذكره البُخَارِيّ بِصِيغَة التمريض.
6911 - حدّثنا عَمْرُو بنُ زُرَارَةَ، أخبرنَا إسماعِيلُ بنُ إبْرَاهِيمَ، عنْ عبْدِ العَزِيز، عنْ أنَسٍ قَالَ: لمَّا قَدِمَ رسولُ الله المَدِينَةَ أخَذَ أبُو طَلْحَةَ بِيَدِي فانْطَلَقَ بِي إِلَى رسولِ الله فَقَالَ: يَا رَسُول الله إنَّ أنسا غُلاَمٌ كَيِّسٌ فَلْيَخْدُمْكَ. قَالَ: فَخَدَمْتُهُ فِي الحَضَر والسَّفَر، فَوَالله مَا قَالَ لِي لِشَيْءٍ صَنَعْتُهُ: لِمَ صَنَعْتَ هاذَا هَكَذَا وَلَا لِشَيءٍ لَمْ أصْنَعْهُ: قَوْله: لمَ لَمْ تَصْنَعْ هَذا هاكَذَا
انْظُر الحَدِيث 2768 وطرفه
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن الْخدمَة مستلزمة للاستعانة، فيطابق الْجُزْء الْأَخير من التَّرْجَمَة.
وَعَمْرو بن زُرَارَة بِضَم الزَّاي وَفتح الرَّاء الأولى النَّيْسَابُورِي، وَإِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم هُوَ ابْن علية، وَعبد الْعَزِيز هُوَ ابْن صُهَيْب.
والْحَدِيث مضى فِي الْوَصَايَا عَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: حَدثنَا عَمْرو وَفِي بعض النّسخ: حَدثنِي، بِالْإِفْرَادِ. قَوْله: أَخذ(24/69)
أَبُو طَلْحَة هُوَ زيد بن سهل الْأنْصَارِيّ زوج أم سليم، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا. قَوْله: كيس بِفَتْح الْكَاف وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف الْمَكْسُورَة وبالسين الْمُهْملَة أَي: طريف، وَقيل: أَي عَاقل والكيس خلاف الأحمق. قَوْله: فليخدمك بِضَم الْمِيم.
وَفِيه: حسن خلق النَّبِي وَأَنه مَا اعْترض عَلَيْهِ لَا فِي فعل وَلَا فِي ترك.
28 - (بابٌ المَعْدِنُ جُبارٌ والبِئْرُ جُبارٌ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ الْمَعْدن جَبَّار بِضَم الْجِيم وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة أَي: هدر لَا شَيْء فِيهِ، وَمعنى: الْمَعْدن جَبَّار، هُوَ أَن يحْفر معدناً فِي موَات أَو فِي ملكه فَيهْلك فِيهِ الْأَجِير أَو غَيره مِمَّن يمر بِهِ، فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ فِي ذَلِك. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: الْمَعْدن جَبَّار إِذا احتفر الرجل معدناً فَوَقع فِيهَا إِنْسَان فَلَا غرم عَلَيْهِ، ذكره فِي تَفْسِير حَدِيث الْبَاب. قَوْله: والبئر جَبَّار، يَعْنِي إِذا احتفر بِئْر للسبيل فِي ملك أَو موَات فَوَقع فِيهَا إِنْسَان فَلَا غرم على صَاحبهَا، وَيُقَال: المُرَاد بالبئر هُنَا العادية الْقَدِيمَة الَّتِي لَا يعلم لَهَا مَالك، تكون فِي الْبَادِيَة فَيَقَع فِيهَا إِنْسَان أَو دَابَّة فَلَا شَيْء فِي ذَلِك على أحد.
6912 - حدّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ، حَدثنَا اللّيْثُ، حَدثنَا ابنُ شِهابٍ عنْ سَعِيدِ بنِ المُسيَّبِ وَأبي سَلَمَة بنِ عبْدِ الرَّحْمانِ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ: أنَّ رسولَ الله قَالَ: العَجْماءُ جُرْحُها جُبارٌ، والبئْرُ جُبارٌ، والمَعْدِنُ جُبارٌ، وَفِي الرِّكازِ الخُمُسُ
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن التَّرْجَمَة بعض الحَدِيث. وَهَذَا الحَدِيث أخرجه بَقِيَّة الْأَئِمَّة السّنة. فَمُسلم عَن يحيى بن يحيى وَغَيره، وَأَبُو دَاوُد عَن مُسَدّد، وَالتِّرْمِذِيّ عَن أَحْمد بن منيع. وَالنَّسَائِيّ عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم. وَابْن مَاجَه عَن أبي بكر بن أبي شيبَة بِبَعْضِه وَعَن هِشَام بن عمار وَمُحَمّد بن مَيْمُون بباقيه، وَكلهمْ قَالُوا فِيهِ: عَن سعيد بن الْمسيب وَأبي سَلمَة، وَهَكَذَا قَالَ الإِمَام مَالك بن أنس، وَخَالفهُم يُونُس بن يزِيد فَرَوَاهُ: عَن الزُّهْرِيّ عَن سعيد بن الْمسيب وَعبيد الله بن عبد الله بن عتبَة كِلَاهُمَا عَن أبي هُرَيْرَة، رَوَاهُ كَذَلِك مُسلم وَالنَّسَائِيّ، وَقَول اللَّيْث وَمَالك أصح، وَيجوز أَن يكون ابْن شهَاب الزُّهْرِيّ سَمعه من الثَّلَاثَة جَمِيعًا.
قَوْله العجماء مُبْتَدأ أَو قَوْله: جرحها بدل مِنْهُ وَخَبره قَوْله: جَبَّار وَالْجرْح هُنَا بِفَتْح الْجِيم مصدر، وَالْجرْح بِالضَّمِّ اسْم قَالَ القَاضِي: إِنَّمَا عبر بِالْجرْحِ لِأَنَّهُ الْأَغْلَب، أَو هُوَ مِثَال مِنْهُ على مَا عداهُ، وَأما الرِّوَايَة الَّتِي لم يذكر فِيهَا لفظ الْجرْح فَمَعْنَاه إِتْلَاف العجماء بِأَيّ وَجه كَانَ بِجرح أَو غَيره جَبَّار أَي: هدر لَا شَيْء فِيهِ والعجماء تَأْنِيث الْأَعْجَم وَهِي الْبَهِيمَة، وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: فسره بعض أهل الْعلم فَقَالُوا: العجماء الدَّابَّة المنفلتة من صَاحبهَا فَمَا أَصَابَت فِي انفلاتها فَلَا غرم على صَاحبهَا. انْتهى. وَاحْتج بِهِ أَبُو حنيفَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، على أَنه لَا ضَمَان فِيمَا أتلفته الْبَهَائِم مُطلقًا سَوَاء فِيهِ الْجرْح وَغَيره، وَسَوَاء فِيهِ اللَّيْل وَالنَّهَار، وَسَوَاء كَانَ مَعهَا أَو لَا إلاَّ أَن يحملهَا الَّذِي مَعهَا على الْإِتْلَاف أَو يَقْصِدهُ فحينئذٍ يضمن لوُجُود التَّعَدِّي مِنْهُ، وَهُوَ قَول دَاوُد وَأهل الظَّاهِر، وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: إِن كَانَ مَعهَا أحد من مَالك أَو مُسْتَأْجر أَو مستعير أَو مُودع أَو وَكيل أَو غَاصِب أَو غَيرهم وَجب عَلَيْهِ ضَمَان مَا أتلفته، وحملوا الحَدِيث على مَا إِذْ لم يكن مَعهَا أحد فأتلفت شَيْئا بِالنَّهَارِ أَو انفلتت بِاللَّيْلِ بِغَيْر تَفْرِيط من مَالِكهَا فأتلفت شَيْئا، وَلَيْسَ مَعهَا أحد. وَأجَاب أَصْحَاب أبي حنيفَة: بِأَن الحَدِيث مُطلق عَام فَوَجَبَ الْعَمَل بِعُمُومِهِ، وَأما التَّعَدِّي فخارج عَنهُ. قَوْله: والبئر جَبَّار قد مر تَفْسِيره آنِفا، وَفِي رِوَايَة مُسلم: والبئر جرحها جَبَّار، وَالْمرَاد بجرحها مَا يحصل للْوَاقِع فِيهَا من الْجراحَة، وَقَالَ ابْن الْعَرَبِيّ: اتّفقت الرِّوَايَات الْمَشْهُورَة على التَّلَفُّظ بالبئر وَجَاءَت رِوَايَة شَاذَّة بِلَفْظ: النَّار جَبَّار بنُون وَألف سَاكِنة قبل الرَّاء وَمَعْنَاهُ عِنْدهم أَن من استوقد نَارا مِمَّا يجوز لَهُ فتعدت حَتَّى أتلفت شَيْئا فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ. قَالَ: وَقَالَ بَعضهم: صحفها بَعضهم لِأَن أهل الْيمن يَكْتُبُونَ النَّار بِالْيَاءِ لَا بِالْألف فَظن بَعضهم الْبِئْر بِالْبَاء الْمُوَحدَة: النَّار، بالنُّون فرواها كَذَلِك. قَوْله: والمعدن جَبَّار قد مر تَفْسِيره. قَوْله: وَفِي الرِّكَاز الْخمس بِكَسْر الرَّاء وَهُوَ مَا وجد من دفن الْجَاهِلِيَّة مِمَّا تجب فِيهِ الزَّكَاة من ذهب أَو فضَّة، أَي: مِقْدَار مَا تجب فِيهِ الزَّكَاة، وَهُوَ النّصاب فَإِنَّهُ يجب فِيهِ الْخمس على سَبِيل الزَّكَاة الْوَاجِبَة، كَذَا(24/70)
قَالَ شَيخنَا فِي شرح التِّرْمِذِيّ ثمَّ قَالَ: هَذَا عِنْد جُمْهُور الْعلمَاء، وَهُوَ قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد. وَفِيه حجَّة على أبي حنيفَة وَغَيره من الْعِرَاقِيّين حَيْثُ: قَالُوا: الرِّكَاز هُوَ الْمَعْدن وجعلوهما لفظين مترادفين. وَقد عطف الشَّارِع أَحدهمَا على الآخر، وَذكر لهَذَا حكما غير الحكم الَّذِي ذكره فِي الأول. انْتهى. قلت: الْمَعْدن هُوَ الرِّكَاز، فَلَمَّا أَرَادَ أَن يذكر لَهُ حكما آخر ذكره بِالِاسْمِ الآخر وَهُوَ: الرِّكَاز، وَلَو قَالَ: وَفِيه الْخمس بِدُونِ أَن يَقُول: وَفِي الرِّكَاز الْخمس لحصل الالتباس بِاحْتِمَال عود الضَّمِير إِلَى الْبِئْر، وَقد أورد أَبُو عمر فِي التَّمْهِيد عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن عبد الله بن عمر وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي كنز وجده رجل: إِن كنت وجدته فِي قَرْيَة مسكونة، أَو فِي غير سَبِيل، أَو فِي سَبِيل ميتاء فَعرفهُ، وَإِن كنت وجدته فِي خربة جَاهِلِيَّة أَو فِي قَرْيَة غير مسكونة أَو فِي غير سَبِيل ميتاء، فَفِيهِ وَفِي الرِّكَاز الْخمس. وَقَالَ القَاضِي عِيَاض: وَعطف الرِّكَاز على الْكَنْز دَلِيل على أَن الرِّكَاز غير الْكَنْز وَأَنه الْمَعْدن كَمَا يَقُوله أهل الْعرَاق، فَهُوَ حجَّة لمخالف الشَّافِعِي. وَقَالَ الْخطابِيّ: الرِّكَاز وَجْهَان: فَالْمَال الَّذِي يُوجد مَدْفُونا لَا يعلم لَهُ مَالك ركاز، وعروق الذَّهَب وَالْفِضَّة ركاز. قلت: وَعَن هَذَا قَالَ صَاحب الْهِدَايَة الرِّكَاز يُطلق على الْمَعْدن وعَلى المَال المدفون. وَقَالَ أَبُو عبيد الْهَرَوِيّ: اخْتلف فِي تَفْسِير الرِّكَاز أهل الْعرَاق وَأهل الْحجاز، فَقَالَ أهل الْعرَاق: هِيَ الْمَعَادِن، وَقَالَ أهل الْحجاز: هِيَ كنوز أهل الْجَاهِلِيَّة، وكلٌّ مُحْتَمل فِي اللُّغَة، وَالْأَصْل فِيهِ قَوْلهم: ركز فِي الأَرْض إِذا ثَبت أَصله.
29 - (بابٌ العَجْماءُ جُبارٌ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ العجماء جَبَّار، وَإِنَّمَا أعَاد ذكر هَذَا بترجمة أُخْرَى لما فِيهَا من التفاريع الزَّائِدَة على الْبِئْر والمعدن.
وَقَالَ ابنُ سِيرينَ: كانُوا لَا يُضَمِّنُونَ مِنَ النّفْحَة ويُضَمِّنُونَ مِنْ ردِّ العنانِ.
أَي: قَالَ مُحَمَّد بن سِيرِين: كَانُوا، أَي: الْعلمَاء من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ لَا يضمنُون بِالتَّشْدِيدِ من التَّضْمِين من النفحة بِفَتْح النُّون وَسُكُون الْفَاء وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة وَهِي الضَّرْبَة بِالرجلِ، يُقَال: نفحت الدَّابَّة إِذا ضربت برجلها، ويضمنون من رد الْعَنَان بِكَسْر الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف النُّون وَهُوَ مَا يوضع فِي فَم الدَّابَّة ليصرفها الرَّاكِب لما يخْتَار، وَذَلِكَ لِأَن فِي الأول لَا يُمكنهُ التحفظ بِخِلَاف الثَّانِي، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله سعيد بن مَنْصُور عَن هشيم: حَدثنَا ابْن عون عَن مُحَمَّد بن سِيرِين.
وَقَالَ حَمَّادٌ: لَا تُضْمَنُ النّفْحَةُ إلاّ أنْ يَنْخُسَ إنْسانٌ الدَّابَّةَ.
أَي: قَالَ حَمَّاد بن أبي سُلَيْمَان الْأَشْعَرِيّ: وَاسم أبي سُلَيْمَان مُسلم. قَوْله: لَا تضمن على صِيغَة الْمَجْهُول، والنفحة مَرْفُوع بِهِ لِأَنَّهُ مفعول قَامَ مقَام الْفَاعِل. قَوْله: إلاَّ أَن ينخس بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتحهَا وَكسرهَا من النخس، وَهُوَ غرز مُؤخر الدَّابَّة أَو جنبها بِعُود وَنَحْوه.
وَقَالَ شُرَيْحٌ: لَا تُضْمَنُ مَا عاقَبَ أنْ يَضْرِبَها فَتَضْرِبَ بِرِجْلِها.
أَي: قَالَ شُرَيْح بن الْحَارِث الْكِنْدِيّ القَاضِي الْمَشْهُور. قَوْله: مَا عاقب، يرْوى بالتذكير والتأنيث، فَالْمَعْنى على التَّذْكِير لَا يضمن ضَارب الدَّابَّة مَا دَامَ فِي تعاقبها بِالضَّرْبِ، وَهِي أَيْضا تضرب برجلها على سَبِيل المعاقبة أَي: الْمُكَافَأَة مِنْهَا، وَأما على معنى التَّأْنِيث فَقَوله: لَا تضمن، أَي: الدَّابَّة بِإِسْنَاد الضَّمَان إِلَيْهَا مجَازًا، وَالْمرَاد ضاربها. قَوْله: أَن يضْربهَا قَالَ الْكرْمَانِي: أَن يضْربهَا فَتضْرب برجلها إِمَّا مجرور بجار مُقَدّر أَي: بِأَن يضْربهَا، أَو مَرْفُوع خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: بِأَن يضْربهَا، أَو مَرْفُوع خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: وَهُوَ أَن يضْربهَا، وَفِي قَول شُرَيْح هَذَا قلاقة قل من يُفَسِّرهَا كَمَا يَنْبَغِي، وأثره هَذَا وَصله ابْن أبي شيبَة من طَرِيق مُحَمَّد بن سِيرِين عَن شُرَيْح، قَالَ: يضمن السَّائِق والراكب وَلَا تضمن الدَّابَّة إِذا عَاقَبت. قلت: وَمَا عَاقَبت. قَالَ إِذا ضربهَا رجل فأصابته.(24/71)
وَقَالَ الحَكَمُ وحَمَّادٌ: إذَا ساقَ المُكارِي حِماراً عَلَيْهِ امْرأةٌ فَتَخِرُّ لَا شَيْءَ عَلَيهِ.
الحكم بِفتْحَتَيْنِ هُوَ ابْن عتيبة مصغر عتبَة الدَّار، وَحَمَّاد هُوَ ابْن أبي سُلَيْمَان. قَوْله: فتخر، بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة أَي: فَتسقط لَا شَيْء عَلَيْهِ أَي: على المكاري أَي: لَا ضَمَان.
وَقَالَ الشَّعْبيُّ: إذَا ساقَ دابّةً فأتْعَبَها فَهُوَ ضامِنٌ لِما أصابَتْ، وإنْ كانَ خَلْفَها مُترَسلاً لَمْ يَضْمَنْ.
الشّعبِيّ هُوَ عَامر بن شرَاحِيل الْكُوفِي ونسبته إِلَى شعب من هَمدَان أدْرك غير وَاحِد من الصَّحَابَة وَمَات أول سنة سِتّ وَمِائَة، وَهُوَ ابْن سبع وَسبعين سنة. قَوْله: فأتعبها من الإتعاب ويروى: فاتبعها، من الإتباع. قَوْله: خلفهَا أَي: وَرَاءَهَا، ويروى: خلفهَا، بتَشْديد اللَّام بماضي التفعيل. قَوْله: مترسلاً نصب على أَنه خبر: كَانَ، أَي: متسهلاً فِي السّير مَوْقُوفا بهَا لَا يَسُوقهَا وَلَا يبعثها، لم يضمن شَيْئا مِمَّا أَصَابَته، وَوَصله ابْن أبي شيبَة من طَرِيق إِسْمَاعِيل بن سَالم عَن عَامر الشّعبِيّ، فَذكره.
6913 - حدّثنا مُسْلِمٌ، حَدثنَا شُعْبَةُ عنْ مُحَمَّدِ بنِ زِياد عنْ أبي هُرَيْرَةَ، رَضِي الله عَنهُ، عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: العَجْماءُ عَقْلُها جُبارٌ، والبِئْرُ جُبارٌ، والمعْدِنُ جُبارٌ، وَفِي الرِّكازِ الخُمُسُ
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَمُسلم هُوَ ابْن إِبْرَاهِيم الْأَزْدِيّ القصاب الْبَصْرِيّ، وَمُحَمّد بن زِيَاد من الزِّيَادَة بتَخْفِيف الْيَاء الجُمَحِي بِضَم الْجِيم الْبَصْرِيّ.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْحُدُود عَن عبيد الله بن معَاذ عَن أَبِيه وَعَن ابْن بشار عَن شُعْبَة.
قَوْله: عقلهَا أَي: دِيَتهَا قيل جرحها هدر لَا دِيَتهَا، وَأجِيب: بِأَنَّهُمَا متلازمان إِذْ مَعْنَاهُ: لَا دِيَة لَهَا.
30 - (بابُ إثْمِ مَنْ قَتَلَ ذِمِّيّاً بِغَيْرِ جُرْمٍ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان إِثْم من قتل ذِمِّيا بِغَيْر مُوجب شَرْعِي لقَتله.
6914 - حدّثنا قَيْسُ بنُ حَفْصٍ، حَدثنَا عبْدُ الواحِدِ، حَدثنَا الحَسَنُ، حَدثنَا مُجاهِدٌ، عنْ عَبْدِ الله بنِ عَمْرٍ وعنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَنْ قَتلَ نَفْساً مُعاهَداً لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ وإنَّ رِيحَها يُوجَدُ مِنْ مَسيرَةِ أرْبَعِينَ عَاما.
انْظُر الحَدِيث 3166
مطابقته للتَّرْجَمَة غير ظَاهِرَة لِأَن التَّرْجَمَة بالذمي وَهُوَ كتابي عقد مَعَه عقد الْجِزْيَة. وَأجَاب الْكرْمَانِي بِأَن الْمعَاهد أَيْضا ذمِّي بِاعْتِبَار أَن لَهُ ذمَّة الْمُسلمين وَفِي عَهدهم، وَالذِّمِّيّ أَعم من ذَلِك.
وَقيس بن حَفْص أَبُو مُحَمَّد الدَّارمِيّ الْبَصْرِيّ وَهُوَ من أَفْرَاد البُخَارِيّ مَاتَ سنة تسع وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ، وَعبد الْوَاحِد هُوَ ابْن زِيَاد، وَالْحسن هُوَ ابْن عَمْرو الْفُقيْمِي بِضَم الْفَاء وَفتح الْقَاف.
والْحَدِيث مضى فِي الْجِزْيَة عَن قيس أَيْضا. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الدِّيات عَن أبي كريب.
قَوْله: معاهداً ويروى: معاهدة، وَهُوَ الظَّاهِر لِأَن التَّأْنِيث بِاعْتِبَار النَّفس، وَالْأول بِاعْتِبَار الشَّخْص، وَيجوز فتح الْهَاء وَكسرهَا وَالْمرَاد بِهِ: من لَهُ عهد بِالْمُسْلِمين سَوَاء كَانَ بِعقد جِزْيَة أَو هدنة من سُلْطَان أَو أَمَان من مُسلم. قَوْله: لم يرح بِفَتْح الرَّاء وَكسرهَا أَي: لم يجد رَائِحَة الْجنَّة وَلم يشمها، وَزعم أَبُو عبيد أَنه يُقَال: يرح ويرح أَي: بِالضَّمِّ من أرحت، وَعند الْهَرَوِيّ يرْوى بِثَلَاثَة أوجه: يرح يرح يرح، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: رَاح الشَّيْء يراحه ويريحه، أَي: وجد رِيحه، وَقَالَ الْكرْمَانِي: الْمُؤمن لَا يخلد فِي النَّار. وَأجَاب بِأَنَّهُ لم يجد أول مَا يجدهَا سَائِر الْمُسلمين الَّذين لم يقترفوا الْكَبَائِر، وَهُوَ وَعِيد تَغْلِيظًا، وَيُقَال: لَيْسَ على الحتم والإلزام، وَإِنَّمَا هَذَا لمن أَرَادَ الله عز وَجل إِنْفَاذ الْوَعيد فِيهِ. قَوْله: يُوجد على صِيغَة الْمَجْهُول، ويروى: ليوجد، بِاللَّامِ الْمَفْتُوحَة، وَالْأول رِوَايَة الْكشميهني قَوْله: أَرْبَعِينَ عَاما كَذَا وَقع فِي رِوَايَة الْجَمِيع وَوَقع فِي رِوَايَة عَمْرو بن عبد الْغفار عَن الْحسن بن عَمْرو سبعين عَاما هَذَا فِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ وَمثله فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة عِنْد التِّرْمِذِيّ من طَرِيق مُحَمَّد بن عجلَان عَن أَبِيه عَنهُ، وَلَفظه: وَإِن رِيحهَا ليوجد من مسيرَة سبعين خَرِيفًا وَفِي الْأَوْسَط للطبراني: من طَرِيق مُحَمَّد بن سِيرِين عَن أبي هُرَيْرَة بِلَفْظ: من مسيرَة مائَة عَام،(24/72)
وللطبراني عَن أبي بكرَة: خَمْسمِائَة عَام. وَفِي حَدِيث لجَابِر ذكره صَاحب الفردوس إِن ريح الْجنَّة يدْرك من مسيرَة ألف عَام، وَهَذَا اخْتِلَاف شَدِيد. وَتكلم الشُّرَّاح فِي هَذَا كلَاما كثيرا غالبه بالتعسف، وَقَالَ شَيخنَا زين الدّين فِي شرح التِّرْمِذِيّ إِن الْجمع بَين هَذِه الرِّوَايَات باخْتلَاف الْأَشْخَاص بتفاوت مَنَازِلهمْ ودرجاتهم، وَقَالَ الْكرْمَانِي: يحْتَمل أَن لَا يكون الْعدَد بِخُصُوصِهِ مَقْصُودا بل الْمَقْصُود الْمُبَالغَة والتكثير.
31 - (بابٌ لَا يُقْتَلُ المُسْلِمُ بالكافِرِ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ: لَا يقتل الْمُسلم بِمُقَابلَة الْكَافِر.
6915 - حدّثنا أحْمَدُ بنُ يُونُسَ، حَدثنَا زُهَيْرٌ، حَدثنَا مُطَرّفٌ أنَّ عامِراً حدَّثَهُمْ عنْ أبي جُحَيْفَةَ قَالَ: قُلْتُ لِعَلِيَ: وحدَّثنا صَدَقَةُ بنُ الفَضْلِ، أخبرنَا ابنُ عُيَيْنَةَ، حَدثنَا مُطَرِّفٌ قَالَ: سَمِعْتُ الشّعْبِيَّ يُحَدِّثُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جُحَيْفَةَ قَالَ: سألْتُ عَلِيّاً، رَضِي الله عَنهُ: هلْ عِنْدَكُمْ شَيءٌ مِمَّا لَيْسَ فِي القُرْآنِ؟ وَقَالَ ابنُ عُيَيْنَةَ مَرَّةً: مَا لَيْسَ عِنْدَ النَّاسِ؟ فَقَالَ: والّذِي فَلَقَ الحَبّةَ وَبرأ النّسَمَةَ، مَا عِنْدَنا إلاَّ مَا فِي القُرْآنِ، إلاّ فَهْماً يُعْطَى رجُلٌ فِي كتابِهِ، وَمَا فِي الصَّحِيفَةِ. قُلْتُ: وَمَا فِي الصَّحِيفَةِ؟ قَالَ: العقْلُ، وفَكاكُ الأسِيرِ، وأنْ لَا يُقْتَلَ مُسْلِمٌ بِكافِرٍ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأحمد بن يُونُس هُوَ أَحْمد بن عبد الله بن يُونُس الْكُوفِي، وَزُهَيْر هُوَ ابْن مُعَاوِيَة الْكُوفِي، ومطرف بتَشْديد الرَّاء الْمَكْسُورَة بن طريف على وزن كريم الْكُوفِي، وعامر بن شرَاحِيل الشّعبِيّ، وَأَبُو جُحَيْفَة بِضَم الْجِيم وَفتح الْحَاء الْمُهْملَة وهب بن عبد الله السوَائِي.
والْحَدِيث مضى عَن قريب فِي: بَاب الْعَاقِلَة فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن صَدَقَة بن الْفضل عَن سُفْيَان بن عتبَة عَن مطرف ... الخ، وَقد وَقع فِي بعض النّسخ هُنَا: حَدثنَا صَدَقَة بن الْفضل ... الخ بعد قَوْله: حَدثنَا أَحْمد بن يُونُس قيل: الصَّوَاب أَن طَرِيق أَحْمد بن يُونُس تقدم فِي الْجِزْيَة. قلت: وَقد تقدم فِي: بَاب الْعَاقِلَة، كَمَا ذكرنَا الْآن: عَن صَدَقَة بن الْفضل، وَتقدم فِي كتاب الْعلم: عَن مُحَمَّد بن سَلام.
قَوْله: وَقَالَ ابْن عُيَيْنَة هُوَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة، فِي بعض النّسخ: قَالَ أَحْمد عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة، أَي: قَالَ أَحْمد بن يُونُس الرَّاوِي عَن سُفْيَان بالسند الْمَذْكُور، وَقد مضى الْكَلَام فِيهِ غير مرّة.
32 - (بابٌ إذَا لَطَمَ المُسْلِمُ يَهُودِيّاً عِنْدَ الغَضَبِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا إِذا لطم الْمُسلم يَهُودِيّا عِنْد الْغَضَب مَاذَا يكون حكمه؟ وَلم يذكرهُ، وَلَكِن تَقْدِيره: لم يجب عَلَيْهِ شَيْء لِأَنَّهُ لم يذكر فِي حَدِيث الْبَاب الْقصاص، فَلَو كَانَ فِيهِ قصاص لبينه، وَهُوَ قَول جمَاعَة الْفُقَهَاء، وَفِي التَّوْضِيح هَذِه الْمَسْأَلَة إجماعية لِأَن الْكُوفِيّين لَا يرَوْنَ الْقصاص فِي اللَّطْمَة وَلَا الْأَدَب إلاَّ أَن يجرحه فَفِيهِ الْأَرْش.
ورَوَاهَ أبُو هُرَيْرَةَ عنِ النبيِّ
أَي: روى أَبُو هُرَيْرَة حَدِيث لطم الْمُسلم الْيَهُودِيّ عَن النَّبِي وَقد تقدم مَوْصُولا فِي قصَّة مُوسَى فِي أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَمضى شَرحه هُنَاكَ.
6916 - حدّثنا أبُو نُعَيْمٍ، حدّثنا سُفْيانُ، عنْ عَمْرِو بنِ يَحْياى، عنْ أبِيهِ عنْ أبي سَعِيدٍ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا تُخَيِّرُوا بَيْنَ الأنْبِياءِ.
الْمُطَابقَة بَين التَّرْجَمَة وَبَين هَذَا الحَدِيث فِي تَمَامه فَإِنَّهُ أخرجه مُخْتَصرا وَتَمَامه: جَاءَ رجل من الْيَهُود فَقَالَ: يَا أَبَا الْقَاسِم ضرب وَجْهي رجل من أَصْحَابك ... الحَدِيث، قَالَ: لَا تخَيرُوا بَين الْأَنْبِيَاء وَيَجِيء أَيْضا فِي الحَدِيث الَّذِي يَلِيهِ.
وَكَذَا أخرجه أَبُو دَاوُد(24/73)
مُخْتَصرا نَحوه، وَقد مضى فِي الْأَشْخَاص عَن مُوسَى بن وهيب، وَفِي التَّفْسِير وَفِي أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء وَفِي التَّوْحِيد على مَا سَيَجِيءُ عَن مُحَمَّد بن يُوسُف. وَأخرجه مُسلم فِي أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَغَيره، وَأخرجه هُنَا عَن أبي نعيم الْفضل بن دُكَيْن عَن سُفْيَان الثَّوْريّ عَن عَمْرو بن يحيى بن عمَارَة بن أبي الْحسن الْمَازِني الْأنْصَارِيّ الْمدنِي عَن أَبِيه يحيى عَن أبي سعيد سعد بن مَالك سِنَان الْخُدْرِيّ.
قَوْله: لَا تخَيرُوا أَي: لَا تَقولُوا بَعضهم خير من بعض، فَإِن قلت: سيدنَا مُحَمَّد أفضلهم لِأَنَّهُ قَالَ: أَنا سيد ولد آدم؟ . قلت: قَالَ ذَلِك تواضعاً، أَو يُقَال: قَالَ ذَلِك قبل علمه بِأَنَّهُ أفضل، وَقيل: مَعْنَاهُ لَا تخَيرُوا بِحَيْثُ يلْزم نقص على الآخر، أَو بِحَيْثُ يُؤَدِّي إِلَى الْخُصُومَة.
6917 - حدّثنا مُحَمَّدٌ بنُ يُوسُفَ، حدّثنا سُفْيانُ، عنْ عَمْرِو بنِ يَحْياى المازِنِي، عنْ أبِيهِ، عنْ أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ قَالَ: جاءَ رجُلٌ مِنَ اليَهُودِ إِلَى النبيِّ قَدْ لُطِمَ وجْهُهُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إنَّ رجُلاً مِنْ أصْحابِكَ، مِنَ الأنْصارِ، قَدْ لَطَمَ فِي وجْهي، قَالَ: ادْعُوهُ فَدَعَوْهُ قَالَ: لِمَ لَطَمْتَ وجْهَهُ فَقَالَ: قَالَ: يَا رسولَ الله إنِّي مَرَرْتُ باليَهُودِ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: والّذي اصْطفَى مُوسَى عَلى البَشَرِ، قَالَ: قُلْتُ: وعَلى مُحَمَّدٍ قَالَ: فأخَذَتْني غَضْبَةٌ فَلَطَمْتُه، قَالَ: لَا تُخَيِّرُوني مِنْ بَيْنَ الأنْبِياءِ، فإنَّ النّاسَ يَصْعَقُونَ يَوْمَ القِيامَةِ، فأكُونُ أوَّلَ مَنْ يُفِيقُ، فإذَا أَنا بِمُوسَى آخِذٌ بِقائِمَةٍ مِنْ قَوَائِمِ العَرْش، فَلاَ أدْرِي أفاقَ قَبْلِي أمْ جُزِيَ بِصَعْقَةِ الطُّورِ.
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث أبي سعيد بأتم من الطَّرِيق الأول الَّذِي أوردهُ مُخْتَصرا. وَقد ذكرنَا الْمَوَاضِع الَّتِي مضى فِيهَا.
قَوْله: جَاءَ رجل قَوْله: قد لطم على صِيغَة الْمَجْهُول، وَهِي جملَة حَالية. قَوْله: إِن رجلا قَوْله: لم لطمت وَجهه؟ ويروى: ألطمت؟ بِهَمْزَة الِاسْتِفْهَام. قَوْله: قَالَ: قلت: وعَلى مُحَمَّد ويروى: فَقلت أَعلَى مُحَمَّد؟ بِهَمْزَة الِاسْتِفْهَام. قَوْله: لَا تخيروني قد مر تَفْسِيره الْآن قَوْله: يصعقون من صعق إِذا غشي عَلَيْهِ من الْفَزع وَنَحْوه. قَوْله: فَإِذا أَنا كلمة إِذا للمفاجأة. قَوْله: بآخذ اسْم فَاعل من أَخذ قَوْله: بقائمة هِيَ كالعمود للعرش. وَفِيه أَن الْعَرْش جسم وَأَنه لَيْسَ بِعلم، كَمَا قَالَ سعيد بن جُبَير، لِأَن الْقَائِمَة لَا تكون إلاَّ جسماً قَوْله: فَلَا أَدْرِي أَفَاق قبلي قد مر فِي كتاب الْخُصُومَات: لَا أَدْرِي أَفَاق قبلي أَو كَانَ مِمَّن اسْتثْنى الله أَي: فِي قَوْله تَعَالَى: {وَنفخ فِي الصُّور فَصعِقَ من فِي السَّمَوَات وَمن فِي الأَرْض إِلَّا من شَاءَ الله ثمَّ نفخ فِيهِ أُخرى فَإِذا هم قيام ينظرُونَ} والتلفيق بَينهمَا أَن الْمُسْتَثْنى قد يكون نفس مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَام، وَلَا أَدْرِي. أَي: هَذِه الثَّلَاثَة: الْإِفَاقَة أَو الِاسْتِثْنَاء أَو المجازاة. كَانَ. قَوْله: جزي بِضَم الْجِيم وَكسر الزَّاي، هَذِه رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: جوزي، بِالْوَاو بعد الْجِيم. قَالَ بَعضهم: هُوَ أولى. قلت: لم يقم دَلِيل على الأولولية. وَقَالَ الْجَوْهَرِي: جزيته بِمَا صنع، وجازيته بِمَعْنى فَلَا تفَاوت بَينهمَا.
(كتاب اسْتِتابَةِ المُرْتِّدينَ والمُعانِدينَ وقِتالِهِمْ)
أَي: هَذَا كتاب فِي بَيَان اسْتِتَابَة الْمُرْتَدين أَي: الجائرين عَن الْقَصْد الباغين الَّذين يردون الْحق مَعَ الْعلم بِهِ، كَذَا فِي رِوَايَة الْفربرِي، وَسقط لفظ: كتاب، فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي، وَفِي رِوَايَة النَّسَفِيّ: كتاب الْمُرْتَدين، ثمَّ ذكر التَّسْمِيَة، ثمَّ قَالَ: بَاب اسْتِتَابَة الْمُرْتَدين والمعاندين وإثم من أشرك ... الخ. قَوْله: والمعاندين كَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين بالنُّون، وَفِي رِوَايَة الْجِرْجَانِيّ بِالْهَاءِ، بدل النُّون.(24/74)
1 - (بابُ إثْمِ مَنْ أشْرَكَ بِالله وعُقُوبَتِهِ فِي الدُّنْيا والآخِرَةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر إِثْم من أشرك بِاللَّه ... الخ، وَفِي رِوَايَة الْقَابِسِيّ، حذف لفظ: بَاب، وَقَوله: إِثْم من أشرك بِاللَّه بعد قَوْله: وقتالهم.
قَالَ الله تَعَالَى: {وَإِذ قَالَ لُقْمَان لِابْنِهِ وَهُوَ يعظه يابني لَا تشرك بِاللَّه إِن الشّرك لظلمٌ عَظِيم} .
ذكر الْآيَة الأولى لِأَنَّهُ لَا إِثْم أعظم من الشّرك. وأصل الظُّلم وضع الشَّيْء فِي غير مَوْضِعه، فالمشرك أصل من وضع الشَّيْء فِي غير مَوْضِعه، لِأَنَّهُ جعل لمن أخرجه من الْعَدَم إِلَى الْوُجُود مُسَاوِيا، فنسب النِّعْمَة إِلَى غير الْمُنعم بهَا. وَأما الْآيَة الثَّانِيَة: فَإِنَّهُ خُوطِبَ بهَا النَّبِي وَلَكِن المُرَاد غَيره. والإحباط الْمَذْكُور مُقَيّد بِالْمَوْتِ على الشّرك لقَوْله تَعَالَى: {يَسْأَلُونَك عَن الشَّهْر الْحَرَام قتال فِيهِ قل قتال فِيهِ كَبِير وصدعن سَبِيل الله وَكفر بِهِ وَالْمَسْجِد الْحَرَام وَإِخْرَاج أَهله مِنْهُ أكبر عِنْد الله والفتنة أكبر من الْقَتْل وَلَا يزالون يقاتلونكم حَتَّى يردوكم عَن دينكُمْ إِن اسْتَطَاعُوا وَمن يرتدد مِنْكُم عَن دينه فيمت وَهُوَ كَافِر فأولائك حبطت أَعْمَالهم فِي الدُّنْيَا والأخرة وَأُولَئِكَ أَصْحَاب النَّار هم فِيهَا خَالدُونَ} وَوَقع فِي بعض النّسخ: {وَلَئِن أشركت ليحبطن عَمَلك} بِالْوَاو فِيهِ لعطف هَذِه الْآيَة على الْآيَة الَّتِي قبلهَا تَقْدِيره: وَقَالَ الله تَعَالَى: {لَئِن أشركت}
حدّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ، حدّثنا جَرِيرٌ عنِ الأعْمَشِ، عنْ إبْرَاهِيمَ عَن عَلْقَمَةَ، عنْ عَبْدِ الله، رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هاذِهِ الآيَةُ: {الَّذين ءامنوا وَلم بلبسوا إِيمَانهم بطلم أُولَئِكَ لَهُم الْأَمْن وهم مهتدون} شَقَّ ذالِكَ عَلى أصْحابِ النبيِّ وقالُوا: أيُّنا لَمْ يَلْبِسْ إيمانَهُ بِظلْمٍ؟ فَقَالَ رَسُول الله إنَّهُ لَيْسَ بِذاكَ أَلا تَسْمَعُونَ إِلَى قَوْلِ لُقْمانَ: {وَإِذ قَالَ لُقْمَان لِابْنِهِ وَهُوَ يعظه يَبْنِي لَا تشرك بِاللَّه إِن الشّرك لظلم للعبيد} .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَجَرِير بِفَتْح الْجِيم هُوَ ابْن عبد الحميد الرَّازِيّ أَصله من الْكُوفَة. وَالْأَعْمَش هُوَ سُلَيْمَان يروي عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ عَن عَلْقَمَة بن قيس عَن عبد الله بن مَسْعُود.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْإِيمَان فِي: بَاب ظلم دون ظلم، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: إِنَّه لَيْسَ بِذَاكَ ويروى: بذلك، أَي: بالظلم مُطلقًا، بل المُرَاد بِهِ ظلم عَظِيم يدل عَلَيْهِ التَّنْوِين وَهُوَ الشّرك. فَإِن قلت: كَيفَ يجْتَمع الْإِيمَان والشرك؟ . قلت: كَمَا اجْتمع فِي الَّذين قَالُوا: هَؤُلَاءِ الْآلهَة شفعاؤنا عِنْد الله الْكَبِير وآمنوا بِاللَّه وأشركوا بِهِ.
6919 - حدّثنا مُسَدَّدٌ، حدّثنا بِشْرُ بنُ المُفَضَّلِ، حدّثنا الجُرَيْرِيُّ، وحدّثني قَيْسُ بنُ حَفْصٍ، حدّثنا إسْماعِيلُ بنُ إبْراهِيم، أخبرنَا سَعِيدٌ الجُرَيْرِيُّ، حدّثنا عَبْدُ الرَّحْمانِ بنُ أبي بَكْرَةَ، عنْ أبِيهِ رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أكْبَرُ الكَبائِرِ الإشْراكُ بِالله، وعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ، وشَهادَةُ الزُّوررِ وشَهادَةُ الزُّورِ ثَلاَثاً أوْ قَوْلُ الزُّورِ فَما زَالَ يُكَرِّرُها حتَّى قُلْنا: لَيْتَهُ سَكَتَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: الْإِشْرَاك بِاللَّه.
والجريري، بِضَم الْجِيم وَفتح الرَّاء مصغر الْجَرّ نِسْبَة إِلَى جرير بن عباد بِضَم الْعين وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة واسْمه سعيد بن إِيَاس الْبَصْرِيّ، وَإِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم هُوَ إِسْمَاعِيل بن علية، وَأَبُو بكرَة نفيع بن الْحَارِث الثَّقَفِيّ نزل الْبَصْرَة ثمَّ تحول إِلَى الْكُوفَة.
والْحَدِيث قد مضى فِي الشَّهَادَات وَفِي كتاب الْأَدَب فِي عقوق الْوَالِدين، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: أَو قَول الزُّور شكّ من الرَّاوِي. قَوْله: ليته سكت قيل: تمنوا سُكُوته وَكَلَامه لَا يمل مِنْهُ، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام؟ . وَأجِيب: بِأَنَّهُم أَرَادوا استراحته وَمَا ورد من قَوْله الْقَتْل من أكبر الْكَبَائِر وَكَذَا الزِّنَا وَنَحْوه، فوارد فِي كل مَكَان بِمُقْتَضى الْمقَام وَمَا يُنَاسب حَال الْحَاضِرين لذَلِك الْمقَام.(24/75)
6920 - حدّثني مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ بنِ إبْرَاهِيمَ، أخبرنَا عُبَيْدُ الله بنُ مُوساى، أخبرنَا شَيْبانُ، عنْ فِراسٍ، عنِ الشَّعْبِيِّ، عَن عَبْدِ الله بنِ عَمْرٍ و، رَضِي الله عَنْهُمَا، قَالَ: جَاءَ أعْرَابِيٌّ إِلَى النبيِّ فَقَالَ: يَا رسولَ الله مَا الكَبائِرُ؟ قَالَ: الإشْرَاكُ بِالله قَالَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: ثُمَّ عُقُوقُ الوَالِدَيْنِ قَالَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: اليَمِينُ الغَمُوسُ قُلْت: وَمَا اليَمِينُ الغَمُوسِ؟ قَالَ: الّذِي يَقْتَطِعُ مالَ امْرىءٍ مُسْلِمٍ هُوَ فِيها كاذِبٌ
انْظُر الحَدِيث 6675 وطرفه
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: الْإِشْرَاك بِاللَّه
وَعبيد الله هُوَ ابْن مُوسَى الْعَبْسِي الْكُوفِي، وَهُوَ أحد مَشَايِخ البُخَارِيّ، روى عَنهُ فِي الْإِيمَان بِلَا وَاسِطَة، وشيبان هُوَ ابْن عبد الرَّحْمَن النَّحْوِيّ، وفراس بِكَسْر الْفَاء وَتَخْفِيف الرَّاء وبالسين الْمُهْملَة ابْن يحيى الْمكتب، وَالشعْبِيّ هُوَ عَامر بن شرَاحِيل، وَعبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ.
والْحَدِيث مضى فِي النذور عَن مُحَمَّد بن مقَاتل وَفِي الدِّيات عَن ابْن بشار عَن غنْدر، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: الْإِشْرَاك بِاللَّه قيل: هُوَ مُفْرد كَيفَ طابق السُّؤَال بِلَفْظ الْجمع؟ وَأجِيب: بِأَنَّهُ لما قَالَ: ثمَّ مَاذَا علم أَنه سَائل عَن أَكثر من الْوَاحِد، وَقيل: فِيهِ مُضَاف مُقَدّر تَقْدِيره: مَا أكبر الْكَبَائِر؟ قيل: قد تقدم فِي أول كتاب الدِّيات قَرِيبا أَنه قَالَ: ثمَّ أَن تقتل ولدك خشيَة أَن يطعم مَعَك. وَأجِيب: لَعَلَّ حَال ذَلِك السَّائِل يَقْتَضِي تَغْلِيظ أَمر الْقَتْل والزجر عَنهُ، وَحَال هَذَا تَغْلِيظ أَمر العقوق. قَوْله: الْغمُوس أَي: يغمس صَاحبهَا فِي الْإِثْم أَو النَّار. قَوْله: يقتطع أَي: يَأْخُذ قِطْعَة من مَاله لنَفسِهِ، وَهُوَ على سَبِيل الْمِثَال، وَأما حَقِيقَتهَا فَهِيَ الْيَمين الكاذبة الَّتِي يتعمدها صَاحبهَا عَالما أَن الْأَمر بِخِلَافِهِ. قَوْله: قلت: قَالَ الْكرْمَانِي: إِمَّا لعبد الله وَإِمَّا لبَعض الروَاة عَنهُ.
6921 - حدّثنا خَلّادُ بنُ يَحْياى، حَدثنَا سُفْيَانُ، عنْ مَنْصُورٍ والأعْمَشِ، عنْ أبي وائِلٍ عنِ ابنِ مَسْعُودٍ، رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: قَالَ رجُلٌ: يَا رسولَ الله أنُؤَاخَذُ بِما عَمِلْنا فِي الْجَاهِلِيَّة؟ قَالَ: مَنْ أحْسَنَ فِي الإسْلاَمِ لَمْ يُؤَاخَذْ بِما عَمِلَ فِي الجاهِليّةِ، ومَنْ أساءَ فِي الإسْلاَمِ أُخِذَ بالأوَّلِ والآخِرِ
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: وَمن أَسَاءَ فِي الْإِسْلَام أَخذ بِالْأولِ وَالْآخر لِأَن مِنْهُم من قَالَ: المُرَاد بالإساءة فِي الْإِسْلَام الارتداد من الدّين، فَيدْخل فِي قَوْله: فِي إِثْم من أشرك بِاللَّه.
وخلاد بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَشْديد اللَّام ابْن يحيى بن صَفْوَان أَبُو مُحَمَّد السّلمِيّ الْكُوفِي سكن مَكَّة، وسُفْيَان الثَّوْريّ، وَمَنْصُور هُوَ ابْن الْمُعْتَمِر، وَالْأَعْمَش سُلَيْمَان، وَأَبُو وَائِل شَقِيق بن سَلمَة.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْإِيمَان عَن عُثْمَان عَن جرير.
قَوْله: أؤاخذ؟ الْهمزَة فِيهِ للاستفهام. ونؤاخذ على صِيغَة الْمَجْهُول من الْمُؤَاخَذَة، يُقَال: فلَان أَخذ بِذَنبِهِ أَي: حبس وجوزي عَلَيْهِ وعوقب بِهِ. قَوْله: من أحسن فِي الْإِسْلَام الْإِحْسَان فِي الْإِسْلَام الِاسْتِمْرَار على دينه وَترك الْمعاصِي. قَوْله: وَمن أَسَاءَ الْإِسَاءَة فِي الْإِسْلَام الارتداد عَن دينه. قَوْله: أَخذ بِالْأولِ أَي: بِمَا عمل فِي الْكفْر. قَوْله: وَالْآخر أَي: بِمَا عمل فِي الْإِسْلَام. وَقَالَ الْخطابِيّ: ظَاهره خلاف مَا أجمع عَلَيْهِ الْأمة من أَن الْإِسْلَام يجب مَا قبله. وَقَالَ تَعَالَى: {قل للَّذين كفرُوا إِن ينْتَهوا يغْفر لَهُم مَا قد سلف وَإِن يعودوا فقد نضت سنت الْأَوَّلين}
وتأويله: أَن يعير بِمَا كَانَ مِنْهُ فِي الْكفْر ويبكت بِهِ، كَأَنَّهُ يُقَال لَهُ: أَلَيْسَ قد فعلت كَذَا وَكَذَا وَأَنت كَافِر؟ فَهَلا مَنعك إسلامك من معاودة مثله إِذا أسلمت، ثمَّ يُعَاقب على الْمعْصِيَة الَّتِي اكتسبها أَي: فِي الْإِسْلَام. وَقَالَ الْكرْمَانِي: يحْتَمل أَن يكون معنى أَسَاءَ فِي الْإِسْلَام ألاَّ يكون صَحِيح الْإِسْلَام، أَو لَا يكون إيمَانه خَالِصا بِأَن يكون منافقاً وَنَحْوه.
2 - (بَاب حُكْمِ المرْتَدِّ والمُرْتَدَّةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم الرجل الْمُرْتَد، وَحكم الْمَرْأَة الْمُرْتَدَّة: هَل حكمهمَا سَوَاء أم لَا.(24/76)
وَقَالَ ابنُ عُمَرَ والزُّهْرِيُّ وإبْرَاهِيمُ: تُقْتَلُ المُرْتَدَّةُ.
أَي: قَالَ عبد الله بن عمر وَمُحَمّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ: تقتل الْمَرْأَة الْمُرْتَدَّة، فعلى هَذَا لَا فرق بَين الْمُرْتَد والمرتدة بل حكمهمَا سَوَاء. وَأثر ابْن عمر أخرجه ابْن أبي شيبَة عَن وَكِيع عَن سُفْيَان عَن عبد الْكَرِيم عَمَّن سمع ابْن عمر، وَقَالَ صَاحب التَّلْوِيح ينظر فِي جزم البُخَارِيّ بِهِ على قَول من قَالَ: المجزوم صَحِيح. وَأثر الزُّهْرِيّ وَصله عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ فِي الْمَرْأَة تكفر بعد إسْلَامهَا قَالَ: تستتاب فَإِن تابت وإلّا قتلت. وَأثر إِبْرَاهِيم أخرجه عبد الرَّزَّاق أَيْضا عَن معمر عَن سعيد بن أبي عرُوبَة عَن أبي معشر عَن إِبْرَاهِيم مثله. وَاخْتلف النقلَة عَن إِبْرَاهِيم. فَإِن قلت: أخرج ابْن أبي شيبَة عَن حَفْص عَن عُبَيْدَة عَن إِبْرَاهِيم: لَا تقتل. قلت: عُبَيْدَة ضَعِيف فَالْأول أولى، وروى أَبُو حنيفَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، عَن عَاصِم عَن أبي ذَر عَن ابْن عَبَّاس: لَا تقتل النِّسَاء إِذا هن ارتددن.
واسْتِتابَتِهمْ.
كَذَا ذكره بعد ذكر الْآثَار الْمَذْكُورَة، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر ذكره قبلهَا، وَفِي رِوَايَة الْقَابِسِيّ: واستتابتهما بالتثنية على الأَصْل لِأَن الْمَذْكُور اثْنَان: الْمُرْتَد والمرتدة، وَأما وَجه الذّكر بِالْجمعِ فَقَالَ بَعضهم جمع على إِرَادَة الْجِنْس. قلت: هَذَا لَيْسَ بِشَيْء، بل هُوَ على من يرى إِطْلَاق الْجمع على التَّثْنِيَة كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {إِن تَتُوبَا إِلَى الله فقد صغت قُلُوبكُمَا وَإِن تظاهرا عَلَيْهِ فَإِن الله هُوَ مَوْلَاهُ وجيريل وَصَالح الْمُؤمنِينَ والملاكة بعد ذَلِك طهير} وَالْمرَاد قلباكما.
وَقَالَ الله تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْرًا لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُوْلَائِكَ هُمُ الضَّآلُّونَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ الاَْرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُوْلَائِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَىْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ لِّبَنِى إِسْرَاءِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَاءِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُواْ بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ فَمَنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ فَأُوْلَائِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُواْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِى بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ}
آل عمرَان: 86 90
هَذِه خمس آيَات مُتَوَالِيَات من سُورَة آل عمرَان فِي رِوَايَة أبي ذَر. قَالَ الله تَعَالَى:
إِلَى آخرهَا وَفِي رِوَايَة الْقَابِسِيّ بعد قَوْله: حق إِلَى قَوْله: {إِن تقبل تَوْبَته وؤولئك هم الظَّالِمُونَ} وسَاق فِي رِوَايَة كَرِيمَة والأصيلي مَا حذف من الْآيَة لأبي ذَر. وَقَالَ ابْن جرير بِإِسْنَادِهِ إِلَى عِكْرِمَة: عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ رجل من الْأَنْصَار أسلم ثمَّ ارْتَدَّ وأخفى الشّرك ثمَّ نَدم، فَأرْسل إِلَى قومه: أرْسلُوا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَل لي من تَوْبَة؟ قَالَ: فَنزلت إِلَى قَوْله: {غَفُور رَحِيم} فَأرْسل إِلَيْهِ قومه فَأسلم، وَهَكَذَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَابْن حبَان وَالْحَاكِم من طَرِيق دَاوُد بن أبي هِنْد بِهِ، وَقَالَ الْحَاكِم: صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ. قَوْله: {وجاءهم الْبَينَات} أَي: قَامَت عَلَيْهِم الْحجَج والبراهين على مَا جَاءَهُم بِهِ الرَّسُول ووضح لَهُم الْأَمر ثمَّ ارْتَدُّوا إِلَى ظلمَة الشّرك، فَكيف يسْتَحق هَؤُلَاءِ الْهِدَايَة بعد مَا تلبسوا بِهِ من العماية؟ وَلِهَذَا قَالَ: {وَالله لَا يهدي الْقَوْم الظَّالِمين} قَوْله: {خَالِدين فِيهَا} أَي: فِي اللَّعْنَة. قَوْله: {إِلَّا الَّذين تَابُوا} الْآيَة هَذَا من لطفه وَرَحمته ورأفته على خلقه أَنه من تَابَ إِلَيْهِ تَابَ عَلَيْهِ. قَوْله: {إِن الَّذين كفرُوا} الْآيَة توعد من الله وتهدد لمن كفر بعد إيمَانه. قَوْله: {ثمَّ ازدادوا كفرُوا} يَعْنِي: استمروا عَلَيْهِ إِلَى الْمَمَات لَا تقبل لَهُم تَوْبَة عِنْد مماتهم. قَوْله: {وَأُولَئِكَ هم الظَّالِمُونَ} : الخارجون عَن مَنْهَج الْحق إِلَى طَرِيق الغي.
وَقَالَ: {يااأيها الَّذين ءامنوا إِن تطيعوا فريقاً من الَّذين أُوتُوا الْكتاب يردوكم بعد إيمَانكُمْ كَافِرين} هَذِه الْآيَة فِي سُورَة آل عمرَان أَيْضا، يحذر الله تَعَالَى عباده الْمُؤمنِينَ عَن أَن يطيعوا فريقاً، أَي: طَائِفَة من الَّذين أُوتُوا(24/77)
الْكتاب الَّذين يحسدون الْمُؤمنِينَ على مَا آتَاهُم الله من فَضله وَمَا منحهم بِهِ من إرْسَال رَسُوله، وَقَالَ عِكْرِمَة: هَذِه الْآيَة نزلت فِي شماس بن قيس الْيَهُودِيّ، دس على الْأَنْصَار من ذكرهم بالحروب الَّتِي كَانَت بَينهم فكادوا يقتتلون، فَأَتَاهُم النَّبِي فَذكرهمْ فعرفوا أَنَّهَا من الشَّيْطَان، فتعانق بَعضهم بَعْضًا ثمَّ انصرفوا سَامِعين مُطِيعِينَ، فَنزلت. وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث ابْن عَبَّاس مَوْصُولا.
وَقَالَ: الَّذين ءامنوا ثمَّ كفرُوا ثمَّ ءامنوا ثمَّ كفرُوا ثمَّ ازدادوا كفرالم يكن الله ليغفر لَهُم وَلَا ليهديهم سَبِيلا.
هَذِه الْآيَة الْكَرِيمَة فِي سُورَة النِّسَاء، وسيقت هَذِه الْآيَة كلهَا فِي رِوَايَة كَرِيمَة، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر هَكَذَا: {إِن الَّذين آمنُوا ثمَّ كفرُوا} إِلَى سَبِيلا وَفِي رِوَايَة النَّسَفِيّ {ثمَّ كفرُوا ثمَّ آمنُوا ثمَّ كفرُوا ثمَّ ازدادوا} الْآيَة أخبر الله تَعَالَى عَمَّن دخل فِي الْإِيمَان ثمَّ رَجَعَ وَاسْتمرّ على ضلالته وازداد حَتَّى مَاتَ بِأَنَّهُ لَا يغْفر الله لَهُ وَلَا يَجْعَل لَهُ مِمَّا هُوَ فِيهِ فرجا وَلَا مخرجا وَلَا طَرِيقا إِلَى الْهدى، وَلِهَذَا قَالَ: {لم يكن الله ليغفر لَهُم} وروى ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق جَابر الْمُعَلَّى عَن عَامر الشّعبِيّ عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَنه قَالَ: يُسْتَتَاب الْمُرْتَد ثَلَاثًا، ثمَّ تلى هَذِه الْآيَة: {إِن الَّذين آمنُوا} الْآيَة.
وَقَالَ: {ياأيها الَّذين ءامنوا من يرْتَد مِنْكُم عَن دينه فَسَوف يَأْتِي الله بِقوم يُحِبهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّة على الْمُؤمنِينَ أعزة على الْكَافرين يجاهدون فِي سَبِيل الله وَلَا يخَافُونَ لومة لائم ذَلِك فضل الله يؤتيه لمن يَشَاء وَالله وَاسع عليم}
هَذِه الْآيَة الْكَرِيمَة فِي الْمَائِدَة سَاقهَا بِتَمَامِهَا فِي رِوَايَة كَرِيمَة وأولها: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا من يرْتَد} الْآيَة وَوَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر: من يرتدد، بفك الْإِدْغَام وَهِي قِرَاءَة ابْن عَامر وَنَافِع، وَيُقَال: إِن الْإِدْغَام لُغَة تَمِيم والإظهار لُغَة الْحجاز. وَقَالَ مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ: نزلت فِي الْوُلَاة من قُرَيْش، وَقَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ: نزلت فِي أهل الرِّدَّة أَيَّام أبي بكر الصّديق. قَوْله: {بِقوم يُحِبهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} قَالَ الْحسن: هُوَ وَالله أَبُو بكر وَأَصْحَابه رَوَاهُ ابْن أبي حَاتِم. وَقَالَ أَبُو بكر بن أبي شيبَة: سَمِعت أَبَا بكر بن عَيَّاش يَقُول: هم أهل الْقَادِسِيَّة، وَعَن مُجَاهِد: هم قوم من سبأ، وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم بِإِسْنَادِهِ إِلَى ابْن عَبَّاس قَالَ: نَاس من أهل الْيمن ثمَّ من كِنْدَة ثمَّ من السّكُون. قَوْله: {أَذِلَّة} جمع ذليل وَضمن الذل معنى الحنو والعطف فَلذَلِك قيل: {أَذِلَّة على الْمُؤمنِينَ} كَأَنَّهُ قيل: عاطفين عَلَيْهِم على وَجه التذلل والتواضع، وقرىء: أَذِلَّة وأعزة، بِالنّصب على الْحَال.
وقالَ: {من كفر بِاللَّه بعد إيمَانه إِلَّا من أكره وَقَلبه مطمئن بِالْإِيمَان وَلَكِن من شرح بالْكفْر صَدرا فَعَلَيْهِم غضب من الله وَلَهُم عَذَاب عَظِيم}
هَذِه الْآيَات كلهَا فِي سُورَة النَّحْل مُتَوَالِيَة سيقت كلهَا فِي رِوَايَة كَرِيمَة، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر {من شرح بالْكفْر} إِلَى قَوْله: {وَلَكِن من شرح بالْكفْر صَدرا} أَي: طَابَ بِهِ نفسا فاعتقده. قَوْله: {ذَلِك} إِشَارَة إِلَى الْوَعيد وَأَن العضب وَالْعَذَاب يلحقانهم بِسَبَب استحبابهم الدُّنْيَا على الْآخِرَة. قَوْله: {وَأُولَئِكَ هم الغافلون} الكاملون فِي الْغَفْلَة الَّذين لَا أحد أغفل مِنْهُم. قَوْله: {لَا جرم} بِمَعْنى حَقًا. وجرم فعل عِنْد الْبَصرِيين وَاسم عِنْد الْكُوفِيّين بِمَعْنى حقّاً، وَتدْخل اللَّام فِي جَوَابه نَحْو: لَا جرم لآتينك، وَقَالَ تَعَالَى: {ويجعلون لله مَا يكْرهُونَ وتصف ألسنتهم الْكَذِب أَن لَهُم الْحسنى لَا جرم أَن لَهُم النَّار وَأَنَّهُمْ مفرطون} فعلى قَول الْبَصرِيين: لَا رد لقَوْل الْكفَّار، وجرم مَعْنَاهُ عِنْدهم: كسب، أَي كسب كفرهم النَّار لَهُم.(24/78)
{يَا أَيهَا النَّاس اعبدوا ربكُم الَّذِي خَلقكُم والذينمن قبلكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون} .
هَذِه الْآيَة الْكَرِيمَة فِي سُورَة الْبَقَرَة سبق كلهَا هَكَذَا فِي رِوَايَة كَرِيمَة، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: {وَلَا يزالزن يقاتلونكم حَتَّى يردوكم عَن دينكُمْ إِن اسْتَطَاعُوا} إِلَى قَوْله: {وَأُولَئِكَ هم أَصْحَاب النَّار هم فِيهَا خَالدُونَ} قَوْله: {حَتَّى يردوكم} يَعْنِي: مُشْركي مَكَّة. قَوْله: يَعْنِي: حَتَّى يصرفوكم. قَوْله: مجزوم لِأَنَّهُ مَعْطُوف على مَا قبله، وَلَو كَانَ جَوَابا لَكَانَ مَنْصُوبًا. قَوْله: أَي: بطلت أَعْمَالهم أَي حسناتهم. وَفِي هَذِه الْآيَة تَقْيِيد مُطلق مَا فِي قَوْله: الْآيَة أَي: شَرط حَبط الْأَعْمَال عِنْد الارتداد أَن يَمُوت وَهُوَ كَافِر.
6922 - حدّثنا أبُو النُّعْمان مُحَمَّدُ بنُ الفَضْلِ، حدّثنا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، عنْ أيُّوبَ، عنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: أُتِيَ عَلِيُّ، رَضِي الله عَنهُ، بِزَنادِقَةٍ فأحْرَقَهُمْ، فَبَلَغَ ذالِكَ ابنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ: لَوْ كُنْتُ أَنا لَمْ أُحْرِقْهُمْ لِنَهْيِ رسولِ الله لَا تُعَذِّبُوا بِعَذابِ الله ولَقَتَلْتُهُمْ لِقَوْلِ رسولِ الله مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فاقْتُلُوهُ.
انْظُر الحَدِيث 3017
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: من بدل دينه فَاقْتُلُوهُ وَالَّذِي يُبدل دينه هُوَ الْمُرْتَد.
وَأَيوب هُوَ السّخْتِيَانِيّ، وَعِكْرِمَة مولى عبد الله بن عَبَّاس.
والْحَدِيث مضى فِي الْجِهَاد عَن عَليّ بن عبد الله، وَمر الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: أُتِي على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: بزنادقة جمع زنديق بِكَسْر الزَّاي فَارسي مُعرب، وَقَالَ سِيبَوَيْهٍ: الْهَاء فِي زنادقة بدل من يَاء زنديق. وَقد تزندق وَالِاسْم الزندقة، وَاخْتلف فِي تَفْسِيره فَقيل: هُوَ المبطن للكفر الْمظهر لِلْإِسْلَامِ كالمنافق، وَقيل: قوم من الثنوية الْقَائِلين بالخالقين، وَقيل: من لَا دين لَهُ، وَقيل: هُوَ من تبع كتاب زردشت الْمُسَمّى بالزند، وَقيل: هم طَائِفَة من الروافض تدعى السبائية، ادعوا أَن عليّاً، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، إلاه وَكَانَ رئيسهم عبد الله بن سبأ. بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة وَكَانَ أَصله يَهُودِيّا. قَوْله: فأحرقهم قد مضى فِي كتاب الْجِهَاد فِي: بَاب لَا يعذب بِعَذَاب الله، من طَرِيق سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن أَيُّوب بِهَذَا السَّنَد: أَن عليّاً، رَضِي الله عَنهُ، حرق قوما، وروى الْحميدِي عَن سُفْيَان بِلَفْظ: حرق الْمُرْتَدين، وروى ابْن أبي شيبَة: كَانَ أنَاس يعْبدُونَ الْأَصْنَام فِي السِّرّ، وروى الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط من طَرِيق سُوَيْد بن غَفلَة: أَن عليا، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، بلغه أَن قوما ارْتَدُّوا عَن الْإِسْلَام فَبعث إِلَيْهِم فأطعمهم ثمَّ دعاهم إِلَى الْإِسْلَام فَأَبَوا فَحَفَرُوا حفيرة ثمَّ أَتَى بهم فَضرب أَعْنَاقهم وَرَمَاهُمْ فِيهَا ثمَّ ألْقى عَلَيْهِم الْحَطب فأحرقهم ثمَّ قَالَ: صدق الله، وَرَسُوله، وروى الْإِسْمَاعِيلِيّ حَدِيث عِكْرِمَة، وَلَفظه: أَن عليّاً أُتِي بِقوم قد ارْتَدُّوا عَن الْإِسْلَام، أَو قَالَ: بزنادقة وَمَعَهُمْ كتب لَهُم، فَأمر بِنَار فانضجت وَرَمَاهُمْ فِيهَا، وَرُوِيَ عَن قَتَادَة أَن عليّاً أُتِي بناس من الزط يعْبدُونَ وثناً فأحرقهم، فَقَالَ ابْن عَبَّاس ... الحَدِيث. قَوْله: فَبلغ ذَلِك ابْن عَبَّاس أَي: بلغ مَا فعله عَليّ من الإحراق بالنَّار، وَكَانَ ابْن عَبَّاس حينئذٍ أَمِيرا على الْبَصْرَة من قبل عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَوْله: لنهي رَسُول الله لَا تعذبوا بِعَذَاب الله أَي: لنَهْيه عَن الْقَتْل بالنَّار. بقوله: لَا تعذبوا وَهَذَا يحْتَمل أَن يكون ابْن عَبَّاس قد سَمعه من النَّبِي وَيحْتَمل أَن يكون قد سَمعه من بعض الصَّحَابَة. وَاخْتلف فِي الزنديق: هَل يُسْتَتَاب؟ فَقَالَ مَالك وَاللَّيْث وَأحمد وَإِسْحَاق: يقتل وَلَا تقبل تَوْبَته. وَقَول أَبُو حنيفَة وَأبي يُوسُف مُخْتَلف فِيهِ، فَمرَّة قَالَا: بالاستتابة، وَمرَّة قَالَا: لَا. قلت: رُوِيَ عَن أبي حنيفَة أَنه قَالَ: إِن أتيت بزنديق أستتيبه، فَإِن تَابَ وإلاَّ قتلته. وَقَالَ الشَّافِعِي: يُسْتَتَاب كالمرتد، وَهُوَ قَول عبد الله بن الْحسن، وَذكر ابْن الْمُنْذر عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. مثله، وَقيل لمَالِك: لم تقتله، وَرَسُول الله لم يقتل الْمُنَافِقين وَقد عرفهم(24/79)
فَقَالَ: لِأَن تَوْبَته لَا تعرف. وَقَالَ ابْن الطلاع فِي أَحْكَامه لم يَقع فِي شَيْء من المصنفات الْمَشْهُورَة أَنه قتل مُرْتَدا وَلَا زنديقاً، وَقتل الصّديق امْرَأَة يُقَال لَهَا: أم قرفة ارْتَدَّت بعد إسْلَامهَا.
حدّثنا مُسَدَّدٌ، حدّثنا يَحْياى، عنْ قُرَّةَ بنِ خالِدٍ قَالَ: حدّثني حُمَيْدُ بنُ هلالٍ، حدّثنا أَبُو بُرْدَةَ عنْ أبي مُوساى قَالَ: أقْبَلْتُ إِلَى النَّبيِّ ومَعِي رَجُلانِ مِنَ الأشْعَرِيِّينَ أحَدُهُما عنْ يَمِينِي والآخرُ عنْ يَسارِي، ورسولُ الله يَسْتاكُ فَكِلاهُما سَأل، فَقَالَ: يَا أَبَا مُوساى أوْ: يَا عَبْدَ الله بنَ قَيْسٍ قَالَ: قُلْتُ: والّذِي بَعَثَكَ بالحَقِّ مَا أطْلعانِي عَلى مَا فِي أنْفُسِهِما وَمَا شَعَرْتُ أنَّهُما يَطْلُبان العَمَل، فَكأنِّي أنْظُرُ إِلَى سِواكِه تَحْتَ شَفَتِهِ قَلَصَتْ، فَقَالَ: لَنْ أوْ لَا نَسْتَعْمِلُ عَلى عَمَلِنا مِنْ أرَادَهُ، ولَكِنِ اذْهَبْ أنْتَ يَا أَبَا مُوساى، أوْ: يَا عَبْدَ الله بنَ قَيْسٍ إِلَى اليَمَنِ ثُمَّ اتْبَعَهُ مُعاذَ بنُ جَبَلٍ فَلمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ ألْقَى لهُ وِسادَةً، قَالَ: انْزِلْ، وإذَا رجُلٌ عِنْدَهُ مُوثَقٌ. قَالَ: مَا هاذا؟ قَالَ: كانَ يَهُودِيّاً فأسْلَمَ، ثُمَّ تَهَوَّدَ، قَالَ: اجْلِسْ. قَالَ: لَا أجْلِسُ حتَّى يُقْتَلَ، قَضاءُ الله ورسُولِه، ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، فأمَرَ بِهِ فَقُتِلَ، ثُمَّ تَذَاكَرَا قِيامَ اللَّيْلِ فَقَالَ أحَدُهُما: أمَّا أَنا فأقُومُ وأنامُ وأرْجُو فِي نَوْمَتي مَا أرْجُو فِي قَوْمَتي.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: فَأمر بِهِ فَقتل
وَيحيى هُوَ ابْن سعيد الْقطَّان، وقرة، بِضَم الْقَاف وَتَشْديد الرَّاء، ابْن خَالِد السدُوسِي، وَأَبُو بردة بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة اسْمه: عَامر، وَقيل: الْحَارِث، وَاسم أبي مُوسَى: عبد الله بن قيس الْأَشْعَرِيّ.
والْحَدِيث مضى مُخْتَصرا وَمُطَولًا فِي الْإِجَارَة، وَسَيَجِيءُ فِي الْأَحْكَام، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: وَمَعِي رجلَانِ لم يدر اسمهما، وَفِي مُسلم رجلَانِ من بني عمي، وَكِلَاهُمَا أَي: كلا الرجلَيْن الْمَذْكُورين سَأَلَ، كَذَا بِحَذْف المسؤول، وَبَينه أَحْمد فِي رِوَايَته: سَأَلَ الْعَمَل، يَعْنِي: الْولَايَة. قَوْله: أَو: يَا عبد الله بن قيس شكّ من الرَّاوِي بِأَيِّهِمَا خاطبه، قَوْله: قلصت أَي: انزوت، وَيُقَال: قاص، أَي: ارْتَفع. قَوْله: فَقَالَ: لن أَو لَا شكّ من الرَّاوِي أَي: لن نستعمل على عَملنَا من أَرَادَهُ، أَو: لَا نستعمل من أَرَادَهُ، أَي: من أَرَادَ الْعَمَل، وَفِي رِوَايَة أبي العميس: من سَأَلنَا، بِفَتْح اللَّام. قَوْله: أَو يَا عبد الله شكّ من الرَّاوِي. قَوْله: ثمَّ اتبعهُ بِسُكُون التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق. قَوْله: معَاذ بن جبل بِالنّصب أَي: ثمَّ اتبع رَسُول الله أَبَا مُوسَى معَاذ بن جبل، أَي: بَعثه بعده، ويروى: ثمَّ أتبعه بتَشْديد التَّاء، فعلى هَذَا يكون معَاذ مَرْفُوعا على الفاعلية. وَتقدم فِي الْمَغَازِي بِلَفْظ: بعث النَّبِي أَبَا مُوسَى وَمعَاذًا إِلَى الْيمن، فَقَالَ: يسرا وَلَا تعسرا، وَيحمل على أَنه أضَاف معَاذًا إِلَى أبي مُوسَى بعد سبق ولَايَته، لَكِن قبل توجهه وصاه. قَوْله: فَلَمَّا قدم عَلَيْهِ مضى فِي الْمَغَازِي: أَن كلاًّ مِنْهُمَا كَانَ على عمل مُسْتَقل، وَأَن كلاًّ مِنْهُمَا إِذا سَار فِي أرضه فَقرب من صَاحبه أحدث بِهِ عهدا، وَفِي رِوَايَة أُخْرَى هُنَاكَ: فَجعلَا يتزاوران، فزار معَاذ أَبَا مُوسَى. قَوْله: ألْقى لَهُ وسَادَة بِكَسْر الْوَاو وَهِي المخدة وَقَالَ بَعضهم: وَمعنى ألْقى وسَادَة فرشها لَهُ. قلت: هَذَا غير صَحِيح، والوسادة لَا تفرش وَإِنَّمَا الْمَعْنى: وضع الوسادة تَحْتَهُ ليجلس عَلَيْهَا، وَكَانَت عَادَتهم وضع الوسادة تَحت من أَرَادوا إكرامه مُبَالغَة فِيهِ. قَوْله: انْزِلْ أَي: فاجلس على الوسادة. قَوْله: فَإِذا رجل كلمة: إِذا، للمفاجأة. قَوْله: موثق أَي: مربوط بِقَيْد، وَفِي رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ: فَإِذا عِنْده رجل موثق بالحديد، فَقَالَ: يَا أخي أبعثت تعذب النَّاس؟ إِنَّمَا بعثنَا نعلمهُمْ دينهم ونأمرهم بِمَا يَنْفَعهُمْ، فَقَالَ: إِنَّه أسلم ثمَّ كفر، فَقَالَ: وَالَّذِي بعث مُحَمَّدًا بِالْحَقِّ لَا أَبْرَح حَتَّى أحرقه بالنَّار. قَوْله: قَضَاء الله بِالرَّفْع خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: هَذَا قَضَاء الله، أَي: حكم الله، وَقَالَ بَعضهم: وَيجوز النصب وَلم يبين وَجهه. قَوْله: ثَلَاث مَرَّات أَي: كررا هَذَا الْكَلَام ثَلَاث مَرَّات، وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد: أَنَّهُمَا كررا القَوْل، فَأَبُو مُوسَى يَقُول:(24/80)
اجْلِسْ، ومعاذ يَقُول: لَا أَجْلِس، فعلى هَذَا قَوْله: ثَلَاث مَرَّات من كَلَام الرَّاوِي لَا تَتِمَّة كَلَام معَاذ. قَوْله: فَأمر بِهِ فَقتل وَفِي رِوَايَة أَيُّوب: فَقَالَ: وَالله لَا أقعد حَتَّى تضرب عُنُقه، فَضرب عُنُقه. وَفِي رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ الَّتِي مَضَت الْآن: فَأتى بحطب فألهب فِيهِ النَّار فكتفه وَطَرحه فِيهَا، وَيُمكن الْجمع بَين الرِّوَايَتَيْنِ بِأَنَّهُ ضرب عُنُقه ثمَّ أَلْقَاهُ فِي النَّار، وَيُؤْخَذ مِنْهُ أَن معَاذًا وَأَبا مُوسَى كَانَا يريان جَوَاز التعذيب بالنَّار وإحراق الْمُرْتَد بالنَّار ومبالغة فِي إهانته وترهيباً من الِاقْتِدَاء بِهِ، وَقد مر أَن عليا رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أحرق الزَّنَادِقَة بالنَّار، وَقَالَ الدَّاودِيّ: إحراق عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، الزَّنَادِقَة لَيْسَ بخطأ، لِأَنَّهُ قَالَ لقوم: إِن لَقِيتُم فلَانا وَفُلَانًا فأحرقوهم بالنَّار، ثمَّ قَالَ: إِن لقيتموهما فاقتلوهما فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَن يعذب بِعَذَاب الله، وَلم يكن، يَقُول فِي الْغَضَب وَالرِّضَا إلاَّ حقّاً، قَالَ الله تَعَالَى: {وَمَا ينْطق عَن الْهوى} قَوْله: فأرجو فِي نومتي بالنُّون أَي نومي مَا أَرْجُو فِي قومتي بِالْقَافِ أَي: فِي قيامي بِاللَّيْلِ، وَفِي رِوَايَة سعيد: وأحتسب فِي نومتي مَا أحتسب فِي قومتي، كَمَا مر فِي الْمَغَازِي، وَحَاصِله أَن يَرْجُو الْأجر فِي ترويح نَفسه بِالنَّوْمِ ليَكُون أنشط لَهُ فِي الْقيام.
3 - (بابُ قَتْلِ مَنْ أَبى قَبُولَ الفَرَائِضِ وَمَا نُسبُوا إِلَى الرِّدَّةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان جَوَاز قتل من أَبى أَي: امْتنع من قبُول الْفَرَائِض أَي: الْأَحْكَام الْوَاجِبَة. قَوْله: وَمَا نسبوا إِلَى الرِّدَّة قَالَ الْكرْمَانِي: مَا، نَافِيَة، وَقيل: مَصْدَرِيَّة، أَي: ونسبتهم إِلَى الرِّدَّة. قلت: الْأَظْهر أَنَّهَا مَوْصُولَة وَالتَّقْدِير: وَقتل الَّذين نسبوا إِلَى الرِّدَّة، وَالله أعلم.
وَهَذَا مُخْتَلف فِيهِ.
فَمن أَبى أَدَاء الزَّكَاة وَهُوَ مقرّ بِوُجُوبِهَا، فَإِن كَانَ بَين ظهرانينا وَلم يطْلب حَربًا وَلَا امْتنع بِالسَّيْفِ فَإِنَّهَا تُؤْخَذ مِنْهُ قهرا وتدفع للْمَسَاكِين وَلَا يقتل، وَإِنَّمَا قَاتل الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، مانعي الزَّكَاة لأَنهم امْتَنعُوا بِالسَّيْفِ ونصبوا الْحَرْب للْأمة، وَأجْمع الْعلمَاء على أَن من نصب الْحَرْب فِي منع فَرِيضَة أَو منع حقّاً يجب عَلَيْهِ لآدَمِيّ وَجب قِتَاله، فَإِن أَبى الْقَتْل على نَفسه فدمه هدر.
وَأما الصَّلَاة فمذهب الْجَمَاعَة أَن من تَركهَا جاحداً فَهُوَ مُرْتَد فيستتاب فَإِن تَابَ وإلَّا قتل، وَكَذَلِكَ جحد سَائِر الْفَرَائِض وَاخْتلفُوا فِيمَن تَركهَا تكاسلاً، وَقَالَ: لست أَفعَلهَا، فمذهب الشَّافِعِي إِذا ترك صَلَاة وَاحِدَة حَتَّى أخرجهَا عَن وَقتهَا أَي: وَقت الضَّرُورَة، فَإِنَّهُ يقتل بعد الاستتابة إِذا أصر على التّرْك، وَالصَّحِيح عِنْده أَنه يقتل حدا لَا كفرا. وَمذهب مَالك أَنه يُقَال لَهُ: صل مَا دَامَ الْوَقْت بَاقِيا، فَإِن صلى ترك وَإِن امْتنع حَتَّى خرج الْوَقْت قتل. ثمَّ اخْتلفُوا، فَقَالَ بَعضهم: يُسْتَتَاب فَإِن تَابَ وإلاَّ قتل، وَقَالَ بَعضهم: يقتل لِأَن هَذَا حد الله، عز وَجل، يُقَام عَلَيْهِ لَا تسقطه التَّوْبَة بِفعل الصَّلَاة، وَهُوَ بذلك فَاسق كالزاني وَالْقَاتِل لَا كَافِر، وَقَالَ أَحْمد: تَارِك الصَّلَاة مُرْتَد كَافِر وَمَاله فَيْء ويدفن فِي مَقَابِر الْمُسلمين، وَسَوَاء ترك الصَّلَاة جاحداً أَو تكاسلاً. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالثَّوْري والمزني: لَا يقتل بِوَجْه وَلَا يخلى بَينه وَبَين الله تَعَالَى. قلت: الْمَشْهُور من مَذْهَب أبي حنيفَة أَنه يُعَزّر حَتَّى يُصَلِّي، وَقَالَ بعض أَصْحَابنَا: يضْرب حَتَّى يخرج الدَّم من جلده.
6924 - حدّثنا يَحْيى بنُ بُكَيْرٍ، حدّثنا اللَّيْثُ عنْ عُقَيْلٍ، عنِ ابنِ شهابٍ أَخْبرنِي عُبَيْدُ الله بنُ عَبْدِ الله بنِ عُتْبَةَ أنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: لمّا تُوُفِّيَ النبيُّ واسْتُخْلِفَ أبُو بَكْرٍ وكَفَرَ مَنْ كَفَر مِنَ العَرَبِ، قَالَ عُمَرُ: يَا أَبَا بَكْرٍ كَيْفَ تُقاتِلُ النَّاسَ وقَد قَالَ رسولُ الله أُمِرْتُ أنْ أُقاتِلَ النَّاسَ حتَّى يَقُولُوا: لَا إلاهَ إلاّ الله؟ فَمَنْ قَالَ: لَا إلاهَ إلاّ الله فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي مالَهُ ونَفْسَهُ، إلاّ بِحَقِّهِ وحِسابُهُ عَلى الله؟ قَالَ أبُو بَكْرٍ: وَالله لأُقاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلاةِ والزَّكاةِ، فإنَّ الزَّكاةَ حَقُّ المالِ، وَالله لَوْ مَنَعُونِي عَناقاً كانُوا يُؤَدُّونَها إِلَى رسولِ الله لَقَاتَلْتُهُمْ عَلى مَنْعِها، قَالَ عُمَرُ: فَوالله مَا هُوَ إلاّ أنْ رَأيْتُ أنْ قَدْ شَرَحَ الله صَدْرَ أبي بَكْرٍ لِلْقِتالِ(24/81)
فَعَرَفْتُ أنَّهُ الحقُّ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعقيل بِضَم الْعين ابْن خَالِد.
والْحَدِيث مضى فِي الزَّكَاة عَن أبي الْيَمَان عَن شُعَيْب، وَسَيَجِيءُ فِي الِاعْتِصَام عَن قُتَيْبَة عَن اللَّيْث، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: حَتَّى يَقُولُوا: لَا إلاه إلّا الله وَفِي رِوَايَة مُسلم: من وحد الله وَكفر بِمَا يعبد من دونه حرم دَمه وَمَاله. قَوْله: من فرق بتَشْديد الرَّاء وتخفيفها وَالْمرَاد بِالْفرقِ من أقرّ بِالصَّلَاةِ وَأنكر الزَّكَاة جاحداً أَو مَانِعا مَعَ الِاعْتِرَاف. قَوْله: فَإِن الزَّكَاة حق المَال يُشِير إِلَى دَلِيل منع التَّفْرِقَة الَّتِي ذكرهَا أَن حق النَّفس الصَّلَاة وَحقّ المَال الزَّكَاة، فَمن صلى عصم نَفسه وَمن زكى عصم مَاله، فَإِن لم يصل قوتل على ترك الصَّلَاة وَمن لم يزك أخذت الزَّكَاة من مَاله قهرا، وَإِن نصب الْحَرْب لذَلِك قوتل. قَوْله: عنَاقًا بِفَتْح الْعين وَتَخْفِيف النُّون: الْأُنْثَى من ولد الْمعز، وَوَقع فِي رِوَايَة قُتَيْبَة عَن اللَّيْث عِنْد مُسلم: عقَالًا، وَفِي رِوَايَة عبد الله بن صَالح عَن اللَّيْث: عنَاقًا أصح، وَيُؤَيِّدهُ مَا فِي رِوَايَة ذكرهَا أَبُو عبيد: لَو مَنَعُونِي جدياً أذوط صَغِير الفك والذقن. قَوْله: فَعرفت أَي: بِالدَّلِيلِ الَّذِي أَقَامَهُ الصّديق وَغَيره إِذْ لَا يجوز للمجتهد أَن يُقَلّد الْمُجْتَهد.
4 - (بابٌ إِذا عَرَّضَ الذِّمِيُّ وغَيْرُهُ بِسَبِّ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وسلمولَمْ يُصَرِّحْ نَحْوَ قَوْلِهِ: السَّامُ عَلَيْكَ)
أَي: هَذَا بَاب فِيمَا عرض بتَشْديد الرَّاء من التَّعْرِيض وَهُوَ خلاف التَّصْرِيح، وَهُوَ نوع من الْكِنَايَة. قَوْله: وَغَيره أَي: وَغير الذِّمِّيّ نَحْو الْمعَاهد وَمن يظْهر الْإِسْلَام قَوْله: بسب النَّبِي أَي: بتنقيصه، وَلَكِن لم يُصَرح بل بالتعريض نَحْو قَوْله: السَّام بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْمِيم وَهُوَ الْمَوْت قَوْله: عَلَيْك هَكَذَا بِالْإِفْرَادِ فِي رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: عَلَيْكُم، فَقيل: لَيْسَ فِيهِ تَعْرِيض السب. وَأجِيب بِأَنَّهُ لم يرد بِهِ التَّعْرِيض المصطلح عَلَيْهِ وَهُوَ أَن يسْتَعْمل لفظا فِي حَقِيقَته يلوح بِهِ إِلَى معنى آخر يَقْصِدهُ، وَالظَّاهِر أَن البُخَارِيّ اخْتَار فِي هَذَا مَذْهَب الْكُوفِيّين فَإِن عِنْدهم أَن من سبّ النَّبِي أَو عابه فَإِن كَانَ ذِمِّيا عزّر وَلَا يقتل وَهُوَ قَول الثَّوْريّ، وَقَالَ أَبُو حنيفَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: إِن كَانَ مُسلما صَار مُرْتَدا بذلك، وَإِن كَانَ ذِمِّيا لَا ينْتَقض عَهده، وَقَالَ الطَّحَاوِيّ: وَقَول الْيَهُودِيّ لرَسُول الله السام عَلَيْك، لَو كَانَ مثل هَذَا الدُّعَاء من مُسلم لصار بِهِ مُرْتَدا يقتل، وَلم يقتل الشَّارِع الْقَائِل بِهِ من الْيَهُود لِأَن مَا هم عَلَيْهِ من الشّرك أعظم من سبه. فَإِن قلت: من أَيْن يعلم أَن البُخَارِيّ اخْتَار فِي هَذَا مَذْهَب الْكُوفِيّين وَلم يُصَرح بِالْجَوَابِ فِي التَّرْجَمَة؟ . قلت: عدم تصريحه يدل على ذَلِك إِذْ لَو اخْتَار غَيره لصرح بِهِ، وَيُؤَيِّدهُ أَن حَدِيث الْبَاب لَا يدل على قتل من يسبه من أهل الذِّمَّة فَإِنَّهُ لم يقْتله. فَإِن قلت: إِنَّمَا لم يقْتله لمصْلحَة التَّأْلِيف أَو لعدم قيام الْبَيِّنَة بالتصريح. قلت: لم يقتلهُمْ بِمَا هُوَ أعظم مِنْهُ وَهُوَ الشّرك كَمَا ذَكرْنَاهُ على أَن قَوْله: السام عَلَيْك، الدُّعَاء بِالْمَوْتِ وَالْمَوْت لَا بُد مِنْهُ. فَإِن قلت: قتل النَّبِي كَعْب بن الْأَشْرَف فَإِنَّهُ قَالَ: من لكعب بن الْأَشْرَف فَإِنَّهُ يُؤْذِي الله وَرَسُوله؟ وَوجه إِلَيْهِ من قَتله غيلَة، وَقتل أَبَا رَافع قَالَ الْبَزَّار: كَانَ يُؤْذِي رَسُول الله ويعين عَلَيْهِ. وَفِي حَدِيث آخر: أَن رجلا كَانَ يسبه فَقَالَ: من يَكْفِينِي عدوي؟ فَقَالَ خَالِد: أَنا فَبَعثه إِلَيْهِ فَقتله. قَالَ ابْن حزم: وَهُوَ حَدِيث صَحِيح مُسْند رَوَاهُ عَن النَّبِي رجل من بلقين وَقَالَ ابْن الْمَدِينِيّ وَهُوَ اسْمه وَبِه يعرف: وَذكر عبد الرَّزَّاق أَنه سبه رجل فَقَالَ: من يَكْفِينِي عدوي؟ فَقَالَ الزبير: أَنا، فَقتله. قلت: الْجَواب فِي هَذَا كُله أَنه لم يقتلهُمْ بِمُجَرَّد سبهم وَإِنَّمَا كَانُوا عوناً عَلَيْهِ ويجمعون من يحاربونه، وَيُؤَيِّدهُ مَا رَوَاهُ الْبَزَّار عَن ابْن عَبَّاس أَن عقبَة بن أبي معيط نَادَى: يَا معاشر قُرَيْش؟ مَا لي أقتل من بَيْنكُم صبرا؟ فَقَالَ لَهُ بكفرك وافترائك على رَسُول الله، صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسلم، على أَن هَؤُلَاءِ كلهم لم يَكُونُوا من أهل الذِّمَّة، بل كَانُوا مُشْرِكين يُحَاربُونَ الله وَرَسُوله.(24/82)
6926 - حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ مُقاتِلٍ أبُو الحَسَنِ، أخبرنَا عَبْدُ الله، أخبرنَا شُعْبَةُ، عنْ هِشامِ بنِ زَيْدِ بنِ أنَسِ بنِ مالِكٍ قَالَ: سَمِعْتُ أنَسَ بنَ مالِكٍ يَقُولُ: مَرَّ يَهُودِيٌّ بِرَسولِ الله فَقَالَ: السَّامُ عَلَيْكَ فَقَالَ رسولُ الله وعَلَيْكَ فَقَالَ رسولُ الله أتَدْرُونَ مَا يَقُولُ؟ قَالَ: السَّامُ عَلَيْكَ قَالُوا: يَا رسولَ الله أَلا تَقْتُلُه؟ قَالَ: لَا إِذا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أهْلُ الكِتابِ فَقُولُوا: وعَليْكُمْ
انْظُر الحَدِيث 6258
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك الْمروزِي، وَهِشَام بن زيد يروي عَن جده أنس بن مَالك.
والْحَدِيث أخرجه النَّسَائِيّ فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة عَن زيد بن حزم.
قَوْله: السام عَلَيْك هَكَذَا عَلَيْك بِالْإِفْرَادِ، وَلم يخْتَلف أحد أَن لفظ: عَلَيْك، بِالْإِفْرَادِ فِي حَدِيث أنس، وَكَذَا فِي رِوَايَة الْكشميهني فِي حَدِيث عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا. وَهَذَا الحَدِيث الَّذِي يَلِيهِ، وَفِي رِوَايَة غَيره: عَلَيْكُم، وَكَذَا الْخلاف فِي حَدِيث ابْن عمر الَّذِي بعده. قَوْله: أَلا نَقْتُلهُ؟ كلمة أَلا للتحضيض. قَوْله: قَالَ: لَا أَي: قَالَ رَسُول الله لَا تقتلوه.
وَفِيه: حجَّة ظَاهِرَة للكوفيين مِنْهُم أَبُو حنيفَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. فَإِن قلت: الْوَاو فِي: وَعَلَيْك، تَقْتَضِي التَّشْرِيك. قلت: مَعْنَاهُ: وَعَلَيْك مَا تسْتَحقّ من اللَّعْنَة وَالْعَذَاب، أَو ثمَّة مُقَدّر أَي: وَأَنا أَقُول: وَعَلَيْك، أَو الْمَوْت مُشْتَرك أَي: نَحن وَأَنْتُم كلنا نموت، قَالَه الْكرْمَانِي.
6927 - حدّثنا أبُو نُعَيْمٍ، عَن ابنِ عُيَيْنَةَ، عنِ الزُّهْرِيِّ، عنْ عُرْوَةَ عنْ عائِشَةَ، رَضِي الله عَنْهَا، قالَتِ: اسْتَأْذَن رَهْطٌ مِنَ اليَهُودِ عَلى النبيِّ فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكَ. فَقُلْتُ: بَلْ عَلَيْكُمُ السَّامُ واللَّعْنَةُ فَقَالَ: يَا عائِشَةُ إنَّ الله رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأمْرِ كُلِّهِ قُلْتُ أوَ لَمْ تَسْمَعْ مَا قالُوا؟ قَالَ: قُلْتُ وعَليْكُمْ
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأَبُو نعيم بِضَم النُّون الْفضل بن دُكَيْن يروي عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة بن هِشَام عَن عَائِشَة.
والْحَدِيث مضى فِي الْأَدَب فِي: بَاب الرِّفْق فِي الْأَمر كُله، وَمضى الْكَلَام فِيهِ. وَأخرجه مُسلم فِي الاسْتِئْذَان عَن عمر والناقد وَزُهَيْر بن حَرْب. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ. وَالنَّسَائِيّ فِي التَّفْسِير وَفِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة جَمِيعًا عَن سعيد بن عبد الرَّحْمَن عَن سُفْيَان.
قَوْله: رَهْط قد ذكرنَا غير مرّة أَن الرَّهْط من الرِّجَال مَا دون الْعشْرَة وَلَا تكون فيهم امْرَأَة وَلَا وَاحِد لَهُ من لَفظه وَجمعه أرهط وأرهاط وأراهط جمع الْجمع.
6928 - حدّثنا مُسَدَّدٌ، حدّثنا يَحْياى بنُ سَعِيدٍ، عنْ سُفْيانَ ومالِكِ بن أنَسٍ قَالَا: حدّثنا عَبْدُ الله بنُ دِينارٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابنَ عُمَرَ، رَضِي الله عَنْهُمَا، يَقُولُ: قَالَ رسولُ الله إنَّ اليَهُودَ إِذا سَلَّمُوا عَلى أحَدِكُمْ إنّما يَقُولُونَ: سامٌ عَلَيْكَ، فَقُلْ: عَلَيْكَ
انْظُر الحَدِيث 6257
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَيحيى بن سعيد الْقطَّان، وسُفْيَان بن عُيَيْنَة.
والْحَدِيث أخرجه النَّسَائِيّ فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة عَن قُتَيْبَة بن سعيد والْحَارث بن مِسْكين.
قَوْله: سَام عَلَيْك ويروى: السام عَلَيْكُم. قَوْله: فَقل: عَلَيْك ويروى: عَلَيْكُم، قَالَ الْكرْمَانِي: قَوْله: فَقل الْمقَام يَقْتَضِي أَن يُقَال: فَلْيقل، أمرا غَالِبا، وَأجَاب بِأَن قَوْله: أحدكُم فِيهِ معنى الْخطاب لكل أحد.
5
- (بابٌ
(
أَي: هَذَا بَاب ذكر بِغَيْر تَرْجَمَة على عَادَته فِي مثل هَذَا، فَهُوَ كالفصل لما قبله من الْبَاب، وَلَفظ: بَاب، مَحْذُوف عِنْد ابْن بطال وَألْحق حَدِيث ابْن مَسْعُود فِي الْبَاب الَّذِي قبله.(24/83)
5
- (بابٌ
(
أَي: هَذَا بَاب ذكر بِغَيْر تَرْجَمَة على عَادَته فِي مثل هَذَا، فَهُوَ كالفصل لما قبله من الْبَاب، وَلَفظ: بَاب، مَحْذُوف عِنْد ابْن بطال وَألْحق حَدِيث ابْن مَسْعُود فِي الْبَاب الَّذِي قبله.
6929 - حدّثنا عُمَرُ بنُ حَفْصٍ، حدّثنا أبي، حدّثنا الأعْمَشُ، قَالَ: حدّثني شَقِيقٌ قَالَ: قَالَ عَبْدُ الله: كَأَنِّي أنْظُرُ إِلَى النبيِّ يَحْكِي نَبِيّاً مِنَ الأنْبِياءِ ضَرَبَهُ قَوْمُهُ، فأدْمَوْهُ، فَهْوَ يَمْسَحُ الدَّمَ عنْ وَجْهِهِ ويَقُولُ: رَبَّ اغْفرْ لِقَوْمِي فإنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ
انْظُر الحَدِيث 3477
وَجه ذكر هَذَا الحَدِيث هُنَا من حَيْثُ إِنَّه مُلْحق بِالْبَابِ المترجم الَّذِي فِيهِ ترك النَّبِي قتل ذَاك الْقَائِل بقوله: السام عَلَيْك، وَكَانَ هَذَا من رفقه وَصَبره على أَذَى الْكفَّار، والأنبياء، عَلَيْهِم السَّلَام، كَانُوا مأمورين بِالصبرِ. قَالَ الله تَعَالَى: {فاصب كَمَا صَبر أهل الْعَزْم من الرُّسُل وَلَا تستعجل لَهُم كَأَنَّهُمْ يَوْم يرَوْنَ مَا يوعدون لم يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَة من نَهَار بَلَاغ فَهَل يهْلك إِلَّا الْقَوْم الْفَاسِقُونَ} وَفِي هَذَا الحَدِيث بَيَان صَبر نَبِي من الْأَنْبِيَاء الَّذين أَنْفَع غَيره مِنْهُم. وَأخرجه عَن عمر بن حَفْص عَن أَبِيه حَفْص بن غياث عَن سُلَيْمَان الْأَعْمَش عَن شَقِيق بن سَلمَة أبي وَائِل وَكلهمْ كوفيون.
والْحَدِيث مضى فِي بني إِسْرَائِيل بِهَذَا السَّنَد. وَأخرجه مُسلم وَابْن مَاجَه كِلَاهُمَا عَن مُحَمَّد بن نمير، فَمُسلم فِي الْمَغَازِي وَابْن مَاجَه فِي الْفِتَن.
قَوْله: قَالَ عبد الله هُوَ ابْن مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَوْله: يَحْكِي نَبيا النَّبِي، هُوَ الحاكي والمحكي عَنهُ، وَيحْتَمل أَن يكون هَذَا النَّبِي هُوَ نوح، عَلَيْهِ السَّلَام، لِأَن قومه كَانُوا يضربونه حَتَّى يغمى عَلَيْهِ ثمَّ يفِيق، فَيَقُول: اهدِ قومِي فَإِنَّهُم لَا يعلمُونَ. أخرجه ابْن عَسَاكِر فِي تَارِيخ دمشق فِي تَرْجَمَة نوح، عَلَيْهِ السَّلَام، من حَدِيث الْأَعْمَش عَن مُجَاهِد عَن عبيد بن عُمَيْر بِهِ. قَوْله: أدموه بِفَتْح الْمِيم أَي: جرحوه بِحَيْثُ جرى عَلَيْهِ الدَّم.
(بَاب قَتْلِ الخَوارِجِ والمُلْحِدِينَ بَعْدَ إقامَةِ الحُجَّةِ عَليْهِمْ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان قتل الْخَوَارِج ... الخ، وَهُوَ جمع خَارِجَة أَي: طَائِفَة خَرجُوا عَن الدّين وهم قوم مبتدعون سموا بذلك لأَنهم خَرجُوا على خِيَار الْمُسلمين، وَقَالَ الشهرستاني فِي الْملَل والنحل كل من خرج على الإِمَام الْحق فَهُوَ خارجي سَوَاء فِي زمن الصَّحَابَة أَو بعدهمْ، وَقَالَ الْفُقَهَاء: الْخَوَارِج غير الباغية وهم الَّذين خالفوا الإِمَام بِتَأْوِيل بَاطِل ظنا. والخوارج خالفوا لَا بِتَأْوِيل أَو بِتَأْوِيل بَاطِل قطعا. وَقيل: هم طَائِفَة من المبتدعة لَهُم مقالات خَاصَّة مثل: تَكْفِير العَبْد بالكبيرة، وَجَوَاز كَون الإِمَام من غير قُرَيْش، سموا بِهِ لخروجهم على النَّاس بمقالاتهم. قَوْله: والملحدين أَي: وَقتل الْمُلْحِدِينَ وَهُوَ جمع ملحد، وَهُوَ الْعَادِل عَن الْحق المائل إِلَى الْبَاطِل. قَوْله: بعد إِقَامَة الْحجَّة عَلَيْهِم يُشِير البُخَارِيّ بذلك إِلَى أَنه لَا يجب قتال خارجي وَلَا غَيره إلاَّ بعد الاعذار عَلَيْهِ، ودعوته إِلَى الْحق وتبيين مَا الْتبس عَلَيْهِ، فَإِن أَبى عَن الرُّجُوع إِلَى الْحق وَجب قِتَاله بِدَلِيل الْآيَة الَّتِي ذكرهَا.
وقَوْلُ الله تَعَالَى: {وَمَا كَانَ الله ليضل قوما بعد إِذْ هدَاهُم حَتَّى يبين لَهُم مايتقون إِن الله بِكُل شَيْء عليم}
أَشَارَ بِهَذِهِ الْآيَة الْكَرِيمَة إِلَى أَن قتال الْخَوَارِج والملحدين لَا يجب إلاَّ بعد إِقَامَة الْحجَّة عَلَيْهِم، وَإِظْهَار بطلَان دلائلهم، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ هَذِه الْآيَة لِأَنَّهَا تدل على أَن الله لَا يُؤَاخذ عباده حَتَّى يبين لَهُم مَا يأْتونَ وَمَا يذرون، وَهَكَذَا فَسرهَا الضَّحَّاك. وَقَالَ مقَاتل والكلبي: لما أنزل الله تَعَالَى الْفَرَائِض فَعمل بهَا النَّاس جَاءَ مَا نسخهَا من الْقُرْآن، وَقد مَاتَ نَاس وهم كَانُوا يعْملُونَ الْأَمر الأول من الْقبْلَة وَالْخمر وَأَشْبَاه ذَلِك، فسألوا عَنهُ رَسُول الله فَأنْزل الله تَعَالَى: {وَمَا كَانَ الله ليضل قوما} يَعْنِي: وَمَا كَانَ الله ليبطل عمل قوم عمِلُوا بالمنسوخ حَتَّى يبين لَهُم النَّاسِخ. وَقَالَ الثَّعْلَبِيّ: أَي مَا كَانَ الله ليحكم عَلَيْكُم بالضلال بعد استغفاركم للْمُشْرِكين قبل أَن يقدم إِلَيْكُم بِالنَّهْي، أَي: مَا كَانَ الله ليوقع الضَّلَالَة فِي قُلُوبكُمْ بعد الْهدى حَتَّى يبين لَهُم مَا يَتَّقُونَ أَي: مَا يخَافُونَ ويتركون. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: المُرَاد مِمَّا يَتَّقُونَ مَا يجب اتقاؤه للنَّهْي.
وكانَ ابنُ عُمَرَ يَراهُمْ شِرارَ خَلْقِ الله، وَقَالَ: إنَّهُمْ انْطَلَقُوا إِلَى آياتٍ نَزَلَتْ فِي الكُفَّارِ فَجَعَلُوها عَلى المُؤْمِنِينَ.
مُطَابقَة هَذَا الْأَثر للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَوَصله الطَّبَرِيّ فِي تَهْذِيب الْآثَار من طَرِيق بكير بن عبد الله بن الْأَشَج أَنه سَأَلَ(24/84)
نَافِعًا: كَيفَ كَانَ رَأْي ابْن عمر فِي الحرورية؟ قَالَ: كَانَ يراهم شرار خلق الله، انْطَلقُوا إِلَى آيَات نزلت فِي الْكفَّار فجعلوها على الْمُؤمنِينَ. انْتهى. قلت: الحرورية هم الْخَوَارِج وَإِنَّمَا سموا حرورية لأَنهم نزلُوا فِي مَوضِع يُسمى حروراء، بِالْمدِّ وَالْقصر وَهُوَ مَوضِع قريب من الْكُوفَة، وَكَانَ أول مجتمعهم وتحكيمهم فِيهَا، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: الحرورية طَائِفَة من الْخَوَارِج وهم الَّذين قَاتلهم عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَكَانَ عِنْدهم من التشدد فِي الدّين مَا هُوَ مَعْرُوف، وَكَانَ كَبِيرهمْ عبد الله بن الْكواء بِفَتْح الْكَاف وَتَشْديد الْوَاو وبالمد الْيَشْكُرِي، وعدة الْخَوَارِج عشرُون فرقة.
وَقَالَ ابْن حزم: وأسوؤهم حَالا الغلاة وهم الَّذين يُنكرُونَ الصَّلَوَات الْخمس وَيَقُولُونَ: الْوَاجِب صَلَاة بِالْغَدَاةِ وَصَلَاة بالْعَشي، وَمِنْهُم من يجوز نِكَاح بنت الابْن وَبنت ابْن الْأَخ وَالْأُخْت، وَمِنْهُم من أنكر أَن تكون سُورَة يُوسُف من الْقُرْآن، وَأَن من قَالَ: لَا إلاه إِلَّا الله، فَهُوَ مُؤمن عِنْد الله وَلَو اعْتقد الْكفْر بِقَلْبِه، وأقربهم إِلَى قَول أهل الْحق الإباضية، وَقد بقيت مِنْهُم بَقِيَّة بالغرب. وَقَالَ الْجَوْهَرِي الإباضية فرقة من الْخَوَارِج أَصْحَاب عبد الله بن إباض التَّيْمِيّ وَهُوَ بِكَسْر الْهمزَة وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة وبالضاد الْمُعْجَمَة وَهُوَ فِي الأَصْل: الْحَبل الَّذِي يشد بِهِ رسغ الْبَعِير إِلَى عضده حَتَّى ترْتَفع يَده عَن الأَرْض.
قَوْله: شرار خلق الله قَالَ الْكرْمَانِي: أَي: شرار الْمُسلمين لِأَن الْكفَّار لَا يؤولون كتاب الله. قَوْله: فجعلوها أَي أولوها وصيروها، وَكَانَ ابْن عمر يكره الْقَدَرِيَّة أَيْضا ويراهم من الشرار. وَفِي التَّوْضِيح عَن كتاب الإسفرايني: كَانَ عبد الله بن عمر وَابْن عَبَّاس وَابْن أبي أوفى وَجَابِر وَأنس بن مَالك وَأَبُو هُرَيْرَة وَعقبَة بن عَامر وأقرانهم، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، يوضون إِلَى أخلافهم بِأَن لَا يسلمُوا على الْقَدَرِيَّة وَلَا يعودوهم وَلَا يصلوا خَلفهم وَلَا يصلوا عَلَيْهِم إِذا مَاتُوا.
6930 - حدّثنا عُمَرُ بنُ حَفْصِ بنِ غِياثٍ، حدّثنا أبي، حدّثنا الأعْمَشُ، حدّثنا خَيْثَمةُ، حدّثنا سُوَيْدُ بنُ غَفَلَةَ قَالَ: عَلِيٌّ، رَضِي الله عَنهُ: إِذا حَدَّثْتُكُمْ عنْ رسولِ الله حَدِيثاً فَوالله لأنْ أخِرَّ مِنَ السَّماءِ أحَبُّ إلَيَّ مِنْ أنْ أكْذِبَ عَلَيْهِ، وَإِذا حَدَّثْتُكُمْ فِيما بَيْني وبَيْنَكُمْ فإنَّ الحَرْبَ خَدْعَةٌ، وإنِّي سَمِعْتُ رسولَ الله يَقُولُ سَيَخْرُجُ قَوْمٌ فِي آخِرِ الزَّمانِ حُدَّاثُ الأسْنانِ سُفَهاءُ الأحْلامِ يَقُولونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ البَرِيَّةِ، لَا يُجاوِزُ إيمانُهُمْ حَناجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينَ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، فأيْنَما لَقِيتُمُوهُمْ فاقْتُلُوهُمْ فإنَّ فِي قَتْلِهِمْ أجْراً لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ القِيامَةِ
انْظُر الحَدِيث 3611 وطرفه
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن الْقَوْم الْمَذْكُورين فِيهِ هم الْخَوَارِج والملحدون.
أخرجه عَن عمر بن حَفْص عَن أَبِيه حَفْص بن غياث بِكَسْر الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالثاء الْمُثَلَّثَة عَن سُلَيْمَان الْأَعْمَش عَن خَيْثَمَة بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح الثَّاء الْمُثَلَّثَة ابْن عبد الرَّحْمَن بن أبي سُبْرَة بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة الْجعْفِيّ، لِأَبِيهِ وجده صُحْبَة، عَن سُوَيْد بِضَم السِّين الْمُهْملَة بن غَفلَة بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَالْفَاء وَاللَّام الْجعْفِيّ من كبار التَّابِعين وَمن المخضرمين عَاشَ مائَة وَثَلَاثِينَ سنة، وَقيل: إِن لَهُ صُحْبَة.
والْحَدِيث قد مضى فِي عَلَامَات النُّبُوَّة فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مُحَمَّد بن كثير عَن سُفْيَان الْأَعْمَش ... إِلَى آخِره، وَكَذَا مضى بِهَذَا السَّنَد فِي فَضَائِل الْقُرْآن، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: حَدثنَا عمر بن حَفْص ويروى: حَدثنِي، بِالْإِفْرَادِ. قَوْله: حَدثنَا خَيْثَمَة قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ: خَالف عِيسَى بن يُونُس فَقَالَ عَن الْأَعْمَش: حَدثنِي عَمْرو بن مرّة عَن خَيْثَمَة بِهِ، وَهَذَا يبين أَن فِيهِ انْقِطَاعًا. قلت: قد صرح الْأَعْمَش بِالتَّحْدِيثِ عَن خَيْثَمَة فَلَعَلَّهُ سَمعه من خَيْثَمَة مرّة وَمرَّة من عَمْرو بن مرّة. قَوْله: قَالَ عَليّ هُوَ ابْن أبي طَالب، وَفِيه لفظ: قَالَ آخر مُقَدّر تَقْدِيره: قَالَ: قَالَ عَليّ أَي: قَالَ سُوَيْد بن غَفلَة: قَالَ عَليّ، وَقد مضى فِي آخر فَضَائِل الْقُرْآن من رِوَايَة الثَّوْريّ عَن الْأَعْمَش بِهَذَا السَّنَد. قَالَ:(24/85)
قَالَ عَليّ، وَعند النَّسَائِيّ من هَذَا الْوَجْه عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: لم يَصح لسويد بن غَفلَة عَن عَليّ مَرْفُوع إلاَّ هَذَا وَقيل: مَاله فِي الْكتب السِّتَّة غَيره.
قَوْله: لِأَن أخرّ أَي: أسقط. قَوْله: خدعة بِتَثْلِيث الْخَاء الْمُعْجَمَة وَالْمعْنَى: إِذا حدثتكم عَن النَّبِي لَا أكني وَلَا أعرض وَلَا أواري، وَإِذا حدثتكم عَن غَيره أفعل هَذِه الْأَشْيَاء لأخدع بذلك من يحاربني، فَإِن الْحَرْب يَنْقَضِي أمره بخدعة وَاحِدَة. قَوْله: سيخرج قوم فِي آخر الزَّمَان وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ من حَدِيث أبي بَرزَة: يخرج فِي آخر الزَّمَان قوم، قيل: هَذَا يُخَالف حَدِيث أبي سعيد الْمَذْكُور فِي الْبَاب بعده، لِأَن مُقْتَضَاهُ أَنهم خَرجُوا فِي خلَافَة عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَلذَا أكثرت الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي أَمرهم. وَأجَاب ابْن التِّين بِأَن المُرَاد زمَان الصَّحَابَة، وَاعْترض عَلَيْهِ بَعضهم بقوله: لِأَن آخر زمَان الصَّحَابَة كَانَ على رَأس الْمِائَة، وهم قد خَرجُوا قبل ذَلِك بِأَكْثَرَ من سِتِّينَ سنة. ثمَّ أجَاب بقوله: وَيُمكن الْجمع بِأَن المُرَاد من آخر الزَّمَان آخر زمَان خلَافَة النُّبُوَّة فَإِن فِي حَدِيث سفينة الْمخْرج فِي السّنَن وصحيح ابْن حبَان وَغَيره مَرْفُوعا: الْخلَافَة بعدِي ثَلَاثُونَ سنة ثمَّ تصير ملكا، وَكَانَت قصَّة الْخَوَارِج وقتلهم بالنهروان فِي أَوَاخِر خلَافَة عَليّ سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ بعد النَّبِي بِدُونِ الثَّلَاثِينَ بِنَحْوِ سنتَيْن. انْتهى. قلت: يسْقط السُّؤَال من الأول إِن قُلْنَا بِتَعَدُّد خُرُوج الْخَوَارِج، وَقد وَقع خُرُوجهمْ مرَارًا. قَوْله: حداث الْأَسْنَان بِضَم الْحَاء وَتَشْديد الدَّال هَكَذَا فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي والسرخسي، وَفِي أَكثر الرِّوَايَات: أَحْدَاث الْأَسْنَان، جمع حدث بِفتْحَتَيْنِ وَهُوَ صَغِير السن. وَقَالَ ابْن الْأَثِير: حَدَاثَة السن كِنَايَة عَن الشَّبَاب وَأول الْعُمر، وَقَالَ ابْن التِّين: حداث بِالضَّمِّ جمع حَدِيث مثل كرام جمع كريم وكبار جمع كَبِير، والْحَدِيث الْجَدِيد من كل شَيْء وَيُطلق على الصَّغِير بِهَذَا الِاعْتِبَار، وَالْمرَاد بالأسنان الْعُمر يَعْنِي أَنهم شباب قَوْله: سُفَهَاء الأحلام يَعْنِي: عُقُولهمْ رَدِيئَة، والأحلام جمع حلم بِكَسْر الْحَاء وَكَأَنَّهُ من الْحلم بِمَعْنى الأناءة والتثبت فِي الْأُمُور، وَذَلِكَ من شعار الْعُقَلَاء، وَأما بِالضَّمِّ فعبارة عَمَّا يرَاهُ النَّائِم. قَوْله: يَقُولُونَ من خير قَول الْبَريَّة قيل: هَذَا مقلوب وَالْمرَاد من قَول خير الْبَريَّة هُوَ الْقُرْآن، وَقَالَ الْكرْمَانِي: من خير قَول الْبَريَّة أَي: خير أَقْوَال النَّاس، أَو خير من قَول الْبَريَّة، وَهُوَ الْقُرْآن فعلى هَذَا لَيْسَ بمقلوب. قَوْله: لَا يُجَاوز إِيمَانهم حَنَاجِرهمْ وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: لَا يجوز والحناجر بِالْحَاء الْمُهْملَة فِي أَوله جمع حنجرة وَهِي الْحُلْقُوم والبلعوم وَكله يُطلق على مجْرى النَّفس مِمَّا يَلِي الْفَم، وَفِي رِوَايَة مُسلم من رِوَايَة زيد بن وهب عَن عَليّ: لَا تجَاوز صلَاتهم تراقيهم، فَكَأَنَّهُ أطلق الْإِيمَان على الصَّلَاة، وَفِي حَدِيث أبي ذَر: لَا يُجَاوز إِيمَانهم حلاقيمهم وَالْمرَاد أَنهم يُؤمنُونَ بالنطق لَا بِالْقَلْبِ. قَوْله: يَمْرُقُونَ من الدّين من المروق وَهُوَ الْخُرُوج، يُقَال: مرق من الدّين مروقاً خرج مِنْهُ ببدعته وضلالته، ومرق السهْم من الْغَرَض إِذا أَصَابَهُ ثمَّ نفذه، وَمِنْه قيل للمرق مرق لِخُرُوجِهِ من اللَّحْم، وَفِي رِوَايَة سُوَيْد بن غَفلَة عِنْد النَّسَائِيّ والطبري: يَمْرُقُونَ من الْإِسْلَام، وَفِي رِوَايَة للنسائي: يَمْرُقُونَ من الْحق. قَوْله: من الرَّمية بِفَتْح الرَّاء وَكسر الْمِيم وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف وَهُوَ الشَّيْء يرْمى وَيُطلق على الطريدة من الْوَحْش إِذا رَمَاهَا الرَّامِي، وَقَالَ الْكرْمَانِي: الرَّمية فعيلة من الرَّمْي بِمَعْنى المرمية أَي: الصَّيْد مثلا. فَإِن قلت: الفعيل بِمَعْنى الْمَفْعُول يَسْتَوِي فِيهِ الْمُذكر والمؤنث. فَلم أَدخل التَّاء فِيهِ؟ . قلت: هَذَا النَّقْل الوصفية إِلَى الإسمية، وَقيل: ذَلِك الاسْتوَاء إِذا كَانَ الْمَوْصُوف مَذْكُورا مَعَه، وَقيل: ذَلِك الدُّخُول غَالِبا للَّذي لم يَقع بعد، يُقَال: خُذ ذبيحتك للشاة الَّتِي لم تذبح، وَإِذا وَقع عَلَيْهَا الْفِعْل فَهِيَ ذبيح.
6931 - حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى، حدّثنا عَبْدُ الوَهَّابِ، قَالَ: سَمِعْتُ يَحْياى بنَ سَعيدٍ قَالَ: أَخْبرنِي مُحَمَّدُ بنُ إبْراهِيمَ، عنْ أبي سَلَمَة وعَطاءِ بنِ يَسارٍ أنَّهُما أتَيا أَبَا سعِيدٍ الخُدْرِيَّ فَسَألاهُ عَنِ الحَرُورِيةِ: أسَمِعْتَ النبيَّ قَالَ: لَا أدْرِي مَا الحَرُورِيَّةُ؟ سَمِعْتُ النبيَّ يَقُولُ يَخْرُجُ فِي هاذِهِ الأُمَّة ولَمْ يَقُلْ: مِنْها قَوْمٌ تَحْقِرُونَ صَلاتَكُمْ مَعَ صَلاتِهِمْ، يَقَرَأُونَ القُرْآنَ(24/86)
لَا يُجاوِزُ حُلُوقَهُمْ أوْ حَناجِرَهُمْ، يَمْرَقُونَ مِن الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ، فَيَنْظرُ الرَّامِي إِلَى سهْمِهِ إِلَى نَصْلِهِ إِلَى رِصافِهِ فَيَتَماراى فِي الفُوقَةِ هَلْ عَلِقَ بِها مِنَ الدَّمِ شَيءٌ
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَن الحرورية هم الْخَوَارِج. وَقد مر عَن قريب.
وَعبد الْوَهَّاب بن عبد الْمجِيد الثَّقَفِيّ، وَيحيى بن سعيد هُوَ الْأنْصَارِيّ، وَمُحَمّد بن إِبْرَاهِيم هُوَ التَّيْمِيّ، وَأَبُو سَلمَة هُوَ ابْن عبد الرحمان بن عَوْف، وَعَطَاء بن يسَار ضد الْيَمين.
وَفِي السَّنَد ثَلَاثَة من التَّابِعين على نسق، وَاسم أبي سعيد الْخُدْرِيّ سعد بن مَالك.
والْحَدِيث مر فِي مَوَاضِع كَثِيرَة فِي عَلَامَات النُّبُوَّة عَن أبي الْيَمَان عَن شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ عَن أبي سَلمَة عَن أبي سعيد وَهَذَا السِّيَاق على لفظ أبي سَلمَة وَحده وَمضى فِي الْأَدَب عَن عبد الرحمان بن إِبْرَاهِيم وَفِي فَضَائِل الْقُرْآن عَن عبد الله بن يُوسُف.
قَوْله: عَن الحرورية قد مضى تَفْسِيره عَن قريب. قَوْله: أسمعت؟ الْهمزَة للاستفهام على سَبِيل الاستخبار، وَالْخطاب لأبي سعيد. قَوْله: النَّبِي مَنْصُوب بقوله: أسمعت والمسموع مَحْذُوف، كَذَا فِي رِوَايَة الْجَمِيع، وَقد بَينه ابْن مَاجَه فِي رِوَايَته عَن مُحَمَّد بن عَمْرو عَن أبي سَلمَة، قلت لأبي سعيد: هَل سَمِعت رَسُول الله يذكر الحرورية؟ قَوْله: قَالَ: لَا أَدْرِي مَا الحرورية فَإِن قلت: سَيَجِيءُ حَدِيث أبي سعيد أَيْضا فِي أول الْبَاب الَّذِي يَلِي الْبَاب الْمَذْكُور، وَفِيه: وَأشْهد أَن عليّاً، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَتلهمْ وَأَنا مَعَه ... الحَدِيث، فَهَؤُلَاءِ الَّذين قَتلهمْ وَهُوَ مَعَه هم الحرورية، فَكيف قَالَ هُنَا: لَا أَدْرِي؟ . قلت: معنى قَوْله هُنَا: لَا أَدْرِي أَنه لم يحفظ فيهم بطرِيق النَّص بِلَفْظ الحرورية، وَإِنَّمَا وصف صفتهمْ الَّتِي سَمعهَا من النَّبِي وَتلك الصِّفَات لوجودها فِي الحرورية تدل على أَنهم هم المُرَاد مِمَّن وَصفهم النَّبِي قَوْله: يخرج فِي هَذِه الْأمة أَي: أمة النَّبِي قَوْله: وَلم يقل مِنْهَا أَي: وَلم يقل النَّبِي من هَذِه الْأمة، بِكَلِمَة: من. قَوْله: قوم مَرْفُوع لِأَنَّهُ فَاعل يخرج. فَإِن قلت: وَقع فِي رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ من وَجه آخر عَن أبي سعيد بِلَفْظ: من أمتِي، وَوَقع فِي حَدِيث مُسلم عَن أبي ذَر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: سَيكون بعدِي من أمتِي قوم، وَله أَيْضا من طَرِيق زيد بن وهب عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: يخرج قوم من أمتِي. قلت: المُرَاد بالأمة فِي حَدِيث أبي سعيد أمة الْإِجَابَة وَفِي رِوَايَة مُسلم أمة الدعْوَة، وَأما حَدِيث الطَّبَرَانِيّ فضعيف. وَقَالَ الثَّوْريّ: فِيهِ دلَالَة على فقه الصَّحَابَة وتحريرهم الْأَلْفَاظ. وَفِيه: إِشَارَة من أبي سعيد إِلَى تَكْفِير الْخَوَارِج وَأَنَّهُمْ من غير هَذِه الْأمة. قَوْله: يحقرون بِفَتْح الْيَاء أَي: يستقلون وَالضَّمِير فِيهِ يرجع إِلَى قوم، وَلَو قيل: تحقرون، بِالْخِطَابِ فَلهُ وَجه. وَقد روى الطَّبَرَانِيّ عَن مُحَمَّد بن عَمْرو عَن أبي سَلمَة: يتعبدون يحقر أحدكُم صلَاته وصيامه مَعَ صلَاتهم وصيامهم. قَوْله: فَينْظر الرَّامِي. . الخ تَمْثِيل لحَال هَؤُلَاءِ بِحَال الرَّامِي الْمَذْكُور بِهَذِهِ الصّفة فِي عدم حُصُول الْفَائِدَة من عِبَادَتهم كَعَدم حُصُول مَقْصُود هَذَا الرَّامِي من الرَّمية. قَوْله: إِلَى نصله وَهُوَ حَدِيدَة السهْم. قَوْله: إِلَى رصافه بِكَسْر الرَّاء وبالصاد الْمُهْملَة جمع الرصفة وَهُوَ العصب الَّذِي يكون فَوق مدْخل النصل، وَقَالَ الْكرْمَانِي: قَالَ بَعضهم محتجين بِهَذَا التَّرْكِيب بِوُقُوع بدل الْغَلَط فِي الْكَلَام البليغ. قَوْله: فيتمارى أَي: فيشك فِي الفوقة بِضَم الْفَاء وَهُوَ مَوضِع الْوتر من السهْم وَفِي الْمُخَصّص وَجمعه أفواق وَفَوق، وفوقة بِكَسْر الْفَاء، وَعَن أبي حنيفَة: فَوق وفوقة، وَقد يَجْعَل الفوق وَاحِدًا وَيجمع أفواقاً يُرِيد أَنهم لما تأولوا الْقُرْآن على غير الْحق لم يحصل لَهُم بذلك أجر، وَلم يتعلقوا بِسَبَبِهِ بالثواب لَا أَولا وَلَا وسطا وَلَا آخرا. قَوْله: هَل علق بِكَسْر اللَّام.
6932 - حدّثنا يَحْيى بنُ سُلَيْمانَ، حدّثني ابنُ وهْب، قَالَ: حدّثني عُمَرُ أنَّ أباهُ حدَّثَهُ عنْ عَبْدِ الله بنِ عُمَر وذَكَرَ الحُرُورِيّةَ، فَقَالَ: قَالَ النبيُّ يَمْرُقُونَ مِنَ الإسْلامِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرمِيَّةِ
هَذَا بعض حَدِيث أبي سعيد الْمَذْكُور، غير أَن فِي حَدِيثه: يَمْرُقُونَ من الدّين وَهنا من الْإِسْلَام.
أخرجه عَن يحيى بن سُلَيْمَان أبي سعيد الْجعْفِيّ الْكُوفِي نزل مصر، عَن عبد الله بن وهب عَن عمر بِضَم الْعين، كَذَا ذكر عِنْد الْجَمِيع بِغَيْر نِسْبَة، وَهُوَ عمر بن(24/87)
مُحَمَّد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الْخطاب، وَقد مضى فِي كتاب التَّفْسِير فِي تَفْسِير سُورَة لُقْمَان رَوَاهُ عَن يحيى بن سُلَيْمَان عَن ابْن وهب، حَدثنِي عمر بن مُحَمَّد بن زيد عَن عبد الله بن عمر.
قَوْله: حَدثنِي عمر بِالْإِفْرَادِ، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: حَدثنَا، بِالْجمعِ قَوْله: وَذكر الحرورية جملَة حَالية.
7 - (بابُ مَنْ تَرَكَ قِتالَ الخَوَارِجِ لِلتَّألُّفِ، وأنْ لَا يَنْفِرَ النَّاسُ عنْهُ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان من ترك قتال الْخَوَارِج للتألف أَي لأجل الإلفة. قَوْله: وَأَن لَا ينفر النَّاس عَنهُ، عطف على مَا قبله أَي: وَلأَجل أَن لَا ينفر النَّاس عَنهُ أَي: عَن التارك، دلّ عَلَيْهِ قَوْله: ترك، وَفِي بعض النّسخ: وَلِئَلَّا ينفر النَّاس عَنهُ، وَقَالَ الدَّاودِيّ: قَوْله: من ترك قتال الْخَوَارِج، لَيْسَ بِشَيْء لِأَنَّهُ لم يكن يومئذٍ قتال، وَلَو قَالَ: لم يقتل، لأصاب، وتسميتهم ذَا الْخوَيْصِرَة من الْخَوَارِج لَيْسَ بِشَيْء لِأَنَّهُ لم يكن يومئذٍ هَذَا الِاسْم، وَإِنَّمَا سموا بِهِ لخروجهم على عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَقَالَ الْمُهلب: التألف إِنَّمَا كَانَ فِي أول الْإِسْلَام إِذْ كَانَت الْحَاجة ماسة إِلَيْهِ لدفع مضرتهم، فَأَما الْيَوْم فقد أَعلَى الله الْإِسْلَام فَلَا يجب التألف إلاَّ أَن ينزل بِالنَّاسِ جَمِيعهم حَاجَة لذَلِك فلإمام الْوَقْت ذَلِك. وَقَالَ ابْن بطال: لَا يجوز ترك قتال من خرج على الْأمة وشق عصاها، وَأما ذُو الْخوَيْصِرَة فَإِنَّمَا ترك الشَّارِع قَتله لِأَنَّهُ عذره لجهله، وَأخْبر أَنه من قوم يخرجُون ويمرقون من الدّين، فَإِذا خَرجُوا وَجب قِتَالهمْ.
6933 - حدّثنا عبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ، حدّثنا هِشامٌ، أخبرنَا مَعْمَرٌ، عنِ الزُّهْرِيِّ، عنْ أبي سَلَمَة، عنْ أبي سَعِيدٍ قَالَ: بَينا النبيُّ يَقْسِمُ جاءَ عَبْدُ الله بنُ ذِي الخُوَيْصرَة التَّمِيميُّ، فَقَالَ: اعْدِلْ يَا رسولَ الله فَقَالَ: ويْلَكَ مَنْ يَعْدِلُ إِذا لَمْ أعْدِل؟ قَالَ عُمَرُ بنُ الخَطَّاب: دَعْني أضْرِبْ عُنُقَهُ. قَالَ: دَعْهُ فإنَّ لهُ أصْحاباً يَحْقِرُ أحَدُكُمْ صَلاَتَهُ مَعَ صَلاَتِهِ وصِيامَهُ مَع صِيامِهِ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَما يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، يُنْظَرُ فِي قُذَذِهِ فَلاَ يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ فِي نَصْلِهِ فَلا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ فِي رصافِهِ فَلاَ يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، ثُمَّ يَنْظَرُ فِي نَضِيِّهِ فَلاَ يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، قَدْ سَبَقَ الفَرْث والدَّمَ. آيَتُهُمْ رَجُلٌ إحْدَى يَدَيْهِ أوْ قَالَ: ثَدْيَيْهِ مِثْلُ ثَدْي المَرْأةِ أوْ قَالَ: مِثْلُ البَضْعَةِ تَدَرْدَرُ، يَخْرُجُونَ عَلى حينِ فُرْقَةٍ مِنَ النَّاسِ قَالَ أبُو سَعِيدٍ: أشْهَدُ سَمِعْتُ مِنَ النبيِّ وأشْهَدُ أنَّ عَلِيّاً قَتَلَهُمْ وَأَنا مَعَهُ، جِيءَ بالرَّجُلِ عَلى النَّعْتِ الّذِي نَعَتَهُ النبيُّ قَالَ فَنَزَلَتْ فِيهِ: {وَمِنْهُم من يَلْمِزك فِي الصَّدقَات فَإِن أعْطوا مِنْهَا رَضوا وَإِن لم يُعْطوا مِنْهَا إِذا هم يسخطون} .
قيل: لَا مُطَابقَة بَين الحَدِيث والترجمة لِأَن الحَدِيث فِي ترك الْقَتْل إِلَى آخِره، والترجمة فِي الْقِتَال. وَأجِيب بِأَن ترك الْقَتْل يُوجد من ترك الْقِتَال من غير عكس.
وَعبد الله بن مُحَمَّد هُوَ الْجعْفِيّ، المسندي بِفَتْح النُّون، وَهِشَام هُوَ ابْن يُوسُف الصَّنْعَانِيّ، وَمعمر بِفَتْح الميمين هُوَ ابْن رَاشد، وَالزهْرِيّ هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم، وَأَبُو سَلمَة هُوَ ابْن عبد الرحمان بن عَوْف، وَأَبُو سعيد سعد بن مَالك الْخُدْرِيّ.
وَحَدِيثه قد مضى قبل هَذَا الْبَاب.
قَوْله بَينا أَصله: بَين، فأشبعت فَتْحة النُّون فَصَارَت: بَينا. وَقد يُقَال: بَيْنَمَا بِزِيَادَة الْمِيم وَكِلَاهُمَا يحْتَاج إِلَى جَوَاب. وَهُوَ قَوْله: جَاءَ عبد الله قَوْله: يقسم بِفَتْح أَوله من الْقِسْمَة وَجَاء هُنَا هَكَذَا بِحَذْف الْمَفْعُول، وَقَالَ الْكرْمَانِي: أَي يقسم مَالا، وَلم يبين الْمَقْسُوم مَا هُوَ وَلَا مَتى كَانَت الْقِسْمَة؟ أما الْمَقْسُوم فَكَانَ تبراً بَعثه عَليّ بن أبي طَالب من الْيمن، وَتقدم هَكَذَا فِي الْأَدَب عَن أبي سعيد، وَأما الْقِسْمَة فَكَانَت يَوْم حنين، قسمه رَسُول الله بَين أَرْبَعَة نفر: الْأَقْرَع بن حَابِس الْحَنْظَلِي، وعيينة بن حصن الْفَزارِيّ، وعلقمة بن علاثة العامري، وَزيد الْخَيْر الطَّائِي. قَوْله: عبد الله بن ذِي الْخوَيْصِرَة بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة مصغر الخاصرة وَقد تقدم فِي: بَاب عَلَامَات النُّبُوَّة:(24/88)
فَأتى ذُو الْخوَيْصِرَة رجل من تَمِيم، وَفِي جلّ النّسخ، بل فِي كلهَا: عبد الله بن ذِي الْخوَيْصِرَة بِزِيَادَة الابْن. وَأخرج الثَّعْلَبِيّ ثمَّ الواحدي فِي أَسبَاب النُّزُول من طَرِيق مُحَمَّد بن يحيى الذهلي عَن عبد الرَّزَّاق، فَقَالَ: ابْن ذِي الْخوَيْصِرَة التَّمِيمِي وَهُوَ حرقوص بن زُهَيْر أصل الْخَوَارِج، وَقد اعْتمد على ذَلِك ابْن الْأَثِير فترجم لذِي الْخوَيْصِرَة فِي الصَّحَابَة، وَذكر الطَّبَرِيّ حرقوص بن زُهَيْر فِي الصَّحَابَة، وَذكر أَن لَهُ فِي فتوح الْعرَاق أثرا، وَأَنه الَّذِي افْتتح سوق الأهواز، ثمَّ كَانَ مَعَ عَليّ فِي حرورية ثمَّ صَار مَعَ الْخَوَارِج فَقتل مَعَهم. قَوْله: وَيلك كَذَا فِي رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: وَيحك، قَوْله: قَالَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ: دَعْنِي أضْرب عُنُقه قيل: سبق فِي الْمَغَازِي فِي: بَاب بعث عَليّ، رَضِي الله عَنهُ، إِلَى الْيمن أَن الْقَائِل بِهِ خَالِد بن الْوَلِيد، وَأجَاب الْكرْمَانِي بقوله: لَا مَحْذُور فِي صُدُور هَذَا القَوْل مِنْهُمَا. وَفِي التَّوْضِيح وَفِي قَول عمر هَذَا دَلِيل على أَن قَتله كَانَ مُبَاحا لِأَن الشَّارِع لم يُنكر عَلَيْهِ، وَأَن إبقاءه جَائِز لعِلَّة. قَوْله: ينظر على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: فِي قذذه بِضَم الْقَاف وَفتح الذَّال الْمُعْجَمَة الأولى جمع قُذَّة وَهُوَ ريش السهْم. قَوْله: فِي نصله قد مر تَفْسِيره عَن قريب، وَكَذَا تَفْسِير الرصاف. قَوْله: فِي نضيه بِفَتْح النُّون وَكسر الضَّاد الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف وَهُوَ عود السهْم بِلَا مُلَاحظَة أَن يكون لَهُ نصل وَرِيش، وَفِي التَّوْضِيح وَحكي فِيهِ كسر النُّون. قَوْله: قد سبق الفرث وَالدَّم يَعْنِي: جاوزهما الفرث وَهُوَ السرجين مَا دَامَ فِي الكرش وَحَاصِل الْمَعْنى أَنه مر سَرِيعا فِي الرَّمية وَخرج لم يعلق بِهِ من الفرث وَالدَّم شَيْء، فَشبه خُرُوجهمْ من الدّين وَلم يتعلقوا مِنْهُ بِشَيْء بِخُرُوج ذَلِك السهْم. قَوْله: آيَتهم أَي: علامتهم. قَوْله: إِحْدَى يَدَيْهِ بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح الدَّال تَثْنِيَة يَد. قَوْله: أَو قَالَ ثدييه شكّ من الرَّاوِي، وَهُوَ بِفَتْح الثَّاء الْمُثَلَّثَة تَثْنِيَة ثدي. قَوْله: الْبضْعَة بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة الْقطعَة من اللَّحْم. قَوْله: تدَرْدر يَعْنِي: تضطرب تَجِيء وَتذهب وَأَصله: تتدردر من بَاب التفعلل، فحذفت إِحْدَى التائين. قَوْله: على حِين فرقة أَي: على زمَان افْتِرَاق النَّاس. قَالَ الدَّاودِيّ: يَعْنِي مَا كَانَ يَوْم صفّين. وَقَالَ ابْن التِّين: روينَاهُ بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالنُّون، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: على خير فرقة، بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَفِي آخِره رَاء أَي: أفضل طَائِفَة فِي عصره، وَقَالَ عِيَاض: هم عَليّ وَأَصْحَابه، أَو خير الْقُرُون وهم الصَّدْر الأول، وَفِي رِوَايَة أَحْمد عَن عبد الرَّزَّاق: حِين فَتْرَة من النَّاس، بِفَتْح الْفَاء وَسُكُون التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق. قَوْله: وَأشْهد أَن عليّاً قَتلهمْ وَفِي رِوَايَة شُعَيْب: أَن عَليّ بن أبي طَالب قَاتلهم، وَوَقع فِي رِوَايَة أَفْلح بن عبد الله: وَحَضَرت مَعَ عَليّ، رَضِي الله عَنهُ، يَوْم قَتلهمْ بالنهروان، وَنسبَة قَتلهمْ إِلَى عَليّ لكَونه كَانَ الْقَائِم فِي ذَلِك. قَوْله: جِيءَ بِالرجلِ أَي: بِالرجلِ الَّذِي قَالَ رجل إِحْدَى يَدَيْهِ وَقد علم أَن النكرَة إِذا أُعِيدَت معرفَة تكون عين الأول وَهُوَ ذُو الثدية بِفَتْح الثَّاء الْمُثَلَّثَة مكبراً وَبِضَمِّهَا مُصَغرًا. قَوْله: على النَّعْت الَّذِي نَعته النَّبِي أَي: على الْوَصْف الَّذِي وَصفه وَهُوَ قَوْله: وآيتهم رجل إِحْدَى يَدَيْهِ إِلَى قَوْله: تدَرْدر وَفِي رِوَايَة مُسلم: قَالَ أَبُو سعيد: وَأَنا أشهد أَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَاتلهم وَأَنا مَعَه، فَأمر بذلك الرجل فالتمس فَوجدَ فَأتي بِهِ حَتَّى نظرت إِلَيْهِ على نعت رَسُول الله الَّذِي نَعته. قَوْله: فَنزلت فِيهِ أَي: فِي الرجل الْمَذْكُور، وَفِي رِوَايَة السَّرخسِيّ: فَنزلت فيهم، أَي: نزلت الْآيَة وَهِي قَوْله عز وَجل: {وَمِنْهُم مَا يَلْمِزك فِي الصَّدقَات فَإِن أعْطوا مِنْهَا رَضوا وَإِن لم يُعْطوا مِنْهَا إِذا هم يسخطون}
اللمز الْعَيْب أَي: يعيبك فِي قسم الصَّدقَات.
6934 - حدّثنا مُوسَى بنُ إسْماعِيلَ، حدّثنا عبْدُ الوَاحِدِ، حدّثنا الشَّيْبَانِيُّ، حَدثنَا يُسَيْرُ بنُ عَمْرو قَالَ: قُلْتُ لِسَهْلِ بنِ حُنَيْفٍ: هَلْ سَمِعْتَ النبيَّ يَقُولُ فِي الخَوَارِجِ شَيْئاً؟ قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ وأهْوَى بِيَدِهِ قِبَلَ العِرَاق: يَخْرُجُ مِنْهُ قَوْمٌ يَقْرأون القُرْآنَ لَا يُجاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الإسِلاَمِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعبد الْوَاحِد هُوَ ابْن زِيَاد، والشيباني هُوَ أَبُو إِسْحَاق سُلَيْمَان، ويسير بِضَم الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح السِّين مصغر يسر ضد الْعسر وَيُقَال لَهُ: أَسِير أَيْضا. بِضَم الْهمزَة ابْن عَمْرو وَهُوَ من بني محَارب بن ثَعْلَبَة نزل الْكُوفَة، وَيُقَال:(24/89)
إِن لَهُ صُحْبَة وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ إلاَّ هَذَا الحَدِيث الْوَاحِد، وَسَهل بن حنيف بن واهب الْأنْصَارِيّ البدري.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الزَّكَاة عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَغَيره. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي فَضَائِل الْقُرْآن عَن مُحَمَّد بن آدم.
قَوْله: وأهوى بِيَدِهِ أَي: مدها جِهَة الْعرَاق. قَوْله: يخرج مِنْهُ قوم هَؤُلَاءِ الْقَوْم خَرجُوا من نجد مَوضِع التميمين. قَوْله: مروق السهْم أَي: كمروق السهْم.
8 - (بابُ قَوْلِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حتَّى تَقْتَتِلَ فِئَتانِ دَعْوَتُهُما واحِدَةٌ))
أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر قَول النَّبِي وترجمه بِلَفْظ الْخَبَر. قَوْله: فئتان أَي: جماعتان هما فِئَة عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَفِئَة مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان. قَوْله: دعوتهما ويروى: دعواهما، وَالْمرَاد بِالدَّعْوَى الْإِسْلَام على القَوْل الرَّاجِح، وَقيل: المُرَاد اعْتِقَاد كل مِنْهُمَا أَنه على الْحق وَصَاحبه على الْبَاطِل بِحَسب اجتهادهما. وَفِيه معْجزَة للنَّبِي وَقَالَ الدَّاودِيّ: هَاتَانِ الفئتان هما إِن شَاءَ الله أَصْحَاب الْجمل زعم عَليّ بن أبي طَالب أَن طَلْحَة وَالزُّبَيْر بايعاه فَتعلق بذلك، وَزعم طَلْحَة وَالزُّبَيْر أَن الأشتر النَّخعِيّ أكرههما على الْمَشْي إِلَى عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَقد جَاءَ فِي الْكتاب وَالسّنة الْأَمر بِقِتَال الفئة الباغية إِذا تبين بغيها، وَقَالَ الله تَعَالَى: {وَإِن طَائِفَتَانِ من الْمُؤمنِينَ اقْتَتَلُوا فأصلحوا بَينهمَا فَإِن بَغت إِحْدَاهَا على الْأُخْرَى فَقَاتلُوا الَّتِي تبغي حَتَّى تفىء إِلَى أَمر الله فَإِن فآءت فأصلحوا بَينهمَا بِالْعَدْلِ وأقسطوا إِن الله يحب المقسطين} .
6935 - حدّثنا عَلِيٌّ، حدّثنا سُفْيانُ، حدّثنا أبُو الزِّنادِ، عنِ الأعْرَجِ، عنِ أبي هُرَيْرَةَ، رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: قَالَ رَسُول الله لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حتَّى تَقْتَتِلَ فِئَتانِ دَعْوَاهُما واحِدَة.
التَّرْجَمَة عين الحَدِيث كَمَا ذكرنَا غير أَن فِيهَا: طَائِفَتَانِ، فِي بعض النّسخ وَفِي الحَدِيث: فئتان. أخرجه عَن عَليّ بن عبد الله الْمَعْرُوف بِابْن الْمَدِينِيّ عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن أبي الزِّنَاد بالزاي وَالنُّون عبد الله بن ذكْوَان عَن عبد الرحمان بن هُرْمُز الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة. والْحَدِيث بِهَذَا السَّنَد من أَفْرَاده.
9 - (بابُ مَا جاءَ فِي المُتأوِّلِينَ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا جَاءَ من الْأَخْبَار فِي حق المتأولين وَلَا خلاف بَين الْعلمَاء أَن كل متأول مَعْذُور بتأويله غير ملوم فِيهِ إِذا كَانَ تَأْوِيله ذَلِك سائغاً فِي لِسَان الْعَرَب، أَو كَانَ لَهُ وَجه فِي الْعلم، أَلا يرى أَنه لم يعنف عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فِي تلببه بردائه، على مَا يَجِيء الْآن فِي حَدِيثه، وعذره فِي ذَلِك لصِحَّة مُرَاد عمر واجتهاده، وَكَذَلِكَ يَجِيء فِي بَقِيَّة أَحَادِيث الْبَاب.
6936 - قَالَ أبُو عَبْدِ الله: وَقَالَ اللَّيْثُ: حدّثني يُونُسُ عنِ ابنِ شهابٍ أَخْبرنِي عُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْر: أنَّ المسْوَرَ بنَ مَخْرَمَةَ وعَبْدَ الرَّحْمانِ بنَ عَبدٍ القاريَّ أخْبَرَاهُ أنَّهُما سَمِعَا عُمَر بنَ الخَطَّابِ يَقُولُ: سَمِعْتُ هِشامَ بنَ حَكِيمٍ يَقْرَأ سُورَةَ الفُرْقانِ فِي حَياةِ رسولِ الله فاسْتَمْعْتُ لِقِرَاءَتِهِ فإذَا هُوَ يَقْرؤوها عَلى حُرُوفٍ كَثِيرَةٍ، لمْ يُقْرِئْنِيها رسولُ الله كَذَلِكَ فَكِدْتُ أُساورُهُ فِي الصلاةِ، فانْتَظَرْتُهُ حتَّى سَلّمَ ثُمَّ لَبَّبْتُهُ بِرَدائِهِ أوْ بِرِدَائِي فَقُلْتُ: مَنْ أقْرأكَ هَذِهِ السُّورَةَ؟ قَالَ: أقْرَأنِيها رسولُ الله قُلْتُ لَهُ كَذْبتَ فَوَالله إنَّ رسولَ الله أقْرَأني هاذِهِ السُّورَةَ الَّتي سَمِعْتُكَ تَقْرَؤوها، فانْطلَقْتُ أقُودُهُ إِلَى رسولِ الله فَقلْتُ يَا رسولَ الله إنّي سَمِعْتُ هاذَا يَقْرَأُ بِسُورَةِ الفُرْقانِ عَلى حُرُوفٍ لَمْ تُقْرِئْنيها، وأنْتَ أقْرَأْتَني(24/90)
سُورَةَ الفُرْقانِ. فَقَالَ رسولُ الله أرْسِلُهُ يَا عُمَرُ اقْرَأْ يَا هِشامُ فَقَرأ عَلَيْه القِراءَةَ الّتِي سَمِعْتُهُ يَقْرَأُها قَالَ رسولُ الله هاكَذَا أُنْزِلَتْ ثُمَّ قَالَ رسولُ الله اقْرَأْ يَا عُمَرُ فَقَرَأْتُ فَقَالَ: هاكَذا أُنْزِلَتْ، ثُمَّ قَالَ: إنَّ هاذا القُرْآنَ أُنْزِلَ عَلى سَبْعَةِ أحْرُفٍ فاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن النَّبِي لم يُؤَاخذ عمر بتكذيبه هشاماً وَلَا بِكَوْنِهِ لببه بردائه وَأَرَادَ الْإِيقَاع بِهِ، بل صدق هشاماً فِي نَقله وَعذر عمر فِي إِنْكَاره.
وَأَبُو عبد الله هُوَ البُخَارِيّ نَفسه وَلَيْسَ هَذَا فِي كثير من النّسخ بل قَالَ بعد التَّرْجَمَة: وَقَالَ اللَّيْث هَذَا تَعْلِيق مِنْهُ.
وَمضى هَذَا الحَدِيث فِي الْأَشْخَاص فِي: بَاب كَلَام الْخُصُوم بَعضهم فِي بعض، أخرجه عَن عبد الله بن يُوسُف عَن ملك عَن ابْن شهَاب عَن عُرْوَة بن الزبير عَن عبد الرحمان بن عبد الْقَارِي أَنه قَالَ: سَمِعت عمر بن الْخطاب ... الخ. وَلَيْسَ فِيهِ ذكر الْمسور بن مخرمَة. وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
وَوصل هَذَا التَّعْلِيق الْإِسْمَاعِيلِيّ عَن عبد الله بن صَالح كَاتب اللَّيْث عَنهُ وَيُونُس شيخ اللَّيْث فِيهِ هُوَ ابْن يزِيد وَقد تقدم فِي فَضَائِل الْقُرْآن وَغَيره من رِوَايَة اللَّيْث أَيْضا مَوْصُولا لَكِن عَن عقيل لَا عَن يُونُس، وَقَالَ بَعضهم، وهم مغلطاي وَمن تبعه، فِي أَن البُخَارِيّ رَوَاهُ عَن سعيد بن عفير عَن اللَّيْث عَن يُونُس. قلت: أَرَادَ بقوله: وَمن تبعه صَاحب التَّوْضِيح وَهُوَ شَيْخه، وَقد أدمج ذكره هُنَا.
قَوْله: أساوره بِالسِّين الْمُهْملَة أَي: أواثبه وأحمل عَلَيْهِ. وَأَصله من السُّورَة وَهُوَ الْبَطْش. قَوْله: ثمَّ لببته من التلبيب وَهُوَ جمع الثِّيَاب عِنْد الصَّدْر فِي الْخُصُومَة وَالْجد. قَوْله: أَو بردائي شكّ من الرَّاوِي. قَوْله: على سَبْعَة أحرف أَي: على سَبْعَة لُغَات هِيَ أفْصح اللُّغَات. وَقيل: الْحَرْف الْإِعْرَاب، يُقَال: فلَان يقْرَأ بِحرف عَاصِم أَي بِالْوَجْهِ الَّذِي اخْتَارَهُ من الْإِعْرَاب، وَقيل: توسعة وتسهيلاً لم يقْصد بِهِ الْحصْر، وَفِي الْجُمْلَة قَالُوا: هَذِه الْقرَاءَات السَّبع لَيْسَ كل وَاحِدَة مِنْهَا وَاحِدَة من تِلْكَ السَّبع، بل يحْتَمل أَن تكون كلهَا وَاحِدَة من اللُّغَات السَّبْعَة.
6937 - حدّثنا إسْحَاقُ بنُ إبْراهِيمَ، أخبرنَا وَكِيعٌ. ح وحدّثنا يَحْياى، حدّثنا وَكِيعٌ عنِ الأعْمَشِ، عنْ إبْراهِيمَ، عنْ عَلْقَمَةَ، عنْ عَبْدِ الله، رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هاذِهِ الآيَةُ: {الَّذين ءامنوا وَلم يلبسوا إِيمَانهم بظُلْم أُولَئِكَ لَهُم الْأَمْن وهم مهتدون} شقَّ ذالِكَ عَلى أصْحاب النبيِّ وقالُوا: أيُّنا لَمْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ؟ فَقَالَ رسولُ الله لَيْسَ كَمَا تَظُنُّونَ إنَّما هُوَ كَمَا قالَ لُقْمانُ لابْنِهِ: {وَإِذ قَالَ لُقْمَان لِابْنِهِ وَهُوَ يعظه يابنى لَا تشرك بِاللَّه إِن الشّرك لظلم عَظِيم}
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه لم يُؤَاخذ الصَّحَابَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم بحملهم الظُّلم فِي الْآيَة على عُمُومه حَتَّى يتَنَاوَل كل مَعْصِيّة، بل عذرهمْ لِأَنَّهُ ظَاهر فِي التَّأْوِيل، ثمَّ بَين لَهُم المُرَاد بقوله: لَيْسَ كَمَا تظنون الخ.
وَأخرجه من طَرِيقين أَحدهمَا: عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الْمَعْرُوف بِابْن رَاهَوَيْه عَن وَكِيع بن الْجراح عَن سُلَيْمَان الْأَعْمَش. وَالْآخر: عَن يحيى بن مُوسَى بن عبد ربه يُقَال لَهُ: خت، وَهُوَ من أَفْرَاده عَن وَكِيع عَن الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ عَن عَلْقَمَة بن قيس.
والإسناد كلهم كوفيون. وَمضى الحَدِيث فِي أول كتاب اسْتِتَابَة الْمُرْتَدين.
6938 - حدّثنا عَبْدانُ، أخبرنَا عبْدُ الله، أخبرنَا مَعْمَر، عنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبرنِي مَحْمُودُ بنُ الرَّبِيعِ قَالَ: سَمِعْتُ عِتْبانَ بنَ مالِكٍ يَقُولُ: غَدا عَلَيَّ رسولُ الله فَقَالَ رجُلٌ: أيْنَ مالِكُ بن(24/91)
الدُّخْشُنِ؟ فَقَالَ رجُل مِنَّا: ذَاكَ مُنافِقٌ لَا يحِبُّ الله ورسولَهُ، فقالَ النَّبيُّ لَا تَقُولُوهُ، يَقُولُ: لَا إلاهَ إلاّ الله يَبْتَغِي بِذالِكَ وَجْهَ الله تَعَالَى؟ قَالَ: بلَى قَالَ: فإنَّهُ لَا يُوافِيَ عَبْدٌ يَوْمَ القِيامَةِ بِه إلاّ حَرَّمَ الله عَلَيْهِ النَّارَ
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه لم يُؤَاخذ الْقَائِلين فِي حق مَالك بن الدخشن بِمَا قَالُوا، بل بيّن لَهُم أَن إِجْرَاء أَحْكَام الْإِسْلَام على الظَّاهِر دون الْبَاطِن.
وَأخرجه عَن عَبْدَانِ وَهُوَ لقب عبد الله بن عُثْمَان الْمروزِي يروي عَن عبد الله بن الْمُبَارك الْمروزِي ... الخ، والْحَدِيث مضى فِي الصَّلَاة فِي: بَاب الْمَسَاجِد فِي الْبيُوت، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: الدخشن بِضَم الدَّال الْمُهْملَة وَسُكُون الْخَاء الْمُعْجَمَة وَضم الشين الْمُعْجَمَة ثمَّ نون، وَجَاء الدخشم أَيْضا بِالْمِيم مَوضِع النُّون، وَقد يصغر. قَوْله: ذَاك مُنَافِق ويروى: ذَلِك مُنَافِق. قَوْله: لَا تقولوه بِصِيغَة النَّهْي كَذَا فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي والسرخسي وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: أَلا تقولوه، وَقَالَ ابْن التِّين: جَاءَت الرِّوَايَة كَذَا وَالصَّوَاب: تقولونه، أَي: تظنونه. قلت: حذف النُّون من الْجمع بِلَا ناصب وَلَا جازم لُغَة فصيحة وَيحْتَمل أَن يكون خطابا للْوَاحِد، وَحدثت الْوَاو من إشباع الضمة، وَقَالَ بَعضهم: وَتَفْسِير القَوْل بِالظَّنِّ فِيهِ نظر وَالَّذِي يظْهر أَنه بِمَعْنى الرُّؤْيَة أَو السماع. انْتهى. قلت: القَوْل بِمَعْنى الظَّن كثير، أنْشد سِيبَوَيْهٍ:
(أما الرحيل فدون بعد غَد ... فَمَتَى تَقول الدَّار تجمعنا)
يَعْنِي: مَتى تظن الدَّار تجمعنا؟ وَالْبَيْت لعمر بن أبي ربيعَة المَخْزُومِي. وَنقل صَاحب التَّوْضِيح عَن ابْن بطال: أَن القَوْل بِمَعْنى الظَّن كثير بِشَرْط كَونه فِي الْمُخَاطب، وَكَونه مُسْتَقْبلا، ثمَّ أنْشد الْبَيْت الْمَذْكُور مُضَافا إِلَى سِيبَوَيْهٍ. قَوْله: لَا يوافي ويروى: لن يوافي، أَي: لَا يَأْتِي أحد بِهَذَا القَوْل إلاَّ حرم الله عَلَيْهِ النَّار
21 - (حَدثنَا مُوسَى بن إِسْمَاعِيل حَدثنَا أَبُو عوَانَة عَن حُصَيْن عَن فلَان قَالَ تنَازع أَبُو عبد الرَّحْمَن وحبان بن عَطِيَّة فَقَالَ أَبُو عبد الرَّحْمَن لحبان لقد علمت مَا الَّذِي جرأ صَاحبك على الدِّمَاء يَعْنِي عليا قَالَ مَا هُوَ لَا أَبَا لَك قَالَ شَيْء سمعته يَقُوله قَالَ مَا هُوَ قَالَ بَعَثَنِي رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَالزُّبَيْر وَأَبا مرْثَد وكلنَا فَارس قَالَ انْطَلقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَة حَاج قَالَ أَبُو سَلمَة هَكَذَا قَالَ أَبُو عوَانَة حَاج فَإِن فِيهَا امْرَأَة مَعهَا صحيفَة من حَاطِب بن أبي بلتعة إِلَى الْمُشْركين فاتوني بهَا فَانْطَلَقْنَا على أفراسنا حَتَّى أدركناها حَيْثُ قَالَ لنا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - تسير على بعير لَهَا وَكَانَ كتب إِلَى أهل مَكَّة بمسير رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَيْهِم فَقُلْنَا أَيْن الْكتاب الَّذِي مَعَك قَالَت مَا معي كتاب فأنخنا بهَا بَعِيرهَا فابتغينا فِي رَحلهَا فَمَا وجدنَا شَيْئا فَقَالَ صَاحِبَايَ مَا نرى مَعهَا كتابا قَالَ فَقلت لقد علمنَا مَا كذب رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ثمَّ حلف عَليّ وَالَّذِي يحلف بِهِ لتخْرجن الْكتاب أَو لأجردنك فأهوت إِلَى حجزَتهَا وَهِي محتجزة بكساء فأخرجت الصَّحِيفَة فَأتوا بهَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ عمر يَا رَسُول الله قد خَان الله رَسُوله وَالْمُؤمنِينَ دَعْنِي فَأَضْرب عُنُقه فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَا حَاطِب مَا حملك على مَا صنعت قَالَ يَا رَسُول الله مَا لي أَن لَا أكون مُؤمنا بِاللَّه وَرَسُوله وَلَكِنِّي أردْت أَن يكون لي عِنْد الْقَوْم يَد يدْفع بهَا عَن أَهلِي وَمَا لي وَلَيْسَ من أَصْحَابك أحد إِلَّا لَهُ هُنَالك من قومه من يدْفع الله(24/92)
بِهِ عَن أَهله وَمَاله قَالَ صدق لَا تَقولُوا لَهُ إِلَّا خيرا قَالَ فَعَاد فعمر فَقَالَ يَا رَسُول الله قد خَان الله وَرَسُوله وَالْمُؤمنِينَ دَعْنِي فلأضرب عُنُقه قَالَ أَو لَيْسَ من أهل بدر وَمَا يدْريك لَعَلَّ الله اطلع عَلَيْهِم فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُم فقد أوجبت لَهُ الْجنَّة فاغرورقت عَيناهُ فَقَالَ الله وَرَسُوله أعلم) مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عذره فِي تَأْوِيله وَشهد بصدقه وَأخرجه عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل عَن أبي عوَانَة الوضاح الْيَشْكُرِي عَن حُصَيْن بِضَم الْخَاء وَفتح الصَّاد الْمُهْمَلَتَيْنِ ابْن عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ عَن فلَان قَالَ الْكرْمَانِي هُوَ سعد بن عُبَيْدَة بِضَم الْعين الْمُهْملَة مُصَغرًا أَبُو حَمْزَة بِالْحَاء الْمُهْملَة وبالزاي ختن أبي عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ انْتهى قلت وَقع فلَان هُنَا مُبْهما وَسمي فِي رِوَايَة هِشَام فِي الْجِهَاد وَعبد الله بن إِدْرِيس فِي الاسْتِئْذَان سعد بن عُبَيْدَة وَكَانَ الْكرْمَانِي مَا اطلع عَلَيْهِ ذاهلا حَتَّى قَالَ قيل سعد بن عُبَيْدَة وَسعد تَابِعِيّ روى عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة مِنْهُم ابْن عمر والبراء رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَوْله " تنَازع أَبُو عبد الرَّحْمَن " هُوَ السّلمِيّ الْمَذْكُور وَصرح بِهِ فِي رِوَايَة عَفَّان قَوْله " وحبان " بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة وَحكى أَبُو عَليّ الجياني أَن بعض رُوَاة أبي ذَر ضَبطه بِفَتْح أَوله قَالَ بَعضهم وَهُوَ وهم قلت حكى الْمزي أَن ابْن مَاكُولَا ذكره بِالْكَسْرِ وَأَن ابْن الفرضي ضَبطه بِالْفَتْح وَكَذَا ذكره فِي الْمطَالع قَوْله " لقد علمت مَا الَّذِي " كَذَا فِي رِوَايَة الْكشميهني وَكَذَا فِي أَكثر الطّرق وَفِي رِوَايَة الْحَمَوِيّ وَالْمُسْتَمْلِي من الَّذِي ويروى لقد علمت الَّذِي بِدُونِ مَا وَمن وَوَقع فِي الْجِهَاد فِي بَاب إِذا اضْطر الرجل إِلَى النّظر فِي شُعُور أهل الذِّمَّة بِلَفْظ مَا الَّذِي قَوْله " جرأ " بِفَتْح الْجِيم وَتَشْديد الرَّاء وبالهمزة من الجرأة وَهُوَ الْإِقْدَام على الشَّيْء قَوْله " يَعْنِي عليا " أَي يَعْنِي بقوله من الَّذِي جرأ عَليّ بن أبي طَالب قَالَ الْكرْمَانِي فَإِن قلت كَيفَ جَازَ نِسْبَة الجرأة على الْقَتْل إِلَى عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قلت غَرَضه أَنه لما كَانَ جَازَ مَا بِأَنَّهُ من أهل الْجنَّة عرف أَنه إِن وَقع مِنْهُ خطأ فِيمَا اجْتهد فِيهِ عُفيَ عَنهُ يَوْم الْقِيَامَة قطعا قَوْله " قَالَ مَا هُوَ " أَي قَالَ حبَان مَا هُوَ الَّذِي جرأه قَوْله " لَا أَبَا لَك " بِفَتْح الْهمزَة جوزوا هَذَا التَّرْكِيب تَشْبِيها لَهُ بالمضاف وَإِلَّا فَالْقِيَاس لَا أَب لَك وَهَذَا إِنَّمَا يسْتَعْمل دعامة للْكَلَام وَلَا يُرَاد بِهِ الدُّعَاء عَلَيْهِ حَقِيقَة وَقيل هِيَ كلمة تقال عِنْد الْحَث على الشَّيْء وَالْأَصْل فِيهِ أَن الْإِنْسَان إِذا وَقع فِي شدَّة عاونه أَبوهُ فَإِذا قيل لَا أَبَا لَك فَمَعْنَاه لَيْسَ لَك أَب جد فِي الْأَمر جد من لَيْسَ لَهُ معاون ثمَّ أطلق فِي الِاسْتِعْمَال فِي مَوضِع استبعاد مَا يصدر من الْمُخَاطب من قَول أَو فعل قَوْله شَيْء مَرْفُوع لِأَنَّهُ فَاعل جرأ قَوْله " يَقُوله " جملَة وَقعت صفة لقَوْله شَيْء وَالضَّمِير الْمَنْصُوب فِيهِ يرجع إِلَى شَيْء وَكَذَا بالضمير فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي وَفِي رِوَايَة الْكشميهني يَقُول بِحَذْف الضَّمِير قَوْله " قَالَ مَا هُوَ " أَي قَالَ حبَان الْمَذْكُور مَا هُوَ أَي ذَلِك الشَّيْء قَوْله قَالَ بَعَثَنِي أَي قَالَ أَبُو عبد الرَّحْمَن قَالَ عَليّ بَعَثَنِي وَسَقَطت قَالَ الثَّانِيَة على عَادَتهم بإسقاطها فِي الْخط وَالتَّقْدِير قَالَ أَبُو عبد الرَّحْمَن قَالَ عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ بَعَثَنِي رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَوْله وَالزُّبَيْر بِالنّصب عطف على نون الْوِقَايَة لِأَن محلهَا النصب وَفِي مثل هَذَا الْعَطف خلاف بَين الْبَصرِيين والكوفيين قَوْله " وَأَبا مرْثَد " بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الرَّاء وَفتح الثَّاء الْمُثَلَّثَة واسْمه كناز بِفَتْح الْكَاف وَتَشْديد النُّون وبالزاي الغنوي بالغين الْمُعْجَمَة وَتقدم فِي غَزْوَة الْفَتْح من طَرِيق عبيد الله بن أبي رَافع عَن عَليّ ذكر الْمِقْدَاد بدل أبي مرْثَد وَمضى فِي الْجِهَاد فِي بَاب إِذا اضطروا الزبير وَفِي بَاب الجاسوس بَعَثَنِي أَنا وَالزُّبَيْر والمقداد قَالَ الْكرْمَانِي ذكر الْقَلِيل لَا يَنْفِي الْكثير قَوْله فَارس أَي رَاكب فرس قَوْله رَوْضَة حَاج بِالْحَاء الْمُهْملَة وبالجيم وَهُوَ مَوضِع قريب من مَكَّة قَالَه فِي التَّوْضِيح وَقَالَ النَّوَوِيّ وَهِي بِقرب الْمَدِينَة وَقَالَ الْوَاقِدِيّ هِيَ بِالْقربِ من ذِي الحليفة وَقيل من الْمَدِينَة نَحْو اثْنَي عشر ميلًا قَوْله قَالَ أَبُو سَلمَة هُوَ مُوسَى بن إِسْمَاعِيل شيخ البُخَارِيّ الْمَذْكُور فِيهِ قَوْله هَكَذَا قَالَ أَبُو عوَانَة هُوَ أحد الروَاة حَاج بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالْجِيم قَالَ النَّوَوِيّ قَالَ الْعلمَاء هُوَ غلط من أبي عوَانَة(24/93)
وَكَأَنَّهُ اشْتبهَ عَلَيْهِ بمَكَان آخر يُقَال فِيهِ ذَات حَاج بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالْجِيم وَهُوَ مَوضِع بَين الْمَدِينَة وَالشَّام يسلكه الْحَاج وَزعم السُّهيْلي أَن هشيما كَانَ يَقُولهَا أَيْضا حَاج بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالْجِيم وَهُوَ وهم أَيْضا وَالأَصَح خَاخ بمعجمتين قَوْله تسير من السّير جملَة وَقعت حَالا من الْمَرْأَة الَّتِي مَعهَا الْكتاب وَفِي رِوَايَة مُحَمَّد بن فُضَيْل عَن حُصَيْن تشتد من الاشتداد بالشين الْمُعْجَمَة قَوْله فابتغينا أَي طلبنا قَوْله فَقَالَ صَاحِبَايَ وهما الزبير وَأَبُو مرْثَد ويروى فَقَالَ صَاحِبي بِالْإِفْرَادِ بِاعْتِبَار أَن وَاحِدًا مِنْهُمَا قَالَ قَوْله لقد علمنَا وَفِي رِوَايَة الْكشميهني لقد علمتما بِالْخِطَابِ لصاحبيه قَوْله ثمَّ حلف عَليّ وَالَّذِي يحلف بِهِ أَي قَالَ وَالله لِأَن الَّذِي يحلف بِهِ هُوَ لَفْظَة الله قَوْله " أَو لأجردنك " أَي أنزع ثِيَابك حَتَّى تَكُونِي عُرْيَانَة وَكلمَة أَو هُنَا بِمَعْنى إِلَى وينتصب الْمُضَارع بعْدهَا بِأَن مضمرة نَحْو قَوْله لألزمنك أَو تقضيني حَقي أَي إِلَى أَن تقضيني حَقي وَفِي رِوَايَة ابْن فُضَيْل أَو لأَقْتُلَنك ويروى لأجزرنك بجيم ثمَّ زَاي أَي أصيرك مثل الْجَزُور إِذا ذبحت ويروى لتخْرجن الْكتاب أَو لتلْقين الثِّيَاب قَالَ ابْن التِّين كَذَا وَقع بِكَسْر الْقَاف وَفتح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَتَشْديد النُّون قَالَ وَالْيَاء زَائِدَة وَقَالَ الْكرْمَانِي هُوَ بِكَسْر الْيَاء وَفتحهَا كَذَا جَاءَ فِي الرِّوَايَة بِإِثْبَات الْيَاء وَالْقَوَاعِد التصريفية تَقْتَضِي حذفهَا لَكِن إِذا صحت الرِّوَايَة فلتحمل على أَنَّهَا وَقعت على طَرِيق المشاكلة لتخْرجن وَهَذَا تَوْجِيه الكسرة وَأما الفتحة فَتحمل على خطاب المؤنثة الغائبة على طَرِيق الِالْتِفَات من الْخطاب إِلَى الْغَيْبَة قَالَ وَيجوز فتح الْقَاف على الْبناء للْمَجْهُول فعلى هَذَا فَترفع الثِّيَاب وَاخْتلف هَل كَانَت هَذِه الْمَرْأَة مسلمة أَو على دين قَومهَا فالأكثر على الثَّانِي فقد عدت فِيمَن أهْدر النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - دمهم يَوْم الْفَتْح وَكَانَت مغنية فأهدر دَمهَا لِأَنَّهَا كَانَت تغني بهجائه وهجاء أَصْحَابه وَذكر الْوَاقِدِيّ أَنَّهَا من مزينة وَأَنَّهَا من أهل العرج بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الرَّاء وبالجيم وَهِي قَرْيَة بَين مَكَّة وَالْمَدينَة وَذكر الثَّعْلَبِيّ أَنَّهَا كَانَت مولاة أبي صَيْفِي بن عَمْرو بن هَاشم بن عبد منَاف وَقيل عمرَان بدل عَمْرو وَقيل مولاة بني أَسد ابْن عبد الْعُزَّى وَقيل كَانَت من موَالِي الْعَبَّاس وَفِي تَفْسِير مقَاتل بن حبَان أَن حَاطِبًا أَعْطَاهَا عشرَة دَنَانِير وَكَسَاهَا برداء وَقَالَ الواحدي أَنَّهَا قدمت الْمَدِينَة فَقَالَ لَهَا النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - جِئْت مسلمة قَالَت لَا وَلَكِن احتجت قَالَ فَأَيْنَ أَنْت عَن شباب قُرَيْش وَكَانَت مغنية قَالَت مَا طلبت من بعد وقْعَة بدر شَيْئا من ذَلِك فكساها وَحملهَا فَأَتَاهَا حَاطِب فَكتب مَعهَا كتابا إِلَى أهل مَكَّة أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يُرِيد أَن يَغْزُو فَخُذُوا حذركُمْ قَوْله فأهوت أَي مَالَتْ قَوْله " إِلَى حجزَتهَا " بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْجِيم وبالزاي وَهِي معقد الْإِزَار قَوْله وَهِي محتجزة بكساء من احتجز بِإِزَارِهِ شده على وَسطه وَقد مر فِي بَاب الجاسوس أَنَّهَا أخرجته من عقاصها أَي من شعورها قَالَ الْكرْمَانِي لَعَلَّهَا أخرجته من الحجزة أَولا وأخفته فِي الشّعْر ثمَّ اضطرت إِلَى الْإِخْرَاج مِنْهُ أَو بِالْعَكْسِ قَوْله " فاتوا بهَا " أَي بالصحيفة قَوْله " رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " ويروى " فاتوا بهَا إِلَى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " قَوْله " فَإِذا فِيهِ " أَي فِي الْكتاب من حَاطِب إِلَى نَاس من الْمُشْركين من أهل مَكَّة سماهم الْوَاقِدِيّ فِي رِوَايَته سُهَيْل بن عَمْرو العامري وَعِكْرِمَة بن أبي جهل المَخْزُومِي وَصَفوَان بن أُميَّة الجُمَحِي قَوْله " مَا لي أَن لَا أكون مُؤمنا بِاللَّه وَرَسُوله " وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي " مَا بِي أَن لَا أكون " بِالْبَاء الْمُوَحدَة بدل اللَّام وَفِي رِوَايَة عبد الرَّحْمَن بن حَاطِب " أما وَالله مَا ارتبت مُنْذُ أسلمت فِي الله " وَفِي رِوَايَة ابْن عَبَّاس قَالَ " وَالله إِنِّي لناصح لله وَرَسُوله " قَوْله " يَد " أَي منَّة أدفَع بهَا عَن أَهلِي وَمَالِي وَفِي رِوَايَة أعشى ثَقِيف " وَالله وَرَسُوله أحب إِلَيّ من أَهلِي وَمَالِي " وَفِي رِوَايَة عبد الرَّحْمَن بن حَاطِب " وَلَكِنِّي كنت امْرأ غَرِيبا فِيكُم وَكَانَ لي بنُون وأخوة بِمَكَّة فَكتبت لعَلي أدفَع عَنْهُم " قَوْله " هُنَالك " وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي هُنَاكَ قَوْله " قَالَ صدق " أَي قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " صدق حَاطِب " فَيحْتَمل أَن يكون قد عرف صدقه من كَلَامه وَيحْتَمل أَن يكون بِالْوَحْي قَوْله " فَعَاد عمر " أَي إِلَى كَلَامه الأول فِي حَاطِب وَفِيه إِشْكَال حَيْثُ عَاد إِلَى كَلَامه الأول بعد أَن صدق النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حَاطِبًا وَأجِيب عَنهُ بِأَنَّهُ ظن أَن صدقه فِي عذره لَا يدْفع عَنهُ مَا وَجب عَلَيْهِ من الْقَتْل قَوْله " فلأضرب عُنُقه " قَالَ الْكرْمَانِي فلأضرب بِالنّصب وَهُوَ فِي تَأْوِيل مصدر مَحْذُوف وَهُوَ خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي اتركني فتركك للضرب وبالجزم(24/94)
وَالْفَاء زَائِدَة على مَذْهَب الْأَخْفَش وَاللَّام لِلْأَمْرِ وَيجوز فتحهَا على لُغَة سليم وتسكينها مَعَ الْفَاء عِنْد قُرَيْش وَأمر الْمُتَكَلّم نَفسه بِاللَّامِ فصيح قَلِيل الِاسْتِعْمَال وبالرفع أَي فوَاللَّه لأضرب قَوْله أَو لَيْسَ من أهل بدر وَفِي رِوَايَة الْحَارِث أَلَيْسَ قد شهد بَدْرًا وَهُوَ اسْتِفْهَام تَقْرِير وَجزم فِي رِوَايَة عبيد الله بن أبي رَافع أَنه شهد بَدْرًا وَزَاد الْحَارِث فَقَالَ عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ بلَى وَلكنه نكث وَظَاهر أعداءك عَلَيْك قَوْله لَعَلَّ الله اطلع عَلَيْهِم أَي على أهل بدر فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُم فقد أوجبت لكم الْجنَّة قَالَ الْعلمَاء مَعْنَاهُ الغفران لَهُم فِي الْآخِرَة وَإِلَّا فَلَو توجه على أحد مِنْهُم حد أَو غَيره أقيم عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَنقل القَاضِي عِيَاض الْإِجْمَاع على إِقَامَة الْحَد قَالَ وَضرب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مسطحًا الْحَد وَكَانَ بَدْرِيًّا وَفِي التَّوْضِيح وَقد اعْترض بعض أهل الْبدع بِهَذَا الحَدِيث على قَضِيَّة مسطح حِين جلد فِي قذف عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا وَكَانَ بَدْرِيًّا قَالُوا وَكَانَ يَنْبَغِي أَن لَا يحد كحاطب وَالْجَوَاب أَن المُرَاد غفر لَهُم عِقَاب الْآخِرَة دون الدُّنْيَا وَقد قَامَ الْإِجْمَاع على أَن كل من ارْتكب من أهل بدر ذَنبا بَينه وَبَين الله فِيهِ حد وَبَينه وَبَين الْخلق من القف أَو الْجراح أَو الْقَتْل فَإِن عَلَيْهِ فِيهِ الْحَد وَالْقصاص وَلَيْسَ يدل عَفْو العَاصِي فِي الدُّنْيَا وَإِقَامَة الْحُدُود عَلَيْهِ على أَنه يُعَاقب فِي الْآخِرَة لقَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي مَاعِز والغامدية لقد تَابَ تَوْبَة لَو قسمت على أهل الأَرْض لوسعتهم قَوْله فاغرورقت عَيناهُ أَي عينا عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَهُوَ من الاغريراق
(قَالَ أَبُو عبد الله خَاخ أصح وَلَكِن كَذَا قَالَ أَبُو عوَانَة حَاج وحاج تَصْحِيف وَهُوَ مَوضِع. وهشيم يَقُول خَاخ) أَبُو عبد الله هُوَ البُخَارِيّ نَفسه خَاخ أصح يَعْنِي بخاءين معجمتين قَوْله وَلَكِن كَذَا قَالَ أَبُو عوَانَة وَهُوَ الوضاح الْيَشْكُرِي أحد رُوَاة حَدِيث الْبَاب قَوْله وحاج تَصْحِيف يَعْنِي بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالْجِيم مصحف وَقد مر بَيَانه عَن قريب قَوْله وَهُوَ مَوضِع يَعْنِي حَاج بِالْحَاء الْمُهْملَة وبالجيم اسْم مَوضِع وَقد ذَكرْنَاهُ قَوْله وهشيم بِضَم الْهَاء وَفتح الشين الْمُعْجَمَة ابْن بشير الوَاسِطِيّ يَقُول خَاخ يَعْنِي بالمعجمتين يَعْنِي فِي قَول الْأَكْثَرين وَقيل بل هُوَ أَيْضا يَقُول مثل قَول أبي عوَانَة وَبِه جزم السُّهيْلي وَيُؤَيِّدهُ أَن البُخَارِيّ لما أخرجه من طَرِيقه فِي الْجِهَاد عبر بقوله رَوْضَة كَذَا فَلَو كَانَ بالمعجمتين لما كنى عَنهُ -
89 - (كِتابُ الإكْراهِ)
أَي: هَذَا كتاب فِي بَيَان حكم الْإِكْرَاه، وَالْإِكْرَاه بِكَسْر الْهمزَة هُوَ إِلْزَام الْغَيْر بِمَا لَا يُريدهُ، وَهُوَ يخْتَلف باخْتلَاف الْمُكْره وَالْمكْره عَلَيْهِ وَالْمكْره بِهِ.
وقَوْلُ الله تَعَالَى: {من كفر بِاللَّه من بعد إيمَانه إِلَّا من أكره وَقَلبه مطمئن بِالْإِيمَان وَلَكِن من شرح بالْكفْر صَدرا فَعَلَيْهِم غضب من الله وَلَهُم عَذَاب عَظِيم}
وَقَول الله عز وَجل بِالْجَرِّ عطف على لفظ الْإِكْرَاه، وَهَذِه الْآيَة الْكَرِيمَة فِي سُورَة النَّحْل وأولها الْآيَة. وَاخْتلف النُّحَاة فِي الْعَامِل فِي قَوْله: {وَمن كفر} وَفِي قَوْله: {من شرح بالْكفْر صَدرا} فَقَالَت نجاة الْكُوفَة: جوابهما وَاحِد فِي قَوْله: {فَعَلَيْهِم غضب} لِأَنَّهُمَا جزءان اجْتمعَا أَحدهمَا مُنْعَقد بِالْآخرِ فجوابهما وَاحِد كَقَوْل الْقَائِل من يأتنا من يحسن نكرمه، يَعْنِي من يحسن مِمَّن يأتينا نكرمه. وَقَالَت نحاة الْبَصْرَة، قَوْله: {من كفر} مَرْفُوع بِالرَّدِّ على الَّذين فِي قَوْله: {إِنَّمَا يفتري الْكَذِب} الْآيَة وَمعنى الْكَلَام: إِنَّمَا يفتري الْكَذِب من كفر بِاللَّه من بعد إيمَانه، ثمَّ اسْتثْنى {من كفر بِاللَّه من بعد إيمَانه إِلَّا من أكره وَقَلبه مطمئن بِالْإِيمَان وَلَكِن من شرح بالْكفْر صَدرا فَعَلَيْهِم غضب من الله وَلَهُم عَذَاب عَظِيم}
وَقَالَ ابْن عَبَّاس: نزلت هَذِه الْآيَة فِي عمار بن يَاسر لِأَن الْكفَّار أَخَذُوهُ وَقَالُوا لَهُ: اكفر بِمُحَمد(24/95)
فطاوعهم على ذَلِك وَقَلبه كَارِه ذَلِك مطمئن بِالْإِيمَان، ثمَّ جَاءَ إِلَى رَسُول الله وَهُوَ يبكي، فَأنْزل الله تَعَالَى هَذِه الْآيَة. قَوْله: من شرح بالْكفْر صَدرا أَي: طَابَ نَفسه بذلك وأتى بِهِ على اخْتِيَار وَقبُول.
وَقَالَ {لَا يتَّخذ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافرين أَوْلِيَاء من دون الْمُؤمنِينَ وَمن يفعل ذَلِك فَلَيْسَ من الله فِي شَيْء إِلَّا أَن تتقوا مِنْهُم تقاةً ويحذركم الله نَفسه وَإِلَى الله الْمصير} وهْيَ تَقِيَّةٌ
هَذَا من آيَة أَولهَا {لَا يتَّخذ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافرين أَوْلِيَاء من دون الْمُؤمنِينَ وَمن يفعل ذَلِك فَلَيْسَ من الله فِي شَيْء إِلَّا أَن تتقوا مِنْهُم تقاةً ويحذركم الله نَفسه وَإِلَى الله الْمصير}
أَي: تقية، وَكِلَاهُمَا بِمَعْنى وَاحِد أَشَارَ إِلَيْهِ البُخَارِيّ بقوله: وَهِي تقية، وَالْمعْنَى: إلاَّ أَن تتقوا مِنْهُم تقية، وَهِي الحذر عَن إِظْهَار مَا فِي الضَّمِير من العقيدة وَنَحْوهَا عِنْد النَّاس.
وَقَالَ: {إِنَّ الذِينَ توفاهُمُ المَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَا كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرُضُ الله واسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولئِكَ مَأُواهُمْ جَهَنَّمْ وسآءَت مَصِيراً}
إِلَى قَوْله: {وسَاءَتْ مَصِيراً}
أَي: وَقَالَ الله عز وَجل: {فِيهِءَايَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَءَامِناً وَللَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِىٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} هَكَذَا وَقع فِي بعض النّسخ وَفِيه تَغْيِير لِأَن قَوْله: {فِيهِءَايَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَءَامِناً وَللَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِىٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} إِلَى قَوْله: {فِيهِءَايَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَءَامِناً وَللَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِىٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} من آيَة وتمامها {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِى أَنفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِى الاَْرْضِ قَالْو اْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَائِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَآءَتْ مَصِيراً} قَوْله: من آيَة أُخْرَى مُتَقَدّمَة على الْآيَة الْمَذْكُورَة، وأولها قَوْله: {وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَآءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْ هَاذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَّنَا مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً وَاجْعَلْ لَّنَا مِن لَّدُنْكَ نَصِيراً} وَالصَّحِيح هُوَ الَّذِي وَقع فِي بعض النّسخ، وَنسب إِلَى أبي ذَر، وَهُوَ: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِى الاَْرْضِ قَالْواْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَائِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَآءَتْ مَصِيراً} إِلَى قَوْله: {فَأُوْلَائِكَ عَسَى اللَّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً} قَالَ: {فَأُوْلَائِكَ عَسَى اللَّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً} هَاتَانِ آيتان: الأولى هِيَ قَوْله: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِى الاَْرْضِ قَالْواْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَائِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَآءَتْ مَصِيراً} إِلَى قَوْله {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِى الاَْرْضِ قَالْواْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَائِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَآءَتْ مَصِيراً} وَهِي أَيْضا آيتان. الثَّانِيَة قَوْله: {وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَآءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْ هَاذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَّنَا مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً وَاجْعَلْ لَّنَا مِن لَّدُنْكَ نَصِيراً} إِلَى قَوْله: {وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَآءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْ هَاذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَّنَا مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً وَاجْعَلْ لَّنَا مِن لَّدُنْكَ نَصِيراً} وَهِي مُتَقَدّمَة على الْآيَة الأولى وأولها قَوْله: {وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَآءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْ هَاذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَّنَا مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً وَاجْعَلْ لَّنَا مِن لَّدُنْكَ نَصِيراً} الْآيَة أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله: وَقَالَ، أَي: وَقَالَ الله تَعَالَى {الْمُسْتَضْعَفِينَ} إِلَى آخِره.
وَقد اخْتلف الشُّرَّاح فِي هَذَا الْموضع حَتَّى خرج بَعضهم عَن مَسْلَك الصَّوَاب، فَقَالَ ابْن بطال: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِى أَنفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِى الاَْرْضِ قَالْو اْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَائِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَآءَتْ مَصِيراً} إِلَى قَوْله: {فَأُوْلَائِكَ عَسَى اللَّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً} وَقَالَ: انْتهى. قلت: ذكر هُنَا آيَتَيْنِ متواليتين أولاهما هِيَ قَوْله: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِى أَنفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِى الاَْرْضِ قَالْو اْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَائِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَآءَتْ مَصِيراً} إِلَى قَوْله: وتمامها: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِى أَنفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِى الاَْرْضِ قَالْو اْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَائِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَآءَتْ مَصِيراً} وَالْأُخْرَى هِيَ قَوْله: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِى أَنفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِى الاَْرْضِ قَالْو اْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَائِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَآءَتْ مَصِيراً إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَآءِ وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً} وَلَيْسَ فِيهِ تَغْيِير للتلاوة. وَقَالَ بَعضهم: إِلَّا أَن فِيهِ تَصرفا فِيمَا سَاقه المُصَنّف. قلت: فِيمَا سَاقه أَيْضا نظر لَا يخفى، وَقَالَ ابْن التِّين: قَوْله {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِى أَنفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِى الاَْرْضِ قَالْو اْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَائِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَآءَتْ مَصِيراً} : إِلَى قَوْله: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِى أَنفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِى الاَْرْضِ قَالْو اْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَائِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَآءَتْ مَصِيراً} لَيْسَ التِّلَاوَة كَذَلِك لِأَن قَوْله: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِى أَنفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِى الاَْرْضِ قَالْو اْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَائِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَآءَتْ مَصِيراً} قبل هَذَا قَالَ وَوَقع فِي بعض النّسخ إِلَى قَوْله: غَفُور رَحِيم وَفِي بَعْضهَا {فَأُوْلَائِكَ عَسَى اللَّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً} وَقَالَ: {إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَآءِ وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً} إِلَى قَوْله: {من لَدُنْك نَصِيرًا} وَهَذَا على سَبِيل التَّنْزِيل، وَقَالَ بَعضهم: كَذَا قَالَ فَأَخْطَأَ فالآية الَّتِي آخرهَا: أَولهَا {الْمُسْتَضْعَفِينَ} بِالْوَاو لَا بِلَفْظ: إِلَّا، وَقَالَ صَاحب التَّوْضِيح وَوَقع فِي الْآيَتَيْنِ تَخْلِيط فِي شرح ابْن التِّين قلت: وَالصَّوَاب مَا ذكرنَا. ثمَّ نذْكر شرح الْآيَات الْمَذْكُورَة.
فَقَوله: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِى أَنفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِى الاَْرْضِ قَالْو اْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَائِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَآءَتْ مَصِيراً} روى ابْن حَاتِم بِإِسْنَادِهِ إِلَى عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ قوم من أهل مَكَّة أَسْلمُوا وَكَانُوا يخفون إسْلَامهمْ، فَأخْرجهُمْ الْمُشْركُونَ يَوْم بدر مَعَهم فأصيب بَعضهم، قَالَ الْمُسلمُونَ: كَانَ أَصْحَابنَا هَؤُلَاءِ مُسلمين وأكرهوا فاستغفروا لَهُم، فَنزلت: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِى أَنفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِى الاَْرْضِ قَالْو اْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَائِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَآءَتْ مَصِيراً} الْآيَة قَوْله: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِى أَنفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِى الاَْرْضِ قَالْو اْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَائِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَآءَتْ مَصِيراً} أَي: بترك الْهِجْرَة. قَوْله: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِى أَنفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِى الاَْرْضِ قَالْو اْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَائِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَآءَتْ مَصِيراً} : مكثتم هَاهُنَا، وتركتم الْهِجْرَة. قَالُوا: كُنَّا مستضعفين فِي(24/96)
الأَرْض أَي: لَا نقدر على الْخُرُوج من الْبَلَد وَلَا الذّهاب فِي الأَرْض {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِى أَنفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِى الاَْرْضِ قَالْو اْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَائِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَآءَتْ مَصِيراً} الْآيَة وَقَالَ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادِهِ إِلَى سَمُرَة بن جُنْدُب: أما بعد، قَالَ رَسُول الله من جَاءَ مَعَ الْمُشرك وَسكن مَعَه فَإِنَّهُ مثله. قَوْله: {إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَآءِ وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً} الْآيَة، عذر من الله عز وَجل لهَؤُلَاء فِي ترك الْهِجْرَة وَذَلِكَ لأَنهم لَا يقدرُونَ على التَّخَلُّص من أَيدي الْمُشْركين، وَلَو قدرُوا مَا عرفُوا يسلكون الطَّرِيق، وَلِهَذَا قَالَ: {فَأُوْلَائِكَ عَسَى اللَّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً} وَقَالَ عِكْرِمَة: يَعْنِي نهوضاً إِلَى الْمَدِينَة، وَقَالَ السّديّ: يَعْنِي مَالا، وَقَالَ الضَّحَّاك: يَعْنِي طَرِيقا. قَوْله: {فَأُوْلَائِكَ عَسَى اللَّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً} أَي: يتَجَاوَز عَنْهُم تَركهم الْهِجْرَة، وَعَسَى من الله مُوجبَة. قَوْله: {وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَآءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْ هَاذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَّنَا مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً وَاجْعَلْ لَّنَا مِن لَّدُنْكَ نَصِيراً} أَي: فِي الْجِهَاد. قَوْله: {الْمُسْتَضْعَفِينَ} أَي: وَفِي الْمُسْتَضْعَفِينَ أَي: فِي استنقاذهم. قَوْله: {وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَآءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْ هَاذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَّنَا مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً وَاجْعَلْ لَّنَا مِن لَّدُنْكَ نَصِيراً} كلمة: من، بَيَانِيَّة قَوْله: من هَذِه الْقرْيَة، يَعْنِي: مَكَّة ووصفها بقوله: {الظَّالِم أَهلهَا} قَوْله: {وليا} أَي: ناصراً.
فَعَذَرَ الله المُسْتَضْعَفِينَ الّذينَ لَا يَمْتَنِعُونَ مِنْ تَرْكِ مَا أمَرَ الله بِهِ، والمُكْرَهُ لَا يَكُونُ إلاَّ مُسْتَضْعَفاً غَيْرَ مُمْتَنِعٍ مِنْ فِعْلِ مَا أُمِر بِهِ.
قَوْله: فعذر الله أَي: جعلهم معذورين. قَوْله: غير مُمْتَنع غَرَضه أَن المستضعف لَا يقدر على الِامْتِنَاع من الْفِعْل فَهُوَ فَاعل لأمر الْمُكْره. فَهُوَ مَعْذُور.
وَقَالَ الحَسَنُ التَّقِيَّةُ إِلَى يَوْمِ القِيامَةِ.
أَي: قَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ: التقية ثَابِتَة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة، لم تكن مُخْتَصَّة بعصره وَوَصله ابْن أبي شيبَة عَن هشيم عَن وَكِيع عَن قَتَادَة عَنهُ.
وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ، فِيمَنْ يُكْرِهُهُ اللُّصُوصُ فَيُطَلِّقُ: لَيْسَ بِشَيْءٍ.
أَي: قَالَ عبد الله بن عَبَّاس فِيمَن يكرههُ اللُّصُوص على طَلَاق امْرَأَته فيطلق امْرَأَته، قَوْله: لَيْسَ بِشَيْء، أَي: لَا يَقع طَلَاقه، وَهَذَا كَأَنَّهُ مَبْنِيّ على أَن الْإِكْرَاه يتَحَقَّق من كل قَادر عَلَيْهِ، وَهُوَ قَول الْجُمْهُور، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا إِكْرَاه إلاَّ من سُلْطَان وَأثر ابْن عَبَّاس أخرجه عبد الرَّزَّاق بِسَنَد صَحِيح عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ لَا يرى طَلَاق الْمُكْره شَيْئا، وَذكر ابْن وهب عَن عمر بن الْخطاب وَعلي وَابْن عَبَّاس أَنهم كَانُوا لَا يرَوْنَ طَلَاقه شَيْئا، وَذكره ابْن الْمُنْذر عَن ابْن الزبير وَابْن عمر وَابْن عَبَّاس وَعَطَاء وَطَاوُس وَالْحسن وَشُرَيْح وَالقَاسِم وَمَالك وَالْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق وَأبي ثَوْر، وأجازت طَائِفَة طَلَاقه، رُوِيَ ذَلِك عَن الشّعبِيّ وَالنَّخَعِيّ وَأبي قلَابَة وَالزهْرِيّ وَقَتَادَة، وَهُوَ قَول الْكُوفِيّين.
وبِهِ قَالَ ابنُ عُمَرَ وابنُ الزُّبَيْرِ والشَّعْبِيُّ والحَسَنُ.
أَي: وَبقول ابْن عَبَّاس قَالَ عبد الله بن عمر وَعبد الله بن الزبير وعامر بن شرَاحِيل الشّعبِيّ وَالْحسن الْبَصْرِيّ، وَعَن الشّعبِيّ إِن أكرهه اللُّصُوص فَلَيْسَ بِطَلَاق، وَإِن أكرهه السُّلْطَان فَهُوَ طَلَاق. قلت: هُوَ مَذْهَب أَبُو حنيفَة. رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، كَمَا ذَكرْنَاهُ.
وَقَالَ النَّبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الأعْمالُ بِالنِّيَّةِ
هَذَا الحَدِيث قد مضى فِي أول الْكتاب مطولا مَوْصُولا، وَقد بَينا هُنَاكَ اخْتِلَاف لفظ الْعَمَل ثمَّ وَجه إِيرَاد هَذَا الحَدِيث هُنَا الْإِشَارَة إِلَى الرَّد على من فرق فِي الْإِكْرَاه بَين القَوْل وَالْفِعْل وَهُوَ مَذْهَب الظَّاهِرِيَّة، فَإِنَّهُم فرقوا بَينهمَا. قَالَ ابْن حزم: الْإِكْرَاه قِسْمَانِ: إِكْرَاه على كَلَام، وإكراه على فعل. فَالْأول لَا يجب بِهِ شَيْء: كالكفر وَالْقَذْف وَالْإِقْرَار بِالنِّكَاحِ وَالرَّجْعَة وَالطَّلَاق وَالْبيع والابتياع وَالنُّذُور والأيمان وَالْعِتْق وَالْهِبَة وَغير ذَلِك. وَالثَّانِي: على قسمَيْنِ:(24/97)
أَحدهمَا مَا تبيحه الضَّرُورَة كَالْأَكْلِ وَالشرب، فَهَذَا يبيحه الْإِكْرَاه فَمن أكره على شَيْء من ذَلِك فَلَا يلْزمه شَيْء لِأَنَّهُ أَتَى مُبَاحا لَهُ إِتْيَانه. وَالْآخر: مَا لَا تبيحه كَالْقَتْلِ والجراح وَالضَّرْب وإفساد الْأَمْوَال، فَهَذَا لَا يبيحه الْإِكْرَاه، فَمن أكره على شَيْء من ذَلِك لزمَه. وَفِي التَّوْضِيح وَقَالَت طَائِفَة: الْإِكْرَاه فِي القَوْل وَالْفِعْل سَوَاء إِذا أسر الْإِيمَان، رُوِيَ ذَلِك عَن عمر بن الْخطاب، وَهُوَ قَول مَكْحُول وَمَالك وَطَائِفَة من أهل الْعرَاق.
ثمَّ وَجه الِاسْتِدْلَال بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُور على التَّسْوِيَة بَين القَوْل وَالْفِعْل وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُور، هُوَ أَن الْعَمَل يتَنَاوَل فعل الْجَوَارِح والقلوب والأقوال. فَإِن قلت: إِذا كَانَ كَذَلِك يحْتَاج كل فعل إِلَى نِيَّة وَالْمكْره لَا نِيَّة لَهُ، فَلَا يُؤَاخذ. قلت: لَهُ نِيَّة وَهِي نِيَّة عدم الْفِعْل الَّذِي أكره عَلَيْهِ. فَإِن قلت: يَنْبَغِي على هَذَا أَن لَا يُؤَاخذ النَّاس والمخطىء فِي الطَّلَاق وَالْعتاق وَنَحْوهمَا، لِأَنَّهُ لَا نِيَّة لَهما. قلت: بل يُؤَاخذ فَيصح طَلَاقه حَتَّى لَو قَالَ: اسْقِنِي، فَجرى على لِسَانه: أَنْت طَالِق، وَقع الطَّلَاق لِأَن الْقَصْد أَمر باطني لَا يُوقف عَلَيْهِ فَلَا يتَعَلَّق الحكم لوُجُود حَقِيقَته بل يتَعَلَّق بِالسَّبَبِ الظَّاهِر الدَّال وَهُوَ أَهْلِيَّته، وَالْقَصْد بِالْبُلُوغِ وَالْعقل. فَإِن قلت: يَنْبَغِي على هَذَا أَن يَقع طَلَاق النَّائِم. قلت: الْمَانِع هُوَ قَوْله، عَلَيْهِ السَّلَام: رفع الْقَلَم عَن ثَلَاث.
6940 - حدّثنا يَحْياى بنُ بُكَيْرٍ، حدّثنا اللَّيْثُ، عنْ خالِدِ بنِ يَزِيدَ، عنْ سعيدِ بنِ أبي هِلالٍ، عنْ هِلالِ بنِ أُسامَةَ أنَّ أَبَا سَلَمَة بنَ عَبْدِ الرَّحْمانِ أخْبَرَهُ عنْ أبي هُرَيْرَةَ أنَّ النبيَّ كانَ يَدْعُو فِي الصَّلاةِ: اللَّهُم أنْجِ عيَّاشَ بنَ أبي رَبِيعَةَ، وسَلَمَةَ بنَ هِشامٍ والوَلِيدَ، بنَ الوَلِيدِ، اللَّهُمَّ أنْجِ المُسْتَضعَفِينَ مِنَ المُؤْمِنينَ، اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأتَكَ عَلى مُضَرَ وابْعَثْ عَلَيْهِمْ سِنينَ كَسِنِي يُوسُفَ
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن هَؤُلَاءِ الَّذين كَانَ النَّبِي، صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسلم، يَدْعُو لَهُم كَانُوا مكرهين فِي مَكَّة أَو من حَيْثُ إِن الْمُكْره لَا يكون إلاَّ مستضعفاً.
وخَالِد بن يزِيد من الزِّيَادَة الجُمَحِي الإسْكَنْدراني الْفَقِيه، وَسَعِيد بن أبي هِلَال اللَّيْثِيّ الْمدنِي، وهلال بن أُسَامَة مَنْسُوب إِلَى جده هُوَ هِلَال بن عَليّ، وَيُقَال لَهُ: هِلَال بن أبي مَيْمُونَة وَيُقَال: ابْن أبي هِلَال.
والْحَدِيث مضى فِي الاسْتِسْقَاء عَن قُتَيْبَة عَن مُغيرَة بن عبد الرحمان عَن أبي الزِّنَاد عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ ... الخ.
قَوْله: فِي الصَّلَاة أَي: فِي الْقُنُوت، وَكَانَ هَذَا سَبَب الْقُنُوت، وَعَيَّاش بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالشين الْمُعْجَمَة ابْن أبي ربيعَة من بني مخروم، وَسَلَمَة بن هِشَام أَخُو أبي جهل، والوليد بن الْوَلِيد ابْن عَم أبي جهل، وَالْمُسْتَضْعَفِينَ من الْمُؤمنِينَ من بعدهمْ من بَاب ذكر الْعَام بعد الْخَاص. قَوْله: وطأتك الْوَطْأَة الدوس بالقدم، وَهَذَا مجَاز عَن الْأَخْذ بالقهر والشدة. قَوْله: على مُضر بِضَم الْمِيم وَفتح الضَّاد الْمُعْجَمَة: أَبُو قُرَيْش.
1 - (بابُ مَنِ اخْتارَ الضّرْبَ والقَتلَ والهَوانَ عَلى الكُفْرِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان من اخْتَار فِي الْإِكْرَاه الضَّرْب وَالْقَتْل والهوان أَي: الذلة والتضعف والتحقر.
6941 - حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الله بنِ حَوْشَبٍ الطَّائِفِيُّ، حدّثنا عَبْدُ الوَهَّابِ أيُّوبُ عنْ أبي قِلابَةَ، عنْ أنَسٍ، رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: قَالَ رسولُ الله ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاوَةَ الإيمانِ أنْ يَكُونَ الله ورسولُهُ أحَبَّ إلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُما، وأنْ يُحِبَّ المَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لله، وأنْ يَكْرَهَ أنْ يَعُودَ فِي الكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من آخر الحَدِيث من حَيْثُ إِنَّه سوى بَين كَرَاهِيَة الْكفْر وَبَين كَرَاهَة دُخُول النَّار وَالْقَتْل وَالضَّرْب، والهوان أسهل عِنْد الْمُؤمن من دُخُول النَّار، فَيكون أسهل من الْكفْر إِن اخْتَار الْأَخْذ بالشدة.
وَعبد الْوَهَّاب بن عبد الْمجِيد(24/98)
الثَّقَفِيّ، وَأَيوب هُوَ السّخْتِيَانِيّ، وَأَبُو قلَابَة بِكَسْر الْقَاف عبد الله بن زيد الْجرْمِي.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْإِيمَان فِي: بَاب حلاوة الْإِيمَان بِهَذَا السَّنَد، غير أَن شَيْخه هُنَاكَ مُحَمَّد بن الْمثنى، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: ثَلَاث أَي: ثَلَاث خِصَال. قَالَ الْكرْمَانِي وَالْجُمْلَة بعده إِمَّا صفة أَو خبر لَهُ. قلت: على قَوْله: صفة، كَلَامه ظَاهر، وَأما على قَوْله: أَو خبر، فَفِيهِ نظر. قَوْله: أَن يكون كلمة: أَن، مَصْدَرِيَّة وَهُوَ خبر لمبتدأ مَحْذُوف تَقْدِيره، أَو الثَّلَاث كَون الله وَرَسُوله فِي محبته إيَّاهُمَا أَكثر محبَّة من محبَّة سواهُمَا. قَوْله: وَأَن يحب الْمَرْء أَي: وَالثَّانِي أَن يحب الْمَرْء بالتقدير الْمَذْكُور. قَوْله: وَأَن يكره أَي: وَالثَّالِث أَن يكره، وَقَالَ الْكرْمَانِي: قَالَ لمن قَالَ: وَمن عصاهما فقد غوي: بئس الْخَطِيب أَنْت ثمَّ أجَاب بقوله: ذمه لِأَن الْخطْبَة لَيْسَ مَحل الِاخْتِصَار فَكَانَ غير مُوَافق لمقْتَضى الْمقَام.
6942 - حدّثنا سَعِيدُ بنُ سُلَيْمانَ، حدّثنا عَبَّادٌ، عنْ إسْماعِيلَ سَمِعْتُ قَيْساً سَمِعْتُ سَعيد بنَ زَيْدٍ يَقُولُ: لَقَدْ رَأيْتُني وإنَّ عُمَرَ موثِقِي عَلى الإسْلامِ وَلَو انْقَضَّ أُحُدٌ مِمَّا فَعَلْتُمْ بِعُثْمانَ كانَ مَحْقُوقاً أنْ يَنْقَضَّ.
انْظُر الحَدِيث 3862 وطرفه
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن عُثْمَان بن عَفَّان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، اخْتَار الْقَتْل على الْإِتْيَان بِمَا يُرْضِي القتلة، فاختياره على الْكفْر بِالطَّرِيقِ الأولى.
وَسَعِيد بن سُلَيْمَان الوَاسِطِيّ سكن بَغْدَاد يلقب بسعدويه، وَعباد بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة ابْن الْعَوام بتَشْديد الْوَاو والواسطى، وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن أبي خَالِد، وَقيس هُوَ ابْن أبي حَازِم بِالْحَاء الْمُهْملَة وبالزاي، وَسَعِيد بن زيد بن عَمْرو بن نفَيْل وَهُوَ ابْن عَم عمر بن الْخطاب بن نفَيْل.
والْحَدِيث قد مضى فِي: بَاب إِسْلَام سعيد بن زيد، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن قُتَيْبَة بن سعيد عَن سُفْيَان عَن إِسْمَاعِيل عَن قيس، قَالَ: سَمِعت سعيد بن زيد بن عَمْرو بن نفَيْل فِي مَسْجِد الْكُوفَة يَقُول: وَالله لقد رَأَيْتنِي وَإِن عمر لموثقي على الْإِسْلَام قبل أَن يسلم عمر، وَلَو أَن أحدا انقض للَّذي صَنَعْتُم بعثمان لَكَانَ محقوقاً أَن ينْقض.
قَوْله: لقد رَأَيْتنِي أَي: لقد رَأَيْت نَفسِي وَهُوَ من خَصَائِص أَفعَال الْقُلُوب. قَوْله: وَإِن عمر أَي: عمر بن الْخطاب، رَضِي الله عَنهُ. الْوَاو فِيهِ للْحَال. قَوْله: موثقي اسْم فَاعل من الإيثاق وَهُوَ الإحكام وَأَرَادَ بِهِ يثبتني على الْإِسْلَام، وأصل هَذَا من الوثاق وَهُوَ حَبل أَو قيد يشد بِهِ الْأَسير وَالدَّابَّة. قَوْله: وَلَو انقض من الانقضاض بِالْقَافِ وَهُوَ الانصداع والانشقاق، وَفِي الرِّوَايَة الْمُتَقَدّمَة انفض بِالْفَاءِ. قَوْله: أحد بِضَمَّتَيْنِ وَهُوَ الْجَبَل الْمَعْرُوف بِالْمَدِينَةِ. قَوْله: مِمَّا فَعلْتُمْ أَي: بِسَبَب مَا فَعلْتُمْ بعثمان بن عَفَّان من الْمُخَالفَة لَهُ وَالْخُرُوج عَن طَاعَته وَهُوَ أَمِير الْمُؤمنِينَ ثمَّ حصرهم إِيَّاه ثمَّ قَتلهمْ لَهُ ظلما وعدواناً. قَوْله: محقوقاً أَي: جَدِيرًا أَن ينْقض أَي: ينشق وينصدع.
6943 - حدّثنا مُسَدَّدٌ، حدّثنا يَحْياى عنْ إسْماعِيل، حدّثنا قَيْسٌ عنْ خَبَّابِ بنِ الأرَتِّ قَالَ: شَكَوْنا إِلَى رسولِ الله وهْوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لهُ فِي ظِلِّ الكَعْبَةَ فَقُلْنا: أَلا تَسْتَنْصرُ لَنا؟ أَلا تَدْعُو لَنا؟ فَقَالَ: قَدْ كانَ مَنْ قَبْلَكُمْ يُؤْخَذُ الرَّجُلُ فَيُحْفَرُ لهُ فِي الأرْضِ فَيُجْعَلُ فِيها فَيُجاءُ بِالمِنْشارِ فَيُوضَعُ عَلى رَأسِهِ فَيُجْعَلُ نِصْفَيْنِ ويُمْشَطُ بِأمْشاطِ الحَدِيدِ مَا دونَ لَحْمِهِ وعَظْمِهِ فَما يَصُدُّهُ ذالِكَ عنْ دِينِهِ، وَالله لَيَتِمَّنَّ هاذا الأمْرُ حتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لَا يَخافُ إلاّ الله والذِّئْبَ عَلى غَنَمِهِ، ولاكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ
انْظُر الحَدِيث 3612 وطرفه
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ دلَالَة طلب خباب دُعَاء من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْكفَّار لكَوْنهم تَحت قهرهم وأذاهم كالمكرهين بِمَا لَا يُرِيدُونَ.
وَيحيى هُوَ ابْن سعيد الْقطَّان، وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن أبي خَالِد، وَقيس هُوَ ابْن أبي حَازِم الْمَذْكُورَان عَن قريب، وخباب بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة الأولى ابْن الْأَرَت بِفَتْح الْهمزَة وَتَشْديد التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق ابْن جندلة مولى خُزَاعَة.
والْحَدِيث مضى فِي عَلَامَات النُّبُوَّة عَن مُحَمَّد بن الْمثنى عَن يحيى، وَفِي مبعث النَّبِي وَمضى(24/99)
الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: بَردة لَهُ ويروى: مُتَوَسِّد بردة فِي ظلّ الْكَعْبَة، وَهُوَ كسَاء أسود مربع وَالْجمع برود وأبراد. قَوْله: أَلا فِي الْمَوْضِعَيْنِ للتحضيض، قَالَ ابْن بطال: إِنَّمَا يجب النَّبِي سُؤال خباب وَمن مَعَه بِالدُّعَاءِ على الْكفَّار مَعَ قَوْله تَعَالَى: {وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِى سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} لِأَنَّهُ علم أَنه قد سبق الْقدر بِمَا جرى عَلَيْهِم من الْبلوى ليؤجروا عَلَيْهَا، وَأما غير الْأَنْبِيَاء فَوَاجِب عَلَيْهِم الدُّعَاء عِنْد كل نازلة لعدم اطلاعهم على مَا اطلع عَلَيْهِ النَّبِي وَقَالَ بَعضهم: وَلَيْسَ فِي الحَدِيث تَصْرِيح بِأَنَّهُ لم يدعُ لَهُم بل يحْتَمل أَنه قد دَعَا. قلت: هَذَا احْتِمَال بعيد لِأَنَّهُ لَو كَانَ دَعَا لَهُم لما قَالَ: قد كَانَ من كَانَ قبلكُمْ الخ وَقَوله هَذَا تَسْلِيَة لَهُم وَإِشَارَة إِلَى الصَّبْر على ذَلِك لينقضي أَمر الله عز وَجل، ثمَّ قَالَ هَذَا الْقَائِل: وَإِلَى ذَلِك الْإِشَارَة يَعْنِي إِلَى مَا قَالَه من الِاحْتِمَال بقوله: وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُون قلت: هَذَا لَا يدل على أَنه دَعَا لَهُم بل هَذَا يدل على أَنهم لَا يستعجلون فِي إِجَابَة الدُّعَاء فِي الدُّنْيَا، على أَن الظَّاهِر مِنْهُ ترك الاستعجال فِي هَذَا الْوَقْت وَلَو كَانَ يُجَاب لَهُم فِيمَا بعد. قَوْله: يُؤْخَذ يَعْنِي مِنْهُم. قَوْله: بِالْمِنْشَارِ بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون النُّون وَهِي الْآلَة الَّتِي ينشر بهَا الأخشاب ويروى الميشار، بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف من وَشر الْخَشَبَة إِذا نشرها غير مَهْمُوز، وَفِيه لُغَة بِالْهَمْزَةِ من: أشر الْخَشَبَة. قَوْله: مَا دون لَحْمه وعظمه أَي: من تحتهما، ويروى: من دون لَحْمه. قَوْله: فَمَا يصده أَي: فَمَا يمنعهُ. قَوْله: هَذَا الْأَمر أَي: الْإِسْلَام. قَوْله: من صنعاء بِالْمدِّ، وَهِي قَاعِدَة الْيمن ومدينتها الْعُظْمَى وحضرموت بِفَتْح الْحَاء وَسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة وَفتح الرَّاء وَالْمِيم وبضم الْمِيم أَيْضا وبالهمزة بَلْدَة أَيْضا بِالْيمن. وَهُوَ كبعلبك فِي الْإِعْرَاب. قَوْله: وَالذِّئْب بِالنّصب عطف على لَفْظَة: الله أَي: وَلَا يخَاف الذِّئْب على غنمه. فَافْهَم.
2 - (بابٌ فِي بَيْعِ المُكْرَهِ ونَحْوِهِ فِي الحَقِّ وغَيْرِهِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان بيع الْمُكْره. قَوْله: وَنَحْوه الْمُضْطَر. قَوْله: فِي الْحق أَي: فِي المالي. قَوْله: وَغَيره أَي: غير الْحق. قيل: لَا دخل لهَذِهِ اللَّفْظَة فِيهِ لِأَن الحَدِيث فِي بيع الْيَهُود وَهُوَ إِكْرَاه بِحَق، وَأجَاب الْكرْمَانِي بِأَن المُرَاد بِالْحَقِّ المالي وَغَيره الْجلاء بِالْجِيم أَو المُرَاد بِالْحَقِّ الْجلاء، وَالْمرَاد بِغَيْر مثل الْجِنَايَات.
6944 - حدّثنا عَبْدُ العَزِيزِ بنُ عَبْدِ الله، حدّثنا اللَّيْثُ عنْ سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ عنْ أبِيهِ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ، رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: بَيْنَما نَحْنُ فِي المَسْجِدِ إذْ خَرَجَ عَليْنا رسولُ الله فَقَالَ: انْطَلِقُوا إِلَى يهُودَ فَخَرَجْنا مَعَهُ حتَّى جِئْنا بَيْتَ المِدْراسِ، فقامَ النبيُّ فَناداهُمْ يَا مَعْشَرَ يَهُودَ أسْلِمُوا تَسْلَمُوا فَقَالُوا: قَدْ بَلَّغْتَ يابا القاسِمِ، فَقَالَ: ذالِك أُريدُ ثُمَّ قالَها الثَّانِيَةَ، فقالُوا: قَدْ بَلَّغْتَ يابا القاسِمِ، ثُمَّ قَالَ الثَّالِثَةَ، فَقَالَ: اعْلَمُوا أنَّ الأرْضَ لله ورَسولِهِ، وإنِّي أُرِيدُ أنْ أُجْلِيَكُمْ فَمَنْ وَجَدَ مِنْكُمْ بِمالِهِ شَيْئاً فَلْيَبِعْهُ، وإلاَّ فاعْلَمُوا أنَّ الأرْضَ لله ورسُولِهِ
انْظُر الحَدِيث 3167 وطرفه
قيل: لَا مُطَابقَة بَين الحَدِيث والترجمة لِأَن الحَدِيث أشبه بِبيع الْمُضْطَر، فَإِن الْمُكْره على البيع هُوَ الَّذِي يحمل على بيع الشَّيْء أَرَادَ أَو لم يرد، وَالْيَهُود شحوا على أَمْوَالهم فَاخْتَارُوا بيعهَا فصاروا كَأَنَّهُمْ اضطروا إِلَى بيعهَا فصاروا كالمضطرب إِلَى بيع مَاله عِنْد تضييق دائنه عَلَيْهِ، فَيكون جَائِزا، وَلَو أكره عَلَيْهِ لم يجز وَأجِيب بِأَنَّهُ لَو كَانَ الْإِلْزَام بِالْبيعِ من جِهَة الشَّرْع لجَاز على أَنا قد ذكرنَا أَن المُرَاد بقوله فِي التَّرْجَمَة: بِبيع الْمُكْره، وَنَحْوه، هُوَ الْمُضْطَر، وَقيل: ترْجم بِالْحَقِّ وَغَيره وَلم يذكر إِلَّا الشق الأول. وَأجِيب: بِأَن مُرَاده بِالْحَقِّ الدّين، وَبِغَيْرِهِ مَا عداهُ مِمَّا يكون بَيْعه لَازِما، لِأَن الْيَهُود أكْرهُوا على بيع أَمْوَالهم لَا لدين عَلَيْهِم.
وَعبد الْعَزِيز بن عبد الله بن يحيى الأويسي الْمدنِي يروي عَن اللَّيْث بن سعد عَن سعيد المَقْبُري عَن أَبِيه كيسَان عَن أبي هُرَيْرَة.
والْحَدِيث مضى فِي الْجِزْيَة عَن عبد الله بن يُوسُف عَن اللَّيْث وَسَيَجِيءُ فِي الِاعْتِصَام عَن قُتَيْبَة عَن اللَّيْث. وَأخرجه مُسلم فِي الْمَغَازِي. وَأَبُو دَاوُد فِي الْخراج. وَالنَّسَائِيّ فِي السّير جَمِيعًا عَن قُتَيْبَة.
قَوْله: يهود غير منصرف. قَوْله: بَيت الْمِدْرَاس بكسرالميم وبالسين الْمُهْملَة(24/100)
على وزن مفعال وزن الْآلَة وَهُوَ الْموضع الَّذِي كَانُوا يقرأُون فِيهِ التَّوْرَاة، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: مفعال غَرِيب فِي الْمَكَان، وَالظَّاهِر أَنه للْمُبَالَغَة، وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَإِضَافَة الْبَيْت إِلَيْهِ من إِضَافَة الْعَام إِلَى الْخَاص نَحْو شجر الْأَرَاك. قَوْله: فناداهم وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: فَنَادَى. قَوْله: أَسْلمُوا بِكَسْر اللَّام أَمر، و: تسلموا من السَّلامَة جَوَابه. قَوْله: يَا أَبَا الْقَاسِم أَصله يَا أَبَا الْقَاسِم. حذفت الْهمزَة للتَّخْفِيف. قَوْله: ذَلِك أُرِيد أَي: بِقَوْلِي: أَسْلمُوا يَعْنِي: إِن اعترفتم أنني بلغتكم سقط عني الْحَرج. قَوْله: اعلموا أَن الأَرْض وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: إِنَّمَا الأَرْض فِي الْمَوْضِعَيْنِ. قَوْله: وَرَسُوله قَالَ الدَّاودِيّ: لله افْتِتَاح كَلَام. وَقَوله: وَرَسُوله، حَقِيقَة لِأَنَّهَا فِيمَا لم يوجف الْمُسلمُونَ عَلَيْهِ بخيل وَلَا ركاب، وَقَالَ غَيره: المُرَاد أَن الحكم لله فِي ذَلِك وَلِلرَّسُولِ لكَونه الْمبلغ عَنهُ الْقَائِم بتنفيذ أوامره. قَوْله: أجليكم بِضَم الْهمزَة من الإجلاء وَهُوَ الْإِخْرَاج عَن أَرضهم. قَوْله: فَمن وجد مِنْكُم بِمَالِه، قَالَ الْكرْمَانِي: الْبَاء فِيهِ للمقابلة.
3 - (بابٌ لَا يَجُوزُ نِكاحُ المكْرَهِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان أَنه لَا يجوز نِكَاح الْمُكْره.
{وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمُتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَءَاتُوهُمْ مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِىءَاتَاكُمْ وَلاَ تُكْرِهُواْ فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَآءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِّتَبْتَغُواْ عَرَضَ الْحَيَواةِ الدُّنْيَا وَمَن يُكْرِههُنَّ فِإِنَّ اللَّهِ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}
قَالَ صَاحب التَّوْضِيح إِدْخَال البُخَارِيّ هَذِه الْآيَة فِي هَذَا الْبَاب لَا أَدْرِي مَا وَجهه، ثمَّ استدرك مَا ذكره بِمَا فِيهِ الْجَواب وَهُوَ أَنه إِذا نهى عَن الْإِكْرَاه فِيمَا لَا يحل فالنهي عَن الْإِكْرَاه فِيمَا يحل بِالطَّرِيقِ الأولى. قَالَ الثَّعْلَبِيّ: هَذِه الْآيَة نزلت فِي معَاذَة ومسيكة جاريتي عبد الله بن أبي الْمُنَافِق، كَانَ يكرههما على الزِّنَا بضريبة يَأْخُذهَا مِنْهُمَا، وَكَذَلِكَ كَانُوا يَفْعَلُونَ فِي الْجَاهِلِيَّة يؤاجرون إماءهم، فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَام قَالَت معَاذَة لمسيكة: إِن هَذَا الْأَمر الَّذِي نَحن فِيهِ لَا يخل من وَجْهَيْن: فَإِن يكن خيرا فقد استكثرنا مِنْهُ، وَإِن يكن شرا فقد آن لنا أَن ندعه: فَأنْزل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هَذِه الْآيَة. قَوْله: فَتَيَاتكُم أَي: إماءكم جمع فتاة. قَوْله: على الْبغاء أَي: على الزِّنَا. وَقَالَ ابْن الْأَثِير: يُقَال بَغت الْمَرْأَة تبغي بغياً بِالْكَسْرِ إِذا زنت فَهِيَ بغي فَجعلُوا الْبغاء على زنة الْعُيُوب كالحران والشراد لِأَن الزِّنَى عيب. قَوْله: إِن أردن كلمة: إِن، هُنَا بِمَعْنى إِذا أردن وَلَيْسَ مَعْنَاهُ الشَّرْط، لِأَنَّهُ لَا يجوز إكراههن على الزِّنَى إِن لم يردن تَحَصُّنًا نظيرها. قَوْله تَعَالَى: {ال م} والتحصن التعفف. قَوْله: وَمن يكرههن أَي: بعد النَّهْي لَهُنَّ فَإِن الله غَفُور رَحِيم والوزر على الْمُكْره.
6945 - حدّثنا يَحْياى بنُ قَزَعَةَ، حدّثنا مالِكٌ، عنْ عَبْدِ الرَّحْمانِ بنِ القاسِمِ، عنْ أبِيهِ عنْ عَبْدِ الرَّحْمانِ ومُجَمِّعِ ابْنَيْ يَزِيدَ بنِ جارِيَةَ الأنْصارِيِّ، عنْ خَنْساءَ بِنْتِ خِذَامٍ الأنْصارِيَّةِ، أنَّ أَبَاهَا زَوَّجهَا وهِيَ
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَيحيى بن قزعة بِفَتْح الْقَاف وَالزَّاي وَالْعين الْمُهْملَة الْحِجَازِي من أَفْرَاد البُخَارِيّ، وَعبد الرحمان بن الْقَاسِم يروي عَن أَبِيه الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَمجمع على وزن اسْم الْفَاعِل من التجمع ابْن يزِيد بن جَارِيَة بِالْجِيم وبالياء آخر الْحُرُوف. قَالَ أَبُو عمر: يزِيد بن جَارِيَة وَالِد عبد الرحمان، شهد خطْبَة الْوَدَاع وروى مِنْهَا ألفاظاً، وخنساء بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون النُّون وبالسين الْمُهْملَة وبالمد بنت خذام بِكَسْر الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الذَّال الْمُعْجَمَة ابْن وَدِيعَة الْأَنْصَارِيَّة من الْأَوْس.
والْحَدِيث مضى فِي النِّكَاح فِي: بَاب لَا ينْكح الْأَب وَغَيره الْبكر والثيبِ إلاَّ بِرِضَاهَا، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: وَهِي ثيب كَذَا فِي رِوَايَة مَالك، وروى مُحَمَّد بن إِسْحَاق عَن حجاج بن السَّائِب عَن أَبِيه عَن جدته خنساء بنت خذام، قَالَ: وَكَانَت أَيّمَا من رجل فَزَوجهَا أَبوهَا رجلا من بني عَوْف ... الحَدِيث، وَقَالَ مُحَمَّد بن سَحْنُون: جمع أَصْحَابنَا على إبِْطَال نِكَاح الْمُكْره والمكرهة، قَالُوا: وَلَا يجوز الْمقَام عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لم ينْعَقد، وَقَالَ ابْن الْقَاسِم:(24/101)
لَا يلْزم الْمُكْره مَا أكره عَلَيْهِ من نِكَاح أَو طَلَاق أَو عتق أَو غَيره، وَقَالَ مُحَمَّد بن سَحْنُون: وَأَجَازَ أهل الْعرَاق نِكَاح الْمُكْره.
6946 - حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ يُوسُفَ، حدّثنا سُفيْانُ عنِ ابنِ جُرَيْجٍ، عنِ ابنِ أبي مُلَيْكَةَ، عنْ أبي عَمْرٍ ووهُوَ ذَكْوَانُ عنْ عائِشَةَ، رَضِي الله عَنْهَا، قالَتْ: قُلْتُ: يَا رسولَ الله تُسْتأْمَرُ النِّساءُ فِي أبْضاعِهنَّ؟ قَالَ: نَعَمْ قُلْتُ فإنَّ البِكْرَ تَسْتَأْمَرُ فَتَسْتَحِي فَتَسْكُتُ، قَالَ: سُكاتُها إذْنُها
انْظُر الحَدِيث 5137 وطرفه
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ يفهم مِنْهُ أَن نِكَاح الْبكر لَا يجوز إلاَّ بِرِضَاهَا وَبِغير رِضَاهَا يكون حكمهَا حكم الْمُكْره.
وَمُحَمّد بن يُوسُف يجوز أَن يكون الْفرْيَابِيّ وَشَيْخه سُفْيَان الثَّوْريّ، وَيجوز أَن يكون البيكندي البُخَارِيّ وَشَيْخه سُفْيَان بن عُيَيْنَة، فَإِن كلّاً من السفيانين مَشْهُور بالرواية عَن ابْن جريج وَهُوَ عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج وَلَكِن جزم أَبُو نعيم أَن هَذَا الحَدِيث إِنَّمَا هُوَ عَن الْفرْيَابِيّ فَإِنَّهُ إِذا أطلق سُفْيَان وَلم ينْسبهُ فَهُوَ الثَّوْريّ، وَإِذا أَرَادَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة نسبه، وَابْن أبي مليكَة هُوَ عبيد الله بن عبد الله أَو عبد الرحمان بن أبي مليكَة بِضَم الْمِيم واسْمه زُهَيْر التَّيْمِيّ الْمَكِّيّ الْأَحول القَاضِي على عهد ابْن الزبير، وَأَبُو عَمْرو بِفَتْح الْعين اسْمه ذكْوَان مولى عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، وَكَانَت قد دَبرته.
وَمضى الحَدِيث فِي النِّكَاح.
قَوْله: تستأمر على صِيغَة الْمَجْهُول يَعْنِي: تستشار النِّسَاء فِي عقد نِكَاحهَا. قَوْله: فِي إبضاعهن قَالَ الْكرْمَانِي: جمع بضع. قلت: لَيْسَ كَذَلِك وَلَيْسَ بِجمع بل هُوَ بِكَسْر الْهمزَة من أبضعت الْمَرْأَة إبضاعاً، إِذا زوجتها. قَوْله: فتستحي بياء وَاحِدَة وَفِيه لُغَة أُخْرَى: فتستحيي، بياءين. قَوْله: سكاتها وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: سكُوتهَا، وَفِي الرِّوَايَة الَّتِي تقدّمت فِي النِّكَاح بِلَفْظ: صمتها.
4 - (بابٌ إِذا أُكْرِهَ حتَّى وهَبَ عَبْداً أوْ باعَهُ لَمْ يَجُزْ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ إِذا أكره الرجل حَتَّى وهب عَبده لشخص أَو بَاعه لَهُ لم يجز، أَي: لم يَصح لَا الْهِبَة وَلَا البيع، وَالْعَبْد بَاقٍ على ملكه.
وبِهِ قَالَ بَعْضُ النَّاسِ.
أَي: بالحكم الْمَذْكُور قَالَ بعض النَّاس وَهُوَ: عدم جَوَاز هبة الْمُكْره عَبده، وَكَذَا بَيْعه. قلت: إِن أَرَادَ بِبَعْض النَّاس الْحَنَفِيَّة فمذهبهم لَيْسَ كَذَلِك، فَإِن مَذْهَبهم أَن شخصا إِذا أكره على بيع مَاله أوهبته لشخص أَو على إِقْرَاره بِأَلف مثلا لشخص وَنَحْو ذَلِك، فَبَاعَ أَو وهب وَأقر، ثمَّ زَالَ الْإِكْرَاه فَهُوَ بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ أمضى هَذِه الْأَشْيَاء وَإِن شَاءَ فَسخهَا، لِأَن الْملك ثَبت بِالْعقدِ لصدوره من أَهله فِي مَحَله إلاَّ أَنه قد شَرط الْحل، وَهُوَ التَّرَاضِي، فَصَارَ كَغَيْرِهِ من الشُّرُوط الْمفْسدَة، حَتَّى لَو تصرف فِيهِ تَصرفا لَا يقبل النَّقْض: كَالْعِتْقِ وَالتَّدْبِير وَنَحْوهمَا، لَا ينفذ وَتلْزَمهُ الْقيمَة، وَإِن، أجَازه جَازَ لوُجُود التَّرَاضِي، بِخِلَاف البيع الْفَاسِد لِأَن الْفساد لحق الشَّرْع.
فإنْ نذَرَ المُشْتَرِي فِيهِ نَذْراً فَهْوَ جائِزٌ بِزَعْمِهِ.
أَرَادَ بِهَذَا الْكَلَام التشنيع على هَؤُلَاءِ الْبَعْض من النَّاس، وَإِثْبَات تناقضهم فِي كَلَامهم أَي: قَالَ هَؤُلَاءِ الْبَعْض: فَإِن نذر المُشْتَرِي يَعْنِي: المُشْتَرِي من الْمُكْره فِي الَّذِي اشْتَرَاهُ نذرا فَهُوَ جَائِز قَوْله: بِزَعْمِهِ، أَي: بقوله.
وكَذَلِكَ إنْ دَبَّرهُ.
أَي: وَكَذَلِكَ قَالَ هَؤُلَاءِ الْبَعْض: إِن دبر المُشْتَرِي من الْمُكْره العَبْد الَّذِي اشْتَرَاهُ، وَبَيَان التَّنَاقُض الَّذِي زَعمه البُخَارِيّ فِيمَا قَالَه الْكرْمَانِي: قَالَ: قَالَ الْمَشَايِخ: إِذا قَالَ البُخَارِيّ بعض النَّاس يُرِيد بِهِ الْحَنَفِيَّة، وغرضه أَن يبين أَن كَلَامهم متناقض(24/102)
لِأَن بيع الْإِكْرَاه هَل هُوَ ناقل للْملك إِلَى المُشْتَرِي أم لَا، فَإِن قَالُوا: نعم، فصح مِنْهُ جَمِيع التَّصَرُّفَات، وَلَا يخْتَص بِالنذرِ وَالتَّدْبِير، وَإِن قَالُوا: لَا، فَلَا يصحان هما أَيْضا، وَأَيْضًا فِيهِ تحكم وَتَخْصِيص. قلت: أَولا لَيْسَ مَذْهَب الْحَنَفِيَّة فِي هَذَا كَمَا زَعمه البُخَارِيّ كَمَا ذكرنَا، وَثَانِيا: إِنَّا نمْنَع هَذَا الترديد فِي نقل الْملك وَعَدَمه بل الْملك يثبت بِالْعقدِ لصدوره من أَهله فِي مَحَله، إلاَّ أَنه قد شَرط الْحل وَهُوَ التَّرَاضِي، فَصَارَ كَغَيْرِهِ من الشُّرُوط الْمفْسدَة حَتَّى لَو تصرف فِيهِ تَصرفا لَا يقبل النَّقْض: كَالْعِتْقِ وَالتَّدْبِير وَنَحْوهمَا، ينفذ وَتلْزَمهُ الْقيمَة، وَإِن أجَازه جَازَ لوُجُود التَّرَاضِي، بِخِلَاف البيع الْفَاسِد لِأَن الْفساد لحق الشَّرْع.
6947 - حدّثنا أبُو النُّعْمانِ، حدّثنا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، عنْ عَمْرِو بنِ دِينارٍ، عنْ جابِرٍ، رَضِي الله عَنهُ، أنَّ رجُلاً مِنَ الأنْصارِ دَبَّرَ مَمْلُوكاً ولَمْ يكُنْ لهُ مالٌ غَيْرُهُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رسولَ الله فَقَالَ: مَنْ يَشْتَرِيهِ مِنِّي؟ فاشْتَرَاهُ نعَيْمُ النَّحَّامُ بِثَمَانِمائَةِ دِرْهَمٍ قَالَ: فَسَمِعْتُ جابِراً يَقُولُ: عَبْداً قِبْطِيّاً ماتَ عامَ أوَّلَ.
قَالَ الدَّاودِيّ مَا حَاصله: أَنه لَا مُطَابقَة بَين الحَدِيث والترجمة لِأَنَّهُ لَا إِكْرَاه فِيهِ، ثمَّ قَالَ: إلاَّ أَن يُرَاد أَنه، بَاعه وَكَانَ كالمكره لَهُ على بَيْعه.
وَأَبُو النُّعْمَان مُحَمَّد بن الْفضل والْحَدِيث مضى فِي الْعتْق.
قَوْله: أَن رجلا اسْمه أَبُو مَذْكُور، والمملوك اسْمه يَعْقُوب، وَالْمُشْتَرِي نعيم بِضَم النُّون وَفتح الْعين الْمُهْملَة، وَقد وَقع فِي بعض النّسخ: نعيم بن النحام، وَالصَّوَاب: نعيم النحام، بِدُونِ لفظ الابْن لِأَنَّهُ قَالَ سَمِعت فِي الْجنَّة نحمة نعيم، أَي: سعلته فَهُوَ صفته لَا صفة أَبِيه. قَوْله: عبدا قبطياً أَي: من قبط مصر.
وَفِيه: جَوَاز بيع الْمُدبر، قيل: هُوَ حجَّة على الْحَنَفِيَّة فِي منع بيع الْمُدبر، وَأَجَابُوا بِأَن هَذَا مَحْمُول على الْمُدبر الْمُقَيد، وَهُوَ يجوز بَيْعه إلاَّ أَن يثبتوا أَنه كَانَ مُدبرا مُطلقًا، وَلَا يقدرُونَ على ذَلِك، وَكَونه لم يكن لَهُ مَال غَيره لَيْسَ عِلّة لجَوَاز بَيْعه، لِأَن الْمَذْهَب فِيهِ أَن يسْعَى فِي قِيمَته، وَجَوَاب آخر: أَنه مَحْمُول على بيع الْخدمَة وَالْمَنْفَعَة لَا بيع الرَّقَبَة، لما روى الدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَادِهِ عَن أبي جَعْفَر أَنه قَالَ: شهِدت الحَدِيث من جَابر إِنَّمَا أذن فِي بيع خدمته، وَأَبُو جَعْفَر ثِقَة.
5 - (بابٌ مِنَ الإكْرَاهِ. كَرْهٌ وكُرْهٌ واحِدٌ)
أَي: هَذَا بَاب فِي جملَة مَا ورد فِي أَمر الْإِكْرَاه مِمَّا تضمنته الْآيَة الْمَذْكُور فِي الْبَاب، وفيهَا لفظ: كرها، بِفَتْح الْكَاف أَشَارَ البُخَارِيّ بِأَن لفظ: كره، بِالْفَتْح وَكره بِالضَّمِّ وَاحِد فِي الْمَعْنى. قَوْله: كره وَكره بِالرَّفْع ويروى: كرها وَكرها على مَا فِي الْآيَة وَهُوَ الْأَوْجه، وَلم يَقع هَذَا فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ، وَقيل: الكره بِالضَّمِّ مَا أكرهت نَفسك عَلَيْهِ، وبالفتح مَا أكرهك عَلَيْهِ غَيْرك.
6948 - حدّثنا حُسَيْنُ بنُ مَنْصُورٍ، حدّثنا أسْباطُ بنُ مُحَمدٍ حدّثنا الشَّيْبانِيُّ سُلَيْمانُ بنُ فَيْرُوزِ، عنْ عِكْرِمَةَ، عنِ ابنِ عَبَّاسٍ، وَقَالَ الشَّيْبانِيُّ. وحدّثني عَطاءٌ أبُو الحَسَنِ السُّوَائِيُّ وَلَا أظُنُّهُ إلاّ ذَكَرَهُ عنِ ابنِ عبَّاسٍ، رَضِي الله عَنْهُمَا: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَآءَ كَرْهاً وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَآءَاتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً} الآيَة، قَالَ: كانُوا إذَا ماتَ الرَّجُلُ كَانَ أوْلِياؤُهُ أحَقَّ بامْرَأتِهِ، إنْ شاءَ بَعْضُهُمْ تَزَوَّجَها وإنْ شاؤُوا زَوَّجَها، وإنْ شاؤُوا لَمْ يُزَوِّجْها، فَهُمْ أحَقُّ بِها مِنْ أهْلها، فَنَزَلَتْ هاذِهِ الآيَةُ بِذَلِكَ.
انْظُر الحَدِيث 4579
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: كرها فِي الْآيَة.
وحسين بن مَنْصُور النَّيْسَابُورِي مَا لَهُ فِي البُخَارِيّ إلاَّ هَذَا الْموضع، مَاتَ سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ، وأسباط بِلَفْظ الْجمع ابْن مُحَمَّد الْقرشِي الْكُوفِي، وَعَطَاء أَبُو الْحسن السوَائِي بِضَم السِّين الْمُهْملَة وخفة الْوَاو وبالهمزة بعد الْألف نِسْبَة إِلَى سَوَاء بن عَامر بن صعصعة بن مُعَاوِيَة بن بكر بن هوَازن بطن كَبِير، وَهُوَ من أَفْرَاد البُخَارِيّ.
والْحَدِيث مر تَفْسِيره فِي سُورَة النِّسَاء.
قَوْله: قَالَ: كَانَ ويروى: كَانُوا، وَهِي الْأَصَح. قَوْله: فهم أَي: أهل الرجل، ويروى:(24/103)
وهم، بِالْوَاو. قَوْله: فِي ذَلِك ويروى: بذلك.
وَقَالَ الْمُهلب: فَائِدَة: هَذَا الْبَاب وَالله أعلم التَّعْرِيف بِأَن كل من أمسك امْرَأَة لأجل الْإِرْث مِنْهَا طَمَعا أَن تَمُوت فَلَا يحل لَهُ ذَلِك بِنَصّ الْقُرْآن.
6 - (بابٌ إذَا اسْتُكْرِهَتِ المَرْأة عَلى الزِّنى فلاَ حَدَّ عَلَيْها)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ إِذا استكرهت الْمَرْأَة على الزِّنَى فَلَا يجب الْحَد عَلَيْهَا لِأَنَّهَا مُكْرَهَة.
لِقَوْله تَعَالَى: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمُتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَءَاتُوهُمْ مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِىءَاتَاكُمْ وَلاَ تُكْرِهُواْ فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَآءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِّتَبْتَغُواْ عَرَضَ الْحَيَواةِ الدُّنْيَا وَمَن يُكْرِههُنَّ فِإِنَّ اللَّهِ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}
ويروى: فِي قَوْله تَعَالَى، وَالْأول أصوب. وَجه مُنَاسبَة الْآيَة للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهَا دلَالَة على أَن لَا إِثْم على المكرهة على الزِّنَا فَيلْزم أَن لَا يجب عَلَيْهَا الْحَد. قَوْله: وَمن يكرههن أَي: بعد النَّهْي بقوله تَعَالَى: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمُتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَءَاتُوهُمْ مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِىءَاتَاكُمْ وَلاَ تُكْرِهُواْ فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَآءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِّتَبْتَغُواْ عَرَضَ الْحَيَواةِ الدُّنْيَا وَمَن يُكْرِههُنَّ فِإِنَّ اللَّهِ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} قَوْله: غَفُور رَحِيم أَي: لَهُنَّ وَقد قرىء فِي الشاذ: فَإِن الله من بعد إكراهن لَهُنَّ غَفُور رَحِيم، وَهِي قراء ابْن مَسْعُود وَجَابِر وَسَعِيد بن جُبَير، ونسبت أَيْضا إِلَى ابْن عَبَّاس، وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: يُسْتَفَاد مِنْهُ الْوَعيد الشَّديد للمكرهين لَهُنَّ، وَفِي ذكر الْمَغْفِرَة وَالرَّحْمَة تَعْرِيض وَتَقْدِيره: انْتَهوا أَيهَا المكرهون فَإِنَّهُنَّ مَعَ كونهن مكرهات قد يؤاخذن لَوْلَا رَحْمَة الله ومغفرته فَكيف بكم أَنْتُم؟ .
6949 - وَقَالَ اللَّيْثُ: حدّثني نافِعٌ أنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ أبي عُبَيْدٍ أخْبَرَتْهُ: أنَّ عبدا مِنْ رَقِيقِ الإمارَةِ وقَعَ عَلى ولِيدَةٍ مِنَ الخُمسِ، فاسْتكْرَهَها حتَّى افْتَضَّها، فَجَلَدَهُ عُمَرُ الحَدَّ ونَفاهُ، ولَمْ يَجْلِدِ الوَلِيدَةَ مِنْ أجْلِ أنهُ اسْتَكْرَهَها.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَتَعْلِيق اللَّيْث بن سعد الَّذِي رَوَاهُ عَن نَافِع مولى ابْن عمر وَصله أَبُو الْقَاسِم الْبَغَوِيّ عَن الْعَلَاء بن مُوسَى عَن اللَّيْث، وَصفِيَّة بنت أبي عبيد الثقفية امْرَأَة عبد الله بن عمر، ويروى: ابْنة أبي عبيد.
قَوْله: الْإِمَارَة بِكَسْر الْهمزَة أَي: من مَال الْخَلِيفَة وَهُوَ عمر رَضِي الله عَنهُ.
قَوْله: من الْخمس أَي: من مَال خمس الْغَنِيمَة الَّذِي يتَعَلَّق التَّصَرُّف فِيهِ بِالْإِمَامِ وَمعنى قَوْله: وَقع على وليدة زنا بهَا. قَوْله: افتضها أَي أَزَال بَكَارَتهَا. ومادته قَاف وضاد مُعْجمَة مَأْخُوذَة من القضة بِكَسْر الْقَاف وَهِي عذرة البكرة.
وَفِيه: إِن عمر كَانَ يرى نفي الرَّقِيق كَالْحرِّ من الْبَلَد يَعْنِي: يغربه نصف سنة لِأَن حَده نصف حد الْحر فِي الْجلد، وَاخْتلفُوا فِي وجوب الصَدَاق لَهَا، فَقَالَ عَطاء وَالزهْرِيّ: نعم، وَهُوَ قَول مَالك وَأحمد وَإِسْحَاق وَأبي ثَوْر، وَقَالَ الشّعبِيّ: إِذا أقيم عَلَيْهَا الْحَد فَلَا صدَاق لَهَا وَهُوَ قَول الْكُوفِيّين.
قَالَ الزُّهْرِيُّ فِي الأمَةِ البِكْرِ يَفْتَرِعُها الحُرُّ: يُقيمُ ذالكَ الحَكَمُ مِنَ الأمَةِ العَذْراءِ بِقدْرِ قِيمَتها، ويُجْلَدُ ولَيْسَ فِي الأمَةِ الثَّيِّبِ فِي قَضاءِ الأئِمَّةِ غُرْمٌ، ولَكِنْ علَيْهِ الحَدُّ.
أَي: قَالَ مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ ... إِلَى آخِره. قَوْله: يفترعها بِالْفَاءِ وَالرَّاء وَالْعين الْمُهْملَة أَي: يفتضها. قَوْله: يُقيم قَالَ الْكرْمَانِي: وَيُقِيم إِمَّا بِمَعْنى يقوم وَإِمَّا من قَامَت الْأمة مائَة دِينَار إِذا بلغت قيمتهَا. قَوْله: ذَلِك أَي: الاقتراع. قَوْله: الحكم بِفتْحَتَيْنِ أَي: الْحَاكِم. قَوْله: الْعَذْرَاء أَي: الْبكر. قَوْله: بِقدر قيمتهَا أَي: على الَّذِي افتضها، ويروى: بِقدر ثمنهَا، وَالْمعْنَى: أَن الْحَاكِم يَأْخُذ من المفترع دِيَة الافتراع نِسْبَة قيمتهَا أَي أرش النَّقْص وَهُوَ التَّفَاوُت بَين كَونهَا بكرا وثيباً. وَفَائِدَة قَوْله: ويجلد دفع توهم من يظنّ أَن الْغرم يُغني عَن الْجلد. قَوْله: غرم أَي: غَرَامَة، وَقَول مَالك كَقَوْل الزُّهْرِيّ كَمَا نقل عَن الْمُهلب.
6950 - حدّثنا أبُو اليَمانِ، حدّثنا شُعَيْبٌ، حدّثنا أبُو الزِّنادِ، عنِ الأعْرَجِ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رسولُ الله هاجَرَ إبْرَاهِيمُ بِسارَةَ دَخَلَ بِها قَرْيَةً فِيها مَلِكٌ مِن المُلُوكِ أوْ جَبَّارٌ مِنَ الجَبابرَة فأرْسَلَ إلَيْهِ: أنْ أرْسِلْ إلَيَّ بهَا، فأرْسَلَ بِها، فقامَ إلَيْها فقامَتْ تَوَضَّأ وتصَلِّي. فقالَت:(24/104)
اللَّهُمَّ إنْ كُنْتُ آمَنْتُ بِكَ وبِرَسُولِكَ، فَلا تُسَلِّطْ عَلَيَّ الكافِرِ، فَغُطَّ حتَّى ركَضَ بِرِجْلِهِ
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة من حَيْثُ إِنَّه كَمَا لَا ملامة عَلَيْهَا فِي الْخلْوَة مَعَه إِكْرَاها، فَكَذَلِك المستكرهة فِي الزِّنَا لَا حد عَلَيْهَا، كَذَا قَالَه الْكرْمَانِي، وَصَاحب التَّوْضِيح قلت: الْأَقْرَب أَن يُقَال: وَجه الْمُطَابقَة من حَيْثُ إِنَّه أكره إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ السَّلَام، على إرسالها إِلَيْهِ.
وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع، وَشُعَيْب بن أبي حَمْزَة، وَأَبُو الزِّنَاد بالزاي وَالنُّون عبد الله بن ذكْوَان، والأعرج عبد الرحمان بن هُرْمُز.
وَمضى الحَدِيث فِي آخر البيع، وَفِي أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم السَّلَام.
قَوْله: هَاجر إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ الْكرْمَانِي: من الْعرَاق إِلَى الشَّام. قلت: قَالَ أهل السّير: من بَيت الْمُقَدّس إِلَى مصر، وَسَارة أم إِسْحَاق عَلَيْهِمَا السَّلَام. قَوْله: دخل بهَا قَرْيَة قَالَ الْكرْمَانِي: هِيَ حران بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الرَّاء وبالنون، وَهِي كَانَت مَدِينَة عَظِيمَة تعدل ديار مصر فِي حد الجزيرة بَين الْفُرَات ودجلة، وَالْيَوْم هِيَ خرابة، قيل: كَانَ مولد إِبْرَاهِيم بهَا، وَقَول الْكرْمَانِي: قَرْيَة هِيَ حران فِيهِ نظر، وَالَّذِي ذكره أهل السّير: هِيَ مصر، وَمِمَّا يُؤَيّد هَذَا الَّذِي ذكره قَول من قَالَ: إِن حران هِيَ الَّتِي ولد فِيهَا إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام. قَوْله: أَو جَبَّار شكّ من الرَّاوِي. قَوْله: فَأرْسل إِلَيْهِ أَي: أرسل ذَلِك الْجَبَّار إِلَى إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ السَّلَام، فَأرْسل بهَا إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام، كرها. قَوْله: تَوَضَّأ بِضَم الْهمزَة أَصله: تتوضأ، فحذفت مِنْهُ إِحْدَى التَّاءَيْنِ. قَوْله: إِن كنت لَيْسَ على الشَّك لِأَنَّهَا لم تكن شاكة فِي إيمَانهَا، وَإِنَّمَا هُوَ على خلاف مُقْتَضى الظَّاهِر، فيؤول بِنَحْوِ: إِن كنت مَقْبُولَة الْإِيمَان. قَوْله: فغط بِضَم الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الطَّاء الْمُهْملَة أَي: خنق وصرع، وَقَالَ الدَّاودِيّ: ورويناه هُنَا بِالْعينِ الْمُهْملَة، وَيحْتَمل أَن يكون من العطعطة وَهِي حِكَايَة صَوت، وَقَالَ الشَّيْبَانِيّ: العطوط المغلوب ذكره الْجَوْهَرِي فِي بَاب الْعين الْمُهْملَة. قَوْله: حَتَّى ركض بِرجلِهِ أَي: حركه وَدفع وَجمع، وَلم يذكر البُخَارِيّ حكم إِكْرَاه الرجل على الزِّنَى، فَذهب الْجُمْهُور إِلَى أَنه لَا حد عَلَيْهِ. وَقَالَ مَالك وَجَمَاعَة: عَلَيْهِ الْحَد لِأَنَّهُ لَا تَنْتَشِر الْآلَة إلاَّ بلذة، وَسَوَاء أكرهه سُلْطَان أَو غَيره، وَعَن أبي حنيفَة: لَا يحد إِن أكرهه سُلْطَان، وَخَالفهُ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد، رحمهمَا الله تَعَالَى.
7 - (بابُ يَمِينِ الرَّجُلِ لِصاحِبهِ إنَّهُ أخُوهُ إِذا خافَ عَلَيْهِ القَتْل أوْ نَحْوَهُ، وكَذالِكَ كُلُّ مُكْرَهٍ يَخافُ فإنَّهُ يَذُبُّ عَنْهُ الظَّالِمَ ويُقاتِلُ دُونَهُ وَلَا يَخْذُلُهُ، فإنْ قاتَلَ دُونَ المَظْلُومِ فَلَا قَوَدَ عَلَيْهِ وَلَا قِصاصَ.)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان يَمِين الرجل أَنه أَخُوهُ إِذا خَافَ عَلَيْهِ الْقَتْل بِأَن يقْتله ظَالِم إِن لم يحلف الْيَمين الَّذِي أكرهه الظَّالِم عَلَيْهَا قَوْله: أَو نَحوه أَي: أَو نَحوه الْقَتْل، مثل قطع الْيَد أَو قطع عُضْو من أَعْضَائِهِ. قَوْله: فَإِنَّهُ يذب بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَضم الذَّال الْمُعْجَمَة أَي: يدْفع عَنهُ الظَّالِم، ويروى: الْمَظَالِم، جمع مظْلمَة ويروى: ويدرء عَنهُ الظَّالِم، أَي: يَدْفَعهُ ويمنعه مِنْهُ. قَوْله: وَيُقَاتل دونه أَي: يُقَاتل عَنهُ وَلَا يَخْذُلهُ لَهُ أَي: لَا يتْرك نصرته. قَوْله: فَإِن قَاتل دون الْمَظْلُوم أَي: عَن الْمَظْلُوم. قَوْله: فَلَا قَود عَلَيْهِ وَلَا قصاص قَالَ صَاحب التَّوْضِيح يُرِيد وَلَا دِيَة لِأَن الدِّيَة تسمى أرشاً، وَقَالَ الْكرْمَانِي: لم كرر الْقود إِذْ هُوَ الْقصاص بِعَيْنِه ثمَّ أجَاب بِأَنَّهُ لَا تكْرَار إِذْ الْقصاص أَعم من أَن يكون فِي النَّفس، وَيسْتَعْمل غَالِبا فِي القواد أَو هُوَ تَأْكِيد. قلت: فِي الْجَواب الثَّانِي نظر لَا يخفى، وَقَالَ ابْن بطال: ذهب مَالك وَالْجُمْهُور إِلَى أَن من أكره على يَمِين إِن لم يحلفها قتل أَخُوهُ الْمُسلم أَنه لَا حنث عَلَيْهِ، وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ يَحْنَث لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ أَن يوري، فَلَمَّا ترك التورية صَار قَاصِدا للْيَمِين، فَيحنث.
وإنْ قِيلَ لهُ: لَتَشْرَبَنَّ الخَمْرَ أوْ لَتَأْكُلَنَّ المَيْتَةَ أوْ لَتَبيعَنَّ عَبْدَكَ أوْ تُقِرُّ بِدَيْنٍ أوْ تَهَبُ هِبَةً وكُلَّ عُقْدَةٍ أوْ لَنَقْتُلَنَّ أباكَ أوْ أخاكَ فِي الإسْلامِ، وَسعَهُ ذالِكَ لِقَوْلِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم المُسْلِمُ أخُو المُسلِمِ.(24/105)
أَي: إِن قيل لرجل يَعْنِي: لَو قَالَ رجل لرجل لتشربن الْخمر وأكرهه على ذَلِك، أَو قَالَ: لتأكلن الْميتَة وأكرهه على ذَلِك، أَو قَالَ لَهُ: لتبيعن عَبدك وأكرهه على ذَلِك، وَهَذِه الْأَلْفَاظ الثَّلَاثَة كلهَا مُؤَكدَة بالنُّون الثَّقِيلَة وباللامات الْمَفْتُوحَة فِي أوائلها. قَوْله: أَو تقر أَي: أَو قَالَ لَهُ: لتقر بدين لفُلَان وأكرهه على ذَلِك، أَو قَالَ لَهُ: تهب هبة لفُلَان وأكرهه على ذَلِك، قَوْله: وكل عقدَة لفظ كل مُضَافَة إِلَى لفظ عقدَة وَهُوَ مُبْتَدأ وَخَبره مَحْذُوف أَي: كَذَلِك، نَحْو أَن يَقُول: لتقرضن أَو لتؤجرن وَنَحْوهمَا. ويروى: أَو تحل عقدَة، عطف على مَا قبله، وَتحل فعل مضارع مُخَاطب من الْحل بِالْحَاء الْمُهْملَة، قَالَ الْكرْمَانِي: المُرَاد بِحل الْعقْدَة فَسخهَا. قَوْله: أَبَاك أَو أَخَاك فِي الْإِسْلَام، إِنَّمَا قيد بِالْإِسْلَامِ ليجعله أَعم من الْأَخ الْقَرِيب من النّسَب. قَوْله: وَسعه ذَلِك، أَي: جَازَ لَهُ لَهُ لَنَقْتُلَنَّ أَبَاك أَو قَالَ أَي الْأكل وَالشرب وَالْإِقْرَار وَالْهِبَة لتخليص الْأَب وَالْأَخ فِي الدّين، يَعْنِي: الْمُؤمن عَن الْقَتْل. وَقَالَ ابْن بطال: مُرَاد البُخَارِيّ أَن من هدد بقتل وَالِده أَو بقتل أَخِيه فِي الْإِسْلَام إِن لم يفعل شَيْئا من الْمعاصِي أَو يقر على نَفسه بدين لَيْسَ عَلَيْهِ، أَو يهب شَيْئا لغيره بِغَيْر طيب نفس مِنْهُ، أَو يحل عقدا كَالطَّلَاقِ وَالْعتاق بِغَيْر اخْتِيَاره، فَلهُ أَن يفعل جَمِيع مَا هدده بِهِ لينجو أَبوهُ من الْقَتْل، وَكَذَا أَخُوهُ الْمُسلم. قَوْله: لقَوْل النَّبِي دَلِيل. قَوْله: أَو أَخَاك فِي الْإِسْلَام، وَقد تقدم هَذَا الحَدِيث فِي: بَاب الْمَظَالِم.
وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: لوْ قِيلَ لهُ لَتَشْرَبَنَّ الخَمْرَ أوْ لَتأْكُلَّنَّ المَيْتَةَ. أوْ لَتَقْتُلَنَّ ابْنَكَ أوْ أباكَ أوْ ذَا رَحِمٍ مُحَرَّمٍ لم يَسَعْهُ، لأنَّ هاذا لَيْسَ بِمُضْطَرَ ثُمَّ ناقَضَ، فَقَالَ: إنْ قِيلَ لهُ لَنَقْتُلَنَّ أباكَ أوِ ابْنَكَ أوْ لَتَبِيعَنَّ هاذا العَبْدَ أوْ تُقِرُّ بِدِينٍ أَو تَهَبُ، يَلْزَمُهُ فِي القِياسِ، ولاكِنَّا نَسْتَحْسِنُ ونَقُولُ: البَيْعُ والهِبَةُ وكُلُّ عُقْدَةٍ فِي ذالِكَ باطِلٌ، فَرَّقُوا بَيْنَ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مُحَرِّمٍ وغَيْرِهِ بِغَيْرِ كِتابٍ وَلَا سُنَّةٍ.
قيل أَرَادَ بِبَعْض النَّاس الْحَنَفِيَّة. قَوْله: لَو قيل لَهُ أَي: قَالَ ظَالِم لرجل وَأَرَادَ قتل وَالِده: لتشربن الْخمر أَو لتأكلن الْميتَة. قَوْله: أَو لَنَقْتُلَنَّ ابْنك أَي: أَو قَالَ: لَنَقْتُلَنَّ ابْنك إِن لم تفعل مَا أَقُول لَك. قَوْله: أَو ذَا رحم محرم أَي: أَو قَالَ: لَنَقْتُلَنَّ ذَا رحم محرم لَك إِن لم تفعل كَذَا، وَالْمحرم هُوَ من لَا يحل نِكَاحهَا أبدا لِحُرْمَتِهِ. قَوْله: لم يَسعهُ أَي: لم يَسعهُ أَن يفعل مَا أمره بِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بمضطر فِي ذَلِك لِأَن الْإِكْرَاه إِنَّمَا يكون فِيمَا يتَوَجَّه إِلَى الْإِنْسَان فِي خَاصَّة نَفسه لَا فِي غَيره، وَلَيْسَ لَهُ أَن يدْفع بهَا معاصي غَيره، فَإِن فعل يَأْثَم، وَعند الْجُمْهُور: لَا يَأْثَم. وَقَالَ الْكرْمَانِي: يحْتَمل أَن يُقَال: إِنَّه لَيْسَ بمضطر لِأَنَّهُ مُخَيّر فِي أُمُور مُتعَدِّدَة والتخيير يُنَافِي الْإِكْرَاه. وَقَالَ بَعضهم. قَوْله: فِي أُمُور مُتعَدِّدَة لَيْسَ كَذَلِك، بل الَّذِي يظْهر أَن: أَو، فِيهِ للتنويع لَا للتَّخْيِير وَأَنَّهَا أَمْثِلَة لأمثال وَاحِد. قلت: مَا الَّذِي يظْهر أَن: أَو، فِيهِ للتنويع؟ بل هِيَ للتَّخْيِير لِأَنَّهَا وَقعت بعد الطّلب. قَوْله: ثمَّ نَاقض الضَّمِير فِيهِ يرجع إِلَى بعض النَّاس بَيَان التَّنَاقُض على زَعمه أَنهم قَالُوا بِعَدَمِ الْإِكْرَاه فِي الصُّورَة الأولى، وَقَالُوا بِهِ فِي الصُّورَة الثَّانِيَة من حَيْثُ الْقيَاس، ثمَّ قَالُوا بِبُطْلَان البيع وَنَحْوه اسْتِحْسَانًا، فقد ناقضوا إِذْ يلْزم القَوْل بِالْإِكْرَاهِ، وَقد قَالُوا بِعَدَمِ الْإِكْرَاه. قلت: هَذِه المناقضة مَمْنُوعَة لِأَن الْمُجْتَهد يجوز لَهُ أَن يُخَالف قِيَاس قَوْله بالاستحسان، وَالِاسْتِحْسَان حجَّة عِنْد الْحَنَفِيَّة. قَوْله: فرقوا بَين كل ذِي رحم محرم وَغَيره بِغَيْر كتاب وَلَا سنة أَرَادَ بِهِ أَن مَذْهَب الْحَنَفِيَّة فِي ذِي الرَّحِم بِخِلَاف مَذْهَبهم فِي الْأَجْنَبِيّ، فَلَو قيل لرجل: لتقتلن هَذَا الرجل الْأَجْنَبِيّ أَو لتبيعن كَذَا، فَفعل لينجيه من الْقَتْل لزمَه البيع، وَلَو قيل لَهُ ذَلِك فِي ذِي رحم محرم لم يلْزمه مَا عقده. قلت: هَذَا أَيْضا بطرِيق الِاسْتِحْسَان، وَهُوَ غير خَارج عَن الْكتاب وَالسّنة. أما الْكتاب فَقَوله تَعَالَى: {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَائِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَائِكَ هُمْ أُوْلُو الاَْلْبَابِ} وَأما السّنة فَقَوله مَا رَآهُ الْمُؤْمِنُونَ حسنا فَهُوَ عِنْد الله حسن وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَمَا ذكره البُخَارِيّ من أَمْثَال هَذِه المباحث غير مُنَاسِب لوضع هَذَا الْكتاب إِذْ هُوَ خَارج عَن فنه. قلت: أنكر عَلَيْهِ بَعضهم هَذَا الْكَلَام، فَقَالَ: للْبُخَارِيّ أُسْوَة بالأئمة الَّذين سلك طريقهم: كالشافعي وَأبي ثَوْر والْحميدِي وَأحمد وَإِسْحَاق، فَهَذِهِ طريقتهم فِي الْبَحْث. انْتهى. قلت: لم يسْلك أحد مِنْهُم فِيمَا جمعه من الحَدِيث خَاصَّة هَذَا المسلك، وَإِنَّمَا ذكرُوا فِي مؤلفات مُشْتَمِلَة على الْأُصُول وَالْفُرُوع، وَإِن ذكر أحد(24/106)
مِنْهُم هَذِه المباحث فِي كتب الحَدِيث خَاصَّة فَالْكَلَام عَلَيْهِ أَيْضا وَارِد على أَن أحدا لَا يُنَازع أَن البُخَارِيّ لَا يُسَاوِي الشَّافِعِي فِي الْفِقْه، وَلَا فِي الْبَحْث عَن مثل هَذِه المباحث.
وَقَالَ النبيُّ قَالَ إبْراهِيمُ لامْرَأتهِ: هاذِهِ أُخْتِي وذالِكَ فِي الله.
هَذَا اسْتشْهد بِهِ البُخَارِيّ على عدم الْفرق بَين الْقَرِيب وَالْأَجْنَبِيّ فِي هَذَا الْبَاب، وَبَيَان ذَلِك أَن إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ السَّلَام، قَالَ لامْرَأَته وَهِي سارة. وَكَذَا فِي رِوَايَة الْكشميهني: هَذِه أُخْتِي، يَعْنِي فِي الْإِسْلَام، فَإِذا كَانَت أُخْته فِي الْإِسْلَام وَجَبت عَلَيْهِ حمايتها وَالدَّفْع عَنْهَا. قَوْله: وَذَلِكَ فِي الله من كَلَام البُخَارِيّ، يَعْنِي: قَوْله: هَذِه أُخْتِي، لإِرَادَة التَّخَلُّص فِيمَا بَينه وَبَين الله. قلت: فرقهم. بَين الْقَرِيب وَالْأَجْنَبِيّ أَيْضا استسحان لِأَنَّهُ إِذا وَجَبت حماية أَخِيه الْمُسلم فِي الدّين على مَا قَالُوا، فحماية قَرِيبه أوجب.
وَقَالَ النَّخَعِيُّ: إِذا كانَ المُسْتَخلِفُ ظالِماً فَنِيَّةُ الحالِفِ، وإنْ كَانَ مَظْلُوماً فَنِيَّةُ المُسْتَحْلِفِ.
أَي: قَالَ إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ: إِذا كَانَ المستحلف ظَالِما فَالْمُعْتَبر نِيَّة الْحَالِف، وَإِن كَانَ مَظْلُوما فَالْمُعْتَبر نِيَّة المستحلف. قيل: كَيفَ يكون المستحلف مَظْلُوما. وَأجِيب: بِأَن الْمُدَّعِي المحق إِذا لم تكن لَهُ نِيَّة ويستحلفه الْمُدعى عَلَيْهِ فَهُوَ مظلوم، وَأثر إِبْرَاهِيم هَذَا وَصله مُحَمَّد بن الْحسن فِي كتاب الْآثَار عَن أبي حنيفَة عَن حَمَّاد عَنهُ بِلَفْظ: إِذا اسْتحْلف الرجل وَهُوَ مظلوم فاليمين على مَا نوى وعَلى مَا روى، وَإِذا كَانَ ظَالِما فاليمين على نِيَّة من استحلفه. وَقَالَ ابْن بطال: قَول النَّخعِيّ يدل على أَن النِّيَّة عِنْده نِيَّة الْمَظْلُوم أبدا، أَو إِلَى مثله ذهب مَالك وَالْجُمْهُور، وَعند أبي حنيفَة: النِّيَّة نِيَّة الْحَالِف أبدا، وَقَالَ غَيره: وَمذهب الشَّافِعِي أَن الْحلف إِذا كَانَ عِنْد الْحَاكِم فالنية نِيَّة الْحَاكِم. وَهِي رَاجِعَة إِلَى نِيَّة صَاحب الْحق، وَإِن كَانَ فِي غير الْحَاكِم فالنية نِيَّة الْحَالِف.
6951 - حدّثنا يَحْيى بنُ بُكَيْرٍ، حَدثنَا اللَّيْثُ، عنْ عُقَيْلٍ، عنِ ابنِ شِهابٍ أنَّ سالِماً أخبَرَهُ أنَّ عَبْدَ الله بنَ عُمَرَ، رَضِي الله عَنْهُمَا، أخْبَرَهُ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: المُسْلَمُ أخُو المُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُه وَلَا يُسْلِمُهُ، ومَنْ كانَ فِي حاجَةِ أخِيهِ كانَ الله فِي حاجَتِهِ
انْظُر الحَدِيث 2442
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن الْمُسلم تجب عَلَيْهِ حماية أَخِيه الْمُسلم.
والْحَدِيث قد مر فِي كتاب الْمَظَالِم بِعَين هَذَا الْإِسْنَاد بأتم مِنْهُ.
قَوْله: وَلَا يُسلمهُ من الْإِسْلَام وَهُوَ الخذلان. قَوْله: فِي حَاجته أَي: فِي قَضَاء حَاجته.
6952 - حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ عبْدِ الرَّحِيمِ، حدّثنا سَعيدُ بنُ سُلَيْمانَ، حَدثنَا هُشَيْمٌ، أخبرنَا عُبَيْدُ الله بنُ أبي بَكْره بنِ أنَسٍ عنْ أنَسٍ، رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: قَالَ رسولُ الله انْصُرْ أخاكَ ظالِماً أوْ مَظْلُوماً فَقَالَ رجُلٌ: يَا رسولَ الله أنْصُرُهُ إذَا كانَ مَظْلُوماً؟ أفَرَأيْتَ إذَا كَانَ ظالِماً كَيْفَ أنْصُرُهُ؟ قَالَ: تَحْجُزُه أوْ تَمْنَعُهُ مِنَ الظُّلْمِ، فإنَّ ذَلِكَ نَصْرُهُ
انْظُر الحَدِيث 2443 وطرفه
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَمُحَمّد بن عبد الرَّحِيم الْبَزَّاز بمعجمتين الملقب بصاعقة وَهُوَ من طبقَة البُخَارِيّ فِي أَكثر شُيُوخه، وَسَعِيد بن سُلَيْمَان الوَاسِطِيّ سكن بَغْدَاد وَهُوَ أَيْضا من شُيُوخ البُخَارِيّ. وَقد روى عَنهُ بِغَيْر وَاسِطَة فِي مَوَاضِع، وهشيم مصغر هشيم ابْن بشير مصغر بشر الوَاسِطِيّ، وَعبيد الله بن أبي بكر بن أنس يروي عَن جده أنس بن مَالك، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
والْحَدِيث مر فِي كتاب الْمَظَالِم من حَدِيث عبيد الله بن أبي بكر بن أنس وَحميد الطَّوِيل سمعا أنس بن مَالك يَقُول: قَالَ رَسُول الله انصر أَخَاك ظَالِما أَو مَظْلُوما انْتهى هَذَا الْمِقْدَار. وَأخرجه فِيهِ أَيْضا عَن مُسَدّد عَن مُعْتَمر عَن حميد عَن أنس، قَالَ: قَالَ رَسُول الله انصر أَخَاك ظَالِما أَو مَظْلُوما. قَالُوا: يَا رَسُول الله هَذَا ننصره مَظْلُوما(24/107)
فَكيف ننصره ظَالِما؟ قَالَ: تَأْخُذ فَوق يَده
قَوْله: أَفَرَأَيْت أَي: أَخْبرنِي وَالْفَاء عاطفة على مُقَدّر بعد الْهمزَة، وَفِيه نَوْعَانِ من الْمجَاز أطلق الرُّؤْيَة وَأَرَادَ، الْإِخْبَار، وَأطلق الِاسْتِفْهَام وَأَرَادَ الْأَمر، والعلاقتان ظاهرتان، وَكَذَا الْقَرِينَة. قَوْله إِذا كَانَ ظَالِما كَيفَ أنصره؟ أَي: كَيفَ أنصره على ظلمه؟ قَوْله: تحجزه بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالْجِيم وَالزَّاي: تَمنعهُ، ويروى: تحجره بالراء مَوضِع الزَّاي من الْحجر وَهُوَ الْمَنْع. قَوْله: أَو تَمنعهُ شكّ من الرَّاوِي قَوْله: فَإِن ذَلِك أَي: مَنعه عَن الظُّلم نَصره
(كتابُ الحِيَلِ)
أَي: هَذَا كتاب فِي بَيَان الْحِيَل وَهُوَ جمع حِيلَة وَهِي مَا يتَوَصَّل بِهِ إِلَى الْمَقْصُود بطرِيق خَفِي. وَقَالَ الْجَوْهَرِي: الْحِيلَة بِالْكَسْرِ اسْم من الاحتيال. ذكره فِي فصل الْيَاء. ثمَّ قَالَ: وَهُوَ من الْوَاو: وَيُقَال هُوَ أُحِيل مِنْك وأحول مِنْك أَي: أَكثر حِيلَة، وَمَا أحيله لُغَة فِيمَا أحوله.
1 - (بابٌ فِي تَركِ الحِيَلِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان ترك الْحِيَل، قيل: أَشَارَ بِلَفْظ التّرْك إِلَى دفع توهم جَوَاز الْحِيَل فِي التَّرْجَمَة الأولى. قلت: التَّرْجَمَة الأولى بعمومها تتَنَاوَل الْحِيلَة الْجَائِزَة وَالْحِيلَة الْغَيْر الْجَائِزَة، وأطلقها لِأَن من الْحِيَل مَا لَا يمْنَع مِنْهَا، وَفِي هَذِه التَّرْجَمَة بيَّن أحد النَّوْعَيْنِ وَهُوَ التّرْك.
وأنَّ لِكلِّ امْرِىءٍ مَا نَوَي فِي الأَيْمانِ وغَيْرِهَا.
أَي: هَذَا فِي بَيَان أَن لكل امرىء مَا نوى، وَهَذَا قِطْعَة من الحَدِيث الَّذِي يَأْتِي الْآن، وَأَيْضًا مضى فِي أول الْكتاب. وَهُوَ قَوْله إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لكل امرىء مَا نوى الحَدِيث. وَمضى الْكَلَام فِيهِ مَبْسُوطا. قَوْله: فِي الْأَيْمَان وَغَيرهَا من كَلَام البُخَارِيّ، والأيمان بِفَتْح الْهمزَة جمع يَمِين. قَوْله: وَغَيرهَا وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: قيل: وَجه ذَلِك إِرَادَة الْيَمين المستفادة من الْأَيْمَان، وَفِيه نظر لَا يخفى، وَهَذَا الحَدِيث مَحْمُول على الْعِبَادَات، وَالْبُخَارِيّ عمم فِي ذَلِك بِحَيْثُ يشْتَمل كَلَامه على الْمُعَامَلَات أَيْضا.
6953 - حدّثنا أبُو النُّعْمانِ، حدّثنا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، عنْ يَحْياى بنِ سَعيد، عنْ مُحَمَّدِ بنِ إبْرَاهِيمَ، عنْ عَلْقَمَة بنِ وقَّاصٍ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ، رَضِي الله عَنهُ، يَخْطُبُ قَالَ: سَمِعْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ يَا أيُّها النَّاسُ إنَّما الأعْمالُ بالنِّيَّةِ، وإنَّما لاِمْرِىءٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى الله ورسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى الله ورسولِهِ، ومَنْ هاجَرَ إِلَى دُنيا يُصِيبُها، أوِ امْرأةٍ يَتَزَوَّجُها، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هاجَرَ إليْهِ
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن مهَاجر أم قيس جعل الْهِجْرَة حِيلَة فِي تَزْوِيج أم قيس.
وَأَبُو النُّعْمَان مُحَمَّد بن الْفضل، وَيحيى بن سعيد الْقطَّان، وَمُحَمّد بن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ. وَقد شرحت هَذَا الحَدِيث فِي أول الْكتاب لم يشْرَح أحد مثله من الشُّرَّاح الْمُتَقَدِّمين والمتأخرين، وَاحْتج بِهَذَا الحَدِيث من قَالَ بِإِبْطَال الْحِيَل، وَمن قَالَ بإعمالها لِأَن مرجع كل من الْفَرِيقَيْنِ إِلَى نِيَّة الْعَامِل. وَفِي الْمُحِيط كتاب الْحِيَل ومشروعيته بقوله تَعَالَى فِي قصَّة أَيُّوب عَلَيْهِ السَّلَام: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِب بِّهِ وَلاَ تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِّعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} وَهِي الْفِرَار والهروب عَن الْمَكْرُوه، والاحتيال للهروب عَن الْحَرَام والتباعد عَن الْوُقُوع فِي الآثام لَا بَأْس بِهِ، بل هُوَ(24/108)
مَنْدُوب إِلَيْهِ، وَأما الاحتيال لإبطال حق الْمُسلم فإثم وعدوان. وَقَالَ النَّسَفِيّ فِي الْكَافِي عَن مُحَمَّد بن الْحسن قَالَ: لَيْسَ من أَخْلَاق الْمُؤمنِينَ الْفِرَار من أَحْكَام الله بالحيل الموصلة إِلَى إبِْطَال الْحق.
2 - (بابٌ فِي الصلاةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان دُخُول الْحِيلَة فِي الصَّلَاة.
6954 - حدّثني إسْحَاق بنُ نَصْرِ، حدّثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عنْ مَعْمَرِ، عنْ هَمَّامٍ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا يَقْبَلُ الله صَلاةَ أحَدِكُمْ إِذا أحْدَثَ حتَّى يَتَوضَّأ
انْظُر الحَدِيث 135
وَقَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: مَا وَجه تعلق الحَدِيث بِالْكتاب؟ . قلت: قَالُوا مَقْصُود البُخَارِيّ الرَّد على الْحَنَفِيَّة حَيْثُ صححوا صَلَاة من أحدث فِي الجلسة الْأَخِيرَة، وَقَالُوا: إِن التَّحَلُّل يحصل بِكُل مَا يضاد الصَّلَاة فهم متحيلون فِي صِحَة الصَّلَاة مَعَ وجود الْحَدث. وَوجه الرَّد أَنه مُحدث فِي الصَّلَاة فَلَا تصح لِأَن التَّحَلُّل مِنْهَا ركن فِيهَا لحَدِيث: وتحليلها التَّسْلِيم، كَمَا أَن التَّحْرِيم بِالتَّكْبِيرِ ركن مِنْهَا، وَحَيْثُ قَالُوا: الْمُحدث فِي الصَّلَاة يتَوَضَّأ وَيَبْنِي، وَحَيْثُ حكمُوا بِصِحَّتِهَا عِنْد عدم النِّيَّة فِي الْوضُوء بعلة أَنه لَيْسَ بِعبَادة. انْتهى.
وَقَالَ ابْن الْمُنِير: أَشَارَ البُخَارِيّ بِهَذِهِ التَّرْجَمَة إِلَى رد قَول من قَالَ بِصِحَّة صَلَاة من أحدث عمدا فِي أثْنَاء الْجُلُوس الْأَخير، وَيكون حَدثهُ كسلامه بِأَن ذَلِك من الْحِيَل لتصحيح الصَّلَاة مَعَ الْحَدث. انْتهى. وَقَالَ ابْن بطال: فِيهِ رد على من قَالَ: إِن من أحدث فِي الْقعدَة الْأَخِيرَة إِن صلَاته صَحِيحَة. انْتهى. وَقيل: التَّحْرِيم يُقَابله التَّسْلِيم لحَدِيث: تَحْرِيمهَا التَّكْبِير وتحليلها التَّسْلِيم، فَإِذا كَانَ أحد الطَّرفَيْنِ ركنا كَانَ الطّرف الآخر ركنا
قلت: لَا مُطَابقَة بَين الحَدِيث والترجمة أصلا فَإِنَّهُ لَا يدل أصلا على شَيْء من الْحِيَل، وَقَول الْكرْمَانِي: فهم متحيلون فِي صِحَة الصَّلَاة مَعَ وجود الْحَدث، كَلَام مَرْدُود غير مَقْبُول أصلا لِأَن الْحَنَفِيَّة مَا صححوا صَلَاة من أحدث فِي الْقعدَة الْأَخِيرَة بالحيلة، وَمَا للحيلة دخل أصلا فِي هَذَا، بل حكمُوا بذلك بقوله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسلم، لِابْنِ مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: إِذا قلت هَذَا أَو فعلت هَذَا فقد تمت صَلَاتك رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه وَلَفظه: إِذا قلت هَذَا أَو قضيت هَذَا فقد قضيت صَلَاتك إِن شِئْت أَن تقوم وَإِن شِئْت أَن تقعد فَاقْعُدْ. وَرَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده وَابْن حبَان فِي صَحِيحه وَهَذَا يُنَافِي فَرضِيَّة السَّلَام فِي الصَّلَاة لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، خير الْمُصَلِّي بعد الْقعُود بقوله إِن شِئْت أَن تقوم ... إِلَى آخِره، وَهُوَ حجَّة على الشَّافِعِي فِي قَوْله: السَّلَام فرض وَمَا حملهمْ على هَذَا الْكَلَام السَّاقِط إلاَّ فرط تعصبهم الْبَاطِل.
وَقَوله: وَجه الرَّد أَنه مُحدث فِي صلَاته، فَلَا تصح غير صَحِيح لِأَن صلَاته قد تمت. وَقَوله: لحَدِيث: وتحليلها التَّسْلِيم، اسْتِدْلَال غير صَحِيح، لِأَنَّهُ خبر من أَخْبَار الْآحَاد فَلَا يدل على الْفَرْضِيَّة، وَكَذَلِكَ استدلالهم على فَرضِيَّة تَكْبِيرَة الِافْتِتَاح بقوله تَحْرِيمهَا التَّكْبِير، غير صَحِيح لما ذكرنَا، بل فرضيته بقوله تَعَالَى: {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} المُرَاد بِهِ فِي الصَّلَاة إِذْ لَا يجب خَارج الصَّلَاة بِإِجْمَاع أهل التَّفْسِير، وَلَا مَكَان يجب فِيهِ إلاَّ فِي افْتِتَاح الصَّلَاة. وَقَوله: بعلة أَنه لبس بِعبَادة، كَلَام سَاقِط أَيْضا، لِأَن الْحَنَفِيَّة لم يَقُولُوا: إِن الْوضُوء لَيْسَ بِعبَادة مُطلقًا، بل قَالُوا: إِنَّه عبَادَة غير مُسْتَقلَّة بذاتها بل هُوَ وَسِيلَة إِلَى إِقَامَة الصَّلَاة، وَقَول ابْن الْمُنِير أَيْضا، بِأَن ذَلِك من الْحِيَل لتصحيح الصَّلَاة، مَرْدُود كَمَا ذكرنَا وَجهه، وَقَول ابْن بطال: فِيهِ رد ... الخ كَذَلِك مَرْدُود. لِأَن الحَدِيث لَا يدل على مَا قَالَه قطعا. وَقَول من قَالَ: فَإِذا كَانَ أحد الطَّرفَيْنِ ركنا كَانَ الطّرف الآخر ركنا، غير سديد وَلَا موجة أصلا لعدم استلزام ذَلِك على مَا لَا يخفى.
قَوْله: حَدثنِي إِسْحَاق ويروى: حَدثنَا إِسْحَاق، وَهُوَ ابْن نصر أَبُو إِبْرَاهِيم السَّعْدِيّ البُخَارِيّ كَانَ ينزل بِالْمَدِينَةِ بِبَاب سعد، يروي عَن عبد الرَّزَّاق بن همام عَن معمر بن رَاشد عَن همام بتَشْديد الْمِيم ابْن مُنَبّه الأبناوي الصَّنْعَانِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي الطَّهَارَة وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
3 - (بابٌ فِي الزَّكاةِ)(24/109)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان ترك الْحِيَل فِي إِسْقَاط الزَّكَاة، وَفِيه خلاف سَيَأْتِي.
وأنْ لَا يُفَرَّقَ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ، وَلَا يَجْمَعَ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ، خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ.
أَي: وَفِي بَيَان أَن لَا يفرق. . إِلَى آخِره، وَهُوَ لفظ الحَدِيث الأول فِي الْبَاب، وَهُوَ قِطْعَة من حَدِيث طَوِيل مضى فِي الزَّكَاة بالسند الْمَذْكُور، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
6955 - حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الله الأنصارِيُّ، حدّثنا أبي، حدّثنا ثُمامَةُ بنُ عَبْده الله بنِ أنَسٍ أنَّ أنَساً حَدَّثهُ أنَّ أَبَا بَكْرٍ كَتَبَ لهُ فَرِيضَةَ الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَ رسولُ الله وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُتفَرِّقٍ، وَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَمُحَمّد بن عبد الله يروي عَن أَبِيه عبد الله بن الْمثنى بن أنس بن مَالك الْأنْصَارِيّ يروي عَن عَمه ثُمَامَة بن عبد الله بن أنس، وثمامة بِضَم الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَتَخْفِيف الْمِيم.
قَوْله: وَلَا يجمع عطف على: فَرِيضَة، أَي: لَو كَانَ لكل شريك أَرْبَعُونَ شَاة فَالْوَاجِب شَاتَان لَا يجمع بَينهمَا ليَكُون الْوَاجِب شَاة وَاحِدَة. وَلَا يفرق كَمَا لَو كَانَ بَين الشَّرِيكَيْنِ أَرْبَعُونَ، لِئَلَّا تجب فِيهِ الزَّكَاة لِأَنَّهُ حِيلَة فِي إِسْقَاطهَا أَو تنقيصها.
6956 - حدّثنا قُتَيْبَةُ، حدّثنا إِسْمَاعِيلُ بنُ جَعْفَرٍ، عنْ أبي سُهَيْلٍ، عنْ أبِيهِ عنْ طَلْحَةَ بنِ عُبَيْدِ الله: أنَّ أعْرَابِيّاً جاءَ إِلَى رسولِ الله ثائِرَ الرَّأسِ فَقَالَ: يَا رسولَ الله أخْبِرْنِي مَاذَا فَرضَ الله عَلَيَّ مِنَ الصَّلاةِ؟ فَقَالَ: الصَّلَواتِ الخَمْسَ إلاَّ أنْ تَطَوَّعَ شَيْئاً فَقَالَ: أخْبِرْنِي بِما فَرَضَ الله عَلَيَّ مِنَ الصِّيامِ؟ قَالَ: شَهْرَ رَمَضَانَ إلاَّ أنْ تَطوَّعَ شَيْئاً قَالَ: أخْبِرْنِي بِما فَرَض الله عَلَيَّ مِنَ الزِّكاةِ؟ قَالَ: أخْبَرَهُ رسولُ الله شَرائِعَ الإسْلام، قَالَ: والَّذي أكْرَمَكَ لَا أتَطوَّعُ شَيْئاً وَلَا أنْقُصُ مِمَّا فَرَضَ الله عَلَيَّ شَيْئاً، فَقَالَ رسولُ الله أفْلَحَ إنْ صَدَقَ أوْ دَخَلَ الجَنَّةَ إنْ صَدَقَ.
وَجه الْمُطَابقَة بَين الحَدِيث والترجمة لَا يَتَأَتَّى إِلَّا بالتعسف، وَأَبُو سُهَيْل مصغر السهل اسْمه نَافِع بن مَالك، وَطَلْحَة بن عبيد الله مُصَغرًا التَّيْمِيّ أحد الْعشْرَة المبشرة بِالْجنَّةِ. قَتله مَرْوَان بن الحكم يَوْم الْجمل.
والْحَدِيث مضى فِي الْإِيمَان، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: شرائع الْإِسْلَام أَي: وَاجِبَات الزَّكَاة وَغَيرهَا، وَقَالَ الْكرْمَانِي: مَفْهُوم الشَّرْط يُوجب أَنه إِن تطوع لَا يفلح. قلت: شَرط اعْتِبَار مَفْهُوم الْمُخَالفَة عدم مَفْهُوم الْمُوَافقَة، وَهَاهُنَا مَفْهُوم الْمُوَافقَة ثَابت، إِذْ من تطوع يفلح بِالطَّرِيقِ الأولى.
وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: فِي عِشْرِينَ ومِائَةِ بَعيرٍ حِقَّتانِ، فَإِن أهْلَكَها مُتَعَمِّداً أوْ وَهَبَها أوِ احْتالَ فِيها فِراراً مِنَ الزَّكاةِ، فَلا شَيْءَ عَليْهِ.
قيل: أَرَادَ بعض النَّاس أَبَا حنيفَة والتشنيع عَلَيْهِ لِأَن مذْهبه أَن كل حِيلَة يتحيل بهَا أحد فِي إِسْقَاط الزَّكَاة فأثم ذَلِك عَلَيْهِ. وَأَبُو حنيفَة يَقُول: إِذا نوى بتفويته الْفِرَار من الزَّكَاة قبل الْحول بِيَوْم لم تضره النِّيَّة، لِأَن ذَلِك لَا يلْزمه إلاَّ بِتمَام الْحول، وَلَا يتَوَجَّه إِلَيْهِ معنى قَوْله خشيَة الصَّدَقَة إلاَّ حينئذٍ، وَقد قَامَ الْإِجْمَاع على جَوَاز التَّصَرُّف قبل دُخُول الْحول كَيفَ شَاءَ، وَهُوَ قَول الشَّافِعِي أَيْضا، فَكيف يُرِيد بقوله: بعض النَّاس أَبَا حنيفَة على الْخُصُوص؟ وَقيل: أَرَادَ بِهِ أَبَا يُوسُف، فَإِنَّهُ قَالَ: فِي عشْرين وَمِائَة(24/110)
بعير. . إِلَى آخِره، وَقَالَ: لَا شَيْء عَلَيْهِ لِأَنَّهُ امْتنَاع عَن الْوُجُوب لَا إِسْقَاط الْوَاجِب، وَقَالَ مُحَمَّد: يكره لم فِيهِ من الْقَصْد إِلَى إبِْطَال حق الْفُقَرَاء بعد وجود سَببه، وَهُوَ النّصاب.
6957 - حدّثنا إسْحاق، حدّثنا عبْدُ الرَّزَّاقِ، حدّثنا مَعْمَرٌ، عنْ هَمَّام، عنْ أبي هُرَيْرَةَ، رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: قَالَ رسولُ الله يَكُونُ كَنْزُ أحَدِكُمْ يَوْمَ القِيامَةِ شُجاعاً أقْرَعَ يَفِرُّ مِنْهُ صاحِبُهُ فَيَطْلُبُهُ ويَقُولُ أَنا كنْزُكَ قَالَ: وَالله لَنْ يَزَالَ يَطْلُبُهُ حتَّى يَبْسُطَ يَدَهُ فيُلْقِمَها فاهُ
0 - انْظُر الحَدِيث 1403 ف
6958 - وَقَالَ رسولُ الله إِذا مَا رَبُّ النَّعْمِ لَمْ يُعْطِ حَقَّها تُسَلَّطُ عَلَيْهِ يَوْمَ القِيامَةِ تَخْبطُ وَجْهَهُ بأخْفافِها
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ منع الزَّكَاة بِأَيّ وَجه كَانَ من الْوُجُوه الْمَذْكُورَة.
وَإِسْحَاق قيل: إِنَّه ابْن رَاهَوَيْه كَمَا جزم بِهِ أَبُو نعيم فِي الْمُسْتَخْرج وَقَالَ الْكرْمَانِي: قَالَ الكلاباذي: يروي البُخَارِيّ عَن إِسْحَاق بن مَنْصُور وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الْحَنْظَلِي وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم السَّعْدِيّ عَن عبد الرَّزَّاق. انْتهى. قلت: مُقْتَضى كَلَام الْكرْمَانِي أَن إِسْحَاق هُنَا يحْتَمل أَن يكون أحد الثَّلَاثَة الْمَذْكُورين بِغَيْر تعْيين. والْحَدِيث مضى فِي الزَّكَاة.
قَوْله كنز أحدكُم الْكَنْز المَال الَّذِي يخبأ وَلَا تُؤَدّى زَكَاته. قَوْله: شجاعاً من المثلثات وَهُوَ حَيَّة، والأقرع بِالْقَافِ أَي المتناثر شعر رَأسه لِكَثْرَة سمه. قَوْله: لن يزَال وَفِي رِوَايَة الْكشميهني. لَا يزَال. قَوْله: حَتَّى يبسط يَده أَي: صَاحب المَال. قَوْله: فيلقمها أَي: يَده.
قَوْله: وَقَالَ رَسُول الله وَهُوَ مَوْصُول بالسند الْمَذْكُور. قَوْله: إِذا مَا رب النعم كلمة: مَا، زَائِدَة والرب الْمَالِك وَالنعَم بِفتْحَتَيْنِ الْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم، وَالظَّاهِر أَن المُرَاد بِهِ هُنَا هُوَ الْإِبِل بِقَرِينَة ذكر أخفافها لِأَنَّهُ لِلْإِبِلِ خَاصَّة وَهُوَ جمع خف والخف لِلْإِبِلِ كالظلف للشاة.
وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ، فِي رَجُلٍ لهُ إبِلٌ فَخافَ أنْ تَجِبَ عَليْهِ الصَّدَقَة فباعَها. بإبِلٍ مِثْلها أوْ بِغَنَمٍ أوْ بِبَقرٍ أوْ بِدَراهمَ فِراراً مِنَ الصَّدَقَةِ بِيَوْمٍ احْتِيالاً: فَلا بَأْسَ عَلَيْهِ، وهْوَ يَقُولُ: إنْ زَكَّى إبلَهُ قَبْلَ أنْ يَحُولَ الحَوْلُ بِيَوْمِ أوْ بِسَنَةٍ جازَتْ عَنْهُ.
قَالَ بعض الشُّرَّاح أَرَادَ البُخَارِيّ بِبَعْض النَّاس أَبَا حنيفَة يُرِيد بِهِ التشنيع عَلَيْهِ بِإِثْبَات التَّنَاقُض، فَمَا قَالَه بَيَان مَا يُريدهُ من التَّنَاقُض. هُوَ أَنه: نقل مَا قَالَه فِي رجل لَهُ إبل ... إِلَى آخِره، ثمَّ قَالَ: وَهُوَ يَقُول: أَي: وَالْحَال أَن بعض النَّاس الْمَذْكُور يَقُول: إِن زكى إبِله ... الخ، يَعْنِي: جَازَ عِنْده التَّزْكِيَة قبل الْحول بِيَوْم، فَكيف يسْقطهُ فِي ذَلِك الْيَوْم؟ وَقَالَ صَاحب التَّلْوِيح مَا ألزم البُخَارِيّ أَبَا حنيفَة من التَّنَاقُض فَلَيْسَ بتناقض لِأَنَّهُ لَا يُوجب الزَّكَاة إلاَّ بِتمَام الْحول، وَيجْعَل من قدمهَا كمن قدم دينا مُؤَجّلا، وَقد سبقه بِهَذَا ابْن بطال.
6959 - حدّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ، حدّثنا لَ يْثٌ، عنِ ابنِ شهابٍ، عنْ عُبَيْدِ الله بنِ عَبْدِ الله بنِ عُتْبَةَ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ أنَّهُ قَالَ: اسْتَفْتَى سَعْدُ بنُ عبادَةَ الأنْصاري رسولَ الله فِي نذْرٍ كَانَ عَلى أُمِّهِ تُوُفِّيَتْ قَبْلَ أنْ تَقْضَيَهُ، فَقَالَ رسولُ الله اقْضِهِ عَنْها
انْظُر الحَدِيث 2761 وطرفه
مطابقته للتَّرْجَمَة تظهر بتعسف من كَلَام الْمُهلب حَيْثُ قَالَ: فِي هَذَا الحَدِيث حجَّة على أَن الزَّكَاة لَا تسْقط بالحيلة وَلَا بِالْمَوْتِ، لِأَن النّذر لما لم يسْقط بِالْمَوْتِ وَالزَّكَاة أوكد مِنْهُ فَلَا تسْقط. قلت: فِيهِ نظر لَا يخفى. أما الحَدِيث فَإِنَّهُ لَا يدل على حكم الزَّكَاة لَا بالسقوط وَلَا بِعَدَمِ السُّقُوط، وَأما قِيَاس عدم سُقُوط النّذر بِالْمَوْتِ فَقِيَاس غير صَحِيح. لِأَن النّذر حق(24/111)
معِين لوَاحِد وَالزَّكَاة حق الله وَحقّ الْفُقَرَاء فَمن أَيْن الْجَامِع بَينهمَا؟ وَمَعَ هَذَا فَهَذَا الحَدِيث وَالْحَدِيثَانِ اللَّذَان قبله لَا تطابق التَّرْجَمَة إِذا حققت النّظر فِيهَا، وَأَنَّهَا بمعزل عَنْهَا.
وَرِجَال الحَدِيث الْمَذْكُور ذكرُوا غير مرّة. والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْأَيْمَان وَالنُّذُور.
وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إِذا بَلَغتِ الإبِلُ عِشْرِينَ فَفِيها أرْبَعُ شِياهٍ، فإنْ وَهَبها قَبْلَ الحَوْلِ، أوْ باعَها فِراراً واحْتِيالاً لإسْقاطِ الزَّكاةِ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ، وكَذالِكَ إنْ أتْلفَها فَماتَ فَلا شَيءَ فِي مالِهِ.
أَرَادَ بقوله بعض النَّاس أَبَا حنيفَة أَو الْحَنَفِيَّة كَمَا ذكرنَا. وَالْكَلَام فِيهِ مثل الْكَلَام فِي الفرعين الْمُتَقَدِّمين، وَهُوَ أَن الْحَنَفِيَّة إِنَّمَا قَالُوا: لَا شَيْء عَلَيْهِ فِي هَذِه الثَّلَاثَة، لِأَنَّهُ إِذا أَزَال عَن ملكه قبل الْحول فَمن أَيْن يكون عَلَيْهِ شَيْء؟ فَلَا يرد عَلَيْهِم مَا زَعمه البُخَارِيّ، فحينئذٍ لَا فَائِدَة فِي تكْرَار هَذِه الْفُرُوع، وَذكرهَا مفرقة. فَإِن قلت: قَالَ الْكرْمَانِي: إِنَّمَا كررها لإِرَادَة زِيَادَة التشنيع ولبيان مخالفتهم لثَلَاثَة أَحَادِيث. قلت: التشنيع على الْمُجْتَهدين الْكِبَار لَا يجوز وَلَيْسَ فِيمَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ مُخَالفَة لأحاديث الْبَاب كَمَا ترَاهُ، وَهِي بمعزل عَمَّا ذَهَبُوا إِلَيْهِ، وَمن لَهُ إِدْرَاك دَقِيق فِي دقائق الْكَلَام يقف على هَذَا، وَيظْهر لَهُ الْحق الْبَاطِل وَالصَّوَاب من الْخَطَأ، وَالله ولي الْعِصْمَة والتوفيق.
4 - (بابٌ الحِيلَةُ فِي النِّكاحِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان ترك الْحِيلَة فِي النِّكَاح.
6960 - حدّثنا مُسَدَّدٌ، حدّثنا يَحْياى بنُ سعِيدٍ، عنْ عُبَيْدِ الله، قَالَ: حَدثنِي نافِعٌ، عنْ عَبْدِ الله، رَضِي الله عَنهُ، أنَّ رسولَ الله نَهاى عَنِ الشِّغارِ. قُلْتُ لِنافِعٍ: مَا الشِّغار؟ قَالَ: يَنْكِحُ ابْنةَ الرَّجُلِ ويُنْكِحُهُ ابْنَتهُ بِغَيْرِ صَداقٍ، ويَنْكِحُ أُخْتَ الرَّجُلِ ويُنْكِحُهُ أُخْتَهُ بِغَيْرِ صَداقٍ.
انْظُر الحَدِيث 5112
لَا مُطَابقَة أصلا بَين التَّرْجَمَة والْحَدِيث حَتَّى قيل: إِن إِدْخَال البُخَارِيّ الشّغَار فِي بَاب الْحِيلَة فِي النِّكَاح مُشكل لِأَن الْقَائِل بِالْجَوَابِ يبطل الشّغَار وَيُوجب مهر الْمثل.
وَعبيد الله بِالتَّصْغِيرِ ابْن عمر الْعمريّ، وَعبد الله هُوَ ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، والْحَدِيث مضى فِي النِّكَاح، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إِن احْتَالَ حتَّى تَزَوَّجَ عَلى الشِّغار فَهْوَ جائِزٌ والشَّرْطُ باطِلٌ.
وَقَالَ فِي المُتْعَةِ: النِّكاحُ فاسِدٌ والشَّرْطُ باطِلٌ.
وَقَالَ بَعْضُهُمُ: المُتْعَةُ والشِّغارُ جائِزٌ والشَّرْطُ باطِلٌ.
أَرَادَ بِبَعْض النَّاس الْحَنَفِيَّة على مَا قَالُوا: إِن فِي كل مَوضِع قَالَ البُخَارِيّ: قَالَ بعض النَّاس، فمراده الْحَنَفِيَّة أَو أَبُو حنيفَة وَحده، وَهَذَا غير وَارِد عَلَيْهِم لأَنهم قَالُوا بِصِحَّة الْعقْدَيْنِ فِيهِ وبوجوب مهر الْمثل لوُجُود ركن النِّكَاح من أَهله فِي مَحَله، وَالنَّهْي فِي الحَدِيث لإخلاء العقد عَن الْمهْر فَصَارَ كالعقد بِالْخمرِ. قَوْله: إِن احتال، لم يذكر أحد من الْحَنَفِيَّة أَنهم احْتَالُوا فِي الشّغَار وَإِنَّمَا قَالُوا: صُورَة نِكَاح الشّغَار أَن يَقُول الرجل: إِنِّي أزَوجك ابْنَتي على أَن تزَوجنِي ابْنَتك أَو أختك، فَيكون أحد الْعقْدَيْنِ عوضا عَن الآخر فالعقدان جائزان وَلكُل مِنْهُمَا مهر مثلهَا. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: نِكَاح الشّغَار بَاطِل لظَاهِر الحَدِيث.
قَوْله: وَقَالَ فِي الْمُتْعَة أَي: وَقَالَ بعض النَّاس فِي نِكَاح الْمُتْعَة: النِّكَاح فَاسد وَالشّرط بَاطِل، وَصورته أَن يتَزَوَّج الْمَرْأَة بِشَرْط أَن يتمتع بهَا أَيَّامًا ثمَّ يخلي سَبِيلهَا، هَكَذَا ذكره الْكرْمَانِي، وَعند أبي حنيفَة صورته أَن يَقُول: متعيني نَفسك، أَو أتمتع بك مُدَّة مَعْلُومَة، طَوِيلَة أَو قَصِيرَة، فَتَقول: متعتك نَفسِي وَلَا بُد من لفظ التَّمَتُّع فِيهِ، هَذَا مجمع عَلَيْهِ.
قَوْله: وَقَالَ بَعضهم ... الخ لم أر أحدا من الشُّرَّاح بَين من هَؤُلَاءِ الْبَعْض، وَقَالَ صَاحب التَّوْضِيح المُرَاد بِهِ بعض أَصْحَاب أبي حنيفَة. قلت: لم يذكر أحد من أَصْحَاب أبي حنيفَة شَيْئا من هَذَا، وَقَالَ بَعضهم: كَأَنَّهُ يُشِير إِلَى مَا نقل عَن زفر أَنه أجَاز الموقت وألغى الشَّرْط لِأَنَّهُ شَرط فَاسد(24/112)
وَالنِّكَاح لَا يبطل بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَة. انْتهى. قلت: مَذْهَب زفر لَيْسَ كَذَلِك، بل عِنْده مَا صورته أَن يتَزَوَّج امْرَأَة إِلَى مُدَّة مَعْلُومَة فَالنِّكَاح صَحِيح وَيلْزم، وَاشْتِرَاط الْمدَّة بَاطِل، وَعند أبي حنيفَة وصاحبيه: النِّكَاح بَاطِل.
6961 - حدّثنا مُسَدَّدٌ، حدّثنا يَحْياى عنْ عُبَيْدِ الله بن عُمَرَ، حدّثنا الزُّهْريُّ عَن الحَسَنِ وعَبْدِ الله ابْنَيْ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيَ، عنْ أبِيهِما: أنَّ عَلِيّاً، رَضِي الله عَنهُ، قِيلَ لهُ: إنَّ ابنَ عَبَّاسٍ لَا يَرى بمُتْعَةِ النِّساءِ بأْساً فَقَالَ: إنَّ رسولَ الله نَهى عَنْها يَوْمَ خَيْبَرَ وعنْ لُحُومِ الحُمُرِ الإِنْسِيَّةِ.
هَذَا أَيْضا غير مُطَابق لعدم التَّعَرُّض إِلَى الْحِيلَة فِي الْمُتْعَة، وَإِنَّمَا صورتهَا مَا ذكرنَا.
وَيحيى هُوَ الْقطَّان، وَعبيد الله بن عمر الْعمريّ، وَمُحَمّد بن عَليّ هُوَ الْمَعْرُوف بِابْن الْحَنَفِيَّة، وَعلي هُوَ ابْن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب النِّكَاح وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إِن احْتالَ حتَّى تَمَتَّعَ فالنِّكاحُ فاسِدٌ.
وَقَالَ بَعْضُهُمُ النِّكاحُ جائِزٌ والشَّرْطُ باطِلٌ.
لَا مُنَاسبَة لذكر هَذَا هُنَا لِأَن بطلَان الْمُتْعَة مجمع عَلَيْهِ. وَقَوله: إِن احتال لَيْسَ لَهُ دخل فِي الْمُتْعَة، وَإِنَّمَا ذكره ليشنع بِهِ على الْحَنَفِيَّة من غير وَجه.
قَوْله: وَقَالَ بَعضهم الخ، قَالَ بَعضهم: إِنَّه قَول زفر، وَلَيْسَ كَذَلِك، وَإِنَّمَا قَول زفر قد بَيناهُ عَن قريب، فَافْهَم.
5 - (بابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ الاحْتِيالِ فِي البُيُوعِ وَلَا يُمْنَعُ فَضْلُ الماءِ لِيُمْنَعَ بِهِ فَضْلُ الكَلأ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا يكره من الاحتيال فِي الْبيُوع وَلم يذكر فِيهِ حَدِيثا، وَقَالَ الْكرْمَانِي: هُوَ من قبيل مَا ترْجم لَهُ وَلم يلْحق الحَدِيث بِهِ، هَذَا هُوَ الْغَالِب. قلت: لما لم يظفر بِحَدِيث يتَعَلَّق بالترجمة كَانَ تَركهَا هُوَ الْأَوْجه. قَوْله: وَلَا يمْنَع فضل المَاء ... الخ التَّقْدِير فِيهِ: وَبَاب فِي بَيَان لَا يمْنَع ... الخ، وَيَجِيء الْكَلَام فِيهِ الْآن.
6962 - حدّثنا إسْماعِيلُ، حَدثنَا مالِكٌ عنْ أبي الزِّنادِ، عنِ الأعْرَجِ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ: أنَّ رسولَ الله قَالَ: لَا يُمْنَعُ فَضْلُ الماءِ لِيُمْنَعَ بِهِ فَضْلُ الكَلإ
انْظُر الحَدِيث 2353 وطرفه
الْجُزْء الثَّانِي من التَّرْجَمَة هُوَ عين حَدِيث الْبَاب، قَالَ الْكرْمَانِي: كَيْفيَّة تعلقه بِكِتَاب الْحِيَل هُوَ إِرَادَة صِيَانة الْكلأ الْمُبَاح للْكُلّ الْمُشْتَرك فِيهِ، فيحيل بصيانة المَاء لتلزم صيانته.
وَإِسْمَاعِيل هُوَ بن أويس، وَأَبُو الزِّنَاد بالزاي وَالنُّون عبد الله بن ذكْوَان، والأعرج هُوَ عبد الرحمان بن هُرْمُز.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الشّرْب.
قَوْله: لَا يمْنَع على صِيغَة الْمَجْهُول يَعْنِي: لَا يمْنَع فضل المَاء عَنهُ بِوَجْه من الْوُجُوه لِأَنَّهُ إِذا لم يمْنَع بِسَبَب غَيره فأحرى أَن يمْنَع بِسَبَب نَفسه، وَفِي تَسْمِيَته: فضلا، إِشَارَة إِلَى أَنه إِذا لم يكن زِيَادَة عَن حَاجَة صَاحب الْبِئْر جَازَ لصَاحب الْبِئْر مَنعه، صورته: رجل لَهُ بِئْر وحولها كلأ مُبَاح وَهُوَ بِفَتْح الْكَاف وَاللَّام المخففة وبالهمزة وَهُوَ مَا يرْعَى، فَأَرَادَ الرجل الِاخْتِصَاص بِهِ فَيمْنَع فضل مَاء بئره أَن يردهُ نِعَمُ غَيره للشُّرْب وَهُوَ لَا حَاجَة لَهُ فِي المَاء الَّذِي يمنعهُ، وَإِنَّمَا حَاجته إِلَى الْكلأ، وَهُوَ لَا يقدر على مَنعه لكَونه غير مَمْلُوك لَهُ فَيمْنَع المَاء فيتوفر لَهُ الْكلأ، وَأمر الشَّارِع صَاحب الْبِئْر أَن لَا يمْنَع فضل المَاء لِئَلَّا يكون مَانِعا للكلأ.
6 - (بابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ التَّناجُشِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا يكره من التناجش، وَهُوَ أَن يزِيد فِي الثّمن بِلَا رَغْبَة فِيهِ ليوقع الْغَيْر فِيهِ، وَأَنه ضرب من التحيل فِي تَكْثِير(24/113)
الثّمن، وَالْمرَاد من الْكَرَاهَة كَرَاهَة التَّحْرِيم.
6963 - حدّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ، عنْ مالِكٍ، عنْ نافِع، عنِ ابنِ عُمَرَ: أَن رسولَ الله نهى عَنِ النجْشِ. انْظُر الحَدِيث 21
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، ودخوله فِي كتاب الْحِيَل من حَيْثُ إِن فِيهِ نوعا من الْحِيلَة لإضرار الْغَيْر.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْبيُوع وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
7 - (بابُ مَا يُنْهاى مِن الخِداعِ فِي البُيُوعِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا جَاءَ فِي النَّهْي من الخداع، وَيُقَال لَهُ: الخدع، بِالْفَتْح وَالْكَسْر، وَرجل خَادع، وَفِي الْمُبَالغَة: خدوع وخداع. قَوْله: من الخداع وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: عَن الخداع.
وَقَالَ أيُّوبُ: يُخادِعُونَ الله كَمَا يُخادِعُونَ آدَمِيّاً لوْ أتَوْا الأمْرَ عِياناً كانَ أهْوَنَ عَلَيَّ.
أَيُّوب هُوَ السّخْتِيَانِيّ. قَوْله: كَمَا يخادعون ويروى: كَأَنَّمَا يخادعون. قَوْله: عيَانًا قَالَ الْكرْمَانِي: لَو علمُوا هَذِه الْأُمُور بِأَن أَخذ الزَّائِد على الثّمن مُعَاينَة بِلَا تَدْلِيس لَكَانَ أسهل لِأَنَّهُ مَا جعل الدّين آلَة لَهُ، وَقَول أَيُّوب هَذَا رَوَاهُ وَكِيع عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن أَيُّوب.
6964 - حدّثنا إسْماعِيلُ، حدّثنا مالِك عنْ عَبْدِ الله بنِ دِينارٍ، عنْ عَبْدِ الله بنِ عُمَرَ، رَضِي الله عَنْهُمَا: أنَّ رَجُلاً ذَكَرَ لِلنبيِّ أنَّهُ يخْدَعُ فِي البُيُوعِ، فَقَالَ: إِذا بايَعْتَ فَقُلْ: لَا خِلابَةَ
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن أبي أويس. والْحَدِيث مضى فِي الْبيُوع.
قَوْله: أَن رجلا هُوَ حبَان بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة ابْن منقذ على صِيغَة اسْم الْفَاعِل من الإنقاذ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة. قَوْله: يخدع على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: لَا خلابة بِكَسْر الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف اللَّام وبالباء الْمُوَحدَة وَمَعْنَاهُ: لَا خديعة. وَقَالَ الْمُهلب: معنى قَوْله: لَا خلابة أَي: لَا تخلبوني أَي لَا تخدعوني فَإِن ذَلِك لَا يحل، وَقَالَ: لَا يدْخل فِي الخداع الثَّنَاء على السّلْعَة والإطناب فِي مدحها فَإِنَّهُ متجاوز عَنهُ وَلَا ينْقض بِهِ البيع.
8 - (بابُ مَا يُنْهاى عَنَ الاحْتِيالِ لِلْوَلِيِّ فِي اليَتِيمَةِ المَرْغُوبَةِ وأنْ لَا يُكَمِّلَ صَداقَها)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا ينْهَى عَن الاحتيال للْوَلِيّ فِي الْيَتِيمَة الَّتِي يرغب وَليهَا فِيهَا، وَفِي بَيَان مَا ينْهَى أَن لَا يكمل صَدَاقهَا، ويروى أَن لَا يكمل لَهَا صَدَاقهَا.
6965 - حدّثنا أبُو اليَمانِ، حدّثنا شُعَيْبٌ، عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: كَانَ عُرْوَةُ يُحَدِّثُ أنَّهُ سَألَ عائِشَةَ {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِى الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ النِّسَآءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذالِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ} قالَتْ هِيَ اليَتِيمَةُ فِي حَجْر وَلِيِّها. فَيَرْغَبُ فِي مالِها وجَمالها فَيُرِيدُ أنْ يَتَزَوَّجَهَا بِأدْنَى مِنْ سُنَّةِ نِسائِها، فَنُهُوا عَنْ نِكاحِهِنَّ إِلَّا أنْ يُقْسِطُوا لهُنَّ فِي إكْمالِ الصَّداقِ، ثمَّ اسْتَفْتَى النَّاسُ رسولَ الله بَعْدُ فأنْزلَ الله {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِى النِّسَآءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِى الْكِتَابِ فِى يَتَامَى النِّسَآءِ الَّلَاتِى لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَن تَقُومُواْ لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيماً} فَذَكَرَ الحَدِيثَ
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع، وَشُعَيْب بن أبي حَمْزَة.
والْحَدِيث مضى فِي التَّفْسِير فِي مَوَاضِع فِي سُورَة النِّسَاء، وَمضى الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى.
قَوْله: فِي حجر وَليهَا بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَكسرهَا. قَوْله: بِأَدْنَى من سنة نسائها أَي: أقل من(24/114)
مهر مثل أقاربها. قَوْله: فنهوا على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: إِلَّا أَن يقسطوا بِضَم الْيَاء من الإقساط وَهُوَ الْعدْل. قَوْله: فَذكر الحَدِيث أَي: بَاقِي الحَدِيث. واليتيمة إِذا كَانَت ذَات جمال وَمَال رَغِبُوا فِي نِكَاحهَا وَإِذا كَانَت مرغوباً عَنْهَا فِي قلَّة المَال وَالْجمال تركوها، وَأخذُوا غَيرهَا من النِّسَاء. قلت: فَكَمَا يتركونها مرغوبين عَنْهَا فَلَيْسَ لَهُم أَن ينكحوها إِذا رَغِبُوا فِيهَا إِلَّا أَن يقسطوا لَهَا ويعطوها حَقّهَا الأوفى من الصَدَاق.
9 - (بابٌ إذَا غَصَبَ جارِيَةً فَزَعَمَ أنّها ماتَتْ، فَقُضِيَ بَقِيمَةِ الجارِيَةِ المَيِّتَةِ ثموجَدَهَا صاحِبُها فَهْيَ لهُ وتُرَدُّ القِيمَةُ وَلَا تَكونُ القِيمَةُ ثَمَناً)
أَي: هَذَا بَاب مترجم بِمَا إِذا غصب رجل جَارِيَة لشخص، يَعْنِي: أَخذهَا قهرا، فَلَمَّا ادّعى عَلَيْهِ المغصب مِنْهُ زعم أَي: الْغَاصِب أَن الْجَارِيَة مَاتَت، فقضي، على صِيغَة الْمَجْهُول، وَيجوز أَن يكون على صِيغَة الْمَعْلُوم، أَي: فَقضى الْحَاكِم بِقِيمَة تِلْكَ الْجَارِيَة الَّتِي زعم الْغَاصِب أَنَّهَا مَاتَت ثمَّ وجدهَا صَاحبهَا وَهُوَ الْمَغْصُوب مِنْهُ فَهِيَ أَي الْجَارِيَة لَهُ أَي: للْمَالِك، وَيرد الْقيمَة الَّتِي حكم بهَا إِلَى الْغَاصِب وَلَا تكون الْقيمَة ثمنا، إِذْ لَيْسَ ذَلِك بيعا إِنَّمَا أَخذ الْقيمَة لزعم هلاكها، فَإِذا زَالَ ذَلِك وَجب الرُّجُوع إِلَى الأَصْل.
وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: الجارِيَةُ لِلْغاصِبِ لأخْذِهِ القيمةَ، وَفِي هاذَا احْتِيالٌ لِمَنِ اشْتَهَى جارِيَةَ رجُلٍ لَا يَبِيعُها فَغَصَبَها، واعْتَلَّ بأنّها ماتَتْ حتَّى يأخُذَ ربُّها قِيمَتَها، فَيَطِيبُ لِلْغاصِبِ جاريَةُ غَيْرِهِ.
أَرَادَ بِبَعْض النَّاس: أَبَا حنيفَة، وَلَيْسَ لذكر هَذَا الْبَاب هُنَا وَجه لِأَنَّهُ لَيْسَ مَوْضِعه، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ التشنيع على الْحَنَفِيَّة، وَلَيْسَ هَذَا من دأب الْمَشَايِخ. قَوْله: لأَخذه أَي: صَاحبهَا. قَوْله: واعتل أَي: تعلل وَاعْتذر.
قَالَ النبيُّ أمْوَالُكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ ولِكُلِّ غادِرٍ لِواءٌ يَوْمَ القِيامَةِ
هَذَانِ طَرِيقَانِ للحديثين الْمَذْكُورين ذكرهمَا فِي معرض الِاحْتِجَاج على مَا ذكره، وَلَيْسَ فيهمَا مَا يدل على دَعْوَاهُ أما الأول فَمَعْنَاه: أَن أَمْوَالكُم عَلَيْكُم حرَام إِذا لم يُوجد التَّرَاضِي، وَهنا قد وجد التَّرَاضِي بِأخذ الْمَالِك الْقيمَة وَأما الثَّانِي: فَلَا يُقَال للْغَاصِب فِي اللُّغَة: إِنَّه غادر، لِأَن الْغدر ترك الْوَفَاء وَالْغَصْب هُوَ أَخذ شَيْء قهرا أَو عُدْوانًا. وَقَول الْغَاصِب: إِنَّهَا مَاتَت، كذب ثمَّ أَخذ الْمَالِك الْقيمَة رضَا، فَالْحَدِيث الأول وَصله البُخَارِيّ مطولا من حَدِيث أبي بكر فِي أَوَاخِر الْحَج، وَقَالَ الْكرْمَانِي: قَوْله: أَمْوَالكُم عَلَيْكُم مُقَابلَة الْجمع بِالْجمعِ، وَهِي تفِيد التَّوْزِيع فَيلْزم أَن يكون مَال كل شخص حَرَامًا عَلَيْهِ، وَأجَاب بِأَن هَذَا مثل قَوْلهم: بَنو تَمِيم قتلوا أنفسهم، أَي: قتل بَعضهم بَعْضًا، فَهُوَ مجَاز أَو إِضْمَار فِيهِ للقرينة الصارفة عَن ظَاهرهَا، كَمَا علم من الْقَوَاعِد الشَّرْعِيَّة. والْحَدِيث الثَّانِي ذكره مَوْصُولا هُنَا على مَا يَجِيء الْآن.
6966 - حدّثنا أبُو نُعَيْمٍ، حدّثنا سُفْيانُ، عنْ عَبْدِ الله بنِ دِينارٍ، عنْ عَبْدِ الله بنِ عُمَرَ، رَضِي الله عَنْهُمَا، عنِ النبيِّ قَالَ: لِكُلِّ غادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ القِيامَةِ يُعْرَفُ بِهِ
أَبُو نعيم هُوَ الْفضل بن دُكَيْن، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ: والْحَدِيث من أَفْرَاده.
10 - (بابٌ)
أَي: هَذَا بَاب كَذَا وَقع فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين بِغَيْر تَرْجَمَة، وَقد مر أَمْثَال هَذَا فِيمَا مضى وَقد ذكرنَا أَنه كالفصل لما قبله، وحذفه النَّسَفِيّ والإسماعيلي وَابْن بطال وَلم يذكروه أصلا، وأضاف ابْن بطال مَسْأَلَة الْبَاب إِلَى الْبَاب الَّذِي قبله. وَأما الْكرْمَانِي فَإِنَّهُ لَا يذكر غَالب التراجم.
6967 - حدّثنا مُحَمَّدٌ بنُ كَثِيرٍ، عنْ سُفْيانَ، عنْ هِشامٍ، عنْ عُرْوَةَ عَنْ زَيْنَبَ ابْنَةِ أُمِّ سَلمَةَ عنْ أُمِّ سَلَمَةَ عنِ النبيِّ قَالَ: إنَّما أَنا بَشَرٌ، وإنّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ، ولَعَلَّ(24/115)
بَعْضَكُمْ أنْ يَكُونَ ألْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ وأقْضِي لهُ عَلى نَحْوِ مَا أسْمَعُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لهُ مِنْ حَقِّ أخِيهِ شَيْئاً فَلاَ يأخُذْ، فإنّما أقْطَعُ لهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ
لما كَانَ هَذَا الْبَاب غير مترجم وَهُوَ كالفصل يكون حَدِيثه مُضَافا إِلَى الْبَاب الَّذِي قبله، وَوجه التطابق ظَاهر لنَهْيه عَن أَخذ مَال الْغَيْر إِذا كَانَ يعلم أَنه فِي نفس الْأَمر للْغَيْر.
وَمُحَمّد بن كثير بالثاء الْمُثَلَّثَة، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ، وَهِشَام هُوَ ابْن عُرْوَة بن الزبير، وَزَيْنَب ابْنة أم سَلمَة تروي عَن أمهَا أم سَلمَة وَاسْمهَا هِنْد بنت أبي أُميَّة.
والْحَدِيث مضى فِي الْمَظَالِم عَن عبد الْعَزِيز بن عبد الله، وَفِي الشَّهَادَات عَن القعْنبِي وَسَيَأْتِي فِي الْأَحْكَام عَن أبي الْيَمَان عَن شُعَيْب.
قَوْله إِنَّمَا أَنا بشر يَعْنِي: كواحد مِنْكُم وَلَا أعلم الْغَيْب وبواطن الْأُمُور كَمَا هُوَ مُقْتَضى الْحَالة البشرية، وَأَنا أحكم بِالظَّاهِرِ. قَوْله: وَلَعَلَّ اسْتعْمل هُنَا اسْتِعْمَال: عَسى. قَوْله: أَلحن أفعل التَّفْضِيل من: لحن، بِكَسْر الْحَاء إِذا فطن، وَالْمرَاد أَنه إِذا كَانَ أفطن كَانَ قَادِرًا على أَن يكون أقدر من حجَّته من الآخر، وَفِي رِوَايَة الْمَظَالِم بِلَفْظ: أبلغ بحجته. قَوْله: على نَحْو مَا اسْمَع كلمة: مَا، مَوْصُولَة هَكَذَا فِي رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: على نَحْو مِمَّا أسمع. قَوْله: من حق أَخِيه ويروى: من أَخِيه، وَتَفْسِيره: من حق أَخِيه. قَوْله: فَلَا يَأْخُذ وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: فَلَا يَأْخُذهُ. قَوْله: قِطْعَة من النَّار قَالَ الْكرْمَانِي: حرَام عَلَيْهِ ومرجعه إِلَى النَّار، وَقيل: مَعْنَاهُ إِن أَخذهَا مَعَ علمه بِأَنَّهَا حرَام عَلَيْهِ دخل النَّار.
11 - (بابُ شَهادَةِ الزُّورِ فِي النِّكاحِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم شَهَادَة الزُّور فِي النِّكَاح، وَقد مضى عَن قريب فِي: بَاب الْحِيلَة فِي النِّكَاح، وَذكر فِيهِ الشّغَار والمتعة وأتى بِهَذَا الْبَاب هُنَا لبَيَان حكم شَهَادَة الزُّور، كَمَا ذكرنَا.
6968 - حدّثنا مُسْلِمُ بنُ إبْرَاهِيمَ، حدّثنا هِشامٌ، حدّثنا يَحْياى بنُ أبي كَثِير عنْ أبي سَلَمَةَ عنْ أبي هُرَيْرَةَ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا تُنْكَحُ البِكْرُ حتّى تُسْتأذَنَ، وَلَا الثَّيِّبُ حتَّى تُسْتَأمَرَ فَقِيلَ يَا رسولَ الله كَيْفَ إذْنُها؟ قَالَ: إِذا سَكَتَتْ
انْظُر الحَدِيث 5136 وطرفه
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَهِشَام هُوَ الدستوَائي والْحَدِيث قد مر فِي النِّكَاح.
قَوْله: لَا تنْكح على صِيغَة الْمَجْهُول أَي: لَا تزوج. قَوْله: حَتَّى تستأذن على صِيغَة الْمَجْهُول أَيْضا، أَي: حَتَّى يُؤْخَذ مِنْهَا الْإِذْن. قَوْله: حَتَّى تستأمر على صِيغَة الْمَجْهُول أَيْضا أَي: حَتَّى تستشار.
وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إِذا لَمْ تُسْتأذَنِ البِكْرُ ولَمْ تُزَوَّجْ فاحْتال رجُلٌ فأقامَ شاهِدَيْ زُورٍ أنّهُ تَزَوَّجَها بِرِضاها، فأثْبَتَ القاضِي نِكاحَها، والزَّوْجُ يَعْلَمُ أنَّ الشهادَةَ باطِلةٌ فَلا بأسَ أنْ يَطأها، وهْوَ تَزْويجٌ صَحِيحٌ.
أَرَادَ بِهِ أَيْضا أَبَا حنيفَة، وَأَرَادَ بِهِ التشنيع عَلَيْهِ، وَلَا وَجه لَهُ فِي ذكره هَاهُنَا. قَوْله: إِذا لم تُستأذن وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: إِن لم تستأذن. قَوْله: شَاهِدي زور بِإِضَافَة شَاهِدي إِلَى زور، ويروى: فَأَقَامَ شَاهِدين زوراً. قَوْله: وَالزَّوْج يعلم الْوَاو فِيهِ للْحَال. وَأَبُو حنيفَة إِمَام مُجْتَهد أدْرك صحابة وَمن التَّابِعين خلقا كثيرا، وَقد تكلم فِي هَذِه الْمَسْأَلَة بِأَصْل وَهُوَ: أَن الْقَضَاء لقطع الْمُنَازعَة بَين الزَّوْجَيْنِ من كل وَجه، فَلَو لم ينفذ الْقَضَاء بِشَهَادَة الزُّور بَاطِنا كَانَ تمهيداً للمنازعة بَينهمَا، وَقد عهدنا بنفوذ مثل ذَلِك فِي الشَّرْع. ألاَّ ترى أَن التَّفْرِيق بِاللّعانِ ينفذ بَاطِنا وَأَحَدهمَا كَاذِب بِيَقِين؟ وَالْقَاضِي إِذا حكم بِطَلَاقِهَا بشاهدي زور، وَهُوَ لَا يعلم أَنه يجوز أَن يَتَزَوَّجهَا من لَا يعلم بِبُطْلَان النِّكَاح وَلَا يحرم عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاع، وَقَالَ بعض المشنعين: هَذَا خطأ فِي الْقيَاس، ثمَّ مثل لذَلِك بقوله: وَلَا خلاف بَين(24/116)
الْأَئِمَّة أَن رجلا لَو أَقَامَ شَاهِدي زور على ابْنَته أَنَّهَا أمته وَحكم الْحَاكِم بذلك لَا يجوز لَهُ وَطْؤُهَا، فَكَذَلِك الَّذِي شهد على نِكَاحهَا هما فِي التَّحْرِيم سَوَاء. قلت: هَذَا الْقيَاس الَّذِي فِيهِ الْخَطَأ الظَّاهِر، يفرق بَين القياسين من لَهُ إِدْرَاك مُسْتَقِيم.
6969 - حدّثنا علِيُّ بنُ عَبْدِ الله، حَدثنَا سُفْيانُ، حدّثنا يَحْياى بنُ سَعِيد، عنِ القاسِمِ: أنَّ امْرأةً مِنْ ولَدِ جَعْفَرِ تَخَوَّفَتْ أنْ يُزَوِّجَها ولِيُّها وهْيَ كارِهَةٌ، فأرْسلَتْ إِلَى شَيْخَيْنِ مِنَ الأنْصارِ: عَبْد الرَّحْمانِ ومُجَمِّعٍ ابْنَيْ جارِيَةَ، قالاَ: فَلاَ تَخْشَيْنَ فإنَّ خَنْساءَ بِنْتَ خِذَامٍ أنْكَحَها أبُوها وهْيَ كارِهَةٌ فَرَدَّ النبيُّ ذالِكَ.
قَالَ سُفْيانُ: وأمَّا عبدُ الرَّحْمانِ فَسَمِعْتهُ يَقُولُ عنْ أبِيهِ: إنَّ خَنْساءَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعلي بن عبد الله هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ، وسُفْيَان هُوَ ابْن عَيْنِيَّة، وَيحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ، وَالقَاسِم هُوَ ابْن مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
والْحَدِيث مضى فِي النِّكَاح فِي: بَاب إِذا زوج ابْنَته وَهِي كارهة فنكاحها مَرْدُود.
قَوْله: أَن امْرَأَة من ولد جَعْفَر وَفِي رِوَايَة ابْن أبي عمر عَن سُفْيَان: أَن امْرَأَة من آل جَعْفَر، أخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ وَلم يدر اسْم الْمَرْأَة، وَقَالَ بَعضهم: ويغلب على الظَّن أَنه جَعْفَر بن أبي طَالب، ثمَّ قَالَ: وتجاسر الْكرْمَانِي فَقَالَ: المُرَاد بِهِ جَعْفَر الصَّادِق بن مُحَمَّد الباقر، وَكَانَ الْقَاسِم بن مُحَمَّد جد جَعْفَر الصَّادِق لأمه انْتهى. ثمَّ قَالَ: وخفي عَلَيْهِ أَن الْقِصَّة الْمَذْكُورَة وَقعت وجعفر الصَّادِق صَغِير لِأَن مولده سنة ثَمَانِينَ وَكَانَت وَفَاة عبد الرحمان بن يزِيد بن جَارِيَة فِي سنة ثَلَاث وَتِسْعين من الْهِجْرَة، وَقد وَقع فِي الحَدِيث أَنه أخبر الْمَرْأَة بِحَدِيث خنساء بنت خذام، فَكيف تكون الْمَرْأَة الْمَذْكُورَة فِي مثل تِلْكَ الْحَالة وأبوها ابْن ثَلَاث عشرَة سنة أَو دونهَا؟ انْتهى. قلت: هُوَ أَيْضا تجاسر حَيْثُ قَالَ بِغَلَبَة الظَّن: إِنَّه جَعْفَر بن أبي طَالب، والكرماني لم يقل هَذَا من عِنْده، وَإِنَّمَا نَقله عَن أحد فَلَا ينْسب إِلَيْهِ التجاسر، وَيُمكن أَن يكون جَعْفَر غير مَا قَالَا. قَوْله: وَهِي كارهة الْوَاو فِيهِ للْحَال. قَوْله: عبد الرحمان بِالْجَرِّ وَمجمع على وزن اسْم الْفَاعِل من التجميع عطف عَلَيْهِ، وهما ابْنا يزِيد بن جَارِيَة بِالْجِيم وَهنا قد نسبا إِلَى جدهما، وَتقدم فِي النِّكَاح أَنَّهُمَا نسبا إِلَى أَبِيهِمَا، وَلَقَد صحف من قَالَ: حَارِثَة، بِالْحَاء الْمُهْملَة والثاء الْمُثَلَّثَة. قَوْله: فَلَا تخشين قَالَ الْكرْمَانِي: بِلَفْظ الْجمع خطاب للْمَرْأَة المتخوفة، وأصحابها، وَقَالَ ابْن التِّين: صَوَابه بِكَسْر الْبَاء وَتَشْديد النُّون، وَلَو كَانَ بِلَا نون التَّأْكِيد لحذفت النُّون فِي النَّهْي على مَا عرف. قَوْله: فَإِن خنساء بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون النُّون وبالسين الْمُهْملَة وبالمد بنت خذام بِكَسْر الْخَاء الْمُعْجَمَة وبالذال الْمُعْجَمَة الْخَفِيفَة ابْن وَدِيعَة الْأَنْصَارِيَّة من الْأَوْس، وَقَالَ أَبُو عمر: اخْتلفت الْأَحَادِيث فِي حَالهَا فِي ذَلِك الْوَقْت، فرواية مَالك عَن عبد الرحمان بن الْقَاسِم عَن أَبِيه عَن عبد الرحمان وَمجمع ابْني يزِيد بن جَارِيَة عَن خنساء أَنَّهَا كَانَت ثَيِّبًا، وَرِوَايَة ابْن الْمُبَارك عَن الثَّوْريّ عَن عبد الرحمان بن الْقَاسِم عَن عبد الله بن يزِيد ابْن وَدِيعَة عَن خنساء بنت خذام أَنَّهَا كَانَت يومئذٍ بكرا، وَالصَّحِيح نقل مَالك إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
قَوْله: قَالَ سُفْيَان: وَأما عبد الرحمان يَعْنِي: ابْن الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَوْله: فَسَمعته يَقُول عَن أَبِيه عَن خنساء أَرَادَ أَنه أرْسلهُ فَلم يذكر فِيهِ عبد الرحمان بن يزِيد وَلَا أَخَاهُ.
6970 - حدّثنا أبُو نُعَيْمٍ، حَدثنَا شَيْبَانُ، عنْ يَحْياى عنْ أبي سَلَمَةَ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رسولُ الله لَا تُنْكَحُ الأيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَر، وَلَا تُنْكَحُ البِكْرُ حتَّى تُسْتأذنَ قالُوا: كَيْفَ إذنُها؟ قَالَ: أنْ تسْكُتَ
انْظُر الحَدِيث 5136 وطرفه
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأَبُو نعيم الْفضل بن دُكَيْن، وشيبان هُوَ ابْن عبد الرحمان النَّحْوِيّ، وَيحيى هُوَ ابْن أبي كثير، وَأَبُو سَلمَة بن عبد الرحمان بن عَوْف، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي النِّكَاح.
قَوْله: الأيم هِيَ من لَا زوج لَهَا بكرا كَانَت أَو ثَيِّبًا، لَكِن المُرَاد مِنْهَا هُنَا الثّيّب بِقَرِينَة الْمُقَابلَة للبكر، وَالْأَفْعَال هُنَا كلهَا على صِيغَة الْمَجْهُول، وَمضى الْكَلَام(24/117)
فِيهِ فِي النِّكَاح.
وَقَالَ بَعْضُ النّاس: إِن احْتالَ إنْسانٌ بِشاهِدَيْ زُورٍ عَلى تَزْوِيجِ امْرأةٍ ثَيِّبٍ بأمْرِها، فأثْبَتَ القاضِي نِكاحَها إيَّاهُ، والزَّوْجُ يَعْلَمُ أنَّهُ لَمْ يَتَزَوَّجُها قَطُّ، فإنَّهُ يَسَعُهُ هاذَا النِّكاحُ، وَلَا بأسَ بالمُقامِ لهُ مَعَها.
أَرَادَ بِهِ التشنيع أَيْضا على أبي حنيفَة. قَوْله: يَسعهُ أَي: يجوز لَهُ وَيحل لَهُ، قَالَ الْكرْمَانِي: وَهَذَا تشنيع عَظِيم لِأَنَّهُ أقدم على الْحَرَام الْبَين عَالما بِالتَّحْرِيمِ مُتَعَمدا لركوب الْإِثْم. انْتهى. وَقد ذكرنَا أَن أَبَا حنيفَة بنى هَذِه الْأَشْيَاء على أَن حكم الْحَاكِم بشاهدي زور ينفذ ظَاهرا وَبَاطنا.
6971 - حدّثنا أبُو عاصِمٍ، عنِ ابنِ جُرَيْجٍ، عنِ ابنِ أبي مُلَيْكَةَ عنْ ذَكْوَانَ، عنْ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا، قالَتْ: قَالَ رسولُ الله البِكْرُ تُسْتَأذَنُ قُلْتُ إنَّ البكْرَ تَسْتَحي. قَالَ: إذْنُها صُماتُها
انْظُر الحَدِيث 5137 وطرفه
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأَبُو عَاصِم هُوَ الضَّحَّاك بن مخلد، وَابْن جريج هُوَ عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج، وَابْن أبي مليكَة هُوَ عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكَة بِضَم الْمِيم واسْمه زُهَيْر، وذكوان بِفَتْح الذَّال الْمُعْجَمَة وبالواو مولى عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا. والْحَدِيث قد مضى فِي النِّكَاح.
وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إنْ هَوِيَ رجُلٌ جارِيَةً يَتيمَةً أوْ بِكْراً، فأبتْ، فاحتالَ فَجاءَ بِشاهِدْي زُورٍ عَلى أنهُ تَزَوَّجَها، فأدْرَكَتْ فَرَضيَتِ اليتيمَةُ فَقَبِلَ القاضِي شَهادَةَ الزُّورِ والزَّوْجَ يَعْلَمُ بِبُطلاَن ذَلِكَ حَلَّ لهُ الوَطْءُ.
هَذَا تشنيع آخر على الْحَنَفِيَّة، وَقَوله هَذَا تكْرَار بِلَا فَائِدَة لِأَن حَاصِل هَذِه الْفُرُوع الثَّلَاثَة وَاحِد، وَذكره إِيَّاهَا وَاحِدًا بعد وَاحِد لَا يُفِيد شَيْئا لِأَنَّهُ قد علم أَن حكم الْحَاكِم ينفذ ظَاهرا وَبَاطنا ويحلل وَيحرم. وَقَالَ الْكرْمَانِي: فَائِدَة التّكْرَار كَثْرَة التشنيع. قَوْله: إِن هوي بِكَسْر الْوَاو يَعْنِي: أحب. قَوْله: جَارِيَة هِيَ الْفتية من النِّسَاء يتيمة أَو بكرا ويروى عَن الْكشميهني: ثَيِّبًا أَو بكرا. قَوْله: فأدركت ظَاهِرَة أَنَّهَا بعد الشَّهَادَة بلغت ورضيت، وَيحْتَمل أَن يُرِيد أَنه جَاءَ بِشَاهِدين على أَنَّهَا أدْركْت ورضيت فَتَزَوجهَا فَيكون دَاخِلا تَحت الشَّهَادَة. وَالْفَاء للسَّبَبِيَّة فَقبل القَاضِي بِشَهَادَة الزُّور. كَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين: بِشَهَادَة، بِالْبَاء الْمُوَحدَة وَفِي رِوَايَة الْكشميهني بِحَذْف الْبَاء. قَوْله: جَازَ لَهُ الْوَطْء ويروى: حل لَهُ الْوَطْء.
12 - (بابُ مَا يُكْرَهُ مِن احْتِيالِ المَرْأةِ مَعَ الزَّوْجِ والضَّرَائِرِ، وَمَا نَزَلَ على النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي ذَلِكَ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا يكره ... الخ كلمة: مَوْصُولَة، والضرائر جمع ضرَّة بِفَتْح الضَّاد الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الرَّاء. قَوْله: وَمَا نزل أَي: وَفِي بَيَان مَا نزل على النَّبِي قَوْله: فِي ذَلِك أَي: فِيمَا ذكر من احتيال الْمَرْأَة مَعَ الزَّوْج والضرائر، وَأَرَادَ بقوله: وَمَا نزل قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيهَا النَّبِي لَا تحرم مَا أحل الله لَك} وَذَلِكَ لما قَالَ شربت عسلاً وَلنْ أَعُود، وَقبل: إِنَّمَا حرم جَارِيَته مَارِيَة فَحلف أَن لَا يَطَأهَا، وَأسر ذَلِك إِلَى حَفْصَة فأفشته إِلَى عَائِشَة، وَنزل الْقُرْآن فِي ذَلِك.
6972 - حدّثنا عُبَيْدُ بنُ إسْماعِيلَ، حدّثنا أبُو أُسامَةَ، عنْ هشامٍ، عنْ أبِيهِ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قَالَتْ: كانَ رسولُ الله يُحِبُّ الحَلْوَاءَ ويُحِبُّ العَسَلَ وكانَ إذَا صَلَّى العَصْرَ أجازَ عَلى نِسائِهِ فَيَدْنو مِنْهُنَّ، فَدَخَلَ عَلى حَفْصَةَ فاحْتَبَسَ عِنْدَها، أكْثَرَ مِما كانَ يَحْتَبِسُ، فَسْألْتُ عنْ ذَلِكَ فَقَالَ لي: أهْدَتِ امْرأةٌ مِنْ قَوْمِها عُكَّةَ عَسَلِ، فَسَقَتْ رسولَ الله مِنْهُ شَرْبَةً فَقُلْتُ أما واللَّهِ لَنَحْتالَنَّ لهُ،(24/118)
فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِسَوْدَةَ، قُلْتُ: إذَا دَخَلَ عَلَيْكِ فإنَّهُ سَيَدْنُو مِنْكِ، فقُولِي لهُ: يَا رسولَ الله أكَلْتَ مَغافِيرَ؟ فإنَّهُ سَيَقُولُ: لَا، فَقُولي لهُ: مَا هاذِهِ الرِّيحُ؟ وكانَ رسولُ الله يَشْتَدُّ عَلَيْهِ أنْ يُوجَدَ مِنْهُ الرِّيحُ فإنَّهُ سَيَقُولُ سَقَتْنِي حَفْصةُ شَرْبَةَ عَسَلٍ، فَقُولي لهُ: جَرَسَتْ نَحْلُهُ العرْفُطَ، وسأقُولُ ذالِكِ، وقُولِيهِ أنْتِ يَا صَفِيّةُ، فَلمَّا دَخَلَ عَلى سَوْدَةَ قُلْتُ: تَقُولُ سَوْدَةُ: والّذِي لَا إلاهَ إلاّ هُوَ لَقَدْ كِدْتُ أنْ أُبادِرَهُ بالَّذِي قُلْتِ لي، وإنّهُ لَعَلى البابِ فَرَقاً مِنْكِ، فَلَمَّا دنا رسولُ الله قُلْتُ يَا رسوُلَ اللَّهِ أكَلْتَ مَغافِيرِ؟ قَالَ: لَا قُلْتُ فَما هاذِهِ الرِّيحُ؟ قَالَ: سَقَتْني حَفْصَةُ شَرْبَةَ عَسَلٍ قُلْتُ جَرَسَتْ نَحْلُهُ العُرْفُطَ فلمَّا دَخلَ عَليَّ قُلْتُ لهُ مثْلَ ذَلِكَ، ودَخَلَ عَلى صَفِيّةَ فقالَتْ لهُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَلمَّا دَخَلَ عَلى حَفْصَةَ قالَتْ لَهُ: يَا رسُولَ الله أَلا أسْقِيكَ مِنْهُ؟ قَالَ: لَا حاجةَ لي بِهِ قالَتْ تَقُولُ سَوْدَةُ سُبْحانَ الله لَقَدْ حرَمْناهُ. قالَتْ: قُلْتُ لَهَا: اسْكُتِي.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: وَالله لنحتالن لَهُ
وَأَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة، وَهِشَام هُوَ ابْن عُرْوَة يروي عَن أَبِيه عُرْوَة بن الزبير عَن أم الْمُؤمنِينَ عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا.
والْحَدِيث قد مضى فِي الْأَطْعِمَة عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَفِي الْأَشْرِبَة عَن عبد الله بن أبي شيبَة وَفِيه وَفِي الطِّبّ عَن عَليّ بن عبد الله وَهنا عبيد بن إِسْمَاعِيل أربعتهم عَن أبي أُسَامَة. وَأخرجه بَقِيَّة الْجَمَاعَة وَقد ذَكرْنَاهُ.
قَوْله: الْحَلْوَاء بِمد وبقصر، قَالَ الدَّاودِيّ: يُرِيد التَّمْر وَشبهه. قَوْله: أجَاز أَي: تمم النَّهَار وأنفده، يُقَال: جَازَ الْوَادي جَوَازًا، وَأَجَازَهُ إِذا قطعه، وَقَالَ الْأَصْمَعِي: جَازَ مَشى فِيهِ، وَأَجَازَهُ قطعه، وَذكره ابْن التِّين بِلَفْظ: جَازَ، قَالَ: كَذَا وَقع فِي الْمُجْمل وَقَالَ الضَّحَّاك: جزت الْموضع سرت فِيهِ وأجزته خلفته وقطعته. قَوْله: عكة بِالضَّمِّ الْآنِية من الْجلد. قَوْله: فسقت رَسُول الله شربة يَعْنِي: حَفْصَة، قَالَ صَاحب التَّوْضِيح هَذِه غلط لِأَن حَفْصَة هِيَ الَّتِي تظاهرت مَعَ عَائِشَة فِي هَذِه الْقِصَّة، وَإِنَّمَا شربه عِنْد صَفِيَّة بنت حييّ، وَقيل: عِنْد زَيْنَب، وَالأَصَح أَنَّهَا زَيْنَب، وَقَالَ الْكرْمَانِي: تقدم فِي كتاب الطَّلَاق أَنه شرب فِي بَيت زَيْنَب والمتظاهرتان على هَذَا القَوْل عَائِشَة وَحَفْصَة، ثمَّ قَالَ: لَعَلَّه شرب فِي بيتهما فهما قضيتان. قَوْله: لنحتالن من الاحتيال. فَإِن قلت: كَيفَ جَازَ على أَزوَاجه الاحتيال؟ . قلت: هَذِه من مقتضيات الطبيعة للنِّسَاء، وَقد عفى عَنْهُن. قَوْله: مَغَافِير جمع مغْفُور بالغين الْمُعْجَمَة وبالفاء وَالْوَاو وَالرَّاء وَهُوَ صبغ كالعسل لَهُ رَائِحَة كريهة. قَوْله: جرست بِالْجِيم وَالرَّاء وبالسين الْمُهْملَة أَي: لحست بِاللِّسَانِ وأكلت. قَوْله: العرفط بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَالْفَاء وَإِسْكَان الرَّاء وبالطاء الْمُهْملَة وَهُوَ شجر خَبِيث الثَّمر، وَقيل: العرفط مَوضِع، وَقيل: شجر من العضاء وثمرته بَيْضَاء مدحرجة، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: ثَمَرَة كل العضاء صفراء إلاَّ أَن العرفط ثَمَرَته بَيْضَاء. قَوْله: أَن أبادره من الْمُبَادرَة ويروى أَن أبادئه بِالْبَاء الْمُوَحدَة من المبادأة، يُقَال: أبادئهم أَمرهم أَي: أظهره، ويروى: أَن أناديه، بالنُّون مَوضِع الْبَاء. قَوْله: أَلا أسقيك؟ بِضَم الْهمزَة وَفتحهَا، وَفِي الصِّحَاح سقيته وأسقيته. قَوْله: حرمناه أَي: منعناه من الْعَسَل.
13 - (بابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ الاحْتِيالِ فِي الفِرَارِ مِنَ الطّاعُونِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا يكره من الاحتيال فِي الْفِرَار أَي: الهروب من الطَّاعُون، قَالَ الْكرْمَانِي: هُوَ بثر مؤلم جدا يخرج غَالِبا فِي الآباط مَعَ لهيب وخفقان وقيء وَنَحْوه.
6973 - حدّثنا عَبْدُ الله بنُ مَسْلَمَةَ، عنْ مالِكٍ، عنِ ابنِ شِهابٍ، عنْ عَبْدِ الله بنِ عامِرِ بنِ رَبِيَةَ أنَّ عُمَرَ بنَ الخَطابِ، رَضِي الله عَنهُ، خَرَجَ إِلَى الشَّأْمِ، فَلمَّا جاءَ بِسَرْغَ بَلَغَهُ أنَّ الوَباءَ وقَعَ(24/119)
بالشَّأْمِ، فأخْبَرَهُ عَبْدُ الرَّحْمانِ بنُ عَوْفٍ أنَّ رسولَ الله قَالَ: إذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بأرْض فَلاَ تَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وإذَا وقَعَ بأرْضٍ وأنْتُمْ بِها فَلاَ تَخْرُجُوا فِرَاراً مِنْه فَرَجعَ عُمَرُ مِنْ سَرْغَ
وعنِ ابنِ شِهابٍ عنْ سالِمِ بن عَبْدِ الله: أنَّ عُمَرَ إنّما انْصَرَفَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمانِ.
انْظُر الحَدِيث 5729 وطرفه
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: وَإِذا وَقع بِأَرْض الخ.
وَعبد الله بن مسلمة القعْنبِي يروي عَن مَالك بن أنس عَن مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ عَن عبد الله بن عَامر بن ربيعَة الْعَنزي حَيّ من الْيمن، ولد على عهد رَسُول الله وروى عَنهُ وَقبض النَّبِي وَهُوَ ابْن أَربع أَو خمس سِنِين، وَمَات فِي سنة تسع وَثَمَانِينَ، وَقيل: خمس وَثَمَانِينَ، وَذكره الذَّهَبِيّ فِي الصَّحَابَة وَقَالَ ولد سنة سِتّ من الْهِجْرَة روى عَنهُ الزُّهْرِيّ وَغَيره، وَقد وعى عَن النَّبِي
والْحَدِيث مضى فِي الطِّبّ عَن عبد الله بن يُوسُف وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: خرج إِلَى الشَّام كَانَ خُرُوج عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، إِلَى الشَّام فِي ربيع الثَّانِي سنة ثَمَانِي عشرَة. قَوْله: يسرغ بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَسُكُون الرَّاء وبالغين الْمُعْجَمَة منصرف وَغير منصرف وَهِي قَرْيَة فِي طرف الشَّام مِمَّا يَلِي الْحجاز وَقَالَ الْبكْرِيّ: سرغ مَدِينَة بِالشَّام افتتحها أَبُو عُبَيْدَة بن الْجراح، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، هِيَ واليرموك والجابية والرمادة مُتَّصِلَة. قَوْله: أَن الوباء بِالْمدِّ وَالْقصر وَجمع الْمَقْصُور: أوباء، وَجمع الْمَمْدُود: أوبئة، وَهُوَ الْمَرَض الْعَام. قَوْله: فَلَا تقدمُوا بِفَتْح الدَّال، قيل: لَا يَمُوت أحد إلاَّ بأجله ولايتقدم وَلَا يتَأَخَّر، فَمَا وَجه النَّهْي عَن الدُّخُول وَالْخُرُوج؟ وَأجِيب: بِأَنَّهُ لم ينْه عَن ذَلِك حذرا عَلَيْهِ إِذْ لَا يُصِيبهُ إلاَّ مَا كتب عَلَيْهِ، بل حذرا من الْفِتْنَة فِي أَن يظنّ أَن هَلَاكه كَانَ من أجل قدومه عَلَيْهِ وَأَن سَلَامَته كَانَت من أجل خُرُوجه. وَفِي التَّوْضِيح وَلَا يتحيل فِي الْخُرُوج فِي تِجَارَة أَو زِيَارَة أَو شبههما نَاوِيا بذلك الْفِرَار مِنْهُ، وَيبين هَذَا الْمَعْنى قَوْله إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ قَالَ: وَالْمعْنَى فِي النَّهْي عَن الْفِرَار مِنْهُ كَأَنَّهُ يفر من قدر الله وقضائه، وَهَذَا لَا سَبِيل إِلَيْهِ لأحد لِأَن قدره لَا يغلب.
قَوْله: وَعَن ابْن شهَاب مَوْصُول بِمَا قبله. قَوْله: عَن سَالم بن عبد الله يَعْنِي: ابْن عمر بن الْخطاب، وَأَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَن انصراف عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، من سرغ كَانَ من حَدِيث عبد الرحمان بن عَوْف، وَرُوِيَ أَن انْصِرَافه كَانَ من أبي عُبَيْدَة بن الْجراح، وَذَلِكَ أَنه لما اسْتقْبل عمر فَقَالَ: جِئْت بأصحاب رَسُول الله تدخلهم أَرضًا فِيهَا الطَّاعُون الَّذين هم أَئِمَّة يقْتَدى بهم؟ فَقَالَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: يَا أَبَا عُبَيْدَة أشككت؟ فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: كَأَنِّي يَعْقُوب إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ {لَا تدْخلُوا من بَاب وَاحِد} فَقَالَ عمر: وَالله لأدخلنها. فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: وَالله لَا تدْخلهَا، فَرده.
وَفِيه: قبُول خبر الْوَاحِد، وَفِيه: أَنه يُوجد عِنْد بعض الْعلمَاء مَا لَيْسَ عِنْد أكبر مِنْهُ قيل. وَفِيه: دَلِيل على تقدم خبر الْوَاحِد على الْقيَاس وموضعه فِي كتب الْأُصُول.
حدّثنا أبُو اليَمانِ، حَدثنَا شُعَيْبٌ، عَن الزُّهْرِيِّ، حَدثنَا عامِرُ بنُ سَعْدِ بنِ أبي وِقّاصٍ أنّهُ سَمعَ أُسامةَ بنَ زَيْدٍ يُحَدِّثُ سَعْداً أنَّ رسُولَ الله ذَكرَ الوَجَعَ فَقَالَ: رِجْزٌ أوْ عَذَابٌ عُذِّبَ بِهِ بَعْضُ الأُمَمِ ثُمَّ بَقِيَ مِنْهُ بَقِيّةٌ، فَيَذْهَبُ المَرَّةَ وَيَأْتِي الأُخْرَى، فَمَنْ سَمِعَ بأرْضٍ فَلا يَقْدَمَنَّ عَليْهِ، ومَنْ كانَ بأرْضٍ وقَعَ بهَا فَلاَ يَخْرُجْ فِراراً مِنْهُ
انْظُر الحَدِيث 3473 وطرفه
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع.
والْحَدِيث مضى فِي ذكر بني إِسْرَائِيل عَن عبد الْعَزِيز بن عبد الله عَن مَالك، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: ذكر الوجع أَي: الطَّاعُون. قَوْله: رجز بِكَسْر الرَّاء وَضمّهَا الْعَذَاب. قَوْله: أَو عَذَاب شكّ من الرَّاوِي قَوْله: فَيذْهب الْمرة أَي: لَا يكون دَائِما بل فِي بعض الْأَوْقَات. قَوْله: فَلَا يقدمن بِفَتْح الدَّال وبالنون الْمُؤَكّدَة الثَّقِيلَة.
14 - (بابٌ فِي الهِبَةِ والشُّفْعَةِ)(24/120)
أَي: هَذَا بَاب فِيمَا يكره من الاحتيال فِي الرُّجُوع عَن الْهِبَة والاحتيال فِي إِسْقَاط الشُّفْعَة.
وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إنْ وَهَبَ هِبَةً ألْفَ دِرْهَمٍ أوْ أكْثَرَ حتَّى مَكُثَ عِنْدَهُ سِنينَ، واحْتال فِي ذَلِكَ ثُمَّ رَجَعَ الواهبُ فِيها فَلاَ زَكاة على واحِدٍ مِنْهُما، فَخَالَف الرَّسولَ فِي الهبةِ وأسْقَطَ الزَّكاةَ.
أَرَادَ بِهِ التشنيع أَيْضا على أبي حنيفَة من غير وَجه لِأَن أَبَا حنيفَة فِي أَي مَوضِع قَالَ هَذِه الْمَسْأَلَة على هَذِه الصُّورَة بل الَّذِي قَالَه أَبُو حنيفَة هُوَ أَن الْوَاهِب لَهُ أَن يرجع فِي هِبته، وَلَكِن لصِحَّة الرُّجُوع قيود. الأول: أَن يكون أَجْنَبِيّا. وَالثَّانِي: أَن يكون قد سلمهَا إِلَيْهِ لِأَنَّهُ قبل التَّسْلِيم يجوز مُطلقًا. وَالثَّالِث: أَن لَا يقْتَرن بِشَيْء من الْمَوَانِع، وَهِي مَذْكُورَة فِي موضعهَا، وَاسْتدلَّ فِي جَوَاز الرُّجُوع بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من وهب هبة فَهُوَ أَحَق بهبته مَا لم يثب مِنْهَا. أَي: مَا لم يعوض، رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَة وَابْن عَبَّاس وَابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم.
أما حَدِيث أبي هُرَيْرَة فَأخْرجهُ ابْن مَاجَه فِي الْأَحْكَام من حَدِيث عَمْرو بن دِينَار عَن أبي هُرَيْرَة. وَأما حَدِيث ابْن عَبَّاس فَأخْرجهُ الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث عَطاء عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله من وهب هبة فَهُوَ أَحَق بهبته مَا لم يثب مِنْهَا. وَأما حَدِيث ابْن عمر فَأخْرجهُ الْحَاكِم من حَدِيث سَالم بن عبد الله يحدث عَن ابْن عمر: أَن النَّبِي قَالَ: من وهب هبة فَهُوَ أَحَق بهَا مَا لم يثب مِنْهَا. وَقَالَ: حَدِيث صَحِيح على شَرط الشَّيْخَيْنِ وَلم يخرجَاهُ، فَكيف يحل أَن يُقَال فِي حق هَذَا الإِمَام الَّذِي علمه وزهده لَا يُحِيط بهما الواصفون أَنه خَالف الرَّسُول؟ وَكَيف خَالفه وَقد احْتج فِيمَا قَالَه بِأَحَادِيث هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة من الصَّحَابَة الْكِبَار؟ وَأما الحَدِيث الَّذِي احْتج بِهِ مخالفوه وَهُوَ مَا رَوَاهُ البُخَارِيّ الَّذِي يَأْتِي الْآن، وَرَوَاهُ أَيْضا الْجَمَاعَة غير التِّرْمِذِيّ: عَن قَتَادَة عَن سعيد بن الْمسيب عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي قَالَ: الْعَائِد فِي هِبته كَالْكَلْبِ يعود فِي قيئه، فَلم يُنكره أَبُو حنيفَة بل عمل بِالْحَدِيثين مَعًا فَعمل بِالْحَدِيثِ الأول فِي جَوَاز الرُّجُوع وَبِالثَّانِي فِي كَرَاهَة الرُّجُوع، لَا فِي حرمه الرُّجُوع كَمَا زَعَمُوا، وَقد شبه النَّبِي رُجُوعه بِعُود الْكَلْب فِي قيئه، وَفعل الْكَلْب يُوصف بالقبح لَا بِالْحُرْمَةِ وَهُوَ يَقُول بِهِ لِأَنَّهُ مستقبح، وَلقَائِل أَن يَقُول: للقائل الَّذِي قَالَ: إِن أَبَا حنيفَة خَالف الرَّسُول: أَنْت خَالَفت الرَّسُول فِي الحَدِيث الَّذِي يحْتَج بِهِ على عدم الرُّجُوع لِأَن هَذَا الحَدِيث يعم منع الرُّجُوع مُطلقًا سَوَاء كَانَ الَّذِي يرجع مِنْهُ أَجْنَبِيّا أَو والداً لَهُ. فَإِن قلت: روى أَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة عَن حُسَيْن الْمعلم عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن طَاوس عَن ابْن عَمْرو بن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، عَن النَّبِي قَالَ: لَا يحل لرجل أَن يُعْطي عَطِيَّة أَو يهب هبة فَيرجع فِيهَا إلاَّ الْوَالِد فِيمَا يُعْطي وَلَده. قلت: هَذَا بِنَاء على أصلهم أَن للْأَب حق التَّمَلُّك فِي مَال الابْن لِأَنَّهُ جزؤه، فالتمليك مِنْهُ كالتمليك من نَفسه من وَجه قَوْله، واحتال فِي ذَلِك، فسره بَعضهم بقوله بِأَن تواطأ مَعَ الْمَوْهُوب لَهُ على ذَلِك. قلت: لم يقل أحد من أَصْحَاب أبي حنيفَة: إِن أَبَا حنيفَة أَو أحدا من أَصْحَابه قَالَ ذَلِك، وَإِنَّمَا هَذَا اخْتِلَاق لتمشية التشنيع عَلَيْهِم.
6975 - حدّثنا أبُو نُعَيْم، حدّثنا سُفْيانُ، عنْ أيُّوبَ السَّختِيانيِّ، عنْ عِكْرِمَةَ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ، رَضِي الله عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ النبيُّ العائِدُ فِي هِبَتِهِ كالكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ، لَيْسَ لَنَا مَثَلُ السَّوْءِ.
مطابقته للجزء الأول من التَّرْجَمَة. وَأَبُو نعيم الْفضل بن دُكَيْن، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ. والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْهِبَة.
قَوْله: وَلَيْسَ لنا مثل السوء أَي: الصّفة الرَّديئَة.
6976 - حدّثنا عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ، حدّثنا هِشامُ بنُ يُوسُفَ، أخبرنَا مَعْمَرٌ، عنِ الزُّهْرِيِّ، عَن أبي سَلَمَةَ، عنْ جابِرِ بنِ عَبْدِ الله قَالَ: إنّما جَعَلَ النبيُّ الشُّفْعَةَ فِي كُلِّ مَا لَمْ يُقْسَمْ، فَإِذا وَقَعَت الحُدُودُ وصُرِّفَتِ الطُّرُقُ فَلا شفْعَةَ.
مطابقته للجزء الثَّانِي من التَّرْجَمَة. وَعبد الله بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بالمسندي.
والْحَدِيث مضى فِي الْبيُوع عَن مُحَمَّد بن مَحْبُوب وَعَن مَحْمُود عَن عبد الرَّزَّاق وَفِيه وَفِي الشُّفْعَة وَفِي الشّركَة عَن مُسَدّد.
قَوْله: فِي كل مَا لم يقسم أَي: ملكا مُشْتَركا مشَاعا(24/121)
بَين الشُّرَكَاء. قَوْله: وصرفت بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيد أَي: منعت، وَقَالَ ابْن مَالك: أَي خلصت وَثبتت من الصّرْف وَهُوَ الْخَالِص، قَالَ: وَلَا شُفْعَة، لِأَنَّهُ صَار مقسوماً وَصَارَ فِي حكم الْجوَار وَخرج عَن الشّركَة، وَقد ذكرنَا فِيهِ من الْخلاف وَغَيره غير مرّة.
وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: الشُّفْعَةُ للْجِوارِ ثُمَّ عَمَدَ إِلَى مَا شَدَّدَهُ فأبْطَلَهُ، وَقَالَ: إنِ اشْتَرَى دَارا فَخافَ أنْ يَأْخذَها الجارُ بِالشُّفْعَةِ فاشْتَرَى سَهْماً مِنْ مِائَةِ سَهْمٍ ثُم اشْتَرَى الباقيَ وَكَانَ لِلْجارِ الشُّفْعَةُ فِي السَّهْمِ الأوَّلِ وَلَا شُفْعَةَ لهُ فِي باقِي الدَّارِ، ولهُ أنْ يَحْتالَ فِي ذالِكَ.
هَذَا تشنيع آخر على أبي حنيفَة. وَهُوَ غير صَحِيح لِأَن هَذِه الْمَسْأَلَة فِيهَا خلاف بَين أبي يُوسُف وَمُحَمّد، فَأَبُو يُوسُف هُوَ الَّذِي يرى ذَلِك، وَقَالَ مُحَمَّد: يكره ذَلِك، وَبِه قَالَ الشَّافِعِي. قَوْله: للجوار بِكَسْر الْجِيم وَضمّهَا وَهُوَ الْمُجَاورَة. قَوْله: ثمَّ عمد إِلَى مَا شدده بالشين الْمُعْجَمَة ويروى بِالْمُهْمَلَةِ وَأَرَادَ بِهِ إِثْبَات الشُّفْعَة للْجَار. قَوْله: فأبطله يَعْنِي أبطل مَا شدده وَيُرِيد بِهِ إِثْبَات التَّنَاقُض وَهُوَ أَنه قَالَ: الشُّفْعَة للْجَار ثمَّ أبْطلهُ حَيْثُ قَالَ فِي هَذِه الصُّورَة: لَا شُفْعَة للْجَار فِي بَاقِي الدَّار، وناقض كَلَامه. قلت: لَا تنَاقض هُنَا أصلا لِأَنَّهُ لما اشْترى سَهْما من مائَة سهم كَانَ شَرِيكا لمَالِكهَا، ثمَّ إِذا اشْترى مِنْهُ الْبَاقِي يصير هُوَ أَحَق بِالشُّفْعَة من الْجَار لِأَن اسْتِحْقَاق الْجَار الشُّفْعَة إِنَّمَا يكون بعد الشَّرِيك فِي نفس الدَّار وَبعد الشَّرِيك فِي حَقّهَا. قَوْله: إِن اشْترى دَارا أَي: إِذا أَرَادَ اشتراءها.
6977 - حدّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله، حدّثنا سُفْيانُ، عنْ إبْراهِيمَ بنِ مَيْسَرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ عَمْرَو بنَ الشَّرِيدِ قَالَ: جاءَ المِسْوَرُ بنُ مَخْرَمَة فَوَضَعَ يَدَهُ عَلى مَنْكِبي، فانْطَلَقْتُ مَعَهُ إِلَى سَعْدٍ فَقَالَ أبُو رافِعٍ لِلْمِسْوَر: أَلا تَأْمُرُ هاذا أنْ يَشْتَرِيَ مِنِّي بَيْتِي الَّذِي فِي دَاري؟ فَقَالَ: لَا أزِيدُهُ عَلى أرْبَعمِائَةٍ إمَّا مُقَطَّعَةٍ وإمَّا مُنَجَّمَةٍ. قَالَ: أُعْطِيتُ خمْسَمِائةٍ نَقْداً، فَمَنَعْتُهُ، ولوْلا أنِّي سَمِعْتُ النبيَّ يَقُولُ الجَارُ أحَقُّ بِسَقَبِهِ مَا بِعْتُكَهُ. أوْ قَالَ: مَا أعْطَيْتُكَهُ.
قُلْتُ لِسُفْيانَ: إنَّ مَعْمَراً لَمْ يَقُلْ هاكذا، قَالَ: لاكِنَّهُ قَالَ لي هاكذا.
مطابقته للجزء الثَّانِي من التَّرْجَمَة. وَعلي بن عبد الله هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَإِبْرَاهِيم بن ميسرَة ضد الميمنة الطَّائِفِي، وَعَمْرو بن الشريد بالشين الْمُعْجَمَة وَكسر الرَّاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالدال الْمُهْملَة الثَّقَفِيّ، والمسور بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة وبالواو ثمَّ بالراء ابْن مخرمَة بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْخَاء الْمُعْجَمَة ابْن نَوْفَل الْقرشِي ولد بِمَكَّة بعد الْهِجْرَة بِسنتَيْنِ وَقدم بِهِ الْمَدِينَة فِي عقب ذِي الْحجَّة سنة ثَمَان وَقبض النَّبِي وَهُوَ ابْن ثَمَان سِنِين، وَسمع من النَّبِي وَحفظ عَنهُ، وَفِي حِصَار الْحصين بن نمير مَكَّة لقِتَال ابْن الزبير أَصَابَهُ حجر من حجر المنجنيق وَهُوَ يُصَلِّي فِي الْحجر فَقتله، وَذَلِكَ فِي مستهل ربيع الأول سنة أَربع وَسِتِّينَ، وَصلى عَلَيْهِ ابْن الزبير بالحجون وَهُوَ ابْن اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ، وَأَبوهُ مخرمَة من مسلمة الْفَتْح وَهُوَ أحد الْمُؤَلّفَة قُلُوبهم وَمِمَّنْ حسن إِسْلَامه مِنْهُم، مَاتَ بِالْمَدِينَةِ سنة أَربع وخمسن وَقد بلغ مائَة سنة وَخمْس عشرَة سنة، وَسعد هُوَ ابْن أبي وَقاص وَهُوَ خَال الْمسور الْمَذْكُور، وَأَبُو رَافع مولى رَسُول الله واسْمه أسلم القبطي.
قَوْله: أَلا تَأمر هَذَا يَعْنِي: سعد بن أبي وَقاص، وَالْمرَاد أَنه يسْأَله أَو يُشِير عَلَيْهِ. قَالَ الْكرْمَانِي: وَفِيه أَن الْأَمر لَا يشْتَرط فِيهِ الْعُلُوّ وَلَا الاستعلاء. قَوْله: بَيْتِي الَّذِي فِي دَاري كَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين بِالْإِفْرَادِ، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: بَيْتِي اللَّذين، بالتثنية. قَوْله: إِمَّا مقطعَة(24/122)
وَإِمَّا منجمة ويروى: مقطعَة أَو منجمة، بِالشَّكِّ من الرَّاوِي وَالْمرَاد أَنَّهَا مُؤَجّلَة على نقدات مفرقة، والنجم الْوَقْت الْمعِين الْمَضْرُوب. قَوْله: أَعْطَيْت على صِيغَة الْمَجْهُول وَالْقَائِل هُوَ أَبُو رَافع. قَوْله: بسقبه ويروى: بصقبه، بالصَّاد وبفتح الْقَاف وسكونها وَهُوَ الْقرب، يُقَال: سقبت دَاره بِالْكَسْرِ والمنزل سقب والساقب الْقَرِيب وَيُقَال للبعيد أَيْضا، جَعَلُوهُ من الأضداد. وَقَالَ إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ فِي كتاب غَرِيب الحَدِيث الصقب بالصَّاد مَا قرب من الدَّار وَيجوز أَن يُقَال: سقب، بِالسِّين وَاسْتدلَّ بِهِ أَصْحَابنَا أَن للْجَار الشُّفْعَة بعد الخليط فِي نفس الْمَبِيع، وَهُوَ الشَّرِيك ثمَّ للخليط فِي حق الْمَبِيع كالشرب بِالْكَسْرِ وَالطَّرِيق، وَهُوَ حجَّة على الشَّافِعِي حَيْثُ لم يثبت الشُّفْعَة للْجَار. قَوْله: مَا بعتكه أَي: الشَّيْء، وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي: مَا بِعْتُك بِحَذْف الْمَفْعُول. قَوْله: أَو قَالَ: مَا أعطيتكه شكّ من الرَّاوِي، قيل: هُوَ سُفْيَان ويروى: مَا أَعطيتك، بِحَذْف الضَّمِير.
قَوْله: قلت لِسُفْيَان الْقَائِل هُوَ عَليّ بن عبد الله شيخ البُخَارِيّ. قَوْله: أَن معمراً لم يقل هَكَذَا يُشِير بِهِ إِلَى مَا رَوَاهُ عبد الله بن الْمُبَارك عَن معمر عَن إِبْرَاهِيم بن ميسرَة عَن عَمْرو بن الشريد عَن أَبِيه بِالْحَدِيثِ دون الْقِصَّة.
أخرجه النَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه عَن حُسَيْن الْمعلم عَن عَمْرو بن الشريد عَن أَبِيه: أَن رجلا قَالَ: يَا رَسُول أرضي لَيْسَ فِيهَا لأحد شرك وَلَا قسم إِلَّا الْجوَار، فَقَالَ: إِنَّمَا الْجَار أَحَق بسقبه مَا كَانَ، وَأخرجه الطَّحَاوِيّ أَيْضا، وَهَذَا صَرِيح بِوُجُوب الشُّفْعَة لجوار لَا شركَة فِيهِ. انْتهى. قلت: الشريد بن سُوَيْد الثَّقَفِيّ عداده فِي أهل الطَّائِف لَهُ صُحْبَة النَّبِي وَيُقَال: إِنَّه من حَضرمَوْت، وَيُقَال: إِنَّه من هَمدَان حَلِيف لثقيف، روى عَنهُ عَمْرو، وَالْمرَاد على هَذَا بالمخالفة إِبْدَال الصَّحَابِيّ بصحابي آخر، وَقَالَ الْكرْمَانِي: يُرِيد أَن معمراً لم يقل هَكَذَا أَي: إِن الْجَار أَحَق بِالشُّفْعَة، بِزِيَادَة لفظ: الشُّفْعَة، ورد عَلَيْهِ بِأَن الَّذِي قَالَه لَا أصل لَهُ وَلم يعلم مُسْتَنده فِيهِ مَا هُوَ، بل لفظ معمر: الْجَار أَحَق بصقبه، كَرِوَايَة أبي رَافع سَوَاء. قَوْله: لكنه أَي: قَالَ سُفْيَان: لَكِن إِبْرَاهِيم بن ميسرَة قَالَ لي هَكَذَا وَحكى التِّرْمِذِيّ عَن البُخَارِيّ: إِن الطَّرِيقَيْنِ صَحِيحَانِ، وَالله أعلم.
وَقَالَ بَعْضُ النَّاس: إِذا أرادَ أنْ يَبِيعَ الشُّفْعَةَ فَلَهُ أنْ يَحْتَالَ حتَّى يُبْطِلَ الشُّفْعَةَ، فَيَهَبُ البائِعُ لِلْمُشْتَرِي الدَّارَ ويَحُدُّها ويَدْفَعُها إلَيْهِ ويُعوِّضُهُ المُشْتري ألْفَ دِرْهَمٍ، فَلَا يَكُون لِلشَّفِيعِ فِيها شُفْعَةٌ.
هَذَا تشنيع على الْحَنَفِيَّة بِلَا وَجه على مَا نذكرهُ. قَوْله: أَن يَبِيع الشُّفْعَة من البيع قَالَ الْكرْمَانِي: لفظ الشُّفْعَة، من النَّاسِخ أَو المُرَاد لَازم البيع وَهُوَ الْإِزَالَة. قلت: فِي رِوَايَة الْأصيلِيّ وَأبي ذَر عَن غير الْكشميهني: إِذا أَرَادَ أَن يقطع الشُّفْعَة، ويروى: إِذا أَرَادَ أَن يمْنَع الشُّفْعَة. قَوْله: ويحدها أَي: يصف حُدُودهَا الَّتِي تميزها، وَقَالَ الْكرْمَانِي: ويروى فِي بعض النّسخ: وَنَحْوهَا، وَهُوَ أظهر، وَإِنَّمَا سَقَطت الشُّفْعَة فِي هَذِه الصُّورَة لِأَن الْهِبَة لَيست مُعَاوضَة مَحْضَة فَأَشْبَهت الْإِرْث.
6978 - حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ يُوسفَ، حدّثنا سُفْيانُ، عنْ إبْراهِيمَ بنِ مَيْسَرَةَ، عنْ عَمْرِو بنِ الشَّرِيدِ، عنْ أبي رافِعٍ أنَّ سَعْداً ساوَمَهُ بَيْتاً بأرْبَعِمِائَةِ مِثْقالٍ، فَقَالَ: لوْلا أنِّي سَمِعْتُ رسولَ الله يَقُولُ الجارُ أحَقُّ بِصَقَبِهِ لمَا أعْطَيْتُكَ.
أَي: هَذَا حَدِيث أبي رَافع الْمَذْكُور ذكره مُخْتَصرا من طَرِيق سُفْيَان الثَّوْريّ عَن إِبْرَاهِيم بن ميسرَة، وَأوردهُ فِي آخر كتاب الْحِيَل بأتم مِنْهُ.
سعد هُوَ ابْن أبي وَقاص، قيل: ذكر البُخَارِيّ فِي هَذِه الْمَسْأَلَة حَدِيث أبي رَافع ليعرفك إِنَّمَا جعله النَّبِي حَقًا للشَّفِيع لقَوْله: الْجَار أَحَق بصقبه لَا يحل إِبْطَاله انْتهى. قلت: لَيْسَ فِي الحَدِيث مَا يدل على أَن البيع وَقع وَالشَّفِيع لَا يسْتَحق إلاَّ بعد صُدُور البيع، فحينئذٍ لَا يَصح أَن، يُقَال: لَا يحل إِبْطَاله، وَقَالَ صَاحب التَّوْضِيح إِنَّمَا أَرَادَ البُخَارِيّ أَن يلْزم أَبَا حنيفَة التَّنَاقُض لِأَنَّهُ يُوجب الشُّفْعَة للْجَار وَيَأْخُذ فِي ذَلِك بِحَدِيث: الْجَار أَحَق بصقبه، فَمن اعْتقد هَذَا وَثَبت ذَلِك عِنْده من قَضَائِهِ وتحيل بِمثل هَذِه الْحِيلَة فِي إبِْطَال شُفْعَة الْجَار فقد أبطل السّنة الَّتِي اعتقدها. انْتهى. قلت: هَذَا الَّذِي قَالَه كَلَام(24/123)
من غير إِدْرَاك وَلَا فهم، لِأَنَّهُ لَا جَار فِي هَذِه الصُّورَة لِأَن الَّذِي فِيهَا الشَّرِيك فِي نفس الْمَبِيع وَالْجَار لَا يتَقَدَّم عَلَيْهِ وَلَا يسْتَحق الْجَار الشُّفْعَة إِلَّا بعده بل وَبعد الشَّرِيك فِي حق الْمَبِيع أَيْضا فَكيف يحل لهَذَا الْقَائِل أَن يفتري على هَذَا الإِمَام الَّذِي سبق إِمَامه وَإِمَام غَيره وينسب إِلَيْهِ أبطال السّنة.
وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إنِ اشْتَراى نَصِيبَ دارٍ فأرادَ أنْ يُبْطِلَ الشُّفْعَةَ وهَبَ لابْنِهِ الصغيرِ وَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ يَمِينٌ.
هَذَا أَيْضا تشنيع على الْحَنَفِيَّة. قَوْله: وهب أَي: مَا اشْتَرَاهُ لِابْنِهِ الصَّغِير وَلَا يكون عَلَيْهِ يَمِين فِي تحقق الْهِبَة، وَلَا فِي جَرَيَان شُرُوطهَا. وَقيد بالصغير لِأَن الْهِبَة لَو كَانَت للكبير وَجب عَلَيْهِ الْيَمين فتحيل إِلَى إِسْقَاطهَا بجعلها للصَّغِير، وَأَشَارَ بِالْيَمِينِ أَيْضا إِلَى أَن لَو وهب لأَجْنَبِيّ فَإِن للشَّفِيع أَن يحلف الْأَجْنَبِيّ أَن الْهِبَة حَقِيقِيَّة وَأَنَّهَا جرت بشروطها: وَالصَّغِير لَا يحلف لَكِن عِنْد الْمَالِكِيَّة: أَن أَبَاهُ الَّذِي يقبل لَهُ يحلف، وَعَن مَالك: لَا تدخل الشُّفْعَة فِي الْمَوْهُوب مُطلقًا، كَذَا ذكره فِي الْمُدَوَّنَة
15 - (بابُ احْتيالِ العامِلِ لِيُهْدَى لهُ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان كَرَاهَة حِيلَة الْعَامِل لأجل أَن يهدى لَهُ، على صِيغَة الْمَجْهُول، وَالْعَامِل هُوَ الَّذِي يتَوَلَّى أُمُور الرجل فِي مَاله وَملكه وَعَمله وَمِنْه قيل للَّذي يسْتَخْرج الزَّكَاة: عَامل.
6979 - حدّثنا عُبَيْدُ بنُ إسْماعِيلَ، حدّثنا أَبُو أسامةَ عنْ هِشامِ، عنْ أبِيهِ عنْ أبي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ: اسْتَعْمَلَ رسولُ الله رَجُلاً عَلى صَدَقَاتِ بَنِي سُلَيْمٍ يُدْعاى ابنَ اللُّتْبِيَّةِ، فَلمَّا جاءَ حاسَبَهُ قَالَ: هاذا مالُكُمْ وهاذا هَدِيَّةٌ، فَقَالَ رسولُ الله فَهَلَّا جَلَسْتَ فِي بَيْتِ أبِيكَ وأُمِّكَ حتَّى تَأْتِيكَ هَدِيَّتُكَ، إنْ كُنْتَ صادِقاً ثُمَّ خَطَبَنا فَحَمِدَ الله وأثْناى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: أمَّا بَعْدُ فإنِّي أسْتَعْمِلُ الرَّجُلَ مِنْكُمْ عَلى العَمَلِ مِمَّا ولاَّني الله، فَيَأتِي فَيَقُولُ: هاذا مالُكُمْ وهاذا هَدِيَّةٌ، أُهْدِيَتْ لِي، أفَلاَ جَلَسَ فِي بَيْتِ أبِيهِ وأُمِّهِ حتَّى تَأْتِيَهُ هَدِيَّتُهُ؟ وَالله لَا يأخُذُ أحَدٌ مِنْكُمْ شَيْئاً بِغَيْرِ حَقِّهِ إلاَّ لَقِيَ الله يَحْمِلُهُ يَوْمَ القِيامَةِ، فَلاَ أعْرفَنَّ أحَداً مِنْكُمْ لَقِيَ الله يَحْمِلُ بَعِيراً لَهُ رُغاءٌ، أوْ بَقَرَةً لَها خُوارٌ، أوْ شَاة تَيْعَرُ ثُم رَفَعَ يَدَيْهِ حتَّى رُئِيَ بَياضُ إبِطَيْهِ، يَقُولُ: اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ بصْرَ عَيْنِي وسَمْعَ أُذُنِي.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: وَهَذَا هَدِيَّة قَالَ الْمُهلب حِيلَة الْعَامِل ليهدى لَهُ تقع بِأَن يسامح بعض من عَلَيْهِ الْحق فَلذَلِك قَالَ: هلا جلس فِي بَيت أَبِيه وَأمه لينْظر هَل يهدى لَهُ؟ وَيُقَال: احتيال الْعَامِل هُوَ بِأَن مَا أهدي لَهُ فِي عمالته يستأثر بِهِ وَلَا يَضَعهُ فِي بَيت المَال، وهدايا الْعمَّال والأمراء هِيَ من جملَة حُقُوق الْمُسلمين.
وَأَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة، وَهِشَام هُوَ ابْن عُرْوَة يروي عَن أَبِيه عُرْوَة بن الزبير عَن أبي حميد بِضَم الْحَاء عبد الرحمان، وَقيل: الْمُنْذر السَّاعِدِيّ الْأنْصَارِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي الْهِبَة عَن عبد الله بن مُحَمَّد وَفِي النذور عَن أبي الْيَمَان وَفِي الزَّكَاة عَن يُوسُف بن مُوسَى، وَمضى الْكَلَام فِيهِ فِي الزَّكَاة.
قَوْله: ابْن اللتبيه بِضَم اللَّام وَسُكُون التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وبالباء الْمُوَحدَة وياء النِّسْبَة، وَقيل: بفح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق، وَقيل: بِالْهَمْزَةِ المضمومة بدل اللَّام واسْمه عبد الله. قَوْله: فَلَا أَعرفن نهي للمتكلم صُورَة وَفِي الْمَعْنى نهي لقَوْله: أحدا ويروى فلأعرفن أَي: وَالله لأعرفن. قَوْله: رُغَاء هُوَ صَوت ذَات الْخُف. قَوْله: تَيْعر بِالْكَسْرِ وَقيل بِالْفَتْح من اليعار بِضَم الْيَاء آخر(24/124)
الْحُرُوف وَتَخْفِيف الْعين الْمُهْملَة وَهُوَ صَوت الشَّاة. قَوْله: بَيَاض إبطَيْهِ ويروى بِالْإِفْرَادِ. قَوْله: بصر عَيْني بِلَفْظ الْمَاضِي وَكَذَلِكَ لفظ: سمع أَي: أَبْصرت عَيْنَايَ رَسُول الله ناطقاً ورافعاً يَدَيْهِ وَسمعت كَلَامه، وَهُوَ قَول أبي حميد الرَّاوِي لَهُ. وَقَالَ عِيَاض: ضبط أَكْثَرهم بِسُكُون الصَّاد وبسكون الْمِيم وَفتح الرَّاء وَالْعين مصدرين مضافين وَهُوَ مفعول: بلغت، وَهُوَ مقول رَسُول الله
6980 - حدّثنا أبُو نُعَيْمِ، حدّثنا سُفْيانُ، عنْ إبْراهِيمَ بنِ مَيْسَرَةَ، عنْ عَمْرِو بنِ الشَّريدِ، عنْ أبي رافِعِ قَالَ: قَالَ النبيُّ الجَارُ أحَقُّ بِصَقَبِهِ.
هَذَا الحَدِيث وَالَّذِي يَأْتِي فِي آخر الْبَاب يتعلقان بِبَاب الْهِبَة وَالشُّفْعَة، فَلَا وَجه لذكرهما فِي هَذَا الْبَاب. وَمن هَذَا قَالَ الْكرْمَانِي: كَانَ موضعهما الْمُنَاسب قيل: بَاب احتيال الْعَامِل، لِأَنَّهُ من بَقِيَّة مسَائِل الشُّفْعَة، وتوسيط هَذَا الْبَاب بَينهمَا أَجْنَبِي، ثمَّ قَالَ: وَلَعَلَّه من جملَة تَصَرُّفَات النقلَة عَن الأَصْل. وَلَعَلَّه كَانَ فِي الْحَاشِيَة وَنَحْوهَا فنقلوه إِلَى غير مَكَانَهُ، وَرِجَاله قد ذكرُوا عَن قريب، وَكَذَلِكَ شَرحه.
وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إِن اشْتَرَى دَارا بِعِشْرِينَ ألْفَ دِرْهَمٍ، فَلاَ بَأسَ أنْ يَحْتالَ حتَّى يَشْتَرِيَ الدَّارَ بِعِشْرِينَ ألْفَ دِرْهَمٍ، ويَنْقُدَهُ تِسْعَةَ آلافِ دِرْهَمٍ وتِسْعَمِائَةِ درْهَمٍ، وتِسْعَةً وتِسْعِينَ ويَنْقُدَهُ دِيناراً بِمَا بَقِيَ مِنَ العِشْرينَ الألْفَ، فإنْ طَلَبَ الشَّفِيعُ أخْذَها بِعِشْرينَ ألْفَ دِرْهَمٍ، وإلاّ فَلا سَبِيلَ لهُ عَلى الدَّارِ، فإنِ اسْتُحِقَّتِ الدَّارُ رَجَعَ المُشْتَرِي عَلى البائِعِ بِما دَفَعَ إلَيْه، وهْو تِسْعَةُ آلافِ دِرْهَمِ وتِسْعُمِائَةٍ وتسْعَةٌ وتِسْعُونَ دِرْهَماً ودِينارٌ، لِأَن البَيْعَ حِينَ اسْتُحِقَّ انْتَقَضَ الصَّرْفُ فِي الدِّينارِ، فإنْ وَجَدَ بِهاذِهِ الدِّارِ عَيْباً ولمْ تُسْتَحَقَّ فإنَّهُ يَرُدُّها عَلَيْهِ بِعِشْرِينَ ألْفَ دِرْهَمٍ. قَالَ: فأجازَ هَذا الخِداعَ بَيْنَ المُسْلِمِينَ، وَقَالَ: قَالَ النَّبيُّ لَا داءَ وَلَا خِبْثَةَ وَلَا غائِلَةَ
هَذَا أَيْضا تشنيع بعد تشنيع بِلَا وَجه. قَوْله: إِن اشْترى دَارا أَي: أَرَادَ اشْتِرَاء دَار بِعشْرين ألف دِرْهَم. قَوْله: فَلَا بَأْس أَن يحتال أَي: على إِسْقَاط الشُّفْعَة حَتَّى يَشْتَرِي الدَّار بِعشْرين ألف دِرْهَم. قَوْله: وينقده أَي: ينْقد البَائِع تِسْعَة آلَاف دِرْهَم وَتِسْعمِائَة وَتِسْعَة وَتِسْعين وينقده دِينَارا بِمَا بَقِي أَي: بِمُقَابلَة مَا بَقِي من الْعشْرين الْألف، ويروى: من الْعشْرين ألفا يَعْنِي: مصارفه عَنْهَا. قَوْله: فَإِن طلب الشَّفِيع أَي: أَخذهَا بِالشُّفْعَة. قَوْله: أَخذهَا بِصِيغَة الْمَاضِي، أَي: أَخذهَا بِعشْرين ألف دِرْهَم يَعْنِي: بِثمن الَّذِي وَقع عَلَيْهِ العقد. قَوْله: وإلاَّ فَلَا سَبِيل لَهُ على الدَّار يَعْنِي: وَإِن لم يرض أَخذهَا بِعشْرين ألفا فَلَا سَبِيل لَهُ على الدَّار لسُقُوط الشُّفْعَة لكَونه امْتنع من بدل الثّمن الَّذِي وَقع عَلَيْهِ العقد. قَوْله: فَإِن اسْتحقَّت على صِيغَة الْمَجْهُول، يَعْنِي: إِذا ظَهرت الدَّار مُسْتَحقَّة لغير البَائِع. قَوْله: لِأَن البيع أَي: لِأَن الْمَبِيع. قَوْله: حِين اسْتحق أَي: للْغَيْر. قَوْله: انْتقض الصّرْف أَي: الَّذِي وَقع بَين البَائِع وَالْمُشْتَرِي فِي الدَّار الْمَذْكُورَة بالدينار، وَهِي رِوَايَة الْكشميهني أَعنِي فِي الدِّينَار، وَفِي رِوَايَة غَيره فِي الدَّار وَالْأول أوجه. قَوْله: فَإِن وجد بِهَذِهِ الدَّار أَي: الدَّار الْمَذْكُورَة عَيْبا. قَوْله: وَلم تسْتَحقّ الْوَاو فِيهِ للْحَال أَي: وَالْحَال أَنَّهَا لم تخرج مُسْتَحقَّة فَإِنَّهُ يردهَا، أَي: الدَّار عَلَيْهِ أَي: على البَائِع بِعشْرين ألفا. قَالَ: وَهَذَا تنَاقض بيّن لِأَن الْأمة مجمعة وَأَبُو حنيفَة مَعَهم على أَن البَائِع لَا يرد فِي الِاسْتِحْقَاق وَالرَّدّ بِالْعَيْبِ إلاَّ مَا قبض، فَكَذَلِك الشَّفِيع لَا يشفع إلاَّ بِمَا نقد المُشْتَرِي وَمَا قَبضه من البَائِع لَا بِمَا عقد، وَأَشَارَ إِلَى ذَلِك بقوله: قَالَ: فَأجَاز هَذَا الخداع بَين الْمُسلمين أَي: أجَاز الْحِيلَة فِي إِيقَاع الشَّرِيك فِي الْعين إِن أَخذ الشُّفْعَة وَإِبْطَال حَقه بِسَبَب الزِّيَادَة فِي الثّمن بِاعْتِبَار العقد لَو تَركهَا، وَالضَّمِير فِي: قَالَ، يرجع إِلَى(24/125)
البُخَارِيّ وَفِي: أجَاز إِلَى بعض النَّاس، فَإِن كَانَ مُرَاده من قَوْله: فَأجَاز، أَي: أَبُو حنيفَة فَفِيهِ سوء الْأَدَب فحاشا أَبُو حنيفَة من ذَلِك، فدينه المتين وورعه الْمُحكم يمنعهُ عَن ذَلِك. قَوْله: وَقَالَ: قَالَ النَّبِي أَي: قَالَ البُخَارِيّ: قَالَ النَّبِي وَأَرَادَ بِهَذَا الحَدِيث الْمُعَلق الَّذِي مضى مَوْصُولا بأتم مِنْهُ فِي أَوَائِل كتاب الْبيُوع الِاسْتِدْلَال على حُرْمَة الخداع بَين الْمُسلمين فِي معاقداتهم قَوْله: لَا دَاء أَي: لَا مرض وَلَا خبثة بِكَسْر الْخَاء الْمُعْجَمَة أَي: لَا يكون، وَحكى الضَّم أَيْضا وَقَالَ الْهَرَوِيّ: الخبثة، أَن يكون البيع غير طيب كَأَن يكون من قوم لم يحل سَبْيهمْ لعهد تقدم لَهُم، وَقَالَ ابْن التِّين: وَهَذَا فِي عهد الرَّقِيق، قيل: إِنَّمَا خصّه بذلك لِأَن الْخَبَر إِنَّمَا ورد فِيهِ قَوْله: وَلَا غائلة وَهُوَ أَن يَأْتِي أمرا سوءا كالتدليس وَنَحْوه، وَقَالَ الْكرْمَانِي: الغائلة الْهَلَاك أَي: لَا يكون فِيهِ هَلَاك مَال المُشْتَرِي، وَالْأَصْل عِنْده من يرى هَذَا الاحتيال فِي هَذِه الصُّورَة وَغَيرهَا هُوَ أَن إبِْطَال الْحُقُوق الثَّابِتَة بِالتَّرَاضِي جَائِز.
6981 - حدّثنا مُسَدَّدٌ، حدّثنا يَحْياى، عنْ سُفْيانَ، قَالَ: حدّثني إبْراهِيمُ بنُ مَيْسَرَةَ، عنْ عَمْرِو بنِ الشَّرِيدِ، أنَّ أَبَا رافِعٍ ساوَمَ سَعْدَ بنَ مالِكٍ بَيْتاً بِأرْبَعِمائَةِ مِثْقالٍ، وَقَالَ: لوْلا أنِّي سَمِعْتُ النبيَّ يَقُول: الجَارُ أحَقُّ بِصَقَبِهِ مَا أعْطَيْتُكَ.
قد مر الْكَلَام فِيهِ عَن قريب عِنْد قَوْله: حَدثنَا أَبُو نعيم حَدثنَا سُفْيَان ... الخ، وَهُوَ بِعَين ذَلِك الحَدِيث غير أَنه أخرجه هُنَا: عَن مُسَدّد عَن يحيى الْقطَّان عَن سُفْيَان الثَّوْريّ، وَهُنَاكَ: عَن أبي نعيم عَن سُفْيَان عَن إِبْرَاهِيم ... الخ وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
{بِسم الله الرحمان الرَّحِيم}
ثبتَتْ الْبَسْمَلَة هُنَا لجَمِيع الروَاة.
(كِتابُ التَّعْبِيرِ)
أَي: هَذَا كتاب فِي بَيَان التَّعْبِير. وَقَالَ الْكرْمَانِي: قَالُوا الفصيح الْعبارَة لَا التَّعْبِير وَهِي التَّفْسِير والإخبار بِمَا يؤول إِلَيْهِ أَمر الرُّؤْيَا، وَالتَّعْبِير خَاص بتفسير الرُّؤْيَا وَهِي العبور من ظَاهرهَا إِلَى بَاطِنهَا، وَقيل: هُوَ النّظر فِي الشَّيْء فتعبير بعضه بِبَعْض حَتَّى يحصل على فهمه، وَأَصله من العبر، بِفَتْح الْعين وَسُكُون الْبَاء وَهُوَ التجاوز من حَال إِلَى حَال وَالِاعْتِبَار وَالْعبْرَة الْحَالة الَّتِي يتَوَصَّل بهَا من معرفَة الْمشَاهد إِلَى مَا لَيْسَ بمشاهد، وَيُقَال: عبرت الرُّؤْيَا بِالتَّخْفِيفِ إِذا فسرتها، وعبرتها بِالتَّشْدِيدِ لأجل الْمُبَالغَة فِي ذَلِك.
1 - (بابٌ أوَّلُ مَا بُدِىءَ بِهِ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنَ الوَحْيِ الرُّؤُيا الصَّالِحَةُ)
أَي: هَذَا بَاب فِيهِ أول مَا بدىء بِهِ، وَهَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ والقابسي، وَكَذَا وَقع لأبي ذَر مثله إلاَّ أَنه سقط لَهُ عَن غير الْمُسْتَمْلِي لفظ: بَاب. وَوَقع لغَيرهم، بَاب التَّعْبِير وَأول مَا بدىء بِهِ ... الخ. والرؤيا مَا يرَاهُ الشَّخْص فِي مَنَامه، وَهِي على وزن فعلى وَقد تسهل الْهمزَة، وَقَالَ الواحدي: هُوَ فِي الأَصْل مصدر كالبشري فَلَمَّا جعلت اسْما لما يتخيله النَّائِم أجريت مجْرى الْأَسْمَاء. وَقَالَ ابْن الْعَرَبِيّ: الرُّؤْيَا إدراكات يخلقها الله عز وَجل فِي قلب العَبْد على يَدي ملك أَو شَيْطَان إِمَّا بأسمائها أَي: حَقِيقَتهَا وَإِمَّا بكناها أَي: بعبارتها، وَإِمَّا تَخْلِيط، ونظيرها فِي الْيَقَظَة: الخواطر، فَإِنَّهَا قد تَأتي على نسق فِي قصد وَقد تَأتي مسترسلة غير محصلة.
وروى الْحَاكِم والعقيلي من رِوَايَة مُحَمَّد بن عجلَان عَن سَالم بن عبد الله بن عمر عَن أَبِيه قَالَ: لَقِي عمر عليّاً، رَضِي الله عَنْهُمَا، فَقَالَ: يَا أَبَا الْحسن الرجل يرى الرُّؤْيَا فَمِنْهَا مَا يصدق وَمِنْهَا مَا يكذب؟ قَالَ: نعم. سَمِعت رَسُول الله يَقُول: مَا من عبد وَلَا أمة ينَام فيمتلىء نوماً إِلَّا يخرج بِرُوحِهِ إِلَى الْعَرْش. فَالَّذِي لَا يَسْتَيْقِظ دون الْعَرْش فَتلك الرُّؤْيَا الَّتِي تصدق وَالَّذِي يَسْتَيْقِظ دون الْعَرْش فَتلك الَّتِي تكذب قَالَ الذَّهَبِيّ فِي تلخيصه هَذَا حَدِيث مُنكر وَلم يُصَحِّحهُ الْمُؤلف، وَلَعَلَّ الآفة من(24/126)
الرَّاوِي عَن ابْن عجلَان. انْتهى. الرَّاوِي عَن ابْن عجلَان هُوَ أَزْهَر بن عبد الله الْأَزْدِيّ الخرساني، ذكره الْعقيلِيّ فِي تَرْجَمته، وَقَالَ: إِنَّه غير مَحْفُوظ. قَوْله: الرُّؤْيَا الصادقة، قد ذكرنَا أَن الرُّؤْيَا فِي الْمَنَام، والرؤية هِيَ النّظر بِالْعينِ والرأي بِالْقَلْبِ، والصادقة هِيَ رُؤْيا الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَمن تَبِعَهُمْ من الصَّالِحين، وَقد تقع لغَيرهم بندور والأحلام الملتبسة أضغاث وَهِي لَا تندر بِشَيْء.
6982 - حدّثنا يَحْياى بنُ بُكَيْرٍ، حدّثنا اللَّيْثُ عنْ عُقَيْلٍ، عنِ ابنِ شِهابٍ. ح وحدّثني عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ، حدّثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حدّثنا مَعْمَرٌ قَالَ، الزُّهْرِيُّ: فَأَخْبرنِي عُرْوَةُ عنْ عائِشَةَ، رَضِي الله عَنْهَا، أنَّها قالَتْ: أوَّلُ مَا بُدِىءَ بِهِ رسولُ الله مِنَ الوَحْيِ الرُّؤْيا الصَّادِقَةُ فِي النَّوْمِ، فَكانَ لَا يَرى رُؤْيا إلاَّ جاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ، فكانَ يَأتِي حِراءً فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ وهْوَ التَّعَبُّدُ اللَّيالِيَ ذَواتِ العَدَدِ ويَتَزَوَّدُ لِذالِكَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَة فَتُزَوِّدُ لِمِثْلِها حتَّى فَجِئَهُ الحَقُّ وهْوَ فِي غارِ حِراءِ، فَجاءَهُ المَلَكُ فِيهِ فَقَالَ: فَقَالَ لهُ النبيُّ فَقُلْتُ مَا أَنا بِقارِىءٍ، فأخَذَنِي فَغَطَّني حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهُدَ، ثُمَّ أرْسَلَنِي فَقَالَ: ع فَقُلْتُ مَا أَنا بِقَارِىءٍ، فأخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حتَّى بَلَغَ مِنِّي الجُهْدَ، ثمَّ أرْسَلَنِي فَقَالَ: ع فَقُلْتُ مَا أَنا بِقارِىءٍ، فَغَطَنِي الثَّالِثَةَ حتَّى بَلَغَ مِنِّي الجُهْدُ، ثُمَّ أرْسَلَنِي فَقَالَ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِى خَلَقَ} حتَّى بَلَغَ: {عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} فَرَجَعَ بهَا تَرْجُفُ بَوَادِرُهُ حتّى دَخَلَ عَلى خَدِيجَةَ فَقَالَ: زَمِّلُونِي زَمُلُونِي فَزَمَّلُوه حتّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ، فَقَالَ: يَا خَدِيجَةُ مَا لِي وأخْبَرَها الخَبَرَ، وَقَالَ: قَدْ خَشِيتُ على نَفْسِي فقالَتْ لهُ كَلاّ أبْشِرْ فَوالله لَا يخْزِيكَ الله أبَداً إنِّكَ لَتَصلُ الرَّحِمَ وتَصْدُقُ الحَديثَ وتَحْمِلُ الكَلَّ وتَقْرِي الضَّيْفَ، وتُعِينُ عَلى نَوائِبِ الحَقِّ، ثُمَّ انْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ حتَّى أتَتْ بِهِ وَرَقَةَ بنَ نَوْفَل بن أسَدِ بنِ عَبْدِ العُزَّى بنِ قُصَيَ، وهْوَ ابنُ عَمِّ خَدِيجَةَ أخُو أبِيها. وَكَانَ امْرأً تَنَصَّرَ فِي الجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ يَكْتُبُ الكِتابَ العَرَبِيَّ، فَيَكْتُبُ بِالعَرَبِيَّةِ مِنَ الإنْجِيلِ مَا شاءَ الله أنْ يَكْتُبَ، وَكَانَ شَيْخاً كَبِيراً قَدْ عَمِيَ. فقالَتْ لهُ خَدِيجَةُ: أَي ابنَ عَمِّ اسْمَعْ مِنِ ابنِ أخِيكَ. فَقَالَ ورَقَةُ: ابنَ أخي مَاذَا تَراى؟ فأخْبَرَهُ النبيُّ مَا رأى، فَقَالَ وَرَقَةُ: هاذا النَّامُوسُ الَّذِي أُنْزِلَ عَلى مُوساى يَا لَيْتَنِي فِيها جَذَعاً، أكُونُ حَيّاً حينَ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ، فَقَالَ رسولُ الله أوْ مُخْرِجِيَّ هُمْ؟ فَقَالَ وَرَقَةُ: نَعَمْ، لَمْ يأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِما جِئْتَ بِهِ إلاّ عُودِيَ، وإنْ يُدْرِكْني يَوْمُكَ أنْصُرْك نَصْراً مُؤزَّراً، ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ ورَقَةُ أَن تُوفِّيَ وفَتَرَ الوَحْيُ فَتْرَةً حتَّى حَزِنَ النبيُّ فِيما بَلَغَنا حُزْناً غَدا مِنْهُ مِراراً كَيْ يَتَرَدَّى مِنْ رُؤُوسِ شَواهِقِ الجِبالِ، فَكُلَّما أوْفاى بِذرْوَةِ جبلٍ لِكَيْ يُلْقِيَ مِنْهُ نَفْسَهُ تَبَدَّى لهُ جِبْرِيلُ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إنَّكَ رسولُ الله حَقّاً فَيَسْكُنُ لِذالِكَ جَأْشُهُ وتَقِرُّ نَفْسُهُ فَيَرْجِعُ فَإِذا طالَتْ عَليْهِ فَتْرَةُ الوَحْيِ غَدا لِمِثْلِ ذالِكَ، فَإِذا أوْفاى بِذِرْوَةِ جَبَلِ تَبَدَّى لهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ لهُ مِثْلَ ذالِكَ.
وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: فالِقُ(24/127)
الإصْباحِ: ضَوْءُ الشَّمْسِ بِالنَّهارِ وضَوْءُ القَمَرِ بِاللَّيْلِ.
ف
هَذَا الحَدِيث قد مر فِي أول الْكتاب وَمضى الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى.
وَعَائِشَة لم تدْرك هَذَا الْوَقْت فإمَّا أَنَّهَا سمعته من النَّبِي أَو من صَحَابِيّ آخر.
وَأخرجه هُنَا من طَرِيقين: أَحدهمَا: عَن يحيى بن عبد الله بن بكير المَخْزُومِي الْمصْرِيّ عَن اللَّيْث بن سعد الْمصْرِيّ عَن عقيل بِضَم الْعين ابْن خَالِد عَن مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ وَالْآخر عَن عبد الله بن مُحَمَّد الْجعْفِيّ الْمَعْرُوف بالمسندي عَن عبد الرَّزَّاق بن همام عَن معمر بن رَاشد عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ، وَكتب بَين الْإِسْنَاد حرف ح إِشَارَة إِلَى التَّحْوِيل من إِسْنَاد قبل ذكر الحَدِيث إِلَى إِسْنَاد آخر. وَقَالَ الْكرْمَانِي: أَو الْإِشَارَة إِلَى صَحَّ أَو إِلَى الْحَائِل أَو إِلَى الحَدِيث.
قَوْله فَأَخْبرنِي عُرْوَة ذكر حرف الْفَاء إشعاراً بِأَنَّهُ روى لَهُ حَدِيثا ثمَّ عقبه بِهَذَا الحَدِيث، فَهُوَ عطف على مُقَدّر، وَوَقع عِنْد مُسلم: عَن مُحَمَّد بن رَافع عَن عبد الرَّزَّاق مثله، لَكِن فِيهِ: وَأَخْبرنِي، بِالْوَاو لَا بِالْفَاءِ. قَوْله: الصادقة وَفِي رِوَايَة: الصَّالِحَة، وهما بِمَعْنى وَاحِد بِالنِّسْبَةِ إِلَى أُمُور الْآخِرَة فِي حق الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم السَّلَام. وَأما بِالنِّسْبَةِ إِلَى أُمُور الدُّنْيَا فالصالحة أخص فرؤيا النَّبِي صَادِقَة وَقد تكون صَالِحَة وَهِي الْأَكْثَر وَغير صَالِحَة بِالنِّسْبَةِ إِلَى الدُّنْيَا، كَمَا وَقع فِي الرُّؤْيَا يَوْم أحد، وَأما رُؤْيا غير الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم السَّلَام، فبينهما عُمُوم وخصوص إِن فسرنا الصادقة بِأَنَّهَا الَّتِي لَا تحْتَاج إِلَى تَعْبِير، وَإِن فسرناها بِأَنَّهَا غير الأضغاث فالصالحة أخص مُطلقًا. وَقيل: الرُّؤْيَا الصادقة مَا يَقع بِعَيْنِه أَو مَا يعبر فِي الْمَنَام أَو يخبر بِهِ من لَا يكذب، والصالحة مَا يسر. وَقَالَ الْكرْمَانِي: الصَّالِحَة مَا صلح صورتهَا أَو مَا صلح تعبيرها، والصادقة الْمُطَابقَة للْوَاقِع. قَوْله: جَاءَت هَكَذَا رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: جَاءَتْهُ قَوْله: فلق الصُّبْح بِفَتْح الْفَاء: ضوء الصُّبْح وَشقه من الظلمَة وافتراقها مِنْهُ. وَجه التَّشْبِيه بفلق الصُّبْح دون غَيره هُوَ أَن شمس النُّبُوَّة كَانَت الرُّؤْيَا مبادىء أنوارها فَمَا زَالَ ذَلِك النُّور يَتَّسِع حَتَّى أشرقت الشَّمْس، فَمن كَانَ بَاطِنه نورياً كَانَ فِي التَّصْدِيق بكرياً كَأبي بكر، وَمن كَانَ بَاطِنه مظلماً كَانَ فِي التَّكْذِيب خفاشاً كَأبي جهل، وَبَقِيَّة النَّاس بَين هَاتين المنزلتين كل مِنْهُم بِقدر مَا أعطي من النُّور. قَوْله: جراء بِكَسْر الْحَاء وبالمد وَهُوَ الْأَفْصَح وَحكى بِتَثْلِيث أَوله مَعَ الْمَدّ وَالْقصر وَالصرْف وَعَدَمه، فتجتمع فِيهِ عدَّة لُغَات مَعَ قلَّة أحرفه وَنَظِيره: قبَاء، والخطابي جزم بِأَن فتح أَوله لحن وَكَذَا ضمه وَكَذَا قصره، قيل: الْحِكْمَة فِي تَخْصِيصه بالتخلي فِيهِ أَن الْمُقِيم فِيهِ كَانَت تمكنه فِيهِ رُؤْيَة الْكَعْبَة فتجتمع فِيهِ لمن يَخْلُو فِيهِ ثَلَاث عبادات: الْخلْوَة والتعبد وَالنَّظَر إِلَى الْبَيْت. وَقيل: إِن قُريْشًا كَانَت تَفْعَلهُ، وَأول من فعل ذَلِك من قُرَيْش عبد الْمطلب وَكَانُوا يعظمونه لجلالته وَكبر سنه، فَتَبِعَهُ على ذَلِك من كَانَ يتأله وَكَانَ يَخْلُو بمَكَان جده وَسلم لَهُ ذَلِك أَعْمَامه لكرامته عَلَيْهِم. قَوْله: وَهُوَ التَّعَبُّد تَفْسِير للتحنث الَّذِي فِي ضمن: يَتَحَنَّث، وَهُوَ إدراج من الرَّاوِي. قَوْله: اللَّيَالِي ذَوَات الْعدَد قَالَ الْكرْمَانِي: اللَّيَالِي مفعول يَتَحَنَّث وَذَوَات بِالْكَسْرِ أَي كَثِيرَة. وَقَالَ الْكرْمَانِي: اللَّيَالِي ذَوَات الْعدَد، يحْتَمل الْكَثْرَة إِذْ الْكثير يحْتَاج إِلَى الْعدَد، وَقَالَ غَيره: المُرَاد بِهِ الْكَثْرَة لِأَن الْعدَد على قسمَيْنِ فَإِذا أطلق أُرِيد بِهِ مَجْمُوع الْقلَّة وَالْكَثْرَة فَكَأَنَّهَا قَالَت ليَالِي كَثِيرَة، أَي: مَجْمُوع قسم الْعدَد. قَوْله: فتزود لمثلهاكذا فِي رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: فتزوده، بالضمير. وَقَوله: لمثلهَا أَي: لمثل اللَّيَالِي، وَقيل: يحْتَمل أَن يكون للمرة أَو الفعلة أَو الْخلْوَة أَو الْعِبَادَة، وَقَالَ بعض من عاصرناه: إِن الضَّمِير للسّنة فَذكر من رِوَايَة ابْن إِسْحَاق: كَانَ يخرج إِلَى غَار حراء فِي كل عَام شهرا من السّنة يتنسك فِيهِ يطعم من جَاءَهُ من الْمَسَاكِين. قَالَ: وَظَاهره التزود لمثلهَا كَانَ فِي السّنة الَّتِي تَلِيهَا لَا لمرة أُخْرَى من تِلْكَ السّنة، وَاعْترض عَلَيْهِ بعض تلامذته بِأَن مُدَّة الْخلْوَة كَانَت شهرا كَانَ يتزود لبَعض ليَالِي الشَّهْر، فَإِذا نفد ذَلِك الزَّاد رَجَعَ إِلَى أَهله فيتزود قدر ذَلِك من جِهَة أَنهم لم يَكُونُوا فِي سَعَة بَالِغَة من الْعَيْش، وَكَانَ غَالب زادهم اللَّبن وَاللَّحم، وَذَلِكَ لَا يدّخر مِنْهُ كِفَايَة الشَّهْر لِئَلَّا يسْرع إِلَيْهِ الْفساد، وَلَا سِيمَا وَقد وصف بِأَنَّهُ كَانَ يطعم من يرد عَلَيْهِ. قَوْله: حَتَّى فجئه الْحق كلمة: حَتَّى، هُنَا على أَصْلهَا لانْتِهَاء الْغَايَة، وَالْمعْنَى: انْتهى توجهه لغَار حراء بمجيء الْملك وَترك ذَلِك، وفجئه بِفَتْح الْفَاء وَكسر الْجِيم وبهمزة فعل مَاض أَي: جَاءَهُ الْوَحْي بَغْتَة، وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: الْحق أَي: أَمر الْحق وَهُوَ الْوَحْي أَو: رَسُول الْحق وَهُوَ جِبْرِيل،(24/128)
عَلَيْهِ السَّلَام، وَقيل: الْحق الْأَمر الْبَين الظَّاهِر أَو المُرَاد: الْملك بِالْحَقِّ، أَي: الْأَمر الَّذِي بعث بِهِ. قَوْله: فَجَاءَهُ الْفَاء فَاء التفسيرية، وَقيل: يحْتَمل أَن تكون للتعقيب، وَقيل: يحْتَمل أَن تكون سَبَبِيَّة. قَوْله: فِيهِ أَي: فِي الْغَار، وَهَذَا يرد قَول من قَالَ: إِن الْملك لم يدْخل إِلَيْهِ الْغَار بل كَلمه وَالنَّبِيّ دَاخل الْغَار وَالْملك على الْبَاب، وَالْملك هُنَا جِبْرِيل، عَلَيْهِ السَّلَام، وَقيل: اللَّام فِيهِ لتعريف الْمَاهِيّة لَا للْعهد إلاَّ أَن يكون المُرَاد بِهِ مَا عَهده، عَلَيْهِ السَّلَام، قبل ذَلِك لما كَلمه فِي صباه وَكَانَ سنّ النَّبِي حِين جَاءَهُ جِبْرِيل، عَلَيْهِ السَّلَام، فِي غَار حراء أَرْبَعِينَ سنة على الْمَشْهُور، وَكَانَ ذَلِك يَوْم الِاثْنَيْنِ نَهَارا فِي شهر رَمَضَان فِي سَابِع عشرَة، وَقيل: فِي سابعه، وَقيل فِي: رَابِع عشْرين، وَقيل: كَانَ فِي سَابِع عشْرين شهر رَجَب، وَقيل: فِي أول شهر ربيع الأول، وَقيل: فِي ثامنه. قَوْله: فَقَالَ اقْرَأ ظَاهره أَنه لم يتَقَدَّم من جِبْرِيل شَيْء قبل هَذِه الْكَلِمَة وَلَا السَّلَام، وَقيل: يحْتَمل أَنه سلم وَحذف ذكره، وروى الطَّيَالِسِيّ أَن جِبْرِيل سلم أَولا وَلم ينْقل أَنه سلم عِنْد الْأَمر بِالْقِرَاءَةِ. قَوْله: فَقَالَ اقْرَأ قيل: دلّت الْقِصَّة على أَن مُرَاد جِبْرِيل، عَلَيْهِ السَّلَام أَن يَقُول النَّبِي نَص مَا قَالَه، وَهُوَ قَوْله: اقْرَأ وَإِنَّمَا لم يقل لَهُ: قل: اقْرَأ لِئَلَّا يظنّ أَن لَفْظَة: قل، أَيْضا من الْقُرْآن. فَإِن قلت: مَا الَّذِي أَرَادَ باقرأ. قلت: هُوَ الْمَكْتُوب الَّذِي فِي النمط، كَذَا فِي رِوَايَة ابْن إِسْحَاق، فَلذَلِك قَالَ: مَا أَنا بقارىء يَعْنِي: أَنا أُمي لَا أحسن قِرَاءَة الْكتب، فَإِن قلت: مَا كَانَ الْمَكْتُوب فِي ذَلِك النمط؟ . قلت: الْآيَات الأول من {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِى خَلَقَ} وَقيل: وَيحْتَمل أَن يكون ذَلِك جملَة الْقُرْآن نزل بِاعْتِبَار ثمَّ نزل منجماً بِاعْتِبَار آخر، وَفِيه إِشَارَة إِلَى أَن أمره تكمل بِاعْتِبَار الْجُمْلَة ثمَّ تكمل بِاعْتِبَار التَّفْصِيل. فغطني من الغط بالغين الْمُعْجَمَة وَهُوَ الْعَصْر الشَّديد والكبس، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: قيل: إِنَّمَا غطه ليختبره، هَل يَقُول من تِلْقَاء نَفسه شَيْئا وَقيل: لتنبيهه واستحضاره وَنفي منافيات الْقِرَاءَة عَنهُ. وَقَالَ السُّهيْلي: تَأْوِيل الغطات الثَّلَاث أَنَّهَا كَانَت فِي النّوم أَنه ستقع لَهُ ثَلَاث شَدَائِد يبتلى بهَا ثمَّ يَأْتِي الْوَحْي، وَكَذَا كَانَت: الأولى: فِي الشّعب لما حصرتهم قُرَيْش فَإِنَّهُ لَقِي وَمن تبعه شدَّة عَظِيمَة. الثَّانِيَة: لما خَرجُوا توعدوهم بِالْقَتْلِ حَتَّى فروا إِلَى الْحَبَشَة. وَالثَّالِثَة: لما هموا بِهِ مَا هموا من الْمَكْر بِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} الْآيَة، فَكَانَت لَهُ الْعَاقِبَة فِي الشدائد الثَّلَاث، وَقَالَ من عاصرنا من الْمَشَايِخ مَا ملخصه: إِن هَذِه الْمُنَاسبَة حَسَنَة وَلَا يتَعَيَّن للنوم بل يكون بطرِيق الْإِشَارَة فِي الْيَقَظَة وَقَالَ: وَيُمكن أَن تكون الْمُنَاسبَة أَن الْأَمر الَّذِي جَاءَ بِهِ ثقيل من حَيْثُ القَوْل وَالْعَمَل وَالنِّيَّة، أَو من جِهَة التَّوْحِيد وَالْأَحْكَام والإخبار بِالْغَيْبِ الْمَاضِي والآتي، وَأَشَارَ بالإرسالات الثَّلَاث إِلَى حُصُول التَّيْسِير والتسهيل والخفيف فِي الدُّنْيَا والبرزخ وَالْآخِرَة عَلَيْهِ وعَلى أمته قَوْله: حَتَّى بلغ مني الْجهد؟ بِضَم الْجِيم الطَّاقَة وَبِفَتْحِهَا الْغَايَة، وَيجوز فِيهِ رفع الدَّال ونصبها، أما الرّفْع فعلى أَنه فَاعل بلغ، وَهِي الْقِرَاءَة الَّتِي عَلَيْهَا الْأَكْثَرُونَ وَهِي المرجحة، وَأما النصب فعلى أَن فَاعل: بلغ، هُوَ الغط الَّذِي دلّ عَلَيْهِ قَوْله: غطني وَالتَّقْدِير: بلغ مني الغط جهده أَي: غَايَته، وَقَالَ الشَّيْخ التوربشتي: لَا أرى الَّذِي قَالَه بِالنّصب إلاَّ وهما فَإِنَّهُ يصير الْمَعْنى أَنه غطه حَتَّى استفرغ الْملك قوته فِي ضغطه بِحَيْثُ لم يبْق فِيهِ مزِيد، وَهُوَ قَول غير سديد، فَإِن البنية البشرية لَا تطِيق استنفاد الْقُوَّة الملكية لَا سِيمَا فِي مُبْتَدأ الْأَمر، وَقد صرح فِي الحَدِيث بِأَنَّهُ دخله الرعب من ذَلِك. انْتهى. وَقيل: لَا مَانع أَن يكون الله قوَّاه على ذَلِك وَيكون من جملَة معجزاته، وَقَالَ الطَّيِّبِيّ فِي جَوَابه، بِأَن جِبْرِيل لم يكن حينئذٍ على صورته الملكية فَيكون استفراغ جهده بِحَسب صورته الَّتِي جَاءَ بهَا حِين غطه، وَقَالَ: وَإِذا صحت الرِّوَايَة اضمحل الاستبعاد. انْتهى، وَفِيه تَأمل. قَوْله: فَرجع بهَا أَي: مصاحباً بِالْآيَاتِ الْمَذْكُورَة الْخمس. قَوْله: ترجف بوادره جملَة حَالية والبوادر جمع البادرة وَهِي اللحمة بَين الْعُنُق والمنكب، وَقد تقدم فِي بَدْء الْوَحْي بِلَفْظ: فُؤَاده قيل: الْحِكْمَة فِي الْعُدُول عَن الْقلب إِلَى الْفُؤَاد أَن الْفُؤَاد وعَاء الْقلب فَإِذا حصل الرجفان للفؤاد حصل لما فِيهِ. قَوْله: الروع بِفَتْح الرَّاء الْفَزع. قَوْله: مَالِي أَي: مَا كَانَ الَّذِي حصل لي؟ قَوْله: قد خشيت على نَفسِي هَكَذَا رِوَايَة الكشمهيني: وَفِي رِوَايَة غَيره: خشيت عَليّ، بِالتَّشْدِيدِ يَعْنِي: من أَن يكون مَرضا أَو عارضاً من الْجِنّ. وَقَالَ الْكرْمَانِي: قَالُوا: الأولى: خشيت أَنِّي لَا أقوى على تحمل أعباء الرسَالَة ومقاومة الْوَحْي. قَوْله: فَقَالَت لَهُ كلا أَي: فَقَالَت خَدِيجَة للنَّبِي كلا، أَي: لَيْسَ الْأَمر كَمَا زعمت بل لَا خشيَة عَلَيْك،(24/129)
وأصل كلمة: كلا، للردع والإبعاد وَقد يَجِيء بِمَعْنى: حَقًا. قَوْله: أبشر خطاب من خَدِيجَة للنَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسلم، وَهُوَ أَمر من الْبشَارَة بِكَسْر الْبَاء وَضمّهَا وَهُوَ اسْم والمصدر بشر وبشور من بشرت الرجل أُبَشِّرهُ بِالضَّمِّ أَي: أدخلت لَهُ سُرُورًا وفرحاً وَلم يعين فِيهِ المبشر بِهِ وَوَقع فِي دَلَائِل النُّبُوَّة للبيهقي من طَرِيق أبي ميسرَة مُرْسلا مطولا، وَفِي آخر: فأبشر فَإنَّك رَسُول الله حَقًا، وَفِيه: لَا يفعل الله بك إلاَّ خيرا. قَوْله: لَا يخزيك الله أبدا من الخزي بالمعجمتين وَهُوَ الذل والهوان، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: لَا يحزنك الله، من الْحزن بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالنُّون. قَوْله: الْكل أَي: ثقل من النَّاس. قَوْله: على نَوَائِب الْحق جمع نائبة وَهِي مَا يَنُوب الْإِنْسَان أَي: ينزل بِهِ من الْمُهِمَّات والحوادث. قَوْله: وَهُوَ ابْن عَم خَدِيجَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، أَخُو أَبِيهَا كَذَا وَقع هُنَا، وأخو صفة للعم فَكَانَ حَقه أَن يذكر مجروراً. وَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة ابْن عَسَاكِر: أخي أَبِيهَا، وَوجه رِوَايَة الرّفْع أَنه مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: هُوَ أَخُو أَبِيهَا، فَائِدَته دفع الْمجَاز فِي إِطْلَاق الْعم عَلَيْهِ. قَوْله: تنصر أَي: دخل فِي دين النَّصْرَانِيَّة. قَوْله: فِي الْجَاهِلِيَّة أَي: قبل الْبعْثَة المحمدية. قَوْله: بالعبرانية بِكَسْر الْعين وَكَذَلِكَ العبري، قَالَ الْجَوْهَرِي: هُوَ لُغَة الْيَهُود وَقد ذكرنَا فِي أول الْكتاب فِي هَذَا الحَدِيث أَن العبراني نِسْبَة إِلَى العبر، وزيدت فِيهِ الْألف وَالنُّون فِي النِّسْبَة على غير الْقيَاس، وَقَالَ ابْن الْكَلْبِيّ: مَا أَخذ على غربي الْفُرَات فِي قَرْيَة الْعَرَب يُسمى العبر وَإِلَيْهِ ينْسب العبريون من الْيَهُود لأَنهم لم يَكُونُوا عبروا الْفُرَات. قَوْله: اسْمَع من ابْن أَخِيك إِنَّمَا قالته تَعْظِيمًا وإظهاراً للشفقة لِأَنَّهُ لم يكن ابْن أخي ورقة. قَوْله: هَذَا الناموس هُوَ صَاحب السِّرّ يَعْنِي جِبْرِيل، عَلَيْهِ السَّلَام، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مطولا. قَوْله: جذعاً بِفَتْح الْجِيم والذال الْمُعْجَمَة وَهُوَ الشَّاب الْقوي، وانتصابه على تَقْدِير: لَيْتَني أكون جذعاً، أَو هُوَ مَنْصُوب على مَذْهَب من ينصب: بليت، الجزأين، أَو: حَال، قَالَه الْكرْمَانِي. قلت: لَا يكون حَالا إلاَّ بالتأويل. قَوْله: أَو مخرجي هم؟ الْهمزَة للاستفهام، وَالْوَاو للْعَطْف على مُقَدّر بعْدهَا، وهم مُبْتَدأ، ومخرجي مقدما خَبره وَأَصله: مخرجين، فَلَمَّا أضيف إِلَى يَاء الْمُتَكَلّم سَقَطت النُّون. قَوْله: بِمَا جِئْت بِهِ وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: بِمثل مَا جِئْت بِهِ. قَوْله: إلاَّ عودي على صِيغَة الْمَجْهُول من المعاداة. قَوْله: نصرا مؤزراً بِالْهَمْزَةِ فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين من التأزير وَهُوَ التقوية وَأَصله من الأزر وَهُوَ الْقُوَّة، وَقَالَ الْقَزاز: الصَّوَاب موازراً بِغَيْر همز من وازرته إِذا عاونته، وَمِنْه أَخذ: وَزِير الْملك، وَيجوز حذف الْألف فَتَقول نصرا موزراً وَيرد عَلَيْهِ قَول الْجَوْهَرِي: أزرت فلَانا عاونته والعامة تَقول: وازرته. قَوْله: ثمَّ لم ينشب بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة أَي: لم يلبث. قَوْله: حزن النَّبِي من الْحزن بِضَم الْحَاء وَسُكُون الزَّاي وَبِفَتْحِهَا. قَوْله: عدا بِالْعينِ الْمُهْملَة من الْعَدو وَهُوَ الذّهاب بِسُرْعَة. وَمِنْهُم من أعجمها فَيكون من الذّهاب: غدْوَة. قَوْله: يتردى أَي: يسْقط. قَوْله: شَوَاهِق الْجبَال الشواهق جمع شَاهِق وَهُوَ الْمُرْتَفع العالي من الْجَبَل. قَوْله: فَلَمَّا أوفى بِذرْوَةِ جبل أَي: فَلَمَّا أشرف بِذرْوَةِ جبل بِكَسْر الذَّال الْمُعْجَمَة وَبِفَتْحِهَا وَضمّهَا وَالضَّم أَعلَى، وذروة كل شَيْء أَعْلَاهُ. قَوْله: تبدَّى لَهُ أَي: ظهر لَهُ، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني، بدا لَهُ، وَهُوَ بِمَعْنى ظهر أَيْضا. قَوْله: جاشه بِالْجِيم والشين الْمُعْجَمَة وَهُوَ النَّفس وَالِاضْطِرَاب.
قَوْله: وَقَالَ ابْن عَبَّاس. . الخ ذكره هَذَا الْمُعَلق عَن ابْن عَبَّاس لأجل مَا وَقع فِي حَدِيث الْبَاب إلاَّ جَاءَت مثل فلق الصُّبْح ثَبت هَذَا للنسفي وَلأبي زيد الْمروزِي وَلأبي ذَر عَن الْمُسْتَمْلِي والكشميهني، وَوَصله الطَّبَرِيّ من طَرِيق عَليّ بن طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: فالق الإصباح يَعْنِي بالإصباح ضوء الشَّمْس بِالنَّهَارِ وضوء الْقَمَر بِاللَّيْلِ وَاعْترض على البُخَارِيّ بِأَن ابْن عَبَّاس فسر: الإصباح، لَا لفظ: فالق، الَّذِي هُوَ المُرَاد هُنَا. وَأجِيب عَنهُ: بِأَن مُجَاهدًا فسر قَوْله: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِى خَلَقَ} بِأَن الفلق الصُّبْح، فلعى هَذَا فَالْمُرَاد بفلق الصُّبْح إضاءته، والفالق اسْم فَاعل من ذَلِك.
2 - (بابُ رُؤيا الصَّالِحِينَ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان عَامَّة رُؤْيا الصَّالِحين، وَهِي الَّتِي يُرْجَى صدقهَا، لِأَنَّهُ قد يجوز على الصَّالِحين الأضغاث فِي رؤياهم لَكِن الْأَغْلَب عَلَيْهِم الصدْق وَالْخَيْر وَقلة تحكم الشَّيْطَان عَلَيْهِم فِي النّوم أَيْضا لما جعل الله عَلَيْهِم من الصّلاح، وَبَقِي سَائِر النَّاس(24/130)
غير الصَّالِحين تَحت تحكم الشَّيْطَان عَلَيْهِم فِي النّوم مثل تحكمه عَلَيْهِم فِي الْيَقَظَة فِي أغلب أُمُورهم، وَإِن كَانَ قد يجوز مِنْهُم الصدْق فِي الْيَقَظَة فَكَذَلِك يكون فِي رؤياهم صدق أَيْضا.
وقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَّقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَآءَ اللَّهُءَامِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لاَ تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُواْ فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً}
وَقَوله، بِالْجَرِّ عطف على الصَّالِحين، وَالتَّقْدِير: وَفِي بَيَان قَوْله، عز وَجل: {لقد صدق الله} لآيَة وسيقت هَذِه الْآيَة كلهَا فِي رِوَايَة كَرِيمَة. وَأخرج عبد بن حميد والطبري من طَرِيق ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد فِي تَفْسِير هَذِه الْآيَة قَالَ: أرِي النَّبِي وَهُوَ بِالْحُدَيْبِية أَنه دخل مَكَّة هُوَ وَأَصْحَابه مُحَلِّقِينَ، فَلَمَّا نحر الْهَدْي بِالْحُدَيْبِية قَالَ أَصْحَابه: أَيْن رُؤْيَاك؟ فَنزلت. وَقَوله: {فَجعل من دون ذَلِك فتحا قَرِيبا} قَالَ: النَّحْر بِالْحُدَيْبِية، فَرَجَعُوا ففتحوا خَيْبَر، وَالْمرَاد بِالْفَتْح فتح خَيْبَر، قَالَ: ثمَّ اعْتَمر بعد ذَلِك فَكَانَ تَصْدِيق رُؤْيَاهُ فِي السّنة الْقَابِلَة، وَكَانَت الْحُدَيْبِيَة سنة سِتّ، وَفِي قَوْله: إِن شَاءَ الله أَقْوَال. فَقيل: هَل هُوَ مِمَّا خُوطِبَ الْعباد أَن يقولوه مثل: الْآيَة وَالِاسْتِثْنَاء لمن مَاتَ مِنْهُم قبل ذَلِك أَو قتل، أَو هُوَ حِكَايَة لما قيل لرَسُول الله فِي مَنَامه.
6983 - حدّثنا عَبْدُ الله بنُ مَسْلَمَة، عنْ مالِكٍ، عنْ إسْحاقَ بنِ عَبْدِ الله بنِ أبي طَلْحَةَ، عنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ أنَّ رسولَ الله قَالَ: الرُّؤْيا الحَسَنَةُ مِنَ الرَّجُلِ الصَّالِحِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وأرْبَعِينَ جُزْءاً مِنَ النُبُوَّةِ
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. والْحَدِيث أخرجه النَّسَائِيّ فِي تَعْبِير الرُّؤْيَا عَن قُتَيْبَة وَغَيره. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن هِشَام بن عمار.
قَوْله: الْحَسَنَة هِيَ إِمَّا بِاعْتِبَار حسن ظَاهرهَا أَو حسن تَأْوِيلهَا، وقسموا الرُّؤْيَا إِلَى الْحَسَنَة ظَاهرا وَبَاطنا كالتكلم مَعَ الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم السَّلَام، أَو ظَاهرا لَا بَاطِنا كسماع الملاهي، وَإِلَى رَدِيئَة ظَاهرا وَبَاطنا كلدغ الْحَيَّة، أَو ظَاهرا لَا بَاطِنا كذبح الْوَلَد. قَوْله: من الرجل ذكر للْغَالِب فَلَا مَفْهُوم لَهُ فَإِن الْمَرْأَة الصَّالِحَة كَذَلِك، قَالَه ابْن عبد الْبر. قَوْله: جُزْء من سِتَّة وَأَرْبَعين جُزْءا من النُّبُوَّة قَالَ الْكرْمَانِي: قَوْله: من النُّبُوَّة أَي: فِي حق الْأَنْبِيَاء دون غَيرهم وَكَانَ الْأَنْبِيَاء يُوحى إِلَيْهِم فِي منامهم كَمَا يُوحى إِلَيْهِم فِي الْيَقَظَة، وَقيل: مَعْنَاهُ أَن الرُّؤْيَا تَأتي على مُوَافقَة النُّبُوَّة لَا أَنَّهَا جُزْء باقٍ من النُّبُوَّة. وَقَالَ الزّجاج: تَأْوِيل قَوْله: جُزْء من سِتَّة وَأَرْبَعين جُزْءا من النُّبُوَّة أَن الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم السَّلَام، يخبرون بِمَا سَيكون والرؤيا تدل على مَا يكون. وَقَالَ الْخطابِيّ نَاقِلا عَن بَعضهم مَا ملخصه: إِن أول مَا بدىء بِهِ الْوَحْي إِلَى أَن توفّي ثَلَاث وَعِشْرُونَ سنة أَقَامَ بِمَكَّة ثَلَاث عشرَة سنة وبالمدينة عشرا وَكَانَ يُوحى إِلَيْهِ فِي مَنَامه فِي أول الْأَمر بِمَكَّة سِتَّة أشهر وَهِي نصف سنة فَصَارَت، هَذِه الْمدَّة جُزْءا من سِتَّة وَأَرْبَعين جُزْءا من النُّبُوَّة بنسبتها من الْوَحْي فِي الْمَنَام، ثمَّ اعْلَم أَن قَوْله: جُزْء من سِتَّة وَأَرْبَعين جُزْءا هُوَ الَّذِي وَقع فِي أَكثر الْأَحَادِيث، وَفِي رِوَايَة لمُسلم من حَدِيث أبي هُرَيْرَة: جُزْء من خَمْسَة وَأَرْبَعين، وَفِي رِوَايَة لَهُ من حَدِيث ابْن عمر جُزْء من سبعين جُزْءا، وَكَذَا أخرجه ابْن أبي شيبَة عَن ابْن مَسْعُود مَوْقُوفا. وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ عَنهُ من وَجه آخر مَرْفُوعا. وللطبراني من وَجه آخر عَنهُ: من سِتَّة وَسبعين. وَسَنَده ضَعِيف. وَأخرجه ابْن عبد الْبر من طَرِيق عبد الْعَزِيز بن الْمُخْتَار عَن ثَابت عَن أنس مَرْفُوعا: جُزْء من سِتَّة وَعشْرين، وَأخرج أَحْمد وَأَبُو يعلى حَدِيثا فِي هَذَا الْبَاب، وَفِيه: قَالَ ابْن عَبَّاس: إِنِّي سَمِعت الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب يَقُول: سَمِعت رَسُول الله يَقُول: الرُّؤْيَا الصَّالِحَة من الْمُؤمن جُزْء من خمسين جُزْءا من النُّبُوَّة. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ والطبري من حَدِيث أبي ذَر بن الْعقيلِيّ: جُزْء من أَرْبَعِينَ. وَأخرجه الطَّبَرِيّ من وَجه آخر عَن ابْن عَبَّاس: أَرْبَعِينَ. وَأخرج الطَّبَرِيّ أَيْضا من حَدِيث عبَادَة: جُزْء من أَرْبَعَة وَأَرْبَعين. وَأخرج أَيْضا أَحْمد من حَدِيث عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ: جُزْء من تِسْعَة وَأَرْبَعين. وَذكر الْقُرْطُبِيّ فِي الْمُفْهم بِلَفْظ: سَبْعَة، بِتَقْدِيم السِّين فحصلت من هَذِه عشرَة أوجه. وَوَقع فِي شرح النَّوَوِيّ(24/131)
وَفِي رِوَايَة عبَادَة: أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ، وَفِي رِوَايَة ابْن عمر: سِتَّة وَعِشْرُونَ، وَقيل: جَاءَ فِيهِ اثْنَان وَسَبْعُونَ، وَاثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ، وَسَبْعَة وَعِشْرُونَ، وَخَمْسَة وَعِشْرُونَ فعلى هَذَا يَنْتَهِي الْعدَد إِلَى سِتَّة عشر وَجها. وَأجَاب من تكلم فِي بَيَان وَجه الِاخْتِلَاف الْأَعْدَاد بِأَنَّهُ وَقع بِحَسب الْوَقْت الَّذِي حدث فِيهِ النَّبِي بذلك كَأَن يكون لما أكمل ثَلَاث عشرَة سنة بعد مَجِيء الْوَحْي إِلَيْهِ حدث بِأَن الرُّؤْيَا جُزْء من سِتَّة وَعشْرين إِن ثَبت الْخَبَر بذلك، وَذَلِكَ وَقت الْهِجْرَة، وَلما أكمل عشْرين حدث بِأَرْبَعِينَ وَلما أكمل اثْنَيْنِ وَعشْرين حدث بأَرْبعَة وَأَرْبَعين، ثمَّ بعْدهَا بِخَمْسَة وَأَرْبَعين، ثمَّ حدث بِسِتَّة وَأَرْبَعين فِي آخر حَيَاته. وَأما مَا عدا ذَلِك من الرِّوَايَات بعد الْأَرْبَعين فضعيف، وَرِوَايَة الْخمسين يحْتَمل أَن تكون لجبر الْكسر، وَرِوَايَة السّبْعين للْمُبَالَغَة وَمَا عدا ذَلِك لم يثبت. وَالله أعلم.
3 - (بابُ الرُّؤيا مِنَ الله)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ الرُّؤْيَا من الله، وَإِضَافَة الرُّؤْيَا إِلَى الله للتشريف كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا} والرؤيا المضافة إِلَى الله لَا يُقَال لَهَا: حلم، وَالَّتِي تُضَاف إِلَى الشَّيْطَان لَا يُقَال لَهَا رُؤْيا، وَهَذَا تصرف شَرْعِي وإلاَّ فَالْكل يُسمى: رُؤْيا.
6984 - حدّثنا أحْمَدُ بنُ يُونُسَ، حدّثنا زُهَيْرٌ، حدّثنا يَحْياى هُوَ ابنُ سَعِيدٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا قَتَادةَ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: الرُّؤْيا مِنَ الله، والحُلُمُ مِنَ الشَّيْطانِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة هَذَا على هَذِه الرِّوَايَة من غير ذكر الْوَصْف للرؤيا، وَهِي رِوَايَة أَحْمد بن يحيى الْحلْوانِي عَن أَحْمد بن يُونُس شيخ البُخَارِيّ، ويروى الرُّؤْيَا الصادقة من الله وَفِي رِوَايَة الْكشميهني الرُّؤْيَا الصَّالِحَة وَهِي الَّتِي وَقعت فِي مُعظم الرِّوَايَات.
وَأحمد بن يُونُس هُوَ أَحْمد بن يُونُس الْيَرْبُوعي الْكُوفِي، وَزُهَيْر هُوَ ابْن مُعَاوِيَة أَبُو خَيْثَمَة الْكُوفِي، وَيحيى هُوَ ابْن سعيد الْأنْصَارِيّ، وَأَبُو سَلمَة بن عبد الرحمان بن عَوْف، وَأَبُو قَتَادَة الْحَارِث بن ربعي الْأنْصَارِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي الطِّبّ عَن خَالِد بن مخلد. وَأخرجه بَقِيَّة الْجَمَاعَة.
قَوْله: والحلم بِضَم الْحَاء وَاللَّام قَالَ ابْن التِّين: كَذَا قرأناه وَفِي ضبط الْجَوْهَرِي بِسُكُون اللَّام وَهُوَ مَا يرَاهُ النَّائِم وحلم بِفَتْح الْحَاء وَاللَّام كضرب تَقول: حلمت بِكَذَا وحلمته، وَقَالَ ابْن سَيّده فِي مثلثه: وَيجمع على أَحْلَام لَا غير، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: الحالم النَّائِم يرى فِي مَنَامه شَيْئا وَإِذا لم ير شَيْئا فَلَيْسَ بحالم. وَقَالَ الزّجاج: الْحلم بِالضَّمِّ لَيْسَ بمصدر، وَإِنَّمَا هُوَ اسْم، وَحكى ابْن التياني فِي الموعب عَن الْأَصْمَعِي فِي الْمصدر حلماً وحلماً والحلم بِالْكَسْرِ الأناءة يُقَال مِنْهُ: حلم، بِضَم اللَّام. قَوْله: من الشَّيْطَان أضيفت إِلَيْهِ لكَونهَا على هَوَاهُ وَمرَاده، وَقيل: لِأَنَّهُ الَّذِي يخيل بهَا وَلَا حَقِيقَة لَهَا فِي نفس الْأَمر.
6985 - حدّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ، حدّثنا اللَّيْثُ، حدّثني ابنُ الهادِ، عنْ عَبدِ الله بنِ خَبَّابٍ عنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ أنَّهُ سَمِعَ النبيَّ يَقُولُ إِذا رَأى أحَدُكُمْ رُؤْيا يُحِبُّها فإنّما هِيَ مِنَ الله، فَلْيَحْمَدِ الله عَلَيْها، ولْيُحَدِّثْ بِها، وَإِذا رَأى غَيْرَ ذالِكَ مِمَّا يَكْرَهُ فإنَّما هِيَ مِنَ الشَّيْطانِ، فَلْيَسْتَعِذْ مِنْ شَرِّها وَلَا يَذْكرْها لأحَدٍ فَإِنَّهَا لَا تَضُرُّهُ
الحَدِيث 6985 طرفه فِي: 7045
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: فَإِنَّمَا هِيَ من الله وَابْن الْهَاد هُوَ يزِيد بن عبد الله بن أُسَامَة بن عبد الله بن شَدَّاد بن الْهَاد اللَّيْثِيّ، وَعبد الله بن خباب بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة الأولى الْأنْصَارِيّ، وَأَبُو سعيد بن مَالك الْخُدْرِيّ.
والْحَدِيث أخرجه التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ فِي الرُّؤْيَا وَالْيَوْم وَاللَّيْلَة جَمِيعًا عَن قُتَيْبَة.
قَوْله: وليحدث بهَا هَكَذَا فِي رِوَايَة الْكشميهني وَفِي رِوَايَة غَيره: وليتحدث بهَا. قَوْله: فليستعذ وَفِي بعض النّسخ: فليستعذ بِاللَّه. قَوْله: لَا تضره وَفِي رِوَايَة(24/132)
الْكشميهني: فَإِنَّهَا لن تضره.
4 - (بابٌ الرُّؤْيا الصَّالِحَةَ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وأرْبَعِينَ جُزْءاً مِنَ النُّبُوَّةِ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَة. . إِلَى آخِره، وَسَقَطت هَذِه التَّرْجَمَة للنسفي، وَذكر أحاديثها فِي الْبَاب الَّذِي قبله.
6986 - حدّثنا مُسَدَّدٌ، حدّثنا عَبْدُ الله بنُ يَحْياى بنِ أبي كَثِيرٍ وأثْنى عَلَيْهِ خَيْراً، وَقَالَ: لَ قِيتُهُ باليَمامَةِ عنْ أبِيهِ، حدّثنا أبُو سَلَمَةَ، عنْ أبي قَتادَةَ، عنِ النبيَّ قَالَ: الرُّؤْيا الصَّالِحَةُ مِنَ الله، والحُلْمُ مِنَ الشَّيْطانِ، فإذَا حَلَمَ فَلْيَتَعَوَّذْ مِنْهُ ولْيَبْصُقْ عنْ شِمالِهِ فإنَّها لَا تَضُرَّهُ
وعنْ أبِيهِ قَالَ: حَدثنَا عَبْدُ الله بنُ أبي قَتادَةَ عنْ أبِيهِ عَن النبيِّ مِثْلَهُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعبد الله بن يحيى بن أبي كثير ضد الْقَلِيل الْيَمَانِيّ، وَقَالَ الْكرْمَانِي: لم يتَقَدَّم ذكره.
قَوْله: وَأثْنى عَلَيْهِ خيرا أَي: وَأثْنى مُسَدّد على عبد الله بن يحيى خيرا، وَهِي جملَة حَالية. أَي: أثنى عَلَيْهِ خيرا حَال كَونه حدث عَنهُ، وَقد أثنى عَلَيْهِ أَيْضا إِسْحَاق بن إِسْرَائِيل فِيمَا أخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيقه قَالَ: حَدثنَا عبد الله بن يحيى بن أبي كثير وَكَانَ من خِيَار النَّاس. وَأهل الْوَرع وَالدّين. قَوْله: لَقيته بِالْيَمَامَةِ أَي: قَالَ مُسَدّد: لقِيت عبد الله بن يحيى بِالْيَمَامَةِ بتَخْفِيف الْمِيم، قَالَ الْجَوْهَرِي: الْيَمَامَة بِلَاد كَانَ اسْمهَا الجو بِالْجِيم وَتَشْديد الْوَاو، وَقَالَ الْكرْمَانِي: بَين مَكَّة واليمن، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: الْيَمَامَة اسْم جَارِيَة زرقاء كَانَت تبصر الرَّاكِب من مسيرَة ثَلَاثَة أَيَّام، يُقَال: أبْصر من زرقاء الْيَمَامَة، فسميت الْبِلَاد الْمَذْكُورَة باسم هَذِه الْجَارِيَة لِكَثْرَة مَا أضيف إِلَيْهَا، وَقيل: جو الْيَمَامَة. قَوْله: عَن أَبِيه هُوَ يحيى بن أبي كثير، وَاسم أبي كثير صَالح بن المتَوَكل، وَقيل، غير ذَلِك، روى عَن أبي سَلمَة بن عبد الرحمان بن عَوْف، وروى عَنهُ ابْنه عبد الله الْمَذْكُور، وَأَبُو قَتَادَة هُوَ الْحَارِث بن ربعي وَقد مضى عَن قريب. قَوْله: فَإِذا حلم بِفَتْح اللَّام. قَوْله: فليتعوذ مِنْهُ أَي: من الشَّيْطَان لِأَنَّهُ ينْسب إِلَيْهِ. قَوْله: وليبصق أَمر بالبصق عَن شِمَاله طرد للشَّيْطَان الَّذِي حضر رُؤْيَاهُ الْمَكْرُوهَة وتحقيراً لَهُ واستقذاراً، وَخص الشمَال لِأَنَّهُ مَحل الأقذار والمكروهات، ويروى: فلينفث، ويروى أَيْضا: فليتفل، وَأكْثر الرِّوَايَات على الثَّانِي، وَادّعى بَعضهم أَن مَعْنَاهَا وَاحِد، وَلَعَلَّ المُرَاد بِالْجَمِيعِ النفث وَهُوَ نفخ بِلَا ريق وَيكون التفل والبصق محمولين مجَازًا.
قَوْله: وَعَن أَبِيه هُوَ عطف على السَّنَد الَّذِي قبله وَهَذَا يدل على أَن مُسَددًا لَهُ طَرِيقَانِ فِي الحَدِيث الْمَذْكُور. أَحدهمَا: عَن عبد الله بن يحيى عَن أَبِيه عَن أبي سَلمَة وَهُوَ الْمَذْكُور وَالْآخر: عَن عبد الله بن يحيى عَن أَبِيه عَن عبد الله بن أبي قَتَادَة عَن أَبِيه أبي قَتَادَة عَن النَّبِي وَكَذَا أخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ عَن عبد الله بن يحيى بن أبي كثير عَن أَبِيه عَن أبي سَلمَة. قَوْله: مثله أَي: مثل الحَدِيث الْمَذْكُور، وَقَالَ الْكرْمَانِي: قَالَ أَصْحَاب عُلُوم الحَدِيث: إِذا روى الرَّاوِي حَدِيثا بِسَنَدِهِ ثمَّ اتبعهُ بِإِسْنَاد آخر لَهُ، وَقَالَ فِي آخِره. مثله، أَو: نَحوه، فَهَل يجوز رِوَايَة لفظ الحَدِيث الأول بِالْإِسْنَادِ الثَّانِي؟ فَقَالَ شُعْبَة: لَا. وَقَالَ الثَّوْريّ: نعم، وَقَالَ ابْن معِين: يجوز فِي مثله، وَلَا يجوز فِي نَحوه.
6987 - حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ، حَدثنَا غُنْدرٌ، حدّثنا شُعْبَةُ، عنْ قَتادَةَ، عنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ، عنْ عُبادَةَ بنِ الصَّامِتِ، عنِ النبيِّ قَالَ: رُؤْيا المُؤْمِنِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وأرْبَعِينَ جُزْءاً مِنَ النُّبوَّةِ
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وغندر هُوَ مُحَمَّد بن جَعْفَر.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي تَعْبِير الرُّؤْيَا أَيْضا عَن بنْدَار وَأبي مُوسَى كِلَاهُمَا عَن غنْدر وَغَيره. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الرُّؤْيَا عَن مَحْمُود بن غيلَان وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن إِسْمَاعِيل بن مَسْعُود، وَمضى الْكَلَام فِيهِ عَن قريب.(24/133)
6988 - حدّثنا يَحْيى بنُ قَزَعَةَ، حدّثنا إبْراهِيمُ بنُ سَعْدٍ، عنِ الزُّهْرِيِّ، عنْ سَعيدِ بنِ المسَيَّبِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ، رَضِي الله عَنهُ، أنَّ رسولَ الله قَالَ: رؤْيا المُؤْمِن جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وأرْبَعِينَ جُزْءاً مِنَ النُّبُوَّةِ
الحَدِيث 6988 طرفه فِي 7017
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة. والْحَدِيث من أَفْرَاده.
ورواهُ ثابِتٌ وحُمَيْدٌ وإسْحاقُ بنُ عَبْدِ الله وشُعَيْبٌ عنْ أنَسِ عنِ النبيِّ
أَي: روى الحَدِيث الْمَذْكُور هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَة عَن أنس بن مَالك. أما رِوَايَة ثَابت بن حميد الْبنانِيّ بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَخْفِيف النُّون فقد وَصلهَا البُخَارِيّ عَن مُعلى بن أَسد، وَسَيَأْتِي فِي: بَاب من رأى النَّبِي وَأما رِوَايَة حميد الطَّوِيل فوصلها أَحْمد عَن مُحَمَّد بن أبي عدي عَنهُ. وَأما رِوَايَة إِسْحَاق بن عبد الله بن أبي طَلْحَة فقد مَضَت عَن قريب. وَأما رِوَايَة شُعَيْب هُوَ ابْن الحبحاب فوصلها أَبُو عبد الله بن مَنْدَه من طَرِيق عبد الله بن سعيد.
6989 - حدّثني إبْرَهِيمُ بنُ حَمْزَةَ، حدّثني ابنُ أبي حازِمٍ والدَّرَاوَرْدِيُّ، عنْ يَزِيدَ عنْ عَبْدِ الله بنِ خَبَّابٍ، عنْ أبي سَعيدٍ الخُدْرِيِّ أنّهُ سَمِعَ رسولَ الله يَقُولُ الرَّؤْيا الصَّالِحَةُ جُزْءٌ مِنْ سِتّةٍ وأرْبَعِينَ جُزْءاً مِنَ النُّبُوَّةِ
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَإِبْرَاهِيم بن حَمْزَة وَأَبُو إِسْحَاق الْقرشِي وَابْن أبي حَازِم هُوَ عبد الْعَزِيز، وَاسم أبي حَازِم سَلمَة بن دِينَار، والدراوردي هُوَ عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد بن عبيد، والدراوردي بِفَتْح الدَّال نِسْبَة إِلَى داراورد قَرْيَة من قرى خُرَاسَان، وَيزِيد من الزِّيَادَة هُوَ الْمَعْرُوف بِابْن الْهَاد، والسند كُله مدنيون وَتقدم الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: من النُّبُوَّة كَذَا فِي جَمِيع الطّرق وَلَيْسَ فِيهِ شَيْء مِنْهَا بِلَفْظ: من الرسَالَة، بدل: من النُّبُوَّة، وَكَانَ السِّرّ فِيهِ أَن الرسَالَة تزيد على النُّبُوَّة بتبليغ الْأَحْكَام للمكلفين بِخِلَاف النُّبُوَّة الْمُجَرَّدَة فَإِنَّهَا اطلَاع على بعض المغيبات.
5 - (بابُ المُبَشِّرَاتِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الْمُبَشِّرَات وَهِي بِكَسْر الشين جمع مبشرة، قَالَ بَعضهم: وَهِي الْبُشْرَى. قلت: لَيْسَ كَذَلِك لِأَن الْبُشْرَى اسْم بِمَعْنى الْبشَارَة، والمبشرة اسْم فَاعل للمؤنث من التبشير وَهُوَ إِدْخَال السرُور والفرح على المبشر بِفَتْح الشين، وَالْمرَاد بالمبشرة هُنَا الرُّؤْيَا الصَّالِحَة، وَقد ورد فِي قَوْله تَعَالَى: {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيواةِ الدُّنْيَا وَفِى الاَْخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذالِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} هِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَة، أخرجه التِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه وَصَححهُ الْحَاكِم من رِوَايَة أبي سَلمَة عَن عبد الرحمان عَن عبَادَة بن الصَّامِت.
6990 - حدّثنا أبُو اليَمانِ، أخبرنَا شُعَيْبٌ، عنِ الزُّهْرِيِّ، حدّثني سَعِيدُ بنُ المُسَيَّبِ أنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رسولَ الله يَقُولُ لَمْ يَبْقَ مِنَ النُّبُوَّةِ إلاّ المُبَشِّرَات قالُوا: وَمَا المُبَشِّرَاتُ؟ قَالَ: الرُّؤْيا الصَّالِحَةُ
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع. والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: لم يبْق قَالَ الْكرْمَانِي: قَوْله: لم يبْق فَإِن قلت: هُوَ فِي معنى الْمَاضِي لَكِن المُرَاد مِنْهُ الِاسْتِقْبَال إِذْ قبل زَمَانه وَحَال زَمَانه كَانَ غَيرهَا بَاقِيا مِنْهَا فَالْمُرَاد بعد. قلت: صدق فِي زَمَانه أَنه لم يبْق لأحد غَيره نبوة. فَإِن قلت: هَل يُقَال لصَاحب الرُّؤْيَا الصَّالِحَة: لَهُ شَيْء من النُّبُوَّة؟ قلت: جُزْء النُّبُوَّة لَيْسَ بنبوة إِذْ جُزْء الشَّيْء غَيره أَو لَا هُوَ وَلَا غَيره فَلَا نبوة لَهُ. فَإِن قلت: الرُّؤْيَا الصَّالِحَة أَعم لاحْتِمَال أَن تكون منذرة إِذا الصّلاح قد يكون بِاعْتِبَار تَأْوِيلهَا. قلت: فَيرجع إِلَى المبشر، نعم يخرج مِنْهَا مَا لَا صَلَاح لَهَا لَا صُورَة وَلَا تَأْوِيلا. وَقَالَ ابْن التِّين. معنى الحَدِيث أَن الْوَحْي يَنْقَطِع بموتي وَلَا يبْقى مَا يعلم مِنْهُ مَا سَيكون إلاَّ الرُّؤْيَا. فَإِن قيل: يرد عَلَيْهِ الإلهام لِأَن(24/134)
فِيهِ إِخْبَارًا بِمَا سَيكون وَهُوَ للأنبياء بِالنِّسْبَةِ للوحي كالرؤيا وَيَقَع فِي غير الْأَنْبِيَاء كَمَا تقدم فِي مَنَاقِب عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قد كَانَ فِيمَن مضى من الْأُمَم محدثون، وَفسّر الْمُحدث بِفَتْح الدَّال بالملهم بِفَتْح الْهَاء، وَقد أخبر كثير من الْأَوْلِيَاء عَن أُمُور مغيبة فَكَانَت كَمَا أخبروا. وَأجِيب: بِأَن الْحصْر فِي الْمَنَام لكَونه يَشْمَل آحَاد الْمُؤمنِينَ، بِخِلَاف الإلهام فَإِنَّهُ مُخْتَصّ بِالْبَعْضِ، وَمَعَ كَونه مُخْتَصًّا فَإِنَّهُ نَادِر. وَقَالَ الْمُهلب مَا حَاصله: إِن التَّعْبِير بالمبشرات خرج للأغلب، فَإِن من الرُّؤْيَا مَا تكون منذرة وَهِي صَادِقَة يريها الله لِلْمُؤمنِ رفقا بِهِ ليستعد لما يَقع قبل وُقُوعه.
6 - (بابُ رُؤْيا يُوسُفَ، عليْهِ السّلامُ)
أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان رُؤْيا يُوسُف، عَلَيْهِ السَّلَام، كَذَا وَقع للأكثرين، وَوَقع للنسفي: يُوسُف بن يَعْقُوب بن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم خَلِيل الرحمان، صلوَات الله عَلَيْهِم وَسَلَامه.
وقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِذْ قَالَ يُوسُفُ لاَِبِيهِ ياأَبتِ إِنِّى رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِى سَاجِدِينَ قَالَ يابُنَىَّ لاَ تَقْصُصْ رُءْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ وَكَذالِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الاَْحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَىءالِ يَعْقُوبَ كَمَآ أَتَمَّهَآ عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} وقوْلِهِ تَعَالَى: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدَا وَقَالَ ياأَبَتِ هَاذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَاى مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّى حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بَى إِذْ أَخْرَجَنِى مِنَ السِّجْنِ وَجَآءَ بِكُمْ مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِى وَبَيْنَ إِخْوَتِى إِنَّ رَبِّى لَطِيفٌ لِّمَا يَشَآءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِى مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِى مِن تَأْوِيلِ الاَْحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالاَْرْضِ أَنتَ وَلِىِّ فِى الدُّنُيَا وَالاَْخِرَةِ تَوَفَّنِى مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِى بِالصَّالِحِينَ}
وَقَوله، بِالْجَرِّ عطف على مَا قبله، وسيقت هَذِه الْآيَات كلهَا إِلَى قَوْله: بالصالحين فِي رِوَايَة كَرِيمَة، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر والنسفي سَاق إِلَى ساجدين ثمَّ قَالَ: إِلَى قَوْله: عليم حَكِيم قَوْله: إِذْ قَالَ أَي: اذكر حِين قَالَ يُوسُف لِأَبِيهِ، يَعْنِي يَعْقُوب بن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِم السَّلَام. قَوْله: أحد عشر كوكباً نصب على التَّمْيِيز وأسماؤها: جرثان والطارق وَالذَّيَّال وَذُو الْكَتِفَيْنِ وَذُو القابس وَوَثَّاب وَعَمُودَان والفليق وَالْمصْبح والضروج وَذُو الفرغ. قَوْله: رَأَيْتهمْ لي ساجدين وَلم يُقَال: رَأَيْتهَا سَاجِدَة، لِأَنَّهُ لما وصفهَا الله بِمَا هُوَ خَاص بالعقلاء وَهُوَ السُّجُود أجْرى عَلَيْهَا حكمهم كَأَنَّهَا عَاقِلَة، وَرَأى يُوسُف، عَلَيْهِ السَّلَام، هَذَا وَهُوَ ابْن اثْنَي عشرَة سنة، وَقيل: كَانَ بَين رُؤْيا يُوسُف ومصير إخْوَته إِلَيْهِ أَرْبَعُونَ سنة، وَقيل: ثَمَانُون. قَوْله: على إخْوَتك وهم يهوذا وروبيل وريالون وشمعون ولاوي ويشجر وَدينه دَان ونفتال وجاد وآشر. قَوْله: فيكيدوا لَك أَي: فيبغوا لَك الغوائل ويحتالوا فِي هلاكك. قَوْله: يجتبيك أَي: يصطفيك. قَوْله: من تَأْوِيل الْأَحَادِيث يَعْنِي: تَعْبِير الرُّؤْيَا. قَوْله: وَيتم نعْمَته عَلَيْك يَعْنِي: يُوصل لَك نعم الدُّنْيَا بِنِعْمَة الْآخِرَة. قَوْله: وعَلى آل يَعْقُوب أَي: أَهله وهم نَسْله وَغَيرهم. قَوْله: أَبَوَيْك أَرَادَ بهما الْجد وَأَبا الْجد قَوْله: هَذَا تَأْوِيل رُؤْيَايَ وَهُوَ قَوْله: إِنِّي رَأَيْت أحد عشر كوكباً قَوْله: أحسن بِي يُقَال: أحسن إِلَيْهِ وَبِه. قَوْله: من البدو أَي: من الْبَادِيَة لأَنهم كَانُوا أهل عمل وَأَصْحَاب مواش ينتقلون فِي الْمِيَاه والمناجع. قَوْله: من بعد أَن نَزغ الشَّيْطَان أَي: أفسد بَيْننَا وأغوى. قَوْله: لطيف ذُو لطف وصنع لما يَشَاء عَالم بدقائق الْأُمُور. قَوْله: من الْملك أَي: ملك مصر وَتَأْويل الْأَحَادِيث تَعْبِير الرُّؤْيَا. قَوْله: فاطر السَّمَوَات يَعْنِي: يَا فاطر السَّمَوَات وَالْأَرْض أَنْت وليي أَي: مُتَوَلِّي أَمْرِي. قَوْله: توفني يَعْنِي: اقبضني إِلَيْك وألحقني بالصالحين يَعْنِي: بآبائي الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم السَّلَام، ثمَّ توفاه الله تَعَالَى بِمصْر وَدفن فِي النّيل فِي صندوق من رُخَام وَمَات وعمره مائَة وَعِشْرُونَ سنة.(24/135)
قَالَ أبُو عَبْدِ الله: فاطِرٌ، والبدِيعُ والمُبْتَدِعُ والبارِيءُ والخالِقُ، واحِدٌ.
أَبُو عبد الله هُوَ البُخَارِيّ نَفسه، وَأَشَارَ إِلَى أَن معنى هَذِه الْأَلْفَاظ الْأَرْبَعَة وَاحِد، وَأَشَارَ بالفاطر إِلَى الْمَذْكُور فِي قَوْله: {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِى مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِى مِن تَأْوِيلِ الاَْحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالاَْرْضِ أَنتَ وَلِىِّ فِى الدُّنُيَا وَالاَْخِرَةِ تَوَفَّنِى مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِى بِالصَّالِحِينَ} ، وَغَيرهَا وَقيل: دَعْوَى البُخَارِيّ الْوحدَة فِي معنى هَذِه الْأَلْفَاظ مَمْنُوعَة عِنْد الْمُحَقِّقين، ورد عَلَيْهِ بَعضهم بِأَن البُخَارِيّ لم يرد بذلك أَن حقائق مَعَانِيهَا متوحدة، وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّهَا ترجع إِلَى معنى وَاحِد وَهُوَ إِيجَاد الشَّيْء بعد أَن لم يكن. قلت: قَوْله: وَاحِد، يُنَافِي هَذَا التَّأْوِيل، وَمعنى الفاطر من الْفطر وَهُوَ الِابْتِدَاء والاختراع، قَالَه الْجَوْهَرِي. ثمَّ قَالَ ابْن عَبَّاس: كنت لَا أَدْرِي مَا معنى {فاطر السَّمَوَات وَالْأَرْض} حَتَّى أَتَانِي أَعْرَابِيَّانِ يختصمان فِي بِئْر فَقَالَ أَحدهمَا: أَنا فطرتها، أَي: أَنا ابْتَدَأتهَا. قَوْله: والبديع، مَعْنَاهُ الْخَالِق المخترع لَا عَن مِثَال سَابق، فعيل بِمَعْنى مفعل، يُقَال: أبدع فَهُوَ مبدع وَكَذَا فِي بعض النّسخ مبدع. قَوْله: والبارىء والخالق، قَالَ الطَّيِّبِيّ: قيل: الْخَالِق البارىء المصور أَلْفَاظ مترادفة وَهُوَ وهم لِأَن الْخَالِق من الْخلق وَأَصله التَّقْدِير الْمُسْتَقيم، والبارىء مَأْخُوذ من الْبُرْء وَأَصله خلوص الشَّيْء عَن غَيره، إِمَّا على سَبِيل التَّقَصِّي مِنْهُ وَعَلِيهِ قَوْلهم برىء من مَرضه، وَإِمَّا على سَبِيل الْإِنْشَاء مِنْهُ، وَمِنْه: برأَ الله النَّسمَة وَهُوَ البارىء لَهَا، وَقيل: البارىء هُوَ الَّذِي خلق الْخلق بَرِيئًا من التَّفَاوُت والتنافر. قَوْله: البارىء ويروى: البادىء، وَقيل لبَعْضهِم: البارىء بالراء، وَلأبي ذَر وَالْأَكْثَر: البادىء بِالدَّال بدل الرَّاء والهمز ثَابت فيهمَا، وَزعم بعض من عاصرناه من الشُّرَّاح أَن الصَّوَاب بالراء وَرِوَايَة الدَّال وهم، ورد عَلَيْهِ بَعضهم بِأَنَّهُ وَقع فِي بعض طرق الْأَسْمَاء الْحسنى: المبدىء، وَفِي سُورَة العنكبوت {أَوَلَمْ يَرَوْاْ كَيْفَ يُبْدِىءُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذالِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} ثمَّ قَالَ: {قُلْ سِيرُواْ فِى الاَْرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِىءُ النَّشْأَةَ الاَْخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ} فاسم الْفَاعِل من الأول مبدىء وَمن الثَّانِي بادىء. انْتهى. قلت: فِي هَذَا الرَّد نظر لَا يخفى.
مِنَ البَدْو بادِئَةٍ
أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا ذكر آنِفا من قَوْله: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدَا وَقَالَ ياأَبَتِ هَاذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَاى مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّى حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بَى إِذْ أَخْرَجَنِى مِنَ السِّجْنِ وَجَآءَ بِكُمْ مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِى وَبَيْنَ إِخْوَتِى إِنَّ رَبِّى لَطِيفٌ لِّمَا يَشَآءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} أَي: من الْبَادِيَة. وَقد ذَكرْنَاهُ.
7 - (بابُ رُؤْيا إبْراهِيمَ عَلَيْهِ السّلامُ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان رُؤْيا إِبْرَاهِيم الْخَلِيل، عَلَيْهِ السَّلَام، كَذَا وَقع لأبي ذَر، وَسقط لفظ: بَاب، لغيره.
وقوْلُهُ تَعَالَى: {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْىَ قَالَ يابُنَىَّ إِنِّى أَرَى فِى الْمَنَامِ أَنِّى أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ ياأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤمَرُ سَتَجِدُنِى إِن شَآءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنَادَيْنَاهُ أَن ياإِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَآ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِى الْمُحْسِنِينَ}
وَقَوله، مجرور عطف على مَا قبله، وسيقت الْآيَات كلهَا فِي رِوَايَة كَرِيمَة، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: {فَلَمَّا بلغ مِنْهُ السَّعْي} إِلَى قَوْله: {نجزي الْمُحْسِنِينَ} وَسقط للنسفي قَوْله: السَّعْي أَي: بلغ أَن يسْعَى مَعَ أَبِيه فِي أشغاله وحوائجه وَمَعَهُ لَا يتَعَلَّق ببلغ لاقْتِضَائه بلوغهما مَعًا حد السَّعْي وَلَا بالسعي لِأَن صلَة الْمصدر لَا تتقدم عَلَيْهِ فَبَقيَ أَن يكون بَيَانا كَأَنَّهُ قَالَ: لما قَالَ: فَلَمَّا بلغ مَعَه السَّعْي قَوْله: فَلَمَّا أسلما سَيَجِيءُ تَفْسِيره، وَكَذَا تَفْسِير قَوْله: وتله
قَالَ مُجاهِدٌ: أسْلَما سَلَّما مَا أُمِرا بِهِ، وتَلَّهُ وَضَعَ وَجْهَهُ بِالأرْضِ
وصل الْفرْيَابِيّ فِي تَفْسِيره تَعْلِيق مُجَاهِد عَن وَرْقَاء عَن ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد فَذكره، وَلَيْسَ فِي هَذَا الْبَاب وَفِي الْبَاب الَّذِي قبله حَدِيث، وَاكْتفى بِالْقُرْآنِ. وَقَالَ بَعضهم: وَقَول الْكرْمَانِي: إِنَّه كَانَ فِي كل مِنْهُمَا بَيَاض ليلحق بِهِ حَدِيثا يُنَاسِبه مُحْتَمل مَعَ بعده. قلت: لم يقل الْكرْمَانِي هَكَذَا أصلا وَإِنَّمَا قَالَ: وَهَذَانِ البابان مِمَّا ترجمهما البُخَارِيّ وَلم يتَّفق لَهُ إِثْبَات حَدِيث فيهمَا.
8 - (بابُ التَّواطُؤِ عَلى الرُّؤْيا)(24/136)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان التواطؤ أَي: توَافق جمَاعَة على رُؤْيا وَاحِدَة، وَإِن اخْتلفت عباراتهم.
6991 - حدّثنا يَحْياى بنُ بُكَيْرٍ، حدّثنا اللَّيْثُ، عنْ عُقَيْلِ، عَن ابنِ شهِاب، عنْ سالِمِ بنِ عَبْدِ الله، عنِ بنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهُمَا، أنَّ أُناساً أُرُوا لَيْلَةَ القَدْرِ فِي السَّبْعِ الأواخِرِ، وأنَّ أنُاساً أُرُوها أنَّها فِي العَشْرِ الأواخِرِ، فَقَالَ النبيُّ الْتَمِسُوها فِي السَّبْعِ الأواخِرِ
انْظُر الحَدِيث 1158 وطرفه
للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَلَكِن اعْتَرَضَهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ فَقَالَ: اللَّفْظ الَّذِي سَاقه خلاف التواطؤ، وَحَدِيث التواطؤ: أرى رؤياكم قد تواطأت على الْعشْر الْأَوَاخِر، ورد عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لم يلْتَزم إِيرَاد الحَدِيث بِلَفْظ التواطؤ، وَإِنَّمَا أَرَادَ بالتواطؤ التوافق وَهُوَ أَعم من أَن يكون الحَدِيث بِلَفْظِهِ أَو بِمَعْنَاهُ.
وَرِجَال الحَدِيث قد تكَرر ذكرهم. والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: أَن أُنَاسًا وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: أَن نَاسا. قَوْله: أروا على صِيغَة الْمَجْهُول أَي: فِي الْمَنَام. قَوْله: الْأَوَاخِر جمع والسبع مُفْرد فَلَا مُطَابقَة. وَأجِيب بِأَنَّهُ اعْتبر الآخرية بِالنّظرِ إِلَى كل جُزْء مِنْهَا.
9 - (بابُ رُؤْيا أهْلِ السُّجُونِ والفَسادِ والشّرْكِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان رُؤْيا أهل السجون وَهُوَ جمع سجن بِالْكَسْرِ وَهُوَ الْحَبْس وبالفتح مصدر، وَقد سجنه يسجنه من بَاب نصر أَي حَبسه. قَوْله: وَالْفساد أَي رُؤْيا أهل الْفساد يَعْنِي أهل الْمعاصِي. قَوْله: والشرك يَعْنِي رُؤْيا أهل الشّرك، وَوَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر بدل الشّرك الشَّرَاب. بِضَم الشين الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الرَّاء جمع شَارِب أَو بِفتْحَتَيْنِ مخففاً أَي: وَأهل الشَّرَاب وَأُرِيد بِهِ الشَّرَاب الْمحرم وَعطفه على الْفساد من عطف الْخَاص على الْعَام، وَأَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَن الرُّؤْيَا الصَّالِحَة مُعْتَبرَة فِي حق هَؤُلَاءِ بِأَنَّهَا قد تكون بشرى لأهل السجْن بالخلاص، وَإِن كَانَ المسجون كَافِرًا تكون بشرى لَهُ بهدايته إِلَى الْإِسْلَام كَمَا كَانَت رُؤْيا الفتيين اللَّذين حبسا مَعَ يُوسُف، عَلَيْهِ السَّلَام، صَادِقَة. وَقَالَ أَبُو الْحسن بن أبي طَالب: وَفِي صدق رُؤْيا الفتيين حجَّة على من زعم أَن الْكَافِر لَا يرى رُؤْيا صَادِقَة. وَأما رُؤْيا أهل الْفساد فَتكون بشرى لَهُم بِالتَّوْبَةِ وَالرُّجُوع عَمَّا هم فِيهِ، وَأما رُؤْيا الْكَافِر فَتكون بشرى لَهُ بهدايته إِلَى الْإِيمَان.
لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانَ قَالَ أَحَدُهُمَآ إِنِّى أَرَانِى أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الآخَرُ إِنِّى أَرَانِى أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِى خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيَكُمَا ذاَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِى رَبِّى إِنِّى تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالاَْخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَءَابَآءِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَآ أَن نُّشْرِكَ بِاللَّهِ مِن شَىْءٍ ذالِكَ مِن فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَاكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ ياصَاحِبَىِ السِّجْنِءَأَرْبَابٌ مُّتَّفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ}
وَقَالَ الفُضَيْلُ عِنْدَ قَوْلِهِ: {يَا صَاحِبي السجْن} لِبَعْضِ الأتْباعِ يَا عَبْدَ الله {ياصَاحِبَىِ السِّجْنِءَأَرْبَابٌ مُّتَّفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَآءً سَمَّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ وَءَابَآؤُكُمْ مَّآ أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ للَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُو اْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذالِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَاكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ياصَاحِبَىِ السِّجْنِ أَمَّآ أَحَدُكُمَا فَيَسْقِى رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الاَْخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِن رَّأْسِهِ قُضِىَ الاَْمْرُ الَّذِى فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ وَقَالَ لِلَّذِى ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِّنْهُمَا اذْكُرْنِى عِندَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِى السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ وَقَالَ(24/137)
الْمَلِكُ إِنِّى أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ ياأَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِى فِى رُؤْيَاىَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ قَالُو اْ أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الاَْحْلَامِ بِعَالِمِينَ وَقَالَ الَّذِى نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَاْ أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِى سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَّعَلِّى أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعُ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِى سُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ ثُمَّ يَأْتِى مِن بَعْدِ ذالِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ ثُمَّ يَأْتِى مِن بَعْدِ ذالِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِى بِهِ فَلَمَّا جَآءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ الَّاتِى قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّى بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ}
سيقت هَذِه الْآيَات كلهَا فِي رِوَايَة كَرِيمَة، وَهِي ثَلَاث عشرَة آيَة، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر من قَوْله: {وَدخل مَعَه السجْن فتيَان} ثمَّ قَالَ: إِلَى قَوْله: إرجع إِلَى رَبك قَوْله: لقَوْله تَعَالَى وَفِي بعض النّسخ: وَقَوله تَعَالَى، بِدُونِ لَام التَّعْلِيل، وَالْأول أولى لِأَنَّهُ يحْتَج بقوله: {وَدخل مَعَه} إِلَى آخِره على اعْتِبَار الرُّؤْيَا الصَّالِحَة فِي حق أهل السجْن وَالْفساد والشرك وَهُوَ أَيْضا يُوضح حكم التَّرْجَمَة فَإِنَّهُ لم يتَعَرَّض فِيهَا إِلَى بَيَان الحكم. قَوْله: وَدخل مَعَه أَي: مَعَ يُوسُف فتيَان وهما غلامان كَانَا للوليد بن رَيَّان ملك مصر الْأَكْبَر. أَحدهمَا: خبازه وَصَاحب طَعَامه واسْمه مجلث. وَالْآخر: سَاقيه صَاحب شرابه واسْمه نبوء، غضب عَلَيْهِمَا الْملك فحبسهما وَكَانَ يُوسُف لما دخل السجْن قَالَ لأَهله: إِنِّي أعبر الأحلام، فَقَالَ أحد الفتيين لصَاحبه فلنجرب هَذَا العَبْد العبراني فتراءيا لَهُ فَسَأَلَاهُ من غير أَن يَكُونَا رَأيا شَيْئا فَقَالَ أَحدهمَا: إِنِّي أَرَانِي أعصر خمرًا أَي: عنباً بلغَة عمان. وَقيل لأعرابي مَعَه عِنَب مَا مَعَك؟ قَالَ: خمر، وَقَرَأَ ابْن مَسْعُود: عصر عنباً، وَقيل: إِنَّمَا قَالَ خمرًا بِاعْتِبَار مَا يؤول إِلَيْهِ. قَوْله: {نبئنا بتأويله} أَي: أخبرنَا بتعبيره وَمَا يؤول إِلَيْهِ أَمر هَذِه الرُّؤْيَا. قَوْله: إنل نرَاك من الْمُحْسِنِينَ} أَي: من الْعَالمين الَّذين أَحْسنُوا الْعلم قَالَه الْفراء، وَقَالَ ابْن إِسْحَاق: الْمُحْسِنِينَ إِلَيْنَا إِن قلت ذَلِك. قَوْله: {لَا يأتيكما طَعَام ترزقانه} إِنَّمَا قَالَ ذَلِك لِأَنَّهُ كره أَن يعبر لَهما مَا سألاه لما علم فِي ذَلِك من الْمَكْرُوه على أَحدهمَا فَأَعْرض عَن سؤالهما وَأخذ فِي غَيره، فَقَالَ لَهما: لَا يأتيكما طَعَام ترزقانه فِي نومكما إلاَّ نبأتكما بتأويله أَي: بتفسيره، وألوانه أَي طَعَام أكلْتُم وَكم أكلْتُم وَمَتى أكلْتُم من قبل أَن يأتيكما، فَقَالَا لَهُ. هَذَا من فعل العرافين والكهنة، فَقَالَ يُوسُف: مَا أَنا بكاهن وَإِنَّمَا ذلكما الْعلم مَا عَلمنِي رَبِّي، ثمَّ أعلمهما أَنه مُؤمن، فَقَالَ: {إِنِّي تركت مِلَّة} أَي: دينهم وشريعتهم. قَوْله: {وَاتَّبَعت مِلَّة آبَائِي إِبْرَاهِيم} هِيَ الْملَّة الحنيفية. قَوْله: ذَلِك أَي: التَّوْحِيد وَالْعلم من فضل الله فأراهما دينه وَعلمه وفطنته ثمَّ دعاهما إِلَى الْإِسْلَام فَأقبل عَلَيْهِمَا وعَلى أهل السجْن، وَكَانَ بَين أَيْديهم أصنام يعبدونها من دون الله فَقَالَ إلزاماً للحجة: {يَا صَاحِبي السجْن} جَعلهمَا صَاحِبي السجْن لِكَوْنِهِمَا فِيهِ، فَقَالَ: {أأرباب متفرقون} يَعْنِي: شَتَّى لَا تضر وَلَا تَنْفَع {خير أم الله الْوَاحِد القهار} قَوْله: وَقَالَ الفضيل إِلَى قَوْله: {القهار} وَقع هُنَا عِنْد كَرِيمَة وَوَقع عِنْد أبي ذَر بعد قَوْله: {إرجع إِلَى رَبك} وَوَقع عِنْد غَيرهمَا بعد قَوْله الأعناب والدهن وَالَّذِي عِنْد كَرِيمَة هُوَ أليق. قَوْله: {مَا تَعْبدُونَ} أَي: من دون الله إلاَّ أَسمَاء يَعْنِي لَا حَقِيقَة لَهَا قَوْله: {من سُلْطَان} أَي: حجَّة وبرهان. قَوْله: {ذَلِك الدّين} أَي: ذَلِك الَّذِي دعوتكم إِلَيْهِ من التَّوْحِيد وَترك الشّرك هُوَ {الدّين الْقيم} أَي: الْمُسْتَقيم ثمَّ فسر رؤياهما بقوله: {يَا صَاحِبي السجْن} الخ. وَلما سمعا قَول يُوسُف قَالَا: مَا رَأينَا شَيْئا كُنَّا نلعب فَقَالَ يُوسُف: {أَي قضي الْأَمر} أَي: فرغ الْأَمر الَّذِي سألتهما وَوَجَب حكم الله عَلَيْكُمَا بِالَّذِي أخبرتكما بِهِ، وَقَالَ يُوسُف عِنْد ذَلِك للَّذي ظن أَي علم أَنه تَاج وَهُوَ الساقي {أذكرني عِنْد رَبك} أَي: سيدك قَوْله: {فأنساه الشَّيْطَان} أَي: أنسى يُوسُف الشَّيْطَان ذكر ربه حَتَّى ابْتغى الْفرج من غَيره واستعان بالمخلوق، فَلذَلِك لبث فِي السجْن بضع سِنِين. وَاخْتلف فِي مَعْنَاهُ، فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: هُوَ مَا بَين الثَّلَاثَة إِلَى الْخَمْسَة، وَقَالَ مُجَاهِد: مَا بَين ثَلَاث إِلَى سبع، وَقَالَ قَتَادَة والأصمعي:(24/138)
مَا بَين الثَّلَاثَة إِلَى التسع، وَقَالَ ابْن عَبَّاس: مَا دون الْعشْرَة، وَأكْثر الْمُفَسّرين هَاهُنَا أَن الْبضْع سبع سِنِين، وَلما دنا فرج يُوسُف رأى ملك مصر الْأَكْبَر رُؤْيا عَجِيبَة هالته، وَقَالَ: إِنِّي أرى سبع بقرات سمان خرجن من نهر يَابِس يأكلهن سبع بقرات عجاف أَي: مهازيل فابتلعنهن فدخلن فِي بطونهن فَلم ير مِنْهُنَّ شَيْء، وَرَأى سبع سنبلات خضر قد انْعَقَد حبها وَأخر يابسات قد احتصدت وأفركت فالتوت اليابسات على الْخضر حَتَّى غلبن عَلَيْهِنَّ، فَجمع السَّحَرَة والكهنة والحازة، والقافة وقصها عَلَيْهِم وَقَالَ: {أَيهَا الْمَلأ} أَي: الْأَشْرَاف {أفتوني فِي رُؤْيَايَ} فاعبروها {إِن كُنْتُم للرؤيا تعبرون} قَالُوا: هَذَا الَّذِي رَأَيْته {أضغاث أَحْلَام} أَي: أَحْلَام مختلطة مشتبهة أباطيل، والأضغاث جمع ضغث وَهُوَ الحزمة من أَنْوَاع الْحَشِيش. قَوْله: {وَقَالَ الَّذِي نجا مِنْهُمَا} هُوَ الساقي قَوْله: {وَاذْكُر} أَي تذكر حَاجَة يُوسُف وَهُوَ قَوْله: {اذْكُرْنِي عِنْد رَبك} قَوْله: {بعد أمة} أَي: بعد حِين، وَعَن عِكْرِمَة: بعد قرن، وَعَن سعيد بن جُبَير: بعد سِنِين، وَسَيَجِيءُ مزِيد الْكَلَام فِيهِ. قَوْله: {أنبئكم} أَي: أخْبركُم بتأويله. قَوْله: {فأرسلون} يَعْنِي إِلَى يُوسُف فَأَرْسلُوهُ إِلَيْهِ فَقَالَ يُوسُف يَعْنِي: يَا يُوسُف {أَيهَا الصّديق} وَهُوَ الْكثير الصدْق. قَوْله: {أَفْتِنَا} إِلَى قَوْله: هِهّهْها من كَلَام الساقي الْمُرْسل إِلَى يُوسُف. قَوْله: {لَعَلَّهُم يعلمُونَ} أَي: تَأْوِيل رُؤْيا الْملك، وَقيل: يعلمُونَ فضلك وعلمك. قَوْله: {قَالَ تزرعون} أَي: قَالَ يُوسُف: {إرجع إِلَى رَبك} أَي كعادتكم، قَالَه الثَّعْلَبِيّ، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: دأباً مصدر دأب فِي الْعَمَل وَهُوَ حَال من المأمورين أَي: دائبين أَي: إِمَّا على تدأبون دأباً وَإِمَّا على إِيقَاع الْمصدر حَالا يَعْنِي: ذَوي دأب. قَوْله: د أَي: اتركوه فِي سنبله، إِنَّمَا قَالَ ذَلِك ليبقى وَلَا يفْسد. قَوْله: 0 يَعْنِي: سبع سِنِين جَدب وقحط. قَوْله: ك ل أَي: تحرسون وتدخرون. قَوْله: هٌ هٍ من الْغَوْث أَو من الْغَيْث وَهُوَ الْمَطَر أَي: يمطرون مِنْهُ. قَوْله: هَهُ أَكثر الْمُفَسّرين على معنى يعصرون الْعِنَب خمرًا وَالزَّيْتُون زيتاً والسمسم دهناً، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: يعصرون ينجون من الجدب وَالْكرب الْعَصْر والعصرة النجَاة والملجأ، وَقيل: يعصرون يمطرون. دَلِيله {وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَآءً ثَجَّاجاً} ثمَّ إِن الساقي لما رَجَعَ إِلَى الْملك وَأخْبرهُ بِمَا أفتاه يُوسُف من تَأْوِيل رُؤْيَاهُ {فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُول} أَي بِيُوسُف أَي: لما جَاءَ يُوسُف الرَّسُول وَقَالَ: أجب الْملك، قَالَ يُوسُف: {أرجع إِلَى رَبك} أَي: سيدك الْملك فأسأله {مَا بَال النُّبُوَّة} الْآيَة وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِك حَتَّى يظْهر عذره وَيعرف صِحَة أمره من قبل النسْوَة، وَتَمام الْقِصَّة فِي موضعهَا.
وادَّكَرَ افْتَعَلَ مِنْ ذَكَرَ، أُمَّةٍ قَرْنٍ وتُقْرَأُ أمَهٍ نِسْيانٍ، وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ يَعْصِرُونَ الأعْنابَ والدُّهْنَ. تُحْصِنُونَ تَحْرُسُونَ.
أَشَارَ بِهَذَا إِلَى تَفْسِير بعض الْأَلْفَاظ الَّتِي وَقعت فِي الْآيَات الْمَذْكُورَة مِنْهَا قَوْله: وادكر فَإِنَّهُ على وزن افتعل لِأَن أَصله اذكر بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة فنقلت إِلَى بَاب الافتعال فَصَارَ اذتكر، ثمَّ قلبت التَّاء دَالا مُهْملَة فَصَارَ اذدكر، ثمَّ قلبت الذَّال الْمُعْجَمَة دَالا مُهْملَة ثمَّ أدغمت الدَّال فِي الدَّال فَصَارَ ادكر قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: هَذَا هُوَ الفصيح، وَعَن الْحسن بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة. وَقَوله: افتعل من ذكر رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: افتعل من ذكرت، وَمِنْهَا قَوْله: أمة فَإِنَّهُ فَسرهَا بقوله: قرن. قَوْله: ويقرا أمه بِفَتْح الْهمزَة وَتَخْفِيف الْمِيم وبالهاء المنونة، فسره بقوله: نِسْيَان. وَأخرجه الطَّبَرِيّ عَن عِكْرِمَة وتنسب هَذِه الْقِرَاءَة فِي الشواذ إِلَى ابْن عَبَّاس وَالضَّحَّاك، يُقَال: رجل مأموه ذَاهِب الْعقل، يُقَال: أمهت آمه أمهَا بِسُكُون الْمِيم وَمِنْهَا قَوْله: يعصرون إِشَارَة إِلَى تَفْسِيره بقوله: وَقَالَ ابْن عَبَّاس: يعصرون الأعناب والدهن، وَوَصله هَكَذَا ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس. وَمِنْهَا قَوْله: تحصنون ففسره بقوله. يَحْرُسُونَ، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ.
6992 - حدّثنا عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدِ بن أسْماءَ، حدّثنا جُوَيْرِيَة، عنْ مالِكٍ، عنِ الزُّهْرِيِّ أنَّ سَعِيدَ بنَ المُسَيَّبِ وَأَبا عُبَيْدٍ أخْبَراهُ عَن أبي هُرَيْرَة، رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: قَالَ رسولُ الله لوْ لبِثْتُ(24/139)
فِي السِّجْنِ مَا لَبِثَ يُوسُفُ ثُمَّ أَتَانِي الدَّاعِي لأجَبْتُهُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من مَعْنَاهُ. وَعبد الله هُوَ ابْن مُحَمَّد بن أَسمَاء بن عبيد الضبعِي سمع عَمه جوَيْرِية بن أَسمَاء وهما اسمان علمَان مشتركان بَين الذُّكُور وَالْإِنَاث، وَأَبُو عبيد بِالضَّمِّ اسْمه سعد بن عبيد مولى عبد الرحمان بن الْأَزْهَر بن عَوْف.
والْحَدِيث مضى فِي التَّفْسِير وَفِي أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء بِهَذَا السَّنَد.
قَوْله: مَا لبث أَي: مُدَّة لبثه. قَوْله: ثمَّ أَتَانِي الدَّاعِي أَي: من الْملك يدعوني إِلَيْهِ لَأَسْرَعت فِي الْإِجَابَة ولبادرت إِلَيْهِ وَلَا اشْترطت شرطا لإخراجي، وَقد كَانَ يُوسُف لما أَتَاهُ الدَّاعِي يَدعُوهُ إِلَى الْملك قَالَ: ارْجع إِلَى رَبك فَاسْأَلْهُ مَا بَال النسْوَة اللَّاتِي قطعن أَيْدِيهنَّ، وَلَا يلْزم من ذَلِك تَفْضِيل يُوسُف على النَّبِي لِأَنَّهُ قَالَ ذَلِك تواضعاً أَو بَيَانا للْمصْلحَة، إِذْ لَعَلَّ فِي الْخُرُوج مصَالح الْإِسْرَاع بهَا أولى.
10 - (بابُ مَنْ رأى النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي المَنامِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان أَمر من رأى النَّبِي فِي مَنَامه.
6993 - حدّثنا عَبْدانُ أخبرنَا عَبْدُ الله، عنْ يُونُسَ، عنِ الزُّهْرِيِّ، حدّثني أبُو سَلَمَة أنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقُولُ مَنْ رَآنِي فِي المَنامِ فَسَيَراني فِي اليَقَظَةِ، وَلَا يَتَمَثَّلُ الشَّيْطانُ بِي
قَالَ أبُو عَبْدِ الله: قَالَ ابنُ سيرينَ: إِذا رآهُ فِي صُورَتِهِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه يوضحها أَن رُؤْيَة النَّبِي فِي الْمَنَام صَحِيحَة لَا تنكر وَلَيْسَت بأضغاث أَحْلَام وَلَا من تشبيهات الشَّيْطَان يُؤَيّدهُ قَوْله فقد رأى الْحق أَي: الرُّؤْيَا الصَّحِيحَة. وَذكر أَبُو الْحسن عَن عَليّ بن أبي طَالب فِي مدخله الْكَبِير رُؤْيَة سيدنَا رَسُول الله تدل على الخصب والأمطار وَكَثْرَة الرَّحْمَة وَنصر الْمُجَاهدين وَظُهُور الدّين وظفر الْغُزَاة والمقاتلين ودمار الْكفَّار وظفر الْمُسلمين بهم وَصِحَّة الدّين إِذْ رئي فِي الصِّفَات المحمودة، وَرُبمَا دلّ على الْحَوَادِث فِي الدّين وَظُهُور الْفِتَن والبدع إِذا رئي فِي الصِّفَات الْمَكْرُوهَة.
وعبدان شيخ البُخَارِيّ لقب عبد الله بن عُثْمَان الْمروزِي، وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك الْمروزِي، وَيُونُس هُوَ ابْن يزِيد الْأَيْلِي، وَالزهْرِيّ هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم، وَأَبُو سَلمَة بن عبد الرحمان بن عَوْف، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي التَّعْبِير عَن أبي الطَّاهِر بن السَّرْح وَغَيره. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْأَدَب عَن أَحْمد بن صَالح.
قَوْله: فسيراني فِي الْيَقَظَة زَاد مُسلم من هَذَا الْوَجْه أَو فَكَمَا رَآنِي فِي الْيَقَظَة، هَكَذَا بِالشَّكِّ، وَمعنى لفظ البُخَارِيّ أَن المُرَاد أهل عصره أَي: من رَآهُ فِي الْمَنَام وَفقه الله لِلْهِجْرَةِ إِلَيْهِ والتشرف بلقائه أَو يرى تَصْدِيق تِلْكَ الرُّؤْيَا فِي الدَّار الْآخِرَة، أَو يرَاهُ فِيهَا رُؤْيَة خَاصَّة فِي الْقرب مِنْهُ والشفاعة. قَوْله: وَلَا يتَمَثَّل الشَّيْطَان بِي أَي: لَا يحصل لَهُ مِثَال صُورَتي وَلَا يتشبه بِي قَالُوا: كَمَا منع الله الشَّيْطَان أَن يتَصَوَّر بصورته فِي الْيَقَظَة كَذَلِك مَنعه فِي الْمَنَام لِئَلَّا يشْتَبه الْحق بِالْبَاطِلِ.
قَوْله: قَالَ أَبُو عبد الله إِلَى آخِره، لم يثبت للنسفي وَلأبي ذَر، وَثَبت عِنْد غَيرهمَا، وَأَبُو عبد الله هُوَ البُخَارِيّ نَفسه، قَالَ مُحَمَّد بن سِيرِين: إِذا رَآهُ فِي صورته أَرَادَ أَن رُؤْيَته إِيَّاه لَا تعْتَبر إلاَّ إِذا رَآهُ على صفته الَّتِي وصف بهَا وَهَذَا التَّعْلِيق رَوَاهُ إِسْمَاعِيل بن إِسْحَاق القَاضِي عَن سُلَيْمَان بن حَرْب من شُيُوخ البُخَارِيّ عَن حَمَّاد بن زيد عَن أَيُّوب، قَالَ: كَانَ مُحَمَّد يَعْنِي ابْن سِيرِين إِذا قصّ عَلَيْهِ رجل أَنه رأى النَّبِي قَالَ: صف الَّذِي رَأَيْته، فَإِن وصف لَهُ بِصفة لَا يعرفهَا قَالَ: لم يره، وَهَذَا سَنَد صَحِيح. فَإِن قلت: يُعَارضهُ مَا أخرجه ابْن أبي عَاصِم من وَجه آخر عَن أبي هُرَيْرَة، قَالَ: قَالَ رَسُول الله من رَآنِي فِي الْمَنَام فقد رَآنِي فَإِنِّي أرى فِي كل صُورَة. قلت: فِي سَنَده صَالح مولى التَّوْأَمَة وَهُوَ ضَعِيف لاختلاطه، وَهُوَ من رِوَايَة من سمع مِنْهُ بعد الِاخْتِلَاط.
6994 - حدّثنا مُعَلَّى بنُ أسَدٍ، حدّثنا عبْدُ العَزِيزِ بنُ مُخْتار، حدّثنا ثابِتٍ البُنانِيُّ، عنْ أنس(24/140)
ٍ، رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَنْ رَآنِي فِي المَنامِ فَقَدْ رَآنِي، فإنَّ الشَّيْطان لَا يَتَمَثَّلُ بِي ورُؤْيا المُؤْمِنِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وأرْبَعِينَ جُزْءاً مِنَ النُّبُوَّةِ
انْظُر الحَدِيث 6983
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَرِجَاله كلهم بصريون. والْحَدِيث أخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الشَّمَائِل عَن عبد الله بن عبد الرحمان عَن مُعلى بن أَسد بِهِ.
قَوْله: فقد رَآنِي قيل: مَعْنَاهُ أَن رُؤْيَاهُ صَحِيحَة لَا تكون أضغاثاً وَلَا من تشبيهات الشَّيْطَان، ويعضده فِي بعض طرقه: فقد رأى الْحق، وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: هُنَا اتَّحد الشَّرْط وَالْجَزَاء فَدلَّ على أَن الْغَايَة فِي الْكَمَال أَي: فقد رَآنِي رُؤْيا لَيْسَ بعْدهَا شَيْء، وَقيل: هُوَ فِي معنى الْإِخْبَار أَي: من رَآنِي فَأخْبرهُ بِأَنَّهَا رُؤْيَة حق لَيست أضغاث أَحْلَام وَلَا تخيلات الشَّيْطَان ورؤيته سَبَب الْإِخْبَار. قيل: كَيفَ يكون ذَلِك وَهُوَ فِي الْمَدِينَة، والرائي فِي الشرق والغرب. وَأجِيب: بِأَن الرُّؤْيَة أَمر يخلقه الله تَعَالَى وَلَا يشْتَرط فِيهَا عقلا مُوَاجهَة وَلَا مُقَابلَة وَلَا مُقَارنَة وَلَا خُرُوج شُعَاع وَلَا غَيره وَلِهَذَا جَازَ أَن يرى أعمى الصين بقة أندلس، وَقيل كثيرا يرى على خلاف صفته الْمَعْرُوفَة وَيَرَاهُ شخصان فِي حَالَة وَاحِدَة فِي مكانين والجسم الْوَاحِد لَا يكون إلاَّ فِي مَكَان وَاحِد، وَأجَاب النَّوَوِيّ حاكياً عَن بَعضهم: ذَلِك ظن الرَّائِي أَنه رَآهُ كَذَلِك، وَقد يظنّ الظَّان بعض الخيالات مرئياً لكَونه مرتبطاً بِمَا يرَاهُ عَادَة فذاته الشَّرِيفَة هِيَ مرئية قطعا لَا خيال وَلَا ظن فِيهِ، لَكِن هَذِه الْأُمُور الْعَارِضَة قد تكون متخيلة للرآئي. قَوْله: فَإِن الشَّيْطَان لَا يتَمَثَّل بِي وَمضى فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة فِي كتاب الْعلم: فَإِن الشَّيْطَان لَا يتَمَثَّل فِي صُورَتي، وَفِي حَدِيث جَابر عِنْد ابْن مَاجَه: لَا يَنْبَغِي للشَّيْطَان أَن يتَمَثَّل فِي صُورَتي، وَفِي لفظ مُسلم: أَن يتشبه، بدل أَن يتَمَثَّل، وَفِي حَدِيث ابْن مَسْعُود عِنْد التِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه: إِن الشَّيْطَان لَا يَسْتَطِيع أَن يتَمَثَّل بِي، وَفِي حَدِيث أبي قَتَادَة، على مَا يَجِيء: وَأَن الشَّيْطَان لَا يتراءاى بِي، بالراء وَمَعْنَاهُ: لَا يَسْتَطِيع أَن يصير مرئياً بِصُورَتي، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: لَا يتزايا، بالزاي وَبعد الْألف يَاء آخر الْحُرُوف، وَفِي حَدِيث أبي سعيد فِي آخر الْبَاب: فَإِن الشَّيْطَان لَا يتكونني.
6995 - حدّثنا يَحْياى بنُ بُكَيْرٍ، حدّثنا بُكَيْرٍ، حدّثنا اللَّيْثُ عنْ عُبَيْدِ الله بنِ أبي جَعْفَرِ قَالَ: أَخْبرنِي أبُو سلمةَ عنْ أبي قَتَادَةَ قَالَ: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الرُّؤْيا الصَّالِحَةُ مِنَ الله، والحُلْمُ مِنَ الشَّيْطانِ، فَمَنْ رأى شَيْئا يَكْرَهُه فَلْيَنْفِثْ عنْ شِمالِهِ ثَلاثاً وَلْيَتَعَوَّذْ مِنَ الشَّيْطانِ فإنَّها لَا تَضُرُّهُ، وإنَّ الشَّيْطانَ لَا يَتَزَايا بِي
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: وَإِن الشَّيْطَان لَا يتزايا بِي
وَالثَّلَاثَة الأول من السَّنَد مصريون، وَعبد الله بن أبي جَعْفَر الْأمَوِي الْقرشِي وَاسم أبي جَعْفَر يسَار وَكَانَ عبيد الله بَقِيَّة فِي زَمَانه، وَأَبُو سَلمَة بن عبد الرحمان بن عَوْف، وَأَبُو قَتَادَة الْحَارِث بن ربعي الْأنْصَارِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي الطِّبّ عَن خَالِد بن مخلد وَفِي التَّعْبِير عَن أَحْمد بن يُونُس وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: لَا يتزايا بالزاي أَي: لَا يقصدني لِأَن يصير مرئياً بِصُورَتي.
6996 - حدّثنا خالِدُ بنُ خَلِيَ، حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ حَرْب، حدّثني الزُّبَيْدِيُّ عَن الزُّهْرِيِّ قَالَ أبُو سَلَمَةَ: قَالَ أبُو قَتادَةَ، رَضِي الله عَنهُ، قَالَ النبيُّ مَنْ رَآنِي فَقَدْ رأى الحَقَّ
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهر. وخَالِد بن خلي بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَكسر اللَّام وَتَشْديد الْيَاء أَبُو الْقَاسِم الْحِمصِي قاضيها وَهُوَ من أَفْرَاد البُخَارِيّ، وَمُحَمّد بن حَرْب أَبُو عبد الله النَّسَائِيّ روى عَنهُ البُخَارِيّ فِي آخر الِاعْتِصَام، والزبيدي نِسْبَة إِلَى زبيد بِضَم الزَّاي وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء وَالدَّال الْمُهْملَة واسْمه مُحَمَّد بن الْوَلِيد بن عَامر الشَّامي الْحِمصِي. وَحَدِيث أبي قَتَادَة قد مر عَن قريب غير مرّة.
قَوْله: فقد رأى الْحق أَي: الرُّؤْيَة الصَّحِيحَة الثَّابِتَة لَا أضغاث أَحْلَام وَلَا خيالات بَاطِلَة، وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: الْحق هُنَا مصدره مُؤَكد أَي: فقد رأى رُؤْيَة الْحق.(24/141)
تابَعَهُ يُونُسُ وابنُ أخِي الزُّهْرِيِّ.
أَي تَابع الزبيدِيّ فِي رِوَايَة عَن الزُّهْرِيّ يُونُس بن يزِيد وَابْن أخي الزُّهْرِيّ وَهُوَ مُحَمَّد بن عبد الله بن مُسلم، وَوَصلهَا مُسلم من طريقهما وساقها على لفظ يُونُس، وأحال بِرِوَايَة ابْن أخي الزُّهْرِيّ عَلَيْهِ.
6997 - حدّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ، حَدثنَا اللَّيْثُ، حدّثني ابنُ الهادِ عنْ عَبْدِ الله بنِ خَبَّابٍ عنْ أبي سَعيدٍ الخُدْرِيِّ سَمِعَ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقُولُ مَنْ رَآنِي فَقَدْ رأى الحَقَّ فإنَّ الشَّيْطانَ لَا يَتَكَوُّنُنِي
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَابْن الْهَاد هُوَ يزِيد بن عبد الله بن أُسَامَة، وَعبد الله بن خباب بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة الأولى، وَقد مر ذكره عَن قريب. والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: فَإِن الشَّيْطَان لَا يتكونني لتتميم الْمَعْنى وَالتَّعْلِيل للْحكم وَمَعْنَاهُ: لَا يتكون كوناً مثل كوني، أَو: لَا يتَّخذ كوني أَي: لَا يتشكل بشكلي، وَقَالَ الْكرْمَانِي: التكون لَازم فَمَا وَجهه؟ ثمَّ أجَاب بقوله: لُزُومه غير لَازم، أَو مَعْنَاهُ: لَا يتكون كوني، فَحذف الْمُضَاف وأوصل الْمُضَاف إِلَيْهِ بِالْفِعْلِ.
11 - (بابُ رُؤْيا اللَّيْلِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الرُّؤْيَا الَّتِي تكون بِاللَّيْلِ هَل تَسَاوِي الرُّؤْيَا الَّتِي تكون بِالنَّهَارِ أَو يتفاوتان؟ . قيل: كَأَنَّهُ يُشِير إِلَى حَدِيث أبي سعيد: أصدق الرُّؤْيَا بالأسحار. أخرجه أَحْمد مَرْفُوعا وَصَححهُ ابْن حبَان وَذكر نصر بن يَعْقُوب الدينَوَرِي أَن الرُّؤْيَا أول اللَّيْل تبطىء بتأويلها، وَمن النّصْف الثَّانِي تسرع بتفاوت أَجزَاء اللَّيْل، وَأَن أسرعها تَأْوِيلا رُؤْيا السحر وَلَا سِيمَا عِنْد طُلُوع الْفجْر، وَعَن جَعْفَر الصَّادِق: أسرعها تَأْوِيلا رُؤْيا القيلولة.
رَواهُ سَمُرَةُ.
أَي: روى حَدِيث رُؤْيا اللَّيْل سَمُرَة بن جُنْدُب الْفَزارِيّ الصَّحَابِيّ الْمَشْهُور، وَسَيَأْتِي حَدِيثه فِي آخر كتاب التَّعْبِير، إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
6998 - حدّثنا أحْمَدُ بنُ المِقْدامِ العِجْلِيُّ، حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمانِ الطُّفاوِيُّ، حَدثنَا أيُّوبُ، عنْ مُحَمَّدٍ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أُعْطِيتُ مَفاتِيحَ الكَلِمِ ونُصرْتُ بالرُّعْبِ وبَيْنَما أَنا نائِمٌ البارِحَة إذْ أُتِيتُ بمَفاتِيحِ خَزَائِنِ الأرْضِ، حتَّى وُضِعَتْ فِي يَدَي قَالَ أبُو هُرَيْرَةَ: فَذَهَبَ رسولُ الله وأنْتُمْ تَنْتَقِلُونَها.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: وبينما أَنا نَائِم البارحة
والطفاوي بِضَم الطَّاء وَتَخْفِيف الْفَاء وبالواو نِسْبَة إِلَى بني طفاوة أَو إِلَى طفاوة مَوضِع، وَأَيوب هُوَ السّخْتِيَانِيّ، وَمُحَمّد هُوَ ابْن سِيرِين والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: مَفَاتِيح الْكَلم أَي: لفظ قَلِيل يُفِيد مَعَاني كَثِيرَة، وَهَذَا غَايَة البلاغة، وَسَتَأْتِي رِوَايَة أُخْرَى: بعثت بجوامع الْكَلم، وَقَالَ البُخَارِيّ: بَلغنِي أَن جَوَامِع الْكَلم هُوَ أَن الله تَعَالَى يجمع الْأُمُور الْكَثِيرَة الَّتِي كَانَت تكْتب فِي الْكتب قبله فِي الْأَمر الوحد والأمرين، أَو نَحْو ذَلِك. قَوْله: ونصرت بِالرُّعْبِ بِضَم الرَّاء وَسُكُون الْعين الْفَزع، أَي: ينهزمون من عَسْكَر الْإِسْلَام بِمُجَرَّد الصيت وَيَخَافُونَ مِنْهُم أَو ينقادون بِدُونِ إيجَاف خيل وَلَا ركاب. قَوْله: البارحة اسْم لليلة الْمَاضِيَة، وَإِن كَانَ قبل الزَّوَال. قَوْله: أتيت على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: فِي يَدي إِمَّا حَقِيقَة وَإِمَّا مجَاز بِاعْتِبَار قَوْله: تنتقلونها من الِانْتِقَال من النَّقْل بالنُّون وَالْقَاف، ويروى تنتفلونها بِالْفَاءِ مَوضِع الْقَاف أَي: تغتنمونها، ويروى: تنتثلونها، بالثاء الْمُثَلَّثَة مَوضِع الْفَاء أَي: تستخرجونها وَذَلِكَ كاستخراجهم خَزَائِن كسْرَى ودفائن قَيْصر.(24/142)
6999 - حدّثنا عَبْدُ الله بنُ مَسْلَمَةَ، عنْ مالِكٍ، عنْ نافِعٍ، عنْ عَبْدِ الله بنِ عُمَرَ، رَضِي الله عَنْهُمَا، أنَّ رسولَ الله قَالَ: أُراني اللَّيْلَةَ عِنْدَ الكَعْبَةَ، فَرَأيْتُ رجُلاً آدَمَ كأحْسَنِ مَا أنْتَ راءٍ مِنْ أُدْم الرِّجالِ، لهُ لِمَّةٌ كأحْسَنِ مَا أنْتَ راءٍ مِنَ اللِّمَمِ، قَدْ رَجَّلَها تَقْطُرُ مَاء مُتَّكِئاً على رجُليْنِ أوْ عَلى عَواتِقِ رجُلَيْن يَطُوفُ بالبيْتِ، فَسألْتُ: مَنْ هاذَا؟ فَقِيلَ: المَسيح ابنُ مَرْيَمَ، ثُمَّ إِذا أَنا بِرَجلٍ جَعْدٍ قَطَطٍ أعْوَرِ العَيْنِ اليُمْنَى كأنَّها عِنَبَةَ طافِيَةٌ، فَسألْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقِيلَ: المَسيحُ الدَّجَّالُ
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: أَرَانِي اللَّيْلَة عِنْد الْكَعْبَة
والْحَدِيث مضى فِي اللبَاس عَن عبد الله بن يُوسُف. وَأخرجه مُسلم فِي الْإِيمَان عَن يحيى بن يحيى.
قَوْله: أَرَانِي اللَّيْلَة أَي: أرى نَفسِي، وَاللَّيْلَة نصب على الظَّرْفِيَّة وَسَيَأْتِي فِي: بَاب الطّواف بِالْكَعْبَةِ، من وَجه آخر عَن ابْن عمر بِلَفْظ: بَينا أَنا نَائِم رَأَيْتنِي أَطُوف بِالْكَعْبَةِ. قَوْله: من أَدَم الرِّجَال بِضَم الْهمزَة وَسُكُون الدَّال جمع آدم وَهُوَ الأسمر، قَالَ الدَّاودِيّ: هُوَ إِلَى السمرَة أميل، وَقَالَ أَبُو عبد الْملك: الْأدم فَوق الأسمر يعلوه سَواد قَلِيل. قَوْله: لَهُ لمة بِكَسْر اللَّام وَتَشْديد الْمِيم وَهُوَ الشّعْر المجاوز شحمة الْأذن، واللمم: بِالْكَسْرِ أَيْضا جمع لمة فَإِذا بلغ الْمَنْكِبَيْنِ فَهِيَ جمة، والوفرة دون ذَلِك. قَوْله: رجلهَا بتَشْديد الْجِيم أَي: سرحها. قَوْله: يقطر مَاء جملَة حَالية. قَوْله: مُتكئا حَال من قَوْله: قَوْله: رجلا وَهُوَ نكرَة وَلكنه وصف بالأوصاف الْمَذْكُورَة فَصَارَ حكمه حكم الْمعرفَة. قَوْله: أَو على عواتق رجلَيْنِ شكّ من الرَّاوِي، وَهُوَ جمع عاتق وَهُوَ اسْم لما بَين الْمنْكب والعنق. وَقيل: هَذَا جمع فَكيف أضيف إِلَى الْمثنى؟ وَأجِيب: بِأَنَّهُ نَحْو قَوْله: {إِن تَتُوبَآ إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَالِكَ ظَهِيرٌ} وَجَاز مثله إِذْ لَا التباس. قَوْله: جعد أَي: غير سبط أَو قصير. قَوْله: قطط وَهُوَ المبالغ فِي الجعودة. قَوْله: طافية ضد الراسبة، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: الطافية هِيَ الْحبَّة الَّتِي قد خرجت عَن حد نبت أخواتها فظهرت من بَينهَا وَارْتَفَعت، وَقيل: أَرَادَ بِهِ الْحبَّة الطافية على وَجه المَاء، شبه عينه بهَا، وَيُقَال: طفا الشَّيْء على المَاء يطفو إِذا علا، فعين الدَّجَّال طافية على وَجهه قد برزت كالعنبة، وَقَالَ ابْن بطال: من قَرَأَ: طافئة، بِالْهَمْزَةِ فَمَعْنَاه: أَن عينه مفقوءة ذهب ضوؤها كَأَنَّهَا عنبة نَضِجَتْ فَذهب مَاؤُهَا، وَمن قَرَأَ بِغَيْر همز فَمَعْنَاه أَنَّهَا برزت وَخرج الْبَاطِن الْأسود فِيهَا لِأَن كل شَيْء ظهر فقد طفا. قَوْله: الْمَسِيح الدَّجَّال وَفِي تَسْمِيَة الدَّجَّال بالمسيح خَمْسَة أَقْوَال، وَفِي تَسْمِيَته بالدجال عشرَة أَقْوَال ذَكرنَاهَا كلهَا فِي كتَابنَا الموسوم بزين الْمجَالِس وَكَذَلِكَ ذكرنَا فِي تَسْمِيَة عِيسَى ابْن مَرْيَم بالمسيح ثَلَاثَة وَعشْرين وَجها اختصرنا هُنَا ذكره خوفًا من السَّآمَة، ومختصره معنى الْمَسِيح فِي عِيسَى، عَلَيْهِ السَّلَام، كَونه لَا يمسح ذَا عاهة إلاَّ برىء، وَمَعْنَاهُ فِي الدَّجَّال كَونه مَمْسُوح إِحْدَى الْعَينَيْنِ، وَقيل فِيهِ: بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة.
7000 - حدّثنا يَحْياى، حدّثنا اللَّيْثُ عَن يُونُسَ، عنِ ابنِ شِهابٍ، عنْ عُبَيْدِ الله بن عَبْدِ الله أنص ابنَ عَبَّاسٍ كَانَ يُحَدِّثُ أنَّ رَجُلاً أتَى رسولَ الله فَقَالَ: إنِّي أُرِيتُ اللَّيْلَةَ فِي المَنامِ وساقَ الحَديثَ
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَيحيى بن عبد الله بن بكير ينْسب إِلَى جده، وَعبيد الله بن عبد الله بن عتبَة بن مَسْعُود الْهُذلِيّ.
قَوْله: إِنِّي أريت على صِيغَة الْمَجْهُول، ويروى: رَأَيْت، وَقد اقْتصر البُخَارِيّ على هَذَا الْمِقْدَار من الحَدِيث، وَسَيَأْتِي بِتَمَامِهِ بِهَذَا السَّنَد فِي: بَاب من لم ير الرُّؤْيَا لأوّل عَابِر إِذا لم يصب، وَسَيَأْتِي شَرحه هُنَاكَ، إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
وتابَعَهُ سُليْمانُ بنُ كَثِيرٍ وابنُ أخِي الزُّهْرِيِّ وسُفْيانُ بنُ حُسَيْنٍ عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ عُبَيْدِ الله عنِ ابنِ عَبَّاس عَن النَّبِي(24/143)
أَي: تَابع الزُّهْرِيّ فِي رِوَايَته عَن عبيد الله بن عبد الله عَن ابْن عَبَّاس سُلَيْمَان بن كثير، وَوصل هَذِه الْمُتَابَعَة مُسلم، وَقَالَ: حَدثنَا عبد الله بن عبد الرحمان الدَّارمِيّ أخبرنَا مُحَمَّد بن كثير حَدثنَا سُلَيْمَان وَهُوَ ابْن كثير عَن الزُّهْرِيّ عَن عبيد الله بن عبد الله عَن ابْن عَبَّاس: أَن رَسُول الله كَانَ يَقُول لأَصْحَابه: من رأى مِنْكُم رُؤْيا فليقصها أعبرها لَهُ، قَالَ: جَاءَ رجل فَقَالَ: يَا رَسُول الله إِنِّي رَأَيْت ظلمَة، فأحاله على مَا قبله. قَوْله: وَابْن أخي الزُّهْرِيّ أَي: تَابعه أَيْضا ابْن أخي الزُّهْرِيّ، وَهُوَ مُحَمَّد بن عبد الله بن مُسلم، وَقَالَ بَعضهم: وصمها الذهلي فِي الزهريات وَلَا أعلم صِحَّته. قَوْله: وسُفْيَان بن حُسَيْن أَي: وَتَابعه أَيْضا سُفْيَان بن حُسَيْن الوَاسِطِيّ وَوَصلهَا أَحْمد عَن يزِيد بن هَارُون عَنهُ.
وَقَالَ الزُّبَيْدِيُّ عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ عُبَيْدِ الله أنَّ ابنَ عَبَّاسٍ أوْ أَبَا هُرَيْرَةَ عنِ النبيِّ
أَي: وَقَالَ مُحَمَّد بن الْوَلِيد بن عَامر الْحِمصِي عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ عَن عبيد الله بن عبد الله أَن ابْن عَبَّاس أَو أَبَا هُرَيْرَة فَذكره بِالشَّكِّ، وَوَصله مُسلم وَقَالَ: حَدثنَا حَاجِب بن الْوَلِيد حَدثنَا مُحَمَّد بن حَرْب عَن الزبيدِيّ أَخْبرنِي الزُّهْرِيّ عَن عبيد الله بن عبد الله أَن ابْن عَبَّاس أَو أَبَا هُرَيْرَة كَانَ يحدث أَن رجلا أَتَى رَسُول الله، صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسلم، ثمَّ سَاق الحَدِيث بِسَنَد آخر.
وَقَالَ شعَيْبٌ وإسْحاقُ بنُ يَحْياى عنِ الزُّهْرِيِّ: كَانَ أبُو هُرَيْرةَ يُحَدِّثُ عنِ النبيِّ وَكَانَ مَعْمَرٌ لَا يُسْنِدُهُ حَتَّى كَانَ بَعْدُ.
شُعَيْب هُوَ ابْن أبي حَمْزَة الْحِمصِي، وَإِسْحَاق بن يحيى الْكَلْبِيّ الْحِمصِي، وَقَالَ بَعضهم: وَصلهَا الذهلي فِي الزهريات وَلَا أعلم صِحَّته. قَوْله: وَكَانَ معمر أَي: ابْن رَاشد لَا يسند الحَدِيث الْمَذْكُور حَتَّى أسْندهُ بعد ذَلِك، قَالَ عبد الرَّزَّاق: كَانَ معمر يحدث بِهِ فَيَقُول: كَانَ ابْن عَبَّاس يَعْنِي وَلَا يذكر عبيد الله بن عبد الله فِي السَّنَد حَتَّى جَاءَ زَمعَة بِكِتَاب فِيهِ: عَن الزُّهْرِيّ عَن عبيد الله عَن ابْن عَبَّاس، فَكَانَ لَا يشك فِيهِ بعد.
12 - (بابُ الرُّؤْيا بِالنَّهارِ)
أَي: هَا بَاب فِي بَيَان أَمر الرُّؤْيَا الْوَاقِعَة بِالنَّهَارِ، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر رُؤْيا النَّهَار.
وَقَالَ ابنُ عَوْنٍ عنِ ابنِ سِيرينَ: رُؤْيا النَّهارِ مِثْلُ رُؤْيا اللَّيْلِ.
أَي قَالَ عبد الله بن عون عَن مُحَمَّد بن سِيرِين، وَوَصله عَن عَليّ بن أبي طَالب القيرواني فِي كتاب التَّعْبِير من طَرِيق مسْعدَة بن اليسع عَن عبد الله بن عون، وَفِي التَّوْضِيح قَالَ أَبُو الْحسن عَليّ بن أبي طَالب فِي كِتَابه نور الْبُسْتَان وربيع الْإِنْسَان لَا فرق بَين رُؤْيا النَّهَار وَاللَّيْل، وحكمهما وَاحِد فِي الْعبارَة، وَكَذَا رُؤْيا النِّسَاء ورؤيا الرِّجَال.
7001 - حدّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ، أخبرنَا مالِكٌ، عنْ إسْحاقَ بنِ عَبْدِ الله بنِ أبي طَلْحَةَ أنّهُ سَمِعَ أنَسَ بنَ مالِكٍ يَقُولُ: كَانَ رسولُ الله يَدْخُلُ عَلى أُمِّ حَرامٍ بِنْتِ مِلْحان، وكانَتْ تَحْتَ عُبادَةَ بنِ الصَّامِتِ، فَدَخَلَ عَلَيْهَا يَوْماً فأطْعَمَتْهُ وجَعَلَتْ تَفْلِي رَأسَهُ، فَنامَ رسولُ الله ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وهْوَ يَضْحَكَ
قالَتْ: فَقُلْتُ: مَا يُضْحِكُكَ يَا رسولَ الله؟ قَالَ:(24/144)
ناسٌ مِنْ أُمَّتي عُرِضُوا عَلَيَّ غُزاةً فِي سبَيلِ الله، يَرْكَبُونَ ثَبَجَ هاذا البَحْرِ مُلُوكاً عَلى الأسِرَّةِ أَو مِثْلَ المُلُوكِ عَلَى الأسِرَّةِ، شَكَّ إسْحَاقُ قالَتْ: فَقلْتُ: يَا رسولَ الله ادْعُ الله أنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ. فَدَعا لَها رسولُ الله ثُمَّ وَضَعَ رَأسَهُ ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وهْوَ يَضْحَكُ فَقلْتُ مَا يُضْحِكُكَ يَا رسولَ الله؟ قَالَ: ناسٌ مِنْ أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَيَّ غُزاةً فِي سَبِيلِ الله كَما قَالَ فِي الأولى، قالَت: فَقُلْتُ: يَا رسولَ الله ادْعُ الله أنْ يَجْعَلَني مِنْهُمْ، قَالَ: أنْتِ مِنَ الأوَّلِينَ فَرَكِبَتِ البَرَ فِي زَمان مُعاويَةَ بنِ أبي سُفْيانَ فَصُرِعَتْ عنْ دابَّتِها حِينَ خَرَجَتْ مِنَ البَحْرِ، فَهَلَكَتْ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: فَنَامَ رَسُول الله ثمَّ اسْتَيْقَظَ وَهُوَ يضْحك
والْحَدِيث مضى فِي الْجِهَاد عَن عبد الله بن يُوسُف أَيْضا وَفِي الاسْتِئْذَان عَن إِسْمَاعِيل. وَأخرجه مُسلم فِي الْجِهَاد عَن يحيى بن يحيى، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: يدْخل على أم حرَام بنت ملْحَان بِكَسْر الْمِيم وَقيل بِفَتْحِهَا، وَهِي خَالَة أنس بن مَالك، وَوجه دُخُوله، صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسلم، عَلَيْهَا أَنَّهَا كَانَت خَالَته من الرَّضَاع. قَوْله: تفلي على وزن ترمي، أَي: تفتش عَن الْقمل. قَوْله: ثبج هَذَا الْبَحْر بِفَتْح الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَالْبَاء الْمُوَحدَة وبالجيم أَي: وَسطه. قَوْله: فِي زمَان مُعَاوِيَة احْتج بَعضهم على صِحَة خلَافَة مُعَاوِيَة وَلَا يَصح لِأَنَّهُ كَانَ فِي زَمَنه وَهُوَ أَمِير بِالشَّام والخليفة عُثْمَان بن عَفَّان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَلَئِن سلمنَا أَن ذَلِك كَانَ فِي زمن دَعْوَاهُ الْخلَافَة لَا يَصح لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْخلَافَة بعدِي ثَلَاثُونَ سنة، وَمُعَاوِيَة وَمن بعده يسمون ملوكاً وَلَو سموا خلفاء.
13 - (بابُ رُؤْيا النِّساءِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان رُؤْيا النِّسَاء، قَالَ ابْن بطال: الِاتِّفَاق على أَن رُؤْيا المؤمنة الصَّالِحَة دَاخِلَة فِي قَوْله: رُؤْيا الْمُؤمن الصَّالح جُزْء من أَجزَاء النُّبُوَّة
7003 - حدّثنا سَعيدُ بنُ عفَيْرٍ حدّثني اللَّيْثُ حدّثني عُقَيْلٌ عنِ ابنِ شِهابٍ أَخْبرنِي خارجَةُ بنُ زَيْدِ بنِ ثابتٍ أنَّ أُمَّ العَلاءِ امْرأةً مِنَ الأنْصارِ بايَعَتْ رسولَ الله أخْبَرَتْهُ أنَّهُمُ اقْتَسَمُوا المُهاجِرِينَ قُرْعَةً، قالَتْ: فَطارَ لَنا عُثْمانُ بنُ مَظْعُونٍ وأنْزَلْناهُ فِي أبْياتِنا فَوَجَعَ وجَعَهُ الذِي تُوُفِّيَ فِيهِ، فَلمَّا تُوُفِّيَ غُسِّلَ وكفِّنَ فِي أثْوابِهِ، دَخَلَ رسولُ الله قالَتْ فَقُلْتُ رحْمَةُ الله عَلَيْكَ أَبَا السَّائِبِ فَشَهادَتي عَلَيْكَ، لَقَدْ أكْرَمَكَ الله. فَقَالَ رسولُ الله وَمَا يُدْرِيكِ أنَّ الله أكْرَمَهُ فَقُلْتُ بِأبي أنْتَ يَا رسولَ الله، فَمَنْ يُكْرِمُهُ الله؟ فَقَالَ رسولُ الله أمَّا هُوَ فَوَالله لَقَدْ جاءَهُ اليَقِينُ، وَالله إنِّي لأرْجُو لهُ الخَيْرَ، وَوَالله مَا أدْرِي وَأَنا رسولُ الله ماذَا يُفْعَلُ بِي فَقَالَتْ وَالله لَا أُزَكِّي بَعْدَهُ أحَداً أبدا.
هَذَا مضى فِي الْجَنَائِز وَفِيه: فَرَأَيْت لعُثْمَان عينا تجْرِي، فَأخْبرت رَسُول الله فَقَالَ: ذَلِك عمله وَيَأْتِي أَيْضا الْآن، وَهَذَا هُوَ وَجه مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة.
وَأم الْعَلَاء ابْنة الْحَارِث بن ثَابت بن حَارِثَة بن ثَعْلَبَة ابْن حلاس بن أُميَّة الْأَنْصَارِيَّة من المبايعات، وَكَانَ رَسُول الله يعودها فِي مَرضهَا.
قَوْله: أَنهم أَي: أَن الْأَنْصَار اقتسموا الْمُهَاجِرين يَعْنِي: أَخذ كل مِنْهُم وَاحِدًا من الْمُهَاجِرين حِين قدمُوا الْمَدِينَة. قَوْله: فطار لنا أَي: وَقع فِي سهمنا عُثْمَان بن مَظْعُون بالظاء الْمُعْجَمَة وَالْعين الْمُهْملَة. قَوْله: فوجع بِكَسْر الْجِيم أَي: مرض، وَيجوز ضم الْوَاو، وَقَالَ ابْن التِّين بِالضَّمِّ روينَاهُ. قَوْله: أَبَا السَّائِب بِالسِّين الْمُهْملَة كنية عُثْمَان بن مَظْعُون. قَوْله: فشهادتي مُبْتَدأ وَعَلَيْك صلته وَالْجُمْلَة الخبرية خَبره وَهِي: لقد أكرمك الله أَي: شهادتي عَلَيْك قولي: لقد أكرمك الله. قَوْله: بِأبي أَنْت أَي: مفدى بِأبي أَنْت. قَوْله: أما هُوَ بِفَتْح الْهمزَة وَتَشْديد الْمِيم وقسمه. قَوْله: وَالله مَا أَدْرِي وَأَنا رَسُول الله وَأما مُقَدّر نَحوه {لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالاَْقْرَبُونَ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالاَْقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً} إِن لم يكن عطفا على الله، قَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: مَعْلُوم أَنه مغْفُور لَهُ مَا تقدم من ذَنبه وَمَا تَأَخّر، وَله من المقامات المحمودة مَا لَيْسَ لغيره. قلت:(24/145)
هُوَ نفي للدراية التفصيلية والمعلوم هُوَ الإجمالي. قَوْله: مَا يفعل بِي وَفِي الحَدِيث الْآتِي: مَا يفعل بِهِ. قَالَ الدَّاودِيّ: الأول لَيْسَ بِصَحِيح وَالصَّحِيح هَذَا لِأَن الرَّسُول لَا يشك، قَالَ: أَو قَالَ ذَلِك قبل أَن يخبر بِأَن أهل بدر يدْخلُونَ الْجنَّة.
7004 - حدّثنا أبُو اليَمانِ، أخبرنَا شُعَيْبٌ، عنِ الزُّهْرِيِّ بِهَذَا، وَقَالَ: مَا أدْرِي مَا يُفْعَلُ بِهِ قالَتْ وأحْزَنَنِي فَنِمْتُ فَرَأيْتُ، لِعُثْمانَ عَيْناً تَجْرِي، فأخْبَرْتُ رسولَ الله فَقَالَ: ذَلِكَ عَمَلُهُ
هَذَا هُوَ من الحَدِيث الْمَاضِي أخرجه عَن أبي الْيَمَان الحكم بن نَافِع. . الخ. قَوْله: بِهَذَا أَي: بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُور. قَوْله: ذَلِك ويروى: ذَاك.
14 - (بابٌ الحُلْمُ مِنَ الشَّيْطانِ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ الْحلم من الشَّيْطَان، والحلم بِضَم الْحَاء وَقد سبق مَعْنَاهُ. وَقد حذف ابْن بطال وَغَيره هَذَا الْبَاب لِأَن سبق مَعَ الْكَلَام عَلَيْهِ.
فَإِذا حَلَمَ فَلْيَبْصُقْ عنْ يَسارِهِ ولْيَسْتَعِذْ بِالله عَزَّ وجَلَّ.
حلم بِفَتْح اللَّام، وَهَذِه التَّرْجَمَة بِبَعْض أَلْفَاظ الحَدِيث.
7005 - حدّثنا يَحْياى بنُ بُكَيْرٍ، حدّثنا الليْثُ عنْ عُقَيْلٍ، عنِ ابنِ شِهابٍ، عنْ أبي سَلَمَة أنَّ أَبَا قَتادَةَ الأنْصارِيَّ وَكَانَ مِنْ أصْحابِ النبيِّ وفُرْسانِهِ قَالَ: سَمِعْتُ رسولَ الله يَقُولُ الرُّؤْيا مِنَ الله، والحُلْمُ مِنَ الشَّيْطانِ، فَإِذا حَلَمَ أحَدُكُمُ الحُلُمَ يَكْرَهُهُ فَلْيَبْصُقْ عنْ يَسارِهِ، ولْيَسْتَعِذْ بِالله مِنْهُ فَلَنْ يَضُرَّهُ
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَقد مضى فِي: بَاب من رأى النَّبِي عَن يحيى بن بكير عَن اللَّيْث عَن عبد الله بن أبي جَعْفَر عَن أبي سَلمَة عَن أبي قَتَادَة، الحَدِيث، وَبَينهمَا بعض اخْتِلَاف فِي رجال السَّنَد وَفِي الْمَتْن من زِيَادَة ونقصان.
قَوْله: وَكَانَ من أَصْحَاب النَّبِي ذكر هَذَا تَعْظِيمًا لَهُ وافتخاراً بِهِ وتعليماً للجاهل، وَإِن كَانَ من الصَّحَابَة الْمَشْهُورين. قَوْله: وفرسانه أَي: وَمن فرسَان النَّبِي وَمن فروسيته أَنه قتل يَوْم خَيْبَر عشْرين رجلا، فنفله الشَّارِع سلبهم. قَوْله: الرُّؤْيَا من الله أَي: الْمَنَام المحبوب من الله تَعَالَى: والحلم الْمَكْرُوه من الشَّيْطَان أَي: على طبعه، وإلاَّ فَالْكل من الله تَعَالَى. قَوْله: فَإِذا حلم بِفَتْح اللَّام، وَقد مر آنِفا.
15 - (بابُ اللَّبنِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي حكم رُؤْيَة اللَّبن إِذا رَآهُ فِي الْمَنَام بِمَاذَا يعبر بِهِ.
6007 - حدّثنا عَبْدانُ، أخبرنَا عَبْدُ الله، أخبرنَا يُونُسُ، عنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبرنِي حَمْزَةُ بنُ عَبدِ الله أنَّ ابنَ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ بَيْنا أَنا نائِمٌ أُتِيتُ بِقَدَحِ لَبَنٍ فَشَرِبْتُ مِنْهُ حتَّى إنِّي لأرى الرِّيَّ يَخْرُجُ مِنْ أظْفارِي، ثُمَّ أعْطَيْتُ فَضَلِي يَعْنِي عُمَرَ قالُوا: فَما أوَّلْتَهُ يَا رَسُول الله؟ قَالَ: العِلْمَ
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه يوضحها وَيبين تَعْبِير اللَّبن.
وعبدان بن لقب عبد الله بن عُثْمَان الْمروزِي، وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك الْمروزِي، وَيُونُس هُوَ ابْن يزِيد، وَحَمْزَة بالزاي ابْن عبد الله بن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم يروي عَن أَبِيه عبد الله.
والْحَدِيث مضى فِي الْعلم عَن سعيد بن عفير.
قَوْله: لأرى الرّيّ اللَّام فِيهِ للتَّأْكِيد، والري بِكَسْر الرَّاء وَتَشْديد الْيَاء الِاسْم وبالفتح مصدر، قَالَ الْجَوْهَرِي: روينَا من الرّيّ بِالْكَسْرِ أروي رياً وَرَوَاهُ أَيْضا. قَوْله: يخرج من أظفاري ويروى: يجْرِي(24/146)
من أظافيري، وَهُوَ جمع أظفار جمع ظفر. قَالَ الدَّاودِيّ: قد يرَاهُ من تَحت الْجلد أَو يحسه فَيكون هَذَا ريّاً. وَقَالَ الْكرْمَانِي: الْخُرُوج يسْتَعْمل: بعن؟ . قلت: مَعْنَاهُ خرج عَن الْبدن حَاصِلا أَو ظَاهرا فِي الأظافير، فَلَيْسَ صلته أَو بِاعْتِبَار أَن بَين الْحُرُوف مُعَاوضَة انْتهى. قلت: هَذَا السُّؤَال وَالْجَوَاب على كَون اللَّفْظ يخرج فِي أظافيري على مَا فِي بعض النّسخ على رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَأما على نُسْخَة يخرج من أظفاري، على رِوَايَة الْكشميهني، فَلَا يحْتَاج إِلَى هَذَا التَّكَلُّف. وَقَالَ الْكرْمَانِي أَيْضا: إِن الرّيّ معنى وَالْخُرُوج للأعيان. قلت: هُوَ بِمَعْنى مَا يرْوى بِهِ، أَو ثمَّة مُقَدّر يَعْنِي: أثر الرّيّ أَو نَحوه.
16 - (بابٌ إِذا جَراى اللَّبَنُ فِي أطْرافِهِ أوْ أظافِيرِهِ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ إِذا جرى اللَّبن فِي أَطْرَافه أَو أظافيره يَعْنِي: فِي الْمَنَام.
7007 - حدّثنا عَلِيٌّ بنُ عَبْدِ الله، حدّثنا يَعْقُوبُ بنُ إبْراهِيمَ، حدّثنا أبي عنْ صالِحٍ، عنِ ابنِ شِهابٍ، حدّثني حَمْزَةُ بن عَبدِ الله بنِ عُمَرَ أنّهُ سَمِعَ عَبدَ الله بنَ عُمَرَ، رَضِي الله عَنْهُمَا، يَقُولُ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَيْنَما أَنا نائِمٌ أُتِيتُ بِقَدَحِ لَبَنٍ، فَشَرِبْتُ مِنْهُ حتَّى إنِّي لأراى الرِّيَّ يَخْرُجُ مِنْ أطْرافي، فأعْطَيْتُ فَضْلي عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ فَقَالَ مَنْ حَوْلَهُ: فَما أوَّلْتَ ذالِكَ يَا رسولَ الله؟ قَالَ: العِلْمَ
هَذَا هُوَ الحَدِيث الَّذِي سبق قبله فِي: بَاب اللَّبن، غير أَنه أخرجه هُنَا عَن عَليّ بن عبد الله الْمَدِينِيّ عَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم عَن أَبِيه إِبْرَاهِيم بن سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرحمان بن عَوْف عَن صَالح بن كيسَان عَن مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ. . الخ، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
17 - (بابُ القَمِيصِ فِي المَنامِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي رُؤْيَة الْقَمِيص.
26 - (حَدثنَا عَليّ بن عبد الله حَدثنَا يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم حَدثنِي أبي عَن صَالح عَن ابْن شهَاب قَالَ حَدثنِي أَبُو أُمَامَة بن سهل أَنه سمع أَبَا سعيد الْخُدْرِيّ يَقُول قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَيْنَمَا أَنا نَائِم رَأَيْت النَّاس يعرضون عَليّ وَعَلَيْهِم قمص مِنْهَا مَا يبلغ الثدي وَمِنْهَا مَا يبلغ دون ذَلِك وَمر عَليّ عمر بن الْخطاب وَعَلِيهِ قَمِيص يجره قَالُوا مَا أولت يَا رَسُول الله قَالَ الدّين) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَرِجَاله هم المذكورون فِي الْبَاب السَّابِق غير أَن هُنَاكَ بعد ابْن شهَاب حَمْزَة بن عبد الله وَهنا أَبُو أُمَامَة بن سهل واسْمه أسعد بن سهل بن حنيف الْأنْصَارِيّ أدْرك النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَيُقَال أَنه سَمَّاهُ وكناه باسم جده وكنيته وَلم يسمع من النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَسمع أَبَاهُ وَأَبا سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا والْحَدِيث مضى فِي الْعلم فِي بَاب تفاضل أهل الْإِيمَان قَوْله رَأَيْت النَّاس قَالَ بَعضهم رَأَيْت من الرُّؤْيَة البصرية وَقَوله يعرضون حَال وَيجوز أَن يكون من الرُّؤْيَة العلمية ويعرضون مفعول ثَان وَالنَّاس بِالنّصب على المفعولية وَيجوز فِيهِ الرّفْع انْتهى قلت فِي هَذَا التَّفْصِيل نظر ويعرضون حَال على كل تَقْدِير وَلم يبين وَجه رفع النَّاس قَوْله عَليّ بتَشْديد الْيَاء وَلَيْسَ هَذَا اللَّفْظ فِي كثير من النّسخ وَلَكِن هُوَ مُقَدّر قَوْله قمص بِضَم الْقَاف وَالْمِيم جمع قَمِيص ومناسبته بِالدّينِ أَنه يستر الْعَوْرَة كَمَا أَن الدّين يستر الْأَعْمَال السَّيئَة قيل جر الْقَمِيص مَنْهِيّ عَنهُ الْجَواب الْمنْهِي هُوَ الَّذِي يجر للخيلاء لَا الْقَمِيص الأخروي الَّذِي هُوَ لِبَاس التَّقْوَى قَوْله الثدي بِفَتْح الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَسُكُون الدَّال وَيجمع على ثدي بِضَم الثَّاء وَكسر الدَّال(24/147)
وَتَشْديد الْيَاء وَظَاهر الْكَلَام أَن الثدي يكون للرجل وَقَالَ الْجَوْهَرِي الثدي للرجل وَالْمَرْأَة وَقَالَ ابْن فَارس الثدي للْمَرْأَة الْجمع الثدي يذكر وَيُؤَنث وثندوة الرجل كثدي الْمَرْأَة وأصل ثدي ثدوي على وزن فعول فَاجْتمع حرفا عِلّة وَسبق الأول بِالسُّكُونِ فقلبت يَاء وأدغمت الْيَاء فِي الْيَاء الَّتِي بعْدهَا وَكسرت الدَّال لأجل الْيَاء الَّتِي بعْدهَا وَيُقَال أَيْضا بِكَسْر الثَّاء الْمُثَلَّثَة قَوْله وَمر عَليّ بتَشْديد الْيَاء وَالْوَاو فِي وَعَلِيهِ للْحَال وَكَذَا يجره حَال وَفِي رِوَايَة عقيل يجتر قَوْله مَا أولت كَذَا فِي رِوَايَة الْكشميهني وَفِي رِوَايَة غَيره مَا أولته بالضمير وَمضى فِي الْإِيمَان بِلَفْظ فَمَا أولت ذَلِك وَوَقع عِنْد الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فَقَالَ لَهُ أَبُو بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ على مَا تأولت هَذَا يَا رَسُول الله -
18 - (بابُ جَرِّ القَمِيصِ فِي المَنامِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم جر الْقَمِيص فِي الْمَنَام.
7009 - حدّثنا سَعيدُ بنُ عُفَيْرٍ، حدّثني اللَّيْثُ حدّثني عُقَيْلٌ عنِ ابنِ شِهابٍ أَخْبرنِي أبُو أُمامَةَ بنُ سَهْلٍ، عنْ أبي سَعِيدٍ الُخدْرِيِّ، رَضِي الله عَنهُ، أنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ بَيْنا أَنا نائِمٌ رأيْتُ النَّاسَ عُرِضُوا عَليَّ، وعَلَيْهِمْ قمُصٌ، فَمِنْها مَا يَبْلُغُ الثَّدْيَ، ومِنْها مَا يَبْلُغُ دُونَ ذلِكَ، وعُرِضَ عَلَيَّ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ وعَلَيْهِ قَمِيصٌ يَجْتَرُّهُ قالُوا: فَمَا أوَّلْتَهُ يَا رسولَ الله؟ قَالَ: الدِّينَ
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: وَعَلِيهِ قَمِيص يجتره وَهَذَا هُوَ الحَدِيث الَّذِي مضى فِي الْبَاب السَّابِق. أخرجه من وَجه آخر عَن ابْن شهَاب، وَفِيه: فَضِيلَة عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
19 - (بابُ الخُضَرِ فِي المَنامِ والرَّوْضَةِ الخَضْرَاءِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان رُؤْيَة الْخضر فِي الْمَنَام، وَالْخضر بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة جمع أَخْضَر وَهُوَ اللَّوْن الْمَعْرُوف من أصُول الألوان، وَوَقع فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ وَأبي أَحْمد الْجِرْجَانِيّ: بَاب الخضرة. قَوْله: وَالرَّوْضَة الخضراء، قَالَ القيرواني: الرَّوْضَة الَّتِي لَا يعرف نبتها تعبر بِالْإِسْلَامِ لنضارتها وَحسن بهجتها، وتعبر أَيْضا بِكُل مَكَان فَاضل يطاع الله فِيهِ: كقبر رَسُول الله وَحلق الذّكر وجوامع الْخَيْر وقبور الصَّالِحين. وَقَالَ مَا بَين قَبْرِي ومنبري رَوْضَة من رياض الْجنَّة. وَقَالَ: ارتعوا من رياض الْجنَّة، يَعْنِي: حلق الذّكر، وَقَالَ: الْقَبْر رَوْضَة من رياض الْجنَّة أَو حُفْرَة من حفر النَّار، وَقد تدل الرَّوْضَة على الْمُصحف وعَلى كتاب الْعلم كَقَوْلِهِم: الْكتب رياض الْحُكَمَاء.
7010 - حدّثني عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ الجُعْفِيُّ، حدّثنا حَرَميُّ بنُ عُمارَةَ، حَدثنَا قُرَّةُ بنُ خالِدٍ عنْ مُحَمَّدِ بنِ سِيرينَ قَالَ: قَالَ قَيْسُ بنُ عُبادٍ كُنْتُ فِي حَلْقَةٍ فِيهَا سَعْدُ بنُ مالِكٍ وابنُ عُمَرَ، فَمَرَّ عَبْدُ الله بنُ سَلاَمٍ فقالُوا: هاذَا رجُلٌ مِنْ أهْلِ الجَنَّةِ؟ فَقُلْتُ لهُ: إنَّهُمْ قالُوا كَذا وكَذا، فَقَالَ: سُبْحانَ الله مَا كانَ يَنْبَغِي لَهُمْ أنْ يَقُولُوا مَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ، إنِّما رأيْتُ كأنَّما عَمُودٌ وُضِعَ فِي رَوْضَةٍ خَضْراءَ، فَنُصِبَ فِيها وَفِي رَأسهَا عُرْوَةٌ، وَفِي أسْفَلِها مِنْصَفٌ والمِنْصَفُ الوَصِيفُ فَقيلَ: ارْقَهْ فَرَقيتُ حتَّى أخَذْتُ بالعُرْوَةِ، فَقَصَصتُها على رسولِ الله فَقَالَ رسولُ الله يَمُوتُ عَبْدُ الله وهْو(24/148)
َ آخِذٌ بالعُرْوَةِ الوُثْقَى
انْظُر الحَدِيث 2813 وطرفه
مطابقته للجزء الثَّانِي من التَّرْجَمَة فِي قَوْله: فِي رَوْضَة خضراء
وَعبد الله بن مُحَمَّد هُوَ الْمَعْرُوف بالمسندي والجعفي بِضَم الْجِيم وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وبالفاء نِسْبَة إِلَى جعف بن سعد الْعَشِيرَة من مذْحج، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: أَبُو قَبيلَة من الْيمن وَالنِّسْبَة إِلَيْهِ كَذَلِك، وحرمي بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَالرَّاء وبالميم وياء النِّسْبَة وَهُوَ اسْم بِلَفْظ النّسَب، وَعمارَة بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْمِيم، وقرة بِضَم الْقَاف وَتَشْديد الرَّاء ابْن خَالِد السدُوسِي، وَقيس بن عباد بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة الْبَصْرِيّ التَّابِعِيّ الثِّقَة الْكَبِير لَهُ إِدْرَاك، قدم الْمَدِينَة خلَافَة عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَوهم من عده من الصَّحَابَة، وَقد مضى ذكره فِي مَنَاقِب عبد الله بن سَلام بِهَذَا الحَدِيث. وَمضى لَهُ حَدِيث آخر فِي تَفْسِير سُورَة الْحَج وغزوة بدر أَيْضا وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ سوى هذَيْن الْحَدِيثين.
قَوْله: فِي حَلقَة بِسُكُون اللَّام وَيجمع على حلق بِكَسْر الْحَاء كقصعة وقصع، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: جمع الْحلقَة حلق بِفَتْح الْحَاء على غير قِيَاس. قَوْله: فِيهَا سعد بن مَالك هُوَ سعد بن أبي وَقاص، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَوْله: هَذَا رجل من أهل الْجنَّة إِنَّمَا قَالُوا ذَلِك لأَنهم سمعُوا رَسُول الله يَقُول: إِنَّه لَا يزَال متمسكاً بِالْإِسْلَامِ حَتَّى يَمُوت. قَوْله: فَقلت لَهُ أَي: لعبد الله بن سَلام، وَالْقَائِل هُوَ قيس بن عباد. قَوْله: فَقَالَ: سُبْحَانَ الله أَي: فَقَالَ عبد الله بن سَلام: سُبْحَانَ الله، للتعجب إِنَّمَا أنكر عبد الله عَلَيْهِم للتواضع وَكَرَاهَة أَن يشار إِلَيْهِ بالأصابع فيدخله الْعجب، قَالَ الْكرْمَانِي: الأولى أَن يُقَال: إِنَّمَا قَالَه لأَنهم لم يسمعوا ذَلِك صَرِيحًا بل قَالُوهُ اسْتِدْلَالا واجتهاداً، فَهُوَ فِي مَشِيئَة الله تَعَالَى. إِنَّمَا رَأَيْت الخ التئام هَذَا الْكَلَام بِمَا قبله هُوَ أَنه لما أنكر عَلَيْهِم مَا قَالُوهُ ذكر الْمَنَام الْمَذْكُور فَهَذَا يدل على أَنه إِنَّمَا أنكر عَلَيْهِم الْجَزْم وَلم يُنكر أصل الْإِخْبَار بِأَنَّهُ من أهل الْجنَّة، وَهَكَذَا يكون شَأْن المراقبين الْخَائِفِينَ المتواضعين. قَوْله: كَأَنَّمَا عَمُود وضع فِي رَوْضَة خضراء وَفِي رِوَايَة ابْن عون: فِي وسط الرَّوْضَة، وَلم يذكر وصف الرَّوْضَة هُنَا، وَمضى فِي المناقب من رِوَايَة ابْن عون، رَأَيْت كَأَنِّي فِي رَوْضَة، ذكره من سعتها وخضرتها، وَقَالَ الْكرْمَانِي: يحْتَمل أَن يُرَاد بالروضة جَمِيع مَا يتَعَلَّق بِالدّينِ، وبالعمود الْأَركان الْخَمْسَة، وبالعروة الوثقى الدّين. وَفِي التَّوْضِيح والعمود دَال على كل مَا يعْتَمد عَلَيْهِ: كالقرآن وَالسّنَن وَالْفِقْه فِي الدّين، وَمَكَان العمود وصفات الْمَنَام تدل على تَأْوِيل الْأَمر وَحَقِيقَة التَّعْبِير، وَكَذَلِكَ العروة الْإِسْلَام والتوحيد وَهِي العروة الوثقى، قَالَ تَعَالَى: {لاَ إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} فَأخْبر الشَّارِع بِأَن ابْن سَلام يَمُوت على الْإِيمَان، وَلما فِي هَذِه الرُّؤْيَا من شَوَاهِد ذَلِك حكم لَهُ الصَّحَابَة بِالْجنَّةِ بِحكم الشَّارِع بِمَوْتِهِ على الْإِسْلَام، وَقَالَ الدَّاودِيّ: قَالُوا: لِأَنَّهُ كَانَ بَدْرِيًّا، وَفِيه: الْقطع بِأَن كل من مَاتَ على الْإِسْلَام والتوحيد لله دخل الْجنَّة وَإِن نَالَتْ بَعضهم عقوبات. قَوْله: فنصب فِيهَا أَي: العمود نصب فِي الرَّوْضَة، وَنصب بِضَم النُّون وَكسر الصَّاد الْمُهْملَة من النصب وَهُوَ ضد الْخَفْض. وَفِي الْمطَالع وَفِي رِوَايَة العذري: انتصب، وَالْأول هُوَ الصَّوَاب، وَقَالَ الْكرْمَانِي: ويروى: نيص من ناص بِالْمَكَانِ أَي أَقَامَ فِيهِ، وَهُوَ بالنُّون فِي أَوله وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي والكشميهني: قبضت، بِفَتْح الْقَاف وَالْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة وبتاء الْخطاب، وَقَالَ الْكرْمَانِي: ويروى: قبضت، بِلَفْظ مَجْهُول الْقَبْض وَهُوَ بإعجام الضَّاد. قَوْله: وَفِي رَأسهَا أَي: وَفِي رَأس العمود، وَإِنَّمَا أنث الضَّمِير لِأَن العمود إِمَّا مؤنث سَمَاعي وَإِمَّا بِاعْتِبَار معنى الْعُمْدَة، وَقيل: المُرَاد مِنْهُ عمودة وَحَيْثُ اسْتَوَى فِيهِ التَّذْكِير والتأنيث لم تلْحقهُ التَّاء. قَوْله: منصف بِكَسْر الْمِيم وَهُوَ الوصيف بالصَّاد الْمُهْملَة أَي: الْخَادِم، وَقد فسره فِي الحَدِيث بقوله: وَالْمنصف الوصيف وَهُوَ مدرج تَفْسِير ابْن سِيرِين. وَقَالَ ابْن التِّين روينَا: منصف، بِفَتْح الْمِيم، وَقَالَ الْهَرَوِيّ: يُقَال: نصفت الرجل أنصفه نصافة إِذا خدمته، وَالْمنصف الْخَادِم وَالْمرَاد هُنَا بالوصيف عون الله لَهُ. قَوْله: ارقه أَي: قيل لعبد الله بن سَلام: ارقه، وَهُوَ أَمر من رقى يرقى من بَاب علم يعلم إِذا صعد ومصدره رقي. قَوْله: فرقيت بِكَسْر الْقَاف على الْأَفْصَح؟ . قَوْله: حَتَّى أخذت بالعروة وَتقدم فِي المناقب: فرقيت حَتَّى كنت فِي أَعْلَاهَا فَأخذت بالعروة فاستمسكت، فَاسْتَيْقَظت وَإِنَّهَا لفي يَدي، وَوَقع فِي رِوَايَة خَرشَة عِنْد مُسلم: حَتَّى أَتَى(24/149)
بِي عموداً رَأسه فِي السَّمَاء وأسفله فِي الأَرْض أَعْلَاهُ حَلقَة، فَقَالَ لي: اصْعَدْ فَوق هَذَا، قَالَ: قلت: كَيفَ أصعد؟ فَأخذ بيَدي فزجل بِي بزاي وجيم أَي: رفعني فَإِذا أَنا مُتَعَلق بالحلقة، ثمَّ ضرب العمود فَخر وَبقيت مُتَعَلقا بالحلقة حَتَّى أَصبَحت. قَوْله: فقصصتها أَي: الرُّؤْيَا، وَالْبَاقِي ظَاهر.
20 - (بابُ كَشْفِ المَرْأةِ فِي المَنامِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان كشف الرجل الْمَرْأَة فِي الْمَنَام بِأَن كشف وَجههَا ليراه ليتزوج بهَا.
7011 - حدّثنا عُبَيْدُ بنُ إسْماعِيلَ، حدّثنا أبُو أُسامَةَ، عنْ هِشامٍ، عَن أبِيهِ عنْ عَائِشَةَ، رَضِي الله عَنْهَا، قالَتْ: قَالَ رسولُ الله أُرِيتُكِ فِي المَنامِ مَرَّتَيْنِ إِذا رجلٌ يَحْمِلُكِ فِي سَرَقَةٍ مِنْ حَرِيرٍ، فَيَقُولُ: هَذِهِ امْرَأتُكَ، فأكْشِفُها فإذَا هِيَ أنْتِ، فأقُولُ: إنْ يَكُنْ هاذَا مِنْ عِنْدِ الله يُمْضِهِ
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: فأكشفها وَعبيد مصغر عبد ابْن إِسْمَاعِيل الْهَبَّاري الْقرشِي الْكُوفِي، واسْمه فِي الأَصْل عبد الله أَبُو مُحَمَّد، وَأَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة اللَّيْثِيّ، وَهِشَام هُوَ ابْن عُرْوَة يروي عَن أَبِيه عُرْوَة بن الزبير عَن أم الْمُؤمنِينَ عَائِشَة.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي النِّكَاح. وَأخرجه مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن أبي كريب.
قَوْله: أريتك بِضَم الْهمزَة وَكسر الرَّاء وَالْكَاف خطاب لعَائِشَة. قَوْله: مرَّتَيْنِ وَقع عِنْد مُسلم مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا، بِالشَّكِّ قيل: يحْتَمل أَن يكون الشَّك من هِشَام فاقتصر البُخَارِيّ على مرَّتَيْنِ لِأَنَّهُ مُحَقّق. قَوْله: إِذا رجل يحملك يَأْتِي فِي الْبَاب الَّذِي يَلِيهِ: فَإِذا ملك يحملك، والتوفيق بَينهمَا أَن الْملك يتشكل بشكل الرجل، وَالْمرَاد بِهِ جِبْرِيل، عَلَيْهِ السَّلَام. قَوْله: فِي سَرقه بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَفتح الرَّاء وَالْقَاف أَي: فِي قِطْعَة من حَرِير، وَفِي التَّوْضِيح السّرقَة شقة الْحَرِير. وَقَوله: من حَرِير تَأْكِيد كَقَوْلِه: أساور من ذهب، والأساور لَا تكون إلاَّ من ذهب وَإِن كَانَ من فضَّة تسمى قلباً، وَإِن كَانَت من قُرُون أَو عاج تسمى مسكة. قَوْله: فأكشفها بِلَفْظ الْمُتَكَلّم. قَوْله: فَإِذا هِيَ أَنْت قَالَ الْقُرْطُبِيّ: يُرِيد أَنه رَآهَا فِي النّوم كَمَا رَآهَا فِي الْيَقَظَة فَكَانَت هِيَ المُرَاد بالرؤيا لَا غَيرهَا. قَوْله: يمضه مجزوم لِأَنَّهُ جَوَاب الشَّرْط أَي: ينفذهُ ويكمله. وَقَالَ الْكرْمَانِي: يحْتَمل أَن تكون هَذِه الرُّؤْيَا قبل النُّبُوَّة وَأَن تكون بعْدهَا وَبعد الْعلم فَإِن رُؤْيَاهُ وَحي، فَعبر عَمَّا علمه بِلَفْظ الشَّك وَمَعْنَاهُ الْيَقِين إِشَارَة إِلَى أَنه لَا دخل لَهُ فِيهِ وَلَيْسَ ذَلِك بِاخْتِيَارِهِ وَفِي قدرته. انْتهى. قلت: بيَّن حَمَّاد بن سَلمَة فِي رِوَايَته المُرَاد وَلَفظه: أتيت بِجَارِيَة فِي سَرقَة من حَرِير بعد وَفَاة خَدِيجَة، فكشفتها فَإِذا هِيَ أَنْت، وَهَذَا يدْفع الِاحْتِمَال الَّذِي ذكره الْكرْمَانِي.
21 - (بابُ ثِيابِ الحَرِيرِ فِي الْمَنَام)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان رُؤْيَة ثِيَاب الْحَرِير فِي الْمَنَام.
7012 - حدّثنا مُحَمَّدٌ، أخبرنَا أبُو مُعاوِيَةَ، أخْبرنا هِشامٌ، عنْ أبِيهِ عنْ عائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رسولُ الله أُرِيتُكِ قَبْلَ أنْ أتَزَوَّجكِ مَرَّتَيْنِ رأيْتُ الملَكَ يَحْمِلُكِ فِي سَرَقَةٍ مِنْ حَرِيرٍ، فَقُلْتُ لهُ: اكْشِفْ، فَكَشَفَ فإذَا هِيَ أنْتِ، فَقُلْتُ: إنْ يَكُنْ هاذَا مِنْ عِنْدِ الله يُمْضِهِ، ثُمَّ أُرِيتُكِ يَحْمِلُكِ فِي سَرَقَةٍ مِنْ حَريرٍ، فَقُلْتُ: اكْشِفْ، فَكَشَفَ فإذَا هِيَ أنْتِ، فَقُلْتُ: إنْ يَكُ هاذَا مِنْ عِنْدِ الله يُمْضِهِ
هَذَا هُوَ الحَدِيث الْمَذْكُور قبل هَذَا الْبَاب.
وَمُحَمّد شيخ البُخَارِيّ، قَالَ الكلاباذي: مُحَمَّد بن سَلام أَو مُحَمَّد بن الْمثنى كل مِنْهُمَا(24/150)
يروي عَن أبي مُعَاوِيَة مُحَمَّد بن خازم بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَالزَّاي، وَجزم السَّرخسِيّ فِي رِوَايَة أبي ذَر عَنهُ أَنه مُحَمَّد بن الْعَلَاء أَبُو كريب، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: اكشف فكشف قد مر فِي الرِّوَايَة الْمَاضِيَة: اكشفها، فالكاشف رَسُول الله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم، ثمَّة وَهنا الْملك، والتوفيق بَينهمَا أَنه يحْتَمل أَن يُرَاد بقوله: اكشفها، أمرت بكشفها أَو كشف كل مِنْهُمَا شَيْئا، وَقيل: نِسْبَة الْكَشْف إِلَيْهِ لكَونه الْآمِر بِهِ، وَأَن الَّذِي بَاشر الْكَشْف هُوَ الْملك.
وَقَالَ ابْن بطال رُؤْيَة الْمَرْأَة فِي الْمَنَام تحْتَمل وُجُوهًا. مِنْهَا: أَن تدل على امْرَأَة تكون لَهُ فِي الْيَقَظَة تشبه الَّتِي رَآهَا فِي الْمَنَام كَمَا كَانَت رُؤْيَة الشَّارِع هَذِه وَمِنْهَا: أَنه قد تدل على الدُّنْيَا والمنزلة فِيهَا وَالسعَة فِي الرزق وَهُوَ أصل عِنْد المعبرين فِي ذَلِك. وَمِنْهَا أَنه قد تدل على فتْنَة بِمَا يقْتَرن بهَا من دَلَائِل ذَلِك، وَثيَاب الْحَرِير واتخاذها للنِّسَاء فِي الرُّؤْيَا تدل على النِّكَاح وعَلى الْأزْوَاج وعَلى الْعِزّ والغناء، وَلبس الذَّهَب وَالْفِضَّة واللباس دَال على حشم لابسه لِأَنَّهُ مَحَله، وَلَا خير فِي ثِيَاب الْحَرِير للرجل. وَالله أعلم.
22 - (بابُ المَفاتِيحِ فِي اليَدِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان رُؤْيَة المفاتيح فِي الْيَد. وَقَالَ أهل التَّعْبِير: الْمِفْتَاح مَال وَعز وسلطان وَصَلَاح وَعلم وَحِكْمَة، فَمن رأى أَنه يفتح بَابا بمفتاح فَإِنَّهُ يظفر بحاجته بمعونة من لَهُ يَد، وَإِن رأى أَن فِي يَده مفتاحاً فَإِنَّهُ يُصِيب سُلْطَانا عَظِيما، فَإِن كَانَ مِفْتَاح الْجنَّة فَإِنَّهُ يُصِيب سُلْطَانا عَظِيما فِي الدّين أَو عملا كثيرا من أَعمال الْبر أَو يجد كنزاً أَو مَالا حَلَالا مِيرَاثا، وَإِن كَانَ مِفْتَاح الْكَعْبَة حجب سُلْطَانا أَو إِمَامًا، وَقس على هَذَا سَائِر المفاتيح. وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَقد يكون إِذا فتح بِهِ بَابا دَعَا دُعَاء يُسْتَجَاب لَهُ.
7013 - حدّثنا سَعِيدُ بنُ عُفَيْرٍ، حَدثنَا اللَّيْثُ، حدّثني عُقَيْلٌ عنِ ابنِ شِهابٍ أَخْبرنِي سَعِيدُ ابنُ المُسَيَّبِ أنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ بُعِثْتُ بِجَوامعِ الكَلِم، ونُصِرْتُ بالرُّعْبِ، وبَيْنا أَنا نائِمٌ أُتِيتُ بِمَفاتِيحِ خَزَائِنِ الأرْضِ، فَوُضِعَتْ فِي يَدَي.
قَالَ مُحَمَّد: وبَلَغَني أنَّ جَوامِعَ الكَلَمِ: أنَّ الله يَجْمَعُ الأُمُورَ الكَثِيرَةَ الَّتي كانَتْ تُكْتَبُ فِي الكُتُبِ قَبْلَهُ فِي الأمْرِ الواحِدِ، والأمْرَيْنِ أوْ نَحْوِ ذَلِكَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: أتيت بمفاتيح خَزَائِن الأَرْض
وَرِجَاله قد مروا تَقْرِيبًا وبعيداً. والْحَدِيث مضى فِي الْجِهَاد عَن يحيى بن بكير وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: قَالَ مُحَمَّد ويروى: قَالَ أَبُو عبد الله. قلت: قَالَ مُحَمَّد رِوَايَة كَرِيمَة، وَقَوله: أَبُو عبد الله رِوَايَة أبي ذَر، قيل: هُوَ البُخَارِيّ لِأَن اسْمه مُحَمَّد وكنيته أَبُو عبد الله، وَقَالَ بَعضهم: الَّذِي يظْهر أَن الصَّوَاب مَا عِنْد كَرِيمَة فَإِن هَذَا الْكَلَام ثَبت عَن الزُّهْرِيّ واسْمه مُحَمَّد بن مُسلم وَقد سَاقه البُخَارِيّ هُنَا من طَرِيقه فيبعد أَن يَأْخُذ كَلَامه فينسبه لنَفسِهِ. انْتهى. قلت: سبق بِهَذَا الْكَلَام صَاحب التَّوْضِيح وَلَا يَخْلُو عَن تَأمل. قَوْله: يجمع الْأُمُور الْكَثِيرَة الخ قَالَ الْهَرَوِيّ: يَعْنِي الْقُرْآن.
23 - (بابُ التَّعْلِيقِ بالعُرْوَةِ والحَلْقَةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان من رأى فِي مَنَامه أَنه يتَعَلَّق بالعروة أَو بالحلقة. وَقَالَ أهل التَّعْبِير: الْحلقَة والعروة المجهولة تدل لمن تمسك بهَا على قوته فِي دينه وإخلاصه فِيهِ.
7014 - حدّثنا عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ، حدّثنا أزْهَرُ، عنِ ابنِ عَوْنٍ. وحَدثني خَلِيفَةُ، حدّثنا مُعاذٌ، حدّثنا ابنُ عَوْنٍ، عنْ مُحَمَّدٍ، حدّثنا قَيْسُ بنُ عُبَادٍ، عنْ عَبْدِ الله بنِ سَلامٍ قَالَ: رَأيْتُ كأنِّي فِي رَوْضَةٍ، وَسْطَ الرَّوْضَةِ عَمُودٌ، فِي أعْلاى العَمُودِ عُرْوَةٌ، فَقِيلَ لِي: ارْقَهْ. قُلْتُ: لَا أسْتَطِيعُ، فأتانِي وَصِيفٌ فَرَفَعَ ثِيابِي فَرَقِيتُ فاسْتَمْسَكْتُ بِالعُرْوَةِ، فانْتَبَهْتُ وَأَنا مُسْتَمْسِكٌ بِها، فَقَصَصْتها عَلى النبيّ(24/151)
ِ فَقَالَ: تِلْكَ الرَّوْضَةُ رَوْضَةُ الإسْلامِ وذالِكَ العَمُودُ عَمُودُ الإسْلام، وتِلْكَ العُرْوَةُ عُرْوَةُ الوُثّقَى، لَا تَزالُ مُسْتَمْسِكاً بالإسْلامِ حتَّى تَمُوتَ
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: فاستمسكت بالعروة وَهُوَ الحَدِيث الَّذِي مر عَن قريب فِي: بَاب الْخضر فِي الْمَنَام وَالرَّوْضَة الخضراء، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
وَأخرجه هُنَا من طَرِيقين الأول: عَن عبد الله بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بالمسندي عَن أَزْهَر بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الزَّاي ابْن سعد السمان الْبَصْرِيّ عَن عبد الله بن عون عَن مُحَمَّد بن سِيرِين عَن قيس بن عباد وَالثَّانِي: عَن خَليفَة بن خياط بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف عَن معَاذ بن معَاذ بِضَم الْمِيم فيهمَا التَّمِيمِي عَن عبد الله بن عون عَن مُحَمَّد بن سِيرِين عَن قيس بن عباد الخ.
قَوْله: حَدثنِي ويروى: حَدثنَا. قَوْله: ارقه إِلَهًا فِيهِ هَاء السكت. قَوْله: وصيف بِفَتْح الْوَاو وَهُوَ الْخَادِم. قَوْله: وَأَنا مستمسك بهَا قيل: كَيفَ كَانَت العروة بعد الانتباه فِي يَده؟ وَأجِيب: يَعْنِي انْتَبَهت حَال الاستمساك حَقِيقَة بعده لشمُول قدرَة الله عز وَجل لَهُ.
24 - (بابُ عَمُودِ الفُسْطاطِ تَحْتَ وسادَتِهِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر من رأى فِي مَنَامه عَمُود الْفسْطَاط تَحت وسادته، والعمود مَعْرُوف وَجمعه أعمدة وَعمد بِضَمَّتَيْنِ وبفتحتين وَهُوَ مَا ترفع بِهِ الأخبية من الْخشب، والعمود يُطلق أَيْضا على مَا يرفع بِهِ الْبيُوت من حِجَارَة كالرخام والصوان وَيُطلق أَيْضا على مَا يعْتَمد عَلَيْهِ من حَدِيد أَو غَيره، وعمود الصُّبْح ابْتِدَاء ضوئه. والفسطاط بِضَم الْفَاء وبكسرها وبالطاء الْمُهْملَة مكررة هُوَ الْخَيْمَة الْعَظِيمَة، وَقَالَ الْكرْمَانِي: هُوَ السرادق، وَيُقَال لَهُ: الفستات والفستاط والفساط، وَقَالَ الجوالقي: هُوَ فَارسي مُعرب. قَوْله: تَحت وسادته وَفِي رِوَايَة النَّسَفِيّ: عِنْد وسادته، وَهِي بِكَسْر الْوَاو المخدة، وَهَذِه التَّرْجَمَة لَيْسَ فِيهَا حَدِيث وَبعده: بَاب الاستبرق وَدخُول الْجنَّة فِي الْمَنَام، وَهَكَذَا عِنْد الْجَمِيع إلاَّ أَنه سقط لفظ: بَاب، عِنْد النَّسَفِيّ والإسماعيلي وَأما ابْن بطال فَإِنَّهُ جمع الترجمتين فِي بَاب وَاحِد فَقَالَ: بَاب عَمُود الْفسْطَاط تَحت وسادته وَدخُول الْجنَّة فِي الْمَنَام، وَفِيه حَدِيث ابْن عمر الْآتِي: وَقَالَ ابْن بطال: سَأَلت الْمُهلب: كَيفَ ترْجم البُخَارِيّ بِهَذَا الْبَاب وَلم يذكر فِيهِ حَدِيثا؟ فَقَالَ: لَعَلَّه رأى حَدِيث ابْن عمر أكمل إِذْ فِيهِ أَن السّرقَة كَانَت مَضْرُوبَة فِي الأَرْض على عَمُود كالخباء وَأَن ابْن عمر اقتلعها فوضعها تَحت وسادته، وَقَامَ هُوَ بِالسَّرقَةِ بمسكها وَهِي كالهودج من استبرق فَلَا يرى موضعا من الْجنَّة إلاَّ طَار إِلَيْهِ، وَلما لم يكن هَذَا بِسَنَدِهِ لم يذكرهُ لكنه ترْجم بِهِ ليدل على أَن ذَلِك مَرْوِيّ أَو ليبين سَنَده فيلحقه بهَا، فأعجلته الْمنية عَن تَهْذِيب كِتَابه. وَالله أعلم.
25 - (بابُ الاسْتَبْرَقِ ودُخُولِ الجَنَّةِ فِي المَنامِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان رُؤْيَة الاستبرق، وَهُوَ الغليظ من الديباج وَهُوَ فَارسي معرف بِزِيَادَة الْقَاف، وَقد يعبر الْحَرِير فِي الْمَنَام بالشرف فِي الدّين وَالْعلم لِأَن الْحَرِير من أشرف ملابس الدُّنْيَا، وَكَذَلِكَ الْعلم بِالدّينِ أشرف الْعُلُوم. قَوْله: وَدخُول الْجنَّة فِي الْمَنَام عطف على الاستبرق أَي: وَفِي بَيَان رُؤْيَة الدُّخُول فِي الْجنَّة فِي الْمَنَام ورؤية دُخُول الْجنَّة فِي الْمَنَام تدل على دُخُولهَا فِي الْيَقَظَة، ويعبر أَيْضا بِالدُّخُولِ فِي الْإِسْلَام الَّذِي هُوَ سَبَب لدُخُول الْجنَّة.
7015 - حدّثنا مُعَلَّى بنُ أسَدٍ، حدّثنا وُهَيْبٌ، عنْ أيُّوبَ، عنْ نافِعٍ، عنِ ابنِ عُمَرَ، رَضِي الله عَنْهُمَا، قَالَ: رَأيْتُ فِي المَنامِ كأنَّ فِي يَدِي سَرَقَةَ مِنْ حَرِير لَا أهْوِي بِها إِلَى مَكانٍ فِي الجَنةِ، إلاّ طارَتْ بِي إلَيْهِ.
7016 - فَقصَصْتُها عَلى حَفْصَةَ، فَقَصَّتْها حَفْصَةُ عَلى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: إنَّ أخاكِ رَجُلٌ صالِحٌ أوْ قَالَ: إنَّ عَبْدَ الله رَجُلٌ صالِحٌ(24/152)
مطابقته للجزء الأول للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: رَأَيْت فِي الْمَنَام كَأَن فِي يَدي سَرقَة من حَرِير وَتُؤْخَذ للجزء الثَّانِي من قَوْله: لَا أهوي بهَا إِلَى مَكَان فِي الْجنَّة إلاَّ طارت بِي إِلَيْهِ فَإِن قلت: لَيْسَ فِيهِ مَا يُطَابق الْجُزْء الأول من التَّرْجَمَة فَإِنَّهَا لفظ: الإستبرق، وَلَيْسَ فِيهِ. قلت: قد مر أَن السّرقَة قِطْعَة من الْحَرِير. وَقيل شقة مِنْهُ الإستبرق أَيْضا نوع من الْحَرِير.
وَشَيخ البُخَارِيّ مُعلى بِضَم الْمِيم وَفتح الْعين الْمُهْملَة وَتَشْديد اللَّام الْمَفْتُوحَة ابْن أَسد الْعمي أَبُو الْهَيْثَم الْبَصْرِيّ أَخُو بهز بن أَسد، ووهيب مصغر وهب ابْن خَالِد الْبَصْرِيّ، وَأَيوب هُوَ السّخْتِيَانِيّ، وَنَافِع يروي عَن مَوْلَاهُ عبد الله بن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا.
والْحَدِيث مضى فِي صَلَاة اللَّيْل عَن أبي النُّعْمَان عَن حَمَّاد، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: أهوي بهَا بِضَم الْهمزَة من الإهواء وثلاثيه: هوى أَي: سقط، وَقَالَ الْأَصْمَعِي: أهويت بالشَّيْء إِذا رميت بِهِ، وَيُقَال: أهويت لَهُ بِالسَّيْفِ. قَوْله: إلاَّ طارت بِي إِلَيْهِ طيران السّرقَة قُوَّة يرزقه الله تَعَالَى على التَّمَكُّن من الْجنَّة حَيْثُ يَشَاء.
قَوْله: أَو إِن عبد الله شكّ من الرَّاوِي، وَوَقع فِي رِوَايَة حَمَّاد عِنْد مُسلم: إِن عبد الله رجل صَالح. بِالْجَزْمِ، وَزَاد الْكشميهني فِي رِوَايَته عَن الْفربرِي: لَو كَانَ يُصَلِّي من اللَّيْل، وَوَقع فِي رِوَايَة عبيد الله بن عمر عَن نَافِع عَن ابْن عمر قَالَ: نعم الْفَتى، أَو قَالَ: نعم الرجل ابْن عمر، كَانَ يُصَلِّي من اللَّيْل، رَوَاهُ مُسلم.
26 - (بابُ القَيْدِ فِي المنامِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان من رأى أَنه مُقَيّد فِي الْمَنَام، وَلم يذكر مَا يكون تَعْبِيره اكْتِفَاء بِمَا ذكر فِي الحَدِيث.
7017 - حدّثنا عَبْدُ الله بنُ صَبَّاحِ، حدّثنا مُعْتَمِرٌ قَالَ: سَمِعْتُ عَوْفاً حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ سِيرِينَ أنّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رسولُ الله إِذا اقْتَرَبَ الزَّمانُ لَمْ تَكَدْ تَكْذِبُ رُؤْيا المُؤْمِنِ، ورُؤْيا المُؤْمِنِ، جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وأرْبَعِينَ جُزْءاً مِنَ النُّبُوَّةِ، وَمَا كَانَ مِنَ النُّبُوَّةِ فإنّهُ لَا يَكْذِبُ
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَأَنا أقولُ هاذِهِ، قَالَ: وَكَانَ يُقالُ: الرُّؤْيا ثَلاثٌ: حَديثُ النَّفْسِ، وتَخْوِيفُ الشَّيْطانِ، وبُشْراى مِنَ الله، فَمَنْ رأى شَيْئاً يَكْرَهُهُ فَلا يَقُصُّهُ عَلى أحَدٍ، ولْيَقُمْ فَلْيُصَلِّ، قَالَ: وَكَانَ يَكْرَهُ الغُلَّ فِي النَّومِ، وَكَانَ يُعْجِبُهُم القَيْد، ويُقالُ: القَيْدُ ثَباتٌ فِي الدِّينِ.
انْظُر الحَدِيث 6988
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: وَكَانَ يعجبهم الْقَيْد الخ.
وَعبد الله بن الصَّباح بتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة الْعَطَّار الْبَصْرِيّ، ومعتمر بن سُلَيْمَان، وعَوْف الْأَعرَابِي والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: إِذا اقْترب الزَّمَان لم تكد تكذب رُؤْيا الْمُؤمن هَكَذَا فِي رِوَايَة أبي ذَر عَن غير الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: إِذا اقْترب الزَّمَان لم تكد رُؤْيا الْمُؤمن تكذب، وَقَالَ الْخطابِيّ: فِيهِ قَولَانِ: أَحدهمَا: أَن الْمَعْنى إِذا تقَارب زمَان اللَّيْل وزمان النَّهَار وَهُوَ وَقت استوائهما أَيَّام الرّبيع، وَذَلِكَ وَقت اعْتِدَال الطبائع الْأَرْبَع غَالِبا. وَالثَّانِي: أَن المُرَاد من اقتراب الزَّمَان انْتِهَاء مدَّته إِذا دنا قيام السَّاعَة. وَقَالَ ابْن بطال: الصَّوَاب هُوَ الثَّانِي، وَقَالَ الدَّاودِيّ: المُرَاد بتقارب الزَّمَان نقص السَّاعَات وَالْأَيَّام والليالي، وَمرَاده بِالنَّقْصِ سرعَة مرورها وَذَلِكَ قرب قيام السَّاعَة. وَقيل: معنى كَون رُؤْيا الْمُؤمن فِي آخر الزَّمَان لَا تكَاد تكذب أَنَّهَا تقع غَالِبا على الْوَجْه المرئي لَا تحْتَاج إِلَى التَّعْبِير فَلَا يدخلهَا الْكَذِب، وَالْحكمَة فِي اخْتِصَاص ذَلِك بآخر الزَّمَان أَن الْمُؤمن فِي ذَلِك الْوَقْت يكون غَرِيبا كَمَا فِي الحَدِيث: بَدَأَ الْإِسْلَام غَرِيبا وَسَيَعُودُ غَرِيبا أخرجه مُسلم، فيقل أنس الْمُؤمن ومعينه فِي ذَلِك الْوَقْت فيكرم بالرؤيا الصادقة، وَقيل: المُرَاد بِالزَّمَانِ الْمَذْكُور زمَان الْمهْدي عِنْد بسط الْعدْل وَكَثْرَة الْأَمْن وَبسط الْخَيْر والرزق، وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: المُرَاد وَالله أعلم بآخر الزَّمَان الْمَذْكُور فِي هَذَا الحَدِيث زمَان الطَّائِفَة الْبَاقِيَة مَعَ عِيسَى ابْن مَرْيَم، صلوَات الله عَلَيْهِمَا وَسَلَامه، بعد قَتله الدَّجَّال. قَوْله: ورؤيا الْمُؤمن جُزْء ... الحَدِيث، مَعْطُوف على جملَة الحَدِيث قبله، وَهَذَا: إِذا اقْترب الزَّمَان ... الحَدِيث، فَهُوَ مَرْفُوع أَيْضا، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ عَن قريب.
قَوْله: قَالَ مُحَمَّد هُوَ ابْن سِيرِين. قَوْله: وَأَنا أَقُول هَذِه إِشَارَة إِلَى الْجُمْلَة(24/153)
الْمَذْكُورَة. وَقَالَ الْكرْمَانِي: هَذِه أَي الْمقَالة. وَقَوله: وَأَنا أَقُول هَذِه كَذَا هُوَ فِي رِوَايَة أبي ذَر وَفِي جَمِيع الطّرق، وَوَقع فِي شرح ابْن بطال وَأَنا أَقُول هَذِه الْأمة، وَذكره عِيَاض كَذَلِك، وَقَالَ: خشِي ابْن سِيرِين أَن يتَأَوَّل أحد معنى قَوْله: وأصدقهم رُؤْيا أصدقهم حَدِيثا، أَنه إِذا تقَارب الزَّمَان لم يصدق إلاّ رُؤْيا الرجل الصَّالح، وَأَنا أَقُول هَذِه الْأمة يَعْنِي: أَن رُؤْيا هَذِه الْأمة صَادِقَة كلهَا صالحها وفاجرها ليَكُون صدق رؤياهم زجرا لَهُم وَحجَّة عَلَيْهِم لدروس أَعْلَام الدّين وطموس آثاره بِمَوْت الْعلمَاء وَظُهُور الْمُنكر. انْتهى. وَقَالَ بَعضهم: وَهَذَا مُرَتّب على ثُبُوت هَذِه الزِّيَادَة وَهِي لفظ: الْأمة، وَلم أَجدهَا فِي شَيْء من الْأُصُول. انْتهى. قلت: عدم وجدانه ذَلِك لَا يسْتَلْزم عدم وجدانه عِنْد غَيره. قَوْله: قَالَ: وَكَانَ يُقَال: الرُّؤْيَا ثَلَاث ... الخ. أَي قَالَ مُحَمَّد بن سِيرِين: الرُّؤْيَا على ثَلَاثَة أَقسَام، وَلم يعين ابْن سِيرِين الْقَائِل بِهَذَا من هُوَ. قَالُوا: هُوَ أَبُو هُرَيْرَة وَقد رَفعه بعض الروَاة وَوَقفه آخَرُونَ، وَقد أخرجه أَحْمد عَن هَوْذَة بن خَليفَة عَن عَوْف بِسَنَدِهِ مَرْفُوعا: الرُّؤْيَا ثَلَاث ... الحَدِيث مثله. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ من طَرِيق سعيد بن أبي عرُوبَة عَن قَتَادَة عَن ابْن سِيرِين عَن أبي هُرَيْرَة. قَالَ: قَالَ رَسُول الله الرُّؤْيَا ثَلَاث: فرؤيا حق، ورؤيا يحدث بهَا الرجل نَفسه، ورؤيا تخويف من الشَّيْطَان وَأخرجه مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ من طَرِيق عبد الْوَهَّاب الثَّقَفِيّ عَن أَيُّوب عَن مُحَمَّد بن سِيرِين مَرْفُوعا أَيْضا بِلَفْظ: الرُّؤْيَا ثَلَاث فالرؤيا الصَّالِحَة بشرى من الله، وَالْبَاقِي نَحوه. قَوْله: حَدِيث النَّفس أَي: أَولهَا حَدِيث النَّفس وَهُوَ مَا كَانَ فِي الْيَقَظَة فِي خيال الشَّخْص فَيرى مَا يتَعَلَّق بِهِ عِنْد الْمَنَام. قَوْله: وتخويف الشَّيْطَان وَهُوَ الْحلم أَي: المكروهات مِنْهُ. قَوْله: وبشرى أَي: الثَّالِث بشرى من الله. أَي: الْمُبَشِّرَات وَهِي المحبوبات. وَوَقع فِي حَدِيث عَوْف بن مَالك عِنْد ابْن مَاجَه بِسَنَد حسن رَفعه: الرُّؤْيَا ثَلَاث: مِنْهَا أهاويل من الشَّيْطَان ليحزن ابْن آدم، وَمِنْهَا مَا بهم بِهِ الرجل فِي يقظته فيراه فِي مَنَامه وَمِنْهَا جُزْء من سِتَّة وَأَرْبَعين جُزْءا من النُّبُوَّة، قيل: لَيْسَ الْحصْر مرَادا من قَوْله: ثَلَاث، لثُبُوت أَرْبَعَة أَنْوَاع أُخْرَى الأول: حَدِيث النَّفس وَهُوَ فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة فِي الْبَاب. الثَّانِي: تلاعب الشَّيْطَان، وَقد ثَبت عِنْد مُسلم من حَدِيث جَابر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِي فَقَالَ: يَا رَسُول الله رَأَيْت فِي الْمَنَام كَانَ رَأْسِي قطع فَأَنا أتبعه، وَفِي لفظ: فتدحرج فاشتددت فِي إثره، فَقَالَ: لَا تخبر بتلاعب الشَّيْطَان بك فِي الْمَنَام، وَفِي رِوَايَة لَهُ: إِذا لعب الشَّيْطَان بأحدكم فِي مَنَامه فَلَا يخبر بِهِ النَّاس وَالثَّالِث: رُؤْيا مَا يعتاده الرَّائِي فِي الْيَقَظَة كمن كَانَت عَادَته أَن يَأْكُل فِي وَقت فَنَامَ فِيهِ فَرَأى أَنه يَأْكُل، أَو بَات طافحاً من أكل أَو شرب فَرَأى أَنه يتقيأ، وَبَينه وَبَين حَدِيث النَّفس عُمُوم وخصوص. الرَّابِع: الأضغاث. قَوْله: قَالَ: وَكَانَ يكره أَي: قَالَ ابْن سِيرِين: كَانَ أَبُو هُرَيْرَة يكره الغل فِي النّوم، لِأَنَّهُ من صِفَات أهل النَّار لقَوْله تَعَالَى: {إِذِ الاَْغْلَالُ فِى أَعْنَاقِهِمْ والسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ} الْآيَة، وَقد تدل على الْكفْر وَقد تدل على امْرَأَة تؤذي، يَعْنِي يعبر بهَا. والغل بِضَم الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَتَشْديد اللَّام هُوَ الْحَدِيد الَّذِي يَجْعَل فِي الْعُنُق، وَقَالُوا: إِن انْضَمَّ الغل إِلَى الْقَيْد يدل على زِيَادَة الْمَكْرُوه، وَإِذ جعل الغل فِي الْيَدَيْنِ حمد لِأَنَّهُ كف لَهما عَن الشَّرّ، وَقد يدل الغل على الْبُخْل بِحَسب الْحَال، وَقَالُوا أَيْضا: إِن رأى أَن يَدَيْهِ مغلولتان فَإِنَّهُ بخيل، وَإِن رأى أَنه قيد وغل فَإِنَّهُ يَقع فِي سجن أَو شدَّة. وَقَالَ الْكرْمَانِي: اخْتلفُوا فِي قَوْله: وَكَانَ يُقَال إِلَى قَوْله: فِي الدّين فَقَالَ بَعضهم: كُله كَلَام الرَّسُول وَقيل: كُله كَلَام ابْن سِيرِين، وَقيل: الْقَيْد ثبات فِي الدّين هُوَ كَلَام رَسُول الله وَقيل: وَكَانَ يكره، فَاعله رَسُول الله وَهُوَ كَلَام أبي هُرَيْرَة. انْتهى. قلت: أَخذ الْكرْمَانِي هَذَا من كَلَام الطَّيِّبِيّ. قَوْله: وَكَانَ يعجبهم كَذَا ثَبت هُنَا بِلَفْظ الْجمع والإفراد فِي: يكره، ونقول: وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: ضمير الْجمع لأهل التَّعْبِير، وَكَذَا قَوْله: وَكَانَ يُقَال: الْقَيْد ثبات فِي الدّين قَالَ الْمُهلب: رُوِيَ عَن رَسُول الله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسلم: الْقَيْد ثبات فِي الدّين، من رِوَايَة قَتَادَة وَيُونُس وَآخَرين، وَتَفْسِير ذَلِك أَنه يمْنَع الْخَطَايَا ويقيد عَنْهَا، وروى ابْن مَاجَه من حَدِيث وَكِيع عَن أبي بكر الْهُذلِيّ عَن ابْن سِيرِين، فَذكر قصَّة الْقَيْد مَرْفُوعَة.(24/154)
وروى قَتادَةُ ويُونُسُ وهشامٌ وأبُو هِلالٍ عَن ابْن سِيرينَ عنْ أبي هُرَيْرَةَ عَن النبيِّ وأدْرَجَهُ بَعْضُهُمْ كُلِّهُ فِي الحديثِ وحَدِيثُ عَوْفٍ أبْيَنُ، وَقَالَ يُونُسُ: لَا أحْسِبُهُ إلاّ عَن النبيِّ فِي القَيْدِ.
أَي روى أصل الحَدِيث قَتَادَة بن دعامة وَيُونُس بن عبيد أحد أَئِمَّة الْبَصْرَة وَهِشَام بن حسان الْأَزْدِيّ وَأَبُو هِلَال مُحَمَّد بن سليم بِالضَّمِّ الرَّاسِبِي وَقَالَ الْكرْمَانِي: لم يسْبق ذكره كل هَؤُلَاءِ رَوَوْهُ عَن مُحَمَّد بن سِيرِين عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي قَوْله: وأدرجه بَعضهم كُله أَي كل الْمَذْكُور من لفظ: الرُّؤْيَا ثَلَاث ... إِلَى: فِي الدّين، أَي جعله كُله مَرْفُوعا، وَالْمرَاد بِهِ رِوَايَة هِشَام بن أبي عبد الله الدستوَائي عَن قَتَادَة، وَقَالَ مُسلم: حَدثنَا إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم حَدثنَا معَاذ حَدثنِي أبي عَن قَتَادَة عَن مُحَمَّد بن سِيرِين عَن أبي هُرَيْرَة عَن رَسُول الله وأدرجه فِي الحَدِيث. قَوْله: وأكره الغل ... الخ، وَلم يذكر: الرُّؤْيَا جُزْء من سِتَّة وَأَرْبَعين جُزْءا من النُّبُوَّة. قَوْله: وَحَدِيث عَوْف أبين أَي: وَحَدِيث عَوْف الْأَعرَابِي أظهر حَيْثُ فصل الْمَرْفُوع عَن الْمَوْقُوف، وَقَالَ الْكرْمَانِي: أبين أَي فِي أَن لَا يكون ذَلِك من الحَدِيث. قَوْله: وَقَالَ يُونُس: لَا أَحْسبهُ. . أَي: لَا أَحسب الَّذِي أدرجه بَعضهم إلاَّ عَن النَّبِي فِي الْقَيْد، يَعْنِي: أَنه شكّ فِي رَفعه.
وَقَالَ أبُو عَبْدِ الله: لَا تَكُونُ الأغْلالُ إلاّ فِي الأعْناقِ.
أَبُو عبد الله هُوَ البُخَارِيّ نَفسه، وَأَشَارَ بِهَذَا الْكَلَام إِلَى رد قَول من قَالَ: قد يكون الغل فِي غير الْعُنُق كَالْيَدِ وَالرجل، وَلَكِن لَا ينْهض هَذَا الرَّد لما قَالَ أَبُو عَليّ القالي: الغل مَا يرْبط بِهِ الْيَد، وَقَالَ ابْن سَيّده: الغل خَاصَّة تجْعَل فِي الْعُنُق أَو الْيَد، وَالْجمع أغلال وَيَد مغلولة جعلت فِي الغل قَالَ تَعَالَى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَآءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُم مَّآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَآءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَآ أَوْقَدُواْ نَاراً لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِى الاَْرْضِ فَسَاداً وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ}
27 - (بابُ العَيْنِ الجَارِيَةِ فِي المَنامِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان رُؤْيَة الْعين الْجَارِيَة فِي الْمَنَام، وَقَالَ الْمُهلب: الْعين الْجَارِيَة تحْتَمل وُجُوهًا فَإِن كَانَ مَاؤُهَا صافياً عبرت بِالْعَمَلِ الصَّالح وإلاَّ فَلَا، وَقيل: الْعين الْجَارِيَة عمل جَار من صَدَقَة أَو مَعْرُوف لحي أَو ميت، وَقيل: عين المَاء نعْمَة وبركة وَخير وبلوغ أُمْنِية إِن كَانَ صَاحبهَا مَسْتُورا، وَإِن كَانَ غير عفيف أَصَابَته مُصِيبَة يبكي لَهَا أهل دَاره.
7018 - حدّثنا عَبْدانُ، أخبرنَا عَبْدُ الله، أخبرنَا مَعْمَرٌ، عنِ الزُّهْرِيِّ، عنْ خارِجَةَ بن زَيْد بنِ ثَابِتٍ عنْ أُمِّ العَلاءِ وهْيَ امْرأةٌ مِنْ نِسائِهِم بايَعَتْ رسُولَ الله قالَتْ: طارَ لَنا عُثْمانُ بنُ مَظْعونٍ فِي السُّكْنَى حِينَ اقْتَرَعَتِ الأنْصارُ عَلى سُكْنَى المُهاجِرِين، فاشْتَكَى فَمَرَّضْناهُ حتّى تُوُفِّيَ، ثُمَّ جَعَلْناهُ فِي أثْوابِهِ، فَدَخَلَ عَلَيْنا رسولُ الله فَقُلْتُ رَحَمَةُ الله عَلَيْكَ أَبَا السَّائِبِ فَشَهادَتِي عَلَيْكَ لَقَدْ أكْرَمَكَ الله. قَالَ: وَمَا يُدْرِيكِ؟ قُلْتُ لَا أدْرِي، وَالله. قَالَ: أمَّا هُوَ فَقَدْ جاءَهُ اليَقِينَ، إنِّي لأرْجُو لهُ الخَيْرَ مِنَ الله، وَالله مَا أدْرِي وَأَنا رسولُ الله مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ قَالَتْ أُمُّ العَلاءِ فَوالله لَا أُزَكِّي أحَداً بَعْدَهُ. قالَتْ: ورَأيْتُ لِعْثْمانَ فِي النَّوْمِ عَيْناً تَجْرِي، فَجِئْتُ رسولَ الله فَذَكَرْتُ ذالِكَ لهُ فَقَالَ: ذاكِ عَمَلُهُ يَجْرِي لهُ
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: وَرَأَيْت لعُثْمَان فِي النّوم إِلَى آخِره.
وعبدان لقب عبد الله بن عُثْمَان الْمروزِي، وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك الْمروزِي.
والْحَدِيث قد مضى فِي: بَاب رُؤْيا النِّسَاء، وَمضى الْكَلَام فِيهِ. وَأم الْعَلَاء وَالِدَة خَارِجَة بن زيد الرَّاوِي عَنْهَا هُنَا وَاسْمهَا كنيتها.
قَوْله: وَهِي امْرَأَة من نِسَائِهِم أَي: من الْأَنْصَار، وَهُوَ من كَلَام الزُّهْرِيّ الرَّاوِي عَن خَارِجَة.
قَوْله طَار لنا(24/155)
يَعْنِي: وَقع لنا فِي سهمنا. قَوْله: حِين اقترعت وَفِي رِوَايَة أبي ذَر عَن غير الْكشميهني: حِين أقرعت، بِحَذْف التَّاء. قَوْله: فاشتكى أَي: مرض. قَوْله: فمرضناه بتَشْديد الرَّاء أَي: قمنا بأَمْره فِي مَرضه. قَوْله: حَتَّى توفّي كَانَت وَفَاته فِي شعْبَان سنة ثَلَاث من الْهِجْرَة. قَوْله: ذَاك عمله يجْرِي لَهُ يَعْنِي: شَيْء من عمله بَقِي لَهُ ثَوَابه جَارِيا كالصدقة، وَأنكر صَاحب التَّلْوِيح أَن يكون لَهُ شَيْء من الْأُمُور الثَّلَاثَة الَّتِي ذكرهَا مُسلم من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَفعه: إِذا مَاتَ ابْن آدم انْقَطع عمله إلاَّ من ثَلَاث. . الحَدِيث، ورد عَلَيْهِ بِأَنَّهُ كَانَ لَهُ ولد صَالح شهد بَدْرًا وَمَا بعْدهَا وَهُوَ السَّائِب مَاتَ فِي خلَافَة أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَهُوَ أحد الثَّلَاثَة، وَقد كَانَ عُثْمَان من الْأَغْنِيَاء فَلَا يبعد أَن يكون لَهُ صَدَقَة استمرت بعد مَوته، فقد أخرج ابْن سعد من مُرْسل أبي بردة بن أبي مُوسَى، قَالَ: دخلت امْرَأَة عُثْمَان بن مَظْعُون على نسَاء النَّبِي فرأين هيئتها فَقُلْنَ: مَالك؟ فَمَا فِي قُرَيْش أغْنى من بعلك؟ فَقَالَت: أما ليله فقائم ... الحَدِيث.
28 - (بابُ نَزْعِ الماءِ مِنَ البِئْرِ حتَّى يَرْواى النَّاسُ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان من يرى أَنه ينْزع المَاء أَي: يسْتَخْرج المَاء من الْبِئْر حَتَّى يرْوى، بِفَتْح الْوَاو من روى يروي من بَاب علم يعلم. قَوْله: النَّاس، بِالرَّفْع فَاعله.
رواهُ أبُو هُرَيْرَةَ عَن النبيِّ
أَي: روى نزع المَاء من الْبِئْر أَبُو هُرَيْرَة، وَسَيَأْتِي مَوْصُولا فِي الْبَاب الثَّانِي.
7019 - حدّثنا يَعْقُوبُ بنُ إبْراهِيمَ بنِ كَثِيرٍ، حدّثنا شُعَيْبُ بنُ حَرْبٍ، حدّثنا صَخْرُ بنُ جُوَيْرِيَةَ، حدّثنا نافِعٌ أنَّ ابنَ عُمَرَ، رَضِي الله عَنْهُمَا، حَدَّثَهُ قَالَ: قَالَ رسولُ الله بَيْنا أَنا عَلَى بِئْرٍ أنْزِعُ مِنْها، إذْ جاءَنِي أبُو بَكْرٍ وعُمَرُ، فأخَذَ أبُو بَكْرٍ الدَّلْوَ فَنَزَعَ ذَنُوباً أوْ ذَنُوبَيْنِ وَفِي نَزْعِهِ ضَعْفٌ فَغَفَرَ الله لهُ، ثُمَّ أخَذَها ابنُ الخَطَّابِ مِنْ يَدِ أبي بَكْرٍ فاسْتَحَالَتْ فِي يَدِهِ غَرْباً، فَلَمْ أرَ عَبَقَرِيّاً مِنَ النَّاسِ يَفْرِي فَرِيَّهُ حتَّى ضَرَبَ النّاسُ بِعَطَنِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَيَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم بن كثير بالثاء الْمُثَلَّثَة الدَّوْرَقِي، وَشُعَيْب بن حَرْب الْمَدَائِنِي يكنى أَبَا صَالح، كَانَ أَصله من بَغْدَاد فسكن المداين فنسب إِلَيْهَا، ثمَّ انْتقل إِلَى مَكَّة فنزلها إِلَى أَن مَاتَ بهَا وَمَاله فِي البُخَارِيّ سوى هَذَا الحَدِيث، وصخر بِفَتْح الصَّاد الْمُهْملَة وَسُكُون الْخَاء الْمُعْجَمَة وبالراء ابْن جوَيْرِية مصغر جَارِيَة بِالْجِيم.
والْحَدِيث مضى فِي فَضَائِل أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، عَن أَحْمد بن سعيد.
قَوْله: بَينا قد ذكرنَا غير مرّة أَن أصل: بَينا، بَين فأشبعت فَتْحة النُّون فَصَارَت بَينا، وَيُقَال أَيْضا: بَيْنَمَا، ويضاف إِلَى جملَة. قَوْله: إِذْ جَاءَنِي جَوَابه، وَكلمَة: إِذْ، للمفاجأة. قَوْله: ذنوباً بِفَتْح الذَّال الْمُعْجَمَة وَهُوَ الدَّلْو الممتلىء. قَوْله: أَو ذنوبين شكّ من الرَّاوِي. قَوْله: وَفِي نَزعه ضعف بِفَتْح الضَّاد وَضمّهَا لُغَتَانِ. قَوْله: ثمَّ أَخذهَا ابْن الْخطاب أَي: ثمَّ أَخذ الدَّلْو عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَوْله: من يَد أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فِيهِ: إِشَارَة إِلَى أَن عمر ولي الْخلَافَة بِعَهْد من أبي بكر، بِخِلَاف أبي بكر فَإِن خِلَافَته لم تكن بِعَهْد صَرِيح من النَّبِي وَلَكِن وَقعت عدَّة إشارات إِلَى ذَلِك فِيهَا مَا يقرب من الصَّرِيح. قَوْله: فاستحالت أَي: تحولت فِي يَد عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَوْله: غرباً بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون الرَّاء وبالباء الْمُوَحدَة وَهُوَ الدَّلْو الْعَظِيمَة المتخذة من جُلُود الْبَقر فَإِذا فتحت الرَّاء فَهُوَ المَاء الَّذِي يسيل بَين الْبِئْر والحوض. قَوْله: عبقرياً بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الْقَاف وَهُوَ الْكَامِل الحاذق فِي عمله. قَوْله: يفري بِسُكُون الْفَاء وَكسر الرَّاء. قَوْله: فريه بِفَتْح الْفَاء وَكسر الرَّاء وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف أَي: يعْمل عمله جيدا صَالحا عجيباً. قَوْله: حَتَّى ضرب(24/156)
النَّاس بِعَطَن بِفَتْح الْمُهْمَلَتَيْنِ وَآخره نون وَهُوَ مَا يعد للشُّرْب حول الْبِئْر من مبارك الْإِبِل، والعطن لِلْإِبِلِ كالوطن للنَّاس لَكِن غلب على مبركها حول الْحَوْض. وَقَالَ ابْن الْأَثِير فِي حَدِيث: ضرب النَّاس بِعَطَن، أَي: رويت إبلهم حَتَّى بَركت وأقامت مَكَانهَا.
29 - (بابُ نَزْعِ الذَّنُوبِ والذَّنُوبِيْنِ مِنَ البِئْرِ بِضَعْفٍ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان نزع الذُّنُوب وَهُوَ الدَّلْو الممتلىء كَمَا ذَكرْنَاهُ الْآن. قَوْله: بِضعْف، أَي: مَعَ ضعف.
7020 - حدّثنا أحْمَدُ بنُ يُونُسَ، حدّثنا زُهَيْرٌ، حدّثنا مُوساى بنُ عُقْبَةَ، عنْ سالِمٍ، عنْ أبِيهِ عنْ رُؤيا النبيِّ فِي أبي بَكْرٍ وعُمَرَ قَالَ: رَأيْتُ النّاسَ اجْتَمَعُوا فقامَ أبُو بَكْرٍ فَنَزَعَ ذَنُوباً أوْ ذَنُوبَيْنِ، وَفِي نَزْعِهِ ضَعْفٌ(24/157)
وَالله يَغْفِرُ لَهُ، ثُمَّ قامَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ فاسْتَحَالَتْ غَرْباً، فَما رَأيْتُ مِنَ النّاسِ يَفْرِي فَرْيَهُ حتّى ضَرَبَ النَّاسُ بِعَطَنٍ
هَذَا الحَدِيث هُوَ الَّذِي مضى فِي الْبَاب السَّابِق غير أَنه أخرجه من طَرِيق آخر عَن أَحْمد بن يُونُس هُوَ أَحْمد بن عبد الله بن يُونُس الْكُوفِي عَن زُهَيْر بن مُعَاوِيَة الْجعْفِيّ عَن مُوسَى بن عقبَة عَن سَالم بن عبد الله عَن أَبِيه عبد الله بن عمر بن الْخطاب، وَقد مضى الْكَلَام فِيهِ.
7021 - حدّثنا سَعِيدُ بنُ عُفَيْرِ، حدّثني اللّيْثُ قَالَ: حدّثني عُقَيْلٌ عنِ ابنِ شِهابٍ أَخْبرنِي سَعِيدٌ أنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أخْبَرَهُ أنَّ رسولَ الله قَالَ: بَيْنما أَنا نائِمٌ رأيْتُنِي عَلَى قَلِيبٍ وعَلَيْها دَلْوٌ. فَنَزَعتُ مِنْها مَا شاءَ الله ثُمَّ أخَذَها ابنُ أبي قُحافَةَ، فَنَزَعَ مِنْها ذَنُوباً أوْ ذَنُوبَيْنِ وَفِي نَزْعِهِ ضَعْفٌ وَالله يَغْفِرُ لهُ، ثُمَّ اسْتَحالَتْ غرْباً فأخَذَها عُمَرُ بنُ الخَطّابِ فَلَمْ أرَ عَبْقَرِيّاً مِنَ النَّاسِ يَنْزِعُ نَزْعَ عُمَرَ بنِ الخَطّابِ، حتَّى ضَرَبَ الناسُ بِعَطَنٍ
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَهُوَ مثل حَدِيث ابْن عمر أخرجه عَن سعيد بن عفير عَن اللَّيْث بن سعد عَن عقيل بن خَالِد عَن مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ عَن سعيد بن الْمسيب.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن عبد الْملك بن شُعَيْب بن اللَّيْث بن سعد عَن أَبِيه عَن جده.
قَوْله: رَأَيْتنِي أَي: رَأَيْت نَفسِي. قَوْله: على قليب هُوَ الْبِئْر المقلوب ترابها قبل الطي. قَوْله: ابْن أبي قُحَافَة هُوَ أَبُو بكر الصّديق وَاسم أبي قُحَافَة: عبد الله بن عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَوْله: وَالله يغْفر لَهُ لَيْسَ لَهُ نقص فِيهِ وَلَا إِشَارَة إِلَى ذَنْب، وَإِنَّمَا هِيَ كلمة كَانُوا يدعمون بهَا كَلَامهم، ونعمت الدعامة، وَكَذَا لَيْسَ فِي قَوْله: وَفِي نَزعه ضعف حط من فضيلته وَإِنَّمَا هُوَ إِخْبَار عَن حَال ولايتهما، وَقد كثر انْتِفَاع النَّاس فِي ولَايَة عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، لطولها واتساع الْإِسْلَام والفتوحات وتمصير الْأَمْصَار.
30 - (بابُ الاسْتِرَاحَةِ فِي المَنامِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان أَمر الاسْتِرَاحَة فِي الْمَنَام، قَالَ أهل التَّعْبِير: إِن كَانَ المستريح مُسْتَلْقِيا على قَفاهُ فَإِنَّهُ يقوى أمره وَتَكون الدُّنْيَا تَحت يَده، لِأَن الأَرْض أقوى مَا يسْتَند إِلَيْهِ بِخِلَاف مَا إِذا كَانَ منبطحاً فَإِنَّهُ لَا يدْرِي مَا وَرَاءه.
7022 - حدّثنا إسْحاقُ بنُ إبْراهِيمَ، حدّثنا عبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عنْ هَمَّامٍ أنهُ سَمِع أَبَا هُرَيْرَةَ، رَضِي الله عَنهُ، يَقُولُ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَيْنَما أَنا نائِمٌ رأيْتُ إِنِّي على حَوْض أسْقِي النَّاسَ، فَأَتَانِي أبُو بَكْرِ فأخَذَ الدَّلْوَ مِنْ يَدِيَ لِيُرِيحَنِي، فَنَزَعَ ذُنُوباً أَو ذَنُوبَيْنِ وَفِي نَزْعِهِ ضَعْفٌ وَالله يَغْفِرُ لَهُ، فأتَى ابنُ الخَطَّابِ فأخَذَ مِنْهُ فَلَمْ يَزَلْ يَنْزِعُ حتَّى تَوَلّى النَّاسُ والحَوْضُ يَتَفَجَّرُ
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: ليريحني
وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم هُوَ الْمَعْرُوف بِابْن رَاهَوَيْه، وَيحْتَمل أَن يكون إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بن نصر السَّعْدِيّ، لِأَن كلّاً مِنْهُمَا يروي عَن عبد الرَّزَّاق، ومعمى بِفَتْح الميمين ابْن رَاشد، وَهَمَّام بتَشْديد الْمِيم الأولى ابْن مُنَبّه. والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: على حَوْض وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي والكشميهني: على حَوْضِي، بياء الْمُتَكَلّم وَقَالَ الْكرْمَانِي: قَوْله: على حَوْض فَإِن قلت سبق: على بِئْر وعَلى قليب. قلت: لَا مُنَافَاة. انْتهى. قلت: هَذَا لَيْسَ بِجَوَاب يُرْضِي سائله، بل الَّذِي يُقَال هُنَا كَأَنَّهُ كَانَ يمْلَأ من الْبِئْر فيسكب فِي الْحَوْض وَالنَّاس يتناولون المَاء لأَنْفُسِهِمْ ولبهائمهم. فَإِن قلت: مَا الْفرق بَين قَوْله: على حَوْض وَقَوله: على حَوْضِي؟ . قلت: على حَوْض أولى يَعْنِي: على حَوْض من الأحواض، وَأما: على حَوْضِي، بِالْيَاءِ فيراد بِهِ حَوْضه الَّذِي أعطَاهُ الله، عز وَجل وَذكره فِي الْقُرْآن. وَقيل: يحْتَمل أَن يكون لَهُ حَوْض فِي الدُّنْيَا لَا حَوْضه الَّذِي فِي الْآخِرَة. قَوْله: حَتَّى تولى النَّاس أَي: حَتَّى أعرض النَّاس، وَالْوَاو فِي: والحوض للْحَال. قَوْله: يتفجر أَي: يتدفق ويسيل.
31 - (بابُ القَصْرِ فِي المَنامِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان رُؤْيَة الْقصر أَو الدُّخُول فِي الْقصر فِي الْمَنَام، قَالَ أهل التَّعْبِير: الْقصر فِي الْمَنَام عمل صَالح لأهل الدّين ولغيرهم حبس وضيق، وَقد يعبر عَن دُخُول الْقصر بِالتَّزْوِيجِ.
7023 - حدّثنا سَعِيدُ بنُ عُفَيْرِ، حدّثني اللَّيْثُ حدّثني عُقَيْلٌ عنِ ابنِ شِهابٍ قَالَ: أَخْبرنِي سَعيدُ بنُ المُسَيَّبِ أنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: بَيْنا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ رسولِ الله قَالَ: بَيْنا أَنا نائِمٌ رأيْتُنِي فِي الجَنّةِ، فإذَا امْرأةٌ تَتَوضَّأُ إِلَى جانِبِ قَصْر، قُلْتُ: لِمِنْ هَذَا القَصْرُ قالُوا: لِعُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، فَذَكَرْتُ غَيْرَتَهُ فَوَلّيْتُ مُدْبِراً قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَبَكَى عُمَرُ بنُ الخَطّابِ ثمَّ قَالَ: أعَلَيْكَ بِأبي أنْتَ وأُمي يَا رسولَ الله أغارُ؟
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَرِجَاله قد ذكرُوا عَن قريب. والْحَدِيث مضى فِي صفة الْجنَّة وَفِي فَضَائِل عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، عَن سعيد بن أبي مَرْيَم.
قَوْله: فَإِذا امْرَأَة تتوضأ وَنقل عَن الْخطابِيّ وَابْن قُتَيْبَة أَن قَوْله: تتوضأ، تَصْحِيف وَالْأَصْل: فَإِذا امْرَأَة شوهاء، يَعْنِي حسناء، قَالَه ابْن قُتَيْبَة، قَالَ: وَالْوُضُوء لغَوِيّ وَلَا مَانع مِنْهُ. وَقَالَ الْكرْمَانِي: الْجنَّة لَيست دَار التَّكْلِيف فَمَا وَجه هَذَا الْوضُوء؟ ثمَّ أجَاب بقوله: لَا يكون على وَجه التَّكْلِيف، وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: إِنَّمَا تَوَضَّأت لتزداد حسنا ونوراً لَا أَنَّهَا تزيل وسخاً وَلَا قذراً إِذْ الْجنَّة منزهة عَن ذَلِك، وَقيل: يحْتَمل أَن يكون وضُوءًا حَقِيقَة وَلَا يمْنَع من ذَلِك كَون الْجنَّة لَيست دَار التَّكْلِيف لجَوَاز أَن يكون على غير وَجه التَّكْلِيف، وَقيل: كَانَت هَذِه الْمَرْأَة أم سليم وَكَانَت فِي قيد الْحَيَاة حينئذٍ فرآها النَّبِي فِي الْجنَّة إِلَى جَانب قصر عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَيكون تعبيرها أَنَّهَا من أهل الْجنَّة لقَوْل الْجُمْهُور من أهل التَّعْبِير: إِن من رأى أَنه دخل الْجنَّة فَإِنَّهُ يدخلهَا، فَكيف إِذا كَانَ الرَّائِي لذَلِك أصدق الْخلق؟ وَأما وضوؤها فيعبر بنظافتها حسا وَمعنى وطهارتها جسماً وَحكما، وَأما كَونهَا إِلَى قصر عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَفِيهِ إِشَارَة إِلَى أَنَّهَا تدْرك خِلَافَته، وَكَانَ كَذَلِك. قَوْله: أعليك بِأبي أَنْت وَأمي يَا رَسُول الله أغار؟ قيل: إِنَّه مقلوب لِأَن الْقيَاس أَن يَقُول: أعليها أغار مِنْك؟ وَقَالَ الْكرْمَانِي: لفظ: عَلَيْك، لَيْسَ مُتَعَلقا بأغار بل التَّقْدِير مستعلياً عَلَيْك أغار عَلَيْهَا. قَالَ: وَدَعوى الْقيَاس الْمَذْكُور مَمْنُوعَة إِذْ لَا يخرج إِلَى ارْتِكَاب الْقلب مَعَ وضوح الْمَعْنى بِدُونِهِ، وَيحْتَمل أَن يكون أطلق عَليّ، وَأَرَادَ: من، كَمَا قيل: إِن حُرُوف الْجَرّ تتناوب. قلت: يَجِيء: على، بِمَعْنى: من، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ} قَوْله: بِأبي أَنْت وَأمي جملَة مُعْتَرضَة أَي: أَنْت مفدًى بأبى وَأمي.(24/158)
7024 - حدّثنا عُمَرُ بنُ عَلِيَ، حدّثنا مُعْتَمِرُ بنُ سُلَيْمانَ، حدّثنا عُبَيْدُ الله بن عُمَرَ، عنْ مُحَمَّدٍ بنِ المُنْكَدِرِ، عنْ جابِرِ بنِ عَبْدِ الله قَالَ: قَالَ رسولُ الله دَخَلْتُ الجَنّةَ فإذَا أَنا بِقَصْرٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذَا؟ فَقَالُوا: لِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ، فَما مَنَعَني أنْ أدْخُلَهُ يَا ابنَ الخَطّابِ إلاّ مَا أعْلَمُ مِنْ غَيْرَتِكَ قَالَ: وعَلَيْكَ أغارُ يَا رسولَ الله؟ .
انْظُر الحَدِيث 3679 وطرفه
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعَمْرو بن عَليّ بن بَحر بن كثير أَبُو حَفْص الْبَاهِلِيّ الْبَصْرِيّ الصَّيْرَفِي وَهُوَ شيخ مُسلم أَيْضا، ومعتمر بن سُلَيْمَان بن طرخان الْبَصْرِيّ، وَعبيد الله بن عمر بن حَفْص بن عَاصِم بن عمر بن الْخطاب.
والْحَدِيث مضى فِي النِّكَاح عَن مُحَمَّد بن أبي بكر الْمقدمِي وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي المناقب عَن عَمْرو بن عَليّ بِهِ.
قَوْله: لرجل من قُرَيْش قيل: إِنَّه عرف من الرِّوَايَة الْأُخْرَى أَنه عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَالْأَحْسَن مَا قَالَه الْكرْمَانِي: علم النَّبِي أَنه عمر إِمَّا بالقرائن وَإِمَّا بِالْوَحْي.
32 - (بابُ الوُضُوءِ فِي المنامِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان رُؤْيَة الْوضُوء فِي الْمَنَام قَالَ أهل التَّعْبِير: رُؤْيَة الْوضُوء فِي الْمَنَام وَسِيلَة إِلَى سُلْطَان أَو عمل، فَإِن أتمه فِي النّوم حصل مُرَاده فِي الْيَقَظَة، وَإِن تعذر لعجز المَاء مثلا، أَو تَوَضَّأ بِمَا لَا يجوز الصَّلَاة بِهِ، فَلَا. وَالْوُضُوء للخائف أَمَان وَيدل على حُصُول الثَّوَاب وتكفير الْخَطَايَا.
7025 - حدّثني يَحْيى بنُ بُكَيْرٍ، حدّثنا اللَّيْثُ عنْ عُقَيْلٍ عنِ ابنِ شِهابٍ أَخْبرنِي سَعِيدُ بنُ المُسَيَّبِ أنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: بَيْنَما نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ رسولِ الله قَالَ: بَيْنَا أَنا نائِمٌ رَأيْتُنِي فِي الجَنّةِ، فَإِذا امْرأةٌ تَتَوضّأُ إِلَى جانِبِ قَصْرٍ، فَقُلْتُ: لِمَنْ هاذَا القَصْرُ؟ فَقالُوا: لِعُمَرَ، فَذَكَرْت غَيْرَتَهُ فَوَلّيْتُ مُدبِراً فَبَكَى عُمَرُ، وَقَالَ: عَليْكَ بِأبي أنْتَ وأُمِّي يَا رسُولَ الله أغارُ؟ .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله فَإِذا امْرَأَة تتوضأ. وَرِجَال هَذَا قد مروا عَن قريب، وَفِيمَا مضى أَيْضا مكرراً، والْحَدِيث مضى فِي الْبَاب السَّابِق غير أَنه هُنَاكَ: عَن جَابر، وَهنا: عَن أبي هُرَيْرَة، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
33 - (بابُ الطَّوَافِ بالكَعْبَةِ فِي المَنامِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان من رأى أَنه يطوف بِالْكَعْبَةِ فِي الْمَنَام، قَالَ أهل التَّعْبِير: الطّواف يدل على الْحَج وعَلى التَّزْوِيج وَحُصُول أَمر مَطْلُوب من الإِمَام وعَلى بر الْوَالِدين وعَلى خدمَة عَالم وَالدُّخُول فِي أَمر الإِمَام، فَإِن كَانَ الرَّائِي رَقِيقا دلّ على نصحه لسَيِّده.
7026 - حدّثنا أبُو اليَمانِ، أخبرنَا شُعَيْبٌ، عنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبرنِي سالِمُ بنُ عَبْدِ الله بنِ عُمَرَ: أنَّ عَبْدَ الله بنَ عُمَرَ، رَضِي الله عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رسولُ الله بَيْنما أَنا نائِمٌ رأيْتُنِي أطُوفُ بالكَعْبَةِ، فإذَا رَجُلٌ آدَمُ سَبِطُ الشَّعَرِ بَيْنَ رجلَيْنِ يَنْطُفُ رأْسُهُ مَاء، فَقلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قالُوا: ابنُ مَرْيَمَ، فَذَهَبْتُ ألْتَفِتُ فإذَا رجُلٌ أحْمَرُ جَسِيمٌ جَعْدُ الرَّأْسِ أعْوَرُ العَيْنِ اليُمْنَى، كأنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طافِيَةٌ، قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قالُوا: هَذَا الدَّجَّالُ، أقْرَبُ النَّاسِ بِهِ شَبَهاً ابْنُ قَطَنِ، وابنُ قَطَنٍ رجُلٌ مِنْ بَنِي المُصْطَلِق مِنْ خُزَاعَةَ
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: رَأَيْتنِي أَطُوف بِالْكَعْبَةِ
وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع. والْحَدِيث مضى فِي: بَاب رُؤْيا اللَّيْل، وَمضى أَيْضا فِي أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم السَّلَام فِي: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُواْ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ اللَّهِ وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} وَمضى الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى.
قَوْله: سبط الشّعْر(24/159)
بِسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة وَكسرهَا. قَوْله: ينطف بِضَم الطَّاء وَكسرهَا قَالَ الْمُهلب: النطف الصب وَكَانَ ينطف لِأَن تِلْكَ اللَّيْلَة كَانَت ماطرة، وَقَالَ الْكرْمَانِي: يحْتَمل أَن يكون ذَلِك أثر غسله بزمزم وَنَحْوه، أَو الْغَرَض مِنْهُ بَيَان لطافته ونظافته لَا حَقِيقَة النطف، وَقَالَ أَبُو الْقَاسِم الأندلسي: وصف عِيسَى، عَلَيْهِ السَّلَام، بالصورة الَّتِي خلقه الله عَلَيْهَا وَرَآهُ يطوف، وَهَذِه رُؤْيا حق لِأَن الشَّيْطَان لَا يتَمَثَّل فِي صُورَة الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام، وَلَا شكّ أَن عِيسَى فِي السَّمَاء وَهُوَ حَيّ وَيفْعل الله فِي خلقه مَا يَشَاء. وَقَالَ الْكرْمَانِي: مر فِي الْأَنْبِيَاء فِي: بَاب مَرْيَم، وَأما عِيسَى فأحمر جعد. قلت: ذَاك لَيْسَ فِي الطّواف بل فِي وَقت آخر، أَو يُرَاد بِهِ جعودة الْجِسْم أَي: اكتنازه. قَوْله: فَذَهَبت ألتفت ... إِلَى آخِره، قَالَ أَبُو الْقَاسِم الْمَذْكُور، وصف الدَّجَّال بصورته، قَالَ: وَدلّ هَذَا الحَدِيث على أَن الدَّجَّال يدْخل مَكَّة دون الْمَدِينَة لِأَن الْمَلَائِكَة الَّذين على أنقابها يمنعونه من دُخُولهَا. قَالَ صَاحب التَّوْضِيح أَنْكَرُوا ذَلِك وَقَالُوا: فِي هَذَا الدَّلِيل نظر، وَقَالَ الْكرْمَانِي: الدَّجَّال لَا يدْخل مَكَّة وَقت ظُهُور شوكته وَأَيْضًا لَا يدْخل فِي الْمُسْتَقْبل. قَوْله: ابْن قطن اسْمه عبد الْعُزَّى ابْن قطن بن عَمْرو بن حبيب بن سعيد بن عَائِد بن مَالك بن خُزَيْمَة وَهُوَ المصطلق بن سعد أخي كَعْب وعدي أَوْلَاد عَمْرو بن ربيعَة، وَهُوَ لحي بن حَارِثَة بن عَمْرو مزيقيا، وَقَالَ الزُّهْرِيّ ابْن قطن رجل من خُزَاعَة هلك فِي الْجَاهِلِيَّة.
34 - (بابٌ إذَا أعْطَى فَضْلَهُ غَيْرَهُ فِي المَنامِ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ إِذا أعْطى شخص مَا فضل مِنْهُ من اللَّبن لشخص غَيره فِي الْمَنَام، وَفِي بعض النّسخ: فِي النّوم.
7027 - حدّثنا يَحْياى بنُ بُكَيْرٍ، حدّثنا اللَّيْثُ، عنْ عُقَيْلٍ، عَن ابنِ شِهاب أَخْبرنِي حَمْزَةُ بنُ عَبْدِ الله بنِ عُمَرَ: أنَّ عَبْدَ الله بن عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ رسولَ الله يَقُولُ بَيْنا أَنا نائِمٌ أُتِيتُ بِقَدَحِ لَبَنِ، فَشَرِبْتُ مِنْهُ حتَّى إنِّي لأرَى الرِّيَّ يَجْرِي، ثُمَّ أعْطَيْتُ فَضْلَهُ عُمَرَ قالُوا: فَما أوَّلْتَهُ يَا رَسُول الله؟ قَالَ: العِلْمُ
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. والْحَدِيث قد مضى فِي هَذَا الْكتاب فِي: بَاب اللَّبن، وَفِي: بَاب إِذا جرى اللَّبن فِي أَطْرَافه، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: الرّيّ بِكَسْر الرَّاء وَتَشْديد الْيَاء مَا يرْوى بِهِ يَعْنِي: اللَّبن، أَو هُوَ إِطْلَاق على سَبِيل الِاسْتِعَارَة وَإسْنَاد الْخُرُوج إِلَيْهِ قرينَة. وَقيل: اسْم من أَسمَاء اللَّبن.
(بابُ الأمْنِ وذَهابِ الرَّوْعِ فِي المَنامِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حُصُول الْأَمْن وَذَهَاب الروع فِي الْمَنَام، والروع بِفَتْح الرَّاء وَسُكُون الْوَاو وبالعين الْمُهْملَة الْخَوْف، وَأما الروع بِضَم الرَّاء فَهُوَ النَّفس، قَالَ أهل التَّعْبِير، من رأى أَنه قد أَمن من شَيْء فَإِنَّهُ يخَاف مِنْهُ.
7028 - حدّثني عُبَيْدُ الله بنُ سَعِيدٍ، حدّثنا عَفَّانُ بنُ مُسْلِم، حَدثنَا صَخْرُ بنُ جُوَيْرِيَةَ، حدّثنا نافِعٌ أنَّ ابنَ عُمَرَ قَالَ: إنَّ رِجالاً مِنْ أصْحابِ رسولِ الله كانُوا يَرَوْنَ الرُّؤْيا عَلى عَهْدِ رَسُول الله فَيَقُصُّونَها عَلى رسولِ الله فَيَقُولُ فِيها رسولُ الله مَا شاءَ الله، وَأَنا غُلاَمٌ حَدِيثُ السِّنِّ، وبَيْتي المَسْجِدُ قَبْلَ أنْ أنْكِحَ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: لوْ كَانَ فِيكَ خَيْرٌ لَرَأيْتَ مِثْلَ مَا يَراى هاؤلاءِ، فَلَمّا اضْطَجَعْتُ لَيْلَةً(24/160)
قُلْتُ: اللَّهُمَّ إنْ كُنْتَ تَعْلَمُ فِيَّ خَيْراً فأرِني رُؤْيا، فَبَيْنَما أَنا كَذالِكَ إذْ جاءَنِي مَلَكانِ فِي يَدِ كُلِّ واحِدٍ مِنْهُما مَقْمَعَةٌ مِنْ حَدِيدٍ، يُقْبِلانِ بِي إِلَى جَهَنَّمَ، وَأَنا بَيْنَهُما أدْعُو الله اللَّهُمَّ، أعُوذُ بِكَ مِنْ جَهَنَّمَ، ثُمَّ أُراني لَقِينَي مَلَكٌ فِي يَدِهِ مِقْمَعَةٌ مِنْ حَدِيدٍ، فَقَالَ: لَنْ تُراعَ نِعْمَ الرَّجُلُ أنْت لَوْ تُكْثِرُ الصَّلاةَ، فانْطَلَقُوا بِي حتَّى وَقَفُوا بِي عَلى شَفِيرِ جَهَنَّمَ، فَإِذا هِيَ مَطْوِيَّةٌ كَطَيِّ البِئْر لَهُ قُرُونٌ كَقَرْنِ البِئْرِ، بَيْنَ كُلِّ قَرْنَيْنِ مَلكٌ بِيَدِهِ مِقْمَعةٌ مِنْ حَدِيدٍ، وَأرى فِيها رِجالاً مُعَلِّقِينَ بِالسَّلاسِلِ رُؤُوسُهُمْ أسْفَلَهُمْ، عَرَفْتُ فِيها رِجالاً مِنْ قُرَيْشٍ، فانْصَرَفُوا بِي عنْ ذاتِ اليَمِينِ.
فَقَصَصْتُها عَلى حَفْصَةَ فَقَصَّتْها حَفْصَةُ عَلى رسولِ الله فَقَالَ رسولُ الله إنَّ عَبْدَ الله رَجُلٌ صالِحٌ فَقَالَ نافِعٌ: لَمْ يَزَلْ بَعْدَ ذالِكَ يُكْثِرُ الصَّلاة.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: لن تراع
وَعبيد الله بن سعيد أَبُو قدامَة الْيَشْكُرِي، وَعَفَّان بن مُسلم الصفار الْبَصْرِيّ روى عَنهُ البُخَارِيّ فِي الْجَنَائِز بِلَا وَاسِطَة، وصخر مر عَن قريب.
والْحَدِيث ذكره الْمزي فِي سَنَد حَفْصَة أخرجه البُخَارِيّ فِي الصَّلَاة عَن عبد الله بن مُحَمَّد وَفِي مَنَاقِب ابْن عمر عَن إِسْحَاق بن نصر وَفِي صَلَاة اللَّيْل عَن يحيى بن سُلَيْمَان، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: فَيَقُول فِيهَا أَي: يعبرها. قَوْله: حَدِيث السن أَي: صَغِير السن، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: حدث السن. قَوْله: وبيتي الْمَسْجِد أَي: كنت أسكن فِي الْمَسْجِد قبل أَن أَتزوّج. قَوْله: فَلَمَّا اضطجعت لَيْلَة وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: ذَات لَيْلَة. قَوْله: فأرني رُؤْيا غير منصرف. قَوْله: مقمعَة بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الْقَاف وَالْجمع مَقَامِع قَالَ الْكرْمَانِي: هِيَ العمود أَو شَيْء كالمحجن يضْرب بِهِ رَأس الْفِيل، وَقَالَ غَيره: هِيَ كالسوط من حَدِيد رَأسهَا معوج، وَأغْرب الدَّاودِيّ وَقَالَ: المقمعة والمقرعة وَاحِد. قَوْله: يقبلان بِي من الإقبال ضد الإدبار أَو من أقبلته الشَّيْء إِذا جعلته يَلِي قبالته. قَوْله: لن تراع هَكَذَا فِي رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: لم ترع، أَي: لم تفزع، وَوَقع عِنْد كثير من الروَاة: لن ترع، بِحرف: لن، مَعَ الْجَزْم والجزم: بلن، لُغَة قَليلَة حَكَاهَا الْكسَائي. قَوْله: لَهُ قُرُون جمع قرن، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: لَهَا قُرُون، وَهِي جوانبها الَّتِي تبنى من حِجَارَة تُوضَع عَلَيْهَا الْخَشَبَة الَّتِي تعلق فِيهَا البكرة، وَالْعَادَة أَن لكل بِئْر قرنان. قَوْله: رؤوسهم أسفلهم يَعْنِي: منكسين. قَوْله: ذَات الْيَمين أَي: جِهَة الْيَمين.
36 - (بابُ الأخْذِ عَلى اليَمِينِ فِي النَّوْمِ)
أَي: هَذَا بَاب فِيمَن أَخذ فِي نَومه وسير بِهِ على يَمِينه يعبر لَهُ بِأَنَّهُ من أهل الْيَمين، ويروى: بَاب الْأَخْذ بِالْيَمِينِ.
7030 - حدّثني عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ، حدّثنا هِشامُ بنُ يُوسُفَ، أخبرنَا مَعْمَرٌ، عنِ الزّهْرِيِّ، عنْ سالِمٍ، عنِ ابنِ عُمَرَ قَالَ: كُنْتُ غُلاماً شابّاً عَزَباً فِي عَهْدِ النبيِّ وكُنْتُ أبيتُ فِي المَسْجِدِ، وَكَانَ مَنْ رَأى مَناماً قَصَّهُ عَلى النبيِّ فَقُلْتُ اللَّهُمَّ إنْ كانَ لِي عِنْدَكَ خَيْرٌ فأرِنِي مَناماً يُعَبِّرُهُ لِي رسُولُ الله فَنِمْتُ فَرَأيْتُ مَلَكَيْنِ أتَيانِي فانْطَلَقَا بِي، فَلَقَيَهُما مَلَكٌ آخَرُ فَقَالَ لِي: لَنْ تُراعَ إنَّكَ رَجُلٌ صالِحٌ، فانْطَلَقَا بِي إِلَى النارِ، فَإِذا هِيَ مَطْوِيَّةٌ كَطَيِّ البِئْرِ، وَإِذا فِيها ناسٌ قَدْ عَرَفْتُ بَعْضَهُمْ، فأخَذا بِي ذاتَ اليَمِينِ، فَلَمَّا أصْبَحْتُ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِحَفْصَة. فَزَعَمَتْ حَفْصَةُ أنَّها قَصَّتْها عَلى النبيِّ فَقَالَ: إنَّ عَبْدَ الله رجُلٌ صالِحٌ لوْ(24/161)
كانَ يُكْثِرُ الصَّلاةَ مِنَ اللَّيْلِ
قَالَ الزُّهْرِيُّ: وكانَ عَبْدُ الله بَعْدَ ذَلِكَ يُكْثِرُ الصَّلاَةَ مِنَ اللَّيْلِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: فأخذا بِي ذَات الْيَمين
وَعبد الله بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بالمسندي، والْحَدِيث مضى الْآن فِي الْبَاب السَّابِق.
قَوْله: عزباً بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَفتح الزَّاي وبالباء الْمُوَحدَة، وَيُقَال لَهُ: الأعزب بقلة فِي الِاسْتِعْمَال، وَهُوَ من لَا أهل لَهُ، وَيُقَال: من لَا زَوْجَة لَهُ. قَوْله: فأخذا بِي بِالْبَاء الْمُوَحدَة بعد. قَوْله: أخذا أَي: الْملكَانِ ويروى: أخذاني، بالنُّون.
وَفِيه: جَوَاز الْمبيت فِي الْمَسْجِد للعزب، كَمَا ترْجم عَلَيْهِ فِي أَحْكَام الْمَسَاجِد، وَجَوَاز النِّيَابَة فِي الرُّؤْيَا، وَقبُول خبر الْوَاحِد الْعدْل.
37 - (بابُ القَدَحِ فِي النَّوْمِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر من أعطي قدحاً فِي نَومه، قَالَ أهل التَّعْبِير: الْقدح فِي النّوم امْرَأَة، أَو مَال من جِهَة امْرَأَة، وقدح الزّجاج يدل على ظُهُور الْأَشْيَاء الْخفية، وقدح الذَّهَب وَالْفِضَّة ثَنَاء حسن.
7032 - حدّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعيدٍ، حدّثنا اللَّيْثُ، عنْ عُقَيْلٍ، عنِ ابنِ شِهابٍ، عنْ حَمْزَةَ بنِ عبْدِ الله، عنْ عَبْدِ الله بنِ عُمَرَ، رَضِي الله عَنْهُمَا، قَالَ: سَمِعْت رسولَ الله يَقُولُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَيْنا أَنا نائمٌ أُتِيتُ بِقَدَحِ لَبَنٍ، فَشَرِبْتُ مِنْهُ، ثُمَّ أعْطَيْتُ فَضْلِي عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ قالُوا: فَما أوَّلْتَهُ يَا رسولَ الله؟ قَالَ: العِلْمُ
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، والْحَدِيث مضى عَن قريب فِي: بَاب إِذا أعْطى فَضله غَيره فِي الْمَنَام، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
38 - (بابٌ إذَا طارَ الشَّيْءُ فِي المَنامِ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ إِذا طَار الشَّيْء من الرَّائِي فِي مَنَامه الَّذِي لَيْسَ من شَأْنه أَن يطير، وَجَوَاب: إِذا، مَحْذُوف تَقْدِيره: يعبر بِحَسب مَا يَلِيق لَهُ، والترجمة لَيست فِيمَا إِذا رأى أَنه يطير. قَالَ المعبرون: من رأى أَنه يطير فَإِنَّهُ كَانَ إِلَى جِهَة السَّمَاء من غير تعريج ناله ضَرَر، فَإِن غَابَ فِي السَّمَاء وَلم يرجع مَاتَ، وَإِن رَجَعَ أَفَاق من مَرضه، وَإِن كَانَ يطير عرضا سَافر ونال رفْعَة بِقدر طيرانه، فَإِن كَانَ بجناح فَهُوَ مَال أَو سُلْطَان يُسَافر فِي كنفه، وَإِن كَانَ بِغَيْر جنَاح فَهُوَ يدل عل التَّعْزِير فِيمَا يدْخل فِيهِ.
7033 - حدّثني سَعِيدُ بنُ مُحَمَّدٍ، حدّثنا يَعْقُوبُ بنُ إبْرَاهِيمَ، حدّثنا أبي، عنْ صالحٍ، عنِ أبي عُبَيْدَةَ بنِ نَشِيطٍ قَالَ: قَالَ عُبَيْدُ الله بنُ عبدِ الله: سألْتُ عبْدَ الله بنَ عَبَّاسٍ، رَضِي الله عَنْهُمَا، عنْ رُؤْيا رسولِ الله الّتي ذَكَرَ؟ .
فَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: ذكِرَ لي أنَّ رسولَ الله قَالَ: بَيْنما أَنا نَائِمٌ رأيْتُ أنَّهُ وُضِعَ فِي يَدَيَّ سِوَارانِ مِنْ ذَهَبٍ، فَفُظِعْتُهُما وكَرِهْتُهُما، فأذِنَ لِي فَنَفَخْتُهمَا فَطارَا، فأوَّلْتُهُما كَذّابَيْنِ يَخْرُجانِ فَقَالَ عُبَيْدُ الله: أحَدُهُما العَنْسيُّ الّذِي قَتَلَهُ فَيَرُوزُ باليَمَنِ والآخَرُ مُسَيْلِمَةُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: فَنَفَخْتهمَا فطَارَا وَسَعِيد بن مُحَمَّد الْجرْمِي بِفَتْح الْجِيم وَإِسْكَان الرَّاء الْكُوفِي، وَيَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم يروي عَن أَبِيه إِبْرَاهِيم بن سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرحمان بن عَوْف، كَانَ على قَضَاء بَغْدَاد، وَصَالح هُوَ ابْن كيسَان، وَابْن عُبَيْدَة بِضَم الْعين اسْمه عبد الله بن عُبَيْدَة بن نشيط بِفَتْح النُّون وَكسر الشين الْمُعْجَمَة على وزن عَظِيم، وَوَقع فِي رِوَايَة الْكشميهني: عَن أبي عُبَيْدَة، بالكنية وَالصَّوَاب ابْن عُبَيْدَة عبد الله أَخُو مُوسَى بن عُبَيْدَة، يُقَال: بَينهمَا فِي الْولادَة ثَمَانُون سنة، وَعبد الله الْأَكْبَر قَتله الحرورية بِقديد سنة ثَلَاثِينَ وَمِائَة، وَيُقَال: فيهمَا الربذي بِفَتْح الرَّاء وَالْبَاء الْمُوَحدَة وبالذال الْمُعْجَمَة(24/162)
الْقرشِي العامري مَوْلَاهُم، وينسبون أَيْضا إِلَى الْيمن وَلَيْسَ لعبد الله هَذَا فِي البُخَارِيّ غير هَذَا الحَدِيث، وَعبيد الله بن عبد الله بن عتبَة بن مَسْعُود أحد الْفُقَهَاء السَّبْعَة.
وَمضى الحَدِيث بِهَذَا السَّنَد فِي أَوَاخِر الْمَغَازِي فِي قصَّة الْعَنسِي، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: ذكر لي على صِيغَة الْمَجْهُول، قَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: فَمَا حكم هَذَا الحَدِيث حَيْثُ لم يُصَرح باسم الذاكر؟ قلت: غَايَته الرِّوَايَة عَن صَحَابِيّ مَجْهُول الِاسْم، وَلَا بَأْس بِهِ، لِأَن الصَّحَابَة كلهم عدُول.
قَوْله: سواران تَثْنِيَة سوار وَقَالَ الْكرْمَانِي: ويروى إسوران، وَفِي التَّوْضِيح وَقع هُنَا إسوران بِالْألف وَفِيمَا مضى وَيَأْتِي بِدُونِ الْألف وَهُوَ الْأَكْثَر عِنْد أهل اللُّغَة، وَقَالَ ابْن التِّين فِي بَاب النفخ. قَوْله: فَوضع فِي يَده سِوَارَيْنِ، كَذَا عِنْد الشَّيْخ أبي الْحسن، وَعند غَيره: إسوران، وَهُوَ الصَّوَاب قَالَ صَاحب التَّوْضِيح وَالَّذِي فِي الْأُصُول: سواران، بِحَذْف الْألف وَإِن كَانَ ابْن بطال ذكره بإثباتها، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: السوار بِالضَّمِّ وَالْكَسْر. قَوْله: ففظعتهما بِكَسْر الظَّاء الْمُعْجَمَة أَي: استعظمت أَمرهمَا. قَوْله: كَذَّابين قَالَ الْمُهلب: أَولهمَا بالكذابين لِأَن الْكَذِب إِخْبَار عَن الشَّيْء بِخِلَاف مَا هُوَ بِهِ وَوَضعه فِي غير مَوْضِعه، والسوار فِي يَده لَيْسَ فِي مَوْضِعه لِأَنَّهُ لَيْسَ من حلي الرِّجَال، وَكَونه من ذهب مشْعر بِأَنَّهُ شَيْء يذهب عَنهُ وَلَا بَقَاء لَهُ، والطيران عبارَة عَن عدم ثبات أَمرهمَا والنفخ إِشَارَة إِلَى زَوَالهَا بِغَيْر كلفة شَدِيدَة لسُهُولَة النفخ على النافخ. قَوْله: فَقَالَ عبيد الله هُوَ الْمَذْكُور فِي السَّنَد. قَوْله: الْعَنسِي بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون النُّون اسْمه الْأسود الصَّنْعَانِيّ وَكَانَ يُقَال لَهُ ذُو الْحمار لِأَنَّهُ علم حمارا إِذا قَالَ لَهُ اسجد؟ يخْفض رَأسه، قَتله فَيْرُوز الديلمي، ومسيلمة بن حبيب الْحَنَفِيّ الْيَمَانِيّ وَكَانَ صَاحب نيرنجات، وَهُوَ أول من أَدخل الْبَيْضَة فِي القارورة: قَتله وَحشِي قَاتل حَمْزَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَمضى الْكَلَام فِيهِ فِي عَلَامَات النُّبُوَّة مُسْتَوفى.
39 - (بابٌ إذَا رأى بَقَراً تُنْحَرُ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ إِذا رأى فِي الْمَنَام بقرًا تنحر، وَجَوَاب: إِذا، مَحْذُوف تَقْدِيره إِذا رأى أحد بقرًا تنحر يعبر بِحَسب مَا يَلِيق بِهِ، وَالنَّبِيّ لما رأى بقرًا تنحر كَانَ تَأْوِيل رُؤْيَاهُ قتل الصَّحَابَة الَّذين قتلوا بِأحد، وَقَالَ الْمُهلب: وَفِي رُؤْيَاهُ بقرًا ضرب الْمثل لِأَنَّهُ رأى بقرًا تنحر فَكَانَت الْبَقر أَصْحَابه فَعبر عَن حَال الْحَرْب بالبقر من أجل مَا لَهَا من السِّلَاح والقرون شبهت بِالرِّمَاحِ، وَلما كَانَ طبع الْبَقر المناطحة والدفاع عَن أَنْفسهَا بقرونها كَمَا يفعل رجال الْحَرْب وَشبه النَّحْر بِالْقَتْلِ.
7035 - حدّثني مُحَمَّدُ بنُ العَلاَءِ، حَدثنَا أبُو أُسامَةَ، عَنْ بُرَيْدٍ عَن جَدِّهِ أبي بُرْدَةَ عنْ أبي مُوسَى أُراهُ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: رأيْتُ فِي المَنامِ أنِّي أُهاجِرُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى أرْضِ بِها نَخْلٌ، فَذَهَب وَهَلِي إِلَى أَنَّهَا اليَمامَةُ أوْ هَجَرٌ، فَإِذا هِيَ المَدِينَةُ يَثْرِبُ، ورَأيْتُ فِيها بَقَراً وَالله خيْرٌ فإذَا هُمُ المُؤْمِنُونَ يَوْمَ أُحُدٍ، وإذَا الخَيْرُ مَا جاءَ الله بِهِ مِنَ الخَيْرِ وثَوَاب الصِّدْقِ الّذِي آتَانَا الله بِهِ بَعْدَ يَوْمِ بَدْرٍ
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: وَرَأَيْت فِيهَا بقرًا فَإِن قلت: ترْجم بِقَيْد النَّحْر وَلم يَقع ذَلِك فِي حَدِيث الْبَاب؟ . قلت: كَأَنَّهُ أَشَارَ بذلك إِلَى مَا ورد فِي بعض طرق الحَدِيث، وَهُوَ مَا رَوَاهُ أَحْمد من حَدِيث جَابر: أَن النَّبِي قَالَ: رَأَيْت كَأَنِّي فِي درع حَصِينَة وَرَأَيْت بقرًا تنحر ... الحَدِيث، وَقَالَ الثَّوْريّ: بِهَذِهِ الزِّيَادَة على مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ يتم تَأْوِيل الرُّؤْيَا، فَنحر الْبَقر هُوَ قتل الصَّحَابَة الَّذين قتلوا بِأحد.
وَشَيخ البُخَارِيّ هُوَ أَبُو كريب مُحَمَّد بن الْعَلَاء الْهَمدَانِي الْكُوفِي وَهُوَ شيخ مُسلم، وَأَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة، وبريد بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الرَّاء وَسُكُون الْيَاء ابْن عبد الله يروي عَن جده أبي بردة اسْمه: الْحَارِث، وَقيل: عَامر يروي عَن أَبِيه أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ واسْمه عبد الله بن قيس.
والْحَدِيث مضى بِهَذَا السَّنَد بِتَمَامِهِ فِي عَلَامَات النُّبُوَّة وَفرق مِنْهُ(24/163)
فِي الْمَغَازِي بِهَذَا السَّنَد أَيْضا، وعلق فِيهَا مِنْهُ قِطْعَة فِي الْهِجْرَة، فَقَالَ: وَقَالَ أَبُو مُوسَى ... وَذكر بعضه هُنَا وَبَعضه بعد أَرْبَعَة أَبْوَاب، وَلم يذكر بعضه.
قَوْله: أرَاهُ بِضَم الْهمزَة أَي: أَظُنهُ، قيل: إِن الْقَائِل بِهَذِهِ اللَّفْظَة هُوَ البُخَارِيّ، وَقَالَ الْكرْمَانِي: هُوَ قَول الرَّاوِي عَن أبي مُوسَى وَرَوَاهُ مُسلم وَغَيره عَن أبي كريب مُحَمَّد بن الْعَلَاء شيخ البُخَارِيّ بالسند الْمَذْكُور بِدُونِ هَذِه اللَّفْظَة، بل جزموا بِرَفْعِهِ. قَوْله: فَذهب وهلي يَعْنِي: وهمي، وَقَالَ ابْن التِّين: روينَاهُ بِفَتْح الْهَاء وَالَّذِي ذكره أهل اللُّغَة بسكونها، تَقول: وهلت بِالْفَتْح أهل وهلاً إِذا ذهب وهمك إِلَيْهِ وَأَنت تُرِيدُ غَيره، ووهل يوهل وهلاً بِالتَّحْرِيكِ إِذا فزع، وَقَالَ النَّوَوِيّ: يُقَال: وَهل، بِفَتْح الْهَاء يهل بِكَسْرِهَا وهلاً بسكونها، مثل ضرب يضْرب ضربا إِذا غلط وَذهب وهمه إِلَى خلاف الصَّوَاب، وَأما: وهلت، بِكَسْرِهَا أَو هَل وهلاً بِالتَّحْرِيكِ فَمَعْنَاه: فزعت. والوهل بِالْفَتْح الْفَزع، وَضَبطه النَّوَوِيّ هُنَا بِالتَّحْرِيكِ، وَقَالَ: مَعْنَاهُ الْوَهم، وَصَاحب النِّهَايَة جزم أَنه بِالسُّكُونِ. قَوْله: الْيَمَامَة بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَتَخْفِيف الْمِيم الأولى وَهِي بِلَاد الجو بَين مَكَّة واليمن. قَوْله: أَو هجر كَذَا وَقع بِدُونِ الْألف وَاللَّام فِي رِوَايَة كَرِيمَة وَوَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر والأصيلي: أَو الهجر، بِالْألف وَاللَّام، وهجر بِفتْحَتَيْنِ قَاعِدَة أَرض الْبَحْرين، وَقيل: بلد بِالْيمن. قَوْله: يثرب كَانَ اسْم مَدِينَة النَّبِي، صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم، فِي الْجَاهِلِيَّة. قَوْله: وَرَأَيْت فِيهَا أَي: فِي الرُّؤْيَا. قَوْله: وَالله خير مُبْتَدأ أَو خبر أَي: ثَوَاب الله للمقبولين خير لَهُم من بقائهم فِي الدُّنْيَا، أَو: صنع الله خير لكم، قيل: وَالْأولَى أَن يُقَال: إِنَّه من جملَة الرُّؤْيَا وَأَنَّهَا كلمة سَمعهَا عِنْد رُؤْيَاهُ الْبَقر بِدَلِيل تَأْوِيله لَهَا بقوله فَإِذا الْخَيْر مَا جَاءَ الله بِهِ قَوْله: بعد بدر هُوَ فتح خَيْبَر ثمَّ فتح مَكَّة، وَوَقع فِي رِوَايَة بعد بِالضَّمِّ أَي: بعد أحد، قَالَ الْكرْمَانِي: وَيحْتَمل أَن يُرَاد بِالْخَيرِ الْغَنِيمَة، وَبعد أَي: بعد الْخَيْر، وَالثَّوَاب وَالْخَيْر حصلا فِي يَوْم بدر.
40 - (بابُ النّفْخِ فِي المَنامِ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ النفخ فِي الْمَنَام، قَالَ المعبرون: النفخ يعبر بالْكلَام، وَقَالَ ابْن بطال: يعبر بِإِزَالَة الشَّيْء المنفوخ بِغَيْر تكلّف شَدِيد لسُهُولَة النفخ على النافخ.
7036 - حدّثنا إسْحاقُ بنُ إبْرَاهِيمَ الحَنْظَلِيُّ، حَدثنَا عبْدُ الرَّزَّاقِ، أخبرنَا مَعْمَرٌ، عنْ هَمَّامِ بنِ مُنَبِّهٍ قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا بِهِ أبُو هُرَيْرَةَ عنْ رسولِ الله قَالَ: نَحْنُ الآخِرُونَ السَّابِقُون وَقَالَ رسولُ الله بَيْنَما أَنا نائِمٌ إذْ أُوتِيتُ خَزائنَ الأرْضِ، فَوُضِعَ فِي يَدَيَّ سِوَارِنِ مِنْ ذَهَبٍ، فَكَبُرَ عَلَيَّ وأهْمَّانِي، فأُوحيَ إليَّ أنِ انْفُخْهُما، فَنَفَخْتُهُما فَطارَا، فأوَّلْتُهُما الكذَّابَيْنِ اللَّذَيْنِ أَنا بَيْنَهُما: صاحِبَ صَنْعاءَ وصاحِبَ اليَمامَةِ
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم هُوَ الْمَعْرُوف بِابْن رَاهَوَيْه. قَوْله: حَدثنِي فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: حَدثنَا.
وَمعمر بِفَتْح الميمين ابْن رَاشد، وَهَمَّام بِالتَّشْدِيدِ ابْن مُنَبّه اسْم فَاعل من التَّنْبِيه.
قَوْله: (هَذَا مَا حَدثنَا بِهِ أَبُو هُرَيْرَة أَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَن هماماً مَا روى هَذَا عَن أبي هُرَيْرَة على مَا هُوَ الْمَعْهُود فِي الرِّوَايَات، وَاحْترز بِهَذَا عَن رِوَايَته عَن أبي هُرَيْرَة صحيفَة كَانَت تعرف بِصَحِيفَة همام. والْحَدِيث كَانَ عِنْد إِسْحَاق من رِوَايَة همام بِهَذَا السَّنَد، وَأول الحَدِيث: نَحن الْآخرُونَ السَّابِقُونَ مضى فِي الْجُمُعَة، وَبَقِيَّة الحَدِيث معطوفة عَلَيْهِ بِلَفْظ: وَقَالَ رَسُول الله وَكَانَ إِسْحَاق إِذا أَرَادَ التحديث بِشَيْء مِنْهَا بَدَأَ بِطرف من الحَدِيث الأول وَعطف عَلَيْهِ مَا يُرِيد، وَتقدم هَذَا الحَدِيث فِي بَاب وَفد بني حنيفَة فِي أَوَاخِر الْمَغَازِي عَن إِسْحَاق بن نصر عَن عبد الرَّزَّاق بِهَذَا الْإِسْنَاد لَكِن قَالَ فِي رِوَايَته: عَن همام أَنه سمع أَبَا هُرَيْرَة وَلم يبْدَأ إِسْحَاق بن نصر فِيهِ بقوله: نَحن الْآخرُونَ السَّابِقُونَ قَوْله: إِذا أتيت خَزَائِن الأَرْض من الْإِتْيَان يَعْنِي الْمَجِيء فِي رِوَايَة أبي ذَر وَعند غَيره: إِذْ أُوتيت، بِزِيَادَة الْوَاو من الإيتاء بِمَعْنى: الْإِعْطَاء، وَفِي رِوَايَة أَحْمد وَإِسْحَاق بن(24/164)
نصر عَن عبد الرَّزَّاق: أُوتيت بخزائن الأَرْض، بِإِثْبَات الْبَاء. قَوْله: فِي يَدي وَفِي رِوَايَة إِسْحَاق بن نصر: فِي كفي. قَوْله: فَكَبرَا عَليّ بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة أَي: عظم أَمرهمَا وشق عَليّ، وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: إِنَّمَا عظما عَلَيْهِ لكَون الذَّهَب من حلية النِّسَاء وَمِمَّا حرم على الرِّجَال. قَوْله: وَأَهَمَّانِي أَي: أحزناني وأقلقاني. قَوْله: فَأُوحي إِلَيّ على بِنَاء الْمَجْهُول، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني فِي رِوَايَة إِسْحَاق بن نصر، فَأوحى الله ... إِلَى قَوْله: فطَارَا فِي رِوَايَة المَقْبُري زَاد، فَوَقع وَاحِد بِالْيَمَامَةِ وَالْآخر بِالْيمن. قَوْله: اللَّذين أَنا بَينهم الأنهما كَانَا حِين قصّ الرُّؤْيَا موجودين. فَإِن قلت: وَقع فِي رِوَايَة ابْن عَبَّاس: يخرجَانِ بعدِي؟ . قلت: قَالَ النَّوَوِيّ: إِن المُرَاد بخروجهما بعده ظُهُور شوكتهما ومحاربتهما ودعواهما النُّبُوَّة، وَقَالَ بَعضهم: فِيهِ نظر لِأَن ذَلِك كُله ظهر للأسود بِصَنْعَاء فِي حَيَاة النَّبِي فادعي النُّبُوَّة وعظمت شوكته وَحَارب الْمُسلمين وفتك فيهم وَغلب على الْبَلَد وَآل أمره إِلَى أَن قتل فِي حَيَاة النَّبِي وَأما مُسَيْلمَة: فَكَانَ ادّعى النُّبُوَّة فِي حَيَاة النَّبِي لَكِن لم تعظم شوكته وَلم تقع محاربته إلاَّ فِي عهد أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. انْتهى. قلت: فِي نظره نظر لِأَن كَلَام ابْن عَبَّاس يصدق على أَن خُرُوج مُسَيْلمَة بعد النَّبِي وَأما كَلَامه فِي حق الْأسود فَمن حَيْثُ أَن أَتْبَاعه وَمن لَاذَ بِهِ تبعوا مُسَيْلمَة وقووا شوكته فَأطلق عَلَيْهِ الْخُرُوج من بعد النَّبِي بِهَذَا الِاعْتِبَار.
41 - (بابٌ إذَا رَأى أنَّهُ أخْرَجَ الشَّيْءَ مِنْ كُورَة فأسْكَنَهُ مَوْضِعاً آخَرَ)
أَي: هَذَا بَاب فِيهِ إِذا رأى فِي نَومه أَنه أخرج الشَّيْء من كورة بِضَم الْكَاف وَسُكُون الْوَاو وَهِي النَّاحِيَة، وَوَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر: من كوَّة، بِضَم الْكَاف وَتَشْديد الْوَاو الْمَفْتُوحَة، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: الكوة، بِالْفَتْح ثقب الْبَيْت وَقد تضم الْكَاف. قَوْله: فأسكنه أَي: أسكن ذَلِك الشَّيْء فِي مَوضِع آخر.
7038 - حدّثنا إسْماعِيلُ بنُ عَبْدِ الله، حدّثني أخِي عبْدُ الحَمِيدِ، عنْ سُلَيْمانَ بنِ بِلاَلٍ، عنْ مُوسَى بنِ عُقْبَةَ، عنْ سالِمِ بنِ عَبْدِ الله عنْ أبِيهِ أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: رأيْتُ كأنَّ امْرَأةً سَوْداءٍ ثائِرَةَ الرَّأسِ أُخْرِجَتْ مِنَ المَدِينَةِ حَتَّى قامَتْ بمَهْيَعَةَ، وهْيَ الجُحْفَةُ، فأوَّلْتُها أنَّ وباءَ المَدِينَةِ نُقِلَ إلَيْها
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: أخرجت مَوضِع خرجت لِأَن فِي رِوَايَة ابْن أبي الزِّنَاد: أخرجت، على صِيغَة الْمَجْهُول وَهُوَ يَقْتَضِي الْمخْرج اسْم الْفَاعِل، وَيصدق عَلَيْهِ أَنه أخرج الشَّيْء من نَاحيَة وَأَسْكَنَهُ فِي مَوضِع آخر.
وَإِسْمَاعِيل بن عبد الله هُوَ إِسْمَاعِيل بن أبي أويس يروي عَن أَخِيه.
والْحَدِيث أخرجه التِّرْمِذِيّ فِي التَّعْبِير عَن مُحَمَّد بن بشار. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن يُوسُف بن سعيد. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن مُحَمَّد بن بشار بِهِ.
قَوْله: ثائرة الرَّأْس أَي: شعر الرَّأْس، وَفِي رِوَايَة أَحْمد وَأبي نعيم: ثائرة الشّعْر، من ثار الشَّيْء إِذا انْتَشَر. قَوْله: بمهيعة بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْهَاء وَفتح الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالعين الْمُهْملَة وفسرها بقوله: وَهِي الْجحْفَة بِضَم الْجِيم وَسُكُون الْحَاء الْمُهْملَة وبالفاء وَهِي مِيقَات المصريين قيل: هَذَا التفسر مدرج من قَول مُوسَى بن عقبَة. قَوْله: فَأَوَّلتهَا أَن وباء الْمَدِينَة وَفِي رِوَايَة ابْن جريج: فَأَوَّلتهَا وباء بِالْمَدِينَةِ فَنقل إِلَى الْجحْفَة، والوباء مَقْصُور وممدود، وَقَالَ الْمُهلب: هَذِه الرُّؤْيَا المعبرة وَهِي مِمَّا ضرب بِهِ الْمثل.
42 - (بابُ المَرْأةِ السَّوْدَاءِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر رُؤْيا الْمَرْأَة السَّوْدَاء فِي الْمَنَام.
7039 - حدّثنا أبُو بَكْرٍ المُقَدَّمِيُّ، حَدثنَا فُضَيْلُ بنُ سلَيْمانَ حدّثنا مُوسَى حدّثني سالِمُ بنُ عَبْدِ الله، عنْ عَبْدِ الله بنِ عُمَرَ، رَضِي الله عَنْهُمَا، فِي رُؤْيا النبيِّ فِي المَدِينَة: رأيْتُ امْرَأةً سَوْدَاءً ثائِرَةَ الرَّأْسِ خَرَجَتْ مِنَ المَدِينَةِ حتَّى نَزْلَتْ بِمَهْيَعَةَ، فَتأوَّلْتُها أنَّ وباءَ المَدِينَةِ(24/165)
نُقِلَ إِلَى مُهَيْعَةَ وهْيَ الجُحْفَةُ
انْظُر الحَدِيث 7038 وطرفه
مطابقته لترجمة ظَاهِرَة، وَهُوَ الحَدِيث الْمَذْكُور قبل هَذَا الْبَاب أخرجه عَن مُحَمَّد بن أبي بكر بن عَليّ بن عَطاء بن مقدم الْمَعْرُوف بالمقدمي الْبَصْرِيّ، وَقَالَ الْكرْمَانِي. فَإِن قلت: مَا حكم هَذَا الحَدِيث حَيْثُ لم يقل قَالَ رَسُول الله قلت: لزم من التَّرْكِيب إِذْ مَعْنَاهُ قَالَ: رَأَيْت، فَهُوَ مُقَدّر فِي حكم الملفوظ.
43 - (بابُ المَرْأةِ الثَّائِرَةِ الرَّأسِ)
أَي: هَذَا بَاب فِيهِ ذكر رُؤْيَة الْمَرْأَة الثائرة الرَّأْس.
7040 - حدّثني إبْرَاهِيمُ بنُ المُنْذِرِ، حدّثني أبُو بَكْر بنُ أبي أُوَيْسٍ، حدّثني سُلَيْمانُ عنْ مُوسَى بنِ عُقْبَةَ، عنْ سالِمٍ، عنْ أبِيهِ أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: رأيْتُ امْرأةَ سَوْدَاءً ثائِرَةَ الرَّأْسِ خَرَجَتْ مِنَ المَدِينَةِ حتَّى قامَتْ بِمَهْيَعَةَ، فأوَّلْتُ أنَّ وباءَ المَدِينَةِ يُنْقَلُ إِلَى مَهْيَعَةَ، وهْيَ الجُحْفَة
انْظُر الحَدِيث 7038 وطرفه
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَهَذَا الحَدِيث هُوَ الحَدِيث الْمَاضِي غير أَنه أخرجه عَن ثَلَاث شُيُوخ فَوضع لكل وَاحِد تَرْجَمَة.
وَأَبُو بكر بن أبي أويس هُوَ عبد الحميد الْمَذْكُور آنِفا، وَسليمَان هُوَ ابْن بِلَال الْمَذْكُور فِي بَاب: إِذا رأى أَنه أخرج الشَّيْء، وَسَالم هُوَ ابْن عبد الله يروي عَن أَبِيه عبد الله بن عمر ... إِلَى آخِره.
44 - (بابٌ إذَا هَزَّ سَيْفاً فِي المَنامِ)
أَي: هَذَا بَاب فِيهِ إِذا هز سَيْفا فِي مَنَامه، وَجَوَاب: إِذا، مَحْذُوف يقدر فِيهِ بِمَا يَلِيق للَّذي يهزه، لِأَن للسيف وُجُوهًا فِي التَّعْبِير.
7041 - حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ العَلاَءِ، حَدثنَا أبُو أُسامَةَ عنْ بُرَيْدِ بنِ عَبْدِ الله بنِ أبي بُرْدَةَ، عنْ جَدِّهِ أبي بُرْدَةَ، عنْ أبي مُوسَى، أُرَاهُ عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: رَأيْتُ فِي رُؤْيَا أنِّي هَزَزْتُ سَيْفاً، فانْقَطَعَ صَدْرُهُ، فإذَا هُوَ مَا أُصِيبَ مِنَ المُؤْمِنِينَ يَوْمَ أُحُدٍ، ثُمَّ هَزَزْتُهُ أُخْرَى فَعادَ أحْسَنَ مَا كَانَ، فَإِذا هُوَ مَا جاءَ الله بِهِ مِنْ الفَتح واجْتِماعِ المُؤْمِنيِنَ
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَمُحَمّد بن الْعَلَاء أَبُو كريب مر عَن قريب، وَأَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة، وَيُرِيد بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة ابْن عبد الله يروي عَن جده أبي بردة عَامر أَو الْحَارِث عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ عبد الله بن قيس.
والْحَدِيث مضى فِي غَزْوَة أُحد، وَهُوَ طرف من حَدِيث مضى فِي عَلَامَات النُّبُوَّة بِكَمَالِهِ، وَقَالَ الْمُهلب: هَذِه الرُّؤْيَا من ضرب الْمثل، وَلما كَانَ النَّبِي يصول بِأَصْحَابِهِ عبر عَن السَّيْف بهم، وبهزه عَن أمره لَهُم بِالْحَرْبِ، وَعَن الْقطع فِيهِ بِالْقَتْلِ فيهم، وَفِي الهزة الْأُخْرَى لما عَاد إِلَى حَالَته من الاسْتوَاء عبر بِهِ عَن اجْتِمَاعهم وَالْفَتْح عَلَيْهِم.
45 - (بابُ مَنْ كَذَبَ فِي حُلْمِهِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان إِثْم من كذب فِي حلمه، بِضَم الْحَاء وَسُكُون اللَّام، وَهُوَ مَا يرَاهُ النَّائِم.
7042 - حدّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله، حَدثنَا سُفْيانُ، عنْ أيُّوبَ، عنْ عِكْرِمَةَ عنِ ابنِ عَبّاس عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَنْ تَحَلَّمَ بِحُلُمٍ لَمْ يَرَهُ كُلِّفَ أنْ يَعْقِدَ بَيْنَ شَعِيرَتَيْنِ ولَنْ يَفْعَلَ ومَنِ اسْتَمَعَ إِلَى حَدِيثِ قَوْمٍ وهُمْ لهُ كارِهُونَ أوْ يَفِرُّونَ مِنْهُ صُبَّ فِي أُذُنِهِ الآنُكُ يَوْمَ القِيامَةِ،(24/166)
ومَنْ صَوَّرَ صُورَةً عُذِّبَ وكُلِّفَ أنْ يَنْفُخَ فِيها ولَيْسَ بِنافِخٍ
قَالَ سُفْيانُ: وصَلَهُ لَنا أيُّوبُ.
انْظُر الحَدِيث 2225 وطرفه
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: من تحلم بحلم وَإِنَّمَا قَالَ فِي التَّرْجَمَة: من كذب فِي حلمه، وَلَفظ الحَدِيث: من تحلم، إِشَارَة إِلَى مَا ورد فِي بعض طرقه، وَهُوَ مَا أخرجه التِّرْمِذِيّ من حَدِيث عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، رَفعه: من كذب فِي حلمه كلف يَوْم الْقِيَامَة عقد شعيرَة، وَصَححهُ الْحَاكِم.
وَعلي بن عبد الله هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَأَيوب هُوَ السّخْتِيَانِيّ.
والْحَدِيث أخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْأَدَب عَن مُسَدّد. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي اللبَاس عَن قُتَيْبَة بالقصة الأولى والقصة الثَّالِثَة وَفِي الرُّؤْيَا عَن مُحَمَّد بن بشار بالقصة الثَّانِيَة. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الزِّينَة عَن قُتَيْبَة بالقصة الأولى. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الرُّؤْيَا عَن بشر بن هِلَال بالقصة الثَّانِيَة.
قَوْله: من تحلم أَي: من تكلّف الْحلم، لِأَن بَاب التفعل للتكلف. قَوْله: لم يره جملَة وَقعت صفة لقَوْله: تحلم. قَوْله: كلف على صِيغَة الْمَجْهُول أَي: كلف يَوْم الْقِيَامَة أَي: يعذب بذلك، وَذَلِكَ التَّكْلِيف نوع من الْعَذَاب وَالِاسْتِدْلَال بِهِ ضَعِيف فِي جَوَاز تَكْلِيف مَا لَا يُطَاق، كَيفَ وَأَنه لَيْسَ بدار التَّكْلِيف؟ قَوْله: وَلنْ يفعل أَي: وَلنْ يقدر على ذَلِك قَوْله: وهم لَهُ أَي: لمن اسْتمع كَارِهُون لَا يُرِيدُونَ استماعه قَوْله: أَو يفرون مِنْهُ شكّ من الرَّاوِي قَوْله: الآنك بِالْمدِّ وَضم النُّون وبالكاف وَهُوَ الرصاص الْمُذَاب. قَوْله: وكلف يحْتَمل أَن يكون عطفا تفسيرياً لقَوْله: عذب وَأَن يكون نوعا آخر. قَوْله: أَن ينْفخ فِيهَا أَي: أَن ينْفخ الرّوح فِي تِلْكَ الصُّورَة. قَوْله: وَلَيْسَ بنافخ أَي: لَيْسَ بِقَادِر على النفخ.
قَوْله: قَالَ سُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة. وَصله لنا أَي: وصل الحَدِيث الْمَذْكُور فِي الروَاة، إِنَّمَا قَالَ ذَلِك لِأَن الحَدِيث فِي الطّرق الآخر الَّتِي بعده مَوْقُوف غير مَرْفُوع إِلَى النَّبِي
وَقَالَ قُتَيْبَةُ: حدّثنا أبُو عَوَانَة عنْ قَتادَة عنْ عِكْرِمَةَ عنْ أبي هُرَيْرَةَ قَوْلَهُ: مَنْ كَذَبَ فِي رُؤْياهُ.
وَقَالَ شُعْبَةُ عنْ أبي هاشِمِ الرُّمَّانِيِّ: سَمِعْتُ عِكْرِمَة قَالَ أبُو هُرَيْرَةَ، رَضِي الله عَنهُ: قَوْلَهُ مَنْ صَوَّرَ ومنْ تَحَلَّمَ ومنِ اسْتَمَعَ.
هَذِه ثَلَاث طرق معلقَة مَوْقُوفَة: الأول: قَوْله: وَقَالَ قُتَيْبَة، هُوَ ابْن سعيد أحد مشايخه: حَدثنَا أَبُو عوَانَة بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة الوضاح الْيَشْكُرِي عَن قَتَادَة عَن عِكْرِمَة عَن أبي هُرَيْرَة، وَرِوَايَة قُتَيْبَة هَذِه وَصلهَا فِي نسخته عَن أبي عوَانَة رِوَايَة النَّسَائِيّ عَنهُ من طَرِيق عَليّ بن مُحَمَّد الْفَارِسِي عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن زَكَرِيَّا بن حيوية عَن النَّسَائِيّ، وَلَفظه: عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: من كذب فِي رُؤْيَاهُ كلف أَن يعْقد بَين طرفِي شعيرَة، وَمن اسْتمع. . الحَدِيث، وَمن صور. . الحَدِيث.
الثَّانِي: قَوْله: وَقَالَ شُعْبَة، عَن أبي هَاشم اسْمه يحيى بن دِينَار، وَوَقع فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي والسرخسي: عَن أبي هِشَام قيل: إِنَّه غلط، والرماني بِضَم الرَّاء وَتَشْديد الْمِيم نِسْبَة إِلَى قصر الرُّمَّان بواسط كَانَ ينزل قصر الرُّمَّان بوسط. الثَّالِث: قَوْله: قَالَ أَبُو هُرَيْرَة ... إِلَى آخِره، كَذَا وَقع فِي الأَصْل مُخْتَصرا على أَطْرَاف الْأَحَادِيث الثَّلَاثَة، وَجَزَاء هَذِه الشُّرُوط الْمَذْكُورَة هُوَ كلف وصب وعذب كَمَا تقدم، وَكَذَا وَصله الْإِسْمَاعِيلِيّ فِي مستخرجه من طَرِيق عبيد الله بن معَاذ الْعَنْبَري عَن أَبِيه عَن شُعْبَة بن أبي هَاشم بِهَذَا السَّنَد مُقْتَصرا على قَوْله: عَن أبي هُرَيْرَة.
حدّثنا إسْحاقُ حدّثنا خالِدٌ عنْ خالِدٍ عنْ عِكْرِمَةَ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَنِ اسْتَمَعَ ومَنْ تَحَلَّمَ ومَنْ صَوَّرَ نَحْوَهُ.
إِسْحَاق هُوَ ابْن شاهين، وخَالِد شَيْخه هُوَ ابْن عبد الله الطَّحَّان، وخَالِد شَيْخه هُوَ الْحذاء، كَذَا أخرجه مُخْتَصرا. وَأخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق وهب بن مُنَبّه عَن خَالِد بن عبد الله فَذكره بِهَذَا السَّنَد إِلَى ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي فرفعه، وَلَفظه: من اسْتمع إِلَى حَدِيث قوم وهم لَهُ كَارِهُون صب فِي أُذُنه الآنك، وَمن تحلم كلف أَن يعْقد شعيرَة يعذب بهَا(24/167)
وَلَيْسَ بفاعل، وَمن صور صُورَة عذب حَتَّى يعْقد بَين شعيرتين وَلَيْسَ عاقداً.
تابَعَهُ هِشامٌ عنْ عِكْرِمَةَ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ. قَوْلَهُ.
أَي: تَابع خَالِدا الْحذاء هِشَام بن حسان فِي رِوَايَته عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس. قَوْله: قَوْله يَعْنِي: قَول ابْن عَبَّاس، يَعْنِي: مَوْقُوفا عَلَيْهِ.
7043 - حدّثنا عَلِيُّ بنُ مُسْلِمٍ، حدّثنا عَبْدُ الصَّمدِ حدّثنا عَبْدُ الرَّحْمانِ بنُ عَبْدِ الله بنِ دِينارٍ مَوْلَى ابنِ عُمَرَ عنْ أبِيهِ، عنِ ابنِ عُمَرَ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مِنْ أفْرَى الفِرَى أنْ يُرِيَ عَيْنَيْهِ مَا لَمْ تَرَ
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعلي بن مُسلم الطوسي نزيل بَغْدَاد مَاتَ قبل البُخَارِيّ بِثَلَاث سِنِين، وَعبد الصَّمد هُوَ ابْن عبد الْوَارِث بن سعيد وَقد أدْركهُ البُخَارِيّ بِالسِّنِّ، وَعبد الرَّحْمَن بن دِينَار مُخْتَلف فِيهِ قَالَ ابْن الْمَدِينِيّ: صَدُوق، وَقَالَ يحيى بن معِين: فِي حَدِيثه عِنْدِي ضعف، وَمَعَ ذَلِك عُمْدَة البُخَارِيّ فِيهِ على شَيْخه عَليّ، على أَنه لم يخرج لَهُ البُخَارِيّ شَيْئا إلاَّ وَله فِيهِ متابع أَو شَاهد والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: من أفرى الفرى بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الْفَاء أفعل التَّفْضِيل أَي: أكذب الكذبات والفرى بِكَسْر الْفَاء وَالْقصر جمع فِرْيَة وَهِي الكذبة الْعَظِيمَة الَّتِي يتعجب مِنْهَا ويروى أَن من أفرى الفرى. قَوْله: أَن يري بِضَم الْيَاء وَكسر الرَّاء من الإراءة وَهُوَ فعل وفاعل. وَقَوله: عَيْنَيْهِ بِالنّصب مَفْعُوله الأول وَقَوله: مَا لم تَرَ مفعول ثَان أَي: الَّذِي لم تره، ويروى: مَا لم يريَا، بالتثنية بِاعْتِبَار رُؤْيَة عَيْنَيْهِ مثنى. وَقَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: هُوَ لَا يرى عَيْنَيْهِ بل ينْسب إِلَيْهِمَا الرُّؤْيَة. قلت: الْمَقْصُود نسبته إِلَيْهِمَا وإخباره عَنْهُمَا بِالرُّؤْيَةِ. فَإِن قلت: الْكَذِب فِي الْيَقَظَة أَكثر ضَرَرا لتعديه إِلَى غَيره ولتضمنه الْمَفَاسِد، فَمَا وَجه تَعْظِيم الْكَاذِب فِي رُؤْيَاهُ بذلك؟ . قلت: هُوَ لِأَن الرُّؤْيَا جُزْء من النُّبُوَّة والكاذب فِيهَا كَاذِب على الله وَهُوَ أعظم الفرى وَأولى بعظيم الْعقُوبَة.
46 - (بابٌ إذَا رَأى مَا يُكْرَهُ فَلاَ يُخْبِرْ بِها وَلَا يَذْكُرْها)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ إِذا رأى أحد فِي مَنَامه مَا يكرههُ فَلَا يخبر بهَا أحدا وَلَا يذكرهَا، وَجمع فِي التَّرْجَمَة بَين لَفْظِي الْحَدِيثين لَكِن فِي التَّرْجَمَة: فَلَا يخبر بهَا، وَلَفظ الحَدِيث: فَلَا يحدث، وهم متقاربان.
7044 - حدّثنا سَعيدُ بنُ الرَّبِيعِ، حدّثنا شعْبَةُ، عنْ عبْدِ رَبِّهِ بنِ سَعِيدٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ يَقُولُ: لَقَدْ كُنْتُ أرَى الرُّؤْيا فَتُمْرِضُني، حتَّى سَمِعْتُ أَبَا قَتادَة يَقُولُ: وَأَنا كُنْتُ لأرَى الرُّؤْيا فَتُمْرِضُني حتَّى سَمِعْتُ النبيَّ يَقُولُ الرُّؤْيا الحَسَنَةُ مِنَ الله، فإذَا رأى أحَدُكُمْ مَا يُحِبُّ فَلاَ يُحَدِّثْ بِهِ إلاّ مَنْ يحب، وإذَا رأى مَا يَكْرَهُ فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّه مِنْ شَرِّها، ومِنْ شَرِّ الشَّيْطانِ ولْيَنْقِلْ ثَلاثاً وَلَا يُحَدِّثْ بِها أحَداً فإنَّها لَنْ تَضُرَّهُ
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: لَا يحدث بهَا أحدا وَقد ذكرنَا الْآن أَن لَفْظِي الْإِخْبَار والتحديث متقاربان.
وَسَعِيد بن الرّبيع أَبُو زيد الْهَرَوِيّ كَانَ يَبِيع الثِّيَاب الهروية من أهل الْبَصْرَة، وَعبد ربه بن سعيد الْأنْصَارِيّ أَخُو يحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ، وَأَبُو سَلمَة بن عبد الرحمان بن عَوْف. وَحَدِيث أبي سَلمَة عَن أبي قَتَادَة مر فِي: بَاب من رأى النَّبِي وَفِي: بَاب الْحلم من الشَّيْطَان. وَأَبُو قَتَادَة الْأنْصَارِيّ فِي اسْمه أَقْوَال: فَقيل الْحَارِث، وَقيل النُّعْمَان، وَقيل عمر. قَوْله: فتمرضني بِضَم التَّاء من الْأَمْرَاض قَوْله: كنت لأرى الرُّؤْيَا كَذَا بِاللَّامِ فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي، وَفِي رِوَايَة غَيره بِدُونِ اللَّام، قَالَ بَعضهم: بِدُونِ اللَّام أولى. قلت: لَيْت شعري مَا وَجه الْأَوْلَوِيَّة قَوْله: فَلَا يحدث بِهِ إلاَّ من يحب أَي: من يُحِبهُ لِأَنَّهُ إِذا حدث بهَا من لَا يحب فقد يُفَسِّرهَا لَهُ بِمَا لَا يحب(24/168)
إِمَّا بغضاً وَإِمَّا حسداً، فقد يَقع على تِلْكَ الصّفة، والمحب لَا يعبرها إلاَّ بِخَير والعبارة لأوّل عَابِر. وَقَالَ الرُّؤْيَا لأوّل عَابِر، وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَة يَقُول: لَا تقص الرُّؤْيَا إلاَّ على عَالم أَو نَاصح. قَوْله: وليتفل أَي: ليبصق، وَذَاكَ لطرد الشَّيْطَان واستقذاره، من تفل بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة من فَوق وبالفاء يتفل بِضَم الْفَاء وَكسرهَا. قَوْله: ثَلَاثًا أَي: ثَلَاث مَرَّات. قَوْله: فَإِنَّهَا لن تضره قَالَ الدَّاودِيّ: يُرِيد مَا كَانَ من الشَّيْطَان، وَأما مَا كَانَ من الله من خير أَو شَرّ فَهُوَ وَاقع لَا محَالة.
7045 - حدّثنا إبْراهِيمُ بنُ حَمْزَةَ، حدّثني ابنُ أبي حازِمٍ والدَّرَاوَرْدِيُّ عنْ يَزِيدَ عنْ عَبْدِ الله بنِ خَبَّابٍ عنْ أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ أنَّهُ سَمِعَ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ إذَا رأى أحَدُكُمُ الرُّؤْيا يُحِبُّها فإنَّها مِنَ الله فَلْيَحْمِدَ الله عَلَيْها ولْيُحَدِّثْ بِها، وإذَا رأى غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَكْرَهُ فإنَّما هِيَ مِنَ الشَّيْطانِ، فلْيَسْتَعِذْ مِنْ شَرِّها ولاَ يَذْكُرْها لأحَدٍ فإنَّها لَنْ تَضُرَّهُ
انْظُر الحَدِيث 6985
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَإِبْرَاهِيم بن حَمْزَة أَبُو إِسْحَاق الزبير الْأَسدي الْمدنِي، يروي عَن عبد الْعَزِيز بن أبي حَازِم بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي، واسْمه سَلمَة بن دِينَار، والدراوردي عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد، وَقد تقدم فِي: بَاب الرُّؤْيَا من الله وَكَذَلِكَ الحَدِيث مضى فِيهِ.
47 - (بابُ مَنْ لَمْ يَرَ الرُّؤْيا لأِوَّلِ عابِرٍ إِذا لَمْ يُصِبْ)
أَي: هَذَا بَاب فِيهِ من لم ير إِلَى آخِره، وَقَالَ الْكرْمَانِي: الْمُعْتَبر فِي أَقْوَال العابرين قَول العابر الأول، فَيقبل إِذا كَانَ مصيباً فِي وَجه الْعبارَة، أما إِذا لم يصب فَلَا يقبل إِذْ لَيْسَ الْمدَار إلاَّ على إِصَابَة الصَّوَاب، فَمَعْنَى التَّرْجَمَة: من لم يعْتَقد أَن تَفْسِير الرُّؤْيَا هُوَ للعابر الأول إِذا كَانَ مخطئاً، وَلِهَذَا قَالَ للصديق: اخطأت بَعْضًا، كَأَنَّهُ يُشِير إِلَى حَدِيث أنس، قَالَ: قَالَ رَسُول الله فَذكر حَدِيثا فِيهِ: والرؤيا لأوّل عَابِر، وَهُوَ حَدِيث ضَعِيف فِيهِ يزِيد الرقاشِي وَلَكِن لَهُ شَاهد، أخرجه أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه بِسَنَد حسن، وَصَححهُ الْحَاكِم عَن أبي رزين الْعقيلِيّ، رَفعه: الرُّؤْيَا على رجل طَائِر مَا لم تعبر، فَإِذا عبرت وَقعت. لفظ أبي دَاوُد فِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ: سَقَطت. انْتهى. قلت: هَذَا الَّذِي قَالَه غير مُنَاسِب لِمَعْنى التَّرْجَمَة يفهمهُ من لَهُ أدنى إِدْرَاك وذوق.
6407 - حدّثنا يَحْياى بنُ بُكَيْرٍ، حدّثنا اللَّيْثُ، عنْ يُونُسَ، عنِ ابنِ شِهابٍ عنْ عُبَيْدِ الله بن عَبْدِ الله بنِ عُتْبَةَ أنَّ ابنَ عَبَّاسٍ، رَضِي الله عَنْهُمَا، كَانَ يُحَدِّث: أنَّ رَجُلاً أتَى رسولَ الله فَقَالَ: إنِّي رَأيْتُ اللَّيْلَةَ فِي المَنامِ ظُلةً تَنْطُفُ السَّمْنَ والعَسَل، فأراى النَّاسَ يَتَكَفَّفُونَ مِنْها، فالمُسْتَكْثِرُ والمُسْتَقِلُّ، وَإِذا سَبَبٌ واصِلٌ مِنَ السَّماءِ، إِلَى الأرْضِ فأراكَ أخَذْتَ بِهِ فعلَوْتَ، ثُمَّ أخَذَ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ فَعَلا بِه، ثُمَّ أخَذَ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ فانْقَطَعَ، ثُمَّ وُصِلَ. فَقَالَ أبُو بَكْرٍ: يَا رسولَ الله بِأبي أنْتَ، وَالله لَتَدَعَنِّي فأعْبُرَها. فَقَالَ النَّبِي اعْبُرْها قَالَ: أمَّا الظُّلَّةُ فالإسْلامُ، وأمَّا الّذِي يَنْطفُ مِنَ العَسَلِ والسَّمْنِ فالقُرْآنُ حَلاوَتُهُ تَنْطُفُ، فالمُسْتَكْثِرُ مِنَ القُرْآنِ والمُسْتَقِلُّ، وأمَّا السَّبَبُ الوَاصِلُ مِنَ السَّماءِ إِلَى الأرْضِ فالحَقُّ الّذِي أنْتَ عَلَيْهِ تَأْخُذُ بِهِ، فَيُعْلِيكَ الله، ثُمَّ يَأْخُذُ بِهِ رَجُلٌ مِنْ بَعْدِكَ فَيَعْلُو بِهِ، ثُمَّ يَأْخُذُ رَجُلٌ آخَرُ فَيَعْلُو بِهِ، ثُمَّ يَأْخُذُهُ رَجُلٌ آخَرُ فَيَنْقَطِعُ بِهِ، ثُمَّ يُوَصَّلُ لهُ فَيَعْلُو بِهِ، فأخْبِرْنِي يَا رسولَ الله بِأبي أنْتَ. أصَبْتُ(24/169)
أمْ أخْطَأتُ؟ قَالَ النبيُّ أصَبتَ بَعْضاً وأخْطَأْتَ بَعْضاً قَالَ: فَوالله يَا رسولَ الله لَتُحَدِّثنِّي بالّذِي أخْطَأْتُ.
قَالَ: لَا تُقْسِمْ 0 انْظُر الحَدِيث 7000
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من آخر الحَدِيث. وَأخرجه مُسلم فِي التَّعْبِير عَن حَرْمَلَة وَعَن آخَرين. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْأَيْمَان وَالنُّذُور عَن مُحَمَّد بن يحيى وَغَيره. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الرُّؤْيَا عَن مُحَمَّد بن مَنْصُور. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن يَعْقُوب بن حميد. قَوْله: ظلة بِضَم الظَّاء الْمُعْجَمَة أَي: سَحَابَة لَهَا ظلة وكل مَا أظل من سَقِيفَة وَنَحْوهَا يُسمى ظلة، قَالَه الْخطابِيّ، وَقَالَ ابْن فَارس: الظلة أول شَيْء يظل، وَفِي رِوَايَة ابْن مَاجَه: ظلة بَين السَّمَاء وَالْأَرْض. قَوْله: تنطف أَي: تقطر، من نطف المَاء إِذا سَالَ وَيجوز الضَّم وَالْكَسْر فِي الطَّاء. قَوْله: يَتَكَفَّفُونَ أَي: يَأْخُذُونَ بأكفهم، وَفِي رِوَايَة ابْن وهب: بِأَيْدِيهِم، وَفِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ: يستقون، أَي: يَأْخُذُونَ بالأسقية. قَوْله: فالمستكثر مَرْفُوع على الِابْتِدَاء وَخَبره مَحْذُوف أَي: فيهم المستكثر فِي الْأَخْذ أَي: يَأْخُذ كثيرا. قَوْله: والمستقل أَي: وَمِنْهُم المستقل فِي الْأَخْذ، أَي: يَأْخُذ قَلِيلا. قَوْله: سَبَب أَي: حَبل. قَوْله: وَاصل من الْوُصُول، وَقيل: هُوَ بِمَعْنى الْمَوْصُول كَقَوْلِه: {فَهُوَ فِى عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ} أَي: مرضية. قَوْله: فعلوت من الْعُلُوّ، وَفِي رِوَايَة سُلَيْمَان بن كثير: فأعلاك الله. قَوْله: ثمَّ أَخذ بِهِ كَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، ويروى: ثمَّ أَخذه. قَوْله: وصل على بِنَاء الْمَجْهُول، وَفِي رِوَايَة شَيبَان بن حُصَيْن: ثمَّ وصل لَهُ قَوْله: بِأبي أَنْت وَأمي أَي: مفدًى بهما، هَكَذَا فِي رِوَايَة معمر، وَفِي رِوَايَة غَيره: بِأبي، فَقَط. قَوْله: لتدعني بِفَتْح اللَّام للتَّأْكِيد أَي: لتتركني وَفِي رِوَايَة سُلَيْمَان: ائْذَنْ لي. قَوْله: فأعبرها فِي رِوَايَة ابْن وهب: فلأعبرنها، بِزِيَادَة لَام التَّأْكِيد وَالنُّون، وَمثله فِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ. قَوْله: اعبر أَمر من عبر يعبر. قَوْله: ثمَّ يَأْخُذ بِهِ رجل من بعْدك أَي: ثمَّ يَأْخُذ بالحبل رجل، وَهُوَ أَبُو بكر الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَيقوم بِالْحَقِّ فِي أمته بعده. قَوْله: ثمَّ يَأْخُذ رجل آخر فيعلو بِهِ وَهُوَ عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَوْله: ثمَّ يَأْخُذ بِهِ رجل آخر فَيَنْقَطِع بِهِ وَهُوَ عُثْمَان بن عَفَّان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَوْله: ثمَّ يُوصل لَهُ قَالَ الْمُهلب: الْخَطَأ فِيهِ حَيْثُ زَاد لَهُ والوصل لغيره وَكَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَن يقف حَيْثُ وقفت الرُّؤْيَا، وَيَقُول: ثمَّ يُوصل، على نَص الرُّؤْيَا وَلَا يذكر الْمَوْصُول لَهُ، وَمعنى كِتْمَانه مَوضِع الْخَطَأ لِئَلَّا يحزن النَّاس بالعارض لعُثْمَان فَهُوَ الرَّابِع الَّذِي انْقَطع لَهُ ثمَّ وصل أَي الْخلَافَة لغيره. وَقَالَ القَاضِي عِيَاض: قيل: خَطؤُهُ فِي قَوْله: ويوصل لَهُ وَلَيْسَ فِي الرُّؤْيَا إلاَّ أَنه: يُوصل، وَلَيْسَ فِيهَا: لَهُ وَلذَلِك لم توصل لعُثْمَان وَإِنَّمَا وصلت الْخلَافَة لعَلي، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. وَقَالَ بَعضهم: لَفْظَة: لَهُ، ثَابِتَة فِي رِوَايَة ابْن وهب وَغَيره، كلهم عَن يُونُس عِنْد مُسلم وَغَيره ثمَّ لفق الْكَلَام. وَقَالَ: الْمَعْنى أَن عُثْمَان كَاد أَن يَنْقَطِع بِهِ الْحَبل عَن اللحوق بصاحبيه بِسَبَب مَا وَقع لَهُ من تِلْكَ القضايا الَّتِي أنكروها، فَعبر عَنْهَا بِانْقِطَاع الْحَبل، ثمَّ وَقعت لَهُ الشَّهَادَة فاتصل بهم فَعبر عَنهُ بِأَن الْحَبل وصل لَهُ فاتصل فالتحق بهم انْتهى. قلت: هَذَا خلاف مَا يَقْتَضِيهِ معنى قَوْله: ثمَّ يُوصل لَهُ فيعلو بِهِ. قَوْله: فَأَخْبرنِي يَا رَسُول الله بِأبي يَعْنِي: أَنْت مفدى بِأبي. قَوْله: أصبت بَعْضًا وأخطأت بَعْضًا أما الَّذِي أصَاب فَهُوَ تَعْبِير أَن تكون الظلة نعْمَة الْإِسْلَام إِلَى قَوْله: ثمَّ يُوصل لَهُ. فيعلو بِهِ، وَأما الَّذِي أَخطَأ فَاخْتَلَفُوا فِيهِ، فَقَالَ الْمُهلب: مَوضِع الْخَطَأ فِي قَوْله: ثمَّ يُوصل لَهُ، وَقد ذَكرْنَاهُ الْآن، وَقَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ: الْخَطَأ هُوَ أَن الرجل لما قصّ على النَّبِي رُؤْيَاهُ كَانَ النَّبِي أَحَق بتعبيرها من غَيره، فَلَمَّا طلب أَبُو بكر تعبيرها كَانَ ذَلِك خطأ، وَهَذَا نَقله الْإِسْمَاعِيلِيّ عَن ابْن قُتَيْبَة وَوَافَقَهُ على ذَلِك جمَاعَة، وَتعقبه النَّوَوِيّ تبعا لغيره، فَقَالَ: هَذَا فَاسد لِأَنَّهُ قد أذن لَهُ فِي ذَلِك. فَقَالَ لَهُ: اعبر، قيل: فِيهِ نظر لِأَنَّهُ لم يَأْذَن لَهُ ابْتِدَاء بل بَادر هُوَ فَسَأَلَ أَن يَأْذَن لَهُ فِي تعبيرها، فَأذن لَهُ. فَقَالَ: أَخْطَأت فِي مبادرتك للسؤال بِأَن تتولى تعبيرها، لَا أَنه أَخْطَأت فِي تعبيرك. وَقيل: أَخطَأ فِي تَفْسِيره لَهَا بِحَضْرَة النَّبِي وَلَو كَانَ الْخَطَأ فِي التَّعْبِير لم يقره عَلَيْهِ. وَقَالَ الطَّحَاوِيّ: الْخَطَأ لكَونه الْمَذْكُور فِي الرُّؤْيَا شَيْئَيْنِ: الْعَسَل وَالسمن، ففسرهما بِشَيْء وَاحِد وَكَانَ يَنْبَغِي أَن يفسرهما بِالْقُرْآنِ وَالسّنة، وَقيل: المُرَاد بقوله: أَخْطَأت وأصبت، أَن تَعْبِير الرُّؤْيَا مرجعه الظَّن والظان يخطىء ويصيب. وَقَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: لم يبين رَسُول الله مَوضِع الْخَطَأ. فَلم تبينون أَنْتُم؟ . قلت: هَذِه احتمالات لَا جزم فِيهَا. أَو: لِأَنَّهُ كَانَ يلْزم فِي بَيَانه مفاسد للنَّاس وَالْيَوْم زَالَ ذَلِك. قَوْله: لَا تقسم قَالَ الدَّاودِيّ: أَي(24/170)
لَا تكَرر يَمِينك فَإِنِّي لَا أخْبرك. وَقيل: مَعْنَاهُ أَنَّك إِذْ تفكرت فِيمَا أَخْطَأت بِهِ عَلمته. وَقَالَ الْكرْمَانِي. فَإِن قلت: قد أَمر النَّبِي بإبرار الْقسم؟ . قلت: ذَلِك مَخْصُوص بِمَا لم تكن فِيهِ مفْسدَة وَهَاهُنَا لَو أبره لزم مفاسد مثل: بَيَان قتل عُثْمَان وَنَحْوه، أَو مِمَّا يجوز الِاطِّلَاع عَلَيْهِ بِأَن لَا يكون من أَمر الْغَيْب وَنَحْوه، أَو بِمَا لَا يسْتَلْزم توبيخاً على أحد بَين النَّاس بالإنكار مثلا، على مبادرته، أَو على ترك تعْيين الرِّجَال الَّذين يَأْخُذُونَ بِالسَّبَبِ، وَكَانَ فِي بَيَانه أعيانهم مفاسد. وَفِي التَّوْضِيح وَكَذَا إِذا أقسم على مَا لَا يجوز أَن يقسم عَلَيْهِ كشرب الْخمر والمعاصي فَفرض عَلَيْهِ ألاَّ يبره.
وَفِيه: جَوَاز فَتْوَى الْمَفْضُول بِحَضْرَة الْفَاضِل إِذا كَانَ مشاراً إِلَيْهِ بِالْعلمِ والإمامة. وَفِيه: أَن الْعَالم قد يخطىء وَقد يُصِيب.
48 - (بابُ تَعْبِير الرُّؤْيا بَعْدَ صَلاةِ الصُّبْحِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان تَعْبِير الرُّؤْيَا بعد صَلَاة الصُّبْح، قيل: فِيهِ إِشَارَة إِلَى ضعف مَا رَوَاهُ عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن سعيد بن عبد الرحمان عَن بعض عُلَمَائهمْ قَالَ: لَا تقصص رُؤْيَاك على امْرَأَة وَلَا تخبر بهَا حَتَّى تطلع الشَّمْس، وَفِيه إِشَارَة إِلَى الرَّد على من قَالَ من أهل التَّعْبِير: إِن الْمُسْتَحبّ أَن يكون التَّعْبِير من بعد طُلُوع الشَّمْس إِلَى الرَّابِعَة، وَمن الْعَصْر إِلَى قبل الْغُرُوب. فَإِن الحَدِيث يدل على اسْتِحْبَاب تعبيرها قبل طُلُوع الشَّمْس، وَقَالَ الْمُهلب مَا ملخصه: إِن تَعْبِير الرُّؤْيَا عِنْد صَلَاة الصُّبْح أولى من غَيره من الْأَوْقَات لحفظ صَاحبهَا لَهَا لقرب عَهده بهَا ولحضور ذهن العابر فِيمَا يَقُوله.
7047 - حدّثنا مُؤَمَّلُ بنُ هِشامٍ أبُو هِشامٍ، حدّثنا إسْماعِيلُ بنُ إبْراهِيمَ، حدّثنا عَوْفٌ، حدّثنا أبُو رَجاءٍ، حدّثنا سَمُرَةُ بنُ جُنْدبٍ، رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: كَانَ رسولُ الله مِمَّا يُكْثِرُ أنْ يَقُولَ لأصْحابِهِ: هَلْ رَأى أحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ رُؤْيا؟ قَالَ: فَيَقُصُّ عَلَيْهِ مَنْ شاءَ الله أنْ يَقُصَّ، وإنهُ قَالَ لَنا ذاتَ غداةٍ: إنّه أُتانِي اللَّيْلَةَ آتِيانِ، وإنَّهُما ابْتَعثانِي وإنَّهُما قَالَا لِي: انْطَلِقْ. وإنّي انْطَلَقْتُ مَعَهُما، وإنّا أتَيْنا عَلَى رَجُلٍ مُضْطَجِعٍ وَإِذا آخَرُ قائِمٌ عَلَيْهِ بِصَخْرَةٍ، وَإِذا هُوَ يهْوِي بِالصَّخْرَةِ لِرَأسِهِ فَيَثْلَغُ رَأسَهُ فَيَتَهَدْهَدُهُ الحَجَرُ هاهُنا، فَيَتْبَعُ الحَجَر فَيَأخُذُهُ فَلا يَرْجِعُ إليْهِ حتَّى يَصِحَّ رَأسُهُ كَمَا كانَ، ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ المَرَّةَ الأُولى. قَالَ: قُلْتُ لَهُما: سُبْحَانَ الله مَا هاذان؟ قَالَ: قَالَا لي: انْطَلِقْ انْطَلِقْ قَالَ: فانْطَلَقْنا فأتَيْنا عَلى رَجُلٍ مُسْتَلْقٍ لِقَفاهُ، وَإِذا آخَرُ قائِمٌ عَلَيْهِ بِكَلوبٍ مِنْ حَدِيدٍ، وَإِذا هُوَ يَأتِي أحدَ شِقّيْ وَجْهِهِ فَيُشَرْشِرُ شِدْقَةُ إِلَى قَفاهُ وَمَنْخِرَهُ إِلَى قَفاهُ وعَيْنَهُ إِلَى قَفاهُ قَالَ: ورُبَّما قَالَ أبُو رَجاءٍ فَيَشُقُّ قَالَ: ثُمَّ يَتَحَوَّلُ إِلَى الجانِبِ الآخَرِ فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ بِالجانِبِ الأوَّلِ، فَما يَفْرُغُ مِنْ ذَلِكَ الجانِبِ حتَّى يَصِحَّ ذالِكَ الجانِبُ كَمَا كانَ ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ، فَيَفْعَلُ مِثْلَ مَا فَعَلَ المرَّةَ الأولى، قَالَ: قُلْتُ: سُبْحانَ الله مَا هاذان؟ قَالَ: قَالَا لِي: انْطَلِقْ انْطَلقْ فانْطَلَقْنا فأتَينا عَلى مِثْل التَّنُّورِ قَالَ: فأحْسِبُ أنّهُ كَانَ يَقُولُ: فَإِذا فِيهِ لَغَطٌ وأصْوات قَالَ: فاطلَعْنا فِيهِ فَإِذا فِيهِ رِجالٌ ونِساءٌ عُراةٌ، وَإِذا هُمْ يَأْتِيهِمْ لَهَبٌ مِنْ أسْفَلَ مِنْهُمْ، فَإِذا أتاهُمْ ذالِكَ اللَّهَبُ ضَوْضَؤُوا. قَالَ: قُلْتُ لَهُما: مَا هاؤُلاءِ؟ قَالَ: قَالَا لِي: انْطَلقِ انْطَلِقْ قَالَ: فانْطَلَقْنا فأتَيْنا عَلى نَهَرٍ حَسِبْتُ أنّهُ كَانَ يَقُولُ أحْمَرَ مِثْلِ الدَّمِ، وَإِذا فِي النَّهَر رجُلٌ سابِحٌ يَسْبَحُ وَإِذا عَلى شَطِّ النَّهَرِ رَجُلٌ قَدْ جَمَعَ عِنْدَهُ حِجارةً كَثِيرَةً، وَإِذا ذالِكَ السَّابِح يَسْبَحُ مَا يَسْبَحُ ثُمَّ يَأْتِي ذالِكَ الَّذِي قَدْ جَمَعَ عِنْدَهُ الحِجارَةَ فَيَفْغَرُ لهُ فاهُ فَيُلْقِمُهُ حَجراً، فَيَنْطَلِقُ يَسْبَحُ(24/171)
ثُمَّ يَرْجِعُ إلَيْهِ كُلَّما رَجَعَ إلَيْهِ فَغَرَ لهُ فاهُ، فألْقَمَهُ حَجَراً. قَالَ: قُلْتُ لَهُما: مَا هاذان؟ قَالَ: قَالَا لي: انْطَلِقِ انْطَلِقْ قَالَ: فانْطَلَقْنا فأتَيْنا عَلى رَجُلٍ كَرِيهِ المَرْآةِ كأكْرَهِ مَا أنْتَ راءٍ رَجُلاً مَرْآةً، وَإِذا عِنْدَهُ نارٌ يَحُشُّها ويَسْعاى حَوْلَها، قَالَ: قُلْتُ لَهُما: مَا هاذا؟ قَالَ: قَالَا لي: انْطَلِقِ انْطَلِقِ فانْطَلَقْنا فأتَيْنا عَلى رَوْضَةٍ مُعْتَمِةٍ فِيها مِنْ كُلِّ نُوْرِ الرَّبِيعِ، وَإِذا بَيْنَ ظَهْرَيِ الرَّوْضَةِ رَجُلٌ طَوِيلٌ لَا أكادُ أراى رَأسَهُ طُولاً فِي السَّماءِ، وَإِذا حَوْل الرَّجُلِ مِنْ أكْثَرِ وِلْدانٍ رَأيْتُهُمْ قَطُّ. قَالَ: قُلْتُ لَهُما: مَا هاذا؟ مَا هاؤلاءِ؟ قَالَ: قَالَا لِي: انْطَلِقِ انْطَلِقْ قَالَ: فانْطَلَقْنا فانْتهَيْنا إِلَى رَوْضَةٍ عَظِيمةٍ لَمْ أرَ رَوْضَةً قَطُّ أعْظَمَ مِنْها وَلَا أحْسَنَ. قَالَ: قَالَا لِي: ارْقَهْ فِيها. قَالَ: فارْتَقَيْنا فِيها فانْتَهَيْنا إِلَى مَدِينَةٍ مَبْنِيةٍ بِلَبِنِ ذَهَبٍ ولَبِنِ فِضةٍ، فأتيْنا بابَ المَدِينَةِ فاسْتَفْتَحْنا فَفُتِحَ لَنا، فَدَخَلْناها فَتَلقانا فِيهَا رِجالٌ شَطْرٌ مِنْ خَلْقِهِمْ كأحْسَنِ مَا أنْتَ راءٍ، وشَطْرٌ كأقْبَحِ مَا أنْتَ راءٍ، قَالَ: قَالَا لَهُمُ: اذْهَبُوا فَقَعُوا فِي ذَلِكَ النَّهَرِ، قَالَ: وإذَا نَهَرٌ مُعْتَرِضٌ يَجْرِي كأنَّ ماءَهُ المَحْضُ فِي البَياضِ، فَذَهَبُوا فَوَقَعُوا فِيهِ ثُمَّ رَجَعُوا إلَيْنا قَدْ ذَهَبَ ذَلِكَ السُّوءِ عنْهُمْ، فَصارُوا فِي أحْسَنِ صُورَةٍ، قَالَ: قَالَا لِي: هَذِهِ جَنَّةُ عَدْنَ، هاذَاكَ مَنْزِلُكَ. قَالَ: فَسَما بَصَرِي صُعُداً فَإِذا قَصْرٌ مِثْلُ الرَّبابَةِ البَيْضاءِ، قَالَ: قَالَا لِي: هاذَاكَ مَنْزِلُكِ، قَالَ: قُلْتُ لَهُما: بارِكَ الله فِيكُما ذراني فأدخُلهُ، قَالَا: أمَّا الآنَ فَلاَ، وأنْتَ داخِلُهُ. قَالَ: قُلْتُ لَهُما: فإنِّي قَدْ رَأيْتُ مُنْذُ اللَّيْلَةِ عَجَباً، فَما هاذا الّذِي رَأيْتُ؟ قَالَ: قَالَا لي: أما إنّا سَنُخْبِرُكَ: أمَّا الرَّجُلُ الأوَّلُ الّذِي أتيْتَ عَلَيْهِ يُثلَغْ رأسَهُ بالحَجَرِ فإنَّهُ الرَّجُلُ يأخُذُ القُرْآنَ فَيَرْفُضُهُ ويَنامُ عنِ الصَّلاةِ المَكْتُوبَةِ، وأمَّا الرَّجُلُ الّذِي أتَيْتَ عَلَيْهِ يُشَرْشَرُ شِدْقُهُ إِلَى قَفاهُ ومنْخِرُهُ إِلَى قَفَاهُ وعَيْنُهُ إِلَى قَفَاهُ فإنَّهُ الرَّجُلُ يَغْدُو مِنْ بَيْتِه فَيكْذِبُ الكَذْبَةَ تَبْلُغُ الآفاقَ، وأمّا الرِّجالُ والنِّساءُ العُرَاةُ الّذِينَ فِي مِثْلِ بِناءِ التَّنُّورِ فإنّهُمُ الزُّناةُ والزَّواني، وأمّا الرجُلُ الذِي أتَيْتَ عَلَيْهِ يَسْبَحُ فِي النَّهَرِ ويُلْقَمُ الحَجَرَ فإنّهُ آكِلُ الرِّبا، وأمَّا الرَّجُلُ الكَريةُ المَرْأةِ الّذِي عِنْدَ النَّار، يَحْشُّها ويَسعَى حَوْلَها، فإنَّهُ مالِكٌ خازِنُ جَهنَّم، وأمَّا الوِلْدَانُ الّذِينَ حَوْلَهُ فَكُلُّ مَوْلُودٍ ماتَ عَلى الفِطْرَةِ قَالَ: فَقَالَ بَعْضُ المُسْلِمِينَ: يَا رسولَ الله وأوْلادُ المُشْرِكِينَ؟ فَقَالَ رسولُ الله وأوْلاَدُ المُشْرِكِينَ وأمَّا القَوْمُ الَّذِينَ كانُوا شَطْرٌ مِنْهُمْ حَسَناً وشَطْرٌ مِنْهُمْ قَبِيحاً فإنَّهُمْ قَوْمٌ خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وآخَرَ سَيِّئاً تَجاوَزَ الله عَنْهُمْ
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: ذَات غَدَاة لِأَن الْغَدَاة مَا قبل طُلُوع الشَّمْس. قَالَ الْجَوْهَرِي: الغدوة مَا بَين صَلَاة الْغَدَاة وطلوع الشَّمْس، وَلَفظ: ذَات، مقحم أَو هُوَ من إِضَافَة الْمُسَمّى إِلَى اسْمه.
ومؤمل على وزن مُحَمَّد ابْن هِشَام أَبُو هَاشم، كَذَا لأبي ذَر عَن بعض مشايخه، وَقَالَ: الصَّوَاب أَبُو هِشَام، وَكَذَا هُوَ عِنْد غير أبي ذَر، وَهُوَ مِمَّن وَافق كنيته اسْم أَبِيه وَهُوَ ختن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم الْمَشْهُور بِابْن علية اسْم أمه وَهُوَ الَّذِي يروي عَنهُ مُؤَمل الْمَذْكُور، وعَوْف هُوَ الْمَشْهُور بالأعرابي،(24/172)
وَأَبُو رَجَاء بِفَتْح الرَّاء وَالْجِيم المخففة اسْمه عمرَان العطاردي، وَالرِّجَال كلهم بصريون.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ مقطعاً فِي الصَّلَاة وَفِي الْجِنَازَة وَفِي الْبيُوع وَفِي الْجِهَاد وَفِي بَدْء الْخلق وَفِي صَلَاة اللَّيْل فِي الْأَدَب عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل وَفِي الصَّلَاة وَفِي أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء وَفِي التَّفْسِير وَهنا عَن مُؤَمل، وَلم يُخرجهُ تَاما إلاَّ هُنَا وَفِي أَوَاخِر كتاب الْجَنَائِز. وَأخرجه مُسلم فِي الرُّؤْيَا عَن مُحَمَّد بن بشار مُخْتَصرا. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن بنْدَار بِهِ مُخْتَصرا. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن مُحَمَّد بن عبد الْأَعْلَى وَفِي التَّفْسِير عَن بنْدَار بأكثره، وَقد مضى الْكَلَام فِي أَكْثَره فِي كتاب الْجَنَائِز، ولنذكر هُنَا شرح الْأَلْفَاظ الَّتِي لم تذكر هُنَاكَ.
قَوْله حَدثنَا مُؤَمل بن هِشَام وَفِي رِوَايَة غير أبي ذَر. حَدثنِي. قَوْله: كَانَ رَسُول الله مِمَّا يكثر أَن يَقُول لأَصْحَابه وَفِي رِوَايَة أبي ذَر عَن الْكشميهني: كَانَ رَسُول الله يَعْنِي مِمَّا يكثر، وَله عَن غَيره بِإِسْقَاط: يَعْنِي، كَذَا وَقع عِنْد البَاقِينَ. وَفِي رِوَايَة النَّسَفِيّ: مِمَّا يَقُول لأَصْحَابه، وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: قَوْله: مِمَّا يكثر خبر: كَانَ وَمَا مَوْصُولَة، وَيكثر صلته، وَأَن يَقُول فَاعل يكثر. قَوْله: هَل رأى أحد مِنْكُم هُوَ الْمَقُول. قَوْله: فيقص بِفَتْح الْيَاء وَضم الْقَاف، يُقَال: قصصت الرُّؤْيَا على فلَان إِذا أخْبرته بهَا أقصها قصاً، والقص الْبَيَان. قَوْله: من شَاءَ الله هَكَذَا فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ، وَفِي رِوَايَة غَيره: مَا شَاءَ الله، وَكلمَة: من، للقاص، وَكلمَة: مَا، للمقصوص. قَوْله: اللَّيْلَة بِالنّصب على الظَّرْفِيَّة. قَوْله: آتيان تَثْنِيَة: آتٍ، من الْإِتْيَان ويروى: اثْنَان من التَّثْنِيَة، وَعند ابْن أبي شيبَة: اثْنَان أَو آتيان، بِالشَّكِّ وَفِي رِوَايَة جرير: رَأَيْت رجلَيْنِ، وَفِي رِوَايَة عَليّ: رَأَيْت ملكَيْنِ، وَسَيَأْتِي فِي آخر الحَدِيث أَنَّهُمَا: جِبْرِيل وَمِيكَائِيل، عَلَيْهِمَا السَّلَام. قَوْله: ابتعثاني بِسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَبعد الْعين الْمُهْملَة ثاء مُثَلّثَة أَي: أرسلاني. قَالَ الْجَوْهَرِي: يُقَال: بعثته وابتعثته أَرْسلتهُ، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: انبعثا بِي، بنُون سَاكِنة وياء مُوَحدَة. قَوْله: مُضْطَجع وَفِي رِوَايَة جرير: مستلق على قَفاهُ. قَوْله: وَإِذا آخر أَي: وَإِذا رجل آخر، وَكلمَة: إِذْ، للمفاجأة. قَوْله: بصخرة وَفِي رِوَايَة جرير: بفهر أَو صَخْرَة. قَوْله: يهوي بِفَتْح الْيَاء وَسُكُون الْهَاء وَكسر الْوَاو من هوى بِالْفَتْح يهوي هوياً أَي: سقط إِلَى أَسْفَل، وَضَبطه ابْن التِّين بِضَم الْيَاء من الإهواء، يُقَال: أَهْوى من بعد وَهوى بِفَتْح الْوَاو من قرب. قَوْله: فيثلغ بِفَتْح الْيَاء وَسُكُون الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَفتح اللَّام، وبالغين الْمُعْجَمَة أَي: يشدخ والشدخ كسر الشَّيْء الأجوف، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: الثلغ ضربك الشَّيْء الرطب بالشَّيْء الْيَابِس حَتَّى يتشدخ. قَوْله: فيتدهده الْحجر أَي: ينحط من علو إِلَى أَسْفَل، يُقَال: تدهده يتدهده، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: فيتدأدأ، بهمزتين بدل الهاءين، وَفِي رِوَايَة النَّسَفِيّ: فيتدهدأ، بِهَمْزَة فِي آخِره بدل الْهَاء، وَالْكل بِمَعْنى. قَوْله: هَاهُنَا أَي: إِلَى جِهَة الضَّارِب. قَوْله: حَتَّى يَصح رَأسه وَفِي رِوَايَة جرير: حَتَّى يلتئم، وَعند أَحْمد: عَاد رَأسه كَمَا كَانَ، وَفِي حَدِيث عَليّ، رَضِي الله عَنهُ: فَيَقَع دماغه جانباً وَتَقَع الصَّخْرَة جانباً، قَوْله: ثمَّ يعود عَلَيْهِ وَفِي رِوَايَة جرير: يعود إِلَيْهِ. قَوْله: انْطلق انْطلق كَذَا فِي الْمَوَاضِع كلهَا بالتكرير، وَسقط فِي بعض الرِّوَايَات التّكْرَار، وَأما فِي رِوَايَة جرير، فَلَيْسَ فِيهَا: سُبْحَانَ الله، فِيهَا: انْطلق، مرّة وَاحِدَة. قَوْله: بكلوب بِفَتْح الْكَاف وَضم اللَّام الْمُشَدّدَة، وَجَاء الضَّم فِي الْكَاف، وَيُقَال: الْكلاب وَالْجمع كلاليب وَهُوَ المنشال من حَدِيد ينشل بهَا اللَّحْم من الْقدر، وَقَالَ الدَّاودِيّ: هُوَ كالسكين وَنَحْوهَا. قَوْله: فيشرشر شدقه إِلَى قَفاهُ أَي: يقطعهُ، والشدق جَانب الْفَم، وَقَالَ صَاحب الْعين شرشره قطع شرشره وشق أَيْضا. قَوْله: أَبُو رَجَاء هُوَ رَاوِي الحَدِيث، أَرَادَ: أَن أَبَا رَجَاء قَالَ: يشق شدقه. قَوْله: مثل التَّنور وَفِي رِوَايَة مُحَمَّد بن جَعْفَر: مثل بِنَاء التَّنور، وَزَاد جرير: أَعْلَاهُ ضيق وأسفله وَاسع. قَوْله: لغط أَي: جلبة وصيحة لَا يفهم مَعْنَاهَا. قَوْله: لَهب هُوَ لِسَان النَّار، وَقَالَ الدَّاودِيّ: هُوَ شدَّة الوقيد والاشتعال. قَوْله: حسبت أَنه كَانَ يَقُول: أَحْمَر مثل الدَّم وَفِي رِوَايَة جرير بن حَازِم: على نهر من دم، وَلم يقل: حسبت. قَوْله: يسبح أَي: يعوم. قَوْله: ضوضؤوا أَي: ضجوا وصاحوا. قَالَ الْكرْمَانِي: ضوضؤوا بِفَتْح المعجمتين وَسُكُون الواوين بِلَفْظ الْمَاضِي، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: هُوَ غير مَهْمُوز أَصله: ضوضوا استثقلت الضمة على الْوَاو فحذفت فَاجْتمع ساكنان فحذفت الْوَاو الأولى لِاجْتِمَاع الساكنين، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: ضوضوا، وَضبط بِالْهَمْزَةِ أَي: ضجوا واستغلوا، والضوضأة: أصوات(24/173)
النَّاس وغلبتهم وَهُوَ مصدر. قَوْله: يفغر لَهُ فَاه أَي: يَفْتَحهُ، يُقَال: فغر فَاه وفغر فوه يتَعَدَّى وَلَا يتَعَدَّى، ومادته: فَاء وغين مُعْجمَة وَرَاء. قَوْله: فيلقمه بِضَم الْيَاء من الإلقام. قَوْله: كلما رَجَعَ إِلَيْهِ وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي: كَمَا رَجَعَ إِلَيْهِ فغر لَهُ فَاه، أَي: فتح. قَوْله: كريه الْمرْآة بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الرَّاء وهمزة ممدودة بعْدهَا هَاء تَأْنِيث أَي: كريه المنظر، وَأَصلهَا المراية تحركت الْيَاء وَانْفَتح ماقبلها فقلبت ألفا، ووزنها: مفعلة بِفَتْح الْمِيم، والمرآة بِكَسْر الْمِيم الْآلَة الَّتِي ينظر فِيهَا. قَوْله: يحشها بِفَتْح الْيَاء وَضم الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الشين الْمُعْجَمَة. أَي: يحركها لتتقد، يُقَال: حشيت النَّار أحشها حَشا، إِذا أوقدتها وجمعت الْحَطب إِلَيْهَا، وَحكى فِي الْمطَالع بِضَم أَوله من الإحشاش، وَفِي رِوَايَة جرير بن حَازِم: يحششها، بِسُكُون الْحَاء وَضم الشين الْمُعْجَمَة المكررة، وَيسْعَى حولهَا أَي: حول النَّار. قَوْله: معتمة بِضَم الْمِيم وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وَكسر التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَتَخْفِيف الْمِيم بعْدهَا هَاء تَأْنِيث، ويروى بِفَتْح التَّاء وَتَشْديد الْمِيم: من أعتم النبت إِذا كثر، وَقَالَ الدَّاودِيّ: أعتمت الرَّوْضَة غطاها الخصب، وَأورد ابْن بطال: مغنة، فَقَط بالغين الْمُعْجَمَة وَالنُّون، ثمَّ قَالَ ابْن دُرَيْد: وأدغن ومغن إِذا كثر شَجَره، وَلَا يعرف الْأَصْمَعِي الأغن وَحده، وَقَالَ صَاحب الْعين رَوْضَة غناء كَثِيرَة العشب والذباب: وقرية غناء كَثِيرَة الْأَهْل. قَوْله: من كل نور الرّبيع بِفَتْح النُّون وَهُوَ نور الشّجر أَي: زهره، ونورت الشَّجَرَة أخرجت نورها. وَقَوله: نور الرّبيع رِوَايَة الْكشميهني: وَفِي رِوَايَة غَيره: من كل لون الرّبيع، بِالْوَاو وَالنُّون. قَوْله: بَين ظَهْري الرَّوْضَة تَثْنِيَة ظهر، وَفِي رِوَايَة يحيى بن سعيد: بَين ظهراني الرَّوْضَة، مَعْنَاهُمَا وَسطهَا. قَوْله: طولا نصب على التَّمْيِيز. قَوْله: وَإِذا حول الرجل من أَكثر ولدان رَأَيْتهمْ قطّ قَالَ الطَّيِّبِيّ شيخ شَيْخي: أصل هَذَا الْكَلَام، وَإِذا حول الرجل ولدان مَا رَأَيْت ولداناً قطّ أَكثر مِنْهُم، وَنَظِيره قَوْله بعد ذَلِك: لم أر رَوْضَة قطّ أعظم مِنْهَا، وَلما كَانَ هَذَا التَّرْكِيب متضمناً معنى النَّفْي جَازَت زِيَادَة: من وقط، الَّتِي تخْتَص بالماضي الْمَنْفِيّ. وَقَالَ ابْن مَالك: جَاءَ اسْتِعْمَال قطّ فِي الْمُثبت فِي هَذِه الرِّوَايَة وَهُوَ جَائِز، وغفل أَكْثَرهم عَن ذَلِك فخصوه بالماضي الْمَنْفِيّ. وَقَالَ الْكرْمَانِي: يحْتَمل أَنه اكْتفي بالمنفي الَّذِي لزم من التَّرْكِيب إِذْ مَعْنَاهُ: مَا رَأَيْته أَكثر من ذَلِك، أَو يُقَال: إِن النَّفْي مُقَدّر. قَوْله: إِلَى رَوْضَة وَفِي رِوَايَة أَحْمد وَالنَّسَائِيّ وَأبي عوَانَة والإسماعيلي: إِلَى دَرَجَة، وَهِي الشَّجَرَة الْكَبِيرَة. قَوْله: ارقه أَمر من رقى يرقى، وَالْهَاء فِيهِ للسكت. قَوْله: إِلَى مَدِينَة من مدن بِالْمَكَانِ إِذا أَقَامَ بِهِ على وزن فعيلة وَيجمع على مَدَائِن بِالْهَمْزَةِ، وَقيل: هِيَ مفعلة من دنت أَي: ملكت، فعلى هَذَا لَا يهمز جمعهَا فَإِذا نسبت إِلَى مَدِينَة الرَّسُول قلت: مدنِي وَإِلَى مَدِينَة مَنْصُور قلت: مديني، وَإِلَى مَدِينَة كسْرَى قلت: مدايني. قَوْله: بِلَبن ذهب بِفَتْح اللَّام وَكسر الْبَاء جمع لبنة وَهِي من الطين النيء. قَوْله: شطر أَي: نصف من خلقهمْ بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون اللَّام بعْدهَا قَاف أَي: هيئتهم. قَوْله: شطر مُبْتَدأ وَقَوله: كأحسن خَبره، وَالْكَاف زَائِدَة وَالْجُمْلَة صفة رجال. قَوْله: فقعوا بِفَتْح الْقَاف وَضم الْعين أَمر للْجَمَاعَة بالوقوع أَصله: أوقعوا، لِأَنَّهُ من وَقع يَقع حذفت الْوَاو تبعا لحذفها فِي الْمُضَارع، واستغني عَن الْهمزَة فَبَقيَ: قعوا، على وزن: علوا، فَافْهَم. قَوْله: معترض أَي: يجْرِي عرضا. قَوْله: الْمَحْض بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْحَاء الْمُهْملَة وبالضاد الْمُعْجَمَة هُوَ اللَّبن الْخَالِص من المَاء حلواً كَانَ أَو حامضاً، وَقد بَين جِهَة التَّشْبِيه بقوله: فِي الْبيَاض هَكَذَا رِوَايَة النَّسَفِيّ، والإسماعيلي: فِي الْبيَاض، وَفِي رِوَايَة غَيرهمَا: من الْبيَاض، قَوْله: فَذهب ذَلِك السوء عَنْهُم أَي: صَار الشّطْر الْقَبِيح كالشطر الْحسن، فَلذَلِك قَالَ: فصاروا فِي أحسن صُورَة. قَوْله: جنَّة عدن أَي: إِقَامَة وَأَشَارَ بقوله هَذِه إِلَى الْمَدِينَة. قَوْله: فسما بَصرِي بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْمِيم أَي: نظر إِلَى فَوق. قَوْله: صعداً بِضَم الْمُهْمَلَتَيْنِ أَي: ارْتَفع كثيرا، قَالَ الْكرْمَانِي صعداً بِمَعْنى صاعداً، وَقيل: صعداً، بِضَم الصَّاد وَفتح الْعين الْمُهْمَلَتَيْنِ وبالمد، وَمِنْه: تنفس الصعداء، أَي: تنفس تنفساً ممدوداً، وَكَذَا ضَبطه ابْن التِّين. قَوْله: فَإِذا قصر كلمة: إِذْ، للمفاجاة. قَوْله: مثل الربابة بِفَتْح الرَّاء وَتَخْفِيف الباءين الموحدتين وَهِي السحابة الْبَيْضَاء، وَقَالَ الْخطابِيّ: السحابة الَّتِي ركب بَعْضهَا بَعْضًا. وَقَالَ صَاحب الْعين الربَاب السَّحَاب وَاحِدهَا ربابة، وَيُقَال: إِنَّه السَّحَاب الَّذِي ترَاهُ كَأَنَّهُ دون السَّحَاب قد يكون أَبيض وَقد يكون أسود: وَقَالَ الدَّاودِيّ: الربابة السحابة الْبَعِيدَة فِي السَّمَاء. قَوْله: ذراني أَي: دَعَاني واتركاني، وَهُوَ بِفَتْح الذَّال الْمُعْجَمَة(24/174)
وَتَخْفِيف الرَّاء أَمر للاثنين من: يذر، أَصله يوذر حذفت الْوَاو لوقوعها بَين الْيَاء والكسرة وَالْأَمر مِنْهُ: ذَر، وَأَصله أوذر، حدفت الْوَاو مِنْهُ تبعا لحذفها فِي الْمُضَارع واستغني عَن الْهمزَة فَقيل: ذَر، على وزن: فل وأميت ماضي هَذَا الْفِعْل فَلَا يُقَال: وذر. قَوْله: فَأدْخلهُ جَوَاب الْأَمر، وَيجوز فِي اللَّام النصب وَالرَّفْع والجزم: أما النصب فعلى تَقْدِير: أَن أدخلهُ، وَأما الرافع فعلى تَقْدِير أَنا أدخلهُ، وَأما الْجَزْم فَلِأَنَّهُ جَوَاب الْأَمر. وَفِي غَالب النّسخ أدخلهُ بِدُونِ الْفَاء. قَوْله: وَأَنت دَاخله يَعْنِي فِي الْمُسْتَقْبل، وَفِي رِوَايَة جرير بن حَازِم: قلت دَعَاني أَدخل منزلي. قَالَا: إِنَّه بَقِي لَك عمر لم تستكمله، فَلَو استكملت أتيت مَنْزِلك. قَوْله: أما إِنَّا سنخبرك كلمة: أما، بِفَتْح الْهمزَة وَتَخْفِيف الْمِيم و: إِنَّا، بِكَسْر الْهمزَة وَتَشْديد النُّون. قَوْله: فيرفضه بِكَسْر الْفَاء وَقيل بضَمهَا أَي: يتْركهُ وَلما رفض أشرف الْأَشْيَاء وَهُوَ الْقُرْآن عُوقِبَ فِي أشرف أَعْضَائِهِ. قَوْله: يَغْدُو أَي: يخرج من بَيته مبكراً فيكذب الكذبة تبلغ الْآفَاق وَفِي رِوَايَة جرير بن حَازِم: مَكْذُوب يحدث بالكذبة تحمل عَنهُ حَتَّى تبلغ الْآفَاق، فيصنع بِهِ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة. قَوْله: العراة جمع عَار قَوْله: والزناة جمع زَان، ومناسبة العري لَهُم لاستحقاقهم أَن يفضحوا لِأَن عَادَتهم أَن يستتروا بالخلوة فعوقبوا بالهتك، وَالْحكمَة فِي الْعَذَاب لَهُم من تَحْتهم كَون جنايتهم وَمن أعضائهم السُّفْلى. قَوْله: الَّذِي عِنْده النَّار هَكَذَا فِي رِوَايَة الْكشميهني عِنْده، وَفِي رِوَايَة غَيره: الَّذِي عِنْد النَّار. قَوْله: وَأما الرجل وَفِي رِوَايَة جرير ابْن حَازِم: وَالشَّيْخ فِي أصل الشَّجَرَة إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ السَّلَام، وَإِنَّمَا اخْتصَّ إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ السَّلَام، بذلك لِأَنَّهُ أَبُو الْمُسلمين. قَالَ تَعَالَى {وَجَاهِدُوا فِى اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكمْ فِى الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِى هَاذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُواْ الصَّلَواةَ وَءَاتُواْ الزَّكَواةَ وَاعْتَصِمُواْ بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ} قَوْله: مَوْلُود مَاتَ على الْفطْرَة وَفِي رِوَايَة النَّضر بن شُمَيْل: ولد على الْفطْرَة، وَهُوَ أشبه بقوله فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: وَأَوْلَاد الْمُشْركين، وَقد مضى الْكَلَام فِي هَذَا الْفَصْل فِي كتاب الْجَنَائِز. قَوْله: الَّذين كَانُوا شطر مِنْهُم حسنا يرفع شطر وَنصب حسنا كَذَا فِي رِوَايَة غير أبي ذَر، وَوَجهه أَن: كَانَ، تَامَّة وَالْجُمْلَة حَال، وَإِن كَانَ بِدُونِ الْوَاو كَقَوْلِه تَعَالَى: {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِى الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: الَّذين كَانُوا شطراً مِنْهُم حسن، وَوَجهه ظَاهر، وَفِي رِوَايَة النَّسَفِيّ والإسماعيلي بِالرَّفْع فِي الْجَمِيع، وَعَلِيهِ اقْتصر الْحميدِي فِي جمعه. وَزَاد جرير بن حَازِم فِي رِوَايَته: وَالدَّار الأولى الَّتِي دخلت دَار عَامَّة الْمُؤمنِينَ، وَهَذِه الدَّار دَار الشُّهَدَاء، وَأَنا جِبْرِيل وَهَذَا مِيكَائِيل.
{بِسم الله الرحمان الرحين}
92 - (كتابُ الفِتَنِ)
أَي: هَذَا كتاب فِي بَيَان الْفِتَن بِكَسْر الْفَاء جمع فتْنَة وَهِي المحنة والفضيحة وَالْعَذَاب، وَيُقَال: أصل الْفِتْنَة الاختبار ثمَّ اسْتعْملت فِيمَا أخرجته المحنة، والاختبار إِلَى الْمَكْرُوه ثمَّ أطلقت على كل مَكْرُوه وآيل إِلَيْهِ كالكفر وَالْإِثْم والفضيحة والفجور وَغير ذَلِك، وَفِي بعض النّسخ: الْبَسْمَلَة ذكرت بعد قَوْله: كتاب الْفِتَن وَهِي رِوَايَة كَرِيمَة والأصيلي.
1 - (بابُ مَا جاءَ فِي قَوْلِ الله تَعَالَى: {وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُو اْ أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} )
أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر مَا جَاءَ ... إِلَى آخِره، ذكر أَحْمد فِي تَفْسِيره وَهُوَ مَا عزاهُ إِلَيْهِ ابْن الْجَوْزِيّ فِي حدائقه حَدثنَا أسود حَدثنَا جرير سَمِعت الْحسن قَالَ: قَالَ الزبير بن الْعَوام، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: نزلت هَذِه الْآيَة وَنحن متوافرون مَعَ رَسُول الله فَجعلنَا نقُول: مَا هَذِه الْفِتْنَة؟ وَمَا نشعر أَنَّهَا تقع حَيْثُ وَقعت. وَعنهُ أَنه قَالَ يَوْم الْجمل لما لَقِي مَا لَقِي: مَا توهمت أَن هَذِه الْآيَة نزلت فِينَا أَصْحَاب مُحَمَّد الْيَوْم، وَقَالَ الضَّحَّاك: هِيَ فِي أَصْحَاب مُحَمَّد خَاصَّة. وَقَالَ ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا: أَمر الله الْمُؤمنِينَ أَن لَا يقرُّوا مُنْكرا بَين ظُهُورهمْ، وَأَنْذرهُمْ بِالْعَذَابِ، وَقيل: إِنَّه تعم الظَّالِم وَغَيره، وَقَالَ الْمبرد: إِنَّهَا نهي بعد نهي لأمر الْفِتْنَة، وَالْمعْنَى فِي النَّهْي للظالمين أَن لَا يقربُوا الظُّلم، وروى الطَّبَرِيّ من طَرِيق الْحسن الْبَصْرِيّ قَالَ: قَالَ الزبير: لقد خوفنا بِهَذِهِ الْآيَة وَنحن مَعَ رَسُول الله وَمَا ظننا أَن خصصنا بهَا. وَأخرجه(24/175)
النَّسَائِيّ من هَذَا الْوَجْه. وَأخرجه الطَّبَرِيّ من طَرِيق السّديّ قَالَ: نزلت فِي أهل بدر خَاصَّة فَأَصَابَتْهُمْ يَوْم الْجمل.
وَمَا كانَ النبيُّ يُحَذِّرُ مِنَ الفِتَنِ
عطف على مَا قبله أَي: وَفِي بَيَان مَا كَانَ النَّبِي يحذر أَصْحَابه من الْفِتَن، ويحذر من التحذير، وَأَشَارَ بِهَذَا إِلَى مَا تضمنته أَحَادِيث الْبَاب من الْوَعيد على التبديل والإحداث.
7048 - حدّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله، حدّثنا بِشْرُ بنُ السَّرِيِّ، حدّثنا نافِعُ بنُ عُمَرَ عنِ ابنِ أبي مُلَيْكَةَ قَالَ: قالَتْ أسْماءُ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: أَنا عَلى حَوْضِي أنْتَظِرُ مَنْ يَرِدُ عَلَيَّ فَيُؤْخَذُ بِناسٍ مِنْ دُونِي فأقُولُ: أُمَّتِي فَيَقُولُ: لَا تَدْرِي مَشَوْا عَلى القَهْقَرَى.
قَالَ ابنُ أبي مُلَيْكَةَ: اللَّهُمَّ إنّا نَعُوذُ بِكَ أنْ نَرْجِعَ عَلى أعْقابِنا أَو نُفْتَنَ.
انْظُر الحَدِيث 6593
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من معنى الحَدِيث.
وَعلي بن عبد الله هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ. وَبشر بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة ابْن السّري بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَكسر الرَّاء وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف الْبَصْرِيّ سكن مَكَّة وَكَانَ يلقب بالأفوه ثِقَة كَانَ صَاحب مواعظ وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ سوى هَذَا الْموضع، وَنَافِع بن عمر بن عبد الله الْقرشِي من أهل مَكَّة، وَقَالَ أَبُو دَاوُد: مَاتَ سنة تسع وَسِتِّينَ وَمِائَة، وَابْن أبي مليكَة اسْمه عبد الله وَاسم أبي مليكَة زُهَيْر، وَكَانَ عبد الله قَاضِي مَكَّة أَيَّام عبد الله بن الزبير، وَأَسْمَاء بنت أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا.
والْحَدِيث مضى فِي ذكر الْحَوْض عَن سعيد بن أبي مَرْيَم، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: أَنا على حَوْضِي يَعْنِي: يَوْم الْقِيَامَة. قَوْله: انْتظر من يرد عَليّ بتَشْديد الْيَاء أَي: من يحضرني ليشْرب. قَوْله: من دوني أَي: من عِنْدِي. قَوْله: فَيَقُول أَي: فَيَقُول الله عز وَجل، ويروى: فَيُقَال. قَوْله: لَا تَدْرِي خطاب للنَّبِي قَوْله: مَشوا على الْقَهْقَرَى والقهقرى مَقْصُور وَهُوَ الرُّجُوع إِلَى خلف، فَإِذا قلت: رجعت الْقَهْقَرَى، كَأَنَّك قلت: رجعت الرُّجُوع الَّذِي يعرف بِهَذَا الِاسْم. لِأَن الْقَهْقَرَى ضرب من الرُّجُوع. وَقَالَ الْأَزْهَرِي: معنى الحَدِيث الارتداد عَمَّا كَانُوا عَلَيْهِ. قَوْله: أَو نفتن على صِيغَة الْمَجْهُول.
7049 - حدّثنا مُوسَى بنُ إسْماعِيلَ، حدّثنا أبُو عَوَانَةَ، عنْ مُغِيرَةَ، عنْ أبي وائِلٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ الله: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنا فَرَطُكُمْ عَلى الحَوْضِ، لَيُرْفَعَنَّ إليَّ رِجالٌ مِنْكُمْ، حتَّى إذَا أهْوَيْتُ لأناوِلَهُمُ اخْتُلِجُوا دُونِي: فأقُولُ: أيْ رَبِّ أصْحابي فَيَقُولُ: لَا تَدْرِي مَا أحْدَثُوا بَعْدَكَ
انْظُر الحَدِيث 6575 وطرفه
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأَبُو عوَانَة بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة الوضاح الْيَشْكُرِي، ومغير بِضَم الْمِيم وَكسرهَا ابْن الْمقسم بِكَسْر الْمِيم الضَّبِّيّ الْكُوفِي، وَأَبُو وَائِل شَقِيق بن سَلمَة، وَعبد الله هُوَ ابْن مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
والْحَدِيث مضى فِي ذكر الْحَوْض عَن عَمْرو بن عَليّ.
قَوْله: فَرَطكُمْ بِفَتْح الْفَاء وَالرَّاء وبالطاء الْمُهْملَة أَي: أَنا أتقدمكم، والفرط من يتَقَدَّم الواردين فيهيىء لَهُم الإرشاء والدلاء وَعدد الْحِيَاض ويسقي لَهُم، وَهُوَ على وزن فعل بِمَعْنى فَاعل كَبيع بِمَعْنى بَائِع. قَوْله: ليرفعن على صِيغَة الْمَجْهُول الْمُؤَكّد بالنُّون الثَّقِيلَة. قَوْله: إِذا أهويت أَي: ملت وامتددت. قَوْله: اختلجوا على صِيغَة الْمَجْهُول أَي: سلبوا من عِنْدِي. يُقَال: خلجه واختلجه إِذا جذبه وانتزعه. قَوْله: مَا أَحْدَثُوا أَي: من الْأُمُور الَّتِي لَا يرى الله بهَا، وَجَمِيع أهل الْبدع وَالظُّلم والجور داخلون فِي معنى هَذَا الحَدِيث.
7049 - حدّثنا مُوسَى بنُ إسْماعِيلَ، حدّثنا أبُو عَوَانَةَ، عنْ مُغِيرَةَ، عنْ أبي وائِلٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ الله: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنا فَرَطُكُمْ عَلى الحَوْضِ، لَيُرْفَعَنَّ إليَّ رِجالٌ مِنْكُمْ، حتَّى إذَا أهْوَيْتُ لأناوِلَهُمُ اخْتُلِجُوا دُونِي: فأقُولُ: أيْ رَبِّ أصْحابي فَيَقُولُ: لَا تَدْرِي مَا أحْدَثُوا بَعْدَكَ
انْظُر الحَدِيث 6575 وطرفه
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأَبُو عوَانَة بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة الوضاح الْيَشْكُرِي، ومغير بِضَم الْمِيم وَكسرهَا ابْن الْمقسم بِكَسْر الْمِيم الضَّبِّيّ الْكُوفِي، وَأَبُو وَائِل شَقِيق بن سَلمَة، وَعبد الله هُوَ ابْن مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
والْحَدِيث مضى فِي ذكر الْحَوْض عَن عَمْرو بن عَليّ.
قَوْله: فَرَطكُمْ بِفَتْح الْفَاء وَالرَّاء وبالطاء الْمُهْملَة أَي: أَنا أتقدمكم، والفرط من يتَقَدَّم الواردين فيهيىء لَهُم الإرشاء والدلاء وَعدد الْحِيَاض ويسقي لَهُم، وَهُوَ على وزن فعل بِمَعْنى فَاعل كَبيع بِمَعْنى بَائِع. قَوْله: ليرفعن على صِيغَة الْمَجْهُول الْمُؤَكّد بالنُّون الثَّقِيلَة. قَوْله: إِذا أهويت أَي: ملت وامتددت. قَوْله: اختلجوا على صِيغَة الْمَجْهُول أَي: سلبوا من عِنْدِي. يُقَال: خلجه واختلجه إِذا جذبه وانتزعه. قَوْله: مَا أَحْدَثُوا أَي: من الْأُمُور الَّتِي لَا يرى الله بهَا، وَجَمِيع أهل الْبدع وَالظُّلم والجور داخلون فِي معنى هَذَا الحَدِيث.
7050 - حدّثنا يِحْياى بنُ بُكَيرٍ، حدّثنا يَعْقُوبُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمانِ، عنْ أبي حازمِ قَالَ: سَمِعْتُ سَهْلَ بنَ سَعْدٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ النبيَّ يَقُولُ أَنا فَرَطُكُمْ عَلى الحَوْضِ، مَنْ وَرَدَهُ شَربَ(24/176)
مِنْهُ ومَنْ شَرِبَ مِنْهُ لَمْ يَظْمَأْ بَعْدَهُ أبَداً، لَيَرِدُ عَليَّ أقْوَامٌ أعْرِفُهُمْ ويَعْرِفُونِي، ثُمَّ يُحال بَيْنِي وبَيْنَهُمْ قَالَ أبُو حازِمٍ: فَسَمِعَنِي النُّعْمانُ بنُ أبي عَيَّاشٍ وَأَنا أُحَدِّثُهُمْ هاذا، فَقَالَ: هاكَذَا سَمِعْتَ سَهْلاً؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: وَأَنا أشْهَدُ عَلى أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ لَسَمِعْتُهُ، يَزِيدُ فِيهِ قَالَ: إنَّهُمْ مِنِّي فَيُقَالُ: إنَّكَ لَا تَدرِي مَا بَدَّلُوا بَعْدَكَ. فأقُولُ: سُحْقاً سُحْقاً لِمَنْ بَدَّلَ بَعْدِي
انْظُر الحَدِيث 6584
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَيحيى بن بكير هُوَ يحيى بن عبد الله بن بكير المَخْزُومِي الْمصْرِيّ، وَيَعْقُوب بن عبد الرحمان بن مُحَمَّد بن عبد الله الْقَارِي من قارة حَيّ من الْعَرَب أَصله مدنِي سكن الْإسْكَنْدَريَّة، وَأَبُو حَازِم بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي سَلمَة بن دِينَار، والنعمان بن أبي عَيَّاش بتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالشين الْمُعْجَمَة وَاسم أبي عَيَّاش زيد بن الصَّامِت الزرقي الْأنْصَارِيّ الْمدنِي، وَسَهل بن سعد الْأنْصَارِيّ السَّاعِدِيّ.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي فضل النَّبِي عَن قُتَيْبَة.
قَوْله من ورده شرب وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: من ورده يشرب قَوْله: لم يظمأ قيل: هُوَ كِنَايَة عَن أَنه يدْخل الْجنَّة لِأَنَّهُ صفة من يدخلهَا. وَقَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: قَالَ أَولا: من ورده شرب، وآخراً: ليردن عليّ أَقوام. ثمَّ يُحَال؟ قلت: الْوُرُود فِي الأول إِنَّمَا هُوَ على الْحَوْض، وَفِي الثَّانِي عَلَيْهِ قلت: فِيهِ نظر لَا يخفى. قَوْله: مَا بدلُوا وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: مَا أَحْدَثُوا. وَاعْلَم أَن حَال هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورين إِن كَانُوا من ارْتَدُّوا عَن الْإِسْلَام فَلَا إِشْكَال فِي تبري النَّبِي مِنْهُم وإبعادهم، وَإِن كَانُوا مِمَّن لم يرتدوا وَلَكِن أَحْدَثُوا مَعْصِيّة كَبِيرَة من أَعمال الْبدن أَو بِدعَة من أَعمال الْقلب فقد أجابوا بِأَنَّهُ يحْتَمل أَنه أعرض عَنْهُم وَلم يسمع لَهُم اتبَاعا لأمر الله فيهم حَتَّى يعاقبهم على جنايتهم، ثمَّ، لَا مَانع من دُخُولهمْ فِي عُمُوم شَفَاعَته لأهل الْكَبَائِر من أمته فَيخْرجُونَ عِنْد إِخْرَاج الْمُوَحِّدين من النَّار. قَوْله: سحقاً أَي: بعدا، وَكرر لفظ سحقاً من سحق الشَّيْء بِالضَّمِّ فَهُوَ سحيق أَي: بعيد، وأسحقه الله أَي أبعده.
2
- (بابُ قَوْلِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (سَتَرَوْنَ بَعْدِي أمُوراً تُنْكِرُونَها)) 2.
أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر قَول النَّبِي إِلَى آخِره، وَهَذِه التَّرْجَمَة بعض متن الحَدِيث الَّذِي يَأْتِي فِي أَحَادِيث الْبَاب.
وَقَالَ عَبْدُ الله بنُ زَيْدٍ: قَالَ النبيُّ اصْبِرُوا حتَّى تَلْقَوْنِي عَلى الحَوْضِ
عبد الله بن زيد بن عَاصِم الْأنْصَارِيّ العاصمي. وَحَدِيثه هَذَا طرف من حَدِيث وَصله البُخَارِيّ فِي غَزْوَة حنين من كتاب الْمَغَازِي.
7052 - حدّثنا مُسَدَّدٌ، حدّثنا يَحْياى بنُ سَعيدٍ القَطَّانُ، حدّثنا الأعْمَشُ، حَدثنَا زَيْدُ بنُ وهْبٍ سَمِعْتُ عَبْدَ الله قَالَ: قَالَ لَنا رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إنَّكُمْ سَتَرَوْنَ بَعْدِي أثَرَةً وأُمُوراً تُنْكِرُونَها قالُوا: فَما تأمُرُنا يَا رسولَ الله؟ قَالَ: أدُّوا إلَيْهِمْ حَقَّهُمْ وسَلُوا حَقَّكُمْ
انْظُر الحَدِيث 3603
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَيحيى بن سعيد الْقطَّان، وَالْأَعْمَش سُلَيْمَان، وَزيد بن وهب أَبُو سُلَيْمَان الْهَمدَانِي الْجُهَنِيّ الْكُوفِي من قضاعة خرج إِلَى النَّبِي فَقبض النَّبِي وَهُوَ فِي الطَّرِيق، وَعبد الله هُوَ ابْن مَسْعُود.
والْحَدِيث مضى فِي عَلَامَات النُّبُوَّة عَن مُحَمَّد بن كثير، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: أَثَرَة بِفَتْح الْهمزَة والثاء الْمُثَلَّثَة: الاستئثار فِي الحظوظ الدُّنْيَوِيَّة وَالِاخْتِيَار لنَفسِهِ والاختصاص بهَا. قَوْله: وأموراً تنكرونها يَعْنِي: من أُمُور الدّين وَسَقَطت الْوَاو فِي: وأموراً فِي بضع الرِّوَايَات فعلى هَذَا يكون أموراً تنكرونها بَدَلا من: أَثَرَة. قَوْله: أَدّوا إِلَيْهِم حَقهم أَي: أَدّوا الْأُمَرَاء حَقهم أَي: الَّذِي لَهُم الْمُطَالبَة بِهِ، وَوَقع فِي رِوَايَة الثَّوْريّ: تؤدون الْحُقُوق الَّتِي عَلَيْكُم، أَي: بذل المَال الْوَاجِب فِي الزَّكَاة، وَالنَّفس الْوَاجِب فِي الْخُرُوج إِلَى الْجِهَاد عِنْد التَّعْيِين وَنَحْوه. قَوْله: وسلوا الله حقكم قَالَ الدَّاودِيّ: سلوا الله أَن يَأْخُذ لكم حقكم ويقيض(24/177)
لكم من يُؤَدِّيه إِلَيْكُم. وَقَالَ زيد: يسالون الله سرّاً لأَنهم إِذْ سالوه جَهرا كَانَ سبّاً للولاة وَيُؤَدِّي إِلَى الْفِتْنَة.
7053 - حدّثنا مُسَدَّدٌ عنْ عبْدِ الوَارِثِ، عنِ الجَعْدِ، عنْ أبي رجاءٍ، عنِ ابنِ عبَّاسٍ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَنْ كَرِهَ مِنْ أمِيرهِ شَيْئاً فَلْيَصْبِرْ فإنَّه مَنْ خَرَجَ مِنَ السُّلْطانِ شِبْراً ماتَ ميتَةً جاهِليَّةً
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من معنى الحَدِيث.
وَعبد الْوَارِث هُوَ ابْن سعيد والجعد بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة هُوَ أَبُو عُثْمَان الصَّيْرَفِي، وَأَبُو رَجَاء بِالْجِيم عمرَان العطاردي.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ فِي الْأَحْكَام أَيْضا عَن سُلَيْمَان بن حَرْب. وَأخرجه مُسلم فِي الْمَغَازِي عَن حسن بن الرّبيع وَغَيره.
قَوْله: من خرج من السُّلْطَان أَي: من طَاعَته. قَوْله: فليصبر يَعْنِي فليصبر على ذَلِك الْمَكْرُوه، وَلَا يخرج عَن طَاعَته لِأَن فِي ذَلِك حقن الدِّمَاء وتسكين الْفِتْنَة إلاّ أَن يكفر الإِمَام وَيظْهر خلاف دَعْوَة الْإِسْلَام فَلَا طَاعَة لمخلوق عَلَيْهِ. وَفِيه: دَلِيل على أَن السُّلْطَان لَا يَنْعَزِل بِالْفِسْقِ وَالظُّلم وَلَا تجوز منازعته فِي السلطنة بذلك. قَوْله: شبْرًا أَي: قدر شبر وَهُوَ كِنَايَة عَن خُرُوجه، وَلَو كَانَ بِأَدْنَى شَيْء. قَالَ بَعضهم: شبْرًا كِنَايَة عَن مَعْصِيّة السُّلْطَان ومحاربته، وَقَالَ صَاحب التَّوْضِيح شبْرًا يَعْنِي فِي الْفِتْنَة الَّتِي يكون فِيهَا بعض الْمَكْرُوه. قلت: فِي كل من التفسيرين بعد وَالْأَوْجه مَا ذَكرْنَاهُ. قَوْله: مَاتَ ميتَة بِكَسْر الْمِيم كالجلسة لِأَن بَاب فعلة بِالْكَسْرِ للحالة وبالفتح للمرة. قَوْله: جَاهِلِيَّة أَي: كموت أهل الْجَاهِلِيَّة حَيْثُ لم يعرفوا إِمَامًا مُطَاعًا، وَلَيْسَ المُرَاد أَنه يَمُوت كَافِرًا بل أَنه يَمُوت عَاصِيا.
7054 - حدّثنا أبُو النُّعْمانِ، حدّثنا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، عنِ الجَعْدِ أبي عُثْمانَ، حدّثني أبُو رجاءٍ العُطارِدِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ ابنَ عبَّاسٍ، رَضِي الله عَنْهُمَا عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَنْ رأى مِنْ أمِيرِهِ شَيْئاً يَكْرَهُهُ فَلْيَصْبِرْ عَليْه، فإنَّهُ مَنْ فارَقَ الجَماعَةَ شِبْراً فَماتَ إلاّ ماتَ مِيتَةً جاهِليَّةً
انْظُر الحَدِيث 7053 وطرفه
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس الْمَذْكُور أخرجه عَن أبي النُّعْمَان مُحَمَّد بن الْفضل بن النُّعْمَان السدُوسِي الْبَصْرِيّ إِلَى آخِره.
قَوْله: فَإِنَّهُ فَإِن الشان من فَارق الْجَمَاعَة إِلَى آخِره، قيل: المُرَاد بالمفارقة السَّعْي فِي حل عقد الْبيعَة الَّتِي حصلت لذَلِك الْأَمِير وَلَو بِأَدْنَى شَيْء، فكنى عَنْهَا بِمِقْدَار الشبر، لِأَن الْأَخْذ فِي ذَلِك يؤول إِلَى سفك الدِّمَاء بِغَيْر حق. قَوْله: فَمَاتَ إلاَّ مَاتَ ميتَة جَاهِلِيَّة وَقَالَ الْكرْمَانِي مَا ملخصه: إِن إلَّا زَائِدَة قَالَ الْأَصْمَعِي: إلاَّ تقع زَائِدَة أَو تكون حرف عطف وَمَا بعْدهَا يكون مَعْطُوفًا على مَا قبلهَا.
7055 - حدّثنا إسْماعِيل، حدّثني ابنُ وهْبٍ عنْ عَمْرٍ و، عنْ بُكَيْرٍ، عنْ بُسْرِ بنِ سَعِيدٍ عنْ جُنادَةَ بنِ أبي أمَيَّةَ قَالَ: دَخَلْنا عَلى عُبادَةَ بنِ الصَّامِتِ وهْوَ مرِيضٌ، فَقُلْنا: أصْلَحَكَ الله حَدِّثْ بِحَدِيثِ يَنْفَعُكَ الله بِهِ سَمِعْتَهُ مِنَ النبيِّ قَالَ: دَعَانَا النبيُّ فَبَايَعَنا. فَقَالَ: فِيما أخَذَ عَلَيْنا أنْ بايَعَنا عَلى السَّمْعِ والطَّاعَةِ فِي مَنْشَطِنا ومكْرَهِنا، وعُسْرِنا ويُسْرِنا، وأثَرَةٍ عَلَيْنا، وأنْ لَا نُنازِعَ الأمْرَ أهْلَهُ إلاَّ أنْ تَرَوْا كُفْراً بَوَاحاً عِنْدَكُمْ مِنَ الله فِيهِ بُرْهانٌ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من معنى الحَدِيث. وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن أبي أويس، وَابْن وهب هُوَ عبد الله بن وهب الْمصْرِيّ، وَعَمْرو هُوَ ابْن الْحَارِث، وَبُكَيْر مصغر بكر هُوَ ابْن عبد الله بن الْأَشَج، وَبسر بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة ابْن سعيد مولى الْحَضْرَمِيّ من أهل الْمَدِينَة، وجنادة بِضَم الْجِيم وَتَخْفِيف النُّون ابْن أبي أُميَّة الدوسي، وَقيل: السدُوسِي، وَهُوَ الصَّوَاب وَاسم أبي أُميَّة كثير، مَاتَ جُنَادَة سنة سبع وَسِتِّينَ.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْمَغَازِي عَن أَحْمد بن عبد الرحمان.
قَوْله: وَهُوَ(24/178)
مَرِيض الْوَاو فِيهِ للْحَال. قَوْله: فَقُلْنَا: أصلحك الله يحْتَمل أَنه أَرَادَ الدُّعَاء بالصلاح فِي جِسْمه ليعافى من مَرضه أَو أَعم من ذَلِك، وَهِي كلمة اعتادوها عِنْد افْتِتَاح الطّلب. قَوْله: فَبَايعْنَا بِفَتْح الْعين أَي: فَبَايعْنَا رَسُول الله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسلم، وَلَفظ: بَايع، مَاض وفاعله الضَّمِير الَّذِي فِيهِ: ونا، مَفْعُوله ويروى: فَبَايعْنَا، بِإِسْكَان الْعين أَي: فَبَايعْنَا نَحن رَسُول الله
قَوْله: فَقَالَ: فِيمَا أَخذ علينا أَي: فِيمَا اشْترط علينا. قَوْله: أَن بَايعنَا بِفَتْح الْعين وَكلمَة: أَن، بِفَتْح الْهمزَة مفسرة. قَوْله: على السّمع وَالطَّاعَة أَي: لله وَلِرَسُولِهِ قَوْله: فِي منشطنا بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون النُّون وَفتح الشين الْمُعْجَمَة أَي: فِي حَالَة نشاطنا، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: المنشط، مفعل من النشاط وَهُوَ الْأَمر الَّذِي ينشط لَهُ ويخف إِلَيْهِ ويؤثر فعله، وَهُوَ مصدر بِمَعْنى النشاط. قَوْله: ومكرهنا أَي: ومكروهنا. وَقَالَ الدَّاودِيّ: أَي فِي الْأَشْيَاء الَّتِي تكرهونها. قلت: الْمُكْره أَيْضا مصدر وَهُوَ مَا يكره الْإِنْسَان ويشق عَلَيْهِ. قَوْله: وعسرنا ويسرنا أَي: فِي حَالَة الْعسر وَحَالَة الْيُسْر. قَوْله: وأثرة علينا بِفَتْح الْهمزَة والثاء الْمُثَلَّثَة أَي: على استئثار الْأُمَرَاء بحظوظهم واختصاصهم إِيَّاهَا بِأَنْفسِهِم. وَحَاصِل الْكَلَام: أَن طواعيتهم لمن يتَوَلَّى عَلَيْهِم لَا يتَوَقَّف على إيصالهم حُقُوقهم، بل عَلَيْهِم الطَّاعَة وَلَو مَنعهم حَقهم. قَوْله: وَأَن لَا ننازع الْأَمر أَهله عطف على قَوْله: أَن بَايعنَا وَالْمرَاد بِالْأَمر الْملك والإمارة، وَزَاد أَحْمد من طَرِيق عُمَيْر بن هانىء عَن جُنَادَة: وَإِن رَأَيْت أَن لَك فِي الْأَمر حَقًا فَلَا تعْمل بذلك الرَّأْي، بل اسْمَع وأطع إِلَى أَن يصل إِلَيْك بِغَيْر خُرُوج عَن الطَّاعَة. قَوْله: إِلَّا أَن تروا كفرا أَي: بَايعنَا قَائِلا: إلاَّ أَن تروا مِنْهُم مُنْكرا محققاً تعلمونه من قَوَاعِد الْإِسْلَام، إِذْ عِنْد ذَلِك تجوز الْمُنَازعَة بالإنكار عَلَيْهِم. وَقَالَ النَّوَوِيّ: المُرَاد بالْكفْر هُنَا الْمعاصِي، وَقَالَ الْكرْمَانِي: الظَّاهِر أَن الْكفْر على ظَاهره، وَالْمرَاد من النزاع الْقِتَال. قَوْله: بواحاً بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَخْفِيف الْوَاو وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة أَي: ظَاهرا بادياً من قَوْلهم: باح بالشَّيْء يبوح بِهِ بوحاً وبواحاً إِذا أذاعه وأظهره، وَأنكر ثَابت فِي الدَّلَائِل بواحاً وَقَالَ: إِنَّمَا يجوز بوحاً، بِسُكُون الْوَاو، وبؤاحاً، بِضَم الْبَاء والهمزة الممدودة، وَقَالَ النَّوَوِيّ: هُوَ فِي مُعظم النّسخ من مُسلم بِالْوَاو وَفِي بَعْضهَا بالراء، وَقَالَ الْخطابِيّ: من رَوَاهُ بالراء فَهُوَ قريب من هَذَا الْمَعْنى، وأصل البراح الأَرْض القفراء الَّتِي لَا أنيس فِيهَا وَلَا بِنَاء. وَقيل: البراح الْبَيَان، يُقَال: برح الخفاء إِذا ظهر، وَوَقع فِي رِوَايَة حبَان أبي النَّضر: إلاَّ أَن يكون مَعْصِيّة لله بوحاً، وَوَقع عِنْد الطَّبَرَانِيّ من رِوَايَة أَحْمد بن صَالح عَن ابْن وهب فِي هَذَا الحَدِيث: كفرا صراحاً، بِضَم الصَّاد الْمُهْملَة ثمَّ بالراء. قَوْله: برهَان أَي: نَص آيَة أَو خبر صَحِيح لَا يحْتَمل التَّأْوِيل، وَقَالَ الدَّاودِيّ: الَّذِي عَلَيْهِ الْعلمَاء فِي أُمَرَاء الْجور أَنه إِن قدر على خلعه بِغَيْر فتْنَة وَلَا ظلم وَجب، وإلاَّ فَالْوَاجِب الصَّبْر، وَعَن بَعضهم: لَا يجوز عقد الْولَايَة لفَاسِق ابْتِدَاء، فَإِن أحدث جوراً بعد أَن كَانَ عدلا اخْتلفُوا فِي جَوَاز الْخُرُوج عَلَيْهِ، وَالصَّحِيح الْمَنْع إلاَّ أَن يكفر فَيجب الْخُرُوج عَلَيْهِ.
7057 - حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ عَرْعَرَةَ، حَدثنَا شُعْبَةُ، عنْ قَتادَةَ، عنْ أنسِ بنِ مالِكٍ، عنْ أسَيْدِ بنِ حُضَيْرٍ أنَّ رَجُلاً أتَى النبيَّ فَقَالَ: يَا رَسُول الله اسْتَعْمَلْتَ فُلاَناً ولَمْ تَسْتَعْمِلْنِي؟ قَالَ: إنَّكُمْ سَتَرَوْنَ بَعْدِي أثَرَةً فاصْبِرُوا حتَّى تَلْقَوْني.
انْظُر الحَدِيث 3792
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من مَعْنَاهُ.
وَمُحَمّد بن عرْعرة الْقرشِي الْبَصْرِيّ، وَأسيد مصغر أَسد وحضير بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح الضَّاد الْمُعْجَمَة ابْن سماك بن عتِيك أبي عبيد الْأنْصَارِيّ الأشْهَلِي.
والْحَدِيث مضى فِي فَضَائِل الْأَنْصَار عَن بنْدَار، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: اسْتعْملت فلَانا أَي: قلدته عملا. قَوْله: إِنَّكُم سَتَرَوْنَ إِلَى آخِره. قَالَ الدَّاودِيّ: هُوَ كَلَام يَنْفِي بعضه وَهُوَ كَلَام لَيْسَ من الأول إلاَّ أَنه أخبر عَن هَذَا الرجل مِمَّن يرى الأثرة وأوصاهم بِالصبرِ، وَقَالَ صَاحب التَّوْضِيح إِنَّه كَلَام وَإنَّهُ جَوَاب لما ذكر. انْتهى. قلت: هَذَا لَيْسَ بِشَيْء، وَكَيف هُوَ جَوَاب يُطَابق كَلَام الرجل بل الَّذِي يُقَال: إِن غَرَضه أَن اسْتِعْمَال فلَان لَيْسَ لمصلحته خَاصَّة، بل لَك وَلِجَمِيعِ الْمُسلمين، نعم نصير بعدِي الاستعمالات خَاصَّة فَيصدق(24/179)
أَنه لفُلَان وَلَيْسَ لي فظهرت الْمُطَابقَة، هَذَا كَلَام الْكرْمَانِي، وتحرير الْكَلَام أَن جَوَابه، للرجل عَن طلب الْولَايَة بقوله: قَوْله: سَتَرَوْنَ بعدِي أَثَرَة إِرَادَة نفي ظَنّه أَنه أثر الَّذِي ولاه عَلَيْهِ، فَبين لَهُ أَن ذَلِك لَا يَقع فِي زَمَانه، وَأَنه لم يخص الرجل بذلك لذاته بل لعُمُوم مصلحَة الْمُسلمين، وَأَن الاستئثار للحظ الدنيوي إِنَّمَا يَقع بعده وَأمرهمْ عِنْد وُقُوع ذَلِك بِالصبرِ.
3 - (بابُ قَوْلِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (هَلاَكُ أُمَّتي عَلى يَدَيْ أُغَيْلِمَةٍ سُفَهاءَ))
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ قَول النَّبِي إِلَى آخِره، وَفِي بعض النّسخ من قُرَيْش، وَهُوَ فِي رِوَايَة أبي ذَر، وَلم يَقع لغيره، وروى أَحْمد وَالنَّسَائِيّ من رِوَايَة سماك عَن أبي ظَالِم عَن أبي هُرَيْرَة بِلَفْظ: إِن فَسَاد أمتِي على يَدي غلمة سُفَهَاء من قُرَيْش. قَوْله: أغيلمة تَصْغِير غلمة جمع غُلَام، وَوَاحِد الْجمع المصغر: غليم، بِالتَّشْدِيدِ يُقَال للصَّبِيّ من حِين يُولد إِلَى أَن يَحْتَلِم غُلَام، وَجمعه غلْمَان وغلمة وأغيلمة، وَقد يُطلق لفظ غُلَام على الرِّجَال المستحكم الْقُوَّة تَشْبِيها لَهُ بالغلام فِي قوته. وَقَالَ ابْن الْأَثِير: المُرَاد بالأغيلمة هُنَا الصّبيان، وَلذَلِك صغرهم.
7058 - حدّثنا مُوسَى بنُ إسْماعِيلَ، حدّثنا عَمْرُو بنُ يَحْيى بنِ سَعِيدِ بنِ عَمْرِو بنِ سَعيدٍ قَالَ أَخْبرنِي جَدِّي قَالَ: كُنْتُ جالِساً مَع أبي هُرَيْرَةَ فِي مَسْجِدِ النبيِّ بِالمَدِينةِ ومَعَنا مرْوَانُ، قَالَ أبُو هُرَيْرَةَ: سَمِعْتُ الصَّادِقَ المَصْدُوقَ يَقُولُ: هَلَكَةُ أمَّتِي عَلى يَدَيْ غِلْمَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ فَقَالَ مَرْوَانُ: لَعْنَةُ الله عَليْهِمْ غِلْمةً، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: لوْ شِئْتُ أنْ أقُولَ بَنِي فُلانٍ وبَني فُلاَنٍ لَفَعَلْتُ، فَكُنْتُ أخْرُجُ مَعَ جَدِّي إِلَى بَنِي مَرْوَانَ حِينَ مَلَكُوا بالشَّأمِ، فإذَا رآهُمْ غِلْماناً أحْدَاثاً قَالَ لَنا عَسَى هاؤُلاَءِ أنْ يَكُونُوا مِنْهُمْ، قُلْنا: أنْتَ أعْلَمُ.
انْظُر الحَدِيث 3604 وطرفه
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة فِي قَوْله: هلكة أمتِي على يَدي غلمة وَلَكِن لَيْسَ فِي الحَدِيث لفظ: سُفَهَاء، قَالَ الْكرْمَانِي: لَعَلَّه بوب ليستذكره فَلم يتَّفق لَهُ، أَو أَشَارَ إِلَى أَنه ثَبت فِي الْجُمْلَة لكنه لَيْسَ بِشَرْطِهِ. قلت: قد ذكرنَا الْآن لفظ: سُفَهَاء، عِنْد أَحْمد وَالنَّسَائِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي عَلَامَات النُّبُوَّة عَن أَحْمد بن مُحَمَّد الْمَكِّيّ. أخرجه مُسلم.
قَوْله: أَخْبرنِي جدي هُوَ سعيد بن عَمْرو بن سعيد بن الْعَاصِ بن أُميَّة. وَعمر بن سعيد هُوَ الْمَعْرُوف بالأشدق قَتله عبد الْملك بن مَرْوَان لما خرج عَلَيْهِ بِدِمَشْق بعد السّبْعين. قَوْله: كنت جَالِسا مَعَ أبي هُرَيْرَة كَانَ ذَلِك زمن مُعَاوِيَة. قَوْله: ومعنا مَرْوَان هُوَ ابْن الحكم بن الْعَاصِ بن أُميَّة الَّذِي ولي الْخلَافَة، وَكَانَ يَلِي لمعاوية إمرة الْمَدِينَة تَارَة، وَسَعِيد بن الْعَاصِ وَالِد عمر، ويليها لمعاوية تَارَة. قَوْله: الصَّادِق المصدوق أَي: الصَّادِق فِي نَفسه والمصدوق من عِنْد الله، أَو بِمَعْنى الْمُصدق من عِنْد النَّاس. قَوْله: هلكة أمتِي الهلكة بِفتْحَتَيْنِ بِمَعْنى الْهَلَاك، وَفِي رِوَايَة: إِكْمَال هَلَاك أمتِي، قَالَ بَعضهم: هُوَ المطابق للتَّرْجَمَة. قلت: إِذا كَانَ الهلكة بِمَعْنى الْهَلَاك يحصل الْمُطَابقَة وَالْمرَاد بالأمة هُنَا أهل ذَلِك الْعَصْر وَمن قاربهم لَا جَمِيع الْأمة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة. قَوْله: على يَدي غلمة كَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين بالتثنية، وَفِي رِوَايَة السَّرخسِيّ والكشميهني: على أَيدي، بِالْجمعِ. قَوْله: لعنة الله عَلَيْهِم غلمة بِنصب: غلمة، على الِاخْتِصَاص، وَفِي رِوَايَة عبد الصَّمد: لعنة الله عَلَيْهِم من أغيلمة، وَالْعجب من لعن مَرْوَان الغلمة الْمَذْكُورين مَعَ أَن الظَّاهِر أَنهم من وَلَده، فَكَأَن الله تَعَالَى أجْرى ذَلِك على لِسَانه ليَكُون أَشد فِي الْحجَّة عَلَيْهِم لَعَلَّهُم يتعظون، وَقد وَردت أَحَادِيث فِي لعن الحكم وَالِد مَرْوَان وَمَا ولد، أخرجهَا الطَّبَرَانِيّ وَغَيره. قَوْله: فَكنت أخرج مَعَ جدي قَائِل ذَلِك عَمْرو بن يحيى. قَوْله: حِين ملكوا بِالشَّام إِنَّمَا خص الشَّام مَعَ أَنهم لما ولوا الْخلَافَة ملكوا غير الشَّام أَيْضا لِأَنَّهَا كَانَت مساكنهم من عهد مُعَاوِيَة. قَوْله: أحداثاً جمع حَدِيث أَي: شباناً، وأولهم يزِيد عَلَيْهِ مَا يسْتَحق وَكَانَ غَالِبا ينْزع الشُّيُوخ من إِمَارَة الْبلدَانِ الْكِبَار ويوليها(24/180)
الأصاغر من أَقَاربه. قَوْله: قَالَ لنا الْقَائِل هُوَ جد عَمْرو بن يحيى. قَوْله: قُلْنَا: أَنْت أعلم الْقَائِل ذَلِك لَهُ أَوْلَاده وَأَتْبَاعه مِمَّن سمع مِنْهُ ذَلِك.
4 - (بابُ قَوْلِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (ويْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرَ قَدِ اقْتَرَبَ))
أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر قَول النَّبِي ويل الخ وَإِنَّمَا خص الْعَرَب بِالذكر لأَنهم أول من دخل فِي الْإِسْلَام، والإنذار بِأَن الْفِتَن إِذا وَقعت كَانَ الْهَلَاك إِلَيْهِم أسْرع.
7059 - حدّثنا مالكُ بنُ إسْماعِيلَ، حدّثنا ابنُ عُيَيْنَةَ، أنَّهُ سَمِعَ الزُّهْرِيَّ، عنْ عُرْوَةَ، عنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أمِّ سَلَمَةَ، عنْ أُمِّ حَبِيبَةَ، عنْ زَيْنَبَ ابْنَةِ جَحْشٍ، رَضِي الله عَنْهُنَّ، أنَّها قالَتِ: اسْتَيْقَظَ النبيُّ مِنَ النَّوْمِ مُحْمَرّاً وجْهُهُ يَقُولُ لَا إلاهَ إِلَّا الله ويْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرَ قَدِ اقْتَرَبَ، فُتِحَ اليَوْمَ مِنْ رِدْمِ يأجُوجُ ومأجُوجَ مِثْلُ هاذِهِ وعَقَدَ سُفْيانُ تِسْعِينَ أَو مِائَةً، قِيلَ: أنَهْلِكُ وفِينا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: نَعَمْ إذَا كَثُرَ الخَبَثُ
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة فَإِن التَّرْجَمَة قِطْعَة مِنْهُ.
وَابْن عُيَيْنَة سُفْيَان. وَفِيه: ثَلَاث من الصحابيات: زَيْنَب بنت أم سَلمَة ربيبة النَّبِي وَأمّهَا أم سَلمَة زوج النَّبِي، صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسلم، وَأم حَبِيبَة زوج النَّبِي اسْمهَا رَملَة بنت أبي سُفْيَان، وَزَيْنَب بنت جحش أم الْمُؤمنِينَ تزَوجهَا النَّبِي سنة ثَلَاث، وَقَالَ الْكرْمَانِي: قَالُوا: هَذَا الْإِسْنَاد مُنْقَطع وَصَوَابه كَمَا فِي صَحِيح مُسلم زَيْنَب عَن حَبِيبَة عَن أم حَبِيبَة عَن زَيْنَب، بِزِيَادَة حَبِيبَة، وَهَذَا من الغرائب اجْتمع فِيهِ أَربع صحابيات: زوجتان لرَسُول الله وربيبتان لرَسُول الله ثمَّ قَالَ الْكرْمَانِي: يحْتَمل أَن زَيْنَب سَمِعت من حَبِيبَة وَمن أمهَا، وَكِلَاهُمَا صَوَاب.
والْحَدِيث مضى فِي أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم السَّلَام، وَفِي عَلَامَات النُّبُوَّة عَن أبي الْيَمَان. وَأخرجه بَقِيَّة الْجَمَاعَة مَا خلا أَبَا دَاوُد، وَقد مضى الْكَلَام فِيهِ مستقصًى.
قَوْله ويل للْعَرَب لفظ: ويل، مثل: وَيْح إلاَّ أَن ويلاً يُقَال لمن وَقع فِي هلكة يَسْتَحِقهَا، وويحاً يُقَال لمن لَا يَسْتَحِقهَا، وَأَرَادَ بالعرب أهل دين الْإِسْلَام، وَإِنَّمَا خص بذكرهم لِأَن مُعظم شرهم رَاجع إِلَيْهِم. قَوْله: قد اقْترب أَي: قرب. قَوْله: فتح على صِيغَة الْمَجْهُول الْيَوْم نصب على الظَّرْفِيَّة. قَوْله: من ردم يَأْجُوج وَمَأْجُوج الرَّدْم السد الَّذِي بَيْننَا وَبينهمْ، وَقَالَ الْكرْمَانِي: يُقَال: إِن يَأْجُوج هم التّرْك وَجرى مَا جرى بِبَغْدَاد مِنْهُم. قلت: هَذَا القَوْل غير صَحِيح لِأَن التّرْك مَا لَهُم ردم والردم بَيْننَا وَبَين يَأْجُوج وَمَأْجُوج وهما من بني آدم من أَوْلَاد يافث بن نوح، عَلَيْهِ السَّلَام، وَالَّذِي جرى بِبَغْدَاد كَانَ من هلاكو من أَوْلَاد جنكيز خَان فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي قتل الْخَلِيفَة المستعصم بِاللَّه العباسي وأخرب بَغْدَاد فِي سنة سِتّ وَخمسين وسِتمِائَة. قَوْله: وَعقد سُفْيَان تسعين وَمِائَة كَذَا هُنَا، وَفِي رِوَايَة: حلق بإصبعه الْإِبْهَام وَالَّتِي تَلِيهَا، وَفِي لفظ: عقد سُفْيَان بِيَدِهِ عشرَة، وَفِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة: وَعقد وهيب بِيَدِهِ تسعين، وَقيل: المُرَاد التَّقْرِيب بالتمثيل لَا حَقِيقَة التَّحْدِيد، وَقَالَ الدَّاودِيّ فِي رِوَايَة سُفْيَان يَعْنِي: جعل طرف السبابَة فِي وسط الْإِبْهَام، وَلَيْسَ كَمَا ذكره، وَقد علم من مقَالَة أهل الْعلم بِالْحِسَابِ أَن صفة عقد التسعين أَن يثني السبابَة حَتَّى يعود طرفها عِنْد أَصْلهَا من الْكَفّ ويعلق عَلَيْهِ الْإِبْهَام. قَوْله: وَفينَا الصالحون؟ الْوَاو فِيهِ للْحَال. قَوْله: إِذا كثر الْخبث بِفَتْح الْخَاء وَالْبَاء الْمُوَحدَة فسروه بالفسوق كلهَا أَو بالزنى خَاصَّة.
7060 - حدّثنا أبُو نُعَيْمٍ، حدّثنا ابنُ عُيَيْنَةَ عَن الزُّهْرِيِّ، عنْ عُرْوَةَ. وحدّثني مَحْمُودٌ أخبرنَا عبْدُ الرَّزَّاقِ، أخبرنَا مَعْمَرٌ عنْ الزُّهْرِيِّ، عنْ عُرْوَةَ، عنْ أُسامَةَ بنِ زَيْدٍ، رَضِي الله عَنْهُمَا، قَالَ: أشْرَفَ(24/181)
النبيُّ عَلى أُطُمٍ مِنْ آطامِ المَدِينَةِ، فَقَالَ: هَلْ تَرَوْنَ مَا أرَى؟ قالُوا: لَا، قَالَ: فإنِّي لأرَى الفِتَنَ تَقَعُ خِلاَلَ بُيُوتِكُمْ كَوَقْعِ المَطَرِ
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من مَعْنَاهُ.
وَأخرجه من طَرِيقين: الأول عَن أبي نعيم الْفضل بن دُكَيْن عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة عَن أُسَامَة: وَالثَّانِي عَن مَحْمُود بن غيلَان عَن عبد الرَّزَّاق ... إِلَى آخِره. والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ فِي الْحَج عَن عَليّ وَفِي الْمَظَالِم عَن عبد الله بن مُحَمَّد وَفِي عَلَامَات النُّبُوَّة عَن أبي نعيم. وَأخرجه مُسلم فِي الْفِتَن عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَغَيره.
قَوْله: أشرف من الإشراف وَهُوَ الِاطِّلَاع من علو، وَفِي رِوَايَة عِنْد الْإِسْمَاعِيلِيّ: أَو فِي. قَوْله: على أَطَم بِضَمَّتَيْنِ وَهُوَ الْحصن وَالْقصر. قَوْله: خلال بُيُوتكُمْ أَي: أوساطها. وَقيل: الْخلال النواحي. قَوْله: كوقع الْمَطَر هَكَذَا فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي والكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيرهمَا: كوقع الْقطر، وَهُوَ الْمَطَر أَيْضا والتشبيه فِي الْكَثْرَة والعموم لَا خُصُوصِيَّة لَهَا بطَائفَة. وَفِيه: إِشَارَة إِلَى الحروب الْجَارِيَة بَينهم كَقَتل عُثْمَان، رَضِي الله عَنهُ، وَيَوْم الْحرَّة بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الرَّاء. وَفِيه: معْجزَة ظَاهِرَة للنَّبِي
5 - (بَاب ظُهُورِ الفِتَنِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان ظُهُور الْفِتَن، وَهُوَ جمع فتْنَة.
7061 - حدّثنا عَيَّاشُ بنُ الوَلِيدِ، أخْبرنا عَبْدُ الأعْلَى، حدّثنا مَعْمَرٌ، عنِ الزُّهْرِيِّ، عنْ سَعِيدٍ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يَتَقارَبُ الزَّمانُ ويَنْقُصُ العَمَلُ ويُلْقَى الشُّحُّ، وتَظْهَرُ الفِتَنُ ويَكْثُرُ الهَرْجُ قالُوا: يَا رسولَ الله أيُّمُ هُوَ؟ قَالَ: القَتْلُ القَتْلُ
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: وَتظهر الْفِتَن
وَعَيَّاش بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالشين الْمُعْجَمَة ابْن الْوَلِيد الرقام الْبَصْرِيّ، وَعبد الْأَعْلَى بن الْأَعْلَى السَّامِي بِالسِّين الْمُهْملَة الْبَصْرِيّ، وَمعمر بن رَاشد، وَالزهْرِيّ مُحَمَّد بن مُسلم، وَسَعِيد بن الْمسيب.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْقدر وَابْن مَاجَه فِي الْفِتَن كِلَاهُمَا عَن أبي بكر بن أبي شيبَة.
قَوْله: يتقارب الزَّمَان كَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة السَّرخسِيّ: الزَّمن، وَهِي لُغَة، وَكَذَا فِي رِوَايَة مُسلم. وَقَالَ الْخطابِيّ: يتقارب الزَّمَان حَتَّى تكون السّنة كالشهر وَهُوَ كَالْجُمُعَةِ وَهِي كَالْيَوْمِ وَهُوَ كالساعة وَهُوَ من استلذاذ الْعَيْش كَأَنَّهُ وَالله أعلم يُرِيد خُرُوج الْمهْدي وَبسط الْعدْل فِي الأَرْض، وَكَذَلِكَ أَيَّام السرُور قصار. وَقَالَ الْكرْمَانِي: هَذَا لَا يُنَاسب أخواته من ظُهُور الْفِتَن وَكَثْرَة الْهَرج، وَقيل: تقَارب الزَّمَان اعْتِدَال اللَّيْل وَالنَّهَار، وَقيل: إِذا دنا قيام السَّاعَة، وَقيل: السَّاعَات الْأَيَّام والليالي تقصر، وَقَالَ الطَّحَاوِيّ: قد يكون مَعْنَاهُ تقلب أَحْوَال أَهله فِي ترك طلب الْعلم خَاصَّة وَالرِّضَا بِالْجَهْلِ وَذَلِكَ لِأَن النَّاس لَا يتساوون فِي الْعلم لتَفَاوت درجاته، قَالَ تَعَالَى: {فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَآءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِن وِعَآءِ أَخِيهِ كَذاَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِى دِينِ الْمَلِكِ إِلاَّ أَن يَشَآءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَآءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِى عِلْمٍ عَلِيمٌ} وَإِنَّمَا يتساوون إِذا كَانُوا جُهَّالًا. وَقَالَ الْبَيْضَاوِيّ: يحْتَمل أَن يكون المُرَاد بتقارب الزَّمَان تسارع الدول فِي الِانْقِضَاء والقرون، إِلَى الانقراض، فيتقارب زمانهم وتتدانى أيامهم. وَقَالَ ابْن بطال: مَعْنَاهُ. وَالله أعلم تفَاوت أَحْوَاله فِي أَهله فِي قلَّة الدّين حَتَّى لَا يكون فيهم من يَأْمر بِمَعْرُوف وَلَا ينْهَى عَن مُنكر لغَلَبَة الْفسق وَظُهُور أَهله، وَقد جَاءَ فِي الحَدِيث: لَا يزَال النَّاس بِخَير مَا كَانَ فيهم أهل فضل وَصَلَاح وَخَوف الله يلجأ إِلَيْهِم عِنْد الشدائد ويستشفى بآرائهم ويتبرك بدعائهم وَيُؤْخَذ بقَوْلهمْ وآثارهم. قَوْله: وَينْقص الْعَمَل قيل: نقص الْعَمَل الْحسي ينشأ عَن نقص الدّين ضَرُورَة، وَأما الْمَعْنَوِيّ فسببه مَا يدْخل من الْخلَل بِسَبَب سوء الْمطعم وَقلة المساعد على الْعَمَل، وَالنَّفس ميالة إِلَى الرَّاحَة. قَوْله: ويلقى الشُّح أَي: الْبُخْل والحرص، ويلقى بِضَم الْيَاء من الْإِلْقَاء وَالْمرَاد إلقاؤه فِي قُلُوب النَّاس على اخْتِلَاف أَحْوَالهم وَلَيْسَ المُرَاد وجود أصل الشُّح لِأَنَّهُ لم يزل مَوْجُودا. وَقَالَ الْحميدِي: الْمَحْفُوظ فِي الرِّوَايَات: يلقى، بِضَم أَوله وَيحْتَمل أَن يكون بِفَتْح اللَّام وَتَشْديد الْقَاف أَي: يتلَقَّى ويتعلم ويتواصى بِهِ، وَيُقَال: يحْتَمل أَن يكون إِلْقَاء الشُّح عَاما فِي الْأَشْخَاص، والمحذور من ذَلِك مَا يَتَرَتَّب(24/182)
عَلَيْهِ مفْسدَة، والشحيح شرعا هُوَ من منع مَا وَجب عَلَيْهِ وَهُوَ مثلث الشين. قَالَ الْكرْمَانِي: وَذَلِكَ ثَابت فِي جَمِيع الْأَزْمِنَة ثمَّ قَالَ: المُرَاد غلبته وكثرته بِحَيْثُ يرَاهُ جَمِيع النَّاس. فَإِن قلت: تقدم فِي نزُول عِيسَى فِي كتاب الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم السَّلَام، أَنه يفِيض المَال حَتَّى لَا يقبله أحد، وَفِي كتاب الزَّكَاة: لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى يطوف أحدكُم بِصَدَقَتِهِ لَا يجد من يقبلهَا. قلت: كِلَاهُمَا من أَشْرَاط السَّاعَة، لَكِن كل مِنْهُمَا، فِي زمَان غير زمَان الآخر. قَوْله: وَتظهر الْفِتَن المُرَاد كثرتها وانتشارها وَعدم التكاتم بهَا وَالله الْمُسْتَعَان. قَوْله: أيم هُوَ؟ أَي: الْهَرج: وأيم، بِفَتْح الْهمزَة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف وَضم الْمِيم، وَأَصله: أَيّمَا، أَي: أَي شَيْء الْهَرج؟ قَالَ الْقَتْل الْقَتْل مكرراً وَضَبطه بَعضهم بتَخْفِيف الْيَاء، كَمَا قَالُوا: أيش، فِي مَوضِع أَي شَيْء، وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: وَمَا هُوَ؟ وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد: أيش هُوَ؟ قَالَ: الْقَتْل الْقَتْل.
7062 - 7063 حدّثنا عُبَيْدُ الله بنُ مُوسَى، عنِ الأعْمَشِ، عنْ شَقِيقٍ قَالَ: كُنْتُ مَعَ عَبْده الله وَأبي مُوسَى فَقَالَا: قَالَ النبيُّ إنَّ بَيْنَ يَدَي السَّاعَةِ لأيَّاماً يَنْزِلُ فِيها الجهْلُ، ويُرْفَعُ فِيها العِلمُ ويَكْثُرُ فِيها الهَرْجُ، والهرْجُ القَتْلُ
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من مَعْنَاهُ. وَالْأَعْمَش سُلَيْمَان، وشقيق بن سَلمَة، وَعبد الله بن مَسْعُود، وَأَبُو مُوسَى عبد الله بن قيس الْأَشْعَرِيّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا. وَوَقع هُنَا عَن أبي ذَر عَن شُيُوخه فِي نُسْخَة مُعْتَمدَة: حَدثنَا مُسَدّد حَدثنَا عبيد الله بن مُوسَى، وَسقط فِي بعض النّسخ الْغَيْر الْمُعْتَمدَة. وَقَالَ عِيَاض: ثَبت للقابسي: عَن أبي زيد الْمروزِي، وَسقط للباقين، وَهُوَ الصَّوَاب.
قَوْله: لأياماً وَفِي رِوَايَة الْكشميهني بِحَذْف اللَّام. قَوْله: ينزل فِيهَا الْجَهْل نزُول الْجَهْل تمكنه فِي النَّاس بِرَفْع الْعلم، وَرفع الْعَمَل بِمَوْت الْعلمَاء. وَهُوَ معنى قَوْله: وَيرْفَع فِيهَا الْعلم
7064 - حدّثنا عُمَرُ بنُ حَفْصٍ، حدّثنا أبي، حدّثنا الأعْمَشُ، حدّثنا شَقِيقٌ قَالَ: جَلَسَ عَبْدُ الله وأبُو مُوَسى فَتَحَدَّثا، فَقَالَ أبُو مُوسَى: قَالَ النبيُّ إنَّ بَيْنَ يَدَي السَّاعَةِ أيَّاماً يُرْفَعُ فِيها العِلْمُ، ويَنْزِلُ فِيها الجَهلُ، ويَكْثُرُ فِيها الهَرْجُ، والهَرْجُ القَتْلُ.
انْظُر الحَدِيث 7063 وطرفه
هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور أخرجه عَن عمر بن حَفْص عَن أَبِيه حَفْص بن غياث إِلَى آخِره.
قَوْله: أَيَّامًا ويروى لأياماً. وَقد فسر الْهَرج فِي هَذِه الرِّوَايَات الثَّلَاث بِالْقَتْلِ، فتدل صَرِيحًا على أَن تَفْسِير الْهَرج مَرْفُوع، وَلَا يُعَارض ذَلِك مَجِيئه فِي غير هَذِه الرِّوَايَات مَوْقُوفا، وَلَا كَونه بِلِسَان الْحَبَشَة.
7065 - حدّثنا قُتَيْبَةُ، حدّثنا جَرِيرٌ، عنِ الأعْمَشِ، عنْ أبي وائِلٍ قَالَ: إنِّي لَجالِسٌ مَعَ عَبْدِ الله وَأبي مُوسَى، رَضِي الله عَنْهُمَا، فَقَالَ أبُو مُوسَى: سَمِعْتُ النبيَّ مِثْلَهُ والهَرْجُ بِلِسانِ الحَبَشَةِ القَتْلُ
انْظُر الحَدِيث 7063 وطرفه
هَذَا طَرِيق آخر أخرجه عَن قُتَيْبَة بن سعيد عَن جرير بن عبد الحميد عَن سُلَيْمَان الْأَعْمَش عَن أبي وَائِل شَقِيق بن سَلمَة.
قَوْله: فَقَالَ أَبُو مُوسَى: سَمِعت النَّبِي قيل: قَوْله: فَقَالَ أَبُو مُوسَى يدل على أَن الْقَائِل هُوَ أَبُو مُوسَى وَحده فِي الرِّوَايَات الْمَاضِيَة الَّتِي قَالَ فِيهَا: وَقَالا، لاحْتِمَال أَن أَبَا وَائِل سَمعه من عبد الله أَيْضا لدُخُوله فِي قَوْله فِي رِوَايَة الْأَعْمَش: فَقَالَ: قَالَا. قلت: أَكثر الروَاة اتَّفقُوا عَن الْأَعْمَش على أَنه عَن عبد الله وَأبي مُوسَى مَعًا. فَإِن قلت: رَوَاهُ أَبُو مُعَاوِيَة عَن الْأَعْمَش فَقَالَ: إِنَّه عَن أبي مُوسَى وَلم يذكر عبد الله: أخرجه مُسلم. قلت: أَشَارَ ابْن أبي خَيْثَمَة إِلَى تَرْجِيح قَول الْجَمَاعَة. قَوْله: والهرج بِلِسَان الْحَبَشَة الْقَتْل قَالَ الْكرْمَانِي: هُوَ إدراج من أبي مُوسَى، وَقَالَ صَاحب التَّوْضِيح قد عرفت أَن تَفْسِير الْهَرج ذكر غير مرّة مَا ظَاهره الرّفْع، وَمرَّة من كَلَام أبي مُوسَى، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَأَنه بلغَة الْحَبَشَة، وَكَذَا سَاقه الْجرْمِي فِي غَرِيبه من كَلَام أبي مُوسَى(24/183)
قَالَ: الْحَبَش يدعونَ الْقَتْل الْهَرج، وَقيل، فِي ذَلِك: إِن، أصل الْهَرج فِي اللُّغَة الْعَرَبيَّة الِاخْتِلَاط، يُقَال: هرج النَّاس إِذا خلطوا وَاخْتلفُوا، وهرج الْقَوْم فِي حَدِيثهمْ إِذا أَكْثرُوا وخلطوا، وَأَخْطَأ من قَالَ: فنسبة تَفْسِير الْهَرج بِالْقَتْلِ للسان الْحَبَشَة وهم من بعض الروَاة وإلاَّ فَهِيَ عَرَبِيَّة صَحِيحَة، وَوجه الْخَطَأ أَنَّهَا لَا تسْتَعْمل فِي اللُّغَة الْعَرَبيَّة بِمَعْنى الْقَتْل، إلاَّ على طَرِيق الْمجَاز، لكَون الِاخْتِلَاط مَعَ الِاخْتِلَاف يُفْضِي كثيرا إِلَى الْقَتْل، وَكَثِيرًا مَا يسمون الشَّيْء باسم مَا يؤول إِلَيْهِ، وَكَيف يدعى على مثل أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ الْوَهم فِي تَفْسِير لَفْظَة لغوية، بل الصَّوَاب مَعَه وَاسْتِعْمَال الْعَرَب الْهَرج بِمَعْنى الْقَتْل لَا يمْنَع كَونهَا لُغَة الْحَبَشَة وَإِن ورد اسْتِعْمَالهَا فِي الِاخْتِلَاط وَالِاخْتِلَاف لحَدِيث معقل بن يسَار رَفعه: الْعِبَادَة فِي الْهَرج لهجرة إِلَيّ، أخرجه مُسلم.
7066 - حدّثنا مُحَمَّد، حدّثنا غُنْدَرٌ، حدّثنا شُعْبَةُ، عنْ واصِلٍ، عنْ أبي وائِلٍ، عنْ عَبْدِ الله، وأحْسِبهُ رفَعَهُ قَالَ: بَيْنَ يَدَي السَّاعةِ أيَّامُ الهرْجِ يَزُول فِيها العِلْمُ ويَظْهَرُ فِيها الجَهْلُ، قَالَ أبُو مُوسَى: والهَرْجُ القَتْلُ بِلِسانِ الحَبَشَةِ.
انْظُر الحَدِيث 7062
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث أبي مُوسَى أخرجه عَن مُحَمَّد وَلم ينْسبهُ أَكثر الروَاة وَنسبه أَبُو ذَر فِي رِوَايَته، وَقَالَ مُحَمَّد بن بشار: وَقَالَ الكلاباذي: مُحَمَّد بن بشار وَمُحَمّد بن الْمثنى وَمُحَمّد بن الْوَلِيد رووا عَن غنْدر فِي الْجَامِع قلت: يُشِير بذلك إِلَى أَن مُحَمَّدًا الَّذِي ذكر هُنَا غير مَنْسُوب يحْتَمل أَن يكون أحد الثَّلَاثَة الْمَذْكُورين، وَلَكِن أَبُو ذَر نسبه فَقَالَ: مُحَمَّد بن بشار، وَهُوَ الظَّاهِر لِأَنَّهُ كثيرا مَا يروي عَن غنْدر وَهُوَ مُحَمَّد بن جَعْفَر، وواصل هُوَ ابْن حبَان بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف يروي عَن أبي وَائِل شَقِيق عَن عبد الله بن مَسْعُود.
قَوْله: وَأَحْسبهُ رَفعه أَي: قَالَ أَبُو وَائِل: أَحسب عبد الله رفع الحَدِيث إِلَى النَّبِي
7067 - وَقَالَ أبُو عَوَانَةَ، عنْ عاصِمٍ، عنْ أبي وائِلٍ، عنِ الأشْعَرِيِّ أنَّهُ قَالَ لِعَبْدِ الله: تَعْلَم الأيَّامَ الَّتي ذَكَرَ النبيُّ أيَّامَ الهَرْجِ نَحْوَهُ
أَبُو عوَانَة بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْوَاو وَبعد الْألف نون اسْمه الوضاح بن عبد الله الْيَشْكُرِي، وَعَاصِم هُوَ ابْن أبي النجُود القارىء الْمَشْهُور يروي عَن أبي وَائِل شَقِيق عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ.
قَوْله: نَحوه أَي: نَحْو الحَدِيث الْمَذْكُور: بَين يَدي السَّاعَة أَيَّام الْهَرج.
قَالَ ابنُ مَسْعُودٍ: سَمِعْتُ النبيَّ يَقُولُ مَنْ شِرَارِ النَّاسِ مَنْ تُدْرِكُهُمُ السَّاعَةُ وهُمْ أحْياءٌ
فِي بعض النّسخ: فَقَالَ ابْن مَسْعُود، يَعْنِي بالسند الْمَذْكُور، وَقَالَ ابْن التِّين: هَذَا إِخْبَار عَن أَن الْكفَّار وَالْمُنَافِقِينَ شرار الْخلق وهم حينئذٍ أَحيَاء إِذْ ذَاك، وَقَالَ ابْن بطال: وَهُوَ، وَإِن كَانَ لَفظه الْعُمُوم فَالْمُرَاد بِهِ الْخُصُوص، وَمَعْنَاهُ: أَن السَّاعَة تقوم فِي الْأَغْلَب وَالْأَكْثَر على شرار النَّاس بِدَلِيل قَوْله لَا تزَال طَائِفَة، من أمتِي على الْحق منصورة لَا يَضرهَا من ناوأها حَتَّى تقوم السَّاعَة، فَدلَّ هَذَا الْخَبَر على أَن السَّاعَة أَيْضا تقوم على قوم فضلاء وَأَنَّهُمْ فِي صبرهم على دينهم كالقابض على الْجَمْر.
6 - (بابٌ لَا يَأْتِي زَمانٌ إلاّ الَّذِي بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ: لَا يَأْتِي زمَان ... إِلَى آخِره.
7068 - حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ يُوسُفَ، حدّثنا سُفْيانُ، عنِ الزُّبَيْرِ بنِ عَدِيَ قَالَ: أتَيْنا أنَسَ بنَ مالِكٍ فَشَكَوْنا إلَيْهِ مَا نَلْقَى مِنَ الحَجَّاجِ، فَقَالَ: اصْبِرُوا فإنهُ لَا يَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمانٌ إلاَّ والّذِي بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ، حتَّى تَلْقَوْا رَبَّكُمْ، سَمِعْتُهُ مِنْ نَبِيِّكُمْ(24/184)
التَّرْجَمَة الْمَذْكُورَة هِيَ عين الحَدِيث الْمَذْكُور فِي الْبَاب.
وَمُحَمّد بن يُوسُف أَبُو أَحْمد البُخَارِيّ البيكندي، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَالزُّبَيْر بن عدي الْكُوفِي الْهَمدَانِي بِسُكُون الْمِيم من صغَار التَّابِعين ولي قَضَاء الرّيّ وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ سوى هَذَا الحَدِيث.
والْحَدِيث أخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الْفِتَن عَن ابْن بشار بِهِ.
قَوْله: مَا نلقى من الْحجَّاج هُوَ ابْن يُوسُف الثَّقَفِيّ الْأَمِير الْمَشْهُور، ويروى: شَكَوْنَا إِلَيْهِ مَا يلقون، فِيهِ الثِّقَات، وَوَقع فِي رِوَايَة الْكشميهني: فشكوا، وَوَقع عِنْد أبي نعيم: نشكوا، بنُون وَمَعْنَاهُ: شكوا مَا يلقون من ظلمه لَهُم وتعديه، وَذكر الزبير فِي الموفقيات من طَرِيق مجَالد عَن الشّعبِيّ قَالَ: كَانَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَمن بعده إِذا أخذُوا العَاصِي أقاموه للنَّاس ونزعوا عمَامَته، فَلَمَّا كَانَ زِيَاد ضرب فِي الْجِنَايَات بالسياط، ثمَّ زَاد مُصعب بن الزبير حلق اللِّحْيَة، فَلَمَّا كَانَ بشر بن مَرْوَان سمر كف الْجَانِي بمسمار، فَلَمَّا قدم الْحجَّاج قَالَ: هَذَا كُله لعب فَقتل بِالسَّيْفِ. قَوْله: اصْبِرُوا أَي: عَلَيْهِ، وَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة عبد الرحمان بن مهْدي. قَوْله: فَإِنَّهُ أَي: فَإِن الشان وَالْحَال. قَوْله: زمَان وَفِي رِوَايَة عبد الرحمان: عَام. قَوْله: إلاَّ وَالَّذِي بعده كَذَا لأبي ذَر بِالْوَاو وَسَقَطت فِي رِوَايَة البَاقِينَ. قَوْله: شَرّ مِنْهُ كَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر والنسفي، أشر، وَعَلِيهِ شرح ابْن التِّين يُقَال: كَذَا وَقع أشر، بِوَزْن أفعل، وَقد قَالَ الْجَوْهَرِي: فلَان شَرّ من فلَان، وَلَا يُقَال: أشرَ إلاَّ فِي لُغَة رَدِيئَة. قلت: إِن صحت الرِّوَايَة بأفعل التَّفْضِيل لَا يلْتَفت إِلَى مَا قَالَه الْجَوْهَرِي وَغَيره. فَإِن قلت: هَذَا الْإِطْلَاق مُشكل لِأَن بعض الْأَزْمِنَة يكون فِي الشَّرّ دون الَّذِي قبله، وَهَذَا عمر بن عبد الْعَزِيز، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، بعد الْحجَّاج بِيَسِير وَقد اشْتهر خيرية زَمَانه بل قيل: إِن الشَّرّ اضمحل فِي زَمَانه. قلت: حمله الْحسن الْبَصْرِيّ على الْأَكْثَر الْأَغْلَب فَسئلَ عَن وجود عمر بن عبد الْعَزِيز بعد الْحجَّاج، فَقَالَ: لَا بُد للنَّاس من تَنْفِيس، وَقيل: إِن المُرَاد بالتفضيل تَفْضِيل مَجْمُوع الْعَصْر، فَإِن عصر الْحجَّاج كَانَ فِيهِ كثير من الصَّحَابَة أَحيَاء، وَفِي عصر عمر بن عبد الْعَزِيز انقرضوا، وَالزَّمَان الَّذِي فِيهِ الصَّحَابَة خير من الزَّمَان الَّذِي بعده لقَوْله خير الْقُرُون قَرْني، وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَقَوله: أَصْحَابِي أَمَنَة لأمتي فَإِذا ذهب أَصْحَابِي أَتَى أمتِي مَا يوعدون، أخرجه مُسلم. فَإِن قلت: مَا تَقول فِي زمن عِيسَى، عَلَيْهِ السَّلَام، فَإِنَّهُ بعد زمَان الدَّجَّال. قلت: قَالَ الْكرْمَانِي: إِن المُرَاد بِالزَّمَانِ الزَّمَان الَّذِي يكون بعد عِيسَى، عَلَيْهِ السَّلَام، أَو المُرَاد جنس الزَّمَان الَّذِي فِيهِ الْأُمَرَاء وإلاَّ فمعلوم من الدّين بِالضَّرُورَةِ أَن زمَان النَّبِي الْمَعْصُوم لَا شَرّ فِيهِ. قَوْله: حَتَّى تلقوا ربكُم أَي: حَتَّى تَمُوتُوا. قَوْله: سمعته من نَبِيكُم وَفِي رِوَايَة أبي نعيم: سَمِعت ذَلِك.
7069 - حدّثنا أبُو اليمانِ، أخبرنَا شُعَيْبٌ، عنِ الزُّهْرِيِّ. ح وحدّثنا إسْماعِيلُ، حدّثني أخِي عنْ سُلَيْمانَ عنْ مُحَمَّدِ بنِ أبي عَتِيقٍ، عَن ابْن شِهاب عنْ هِنْدٍ بِنْتِ الحارِثِ الفِراسِيَّةِ أنَّ أُمَّ سَلَمَةَ، زَوْجَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قالَتِ اسْتَيْقَظَ رسولُ الله لَيْلَةً فَزِعاً يَقُولُ سُبْحانَ الله مَاذَا أنْزَلَ الله مِنَ الخَزائِنِ؟ وماذا أُنْزِلَ مِنَ الفِتَنِ؟ مَنْ يُوقظُ صَواحِبَ الحُجَرَاتِ يُرِيدُ أزْواجَهُ لِكَيْ يُصَلِّينَ؟ رُبَّ كاسِيَةٍ فِي الدنيْا عارِيَةٍ فِي الآخِرَة
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: وماذا أنزل من الْفِتَن أَي: الشرور فَتكون تِلْكَ اللَّيْلَة الَّتِي اسْتَيْقَظَ فِيهَا النَّبِي أشر من اللَّيْلَة الَّتِي قبلهَا.
وَأخرجه من طَرِيقين: أَحدهمَا عَن أبي الْيَمَان الحكم بن نَافِع عَن شُعَيْب بن أبي حَمْزَة عَن مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ عَن هِنْد. وَالْآخر: عَن إِسْمَاعِيل بن أبي أويس عَن أَخِيه عبد الحميد عَن سُلَيْمَان بن بِلَال عَن ابْن شهَاب عَن هِنْد بنت الْحَارِث الفراسية بِكَسْر الْفَاء وَتَخْفِيف الرَّاء وبالسين الْمُهْملَة نِسْبَة إِلَى بطن من كنَانَة وهم إخْوَة قُرَيْش، وَكَانَت هِنْد زوج معبد بن الْمِقْدَاد، وَقد قيل: إِن لَهَا صُحْبَة.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْعلم والعظة فِي اللَّيْل.
لَة نصب على الظَّرْفِيَّة. قَوْله: فَزعًا بِفَتْح الْفَاء وَكسر الزَّاي وبالعين الْمُهْملَة أَي: خَائفًا وَهُوَ نصب على الْحَال. قَوْله: يَقُول فِي مَوضِع الْحَال، وَفِي رِوَايَة(24/185)
سُفْيَان: فَقَالَ: سُبْحَانَ الله. قَوْله: مَاذَا أنزل الله هَكَذَا فِي راية الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: مَاذَا أنزل، بِضَم الْهمزَة من الخزائن أَي: الْخيرَات، وَهُوَ جمع خزانَة وَهُوَ الْموضع أَو الْوِعَاء الَّذِي يحفظ فِيهِ الشَّيْء. قَوْله: وماذا أنزل من الْفِتَن أَي: الشرور. وَقَوله: من يوقظ صَوَاحِب الحجرات كَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة سُفْيَان: أيقظوا، بِصِيغَة الْأَمر، ندب بعض خدمه لذَلِك، والصواحب جمع صَاحِبَة، والحجرات جمع حجرَة، وَهُوَ الْموضع الْمُنْفَرد فِي الدَّار. قَوْله: يُرِيد أَزوَاجه لكَي يصلين وَفِي رِوَايَة شُعَيْب: حَتَّى يصلين، وخلت سَائِر الرِّوَايَات من هَذِه الزِّيَادَة. قَوْله: رب كاسية وَفِي رِوَايَة سُفْيَان: فَرب كاسية، بفاء فِي أَوله، وَفِي رِوَايَة ابْن الْمُبَارك: يَا رب كاسية، وَفِي رِوَايَة هِشَام: كم من كاسية: وَهَذَا يُؤَيّد مَا قَالَ ابْن مَالك: رب، أَكثر مَا يرد للتكثير وَهَذَا بِخِلَاف مَا قَالَ أَكثر النَّحْوِيين: إِن، رب، للتقليل وَأَن معنى مَا يصدر بهَا الْمُضِيّ، وَالصَّحِيح أَن مَعْنَاهَا فِي الْغَالِب التكثير وَهُوَ مُقْتَضى كَلَام سِيبَوَيْهٍ فَإِنَّهُ قَالَ فِي بَاب كم: وَاعْلَم أَن كم فِي الْخَبَر لَا تعْمل إلاَّ مَا تعْمل فِيهِ: رب، لِأَن الْمَعْنى وَاحِد إلاَّ أَن كم اسْم، وَرب غير اسْم، وَمعنى: كاسية فِي الدُّنْيَا عَارِية فِي الْآخِرَة كاسية فِي الدُّنْيَا بالثياب لوُجُود الْغنى عَارِية فِي الْآخِرَة من الثَّوَاب لعدم الْعَمَل فِي الدُّنْيَا. وَقيل: كاسية فِي الدُّنْيَا لَكِنَّهَا شفافة لَا تستر عورتها فتعاقب فِي الْآخِرَة بالعري جَزَاء على ذَلِك، وَقيل: كاسية من النعم عَارِية من الشُّكْر، فَهِيَ عَارِية فِي الْآخِرَة من الثَّوَاب.
7 - (بابُ قَوْلِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (من حَمَلَ عَليْنا السِّلاحَ فَلَيْسَ مِنَّا))
أَي: هَذَا بَاب فِيهِ قَول النَّبِي من حمل ... الخ.
7070 - حدّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ، أخبرنَا مالِكٌ، عنْ نافِعٍ، عنْ عَبْدِ الله بنِ عُمَرَ، رَضِي الله عَنْهُمَا، أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَنْ حَمَلَ عَليْنا السِّلاحَ فَلَيْسَ مِنَّا
انْظُر الحَدِيث 6874
التَّرْجَمَة عين الحَدِيث. والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْإِيمَان عَن يحيى بن يحيى. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْمُحَاربَة عَن أبي الطَّاهِر أَحْمد بن عَمْرو بن السَّرْح، وَمعنى الحَدِيث: من حمل السِّلَاح على الْمُسلمين لقتالهم بِهِ بِغَيْر حق. قَوْله: فَلَيْسَ منا أَي: لَيْسَ على طريقتنا أَو لَيْسَ مُتبعا طريقتنا لِأَن حق الْمُسلم على الْمُسلم أَن ينصره وَيُقَاتل دونه لَا أَن يرعبه بِحمْل السِّلَاح عَلَيْهِ لإِرَادَة قِتَاله أَو قَتله. وَقَالَ الْكرْمَانِي: أَي لَيْسَ مِمَّن اتبع سنتنا وسلك طريقتنا إِلَّا أَنه يُرِيد لَيْسَ من ديننَا. قَالَ: فَمَا قَوْلك فِي الطَّائِفَتَيْنِ إِحْدَاهمَا باغية؟ ثمَّ أجَاب بقوله: الباغية لَيست متبعة سنة النَّبِي
7071 - حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ العَلاءِ، حدّثنا أبُو أُسامَةَ، عنْ بُرَيْدٍ، عنْ أبي بُرْدَةَ، عنْ أبي مُوساى عنِ النبيِّ قَالَ: مَنْ حَمَلَ عَليْنا السِّلاحَ فَلَيْسَ مِنَّا
هَذَا أَيْضا مثل مَا قبله أخرجه عَن أبي كريب مُحَمَّد بن الْعَلَاء عَن أبي أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة عَن بريد بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الرَّاء ابْن عبد الله عَن جده أبي بردة عَامر أَو حَارِث عَن أَبِيه أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ عبد الله بن قيس.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْإِيمَان عَن أبي كريب وَأبي عَامر. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الْحُدُود عَن أبي كريب وَأبي السَّائِب. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن مَحْمُود بن غيلَان وَغَيره.
7072 - حدّثنا مُحَمَّدٌ، أخبرنَا عَبْدُ الرَّزَّاق، عنْ مَعْمَرٍ، عنْ هَمَّامٍ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا يُشِيرُ أحَدُكُمْ عَلى أخِيهِ بِالسِّلاحِ فإنّهُ لَا يَدْرِي لَعَلَّ الشَّيْطانَ يَنْزِغُ فِي يَدِهِ فَيَقَعُ فِي حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: لَا يُشِير أحدكُم على أَخِيه بِالسِّلَاحِ فَإِن فِيهِ معنى الْحمل عَلَيْهِ.
أخرجه عَن مُحَمَّد قَالَ(24/186)
الْكرْمَانِي: هُوَ الذهلي، وَكَذَا جزم بِهِ أَبُو عَليّ الجياني بِأَنَّهُ مُحَمَّد بن يحيى الذهلي، وَقَالَ بَعضهم: يحْتَمل أَن يكون مُحَمَّد بن رَافع فَإِن مُسلما أخرج هَذَا الحَدِيث عَن مُحَمَّد بن رَافع عَن عبد الرَّزَّاق. قلت: الِاحْتِمَال بعيد فَإِن إِخْرَاج مُسلم هَذَا الحَدِيث عَن مُحَمَّد بن رَافع عَن عبد الرَّزَّاق لَا يسْتَلْزم إِخْرَاج البُخَارِيّ كَذَلِك، وَمعمر بِفَتْح الميمين ابْن رَاشد وَهَمَّام بِالتَّشْدِيدِ ابْن مُنَبّه.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْأَدَب عَن مُحَمَّد بن رَافع.
قَوْله: لَا يُشِير نفي وَيجوز: لَا يشر، بِصُورَة النَّهْي. قَوْله: فَإِنَّهُ أَي: فَإِن الَّذِي يُشِير لَا يدْرِي لَعَلَّ الشَّيْطَان ينزغ بالغين الْمُعْجَمَة، قَالَ الْخَلِيل فِي الْغَيْن: نَزغ الشَّيْطَان بَين الْقَوْم نزغاً حمل بَعضهم على بعض بِالْفَسَادِ، وَمِنْه {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدَا وَقَالَ ياأَبَتِ هَاذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَاى مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّى حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بَى إِذْ أَخْرَجَنِى مِنَ السِّجْنِ وَجَآءَ بِكُمْ مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِى وَبَيْنَ إِخْوَتِى إِنَّ رَبِّى لَطِيفٌ لِّمَا يَشَآءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} وَفِي رِوَايَة الْكشميهني بِالْعينِ الْمُهْملَة، وَنقل عِيَاض عَن جَمِيع رُوَاة مُسلم بِالْعينِ الْمُهْملَة وَمَعْنَاهُ: يَرْمِي بِيَدِهِ ويحقق الضَّرْبَة، وَمن رَوَاهُ بِالْمُعْجَمَةِ قَالَ: هُوَ من الإغراء، أَي: يزين لَهُ تحقق الضَّرْبَة. قَوْله: فَيَقَع فِي حُفْرَة من النَّار كِنَايَة عَن وُقُوعه فِي الْمعْصِيَة الَّتِي تُفْضِي بِهِ إِلَى دُخُول النَّار.
وَفِي الحَدِيث: النَّهْي عَمَّا يُفْضِي إِلَى الْمَحْذُور وَإِن لم يكن الْمَحْذُور محققاً، سَوَاء كَانَ ذَلِك فِي جد أَو هزل، وروى التِّرْمِذِيّ من رِوَايَة خَالِد الْحذاء عَن ابْن سِيرِين عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: من أَشَارَ إِلَى أَخِيه بحديدة لعنته الْمَلَائِكَة، وَقَالَ: حَدِيث حسن صَحِيح غَرِيب.
7073 - حدّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله، حدّثنا سُفيْانُ، قَالَ: قُلْتُ لِ عَمْرو: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ سَمِعْتُ جابِرَ بنَ عَبْدِ الله يَقُولُ: مَرَّ رَجُلٌ بِسِهامٍ فِي المَسْجِدِ، فَقَالَ لَهُ رسولُ الله أمْسِكْ بِنِصِالِها قَالَ: نَعَمْ.
انْظُر الحَدِيث 451 وطرفه
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: أمسك بنصالها فَإِن فِي تَركه رُبمَا يحصل خدش وَهُوَ فِي معنى حمل السِّلَاح على الْمُسلمين.
وَعلي بن عبد الله هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَعَمْرو هُوَ ابْن دِينَار.
والْحَدِيث مضى فِي الصَّلَاة عَن قُتَيْبَة فِي أول الْمَسَاجِد.
قَوْله: قَالَ: نعم الْقَائِل هُوَ عَمْرو جَوَابا لقَوْل سُفْيَان، وَأَبُو مُحَمَّد كنية عَمْرو.
7074 - حدّثنا أبُو النُّعْمانِ، حدّثنا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، عنْ عَمْرِو بنِ دِينارٍ، عنْ جابِرٍ أنَّ رَجُلاً مَرَّ فِي المَسْجِدِ بِأسْهُمٍ قَدْ أبْدَى نُصُولها، فأُمِرَ أنْ يَأْخُذَ بِنُصُولِها لَا يَخْدِشُ مُسْلِماً.
انْظُر الحَدِيث 451 وطرفه
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث جَابر أخرجه عَن أبي النُّعْمَان بن مُحَمَّد بن الْفضل السدُوسِي.
قَوْله: بأسهم جمع سهم. قَوْله: قد أبدى أَي: أظهر، والنصول جمع نصل وَهُوَ حَدِيدَة السهْم. قَوْله: فَأمر على صِيغَة الْمَجْهُول والآمر هُوَ الشَّارِع. قَوْله: لَا يخدش بِالْخَاءِ والشين المعجمتين من خدش يخدش من بَاب ضرب يضْرب خدشاً بِالْفَتْح وخدش الْجلد قشره بِعُود أَو نَحوه، وَهُوَ أول الْجراح.
7075 - حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ العَلاءِ، حدّثنا أبُو أُسامَة، عنْ بُرَيْدٍ عنْ أبي بُرْدَةَ، عنْ أبي مُوساى عنِ النبيِّ قَالَ: إِذا مَرَّ أحَدُكُمْ فِي مَسْجِدِنا أوْ فِي سُوقِنا ومَعَهُ نَبْلٌ فَلْيُمْسِكْ عَلى نِصالها، أوْ قَالَ: فَلْيَقَبِضْ بِكَفِّهِ أنْ يُصِيبَ أحَداً مِنَ المُسْلِمِينَ مِنْها شَيْءٌ
انْظُر الحَدِيث 452
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: فليمسك على نصالها كَمَا ذَكرْنَاهُ عَن قريب.
وَأَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة، وبريد بِضَم الْبَاء ابْن عبد الله يروي عَن جده أبي بردة عَامر أَو حَارِث عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ عَن النَّبِي
والْحَدِيث مضى فِي الصَّلَاة عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: فليقبض بكفه أَي: على النصال. قَوْله: وَمَعَهُ نبل جملَة حَالية، والنبل بِفَتْح النُّون السِّهَام. قَوْله: أَن يُصِيب كلمة: أَن، مَصْدَرِيَّة أَي: كَرَاهَة الْإِصَابَة أَو كلمة: لَا، فِيهِ مقدرَة نَحْو: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِى الْكَلَالَةِ إِن امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَآ إِن لَّمْ يَكُنْ لَّهَآ وَلَدٌ فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِن كَانُو اْ إِخْوَةً رِّجَالاً وَنِسَآءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الاُْنثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ}
8 - (بابُ قَوْلِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفاراً يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقابَ بَعْضِ))
أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر قَول النَّبِي لَا ترجعوا الخ وَهَذِه التَّرْجَمَة بِلَفْظ ثَانِي أَحَادِيث الْبَاب.(24/187)
7076 - حدّثنا عُمَرُ بنُ حَفْصٍ، حدّثني أبي، حدّثنا الأعْمَشُ، حدّثنا شَقِيقٌ قَالَ: قَالَ عَبْدُ الله: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سِبابُ المُسْلِمِ فُسُوقٌ وقِتالُهُ كُفرٌ
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من معنى الحَدِيث بالتعسف.
وَأخرجه عَن عمر بن حَفْص عَن أَبِيه حَفْص بن غياث عَن سُلَيْمَان الْأَعْمَش عَن أبي وَائِل شَقِيق بن سَلمَة عَن عبد الله بن مَسْعُود. والْحَدِيث قد مضى فِي الْإِيمَان.
قَوْله: سباب الْمُسلم بِكَسْر السِّين مصدر من سبه يسبه سباً وسباباً. قَوْله: كفر يَعْنِي: إِذا كَانَ مستحلاً لَهُ أَو هُوَ للتغليظ.
7077 - حدّثنا حَجَّاجُ بنُ مِنْهالٍ، حدّثنا شُعْبَةُ، أَخْبرنِي واقدٌ، بنِ مُحَمَدٍ عنْ أبِيهِ عَن ابنِ عُمَرَ أنّهُ سَمِعَ النبيَّ يَقولُ لَا تَرْجِعُوا بعدِي كُفَّاراً يَضْربُ بَعْضُكُمْ رِقابَ بَعْضٍ
التَّرْجَمَة عين الحَدِيث. وَأخرجه فِي أول الدِّيات وَمضى الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى.
قَوْله: لَا ترجعوا بِصِيغَة النَّهْي وَهُوَ الْمَعْرُوف. وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: لَا ترجعون، بِصِيغَة الْخَبَر. قَوْله: كفَّارًا فِي مَعْنَاهُ أَقْوَال كَثِيرَة قد ذكرنَا أَكْثَرهَا هُنَاكَ مِنْهَا: المُرَاد مِنْهُ السّتْر يَعْنِي: لَا ترجعوا بعدِي ساترين الْحق، لِأَن معنى الْكفْر فِي اللُّغَة السّتْر، وَمِنْهَا: أَن الْفِعْل الْمَذْكُور يُفْضِي إِلَى الْكفْر. وَقَالَ الدَّاودِيّ: مَعْنَاهُ لَا تَفعلُوا بِالْمُؤْمِنِينَ مَا تَفْعَلُونَ بالكفار وَلَا تَفعلُوا بهم مَا لَا يحل وَأَنْتُم تَرَوْنَهُ حَرَامًا. قَوْله: يضْرب بِالْجَزْمِ جَوَابا لِلْأَمْرِ، وبالرفع استئنافاً أَو حَالا. وَقَالَ صَاحب التَّلْوِيح من جزم أَوله على الْكفْر وَمن رفع لَا يَجعله مُتَعَلقا بِمَا قبله بل حَالا أَو مستأنفاً.
7078 - حدّثنا مُسَدَّدٌ، حَدثنَا يَحْياى، حدّثنا قُرَّةُ بنُ خالِدٍ، حدّثنا ابنُ سِيرينَ، عنْ عَبْدِ الرَّحْمانِ بنِ أبي بَكْرَةَ، عنْ أبي بَكْرَة، وعنْ رَجُل آخَرَ هُوَ أفْضَلُ فِي نَفْسِي مِنْ عَبْدِ الرَّحْمانِ بنِ أبي بَكْرَةَ، عنْ أبي بَكْرَةَ أَن رسولَ الله خَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ: أَلا تَدْرُونَ أيُّ يَوْمٍ هاذا؟ قالُوا: الله ورَسُولُهُ أعْلَمُ قَالَ: حتَّى ظَننَّا أنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، فَقَالَ: ألَيْسَ بِيَوْمِ النَّحْرِ قُلْنا: بَلاى يَا رسولَ الله، قَالَ: أيُّ بَلَدٍ هاذا ألَيْسَتْ بِالبَلْدَةِ؟ قلْنا: بَلاى يَا رسولَ الله قَالَ: فإنَّ دِماءَكُمْ وأمْوالَكُمْ وأعراضَكُمْ وأبْشارَكُمْ عَليْكُمْ حَرامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هاذا فِي شَهْرِكُمْ هاذا فِي بَلَدِكُمْ هاذا، أَلا هَلْ بَلَّغْتُ قُلْنا: نَعَمْ. قَالَ: اللَّهُمَّ اشْهَدْ فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الغائِبَ فإنَّه رُبَّ مُبَلِّغِ يُبَلِّغُهُ مَنْ هُوَ أوْعاى لهُ فَكانَ كَذالِكَ.
قَالَ: لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفاراً يضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقابَ بَعْضٍ فَلمَّا كَانَ يَوْمُ حُرِّقَ ابنُ الحَضْرَمِيِّ حِينَ حَرَّقَهُ جارِيَة بنُ قُدامَةَ، قَالَ: أشْرِفُوا عَلى أبي بَكْرَةَ، فَقَالُوا: هاذا أبُو بَكْرَةَ يَراكَ. قَالَ عَبْدُ الرَّحْمانِ: فَحَدَّثَتْنِي أُمِّي عنْ أبي بَكْرَةَ أنّهُ قَالَ: لَوْ دَخَلُوا عَلَيَّ مَا بَهَشْتُ بِقَصَبَةٍ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَنَّهَا قِطْعَة مِنْهُ. وَيحيى هُوَ ابْن سعيد الْقطَّان، وَابْن سِيرِين مُحَمَّد بن سِيرِين، والسند كُله بصريون.
وَمضى الحَدِيث فِي كتاب الْحَج فِي: بَاب الْخطْبَة أَيَّام منى.
قَوْله: عَن أبي بكرَة هُوَ نفيع مصغر نفع ابْن الْحَارِث الثَّقَفِيّ نزل الْبَصْرَة وتحول إِلَى الْكُوفَة. قَوْله: وَعَن رجل آخر هُوَ حميد بن عبد الرحمان بن عَوْف صرح بِهِ فِي كتاب الْحَج. قَوْله: خطب النَّاس يَعْنِي يَوْم النَّحْر صرح بِهِ فِي الْحَج. قَوْله: وَأَعْرَاضكُمْ جمع عرض وَهُوَ الْحسب وَمَوْضِع الْمَدْح والذم من الْإِنْسَان. قَوْله: وَأَبْشَاركُمْ جمع الْبشر وَهُوَ ظَاهر الْجلد. قَوْله: فِي شهركم قَالَ الْكرْمَانِي: لم يذكر أَي شهر فِي هَذِه(24/188)
الرِّوَايَة مَعَ أَنه قَالَ بعد: فِي شهركم هَذَا فَكيف شبهه بِهِ فِيمَا قَالَ فِي شهركم؟ ثمَّ أجَاب بقوله: كَانَ السُّؤَال لتقرير ذَلِك فِي أذهانهم وَحُرْمَة أشهر كَانَت متقررة عِنْدهم. فَإِن قلت: فَكَذَا حُرْمَة الْبَلدة؟ . قلت: هَذِه الْخطْبَة كَانَت بمنى، وَرُبمَا قصد دفع وهم من يتَوَهَّم أَنَّهَا خَارِجَة عَن الْحرم، أَو دفع من يتَوَهَّم أَن الْبَلدة لم تبْق حَرَامًا لقتاله فِيهَا يَوْم الْفَتْح، أَو اقتصره الرَّاوِي اعْتِمَادًا على سَائِر الرِّوَايَات مَعَ أَنه لَا يلْزم ذكره فِي صِحَة التَّشْبِيه. قَوْله: رب مبلغ قَالَ الْكرْمَانِي: بِكَسْر اللَّام، وَكَذَا يبلغهُ وَالضَّمِير الرَّاجِع إِلَى الحَدِيث الْمَذْكُور مفعول أول لَهُ وَمن هُوَ أوعى مفعول ثَان لَهُ واللفظان من التَّبْلِيغ أَو من الإبلاغ، وَقَالَ بَعضهم: رب مبلغ، بِفَتْح اللَّام الثَّقِيلَة، ويبلغه بِكَسْرِهَا. قلت: الصَّوَاب مَا قَالَه الْكرْمَانِي. قَوْله: من هُوَ وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: لمن هُوَ. قَوْله: أوعى لَهُ أَي: أحفظ، وَزَاد فِي الْحَج، مِنْهُ. قَوْله: فَكَانَ كَذَلِك جملَة مَوْقُوفَة من كَلَام مُحَمَّد بن سِيرِين تخللت بَين الْجمل المرفوعة أَي: وَقع التَّبْلِيغ كثيرا من الْحَافِظ إِلَّا الأحفظ.
قَوْله: قَالَ: لَا ترجعوا بالسند الْمَذْكُور من رِوَايَة مُحَمَّد بن سِيرِين عَن عبد الرحمان بن أبي بكرَة. قَوْله: فَلَمَّا كَانَ يَوْم حرق على صِيغَة الْمَجْهُول من التحريق، وَضبط الْحَافِظ الدمياطي: أحرق من الإحراق، وَقَالَ: هُوَ الصَّوَاب وَقَالَ بَعضهم: وَلَيْسَ الآخر بخطأ بل جزم أهل اللُّغَة باللغتين أحرقه وَحَرقه، وَالتَّشْدِيد للتكثير انْتهى. قلت: هَذَا كَلَام من لَا يَذُوق من مَعَاني التراكيب شَيْئا، وتصويب الدمياطي بَاب الْأَفْعَال لكَون الْمَقْصُود حُصُول الإحراق وَلَيْسَ المُرَاد الْمُبَالغَة فِيهِ حَتَّى يذكر بَاب التفعيل. قَوْله: ابْن الْحَضْرَمِيّ هُوَ عبد الله بن عَمْرو بن الْحَضْرَمِيّ وَأَبوهُ عمر وَهُوَ أول من قتل من الْمُشْركين يَوْم بدر، ولعَبْد الله رُؤْيَة على هَذَا، وَذكره بَعضهم فِي الصَّحَابَة، وَاسم الْحَضْرَمِيّ عبد الله بن عمار وَكَانَ حَالف بني أُميَّة فِي الْجَاهِلِيَّة، والْعَلَاء بن الْحَضْرَمِيّ الصَّحَابِيّ الْمَشْهُور عَم عبد الله. قَوْله: حِين حرقه جَارِيَة بجيم وياء آخر الْحُرُوف. ابْن قدامَة بِضَم الْقَاف وَتَخْفِيف الدَّال ابْن مَالك بن زُهَيْر بن الْحصين التَّمِيمِي السَّعْدِيّ، وَكَانَ السَّبَب فِي ذَلِك مَا ذكره العسكري فِي الصَّحَابَة قَالَ: كَانَ جَارِيَة يلقب محرقاً لِأَنَّهُ أحرق أبي الْحَضْرَمِيّ بِالْبَصْرَةِ، وَكَانَ مُعَاوِيَة وَجه ابْن الْحَضْرَمِيّ إِلَى الْبَصْرَة يستنفرهم على قتال عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَوجه على جَارِيَة بن قدامَة فحصره فتحصن مِنْهُ ابْن الْحَضْرَمِيّ فِي دَار فأحرقها جَارِيَة عَلَيْهِ، وَذكر الطَّبَرِيّ فِي حوادث سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ هَذِه الْقَضِيَّة، وفيهَا: بعث عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، جَارِيَة بن قدامَة فحصر ابْن الْحَضْرَمِيّ فِي الدَّار الَّتِي نزل فِيهَا ثمَّ أحرق الدَّار عَلَيْهِ وعَلى من مَعَه، وَكَانُوا سبعين رجلا أَو أَرْبَعِينَ، وَنقل الْكرْمَانِي عَن الْمُهلب قَالَ: ابْن الْحَضْرَمِيّ رجل امْتنع عَن الطَّاعَة فَأخْرج إِلَيْهِ جَارِيَة بن قدامَة جَيْشًا فظفر بِهِ فِي نَاحيَة من الْعرَاق، كَانَ أَبُو بكرَة الثَّقَفِيّ الصَّحَابِيّ يسكنهَا، فَأمر جَارِيَة بصلبه فصلب ثمَّ ألقِي فِي النَّار فِي الْجذع الَّذِي صلب فِيهِ. قلت: الْعُمْدَة على مَا ذكره العسكري والطبري وَمَا ذكره الْمُهلب لَيْسَ لَهُ أصل. قَوْله: قَالَ: أشرفوا على أبي بكرَة ... إِلَى آخِره جَوَاب قَوْله: فَلَمَّا كَانَ إِلَى آخِره، وَذَلِكَ أَن جَارِيَة لما أحرق ابْن الْحَضْرَمِيّ أَمر جَيْشه أَن يشرفوا على أبي بكرَة هَل هُوَ على الاستسلام والانقياد أم لَا، فَقَالَ لَهُ جَيْشه: هَذَا أَبُو بكرَة يراك وَمَا صنعت بِابْن الْحَضْرَمِيّ وَمَا أنكر عَلَيْك بِكَلَام وَلَا بسلاح، فَلَمَّا سمع أَبُو بكرَة ذَلِك وَهُوَ فِي غرفَة لَهُ قَالَ: لَو دخلُوا عليّ مَا بهشت بقصبة بِكَسْر الْهَاء وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة وَفِي رِوَايَة الْكشميهني بِفَتْح الْهَاء، وهما لُغَتَانِ وَالْمعْنَى: مَا دفعتهم بقصبة وَنَحْوهَا فَكيف أَن أقاتلهم لِأَنِّي مَا أرى الْفِتْنَة فِي الْإِسْلَام وَلَا التحريك إِلَيْهَا مَعَ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ. قَوْله: قَالَ عبد الرحمان هُوَ ابْن أبي بكرَة الرَّاوِي وَهُوَ مَوْصُول بالسند الْمَذْكُور. قَوْله: حَدَّثتنِي أُمِّي هِيَ: هَالة بنت غليظ العجيلة، ذكر كَذَلِك خَليفَة بن خياط فِي تَارِيخه وَجَمَاعَة. وَقَالَ ابْن سعد: هِيَ هولة، وَالله أعلم. قَوْله: عَليّ بتَشْديد الْيَاء.
7079 - حدّثنا أحْمَدُ بنُ إشْكابٍ، حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ فُضَيْلٍ، عنْ أبِيهِ عنْ عِكْرِمَةَ عنْ ابنِ عَبَّاسٍ، رَضِي الله عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تَرْتَدُّوا بَعْدِي كُفَّاراً يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ(24/189)
رقابَ بَعْضٍ
انْظُر الحَدِيث 1739
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَنَّهَا قِطْعَة مِنْهُ. وَأحمد بن إشكاب بِكَسْر الْهمزَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة وبالباء الْمُوَحدَة بعد الْألف الصفار الْكُوفِي، وَمُحَمّد بن فُضَيْل مصغر الْفضل بالضاد الْمُعْجَمَة يروي عَن أَبِيه فُضَيْل بن غَزوَان بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون الزَّاي.
قَوْله: لَا ترتدوا تقدم فِي الْحَج من وَجه آخر عَن فُضَيْل بِلَفْظ: لَا ترجعوا وسياقه هُنَاكَ أتم.
7080 - حدّثنا سُلَيْمانُ بنُ حَرْبٍ، حدّثنا شُعْبَةُ، عنْ عَلِيَ بنِ مُدْرِكٍ سَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ بنَ عَمْرِو بنِ جَرِيرٍ، عنْ جَدِّهِ جَرِيرٍ قَالَ: قَالَ لي رسولُ الله فِي حَجَّةِ الوَداعِ: اسْتَنْصِتِ النَّاسَ ثمَّ قَالَ: لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّاراً يَضْرِبُ بَعْضَكُمْ رِقابَ بَعْضٍ
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعلي بن مدرك على صِيغَة اسْم الْفَاعِل من الْإِدْرَاك الْكُوفِي، وَأَبُو زرْعَة بِضَم الزَّاي اسْمه هرم بِفَتْح الْهَاء ابْن عَمْرو بن جرير بن عبد الله البَجلِيّ، وَلَيْسَ لأبي زرْعَة بن عَمْرو بن جرير عَن جده فِي البُخَارِيّ إلاَّ هَذَا الحَدِيث. وَمضى الحَدِيث فِي كتاب الْعلم.
قَوْله: لَا ترجعوا كَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: لَا ترجعن، بِضَم الْعين وَالنُّون المثقلة. وكفاراً جمع كَافِر نصب على الْحَال.
(
(تَكُونُ فِتْنَةٌ القاعِدُ فِيها خَيْرٌ مِنَ القائِمِ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ: تكون ... إِلَى آخِره، وَهَذِه التَّرْجَمَة بعض الحَدِيث.
7080 - حدّثنا سُلَيْمانُ بنُ حَرْبٍ، حدّثنا شُعْبَةُ، عنْ عَلِيَ بنِ مُدْرِكٍ سَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ بنَ عَمْرِو بنِ جَرِيرٍ، عنْ جَدِّهِ جَرِيرٍ قَالَ: قَالَ لي رسولُ الله فِي حَجَّةِ الوَداعِ: اسْتَنْصِتِ النَّاسَ ثمَّ قَالَ: لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّاراً يَضْرِبُ بَعْضَكُمْ رِقابَ بَعْضٍ
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعلي بن مدرك على صِيغَة اسْم الْفَاعِل من الْإِدْرَاك الْكُوفِي، وَأَبُو زرْعَة بِضَم الزَّاي اسْمه هرم بِفَتْح الْهَاء ابْن عَمْرو بن جرير بن عبد الله البَجلِيّ، وَلَيْسَ لأبي زرْعَة بن عَمْرو بن جرير عَن جده فِي البُخَارِيّ إلاَّ هَذَا الحَدِيث. وَمضى الحَدِيث فِي كتاب الْعلم.
قَوْله: لَا ترجعوا كَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: لَا ترجعن، بِضَم الْعين وَالنُّون المثقلة. وكفاراً جمع كَافِر نصب على الْحَال.
(
(تَكُونُ فِتْنَةٌ القاعِدُ فِيها خَيْرٌ مِنَ القائِمِ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ: تكون ... إِلَى آخِره، وَهَذِه التَّرْجَمَة بعض الحَدِيث.
7080 - حدّثنا سُلَيْمانُ بنُ حَرْبٍ، حدّثنا شُعْبَةُ، عنْ عَلِيَ بنِ مُدْرِكٍ سَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ بنَ عَمْرِو بنِ جَرِيرٍ، عنْ جَدِّهِ جَرِيرٍ قَالَ: قَالَ لي رسولُ الله فِي حَجَّةِ الوَداعِ: اسْتَنْصِتِ النَّاسَ ثمَّ قَالَ: لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّاراً يَضْرِبُ بَعْضَكُمْ رِقابَ بَعْضٍ
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعلي بن مدرك على صِيغَة اسْم الْفَاعِل من الْإِدْرَاك الْكُوفِي، وَأَبُو زرْعَة بِضَم الزَّاي اسْمه هرم بِفَتْح الْهَاء ابْن عَمْرو بن جرير بن عبد الله البَجلِيّ، وَلَيْسَ لأبي زرْعَة بن عَمْرو بن جرير عَن جده فِي البُخَارِيّ إلاَّ هَذَا الحَدِيث. وَمضى الحَدِيث فِي كتاب الْعلم.
قَوْله: لَا ترجعوا كَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: لَا ترجعن، بِضَم الْعين وَالنُّون المثقلة. وكفاراً جمع كَافِر نصب على الْحَال.
(
(تَكُونُ فِتْنَةٌ القاعِدُ فِيها خَيْرٌ مِنَ القائِمِ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ: تكون ... إِلَى آخِره، وَهَذِه التَّرْجَمَة بعض الحَدِيث.
7081 - حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ الله، حدّثنا إبْراهِيمُ بنُ سَعْدٍ، عنْ أبِيهِ عنْ أبي سَلَمَةَ بنِ عَبْدِ الرَّحمانِ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ.
قَالَ إبْراهِيمُ: وحَدثني صالحُ بنُ كيْسانَ، عنِ ابنِ شهِابٍ، عنْ سَعِيد بنِ المُسَيَّبِ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَتَكُونُ فِتَنٌ القاعدُ فِيها خَيْرٌ مِنَ القائِمِ، والقائِمُ فِيها خَيْرٌ مِنَ الماشِي، والماشِي فِيها خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي، مَنْ تَشَرَّفَ لَها تَسْتَشْرِفْهُ، فَمَنْ وَجَدَ فِيها مَلْجأ أوْ مَعاذاً فَلْيَعُذْبِهِ
انْظُر الحَدِيث 3601 وطرفه
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَمُحَمّد بن عبيد الله مُصَغرًا ابْن مُحَمَّد مولى عُثْمَان بن عَفَّان الْأمَوِي، وَإِبْرَاهِيم بن سعد يروي عَن أَبِيه سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرحمان بن عَوْف عَن عَمه أبي سَلمَة بن عبد الرحمان بن عَوْف عَن أبي هُرَيْرَة.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْفِتَن أَيْضا عَن إِسْحَاق بن مَنْصُور.
قَوْله: سَتَكُون فتن وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي: فتْنَة، وَالْمرَاد جَمِيع الْفِتَن، وَقيل: هِيَ الِاخْتِلَاف الَّذِي يكون بَين أهل الْإِسْلَام بِسَبَب افتراقهم على الإِمَام وَلَا يكون المحق فِيهَا مَعْلُوما، بِخِلَاف عَليّ وَمُعَاوِيَة. قَوْله: الْقَاعِد فِيهَا أَي: فِي الْفِتَن خير من الْقَائِم إِشَارَة إِلَى أَن شَرها يكون بِحَسب التَّعَلُّق بهَا، وَزَاد الْإِسْمَاعِيلِيّ: والنائم فِيهَا خير من الْيَقظَان، وَالْيَقظَان فِيهَا خير من الْقَاعِد وَلمُسلم: الْيَقظَان فِيهَا خير من النَّائِم وللبزار: سَتَكُون فتن ثمَّ تكون فتن بِزِيَادَة: والمضطجع خير من الْقَاعِد فِيهَا وَلأبي دَاوُد: المضطجع فِيهَا خير من الْجَالِس، والجالس خير من الْقَائِم وَمعنى الْقَاعِد خير من الْقَائِم الَّذِي لَا يستشرفها. وَقَالَ الدَّاودِيّ: الظَّاهِر أَنه إِنَّمَا أَرَادَ أَن يكون فِيهَا قَاعِدا. وَحكى ابْن التِّين عَنهُ أَن الظَّاهِر أَن المُرَاد من يكون مباشراً لَهَا فِي الْأَحْوَال كلهَا، يَعْنِي: أَن بَعضهم فِي ذَلِك أَشد من بعض فأعلاهم فِي ذَلِك السَّاعِي فِيهَا بِحَيْثُ يكون سَببا لإثارتها، ثمَّ من يكون قَائِما بأسبابها وَهُوَ الْمَاشِي، ثمَّ من يكون مباشراً لَهَا وَهُوَ الْقَائِم، ثمَّ من يكون مَعَ النظارة وَلَا يُقَاتل وَهُوَ الْقَاعِد، ثمَّ من يكون محسناً لَهَا وَلَا يُبَاشر وَلَا ينظر وَهُوَ المضطجع الْيَقظَان، ثمَّ من لَا يَقع مِنْهُ شَيْء من ذَلِك وَلكنه رَاض وَهُوَ النَّائِم، وَالْمرَاد بالأفضلية فِي هَذِه الْخَيْرِيَّة من يكون أقل شرّاً مِمَّن فَوْقه على التَّفْصِيل الْمَذْكُور. قَوْله: من تشرف بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق والشين الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الرَّاء على وزن تفعل، أَي: تطلع لَهَا بِأَن يتصدر ويتعرض(24/190)