خاصية لَيست لغَيْرهَا.
7 - (بابُ مَا يَقُولُ إِذا نامَ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا يَقُول الشَّخْص إِذا نَام، وَسَقَطت هَذِه التَّرْجَمَة عِنْد الْبَعْض وَثبتت للأكثرين.
6312 - حدَّثنا قَبِيصَةُ حدّثنا سُفْيانُ عنْ عَبْدِ المَلِكِ عنْ رِبْعِيِّ بنِ حِرَاشٍ عنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: كَانَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِذا أواى إِلَى فِراشِهِ قَالَ: بِاسْمِكَ أمُوتُ وأحْيا، وَإِذا قامَ قَالَ: الحَمْدُ لله الَّذِي أحْيانا بَعْدَ مَا أماتَنا وإلَيْهِ النُّشُورُ.
هَذَا أوضح مَا أبهمه فِي التَّرْجَمَة لِأَن فِيهِ الْإِرْشَاد إِلَى مَا يَقُول الشَّخْص عِنْد النّوم، وَزِيَادَة مَا يَقُول عِنْد قِيَامه من النّوم.
وَأخرجه عَن قبيصَة بن عقبَة الْكُوفِي عَن سُفْيَان الثَّوْريّ عَن عبد الْملك بن عُمَيْر عَن ربعي بِكَسْر الرَّاء وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة وبالعين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف ابْن حِرَاش بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الرَّاء وبالشين الْمُعْجَمَة عَن حُذَيْفَة بن الْيَمَان، وَفِي بعض النّسخ لم يذكر الْيَمَان.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي التَّوْحِيد عَن مُسلم بن إِبْرَاهِيم. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْأَدَب عَن أبي بكر عَن وَكِيع. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ عَن عمر بن إِسْمَاعِيل وَفِي الشَّمَائِل عَن مَحْمُود بن غيلَان. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة عَن عَمْرو بن مَنْصُور وَغَيره. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الدُّعَاء عَن عَليّ بن مُحَمَّد عَن وَكِيع.
قَوْله: (إِذا أَوَى) بقصر الْهمزَة أَي: إِذا دخل فِي فرَاشه. قَوْله: (قَالَ بإسمك أَمُوت) أَي: بِذكر إسمك أحيى مَا حييت وَعَلِيهِ أَمُوت، وَيسْقط بِهَذَا سُؤال من يَقُول: بِاللَّه الْحَيَاة وَالْمَوْت لَا باسمه، قيل: فِيهِ دلَالَة على أَن الإسم عين الْمُسَمّى. وَأجِيب بِلَا، وَلَا سِيمَا أَن لفظ الإسم يحْتَمل أَن يكون مقحماً كَقَوْلِه:
إِلَيّ الْحول. ثمَّ إسم السَّلَام عَلَيْكُمَا
قَوْله: (وَإِلَيْهِ النشور) أَي: الْإِحْيَاء للبعث يَوْم الْقِيَامَة، قيل: هَذَا لَيْسَ إحْيَاء وَلَا إماتة بل إيقاظ وإنامة. وَأجِيب: بِأَن الْمَوْت عبارَة عَن انْقِطَاع تعلق الرّوح بِالْبدنِ، وَذَلِكَ قد يكون ظَاهرا فَقَط، وَهُوَ النّوم، وَلِهَذَا يُقَال: إِنَّه أَخُو الْمَوْت أَو ظَاهرا وَبَاطنا، وَهُوَ الْمَوْت الْمُتَعَارف أَو أطلق الْإِحْيَاء والإماتة على سَبِيل التَّشْبِيه، وَهُوَ اسْتِعَارَة مصرحة. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الزّجاج: النَّفس الَّتِي تفارق الْإِنْسَان عِنْد النّوم هِيَ الَّتِي للتمييز، وَالَّتِي تُفَارِقهُ عِنْد الْمَوْت هِيَ الَّتِي للحياة، وَهِي الَّتِي تَزُول مَعهَا النَّفس، وسمى النّوم موتا لِأَنَّهُ يَزُول مَعَه الْعقل وَالْحَرَكَة تمثيلاً وتشبيهاً.
يُنْشِرُها يُخْرِجُها
ثَبت هَذَا فِي رِوَايَة السَّرخسِيّ وَحده، وَفسّر قَوْله: (ينشرها) بقوله: (يُخرجهَا) . وَفِيه قراءتان: قِرَاءَة الْكُوفِيّين بالزاي من أنشزه إِذا رَفعه بتدريج وَهِي قِرَاءَة ابْن عَامر أَيْضا، وَقِرَاءَة الآخرين بالراء من أنشرها إِذا أَحْيَاهَا. وَأخرجه الطَّبَرِيّ من طَرِيق ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد قَالَ: ينشرها أَي: يُحْيِيهَا، وَأخرج من طَرِيق عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس بالزاي.
6313 - حدَّثنا سَعِيدُ بنُ الرَّبِيعِ ومُحَمَّدُ بنُ عَرْعَرَةَ قَالَا: حَدثنَا شُعْبَةُ عنْ أبي إسْحاقَ سَمِع البَراءَ بنَ عازِبٍ أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أمَرَ رَجُلاً.
(ح) وحدّثنا آدمُ حدّثنا شُعْبَةُ حدّثنا أبُو إسْحاقَ الهَمْدانِيُّ عَنِ البَراءِ بنِ عازِبٍ: أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أوْصَى رَجُلاً فَقَالَ: إِذا أرَدْتَ مَضْجَعَكَ فَقُلِ: اللَّهُمَّ أسلَمْتُ نَفْسي إلَيْكَ، وفَوَّضْتُ أمْرِي إلَيْكَ، وَوَجَّهْتُ وَجْهي إلَيْكَ، وألْجأْتُ ظَهْرِي إلَيْكَ، رَغْبَةً ورَهْبَةً إلَيِكَ، لَا مَلْجا وَلَا مَنْجا مِنْكَ إلاَّ إلَيْكَ، آمَنْتُ بِكِتابِكَ الَّذِي أنْزَلْتَ، وبِنَبِيِّكَ الَّذِي أرْسَلْتَ، فإنْ مُتَّ مُتَّ عَلى الفِطْرَةِ.
هَذَا حَدِيث مثل حَدِيث حُذَيْفَة أخرجه عَن الْبَراء بن عَازِب من وَجْهَيْن: الأول: عَن سعيد بن(22/284)
الرّبيع ضد الخريف الْبَصْرِيّ وَكَانَ يَبِيع الثِّيَاب الهروية فَقيل لَهُ: الْهَرَوِيّ، وَمُحَمّد بن عرْعرة كِلَاهُمَا رويا عَن شُعْبَة عَن أبي إِسْحَاق عَمْرو بن عبد الله السبيعِي وَالْآخر عَن آدم عَن شُعْبَة عَن أبي إِسْحَاق ... كَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة السَّرخسِيّ عَن أبي إِسْحَاق: سَمِعت الْبَراء.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الدَّعْوَات عَن أبي مُوسَى وَبُنْدَار. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن بزيغ.
قَوْله: (أَمر رجلا) فِي الطَّرِيق الأول، وَفِي الثَّانِي: (أوصى رجلا) وَكِلَاهُمَا فِي الْمَعْنى مُتَقَارب.
8 - (بابُ وَضْعِ اليَدِ اليُمْنَى تَحْتَ الخَدِّ الأيْمَنِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان اسْتِحْبَاب وضع النَّائِم يَده الْيُمْنَى تَحت خَدّه الْأَيْمن لفعلهصلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَذَلِك، وَفِي أَكثر النّسخ: تَحت الخد الْيُمْنَى بِاعْتِبَار أَن تَأْنِيث الخد قد جَاءَ فِي لُغَة.
6314 - حدَّثني مُوسَى بنُ إسْماعِيلَ حدّثنا أبُو عَوانَةَ عنْ عَبْدِ المَلِكِ عنْ رِبْعِيّ عنْ حَذِيفَةَ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِذا أخَذ مَضْجَعَهُ مِنَ اللَّيْلِ وَضَع يَدَهُ تَحْتَ خَدِّهُ، ثُمَّ يَقُولُ: أللَّهُمَّ بِاسْمِكَ أمُوتُ وأحْيا، وَإِذا اسْتَيْقَظَ قَالَ: الحَمْدُ لله الَّذِي أحْيانا بَعْدَ مَا أماتَنا وإلَيْهِ النَّشُورُ.
قيل: لَا مُطَابقَة بَين الحَدِيث والترجمة لِأَن التَّرْجَمَة مُقَيّدَة بِالْيَدِ الْيُمْنَى والخد الْأَيْمن، وَلَيْسَ فِي الحَدِيث ذَلِك. وَأجِيب بِأَنَّهُ مُسْتَفَاد إِمَّا من حَدِيث صرح بِهِ لم يكن على شَرطه، وَإِمَّا مِمَّا ثَبت أَنه كَانَ يحب التَّيَامُن فِي شَأْنه كُله. قلت: فِي الأول نظر لَا يخفى، وَالثَّانِي لَا بَأْس بِهِ.
وَأَبُو عوَانَة الوضاح بن عبد الله، وَعبد الْملك بن عُمَيْر، ورِبْعِي بن حِرَاش، والْحَدِيث مر فِي الْبَاب السَّابِق.
9 - (بابُ النَّوْمِ عَلى الشِّقِّ الأيْمَنِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي النّوم على الشق الْأَيْمن.
6315 - حدَّثني مُسَدَّدٌ حدّثنا عَبْدُ الواحِدِ بنُ زِيادٍ حَدثنَا العَلاءُ بنُ المُسَيَّبِ قَالَ: حدّثني أبي عنِ البَراءِ بنِ عازِبٍ قَالَ: كَانَ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِذا أوَى إِلَى فِراشِهِ نامَ عَلى شِقِّهِ الأيْمَنِ ثُمَّ قَالَ: أللَّهُمَّ أسْلَمْتُ نَفْسِي إلَيْكَ، وَوَجَّهْتُ وَجْهِي إلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أمْرِي إلَيْكَ، وألْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ، رَغْبَةً ورَهْبَةً إلَيْكَ، لَا مَلْجَأ وَلَا مَنْجا مِنكَ إلاَّ إلَيْكَ، آمَنْتُ بِكِتابِكَ الَّذِي أنْزَلْتَ ونَبِيِّكَ الذِي أرْسَلْتَ، وَقَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَنْ قالَهُنَّ ثُمَّ ماتَ تَحْتَ لَيْلَتِهِ ماتَ عَلى الفِطْرَةِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (نَام على شقَّه الْأَيْمن) . والْعَلَاء الْمَذْكُور يروي عَن أَبِيه الْمسيب بن نَافِع الْكَاهِلِي، وَيُقَال للمسيب: أَبُو الْعَلَاء، وَكَانَ من ثقاة الْكُوفِيّين وَمَا لوَلَده الْعَلَاء فِي البُخَارِيّ إلاَّ هَذَا الحَدِيث وَآخر تقدم فِي غَزْوَة الْحُدَيْبِيَة.
والْحَدِيث قد مضى فِي الْبَاب الَّذِي قبل هَذَا الْبَاب، والناظر يقف على التَّفَاوُت الَّذِي بَينهمَا من حَيْثُ الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان.
قَوْله: (تَحت ليلته) أَي: فِي ليلته.
اسْتَرْهَبُوهُمْ مِنَ الرَّهْبَةِ. مَلَكُوتٌ مُلْكٌ مَثَلُ: رَهَبُوتٌ خَيْرٌ مِن رَحَمُوتٍ، تَقُولُ: تَرْهَبُ خَيْرٌ مِنْ أنْ تَرْحَمَ.
هَذَا لم يَقع فِي بعض النّسخ وَلَيْسَ لذكره مُنَاسبَة هُنَا، وَإِنَّمَا وَقع هَذَا فِي (مستخرج) أبي نعيم، وَلَفظ: استرهبوهم مضى فِي تَفْسِير سُورَة الْأَعْرَاف، وَذَلِكَ فِي قَضِيَّة سحرة فِرْعَوْن وَهُوَ فِي قَوْله تَعَالَى: {قَالَ ألقوا فَلَمَّا ... . بِسحر عَظِيم} (الْأَعْرَاف: 116) وَمعنى: استرهبوهم أرهبوهم فأفزعوهم، وجاؤوا بِسحر عَظِيم وَذَلِكَ أَنهم ألقوا حِبَالًا غلاظاً وخشباً(22/285)
طوَالًا فَإِذا هِيَ حيات كأمثال الْجبَال، قد مَلَأت الْوَادي يركب بَعْضهَا بَعْضًا. قَوْله: (ملكوت) ، على وزن فعلوت، وَفَسرهُ بقوله: ملك، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: الملكوت إسم مَبْنِيّ من الْملك كالجبروت والرهبوت من الْجَبْر والرهبة، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: رهب بِالْكَسْرِ يرهب رهبة ورهباً بِالضَّمِّ ورهباً بِالتَّحْرِيكِ أَي: خَافَ. وَرجل رهبوت يُقَال: رهبوت خير من رحموت، أَي: لِأَن ترهب خير من أَن ترحم.
10 - (بابُ الدُّعاءِ إِذا انْتَبَهَ باللَّيْلِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الدُّعَاء إِذا انتبه النَّائِم بِاللَّيْلِ أَي: فِي اللَّيْل، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: من اللَّيْل.
6316 - حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله حدّثنا ابنُ مَهْدِيّ عنْ سُفْيانَ عنْ سَلَمَةَ عنْ كُرَيْبٍ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: بِتُّ عِنْدَ مَيْمُونَةَ فقامَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فأتَى حاجَتَهُ غَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ ثُمَّ قَامَ فأتَى القِرْبَة فأطْلَقَ شِناقَها ثُمَّ تَوَضَّأ وُضُوءاً بَيْنَ وُضُوأيْن لَمْ يُكْثِرْ، وَقَدْ أبْلَغَ فَصَلَّى، فَقُمْتُ فَتَمَطَّيْتُ كَراهِيَّةَ أنْ يَرَى أنِّي كُنْتُ أتَّقيه، فَتَوَضَّأْتُ فَقامَ يُصَلِّي فَقُمْتُ عَنْ يَسارِهِ، فأخَذَ بأُذُنِي فأدارَنِي عَنْ يَمِينِهِ فَتَتامَّتْ صَلاتهُ ثَلاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، ثُمَّ اضْطَجَعَ فَنامَ حَتَّى نَفَخَ وَكَانَ إِذا نامَ نَفَخَ فآذَنَهُ بِلالٌ بِالصَّلاةِ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ، وَكَانَ يَقُولُ فِي دُعائِهِ: أللَّهُمَّ اجْعَل فِي قَلبي نُوراً، وَفِي بَصَرِي نورا، وَفِي سَمْعِي نُوراً، وعنْ يَمِيني نُوراً، وعنْ يَسارِي نُوراً، وَفوقِي نُوراً، وتَحْتِي نُوراً، وأمامي نُوراً، وخَلْفي نُوراً، واجْعَلْ لِي نورا قَالَ كُرَيْبٌ: وَسَبْعٌ فِي التَّابُوتِ، فَلَقِيت رَجُلاً مِنْ ولَدِ العَبَّاسِ فَحَدَّثَنِي بِهِنَّ، فَذَكَرَ عَصَبي ولَحمي وَدَمي وشَعَري وبشَري وذَكَرَ خَصْلَتَيْنِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعلي بن عبد الله هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ، وَابْن مهْدي هُوَ عبد الرَّحْمَن بن حسان الْعَنْبَري الْبَصْرِيّ، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ، وَسَلَمَة بِفتْحَتَيْنِ هُوَ ابْن كهيل، وكريب مولى ابْن عَبَّاس.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن عبد الله بن هَاشم وَغَيره، وَفِي الطَّهَارَة عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَغَيره وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْأَدَب عَن عُثْمَان عَن وَكِيع بِهِ مُخْتَصرا. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الشَّمَائِل عَن بنْدَار عَن ابْن مهْدي بِبَعْضِه. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الصَّلَاة عَن هناد بِهِ. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الطَّهَارَة عَن عَليّ بن مُحَمَّد وَغَيره.
قَوْله: (مَيْمُونَة) هِيَ بنت الْحَارِث الْهِلَالِيَّة أم الْمُؤمنِينَ خَالَة ابْن عَبَّاس. قَوْله: (غسل وَجهه) كَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: فَغسل وَجهه، بِالْفَاءِ قَوْله: (شناقها) بِكَسْر الشين الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف النُّون وبالقاف. وَهُوَ مَا يشد بِهِ رَأس الْقرْبَة من رِبَاط أَو خيط، سمي بِهِ لِأَن الْقرْبَة تشتق بِهِ. قَوْله: (بَين وضوءين) أَي بَين وضوء خَفِيف ووضوء كَامِل جَامع لجَمِيع السّنَن. قَوْله: (وَلم يكثر) من الْإِكْثَار أَي: اكْتفى بِمرَّة وَاحِدَة. قَوْله: (وَقد أبلغ) من الإبلاغ يَعْنِي: أوصل المَاء إِلَى مَوَاضِع يجب الإيصال إِلَيْهَا، وَوَقع عِنْد مُسلم: وضوء حسنا. قَوْله: (أتقيه) بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة من فَوق الْمُشَدّدَة وبالقاف الْمَكْسُورَة، كَذَا فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ وَآخَرين أَي: أرقبه وانتظره، ويروى: أنقبه، بتَخْفِيف النُّون وَتَشْديد الْقَاف وبالباء الْمُوَحدَة من التنقيب وَهُوَ التفتيش، وَفِي رِوَايَة الْقَابِسِيّ: أبغيه، بِسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة وَكسر الْغَيْن الْمُعْجَمَة وبالياء آخر الْحُرُوف الساكنة، أَي: أطلبه، وَالْأَكْثَر: أرقبه، وَهُوَ الْأَوْجه. قَوْله: (عَن يسَاره) ، ويروى: عَن شِمَاله. قَوْله: (فتتامت) ، من بَاب التفاعل أَي: تمت وكملت. قَوْله: (فآذنه) أَي أعلمهُ بِلَال رَضِي الله عَنهُ بِالصَّلَاةِ. قَوْله: (وَاجعَل لي نورا) ، هَذَا عَام يعد خَاص، والتنوين فِيهِ للتعظيم، أَي: نورا عَظِيما. قَوْله: (وَسبع) ، أَي: سبع كَلِمَات أُخْرَى (فِي التابوت) وَأَرَادَ بِهِ بدن الْإِنْسَان الَّذِي كالتابوت للروح، وَفِي بدن الَّذِي مآله أَن يكون فِي التابوت أَي: الَّذِي يحمل عَلَيْهِ الْمَيِّت وَهِي: العصب وَاللَّحم وَالدَّم وَالشعر والبشر، والخصلتان الأخريان. قَالَ الْكرْمَانِي: لعلهما الشَّحْم والعظم.(22/286)
وَقيل: هِيَ الْعظم والقبر. قَالَ ابْن بطال: وجدت الحَدِيث من رِوَايَة عَليّ بن عبد الله بن عَبَّاس عَن أَبِيه، فَذكر الحَدِيث مطولا وَفِيه: أللهم اجْعَل فِي عِظَامِي نورا وَفِي قَبْرِي نورا، وَقيل: هما اللِّسَان وَالنَّفس، لِأَن عقيلاً زادهما فِي رِوَايَته عِنْد مُسلم وهما من جملَة الْجَسَد، وَجزم الدمياطي فِي (حَاشِيَته) بِأَن المُرَاد بالتابوت الصَّدْر الَّذِي هُوَ وعَاء الْقلب، وَكَذَا قَالَ ابْن بطال، ثمَّ قَالَ: كَمَا يُقَال لمن لم يحفظ الْعلم: علمه فِي التابوت مستودع، وَقَالَ النَّوَوِيّ تبعا لغيره: المُرَاد بالتابوت الأضلاع وَمَا تحويه من الْقلب وَغَيره تَشْبِيها بالتابوت الَّذِي يحرز فِيهِ الْمَتَاع، يَعْنِي: سبع كَلِمَات فِي قلبِي وَلَكِن نسيتهَا، قَالَ: وفيل: المُرَاد سَبْعَة أنوار كَانَت مَكْتُوبَة فِي التابوت الَّذِي كَانَ لبني إِسْرَائِيل فِيهِ السكينَة، وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: يُرِيد بالتابوت الصندوق، أَي: سبع مَكْتُوبَة فِي الصندوق عِنْده وَلم يحفظها فِي ذَلِك الْوَقْت. قَوْله: (فَلَقِيت رجلا من ولد الْعَبَّاس) الْقَائِل بقوله: لقِيت، هُوَ سَلمَة بن كهيل، وَالرجل من ولد الْعَبَّاس هُوَ عَليّ بن عبد الله بن عَبَّاس قَالَه أَبُو ذَر. قَوْله: (فَذكر: عصبى) قَالَ ابْن التِّين أَي: أطناب المفاصل. قَوْله: (وبشري) بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة والشين الْمُعْجَمَة هُوَ ظَاهر الْجَسَد. قَوْله: (فَذكر خَصْلَتَيْنِ) أَي: تَكْمِلَة السَّبْعَة، فَإِن قلت: مَا المُرَاد بِالنورِ هُنَا؟ قلت: بَيَان الْحق والتوفيق فِي جَمِيع حالاته. وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: معنى طلب النُّور للأعضاء عضوا عضوا أَن تتحلى بأنوار الْمعرفَة وَالطَّاعَة وتتعرى عَمَّا عداهما، فَإِن الشَّيَاطِين تحيط بالجهات السِّت بالوساوس، فَكَانَ التَّخَلُّص مِنْهَا بالأنوار السَّادة لتِلْك الْجِهَات.
6317 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ حَدثنَا سُفْيانُ قَالَ: سَمِعْتُ سلَيْمانَ بن أبي مُسْلِمٍ عَن طاوُوس عنِ ابنِ عَبَّاسٍ: كَانَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِذا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ تَهَجَّدَ، قَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الحمْدُ أنْتَ نُورُ السَّماواتِ والأرْضِ ومَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الحَمْدُ أنْتَ قَيِّمُ السَّماواتِ والأرْضِ ومَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الحَمْدُ أنْتَ الحَقُّ وَوَعْدُكَ حَقٌّ وَقَوْلُكَ حَقٌّ ولقاؤُكَ حَقٌّ والجَنَّةُ حَقٌّ والنَّارُ حَقٌّ والسَّاعَةُ حَقٌّ والنَّبِيُّونَ حَقٌّ ومُحَمَّدٌ حَقٌّ. أللَّهُمَّ لَكَ أسْلَمْتُ وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ وَبِكَ آمَنْتُ وإلَيْكَ أنَبْتُ وبِكَ خاصَمْتُ وإلَيْكَ حاكَمْتُ فاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أخَّرْتُ، وَمَا أسْرَرْتُ وَمَا أعْلَنْتُ أنْتَ المُقَدِّمُ وأنتَ المُؤَخِّرُ لَا إلاهَ إلاّ أنْتَ أوْ: لَا إلاهَ غَيْرُكَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعبد الله بن مُحَمَّد الْجعْفِيّ الْمَعْرُوف بالمسندي، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَسليمَان بن أبي مُسلم الْأَحول خَال عبد الله بن أبي نجيح سمع طَاوُوس بن كيسَان، مَاتَ بِمَكَّة سنة خمس أَو سِتّ وَمِائَة.
والْحَدِيث مضى فِي أول: بَاب التَّهَجُّد بِاللَّيْلِ فِي آخر الصَّلَاة، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عَليّ بن عبد الله عَن سُفْيَان عَن سُلَيْمَان بن أبي مُسلم عَن طَاوُوس، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله تهجد: أَي صلى، وَقَالَ ابْن التِّين، أَي سهر، وَهُوَ من الأضداد يُقَال: هجد وتهجد إِذا نَام، وهجد وتهجد إِذا سهر، قَالَه الْجَوْهَرِي، وَقَالَ الْهَرَوِيّ: تهجد إِذا سهر وَألقى الهجود وَهُوَ النّوم عَن نَفسه، وهجد نَام. وَقَالَ النّحاس: التَّهَجُّد عِنْد أهل اللُّغَة السهر، والهجود النّوم. وَقَالَ ابْن فَارس: الهاجد النَّائِم، والمتهجد الْمُصَلِّي لَيْلًا. قَوْله: (قيم السَّمَوَات وَالْأَرْض) الْقيم وَالْقِيَام والقيوم مَعْنَاهَا وَاحِد، وَهُوَ الْقَائِم بتدبير الْخلق الْمُعْطِي لَهُ مَا بِهِ قوامه. قَوْله: (أنبت) أَي: رجعت إِلَيْك مُقبلا بِالْقَلْبِ عَلَيْك. قَوْله: (وَبِك خَاصَمت) أَي: بِمَا أَعْطَيْتنِي من الْبُرْهَان والسنان خَاصَمت المعاند. قَوْله: (وَإِلَيْك حاكمت) . من المحاكمة وَهِي رفع الْقَضِيَّة إِلَى الْحَاكِم أَي: كل من جحد الْحق جعلتك الْحَاكِم بيني وَبَينه لَا غَيْرك مِمَّا كَانَت الْجَاهِلِيَّة تحاكم إِلَيْهِ من صنم أَو كَاهِن. قَوْله: (أَو: لَا إِلَه غَيْرك) شكّ من الرَّاوِي.
11 - (بابُ التَّكْبِيرِ والتَّسْبِيحِ عِنْدَ المَنامِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان ثَوَاب التَّكْبِير، وَهُوَ أَن يَقُول: الله أكبر، وَالتَّسْبِيح أَن يَقُول: سُبْحَانَ الله، عِنْد إِرَادَته النّوم، وَكَانَ يَنْبَغِي أَن يَقُول: والتحميد أَيْضا لِأَن حَدِيث الْبَاب يَشْمَل هَذِه الثَّلَاثَة.(22/287)
6318 - حدَّثنا سُلَيْمانُ بنُ حَرْبٍ حدّثنا شُعْبَةُ عنِ الحَكَمِ عنِ ابنِ أبي لَيْلَى عنْ عَلِيّ: أنَّ فاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلَام شَكَتْ مَا تَلْقاى فِي يَدِها مِنَ الرَّحاى، فأتَتِ النبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، تَسْألُهُ خادِماً فَلَمْ تَجِدْهُ، فَذَكَرَتْ ذالِكَ لِعائِشَةَ، فَلَمَّا جاءَ أخْبَرَتْهُ قَالَ: فَجاءَنا وَقَدْ أخَذْنا مَضاجِعَنا، فَذَهَبْتُ أقومُ فَقَالَ: مَكانَكِ، فَجَلَسَ بَيْنَنا حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ قَدَمَيْهِ عَلى صَدْرِي، فَقَالَ: ألاَ أدُلُّكما عَلى مَا هُوَ خَيْرٌ لَكُما مِنْ خادِمٍ؟ إِذا أوَيْتُما إِلَى فِراشكُما أوْ أخَذْتُما مَضاجِعَكُما فَكَبِّرا ثَلاثاً وثَلاثِينَ، وَسَبِّحا ثَلاثاً وثَلاثِينَ، واحْمَدَا ثَلَاثًا وثَلاثِينَ، فَهاذا خَيْرٌ لَكُما مِنْ خادِمٍ.
وَعَن شُعْبَةَ عَنْ خالِدٍ عنِ ابنِ سيرِينَ قَالَ: التَّسْبِيحُ أرْبَعٌ وَثَلاثُونَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَالْحكم بِفتْحَتَيْنِ ابْن عتيبة مصغر عتبَة الدَّار وَابْن أبي ليلى عبد الرَّحْمَن وَاسم أبي ليلى يسَار، وعَلى ابْن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ.
والْحَدِيث مضى فِي الْخمس فِي: بَاب الدَّلِيل على أَن الْخمس لنوائب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن بدل بن المحبر عَن شُعْبَة عَن الحكم ... إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ، وَمضى أَيْضا فِي فضل عليّ رَضِي الله عَنهُ عَن بنْدَار عَن غنْدر، وَفِي النَّفَقَات عَن مُسَدّد عَن يحيى.
قَوْله: (شكت مَا تلقى فِي يَدهَا من الرَّحَى) ، وَفِي رِوَايَة بدل بن المحبر: مِمَّا تطحن، وَفِي رِوَايَة الطَّبَرِيّ: وأرته أثرا فِي يَدهَا من الرَّحَى، وَفِي رِوَايَة عبد الله بن أَحْمد فِي (مُسْند) أَبِيه: اشتكت فَاطِمَة مجل يَدهَا، بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْجِيم: وَهُوَ التقطيع، وروى ابْن سعد عَن عَليّ أَنه قَالَ لفاطمة ذَات يَوْم: وَالله لقد سنوت حَتَّى قد اشتكيت صَدْرِي، فَقَالَت: أَنا وَالله لقد طحنت حَتَّى مجلت يَدي. (سنوت) بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَالنُّون أَي: أستقيت من الْبِئْر فَكنت مَكَان السانية، وَهِي النَّاقة. قَوْله: (خَادِمًا) أَي: جَارِيَة تخدمها، وَهُوَ يُطلق على الذّكر وَالْأُنْثَى. قَوْله: (فَلم تَجدهُ) أَي: فَلم تَجِد فَاطِمَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَفِي رِوَايَة الْقطَّان: (فَلم تصادفه) ، وَفِي رِوَايَة بدل بن المحبر: (فَلم توافقه) ، وَهُوَ بِمَعْنى تصادفه. فَإِن قلت: فِي رِوَايَة أبي الوراد: (فَأَتَيْته فَوجدت عِنْده حداثاً) بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الدَّال وبالثاء الْمُثَلَّثَة أَي: جمَاعَة يتحدثون، فَاسْتَحْيَيْت فَرَجَعت. قلت: يحمل على أَنَّهَا لم تَجدهُ فِي الْمنزل بل فِي مَكَان آخر كالمسجد وَعِنْده من يتحدث مَعَه. قَوْله: (مَكَانك) بِالنّصب أَي: لزمَه، وَفِي رِوَايَة غنْدر: مَكَانكُمَا، وَفِي رِوَايَة بدل بن المحبر: على مَكَانكُمَا، أَي: استمرا على مَا أَنْتُمَا عَلَيْهِ. قَوْله: (فَجَلَسَ بَيْننَا) وَفِي رِوَايَة غنْدر: فَقعدَ، بدل: جلس، وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ: حَتَّى وضع قدمه بيني وَبَين فَاطِمَة. قَوْله: (حَتَّى وجدت برد قَدَمَيْهِ) هَكَذَا هُنَا بالتثنية، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني بِالْإِفْرَادِ. قَوْله: (على مَا هُوَ خير) وَجه الْخَيْرِيَّة إِمَّا أَن يُرَاد بِهِ أَنه يتَعَلَّق بِالآخِرَة وَالْخَادِم بالدنيا، وَالْآخِرَة خير وَأبقى، وَإِمَّا أَن يُرَاد بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا طلبته بِأَن يحصل لَهَا بِسَبَب هَذِه الْأَذْكَار قُوَّة تقدر على الْخدمَة أَكثر مِمَّا يقدر الْخَادِم، وَفِي رِوَايَة السَّائِب: أَلا أخبركما بِخَير مِمَّا سألتماني؟ قَالَا: بلَى. فَقَالَ: كَلِمَات علمنيهن جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام قَوْله: (أَو أخذتما) شكّ من سُلَيْمَان بن حَرْب. قَوْله: (فَكَبرَا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ) كَذَا فِي رِوَايَة مُجَاهِد عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى فِي النَّفَقَات فِي الْجَمِيع ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، ثمَّ قَالَ فِي آخِره: قَالَ سُفْيَان فِي رِوَايَة: إِحْدَاهُنَّ أَربع، وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ عَن قُتَيْبَة عَن سُفْيَان: لَا أدرى أَيهَا أَربع وَثَلَاثُونَ، وَفِي رِوَايَة الطَّبَرِيّ من طَرِيق أبي أُمَامَة الْبَاهِلِيّ عَن عَليّ فِي الْجَمِيع: ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وأختماها: بِلَا إِلَه إلاَّ الله، وَفِي رِوَايَة: فَكَبرَا أَرْبعا وَثَلَاثِينَ، وسبحا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَأحمد أَثلَاثًا وَثَلَاثِينَ. وَفِي رِوَايَة هُبَيْرَة عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ: فَتلك مائَة بِاللِّسَانِ، وَألف فِي الْمِيزَان، وَفِي رِوَايَة للطبري عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَحْمد أَرْبعا وَثَلَاثِينَ، وَكَذَا فِي حَدِيث أم سَلمَة، وَله من طَرِيق هُبَيْرَة: أَن التهليل أَربع وَثَلَاثُونَ، وَلم يذكر التَّحْمِيد. قَوْله: كبرا بِصِيغَة الْأَمر للإثنين، وَفِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة عِنْد مُسلم: تسبحين، بِصِيغَة الْمُضَارع، وَفِي رِوَايَة غنْدر للكشميهني بِصِيغَة الْأَمر، وَعَن غير الْكشميهني، تكبران، بِصِيغَة الْمُضَارع(22/288)
للمثنى بالنُّون، وحذفت فِي نُسْخَة تَخْفِيفًا.
قَوْله: (عَن خَالِد) هُوَ الْحذاء (عَن ابْن سِيرِين) وَهُوَ مُحَمَّد، قَالَ: (التَّسْبِيح أَربع وَثَلَاثُونَ) ، هَذَا مَوْقُوف على ابْن سِيرِين، واتفاق الروَاة على أَن الْأَرْبَع للتكبير أرجح.
12 - (بابُ التَّعَوُّذِ والقراءَةِ عِنْدَ المَنامِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان فضل التَّعَوُّذ وَالْقِرَاءَة عِنْد الْمَنَام أَي: النّوم، وَهُوَ مصدر ميمي وَفِي بعض النّسخ: عِنْد النّوم.
13 - (بابُ)
كَذَا وَقع بِغَيْر تَرْجَمَة فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين وَلم يذكر أصلا فِي رِوَايَة الْبَعْض، وَعَلِيهِ شرح ابْن بطال، وَقد ذكرنَا غير مرّة أَن هَذَا كالفصل لما قبله.
6320 - حدَّثنا أحْمَدُ بنُ يُونُسَ حدّثنا زُهَيْرٌ حَدثنَا عُبَيْدُ الله بنُ عُمَرَ حَدثنِي سَعِيدُ بنُ أبي سَعِيدٍ المَقْبُرِيُّ عنْ أبِيهِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا أوَى أحَدُكُمْ إِلَى فِراشِهِ فَلْيَنْفُضْ فِراشَهُ بِداخِلَةِ إزارِهِ فإِنَّهُ لَا يَدْرِي مَا خَلَفَهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ يَقُولُ: باسْمِكَ رَبِّي وَضَعْتُ جَنْبِي وَبِكَ أرْفَعَهُ، إنْ أمْسَكْتَ نَفْسِي فارْحَمْها، وإنْ أرْسَلْتَها فاحْفَظْها بِما تَحْفَظُ بِهِ عبادَكَ الصَّالِحِينَ. (انْظُر الحَدِيث 6320 طرفه فِي: 7393) .
مطابقته للباب المترجم الْمَذْكُور قبل هَذَا الْبَاب الْمُجَرّد ظَاهِرَة، وَالْبَاب الْمُجَرّد تَابع لَهُ.
وَأحمد بن يُونُس هُوَ أَحْمد بن عبد الله ابْن يُونُس وشهرته بنسبته إِلَى جده أَكثر، وَزُهَيْر مصغر زهر ابْن مُعَاوِيَة أَبُو خَيْثَمَة الْجعْفِيّ، وَعبيد الله بن عمر الْعمريّ، وَسَعِيد المَقْبُري يروي عَن أَبِيه أبي سعيد واسْمه كيسَان مولى بني لَيْث عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ.
وَفِيه: ثَلَاثَة من التَّابِعين على نسق وَاحِد وهم مدنيون: الأول: عبيد الله بن عمر تَابِعِيّ صَغِير. وَالثَّانِي: سعيد تَابِعِيّ وسط، وَأَبوهُ كيسَان هُوَ الثَّالِث: تَابِعِيّ كَبِير.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم أَيْضا فِي الدَّعْوَات عَن إِسْحَاق بن مُوسَى وَغَيره. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْأَدَب عَن أَحْمد بن يُونُس. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة عَن مُحَمَّد بن معدان.
قَوْله: (إِذا أَوَى) بقصر الْهمزَة مَعْنَاهُ إِذا أَتَى إِلَى فرَاشه لينام عَلَيْهِ. قَوْله: (بداخلة إزَاره) المُرَاد بالداخلة طرف الْإِزَار الَّذِي يَلِي الْجَسَد، وَسَيَأْتِي عَن مَالك: بصنفة ثَوْبه، بِفَتْح الصَّاد الْمُهْملَة وَكسر النُّون بعْدهَا فَاء، وَهِي الْحَاشِيَة الَّتِي تلِي الْجلد، وَفِي رِوَايَة مُسلم عَن عبيد الله بن عمر: فليحل دَاخِلَة إزَاره فلينفض بهَا فرَاشه، وَفِي رِوَايَة يحيى الْقطَّان كَمَا سَيَأْتِي: فلينزع، وَقَالَ الْبَيْضَاوِيّ: إِنَّمَا أَمر بالنفض بالداخلة لِأَن الَّذِي يُرِيد النّوم يحل بِيَمِينِهِ خَارج الْإِزَار وَيبقى الدَّاخِلَة معلقَة فينفض بهَا. قَوْله: (مَا خَلفه عَلَيْهِ) بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح اللَّام بِلَفْظ الْمَاضِي وَمَعْنَاهُ أَنه: يسْتَحبّ أَن ينفض فرَاشه قبل أَن يدْخل فِيهِ لِئَلَّا يكون قد دخل فِيهِ حَيَّة أَو عقرب أَو غَيرهمَا من المؤذيات وَهُوَ لَا يشْعر، ولينفض وَيَده مستورة بِطرف إزَاره لِئَلَّا يحصل فِي يَده مَكْرُوه إِن كَانَ شَيْء هُنَاكَ، وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: معنى: (مَا خَلفه) لَا يدْرِي مَا وَقع فِي فرَاشه بَعْدَمَا خرج مِنْهُ من تُرَاب أَو قذارة أَو هوَام. قَوْله: (بِاسْمِك رب وضعت جَنْبي) أَي: قَائِلا أَو مستعيناً بِاسْمِك يَا رب، وَفِي رِوَايَة يحيى الْقطَّان: أللهم بِاسْمِك، وَفِي رِوَايَة أبي ضَمرَة يَقُول: سُبْحَانَكَ(22/289)
رَبِّي بك وضعت جَنْبي. قَوْله: (إِن أَمْسَكت نَفسِي فارحمها) الْإِمْسَاك كِنَايَة عَن الْمَوْت فَلذَلِك قَالَ: فارحمها، لِأَن الرَّحْمَة تناسبه، وَفِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ: فَاغْفِر لَهَا. قَوْله: (وَإِن أرسلتها) من الْإِرْسَال وَهُوَ كِنَايَة عَن الْبَقَاء فِي الدُّنْيَا، وَذكر الْحِفْظ يُنَاسِبه. قَوْله: (بِمَا تحفظ بِهِ) قَالَ الطَّيِّبِيّ: الْبَاء فِيهِ مثل الْبَاء فِي قَوْلك: كتبت بالقلم وَكلمَة: مَا مُبْهمَة وبيانها مَا دلّت عَلَيْهِ صلتها.
تابَعَهُ أبُو ضَمْرَةَ وإسْماعِيلُ بنُ زَكَرِيَّاءَ عنْ عُبَيْدِ الله
أَي: تَابع زُهَيْر بن مُعَاوِيَة أَبُو ضَمرَة أنس بن عِيَاض فِي إِدْخَال الْوَاسِطَة بَين سعيد المَقْبُري وَبَين أبي هُرَيْرَة. قَوْله: (وَإِسْمَاعِيل) أَي: تَابع زهيراً أَيْضا إِسْمَاعِيل بن زَكَرِيَّاء أَبُو زِيَاد الخلقاني الْكُوفِي، كِلَاهُمَا فِي روايتهما عَن عبيد الله بن عمر بن حَفْص بن عَاصِم بن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ أما مُتَابعَة أبي ضَمرَة فرواها مُسلم: عَن أبي إِسْحَاق بن مُوسَى أخبرنَا أنس بن عِيَاض هُوَ أَبُو ضَمرَة أخبرنَا عبيد الله فَذكره، وَأما مُتَابعَة إِسْمَاعِيل بن زَكَرِيَّا فرواها الْحَارِث بن أبي أُسَامَة فِي (مُسْنده) عَن يُونُس بن مُحَمَّد عَنهُ.
وَقَالَ يَحْياى وبِشْرٌ: عنْ عُبَيْدِ الله عنْ سَعِيدٍ عنْ أبي هُرَيْرَةَ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
يحيى هُوَ ابْن سعيد الْقطَّان، وَبشر بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة ابْن الْمفضل بِضَم الْمِيم وَفتح الضَّاد الْمُعْجَمَة الْمُشَدّدَة، وَعبيد الله هُوَ الْعمريّ الْمَذْكُور، أَرَادَ أَن كليهمَا رويا عَن عبيد الله عَن سعيد المَقْبُري عَن أبي هُرَيْرَة بِدُونِ الْوَاسِطَة بَينه وَبَين أبي هُرَيْرَة، أما رِوَايَة يحيى فرواها النَّسَائِيّ عَن عَمْرو بن عَليّ وَابْن مثنى، وَأما رِوَايَة بشر فأخرجها مُسَدّد فِي (مُسْنده) عَنهُ.
ورَواهُ مالِكٌ وابنُ عَجْلانَ عنْ سَعِيدٍ عنْ أبي هُرَيْرَةَ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أَي: وروى الحَدِيث الْمَذْكُور مَالك بن أنس وَمُحَمّد بن عجلَان الْفَقِيه الْمدنِي، أَرَادَ أَنَّهُمَا روياه أَيْضا عَن سعيد المَقْبُري عَن أبي هُرَيْرَة بِلَا وَاسِطَة الْأَب. فَإِن قلت: قَالَ هُنَا: رَوَاهُ مَالك، وَقَالَ قبله: قَالَ يحيى؟ قلت: الرِّوَايَة تسْتَعْمل عِنْد التَّحَمُّل وَالْقَوْل عِنْد المذاكرة، أما رِوَايَة مَالك فوصلها البُخَارِيّ فِي كتاب التَّوْحِيد عَن عبد الْعَزِيز بن عبد الله الأويسي عَنهُ، وَأما رِوَايَة ابْن عجلَان فوصلها أَحْمد عَنهُ وَوَصلهَا أَيْضا التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَالطَّبَرَانِيّ فِي الدُّعَاء من طَرِيق عَنهُ، وَقد طول الشُّرَّاح فِي هَذَا الْموضع كلَاما من غير تَرْتِيب بِحَيْثُ إِن النَّاظر فِيهِ يتشوش ذهنه وَلَا سِيمَا إِذا كَانَ مبتدئاً، وَحط بَعضهم على بعض بِغَيْر مُرَاعَاة الْأَدَب.
14 - (بَاب الدُّعاءِ نِصْفَ اللَّيْلِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان فضل الدُّعَاء فِي نصف اللَّيْل إِلَى طُلُوع الْفجْر، وَقَالَ ابْن بطال: هُوَ وَقت شرِيف خصّه الله عز وَجل بالتنزل فِيهِ فيتفضل على عباده بإجابة دُعَائِهِمْ وَإِعْطَاء سُؤَالهمْ فِيهِ وغفران ذنوبهم، وَهُوَ وَقت غَفلَة وخلوة واستغراق فِي النّوم واستلذاذ لَهُ، ومفارقة اللَّذَّة والدعة صَعب لَا سِيمَا على أهل الرَّفَاهِيَة، وَفِي زمن الْبرد، وَكَذَا أهل التَّعَب مَعَ قصر اللَّيْل، فالسعيد من يغتنم هَذَا، والموفق هُوَ الله عز وَجل.
6321 - حدَّثنا عَبْدُ العَزِيزِ بنُ عَبْدِ الله حَدثنَا مالِكٌ عنِ ابنِ شِهابٍ عنْ أبي عَبْدِ الله الأغَرِّ وَأبي سَلَمَةَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمانِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يَتَنَزَّلُ رَبُّنا تَبارَكَ وَتَعَالَى كلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّماءِ الدُّنْيا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ يَقُول: مَنْ يَدْعُونِي فأسْتَجيبَ لَهُ؟ مَنْ يَسْألُنِي فأُعْطِيَهُ؟ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فأغْفِرَ لَهُ. (انْظُر الحَدِيث 1145 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأَبُو عبد الله الْأَغَر بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الرَّاء واسْمه سلمَان الْجُهَنِيّ الْمدنِي.
والْحَدِيث(22/290)
مضى فِي: بَاب الصَّلَاة من آخر اللَّيْل، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبد الله بن مسلمة عَن مَالك ... الخ وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (يتنزل)
الخ، والْحَدِيث من المتشابهات، وَلَا بُد من التَّأْوِيل إِذْ الْبَرَاهِين القاطعة دلّت على تنزهه مِنْهُ، فَالْمُرَاد نزُول ملك الرَّحْمَة وَنَحْوه ويروى: ينزل. قَوْله: (ثلث اللَّيْل الآخر) بِكَسْر الْخَاء وَهُوَ صفة الثُّلُث. قيل: ذكر فِي التَّرْجَمَة نصف اللَّيْل وَفِي الحَدِيث الثُّلُث؟ وَأجِيب: بِأَنَّهُ حِين يبْقى الثُّلُث يكون قبل الثُّلُث وَهُوَ الْمَقْصُود من النّصْف. وَقَالَ ابْن بطال: عدل المُصَنّف لِأَنَّهُ أَخذ التَّرْجَمَة من دَلِيل الْقُرْآن وَذكر النّصْف، وَقيل: أَشَارَ البُخَارِيّ إِلَى الرِّوَايَة الَّتِي وَردت بِلَفْظ النّصْف. وَقد أخرجه أَحْمد عَن يزِيد بن هَارُون عَن مُحَمَّد بن عَمْرو عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة بِلَفْظ: ينزل الله إِلَى سَمَاء الدُّنْيَا نصف اللَّيْل أَو ثلث اللَّيْل الآخر وروى الدَّارَقُطْنِيّ من طَرِيق حبيب بن أبي ثَابت عَن الْأَغَر عَن أبي هُرَيْرَة بِلَفْظ: شطر اللَّيْل، من غير تردد.
15 - (بابُ الدُّعاءِ عِنْدَ الخَلاءِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الدُّعَاء عِنْد إِرَادَة الشخض الدُّخُول فِي الْخَلَاء.
16 - (بابُ مَا يَقُولُ إِذا أصْبَحَ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا يَقُول الشَّخْص إِذا أصبح أَي: إِذا دخل فِي الصَّباح.
6323 - حدَّثني مُسَدَّدٌ حَدثنَا يَزِيدُ بنُ زُرَيْعٍ حَدثنَا حُسَيْنٌ حَدثنَا عَبْدُ الله بنُ بُرَيْدَةَ عَنْ بُشَيْرِ بنِ كَعْبٍ عنْ شَدَّادِ بنِ أوْسٍ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: سَيِّدُ الاسْتِغْفار: أللهُمَّ أنْتَ رَبِّي لَا إلاهَ إلاَّ أنْتَ خَلَقْتَنِي وَأَنا عَبْدُكَ وَأَنا عَلى عَهْدِكَ ووعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أبوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ وأبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي، فاغْفِرْ لِي فإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلاَّ أنْتَ، أعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ. إِذا قَالَ حِينَ يُمْسِي فَماتَ دَخَلَ الجَنَّةَ، أوْ كَانَ مِنْ أهْلِ الجَنَّةِ، وَإِذا قَالَ حِينَ يُصْبِحُ فَماتَ مِنْ يَوْمِهِ مِثْلُهُ. (انْظُر الحَدِيث 6306) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَإِذا قَالَ حِين يصبح) والْحَدِيث قد مضى قَرِيبا فِي: بَاب أفضل الاسْتِغْفَار فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن أبي معمر عَن عبد الْوَارِث عَن الْحُسَيْن ... إِلَى آخِره، والمسافة قريبَة فَلَا يحْتَاج إِلَى الشَّرْح هُنَا.
6324 - حدَّثنا أبُو نُعَيْمٍ حَدثنَا سُفْيانُ عنْ عَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ عنْ ربْعِيِّ بنِ حِرَاش عنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: كانَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إذَا أرَادَ أنْ يَنامَ قَالَ: باسمِكَ اللَّهُمَّ أمُوتُ وأحْيا، وإذَا إسْتَيْقَظَ مِنْ مَنامِهِ قَالَ: الحَمْدُ لله الَّذِي أحْياناً بَعْدَ مَا أماتَنا وإلَيْهِ النُّشورُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (وَإِذا اسْتَيْقَظَ من مَنَامه) . وَأَبُو نعيم الْفضل بن دُكَيْن، وسُفْيَان بن عُيَيْنَة.
والْحَدِيث مضى عَن قريب فِي: بَاب مَا يَقُول إِذا نَام، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن قبيصَة عَن سُفْيَان ... إِلَى آخِره.(22/291)
6325 - حدَّثنا عَبْدَانُ عنْ أبي حَمْزَةَ عنْ مَنْصُورٍ عنْ رِبْعِيِّ بن حِرَاشٍ عنْ خَرَشَةَ بنِ الحُرِّ عنْ أبي ذَرّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كانَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إذَا أخَذَ مَضْجَعَهُ مِنَ اللَّيْلِ قَالَ: أللَّهُمَّ باسْمِكَ أمُوتُ وأحْيا، فإِذَا اسْتَيْقَظَ قَالَ: الحَمْدُ لله الَّذِي أحْيانا بَعْدَ مَا أماتَنا وإلَيْهِ النُّشُورُ. (انْظُر الحَدِيث 6325 طرفه فِي: 7395) .
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (فَإِذا اسْتَيْقَظَ) . وعبدان هُوَ عبد الله بن عُثْمَان الْمروزِي ولقب بعبدان، وَأَبُو حَمْزَة بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي مُحَمَّد بن مَيْمُون السكرِي، وَمَنْصُور هُوَ ابْن الْمُعْتَمِر، ورِبْعِي بِكَسْر الرَّاء وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة وبالعين الْمُهْملَة وَالْيَاء آخر الْحُرُوف الْمُشَدّدَة ابْن حِرَاش بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الرَّاء وبالشين الْمُعْجَمَة، وخرشة بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح الرَّاء والشين الْمُعْجَمَة ابْن الْحر ضد العَبْد الْفَزارِيّ بِالْفَاءِ وَالزَّاي وَالرَّاء، وَأَبُو ذَر جُنْدُب الْغِفَارِيّ.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي التَّوْحِيد عَن سعد بن حَفْص. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة عَن مَيْمُون بن الْعَبَّاس، وَقد مضى متن الحَدِيث فِي: بَاب مَا يَقُول إِذا نَام أخرجه من طَرِيق ربعي بن حِرَاش عَن حُذَيْفَة بن الْيَمَان، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
17 - بابُ الدُّعاءِ فِي الصلاَة
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان كَيْفيَّة الدُّعَاء فِي الصَّلَاة.
6326 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ أخبرنَا اللَّيْثُ قَالَ: حدّثني يَزيد عنْ أبي الخَيْرِ عنْ عَبْدِ الله ابنِ عَمْرو عنْ أبي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِي الله عَنهُ أنَّهُ قَالَ للنبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: عَلِّمْني دُعاءً أدْعُو بِهِ فِي صَلاَتِي. قَالَ: قُلِ: أللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْماً كَثِيراً وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلاَّ أنْتَ فاغْفِرْ لي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ وارْحَمْنِي إنَّكَ أنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ. (انْظُر الحَدِيث 834 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَيزِيد من الزِّيَادَة ابْن أبي حبيب، وَأَبُو الْخَيْر اسْمه مرْثَد بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الرَّاء وَفتح الثَّاء الْمُثَلَّثَة وبالدال الْمُهْملَة ابْن عبد الله الْيَزنِي، وَعبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ، وَأَبُو بكر الصّديق اسْمه عبد الله بن عُثْمَان.
والْحَدِيث مضى فِي آخر الصَّلَاة فِي: بَاب الدُّعَاء قبل السَّلَام، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن قُتَيْبَة بن سعيد عَن اللَّيْث ... إِلَى آخِره.
وَقَالَ عَمْرو عَنْ يَزِيدَ عنْ أبي الخَيْرِ: إنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ الله بن عَمْرو، قَالَ أبُو بَكْر رَضِي الله عَنهُ للنبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
عَمْرو بِفَتْح الْعين هُوَ ابْن الْحَارِث، وَفِي بعض النّسخ ذكر ابْن الْحَارِث، وَيزِيد هُوَ ابْن أبي حبيب، وَأَبُو الْخَيْر هُوَ مرْثَد.
وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله البُخَارِيّ فِي التَّوْحِيد من رِوَايَة عبد الله بن وهب عَن عَمْرو بن الْحَارِث فَذكره، وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَهَذَا الدُّعَاء من الْجَوَامِع إِذْ فِيهِ اعْتِرَاف بغاية التَّقْصِير وَهُوَ كَونه ظَالِما ظلما كثيرا، وَطلب غَايَة الإنعام الَّتِي هِيَ الْمَغْفِرَة وَالرَّحْمَة، إِذْ الْمَغْفِرَة ستر الذُّنُوب ومحوها، وَالرَّحْمَة إِيصَال الْخيرَات. فَالْأول: عبارَة عَن الزحزحة عَن النَّار، وَالثَّانِي: إِدْخَال الْجنَّة، وَهَذَا هُوَ الْفَوْز الْعَظِيم، أللهم اجْعَلْنَا من الفائزين بكرمك يَا أكْرم الأكرمين.
23 - (حَدثنَا عَليّ حَدثنَا مَالك بن سعير حَدثنَا هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة وَلَا تجْهر بصلاتك وَلَا تخَافت بهَا أنزلت فِي الدُّعَاء) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَعلي هُوَ ابْن سَلمَة بِفَتْح اللَّام اللبقي بِفَتْح اللَّام وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وبالقاف النَّيْسَابُورِي قَالَه الكلاباذي وَقَالَ بَعضهم عَليّ هُوَ ابْن سَلمَة كَمَا أَشرت إِلَيْهِ فِي تَفْسِير الْمَائِدَة قلت قد نَقله عَن الكلاباذي ثمَّ أوهم أَنه هُوَ الْقَائِل بذلك وَمَالك بن سعير مصغر السّعر التَّمِيمِي ويروى بالصَّاد بدل السِّين قَوْله فِي الدُّعَاء أَي الدُّعَاء الَّذِي فِي الصَّلَاة ليُوَافق التَّرْجَمَة قَالَه(22/292)
الْكرْمَانِي وَلكنه عَام يتَنَاوَل الدُّعَاء الَّذِي فِي الصَّلَاة وخارج الصَّلَاة -
6328 - حدَّثنا عُثْمانُ بنُ أبي شَيْبَةَ حَدثنَا جَرِيرٌ عنْ مَنْصُورٍ عنْ أبي وائِلٍ عنْ عَبْدِ الله رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كُنَّا نَقُولُ فِي الصّلاَةِ: السّلاَمُ عَلى الله، السّلاَمُ عَلى فلاَن، فَقَالَ لَنا النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ذاتَ يَوْمٍ: إنَّ الله هُوَ السّلاَمُ، فإِذَا قَعَدَ أحَدُكُمْ فِي الصَّلاَةِ فَلْيَقُلِ: التَّحيَّاتُ لله ... إِلَى قَوْلِهِ: الصَّالِحِينَ، فإذَا قالَها أصابَ كلَّ عَبْدٍ لله فِي السَّماءِ والأرْضِ صالِحٍ؛ أشْهَدُ أنْ لَا إلهَ إلاّ الله، وأشْهَدُ أنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ ورسُولُهُ، ثُمَّ يَتَخَيَّرُ مِنَ الثَّناءِ مَا شاءَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَجَرِير هُوَ ابْن عبد الحميد، وَمَنْصُور هُوَ ابْن الْمُعْتَمِر، وَأَبُو وَائِل شَقِيق بن سَلمَة.
والْحَدِيث مضى فِي أَو أخر صفة الصَّلَاة فِي: بَاب التَّشَهُّد فِي الْأَخِيرَة، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن أبي نعيم عَن الْأَعْمَش عَن شَقِيق بن سَلمَة، وَمضى الْكَلَام فِيهِ. قَوْله: (ذَات يَوْم) لفظ الذَّات مقحم، أَو: من إِضَافَة الْمُسَمّى إِلَى اسْمه. قَوْله: (هُوَ السَّلَام) هُوَ إسم من أَسمَاء الله الْحسنى. قَوْله: (صَالح) بِالْجَرِّ صفة لعبد. قَوْله: (يتَخَيَّر) أَي: يخْتَار.
18 - (بابُ الدُّعاءِ بَعْدَ الصلاَةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الدُّعَاء بعد الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة.
25 - (حَدثنِي إِسْحَاق أخبرنَا يزِيد أخبرنَا وَرْقَاء عَن سمي عَن أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة قَالُوا يَا رَسُول الله ذهب أهل الدُّثُور بالدرجات وَالنَّعِيم الْمُقِيم قَالَ كَيفَ ذَاك قَالُوا صلوا كَمَا صلينَا وَجَاهدُوا كَمَا جاهدنا وأنفقوا من فضول أَمْوَالهم وَلَيْسَت لنا أَمْوَال قَالَ أَفلا أخْبركُم بِأَمْر تدركون من كَانَ قبلكُمْ وتسبقون من جَاءَ بعدكم وَلَا يَأْتِي أحد بِمثل مَا جئْتُمْ إِلَّا من جَاءَ بِمثلِهِ تسبحون فِي دبر كل صَلَاة عشرا وتحمدون عشرا وتكبرون عشرا) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله تسبحون فِي دبر كل صَلَاة إِلَى آخِره وَإِسْحَق هُوَ ابْن مَنْصُور وَقيل ابْن رَاهَوَيْه وَيزِيد من الزِّيَادَة ابْن هرون وورقاء مؤنث الأورق ابْن عمر الْيَشْكُرِي وَسمي بِضَم السِّين الْمُهْملَة وَفتح الْمِيم وَتَشْديد الْيَاء مولى أبي بكر بن عبد الرَّحْمَن وَأَبُو صَالح ذكْوَان الزيات السمان والْحَدِيث من أَفْرَاده قَالَ صَاحب التَّوْضِيح هَذَا الحَدِيث سلف فِي الصَّلَاة قلت الَّذِي سلف فِي الصَّلَاة تسبحون وتحمدون وتكبرون خلف كل صَلَاة ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ فَأَيْنَ ذَا من ذَاك قَوْله أهل الدُّثُور بِضَم الدَّال والثاء الْمُثَلَّثَة وَهِي الْأَمْوَال الْكَثِيرَة وَقَالَ ابْن الْأَثِير الدُّثُور جمع دثر وَهُوَ المَال الْكثير يَقع على الْوَاحِد والاثنين وَالْجمع وَقَالَ الْكرْمَانِي الدثر الخصب قلت هَذَا الْمَعْنى فِي غير هَذَا الحَدِيث وَهُوَ فِي حَدِيث طهنة قَوْله وَابعث راعيها فِي الدثر وَهُوَ الخصب والنبات الْكثير قَوْله بالدرجات جمع دَرَجَة قَالَ الْجَوْهَرِي الدرجَة وَاحِدَة الدَّرَجَات وَهِي الطَّبَقَات من الْمَرَاتِب قلت المُرَاد هُنَا الْمَرَاتِب فِي الْجنَّة قَوْله وَالنَّعِيم أَرَادَ بِهِ مَا أنعم الله عز وَجل بِهِ عَلَيْهِم قَوْله قَالَ كَيفَ ذَاك أَي قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَيفَ ذَاك الَّذِي يَقُولُونَهُ قَوْله قَالُوا ويروى قَالَ قَوْله من فضول أَمْوَالهم أَي من زِيَادَة أَمْوَالهم قَوْله تسبحون إِلَى آخِره قيل هَذِه الْكَلِمَات مَعَ سهولتها كَيفَ تَسَاوِي الْأُمُور الشاقة من الْجِهَاد وَنَحْوه وَأفضل الْعِبَادَات أحمزها وَأجِيب بِأَنَّهُ إِذا أدّى حق الْكَلِمَات من الْإِخْلَاص لَا سِيمَا الْحَمد فِي حَال الْفقر وَهُوَ من أفضل الْأَعْمَال مَعَ أَن هَذِه الْقَضِيَّة لَيست كُلية إِذْ لَيْسَ كل أفضل أحمز وَلَا الْعَكْس وَقيل مر فِي آخر كتاب صَلَاة الْجَمَاعَة من سبح أَو حمد أَو كبر ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَهَهُنَا قَالَ عشرا وَأجِيب بِأَن الدَّرَجَات كَانَت ثمَّة(22/293)
مُقَيّدَة بالعلا وَكَانَ أَيْضا فِيهِ زِيَادَة فِي الْأَعْمَال من الصَّوْم وَالْحج وَالْعمْرَة زَاد فِي عدد التسابيح والتحاميد وَالتَّكْبِير مَعَ أَن مَفْهُوم الْعدَد لَا اعْتِبَار لَهُ وَاعْلَم أَن التَّسْبِيح إِشَارَة إِلَى نفي النقائص عَن الله تَعَالَى وَهُوَ الْمُسَمّى بالتنزيهات والتحميد إِلَى إِثْبَات الكمالات
(تَابعه عبيد الله بن عمر عَن سمي) أَي تَابع سميا عبيد الله بن عمر الْعمريّ فِي رِوَايَته عَن سمي عَن أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة وروى هَذِه الْمُتَابَعَة مُسلم عَن عَاصِم بن النَّضر حَدثنَا مُعْتَمر بن سُلَيْمَان عَن عبيد الله عَن سمي عَن أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة أَن فُقَرَاء الْمُهَاجِرين أَتَوا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الحَدِيث بِطُولِهِ فَإِن قلت كَيفَ هَذِه الْمُتَابَعَة وَفِيه تسبحون وتكبرون وتحمدون فِي دبر كل صَلَاة ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وتحمد الله ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وتكبر الله ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ قلت الْمُتَابَعَة فِي أصل الحَدِيث لَا فِي الْعدَد الْمَذْكُور وَقد قَالُوا أَن وَرْقَاء خَالف غَيره فِي قَوْله عشرا وَأَن الْكل قَالُوا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ
(وَرَوَاهُ ابْن عجلَان عَن سمي ورجاء بن حَيْوَة) أَي روى الحَدِيث الْمَذْكُور مُحَمَّد بن عجلَان عَن سمي وَعَن رَجَاء بن حَيْوَة وَوَصله مُسلم قَالَ حَدثنَا قُتَيْبَة أخبرنَا اللَّيْث عَن ابْن عجلَان فَذكره مَقْرُونا بِرِوَايَة عبيد الله بن عمر كِلَاهُمَا عَن سمي عَن أبي صَالح قَالَ ابْن عجلَان فَحدثت بِهِ رَجَاء بن حَيْوَة فَحَدثني بِمثلِهِ عَن أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة
(وَرَوَاهُ جرير عَن عبد الْعَزِيز بن رفيع عَن أبي صَالح عَن أبي الدَّرْدَاء) أَي روى الحَدِيث جرير بن عبد الحميد عَن عبد الْعَزِيز بن رفيع بِضَم الرَّاء وَفتح الْفَاء الْأَسدي الْمَكِّيّ عَن أبي صَالح عَن أبي الدَّرْدَاء عُوَيْمِر الْأنْصَارِيّ وَوَصله النَّسَائِيّ عَن إِسْحَق بن إِبْرَاهِيم عَن جرير بِهِ قيل فِي سَماع أبي صَالح من أبي الدَّرْدَاء نظر
(وَرَوَاهُ سُهَيْل عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -) أَي روى الحَدِيث الْمَذْكُور سُهَيْل مصغر سهل عَن أَبِيه أبي صَالح ذكْوَان عَن أبي هُرَيْرَة وَوَصله مُسلم عَن أُميَّة بن بسطَام أخبرنَا يزِيد بن زُرَيْع أخبرنَا روح بن الْقَاسِم عَن سُهَيْل عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنهم قَالُوا يَا رَسُول الله ذهب أهل الدُّثُور بالدرجات الْعلي وَالنَّعِيم الْمُقِيم إِلَى آخِره ينظر فِيهِ -
6330 - حدَّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعيدٍ حَدثنَا جَرِيرٌ عنْ مَنْصُورٍ عنِ المُسَيَّبِ بنِ رافِعٍ عنْ ورَّادٍ مَوْلى المُغِيرَةِ بنِ شُعْبَةَ قَالَ: كَتَبَ المُغِيرَةُ إِلَى مُعاوِيَةَ بنِ أبي سُفْيانَ: أوَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كانَ يَقُولُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ، إذَا سَلَّمَ: لَا إِلَه إلاَّ الله وحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهْوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، أللَّهُمَّ لَا مانِعَ لما أعْطَيْتَ وَلَا مُعْطِيَ لِما مَنَعْتَ وَلَا يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ.
وَقَالَ شُعَبَةُ: عنْ مَنْصُورٍ قَالَ: سَمِعْتُ المُسَيَّبَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (كَانَ يَقُول فِي دبر كل صَلَاة إِذا سلم) . وَالْمُسَيب بِفَتْح الْيَاء آخر الْحَرْف الْمُشَدّدَة ابْن رَافع الْكَاهِلِي الصوام القوام، مَاتَ سنة خمسين وَمِائَة، ورواد بِفَتْح الْوَاو وَتَشْديد الرَّاء وبالدال الْمُهْملَة مولى الْمُغيرَة بن شُعْبَة وكاتبه.
والْحَدِيث مضى فِي الصَّلَاة فِي: بَاب الذّكر بعد الصَّلَاة فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مُحَمَّد بن يُوسُف عَن سُفْيَان عَن عبد الْملك بن عُمَيْر عَن وراد كَاتب الْمُغيرَة، قَالَ: أملي عَليّ الْمُغيرَة بن شُعْبَة فِي كتاب أبي مُعَاوِيَة: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَقُول ... الحَدِيث، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (فِي دبر كل صَلَاة) فِي رِوَايَة الْحَمَوِيّ وَالْمُسْتَمْلِي: فِي دبر صلَاته. قَوْله: (مِنْك)(22/294)
أَي: بذلك وَهَذِه تسمى بِمن الْبَدَلِيَّة كَقَوْلِه تَعَالَى: { (9) أرضيتم بِالْحَيَاةِ. . الْآخِرَة} (التَّوْبَة: 38) وَقَالَ الْخطابِيّ: الْجد يُفَسر بالغنى وَيُقَال: هُوَ الْحَظ أَو البخت، وَمن بِمَعْنى الْبَدَل أَي: لَا يَنْفَعهُ حَظّ بذلك أَي: بدل طَاعَتك. وَقَالَ الرَّاغِب الْأَصْفَهَانِي: قيل: أَرَادَ بالجد الأول أَبَا الْأَب وَأَبا الْأُم أَي: لَا يَنْفَعهُ أجداد نسبه كَقَوْلِه تَعَالَى: { (32) فَلَا أَنْسَاب بَينهم} (الْمُؤْمِنُونَ: 101) وَمِنْهُم من رَوَاهُ بِالْكَسْرِ وَهُوَ الِاجْتِهَاد أَي: لَا ينفع ذَا الِاجْتِهَاد مِنْك اجْتِهَاده، إِنَّمَا يَنْفَعهُ رحمتك.
قَوْله: (وَقَالَ شُعْبَة) أَي: بالسند الْمَذْكُور عَن مَنْصُور بن الْمُعْتَمِر قَالَ: (سَمِعت الْمسيب) بن رَافع، وَرَوَاهُ أَحْمد عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر أخبرنَا شُعْبَة بِهِ، وَلَفظه: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا سلم قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ ... الحَدِيث.
19 - (بابُ قَوْلِ الله تَعَالَى { (9) وصل عَلَيْهِم} (التَّوْبَة: 103)
أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر قَول الله عز وَجل: {وصل عَلَيْهِم} هَذَا الْمِقْدَار هُوَ الْمَذْكُور فِي رِوَايَة الْجُمْهُور، وَوَقع فِي بعض النّسخ زِيَادَة: {إِن صَلَاتك سكن لَهُم} وَاتفقَ الْمُفَسِّرُونَ على أَن المُرَاد بِالصَّلَاةِ هُنَا الدُّعَاء، وَمَعْنَاهُ: أدع لَهُم واستغفر، وَمعنى: {إِن صَلَاتك سكن لَهُم} أَي: إِن دعوتك تثبيت لَهُم وطمأنينة.
ومَنْ خَصَّ أخاهُ بالدُّعاءِ دُونَ نَفْسِهِ
هُوَ عطف على قَول الله، أَي: وَفِي ذكر من خص أَخَاهُ بِالدُّعَاءِ دون نَفسه. وَفِيه إِشَارَة إِلَى رد مَا رَوَاهُ الطَّبَرِيّ من طَرِيق سعيد بن يسَار قَالَ: ذكرت رجلا عِنْد ابْن عمر فَتَرَحَّمت عَلَيْهِ، فلهز فِي صَدْرِي، وَقَالَ لي: إبدأ بِنَفْسِك، وَمَا روى أَيْضا عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ كَانَ يَقُول: إِذا دَعَوْت فابدأ بِنَفْسِك فَإنَّك لَا تَدْرِي فِي أَي دُعَاء يُسْتَجَاب لَك. وَأَحَادِيث الْبَاب ترد على ذَلِك. وَقيل: يُؤَيّدهُ مَا رَوَاهُ مُسلم وَأَبُو دَاوُد من طَرِيق طَلْحَة بن عبد الله بن كريز عَن أم الدَّرْدَاء عَن أبي الدَّرْدَاء رَفعه: مَا من مُسلم يَدْعُو لِأَخِيهِ بِظهْر الْغَيْب إلاَّ قَالَ الْملك: وَلَك مثل ذَلِك. قلت: فِي الِاسْتِدْلَال بِهِ نظر، لِأَنَّهُ أَعم من أَن يكون الدَّاعِي خصّه أَو ذكر نَفسه مَعَه، وأعم من أَن يكون بَدَأَ بِهِ أَو بَدَأَ بِنَفسِهِ.
وَقَالَ أبُو مُوسَى: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أللَّهُمَّ أغْفِرْ لِعُبَيْدٍ أبي عامِرٍ {أللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعَبْدِ الله بنِ قَيْسٍ ذَنْبَهُ.
هَذِه قِطْعَة من حَدِيث أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رَضِي الله عَنهُ طَوِيل قد تقدم مَوْصُولا فِي الْمَغَازِي فِي غَزْوَة أَوْطَاس، وَفِيه قصَّة قتل أبي عَامر، وَهُوَ عَم أبي مُوسَى الْمَذْكُور، وَهُوَ عبد الله بن قيس ودعا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لِعبيد أَولا ثمَّ سَأَلَهُ أَبُو مُوسَى أَن يَدْعُو لَهُ أَيْضا، وَقَالَ: (أللهم اغْفِر لعبد الله بن قيس ذَنبه) .
6331 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ حدّثنا يَحْياى عنْ يَزِيدَ بنِ عُبَيْدٍ مَوْلَى سَلَمَةَ حَدثنَا سَلَمَةُ بنُ الأكْوَعِ قَالَ: خَرَجْنا مَعَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِلَى خَيْبَرَ قَالَ رَجُلٌ منَ القَوْمِ: أيْ عامِرُ} لَوْ أسْمَعْتَنا مِنْ هُنَيْهاتِكَ، فَنَزَلَ يَحْدُو بِهِمْ يُذَكِّرُ.
(تالله لَوْلا الله مَا اهْتَدَيْنا)
وَذَكَرَ شِعْراً غَيْرَ هاذا ولاكِنِّي لَمْ أحْفَظْهُ. قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَن هاذا السَّائِقُ؟ قَالُوا: عامِر بنُ الأكوَعِ. قَالَ: يَرْحَمُهُ الله. وَقَالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ: يَا رسولَ الله لَوْلاَ مَتَّعْتَنا بِهِ. فَلَمَّا صافَّ القَوْمُ قاتَلُوهُمْ فأُصِيبَ عامِرٌ بِقائِمَةِ سَيْفِ نَفْسِهِ فَماتَ، فَلمَّا أمْسَوْا أوْقَدُوا نَارا كَثِيرَةً، فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا هاذِهِ النَّارُ؟ عَلى أيِّ شَيْءٍ تُوقِدُونَ؟ قالُوا: عَلى حُمُرٍ إنْسِيَّةٍ. فَقَالَ: أهْرِيقُوا مَا فِيها وكَسِّرُوها. قَالَ رَجُلٌ: يَا رسولَ الله! ألاَ نُهَرِيقُ مَا فِيها ونَغْسِلُها؟ أوْ ذاكَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (يرحم الله) وَيحيى الْقطَّان.
والْحَدِيث قد مضى فِي أول غَزْوَة خَيْبَر مطولا، وَمضى فِي الْمَظَالِم مُخْتَصرا، وَفِي الذَّبَائِح أَيْضا، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (فَقَالَ رجل من الْقَوْم) هُوَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ قَوْله: (أَي عَامر) ويروى:(22/295)
يَا عَامر، وَكِلَاهُمَا سَوَاء، وعامر هُوَ ابْن الْأَكْوَع عَم سَلمَة رَاوِي الحَدِيث. وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَقيل: أَخُوهُ. قَوْله: (هنيهاتك) بِضَم الْهَاء وَفتح النُّون وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالهاء جمع هنيهة، ويروى: هنياتك، بِضَم الْهَاء وَفتح النُّون وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف جمع هنيَّة تَصْغِير هنة وَأَصله: هنوة، ويروى: هناتك، بِفَتْح الْهَاء وَبعد الْألف تَاء الْجمع وَهُوَ جمع هنة، وَالْمرَاد من الْكل الْأَشْعَار الْقصار كالأراجيز الْقصار. قَوْله: (يذكر) ويروى: فَذكر. قيل: الْمَذْكُور لَيْسَ شعرًا، وَأجِيب بِأَن الْمَقْصُود هُوَ هَذَا المصراع وَمَا بعده من المصاريع الْأُخْرَى على مَا مر فِي الْجِهَاد، وَقيل: قد مر أَن الارتجاز بِهَذِهِ الأراجيز كَانَ فِي حفر الخَنْدَق. وَأجِيب بِأَنَّهُ لَا مُنَافَاة بَينهمَا لجَوَاز وُقُوع الْأَمريْنِ جَمِيعًا. قَوْله: (وَذكر شعرًا غَيره) الْقَائِل بقوله: ذكر، هُوَ يحيى رَاوِي الحَدِيث، والذاكر هُوَ يزِيد بن أبي عبيد. قَوْله: (لَوْلَا متعتنا بِهِ) أَي: وَجَبت الشَّهَادَة لَهُ بدعائك، وليتك تركته لنا. وَقَالَ ابْن عبد الْبر: كَانُوا قد عرفُوا أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مَا استرحم لإِنْسَان قطّ فِي غزَاة يَخُصُّهُ بِهِ إلاَّ اسْتشْهد، فَلَمَّا سمع عمر رَضِي الله عَنهُ ذَلِك قَالَ: لَو متعتنا بعامر. قَوْله: (على حمر أنسية) أَي: أَهْلِيَّة. قَوْله: (أَلاَ نهريق؟) أَي: ألاَ نريق، وَالْهَاء زَائِدَة. قَوْله: (أَو ذَاك) أَي: إفعلوا الإراقة وَالْغسْل وَلَا تكسروا الْقُدُور لِأَنَّهَا بِالْغسْلِ تطهر.
6332 - حدَّثنا مُسْلِمٌ حدّثنا شُعْبَةُ عنْ عَمْرو سَمِعْتُ ابنَ أبي أوْفاى رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا أتاهُ رَجُلٌ بِصَدَقَةٍ قَالَ: أللَّهُمَّ صَلِّ عَلى آلِ فُلانٍ، فأتاهُ أبي بِصَدَقَتِهِ فَقَالَ: اللهُمَّ صَلِّ عَلى آلِ أبي أوْفاى.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (صل على آل فلَان) قَالَ ابْن التِّين يَعْنِي: عَلَيْهِ وعَلى آله. وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يمتثل أَمر الله فِي ذَلِك قَالَ: { (9) وصل عَلَيْهِم. . سكن لَهُم} (التَّوْبَة: 103) وَلَا يحسن ذَلِك لغير النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَن يُصَلِّي على غَيره إلاَّ تبعا لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كآلة بني هَاشم وَالْمطلب، وَعَن مَالك: لَا يُقَال لفظ الصَّلَاة فِي غير الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام.
وَمُسلم شيخ البُخَارِيّ هُوَ ابْن إِبْرَاهِيم، وَعَمْرو هُوَ ابْن مرّة وَاسم ابْن أبي أوفى عبد الله، وَاسم ابْن أوفى عَلْقَمَة وَلَهُمَا صُحْبَة.
والْحَدِيث مضى فِي الزَّكَاة عَن حَفْص بن عَمْرو فِي الْمَغَازِي عَن آدم، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
6333 - حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله حدّثنا سُفْيانُ عنْ إسْماعِيلَ عنْ قَيْسٍ قَالَ: سَمِعْت جَرِيراً قَالَ: قَالَ لي رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَلا تُرِيحُنِي مِنْ ذِي الخَلَصَةِ؟ وَهْوَ نُصُبٌ كانُوا يَعْبِدُونَهُ يُسَمَّى: الكَعْبَةَ اليمانِيَّةَ. قُلْتُ: يَا رسولَ الله {إنّي رَجُلٌ لاَ أثْبُتُ عَلى الخَيْل، فَصَكَّ فِي صَدْرِي فَقَالَ: أللَّهُمَّ ثَبِّتْهُ واجْعَلْهُ هادِياً مَهْدِيًّا. قَالَ: فَخَرَجْتُ فِي خَمْسِينَ مِن أحْمَسَ منْ قَوْمي، ورُبما قَالَ سُفْيانُ: فانْطَلَقْتُ فِي عُصْبَةٍ منْ قَوْمِي فأتَيْتُها فأحْرَقْتُها، ثُمَّ أتَيْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقُلْتُ: يَا رسولَ الله} وَالله مَا أتَيْتكَ حَتَّى تَرَكْتُها مِثْلَ الجَمَلِ الأجْرَبِ، فَدَعا لأحْمَسَ وخَيْلِها.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (فَدَعَا الأحمس) لِأَن مَعْنَاهُ أَنه قَالَ: أللهم صل على أحمس وعَلى خيلها.
وَعلي بن عبد الله هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن أبي خَالِد الأحمسي الْكُوفِي، وَاسم أبي خَالِد سعيد، وَيُقَال: هُرْمُز، وَيُقَال: كثير، وَقيس هن ابْن أبي حَازِم بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي، وَجَرِير بن عبد الله الأحمسي.
والْحَدِيث مضى فِي الْجِهَاد فِي: بَاب حرق الدّور والنخيل عَن مُسَدّد، وَمضى أَيْضا فِي الْمَغَازِي.
قَوْله: (أَلا تريحني) من الإراحة بالراء، وَذُو الخلصة بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَاللَّام وَالصَّاد الْمُهْملَة المفتوحات، مَوضِع كَانَ فِيهِ صنم يعبدونه. قَوْله: (نصب) بِضَم النُّون وَالصَّاد الْمُهْملَة الساكنة وَبِضَمِّهَا أَيْضا قَالَ القتبي: هُوَ صنم أَو حجر كَانَت الْجَاهِلِيَّة تنصبه وتذبح عِنْده. قَوْله: (يُسمى الْكَعْبَة اليمانية) وَفِي رِوَايَة الْكشميهني كعبة اليمانية، بِكَسْر النُّون وَفتح الْيَاء آخر الْحُرُوف المخففة وَأَصلهَا بِالتَّشْدِيدِ فخففوها عِنْد النِّسْبَة كَقَوْلِهِم: يمانون وأشعرون. قَوْله: (فَخرجت فِي خمسين من قومِي)(22/296)
وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: فَارِسًا. قَوْله: (من أحمس) بِالْحَاء وَالسِّين الْمُهْمَلَتَيْنِ وَهِي قَبيلَة جرير. قَوْله: (وَرُبمَا قَالَ سُفْيَان) هُوَ ابْن عُيَيْنَة الرَّاوِي. قَوْله: (فِي عصبَة) وَهِي من الرِّجَال مَا بَين الْعشْرَة إِلَى الْأَرْبَعين، وَقَالَ ابْن فَارس: نَحْو الْعشْرَة. قَوْله: (مثل الْجمل الأجرب) أَي: المطلي بالقطران بِحَيْثُ صَار أسود، لذَلِك يَعْنِي: صَارَت سُودًا من الإحراق. قَوْله: (وخيلها) ويروى: ولخيلها.
6334 - حدَّثنا سَعِيدُ بنُ الرَّبِيعِ حدّثنا شُعْبَةُ عَن قَتادَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أنَساً قَالَ: قالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ للنبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أنَسٌ خادِمُكَ. قَالَ: أللَّهُمَّ أكْثِرْ مالَهُ وَوَلَدَهُ وبارِكْ لَهُ فِيما أعْطَيْتَهُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي دُعَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأنس بِكَثْرَة المَال وَالْولد، وبالبركة فِي رزقه، وَقد قُلْنَا إِن قَوْله عز وَجل: { (9) وصل عَلَيْهِم} (التَّوْبَة: 103) أَن الصَّلَاة فِيهِ بِمَعْنى الدُّعَاء.
وَسَعِيد بن الرّبيع أَبُو زيد الْهَرَوِيّ كَانَ يَبِيع الثِّيَاب الهروية فنسب إِلَيْهَا، وَهُوَ من أهل الْكُوفَة.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن أبي مُوسَى.
قَوْله: (أم سليم) ، بِضَم السِّين الْمُهْملَة وَفتح اللَّام وَهِي أم أنس رَضِي الله عَنْهَا ويروى: قَالَت أم سليم للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (أنس خادمك) ، جملَة إسمية تعرض بهَا أم سليم أَنه فِي خدمتك، فَادع لَهُ فَدَعَا لَهُ بِثَلَاث دعوات: الأولى: بِكَثْرَة المَال فَكثر مَاله حَتَّى إِنَّه كَانَ لَهُ بُسْتَان بِالْبَصْرَةِ يُثمر فِي كل سنة مرَّتَيْنِ، وَكَانَ فِيهِ ريحَان يَجِيء مِنْهُ ريح الْمسك. الثَّانِيَة: بِكَثْرَة الْوَلَد وَكَانَ ولد لَهُ مائَة وَعِشْرُونَ ولدا، وَقيل: ثَمَانُون ولدا: ثَمَانِيَة وَسَبْعُونَ ذكرا، وابنتان: حَفْصَة وَأم عَمْرو. قَالَ ابْن الْأَثِير: مَاتَ وَله من الْوَلَد ولد الْوَلَد مائَة وَعِشْرُونَ ولدا، وَقيل: كَانَ يطوف بِالْبَيْتِ وَمَعَهُ من ذُريَّته أَكثر من سبعين نفسا. الثَّالِثَة: دَعَا لَهُ بطول الْعُمر يدل عَلَيْهِ قَوْله: وَبَارك لَهُ فِيمَا أَعْطيته، وَمن أبرك مَا أعْطى لَهُ طول عمره فعمر مائَة وَعشْرين سنة إلاَّ سنة، رَوَاهُ أَحْمد عَن مُعْتَمر عَن حميد عَنهُ، وَقيل: كَانَ عمره مائَة سنة وَثَلَاث سِنِين، وَقيل: مائَة وَعشر سِنِين، وَقيل: مائَة وَسبع سِنِين.
وَفِيه: جَوَاز الدُّعَاء بِكَثْرَة المَال وَالْولد. فَإِن قلت: روى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَنه قَالَ: أللهم من آمن بِي وَصدق مَا جِئْت بِهِ فأقلل لَهُ من المَال وَالْولد: قلت: قَالَ الدَّاودِيّ: هَذَا حَدِيث بَاطِل، وَكَيف يَصح ذَلِك وَهُوَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يحض على النِّكَاح والتماس الْوَلَد؟ فَإِن قلت: كَثْرَة المَال تورث الطغيان. قَالَ الله تَعَالَى: كَلاَّ إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى أَن رَّءَاهُ اسْتَغْنَى} (العلق: 6 7) وَالْأَوْلَاد أَعدَاء للآباء بِنَصّ الْقُرْآن. قلت: علم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي دُعَائِهِ لأنس بِمَا ذكر أَنه أَمن من حُصُول الضَّرَر مِنْهُمَا.
6335 - حدَّثنا عُثْمانُ بنُ أبي شَيْبَةَ حدّثنا عَبْدَةُ عنْ هِشامٍ عنْ أبِيهِ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا قالَتْ: سَمِعَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَجُلاً يَقْرَأُ فِي المَسْجِدِ. فَقَالَ رَحِمَهُ الله: لَقَدْ أذْكَرَنِي كَذا وَكَذَا آيَةً أسْقَطْتُها فِي سورَةِ كَذَا وَكَذَا.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (رَحمَه الله) . وَعَبدَة بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الدَّال وبتاء التَّأْنِيث ابْن سُلَيْمَان يرْوى عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عُرْوَة بن الزبير.
والْحَدِيث سبق فِي فَضَائِل الْقُرْآن أخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن نمير. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي فَضَائِل الْقُرْآن عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم.
قَوْله: (أسقطتها) أَي: بِالنِّسْيَانِ أَي: نسيتهَا قيل: كَيفَ جَازَ نِسْيَان الْقُرْآن عَلَيْهِ. وَأجِيب: بِأَن النسْيَان لَيْسَ بِاخْتِيَارِهِ. وَقَالَ الْجُمْهُور: جَازَ النسْيَان عَلَيْهِ فِيمَا لَيْسَ طَرِيقه الْبَلَاغ بِشَرْط أَن لَا يقْرَأ عَلَيْهِ. وَأما فِي غَيره فَلَا يجوز قبل التَّبْلِيغ، وَأما نِسْيَان مَا بلغ كَمَا فِيمَا نَحن فِيهِ فَهُوَ جَائِز بِلَا خلاف، قَالَ تَعَالَى: سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَى} { (78) إِلَّا مَا شَاءَ الله} (الْأَعْلَى: 6 7) .
6336 - حدَّثنا حَفْصُ بنُ عُمَرَ حَدثنَا شُعْبَةُ أَخْبرنِي سُلَيْمانُ عنْ أبي وائِلٍ عنْ عَبْدِ الله قَالَ: قَسَمَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَسْماً فَقَالَ رَجُلٌ: إنَّ هاذِهِ لَقِسْمَةٌ مَا أُرِيدَ بِها وَجْهُ الله، فأخْبَرْتُ النبيّ(22/297)
َ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَغَضِبَ حَتَّى رأيْتُ الغَضَبَ فِي وَجْهِهِ وَقَالَ: يَرْحَمُ الله مُوسَى لَقَدْ أُوذِيَ بأكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (يرحم الله مُوسَى) وَسليمَان هُوَ الْأَعْمَش، وَأَبُو وَائِل شَقِيق بن سَلمَة، وَعبد الله هُوَ ابْن مَسْعُود.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْأَدَب فِي: بَاب الصَّبْر على الْأَذَى، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عمر بن حَفْص بن غياث عَن الْأَعْمَش ... الخ وَهنا أخرجه عَن حَفْص بن عمر بن الْحَارِث الحوضي الْأَزْدِيّ من أَفْرَاد البُخَارِيّ.
قَوْله: (قسما) أَي: مَالا، وَيجوز أَن يكون مَفْعُولا مُطلقًا وَالْمَفْعُول بِهِ مَحْذُوف. قَوْله: (وَجه الله) أَي: ذَات الله أوجهة الله أَي: لَا إخلاص فِيهِ إِذْ هُوَ منزه عَن الْوَجْه والجهة، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
20 - (بابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ السَّجْعِ فِي الدُّعاءِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان كَرَاهَة السجع فِي الدُّعَاء والسجع كَلَام مقفى من غير مُرَاعَاة وزن، وَقيل: هُوَ مُرَاعَاة الْكَلَام على رُوِيَ وَاحِد. وَمِنْه: سجعت الْحَمَامَة إِذا رددت صَوتهَا، وَيُقَال: إِنَّمَا يكره إِذا تكلّف السجع، أما بالطبع فَلَا. وَقَالَ ابْن بطال: إِنَّمَا نهى عَنهُ فِي الدُّعَاء لِأَن طلبه فِيهِ تكلّف ومشقة، وَذَلِكَ مَانع من الْخُشُوع وإخلاص التضرع فِيهِ، وَقد جَاءَ فِي الحَدِيث: أَن الله لَا يقبل من قلب غافل لاء، وطالب السجع فِي دُعَائِهِ همته فِي ترويج الْكَلَام واشتغال خاطره بذلك، وَهُوَ يُنَافِي الْخُشُوع. قيل: مر فِي الْجِهَاد فِي: بَاب الدُّعَاء على الْمُشْركين: أللَّهم منزل الْكتاب سريع الْحساب إهزم الْأَحْزَاب، وَجَاء أَيْضا: لَا إِلَه إلاَّ الله وَحده، صدق وعده، وَنصر عَبده، وأعز جنده. وَأجِيب: بِأَن الْمَكْرُوه مَا يقْصد ويتكلف فِيهِ كَمَا ذكرنَا، وَأما مَا ورد على سَبِيل الِاتِّفَاق فَلَا بَأْس بِهِ، وَلِهَذَا ذمّ مِنْهُ مَا كَانَ كسجع الْكُهَّان.
6337 - حدَّثنا يَحْيَى بنُ مُحَمَّدِ بنِ السَّكَنِ حَدثنَا حَبّانُ بنُ هِلاَلٍ أَبُو حَبِيبٍ حدّثنا هارُونُ المُقْرِىءُ حَدثنَا الزُّبَيْرُ بنُ الخِرِّيتِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابنِ عبَّاسٍ قَالَ: حَدِّثِ النَّاسَ كُلَّ جُمُعَةٍ مَرَّةً فإِنْ أبَيْتَ فَمَرَّتَيْنِ فإِنْ أكْثَرْتَ فَثَلاثَ مِرَارٍ، وَلَا تُمِلَّ النّاسَ هاذَا القُرْآنَ وَلَا أُلْفِيَنَّكَ تَأتي القَوْمَ وَهُمْ فِي حَدِيثٍ مِنْ حَدِيثِهِمْ فَتَقُصُّ عَلَيْهِمْ فَتَقْطَعَ عَلَيْهِمْ حَدِيثَهُمْ فَتُمِلُّهُمْ، ولاكنْ أنْصِتْ فإِذَا أمَرُوكَ فَحَدِّثْهُمْ وهُمْ يَشْتَهُونَهُ، فانْظُرِ السَّجْعَ مِنَ الدُّعاءِ فاجْتَنِبْهُ، فإنِّي عَهِدْتُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأصْحابَهُ لَا يَفْعَلُونَ إلاّ ذلِكَ، يَعْنِي: لَا يَفْعَلونَ إلاَّ ذالِكَ الاجْتِنابَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فَانْظُر السجع من الدُّعَاء فاجتنبه) . وَيحيى بن مُحَمَّد بن السكن بِفتْحَتَيْنِ الْبَزَّار بِالْبَاء الْمُوَحدَة وَالزَّاي مر فِي صَدَقَة الْفطر، وحبان بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة وكنيته أَبُو حبيب ضد الْعَدو الْبَاهِلِيّ، وَهَارُون ابْن مُوسَى المقرىء من الإقراء النَّحْوِيّ الْأَعْوَر، مر فِي تَفْسِير سُورَة النَّحْل وَالزُّبَيْر بِضَم الزَّاي وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة ابْن الخريت بِكَسْر الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الرَّاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالتاء الْمُثَنَّاة من فَوق الْبَصْرِيّ مر فِي الْمَظَالِم.
والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: هَذَا الْقُرْآن مفعول ثَان وَيجوز أَن يكون مفعولان لفعل من غير أَفعَال الْقُلُوب إِذا كَانَ أَحدهمَا غير ظَاهر، وَيجوز أَن يكون مَنْصُوبًا بِنَزْع الْخَافِض أَي: لَا تملهم عَن الْقُرْآن. وَكَذَا فسره الْكرْمَانِي، وَتَفْسِيره يدل على ذَلِك. قَوْله: (وَلَا ألفينك) بِضَم الْهمزَة وَسُكُون اللَّام وَكسر الْفَاء وبنون التَّأْكِيد الثَّقِيلَة أَي: لَا أصادفنك وَلَا أجدنك. قَوْله: (وهم فِي حَدِيث) الْوَاو فِيهِ للْحَال، وَهَذَا النَّهْي، وَإِن كَانَ بِحَسب الظَّاهِر للمتكلم، لكنه فِي الْحَقِيقَة للمخاطب. كَقَوْلِه: لَا أرينك هَاهُنَا. قَوْله: (فتملهم) بِضَم أَوله وَيجوز فِيهِ الرّفْع وَالنّصب، أما الرّفْع فَظَاهر، وَأما النصب فتقديره: بِأَن تملهم. قَوْله: (أنصت) أَمر من الْإِنْصَات(22/298)
وَهُوَ السُّكُوت مَعَ الإصغاء. قَوْله: (أمروك) أَي: فَإِذا التمسوا مِنْك وَالْحَال أَنهم يشتهونه، أَي: الحَدِيث. قَوْله: (فَانْظُر السجع من الدُّعَاء فاجت نبه) أَي: اتركه. قَالَ ابْن التِّين: المُرَاد المستكره مِنْهُ، وَقَالَ الدَّاودِيّ: الاستكثار مِنْهُ. قَوْله: (لَا يَفْعَلُونَ إلاّ ذَلِك) فسره بقوله: يَعْنِي لَا يَفْعَلُونَ إِلَّا ذَلِك الاجتناب، وَوَقع عِنْد الْإِسْمَاعِيلِيّ عَن الْقَاسِم بن زَكَرِيَّا عَن يحيى بن مُحَمَّد شيخ البُخَارِيّ بِسَنَدِهِ فِيهِ: لَا يَفْعَلُونَ ذَلِك، بِدُونِ لَفْظَة: إلاَّ، وَهُوَ وَاضح، وَكَذَا أخرجه الْبَزَّار فِي (مُسْنده) وَالطَّبَرَانِيّ عَن الْبَزَّار.
وَفِيه من الْفِقْه: أَنه يكره الإفراط فِي الْأَعْمَال الصَّالِحَة خوف الْملَل عَنْهَا. والانقطاع، وَكَذَلِكَ كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يفعل، كَانَ يَتَخَوَّلُ أَصْحَابه بِالْمَوْعِظَةِ كَرَاهِيَة السَّآمَة عَلَيْهِم، وَقَالَ: تكلفوا من الْعَمَل مَا تطيقون فَإِن الله لَا يمل حَتَّى تملوا. وَفِيه: أَنه لَا يَنْبَغِي أَن لَا يحدث بِشَيْء من كَانَ فِي حَدِيث حَتَّى يفرغ مِنْهُ. وَفِيه: أَنه لَا يَنْبَغِي نشر الْحِكْمَة وَالْعلم وَلَا التحديث بهما من لَا يحرص على سماعهما وتعلمهما، لِأَن فِي ذَلِك إذلال الْعلم، وَقد رفع الله قدره.
21 - (بابُ لِيَعْزمِ المَسألَةَ فإنَّهُ لاَ مُكْرِهَ لَهُ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ ليعزم الشَّخْص، من عزمت على كَذَا عزماً وعزيمة إِذا أردْت فعله وجزمت بِهِ قَوْله. الْمَسْأَلَة، أَي: السُّؤَال أَي الدُّعَاء. قَوْله: فَإِنَّهُ أَي: فَإِن الشان لَا مكره، بِكَسْر الرَّاء من الْإِكْرَاه: لَهُ، أَي: لله عز وَجل.
6338 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ حَدثنَا إسْماعِيلُ أخبرنَا عَبْدُ العَزِيزِ عنْ أنَسٍ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إذَا دَعَا أحَدُكُمْ فَلْيَعْزِمِ المَسألَةَ ولاَ يَقُولَنَّ: أللَّهُمَّ إنْ شِئْتَ فأعْطِني فإِنه لَا مُسْتَكْرِهَ لَهُ. (انْظُر الحَدِيث 6338 طرفه فِي: 7464) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن علية وَعبد الْعَزِيز هُوَ ابْن صُهَيْب.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم أَيْضا فِي الدَّعْوَات عَن أبي بكر وَزُهَيْر بن حَرْب. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم.
قَوْله: (فليعزم الْمَسْأَلَة) أَي: فليقطع بالسؤال وَلَا يعلق بِالْمَشِيئَةِ إِذْ فِي التَّعْلِيق صُورَة الِاسْتِغْنَاء عَن الْمَطْلُوب مِنْهُ وَالْمَطْلُوب. قَوْله: (لَا مستكره) بِالسِّين، وَفِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة: لَا مكره لَهُ. قَالَ بَعضهم: وهما بِمَعْنى قلت: لَيْسَ كَذَلِك بل السِّين تدل على شدَّة الْفِعْل.
6339 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مالِكٍ عنْ أبي الزِّنادِ عنِ الأعْرَجِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ أنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: لاَ يَقُولَنَّ أحَدُكُمُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إنْ شِئْتَ، اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي إنْ شِئْتَ، لِيَعْزِمِ المَسألةَ فإِنَّهُ لَا مُكْرِه لَهُ. (انْظُر الحَدِيث 3339 طرفه فِي: 7477) .
أَبُو الزِّنَاد بالزاي وَالنُّون عبد الله بن ذكْوَان، والأعرج عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز.
والْحَدِيث أخرجه أَبُو دَاوُد أَيْضا عَن عبد الله بن مسلمة فِي الصَّلَاة. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الدَّعْوَات عَن إِسْحَاق بن مُوسَى الْأنْصَارِيّ.
قَوْله: (ليعزم الْمَسْأَلَة) أَي: الدُّعَاء، قَالَ الدَّاودِيّ: مَعْنَاهُ ليجتهد ويلح وَلَا يقل: إِن شِئْت، كالمستثنى، وَلَكِن دُعَاء البائس الْفَقِير.
22 - (بابُ يُسْتَجابُ لِلْعَبْدِ مَا لَمْ يَعْجَلْ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ يُسْتَجَاب للْعَبد دعاؤه مَا لم يعجل.
6340 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ أخبرنَا مالِكٌ عنِ ابنِ شِهابٍ عنْ أبي عُبَيْد مَوْلى ابنِ أزْهَرَ عنْ أبي هُرَيْرَةَ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يُسْتَجابُ لأحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ، فَيَقولَ: دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأَبُو عبيد اسْمه سعد بن عبيد، وَمولى ابْن أَزْهَر اسْمه عبد الرَّحْمَن.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم أَيْضا فِي الدَّعْوَات عَن يحيى بن يحيى وَغَيره. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الصَّلَاة عَن القعْنبِي. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الدَّعْوَات عَن إِسْحَاق ابْن مُوسَى الْأنْصَارِيّ. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن عَليّ بن مُحَمَّد.
قَوْله: (يُسْتَجَاب) أَي: يُجَاب لأحدكم دعاؤه. وَقَالَ الْكرْمَانِي(22/299)
يُسْتَجَاب من الاستجابة بِمَعْنى الْإِجَابَة. قَوْله: (لأحدكم) أَي: كل وَاحِد مِنْكُم إِذْ إسم الْجِنْس الْمُضَاف يُفِيد الْعُمُوم على الْأَصَح. قَوْله: (فَيَقُول) بِالنّصب لَا غير، وَفِي رِوَايَة غير أبي ذَر: يَقُول، بِدُونِ الْفَاء، وَقَالَ ابْن بطال: الْمَعْنى أَنه يسأم وَيتْرك الدُّعَاء فَيكون كالملون بدعائه، أَو إِنَّه يَأْتِي من الدُّعَاء بِمَا يسْتَحق بِهِ الْإِجَابَة فَيصير كالمبخل للرب الْكَرِيم الَّذِي لَا تعجزه الْإِجَابَة وَلَا ينقصهُ الْعَطاء، وَقَالَ الْكرْمَانِي: هُنَا شَرط الاستجابة عدم العجلة وَعدم القَوْل، أَي قَوْله: (دَعَوْت فَلم يستجب لي) فَمَا حكمه فِي الصُّور الثَّلَاث الْبَاقِيَة؟ يَعْنِي: وجودهَا وَوُجُود المعجلة دون القَوْل وَالْعَكْس؟ وَأجَاب بِأَن مُقْتَضى الشّرطِيَّة عدم الاستجابة فِي الْأَوليين، وَأما الثَّالِثَة فَهِيَ غير متصورة، ثمَّ قَالَ: قَوْله عز وَجل: { (2) أُجِيب دَعْوَة ... دعان} (الْبَقَرَة: 186) مُطلق لَا تَقْيِيد فِيهِ. وَأجَاب بِأَنَّهُ يحمل الْمُطلق على الْمُقَيد كَمَا هُوَ مُقَرر فِي الْأُصُول. قلت: وَفِيه نظر لَا يخفى، ثمَّ قَالَ: هَذِه الْأَخْبَار تَقْتَضِي إِجَابَة كل الدَّعْوَات الَّتِي انْتَفَى فِيهَا العدمان، لَكِن ثَبت أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: سَأَلت الله ثَلَاثًا فَأَعْطَانِي اثْنَتَيْنِ وَمَنَعَنِي وَاحِدَة، وَهِي: لَا يُذِيق بعض أمته بَأْس بعض، وَكَذَا مَفْهُوم كل دَعْوَة مستجابة إِن لَهُ دعوات غير مستجابة. وَأجَاب بِأَن التَّعْجِيل من جبلة الْإِنْسَان قَالَ الله تَعَالَى: { (12) خلق الْإِنْسَان. . عجل} (الْأَنْبِيَاء: 37) فوجود الشَّرْط مُتَعَذر أَو متعسر فِي أَكثر الْأَحْوَال.
23 - (بابُ رَفْعِ الأيْدِي فِي الدُّعاءِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَشْرُوعِيَّة رفع الْأَيْدِي فِي الدُّعَاء وَسقط لفظ: بَاب، فِي رِوَايَة أبي ذَر.
وَقَالَ أَبُو مُوسَى الأشْعَرِيُّ: دَعَا النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَقَالَ: ورأيْتُ بَياضَ إبْطَيْهِ.
إسم أبي مُوسَى عبد الله بن قيس، وَهَذَا التَّعْلِيق من حَدِيث طَوِيل فِي قَضِيَّة قتل عَمه أبي عَامر الْأَشْعَرِيّ، وَتقدم فِي الْمَغَازِي مَوْصُولا فِي غَزْوَة حنين.
وَقَالَ ابنُ عُمَرَ: رَفَعَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَدَيْهِ وَقَالَ: اللَّهُمَّ إنِّي أَبْرَأ إلَيْكَ مِما صَنَعَ خالِدٌ.
خَالِد هُوَ ابْن الْوَلِيد رَضِي الله عَنهُ وَهَذَا التَّعْلِيق أَيْضا من حَدِيث فِيهِ قَضِيَّة خَالِد فِي غَزْوَة بني جذيمة بِفَتْح الْجِيم وَكسر الذَّال الْمُعْجَمَة، وَذَلِكَ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَعثه إِلَيْهِم فَدَعَاهُمْ إِلَى الْإِسْلَام، فَلم يحسنوا أَن يَقُولُوا: أسلمنَا، فَجعلُوا يَقُولُونَ: صبأنا، فَجعل يقتل ويأسر، فَذكر ذَلِك لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَرفع يَدَيْهِ. وَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأ إِلَيْك مِمَّا صنع خَالِد.
6341 - قَالَ أبُو عَبْدِ الله: وَقَالَ الأُوَيْسِيُّ: حدّثني محَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ عنْ يَحْيَى بنِ سَعيدٍ وشَرِيكٍ سَمعَا أنَساً عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رأيْتُ بَياضَ إبْطَيْهِ. (انْظُر الحَدِيث 1031 وطرفه) .
أَبُو عبد الله هُوَ البُخَارِيّ نَفسه، والأويسي نِسْبَة إِلَى أويس مصغر أَوْس فِي الأَصْل، وَلَكِن النِّسْبَة إِلَى أَوْس هُوَ ابْن حَارِثَة، قَبيلَة فِي الْأَنْصَار وَفِي تغلب وَفِي الأزد وَفِي خثعم، والأويسي، هَذَا نِسْبَة إِلَى أويس بن سعد بن أبي سرح إِلَى أَن يَنْتَهِي إِلَى غَالب ابْن فهر واسْمه عبد الْعَزِيز بن عبد الله بن يحيى بن عمر بن أويس الْقرشِي العامري الأويسي الْمدنِي، شيخ البُخَارِيّ، وَمُحَمّد بن جَعْفَر بن أبي كثير الْأنْصَارِيّ، وَيحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ الْمدنِي، وَشريك بن عبد الله بن نمير الْقرشِي الْمَدِينِيّ.
وَهَذَا الحَدِيث مُخْتَصر من حَدِيث الاسْتِسْقَاء، وَهَذِه التَّعَالِيق الثَّلَاثَة تدل على رفع الْيَدَيْنِ فِي الدُّعَاء، وَلَكِن لَا تدل على أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. هَل كَانَ يَجْعَل كفيه نَحْو السَّمَاء أَو نَحْو الأَرْض، وَفِي هَذَا الْبَاب خلاف كثير، فَمنهمْ من كره رفع الْيَدَيْنِ فَإِذا دَعَا الله فِي حَاجته يُشِير بإصبعه السبابَة، وروى شُعْبَة عَن قَتَادَة قَالَ: رأى ابْن عمر قوما رفعوا أَيْديهم فَقَالَ: من يتَنَاوَل هَؤُلَاءِ؟ فوَاللَّه لَو كَانُوا على رَأس أطول جبل مَا ازدادوا من الله قرباً، وَكَرِهَهُ جُبَير بن مطعم، وَرَأى شُرَيْح رجلا رَافعا يَدَيْهِ يَدْعُو فَقَالَ: من يتَنَاوَل بهَا لَا أم لَك؟ وَقَالَ مَسْرُوق لقوم رفعوا أَيْديهم: قطعهَا الله، وَكَانَ قَتَادَة يُشِير بإصبعه وَلَا يرفع يَدَيْهِ، وَمِنْهُم من اخْتَار بسط كفيه رافعهما، ثمَّ اخْتلفُوا فِي صفته، فَمنهمْ من قَالَ: يرفعهما حَذْو صَدره بطونهما إِلَى وَجهه، رُوِيَ ذَلِك عَن ابْن عمر رَضِي(22/300)
الله عَنْهُمَا وَقَالَ ابْن عَبَّاس: إِذا رفع يَدَيْهِ حَذْو صَدره فَهُوَ الدُّعَاء، وَكَانَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ يَدْعُو بباطن كفيه، وَعَن أنس مثله. وَاحْتَجُّوا بِمَا رَوَاهُ صَالح بن كيسَان عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ عَن ابْن عَبَّاس عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا سَأَلْتُم الله عز وَجل فَاسْأَلُوهُ ببطون كفكم وَلَا تسألوه بظهورها، وامسحوا بهَا وُجُوهكُم. وَمِنْهُم من اخْتَار رفع أَيْديهم إِلَى وُجُوههم، رُوِيَ ذَلِك عَن ابْن عمر وَابْن الزبير رَضِي الله عَنْهُم وَمِنْهُم من اخْتَار رفع أَيْديهم حَتَّى يحاذوا بهَا وُجُوههم وَظُهُورهمَا مِمَّا تلِي وُجُوههم، وَمِنْهُم من يَجْعَل بطونهما إِلَى السَّمَاء فِي الرَّغْبَة وَإِلَى الأَرْض فِي الرهبة، وَقيل: يَجْعَل بطونهما إِلَى السَّمَاء مُطلقًا فِي كل حَال. وَقَالَ الدَّاودِيّ: رُوِيَ حَدِيث فِي إِسْنَاده نظر: أَن الدَّاعِي يمسح وَجهه بيدَيْهِ عِنْد آخر دُعَائِهِ. قلت: كَأَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الحَدِيث الَّذِي رَوَاهُ مُحَمَّد بن كَعْب عَن ابْن عَبَّاس، هَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بطرق، قَالَ الْحَافِظ الْمزي: كلهَا ضَعِيفَة.
24 - (بابُ الدُّعاءِ غَيْرَ مُسْتَقْبِلِ القِبْلَةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الدُّعَاء حَال كَون الدَّاعِي غير مُسْتَقْبل الْقبْلَة.
6342 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ مَحْبُوبٍ حدّثنا أبُو عَوَانَةَ عنْ قَتادَةَ عنْ أنَسٍ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: بَيْنا النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَخْطُبُ يَوْمَ الجُمُعَةِ فَقَامَ رجُلٌ فَقَالَ: يَا رسولَ الله! ادْعُ الله أنْ يَسْقِينَا. فَتَغَيَّمَتِ السَّماءُ ومُطِرْنا حَتَّى مَا كادَ الرَّجُلُ يَصِلُ إِلَى مَنْزِلِهِ، فَلَمْ تَزَلْ تُمْطَرُ إِلَى الجُمُعَةِ المقُبِلَةِ، فقامَ ذلِكَ الرَّجُلُ أوْ غَيْرُهُ فَقَالَ: ادْعُ الله أنْ يَصْرفَهُ عَنَّا فَقَدْ غَرِقْنا. فَقَالَ: أللَّهُمَّ حَوالَيْنا وَلَا عَلَيْنا، فَجَعَلَ السَّحابُ يَتَقَطَّعُ حَوْلَ المَدِينَةِ وَلَا يُمْطِرُ أهْلَ المَدِينَةِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (أللهم حوالينا وَلَا علينا) لِأَنَّهُ دُعَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَكَانَ على الْمِنْبَر وظهره إِلَى الْقبْلَة. وَقَالَ الْكرْمَانِي: مَوضِع التَّرْجَمَة قَوْله: (يخْطب) إِذا لخطيب غير مُسْتَقْبل الْقبْلَة.
وَمُحَمّد بن مَحْبُوب من الْمحبَّة أَبُو عبد الله الْبَصْرِيّ، وَهُوَ من أَفْرَاده، وَأَبُو عوَانَة بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْوَاو وبالنون الوضاح الْيَشْكُرِي الوَاسِطِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي الاسْتِسْقَاء عَن مُسَدّد. وَفِي الْأَدَب أَيْضا عَنهُ.
قَوْله: (فتغيمت السَّمَاء) الْفَاء فِيهِ فَاء الفصيحة الدَّالَّة على مَحْذُوف أَي: فَدَعَا فَاسْتَجَاب الله دُعَاء فتغيمت، يُقَال: تغيمت السَّمَاء إِذا أطبق عَلَيْهَا الْغَيْم. قَوْله: (حوالينا) بِفَتْح اللَّام مَنْصُوب على الظَّرْفِيَّة أَي: أمطر حوالينا وَلَا تمطر علينا، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: مَعْنَاهُ: أللهم أنزل الْغَيْث فِي مَوَاضِع النَّبَات لَا فِي مَوَاضِع الْأَبْنِيَة.
25 - (بابُ الدُّعاءِ مُسْتَقْبِلَ القِبْلَةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الدُّعَاء حَال كَون الدَّاعِي مُسْتَقْبل الْقبْلَة، وَقد سَقَطت هَذِه التَّرْجَمَة من رِوَايَة أبي زيد الْمروزِي فَصَارَ حَدِيثهَا من جملَة الْبَاب الَّذِي قبله.
6343 - حدَّثنا مُوسَى بنُ إسْماعِيلَ حدّثنا وُهَيْبٌ حَدثنَا عَمْرو بنُ يَحْيَى عنْ عبَّادِ بنِ تَمِيمٍ عنْ عَبْدِ الله بنِ زَيْدٍ قَالَ: خَرَجَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى هَذَا المُصَلى يَسْتَسْقِي، فَدَعَا واسْتَسْقاى ثُمَّ اسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ وَقَلَبَ رِدَاءَهُ.
قيل: لَا يُطَابق الحَدِيث التَّرْجَمَة، لِأَن ظَاهره أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اسْتقْبل الْقبْلَة بعد الدُّعَاء، فَلذَلِك قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ: هَذَا الحَدِيث مُطَابق للتَّرْجَمَة الَّتِي قبل هَذَا، وَقَالَ الْكرْمَانِي: تستفاد التَّرْجَمَة من السِّيَاق حَيْثُ قَالَ: خرج يَسْتَسْقِي، وَالِاسْتِسْقَاء هُوَ الدُّعَاء، ثمَّ قسم الاسْتِسْقَاء إِلَى مَا قبل الِاسْتِقْبَال وَإِلَى مَا بعده. انْتهى. قلت: لَا دلَالَة على قسْمَة الاسْتِسْقَاء، بل الَّذِي يدل عَلَيْهِ الحَدِيث أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، دَعَا واستسقى ثمَّ بعد الدُّعَاء وَالِاسْتِسْقَاء اسْتقْبل الْقبْلَة، فَلَا يدل ذَلِك على أَنه حِين دَعَا كَانَ مُسْتَقْبل الْقبْلَة، وَقَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ: لَعَلَّ البُخَارِيّ أَرَادَ أَنه لما تحول وقلب رِدَاءَهُ دَعَا حينئذٍ أَيْضا، وَهَذَا كَلَامه بعد(22/301)
اعْتِرَاض عَلَيْهِ، وَفِيه نظر لَا يخفى، وَالْأَحْسَن أَن يُقَال: فِي بعض طرق هَذَا الحَدِيث أَنه لما أَرَادَ أَن يَدْعُو اسْتقْبل وحول رِدَاءَهُ، وَقد مضى فِي الاسْتِسْقَاء، وَهَذَا الْمِقْدَار كافٍ فِي التطابق على أَنه على رِوَايَة أبي زيد الْمروزِي لَا يحْتَاج إِلَى هَذِه التعسفات.
ووهيب مصغر وهب ابْن خَالِد، وَعَمْرو بن يحيى الْمَازِني الْأنْصَارِيّ، وَعباد بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة ابْن تَمِيم الْأنْصَارِيّ الْمَازِني، يروي عَن عَمه عبد الله بن زيد بن عَاصِم الْأنْصَارِيّ البُخَارِيّ الْمَازِني.
وَهَذَا الحَدِيث رُوِيَ بِأَلْفَاظ مُخْتَلفَة وَالْمعْنَى مُتَقَارب، وَمضى فِي الاسْتِسْقَاء فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن شُيُوخ كَثِيرَة. وَأخرجه بَقِيَّة الْجَمَاعَة، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
26 - (بابُ دَعوَةِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِخادِمِهِ بِطُولِ العُمُرِ وبِكَثْرَةِ مالِهِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر دُعَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِخَادِمِهِ أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ يطول عمره وبكثرة مَاله.
6344 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ أبي الأسْوَدِ حَدثنَا حَرَمِيٌّ حَدثنَا شُعْبَة عَن قُتَادَةَ عنْ أنَسٍ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ أمِّي: يَا رسولَ الله! خادِمُكَ أنَسٌ أدْعُ الله لَهُ قَالَ: اللَّهُمَّ أكْثِرْ مالَهُ ووَلَدَهُ وبارِكْ لَهُ فِيما أعْطَيْتَهُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. فَإِن قلت: من أَيْن الظُّهُور وَفِي التَّرْجَمَة ذكر طول الْعُمر. وَلَيْسَ فِي الحَدِيث ذَلِك؟ قلت: قد ذكرنَا فِيمَا مضى أَن قَوْله: (بَارك لَهُ فِيمَا أَعْطيته) يدل على ذَلِك لِأَن الدُّعَاء ببركة مَا أعطي يَشْمَل طول الْعُمر لِأَنَّهُ من جملَة الْمُعْطى، وَقيل: ورد فِي بعض طرق هَذَا الحَدِيث: وأطل حَيَاته، أخرجه البُخَارِيّ فِي: (الْأَدَب الْمُفْرد) من وَجه آخر.
وَعبد الله بن أبي الْأسود هُوَ عبد الله بن مُحَمَّد بن أبي الْأسود وَاسم أبي الْأسود حميد بن الْأسود ابْن أُخْت عبد الرَّحْمَن بن مهْدي الْبَصْرِيّ الْحَافِظ وَهُوَ من أَفْرَاد البُخَارِيّ، رَحمَه الله، وحرمي بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَالرَّاء وبالميم وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف ابْن عمَارَة بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْمِيم الْعَتكِي الْبَصْرِيّ.
قَوْله: (أُمِّي) إِمَّا بدل من أم سليم أَو عطف بَيَان، وَاسم أم سليم: الرميصاء.
والْحَدِيث مضى بِمَا فِيهِ من الشَّرْح فِي أَوَائِل: بَاب وصلِّ عَلَيْهِم.
27 - (بابُ الدُّعاءِ عِنْدَ الكَرْبِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الدُّعَاء عِنْد الكرب بِفَتْح الْكَاف وَسُكُون الرَّاء وبالباء الْمُوَحدَة وَهُوَ حزن يَأْخُذ بِالنَّفسِ.
6345 - حدَّثنا مُسْلِمُ بنُ إبْرَاهِيمَ حَدثنَا هِشامٌ حَدثنَا قَتادَةُ عنْ أبي العالِيَةِ عنِ ابنِ عبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: كانَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَدْعُو عِنْدَ الكَرْبِ يَقُولُ: لَا إلهَ إلاّ الله العَظِيمُ الحَلِيمُ، لَا إِلَه إلاَّ الله ربُّ السَّمَوَاتِ والأرْض، ربُّ العَرْشِ العَظِيمِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة فِي قَوْله: (يَدْعُو عِنْد الكرب)
إِلَى آخِره. وَهِشَام هُوَ ابْن أبي عبد الله الدستوَائي، وَأَبُو الْعَالِيَة من الْعُلُوّ اسْمه رفيع بِضَم الرَّاء وَفتح الْفَاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالعين الْمُهْملَة الريَاحي بِكَسْر الرَّاء وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة فَإِن قلت: قَتَادَة مُدَلّس وَقد روى أَبُو دَاوُد فِي (سنَنه) فِي كتاب الطَّهَارَة عقيب حَدِيث أبي خَالِد الدالاني عَن قَتَادَة عَن أبي الْعَالِيَة، قَالَ شُعْبَة: إِنَّمَا سمع قَتَادَة من أبي الْعَالِيَة أَرْبَعَة أَحَادِيث: حَدِيث يُونُس بن مَتى، وَحَدِيث ابْن عمر فِي الصَّلَاة، وَحَدِيث الْقُضَاة ثَلَاثَة، وَحَدِيث ابْن عَبَّاس: شهد عِنْدِي رجال مرضيون. قلت: لم يعْتَبر البُخَارِيّ هَذَا الْحصْر لِأَن شُعْبَة مَا كَانَ يحدث عَن أحد من المدلسين إلاَّ أَن يكون ذَلِك المدلس قد سَمعه من شَيْخه، وَقد حدث شُعْبَة هَذَا الحَدِيث عَن قَتَادَة، فَلذَلِك أوردهُ البُخَارِيّ مُعَلّقا فِي آخر التَّرْجَمَة، حَيْثُ قَالَ: وَقَالَ وهب: حَدثنَا شُعْبَة عَن قَتَادَة مثله، على مَا يَجِيء بَيَانه إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
قَوْله: (كَانَ يَدْعُو عِنْد الكرب) أَي: عِنْد حُلُول الكرب، وَفِي رِوَايَة مُسلم: كَانَ يَدْعُو بِهن ويقولهن عِنْد الكرب. قَوْله: (لَا إِلَه إلاَّ الله الْعَظِيم الْحَلِيم) اشْتَمَل هَذَا على التَّوْحِيد الَّذِي هُوَ أصل التنزيهات المسمات(22/302)
بالأوصاف الجلالية، وعَلى العظمة الَّتِي تدل على الْقُدْرَة الْعَظِيمَة إِذْ الْعَاجِز لَا يكون عَظِيما، وعَلى الْحلم الَّذِي يدل على الْعلم، إِذْ الْجَاهِل بالشَّيْء لَا يتَصَوَّر مِنْهُ الْحلم، وهما أصل الصِّفَات الوجودية الْحَقِيقِيَّة الْمُسَمَّاة بالأوصاف الإكرامية، وَوجه تَخْصِيص الذّكر بالحليم لِأَن كرب الْمُؤمن غَالِبا إِنَّمَا هُوَ على نوع تَقْصِير فِي الطَّاعَات أَو غَفلَة فِي الْحَالَات وَهَذَا يشْعر برجاء الْعَفو المقلل للحزن فَإِن قلت: الْحلم هُوَ الطُّمَأْنِينَة عِنْد الْغَضَب، فَكيف تطلق على الله عز وَجل؟ قلت: تطلق على الله وَيُرَاد لازمها وَهُوَ تَأْخِير الْعقُوبَة. فَإِن قلت: هَذَا ذكر لَا دُعَاء. قلت: إِنَّه ذكر يستفتح بِهِ الدُّعَاء لكشف الكرب. قَوْله: (رب السَّمَوَات وَالْأَرْض) خصهما بِالذكر لِأَنَّهُمَا من أعظم المشاهدات، وَمعنى: الرب فِي اللُّغَة يُطلق على الْمَالِك وَالسَّيِّد وَالْمُدبر والمربى والمتمم والمنعم وَلَا يُطلق غير مُضَاف إلاَّ على الله تَعَالَى، وَإِذا أطلق على غَيره أضيف فَيُقَال: رب كَذَا. قَوْله: (رب الْعَرْش الْعَظِيم) ذَا أَيْضا يشْتَمل على التَّوْحِيد والربوبية وعظمة الْعَرْش، وَجه الأول قد ذَكرْنَاهُ، وَوجه ذكر الثَّانِي أَعنِي: لفظ الرب، من بَين سَائِر الْأَسْمَاء الْحسنى هُوَ كَونه مناسباً لكشف الكرب الَّذِي هُوَ مُقْتَضى التربية، وَوجه الثَّالِث: وَهُوَ تَخْصِيص الْعَرْش بِالذكر لِأَنَّهُ أعظم أجسام الْعَالم فَيدْخل الْجَمِيع تَحْتَهُ دُخُول الْأَدْنَى تَحت الْأَعْلَى، ثمَّ لفظ: الْعَظِيم، صفة للعرش بِالْجَرِّ عِنْد الْجُمْهُور، وَنقل ابْن التِّين عَن الدَّاودِيّ أَنه رَوَاهُ بِرَفْع الْعَظِيم على أَنه نعت للرب، ويروى: وَرب الْعَرْش الْعَظِيم، بِالْوَاو.
6346 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ حَدثنَا يَحْيَى عنْ هِشامِ بنِ أبي عبْدِ الله عنْ قَتادةَ عنْ أبي العالِيَةِ عنِ ابنِ عبَّاسٍ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَانَ يَقُولُ عِنْد الكَرْب: لَا إِلَه إلاَّ الله العَظِيمُ الحَلِيمُ، لَا إِلَه إلاّ الله ربُّ العَرْشِ العَظِيمِ، لَا إِلَه إلاَّ الله ربُّ السَّمواتِ وربُّ الأرْضِ ورَبُّ العَرْشِ الكَرِيمِ.
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس الْمَذْكُور أخرجه عَن مُسَدّد عَن يحيى الْقطَّان عَن هِشَام بن عبد الله الدستوَائي ... إِلَى آخِره، وَهنا جَاءَ: (وَرب الْعَرْش الْكَرِيم) وَلَفظ: الْكَرِيم، بِالرَّفْع على أَنه صفة للرب على مَا نَقله ابْن التِّين عَن الدَّاودِيّ، وَفِي رِوَايَة الْجُمْهُور بِالْجَرِّ على أَنه نعت للعرش، وَوصف الْعَرْش هُنَا بالكريم أَي: الْحسن من جِهَة الْكَيْفِيَّة فَهُوَ ممدوح ذاتاً وَصفَة، وَفِي الحَدِيث السَّابِق وَصفه بالعظمة من جِهَة الكمية، وَقَالَ ابْن بطال: حَدثنِي أَبُو بكر الرَّازِيّ قَالَ: كنت بأصبهان عِنْد أبي نعيم أكتب الحَدِيث عَنهُ، وَهُنَاكَ شيخ يُقَال لَهُ: أَبُو بكر بن عَليّ، عَلَيْهِ مدَار الْفتيا، فسعى بِهِ عِنْد السُّلْطَان فسجنه، فَرَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمَنَام وَجِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام عَن يَمِينه يُحَرك شَفَتَيْه بالتسبيح لَا يفتر فَقَالَ لي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: قل لأبي بكر بن عَليّ يَدْعُو بِدُعَاء الكرب الَّذِي فِي (صَحِيح البُخَارِيّ) حَتَّى يفرج الله عَنهُ، قَالَ: فَأَصْبَحت فَأَخْبَرته فَدَعَا بِهِ فَلم يكن إلاَّ قَلِيلا حَتَّى أخرج من السجْن. وَقَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ رَحمَه الله: أرسل إِلَى الْحجَّاج فقلتهن، فَقَالَ: وَالله أرْسلت إِلَيْك وَأَنا أُرِيد أَن أَقْتلك فلأنت الْيَوْم أحب إِلَى من كَذَا وَكَذَا، وَزَاد فِي لَفظه: فسل حَاجَتك.
وَقَالَ وهْبٌ: حَدثنَا شُعْبَةُ عَن قَتادَة مِثْلَهُ
وهب هُوَ ابْن جرير كَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي وَحده بِالتَّصْغِيرِ ابْن خَالِد، وَفِي رِوَايَة أبي زيد الْمروزِي وهب بن جرير بن حَازِم وَبِهَذَا يَزُول الْإِشْكَال، وَقد ذكرنَا عَن قريب أَن البُخَارِيّ إِنَّمَا أورد هَذَا دفعا لما قيل من الْحصْر: إِن شُعْبَة قَالَ: لم يسمع قَتَادَة عَن أبي الْعَالِيَة إلاَّ ثَلَاثَة أَحَادِيث، وَقد ذَكرنَاهَا، وَأَن شُعْبَة مَا كَانَ يحدث عَن أحد من المدلسين إلاَّ مَا سَمعه ذَلِك المدلس من شَيْخه، وَقد حدث شُعْبَة بِهَذَا الحَدِيث عَن قَتَادَة. وَأخرج مُسلم هَذَا الحَدِيث من طَرِيق سعيد بن أبي عرُوبَة عَن قَتَادَة: أَن أَبَا الْعَالِيَة حَدثهُ، وَهَذَا صَرِيح فِي سَمَاعه لَهُ مِنْهُ.
28 - (بابُ التَّعَوُّذِ مِنْ جَهْدِ البَلاَءِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان التَّعَوُّذ من جهد الْبلَاء، الْجهد بِفَتْح الْجِيم وَبِضَمِّهَا الْمَشَقَّة وَكلما أصَاب الْإِنْسَان من شدَّة الْمَشَقَّة والجهد(22/303)
فِيمَا لَا طَاقَة لَهُ بِحمْلِهِ وَلَا يقدر على دَفعه عَن نَفسه فَهُوَ من جهد الْبلَاء، وَرُوِيَ عَن عمر رَضِي الله عَنهُ أَنه سُئِلَ عَن جهد الْبلَاء؟ فَقَالَ: قلَّة المَال وَكَثْرَة الْعِيَال، وَالْبَلَاء مَمْدُود فَإِذا كسرت الْبَاء قصرت.
6347 - حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله حَدثنَا سُفْيانُ حدّثني سُمَيٌّ عنْ أبي صالِح عنْ أبي هُرَيْرَةَ: كانَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَتَعَوَّدُ مِنْ جَهْدِ البلاَءِ ودَرَكِ الشقاءِ وسوءِ القَضاءِ وشَماتَةِ الأعْدَاءِ.
قَالَ سُفْيانُ: الحَدِيثُ ثلاَثٌ زِدْتُ أنَا واحِدةً لَا أدْرِي أيَّتُهُنَّ هِيَ. (انْظُر الحَدِيث 6347 طرفه فِي 6616) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعلي بن عبد الله بن الْمَدِينِيّ، وسُفْيَان بن عُيَيْنَة، وَسمي بِضَم السِّين وَفتح الْمِيم وَتَشْديد الْيَاء مولى أبي بكر بن عبد الرَّحْمَن المَخْزُومِي، وَأَبُو صَالح ذكْوَان الزيات.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْقدر عَن مُسَدّد. وَأخرجه مُسلم فِي الدَّعْوَات عَن عمر والناقد وَغَيره. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الِاسْتِعَاذَة عَن قُتَيْبَة.
قَوْله: قَالَ: (كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يتَعَوَّذ) كَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَرَوَاهُ مُسَدّد عَن سُفْيَان بِسَنَدِهِ هَذَا بِلَفْظ الْأَمر: تعوذوا. قَوْله: (ودرك الشَّقَاء) بِفَتْح الدَّال وَالرَّاء وَيجوز سُكُون الرَّاء وَهُوَ الْإِدْرَاك واللحوق، والشقاء بِالْفَتْح وَالْمدّ الشدَّة والعسر وَهُوَ ضد السَّعَادَة، وَيُطلق على السَّبَب الْمُؤَدِّي إِلَى الْهَلَاك. وَقَالَ ابْن بطال: دَرك الشَّقَاء يَنْقَسِم قسمَيْنِ فِي أَمر الدُّنْيَا وَالْآخِرَة، وَكَذَا (سوء الْقَضَاء) هُوَ عَام أَيْضا فِي النَّفس وَالْمَال والأهل والخاتمة والمعاد. قَوْله: (وَسُوء الْقَضَاء) أَي: الْمقْضِي إِذْ حكم الله من حَيْثُ هُوَ حكمه كُله حسن لَا سوء فِيهِ، قَالُوا فِي تَعْرِيف الْقَضَاء وَالْقدر: الْقَضَاء هُوَ الحكم بالكليات على سَبِيل الْإِجْمَال فِي الْأَزَل، وَالْقدر هُوَ الحكم بِوُقُوع الجزئيات الَّتِي لتِلْك الكليات على سَبِيل التَّفْصِيل فِي الْإِنْزَال، قَالَ الله تَعَالَى: { (51) وَإِن من شَيْء. . إِلَّا بِقدر مَعْلُوم} (الْحجر: 21) . قَوْله: (وشماتة الْأَعْدَاء) هِيَ الْحزن بفرح عدوه والفرح بحزنه وَهُوَ مِمَّا ينْكَأ فِي الْقلب ويؤثر فِي النَّفس تَأْثِيرا شَدِيدا، وَإِنَّمَا دَعَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بذلك تَعْلِيما لأمته، وَهَذِه كلمة جَامِعَة لِأَن الْمَكْرُوه إِمَّا أَن يُلَاحظ من جِهَة المبدأ وَهُوَ سوء الْقَضَاء، أَو من وجهة الْمعَاد وَهُوَ دَرك الشَّقَاء إِذْ شقاوة الْآخِرَة هِيَ الشَّقَاء الْحَقِيقِيّ، أَو من جِهَة المعاش وَذَلِكَ إِمَّا من جِهَة غَيره وَهُوَ شماتة الْأَعْدَاء، أَو من جِهَة نَفسه وَهُوَ جهد الْبلَاء.
قَوْله: (قَالَ سُفْيَان) هُوَ ابْن عُيَيْنَة رَاوِي الحَدِيث الْمَذْكُور، وَهُوَ مَوْصُول بالسند الْمَذْكُور. قَوْله: (الحَدِيث ثَلَاث) أَي: الحَدِيث الْمَرْفُوع الْمَرْوِيّ ثَلَاثَة أَشْيَاء، وَقَالَ: (زِدْت أَنا وَاحِدَة) فَصَارَت أَرْبعا وَلَا أَدْرِي أيتهن هِيَ، أَي: الرَّابِعَة الزَّائِدَة. وَقَالَ الْكرْمَانِي: كَيفَ جَازَ لَهُ أَن يخلط كَلَامه بِكَلَام رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِحَيْثُ لَا يفرق بَينهمَا؟ ثمَّ أجَاب بِأَنَّهُ مَا خلط بل استبهت عَلَيْهِ تِلْكَ الثَّلَاث بِعَينهَا، وَعرف أَنَّهَا كَانَت ثَلَاثَة من هَذِه الْأَرْبَعَة فَذكر الْأَرْبَعَة تَحْقِيقا لرِوَايَة تِلْكَ الثَّلَاثَة قطعا، إِذْ لَا تخرج مِنْهَا.
وَقَالَ بَعضهم: وَفِيه: تعقب على الْكرْمَانِي حَيْثُ اعتذر عَن سُفْيَان فِي السُّؤَال الْمَذْكُور، فَقَالَ: وَيُجَاب عَنهُ بِأَنَّهُ كَانَ يميزها إِذا حدث كَذَا قَالَ: وَفِيه نظر. قلت: لم يقل الْكرْمَانِي أصلا مَا قَالَه نقلا عَنهُ، وَإِنَّمَا قَالَه هُوَ الَّذِي ذَكرْنَاهُ، وَهُوَ اعتذار حسن مَعَ أَنه قَالَ عقيب كَلَامه الْمَذْكُور: وروى البُخَارِيّ فِي كتاب الْقدر الحَدِيث الْمَذْكُور، وَذكر فِيهِ الْأَرْبَعَة مُسْندًا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَلَا تردد وَلَا شكّ وَلَا قَول بِزِيَادَة، وَفِي بعض الرِّوَايَات: قَالَ سُفْيَان: أَشك أَنِّي زِدْت وَاحِدَة مِنْهَا.
29 - (بابُ دُعاءِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الأعْلَى)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان دُعَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عِنْد مَوته بقوله: (أللَّهُمَّ الرفيق الْأَعْلَى) . وَوَقع فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين لفظ: بَاب، مُجَردا عَن التَّرْجَمَة، وَفِيه: أللهم الرفيق الْأَعْلَى، والرفيق مَنْصُوب على تَقْدِير: اختبرت الرفيق الْأَعْلَى، أَو: أخْتَار، أَو: أُرِيد. وَقَالَ الدَّاودِيّ: الرفيق الْأَعْلَى الْجنَّة، وَقيل: الرفيق الْأَعْلَى جمَاعَة الْأَنْبِيَاء الَّذين يسكنون أَعلَى عليين.
6348 - حدَّثنا سَعِيدُ بنُ عُفَيْرٍ قَالَ: حدّثني اللَّيْثُ قَالَ: حدّثني عُقَيْلٌ عنِ ابنِ شِهاب أَخْبرنِي سَعِيدُ بنُ المُسَيَّبِ وعُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ فِي رِجالٍ مِنْ أهْلِ العِلْمِ، أنَّ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا قالَتْ: كَانَ(22/304)
رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَقُولُ، وَهْوَ صَحِيحٌ: لَنْ يُقْبَضَ نَبِيٌّ قَطُّ حَتَّى يَراى مَقْعَدَهُ مِنَ الجَنَّةِ ثُمَّ يُخَيَّرُ، فَلَمَّا نَزَلَ بِهِ ورَأسُهُ عَلى فَخِذِي غُشِيَ عَلَيْهِ ساعَةً ثُمَّ أفاقَ فأشْخَصَ بَصَرَهُ إِلَى السَّقْفِ ثُمَّ قَالَ: أللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الأعْلَى. قُلْتُ: إِذا لَا يَخْتارَنا، وعَلِمْتُ أنَّهُ الحَدِيثُ الَّذِي كَانَ يُحَدَّثُنا وَهْوَ صَحِيحٌ، قالَتْ: فَكانَتْ تِلْكَ آخِرَ كَلِمَةَ تَكَلَّمَ بِها: أللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الأعْلَى.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَسَعِيد بن عفير هُوَ سعيد بن مُحَمَّد بن عفير الْمصْرِيّ، وَعقيل بِضَم الْعين، وَابْن شهَاب هُوَ مُحَمَّد ابْن مُسلم الزُّهْرِيّ.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الرقَاق عَن بشر بن مُحَمَّد وَعَن يحيى بن بكير. وَأخرجه مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن عبد الْملك بن شُعَيْب بن اللَّيْث عَن أَبِيه عَن جده بِإِسْنَادِهِ مثله.
قَوْله: (فِي رجال من أهل الْعلم) أَي: أخبرهُ سعيد بن الْمسيب وَعُرْوَة بن الزبير فِي جملَة طَائِفَة أُخْرَى أَخْبرُوهُ أَيْضا بِهِ. أَو فِي حُضُور طَائِفَة مُسْتَمِعِينَ لَهُ. قَوْله: (ثمَّ يُخَيّر) على صِيغَة الْمَجْهُول أَي: بَين الْمَوْت والانتقال إِلَى ذَلِك المقعد وَبَين الْبَقَاء والحياة فِي الدُّنْيَا. قَوْله: (فَلَمَّا نزل بِهِ) بِضَم النُّون وَكسر الزَّاي أَي: فَلَمَّا حَضَره الْمَوْت كَأَن الْمَوْت نَازل وَهُوَ منزول بِهِ. قَوْله: (وَرَأسه) الْوَاو فِيهِ للْحَال. قَوْله: (فأشخص) أَي: رفع بَصَره وأشخصه أزعجه، وشخص بَصَره إِذا فتح عَيْنَيْهِ وَجعل لَا يطرف، وشخص ارْتَفع. قَوْله: (لَا يختارنا) بِالنّصب أَي: حَيْثُ اخْتَار الْآخِرَة تعين ذَلِك فَلَا يختارنا بعد ذَلِك. قَوْله: (إِنَّه الحَدِيث الَّذِي كَانَ يحدثنا وَهُوَ صَحِيح) هُوَ قَوْله: (لن يقبض نَبِي قطّ حَتَّى يرى مَقْعَده) . قَوْله: (أللهم الرفيق الْأَعْلَى) قَالَ الْكرْمَانِي: محلهَا النصب على الْعِنَايَة، أَو الرّفْع بَيَانا، أَو بَدَلا لقَوْله: تِلْكَ.
30 - (بابُ الدُّعاءِ بالمَوْتِ والحَياةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي كَرَاهَة الدُّعَاء بِالْمَوْتِ. قَوْله: (والحياة) ، وَفِي رِوَايَة أبي زيد الْمروزِي: وبالحياة، أَي: وَفِي كَرَاهَة الدُّعَاء بِالْحَيَاةِ إِذا كَانَت شرا لَهُ، بل يشرع الدُّعَاء بهما على الْوَجْه الْمَذْكُور فِي حَدِيث الْبَاب، على مَا يَجِيء الْآن.
6349 - حدَّثني مُسَدَّدٌ حدّثنا يَحْياى عنْ إسْماعِيلَ عنْ قَيْسٍ قَالَ: أتَيْتُ خَبَّاباً وقَدِ اكْتَواى سَبْعاً قَالَ: لَوْلا أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، نَهانا أنْ نَدْعُوَ بالمَوْتِ لَدَعَوْتُ بِهِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه أوضح الْإِبْهَام الَّذِي فِي الْجُزْء الأول للتَّرْجَمَة.
وَيحيى هُوَ ابْن سعيد الْقطَّان، وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن أبي خَالِد، وَقيس هُوَ ابْن أبي حَازِم، وخباب هُوَ ابْن الْأَرَت بن جندلة مولى خُزَاعَة.
والْحَدِيث مضى فِي الطِّبّ عَن آدم عَن شُعْبَة.
قَوْله: (وَقد اكتوى سبعا) أَي: فِي بَطْنه لوجع كَانَ فِيهِ، قيل: قد نهي عَن الكي. وَأجِيب بِأَن ذَلِك لمن يعْتَقد أَن الشِّفَاء من الكي.
6350 - حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى حدّثنا يَحْياى عنْ إسماعيلَ قَالَ: حدّثني قَيْسٌ قَالَ: أتَيْتُ خَبَّاباً وقَدِ اكْتَواى سَبْعاً فِي بَطْنِهِ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: لَوْلا أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَهانا أنْ نَدْعُوَ بالمَوْتِ لَدَعَوْتُ بِهِ.
هَذَا هُوَ الحَدِيث الْمَذْكُور عَن مُسَدّد، وَأَعَادَهُ عَن مُحَمَّد بن الْمثنى لما فِي رِوَايَته من زِيَادَة وَهِي قَوْله: فِي بَطْنه.
6350 - حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى حدّثنا يَحْياى عنْ إسماعيلَ قَالَ: حدّثني قَيْسٌ قَالَ: أتَيْتُ خَبَّاباً وقَدِ اكْتَواى سَبْعاً فِي بَطْنِهِ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: لَوْلا أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَهانا أنْ نَدْعُوَ بالمَوْتِ لَدَعَوْتُ بِهِ.
هَذَا هُوَ الحَدِيث الْمَذْكُور عَن مُسَدّد، وَأَعَادَهُ عَن مُحَمَّد بن الْمثنى لما فِي رِوَايَته من زِيَادَة وَهِي قَوْله: فِي بَطْنه.
6351 - حدَّثني ابنُ سَلام أخبرنَا إسْماعِيلُ بنُ عُلَيَّةَ عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ بنِ صُهَيْبٍ عَنْ أنَسٍ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا يَتَمَنَّيْنَ أحَدُكُمُ المَوْتَ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ، فإِنْ كَانَ لَا بدَّ مُتَمَنِّياً لِلْمَوْتِ فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ أحْينِي مَا كانَتِ الحَياةُ خَيْراً لِي، وَتَوَفَّني إِذا كانَتِ الوَفاةُ خَيْراً لِي. (انْظُر الحَدِيث 5671 وطرفه) .
تُؤْخَذ الْمُطَابقَة مِنْهُ لجزئي التَّرْجَمَة بإمعان النّظر فِيهِ. وَابْن سَلام هُوَ مُحَمَّد بن سَلام بتَخْفِيف اللَّام وتشديدها قَوْله: (حَدثنِي) ويروى: حَدثنَا.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الدَّعْوَات أَيْضا عَن زُهَيْر بن حَرْب. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الْجَنَائِز عَن عَليّ بن حجر. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ وَفِي الطِّبّ عَن عَليّ بن حجر.
قَوْله: (لَا يتمنين) بالنُّون الْمُشَدّدَة إِنَّمَا نهى عَن التَّمَنِّي لِأَنَّهُ فِي معنى التبرم(22/305)
عَن قَضَاء الله تَعَالَى فِي أَمر يَنْفَعهُ فِي آخرته، وَلَا يكره التَّمَنِّي لخوف فَسَاد الدّين. قَوْله: (لضر) أَي: لأجل ضرّ نزل بِهِ أَي: حصل عَلَيْهِ قَوْله: (لَا بُد) هُوَ حَال وَتَقْدِيره إِن كَانَ أحدكُم فَاعِلا حَالَة كَونه لَا بُد لَهُ من ذَلِك قيل: كَيفَ جوز الْفِعْل بعد النَّهْي؟ وَأجِيب: بِأَن مَوضِع الضَّرُورَة مُسْتَثْنى من جَمِيع الْأَحْكَام، والضرورات تبيح الْمَحْظُورَات، أَو النَّهْي إِنَّمَا هُوَ عَن الْمَوْت معينا وَهَذَا تَجْوِيز فِي أحد الْأَمريْنِ لَا على التَّعْيِين أَو النَّهْي، إِنَّمَا هُوَ فِيمَا إِذا كَانَ مُنجزا مَقْطُوعًا بِهِ، وَهَذَا مُعَلّق لَا منجز.
31 - (بابُ الدُّعاءِ لِلصِّبْيانِ بالبَرَكَةِ وَمَسْحِ رُؤُوسِهِمْ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الدُّعَاء للصبيان بِالْبركَةِ أَي: بالنشو الْحسن والثبات على التَّوْفِيق والشرف. وأصل هَذِه الْمَادَّة من برك الْبَعِير إِذا أَنَاخَ فِي مَوضِع فَلَزِمَهُ، وَتطلق الْبركَة أَيْضا على الزِّيَادَة. وَقَالَ ابْن الْأَثِير: وَالْأَصْل الأول. قَوْله: وَمسح رؤوسهم، فِيهِ حَدِيث عَن أبي أُمَامَة أخرجه أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ بِلَفْظ: (من مسح رَأس يَتِيم لَا يمسحه إلاَّ الله كَانَ لَهُ بِكُل شَعْرَة تمريده عَلَيْهَا حَسَنَة) ، وَفِي سَنَده ضعف، وروى أَحْمد بِسَنَد حسن عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ (أَن رجلا شكى إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قسوة قلبه، فَقَالَ: أطْعم الْمِسْكِين وامسح رَأس الْيَتِيم) .
وَقَالَ أبُو مُوسَى وُلِدَ لِي غُلامٌ ودَعا لَهُ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالبَرَكَةِ
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأَبُو مُوسَى هُوَ عبد الله بن قيس الْأَشْعَرِيّ، وَهَذَا التَّعْلِيق طرف من حَدِيث مَوْصُول قد مضى فِي كتاب الْعَقِيقَة، وَاسم الْغُلَام: إِبْرَاهِيم.
6352 - حدَّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعيدٍ حَدثنَا حاتِمٌ عنِ الجعْدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمانِ قَالَ: سَمِعْتُ السَّائِبَ بنَ يَزِيدَ يَقُولُ: ذَهَبَتْ بِي خالَتِي إِلَى رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فقالَتْ: يَا رسولَ الله! إنَّ ابنَ أُخْتِي وَجعٌ، فَمَسَحَ رَأسِي ودَعا لِي بالبَرَكَةِ، ثُمَّ تَوَضَّأ فَشَرِبْتُ مِنْ وَضُوئِهِ، ثُمَّ قُمْت خلْفَ ظَهْرِهِ فَنَظَرْتُ إِلَى خاتِمِهِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ مِثْلَ زِرِّ الحَجَلَةِ. [/ نه
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وحاتم بِالْحَاء الْمُهْملَة ابْن إِسْمَاعِيل الْكُوفِي، سكن الْمَدِينَة، والجعد بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة، وَيُقَال لَهُ: الجعيد، أَيْضا بِالتَّصْغِيرِ ابْن عبد الرَّحْمَن بن أَوْس الْكِنْدِيّ، وَيُقَال التَّمِيمِي الْمدنِي، والسائب فَاعل من السيب بِالسِّين الْمُهْملَة وَالْيَاء آخر الْحُرُوف وَالْبَاء الْمُوَحدَة ابْن يزِيد من الزِّيَادَة.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الطَّهَارَة فِي: بَاب اسْتِعْمَال فضل وضوء النَّاس، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبد الرَّحْمَن بن يُونُس عَن حَاتِم بن إِسْمَاعِيل ... إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (وجع) بِلَفْظ الْفِعْل والإسم ويروى: وَقع، بِالْقَافِ مَوضِع الْجِيم، والزر، بِكَسْر الزَّاي وَتَشْديد الرَّاء وَاحِد أزرار الْقَمِيص، والحجلة: بِفَتْح الْحَاء وَالْجِيم بَيت للعروس كالقبة يزين بالثياب والستور، وَلها أزرار، وَقيل: المُرَاد بالحجلة القبجة أَي: الطَّائِر الْمَعْرُوف قدر الدَّجَاجَة، وزرها بيضها.
6353 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ حَدثنَا ابنُ وَهْبٍ حَدثنَا سَعِيدُ بنُ أبي أيُّوبَ عنْ أبي عَقِيلٍ أنَّهُ كَانَ يَخْرُجُ بِهِ جَدُّهُ عَبْدُ الله بنُ هِشامٍ مِنَ السُّوقِ أوْ إِلَى السُّوق فَيَشحٍ رِي الطَّعامَ، فَيَلْقاهُ ابنُ الزُّبَيْرِ وابنُ عُمَرَ فيقُولانِ: أشْرِكْنا فإِنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَدْ دَعا لَكَ بالبَرَكَةِ فَيُشْرِكُهُمْ، فَرُبَّما أصابَ الرَّاحِلَةَ كَمَا هِيَ فَيَبْعَثُ بِها إِلَى المَنْزِلِ. (انْظُر الحَدِيث 2502) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فَإِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قد دَعَا لَك بِالْبركَةِ) . وَابْن وهب الْمصْرِيّ، وَسَعِيد بن أبي أَيُّوب الْخُزَاعِيّ الْمصْرِيّ، وَاسم أبي أَيُّوب مِقْلَاص، وَأَبُو عقيل بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَكسر الْقَاف واسْمه زهرَة بِضَم الزَّاي وَسُكُون الْهَاء ابْن معبد بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة ابْن عبد الله بن هِشَام الْقرشِي التَّيْمِيّ من بني تيم بن مرّة،(22/306)
وَعبد الله بن هِشَام سمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، روى عَنهُ ابْن ابْنه زهرَة الْمَذْكُور. وَهُوَ من أَفْرَاد البُخَارِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي الشّركَة فِي: بَاب الشّركَة فِي الطَّعَام وَغَيره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (من السُّوق) أَي: من جِهَة دُخُول السُّوق وَالْعَامِل فِيهِ. قَوْله: (فيلقاه ابْن الزبير) أَي: عبد الله بن الزبير بن الْعَوام وَعبد الله بن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنْهُم قَوْله: (أشركنا) من الْإِشْرَاك وَهُوَ من الثلاثي الْمَزِيد فِيهِ أَي: اجْعَلْنَا من شركائك، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: { (02) وأشركه فِي أَمْرِي} (طه: 32) وَضبط فِي بعض الْكتب من الثلاثي، وَالْأول هُوَ الصَّحِيح، لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُقَال: شركته فِي الْمِيرَاث وَالْبيع إِذا ثبتَتْ الشّركَة، وَأما إِذا سَأَلته الشّركَة فَإِنَّمَا يُقَال لَهُ: أشركني من الثلاثي الْمَزِيد فِيهِ. قَوْله: (فيشركهم) أَي: فِيمَا اشْتَرَاهُ، وَإِنَّمَا جمع بِاعْتِبَار أَن أقل الْجمع إثنان. قَوْله: (فَرُبمَا أصَاب) ، أَي: ابْن هِشَام الرَّاحِلَة أَي: من الرِّبْح. قَوْله: (كَمَا هِيَ) أَي: بِتَمَامِهَا.
6354 - حدَّثنا عَبْدُ العَزِيز بنُ عَبْدِ الله حَدثنَا إبْرَاهِيمُ بنُ سَعدٍ عنْ صالِحِ بنِ كَيْسانَ عنِ ابنِ شِهابٍ قَالَ: أَخْبرنِي مَحْمُودُ بنُ الرَّبِيعِ. وَهْوَ الَّذِي مَجَّ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي وجْهِهِ وَهْوَ غُلامٌ مِنْ بِئْرِهِمْ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَن المج فِي حكم الْمسْح وَالدُّعَاء بِالْبركَةِ، فالفعل قَائِم مقَام القَوْل فِي الْمَقْصُود.
وَعبد الْعَزِيز بن عبد الله بن يحيى بن عمر الْقرشِي العامري الأويسي الْمَدِينِيّ، وَإِبْرَاهِيم بن سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف رَضِي الله عَنهُ.
والْحَدِيث مضى مُخْتَصرا نَحوه فِي الطَّهَارَة فِي: بَاب اسْتِعْمَال فضل وضوء النَّاس.
قَوْله: (وَهُوَ الَّذِي مج) يُقَال: مج لعابه إِذا قذفه، وَقيل: لَا يكون مجاً حَتَّى يباعد بِهِ. قَوْله: (وَهُوَ غُلَام) أَي: صبي صَغِير، وَقَالَ أَبُو عمر: حفظ ذَلِك مِنْهُ وَهُوَ ابْن أَربع سِنِين أَو خمس سِنِين، وَمَات فِي سنة سِتّ وَتِسْعين، وَالْوَاو فِي: وَهُوَ غُلَام، للْحَال. قَوْله: (من بئرهم) يتَعَلَّق بقوله: مج.
6355 - حدَّثنا عَبْدانُ أخبرنَا عَبْدُ الله أخبرنَا هِشامُ بنُ عُرْوَةَ عنْ أبِيهِ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا قالَتْ: كَانَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يُؤْتَى بالصِّبْيانِ فَيَدْعُو لَهُمْ، فأُتِيَ بِصَبِيّ فَبالَ عَلى ثَوْبِهِ، فَدَعا بِماءِ فأتْبَعَهُ إيَّاهُ وَلَمْ يَغْسِلْهُ. (انْظُر الحَدِيث
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وعبدان قد تكَرر ذكره وَهُوَ لقب عبد الله بن عُثْمَان بن جبلة الْمروزِي، وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك الْمروزِي.
والْحَدِيث مضى فِي الطَّهَارَة فِي: بَاب بَوْل الصّبيان، من طَرِيقين عَن مَالك، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (فَاتبعهُ) أَي: فأتبع المَاء الْبَوْل يَعْنِي: سكب عَلَيْهِ.
6356 - حدَّثنا أَبُو اليَمانِ أخبرنَا شُعَيْبٌ عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبرنِي عَبْدُ الله بنُ ثَعْلَبَةَ بنِ صُعَيْرٍ وَكَانَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَدْ مَسَحَ عَنْهُ أنَّهُ رَأى سَعْدَ بنَ أبي وقاصٍ يُوتِرُ بِرَكْعَةٍ. (انْظُر الحَدِيث 4300) .
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (قد مسح عَنهُ) يفسره مَا رَوَاهُ البُخَارِيّ مُعَلّقا فِي غَزْوَة الْفَتْح من طَرِيق يُونُس عَن الزُّهْرِيّ بِلَفْظ: مسح وَجهه عَام الْفَتْح، وَوَقع فِي (الزهريات) للهذلي عَن أبي الْيَمَان شيخ البُخَارِيّ بِلَفْظ: مسح وَجهه.
وَأَبُو الْيَمَان بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَتَخْفِيف الْمِيم الحكم بن نَافِع وَشُعَيْب بن أبي حَمْزَة، وَعبد الله بن ثَعْلَبَة بن صعير بِضَم الصَّاد الْمُهْملَة وَفتح الْعين الْمُهْملَة العذري بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الذَّال الْمُعْجَمَة وبالراء، وَيُقَال: ابْن أبي صعير، ولد قبل الْهِجْرَة بِأَرْبَع سِنِين وَتُوفِّي سنة تسع وَثَمَانِينَ وَهُوَ ابْن ثَلَاث وَتِسْعين سنة، وَقيل: إِنَّه ولد بعد الْهِجْرَة، وَأَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، توفّي وَهُوَ ابْن أَربع سِنِين.
قَوْله: (أَنه رأى) يتَعَلَّق بقوله: (أَخْبرنِي عبد الله) . قَوْله: (وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد مسح عَنهُ) ، معترض بَينهمَا. قَوْله: (يُوتر بِرَكْعَة) أَي: يُصَلِّي الْوتر بِرَكْعَة وَاحِدَة، وَقد مضى الْكَلَام فِي الْخلاف فِي عدد الْوتر فِي: بَاب الْوتر.(22/307)
32 - (بابُ الصَّلاةِ عَلى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان كَيْفيَّة الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقَالَ بَعضهم: هَذَا الْإِطْلَاق يحْتَمل حكمهَا وفضلها وصفتها ومحلها. قلت: حَدِيثا الْبَاب يفيدان هَذَا الْإِطْلَاق لِأَنَّهُمَا ينبئان عَن الْكَيْفِيَّة، والمطابقة بَين التَّرْجَمَة والْحَدِيث مَطْلُوبَة، وَلَا تَجِيء الْمُطَابقَة إلاَّ بِمَا قُلْنَا: هَذَا بَاب فِي بَيَان كَيْفيَّة الصَّلَاة.
6357 - حدَّثنا آدَمُ حدّثنا شُعْبَةُ حدّثنا الحَكَمُ قَالَ: سَمعْتُ عَبْدَ الرَّحْمانِ بنَ أبي لَيْلَى قَالَ: لَقِيَنِي كَعْبُ بنُ عُجْرَةَ، فَقَالَ: أَلا أُهْدِي لَكَ هَدِيَّةً؟ إنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، خَرَجَ عَلَيْنا فَقُلْنا: يَا رسولَ الله {قَدْ عَلِمْنا كَيْفَ نُسَلِّمُ عَلَيْكَ، فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ قَالَ: فَقُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وعَلى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلى آل إبْراهِيمَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، أللَّهُمَّ بارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بارَكْتَ عَلى آلِ إبْرَاهِيمَ، إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ. (انْظُر الحَدِيث 3370 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه أوضح الْإِبْهَام الَّذِي فِيهَا وَبَين أَن المُرَاد كَيْفيَّة الصَّلَاة.
وآدَم هُوَ ابْن أبي إِيَاس واسْمه عبد الرَّحْمَن، وَأَصله من خُرَاسَان سكن عسقلان، وَالْحكم بِفتْحَتَيْنِ ابْن عتيبة مصغر عتبَة الدَّار وَعبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى من كبار التَّابِعين وَهُوَ وَالِد مُحَمَّد، فَقِيه أهل الْكُوفَة، وَاسم أبي ليلى يسَار خلاف الْيَمين وَقَالَ أَبُو عمر: لَهُ صُحْبَة وَرِوَايَة وَهُوَ مَشْهُور بكنيته، وَكَعب بن عجْرَة البلوي حَلِيف الْأَنْصَار شهد بيعَة الرضْوَان.
والْحَدِيث مضى فِي تَفْسِير سُورَة الْأَحْزَاب فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن سعيد بن يحيى عَن أَبِيه عَن مسعر عَن الحكم، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (علمنَا) أَي: عرفنَا كيفيته وَهِي أَن يُقَال: السَّلَام عَلَيْك أَيهَا النَّبِي وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته.
6358 - حدَّثنا إبْراهِيمُ بنُ حَمْزَةَ حدّثنا ابنُ أبي حازِمٍ والدَّراوَرْدِيُّ عنْ يَزِيدُ عنْ عَبْدِ الله ابنِ خَبَّابٍ عنْ أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ قَالَ: قلْنا: يَا رسولَ الله} هَذَا السَّلامُ عَلَيْكَ، فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ قَالَ: قُولُوا: أللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ ورَسولِكَ كَمَا صَلَّيْتَ على إبْراهِيمَ، وبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بارَكْتَ عَلى إبْراهِيمَ وآلِ إبْراهِيمَ. (انْظُر الحَدِيث 4798) .
مطابقته للتَّرْجَمَة مثل مَا ذكرنَا فِي الحَدِيث السَّابِق وَإِبْرَاهِيم بن حَمْزَة أَبُو إِسْحَاق الزبيرِي الْمَدِينِيّ، وَابْن أبي حَازِم هُوَ عبد الْعَزِيز بن أبي حَازِم بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي واسْمه سَلمَة بن دِينَار، والدراوردي هُوَ عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد وَيزِيد من الزِّيَادَة ابْن عبد الله بن أُسَامَة بن الْهَاد اللَّيْثِيّ، وَعبد الله بن خباب بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة الأولى مولى بني عدي ابْن النجار الْأنْصَارِيّ، وَأَبُو سعيد الْخُدْرِيّ اسْمه سعد بن مَالك.
والْحَدِيث مضى أَيْضا فِي تَفْسِير سُورَة الْأَحْزَاب، وَقَالَ الْكرْمَانِي: شَرط التَّشْبِيه أَن يكون الْمُشبه بِهِ أقوى، وَهَاهُنَا بِالْعَكْسِ لِأَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أفضل من إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام وَأجَاب بِأَن هَذَا التَّشْبِيه لَيْسَ من بَاب إِلْحَاق النَّاقِص بالكامل بل من بَاب بَيَان حَال من لَا يعرف بِمَا يعرف فَلَا يشْتَرط ذَلِك والتشبيه فِيمَا يسْتَقْبل وَهُوَ أقوى، أَو الْمَجْمُوع شبه بالمجموع، وَلَا شكّ أَن آل إِبْرَاهِيم أفضل من آل مُحَمَّد إِذْ فيهم الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام وَلَا نَبِي فِي آل مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
33 - (بابُ هَلْ يُصَلَّى عَلى غَيْرِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ: هَل يصلى على غير النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ اسْتِقْلَالا أَو تبعا، وَيدخل فِي قَوْله: غير النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، الْمَلَائِكَة والأنبياء والمؤمنون، وَإِنَّمَا صدر التَّرْجَمَة بالاستفهام للْخلاف فِي جَوَاز الصَّلَاة على غير النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَمنهمْ من أنكر الصَّلَاة على غير النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مُطلقًا، وَاحْتَجُّوا(22/308)
بِمَا رَوَاهُ أَبُو بكر بن أبي شيبَة من حَدِيث عُثْمَان بن حَكِيم عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: مَا أعلم الصَّلَاة تنبغي من أحد على أحد إلاَّ على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَحكى القَوْل بِهِ عَن مَالك، وَجَاء نَحوه عَن عمر بن عبد الْعَزِيز رَضِي الله عَنهُ وَعَن سُفْيَان أَيْضا؛ وَمِنْهُم من جوزها تبعا مُطلقًا وَلَا يجوزها اسْتِقْلَالا، وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَجَمَاعَة وَمِنْهُم من جوزها مُطلقًا يعْنى اسْتِقْلَالا وتبعاً، وحجتهم حَدِيث الْبَاب.
وَأما الصَّلَاة على الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام فقد ورد فِيهَا أَحَادِيث: مِنْهَا مَا رَوَاهُ ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا أخرجه الطَّبَرَانِيّ: إِذا صليتم عَليّ فصلُّوا على أَنْبيَاء الله، فَإِن الله بَعثهمْ كَمَا بَعَثَنِي، وَسَنَده ضَعِيف. وَمِنْهَا: حَدِيث عَليّ رَضِي الله عَنهُ فِي الدُّعَاء بِحِفْظ الْقُرْآن. وَفِيه: وصلِّ عَليّ وعَلى سَائِر النَّبِيين. أخرجه التِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم، وَأما الصَّلَاة على الْمَلَائِكَة فَيمكن أَن تُؤْخَذ من الحَدِيث الْمَذْكُور، لِأَن الله سماهم رسلًا، وَأما الْمُؤْمِنُونَ فَحَدِيث الْبَاب يدل على جَوَاز الصَّلَاة عَلَيْهِم على الِاخْتِلَاف الَّذِي ذَكرْنَاهُ.
وقَوْلُ الله تَعَالَى: {وصل عَلَيْهِم. . سكن لَهُم} (التَّوْبَة: 103)
صدر بِهَذِهِ الْآيَة تَنْبِيها على أَن الصَّلَاة على غير النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تجوز، وَأَيْضًا توضح الْإِبْهَام الَّذِي فِي التَّرْجَمَة. قَوْله: (وصل عَلَيْهِم) أَي: أدع لَهُم واستغفر لَهُم لِأَن معنى الصَّلَاة الدُّعَاء، وَفِي تَفْسِير الثَّعْلَبِيّ، وَهُوَ قَول الْوَالِي إِذا أَخذ الصَّدَقَة: آجرك الله فِيمَا أَعْطَيْت، وَبَارك لَك فِيمَا أبقيت. قَوْله: (سكن) عَن ابْن عَبَّاس: رَحْمَة لَهُم، وَعَن قَتَادَة: وقار، وَعَن الْكَلْبِيّ: طمأنينة لَهُم أَن الله قد قبل مِنْهُم، وَعَن أبي معَاذ: تَزْكِيَة لَهُم مِنْك، وَعَن أبي عُبَيْدَة: تثبيت.
6359 - حدَّثنا سلَيْمانُ بنُ حَرْبٍ حدّثنا شُعْبَةُ عنْ عَمْرو بن مُرَّةَ عنِ ابنِ أبي أوْفاى قَالَ: كَانَ إِذا أتَى رَجُلٌ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِصَدَقَتِهِ قَالَ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ، فأتاهُ أبي بِصَدَقَتِهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى آلِ أبي أوْفاى.
مطابقته لِلْآيَةِ الَّتِي هِيَ أَيْضا تَرْجَمَة ظَاهِرَة. وَفِيه إِيضَاح للإبهام الَّذِي فِي الْبَاب.
وَعَمْرو بن مرّة بِضَم الْمِيم وَتَشْديد الرَّاء وَاسم ابْن أبي أوفى عبد الله، وَاسم أبي أوفى عَلْقَمَة بن خَالِد الْأَسْلَمِيّ، وَكِلَاهُمَا صحابيان.
والْحَدِيث مضى فِي الزَّكَاة فِي: بَاب صَلَاة الإِمَام ودعائه لصَاحب الصَّدَقَة، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن حَفْص بن عمر عَن شُعْبَة عَن عَمْرو بن مرّة ... إِلَى آخِره.
قَوْله: (فَأَتَاهُ أبي) هُوَ أَبُو أوفى. قَوْله: (على آل أبي أوفى) آل الرجل أهل بَيته، وَقيل: لفظ الْآل مقحم وتحقيقة قد مر فِي كتاب الزَّكَاة فِي الْبَاب الْمَذْكُور.
6360 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ مَسْلَمَةَ عنْ مالِكٍ عنْ عَبْدِ الله بن أبي بَكْرٍ عنْ أبِيهِ عنْ عَمْرو ابْن سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ قَالَ: أَخْبرنِي أبُو حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ أنَّهُمْ قالُوا: يَا رسولَ الله! كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ قَالَ: قولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وأزْوَاجِهِ وذُرِّيَّتِهِ، كَما صَلَّيْتَ عَلى آلِ إبْرَاهِيمَ، وبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وأزْوَاجِهِ وذُرِّيَّتِهِ كَما بارَكْتَ عَلى آلِ إبْرَاهِيمَ، إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ. (انْظُر الحَدِيث 3369) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ جَوَاز الصَّلَاة على غير النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِيه إِيضَاح للإبهام الَّذِي فِي التَّرْجَمَة.
وَعبد الله بن أبي بكر يروي عَن أَبِيه أبي بكر بن عَمْرو بن حزم الْأنْصَارِيّ، وَأَبُو حميد عبد الرَّحْمَن الْأنْصَارِيّ الْمدنِي الصَّحَابِيّ، وَفِي اسْمه وَاسم أَبِيه اخْتِلَاف.
والْحَدِيث مضى فِي أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (وَذريته) بِضَم الذَّال وَحكي بِكَسْرِهَا وَهِي: النَّسْل، وَقد يخْتَص بِالنسَاء والأطفال، وَقد يُطلق على الأَصْل وَهِي من: ذَرأ، بِالْهَمْز أَي: خلق إلاَّ أَنَّهَا سهلت لِكَثْرَة الِاسْتِعْمَال، وَقيل: هِيَ من الذَّر أَي: خلقُوا وأمثال الذَّر، وَاسْتدلَّ بِهِ على أَن المُرَاد بآل مُحَمَّد أَزوَاجه وَذريته، وَاسْتدلَّ بِهِ بَعضهم على أَن الصَّلَاة على الْآل لَا تجب لسقوطها فِي هَذَا الحَدِيث، ورد هَذَا بِثُبُوت الْأَمر بذلك فِي غير هَذَا الحَدِيث. وَأخرج(22/309)
عبد الرَّزَّاق من طَرِيق ابْن طَاوُوس عَن أبي بكر بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم عَن رجل من الصَّحَابَة الحَدِيث الْمَذْكُور بِلَفْظ: صل على مُحَمَّد وَأهل بَيته وأزواجه وَذريته.
34 - (بابُ قَوْلِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَنْ آذَيْتُهُ فاجْعَلْهُ لَهُ زَكَاة ورَحْمَةً)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ... إِلَى آخِره قَوْله: من، مَنْصُوب محلا على شريطة التَّفْسِير، وَالضَّمِير الْمَنْصُوب فِي: فاجعله، يرجع إِلَى الأذي الَّذِي يدل عَلَيْهِ قَوْله: آذيته، وَالَّذِي فِي: لَهُ، يرجع إِلَى: من. قَوْله: زَكَاة، مَنْصُوب على أَنه مفعول ثَان لأجعل، أَي: طَهَارَة، وَقيل: نمواً فِي الْجنَّة، وَقيل: صلاحاً. قَوْله: وَرَحْمَة، عطف على: زَكَاة.
6361 - حدَّثنا أحْمَدُ بنُ صالِحٍ حَدثنَا ابنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبرنِي يُونُسُ عنِ ابنِ شِهابٍ، قَالَ: أَخْبرنِي سَعهيدُ بنُ المُسَيَّبِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ أنَّهُ سَمِعَ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ: اللَّهُمَّ! فأيُّما مُومِنٍ سَبَبْتُهُ فاجْعَلْ ذَلِكَ لَهُ قُرْبَةً إلَيْكَ يَوْمَ القِيامَةِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من مَعْنَاهُ. وَأحمد بن صَالح الْمصْرِيّ يروي عَن عبد الله بن وهب الْمصْرِيّ عَن يُونُس بن يزِيد عَن مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْأَدَب عَن حَرْمَلَة بن يحيى.
قَوْله: (فأيما مُؤمن) الْفَاء فِيهِ جزائية وَشَرطهَا مَحْذُوف يدل عَلَيْهِ السِّيَاق، أَي: إِن كنت سببت مُؤمنا، فَكَذَا قيل: إِذا كَانَ مُسْتَحقّا للسب لم يكن قربَة لَهُ. وَأجِيب بِأَن المُرَاد بِهِ غير الْمُسْتَحق لَهُ بِدَلِيل الرِّوَايَات الْأُخَر الدَّالَّة عَلَيْهِ، كَذَا قَالَه الْكرْمَانِي. قلت: من جملَة تِلْكَ الرِّوَايَات مَا رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث إِسْحَاق بن أبي طَلْحَة: حَدثنِي أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَت عِنْد أم سليم يتيمة ... الحَدِيث بِطُولِهِ، وَفِيه: إِنَّمَا أَنا بشر أرْضى كَمَا يرضى الْبشر، وأغضب كَمَا يغْضب الْبشر، فأيما أحد دَعَوْت عَلَيْهِ من أمتِي بدعوة لَيْسَ لَهَا بِأَهْل أَن يَجْعَلهَا لَهُ طهُورا وَزَكَاة وقربة تقربه بهَا مِنْهُ يَوْم الْقِيَامَة، وروى مُسلم أَيْضا عَن جَابر يَقُول: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِنَّمَا أَنا بشر وَإِنِّي اشْترطت على رَبِّي: أَي عبد من الْمُسلمين سببته أَو شتمته أَن يكون ذَلِك لَهُ زَكَاة وَأَجرا، وَرُوِيَ أَيْضا من حَدِيث أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أللهم إِنَّمَا أَنا بشر فأيما رجل سببته أَو لعنته أَو جلدته فاجعلها لَهُ زَكَاة وَرَحْمَة. قيل: إِذا لم يكن لَهُ أثر فَمَا وَجه انقلابه قربَة؟ وَأجِيب: بِأَن هَذَا من جملَة خلقه الْكَرِيم وَكَرمه العميم حَيْثُ قصد مُقَابلَة مَا وَقع مِنْهُ بِالْخَيرِ والكرامة، إِنَّه لعلى خلق عَظِيم.
35 - (بابُ التَّعَوُّذِ مِنَ الفِتَنِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان التَّعَوُّذ من الْفِتَن، بِكَسْر الْفَاء وَفتح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق جمع فتْنَة، وَهِي فِي الأَصْل الامتحان والاختبار. يُقَال: فتنته أفتنه فتنا وفتوناً إِذا امتحنته، وَيُقَال فِيهَا: أفتنته، وَهُوَ قَلِيل، وَقد كثر اسْتِعْمَالهَا فِيمَا أخرجه الاختبار للمكروه، ثمَّ كثر حَتَّى اسْتعْمل بِمَعْنى الْإِثْم وَالْكفْر والقتال والإحراق والإزالة وَالصرْف عَن الشَّيْء.
55 - (حَدثنَا حَفْص بن عمر حَدثنَا هِشَام عَن قَتَادَة عَن أنس رَضِي الله عَنهُ سَأَلُوا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حَتَّى أحفوه الْمَسْأَلَة فَغَضب فَصَعدَ الْمِنْبَر فَقَالَ لَا تَسْأَلُونِي الْيَوْم عَن شَيْء إِلَّا بَينته لكم فَجعلت أنظر يَمِينا وَشمَالًا فَإِذا كل رجل لاف رَأسه فِي ثَوْبه يبكي فَإِذا رجل كَانَ إِذا لاحى الرِّجَال يدعى لغير أَبِيه فَقَالَ يَا رَسُول الله من أبي قَالَ حذافة ثمَّ أنشأ عمر فَقَالَ رَضِينَا بِاللَّه رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دينا وَبِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رَسُولا نَعُوذ بِاللَّه من الْفِتَن فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَا رَأَيْت فِي الْخَيْر وَالشَّر كَالْيَوْمِ قطّ إِنَّه صورت لي الْجنَّة وَالنَّار حَتَّى رأيتهما وَرَاء(22/310)
الْحَائِط وَكَانَ قَتَادَة يذكر عِنْد هَذَا الحَدِيث هَذِه الْآيَة {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تسألوا عَن أَشْيَاء إِن تبد لكم تَسُؤْكُمْ} مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله نَعُوذ بِاللَّه من الْفِتَن وَهِشَام هُوَ ابْن أبي عبد الله الدستوَائي أَبُو بكر الْبَصْرِيّ والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْفِتَن عَن معَاذ بن فضَالة وَأخرجه مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن يحيى بن حبيب وَعَن بنْدَار وَمضى الْكَلَام فِيهِ أَيْضا مُخْتَصرا فِي كتاب الْعلم عَن أبي الْيَمَان عَن شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ قَالَ أَخْبرنِي أنس بن مَالك أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - خرج فَقَامَ عبد الله بن حذافة فَقَالَ من أبي الحَدِيث قَوْله أحفوه بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالْفَاء أَي ألحوا عَلَيْهِ فِي السُّؤَال وَأَكْثرُوا السُّؤَال عَنهُ وَيُقَال أحفيته إِذا حَملته على أَن يبْحَث عَن الْخَبَر وَيُقَال أحفى والحف وَقَالَ الدَّاودِيّ يُرِيد سَأَلُوهُ عَمَّا يكره الْجَواب فِيهِ لِئَلَّا يضيق على أمته وَهَذَا فِي مسَائِل الدّين لَا فِي مسَائِل المَال قَوْله فَجعلت أنظر الْقَائِل بِهِ أنس رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَوْله فَإِذا كلمة المفاجأة قَوْله لاف رَأسه قَالَ الْكرْمَانِي لاف بِالرَّفْع وَالنّصب قلت أما الرّفْع فعلى أَنه خبر الْمُبْتَدَأ وَهُوَ قَوْله كل رجل وَأما النصب فعلى أَنه حَال من رجل وَقَوله يبكي على هَذَا هُوَ خبر قَوْله فَإِذا كل رجل وعَلى الرّفْع يكون جملَة حَالية قَوْله فَإِذا رجل اسْمه عبد الله قَوْله " إِذا لاحى الرِّجَال " أَي إِذا خَاصم من الملاحاة وَهِي الْمُخَاصمَة والمنازعة قَوْله يدعى على صِيغَة الْمَجْهُول أَي كَانَ ينْسب إِلَى غير أَبِيه فَقَالَ يَا رَسُول الله أَي فَقَالَ الرجل من أبي قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَبوك حذافة وَحكم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِأَنَّهُ أَبوهُ إِمَّا بِالْوَحْي أَو بِحكم الفراسة أَو بالقيافة أَو بالاستلحاق وَلما رَجَعَ عبد الله إِلَى أمه قَالَت لَهُ مَا حملك على مَا صنعت قَالَ كُنَّا أهل جَاهِلِيَّة وَإِنِّي كنت لَا أعرف أبي من كَانَ قَوْله ثمَّ أنشأ عمر أَي طفق عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ يَقُول رَضِينَا بِمَا عندنَا من كتاب الله وَسنة نَبينَا واكتفينا بِهِ عَن السُّؤَال وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِك إِكْرَاما لرَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وشفقة على الْمُسلمين لِئَلَّا يؤذوا النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بالتكثير عَلَيْهِ وَفِيه أَن غضب رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَيْسَ مَانِعا عَن الْقَضَاء لكماله بِخِلَاف سَائِر الْقُضَاة وَفِيه فهم عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَفضل علمه لِأَنَّهُ خشِي أَن تكون كَثْرَة سُؤَالهمْ كالتعنت لَهُ وَفِيه أَنه لَا يسْأَل الْعَالم إِلَّا عِنْد الْحَاجة قَوْله " كَالْيَوْمِ " أَي يَوْمًا مثل هَذَا الْيَوْم قَوْله " وَرَاء الْحَائِط " أَي حَائِط محراب رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -(22/311)
63 - (بابُ التَّعَوُّذِ من غَلَبَةِ الرِّجالِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي التَّعَوُّذ من غَلَبَة الرِّجَال أَي: من قهرهم، يُقَال: فلَان مغلب من جِهَة فلَان أَي: مقهور مِنْهُ وَلَا يَسْتَطِيع أَن يَدْفَعهُ عَن نَفسه. وَقيل: تسلطهم واستيلاؤهم هرجاً ومرجاً وَذَلِكَ كغلبة الْعَوام.
3636 - حدّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ حدّثنا إسْمَاعِيلُ بنُ جَعْفَرِ عنْ عَمْرو بن أبي عَمْروٍ مَوْلَى المُطَّلِبِ بنِ عَبْدِ الله بنِ حَنْطَب أنَّهُ سَمعَ أنَسَ بنَ مالِكٍ يَقُولُ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لأبي طَلْحَة: الْتَمِسْ لَنا غُلاماً مِنْ غِلْمَانِكُمْ يَخْدُمُنِي، فَخَرَجَ بِي أبُو طَلْحَةَ يُرْدِفُني وراءَهُ، فَكُنْتُ أخْدُمُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كُلَّما نَزَلَ، فَكُنْتُ أسْمَعُهُ يُكْثرُ أنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بِكَ منَ الهمِّ والحَزَنِ والعَجْزِ والكَسَلِ والبُخْلِ والجُبْنِ وضَلَعِ الدَّيْنِ وغَلَبَةِ الرِّجالِ، فَلَمْ أزَلْ أخْدُمُهُ حتَّى أقْبَلْنا مِنْ خَيْبَر وأقْبَلَ بِصَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ قَدْ حازَها، فَكُنْتُ أراهُ يُحَوِّي وراءَهُ بِعَباءَةٍ أوْ كِساءٍ ثُمَّ يُرْدِفُها وراءَهُ حتَّى إِذا كُنَّا بالصَّهْباءِ صَنَعَ حَيْساً فِي نِطَعِ ثُمَّ أرْسَلَنِي فَدَعَوْتُ رِجالاً فأكَلُوا وَكَانَ ذَلِكَ بِناءَهُ بهَا. ثُمَّ أقْبَلَ حتَّى بَدَا لَهُ أحُدٌ قَالَ: هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ، فَلَمَّا أشْرَفَ عَلَى المَدِينَةِ قَالَ: اللَّهُمَّ إنِّي أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ جَبَلَيْها مِثْلَ مَا حَرَّمَ إبْراهِيمُ مَكَّةَ، اللَّهُمَّ بارِكْ لَهُمْ فِي مُدِّهِمْ وصاعِهِمْ.
مُطَابقَة للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَغَلَبَة الرِّجَال) . وَعَمْرو بن أبي عَمْرو بِالْوَاو وَفِيهِمَا مولى الْمطلب بِضَم الْمِيم وَتَشْديد الطَّاء وَكسر اللَّام وبالباء الْمُوَحدَة ابْن عبد الله بن حنْطَب بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون النُّون وَفتح الطَّاء الْمُهْملَة وبالباء الْمُوَحدَة المَخْزُومِي الْقرشِي.
والْحَدِيث مُضِيّ فِي الْجِهَاد فِي: بَاب من غزا بصبي للْخدمَة، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن قُتَيْبَة عَن يَعْقُوب عَن عَمْرو بن أبي عَمْرو إِلَى آخِره.
قَوْله: (لأبي طَلْحَة) اسْمه زيد بن سهل الْأنْصَارِيّ زوج أم سليم أم أنس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم. قَوْله: (يردفني) حَال من الإرداف. قَوْله: (من آلهم) الْهم لمكروه يتَوَقَّع والحزن لمكروه وَاقع وَالْبخل ضد الْكَرم والجبن ضد الشجَاعَة، وَفِي بعض النّسخ بعد قَوْله: والحزن وَالْعجز والكسل وَالْعجز، ضد الْقُدْرَة والكسل التثاقل عَن الْأَمر ضد الجلادة. قَوْله: (وضلع الدّين) بِفتْحَتَيْنِ نَقله وشدته وقوته. قَوْله: (فَلم أزل أخدمه) يَعْنِي: إِلَى مَوته قَوْله: (وحازها) بِالْحَاء المهلمة وَالزَّاي أَي: اخْتَارَهَا من الْغَنِيمَة وَأَخذهَا لنَفسِهِ. قَوْله: (أرَاهُ) قَالَ الْكرْمَانِي بِضَم الْهمزَة أبصره.
قلت: الظَّاهِر أَنه أرَاهُ بِالْفَتْح(23/2)
لِأَنَّهُ من رُؤْيَة الْعين، وَأرَاهُ بِالضَّمِّ بِمَعْنى أَظُنهُ قَوْله: (يحوي) بِضَم الْيَاء وَفتح الْحَاء الْمُهْملَة وَكسر الْوَاو الْمُشَدّدَة أَي: يجمع ويدور يَعْنِي يَجْعَل العباءة كحوية خشيَة أَن تسْقط وَهِي الَّتِي تعْمل نَحْو سَنَام الْبَعِير، وَقَالَ القَاضِي: كَذَا روينَاهُ يحوّي بِضَم الْيَاء وَفتح الْحَاء وَتَشْديد الْوَاو، وَذكر ثَابت والخطابي بِفَتْح الْيَاء وَإِسْكَان الْحَاء وَتَخْفِيف الْوَاو، ورويناه كَذَلِك عَن بعض رَوَاهُ البُخَارِيّ وَكِلَاهُمَا صَحِيح، وَهُوَ أَن يَجْعَل لَهَا حوية وَهِي كسَاء محشو بِلِيفٍ يدار حول سَنَام الرَّاحِلَة وَهُوَ مركب من مراكب النِّسَاء، وَقد رَوَاهُ ثَابت: يحول، بِاللَّامِ وَفَسرهُ بيصلح لَهَا عَلَيْهِ مركبا. قَوْله: (بعباءة) وَهِي ضرب من الأكسية وَهِي بِالْمدِّ قَوْله: (أَو كسَاء) من عطف الْعَام على الْخَاص. قَوْله: (الصَّهْبَاء) بِالْمدِّ مَوضِع بَين خَيْبَر وَالْمَدينَة. قَوْله: (حَيْسًا) بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالسين الْمُهْملَة وَهِي تمر يخلط بالسمن والأقط. قَوْله: (فِي نطع) فِيهِ، أَربع لُغَات. قَوْله: (وبناؤه بهَا) أَي: زفافه بصفية. قَوْله: (حَتَّى إِذا بدا) أَي: ظهر. قَوْله: (يحبنا ونحبه) الْمحبَّة تحْتَمل الْحَقِيقَة لشمُول قدرَة الله عز وَجل وتحتمل الْمجَاز أَو فِيهِ إِضْمَار أَي: يحبنا أَهله وهم أهل الْمَدِينَة. قَوْله: (مثل مَا حرم) أَي: فِي نفس حُرْمَة الصيدلافي الْجَزَاء وَنَحْوه، قَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: ويروى مثل مَا حرم بِهِ. بِزِيَادَة بِهِ.
قلت: إِمَّا أَن يكون: مثل مَنْصُوبًا بِنَزْع الْخَافِض أَي: بِمثل مَا حرم بِهِ وَهُوَ الدُّعَاء بِالتَّحْرِيمِ، أَو مَعْنَاهُ: أحرم بِهَذَا اللَّفْظ وَهُوَ أحرم مثل مَا حرم بِهِ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَمضى الْكَلَام فِي الْمَدّ والصاع فِي الزَّكَاة وَغَيرهَا.
73 - (بَاب التَعَوُّذِ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان التَّعَوُّذ من عَذَاب الْقَبْر.
4636 - حدّثنا الحُمَيْدِيُّ حدّثنا سُفْيانُ حدّثنا مُوسَى بنُ عُقْبَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أُمَّ خالِدٍ بِنْتَ خالِدٍ قَالَ: ولَمْ أسْمَعْ أحدا سَمعَ مِنَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غَيْرَها قالَتْ: سَمِعْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَتَعَوَّذُ مِنْ عَذابِ القَبْرِ. (انْظُر الحَدِيث 6731) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. والْحميدِي عبد الله بن الزبير بن عِيسَى مَنْسُوب إِلَى أحد أجداده حميد بِضَم الْحَاء، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، ومُوسَى بن عقبَة بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْقَاف، وَأم خَالِد اسْمهَا أمة بتَخْفِيف الْمِيم بنت خَالِد بن سعيد بن الْعَاصِ بن أُميَّة من أَفْرَاد البُخَارِيّ، وَكَانَت صَغِيرَة فِي عهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وحفظت عَنهُ وتأخرت وفاتها وَتَزَوجهَا الزبير ابْن الْعَوام، وَفِي الصَّحَابَة أَيْضا أم خَالِد بنت خَالِد بن يعِيش بن قيس النجارية زَوْجَة حَارِث بن النُّعْمَان، وَقَالَ ابْن سعد تابعية وَلَيْسَ فِي الصَّحَابَة أم خَالِد بنت خَالِد غَيرهمَا كَذَا قَالَه صَاحب (التَّوْضِيح)
قلت: ذكر الْحَافِظ الذَّهَبِيّ فِي الصحابيات أَيْضا: أم خَالِد بنت الْأسود بن عبد يَغُوث، روى عَنْهَا عبيد الله بن عبد الله، وَوضع عَلَيْهَا عَلامَة أبي دَاوُد، وَذكر أَيْضا أم خَالِد بنت يعِيش وَقَالَ: ذكرهَا ابْن حبيب.
وتعوذه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من عَذَاب الْقَبْر تَعْلِيم لأمته وإرشاد لَهُم.
83 - (بابُ التَّعَوُّذِ مِن البُخْلِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان التَّعَوُّذ من الْبُخْل، وَهَذِه التَّرْجَمَة وَقعت هُنَا للمستملي وَحده وَلغيره لم تثبت أصلا وَعدم ثُبُوتهَا أولى بل أوجب لِأَن هَذَا الْبَاب بِعَيْنِه يَأْتِي بعد ثَلَاثَة أَبْوَاب فحينئذٍ يَقع هَذَا مكرراً من غير فَائِدَة.
5636 - حدّثنا آدَمُ حدّثنا شُعْبةُ حدَّثنا عَبْدُ المَلِكِ عنْ مُصْعَبٍ قَالَ: كَانَ سَعْدٌ يأمُرُ بِخَمْسٍ ويَذْكرُهُنَّ عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ بِهِنَّ: اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بِكَ مِنَ البُخْلِ، وأعُوذُ بِكَ مِنَ الجُبْنِ، وأعُوذ بِكَ أنْ أُرَدَّ إِلَى أرْذَلِ العُمُرِ، وأعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيا يَعْني فِتْنَةَ الدَّجَّالِ، وأعوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ.(23/3)
مطابقته للتَّرْجَمَة على صِحَّتهَا ظَاهِرَة. وَعبد الْملك بن عُمَيْر بن سُوَيْد بن حَارِثَة الْكُوفِي، كَانَ على قَضَاء الْكُوفَة بعد الشّعبِيّ، وَورد خُرَاسَان غازياً مَعَ سعيد بن عُثْمَان بن عَفَّان وَهُوَ أول من عبر جيحون نهر بَلخ مَعَه على طَرِيق سَمَرْقَنْد وَهُوَ من التَّابِعين مَاتَ سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَمِائَة وَكَانَ لَهُ يَوْم مَاتَ مائَة سنة وَثَلَاث سِنِين، وَمصْعَب بن سعد بن أبي وَقاص، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا عَن مُحَمَّد بن الْمثنى وَعَن فَرْوَة بن أبي المغراء. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الِاسْتِعَاذَة وَفِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة عَن خَالِد بن الْحَارِث وَغَيره.
قَوْله: (كَانَ سعد) أَي: ابْن أبي وَقاص. يَأْمر وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: يَأْمُرنَا، بِصِيغَة الْجمع. قَوْله: (بِخمْس) أَي: بِخَمْسَة أَشْيَاء وَهِي مصرحة فِي الدُّعَاء الْمَذْكُور. قَوْله: (أَن أرد إِلَى أرذل الْعُمر) أَي: الْهَرم حَيْثُ ينتكس قَالَ الله تَعَالَى: { (36) وَمن نعمره ننكسه فِي الْخلق} (يس: 86) قَوْله: يَعْنِي فتْنَة الدَّجَّال. قَالُوا: إِنَّه من زيادات شُعْبَة.
6636 - حدّثنا عثْمانُ بنُ أبي شَيْبَةَ حدّثنا جَرِيرُ عنْ مَنْصُور عنْ أبي وَائِل عنْ مَسْرُوقِ عنْ عائِشَةَ قالَتْ: دخَلَتْ عَلَيَّ عَجُوزَانِ مِنْ عُجُزِ يهُودِ المَدِينةِ فَقَالَتَا لي: إنَّ أهْلَ القُبُورِ يُعَذَّبُونَ فِي قُبُورِهِمْ فَكَذبْتُهُما ولَمْ أنْعِمْ أنْ أُصدِّقَهُما فَخَرَجَتَا ودَخَلَ عَلَيَّ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقُلْتُ لهُ: يَا رسولَ الله! إنَّ عَجُوزيْنِ ... وذَكَرْتُ لَهُ، فَقَالَ: صَدَقَتا إنهُمْ يُعَذَّبُونَ عَذَاباً تَسْمَعُهُ البَهائِمُ كُلُّها، فَما رأيْتُهُ بَعْدُ فِي صَلاَةٍ إلاّ تَعَوَّذَ منْ عَذَابِ القَبْرِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة الَّتِي قبل هَذِه التَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَقد قُلْنَا: إِن هَذِه التَّرْجَمَة غير صَحِيحَة، وَهَذَا الحَدِيث هُوَ من أَحَادِيث تِلْكَ التَّرْجَمَة.
جرير هُوَ ابْن عبد الحميد، وَمَنْصُور هُوَ ابْن الْمُعْتَمِر، وَأَبُو وَائِل هُوَ شَقِيق بن سَلمَة، ومسروق هُوَ ابْن الأجدع.
وكل هَؤُلَاءِ كوفيون، وَمَنْصُور من صغَار التَّابِعين، وشقيق ومسروق من كبار التَّابِعين، وَرِوَايَة أبي وَائِل عَن مَسْرُوق من رِوَايَة الأقران وَقد ذكر أَبُو عَليّ الجياني أَنه قد وَقع فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي عَن الْفربرِي فِي هَذَا الحَدِيث: مَنْصُور عَن أبي وَائِل ومسروق عَن عَائِشَة بواو الْعَطف بدل عَن قَالَ: وَالصَّوَاب الأول، وَلَا يحفظ لأبي وَائِل: عَن عَائِشَة رِوَايَة: قيل: كَونه صَوَابا لَا نزاع، فِيهِ لِاتِّفَاق الروَاة فِي البُخَارِيّ على أَنه من رِوَايَة أبي وَائِل عَن مَسْرُوق. وَكَذَا أخرجه مُسلم وَغَيره من رِوَايَة مَنْصُور وَأما قَوْله: وَلَا يحفظ لأبي وَائِل عَن عَائِشَة رِوَايَة، فمردود فقد أخرج التِّرْمِذِيّ من رِوَايَة أبي وَائِل عَن عَائِشَة حديثين. أَحدهمَا: مَا رَأَيْت الوجع على أحد أَشد مِنْهُ على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهَذَا أخرجه الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيّ، وَابْن مَاجَه من رِوَايَة أبي وَائِل عَن مَسْرُوق عَن عَائِشَة. وَالْآخر. حَدِيث إِذا تَصَدَّقت الْمَرْأَة، من بَيت زَوجهَا ... الحَدِيث. أخرجه أَيْضا من رِوَايَة عَمْرو بن مرّة: سَمِعت أَبَا وَائِل عَن مَسْرُوق عَن عَائِشَة، وَهَذَا أخرجه الشَّيْخَانِ أَيْضا من رِوَايَة مَنْصُور وَالْأَعْمَش عَن أبي وَائِل عَن مَسْرُوق عَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا وَهَذَا جَمِيع مَا لأبي وَائِل فِي الْكتب السِّتَّة عَن عَائِشَة. وَأخرج ابْن حبَان فِي (صَحِيحه) من رِوَايَة شُعْبَة عَن عَمْرو بن مرّة عَن أبي وَائِل عَن عَائِشَة حَدِيث: مَا من مُسلم يشاك شَوْكَة فَمَا دونهَا إلاّ رَفعه الله بهَا دَرَجَة.
قَوْله: (عجوزان) الْعَجُوز يُطلق على الشَّيْخ وَالشَّيْخَة وَلَا يُقَال: عجوزة، إلاَّ على لُغَة رَدِيئَة، وَالْعجز بِضَمَّتَيْنِ جمعه. قيل: قد تقدم فِي الْجَنَائِز أَن يَهُودِيَّة دخلت وَأجِيب: لَا مُنَافَاة بَينهَا. قَوْله: (وَلم أنعم) قَالَ بَعضهم: هُوَ رباعي من أنعم.
قلت: هُوَ ثلاثي مزِيد فِيهِ وَلَا يُقَال الرباعي إلاَّ فِي الْأُصُول أَي: لم أحسن فِي تصديقهما، ولحاصل أَنَّهَا مَا صدقتهما. قَوْله: (إِن عجوزين) حذف خَبره للْعلم بِهِ وَهُوَ: دخلتا. قَالَ بَعضهم: ظهر لي أَن البُخَارِيّ هُوَ الَّذِي اخْتَصَرَهُ.
قلت: الظَّاهِر أَن الَّذِي حذفه أحد الروَاة. قَوْله: (وَذكرت لَهُ) قَالَ بَعضهم بِضَم التَّاء وَسُكُون الرَّاء، أَي: ذكرت لَهُ مَا قَالَتَا:
قلت: يجوز أَن يكون بِفَتْح الرَّاء وَسُكُون التَّاء وَلَا مَانع من ذَلِك لصِحَّة الْمَعْنى. قَوْله: (تسمعه الْبَهَائِم) وَتقدم فِي الْجَنَائِز أَن صَوت الْمَيِّت يسمعهُ كل شَيْء إلاَّ الْإِنْسَان، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ، قيل: الْعَذَاب لَيْسَ مسموعاً وَأجِيب: بِأَن الْمَقْصُود صَوت المعذب من الْإِنْس وَنَحْوه، أَو بعض الْعَذَاب نَحْو الضَّرْب فَإِنَّهُ مسموع. قَوْله: (بعد) بني على الضَّم أَي: بعد ذَلِك. قَوْله: (إلاَّ تعود) ويروى: إلاَّ يتَعَوَّذ بِلَفْظ الْمُضَارع.(23/4)
93 - (بابُ التَّعَوُّذِ مِنْ فِتْنَةِ المَحْيا والمَماتِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان التَّعَوُّذ من فتْنَة زمَان الْمحيا أَي: الْحَيَاة. قَوْله: وَالْمَمَات، أَي: من فتْنَة زمن الْمَمَات أَي: الْمَوْت، وَهُوَ من أول النزع إِلَى انْفِصَال الْأَمر يَوْم الْقِيَامَة.
7636 - حدّثنا مُسَدَّدٌ حدّثنا المُعْتَمِرُ قَالَ: سَمِعْتُ أبي قَالَ: سَمِعْتُ أنَسَ بنَ مالِكٍ رَضِي الله عَنهُ، يَقُولُ: كانَ نَبيُّ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَقُولُ: اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بِكَ مِنَ العَجْزِ والكَسَلِ والجُبْنِ والهَرَمِ، وأعُوذُ بِكَ من عَذَاب القَبْرِ، وأعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ المَحْيا والمَماتِ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. والمعتمر يروي عَن أَبِيه سُلَيْمَان بن طرخان التَّيْمِيّ الْبَصْرِيّ عَن أنس رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
والْحَدِيث مضى فِي الْجِهَاد بِعَين هَذَا الْإِسْنَاد والمتن فِي: بَاب مَا يتَعَوَّذ من الْجُبْن.
قَوْله: (والهرم) بِفتْحَتَيْنِ هُوَ أقْصَى الْكبر.
04 - (بابُ التَعَوُّذِ مِنَ المأْثَمِ والمَغْرمِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان التَّعَوُّذ من المأثم أَي: الْإِثْم. قَوْله: (والمغرم) ، أَي: وَمن المغرم أَي: الغرامة وَهِي مَا يلزمك أَدَاؤُهُ كَالدّين وَالدية.
61 - (حَدثنَا مُعلى بن أَسد حَدثنَا وهيب عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يَقُول اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من الكسل والهرم والمأثم والمغرم وَمن فتْنَة الْقَبْر وَعَذَاب الْقَبْر وَمن فتْنَة النَّار وَعَذَاب النَّار وَمن شَرّ فتْنَة الْغنى وَأَعُوذ بك من فتْنَة الْفقر وَأَعُوذ بك من فتْنَة الْمَسِيح الدَّجَّال اللَّهُمَّ اغسل عني خطاياي بِمَاء الثَّلج وَالْبرد ونق قلبِي من الْخَطَايَا كَمَا نقيت الثَّوْب الْأَبْيَض من الدنس وباعد بيني وَبَين خطاياي كَمَا باعدت بَين الْمشرق وَالْمغْرب) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله والمأثم والمغرم ووهيب مصغر وهب ابْن خَالِد الْبَصْرِيّ وَهِشَام يروي عَن أَبِيه عُرْوَة بن الزبير عَن عَائِشَة والْحَدِيث من أَفْرَاده قَوْله وَمن فتْنَة الْقَبْر هِيَ سُؤال مُنكر وَنَكِير وَعَذَاب الْقَبْر بعده على الْمُجْرمين فَكَانَ الأول مُقَدّمَة للثَّانِي قَوْله وَمن فتْنَة النَّار هِيَ سُؤال الخزنة على سَبِيل التوبيخ قَالَ تَعَالَى {كلما ألقِي فِيهَا فَوْج سَأَلَهُمْ خزنتها ألم يأتكم نَذِير} وَعَذَاب النَّار بعده قَوْله وَمن شَرّ فتْنَة الْغنى هِيَ نَحْو الطغيان والبطر وَعدم تأدية الزَّكَاة وَإِنَّمَا ذكر فِيهِ لفظ الشَّرّ وَلم يذكرهُ فِي الْفقر وَنَحْوه تَصْرِيحًا بِمَا فِيهِ من الشَّرّ وَأَن مضرته أَكثر من مضرَّة غَيره أَو تَغْلِيظًا على الْأَغْنِيَاء حَتَّى لَا يغتروا بغنائهم وَلَا يغفلوا عَن مفاسده أَو إِيمَاء إِلَى صور أخواته الْأُخَر فَإِنَّهَا لَا خير فِيهَا بِخِلَاف صورته فَإِنَّهَا قد تكون خيرا قَالَ ذَلِك كُله الْكرْمَانِي وَقَالَ بَعضهم بعد أَن نَقله وكل هَذَا غَفلَة عَن الْوَاقِع وَالَّذِي ظهر لي أَن لفظ الشَّرّ ثَابت فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَإِنَّمَا اختصرها بعض الروَاة قلت هَذَا غَفلَة من حَيْثُ أَنه ادّعى اخْتِصَار بعض الروَاة بِغَيْر دَلِيل على ذَلِك ثمَّ قَالَ وَسَيَأْتِي بعد هَذَا بِلَفْظ شَرّ فتْنَة الْغنى وَشر فتْنَة الْفقر وَهَذَا الْكَلَام لَا يساعده فِيمَا قَالَه لِأَن للكرماني أَن يَقُول يحْتَمل أَن يكون لفظ شَرّ فِي فتْنَة الْفقر مدرجا من بعض الروَاة على أَنه لم ينف مَجِيء لفظ شَرّ فِي غير الْغنى وَلَا يلْزمه هَذَا لِأَنَّهُ فِي صدد بَيَان هَذَا الْموضع خَاصَّة الَّذِي وَقع كَذَا قَوْله وَأَعُوذ بك من فتْنَة الْفقر لِأَنَّهُ رُبمَا يحملهُ على مُبَاشرَة مَا لَا يَلِيق بِأَهْل الدّين والمروءة ويهجم على أَي حرَام كَانَ وَلَا يُبَالِي وَرُبمَا يحملهُ على التَّلَفُّظ بِكَلِمَات تُؤَدِّيه إِلَى الْكفْر قَوْله وَمن فتْنَة الْمَسِيح الدَّجَّال الْمَسِيح بِفَتْح الْمِيم وَكسر السِّين وبكسرهما مَعَ تَشْدِيد السِّين فَمن شدد فَهُوَ من مَمْسُوح الْعين وَمن خفف فَهُوَ من السياحة(23/5)
لِأَنَّهُ يمسح الأَرْض أَو لِأَنَّهُ مَمْسُوح الْعين الْيُمْنَى أَي أَعور وَقَالَ ابْن فَارس الْمَسِيح الَّذِي أحد شقي وَجهه مَمْسُوح لَا عين لَهُ وَلَا حَاجِب والدجال من الدجل وَهُوَ التغطية لِأَنَّهُ يُغطي الأَرْض بِالْجمعِ الْكثير أَو لتغطيته الْحق بِالْكَذِبِ أَو لِأَنَّهُ يقطع الأَرْض قَوْله خطاياي جمع خَطِيئَة وأصل خَطَايَا خطائتي على وزن فعائل وَلما اجْتمعت الهمزتان قلبت الثَّانِيَة يَاء لِأَن قبلهَا كسرة ثمَّ استثقلت وَالْجمع ثقيل وَهُوَ معتل مَعَ ذَلِك فقلبت الْيَاء ألفا ثمَّ قلبت الْهمزَة الأولى يَاء لخفائها بَين الْأَلفَيْنِ قَوْله بِمَاء الثَّلج وَالْبرد خصهما بِالذكر لنقائهما ولبعدهما من مُخَالطَة النَّجَاسَة وَالْبرد بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَالرَّاء حب الْغَمَام تَقول مِنْهُ بردت الأَرْض قَوْله ونق أَمر من نقى ينقي تنقية وَذكره للتَّأْكِيد وَقَالَ الدَّاودِيّ هُوَ مجَاز يَعْنِي كَمَا يغسل مَاء الثَّلج وَمَاء الْبرد مَا يُصِيبهُ (قيل) الْعَادة أَنه إِذا أُرِيد الْمُبَالغَة فِي الْغسْل يغسل بِالْمَاءِ الْحَار لَا بالبارد وَلَا سِيمَا الثَّلج وَنَحْوه وَأجَاب الْخطابِيّ بِأَن هَذِه أَمْثَال لم يرد بهَا أَعْيَان المسميات وَإِنَّمَا أَرَادَ بهَا التوكيد فِي التَّطْهِير من الْخَطَايَا وَالْمُبَالغَة فِي محوها عَنهُ والثلج وَالْبرد ماآن مقصوران على الطَّهَارَة لم تمسهما الْأَيْدِي وَلم يمتهنهما اسْتِعْمَال فَكَانَ ضرب الْمثل بهما أوكد فِي بَيَان مَا أَرَادَهُ من التَّطْهِير وَقَالَ الْكرْمَانِي يحْتَمل أَنه جعل الْخَطَايَا بِمَنْزِلَة نَار جَهَنَّم لِأَنَّهَا مؤدية إِلَيْهَا فَعبر عَن إطفاء حَرَارَتهَا بِالْغسْلِ تَأْكِيدًا فِي الإطفاء وَبَالغ فِيهِ بِاسْتِعْمَال المبردات ترقيا عَن المَاء فِيهِ إِلَى أبرد مِنْهُ وَهُوَ الثَّلج إِلَى أبرد مِنْهُ وَهُوَ الْبرد بِدَلِيل جموده قَوْله من الدنس وَهُوَ الْوَسخ قَوْله وباعد يَعْنِي أبعد -
14 - (بابُ الإسْتِعاذَةِ مِنَ الجُبْنِ والكَسَلِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الِاسْتِعَاذَة من الْجُبْن وَهُوَ خلاف الشجَاعَة والكسل وَهُوَ التثاقل عَن الْأَمر وَهُوَ خلاف الجلادة.
كُسالَى وكَسالى واحِدٌ
يَعْنِي: بِضَم الْكَاف وَفتحهَا وهما قراءتان، قَرَأَ الْجُمْهُور بِالضَّمِّ وَقَرَأَ الأعجر بِالْفَتْح وَهِي لُغَة بني تَمِيم، وَقَرَأَ ابْن السميقع بِالْفَتْح أَيْضا لَكِن أسقط الْألف وَسكن السِّين، وَصفهم بِمَا يُوصف بِهِ الْمُؤَنَّث الْمُفْرد لملاحظة معنى الْجَمَاعَة وَهِي كَمَا قرىء: وَترى النَّاس سكرى.
9636 - حدّثنا خالِدُ بنُ مَخْلَدٍ حَدثنَا سُلَيْمانُ قَالَ: حدّثني عَمْرُو بنُ أبي عَمْرٍ وَقَالَ: سَمِعْتُ أنَساً قَالَ: كَانَ النبيُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَقُولُ: اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ والحَزَنِ والعَجْزِ والكَسَلِ والجُبْنِ والبُخْلِ وضَلَعِ الدَّيْن وغَلَبَةِ الرِّجالِ. / ح.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وخَالِد بن مخلد بِفَتْح الْمِيم وَاللَّام، وَسليمَان هُوَ ابْن بِلَال، وَوَقع التَّصْرِيح بِهِ فِي رِوَايَة أبي زيد الْمروزِي وَعَمْرو بن أبي عَمْرو مولى الْمطلب بن عبد الله بن حنْطَب، وَقد مرت رِوَايَته عَن أنس عَن قريب فِي: بَاب التَّعَوُّذ من غَلَبَة الرِّجَال، وَمر تَفْسِير هَذِه الْأَلْفَاظ كلهَا عَن قريب.
24 - (بابُ التَعَوُّذِ مِنَ البُخْلِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان التَّعَوُّذ من الْبُخْل.
البُخْلُ والبَخَلُ واحِدٌ، مِثْلُ الحُزْنِ والحَزَنِ
الْبُخْل بِضَم الْبَاء وَالْبخل بِفَتْحِهَا وَفتح الْخَاء وَاحِد فِي الْمَعْنى. وَنَظِيره الْحزن بِالضَّمِّ والحزن بِفَتْح الْحَاء وَالزَّاي.
0736 - ح دّثنا مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى حدّثني غُنْدرٌ حدَّثنا شُعْبَةُ عَن عبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ عنْ مُصْعَبِ بنِ سَعْدٍ عنْ سَعْدِ بنِ أبي وقَّاص، رَضِي الله عَنهُ، كَانَ يأمُرُ بهؤلاء الخَمْسِ ويحَدِّثُهُنَّ عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بِكَ مِنَ البُخْلِ، وأعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُبْن، وأعُوذُ بِكَ أنْ أُرَدَّ إِلَى(23/6)
أرْذَلِ العُمُرِ، وأعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيا، وأعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي أول الحَدِيث. وغندر هُوَ مُحَمَّد بن جَعْفَر.
والْحَدِيث مضى عَن قريب فِي: بَاب التَّعَوُّذ من عَذَاب الْقَبْر، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن آدم عَن شُعْبَة عَن عبد الْملك بن عُمَيْر عَن مُصعب إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (وَأَعُوذ بك أَن أرد) ويروى عَن السَّرخسِيّ: من أَن أرد، بِزِيَادَة لَفْظَة: من قَوْله: (وَأَعُوذ بك من فتْنَة الدُّنْيَا) قَالَ شُعْبَة: سَأَلت عبد الْملك بن عُمَيْر عَن فتْنَة الدُّنْيَا؟ قَالَ الدَّجَّال: كَذَا فِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ، وَإِطْلَاق الدُّنْيَا على الدَّجَّال لكَون فتنته أعظم الْفِتَن الكائنة فِي الدُّنْيَا، وَقد ورد ذَلِك صَرِيحًا فِي حَدِيث أبي أُمَامَة رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: خَطَبنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكر الحَدِيث وَفِيه أَنه: لم تكن فتْنَة فِي الأَرْض مُنْذُ ذَرأ الله ذُرِّيَّة آدم أعظم من فتْنَة الدَّجَّال، أخرجه أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه.
34 - (بابُ التَّعَوُّذِ مِنْ أرْذَلِ العُمُرِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان التَّعَوُّذ من أرذل الْعُمر وَهُوَ الْهَرم زمَان الخرافة وَحين انتكاس الْأَحْوَال، قَالَ الله تَعَالَى: { (16) ومنكم من يرد إِلَى أرذل الْعُمر لكيلا يعلم بعد علم شَيْئا} (النَّحْل: 07 وَالْحج: 5) .
أراذِلُنا: أسْقاطُنا
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: { (11) إِلَّا الَّذين هم أراذلنا} (هود: 72) وَفَسرهُ بقوله: أسقاطنا وَهُوَ جمع سَاقِط وَهُوَ اللَّئِيم فِي حَسبه وَنسبه، ويروى: سقاطنا، بِضَم السِّين وَتَشْديد الْقَاف، وَيُقَال: قوم سقطي وَإِسْقَاط وسقاط.
1736 - حدّثنا أبُو مَعْمَرٍ حَدثنَا عبْدُ الوَارِثِ عَنْ عبْدِ العَزِيزِ بن صُهَيْبٍ عنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ، رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: كانَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَتَعَوَّذُ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بِكَ مِنَ الكَسَلِ، وأعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُبْنِ، وأعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَرَمِ، وأعُوذُ بِكَ مِنَ البُخْلِ.
قيل: لَيْسَ فِيهِ لفظ التَّرْجَمَة فَلَا مُطَابقَة.
قلت: تُؤْخَذ الْمُطَابقَة من قَوْله: (وَأَعُوذ بك من الْهَرم) لِأَنَّهُ يُفَسر بأرذل الْعُمر، وَقد مر عَن قريب تَفْسِيره هَكَذَا.
وَأَبُو معمر بِفَتْح الميمين اسْمه عبد الله بن عمر والمنقري المقعد، وَعبد الْوَارِث بن سعيد الْبَصْرِيّ والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (يتَعَوَّذ يَقُول) جملتان مَحلهمَا النصب فَالْأولى على أَنَّهَا خبر كَانَ، وَالثَّانيَِة حَال.
44 - (بابُ الدُّعاءِ بِرَفْعِ الوَباءِ والوَجَعِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الدُّعَاء بِرَفْع الوباء والوجع والوباء بِالْمدِّ وَالْقصر فَجمع الْمَقْصُور أوباء وَجمع الْمَمْدُود أوبية وَهُوَ الْمَرَض الْعَام، وَقيل: الْمَوْت الذريع وَأَنه أَعم من الطَّاعُون لِأَن حَقِيقَته مرض عَام ينشأ عَن فَسَاد الْهَوَاء، وَمِنْهُم من قَالَ: الوباء والطاعون مُتَرَادِفَانِ، ورد عَلَيْهِ بَعضهم بِأَن الطَّاعُون لَا يدْخل الْمَدِينَة وَأَن الوباء وَقع بِالْمَدِينَةِ كَمَا فِي حَدِيث العرنيين.
قلت: فِيهِ نظرلأن ابْن الْأَثِير قَالَ: إِنَّه الْمَرَض الْعَام، وَكَذَلِكَ الوباء هُوَ الْمَرَض الْعَام. وَقَوله: الطَّاعُون لَا يدْخل الْمَدِينَة، يحْتَمل أَن يُقَال إِنَّه لَا يدْخل بعد قدوم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (والوجع) أَي: الدُّعَاء أَيْضا بِرَفْع الوجع، وَهُوَ يُطلق على كل الْأَمْرَاض فَيكون هَذَا الْعَطف من بَاب عطف الْعَام على الْخَاص، لَكِن بِاعْتِبَار أَن منشأ الوباء خَاص وَهُوَ فَسَاد الْهَوَاء بِخِلَاف الوجع فَإِن لَهُ أسباباً شَتَّى وَبِاعْتِبَار أَن الوباء يُطلق على الْمَرَض الْعَام يكون من بَاب عطف الْعَام على الْعَام.
2736 - حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ يُوسُفَ حَدثنَا سُفْيانُ عنْ هِشامِ بنِ عُرْوَةَ عَنْ أبِيهِ عَنْ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا، قَالَت: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اللَّهُمَّ حَبِّبْ إلَيْنا المَدِينَةَ كَما حَبَّبْتَ إِلَيْنَا مَكَّةَ أَو أشَدَّ، وانْقُلْ حُمَّاها إِلَى الجُحْفَة، اللَّهُمَّ بارِكْ لَنَا فِي مُدِّنا وصاعِنا.
ذكر الْمُطَابقَة هُنَا بِنَوْع من التعسف وَهُوَ أَنَّهَا تُؤْخَذ من قَول: قَوْله: (وانقل حماها) بِاعْتِبَار أَن تكون الْحمى مَرضا عَاما فَتكون(23/7)
الْمُطَابقَة للجزء الأول للتَّرْجَمَة. وَقيل: فِي بعض طرق حَدِيث الْبَاب: فقدمنا الْمَدِينَة وَهِي أوبأ أَرض الله.
قلت: فِيهِ بعد لِأَن الْمُطَابقَة لَا تكون إلاَّ بَين التَّرْجَمَة وَحَدِيث الْبَاب بِعَيْنِه وسُفْيَان هُوَ: الثَّوْريّ.
والْحَدِيث مُخْتَصر من حَدِيث أَوله: لما قدم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة وعك أَبُو بكر وبلال رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، وَتقدم فِي آخر كتاب الْحَج وَتقدم الْكَلَام فِيهِ: والجحفة بِضَم الْجِيم وَسُكُون الْحَاء الْمُهْملَة وبالفاء مِيقَات أهل مصر وَالشَّام فِي الْقَدِيم، والآن أهل الشَّام يحرمُونَ من مِيقَات أهل الْمَدِينَة، وَكَانَ سكانها فِي ذَلِك الْوَقْت يهود. وَفِيه: الدُّعَاء على الْكفَّار بالأمراض والبليات.
قَوْله: (فِي مدنا) أَي: فِيمَا نقدر بِهِ إِذْ بركته مستلزمة لبركته وَالْمرَاد كَثْرَة الأقوات من الثِّمَار والغلات.
3736 - حدّثنا مُوسَى بنُ إسْمَاعِيلَ حدّثنا إبراهيمُ بنُ سعَدٍ أخبرنَا ابنُ شِهابٍ عنْ عامرِ بن سَعْدٍ أنَّ أباهُ قَالَ: عادَنِي رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي حَجةِ الوَداعِ مِنْ شَكْوى أشْفَيْتُ مِنْهُ على المَوْت، فَقُلْتُ: يَا رسولَ الله {بَلَغَ بِي مَا تَراى مِنَ الوَجَعِ وَأَنا ذُو مالٍ وَلَا يَرِثُنِي إلاَّ ابْنَةٌ لِي واحدَةٌ، أفأتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مالِي؟ قَالَ: لَا. قُلْتُ: فَبِشَطْرِهِ؟ قَالَ: الثُّلُثُ كَثِيرٌ، إنكَ أنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أغْنياءَ خَيْرٌ مِنْ أنْ تَذَرَهُمْ عَالَةَ يَتَكَفَّفُونَ النَّاس، وإنَّكَ لَنْ تُنفِقَ نَفَقَةَ تَبْتَغِي بهَا وَجْهَ الله إلاَّ أجِرْتَ حتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فِي امْرَأتِكَ. قُلْتُ: يَا رسولَ الله} أُخَلَّفُ بَعْدَ أصْحابي؟ قَالَ: إنَّكَ لَنْ تُخَلَّفَ فَتَعْمَلَ عَملاً تَبْتَغِي بِهِ وجْهَ الله إلاَّ ازْدَدْتَ دَرجةَ وَرِفْعَةً، وَلَعَلَّكَ تُخَلْفُ حتَّى يَنْتَفِعَ بِكَ أقْوامٌ ويُضَرَّ بِكَ آخَرُونَ اللَّهُم أمْضِ لأصْحابي هِجْرَتَهُمْ وَلَا تَرُدَّهُمْ عَلَى أعَقابِهِمْ، لاكِنِ البائِسُ سَعْدُ بنُ خَوْلَةَ.
قَالَ سَعْدٌ: رَثَي لهُ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْ أنْ تُوُفِّيَ بِمَكَّةَ.
قَالَ بَعضهم: هَذَا يتَعَلَّق بالركن الثَّانِي من التَّرْجَمَة وَهُوَ الوجع.
قلت: التَّرْجَمَة الدُّعَاء بِرَفْع الوجع وَلَيْسَ فِي الحَدِيث هَذَا، والمطابقة لَيست مُتَعَلقَة بِمُجَرَّد ذكر الوجع حَتَّى يَقُول هَذَا الْقَائِل مَا قَالَه، وَيُمكن أَن يُؤْخَذ وَجه الْمُطَابقَة هُنَا من قَوْله: (اللَّهُمَّ أمض لِأَصْحَابِي هجرتهم وَلَا تردهم على أَعْقَابهم) ، فَإِن فِيهِ إِشَارَة لسعد بالعافية ليرْجع إِلَى دَار هجرته وَهِي الْمَدِينَة.
وَذكر هَذَا الحَدِيث فِي مَوَاضِع: فِي الْجَنَائِز عَن عبد الله بن يُوسُف، وَفِي الْوَصَايَا عَن أبي نعيم عَن سُفْيَان، وَفِي الْمَغَازِي عَن أَحْمد بن يُونُس، وَفِي الْهِجْرَة عَن يحيى بن قزعة، وَفِي الطِّبّ عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل، وَفِي الْفَرَائِض عَن أبي الْيَمَان، وَهنا أخرجه أَيْضا عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل عَن إِبْرَاهِيم بن سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف عَن مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ عَن عَامر بن سعد بن أبي وَقاص عَن أَبِيه سعد.
قَوْله: (عادني) أَي: زارني لأجل مرض حصل لي. قَوْله: (من شكوى) أَي: من مرض وَهُوَ غير منصرف. قَوْله: (أشفيت مِنْهُ) أَي: أشرفت مِنْهُ على الْمَوْت ودنوت مِنْهُ وَمرَاده بِهِ الْمُبَالغَة فِي شدَّة مَرضه، ويروى: أشفيت مِنْهَا أَي من الشكوى وَهُوَ الظَّاهِر، وَرِوَايَة: مِنْهُ، بِاعْتِبَار الْمَرَض. قَوْله: (إلاَّ ابْنة لي وَاحِدَة) وَاسْمهَا عَائِشَة. قَوْله: (ذُو مَال) أَي: صَاحب مَال وَكَانَ حصل لَهُ من الفتوحات شَيْء كثير. قَوْله: (فبشطره) أَي: نصفه، وَكثير بالثاء الْمُثَلَّثَة. قَوْله: قَوْله: (أَن تذر) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة أَي أَن تتْرك، وَقيل: لِأَن تذر. قَوْله: (عَالَة) هُوَ جمع العائل وَهُوَ الْفَقِير. قَوْله: (يَتَكَفَّفُونَ النَّاس) أَي: يمدون أكفهم إِلَى النَّاس بالسؤال. قَوْله: (فِي فِي امْرَأَتك) أَي: فِي فَم امْرَأَتك. قَوْله: (أخلف) يَعْنِي: فِي مَكَّة أبقى بعدهمْ. قَوْله: (لن تخلف) على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (فتعمل) بِالنّصب عطف عَلَيْهِ. قَوْله: (ولعلك تخلف حَتَّى ينْتَفع بك أَقوام) فِيهِ إِشَارَة إِلَى طول عمره، وَهُوَ من المعجزات، فَإِنَّهُ عَاشَ حَتَّى فتح الْعرَاق وانتفع بِهِ أَقوام وَأَرَادَ بهم الْمُسلمين. وَقَوله: (ويضر بك) على صِيغَة الْمَجْهُول آخَرُونَ أَي: أَقوام آخَرُونَ، وَأَرَادَ بهم الْمُشْركين، وَقيل: إِن عبيد الله أَمر عمر بن سعد وَلَده على الْجَيْش الَّذين لقوا الْحُسَيْن رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَقَتَلُوهُ بِأَرْض كربلا وقصته مَشْهُورَة. قَوْله: (أمض) بِفَتْح الْهمزَة يُقَال: أمضيت الْأَمر أَي: أنفذته أَي: تمم الْهِجْرَة لَهُم وَلَا تنقصها عَلَيْهِم، وَقَالَ الدَّاودِيّ:(23/8)
لم يكن للمهاجرين الْأَوَّلين أَن يقيموا بِمَكَّة إلاَّ ثَلَاثَة أَيَّام بعد الصَّدْر فَدَعَا لَهُم بالثبات على ذَلِك. قَوْله: قَوْله: (لَكِن البائس) بِالْبَاء الْمُوَحدَة وَهُوَ من أَصَابَهُ الْبُؤْس أَي: الْفقر وَسُوء الْحَال. وَقَالَ الْكرْمَانِي: البائس شَدِيد الْحَاجة وَهُوَ مَنْصُوب بقوله: قَوْله: (لَكِن) إِن كَانَت مُشَدّدَة هُوَ وَخَبره. قَوْله: (سعد بن خَوْلَة) وَإِن كَانَت مُخَفّفَة يكون البائس مُبْتَدأ وَخَبره سعد بن خَوْلَة، وَهُوَ من بني عَامر بن لؤَي من أنفسهم عِنْد الْبَعْض وحليف لَهُم عِنْد آخَرين، وَكَانَ من مهاجرة الْحَبَشَة الْهِجْرَة الثَّانِيَة فِي قَول الْوَاقِدِيّ، وَإِنَّمَا رثي لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لكَونه مَاتَ بِمَكَّة وَهِي الأَرْض الَّتِي هَاجر مِنْهَا. وَفِي (التَّوْضِيح) : وَإِنَّمَا رثى لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَنَّهُ قَالَ: كل من هَاجر من بَلَده يكون لَهُ ثَوَاب الْهِجْرَة من الأَرْض الَّتِي هَاجر مِنْهَا إِلَى الأَرْض الَّتِي هَاجر إِلَيْهَا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة، فَحرم ذَلِك لما مَاتَ بِمَكَّة، وَقيل: رَجَعَ إِلَى مَكَّة بعد شُهُوده بَدْرًا وَقد أَطَالَ الْمقَام بهَا بِغَيْر عذر وَلَو كَانَ لَهُ عذر، لم يَأْثَم وَكَانَ مَوته فِي حجَّة الْوَدَاع. وَقد قَالَ ابْن مزين من الْمَالِكِيَّة: إِنَّمَا رثى لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَنَّهُ أسلم وَأقَام بِمَكَّة وَلم يُهَاجر، وأنكروا ذَلِك عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مَعْدُود من الْبَدْرِيِّينَ عِنْد أهل الصَّحِيح كَمَا ذكره البُخَارِيّ وَغَيره.
وَقَوله: (قَالَ سعد) أَي: سعد بن أبي وَقاص: رثى لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يرد قَول من زعم أَن فِي الحَدِيث إدارجاً وَأَن قَوْله: رثى لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، من قَول الزُّهْرِيّ. فَإِن قلت: ورد فِي بعض طرقه: وَفِيه قَالَ الزُّهْرِيّ ... إِلَى آخِره قلت، هَذَا يرجع إِلَى اخْتِلَاف الروَاة عَن الزُّهْرِيّ هَل وصل هَذَا الْقدر عَن سعد أَو قَالَ من قبل نَفسه؟ وَالْحكم للوصل لِأَنَّهُ مَعَ رَاوِيه زِيَادَة علم وَهُوَ حَافظ. قَوْله: (رثى لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، أَي: ترحم عَلَيْهِ ورق لَهُ من جِهَة وَفَاته بِمَكَّة وَهُوَ معنى قَوْله: قَوْله: (من أَن توفّي بِمَكَّة) أَي: من أجل أَنه مَاتَ بِمَكَّة الَّتِي هَاجر مِنْهَا وَكَانَ يتَمَنَّى أَن يَمُوت بغَيْرهَا فَلم يُعْط متمناه.
54 - (بابُ الِاسْتِعَاذَة من أرذل العُمُرِوِ ومنْ فِتْنَةِ الدُّنْيا وفِتْنَةِ النَّارِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الِاسْتِعَاذَة من أرذل الْعُمر وَقد مر تَفْسِيره غير مرّة. قَوْله: وَمن فتْنَة الدُّنْيَا، قد ذكرنَا أَن المُرَاد بِهِ الدَّجَّال. قَوْله: وَمن فتْنَة النَّار، رَأْي من عَذَاب النَّار، وَفِي بعض النّسخ كَذَلِك: وَمن عَذَاب النَّار.
4736 - حدّثنا إسْحَاقُ بنُ إبْرَاهِيمَ أخبرنَا الحُسَيْنُ عنْ زائِدَةَ عنْ عَبْدِ المَلِكِ عنْ مُصْعَبٍ عنْ أبِيهِ قَالَ: تَعَوَّذُوا بِكَلِماتٍ كَانَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَتَعَوَّذ بِهِنَّ: اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بِكَ مِنَ الجُبْنِ، وأعُوذُ بِكَ مِنَ البُخْلِ، وأعُوذُ بِك مِنْ أنْ أُرَدَّ إِلَى أرْذَلِ العُمُرِ، وأعُوذُ بِكَ مِنْ فتْنَةِ الدُّنْيا وعَذَابِ القَبْرِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بن نصر السَّعْدِيّ البُخَارِيّ، وَقيل: إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه، وَالْحُسَيْن هُوَ ابْن عَليّ بن الْوَلِيد الْجعْفِيّ الْكُوفِي، وزائدة هُوَ ابْن قُدامة أَبُو الصَّلْت الْكُوفِي، وَعبد الْملك هُوَ ابْن عُمَيْر، وَمصْعَب هُوَ ابْن سعد يروي عَن أَبِيه سعد بن أبي وَقاص رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
والْحَدِيث مضى عَن قريب فِي: بَاب التَّعَوُّذ من الْبُخْل، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
5736 - حدّثنا يَحْيَى بنُ مُوسَى حَدثنَا وَكِيعٌ حدّثنا هِشامُ بنُ عُروةَ عنْ أبِيهِ عنْ عائِشَةَ أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بِكَ مِن الكَسَلِ والهَرَمِ والمَغْرَمِ والمَأْثَمِ، اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذ بِكَ من عذَابِ النَّارِ وفِتْنةِ النَّار وَفِتْنَةِ القَبْرِ وعَذَابِ القَبْرِ وشَرِّ فِتْنَةِ الغِنَى وشَرِّ فِتْنَةِ الفَقْرِ ومِنْ شَرِّ فِتْنَةِ المَسِيحِ الدَّجَّالِ، اللَّهُمَّ إغْسِلْ خَطَاياي بماءِ الثلْجِ والبَرَدِ ونَقِّ قَلْبِي مِنَ الخَطايا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ، وباعِدْ بَيْنِي وبَيْنَ خطايايَ كَمَا باعَدْتَ بَيْنَ المَشرقِ والمَغْرِبِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (والهرم) لِأَنَّهُ فسر بأرذل الْعُمر. والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الدَّعْوَات أَيْضا عَن أبي كريب. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن عَليّ بن مُحَمَّد، وَقد مضى شَرحه.(23/9)
64 - (بابُ الاسِتْعِاذَةِ مِنْ فِتْنَةِ الغِنَى)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الِاسْتِعَاذَة من فتْنَة الْغنى.
6736 - حدّثنا مُوسَى بنُ إسْماعِيلَ حدّثنا سَلاَّمُ بنُ أبي مُطِيعٍ عنْ هِشَامٍ عنْ أبِيهِ عنْ خالَتِهِ أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَانَ يَتَعَوَّذُ: أللَّهُمَّ إنّي أعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ النَّارِ ومِنْ عَذَابِ النَّارِ، وأعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ القَبْرِ، وأعُوذُ بِكَ مِنْ عَذابِ القَبْرِ، وأعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنةِ الغِنَى، وأعُوذ بِكَ منْ فِتْنَةِ الفَقْرِ، وأعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ المسيحِ الدَّجَّالِ. طابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَأَعُوذ بك من فتْنَة الْغنى) . وَسَلام بتَشْديد اللَّام ابْن أبي مُطِيع الْخُزَاعِيّ الْبَصْرِيّ مَاتَ سنة سبع وَسِتِّينَ وَمِائَة، وَهِشَام يروي عَن أَبِيه عُرْوَة بن الزبير عَن خَالَته عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا. وَمعنى الحَدِيث قد سبق.
قَوْله: (من فتْنَة النَّار) أُرِيد بهَا مشاهدتها وَلَا ثمَّ بعْدهَا الْعَذَاب.
74 - (بابُ التعَوُّذِ مِنْ فِتْنَةِ الفَقْرِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان التَّعَوُّذ من الْفقر، وَالْمرَاد بِهِ الْفقر المدقع لِأَنَّهُ يخَاف حينئذٍ من فتنته.
7736 - حدّثنا مُحَمَّدٌ أخبرنَا أبُو مُعاوِيَة أخبرنَا هِشام بنُ عُرْوةَ عنْ أبِيهِ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا، قالَتْ: كَانَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقُولُ: اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ النَّارِ وعَذابِ النَّارِ وفِتْنَةِ القَبْرِ وعَذابِ القَبْرِ وشَرِّ فِتْنَةِ الغِنَى وشَرِّ فِتْنَةِ الفقْرِ، اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذَ بِكَ مِنْ شَرِّ فِتْنَةِ المسيحِ الدَّجَّالِ، اللَّهُمَّ إغْسِلْ قَلْبِي بِماءِ الثَّلْجِ والبَرَدِ ونَقِّ قَلْبِي مِنَ الْخَطَايَا كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الأبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ وباعِدْ بَيْنِي وبَيْنَ خَطايايَ كَمَا باعدْتَ بَيْنَ المَشْرِقِ والمَغْرِبِ، اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بِكَ مِنَ الكَسَل والمَأَثَمِ والمَغْرَمِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وفتنة الْفقر) . وَمُحَمّد هُوَ إِمَّا ابْن سَلام وَإِمَّا ابْن الْمثنى، وَأَبُو مُعَاوِيَة مُحَمَّد بن خازم بالمعجمتين، وَقد سبق شَرحه.
84 - (بابُ الدُّعاءِ بِكَثْرَةِ المَالِ مَعَ البَرَكَةِ)
أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان الدُّعَاء بِكَثْرَة المَال مَعَ وجود الْبركَة، وَسقط هَذَا الْبَاب فِي رِوَايَة السَّرخسِيّ.
8736 - حدّثني مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ حدّثنا غُنْدَرٌ حدّثنا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ قَتادَةَ عنْ أنَسٍ عنْ أُمِّ سُلَيْمِ أنَّها قالَتْ: يَا رسولَ الله! أنَسٌ خادِمُكَ ادْعُ الله لهُ. قَالَ: اللَّهُمَّ أكْثِرْ مالَهُ وَولَدهُ وبارِكْ لهُ فِيما أعْطيْتَهُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وغندر هُوَ مُحَمَّد بن جَعْفَر. والْحَدِيث مضى عَن قريب فِي: بَاب دَعْوَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لِخَادِمِهِ وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
9736 - وعنْ هِشامِ بنِ زَيْدٍ سَمِعْتُ أنَسَ بنَ مالِكٍ مِثْلَهُ.
هِشَام بن زيد بن أنس بن مَالك يروي عَن جده وروى عَنهُ، وَهُوَ مَعْطُوف على رِوَايَة قَتَادَة، وَقَالَ الْكرْمَانِي: وروى هِشَام بن عُرْوَة، وَالْأول أصح.
قَوْله: (مثله) أَي: مثل الحَدِيث الْمَذْكُور، ويروى: بِمثلِهِ، بِزِيَادَة حرف بَاء الْجَرّ.(23/10)
05 - (بابُ الدُّعاءِ بِكَثْرَةِ الوَلَدِ مَعَ البَرَكَةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الدُّعَاء بِكَثْرَة الْوَلَد مَعَ الْبركَة.
0836 - 1836 حدّثنا أبُو زَيْدٍ سَعِيدُ بنُ الرَّبِيعِ حدّثنا شُعْبَةُ عنْ قَتادَة قَالَ: سَمِعْتُ أنسا رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: قالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ: أنَسٌ خادِمُكَ قَالَ: اللَّهُمَّ أكْثِرْ مالَهُ وَوَلَدَهُ وبارِكْ لهُ فِيما أعْطَيْتَهُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَسَعِيد بن الرّبيع أَبُو زيد الْهَرَوِيّ كَانَ يَبِيع الثِّيَاب الهروية فنسب إِلَيْهَا وَهُوَ من أهل الْبَصْرَة مَاتَ سنة إِحْدَى عشرَة وَمِائَتَيْنِ، وَقد سبق الحَدِيث وَشَرحه.
05 - (بابُ الدُّعاءِ بِكَثْرَةِ الوَلَدِ مَعَ البَرَكَةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الدُّعَاء بِكَثْرَة الْوَلَد مَعَ الْبركَة.
0836 - 1836 حدّثنا أبُو زَيْدٍ سَعِيدُ بنُ الرَّبِيعِ حدّثنا شُعْبَةُ عنْ قَتادَة قَالَ: سَمِعْتُ أنسا رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: قالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ: أنَسٌ خادِمُكَ قَالَ: اللَّهُمَّ أكْثِرْ مالَهُ وَوَلَدَهُ وبارِكْ لهُ فِيما أعْطَيْتَهُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَسَعِيد بن الرّبيع أَبُو زيد الْهَرَوِيّ كَانَ يَبِيع الثِّيَاب الهروية فنسب إِلَيْهَا وَهُوَ من أهل الْبَصْرَة مَاتَ سنة إِحْدَى عشرَة وَمِائَتَيْنِ، وَقد سبق الحَدِيث وَشَرحه.
05 - (بابُ الدُّعاءِ عِنْدَ الاسْتِخارَةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الدُّعَاء الَّذِي يدعى بِهِ عِنْد الاستخارة، أَي: طلب الْخيرَة فِي الشَّيْء وَهِي استفعال وَمِنْه تَقول: استخر الله يخر لَك، والخيرة بِوَزْن العنبة اسْم من قَوْلك: اخْتَارَهُ الله، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: الْخيرَة الِاسْم من قَوْلك: خار الله لَك فِي هَذَا الْأَمر.
2836 - حدّثنا مُطَرّفُ بنُ عَبْدِ الله أبُو مُصْعَبٍ حدّثنا عَبْدُ الرَّحمانِ بنُ أبي المَوالِ عنْ مُحَمَّدِ ابنِ المُنْكَدِرِ عنْ جابِرٍ، رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: كَانَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يُعَلِّمُنا الاسْتِخارَةَ فِي الأمُورِ كُلِّها كالسُّورَةِ مِنَ القُرْآنِ إِذا هَمَّ بالأمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إنِّي اسْتَخِبرُكَ بِعلْمكَ، وأسْتَقْدِرُكَ بِقَدْرَتِكَ، وأسْألُكَ مِنْ فَضْلكَ العَظِيمِ، فإنَّكَ تَقْدِرُ وَلَا أقْدِرُ، وتَعْلَمُ وَلَا أعْلَمُ، وأنْتَ عَلاَّمُ الغُيُوبِ. اللَّهُمَّ إنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنَّ هاذًّ الأمْرَ خيْرٌ لِي فِي دِينِي ومَعاشي وعاقِبَةِ أمرِي أوْ قَالَ: فِي عاجِلِ أمْرِي وآجِلهِ فاقْدُرْهُ لِي، وإنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنَّ هاذا الأمْرَ شَرٌّ لِي فِي دِينِي ومَعاشِي وعاقِبَةِ أمْرِي أوْ قَالَ: فِي عاجِلِ أمْرِي وآجِلِهِ فاصْرِفْهُ عنِّي واصْرِفْنِي عَنْهُ، واقْدُرْ لِيَ الخَيْرَ حَيْثُ كَانَ، ثُمَّ رَضِّنِي بهِ ويُسَمِّي حاجَتَهُ. (انْظُر الحَدِيث 2611 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، ومطرف بِضَم الْمِيم وَفتح الطَّاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الرَّاء الْمَكْسُورَة وبالفاء ابْن عبد الله أَبُو مُصعب بِلَفْظ الْمَفْعُول الْأَصَم الْمَدِينِيّ مولى مَيْمُونَة بنت الْحَارِث بن حزن الْهِلَالِيَّة وَهُوَ صَاحب مَالك، مَاتَ سنة عشْرين وَمِائَتَيْنِ وَهُوَ من أَفْرَاد البُخَارِيّ، وَعبد الرَّحْمَن بن أبي الموال واسْمه زيد.
والْحَدِيث مضى فِي صَلَاة اللَّيْل فِي: بَاب مَا جَاءَ فِي التَّطَوُّع مثنى مثنى، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن قُتَيْبَة عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي الموال. . إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (فِي الْأُمُور كلهَا) يَعْنِي: فِي دَقِيق الْأُمُور وجليها لِأَنَّهُ يجب على الْمُؤمن ردا لأمور كلهَا إِلَى الله عز وَجل والتبرؤ من الْحول وَالْقُوَّة إِلَيْهِ. قَوْله: (إِذا هم فِيهِ) حذف تَقْدِيره كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يعلمنَا الاستخارة وَيَقُول: إِذْ هم أحدكُم بِالْأَمر أَي: إِذا قصد الْإِتْيَان بِفعل أَو ترك. قَوْله: (فَلْيقل) جَوَاب: إِذا، المتضمن معنى الشَّرْط فَلذَلِك دخلت فِيهِ الْفَاء. قَوْله: (أستخيرك) ، أَي: أطلب مِنْك الْخيرَة ملتبساً بعلمك بخيري وشري، وَيحْتَمل أَن يكون الْبَاء للاستعانة أَو للقسم. قَوْله: (وأستقدرك) أَي: أطلب الْقُدْرَة مِنْك أَن تجعلني قَادِرًا عَلَيْهِ، وَيُقَال: استقدر الله خيرا أَي: أسأله أَن يقدر لَهُ بِهِ، وَفِيه لف وَنشر غير مُرَتّب. قَوْله: (فَإنَّك تقدر وَلَا أقدر) إِشَارَة إِلَى أَن الْقُدْرَة لله وَحده، وَكَذَلِكَ الْعلم لَهُ وَحده. قَوْله: (إِن كنت تعلم) إِلَى آخِره، قيل: كلمة: إِن، للشَّكّ وَلَا يجوز الشَّك فِي كَون الله عَالما. وَأجِيب: بِأَن الشَّك فِي: أَن علمه مُتَعَلق بِالْخَيرِ أَو الشَّرّ لَا فِي أصل الْعلم. قَوْله: (فِي معاشي) زَاد أَبُو دَاوُد فِي رِوَايَته: ومعادي، وَالْمرَاد بمعاشه حَيَاته، وبمعاده آخرته. قَوْله: (أَو قَالَ) شكّ من الرَّاوِي أَو ترديد مِنْهُ، وَالْمرَاد بَينهمَا يحْتَمل أَن يكون العاجل والآجل مذكورين بدل الْأَلْفَاظ الثَّلَاثَة، وَأَن يكون بدل الْأَخيرينِ قيل كَيفَ يخرج الدَّاعِي بِهِ(23/11)
عَن عُهْدَة التفصي حَتَّى يكون جَازِمًا بِأَنَّهُ قَالَ كَمَا قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأجِيب بِأَنَّهُ يَدعُونَهُ ثَلَاث مَرَّات، يَقُول تَارَة: فِي ديني ومعاشي وعاقبة أَمْرِي، وَأُخْرَى، فِي عاجلي وآجلي، وثالثة: فِي ديني وعاجلي وآجلي. قَوْله: (فاقدره لي) بِضَم الدَّال وَكسرهَا أَي: اجْعَلْهُ مَقْدُورًا لي أَو قدره لي، وَقيل: مَعْنَاهُ يسره لي. قَوْله: (رضني) أَي: اجْعَلنِي رَاضِيا بذلك. قَوْله: (ويسمي) أَي: يعيّن حَاجته مثل أَن يَقُول: إِن كنت تعلم أَن هَذَا الْأَمر من السّفر أَو التَّزَوُّج أَو نَحْو ذَلِك.
94 - (بابُ الدُّعاءِ عِنْدَ الوُضُوءِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الدُّعَاء عِنْد الْوضُوء، وَفِي بعض النّسخ، بَاب الْوضُوء عِنْد الدُّعَاء، وَالْأول هُوَ الْمُنَاسب للْحَدِيث وَإِن كَانَ للثَّانِي أَيْضا وَجه.
3836 - حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ العَلاءِ حدّثنا أبُو أُسامَةَ عنْ بُرَيْدِ بن عَبدِ الله عَن أبي بُرْدَةَ عَن أبي مُوسَى قَالَ: دَعا النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بماءٍ فَتَوَضأ بهِ ثمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعُبَيْدٍ أبي عامِرٍ، ورأيْتُ بَياضَ إبْطَيْهِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ يَوْمَ القِيامَةِ فَوْقَ كَثِيرٍ مِنْ خَلْقِكَ مِنَ النَّاس.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (فَتَوَضَّأ بِهِ ثمَّ رفع يَدَيْهِ) فَيكون دعاؤه عِنْد الْوضُوء يَعْنِي: عَقِيبه يدل عَلَيْهِ قَوْله: (ثمَّ رفع يَدَيْهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِر)
إِلَى آخِره.
وَأَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة، وبريد بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الرَّاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالدال الْمُهْملَة ابْن عبد الله يروي عَن جده أبي بردة بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة واسْمه عَامر بن نأبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ واسْمه عبد الله بن قيس. الحَدِيث مُخْتَصر من حَدِيث طَوِيل أخرجه فِي الْمَغَازِي فِي: بَاب غَزْوَة أَوْطَاس بِهَذَا الْإِسْنَاد بِعَيْنِه، وَعبيد مصغر عبد وكنيته أَبُو عَامر وَهُوَ عَم أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، رمي فِي ركبته يَوْم أَوْطَاس فَمَاتَ بِهِ، فَلَمَّا أخبر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بذلك دَعَا لَهُ بِالدُّعَاءِ الْمَذْكُور، وتتمة الْكَلَام قد مَضَت فِي غَزْوَة أَوْطَاس.
25 - (بابُ الدعاءِ إذَا عَلاَ عَقَبةً)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الدُّعَاء، إِذا علا، أَي: صعد عقبَة.
4836 - حدّثنا سُليْمانُ بنُ حَرْب حَدثنَا حَمَّادُ بن زَيْدٍ عنْ أيُّوبَ عنْ أبي عُثْمانَ عنْ أبي مُوسَى رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: كُنَّا مَعَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي سَفَرِ فَكُنَّا إذَا عَلَوْنا كَبَّرْنا، فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أيُّها النَّاسُ: (أرْبَعُوا عَلَى أنْفُسِكُمْ فإنَّكُمْ لاَ تَدْعُونَ أصَمَّ وَلَا غائِباً، ولَكِنْ تَدعُونَ سَمِيعاً بَصِيراً، ثُمَّ أتَى عَليَّ وَأَنا أقُولُ فِي نَفْسِي: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلاّ بِاللَّه، فَقَالَ: يَا عَبْدَ الله بن قَيْسٍ! قُلْ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّه فإنَّها كَنْزٌ مِنْ كُنُوزِ الجَنَّة، أوْ قَالَ: ألاَ أدُلُّكَ عَلى كَلِمَةٍ هِيَ كَنْزٌ مِنْ كُنُوزِ الجَنَّةِ؟ لَا حَوْل وَلَا قوَّةَ إلاّ بِاللَّه.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (تدعون) فِي موضِعين. وَأَيوب هُوَ السّخْتِيَانِيّ، وَأَبُو عُثْمَان هُوَ عبد الرَّحْمَن بن مل النَّهْدِيّ، وَأَبُو مُوسَى هُوَ لأشعري، وَمضى عَن قريب.
والْحَدِيث مضى فِي الْجِهَاد فِي: بَاب مَا يكره من رفع الصَّوْت فِي التَّكْبِير فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مُحَمَّد بن يُوسُف عَن سُفْيَان عَن عَاصِم عَن أبي عُثْمَان عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ ... إِلَى آخِره، وَمر أَيْضا فِي غَزْوَة خَيْبَر بأتم مِنْهُ عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل عَن عبد الْوَاحِد عَن عَاصِم عَن أبي عُثْمَان إِلَى آخِره.
قَوْله: (إربعوا) بِكَسْر الْهمزَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة أَي: إرفقوا بِأَنْفُسِكُمْ يَعْنِي: لَا تبالغوا فِي الْجَهْر. قَوْله: (أَصمّ) يرْوى: صمًّا، وَلَعَلَّه بِاعْتِبَار مُنَاسبَة غَائِبا. قَوْله: (سميعاً بَصيرًا) وَمر فِي الْجِهَاد: أَنه مَعكُمْ إِنَّه سميع قريب، وَفِي غَزْوَة خَيْبَر: إِنَّكُم تدعون سميعاً قَرِيبا وَهُوَ مَعكُمْ. قَوْله: (ثمَّ أَتَى عَليّ) بتَشْديد الْيَاء أَي: ثمَّ أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، على قَوْله: (أَو قَالَ)
إِلَى آخِره، شكّ من الرَّاوِي، وَسَيَأْتِي فِي كتاب الْقدر(23/12)
من رِوَايَة خَالِد الْحذاء عَن أبي عُثْمَان. قَوْله بِلَفْظ: ثمَّ قَالَ: يَا عبد الله بن قيس! أَلا أعلمك كلمة ... إِلَى آخِره. قَوْله: (كنز) أَي كالكنز فِي كَونه أمرا نفسياً مدخراً مكنوناً عَن أعين النَّاس، وَهِي كلمة استسلام وتفويض إِلَى الله تَعَالَى، وَمَعْنَاهُ: لَا حِيلَة فِي دفع شَرّ وَلَا قُوَّة فِي تَحْصِيل خير إِلَّا بِاللَّه، وَفِي لَفْظَة: لَا حول وَلَا قُوَّة خَمْسَة أوجه ذكرهَا النُّحَاة. قَوْله: (لَا حول) يجوز أَن يكون مَنْصُوبًا محلا على تَقْدِير: أَعنِي، وَأَن يكون مجروراً على أَنه بدل من قَوْله: (هِيَ كنز) لِأَنَّهَا فِي مَحل الْجَرّ على أَنَّهَا صفة لقَوْله: (على كلمة) وَأَن يكون مَرْفُوعا على تَقْدِير: هُوَ لَا حول وَلَا قُوَّة إلاَّ بِاللَّه.
15 - (بابُ الدُّعاء إذَا هَبَطَ وادِياً)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الدُّعَاء إِذا هَبَط وَاديا.
فِيهِ حَدِيثُ جابِرٍ
أَي: فِي هَذَا الْبَاب جَاءَ حَدِيث جَابر وَهَذَا إِنَّمَا ثَبت فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي والكشميهني، وَحَدِيث جَابر هُوَ الَّذِي مضى فِي الْجِهَاد فِي: بَاب التَّسْبِيح إِذا هَبَط وَاديا، حَدثنَا مُحَمَّد بن يُوسُف حَدثنَا سُفْيَان عَن حُصَيْن بن عبد الرَّحْمَن عَن سَالم بن أبي الْجَعْد عَن جَابر بن عبد الله، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، قَالَ: كُنَّا إِذا صعدنا كبرنا وَإِذا نزلنَا سبحنا.
25 - (بابُ الدُّعاءِ إذَا أرَادَ سَفَراً أوْ رَجعَ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الدُّعَاء إِذا أَرَادَ الشَّخْص سفرا أَو رَجَعَ عَنهُ.
فِيهِ يَحْيَى بنُ أبي إسْحاقَ عنْ أنَسٍ رَضِي الله عَنهُ
أَي: فِي هَذَا الْبَاب جَاءَ حَدِيث من رِوَايَة يحيى بن أبي إِسْحَاق الْحَضْرَمِيّ، وَحَدِيثه سبق فِي الْجِهَاد فِي: بَاب مَا يَقُول إِذا رَجَعَ من الْغَزْو، وَحدثنَا أَبُو معمر أخبرنَا عبد الْوَارِث أخبرنَا يحيى بن أبي إِسْحَاق عَن أنس بن مَالك، قَالَ: (كُنَّا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مقفله من عسفان وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على رَاحِلَته وَقد أرْدف صَفِيَّة ... الحَدِيث، وَفِي أَخّرهُ: فَلَمَّا أَشْرَفنَا على الْمَدِينَة قَالَ: آيبون تائبون عَابِدُونَ، لربنا حامدون) فَلم يزل يَقُول ذَلِك حَتَّى دخل الْمَدِينَة.
5836 - حدّثنا إسْمَاعِيلُ قَالَ: حدّثني مالِكٌ عنْ نافِعِ عنْ عَبدِ الله بنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهُمَا، أنَّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كانَ إذَا قَفَلَ مِنْ غَزْوٍ أوْ حَجٍ أوْ عُمْرَةٍ يُكبِّرُ على كلِّ شَرَفٍ من الأرْضِ ثَلاَث تَكْبِيرَاتٍ ثُمَّ يَقُولُ: لَا إلَهَ إلاّ الله وحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ المُلْكُ ولَهُ الحَمْدُ وهْوَ على كلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، آيِبُونَ تائِبُونَ عابِدُونَ، لِرَبِّنا حامِدُونَ، صَدَقَ الله وعْدَهُ ونَصَرَ عَبْدَهُ وهَزَمَ الأحْزَابَ وحْدَهُ.
مطابقته للجزء الثَّانِي من التَّرْجَمَة ظَاهِرَة. فَإِن قلت: التَّرْجَمَة شَيْئَانِ. أَحدهمَا: الدُّعَاء إِذا أَرَادَ سفرا. وَالْآخر: الدُّعَاء إِذا رَجَعَ من السّفر، فَأَيْنَ الحَدِيث للْأولِ؟ وَحَدِيث يحيى بن أبي إِسْحَاق أَيْضا صَرِيح أَنه للجزء الثَّانِي؟ .
قلت: الحَدِيث الْمَذْكُور لَهُ طَرِيق آخر عِنْد مُسلم من رِوَايَة عَليّ بن عبد الله الْأَزْدِيّ عَن ابْن عمر فِي أَوله: كَانَ إِذا اسْتَوَى على بعيره خَارِجا إِلَى سفر كبر ثَلَاثًا، قَالَ: سُبْحَانَ الَّذِي سخر لنا هَذَا ... الحَدِيث إِلَى أَن قَالَ: وَإِذا رَجَعَ قالهن وَزَاد: آيبون تائبون ... الحَدِيث.
إِسْمَاعِيل هُوَ ابْن أبي أوبس.
قَوْله: (إِذا قفل) أَي: إِذا رَجَعَ. قَوْله: (من غَزْو أَو حج أَو عمْرَة) ظَاهره الِاخْتِصَاص بِهَذِهِ الثَّلَاثَة، وَلَيْسَ كَذَلِك عِنْد الْجُمْهُور، وَإِنَّمَا اقْتصر البُخَارِيّ على الثَّلَاث لانحصار سفر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيهَا، بل يَقُول ذَلِك فِي كل سفر، لَكِن قَيده الشَّافِعِيَّة بسفر الطَّاعَة: كصلة الرَّحِم وَطلب الْعلم وَنَحْو ذَلِك، وَقيل: يشرع فِي سفر الْمعْصِيَة أَيْضا لِأَن مرتكب الْمعْصِيَة أحْوج إِلَى تَحْصِيل الثَّوَاب. قَوْله: (كل شرف) بِفتْحَتَيْنِ: الْمَكَان العالي. قَوْله: (آيبون) أَي: نَحن آيبون أَي: رَاجِعُون جمع آيب من(23/13)
آب، إِذا رَجَعَ. قَوْله: (صدق الله وعده) أَي: فِيمَا وعده بِهِ من إِظْهَار دينه. قَوْله: (وَنصر عَبده) أَرَادَ بِهِ نَفسه، قَوْله: (وَهزمَ الْأَحْزَاب) ، جمع حزب وَهُوَ الطَّائِفَة الَّتِي اجْتمعت من الْقَبَائِل وعزموا على الْقِتَال مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وفرقهم الله تَعَالَى وَهَزَمَهُمْ بِلَا قتال وَهُوَ أَعم من الْأَحْزَاب الَّذين اجْتَمعُوا فِي غَزْوَة الخَنْدَق، وَقيل: قد نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَن السجع، وَهَذَا سجع. وَأجِيب بِأَنَّهُ نهى عَن سجع كسجع الْكُهَّان فِي كَونه متكلفاً أَو متضمناً للباطل.
55 - (بابُ الدُّعاءِ لِلْمُتَزَوِّجِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان كَيْفيَّة الدُّعَاء الْمرجل الَّذِي تزوج.
6836 - حدّثنا مُسَدَّدٌ حَدثنَا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ عنْ ثابِتٍ عنْ أنَسٍ، رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: رأى النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، على عَبْدِ الرَّحْمانِ بنِ عَوْفٍ أثَرَ صُفْرَةٍ، فَقَالَ: مَهْيَمْ؟ أوْمَهْ قَالَ: تَزَوَّجْت امْرأةً عَلى نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ: بارَكَ الله لَكَ، أوْلِمْ ولَوْ بِشاةٍ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (بَارك الله لَك) . وثابت بن أسلم الْبنانِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي النِّكَاح فِي: بَاب كَيفَ يدعى للمتزوج فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن سُلَيْمَان بن حَرْب عَن حَمَّاد بن زيد ... إِلَى آخِره وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (صفرَة) أَي: من الطّيب الَّذِي اسْتَعْملهُ عِنْد الزفاف. قَوْله: (مَهيم؟) بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْهَاء وَفتح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره مِيم أَي: مَا حالك؟ وَمَا شَأْنك؟ قَوْله: (أومه) أَي: أَو قَالَ: مَه، وَهُوَ شكّ من الرَّاوِي، و: مَا استفهامية قلبت ألفها هَاء. قَوْله: (على نَوَاه) وَهِي خَمْسَة دَرَاهِم وزنا من الذَّهَب وَهِي ثَلَاثَة مَثَاقِيل وَنصف، وَفِي (التَّوْضِيح) : فِي الحَدِيث رد على أبي حنيفَة الَّذِي لَا يجوز الصَدَاق عِنْده بِأَقَلّ من عشرَة دَرَاهِم.
قلت: سُبْحَانَ الله مَا هَذَا الْفَهم؟ فَإِن وزن خَمْسَة دَرَاهِم من الذَّهَب أَكثر من عشرَة دَرَاهِم. قَوْله: (أولم) أَمر بإيجاد الْوَلِيمَة، وَقد مر بَيَانهَا فِي النِّكَاح.
65 - (بابُ مَا يَقُولُ إِذا أتَى أهْلَهُ)(23/14)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا يَقُوله الرجل إِذا أَرَادَ أَن يُجَامع امْرَأَته.
8836 - حدّثنا عُثْمانُ بنُ أبي شَيْبَةَ حَدثنَا جَرِيرٌ عنْ مَنْصُورٍ عنْ سالِمٍ عنْ كُرَيْبٍ عنِ ابْن عبَّاسٍ، رَضِي الله عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَوْ أنَّ أحَدَهُمْ إذَا أرادَ أنْ يأتِيَ أهْلَهُ قَالَ: باسْم الله! اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطانَ وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنا، فإنَّهُ إنْ يُقَدَّرْ بَيْنَهُما ولَدٌ فِي ذَلِكَ لَمْ يَضُرَّهُ شَيْطانٌ أبدا.
طابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَجَرِير هُوَ ابْن عبد الحميد، وَمَنْصُور هُوَ ابْن الْمُعْتَمِر، وَسَالم هُوَ ابْن أبي الْجَعْد، وكريب بن أبي مُسلم مولى عبد الله بن عَبَّاس.
والْحَدِيث مضى فِي النِّكَاح فِي: بَاب مَا يَقُول الرجل إِذا أَتَى أَهله، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن سعد بن حَفْص عَن سُفْيَان عَن مَنْصُور عَن سَالم ... إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى.
قَوْله: (أَن يَأْتِي أَهله) ، أَي: زَوجته، وَعبر عَن الْجِمَاع بالإتيان. قَوْله: (لم يضرّهُ شَيْطَان) أَي: لم يُسَلط عَلَيْهِ بِحَيْثُ يتَمَكَّن من أضراره فِي دينه أَو بدنه، وَلَيْسَ المُرَاد دفع الوسوسة من أَصْلهَا.
75 - (بابُ قَوْلِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: {ربنرا آتنا فِي الدُّنْيَا حَسَنَة} (الْبَقَرَة: 102)
أَي: هَذَا بَاب فِي قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: { (2) رَبنَا آتنا فِي الدُّنْيَا حَسَنَة} (الْبَقَرَة: 102) قَالَ الْحسن: الْحَسَنَة فِي الدُّنْيَا الْعلم وَالْعِبَادَة، وَفِي الْآخِرَة الْجنَّة. وَقَالَ قَتَادَة: الْحَسَنَة فِي الدُّنْيَا الْعَافِيَة وَقَالَ السّديّ فِي الدُّنْيَا المَال وَفِي الْآخِرَة الْجنَّة وَعَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ الزَّوْجَة الصَّالِحَة من الْحَسَنَات قَوْله تَعَالَى: { (2) وقنا عَذَاب النَّار} (الْبَقَرَة: 102) أَي: اصرفه عَنَّا.
9836 - حدّثنا مُسَدَّدٌ حَدثنَا عَبْدُ الوارثِ عنْ عبْدِ العَزِيزِ عنْ أنَسٍ قَالَ: كانَ أكْثَرُ دُعاءِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اللَّهُمَّ { (2) رَبنَا آتنا فِي الدُّنْيَا حَسَنَة وَفِي الْآخِرَة حَسَنَة وقنا عَذَاب النَّار} (الْبَقَرَة: 102)
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعبد الْوَارِث هُوَ ابْن سعيد الْبَصْرِيّ، وَعبد الْعَزِيز هُوَ ابْن صُهَيْب الْبَصْرِيّ. .
والْحَدِيث مضى فِي التَّفْسِير عَن أبي معمر. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الصَّلَاة عَن مُسَدّد نَحوه.
وَقَالَ عِيَاض: إِنَّمَا كَانَ يكثر الدُّعَاء بِهَذِهِ الْآيَة لجمعها مَعَاني الدُّعَاء كُله من أَمر الدُّنْيَا وَالْآخِرَة، قَالَ: والحسنة عِنْدهم هَهُنَا النِّعْمَة، فَسَأَلَ نعيم الدُّنْيَا وَالْآخِرَة والوقاية من الْعَذَاب.
85 - (بابُ التَّعَوُّذِ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيا)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان التَّعَوُّذ من فتْنَة الدُّنْيَا، وَقد ذكرنَا فِيمَا مضى أَن المُرَاد من فتْنَة الدُّنْيَا الدَّجَّال، وَقيل: المَال.
0936 - حدّثنا فَرْوَةُ بنُ أبي المغْرَاءِ حَدثنَا عَبيدَةُ هُوَ ابْن حُمَيْدٍ عنْ عَبْدِ المَلكِ بن عُميْرٍ عنْ مُصْعَبِ بنِ سَعْدِ بنِ أبي وقَّاصٍ عنْ أَبِيه رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: كانَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُعَلِّمُنَا هاؤُلاءِ الكَلِماتِ كَمَا تُعَلَّمُ الكتابَةُ: اللهُمَّ إنِّي أعُوذُ بِكَ مِنَ البُخْلِ، وأعُوذُ بِكَ مِنَ الجُبْنِ، وأعُوذُ بِكَ مِنْ أنْ نُرَدَّ إِلَى أرْذَلِ العُمُرِ، وأعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيا وعَذَابِ القَبْرِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَأَعُوذ بك من فتْنَة الدُّنْيَا) .
والْحَدِيث مضى فِي: بَاب التَّعَوُّذ من الْبُخْل فَإِن أخرجه هُنَاكَ عَن مُحَمَّد بن الْمثنى عَن غنْدر عَن شُعْبَة عَن عبد الْملك إِلَى آخِره، وَمضى أَيْضا فِي: بَاب الِاسْتِعَاذَة من أرذل الْعُمر وَمن فتْنَة الدُّنْيَا عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم عَن الْحُسَيْن عَن الزَّائِدَة عَن عبد الْملك، وَأخرجه هُنَا عَن فَرْوَة بِفَتْح الْفَاء وَسُكُون الرَّاء وَفتح الْوَاو وَابْن أبي المغراء بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْغَيْن الْمُعْجَمَة وبالراء وبالمد أَبُو الْقَاسِم الْكِنْدِيّ الْكُوفِي عَن عُبَيْدَة بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة(23/15)
ابْن حميد الضَّبِّيّ النَّحْوِيّ، وَمضى شَرحه هُنَاكَ.
95 - (بابُ تَكْرِير الدُّعاءِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان تَكْرِير الدُّعَاء، وَهُوَ أَن يَدْعُو بِدُعَاء مرّة بعد أُخْرَى لِأَن فِي تكريره إِظْهَارًا لموْضِع الْفقر وَالْحَاجة إِلَى الله عز وَجل والتذلل والخضوع لَهُ، وَقد روى أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ من حَدِيث ابْن مَسْعُود رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يُعجبهُ أَن يَدْعُو ثَلَاثًا ويستغفر ثَلَاثًا، وَأخرجه ابْن حبَان فِي (صَحِيحه) .
1936 - حدّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ مُنْذِر حَدثنَا أنَسُ بنُ عِياضٍ عنْ هِشامٍ عنْ أبيهِ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا، أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، طُبَّ حتَّى إنَّهُ لَيُخَيَّلُ إلَيْهِ أنّهُ قَدْ صَنَعَ الشَّيْءَ وَمَا صَنَعَهُ، وأنهُ دَعا ربَّهُ ثُمَّ قَالَ: أشَعَرْتِ أنَّ الله قَدْ أفْتانِي فِيما اسْتَفْتَيْتُهُ فِيهِ؟ فقالَتْ عائِشَةُ: فَما ذاكَ يَا رَسُول الله؟ قَالَ: جاءَنِي رَجُلانِ فَجَلَسَ أحَدُهُما عِنْدَ رَأسِي والآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيَّ. فَقَالَ أحَدُهُمَا لِصاحِبهِ: مَا وَجعُ الرَّجُلِ؟ قَالَ: مَطْبُوبٌ. قَالَ: مَنْ طبَّهُ؟ قَالَ: لَبِيدُ بنُ الأعْصَمِ. قَالَ: فِيمَا ذَا؟ قَالَ: فِي مُشْطٍ ومُشاطَةٍ وجُفِّ طَلْعَةِ ذَكَرٍ، قَالَ: فأيْنَ هُوَ؟ قَالَ: فِي ذَرْوانَ، وذَرْوانُ بِئْرٌ فِي بَنِي زُرَيْقٍ. قالَتْ: فَأَتَاهَا رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى عائِشَةَ فَقَالَ: وَالله لكأنَّ ماءَها نُقاعَةُ الحنًّاءِ، ولكأنَّ نَخْلها رُؤُوسُ الشَّياطينِ. قالَتْ: فأتَى رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأخْبَرَها عنِ البِئْرِ، فَقُلْتُ: يَا رسولَ الله! فَهَلاَّ أخْرَجْتَهُ؟ قَالَ: أمَّا أَنا فَقَدْ شَفانِي الله وكَرِهْتُ أنْ أثِيرَ عَلَى النَّاسِ شَرًّا.
زادَ عِيسَى بنُ يُونُسَ والليْثُ بنُ سَعْدٍ عنْ هِشامٍ عنْ أبِيهِ عنْ عائِشَةَ، قالَتْ: سُحِرَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَدَعا ودَعا وساقَ الحَدِيثَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (فَدَعَا ودعا) وَهَذِه الزِّيَادَة هِيَ الْمُطَابقَة للتَّرْجَمَة لِأَن الحَدِيث لَيْسَ فِيهِ مَا يدل على الدُّعَاء فضلا عَن تكريره.
والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (طب) على صِيغَة الْمَجْهُول، أَي: سحر، ومطبوب أَي: مسحور. قَوْله: (حَتَّى إِنَّه ليُخَيل إِلَيْهِ) على صِيغَة الْمَجْهُول وَاللَّام فِيهِ مَفْتُوحَة للتَّأْكِيد، وَقَالَ الْخطابِيّ: إِنَّمَا كَانَ يخيل إِلَيْهِ أَنه يفعل الشَّيْء وَلَا يَفْعَله فِي أَمر النِّسَاء خُصُوصا وإتيان أَهله إِذْ كَانَ قد أَخذ عَنْهُن بِالسحرِ دون مَا سواهُ فَلَا ضَرَر فِيمَا لحقه من السحر على نبوته وَلَيْسَ تَأْثِير السحر فِي أبدان الْأَنْبِيَاء بِأَكْثَرَ من الْقَتْل والسم وَلم يكن ذَلِك دافعاً لفضيلتهم، وَإِنَّمَا هُوَ ابتلاء من الله تَعَالَى، وَأما مَا يتَعَلَّق بِالنُّبُوَّةِ فقد عصمه الله من أَن يلْحقهُ الْفساد. قَوْله: (وَأَنه) أَي: وَأَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، (دَعَا ربه) قَوْله: (أشعرت؟) الْخطاب لعَائِشَة أَي: أعلمت؟ قَوْله: (رجلَانِ) أَحدهمَا جِبْرِيل وَالْآخر مِيكَائِيل أَتَيَاهُ فِي صُورَة الرِّجَال. قَوْله: (قَالَ: من طبه؟) أَي: من سحره. قَوْله: (لبيد بن الأعصم) قيل: كَانَ يَهُودِيّا، وَقيل: كَانَ منافقاً، وَقَالَ ابْن التِّين: يحْتَمل أَن يكون يَهُودِيّا ثمَّ أسلم وتستر بالنفاق. قَوْله: (فِي مشط) بِضَم الْمِيم وَهُوَ الَّذِي تسرح بِهِ اللِّحْيَة. قَوْله: (ومشاطة) بِضَم الْمِيم وَتَخْفِيف الشين هُوَ مَا يخرج من الشّعْر بالمشط. قَوْله: (وجف طلعة) بِضَم الْجِيم وَتَشْديد الْفَاء وَهُوَ وعَاء طلع النَّخْلَة يُطلق على الذّكر وَالْأُنْثَى. قَالَ الْكرْمَانِي: وَلِهَذَا قَيده. بقوله: (ذكر) . قَوْله: (ذروان) بِفَتْح الذَّال الْمُعْجَمَة وَسُكُون الرَّاء وبالواو وَالنُّون وَهُوَ بِئْر فِي الْمَدِينَة (فِي بني زُرَيْق) بِضَم الزَّاي وَفتح الرَّاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف. قَوْله: (نقاعة الْحِنَّاء) بِضَم النُّون وَتَخْفِيف الْقَاف وَهُوَ المَاء الَّذِي ينقع فِيهِ، والحناء مَمْدُود. قَوْله: (رُؤُوس الشَّيَاطِين) قَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : أَي الْحَيَّات، وَشبه النّخل برؤوس الشَّيَاطِين فِي كَونهَا وحشية المنظر وَهُوَ تَمْثِيل فِي استقباح الصُّورَة. قَوْله: (شرا) مثل تعلم الْمُنَافِقين السحر من ذَلِك فيؤذون الْمُسلمين بِهِ.
قَوْله: (زَاد عِيسَى بن يُونُس) أَي: زَاد على الحَدِيث الْمَذْكُور عِيسَى بن يُونُس بن أبي إِسْحَاق السبيعِي، وَمَضَت زِيَادَة عِيسَى مَوْصُولَة فِي الطِّبّ. قَوْله: (وَاللَّيْث)(23/16)
أَي: وَزَاد اللَّيْث بن سعد أَيْضا مثله وَتقدم الْكَلَام فِيهِ فِي صفة إِبْلِيس من كتاب بَدْء الْخلق، وروايتهما هَذِه الزياة عَن هِشَام عَن أَبِيه عُرْوَة عَن عَائِشَة، وسَاق الحَدِيث وَفِيه: (فَدَعَا ودعا مكرراً، وَلم يذكر هَذِه الزِّيَادَة فِي رِوَايَة أبي زيد الْمروزِي.
06 - (بابُ الدُّعاءِ عَلى المُشْرِكِينَ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الدُّعَاء على الْمُشْركين، ذكره هُنَا مُطلقًا وَذكر فِي كتاب الْجِهَاد: بَاب الدُّعَاء على الْمُشْركين بالهزيمة والزلزلة.
وَقَالَ ابنُ مَسْعُودٍ: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اللَّهُمَّ أعِنِّي عَليْهِمْ بِسَبْعٍ كَسَبْعِ يُوسفَ وَقَالَ: اللهُمَّ عَليْكَ بِأبي جَهْلٍ
مُطَابقَة هَذَا التَّعْلِيق للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَمضى هَذَا التَّعْلِيق مَوْصُولا فِي كتاب الاسْتِسْقَاء وَتقدم شَرحه أَيْضا. قَوْله: (وَقَالَ: اللَّهُمَّ عَلَيْك بِأبي جهل) ، أَي: بهلاكه، وَسقط هَذَا التَّعْلِيق من رِوَايَة أبي زيد، وَهُوَ طرف من حَدِيث ابْن مَسْعُود أَيْضا فِي قصَّة سلاء الْجَزُور الَّتِي أَلْقَاهَا أَشْقَى الْقَوْم على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقد مرت مَوْصُولَة فِي آخر كتاب الطَّهَارَة.
وَقَالَ ابنُ عُمَرَ: دَعا النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الصَّلاةِ: اللَّهُمَّ الْعَنْ فُلاناً وَفُلَانًا حتَّى أنْزَلَ الله عَزَّ وجلَّ لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمْر شَيْءٌ (آل عمرَان: 821)
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَهَذَا التَّعْلِيق تقدم مَوْصُولا فِي غَزْوَة أحد، وَفِي تَفْسِير سُورَة آل عمرَان، وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) فِيهِ حجَّة على أبي حنيفَة فِي قَوْله لَا يدعى فِي الصَّلَاة إلاَّ بِمَا فِي الْقُرْآن: وَإِن دَعَا بِغَيْرِهِ بطلت.
قلت: لَا حجَّة عَلَيْهِ فِي ذَلِك لِأَن ذَلِك فِي صَلَاة التَّطَوُّع، على أَن هَذِه الْآيَة ناسخة للعنة الْمُنَافِقين فِي الصَّلَاة وَالدُّعَاء عَلَيْهِم، وَأَنه عوض عَن ذَلِك الْقُنُوت فِي صَلَاة الصُّبْح، روى ذَلِك عَن ابْن وهب وَغَيره.
83 - (حَدثنَا ابْن سَلام أخبرنَا وَكِيع عَن ابْن أبي خَالِد قَالَ سَمِعت ابْن أبي أوفى رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ دَعَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - على الْأَحْزَاب فَقَالَ اللَّهُمَّ منزل الْكتاب سريع الْحساب اهزم الْأَحْزَاب اهزمهم وزلزلهم) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَابْن سَلام هُوَ مُحَمَّد بتَخْفِيف اللَّام على الْأَصَح وَابْن أبي خَالِد هُوَ إِسْمَاعِيل وَاسم أبي خَالِد سعد وَيُقَال هُرْمُز وَيُقَال كثير البَجلِيّ الأحمسي الْكُوفِي وَابْن أبي أوفى هُوَ عبد الله وَاسم أبي أوفى عَلْقَمَة وَكِلَاهُمَا صحابيان والْحَدِيث مضى فِي الْجِهَاد عَن أَحْمد بن مُحَمَّد وَأخرجه بَقِيَّة الْجَمَاعَة مَا خلا أَبَا دَاوُد وَكَانَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَدْعُو على الْمُشْركين على حسب ذنوبهم وإجرامهم وَكَانَ يُبَالغ فِي الدُّعَاء على من اشْتَدَّ أَذَاهُ على الْمُسلمين أَلا ترى أَنه لما أيس من قومه قَالَ اللَّهُمَّ اشْدُد وطأتك على مُضر الحَدِيث ودعا على أبي جهل بِالْهَلَاكِ ودعا على الْأَحْزَاب الَّذين اجْتَمعُوا يَوْم الخَنْدَق بالهزيمة والزلزلة فَأجَاب الله دعاءه فيهم فَإِن قلت قد نهى عَائِشَة عَن اللَّعْنَة على الْيَهُود وأمرها بالرفق وَالرَّدّ عَلَيْهِم بِمثل مَا قَالُوا وَلم يبح لَهَا الزِّيَادَة قلت يُمكن أَن يكون ذَلِك على وَجه التألف لَهُم والطمع فِي إسْلَامهمْ -
3936 - حدّثنا معاذُ بنُ فَضالَةَ حدّثنا هِشامٌ عنْ يَحْيَى عنْ أبي سَلَمَة عنْ أبي هُرَيْرَةَ أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَانَ إِذا قَالَ: سَمِعَ الله لِمَنْ حَمدَهُ، فِي الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ منْ صَلاَةِ العِشاءِ قَنَتَ:(23/17)
اللَّهُمَّ أنْجِ عَيَّاشَ بنَ أبي ربيعَةَ، اللَّهُمَّ أنْجِ الوَلِيدَ بنَ الوَليدِ، اللَّهُمَّ أنْجِ سَلَمَةَ بنَ هِشامٍ، اللهمَّ أنْجِ المسْتَضْعَفِينَ مِنَ المُؤْمِنينَ، اللَّهُمَّ اشْدُدْ وطأتُكَ عَلى مُضَرَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْها سِنِينَ كَسنِي يُوسُفَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (اللَّهُمَّ اشد وطأتك)
إِلَى آخِره. ومعاذ بِضَم الْمِيم وبالذال الْمُعْجَمَة ابْن فضَالة بِفَتْح الْفَاء وَتَخْفِيف الْمُعْجَمَة، وَهِشَام بن أبي عبد الله الدستوَائي، وَيحيى بن أبي كثير بالثاء الْمُثَلَّثَة، وَأَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن.
والْحَدِيث مضى فِي تَفْسِير سُورَة النِّسَاء فَإِنَّهُ أخرجه عَن أبي نعيم عَن شَيبَان عَن يحيى عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة. . إِلَى آخِره، وَمضى أَيْضا فِي الاسْتِسْقَاء من رِوَايَة الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة، وَعَيَّاش بتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالشين الْمُعْجَمَة. وَهَؤُلَاء الثَّلَاثَة الْمَذْكُورين فِيهِ أَسْبَاط الْمُغيرَة المَخْزُومِي.
قَوْله: (وطأتك) الْوَطْأَة بِفَتْح الْوَاو وَإِسْكَان الطَّاء هُوَ الدوس بالقدم، وَيُرَاد مِنْهَا الإهلاك لِأَن من يطَأ على الشَّيْء بِرجلِهِ فقد استقصى فِي هَلَاكه، وَمُضر قَبيلَة غير منصرف، وَفِيه: الْمُضَاف مَحْذُوف أَي: اشْدُد وطأتك على كفار مُضر.
4936 - ح دّثنا الحَسَنُ بنُ الرَّبِيعِ حدّثنا أبُو الأحْوَصِ عنْ عاصِمِ عنْ أنَسٍ رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: بَعَثَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، سَرِيَّةَ يُقالُ لَهُمْ: القُرَّاءُ، فأُصِيبُوا، فَما رأيْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وجَدَ على شَيْءٍ مَا وجَدَ عَلَيْهِمْ، فَقَنَتَ شَهْراً فِي صَلاَةِ الفَجْرِ ويقولُ: إنَّ عُصَيَّةً عَصَوا الله وَرَسُوله.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (فقنت) لِأَن قنوته كَانَ يتَضَمَّن الدُّعَاء عَلَيْهِم. وَالْحسن بن الرّبيع بِفَتْح الرَّاء وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة البجلى الْكُوفِي، وَأَبُو الْأَحْوَص سَلام بتَشْديد اللَّام ابْن سليم الْحَنَفِيّ الْكُوفِي، وَعَاصِم هُوَ ابْن سُلَيْمَان الْأَحول.
والْحَدِيث مضى فِي الْوتر عَن مُسَدّد وَفِي الْمَغَازِي عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل وَفِي الْجَنَائِز عَن عَمْرو بن عَليّ وَفِي الْجِزْيَة عَن أبي النُّعْمَان مُحَمَّد بن الْفضل. وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن أبي بكر وَأبي كريب وَغَيرهمَا.
قَوْله: (سَرِيَّة) هِيَ طَائِفَة من الْجَيْش يبلغ أقصاها أَرْبَعمِائَة تبْعَث إِلَى الْعَدو، وَجَمعهَا السَّرَايَا سموا بذلك لأَنهم يكونُونَ خُلَاصَة الْعَسْكَر وخيارهم من الشَّيْء السّري أَي النفيس. قَوْله: (يُقَال لَهُم) الْقُرَّاء سموا بِهِ لأَنهم كَانُوا أَكثر قِرَاءَة من غَيرهم، وَكَانُوا من أوزاع النَّاس ينزلون الصّفة يتعلمون الْقُرْآن وَكَانُوا ردْءًا للْمُسلمين، فَبعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، سبعين مِنْهُم إِلَى أهل نجد لتدعوهم إِلَى الْإِسْلَام، فَلَمَّا نزلُوا بِئْر مَعُونَة قصدهم عَامر بن الطُّفَيْل فِي أَحيَاء من عصية وَغَيرهم فَقَتَلُوهُمْ. قَوْله: (فأصيبوا) على صِيغَة الْمَجْهُول، أَي: قتلوا. قَوْله: (وجد) ، أَي: حزن حزنا شَدِيدا. قَوْله: (إِن عصية) مصغر العصي، وَهِي قَبيلَة، وَقد مر فِي الْجِهَاد أَنه قنت أَرْبَعِينَ يَوْمًا. وَمَفْهُوم الْعدَد لَا اعْتِبَار لَهُ.
5936 - حدّثنا عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ حَدثنَا هِشامُ أخبرنَا مَعْمَرٌ عَن الزُّهْرِيِّ عنْ عُروةَ عنْ عائَشَةَ رَضِي الله عَنْهَا، قَالَتْ: كانَ اليهُودُ يُسَلِّمُونَ على النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَقُولُونَ: السَّامُ عَلَيْكَ، فَفَطِنَتْ عائِشَةُ إِلَى قَوْلِهِمْ، فقالَتْ: عَليْكُمُ السّامُ واللّعْنةُ. فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَهْلاً يَا عَائِشَةُ {إنَّ الله يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأمْرِ كُلِّهِ. فقالَتْ: يَا نَبِيَّ الله} أوَلَمْ تَسْمَعْ مَا يَقُولُونَ؟ قَالَ: أوَلَمْ تَسْمَعي؟ أرُدُّ ذَلِك عَلَيْهِمْ فأقُولُ: وعَلَيْكُمْ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (فَأَقُول: وَعَلَيْكُم) فَإِنَّهُ دُعَاء عَلَيْهِم.
وَعبد الله بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بالسندي، وَهِشَام بن يُوسُف الصَّنْعَانِيّ، وَمعمر بِفَتْح الميمين ابْن رَاشد.
والْحَدِيث مر فِي كتاب الْأَدَب فِي: بَاب الرِّفْق فِي الْأَمر كُله، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبد الْعَزِيز بن عبد الله عَن إِبْرَاهِيم بن سعد عَن صَالح عَن ابْن شهَاب عَن عُرْوَة بن الزبير ... إِلَى آخِره.
قَوْله: (السام) ، هُوَ الْمَوْت.(23/18)
قَوْله: (مهلا) أَي: رفقا. وانتصابه على المصدرية: يُقَال: مهلا للْوَاحِد والاثنين وَالْجمع والمؤنث بِلَفْظ وَاحِد. قَوْله: (أَو لم تسمعي؟) ويروي: أَو لم تسمعين بالنُّون وَجوز بَعضهم إِلْغَاء عمل الجوازم والنواصب، وَقَالُوا: إِن عَملهَا أفْصح.
6936 - حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَى حدّثنا الأنْصارِيُّ حَدثنَا هِشامُ بنُ حَسَّانَ حَدثنَا مُحَمَّدُ بنُ سِيرِينَ حَدثنَا عَبيدَةُ حَدثنَا عَليُّ بنُ أبي طالبٍ رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: كُنّا مَعَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَوْمَ الخَنْدَقِ فَقَالَ: مَلأ الله قُبُورَهُمْ وبُيُوتَهُمْ نَارا كَما شَغلُونا عنْ صَلاَةِ الوُسْطى حتَّى غابَت الشَّمْسُ، وهْيَ صَلاَةُ العَصْرِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة والأنصاري هُوَ مُحَمَّد بن عبد الله بن الْمثنى القَاضِي وَهُوَ من شُيُوخ البُخَارِيّ. وَأخرج عَنهُ هُنَا بالواسطة، وَهِشَام بن حسان هَذَا وَإِن تكلم فِيهِ بَعضهم من قبل حفظه لكنه أثبت النَّاس فِي الشَّيْخ الَّذِي حدث عَنهُ حَدِيث الْبَاب وَهُوَ مُحَمَّد بن سِيرِين، وَقَالَ سعيد بن أبي عرُوبَة: مَا كَانَ أحد أحفظ عَن ابْن سِيرِين من هِشَام بن حسان، وَعبيدَة بِفَتْح الْعين وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة السَّلمَانِي بِسُكُون اللَّام.
والْحَدِيث مضى فِي غَزْوَة الخَنْدَق فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن إِسْحَاق عَن روح عَن هِشَام إِلَى آخِره. .
قَوْله: (كُنَّا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم الخَنْدَق) أَي: يَوْم غَزْوَة الخَنْدَق، وَهِي غَزْوَة الْأَحْزَاب. قَوْله: (مَلأ الله قُبُورهم) أَي: أَمْوَاتًا وَبُيُوتهمْ أَي: أَحيَاء. قَوْله: (كَمَا شغلونا) وَجه التَّشْبِيه اشتغالهم بالنَّار مستوجب لاشتغالهم عَن جَمِيع المحبوبات فَكَأَنَّهُ قَالَ: شغلهمْ الله عَنْهَا كَمَا شغلونا عَنْهَا. قَوْله: (وَهِي صَلَاة الْعَصْر) قَالَ الْكرْمَانِي: هُوَ تَفْسِير من الرَّاوِي إدراجاً مِنْهُ. وَقَالَ بَعضهم: فِيهِ نظر لِأَنَّهُ وَقع فِي الْمَغَازِي: إِلَى أَن غَابَتْ الشَّمْس، وَهُوَ مشْعر بِأَنَّهَا الْعَصْر.
قلت: هُنَا أَيْضا قَالَ: (حَتَّى غَابَتْ الشَّمْس) وَهَذَا لَا يدل على أَنَّهَا الْعَصْر وَحده، لِأَنَّهُ يجوز أَن يكون الظّهْر مَعَه، لِأَن مِنْهُم من ذهب إِلَى أَن الصَّلَاة الْوُسْطَى هِيَ الظّهْر، وَاسْتدلَّ هَذَا الْقَائِل أَيْضا بِأَن هَذِه اللَّفْظَة من نفس الحَدِيث، وَلَيْسَت بمدرجة بِحَدِيث حُذَيْفَة مَرْفُوعا: شغلونا عَن صَلَاة الْعَصْر، وَلَيْسَ استدلا لَهُ بِهِ صَحِيحا لِأَن فِيهِ التَّصْرِيح بالعصر فِي نفس الحَدِيث، وَهنا لَيْسَ كَذَلِك على مَا لَا يخفى.
16 - (بابُ الدُّعاءِ للْمُشْركِينَ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الدُّعَاء للْمُشْرِكين، وَقد تقدّمت هَذِه التَّرْجَمَة فِي كتاب الْجِهَاد، لَكِن قَالَ: بَاب الدُّعَاء للْمُشْرِكين بِالْهدى ليتألفهم، ثمَّ أخرج حَدِيث أبي هُرَيْرَة الَّذِي هُوَ حَدِيث الْبَاب، فَوجه الْبَابَيْنِ أَعنِي: بَاب الدُّعَاء على الْمُشْركين وَبَاب الدُّعَاء للْمُشْرِكين، باعتبارين فَفِي الأول: مُطلق الدُّعَاء عَلَيْهِم لأجل تماديهم على كفرهم وإيذائهم الْمُسلمين، وَفِي الثَّانِي: الدُّعَاء بالهداية ليتألفوا بِالْإِسْلَامِ. فَإِن قلت: جَاءَ فِي حَدِيث آخر: اغْفِر لقومي فَإِنَّهُم لَا يعلمُونَ.
قلت: مَعْنَاهُ: إهدهم إِلَى الْإِسْلَام الَّذِي تصح مَعَه الْمَغْفِرَة، لِأَن ذَنْب الْكفْر لَا يغْفر، أَو يكون الْمَعْنى: اغْفِر لَهُم إِن أَسْلمُوا.
7936 - حدّثنا عَليٌّ حدّثنا سُفْيانُ حدّثنا أبُو الزِّنادِ عَن الأعْرَجِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: قَدِمَ الطُّفَيْلُ بنُ عَمْرٍ وعَلى رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: يَا رسولَ الله! إنَّ دَوْساً قَدْ عَصَتْ وأبَتْ فادْعُ الله عَليْها، فَظَنَّ النَّاسُ أنَّهُ يَدْعُو عَلَيْهمْ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إهْدِ دَوْساً وأْتِ بِهِمْ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعلي هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَأَبُو الزِّنَاد بالزاي وَالنُّون عبد الله بن ذكْوَان، والأعرج عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز.
والْحَدِيث مضى فِي الْجِهَاد فِي الْبَاب الَّذِي ذكرنَا آنِفا.
قَوْله: (قدم الطُّفَيْل) بِضَم الطَّاء وَفتح الْفَاء ابْن عَمْرو بن طريف بن الْعَاصِ بن ثَعْلَبَة بن سليم بن غنم بن دوس الدوسي من دوس، أسلم الطُّفَيْل وَصدق النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِمَكَّة ثمَّ رَجَعَ إِلَى بِلَاد قومه من أَرض دوس فَلم يزل مُقيما بهَا حَتَّى هَاجر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ثمَّ قدم على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهُوَ بِخَيْبَر بِمن تبعه من قومه، فَلم يزل مُقيما مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ(23/19)
وَسلم، حَتَّى قبض ثمَّ كَانَ مَعَ الْمُسلمين حَتَّى قتل بِالْيَمَامَةِ شَهِيدا. وَقيل: قتل عَام اليرموك فِي خلَافَة عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَوْله: (إِن دوساً قد عَصَتْ وأبت) . أَي: امْتنعت عَن الْإِسْلَام، ودوس قَبيلَة أبي هُرَيْرَة. قَوْله: (وائت بهم) أَي: مُسلمين، أَو كِنَايَة عَن الْإِسْلَام، وَهَذَا من خلقه الْعَظِيم وَرَحمته على الْعَالمين حَيْثُ دَعَا لَهُم وهم طلبُوا الدُّعَاء عَلَيْهِم، وَحكى ابْن بطال أَن الدُّعَاء للْمُشْرِكين نَاسخ الدُّعَاء عَلَيْهِم وَدَلِيله قَوْله تَعَالَى: { (3) لَيْسَ لَك من الْأَمر شَيْء} (آل عمرَان: 821) ثمَّ قَالَ: وَالْأَكْثَر على أَن لَا نسخ وَأَن الدُّعَاء على الْمُشْركين جَائِز.
26 - (بابُ قَوْلِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أخَّرْتُ)
أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اللَّهُمَّ أَي: يَا الله اغْفِر لي مَا قدمت وَمَا أخرت. قَالَ النَّوَوِيّ: قَالَ ذَلِك تواضعاً، وعد ذَلِك على نَفسه ذَنبا. وَقيل: أَرَادَ مَا كَانَ عَن سَهْو، وَقيل: مَا كَانَ قبل النُّبُوَّة، وعَلى كل حَال هُوَ مغْفُور لَهُ مَا تقدم من ذَنبه وَمَا تَأَخّر، فَدَعَا بِهَذَا وَغَيره تواضعاً، وَلِأَن الدُّعَاء عبَادَة.
قلت: هَذَا إرشاد لأمته وَتَعْلِيم لَهُم، وَهُوَ مَعْصُوم عَن الذُّنُوب جَمِيعهَا قبل النُّبُوَّة وَبعدهَا، وَيحْتَمل أَن يكون المُرَاد مَا قدم الْفَاضِل وَأخر الْأَفْضَل.
8936 - حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ بَشارِ حَدثنَا عَبْدُ المَلِكِ بنُ صَبَّاحِ. حدّثنا شُعْبَةُ عَن أبي إسْحَاقَ عَن ابنِ أبي مُوسَى عنْ أبِيهِ عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أنَّه كَانَ يَدْعُو بِهاذا الدُّعاءِ: ربِّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتي وجَهْلِي وإسْرافِي فِي أمْرِي كُلِّهِ وَمَا أنْتَ أعْلَمُ بِهِ مِنِّي، اللَّهُمَّ اغْفرْ لِي خَطايايَ وعَمْدي وجَهْلِي وهَزْلِي وكُلُّ ذالِكَ عِنْدي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قدَّمْتُ وَمَا أخَّرْتُ وَمَا أسْرَرْتُ وَمَا أعْلَنْتُ أنْتَ المُقَدِّمُ وأنْتَ المُؤَخِّرُ وأنْتَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعبد الْملك بن صباح بِفَتْح الصَّاد الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة الْبَصْرِيّ، وَمَاله فِي البُخَارِيّ إلاَّ هَذَا الْموضع، وَأَبُو إِسْحَاق عَمْرو بن عبد الله السبيعِي، وَابْن أبي مُوسَى قَالَ الْكرْمَانِي: الطَّرِيق الَّذِي بعده يشْعر بِأَن المُرَاد بِهِ أَبُو بردة بن أبي مُوسَى يَعْنِي عَامِرًا، وَالرِّوَايَة الَّتِي بعد الطَّرِيق أَنه هُوَ أَبُو بكر بن أبي مُوسَى، لَكِن قَالَ الكلاباذي: هُوَ عَمْرو بن أبي مُوسَى، وَأَبُو مُوسَى هُوَ عبد الله بن قيس الْأَشْعَرِيّ.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الدَّعْوَات أَيْضا عَن عبيد الله بن مُعَاوِيَة وَعَن مُحَمَّد بن بشار بِهِ.
قَوْله: (خطيئتي) هِيَ الذَّنب، وَيجوز فِيهِ تسهيل الْهمزَة فَيُقَال: خطية، بتَشْديد الْيَاء. قَوْله: (وجهلي) الْجَهْل ضد الْعلم. قَوْله: (وإسرافي) الْإِسْرَاف هُنَا التجاوز عَن الْحَد. قَوْله: (خطاياي) جمع خَطِيئَة، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ عَن قريب. قَوْله: (وعمدي) الْعمد ضد السَّهْو وَالْجهل ضد الْعلم والهزل ضد الْجد وَعطف الْعمد على الْخَطَأ إِمَّا عطف الْخَاص على الْعَام بِاعْتِبَار أَن الْخَطِيئَة أَعم من التعمد، أَو من عطف أحد المتقابلين على الآخر، بِأَن يحمل الْخَطِيئَة على مَا وَقع على سَبِيل الْخَطَأ. قَوْله: (أَنْت الْمُقدم) أَي: تقدم من تشَاء من خلقك إِلَى رحمتك بتوفيقك، (وَأَنت الْمُؤخر) تُؤخر من تشَاء عَن ذَلِك بخذلانك.
وَقَالَ عُبَيْد الله بنُ مُعاذٍ: وحدّثنا أبي حدّثنا شُعْبَةُ عنْ أبي إسْحاقَ عنْ أبي بُرْدَةَ بن أبي مُوسى عنْ أبِيهِ عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِنَحْوِهِ.
هَذَا تَعْلِيق عَن عبيد الله بتصغير عبد ابْن معَاذ بِضَم الْمِيم الْعَنْبَري التَّمِيمِي الْبَصْرِيّ، قَالَ الْكرْمَانِي: ويروى: عبد الله، مكبراً وَهُوَ غير صَحِيح، وَعبيد الله هَذَا يروي عَن أَبِيه معَاذ عَن شُعْبَة بن الْحجَّاج عَن أبي إِسْحَاق عَمْرو بن عبد الله السبيعِي عَن أبي بردة عَامر بن أبي مُوسَى عبد الله بن قيس الْأَشْعَرِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِنَحْوِ الحَدِيث الْمَذْكُور. وَأخرجه مُسلم بِصَرِيح التحديث: حَدثنَا عبيد الله بن معَاذ.
9936 - حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ المُثْنَّى حدّثنا عُبَيْدُ الله بنُ عَبْدِ المَجيدِ حَدثنَا إسْرَائِيلُ حدّثا أبُو إسْحاق(23/20)
َ عنْ أبِي بَكْرِ بنِ أبي مُوسَى وَأبي بُردَةَ أحْسِبُهُ عنْ أبي مُوسى الأشْعَريِّ عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أنَّه كَانَ يَدْعو: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطِيئتي وجَهْلِي وإسْرافي فِي أمْرِي وَمَا أنْتَ أعْلَمُ بِهِ منِّي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي هَزْلِي وجِدِّي وخَطَئِي وعَمْدي وكلُّ ذالِكَ عِنْدِي. (انْظُر الحَدِيث 8936) [/ ح.
هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور عَن مُحَمَّد بن الْمثنى ضد الْمُفْرد عَن عبيد الله بن عبد الْمجِيد الْحَنَفِيّ الْبَصْرِيّ، قَالَ الْكرْمَانِي: ويروى: عَن عبد الحميد، وَالْأول هُوَ الصَّحِيح عَن إِسْرَائِيل بن يُونُس عَن جده أبي إِسْحَاق عَمْرو عَن أبي بكر، وَأبي بردة ابْني أبي مُوسَى عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، وَلم يشك فِيهِ.
قَوْله: (وَمَا أَنْت أعلم بِهِ مني) أَي: من الذُّنُوب. قَوْله: (وخطئي) هَكَذَا بِالْإِفْرَادِ فِي رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: خطاياي، بِالْجمعِ. قَوْله: (وكل ذَلِك عِنْدِي) أَي: أَنا متصف بِهَذِهِ الْأَشْيَاء فاغفرها. وَقَالَ الْكرْمَانِي: قَالَ الْقَرَافِيّ فِي (كتاب الْقَوَاعِد) : قَول الْقَائِل فِي دُعَائِهِ: اللَّهُمَّ اغْفِر لي وَلِجَمِيعِ الْمُسلمين، دُعَاء بالمحال لِأَن صَاحب الْكَبِيرَة يدْخل النَّار وَدخُول النَّار يُنَافِي الغفران. أَقُول: فِيهِ منع ومعارضة، أما الْمَنْع فَلَا نسلم الْمُنَافَاة إِذا الْمنَافِي هُوَ الدُّخُول المخلد كَمَا للْكفَّار إِذْ الْإِخْرَاج من النَّار بالشفاعة وَنَحْوهَا أَيْضا غفران، وَأما الْمُعَارضَة فَهِيَ بقوله تَعَالَى حِكَايَة عَن نوح عَلَيْهِ السَّلَام: { (71) رب اغْفِر لي ولوالدي وَلمن دخل بَيْتِي. . مُؤمنا وَلِلْمُؤْمنِينَ وَالْمُؤْمِنَات} (نوح: 82) وَقَالَ بَعضهم: نقل الْكرْمَانِي تبعا لمغلطاي عَن الْقَرَافِيّ ... إِلَى آخِره.
قلت: قطّ لم يتبع الْكرْمَانِي أحدا فِي نَقله هَذَا عَن الْقَرَافِيّ. وَفِيه: ترك الْأَدَب أَيْضا حَيْثُ يُصَرح بقوله مغلطاي، وَلَو كَانَ الشَّيْخ عَلَاء الدّين مغلطاي تِلْمِيذه أَو رَفِيقه فِي الِاشْتِغَال لم يكن من الْأَدَب أَن يذكرهُ باسمه بِدُونِ التَّعْظِيم، وَقَالَ فِي آخر كَلَامه: لم يظْهر لي مُنَاسبَة ذكر هَذِه الْمَسْأَلَة فِي هَذَا الْبَاب.
قلت: وَجه الْمُنَاسبَة فِي ذَلِك أظهر من كل شَيْء وَقد ظهر لغيره من أَصْحَاب التَّحْقِيق مَا لم يظْهر لَهُ لقُصُور تَأمله، وَالله أعلم.
36 - (بابُ الدُّعاءِ فِي السَّاعَةِ الَّتِي فِي يَوْمِ الجُمُعَةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان السَّاعَة الَّتِي يُرْجَى فِيهَا إِجَابَة الدُّعَاء يَوْم الْجُمُعَة، وَقد ذكر فِي كتاب الْجُمُعَة: بَاب السَّاعَة الَّتِي فِي يَوْم الْجُمُعَة، وَلم يعين أَيَّة سَاعَة هِيَ، لَا هُنَا وَلَا هُنَاكَ، وَفِي تَعْيِينهَا أَقْوَال كَثِيرَة ذَكرنَاهَا فِي كتاب الْجُمُعَة.
0046 - حدّثنا مُسَدَّدٌ حدّثنا إسْمَاعِيلُ بنُ إبْراهيمَ أخبرنَا أيُّوبُ عنْ مُحَمَّدٍ عنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: قَالَ أبُو القاسِمِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فِي الجُمُعَةِ ساعَةٌ لَا يُوافِقُها مُسْلِمٌ وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي يَسْألُ خَيْراً إلاَّ أعْطاهُ، وَقَالَ بِيَدِهِ. قُلْنا: يقَلِّلها يُزَهِّدُها.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَإِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم هُوَ إِسْمَاعِيل بن علية، وَأَيوب هُوَ السّخْتِيَانِيّ، وَمُحَمّد هُوَ ابْن سِيرِين.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن زُهَيْر بن حَرْب. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن عَمْرو بن زُرَارَة.
قَوْله: (حَدثنَا) ويروى: أخبرنَا قَوْله: (فِي الْجُمُعَة سَاعَة) ويروى: فِي يَوْم الْجُمُعَة، وَلَفظ مُسلم: إِن فِي الْجُمُعَة لساعة لَا يُوَافِقهَا مُسلم. . إِلَى آخِره نَحوه. قَوْله: (وَهُوَ قَائِم يُصَلِّي يسْأَل) ثَلَاثَة أَحْوَال متداخلة أَو مترادفة. قَوْله: (يسْأَل خيرا) ويروى: يسْأَل الله خيرا، وَقيد بِالْخَيرِ ليخرج مثل الدُّعَاء بالإثم وَقَطِيعَة الرَّحِم وَنَحْو ذَلِك. قَوْله: (قَالَ بِيَدِهِ) أَي: أَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى أَنَّهَا سَاعَة لَطِيفَة خَفِيفَة قَليلَة، وَفِي رِوَايَة مُسلم بعد ذكر حَدِيث أبي هُرَيْرَة الْمَذْكُور قَالَ: وَهِي سَاعَة خَفِيفَة. قَوْله: (قُلْنَا: يقللها) أَي: يقلل تِلْكَ السَّاعَة. قَوْله: (يزهدها) يحْتَمل أَن يكون تَأْكِيدًا لقَوْله: قَوْله: (يقللها) لِأَن التزهيد أَيْضا التقليل، وَإِلَى ذَلِك أَشَارَ الْخطابِيّ، وَوَقع فِي رِوَايَة الأسماعيلي من رِوَايَة زُهَيْر بن حَرْب: يقللها ويزهدها، بواو الْعَطف وَهُوَ أَيْضا للتَّأْكِيد، وَوَقع فِي رِوَايَة أبي عوَانَة عَن الزَّعْفَرَان عَن إِسْمَاعِيل بِلَفْظ: وَقَالَ بِيَدِهِ هَكَذَا، فَقُلْنَا: بزهدها أَو يقللها.
46 - (بابُ قَوْل النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَسْتَجابُ لَنا فِي اليَهُودِ وَلَا يُسْتَجابُ لَهُمْ فِينا)
أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يُسْتَجَاب الدُّعَاء الَّذِي لنا فِي حق الْيَهُود لأَنا لَا ندعوا إلاَّ بِالْحَقِّ، وَلَا يُسْتَجَاب للْيَهُود(23/21)
فِي حَقنا لأَنهم يدعونَ علينا بالظلم.
1046 - حدّثنا قَتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ حدّثنا عَبْدُ الوَهَّابِ حدّثنا أيُّوبُ عَن ابْن أبي مُلَيْكَةَ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا، أنَّ اليَهُودِ أتَوْا النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقالُوا: السَّام عَلَيْكَ. قَالَ: وعَليْكُمْ. فقالَتْ عائِشَةُ: السَّامُ عَليْكُمْ ولَعَنَكُمُ الله وغَضِبَ عَلَيْكُمْ. فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَهْلاً يَا عائِشَةُ! عَلَيْكِ بالرِّفْقِ وإيَّاكِ والعُنْفَ أَو الفُحْشَ قالَتْ: أوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قالُوا؟ قَالَ: أوَلَمْ تَسْمِعَي مَا قُلْتُ؟ رَدَدْتُ عَلَيْهِمْ، فَيُسْتَجابُ لِي فِيهِمْ وَلَا يُسْتَجابُ لَهُمْ فيَّ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي آخر الحَدِيث. وَعبد الْوَهَّاب بن عبد الْمجِيد الثَّقَفِيّ، وَأَيوب هُوَ السّخْتِيَانِيّ، وَابْن أبي مليكَة عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن أبي مليكَة بِضَم الْمِيم واسْمه زُهَيْر.
والْحَدِيث مضى عَن قريب فِي: بَاب الدُّعَاء على الْمُشْركين.
قَوْله: (قَالَ: وَعَلَيْكُم) قيل: الْوَاو، وتقتضى التَّشْرِيك وَأجِيب: أَن مَعْنَاهُ: وَعَلَيْكُم الْمَوْت إِذْ {كل من عَلَيْهَا فان} (الرَّحْمَن: 62) أَو الْوَاو للاستئناف أَي: عَلَيْكُم مَا تستحقونه من الذَّم. قَوْله: (والعنف) مُثَلّثَة الْعين وَهُوَ ضد الرِّفْق قَوْله: (أَو الْفُحْش) شكّ من الرَّاوِي. قَوْله: (فِي) بتَشْديد الْيَاء.
56 - (بابُ التَّأمِينِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان قَول ... آمين، عقيب الدُّعَاء.
2046 - حدّثنا عَلَيُّ بنُ عَبْدِ الله حدّثنا سُفْيانُ قَالَ الزُّهْرِيُّ: حدَّثْنَاهُ عنْ سَعِيدِ بنِ المُسَيَّبِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِذا أمَّنَ القارِيءُ فأمِّنُوا فإنَ الملائِكَةَ تُؤَمِّنُ، فَمَنْ وافَقَ تَأْمينُهُ تَأْمِينَ المَلائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ.
(انْظُر الحَدِيث 087)
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعلي بن عبد الله بن الْمَدِينِيّ، وسُفْيَان بن عُيَيْنَة.
والْحَدِيث مضى فِي الصَّلَاة فِي: بَاب جهر الإِمَام بالتأمين، وَفِي بَابَيْنِ أَيْضا بعده.
قَوْله: (قَالَ الزُّهْرِيّ: حدّثنَاهُ) بِفَتْح الدَّال الْمُشَدّدَة وَفتح الثَّاء الْمُثَلَّثَة واصله: حَدثنَا سُفْيَان حَدثنَا الزُّهْرِيّ عَن سعيد بن الْمسيب. قَوْله: (القارىء) أَعم من أَن يكون إِمَامًا أَو غَيره فِي الصَّلَاة وخارجها. قَوْله: (فَمن وَافق) الْمُوَافقَة إِمَّا فِي الزَّمَان وَإِمَّا فِي الصّفة من الْخُشُوع وَنَحْوه. قَوْله: (من ذَنبه) أَي: ذَنبه الْخَاص بِحُقُوق الله عز وَجل، علم ذَلِك بالدلائل الخارجية وَأما فقه الْبَاب فقد تقدم فِي كتاب الصَّلَاة.
66 - (بابُ فَضْلِ التَّهْلِيلِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان فضل قَول: لَا إِلَه إِلَّا الله.
3046 - حدّثنا عَبْدُ الله بنُ مَسْلَمَةَ عنْ مالِكِ عنْ سَمَيٍّ عَن أبي صالِحِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ، أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: مَنْ قَالَ: لَا إلهَ إلاَّ الله وَحْدَهُ لَا شريك لهُ لهُ الملْكُ ولهُ الحَمْدُ وهْوَ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، فِي يَوْمٍ مائَةَ مَرَّةٍ كانَتْ لهُ عَدْلَ عَشْرٍ رِقابٍ، وكُتِبَ لهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ، ومحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ، وكانَتْ لَهُ حِرْزاً مِنَ الشَّيْطانِ يَوْمَهُ ذالِكَ حتَّى يمْسِيَ، ولَمْ يَأْتِ أحَدٌ بِأفْضَلَ مِمَّا جاءَ إلاَّ رَجُلٌ عَمِلَ أكْثَرَ مِنْهُ. (انْظُر الحَدِيث 3923) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَسمي بِضَم السِّين الْمُهْملَة وَفتح الْمِيم وَتَشْديد الْيَاء مولى أبي بكر بن عبد الرَّحْمَن المَخْزُومِي، وَأَبُو صَالح ذكْوَان الزيات.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب بَدْء الْخلق فِي: بَاب صفة إِبْلِيس وَجُنُوده فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبد الله بن يُوسُف(23/22)
وَهنا عَن عبد الله بن مسلمة وَكِلَاهُمَا عَن مَالك، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (عدل) بِفَتْح الْعين الْمثل والنظير أَي: مثل إِعْتَاق عشر رِقَاب، وَقَالَ ابْن التِّين: قرأناه بِفَتْح الْعين، وَقَالَ الْأَخْفَش: الْعدْل بِالْكَسْرِ الْمثل وبالفتح أَصله مصدر قَوْلك: عدلت لهَذَا عدلا حسنا تَجْعَلهُ اسْما للمثل فَتفرق بَينه وَبَين عدل الْمَتَاع، وَقَالَ الْفراء: الْفَتْح مَا عدل الشَّيْء من غير جنسه وَالْأَكْثَر الْمثل وَإِذا أردْت قِيمَته من غير جنسه نصبت، وَرُبمَا كسرهَا بعض الْعَرَب وَكَانَ مِنْهُم غلط. قَوْله: (وَكتب) بالتذكير رِوَايَة الْكشميهني، أَي: كتب القَوْل الْمَذْكُور، وَفِي رِوَايَة غَيره: كتبت، بالتأنيث قَوْله: (حرْزا) بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الرَّاء وبالزاي الْموضع الْحصين والعوذة.
95 - (حَدثنَا عبد الله بن مُحَمَّد حَدثنَا عبد الْملك بن عَمْرو حَدثنَا عمر بن أبي زَائِدَة عَن أبي إِسْحَق عَن عَمْرو بن مَيْمُون قَالَ من قَالَ عشرا كَانَ كمن أعتق رَقَبَة من ولد إِسْمَاعِيل قَالَ عمر بن أبي زَائِدَة وَحدثنَا عبد الله بن أبي السّفر عَن الشّعبِيّ عَن الرّبيع بن خثيم مثله فَقلت للربيع مِمَّن سمعته فَقَالَ من عَمْرو بن مَيْمُون فَأتيت عَمْرو بن مَيْمُون فَقلت مِمَّن سمعته فَقَالَ من ابْن أبي ليلى فَأتيت ابْن أبي ليلى فَقلت مِمَّن سمعته فَقَالَ من أبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ يحدثه عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَقَالَ إِبْرَاهِيم بن يُوسُف عَن أَبِيه عَن أبي إِسْحَق حَدثنِي عَمْرو بن مَيْمُون عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى عَن أبي أَيُّوب قَوْله عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: وَقَالَ مُوسَى حَدثنَا وهيب عَن دَاوُد عَن عَامر عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى عَن أبي أَيُّوب عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: وَقَالَ إِسْمَاعِيل عَن الشّعبِيّ عَن الرّبيع قَوْله: وَقَالَ آدم حَدثنَا شُعْبَة حَدثنَا عبد الْملك بن مسيرَة سَمِعت هِلَال بن يسَاف عَن الرّبيع بن خثيم وَعَمْرو بن مَيْمُون عَن ابْن مَسْعُود قَوْله وَقَالَ الْأَعْمَش وحصين عَن هِلَال عَن الرّبيع عَن عبد الله قَوْله وَرَوَاهُ أَبُو مُحَمَّد الْحَضْرَمِيّ عَن أبي أَيُّوب عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ كمن أعتق رَقَبَة من ولد إِسْمَاعِيل) عبد الله بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بالمسندي وَعبد الْملك بن عَمْرو بِفَتْح الْعين أَبُو عَامر الْعَقدي بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَفتح الْقَاف مَشْهُور بكنيته أَكثر من اسْمه وَعمر بِضَم الْعين ابْن أبي زَائِدَة على وزن فاعلة من الزِّيَادَة واسْمه خَالِد وَقيل ميسرَة وَهُوَ أَخُو زَكَرِيَّا بن أبي زَائِدَة الْهَمدَانِي وزَكَرِيا أَكثر حَدِيثا مِنْهُ وَأشهر مَاتَ سنة تسع وَأَرْبَعين وَمِائَة وَأَبُو اسحق عَمْرو بن عبد الله السبيعِي التَّابِعِيّ الصَّغِير وَعَمْرو بن مَيْمُون الأودي بِالْوَاو وَالدَّال الْمُهْملَة التَّابِعِيّ الْكَبِير المخضرم أدْرك الْجَاهِلِيَّة وَهُوَ الَّذِي رجم القردة فِي حكايته الْمَشْهُورَة وَكَانَ بِالشَّام ثمَّ سكن بَغْدَاد وَسمع معَاذ بن جبل بِالْيمن وَالشَّام عِنْدهمَا وَعمر بن الْخطاب وَابْن مَسْعُود وَسعد بن أبي وَقاص عِنْد البُخَارِيّ وَسمع ابْن أبي ليلى وَعَائِشَة وَابْن مَسْعُود عِنْد مُسلم مَاتَ فِي ولَايَة الْحجَّاج قبل الجماجم قَوْله قَالَ من قَالَ عشرا أَي من قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده إِلَى آخِره عشر مَرَّات كَانَ كمن أعتق رَقَبَة وَاحِدَة من ولد إِسْمَاعِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَلَا يخفى أَن النِّسْبَة بَين الْحَدِيثين مَحْفُوظَة إِذْ نِسْبَة الْمِائَة إِلَى الْعشْرَة كنسبة الْعشْرَة إِلَى الرَّقَبَة الْوَاحِدَة وَهَكَذَا ذكره البُخَارِيّ مُخْتَصرا مُرْسلا وَرَوَاهُ مُسلم مطولا وَقَالَ حَدثنَا سُلَيْمَان بن عبيد الله أَبُو أَيُّوب الغيلاني حَدثنَا أَبُو عَامر يَعْنِي الْعَقدي حَدثنَا عمر بن أبي زَائِدَة عَن أبي اسحق عَن عَمْرو بن مَيْمُون قَالَ من قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ لَهُ الْملك وَله الْحَمد وَهُوَ على كل شَيْء قدير عشر مَرَّات كَانَ كمن أعتق أَرْبَعَة أنفس من ولد إِسْمَاعِيل فَإِن قلت مَا وَجه تَخْصِيص الذّكر من ولد إِسْمَاعِيل عَلَيْهِ السَّلَام قلت لِأَن عتق من كَانَ من وَلَده لَهُ فضل على عتق غَيره وَذَلِكَ أَن مُحَمَّدًا وَإِسْمَاعِيل(23/23)
وَإِبْرَاهِيم صلوَات الله عَلَيْهِم وَسَلَامه بَعضهم من بعض قَوْله قَالَ عمر بن أبي زَائِدَة هَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين وَفِي رِوَايَة أبي ذَر قَالَ عمر غير مَنْسُوب قَوْله وَحدثنَا عبد الله بن أبي السّفر بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَفتح الْفَاء وَقيل بتسكينها وَهُوَ غير صَحِيح وَاسم أبي السّفر سعيد بن مُحَمَّد الثَّوْريّ الْهَمدَانِي الْكُوفِي مَاتَ فِي خلَافَة مَرْوَان فَإِن قلت مَا هَذِه الْوَاو فِي قَوْله وَحدثنَا قلت هُوَ وَاو الْعَطف على قَوْله عَن أبي اسحق تَقْدِيره قَالَ عمر بن أبي زَائِدَة حَدثنَا أَبُو اسحق وَحدثنَا عبد الله بن أبي السّفر عَن عَامر بن شرَاحِيل الشّعبِيّ عَن الرّبيع بِفَتْح الرَّاء وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة ابْن خثيم بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَالْمِيم ابْن عَائِذ بن عبد الله الثَّوْريّ الْكُوفِي سمع عبد الله بن مَسْعُود عِنْد البُخَارِيّ وَعَمْرو بن مَيْمُون عِنْدهمَا مَاتَ فِي ولَايَة عبد الله بن زِيَاد قَوْله " مثله " أَي مثل مَا رَوَاهُ أَبُو اسحق عَن عَمْرو بن مَيْمُون وَحَاصِل ذَلِك أَن عمر بن أبي زَائِدَة أسْندهُ عَن شيخين (أَحدهمَا) عَن أبي اسحق عَن عَمْرو بن مَيْمُون مَوْقُوفا (وَالثَّانِي) عَن عبد الله بن أبي السّفر عَن الشّعبِيّ عَن الرّبيع بن خثيم عَن عَمْرو بن مَيْمُون عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى عَن أبي أَيُّوب خَالِد الْأنْصَارِيّ الخزرجي مَرْفُوعا وَهُوَ معنى قَوْله فَقلت للربيع مِمَّن سمعته إِلَى قَوْله يحدثه عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَي يحدث أَبُو أَيُّوب عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَوْله وَقَالَ إِبْرَاهِيم بن يُوسُف هَذَا تَعْلِيق أَفَادَ التَّصْرِيح بتحديث عَمْرو لأبي اسحق وَإِبْرَاهِيم هَذَا يروي عَن أَبِيه يُوسُف بن اسحق بن أبي اسحق عَمْرو السبيعِي الْكُوفِي وَهُوَ يروي عَن جده أبي اسحق قَالَ حَدثنِي عَمْرو بن مَيْمُون عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى عَن أبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ قَوْله عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَوْله وَقَالَ مُوسَى أَي ابْن إِسْمَاعِيل الْمنْقري التَّبُوذَكِي أحد مَشَايِخ البُخَارِيّ إِنَّمَا أَتَى بِلَفْظ قَالَ لِأَنَّهُ تحمل مِنْهُ مذاكرة ونقلا أَو هُوَ تَعْلِيق وَهُوَ يروي عَن وهيب مصغر وهب بن خَالِد عَن دَاوُد بن أبي هِنْد الْقشيرِي الْبَصْرِيّ وَاسم أبي هِنْد دِينَار وَدَاوُد يروي عَن عَامر الشّعبِيّ عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى عَن أبي أَيُّوب خَالِد الْأنْصَارِيّ عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَوصل هَذَا التَّعْلِيق أَبُو بكر بن أبي خَيْثَمَة فِي تَارِيخه حَدثنَا مُوسَى بن إِسْمَاعِيل حَدثنَا وهيب بن أبي خَالِد عَن دَاوُد بن أبي هِنْد عَن عَامر الشّعبِيّ وَلَفظه كَانَ لَهُ من الْأجر مثل من أعتق أَرْبَعَة أنفس من ولد إِسْمَاعِيل عَلَيْهِ السَّلَام قَوْله وَقَالَ إِسْمَاعِيل أَي ابْن أبي خَالِد الأحمسي البَجلِيّ وَقد مر ذكره عَن قريب وَهُوَ يروي عَن عَامر الشّعبِيّ عَن الرّبيع بن خثيم قَوْله أَي قَول الرّبيع وَأَشَارَ بِهِ إِلَى أَنه مَوْقُوف قَوْله وَقَالَ آدم أَي ابْن أبي إِيَاس أحد مَشَايِخ البُخَارِيّ حَدثنَا شُعْبَة حَدثنَا عبد الْملك بن ميسرَة الزراد أَبُو زيد العامري قَالَ سَمِعت هِلَال بن يسَاف بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَكسرهَا وبالسين الْمُهْملَة وبالفاء الْأَشْجَعِيّ عَن الرّبيع بن خثيم وَعَمْرو بن مَيْمُون عَن عبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَوْله وَهَذَا أَيْضا إِمَّا مذاكرة وَإِمَّا تَعْلِيق وَوَقع عِنْد الدَّارَقُطْنِيّ أَن البُخَارِيّ قَالَ فِيهِ حَدثنَا آدم فعلى هَذَا يكون مَوْصُولا وَأخرجه النَّسَائِيّ من رِوَايَة مُحَمَّد بن جَعْفَر عَن شُعْبَة بِسَنَدِهِ الْمَذْكُور وسَاق الْمَتْن وَلَفظه عَن عبد الله هُوَ ابْن مَسْعُود قَالَ لِأَن أَقُول لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ الحَدِيث وَفِيه أحب إِلَيّ من أَربع رِقَاب قَوْله وَقَالَ الْأَعْمَش أَي سُلَيْمَان وحصين مصغر الْحصن بالمهملتين وَالنُّون ابْن عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ الْكُوفِي كِلَاهُمَا عَن هِلَال بن يسَاف عَن الرّبيع بن خثيم عَن عبد الله بن مَسْعُود وَأما تَعْلِيق الْأَعْمَش فوصله النَّسَائِيّ من طَرِيق وَكِيع عَنهُ وَلَفظه عَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ من قَالَ أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَقَالَ فِيهِ كَانَ لَهُ عدل أَربع رِقَاب من ولد إِسْمَاعِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَأما تَعْلِيق حُصَيْن فوصله مُحَمَّد بن الْفضل فِي كتاب الدُّعَاء لَهُ حَدثنَا حُصَيْن بن عبد الرَّحْمَن فَذكره وَلَفظه قَالَ عبد الله من قَالَ أول النَّهَار لَا إِلَه إِلَّا الله فَذكره بِلَفْظ كن كَعدْل أَربع رِقَاب تحرر من ولد إِسْمَاعِيل قَوْله وَرَوَاهُ أَي وروى الحَدِيث الْمَذْكُور أَبُو مُحَمَّد الْحَضْرَمِيّ كَذَا فِي رِوَايَة أبي ذَر والنسفي وَفِي رِوَايَة غَيرهمَا وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد لَا يعرف اسْمه وَكَانَ يخْدم أَبَا أَيُّوب وَقَالَ الْحَافِظ الْمزي أَنه أَفْلح مولى أبي أَيُّوب وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ لَا يعرف أَبُو مُحَمَّد إِلَّا فِي هَذَا الحَدِيث وَلَيْسَ لَهُ فِي الصَّحِيح إِلَّا هَذَا الْموضع وَوَصله الإِمَام أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ من طَرِيق سعيد بن إِيَاس الْجريرِي عَن أبي الْورْد بِفَتْح الْوَاو وَسُكُون الرَّاء واسْمه ثُمَامَة بن حزن بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الزَّاي وبالنون الْقشيرِي(23/24)
عَن أبي مُحَمَّد الْحَضْرَمِيّ عَن أبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ قَالَ لما قدم النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْمَدِينَة نزل عَليّ فَقَالَ يَا أَبَا أَيُّوب أَلا أعلمك قلت بلَى يَا رَسُول الله قَالَ مَا من عبد يَقُول إِذا أصبح لَا إِلَه إِلَّا الله فَذكره إِلَّا كتب الله لَهُ بهَا عشر حَسَنَات ومحى عَنهُ عشر سيئات وَإِلَّا كن لَهُ عِنْد الله عدل عشر رِقَاب يحررن وَإِلَّا كَانَ فِي جنَّة من الشَّيْطَان حَتَّى يُمْسِي وَلَا قَالَهَا حِين يُمْسِي إِلَّا كَانَ كَذَلِك قَالَ قلت لأبي مُحَمَّد أَنْت سَمعتهَا من أبي أَيُّوب قَالَ وَالله لسمعتها من أبي أَيُّوب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ
(قَالَ أَبُو عبد الله وَالصَّحِيح قَول عَمْرو) أَبُو عبد الله هُوَ البُخَارِيّ نَفسه قَوْله قَول عمر وَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر وَحده وَالصَّوَاب بِضَم الْعين قيل الظَّاهِر أَن الْوَاو وَاو الْعَطف وَوَقع عِنْد أبي زيد الْمروزِي فِي رِوَايَته الصَّحِيح قَول عبد الْملك بن عَمْرو وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ الحَدِيث حَدِيث ابْن أبي السّفر عَن الشّعبِيّ وَهُوَ الَّذِي ضبط الْإِسْنَاد -
76 - (بابُ فَضْلِ التَّسْبِيحِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان فضل التَّسْبِيح، وَهُوَ قَول: سُبْحَانَ الله، وَهُوَ أَي لفظ: سُبْحَانَ الله، اسْم مصدر وَهُوَ التَّسْبِيح، وَقيل: بل سُبْحَانَ مصدر لِأَنَّهُ سمع لَهُ فعل ثلاثي وَهُوَ من الْأَسْمَاء اللَّازِمَة للإضافة، وَقد يفرد، وَإِذا أفرد منع الصّرْف للتعريف وَزِيَادَة الْألف وَالنُّون كَقَوْلِه:
(أَقُول لما جَاءَنِي فخره ... سُبْحَانَ من عَلْقَمَة الفاخر)
وَجَاء منوناً كَقَوْلِه:
(سُبْحَانَهُ ثمَّ سبحاناً يعود لَهُ ... وَقَبلنَا سبح الجوديُّ والجمدُ)
فَقيل: صرف ضَرُورَة، وَقيل: هُوَ بِمَنْزِلَة: قبل وَبعد، إِن نوى تَعْرِيفه بَقِي على حَاله، وَإِن نكر أعرب منصرفاً، وَهَذَا الْبَيْت يساعد على كَونه مصدرا لَا اسْم مصدر، ولوروده منصرفاً. وَلقَائِل القَوْل الأول أَن يُجيب عَنهُ: بِأَن هَذَا نكرَة لَا معرفَة وَهُوَ من الْأَسْمَاء اللَّازِمَة النصب على المصدرية. فَلَا ينْصَرف، والناصب لَهُ فعل مُقَدّر لَا يجوز إِظْهَاره. وَعَن الْكسَائي: إِنَّه منادى تَقْدِيره: يَا سُبْحَانَكَ، وَمنعه جُمْهُور النَّحْوِيين، وَهُوَ مُضَاف إِلَى الْمَفْعُول أَي: سبحت الله، وَيجوز أَن يكون مُضَافا إِلَى الْفَاعِل، أَي: نزه الله نَفسه وَالْأول هُوَ الْمَشْهُور، وَمَعْنَاهُ: تَنْزِيه الله عَمَّا لَا يَلِيق بِهِ من كل نقص، فَيلْزم نفي الشَّرِيك والصاحبة وَالْولد وَجَمِيع الرذائل، وَيُطلق التَّسْبِيح وَيُرَاد بِهِ جَمِيع أَلْفَاظ الذّكر، وَيُطلق وَيُرَاد بِهِ الصَّلَاة النَّافِلَة، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: وأصل التَّسْبِيح التَّنْزِيه من النقائص، ثمَّ اسْتعْمل فِي مَوَاضِع تقرب مِنْهُ اتساعاً، يُقَال: سبحته أسبحه تسبيحاً وسبحاناً، وَيُقَال أَيْضا للذّكر وَالصَّلَاة النَّافِلَة، سبْحَة يُقَال: قضيت سبحتي، والسبحة من التَّسْبِيح كالسخرة من التسخير.
5046 - حدّثنا عَبْدُ الله بنُ مَسْلَمَةَ عنْ مالِكٍ عنْ سُمَيٍّ عنْ أبي صالِحٍ عنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ، أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: منْ قَالَ: سُبْحانَ الله وبِحَمْدِهِ، فِي يَوْمِ مائَةَ مَرَّة حُطَّتْ خَطاياهُ وإنْ كانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ.
هَذَا الْإِسْنَاد بِعَيْنِه مَعَ بعض هَذَا الْمَذْكُور فِيهِ قد مضى فِي أول الْبَاب السَّابِق، وَهُنَاكَ بعد قَوْله: مائَة مرّة كَانَت لَهُ عدل عشر رِقَاب. . إِلَى آخِره، وَهنا: حطت خطاياه ... الخ.
وَيُقَال إِن البُخَارِيّ أفرد هَذَا الحَدِيث من ذَلِك الحَدِيث. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الدَّعْوَات عَن إِسْحَاق بن مُوسَى الْأنْصَارِيّ وَغَيره: وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة عَن قُتَيْبَة وَغَيره. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي ثَوَاب التَّسْبِيح عَن نصر بن عبد الرَّحْمَن الوشابة.
قَوْله: (سُبْحَانَ الله) مَنْصُوب على المصدرية بِفعل مَحْذُوف تَقْدِيره سبحت سُبْحَانَ الله. قَوْله: (وَبِحَمْدِهِ) أَي: أَحْمَده، وَالْوَاو فِيهِ للْحَال تَقْدِيره: سبحت الله ملتبساً بحمدي لَهُ من أجل توفيقه لي للتسبيح. قَوْله: (فِي يَوْم) قَالَ الطَّيِّبِيّ: يَوْم، مُطلق(23/25)
لم يعلم فِي أَي وَقت من أوقاته فَلَا يُقيد بِشَيْء مِنْهَا. وَقَالَ صَاحب (الْمظهر) : ظَاهر الْإِطْلَاق يشْعر بِأَنَّهُ يحصل هَذَا الْأجر الْمَذْكُور لمن قَالَ ذَلِك مائَة مرّة، سَوَاء قَالَهَا مُتَوَالِيَة أَو مُتَفَرِّقَة فِي مجَالِس، أَو بَعْضهَا أول النَّهَار وَبَعضهَا آخر النَّهَار، لَكِن الْأَفْضَل أَن يَأْتِي بهَا مُتَوَالِيَة فِي أول النَّهَار. قَوْله: (حطت خطاياه) أَي: من حُقُوق الله، لِأَن حُقُوق النَّاس لَا تنحط إِلَّا باسترضاه الْخُصُوم. قَوْله: (مثل زبد الْبَحْر) كِنَايَة عَن الْمُبَالغَة فِي الْكَثْرَة.
6046 - حدّثنا زُهَيْرُ بنُ حَرْبٍ حَدثنَا ابنُ فُضَيْلٍ عنْ عمارَةَ عنْ أبي زُرْعَةَ عنْ أبي هُرَيْرَةَ عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: كَلِمَتانِ خَفِيفَتان على اللِّسانِ ثَقِيلَتانِ فِي المِيزَانِ حَبِيبتَان إِلَى الرَّحْمانِ: سُبْحانَ الله العَظِيمِ، سُبْحانَ الله وبِحَمْدِهِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَابْن فُضَيْل هُوَ مُحَمَّد بن فُضَيْل بتصغير فضل الضَّبِّيّ، وَعمارَة بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْمِيم ابْن الْقَعْقَاع وَأَبُو زرْعَة بِضَم الزَّاي وَسُكُون الرَّاء وبالعين الْمُهْملَة اسْمه هرم بن عَمْرو بن جرير الْجبلي الْكُوفِي.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْأَيْمَان وَالنُّذُور عَن قُتَيْبَة وَفِي التَّوْحِيد آخر الْكتاب عَن أَحْمد بن أشكاب. وَأخرجه مُسلم فِي الدَّعْوَات عَن زُهَيْر بن حَرْب وَغَيره. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن يُوسُف بن عِيسَى وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة عَن عَليّ بن مُنْذر وَغَيره. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي ثَوَاب التَّسْبِيح عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَغَيره.
قَوْله: (كلمتان) أَي: كلامان والكلمة تطلق على الْكَلَام كَمَا يُقَال: كلمة الشَّهَادَة. قَوْله: (خفيفتان) قَالَ الطَّيِّبِيّ: الخفة مستعارة للسهولة شبه سهولة جَرَيَان هَذَا الْكَلَام على اللِّسَان بِمَا يخف على الْحَامِل من بعض المحمولات وَلَا يشق عَلَيْهِ، فَذكر الْمُشبه وَأَرَادَ الْمُشبه بِهِ. قَوْله: (ثقيلتان فِي الْمِيزَان) الثّقل فِيهِ على حَقِيقَته لِأَن الْأَعْمَال تتجسم عِنْد الْمِيزَان وَالْمِيزَان هُوَ الَّذِي يُوزن بِهِ فِي الْقِيَامَة أَعمال الْعباد، وَفِي كيفيته أَقْوَال، وَالأَصَح أَنه جسم محسوس ذُو لِسَان وكفتين، وَالله تَعَالَى يَجْعَل الْأَعْمَال كالأعيان موزونة، أَو يُوزن صحف الْأَعْمَال. قَوْله: (حبيبتان) تَثْنِيَة: حَبِيبَة، بِمَعْنى: محبوبة، يُقَال: حبيب فلَان إِلَى هَذَا الشَّيْء أَي: جعله محبوباً، وَالْمرَاد هُنَا محبوبية قائلهما ومحبة الله للْعَبد إِرَادَة إِيصَال الْخَيْر لَهُ والتكريم قيل لفظ الفعيل بِمَعْنى الْمَفْعُول يَسْتَوِي فِيهِ الْمُذكر والمؤنث وَلَا سِيمَا إِذا كَانَ موصوفه مذكرا فَمَا وَجه لُحُوق عَلامَة التَّأْنِيث وَأجِيب بِأَن التَّسْوِيَة بَينهمَا جَائِزَة لَا وَاجِبَة أَو وُجُوبهَا فِي الْمُفْرد لَا فِي الْمثنى وَقيل إِنَّمَا أنثها لمناسبة الْخَفِيفَة والثقيلة لِأَنَّهُمَا بِمَعْنى الفاعلة لَا المفعولة وَقيل هَذِه التَّاء لنقل اللَّفْظ من الوصفية إِلَى الاسمية قَوْله إِلَى الرَّحْمَن وَإِنَّمَا خصص لفظ الرَّحْمَن من بَين سَائِر الْأَسْمَاء الْحسنى لِأَن الْمَقْصُود من الحَدِيث بَيَان سَعَة رَحْمَة الله تَعَالَى على عباده حَيْثُ يجازي على الْعَمَل الْقَلِيل بالثواب الجزيل قلت يجوز أَن يُقَال اخْتِصَاص ذَلِك لإِقَامَة السجع أَعنِي الفواصل وَهِي من محسنات الْكَلَام على مَا عرف فِي علم البديع وَإِنَّمَا نهى عَن سجع الْكُهَّان لكَونه متضمنا للباطل قَوْله سُبْحَانَ الله قد ذكرنَا أَنه لَازم النصب بإضمار الْفِعْل وَسُبْحَان علم للتسبيح كعثمان علم للرجل وَالْعلم على نَوْعَيْنِ علم شخصي وَعلم جنسي ثمَّ أَنه يكون تَارَة للعين وَتارَة للمعنى فَهَذَا من الْعلم الجنسي الَّذِي للمعنى قيل قَالُوا لفظ سُبْحَانَ وَاجِب الْإِضَافَة فَكيف الْجمع بَين العلمية وَالْإِضَافَة وَأجِيب بِأَنَّهُ يُنكر ثمَّ يُضَاف كَمَا قَالَ الشَّاعِر
(علا زيدنا يَوْم النقا رَأس زيدكم ... بأبيض مَاض الشفرتين يمَان)
وَوجه تَكْرِير سُبْحَانَ الله الْإِشْعَار بتنزيهه على الْإِطْلَاق ثمَّ أَن التَّسْبِيح لَيْسَ إِلَّا ملتبسا بِالْحَمْد ليعلم ثُبُوت الْكَمَال لَهُ نفيا وإثباتا جَمِيعًا وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم
(بَاب فضل ذكر الله عز وَجل)
أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان فضل ذكر الله تَعَالَى وَالْمرَاد بِذكر الله هُنَا الْإِتْيَان بالألفاظ الَّتِي ورد التَّرْغِيب فِيهَا والإكثار مِنْهَا وَقد يُطلق ذكر الله وَيُرَاد بِهِ الْمُوَاظبَة على الْعَمَل بِمَا أوجبه الله تَعَالَى أَو ندب إِلَيْهِ كَقِرَاءَة الْقُرْآن وَقِرَاءَة الحَدِيث ومدارسة(23/26)
الْعلم والتنفل بِالصَّلَاةِ وَقَالَ الرَّازِيّ رَحمَه الله المُرَاد بِذكر اللِّسَان الْأَلْفَاظ الدَّالَّة على التَّسْبِيح والتحميد والتمجيد وَالذكر بِالْقَلْبِ التفكر فِي أَدِلَّة الذَّات وَالصِّفَات وَفِي أَدِلَّة التكاليف من الْأَمر وَالنَّهْي حَتَّى يطلع على أَحْكَامهَا وَفِي أسرار مخلوقات الله تَعَالَى وَالذكر بالجوارح هُوَ أَن تصير مستغرقة فِي الطَّاعَات
98 - (حَدثنَا مُحَمَّد بن الْعَلَاء حَدثنَا أَبُو أُسَامَة عَن بريد بن عبد الله عَن أبي بردة عَن أبي مُوسَى رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مثل الَّذِي يذكر ربه وَالَّذِي لَا يذكر مثل الْحَيّ وَالْمَيِّت) مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَن الَّذِي يذكر الله تَعَالَى كالحي بِسَبَب فَضِيلَة الذّكر وَأَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة وبريد بِضَم الْمُوَحدَة وَفتح الرَّاء ابْن عبد الله يروي عَن جده أبي بردة بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة واسْمه عَامر يروي عَن أَبِيه أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ واسْمه عبد الله بن قيس والْحَدِيث أخرجه عَن مُحَمَّد بن الْعَلَاء أَيْضا بِسَنَدِهِ الْمَذْكُور بِلَفْظ مثل الْبَيْت الَّذِي يذكر الله فِيهِ وَالْبَيْت الَّذِي لَا يذكر الله فِيهِ مثل الْحَيّ وَالْمَيِّت وَكَذَا وَقع عِنْد الْإِسْمَاعِيلِيّ وَابْن حبَان وَأبي عوَانَة وَالْبَيْت لَا يُوصف بِالْحَيَاةِ وَالْمَوْت حَقِيقَة وَالَّذِي يُوصف بهما هُوَ السَّاكِن فَيكون هَذَا من قبيل ذكر الْمحل وَإِرَادَة الْحَال وَيحْتَمل أَن يكون هَذَا تجوزا من الرَّاوِي قَوْله " وَالَّذِي لَا يذكر الله " وَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر ربه أَيْضا وَجه التَّشْبِيه بَين الذاكر والحي الِاعْتِدَاد بِهِ والنفع والنصرة وَنَحْوهَا وَبَين تَارِك الذّكر وَالْمَيِّت التعطيل فِي الظَّاهِر والبطلان فِي الْبَاطِن
99 - (حَدثنَا قُتَيْبَة بن سعيد حَدثنَا جرير عَن الْأَعْمَش عَن أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِن لله مَلَائِكَة يطوفون فِي الطّرق يَلْتَمِسُونَ أهل الذّكر فَإِذا وجدوا قوما يذكرُونَ الله تنادوا هلموا إِلَى حَاجَتكُمْ قَالَ فيحفونهم بأجنحتهم إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا قَالَ فيسألهم رَبهم وَهُوَ أعلم مِنْهُم مَا يَقُول عبَادي قَالُوا يَقُولُونَ يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك ويمجدونك قَالَ فَيَقُول هَل رأوني قَالَ فَيَقُولُونَ لَا وَالله مَا رأوك قَالَ فَيَقُول وَكَيف لَو رأوني قَالَ يَقُولُونَ لَو رأوك كَانُوا أَشد لَك عبَادَة وَأَشد لَك تمجيدا وَأكْثر لَك تسبيحا قَالَ فَيَقُول فَمَا يَسْأَلُونِي قَالُوا يَسْأَلُونَك الْجنَّة قَالَ يَقُول وَهل رأوها قَالَ يَقُولُونَ لَا وَالله يَا رب مَا رأوها قَالَ فَيَقُول فَكيف لَو أَنهم رأوها قَالَ يَقُولُونَ لَو أَنهم رأوها كَانُوا أَشد عَلَيْهَا حرصا وَأَشد لَهَا طلبا وَأعظم فِيهَا رَغْبَة قَالَ فمم يتعوذون قَالَ يَقُولُونَ من النَّار قَالَ يَقُول وَهل رأوها قَالَ يَقُولُونَ لَا وَالله مَا رأوها قَالَ يَقُول فَكيف لَو رأوها قَالَ يَقُولُونَ لَو رأوها كَانُوا أَشد مِنْهَا فِرَارًا وَأَشد لَهَا مَخَافَة قَالَ فَيَقُول فأشهدكم أَنِّي قد غفرت لَهُم قَالَ يَقُول ملك من الْمَلَائِكَة فيهم فلَان لَيْسَ مِنْهُم إِنَّمَا جَاءَ لحَاجَة قَالَ هم الجلساء لَا يشقى بهم جليسهم) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَجَرِير هُوَ ابْن عبد الحميد وَالْأَعْمَش هُوَ سُلَيْمَان وَأَبُو صَالح ذكْوَان الزيات والْحَدِيث أخرجه مُسلم من طَرِيق سُهَيْل عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ " إِن لله مَلَائِكَة سيارة فضلا يَبْتَغُونَ أهل الذّكر " الحَدِيث وَقَالَ عِيَاض فضلا بِسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة قَالَ وَهُوَ الصَّوَاب وَقَالَ فِي الأكمال فضلا بِفَتْح الْفَاء وَسُكُون الضَّاد وَقَالَ ابْن الْأَثِير أَي زِيَادَة عَن الْمَلَائِكَة المرتبين مَعَ الْخَلَائق ويروى بِسُكُون الضَّاد وَبِضَمِّهَا وَقيل السّكُون أَكثر وأصوب وَقَالَ الطَّيِّبِيّ فضلا بِضَم الْفَاء وَسُكُون الضَّاد جمع فَاضل كنزل جمع نَازل قَوْله يَلْتَمِسُونَ أَي يطْلبُونَ وَعند مُسلم(23/27)
يَبْتَغُونَ كَمَا ذكرنَا وَهُوَ بِمَعْنَاهُ قَوْله أهل الذّكر يتَنَاوَل الصَّلَاة وَقِرَاءَة الْقُرْآن وتلاوة الحَدِيث وتدريس الْعُلُوم ومناظرة الْعلمَاء وَنَحْوهَا قَوْله " فَإِذا وجدوا قوما يذكرُونَ الله " فِي رِوَايَة مُسلم فَإِذا وجدوا مَجْلِسا فِيهِ ذكره قَوْله تنادوا وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ يتنادون قَوْله هلموا أَي تَعَالَوْا وَهَذَا ورد على اللُّغَة التميمية حَيْثُ لَا يَقُولُونَ باستواء الْوَاحِد وَالْجمع فِيهِ وَأهل الْحجاز يَقُولُونَ للْوَاحِد والاثنين وَالْجمع هَلُمَّ بِلَفْظ الْإِفْرَاد قَوْله " لي حَاجَتكُمْ " وَفِي رِوَايَة أبي مُعَاوِيَة " إِلَى بغيتكم " قَوْله " فيحفونهم " أَي يطوقونهم بأجنحتهم وَمِنْه {وَترى الْمَلَائِكَة حافين} وَمِنْه {وحففناهما بِنَخْل} وَالْبَاء للتعدية وَقيل للاستعانة قَوْله " إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا " وَفِي رِوَايَة الْكشميهني " إِلَى سَمَاء الدُّنْيَا " قَوْله " فيسألهم رَبهم " أَي فَيسْأَل الْمَلَائِكَة رَبهم وَهُوَ أعلم أَي وَالْحَال أَنه أعلم مِنْهُم أَي من الْمَلَائِكَة وَفِي رِوَايَة الْكشميهني " وَهُوَ أعلم بهم " وَوجه هَذَا السُّؤَال الْإِظْهَار للْمَلَائكَة أَن فِي بني آدم المسبحين والمقدسين وَأَنه اسْتِدْرَاك لما سبق مِنْهُم من قَوْلهم {أَتجْعَلُ فِيهَا من يفْسد فِيهَا} وَفِي رِوَايَة مُسلم " من أَيْن جئْتُمْ فيقولن جِئْنَا من عِنْد عباد لَك فِي الأَرْض " وَفِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ " أَي شَيْء تركْتُم عبَادي يصنعون قَالَ فَيَقُول " هَكَذَا رِوَايَة أبي ذَر فَيَقُول بِالْفَاءِ وَفِي رِوَايَة غَيره يَقُول أَي يَقُول الله قَوْله " فَمَا يسْأَلُون " ويروى " فَمَا يسألونني " قَوْله " يَسْأَلُونَك الْجنَّة " وَفِي رِوَايَة مُسلم " يسْأَلُون جنتك " قَوْله " وَهل رأوها " أَي الْجنَّة وَفِي رِوَايَة مُسلم " وَهل رَأَوْا جنتي " قَوْله " فمم يتعوذون " وَفِي رِوَايَة أبي مُعَاوِيَة فَمن أَي شَيْء يتعوذون قَوْله من النَّار وَفِي رِوَايَة مُسلم من نارك قَوْله فيهم فلَان لَيْسَ مِنْهُم إِنَّمَا جَاءَ لحَاجَة وَفِي مُسلم يَقُولُونَ رب فيهم فلَان عبد خطاء إِنَّمَا مر فَجَلَسَ مَعَهم وَزَاد قَالَ فَيَقُول وَله قد غفرت قَوْله هم الجلساء جمع جليس وَفِي رِوَايَة مُسلم هم الْقَوْم لَا يشقى بهم جليسهم وَفِيه أَن الصُّحْبَة لَهَا تَأْثِير عَظِيم وَإِن جلساء السُّعَدَاء سعداء والتحريض على صُحْبَة أهل الْخَيْر وَالصَّلَاح
(رَوَاهُ شُعْبَة عَن الْأَعْمَش وَلم يرفعهُ) يَعْنِي روى الحَدِيث الْمَذْكُور شُعْبَة بن الْحجَّاج عَن سُلَيْمَان الْأَعْمَش بِسَنَدِهِ الْمَذْكُور وَلم يرفعهُ إِلَى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَوَصله أَحْمد قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن جَعْفَر حَدثنَا شُعْبَة قَالَ بِنَحْوِهِ وَلم يرفعهُ حَاصله أَنه مَوْقُوف -
76 - (بابُ قَوْلِ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَة إلاَّ بِاللَّه)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان فضل لَا حول وَلَا قُوَّة إلاَّ بِاللَّه، مَعْنَاهُ: لَا حول عَن معاصي الله إلاَّ بعصمة الله، وَلَا قُوَّة على طَاعَة الله إلاَّ بِاللَّه. وَحكى عَن أهل اللُّغَة أَن معنى: لَا حول وَلَا حِيلَة يُقَال: مَا للرجل حِيلَة وَلَا حول وَلَا احتيال وَلَا محتال وَلَا محَالة، وَقَوله تَعَالَى: { (13) وَهُوَ شَدِيد الْمحَال} (الرَّعْد: 31) يَعْنِي: الْمَكْر وَالْقُوَّة والشدة.
9046 - حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ مُقاتِلٍ أبُو الحَسَنِ أخبرنَا عَبْد الله أخبرنَا سُليْمانُ التَّيْمِيُّ عنْ أبي عُثمانَ عنْ أبِي مُوسى الأشْعَرِيِّ عَلا عَليْها رَجُلٌ نَادَى فَرَفَعَ صَوْتَهُ: لَا إلاهَ إلاَّ الله وَالله أكْبَرُ. قَالَ: ورسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلى بَغْلَتِه، قَالَ: فإنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ أصَمَّ وَلَا غائِباً، ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا مُوسَى أوْ: يَا عَبْدَ الله أَلا أدُلُّكَ عَلَى كَلِمَةٍ مِنْ كَنْزِ الجنَّةِ؟ قُلْتُ: بَلاى. قَالَ: لَا حوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلاَّ بِاللَّه.
طابقته للتَّرْجَمَة فِي آخر الحَدِيث. وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك، وَسليمَان هُوَ ابْن طرخان التَّيْمِيّ الْبَصْرِيّ، وَأَبُو عُثْمَان هُوَ عبد الرَّحْمَن بن مل النَّهْدِيّ بِفَتْح النُّون، وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ عبد الله بن قيس.
والْحَدِيث مضى عَن قريب فِي:(23/28)
بَاب الدُّعَاء إِذا علا عقبَة.
قَوْله: (أَخذ) أَي: طفق يمشي. قَوْله: (أَو قَالَ: فِي تنية) شكّ من الرَّاوِي، والثنية هِيَ الْعقبَة وَشك الرَّاوِي فِي اللَّفْظ وَهَذَا على مَذْهَب من يحْتَاط وَيُرِيد نفل اللَّفْظ بِعَيْنِه. قَوْله: (وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، على بغلته) الْوَاو فِيهِ للْحَال. قَوْله: (على كلمة من كنز الْجنَّة) قيل: كَيفَ كَانَت من الْكَنْز؟ وَأجِيب: بِأَنَّهَا كالكنز فِي كَونهَا ذخيرة نفيسة تتَوَقَّع الانتفاعات بهَا.
86 - (بابٌ لله عَز وجَلَّ مِائَةُ اسْمٍ غَيْرَ واحدٍ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ أَن لله مائَة اسْم غير وَاحِد، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: غير وَاحِدَة، بالتأنيث.
0146 - حدّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله حدّثنا سُفيْانُ قَالَ: حدّثنا سُفيانُ قَالَ: حَفِظْناهُ مِنْ أبي الزِّناد عَن الأعْرَجِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ رِوايَةَ، قَالَ: لله تِسْعَةٌ وتِسْعُونَ اسْما، مائَةٌ إلاَّ واحِداً لَا يَحْفَظُها أحَدٌ إلاَّ دَخَلَ الجَنَّةَ، وهْوَ وَتْرٌ يُحِبُّ الوَتْرَ. طابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعلي بن عبد الله بن الْمَدِينِيّ، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَأَبُو الزِّنَاد عبد الله بن ذكْوَان، والأعرج عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الدَّعْوَات أَيْضا عَن زُهَيْر بن حَرْب وَغَيره، وَلَفظه: عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لله تَعَالَى تِسْعَة وَتسْعُونَ اسْما من حفظهَا دخل الْجنَّة، وَالله وتر يحب الْوتر. وَفِي لفظ: من أحصاها، وَفِي لفظ مثل لفظ البُخَارِيّ إلاَّ أَن فِي آخِره: من أحصاها دخل الْجنَّة. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن ابْن أبي عمر بِهِ، وَلَفظه: إِن لله تِسْعَة وَتِسْعين اسْما من أحصاها دخل الْجنَّة. هُوَ الله الَّذِي لَا إِلَه إلاَّ هُوَ الرَّحْمَن الرَّحِيم ... الحَدِيث، وعدها كلهَا ثمَّ قَالَ: وَهَذَا حَدِيث غَرِيب.
قَوْله: (رِوَايَة) أَي: عَن أبي هُرَيْرَة من حَيْثُ الرِّوَايَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (تِسْعَة) مُبْتَدأ وَخبر مقدما. قَوْله: (لله) قَوْله: (مائَة) أَي: هَذِه مائَة إلاَّ وَاحِدًا، وَذكر هَذِه الْجُمْلَة لدفع الالتباس بِسبع وَسبعين وللاحتياط فِيهِ بِالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَان. وَقَالَ الْمُهلب: فَذهب قوم إِلَى أَن ظَاهره يَقْتَضِي أَن لَا اسْم لله غير مَا ذكر إِذْ لَو كَانَ لَهُ غَيرهَا لم يكن لتخصيص هَذِه الْمدَّة معنى، وَقَالَ آخَرُونَ: يجوز أَن يكون لَهُ زِيَادَة على ذَلِك إِذْ لَا يجوز أَن تتناهى أسماؤه لِأَن مدائحه وفواضله غير متناهية، وَقيل: لَيْسَ فِيهِ حصر لأسمائه إِذْ لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنه لَيْسَ لَهُ اسْم غَيرهَا، بل مَعْنَاهُ: أَن هَذِه الْأَسْمَاء من أحصاها دخل الْجنَّة إِذْ المُرَاد الْإِخْبَار عَن دُخُول الْجنَّة بإحصائها لَا الْإِخْبَار بحصر الْأَسْمَاء فِيهَا، وَقيل: أَسمَاء الله، وَإِن كَانَت أَكثر مِنْهَا، لَكِن مَعَاني جَمِيعهَا محصورة فِيهَا، فَلذَلِك حصرها فِيهَا. قيل: فِيهِ دَلِيل على أَن أشهر أَسْمَائِهِ هُوَ الله لإضافة الْأَسْمَاء إِلَيْهِ، وَقيل: هُوَ الِاسْم الْأَعْظَم، وَعَن أبي الْقَاسِم الْقشيرِي: فِيهِ دَلِيل على أَن الِاسْم هُوَ الْمُسَمّى إِذْ لَو كَانَ غَيره لكَانَتْ الْأَسْمَاء لغيره، وَقَالَ غَيره: إِذا كَانَ الِاسْم غير الْمُسَمّى لزم من قَوْله: (لله تِسْعَة وَتسْعُونَ اسْما) الحكم بِتَعَدُّد الْآلهَة. الْجَواب: أَن المُرَاد من الِاسْم هُنَا اللَّفْظ، وَلَا خلاف فِي وُرُود الِاسْم بِهَذَا الْمَعْنى وَإِنَّمَا النزاع فِي أَنه هَل يُطلق وَيُرَاد بِهِ الْمُسَمّى عينه وَلَا يلْزم من تعدد الْأَسْمَاء تعدد الْمُسَمّى؟ وَجَوَاب آخر: أَن كل وَاحِد من الْأَلْفَاظ الْمُطلقَة على الله سُبْحَانَهُ يدل على ذَاته بِاعْتِبَار صفة حَقِيقِيَّة أَو غير حَقِيقِيَّة، وَذَلِكَ يستدعى التَّعَدُّد فِي الاعتبارات وَالصِّفَات دون الذَّات وَلَا اسْتِحَالَة فِي ذَلِك. قَوْله: (إلاَّ وَاحِدًا) فِي رِوَايَة أبي ذَر: إلاَّ وَاحِدَة، أنثها ذَهَابًا إِلَى معنى التَّسْمِيَة أَو الصّفة أَو الْكَلِمَة. قَوْله: (لَا يحفظها أحد) المُرَاد بِالْحِفْظِ الْقِرَاءَة بِظهْر الْقلب فَيكون كِنَايَة عَن التّكْرَار لِأَن الْحِفْظ يسْتَلْزم التّكْرَار، وَقيل: مَعْنَاهُ الْعَمَل بهَا وَالطَّاعَة بِمَعْنى كل اسْم مِنْهَا وَالْإِيمَان بهَا، وَمعنى الرِّوَايَة الْأُخْرَى، من أحصاها عدهَا فِي الدُّعَاء بهَا، وَقيل: أحسن المراعاة لَهَا والمحافظة على مَا تَقْتَضِيه وَصدق مَعَانِيهَا. وَقيل: من أحصاها أَي: كرر مجموعها. قَوْله: (دخل الْجنَّة) ذكره بِلَفْظ الْمَاضِي تَحْقِيقا لَهُ لِأَنَّهُ كَائِن لَا محَالة. قَوْله: (وَهُوَ وترا) أَي: الله وتر يَعْنِي وَاحِد لَا شريك لَهُ. وَالْوتر بِكَسْر الْوَاو وَفتحهَا وقرىء بهما. قَوْله: (يحب الْوتر) يَعْنِي: يفضله فِي الْأَعْمَال وَكثير من الطَّاعَات وَلِهَذَا جعل الله الصَّلَوَات خمْسا وَالطّواف سبعا وَندب التَّثْلِيث فِي أَكثر الْأَعْمَال وَخلق السَّمَوَات سبعا وَالْأَرضين سبعا وَغير ذَلِك.(23/29)
17 - (بابُ المَوْعِظَةِ ساعَةً بَعْدَ ساعَةٍ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان أَن الموعظة يَنْبَغِي أَن تكون سَاعَة بعد سَاعَة لِأَن الِاسْتِمْرَار عَلَيْهَا يُورث الْملَل وَهُوَ معنى قَوْله: كَانَ يَتَخَوَّلنَا بِالْمَوْعِظَةِ فِي الْأَيَّام كَرَاهِيَة السَّآمَة علينا، وَالْمَوْعِظَة اسْم من لوعظ وَهُوَ النصح والتذكير بالعواقب، تَقول وعظته وعظاً وعظةً فاتعظ، أَي: قبل الموعظة. فَإِن قلت: مَا وَجه ذكر هَذَا الْبَاب فِي الدَّعْوَات؟ .
قلت: لِأَن المواعظ يخالطها غَالِبا التَّذْكِير بِاللَّه وَالذكر من جملَة الدُّعَاء كَمَا سبق فِيمَا مضى.
1146 - حدّثنا عُمَرُ بنُ حَفْصٍ حدّثنا أبي حدّثنا الأعْمَشُ قَالَ: حدّثني شَقيقٌ قَالَ: كُنَّا نَنْتَظِرُ عَبْدَ الله إذْ جاءَ يَزِيدُ بنُ مُعاوِيَةَ فَقُلْنا: أَلا تَجْلِسُ؟ قَالَ: لَا! ولاكِنْ أدْخُلُ فأخْرِجُ إلَيْكُمْ صاحِبَكُمْ وَإِلَّا جِئْتُ أَنا فَجَلَسْتُ، فَخَرَجَ عَبْدُ الله وهْوَ آخِذٌ بِيَدِهِ، فقامَ عَليْنا فَقَالَ: أما إنِّي أخْبرُ بِمَكانِكُمْ ولاكنَّهُ يَمْنَعُنِي مِنَ الخُرُوجِ إلَيْكُمْ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَتَخَوَّلُنا بالمَوْعِظَةِ فِي الأيَّامِ كَراهِيَةَ السَّآمَةِ عَليْنا.
طابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (كَانَ يَتَخَوَّلنَا)
إِلَى آخِره. وَعمر بن حَفْص يروي عَن أَبِيه حَفْص بن غياث عَن سُلَيْمَان الْأَعْمَش عَن شَقِيق بن سَلمَة.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْعلم فِي: بَاب كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يتخولهم بِالْمَوْعِظَةِ وَالْعلم كَيْلا ينفروا، وَمضى أَيْضا فِي الْبَاب الَّذِي يَلِيهِ.
قَوْله: (كُنَّا نَنْتَظِر عبد الله) يَعْنِي: ابْن مَسْعُود، وَفِي رِوَايَة مُسلم: كُنَّا جُلُوسًا عِنْد بَاب عبد الله ننتظره فَمر بِنَا يزِيد بن مُعَاوِيَة. قَوْله: (إِذْ جَاءَ) كلمة: إِذْ للمفاجأة. وَيزِيد من الزِّيَادَة ابْن مُعَاوِيَة النَّخعِيّ الْكُوفِي التَّابِعِيّ الثِّقَة العابد. قتل غازياً بِفَارِس كَانَ فِي خلَافَة عُثْمَان رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَلَيْسَ لَهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ ذكر إِلَّا فِي هَذَا الْموضع. قَوْله: (أَلا تجْلِس؟) كلمة: أَلا، للعرض والتنبيه وَالْخطاب ليزِيد. قَوْله: (أَدخل) بِلَفْظ الْمُتَكَلّم من الْمُضَارع أَي: أَدخل دَار عبد الله. قَوْله: (فَأخْرج) بِضَم الْهمزَة من الْإِخْرَاج. قَوْله: (صَاحبكُم) يَعْنِي: ابْن مَسْعُود. قَوْله: (وإلاَّ) ، أَي: وَإِن لم أخرجه جِئْت فَجَلَست عنْدكُمْ. قَوْله: (وَهُوَ آخذ) الْوَاو فِيهِ للْحَال. قَوْله: (أما إِنِّي) كلمة: أما، بِالتَّخْفِيفِ، وَإِنِّي، بِكَسْر الْهمزَة. قَوْله: (أخبر) على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (بمكانكم) أَي: بكونكم، هَذَا جَوَاب ابْن مَسْعُود لَهُم فِي قَوْلهم: وَدِدْنَا أَنَّك لَو ذكرتنا كل يَوْم وَكَانَ يذكرهم كل خَمِيس. قَوْله: (يَتَخَوَّلنَا) ، بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة أَي: يتعهدنا وَكَانَ الْأَصْمَعِي يَقُول: يتخوننا بالنُّون بِمَعْنى يتعهدنا. قَوْله: (كَرَاهِيَة السَّآمَة) أَي: لأجل كَرَاهَة الملالة، وَكَانَ ذَلِك رفقا من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأَصْحَابه، فَيجب أَن يقْتَدى بِهِ لِأَن التّكْرَار يسْقط النشاط، ويمل الْقلب وينفره.
18 - (كتاب الرَّقاق)
أَي: هَذَا كتاب فِي بَيَان الرقَاق، وَهُوَ جمع رَقِيق من الرقة، قَالَ ابْن سَيّده: الرقة الرَّحْمَة، ورققت لَهُ أرق، ورق وَجهه اسْتَحى، وَيُقَال: الرقة ضد الغلظة، يُقَال: رق يرق رقا فَهُوَ رَقِيق ورقاق، وَفِي (التَّوْضِيح) : كتاب الرقَاق، كَذَا فِي الْأُصُول، وَقَالَ صَاحب (التَّلْوِيح) : عبر جمَاعَة من الْعلمَاء فِي كتبهمْ الرَّقَائِق، وَكَذَا، فِي نُسْخَة مُعْتَمدَة من رِوَايَة النَّسَفِيّ عَن البُخَارِيّ، وَهُوَ جمع رَقِيقه وَالْمعْنَى وَاحِد، وَفِي بعض النّسخ: مَا جَاءَ فِي الرقَاق، وَسميت أَحَادِيث الْبَاب بذلك لِأَن فِي كل مِنْهَا مَا يحدث فِي الْقلب رقّه.
1 - (بابُ مَا جاءَ فِي الصِّحَّةِ والفَراغِ وأنْ: لَا عَيشَ إِلَّا عَيْشُ الآخِرَةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا جَاءَ. . الخ، كَذَا فِي رِوَايَة أبي ذَر عَن السَّرخسِيّ، وَفِي رِوَايَته عَن الْمُسْتَمْلِي والكشميهني سقط لفظ: الصِّحَّة والفراغ، وَكَذَا فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ، وَفِي رِوَايَة كَرِيمَة عَن الْكشميهني: مَا جَاءَ فِي الرقَاق، وَأَن لَا عَيْش إلاَّ عَيْش الْآخِرَة. وَفِي (شرح(23/30)
ابْن بطال) : بَاب لَا عَيْش إِلَّا عَيْش الْآخِرَة، كَرِوَايَة أبي ذَر عَن الْمُسْتَمْلِي، وَهَذِه التَّرْجَمَة مَذْكُورَة فِي حديثين من أَحَادِيث الْبَاب على مَا يَجِيء إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
2146 - حدّثنا المَكِّيُّ بنُ إبْرَاهِيمَ أخبرنَا عَبْدُ الله بنُ سَعِيدٍ هُوَ ابنُ أبي هِنْدٍ عنْ أبِيهِ عنِ ابنِ عبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (نِعْمَتَان مَغْبُونٌ فِيهما كَثيرٌ مِنَ النَّاس: الصِّحَّةُ والفَرَاغُ) .
مطابقته للجزء الأول للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. والمكي كَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين بِالْألف وَاللَّام وَهُوَ اسْم بِلَفْظ النِّسْبَة وَهُوَ من مَشَايِخ البُخَارِيّ الْكِبَار، وَقد روى أَحْمد هَذَا الحَدِيث عَنهُ بِعَيْنِه، وَعبد الله بن سعيد من صغَار التَّابِعين لِأَنَّهُ لَقِي بعض صغَار الصَّحَابَة وَهُوَ أَبُو أُمَامَة بن سهل وَهُوَ يروي عَن أَبِيه سعيد بن أبي هِنْد الْفَزارِيّ مولى سَمُرَة بن جُنْدُب، وأوضح هَذَا يحيى الْقطَّان فِي رِوَايَته حَيْثُ قَالَ: عَن عبد الله بن سعيد حَدثنِي أبي أخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ. وَالضَّمِير فِي قَوْله: (هُوَ ابْن أبي هِنْد) يرجع إِلَى سعيد لَا لعبد الله وَهُوَ من تَفْسِير البُخَارِيّ.
والْحَدِيث أخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الزّهْد عَن صَالح بن عبد الله وسُويد بن نصر. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الرقَاق عَن سُوَيْد بن نصر عَن ابْن الْمُبَارك. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الزّهْد عَن عَبَّاس بن عبد الْعَظِيم، وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: وَرَوَاهُ غير وَاحِد عَن عبد الله بن سعيد ورفعوه. وَوَقفه بَعضهم.
قَوْله: (نعمتان) تَثْنِيَة نعْمَة وَهِي الْحَالة الْحَسَنَة وَبِنَاء النِّعْمَة الَّتِي يكون عَلَيْهَا الْإِنْسَان كالجلسة، وَقَالَ الإِمَام فَخر الدّين: النِّعْمَة عبارَة عَن الْمَنْفَعَة المفعولة على جِهَة الْإِحْسَان إِلَى الْغَيْر. قَوْله: (مغبون) إِمَّا مُشْتَقّ من الْغبن بِسُكُون الْبَاء وَهُوَ النَّقْص فِي البيع، وَإِمَّا من الْغبن بِفَتْح الْبَاء وَهُوَ النَّقْص فِي الرَّأْي، فَكَأَنَّهُ قَالَ: هَذَانِ الْأَمْرَانِ إِذا لم يستعملا فِيمَا يَنْبَغِي فقد غبن صَاحبهمَا فيهمَا، أَي: باعهما ببخس لَا تحمد عاقبته، أَو: لَيْسَ لَهُ فِي ذَلِك رَأْي أَلْبَتَّة فَإِن الْإِنْسَان إِذْ لم يعْمل الطَّاعَة فِي زمن صِحَّته فَفِي زمن الْمَرَض بِالطَّرِيقِ الأولى، وعَلى ذَلِك حكم الْفَرَاغ أَيْضا فَيبقى بِلَا عمل خاسراً مغبوناً، هَذَا وَقد يكون الْإِنْسَان صَحِيحا وَلَا يكون متفرغاً لِلْعِبَادَةِ لاشتغاله بِأَسْبَاب المعاش وَبِالْعَكْسِ فَإِذا اجْتمعَا فِي العَبْد وَقصر فِي نيل الْفَضَائِل فَذَلِك هُوَ الْغبن لَهُ كل الْغبن، وَكَيف لَا وَالدُّنْيَا هِيَ سوق الأرباح وتجارات الْآخِرَة؟ قَوْله: (كثير) مَرْفُوع بِالِابْتِدَاءِ وَخَبره هُوَ قَوْله: (مغبون) مقدما وَالْجُمْلَة خبر قَوْله: (نعمتان) قَوْله: (الصِّحَّة) أَي إِحْدَى النعمتين: الصِّحَّة فِي الْأَبدَان. قَوْله: (والفراغ) أَي: الْأُخْرَى مِنْهُمَا الْفَرَاغ، وَهُوَ عدم مَا يشْغلهُ من الْأُمُور الدُّنْيَوِيَّة.
قَالَ عَباسٌ العَنْبَرِيُّ: حَدثنَا صَفْوَانُ بنُ عِيسَى عنْ عبْدِ الله بنِ سَعِيدِ بنِ أبي هِنْدٍ عنْ أبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ ابنَ عبَّاسٍ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ... مِثْلَهُ.
هَذَا تَعْلِيق أوردهُ البُخَارِيّ عَن عَبَّاس بتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة ابْن عبد الْعَظِيم الْعَنْبَري أحد مَشَايِخ البُخَارِيّ عَن صَفْوَان بن عِيسَى الزُّهْرِيّ عَن عبد الله بن سعيد الْمَذْكُور فِي السَّنَد السَّابِق عَن أَبِيه عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه عَن عَبَّاس الْعَنْبَري الْمَذْكُور.
4146 - حدّثني أحْمَدُ بنُ المِقْدَامِ حَدثنَا الفُضَيْلُ بنُ سُلَيْمانَ حَدثنَا أبُو حازِمِ حَدثنَا سَهْلُ بنُ سَعْدٍ السَّاعِدِيُّ قَالَ: كُنَّا مَعَ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الخَنْدَقِ، وهْوَ يَحْفِر ونَحْن نَنْقُلُ التُّرَابَ،(23/31)
ويَمُرُّ بِنا فَقَالَ اللَّهُمَّ:
(لاَ عَيْشَ إلاّ عِيْشُ الآخِرَهْ ... فاغْفِرْ لِلأنْصارِ والمُهاجِرَهْ)
(انْظُر الحَدِيث 7973 وطرفه) .
مطابقته للجزء الثَّانِي للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأحمد بن الْمِقْدَام بِكَسْر الْمِيم الْعجلِيّ والفضيل بن سُلَيْمَان النميري بِضَم النُّون وَفتح الْمِيم مصغر النمر، وَأَبُو حَازِم بِالْحَاء الْمُهْملَة وبالزاي سَلمَة بن دِينَار.
والْحَدِيث مضى فِي فضل الْأَنْصَار. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي المناقب عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن بزيغ.
قَوْله: (وَهُوَ يحْفر) أَي: رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يحْفر الخَنْدَق. فَإِن قلت: تقدم فِي فضل الْأَنْصَار: خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وهم يحفرون؟ .
قلت: الْجمع بَينهمَا بِأَن يُقَال: كَانَ مِنْهُم من يحْفر مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وَمِنْهُم من كَانَ ينْقل التُّرَاب.
تابَعَهُ سَهْلُ بنُ سَعْدٍ عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِثْلَهُ
قَالَ صَاحب (التَّلْوِيح) : هَذَا يحْتَاج إِلَى نظر، وَقَالَ غَيره: هَذَا لَيْسَ بموجود فِي نسخ البُخَارِيّ فَيَنْبَغِي إِسْقَاطه.
2 - (بابُ مَثَلِ الدُّنْيا فِي الآخِرَةِ)
أَي: هَذَا بَاب مترجم بقوله: مثل الدُّنْيَا فِي الْآخِرَة. قَوْله: (مثل الدُّنْيَا) كَلَام إضافي مُبْتَدأ، وَقَوله: فِي الْآخِرَة مُتَعَلق بِمَحْذُوف تَقْدِيره: مثل الدُّنْيَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْآخِرَة، وَكلمَة: فِي تأتى بِمَعْنى: إِلَى، كَافِي قَوْله تَعَالَى: { (14) فَردُّوا أَيْديهم فِي أَفْوَاههم} (إِبْرَاهِيم: 9) أَي: إِلَى أَفْوَاههم. وَالْخَبَر مَحْذُوف تَقْدِيره: كَمثل لَا شَيْء، أَلا ترى أَن قدر سَوط فِي الْجنَّة خير من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا! على مَا يَجِيء فِي حَدِيث الْبَاب؟ وَقَالَ بَعضهم: هَذِه التَّرْجَمَة بعض لفظ حَدِيث أخرجه مُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ من طَرِيق قيس بن أبي حَازِم عَن الْمُسْتَوْرد بن شَدَّاد رَفعه: (وَالله مَا الدُّنْيَا فِي الْآخِرَة إلاَّ مثل مَا يَجْعَل أحدكُم إصبعه فِي اليم فَلْينْظر بِمَ يرجع) .
قلت: لَا وَجه أصلا فِي الَّذِي ذكره، وَلَا خطر ببال البُخَارِيّ هَذَا، وَإِنَّمَا وضع هَذِه التَّرْجَمَة ثمَّ ذكر حَدِيث سهل لِأَنَّهُ يطابقها فِي الْمَعْنى، وَلَا يخفى ذَلِك إلاَّ على الْقَاصِر فِي الْفَهم.
وقَوْلُهُ تَعَالَى: {اعْلَمُو اْ أَنَّمَا الْحَيَواةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِى الاَْمْوَالِ وَالاَْوْلْادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِى الاَْخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَواةُ الدُّنْيَآ إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ} (الْحَدِيد: 02) [/ ح.
وَقَوله بِالرَّفْع عطف على قَوْله: مثل الدُّنْيَا، وَهَذَا هَكَذَا بِالسوقِ إِلَى قَوْله: {مَتَاع الْغرُور} فِي رِوَايَة كَرِيمَة، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: {إِنَّمَا الْحَيَاة الدُّنْيَا لعب وَلَهو} إِلَى قَوْله: {مَتَاع الْغرُور} وَأول الْآيَة: {اعلموا أَنما الْحَيَاة الدُّنْيَا} وَالْمرَاد بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا هُنَا مَا يخْتَص بدار الدُّنْيَا من تصرف، وَأما مَا كَانَ فِيهَا من الطَّاعَة وَمَا لَا بدل مِنْهُ مِمَّا يُقيم الأود ويعين على الطَّاعَة فَلَيْسَ مرَادا هُنَا. قَوْله: {وزينة} وَهِي مَا يتزين بِهِ مِمَّا هُوَ خَارج عَن ذَات الشَّيْء مِمَّا يحسن بِهِ الشَّيْء. قَوْله: {وتفاخر} هَذَا غَالِبا يكون بِالنّسَبِ كعادة الْعَرَب. قَوْله: {وتكاثر فِي الْأَمْوَال وَالْأَوْلَاد} حَيْثُ يَقُولُونَ: نَحن أَكثر مَالا وَولدا من بني فلَان، فيتفاخرون بذلك. قَوْله: {كَمثل غيث} أَي: زرع {أعجب الْكفَّار} أَي: الزراع {نَبَاته} وهم الَّذين يكفرون الْبذر أَي يغطونه، وَقيل: هم من كفر لِأَن الدُّنْيَا تعجبهم. قَوْله: {ثمَّ يهيج} أَي: يجِف وَيبقى حطاماً يتحطم، وَهَذَا مثل الدُّنْيَا وزوالها. قَوْله: {عَذَاب شَدِيد} أَي: الْأَعْدَاء الله تَعَالَى. قَوْله: {ومغفرة} أَي: لأوليائه. قَوْله: {وَمَا الْحَيَاة الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاع الْغرُور} تَأْكِيد لما سبق أَي: تغر من ركن إِلَيْهَا وَأما التقى فَهِيَ لَهُ بَلَاغ إِلَى الْآخِرَة.
5146 - حدّثنا عَبْدُ الله بنُ مَسْلَمَة حَدثنَا عبْدُ العَزِيزِ بنُ أبي حازِمِ عنْ أبيهِ عنْ سَهْلِ قَالَ: سَمِعْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ: (مَوْضِعُ سَوْطٍ فِي الجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيا وَمَا فِيها، ولَغَدْوَةٌ فِي سَبيلِ الله أوْ رَوْحَةٌ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيا وَمَا فِيها.(23/32)
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من معنى الحَدِيث من حَيْثُ إِن قدر مَوضِع سَوط إِذا كَانَ خيرا من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا تكون الدُّنْيَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْآخِرَة كلا شَيْء كَمَا ذَكرْنَاهُ.
وَعبد الْعَزِيز يروي عَن أَبِيه أبي حَازِم بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي سَلمَة بن دِينَار عَن سهل بن سعد بن مَالك السَّاعِدِيّ الْأنْصَارِيّ رَضِي الله عَنهُ.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْجِهَاد عَن يحيى بن يحيى.
قَوْله: (ولغدوة) اللَّام فِيهِ للتَّأْكِيد. قَوْله: (فِي سَبِيل الله) أَعم من الْجِهَاد. قَوْله: (أَو رَوْحَة) ، كلمة: أَو: للتنويع لَا لشك الرَّاوِي.
3 - (بابُ قَوْلِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (كُنْ فِي الدُّنْيا كأنَّكَ غَرِيبٌ أوْ عابِرُ سَبِيلٍ))
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (كن فِي الدُّنْيَا)
إِلَى آخِره، وَهَذِه تَرْجَمَة بِبَعْض حَدِيث الْبَاب. قيل: أَشَارَ بِهِ إِلَى أَن حَدِيث الْبَاب مَرْفُوع، وَأَن من رَوَاهُ مَوْقُوفا قصر فِيهِ.
4 - (بابٌ فِي الأمَلِ وطُولِهِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الْهَاء الأمل عَن الْعَمَل، والأمل مَذْمُوم لجَمِيع النَّاس إلاَّ الْعلمَاء فلولا أملهم وَطوله لما صنفوا وَلما ألفوا، وَقد نبه عَلَيْهِ ابْن الْجَوْزِيّ بقوله:
(وآمال الرِّجَال لَهُم فضوح ... سوى أمل المُصَنّف ذِي الْعُلُوم)
وَالْفرق بَين الأمل وَالتَّمَنِّي أَن الأمل مَا يقوم بِسَبَب وَالتَّمَنِّي بِخِلَافِهِ، وَقَالَ بعض الْحُكَمَاء: إِن الْإِنْسَان لَا يَنْفَكّ عَن الأمل فَإِن فَاتَهُ الأمل عول على التَّمَنِّي وَقيل: كَثْرَة التَّمَنِّي تخلق الْعقل وتفسد الدّين وتطرد القناعة، وَقَالَ الشَّاعِر:(23/33)
(الله أصدق والآمال كَاذِبَة ... وَجل هَذَا المنى فِي الصَّدْر وسواس)
وَقَوْلِ الله تَعَالَى: { (3) فَمن زحزح عَن النَّار وادخل الْجنَّة. . مَتَاع الْغرُور} (آل عمرَان: 581) . إِلَى قَوْله: {ذرهم يَأْكُلُوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فَسَوف يعلمُونَ} (الْحجر: 3) .
هَاتَانِ الْآيَتَانِ: الأولى: مسوقة بِتَمَامِهَا فِي رِوَايَة كَرِيمَة، وَفِي رِوَايَة النَّسَفِيّ هَكَذَا: {فَمن زحزح عَن النَّار وادخل الْجنَّة فقد فَازَ} الْآيَة. وَالثَّانيَِة: فِي رِوَايَة كَرِيمَة وَغَيرهَا مسوقة. إِلَى آخرهَا. وَفِي رِوَايَة أبي ذَر هَكَذَا {ذرهم يَأْكُلُوا ويتمتعوا} ... الْآيَة وَبَين الْآيَتَيْنِ سقط لفظ: قَوْله، فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ، وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَجه مُنَاسبَة الْآيَة الأولى بالترجمة صدرها وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: {كل نفس ذائقة الْمَوْت} أَو عجزها وَهُوَ {وَمَا الْحَيَاة الدُّنْيَا الامتاع الْغرُور} وَهَذَا يبين أَن مُتَعَلق الأمل لَيْسَ بِشَيْء قَوْله: {فَمن زحزح} أَي: أبعد قَوْله: {فَازَ} أَي: نجا. قَوْله: {ذرهم} الْأَمر فِيهِ للتهديد أَي: ذَر الْمُشْركين يَا مُحَمَّد يَأْكُلُوا فِي هَذِه الدُّنْيَا ويتمتعوا من لذاتها إِلَى أَجلهم الَّذِي أجل لَهُم، وَفِيه زجر عَن الانهماك فِي ملاذ الدُّنْيَا. قَوْله: {ويلههم الأمل} أَي: يشغلهم عَن عمل الْآخِرَة.
وَقَالَ عَلِيٌّ: ارْتَحَلَتِ الدُّنْيا مُدْبِرَةً وارْتَحَلَتِ الآخِرَةُ مُقْبِلَة ولِكُلِّ واحِدَةٍ مِنْهُما بَنُونَ، فَكُونُوا مِنْ أبْناءِ الآخِرَةِ وَلَا تَكُونُوا مِنْ أبْناءِ الدُّنْيا، فإنَّ اليَوْمَ عَمَلٌ وَلَا حِسابَ، وغَداً حِسابٌ وَلَا عَمَلَ.
أَي: قَالَ عَليّ بن أبي طَالب، وَهَكَذَا وَقع فِي بعض النّسخ، ومطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من أَوله لِأَن الدُّنْيَا لما كَانَت مُدبرَة فالأمل فِيهَا مَذْمُوم، وَمن كَلَام عَليّ هَذَا أَخذ بعض الْحُكَمَاء قَوْله: الدُّنْيَا مُدبرَة وَالْآخِرَة مقبلة فَعجب لمن يقبل على الْمُدبرَة وَيُدبر عَن الْمُقبلَة. وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : روينَا فِي كتاب أبي اللَّيْث السَّمرقَنْدِي، رَحمَه الله قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (صَلَاح أول هَذِه الْأمة بالزهد وَالْيَقِين وَيهْلك آخرهَا بالبخل والأمل) قلت: روى هَذَا الحَدِيث عبد الله بن عَمْرو رَفعه، أخرجه الطَّبَرَانِيّ وَابْن أبي الدُّنْيَا، وَأثر عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أخرجه ابْن الْمُبَارك فِي (رقائقه) وَرَوَاهُ نعيم بن حَمَّاد عَن سُلَيْمَان ابْن خَلاد: حَدثنَا سُفْيَان عَن زبيد اليامي عَن مهَاجر الطَّبَرِيّ عَنهُ. قَوْله: (فَإِن الْيَوْم عمل) ، قيل الْيَوْم لَيْسَ عملا بل فِيهِ الْعَمَل وَلَا يُمكن تَقْدِير: فِي وإلاَّ وَجب نصب عمل. وَأجِيب: بِأَنَّهُ جعله نفس الْعَمَل مُبَالغَة كَقَوْلِهِم: أَبُو حنيفَة فقه ونهاره صَائِم. قَوْله: (وَلَا حِسَاب) بِالْفَتْح أَي: لَا حِسَاب فِيهِ. وَيجوز بِالرَّفْع أَي: لَيْسَ فِي الْيَوْم حِسَاب، وَمثله شَاذ عِنْد النُّحَاة، وَهَذَا حجَّة عَلَيْهِم.
7146 - حدّثنا صَدَقَةُ بنُ الفَضْلِ أخبرنَا يَحْيَى عنْ سُفْيانَ قَالَ: حدّثني أبي عنْ مُنذرٍ عنْ رَبِيعِ بنِ خُثَيْمٍ عنْ عَبْدِ الله رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: خَط النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خطا مُرَبَّعاً، وخَطَّ خَطًّا فِي الوَسَطِ خارِجاً منْهُ، وخَطَّ خُطُطاً صِغاراً إِلَى هاذا الَّذِي فِي الوَسَطِ مِنْ جانبِهِ الّذِي فِي الوَسَطِ، وَقَالَ: (هاذَا الإنْسانُ وهاذَا أجَلُهُ مُحِيطٌ بِهِ أَو: قَدْ أحاطَ بِهِ: وهاذَا الذِي هُوَ خارِجٌ أمَلُهُ وهاذِهِ الخَطُطُ الصِّغَارُ الأعْرَاضُ، فإنْ أخْطأهُ هاذَا نَهَشَهُ هاذَا وإنْ أخْطأهُ هَذَا نَهَشَهُ هَذَا) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ مِثَال أمل الْإِنْسَان وأجله والأعراض الَّتِي تعرض عَلَيْهِ وَمَوته عِنْد وَاحِد مِنْهَا، فَإِن سلم مِنْهَا فيأتيه الْمَوْت عِنْد انْقِضَاء أَجله.
ويحيي هُوَ ابْن سعيد الْقطَّان، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ يروي عَن أَبِيه سعيد بن مَسْرُوق، وَسَعِيد بن مَسْرُوق، وَسَعِيد يروي عَن مُنْذر على صِيغَة اسْم الْفَاعِل من الْإِنْذَار ابْن يعلى على وزن يرضى بِفَتْح الْيَاء الثَّوْريّ الْكُوفِي يروي عَن ربيع بِفَتْح الرَّاء وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة ابْن خثيم بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالميم الثَّوْريّ أَيْضا.
وَهَؤُلَاء الْأَرْبَعَة ثوريون كوفيون، وَعبد الله هُوَ ابْن مَسْعُود رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
والْحَدِيث أخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الزّهْد عَن ابْن بشار. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الرقَاق عَن عَمْرو بن عَليّ. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الزّهْد عَن(23/34)
أبي بشر بكر بن خلف وَأبي بكر بن خَلاد خمستهم عَن يحيى بن سعيد عَن سُفْيَان الثَّوْريّ.
قَوْله: (خطّ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْخط) الرَّسْم والشكل. قَوْله: (مربعًا) هُوَ المستوي الزوايا قَوْله: (مِنْهُ) أَي: من الْخط المربع. قَوْله: (وَخط خططاً) بِضَم الْخَاء وَكسرهَا جمع الخطة. قَوْله: (وَقَالَ) أَي: النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (هَذَا الْإِنْسَان) مُبْتَدأ وَخبر أَي: هَذَا الْخط هُوَ الْإِنْسَان هَذَا على سَبِيل التَّمْثِيل وَهَذِه صفته.
أجل
::
: إِنْسَان 111111:
:: أمل
: 111111:
::
وَقيل هَكَذَا:
أجل
::
: إِنْسَان 111111: 111111
:: أمل
: 111111: 111111
::
: وَقَالَ الْكرْمَانِي: الخطوط ثَلَاثَة لِأَن الصغار كلهَا فِي حكم وَاحِد والمشار إِلَيْهِ أَرْبَعَة فَكيف ذَلِك؟ .
قلت: الدَّاخِل لَهُ اعتباران إِذْ نصفه دَاخل وَنصفه مثلا خَارج، فالمقدار الدَّاخِل مِنْهُ هُوَ الْإِنْسَان فرضا وَالْخَارِج أمله. قَوْله: (وَهَذِه الخطط الصغار الْأَعْرَاض) أَي: الْآفَات الْعَارِضَة لَهُ، وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي والسرخسي: وَهَذِه الخطوط. وَهِي الشطبات على الْخط الْخَارِج من وسط المربع من فَوْقه وَمن أَسْفَله وَهِي الْأَعْرَاض أَي: الْآفَات فَإِن أخطأه هَذَا أَي فَإِن تجَاوز عَنهُ هَذَا الْعرض نهشه هَذَا أَي الْعرض الآخر، ونهشه بالنُّون والشين الْمُعْجَمَة وَمَعْنَاهُ أَصَابَهُ. وَقَالَ ابْن التِّين: روينَاهُ بِالْمُعْجَمَةِ والمهملة، وَمَعْنَاهُ: أَخذ الشَّيْء بِمقدم الْأَسْنَان والحية تنهس إِذا عضت. قَوْله: (وَإِن أَخطَأ هَذَا) أَي: وَإِن أَخطَأ الْإِنْسَان هَذَا الْعرض نهشه هَذَا أَي: عرض آخر وَهُوَ الْأَجَل، يَعْنِي: إِن يمت بِالْمَوْتِ الاخترامي لَا بُد أَن يَمُوت بِالْمَوْتِ الطبيعي، وَحَاصِله: أَن ابْن آدم يتعاطى الأمل ويختلجه الْأَجَل دون الأمل.
8146 - حدّثنا مُسْلمٌ حَدثنَا هَمَّامٌ عنْ إسْحَاقَ بنِ عَبْدِ الله بنِ أبي طَلْحَةَ عنْ أنَسٍ قَالَ: خَطَّ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خُطُوطًا فَقَالَ: (هاذَا الأمَلُ وهاذَا أجَلُهُ فَبَيْنَما هُوَ كَذَلِكَ إذْ جاءَهُ الخَطُّ الأقْرَبُ) .
هَذَا وَجه آخر فِي مِثَال الْأَمر وَالْأَجَل أخرجه مُسلم بن إِبْرَاهِيم عَن همام بن يحيى عَن إِسْحَاق بن عبد الله بن أبي طَلْحَة واسْمه زيد بن سهل الْأنْصَارِيّ ابْن أخي أنس بن مَالك يكنى أَبَا يحيى يروي عَن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ.
والْحَدِيث أخرجه النَّسَائِيّ فِي الرقَاق عَن عبيد الله بن سعيد عَن مُسلم بن إِبْرَاهِيم.
قَوْله: (خطّ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خُطُوطًا) وَهَذِه صفتهَا
أجل
::
: إِنْسَان: 111111
:: أمل
:: 111111
::
وَهَذِه الخطوط
الْآفَات الَّتِي تعرض فَبَيْنَمَا الْإِنْسَان كَذَلِك فِي هَذِه الْآفَات الَّتِي تعرض فَبَيْنَمَا الْإِنْسَان كَذَلِك فِي هَذِه الْآفَات (إِذْ جَاءَهُ الْخط الْأَقْرَب) وَهُوَ الْأَجَل، وَقَالَ الْكرْمَانِي: قَالَ: خُطُوطًا فِي مجملة، وَذكر اثْنَيْنِ فِي مفصله.
قلت: فِيهِ اخْتِصَار عَن مطول والخطوط الْأُخَر الْآفَات والخط الْأَقْرَب يَعْنِي الْأَجَل إِذْ لَا شكّ أَن الْخط الْمُحِيط هُوَ أقرب من الْخط الْخَارِج مِنْهُ.
5 - (بابٌ مَنْ بَلَغَ سِتِّينَ سَنَةً فَقَدْ أعْذَرَ الله إلَيْهِ فِي العُمُرِ لِقَوْلِهِ: { (35) أَو لم نُعَمِّركُمْ. . مَا يتَذَكَّر فِيهِ من تذكر وَجَاءَكُم النذير} (فاطر: 73) يَعْنِي: الشَّيْبَ.)(23/35)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حَال من بلغ سِتِّينَ سنة من الْعُمر قَوْله: (فقد أعذر الله إِلَيْهِ) أَي أَزَال الله عذره فَلَا يَنْبَغِي لَهُ حينئذٍ إِلَّا الاسْتِغْفَار وَالطَّاعَة والإقبال على الْآخِرَة بِالْكُلِّيَّةِ، وَلَا يكون لَهُ على الله عد ذَلِك حجَّة، فالهمزة فِي أعذر للسلب، وَحَاصِل الْمَعْنى: أَقَامَ الله عذره فِي تَطْوِيل عمره وتمكينه من الطَّاعَة مُدَّة مديدة، وَاحْتج فِي ذَلِك بقوله عز وَجل: {أَو لم نُعَمِّركُمْ} ... الْآيَة. قَوْله: (يَعْنِي: الشيب) لم يثبت إلاَّ فِي رِوَايَة أبي ذَر وَحده. قَوْله: {أَو لم نُعَمِّركُمْ} قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: هَذَا توبيخ من الله تَعَالَى يَعْنِي فَيَقُول لَهُم وَهُوَ متناول لكل عمر تمكن فِيهِ الْمُكَلف من إصْلَاح شَأْنه وَإِن قصر إلاَّ أَن التوبيخ فِي المتطاول أعظم. انْتهى. وَاخْتلفُوا فِي المُرَاد بالتعمير فِي الْآيَة على أَقْوَال فَعَن مَسْرُوق: أَنه أَرْبَعُونَ سنة، وَعَن مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس: سِتّ وَأَرْبَعُونَ سنة، وَعَن ابْن عَبَّاس: سَبْعُونَ سنة، وَعَن سهل بن سعد: سِتُّونَ سنة، وَعَن أبي هُرَيْرَة: من عمر سِتِّينَ سنة أَو سبعين سنة، فقد أعذر الله إِلَيْهِ فِي الْعُمر. قَوْله: {وَجَاءَكُم النذير} اخْتلفُوا فِيهِ، فَقيل: الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَعَن زيد بن عَليّ: الْقُرْآن، وَعَن عِكْرِمَة وسُفْيَان بن عُيَيْنَة ووكيع: الشيب، وَهُوَ الْأَصَح.
9146 - حدّثنا عَبْدُ السَّلام بنُ مُطَهَّرٍ حَدثنَا عُمَرُ بن عَليّ عنْ مَعْنِ بنِ مُحَمَّدٍ الغِفارِيِّ عنْ سَعِيدِ بنِ أبي سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ عنْ أبي هُرَيْرَةَ عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (أعْذَرَ الله إِلَى أمرْىءٍ أخَّرَ أجَلَهُ حتَّى بَلَّغَهُ سِتِّينَ سَنَةً) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعبد السَّلَام بن مطهر بِضَم الْمِيم وَفتح الطَّاء وَتَشْديد الْهَاء الْمَفْتُوحَة ابْن حسام أَبُو ظفر الْأَزْدِيّ الْبَصْرِيّ مَاتَ فِي رَجَب سنة أَربع وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ وَهُوَ من أَفْرَاده، وَعمر بن عَليّ بن عَطاء بن مقدم الْمقدمِي أَبُو حَفْص الْبَصْرِيّ، ومعن بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وبالنون ابْن مُحَمَّد الْغِفَارِيّ بِكَسْر الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الْفَاء نِسْبَة إِلَى غفار بن مقبل قَبيلَة مِنْهُم أَبُو ذَر الْغِفَارِيّ، وَسَعِيد بن أبي سعيد ذكْوَان المَقْبُري، نِسْبَة إِلَى مَقْبرَة بِالْمَدِينَةِ كَانَ يسكن عِنْدهَا.
والْحَدِيث من أَفْرَاده، وَهَذَا الْإِسْنَاد بِعَيْنِه بِحَدِيث آخر مضى فِي كتاب الْإِيمَان.
قَوْله: (أعذر الله) من الْإِعْذَار وَهُوَ إِزَالَة الْعذر. قَوْله: (أخر أَجله) أَي: أَطَالَ الله حَيَاته حَتَّى بلغه سِتِّينَ سنة. قَالَ الْأَطِبَّاء: الْأَسْنَان أَرْبَعَة: سنّ الطفولة وَسن الشَّبَاب وَسن الكهولة وَسن الشيخوخة فَإِذا بلغ السِّتين وَهُوَ آخر الْأَسْنَان. فقد ظهر فِيهِ ضعف الْقُوَّة وَتبين فِيهِ النَّقْص والانحطاط وَجَاء نَذِير الْمَوْت فَهُوَ وَقت الْإِنَابَة إِلَى الله عز وَجل.
تابَعَهُ أبُو حازِمٍ وابنُ عَجْلانَ عنِ المَقْبُرِيِّ
أَي: تَابع معن بن مُحَمَّد فِي رِوَايَته عَن سعيد بن أبي سعيد المَقْبُري أَبُو حَازِم بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي سَلمَة بن دِينَار، وروى هَذِه الْمُتَابَعَة النَّسَائِيّ عَن قُتَيْبَة عَن يَعْقُوب بن عبد الرَّحْمَن عَن أبي حَازِم سَلمَة بن دِينَار عَن أبي هُرَيْرَة قَوْله: (وَابْن عجلَان) . أَي: وَتَابعه أَيْضا مُحَمَّد بن عجلَان فِي رِوَايَته عَن المَقْبُري، وروى هَذِه الْمُتَابَعَة الطَّبَرَانِيّ فِي (الْأَوْسَط) عَن عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن مَنْصُور بن الْمُعْتَمِر عَن مُحَمَّد بن عجلَان عَن سعيد عَن أبي هُرَيْرَة.
0246 - حدّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله حدّثنا أبُو صَفْوانَ عَبْدُ الله بنُ سَعِيدٍ حدّثنا يُونُسُ عنِ ابنِ شِهابٍ قَالَ: أَخْبرنِي سَعِيدُ بنُ المُسَيَّبِ أنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ: (لَا يَزالُ قَلْبُ الكَبِيرِ شَابًّا فِي اثْنَتَيْنِ: فِي حُبِّ الدُّنْيا وطُولِ الأمَلِ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. قَالَ الْكرْمَانِي: وَكَانَ الْأَنْسَب أَن يذكر هَذَا الحَدِيث فِي الْبَاب الْمُتَقَدّم.
وعَلى ابْن عبد الله هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ، وَيُونُس هُوَ ابْن يزِيد الْأَيْلِي.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الزَّكَاة عَن أبي الطَّاهِر بن السَّرْح وَغَيره. . وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الرقَاق عَن هَارُون بن سعيد.
قَوْله: (قلب الْكَبِير) أَي: الشَّيْخ. قَوْله: (فِي اثْنَتَيْنِ) أَي: فِي خَصْلَتَيْنِ. قَوْله: (شَابًّا) سَمَّاهُ شَابًّا لقُوَّة استحكامه فِي محبَّة المَال. قَوْله: (وَطول الأمل) : المُرَاد بالأمل هُنَا طول الْعُمر.(23/36)
قَالَ لَيْثُ بنُ سَعْدٍ: حدّثني يُونُس وابنُ وَهْبٍ عنْ يُونُسَ عنِ ابنِ شهابٍ قَالَ: أَخْبرنِي سَعِيدٌ وأبُو سَلَمَة.
وَقَالَ لَيْث بن سعد بِدُونِ الْألف وَاللَّام حَدثنِي يُونُس هُوَ ابْن يزِيد. قَوْله: (وَابْن وهب) ، هُوَ عبد الله بن وهب وَهُوَ عطف على لَيْث، وَسَعِيد هُوَ ابْن الْمسيب، وَأَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، أما رِوَايَة لَيْث فوصلها الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق أبي صَالح كَاتب اللَّيْث حَدثنَا اللَّيْث حَدثنِي يُونُس هُوَ ابْن يزِيد عَن ابْن شهَاب أَخْبرنِي سعيد وَأَبُو سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة بِلَفْظِهِ إلاَّ أَنه قَالَ: المَال، بدل: الدُّنْيَا، وَأما رِوَايَة ابْن وهب فوصلها مُسلم عَن حَرْمَلَة عَنهُ بِلَفْظ: قلب الشَّيْخ شَاب على حب اثْنَتَيْنِ: طول الْحَيَاة وَحب المَال.
1246 - حدّثنا مُسْلِمُ بنُ إبْراهِيمَ حدّثنا هِشامٌ حدّثنا قَتادَةُ عنْ أنَسٍ رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (يَكْبَرُ ابنُ آدَم ويَكْبرُ مَعَهُ اثْنانِ: حُبُّ المَالِ وطُولُ العُمْرِ) . [/ نه
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (يكبر ابْن آدم) وَمُسلم بن إِبْرَاهِيم وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: مُسلم، غير مَنْسُوب، وَهِشَام هُوَ الدستوَائي.
والحدبث أخرجه مُسلم فِي الزَّكَاة عَن أبي غَسَّان المسمعي وَأبي مُوسَى.
قَوْله: (يكبر) بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة أَي: يطعن فِي السن. قَوْله: (وَيكبر مَعَه) بِضَم الْبَاء أَي: يعظم، وَلَو صحت الرِّوَايَة فِي الْكَلِمَة الثَّانِيَة بِالْفَتْح فالتلفيق بَينه وَبَين الحَدِيث السَّابِق الَّذِي ذكر فِيهِ الشَّبَاب أَن المُرَاد بالشباب الزِّيَادَة فِي الْقُوَّة وبالكبر الزِّيَادَة فِي الْعدَد، فَذَاك بِاعْتِبَار الكيف وَهَذَا بِاعْتِبَار الْكمّ، قَالُوا: التَّخْصِيص بِهَذَيْنِ الْأَمريْنِ هُوَ أَن أحب الْأَشْيَاء إِلَى ابْن آدم نَفسه، فَأحب بقاءها وَهُوَ الْعُمر وَسبب بقاءها هُوَ المَال، فَإِذا أحس بِقرب الرحيل قوي حبه لذَلِك.
(والكرى عِنْد الصَّباح بِطيب.)
رَواهُ شُعْبَةُ عنْ قَتَادَة
أَي: روى الحَدِيث الْمَذْكُور شُعْبَة بن حجاج عَن قَتَادَة وَوَصله مُسلم من رِوَايَة مُحَمَّد بن جَعْفَر عَن شُعْبَة، وَلَفظه: سَمِعت قَتَادَة يحدث عَن أنس بِنَحْوِهِ، قيل: فَائِدَة هَذَا التَّعْلِيق دفع توهم الِانْقِطَاع فِيهِ لكَون قَتَادَة مدلساً، وَقد عنعنه. لَكِن شُعْبَة: لَا يحدث عَن المدلسين إلاَّ بِمَا علم أَنه دَاخل فِي سماعهم، فيستوي فِي ذَلِك التَّصْرِيح والعنعنة، بِخِلَاف غَيره.
6 - (بابُ العَمَلِ الّذِي يُبْتَغِي بِهِ وجْهُ الله تَعَالَى)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان اعْتِدَاد الْعَمَل الَّذِي يَبْتَغِي بِهِ، أَي: يطْلب بِهِ وَجه الله أَي: ذَات الله، لَا للرياء والسمعة، أسقط ابْن بطال هَذِه التَّرْجَمَة فأضاف حَدِيثهَا للَّذي قبله.
فِيهِ سَعْدٌ
أَي: فِي هَذَا الْبَاب حَدِيث سعد بن أبي وَقاص، وَهَذَا سقط فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ والإسماعيلي وَغَيرهمَا، وَحَدِيثه قد مضى فِي الْجَنَائِز مطولا فِي: بَاب رثاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سعد بن خَوْلَة.
2246 - حدّثنا مُعاذ بنُ أسَدٍ أخبرنَا عَبْدُ الله أخبرنَا مَعْمَرٌ عَن الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبرنِي مَحْمُودُ بنُ الرَّبِيعِ، وَزَعَمَ مَحْمُودٌ أنَّهُ عقَلَ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقَالَ: وعَقَلَ مَجَّةً مَجَّها مِنْ دَلوٍ كانَتْ فِي دَرَاهِم.
قَالَ: سَمِعْتُ عتْبانَ بنَ مالِكٍ الأنْصارِيَّ ثُمَّ أحَدَ بَنِي سالِمٍ قَالَ: غَدا عَلَيَّ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقالَ: (لَنْ يُوافِيَ عَبْدٌ يَوْمَ القِيامَةِ يَقُولُ: لَا إلاهَ إِلَّا الله، يَبْتَغِي بِهِ وجْهَ الله، إلاَّ حَرَّمَهُ الله عَلَى النَّارَ) . [/ ح.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (يَبْتَغِي بِهِ وَجه الله) .
ومعاذ بِضَم الْمِيم ابْن أَسد الْمروزِي. وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك الْمروزِي(23/37)
وَمعمر بِفَتْح الميمين هُوَ ابْن رَاشد.
والْحَدِيث مضى فِي الصَّلَاة مطولا فِي: بَاب الْمَسَاجِد فِي الْبيُوت فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن سعيد بن عفير عَن اللَّيْث عَن عقيل عَن ابْن شهَاب، قَالَ: أَخْبرنِي مَحْمُود بن الرّبيع الْأنْصَارِيّ ... إِلَى آخِره.
قَوْله: (وَزعم) أَي: قَالَ قَوْله: إِنَّه عقل، إِنَّمَا قَالَ: عقل لِأَنَّهُ كَانَ صَغِيرا حِين دخل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، دَارهم وَشرب مَاء وَمَج من ذَلِك المَاء مجة على وَجهه.
قَوْله: (عتْبَان) بِكَسْر الْعين على الْأَصَح. قَوْله: (ثمَّ أحد بني سَالم) بِالنّصب عطف على قَوْله: (الْأنْصَارِيّ) وَقد تكلم الْكرْمَانِي هُنَا كلَاما لَا حَاجَة إِلَيْهِ لِأَنَّهُ يشوش بذلك على من لَيْسَ لَهُ إتقان فِي هَذَا الْبَاب، وَهُوَ أَنه قَالَ: ذكر فِي كتاب الصَّلَاة أَن الزُّهْرِيّ هُوَ الَّذِي سَأَلَ الْحصين وَسمع مِنْهُ، وَالْمَفْهُوم هُنَا هُوَ مَحْمُود.
قلت: توضيح هَذَا أَن الحَدِيث الَّذِي مضى فِي الصَّلَاة مطول كَمَا ذكرنَا فِي آخِره، قَالَ ابْن شهَاب: وَهُوَ الزُّهْرِيّ، ثمَّ سَأَلت الْحصين بن مُحَمَّد الْأنْصَارِيّ، وَهُوَ أحد بني سَالم وَهُوَ من سراتهم عَن حَدِيث مَحْمُود بن الرّبيع فَصدقهُ بذلك، هَذَا الْمِقْدَار إِن لم يقف عَلَيْهِ أحد لَا يظْهر لَهُ سُؤَاله الْمَذْكُور، ثمَّ قَالَ فِي جَوَابه: إِن كَانَت الرِّوَايَة بِالرَّفْع يَعْنِي: بِرَفْع قَوْله: ثمَّ أحد بني سَالم فَهُوَ عطف على مَحْمُود أَي أَخْبرنِي مَحْمُود ثمَّ أَخْبرنِي سَالم فَلَا إِشْكَال وَإِن كَانَ بِالنّصب يَعْنِي قَوْله ثمَّ أَخْبرنِي سَالم فَالْمُرَاد: سَمِعت عتْبَان الْأنْصَارِيّ ثمَّ السالمي، إِذْ عتْبَان كَانَ سالمياً أَيْضا، أَو يُقَال: بِأَن السماع من الْحصين كَانَ حَاصِلا لَهما، وَلَا مَحْذُور فِي ذَلِك لجَوَاز سَماع الصَّحَابِيّ من التَّابِعِيّ، أَو المُرَاد من الْأَحَد غير الْحصين انْتهى. قَوْله: (عدا على) بتَشْديد الْيَاء. قَوْله: (لن يوافي) من الموافاة وَهِي الْإِتْيَان يُقَال: وافيت الْقَوْم أَي أتيتهم. قَوْله: (وَجه الله) أَي: ذَات الله عز وَجل.
والْحَدِيث من المتشابهات، وَيُقَال: لفظ الْوَجْه زَائِد، أَو المُرَاد: وَجه الْحق وَالْإِخْلَاص لَا الرِّيَاء وَنَحْوه. قَوْله: (إلاَّ حرمه الله على النَّار) وَفِي الحَدِيث الْمُتَقَدّم فِي الصَّلَاة: فَإِن الله قد حرم على النَّار من قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله. قَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: قَالَ ثمَّة: حرمه على النَّار، وَهَهُنَا: حرم عَلَيْهِ النَّار، فَمَا الْفرق بَين التركيبين؟ .
قلت: الأول حَقِيقَة بِاعْتِبَار أَن النَّار آكِلَة لما يلقى فِيهَا، وَالتَّحْرِيم يُنَاسب الْفَاعِل، وَأما المعنيان فهما متلازمان.
قلت: تبعه على هَذَا بَعضهم فَنقل مَا قَالَه الْكرْمَانِي، وَلَكِن التركيبان ليسَا كَمَا ذكرَاهُ، لِأَن اللَّفْظ الَّذِي فِي الصَّلَاة نَحْو مَا ذَكرْنَاهُ الْآن، وَاللَّفْظ الَّذِي هُنَا: إلاَّ حرمه الله على النَّار.
4246 - حدّثنا قُتَيْبَةُ حدّثنا يَعْقُوبُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمانِ عنْ عمْرٍ وعنْ سَعِيدٍ المَقْبَرِيِّ عنْ أبي هُرَيْرَةَ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (يَقُولُ الله تَعَالَى: مَا لِعْبْدِي المُؤْمِنِ عِنْدِي جَزاءٌ إِذا قَبَضْتُ صَفِيَّةُ مِنْ أهْلِ الدُّنْيا ثُمَّ احْتَسَبَهُ، إلاَّ الجَنَّةُ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (ثمَّ احتسبه) لِأَن مَعْنَاهُ: صَبر على فقد صَفِيَّة وابتغى الْأجر من الله تَعَالَى، والاحتساب طلب الْأجر من الله تَعَالَى خَالِصا، واحتسب بِكَذَا أجرا عِنْد الله أَي: نوى بِهِ وَجه الله، والحسبة بِالْكَسْرِ الْأُجْرَة وَاسم من الاحتساب.
وقتيبة هُوَ ابْن سعيد، وَيَعْقُوب بن عبد الرَّحْمَن الإسْكَنْدراني، وَعَمْرو بن أبي عَمْرو بِالْوَاو فيهمَا مولى الْمطلب المَخْزُومِي. . والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (صَفيه) بِفَتْح الصَّاد الْمُهْملَة وَكسر الْفَاء وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف وَهُوَ الحبيب المصافي كَالْوَلَدِ والأخر وكل من يُحِبهُ الْإِنْسَان. قَوْله: (إلاّ الْجنَّة) يتَعَلَّق بقوله: (مَا لعبدي الْمُؤمن) .
7 - (بَابُ مَا يُحْذَرُ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيا والتَّنافُسِ فِيها)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا يحذر على صِيغَة الْمَجْهُول من الحذر وَفِي بعض النّسخ: مَا يحذر، بِالتَّشْدِيدِ من التحذير. قَوْله: من زهرَة الدُّنْيَا، أَي بهجتها ونضارتها وحسنها. قَوْله: والتنافس فِيهَا، وَهُوَ من النفاسة وَهِي الرَّغْبَة فِي الشَّيْء ومحبة الِانْفِرَاد بِهِ والمغالبة عَلَيْهِ، وَأَصلهَا من الشَّيْء النفيس فِي نَوعه، يُقَال: نافست فِي الشَّيْء مُنَافَسَة ونفاسة ونفاساً، وَنَفس الشَّيْء بِالضَّمِّ نفاسة: صَار مرغوباً فِيهِ، ونفست بِهِ بِالْكَسْرِ بخلت بِهِ، ونفست عَلَيْهِ لم أره أَهلا لذَلِك.(23/38)
5246 - حدّثنا إسْماعِيلُ بنُ عَبْدِ الله قَالَ: حَدثنِي إسْمَاعِيلُ بنُ إبْراهِيمَ بنِ عُقْبَةَ عنْ مُوساى ابنِ عُقْبَةَ قَالَ ابنُ شِهابٍ: حدّثني عُرْوَةُ بنُ الزُّبيرِ أنَّ المِسْوَرَ بنَ مَخْرَمَةَ أخبرَهُ أنَّ عَمْرَو بنَ عَوْفٍ وهْوَ حَلِيفٌ لِبَنِي عامِرِ بنِ لُؤَيٍّ. كَانَ شَهِدَ بَدْراً مَعَ رَسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أخْبَرَه أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ بنَ الجَرَّاحِ إِلَى البَحْرَيْنِ يَأْتِي بِجِزْيَتِها، وَكَانَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هُوَ صَالَحَ أهْلَ البَحْرَيْنِ وأمَّرَ عَليْهِمُ العَلاَءَ بنَ الحَضْرَمِيِّ، فَقَدِمَ أبُو عُبَيْدَةَ بمالٍ مِنَ البَحْرَيْنِ، فَسَمِعَتِ الأنْصارُ بِقُدُومِهِ فَوَافَتْهُ صَلاة الصُّبْحِ مَعَ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَلمَّا انْصَرَفَ تَعَرَّضُوا لهُ فَتَبَسَّمَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِينَ رآهُمْ، وَقَالَ: (أظُنُكُمْ سَمِعْتُمْ بِقُدومِ أبي عُبَيْدَةَ وأنّهُ جاءَ بِشَيْءٍ؟) قَالُوا: أجلْ يَا رَسُول الله! قَالَ: (فأبْشِرُوا وأمِّلُوا مَا يَسُرُّكُمْ فَوالله مَا الفَقْرَ أخْشَى عَلَيْكُمْ ولاكِنْ أخْشَى عَلَيْكُمْ أَن تُبْسَطَ عَليْكِمُ الدُّنْيا كَمَا بُسِطَتْ على مَنْ كانَ قَبْلَكُمْ، فَتنافَسُوها كَمَا تَنافَسُوها وتُلْهِيَكُمْ كَمَا ألْهَتْهُمْ) . طابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فتنافسوها)
إِلَى آخِره. وَإِسْمَاعِيل بن عبد الله بن أبي أويس وَإِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم بن عقبَة ابْن أبي عَيَّاش يروي عَن عَمه مُوسَى بن أبي عَيَّاش الْأَسدي مولى الزبير بن الْعَوام، وَابْن شهَاب هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ. والمسور بِكَسْر الْمِيم ابْن مخرمَة بِفَتْح الْمِيم، وَعَمْرو بن عَوْف الْأنْصَارِيّ.
وَفِي هَذَا السَّنَد: إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم من أَفْرَاد البُخَارِيّ، وَفِيه: ثَلَاثَة من التَّابِعين فِي نسق وهم: مُوسَى وَابْن شهَاب وَعُرْوَة بن الزبير وَفِيه: صحابيان وهما: الْمسور وَعَمْرو بن عَوْف وَكلهمْ مدنيون.
والْحَدِيث مضى فِي: بَاب الْجِزْيَة وَالْمُوَادَعَة مَعَ أهل الذِّمَّة وَالْحَرب، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن أبي الْيَمَان عَن شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة بن الزبير عَن الْمسور بن مخرمَة عَن عَمْرو بن عَوْف الْأنْصَارِيّ. . إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ مستقصًى هُنَاكَ.
قَوْله: (إِلَى الْبَحْرين) سقط لفظ: إِلَى الْبَحْرين، وَفِي رِوَايَة الْأَكْثَرين. وَثَبت فِي رِوَايَة الْكشميهني. قَوْله: (فَقدم أَبُو عُبَيْدَة بِمَال) كَانَ قدوم أبي عُبَيْدَة سنة عشر، قدم بِمِائَة ألف وَثَمَانِينَ ألف دِرْهَم كَذَا فِي (جَامع الْمُخْتَصر) وَقَالَ قَتَادَة: كَانَ المَال ثَمَانِينَ ألفا، وَقَالَ الزُّهْرِيّ: قدم بِهِ لَيْلًا، وَقَالَ ابْن حبيب: هُوَ أَكثر مَال قُدم بِهِ على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقَالَ قَتَادَة: وصب على حَصِير وفرقه وَمَا أحرم مِنْهُ سَائِلًا، وَكَانَ أهل الْبَحْرين مجوساً. وَيُسْتَفَاد مِنْهُ: أَخذ الْجِزْيَة من الْمَجُوس. وَفِيه خلاف بَين الْفُقَهَاء. قَوْله: (فوافته) ويروى: فوافت، بِدُونِ الضَّمِير وَهُوَ رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي والكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيرهمَا. فَوَافَقت من الْمُوَافقَة، ووافت من الموافاة، وَهُوَ الْإِتْيَان. قَوْله: (فابشروا) بِهَمْزَة الْقطع. قَوْله: (وأملوا) من التأميل من الأمل وَهُوَ الرَّجَاء. قَوْله: (مَا يسركم) فِي مَحل النصب لِأَنَّهُ مفعول: أملوا قَوْله: (مَا الْفقر) مَنْصُوب بِتَقْدِير: مَا أخْشَى الْفقر، وَحذف لِأَن أخْشَى عَلَيْكُم مُفَسّر لَهُ، وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: فَائِدَة تَقْدِيم الْمَفْعُول هُنَا الاهتمام بشأن الْفقر، قيل: يجوز رفع الْفقر بِتَقْدِير ضمير أَي: مَا الْفقر أخشاه عَلَيْكُم، وَقيل: هَذَا مَخْصُوص بالشعر، وَمضى تَفْسِير التنافس عَن قريب، قَوْله: (وتلهيكم) أَي: تشغلكم عَن الْآخِرَة.
6246 - حدّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ حَدثنَا اللَّيْثُ عَن يَزِيدَ بنِ أبِي حَبِيبٍ عنْ أبي الخَيْرِ عنْ عُقْبَةَ ابنِ عامرٍ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَرَجَ يَوْماً فَصَلَّى عَلى أهْلِ أُحُدٍ صَلاَتَهُ على المَيِّتِ، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى المِنْبَرِ فَقَالَ: (إنِّي فَرَطُكُمْ وَأَنا شَهِيدٌ عَلَيْكُمْ وإنِّي وَالله لأنظرُ إِلَى حَوْضِي الْآن، وإنِّي قَدْ أُعْطِيتُ مَفاتِيح خَزَائنِ الأرْضِ أوْ: مَفاتِيحَ الأرْضِ وإنِّي وَالله مَا أخافُ عَلَيْكُمْ(23/39)
أنْ تُشْرِكُوا بَعْدِي، ولَكِنِّي أخافُ أنْ تَنَافَسُوا فِيها) .
طابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (أَخَاف أَن تنافسوا فِيهَا) . قَوْله: اللَّيْث هُوَ ابْن سعد، ويروى: لَيْث، بِدُونِ الْألف وَاللَّام، وَيزِيد من الزِّيَادَة ابْن أبي حبيب واسْمه سُوَيْد، وَأَبُو الْخَيْر مرْثَد بِفَتْح الْمِيم وبالثاء الْمُثَلَّثَة ابْن عبد الله.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْجَنَائِز فِي: بَاب الصَّلَاة على الشَّهِيد، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبد الله بن يُوسُف عَن اللَّيْث عَن يزِيد بن أبي حبيب إِلَى آخِره.
قَوْله: (فصلى) أَي: دَعَا لَهُم بِدُعَاء صَلَاة الْمَيِّت وَلَا بُد من هَذَا التَّأْوِيل لما تقدم فِي الْجَنَائِز أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، دفن شُهَدَاء أحد قبل أَن يُصَلِّي عَلَيْهِم. قَوْله: (فَرَطكُمْ) الفرط بِفتْحَتَيْنِ الْمُتَقَدّم فِي طلب المَاء. أَي سابقكم إِلَيْهِ كالمهيء لَهُ. قَوْله: (أَو مَفَاتِيح الأَرْض) شكّ من الرَّاوِي.
وَفِيه: إِثْبَات الْحَوْض المورود وَأَنه مَخْلُوق الْيَوْم. وَفِيه: إِخْبَار بِالْغَيْبِ معْجزَة لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
7246 - حدّثنا إسْمَاعِيلُ قَالَ: حدّثني مالِكٌ عَن: زَيْدِ بنِ أسْلَم عنْ عَطاءِ بنِ يسَار عنْ أبي سَعيدٍ الخدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إنَّ أكْثَرَ مَا أخافُ عَليْكُمْ مَا يُخْرِجُ الله لَكُمْ مِنْ بَرَكاتِ الأرْضِ) . قيل: وَمَا بَرَكاتُ الأرْضِ؟ قَالَ: (زَهْرَةُ الدُّنْيا) فَقَالَ لهُ رجُلٌ: هَلْ يأتِي الخَيْرُ بالشَّرِّ؟ فَصَمتَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ظَنَنَّا أنَّهُ يُنْزَلُ علَيْهِ، ثُمَّ جَعَلَ يَمْسَحُ عنْ جَبِينِه، فَقَالَ: (أيْنَ السَّائِلُ؟) قَالَ: أَنا. قَالَ: أبُو سَعِيد: لَقَدْ حَمدْناهُ حِينَ طَلَعَ ذَلِكَ، قَالَ: (لَا يأتِي الخَيْرُ ... إِلَّا بالخَيْرِ، إنَّ هاذَا المالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ وإنَّ كلَّ مَا أنْبَتَ الرَّبِيعُ يَقْتُلُ حبَطاً أوْ يُلِمُّ إلاّ آكِلَةَ الخَضرةِ أكلتْ حتَّى إذَا امْتَدَّتْ خاصِرَتاها اسْتَقْبَلتِ الشَّمْسَ فاجْتَرَّتْ وثَلَطَت وبالَتْ ثُمَّ عادَتْ فأكَلَتْ، وإنَّ هاذَا المالَ حُلْوَةٌ مَنْ أخَذَهُ بِحَقِّهِ وَوضَعَهُ فِي حَقِّهِ فَنِعح المَعُونَةُ هُوَ، ومَنْ أخَذَهُ بِغَيْرِ حَقِّهِ كانَ كالّذِي يأكُلُ وَلَا يَشْبَعُ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (زهرَة الدُّنْيَا) وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن أبي أويس، وَأَبُو سعيد الْخُدْرِيّ اسْمه سعد بن مَالك بن سِنَان ونسبته إِلَى خدر بطن من الْأَنْصَار.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الزَّكَاة فِي: بَاب الصَّدَقَة على الْيَتَامَى، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن معَاذ بن فضَالة عَن هِشَام عَن يحيى عَن هِلَال بن أبي مَيْمُونَة عَن عَطاء بن يسَار أَنه سمع أَبَا سعيد الْخُدْرِيّ إِلَى آخِره.
قَوْله: (إِن أَكثر مَا أَخَاف عَلَيْكُم) وَفِي رِوَايَة الزَّكَاة: (إِن مِمَّا أَخَاف عَلَيْكُم من بعدِي مَا يفتح عَلَيْكُم) وَفِي رِوَايَة السَّرخسِيّ: (إِنِّي مِمَّا أَخَاف) . قَوْله: (مَا يخرج) بِضَم الْيَاء من الْإِخْرَاج وَهُوَ خبر، إِن قيل: هَذَا لَا يصلح أَن يكون خَبرا للأكثره. وَأجِيب: بِأَن فِيهِ إضماراً تَقْدِيره: مَا أَخَاف بِسَبَبِهِ عَلَيْكُم أَو مِمَّا يخرج. قَوْله: (زهرَة الدُّنْيَا) وَفِي كتاب الزَّكَاة زَاد هِلَال: وَزينتهَا، وَهُوَ عطف تفسيري والزهرة بِفَتْح الزَّاي وَسُكُون الْهَاء، وَقد قرىء فِي الشاذ عَن الْحسن وَغَيره بِفَتْح الْهَاء، فَقيل: هما بِمَعْنى وَاحِد. وَقيل: بِالتَّحْرِيكِ جمع زَاهِر كفاجر وفجرة وَالْمرَاد بالزهرة الزِّينَة والبهجة مَأْخُوذ من زهرَة الشَّجَرَة وَهُوَ نورها بِفَتْح النُّون، وَالْمرَاد مَا فِيهَا من أَنْوَاع الْمَتَاع وَالْعين وَالثيَاب والزروع وَغَيرهَا مِمَّا يغتر النَّاس بحسنه مَعَ قلَّة الْبَقَاء. قَوْله: (فَقَالَ رجل) لم يدر اسْمه. قَوْله: (هَل يَأْتِي الْخَيْر بِالشَّرِّ؟) أَي: هَل تصير النِّعْمَة عُقُوبَة؟ قَوْله: (حَتَّى ظننا) هَكَذَا فِي رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: حَتَّى ظَنَنْت أَنه أَي: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ينزل عَلَيْهِ بِصِيغَة الْمَجْهُول أَي: الْوَحْي. قَوْله: (ثمَّ جعل يمسح عَن جَبينه) أَي: الْعرق، وَهَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة الدَّارَقُطْنِيّ. قَوْله: (لقد حمدناه حِين طلع ذَلِك) أَي: حمدنا الرجل حِين ظهر، هَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ، وَفِي رِوَايَة غَيره كَذَلِك، وَقَالَ الْكرْمَانِي: تقدم فِي الزَّكَاة أَنهم ذموه، وَقَالُوا لَهُ: لم تكلم النَّبِي وَلَا يكلمك؟ وَأجَاب بِأَنَّهُم ذموه أَو لَا حَيْثُ رَأَوْا سُكُوته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وحمدوه آخرا حَيْثُ صَار سُؤَاله سَببا لاستفادتهم مِنْهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (لَا يَأْتِي الْخَيْر إلاَّ بِالْخَيرِ) زَاد فِي رِوَايَة الدَّارَقُطْنِيّ: تكْرَار ذَلِك ثَلَاث مَرَّات. قَوْله: (خضرَة) التَّاء فِيهِ إِمَّا للْمُبَالَغَة نَحْو: رجل عَلامَة، أَو هُوَ صفة الْمَوْصُوف مَحْذُوف(23/40)
نَحْو: بقلة خضرَة، أَو بِاعْتِبَار أَنْوَاع المَال. وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: هَذَا لَيْسَ بِصفة لِلْمَالِ، وَإِنَّمَا هُوَ للتشبيه كَأَنَّهُ قَالَ: المَال كالبقلة الخضرة الحلوة. قَوْله: (الرّبيع) أَي: الْجَدْوَل وَهُوَ النَّهر الصَّغِير وَجمع الرّبيع الْأَرْبَعَاء، وَإسْنَاد الإنبات إِلَى الرّبيع مجَاز، والمنبت هُوَ الله عز وَجل فِي الْحَقِيقَة. قَوْله: (حَبطًا) بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وبالطاء الْمُهْملَة وَهُوَ: انتفاخ الْبَطن من كَثْرَة الْأكل، يُقَال: حبطت الدَّابَّة تحبط حَبطًا إِذا أَصَابَت مرعى طيبا فأمعنت فِي الْأكل حَتَّى تنتفخ فتموت، وَرُوِيَ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة من التخبط وَهُوَ الِاضْطِرَاب. قَوْله: (أويلم) بِضَم أَوله أَي: يقرب أَن يقتل. قَوْله: (إلاّ آكِلَة الخضرة) كلمة: إلاّ بِالتَّشْدِيدِ للاستثناء، ويروى بِفَتْح الْهمزَة وَتَخْفِيف اللَّام للاستفتاح. وآكلة، بِالْمدِّ وَكسر الْكَاف، والخضرة بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَكسر الضَّاد الْمُعْجَمَة فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني بِضَم الْخَاء وَسُكُون الضَّاد وبتاء التَّأْنِيث، وَفِي رِوَايَة السَّرخسِيّ: الخضراء بِفَتْح أَوله وَسُكُون ثَانِيه وبالمد، ولغيرهم بِضَم أَوله وَفتح ثَانِيه جمع خضرَة وَقَالَ الْكرْمَانِي: الخضرة بِفَتْح الْخَاء البقلة الخضراء أَو ضرب من الْكلأ، وَقيل: مَا بَين الشّجر والبقل. قَوْله: (خاصرتاها) تَثْنِيَة خاصرة وهما جانبا الْبَطن من الْحَيَوَان، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني خَاصرتهَا، بِالْإِفْرَادِ. قَوْله: (فاجترت) بِالْجِيم من الاجترار وَهُوَ أَن يجر الْبَعِير من الكرش مَا أكله إِلَى فَمه فيمضغه مرّة ثَانِيَة، وكل لقْمَة مِنْهُ تسمى: جرة، وَيصير كل وَاحِدَة بَعرَة. قَوْله: (وثلطت) بِفَتْح الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَفتح اللَّام والطاء الْمُهْملَة وضبطها ابْن التِّين بِكَسْر اللَّام، أَي: أَلْقَت مَا فِي بَطنهَا رَقِيقا، وَالْغَرَض من هَذَا أَن جمع المَال غير محرم لَكِن الاستكثار مِنْهُ ضار بل يكون سَببا للهلاك. قَوْله: (فَنعم المعونة هُوَ) أَي: المَال يَعْنِي: حَيْثُ كَانَ دخله وخرجه بِالْحَقِّ فَنعم العون للرجل فِي الدَّاريْنِ وَقَالَ صَاحب (الْمغرب) : المعونة العون.
قلت: أَشَارَ بِهِ إِلَى أَنه مصدر ميمي.
وَفِيه: مثل لِلْمُؤمنِ أَن لَا يَأْخُذ من الدُّنْيَا، إلاَّ قدر حَاجته وَلَا تغره زهرتها فتهلكه.
9246 - حدّثنا عَبْدَانُ عنْ أبي حَمْزَةَ عَن الأعْمَشِ عنْ إبْرَاهِيمَ عنْ عَبِيدَةَ عنْ عَبْدِ الله رَضِي الله عَنهُ، عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي ثُمَّ الّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الّذِينَ(23/41)
يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَجِيءُ مِنْ بَعْدِهِمْ قَوْمٌ تَسْبقَ شَهادَتُهُمْ أيْمانَهُمْ وأيْمَانُهُمْ شَهادَتُهُمْ.
طابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (وَلم تنقصهم الدُّنْيَا)
إِلَى آخِره يستخرجها من أمعن النّظر فِيهِ.
وَيحيى بن مُوسَى بن عبد ربه الْبَلْخِي يُقَال لَهُ: خت، وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن أبي خَالِد، وَقيس هُوَ ابْن أبي حَازِم، وخباب هُوَ ابْن الْأَرَت.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب المرضى فِي: بَاب تمني الْمَرِيض الْمَوْت، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن آدم عَن شُعْبَة عَن إِسْمَاعِيل الخ.
قَوْله: (وَلم تنقصهم الدُّنْيَا) أَي: لم تدخل الدُّنْيَا فيهم نقصا بِوَجْه من الْوُجُوه، أَي: لم يشتغلوا بِجمع المَال بِحَيْثُ يلْزم فِي كمالهم نُقْصَان. قَوْله: (إلاّ التُّرَاب) أَرَادَ بِهِ بِنَاء الْحِيطَان، بِقَرِينَة قَوْله فِي الحَدِيث الَّذِي يَلِيهِ: وَهُوَ يَبْنِي حَائِطا، ول وَلَا ذَلِك لَكَانَ اللَّفْظ مُحْتملا لإِرَادَة الْكَنْز وَدفن الذَّهَب فِي الأَرْض، وَقَالَ الدَّاودِيّ: يَعْنِي لَا يكَاد ينجو من فتْنَة المَال إلاَّ من مَاتَ وَصَارَ إِلَى التُّرَاب.
19 - (حَدثنَا مُحَمَّد بن الْمثنى حَدثنَا يحيى عَن إِسْمَاعِيل قَالَ حَدثنِي قيس قَالَ أتيت خبابا وَهُوَ يَبْنِي حَائِطا لَهُ فَقَالَ إِن أَصْحَابنَا الَّذين مضوا لم تنقصهم الدُّنْيَا شَيْئا وَإِنَّا أصبْنَا من بعدهمْ شَيْئا لَا نجد لَهُ موضعا إِلَّا التُّرَاب) هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث السَّابِق عَن مُحَمَّد بن الْمثنى ضد الْمُفْرد عَن يحيى بن سعيد الْقطَّان عَن إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد إِلَى آخِره قَوْله شَيْئا ويروى بِشَيْء
20 - (حَدثنَا مُحَمَّد بن كثير عَن سُفْيَان عَن الْأَعْمَش عَن أبي وَائِل عَن خباب رَضِي الله عَنهُ قَالَ هاجرنا مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: قصه) مُحَمَّد بن كثير ضد الْقَلِيل وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة وَالْأَعْمَش سُلَيْمَان وَأَبُو وَائِل شَقِيق بن سَلمَة قَوْله قصه كَذَا لأبي ذَر أَي قصّ الحَدِيث رَاوِيه وَأَشَارَ بِهِ إِلَى مَا أخرجه بِتَمَامِهِ فِي أول الْهِجْرَة إِلَى الْمَدِينَة عَن مُحَمَّد بن كثير بالسند الْمَذْكُور هَهُنَا
(بَاب قَول الله تَعَالَى {يَا أَيهَا النَّاس إِن وعد الله حق فَلَا تغرنكم الْحَيَاة الدُّنْيَا وَلَا يَغُرنكُمْ بِاللَّه الْغرُور إِن الشَّيْطَان لكم عَدو فاتخذوه عدوا إِنَّمَا يَدْعُو حزبه ليكونوا من أَصْحَاب السعير} )(23/42)
أَي هَذَا بَاب فِي قَوْله تَعَالَى الخ وَفِي رِوَايَة كَرِيمَة هَكَذَا سقيت الْآيَتَانِ المذكورتان وَفِي رِوَايَة أبي ذَر هَكَذَا {يَا أَيهَا النَّاس إِن وعد الله حق} الْآيَة إِلَى قَوْله {السعير} قَوْله {إِن وعد الله حق} أَي بِالْبَعْثِ وَالثَّوَاب وَالْعِقَاب قَوْله {وَلَا يَغُرنكُمْ بِاللَّه الْغرُور} وَهُوَ أَن يغتر بِاللَّه فَيعْمل الْمعْصِيَة ويتمنى الْمَغْفِرَة وَيُقَال الْغرُور الشَّيْطَان وَقد نهى الله عَن الاغترار بِهِ وَبَين لنا عداوته لِئَلَّا نلتفت إِلَى تسويله وتزيينه لنا الشَّهَوَات الرَّديئَة قَوْله {فاتخذوه عدوا} أَي أنزلوه من أَنفسكُم منزلَة الْأَعْدَاء وتجنبوا طَاعَته قَوْله {إِنَّمَا يَدْعُو حزبه} أَي شيعته إِلَى الْكفْر قَوْله {ليكونوا من أَصْحَاب السعير} أَي النَّار
(جمعه سعر) أَي جمع السعير سعر على وزن فعل بِضَمَّتَيْنِ والسعير على وزن فعيل بِمَعْنى مفعول من السّعر بِفَتْح السِّين وَسُكُون الْعين وَهُوَ التهاب النَّار
(قَالَ مُجَاهِد الْغرُور الشَّيْطَان) أثر مُجَاهِد هَذَا لم يثبت هُنَا إِلَّا فِي رِوَايَة الْكشميهني وَحده وَوَصله الْفرْيَابِيّ فِي تَفْسِيره عَن وَرْقَاء عَن ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد وَهُوَ تَفْسِير قَوْله تَعَالَى {وَلَا يَغُرنكُمْ بِاللَّه الْغرُور} وَهُوَ على وزن فعول بِمَعْنى فَاعل تَقول غررت فلَانا أصبت غرته ونلت مَا أردْت مِنْهُ والغرة بِالْكَسْرِ غَفلَة فِي الْيَقَظَة والغرور كل مَا يغر الْإِنْسَان وَإِنَّمَا فسر بالشيطان لِأَنَّهُ رَأس ذَلِك
21 - (حَدثنَا سعد بن حَفْص حَدثنَا شَيبَان عَن يحيى عَن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الْقرشِي قَالَ أَخْبرنِي معَاذ بن عبد الرَّحْمَن أَن ابْن أبان أخبرهُ قَالَ أتيت عُثْمَان بِطهُور وَهُوَ جَالس على المقاعد فَتَوَضَّأ فَأحْسن الْوضُوء ثمَّ قَالَ رَأَيْت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - تَوَضَّأ وَهُوَ فِي هَذَا الْمجْلس فَأحْسن الْوضُوء ثمَّ قَالَ من تَوَضَّأ مثل هَذَا الْوضُوء ثمَّ أَتَى الْمَسْجِد فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ ثمَّ جلس غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه قَالَ وَقَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَا تغتروا) مطابقته لِلْآيَةِ الَّتِي هِيَ التَّرْجَمَة فِي قَوْله لَا تغتروا وَسعد بن حَفْص أَبُو مُحَمَّد الطلحي الْكُوفِي يُقَال لَهُ الضخم وشيبان بن عبد الرَّحْمَن أَبُو مُعَاوِيَة النَّحْوِيّ وَيحيى هُوَ ابْن أبي كثير ضد الْقَلِيل وَمُحَمّد بن إِبْرَاهِيم بن الْحَارِث بن خَالِد التَّيْمِيّ ولجده الْحَارِث صُحْبَة ومعاذ بن عبد الرَّحْمَن بن عُثْمَان بن عبيد الله التَّيْمِيّ وَعُثْمَان جده هُوَ أَخُو طَلْحَة بن عبيد الله الصَّحَابِيّ وَعبد الرَّحْمَن بن عُثْمَان صَحَابِيّ أَيْضا أخرج لَهُ مُسلم وَكَانَ يلقب بشارب الذَّهَب وَقتل مَعَ ابْن الزبير رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم بِمَكَّة فِي يَوْم وَاحِد وَأما عبد الرَّحْمَن بن عبيد الله بن عُثْمَان أَخُو طَلْحَة بن عبيد الله فَلهُ صُحْبَة أَيْضا قتل يَوْم الْجمل وَذَلِكَ فِي جُمَادَى الْآخِرَة سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَابْن أبان كَذَا وَقع لأبي ذَر والنسفي وَغَيرهمَا أَن ابْن أبان أخبرهُ وَوَقع لِابْنِ السكن أَن حمْرَان بن أبان وَوَقع للجرجاني وَحده أَن أبان أخبرهُ وَهُوَ خطأ والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الطَّهَارَة عَن أبي الطَّاهِر بن السَّرْح وَغَيره وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الصَّلَاة عَن سُلَيْمَان بن دَاوُد قَوْله " بِطهُور " بِفَتْح الطَّاء وَهُوَ المَاء الَّذِي يتَطَهَّر بِهِ قَوْله " وَهُوَ جَالس " الْوَاو فِيهِ للْحَال قَوْله " على المقاعد " بِوَزْن الْمَسَاجِد بِالْقَافِ والمهملتين مَوضِع بِالْمَدِينَةِ قَوْله " فَأحْسن الْوضُوء " وَفِي رِوَايَة نَافِع بن جُبَير عَن حمْرَان " فأسبغ الْوضُوء " قَوْله " ثمَّ قَالَ من تَوَضَّأ " أَي النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَوْله " مثل هَذَا الْوضُوء " المثلية لَا تَسْتَلْزِم أَن يكون وضوؤه مثل وضوء النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من كل وَجه لتعذر ذَلِك قَوْله " فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ " هَكَذَا أطلق من غير تَقْيِيد بالمكتوبة وَقَيده مُسلم فِي رِوَايَته من طَرِيق نَافِع بن جُبَير عَن حمْرَان بِلَفْظ " ثمَّ مَشى(23/43)
إِلَى الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة فَصلاهَا مَعَ النَّاس أَو فِي الْمَسْجِد " وَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن حمْرَان فَيصَلي الْمَكْتُوبَة وَفِي رِوَايَة أبي صَخْرَة عَن حمْرَان " مَا من مُسلم يتَطَهَّر فَيتم الطّهُور الَّذِي كتب عَلَيْهِ فَيصَلي هَذِه الصَّلَوَات الْخمس إِلَّا كَانَت كَفَّارَة لما بَينهُنَّ " قَوْله غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه يَعْنِي الذَّنب الَّذِي بَينه وَبَين الله تَعَالَى وَأما مَا بَينه وَبَين الْعباد فَلَا يغْفر إِلَّا بإرضاء الْخصم قَوْله لَا تغتروا فتجسرون على الذُّنُوب معتمدين على الْمَغْفِرَة للذنوب فَإِن ذَلِك بِمَشِيئَة الله عز وَجل
(بَاب ذهَاب الصَّالِحين)
أَي هَذَا بَاب فِي ذكر ذهَاب الصَّالِحين أَي مَوْتهمْ وَذَهَاب الصَّالِحين من أَشْرَاط السَّاعَة وَقرب فنَاء الدُّنْيَا
(وَيُقَال الذّهاب الْمَطَر) ثَبت هَذَا فِي رِوَايَة السَّرخسِيّ وَحده وَقَالَ بَعضهم مُرَاده أَن لفظ الذّهاب مُشْتَرك بَين الْمُضِيّ والمطر قلت لَيْسَ كَذَلِك لِأَن الذّهاب بِمَعْنى الْمُضِيّ بِفَتْح الذَّال والذهاب بِمَعْنى الْمَطَر بِكَسْرِهَا قَالَ صَاحب الْمُحكم الذهبة بِالْكَسْرِ المطرة الضعيفة وَالْجمع الذّهاب
22 - (حَدثنِي يحيى بن حَمَّاد حَدثنَا أَبُو عوَانَة عَن بَيَان عَن قيس بن أبي حَازِم عَن مرداس الْأَسْلَمِيّ قَالَ قَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يذهب الصالحون الأول فَالْأول وَتبقى حفالة كحفالة الشّعير أَو التَّمْر لَا يباليهم الله بالة) مطابتقه للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَيحيى بن حَمَّاد الشَّيْبَانِيّ الْبَصْرِيّ روى البُخَارِيّ عَنهُ فِي الْحيض بِوَاسِطَة الْحسن بن مدرك وَأَبُو عوَانَة بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْوَاو وَالنُّون واسْمه الوضاح بن عبد الله الْيَشْكُرِي وَبَيَان بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالنون ابْن بشر بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وبالشين الْمُعْجَمَة الأحمسي بالمهملتين وَقيس بن أبي حَازِم بِالْحَاء الْمُهْملَة وبالزاي ومرداس بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الرَّاء ابْن مَالك الْأَسْلَمِيّ وَكَانَ مِمَّن بَايع تَحت الشَّجَرَة ثمَّ سكن الْكُوفَة وَهُوَ مَعْدُود فِي أَهلهَا والْحَدِيث مضى فِي الْمَغَازِي عَن إِبْرَاهِيم بن مُوسَى عَن عِيسَى بن يُونُس الخ قَوْله يذهب وَعند الْإِسْمَاعِيلِيّ يقبض بدل يذهب أَي يقبض أَرْوَاحهم قَوْله الأول أَي يذهب الأول فَالْأول عطف عَلَيْهِ قَوْله حفالة بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْفَاء وَهِي الرذائل من كل شَيْء وَيُقَال هِيَ مَا يبْقى من آخر الشّعير وَمن التَّمْر أردؤه وَقَالَ ابْن التِّين الحفالة سقط النَّاس وَأَصلهَا مَا يتساقط من قشور التَّمْر وَالشعِير وَغَيرهمَا وَقَالَ الدَّاودِيّ الحفالة مَا يسْقط من الشّعير عِنْد الغربلة وَيبقى من التَّمْر بعد الْأكل قَوْله أَو التَّمْر يحْتَمل الشَّك والتنويع وَوَقع فِي رِوَايَة عبد الحميد كحثالة الشّعير فَقَط وَفِي رِوَايَة يحيى لَا يبْقى إِلَّا مثل حثالة التَّمْر وَالشعِير والحثالة بالثاء الْمُثَلَّثَة مثل الحفالة يتعاقبان كَقَوْلِهِم فوم وثوم قَوْله لَا يباليهم الله قَالَ الْخطابِيّ أَي لَا يرفع لَهُم قدر أَو لَا يُقيم لَهُم وزنا وَفِي رِوَايَة عِيسَى بن يُونُس عَن بَيَان تقدّمت فِي الْمَغَازِي بِلَفْظ لَا يعبأ الله بهم شَيْئا وَفِي رِوَايَة عبد الْوَاحِد لَا يُبَالِي الله عَنْهُم وَكلمَة عَن هَهُنَا بِمَعْنى الْبَاء يُقَال مَا باليت بِهِ وَمَا باليت عَنهُ قَوْله بالة اسْم لمصدر وَلَيْسَ مصدرا لباليت وَقيل أَصله بالية فحذفت الْيَاء تَخْفِيفًا كَذَا قَالَه الْكرْمَانِي قلت يُقَال باليت بالشَّيْء مبالاة وبالة وبالية
(قَالَ أَبُو عبد الله يُقَال حفالة وحثالة) أَبُو عبد الله هُوَ البُخَارِيّ نَفسه وَأَرَادَ بِهِ أَن حفالة وحثالة بِالْفَاءِ والثاء الْمُثَلَّثَة بِمَعْنى وَاحِد
(بَاب مَا يتقى من فتْنَة المَال)
أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا يتقى على صِيغَة الْمَجْهُول قَوْله " من فتْنَة المَال " أَي الِانْتِهَاء بِهِ وَمعنى الْفِتْنَة فِي كَلَام الْعَرَب الاختبار(23/44)
والابتلاء والفتنة الإمالة عَن الْقَصْد وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَك} أَي ليميلونك والفتنة أَيْضا الاحتراق وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {يَوْم هم على النَّار يفتنون} أَي يحرقون قَالَه ابْن الْأَنْبَارِي والامتلاء والاختبار يجمع ذَلِك كُله
(وَقَول الله تَعَالَى {أَنما أَمْوَالكُم وَأَوْلَادكُمْ فتْنَة} ) وَقَول الله بِالْجَرِّ عطف على قَوْله من فتْنَة المَال وَقد أخبر الله تَعَالَى عَن الْأَمْوَال وَالْأَوْلَاد أَنَّهَا فتْنَة لِأَنَّهَا تشغل النَّاس عَن الطَّاعَة قَالَ الله تَعَالَى {أَلْهَاكُم التكاثر} أَي شغلكم التكاثر وَخرج لفظ الْخطاب بذلك على الْعُمُوم لِأَن الله تَعَالَى فطر الْعباد على حب المَال وَالْأَوْلَاد وَقد روى التِّرْمِذِيّ وَابْن حبَان وَالْحَاكِم وصححوه من حَدِيث كَعْب بن عِيَاض سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول إِن لكل أمة فتْنَة وفتنة أمتِي المَال
23 - (حَدثنِي يحيى بن يُوسُف أخبرنَا أَبُو بكر عَن أبي حُصَيْن عَن أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - تعس عبد الدِّينَار وَالدِّرْهَم والقطيفة والخيمصة إِن أعطي رَضِي وَإِن لم يُعْط لم يرض) مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من معنى الحَدِيث وَيحيى بن يُوسُف الزمي بِكَسْر الزَّاي وَتَشْديد الْمِيم نِسْبَة إِلَى بَلْدَة يُقَال لَهَا زم وَيُقَال لَهُ ابْن أبي كَرِيمَة فَقيل هُوَ كنية أَبِيه وَقيل هُوَ جده واسْمه كنيته أخرج عَنهُ البُخَارِيّ بِغَيْر وَاسِطَة فِي الصَّحِيح وبواسطة خَارج الصَّحِيح وَأَبُو بكر هُوَ ابْن عَيَّاش بتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالشين الْمُعْجَمَة القارىء الْمُحدث وَأَبُو حُصَيْن بِفَتْح الْحَاء وَكسر الصَّاد الْمُهْمَلَتَيْنِ عُثْمَان بن عَاصِم وَأَبُو صَالح ذكْوَان الزيات والْحَدِيث مضى فِي الْجِهَاد عَن يحيى أَيْضا متْنا وإسنادا فِي بَاب الحراسة فِي الْغَزْو وَأخرجه ابْن مَاجَه عَن الْحسن بن حَمَّاد عَن يحيى بِهِ وَقَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ وَافق أَبَا بكر على رَفعه شريك القَاضِي وَقيس بن الرّبيع عَن أبي حُصَيْن وَخَالفهُم إِسْرَائِيل فَرَوَاهُ عَن أبي حُصَيْن مَوْقُوفا قَوْله تعس بِكَسْر الْعين الْمُهْملَة وَفتحهَا أَي سقط وَالْمرَاد هُنَا هلك وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي التعس الشَّرّ قَالَ تَعَالَى {فتعسا لَهُم} أَرَادَ ألزمهم الشَّرّ وَقيل التعس الْبعد أَي بعدا لَهُم وَقيل قَوْلهم تعسا لَهُ نقيض قَوْلهم لعا لَهُ فتعسا دُعَاء عَلَيْهِ بالعثرة ولعا دُعَاء لَهُ بالانتعاش قَوْله عبد الدِّينَار أَي طَالبه وخادمه والحريص على جمعه والقائم على حفظه فَكَأَنَّهُ لذَلِك عَبده وَقَالَ شيخ شَيخنَا الطَّيِّبِيّ خص العَبْد بِالذكر ليؤذن بانغماسه فِي محبَّة الدُّنْيَا وشهواتها كالأسير الَّذِي لَا يجد خلاصا وَلم يقل مَالك الدِّينَار وَلَا جَامع الدِّينَار لِأَن المذموم من الْملك وَالْجمع الزِّيَادَة على قدر الْحَاجة قَوْله والقطيفة الدثار المخمل وَهُوَ الثَّوْب الَّذِي لَهُ خمل والخميصة الكساء الْأسود المربع قَوْله إِن أعطي على صِيغَة الْمَجْهُول وَكَذَا وَإِن لم يُعْط قَالَ الله تَعَالَى {فَإِن أعْطوا مِنْهَا رَضوا وَإِن لم يُعْطوا مِنْهَا إِذا هم يسخطون}
24 - (حَدثنَا أَبُو عَاصِم عَن ابْن جريج عَن عَطاء قَالَ سَمِعت ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا يَقُول سَمِعت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول لَو كَانَ لِابْنِ آدم واديان من مَال لابتغى ثَالِثا وَلَا يمْلَأ جَوف ابْن آدم إِلَّا التُّرَاب وَيَتُوب الله على من تَابَ) مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من معنى الحَدِيث لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَشَارَ بِهَذَا الْمثل إِلَى ذمّ الْحِرْص على الدُّنْيَا والشره والازدياد وَهَذِه آفَة يجب الاتقاء مِنْهَا وَأَبُو عَاصِم هُوَ الضَّحَّاك بن مخلد النَّبِيل الْبَصْرِيّ وَابْن جريج هُوَ عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج الْمَكِّيّ وَعَطَاء هُوَ ابْن أبي رَبَاح يروي بِالسَّمَاعِ عَن ابْن عَبَّاس يَقُول سَمِعت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهَذَا من الْأَحَادِيث الَّتِي صرح فِيهَا ابْن عَبَّاس بِسَمَاعِهِ من النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهِي قَليلَة بِالنِّسْبَةِ إِلَى مرويه عَنهُ فَإِنَّهُ أحد المكثرين وَمَعَ ذَلِك فتحمله كَانَ أَكْثَره عَن كبار الصَّحَابَة والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الزَّكَاة عَن زُهَيْر بن حَرْب وَهَارُون بن عبد الله قَوْله لَو كَانَ لِابْنِ آدم واديان وَفِي الحَدِيث يَلِيهِ لَو كَانَ لِابْنِ آدم مثل وَاد مَالا وَفِي الحَدِيث الآخر لَو أَن ابْن آدم أعطي وَاديا وَفِي الآخر(23/45)
لَو أَن لِابْنِ آدم واديان قَوْله من مَال وَفِي الحَدِيث الثَّالِث مَلأ من ذهب وَفِي الحَدِيث الرَّابِع وَاديا من ذهب وَعند أَحْمد فِي حَدِيث زيد بن أَرقم " من ذهب وَفِضة " قَوْله " لابتغى " بالغين الْمُعْجَمَة من الابتغاء وَهُوَ الطّلب وَفِي الحَدِيث الثَّانِي " لأحب أَن لَهُ إِلَيْهِ مثله " وَفِي حَدِيث أنس " لتمنى مثله ثمَّ تمنى مثله حَتَّى يتَمَنَّى أَوديَة " وَفِي الحَدِيث الثَّالِث " أحب إِلَيْهِ ثَانِيًا " وَفِي الرَّابِع أحب إِلَيْهِ أَن يكون لَهُ وَاديا وَقَالَ الْكرْمَانِي فِي قَوْله لابتغى لَهما ثَالِثا فَزَاد لَفْظَة لَهما فِي شَرحه ثمَّ قَالَ فَإِن قلت الابتغاء لَا يسْتَعْمل بِاللَّامِ قلت هَذَا مُتَعَلق بقوله ثَالِثا أَي ثَالِثا لَهما أَي مثلثهما انْتهى قَوْله وَلَا يمْلَأ جَوف ابْن آدم وَفِي الحَدِيث الثَّانِي " وَلَا يمْلَأ عين ابْن آدم " وَفِي الثَّالِث " وَلَا يسد جَوف ابْن آدم " وَفِي الرَّابِع " وَلنْ يمْلَأ فَاه " وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ عَن ابْن جريج لَا يمْلَأ نفس ابْن آدم وَفِي مُرْسل جُبَير بن يُغير وَلَا يشْبع جَوف ابْن آدم بِضَم الْيَاء من الإشباع وَفِي حَدِيث زيد بن أَرقم " وَلَا يمْلَأ بطن ابْن آدم " وَقَالَ الْكرْمَانِي مَا وَجه ذكره فِي الرِّوَايَة الأولى الْجوف وَفِي الثَّانِيَة الْعين وَفِي الثَّالِثَة الْفَم قلت لَيْسَ الْمَقْصُود مِنْهُ الْحَقِيقَة بِقَرِينَة عدم الانحصار على التُّرَاب إِذْ غَيره يملؤه أَيْضا بل هُوَ كِنَايَة عَن الْمَوْت لِأَنَّهُ مُسْتَلْزم للامتلاء فَكَأَنَّهُ قَالَ لَا يشْبع سنّ الدُّنْيَا حَتَّى يَمُوت فالغرض من الْعبارَات كلهَا وَاحِد لَيْسَ فِيهَا إِلَّا التفنن فِي الْكَلَام وَقَالَ بَعضهم هَذَا يحسن فِيمَا إِذا اخْتلفت مخارج الحَدِيث وَأما إِذا اتّحدت فَهُوَ من تصرف الروَاة انْتهى قلت إحالته على كَلَام الشَّارِع أولى من إحالته إِلَى تصرف الروَاة مَعَ أَن فِيهِ تَغْيِير لفظ الشَّارِع فَإِن قلت نِسْبَة الامتلاء إِلَى الْجوف والبطن وَاضِحَة فَمَا وَجههَا إِلَى النَّفس والفم وَالْعين قلت أما النَّفس فَعبر بهَا عَن الذَّات وَأَرَادَ الْبَطن من قبيل إِطْلَاق الْكل وَإِرَادَة الْجُزْء وَأما الْفَم فلكونه الطَّرِيق إِلَى الْوُصُول إِلَى الْجوف وَأما الْعين فَلِأَنَّهَا الأَصْل فِي الطّلب لِأَنَّهُ يرى مَا يُعجبهُ فيطلبه ليحوزه إِلَيْهِ وَخص الْبَطن فِي أَكثر الرِّوَايَات لِأَن أَكثر مَا يطْلب المَال لتَحْصِيل المستلذات وأكثرها تكْرَار للْأَكْل وَالشرب وَقَالَ الطَّيِّبِيّ وَقع قَوْله وَلَا يمْلَأ إِلَى آخِره موقع التذييل والتقرير للْكَلَام السَّابِق كَأَنَّهُ قيل وَلَا يشْبع من خلق من التُّرَاب إِلَّا بِالتُّرَابِ قَوْله وَيَتُوب الله على من تَابَ أَي من الْمعْصِيَة وَرجع عَنْهَا يَعْنِي يوفقه للتَّوْبَة أَو يرجع عَلَيْهِ من التَّشْدِيد إِلَى التَّخْفِيف أَو يرجع عَلَيْهِ بقبوله
25 - (حَدثنَا مُحَمَّد أخبرنَا مخلد أخبرنَا ابْن جريج قَالَ سَمِعت عَطاء يَقُول سَمِعت ابْن عَبَّاس يَقُول سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول لَو أَن لِابْنِ آدم مثل وَاد مَالا لأحب أَن لَهُ إِلَيْهِ مثله وَلَا يمْلَأ عين ابْن آدم إِلَّا التُّرَاب وَيَتُوب الله على من تَابَ: قَالَ ابْن عَبَّاس فَلَا أَدْرِي من الْقُرْآن هُوَ أم لَا قَالَ وَسمعت ابْن الزبير يَقُول ذَلِك على الْمِنْبَر) هَذَا طَرِيق آخر عَن مُحَمَّد هُوَ ابْن سَلام وَصرح بذلك فِي رِوَايَة أبي زيد الْمروزِي وَهُوَ يروي عَن مخلد بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح اللَّام ابْن يزِيد من الزِّيَادَة أَبُو الْحسن الْحَرَّانِي الْجَزرِي مَاتَ سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَمِائَة قَوْله مثل وَاد ويروى ملْء وَاد قَوْله قَالَ ابْن عَبَّاس فَلَا أَدْرِي من الْقُرْآن هُوَ أم لَا يَعْنِي الحَدِيث الْمَذْكُور يَعْنِي من الْقُرْآن الْمَنْسُوخ تِلَاوَته قَوْله قَالَ وَسمعت ابْن الزبير أَي قَالَ عَطاء سَمِعت عبد الله بن الزبير وَهُوَ مُتَّصِل بالسند الْمَذْكُور قَوْله يَقُول ذَلِك إِشَارَة إِلَى الحَدِيث وَقَالَ الْكرْمَانِي وَعبد الله بن الزبير كَانَ يَقُول قَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ ذَلِك يَعْنِي لَو أَن لِابْنِ آدم إِلَى آخِره وَيحْتَمل أَن يُرَاد بِهِ قَول لَا أَدْرِي أَيْضا قَوْله على الْمِنْبَر أَي بِمَكَّة كَمَا يَأْتِي الْآن
26 - (حَدثنَا أَبُو نعيم حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن سُلَيْمَان بن الغسيل عَن عَبَّاس بن سهل بن سعد قَالَ سَمِعت ابْن الزبير على الْمِنْبَر بِمَكَّة فِي خطبَته يَقُول يَا أَيهَا النَّاس إِن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يَقُول لَو أَن ابْن آدم أعطي وَاديا مَلأ من ذهب أحب إِلَيْهِ ثَانِيًا وَلَو أعطي ثَانِيًا أحب إِلَيْهِ ثَالِثا وَلَا يسد جَوف ابْن آدم إِلَّا التُّرَاب وَيَتُوب الله على من تَابَ) أَبُو نعيم الْفضل بن دُكَيْن وَعبد الرَّحْمَن بن سُلَيْمَان بن عبد الله بن حَنْظَلَة بن الغسيل أَي مغسول الْمَلَائِكَة حِين اسْتشْهد وَهُوَ(23/46)
جنب والغسيل هُوَ حَنْظَلَة بن أبي عَامر الأوسي وَعبد الله من صغَار الصَّحَابَة قتل يَوْم الْحرَّة وَكَانَ الْأَمِير على طَائِفَة الْأَنْصَار يَوْمئِذٍ وحَنْظَلَة اسْتشْهد بِأحد وَهُوَ من كبار الصَّحَابَة وَأَبوهُ أَبُو عَامر يعرف بِالرَّاهِبِ وَهُوَ الَّذِي بني مَسْجِد الضرار بِسَبَبِهِ وَنزل فِيهِ الْقُرْآن وَعبد الرَّحْمَن مَعْدُود من صغَار التَّابِعين وَهَذَا الْإِسْنَاد من أَعلَى مَا فِي صَحِيح البُخَارِيّ لِأَنَّهُ فِي حكم الثلاثيات وَإِن كَانَ رباعيا كَذَا قَالَه بَعضهم وَلكنه من الرباعيات حَقِيقَة وَقَوله فِي حكم الثلاثيات فِيهِ نظر وعباس بن سهل بن سعد السَّاعِدِيّ وَسَهل من الصَّحَابَة الْمَشْهُورين والْحَدِيث من أَفْرَاده قَوْله أعطي على صِيغَة الْمَجْهُول قَوْله مَلأ ويروى ملآن قَوْله ثَانِيًا أَي وَاديا ثَانِيًا -
9346 - حدّثنا عبْدُ العَزِيزِ بنُ عبْدِ الله حَدثنَا إبْرَاهيِمُ بنُ سَعْدٍ عنْ صالِحٍ عنِ ابنِ شِهابٍ قَالَ: أَخْبرنِي أنَسُ بنُ مالِكٍ أنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (لَوْ أنَّ لابنِ آدَمَ وادِياً مِنْ ذَهَب أحَبَّ أنْ يَكُونَ لهُ وادِيان، ولَنْ يَمْلأُ فاهُ إلاّ التُّرَابُ ويَتُوبُ الله عَلى مَنْ تابَ) .
عبد الْعَزِيز بن عبد الله بن يحيى الأويسي الْمَدِينِيّ، وَإِبْرَاهِيم بن سعد بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، كَانَ على قَضَاء بَغْدَاد، وَصَالح هُوَ ابْن كيسَان، وَابْن شهَاب مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ.
والْحَدِيث أخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الزّهْد عَن عبد الله بن الحكم.
قَوْله: (أحب) وَقع كَذَا بِغَيْر اللَّام. قَوْله: (وَلنْ يمْلَأ) ويروي: وَلَا يمْلَأ.
0446 - وَقَالَ لَنا أبُو الوَلِيدِ: حدّثنا حَمَّادُ بنُ سَلَمَة عنْ ثابِت عنْ أنَسٍ عَن أُبّيٍّ قَالَ: كُنَّا نُرَى هاذَا مِنَ القُرْآنِ حتَّى نَزَلَتْ {أَلْهَاكُمُ التَّكَّاثُرُ} (التكاثر: 1) .
أَبُو الْوَلِيد هُوَ هِشَام بن عبد الْملك الطَّيَالِسِيّ، ذهب الْحَافِظ الْمزي إِن هَذَا تَعْلِيق، وَاعْترض عَلَيْهِ بَعضهم، قَالَ: هَذَا صَرِيح فِي الْوَصْل لقَوْله: (وَقَالَ لنا) وَإِن كَانَ التَّصْرِيح بِالتَّحْدِيثِ أَشد اتِّصَالًا. انْتهى.
قلت: الصَّوَاب مَا قَالَه الْمزي، لِأَن فِيهِ حَمَّاد بن سَلمَة وَهُوَ لم يعد فِيمَن، أخرج لَهُ البُخَارِيّ مَوْصُولا وَلَيْسَ هُوَ على شَرطه فِي الِاحْتِجَاج على أَن عِنْد الْبَعْض: قَالَ فلَان، أَو: قَالَ فلَان، للمذاكرة غَالِبا، وَرُبمَا يكون للإجازة أَو للمناولة.
قَوْله: (عَن ثَابت) بِالتَّاءِ الْمُثَلَّثَة فِي أَوله وَهُوَ ابْن أسلم الْبنانِيّ أَبُو مُحَمَّد الْبَصْرِيّ. قَوْله: (عَن أبي) هُوَ أبي بن كَعْب الْأنْصَارِيّ.
وَفِيه: رِوَايَة الصَّحَابِيّ عَن الصَّحَابِيّ.
قَوْله: (كُنَّا نرى) بِضَم النُّون أَي: كُنَّا نظن، وَيجوز فتحهَا من الرَّأْي، أَي: كُنَّا نعتقد. قَوْله: (هَذَا) لم يبين الْمشَار إِلَيْهِ، وَقد بَينه الْإِسْمَاعِيلِيّ حَيْثُ قَالَ فِي رِوَايَته: كُنَّا نرى هَذَا الحَدِيث من الْقُرْآن. لَو أَن لِابْنِ آدم وَاديا من مَال. . الحَدِيث. حَتَّى نزلت: {أَلْهَاكُمُ التَّكَّاثُرُ} (التكاثر: 1) وَفِي رِوَايَة مُوسَى بن إِسْمَاعِيل زَاد: إِلَى آخر السُّورَة. قيل: مَا وَجه التَّخْصِيص بِسُورَة التكاثر وَهِي لَيست ناسخة لَهُ، إِذْ لَا مُعَارضَة بَينهمَا؟ وَأجِيب: بِأَن شَرط نسخ الحكم الْمُعَارضَة، وَأما نسخ اللَّفْظ فَلَا يشْتَرط فِيهِ ذَلِك، فمقصوده أَنه لما نزلت السُّورَة الَّتِي هِيَ بِمَعْنَاهُ أعلمنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بنسخ تِلَاوَته والاكتفاء بِمَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ. وَأما مُوَافَقَته لِمَعْنى فَلِأَن بَعضهم فسر زِيَارَة الْمَقَابِر بِالْمَوْتِ يَعْنِي شغلكم التكاثر فِي الْأَمْوَال إِلَى أَن متم. وَقيل: يحْتَمل أَن يُقَال: مَعْنَاهُ كُنَّا نظن أَنه قُرْآن حَتَّى نزلت السُّورَة الَّتِي بِمَعْنَاهُ، فحين المقايسة بَينهمَا عرفنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَنه لَيْسَ قُرْآنًا. فَلَا يكون من بَاب النّسخ فِي شَيْء. وَالله أعلم. وَقيل: كَانَ قُرْآنًا وَنسخت تِلَاوَته. وَلما نزلت: {آلهاكم التكاثر} واستمرت تلاوتها كَانَت ناسخة لتلاوة ذَلِك، وَمن هَذَا الْقَبِيل مَا رَوَاهُ أَحْمد من حَدِيث أبي وَاقد اللَّيْثِيّ قَالَ: كُنَّا نأتي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِذا نزل عَلَيْهِ فيحدثنا، فَقَالَ لنا ذَات يَوْم: أَن الله قَالَ: إِنَّمَا أنزلنَا المَال لإقام الصَّلَاة وإيتاء الزَّكَاة، وَلَو كَانَ لِابْنِ آدم وادٍ لأحب أَن يكون لَهُ ثانٍ. . الحَدِيث ظَاهره أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أخبر بِهِ عَن الله تَعَالَى بِأَنَّهُ من الْقُرْآن. على أَنه يحْتَمل أَن يكون من الْأَحَادِيث القدسية، فعلى الْوَجْه الأول نسخت تِلَاوَته قطعا، وَإِن كَانَ حكمه مستمراً.
11 - (بابُ قَوْلِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هاذا المالُ خَضِرَةٌ حُلوَةٌ)(23/47)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان ذكر قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هَذَا المَال ... أَشَارَ بِهِ إِلَى المَال الَّذِي يتَصَرَّف فِيهِ النَّاس. قَوْله: خضرَة، التَّاء فِيهِ للْمُبَالَغَة أَو بِاعْتِبَار أَنْوَاع المَال، وَكَذَا الْكَلَام فِي: حلوة.
وَقَالَ الله تَعَالَى: {زين للنَّاس حب الشَّهَوَات من النِّسَاء والبنين والقناطير المقنطرة من الذَّهَب وَالْفِضَّة وَالْخَيْل المسومة والأنعام والحرث ذَلِك مَتَاع الْحَيَاة الدُّنْيَا} (آل عمرَان: 41) [/ ح.
سيقت هَذِه الْآيَة كلهَا فِي رِوَايَة كَرِيمَة، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر {زين للنَّاس حب الشَّهَوَات من النِّسَاء والبنين} ... الْآيَة، وَفِي رِوَايَة أبي زيد الْمروزِي {حب الشَّهَوَات} ... الْآيَة وَكَانَت رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ مثل رِوَايَة أبي ذَر. وَزَاد إِلَى قَوْله: {ذَلِك مَتَاع الْحَيَاة الدُّنْيَا} .
قَوْله: {زين للنَّاس} أَي: فِي هَذِه الدُّنْيَا من أَنْوَاع الملاذ من النِّسَاء، فَبَدَأَ بِهن لِأَن الْفِتْنَة بِهن أَشد لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي (الصَّحِيح) : مَا تركت بعدِي فتْنَة أضرّ على الرِّجَال من النِّسَاء، فَإِذا كَانَ الْقَصْد بِهن الإعفاف وَكَثْرَة الْأَوْلَاد فَهَذَا مَطْلُوب مَرْغُوب فِيهِ مَنْدُوب إِلَيْهِ لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (الدُّنْيَا مَتَاع وَخير متاعها الْمَرْأَة الصَّالِحَة) الحَدِيث، ثمَّ ذكر الْبَنِينَ، فَلَا يَخْلُو حبهم إِمَّا أَن يكون للتفاخر والزينة فَهُوَ دَاخل فِيهَا، وَإِمَّا أَن يكون لتكثير النَّسْل وتكثير أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. فَهَذَا مَحْمُود ممدوح، كَمَا فِي الحَدِيث: (تزوجوا الْوَدُود الْوَلُود فَإِنِّي مُكَاثِر بكم الْأُمَم يَوْم الْقِيَامَة) . قَوْله: {القناطير المقنطرة} اخْتلف الْمُفَسِّرُونَ فِي مِقْدَار القنطار على أَقْوَال: فَقَالَ الضَّحَّاك. المَال الجزيل، وَقيل: ألف دِينَار، وَقيل: ألف ومائتان، وَقيل: اثْنَا عشر ألفا، وَقيل: أَرْبَعُونَ الْفَا، وَقيل: سَبْعُونَ ألفا، وَقيل: ثَمَانُون ألفا. وروى الإِمَام أَحْمد من حَدِيث أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: القنطار اثْنَا عشر ألف أُوقِيَّة، كل أُوقِيَّة خير مِمَّا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض، وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه أَيْضا، وروى ابْن أبي حَاتِم: حَدثنَا أبي حَدثنَا عَارِم عَن حَمَّاد عَن سعيد الْحَرَشِي عَن أبي نصْرَة عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: القنطار ملْء مسك الثور ذَهَبا، وَرُوِيَ عَن حَمَّاد مَرْفُوعا، وَالْمَوْقُوف أصح، وَعَن سعيد بن جُبَير: القنطار مائَة ألف دِينَار. قَوْله: {المقنطرة} مَبْنِيَّة من لفظ القنطار للتوكيد كَقَوْلِهِم: ألف مؤلفة، وبدرة مبدرة. قَوْله: {وَالْخَيْل المسومة} أَي: المعلمة {والأنعام} الْأزْوَاج الثَّمَانِية. قَوْله: {والحرث} بِمَعْنى الْأَرَاضِي المتخدة للغراس والزراعة، وروى أَحْمد من حَدِيث سُوَيْد بن هُبَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ (خير مَال امرىء مهرَة مأمورة أَو سكَّة مأبورة) . الْمَأْمُورَة الْكَثِيرَة النَّسْل، وَالسِّكَّة النخيل الْمُصْطَفّ، والمأبورة الملقحة. قَوْله: {ذَلِك} أَي: الْمَذْكُور {مَتَاع الْحَيَاة الدُّنْيَا} أَي: إِنَّمَا هَذِه زهرَة الْحَيَاة الدُّنْيَا وَزينتهَا الفانية الزائلة. قَوْله: {وَالله عِنْده حسن المآب} أَي: حسن الْمرجع وَالثَّوَاب.
قَالَ عُمَرُ: اللَّهُمَّ! إنَّا لَا نَسْتَطِيعُ إلاّ أنْ نَفْرَحَ بِما زَيَّنْتَهُ لنا، اللَّهُمَّ إنِّي أسْألُكَ أنْ أُنْفِقَهُ فِي حَقَّهِ.
أَي: قَالَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فِي الْآيَة الْمَذْكُورَة: إِنَّا لَا نستطيع أَي: لَا نقدر إِلَّا أَن نفرح بِمَا زينته لنا، أَي: بِمَا حصل لنا مِمَّا فِي آيَة {زين للنَّاس حب الشَّهَوَات من النِّسَاء} ثمَّ لما رأى أَن فتْنَة المَال والغنى مسلطة على من فَتحه الله عَلَيْهِ لتزيين الله تَعَالَى لَهُ ولشهوات الدُّنْيَا فِي نفوس الْعباد، دَعَا الله تَعَالَى بقوله: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك أَن أنفقهُ فِي حَقه، لِأَن من أَخذ المَال من حَقه وَوَضعه فِي حَقه فقد سلم من فتنته، وَهَذَا الْأَثر وَصله الدَّارَقُطْنِيّ فِي (غرائب مَالك) من طَرِيق إِسْمَاعِيل بن أبي أويس عَن مَالك عَن يحيى بن سعيد هُوَ الْأنْصَارِيّ: أَن عمر بن الْخطاب، أُتِي بِمَال من الْمشرق يُقَال لَهُ: نفل كسْرَى، فَأمر بِهِ فصُب وغُطي، ثمَّ دَعَا النَّاس فَاجْتمعُوا، ثمَّ أَمر بِهِ فكُشف عَنهُ فَإِذا هُوَ حلي كثير وجواهر ومتاع، فَبكى عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَحمد الله عز وَجل، فَقَالُوا: مَا يبكيك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ؟ هَذِه غَنَائِم غنمها الله لنا ونزعها من أَهلهَا. فَقَالَ: مَا فتح الله من هَذَا على قوم إلاَّ سَفَكُوا دِمَاءَهُمْ وَاسْتَحَلُّوا حرمتهم، قَالَ: فَحَدثني زيد بن أسلم أَنه بَقِي من ذَلِك المَال مناطق وخواتم، فَرفع فَقَالَ لَهُ عبد الله بن أَرقم: حَتَّى مَتى تحبسه لَا تقسمه؟ قَالَ: بلَى إِذا رَأَيْتنِي فَارغًا فاذني بِهِ، فَلَمَّا رَآهُ فَارغًا بسط شَيْئا فِي حش نَخْلَة ثمَّ جَاءَ بِهِ فِي مكتل فَصَبَّهُ فَكَأَنَّهُ استكثره، ثمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ أَنْت قلت: {زين للنَّاس حب الشَّهَوَات} ... الْآيَة حَتَّى فرغ مِنْهَا، ثمَّ قَالَ: لَا نستطيع ألاَّ أَن نحب مَا زينت لنا، فقني شَره وارزقني أَن أنفقهُ فِي حَقك، فَمَا قَامَ حَتَّى مَا بَقِي مِنْهُ شَيْء، وَهَذَا التَّعْلِيق قد سقط فِي رِوَايَة أبي زيد الْمروزِي.(23/48)
1446 - حدّثنا عَلِيُّ بنُ عبْدِ الله حدّثنا سُفْيانُ، قَالَ سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ يَقُولُ: أَخْبرنِي عُرْوَةُ وسَعيدُ بنُ المُسَيَّبِ عَنْ حَكِيمِ بنِ حِزَامٍ قَالَ: سألْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأعْطانِي، ثُمَّ سألْتُهُ فأعْطانِي، ثُمَّ سألْتُهُ فأعْطانِي، ثُمَّ قَالَ: (هاذَا المالُ) ورُبَّما قَالَ سُفْيان: قَالَ لي: (يَا حَكِيمُ {إنَّ هاذَا المَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ فَمَنْ أخَذَهُ بِطِيبِ نَفْسٍ بُورِكَ لهُ فِيهِ، ومنْ أخَذهُ بإشْرَافِ نفْسٍ لَمْ يُبارَكْ لهُ فِيهِ، وكانَ كالَّذِي يأكُلُ وَلَا يَشْبَعُ، واليَدُ العُلْيا خيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلَى) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعلي بن عبد الله هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة. وَعُرْوَة هُوَ ابْن الزبير بن الْعَوام، وَحَكِيم بِفَتْح الْحَاء ابْن حزَام بِكَسْر الْحَاء وبالزاي الْخَفِيفَة ابْن خويلد الْأَسدي.
والْحَدِيث مضى فِي الْوَصَايَا وَفِي الْخمس عَن مُحَمَّد بن يُوسُف عَن الْأَوْزَاعِيّ. وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (ثمَّ قَالَ) أَي: النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (وَرُبمَا قَالَ) الْقَائِل بربما هُوَ عَليّ بن الْمَدِينِيّ رِوَايَة عَن سُفْيَان، وَالْقَائِل: (قَالَ لي) هُوَ حَكِيم بن حزَام. يَعْنِي قَالَ: قَالَ لي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا يظنّ سُفْيَان هُوَ الْقَائِل. بقوله: (قَالَ لي: يَا حَكِيم) } لِأَن سُفْيَان لم يدْرك حكيماً لِأَن بَين وَفَاة حَكِيم ومولد سُفْيَان نَحْو خمسين سنة. قَوْله: (يَا حَكِيم) ، بِالرَّفْع بِغَيْر تَنْوِين لِأَنَّهُ منادى مُفْرد معرفَة، وَتَفْسِير الخضرة الحلوة قد مضى عَن قريب. قَوْله: (بإشراف نفس) الإشراف على الشَّيْء الإطلاع عَلَيْهِ والتعرض لَهُ بِنَحْوِ بسط الْيَد. قَوْله: (كَالَّذي يَأْكُل وَلَا يشْبع) أَي: كمن بِهِ الْجُوع الْكَاذِب، وَقد يُسمى بجوع الْكَلْب كلما ازْدَادَ أكلا ازْدَادَ جوعا. قَوْله: (وَالْيَد الْعليا) قد مضى الْكَلَام فِيهِ فِي كتاب الزَّكَاة فِي: بَاب الاستعفاف.
21 - (بَاب مَا قدَّمَ مِنْ مالِهِ فَهْوَ لَهُ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حَال من قدم أَي: الْإِنْسَان الْمُكَلف من مَاله فَهُوَ لَهُ يجد ثَوَابه يَوْم الْقِيَامَة، وَالْمرَاد: بالتقديم صرف مَاله قبل مَوته فِي مَوَاضِع القربات، وَهَذِه التَّرْجَمَة مَعَ حَدِيث الْبَاب تدل على أَن إِنْفَاق المَال فِي وُجُوه الْبر أفضل من تَركه لوَرثَته. فَإِن قلت: هَذَا يُعَارض قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لسعد رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: (إِنَّك أَن تذر وَرثتك أَغْنِيَاء خير من أَن تتركهم عَالَة يَتَكَفَّفُونَ النَّاس) قلت: لَا تعَارض بَينهمَا لِأَن سَعْدا أَرَادَ أَن يتَصَدَّق بِمَالِه كُله فِي مَرضه. وَكَانَ وَارثه بنته، وَلَا طَاقَة لَهَا على الْكسْب فَأمره أَن يتَصَدَّق مِنْهُ بِثُلثِهِ وَيكون بَاقِيه لابنته وَبَيت المَال، وَحَدِيث الْبَاب إِنَّمَا خَاطب بِهِ أَصْحَابه فِي صحتهم وحرضهم على تَقْدِيم شَيْء من مَالهم لينفعهم يَوْم الْقِيَامَة، وَلَيْسَ المُرَاد مِنْهُ أَن تَقْدِيم جَمِيع مَاله عِنْد مَرضه، فَإِن ذَلِك تَحْرِيم للْوَرَثَة وتركهم فُقَرَاء يسْأَلُون النَّاس، وَإِنَّمَا الشَّارِع جعل لَهُ التَّصَرُّف فِي مَاله بِالثُّلثِ فَقَط.
2446 - حدّثني عُمَرُ بنُ حَفْصِ حدّثني أبي حَدثنَا الأعْمَش قَالَ: حدّثني إبْراهِيمُ التَّيْمِيُّ عنِ الحارِثِ بنِ سُوَيْدٍ قَالَ عَبْدُ الله: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (أيُّكُمْ مالُ وارِثهِ أحَبُّ إلَيْهِ مِنْ مالِهِ؟) . قَالُوا: يَا رَسُول الله! مَا مِنَّا أحَدٌ إلاّ مالُهُ أحَبُّ إليْهِ. قَالَ: (فإنَّ مالَهُ مَا قَدَّمَ ومالُ وارِثِهِ مَا أخَّرَ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعمر بن حَفْص يروي عَن أَبِيه حَفْص بن غياث عَن سُلَيْمَان الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم بن يزِيد بن شريك التَّيْمِيّ تيم الربَاب العابد عَن الْحَارِث بن سُوَيْد التَّيْمِيّ، وكل هَؤُلَاءِ كوفيون، وَعبد الله هُوَ ابْن مَسْعُود.
والْحَدِيث أخرجه النَّسَائِيّ فِي الْوَصَايَا عَن هناد بن السّري.
قَوْله: (مَا قدم) أَي: على مَوته بِأَن صرفه فِي حَيَاته فِي مصارف الْخَيْر. قَوْله: (وَمَال وَارثه مَا أخر) أَي: مَا أَخّرهُ من المَال الَّذِي يتْركهُ وَلَا يتَصَدَّق مِنْهُ حَتَّى يَمُوت.
31 - (بابُ المكْثِرُون هُم المْقِلُّونَ)
أَي: هَذَا بَاب يذكرفيه: المكثرون هم المقلون كَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: هم الأقلون، وَوَقع فِي(23/49)
رِوَايَة أبي ذَر: (المكثرون هم الأخسرون) وَمَعْنَاهُ: المكثرون من المَال هم المقلون فِي الثَّوَاب يَعْنِي كَثْرَة المَال تؤول بِصَاحِبِهِ إِلَى الإقلال من الْحَسَنَات يَوْم الْقِيَامَة إِذا لم يُنْفِقهُ فِي طَاعَة الله تَعَالَى، فَإِن أنفقهُ فِيهَا كَانَ غَنِيا من الْحَسَنَات يَوْم الْقِيَامَة.
وقَوْلُهُ تَعَالَى: {مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَواةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ أُوْلَائِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِى الاَْخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} (هود: 51 61) [/ ح.
سيقت هَاتَانِ الْآيَتَانِ بتمامهما فِي رِوَايَة الْأصيلِيّ وكريمة، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر {من كَانَ يُرِيد الْحَيَاة الدُّنْيَا وَزينتهَا} ... الْآيَتَانِ وَفِي رِوَايَة أبي زيد بعد قَوْله: {وَزينتهَا نوف إِلَيْهِم أَعْمَالهم فِيهَا} ... الْآيَة وَمثله للإسماعيلي، لَكِن قَالَ إِلَى قَوْله: {وباطل مَا كَانُوا يعْملُونَ} قَوْله: {من كَانَ} . . إِلَى آخِره على عمومها فِي الْكفَّار وفيمن يرائي بِعَمَلِهِ من الْمُسلمين، وَقَالَ سعيد بن جُبَير: الْآيَة فِيمَن عمل عملا يُرِيد بِهِ غير الله جوزي عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا. وَعَن أنس: هم الْيَهُود وَالنَّصَارَى إِن أعْطوا سَائِلًا أَو وصلوا رحما عجل لَهُم جَزَاء ذَلِك بتوسعة فِي الرزق وَصِحَّة فِي الْبدن، وَقيل: هم الَّذين جاهدوا من الْمُنَافِقين مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَأَسْهم لَهُم من الْغَنَائِم، وَقَالَ الضَّحَّاك: يَعْنِي الْمُشْركين إِذا عمِلُوا عملا جوزوا عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا، وَهَذَا أبين لقَوْله تَعَالَى: {أُولَئِكَ الَّذين لَيْسَ لَهُم فِي الْآخِرَة إِلَّا النَّار} قَوْله: (نوف إِلَيْهِم أَعْمَالهم) أَي: نوصل إِلَيْهِم أجور أَعْمَالهم كَامِلَة وافية، وَهُوَ من التوفية، وقرىء. . يوف، بِالْيَاءِ على أَن الْفِعْل لله، وبالياء على صِيغَة الْمَجْهُول، ويوفي بِالتَّخْفِيفِ وَإِثْبَات الْيَاء. قَوْله: (فِيهَا) أَي: فِي الدُّنْيَا. قَوْله: {لَا يبخسون} من البخس وَهُوَ النَّقْص. قَوْله: (وحبط) أَي: بَطل يُقَال: حَبط عمله يحبط، وأحبطه غَيره، وَمعنى حَبط عَمَلهم لَيْسَ لَهُم ثَوَاب لأَنهم لم يُرِيدُوا بِهِ الْآخِرَة. قَوْله: {وباطل مَا كَانُوا يعْملُونَ} أَي: عَمَلهم فِي نَفسه بَاطِل، وقرىء: وَبَطل، على الْفِعْل، وَعَن عَاصِم: وباطلاً، بِالنّصب.
3446 - حدّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ حدّثنا جَرِيرٌ عنْ عَبْدِ العَزِيزِ بنِ رُفَيْعٍ عنْ زَيْدِ بنِ وَهْبٍ عنْ أبي ذَرٍّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: خَرَجْتُ لَيْلَةً مِنَ اللَّيالِي فَإِذا رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَمْشِي وحْدَهُ ولَيْسَ مَعَهُ إنْسانٌ قَالَ: فَظَنَنْتُ أنَّهُ يَكْرَهُ أنْ يَمْشِيَ مَعَهُ أحَدٌ، قَالَ: فَجَعَلْتُ أمْشِي فِي ظِلِّ القمَرِ فالْتَفَتَ فَرآنِي. فَقَالَ: (مَنْ هاذا؟) قُلْتُ: أبُو ذَرٍّ، جَعَلَنِي الله فِدَاءَكَ، قَالَ: (يَا أَبَا ذَرٍّ {تَعَالَهْ) قَالَ: فَمَشَيْتُ مَعَهُ ساعَةَ، فَقَالَ: (إنَّ المُكْثِرِينَ هُمُ المُقِلُّونَ يَوْمَ القِيَامَةِ إلاَّ مَنْ أعْطَاهُ الله خَيْراً فَنَفَخَ فِيهِ يَمِينَهُ وشِمالَهُ وبَيْنَ يَدَيْهِ وَوَراءَهُ وَعَمِلَ فِيهِ خَيْراً) . قَالَ: فَمَشَيْتُ مَعَهُ سَاعَة، فَقَالَ لِي: (اجْلِسْ هاهُنا) . قَالَ: فأجْلَسَنِي فِي قاعٍ حَوْلَهُ حِجارَةٌ فَقَالَ لِي: (إجْلِسْ هاهُنا حتَّى أرْجِعَ إلَيْكَ) قَالَ: فانْطَلَقَ فِي الحَرَّةِ حتَّى لَا أراهُ، فَلَبِثَ عَنِّي فأطالَ اللُّبَّثَ، ثُمَّ إنِّي سَمِعْتُهُ وهْوَ مُقْبِلٌ وهْوَ يَقُولُ: (وَإنْ سَرَقَ وإنْ زَنَى) قَالَ: فَلمَّا جاءَ لَمْ أصْبِرْ حتَّى قُلْتُ: يَا نَبِيَّ الله} جَعَلَنِي الله فِداءَكَ {مَنْ تُكَلِّمُ فِي جانِب الحَرَّةِ؟ مَا سَمعْتُ أحَداً يَرْجِعُ إلَيْكَ شَيْئاً. قَالَ: (ذالِكَ جِبْرِيلُ، عَلَيْهِ السلامُ، عَرَضَ لِي فِي جانِبِ الحَرَّةِ قَالَ: بَشِّرْ أُمَّتَّكَ أنَّه مَنْ ماتَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّه شَيْئاً دَخَلَ الجنَّةَ. قُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ وإنْ سَرَقَ وإنْ زَنَى؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: قُلْتُ: وإنْ سَرَقَ وإنْ زَنَى؟ قَالَ: نَعْمَ} وإنْ شَرِبَ الخَمْرَ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. والمطابقة أَيْضا بَين الحَدِيث وَالْآيَة الْمَذْكُورَة هِيَ أَن الْوَعيد الَّذِي فِيهَا مَحْمُول على التَّأْقِيت فِي حق من وَقع لَهُ ذَلِك من الْمُسلمين لَا على التَّأْبِيد لدلَالَة الحَدِيث على أَن المرتكب لجنس الْكَبِيرَة من الْمُسلمين يدْخل الْجنَّة، وَلَيْسَ فِيهِ مَا يَنْفِي أَنه يعذب قبل ذَلِك، كَمَا أَنه لَيْسَ فِي الْآيَة مَا يَنْفِي أَنه قد يدْخل الْجنَّة بعد التعذيب على مَعْصِيّة الزِّنَا.(23/50)
وَجَرِير هُوَ ابْن عبد الحميد وَعبد الْعَزِيز بن رفيع بِضَم الرَّاء وَفتح الْفَاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالعين الْمُهْملَة الْأَسدي الْمَكِّيّ سكن الْكُوفَة وَهُوَ من صغَار التَّابِعين سمع أنس بن مَالك، وَزيد بن وهب أَبُو سُلَيْمَان الْهَمدَانِي الْكُوفِي من قضاعة خرج إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقبض النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ فِي الطَّرِيق وَأَبُو ذَر الْغِفَارِيّ اسْمه فِي الْأَشْهر جُنْدُب بن جُنَادَة.
والْحَدِيث بِزِيَادَة ونقصان مضى فِي مَوَاضِع كَثِيرَة فِي الاستقراض وَفِي الاسْتِئْذَان. وَأخرجه مُسلم فِي الزَّكَاة عَن قُتَيْبَة بِهِ. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ، فِي الْإِيمَان عَن مَحْمُود بن غيلَان. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة عَن عَبدة بن عبد الرَّحْمَن وَغَيره.
قَوْله: (خرجت لَيْلَة من اللَّيَالِي) وَفِي رِوَايَة الْأَعْمَش عَن زيد بن وهب عَنهُ: كنت أَمْشِي مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حرَّة الْمَدِينَة عشَاء، فَبين فِيهِ الْمَكَان وَالزَّمَان. قَوْله: (فِي ظلّ الْقَمَر) أَي: فِي مَكَان لَيْسَ للقمر فِيهِ ضوء ليخفي نَفسه، وَإِنَّمَا اسْتمرّ يمشي لاحْتِمَال أَن يطْرَأ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، حَاجَة فَيكون قَرِيبا مِنْهُ. قَوْله: (قلت: أَبُو ذَر) أَي: أَنا أَبُو ذَر. قَوْله: (تعاله) أَمر بهاء السكت هَكَذَا فِي رِوَايَة الْكشميهني وَفِي رِوَايَة غَيره: (تعال) ، قَالَ ابْن التِّين: فَائِدَة هَاء السكت أَن لَا يقف على ساكنين وَهُوَ غير مطرد. قَوْله: (إِن المكثرين هم المقلون) قد مر الْكَلَام فِيهِ آنِفا. قَوْله: (خيرا) . أَي: مَالا قَالَ تَعَالَى: {إِن ترك خيرا} قَوْله: (فنفح فِيهِ) بِالْحَاء الْمُهْملَة يُقَال: نفح فلَان فلَانا بِشَيْء أَي: أعطَاهُ، والنفحة الدفعة. وَقَالَ صَاحب (الْأَفْعَال) : نفح بالعطاء أعْطى، وَالله نفاح بالخيرات، وَقَالَ صَاحب (الْعين) : نفح بِالْمَالِ وَالسيف، ونفحت الدَّابَّة رمت بحافرها الأَرْض. قَوْله: (ووراءه) ، قيل: مَعْنَاهُ يُوصي فِيهِ ويبقيه لوَارِثه، وَحبس بحبسه. قَوْله: (فِي قاع) هُوَ أَرض سهلة مطمئنة قد انفرجت عَنْهَا الْجبَال. قَوْله: (فِي الْحرَّة) ، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الرَّاء، أَرض ذَات حِجَارَة سود كَأَنَّهَا احترقت بالنَّار. قَوْله: (وَهُوَ مقبل) ، الْوَاو فِيهِ للْحَال. قَوْله: (وَهُوَ يَقُول) ، كَذَلِك الْوَاو فِيهِ للْحَال. قَوْله: (دخل الْجنَّة) أَي: كَانَ مصيره إِلَيْهَا وَإِن ناله عُقُوبَة جمعا بَينه وَبَين مثل {وَمن يعْص الله وَرَسُوله فَإِن لَهُ نَار جَهَنَّم} من الْآيَات الموعدة للفساق. قَوْله: (وَإِن سرق وَإِن زنى) ، قيل: يحْتَمل مَعْنيين، أَحدهمَا: أَن هَذِه الْأمة يغْفر لجميعها. وَالثَّانِي: أَن يكون يدْخل الْجنَّة من عُوقِبَ بِبَعْض ذنُوبه فَأدْخل النَّار ثمَّ أخرج مِنْهَا بذنوبه.
قَالَ النَّضْرُ: أخبرنَا شُعْبَةُ وحدّثنا حَبيبُ بنُ أبي ثابِتٍ والأعْمَشُ وعَبْدُ العَزِيزِ بنُ رُفَيْعٍ حدّثنا زَيْدُ بنُ وَهْبٍ بِهاذَا.
قَالَ النَّضر بن شُمَيْل ... إِلَى آخِره. قَوْله: (بِهَذَا) أَي: بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُور، قيل: الْغَرَض بِهَذَا التَّعْلِيق تَصْرِيح الشُّيُوخ الثَّلَاثَة الْمَذْكُورين بِأَن زيد بن وهب حَدثهمْ، قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ: لَيْسَ فِي حَدِيث شُعْبَة قصَّة المكثرين والمقلين إِنَّمَا فِيهِ: (من مَاتَ لَا يُشْرك بِهِ شَيْئا) ، وَالْعجب من أبي عبد الله كَيفَ أطلق هَذَا الْكَلَام، أخبرنيه الْحسن حَدثنَا حميد يَعْنِي: ابْن زَنْجوَيْه، حَدثنَا النَّضر بن شُمَيْل أَنا شُعْبَة حَدثنَا حبيب بن أبي ثَابت وَالْأَعْمَش وَعبد الْعَزِيز بن رفيع قَالُوا: سمعنَا زيد بن وهب عَن أبي ذَر، قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِن جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام أَتَانِي فبشرني أَن من مَاتَ لَا يُشْرك بِاللَّه شَيْئا دخل الْجنَّة.
قلت: وَإِن زنى وسرق؟ قَالَ: وَإِن زنى وسرق) . قَالَ سُلَيْمَان يَعْنِي: الْأَعْمَش، وَإِنَّمَا يروي هَذَا الحَدِيث عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: أما أَنا فَإِنَّمَا سمعته من أبي ذَر أخبرنيه يحيى بن مُحَمَّد الحنائي حَدثنَا عبيد الله بن معَاذ حَدثنَا أبي حَدثنَا شُعْبَة عَن حبيب وبلال وَالْأَعْمَش وَعبد الْعَزِيز الْمَكِّيّ سمعُوا زيد بن وهب عَن أبي ذَر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ... الحَدِيث. قَالَ: وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَن شُعْبَة فَذكرهمْ وَلم يذكر بِلَالًا وَلم يزدْ على هَذِه الْقِصَّة: أخبرنيه الْهَيْثَم الدوري حَدثنَا زيد بن أخزم حَدثنَا أَبُو دَاوُد حَدثنَا شُعْبَة عَن بِلَال وَهُوَ أبي مرداس وَيُقَال ابْن معَاذ تفرد بِهَذَا الحَدِيث عَنهُ، وَرَوَاهُ شُعْبَة أَيْضا عَن الْمَعْرُور بن سُوَيْد سمع أَبَا ذَر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثل قصَّة: من مَاتَ لَا يُشْرك بِاللَّه شَيْئا، أخبرنيه الحنائي حَدثنَا عبيد الله حَدثنَا أبي حَدثنَا شُعْبَة، وَقَالَ بَعضهم: وَقد تبع الْإِسْمَاعِيلِيّ على أعتراضه الْمَذْكُور جمَاعَة. مِنْهُم: مغلطاي وَمن بعده.
قلت: فِيهِ إساءة الْأَدَب حَيْثُ قَالَ: مغلطاي، بطرِيق الاستهتار وَأَرَادَ بقوله: وَمن بعده. صَاحب (التَّوْضِيح) الشَّيْخ سراج الدّين بن الملقن وَهُوَ شَيْخه، والكرماني أَيْضا، ثمَّ تصدى للجواب عَن الِاعْتِرَاض الْمَذْكُور بقوله: الْجَواب عَن البُخَارِيّ وَاضح على طَريقَة أهل الحَدِيث، لِأَن مُرَاده أصل الحَدِيث(23/51)
فَإِن الحَدِيث الْمَذْكُور فِي الأَصْل قد اشْتَمَل على ثَلَاثَة أَشْيَاء فَيجوز إِطْلَاق الحَدِيث على كل وَاحِد من الثَّلَاثَة إِذا أفرد، فَقَوْل البُخَارِيّ: بِهَذَا أَي: بِأَصْل الحَدِيث لَا خُصُوص اللَّفْظ المساق انْتهى.
قلت: الِاعْتِرَاض باقٍ على مَا لَا يخفى لِأَن الْإِطْلَاق فِي مَوضِع التَّقْيِيد غير جَائِز. وَقَوله: بِهَذَا، أَي: بِأَصْل الحَدِيث ... إِلَى آخِره غير سديد لِأَن الْإِشَارَة بِلَفْظ: هَذَا، تكون للحاضر، والحاضر هُوَ اللَّفْظ المساق، وَالْمرَاد من ثَلَاثَة أَشْيَاء ثَلَاثَة أَحَادِيث. الأول: قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا يسرني أَن عِنْدِي مثل أحد هَذَا ذَهَبا. الثَّانِي: حَدِيث: (المكثرين والمقلين) وَالثَّالِث: حَدِيث: (من مَاتَ لَا يُشْرك بِاللَّه شَيْئا دخل الْجنَّة) .
قَالَ أبُو عَبْدِ الله: حَدِيث أبي صالحٍ عنْ أبي الدَّرْداءِ مُرْسَلٌ لَا يَصحُّ، إِنَّمَا أرَدْنا لِلْمَعْرِفَةِ، والصَّحِيحُ حَدِيثُ أبي ذَرٍّ، قِيلَ لأبي عَبْدِ الله: حَدِيثُ عَطاءِ بنِ يَسار عنْ أبي الدَّرْداءِ؟ قَالَ: مُرْسَلٌ أيْضاً لَا يَصِحُّ والصَّحيحُ حَديثُ أبي ذرٍّ. وَقَالَ: اضْرِبُوا عَلى حَدِيثِ أبي الدَّرْدَاءِ هاذا، إِذا ماتَ قَالَ: لَا إلاهَ إلاَّ الله، عِنْدَ المَوْتِ.
هَذَا: أَعنِي، قَالَ أَبُو عبد الله ... إِلَى آخِره لَا يُوجد فِي كثير من النّسخ. وَأَبُو عبد الله هُوَ البُخَارِيّ. قَوْله: (حَدِيث أبي صَالح) هُوَ ذكْوَان الزيات عَن أبي الدَّرْدَاء عُوَيْمِر بن مَالك مُرْسل لَا يَصح، وَقَالَ صَاحب (التَّلْوِيح) : فِيهِ نظر من حَيْثُ إِن النَّسَائِيّ رَوَاهُ بِسَنَد صَحِيح على شَرط أبي الْحجَّاج الْقشيرِي، فَقَالَ: حَدثنِي قُتَيْبَة عَن عبد الْوَاحِد بن زِيَاد عَن الْحسن بن عبيد الله عَن زيد بن وهب وَعَن عَمْرو بن هِشَام عَن مُحَمَّد بن سَلمَة عَن ابْن إِسْحَاق عَن عِيسَى بن مَالك عَن زيد، عَن أبي الدَّرْدَاء، قَوْله: (إِنَّمَا أردنَا للمعرفة) أَي: لنعرف أَنه قد روى عَنهُ لَا لِأَنَّهُ يحْتَج بِهِ قَوْله: (قيل لأبي عبد الله هُوَ البُخَارِيّ أَيْضا. قَوْله: حَدِيث عَطاء بن يسَار ضد الْيَمين عَن أبي الدَّرْدَاء، قَالَ: مُرْسل أَي: هُوَ مُرْسل أَيْضا لَا يَصح. قَالَ صَاحب (التَّلْوِيح) : فِيهِ نظر أَيْضا، لِأَن الطَّبَرَانِيّ قد أخرجه بِإِسْنَاد جيد: حَدثنَا يحيى بن أَيُّوب العلاف حَدثنَا سعيد بن أبي مَرْيَم حَدثنَا مُحَمَّد بن جَعْفَر حَدثنَا مُحَمَّد بن أبي حَرْمَلَة عَن عَطاء بن يسَار، قَالَ: أَخْبرنِي أَبُو الدَّرْدَاء أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ... فَذكره قَوْله: هَذَا، أَي: هَذَا الَّذِي رُوِيَ عَن أبي الدَّرْدَاء، وَهُوَ قَوْله: (من مَاتَ لَا يُشْرك بِاللَّه شَيْئا) فِي حق من قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله، عِنْد الْمَوْت.
41 - (بابُ قَوْلِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا أُحِبُّ أنَّ لِي مِثْلَ أُحدٍ ذَهَباً)
أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (مَا أحب أَن لي مثل أحد ذَهَبا) وَفِي بعض النّسخ: مَا أحب أَن لي أحدا ذَهَبا. وَفِي بَعْضهَا: بَاب قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا يسرني أَن عِنْدِي مثل أحد هَذَا ذَهَبا، وَهَذَا هُوَ الْمُوَافق للفظ حَدِيث الْبَاب.
4446 - حدّثنا الحَسَنُ بن الرَّبِيعِ حدّثنا أبُو الأحْوَصِ عنِ الأعْمَشِ عَنْ زَيْدِ بنِ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ أَبُو ذُرٍّ: كُنْتُ أمْشِي مَعَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَرَّةِ المَدِينَةِ، فاسْتَقْبَلَنَا أُحُدٌ فَقَالَ: (يَا أَبَا ذَرٍّ {) قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُول الله} قَالَ: (مَا يَسُرُّنِي أنَّ عِنْدِي مِثْلَ أُحُدٍ هاذا ذَهَباً تَمْضِي عَلَيَّ ثالِثَةٌ وعِنْدِي مِنْه دِينارٌ إلاَّ شَيْئاً أرْصُدُهُ لِدَيْنِ، إلاَّ أنْ أقُولَ بِهِ فِي عِبادِ الله هاكَذا وهاكَذَا وهاكَذا) عنْ يَمِينِهِ وعنْ شِمِالِهِ ومِنْ خَلْفِهِ، ثُمَّ مَشَى فَقَالَ: (إنَّ الأكْثَرِينَ هُمُ الأقَلُّونَ يَوْمَ القِيامَةِ إلاَّ مَنْ قَالَ هاكَذَا وهاكَذَا وهاكَذَا) عنْ يَمِينِهِ وعنْ شِمِالِهِ ومِنْ خَلْفِهِ، (وَقَلِيلٌ مَا هُمْ) ، ثُمَّ قَالَ لِي: (مَكانَكَ لَا تَبْرَحْ حتَّى آتِيَكَ) ثُمَّ انْطَلَقَ فِي سَوَادِ اللَّيْلِ حَتَّى تَواراى. فَسَمِعْتُ صَوْتاً قَدِ ارْتَفَعَ فَتَخَوَّفْتُ أنْ يَكُونَ قَدْ عَرَضَ للنبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فأرَدْتُ أنْ آتِيَهُ فَذَكَرْتُ قَوْلَهُ لِي: (لَا تَبْرَحْ حتَّى آتِيكَ) فَلَمْ أبْرَحْ حتَّى أتانِي. قُلْتُ: يَا رسولَ الله! لَقَدْ سَمِعْتُ صَوْتاً تَخَوَّفْتُ، فَذَكَرْتُ لَهُ فَقَالَ: (وَهَلْ(23/52)
سَمِعْتَهُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: (ذَاكَ جِبْرِيلُ أتانِي فَقَالَ: مَنْ ماتَ مِنْ أُمَّتِكَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّه شَيْئاً دَخَلَ الجَنَّةَ. قُلْتُ: وإنْ زَنَى وإنْ سَرَقَ؟ قَالَ: وإنْ زَنَى وإنْ سَرَقَ)
مطابقته للتَّرْجَمَة الَّتِي هِيَ: (مَا يسرني أَن عِنْدِي مثل أحد ذَهَبا) ظَاهِرَة. وَفِي غير هَذَا اللَّفْظ أَيْضا التطابق مَوْجُود من حَيْثُ الْمَعْنى.
وَالْحسن بن الرّبيع بِفَتْح الرَّاء هُوَ أَبُو عَليّ البوراني بِالْبَاء الْمُوَحدَة وَالرَّاء وبالنون، وَقَالَ الرشاطي: ينْسب إِلَى البواري وَهِي حصر من قصب وَكَانَ لَهُ غلْمَان يصنعونها، وَأَبُو الْأَحْوَص هُوَ سَلام بِالتَّشْدِيدِ ابْن سليم، وَالْأَعْمَش سُلَيْمَان.
والْحَدِيث قد رُوِيَ بِزِيَادَة ونقصان عَن أبي ذرٍ كَمَا ذَكرْنَاهُ فِي الْبَاب السَّابِق.
قَوْله: (فَاسْتقْبلنَا) بِفَتْح اللَّام و: أحد، بِالرَّفْع فَاعله وَفِي رِوَايَة حَفْص بن غياث: فَاسْتقْبلنَا أحدا بِسُكُون اللَّام وَنصب أحدا، على أَنه مفعول. قَوْله: (مَا يسرني) من سره إِذا فرحه وَالسُّرُور خلاف الْحزن. قَوْله: (أَن عِنْدِي مثل أحد هَذَا ذَهَبا) . قَوْله: (ثَالِثَة) أَي: لَيْلَة ثَالِثَة. قيل: قيد بِالثلَاثِ لِأَنَّهُ لَا يتهيأ تَفْرِيق قدر أحد من الذَّهَب فِي أقل مِنْهَا غَالِبا.
قلت: يُعَكر عَلَيْهِ رِوَايَة حَفْص بن غياث: مَا أحب أَن لي أحدا ذَهَبا يَأْتِي على يَوْم وَلَيْلَة أَو ثَلَاث عِنْدِي مِنْهُ دِينَار. قَالَ بَعضهم: وَالْأولَى أَن يُقَال: الثَّلَاث أقْصَى مَا يحْتَاج إِلَيْهِ فِي تَفْرِقَة مثل ذَلِك، والواحدة أقل مَا يُمكن.
قلت: ذكر الْيَوْم أَو الثَّلَاث لَيْسَ بِقَيْد، وَإِنَّمَا هُوَ كِنَايَة عَن سرعَة التَّفْرِيق من غير تَأْخِير وَلَا إبْقَاء شَيْء مِنْهُ. وَفِيه أَيْضا مُبَالغَة لقَوْله: (وَعِنْدِي) الْوَاو فِيهِ للْحَال. قَوْله: (إلاَّ شَيْئا) اسْتثِْنَاء من دِينَار. قَوْله: (أرصده) بِضَم الْهمزَة أَي أعده وأحفظه، وَعَن الْكسَائي والأصمعي، أرصدت لَهُ أَعدَدْت لَهُ ورصدته ترقبته، وَهَذِه الْجُمْلَة أَعنِي: أرصده، فِي مَحل النصب لِأَنَّهَا صفة لقَوْله: (شَيْئا) ثمَّ إرصاد الْعين أَعم من أَن يكون لصَاحب دين غَائِب حَتَّى يحضر فَيَأْخذهُ، أَو لأجل وَفَاء دين مُؤَجل حَتَّى يحل فيوفى. قَوْله: (لدين) ويروى لديني، بياء الْإِضَافَة. قَوْله: (إلاَّ أَن أَقُول بِهِ) اسْتثِْنَاء بعد اسْتثِْنَاء، قَالَ الْكرْمَانِي، إلاَّ أَن أَقُول اسْتثِْنَاء من فَاعل يسرني أَي: إلاَّ أَن أصرفه، وَقد ذكرنَا غير مرّة أَن الْعَرَب تسْتَعْمل لفظ القَوْل فِي معانٍ كَثِيرَة. قَوْله: (فِي عباد الله) أَي: بَين عباد الله. كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {فادخلي فِي عبَادي} (الْفجْر: 92) أَي: بَين عبَادي. قَوْله: (هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا) قَالَهَا ثَلَاث مَرَّات وَأَشَارَ بهَا بِيَدِهِ، ثمَّ بَين ذَلِك بقوله: (عَن يَمِينه وَعَن شِمَاله وَمن خَلفه) وَهَذَا على سَبِيل الْمُبَالغَة، لِأَن الأَصْل فِي الْعَطِيَّة أَن تكون لمن بَين يَدَيْهِ وَهَذِه جِهَة رَابِعَة من الْجِهَات الْأَرْبَع. وَلم يذكر هَهُنَا، وَقد جَاءَ فِي رِوَايَة أَحْمد بن ملاعب عَن عمر بن حَفْص بن غياث عَن أَبِيه بِلَفْظ: إلاَّ أَن أَقُول بِهِ فِي عباد الله هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا، وأرانا بِيَدِهِ وَذكر فِيهِ الْجِهَات الْأَرْبَع. وَأخرجه أَبُو نعيم من طَرِيق سهل بن بَحر عَن عمر بن حَفْص فاقتصر على ثِنْتَيْنِ. قَوْله: (ثمَّ مَشى) أَي: رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (إِن الْأَكْثَرين هم الأقلون) ويروى ألاَ إِن الْأَكْثَرين هم المقلون، وَقد مَضَت رِوَايَة أُخْرَى، إِن المكثرين هم المقلون، وَفِي رِوَايَة أَحْمد إِن المكثرين هم الأقلون. قَوْله: (إِلَّا من قَالَ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا) وَفِي رِوَايَة ابْن شهَاب. إلاَّ من قَالَ بِالْمَالِ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا. قَوْله: (وَقَلِيل مَا هم) كلمة: مَا، زَائِدَة مُؤَكدَة للقلة، وهم، مُبْتَدأ، وَقَلِيل، مقدما خَبره. قَوْله: (مَكَانك) بِالنّصب أَي: إلزم مَكَانك. قَوْله: (لَا تَبْرَح حَتَّى آتبك) تَأْكِيد لما قبله، وَفِي رِوَايَة حَفْص: لَا تَبْرَح يَا أَبَا ذَر حَتَّى أرجع. قَوْله: (ثمَّ انْطلق فِي سَواد اللَّيْل) فِيهِ إِشْعَار بِأَن الْقَمَر قد غَابَ. قَوْله: (حَتَّى توارى) أَي: حَتَّى غَابَ عَن بَصرِي. قَوْله: (فَسمِعت صَوتا) وَفِي رِوَايَة أبي مُعَاوِيَة: لفظا وصوتاً. قَوْله قد عرض بهم الْعين وروى فتخوفت أَن يكون أحد عرض للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَي لَهُ سوء قَوْله وَإِن زنى وَإِن سرق تعرض وَقع فِي رِوَايَة عبد الْعَزِيز بن رفيع.
قلت: يَا جِبْرَائِيل وَإِن سرق وَإِن زنى؟ قَالَ: نعم، وكررها مرَّتَيْنِ فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي ثَلَاثًا.
5446 - حدّثنا أحْمَدُ بنُ شَبِيبٍ حدّثنا أبي عنْ يُونُسَ.
وَقَالَ الليْثُ: حدّثني يُونُسُ عَن ابْن شهابٍ عنْ عُبَيْدِ الله بنِ عَبْدِ الله بن عُتْبَةَ قَالَ أبُو هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ: قَالَ رسولُ الله صلى الله(23/53)
عَلَيْهِ وَسلم: لَوْ كَانَ لِي مِثْلُ أُحُدٍ ذَهَباً لَسَرَّنِي أنْ لَا تَمُرَّ عَلَيَّ ثَلاثُ لَيالٍ وعِنْدِي مِنْهُ شَيْءٌ إلاَّ شَيْئاً أُرْصِدُهُ لِدَيْنٍ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأحمد بن شبيب بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة الأولى ابْن سعيد الحبطي بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَالْبَاء الْمُوَحدَة وبالطاء الْمُهْملَة نِسْبَة إِلَى الحبطات من بني تَمِيم الْبَصْرِيّ وَهُوَ من أَفْرَاد البُخَارِيّ، وَضَعفه ابْن عبد الْبر تبعا لأبي الْفَتْح الْأَزْدِيّ، والأزدي غير مرضِي فَلَا يتبع فِي ذَلِك.
قلت: فَلذَلِك قَالَ فِي (رجال الصَّحِيحَيْنِ) : روى عَنهُ البُخَارِيّ فِي غير مَوضِع مَقْرُونا إِسْنَاده بِإِسْنَاد آخر، وَأَبوهُ شبيب بن سعيد روى عَنهُ ابْنه أَحْمد فِي الاستقراض ومناقب عُثْمَان مُفردا، وَفِي غير مَوضِع مَقْرُونا، وَيُونُس هُوَ ابْن يزِيد.
قَوْله: (وَقَالَ اللَّيْث)
إِلَى آخِره ذكره البُخَارِيّ تَقْوِيَة لرِوَايَة أَحْمد بن شبيب.
والْحَدِيث مضى فِي الاستقراض عَن أَحْمد بن شبيب أَيْضا. قَوْله: (مثل أحد ذَهَبا) فِي رِوَايَة الْأَعْرَج: لَو أَن أحدكُم عِنْدِي ذَهَبا. قَوْله: (لسرني) جَوَاب. . لَو الَّتِي لِلتَّمَنِّي، وَهُوَ ماضٍ مُثبت كَمَا فِي قَوْلك؛ لَو قَامَ لقمت، وَذكر بَعضهم فِي شَرحه: (مَا يسرني) بِلَفْظ الْمُضَارع وبكلمة: مَا، النافية ثمَّ نقل كَلَام ابْن مَالك بِمَا ملخصه: إِن جَوَاب: لَو الَّتِي لِلتَّمَنِّي يكون مَاضِيا مثبتاً، وَهنا وَقع مضارعاً منفياً، ثمَّ أجَاب بِمَا ملخصه أَن الْمُضَارع هُنَا وَقع مَوضِع الْمَاضِي، وَأَيْضًا أَن الأَصْل مَا كَانَ يسرني فَحذف كَانَ وَهُوَ جَوَاب.
وَفِي هَذَا الحَدِيث: إِشَارَة إِلَى أَن الْمُؤمن لَا يَنْبَغِي لَهُ أَن يتَمَنَّى كَثْرَة المَال إلاَّ بِشَرْط أَن يُسَلِّطهُ الله تَعَالَى على إِنْفَاقه فِي طَاعَته اقتداه بالشارع فِي ذَلِك. وَفِيه: أَن الْمُبَادرَة إِلَى الطَّاعَة مَطْلُوبَة. وَفِيه: أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يكون عَلَيْهِ دين لِكَثْرَة مواساته بقوته وقوت عِيَاله، وإيثاره على نَفسه أهل الْحَاجة. وَفِيه: الرِّضَا بِالْقَلِيلِ وَالصَّبْر على خشونة الْعَيْش.
51 - (بابٌ الغِنَى غِنَى النَّفْسِ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ الْغنى غنى النَّفس سَوَاء كَانَ الشَّخْص متصفاً بِالْمَالِ الْكثير أَو الْقَلِيل، والغنى بِالْكَسْرِ مَقْصُور وَرُبمَا مده الشَّاعِر للضَّرُورَة، وَهُوَ من الصَّوْت مَمْدُود والغناء بِالْفَتْح وَالْمدّ الْكِفَايَة، وَقَالَ بَعضهم: بَاب بِالتَّنْوِينِ.
قلت: لَيْسَ كَذَلِك، لِأَن التَّنْوِين عَلامَة الْإِعْرَاب وَلَفظ بَاب مُفْرد والمعرب جُزْء الْمركب.
وقَوْلُ الله تَعَالَى: {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ} (الْمُؤْمِنُونَ: 55) إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {من دون ذَلِك هم لَهَا عاملون} (الْمُؤْمِنُونَ: 36)
فِي رِوَايَة أبي ذَر {إِلَى عاملون} وَبَقِيَّة هَذِه الْآيَة بعد بَنِينَ {نسارع لَهُم فِي الْخيرَات بل لَا يَشْعُرُونَ} (الْمُؤْمِنُونَ: 65) ثمَّ من بعد هَذِه الْآيَة إِلَى قَوْله: {وهم لَهَا عاملون} ثَمَان آيَات أُخْرَى، فالجملة تسع آيَات سَاقهَا الْكرْمَانِي كلهَا فِي شَرحه، ثمَّ قَالَ: غَرَض البُخَارِيّ من ذكر الْآيَة أَن المَال مُطلقًا لَيْسَ خيرا. قَوْله: (أيحسبون) الْآيَة نزلت فِي الكفاء وَلَيْسَت بمعارضة لدعائه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأنس بِكَثْرَة المَال وَالْولد، وَالْمعْنَى: أيحسبون أَن مَا نمدهم بِهِ، أَي: نعطيهم ونزيدهم من مَال وبنين مجازاة لَهُم وَخيرا؟ بل هُوَ اسْتِدْرَاج لَهُم ثمَّ بَين المسارعين إِلَى الْخيرَات من هم، فَقَالَ: {إِن الَّذين هم من خشيَة رَبهم مشفقون} (الْمُؤْمِنُونَ: 75) أَي: خائفون {وَالَّذين هم بآيَات رَبهم يُؤمنُونَ} (الْمُؤْمِنُونَ: 85) أَي: يصدقون، وَهَذِه الْآيَة وَالَّتِي بعْدهَا فِي مدح هَؤُلَاءِ الْمُتَّقِينَ. قَوْله: {وَالَّذين يُؤْتونَ} (الْمُؤْمِنُونَ: 95) أَي: يُعْطون مَا أعْطوا من الزَّكَاة وَالصَّدقَات، وَالْحَال أَن قُلُوبهم وَجلة أَي: خائفة أَن لَا يقبل مِنْهُم. قَوْله: {يُسَارِعُونَ} يَقُول سارعت وأسرعت بِمَعْنى وَاحِد إِلَّا أَن سارعت، أبلغ من أسرعت. قَوْله: (وهم لَهَا) أَي: إِلَيْهَا وَالتَّقْدِير: وهم يسابقونها. قَوْله: (إِلَّا وسعهَا) يَعْنِي: إلاَّ مَا يَسعهَا. قَوْله: {ولدينا كتاب} يَعْنِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ {ينْطق بِالْحَقِّ} يَعْنِي: يشْهد بِمَا عملوه. قَوْله: {بل قُلُوبهم فِي غمرة} إضراب عَن وصف الْمُتَّقِينَ وشروع فِي وصف الْكفَّار. أَي: فِي غَفلَة عَن الْإِيمَان بِالْقُرْآنِ، قَالَه مقَاتل، وَقيل: فِي عماية من هَذَا، أَي: من الْقُرْآن. قَوْله: {لَهُم أَعمال من دون ذَلِك} أَي: أَعمال سَيِّئَة دون الشّرك، وَقيل: دون أَعمال الْمُؤمنِينَ. قَوْله: {هم لَهَا عاملون} إِخْبَار عَمَّا سيعملونه من الْأَعْمَال الخبيثة الَّتِي كتبت عَلَيْهِم لَا بُد أَن يعملوها.(23/54)
وَقَالَ ابْن عُيَيْنَة: لَمْ يَعْمَلُوها: لَا بُدَّ مِنْ أنْ يَعْمَلُوها
أَي: قَالَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: {وَلَهُم أَعمال من دون ذَلِك هم لَهَا عاملون} (الْمُؤْمِنُونَ: 36) حَاصله: كتبت عَلَيْهِم أَعمال سَيِّئَة لَا بُد من أَن يعملوها قبل مَوْتهمْ ليحق عَلَيْهِم كلمة الْعَذَاب.
6446 - حدّثنا أحْمَدُ بنُ يُونُسَ حدّثنا أبُو بَكْرٍ حَدثنَا أبُو حَصِينٍ عنْ أبي صالِحٍ عنْ أبي هُرَيْرَةَ عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (لَيْسَ الغِنَى عنْ كَثْرَةِ العَرِضَ ولاكِنَّ الغِنَى غِنَى النَّفْسِ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأما وَجه الْمُنَاسبَة بَين الحَدِيث وَالْآيَة هُوَ أَن خيرية المَال لَيست لذاته بل بِحَسب مَا يتَعَلَّق بِهِ وَإِن كَانَ يُسمى خيرا، وَكَذَلِكَ لَيْسَ صَاحب المَال الْكثير غَنِيا لذاته بل بِحَسب تصرفه فِيهِ، فَإِن كَانَ غَنِيا فِي نَفسه لم يتَوَقَّف فِي صرفه فِي الْوَاجِبَات والمستحبات من وُجُوه الْبر والقربات، وَإِن كَانَ فِي نَفسه فَقِيرا أمْسكهُ وَامْتنع من بذله فِيمَا أَمر بِهِ خشيَة من نفاده، فَهُوَ فِي الْحَقِيقَة فَقير صُورَة وَمعنى، وَإِن كَانَ المَال تَحت يَده لكَونه لَا ينْتَفع بِهِ لَا فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَة بل رُبمَا كَانَ وبالاً عَلَيْهِ.
وَأحمد بن يُونُس هُوَ أَحْمد بن عبد الله بن يُونُس التَّيْمِيّ الْيَرْبُوعي الْكُوفِي، وَهُوَ شيخ مُسلم أَيْضا، وَأَبُو بكر هُوَ ابْن عَيَّاش بتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالشين الْمُعْجَمَة القارىء الْمَشْهُور الْكُوفِي، وَأَبُو حُصَيْن بِفَتْح الْحَاء وَكسر الصَّاد الْمُهْمَلَتَيْنِ واسْمه عُثْمَان بن عَاصِم الْأَسدي الْكُوفِي، وَأَبُو صَالح ذكْوَان الزيات.
والْحَدِيث أخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الزّهْد عَن أَحْمد بن بديل بن قُرَيْش اليامي الْكُوفِي.
قَوْله: (من كَثْرَة الْعرض) بِفتْحَتَيْنِ حطام الدُّنْيَا وبالسكون الْمَتَاع. وَقَالَ أَبُو عبيد: الْعرُوض الْأَمْتِعَة وَهِي مَا سوى الْحَيَوَان وَالْعَقار وَمَا لَا يدْخلهُ كيل وَلَا وزن، وَقَالَ ابْن فَارس: الْعرض بِالسُّكُونِ كل مَا كَانَ من المَال غير نقدوجمعه عرُوض، وَأما بِالْفَتْح فَمَا يُصِيبهُ الْإِنْسَان من حَظّ فِي الدُّنْيَا قَالَ تَعَالَى: {تُرِيدُونَ عرض الدُّنْيَا} (الْأَنْفَال: 76) وَقَالَ: {وَإِن يَأْتهمْ عرض مثله يأخذوه} (الْأَعْرَاف: 961) حَاصِل معنى الحَدِيث: لَيْسَ الْغنى الْحَقِيقِيّ الْمُعْتَبر من كَثْرَة المَال، بل هُوَ من اسْتغْنَاء النَّفس وَعدم الْحِرْص على الدُّنْيَا، وَلِهَذَا ترى كثيرا من المتمولين، فَقير النَّفس مُجْتَهدا فِي الزِّيَادَة، فَهُوَ لشدَّة شرهه وَشدَّة حرصه على جمعه كَأَنَّهُ فَقير، وَأما غنى النَّفس فَهُوَ من بَاب الرِّضَا بِقَضَاء الله لعلمه أَن مَا عِنْد الله لَا ينْفد.
61 - (بابُ فَضْلِ الفَقِرْ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان فضل الْفقر، وَالْمرَاد بِهِ الْفقر الَّذِي صَاحبه راضٍ بِمَا قسم الله لَهُ وصابر على ذَلِك وَلَا يصدر من قَوْله وَفعله مَا يسْخط الله تَعَالَى، وَلَا يتْرك التكسب ويشتغل بالسؤال الَّذِي فِيهِ ذلة ومنة وَأما فُقَرَاء هَذَا الزَّمَان فَإِن أَكْثَرهم غير مَوْصُوف بِهَذِهِ الصِّفَات، وفقر هَؤُلَاءِ هُوَ الَّذِي استعاذ مِنْهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأما الْخلاف فِي أَن الْفقر الصابر أفضل أَو الْغَنِيّ الشاكر؟ فَهُوَ مَشْهُور قد تَكَلَّمت فِيهِ جمَاعَة كَثِيرُونَ.
7446 - حدّثنا إسْمَاعِيلُ قَالَ: حدّثني عبْدُ العَزِيزِ بنُ أبي حازِمٍ عنْ أَبِيه عنْ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ أنّهُ قَالَ: مَرَّ رَجُلٌ عَلى رسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لِرَجُلٍ عِنْدَهُ جالِسٍ: (مَا رأيُكَ فِي هاذَا؟) فَقَالَ: رجُلٌ منْ أشْرَافِ النَّاسِ، هاذَا وَالله حَرِيُّ إنْ خَطَبَ أنْ يُنْكَحَ، وإنْ شَفَعَ أنْ يُشَفَّعَ قَالَ: فَسَكَت رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ثُمَّ مَرَّ رَجُلٌ فَقَالَ لهُ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (مَا رَأيُكَ فِي هَذَا؟) فَقَالَ: يَا رسولَ الله! هَذا رجُلٌ مِن فُقَراءِ المُسْلِمِينَ، هاذَا حَرِيُّ إنْ خَطَبَ أنْ لَا يُنْكَحَ وإنْ شَفَعَ أنْ لَا يُشْفَعَ وإنْ قَالَ أنْ لَا يُسْمَعَ لِقَوْلِهِ، فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (هاذَا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الأرْضِ مِنْ مِثْلِ هاذا) .
(انْظُر الحَدِيث 1905)(23/55)
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي الشق الثَّانِي من الحَدِيث. وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن أبي أويس، وَعبد الْعَزِيز يروي عَن أَبِيه أبي حَازِم بِالْحَاء الْمُهْملَة وبالزاي، واسْمه سَلمَة بن دِينَار.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب النِّكَاح فِي: بَاب الْأَكفاء فِي الدّين فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن إِبْرَاهِيم بن حَمْزَة عَن أبي حَازِم ... إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (حري) بِفَتْح الْحَاء المهلمة وَكسر الرَّاء وَتَشْديد الْيَاء أَي: جدير ولائق. قَوْله: (أَن ينْكح) على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (لَا يشفع) أَيْضا على صِيغَة الْمَجْهُول بتَشْديد الْفَاء وَكَذَا. (لَا يسمع) على صِيغَة الْمَجْهُول أَي: لَا يلْتَفت إِلَيْهِ بقوله: (من مثل هَذَا) ويروى: مثل هَذَا، بِنصب: مثل، على التَّمْيِيز وَوَقع فِي (مُسْند مُحَمَّد بن هَارُون الرَّوْيَانِيّ وَفِي (فتوح مصر) لِابْنِ عبد الحكم وَفِي (مُسْند الصَّحَابَة) الَّذين نزلُوا مصر) : لمُحَمد بن الرّبيع الْحبرِي: إِن اسْم الْمَار الثَّانِي جعبد، قَالَ أَبُو عمر: جعيد بن سراقَة الْغِفَارِيّ، وَيُقَال: الضمرِي، أثنى عَلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
8446 - حدّثنا الحُمَيْدِيُّ حَدثنَا سُفْيانُ حَدثنَا الأعْمَشُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا واثِلٍ قَالَ: عدْنا خَبَّاباً فَقَالَ: هاجَرْنا مَعَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نُرِيدُ وجهَ الله، فَوَقَعَ أجْرُنا على الله تَعَالَى، فَمِنْهُمْ مَنْ مَضَى لَمْ يأخذْ مِنْ أجْرِهِ شَيْئاً، مِنْهُمْ: مُصْعَبُ بنُ عُمَيْرٍ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ وَتَرَكَ نَمِرَةً، فَإِذا غَطْينا رأسَهُ بَدَتْ رِجلاَهُ، وإذَا غَطَّيْنا رِجْلَيْهِ بَدَا رأسُهُ، فأمَرَنا النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنْ نُغَطِّيَ رأسَهُ ونَجْعَلَ عَلى رِجْلَيْهِ شَيْئاً مِنَ الإذْخِرِ، ومِنّا مَنْ أيْنَعتْ لهُ ثَمَرَتُهُ فَهُوَ يَهْدِبُها.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَضِيَّة مُصعب بن عُمَيْر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
والْحميدِي عبد الله بن الزبير بن عِيسَى مَنْسُوب إِلَى أحد أجداده حميد، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَالْأَعْمَش سُلَيْمَان، وَأَبُو وَائِل شَقِيق بن سَلمَة.
والْحَدِيث مضى فِي الْجَنَائِز فِي: بَاب إِذا لم يجد كفناً إلاَّ مَا يواري رَأسه، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عمر بن حَفْص عَن أَبِيه عَن الْأَعْمَش ... إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (عدنا) من العيادة. قَوْله: (هاجرنا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) أَي: إِلَى الْمَدِينَة بأَمْره وإذنه، وَالْمرَاد بالمعية الِاشْتِرَاك فِي حكم الْهِجْرَة، إِذْ لم يكن مَعَه إلاَّ أَبُو بكر وعامر بن فهَيْرَة. قَوْله: (نُرِيد وَجه الله) ويروى: يَنْبَغِي وَجه الله أَي: جِهَة مَا عِنْده من الثَّوَاب لَا جِهَة الدُّنْيَا. قَوْله: (فَوَقع) قَالَ الْكرْمَانِي: أَي: تبت أجرنا على الله كالشيء الْوَاجِب، أَو ثَبت بِحَسب مَا وعد الْعباد.
قلت: الْأَحْسَن أَن يُقَال: ثَبت جزاؤنا بِحَسب وعده، وَلَا يجب على الله شَيْء. قَوْله: (فَمنهمْ) أَي: فَمن الَّذين هَاجرُوا من مضى لم يَأْخُذ من أجره شَيْئا، وَفِي رِوَايَته الْمُتَقَدّمَة فِي الْجَنَائِز: فمنا من مَاتَ وَلم يَأْكُل من أجره شَيْئا، أَي: من عرض الدُّنْيَا. فَإِن قلت: الْأجر ثَوَاب الْآخِرَة.
قلت: نعم الدُّنْيَا أَيْضا من جملَة الْخَيْر، وَالْأَجْر. قَوْله: (مُصعب بن عُمَيْر) بن هَاشم بن عبد منَاف بن عبد الدَّار بن قصى يجْتَمع مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي قصي. قَوْله: (قتل يَوْم أحد) أَي: قتل شَهِيدا فِي غَزْوَة أحد، وَكَانَ صَاحب لوآء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يومئذٍ. قَوْله: (نمرة) بِفَتْح النُّون وَكسر الْمِيم ثمَّ رَاء: هِيَ إِزَار من صوف مخطط أَو بردة. قَوْله: (أينعت) بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح النُّون وَالْعين الْمُهْملَة أَي: حَان قطافها، واليانع النضيج ويروى: ينعَت بِدُونِ الْهمزَة وَهِي لُغَة، قَالَ الْفراء: أينعت أَكثر. قَوْله: (يهدبها) بِفَتْح أَوله وَسُكُون الْهَاء وَكسر الدَّال الْمُهْملَة وَضمّهَا أَي: يجتنيها ويقطعها.
9446 - حدّثنا أبُو الولِيدِ حَدثنَا سَلْمَ بنُ زَريرِ حدّثنا أبُو رجاءٍ عنْ عمْرانَ بنِ حُصَيْنٍ، رَضِي الله عَنْهُمَا عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: (اطّلعْتُ فِي الجَنّةِ فَرَأيْتُ أكْثَرَ أهْلِهَا الفقَراءَ، واطَّلَعْتُ فِي النَّارِ فَرَأيْتُ أكْثَرَ أهْلها النِّساء) . مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأَبُو الْوَلِيد هِشَام بن عبد الْملك الطَّيَالِسِيّ، وَسلم بِفَتْح السِّين وَسُكُون اللَّام ابْن زرير بِفَتْح الزَّاي وَكسر الرَّاء الأولى على وزن عَظِيم العطاردي الْبَصْرِيّ، وَأَبُو رَجَاء عمرَان بن تيم العطاردي.
والْحَدِيث مضى فِي(23/56)
صفة الْجنَّة عَن أبي الْوَلِيد أَيْضا وَفِي النِّكَاح عَن عُثْمَان بن الْهَيْثَم.
تابَعَهُ أيُّوبُ وعَوْفٌ
أَي: تَابع أَبَا رَجَاء أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ وعَوْف الْمَشْهُور بالأعرابي فِي رِوَايَته عَن عمرَان بن حُصَيْن. أما مُتَابعَة أَيُّوب فوصلها النَّسَائِيّ عَن بشر بن هِلَال عَن عمرَان بن مُوسَى عَن عبد الْوَارِث عَن أَيُّوب عَن أبي رَجَاء عَن عمرَان. وَأما مُتَابعَة عَوْف فوصلها البُخَارِيّ فِي كتاب النِّكَاح.
وَقَالَ صخْرٌ وحَمَّادُ بنُ نَجيحٍ: عنْ أبي رجاءٍ عنِ ابنِ عبَّاسٍ.
صَخْر هُوَ ابْن جوَيْرِية الْبَصْرِيّ، وَحَمَّاد بتَشْديد الْمِيم ابْن نجيح بِفَتْح النُّون وَكسر الْجِيم وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة الإسكاف، وَتَعْلِيق صَخْر رَوَاهُ النَّسَائِيّ عَن يحيى بن مخلد المقسمي: حَدثنَا الْمعَافي بن عمرَان عَن صَخْر بن جوَيْرِية عَن أبي رَجَاء عَن ابْن عَبَّاس، وَتَعْلِيق حَمَّاد رَوَاهُ النَّسَائِيّ أَيْضا عَن مُحَمَّد بن معمر النجراني حَدثنَا عُثْمَان بن عمر عَن حَمَّاد بن نجيح عَن أبي رَجَاء عَن ابْن عَبَّاس.
0546 - حدّثنا أبُو مَعْمَرٍ حَدثنَا عبْدُ الوارِثِ حَدثنَا سَعيدُ بنُ أبي عَرُوبَةَ عنْ قَتادَةَ عنْ أنَسٍ رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: لَمْ يأكُلِ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عل خِوَانٍ حتَّى ماتَ، وَمَا أكَلَ خُبْزاً مُرَقَّقاً حتَّى ماتَ. (انْظُر الحَدِيث 6835 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من معنى الحَدِيث. وَقَالَ ابْن بطال: الحَدِيث لَا يدل إلاَّ على فضل القناعة والكفاف.
قلت: القناعة والكفاف من صِفَات الْفُقَرَاء الراضين بِمَا قسم الله، وَهَذَا: يدل على فضل الْفقر.
وَأَبُو معمر بِفَتْح الميمين هُوَ عبد الله بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن الْحجَّاج، وَعبد الْوَارِث بن سعيد الْبَصْرِيّ.
والْحَدِيث أخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الزّهْد عَن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن الدَّارمِيّ. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْوَلِيمَة عَن الْفضل بن سهل الْأَعْرَج. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الْأَطْعِمَة عَن عبد الله بن يُوسُف.
قَوْله: (خوان) بِكَسْر الْخَاء الْمُعْجَمَة وَضمّهَا وَهُوَ مَا يُؤْكَل عَلَيْهَا الطَّعَام عِنْد أهل التنعم وَيجمع على: خوت وأخونة.
1546 - حدّثنا عَبْدُ الله بنُ أبي شَيْبَةَ حدّثنا أبُو أسامَةَ حدّثنا هِشامٌ عنْ أبِيهِ عنْ عائِشةَ رَضِي الله عَنْهَا، قالَتْ: لَقَد تُوُفِّيَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَا فِي رَفِّي مِنْ شَيْءٍ يأكُلُهُ ذُو وكَبِدٍ إلاّ شَطْرُ شَعِيرٍ فِي رَفٍّ لي، فأكَلْتُ مِنْهُ حتَّى طالَ عَلَيَّ فَكِلْتُهُ فَفَنِيَ. (انْظُر الحَدِيث 7903) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، لِأَن هَذِه الْحَالة تدل على اخْتِيَار الْفقر وفضله.
وَعبد الله بن أبي شيبَة هُوَ أَبُو بكر، وَأَبُو شيبَة جده لِأَبِيهِ وَهُوَ ابْن مُحَمَّد بن أبي شيبَة واسْمه إِبْرَاهِيم، أَصله من وَاسِط وَسكن الْكُوفَة، وَأَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة، وَهِشَام هُوَ ابْن عُرْوَة يروي عَن أَبِيه عُرْوَة بن الزبير.
والْحَدِيث مضى فِي الْخمس: أخرجه مُسلم فِي آخر الْكتاب عَن أبي كريب.
قَوْله: (وَمَا فِي رفي) ويروى: وَمَا فِي بَيْتِي، والرف بِفَتْح الرَّاء وَتَشْديد الْفَاء خَشَبَة عريضة يغرز طرفاها فِي الْجِدَار وَهُوَ شبه الطاق فِي الْبيُوت. فَإِن قلت: هَذَا يُخَالف مَا فِي الْوَصَايَا من حَدِيث عمر بن الْحَارِث المصطلقي: مَا ترك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عِنْد مَوته دِينَارا وَلَا درهما وَلَا شَيْئا.
قلت: لَا مُخَالفَة أصلا لِأَن مُرَاده بالشَّيْء الْمَنْفِيّ مَا يتَخَلَّف عَنهُ مِمَّا كَانَ يخْتَص بِهِ، وَأما الَّذِي قالته عَائِشَة فَكَانَ بَقِيَّة نَفَقَتهَا الَّتِي تخْتَص بهَا. فَلم يتحد الموردان. قَوْله: (ذُو كبد) يَشْمَل جَمِيع الْحَيَوَانَات. قَوْله: (إلاَّ شطر شعير) أَي: بعض شعير. قَوْله: (فكلته) بِكَسْر الْكَاف. (ففني) أَي: فرغ قيل: قد مر فِي البيع فِي: بَاب الْكَيْل أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: كيلوا طَعَامكُمْ يُبَارك لكم، وَقَوْلها: فكلته ففني. مشْعر بِأَن الْكَيْل سَبَب عدم الْبركَة. وَأجِيب: بِأَن الْبركَة عِنْد البيع وَعدمهَا عِنْد النَّفَقَة، أَو المُرَاد: أَن مكيله بِشَرْط أَن يبْقى الْبَاقِي مَجْهُولا.(23/57)
71 - (بابٌ كَيْف كانَ عَيْشُ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأصْحابِهِ وتَخَلِّيهِمْ مِنَ الدُّنْيا)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان كيفة عَيْش النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَيْفِيَّة عَيْش أَصْحَابه رَضِي الله عَنْهُم، وَفِي بَيَان تخليهم أَي: تَركهم الملاذ والشهوات من الدُّنْيَا.
2546 - حدّثنا أبُو نُعَيْمٍ بنَحْوِ مِنْ نِصْفِ هاذَا الحَدِيثِ، حَدثنَا عُمَرُ بنُ ذَرّ حَدثنَا مُجاهِدٌ أنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كانَ يَقُولُ: الله الّذِي لَا إلاهَ إِلَّا هُوَ، إنْ كُنْتُ لأعْتَمِدُ بكَبِدي عَلى الأرْضِ مِنَ الجُوعِ، وإنْ كُنْتُ لأشُدُّ الحَجَرَ على بَطْنِي منَ الجُوعِ، ولَقَدْ قَعَدْتُ يَوْماً عَلَى طَرِيقِهِمِ الّذِي يخْرُجُونَ مِنْهُ فَمَرَّ أبُو بَكْر فَسألْتُهُ عنْ آيَةٍ مِنْ كِتابِ الله، مَا سألْتُهُ إلاّ ليُشبِعَنِي، فَمَرَّ ولَم يَفْعَلْ، ثمَّ مَرَّ بِي عُمرُ فَسألْتُهُ عنْ آيَةٍ مِنْ كِتابِ الله، مَا سألْتُهُ إلاّ لِيُشَبِعُنِي فَمَرَّ فَلَمْ يَفْعَلْ، ثُمَّ مَرَّ بِي أبُو القاسمِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَتَبَسَّمَ حِينَ رَآنِي وعَرَفَ مَا فِي نَفْسِي وَمَا فِي وجْهِي، ثُمَّ قَالَ: (يَا أَبَا هِرّ {) قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رسُولَ الله} قَالَ: (إلْحَقْ) ومَضَى فَتَبِعْتُهُ فَدَخَلَ فاسْتَأذِنُ فأذِنَ لِي، فَدَخَلَ فَوَجَدَ لَبَناً فِي قَدَحٍ فَقَالَ: (منْ أيْنَ هَذَا اللَّبْنُ) قالُوا: أهْدَاهُ لَكَ فُلاَنٌ أَو فُلاَنَةُ قَالَ: (أَبَا هِرٍّ) {قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رسولَ الله} قَالَ: (إلْحَقْ إِلَى أهْلِ الصُّفَّةِ فادْعُهُمْ لِي) قَالَ: وأهْلُ الصُّفَّةِ أضْيافُ الإسلامِ لَا يَأْوُونَ إِلَى أهْلِ وَلَا مالٍ وَلَا عَلى أحَدٍ إِذا أتَتْهُ صَدَقَةٌ بَعَثَ بِها إلَيْهِمْ ولَمْ يَتَناوَلْ مِنْها شَيْئاً، وَإِذا أتَتْهُ هَديْةٌ أرْسَلَ إلَيْهِمْ وأصابَ مِنْها وأشْرَكَهُمْ فِيها، فَساءَنِي ذالِكَ، فَقُلْتُ: وَمَا هاذا اللَّبَنُ فِي أهْلِ الصُّفَّةِ؟ كُنْتُ أحَقَّ أَنا أنْ أُصيبَ مِنْ هاذا اللَّبَنِ شَرْبَةً أتَقَوَّى بِها، فَإِذا جاؤوا أمَرَنِي فَكُنْتُ أَنا أُعْطِيهِمْ وَمَا عَساى أنْ يَبْلُغِني منْ هذَا اللّبَنِ ولَمْ يَكُنْ مِنْ طاعَةِ الله وطاعَةِ رسولِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بُدٌّ، فأتَيْتُهُمْ فَدَعَوْتُهُمْ فأقْبلُوا فاسْتَأْذَنُوا فأذِنَ لَهُمْ وأخَذُوا مَجالِسِهُمْ مِنَ البَيْتِ قَالَ: (يَا أَبَا هِر) قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُول الله {قَالَ: (خُذُ فأعْطِهِم) قَالَ: فأخَذْتُ القَدَحَ فَجَعَلْتُ أعْطِيهِ الرَّجُلَ فَيَشْرَبُ حتَّى يَرْواى، ثُمَّ يَرُدُّ عَلَيَّ القَدَحَ فأُعْطِيهِ الرَّجُلَ فَيَشْرَبُ حتَّى يَرْواى، ثُمَّ يَرُدُّ عَلَيَّ القَدَحَ فَيَشْرَبُ حتَّى يَرْواى، ثُمَّ يَرُدُّ عَلَيَّ القَدَحَ حتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد رَوِيَ القَوْمُ كُلُّهُمْ، فأخَذَ القَدَحَ فَوَضَعَهُ على يدِهِ فَنَظَرَ إليَّ فَتَبَسَّمَ. فَقَالَ: (يَا أَبَا هِرٍّ) قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رسولَ الله} قَالَ: (بَقِيتُ أَنا وأنْتَ) . قُلْتُ صَدَقْتَ يَا رسولَ الله! قَالَ: (اقْعُدْ فاشْرِبْ) فَقَعَدْتُ فَشَرِبْتُ فَقَالَ: (اشْرَبْ) فَشَرِبْتُ فَما زالَ يَقُولُ: (اشْرَبْ) حتَّى قُلْتُ: لَا والَّذِي بَعَثَكَ بالحَقِّ مَا أجِد لهُ مَسْلكاً. قَالَ: (فأرِنِي) فأعْطَيْتُهُ القَدَحَ فَحَمِدَ الله وسَمَّى وشَرِبَ الفَضْلَةَ. (انْظُر الحَدِيث 5735 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَن فِيهِ الْإِخْبَار عَن عَيْش النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعيش أَصْحَابه رَضِي الله عَنْهُم.
وَأَبُو نعيم بِضَم النُّون الْفضل بن دُكَيْن، وَعمر بِضَم الْعين ابْن ذَر بِفَتْح الذَّال الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الرَّاء الْهَمدَانِي.
وَبَعض الحَدِيث مضى فِي الاسْتِئْذَان مُخْتَصرا أخرجه عَن أبي نعيم عَن عمر بن ذرو عَن مُحَمَّد بن مقَاتل عَن عبد الله عَن عمر بن ذَر، ثمَّ أَعَادَهُ، هُنَا عَن أبي نعيم وَحده مطولا. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الزّهْد عَن هناد بن سري عَن يُونُس بن بكير عَن عمر بن ذَر بِهِ. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الرقَاق عَن أَحْمد بن يحيى عَن أبي نعيم.
دقوله: (بِنَحْوِ من نصف هَذَا الحَدِيث) ، أَشَارَ بِهِ إِلَى حَدِيث الْبَاب،(23/58)
قَالَ الْكرْمَانِي: هَذَا مُشكل لِأَن نصف الحَدِيث يبْقى بِدُونِ الْإِسْنَاد، ثمَّ إِن النّصْف مُبْهَم أهوَ النّصْف الأول أم الآخر؟ ثمَّ أجَاب بِأَنَّهُ اعْتمد على مَا ذكر فِي كتاب الْأَطْعِمَة من طَرِيق يُوسُف بن عِيسَى الْمروزِي، وَهُوَ قريب من نصف هَذَا الحَدِيث، فَلَعَلَّ البُخَارِيّ أَرَادَ بِالنِّصْفِ الْمَذْكُور لأبي نعيم مَا لم يذكرهُ ثمَّة، فَيصير الْكل مُسْندًا بعضه بطرِيق يُوسُف وَالْبَعْض الآخر بطرِيق أبي نعيم. وَقَالَ صَاحب (التَّلْوِيح) : ذكر البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث فِي الاسْتِئْذَان مُخْتَصرا، فَقَالَ: حَدثنَا أَبُو نعيم حَدثنَا عمر بن ذَر وَعَن مُحَمَّد بن مقَاتل عَن ابْن الْمُبَارك عَن عمر بن ذَر حَدثنَا مُجَاهِد، وَكَانَ هَذَا هُوَ النّصْف الْمشَار إِلَيْهِ هَهُنَا. انْتهى. وَاعْترض عَلَيْهِ الْكرْمَانِي بقوله: لَيْسَ مَا ذكره ثمَّة نصفه وَلَا ثلثه وَلَا ربعه، وَقَالَ بَعضهم: فِيهِ نظر من وَجْهَيْن آخَرين. أَحدهمَا: احْتِمَال أَن يكون هَذَا السِّيَاق لِابْنِ الْمُبَارك، فَإِنَّهُ لَا يتَعَيَّن كَونه لفظ أبي نعيم. وَثَانِيهمَا: أَنه منتزع من أثْنَاء الحَدِيث، فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ الْقِصَّة الأولى الْمُتَعَلّقَة بِأبي هُرَيْرَة، وَلَا مَا فِي آخِره من حُصُول الْبركَة فِي اللَّبن إِلَى آخِره.
قلت: فِي هَذَا النّظر نظر لِأَنَّهُ إِذا لم يتَعَيَّن كَون السِّيَاق لأبي نعيم كَذَلِك لَا يتَعَيَّن كَونه لِابْنِ الْمُبَارك، وَكَونه منتزعاً من أثْنَاء الحَدِيث لَا يضر على مَا لَا يخفى.
قَوْله: (الله) بِالنّصب قسم حذف حرف الْجَرّ مِنْهُ، ويروى: وَالله، على الأَصْل. قَوْله: (إِن كنت) كلمة: إِن، هَذِه مُخَفّفَة من الثَّقِيلَة. قَوْله: (لأعتمد بكبدي على الأَرْض) أَي: إلصق بَطْني بِالْأَرْضِ. قَوْله: (وَإِن كنت) وَإِن هَذِه أَيْضا مُخَفّفَة من الثَّقِيلَة. قَوْله: (لأشد الْحجر على بَطْني) اللَّام فِيهِ للتَّأْكِيد وَفِي رِوَايَة عَن أبي هُرَيْرَة: لتأتي على أَحَدنَا الْأَيَّام مَا يجد طَعَاما يُقيم بِهِ صلبه حَتَّى إِن كَانَ أَحَدنَا ليَأْخُذ الْحجر فيشد بِهِ على أَخْمص بَطْنه ثمَّ يشده بِثَوْبِهِ ليقيم بِهِ صلبه، وَفَائِدَة شدّ الْحجر على الْبَطن المساعدة على الِاعْتِدَال والانتصاب على الْقيام أَو الْمَنْع من كَثْرَة التَّحَلُّل من الْغذَاء الَّذِي فِي الْبَطن لكَونهَا حِجَارَة رقاقاً تعدل الْبَطن، وَرُبمَا سدت طرف الأمعاء فَيكون الضعْف أقل، أَو تقليل حرارة الْجُوع ببرودة الْحجر، أَو الْإِشَارَة إِلَى كسر النَّفس وإلقامها الْحجر، وَلَا يمْلَأ جَوف ابْن آدم إِلَّا التُّرَاب. وَقَالَ الْخطابِيّ: اشكل الْأَمر فِي شدّ الْحجر على قوم حَتَّى توهموا أَنه تَصْحِيف من الحجز بالزاي جمع الحجزة الَّتِي يشد بهَا الْإِنْسَان وَسطه، لَكِن من أَقَامَ بالحجاز عرف عَادَة أَهله فِي أَن المجاعة تصيبهم كثيرا فَإِذا خوى الْبَطن لم يكن مَعَه الانتصاب فيعمد حينئذٍ إِلَى صَفَائِح رقاق فِي طول الْكَفّ فيربطها على الْبَطن فتعتدل الْقَامَة بعض الِاعْتِدَال.
قلت: وَمِمَّنْ أنكر ربط الْحجر ابْن حبَان فِي (صَحِيحه) : قَوْله: (على طريقهم) أَي: طَرِيق النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه مِمَّن كَانَ طَرِيق مَنَازِلهمْ إِلَى الْمَسْجِد متحدة. قَوْله: (ليشبعني) من الإشباع من الْجُوع، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: ليستتبعني، من الاستتباع وَهُوَ طلب أَن يتبعهُ. قَوْله: (فَمر) أَي: إِلَى حَاله وَلم يفعل أَي: الإشباع أَو الاستتباع. قَوْله: (ثمَّ مر بِي عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ) كَأَنَّهُ اسْتَقر هُنَا حَتَّى مر بِهِ عمر فَوَقع أمره مَعَه مثل مَا وَقع مَعَ أبي بكر، وَالظَّاهِر أَنَّهُمَا حملا سُؤال أبي هُرَيْرَة على ظَاهره، وَهُوَ سُؤَاله عَن آيَة من الْقُرْآن، أَو لم يكن عِنْدهمَا شَيْء إِذْ ذَاك، ويروى أَن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، تأسف على عدم إِدْخَاله أَبَا هُرَيْرَة فِي دَاره. قَوْله: (وَمَا فِي وَجْهي) أَي: من التَّغَيُّر فِيهِ من الْجُوع. قَوْله: (أباهر) وَوَقع فِي رِوَايَة عَليّ بن مسْهر فَقَالَ أَبُو هر، وَوَجهه على لُغَة من لَا يعرب الكنية وَهُوَ بتَشْديد الرَّاء وَهُوَ إِمَّا رد الِاسْم الْمُؤَنَّث إِلَى الْمُذكر أَو المصغر إِلَى المكبر فَإِن كنيته فِي الأَصْل: أَبُو هُرَيْرَة تَصْغِير هرة مؤنثاً. وَأَبُو هر مُذَكّر مكبر، وَقيل: يجوز فِيهِ تَخْفيف الرَّاء مُطلقًا، وَوَقع فِي رِوَايَة يُونُس بن بكير فَقَالَ: أَبُو هُرَيْرَة، أَي: أَنْت أَبُو هُرَيْرَة. قَوْله: (إلحق) من اللحوق أَي: اتبعني قَوْله: (فَدخل) زَاد ابْن مسْهر: إِلَى أَهله، قَوْله: (فَاسْتَأْذن) على صِيغَة الْمُتَكَلّم من الْمُضَارع وَفِي رِوَايَة عَليّ بن مسْهر وَيُونُس: فأستادنت. قَوْله: (فَدخل) فِيهِ الْتِفَات، وَفِي رِوَايَة عَليّ بن مسْهر فَدخلت، وَهِي ظَاهِرَة. قَوْله: (فَوجدَ لَبَنًا فِي قدح) وَفِي رِوَايَة عَليّ بن مسْهر: فَإِذا هُوَ لبن فِي قدح، وَفِي رِوَايَة يُونُس: فَوجدَ قدحاً من اللَّبن. قَوْله: (من أَيْن هَذَا اللَّبن) زَاد روح: لكم، وَفِي رِوَايَة ابْن مسْهر: فَقَالَ لأَهله: من أَيْن لكم هَذَا؟ قَوْله: (أَو فُلَانَة) شكّ من الرَّاوِي. قَوْله: (إلحق إِلَى أهل الصّفة) عدى: إلحق، بِكَلِمَة: إِلَى لِأَنَّهُ ضمنه معنى: انْطلق. وَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة روح: انْطلق. قَوْله: (قَالَ: وَأهل الصّفة) سقط لفظ قَالَ فِي رِوَايَة روح، وَلَا بُد مِنْهُ لِأَنَّهُ من كَلَام أبي هُرَيْرَة. قَوْله: (وَلَا على أحد) تَعْمِيم بعد تَخْصِيص فَيشْمَل الْأَقَارِب والأصدقاء وَغَيرهم. قَوْله: (فساءني ذَلِك) وَفِي رِوَايَة عَليّ بن مسْهر: وَالله، وَمَعْنَاهُ أهمني ذَلِك. قَوْله: (وَمَا هَذَا اللَّبن فِي أهل الصّفة) ؟ أَي: مَا قدره فِي أهل الصّفة؟ الْوَاو فِيهِ عطف على مَحْذُوف تَقْدِيره: هَذَا قَلِيل أَو نَحْو ذَلِك، وَمَا هَذَا؟ وَفِي رِوَايَة يُونُس بِحَذْف الْوَاو، وَفِي رِوَايَة(23/59)
عَليّ بن مسْهر: وَأَيْنَ يَقع هَذَا اللَّبن من أهل الصّفة؟ قَوْله: (فَإِذا جَاءَ) كَذَا فِيهِ بِالْإِفْرَادِ فِي بعض النّسخ، أَي: إِذا جَاءَ من أَمرنِي بِطَلَبِهِ وَفِي رِوَايَة الْأَكْثَرين: فَإِذا جاؤوا، بِصِيغَة الْجمع كَمَا فِي نسختنا. قَوْله: (أَمرنِي) أَي: رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (وَمَا عَسى أَن يبلغنِي من هَذَا اللَّبن) أَي: قَائِلا فِي نَفسِي: وَمَا عَسى ... قَالَ الْكرْمَانِي: وَالظَّاهِر أَن عَسى مقحم. قَوْله: (وَأخذُوا مجَالِسهمْ من الْبَيْت) يَعْنِي: قعد كل وَاحِد مِنْهُم فِي الْمجْلس الَّذِي يَلِيق بِهِ وَلم يذكر عَددهمْ وَقد تقدم فِي أَبْوَاب الْمَسَاجِد فِي كتاب الصَّلَاة من طَرِيق أبي حَازِم عَن أبي هُرَيْرَة: رَأَيْت سبعين من أَصْحَاب الصّفة ... الحَدِيث، وَذكر فِي (الْحِلْية) : أَن عدتهمْ تقرب من الْمِائَة، وَقَالَ أَبُو نعيم: كَانَ عدد أهل الصّفة يخْتَلف بِحَسب اخْتِلَاف الْحَال فَرُبمَا اجْتَمعُوا فكثروا، وَرُبمَا تفَرقُوا إِمَّا لغزو أَو سفر أَو اسْتغْنَاء، فَقَلُّوا، وَقيل هُنَا: كَانُوا أَكثر من سبعين. قَوْله: (خُذ) أَي: الْقدح الَّذِي فِيهِ اللَّبن فأعطهم، وَصرح هَكَذَا فِي رِوَايَة يُونُس. قَوْله: (حَتَّى يرْوى) بِفَتْح الْوَاو نَحْو رَضِي يرضى. قَوْله: (ثمَّ يرد على الْقدح فَأعْطِيه الرجل) قَالَ الْكرْمَانِي: الرجل الثَّانِي معرفَة معادة، فَيكون عين الأول على الْقَاعِدَة النحوية لَكِن المُرَاد غَيره: ثمَّ أجَاب بِأَن ذَلِك حَيْثُ لَا قرينَة، وَلَفظ: (حَتَّى انْتَهَيْت) قرينَة الْمُغَايرَة، كَمَا فِي قَوْله عز وَجل: {قل اللَّهُمَّ مَالك الْملك تؤتي الْملك من تشَاء} (/ آل عمرَان: 62) . قَوْله: (فَتَبَسَّمَ) كَانَ ذَلِك لأجل توهم أبي هُرَيْرَة أَن لَا يفضل لَهُ من اللَّبن شَيْء. قَوْله: (فَقَالَ: أَبَا هر) أَي: يَا أَبَا هر، وَفِي رِوَايَة عَليّ بن مسْهر: فَقَالَ: أَبُو هُرَيْرَة، أَي: فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَبُو هُرَيْرَة، وَقد ذكرنَا وَجهه عَن قريب. قَوْله: (قَالَ: بقيت أَنا وَأَنت) هَذَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى من حضر من أهل الصّفة. فَأَما من كَانَ فِي الْبَيْت من أهل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلم يتَعَرَّض لذكرهم، وَيحْتَمل أَن لَا يكون إِذْ ذَاك فِي الْبَيْت أحد أَو كَانُوا أخذُوا كفايتهم، وَكَانَ الَّذِي فِي الْقدح نصيب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (فأرني) وَفِي رِوَايَة روح (ناولني الْقدح) . قَوْله: (فَحَمدَ الله وسمى) أما الْحَمد فلحصول الْبركَة فِيهِ، وَأما التَّسْمِيَة فلإقامة السّنة عِنْد الشّرْب. (وَشرب الفضلة) أَي: الْبَقِيَّة.
وَفِيه فَوَائِد: كَثِيرَة يستخرجها من لَهُ يَد فِي تَحْرِير النّظر، وتقريب المُرَاد.
3546 - حدّثنا مُسَدَّدٌ حدّثنا يَحْيَى اعنْ إسْماعِيلَ حَدثنَا قَيْسٌ قَالَ: سَمِعْتُ سَعْداً يَقُولُ: إنِّي لأوَّلُ العَرَبِ رَماى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ الله، ورَأيْتُنَا نَغْزو وَمَا لَنا طَعامٌ إِلَّا وَرَقُ الحُبْلَةِ وهَذا السَّمُرُ، وإنَّ أحدَنا لَيَضَعُ كَمَا تَضَعُ الشَّاةُ مَا لَهُ خِلْطٌ، ثُمَّ أصْبحَتْ بَنُو أسَدٍ تُعَزِّزُنِي على الإسْلامِ، خِبْتُ إذَا وضَلَّ سَعْيي. (انْظُر الحَدِيث 8273 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَن فِيهِ بَيَان عَيْش سعد وَغَيره على الْوَجْه الْمَذْكُور.
وَيحيى هُوَ ابْن سعيد الْقطَّان، وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن أبي خَالِد، وَقيس هُوَ ابْن أبي حَازِم، وَسعد هُوَ ابْن أبي وَقاص رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
والْحَدِيث مضى فِي فضل سعد عَن عَمْرو بن عَوْف وَفِي الْأَطْعِمَة عَن عبد الله بن مُحَمَّد. وَأخرجه مُسلم فِي آخر الْكتاب عَن يحيى بن حبيب، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (لأوّل الْعَرَب) اللَّام فِيهِ للتَّأْكِيد، وَفِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ: إِنِّي لأوّل رجل أهرق دَمًا فِي سَبِيل الله. قَوْله: (ورأيتنا) بِضَم التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق أَي: وَرَأَيْت أَنْفُسنَا. قَوْله: (نغزو) من الْغَزْو فِي سَبِيل الله. قَوْله: (الحبلة) بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة، وَقيل بِفَتْحِهَا أَيْضا، وَهِي: ثَمَر السّلم أَو ثَمَر عَامَّة العضاه وَهِي بِكَسْر الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الضَّاد الْمُعْجَمَة شَجرا لَهُ شوك كالطلح والعوسج. قَوْله: (السمر) بِضَم الْمِيم شجر، وَفِي مُسلم: مَا تَأْكُل الأوراق الحبلة هَذَا السمر. قَوْله: (ليضع) كِنَايَة عَن التغوط أَي: ليضع الَّذِي يخرج مِنْهُ عِنْد التغوط. قَوْله: (مَاله خلط) بِكَسْر الْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون اللَّام يَعْنِي لَا يخْتَلط بعضه بِبَعْض لجفافه وَشدَّة يبسه الناشىء عَن تقشف الْعَيْش. قَوْله: (بَنو أَسد) قَبيلَة وَهِي أَسد بن خُزَيْمَة. قَوْله: (تعزرني) أَي: تقومني بالتعليم على أَحْكَام الدّين وَهُوَ من التَّعْزِير وَهُوَ التَّوْقِيف على الْأَحْكَام والفرائض، وَمِنْه تَعْزِير السُّلْطَان وَهُوَ التَّقْوِيم بالتأديب. قَوْله: (على الْإِسْلَام) ويروى: على الدّين قَوْله: (خبت) من الخيبة وَهِي الحرمان والخسران. قَوْله: (وضل سعيي) ويروى: وضل عَمَلي ... قيل: كَيفَ جَازَ لسعد أَن يمدح نَفسه وَمن شَأْن الْمُؤمن ترك ذَلِك لوُرُود النَّهْي عَنهُ؟ وَأجِيب: بِأَن الْجُهَّال لما عيروه بِأَنَّهُ لَا يحسن الصَّلَاة فاضطر إِلَى ذكر فَضله والمدحة إِذا خلت عَن الْبَغي والاستطالة، وَكَانَ مَقْصُود قَائِلهَا إِظْهَار الْحق وشكر نعْمَة الله، لم يكره ذَلِك.(23/60)
4546 - حدّثني عُثْمانُ حَدثنَا جَرِيرٌ عنْ مَنْصُورٍ عنْ إبْرَاهِيمَ عنِ الأسْوَدِ عَن عائِشَةَ، قالَتْ: مَا شَبِعَ آلُ مُحَمَّدٍ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُنْذُ قَدِمَ المَدِينَةَ مِنْ طَعامِ بُرٍّ ثَلاَثَ لَيالٍ تباعا حتَّى قُبِضَ. (انْظُر الحَدِيث 6145) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَن فِيهِ بَيَان عَيْش آل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْوَجْه الْمَذْكُور.
وَعُثْمَان هُوَ ابْن أبي شيبَة، وَجَرِير هُوَ ابْن عبد الحميد، وَمَنْصُور هُوَ ابْن الْمُعْتَمِر، وَإِبْرَاهِيم هُوَ النَّخعِيّ، وَالْأسود هُوَ ابْن يزِيد وكل هَؤُلَاءِ كوفيون.
والْحَدِيث مضى فِي الْأَطْعِمَة عَن قُتَيْبَة.
قَوْله: (آل مُحَمَّد) أَي: النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (تباعا) بِكَسْر التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة أَي: متتابعة ومتوالية. قَوْله: (حَتَّى قبض) إِشَارَة إِلَى استمراره على تِلْكَ الْحَالة مُدَّة إِقَامَته، وَهِي عشر سِنِين بِمَا فِيهَا من أَيَّام أَسْفَاره فِي الْغَزْو وَالْحج وَالْعمْرَة.
أخرجه ابْن سعد من وَجه آخر عَن إِبْرَاهِيم: وَمَا رفع عَن مائدته كسرة خبز فضلا حَتَّى قبض، وروى عبد الرَّحْمَن بن عَابس عَن أَبِيه عَن عَائِشَة: مَا شبع آل مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من خبز بر مأدوم، أخرجه مُسلم، وروى مُسلم أَيْضا من رِوَايَة يزِيد بن قسيط عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهُمَا: مَا شبع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، من خبز وزيت فِي يَوْم وَاحِد مرَّتَيْنِ، وَله من طَرِيق مَسْرُوق عَنْهَا: وَالله مَا شبع من خبز وَلحم فِي يَوْم مرَّتَيْنِ، وروى ابْن سعد من طَرِيق الشّعبِيّ عَن عَائِشَة: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَانَت تَأتي عَلَيْهِ أَرْبَعَة أشهر مَا يشْبع من خبز الْبر.
5546 - حدّثنا إسْحَاقُ بنُ إبْرَاهِيمَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمانِ حدّثنا إسْحاقُ هُوَ الأزْرَقُ عنْ مِسْعَرِ ابنِ كِدَامٍ عنْ هِلاَلٍ عنْ عُرْوَةَ عنْ عائِشَةَ رضيَ الله عَنْهَا، قالَتْ: مَا أكلَ آلُ مُحَمَّدٍ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أكْلَتَيْنِ فِي يَوحمٍ إلاّ إحْدَاهُما تَمْرٌ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن أَبُو يَعْقُوب الْبَغَوِيّ يقاله لَهُ لُؤْلُؤ سكن بَغْدَاد، وَإِسْحَاق الْأَزْرَق بِتَقْدِيم الزَّاي على الرَّاء هُوَ إِسْحَاق بن يُوسُف بن يَعْقُوب الوَاسِطِيّ، ومسعر بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الْمُهْملَة الأولى وَفتح الثَّانِيَة وبالراء ابْن كدام بِكَسْر الْكَاف وَتَخْفِيف الدَّال الْمُهْملَة العامري. مر فِي الْوضُوء، وهلال بن حميد وَيُقَال: ابْن أبي حميد الْوزان الْكُوفِي يروي عَن عُرْوَة بن الزبير عَن عَائِشَة.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي آخر الْكتاب عَن أبي كريب.
قَوْله: (أكلتين) بِفَتْح الْهمزَة وَضمّهَا.
6546 - حدّثني أحْمَدُ بنُ رجاءٍ حدّثنا النَّضْرُ عنْ هِشام قَالَ: أَخْبرنِي أبي عنْ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا، قالَتْ: كانَ فِرَاشُ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْ أدَمِ وحَشْوُهُ مِنْ لِيفٍ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأحمد بن رَجَاء بِالْجِيم وَالْمدّ الْهَرَوِيّ، وَالنضْر بِفَتْح النُّون وَسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة ابْن شُمَيْل بالشين الْمُعْجَمَة مصغر يروي، عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عُرْوَة بن الزبير عَن عَائِشَة. والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (من أَدَم) بِفَتْح الْهمزَة وَالدَّال الْمُهْملَة. وَأخرج ابْن مَاجَه من رِوَايَة ابْن نمير عَن هِشَام بِلَفْظ: كَانَ ضجاع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أدماً وحشوه لِيف، والضجاع بِكَسْر الضَّاد الْمُعْجَمَة وبالجيم هُوَ مَا يرقد عَلَيْهِ.
7546 - حدّثنا هُدْبَةُ بنُ خالِدٍ حَدثنَا هَمَّامُ بنُ يَحْيَى احدثنا قَتادَةُ قَالَ: كُنّا نأتِي أنَسَ بنَ مالِكٍ وخَبَّازُهُ قائِمٌ، وَقَالَ: كُلُوا فَما أعْلَمُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رأى رغِيفاً مُرَقَّقاً حَتَّى لَحِقَ بِاللَّه، وَلَا رأى شَاة سَمِيطاً بِعَيْنِهِ قَطُّ. (انْظُر الحَدِيث 5835 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وهدبة بِفَتْح الْهَاء وَسُكُون الدَّال الْمُهْملَة.
والْحَدِيث مضى فِي الْأَطْعِمَة عَن مُحَمَّد بن سِنَان.
قَوْله: (مرققاً) قَالَ ابْن الْأَثِير: هُوَ الأرغفة الواسعة الرقيقة، يُقَال: رَقِيق ورقاق كطويل وطوال. قَوْله: (سميطاً) أَي: مشوياً، فعيل بِمَعْنى(23/61)
مفعول، وأصل السمط أَن ينْزع صوف الشَّاة المذبوحة بِالْمَاءِ الْحَار وَإِنَّمَا يفعل بهَا ذَلِك فِي الْغَالِب لتشوى، وَإِنَّا لم يقل سميطة لأَنا قُلْنَا هُوَ فعيل بِمَعْنى مفعول فيستوي فِيهِ التَّذْكِير والتأنيث، وغرضه أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا كَانَ منعماً فِي المأكولات.
8546 - حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى حَدثنَا يَحْيَى احدثنا هِشامٌ أَخْبرنِي أبي عنْ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا، قالَتْ: كَانَ يأتِي عَلْينا الشّهْرُ مَا نُوقِدُ فِيهِ نَارا، إنّما هُوَ التَّمْرُ والماءُ إلاّ أنْ نُؤْتى باللُّحَيْمِ. طابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، لِأَن فِيهِ إِخْبَارًا عَن كَيْفيَّة عيشهم.
وَيحيى هُوَ الْقطَّان، وَهِشَام هُوَ ابْن عُرْوَة. والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (إِنَّمَا هُوَ) أَي: طعامنا. قَوْله: (إلاّ أَن نؤتى) على صِيغَة الْمَجْهُول بنُون الْجَمَاعَة. قَوْله: (باللحيم) تَصْغِير اللَّحْم أشارت بِهِ إِلَى قلقه، ويروى مكبراً.
9546 - حدّثنا عبْدُ العَزِيزِ بنُ عَبْدِ الله الأُوَيْسِيُّ. حدّثني ابنُ أبي حازِمٍ عنْ أبِيهِ عنْ يَزِيدَ بنِ رُومانَ عنْ عُرْوَةَ عنْ عائِشَةَ أنّها قالَتْ لِعُرْوَةَ: ابنَ أُخْتِي! إنْ كُنّا لَنَنْظُرُ إِلَى الهِلاَلِ ثَلاَثَةَ أهِلَّةٍ فِي شَهْرَيْن وَمَا أُوقِدتْ فِي أبْياتِ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نارٌ. فَقُلْتُ: مَا كانَ يُعَيِّشُكُمْ؟ قالتِ: الأسْوَدانِ: التَّمْرُ والماءُ، إلاّ أنّهُ قَدْ كانَ لِرَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جِيرَانٌ مِنَ الأنْصارِ كانَ لَهُمْ مَنائِحُ وكانُوا يَمنَحُونَ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْ أبْياتِهِمْ فَيَسْقيناهُ. (انْظُر الحَدِيث 7652 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة مثل مُطَابقَة الحَدِيث السَّابِق. وَابْن أبي حَازِم هُوَ عبد الْعَزِيز وَأَبوهُ سَلمَة بن دِينَار، وَيزِيد من الزِّيَادَة ابْن رُومَان بِضَم الرَّاء أَبُو روح الْأَسدي الْمدنِي مولى آل الزبير بن الْعَوام.
والْحَدِيث مضى فِي أول الْهِبَة عَن عبد الْعَزِيز الْمَذْكُور بِعَين هَذَا الْإِسْنَاد والمتن، وَفِيه: فَقلت: يَا خَالَة مَا كَانَ يعيشكم؟ .
قَوْله: (من أبياتهم) وَهُنَاكَ: من ألبانهم. قَوْله: (ابْن أُخْتِي) أَي: يَا ابْن أُخْتِي وحرف النداء مَحْذُوف وَكَانَت أم عُرْوَة أَسمَاء بنت أبي بكر الصّديق أُخْت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهُم. قَوْله: (إِن كُنَّا لنَنْظُر) كلمة: إِن، مُخَفّفَة من الثَّقِيلَة. قَوْله: (إِلَى الْهلَال) أَي: الثَّالِث وَهُوَ هِلَال الشَّهْر الثَّالِث لِأَنَّهُ يرى عِنْد انْقِضَاء الشَّهْرَيْنِ وبرؤيته يدْخل الشَّهْر الثَّالِث. قَوْله: (يعيشكم) بِضَم الْيَاء وَفتح الْعين وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف الْمَكْسُورَة وبالشين الْمُعْجَمَة أَي المضمومة، ويروى: يعيشكم بِضَم الْيَاء وكسرالعين وَسُكُون الْيَاء من أعاشه الله أَي: أعطَاهُ الْعَيْش. قَوْله: (إِلَّا أَنه) كلمة إلاّ بِمَعْنى: لَكِن وَأَنه أَي: وَأَن الشَّأْن. قَوْله: (منائح) جمع منيحة، وَفِي (الْمغرب) : المنيحة والمنحة النَّاقة الممنوحة، ومنيحة اللَّبن أَن يعْطى الرجل نَاقَة أَو شَاة ينْتَفع بلبنها وَيُعِيدهَا. قَوْله: (يمنحون رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) أَي: يعطونه من المنائح. قَوْله: (فيسقيناه) أَي: يسقينا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ويروى: فيسقيني، بِالْإِفْرَادِ.
0646 - حدّثنا عَبْدَ الله بنُ مُحَمّد حَدثنَا مُحَمَّدُ بنُ فُضَيْلِ عنْ أبِيهِ عنْ عُمارَةَ عنْ أبي زُرْعَةَ عنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (اللَّهُمَّ ارْزُقْ آلَ مُحَمَّدٍ قُوتاً) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ طلب الكفاف وفضله، وَأخذ الْبلْغَة من الدُّنْيَا والزهد فِيمَا فَوق ذَلِك، وَهَكَذَا كَانَ عيشه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَعبد الله بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بالمسندي، وَمُحَمّد بن فُضَيْل مصغر فضل بِالْمُعْجَمَةِ ابْن غَزوَان الضَّبِّيّ الْكُوفِي، وَمُحَمّد هَذَا يروي عَن أَبِيه فُضَيْل الْمَذْكُور عَن عمَارَة بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْمِيم وبالراء ابْن الْقَعْقَاع، وَأَبُو زرْعَة هرم بِفَتْح الْهَاء ابْن عَمْرو بن جرير.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الزَّكَاة عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَغَيره. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الزّهْد عَن أبي عمار. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الرَّقَائِق عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم.
قَوْله: (قوتاً) أَي: مسكة من الرزق.
81 - (بابُ القَصْدِ والمُدَاومَةِ عَلَى العمَلِ)(23/62)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان اسْتِحْبَاب الْقَصْد وَهُوَ السلوك فِي الطَّرِيق المعتدلة، وَيُقَال: الْقَصْد استقامة الطَّرِيق بَين الإفراط والتفريط. قَوْله: والمداومة، أَي: وَفِي بَيَان المداومة على الْعَمَل الصَّالح.
1646 - حدّثنا عَبْدَانُ أخبرنَا أبي عنْ شُعْبَةَ عنْ أشْعَثَ، قَالَ: سَمِعْتُ أبي قَالَ: سَمِعْتُ مَسْرُوقاً قَالَ: سألْتُ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا: أيُّ العمَلِ كانَ أحَبَّ إِلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قالَتِ: الدَّائمُ. قَالَ: قُلْتُ: فأيَّ حِينٍ كانَ يَقُومُ؟ قالَتْ: كانَ يَقُومُ إذَا سَمِعَ الصَّارِخَ. (انْظُر الحَدِيث 2311 وطرفه) .
مطابقته للجزء الثَّانِي للتَّرْجَمَة. وعبدان لقب عبد الله بن عُثْمَان بن جبلة الْمروزِي، وَأَشْعَث بالشين الْمُعْجَمَة وَالْعين الْمُهْملَة والثاء الْمُثَلَّثَة ابْن أبي الشعْثَاء واسْمه سليم بن الْأسود.
والْحَدِيث مضى بِهَذَا الْإِسْنَاد فِي كتاب التَّهَجُّد فِي: بَاب من نَام عِنْد السحر.
قَوْله: (فَأَي حِين) هَكَذَا رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: فِي أَي حِين. قَوْله: (يقوم) أَي: من النّوم والصارخ الديك. قَالَ: الْكرْمَانِي: أَو الْمُؤَذّن. قلت: فِيهِ نظر.
1646 - حدّثنا عَبْدَانُ أخبرنَا أبي عنْ شُعْبَةَ عنْ أشْعَثَ، قَالَ: سَمِعْتُ أبي قَالَ: سَمِعْتُ مَسْرُوقاً قَالَ: سألْتُ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا: أيُّ العمَلِ كانَ أحَبَّ إِلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قالَتِ: الدَّائمُ. قَالَ: قُلْتُ: فأيَّ حِينٍ كانَ يَقُومُ؟ قالَتْ: كانَ يَقُومُ إذَا سَمِعَ الصَّارِخَ. (انْظُر الحَدِيث 2311 وطرفه) .
مطابقته للجزء الثَّانِي للتَّرْجَمَة. وعبدان لقب عبد الله بن عُثْمَان بن جبلة الْمروزِي، وَأَشْعَث بالشين الْمُعْجَمَة وَالْعين الْمُهْملَة والثاء الْمُثَلَّثَة ابْن أبي الشعْثَاء واسْمه سليم بن الْأسود.
والْحَدِيث مضى بِهَذَا الْإِسْنَاد فِي كتاب التَّهَجُّد فِي: بَاب من نَام عِنْد السحر.
قَوْله: (فَأَي حِين) هَكَذَا رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: فِي أَي حِين. قَوْله: (يقوم) أَي: من النّوم والصارخ الديك. قَالَ: الْكرْمَانِي: أَو الْمُؤَذّن. قلت: فِيهِ نظر.
2646 - حدّثنا قُتَيْبَةُ عنْ مالِكٍ عنْ هَشامِ بنِ عُرْوَةَ عنْ أبِيهِ عنْ عائِشَةَ أنَّها قالَتْ: كانَ أحبُّ العَمَلِ إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الّذِي يَدُومُ عَليْهِ صاحِبُهُ. (انْظُر الحَدِيث 2311 وطرفه) .
مطابقته أَيْضا للجزء الثَّانِي للتَّرْجَمَة. والْحَدِيث من أَفْرَاده.
3646 - حدّثنا آدَمُ حَدثنَا ابنُ أبي ذِئْبٍ عنْ سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ عنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَنْ يُنَجِّيَ أحدا مِنْكُمْ عَمَلُهُ) قالُوا: ولاَ أنْتَ يَا رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قَالَ: (وَلَا أَنا، إلاّ أنْ يَتَغَمَّدَنِيَ الله بِرَحْمَةٍ، سَدِّدُوا وقارِبُوا واغْدُوا ورُوحُوا وشَيْءٌ مِن الدُّلْجَةِ والقَصْدَ القَصْدَ، تَبْلُغُوا) .
مطابقته للجزء الأول للتَّرْجَمَة وَهُوَ قَوْله: (الْقَصْد) وآدَم هُوَ ابْن أبي إِيَاس واسْمه عبد الرَّحْمَن وَابْن أبي ذِئْب بِلَفْظ الْحَيَوَان الْمَشْهُور هُوَ مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن.
والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (لن يُنجي) من التنجية أَو من الإنجاء، وَمَعْنَاهُ: لن يخلص، والنجاة من الشَّيْء التَّخَلُّص مِنْهُ. قَوْله: (أحدا) مَنْصُوب على المفعولية. وَعَمله بِالرَّفْع فَاعل، يُنجي. قَوْله: (وَلَا أَنا) قَالَ الْكرْمَانِي: إِذا كَانَ كل النَّاس لَا يدْخلُونَ الْجنَّة إلاَّ برحمة الله فَوجه تَخْصِيص رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالذكر هُوَ أَنه إِذا كَانَ مَقْطُوعًا لَهُ بِأَنَّهُ يدْخل الْجنَّة وَلَا يدخلهَا إلاَّ برحمة الله، فَغَيره يكون فِي ذَلِك بطرِيق الأولى. قَوْله: (إِلَّا أَن يتغمدني الله) أَي: إِلَّا أَن يسترني الله برحمته، يُقَال تغمده الله برحمته إِذا ستره بهَا، وَيُقَال: تغمدت فلَانا أَي: سترت مَا كَانَ مِنْهُ وغطيته، وَمِنْه غمد السَّيْف لِأَنَّك إِذا غمدته فقد سترته فِي غلافه، وَفِي رِوَايَة سُهَيْل: إلاَّ أَن يتداركني، وَالِاسْتِثْنَاء مُنْقَطع وَيحْتَمل أَن يكون مُتَّصِلا من قبيل قَوْله تَعَالَى: {لَا يذوقون فِيهَا الْمَوْت إِلَّا الموتة الأولى} (الدُّخان: 65) قيل: كَيفَ الْجمع بَينه وَبَين قَوْله: {وَتلك الْجنَّة الَّتِي أورثتموها بِمَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ} (الزخرف: 27) وَأجَاب ابْن بطال بِمَا ملخصه: إِن الْآيَة تحمل على أَن الْجنَّة تنَال الْمنَازل فِيهَا بِالْأَعْمَالِ، وَأَن دَرَجَات الْجنَّة مُتَفَاوِتَة بِحَسب تفَاوت الْأَعْمَال، وَيحمل الحَدِيث على دُخُول الْجنَّة وَالْخُلُود فِيهَا، ثمَّ أورد على هَذَا الْجَواب قَوْله تَعَالَى: {سَلام عَلَيْكُم ادخُلُوا الْجنَّة بِمَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ} (النَّحْل: 23) فَصرحَ بِأَن دُخُول الْجنَّة أَيْضا بِالْأَعْمَالِ. وَأجَاب بِأَنَّهُ لفظ مُجمل بَينه الحَدِيث، وَالتَّقْدِير: ادخُلُوا منَازِل الْجنَّة وقصورها بِمَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ. قَوْله: (برحمة) وَفِي رِوَايَة أبي عبيد: بِفضل وَرَحْمَة، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني من طَرِيقه: بِفضل رَحمته، وَفِي رِوَايَة الْأَعْمَش: بِفضل وَرَحْمَة، وَفِي رِوَايَة ابْن عون: بمغفرة وَرَحْمَة. قَوْله: (سددوا) وَفِي رِوَايَة بشر بن سعيد عَن أبي هُرَيْرَة عِنْد مُسلم: وَلَكِن سددوا، وَمَعْنَاهُ: اقصدوا السداد أَي الصَّوَاب، وَقَالَ الْكرْمَانِي: التسديد بِالْمُهْمَلَةِ من السداد وَهُوَ الْقَصْد من القَوْل وَالْعَمَل وَاخْتِيَار للصَّوَاب مِنْهُمَا. قَوْله: (وقاربوا) أَي: لَا تفرطوا فتجهدوا أَنفسكُم فِي الْعِبَادَة لِئَلَّا يُفْضِي بكم ذَلِك إِلَى الملال(23/63)
فتتركوا الْعَمَل فتفرطوا وَقَالَ الْكرْمَانِي: أَي: لَا تبلغوا الْغَايَة بل تقربُوا مِنْهَا. قَوْله: (واغدوا) من الغدو وَهُوَ السّير من أول النَّهَار، والرواح السّير من أول النّصْف الثَّانِي من النَّهَار. قَوْله: (وَشَيْء من الدلجة) أَي: اسْتَعِينُوا بِبَعْض شَيْء من الدلجة بضمالدال وَإِسْكَان اللَّام، وَيجوز فِي اللُّغَة فتحهَا وَيُقَال بِفَتْح اللَّام أَيْضا وَهُوَ بِالضَّمِّ السّير آخر اللَّيْل وبالفتح سير اللَّيْل، وَقد بسطنا الْكَلَام فِيهِ فِي: بَاب الدّين يسر فِي كتاب الْإِيمَان. قَوْله: (وَالْقَصْد الْقَصْد) بِالنّصب على الإغراء أَي: إلزموا الطَّرِيق الْوسط المعتدل تبلغوا الْمنزل الَّذِي هُوَ مقصدكم، شبه المتعبدين بالمسافرين. فَقَالَ: لَا تستوعبوا الْأَوْقَات كلهَا بالسير بل اغتنموا أَوْقَات نشاطكم وَهُوَ أول النَّهَار وَآخره، وَبَعض اللَّيْل وارحموا أَنفسكُم فِيمَا بَينهمَا لِئَلَّا يَنْقَطِع بكم، قَالَ الله تَعَالَى: {أقِم الصَّلَاة طرفِي النَّهَار وَزلفًا من اللَّيْل} (هود: 411) .
4646 - حدّثنا عَبْدُ العَزِيزُ بنُ عَبْدِ الله حدّثنا سُلَيْمانُ عنْ مُوسَى بنِ عُقْبَةَ عنْ أبي سَلَمَة بنِ عَبْدِ الرَّحْمانِ عنْ عائِشَةَ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (سَدِّدُوا وقارِبُوا واعْلَمُوا أنَّهُ لَنْ يُدْخِلَ أحَدَكُمْ عَمَلُهُ الجَنةَ، وأنَّ أحَبَّ الأعْمالِ أدْوَمُها إِلَى الله وإنْ قَلَّ) . (الحَدِيث 4646 طرفه فِي: 7646) .
مطابقته للجزء الثَّانِي للتَّرْجَمَة. وَعبد الْعَزِيز بن عبد الله بن يحيى بن عَمْرو بن أويس العامري الأويسي الْمدنِي، وَسليمَان هُوَ ابْن بِلَال أَبُو أَيُّوب الْقرشِي التَّيْمِيّ، ومُوسَى بن عقبَة بِسُكُون الْقَاف ابْن أبي عَيَّاش الْأَسدي الْمدنِي.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي التَّوْبَة عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَغَيره. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الرَّقَائِق عَن الْحسن بن إِسْمَاعِيل.
قَوْله: (سددوا وقاربوا) قد مضى شرحهما عَن قريب. قَوْله: (إِنَّه) أَي: أَن الشَّأْن ويروى: أَن لن يدْخل. قَوْله: (لن يدْخل) بِضَم الْيَاء من الإدخال، وأحدكم مَنْصُوب لِأَنَّهُ مفعول وَعَمله مَرْفُوع لِأَنَّهُ فَاعل لقَوْله: (لن يدْخل) وَالْجنَّة نصب على الظّرْف. قَوْله: (أدومها) بِصِيغَة أفعل التَّفْضِيل، قيل: أدومها كَيفَ يكون قَلِيلا وَمعنى الدَّوَام شُمُول الْأَزْمِنَة؟ مَعَ أَنه غير مَقْدُور أَيْضا. أُجِيب: بِأَن المُرَاد بالدوام الْمُوَاظبَة الْعُرْفِيَّة وَهِي الْإِتْيَان بهَا فِي كل شهر أَو كل يَوْم بِقدر مَا يُطلق عَلَيْهِ عرفا اسْم المداومة. قَوْله: (وَإِن قل) أَي: أحب الْأَعْمَال وَهُوَ مَعْطُوف على مُقَدّر تَقْدِيره: أَن لم يقل وَإِن قل.
6646 - حدّثني عثْمانُ بنُ أبي شَيْبَةَ حدّثنا جَريرٌ عنْ مَنْصُور عنْ إبْرَاهِيمَ عنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: سألْتُ أمَّ المُؤْمِنِينَ عائِشَةَ قُلْتُ: يَا أُمَّ المُؤْمِنِينَ! كَيْفَ كانَ عَمَلُ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ هَلْ كَانَ يَخُصُّ شَيْئاً مِنَ الأيَّامِ؟ قالَتْ: لَا، كانَ عَمَلُهُ دِيمَةً، وأيُّكُمْ يَسْتَطِيعُ مَا كانَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَسْتَطِيعُ؟ . (انْظُر الحَدِيث 7891) .(23/64)
مطابقته للجزء الثَّانِي للتَّرْجَمَة. وَجَرِير بن عبد الحميد، وَمَنْصُور بن الْمُعْتَمِر، وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ، وعلقمة بن قيس وَهُوَ خَال إِبْرَاهِيم. وَرِجَال السَّنَد كلهم كوفيون.
والْحَدِيث مضى فِي الصَّوْم عَن مُسَدّد وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (هَل كَانَ يخص شَيْئا من الْأَيَّام) أَي: بِعبَادة مَخْصُوصَة لَا يفعل مثلهَا فِي غَيره. فَقَالَت: لَا، قيل: هُوَ معَارض بقولِهَا: مَا رَأَيْته أَكثر صياما مِنْهُ فِي شعْبَان. وَأجِيب بِأَنَّهُ لَا تعَارض لِأَنَّهُ كَانَ كثير الْأَسْفَار فَلَا يجد سَبِيلا إِلَى صِيَام الثَّلَاثَة الْأَيَّام من كل شهر فيجمعها فِي شعْبَان، وَإِنَّمَا كَانَ يُوقع الْعِبَادَة على قدر نشاطه وفراغه من جهاده. قَوْله: (دِيمَة) بِكَسْر الدَّال الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف أَي: دَائِما، والديمة فِي الأَصْل الْمَطَر المستمر بِسُكُون بِلَا رعد وَلَا برق، ثمَّ اسْتعْمل فِي غَيره، وأصل دِيمَة: دومة، قلبت الْوَاو يَاء لسكونها وانكسار مَا قبلهَا. قَوْله: (وَأَيكُمْ يَسْتَطِيع)
إِلَى آخِره أَي: فِي الْعِبَادَة بِحَسب الْكمّ وبحسب الكيف من خشوع وخضوع وإخبات.
7646 - حدّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ الزِّبْرِقانِ حَدثنَا مُوسَى بنُ عُقْبَةَ عنْ أبي سَلَمَة بن عَبده الرَّحْمانِ عنْ عائِشَةَ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (سَدِّدُوا وقارِبُوا وأبْشِرُوا فإنّهُ لَا يُدْخِلُ أحَداً الجَنةَ عَمَلُهُ) قَالُوا: وَلَا أنْتَ يَا رسولَ الله {قَالَ: (وَلَا أَنا إلاَّ أنْ يَتَغَمَّدَنِي الله بِمَغْفِرَةٍ ورَحْمَةٍ) .
قَالَ: أظَنُّهُ عنْ أبي النَّضْرِ عنْ أبي سَلَمَةَ عَن عَائِشَةَ. (انْظُر الحَدِيث 4146) .
هَذَا وَجه آخر فِي حَدِيث مُوسَى بن عقبَة الَّذِي مضى عَن قريب فَإِن فِيهِ: مُوسَى بن عقبَة عَن أبي سَلمَة، وَهنا قَالَ: عَليّ بن عبد الله شيخ البُخَارِيّ اظن أَن بَين مُوسَى بن عقبَة وَأبي سَلمَة وَاسِطَة وَهُوَ أَبُو النَّضر بِفَتْح النُّون وَسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة سَالم بن أبي أُميَّة.
وَعلي بن عبد الله هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ، وَمُحَمّد بن الزبْرِقَان بِكَسْر الزَّاي وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة وَكسر الرَّاء وبالقاف الْأَهْوَازِي وَمَاله فِي البُخَارِيّ سوى هَذَا الحَدِيث، وَبَقِيَّة شرح الْأَلْفَاظ الْمَذْكُورَة قد مرت.
عَفَّان: حدّثنا وُهَيْبٌ عنْ مُوسَى بنِ عُقْبَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَة عنْ عائشَةَ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (سَدِّدُوا وأبْشِرُوا) .
أَي: قَالَ عَفَّان بن مُسلم الصفار، وَإِنَّمَا قَالَ: قَالَ عَفَّان، لِأَنَّهُ أَخذ مِنْهُ مذاكرة لَا تحديثاً وتحميلاً، وَكَثِيرًا روى عَنهُ بالواسطة، وَقَالَ أَبُو نعيم، هَذَا تَدْلِيس من البُخَارِيّ. قلت: استبعد هَذَا، وَقد قَالَ ابْن الْقطَّان لما ذكر تَدْلِيس الشُّيُوخ، قَالَ: لم يَصح ذَلِك عَن البُخَارِيّ قطّ، ووهيب هُوَ ابْن خَالِد الْبَصْرِيّ وَحَدِيث وهيب هَذَا أخرجه مُسلم عَن مُحَمَّد بن حَاتِم: حَدثنَا بهز حَدثنَا وهيب عَن مُوسَى بِهِ.
وَقَالَ مُجاهِدٌ: سَداداً سَدِيداً صِدْقاً
قَول مُجَاهِد هَذَا ثَبت عِنْد الْأَكْثَرين وَثَبت عِنْد الطَّبَرِيّ وَالْفِرْيَابِي عَن مُجَاهِد فِي قَوْله تَعَالَى: {قولا سديداً} (النِّسَاء: 92) قَالَ: سداداً. والسداد بِفَتْح السِّين: الْعدْل المعتدل الْكَافِي وبالكسر مَا يسد الْخلَل، وَقَالَ بَعضهم: زعم مغلطاي وَتَبعهُ شَيخنَا ابْن الملقن أَن الطَّبَرِيّ وصل تَفْسِير مُجَاهِد عَن مُوسَى بن هَارُون عَن عَمْرو بن طَلْحَة عَن أَسْبَاط عَن السّديّ عَن ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد، وَهَذَا وهم فَاحش، فَمَا للسدي عَن ابْن أبي نجيح رِوَايَة.
قلت: رِعَايَة الْأَدَب مَطْلُوبَة، وليته قَالَ: الشَّيْخ مغلطاي، أَو عَلَاء الدّين، فَإِنَّهُ كَانَ يُقَال لَهُ: عَلَاء الدّين مَعَ أَنه هُوَ شيخ شَيْخه، لِأَنَّهُ كثيرا مَا يذكرهُ فِي شَرحه بتعظيم، وَقد علم أَنه إِذا اجْتمع الْمُثبت والنافي أَخذ بقول الْمُثبت لِأَن لَهُ زِيَادَة علم.
7646 - حدّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ الزِّبْرِقانِ حَدثنَا مُوسَى بنُ عُقْبَةَ عنْ أبي سَلَمَة بن عَبده الرَّحْمانِ عنْ عائِشَةَ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (سَدِّدُوا وقارِبُوا وأبْشِرُوا فإنّهُ لَا يُدْخِلُ أحَداً الجَنةَ عَمَلُهُ) قَالُوا: وَلَا أنْتَ يَا رسولَ الله} قَالَ: (وَلَا أَنا إلاَّ أنْ يَتَغَمَّدَنِي الله بِمَغْفِرَةٍ ورَحْمَةٍ) .
قَالَ: أظَنُّهُ عنْ أبي النَّضْرِ عنْ أبي سَلَمَةَ عَن عَائِشَةَ. (انْظُر الحَدِيث 4146) .
هَذَا وَجه آخر فِي حَدِيث مُوسَى بن عقبَة الَّذِي مضى عَن قريب فَإِن فِيهِ: مُوسَى بن عقبَة عَن أبي سَلمَة، وَهنا قَالَ: عَليّ بن عبد الله شيخ البُخَارِيّ اظن أَن بَين مُوسَى بن عقبَة وَأبي سَلمَة وَاسِطَة وَهُوَ أَبُو النَّضر بِفَتْح النُّون وَسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة سَالم بن أبي أُميَّة.
وَعلي بن عبد الله هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ، وَمُحَمّد بن الزبْرِقَان بِكَسْر الزَّاي وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة وَكسر الرَّاء وبالقاف الْأَهْوَازِي وَمَاله فِي البُخَارِيّ سوى هَذَا الحَدِيث، وَبَقِيَّة شرح الْأَلْفَاظ الْمَذْكُورَة قد مرت.
عَفَّان: حدّثنا وُهَيْبٌ عنْ مُوسَى بنِ عُقْبَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَة عنْ عائشَةَ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (سَدِّدُوا وأبْشِرُوا) .
أَي: قَالَ عَفَّان بن مُسلم الصفار، وَإِنَّمَا قَالَ: قَالَ عَفَّان، لِأَنَّهُ أَخذ مِنْهُ مذاكرة لَا تحديثاً وتحميلاً، وَكَثِيرًا روى عَنهُ بالواسطة، وَقَالَ أَبُو نعيم، هَذَا تَدْلِيس من البُخَارِيّ. قلت: استبعد هَذَا، وَقد قَالَ ابْن الْقطَّان لما ذكر تَدْلِيس الشُّيُوخ، قَالَ: لم يَصح ذَلِك عَن البُخَارِيّ قطّ، ووهيب هُوَ ابْن خَالِد الْبَصْرِيّ وَحَدِيث وهيب هَذَا أخرجه مُسلم عَن مُحَمَّد بن حَاتِم: حَدثنَا بهز حَدثنَا وهيب عَن مُوسَى بِهِ.
وَقَالَ مُجاهِدٌ: سَداداً سَدِيداً صِدْقاً
قَول مُجَاهِد هَذَا ثَبت عِنْد الْأَكْثَرين وَثَبت عِنْد الطَّبَرِيّ وَالْفِرْيَابِي عَن مُجَاهِد فِي قَوْله تَعَالَى: {قولا سديداً} (النِّسَاء: 92) قَالَ: سداداً. والسداد بِفَتْح السِّين: الْعدْل المعتدل الْكَافِي وبالكسر مَا يسد الْخلَل، وَقَالَ بَعضهم: زعم مغلطاي وَتَبعهُ شَيخنَا ابْن الملقن أَن الطَّبَرِيّ وصل تَفْسِير مُجَاهِد عَن مُوسَى بن هَارُون عَن عَمْرو بن طَلْحَة عَن أَسْبَاط عَن السّديّ عَن ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد، وَهَذَا وهم فَاحش، فَمَا للسدي عَن ابْن أبي نجيح رِوَايَة.
قلت: رِعَايَة الْأَدَب مَطْلُوبَة، وليته قَالَ: الشَّيْخ مغلطاي، أَو عَلَاء الدّين، فَإِنَّهُ كَانَ يُقَال لَهُ: عَلَاء الدّين مَعَ أَنه هُوَ شيخ شَيْخه، لِأَنَّهُ كثيرا مَا يذكرهُ فِي شَرحه بتعظيم، وَقد علم أَنه إِذا اجْتمع الْمُثبت والنافي أَخذ بقول الْمُثبت لِأَن لَهُ زِيَادَة علم.
8646 - حدّثني إبْراهِيمُ بنُ المُنْذِرِ حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ فُلَيْحِ قَالَ: حدّثني أبي عنْ هِلالِ بنِ عَلِيٍّ عنْ أنَسٍ بنِ مالِكٍ رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: إنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى لَنا يَوْماً الصَّلاةَ ثُمَّ رَقِى المِنْبَرَ فأشارَ بِيدِهِ قِبَلَ قِبْلَةِ المَسْجِدِ، فَقَالَ: قَوْله: (قَدْ أُرِيتُ الآنَ مُنْذُ صَلَّيْتُ(23/65)
لَكُمُ الصَّلاةَ الجَنَّةَ والنَّارَ مُمَثَّلتَيْنِ فِي قُبُلِ هاذا الجِدارِ، فَلَمْ أرَ كالْيَوْمِ فِي الخَيْرِ والشِّرِّ، فَلَمْ أرَ كالْيَوْمِ فِي الخَيْرِ والشَّرِّ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَن تكون الْجنَّة المرغبة وَالنَّار المرهبة نصب عين الْمُصَلِّي ليكونا باعثين على مداومة الْعَمَل وإدمانه.
وَمُحَمّد بن فليح بِضَم الْفَاء مصغر الفلح بِالْفَاءِ والحاء الْمُهْملَة يروي عَن أَبِيه فليج بن سُلَيْمَان الْمُغيرَة الْخُزَاعِيّ، وَقيل: الْأَسْلَمِيّ، وهلال بن عَليّ وَهُوَ هِلَال بن أبي مَيْمُونَة وَيُقَال هِلَال بن أبي هِلَال.
والْحَدِيث مضى فِي الصَّلَاة فِي: بَاب رفع الْبَصَر إِلَى الإِمَام، عَن يحيى بن صَالح وَعَن مُحَمَّد بن سِنَان.
قَوْله: (ثمَّ رقى) ، بِفَتْح الرَّاء وَكسر الْقَاف أَي: صعد وزنا وَمعنى. قَوْله: (قبل قبْلَة الْمَسْجِد) بِكَسْر الْقَاف وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة، أَي: جِهَة قبْلَة الْمَسْجِد. قَوْله: (أريت) بِضَم الْهمزَة وَكسر الرَّاء. قَوْله: (الْجنَّة) ، نصب على أَنه مفعول ثانٍ لأريت. قَوْله: (ممثلتين) أَي: مصورتين. قَوْله: (فِي قبل هَذَا الْجِدَار) ، بِضَم الْقَاف وَالْبَاء الْمُوَحدَة أَي: قُدَّام هَذَا الْجِدَار أَي: جِدَار الْمَسْجِد، ويروى: (هَذَا الْحَائِط) ، يُقَال: مثل لَهُ أَي: صور لَهُ حَتَّى كَأَنَّهُ ينظر إِلَيْهِ. قَوْله: (فَلم أر كَالْيَوْمِ) أَي: يَوْمًا مثل هَذَا الْيَوْم، وَقد وَقع هَذَا مكرراً تَأْكِيدًا.
91 - (بَاب الرَّجاءِ مَعَ الخَوْفِ)
أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان اسْتِحْبَاب الرَّجَاء مَعَ الْخَوْف، فَلَا يقطع النّظر فِي الرَّجَاء عَن الْخَوْف وَلَا فِي الْخَوْف عَن الرَّجَاء لِئَلَّا يقْضِي فِي الأول، إِلَى الْكبر. وَفِي الثَّانِي إِلَى الْقنُوط، وكل مِنْهُمَا مَذْمُوم، وَالْمَقْصُود من الرَّجَاء أَن من وَقع مِنْهُ تَقْصِير فليحسن ظَنّه بِاللَّه ويرجو أَن يمحو عَنهُ ذَنبه، وَكَذَا من وَقع مِنْهُ طَاعَة يَرْجُو قبُولهَا، وَأما من انهمك فِي الْمعْصِيَة راجياً عدم الْمُؤَاخَذَة بِغَيْر نَدم وَلَا إقلاع فَهَذَا غرور فِي غرور، وَقد أخرج ابْن مَاجَه من طَرِيق عبد الرَّحْمَن بن سعيد بن وهب عَن أَبِيه عَن عَائِشَة قلت: يَا رَسُول الله! الَّذين يُؤْتونَ وَقُلُوبهمْ وَجلة، أهوَ الَّذِي يسرق ويزني؟ قَالَ: لَا، وَلَكِن الَّذِي يَصُوم وَيتَصَدَّق وَيُصلي وَيخَاف أَن لَا يقبل مِنْهُ.
وَقَالَ سُفْيانُ: مَا فِي القُرْآنِ آيَةٌ أشَدُّ عَلَيَّ مِنْ {لَسْتُم على شَيْء حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاة والانجيل وَمَا أنزل إِلَيْكُم من ربكُم} (الْمَائِدَة: 86) .
سُفْيَان هَذَا هُوَ ابْن عُيَيْنَة وَأول الْآيَة: {قل يَا أهل الْكتاب لَسْتُم على شَيْء} وَإِنَّمَا كَانَ أَشد لِأَنَّهُ يسْتَلْزم الْعلم بِمَا فِي الْكتب الإلهية وَالْعَمَل بهَا، وَقد مر فِي تَفْسِير سُورَة الْمَائِدَة، وَقيل: الأخوف هُوَ قَوْله تَعَالَى: {وَاتَّقوا النَّار الَّتِي أعدت للْكَافِرِينَ} (آل عمرَان: 131) وَقيل: هُوَ {لبئس مَا كَانُوا يصنعون} (الْمَائِدَة: 36) وَقيل: أخوف آيَة {من يعْمل سوءا يجْزِيه} (النِّسَاء: 321) فَإِن قلت: مَا وَجه مُنَاسبَة الْآيَة بالترجمة؟ .
قلت: من حَيْثُ إِن الْآيَة تدل على أَن من لم يعْمل بِمَا تضمنه الْكتاب الَّذِي أنزل عَلَيْهِ لم يحصل لَهُ النجَاة، وَلَا يَنْفَعهُ رجاؤه من غير عمل مَا أَمر بِهِ.
9646 - حدّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ حدّثنا يَعْقُوبُ بنُ عَبدَ الرَّحْمانِ عنْ عَمْرِو بن أبي عَمْرٍ وعنْ سَعِيدِ بنِ أبي سَعِيدٍ المقْبُرِيِّ عنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ: (إنَّ الله خَلَقَ الرَّحْمَةَ يَوْمَ خَلَقَها مِائَةَ رَحْمَةٍ فأمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعاً وتِسْعِينَ رَحْمَةً وأرْسَلَ فِي خَلْقِهِ كُلِّهِمْ رَحْمَةً واحِدَةً، فَلَوْ يَعْلَمُ الكافِرُ بِكُلِّ الّذِي عِنْدَ الله مِنَ الرَّحْمَةِ لَمْ يَيْأسْ مِنَ الجَنَّةِ، ولَوْ يَعْلَمُ المُؤْمِنُ بِكُلِّ الَّذِي عِنَدَ الله مِنَ العَذَابِ لَمْ يَأْمَنْ مِنَ النَّارِ) . (انْظُر الحَدِيث 0006) .
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (فَلَو يعلم الْكَافِر)
إِلَى آخر الحَدِيث، وَذَلِكَ أَن الْمُكَلف لَو تحقق مَا عِنْد الله من الرَّحْمَة لما قطع رَجَاءَهُ أصلا، وَلَو تحقق مَا عِنْده من الْعَذَاب لما ترك الْخَوْف أصلا، فَيَنْبَغِي أَن يكون بَين الْخَوْف والرجاء فَلَا يكون مفرطاً فِي الرَّجَاء بِحَيْثُ يصير من المرجئة الْقَائِلين بِأَنَّهُ لَا يضر مَعَ الْإِيمَان شَيْء وَلَا فِي الْخَوْف بِحَيْثُ يكون من الْخَوَارِج والمعتزلة(23/66)
الْقَائِلين بتخليد صَاحب الْكَبِيرَة إِذا مَاتَ من غير تَوْبَة فِي النَّار، بل يكون وسطا بَينهمَا، كَمَا قَالَ الله تَعَالَى: {يرجون رَحمته وَيَخَافُونَ عَذَابه} (الْإِسْرَاء: 75) قَوْله: (قُتَيْبَة بن سعيد) فِي رِوَايَة أبي ذَر لم يذكر ابْن سعيد. قَوْله: (وَعَمْرو بن أبي عَمْرو) وبالواو فيهمَا مولى الْمطلب وَهُوَ تَابِعِيّ صَغِير وَشَيْخه تَابِعِيّ وسط وَكِلَاهُمَا مدنيان.
والْحَدِيث من أَفْرَاده وَقد مر فِي الْأَدَب فِي: بَاب جعل الله الرَّحْمَة مائَة جُزْء، من طَرِيق سعيد بن الْمسيب عَن أبي هُرَيْرَة وَلَفظه: جعل الله الرَّحْمَة مائَة جُزْء.
قَوْله: (إِن الله خلق الرَّحْمَة) أَي: الرَّحْمَة الَّتِي جعلهَا فِي عباده، وَهِي مخلوقة، وَأما الرَّحْمَة الَّتِي هِيَ صفة من صِفَاته فَهِيَ قَائِمَة بِذَاتِهِ عز وَجل. قَوْله: (مائَة رَحْمَة) أَي: مائَة نوع من الرَّحْمَة، أَو مائَة جُزْء كَمَا فِي الحَدِيث الَّذِي تقدم فِي الْأَدَب. قَوْله: (فِي خلقه كلهم) ويروى: كُله، قَالَه الْكرْمَانِي. قَوْله: (فَلَو يعلم الْكَافِر) هَكَذَا ثَبت فِي هَذَا الطَّرِيق بِالْفَاءِ إِشَارَة إِلَى ترَتّب مَا بعْدهَا على مَا قبلهَا، وَمن ثمَّ قدم ذكر الْكَافِر لِأَن كَثْرَة الرَّحْمَة وسعتها تَقْتَضِي أَن يطمعها كل أحد، ثمَّ ذكر الْمُؤمن اسْتِطْرَادًا، وَالْحكمَة فِي التَّعْبِير بالمضارع دون الْمَاضِي الْإِشَارَة إِلَى أَنه لم يَقع لَهُ علم ذَلِك، وَلَا يَقع لِأَنَّهُ إِذا امْتنع فِي الْمُسْتَقْبل كَانَ مُمْتَنعا فِيمَا مضى، وَقد صرح ابْن الْحَاجِب: أَن لَو لانْتِفَاء الأول لانْتِفَاء الثَّانِي كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {لَو كَانَ فيهمَا آلِهَة إِلَّا الله لفسدتا} (الْأَنْبِيَاء: 22) فانتفاء التَّعَدُّد بِانْتِفَاء الْفساد وَلَيْسَ هَهُنَا كَذَلِك، إِذْ فِيهِ انْتِفَاء الثَّانِي وَهُوَ انْتِفَاء الرَّجَاء لانْتِفَاء الأول كَمَا فِي قَوْله: لوجئتني لأكرمتك، فَإِن الْإِكْرَام مُنْتَفٍ لانْتِفَاء الْمَجِيء. قَوْله: (بِكُل الَّذِي) قيل: فِيهِ إِشْكَال لِأَن لَفْظَة: كل، إِذا أضيفت إِلَى الْمَوْصُول كَانَت إِذْ ذَاك لعُمُوم الْأَجْزَاء لَا لعُمُوم الْإِفْرَاد، وَالْغَرَض من سِيَاق الحَدِيث تَعْمِيم الْإِفْرَاد. وَأجِيب: بِأَنَّهُ وَقع فِي بعض طرقه: أَن الرَّحْمَة قسمت مائَة جُزْء فالتعميم حينئذٍ لعُمُوم الْإِجْزَاء فِي الأَصْل، وَنزلت الْأَجْزَاء منزلَة الْأَفْرَاد مُبَالغَة. قَوْله: (لم ييأس من الْجنَّة) من الْيَأْس وَهُوَ الْقنُوط يُقَال: يئس بِالْكَسْرِ ييأس وَفِيه لُغَة أُخْرَى بِكَسْر الْهمزَة من مستقبله وَهُوَ شَاذ، وَقَالَ الْمبرد، مِنْهُم من يُبدل الْهمزَة فِي الْمُسْتَقْبل أَو الْيَاء الثَّانِيَة ألفا فَتَقول: ييأس ويائس. فَإِن قلت: مَا معنى (لم ييئس من الْجنَّة) قلت: قيل: المُرَاد أَن الْكَافِر لَو علم سَعَة الرَّحْمَة لغطى على مَا يُعلمهُ من عَظِيم الْعَذَاب فَيحصل لَهُ الرَّجَاء، وَقيل: المُرَاد أَن مُتَعَلق علمه بسعة الرَّحْمَة مَعَ عدم التفاته إِلَى مقابلها يطمعه فِي الرَّحْمَة.
02 - (بابُ الصَّبْرِ عنْ مَحارِمِ الله)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الِاجْتِهَاد فِي الصَّبْر عَن محارم الله أَي: محرماته، قَالَه الْكرْمَانِي: قلت: الْمَحَارِم جمع مُحرمَة بِفَتْح الميمين وَجَاء بِضَم الرَّاء أَيْضا، قَالَ الْجَوْهَرِي: الْحُرْمَة مَا لَا يحل انتهاكه، وَكَذَلِكَ الْمُحرمَة بِفَتْح الرَّاء وضما، وَالصَّبْر حبس النَّفس وَتارَة يسْتَعْمل بِكَلِمَة: عَن، كَمَا فِي الْمعاصِي، يُقَال: صَبر عَن الزِّنَا، وَتارَة بِكَلِمَة: على، كَمَا فِي الطَّاعَات يُقَال: صَبر على الصَّلَاة، وَنَحْو ذَلِك.
وَقَوْلِهِ عَزَّ وجلَّ: {إِنَّمَا يُوفى الصَّابِرُونَ أجرهم بِغَيْر حِسَاب} (الزمر: 01) [/ ح.
وَقَوله، بِالْجَرِّ عطف على قَوْله: الصَّبْر عَن محارم الله، هَذَا فِي رِوَايَة أبي ذَر، هَكَذَا بِلَفْظ قَوْله، وَلَيْسَ فِي رِوَايَة غَيره لفظ: قَوْله، وَفِي بعض النّسخ: وَقَوله عز وَجل، وَهَذَا أحسن وَلَفظ: الصَّابِرُونَ، يحْتَمل أَن يسْتَعْمل: بعن وبعلى، كَمَا ذكرنَا آنِفا، أَن اسْتِعْمَاله بِالْوَجْهَيْنِ، وَأَرَادَ بقوله: {بِغَيْر حِسَاب} الْمُبَالغَة بِالنِّسْبَةِ إِلَيْنَا.
وَقَالَ عُمَرُ: وَجَدْنا خَيْرَ عَيْشِنا بالصَّبْرِ
أَي: قَالَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَوْله؛ بِالصبرِ، كَذَا هُوَ بِالْبَاء الْمُوَحدَة وَفِي رِوَايَة الْكشميهني. بِحَذْف الْبَاء فَيكون مَنْصُوبًا بِنَزْع الْخَافِض، وَقَالَ بَعضهم: وَالْأَصْل فِي الصَّبْر وَالْبَاء بِمَعْنى: فِي.
قلت: لَا يحْتَاج إِلَى هَذَا، وَالْبَاء على حَالهَا للإلصاق، أَي؛ وجدنَا. ملتصقاً بِالصبرِ، وَيجوز أَن تكون للاستعانة.
وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ أَحْمد فِي (كتاب الزّهْد) بِسَنَد صَحِيح عَن مُجَاهِد، قَالَ عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وجدنَا خير عيشنا الصَّبْر.
0746 - حدّثنا أبُو اليَمانِ أخبرنَا شُعَيْبٌ عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أخْبَرَنِي عَطاءٌ بنُ يَزِيدَ أنَّ أَبَا سَعِيد(23/67)
أخْبَرَهُ أنَّ أُناساً مِنَ الأنْصارِ سألُوا رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَلَمْ يَسْألَهُ أحَدٌ مِنْهُمْ إلاّ أعْطاهُ حتَّى نَفِدَ مَا عِنْدَهُ، فَقَالَ لَهُمْ حِينَ نَفِدَ كلُّ شَيْءٍ أنْفَقَ بِيَدَيْهِ: (مَا يَكُنْ عِنْدِي مِنْ خيْرِ لَا أدَّخِرْهُ عنْكُمْ وإنَّهُ مَنْ يَسْتَعِفَّ يُعِفُّهُ الله، ومَنْ يَتصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ الله، ومَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ الله، ولَنْ تُعْطَوْا عَطاءً خَيْراً وأوْسَعَ مِنَ الصَّبْر) . (انْظُر الحَدِيث 9641) .
مطابقته للتَّرْجَمَة، فِي آخر الحَدِيث. وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع وَرِوَايَته عَن شُعَيْب بن أبي حَمْزَة عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ فِي البُخَارِيّ كَثِيرَة، وَأَبُو سعيد سعد بن مَالك الْخُدْرِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي الزَّكَاة عَن قُتَيْبَة. وَأخرجه مُسلم وَالنَّسَائِيّ أَيْضا عَن قُتَيْبَة وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (أَن أُنَاسًا) ويروى: أَن نَاسا، وَالْمعْنَى وَاحِد. قَوْله: (حَتَّى نفد) بِفَتْح النُّون وَكسر الْفَاء أَي: فرغ. قَوْله: (إنفق بيدَيْهِ) جملَة حَالية، أَو اعتراضية أَو استئنافية، ويروى بِيَدِهِ، بِالْإِفْرَادِ. قَوْله: (مَا يكن) كلمة: مَا، إِمَّا مَوْصُولَة وَإِمَّا شَرْطِيَّة، ويروى: مَا يكون، وَصوب الدمياطي الأول. قَوْله: (لَا أدخره) بِالْإِدْغَامِ وَبِغَيْرِهِ وَفِي رِوَايَة مَالك: فَلم أدخره، وَعنهُ: فَلَنْ أدخره، وداله مُهْملَة، وَقيل: مُعْجمَة. قَوْله: (وَإنَّهُ من يستعف) كَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين بتَشْديد الْفَاء، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: من يستعفف، من الاستعفاف وَهُوَ طلب الْعِفَّة وَهِي الْكَفّ عَن الْحَرَام وَالسُّؤَال من النَّاس. قَوْله: (يعفه الله) بِضَم الْيَاء وبتشديد الْفَاء الْمَفْتُوحَة أَي يرزقه العفاف. قَوْله: (وَمن يتصبر) أَي: وَمن يتَكَلَّف الصَّبْر يصبره الله بِضَم الْيَاء وَتَشْديد الْبَاء الْمَكْسُورَة أَي: يرزقه الله الصَّبْر. قَوْله: (وَمن يسْتَغْن) أَي: وَمن يظْهر الْغناء وَلم يسْأَل يغنه بِضَم الْبَاء من الإغناء، أَي: يرزقه الْغنى عَن النَّاس، وَوَقع فِي رِوَايَة عبد الرَّحْمَن بن أبي سعيد بدل التصبر، وَمن استكفى كفاءه الله وَزَاد: وَمن سَالَ وَله قيمَة أُوقِيَّة فقد ألحف. قَوْله: (وَلنْ تعطوا) على صِيغَة الْمَجْهُول بِالْخِطَابِ للْجمع. قَوْله: (عَطاء خيرا) بِالنّصب، كَذَا فِي هَذِه الرِّوَايَة، وَقع فِي رِوَايَة مَالك: هُوَ خير، بِالرَّفْع، وَفِي رِوَايَة مُسلم: عَطاء خير، وَالتَّقْدِير: هُوَ خير، وَقَالَ النَّوَوِيّ: كَذَا فِي نسخ مُسلم يَعْنِي بِالرَّفْع وَالتَّقْدِير: هُوَ خير، كَمَا قُلْنَا.
1746 - حدّثنا خَلاَّدُ بنُ يَحْيَى حَدثنَا مِسْعَرٌ حدّثنا زِيادُ بنُ عِلاَقَةَ قَالَ: سَمِعْتُ المُغِيرَةَ بنَ شُعْبَةَ يَقُولُ. كانَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي حتَّى تَرِمَ أوْ تَنْتَفَخَ قَدَمَاهُ فَيُقَالُ لهُ، فَيَقُولُ: (أفَلاَ أكُونُ عبْداً شَكُوراً) . (انْظُر الحَدِيث 0311 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي الصَّبْر على الطَّاعَة فَإِنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، صَبر عَلَيْهَا حَتَّى تورمت قدماه.
وخلاد بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَشْديد اللَّام ابْن يحيى بن صَفْوَان أَبُو مُحَمَّد السّلمِيّ الْكُوفِي، سكن مَكَّة وَمَات بهَا سنة ثَلَاث عشرَة وَمِائَتَيْنِ، ومعسر بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الْمُهْملَة الأولى وَفتح الثَّانِيَة وبالراء ابْن كدام الْكُوفِي، وَزِيَاد بكسرالزاي وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف ابْن علاقَة بِكَسْر الْعين وَتَخْفِيف اللَّام وبالقاف.
والْحَدِيث مضى فِي صَلَاة اللَّيْل عَن أبي نعيم. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه فِي الصَّلَاة، فالأولان عَن قُتَيْبَة وَابْن مَاجَه عَن هِشَام بن عمار.
قَوْله: (حَتَّى ترم) أَصله: تورم، لِأَنَّهُ من ورم يرم بِالْكَسْرِ فيهمَا وَالْقِيَاس يورم، وَهُوَ أحد مَا جَاءَ على هَذَا الْبناء، ومجيئه على هَذَا الْبناء شَاذ، وَهُوَ من الورم وَهُوَ الانتفاخ. قَوْله: (أَو تنتفخ) بِالنّصب، قَالَ الْكرْمَانِي: كلمة: أَو، للتنويع، وَيحْتَمل أَن يكون شكا من الرَّاوِي، وَجزم غَيره أَنه للشَّكّ. قَوْله: (فَيُقَال لَهُ) أَي: إِنَّك قد غفر الله لَك مَا تقدم من ذَنْبك وَمَا تَأَخّر، فَيَقُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَفلا أكون عبدا شكُورًا على مَا أنعم الله عَليّ من هَذَا الْفضل الْعَظِيم الَّذِي اختصصت بِهِ؟ .
12 - (بابٌ { (65) وَمن يتوكل على الله فَهُوَ حَسبه} (الطَّلَاق: 3)
أَي: هَذَا بَاب مترجم بقوله تَعَالَى: {وَمن يتوكل على الله فَهُوَ حَسبه} وأصل التَّوَكُّل من الوكول، يُقَال: وكل أمره إِلَى فلَان أَي التجأ إِلَيْهِ وَاعْتمد عَلَيْهِ، والتوكل تَفْوِيض الْأَمر إِلَى الله وَقطع النّظر عَن الْأَسْبَاب، وَلَيْسَ التَّوَكُّل ترك السَّبَب والاعتماد على مَا يَجِيء من المخلوقين لِأَن ذَلِك قد يجر إِلَى ضد مَا يُرَاد من التَّوَكُّل، وَقد سُئِلَ الإِمَام أَحْمد رَحمَه الله، عَن رجل جلس(23/68)
فِي بَيته أَو فِي مَسْجِد وَقَالَ: لَا أعمل شَيْئا حَتَّى يأتيني رِزْقِي. فَقَالَ: هَذَا رجل جهل الْعلم، فقد قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِن الله جعل رِزْقِي تَحت ظلّ رُمْحِي) ، وَقَالَ: لَو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كَمَا يرْزق الطير، تَغْدُو خماصاً وَتَروح بطاناً، فَذكر أَنَّهَا تَغْدُو وَتَروح فِي طلب الرزق، قَالَ: وَكَانَت الصَّحَابَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، يتجرون ويعملون فِي تخيلهم والقدوة بهم.
وَقال الرَّبِيعُ بنُ خُثَيْمٍ: مِنْ كلِّ مَا ضاقَ عَلى النَّاسِ.
الرّبيع بِفَتْح الرَّاء وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة ابْن خثيم بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف الثَّوْريّ الْكُوفِي من كبار التَّابِعين صحب ابْن مَسْعُود رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَكَانَ يَقُول لَهُ: لَو رآك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَأحبك، رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد فِي (الزّهْد) : بِسَنَد جيد. قَوْله: من كل مَا ضَاقَ، أَرَادَ من يتوكل على الله فَهُوَ حَسبه من كل مَا ضَاقَ على النَّاس، وَقَالَ الْكرْمَانِي: من كل مَا ضَاقَ يَعْنِي: التَّوَكُّل على الله عَام من كل أَمر مضيق على النَّاس، يَعْنِي: لَا خُصُوصِيَّة فِي التَّوَكُّل فِي أَمر بل هُوَ جَار فِي جَمِيع الْأُمُور الَّتِي تضيق على النَّاس.
2746 - حدّثني إسْحاقُ حَدثنَا رَوْحُ بنُ عُبادَةَ حَدثنَا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ حُصيْنَ بنَ عَبْدِ الرَّحْمانِ قَالَ: كُنْتُ قاعِداً عِنْدَ سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ فَقَالَ: عَن ابْن عَبَّاس (يَدْخُلُ الجَنَّةَ مِنْ أُمَّتي سَبْعُونَ ألْفاً بِغَيْرِ حِسابٍ، هُمُ الَّذِينَ لاَ يَسْتَرْقُونَ وَلَا يَتَطَيرُونَ وعلَى ربِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي آخر الحَدِيث. وَإِسْحَاق شيخ البُخَارِيّ. قَالَ النَّسَائِيّ: لم أَجِدهُ مَنْسُوبا عِنْد شُيُوخنَا، لَكِن حدث البُخَارِيّ فِي (الْجَامِع) : كثيرا عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم، وَقَالَ بَعضهم: إِسْحَاق هُوَ ابْن مَنْصُور، وَغلط من قَالَ: ابْن إِبْرَاهِيم.
قلت: التغليط من أَيْن وَقد سمع البُخَارِيّ من جمَاعَة كل مِنْهُم، يُسمى إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم؟ وحصين بِضَم الْحَاء وَفتح الصَّاد الْمُهْمَلَتَيْنِ.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ فِي الطِّبّ مطولا، وَفِي أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء مُخْتَصرا عَن مُسَدّد وَهَهُنَا أَيْضا روى بعضه.
قَوْله: (لَا يسْتَرقونَ) أَي: لَا يطْلبُونَ الرّقية وَهِي العودة الَّتِي يرقى بهَا صَاحب الآفة: كالحمى والصرع وَنَحْو ذَلِك من الْآفَات، وَقد جَاءَ فِي بعض الْأَحَادِيث جَوَازهَا، وَفِي بَعْضهَا النَّهْي عَنْهَا، فَمن الْجَوَاز: (استرقوا لَهَا فَإِن بهَا النظرة) ، أَي: اطْلُبُوا لَهَا من يرقى لَهَا، وَمن النَّهْي قَوْله هَذَا: (لَا يسْتَرقونَ) . وَوجه الْجمع أَن الْمنْهِي عَنْهَا مَا كَانَ بِغَيْر اللِّسَان الْعَرَبِيّ وَبِغير أَسمَاء الله وَصِفَاته وَكَلَامه فِي كتبه الْمنزلَة، وَأَن يعتقدوا أَن الرقيا مَانِعَة لَا محَالة، والمأمور بهَا مَا كَانَ بقوارع الْقُرْآن وَنَحْوه. قَوْله: (وَلَا يَتَطَيَّرُونَ) أَي: لَا يتشاءمون بالطيور وَمثلهَا مِمَّا هُوَ عَادَتهم قبل الْإِسْلَام، والطيرة مَا يكون فِي الشَّرّ، والفأل مَا يكون فِي الْخَيْر.
22 - (بابُ مَا يُكْرهُ مِنْ قِيلَ وَقَالَ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا يكره من قيل وَقَالَ، وَكِلَاهُمَا فعلان ماضيان الأول مَجْهُول: قيل وَأَصله: قَول، نقلت حَرَكَة الْوَاو إِلَى الْقَاف بعد سلب حركتها، ثمَّ قلبت يَاء لسكونها وانكسار مَا قبلهَا، وَهُوَ حِكَايَة أقاويل النَّاس، قَالَ: فلَان كَذَا وَفُلَان كَذَا وَقيل كَذَا وَكَذَا، وَإِذا رُوِيَ بِالتَّنْوِينِ يكونَانِ مصدرين يُقَال: قَالَ قولا وقيلاً وَقَالا، وَالْمرَاد أَنه نهى عَن الْإِكْثَار مِمَّا لَا فَائِدَة فِيهِ، وَقيل: إِذا كَانَا اسْمَيْنِ يكون فِي عطف أَحدهمَا على الآخر كثير فَائِدَة، بِخِلَاف مَا إِذا كَانَا فعلين، وَقيل: إِذا كَانَا اسْمَيْنِ يكون الثَّانِي تَأْكِيدًا.
3746 - حدّثنا عَليُّ بنُ مُسْلمٍ حَدثنَا هُشَيْمٌ أخبرنَا غَيرُ واحِدٍ مِنْهمْ مُغِيرَةُ وفُلاَنٌ ورَجُلٌ(23/69)
ثالِثٌ أيْضاً عنِ الشَّعْبِيِّ عنْ ورَّادٍ كاتِبِ المُغِيرَةِ بنِ شُعْبَةَ أنْ مُعاوِيَةَ كَتَبَ إِلَى المُغِيرَةِ أنِ اكْتُبْ إلَيَّ بِحَدِيثٍ سَمِعْتَهُ مِنْ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: فَكَتَبَ إلَيْهِ المُغِيرَةُ: أنِّي سَمِعْتُهُ يَقُولُ عِنْدَ انْصِرَافِهِ مِنَ الصَّلاةِ: (لَا إلاهَ إلاّ الله وحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ المُلْكُ ولَهُ الحَمْدُ وهْوَ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ثَلاَثَ مرَّاتٍ، قَالَ: وَكَانَ يَنْهَى عنْ: قِيلَ: وقالَ وكَثْرَةِ السُّؤَالِ وإضاَعةِ المالِ ومَنْعِ وهاتِ وعُقُوقِ الأُمَّهاتِ وَوأُدِ البَنَاتِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
عَليّ بن مُسلم الطوسي ثمَّ الْبَغْدَادِيّ، وهشيم مصغر هشم بن بشير الوَاسِطِيّ، والمغيرة هُوَ ابْن مقسم الضَّبِّيّ.
قَوْله: (وَفُلَان) هُوَ مجَالد بن سعيد فقد أخرجه ابْن خُزَيْمَة فِي (صَحِيحه) : عَن زِيَاد بن أَيُّوب وَيَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم الدَّوْرَقِي قَالَا: نَا هشيم أَنا غير وَاحِد مِنْهُم مُغيرَة ومجالد. قَوْله: (وَرجل ثَالِث) قيل يحْتَمل أَن يكون دَاوُد بن أبي هِنْد، فقد أخرجه ابْن حبَان فِي (صَحِيحه) من طَرِيق دَاوُد بن أبي هِنْد وَغَيره عَن الشّعبِيّ، وَيحْتَمل أَن يكون زَكَرِيَّا بن أبي زَائِدَة أَو إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد، فقد أخرجه الطَّبَرَانِيّ من طَرِيق الْحسن بن عَليّ بن رَاشد عَن هشيم عَن مُغيرَة عَن زَكَرِيَّا بن أبي زَائِدَة، ومجالد وَإِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد كلهم عَن الشّعبِيّ، وَالشعْبِيّ هُوَ عَامر بن شرَاحِيل، ووراد بِفَتْح الْوَاو وَتَشْديد الرَّاء مولى الْمُغيرَة وكاتبه.
والْحَدِيث مضى فِي الصَّلَاة عَن مُحَمَّد بن يُوسُف وَفِي الِاعْتِصَام عَن مُوسَى وَفِي الْقدر عَن مُحَمَّد بن سِنَان وَفِي الدَّعْوَات عَن قُتَيْبَة، وَقد مضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (حَدثنَا عَليّ بن مُسلم) كَذَا فِي رِوَايَة الْجُمْهُور، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني وَحده: وَقَالَ عَليّ بن مُسلم. قَوْله: (وَكَثْرَة السُّؤَال) أَي: فِي الْمسَائِل الَّتِي لَا حَاجَة فِيهَا، أَو من الْأَمْوَال، أَو من أَحْوَال النَّاس. قَوْله: (وإضاعة المَال) أَي: وَضعه فِي غير مَحَله وَحقه. قَوْله: (وَمنع وهات) ، أَي: حرم عَلَيْكُم منع مَا عَلَيْكُم إِعْطَاؤُهُ، وَطلب مَا لَيْسَ لكم أَخذه. قَوْله: (ووأد الْبَنَات) هِيَ: الْبِنْت تدفن وَهِي حَيَّة كَانُوا يَفْعَلُونَهُ فِي الْجَاهِلِيَّة، إِذا ولد للْفَقِير مِنْهُم بنت دسها فِي التُّرَاب.
وعنْ هُشَيْمِ: أخبرنَا عبْدُ المَلِكِ بنُ عُمَيْرٍ قَالَ: سَمِعْتُ ورَّاداً يُحَدِّثُ هَذَا الحَدِيثَ عنِ المغِيرَةِ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
هُوَ مَوْصُول بِالطَّرِيقِ الَّذِي قبله، وَقد رَوَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ من رِوَايَة يَعْقُوب الدَّوْرَقِي، وَزِيَاد بن أَيُّوب قَالَا: أَنا هشيم عَن عبد الْملك بِهِ
32 - (بابُ حِفْظِ اللِّسانِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان وجوب حفظ اللِّسَان عَن التَّكَلُّم بِمَا لَا يسوغ فِي الشَّرْع، وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (وَهل يكب النَّاس فِي النَّار على مناخرهم إلاَّ حصائد ألسنتهم) وَأما القَوْل بِالْحَقِّ فَوَاجِب، والصمت فِيهِ غير وَاسع.
ومَنْ كَانَ يُؤْمنُ بِاللَّه واليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْراً أوْ لِيَصْمُتْ
يَأْتِي هَذَا مَوْصُولا فِي الْبَاب، وَذكره هَكَذَا تَرْجَمَة، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: وَقَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (وَمن كَانَ)
إِلَى آخِره.
وقَوْلِ الله تَعَالَى: {مَا يلفظ من قَول إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيب عتيد} (ق: 81) [/ ح.
كَذَا لأبي ذَر، وَفِي رِوَايَة غَيره وَقَوله: {مَا يلفظ من قَول} ... إِلَى آخِره، وَلابْن بطال: وَقد أنزل الله تَعَالَى: {مَا يلفظ} ... الْآيَة. قَوْله: {إلاَّ لَدَيْهِ رَقِيب} أَي: حَافظ {والعتيد} هُوَ الْحَاضِر المهيأ، وَأَرَادَ بِهِ الْملكَيْنِ اللَّذين يكتبان جَمِيع الْأَشْيَاء، كَذَا قَالَه الْحسن وَقَتَادَة، وَخَصه عِكْرِمَة بِالْخَيرِ وَالشَّر. وَيُقَوِّي الأول تَفْسِير أبي صَالح فِي قَوْله: { (13) يمحوا الله مَا يَشَاء وَيثبت} (الرَّعْد: 93) إِن الْمَلَائِكَة تكْتب كل مَا يتَكَلَّم بِهِ الْمَرْء فيمحوا لله تَعَالَى مِنْهُ مَا لَيْسَ لَهُ وَلَا عَلَيْهِ، وَيثبت مَا مَاله وَمَا عَلَيْهِ.(23/70)
4746 - حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ أبي بَكْرٍ المُقَدَّمِيُّ حدَّثنا عُمَرُ بنُ عَلِيٍّ سَمِعَ أَبَا حازِمٍ عنْ سَهْلِ ابنِ سَعْدٍ عنْ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أضْمَنْ لَهُ الجَنَّة) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (من يضمن لي مَا بَين لحييْهِ) لِأَن المُرَاد بِهَذَا، حفظ اللِّسَان، كَمَا يَجِيء.
قَوْله: (حَدثنَا) بنُون الْجمع رِوَايَة الْأَكْثَرين وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: حَدثنِي، بنُون الْإِفْرَاد.
والمقدمي، بِصِيغَة اسْم الْمَفْعُول من التَّقْدِيم هَذِه نِسْبَة إِلَى أحد أجداد مُحَمَّد الْمَذْكُور وَهُوَ مُحَمَّد بن أبي بكر بن عَليّ بن عَطاء بن مقدم أَبُو عبد الله الْمَعْرُوف بالمقدمي الْبَصْرِيّ، وَعمر بن عَليّ هُوَ عَم مُحَمَّد الْمَذْكُور وَهُوَ مُدَلّس وَلكنه صرح بِالسَّمَاعِ، وَأَبُو حَازِم بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي سَلمَة بن دِينَار، وَسَهل بن سعد بن مَالك السَّاعِدِيّ الْأنْصَارِيّ.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْمُحَاربين عَن خَليفَة بن خياط. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الزّهْد عَن مُحَمَّد بن عبد الْأَعْلَى، وَقَالَ: حسن صَحِيح غَرِيب.
قَوْله: (من يضمن لي) إِطْلَاق الضَّمَان عَلَيْهِ مجَاز إِذْ المُرَاد لَازم الضَّمَان وَهُوَ أَدَاء الْحق الَّذِي عَلَيْهِ. قَوْله: (مَا بَين لحييْهِ) بِفَتْح اللَّام وَسُكُون الْحَاء الْمُهْملَة تَثْنِيَة لحي وهما العظمان فِي جَانِبي الْفَم، وَالْمرَاد بِمَا بَينهمَا اللِّسَان، وَبِمَا (بَين رجلَيْهِ) : الْفرج. قَوْله: (أضمن لَهُ) بِالْجَزْمِ لِأَنَّهُ جَوَاب الشَّرْط. وَوَقع فِي رِوَايَة الْحسن. تكفلت لَهُ.
وَفِيه: أَن أعظم الْبلَاء على العَبْد فِي الدُّنْيَا اللِّسَان والفرج، فَمن وقِي من شرهما فقد وقِي أعظم الشَّرّ.
5746 - حدّثنا عبْدُ العَزِيزِ بنُ عبْدِ الله حدّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ سَعْدٍ عنِ ابنِ شِهابٍ عنْ أبي سَلَمَة عنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: قَالَ رَسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّه واليَوْمِ الآخِر فَلْيَقُلْ خَيْراً أوْ لِيَصْمُتْ، ومَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللَّه واليَوْمِ الآخِرِ فَلا يُؤْذِ جارَهُ، ومنْ كانَ يؤْمِنُ بِاللَّه واليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. ورحاله قد ذكرُوا غير مرّة. والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر) إِنَّمَا خصهما بِالذكر إِشَارَة إِلَى المبدأ والمعاد، وخصص الْأُمُور الثَّلَاثَة مُلَاحظَة لحَال الشَّخْص قولا وفعلاً، وَذَلِكَ إِمَّا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُقِيم أَو الْمُسَافِر، أَو الأول تحلية وَالثَّانِي تخلية.
6446 - حدّثنا أبُو الوَلِيدِ حدّثنا لَ يْثٌ حَدثنَا سَعيدٌ المقْبُرِيُّ عنْ أبي شُرَيْحِ الخُزَاعِيِّ قَالَ: سَمِعَ أُذُنايَ ووَعاهُ قَلْبِي النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ: (الضِّيافَةُ ثَلاَثَةُ أيّامٍ جائِزَتَهُ) قِيلَ: وَمَا جائِزَتُهُ؟ قَالَ: (يَوْمٌ ولَيْلَةٌ، ومَنْ كانَ يُؤْمِن بِاللَّه واليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، ومَن كانَ يُؤْمِنُ بِاللَّه واليَوْمِ الآخِرِ، فَلْيَقُلْ خَيْراً أوْ لِيَسْكُتْ) . (انْظُر الحَدِيث 9106 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي آخر الحَدِيث. وَأَبُو الْوَلِيد هِشَام بن عبد الْملك، وَأَبُو شُرَيْح اسْمه خويلد الْخُزَاعِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْأَدَب فِي: بَاب من كَانَ يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر، فَلَا يؤذ جَاره، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبد الله بن يُوسُف عَن اللَّيْث ... إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله (جائزته) بِالنّصب أَي: أعْطوا جائزته، وَلَو صحت الرِّوَايَة بِالرَّفْع كَانَ تَقْدِيره: المتوجه عَلَيْكُم جائزته. قَوْله (يَوْم وَلَيْلَة) أَي: جائزته يَوْم وَلَيْلَة. وَقيل: الْجَائِزَة جنَّة، وَالْيَوْم ظرف، فَكيف يَقع خَبرا عَنْهَا؟ وَأجِيب: بِأَن فِيهِ مُضَافا مُقَدرا، أَي: زمَان جائزته يَوْم وَلَيْلَة.
7746 - حدّثني إبْرَاهِيمُ بنُ حَمْزَةَ حدّثني ابنُ أبي حازِمٍ عنْ يَزِيدَ عنْ مُحَمَّدِ بنِ إبْراهِيمَ عنْ عِيساى بنِ طَلْحَةَ بنِ عُبَيْدِ الله التيْمِيِّ عنْ أبي هُرَيرَةَ، سَمِعَ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ: (إنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مَا يَتَبَيَّنُ فِيها يَزِلُّ بِها فِي النَّارِ ابْعَدَ مِمَّا بَيْنَ المَشْرِقِ) .(23/71)
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ إِشَارَة إِلَى حفظ اللِّسَان من حَيْثُ الْمَفْهُوم.
وَإِبْرَاهِيم بن حَمْزَة بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي الْأَسدي، وَابْن أبي حَازِم عبد الْعَزِيز، وَيزِيد من الزِّيَادَة ابْن عبد الله الْمَعْرُوف بِابْن الْهَاد، وَمُحَمّد بن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ، وَعِيسَى بن طَلْحَة بن عبيد الله التَّيْمِيّ، وَطَلْحَة هُوَ أحد الْعشْرَة. وَرِجَال هَذَا الْإِسْنَاد كلهم مدنيون.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي آخر الْكتاب عَن قُتَيْبَة وَغَيره. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الزّهْد عِنْد مُحَمَّد بن بشار، وَقَالَ: حسن غَرِيب. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الرَّقَائِق عَن قُتَيْبَة وَغَيره بِهِ.
قَوْله: (حَدثنِي) بِالْإِفْرَادِ فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: حَدثنَا، بنُون الْجمع. قَوْله: (ليَتَكَلَّم) بِاللَّامِ فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: يتَكَلَّم، بِدُونِ اللَّام. قَوْله: (مَا يتَبَيَّن فِيهَا) أَي: لَا يتدبر فِيهَا وَلَا يتفكر فِي قبحها وَمَا يَتَرَتَّب عَلَيْهَا، وَتطلق الْكَلِمَة وَيُرَاد بهَا الْكَلَام كَقَوْلِهِم: كلمة الشَّهَادَة، ويروى: وليتكلم بِالْكَلِمَةِ مَا يتقى فِيهَا. قَوْله: (يزل بهَا) أَي: بِتِلْكَ الْكَلِمَة، وَهَذَا كِنَايَة عَن دُخُول النَّار. قَوْله: (أبعد مِمَّا بَين الْمشرق) كِنَايَة عَن عظمها ووسعها، قيل: لفظ: بَين، يَقْتَضِي دُخُوله على مُتَعَدد، وَأجِيب بِأَن الْمشرق مُتَعَدد معنى إِذْ مشرق الصَّيف غير مشرق الشتَاء، وَبَينهمَا بعد عَظِيم وَهُوَ نصف كرة الْفلك، أَو اكْتفى بِأحد الضدين عَن الآخر كَقَوْلِه تَعَالَى: {سرابيل تقيكم الْحر} (النَّحْل: 18) وَفِي بعض الرِّوَايَات جَاءَ صَرِيحًا. وَالْمغْرب.
وَفِيه: أَن من أَرَادَ النُّطْق بِكَلِمَة أَن يتدبرها بِنَفسِهِ قبل نطقه فَإِن ظَهرت مصلحَة تكلم بهَا وإلاَّ أمسك.
8746 - حدّثني عَبْدُ الله بنُ مُنِير سَمِعَ أَبَا النضرِ حَدثنَا عَبْدُ الرَّحْمانِ بنُ عَبْدِ الله يَعْنِي: ابنَ دينارٍ، عنْ أبِيهِ عنْ أبي صالِحٍ عنْ أبي هُرَيْرَةَ عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (إنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِنْ رُضْوانِ الله لَا يُلْقي لَها بَالا يَرْفَعُ الله بِها دَرَجاتٍ، وإنَّ العَبْدُ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ الله لَا يُلْقِى لَها بَالا يَهْوِي بِها فِي جَهَنَّمَ) . (انْظُر الحَدِيث 7746) [/ ح.
هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور أخرجه عَن عبد الله بن مُنِير على وزن اسْم الْفَاعِل من الإنارة المروزيِو النَّضر بِفَتْح النُّون وَسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة هَاشم بن الْقَاسِم التَّيْمِيّ الْخُرَاسَانِي، مر فِي الْوضُوء، وَعبد الرَّحْمَن يروي عَن أَبِيه عبد الله بن دِينَار مولى ابْن عمر، وَأَبُو صَالح ذكْوَان الزيات، وَفِي الْإِسْنَاد ثَلَاثَة من التَّابِعين على نسق.
قَوْله: (من رضوَان الله) أَي: مِمَّا يُرْضِي الله بِهِ قَوْله: (لَا يلقِي) بِضَم الْيَاء من الْإِلْقَاء أَي: لَا يلْتَفت إِلَيْهَا خاطره وَلَا يعْتد بهَا وَلَا يُبَالِي بهَا، وَمعنى البال هُنَا الْقلب. قَوْله: (يرفع الله بهَا) كَذَا فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي والسرخسي، وَفِي رِوَايَة الْأَكْثَرين والنسفي: يرفع الله لَهُ بهَا دَرَجَات، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: يرفعهُ الله بهَا دَرَجَات. قَوْله: (من سخط الله) يَعْنِي: مِمَّا لَا يرضى بِهِ. قَوْله: (يهوي) بِفَتْح الْيَاء وَسُكُون الْهَاء وَكسر الْوَاو، وَقَالَ عِيَاض: ينزل فِيهَا سَاقِطا، وَقد جَاءَ بِلَفْظ: يزل بهَا فِي النَّار، لِأَن دركات النَّار إِلَى أَسْفَل فَهُوَ نزُول سُقُوط، وَقيل: أَهْوى من قريب، وَهوى من بعيد.
42 - (بابُ البُكاءِ مِنْ خَشْيَةِ الله عَزَّ وجَلَّ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان فضل الْبكاء من خوف الله عز وَجل.
9746 - حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ حَدثنَا يَحْيَاى عنْ عُبَيْدِ الله قَالَ: حدّثني خُبَيْبُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمانِ عنْ حَفْصِ بنِ عاصِمٍ عنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ، عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (سَبْعَةٌ يُظِلُّهُم الله: رَجُلٌ ذَكَرَ الله فَفَاضَتْ عَيْناهُ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَيحيى هُوَ الْقطَّان، وَعبيد الله بن عمر الْعمريّ، وخبيب بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره بَاء أُخْرَى ابْن عبد الرَّحْمَن الخزرجي، وَحَفْص بن عَاصِم بن عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
وَهَذَا قِطْعَة من حَدِيث أتم مِنْهُ قد مضى فِي الزَّكَاة عَن مُسَدّد، وَفِي الصَّلَاة عَن مُحَمَّد بن بشار فِي أَبْوَاب(23/72)
الْمَسَاجِد، ووردت أَحَادِيث فِي الْبكاء. مِنْهَا: حَدِيث أَسد بن مُوسَى عَن عمرَان بن يزِيد عَن يزِيد الرقاشِي عَن أنس بن مَالك مَرْفُوعا: (أَيهَا النَّاس ابكوا فَإِن لم تبكوا فتباكوا، فَإِن أهل النَّار يَبْكُونَ فِي النَّار حَتَّى تسيل دموعهم فِي وُجُوههم كَأَنَّهَا جداول ثمَّ تقطع الدُّمُوع وتسيل الدِّمَاء فتقرح الْعُيُون، فَلَو أَن السفن أجريت فِيهَا لجرت) .
52 - (بابُ الخَوْفِ مِنَ الله تَعَالَى)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان شدَّة الاعتناء بالخوف من الله عز وَجل، وَالْخَوْف من لَوَازِم الْإِيمَان قَالَ الله تَعَالَى: {وخافون إِن كُنْتُم مُؤمنين} (آل عمرَان: 571) .
0846 - حدّثنا عُثْمانُ بنُ أبي شَيْبَةَ حدّثنا جَرِيرٌ عنْ مَنْصُورٍ عنْ ربْعِيٍّ عنْ حُذَيْفَةَ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (كانَ رَجُلٌ ممَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ يُسِىءُ الظَّنَّ بِعَمَلِهِ، فَقَالَ لأهْلِهِ: إِذا أَنا مُتُّ فَخُذُونِي فَذَرُّونِي فِي البَحْرِ فِي يَوْمٍ صائِفٍ، فَفَعَلُوا بِهِ، فَجَمَعَهُ الله، ثُمَّ قَالَ: مَا حَمَلَكَ عَلى الَّذِي صَنَعْتَ؟ قَالَ: مَا حَمَلنِي إلاّ مَخافَتُكَ فَغَفَرَ لَهُ) . (انْظُر الحَدِيث 2543 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي آخر الحَدِيث. وَجَرِير هُوَ ابْن عبد الحميد، وَمَنْصُور هُوَ ابْن الْمُعْتَمِر، ورِبْعِي بِكَسْر الرَّاء وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة وَكسر الْعين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْيَاء ابْن حِرَاش بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وبالراء المخففة والشين الْمُعْجَمَة، وَحُذَيْفَة ابْن الْيَمَان. وَرِجَال السَّنَد كلهم كوفيون.
والْحَدِيث مُضِيّ فِي ذكر بني إِسْرَائِيل عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْجَنَائِز وَفِي الرَّقَائِق عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم عَن جرير.
قَوْله: (مِمَّن كَانَ قبلكُمْ) يَعْنِي: من بني إِسْرَائِيل. قَوْله: (يسيء الظَّن بِعَمَلِهِ) يَعْنِي بِعَمَلِهِ الَّذِي كَانَ مَعْصِيّة، وَكَانَ نباشاً. قَوْله: (فذروني فِي الْبَحْر) بِضَم الذَّال من الذَّر وَهُوَ التَّفْرِيق، يُقَال: ذررت الْملح أذره، ويروى بِفَتْح الذَّال من التذرية، يُقَال: ذرت الرّيح الشَّيْء وأذرته وذرته أَي: أطارته وأذهبته، ويروى: أذروني بِهَمْزَة قطع وَسُكُون الذَّال من: أذرت الْعين دمعها، وَمِنْه: تَذْرُوهُ الرِّيَاح. قَوْله: (فِي يَوْم صَائِف) أَي: حَار بتَشْديد الرَّاء من الْحَرَارَة، وَرُوِيَ للمروزي والأصيلي: فِي يَوْم حَاز، بالزاي الثَّقِيلَة بِمَعْنى أَنه يحز الْبدن لشدَّة حره، وَرُوِيَ لأبي ذَر عَن الْمُسْتَمْلِي والسرخسي: فِي يَوْم حَار، بالراء كَمَا ذكرنَا أَولا، وَكَذَا رُوِيَ لكريمة عَن الْكشميهني وَذكر بَعضهم رِوَايَة الْمروزِي بنُون بدل الزَّاي، وَقَالَ ابْن فَارس: الحون ريح يحن كحنين الْإِبِل.
1846 - حدّثنا مُوسى احدثنا: مُعْتَمِرٌ سَمِعْتُ أبي حَدثنَا قَتادَةُ عنْ عُقْبَةَ بنِ عَبْدِ الغافِرِ عنْ أبي سَعِيدٍ، رَضِي الله عَنهُ، عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ذَكَرَ رَجُلاً فِيمَنْ كَانَ سَلَفَ أَو قَبْلكُمْ (آتاهُ الله مَالا وَوَلَداً يَعْنِي: أعْطاهُ مَالا وَوَلداً {قَالَ: فَلَمَّا حُضِرَ قَالَ لِبَنِيهِ: أيَّ أبٍ كُنْتُ لَكُمْ؟ قالُوا: خَيْرَ أَب قَالَ: فإنَّهُ لَمْ يَبْتَئرْ عِنْدَ الله خَيْراً فَسَرَّهَا قَتَادَةُ: لَمْ يَدَّخِرْ وإنْ يَقْدَمْ على الله يُعَذِّبْهُ فانْظُرُوا فَإِذا مُتُّ فأحْرِقُونِي حتَّى إِذا صِرْتُ فَحْماً فاسْحَقُونِي أَو قَالَ: فاسْهَكُونِي ثُمَّ إِذا كانَ رِيحٌ عاصِفٌ فأذْرُونِي فِيهَا، فأخذَ مَوَاثِيقَهُمْ عَلى ذالِكَ ورَبِّي، فَفَعَلُوا فَقَالَ الله: كُنْ، فَإِذا رَجُلٌ قائِمٌ، ثُمَّ قَالَ: أيْ عَبْدِي} مَا حَمَلَكَ عَلى مَا فَعَلْتَ؟ قَالَ: مَخَافَتُكَ أوْ فَرَقٌ مِنْكَ فَمَا تَلافاهُ أنْ رَحِمَهُ الله.
فَحَدَّثْتُ أَبَا عثْمانَ فَقَالَ: سَمِعْتُ سلْمانَ غَيْرَ أنَّهُ زادَ: فأذْرُونِي فِي البَحْرِ، أَو كَمَا حَدَّثَ. (انْظُر الحَدِيث 8743 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (مخافتك) ومُوسَى هُوَ ابْن إِسْمَاعِيل التَّبُوذَكِي، ومعتمر يروي عَن أَبِيه سُلَيْمَان التَّيْمِيّ، وَعقبَة بِضَم الْعين وَسُكُون الْقَاف ابْن عبد الغافر أَبُو نَهَار الْأَزْدِيّ العوذي الْبَصْرِيّ، وَأَبُو سعيد سعد بن مَالك الْخُدْرِيّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.(23/73)
والْحَدِيث مر فِي ذكر بني إِسْرَائِيل عَن أبي الْوَلِيد وَيحيى فِي التَّوْحِيد عَن عبد الله بن أبي الْأسود. وَأخرجه مُسلم فِي التَّوْبَة عَن عبيد الله بن معَاذ وَغَيره.
قَوْله: (أَو قبلكُمْ) ، شكّ من الرَّاوِي. قَوْله: (يَعْنِي: أعطَاهُ مَالا) ، هَذَا تَفْسِير لقَوْله: (آتَاهُ الله) وَهُوَ بِالْمدِّ بِمَعْنى: أعطَاهُ وبالقصر بِمَعْنى الْمَجِيء. قَوْله: (مَالا) بعد قَوْله: (أعطَاهُ) رِوَايَة الْكشميهني، وَلَا معنى لإعادة لفظ: مَالا، وَفِي رِوَايَة غَيره: أعطَاهُ، بِلَا ذكر مَالا. (فَلَمَّا حضر) بِضَم الْحَاء وَكسر الضَّاد الْمُعْجَمَة أَي: فَلَمَّا حَضَره أَوَان الْمَوْت. قَوْله: (خير أَب) بِالنّصب أَي: كنت خير أَب، وبالرفع أَي: أَنْت خير أَب. قَوْله: (لم يبتئر) من الابتئار افتعال من الْبَار بِالْبَاء الْمُوَحدَة وَالرَّاء وَمَعْنَاهُ لم يدّخر وَلم يخبأ، هَكَذَا فسره قَتَادَة، وَأَصله من البئيرة بِمَعْنى الذَّخِيرَة والخبيئة، قَالَ أهل اللُّغَة: بارت الشَّيْء وابتأرته إبارة وابتئره إِذا خبأته، وَوَقع فِي رِوَايَة ابْن السكن: لم يأبتر، بِتَقْدِيم الْهمزَة على الْبَاء الْمُوَحدَة حَكَاهُ عِيَاض وَمَعْنَاهُ: لم يقدم خيرا يُقَال: بأرته وابتارته، كَمَا ذَكرْنَاهُ، وَوَقع فِي التَّوْحِيد فِي رِوَايَة أبي زيد الْمروزِي: لم يبتئر أَو لم يبتئر بِالشَّكِّ فِي الزَّاي أَو الرَّاء، وَفِي رِوَايَة الْجِرْجَانِيّ بنُون بدل الْبَاء الْمُوَحدَة، وَالزَّاي، قيل: كِلَاهُمَا غير صَحِيح، ويروى فِي غير البُخَارِيّ: يبتهر، بِالْهَاءِ بدل الْهمزَة وبالراء ويمتئر بِالْمِيم بدل الْبَاء الْمُوَحدَة وبالراء. قَوْله: (وَإِن يقدم على الله يعذبه) كَذَا هُنَا بِسُكُون الْقَاف وَفتح الدَّال من الْقدوم وَهُوَ بِالْجَزْمِ على الشّرطِيَّة، وَكَذَا يعذبه بِالْجَزْمِ لِأَنَّهُ جَزَاء، وَالْمعْنَى أَنه إِن بعث يَوْم الْقِيَامَة على هَيئته يعرفهُ كل أحد، فَإِذا صَار رَمَادا مبثوثاً فِي المَاء أَو الرّيح لَعَلَّه يخفى. وَوَقع فِي حَدِيث حُذَيْفَة عِنْد الْإِسْمَاعِيلِيّ من رِوَايَة أبي خَيْثَمَة عَن جرير بِسَنَد حَدِيث الْبَاب: فَإِنَّهُ إِن يقدر عَليّ رَبِّي لَا يغْفر لي، وَكَذَا فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة: لَئِن قدر الله عَليّ، قيل: كَيفَ غفر لهَذَا الَّذِي أوصى بِهَذِهِ الْوَصِيَّة وَقد جهل قدرَة الله على إحيائه؟ . وَأجِيب: بِأَن النَّاس اخْتلفُوا فِي تَأْوِيل هَذَا الحَدِيث، فَقيل: أما عَفْو الله عَمَّا كَانَ مِنْهُ فِي أَيَّام صِحَّته من الْمعاصِي فلندمه عَلَيْهَا وتوبته مِنْهَا عِنْد مَوته، وَلذَلِك أَمر وَلَده بإحراقه وتذريته فِي الْبر وَالْبَحْر خشيَة من عَذَاب ربه والندم تَوْبَة.
قلت: فِيهِ نظر، لِأَن كَون النَّدَم تَوْبَة إِنَّمَا هُوَ لهَذِهِ الْأمة، أَلا يُرى مَا حكى الله عَن قابيل بقوله: {فاصبح من النادمين} (الْمَائِدَة: 13) فَلم يكن ندمه تَوْبَة، وَقيل: إِن معنى قَوْله: إِن قدر الله على الْقُدْرَة الَّتِي هِيَ الْعَجز وَإنَّهُ كَانَ عِنْده أَنه إِذا أحرق وذري أعجز ربه عَن إحيائه، فَهُوَ على أَنه غفر لَهُ لجهله بِالْقُدْرَةِ لِأَنَّهُ لم يكن تقدم فِي ذَلِك الزَّمَان أَنه لَا يغفرالشرك بِهِ، وَلَيْسَ فِي الْعقل دَلِيل على أَن ذَلِك غير جَائِز فِي حِكْمَة الله تَعَالَى، وَإِنَّمَا نقُول: لَا يجوز أَن يغْفر الشّرك بعد نزُول قَوْله تَعَالَى: {إِن الله لَا يغْفر أَن يُشْرك بِهِ} (النِّسَاء: 84 و 611) . وَأما جَوَاز غفران الله ذَلِك فلفضله الْأَعَمّ وغنائه الأتم لِأَنَّهُ لَا يضرّهُ كفر كَافِر وَلَا يَنْفَعهُ إِيمَان مُؤمن. وَقيل: معنى أَن قدر الله عَليّ أَن ضيق على كَقَوْلِه تَعَالَى: {وَمن قدر عَلَيْهِ رزقه} (الطَّلَاق: 7) أَي: ضيق وَلم يرد بذلك وصف خالقه بِالْعَجزِ عَن إِعَادَته، وَقيل: إِنَّمَا غفر لَهُ لِأَنَّهُ غلب على فهمه من الْجزع الَّذِي كَانَ لحقه من خوف الله وعذابه فيعذر، وَمثل هَذَا إِنَّمَا يكون كفرا مِمَّن يقْصد بِهِ الْكفْر وَهُوَ يعقل مَا يَقُول، وَقيل: غفر لَهُ بِأَصْل توحيده الَّذِي لَا تضر مَعَه مَعْصِيّة، وعزى ذَلِك إِلَى المرجئة. قَوْله: (فأحرقوني) وَفِي رِوَايَة حُذَيْفَة الَّذِي أخرجه البُخَارِيّ فِي بني إِسْرَائِيل فاجمعوا لي حطباً كثيرا ثمَّ أوروا نَارا حَتَّى إِذا أكلت لحمي وخلصت إِلَى عظمي فخذوها واطحنوها. قَوْله: (فاستحقوني) من السحق وَهُوَ دق الشَّيْء نَاعِمًا، أَو قَالَ: (فاسهكوني) ، شكّ من الرَّاوِي من السهك. قَالُوا: السحق والسهك بِمَعْنى وَاحِد. وَقيل السهك ونه وَهُوَ أَن يفت الشَّيْء أَو يدق قطعا صغَارًا. قَوْله: (فاذروني) يَصح أَن يقْرَأ مَوْصُول الْألف من ذرأت الشَّيْء فرقته، وَيصِح أَن يكون أَصله من الثلاثي الْمَزِيد فِيهِ فَيقطع الْهمزَة من قَوْلهم: أذرت الْعين دمعها، وأذريت الرجل عَن فرسه أَي: رميته. وَقَالَ ابْن التِّين: قرأناه بِقطع الْهمزَة. قَوْله: (فَأَخذه مواثيقهم) جمع مِيثَاق وَهُوَ الْعَهْد. قَوْله: (وربي) هُوَ على الْقسم عَن الْمخبر بذلك عَنْهُم لتصحيح خَبره، وَيحْتَمل أَن يكون حِكَايَة الْمِيثَاق الَّذِي أَخذه، أَي: قَالَ لمن أوصاه: قل: وربي لافعلن ذَلِك، وَفِي (صَحِيح مُسلم) : فَأخذ مِنْهُم ميثاقاً فَفَعَلُوا ذَلِك، وربي قَالَ القَاضِي عِيَاض. وَفِي بعض نسخه. فَفَعَلُوا ذَلِك وذرى، قَالَ: فَإِن صحت هَذِه الرِّوَايَة فَهِيَ وَجه الْكَلَام وَلَعَلَّ الذَّال سَقَطت لبَعض النساخ وَتَابعه الْبَاقُونَ، وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَلَفظ البُخَارِيّ يحْتَمل أَن يكون بِصِيغَة الْمَاضِي من التربية. أَي: رَبِّي أَخذ المواثيق والمبايعات لكنه مَوْقُوف على الرِّوَايَة، وَقَالَ بَعضهم: وَأبْعد الْكرْمَانِي ثمَّ نقل ذَلِك عَنهُ.
قلت: مَا جزم بذلك حَتَّى يُقَال فِيهِ: وَأبْعد، وَإِنَّمَا قيد بِصِحَّة الرِّوَايَة(23/74)
مَعَ الِاحْتِمَال الَّذِي ذكره. قَوْله: (فَإِذا رجل قَائِم) وَقع الْمُبْتَدَأ هُنَا نكرَة لِأَن وُقُوعه هُنَا بعد إِذا، المفاجأة من المخصصات كَمَا فِي قَوْلك: خرجت فَإِذا سبع. قَوْله: (أَي عَبدِي) يَعْنِي: يَا عَبدِي. قَوْله: (أَو فرق) هُوَ شكّ من الرَّاوِي وَهُوَ بِفَتْح الْفَاء وَالرَّاء وبالقاف الْخَوْف. قَوْله: (فَمَا تلافاه أَن رَحمَه) كلمة: مَا، مَوْصُولَة، وَكلمَة: أَن، مَصْدَرِيَّة أَي: الَّذِي تلافاه أَي: تَدَارُكه بِأَن رَحمَه، أَي: بِالرَّحْمَةِ، وَالضَّمِير الْمَنْصُوب فِي تلافاه يرجع إِلَى عمل الرجل وَيجوز أَن يكون: مَا، نَافِيَة، وَكلمَة الِاسْتِثْنَاء محذوفة على مَذْهَب من يجوز حذفهَا، أَي: مَا تلافاه إلاَّ أَن رَحمَه.
قَوْله: (فَحدثت أَبَا عُثْمَان) قَالَ الْكرْمَانِي: الْقَائِل: بحدثت، قَتَادَة، وَقَالَ بَعضهم: هُوَ سُلَيْمَان وَالِد الْمُعْتَمِر.
قلت: الَّذِي يظْهر أَن قَول الْكرْمَانِي هُوَ الصَّوَاب فَلْينْظر فِيهِ، وَأَبُو عُثْمَان هُوَ عبد الرَّحْمَن بن مل النَّهْدِيّ بالنُّون الْمَفْتُوحَة. قَوْله: (فَقَالَ) أَي: أَبُو عُثْمَان: قَوْله: (سَمِعت هَذَا من سلمَان) أَي: الْفَارِسِي، وَحذف المسموع مِنْهُ الَّذِي اسْتثْنى مِنْهُ مَا ذكر، وَالتَّقْدِير: سَمِعت سلمَان يحدث عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِمثل هَذَا الحَدِيث، غير أَنه زَاد قَوْله: (أَو كَمَا حدث) شكّ من الرَّاوِي يُشِير بِهِ إِلَى أَنه معنى حَدِيث أبي سعيد لَا بِلَفْظِهِ كُله.
وَقَالَ مُعاذٌ: حَدثنَا شُعْبَةُ عنْ قَتادَةَ: سَمِعْتُ عُقْبَةَ سَمعْتُ أَبَا سَعِيدٍ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
أَي: قَالَ معَاذ بن التَّمِيمِي، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله مُسلم: حَدثنِي عبيد الله بن معَاذ الْعَنْبَري حَدثنَا أبي حَدثنَا شُعْبَة عَن قَتَادَة سمع عقبَة بن عبد الغافر يَقُول، سَمِعت أَبَا سعيد الْخُدْرِيّ يحدث عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَن رجلا فِيمَن كَانَ قبلكُمْ راشه الله مَالا وَولدا، فَقَالَ لوَلَده: لتفعلن مَا آمركُم بِهِ أَو لأولين ميراثي غَيْركُمْ، إِذا أَنا مت فأحرقوني، وأكبر علمي أَنه قَالَ: ثمَّ اسحقوني فاذروني فِي الرّيح، فَإِنِّي لم ابتهر عِنْد الله خيرا، وَأَن الله يقدر على أَن يُعَذِّبنِي. قَالَ: فَأخذ مِنْهُم ميثاقاً فَفَعَلُوا ذَلِك بِهِ وربي، فَقَالَ الله: مَا حملك على مَا فعلت؟ قَالَ: مخافتك، فَمَا تلافاه غَيرهَا. انْتهى. أَي: مَا تَدَارُكه غير المخافة.
62 - (بابُ الانْتِهاءِ عنِ المَعاصِي)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان وجوب الِانْتِهَاء عَن الْمعاصِي أَي: تَركهَا أصلا. والإعراض عَنْهَا بعد الْوُقُوع فِيهَا.
حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ العَلاءِ حَدثنَا أبُو أُسامَةَ عنْ بُرَيْدِ بنِ عَبْدِ الله بنِ أبي بُرْدَةَ عنْ أبي بُرْدَةَ عنْ أبي مُوسَى قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (مَثَلِي ومَثَلُ مَا بَعَثَنِي الله كَمَثَلِ رَجُلٍ أتَى قَوْماً فَقَالَ: رَأيْتُ الجَيْشَ بِعَيْنِيَّ وإنِّي أَنا النذِيرُ العُرْيانُ، فالنَّجاءَ النَّجاءَ، فأطاعَتْهُ طائِفَةٌ فأدْلَجُوا على مَهْلِهِمْ، فَنَجَوا، وكَذَّبَتْهُ طائِفَةٌ فَصَبَّحَهُمُ الجَيْشُ فاجْتاحَهُمْ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ الْإِنْذَار عَن الْوُقُوع فِي الْمعاصِي والانتهاء عَنْهَا.
وَمُحَمّد بن الْعَلَاء بن كريب أَبُو كريب الْكُوفِي وَهُوَ شيخ مُسلم أَيْضا، وَأَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة اللَّيْثِيّ، وبريد بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة مصغر برد ابْن عبد الله بن أبي بردة بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة واسْمه عَامر، وَقيل: الْحَارِث، وبريد هَذَا يرْوى عَن جده أبي بردة بن أبي مُوسَى عبد الله بن قيس الْأَشْعَرِيّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الِاعْتِصَام. وَأخرجه مُسلم فِي فَضَائِل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: (مثلي) الْمثل بِفتْحَتَيْنِ الصّفة العجيبة الشَّأْن يوردها البليغ على سَبِيل الشّبَه لإِرَادَة التَّقْرِيب والتفهيم.
قَوْله: (وَمثل مَا بَعَثَنِي الله) الْعَائِد مَحْذُوف تَقْدِيره: مَا بَعَثَنِي الله بِهِ إِلَيْكُم. قَوْله: (قوما) التنكير فِيهِ للشيوع. قَوْله: (الْجَيْش) اللَّام فِيهِ للْعهد. قَوْله: (بعيني) بالتثنية وَهِي رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره بِالْإِفْرَادِ. قَوْله: (وَأَنا النذير الْعُرْيَان) أَي: الْمُنْذر الَّذِي تجرد عَن ثَوْبه وَأَخذه يرفعهُ ويديره حول رَأسه، علاماً لِقَوْمِهِ بالغارة. وَقَالَ ابْن بطال: النذير الْعُرْيَان رجل من خثعم حمل عَلَيْهِ رجل يَوْم ذِي الخلصة فَقطع يَده وَيَد امْرَأَته فَانْصَرف إِلَى قومه فَحَذَّرَهُمْ فَضرب بِهِ الْمثل فِي تحقق الْخبز. وَقَالَ ابْن السّكيت: اسْم الرجل الَّذِي حمل عَلَيْهِ عَوْف بن عَامر الْيَشْكُرِي، وَالْمَرْأَة كَانَت من بني كنَانَة، وتنزيل هَذِه الْقِصَّة على لفظ الحَدِيث بعيد لِأَنَّهُ لَيْسَ(23/75)
فِيهَا أَنه كَانَ عُريَانا. وَقَالَ أَبُو عبد الْملك: هَذَا مثل قديم، وَذَلِكَ أَن رجلا لَقِي جَيْشًا فجردوه وعروه، فجَاء إِلَى الْمَدِينَة فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْت الْجَيْش بعيني وَإِنِّي أَنا النذير لكم وتروني عُريَانا جردني الْجَيْش فالنجاء النَّجَاء، وَقَالَ ابْن السّكيت: ضرب بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمثل لأمته لِأَنَّهُ تجرد لإنذارهم. وَقَالَ الْخطابِيّ: رُوِيَ عَن مُحَمَّد بن خَالِد: العربان، بباء مُوَحدَة فَإِن كَانَ مَحْفُوظًا فَمَعْنَاه صَحِيح وَهُوَ الفصيح بالإنذار لَا يكنى وَلَا يورى، يُقَال: رجل عربان أَي: فصيح اللِّسَان، من: أعرب الرجل عَن حَاجته إِذا أفْصح عَنْهَا. قَوْله: (فالنجاء) بِالنّصب مفعول مُطلق فِيهِ إغراء أَي: اطْلُبُوا النَّجَاء بِأَن تسرعوا الْهَرَب لأنكم لَا تطيقون مقاومة ذَلِك الْجَيْش، (والنجاء) الثَّانِي تَأْكِيد وَكِلَاهُمَا ممدودان، وَجَاء الْقصر فيهمَا تَخْفِيفًا وَجَاء مد الأول وَقصر الثَّانِي. قَوْله: (فأدلجوا) من الإدلاج من بَاب الإفعال وَهُوَ السّير أول اللَّيْل، أَو كل اللَّيْل على الِاخْتِلَاف فِي مَعْنَاهُ، وهمزته همزَة قطع، وَفِي (التَّوْضِيح) : قَوْله: (فأدلجوا) بتَشْديد الدَّال قلت لَا يَسْتَقِيم هَذَا هُنَا لِأَن الادلاج بِالتَّشْدِيدِ هُوَ السّير آخر اللَّيْل فَلَا يُنَاسب هَذَا الْمقَام وَالصَّوَاب مَا ذَكرْنَاهُ قَوْله: (على مهلهم) بِفتْحَتَيْنِ أَي: على السكينَة والتأني، وَأما الْمهل بِسُكُون الْهَاء فَمَعْنَاه الْإِمْهَال فَلَا يُنَاسب هُنَا، وَفِي رِوَايَة مُسلم عَن مهلتهم، قَوْله: (فنجوا) لأَنهم أطاعوا النذير وَسَارُوا من أول اللَّيْل فنجوا. قَوْله: (فصبحهم الْجَيْش) أَي: أتوهم صباحاً، هَذَا أَصله ثمَّ اسْتعْمل فِيمَن يطْرق بَغْتَة فِي أَي وَقت كَانَ. قَوْله: (فاجتاحهم) بجيم ثمَّ بحاء مُهْملَة أَي: استأصلهم، من جحت الشَّيْء أجوحه إِذا استأصلته، وَمِنْه الْجَائِحَة وَهِي الْهَلَاك.
62 - (بابُ الانْتِهاءِ عنِ المَعاصِي)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان وجوب الِانْتِهَاء عَن الْمعاصِي أَي: تَركهَا أصلا. والإعراض عَنْهَا بعد الْوُقُوع فِيهَا.
حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ العَلاءِ حَدثنَا أبُو أُسامَةَ عنْ بُرَيْدِ بنِ عَبْدِ الله بنِ أبي بُرْدَةَ عنْ أبي بُرْدَةَ عنْ أبي مُوسَى قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (مَثَلِي ومَثَلُ مَا بَعَثَنِي الله كَمَثَلِ رَجُلٍ أتَى قَوْماً فَقَالَ: رَأيْتُ الجَيْشَ بِعَيْنِيَّ وإنِّي أَنا النذِيرُ العُرْيانُ، فالنَّجاءَ النَّجاءَ، فأطاعَتْهُ طائِفَةٌ فأدْلَجُوا على مَهْلِهِمْ، فَنَجَوا، وكَذَّبَتْهُ طائِفَةٌ فَصَبَّحَهُمُ الجَيْشُ فاجْتاحَهُمْ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ الْإِنْذَار عَن الْوُقُوع فِي الْمعاصِي والانتهاء عَنْهَا.
وَمُحَمّد بن الْعَلَاء بن كريب أَبُو كريب الْكُوفِي وَهُوَ شيخ مُسلم أَيْضا، وَأَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة اللَّيْثِيّ، وبريد بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة مصغر برد ابْن عبد الله بن أبي بردة بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة واسْمه عَامر، وَقيل: الْحَارِث، وبريد هَذَا يرْوى عَن جده أبي بردة بن أبي مُوسَى عبد الله بن قيس الْأَشْعَرِيّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الِاعْتِصَام. وَأخرجه مُسلم فِي فَضَائِل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: (مثلي) الْمثل بِفتْحَتَيْنِ الصّفة العجيبة الشَّأْن يوردها البليغ على سَبِيل الشّبَه لإِرَادَة التَّقْرِيب والتفهيم.
قَوْله: (وَمثل مَا بَعَثَنِي الله) الْعَائِد مَحْذُوف تَقْدِيره: مَا بَعَثَنِي الله بِهِ إِلَيْكُم. قَوْله: (قوما) التنكير فِيهِ للشيوع. قَوْله: (الْجَيْش) اللَّام فِيهِ للْعهد. قَوْله: (بعيني) بالتثنية وَهِي رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره بِالْإِفْرَادِ. قَوْله: (وَأَنا النذير الْعُرْيَان) أَي: الْمُنْذر الَّذِي تجرد عَن ثَوْبه وَأَخذه يرفعهُ ويديره حول رَأسه، علاماً لِقَوْمِهِ بالغارة. وَقَالَ ابْن بطال: النذير الْعُرْيَان رجل من خثعم حمل عَلَيْهِ رجل يَوْم ذِي الخلصة فَقطع يَده وَيَد امْرَأَته فَانْصَرف إِلَى قومه فَحَذَّرَهُمْ فَضرب بِهِ الْمثل فِي تحقق الْخبز. وَقَالَ ابْن السّكيت: اسْم الرجل الَّذِي حمل عَلَيْهِ عَوْف بن عَامر الْيَشْكُرِي، وَالْمَرْأَة كَانَت من بني كنَانَة، وتنزيل هَذِه الْقِصَّة على لفظ الحَدِيث بعيد لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا أَنه كَانَ عُريَانا. وَقَالَ أَبُو عبد الْملك: هَذَا مثل قديم، وَذَلِكَ أَن رجلا لَقِي جَيْشًا فجردوه وعروه، فجَاء إِلَى الْمَدِينَة فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْت الْجَيْش بعيني وَإِنِّي أَنا النذير لكم وتروني عُريَانا جردني الْجَيْش فالنجاء النَّجَاء، وَقَالَ ابْن السّكيت: ضرب بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمثل لأمته لِأَنَّهُ تجرد لإنذارهم. وَقَالَ الْخطابِيّ: رُوِيَ عَن مُحَمَّد بن خَالِد: العربان، بباء مُوَحدَة فَإِن كَانَ مَحْفُوظًا فَمَعْنَاه صَحِيح وَهُوَ الفصيح بالإنذار لَا يكنى وَلَا يورى، يُقَال: رجل عربان أَي: فصيح اللِّسَان، من: أعرب الرجل عَن حَاجته إِذا أفْصح عَنْهَا. قَوْله: (فالنجاء) بِالنّصب مفعول مُطلق فِيهِ إغراء أَي: اطْلُبُوا النَّجَاء بِأَن تسرعوا الْهَرَب لأنكم لَا تطيقون مقاومة ذَلِك الْجَيْش، (والنجاء) الثَّانِي تَأْكِيد وَكِلَاهُمَا ممدودان، وَجَاء الْقصر فيهمَا تَخْفِيفًا وَجَاء مد الأول وَقصر الثَّانِي. قَوْله: (فأدلجوا) من الإدلاج من بَاب الإفعال وَهُوَ السّير أول اللَّيْل، أَو كل اللَّيْل على الِاخْتِلَاف فِي مَعْنَاهُ، وهمزته همزَة قطع، وَفِي (التَّوْضِيح) : قَوْله: (فأدلجوا) بتَشْديد الدَّال قلت لَا يَسْتَقِيم هَذَا هُنَا لِأَن الادلاج بِالتَّشْدِيدِ هُوَ السّير آخر اللَّيْل فَلَا يُنَاسب هَذَا الْمقَام وَالصَّوَاب مَا ذَكرْنَاهُ قَوْله: (على مهلهم) بِفتْحَتَيْنِ أَي: على السكينَة والتأني، وَأما الْمهل بِسُكُون الْهَاء فَمَعْنَاه الْإِمْهَال فَلَا يُنَاسب هُنَا، وَفِي رِوَايَة مُسلم عَن مهلتهم، قَوْله: (فنجوا) لأَنهم أطاعوا النذير وَسَارُوا من أول اللَّيْل فنجوا. قَوْله: (فصبحهم الْجَيْش) أَي: أتوهم صباحاً، هَذَا أَصله ثمَّ اسْتعْمل فِيمَن يطْرق بَغْتَة فِي أَي وَقت كَانَ. قَوْله: (فاجتاحهم) بجيم ثمَّ بحاء مُهْملَة أَي: استأصلهم، من جحت الشَّيْء أجوحه إِذا استأصلته، وَمِنْه الْجَائِحَة وَهِي الْهَلَاك.
3846 - حدّثنا أبُو اليَمانِ أخبرنَا شُعَيْبٌ حَدثنَا أبُو الزِّنادِ عنْ عبْدِ الرَّحْمانِ أنَّهُ حَدَّثَه أنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ، أنَّهُ سَمِعَ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقولُ: (إنَّما مَثَلِي ومَثَلُ النَّاسِ كَمَثَلِ رَجُل اسْتَوْقَدَ نارَاً، فَلمَّا أضاءَتْ مَا حَوْلهُ جَعَلَ الفَرَاشُ وهاذِهِ الدَّوابُّ الَّتي تَقَعُ فِي النَّارِ يَقَعْنَ فِيها، فَجَعَلَ يَنْزعُهُنَّ ويَغْلِبْنَهُ فَيَقْتَحمْنَ فِيها، فَأَنا آخذ بِحُجَزكمْ عنِ النَّارِ وهُمْ يَقْتَحِمُونَ فِيها) (انْظُر الحَدِيث 6243) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ منع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إيَّاهُم عَن الْإِتْيَان بِالْمَعَاصِي الَّتِي تؤديهم إِلَى الدُّخُول فِي النَّار.
وَأَبُو الْيَمَان الحكم ب نَافِع، وَشُعَيْب هُوَ ابْن أبي حَمْزَة الْحِمصِي، وَأَبُو الزِّنَاد بالزاي وَالنُّون عبد الله بن ذكْوَان، وَعبد الرَّحْمَن هُوَ الْأَعْرَج.
والْحَدِيث مضى فِي: بَاب قَول الله {وَوَهَبْنَا لداود سُلَيْمَان} (ص: 03) فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ بِعَين هَذَا السَّنَد عَن أبي الْيَمَان إِلَى قَوْله: (وَهَذِه الدَّوَابّ تقع فِي النَّار) ثمَّ اخْتَصَرَهُ وَذكر حَدِيثا آخر. قَوْله: (استوقد) بِمَعْنى: أوقد، وَلَكِن استوقد أبلغ. قَوْله: (أَضَاءَت) من الإضاءة وَهِي فرط الإنارة. قَوْله: (الْفراش) بِفَتْح الْفَاء وَتَخْفِيف الرَّاء وبالشين الْمُعْجَمَة جمع الفراشة. وَقَالَ الْكرْمَانِي: هِيَ صغَار البق، وَقيل: هِيَ مَا يتهافت فِي النَّار من الطيارات.
قلت: هَذَا أصح من الأول، وَقَالَ الْفراء فِي تَفْسِيرهَا: إِنَّهَا كغوغاء الْجَرَاد يركب بعضه بَعْضًا. وَقَالَ ابْن سَيّده: هِيَ دَوَاب مثل البعوض واحدتها فراشة، وَقَالَ الطَّبَرِيّ: لَيْسَ هِيَ ببعوض وَلَا ذُبَاب، وَقَالَ أَبُو نصر: هِيَ الَّتِي تطير وتتهافت فِي السراج، وَفِي (مجمع الغرائب) : هِيَ مَا تتهافت فِي النَّار من الطيارات، وَقَالَ الدَّاودِيّ: هِيَ طَائِر فَوق البعوض. قَوْله: (يقعن) خبر قَوْله: (جعل الْفرش) قَوْله: (وَهَذِه الدَّوَابّ الَّتِي تقع فِي النَّار) جملَة مُعْتَرضَة وَأَشَارَ بهَا إِلَى تَفْسِير الْفراش. قَوْله: (فَجعل) بِالْفَاءِ وَفِي رِوَايَة الْكشميهني بِالْوَاو وَالضَّمِير فِيهِ يرجع إِلَى الرجل. قَوْله: (ينزعهن) بِفَتْح الْيَاء وَالزَّاي وَضم الْعين الْمُهْملَة أَي: يدفعهن، ويروى: يزعهن، بِلَا نون من وزعه يزعه وزعاً، فَهُوَ وازع إِذا كَفه وَمنعه. قَوْله: (فيقتحمن) من الاقتحام وَهُوَ الهجوم على الشَّيْء، يُقَال: قحم فِي الْأَمر أَي: رمى بِنَفسِهِ فِيهِ فَجْأَة، واقحمته فاقتحم، وَيُقَال: اقتحم الْمنزل إِذا هجم. قَوْله: (فِيهَا) أَي: فِي النَّار. قَوْله: (فَأَنا آخذ) قَالَ النَّوَوِيّ: رُوِيَ باسم الْفَاعِل، ويروى بِصِيغَة الْمُضَارع من الْمُتَكَلّم، وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: الْفَاء فِيهِ فصيحة كَأَنَّهُ لما قَالَ: (مثلي وَمثل النَّاس)
إِلَى آخِره، أَتَى بِمَا هُوَ أهم، وَهُوَ قَوْله: (فَأَنا آخذ بِحُجزِكُمْ) وَمن هَذِه الدقيقة الْتفت من الْغَيْبَة فِي قَوْله: (مثل النَّاس) إِلَى الْخطاب فِي قَوْله: (بِحُجزِكُمْ) قَوْله: (بِحُجزِكُمْ) بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح الْجِيم وبالزاي جمع حجزة وَهِي معقد الْإِزَار، وَمن السَّرَاوِيل مَوضِع التكة، وَيجوز ضم الْجِيم فِي الْجمع. قَوْله: (وهم يقتحمون(23/76)
فِيهَا) هَذِه رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: وَأَنْتُم تقتحمون، وعَلى الأول سَأَلَ الْكرْمَانِي فَقَالَ: الْقيَاس: وَأَنْتُم، لَا: هم، ليُوَافق لفظ: حُجُزكُمْ، ثمَّ أجَاب بِأَنَّهُ الْتِفَات.
وَفِيه: إِشَارَة إِلَى أَن من أَخذه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بحجرته لَا اقتحام لَهُ فِيهَا.
4846 - حدّثنا أبُو نُعَيْمٍ حَدثنَا زَكرِيَّاءُ عنْ عامِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الله بنَ عَمْرٍ ويَقُولُ: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ منْ لِسانِهِ ويَدِهِ، والمُهاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى الله عنْهُ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن ترك أَذَى الْمُسلم بِالْيَدِ وَاللِّسَان من جملَة الِانْتِهَاء عَن الْمعاصِي، وَأَيْضًا قَوْله: (من هجر مَا نهى الله عَنهُ) من جملَة الِانْتِهَاء عَن الْمعاصِي.
وَأَبُو نعيم الْفضل بن دُكَيْن، وزَكَرِيا هُوَ ابْن أبي زَائِدَة، وعامر هُوَ الشّعبِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي أول كتاب الْإِيمَان. قيل: خص المُهَاجر بِالذكر تطبيباً لقلب من لم يُهَاجر من الْمُسلمين لفَوَات ذَلِك بِفَتْح مَكَّة، فأعلمهم بِأَن من هجر مَا نهى الله عَنهُ كَانَ هُوَ المُهَاجر الْكَامِل.
7 - (بابُ قَوْلِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أعلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيراً))
أَي: هَذَا بَاب قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَو تعلمُونَ مَا أعلم) إِلَى آخِره، ذكر التَّرْجَمَة بِلَفْظ حَدِيث الْبَاب، وَعكس بَعضهم حَيْثُ قَالَ: ذكر فِيهِ حَدِيث أبي هُرَيْرَة بِلَفْظ التَّرْجَمَة.
5846 - حدّثنا يَحْيَاى بنُ بُكَيْرٍ حَدثنَا اللَّيْثُ عنْ عُقَيْلٍ عنِ ابنِ شهابٍ عنْ سَعِيدِ بنِ المُسَيَّبِ أنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِي الله عنْهُ، كَانَ يَقولُ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً ولَبَكَيْتُمْ كَثِيراً) .
التَّرْجَمَة والْحَدِيث سَوَاء. وَيحيى بن بكير بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة مصغر بكر هُوَ يحيى بن عبد الله بن بكير المَخْزُومِي الْمصْرِيّ، وَعقيل بِضَم الْعين الْمُهْملَة ابْن خَالِد الْأَيْلِي، وَابْن شهَاب مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (مَا أعلم) أَي: من الْأَهْوَال وَالْأَحْوَال الَّتِي بَين أَيْدِينَا عِنْد النزع. وَفِي البرزخ وَيَوْم الْقِيَامَة.
وَفِيه: من صَنْعَة البديع: مُقَابلَة الضحك بالبكاء، والقلة بِالْكَثْرَةِ، ومطابقة كل مِنْهُمَا بِالْآخرِ.
6846 - حدّثنا سُلَيْمانُ بنُ حَرْبٍ حدّثنا شُعْبَةُ عنْ مُوسَى بنِ أنَسٍ عنْ أنَسٍ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً ولَبَكَيْتُمْ كَثِيراً) .
هَذَا مثل الحَدِيث السَّابِق غير أَن رَاوِي ذَاك أَبُو هُرَيْرَة، وراوي هَذَا أنس بن مَالك، روى عَنهُ ابْنه مُوسَى الْأنْصَارِيّ قَاضِي الْبَصْرَة.
وَهَذَا مُخْتَصر من حَدِيث أخرجه البُخَارِيّ فِي تَفْسِير سُورَة الْمَائِدَة عَن الْمُنْذر بن الْوَلِيد الجارودي وَسَيَجِيءُ فِي الِاعْتِصَام عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحِيم: وَأخرجه مُسلم فِي فَضَائِل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. عَن مُحَمَّد بن معمر وَغَيره. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي التَّفْسِير عَن مُحَمَّد بن معمر بِإِسْنَادِهِ نَحوه. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الرَّقَائِق عَن مَحْمُود بن غيلَان مُخْتَصرا.
82 - (بابٌ حُجِبَتِ النّارُ بالشَّهَوَاتِ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ: حجبت النَّار أَي: غطت النَّار فَكَانَت الشَّهَوَات سَببا للوقوع فِي النَّار، وَوَقع عِنْد أبي نعيم: بَاب حفت النَّار، وَفِي بعض النّسخ بعده: وحجبت الْجنَّة بالمكاره.(23/77)
7846 - حدّثنا إسْماعِيلُ قَالَ: حدّثني مالِكٌ عنْ أبِي الزِّنادِ عنِ الأعْرَجِ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (حُجبَتِ النَّارُ بالشَّهَوَاتِ وحُجِبَتِ الجَنَّةُ بالمَكارِهِ) .
التَّرْجَمَة جُزْء الحَدِيث وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن أبي أويس، وَأَبُو الزِّنَاد بالزاي وَالنُّون عبد الله ذكْوَان، والأعرج عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز. والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (حجبت النَّار) كَذَا لجَمِيع الروَاة فِي الْمَوْضِعَيْنِ إلاَّ الْفَروِي فَقَالَ: حفت النَّار، فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَكَذَا هُوَ عِنْد مُسلم من رِوَايَة وَرْقَاء بن عمر عَن أبي الزِّنَاد، وَكَذَا أخرجه مُسلم وَالتِّرْمِذِيّ من حَدِيث أنس وَهَذَا من جَوَامِع كَلمه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بديع بلاغته فِي ذمّ الشَّهَوَات وَإِن مَالَتْ إِلَيْهَا النُّفُوس، والحض على الطَّاعَات وَإِن كرهتها النُّفُوس وشق عَلَيْهَا. قَوْله: (حفت) ، بِالْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْفَاء من الحفاف وَهُوَ مَا يُحِيط بالشَّيْء حَتَّى لَا يتَوَصَّل إِلَيْهِ إلاَّ بتخطئه، فالجنة لَا يتَوَصَّل إِلَيْهَا إلاّ بِقطع مفاوز المكاره وَالنَّار لَا يُنجى مِنْهَا إلاَّ بترك الشَّهَوَات.
92 - (بابٌ الجَنَّةُ أقرَبُ إِلَى أحَدِكُمْ مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ، والنَّارُ مِثْلُ ذَلِكَ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ الْجنَّة إِلَى آخِره. وَهَذِه التَّرْجَمَة حذفهَا ابْن بطال، وَذكر الْحَدِيثين اللَّذين فيهمَا فِي الْبَاب الَّذِي قبلهَا. ومناسبة ذَلِك ظَاهِرَة، وَلَكِن الَّذِي ثَبت فِي الْأُصُول التَّفْرِقَة.
8846 - حدّثني مُوسَى بنُ مَسْعُودٍ حَدثنَا سُفيانُ عنْ مَنْصُورٍ والأعْمَشِ عنْ أبي وائِلٍ عنْ عَبْدِ الله رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (الجَنَّةُ أقْرَبُ إِلَى أحَدِكُمْ مِن شِرَاك نَعْلِهِ، والنارُ مِثْلُ ذَلِكَ) .
التَّرْجَمَة والْحَدِيث سَوَاء. ومُوسَى بن مَسْعُود أَبُو حُذَيْفَة النَّهْدِيّ بِفَتْح النُّون وَسُكُون الْهَاء، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ، وَمَنْصُور هُوَ ابْن الْمُعْتَمِر، وَالْأَعْمَش سُلَيْمَان، وَأَبُو وَائِل شَقِيق بن سَلمَة، وَعبد الله هُوَ ابْن مَسْعُود. وَهَؤُلَاء كلهم كوفيون والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (وَالْأَعْمَش) بِالْجَرِّ عطف على مَنْصُور.: (وشراك النَّعْل) هُوَ الَّذِي يدْخل فِيهِ إِصْبَع الرِّجل، وَيُطلق أَيْضا على كل سير وقى بِهِ الْقدَم.
وَفِيه: دَلِيل وَاضح على أَن الطَّاعَات موصلة إِلَى الْجنَّة والمعاصي مقربة من النَّار، فقد يكون فِي أيسر الْأَشْيَاء، وَيَنْبَغِي لِلْمُؤمنِ أَن لَا يزهد فِي قَلِيل من الْخَيْر وَلَا يسْتَقلّ قَلِيلا من الشَّرّ، فيحسبه هينا وَهُوَ عِنْد الله عَظِيم. فَإِن الْمُؤمن لَا يعلم الْحَسَنَة الَّتِي يرحمه الله بهَا، والسيئة الَّتِي يسْخط الله عَلَيْهِ بهَا.
9846 - حدّثني مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى حَدثنَا غنْدَرٌ حَدثنَا شُعْبَةُ عنْ عبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرِ عنْ أبي سَلَمَة عنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ، عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (أصْدَقُ بَيْتٍ قالَهُ الشَّاعِرُ:
(ألاَ كلُّ شَيْءٍ مَا خَلاَ الله باطِلُ))
(انْظُر الحيث 1483 وطرفه)
لم أر أحد من الشُّرَّاح ذكر وَجه إِيرَاد هَذَا الحَدِيث فِي هَذَا الْبَاب، فَلذَلِك ذكره ابْن بطال فِي الْبَاب الَّذِي قبله، فَأَقُول: من الْفَيْض الإلهي الَّذِي وَقع فِي خاطري أَن كل شَيْء مَا خلا الله من أَمر الدُّنْيَا الَّذِي لَا يؤول إِلَى طَاعَة الله وَلَا يقرب مِنْهُ إِذا كَانَ بَاطِلا يكون الِاشْتِغَال بِهِ مُبْعدًا من الْجنَّة مَعَ كَونهَا أقرب إِلَيْهِ من شِرَاك نَعله. ولإشتغال بالأمور الي هِيَ دَاخِلَة فِي أَمر الله تعال يكون مُبْعدًا من النَّار مَعَ كزنها أقرب إِلَيْهِ من شِرَاك نَعله
وغندر بِضَم الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون النُّون هُوَ مُحَمَّد بن جَعْفَر. والْحَدِيث قد مضى فِي الْأَدَب فِي: بَاب مَا يجوز من الشّعْر، وَمضى الْكَلَام فِيهِ مستقصًى، وبسطنا الْكَلَام فِيهِ فِي شرحنا الْأَكْبَر للشواهد.
03 - (بابٌ لِيَنْظُرْ إِلَى مَنْ هُوَ أسْفَلَ مِنْهُ وَلَا يَنْظُرْ إِلَى مَنْ هُو فَوْقَهُ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ لينْظر إِلَى مَا هُوَ أَسْفَل مِنْهُ؟ .
0946 - حدّثنا إسْمَاعِيلُ قَالَ: حدّثني مالِكٌ عَن أبي الزِّنادِ عَن الأعْرَجِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ عنْ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (إذَا نَظَرَ أحَدُكُمْ إِلَى مَنْ فُضِّلَ علَيْهِ فِي المالِ والخَلْقِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى مَنْ هُوَ أسْفَلَ مِنْهُ) .(23/78)
الْجُزْء الأول من التَّرْجَمَة من لفظ حَدِيث الْبَاب، وَقَالَ بَعضهم: هَذَا لفظ حَدِيث أخرجه مُسلم بِنَحْوِهِ من طَرِيق الْأَعْمَش عَن أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة بِلَفْظ: (انْظُرُوا إِلَى من هُوَ أَسْفَل مِنْكُم وَلَا تنظروا إِلَى من هُوَ فَوْقكُم) .
قلت: هَذَا أَلَيْسَ كَلَفْظِ حَدِيث مُسلم، بل هُوَ فِي الْمَعْنى مثله.
وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن أبي أويس، وَأَبُو الزِّنَاد عبد الله، والأعرج عبد الرَّحْمَن، وَقد ذكرا عَن قريب. والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (من فضل) على بِنَاء الْمَجْهُول. قَوْله: (والخلق) قَالَ الْكرْمَانِي: بِفَتْح الْمُعْجَمَة الصُّورَة أَو الْأَوْلَاد والاتباع، وكل مَا يتَعَلَّق بزينة الْحَيَاة الدُّنْيَا. قَوْله: (فَلْينْظر إِلَى من هُوَ أَسْفَل مِنْهُ) ليسهل عَلَيْهِ نقصانه ويفرح بِمَا أنعم الله عَلَيْهِ ويشكر عَلَيْهِ، وَأما فِي الدّين وَمَا يتَعَلَّق بِالآخِرَة فَلْينْظر إِلَى من هُوَ فَوْقه لتزيد رغبته فِي اكْتِسَاب الْفَضَائِل.
13 - (بابُ مَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ أوْ بِسَيِّئَةٍ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ من هم بحسنة، الْهم تَرْجِيح قصد الْفِعْل، تَقول: هَمَمْت بِكَذَا أَي: قصدته بهمتي وَهُوَ فَوق مُجَرّد خطور الشَّيْء بِالْقَلْبِ.
1946 - حدّثنا أبُو مَعْمَرٍ حدّثنا عبْدُ الوَارِثِ حَدثنَا جَعْدٌ أبُو عُثْمانَ حَدثنَا أبُو رجاءٍ العُطارِدِيُّ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهُمَا، عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيما يَرْوِي عنْ ربِّهِ عَزَّ وجَلَّ، قَالَ: (قَالَ إنَّ الله كَتَبَ الحَسَناتِ والسَّيِّئات ثُمَّ بَيَّنَ ذالِكَ، فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْها كَتَبَها الله لهُ عِنْدهُ حَسَنَةً كامِلَةً، فإنْ هُوَ هَمَّ بِها فَعَمِلَها كَتَبَها الله لهُ عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَناتٍ إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ إِلَى أضْعَافٍ كَثِيرَةٍ، ومَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلمْ يَعْمَلِها كَتَبَها الله لهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كامِلَةً، فإنْ هُوَ هَمَّ بِها فَعَمِلَها كَتَبَها الله لهُ سَيِّئَةً واحِدَةً) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فَمن هم بحسنة) وَقَوله: (وَمن هم بسيئة) .
وَأَبُو معمر عبد الله بن عَمْرو بن الْحجَّاج الْمنْقري بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون النُّون، وَفتح الْقَاف، وَعبد الْوَارِث هُوَ ابْن سعيد، وجعد بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة ابْن دِينَار، وكنيته أَبُو عُثْمَان الرَّازِيّ، وَأَبُو رَجَاء بِالْمدِّ وبالجيم اسْمه عُثْمَان بن تَمِيم العطاردي وَهَؤُلَاء كلهم بصريون.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْإِيمَان عَن شَيبَان بن فروخ وَغَيره. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي النعوت وَفِي الرَّقَائِق عَن قُتَيْبَة.
قَوْله: (عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ عَن مُسَدّد: عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (فِيمَا يروي عَن ربه) هَذَا لبَيَان أَنه من الْأَحَادِيث القدسية، أَو بَيَان مَا فِيهِ من الْإِسْنَاد الصَّرِيح إِلَى الله تَعَالَى حَيْثُ قَالَ: قَوْله: (إِن الله قد كتب) أَو بَيَان الْوَاقِع وَلَيْسَ فِيهِ أَن غَيره لَيْسَ كَذَلِك، بل فِيهِ أَن غَيره كَذَلِك، لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مَا ينْطق عَن الْهوى، أَو الْمَعْنى فِي جملَة مَا يرويهِ أَنه عز وَجل كتب الْحَسَنَات أَي قدرهَا وَجعلهَا حَسَنَة، وَكَذَلِكَ السَّيِّئَات قدرهَا وَجعلهَا سَيِّئَة. وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَفِيه دلَالَة على بطلَان قَاعِدَة الْحسن والقبح العقليين وَأَن الْأَفْعَال لَيست بذواتها قبيحة أَو حَسَنَة، بل الْحسن والقبح شرعيان حَتَّى لَو أَرَادَ الشَّارِع التعكيس وَالْحكم بِأَن الصَّلَاة قبيحة وَالزِّنَا حسن كَانَ لَهُ ذَلِك، خلافًا للمعتزلة فَإِنَّهُم قَالُوا: الصَّلَاة فِي نَفسهَا حَسَنَة وَالزِّنَا فِي نَفسه قَبِيح، والشارع كاشف مُبين لَا مُثبت وَلَيْسَ لَهُ تعكيسها. قَوْله: (ثمَّ بَين ذَلِك) أَي: ثمَّ بَين الله عز وَجل الَّذِي كتب من الْحَسَنَات والسيئات. قَوْله: (فَمن همَّ) بَيَان ذَلِك بفاء الفصيحة. قَوْله: (فَلم يعملها) أَي: فَلم يعْمل الْحَسَنَة الَّتِي هم بهَا قَوْله: (كتبهَا الله لَهُ عِنْده) أَي: كتب الله تِلْكَ الْحَسَنَة الَّتِي هم بهَا، وَقيل: أَمر الْحفظَة بِأَن تكْتب ذَلِك، وَقيل: قدر ذَلِك وَعرف الكتبة من الْمَلَائِكَة ذَلِك التَّقْدِير. وَقَوله: (عِنْده) أَي: عِنْد الله، وَهَذِه إِشَارَة إِلَى الشّرف. قَوْله: (كَامِلَة) إِشَارَة إِلَى رفع توهم نَقصهَا لكَونهَا نشأت عَن الْهم الْمُجَرّد، وَقَالَ النَّوَوِيّ: أَشَارَ بقوله: عِنْده، إِلَى مزِيد الاعتناء بِهِ. وَبِقَوْلِهِ: كَامِلَة، إِلَى تَعْظِيم الْحَسَنَة وتأكيد أمرهَا، وَعكس ذَلِك فِي السَّيئَة فَلم يصفها بكاملة بل أكدها بقوله: (وَاحِدَة) إِشَارَة إِلَى تحقيقها مُبَالغَة فِي الْفضل وَالْإِحْسَان. قَوْله: (فَإِن هُوَ هم بهَا) ، أَي:(23/79)
فَإِن هم العَبْد بِالْحَسَنَة فعملها قَوْله: (عشر حَسَنَات) قَالَ عز وَجل: {من جَاءَ بِالْحَسَنَة فَلهُ عشر أَمْثَالهَا} (الْأَنْعَام: 061) قَوْله: (إِلَى سَبْعمِائة ضعف) أَي: مثل، والضعف يُطلق على الْمثل وعَلى المثلين، قَالَ الله تَعَالَى: {مثل الَّذين يُنْفقُونَ أَمْوَالهم} (الْبَقَرَة: 162 و 562) الْآيَة قَوْله: (إِلَى أَضْعَاف كَثِيرَة) قَالَ الله تَعَالَى: {وَالله يُضَاعف لمن يَشَاء} (الْبَقَرَة: 162) . قيل: لما كَانَ الْهم بِالْحَسَنَة مُعْتَبرا بِاعْتِبَار أَنه فعل الْقلب لزم أَن يكون بِالسَّيِّئَةِ أَيْضا كَذَلِك. وَأجِيب: بِأَن هَذَا من فضل الله على عباده حَيْثُ عَفا عَنْهُم، وَلَوْلَا هَذَا الْفضل الْعَظِيم لم يدْخل أحد الْجنَّة لِأَن السَّيِّئَات من الْعباد أَكثر من الْحَسَنَات، فلطف الله عز وَجل بعباده بِأَن ضاعف لَهُم الْحَسَنَات دون السَّيِّئَات. قيل: إِذا هم العَبْد بِالسَّيِّئَةِ وَلم يعْمل بهَا فغايته أَن لَا تكْتب لَهُ سَيِّئَة فَمن أَيْن أَن تكْتب لَهُ حَسَنَة؟ وَأجِيب: بِأَن الْكَفّ عَن الشَّرّ حَسَنَة. قيل: اتّفق الْعلمَاء على أَن الشَّخْص إِذا عزم على ترك صَلَاة بعد عشْرين سنة عصى فِي الْحَال؟ وَأجِيب: بِأَن الْعَزْم وَهُوَ توطين النَّفس على فعله غير الْهم الَّذِي هُوَ تحديث النَّفس من غير اسْتِقْرَار، وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: إِذا حدث العَبْد نَفسه بالمعصية لم يُؤَاخذ، فَإِذا عزم فقد خرج عَن تحديث النَّفس فَيصير من أَعمال الْقلب، فَإِن عقد النِّيَّة على الْفِعْل فحينئذٍ يَأْثَم، وَبَيَان الْفرق بَين الْهم والعزم أَنه لَو حدث نَفسه فِي الصَّلَاة وَهُوَ فِيهَا بقطعها لم تَنْقَطِع، فَإِذا عزم حكمنَا بقطعها.
ثمَّ إعلم أَن حَدِيث ابْن عَبَّاس هَذَا مَعْنَاهُ الْخُصُوص لمن همَّ بسيئة فَتَركهَا لوجه الله تَعَالَى، وَأما من تَركهَا مكْرها على تَركهَا بِأَن يُحَال بَينه وَبَينهَا فَلَا تكْتب لَهُ حَسَنَة، فَلَا يدْخل فِي نَص الحَدِيث. وَقَالَ الطَّبَرِيّ: وَفِي هَذَا الحَدِيث تَصْحِيح مقَالَة من يَقُول: إِن الْحفظَة تكْتب مَا يهم بِهِ العَبْد من حَسَنَة أَو سَيِّئَة، وَتعلم اعْتِقَاده كَذَلِك، ورد مقَالَة من زعم أَن الْحفظَة لَا تكْتب إلاَّ مَا ظهر من عمل العَبْد وَتسمع. فَإِن قيل: الْملك لَا يعلم الْغَيْب فَكيف يعلم بهم العَبْد؟ قيل لَهُ: قد جَاءَ فِي الحَدِيث أَنه اذا هم بحسنة فاحت مِنْهُ رَائِحَة طيبَة، وَإِذا هم بسيئة فاحت مِنْهُ رَائِحَة كريهة.
قلت: هَذَا الحَدِيث أخرجه الطَّبَرِيّ عَن أبي معشر الْمدنِي، وَسَيَأْتِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة فِي التَّوْحِيد بِلَفْظ: (إِذا اراد عَبدِي أَن يعْمل سَيِّئَة فَلَا تكتبوها عَلَيْهِ حَتَّى يعملها) .
وَفِيه: دَلِيل على أَن الْملك يطلع على مَا فِي الْآدَمِيّ إِمَّا باطلاع الله إِيَّاه، وَإِمَّا بِأَن يخلق الله لَهُ علما يدْرك بِهِ ذَلِك.
23 - (بابُ مَا يُتَّقى مِنْ مُحَقَّراتِ الذُّنُوبِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا يتقى أَي: مَا يجْتَنب من محقرات الذُّنُوب، وَجَاء هَذَا اللَّفْظ فِي حَدِيث أخرجه النَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه عَن عَائِشَة: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهَا: (يَا عَائِشَة! إياك ومحقرات الذُّنُوب فَإِن لَهَا من الله طَالبا) . وَصَححهُ ابْن حبَان، والمحقرات جمع محقرة وَهِي الذُّنُوب الَّتِي يحتقرها فاعلها.
2946 - حدّثنا أبُو الوَلِيد حدّثنا مَهْدِيُّ عنْ غَيْلانَ عنْ أنَسٍ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إنَّكُمْ لَتَعْمَلُونَ أعْمالاً هِيَ أدَقُّ فِي أعْيُنِكُمْ مِنَ الشَّعَرِ إنْ كُنَّا نَعدُّ عَلى عَهْدِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم المُوبِقاتِ.
قَالَ أبُو عَبْدِ الله: يَعْنِي بِذالِكَ المُهْلِكاتِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من معنى الحَدِيث. وَأَبُو الْوَلِيد هِشَام بن عبد الْملك الطَّيَالِسِيّ، ومهدي هُوَ ابْن مَيْمُون الْأَزْدِيّ، وغيلان بِفَتْح الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف ابْن جرير، وَقَالَ بَعضهم: هُوَ غيلَان بن جَامع، وَهُوَ غلط صَرِيح لِأَن غيلَان بن جرير من أهل الْبَصْرَة، وغيلان بن جَامع كُوفِي قَاضِي الْكُوفَة.
وَرِجَال السَّنَد كلهم بصريون. والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (لتعملون) اللَّام فِيهِ للتَّأْكِيد. قَوْله: (هِيَ أدق) أفعل التَّفْضِيل من الدقة بِكَسْر الدَّال، وَأَرَادَ بِهِ أَنهم كَانُوا يحقرونها ويهونونها. قَوْله: (إِن كُنَّا تعدها) إِن مُخَفّفَة من الثَّقِيلَة، وَجَاز اسْتِعْمَالهَا بِدُونِ اللَّام الفارقة بَينهَا وَبَين النافية عِنْد الْأَمْن من الالتباس، وتعدها، بِدُونِ اللَّام فِي رِوَايَة أبي ذَر عَن السَّرخسِيّ وَالْمُسْتَمْلِي، وَعند الْأَكْثَرين: لنعدها، بلام التَّأْكِيد وَأَيْضًا بالضمير وَعِنْدَهُمَا بِحَذْف الضَّمِير أَيْضا، وَلَفْظهمَا: إِن كُنَّا نعد. قَوْله: (على عهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) أَي: فِي زَمَنه وأيامه. قَوْله: (الموبقات)(23/80)
أَي: المهلكات هَكَذَا فسره البُخَارِيّ على مَا يَجِيء الْآن، وَفِي رِوَايَة الْأَكْثَرين: من الموبقات، وَسُقُوط كلمة: من، فِي رِوَايَة السَّرخسِيّ وَالْمُسْتَمْلِي.
قَوْله: (قَالَ أَبُو عبد الله) هُوَ البُخَارِيّ نَفسه، (يَعْنِي بذلك) أَي بِلَفْظ الموبقات يَعْنِي أَرَادَ بهَا: المهلكات، وَهِي جمع موبقة أَي: مهلكة، وثلاثيه: وبق يبْق فَهُوَ وبق إِذا هلك، وأوبقه غَيره فَهُوَ موبق، فالفاعل بِكَسْر الْبَاء وَالْمَفْعُول بِفَتْحِهَا وَمعنى الحَدِيث رَاجع إِلَى قَوْله عز وَجل: {وتحسبونه هينا وَهُوَ عِنْد الله عَظِيم} (النُّور: 51) وَكَانَت الصَّحَابَة يعدون الصَّغَائِر من الموبقات لشدَّة خشيتهم لله وَلم تكن لَهُم كَبَائِر، والمحقرات، إِذا كثرت صَارَت كَبَائِر للإصرار عَلَيْهَا.
33 - (بابٌ الأعْمالُ بِالخَواتِيمِ وَمَا يخافُ مِنْها)
أَي: هَذَا بَاب فِيهِ الْأَعْمَال بالخواتيم أَي: بالعواقب، وَهُوَ جمع خَاتِمَة. وَفِي (التَّوْضِيح) : يُقَال: خَاتم بِفَتْح التَّاء وَكسرهَا، وعد اللُّغَات السِّت الَّتِي فِيهِ ثمَّ قَالَ: وَالْجمع الخواتيم.
قلت: هَذَا تصرف عَجِيب فَإِنَّهُ ظن أَن الخواتيم هُنَا جمع الْخَاتم الَّذِي يلبس، وَلَيْسَ لهَذَا هُنَا دخل، وَإِنَّمَا المُرَاد بالخواتيم الْأَعْمَال الَّتِي يخْتم بهَا عمل الرجل عِنْد مَوته.
3946 - حدّثنا عَلِيُّ بن عَيَّاشٍ حدّثنا أبُو غَسَّانَ قَالَ: حدّثني أبُو حازِمٍ عنْ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ: نَظَرَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى رَجلٍ يُقاتِلُ المُشْرِكِينَ، وكانَ مِنْ أعْظَمِ المُسْلِمِينَ غَناءً عَنْهُمْ، فَقَالَ: (مَنْ أحَبَّ أنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أهْلِ النَّارِ فَلْيَنْظرْ إِلَى هاذا) فَتَبَعهُ رَجُلٌ فَلَمْ يَزَلْ عَلى ذالِكَ حتَّى جُرِحَ فاسْتَعْجَلَ المَوْتَ، وَقَالَ بِذُبابَةِ سَيْفِهِ فَوَضَعَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ فَتَحَامَلَ عَلَيْهِ حتَّى خَرَجَ مِنْ بَيْنِ كَتِفَيْه، فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إنَّ العَبْدَ لَيَعْمَلُ فِيما يَرى النَّاسُ عَمَلَ أهْلِ الجَنَّةِ وإنهُ لِمَنْ أهْلِ النَّارِ، ويَعْمَلُ فِيمَا يَرى النَّاسُ عَمَلَ أهْلِ النَّارِ وهْوَ مِنْ أهْلِ الجنةِ، وإنَّما الأعْمالُ بِخَواتِيمها) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي آخر الحَدِيث. وَعلي بن عَيَّاش بتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالشين الْمُعْجَمَة الْأَلْهَانِي بالنُّون الْحِمصِي، وَأَبُو غَسَّان بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَتَشْديد السِّين الْمُهْملَة مُحَمَّد بن مطرف، وَأَبُو حَازِم بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي سَلمَة ابْن دِينَار.
والْحَدِيث مضى فِي الْجِهَاد مطولا فِي: بَاب لَا يُقَال: فلَان شَهِيد، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن قُتَيْبَة عَن يَعْقُوب بن عبد الرحمان عَن أبي حَازِم ... إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ. وَمضى أَيْضا فِي الْمَغَازِي، وَسَيَأْتِي فِي الْقدر أَيْضا.
قَوْله: (إِلَى رجل) اسْمه قزمان بِضَم الْقَاف وبالزاي ... قَوْله: (غناء) بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وبالمد يُقَال: غنى عَن فلَان غناء نَاب عَنهُ، وأجرى مجْرَاه. قَوْله: (وَقَالَ بذبابة سَيْفه) يَعْنِي: طعن بذبابة سَيْفه، وَهُوَ حَده وطرفه بَين ثدييه، وَقد تقدم فِيمَا مضى: بنصل سَيْفه، فَلَا مُنَافَاة لِإِمْكَان الْجمع بَينهمَا. قَوْله: (فتحامل عَلَيْهِ) أَي: اتكأ عَلَيْهِ بقوته.
43 - (بابٌ العُزْلَةُ راحَةٌ مِنْ خُلاَّطِ السُّوءِ)
أَي: هَذَا بَاب مترجم بترجمة هِيَ الْعُزْلَة أَي: الاعتزال والانفراد رَاحَة من خلاط السوء بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَشْديد اللَّام جمع خليط وَهُوَ جمع غَرِيب وخليط الرجل الَّذِي يخالطه ويعاشره يَسْتَوِي فِيهِ الْوَاحِد وَالْجمع وَيجمع الخليط أَيْضا على خالط بِضَمَّتَيْنِ، ذكره الصغاني فِي اللّبَاب، وَقَالَ بَعضهم: ذكره الْكرْمَانِي بِلَفْظ: خلط بِغَيْر ألف، يَعْنِي مثل مَا ذكره الصغاني.
قلت: لم يذكر الْكرْمَانِي هَكَذَا، وَإِنَّمَا قَالَ: خلاط بِضَم الْخَاء وَتَشْديد اللَّام جمع خليط وبكسرها وَالتَّخْفِيف مصدر أَي: المخالطة، هَذَا الَّذِي ذكره الْكرْمَانِي وَلم يرد بقوله: وبكسرها ... إِلَى آخِره أَنه التَّرْجَمَة، وَإِنَّمَا ذكر هَذَا لزِيَادَة الْفَائِدَة، على أَنه يجوز أَن يكون أَشَارَ بِهِ إِلَى جَوَاز الْوَجْهَيْنِ فِي قَوْله: من خلاط السوء. أَحدهمَا: أَن يكون جمعا وَالْآخر: إِن يكون مصدرا من خالط يخالط مُخَالطَة وخلاطاً. قَوْله: (رَاحَة، أَصله رَوْحَة قلبت الْوَاو ألفا لتحركها وانفتاح مَا قبلهَا، قَالَ الْجَوْهَرِي: الرّوح والراحة من الاسْتِرَاحَة وَهُوَ سُكُون النَّفس مَعَ سَعَة من غير تنكد بِشَيْء، وَهَذِه مَادَّة وَاسِعَة تسْتَعْمل لمعان كَثِيرَة.
وَفِي الْعُزْلَة عَن النَّاس فَوَائِد كَثِيرَة وأقلها الْبعد من شرِّهم وَقد قَالَ أَبُو الدَّرْدَاء: وجدت النَّاس أكبر ثقلة، وروى ابْن الْمُبَارك: أخبرنَا(23/81)
شُعْبَة عَن حبيب بن عبد الرَّحْمَن عَن حَفْص بن عَاصِم: أَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: خُذُوا حظكم من الْعُزْلَة، وَفِي رِوَايَة قَالَ عمر: الْعُزْلَة رَاحَة من خليط السوء، وروى الطَّحَاوِيّ من حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: أَلا أخْبركُم بِخَير النَّاس منزلا؟ قُلْنَا: بلَى يَا رَسُول الله {قَالَ: رجل أَخذ بعنان فرسه فِي سَبِيل الله} وأخبركم بِالَّذِي يَلِيهِ؟ رجل معتزل فِي شعب يُقيم الصَّلَاة ويؤتي الزَّكَاة، ثمَّ قَالَ: فَإِن قَالَ قَائِل: أَيْن مَا روى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، من قَوْله: الْمُسلم الَّذِي يخالط النَّاس ويصبر على أذاهم خير من الْمُسلم الَّذِي لَا يخالط النَّاس وَلَا يصبر على أذاهم؟ وَيُجَاب بِأَنَّهُ لَا تضَاد بَينهمَا لِأَن قَوْله: رجل أَخذ بعنان فرسه، خرج مخرج الْعُمُوم، وَالْمرَاد بِهِ الْخُصُوص فَالْمَعْنى فِيهِ أَنه من خير النَّاس، كَمَا ذكره غَيره بِمثل ذَلِك، فَقَالَ: خير النَّاس من طَال عمره وَحسن عمله، أَو يكون المُرَاد بتفضيله فِي وَقت من الْأَوْقَات لَا فِي كل الْأَوْقَات.
4946 - حدّثنا أبُو اليَمانِ أخبرنَا شُعَيْبٌ عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حَدثنِي عَطاءُ بنُ يَزِيدَ أنَّ أَبَا سَعِيدٍ حَدَّثَهُ قَالَ: قِيلَ: يَا رسولَ الله.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ يُوسُفَ: حَدثنَا الأوْزاعِيُّ حَدثنَا الزُّهْرِيُّ عنْ عَطاءٍ ابنِ يَزِيدَ اللّيْثِيِّ عنْ أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ قَالَ: جاءَ أعْرابِيٌّ إِلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا رسولَ الله! أيُّ الناسِ خَيْرٌ؟ قَالَ: (رَجلٌ جاهَدَ بِنَفْسِهِ ومالِهِ، ورَجْلٌ فِي شِعْبٍ مِنَ الشّعابِ يَعْبُدُ رَبَّهُ ويَدَعُ النَّاسَ مِنْ شَرِّهِ) . (انْظُر الحَدِيث 6872) .
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (وَرجل فِي شعب)
إِلَى آخِره.
وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع، وَعَطَاء بن يزِيد من الزِّيَادَة وَاسم أبي سعيد سعد بن مَالك، وَالْأَوْزَاعِيّ عبد الرَّحْمَن.
والْحَدِيث مضى فِي أَوَائِل الْجِهَاد فِي: بَاب أفضل النَّاس مُؤمن مُجَاهِد، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن أبي الْيَمَان ... إِلَى آخِره.
قَوْله: (وَقَالَ مُحَمَّد بن يُوسُف) هُوَ الْفرْيَابِيّ قرنه هُنَا بِرِوَايَة أبي الْيَمَان وأفرد أَبَا الْيَمَان فِي الْجِهَاد، وَرَوَاهُ مُسلم عَن عبيد الله بن عبد الرَّحْمَن الدَّارمِيّ عَن مُحَمَّد بن يُوسُف. قَوْله: (أَعْرَابِي) لم يدر اسْمه. قَوْله: (أَي النَّاس خير؟) وَفِي الرِّوَايَة الْمُتَقَدّمَة بِلَفْظ: أفضل. قَوْله: (رجل جَاهد) أَي: خير النَّاس رجل جَاهد، وَلَا يُعَارضهُ قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (خَيركُمْ من تعلم الْقُرْآن وَعلمه) ، وَمثل ذَلِك، لِأَن اخْتِلَاف هَذَا بِحَسب اخْتِلَاف الْأَوْقَات والأقوام وَالْأَحْوَال. قَوْله: (فِي شعب) ، بِكَسْر الشين الْمُعْجَمَة: الطَّرِيق فِي الْجَبَل ومسيل المَاء وَمَا انفرج بَين الجبلين. قَوْله: (ويدع) أَي: يتْرك.
تابَعَهُ الزُّبَيْدِيُّ وسُلَيْمانُ بنُ كَثِيرٍ والنُّعْمانُ عنِ الزُّهْرِيِّ
أَي: تَابع شعيباً فِي رِوَايَته عَن الزُّهْرِيّ الزبيدِيّ، وَكَذَا تَابع الْأَوْزَاعِيّ فِي رِوَايَته عَن الزُّهْرِيّ، والزبيدي هُوَ مُحَمَّد بن الْوَلِيد السَّامِي نِسْبَة إِلَى زبيد بِضَم الزاء وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف، وَهُوَ مُنَبّه بن صَعب وَهُوَ زبيد الْأَكْبَر، وَإِلَيْهِ يرجع قبائل زبيد، وروى مُتَابَعَته مُسلم عَن مَنْصُور بن أبي مُزَاحم: حَدثنَا يحيى بن حَمْزَة عَن الزبيدِيّ. قَوْله: وَسليمَان، بِالرَّفْع عطف على: الزبيدِيّ، وروى مُتَابَعَته أَبُو دَاوُد عَن أبي الْوَلِيد الطَّيَالِسِيّ عَن سُلَيْمَان بِهِ. قَوْله: والنعمان هُوَ ابْن رَاشد الْجَزرِي وروى مُتَابَعَته أَحْمد عَن وهب بن جرير: حَدثنَا أبي سَمِعت النُّعْمَان بن رَاشد بِهِ.
وَقَالَ مَعْمَرٌ: عَن الزُّهْريِّ عنْ عَطاءِ أوْ عُبَيْدِ الله عنْ أبي سَعِيدٍ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
أَي قَالَ معمر بن رَاشد: عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ عَن عَطاء بن يزِيد أَو عبيد الله بِالشَّكِّ، وَهُوَ عبيد الله بن عبد الله بن عتبَة بن مَسْعُود الْهُذلِيّ، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهَذَا التَّعْلِيق رَوَاهُ أَحْمد عَن عبد الرَّزَّاق، وَقَالَ فِي سِيَاقه: معمر، يشك، وَفِي رِوَايَة مُسلم عَن أبي حميد: حَدثنَا عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن مُحَمَّد عَن عَطاء، بِغَيْر شكّ.(23/82)
وَقَالَ يُونُسُ وابنُ مُسافِرِ ويَحْيَاى بنُ سَعِيدٍ: عنِ ابنِ شِهابٍ عنْ عَطاءٍ عنْ بَعْضِ أصْحابِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
يُونُس هُوَ ابْن يزِيد الْأَيْلِي، وَابْن مُسَافر أَبُو خَالِد، وَيُقَال: أَبُو الْوَلِيد التَّمِيمِي الْمصْرِيّ وَالِي مصر لهشام سنة ثَمَان عشرَة وَمِائَة، وعزل عَنْهَا سنة تسع عشرَة وَمِائَة، وَهُوَ مولى اللَّيْث بن سعد، وَيحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ النجاري الْمَدِينِيّ قَاضِي الْمَدِينَة، رأى أنس بن مَالك. وَتَعْلِيق يُونُس أخرجه عبد الله بن وهب فِي (جَامعه) ، وَتَعْلِيق ابْن مُسَافر أخرجه الذهلي فِي (الزهريات) : من طَرِيق اللَّيْث ابْن سعد عَنهُ. وَتَعْلِيق يحيى أخرجه الذهلي الْمَذْكُور من طَرِيق سُلَيْمَان بن بِلَال عَنهُ. قَوْله: عَن بعض أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ الْكرْمَانِي: لَعَلَّه أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ.
5946 - حدّثنا أبُو نُعَيْمٍ حَدثنَا المَاجشُونُ عنْ عَبْدِ الرَّحْمانِ بنِ أبي صَعْصَعَة عنْ أبِيهِ عنْ أبي سَعِيدٍ أنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: سَمِعْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ: (يَأْتِي عَلى النَّاس زَمانٌ خَيْرُ مالِ الرَّجُلِ المُسْلِمِ الغَنَمُ يَتْبَعُ بهَا شَعَفَ الجِبالِ ومَواقِعَ القَطْرِ يَفِرُّ بِدِينهِ منَ الفِتْنَ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من مَعْنَاهُ. وَأَبُو نعيم هُوَ الْفضل بن دُكَيْن وَهُوَ الْفضل بن عَمْرو بن حَمَّاد الْأَحول التَّيْمِيّ الْكُوفِي. ودكين لقب. عَمْرو مَاتَ سنة ثَمَان أَو تسع عشرَة وَمِائَتَيْنِ، والماجشون بِكَسْر الْجِيم وَضم الشين الْمُعْجَمَة هُوَ عبد الْعَزِيز بن عبد الله بن أبي سَلمَة، وَعبد الرَّحْمَن بن أبي صعصعة هُوَ عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن أبي صعصعة، يروي عَن أَبِيه، وَفِي رِوَايَة يحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ عَن عبد الرَّحْمَن هَذَا: أَنه سمع أَبَاهُ أخرجه أَحْمد والإسماعيلي وَأَخُوهُ عبد الرَّحْمَن مُحَمَّد بن عبد الله انْفَرد البُخَارِيّ بهما وبأبيهما.
والْحَدِيث مضى فِي الْإِيمَان فِي: بَاب من الدّين الْفِرَار من الْفِتَن، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبد الله بن مسلمة عَن مَالك عَن عبد الرَّحْمَن الْمَذْكُور، وَمر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (شعف الْجبَال) بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَالْعين الْمُهْملَة جمع شعفة، وَهِي رَأس الْجَبَل. قَوْله: (ومواقع الْقطر) يَعْنِي: بطُون الأودية.
وَفِيه: أَن اعتزال النَّاس عِنْد ظُهُور الْفِتَن والهرب عَنْهُم أسلم للدّين من مخالطتهم.
53 - (بابُ رَفْعِ الأمانَةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان رفع الْأَمَانَة من بَين النَّاس. وَالْمرَاد برفعها ذهابها بِحَيْثُ إِن لَا يُوجد الْأمين، وَالْأَمَانَة ضد الْخِيَانَة.
6946 - حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ سِنانٍ حدّثنا فُلَيْحُ بنُ سُلَيْمانَ حدّثنا هِلالُ بنُ عَلِيٍّ عنْ عَطاءٍ بن يَسارٍ عنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِذا ضُيِّعَتِ الأمانَةُ فانْتَظِر السَّاعَةَ) . قَالَ: كَيْف إضاعَتُها يَا رسولَ الله؟ قَالَ: (إِذا أُسْنِدَ الأمْرُ إِلَى غَيْرِ أهْلِهِ فانْتَظِرِ السَّاعَةَ) . (انْظُر الحَدِيث 95) .
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (إِذا ضيعت الْأَمَانَة) وَمُحَمّد بن سِنَان بِكَسْر السِّين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف النُّون الأولى.
والْحَدِيث قد مضى فِي أول كتاب الْعلم بِهَذَا الْإِسْنَاد.
قَوْله: (كَيفَ إضاعتها) الْقَائِل بِهَذَا هُوَ الْأَعرَابِي، سَأَلَ: مَتى السَّاعَة؟ لِأَن أول الحَدِيث عَن أبي هُرَيْرَة: بَيْنَمَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مجْلِس يحدث الْقَوْم جَاءَ أَعْرَابِي فَقَالَ: مَتى السَّاعَة؟ ... الحَدِيث. قَوْله: (قَالَ: إِذا أسْند) أَي: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِذا أسْند الْأَمر إِلَى غير أَهله) وَالْمرَاد من الْأَمر جنس الْأُمُور الَّتِي تتَعَلَّق بِالدّينِ كالخلافة والسلطنة والإمارة وَالْقَضَاء والإفتاء، وَقَالَ الْكرْمَانِي: أسْند الْأَمر، أَي: فوض المناصب إِلَى غير مستحقيها كتفويض الْقَضَاء إِلَى غير الْعَالم بِالْأَحْكَامِ كَمَا هُوَ فِي زَمَاننَا.
قلت: يَا لَيْت أَن يتَوَلَّى الْجَاهِل بِلَا رشوة لِأَنَّهُ يحْتَمل أَن يكون دينا يستفتي فِيمَا يجهله، فالمصيبة الْعُظْمَى أَن يتَوَلَّى الْجَاهِل بالرشوة، فلعن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الراشي والمرتشي والرائش، حَيْثُ قَالَ: لعن الله الراشي ... إِلَى آخر الحَدِيث، رَوَاهُ عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ، وَلَا شكّ أَن من لَعنه الله لَعنه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأعظم المصائب أَن الديار(23/83)
المصرية الَّتِي هِيَ كرْسِي الْإِسْلَام لَا يتَوَلَّى فِيهَا الْقُضَاة والحكام وَسَائِر أَصْحَاب المناصب إِلَّا بالرشي والبراطيل، وَلَا يُوجد هَذَا فِي بِلَاد الرّوم وَلَا فِي بِلَاد الْعَجم.
7946 - حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ كَثِيرٍ أخبرنَا سُفْيانُ حدّثنا الأعْمَشُ عنْ زَيْدِ بن وَهْبٍ حدّثنا حُذَيْفَةُ قَالَ: حدّثنا رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَدِيثَيْنِ رَأيْتُ أحَدَهُما، وَأَنا أنْتَظرُ الآخَرَ. حدّثنا: أنَّ الأمانَةَ نَزَلَتْ فِي جَذْرِ قُلُوبِ الرِّجالِ ثُمَّ عَلِمُوا مِنَ القُرْآنِ ثُمَّ عَلِمُوا مِنَ السُّنَّةِ، وحدّثنا عنْ رَفْعِها، قَالَ: (يَنامُ الرَّجُلُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ الأمانَةُ منْ قَلْبِهِ فَيظلُّ أثَرُها مِثْلَ أثَرِ الوكْتِ، ثُمَّ يَنامُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ فَيَبْقاى أثَرُها مِثْلَ المَجْلِ كَجَمْرٍ دَحْرَجْتَهُ عَلى رِجْلِكَ فَنَفِطَ فَتَرَاهُ مُنْتَبِراً ولَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ، فَيُصْبِحُ النَّاسُ يَتَبايَعُوَنَ فَلا يَكادُ أحَدٌ يُؤَدِّي الأمانَةَ. فَيُقالُ: إِن فِي بَني فُلانٍ رَجُلاً أمِيناً، ويُقالُ لِلرَّجُلِ: مَا أعْقَلهُ وَمَا أظْرَفَهُ وَمَا أجْلَدَهُ، وَمَا فِي قلْبِهِ مِثْقالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إيمانٍ) ولقدْ أتَى عَلَيَّ زَمانٌ وَمَا أُبالي أيَّكُمْ بايَعْتُ، لَئِنْ كَانَ مُسْلِماً رَدَّهُ عَلَيَّ الإسْلامُ، وإنْ كَانَ نَصْرانِيًّا رَدَّهُ عَلَيَّ ساعِيهِ، فأمَّا اليَوْمَ، فَما كُنْتُ أُبايعُ إلاَّ فُلاناً وفُلاناً.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ، وَالْأَعْمَش سُلَيْمَان.
والْحَدِيث أخرجه أَيْضا عَن عَليّ بن عبد الله عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة. وَأخرجه مُسلم فِي الْإِيمَان عَن أبي بكر وَغَيره. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الْفِتَن عَن هناد بن السّري. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن عَليّ بن مُحَمَّد عَن وَكِيع بِهِ.
قَوْله: (حديثين) أَي: فِي بَاب الْأَمَانَة. أَحدهمَا: فِي نزُول الْأَمَانَة. وَالْآخر: فِي رَفعهَا قَوْله: (حَدثنَا) أَي: رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَوْله: (فِي جذر قُلُوب الرِّجَال) بِفَتْح الْجِيم: وَكسرهَا وَسُكُون الذَّال الْمُعْجَمَة، وَهُوَ الأَصْل فِي كل شَيْء. قَالَه أَبُو عبيد، وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: الجذر أصل الْحسب وَالنّسب، وأصل الشَّجَرَة. قَوْله: (ثمَّ علمُوا) أَي: بعد نُزُولهَا فِي قُلُوب الرِّجَال بالفطرة علموها من الْقُرْآن. قَالَ الله تَعَالَى: {إِنَّا عرضنَا الْأَمَانَة على السَّمَوَات وَالْأَرْض} (الْأَحْزَاب: 27) الْآيَة. قَالَ ابْن عَبَّاس: هِيَ الْفَرَائِض الَّتِي على الْعباد، وَقيل: هِيَ مَا أمروا بِهِ ونهوا عَنهُ، وَقيل: هِيَ الطَّاعَة، نَقله الواحدي عَن أَكثر الْمُفَسّرين. قَوْله: (ثمَّ علمُوا من السّنة) أَي: سنة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَحَاصِل الْمَعْنى: أَن الْأَمَانَة كَانَت لَهُم بِحَسب الْفطْرَة وحصلت لَهُم بِالْكَسْبِ أَيْضا، بِسَبَب الشَّرِيعَة. قَوْله: (وَحدثنَا) أَي: رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (عَن رَفعهَا) أَي: عَن رفع الْأَمَانَة. قَوْله: (ينَام الرجل) إِلَى آخِره بَيَان رَفعهَا وَهُوَ أَنه (ينَام نومَة فتقبض الْأَمَانَة من قلبه) يَعْنِي: تقبض من قوم ثمَّ من قوم ثمَّ شَيْئا بعد شَيْء فِي وَقت بعد وَقت على قدر فَسَاد الدّين. قَوْله: (فيظل أَثَرهَا) أَي: فَيصير أَثَرهَا. (مثل أثر الوكت) بِفَتْح الْوَاو وَسُكُون الْكَاف وبالتاء الْمُثَنَّاة وَهُوَ أثر النَّار وَنَحْوه، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: الوكتة الْأَثر فِي الشَّيْء كالنقطة من غير لَونه وَالْجمع وكت، وَمِنْه قيل للبسر: إِذا وَقعت فِيهِ نقطة من الإرطاب وكت، وَمِنْه حَدِيث حُذَيْفَة الْمَذْكُور، وَقَالَ الْجَوْهَرِي فِي فصل الْوَاو من بَاب التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق: الوكتة كالنقطة فِي الشَّيْء، يُقَال فِي عينه وكتة، وَضَبطه صَاحب (التَّلْوِيح) بالثاء الْمُثَلَّثَة وَهُوَ غلط. قَوْله: (مثل المجل) بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْجِيم وَفتحهَا هُوَ التنفط الَّذِي يحصل فِي الْيَد من الْعَمَل بفأس وَنَحْوه، وَهُوَ مصدر: مجلت يَده تمجل مجلاً، وَيُقَال: هُوَ أَن يكون بَين الْجلد وَاللَّحم مَاء وَكَذَلِكَ الْمجلة، وَهُوَ من بَاب علم يعلم ومصدره مجل بِفتْحَتَيْنِ: وَمن بَاب نصر ينصر ومصدره مجل بِسُكُون الْجِيم ومجول، وَقَالَ الْأَصْمَعِي: هُوَ تفتح يشبه الْبِئْر من الْعَمَل. قَوْله: (فنفط) بِكَسْر الْفَاء قَالَ ابْن فَارس: النفط قرح يخرج فِي الْيَد من الْعَمَل وَإِنَّمَا قَالَ: نفط مَعَ أَن الضَّمِير فِيهِ يرجع إِلَى الرجل وَهُوَ مؤنث، وَذكره بِاعْتِبَار الْعُضْو أَو بِاعْتِبَار لفظ الرجل. قَوْله: (منتبرا) أَي: مرتفعاً، من الانتبار وَهُوَ الِارْتفَاع، وَمِنْه انتبر الْأَمِير: صعد على الْمِنْبَر، وَمِنْه سمي الْمِنْبَر منبراً لارتفاعه، وكل شَيْء ارْتَفع فقد نبره وَقَالَ أَبُو عبيد: منتبراً أَي: متنفطاً. وَحَاصِله أَن الْقلب يَخْلُو عَن الْأَمَانَة بِأَن تَزُول عَنهُ شَيْئا فَشَيْئًا، فَإِذا زَالَ جُزْء مِنْهَا(23/84)
زَالَ نورها وخلفته ظلمَة كالوكت، وَإِذا زَالَ شَيْء آخر مِنْهُ صَار كالمجل وَهُوَ أثر حكم لَا يكَاد يَزُول إلاَّ بعد مُدَّة، ثمَّ شبه زَوَال ذَلِك النُّور بعد ثُبُوته فِي الْقلب وَخُرُوجه مِنْهُ واعتقابه إِيَّاه بجمر تدحرجه على رجلك حَتَّى يُؤثر فِيهَا، ثمَّ يَزُول الْجَمْر وَيبقى التنفط. قَوْله: (يتبايعون) أَي: من البيع وَالشِّرَاء. قَوْله: (فَلَا يكَاد أحد) كَذَا فِي رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: فَلَا يكَاد أحدهم. قَوْله: (أَتَى عَليّ) بتَشْديد الْيَاء قَوْله: (وَمَا أُبَالِي أَيّكُم بَايَعت) وَقَالَ ابْن التِّين: تَأَوَّلَه بعض النَّاس على بيعَة الْخلَافَة، وَهُوَ خطأ، فَكيف يكون ذَلِك وَهُوَ يَقُول: لَئِن كَانَ نَصْرَانِيّا ... إِلَى آخِره؟ وَالَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُور وَهُوَ الصَّحِيح أَنه أَرَادَ بِهِ البيع وَالشِّرَاء المعروفين، يَعْنِي: كنت أعلم أَن الْأَمَانَة فِي النَّاس: فَكنت أقدم على مُعَاملَة من أَثِق غير باحث عَن حَاله وثوقاً بأمانته، فَإِنَّهُ إِن كَانَ مُسلما فدينه يمنعهُ من الْخِيَانَة ويحمله على أَدَاء الْأَمَانَة. وَإِن كَانَ كَافِرًا فساعيه، وَهُوَ الْوَالِي الَّذِي يسْعَى لَهُ. أَي الْوَالِي عَلَيْهِ يقوم بالأمانة فِي ولَايَته فينصفني ويستخرج حَقي مِنْهُ، وكل من ولى شَيْئا على قوم فَهُوَ ساعيهم مثل سعاة الزَّكَاة، وَأما الْيَوْم فقد ذهبت الْأَمَانَة فلست أَثِق الْيَوْم بِأحد أأتمنه على بيع أَو شِرَاء إلاَّ فلَانا وَفُلَانًا يَعْنِي أَفْرَاد من النَّاس قَلَائِل أعرفهم وأثق بهم. قَوْله: (رده عَليّ الْإِسْلَام) وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي: بِالْإِسْلَامِ. قَوْله: (وَإِن كَانَ نَصْرَانِيّا) ذكر النَّصْرَانِي على سَبِيل التَّمْثِيل، وإلاَّ فاليهودي أَيْضا، كَذَلِك صرح فِي (صَحِيح مُسلم) بهما.
8946 - حدّثنا أبُو اليَمانِ أخبرنَا شُعَيْبٌ عَن الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبرنِي سالِمُ بنُ عَبْدِ الله أنَّ عَبْدَ الله بنَ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهُمَا، قَالَ: سمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ: (إنَّما النَّاسُ كالإبِلِ المِائَةُ لَا تَكادُ تَجِدُ فِيها راحِلَةً) .
مطابقته للتَّرْجَمَة يُمكن أَن توجه من حَيْثُ إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أخبر فِي هَذَا الحَدِيث بِأَن النَّاس كَثِيرُونَ والمرضي فيهم قَلِيل بِمَنْزِلَة الرَّاحِلَة فِي الْإِبِل الْمِائَة، وَغير المرضي هم الَّذين ضيعوا الْفَرَائِض الَّتِي عَلَيْهِم، وَقد ذكرنَا أَن ابْن عَبَّاس فسر الْأَمَانَة بالفرائض، فَمن هَذِه الْحَيْثِيَّة تحصل الْمُطَابقَة بَين التَّرْجَمَة والْحَدِيث.
وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع.
والْحَدِيث بِهَذَا الْإِسْنَاد من أَفْرَاده، وَفِي رِوَايَة مُسلم من طَرِيق معمر عَن الزُّهْرِيّ: تَجِدُونَ النَّاس كإبل مائَة لَا يجد الرجل فِيهَا رَاحِلَة.
وَاخْتلفُوا فِي معنى هَذَا الحَدِيث فَقيل: إِنَّمَا يُرَاد بِهِ الْقُرُون المذمومة فِي آخر الزَّمَان، وَلذَلِك ذكره البُخَارِيّ هُنَا وَلم يرد بِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، زمن أَصْحَابه، وتابعيهم لِأَنَّهُ قد شهد لَهُم بِالْفَضْلِ، فَقَالَ: خير الْقُرُون ... الحَدِيث، وَنقل الْكرْمَانِي هَذَا فِي (شَرحه) بقوله: وَقَالَ بَعضهم: المُرَاد بِهِ الْقُرُون المذمومة ... إِلَى آخر مَا ذَكرْنَاهُ، وَقَالَ بَعضهم: نقل الْكرْمَانِي هَذَا عَن مغلطاي ظنا مِنْهُ أَنه كَلَامه لكَونه لم يعزه.
قلت: لم يقل الْكرْمَانِي إلاَّ: قَالَ بَعضهم، وَلم يذكر لفظ مغلطاي أصلا، فَلَا يحْتَاج إِلَى ذكره بِمَا فِيهِ من سوء الْأَدَب وَنسبَة الظَّن إِلَيْهِ وَبَعض الظَّن إِثْم، وَقيل: يحْتَمل أَن يُرِيد كل النَّاس فَلَا يكون مُؤمن إلاَّ فِي مائَة أَو أَكثر، وَقيل: إِن النَّاس فِي أَحْكَام الدّين سَوَاء لَا فضل فِيهَا لشريف على مشروف وَلَا لرفيع على وضيع، كَالْإِبِلِ الْمِائَة الَّتِي لَا تكون فِيهَا رَاحِلَة، وَقيل: إِن أَكثر النَّاس أهل نقص وَأهل الْفضل عَددهمْ قَلِيل بِمَنْزِلَة الرَّاحِلَة فِي الْإِبِل الحمولة. قَالَ الله تَعَالَى: {وَلَكِن ثر النَّاس لَا يعلمُونَ} (الْأَعْرَاف: 781 وَغَيرهَا) وَقَوله: {وَلَكِن أَكْثَرهم يجهلون} (الْأَنْعَام: 111) وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: الَّذِي يُنَاسب التَّمْثِيل أَن الرجل الجوادالذي يتَحَمَّل أثقال النَّاس والحمالات عَنْهُم ويكشف كربهم عَزِيز الْوُجُود كالراحلة فِي الْإِبِل الْكَثِيرَة.
قلت: الْأَنْسَب من كل الْأَقْوَال هُوَ القَوْل الَّذِي ذَكرْنَاهُ أَولا، وَفِيه أَيْضا مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة كَمَا ذَكرْنَاهُ.
قَوْله: (كَالْإِبِلِ الْمِائَة) وصف لفظ الْإِبِل الَّذِي هُوَ مُفْرد بقوله: الْمِائَة، لِأَن الْعَرَب يَقُول للمائة من الْإِبِل، وَيُقَال لفُلَان إبل أَي: مائَة من الْإِبِل وإبلان إِذا كَانَ لَهُ مِائَتَان. قَوْله: (رَاحِلَة) هِيَ النجيبة المختارة الْكَامِلَة الْأَوْصَاف الْحَسَنَة المنظر، وَقيل: الرَّاحِلَة الْجمل النجيب، وَالْهَاء للْمُبَالَغَة.
63 - (بابُ الرِّياءِ والسُّمْعَةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان ذمّ الرِّيَاء، بِكَسْر الرَّاء وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالمد هُوَ إِظْهَار الْعِبَادَة لقصد رُؤْيَة النَّاس لَهَا(23/85)
فيحمدوا صَاحبهَا، والسمعة بِضَم السِّين الْمُهْملَة وَسُكُون الْمِيم قَالَ بَعضهم: هِيَ مُشْتَقَّة من السماع.
قلت: السمعة اسْم، وَالسَّمَاع مصدر، وَالِاسْم لَا يشتق من الْمصدر، وَمعنى: السمعة، التنويه بِالْعَمَلِ وتشهيره ليراه النَّاس ويسمعوا بِهِ، وَالْفرق بَينهمَا أَن الرِّيَاء يتَعَلَّق بحاسة الْبَصَر، والسمعة بحاسة السّمع.
9446 - حدّثنا مُسَدَّدٌ حدّثنا يَحْيَى اعنْ سفْيانَ حدّثني سَلَمةُ بنُ كُهَيْلٍ.
(ح) وحدّثنا أبُو نُعَيْمٍ حدّثنا سفْيانُ عنْ سَلَمَة قَالَ: سَمِعْتُ جُنْدَباً يَقُولُ: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ولَمْ أسْمَعْ أحَداً يَقُولُ: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غَيْرَهُ فَدَنَوْتُ مِنْهُ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (مَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ الله بِهِ، ومَنْ يُرائِي يُرائِي الله بِهِ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَيحيى هُوَ ابْن سعيد الْقطَّان، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ فِي الطَّرِيقَيْنِ، وَأَبُو نعيم هُوَ الْفضل بن دُكَيْن، وجندب بِضَم الْجِيم وَسُكُون النُّون وَفتح الدَّال الْمُهْملَة وَضمّهَا ابْن عبد الله البَجلِيّ بِالْبَاء الْمُوَحدَة وَالْجِيم المفتوحتين وَهُوَ من صغَار الصَّحَابَة.
وَأخرج هَذَا الحَدِيث من طَرِيقين، والسند الثَّانِي أَعلَى من الأول.
وَرِجَاله كوفيون وَلم يكتف بِهِ مَعَ علوه لِأَن فِي الرِّوَايَة الأولى مَا لَيْسَ فِي الثَّانِيَة وَهُوَ جلالة الْقطَّان، وتصريح سُفْيَان بِالتَّحْدِيثِ عَن سَلمَة وَلَفظ (ح) بَين الطَّرِيقَيْنِ إِشَارَة إِلَى التَّحْوِيل من إِسْنَاد إِلَى إِسْنَاد آخر قبل ذكر الحَدِيث، أَو إِلَى الْحَائِل، أَو إِلَى صَحَّ أَو إِلَى الحَدِيث، ويتلفظ عِنْد الْقِرَاءَة بِلَفْظَة: (حا) ، مَقْصُورا.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي آخر الْكتاب عَن أبي بكر عَن وَكِيع عَن الثَّوْريّ وَعَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم عَن أبي نعيم بِهِ وَعَن غَيرهمَا، وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الزّهْد عَن هَارُون بن إِسْحَاق عَن مُحَمَّد بن عبد الْوَهَّاب عَن الثَّوْريّ بِهِ.
قَوْله: (وَلم أسمع أحدا يَقُول: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غَيره) أَي: قَالَ سَلمَة بن كهيل: لم أسمع أحدا ... إِلَى آخِره، وَقَالَ الْكرْمَانِي: لم أسمع. أَي: لم يبْق من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حينئذٍ غَيره فِي ذَلِك الْمَكَان. ورد عَلَيْهِ بَعضهم بِأَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِك، فَإِن جندباً كَانَ بِالْكُوفَةِ إِلَى أَن مَاتَ وَكَانَ بهَا فِي حَيَاة جُنْدُب أَو جُحَيْفَة السوَائِي وَكَانَت وَفَاته بعد جُنْدُب بست سِنِين، وَعبد الله بن أبي أوفى وَكَانَت وَفَاته بعد جُنْدُب بِعشْرين سنة، وَقد روى سَلمَة بن كهيل عَن كل مِنْهُمَا، فَيتَعَيَّن أَن يكون مُرَاده أَنه لم يسمع مِنْهُمَا وَلَا من أَحدهمَا وَلَا من غَيرهمَا مِمَّن كَانَ مَوْجُودا من الصَّحَابَة بِغَيْر الْكُوفَة بعد أَن سمع من جُنْدُب الحَدِيث الْمَذْكُور عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَيْئا. انْتهى.
قلت: إِنَّمَا رد هَذَا الْقَائِل بِمَا قَالَه بعد أَن قَالَ: احْتَرز بقوله: (وَذَلِكَ عَمَّن كَانَ من الصَّحَابَة مَوْجُودا إِذْ ذَاك) بِغَيْر الْمَكَان الَّذِي كَانَ فِيهِ جُنْدُب، ثمَّ قَالَ: وَلَيْسَ كَذَلِك ... إِلَى آخِره. وَفِيه نظر، لِأَن للكرماني أَن يَقُول: مرادي من قولي فِي ذَلِك الْمَكَان الْمَكَان الَّذِي كَانَ جُنْدُب معداً فِيهِ لإسماع الحَدِيث، وَلم يكن هُنَاكَ من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، حينئذٍ غَيره، وَإِن كَانَ أَبُو جُحَيْفَة وَابْن أبي أوفى موجودين فِي الْكُوفَة حينئذٍ وَالْعجب من هَذَا الْقَائِل يُفَسر كَلَام الْكرْمَانِي بِحَسب مَا يفهمهُ ثمَّ يرد عَلَيْهِ.
وَفِي الصَّحَابَة من يُسمى بجندب خَمْسَة أنفس: جُنْدُب بن جُنَادَة أَبُو ذَر الْغِفَارِيّ، وجندب بن مكين الْجُهَنِيّ، وجندب بن ضَمرَة الجندعي، وجندب بن كَعْب الْعَبْدي، وجندب بن عبد الله البَجلِيّ وَهُوَ الَّذِي روى عَنهُ سَلمَة بن كهيل، وَالْأَشْهر مِنْهُم أَبُو ذَر الْغِفَارِيّ، فَقَالَ خَليفَة بن خياط: مَاتَ جُنْدُب يَعْنِي: أَبَا ذَر سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ بالربذة، قَرْيَة من قرى الْمَدِينَة فِي خلَافَة عُثْمَان رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَصلى عَلَيْهِ ابْن مَسْعُود. وَأما جُنْدُب الْمَذْكُور فِي هَذَا الحَدِيث فَلم يذكر أحد تَارِيخ وَفَاته، فَكيف يَقُول هَذَا الْقَائِل: وَكَانَت وَفَاة أبي جُحَيْفَة بعد جُنْدُب بست سِنِين؟ وَكَانَت وَفَاة أبي جُحَيْفَة فِي سنة أَربع وَسبعين؟ وَقَالَ الْوَاقِدِيّ: توفّي فِي ولَايَة بشر بن مَرْوَان وَكَانَت وَفَاة ابْن أبي أوفى سنة سبع وَثَمَانِينَ قَالَه البُخَارِيّ، فَكيف يَقُول. وَكَانَت وَفَاته بعد جُنْدُب بِعشْرين سنة؟ فأحسب التَّفَاوُت بَين تاريخي وَفَاة أبي جُحَيْفَة وَابْن أبي أوفى وَبَين تَارِيخ جُنْدُب.
قَوْله: (من سمع) بتَشْديد الْمِيم من التسميع وَهُوَ التشهير وَإِزَالَة الخمول بنشر الذّكر، وَقَالَ الْخطابِيّ: أَي عمل عملا على غير إخلاص، وَإِنَّمَا يُرِيد أَن يرَاهُ النَّاس ويسمعوه جوزي على ذَلِك بِأَن يشهره الله تَعَالَى ويفضحه وَيظْهر مَا كَانَ يبطنه، وَقيل: إِن قصد بِعَمَلِهِ الجاه والمنزلة عِنْد النَّاس وَلم يرد بِهِ وَجه الله تَعَالَى فَإِن الله يَجعله حَدِيثا عِنْد(23/86)
النَّاس الَّذين أَرَادَ نيل الْمنزلَة عِنْدهم، وَلَا ثَوَاب لَهُ فِي الْآخِرَة. قَوْله: (وَمن يرائي) بِضَم الْيَاء وبالمد وَكسر الْهمزَة وَالثَّانيَِة مثلهَا وَثبتت الْيَاء فِي آخر كل مِنْهُمَا للإشباع أَي: من يرائي بِعَمَلِهِ النَّاس (يرائي الله بِهِ) أَي يطلعهم على أَنه فعل ذَلِك لَهُم لَا لوجهه فَاسْتحقَّ سخط الله عَلَيْهِ. وَفِيه: من المشاكلة مَا لَا يخفى.
73 - (بابُ مَنْ جاهَدَ نَفْسَهُ فِي طاعَةِ الله)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان فضل من جَاهد من المجاهدة، وَهِي: كف النَّفس عَن إرادتها مِمَّا يشغلها بِغَيْر الْعِبَادَة.
0056 - حدّثنا هُدْبَةُ بنُ خالِدٍ حدّثنا هَمَّامٌ حدّثنا قَتادَة حدّثنا أنَسُ بنُ مالِكٍ عنْ مُعاذٍ ابنِ جَبَلٍ رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: بَيْنَما أَنا رَدِيفُ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْسَ بَيْنِي وبَيْنهُ إلاَّ آخِرَةُ الرَّحْلِ، فَقَالَ: (يَا مُعاذُ {) . قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رسولَ الله وسَعْدَيْكَ، ثُمَّ سارَ ساعَةً ثُمَّ قَالَ: (يَا مُعاذُ} ) قُلْتُ: لبيْكَ رسولَ الله وسَعْدَيْكَ، ثُمَّ سارَ ساعَةً ثُمَّ قَالَ: (يَا مُعاذُ بنَ جَبَلٍ {) قُلْتُ: لَبَّيْكَ رسولَ الله وسَعْديْكَ. قَالَ: (هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ الله عَلى عِبادِهِ؟) قُلْتُ: الله ورَسُولُهُ أعْلَمُ. قَالَ: (حَقُّ الله عَلى عِبادِهِ أنْ يعْبُدُوهُ وَلَا يشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً) ثُمَّ سارَ ساعَةً، ثُمَّ قَالَ: (يَا مُعاذُ بن جَبَلٍ) قُلْتُ: لَبَّيْكَ رسُولَ الله وسَعْدَيْك. قَالَ: (هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ العِبادِ عَلى الله إِذا فَعَلُوهُ؟) قُلْتُ: الله ورسُولُهُ أعْلَمُ. قَالَ: (حَقُّ العِبادِ على الله أنْ لَا يُعَذِّبَهُمْ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ مجاهدة النَّفس بِالتَّوْحِيدِ، وَجِهَاد الْمَرْء نَفسه هُوَ الْجِهَاد الْأَكْبَر.
وَهَذَا الحَدِيث بِعَين هَذَا الْإِسْنَاد والمتن قد مر فِي كتاب اللبَاس فِي بَاب مُجَرّد عقيب: بَاب حمل صَاحب الدَّابَّة غَيره بَين يَدَيْهِ، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن هدبة بن خَالِد عَن همام بن يحيى عَن قَتَادَة ... إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ، وَنَظِيره مضى عَن أنس فِي آخر كتاب الْعلم فِي: بَاب من خص بِالْعلمِ قوما.
قَوْله: (رَدِيف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) الرديف هُوَ الرَّاكِب خلف الرَّاكِب. قَوْله: (إلاَّ آخِرَة الرحل) الْآخِرَة على وزن الفاعلة وَهِي الْعود الَّذِي يسْتَند إِلَيْهِ الرَّاكِب من خَلفه، وَأَرَادَ بِذكرِهِ الْمُبَالغَة فِي شدَّة قربه ليَكُون أوقع فِي نفس سامعه لكَونه أضبط، وَأما تكريره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَلَيْهِ ثَلَاثًا فلتأكيد الاهتمام بِمَا يُخبرهُ ولتكميل تنبه معَاذ فِيمَا يسمعهُ، والرحل سرج الْجمل. وَقَالَ الْجَوْهَرِي: الرحل رَحل الْجمل وَهُوَ أَصْغَر من القتب. قَوْله: (لبيْك) قد مضى الْكَلَام فِيهِ مرَارًا أَنه من التَّلْبِيَة وَهِي إِجَابَة الْمُنَادِي أَي: إجَابَتِي لَك يَا رَسُول الله} مَأْخُوذ من لب بِالْمَكَانِ وألب إِذا قَامَ بِهِ، وَلم يسْتَعْمل إلاَّ على لفظ التَّثْنِيَة فِي معنى التكرير، أَي: إِجَابَة بعد إِجَابَة وَهُوَ مَنْصُوب على الْمصدر بعامل لَا يظْهر، كأنّك قلت: ألب إلباباً بعد إلباب. قَوْله: (وَسَعْديك) أَي: ساعدت طَاعَتك مساعدة بعد مساعدة وإسعاداً بعد إسعاد، وَلِهَذَا ثنى، وَهُوَ أَيْضا من المصادر المنصوبة بِفعل لَا يظْهر فِي الِاسْتِعْمَال، وَقَالَ الْجرْمِي: لم يسمع سعدك مُفردا. قَوْله: (لبيْك رَسُول الله) أَي: يَا رَسُول الله، حذف فِيهِ حرف النداء، وَفِي الْعلم بإثباته. قَوْله: (فَقَالَ: يَا معَاذ) وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: ثمَّ قَالَ: يَا معَاذ، قَوْله: (هَل تَدْرِي مَا حق الله على عباده) الْحق كل مَوْجُود مُتَحَقق أَو: مَا سيوجد لَا محَالة. قَوْله: (أَن يعبدوه) أَي: أَن يوحدوه. قَوْله: (وَلَا يشركوا بِهِ شَيْئا) ، تَفْسِيره وَقيل: المُرَاد بِالْعبَادَة عمل الطَّاعَات وَاجْتنَاب الْمعاصِي. قَوْله: (مَا حق الْعباد على الله؟) يحْتَمل وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن يكون خرج مخرج الْمُقَابلَة فِي اللَّفْظ كَقَوْلِه تَعَالَى: {ومكروا ومكر الله} (آل عمرَان: 45) وَالثَّانِي: أَن يكون أَرَادَ حَقًا شَرْعِيًّا لَا وَاجِبا بِالْعقلِ كَقَوْل الْمُعْتَزلَة، وَقيل: معنى الْحق الْمُسْتَحق الثَّابِت أَو الجدير، وَهُوَ كالواجب فِي تحَققه، وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: حق الْعباد على الله هُوَ مَا وعدهم بِهِ من الثَّوَاب وَالْجَزَاء.
83 - (بابُ التَّواضُعِ)(23/87)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان فضل التَّوَاضُع، وَهُوَ إِظْهَار التنزل عَن مرتبته. وَقيل: هُوَ تَعْظِيم من فَوْقه من أَرْبَاب الْفَضَائِل، وَفِي (رقائق) : ابْن الْمُبَارك عَن معَاذ بن جبل أَنه قَالَ: لن يبلغ ذرْوَة الْإِيمَان حَتَّى تكون الضعة أحب إِلَيْهِ من الشّرف، وَمَا قل من الدُّنْيَا أحب إِلَيْهِ مِمَّا كثر.
1056 - حدّثنا مالِكُ بنُ إسْماعِيلَ حدّثنا زُهَيْرٌ حدّثنا حُمَيْدٌ عنْ أَنسٍ رَضِي الله عَنهُ: كَانَ لِ لنبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ناقَةٌ.
قَالَ: وحدّثني مُحَمَّدٌ أخبرنَا الفَزارِيُّ وأبُو خالِدٍ الأحْمَرُ عنْ حُمَيْدٍ الطَّويلِ عنْ أنَس قَالَ: كانَتْ ناقَةٌ لِرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تُسَمَّى العَضْباءَ، وكانَتْ لَا تُسْبَقُ فَجاءَ أعْرابِيٌّ عَلى قَعُودٍ لهُ فَسَبَقَها، فاشْتَدَّ ذالِكَ عَلى المُسْلِمِينَ، وقالُوا: سُبِقَتِ العَضْباءُ، فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إنَّ حَقًّا عَلى الله أنْ لَا يَرْفَعَ شَيْئاً مِنَ الدُّنْيا إلاَّ وَضَعَهُ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِي طرق هَذَا الحَدِيث عِنْد النَّسَائِيّ بِلَفْظ: حق على الله أَن لَا يرفع شَيْء نَفسه فِي الدُّنْيَا إلاَّ وَضعه، فَفِيهِ إِشَارَة إِلَى ذمّ الترفع والحض على التَّوَاضُع، والإعلام بِأَن أُمُور الدُّنْيَا نَاقِصَة غير كَامِلَة.
وَأخرج البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث من طَرِيقين: أَحدهمَا: عَن مَالك بن إِسْمَاعِيل بن زِيَاد أبي غَسَّان النَّهْدِيّ الْكُوفِي عَن زُهَيْر بن مُعَاوِيَة عَن حميد الطَّوِيل بن أبي حميد عَن أنس بن مَالك. وَالْآخر: عَن مُحَمَّد بن سَلام، قَالَه الكلاباذي: عَن مَرْوَان بن مُعَاوِيَة الْفَزارِيّ بِفَتْح الْفَاء وَتَخْفِيف الزَّاي وبالراء عَن أبي خَالِد الْأَحْمَر سُلَيْمَان بن حَيَّان بتَشْديد الْيَاء، آخر الْحُرُوف الْأَزْدِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْجِهَاد فِي: بَاب نَاقَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَإِنَّهُ أخرجه بِالطَّرِيقِ الأول بِعَين إِسْنَاده وَمَتنه عَن مَالك بن إِسْمَاعِيل عَن زُهَيْر عَن حميد عَن مَالك ... إِلَى آخِره.
قَوْله: (العضباء) ، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة وبالمد النَّاقة المشقوقة الْأذن، وَلَكِن نَاقَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لم تكن مشقوقة الْأذن لَكِن صَار هَذَا لقبالها. قَوْله: (لَا تسبق) على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (على قعُود) بِفَتْح الْقَاف وَهُوَ الْبكر من الْإِبِل حِين يُمكن ظَهره للرُّكُوب وَأدنى ذَلِك سنتَانِ.
2056 - حدّثني مُحَمَّدُ بنُ عُثْمانَ حدّثنا خالِدُ بنُ مَخْلَدٍ حدّثنا سُلَيْمانُ بنُ بِلالٍ حَدثنِي شَرِيكُ بنُ عَبْدِ الله بن أبي نَمِرٍ عنْ عَطاءٍ عنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إنَّ الله قَالَ: مَنْ عاداى لِي وَليًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بالحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إليَّ عَبْدِي بِشْيءٍ أحَبَّ إليَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بالنَّوافِلِ حتَّى أحِبَّهُ، فَإِذا أحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وبَصَرَهُ الّذِي يُبْصِرُ بِهِ، ويدَهُ الّتي يَبْطُشُ بِها، وَرِجْلَهُ الّتي يَمْشِي بهَا، وإنْ سألَنِي لأعْطِيَنَّهُ، ولَئِنِ اسْتَعاذَنِي وَمَا تَرَدَّدْتُ عنْ شَيْءٍ أَنا فاعِلُهُ تَرَدّدِي عنْ نَفْسِ المُؤْمِنِ يَكْرَهُ الموْتَ وَأَنا أكْرَهُ إساءَتَهُ لأعِيذَنَّهُ) .
قيل: لَا مُطَابقَة بَين هَذَا الحَدِيث والترجمة حَتَّى قَالَ الدَّاودِيّ: لَيْسَ هَذَا الحَدِيث من التَّوَاضُع فِي شَيْء. وَقَالَ صَاحب (التَّلْوِيح) : لَا أَدْرِي مَا مطابقته لَهَا لِأَنَّهُ لَا ذكر فِيهِ للتواضع وَلَا لما يقرب مِنْهُ، وَقيل: الْمُنَاسب إِدْخَاله فِي الْبَاب الَّذِي قبله، وَهُوَ: مجاهدة الْمَرْء نَفسه فِي طَاعَة الله، وَأَجَابُوا عَن ذَلِك، فَقَالَ الْكرْمَانِي: التَّقَرُّب بالنوافل لَا يكون إلاَّ بغاية التَّوَاضُع والتذلل للرب تَعَالَى.
قلت: قد سبقه بِهَذَا صَاحب (التَّلْوِيح) : فَإِنَّهُ قَالَ: التَّقَرُّب إِلَى الله بالنوافل حَتَّى يستحقوا الْمحبَّة من الله تَعَالَى لَا يكون إلاَّ بغاية التَّوَاضُع والتذلل للرب عز وَجل، ثمَّ قَالَ: وَفِيه بعد، لِأَن النَّوَافِل إِنَّمَا يُزكي ثَوَابهَا عِنْد الله لمن حَافظ على فَرَائِضه، وَقيل: التَّرْجَمَة مستفادة مِمَّا قَالَ: كنت سَمعه، وَمن التَّرَدُّد، وَقَالَ بَعضهم: تستفاد التَّرْجَمَة من لَازم قَوْله: (من عادى لي(23/88)
وليا) لِأَنَّهُ يَقْتَضِي الزّجر عَن معاداة الْأَوْلِيَاء المستلزم لموالاتهم، وموالاة جَمِيع الْأَوْلِيَاء لَا تتأتى إلاَّ بغاية التَّوَاضُع، إِذْ فيهم الْأَشْعَث الأغبر الَّذِي لَا يؤبه لَهُ. انْتهى.
قلت: دلَالَة الإلتزام مهجورة، لِأَنَّهَا لَو كَانَت مُعْتَبرَة لزم أَن يكون للفظ الْوَاحِد مدلولات غير متناهية، وَيُقَال لهَذَا الْقَائِل: تُرِيدُ اللُّزُوم الْبَين أَو مُطلق اللُّزُوم؟ وأيّاماً كَانَ فدلالة الِالْتِزَام مهجورة، فَإِن أردْت اللُّزُوم الْبَين فَهُوَ يخْتَلف باخْتلَاف الْأَشْخَاص، فَلَا يكَاد ينصبط الْمَدْلُول، وَإِن أردْت مُطلق اللُّزُوم فاللوازم لَا تتناهى، فَيمْتَنع إِفَادَة اللَّفْظ إِيَّاهَا، فَلَا يَقع كَلَامه جَوَابا.
وَمُحَمّد بن عُثْمَان بن كَرَامَة بِفَتْح الْكَاف وَتَخْفِيف الرَّاء الْعجلِيّ بِكَسْر الْعين الْمُهْملَة الْكُوفِي مَاتَ بِبَغْدَاد سنة سِتّ وَخمسين وَمِائَتَيْنِ، وَهُوَ من صغَار شُيُوخ البُخَارِيّ، وَقد شَاركهُ فِي كثير من مشايخه. مِنْهُم: خَالِد بن مخلد شَيْخه فِي هَذَا الحَدِيث فقد أخرج عَنهُ البُخَارِيّ بِغَيْر وَاسِطَة أَيْضا فِي: بَاب الِاسْتِعَاذَة من الْجُبْن فِي كتاب الدَّعْوَات. وخَالِد بن مخلد بِفَتْح الْمِيم وَاللَّام البَجلِيّ، وَيُقَال الْقَطوَانِي الْكُوفِي مَاتَ بِالْكُوفَةِ فِي محرم سنة ثَلَاث عشرَة وَمِائَتَيْنِ، وَسليمَان بن بِلَال أَبُو أَيُّوب الْقرشِي التَّيْمِيّ مَاتَ سنة سبع وَسبعين وَمِائَة، وَشريك بن عبد الله بن أبي نمر بِلَفْظ الْحَيَوَان الْمَشْهُور الْقرشِي، وَيُقَال: اللَّيْثِيّ، مَاتَ سنة أَرْبَعِينَ وَمِائَة. فَإِن قلت: خَالِد فِيهِ مقَال، فَعَن أَحْمد لَهُ مَنَاكِير، وَعَن أبي حَاتِم: لَا يحْتَج بِهِ. وَأخرج ابْن عدي عشرَة أَحَادِيث من حَدِيثه استنكرها مِنْهَا حَدِيث الْبَاب، وَشريك أَيْضا فِيهِ مقَال، وَهُوَ رَاوِي حَدِيث الْمِعْرَاج الَّذِي زَاد فِيهِ وَنقص وَقدم وَأخر وَتفرد بأَشْيَاء لم يُتَابع عَلَيْهَا.
قلت: أما خَالِد فَعَن ابْن معِين: مَا بِهِ بَأْس، وَقَالَ أَبُو حَاتِم: يكْتب حَدِيثه، وَقَالَ أَبُو دَاوُد: صَدُوق وَلكنه تشيع وَهُوَ عِنْدِي، إِن شَاءَ الله، لَا بَأْس بِهِ. وَأما شريك فَعَن يحيى بن معِين وَالنَّسَائِيّ: لَيْسَ بِهِ بَأْس، وَقَالَ مُحَمَّد بن سعد: كَانَ ثِقَة كثير الحَدِيث، وَعَطَاء هُوَ ابْن يسَار ضد الْيَمين وَوَقع فِي بعض النّسخ كَذَلِك، وَقيل: هُوَ ابْن أبي رَبَاح، وَالْأول أصح. والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (إِن الله قَالَ) هَذَا من الْأَحَادِيث الإلهية الَّتِي تسمى: القدسية، وَقد مر الْكَلَام فِيهَا عَن قريب، وَقد وَقع فِي بعض طرقه: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، حدث بِهِ عَن جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام، عَن الله عز وَجل. قَوْله: (لي) ، صفة لقَوْله: وليا، لكنه لما قدم صَار حَالا. قَوْله: (وليا) ، الْوَلِيّ: هُوَ الْعَالم بِاللَّه المواظب على طَاعَته المخلص فِي عِبَادَته. فَإِن قلت: قَوْله: (عادى) من المعاداة وَهُوَ من بَاب المفاعلة الَّتِي تقع من الْجَانِبَيْنِ، وَمن شَأْن الْوَلِيّ الْحلم والاجتناب عَن المعاداة والصفح عَمَّن يجهل عَلَيْهِ.
قلت: أُجِيب بِأَن المعاداة لم تَنْحَصِر فِي الْخُصُومَة، والمعاداة الدُّنْيَوِيَّة مثلا، بل تقع عَن بغض ينشأ عَن التعصب: كالرافضي فِي بغضه لأبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، والمبتدع فِي بغضه للسني، فَتَقَع المعاداة من الْجَانِبَيْنِ، أما من جَانب الْوَلِيّ فللَّه، وَفِي الله وَأما من الْجَانِب الآخر فَظَاهر. انْتهى.
قلت: لَا يحْتَاج إِلَى هَذَا التَّكَلُّف، فَإِذا قُلْنَا: إِن فَاعل يَأْتِي بِمَعْنى فعل كَمَا فِي قَوْله عز وَجل: {وسارعوا إِلَى مغْفرَة من ربكُم} (آل عمرَان: 331) بِمَعْنى: اسرعوا يحصل الْجَواب. قَوْله: (فقد آذنته) بِالْمدِّ وَفتح الْمُعْجَمَة بعد هانون أَي: أعلمته من الإيذان، وَهُوَ الْإِعْلَام. قَوْله: (بِالْحَرْبِ) ، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: بِحَرب، وَوَقع فِي حَدِيث عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا: (من عادى لي والياً فقد اسْتحلَّ محاربتي) وَفِي حَدِيث معَاذ: (فقد بارز الله بالمحاربة) ، وَفِي حَدِيث أبي أُمَامَة وَأنس: (فقد بارزني) . فَإِن قيل: الْمُحَاربَة من الْجَانِبَيْنِ والمخلوق فِي أسر الْخَالِق؟ قيل لَهُ: أطلق الْحَرْب وَأَرَادَ لَازمه، أَي: أعمل بِهِ مَا يعمله الْعَدو الْمُحَارب. قَوْله: (أحب) بِالرَّفْع وَالنّصب، قَالَه الْكرْمَانِي.
قلت: وَجه الرّفْع على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف، أَي: هُوَ أحب، وَوجه النصب وَالْمرَاد بِهِ الْفَتْح صفة لقَوْله: (بِشَيْء) فَيكون مَفْتُوحًا فِي مَوضِع الْجَرّ وَيدخل فِي قَوْله: (مِمَّا افترضت عَلَيْهِ) جَمِيع الْفَرَائِض فَرَائض الْعين وفرائض الْكِفَايَة. قَوْله: (وَمَا يزَال) كَذَا فِي رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: وَمَا زَالَ، بِصِيغَة الْمَاضِي. قَوْله: (يتَقرَّب إِلَيّ) ، بتَشْديد الْيَاء، وَفِي حَدِيث أبي أُمَامَة: يتحبب، والتقرب طلب الْقرب، وَقَالَ الْقشيرِي: قرب العَبْد من ربه يَقع أَولا بإيمانه ثمَّ بإحسانه، وَقرب الرب من عَبده مَا يَخُصُّهُ بِهِ فِي الدُّنْيَا من عرفانه، وَفِي الْآخِرَة من رضوانه، وَفِيمَا بَين ذَلِك من وُجُوه لطفه وامتنانه، وَلَا يتم قرب العَبْد من الْحق إلاَّ ببعده من الْخلق. قَالَ: وَقرب الرب بِالْعلمِ وَالْقُدْرَة عَام للنَّاس، وباللطف والنصرة خَاص بالخواص، وبالتأنيس خَاص بالأولياء. قَوْله: (بالنوافل) ، المُرَاد بهَا: مَا كَانَت حاوية للفرائض مُشْتَمِلَة عَلَيْهَا ومكملة لَهَا، وَلَيْسَ المُرَاد كَون النَّوَافِل مُطلقًا. قَوْله: (أحبه) هَكَذَا رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: حَتَّى أحببته. قَوْله: (كنت(23/89)
سَمعه الَّذِي يسمع بِهِ) لَفْظَة: بِهِ، فِي رِوَايَة الْكشميهني لَا غَيره. قَالَ الدَّاودِيّ: هَذَا كُله من الْمجَاز، يَعْنِي أَنه، يحفظه كَمَا يحفظ العَبْد جوارحه لِئَلَّا يَقع فِي مهلكة. وَقَالَ الْخطابِيّ: هَذِه أَمْثَال وَالْمعْنَى: وَالله أعلم توفيقه فِي الْأَعْمَال الَّتِي بَاشَرَهَا بِهَذِهِ الْأَعْضَاء وتيسير الْمحبَّة لَهُ فِيهَا بِأَن يحفظ جوارحه عَلَيْهِ ويعصمه من مُوَافقَة مَا يكره الله تَعَالَى من الإصغاء إِلَى اللَّهْو مثلا، وَمن النّظر إِلَى مَا نهى عَنهُ، وَمن الْبَطْش بِمَا لَا يحل لَهُ، وَمن السَّعْي فِي الْبَاطِل بِرجلِهِ، أَو بِأَن يسْرع فِي إِجَابَة الدُّعَاء، والإلحاح فِي الطّلب وَذَلِكَ أَن مساعي الْإِنْسَان إِنَّمَا تكون بِهَذِهِ الْجَوَارِح الْأَرْبَع. قَوْله: (وبصره الَّذِي يبصر بِهِ) وَفِي حَدِيث عَائِشَة فِي رِوَايَة عبد الْوَاحِد: عينه الَّتِي يبصر بهَا، وَفِي رِوَايَة يَعْقُوب بن مُجَاهِد: عَيْنَيْهِ اللَّتَيْنِ يبصر بهما، وَكَذَا قَالَ فِي الْأذن وَالْيَد وَالرجل، وَزَاد عبد الْوَاحِد فِي رِوَايَته: (وفؤاده الَّذِي يعقل بِهِ، وَلسَانه الَّذِي يتَكَلَّم بِهِ) وَقيل: الْمَعْنى: إجعل لَهُ مقاصده كَأَنَّهُ ينالها بسمعه وبصره ... إِلَى آخِره، وَقيل: كنت لَهُ فِي النُّصْرَة كسمعه وبصره وَيَده وَرجله فِي المعاونة على عدوه، وَقيل فِيهِ: مُضَاف مَحْذُوف، وَالتَّقْدِير: كنت حَافظ سَمعه الَّذِي يسمع بِهِ فَلَا يسمع إلاَّ مَا يحل سَمَاعه، وحافظ بَصَره كَذَلِك إِلَى آخِره، قيل: إِن الاتحادية زَعَمُوا أَنه على حَقِيقَته وَأَن الْحق عين العَبْد، وَاحْتَجُّوا بمجيء جِبْرِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، فِي صُورَة دحْيَة، قَالُوا: فَهُوَ روحاني خلع صورته وَظهر بمظهر الْبشر، قَالُوا: فَالله أقدر على أَن يظْهر فِي صُورَة الْوُجُود الْكُلِّي أَو بِبَعْضِه تَعَالَى الله سُبْحَانَهُ عَمَّا يَقُول الظَّالِمُونَ علوا كَبِيرا. قَوْله: (يبطش) بِكَسْر الطَّاء. قَوْله: (وَإِن سَأَلَني) أَي: عَبدِي، وَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة عبد الْوَاحِد. قَوْله: (لأعطينه) اللَّام للتَّأْكِيد والهمزة مَضْمُومَة وَالْفِعْل مُؤَكد بالنُّون الثَّقِيلَة. قَوْله: (استعاذ بِي) بِالْبَاء الْمُوَحدَة بعد الذَّال الْمُعْجَمَة، وَقيل: بالنُّون مَوضِع الْبَاء. قَوْله: (لأعيذنه) أَي: مِمَّا يخَاف، فَإِن قيل: كثير من الصلحاء والعباد دعوا وبالغوا وَلم يجابوا. قيل لَهُ: الْإِجَابَة تتنوع، فَتَارَة يَقع الْمَطْلُوب بِعَيْنِه على الْفَوْر، وَتارَة يَقع وَلَكِن يتَأَخَّر الحكم، وَتارَة قد تقع الْإِجَابَة وَلَكِن بِغَيْر الْمَطْلُوب حَيْثُ لَا يكون فِي الْمَطْلُوب مصلحَة ناجزة، وَفِي الْوَاقِع مصلحَة ناجزة، أَو أصلح مِنْهَا. قَوْله: (وَمَا ترددت عَن شَيْء التَّرَدُّد) مثل لِأَنَّهُ محَال على الله، وَقَالَ الْخطابِيّ: التَّرَدُّد فِي حق الله غير جَائِز، والبداء عَلَيْهِ فِي الْأُمُور غير سَائِغ، لَكِن لَهُ تَأْوِيلَانِ: أَحدهمَا: أَن العَبْد قد يشرف على الْهَلَاك فِي أَيَّام عمره من دَاء يُصِيبهُ أَو فاقة تنزل بِهِ، فيدعو الله فيشفيه مِنْهَا وَيدْفَع عَنهُ مكروهها. فَيكون ذَلِك من فعله كترديد من يُرِيد أمرا ثمَّ يَبْدُو لَهُ فِيهِ فيتركه ويعرض عَنهُ، وَلَا بُد من لِقَائِه إِذا بلغ الْكتاب أَجله، لِأَن الله قد كتب الفناء على خلقه واستأثر بِالْبَقَاءِ لنَفسِهِ. وَالثَّانِي: أَن يكون مَعْنَاهُ: مَا رددت رُسُلِي فِي شَيْء أَنا فَاعله، كترديدي إيَّاهُم فِي نفس الْمُؤمن كَمَا روى فِي قصَّة مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام، وَمَا كَانَ من لطمه عين ملك الْمَوْت، وتردده إِلَيْهِ مرّة بعد أُخْرَى. قَالَ: وَحَقِيقَة الْمَعْنى على الْوَجْهَيْنِ عطف الله على العَبْد ولطفه بِهِ وشفقته عَلَيْهِ. قَوْله: (وإساءته) ، ويروى: مساءته، أَي: حَيَاته لِأَنَّهُ بِالْمَوْتِ يبلغ إِلَى النَّعيم الْمُقِيم لَا فِي الْحَيَاة، أولأن حَيَاته تُؤدِّي إِلَى أرذل الْعُمر. وتنكيس الْخلق وَالرَّدّ إِلَى أَسْفَل سافلين أَو أكره مكروهه الَّذِي هُوَ الْمَوْت فَلَا أسْرع بِقَبض روحه فَأَكُون كالمتردد. [/ شَرّ
93 - (بابُ قَوْلِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (بُعِثْتُ أَنا والسَّاعَةَ كَهَاتَيْنِ)
أَي: هَذَا بَاب فِيهِ قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (بعثت)
إِلَى آخِره. قَالَ الْكرْمَانِي: السَّاعَة بِالرَّفْع وَالنّصب، وَاخْتصرَ على هَذَا.
قلت: وَجه النصب أَن الْوَاو بِمَعْنى: مَعَ، وَمِنْهُم من منع الرّفْع لفساد الْمَعْنى لِأَنَّهُ لَا يُقَال: بعثت السَّاعَة، وَجزم عِيَاض بِأَن الرّفْع أحسن لِأَنَّهُ عطف على ضمير الْمَجْهُول فِي: بعثت قَوْله: (كهاتين) أَي: الإصبعين السبابَة وَالْوُسْطَى.
{وَمَا أَمر السَّاعَة إِلَّا كلمح الْبَصَر أَو هُوَ أقرب إِن الله على كل شَيْء قدير} (النَّحْل: 77)
تَقْدِيره: وَقَول الله عز وَجل: {وَمَا أَمر السَّاعَة} الْآيَة بِتَمَامِهَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر {وَمَا أَمر السَّاعَة إلاّ كلمح الْبَصَر} ... الْآيَة، وَإِنَّمَا قُلْنَا: تَقْدِيره: وَقَول الله عز وَجل، لِأَنَّهُ يُوهم أَن تكون بَقِيَّة الحَدِيث، على أَن فِي بعض النّسخ. وَقَول الله مَوْجُود. قَوْله: {وَمَا أَمر السَّاعَة} أَي: وَمَا شَأْن الْقِيَامَة إلاَّ كلمح الْبَصَر، اللمح سرعَة إبصار الشَّيْء. أَو هُوَ أَي أَمر السَّاعَة أقرب من لمح الْبَصَر.(23/90)
3056 - حدّثنا سَعِيدُ بنُ أبي مَرْيَمَ حَدثنَا أبُو غَسَّانَ حَدثنَا أبُو حازِمٍ عنْ سَهْلٍ قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (بعثت أَنا والسَّاعَةَ هاكَذَا) ويشِيرُ بإصْبَعَيْهِ فَيَمُدُّ بِهِما. بش
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَنَّهُ يتَضَمَّن معنى التَّرْجَمَة. وَسَعِيد بن أبي مَرْيَم هُوَ سعيد بن مُحَمَّد بن الحكم بن مَرْيَم الْمصْرِيّ، وَأَبُو غَسَّان بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَتَشْديد السِّين الْمُهْملَة مُحَمَّد بن مطرف، وَأَبُو حَازِم سَلمَة بن دِينَار، وَسَهل بن سعد السَّاعِدِيّ الْأنْصَارِيّ.
والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (عَن سهل) وَفِي رِوَايَة سُفْيَان عَن أبي حَازِم: سَمِعت سهل بن سعد صَاحب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (فيمد بهما) أَي: ليمتازا عَن سَائِر الْأَصَابِع، ويروى: فيمدهما.
4056 - حدّثني عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ هُوَ الجُعْفِيُّ حَدثنَا وَهْبُ بنُ جَرِيرٍ حدّثنا شُعْبَةُ عنْ قَتادَةَ وَأبي التَّيَّاحِ عنْ أنَسِ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (بُعِثْتُ أَنا والسَّاعَةَ كَهَاتَيْنِ) .
هَذَا الحَدِيث هُوَ عين التَّرْجَمَة. والجعفي بِضَم الْجِيم وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وبالفاء نِسْبَة إِلَى جعف بن سعد الْعَشِيرَة من مذْحج، قَالَ الْجَوْهَرِي: هُوَ أَبُو قَبيلَة من الْيمن وَالنِّسْبَة، إِلَيْهِ كَذَلِك، وَأَبُو التياح بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة واسْمه يزِيد من الزِّيَادَة ابْن حميد الضبعِي الْبَصْرِيّ.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْفِتَن عَن عبد الله بن معَاذ وَغَيره، وَقَالَ ابْن التِّين: اخْتلف فِي معنى قَول: كهاتين، فَقيل: كَمَا بَين السباية وَالْوُسْطَى فِي الطول، وَقيل: الْمَعْنى لَيْسَ بَينه وَبَينهَا شَيْء. وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: حَاصِل معنى الحَدِيث تقريب أَمر السَّاعَة وَسُرْعَة مجيئها. وَقَالَ الْكرْمَانِي: معنى الحَدِيث إِشَارَة إِلَى قرب الْمُجَاورَة، ثمَّ قَالَ: فَإِن قلت: {إِن الله عِنْده علم السَّاعَة} (لُقْمَان: 43) وَلَا يُعلمهُ غَيره. فَكيف يعلم أَنَّهَا قَرِيبه؟ .
قلت: الْمَعْلُوم قربهَا والمجهول ذَاتهَا فَلَا مُعَاوضَة.
04 - (بابٌ)
كَذَا ذكر مُجَردا عَن التَّرْجَمَة فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين وَهُوَ كالفصل وَحَدِيثه دَاخل فِيمَا قبله، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: بَاب طُلُوع الشَّمْس من مغْرِبهَا، وعَلى الْوَجْهَيْنِ الْمُنَاسبَة بَين هَذَا الْبَاب وَالْبَاب الَّذِي قبله ظَاهِرَة، لِأَن طُلُوع الشَّمْس من الْمغرب إِنَّمَا يَقع عِنْد إشراف قرب السَّاعَة وقيامها.
6056 - حدّثنا أبُو اليَمانِ أخبرنَا شُعَيْبٌ حدّثنا أبُو الزِّنادِ عنْ عَبْدِ الرَّحْمانِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ، رَضِي الله عَنهُ، أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِها(23/91)
فَإِذا طَلَعَتْ فَرَآها النَّاسُ آمَنُوا أجْمَعُونَ فَذالِكَ حِينَ {لَا ينفع نفسا إيمَانهَا لم تكن آمَنت من قبل أَو كسبت فِي إيمَانهَا خيرا} (الْأَنْعَام: 851) وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وقَدْ نَشَرَ الرَّجُلانِ ثَوْبَهُما بَيْنَهُما فَلا يَتَبايَعانِهِ وَلَا يَطْوِيانِهِ، ولَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وقَدِ انْصَرَفَ الرَّجلُ بِلَبَنِ لِقْحْتِهِ فَلا يَطْعَمُهُ، ولَتَقْومَنَّ السَّاعَةُ وهْو يَلِيطُ حَوْضَهُ فَلا يَسْقِي فِيهِ، ولَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وقَدْ رَفَعَ أحَدُكُمْ أُكْلَتَهُ إِلَى فِيهِ فَلَا يَطْعَمُها.
مطابقته للتَّرْجَمَة على رِوَايَة الْكشميهني ظَاهِرَة، وعَلى رِوَايَة غَيره هُوَ دَاخل فِيمَا قبله.
وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع، وَشُعَيْب هُوَ ابْن أبي حَمْزَة، وَأَبُو الزِّنَاد بالزاي وَالنُّون عبد الله بن ذكْوَان، وَعبد الرَّحْمَن هُوَ ابْن هُرْمُز الْأَعْرَج.
والْحَدِيث مُخْتَصر من حَدِيث سَيَأْتِي فِي أَوَاخِر كتاب الْفِتَن بِهَذَا الْإِسْنَاد بِتَمَامِهِ وأوله: (لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى تقتتل فئتان عظيمتان) . وَذكر فِيهِ نَحْو عشرَة أَشْيَاء من هَذَا الْجِنْس، ثمَّ ذكر مَا فِي هَذَا الْبَاب مُقْتَصرا على مَا يتَعَلَّق بِطُلُوع الشَّمْس.
قَوْله: (من مغْرِبهَا) قَالَ الْكرْمَانِي: أهل الْهَيْئَة بينوا أَن الفلكيات بسيطة لَا تخْتَلف مقتضياتها وَلَا يتَطَرَّق إِلَيْهَا خلاف مَا هِيَ عَلَيْهِ، ثمَّ أجَاب بقوله: قواعدهم منقوضة ومقدماتهم مَمْنُوعَة. وَلَئِن سلمنَا صِحَّتهَا فَلَا امْتنَاع فِي انطباق منْطقَة البروج على معدل النَّهَار بِحَيْثُ يصير الْمشرق مغرباً وَبِالْعَكْسِ. قَوْله: (آمنُوا أَجْمَعُونَ) وَفِي رِوَايَة أبي زرْعَة عَن أبي هُرَيْرَة فِي التَّفْسِير. (فَإِذا رَآهَا النَّاس آمن من عَلَيْهَا) أَي: من على الأَرْض من النَّاس. قَوْله: (فَذَلِك) هَكَذَا رِوَايَة الْكشميهني. وَفِي رِوَايَة غَيره: (فَذَاك) وَوَقع فِي رِوَايَة التَّفْسِير: وَذَلِكَ، بِالْوَاو وَيَعْنِي: عِنْد طُلُوع الشَّمْس من مغْرِبهَا لَا ينفع نفسا، إيمَانهَا. وَقَالَ الطَّبَرِيّ: معنى الْآيَة: لَا ينفع كَافِرًا لم يكن آمن قبل الطُّلُوع إِيمَان بعد الطُّلُوع، لِأَن حكم الْإِيمَان وَالْعَمَل الصَّالح حينئذٍ حكم من آمن أَو عمل عِنْد الغرغرة، وَذَلِكَ لَا يُفِيد شَيْئا كَمَا قَالَ الله تَعَالَى: {فَلم يَك يَنْفَعهُمْ إِيمَانهم لما رَأَوْا بأسنا} (غَافِر: 58) وكما ثَبت فِي الحَدِيث الصَّحِيح: (تقبل تَوْبَة العَبْد مَا لم يبلغ الغرغرة) وَقَالَ ابْن عَطِيَّة: فِي هَذَا الحَدِيث دَلِيل على أَن المُرَاد بِالْبَعْضِ فِي قَوْله تَعَالَى: {يَوْم يَأْتِي بعض آيَات رَبك} (الْأَنْعَام: 851) طُلُوع الشَّمْس من الْمغرب وَإِلَى ذَلِك ذهب الْجُمْهُور، وَاعْلَم أَن الشَّمْس تجْرِي بقدرة الله تَعَالَى وتغرب فِي عين حمثة ثمَّ تبلغ الْعرض فتسجد ثمَّ تستأذن فَيُؤذن لَهَا فتعود إِلَى المطلع، فَإِذا كَانَت تِلْكَ اللَّيْلَة لم يُؤذن لَهَا إِلَى مَا شَاءَ الله. ثمَّ يُؤذن لَهَا وَقد مضى وَقت طُلُوعهَا فتسير سيراً فتعلم أَنَّهَا لَا تبلغ إِلَى المطلع فِي بَاقِي لَيْلَتهَا فتعود إِلَى مغْرِبهَا فَتَطلع مِنْهُ، فَمن كَانَ قبل كَافِرًا لم يَنْفَعهُ، إيمَانه وَمن كَانَ مُؤمنا مذنباً لم تَنْفَعهُ تَوْبَته. وروى التِّرْمِذِيّ من حَدِيث صَفْوَان بن غَسَّان قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَقُول: (إِن بالمغرب بَابا مَفْتُوحًا للتَّوْبَة مسيرَة سبعين سنة لَا يغلق حَتَّى تطلع الشَّمْس من مغْرِبهَا) . وَقَالَ: حَدِيث حسن صَحِيح. قَوْله: (وَقد نشر الرّجلَانِ) الْوَاو فِيهِ للْحَال. قَوْله: (بِلَبن لقحته) بِكَسْر اللَّام وَهِي: النَّاقة الحلوب. قَوْله: (يليط حَوْضه) من لَاطَ حَوْضه وألاطه إِذا أصلحه وطينه. قَوْله: (أَكلته) أَي: لقمته وَهِي بِالضَّمِّ، وَأما بِالْفَتْح فَهِيَ الْمرة الْوَاحِدَة، هَذَا كُله إِخْبَار عَن السَّاعَة أَنَّهَا تَأتي فَجْأَة وأسرع من دفع اللُّقْمَة إِلَى الْفَم.
14 - (بابٌ مَنْ أحَبَّ لِقَاءَ الله أحَبَّ الله لِقاءَهُ)
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (من أحب) الخ هَذَا جُزْء من الحَدِيث الأول فِي الْبَاب، وَقَالَ الْخطابِيّ: محبَّة اللِّقَاء إِيثَار العَبْد الْآخِرَة على الدُّنْيَا، فَلَا يحب طول الْقيام فِيهَا لَكِن يستعد للارتحال عَنْهَا، وكراهته ضد ذَلِك، ومحبة الله لِقَاء عَبده إِرَادَة الْخَيْر لَهُ وهدايته إِلَيْهِ، وكراهته ضد ذَلِك.
7056 - حدّثنا حَجَّاجٌ حَدثنَا هَمَّامٌ حَدثنَا قَتادَةُ عنْ أنَسٍ عنْ عُبادَةَ بنِ الصَّامِتِ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (مَنْ أحَبَّ لِقاءَ الله أحَبَّ الله لِقاءَهُ ومَنْ كَرِهَ لِقاءَ الله كَرِهَ الله لِقاءَهُ) قالَتْ عائِشَةُ أوْ بَعْضُ أزْواجِهِ: إِنَّا لَنَكْرَهُ المَوْتَ قَالَ: (لَيْسَ ذاكِ ولاكِنَّ المُؤْمِنَ إِذا حَضَرَهُ المَوْتُ بُشِّرَ بِرِضْوَانِ الله وكَرامَتِهِ فَلَيْسَ شَيْءٌ أحَبَّ إلَيْهِ مِمَّا أمامَهُ، فأحَبَّ لِقاءَ الله وأحَبَّ الله لِقاءَهُ، وإنَّ(23/92)
الكافِرَ إِذا حُضِرَ بُشِّرَ بِعَذَابِ الله وَعُقُوبَتِهِ، فَلَيْسَ شَيْءٌ أكْرَهَ إلَيْهِ مِمَّا أمامَهُ، كَرِهَ لِقاءَ الله وكَرِهَ الله لِقَاءَهُ) .
قد ذكرنَا أَن التَّرْجَمَة جُزْء الحَدِيث فَلَا مُطَابقَة أوضح من هَذَا.
وحجاج هُوَ ابْن الْمنْهَال الْبَصْرِيّ، وَهُوَ من كبار شُيُوخ البُخَارِيّ مَاتَ سنة سبع عشرَة وَمِائَتَيْنِ، وَهَمَّام هُوَ ابْن يحيى، وَفِيه رِوَايَة الصَّحَابِيّ عَن الصَّحَابِيّ.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الدَّعْوَات عَن هدبة بن خَالِد وَغَيره. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الزّهْد عَن مَحْمُود بن غيلَان وَفِي الْجَنَائِز عَن أبي الْأَشْعَث أَحْمد بن الْمُقدم. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْجَنَائِز عَن أبي الْأَشْعَث.
قَوْله: (من أحب لِقَاء الله أحب الله لقاءه) قَالَ الْكرْمَانِي: لَيْسَ الشَّرْط سَببا للجزاء بل الْأَمر بِالْعَكْسِ، ثمَّ قَالَ: مثله يؤول بالأخبار أَي: من أحب لِقَاء الله أخبرهُ الله بِأَن الله أحب لقاءه، وَكَذَلِكَ الْكَرَاهَة. انْتهى.
وَقيل: من، خبرية وَلَيْسَت بشرطية، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ: أَن سَبَب حب الله لِقَاء العَبْد حب لِقَائِه وَلَا الْكَرَاهَة، وَلكنه صفة حَال الطَّائِفَتَيْنِ فِي أنفسهم وَعند رَبهم، وَالتَّقْدِير: من أحب لِقَاء الله فَهُوَ الَّذِي أحب الله لقاءه، وَكَذَا الْكَرَاهَة. انْتهى.
قلت: حَدِيث أبي هُرَيْرَة الَّذِي يَأْتِي فِي التَّوْحِيد مَرْفُوع، قَالَ الله تَعَالَى: (إِذا أحب عَبدِي لقائي أَحْبَبْت لقاءه) يدل على أَن: من، شَرْطِيَّة فَلَا وَجه لنفيها. وَقَالَ النَّوَوِيّ: الْكَرَاهَة الْمُعْتَبرَة هِيَ الَّتِي تكون، عِنْد النزع فِي حَالَة لَا تقبل التَّوْبَة، فحينئذٍ يكْشف لكل إِنْسَان مَا هُوَ صائر إِلَيْهِ، فَأهل السَّعَادَة يحبونَ الْمَوْت ولقاء الله لينتقلوا إِلَى مَا أعد الله لَهُم. وَيُحب الله لقاءهم ليجزل لَهُم الْعَطاء والكرامة، وَأهل الشقاوة يكرهونه لما علمُوا من سوء مَا ينتقلون إِلَيْهِ وَيكرهُ الله لقاءهم أَي: يبعدهم عَن رَحمته وَلَا يُرِيد لَهُم الْخَيْر وَقَالَ الْخطابِيّ: اللِّقَاء على وُجُوه. مِنْهَا: الرُّؤْيَة وَمِنْهَا: الْبَعْث كَقَوْلِه تَعَالَى: {قد خسر الَّذين كذبُوا بلقاء الله} (الْأَنْعَام: 13 وَيُونُس: 54) أَي: بِالْبَعْثِ: وَمِنْهَا: الْمَوْت كَقَوْلِه: من كَانَ يَرْجُو لِقَاء الله فَإِن أجل الله لآت، وَقَالَ ابْن الْأَثِير فِي (النِّهَايَة) : المُرَاد بلقاء الله هُنَا الْمصير إِلَى الدَّار الْآخِرَة وَطلب مَا عِنْد الله، وَلَيْسَ الْغَرَض بِهِ الْمَوْت، لِأَن كلا يكرههُ، فَمن ترك الدُّنْيَا وأبغضها أحب لِقَاء الله، وَمن آثرها وركن إِلَيْهَا كره لِقَاء الله لِأَنَّهُ إِنَّمَا يصل إِلَيْهِ بِالْمَوْتِ. قَوْله: (أَو بعض أَزوَاجه) كَذَا فِي هَذِه الرِّوَايَة بِالشَّكِّ، وَجزم سعيد بن هِشَام فِي رِوَايَته عَن عَائِشَة بِأَنَّهَا هِيَ قَالَت ذَلِك وَلم يتَرَدَّد فِيهِ.
قلت: روى مُسلم هَذَا الحَدِيث عَن هداب ابْن خَالِد عَن همام مُقْتَصرا على أصل الحَدِيث وَلم يذكر فِي هَذِه الرِّوَايَة هَذِه الزِّيَادَة أعنى قَوْله: (قَالَت عَائِشَة أَو بعض أَزوَاجه) إِلَى آخِره، ثمَّ أخرجه من رِوَايَة سعيد بن أبي عرُوبَة مَوْصُولا فَكَأَن مُسلما حذف الزِّيَادَة عمدا لكَونهَا مُرْسلَة من هَذَا الْوَجْه، وَاكْتفى بإيرادها مَوْصُولَة من طَرِيق سعيد بن أبي عرُوبَة، وَقد أَشَارَ البُخَارِيّ إِلَى ذَلِك حَيْثُ علق رِوَايَة شُعْبَة بقوله: اخْتَصَرَهُ ... إِلَى آخِره على مَا يَأْتِي، وَكَذَا أَشَارَ إِلَى رِوَايَة سعيد بن أبي عرُوبَة تَعْلِيقا، وَهَذَا من الْعِلَل الْخفية جدا. فَإِن قلت: هَذِه الزِّيَادَة لَا تظهر صَرِيحًا: هَل هِيَ من كَلَام عبَادَة على معنى أَنه سمع الحَدِيث من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَسمع مُرَاجعَة عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، أَو من كَلَام أنس على معنى أَنه حضر ذَلِك، أَو من كَلَام قَتَادَة أرْسلهُ فِي رِوَايَة همام وَوَصله فِي رِوَايَة سعيد بن أبي عرُوبَة، فَيكون فِي رِوَايَة همام إدراج.
قلت: هَذِه الِاحْتِمَالَات لَا ترد، فَلذَلِك قَالَ البُخَارِيّ عقيب الحَدِيث الْمَذْكُور: اخْتَصَرَهُ أَبُو دَاوُد ... إِلَى آخِره، وَهَذَا من صَنِيعه العجيب. قَوْله: (مِمَّا أَمَامه) بِفَتْح الْهمزَة أَي: مِمَّا قدامه من اسْتِقْبَال الْمَوْت، وَقَالَ الْكرْمَانِي: مِمَّا أَمَامه متناول للْمَوْت أَيْضا ثمَّ قَالَ: فَإِن قلت: قد نَفَاهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خُصُوصا وأثبته عُمُوما فَمَا وَجهه؟ .
قلت: نفى الْكَرَاهَة الَّتِي هِيَ حَال الصِّحَّة وَقبل الِاطِّلَاع على حَاله، وَأثبت الَّتِي هِيَ فِي حَال النزع وَبعد الإطلاع على حَاله، فَلَا مُنَافَاة. قَوْله: (حضر) على صِيغَة الْمَجْهُول وَكَذَلِكَ قَوْله: (بشر) ، قَوْله: (كره لِقَاء الله) ويروى: فكره، بِالْفَاءِ.
اخْتَصَرَهُ أبُو دَاوُدَ وعَمْرٌ وعنْ شُعْبَةَ
وَقَالَ سَعِيدٌ: عنْ قَتادَةَ عنْ زُرارَةَ عنْ سَعْدٍ عنْ عائِشَةَ عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أَي: اختصر الحَدِيث الْمَذْكُور أَبُو دَاوُد سُلَيْمَان الطَّيَالِسِيّ، وَعَمْرو بن مَرْزُوق الْبَاهِلِيّ، فرواية أبي دَاوُد أخرجهَا التِّرْمِذِيّ عَن مَحْمُود بن غيلَان عَن أبي دَاوُد بِلَفْظ أبي مُوسَى الَّذِي يَأْتِي هُنَا من غير زِيَادَة لَا نُقْصَان، وَرِوَايَة عَمْرو بن مَرْزُوق أخرجهَا(23/93)
الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير عَن أبي مُسلم الْكشِّي، ويوسف بن يَعْقُوب القَاضِي قَالَا: حَدثنَا عَمْرو بن مَرْزُوق حَدثنَا شُعْبَة ... فَذكره مثل لفظ أبي دَاوُد سَوَاء. قَوْله: وَقَالَ سعيد، يَعْنِي ابْن أبي عرُوبَة عَن قَتَادَة عَن زُرَارَة بن أبي أوفى العامري: كَانَ يؤم الصَّلَاة فَقَرَأَ فِيهَا: {فَإِذا نقر فِي الناقور} (المدثر: 8) فشهق فَمَاتَ سنة ثَلَاث وَتِسْعين، وَهُوَ يروي عَن سعد بن هِشَام الْأنْصَارِيّ ابْن عَم أنس بن مَالك رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قتل بِأَرْض مكران. وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله مُسلم عَن مُحَمَّد بن عبد الله: حَدثنَا خَالِد وَحدثنَا ابْن بشار وَحدثنَا مُحَمَّد بن بكر كِلَاهُمَا عَن سعيد بِهِ.
8056 - حدّثني مُحَمَّدُ بنُ العَلاءِ حدّثنا أبُو أُسامَةَ عنْ بُرَيْدٍ عنْ أبي بُرْدَةَ عنْ أبي مُوسى اعن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (مَنْ أحَبَّ لِقاءَ الله أحَبَّ الله لِقاءَهُ، ومَنْ كَرَهَ لِقاءَ الله كَرِهَ الله لِقاءَهُ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة، وبريد بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الرَّاء مصغر برد ابْن عبد الله بن أبي بردة بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الرَّاء واسْمه الْحَارِث أَو: عَامر يروي بريد عَن جده أبي بردة، وَأَبُو بردة يروي عَن أَبِيه أبي مُوسَى عبد الله بن قيس الْأَشْعَرِيّ.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الدَّعْوَات عَن أبي بكر وَغَيره، وَهَذَا مثل حَدِيث عبَادَة غير قَوْله: (فَقَالَت عَائِشَة)
إِلَى آخِره، فَكَأَنَّهُ أوردهُ استظهاراً لصِحَّة الحَدِيث.
9056 - حدّثنا يحْيَاى بنُ بُكَيْرٍ حدّثنا اللَّيْثُ عنْ عُقَيْلَ عنِ ابنِ شهابٍ أَخْبرنِي سَعيدُ بنُ المُسَيَّبِ وعُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ فِي رِجالٍ مِنْ أهْل العِلْمِ أنَّ عائِشَةَ زَوْجَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قالَتْ: كَانَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ وهْوَ صَحِيحٌ (إنَّهُ: لَمْ يُقَبَضْ نَبِيٌّ. قَطُّ حتَّى يَرى مَقْعَدَهُ مِنَ الجَنَّةِ ثُمَّ يُخَيَّرَ) فَلمَّا نُزِلَ بِهِ ورأسُهُ عَلى فَخِذِي غُشِيَ عَلَيْهِ ساعَةً ثُمَّ أفلق فأشْخَصَ بَصَرَهُ إِلَى السَّقْفِ ثُمَّ قَالَ: (اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الأعْلَى) قُلْتُ: إِذا لَا يَخْتَارُنا، وعَرَفْتُ أنَّهُ الحَدِيثُ الّذِي كَانَ يُحَدِّثُنا بِهِ. قالتْ: فَكَانَتْ تِلْكَ آخِرَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بهَا النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَوْلُهُ: (اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الأعْلى) . طابقته للتَّرْجَمَة من جِهَة اخْتِيَار النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لِقَاء الله بعد أَن خير بَين الْمَوْت والحياة فَاخْتَارَ الْمَوْت لمحبته لِقَاء الله تَعَالَى.
والْحَدِيث مضى فِي: بَاب مرض النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ووفاته عَن مُحَمَّد بن بشار عَن غنْدر وَعَن مُسلم عَن شُعْبَة وَعَن أبي الْيَمَان عَن شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ، وَمضى أَيْضا فِي كتاب الدَّعْوَات فِي: بَاب دُعَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، اللَّهُمَّ الرفيق الْأَعْلَى، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن سعيد بن عفير عَن اللَّيْث عَن عقيل عَن ابْن شهَاب: أَخْبرنِي سعيد بن الْمسيب وَعُرْوَة بن الزبير فِي رجال من أهل الْعلم أَن عَائِشَة ... إِلَى آخِره.
قَوْله: (فِي رجال) أَي: فِي جملَة رجال أخر رووا ذَلِك. قَوْله: (وَهُوَ صَحِيح) الْوَاو فِيهِ للْحَال. قَوْله: (ثمَّ يُخَيّر) على صِيغَة الْمَجْهُول أَي: بَين حَيَاة الدُّنْيَا وموتها. قَوْله: (فَلَمَّا نزل بِهِ) بِضَم النُّون على صِيغَة الْمَجْهُول يَعْنِي: لما حَضَره الْمَوْت. قَوْله: (وَرَأسه) الْوَاو للْحَال. قَوْله: (غشي عَلَيْهِ) على صِيغَة الْمَجْهُول جَوَاب: لما قَوْله: (فأشخص بَصَره) أَي: رفع قَوْله: (الرفيق) مَنْصُوب بمقدر وَهُوَ نَحْو: أخْتَار أَو أُرِيد، والأعلى صفته وَهُوَ إِشَارَة إِلَى الْمَلَائِكَة أَو إِلَى: {الَّذين أنعم الله عَلَيْهِم من النَّبِيين والصدقين وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ} (النِّسَاء: 96) قَوْله: (لَا يختارنا) بِالنّصب أَي: حِين اخْتَار مرافقة أهل السَّمَاء لَا يَبْغِي أَن يخْتَار مرافقتنا من أهل الأَرْض.
قلت: هَكَذَا أعربه الْكرْمَانِي فَلَا مَانع من أَن يكون مَرْفُوعا لِأَن معنى قَوْله: (إِذا) يَعْنِي: حينذٍ هُوَ لَا يختارنا. قَوْله: (وَعرفت أَنه) أَي: أَن الْأَمر الَّذِي حصل لَهُ هُوَ قَوْله: (الحَدِيث الَّذِي كَانَ يحدثنا بِهِ) وَهُوَ صَحِيح وَهُوَ: قَوْله: (إِنَّه لم يقبض نَبِي قطّ حَتَّى يُخَيّر) . قَوْله: (فَكَانَت تِلْكَ) أَي: تِلْكَ الْكَلِمَة الَّتِي هِيَ قَوْله: (اللَّهُمَّ الرفيق الْأَعْلَى) وَهِي اسْم: كَانَت. قَوْله: (آخر كلمة) بِالنّصب: خَبَرهَا. قَوْله: (تكلم بهَا النَّبِي) صفتهَا. قَوْله: (قَوْله) مَنْصُوب على الِاخْتِصَاص. أَي: أَعنِي قَوْله: اللَّهُمَّ الرفيق الْأَعْلَى.
24 - (بابُ سَكَراتِ المَوْتِ)(23/94)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان سَكَرَات الْمَوْت، وَهِي جمع سكرة بِفَتْح السِّين وَسُكُون الْكَاف وَهِي شدَّة الْمَوْت وغمه وَغَشيتهُ، وَالسكر بِضَم السِّين حَالَة تعرض بَين الْمَرْء وعقله وَهُوَ اسْم والمصدر: سكر بفحتين يسكر سكرا، قَالَ الْجَوْهَرِي: وَقد سكر يسكر سكرا مثل: بطر يبطر بطراً، وَالِاسْم السكر بِالضَّمِّ. انْتهى: وَأكْثر مَا يسْتَعْمل فِي الشَّرَاب وَيُطلق فِي الْغَضَب والعشق وَالنُّعَاس والغشي الناشىء عَن الْأَلَم، وَالسكر بِالْفَتْح وَسُكُون الْكَاف مصدر سكرت النَّهر أسكره سكرا إِذا سددته، وَالسكر بِفتْحَتَيْنِ نَبِيذ التَّمْر.
0156 - حدّثني مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ بنِ مَيْمُونٍ حدّثنا عِيسى بنُ يُونُسَ عنْ عُمَرَ بنِ سَعِيد قَالَ: أَخْبرنِي ابنُ أبي مُلَيْكَةَ أنَّ أَبَا عَمْرٍ وذَكْوانَ مَوْلى عائِشَةَ أخْبرَهُ أنَّ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا، كانَتْ تَقُولُ: إنَّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كانَ بَيْنَ يَدَيْهِ رَكْوَةٌ أوْ عُلْبَةٌ فِيها ماءٌ، شَكَّ عُمَرُ، فَجَعَلَ يُدْخِلُ يَدَيْهِ فِي المَاءِ فَيَمْسَحُ بِهِما وَجْهَهُ ويَقُولُ: (لَا إلاهَ إلاَّ الله إنَّ لِلْمَوْت سَكَراتٍ) ، ثُمَّ نَصِبَ يَدَهُ فَجَعَلَ يَقُولُ: (فِي الرَّقِيقِ الأعْلى) حتَّى قُبِضَ ومالَتْ يَدُهُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (إِن للْمَوْت سَكَرَات) وَعمر بن سعيد بن أبي حُسَيْن الْمَكِّيّ، وَابْن أبي مليكَة عبد الله بن عبد الرَّحْمَن ابْن أبي مليكَة بِضَم الْمِيم واسْمه زُهَيْر التَّيْمِيّ الْأَحول الْمَكِّيّ القَاضِي على عهد ابْن الزبير، وَأَبُو عَمْرو بِالْوَاو ذكْوَان بِفَتْح الذَّال الْمُعْجَمَة.
والْحَدِيث مُخْتَصر من حَدِيث أخرجه فِي الْمَغَازِي بِهَذَا الْإِسْنَاد الْمَذْكُور بعضه.
قَوْله: (ركوة) بِفَتْح الرَّاء وَهُوَ إِنَاء صَغِير من جلد يشرب فِيهِ المَاء، وَالْجمع ركاء. قَوْله: (أَو علبة) بِضَم الْعين الْمُهْملَة، قَالَ أَبُو عبيد: العلبة من الْخشب والركوة من الْجلد، وَقَالَ العسكري فِي (تلخيصه) : العلبة قدح الْأَعْرَاب يتَّخذ من جلد ويعلق بِجنب الْبَعِير، وَالْجمع علاب. وَفِي (الموعب) : لِابْنِ التياني: العلبة على مِثَال ركوة الْقدح الضخم من جلد الْإِبِل، وَعَن أبي ليلى: العلبة أَسْفَلهَا جلد وأعلاها خشب مدور لَهَا إطار كإطار المنخل والغربال وَتجمع على علب. وَفِي (الْمُحكم) : هِيَ كَهَيئَةِ الْقَصعَة من جلد لَهَا طوق من خشب. قَوْله: (شكّ عمر) ، يَعْنِي: عمر بن سعيد الْمَذْكُور، وَفِي بَاب وَفَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يشك عمر، بِلَفْظ الْمُضَارع، وَفِي يرواية الْإِسْمَاعِيلِيّ: شكّ ابْن أبي حُسَيْن قَوْله: (يدْخل يَدَيْهِ) من الإدخال، وَيَديه بالتثنية رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره بِالْإِفْرَادِ، وعَلى هَذَا قَوْله: (بهما) بالتثنية أَو بِالْإِفْرَادِ. قَوْله: (فِي الرفيق) أَي: أدخلني فِي جُمْلَتهمْ، أَي: اخْتَرْت الْمَوْت.
وَقَالَ أبُو عَبْدِ الله) ؛ العُلْبَةُ مِنَ الخَشَبِ، والرَّكْوَةُ مِنَ الأدَمِ
أَبُو عبد الله هُوَ البُخَارِيّ نَفسه، وَقد فسر العلبة بِمَا فسره أَبُو عبيد كَمَا ذَكرْنَاهُ الْآن. وَهَذَا ثَبت فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي وَحده.
98 - (حَدثنِي صَدَقَة أخبرنَا عَبدة عَن هِشَام عَن أَبِيه عَن عَائِشَة قَالَت كَانَ رجال من الْأَعْرَاب جُفَاة يأْتونَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فيسألونه مَتى السَّاعَة فَكَانَ ينظر إِلَى أَصْغَرهم فَيَقُول إِن يَعش هَذَا لَا يُدْرِكهُ الْهَرم حَتَّى تقوم عَلَيْكُم سَاعَتكُمْ قَالَ هِشَام يَعْنِي مَوْتهمْ) يُمكن أَن يُؤْخَذ وَجه الْمُطَابقَة من قَوْله مَوْتهمْ لِأَن كل موت فِيهِ سكرة وَصدقَة هُوَ ابْن الْفضل الْمروزِي وَعَبدَة بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة هُوَ ابْن سُلَيْمَان وَهِشَام هُوَ ابْن عُرْوَة يروي عَن أَبِيه عُرْوَة بن الزبير عَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا والْحَدِيث من أَفْرَاده وَنَظِيره حَدِيث أنس مضى فِي كتاب الْأَدَب فِي بَاب مَا جَاءَ فِي قَول الرجل وَيلك قَوْله الْأَعْرَاب هم ساكنو الْبَادِيَة من الْعَرَب الَّذين لَا يُقِيمُونَ فِي الْأَمْصَار وَلَا يدْخلُونَهَا إِلَّا لحَاجَة وَالْعرب اسْم لهَذَا الجيل الْمَعْرُوف من النَّاس وَلَا وَاحِد لَهُ من لَفظه وَسَوَاء أَقَامَ بالبادية أَو المدن وَالنِّسْبَة إِلَيْهِمَا أَعْرَابِي وعربي وَقَالَ الْجَوْهَرِي(23/95)
لَيْسَ الْأَعْرَاب جمعا لعرب كَمَا أَن الأنباط جمع لنبط إِنَّمَا الْعَرَب اسْم جنس قَوْله جفاتا بِضَم الْجِيم جمع جَاف من الْجفَاء وَهُوَ الغلظ فِي الطَّبْع لقلَّة مُخَالطَة النَّاس ويروى بِالْحَاء الْمُهْملَة جمع حاف وَهُوَ الَّذِي يمشي بِلَا شَيْء فِي رجلَيْهِ وكلا الْمَعْنيين غَالب على أهل الْبَادِيَة قَوْله ينظر إِلَى أَصْغَرهم وَفِي رِوَايَة مُسلم وَكَانَ ينظر إِلَى أحدث أَسْنَان مِنْهُم قَوْله لَا يُدْرِكهُ مجزوم لِأَنَّهُ جَوَاب الشَّرْط قَوْله " قَالَ هِشَام " يَعْنِي ابْن عُرْوَة رَاوِي الحَدِيث وَهُوَ مَوْصُول بالسند الْمَذْكُور يَعْنِي فسر السَّاعَة بِالْمَوْتِ قَالَ الْكرْمَانِي يُرِيد بساعتهم مَوْتهمْ وانقراض عصرهم إِذْ من مَاتَ فقد قَامَت قِيَامَته وَكَيف وَالْقِيَامَة الْكُبْرَى لَا يعلمهَا إِلَّا الله عز وَجل ثمَّ قَالَ فَإِن قلت السُّؤَال عَن الْكُبْرَى وَالْجَوَاب عَن الصُّغْرَى فَلَا مُطَابقَة قلت هُوَ من بَاب أسلوب الْحَكِيم قلت مَعْنَاهُ دعوا السُّؤَال عَن وَقت الْقِيَامَة الْكُبْرَى فَإِنَّهَا لَا يعلمهَا إِلَّا الله عز وَجل واسألوا عَن الْوَقْت الَّذِي يَقع فِيهِ انْقِرَاض عصركم فَهُوَ أولى لكم لِأَن معرفتكم إِيَّاه تبعثكم على مُلَازمَة الْعَمَل الصَّالح قبل فَوته لِأَن أحدكُم لَا يدْرِي من الَّذِي يسْبق الآخر وَقيل هُوَ تَمْثِيل لتقريب السَّاعَة لَا يُرَاد بهَا حَقِيقَة قِيَامهَا أَو الْهَرم لَا حد لَهُ أَو علم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن ذَلِك الْمشَار إِلَيْهِ لَا يعمر وَلَا يعِيش -
2156 - حدّثنا إسْماعِيلُ قَالَ: حدّثني مالِكٌ عنْ مُحَمَّدِ بنِ عَمْرِو بنِ حَلْحَلَةَ عَن مَعْبَدِ بنِ كَعْبِ بن مالِكٍ عنْ أبي قَتادَةَ بنِ رِبْعِيّ الأنْصاريِّ أنَّهُ كانَ يُحَدِّثُ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُرَّ عَلَيْهِ بِجِنازَةٍ فَقَالَ: (مُسْتَرِيحٌ ومُسْتَراحٌ مِنَهُ) قالُوا: يَا رسولَ الله! مَا المُسْتَرِيحُ والمُسْتَراحُ مِنْهُ؟ قَالَ: (العَبْدُ المُؤْمِنُ يَسْتَرِيحُ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيا وأذاها إِلَى رَحْمَةِ الله عَزَّ وَجَلَّ، والعَبْدُ الفاجِرُ يَسْتَرِيحُ مِنْهُ العبادُ والبِلادُ والشَّجَرُ والدَّوابُ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة يُمكن أَخذهَا من قَوْله: (يستريح من نصب الدُّنْيَا) وَمن جملَة النصب: سكرة الْمَوْت.
وَإِسْمَاعِيل بن أبي أويس واسْمه عبد الله الْمدنِي ابْن أُخْت مَالك بن أنس الَّذِي روى عَنهُ، وَمُحَمّد بن عَمْرو بن حلحلة بِفَتْح الحاءين الْمُهْمَلَتَيْنِ وَإِسْكَان اللَّام الأولى وَلَيْسَ لَهُ عَن معبد غَيره، ومعبد بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة ابْن كَعْب بن مَالك الْأنْصَارِيّ، وَأَبُو قَتَادَة اسْمه الْحَارِث بن ربعي بِكَسْر الرَّاء وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة وَكسر الْعين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْيَاء.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْجَنَائِز عَن قُتَيْبَة عَن مَالك بِهِ وَعَن غَيره. وَأخرجه النَّسَائِيّ أَيْضا فِيهِ عَن قُتَيْبَة.
قَوْله: (مر عَلَيْهِ بِجنَازَة) على صِيغَة (الْمَجْهُول) . قَوْله: (ومستراح) الْوَاو فِيهِ بِمَعْنى: أَو، أَو هِيَ للتقسيم على مَا صرح بِمُقْتَضَاهُ فِي جَوَاب سُؤَالهمْ. قَوْله: (من نصب الدُّنْيَا) النصب التَّعَب وَالْمَشَقَّة. قَوْله: (وأذاها) من عطف الْعَام على الْخَاص، وَقَالَ ابْن التِّين: يحْتَمل أَن يُرَاد بِالْمُؤمنِ المتقي خَاصَّة، وَيحْتَمل كل مُؤمن، والفاجر يحْتَمل أَن يُرَاد بِهِ الْكَافِر، وَيحْتَمل أَن يدْخل فِيهِ العَاصِي، أما رَاحَة الْعباد مِنْهُ فَلَمَّا كَانَ لَهُم من ظلمه، وَأما رَاحَة الْبِلَاد فَلَمَّا كَانَ من غصبهَا ومنعها من حَقّهَا وَصرف مَا يحصل مِنْهَا إِلَى غير أَهله فِي غير وَجهه، وَأما رَاحَة الشّجر فَلَمَّا كَانَ من قلعة إِيَّاهَا بِالْغَصْبِ، أَو من أَخذ ثمره كَذَلِك لَكِن الرَّاحَة هُنَا لصَاحب الشّجر وَإسْنَاد الرَّاحَة إِلَيْهِ مجَاز، وَأما رَاحَة الدَّوَابّ فَلَمَّا كَانَ من اسْتِعْمَالهَا فَوق طاقتها وَالتَّقْصِير فِي أكلهَا وشربها.
3156 - حدّثنا مُسَدِّدٌ حَدثنَا يحْيَاى عنْ عَبْدِ رَبِّهِ بنِ سَعِيدٍ عنِ محَمَّدِ بنِ عَمْرو بنِ حَلْحَلَةَ حدّثني بنُ كَعْبٍ عَن ابي قَتَادَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ مستريح ومستراح مِنْهُ الْمُؤمن يستريح
هَذَا طَرِيق آخر أخرجه عَن مُسَدّد عَن يحيى الْقطَّان عَن عبد ربه بن سعيد بن قيس الْأنْصَارِيّ كَذَا وَقع هُنَا لأبي ذَر عَن شُيُوخه الثَّلَاثَة فِي رِوَايَة عنْ أبي زيد الْمروزِي، وَوَقع عِنْد مُسلم عَن عبد الله بن سعيد بن أبي هِنْد. وَقَالَ الغساني: عبد ربه بن سعيد وهم، وَالصَّوَاب الْمَحْفُوظ عبد الله، وَكَذَا روه ابْن السكن عَن الْفربرِي فَقَالَ فِي رِوَايَته: عبد الله بن سعيد هُوَ(23/96)
ابْن أبي هِنْد، والْحَدِيث مَحْفُوظ لَهُ لَا لعبد ربه.
قَوْله: (حَدثنِي ابْن كَعْب) هُوَ معبد بن كَعْب بن مَالك الْمَذْكُور فِي السَّنَد الأول. قَوْله: (مستريح)
إِلَى آخِره أخرجه مُخْتَصرا هَكَذَا بِدُونِ السُّؤَال وَالْجَوَاب.
4156 - حدّثنا الحُمَيْدِيُّ حدّثنا سُفْيانُ حَدثنَا عَبْدُ الله بنُ أبي بَكْرِ بنِ عَمْرو بنِ حَزْمٍ سَمِعَ أنَسَ بنَ مالِكٍ يَقُولُ: قَالَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (يَتْبَعُ المَيِّتَ ثَلاثَةٌ فَيَرْجِعُ اثْنانِ ويَبْقى مَعَهُ واحِدٌ، يتبَعُهُ أهْلُهُ ومالُهُ وَعَمله فَيرجع أَهله وَمَاله ويَبْقى عَمَلُهُ) .
تؤخذه مطابقته للتَّرْجَمَة من قَوْله: (يتبع الْمَيِّت) . لِأَن كل ميت يقاسي سكرة الْمَوْت.
والْحميدِي هُوَ عبد الله بن الزبير بن عِيسَى مَنْسُوب إِلَى أحد أجداده حميد مصغر حمد وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة وَلَيْسَ لشيخه عبد الله بن أبي بكر عَن أنس غير هَذَا الحَدِيث.
وَأخرجه مُسلم فِي الزّهْد عَن يحيى بن يحيى وَزُهَيْر بن حَرْب. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن سُوَيْد بن نصر. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الرَّقَائِق عَن سُوَيْد بن نصر وَفِي الْجَنَائِز عَن قُتَيْبَة.
قَوْله: (يتبع الْمَيِّت) هَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين والسرخسي، وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي. يتبع الْمَرْء، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر عَن الْكشميهني: يتبع الْمُؤمن، وَالْأول هُوَ الْمَحْفُوظ. قيل: التّبعِيَّة فِي بَعْضهَا حَقِيقَة وَفِي بَعْضهَا مجَاز فَكيف جَازَ اسْتِعْمَال لفظ وَاحِد فيهمَا؟ وَأجِيب: بِأَنَّهُ يجوز عِنْد الشَّافِعِيَّة ذَلِك، وَأما عِنْد غَيرهم فَيحمل على عُمُوم الْمجَاز. قَوْله: (يتبعهُ أَهله)
إِلَى آخِره توضيح قَوْله ثَلَاثَة، وَهَذَا يَقع فِي الْأَغْلَب، وَرب ميت لَا يتبعهُ إلاَّ عمله فَقَط. قَوْله: (وَمَاله) مثل رَقِيقه ودوابه على مَا جرت بِهِ عَادَة الْعَرَب. قَوْله: (وَيبقى عمله) وَمعنى بَقَاء عمله أَنه إِن كَانَ صَالحا يَأْتِيهِ فِي صُورَة رجل حسن الْوَجْه حسن الثِّيَاب حسن الرَّائِحَة فَيَقُول: أبشر بِالَّذِي يَسُرك، فَيَقُول: من أَنْت؟ فَيَقُول: أَنا عَمَلك الصَّالح. وَقَالَ فِي الحَدِيث فِي حق الْكَافِر: ويأتيه رجل قَبِيح الْوَجْه فَيَقُول: أَنا عَمَلك الْخَبيث. هَذَا وَقع هَكَذَا فِي حَدِيث الْبَراء بن عَازِب أخرجه أَحْمد وَغَيره.
5156 - حدّثنا أبُو النُّعْمانِ حَدثنَا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ عنْ أيُّوبَ عنْ نافِعٍ عَن ابنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِذا ماتَ أحَدُكُمْ عُرضَ علَيْهِ مَقْعَدُهُ غُدوَةَ وعَشِيا، إمَّا النَّارُ وإمَّا الجَنَّةُ، فَيُقالُ: هاذا مَقْعَدُكَ حَتَّى تُبْعَثَ) . (انْظُر الحَدِيث 9731 وطرفه) .
تُؤْخَذ مطابقته للتَّرْجَمَة من قَوْله: (إِذا مَاتَ) لِأَن الَّذِي يَمُوت لَا بُد لَهُ من سكرة الْمَوْت.
وَأَبُو النُّعْمَان مُحَمَّد بن الْفضل السدُوسِي الْبَصْرِيّ يُقَال لَهُ عَارِم، وَأَيوب هُوَ السّخْتِيَانِيّ. والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (عرض عَلَيْهِ مَقْعَده) كَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة السَّرخسِيّ وَالْمُسْتَمْلِي: عرض على مَقْعَده، وَالْأول هُوَ الأَصْل وَالثَّانِي من بَاب الْقلب نَحْو: عرض النَّاقة على الْحَوْض. قَوْله: (غدْوَة وعشياً) أَي: أول النَّهَار وَآخره بِالنِّسْبَةِ إِلَى أهل الدُّنْيَا، وَالَّذِي يعرض على الْمُؤمن مقعدان يراهما جَمِيعًا. وَفَائِدَة الْعرض لِلْمُؤمنِ نوع من الْفَرح وللكافر نوع من الْعَذَاب، وَالْعرض على الرّوح حَقِيقَة وعَلى مَا يتَّصل بِهِ من الْبدن الِاتِّصَال الَّذِي يُمكن بِهِ إِدْرَاك التَّنْعِيم أَو التعذيب. وَقَالَ ابْن بطال حاكياً عَن غَيره: إِن المُرَاد بِالْعرضِ هُنَا الْإِخْبَار بِأَن هَذَا مَوضِع جزائكم على أَعمالكُم عِنْد الله، لِأَن الْعرض لَا يَقع على شَيْء فانٍ، فالعرض الَّذِي يَدُوم إِلَى يَوْم الْقِيَامَة هُوَ الْعرض الَّذِي على الْأَرْوَاح خَاصَّة، وَاعْترض عَلَيْهِ بِأَن حمل الْعرض على الْإِخْبَار عدُول عَن الظَّاهِر بِغَيْر مُقْتَضى لذَلِك، فَلَا يجوز الْعُدُول إلاَّ بصارفٍ يصرفهُ عَن الظَّاهِر. انْتهى.
قلت: فِيهِ نظر لِأَن الْأَبدَان تفنى وَالَّذِي يفنى حكمه حكم المعدم وَلَا يتَصَوَّر الْعرض على الْمَعْدُوم. وَقَوله: (عدُول عَن الظَّاهِر بِغَيْر مُقْتَضى، غير مُسلم لِأَن الحكم بِالظَّاهِرِ مُتَعَذر، والصارف عَن الظَّاهِر مَوْجُود وَهُوَ امْتنَاع الْعرض على الْمَعْدُوم، وَقَالَ بَعضهم: يُؤَيّد الْحمل على الظَّاهِر أَن الْخَبَر ورد على الْعُمُوم فِي الْمُؤمن وَالْكَافِر، فَلَو اخْتصَّ الْعرض بِالروحِ لم يكن للشهيد فِي ذَلِك كثير فَائِدَة لِأَن روحه منعمة جزما، كَمَا فِي الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة، وَكَذَا روح الْكَافِر معذبة فِي النَّار جزما، فَإِذا حمل على الرّوح الَّتِي لَهَا اتِّصَال بِالْبدنِ ظَهرت فَائِدَة ذَلِك فِي حق الشَّهِيد، وَفِي حق الْكَافِر أَيْضا. انْتهى.
قلت: كَون عُمُوم الْخَبَر يُؤَيّد الْحمل على الظَّاهِر غير مُسلم لما ذكرنَا. ثمَّ تَقْوِيَة ذَلِك بقوله: فَلَو اخْتصَّ(23/97)
الْعرض بِالروحِ ... إِلَى آخِره غير مُسلم أَيْضا، لِأَن الْعرض فِي حق الشَّهِيد زِيَادَة فَرح وسرور وَفِي حق الْكَافِر زِيَادَة جزع وتحسر، وَيُؤَيّد هَذَا مَا رَوَاهُ ابْن أبي الدُّنْيَا وَالطَّبَرَانِيّ وَصَححهُ ابْن حبَان من حَدِيث أبي هُرَيْرَة فِي فتْنَة السُّؤَال فِي الْقَبْر. وَفِيه: ثمَّ يفتح لَهُ بَاب من أَبْوَاب الْجنَّة، فَيُقَال لَهُ: هَذَا مَقْعَدك وَمَا أعده الله لَك فِيهَا، فَيَزْدَاد غِبْطَة وسروراً، ثمَّ يفتح لَهُ بَاب من أَبْوَاب النَّار فَيُقَال لَهُ: هَذَا مَقْعَدك وَمَا أعده الله لَك فِيهَا لَو عصيته، فَيَزْدَاد غِبْطَة وسروراً ... الحَدِيث. وَفِيه فِي حق الْكَافِر: ثمَّ يفتح لَهُ بَاب من أَبْوَاب النَّار، وَفِيه: فَيَزْدَاد حسرة وثبوراً فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَفِيه: لَو أطعته. قَوْله: (إِمَّا النَّار وَإِمَّا الْجنَّة) ، قيل كلمة: إِمَّا، التفصيلية تمنع الْجمع بَينهمَا. وَأجِيب بِأَنَّهُ قد يكون لمنع الْخُلُو عَنْهُمَا. فَإِن قلت: هَذَا الْعرض لِلْمُؤمنِ المتقي وَالْكَافِر ظَاهر، فَكيف الْأَمر فِي الْمُؤمن المخلص؟ .
قلت: يحْتَمل أَن يعرض عَلَيْهِ مَقْعَده من الْجنَّة الَّتِي سيصير إِلَيْهَا. فَإِن قلت: مَا فَائِدَة التكرر فِي الْعرض؟ .
قلت: فَائِدَته تذكارهم بذلك. قَوْله: (حَتَّى تبْعَث إِلَيْهِ) وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: حَتَّى تبْعَث عَلَيْهِ، وَفِي طَرِيق مَالك: حَتَّى يَبْعَثك الله إِلَيْهِ يَوْم الْقِيَامَة. وَقَالَ الْكرْمَانِي: مَا معنى الْغَايَة الَّتِي فِي ... حَتَّى تبْعَث؟ ثمَّ أجَاب بقول: مَعْنَاهَا أَنه يرى بعد الْبَعْث من عِنْد الله كَرَامَة ينسى عِنْدهَا هَذَا المقعد، وَقَالَ الْكرْمَانِي أَيْضا: وَفِيه إِثْبَات عَذَاب الْقَبْر وَالأَصَح أَنه للجسد وَلَا بُد من اعادة الرّوح فِيهِ لِأَن الْأَلَم لَا يكون إِلَّا للحي قلت إِثْبَات عَذَاب الْقَبْر لَا تداع وَأما قَوْله وَالأَصَح أَنه للجسد، فَغير مُسلم لِأَن الْجَسَد يفنى وتعذيب الَّذِي فني غير مُتَصَوّر، وَأما قَوْله: وَلَا بُد من إِعَادَة الرّوح فِيهِ، فَفِيهِ اخْتِلَاف: هَل تعود الرّوح فِيهِ حَقِيقَة أَو تقرب من الْبدن بِحَسب مَا يعذب الْبدن بِوَاسِطَة أَو بِغَيْر ذَلِك؟ فحقيقة ذَلِك عِنْد الله، وَقد ضرب بعض الْعلمَاء لتعذيب الرّوح مثلا بالنائم فَإِن روحه تتنعم أَو تعذب والجسد لَا يحس بِشَيْء من ذَلِك، وَاعْلَم أَن نسمَة الْمُؤمن طَائِر يعلق فِي شجر الْجنَّة ويعرض عَلَيْهِ مقعدها غدْوَة وعشيا، وأرواح الْكفَّار فِي أَجْوَاف طيور سود تَغْدُو على جَهَنَّم وَتَروح كل يَوْم مرَّتَيْنِ، فَذَلِك عرضهَا. وَقد قيل: إِن أَرْوَاحهم فِي صَخْرَة سَوْدَاء تَحت الأَرْض السَّابِعَة على شَفير جَهَنَّم فِي حواصل طيور سود.
6156 - حدّثنا عَلِيُّ بنُ الجَعْدِ أخبرنَا شُعْبَةُ عَن الأعْمَشِ عَنْ مُجاهِدٍ عنْ عائِشَةَ قالَتْ: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: قَوْله: (لَا تَسُبُّوا الأمْواتَ فإنَّهُمْ قَدْ أفْضَوْا إِلَى مَا قَدَّمُوا) (انْظُر الحَدِيث 3931) .
ذكر هَذَا الحَدِيث هُنَا لكَونه فِي أَمر الْأَمْوَات الَّذين ذاقوا سَكَرَات الْمَوْت وَقد مضى فِي آخر كتاب الْجَنَائِز فِي: بَاب مَا ينْهَى عَن سبّ الْأَمْوَات، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَا ك عَن آدم عَن شُعْبَة عَن الْأَعْمَش وَهُوَ سُلَيْمَان عَن مُجَاهِد ... إِلَى آخِره.
عَليّ بن الْجَعْد بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة ابْن عبيد أَبُو الْحسن الْجَوْهَرِي الْبَغْدَادِيّ روى عَنهُ البُخَارِيّ فِي كِتَابه اثْنَي عشر حَدِيثا، وَقَالَ: مَاتَ بِبَغْدَاد آخر رَجَب سنة ثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ، وَقد مضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (أفضوا) أَي: وصلوا إِلَى جَزَاء أَعْمَالهم من الْخَيْر وَالشَّر.
34 - (بابُ نَفْخِ الصُّورِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان نفخ الصُّور، وَهُوَ بِضَم الصَّاد الْمُهْملَة وَسُكُون الْوَاو، وروى عَن الْحسن أَنه قَرَأَهَا بِفَتْح الْوَاو جمع صُورَة، وتأوله على أَن المُرَاد النفخ فِي الأجساد لتعاد إِلَيْهَا الْأَرْوَاح. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة فِي (الْمجَاز) يُقَال: الصُّور، يَعْنِي بِسُكُون الْوَاو جمع صُورَة كَمَا يُقَال: سور الْمَدِينَة، جمع سُورَة، وَحكى الطَّبَرِيّ عَن قوم مثله: وَزَاد: كالصوف جمع صوفة، ورد على هَذَا بِأَن الصُّور اسْم جنس لَا جمع. قَالَ: وَقَالَ الْأَزْهَرِي: إِنَّه خلاف مَا عَلَيْهِ أهل السّنة وَالْجَمَاعَة، وَيَأْتِي تَفْسِيره الْآن.
قَالَ مُجاهِدٌ: الصُّورُ كَهَيْئَةِ البُوقِ
هَذَا التَّعْلِيق وَصله الْفرْيَابِيّ من طَرِيق ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد، قَالَ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَنفخ فِي الصُّور} (الْكَهْف: 99 وَغَيرهَا) قَالَ: كَهَيئَةِ البوق(23/98)
الَّذِي يزمر بِهِ وَهُوَ مَعْرُوف، وَيُقَال: إِن الصُّور اسْم الْقرن بلغَة أهل الْيمن، قيل: كَيفَ شبه الصُّور بالقرن الَّذِي هُوَ مَذْمُوم؟ وَأجِيب: لَا مَانع من ذَلِك، أَلا يرى كَيفَ شبه صَوت الْوَحْي بصلصلة الجرس مَعَ وُرُود النَّهْي عَن استصحابه. فَإِن قلت: مماذا خلق الصُّور.
قلت: روى أَبُو الشَّيْخ فِي كتاب (العظمة) من طَرِيق وهب بن مُنَبّه من قَوْله: قَالَ: خلق الصُّور من لؤلؤة بَيْضَاء فِي صفاء الزجاجة، ثمَّ قَالَ للعرش: خُذ الصُّور فَتعلق بِهِ، ثمَّ قَالَ: كن فَكَانَ إسْرَافيل عَلَيْهِ السَّلَام، فَأمره أَن يَأْخُذ الصُّور فَأَخذه وَبِه ثقب بِعَدَد كل روح مخلوقة وَنَفس منفوسة، فَذكر الحَدِيث. وَفِيه: ثمَّ يجمع الْأَرْوَاح كلهَا فِي الصُّور ثمَّ يَأْمر الله عز وَجل إسْرَافيل عَلَيْهِ السَّلَام فينفخ فِيهِ، فَتدخل كل روح فِي جَسدهَا، وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَالنَّسَائِيّ وَابْن حبَان وَصَححهُ وَالْحَاكِم من حَدِيث عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِي إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: مَا الصُّور؟ قَالَ: قرن ينْفخ فِيهِ.
زَجْرَةٌ: صَيْحَةٌ
أَشَارَ بِهِ إِلَى تَفْسِير قَوْله عز وَجل: {فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَة وَاحِدَة} (الصافات: 91 والنازعات: 31) وَفسّر الزجرة بقوله: صَيْحَة، وَهُوَ من تَفْسِير مُجَاهِد أَيْضا، وَصله الْفرْيَابِيّ أَيْضا من طَرِيق ابْن أبي نجيح عَنهُ.
وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: الناقورُ الصُّورُ
أَرَادَ بِهِ أَن ابْن عَبَّاس فسر الناقور فِي قَوْله عز وَجل: {فَإِذا نقر فِي الناقور} (المدثر: 8) بِأَنَّهُ الصُّور، وَصله الطَّبَرِيّ وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ بن أبي طَلْحَة عَنهُ فِي الْآيَة الْمَذْكُورَة، وَمعنى نقر: نفخ) .
الرَّاجِفَةُ: النَّفْخَةُ الأُولى. والرَّادِفَةُ: النَّفْخَةُ الثَّانِيَةُ
هَذَا من تَفْسِير ابْن عَبَّاس أَيْضا فِي قَوْله عز وَجل: {يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ} (النازعات: 6 7) أَي: النفخة الأولى تتبعها النفخة الثَّانِيَة، وَصله الطَّبَرِيّ وَابْن أبي حَاتِم أَيْضا بالسند الْمَذْكُور، وَبِه فسر الْفراء فِي (مَعَاني الْقُرْآن) : وَعَن مُجَاهِد الراجفة الزلزلة، والرادفة الدكدكة. أخرجه الْفرْيَابِيّ وَغَيره عَنهُ، وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَاخْتلف فِي عَددهَا. وَالأَصَح أَنَّهَا نفختان. قَالَ تَعَالَى: {وَنُفِخَ فِى الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِى السَّمَاوَاتِ وَمَن فِى الاَْرْضِ إِلاَّ مَن شَآءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ} (الزمر: 86) وَالْقَوْل الثَّانِي: إِنَّهَا ثَلَاث نفخات: نفخة الْفَزع فَيفزع أهل السَّمَوَات وَالْأَرْض بِحَيْثُ تذهل كل مُرْضِعَة عَمَّا أرضعت، ثمَّ نفخة الصَّعق، ثمَّ نفخة الْبَعْث، فَأُجِيب: بِأَن الْأَوليين عائدتان إِلَى وَاحِدَة فزعوا إِلَى أَن صعقوا، وَالْمَشْهُور أَن صَاحب الصُّور إسْرَافيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَنقل فِيهِ الْحَلِيمِيّ الْإِجْمَاع. فَإِن قلت: جَاءَ أَن الَّذِي ينْفخ فِي الصُّور غير إسْرَافيل، فروى الطَّبَرَانِيّ فِي (الْأَوْسَط) : عَن عبد الله بن الْحَارِث: كُنَّا عِنْد عَائِشَة فَقَالَت: يَا كَعْب! أَخْبرنِي عَن إسْرَافيل. قيل ... فَذكر الحَدِيث، وَفِيه: وَملك الصُّور جاثي على إِحْدَى رُكْبَتَيْهِ، وَقد نصب الْأُخْرَى يلتقم الصُّور محنياً ظَهره شاخصاً ببصره ينظر إِلَى إسْرَافيل، وَقد أَمر إِذا رأى إسْرَافيل قد ضم جناحيه أَن ينْفخ فِي الصُّور. فَقَالَت عَائِشَة: سمعته من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قلت: فِيهِ زيد بن جدعَان وَهُوَ ضَعِيف. فَإِن قلت: يُؤَيّد الحَدِيث الْمَذْكُور مَا أخرجه هناد بن السّري فِي (كتاب الزّهْد) : مَا من صباح إِلَّا وملكان موكلان بالصور ينتظران مَتى يؤمران فينفخان، يَعْنِي: فِي الصُّور.
قلت: هَذَا مَوْقُوف على عبد الرحمان بن أبي عمْرَة. فَإِن قلت: روى عَن الإِمَام أَحْمد من طَرِيق سُلَيْمَان التَّيْمِيّ عَن أبي. . عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَو عَن عبد الله بن عَمْرو عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: النافخان فِي السَّمَاء الثَّانِيَة رَأس أَحدهمَا بالمشرق وَرجلَاهُ بالمغرب، وَالْآخر بِالْعَكْسِ ينتظران مَتى يؤمران أَن ينفخا فِي الصُّور فينفخا، وَرِجَاله ثِقَات. وَأخرجه الْحَاكِم من حَدِيث عبد الله بن عَمْرو بِغَيْر شكّ، وروى ابْن مَاجَه وَالْبَزَّار من حَدِيث أبي سعيد رَفعه: أَن صَاحِبي الصُّور بأيديهما قرنان(23/99)
يلاحظان النّظر مَتى يؤمران، وَقَالَ بعض الْعلمَاء: الْملك الَّذِي إِذا رأى إسْرَافيل ضم جناحيه فِي حَدِيث عَائِشَة ينْفخ النفخة الأولى، وإسرافيل ينْفخ النفخة الثَّانِيَة، وَهِي نفخة الْبَعْث.
7156 - حدّثني عَبْدُ العَزيزِ بنُ عَبْدِ الله قَالَ: حدّثني إبْراهِيمُ بنُ سعْدٍ عَن ابْن شهَاب عنْ أبي سَلَمَةَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمانِ وَعَبْدِ الرَّحْمانِ الأعرَجِ أنَّهُما حدَّثاهُ: أنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: اسْتَبَّ رَجُلانِ: رَجُلٌ من المُسْلِمِينَ ورَجُلٌ مِنَ اليَهُودِ، فَقَالَ المُسْلِمُ: والْذي اصْطَفى مُحَمَّداً عَلى العالمِينَ، فَقَالَ اليَهُودِيُّ: والّذِي اصْطَفاى مُوسى على العَالَمِينَ، قَالَ: فَغَضِبَ المُسْلِمُ عِنْدَ ذالِكَ فَلَطَمَ وجْهَ اليَهُودِيِّ، فَذَهَبَ اليَهُودِيُّ إِلَى رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأخْبَرَهُ بِما كانَ مِنْ أمْرِه وأمْرِ المُسْلِمِ، فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَا تُخَيِّرُونِي عَلى مُوسى، فإنَّ النَّاسَ يَصْعَقُونَ يَوْمَ القِيامَةِ فأكونَ فِي أوَّلِ مَنْ يُفِيقُ فَإِذا مُوسى باطِشٌ بِجانِبِ العَرْشِ فَلَا أدْري أكانَ مُوسى فِيمَنْ صَعِقَ فأفاقَ قَبِلِي أوْ كانَ مِمَنْ اسْتَثْنى الله) .
وَجه الْمُطَابقَة بَين الحَدِيث والترجمة يُمكن أَن يُؤْخَذ من قَوْله: (فَإِن النَّاس يصعقون يَوْم الْقِيَامَة)
إِلَى آخر الحَدِيث، وَلَكِن فِيهِ تعسف وَقد تكَرر ذكر رِجَاله.
والْحَدِيث مضى فِي: بَاب مَا يذكر فِي الْأَشْخَاص، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن يحيى بن قزعة عَن إِبْرَاهِيم بن سعد عَن ابْن شهَاب عَن أبي سَلمَة، وَعبد الرَّحْمَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (لَا تخيروني) أَي: لَا تفضلُونِي وَلَا تجعلوني خيرا مِنْهُ. قيل: هُوَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أفضل الْمَخْلُوقَات، فَلم نهى عَن التَّفْضِيل؟ وَأجِيب بِأَن مَعْنَاهُ: لَا تفضلُونِي بِحَيْثُ يلْزم نقص أَو غَضَاضَة على غَيره من الْفضل، أَو بِحَيْثُ يُؤَدِّي إِلَى خُصُومَة، أَو قَالَه تواضعاً، أَو كَانَ هَذَا قبل علمه بِأَنَّهُ كَانَ سيد ولد آدم. وَقَالَ ابْن بطال: لَا تفضلُونِي عَلَيْهِ فِي الْعَمَل فَإِنَّهُ أَكثر عملا مني، وَالثَّوَاب بِفضل الله لَا بِالْعَمَلِ، أَو لَا تفضلُونِي فِي الْبلوى والامتحان فَإِنَّهُ أَكثر محنة مني وَأعظم (إِيذَاء وبلاء) . قَوْله: (يصعقون) بِفَتْح الْعين فِي الْمُضَارع وبكسرها فِي الْمَاضِي من صعق إِذا غشي عَلَيْهِ، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: الصَّعق أَن يغشى على الْإِنْسَان من صَوت شَدِيد يسمعهُ وَرُبمَا مَاتَ مِنْهُ، ثمَّ اسْتعْمل فِي الْمَوْت كثيرا، أَو قَالَ القَاضِي: يحْتَمل أَن هَذِه الصعقة صعقة فزع بعد الْبَعْث حَتَّى تَنْشَق السَّمَوَات وَالْأَرْض، يدل عَلَيْهِ قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (فأفاق قبلي) لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُقَال: أَفَاق من الغشي، وَأما الْمَوْت فَيُقَال: بعث مِنْهُ، وصعقة الطّور لم تكن موتا. وَأما قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (فَلَا أَدْرِي أَكَانَ مُوسَى فِيمَن صعق فأفاق قبلي) فَيحْتَمل أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ذَلِك قبل أَن علم أَنه أول من تَنْشَق عَنهُ الأَرْض، إِن كَانَ هَذَا اللَّفْظ على ظَاهره، وَأَن نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو شخص مِمَّن تَنْشَق عَنْهُم الأَرْض فَيكون مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام، من تِلْكَ الزمرة وَهِي وَالله أعلم زمرة الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام، قَوْله: (أَو كَانَ مِمَّن اسْتثْنى الله) أَي: فِيمَا قَالَ: {فَصعِقَ من فِي السَّمَوَات وَمن فِي الأَرْض إِلَّا من شَاءَ الله} (الزمر: 86) وَفِيه عشرَة أَقْوَال. الأول: أَنهم الْمَوْتَى لكَوْنهم لَا إحساس لَهُم. وَالثَّانِي: الشُّهَدَاء. الثَّالِث: الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام، وَإِلَيْهِ مَال الْبَيْهَقِيّ، وَجوز أَن يكون مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام، مِمَّن اسْتثْنى الله. الرَّابِع: جِبْرِيل وَمِيكَائِيل وإسرافيل وَملك الْمَوْت، ثمَّ يَمُوت الثَّلَاثَة ثمَّ يَقُول الله لملك الْمَوْت مت فَيَمُوت، قَالَه يحيى بن سَلام فِي (تَفْسِيره) : الْخَامِس: حَملَة الْعَرْش لأَنهم فَوق السَّمَوَات. السَّادِس: مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام، وَحده أخرجه الطَّبَرِيّ بِسَنَد فِيهِ ضعف عَن أنس وَعَن قَتَادَة، وَذكره الثَّعْلَبِيّ عَن جَابر. السَّابِع: الْولدَان الَّذين فِي الْجنَّة والحور الْعين. الثَّامِن: خزان الْجنَّة. التَّاسِع: خزان النَّار، وَمَا فِيهَا من الْحَيَّات والعقارب، حَكَاهُ الثَّعْلَبِيّ. الْعَاشِر: الْمَلَائِكَة كلهم، جزم بِهِ ابْن حزم فِي (الْملَل والنحل) : فَقَالَ: الْمَلَائِكَة أَرْوَاح لَا أَرْوَاح فِيهَا فَلَا يموتون أصلا.
8156 - حدّثنا أبُو اليَمانِ أخبرنَا شُعَيْبٌ حدّثنا أبُو الزِّنادِ عَن الأعْرَجِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (يَصْعَقُ النَّاسُ حِينَ يَصْعقُونَ فأكُونُ أوَّلَ مَنْ قَامَ فَإِذا مُوسَى آخِذٌ بالعَرْشِ(23/100)
فَما أدْرِي أكانَ مِمَّنْ صعِقِ) .
رَوَاهُ أبُو سَعِيدٍ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور أوردهُ مُخْتَصرا وبقيته بعد قَوْله: مِمَّن صعق أم لَا.
وَرِجَاله بِهَذَا النسق قد مروا غير مرّة، وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع، وَأَبُو الزِّنَاد بالزاي وَالنُّون عبد الله بن ذكْوَان، والأعرج هُوَ عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز. فَإِن قيل: فَهَل صَار مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام، بِهَذَا التَّقَدُّم أفضل من نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قيل لَهُ: لَا يلْزم من فَضله من هَذِه الْجِهَة أفضليته مُطلقًا، وَقيل: لَا يلْزم أحد الْأَمريْنِ الْمَشْكُوك فيهمَا الْأَفْضَلِيَّة على الْإِطْلَاق.
قَوْله: (رَوَاهُ أَبُو سعيد) أَي: روى الحَدِيث الْمَذْكُور أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَعْنِي: أصل الحَدِيث، وَقد تقدم مَوْصُولا فِي كتاب الْأَشْخَاص وَفِي قصَّة مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام، من أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام.
44 - (بابُ يَقْبِضُ الله الأرْضَ يَوْمَ القِيامَةِ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ يقبض الله الأَرْض، معنى يقبض يجمع، وَقد يكون معنى الْقَبْض فنَاء الشَّيْء وذهابه، قَالَ تَعَالَى: {وَالْأَرْض جَمِيعًا قَبضته يَوْم الْقِيَامَة} (الزمر: 76) وَيحْتَمل أَن يكون المُرَاد بِهِ، وَالْأَرْض جَمِيعًا ذَاهِبَة فانية يَوْم الْقِيَامَة.
رَواهُ نافِعٌ عنِ ابنِ عُمَرَ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أَي: روى قَوْله: يقبض الله الأَرْض يَوْم الْقِيَامَة، نَافِع عَن عبد الله بن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهَذَا التَّعْلِيق سقط من بعض الروَاة من شُيُوخ أبي ذَر، وَوَصله البُخَارِيّ فِي التَّوْحِيد على مَا يَجِيء، إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
9156 - حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ مُقاتِل أخبرنَا عَبْدُ الله أخبرنَا يُونُسُ عَن الزُّهْرِيِّ حَدثنِي سَعيدُ بنُ المُسَيَّبِ عَن أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ، عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (يَقْبضُ الله الأرْضَ ويطْوِي السَّماءَ بيَمِينِهِ ثُمَّ يَقُولُ: أَنا المَلِكُ! أيْنَ مُلوكُ الأرْض؟) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي أول الحَدِيث. وَمُحَمّد بن مقَاتل الْمروزِي، وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك الْمروزِي، وَيُونُس هُوَ ابْن يزِيد، وَالزهْرِيّ مُحَمَّد بن مُسلم.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ فِي التَّوْحِيد أَيْضا عَن أَحْمد بن صَالح. وَأخرجه مُسلم فِي التَّوْبَة عَن حَرْمَلَة. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي النعوت عَن سُوَيْد بن نصر وَغَيره وَفِي التَّفْسِير عَن يُونُس بن عبد الْأَعْلَى. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي السّنة عَن حَرْمَلَة بن يحيى وَغَيره. والْحَدِيث من المتشابهات.
قَوْله: (ويطوي السَّمَاء) أَي: يذهبها ويفنيها وَلَا يُرَاد بذلك طي بعلاج وانتصاب إِنَّمَا المُرَاد بذلك الإذهاب والإفناء، يُقَال: انطوى عَنَّا مَا كُنَّا فِيهِ، أَي: ذهب وَزَالَ، وَالْأَصْل الْحَقِيقَة. قَوْله: (بِيَمِينِهِ) أَي: بقدرته. وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: يَده عبارَة عَن قدرته وإحاطته بِجَمِيعِ مخلوقاته، وَالْيَد تَأتي لمعان كَثِيرَة: بِمَعْنى الْقُوَّة وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {وَاذْكُر عَبدنَا دَاوُد ذَا الأيد} (ص: 71) وَبِمَعْنى الْملك، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {قل إِن الْفضل بيد الله} (آل عمرَان: 37) ، وَبِمَعْنى: النِّعْمَة تَقول: كم يَد لي عِنْد فلَان، أَي: كم من نعْمَة أسديتها إِلَيْهِ، وَبِمَعْنى الصِّلَة وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: { (2) أَو يعْفُو الَّذِي بِيَدِهِ عقدَة النِّكَاح} (الْبَقَرَة: 732) وَبِمَعْنى الْجَارِحَة، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: { (38) وَخذ بِيَدِك ضغثا} وَبِمَعْنى الذل وَمِنْه قَوْله تَعَالَى (حَتَّى يُعْطوا الْجِزْيَة عَن يَد) قَالَ الْهَرَوِيّ أَي عَن ذل وَقَوله تَعَالَى (يَد الله فَوق ايديهم) (ص: 44) قيل: فِي الْوَفَاء، وَقيل: فِي الثَّوَاب. وَفِي الحَدِيث: (هَذِه يَدي لَك) ، أَي: استسلمت لَك وانقدت لَك، وَقد يُقَال ذَلِك للعاتب، وَالْيَد الاستسلام. قَالَ الشَّاعِر.
(أطَاع يدا بالْقَوْل فَهُوَ ذَلُول)
أَي: انْقَادَ واستسلم. وَالْيَد السُّلْطَان، وَالْيَد الطَّاعَة، وَالْيَد الْجَمَاعَة، وَالْيَد الْأكل، وَالْيَد النَّدَم: وَفِي الحَدِيث: (وَأخذ بهم يَد الْبَحْر) ، يُرِيد طَرِيق السَّاحِل، وَيُقَال للْقَوْم إِذا تفَرقُوا وتمزقوا فِي آفَاق: صَارُوا أَيدي سبأ، وَالْيَد السَّمَاء، وَالْيَد الْحِفْظ والوقاية، وَيَد الْقوس أَعْلَاهَا، وَيَد السَّيْف قَبضته وَيَد الرَّحَى الْعود الَّذِي يقبض عَلَيْهِ الطاحن، وَيَد الطَّائِر جنَاحه، وَقَالُوا: لَا آتيه يَد الدَّهْر أَي: الدَّهْر، ولقيته أول ذَات يَدي أَي: أول شَيْء. وَفِي الحَدِيث: (إجعل الْفُسَّاق يدا يدا ورجلاً رجلا) أَي: فرق بَينهمَا فِي الْهِجْرَة، وَالْيَد الطَّاعَة، وابتعت الْغنم بيدين أَي: بثمنين مُخْتَلفين، وَيَد الثَّوْب مَا فضل مِنْهُ إِذا تعطفت بِهِ والتحقت وأعطاء عَن ظهر يَد أَي: ابْتِدَاء لَا عَن بيع وَلَا مكافاة، وَيَد الشَّيْء أَمَامه، وَهَذَا(23/101)
عَيْش يَد أَي: وَاسع، وبايعته يدا بيد أَي بِالنَّقْدِ. قَوْله: (ثمَّ يَقُول: أَنا الْملك أَيْن مُلُوك الأَرْض؟) وَعند هَذَا القَوْل انْقِطَاع زمن الدُّنْيَا وَبعده يكون الْبَعْث والحشر والنشر، وَقيل: إِن الْمُنَادِي يُنَادى بعد حشر الْخلق على أَرض بَيْضَاء مثل الْفضة لم يعْص الله عَلَيْهَا: لمن الْملك الْيَوْم؟ فَيُجِيبهُ الْعباد: لله الْوَاحِد القهار) . رَوَاهُ أَبُو وَائِل عَن ابْن مَسْعُود. وَأخرجه النّحاس. فَإِن قلت: جَاءَ فِي حَدِيث الصُّور الطَّوِيل إِن جَمِيع الْأَحْيَاء إِذا مَاتُوا بعد النفخة الأولى وَلم يبْق إلاّ الله، قَالَ سُبْحَانَهُ: (أَنا الْجَبَّار لمن الْملك الْيَوْم؟ فَلَا يجِيبه أحد، فَيَقُول الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: لله الوحد القهار) .
قلت: يُمكن الْجمع بَينهمَا بِأَن ذَلِك يَقع مرَّتَيْنِ.
0256 - حدّثنا يَحْيَاى بنُ بُكَيْرٍ حدّثنا اللَّيْثُ عنْ خالِدٍ عنْ سَعِيدِ بنِ أبي هِلالٍ عنْ زيدِ بنِ أسْلَمَ عنْ عَطاءٍ بنِ يَسارٍ عنْ أبي سَعيدٍ الخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (تَكُون الأرْضُ يَوْمَ القِيامَةِ خُبْزَةً واحِدَةً يَتَكَفَّؤها الجَبَّارُ بِيَدِهِ كَمَا يَكْفَأُ أحَدُكُمْ خُبْزَتَهُ فِي السَّفَرِ نُزُلاً لأهْلِ الجَنَّةِ) فأتَى رَجُلٌ مِنَ اليَهُودِ فَقَالَ: بارَكَ الرَّحْمانُ عَليْكَ يَا أَبَا الْقَاسِم! أَلا أُخْبِرُكَ بِنُزُلِ أهْلِ الجَنَّةِ يَوْمَ القيامَةِ؟ قَالَ: (بَلَى) . قَالَ: تَكُونُ الأرْضُ خُبُزَةً واحِدَةً كَمَا قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَنَظَر النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إلَيْنا ثُمَّ ضَحِكَ حتَّى بَدَتْ نَواجِذهُ، ثُمَّ قَالَ: أَلا أُخْبِرُكَ بإِدامِهِمْ؟ قَالَ: إدامُهُمْ بالامٌ ونُونٌ، قالُوا: وَمَا هاذا؟ قَالَ: ثَوْرٌ ونُونٌ يَأْكُلُ مِنْ زائِدَةِ كَبِدِهما سَبْعُونَ ألْفاً.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن الله عز وَجل يقبض الأَرْض يَوْم الْقِيَامَة ثمَّ يصيرها خبْزَة.
وخَالِد هُوَ ابْن يزِيد من الزِّيَادَة الجُمَحِي بِضَم الْجِيم وَفتح الْمِيم وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة. والسند إِلَى سعيد مصريون وَمِنْه إِلَى آخِره مدنيون.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي التَّوْبَة عَن عبد الْملك بن شُعَيْب بن اللَّيْث عَن أَبِيه عَن جده.
قَوْله: (تكون الأَرْض) يَعْنِي أَرض الدُّنْيَا. قَوْله: (خبْزَة) بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الزَّاي قَالَ الْخطابِيّ: الخبزة الطلمة بِضَم الطَّاء الْمُهْملَة وَسُكُون اللَّام، وَهُوَ عجين يَجْعَل وَيُوضَع فِي الحفيرة بعد إيقاد النَّار فِيهَا. قَالَ: وَالنَّاس يسمونها: الْملَّة، بِفَتْح الْمِيم وَتَشْديد اللَّام، وَإِنَّمَا الْملَّة الحفرة نَفسهَا، وَالَّتِي تمل فِيهَا هِيَ الطلمة والخبزة والمليل. قَوْله: (يَتَكَفَّؤُهَا) بِفَتْح التَّاء لمثناة من فَوق وبفتح الْكَاف وَتَشْديد الْفَاء الْمَفْتُوحَة بعْدهَا همزَة أَي: يميلها ويقلبها من كفأت الْإِنَاء إِذا قلبته، وَفِي رِوَايَة مُسلم: يكفؤها. قَوْله: (كَمَا يكفؤ أحدكُم خبزته فِي السّفر) أَرَادَ أَنه كخبزة الْمُسَافِر الَّتِي يَجْعَلهَا فِي الرماد الْحَار يقلبها من يَد إِلَى يَد حَتَّى تستوي لِأَنَّهَا لَيست منبسطة كالرقاقة، وَمَعْنَاهُ: أَن الله عز وَجل يَجْعَل الأَرْض كالرغيف الْعَظِيم الَّذِي هُوَ عَادَة الْمُسَافِرين فِيهِ ليَأْكُل الْمُؤمن من تَحت قَدَمَيْهِ حَتَّى يفرغ من الْحساب، وَقَالَ الْخطابِيّ: يَعْنِي خبز الْملَّة الَّذِي يصنعه الْمُسَافِر فَإِنَّهَا لَا تدحى كَمَا تدحى الرقاقة، وَإِنَّمَا تقلب على الْأَيْدِي حَتَّى تستوي، وَهَذَا على أَن السّفر بِفَتْح الْمُهْملَة وَالْفَاء، وَرَوَاهُ بَعضهم بِضَم أَوله جمع سفرة وَهُوَ الطَّعَام الَّذِي يتَّخذ للْمُسَافِر، وَمِنْه سميت السفرة يَعْنِي الَّتِي يُؤْكَل عَلَيْهَا. قَوْله: (نزلا لأهل الْجنَّة) بِضَم النُّون وَالزَّاي وبسكونها أَيْضا، وَهُوَ مَا يعد للضيف عِنْد نُزُوله، وَمَعْنَاهُ: أَن الله تَعَالَى جعل هَذِه الخبزة نزلا لمن يصير من أهل الْجنَّة يأكلونها فِي الْموقف قبل دُخُول الْجنَّة حَتَّى لَا يعاقبون بِالْجُوعِ فِي طول زمَان الْموقف، وَقَالَ الدَّاودِيّ: إِن المُرَاد أَنه يَأْكُل مِنْهَا من سيصير إِلَى الْجنَّة من أهل الْحَشْر لَا أَنهم لَا يأكلونها حَتَّى يدخلُوا الْجنَّة. وَقَالَ بعضم: وَظَاهر الْخبز يُخَالِفهُ.
قلت: كَانَ هَذَا الْقَائِل يَقُول: إِن قَوْله: (نزلا لأهل الْجنَّة) أَعم من كَون ذَلِك يَقع قبل دُخُول الْجنَّة أَو بعده، والداودي بنى كَلَامه على ظَاهر مَا رُوِيَ عَن سعيد بن جُبَير، قَالَ: تكون الأَرْض خبْزَة بَيْضَاء يَأْكُل الْمُؤمن من تَحت قَدَمَيْهِ، رَوَاهُ الطَّبَرِيّ، وَلَا يُنَافِي الْعُمُوم مَا قَالَه الدَّاودِيّ، وَعَن الْبَيْضَاوِيّ أَن هَذَا الحَدِيث مُشكل جدا لَا من جِهَة إِنْكَار صنع الله وَقدرته على مَا يَشَاء، بل لعدم التَّوَقُّف على قلب جرم الأَرْض من الطَّبْع الَّذِي عَلَيْهِ إِلَى طبع المطعوم والمأكول مَعَ مَا ثَبت فِي الْآثَار أَن هَذِه الأَرْض تصير يَوْم الْقِيَامَة نَارا وتنضم إِلَى جَهَنَّم، فَلَعَلَّ الْوَجْه فِيهِ أَن معنى قَوْله: (خبْزَة وَاحِدَة)(23/102)
أَي: كخبزة وَاحِدَة من نعتها كَذَا وَكَذَا.
قلت: تكلم الطَّيِّبِيّ هُنَا بِمَا آل حَاصله وَحَاصِل كَلَام الْبَيْضَاوِيّ: أَن أَرض الدُّنْيَا تصير نَارا، مَحْمُول على حَقِيقَته، وَأَن كَونهَا تصير خبْزَة يَأْكُل مِنْهَا أهل الْموقف مَحْمُول على الْمجَاز.
قلت: الْأَثر الَّذِي ذَكرْنَاهُ الْآن عَن سعيد بن جُبَير وَغَيره يرد عَلَيْهِمَا، وَالْأولَى أَن يحمل على الْحَقِيقَة مهما أمكن، وقدرة الله صَالِحَة لذَلِك، وَالْجَوَاب عَن الحَدِيث الَّذِي اسْتدلَّ بِهِ الْبَيْضَاوِيّ من كَون الأَرْض تصير نَارا: أَن المُرَاد بِهِ أَرض الْبَحْر لَا كل الأَرْض، فقد أخرج الطَّبَرِيّ من طَرِيق كَعْب الْأَحْبَار قَالَ: يصير مَكَان الْبَحْر نَارا. وَفِي (تَفْسِير الرّبيع بن أنس) : عَن أبي الْعَالِيَة عَن أبي بن كَعْب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: تصير السَّمَوَات جفاناً وَيصير مَكَان الْبَحْر نَارا. فَإِن قلت: أخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث فِي قَوْله تَعَالَى: {وحملت الأَرْض وَالْجِبَال فدكتا دكة وَاحِدَة} (الحاقة: 41) قَالَ: يصيران غبرة فِي وُجُوه الْكفَّار.
قلت: قد قَالَ بَعضهم: يُمكن الْجمع بِأَن بَعْضهَا يصير نَارا وَبَعضهَا غباراً، وَبَعضهَا يصير خبْزَة، وَفِيه تَأمل، لِأَن لفظ حَدِيث الْبَاب: تكون الأَرْض يَوْم الْقِيَامَة خبْزَة يُطلق على الأَرْض كلهَا، وَفِيمَا قَالَه ارْتِكَاب الْمجَاز فَلَا يُصَار إِلَيْهِ إلاَّ عِنْد تعذر الْحَقِيقَة، وَلَا تعذر هُنَا من كَون كل الأَرْض خبْزَة، لِأَن الْقُدْرَة صَالِحَة لذَلِك ولأعظم مِنْهَا، بل الْجَواب الشافي هُنَا أَن يُقَال: إِن المُرَاد من كَون الأَرْض نَارا هُوَ أَرض الْبَحْر كَمَا مر، وَالْمرَاد من كَونهَا غبرة: الْجبَال، فَإِنَّهَا بعد أَن تدك تصير غباراً فِي وُجُوه الْكفَّار. قَوْله: (ثمَّ ضحك) يَعْنِي: تَعَجبا من الْيَهُودِيّ كَيفَ أخبر عَن كِتَابهمْ نَظِير مَا أخبر بِهِ من جِهَة الْوَحْي. قَوْله: (حَتَّى بَدَت نَوَاجِذه) أَي: حَتَّى ظَهرت نَوَاجِذه وَهُوَ جمع ناجذة بالنُّون والمعجمتين وَهِي أخريات الْأَسْنَان إِذا الأضراس أَولهَا الثنايا ثمَّ الرباعيات ثمَّ الضواحك ثمَّ الأرحاء ثمَّ النواجذ، وَجَاء فِي كتاب الصَّوْم حَتَّى بَدَت أنيابه، وَلَا مُنَافَاة بَينهمَا لِأَن النواجذ تطلق على الأنياب والأضراس أَيْضا، قيل: مضى فِي كتاب الْأَدَب فِي: بَاب التبسم، أَنه مَا كَانَ يزِيد على التبسم. وَأجِيب: بِأَن ذَلِك بَيَان عَادَته وَحكم الْغَالِب فِيهِ، وَهَذَا نَادِر وَلَا اعْتِبَار لَهُ. قَوْله: (أَلا أخْبرك) وَفِي رِوَايَة مُسلم: (أَلا أخْبركُم) . قَوْله: (ثمَّ قَالَ) وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: فَقَالَ. قَوْله: (بِالْأُمِّ) بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَخْفِيف اللَّام وَالْمِيم، وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَهِي مَوْقُوفَة ومرفوعة منونة وَغير منونة، وَفِيه أَقْوَال وَالصَّحِيح أَنَّهَا كلمة عبرانية مَعْنَاهَا بِالْعَرَبِيَّةِ: الثور، وَبِهَذَا فسره وَلِهَذَا سَأَلُوا الْيَهُودِيّ عَن تَفْسِيرهَا، وَلَو كَانَت عَرَبِيَّة لعرفتها الصَّحَابَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَقَالَ الْخطابِيّ لَعَلَّ الْيَهُودِيّ أَرَادَ التعمية عَلَيْهِم وَقطع الهجاء وَقدم أحد الحرفيين على الآخر وَهِي لَام الف وياء يُرِيد لأي على وزن وَهُوَ الثور الوحشي فصحف الرَّاوِي الْمُثَنَّاة فَجَعلهَا مُوَحدَة وَقَالَ ابْن الْأَثِير وَأما البالام فقد تمحلوا لَهَا شرحا غير مرضى لَعَلَّ اللَّفْظَة عبرانية، ثمَّ نقل كَلَام الْخطابِيّ الَّذِي ذكره ثمَّ قَالَ: وَهَذَا أقرب مَا وَقع لي فِيهِ. قَوْله: (وَنون) وَهُوَ الْحُوت الْمَذْكُور فِي أول السُّورَة. قَوْله: (وَقَالُوا) ، أَي الصَّحَابَة، وَفِي رِوَايَة مُسلم: فَقَالُوا. قَوْله: (مَا هَذَا؟) وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: وَمَا هَذَا؟ بِزِيَادَة وَاو. قَوْله: (من زَائِدَة كبدهما) الزَّائِدَة هِيَ الْقطعَة المنفردة الْمُتَعَلّقَة بالكبد، وَهِي أطيبها وألذها، وَلِهَذَا خص بأكلها سَبْعُونَ ألفا، وَيحْتَمل أَن هَؤُلَاءِ هم الَّذين يدْخلُونَ الْجنَّة بِغَيْر حِسَاب، وَيحْتَمل أَن يكون عبر بالسبعين عَن الْعدَد الْكثير وَلم يرد الْحصْر فِيهَا. وَقَالَ الدَّاودِيّ: أول أكل أهل الْجنَّة زَائِدَة الكبد يلْعَب الثور والحوت بَين أَيْديهم فيذكي الثور الْحُوت بِذَنبِهِ فَيَأْكُلُونَ مِنْهُ، ثمَّ يُعِيدهُ الله تَعَالَى فيلعبان فيذكي الْحُوت الثور بِذَنبِهِ فَيَأْكُلُونَ مِنْهُ، كَذَلِك مَا شَاءَ الله، وَقَالَ كَعْب: فِيمَا ذكره ابْن الْمُبَارك: أَن الله يَقُول لأهل الْجنَّة إِذا دخلوها: إِن لكل ضيف جزوراً وَإِنِّي أجزركم الْيَوْم حوتاً وثوراً، فيجزر لأهل الْجنَّة، وروى مُسلم من حَدِيث ثَوْبَان: تحفة أهل الْجنَّة زِيَادَة كبد النُّون، أَي: الْحُوت، وَفِيه غذاؤهم على أَثَرهَا أَنه ينْحَر لَهُم ثَوْر الْجنَّة الَّذِي يَأْكُل من أطرافها، وَفِيه: وشرابهم عَلَيْهِ من عين تسمى سلسبيلاً.
108 - (حَدثنَا سعيد بن أبي مَرْيَم أخبرنَا مُحَمَّد بن جَعْفَر قَالَ حَدثنِي أَبُو حَازِم قَالَ سَمِعت سهل بن سعد قَالَ سَمِعت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول يحْشر النَّاس يَوْم الْقِيَامَة على أَرض بَيْضَاء عفراء كقرصة نقي: قَالَ سهل أَو غَيره لَيْسَ فِيهَا معلم لأحد)(23/103)
مطابقته للتَّرْجَمَة مَا قَالَه الْكرْمَانِي مُنَاسبَة القرصة للخبزة الْمَذْكُورَة فِي الحَدِيث السَّابِق وَجعلهَا كالقرصة نوع من الْقَبْض قلت فِيهِ نظر لِأَن جعلهَا كالقرصة إِلَى آخِره فِي أَرض الدُّنْيَا وَهَذِه الأَرْض غير تِلْكَ الأَرْض وروى عبد بن حميد من طَرِيق الحكم بن أبان عَن عِكْرِمَة قَالَ بلغنَا أَن هَذِه الأَرْض يَعْنِي أَرض الدُّنْيَا تطوى وَإِلَى جنبها أُخْرَى يحْشر النَّاس مِنْهَا إِلَيْهَا وروى الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب من طَرِيق عَمْرو بن مَيْمُون عَن عبد الله بن مَسْعُود فِي قَوْله تَعَالَى {يَوْم تبدل الأَرْض غير الأَرْض} الْآيَة قَالَ تبدل الأَرْض أَرضًا كَأَنَّهَا فضَّة لم يسفك عَلَيْهَا دم حرَام وَلم يعْمل عَلَيْهَا خَطِيئَة وَرِجَاله رجال الصَّحِيح وَهُوَ مَوْقُوف وَأخرجه الْبَيْهَقِيّ من وَجه آخر مَرْفُوعا وروى الطَّبَرِيّ من طَرِيق سِنَان بن سعيد عَن أنس رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ مَرْفُوعا يبدلها الله بِأَرْض من فضَّة لم تعْمل عَلَيْهَا الْخَطَايَا وَسَعِيد بن أبي مَرْيَم هُوَ سعيد بن مُحَمَّد بن الحكم بن أبي مَرْيَم الْمصْرِيّ وَمُحَمّد بن جَعْفَر بن أبي كثير وَأَبُو حَازِم سَلمَة بن دِينَار وَسَهل بن سعد بن مَالك السَّاعِدِيّ الْأنْصَارِيّ والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي التَّوْبَة عَن أبي بكر بن أبي شيبَة قَوْله عفراء بِالْعينِ الْمُهْملَة وَالْفَاء وَالرَّاء وبالمد الْبَيْضَاء إِلَى حمرَة وَأَرْض بَيْضَاء لم تطَأ وَقَالَ الْخطابِيّ العفر بَيَاض لَيْسَ بالناصع وَقَالَ عِيَاض العفر بَيَاض يضْرب إِلَى حمرَة قَلِيلا وَمِنْه سمي عفر الأَرْض وَهُوَ وَجههَا وَقَالَ ابْن فَارس يَعْنِي عفراء خَالِصَة الْبيَاض قَوْله كقرصة نقي بِفَتْح النُّون وَكسر الْقَاف وَهُوَ الدَّقِيق النقي من الْغِشّ والنخال ويروى النقي بِالْألف وَاللَّام قَوْله قَالَ سهل أَو غَيره مَوْصُول بالسند الْمَذْكُور وَسَهل هُوَ رَاوِي الْخَبَر الْمَذْكُور وَكلمَة أَو للشَّكّ قَوْله معلم بِفَتْح الْمِيم وَاللَّام وَهُوَ بِمَعْنى الْعَلامَة الَّتِي يسْتَدلّ بهَا أَي هَذِه الأَرْض مستوية لَيْسَ فِيهَا حدب يرد الْبَصَر وَلَا بِنَاء يستر مَا وَرَاءه وَلَا عَلامَة غَيره وَفِيه إِشَارَة إِلَى أَن أَرض الدُّنْيَا اضمحلت وأعدمت وَأَن أَرض الْموقف تَجَدَّدَتْ -
54 - (بابٌ كَيْفَ الحَشْرُ)
أَي: هَذَا بَاب فِيهِ بَيَان كَيْفيَّة الْحَشْر، وَفِي بعض النّسخ: بَاب الْحَشْر بِدُونِ لفظ: كَيفَ، قَالَ الْقُرْطُبِيّ: الْحَشْر الْجمع والحشر على أَرْبَعَة أوجه: حشران فِي الدُّنْيَا وحشران فِي الْآخِرَة.
أما أحد الحشرين اللَّذين فِي الدُّنْيَا فَهُوَ الْمَذْكُور فِي سُورَة الْحَشْر، فِي قَوْله عز وَجل: {هُوَ الَّذِي أخرج الَّذين كفرُوا من أهل الْكتاب من دِيَارهمْ لأوّل الْحَشْر} (الْحَشْر: 2) قَالَ الزُّهْرِيّ: كَانُوا من سبط لم يصبهم الْجلاء وَكَانَ الله تَعَالَى قد كتبه عَلَيْهِم، فلولا ذَلِك لعذبهم فِي الدُّنْيَا، وَكَانَ أول حشر حشروا فِي الدُّنْيَا إِلَى الشَّام وَأما الْحَشْر الآخر فَهُوَ مَا رَوَاهُ البُخَارِيّ عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي هَذَا الْبَاب: يحْشر النَّاس على ثَلَاث طرائق ... الحَدِيث، وَقَالَ قَتَادَة: الْحَشْر الثَّانِي نَار تخرج من الْمشرق إِلَى الْمغرب، وَفِيه: تَأْكُل مِنْهُم من تخلف. قَالَ عِيَاض: هَذَا قبل قيام السَّاعَة.
وَأما أحد الحشرين اللَّذين فِي الْآخِرَة فَهُوَ حشر الْأَمْوَات من قُبُورهم بعد الْبَعْث إِلَى الْموقف وَأما الْحَشْر الآخر الَّذِي هُوَ الرَّابِع فَهُوَ حشرهم إِلَى الْجنَّة أَو النَّار.
2256 - حدّثنا مُعَلَّى بنُ أسَدٍ حَدثنَا وُهَيْبٌ عنِ ابْن طاوُوس عنْ أبِيهِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ، عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: قَوْله: (يُحْشَرُ النَّاسُ عَلى ثَلاَث طرائِقَ راغِبِينَ وراهِبِينَ واثْنان عَلى بَعيرٍ وثَلاثَةٌ عَلى بَعِيرٍ وأرْبَعَةٌ عَلى بَعِيرٍ وعَشَرَةٌ عَلَى بَعِيرٍ، ويَحْشِرُ بَقِيَّتَهُمُ، النَّارُ تَقِيلُ مَعَهُمْ حَيْثُ قالُوا، وتَبِيتُ مَعَهُمْ حَيْثُ باتُوا، وتُصْبِحُ مَعَهُمْ حَيْثُ أصْبَحُوا، وتُمْسِي مَعَهُمْ حَيْثُ أمْسَوْا) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَمعلى بِلَفْظ اسْم الْمَفْعُول من التعلية ابْن أَسد الْبَصْرِيّ، ووهيب مصغر وهب هُوَ ابْن خَالِد، وَابْن طَاوُوس هُوَ عبد الله يرْوى عَن أَبِيه طَاوُوس عَن ابْن عَبَّاس.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي: بَاب يحْشر النَّاس على طرائق، عَن زُهَيْر ابْن حَرْب وَغَيره.
قَوْله: (ثَلَاث طرائق) ، أَي: ثَلَاث فرق، قَالَ الْكرْمَانِي: قَالُوا: هَذَا الْحَشْر فِي آخر الدُّنْيَا قبيل الْقِيَامَة، كَمَا يَجِيء فِي الحَدِيث الَّذِي بعده: (إِنَّكُم ملاقو الله مشَاة) ، وَلما فِيهِ من ذكر الْمسَاء والصباح، ولانتقال النَّار مَعَهم وَهِي نَار تحْشر النَّاس(23/104)
من الْمشرق إِلَى الْمغرب.
قلت: قَالَ الْخطابِيّ: هَذَا الْحَشْر قبيل قيام السَّاعَة، يحْشر النَّاس أَحيَاء إِلَى الشَّام، وَأما الْحَشْر من الْقُبُور إِلَى الْموقف فَهُوَ على خلاف هَذِه الصُّورَة من الرّكُوب على الْإِبِل والتعاقب عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا هُوَ على مَا ورد فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس فِي الْبَاب: (حُفَاة عُرَاة مشَاة) . قَوْله: (راغبين) ، هم السَّابِقُونَ. قَوْله: (وراهبين) هم عَامَّة الْمُؤمنِينَ، وَالْكفَّار أهل النَّار وَفِي رِوَايَة مُسلم: (راهبين) بِغَيْر وَاو. قَوْله: (وَاثْنَانِ على بعير) قَالَ الْكرْمَانِي: والأبعرة إِنَّمَا هِيَ للراهبين والمخلصون حَالهم أَعلَى واجل من ذَلِك، أَو هِيَ للراغبين، وَأما الراهبون فيكونون مشَاة على أَقْدَامهم، أَو هِيَ لَهما بِأَن يكون اثْنَان من الراغبين مثلاَ على بعير، وَعشرَة من الراهبين على بعير، وَالْكفَّار يَمْشُونَ على وُجُوههم. وَقَالَ الْخطابِيّ: قَوْله: (وَاثْنَانِ على بعير وَثَلَاثَة على بعير. .) إِلَى آخِره، يُرِيد أَنهم يعتقبون الْبَعِير الوحد يركب بعض وَيَمْشي بعض، وَإِنَّمَا لم يذكر الْخَمْسَة والستة إِلَى الْعشْرَة إيجازاً واكتفاء بِمَا ذكر من الْأَعْدَاد، مَعَ أَن الاعتقاب لَيْسَ مَجْزُومًا بِهِ، وَلَا مَانع أَن يَجْعَل الله فِي الْبَعِير مَا يُقَوي بِهِ على حمل الْعشْرَة. وَقَالَ بعض شرَّاح (المصابيح) : حمله على الْحَشْر من الْقُبُور أقوى من أوجه، وَذكر وُجُوهًا طوينا ذكرهَا، واكتفينا بِمَا قَالَه الْخطابِيّ الَّذِي ذَكرْنَاهُ الْآن، وَفِيه كِفَايَة للرَّدّ عَلَيْهِ، على أَنه قد وَردت عدَّة أَحَادِيث فِي وُقُوع الْحَشْر فِي الدُّنْيَا إِلَى جِهَة الشَّام، مِنْهَا: حَدِيث مُعَاوِيَة بن جَيِّدَة، قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَقُول: (إِنَّكُم تحشرون ونحا بِيَدِهِ نَحْو الشَّام رجَالًا وركباناً، وتحشرون على وُجُوهكُم) . أخرجه التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ. قَوْله: (تقيل) . من القيلولة وَهِي استراحة نصف النَّهَار، وَإِن لم يكن مَعهَا نوم، يُقَال: قَالَ يقيل قيلولة فَهُوَ قَائِل، وَفِي قَوْله: يقيل ... إِلَى آخِره، دلَالَة على أَنهم يُقِيمُونَ كَذَلِك أَيَّامًا. قَوْله: (وتبيت) ، من البيتوتة. وتصبح من الإصباح، وتمسي من الإمساء.
3256 - حدّثنا عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ حَدثنَا يُونُسُ بنُ مُحَمَّد البَغْدَادِيُّ حدّثنا شَيْبانُ عنْ قَتادَةَ حدّثنا أنَسُ بنُ مالِكٍ رَضِي الله عَنهُ، أنَّ رجُلاً قَالَ: يَا نَبِيَّ الله {كَيْفَ يُحْشَرُ الكافِرُ على وَجْهِهِ؟ قَالَ: (أليْسَ الّذِي أمْشاهُ عَلى الرِّجْلِيْنِ فِي الدُّنْيا قادِراً عَلى أنْ يُمشِيَهُ عَلى وجْهِهِ يَوْمَ القيامَةِ؟ قَالَ قَتادَةُ: بَلَى، وعِزَّة ربِّنا) . (انْظُر الحَدِيث 0674) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعبد الله بن مُحَمَّد هُوَ الْجعْفِيّ الْمَعْرُوف بالمسندي، وَيُونُس هُوَ ابْن مُحَمَّد الْمُؤَدب الْبَغْدَادِيّ، وشيبان بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالباء الْمُوَحدَة ابْن عبد الرَّحْمَن النَّحْوِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي التَّفْسِير. وَأخرجه مُسلم فِي التَّوْبَة عَن زُهَيْر بن حَرْب وَغَيره. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي التَّفْسِير عَن الْحُسَيْن بن مَنْصُور.
قَوْله: (كَيفَ يحْشر؟) على صِيغَة الْمَجْهُول وَهُوَ إِشَارَة إِلَى قَوْله عز وَجل: {ونحشرهم يَوْم الْقِيَامَة على وُجُوههم عميا وبكماً وصماً} (الْإِسْرَاء: 79) وَوَقع فِي بعض النّسخ، قَالَ: يَا نَبِي الله} يحْشر الْكَافِر على وَجهه؟ بِدُونِ لَفْظَة: كَيفَ، كَأَنَّهُ اسْتِفْهَام حذف أداته، وَالْحكمَة فِي حشر الْكَافِر على وَجهه أَنه يُعَاقب على عدم سُجُوده لله تَعَالَى فِي الدُّنْيَا، فيسحب على وَجهه فِي الْقِيَامَة إِظْهَارًا لهوانه. قَوْله: (أَن يمْشِيه) بِضَم الْيَاء من الإمشاء وَالْمَشْي على حَقِيقَته فَلذَلِك استغربوه خلافًا لمن زعم من الْمُفَسّرين أَنه مثل قَوْله: (قَالَ قَتَادَة: بلَى وَعزة رَبنَا) مَوْصُول بالسند الْمَذْكُور. فَإِن قلت: هَل ورد فِي الحَدِيث وُقُوع الْمَشْي، على وُجُوههم فِي الدُّنْيَا أَيْضا؟ .
قلت: روى أَبُو نعيم من حَدِيث عبد الله بن عَمْرو: ثمَّ يبْعَث الله بعد قبض عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام، وأرواح الْمُؤمنِينَ بِتِلْكَ الرّيح الطّيبَة نَارا تخرج من نواحي الأَرْض تحْشر النَّاس وَالدَّوَاب إِلَى الشَّام، وَعَن معَاذ: يحْشر النَّاس أَثلَاثًا. ثلثا على ظُهُور الْخَيل، وَثلثا يحملون أَوْلَادهم على عواتقهم، وَثلثا على وُجُوههم مَعَ القردة والخنازير إِلَى الشَّام، فَيكون الَّذين يحشرون إِلَى الشَّام لَا يعْرفُونَ حَقًا وَلَا فَرِيضَة وَلَا يعْملُونَ بِكِتَاب ولاسنة، يتهارجون هم وَالْجِنّ مائَة سنة تهارج الْحمير وَالْكلاب، وَأول مَا يفجأ النَّاس بعد من أَمر السَّاعَة أَن يبْعَث الله لَيْلًا ريحًا فتقب كل دِينَار وَدِرْهَم، فَيذْهب بِهِ إِلَى بَيت الْمُقَدّس ثمَّ ينسف الله بُنيان بَيت الْمُقَدّس فينبذه فِي الْبحيرَة المنتنة.
4256 - حدّثنا عَلِيٌّ حدّثنا سفْيانُ قَالَ عَمْرٌ و: سَمِعْت سَعيدَ بنَ جُبَيْرٍ سَمِعْتُ ابنَ عبَّاسٍ سَمِعْتُ(23/105)
النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ: (إنَّكُمْ مُلاَقُو الله حُفَاة عُراةً مُشاةً غُرْلاً) .
قَالَ سُفْيانُ: هاذا مِمّا نَعُدُّ أنَّ ابنَ عبَّاس سَمِعَهُ مِنَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
طابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَن ملاقاتهم الله بِالْوَصْفِ الْمَذْكُور يكون يَوْم الْحَشْر.
وَعلي هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ، وسُفْيَان هُوَ بن عُيَيْنَة، وَعَمْرو هُوَ ابْن دِينَار.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي صفة الْقِيَامَة عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَغَيره. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْجَنَائِز عَن قُتَيْبَة.
قَوْله: (ملاقو الله) أَصله: ملاقون، فَلَمَّا أضيف إِلَى لَفْظَة: الله، سَقَطت النُّون. قَوْله: (حُفَاة) ، بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْفَاء جمع حاف أَي: بِلَا نعل وَلَا خف وَلَا شَيْء يستر أَرجُلهم، والعراة بِضَم الْعين جمع عَار، والغرل بِضَم الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون الرَّاء جمع أغرل وَهُوَ الأقلف يَعْنِي: الَّذِي لم يختن، وَالْمَقْصُود أَنهم يحشرون كَمَا خلقُوا أول مرّة ويعادون كَمَا كَانُوا فِي الِابْتِدَاء لَا يفقد شَيْء مِنْهُم حَتَّى الغرلة وَهُوَ مَا يقطعهُ الْخِتَان من ذكر الصَّبِي. قَوْله: (هَذَا) أَي: هَذَا الحَدِيث من مشاهير مسموعات ابْن عَبَّاس.
6256 - حدّثني مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ حدّثنا غُنْدَرٌ حَدثنَا شُعْبَةُ عنِ المُغِيرَةِ بنِ النُّعمْانِ عنْ سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قامَ فِينا النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَخْطُبُ فَقَالَ: (إنّكُمْ مَحْشُورُونَ حُفاةً عُرَاةً {كَمَا بدأنا أول خلق نعيده} (الْأَنْبِيَاء: 401) الْآيَة ... وإنَّ أوَّلَ الخَلائِقِ يُكْسَى يَوْمَ القِيامَةِ إبْراهيم، وإنَّه سَيُجاءُ بِرِجالٍ مِنْ أمَّتِي فَيُؤْخَذُ بِهِمْ ذاتَ الشِّمالِ، فأقُولُ: يَا ربِّ! أُصَيْحابي: فَيَقُولُ: إنكَ لَا تَدْرِي مَا أحْدَثُوا بَعْدَكَ. فأقُولُ كَمَا قَالَ العَبْدُ الصَّالِحِ: {وَكنت عَلَيْهِم شَهِيدا مَا دمت فيهم} ... إِلَى قَوْله {الْحَكِيم} (الْمَائِدَة: 711) قَالَ: فَيُقالُ: إنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدِّينَ على أعْقابِهِمْ) .
ذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس السَّابِق أخرجه عَن مُحَمَّد بن بشار بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَشْديد الشين الْمُعْجَمَة وغندر بِضَم الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون النُّون، وَقد مر غير مرّة وَهُوَ لقب مُحَمَّد بن جَعْفَر عَن شُعْبَة بن الْحجَّاج عَن الْمُغيرَة ابْن النُّعْمَان النَّخعِيّ.
قَوْله: (مَحْشُورُونَ) جمع محشور، اسْم مفعول من حشر كَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: تحشرون، على صِيغَة الْمَجْهُول من الْمُضَارع. فَإِن قلت: روى أَبُو دَاوُد أَن أَبَا سعيد لما حَضَره الْمَوْت دَعَا بِثِيَاب جدد فلبسها وَقَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَقُول: إِن الْمَيِّت يبْعَث فِي ثِيَابه الَّتِي يَمُوت فِيهَا.
قلت: التَّوْفِيق بَين الْحَدِيثين بِأَن يُقَال: إِن بَعضهم يحْشر عَارِيا وَبَعْضهمْ كاسياً أَو يخرجُون من الْقُبُور بالثياب الَّتِي مَاتُوا فِيهَا ثمَّ تتناثر عَنْهُم عِنْد ابْتِدَاء الْحَشْر فيحشرون عُرَاة. قَوْله: {كَمَا بدأنا أول خلق نعيده} ... الْآيَة سَاق ابْن الْمثنى الْآيَة كلهَا إِلَى قَوْله: {فاعلين} قَوْله: (وَأَن أول الْخَلَائق يكسى يَوْم الْقِيَامَة إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام) . قيل: مَا وَجه تقدمه على سيدنَا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ وَأجِيب: أَنه لَعَلَّه بِسَبَب أَنه أول من وضع سنة الْخِتَان، وَفِيه كشف لبَعض الْعَوْرَة فجوزي بالستر أَولا كَمَا أَن الصَّائِم العطشان يجازى بالريان وَقيل الْحِكْمَة من ذَلِك أَنه حِين ألقِي فِي النَّار. وَقيل: لِأَنَّهُ أول من اسْتنَّ السّتْر بالسراويل وَقَالَ: الْقُرْطُبِيّ فِي (شرح مُسلم) : يجوز أَن يُرَاد بالخلائق من عدا نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَلم يدْخل هُوَ فِي عُمُوم خطاب نَفسه وَقَالَ تِلْمِيذه الْقُرْطُبِيّ أَيْضا فِي (التَّذْكِرَة) : هَذَا حسن لَوْلَا مَا جَاءَ من حَدِيث عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، الَّذِي أخرجه ابْن الْمُبَارك فِي (الزّهْد) : من طَرِيق عبد الله بن الْحَارِث عَن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: أول من يكسى يَوْم الْقِيَامَة خَلِيل الله عَلَيْهِ السَّلَام، قبطيتين ثمَّ يكسى مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: حلَّة حبرَة عَن يَمِين الْعَرْش.
قلت: الْعجب من الْقُرْطُبِيّ كَيفَ يَقُول: يجوز أَن يُرَاد بالخلائق من عدى نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ... إِلَى آخِره، لِأَن الْعَام لَا يخص إلاَّ بِدَلِيل مُسْتَقل لَفْظِي مقترن كَمَا عرف فِي مَوْضِعه، على أَن مَا رَوَاهُ ابْن الْمُبَارك الْمَذْكُور يَدْفَعهُ.(23/106)
وروى أَبُو يعلى عَن ابْن عَبَّاس مطولا مَرْفُوعا نَحْو حَدِيث الْبَاب، وَزَاد: وَأول من يكسى من الْجنَّة إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام، يكسى حلَّة من الْجنَّة وَيُؤْتى بكرسي فيطرح عَن يَمِين الْعَرْش ثمَّ يُؤْتى بِي فأكسى حلَّة من الْجنَّة لَا يقوم لَهَا الْبشر، ثمَّ يُؤْتى بكرسي فيطرح عَن يَمِين الْعَرْش. وَقيل: هَل فِيهِ دلَالَة على أَن إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام، أفضل مِنْهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ وَأجِيب: بِأَنَّهُ لَا يلْزم من اخْتِصَاص الشَّخْص بفضيلة كَونه أفضل مُطلقًا. قَوْله: (ذَات الشمَال) أَي: طَرِيق جَهَنَّم وجهتها. قَوْله: (أصيحابي) أَي: هَؤُلَاءِ أَصْحَابِي ذكرهم بِالتَّصْغِيرِ وَهُوَ من بَاب تَصْغِير الشَّفَقَة كَمَا فِي: يَا بني. قَوْله: (العَبْد الصَّالح) أَرَادَ بِهِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام. قَوْله: (لم يزَالُوا) وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: لن يزَالُوا. قَوْله: (مرتدين) قَالَ الْخطابِيّ: لم يرد بقوله: مرتدين، الرِّدَّة عَن الْإِسْلَام، بل التَّخَلُّف عَن الْحُقُوق الْوَاجِبَة، وَلم يرْتَد أحد بِحَمْد الله من الصَّحَابَة، وَإِنَّمَا ارْتَدَّ قوم من جُفَاة الْأَعْرَاب، وَقَالَ عِيَاض: هَؤُلَاءِ صنفان: إِمَّا العصاة، وَإِمَّا المرتدون إِلَى الْكفْر، وَقيل: هُوَ على ظَاهره من الْكفْر، وَالْمرَاد: بأمتي، أمة الدعْوَة لَا أمة الْإِجَابَة، وَقَالَ ابْن التِّين: يحْتَمل أَن يَكُونُوا منافقين أَو مرتكبي الْكَبَائِر، وَقَالَ الدَّاودِيّ: لَا يمْتَنع دُخُول أَصْحَاب الْكَبَائِر والبدع فِي ذَلِك. وَقَالَ النَّوَوِيّ: قيل: هم المُنَافِقُونَ والمرتدون، فَيجوز أَن يحْشرُوا بالغرة والتحجيل لكَوْنهم من جملَة الْأمة فيناديهم من السيماء الَّتِي عَلَيْهِم، فَيُقَال: إِنَّهُم بدلُوا بعْدك، أَي: لم يموتوا على ظَاهر مَا فَارَقْتهمْ عَلَيْهِ، قَالَ عِيَاض وَغَيره: وعَلى هَذَا فتذهب عَنْهُم الْغرَّة والتحجيل ويطفى نورهم، وَقَالَ الْفربرِي: ذكر عَن أبي عبد الله البُخَارِيّ عَن قبيصَة قَالَ: هم الَّذين ارْتَدُّوا على عهد أبي بكر رَضِي الله عَنهُ، فَقَاتلهُمْ أَبُو بكر حَتَّى قتلوا أَو مَاتُوا على الْكفْر.
7256 - حدّثنا قَيْسُ بنُ حَفْصٍ حَدثنَا خالدُ بنُ الحارِث حَدثنَا حاتِمُ بنُ أبي صَغِيرَةَ عنْ عَبْدِ الله بنِ أبي مُلَيْكَةَ قَالَ: حدّثني القاسمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أبي بَكْر أنَّ عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا، قالَتْ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (تُحْشَرُونَ حُفاةً عُرَاةً غُرْلاً) قالَتْ عائِشَةُ: فَقُلْتُ: (يَا رسولَ الله! الرِّجالُ والنِّساءُ يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ؟ فَقَالَ: (الأمْرُ أشَدُّ مِنْ أنْ يُهْتَمَّ لِذالِكَ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَقيس بن حَفْص أَبُو مُحَمَّد الدَّارمِيّ الْبَصْرِيّ، مَاتَ سنة سبع وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ أَو نَحْوهَا، قَالَه البُخَارِيّ، وخَالِد بن الْحَارِث أَبُو عُثْمَان الهُجَيْمِي مَاتَ سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَمِائَة وَهُوَ من أَفْرَاد البُخَارِيّ، وحاتم بن أبي صَغِيرَة بِفَتْح الصَّاد الْمُهْملَة وَكسر الْغَيْن الْمُعْجَمَة ضد الْكَبِيرَة واسْمه مُسلم الْقشيرِي، وَعبد الله بن أبي مليكَة بِضَم الْمِيم هُوَ عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن أبي مليكَة واسْمه زُهَيْر الْأَحول الْمَكِّيّ.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي أَوَاخِر الْكتاب فِي صفة الْحَشْر عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَغَيره. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْجَنَائِز عَن عمر بن عَليّ، وَفِي التَّفْسِير عَن مُحَمَّد بن عبد الْأَعْلَى. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الزّهْد عَن أبي بكر بن أبي شيبَة.
قَوْله: (أَن يهتم) على صِيغَة الْمَجْهُول من الاهتمام، ويروى: من أَن يهمهم، بِضَم الْيَاء وَكسر الْهَاء من الإهمام وَهُوَ الْقَصْد، وَجوز ابْن التِّين فتح أَوله وَضم ثَانِيه من: همه الشي إِذا أقلقه، وَفِي رِوَايَة مُسلم: يَا عَائِشَة الْأَمر أَشد من أَن ينظر بعض إِلَى بعض، وَفِي رِوَايَة أبي بكر بن أبي شيبَة: الْأَمر أهم من أَن ينظر بَعضهم إِلَى بعض.
8256 - حدّثني مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ حَدثنَا غُنْدَرٌ حدَّثنا شُعْبَةُ عنْ أبي إسْحاقَ عنْ عَمْرِو بنِ مَيْمُونٍ عنْ عَبْدِ الله، قَالَ: كُنَّا مَعَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قُبَّةٍ فَقَالَ: (أتَرْضَوْنَ أنْ تكونُوا رُبُعَ أهْلِ الجَنَّةِ؟) قُلْنا: نَعَمْ. قَالَ: (أتَرْضَوْنَ أنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أهْلِ الجَنَّةِ) قُلْنَا: نَعَمْ قَالَ: (أتَرْضَوْنَ أنْ تَكُونُوا شَطْرَ أهْلِ الجَنَّةِ؟) قُلْنا: نَعَمْ. قَالَ: (والّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إنِّي لأرْجُو أنْ تَكُونُوا نِصْفَ أهْلِ الجَنَّةِ، وذالِكَ أنَّ الجَنَّةَ لَا يَدْخُلُها إلاَّ نَفْسٌ مُسْلِمَة، وَمَا أنْتُمْ فِي أهْلِ الشِّرْكِ إلاّ كالشَّعَرَةِ البَيْضاءِ فِي جِلْدِ الثَّوْرِ الأسْوَدِ(23/107)
أوْ كالشَّعَرَةِ السَّوْداءِ فِي جِلْدِ الثَّوْرِ الأحْمَرِ) .
(الحَدِيث 8256 طرفه فِي: 2466) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن كَون هَذِه الْأمة نصف أهل الْجنَّة لَا يكون إلاَّ بعد الْحَشْر. وَهَذَا بطرِيق الِاسْتِثْنَاء.
وَرِجَال هَذَا الحَدِيث قد تكَرر ذكرهم جدا. وغندر هُوَ مُحَمَّد بن جَعْفَر، وَأَبُو إِسْحَاق عَمْرو بن عبد الله السبيعِي، وَعَمْرو بن مَيْمُون الْأَزْدِيّ أدْرك الْجَاهِلِيَّة وَكَانَ فِيمَن رجم القردة الزَّانِيَة، وَعبد الله هُوَ ابْن مَسْعُود رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي النذور عَن أَحْمد بن عُثْمَان. وَأخرجه مُسلم فِي الْإِيمَان عَن مُحَمَّد بن الْمثنى وَبُنْدَار وَغَيرهمَا. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي صفة الْجنَّة عَن مَحْمُود بن غيلَان. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الزّهْد عَن بنْدَار بِهِ.
قَوْله: (كُنَّا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) وَفِي رِوَايَة مُسلم: نَحوا من أَرْبَعِينَ رجلا. قَوْله: (فِي قبَّة) وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ عَن أبي إِسْحَاق: أسْند رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ظَهره بمنى إِلَى قبَّة من أَدَم. قَوْله: (أَتَرْضَوْنَ؟) . ذكره بِهَمْزَة الِاسْتِفْهَام لإِرَادَة تَقْرِير الْبشَارَة بذلك، وَذكره بالتدريج ليَكُون أعظم لسرورهم، وَفِي رِوَايَة يُوسُف ابْن إِسْحَاق بن أبي إِسْحَاق: إِذْ قَالَ لأَصْحَابه: أَلا ترْضونَ؟ (وَفِي رِوَايَة إِسْرَائِيل بن يُونُس بن أبي إِسْحَاق: أَلَيْسَ ترْضونَ؟ وَوَقع فِي رِوَايَة مَالك بن مغول: أتحبون؟ . قَوْله: (إِنِّي لأرجو أَن تَكُونُوا شطر أهل الْجنَّة) وَفِي رِوَايَة: إِسْرَائِيل: نصف، بدل: شطر. وَفِي حَدِيث أبي سعيد: إِنِّي لأطمع، بدل: لارجو، وَوَقع لِابْنِ عَبَّاس نَحْو حَدِيث أبي سعيد الَّذِي سَيَأْتِي من رِوَايَة الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح: إِنِّي لأرجو أَن تَكُونُوا نصف أهل الْجنَّة، بل أَرْجُو أَن تَكُونُوا ثُلثي أهل الْجنَّة. قَالُوا: لَا تصح هَذِه الزِّيَادَة لِأَن الْكَلْبِيّ واهٍ، وَلَكِن وَقع فِي حَدِيث أخرجه أَحْمد من حَدِيث أبي هُرَيْرَة، وَفِيه: إِنِّي لأرجو أَن تَكُونُوا ربع أهل الْجنَّة، بل أَنْتُم ثلث أهل الْجنَّة، بل أَنْتُم نصف أهل الْجنَّة، وتقاسمونهم فِي النّصْف الثَّانِي. وروى التِّرْمِذِيّ من حَدِيث بُرَيْدَة رَفعه: أهل الْجنَّة عشرُون وَمِائَة صف أمتِي مِنْهَا ثَمَانُون صفا. قَوْله: (أَو كالشعرة السَّوْدَاء) قَالَ الْكرْمَانِي: أَو إِمَّا تنويع من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِمَّا شكّ من الرَّاوِي. قَوْله: (الْأَحْمَر) كَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَكَذَا فِي رِوَايَة مُسلم. وَفِي رِوَايَة أبي أَحْمد الْجِرْجَانِيّ عَن الْفربرِي: الْأَبْيَض، بدل: الْأَحْمَر. وَقَالَ ابْن التِّين: أطلق الشعرة وَلَيْسَ المُرَاد حَقِيقَة الْوحدَة لِأَنَّهُ لَا يكون ثَوْر فِي جلده شَعْرَة وَاحِدَة من غير لَونه.
9256 - حدّثنا إسْماعِيلُ حدّثني أخِي عنْ سُلَيْمانَ عنْ ثَوْرٍ عنْ أبي الغَيْثِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (أوَّلُ مَنْ يُدْعَى يَوْمَ القِيامَةِ آدَمُ فَتَرَاءَى ذُرِّيَتُهُ، فَيُقالُ: هَذَا أبُوكُمْ آدَمُ. فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وسَعْدَيْكَ، فَيَقُولُ: أخْرِجْ بَعْثَ جَهَنَّمَ مِنْ ذُرَّيَتِكَ، فَيَقُولُ: يَا رَبَّ كَمْ أُخْرِجُ؟ فَيَقُولُ: أخْرِجْ مِنْ كُلِّ مائَةٍ تِسْعَةً وتِسْعِينَ، فقالُوا: يَا رسُولَ الله! إذَا أخُذَ مِنّا مِنْ كُلِّ مائَةٍ تِسْعَةٌ وتِسْعُونَ فَماذَا يَبْقَى مِنَّا؟ قَالَ: إنَّ أُمَّتِي فِي الأُمَمِ كالشَّعَرَةِ البَيْضاءِ فِي الثَّوْرِ الأسْوَدِ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة يُمكن أَن يُقَال من حَيْثُ إِن الَّذِي تضمنه هَذَا الحَدِيث إِنَّمَا يكون بعد الْحَشْر يَوْم الْقِيَامَة.
إِسْمَاعِيل هُوَ ابْن أبي أويس، وَأَخُوهُ عبد الحميد، وسلميان هُوَ ابْن بِلَال، وثور بالثاء الْمُثَلَّثَة هُوَ ابْن زيد الديلمي، وَأَبُو الْغَيْث هُوَ سَالم مولى عبد الله بن مُطِيع، وَهَؤُلَاء كلهم مدنيون.
والْحَدِيث من أَفْرَاده وَنَظِيره عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ مر فِي كتاب الْأَنْبِيَاء فِي: بَاب قصَّة يَأْجُوج وَمَأْجُوج، وَيَجِيء الْآن أَيْضا.
قَوْله: (فتراءى) يُقَال: (ترَاءى لي: أَي ظهر وتصدى) لِأَن اراه، وَتَفْسِير: لبيْك وَسَعْديك، قد مر عَن قريب وَمضى فِي كتاب الْحَج أَيْضا. قَوْله: (فَيَقُول: أخرج) أَي: يَقُول الله تَعَالَى: أخرج بِفَتْح الْهمزَة من الْإِخْرَاج. قَوْله: (بعث جَهَنَّم) مَنْصُوب لِأَنَّهُ مفعول: أخرج، وَبعث جَهَنَّم هم الَّذين استحقوا أَن يبعثوا إِلَى النَّار، أَي: أخرج من جملَة النَّاس الَّذين هم أهل النَّار وميزهم وابعثهم الى النَّار قَوْله: كم أخرج بِضَم الْهمزَة من الْإِخْرَاج وَجل قَوْله فَيَقُول أَي فَيَقُول الله عز وَجل، خرج بِفَتْح الْهمزَة من الْإِخْرَاج أَيْضا.
64 - (بابُ قَوْلِ الله عَزَّ وجَلَّ: { (22) إِن زَلْزَلَة السَّاعَة شَيْء عَظِيم} (الْحَج: 1)(23/108)
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله تَعَالَى: {إِن زَلْزَلَة السَّاعَة} أَي: اضْطِرَاب يَوْم الْقِيَامَة {شَيْء عَظِيم} والساعة فِي أصل الْوَضع جُزْء من الزَّمَان واستعيرت ليَوْم الْقِيَامَة. وَقَالَ الزّجاج: معنى السَّاعَة الْوَقْت الَّذِي فِيهِ الْقِيَامَة. وَقيل: سميت سَاعَة لوقوعها بَغْتَة، أَو لطولها، أولسرعة الْحساب فِيهَا، أَو لِأَنَّهَا عِنْد الله خَفِيفَة مَعَ طولهَا على النَّاس.
{ (53) أزفت الآزفة} (النَّجْم: 75)
أزف، الْمَاضِي مُشْتَقّ من الأزف بِفَتْح الزَّاي وَهُوَ الْقرب، يُقَال: أزف الْوَقْت وحان الْأَجَل أَي: دنا وَقرب.
{ (54) اقترتب السَّاعَة} (الْقَمَر: 1)
أَي: دنت الْقِيَامَة، وَقَالَ ابْن كيسَان فِي الْآيَة تَقْدِيم وَتَأْخِير مجازها: انْشَقَّ الْقَمَر واقتربت السَّاعَة، وَقيل: مَعْنَاهُ: وسينشق الْقَمَر، وَالْعُلَمَاء على خِلَافه.
0356 - حدّثني يُوسُفُ بنُ مُوسى احدّثنا جَرِيرٌ عنِ الأعْمَشِ عنْ أبي صالِحٍ عنْ أبي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (يَقُول الله: يَا آدَمُ {فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وسَعْدَيْكَ والخَيْرُ فِي يَدَيْكَ، قَالَ: يَقُولُ: أخْرِجْ بَعْثَ النَّار. قَالَ: وَمَا بَعْثُ النَّارِ؟ قَالَ: مِنْ كُلِّ ألْفٍ تِسْعَمِائَةٍ وتِسْعَةً وتِسْعِينَ، فذَاكَ حِينَ يَشِيبُ الصَّغيرُ { (22) وتضع كل ذَات. . وَلَكِن عَذَاب الله شَدِيد} (الْحَج: 2) فاشْتَدَّ ذالِكَ عَليْهِم فقالُوا: يَا رسولَ الله} أيُّنا ذالِكَ الرَّجُلُ؟ قَالَ: (أبْشِرُوا فإنَّ مِنْ يَأْجُوجَ ومَأْجوجَ ألْفٌ ومِنْكُمْ رَجُلٌ) ثُمَّ قَالَ: (والّذِي نَفْسِي فِي يَدِهِ إنِّي لأَطْمَعُ أنْ تَكونُوا ثُلُثَ أهْل الجَنَّةِ) قَالَ: فَحَمِدْنا الله وكَبَّرْنا، ثُمَّ قَالَ: (والّذِي نَفْسِي فِي يَدِهِ إنِّي لأطْمَعُ أنْ تَكُونوا شَطْرَ أهْلِ الجَنَّةِ إنَّ مَثلَكُمْ فِي الأمَمِ كَمَثَلِ الشَّعَرَةِ البَيْضاءِ فِي جِلْدِ الثَّوْرِ الأسْوَدِ، أَو الرَّقْمَةِ فِي ذِراعٍ الحِمارِ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (يشيب الصَّغِير)
إِلَى آخِره الْآيَة.
ويوسف بن مُوسَى بن رَاشد الْقطَّان الْكُوفِي، مَاتَ بِبَغْدَاد سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَمِائَتَيْنِ، وَجَرِير هُوَ ابْن عبد الحميد، وَالْأَعْمَش هُوَ سُلَيْمَان، وَأَبُو صَالح هُوَ ذكْوَان الزيات، وَأَبُو سعيد هُوَ سعد بن مَالك الْخُدْرِيّ.
والْحَدِيث مر فِي: بَاب قصَّة يَأْجُوج وَمَأْجُوج فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن إِسْحَاق بن نصر عَن أبي أُسَامَة عَن الْأَعْمَش عَن أبي صَالح عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ.
قَوْله: (قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) كَذَا هُوَ فِي رِوَايَة كَرِيمَة، وَفِي رِوَايَة الْأَكْثَرين وَقع غير مَرْفُوع، وَوَقع فِيمَا مضى فِي: بَاب قصَّة يَأْجُوج وَمَأْجُوج مَرْفُوعا، وَكَذَا فِي رِوَايَة مُسلم. قَوْله: (وَالْخَيْر فِي يَديك) خص بِهِ لرعاية الْأَدَب، وإلاّ فالخير وَالشَّر كُله بيد الله، وَقيل: الْكل بِالنِّسْبَةِ إِلَى الله حسن وَلَا قَبِيح فِي فعله، وَإِنَّمَا الْحسن والقبح بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْعباد. قَوْله: (من كل ألف) وَقد سبق فِي الحَدِيث الَّذِي قبل هَذَا الْبَاب: من كل مائَة، والتفاوت بَينهمَا كثير. (وَالْجَوَاب) : أَن مَفْهُوم الْعدَد لَا اعْتِبَار لَهُ يَعْنِي التَّخْصِيص بِعَدَد لَا يدل على نفي الزَّائِد، أَو الْمَقْصُود مِنْهُمَا، شَيْء وَاحِد وَهُوَ تقليل عدد الْمُؤمنِينَ وتكثير عدد الْكَافرين قَوْله: (وَمَا بعث النَّار) عطف على مُقَدّر تَقْدِيره: سَمِعت وأطعت، وَمَا بعث النَّار؟ أَي: وَمَا مِقْدَار مَبْعُوث النَّار؟ قَوْله: (فَذَاك) إِشَارَة إِلَى الْوَقْت الَّذِي يشيب فِيهِ الصَّغِير وتضع كل ذَات حمل حملهَا، وَظَاهر هَذَا الْكَلَام أَن هَذَا يَقع فِي الْموقف. وَقَالَ بعض الْمُفَسّرين: إِن ذَلِك قبل يَوْم الْقِيَامَة لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا حمل وَلَا وضع وَلَا شيب، والْحَدِيث يرد عَلَيْهِ، وَقَالَ الْكرْمَانِي: هَذَا تَمْثِيل للتهويل. وَقيل: إِنَّه كِنَايَة عَن اشتداد الْحَال بِحَيْثُ إِنَّه لَو كَانَت النِّسَاء حوامل لوضعت حَملهنَّ ويشيب فِيهِ الطِّفْل كَمَا تَقول الْعَرَب: أَصَابَنَا أَمر يشب فِيهِ الْوَلِيد. قَوْله: أَيّنَا ذَلِك الرجل؟ إِشَارَة إِلَى الرجل الَّذِي يسْتَثْنى من الْألف. قَوْله: (أَبْشِرُوا) وَفِي حَدِيث ابْن عَبَّاس: إعملوا وَأَبْشِرُوا. وَفِي حَدِيث أنس أخرجه التِّرْمِذِيّ: قاربوا وسددوا. قَوْله: (ومنكم رجل) أَي: الْمخْرج مِنْكُم(23/109)
رجل وَاحِد، وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: قَوْله: (من يَأْجُوج وَمَأْجُوج ألف) أَي: مِنْهُم وَمِمَّنْ كَانَ على الشّرك مثلهم. قَوْله: (أَو الرَّقْمَة) بِفَتْح الْقَاف وسكونها. الْخط، والرقمتان فِي الْحمار هما الأثران اللَّذَان فِي بَاطِن عضديه، وَقيل: الدائرة فِي ذراعه، وَقَالَ الْكرْمَانِي: الْفرق كثير بَين الْمُشبه والمشبه بِهِ الأول وَالثَّانِي، فَكيف يَصح التَّشْبِيه فِي الْمِقْدَار بشيئين مختلفي الْقدر؟ وَأجَاب: بِأَن الْغَرَض من التشبيهين أَمر وَاحِد وَهُوَ بَيَان قلَّة عدد الْمُؤمنِينَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْكَافرين غَايَة الْقلَّة، وَهُوَ حَاصِل مِنْهُمَا سَوَاء.
74 - (بابُ قَوْلِ الله تَعَالَى: {أَلا يَظُنُّ أُوْلَائِكَ أَنَّهُمْ مَّبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} (المطففين: 4 6)
أَي: هَذَا بَاب فِي قَول الله تَعَالَى إِلَى آخِره. قَوْله: {أَلا يظنّ} أَي: أَلا يستيقن، وَالظَّن هُنَا بِمَعْنى الْيَقِين {أَنهم مبعوثون} فَيسْأَلُونَ عَمَّا فعلوا فِي الدُّنْيَا. قَوْله: {ليَوْم عَظِيم} يَعْنِي: يَوْم الْقِيَامَة {يَوْم يقوم النَّاس لرب الْعَالمين} لفصل الْقَضَاء بَين يَدي رَبهم، وَقَالَ كَعْب: يقفون ثَلَاثمِائَة عَام، وَقَالَ مقَاتل: وَذَلِكَ إِذا خَرجُوا من قُبُورهم.
وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ {وتقطعت بهم الْأَسْبَاب} (الْبَقَرَة: 961) قَالَ: الوُصُلاتُ فِي الدُّنيا.
أَي: قَالَ ابْن عَبَّاس فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: {وتقطعت بهم الْأَسْبَاب} الوصلات فِي الدُّنْيَا، بِضَم الْوَاو وَالصَّاد الْمُهْملَة، وَقَالَ ابْن التِّين: ضبطناه بِضَم الصَّاد وَفتحهَا وسكونها، وَقَالَ الْكرْمَانِي: هُوَ جمع الوصلة، وَهِي الِاتِّصَال، وكل مَا اتَّصل بشي فَمَا بَينهمَا وصلَة، وَقَالَ أَبُو عبيد: الْأَسْبَاب هِيَ الوصلات الَّتِي كَانُوا يتواصلون بهَا فِي الدُّنْيَا، وَعَن ابْن عَبَّاس: الْأَسْبَاب الْأَرْحَام، رَوَاهُ الطَّبَرِيّ من طَرِيق ابْن جريج عَنهُ، هُوَ مُنْقَطع. وَأخرج عبد بن حميد من طَرِيق شَيبَان عَن قَتَادَة: الْأَسْبَاب الوصلات الَّتِي كَانَت بَينهم فِي الدُّنْيَا يتواصلون بهَا ويتحابون، فَصَارَت عَدَاوَة يَوْم الْقِيَامَة.
1356 - حدّثنا إسْمَاعِيلُ بنُ أبانَ حدّثنا عِيسى بنُ يُونُسَ حدّثنا ابنُ عَوْن عنْ نافِعٍ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهُمَا، عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: {يَوْم يقوم النَّاس لرب الْعَالمين} (المطففين: 6) قَالَ: (يَقُومُ أحَدُهُمْ فِي رَشْحِهِ إِلَى أنْصافِ أُذُنَيْهِ) . (انْظُر الحَدِيث 8394) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَإِسْمَاعِيل بن أبان بِفَتْح الْهمزَة وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة منصرفاً الْوراق الْوزان الْكُوفِي، وَعِيسَى بن يُونُس بن إِسْحَاق بن أبي إِسْحَاق السبيعِي الْكُوفِي، سكن نَاحيَة الشَّام موضعا يُقَال لَهُ الْحَدث، وَمَات بهَا أول سنة إِحْدَى وَتِسْعين وَمِائَة، وَابْن عون هُوَ عبد الله بن عون بن أرطبان الْبَصْرِيّ.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي صفة النَّار عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَغَيره. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الزّهْد وَالتَّفْسِير عَن هناد عَن عِيسَى بِهِ وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي التَّفْسِير عَن هناد بِهِ. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الزّهْد عَن أبي بكر بِهِ.
قَوْله: (فِي رشحه) الرشح الْعرق. قَوْله: (أَنْصَاف أُذُنَيْهِ) كَقَوْلِه: { (66) فقد صغت قُلُوبكُمَا} (التَّحْرِيم: 4) وَيُمكن الْفرق بِأَنَّهُ لما كَانَ لكل شخص أذنان فَهُوَ من بَاب إِضَافَة الْجمع إِلَى مثله بِنَاء على أَن أقل الْجمع اثْنَان.
قلت: رُوِيَ فِي هَذَا الْبَاب أَحَادِيث مُخْتَلفَة، فروى الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: أَن الشَّمْس لَتَدْنُو حَتَّى يبلغ الْعرق نصف الْأذن، وروى الطَّبَرَانِيّ وَأَبُو يعلى وَصَححهُ ابْن حبَان من حَدِيث أبي الْأَحْوَص عَن عبد الله قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الْكَافِر ليلجم بعرقه يَوْم الْقِيَامَة من طول ذَلِك الْيَوْم، حَتَّى يَقُول: يَا رب أرحني، وَلَو إِلَى النَّار. وروى مُسلم من حَدِيث سليم بن عَامر عَن الْمِقْدَاد: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَقُول: إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة أدنيت الشَّمْس من الْعباد حَتَّى تكون قيد ميل أَو ميلين قَالَ سليم: لَا أَدْرِي أَرَادَ أَي الميلين أمسافة الأَرْض أَو الَّذِي يكتحل بِهِ قَالَ: فتصهرهم الشَّمْس فيكونون فِي الْعرق بِقدر أَعْمَالهم، فَمنهمْ من يَأْخُذهُ إِلَى حقْوَيْهِ وَمِنْهُم من يلجمه إلجاماً. قَالَ: فَرَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَهُوَ يُشِير بِيَدِهِ إِلَى فِيهِ. وروى الْحَاكِم عَن عقبَة بن عَامر: سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: تَدْنُو الشَّمْس من الأَرْض يَوْم الْقِيَامَة فيعرق النَّاس، فَمن النَّاس من يبلغ عرقه عقبه، وَمِنْهُم من يبلغ نصف سَاقه، وَمِنْهُم من يبلغ رُكْبَتَيْهِ،(23/110)
وَمِنْهُم من يبلغ فَخذه، وَمِنْهُم من يبلغ خاصرته، وَمِنْهُم من يبلغ مَنْكِبَيْه، وَمِنْهُم من يبلغ فَاه: فَأَشَارَ بِيَدِهِ فألجمها، وَمِنْهُم من يغطيه عرقه، وَضرب بِيَدِهِ على رَأسه هَكَذَا. وروى ابْن أبي شيبَة عَن سلمَان الْخَبَر قَالَ: تُعْطى الشَّمْس يَوْم الْقِيَامَة حر عشر سِنِين ثمَّ تدنى من جماجم النَّاس حَتَّى يكون قاب قوسين. قَالَ: فيعرقون حَتَّى يرشح الْعرق فِي الأَرْض قامة ثمَّ يرْتَفع حَتَّى يُغَرْغر الرجل. قَالَ سلمَان: حَتَّى يَقُول الرجل: غرغر. وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: إِن هَذَا لَا يضر مُؤمنا كَامِل الْإِيمَان أَو من استظل بالعرش. وَرُوِيَ عَن سلمَان: وَلَا يجد حرهَا مُؤمن وَلَا مُؤمنَة، وَأما الْكفَّار فتطبخهم طبخاً حَتَّى يسمع لإحراقهم عق عق. وروى الْبَيْهَقِيّ فِي (الشّعب) : عَن عبد الله بن عمر وَبِسَنَد لَا بَأْس بِهِ قَالَ: يشْتَد كرب ذَلِك الْيَوْم حَتَّى يلجم الْكَافِر الْعرق. قيل لَهُ: فَأَيْنَ الْمُؤمن؟ قَالَ: على كرْسِي من ذهب، ويظل عَلَيْهِم الْغَمَام. وَعَن أبي ظبْيَان: قَالَ أَبُو مُوسَى: الشَّمْس فَوق رُؤُوس النَّاس وأعمالهم تظلهم.
2356 - حدّثني عَبْدُ العَزِيزِ بنُ عَبْدِ الله قَالَ: حدّثني سُلَيْمانُ عنْ ثَوْرِ بنِ زَيْدٍ عنْ أبي الغَيْثِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ، أنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (يَعْرَقُ النَّاسُ يَوْمَ القِيامَةِ حتَّى يَذْهَبَ عَرَقُهمْ فِي الأرْضِ سَبْعِينَ ذِراعاً، ويُلْجِمُهُمْ حتَّى يَبْلُغَ آذانَهُمْ) .
ذكر هَذَا عقيب حَدِيث ابْن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا لما أَنه يتَضَمَّن بعض مَا فِيهِ والمناسبة بِهَذَا الْمِقْدَار كَافِيَة.
عبد الْعَزِيز ابْن عبد الله بن يحيى الأويسي الْمَدِينِيّ، وَسليمَان بن بِلَال، وَأَبُو الْغَيْث سَالم.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي صفة النَّار عَن قُتَيْبَة.
قَوْله: (يعرق) بِفَتْح الرَّاء: (ويلجمهم) بِضَم الْيَاء من ألْجمهُ المَاء إلجاماً إِذا بلغ فَاه، وَسبب كَثْرَة الْعرق تراكم الْأَهْوَال وَشدَّة الازدحام ودنو الشَّمْس. قَالَ الْكرْمَانِي: الْجَمَاعَة إِذا وقفُوا فِي الأَرْض المعتدلة أَخذهم المَاء أخذا وَاحِدًا بِحَيْثُ يكون بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْكل إِلَى الْأذن مَعَ اخْتِلَاف قاماتهم طولا وقصراً، وَأجَاب بِأَنَّهُ خلاف الْمُعْتَاد، أَو لَا يكون فِي القامات حينئذٍ اخْتِلَاف. وَقد روى اخْتلَافهمْ أَيْضا على قدر أَعْمَالهم، وَقد ذَكرْنَاهُ عَن قريب.
84 - (بَاب القِصاصِ يَوْمَ القِيامَةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان كَيْفيَّة الْقصاص يَوْم الْقِيَامَة. وَالْقصاص بِكَسْر الْقَاف مَأْخُوذ من القص وَهُوَ الْقطع أَو من اقتصاص الْأَثر وَهُوَ تتبعه، لِأَن الَّذِي يطْلب الْقصاص بتبع جِنَايَة الْجَانِي ليَأْخُذ مثلهَا. وَفِي (الْمغرب) : الْقصاص مقاصة ولي الْمَقْتُول الْقَاتِل والمجروح الْجَارِح، وَهِي مساواته إِيَّاه فِي قتل أَو جرح ثمَّ عَم فِي كل مُسَاوَاة.
وهْيَ الحاقَّةُ لأنَّ فِيها الثَّوابَ وحَواقَّ الأُمُورِ الحَقَّةُ والحَاقَّةُ واحِدٌ
أَي: الْقِيَامَة تسمى الحاقة. قَوْله: (وحواق الْأُمُور) ، بِالنّصب أَي: وَلِأَن فِيهَا ثوابت الْأُمُور، يَعْنِي يتَحَقَّق فِيهَا الْجَزَاء من الثَّوَاب وَالْعِقَاب وَسَائِر الْأُمُور الثَّابِتَة الحقة الصادقة. قَوْله: (الحقة والحاقة وَاحِد) ، يَعْنِي فِي الْمَعْنى، كَذَا نقل عَن الْفراء، وَقيل: سميت الحاقة لِأَنَّهَا تحاق الْكفَّار الَّذين خالفوا الْأَنْبِيَاء، يُقَال: حاققته فحققته أَي: خاصمته فَخَصمته، وَقيل: لِأَنَّهَا حق لَا شكّ فِيهَا.
والقارِعَةُ والغاشِيَةُ والصَّاحَةُ والتَّغابُن: غَبَنَ أهْلُ الجَنةِ أهْلَ النَّارِ
أَي: وَهِي القارعة لِأَنَّهَا تقرع الْقُلُوب بأهوالها وَقَالَ الْجَوْهَرِي: القارعة الشَّدِيدَة من شَدَائِد الدَّهْر، وَهِي الداهية. وأصل معنى القرع الدق وَمِنْه قرع الْبَاب، وقرع الرَّأْس بالعصا. قَوْله: (والغاشية) ، سميت بذلك لِأَنَّهَا تغشى النَّار بإفزاعها. أَي: تعمهم بذلك، وَعَن سعيد بن جُبَير وَمُحَمّد بن كَعْب: الغاشية النَّار. وَقَالَ أَكثر الْمُفَسّرين: الغاشية الْقِيَامَة تغشى كل شَيْء بالأهوال. قَوْله: والصاخة، هِيَ فِي الأَصْل الداهية، وَفِي (الصِّحَاح) : الصاخة الصَّيْحَة، يُقَال: صخ الصَّوْت الْأذن يصخها صخاً، وَمِنْه سميت الْقِيَامَة، وَقَالَ الثَّعْلَبِيّ: الصاخة يَعْنِي: صخة الْقِيَامَة، سميت بذلك لِأَنَّهَا تصخ الأسماع أَي: تتَابع فِي إسماعها حَتَّى تكَاد تصمها. قَوْله: والتغابن، بِالرَّفْع عطف على مَا قبله، وَهُوَ تفَاعل من الْغبن، وَهُوَ فَوت الْحَظ وَالْمرَاد. وَقَالَ الْمُفَسِّرُونَ: المغبون من غبن أَهله ومنازله(23/111)
فِي الْجنَّة، وَيظْهر يومئذٍ غبن كل كَافِر بِتَرْكِهِ الْإِيمَان، وغبن كل مُؤمن بتقصيره فِي الْإِحْسَان وتضييعه الْأَيَّام. قَوْله: غبن أهل الْجنَّة، فَقَوله: غبن، فعل مَاض وَأهل الْجنَّة فَاعله، وَأهل النَّار بِالنّصب مَفْعُوله، وَمَعْنَاهُ: أَن أهل الْجنَّة ينزلون منَازِل الأشقياء الَّتِي كَانَت أعدت لَهُم لَو كَانُوا سعداء، وَقَالَ بَعضهم: فعلى هَذَا التغابن من طرف وَاحِد، وَلكنه ذكر بِهَذِهِ الصِّيغَة للْمُبَالَغَة. انْتهى.
قلت: لَا نسلم صِحَة مَا قَالَه، وَلم يقل أحد: إِن صِيغَة التفاعل تَجِيء للْمُبَالَغَة، والتفاعل هُنَا على أَصله وَهُوَ الِاشْتِرَاك بَين الْقَوْم، وَلَا شكّ أَنهم مشتركون فِي أصل الْغبن لِأَن كل غابن فَلهُ مغبون.
3356 - حدّثنا عُمَرُ بنُ حفْصٍ حدّثنا أبي حدّثنا الأعْمَشُ حَدثنِي شَقِيقٌ قَالَ: سَمعْتُ عَبْدَ الله رَضِي الله عَنهُ، قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (أوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ بالدِّماِء) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن الْقَضَاء يَوْم الْقِيَامَة هُوَ للْقصَاص.
وَعمر بن حَفْص يروي عَن أَبِيه حَفْص بن غياث عَن سُلَيْمَان الْأَعْمَش عَن أبي وَائِل شَقِيق بن سَلمَة عَن عبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. وَالرِّجَال كلهم كوفيون.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الدِّيات عَن عبيد الله بن مُوسَى. وَأخرجه مُسلم فِي الْحُدُود عَن عُثْمَان بن أبي شيبَة وَغَيره. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الدِّيات عَن أبي كريب وَغَيره. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْمُحَاربَة عَن مُحَمَّد بن عبد الْأَعْلَى عَن خَالِد بن الْحَارِث بِهِ وَعَن غَيره. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الدِّيات عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن نمير وَغَيره.
قَوْله: (بالدماء) وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: فِي الدِّمَاء. وَالْمعْنَى: الْقَضَاء بالدماء الَّتِي كَانَت بَين النَّاس فِي الدُّنْيَا. فَإِن قلت: روى أَبُو هُرَيْرَة مَرْفُوعا (أول مَا يُحَاسب بِهِ العَبْد يَوْم الْقِيَامَة صلَاته) .
قلت: لَا تعَارض بَينهمَا، لِأَن الأول فِيمَا يتَعَلَّق بمعاملات الْخلق، وَالثَّانِي فِيمَا يتَعَلَّق بعباده الْخَالِق، وَفِي حَدِيث الصُّور الطَّوِيل عَن أبي هُرَيْرَة رَفعه: (أول مَا يقْضى بَين النَّاس فِي الدِّمَاء، وَيَأْتِي كل قَتِيل قد حمل رَأسه فَيَقُول: رب سل هَذَا فيمَ قتلني؟) وَفِي حَدِيث نَافِع بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس رَفعه: (يَأْتِي الْمَقْتُول مُعَلّق رَأسه بِإِحْدَى يَدَيْهِ ملبياً قَاتله بِيَدِهِ الْأُخْرَى تسخب أوداجه دَمًا حَتَّى يقفا بَين يَدي الله) .
4356 - حدّثنا إسْمَاعِيلُ قَالَ: حدّثني مالِكٌ عنْ سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ عنْ أبي هُرَيْرَةَ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ مَظْلِمَةٌ لأخِيهِ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْها فإنهُ لَيْسَ ثَمَّ دِينارٌ وَلَا دِرْهَمٌ مِنْ قَبْلِ أنْ يُؤْخَذَ لأخِيهِ مِنْ حَسَناتِهِ، فإنْ لَمْ يَكُنْ لهُ حَسَناتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّآتِ أخِيهِ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ) . (انْظُر الحَدِيث 9442) .
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (من قبل أَن يُؤْخَذ)
إِلَى آخِره وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن أبي أويس.
والْحَدِيث أخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الزّهْد عقيب حَدِيث زيد بن أبي أنيسَة.
قَوْله: (مظْلمَة) بِفَتْح اللَّام وَالْكَسْر وَهُوَ أشهر. وَهِي اسْم مَا أَخذ مِنْك بِغَيْر حق. قَوْله: (لِأَخِيهِ) ، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: (من أَخِيه) . قَوْله: (فليتحلله) أَي: فليسأله أَن يَجعله حَلَاله وليطلب مِنْهُ بَرَاءَة ذمَّته قبل يَوْم الْقِيَامَة. قَوْله: (فَإِنَّهُ لَيْسَ ثمَّ) أَي: فَإِن الشَّأْن لَيْسَ هُنَاكَ دِرْهَم، وَثمّ بِفَتْح الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَتَشْديد الْمِيم وَهُوَ اسْم يشار بِهِ إِلَى الْمَكَان الْبعيد، وَهُوَ ظرف لَا يتَصَرَّف فَلذَلِك غلط من أعربه مَفْعُولا لرأيت فِي قَوْله تَعَالَى: { (76) وَإِذا رَأَيْت ثمَّ رَأَيْت} (الْإِنْسَان: 02) قَوْله: (من حَسَنَاته) أَي: من ثَوَابهَا فيزاد على ثَوَاب الْمَظْلُوم، قيل: ثَوَاب الْحَسَنَة خَالِد أبدا غير متناه وَجَزَاء السَّيئَة من الظُّلم غَيره متناه، فَكيف يَقع غير المتناهي موقع المتناهي؟ وَكَيف يقوم مقَامه فَيصير الْمَظْلُوم ظَالِما؟ وَأجِيب: بِأَنَّهُ يُعْطي خَصمه من أصل ثَوَاب الْحَسَنَة مَا يوازي، عُقُوبَة سيئته، إِذْ الزَّائِد عَلَيْهِ فضل من الله عز وَجل عَلَيْهِ خَاصَّة. قَوْله: (فَإِن لم تكن لَهُ) ، أَي: للظالم، حَسَنَات أَخذ من أصل سيئات أَخِيه فيحط عَلَيْهِ فيزاد فِي عِقَابه، قيل: مَا التَّوْفِيق بَينه وَبَين قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تزر وَازِرَة وزر أُخْرَى} (الْأَنْعَام: 461، وَغَيرهَا) وَأجِيب: بِأَنَّهُ لَا تعَارض بَينهمَا لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُعَاقب بِسَبَب ظلمه أَو مَعْنَاهُ: لَا تزر بِاخْتِيَارِهِ وإرادته.
5356 - حدّثني الصَّلْتُ بنُ مُحَمَّدٍ حدّثنا يَزِيدُ بنُ زُرَيْع {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورهمْ من غل} (الْأَعْرَاف: 34 وَالْحجر: 74) قَالَ: حدّثنا سَعِيدٌ عنْ قَتادَة عنْ أبي المُتَوَكِّلِ النَّاجِيِّ أنَّ أَبَا سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: قَالَ(23/112)
رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (يَخْلُصُ المُؤْمِنُونَ مِنَ النَّارِ فَيُحْبَسُونَ عَلى قَنْطَرَةٍ بَيْنَ الجَنةَ والنَّارِ فَيُقَصُّ لِبَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ مَظالِمُ كانَتْ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيا، حتَّى إِذا هُذِّبُوا ونُقُّوا أُذِنَ لَهُمْ فِي دُخُولِ الجَنَّةِ، فَوَالّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لأحَدُهُمْ أهْدَى بِمَنْزِلِهِ فِي الجَنَّةِ مِنْهُ بِمَنْزِلِهِ كانَ فِي الدُّنْيا) . (الحَدِيث 0442) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فيقص) . والصلت بِفَتْح الصَّاد الْمُهْملَة وَسُكُون اللَّام بعْدهَا تَاء مثناة من فَوق ابْن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن أَبُو همام الخاركي بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَالْكَاف الْبَصْرِيّ وَيزِيد من الزِّيَادَة ابْن زُرَيْع مصغر زرع أَبُو مُعَاوِيَة العيشي الْبَصْرِيّ، وَسَعِيد هُوَ ابْن أبي عرُوبَة، وَأَبُو المتَوَكل عَليّ بن دَاوُد النَّاجِي بالنُّون وبالجيم نِسْبَة إِلَى بني نَاجِية ابْن سامة بن لؤَي وَهِي قَبيلَة كَبِيرَة السَّاجِي بِالسِّين الْمُهْملَة البصرية، وَأَبُو سعيد سعد بن مَالك الْخُدْرِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي الْمَظَالِم فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم.
قَوْله: (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورهمْ من غل) ذكره بَين رجال الْإِسْنَاد لبَيَان أَن الحَدِيث كالتفسير لَهُ. دقوله: (يخلص) بِفَتْح الْيَاء وَضم اللَّام. قَوْله: (على قنطرة) قيل هَذَا يشْعر بِأَن فِي الْقِيَامَة جسرين، هَذَا وَالَّذِي على متن جَهَنَّم الْمَشْهُور بالصراط. وَأجِيب بِأَنَّهُ لَا مَحْذُور فِيهِ، وَلَئِن ثَبت بِالدَّلِيلِ أَنه وَاحِد فتأويله أَن هَذِه القنطرة من تَتِمَّة الأول. قَوْله: (فيقص) على صِيغَة الْمَجْهُول من الْمُضَارع ويروى: فيقتص، من الاقتصاص وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: فيقص، بِفَتْح الْيَاء فعلى هَذَا اللَّام فِي لبَعْضهِم، زَائِدَة، وَبَعْضهمْ، فَاعل لَهُ أَو الْفَاعِل مَحْذُوف تَقْدِيره: فيقص الله لبَعْضهِم من بعض. قَوْله: (مظالم) غير منون. وَقَوله: (كَانَت بَينهم) صفة مظالم. قَوْله: (هذبوا) على صِيغَة الْمَجْهُول من التَّهْذِيب وَهُوَ التنقية، يُقَال: رجل مهذب الأخلاقَ مطهر الْأَخْلَاق، قَالَه الْجَوْهَرِي. قَوْله: (ونقوا) على صِيغَة الْمَجْهُول أَيْضا من التنقية، وَأَصله: نقيوا، استثقلت الضمة على الْيَاء فنقلت إِلَى مَا قبلهَا بعد حذف حركتها. قَوْله: (أذن لَهُم فِي دُخُول الْجنَّة) على صِيغَة الْمَجْهُول، وَهَذَا فِي الظَّاهِر مَرْفُوع مثل بَقِيَّة الحَدِيث، كَذَا فِي سَائِر الرِّوَايَات إلاَّ فِي رِوَايَة عَفَّان عِنْد الطَّبَرِيّ فَإِنَّهُ جعل هَذَا من كَلَام قَتَادَة، وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: وَقع فِي حَدِيث عبد الله بن سَلام: أَن الْمَلَائِكَة تدلهم على طَرِيق الْجنَّة يَمِينا وَشمَالًا، رَوَاهُ عبد الله بن الْمُبَارك فِي (الزّهْد) : وَصَححهُ الْحَاكِم. قَوْله: (لأَحَدهم) مُبْتَدأ وَاللَّام فِيهِ للتَّأْكِيد، وَخَبره هُوَ قَوْله: (أهْدى) قَوْله: (بِمَنْزِلَة) قَالَ الطَّيِّبِيّ: أهْدى لَا يتَعَدَّى بِالْبَاء، بل بِاللَّامِ أَو بإلى فَكَأَنَّهُ ضمن معنى اللصوق بمنزله هادياً إِلَيْهِ وَذَلِكَ لِأَن مَنَازِلهمْ تعرض عَلَيْهِم غدواً وعشياً.
94 - (بابُ مَنْ نوقِشَ الحِسابَ عُذِّبَ)
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من نُوقِشَ الْحساب عذب، قَوْله: من مُبْتَدأ أَو: نُوقِشَ، صلته: وعذب، خَبره وكل من نُوقِشَ وعذب على صِيغَة الْمَجْهُول ونوقش من المناقشة وَهُوَ الِاسْتِقْصَاء والتفتيش فِي المحاسبة والمطالبة بالجليل والحقير وَترك الْمُسَامحَة فِيهِ، والحساب مَنْصُوب بِنَزْع الْخَافِض.
6356 - حدّثنا عُبَيْدُ الله بنُ مُوسَى عنْ عُثْمانَ بنَ الأسْوَدِ عنِ ابنِ أبي مُلَيْكَةَ عنْ عائِشَةَ عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (مَنْ نُوقِشَ الحِسَابَ عُذِّب) قالَتْ: قلْتُ: ألَيْسَ يَقُولُ الله تَعَالَى: { (84) فَسَوف يُحَاسب حسابا يَسِيرا} (الانشقاق: 48) قَالَ: (ذَلِكَ العَرْضُ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة مَأْخُوذَة من صدر الحَدِيث. وَعبيد الله بن مُوسَى بن باذام أَبُو مُحَمَّد الْعَبْسِي الْكُوفِي، وَعُثْمَان بن الْأسود بن مُوسَى الْمَكِّيّ، وَابْن أبي مليكَة بِضَم الْمِيم هُوَ عبد الله، وَقد مر عَن قريب.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْعلم فِي: بَاب من سمع شَيْئا، فَرَاجعه فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ بأتم مِنْهُ، وَفِيه: من حُوسِبَ عذب، وَلَكِن من نُوقِشَ الْحساب يهْلك.
حدّثني عَمْرُو بنُ عَلِيٍّ حدّثنا يَحْيَى عَن عُثْمانَ بنِ الأسْوَدِ سَمِعْتُ ابنَ أبي مُلَيْكَةَ قَالَ: سَمِعْتُ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا قالَتْ: سَمِعْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِثْلَهُ.(23/113)
هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور أخرجه عَن عَمْرو بن عَليّ بن بَحر أبي حَفْص الْبَاهِلِيّ الْبَصْرِيّ الصَّيْرَفِي، وَهُوَ شيخ مُسلم أَيْضا عَن يحيى بن سعيد الْقطَّان إِلَى آخِره. قَوْله: (مثله) أَي: مثل الحَدِيث الْمَذْكُور.
تابَعَهُ ابنُ جُرَيْجٍ ومُحَمَّدُ بنُ سُلَيْمٍ وأيُّوبُ وصالِحُ بنُ رُسْتُمِ عنِ ابنِ أبي مُلَيْكَةَ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا، عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
أَي: تَابع عُثْمَان بن الْأسود فِي رِوَايَته عَن ابْن أبي مليكَة عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج وَمُحَمّد بن سليم بِضَم السِّين الْمُهْملَة أَبُو عُثْمَان الْمَكِّيّ، قَالَ الغساني: اسْتشْهد بِهِ البُخَارِيّ فِي كتاب الرقَاق فِي: بَاب من نُوقِشَ، وَلَيْسَ هُوَ ابْن سليم الْبَصْرِيّ أَبَا هِلَال، وَوصل مُتَابعَة ابْن جريج وَمُحَمّد بن سليم أَبُو عوَانَة فِي (صَحِيحه) : من طَرِيق أبي عَاصِم عَن ابْن جريج وَعُثْمَان ابْن الْأسود وَمُحَمّد بن سليم كلهم عَن ابْن أبي مليكَة عَن عَائِشَة بِهِ.
قَوْله: (وَأَيوب) أَي: تَابعه أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ أَيْضا وَوصل مُتَابَعَته البُخَارِيّ فِي التَّفْسِير من رِوَايَة حَمَّاد بن زيد عَن أَيُّوب، وَلم يسق لَفظه. قَوْله: وَصَالح، أَي: وَتَابعه أَيْضا صَالح ابْن رستم بِضَم الرَّاء وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة وَضم التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق، وَقيل: بِفَتْحِهَا الْمُزنِيّ مَوْلَاهُم أَبُو عَامر الخزاز الْبَصْرِيّ، وَوصل مُتَابَعَته إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه فِي (مُسْنده) : عَن النَّضر بن شُمَيْل عَن أبي عَامر الخزاز بِزِيَادَة فِيهِ وَهِي قَوْله: عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا، قَالَ: قَالَت إِنِّي لأعْلم أَي آيَة فِي الْقُرْآن أَشد. فَقَالَ لي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وَمَا هِيَ قلت: {من يعْمل سوء يجز بِهِ} (النِّسَاء: 321) فَقَالَ: إِن الْمُؤمن يجازى بِأَسْوَأ عمله فِي الدُّنْيَا، يُصِيبهُ الْمَرَض حَتَّى النكبة، وَلَكِن من نُوقِشَ الْحساب عذب.
6356 - حدّثنا عُبَيْدُ الله بنُ مُوسَى عنْ عُثْمانَ بنَ الأسْوَدِ عنِ ابنِ أبي مُلَيْكَةَ عنْ عائِشَةَ عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (مَنْ نُوقِشَ الحِسَابَ عُذِّب) قالَتْ: قلْتُ: ألَيْسَ يَقُولُ الله تَعَالَى: { (84) فَسَوف يُحَاسب حسابا يَسِيرا} (الانشقاق: 48) قَالَ: (ذَلِكَ العَرْضُ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة مَأْخُوذَة من صدر الحَدِيث. وَعبيد الله بن مُوسَى بن باذام أَبُو مُحَمَّد الْعَبْسِي الْكُوفِي، وَعُثْمَان بن الْأسود بن مُوسَى الْمَكِّيّ، وَابْن أبي مليكَة بِضَم الْمِيم هُوَ عبد الله، وَقد مر عَن قريب.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْعلم فِي: بَاب من سمع شَيْئا، فَرَاجعه فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ بأتم مِنْهُ، وَفِيه: من حُوسِبَ عذب، وَلَكِن من نُوقِشَ الْحساب يهْلك.
حدّثني عَمْرُو بنُ عَلِيٍّ حدّثنا يَحْيَى عَن عُثْمانَ بنِ الأسْوَدِ سَمِعْتُ ابنَ أبي مُلَيْكَةَ قَالَ: سَمِعْتُ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا قالَتْ: سَمِعْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِثْلَهُ.
هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور أخرجه عَن عَمْرو بن عَليّ بن بَحر أبي حَفْص الْبَاهِلِيّ الْبَصْرِيّ الصَّيْرَفِي، وَهُوَ شيخ مُسلم أَيْضا عَن يحيى بن سعيد الْقطَّان إِلَى آخِره. قَوْله: (مثله) أَي: مثل الحَدِيث الْمَذْكُور.
تابَعَهُ ابنُ جُرَيْجٍ ومُحَمَّدُ بنُ سُلَيْمٍ وأيُّوبُ وصالِحُ بنُ رُسْتُمِ عنِ ابنِ أبي مُلَيْكَةَ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا، عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
أَي: تَابع عُثْمَان بن الْأسود فِي رِوَايَته عَن ابْن أبي مليكَة عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج وَمُحَمّد بن سليم بِضَم السِّين الْمُهْملَة أَبُو عُثْمَان الْمَكِّيّ، قَالَ الغساني: اسْتشْهد بِهِ البُخَارِيّ فِي كتاب الرقَاق فِي: بَاب من نُوقِشَ، وَلَيْسَ هُوَ ابْن سليم الْبَصْرِيّ أَبَا هِلَال، وَوصل مُتَابعَة ابْن جريج وَمُحَمّد بن سليم أَبُو عوَانَة فِي (صَحِيحه) : من طَرِيق أبي عَاصِم عَن ابْن جريج وَعُثْمَان ابْن الْأسود وَمُحَمّد بن سليم كلهم عَن ابْن أبي مليكَة عَن عَائِشَة بِهِ.
قَوْله: (وَأَيوب) أَي: تَابعه أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ أَيْضا وَوصل مُتَابَعَته البُخَارِيّ فِي التَّفْسِير من رِوَايَة حَمَّاد بن زيد عَن أَيُّوب، وَلم يسق لَفظه. قَوْله: وَصَالح، أَي: وَتَابعه أَيْضا صَالح ابْن رستم بِضَم الرَّاء وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة وَضم التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق، وَقيل: بِفَتْحِهَا الْمُزنِيّ مَوْلَاهُم أَبُو عَامر الخزاز الْبَصْرِيّ، وَوصل مُتَابَعَته إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه فِي (مُسْنده) : عَن النَّضر بن شُمَيْل عَن أبي عَامر الخزاز بِزِيَادَة فِيهِ وَهِي قَوْله: عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا، قَالَ: قَالَت إِنِّي لأعْلم أَي آيَة فِي الْقُرْآن أَشد. فَقَالَ لي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وَمَا هِيَ قلت: {من يعْمل سوء يجز بِهِ} (النِّسَاء: 321) فَقَالَ: إِن الْمُؤمن يجازى بِأَسْوَأ عمله فِي الدُّنْيَا، يُصِيبهُ الْمَرَض حَتَّى النكبة، وَلَكِن من نُوقِشَ الْحساب عذب.
7356 - حدّثني إسْحاقُ بنُ مَنْصُورٍ حدّثنا رَوْحُ بنُ عُبادَةَ حدّثنا حاتِمُ بنُ أبي صَغِيرَةَ حدّثنا عَبْدُ الله بنُ أبي مُلَيْكَةَ حدّثني القاسِمُ بنُ مُحَمَّدٍ حدَّثَتْنِي عائِشَةُ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (لَيْسَ أحَدٌ يُحاسَبُ يَوْمَ القِيامَةِ إلاّ هَلَكَ) فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله! ألَيْسَ قَدْ قَالَ الله تَعَالَى: {فَأَما من أُوتِيَ كِتَابه بِيَمِينِهِ فَسَوف يُحَاسب حسابا يَسِيرا} (الانشقاق: 8) فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إنَّما ذَلِك العَرْضُ ولَيْسَ أحَدٌ يُناقَشُ الحِسابَ يَوْمَ القِيامَةِ إلاَّ عُذِّبَ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وحاتم بِالْخَاءِ الْمُهْملَة ابْن أبي صَغِيرَة بِفَتْح الصَّاد الْمُهْملَة وَكسر الْغَيْن الْمُعْجَمَة ضد الْكَبِيرَة واسْمه مُسلم وَقد مر عَن قريب، وَالقَاسِم بن مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَقد استدرك الدَّارَقُطْنِيّ على البُخَارِيّ بِأَن ابْن أبي مليكَة روى مرّة عَن عَائِشَة وَأُخْرَى عَن الْقَاسِم فَفِيهِ اضْطِرَاب. قَالَ الْكرْمَانِي: الِاسْتِدْرَاك مُسْتَدْرك لاحْتِمَال أَنه سَمعه مِنْهُمَا، فَتَارَة روى بالواسطة وَأُخْرَى بِدُونِهَا.
قَوْله: (يناقش) على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (الْحساب) مَنْصُوب بِنَزْع الْخَافِض أَي: فِي الْحساب. قَوْله: (إلاَّ عذب) على صِيغَة الْمَجْهُول أَيْضا.
8356 - حدّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله حدّثنا مُعاذُ بنُ هِشامٍ قَالَ: حدّثني أبي عنْ قَتادَةَ عنْ أنَسٍ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
(ح) حدّثني مُحَمَّدُ بنُ مَعْمَرٍ حدّثنا رَوْحُ بنُ عُبادَةَ حَدثنَا سَعيدٌ عنْ قَتادَةَ حَدثنَا أنَسُ بنُ مالِكٍ رَضِي الله عَنهُ، أنَّ نَبِيَّ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَقُول: (يُجاءُ بالكافِرِ يَوْمَ القِيامَةِ فَيُقالُ لهُ: أرَأيْتَ لَوْ كَانَ لَكَ مِلْءُ الأرْضِ ذَهَباً أكُنْتَ تَفْتَدِى بِهِ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ. فَيُقالُ لَهُ: قَدْ كُنْتَ سُئِلْتَ مَا هُوَ أيْسَرُ مِنْ ذالِكَ) . (انْظُر الحَدِيث 4333 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَن فِيهِ نوع مناقشة. وَأخرجه من طَرِيقين: أَحدهمَا: عَن عَليّ بن عبد الله بن الْمَدِينِيّ عَن معَاذ(23/114)
عَن أَبِيه هِشَام الدستوَائي عَن قَتَادَة عَن أنس. وَالْآخر: عَن مُحَمَّد بن معمر بِفَتْح الميمين الْقَيْسِي الْمَعْرُوف بالبحراني ضد البراني عَن روح بِفَتْح الرَّاء ابْن عبَادَة بِضَم الْعين وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة عَن سعيد بن أبي عرُوبَة عَن قَتَادَة، وَقد مضى الحَدِيث فِي كتاب الْأَنْبِيَاء فِي: بَاب قَول الله تَعَالَى: { (2) وَإِذ قَالَ رَبك للْمَلَائكَة إِنِّي جَاعل فِي الأَرْض خَليفَة} (الْبَقَرَة: 03) فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ من وَجه آخر عَن أنس وَهنا ذكره من طَرِيقين وَسَاقه بِلَفْظ سعيد.
قَوْله: (أَرَأَيْت) أَي: أَخْبرنِي. قَوْله: (أَكنت؟) الْهمزَة فِيهِ للاستفهام على سَبِيل الاستخبار. قَوْله: (مَا هُوَ أيسر من ذَلِك) أَي: أَهْون وَهُوَ التَّوْحِيد.
9356 - حدّثنا عُمَرُ بنُ حَفْصٍ حدّثنا أبي قَالَ: حدّثني الأعْمَشُ قَالَ: حدّثني خَيْثَمَةُ عنْ عَدِيِّ ابنِ حاتِمٍ قَالَ: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (مَا مِنْكُمْ مِنْ أحَدٍ إلاّ وَسَيُكَلِّمُهُ الله يَوْمَ القِيامَةِ لَيْسَ بَيْنَهُ وبَيْنَ الله تُرْجُمانٌ. ثُمَّ يَنْظُرُ فَلا يَرى شَيْئاً قُدَّامَهُ، ثمَّ يَنْظُرُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَتَسْتَقْبِلُهُ النَّارُ، فَمَنِ اسْتَطاعَ مِنْكُمْ أنْ يَتَّقِيَ النَّارَ ولوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ) . (انْظُر الحَدِيث 3141 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة مثل مَا ذكرنَا أَن فِيهِ نوع مناقشة. وَعمر بن حَفْص يروي عَن أَبِيه حَفْص بن غياث عَن سُلَيْمَان الْأَعْمَش عَن خَيْثَمَة بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح الثَّاء الْمُثَلَّثَة ابْن عبد الرَّحْمَن الْجعْفِيّ عَن عدي بن حَاتِم الطَّائِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
والْحَدِيث مضى مطولا فِي الزَّكَاة فِي: بَاب الصَّدَقَة قبل الرَّد فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ من وَجه آخر عَن عبد الله بن مُحَمَّد إِلَى آخِره.
قَوْله: (مَا مِنْكُم من أحد) ، ظَاهر الْخطاب للصحابة وَيلْحق بهم الْمُؤْمِنُونَ كلهم. قَوْله: (إلاّ وسيكلمه الله) وَفِي رِوَايَة ابْن مَاجَه: (إلاّ يكلمهُ ربه) ، وَالْوَاو فِيهِ إِن صَحَّ فَهُوَ مَعْطُوف على مَحْذُوف تَقْدِيره: إِلَّا سيخاطبه وسيكلمه. قَوْله: (لَيْسَ بَينه وَبَين الله) ، ويروى: (لَيْسَ بَين الله وَبَينه) . قَوْله: (ترجمان) ، بِضَم التَّاء وَفتحهَا وَفتح الْجِيم وَضمّهَا، وَقَالَ ابْن التِّين: روينَاهُ بِفَتْح التَّاء، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: فلك أَن تضم التَّاء بضمة الْجِيم يُقَال: ترْجم، كَلَامه إِذا فسره بِكَلَام آخر. قَوْله: (قدامه) أَي: أَمَامه، وَفِي التَّوْحِيد على مَا سَيَأْتِي: (فَينْظر أَيمن مِنْهُ فَلَا يرى إلاَّ مَا قدم، وَينظر أشأم فَلَا يرى إلاَّ مَا قدم) . . وَكَذَا فِي رِوَايَة مُسلم، وَفِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ: (فَلَا يرى شَيْئا إلاَّ شَيْئا قدمه) ، وَفِي رِوَايَة مُحَمَّد بن خَليفَة: (فَينْظر عَن يَمِينه فَلَا يرى إلاَّ النَّار، وَينظر عَن شِمَاله فَلَا يرى إلاَّ النَّار) . وَقَالَ ابْن هُبَيْرَة: نظر الْيَمين وَالشمَال هُنَا كالمثل لِأَن الْإِنْسَان من شَأْنه إِذا دهمه أَمر أَن يلْتَفت يَمِينا وَشمَالًا يطْلب الْغَوْث، وَقيل: يحْتَمل أَن يطْلب طَرِيقا يهرب مِنْهُ لينجو من النَّار فَلَا يرى إلاَّ مَا يقْضِي الله بِهِ من دُخُول النَّار. قَوْله: (فَمن اسْتَطَاعَ مِنْكُم) جَزَاؤُهُ مَحْذُوف أَي: فَلْيفْعَل، وَوَقع كَذَا فِي رِوَايَة وَكِيع.
0456 - قَالَ الأعْمَشُ: حدّثني عَمْرٌ وعنْ خَيْثَمَةَ عنْ عَدِيِّ بنِ حاتِمٍ قَالَ: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (اتَّقُوا النَّارَ) ثُمَّ أعْرَضَ وأشاحَ، ثُمَّ قَالَ: (اتَّقُوا النَّارَ) ، ثُمَّ أعْرَضَ وأشاحَ ثَلاثاً حتَّى ظَنَنَّا أنّهُ يَنْظُرُ إلَيْها، ثُمَّ قَالَ: قَوْله: (اتَّقُوا النَّارَ وَلَو بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ) .
أَي قَالَ سُلَيْمَان الْأَعْمَش، وَهُوَ مَوْصُول بالسند الْمَذْكُور عَن عَمْرو هُوَ ابْن مرّة عَن خَيْثَمَة، وروى الْأَعْمَش أَولا عَن خَيْثَمَة بِلَا وَاسِطَة، ثمَّ روى ثَانِيًا بالواسطة.
وَقد أخرجه مُسلم من رِوَايَة أبي مُعَاوِيَة عَن الْأَعْمَش كَذَلِك، وَقد مضى الحَدِيث بأتم من هَذَا فِي كتاب الزَّكَاة من رِوَايَة مُحَمَّد بن خَليفَة.
قَوْله: (وأشاح) بالشين الْمُعْجَمَة وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة أَي: صرف وَجهه. وَقَالَ الْخَلِيل: أشاح بِوَجْهِهِ عَن الشَّيْء نحاه عَنهُ، وَقيل: صرف وَجهه كالخائف أَن يَنَالهُ. قَوْله: (فَمن لم يجد) أَي: مَا يتَصَدَّق بِهِ على السَّائِل. قَوْله: (فبكلمة طيبَة) أَي يَدْفَعهُ أَي: السَّائِل بِكَلِمَة تطيب قلبه.
05 - (بابٌ يَدْخُلُ الجَنَةَ سَبْعُونَ ألْفاً بِغَيْرِ حِسابٍ)
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يدْخل الْجنَّة ... إِلَى آخِره، وَفِي بعض النّسخ: بَاب يدْخلُونَ الْجنَّة سَبْعُونَ ألفا على لُغَة: أكلوني البراغيث.(23/115)
1456 - حدّثنا عِمْرانُ بنُ مَيْسَرَة حدّثنا ابنُ فُضَيْلٍ حدّثنا حُصَيْنٌ قالَ أبُو عَبْدِ الله: وحَدثني أسِيُد ابنُ زَيْدٍ حَدثنَا هُشَيْمٌ عنْ حُصَيْنٍ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ فَقَالَ: حدّثني ابنُ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (عُرِضَتْ عَلَيَّ الأُمَمُ فأخَذَ النبيُّ يَمُرُّ مَعَهُ الأُمَّةُ، والنبيُّ يَمُرُّ مَعَهُ النَّفَرُ، والنبيُّ يَمُرُّ مَعَهُ العَشَرَةُ، والنبيُّ يَمُرُّ مَعَهُ الخَمْسَةُ، والنبيُّ يَمُرُّ وَحْدَهُ، فَنَظَرْتُ فَإِذا سَوادُ كَثِير، قُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ! هؤُلاءِ أُمَّتِي؟ قَالَ: لَا ولاكِنِ انْظُرْ إِلَى الأُفُقِ، فَنَظَرْتُ فَإِذا سَوادٌ كَثِيرٌ، قَالَ: هاؤلاءِ أُمَّتُكَ، وهاؤُلاءِ سَبْعُونَ ألْفاً قُدَّامَهُمْ لَا حِسابَ عَلَيْهِمْ وَلَا عذابَ. قُلْتُ: وَلِمَ؟ قَالَ: كانُوا لَا يَكْتوونَ وَلَا يَسْتَرْقُونَ وَلَا يَتَطَيَّرُونَ وعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) فقامَ إلَيْهِ عُكَّاشَةُ بنُ مِحْصَنٍ فَقَالَ: ادْعُ الله أنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، قَالَ: (اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ مِنْهُمْ) ثُمَّ قامَ إلَيْهِ رَجُلٌ آخَرُ قَالَ: ادْعُ الله أنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، قَالَ: (سَبَقَكَ بهَا عُكَّاشَةُ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأخرجه من طَرِيقين: أَحدهمَا: عَن عمرَان بن ميسرَة ضد الميمنة عَن مُحَمَّد بن فُضَيْل بِضَم الْفَاء وَفتح الضَّاد الْمُعْجَمَة ابْن غَزوَان الضَّبِّيّ الْكُوفِي عَن حُصَيْن بِضَم الْحَاء وَفتح الصَّاد الْمُهْمَلَتَيْنِ ابْن عبد الرَّحْمَن الوَاسِطِيّ. وَالطَّرِيق الآخر: عَن أسيد بِفَتْح الْهمزَة وَكسر السِّين الْمُهْملَة ابْن زيد من الزِّيَادَة أبي مُحَمَّد الْجمال بِالْجِيم مولى صَالح الْقرشِي الْكُوفِي عَن هشيم بِضَم الْهَاء وَفتح الشين الْمُعْجَمَة ابْن بشير الوَاسِطِيّ عَن حُصَيْن ... إِلَى آخِره. وَأَشَارَ البُخَارِيّ إِلَى رِوَايَته عَن أسيد الْمَذْكُور بقوله: قَالَ أَبُو عبد الله، وَهُوَ البُخَارِيّ. وحَدثني أسيد بن زيد ... إِلَى آخِره، وَلم يرو البُخَارِيّ عَنهُ، إلاَّ فِي هَذَا الْموضع فَقَط مَقْرُونا بعمران بن ميسرَة. فَإِن قلت: أسيد هَذَا ضَعِيف جدا ضعفه جمَاعَة مِنْهُم يحيى بن معِين وأفحش القَوْل فِيهِ، وَقَالَ أَبُو حَاتِم: كانو يَتَكَلَّمُونَ فِيهِ.
قلت: قَالَ أَبُو مَسْعُود: لَعَلَّه كَانَ ثِقَة عِنْده، وَهَذَا لَا يجدي فِي الِاحْتِجَاج بِهِ، وَلِهَذَا روى عَنهُ مَقْرُونا بعمران بن ميسرَة. فَإِن قلت: مَا كَانَ الدَّاعِي لهَذَا والإسناد الأول كَانَ كَافِيا؟ .
قلت: قَالَ بَعضهم: إِنَّمَا احْتَاجَ إِلَيْهِ فِرَارًا من تكَرر الْإِسْنَاد بِعَيْنِه، فَإِنَّهُ أخرج السَّنَد الأول فِي الطِّبّ فِي: بَاب من اكتوى. ثمَّ أَعَادَهُ هُنَا فأضاف إِلَيْهِ طَرِيق هشيم. انْتهى. وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْء لِأَنَّهُ قد وَقع فِي البُخَارِيّ أَسَانِيد كَثِيرَة تَكَرَّرت بِعَينهَا فِي غير مَوضِع، وَلَا يخفى هَذَا على من يتَأَمَّل ذَلِك. وَأما الَّذِي ذكره فِي الطِّبّ فَهُوَ مطول أخرجه: عَن عمرَان بن ميسرَة عَن ابْن فُضَيْل عَن حُصَيْن عَن عَامر عَن عمرَان بن حُصَيْن الحَدِيث. وَأخرجه فِي أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء مُخْتَصرا عَن مُسَدّد وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (عرضت عَليّ) بتَشْديد الْيَاء (والأمم) بِالرَّفْع. قَوْله: (الْأمة) أَي: الْعدَد الْكثير. قَوْله: (فَأخذ) بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة والذال الْمُعْجَمَة فِي رِوَايَة الْكشميهني، وَهُوَ من أَفعَال المقاربة وضع لدنو الْخَبَر على وَجه الشُّرُوع فِيهِ وَالْأَخْذ فِيهِ، فَتَارَة يسْتَعْمل: أَخذ اسْتِعْمَال: عَسى، فَيدْخل أَن فِي خَبره، وَتارَة يسْتَعْمل اسْتِعْمَال: كَاد، بِغَيْر أَن، ويروى: فاجد، بِفَتْح الْهمزَة وَكسر الْجِيم وبالدال الْمُهْملَة، فعلى هَذَا لفظ النَّبِي مَنْصُوب على المفعولية، وعَلى الأول هُوَ مَرْفُوع على أَنه اسْم أَخذ. وَقَوله: (يمر) خَبره. قَوْله: (النَّفر) هُوَ رَهْط الْإِنْسَان وعشيرته وَهُوَ اسْم جمع يَقع على جمَاعَة من الرِّجَال خَاصَّة مَا بَين الثَّلَاثَة إِلَى الْعشْرَة وَلَا وَاحِد لَهُ من لَفظه. قَوْله: (مَعَه الْعشْرَة) بِفَتْح الشين اسْم الْعدَد الْمعِين وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي: الْعَشِيرَة، بِكَسْر الشين وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف، وَهِي الْقَبِيلَة. قَوْله: (فَإِذا سَواد كثير) السوَاد بِلَفْظ. ضد الْبيَاض هُوَ الشَّخْص الَّذِي يُرى من بعيد وَوَصفه بِالْكَثْرَةِ إِشَارَة إِلَى أَن المُرَاد بِلَفْظِهِ الْجِنْس. قَوْله: (فَإِذا سَواد كثير) كلمة: إِذا، للمفاجأة، وَفِي رِوَايَة سعيد بن مَنْصُور: عَظِيم، مَوضِع: كثير. قَوْله: (قدامهم) فِي رِوَايَة سعيد بن مَنْصُور، وَمَعَهُمْ، بدل: قدامهم، وَفِي رِوَايَة حُصَيْن بن نمير وَمَعَ هَؤُلَاءِ. قَوْله: (وَلم؟) يكسر اللَّام وَفتح الْمِيم وَيجوز تسكينها يستفهم بهَا عَن السَّبَب. قَوْله: (لَا يَكْتَوُونَ) قَالَ الْكرْمَانِي: أَي عِنْد غير الضَّرُورَة والاعتقاد بِأَن الشِّفَاء من الكي.
قلت: فِيهِ تَأمل. قَوْله: (ول(23/116)
ايسترقون) أَي: بالأمور الَّتِي هِيَ غير الْقُرْآن كعزائم أهل الْجَاهِلِيَّة. قَوْله: (وَلَا يَتَطَيَّرُونَ) أَي: لَا يتشاءمون بالطيور وَأَنَّهُمْ الَّذين يتركون أَعمال الْجَاهِلِيَّة وعقائدهم، قيل: هم أَكثر من هَذَا الْعدَد، وَأجِيب: الله أعلم بذلك مَعَ احْتِمَال أَن يُرَاد بالسبعين الْكثير، وَقَالَ بَعضهم: إِن الْعدَد الْمَذْكُور على ظَاهره. وقوّي كَلَامه بِأَحَادِيث مِنْهَا: مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث أبي أُمَامَة رَفعه: وَعَدَني رَبِّي أَن يدْخل الْجنَّة من أمتِي سبعين ألفا لَا حِسَاب عَلَيْهِم وَلَا عَذَاب، وَثَلَاث حثيات من حثيات رَبِّي.
قلت: احْتِمَال الزِّيَادَة فِي السّبْعين بَاقٍ، لِأَن المُرَاد مِنْهُ لَيْسَ خُصُوص الْعدَد، والحثيات كِنَايَة عَن الْمُبَالغَة فِي الْكَثْرَة. قَالَه ابْن الْأَثِير: قَوْله: (رجل آخر) قيل: هُوَ سعد بن عبَادَة الْأنْصَارِيّ سيد الْخَزْرَج.
قلت: أخرجه الْخَطِيب فِي (المبهمات) : من طَرِيق أبي حُذَيْفَة إِسْحَاق بن بشر أحد الضُّعَفَاء، وَقيل: يستبعد هَذَا السُّؤَال من سعد بن عبَادَة فَلَعَلَّ هَذَا سعد بن عمَارَة الْأنْصَارِيّ وصحفه النَّاقِل. قَوْله: (سَبَقَك بهَا عكاشة) اخْتلفُوا فِي الْحِكْمَة فِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِهَذَا القَوْل، فَقَالَ الْفراء: كَانَ الآخر منافقاً، ورد هَذَا بِأَن الأَصْل فِي الصَّحَابَة عدم النِّفَاق، وَقيل: إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، علم بِالْوَحْي أَنه يُجَاب فِي عكاشة وَلم يَقع ذَلِك فِي حق الآخر، وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: يظْهر لي الأول سَأَلَ عَن صدق قلب فَأُجِيب، وَأما الثَّانِي فَيحْتَمل أَن يكون أَرَادَ حسم الْمَادَّة، فَلَو قَالَ للثَّانِي: نعم، فَلَا شكّ أَن يقوم ثَالِث ورابع إِلَى مَا لَا نِهَايَة لَهُ، وَلَيْسَ كل النَّاس يصلح لذَلِك، وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: لم يكن عِنْد الثَّانِي من تِلْكَ الْأَحْوَال مَا كَانَ عِنْد عكاشة، فَلذَلِك لم يجب. وَقَالَ السُّهيْلي: الَّذِي عِنْدِي فِي هَذَا أَنَّهَا كَانَت سَاعَة إِجَابَة علمهَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَاتفقَ أَن الرجل قَالَ بَعْدَمَا انْقَضتْ، وَالله أعلم.
2456 - حدّثنا مُعاذُ بنُ أسَدٍ أخبرنَا عبدُ الله أخبرنَا يُونُسُ عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حدّثني سَعيدُ بنُ المُسَيَّب أنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ حدَّثهُ قَالَ: سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: (يَدْخُلُ الجَنَّة مِنْ أُمَّتى زُمْرَةٌ هُمْ سَبْعُونَ ألْفاً تُضِيءُ وُجُوهُهُمْ إضاءَةَ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ) .
وَقَالَ أبُو هُرَيْرَةَ: فقامَ عُكَّاشَةُ بنُ مِحْصَنِ الأسَدِيُّ، يَرْفَعُ نَمِرَةً عليْهِ، فَقَالَ: يَا رسولَ الله {ادْعُ الله أنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ. قَالَ: (اللَّهُمَّ اجْعلْهُ مِنْهُمْ) ثُمَّ قامَ رجُلٌ مِنَ الأنْصارِ، فَقَالَ: يَا رَسولَ الله} ادْعُ الله أنْ يَجْعَلني عَنْهمْ. فَقَالَ: (سَبَقَكَ بهَا عُكَاشَةُ) . (انْظُر الحَدِيث 1185) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. ومعاذ بِضَم الْمِيم ابْن أَسد أَبُو عبد الله الْمروزِي نزل الْبَصْرَة، وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك الْمروزِي، وَيُونُس هُوَ ابْن يزِيد.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْإِيمَان عَن حَرْمَلَة عَن يحيى.
قَوْله: (نمرة) هِيَ كسَاء فِيهِ خطوط بيض وسود كَأَنَّهَا أخذت من جلد النمر.
3456 - حدّثنا سَعيدُ بنُ أبي مَرْيَمَ حدّثنا أبُو غَسَّانَ قَالَ: حدّثني أبُو حازِمٍ عنْ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لِيَدْخُلَنَّ الجَنَةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ ألْفاً) أَو سَبْعُمائَةِ ألْفٍ شَكَّ فِي أحَدِهِما (مِتَماسِكِينَ آخِذٌ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ حتَّى يَدْخُلَ أوَّلُهُمْ وآخرُهُمُ الجَنَّةَ وَوُجُوهُمْ عَلى ضوْءٍ القمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ) . (انْظُر الحَدِيث 7423 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأَبُو غَسَّان بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَتَشْديد السِّين مُحَمَّد بن مطرف، وَأَبُو حَازِم سَلمَة بن دِينَار.
والْحَدِيث مضى فِي: بَاب مَا جَاءَ فِي صفة الْجنَّة.
قَوْله: (شكّ فِي أَحدهمَا) وَفِي رِوَايَة مُسلم من طَرِيق عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد عَن أبي حَازِم: لَا يدْرِي أَبُو حَازِم أَيهمَا قَالَ. قَوْله: (متماسكين) نصب على الْحَال، وَفِي رِوَايَة مُسلم: متماسكون، بِالرَّفْع على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف، أَي: هم متماسكون. وَقَالَ النَّوَوِيّ: كَذَا فِي بعض النّسخ، وَفِي بَعْضهَا بِالنّصب فكلاهما صَحِيح. قَوْله: (آخذ بَعضهم بِبَعْض) أَي: بَعضهم آخذ بِبَعْض وآخذ بِالْمدِّ وَكسر الْخَاء وَفِي رِوَايَة مُسلم: أَخذ بَعضهم بَعْضًا. قَوْله: (حَتَّى يدْخل أَوَّلهمْ وَآخرهمْ الْجنَّة) هَذَا غَايَة للتماسك الْمَذْكُور، وَالْأَخْذ بِالْأَيْدِي وَفِي رِوَايَة فُضَيْل بن سُلَيْمَان الَّتِي مَضَت فِي: بَاب صفة الْجنَّة: لَا يدْخل أَوَّلهمْ حَتَّى يدْخل آخِرهم.(23/117)
وَمَعْنَاهُ: يدْخلُونَ صفا وَاحِدًا، فَيدْخل الْجَمِيع دفْعَة وَاحِدَة، وَإِن لم يحمل على هَذَا الْمَعْنى يلْزم الدّور، وَإِنَّمَا وَصفهم بالأولية والآخرية بِاعْتِبَار الصّفة الَّتِي جازوا فِيهَا على الصِّرَاط. وَفِيه: إِشَارَة إِلَى سَعَة الْبَاب الَّذِي يدْخلُونَ مِنْهُ الْجنَّة. وَقَالَ عِيَاض: يحْتَمل أَن يكون معنى قَوْله: متماسكين، أَنهم على صفة الْوَقار فَلَا يسابق بَعضهم بَعْضًا بل يكون دُخُولهمْ جَمِيعًا. وَقَالَ النَّوَوِيّ: مَعْنَاهُ أَنهم يدْخلُونَ معترضين صفا وَاحِدًا بَعضهم بِجنب بعض. قَوْله: (ووجوههم على ضوء الْقَمَر) الْوَاو فِيهِ للْحَال.
4456 - حدّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله حدّثنا يَعْقُوبُ بنُ إبْرَاهِيمَ حدّثنا أبي عنْ صالِحٍ حدّثنا نافِعٌ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهُمَا، عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: (إذَا دَخَلَ أهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ وأهْلُ النَّارِ النَّارَ، ثُمَّ يَقُومُ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ: يَا أهْلَ النَّارِ لَا مَوْتَ، وَيَا أهْلَ الجَنةِ لَا مَوْتَ خُلُودٌ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَن فِيهِ ذكر دُخُول الْمُؤمنِينَ الْجنَّة.
وَعلي بن عبد الله هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ، وَيَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم يروي عَن أَبِيه إِبْرَاهِيم بن سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَصَالح هُوَ ابْن كيسَان الْغِفَارِيّ بِكَسْر الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الْفَاء وبالراء.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي صفة النَّار عَن زُهَيْر بن حَرْب وَغَيره.
قَوْله: (يَا أهل النَّار) أَصله: يَا أهل النَّار، حذفت الْهمزَة تَخْفِيفًا، وَكَذَا قَوْله: (يَا أهل الْجنَّة) قَوْله: (لَا موت) مبْنى على الْفَتْح. قَوْله: (خُلُود) إِمَّا مصدر وَإِمَّا جمع خَالِد، وَالتَّقْدِير: الشَّأْن أَو هَذَا الْحَال خُلُود، أوأنتم خَالدُونَ.
5456 - حدّثنا أبُو اليَمانِ أخبرنَا شُعَيْبٌ حدّثنا أبُو الزِّنادِ عَن الأعْرَجِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (يُقالُ لأِهْلِ الجَنَّةِ: يَا أهْلَ الجَنّةِ خُلُودٌ لَا مَوْتَ، ولأِهْلِ النَّار: يَا أهْلَ النّارِ خُلُودٌ لاَ مَوْتَ) .
مُطَابقَة هَذَا للتَّرْجَمَة مثل مَا ذكرنَا فِي الحَدِيث السَّابِق. وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع، وَأَبُو الزِّنَاد عبد الله بن ذكْوَان، والأعرج عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز.
قَوْله: (يَا أهل الْجنَّة) لم يثبت فِي رِوَايَة غير الْكشميهني. قَوْله: (لَا موت) زَاد الْإِسْمَاعِيلِيّ فِي رِوَايَته: لَا موت فِيهِ.
15 - (بابُ صِفَةِ الجَنَّةِ والنّارِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان صفة الْجنَّة وَصفَة النَّار، وَقد وَقع فِي بَدْء الْخلق: بَاب مَا جَاءَ فِي صفة الْجنَّة، وَبَاب صفة النَّار.
وَقَالَ أبُو سَعِيدٍ: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (أوَّلُ طَعامٍ يأكُلُهُ أهْلُ الجَنّةِ زِيادَةُ كَبِد حُوتِ) .
أَبُو سعيد هُوَ سعد بن مَالك الْخُدْرِيّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، هَذَا الحَدِيث قد مضى مطولا عَن قريب فِي: بَاب يقبض الله الأَرْض. قَوْله: (كبد حوت) فِي رِوَايَة أبي ذَر: كبد الْحُوت.
عَدْنٌ خُلْدٌ، عَدَنْتُ بأرْضٍ أقَمْتُ، ومِنْهُ المَعدِنُ
أَشَارَ بِهِ إِلَى تَفْسِير عدن فِي قَوْله تَعَالَى: {جنَّات عدن} (التَّوْبَة: 27،) وَفسّر العدن بقوله: خلد، بِضَم الْخَاء وَقَالَ الْجَوْهَرِي: الْخلد دوَام الْبَقَاء، تَقول: خلد الرجل يخلد خلوداً، وأخلده الله إخلاداً، وخلده تخليداً. قَوْله: (عدنت بِأَرْض) : اقمت بِهِ أَشَارَ بِهِ إِلَى أَن معنى العدن الْإِقَامَة، يُقَال: عدن بِالْبَلَدِ أَقَامَ بِهِ. قَوْله: وَمِنْه الْمَعْدن، أَي: وَمن هَذَا الْبَاب: الْمَعْدن الَّذِي يسْتَخْرج مِنْهُ جَوَاهِر الأَرْض كالذهب وَالْفِضَّة والنحاس وَالْحَدِيد وَغير ذَلِك.
فِي مَعْدِنِ صِدْقٍ: فِي مَنْبِتِ صِدْقِ(23/118)
أَشَارَ بِهِ إِلَى تَفْسِير مَعْدن صدق فِي كَلَام النَّاس. بقوله: منبت صدق وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: (فِي مقْعد صدق) كَمَا فِي الْقُرْآن {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِى جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ فِي مقْعد صدق} (الْقَمَر: 45 55) وَهُوَ الصَّوَاب. قَوْله: {فِي جنَّات} أَي: فِي بساتين قَوْله {ونهر} أَي: وأنهار، وَإِنَّمَا وَحده لأجل رُؤُوس الْآي، وَقَالَ الضَّحَّاك: أَي فِي ضِيَاء وسعة، وَمِنْه النَّهَار. وَقَالَ الثَّعْلَبِيّ: معنى {مقْعد صدق} مجْلِس حق لَا لَغْو فِيهِ وَلَا تأثيم وَهُوَ الْجنَّة.
6456 - حدّثنا عُثْمانُ بنُ الهَيْثَمِ حَدثنَا عَوْفٌ عنْ أبي رجاءٍ عنْ عِمْرَانَ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: قَوْله: (اطَّلَعْتُ فِي الجَنَةِ فَرَأيْتُ أكْثَرَ أهْلها الفُقَرَاءِ، واطَلَعْتُ فِي النّارِ فَرَأيْت أكْثَرَ أهْلها النِّساء) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن كَون أَكثر أهل الْجنَّة الْفُقَرَاء. وَكَون أَكثر أهل النَّار النِّسَاء، وصف من أَوْصَاف الْجنَّة وَوصف من أَوْصَاف النَّار.
وَعُثْمَان بن الْهَيْثَم بِفَتْح الْهَاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح الثَّاء الْمُثَلَّثَة ابْن الجهم أَبُو عمر الْمُؤَذّن، وعَوْف هُوَ الْمَشْهُور بالأعرابي، وَأَبُو رَجَاء بِالْجِيم عمرَان العطاردي وَشَيْخه هُوَ عمرَان بن حُصَيْن الصَّحَابِيّ. وَالرِّجَال كلهم بصريون.
والْحَدِيث مضى فِي صفة الْجنَّة فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن أبي الْوَلِيد عَن سُلَيْمَان بن بِلَال عَن أبي رَجَاء عَن عمرَان بن حُصَيْن ... إِلَى آخِره، وَفِي النِّكَاح عَن عُثْمَان بن الْهَيْثَم عَن عَوْف ... إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (إطلعت) بِالتَّشْدِيدِ أَي: أشرفت وَنظرت.
7456 - حدّثنا مُسَدَّدٌ حَدثنَا إسْماعيلُ أخبرنَا سُلَيْمانُ التَّيْمِيُّ عنْ أبي عُثْمانَ عنْ أُسامَةَ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (قُمْتُ عَلى بابِ الجَنَّةِ فكانَ عامَّةُ مَنْ دخلَها المَساكينَ وأصْحابُ الجَدِّ مَحْبُوسُونَ، غَيْرَ أنَّ أصْحابَ النّارِ قَدْ أُمِرَ بِهِمْ إِلَى النَّارِ، وقُمْتُ عَلى بابِ النّارِ فإذَا عامّةُ مَنْ دَخَلَها النِّساءُ) . (انْظُر الحَدِيث 6915) .
الْمُطَابقَة فِيهِ مثل مَا ذكرنَا فِي الحَدِيث السَّابِق. وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن علية، وَسليمَان التَّيْمِيّ، وَأَبُو عُثْمَان هُوَ عبد الرَّحْمَن بن مل، وَأُسَامَة هُوَ ابْن زيد بن حَارِثَة الصَّحَابِيّ ابْن الصَّحَابِيّ.
قَوْله: (عَامَّة من دَخلهَا الْمَسَاكِين) وَفِي الحَدِيث السَّابِق: الْفُقَرَاء، فَفِيهِ إِشْعَار بِأَنَّهُ يُطلق أَحدهمَا على الآخر، قَالَه الْكرْمَانِي.
قلت: قد مر الْكَلَام فِيهِ فِي كتاب الزَّكَاة. قَوْله: (وَأَصْحَاب الْجد) بِفَتْح الْجِيم أَي الْغنى، قَوْله: (محبوسون) يَعْنِي لِلْحسابِ، وَهَذَا الحَدِيث وَالَّذِي قبله لم يذكرَا فِي كثير من النّسخ، وَمَا ثبتا إلاَّ فِي رِوَايَة أبي ذَر عَن شُيُوخه الثَّلَاثَة.
8456 - حدّثنا مُعاذُ بنُ أسَدٍ أخبرنَا عَبْدُ الله أخبرنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ زَيْدٍ عنْ أبِيهِ أنّهُ حدَّثَهُ عنِ ابنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إذَا صارَ أهْلُ الجَنّةِ إِلَى الجَنَةِ وأهْلُ النّارِ إِلَى النّارِ جِيءَ بالمَوْتِ حتَّى يُجْعلَ بَيْنَ الجنَّةِ والنّارِ، ثُمَّ يُذْبَحُ ثُمَّ يُنادِي مُنادٍ: يَا أهْلَ الجَنَّةِ لَا مَوْتَ، يَا أهْلَ النارِ لَا مَوْتَ، فَيَزْدَادُ أهْلُ الجَنّةِ فَرَحاً إِلَى فَرَحِهِمْ ويَزْدَادُ أهْلُ النّارِ حُزْنَا إِلَى حُزْنِهِمْ) . (انْظُر الحَدِيث 4456) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن ازدياد أهل الْجنَّة فَرحا، وازدياد أهل النَّار حزنا، وصف من أوصافهما من حَيْثُ أَنَّهُمَا حاصلان فيهمَا. وَهُوَ وصف الْمحل وَإِرَادَة وصف الْحَال.
ومعاذ بن أَسد أَبُو عبد الله الْمروزِي نزل الْبَصْرَة، وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك الْمروزِي، وَعمر بن مُحَمَّد يروي عَن أَبِيه مُحَمَّد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي صفة أهل الْجنَّة وَالنَّار عَن هَارُون بن سعيد وَغَيره.
قَوْله: (حَتَّى يُجعل بَين الْجنَّة وَالنَّار) فِي حَدِيث التِّرْمِذِيّ عَن أبي هُرَيْرَة: فَيُوقف على السُّور الَّذِي بَين الْجنَّة وَالنَّار. قَوْله: (ثمَّ يذبح) قيل: الْمَوْت عرض كَيفَ يَصح عَلَيْهِ الْمَجِيء وَالذّبْح؟ وَأجِيب: بِأَن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يجسده ويجسمه، أَو هُوَ على سَبِيل التَّمْثِيل للإشعار بالخلود، وَنقل الْقُرْطُبِيّ عَن بعض الصُّوفِيَّة: أَن الَّذِي يذبحه يحيى بن زَكَرِيَّا عَلَيْهِمَا السَّلَام، بِحَضْرَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِشَارَة إِلَى دوَام الْحَيَاة، وَقيل: يذبحه جِبْرِيل على بَاب الْجنَّة.(23/119)
9456 - حدّثنا مُعاذُ بنُ أسَدٍ أخبرنَا عَبْدُ الله أخبرنَا مالِكُ بنُ أنَسٍ عنْ زَيْدٍ بن أسْلَمَ عنْ عَطاءٍ بنِ يَسارٍ عنْ أبي سَعيدٍ الخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إنَّ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ لأهْلِ الجَنّةِ: يَا أهْلَ الجَنَةِ {يَقُولُونَ: لَبَيْكَ ربَّنا وسَعْدَيْكَ. فَيَقُولُ: هَلْ رَضِيتُمُ؟ فَيَقُولُونَ: وَمَا لَنَا لَا نَرْضَى وقَدْ أعْطَيْتَنا مَا لَمْ تُعْطِ أحَداً مِنْ خَلْقِكَ؟ فَيَقُولُ: أَنا أُعْطِيكُمْ أفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ. قَالُوا: يَا ربِّ وأيُّ شيْءٍ أفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ؟ فَيَقُولُ: أُحِلُّ عَلَيْكُمْ رضْوَانِي فَلاَ أسْخَطُ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أبَدَاً) .
مُطَابقَة هَذَا للتَّرْجَمَة مثل الَّذِي ذَكرْنَاهُ فِيمَا قبل. والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي التَّوْحِيد عَن يحيى بن سُلَيْمَان. وَأخرجه مُسلم فِي صفة الْجنَّة عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن وَغَيره. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن سُوَيْد بن نصر. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي النعوت عَن عَمْرو بن يحيى بن الْحَارِث.
قَوْله: (أحل) من الْإِحْلَال بِمَعْنى الْإِنْزَال، أَو بِمَعْنى الْإِيجَاب، يُقَال: أحله الله عَلَيْهِ أَي: أوجبه، وَحل أَمر الله عَلَيْهِ أَي: وَجب.
0556 - حدّثني عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ حَدثنَا مُعاوِيَةُ بنُ عَمْرٍ وَحدثنَا أَبُو إسْحاقَ عنْ حُمَيْدٍ قالَ: سَمِعْتُ أنَساً يَقُولُ: أُصيبَ حارِثَةُ يَوْمَ بَدْرٍ وهْوَ غُلاَمٌ فَجاءَتْ أُمُّهُ إِلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقالَتْ: يَا رسولَ الله} قَدْ عَرَفْتَ مَنْزِلَةَ حارِثَةَ مِنِّي {فإنْ يَكُ فِي الجَنّةِ أصْبِرْ وأحْتَسِبْ، وإنْ تَكُنِ الأُخْرَى تَرَى مَا أصْنَعُ. فَقَالَ: (ويْحَك} أوَ هَبِلْتِ؟ أوَ جَنّةٌ واحدَةٌ هِيَ؟ إنّها جنانٌ كَثِيرَةٌ، وإنّهُ لَفِي جَنّةِ الفِرْدَوْسِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي آخر الحَدِيث. وَمُعَاوِيَة بن عَمْرو بن مهلب الْأَزْدِيّ الْبَغْدَادِيّ، وَأَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد الْفَزارِيّ، وَحميد بن أبي حميد الطَّوِيل.
والْحَدِيث مضى فِي الْمَغَازِي فِي: بَاب فضل من شهد بَدْرًا بِعَين هَذَا الْإِسْنَاد والمتن.
وحارثة هُوَ ابْن سراقَة بن الْحَارِث الْأنْصَارِيّ لَهُ ولأبويه صُحْبَة، وَأمه هِيَ الرّبيع بِالتَّشْدِيدِ بنت النَّضر عمَّة أنس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا. قَوْله: (ترى مَا أصنع؟) بإشباع الرَّاء فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: تَرَ مَا أصنع، بِالْجَزْمِ جَوَاب الشَّرْط يَعْنِي: وَإِن لم يكن فِي الْجنَّة صنعت شَيْئا من صنع أهل الْحزن مَشْهُورا يره كل أحد. قَوْله: (وَيحك) كلمة ترحم وَتعطف قَوْله: (أَو هبلت) الْهمزَة فِيهِ للاستفهام وَالْوَاو للْعَطْف على مُقَدّر بعد الْهمزَة، وهبلت على صِيغَة الْمَجْهُول والمعلوم من هبلته أمه إِذا ثكلته. قَوْله: (أَو جنَّة وَاحِدَة؟) الْكَلَام فِيهِ كَالْكَلَامِ فِي أَو هبلت؟ قَوْله: (وَإِنَّهَا) أَي: الْجنَّة جنان يَعْنِي أَنْوَاع الْبَسَاتِين. قَوْله: (لفي جنَّة الفردوس) بِاللَّامِ فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني بِدُونِ اللَّام، وَقَالَ الزّجاج: الفردوس من الأودية مَا ينْبت ضروباً من النَّبَات، وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي وَغَيره: بُسْتَان فِيهِ كروم وَغَيرهَا، وَيذكر وَيُؤَنث، وَقَالَ الْفراء: هُوَ عَرَبِيّ مُشْتَقّ من الفردسة، وَهِي السعَة، وَقيل: رومي نقلته الْعَرَب، وَقيل: سرياني وَالْمرَاد بِهِ هُنَا هُوَ مَكَان من الْجنَّة هُوَ أفضلهَا.
1556 - حدّثنا مُعاذُ بنُ أسَدٍ أخبرنَا الفَضْلُ بنُ مُوسَى أخبرنَا الفُضَيْلُ عنْ أبي حازِمٍ عنْ أبي هُرَيْرَةَ عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (مَا بَيْنَ مَنْكِبَي الكافِرِ مَسِيرَةُ ثَلاَثَةِ أيَّامٍ لِلرَّاكِبِ المُسْرِعِ) .
مطابقته للجزء الثَّانِي من التَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن كَون مَنْكِبي الْكَافِر هَذَا الْمِقْدَار فِي النَّار نوع وصف من أوصافها بِاعْتِبَار ذكر الْمحل وَإِرَادَة الْحَال.
وَالْفضل بن مُوسَى هُوَ السينَانِي بِكَسْر السِّين الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَتَخْفِيف النُّون الأولى وَكسر الثَّانِيَة، وسينان قَرْيَة من قرى مرو، والفضيل مصغر فضل كَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين غير مَنْسُوب، وَنسبه ابْن السكن فِي رِوَايَته فَقَالَ: الْفضل بن غَزوَان وَهُوَ الْمُعْتَمد، وَنسبه أَبُو الْحسن الْقَابِسِيّ فِي رِوَايَته عَن أبي زيد الْمروزِي فَقَالَ: الفضيل بن عِيَاض، ورده أَبُو عَليّ الجياني فَقَالَ: لَا رِوَايَة للفضيل بن عِيَاض فِي البُخَارِيّ إِلَّا فِي موضِعين من كتاب(23/120)
التَّوْحِيد، وَلَا رِوَايَة لَهُ عَن أبي حَازِم رَاوِي هَذَا الحَدِيث وَلَا أدْركهُ، وَأَبُو حَازِم سلمَان الْأَشْجَعِيّ.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي صفة النَّار عَن أبي كريب وَغَيره.
قَوْله: (مَنْكِبي الْكَافِر) تَثْنِيَة منْكب بِكَسْر الْكَاف وَهُوَ مُجْتَمع الْعَضُد والكتف، وَفِي رِوَايَة يُوسُف بن عيسيى عَن الْفضل مُوسَى شيخ البُخَارِيّ بِسَنَدِهِ؛ خَمْسَة أَيَّام، وروى أَحْمد من رِوَايَة مُجَاهِد عَن ابْن عمر مَرْفُوعا: يعظم أهل النَّار فِي النَّار حَتَّى إِن بَين شحمة أذن أحدهم إِلَى عَاتِقه مسيرَة سَبْعمِائة عَام، وروى الْبَيْهَقِيّ فِي (الْبَعْث) : من وَجه آخر: عَن مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس: مسيرَة سبعين خَرِيفًا، وروى ابْن الْمُبَارك فِي (الزّهْد) : عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: ضرس الْكَافِر يَوْم الْقِيَامَة أعظم من أحد، يعظمون لتمتلىء مِنْهُم وليذيقوا الْعَذَاب، وَلم يُصَرح بِرَفْعِهِ لكنه فِي حكم الْمَرْفُوع لِأَنَّهُ لَا مجَال فِيهِ للرأي، وَفِي مُسلم: عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: غلظ جلده مسيرَة ثَلَاثَة أَيَّام، وَأخرجه الْبَزَّار عَن أبي هُرَيْرَة بِسَنَد صَحِيح بِلَفْظ: جلد الْكَافِر وكثافة جلده اثْنَان وَأَرْبَعُونَ ذِرَاعا بِذِرَاع الْجَبَّار. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: أَرَادَ بِلَفْظ الْجَبَّار التهويل، قَالَ: وَيحْتَمل أَن يُرِيد جباراً من الْجَبَابِرَة، إِشَارَة إِلَى عظم الذِّرَاع، وَقَالَ ابْن حبَان لما أخرجه فِي (صَحِيحه) : بِأَن الْجَبَّار ملك كَانَ بِالْيمن، وروى الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق عَطاء بن يسَار عَن أبي هُرَيْرَة: وَفَخذه مثل ورقان ومقعده مثل مَا بَين الْمَدِينَة والربذة، وَأخرجه التِّرْمِذِيّ وَلَفظه: بَين مَكَّة وَالْمَدينَة وورقان بِفَتْح الْوَاو وَسُكُون الرَّاء وبالقاف وَالنُّون جبل مَعْرُوف بالحجاز، وَاخْتِلَاف هَذِه الْمَقَادِير مخمول على اخْتِلَاف تَعْذِيب الْكفَّار فِي النَّار. فَإِن قلت: ورد حَدِيث أخرجه التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ بِسَنَد جيد: عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده: إِن المتكبرين يحشرون يَوْم الْقِيَامَة أَمْثَال الذَّر فِي صور الرِّجَال يساقون إِلَى سجن فِي جَهَنَّم يُقَال لَهُ: بولس.
قلت: هَذَا فِي أول الْأَمر عِنْد الْحَشْر، وَالْأَحَادِيث الْمَذْكُورَة مَحْمُولَة على مَا بعد الِاسْتِقْرَار فِي النَّار.
2556 - وَقَالَ إسْحاقُ بنُ إبْرَاهِيمَ: أخبرنَا المُغِيرَةُ بنُ سَلَمَة حدَّثنا وُهَيْبٌ عنْ أبي حازِمٍ عنْ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ عنْ رسُولِ الله قَالَ: (إنَّ فِي الجَنَّةِ لَشَجَرَة يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّها مائَةَ عامٍ لَا يَقْطَعُها) .
3556 - قَالَ أبُو حازِمٍ: فَحَدَّثْتُ بِهِ النُّعْمانَ بنَ أبي عَيَّاش فَقَالَ: حدّثني أَبُو سَعِيدٍ عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (إنَّ فِي الجَنَةِ لَشَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ الجَوَادَ المُضَمَّرَ السَّرِيعَ مائَةَ عامٍ مَا يَقْطَعُها) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الْمَعْرُوف بِابْن رَاهَوَيْه، والمغيرة بن سَلمَة بِفتْحَتَيْنِ المَخْزُومِي الْبَصْرِيّ، ووهيب مصغر وهب بن خَالِد الْبَصْرِيّ، وَأَبُو حَازِم سَلمَة بن دِينَار وَسَهل بن سعد بن ملك الْأنْصَارِيّ.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم أَيْضا وَلكنه قَالَ: حَدثنَا إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم: وَأخرجه البُخَارِيّ مُعَلّقا.
قَوْله: (لشَجَرَة) اللَّام فِيهِ للتَّأْكِيد. قَوْله: (لَا يقطعهَا) يَعْنِي: لَا يبلغ إِلَى مُنْتَهى أَغْصَانهَا.
قَوْله: (قَالَ أَبُو حَازِم) مَوْصُول بالسند الْمَذْكُور، والنعمان بن أبي عَيَّاش بِالْيَاءِ آخر الْحُرُوف الْمُشَدّدَة وبالشين الْمُعْجَمَة الزرقي التَّابِعِيّ الْمدنِي الثِّقَة، وَاسم أبي النُّعْمَان: زيد بن الصَّامِت، قتل بِأَرْض حمص سنة أَربع وَسِتِّينَ وَكَانَ عَاملا لِابْنِ الزبير عَلَيْهَا. قَوْله: (حَدثنِي أَبُو سعيد) كَذَا فِي رِوَايَة مُسلم: حَدثنِي، ويروى هُنَا: أَخْبرنِي، أَيْضا وَأَبُو سعيد هُوَ الْخُدْرِيّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
قَوْله: (الْجواد) بِفَتْح الْجِيم وَتَخْفِيف الْوَاو وَهُوَ الْفرس، الْبَين الْجَوْدَة، وَيُقَال: الْجواد للذّكر وَالْأُنْثَى من خيل جِيَاد وأجواد وأجاويد، وَقَالَ ابْن فَارس: الْجواد الْفرس السَّرِيع. قَوْله: (الْمُضمر) بِفَتْح الضَّاد الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْمِيم من قَوْلهم: ضمر الْخَيل تضميراً إِذا عَلفهَا الْقُوت بعد السّمن، وَكَذَلِكَ أضمرها، قَالَه الْكرْمَانِي. وَقَالَ ابْن فَارس: الْمُضمر من الْخَيل أَن يعلف حَتَّى يسمن ثمَّ يردهُ إِلَى الْقُوت وَذَلِكَ فِي أَرْبَعِينَ لَيْلَة، وهذ الْمدَّة تسمى: الْمِضْمَار، وَقَالَ الدَّاودِيّ: الْمُضمر هُوَ الَّذِي يدْخل فِي بَيت وَيجْعَل عَلَيْهِ جله ويقل: علفه لينقص من لَحْمه شَيْئا فَيَزْدَاد جريه ويؤمن عَلَيْهِ أَن يُسبق. قَالَ: وَكَانَ للخيل المضمرة على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَبْعَة أَمْيَال فِي السَّبق، وَمَا لم يضمر ميل.
4556 - حدّثنا قُتَيْبَةُ حَدثنَا عبْدُ العَزِيزِ عنْ أبي حازِمٍ عنْ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم(23/121)
قَالَ: (ليَدْخُلَنَّ الجنةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ ألْفاً) أوْ سَبْعُمائَةٍ ألْفٍ، لَا يَدْرِي أبُو حازِمٍ أيُّهُما قَالَ (مُتَماسِكونَ آخِذٌ بَعْضُهُمْ بَعْضاً لَا يَدْخُلُ أوَّلُهُمْ حتَّى يَدْخُلَ آخِرُهُمْ وُجُوهُهُمْ على صُورَةِ القَمَرِ لَيْلَةَ البدْرِ) . (انْظُر الحَدِيث 7423 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة مثل مَا ذكرنَا فِي بعض الْأَحَادِيث الْمَاضِيَة وَعبد الْعَزِيز هُوَ ابْن أبي حَازِم سَلمَة بن دِينَار.
والْحَدِيث مضى فِي الْبَاب الَّذِي قبله فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن سعيد بن أبي مَرْيَم عَن أبي غَسَّان عَن أبي حَازِم عَن سهل بن سعد، وَمضى الْكَلَام فِيهِ مَبْسُوطا.
قَالَ الْكرْمَانِي: قَوْله: (لَا يدْخل) فَإِن قلت: كَيفَ يتَصَوَّر هَذَا وَهُوَ مُسْتَلْزم الدّور؟ لِأَن دُخُول الأول مَوْقُوف على دُخُول الآخر وَبِالْعَكْسِ؟ .
قلت: يدْخلُونَ مَعًا صفا وَاحِدًا، وَهُوَ أَيْضا دور معية وَلَا مَحْذُور فِيهِ. فَإِن قلت: فِي بعض الرِّوَايَة: يدْخل، بِدُونِ كلمة: لَا.
قلت: لَا هُوَ مُقَدّر يدل عَلَيْهِ الْمَعْنى أَو حَتَّى بِمَعْنى مَعَ أَو عَن أَو مَعْنَاهُ: اسْتِمْرَار دُخُول أَوَّلهمْ إِلَى دُخُول من هُوَ آخر الْكل.
5556 - حدّثنا عَبْدُ الله بنُ مَسْلَمَة حَدثنَا عبْدُ العَزِيزِ عنْ أبِيهِ عنْ سَهْلٍ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: قَوْله: (إنَّ أهْلَ الجَنَّةِ لَيَتَراءَوْنَ الغُرَفَ فِي الجَنَّةِ كَمَا تَتَراءَوْنَ الكَوْكَبَ فِي السَّماءِ) .
قَالَ أبي: فَحَدَّثْتُ بِهِ النُّعْمانَ بن أبي عَيَّاشٍ فَقَالَ: أشْهَدُ لَسَمعْتُ أَبَا سَعِيدٍ يُحَدِّثُ، ويزِيدُ فِيهِ: كَمَا تَراءَوْنَ الكَوْكَبَ الغارِبَ فِي الأفُقِ الشَّرْقِيِّ والغَرْبِيِّ. (انْظُر الحَدِيث 6523) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعبد الْعَزِيز يروي عَن أَبِيه أبي حَازِم سَلمَة بن دِينَار عَن سهل بن سعد رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
قَوْله: (ليتراءون) أَي: ينظرُونَ وَاللَّام فِيهِ للتَّأْكِيد. قَوْله: (الغرف) بِضَم الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَفتح الرَّاء جمع غرفَة. قَوْله: (الْكَوْكَب) فِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: الْكَوْكَب الدُّرِّي.
قَوْله: (قَالَ) أَي: قَالَ عبد الْعَزِيز: قَالَ: (أبي) هُوَ أَبُو حَازِم. قَوْله: (أشهد لسمعت) اللَّام جَوَاب قسم مَحْذُوف. قَوْله: (أَبَا سعيد) هُوَ الْخُدْرِيّ. قَوْله: (فِيهِ) أَي: فِي الحَدِيث. قَوْله: (الغارب) فِي رِوَايَة الْكشميهني: الغابر، بِتَقْدِيم الْبَاء الْمُوَحدَة على الرَّاء، والغابر الذَّاهِب وَضَبطه بِالْيَاءِ آخر الْحُرُوف مَهْمُوزَة قبل الرَّاء، وَقَالَ الْكرْمَانِي: الْكَوْكَب فِي الشرق لَيْسَ بغالب فَمَا وَجهه؟ .
قلت: يُرَاد بِهِ لَازمه هُوَ الْبعد وَنَحْوه، وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: شبه رُؤْيَة الرَّائِي فِي الْجنَّة صَاحب الغرفة بِرُؤْيَة الرَّائِي الْكَوْكَب المضيء الْبَاقِي فِي جَانب الشرق والغرب فِي الاستضاءة مَعَ الْبعد.
7556 - حدّثني مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ حدّثنا غُنْدَرٌ حدّثنا شُعْبَةُ عنْ أبي عِمْرانَ قَالَ: سَمِعْتُ أنَسَ ابنَ مالِكٍ رَضِي الله عَنهُ، عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: قَوْله: (يَقُولُ الله تَعَالَى لأِهْوَنِ أهْلِ النَّارِ عَذاباً يَوْمَ القِيامَةِ: لَوْ أنَّ لَكَ مَا فِي الأرْضِ مِنْ شيءٍ أكُنْتَ تَفْتَدِي بِهِ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، فَيَقُولُ: أرَدْتُ مِنْكَ أهْوَنَ مِنْ هاذَا وأنْتَ فِي صُلْبِ آدَمَ، أنْ لَا تُشْرِكَ بِي شَيْئاً، فأبَيْتَ إلاّ أنْ تُشْرِكَ بِي) . (انْظُر الحَدِيث 4333 وطرفه) .
مطابقته للجزء الثَّانِي من التَّرْجَمَة من حَيْثُ أَن فِيهِ نوع صفة للنار بِاعْتِبَار وصف أَهلهَا من قبيل ذكر الْمحل وَإِرَادَة الْحَال.
وغندر مُحَمَّد بن جَعْفَر، وَأَبُو عمرَان هُوَ عبد الْملك بن حبيب الْجونِي بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الْوَاو وبالنون الْبَصْرِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي خلق آدم عَلَيْهِ السَّلَام. وَأخرجه مُسلم فِي التَّوْبَة عَن عبيد الله بن معَاذ.
قَوْله: (لأهون) ، اللَّام فِيهِ مَكْسُورَة لَام الْجَرّ، وأهون أَي: أسلم والهمزة فِي: (أَكنت؟) للاستفهام على سَبِيل الاستخبار، وَالْوَاو فِي: (وَأَنت) للْحَال قَوْله: (أَن لَا تشرك بِي شَيْئا) بِفَتْح الْهمزَة بدل من قَوْله: أَهْون من هَذَا، قَوْله: (فأبيت) من الإباء أَي: امْتنعت.
142 - (حَدثنَا أَبُو النُّعْمَان حَدثنَا حَمَّاد عَن عَمْرو عَن جَابر رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ يخرج من النَّار بالشفاعة كَأَنَّهُمْ الثعارير قلت وَمَا الثعارير قَالَ الضغابيس وَكَانَ قد سقط فَمه فَقلت لعَمْرو بن دِينَار أَبَا مُحَمَّد سَمِعت جَابر بن عبد الله يَقُول سَمِعت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول(23/122)
يخرج بالشفاعة من النَّار قَالَ نعم) مطابقته للتَّرْجَمَة مثل مَا ذكرنَا الْآن بِاعْتِبَار ذكر الْمحل وَإِرَادَة الْحَال وَأَبُو النُّعْمَان مُحَمَّد بن الْفضل وَحَمَّاد هُوَ ابْن زيد وَعَمْرو هُوَ ابْن دِينَار وَجَابِر هُوَ ابْن عبد الله وَأخرجه مُسلم فِي الْإِيمَان عَن أبي الرّبيع قَوْله يخرج من النَّار كَذَا هُوَ بِحَذْف الْفَاعِل فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين وَفِي رِوَايَة أبي ذَر عَن السَّرخسِيّ عَن الْفربرِي يخرج قوم وَلَفظ مُسلم أَن الله يخرج قوما من النَّار بالشفاعة قَوْله كَأَنَّهُمْ الثعارير بِفَتْح الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَالْعين الْمُهْملَة وَكسر الرَّاء جمع ثعرور على وزن عُصْفُور وَقَالَ ابْن الْأَعرَابِي هُوَ قثاء صغَار وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة مثله وَزَاد وَيُقَال بالشين الْمُعْجَمَة بدل الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَكَانَ هَذَا هُوَ السَّبَب فِي قَول الرَّاوِي وَكَانَ عَمْرو ذهب فَمه أَرَادَ أَنه سَقَطت أَسْنَانه فينطق بالثاء الْمُثَلَّثَة وَهِي بالشين الْمُعْجَمَة وَقيل الثعرور ينْبت فِي أصُول الثمام كالقطن ينْبت فِي الرمل ينبسط عَلَيْهِ وَلَا يطول وَقَالَ الْكرْمَانِي هُوَ القثاء الصَّغِير ونبات كالهليون وَقيل هُوَ الأقط الرطب وَأغْرب الْقَابِسِيّ فَقَالَ هُوَ الصدف الَّذِي يخرج من الْبَحْر فِيهِ الْجَوْهَر وَكَأَنَّهُ أَخذه من قَوْله فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى كَأَنَّهُمْ اللُّؤْلُؤ وَلَيْسَ بِشَيْء قَوْله قلت وَمَا الثعارير الْقَائِل هُوَ حَمَّاد وَفِي رِوَايَة الْكشميهني مَا الثعارير بِدُونِ الْوَاو وَفِي أَوله قَوْله قَالَ الضغابيس أَي قَالَ عَمْرو بن دِينَار الثعارير الضغابيس جمع ضغبوس بِضَم الضَّاد وَسُكُون الْغَيْن المعجمتين وَضم الْبَاء الْمُوَحدَة وَفِي آخِره سين مُهْملَة وَقَالَ الْأَصْمَعِي هُوَ نبت فِي أصُول الثمام يشبه الهليون يسلق ثمَّ يُؤْكَل بالزيت والخل وَقيل ينْبت فِي أصُول الشّجر والأذخر يخرج قدر شبر فِي دقة الْأَصَابِع لَا ورق لَهُ وَفِيه حموضة وَفِي غَرِيب الحَدِيث للحربي الضغبوس شَجَرَة على طول الْأصْبع وَيُشبه بِهِ الرجل الضَّعِيف قلت الْغَرَض من التَّشْبِيه بَيَان حَالهم حِين خُرُوجهمْ من النَّار وَفِي الغريبين وَفِي حَدِيث وَلَا بَأْس باجتناء الضغابيس فِي الْحرم قَوْله وَكَانَ قد سقط فَمه الْقَائِل هُوَ حَمَّاد أَرَادَ بِسُقُوط فَمه ذهَاب أَسْنَانه كَمَا ذَكرْنَاهُ الْآن ويروى وَكَانَ ذهب فَمه فَلذَلِك سمي الْأَثْرَم بالثاء الْمُثَلَّثَة إِذْ الثرم سُقُوط الْأَسْنَان وانكسارها قَوْله قلت لعَمْرو بن دِينَار الْقَائِل هُوَ حَمَّاد قَوْله أَبَا مُحَمَّد أَي يَا أَبَا مُحَمَّد وَهُوَ كنية عَمْرو بن دِينَار قَوْله سَمِعت أَي أسمعت وهمزة الِاسْتِفْهَام فِيهِ مقدرَة وَفِي الحَدِيث إِثْبَات الشَّفَاعَة وَإِبْطَال مَذْهَب الْمُعْتَزلَة فِي نفي الشَّفَاعَة وَقَالَ ابْن بطال أنْكرت الْمُعْتَزلَة والخوارج الشَّفَاعَة فِي إِخْرَاج من أَدخل النَّار من المذنبين وتمسكوا بقوله تَعَالَى {فَمَا تنفعهم شَفَاعَة الشافعين} وَغير ذَلِك من الْآيَات وَأجَاب أهل السّنة بِأَنَّهَا فِي الْكفَّار وَجَاءَت الْأَحَادِيث بِإِثْبَات الشَّفَاعَة المحمدية متواترة وَدلّ عَلَيْهَا قَوْله تَعَالَى {عَسى أَن يَبْعَثك رَبك مقَاما مَحْمُودًا} وَالْجُمْهُور على أَن المُرَاد بِهِ الشَّفَاعَة وَبَالغ الواحدي فَنقل فِيهِ الْإِجْمَاع وَقَالَ الطَّبَرِيّ قَالَ أَكثر أهل التَّأْوِيل الْمقَام الْمَحْمُود هُوَ الَّذِي يقومه النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ليريحهم من كرب الْموقف وَرُوِيَ أَحَادِيث كَثِيرَة تدل على أَن الْمقَام الْمَحْمُود الشَّفَاعَة عَن ابْن عَبَّاس مَوْقُوفا وَعَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا وَعَن أبي مَسْعُود كَذَلِك وَعَن الْحسن الْبَصْرِيّ وَقَتَادَة وَقَالَ الطَّبَرِيّ أَيْضا قَالَ لَيْث عَن مُجَاهِد فِي قَوْله مقَاما مَحْمُودًا يجلسه مَعَه على عَرْشه ثمَّ أسْندهُ وَبَالغ الواحدي فِي رد هَذَا القَوْل وَنقل النقاش عَن أبي دَاوُد صَاحب السّنَن أَنه قَالَ من أنكر هَذَا فَهُوَ مُتَّهم وَقد جَاءَ عَن ابْن مَسْعُود عِنْد الثَّعْلَبِيّ وَعَن ابْن عَبَّاس عِنْد أبي الشَّيْخ عَن عبد الله بن سَلام رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَن مُحَمَّدًا يَوْم الْقِيَامَة على كرْسِي الرب بَين يَدي الرب -
9556 - حدّثنا هُدْبَةُ بنُ خالِدٍ حدّثنا هَمَّامٌ عنْ قَتادَةَ حدّثنا أنَسُ بنُ مالِكٍ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (يَخْرُجُ قَوْمٌ مِنَ النَّار بَعْدَ مَا مَسَّهُمْ مِنْها سفْعٌ فَيَدْخُلُونَ الجَنةَ فَيُسَمِّيهِمْ أهْلُ الجَنَّةِ الجَهَنَّمييِّنَ) .
مطابقته للجزء الثَّانِي من التَّرْجَمَة من حَيْثُ أَنَّهَا تتصف بِنَوْع صفة حَيْثُ يُقَال لن يخرج مِنْهَا: جهنمي، فينسب إِلَيْهَا.
وَهِشَام هُوَ الدستوَائي. والْحَدِيث يَأْتِي فِي التَّوْحِيد مطولا.
قَوْله: (سفع) بالمهملتين وَالْفَاء حرارة النَّار. قَوْله: (الجهنميين) جمع جهنمي مَنْسُوب إِلَى جَهَنَّم، وروى النَّسَائِيّ من رِوَايَة عَمْرو بن أبي عَمْرو عَن أنس فَيَقُول لَهُم أهل الْجنَّة: هَؤُلَاءِ الجهنميون، فَيَقُول الله: هَؤُلَاءِ عُتَقَاء(23/123)
الله. وَأخرجه مُسلم من حَدِيث أبي سعيد وَزَاد فِيهِ: فَيدعونَ الله فَيذْهب هَذَا الِاسْم.
0656 - حدّثنا مُوسى احدّثنا وُهَيْبٌ حدّثنا عَمْرُو بنُ يَحْيَى اعنْ أبِيهِ عنْ أبي سعيد الخُدْرِيِّ رَضِي الله عَنهُ، أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: قَوْله: (إِذا دَخَلَ أهْلُ الجَنّةِ الجَنّةَ وأهْلُ النّار النّارَ يَقُولُ الله: مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إيمانٍ فأخْرِجُوهُ، فَيَخَرُجُونَ قَدِ امْتُحِشوا وعادُوا حُمماً، فَيلْقَوْنَ فِي نَهْرِ الحياةِ فَيَنْبُتُونَ كَمَا تَنْبُتُ الحِبَّةُ فِي حمِيل السَّيْلِ. أوْ قَالَ: حَمِيئَةِ السَّيْلِ) وَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (ألَمْ تَرَوْا أنَّها تَنْبُتُ صَفْراءَ مُلْتَوِيَةَ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن النَّار قد تصيّر من دَخلهَا حمماً وتتصف النَّار بذلك.
ومُوسَى هُوَ ابْن إِسْمَاعِيل، ووهيب هُوَ ابْن خَالِد، وَعَمْرو بن يحيى يروي عَن أَبِيه يحيى بن عمَارَة بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْمِيم ابْن أبي حسن الْمَازِني عَن أبي سعيد سعد بن مَالك الْخُدْرِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْإِيمَان فِي: بَاب تفاضل أهل الْإِيمَان، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن إِسْمَاعِيل عَن مَالك عَن عَمْرو بن يحيى عَن أَبِيه عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ ... إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ، ولنذكر بعض شَيْء لبعد الْمسَافَة.
قَوْله: (قد امتحشوا) على صِيغَة الْمَجْهُول من الامتحاش وَهُوَ الاحتراق، ومادته مِيم وحاء مُهْملَة وشين مُعْجمَة. قَوْله: (حمماً) بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح الْمِيم وَهُوَ الفحم. قَوْله: (فيلقون) على صِيغَة الْمَجْهُول من الْإِلْقَاء وَهُوَ الرَّمْي. قَوْله: (الْحبَّة) بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَهُوَ بذر البقل والرياحين. قَوْله: (فِي حميل السَّيْل) وَهُوَ غثاؤه وَهُوَ محموله فميل بِمَعْنى مفعول، وَهُوَ مَا جَاءَ بِهِ من طين أَو غثاء فَإِذا كَانَ فِيهِ حَبَّة واستقرت على شط الْوَادي تنْبت فِي يَوْم وَلَيْلَة. قَوْله: (أَو قَالَ) شكّ من الرَّاوِي قَوْله: (حمئة) بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْمِيم وبكسرها وبالهمز هُوَ الطين الْأسود المنتن. وَقَالَ ابْن التِّين: وَالَّذِي روينَاهُ: حمة، بِكَسْر الْحَاء غير مَهْمُوز وَمَعْنَاهُ مثل معنى حميل، ويروى: حمية، بِفَتْح الْحَاء وَتَشْديد الْيَاء أَي: مُعظم جريه واشتداده. قَوْله: (ملتوية) من الالتواء ... وَقَالَ النَّوَوِيّ: لسرعة نباتة يكون ضَعِيفا ولضعفه يكون أصفر ملتوياً، ثمَّ بعد ذَلِك تشتد قوته.
2656 - حدّثنا عَبْدُ الله بنُ رَجاءٍ حدّثنا إسْرائِيلُ عنْ أبِي إسْحَاقَ عنْ النُّعْمانِ بنِ بَشِيرٍ(23/124)
قَالَ: سَمِعْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ: (إنَّ أهْوَنَ أهْلِ النَّارِ عذَابا يَوْمَ القِيامَةِ رَجُلٌ عَلى أخْمَصِ قَدَمَيْهِ جَمْرَتانِ يَغْلِي مِنْهُمَا دِماغُهُ كَمَا يَغْلِي المِرْجَلُ والقُمْقُمُ) . (انْظُر الحَدِيث 1656) [/ ح.
هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور أخرجه عَن عبد الله بن رَجَاء عَن إِسْرَائِيل بن يُونُس بن أبي إِسْحَاق، عَمْرو السبيعِي. وَإِسْرَائِيل هَذَا يروي عَن جده أبي إِسْحَاق، وَهَذَا السَّنَد أَعلَى من السَّنَد الأول لَكِن أَبَا إِسْحَاق عَن هُنَا وَهُنَاكَ صرح بِالسَّمَاعِ.
قَوْله: (الْمرجل) بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الرَّاء وَفتح الْجِيم قدر من نُحَاس، والقمقم بِضَم القافين الْآتِيَة من الزّجاج قَالَه الْكرْمَانِي.
قلت: فِيهِ تَأمل لِأَن الحَدِيث يدل على أَنه إِنَاء يغلي فِيهِ المَاء أَو غَيره. والإناء الزّجاج كَيفَ يغلي فِيهَا المَاء؟ وَقَالَ غَيره: هُوَ إِنَاء ضيق الرَّأْس يسخن فِيهِ المَاء يكون من نُحَاس وَغَيره، وَهُوَ فَارسي، وَقيل: رومي مُعرب، ثمَّ إِن عطف القمقم على الْمرجل بِالْوَاو هُوَ الصَّوَاب، وَقَالَ القَاضِي عِيَاض: والقمقم بِالْوَاو لَا بِالْبَاء وَأَشَارَ بِهِ إِلَى رِوَايَة من روى: كَمَا يغلي الْمرجل بالقمقم، وعَلى هَذَا فسره الْكرْمَانِي، فَقَالَ: الْبَاء للتعدية، وَوجه التَّشْبِيه هُوَ كَمَا أَن النَّار تغلي الْمرجل الَّذِي فِي رَأسه قمقم تسري الْحَرَارَة إِلَيْهَا وتؤثر فِيهَا، كَذَلِك النَّار تغلي بدن الْإِنْسَان بِحَيْثُ يُؤَدِّي أَثَرهَا إِلَى الدِّمَاغ.
3656 - حدّثنا سُلَيْمانُ بنُ حَرْبٍ حدّثنا شُعْبَةُ عنْ عَمْرٍ وَعَن خَيْثَمَة عنْ عَدِيِّ بنِ حاتمٍ أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَكَرَ النَّارَ، فأشاحَ بِوَجْهِهِ فَتَعَوَّذَ مِنْها. ثُمَّ ذَكَرَ النَّارَ فأشاحَ بِوجْهِهِ فَتَعَوَّذَ مِنْها، ثُمَّ قَالَ: (اتَّقُوا النَّارَ ولَو بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (وتعوذ مِنْهَا) ، وَذَلِكَ أَن من جملَة صِفَات النَّار أَنه يتَعَوَّذ مِنْهَا.
وَعَمْرو هُوَ ابْن مرّة بِضَم الْمِيم وَتَشْديد الرَّاء، وخيثمة بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح الثَّاء الْمُثَلَّثَة ابْن عبد الرَّحْمَن.
والْحَدِيث مضى مُعَلّقا فِي: بَاب من نُوقِشَ الْحساب عذب، عَن الْأَعْمَش عَن عَمْرو بن عَن خَيْثَمَة عَن عدي بن حَاتِم، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (فأشاح) بالشين الْمُعْجَمَة والحاء الْمُهْملَة أَي: صرف وَجهه، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: المشيح الحذر والحاد فِي الْأَمر، وَقيل: الْمقبل إِلَيْك الْمَانِع لما وَرَاء ظَهره، فَيجوز أَن يكون: أشاح، هُنَا أحد هَذِه الْمعَانِي، أَي: حذر النَّار كَأَنَّهُ ينظر إِلَيْهَا، أَو حض على الْإِيصَاء باتقائها، أَو أقبل إِلَيْك من خطابه.
4656 - حدّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ حَمْزَةَ حدّثنا ابنُ أبي حازِمٍ والدَّراوَرْدِيُّ عنْ يَزيدَ عنْ عَبْد الله بنِ خَبَّابٍ عنْ أبي سَعيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِي الله عَنهُ، أنّهُ سَمِعَ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وذُكِرَ عِنْدَهُ عَمُّهُ أبُو طالبٍ، فَقَالَ: (لَعَلَّهُ تَنْفَعُهُ شَفاعَتَي يَوْمَ القِيامَةِ فَيُجْعَلُ فِي ضَحْضاحِ مِنَ نارِ يَبْلُغُ كَعْبَيْهِ يَغْلِي مِنْهُ أُمُّ دِماغِهِ) . (انْظُر الحَدِيث 5883) .
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (فِي ضحضاح من نَار) لِأَنَّهُ وصف من أَوْصَاف النَّار.
وَإِبْرَاهِيم بن حَمْزَة بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي أَبُو إِسْحَاق الزبيرِي الْأَسدي، وَابْن أبي حَازِم هُوَ عبد الْعَزِيز بن أبي حَازِم سَلمَة بن دِينَار الْأَسْلَمِيّ، والدراوردي أَيْضا اسْمه عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد بن عبيد من رجال مُسلم روى البُخَارِيّ عَن إِبْرَاهِيم عَنهُ مَقْرُونا بِابْن أبي حَازِم وَنسبه إِلَى دراورد فتح الدَّال قَرْيَة من قرى خُرَاسَان، وَيزِيد من الزِّيَادَة ابْن عبد الله بن الْهَاد، وَعبد الله بن خباب بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة الأولى الْأنْصَارِيّ، وكل هَؤُلَاءِ مدنيون.
والْحَدِيث مضى فِي: بَاب قصَّة أبي طَالب، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبد الله بن يُوسُف عَن اللَّيْث عَن ابْن الْهَاد عَن عبد الله بن خباب عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ ... إِلَى آخِره. وَأخرجه أَيْضا عَن إِبْرَاهِيم بن حَمْزَة عَن ابْن أبي حَازِم والدراوردي عَن يزِيد بِهَذَا.
قَوْله: (أَبُو طَالب) هُوَ ابْن عبد الْمطلب وَعم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، واسْمه عبد منَاف شَقِيق عبد الله وَالِد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله:(23/125)
(لَعَلَّه تَنْفَعهُ شَفَاعَتِي) قيل: يشكل هَذَا بقوله تَعَالَى: {فَمَا تنفعهم شَفَاعَة الشافعين} (المدثر: 84) ، وَأجِيب بِأَنَّهُ خص فَلذَلِك عدُّوه من خَصَائِص النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقيل: جَزَاء الْكَافِر من الْعَذَاب يَقع على كفره وعَلى مَعَاصيه فَيجوز أَن الله تَعَالَى يضع عَن بعض الْكفَّار بعض جَزَاء مَعَاصيه تطييباً لقلب الشافع لَا ثَوابًا للْكَافِرِ. لِأَن حَسَنَاته صَارَت بِمَوْتِهِ على كفره هباء منثوراً. قَوْله: (فِي ضحضاح) بإعجام الضادين وإهمال الحاءين مَا رقّ من المَاء على وَجه الأَرْض إِلَى نَحْو الْكَعْبَيْنِ فاستعير للنار. قَوْله: (يغلي مِنْهُ أم دماغه) وَأم الدِّمَاغ أَصله وَمَا بِهِ قوامه، وَقيل: الهامة، وَقيل: جلدَة رقيقَة تحيط بالدماغ.
5656 - حدّثنا مُسَدَّدٌ حدّثنا أبُو عَوانَةَ عنْ قَتادَةَ عَنْ أنَسٍ رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (يَجْمَعُ الله النّاسَ يَوْم القيامَةِ فَيَقُولُونَ: لَوِ اسْتَشْفَعْنا على رَبِّنا حَتَّى يُرِيحنَا مِنْ مَكانِنا؟ فَيَأْتونَ آدَمَ فَيَقُولُونَ: أنْتَ الّذِي خَلَقَكَ الله بِيَدِهِ ونَفَخَ فِيكَ منْ رُوحِهِ وأمَرَ المَلائِكَةَ فَسَجَدُوا لَكَ فاشْفَعْ لَنا عِنْدَ رَبِّنا، فَيَقُولُ: لَسْتُ هُناكُمْ، ويَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ ويَقُولُ: ائْتُوا نُوحاً أوَّلَ رَسولِ بَعَثَهُ الله، فَيَأْتُونَهُ فَيَقُولُ: لَسْتُ هُناكُمْ ويَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ، ائْتُوا إبْراهِيمَ الّذِي اتَّخَذَهُ الله خَلِيلاً، فَيَأْتُونَهُ فَيَقُولُ: لَسْتُ هُناكُمْ، ويَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ: ائْتُو مُوسى الّذِي كَلَّمَهُ الله، فَيَأتُونَهُ فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ، فَيَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ: ائْتُوا عِيسى فَيأتُونَهُ، فَيَقُولُ: لَسْتُ هُناكُمْ، ائْتُوا مُحَمَّداً صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقد غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأخَّرَ، فَيأتُونِي فأسْتَأْذِنُ عَلى رَبِّي فَإِذا رَأيْتُهُ وقَعْتُ ساجِداً فَيَدَعُنِي مَا شاءَ الله ثُمَّ يُقالُ لِي: ارْفَعْ رَأسَكَ سَلْ تُعْطَهْ، وقُلْ يُسْمَعْ واشْفَعْ تُشَفَّعْ، فأرْفعُ رَأسِي فأحمَدُ رَبِّي بِتَحْمِيدٍ يُعَلِّمُنِي ثُمَّ أشْفَعُ فَيَحُدُّ لي حَدًّا ثُمَّ أُخْرِجهُمْ مِنَ النَّارِ وأُدْخِلُهُمُ الجَنّةَ، ثُمَّ أعُودُ فأقَعُ ساجِداً مِثْلَهُ فِي الثَّالِثَةِ أوِ الرَّابِعَةِ حتّى مَا يَبْقَى فِي النَّارِ إلاّ مَنْ حَبَسَهُ القُرْآنُ) ، وَكَانَ قَتَادَةُ يَقُولُ: عِنْدَ هاذا، أيْ وَجَبَ عَلَيْهِ الخُلُودُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة يُمكن أَن تُؤْخَذ من قَوْله: (ثمَّ أخرجهم من النَّار) بِالْوَجْهِ الَّذِي ذَكرْنَاهُ عِنْد التراجم الْمَاضِيَة.
وَأَبُو عوَانَة بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْوَاو اسْمه الوضاح بن عبد الله الْيَشْكُرِي.
والْحَدِيث مضى فِي أول تَفْسِير سُورَة الْبَقَرَة وَلكنه أخرجه عَن مُسلم بن إِبْرَاهِيم عَن هِشَام عَن قَتَادَة عَن أنس، وَعَن خَليفَة عَن يزِيد بن زُرَيْع، عَن سعيد عَن قَتَادَة عَن أنس. وَقَالَ الْكرْمَانِي: مر يَعْنِي حَدِيث الْبَاب فِي بني إِسْرَائِيل.
قلت: الَّذِي مر فِي سُورَة بني إِسْرَائِيل عَن أبي هُرَيْرَة وَلَيْسَ عَن أنس وَهُوَ حَدِيث طَوِيل.
قَوْله: (يجمع الله النَّاس) فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي: جمع الله، أَي: فِي العرصات. وَفِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة الْمَاضِي: يجمع الله النَّاس الْأَوَّلين والآخرين فِي صَعِيد وَاحِد، وَفِي رِوَايَة هِشَام وَسَعِيد وَهَمَّام: يجمع الْمُؤمنِينَ. قَوْله: (لَو اسْتَشْفَعْنَا) جَزَاؤُهُ مَحْذُوف أَو هُوَ لِلتَّمَنِّي فَلَا يحْتَاج إِلَى جَوَاب، وَفِي رِوَايَة مُسلم: فيلهمون بذلك، وَفِي رِوَايَة: فَيَهْتَمُّونَ بذلك، وَفِي رِوَايَة همام: حَتَّى يهتموا بذلك. قَوْله: (على رَبنَا فِي) رِوَايَة هِشَام وَسَعِيد: إِلَى رَبنَا، وَضمن: على، هُنَا معنى الِاسْتِعَانَة. أَي: لَو استعنا على رَبنَا. قَوْله: (حَتَّى يُرِيحنَا) بِضَم الْيَاء من الإراحة بالراء والحاء الْمُهْملَة أَي: يخرجنا من الْموقف وأهواله وأحواله ويفصل بَين الْعباد. قَوْله: (فَيَأْتُونَ آدم عَلَيْهِ السَّلَام) وَفِي رِوَايَة شَيبَان: فَيَنْطَلِقُونَ حَتَّى يَأْتُوا آدم عَلَيْهِ السَّلَام. قَوْله: (عِنْد رَبنَا) فِي رِوَايَة مُسلم: عِنْد رَبك. قَوْله: (لست هُنَاكُم) أَي: لَيْسَ هَذِه الْمرتبَة، وَقَالَ عِيَاض قَوْله: (لست هُنَاكُم) كِنَايَة عَن أَن مَنْزِلَته دون الْمنزلَة الْمَطْلُوبَة، قَالَه تواضعاً وإكباراً لما يسألونه، قَالَ: وَقد يكون فِيهِ إِشَارَة إِلَى أَن هَذَا الْمقَام لَيْسَ لي بل لغيري، وَوَقع فِي رِوَايَة معبد بن هِلَال: فَيَقُول: لست لَهَا، وَكَذَا(23/126)
فِي بَقِيَّة الْمَوَاضِع، وَفِي رِوَايَة حُذَيْفَة: لست بِصَاحِب ذَاك. قَوْله: (وَيذكر خطيئته) زَاد مُسلم الَّتِي أصَاب، وَزَاد همام فِي رِوَايَته أكله من الشَّجَرَة وَقد نهي عَنْهَا، وَفِي حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، قد أخرجت بخطيئتي فِي الْجنَّة، وَفِي رِوَايَة أبي نَضرة عَن أبي سعيد: وَإِنِّي أذنبت ذَنبا فأهبطت بِهِ إِلَى الأَرْض، وَفِي رِوَايَة ثَابت عِنْد سعيد بن مَنْصُور: إِنِّي أَخْطَأت وَأَنا فِي الفردوس وَإِن يغْفر لي الْيَوْم حسبي. قَوْله: (أول رَسُول بَعثه الله) قيل: آدم عَلَيْهِ السَّلَام، أول الرُّسُل لَا نوح، وَكَذَا شِيث وَإِدْرِيس وهما قبل نوح عَلَيْهِ السَّلَام. وَأجَاب الْكرْمَانِي بِأَنَّهُ مُخْتَلف فِيهِ، وَيحْتَمل أَن يُقَال: المُرَاد هُوَ أول رَسُول أنذر قومه الْهَلَاك، أَو أول رَسُول لَهُ قوم. انْتهى.
قلت: فِي كل من الْأَجْوِبَة الثَّلَاثَة نظر أما الأول: فَلِأَن آدم عَلَيْهِ السَّلَام، رَسُول قد أرسل إِلَى أَوْلَاد قابيل وَنزل عَلَيْهِ إِحْدَى وَعِشْرُونَ صحيفَة أملأها عَلَيْهِ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام، وكتبها بِخَطِّهِ بالسُّرْيَانيَّة وَفرض عَلَيْهِ فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة خَمْسُونَ رَكْعَة وَحرم عَلَيْهِ الْميتَة وَالدَّم وَلحم الْخِنْزِير وَالْبَغي وَالظُّلم والغدر وَالْكذب وَالزِّنَا. وَأما الثَّانِي: فَإِن آدم أَيْضا أنذر أَوْلَاده مِمَّا فِيهِ الْهَلَاك وَأوصى بذلك عِنْد مَوته. وَأما الثَّالِث: فَلِأَن آدم أَيْضا لَهُ قوم. وَعَن ابْن عَبَّاس: إِن آدم عَلَيْهِ السَّلَام، لم يمت حَتَّى بلغ وَلَده وَولد وَلَده أَرْبَعِينَ ألفا فَرَأى فيهم الزِّنَا وَشرب الْخمر وَالْفساد ونهاهم. قَوْله: (وَيذكر خطيئته) أَي: وَيذكر نوح عَلَيْهِ السَّلَام، خطيئته وَهِي دَعوته على قومه بِالْهَلَاكِ، وَقَالَ الْغَزالِيّ فِي (كشف عُلُوم الْآخِرَة) : إِن بَين إتْيَان أهل الْموقف آدم وإتيانهم نوحًا ألف سنة، وَكَذَا بَين كل نَبِي وَنَبِي إِلَى نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقَالَ بَعضهم: وَلم أَقف لذَلِك على أصل، وَلَقَد أَكثر فِي هَذَا الْكتاب من إِيرَاد أَحَادِيث لَا أصل لَهَا فَلَا تغتر بِشَيْء مِنْهَا. انْتهى.
قلت: جلالة قدر الْغَزالِيّ يُنَافِي مَا ذكره، وَعدم وُقُوفه لذَلِك على أصل لَا يسْتَلْزم نفي وقُوف غَيره على أصل، وَلم يحط علم هَذَا الْقَائِل بِكُل مَا ورد وَبِكُل مَا نقل حَتَّى يَدعِي هَذِه الدَّعْوَى. قَوْله: (ائْتُوا إِبْرَاهِيم) إِلَى قَوْله: (وَيذكر خطيئته) وَهِي معاريضه الثَّلَاث وَهِي قَوْله: {بل فعله كَبِيرهمْ} (الْأَنْبِيَاء: 36) فِي كسر الْأَصْنَام وَقَوله لامْرَأَته: {أَنا أَخُوك} وَقَوله: {إِنِّي سقيم} (الصافات: 98) وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لم يكذب إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام، إلاَّ ثَلَاث كذبات كلهَا فِي الله قَوْله: {إِنِّي سقيم} وَقَوله: {بل فعله كَبِيرهمْ} (الْأَنْبِيَاء: 36) وَقَوله لسارة (هِيَ أُخْتِي) رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد وَالْبَزَّار. قَوْله: (أئتوا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام) إِلَى قَوْله: (خطيئته) هِيَ قتل القبطي. قَوْله: (فيأتونه) وَفِي رِوَايَة مُسلم: فَيَأْتُونَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام، وَلم يذكر ذَنبا، وَفِي حَدِيث أبي نَضرة عَن أبي سعيد إِنِّي عبدت من دون الله، وَفِي رِوَايَة ثَابت عِنْد سعيد بن مَنْصُور نَحوه، وَزَاد: وَإِن يغْفر لي الْيَوْم حسبي. قَوْله: (فَيَأْتُوني) وَفِي رِوَايَة النَّضر بن أنس عَن أَبِيه: حَدثنِي نَبِي الله، قَالَ: إِنِّي لقائم انْتظر أمتِي تعبر الصِّرَاط إِذْ جَاءَ عِيسَى فَقَالَ: يَا مُحَمَّد هَذِه الْأَنْبِيَاء قد جاءتك يسْأَلُون لتدعو الله أَن يفرق جَمِيع الْأُمَم حَيْثُ يَشَاء، لغم مَا هم فِيهِ، وَهَذَا يدل على أَن الَّذِي وصف من كَلَام أهل الْموقف كُله يَقع عِنْد نصب الصِّرَاط بعد تساقط الْكفَّار فِي النَّار. قَوْله: (فَأَسْتَأْذِن) وَفِي رِوَايَة هِشَام: فأنطلق حَتَّى أَسْتَأْذن، قَالَ عِيَاض: أَي فِي الشَّفَاعَة، وَفِي رِوَايَة قَتَادَة عَن أنس: آتِي بَاب الْجنَّة فَاسْتَفْتَحَ، فَيُقَال: من هَذَا؟ فَأَقُول مُحَمَّد، فَيُقَال: مرْحَبًا بِمُحَمد. وَفِي حَدِيث سُلَيْمَان: فآخذ بِحَلقَة الْبَاب وَهِي من ذهب فيقرع الْبَاب فَيُقَال: من هَذَا؟ فَيَقُول: مُحَمَّد، فَيفتح لَهُ حَتَّى يقوم بَين يَدي الله فيستأذن فِي السُّجُود فَيُؤذن لَهُ. قَوْله: (وَقعت سَاجِدا) نصب على الْحَال، وَفِي حَدِيث عبَادَة بن الصَّامِت رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: فَإِذا رَأَيْت رَبِّي خَرَرْت لَهُ سَاجِدا. قَوْله: (فيدعني) أَي: فِي السُّجُود (مَا شَاءَ الله) وَفِي حَدِيث أبي بكر الصّديق: فيخر سَاجِدا قد قدر جُمُعَة. قَوْله: (ثمَّ يَقُول لي) أَي: ثمَّ يَقُول الله لي، وَفِي رِوَايَة النَّضر بن أنس: فَأوحى الله إِلَى جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام، أَن أذهب إِلَى مُحَمَّد فَقل لَهُ: إرفع رَأسك، فعلى هَذَا معنى قَوْله: ثمَّ يَقُول لي على لِسَان جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام. قَوْله: (فَيحد لي حدا) أَي: يبين لي فِي كل طور من أطوار الشَّفَاعَة حدا، أَقف عِنْده فَلَا أتعداه مثل أَن يَقُول لي: شفعتك فِيمَن أخل بِالْجَمَاعَة، ثمَّ فِيمَن أخل بِالصَّلَاةِ، ثمَّ فِيمَن شرب الْخمر ثمَّ فِيمَن زنى، وعَلى هَذَا الأسلوب كَذَا حَكَاهُ الطَّيِّبِيّ. قَوْله: (ثمَّ أخرجهم من النَّار) قَالَ الدَّاودِيّ: كَأَن رَاوِي هَذَا الحَدِيث ركب شَيْئا على غير أَصله، وَذَلِكَ فِي أول الحَدِيث ذكر الشَّفَاعَة فِي الإراحة من كرب الْموقف، وَفِي آخِره ذكر الشَّفَاعَة فِي الْإِخْرَاج من النَّار، يَعْنِي ذَلِك إِنَّمَا يكون بعد التَّحَوُّل من الْموقف والمرور على الصِّرَاط وَسُقُوط من يسْقط فِي تِلْكَ الْحَالة فِي النَّار، ثمَّ تقع بعد ذَلِك الشَّفَاعَة فِي الْإِخْرَاج، وَهُوَ إِشْكَال قوي، وَقد أجَاب عَنهُ عِيَاض وَتَبعهُ النَّوَوِيّ وَغَيره: بِأَنَّهُ قد وَقع فِي(23/127)
حَدِيث حُذَيْفَة المقرون بِحَدِيث أبي هُرَيْرَة بعد قَوْله: (فَيَأْتُونَ مُحَمَّدًا فَيقوم وَيُؤذن لَهُ) ، أَي: فِي الشَّفَاعَة وَيُرْسل الْأَمَانَة وَالرحم فيقومان بجنبي الصِّرَاط يَمِينا وَشمَالًا فيمر أولكم كالبرق ... الحَدِيث، قَالَ عِيَاض: فَبِهَذَا يتَّصل الْكَلَام لِأَن الشَّفَاعَة الَّتِي يجاء النَّاس إِلَيْهِ فِيهَا هِيَ الإراحة من كرب الْموقف، ثمَّ تَجِيء الشَّفَاعَة فِي الْإِخْرَاج من النَّار. قَوْله: (ثمَّ أَعُود) أَي: بعد إِخْرَاج من أخرجهم من النَّار وَإِدْخَال من أدخلهم الْجنَّة. قَوْله: (مثله) أَي: مثل الأول. قَوْله: (فِي الثَّالِثَة) أَي: فِي الْمرة الثَّالِثَة. قَوْله: (أَو الرَّابِعَة) شكّ من الرَّاوِي، وَحَاصِل الْكَلَام أَن الْمرة الأولى الشَّفَاعَة لإراحة أهل الْموقف، وَالثَّانيَِة لإخراجهم من النَّار، وَالثَّالِثَة يَقُول فِيهَا: يَا رب مَا بَقِي إلاَّ من حَبسه الْقُرْآن، وَهَكَذَا هُوَ فِي أَكثر الرِّوَايَات، وَلَكِن وَقع عِنْد أَحْمد من رِوَايَة سعيد بن أبي عرُوبَة عَن قَتَادَة: ثمَّ أَعُود الرَّابِعَة فَأَقُول: يَا رب مَا بَقِي إلاَّ من حَبسه الْقُرْآن، وَفَسرهُ قَتَادَة بِأَنَّهُ من وَجب عَلَيْهِ الخلود يَعْنِي: من أخبر الْقُرْآن بِأَنَّهُ يخلد فِي النَّار.
6656 - حدّثنا مُسَدَّدٌ حدّثنا يَحْيَاى عنِ الحَسَنِ بنِ ذَكْوانَ حَدثنَا أبُو رَجاءٍ حدّثنا عِمْرانُ ابنُ حُصَيْنٍ رَضِي الله عَنْهُمَا، عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (يَخْرُجُ قَوْمٌ مِن النَّارِ بِشَفاعَةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَيَدخُلُونَ الجَنةَ يُسَمَّوْنَ الجَهَنَّمِيِّينَ) .
مطابقته للْحَدِيث السَّابِق فِي الشَّفَاعَة، وَيحيى هُوَ الْقطَّان، وَالْحسن بن ذكْوَان بِفَتْح الذَّال الْمُعْجَمَة أَبُو سَلمَة الْبَصْرِيّ تكلم فِيهِ أَحْمد وَابْن معِين وَغَيرهمَا، وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ إلاَّ هَذَا الحَدِيث من رِوَايَة يحيى الْقطَّان عَنهُ، وَأَبُو رَجَاء عمرَان العطاردي.
والْحَدِيث أخرجه أَبُو دَاوُد فِي السّنة عَن مُسَدّد. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي صفة النَّار، وَابْن مَاجَه فِي الزّهْد جَمِيعًا عَن مُحَمَّد بن بشار.
7656 - حدّثنا قُتَيْبَةُ حدّثنا إسْماعِيلُ بنُ جَعْفَرِ عنْ حُمَيْدٍ عنْ أنَسٍ: أنَّ أمَّ حارِثَةَ أتَتْ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وقَدْ هَلَكَ حارِثَةُ يَوْمَ بَدْرٍ، أصابَهُ غَرْبُ سَهْمٍ، فقالَتْ: يَا رسولَ الله! قَدْ عَلِمْتَ مَوْقِعَ حارِثَةَ مِنْ قَلْبِي، فإنْ كَانَ فِي الجَنّةِ لَمْ أبْكِ عَلَيْهِ وإلاّ سَوْفَ تَرَى مَا أصْنَعُ. فَقَالَ لَهَا: (هَبِلْتِ؟ أجَنَّةٌ واحِدةٌ هِيَ إنّها جِنانٌ كَثِيرَةٌ؟ وإنّهُ فِي الفِرْدَوُسِ الأعْلَى؟) وَقَالَ: (غَدْوَةٌ فِي سَبِيلٍ الله أوْ رَوْحَةٌ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيا وَمَا فِيها، ولَقابُ قَوْسِ أحَدِكُمْ أوْ مَوْضِعُ قَدَمٍ مِنَ الجَنّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيا وَمَا فِيها، ولَوْ أنَّ امْرَأةً مِنْ نِساءٍ أهْلِ الجَنّةِ اطَّلَعَتْ إِلَى الأرْضِ لأضاءَتْ مَا بَيْنَهُما ولَمَلأتْ مَا بَيْنَهُما رِيحاً، ولَنَصِيفُها يَعْنِي: الخمارَ خَيْرٌ مِنَ الدُّنيْا وَمَا فِيها) . (انْظُر الحَدِيث 2972 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. والْحَدِيث إِلَى قَوْله: (وَإنَّهُ فِي الفردوس الْأَعْلَى) قد مر فِي أَوَائِل الْبَاب من رِوَايَة أبي إِسْحَاق عَن حميد عَن أنس، وَهنا فِيهِ زِيَادَة وَهِي من قَوْله: (وَقَالَ: غدْوَة فِي سَبِيل الله) إِلَى آخر الحَدِيث.
قَوْله: (غرب سهم) بِالْإِضَافَة وَالصّفة، وَسَهْم غرب هُوَ الَّذِي لَا يدْرِي من رمى بِهِ. قَوْله: (وَإنَّهُ فِي الفردوس) ويروى: لفي الفردوس.
قَوْله: (وَلَقَاب قَوس أحدكُم) اللَّام فِيهِ، مَفْتُوحَة للتَّأْكِيد، والقاب بِالْقَافِ وَالْبَاء الْمُوَحدَة والقيب، بِمَعْنى الْقدر وعينه. وَقَوله: (أَو مَوضِع قدم) أَي: أَو مَوضِع قدم أحدكُم، ويروى: مَوضِع قده، بِكَسْر الْقَاف وَتَشْديد الدَّال أَي: مَوضِع سَوْطه، لِأَنَّهُ يقد أَي: يقطع طولا. وَقيل: مَوضِع قده أَي: شراكه، ويروى: مَوضِع قدمه. قَوْله: (ريحًا) أَي: ريحًا طيبَة، وَفِي رِوَايَة سعيد بن عَامر: لملأت الأَرْض ريح مسك. قَوْله: (وَلنَصِيفهَا) اللَّام فِيهِ للتَّأْكِيد، والنصيف بِفَتْح النُّون وَكسر الصَّاد الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالفاء: هُوَ الْخمار بِكَسْر الْخَاء الْمُعْجَمَة، وَقد فسره فِي الحَدِيث هَكَذَا، وَهَذَا تَفْسِير من قُتَيْبَة، وَعَن الْأَزْهَرِي: النصيف أَيْضا يُقَال للخادم.(23/128)
9656 - حدّثنا أبُو اليَمانِ أخبرنَا شُعَيْبٌ حَدثنَا أبُو الزِّنادِ عنِ الأعْرَجِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَا يَدْخُلُ أحَدٌ الجَنّةَ إلاّ أُرِيَ مَقَعْدَهُ مِنَ النَّارِ لَوْ أساءَ لِيَزْدادَ شُكْراً، وَلَا يَدْخُلُ النّارَ أحدٌ إلاّ أُرِيَ مَقْعَدَهُ مِنَ الجَنّةِ لَوْ أحْسَنَ لِيَكُونَ عَلَيْهِ حَسْرَةً) .
مطابقته لجزئي التَّرْجَمَة من حَيْثُ كَون الْمَقْعَدَيْنِ فيهمَا نوع صفة لَهما.
وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع، وَأَبُو الزِّنَاد بالزاي وَالنُّون عبد الله بن ذكْوَان، والأعرج عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز وَهَذَا الْإِسْنَاد بهؤلاء الرِّجَال قد مر مرَارًا عديدة.
والْحَدِيث وَقع عِنْد ابْن مَاجَه من طَرِيق آخر عَن أبي هُرَيْرَة: أَن ذَلِك يَقع عِنْد الْمَسْأَلَة فِي الْقَبْر.
قَوْله: (لَو أَسَاءَ) يَعْنِي: لَو عمل عمل السوء وَصَارَ من أهل جَهَنَّم. قَوْله: (لِيَزْدَادَ شكرا) قيل: الْجنَّة لَيست دَار شكر بل هِيَ دَار جَزَاء. وَأجِيب: بِأَن الشُّكْر لَيْسَ على سَبِيل التَّكْلِيف بل هُوَ على سَبِيل التَّلَذُّذ، أَو المُرَاد لَازمه وَهُوَ الرضى والفرح، لِأَن الشاكر على الشَّيْء راضٍ بِهِ فرحان بذلك. قَوْله: (لَو أحسن) أَي: لَو عمل عملا حسنا وَهُوَ الْإِسْلَام. قَوْله: (ليَكُون عَلَيْهِ حسرة) أَي: زِيَادَة فِي تعذيبه.
0756 - حدّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعيدٍ حَدثنَا إسْماعِيلُ بنُ جَعْفَرٍ عَن عَمْرٍ وعنْ سَعيدِ بنِ أبي سَعِيدٍ المَقْبُريِّ عنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ، أنّهُ قَالَ: قُلْتُ: يَا رسولَ الله {مَنْ أسْعَدُ النّاسِ بِشَفاعَتِكَ يَوْمَ القِيامَةِ؟ فَقَالَ: (لَقَدْ ظَننْتُ يَا با هُرَيْرَةَ أنْ لَا يَسْألَنِي عنْ هاذا الحَدِيثِ أحَدٌ أوَّلَ مِنْكَ لِمَا رَأيْتُ مِنْ حِرْصِكَ عَلى الحَديثِ: أسْعَدُ النّاسِ بِشَفاعَتِي يَوْمَ القِيامَةِ مَنْ قَالَ: لَا إلاهَ إلاّ الله، خالِصاً مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ) . (انْظُر الحَدِيث 99) .
لَو ذكر هَذَا عقيب حَدِيث أنس الْمَذْكُور كَانَ أنسب على مَا لَا يخفى.
وَعَمْرو هُوَ ابْن أبي عَمْرو مولى الْمطلب بن عبد الله بن حنْطَب.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْعلم فِي: بَاب الْحِرْص على الحَدِيث، وَمر الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (يَا با هُرَيْرَة) أَصله: يَا أَبَا هُرَيْرَة، حذفت الْألف تَخْفِيفًا. قَوْله: (أَن لَا يسألني) كلمة: أَن، مُخَفّفَة من المثقلة. قَوْله: (أول) بِفَتْح اللَّام حَال وَيجوز رَفعه على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: هُوَ أول، وَفِي بعض النّسخ، أولى مِنْك. قَوْله: (لما رَأَيْت اللَّام) فِيهِ مَكْسُورَة وَهِي لَام التَّعْلِيل. قَوْله: (من قبل نَفسه) بِكَسْر الْقَاف وَفتح الْبَاء أَي: من جِهَة نَفسه طَوْعًا ورغبة، وَوَقع فِي رِوَايَة لِأَحْمَد وَابْن حبَان من طَرِيق أُخْرَى عَن أبي هُرَيْرَة نَحوه، وَفِيه: شَفَاعَتِي لمن شهد أَن لَا إِلَه إلاَّ الله مخلصاً يصدق قلبه لِسَانه وَلسَانه قلبه، وَهَذِه الشَّفَاعَة غير الشَّفَاعَة الْكُبْرَى فِي الإراحة من كرب الْموقف.
1756 - حدّثنا عُثْمانُ بنُ أبي شَيْبَةَ حَدثنَا جَرِيرٌ عنْ مَنْصُورٍ عنْ إبْراهِيمَ عنْ عَبيدَةَ عنْ عَبْدِ الله رَضِي الله عَنهُ، قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إنِّي لأعْلَمُ آخِرَ أهْلِ النَّارِ خُرُوجاً مِنْها، وآخِرَ أهْلِ الجَنَّةِ دُخُولاً، رَجُلٌ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ حَبْواً فَيَقُولُ الله: إذْهَبْ فاْدخُلِ الجَنَّةَ فيأتيها فَيُخَيَّلُ إلَيْهِ أنَّها مَلآي، فَيَرْجِعُ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ وجَدْتُها مَلآى} فَيَقُولُ: إذْهَبْ فادْخُلِ الجَنَّةَ، فَيأْتِيها فَيُخَيَّلُ إلَيْهِ أنَّها مَلآى، فَيَرْجِعُ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ وجَدْتُها مَلآى. فَيَقُولُ: إذْهَبْ فادْخُلِ الجَنَّةَ فإنَّ لَكَ مِثْلَ الدُّنيْا وعَشَرَةَ أمْثالِها أوْ إنَّ لَكَ مِثْلَ عَشَرَةِ أمْثالِ الدُّنْيا فَيَقُولُ: تَسْخَرُ مِنِّي أوْ تَضْحَكُ مِنِّي وأنْتَ المَلِكُ؟) فَلَقَدْ رَأيْتُ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجذُهُ، وكانَ يُقالُ: ذَلِكَ أدْنَى أهْلِ الجَنَّةِ مَنْزِلَةً.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ الْخُرُوج من النَّار وَالدُّخُول فِي الْجنَّة بِاعْتِبَار الْوَجْه الَّذِي ذَكرْنَاهُ فِي التراجم الْمَذْكُورَة.(23/129)
وَجَرِير هُوَ ابْن عبد الحميد، وَمَنْصُور هُوَ ابْن الْمُعْتَمِر، وَإِبْرَاهِيم هُوَ النَّخعِيّ، وَعبيدَة بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة هُوَ ابْن عَمْرو السَّلمَانِي، وَعبد الله هُوَ ابْن مَسْعُود رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. وَهَؤُلَاء كلهم كوفيون.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي التَّوْحِيد عَن مُحَمَّد بن خَالِد. وَأخرجه مُسلم فِي الْإِيمَان عَن عُثْمَان وَإِسْحَاق. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي صفة جَهَنَّم عَن هناد. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الزّهْد عَن عُثْمَان.
قَوْله: (إِنِّي لأعْلم) اللَّام فِيهِ للتَّأْكِيد. قَوْله: (رجل) يَعْنِي هُوَ رجل يخرج من النَّار حبواً بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة، وَهُوَ الْمَشْي على الْيَدَيْنِ أَو الْمَشْي على الاست، يُقَال: حبا الرجل إِذا حبا على يَدَيْهِ وحبا الصَّبِي إِذا مَشى على استه، وَرَأَيْت فِي بعض النّسخ: كبواً، بِفَتْح الْكَاف، وَوَقع فِي مُسلم من رِوَايَة أنس: آخر من يدْخل الْجنَّة رجل فَهُوَ يمشي مرّة ويكبو مرّة وتسفعه النَّار مرّة فَإِذا مَا جاوزها الْتفت إِلَيْهَا فَقَالَ: تبَارك الَّذِي نجاني مِنْك، وَوَقع فِي رِوَايَة الْأَعْمَش هُنَا: زحفاً. قَوْله: (وَعشرَة أَمْثَالهَا) قيل: عرض الْجنَّة كعرض السَّمَوَات وَالْأَرْض، فَكيف يكون عشرَة أَمْثَال الدُّنْيَا؟ وَأجِيب: بِأَن هَذَا تَمْثِيل، وَإِثْبَات السعَة على قدر فهمنا. قَوْله: (تسخر مني أَو تضحك مني) وَفِي رِوَايَة الْأَعْمَش: أَتسخر بِي؟ وَلم يشك، وَكَذَا فِي مُسلم من رِوَايَة أنس عَن ابْن مَسْعُود: أتستهزيء مني وَأَنت رب الْعَالمين؟ قَوْله: (وَأَنت الْملك) الْوَاو فِيهِ للْحَال وَقَالَ الْمَازرِيّ: هَذَا مُشكل، وَتَفْسِير الضحك بِالرِّضَا لَا يتأتي هُنَا، وَلَكِن لما كَانَت عَادَة المستهزىء أَن يضْحك من الَّذِي اسْتَهْزَأَ بِهِ ذكر مَعَه، وَأما نِسْبَة السخرية إِلَى الله فَهِيَ على سَبِيل الْمُقَابلَة وَإِن لم يذكر فِي الْجَانِب الآخر لفظا لكنه لما عَاهَدَ مرَارًا وغد رَحل فعله مَحل المستهزيء، فَظن أَن فِي قَول الله لَهُ: ادخل الْجنَّة، وتردده إِلَيْهَا وظنه أَنَّهَا ملأى نوعا من السخرية بِهِ جَزَاء على فعله، فَسمى الْجَزَاء على السخرية سخرية، وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: أَكْثرُوا فِي تَأْوِيله، وأشبه مَا قيل فِيهِ إِنَّه استخفه الْفَرح وأدهشه، فَقَالَ ذَلِك. وَقَالَ الْكرْمَانِي: قَوْله: (تسخر مني) يُقَال: سخر مِنْهُ إِذا استجهله. فَإِن قلت: كَيفَ صَحَّ إِسْنَاده الهزء أَو الضحك إِلَى الله؟ .
قلت: أَمْثَال هَذِه الإطلاقات يُرَاد بهَا لوازمها من الإهانة وَنَحْوهَا.
قلت: فِيهِ تَأمل. قَوْله: (حَتَّى بَدَت نَوَاجِذه) بجيم وذال مُعْجَمه جمع ناجذ وَهُوَ ضرس الْحلم، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: النواجذ من الْأَسْنَان الضواحك، وَهِي الَّتِي تبدو عِنْد الضحك، وَالْأَشْهر إِنَّهَا أقْصَى الْأَسْنَان، وَالْمرَاد الأول، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ عَن قريب مَبْسُوطا. قَوْله: (وَكَانَ يُقَال ذَلِك) ويروى: ذَاك، قَوْله: (منزلَة) ويروى: منزلا. وَقَالَ الْكرْمَانِي قَوْله: (وَكَانَ يُقَال ذَلِك الرجل هُوَ أقل النَّاس منزلَة فِي الْجنَّة، ثمَّ قَالَ وَهَذَا لَيْسَ من تَتِمَّة كَلَام رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بل هُوَ كَلَام الرَّاوِي نقلا عَن الصَّحَابَة أَو أمثالهم من أهل الْعلم، وَقَالَ بَعضهم قَائِل: وَكَانَ، يُقَال: هُوَ الرَّاوِي كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ، وَأما قَائِل الْمقَالة الْمَذْكُورَة فَهُوَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ثَبت ذَلِك فِي أول حَدِيث أبي سعيد عِنْد مُسلم وَلَفظه: أدنى أهل الْجنَّة منزلَة رجل صرف الله وَجهه عَن النَّار ... انْتهى.
قلت: كَون هَذِه الْمقَالة فِي حَدِيث أبي سعيد من كَلَام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يسْتَلْزم كَونهَا فِي آخر حَدِيث عبد الله بن مَسْعُود كَذَلِك من كَلَام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
2756 - حدّثنا مُسَدَّدٌ حَدثنَا أبُو عَوَانَةَ عنْ عبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ عنْ عَبْدِ الله بنِ الحارِثِ ابْن نَوْفَلِ عنِ العَبَّاسِ رَضِي الله عَنهُ أنّهُ قَالَ لِ لنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هَلْ نَفَعْتَ أَبَا طالِبٍ بِشَيْءٍ. (انْظُر الحَدِيث 3883 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي بَقِيَّة الحَدِيث لِأَنَّهُ أخرجه مُخْتَصرا بِحَذْف الْجَواب، وَجَوَابه هُوَ قَوْله: فَإِنَّهُ كَانَ يحوطك ويغضب لَك. قَالَ: نعم، هُوَ فِي ضحضاح من نَار، وَلَوْلَا أَنا لَكَانَ فِي الدَّرك الْأَسْفَل من النَّار. وَقد مر هَذَا فِي كتاب الْأَدَب فِي: بَاب كنية الْمُشرك.
وَأخرجه هُنَاكَ عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل عَن أبي عوَانَة، وَهنا أخرجه عَن مُسَدّد عَن أبي عوَانَة الوضاح بن عبد الله الْيَشْكُرِي عَن عبد الْملك بن عُمَيْر عَن عبد الله بن الْحَارِث بن نَوْفَل بن الْحَارِث بن عبد الْمطلب، وَالْعَبَّاس هُوَ ابْن عبد الْمطلب وَهُوَ عَم جد عبد الله بن الْحَارِث الرَّاوِي عَنهُ وللحارث بن نَوْفَل ولأبيه صحية، وَيُقَال: إِن لعبد الله رُؤْيَة وَهُوَ الَّذِي كَانَ يلقب ببه، بباءين موحدتين مفتوحتين الثَّانِيَة مُشَدّدَة وَفِي آخرهَا هَاء، وَلم يدر مَا كَانَ مَقْصُود البُخَارِيّ من اخْتِصَار هَذَا الحَدِيث وَحذف جَوَابه، وَذكره هُنَا نَاقِصا، وَقد ذكر فِي هَذَا الْبَاب ثَلَاثَة وَعشْرين حَدِيثا أَكْثَرهَا فِي صفة النَّار. وَالله أعلم.(23/130)
25 - (بابٌ الصِّراطُ جِسْرُ جَهَنَّمَ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ الصِّرَاط جسر جَهَنَّم، فَقَوله: الصِّرَاط، مُبْتَدأ: وجسر جَهَنَّم، خَبره وَهُوَ جسر مَنْصُوب على متن جَهَنَّم لعبور الْمُسلمين عَلَيْهِ إِلَى الْجنَّة، وجهنم بِفَتْح الْجِيم وَيجوز كسرهَا وَهِي لَفْظَة أَعْجَمِيَّة وَهِي اسْم لنار الْآخِرَة، وَقيل: هِيَ عَرَبِيَّة وَسميت بهَا لبعد قعرها، وَمِنْه ركية جهنام، وَهِي بِكَسْر الْجِيم وَالْهَاء وَتَشْديد النُّون، وَقيل: هُوَ تعريب كهنام.
3756 - حدّثنا أبُو اليَمانِ أخبرنَا شُعَيْبٌ عنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبرنِي سَعيدٌ وعَطاءٌ بنُ يَزِيدَ أنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أخْبَرَهُما عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
(ح) وحدّثني مَحْمُودٌ حدّثنا عبْدُ الرَّزَّاقِ أخبرنَا مَعْمَرٌ عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ عَطاءٍ بنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ عنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ أناسٌ: يَا رسُولَ الله {هَلْ نَرَى ربَّنا يَوْمَ القِيامَةِ؟ فَقَالَ: (هَلْ تُضارُّونَ فِي الشَّمْسِ ليْسَ دُونَها سَحاب) . قالُوا: لَا يَا رسُولَ الله} قَالَ: (هَلْ تُضارُّون فِي القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ لَيْسَ دُونَهُ سَحاب) قالُوا: لَا يَا رسُولَ الله. قَالَ: (فإنّكُمْ تَرَوْنَهُ يَوْمَ القِيامَةِ كَذَلِكَ يَجْمَعُ الله النَّاسَ فَيَقُولُ: مَنْ كانَ يَعْبُدُ شَيْئاً فَلْيَتَّبِعْهُ، فَيَتْبَعُ مَنْ كانَ يَعْبُدُ الشَّمْسَ، ويَتْبَعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ القَمَرَ، ويَتْبَعُ مَنْ كانَ يَعْبُدُ الطوَاغِيثَ، وتَبْقَى هاذِهِ الأُمَّةُ فِيها مُنافِقُوها، فَيأْتِيهِمُ الله فِي غَيْرِ الصُّورَةِ الّتي يَعْرِفُونَ فَيَقُولُ: أَنا ربُّكُمْ، فَيَقُولُون، نَعُوذُ بِاللَّه مِنْكَ هاذَا مَكانُنا حتَّى يأتِينَا رَبُّنا، فإِذَا أَتَانَا ربُّنَا عَرَفْناهُ، فَيأْتِيهِمْ الله فِي الصُّورَةِ الّتِي يَعْرِفُونَ فَيَقُولُ: أَنا ربُّكمْ فَيَقُولُونَ: أنْتَ ربُّنا {فَيَتَّبِعُونَهُ. ويُضْرَبُ جِسْرُ جَهَنَّمَ، قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (فأكونُ أوَّلَ مَنْ يُجِيزُ ودُعاءُ الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ: اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ، وبِهِ كَلاَلِيبُ مثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ، أما رَأيْتُمْ شَوْكَ السَّعْدانِ) . قالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ الله} قَالَ: (فإنِّها مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ غَيْرَ أنَّها لَا يَعْلَمُ قَدْرَ عِظَمِها إلاّ الله، فَتَخْطَفُ النّاسَ بأعْمالِهِمْ، مِنْهُمُ المُوبَقُ بِعَمَلِهِ، ومِنْهُمُ المُخرْدَلُ، ثُمَّ يَنْجُو حتَّى إَذا فَرَغَ الله مِنَ القضاءِ بَيْنَ عِبادِهِ وأرَادَ أنْ يُخْرِج مِنَ النَّارِ مَنْ أرَادَ أنْ يُخْرِجَ ممَّنْ كانَ يَشْهَدُ أنْ لَا إلَهَ إلاّ الله، أمَرَ المَلاَئِكَةَ أنْ يُخْرِجُوهُمْ فَيَعْرِفُونَهُمْ بِعَلاَمَةِ آثارِ السُّجُودِ، وحَرَّمَ الله عَلى النّارِ أنْ تأكُلَ مِنِ ابنِ آدَمَ أثَرَ السُّجُودِ، فَيُخْرجُونَهُمْ قَدِ امْتُحِشُوا فَيُصَبُّ عَلَيْهِمْ ماءٌ يُقالُ لهُ ماءُ الحَياةِ فَيَنْبُتُونَ نَباتَ الحبَّةِ فِي حَميلِ السَّيْلِ، ويَبْقَى رجُلٌ مِنْهُمْ مُقْبِلٌ بِوَجْهِهِ عَلَى النّارِ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ {قَدْ قَشَبَنِي رِيحُها وأحْرَقنِي ذَكاؤُها فاصْرِفْ وجْهي عنِ النَّارِ. فَلاَ يَزَالُ يَدْعُو الله، فَيَقُولُ: لَعلّكَ إنْ أعْطَيْتُكَ أنْ تَسْألَنِي غيْرَهُ، فَيَقُولُ: لَا وعِزَّتِكَ لَا أسْألُكَ غَيْرَهُ، فَيَصْرِفُ وجْهَهُ عنِ النَّارِ، ثُمَّ يَقُولُ بَعْدَ ذَلِكَ: يَا رَبِّ قَرِّبْنِي إِلَى بابِ الجَنَّةِ، فَيَقُولُ: ألْيَسَ قَدْ زَعَمْتَ أنْ لَا تَسألَنِي غَيْرَهُ؟ ويْلَكَ يَا بنَ آدَمَ مَا أغْدَرَكَ، فَلا يَزَالُ يَدْعُو فَيَقُولُ لَعلِّي أنْ أعْطَيْتُكَ ذَلِكَ تَسألْني غيْرَهُ. فَيَقُولُ: لَا وعزَّتِكَ لَا أسألُكَ غَيْرَهُ} فَيُعْطِي الله مِنْ عُهُودٍ وموَاثِيقَ أنْ لَا يَسْألَهُ غَيْرَهُ، فَيُقَرِّبُهُ إِلَى بابِ الجَنّةِ، فَإِذا رأى مَا فِيها سَكَتَ مَا شاءَ الله أنْ يَسْكُتَ، ثُمَّ يَقُولُ:(23/131)
رَبِّ أدْخِلْنِي الجَنّةَ، ثمَّ يَقُولُ: أوَ لَيْسَ قَدْ زَعَمْتَ أنْ لَا تَسْألني غَيْرِه؟ وَيْلَكَ يَا ابنَ آدَمَ مَا أغْدَرَكَ! فَيَقولُ: يَا رَبِّ لَا تَجْعَلْنِي أشْقاى خَلْقِكَ، فَلاَ يَزالُ يَدْعُو حتَّى يَضْحَكَ، فَإِذا ضَحِكَ مِنْهُ أذِنَ لهُ بالدُّخُولِ فِيها، فَإِذا دَخَلَ فِيها قِيلَ لهُ تَمَنَّ مِنْ كَذَا، فَيَتَمَنَّى ثُمَّ يُقالُ لهُ: تَمَنَّ مِنْ كَذا، فَيَتَمنَّى حتَّى تَنْقَطِعَ بِهِ الأمانيُّ، فَيَقُولُ لهُ: هاذا لَكَ ومِثْلُهُ مَعَه) قَالَ أَبُو هُرَيْرَة وَذَلِكَ الرَّجُلْ آخِر أَهْلِ الجَنَّة دُخُولاً: قَالَ عَطَاء وَأَبُو سَعِيدْ الخُدْرِّي جَاْلِس مَعْ اَبِي هُرَيْرَةَ لَا يُغير عَلَيْهِ شَيْئا من حَدِيثه إنتهى إِلَى قَوْله هَذَا لَك وَمثله قَالَ أَبُو سعيد سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول هَذَا لَك وَعشرَة أَمْثَاله قَالَ أَبُو هُرَيْرَة حفظت مثله مَعَه
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (ثمَّ يضْرب جسر جَهَنَّم) وَهُوَ الصِّرَاط، وَإِنَّمَا قَالَ: الصِّرَاط جسر جَهَنَّم، لِأَنَّهُ ذكر فِي: بَاب فضل السُّجُود ثمَّ يضْرب الصِّرَاط، فَجمع هُنَا فِي التَّرْجَمَة بَين اللَّفْظَيْنِ.
وَأخرج هَذَا الحَدِيث من طَرِيقين: أَحدهمَا: عَن أبي الْيَمَان الحكم بن نَافِع عَن شُعَيْب بن أبي حَمْزَة عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ عَن سعيد بن الْمسيب وَعَطَاء بن يزِيد اللَّيْثِيّ عَن أبي هُرَيْرَة. وَالْآخر: عَن مَحْمُود بن غيلَان عَن عبد الرَّزَّاق بن همام عَن معمر بِفَتْح الميمين بن رَاشد عَن الزُّهْرِيّ عَن عَطاء بن يزِيد عَن أبي هُرَيْرَة، وَلَيْسَ فِي هَذَا الطَّرِيق ذكر سعيد، وسَاق الحَدِيث عَليّ هَذَا الطَّرِيق. والْحَدِيث أخرجه أَيْضا فِي التَّوْحِيد عَن عبد الْعَزِيز بن عبد الله. وَأخرجه مُسلم فِي الْإِيمَان عَن زُهَيْر بن حَرْب. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الصَّلَاة عَن مُحَمَّد بن سُلَيْمَان وَفِي التَّفْسِير عَن عِيسَى ابْن حَمَّاد وَغَيره.
قَوْله: (يَوْم الْقِيَامَة) أَشَارَ بِهِ إِلَى أَن السُّؤَال لم يَقع عَن الرُّؤْيَة فِي الدُّنْيَا وَقد أخرج مُسلم من حَدِيث ابي أُمَامَة وَاعْلَمُوا أَنكُمْ لن تروا ربكُم حَتَّى تَمُوتُوا وَسبب هَذَا السُّؤَال أَنه لما ذكر الْحَشْر وَالْقَوْل: ليتبع كل أمة مَا كَانَت تعبد، وَقَول الْمُسلمين: هَذَا مَكَاننَا حَتَّى نرى رَبنَا يَوْم الْقِيَامَة. قَوْله: (هَل تضَارونَ؟) بِضَم أَوله وبالضاد الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الرَّاء المضمومة من الضّر، وَأَصله: تضَارونَ، بِصِيغَة الْمَعْلُوم أَي: هَل تضرون أحدا، وَيجوز بِصِيغَة الْمَجْهُول، أَي: هَل يضركم أحد بمنازعة ومضايقة، وَفِيه وَجه ثَالِث وَهُوَ: وَهل تضَارونَ، بِالتَّخْفِيفِ من الضير بِمَعْنى الضّر، يُقَال: ضاره يضرّهُ إِذا ضره وَأَصله: تضيرون بِضَم أَوله وَسُكُون الضَّاد وَفتح الْيَاء وَضم الرَّاء استثقلت الفتحة على الْيَاء لسكون مَا قبلهَا فألقيت حركتها على الضَّاد وقلبت الْيَاء ألفا لانفتاح مَا قبلهَا، وَفِيه وَجه آخر وَهُوَ: وَهل تضَامون، بِضَم أَوله وَتَشْديد الْمِيم، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: وَفِي حَدِيث الرُّؤْيَة: لَا تضَامون، يرْوى بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف، فالتشديد مَعْنَاهُ: لَا يَنْضَم بَعْضكُم إِلَى بعض وتزدحمون وَقت النّظر إِلَيْهِ، وَيجوز ضم التَّاء وَفتحهَا على تفاعلون وتتفاعلون، وَمعنى التَّخْفِيف. لَا ينالكم ضيم فِي رُؤْيَته فيراه بَعْضكُم دون بعض، والضيم الظُّلم، وَالْحَاصِل أَن الْمَادَّة فِي هَذِه الْأَوْجه أَربع مواد: الضّر والضير والضيم وَالضَّم، فالمتأمل فِيهَا يقف عَلَيْهَا وَوَقع فِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ: لَا تضَامون أَو تضاهون بِالشَّكِّ وَمَعْنَاهُ: لَا يشْتَبه عَلَيْكُم وَلَا ترتابون فِيهِ فيعارض بَعْضكُم بَعْضًا. وَفِي رِوَايَة شُعَيْب تقدّمت فِي: بَاب فضل السُّجُود: هَل تمارون بِضَم أَوله وَتَخْفِيف الرَّاء أَي: هَل تجادلون فِي ذَلِك. أَو: هَل يدخلكم فِيهِ شكّ، من المرية وَهِي الشَّك. قَوْله: (فِي الشَّمْس) ذكرهَا ثمَّ ذكر الْقَمَر وخصهما بِالذكر مَعَ أَن رُؤْيَة السَّمَاء بِغَيْر سَحَاب أكبر آيَة وَأعظم خلقا من مُجَرّد الشَّمْس وَالْقَمَر لما خصا بِهِ من عظم النُّور والضياء، وَحكى بَعضهم عَن بعض: أَن الِابْتِدَاء بِذكر الْقَمَر قبل الشَّمْس مُتَابعَة للخليل عَلَيْهِ السَّلَام، وَاسْتدلَّ بِهِ الْخَلِيل على إِثْبَات الوحدانية، وَاسْتدلَّ بِهِ نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، على إِثْبَات الرُّؤْيَة. انْتهى.
قلت: الِابْتِدَاء بِذكر الْقَمَر فِي رِوَايَة مُسلم وَفِي رِوَايَة البُخَارِيّ ذكر الشَّمْس مقدم على الأَصْل. فَإِن قلت: لَا بُد من الْجِهَة بَين الرَّائِي والمرئي.
قلت: قَالَ الْكرْمَانِي: لَا يلْزم مِنْهُ المشابهة فِي الْجِهَة والمقابلة وَخُرُوج الشعاع وَنَحْوه لِأَنَّهَا أُمُور لَازِمَة للرؤية عَادَة لَا عقلا، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: قد يتخيل بعض النَّاس أَن الْكَاف كَاف تَشْبِيه للمرئي، وَهُوَ غلط، وَإِنَّمَا هِيَ كَاف التَّشْبِيه للرؤية وَهُوَ فعل الرَّائِي وَمَعْنَاهُ: أَنَّهَا رُؤْيَة يزاح عَنْهَا الشَّك مثل رؤيتكم الْقَمَر، وَقيل: التَّشْبِيه بِرُؤْيَة الْقَمَر ليقين الرُّؤْيَة دون تَشْبِيه(23/132)
المرئي سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَقيل: التَّمْثِيل وَقع فِي تَحْقِيق الرُّؤْيَة لَا فِي الْكَيْفِيَّة لِأَن الشَّمْس وَالْقَمَر متحيزان وَالْحق سُبْحَانَهُ منزه عَن ذَلِك. وَقَالَ النَّوَوِيّ: مَذْهَب أهل السّنة أَن رُؤْيَة الْمُؤمنِينَ رَبهم مُمكنَة، ونفتها المبتدعة من الْمُعْتَزلَة والخوارج، وَهُوَ جهل مِنْهُم، فقد تظافرت الْأَدِلَّة من الْكتاب وَالسّنة وَإِجْمَاع الصَّحَابَة وَسلف الْأمة على إِثْبَاتهَا فِي الْآخِرَة للْمُؤْمِنين.
قلت: رُوِيَ فِي إِثْبَات الرُّؤْيَة حَدِيث الْبَاب وَعَن نَحْو عشْرين صحابياً. مِنْهُم: عَليّ وَجَرِير وصهيب وَأنس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم. قَوْله: (كَذَلِك) أَي وَاضحا جلياً بِلَا مضارة وَلَا مزاحمة. قَوْله: (يجمع الله النَّاس) وَفِي رِوَايَة شُعَيْب: يحْشر الله النَّاس فِي مَكَان، وَزَاد فِي رِوَايَة الْعَلَاء. فِي صَعِيد وَاحِد، وَمثله فِي رِوَايَة أبي زرْعَة عَن أبي هُرَيْرَة بِلَفْظ: يجمع الله يَوْم الْقِيَامَة الْأَوَّلين والآخرين فِي صَعِيد وَاحِد فَيسْمعهُمْ الدَّاعِي وَينْفذهُمْ الْبَصَر بِالذَّالِ أَي: يخرقهم بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَالْقَاف حَتَّى يجوزهم، وَقيل بِالدَّال الْمُهْملَة أَي: يستوعبهم، وروى الْبَيْهَقِيّ فِي (الشّعب) : إِذا حشر النَّاس قَامُوا أَرْبَعِينَ عَاما شاخصة أَبْصَارهم إِلَى السَّمَاء لَا يكلمهم ... الحَدِيث. وَفِي حَدِيث أبي سعيد رَوَاهُ أَحْمد بِسَنَد جيد: أَنه يُخَفف الْوُقُوف على الْمُؤمن حَتَّى يكون كَصَلَاة مَكْتُوبَة، وَلأبي يعلى من حَدِيث أبي هُرَيْرَة: كتدلي الشَّمْس للغروب إِلَى الْغُرُوب. قَوْله: (فَيتبع من كَانَ يعبد الشَّمْس) التَّنْصِيص على ذكر الشَّمْس وَالْقَمَر مَعَ دخولهما فِيمَن عبد من دون الله للتنويه بذكرهما لعظم خلقهما. قَوْله: (الطواغيت) جمع طاغوت وَهُوَ الشَّيْطَان والصنم وَيكون جمعا ومفرداً ومذكراً ومؤنثاً، وَيُطلق أَيْضا على رُؤَسَاء الضلال، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: الطاغوت الكاهن والشيطان وكل رَأس فِي الضلال، وَقد يكون وَاحِدًا قَالَ تَعَالَى: {يُرِيدُونَ أَن يتحاكموا إِلَى الطاغوت وَقد أمروا أَن يكفروا بِهِ} (النِّسَاء: 06) وَقد يكون جمعا قَالَ تَعَالَى: {أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم} (الْبَقَرَة: 752) والطاغوت وَإِن جَاءَ على وزن لاهوت، فَهُوَ مقلوب لِأَنَّهُ من طَغى، ولاهوت غير مقلوب لِأَنَّهُ من: لاه، بِمَنْزِلَة الرغبوت والرحموت انْتهى. وَاعْترض عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَيْسَ يجمع عِنْد الْمُحَقِّقين من أهل الْعَرَبيَّة لِأَنَّهُ مصدر كالرهبوت والرحموت وَأَصله: طغيوت، فَقدمت الْيَاء على الْغَيْن فَصَارَ طيغوت فقلبت الْيَاء ألفا لتحركها وانفتاح مَا قبلهَا، وَإِذا ثَبت أَنَّهَا فِي الأَصْل مصدر بِمَعْنى الطغيان ثَبت أَنَّهَا اسْم مُفْرد، وَإِنَّمَا جَاءَ الضَّمِير الْعَائِد عَلَيْهَا جمعا فِي قَوْله تَعَالَى: {يخرجونهم} (الْبَقَرَة: 752) لكَونهَا جِنْسا مُعَرفا بلام الْجِنْس. قَوْله: (وَتبقى هَذِه الْأمة) قيل: يحْتَمل أَن يكون المُرَاد بالأمة أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَيحْتَمل أَن يكون أَعم من ذَلِك فَيدْخل فِيهَا جَمِيع أهل التَّوْحِيد حَتَّى الْجِنّ، يدل عَلَيْهِ مَا فِي بَقِيَّة الحَدِيث أَنه يبْقى من كَانَ يعبد الله من بر وَفَاجِر.
قلت: الْإِشَارَة بقوله: (هَذِه الْأمة) يُنَافِي تنَاوله لغير أمة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقَوله: يدل عَلَيْهِ مافي بَقِيَّة الحَدِيث، لَيْسَ كَذَلِك لِأَن هَذَا فِي حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ فِي رِوَايَة مُسلم. قَوْله: (منافقوها) ، ظن المُنَافِقُونَ أَن تسترهم بِالْمُؤْمِنِينَ فِي الْآخِرَة يَنْفَعهُمْ فاختلطوا بهم فِي ذَلِك الْيَوْم حَتَّى يضْرب: {بَينهم بسور لَهُ بَاطِنه فِيهِ الرَّحْمَة وَظَاهره من قبله الْعَذَاب} (الْحَدِيد: 31) قَوْله: (فيأتيهم الله) المُرَاد من الْإِتْيَان التجلي وكشف الْحجاب، وَقيل: الْإِتْيَان عبارَة عَن رُؤْيَتهمْ إِيَّاه لِأَن الْعَادة أَن كل من غَابَ عَن غَيره لَا يُمكنهُ رُؤْيَته إِلَّا بالمجيء إِلَيْهِ، فَعبر عَن الرُّؤْيَة بالإتيان مجَازًا، وَقيل: الْإِتْيَان فعل من أَفعَال الله تَعَالَى يجب الْإِيمَان بِهِ مَعَ تنزيهه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَن سمة الْحُدُود. وَقيل: فِيهِ حذف تَقْدِيره يَأْتِيهم بعض مَلَائِكَة الله. قَوْله: (فِي غير الصُّورَة الَّتِي يعْرفُونَ) الصُّورَة من المشابهات وَالْأمة فِيهَا فرقتان المفوضة والمأولة فَمن أَوله قَالَ: المُرَاد من الصُّورَة الصّفة، أَو آخراج الْكَلَام على سَبِيل الْمُطَابقَة. قَوْله: (يعْرفُونَ) . فَإِن قلت: لم يتَقَدَّم لَهُم رُؤْيَة فَكيف يعْرفُونَ؟ .
قلت: إِنَّمَا عرفوه فِي الدُّنْيَا بِالصّفةِ أَي: بِوَصْف الْأَنْبِيَاء لَهُم، وَقيل: يخلق الله فيهم عُلماً، وَقيل: يصير جَمِيع المعلومات ضَرُورِيًّا. قَوْله: (نَعُوذ بِاللَّه مِنْك) قَالَ الْخطابِيّ: يحْتَمل أَن يكون هَذَا الْكَلَام صدر من الْمُنَافِقين. قَالَ عِيَاض: هَذَا لَا يَصح وَلَا يَسْتَقِيم الْكَلَام بِهِ، وَقَالَ النَّوَوِيّ: الَّذِي قَالَه عِيَاض صَحِيح، وَلَفظ الحَدِيث مُصَرح بِهِ أَو ظَاهر فِيهِ، وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: معنى الْخَبَر يَأْتِيهم الله بأهوال يَوْم الْقِيَامَة وَمن صور الْمَلَائِكَة بِمَا لم يعهدوا مثله فِي الدُّنْيَا، فيستعيذون من تِلْكَ الْحَال وَيَقُولُونَ: إِذا جَاءَ رَبنَا عَرفْنَاهُ، أَي: إِذا أَتَانَا بِمَا نعرفه بالصورة وَهِي الصّفة. فَإِن قلت: مَا الْحِكْمَة فِي إِتْيَانه بِغَيْر الصُّورَة الَّتِي كَانُوا يعرفونه؟ .
قلت: للامتحان، وَقيل: يحْتَمل أَن يَأْتِيهم بصور مُخْتَلفَة فَيَقُول: أَنا ربكُم على وَجه الامتحان. قَوْله:(23/133)
(فَيَقُولُونَ أَنْت رَبنَا) قيل: فِيهِ إِشْعَار بِأَنَّهُم رَأَوْهُ فِي أول مَا حشروا، وَالْعلم عِنْد الله عز وَجل. وَقَالَ الْخطابِيّ: هَذِه الرُّؤْيَة غير الرُّؤْيَة الَّتِي تقع فِي الْجنَّة إِكْرَاما لَهُم فَإِن هَذِه للامتحان وَتلك لزِيَادَة الْإِكْرَام. فَإِن قلت: الامتحان من التَّكْلِيف وَلَا تكاليف يَوْم الْقِيَامَة؟ .
قلت: آثَار التكاليف لَا تَنْقَطِع إلاَّ بعد الِاسْتِقْرَار فِي الْجنَّة أَو فِي النَّار. وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: لَا يلْزم من أَن الدُّنْيَا دَار بلَاء وَالْآخِرَة دَار جَزَاء أَن لَا يَقع فِي وَاحِد مِنْهُمَا مَا يخص بِالْأُخْرَى. فَإِن الْقَبْر أَو منَازِل الْآخِرَة وَفِيه الِابْتِلَاء والفتنة بالسؤال وَغَيره. قَوْله: (وَيضْرب جسر جَهَنَّم) هُوَ جسر مَمْدُود على متن جَهَنَّم أدق من الشّعْر وأحدّ من السَّيْف، وَفِي مُسلم قيل: يَا رَسُول الله! وَمَا الجسر؟ قَالَ: دحض مزلة فِيهِ خطاطيف وكلاليب وحسكة يكون يتَّخذ فِيهَا شويكة يُقَال لَهَا: السعدان. قَوْله: (من يُجِيز) من أجزت الْوَادي وجزته بِمَعْنى: مشيت عَلَيْهِ وقطعته، وَقيل: مَعْنَاهُ لَا يجوز أحدٌ على الصِّرَاط حَتَّى يجوز هُوَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقَالَ النَّوَوِيّ: الْمَعْنى أكون أَنا وَأمتِي أول من يمْضِي على الصِّرَاط. قَوْله: (وَبِه كلاليب) جمع كَلوب كتنور وَالضَّمِير فِي: بِهِ، يرجع إِلَى الجسر، وَفِي رِوَايَة شُعَيْب: وَفِي جَهَنَّم كلاليب، وَفِي رِوَايَة حُذَيْفَة وَأبي هُرَيْرَة مَعًا: وَفِي حافتي الصِّرَاط كلاليب معلقَة مأمورة تَأْخُذ من أمرت بِهِ. قَوْله: (مثل شوك السعدان) بِلَفْظ التَّثْنِيَة وَهُوَ جمع سعدانة وَهُوَ نبت ذُو شوك يضْرب بِهِ الْمثل فِي طيب مرعاه، قَالُوا: مرعى وَلَا كالسعدان. قَوْله: (أما رَأَيْتُمْ شوك السعدان؟) هُوَ اسْتِفْهَام تَقْرِير لاستحضار الصُّورَة الْمَذْكُورَة. قَوْله: (غير أَنَّهَا) أَي: الشَّوْكَة، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: غير إِنَّه، وَالضَّمِير للشأن. قَوْله: (لَا يعلم قدر عظمها إلاّ الله) وَفِي رِوَايَة مُسلم لَا يعلم مَا قدر عظمها إلاَّ الله، وَقَالَ ابْن التِّين: قرأناه بِضَم الْعين وَسُكُون الظَّاء، وَفِي رِوَايَة أُخْرَى بِكَسْر الْعين وَفتح الظَّاء وَهُوَ أشبه لِأَنَّهُ مصدر، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: عظم الشَّيْء عظما، أَي: كبر فتقديره لَا يعلم قدر كبرها إلاّ الله، وَعظم الشَّيْء أَكْثَره. قَوْله: (فتخطف) بِفَتْح الطَّاء وَكسرهَا، وَقَالَ ثَعْلَب فِي (الفصيح) : خطف، بِالْكَسْرِ فِي الْمَاضِي وبالفتح فِي الْمُضَارع، وَحكى الْفراء عَكسه وَالْكَسْر، فِي الْمُضَارع أفْصح. قَوْله: (بأعمالهم) يتَعَلَّق بقوله: (تخطف) وَالْبَاء فِيهِ للسَّبَبِيَّة نَحْو: {إِنَّكُم ظلمتم أَنفسكُم باتخاذكم الْعجل} (الْبَقَرَة: 45) {فكلاً أَخذنَا بِذَنبِهِ} (العنكبوت: 04) قَوْله: (فَمنهمْ الموبق) هَذَا تَفْسِير لما قبله من قَوْله: (بأعمالهم) أَي: فَمن النَّاس الموبق بِضَم الْمِيم وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة أَي: المهلك بِسَبَب عمله السيء، يُقَال: وبق يبْق ووبق يوبق فَهُوَ وبق، وأوبقه غَيره فَهُوَ موبق، وَرِوَايَة شُعَيْب: فَمنهمْ من يوبق، أَي: يهْلك، وَفِي رِوَايَة لمُسلم: فَمنهمْ الموثق، بالثاء الْمُثَلَّثَة الْمَفْتُوحَة من الوثاق، وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ، وَمِنْهُم الْمُؤمن، بِكَسْر الْمِيم بعْدهَا نون يقي بِعَمَلِهِ بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَكسر الْقَاف من الْوِقَايَة أَي: يستره عمله. قَوْله: (وَمِنْهُم المخردل) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة، قَالَ الْكرْمَانِي: المخردل المصروع وَمَا قطع أعضاؤه أَي جعل كل قِطْعَة مِنْهُ بِمِقْدَار خردلة، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: المخردل المرمي المصروع، وَقيل: المقطع تقطعه كلاليب الصِّرَاط حَتَّى يهوي فِي النَّار، يُقَال: خردلت اللَّحْم بِالدَّال والذال أَي: فصلت أعضاءه وقطعته، وَفِي رِوَايَة شُعَيْب: وَمِنْهُم من يخردل، على صِيغَة الْمَجْهُول، وَوَقع فِي رِوَايَة الْأصيلِيّ هُنَا بِالْجِيم من الجردلة وَهِي الإشراف على السُّقُوط، وَكَذَا وَقع لأبي أَحْمد الْجِرْجَانِيّ وَفِي رِوَايَة شُعَيْب وهاه عِيَاض وَالدَّال مُهْملَة للْجَمِيع، وَحكى أَبُو عبيد فِيهِ إعجام الدَّال، وَرجح صَاحب (الْمطَالع) : الْخَاء الْمُعْجَمَة وَالدَّال الْمُهْملَة، وَفِي رِوَايَة مُسلم: وَمِنْهُم الْمجَازِي حَتَّى يُنجى. قَوْله: (ثمَّ ينجو) من النجَاة، وَفِي رِوَايَة إِبْرَاهِيم بن سعد: ثمَّ ينجلي، بِالْجِيم أَي: يبين، وَيحْتَمل أَن يكون بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة. أَي: يخلى عَنهُ وَهُوَ الْأَشْبَه. قَوْله: (حَتَّى إِذا فرغ الله) الْفَرَاغ الْخَلَاص من المهام وَهُوَ محَال على الله تَعَالَى، وَالْمرَاد إتْمَام الحكم بَين الْعباد. قَوْله: (أَن يخرج) بِضَم الْيَاء من الْإِخْرَاج. قَوْله: (من أَرَادَ) مفعول. (أَن يخرج) . قَوْله: (أَمر الْمَلَائِكَة أَن يخرجوهم) أَي: أَن يخرجُوا من كَانَ يشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، وَفِي حَدِيث أبي سعيد: حَتَّى إِذا فرغ من الْقَضَاء. بَين الْعباد وَأَرَادَ أَن يخرج برحمته من أَرَادَ من أهل النَّار، أَمر الْمَلَائِكَة أَن يخرجُوا من النَّار من كَانَ لَا يُشْرك بِاللَّه شَيْئا مِمَّن أَرَادَ الله أَن يرحمه مِمَّن يَقُول: لَا إِلَه إِلَّا الله. قَوْله: (بعلامة آثَار السُّجُود) أثر السُّجُود هُوَ الْجَبْهَة، وَيحْتَمل أَن يُرَاد الْأَعْظَم السَّبْعَة. قَوْله: (وَحرم الله على النَّار) هُوَ جَوَاب عَن سُؤال مُقَدّر تَقْدِيره: كَيفَ يعرفونهم بأثر السُّجُود، مَعَ قَوْله فِي حَدِيث أبي سعيد عِنْد مُسلم: فأماتهم الله إماتة حَتَّى إِذا كَانُوا فحماً أذن بالشفاعة. حَاصِل الْمَعْنى: أَن الله عز وَجل يخصص أَعْضَاء السُّجُود من عُمُوم الْأَعْضَاء الَّتِي دلّ عَلَيْهَا هَذَا الْخَبَر، وَأَن الله منع النَّار أَن تحرق أثر السُّجُود من الْمُؤمن. قَوْله: (قد امتحشوا) . على صِيغَة الْمَجْهُول من الامتحاش بِالْحَاء الْمُهْملَة(23/134)
والشين الْمُعْجَمَة وَهُوَ الاحتراق، ويروى بِصِيغَة الْمَعْلُوم وَهُوَ الْأَصَح. قَوْله: (مَاء الْحَيَاة) وَفِي حَدِيث أبي سعيد: (فيلقون فِي نهر الْحَيَاة أَو الحيا) . وَفِي رِوَايَة أُخْرَى: (فيلقون فِي نهر بأفواه الْجنَّة يُقَال لَهُ: مَاء الْحَيَاة) . والأفواه جمع فوهة على غير قِيَاس. قَوْله: (الْحبَّة) ، بِكَسْر الْحَاء بزر الرياحين، وَقيل: بزور الصَّحرَاء. قَوْله: (فِي حميل السَّيْل) أَي: فِي محموله أَي: فِي الَّذِي يحملهُ السَّيْل من الغثاء، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ فِي: بَاب صفة الْجنَّة وَالنَّار. قَوْله: (وَيبقى رجل مِنْهُم) فِي رِوَايَة الْكشميهني: (وَكَانَ هَذَا الرجل نباشاً من بني إِسْرَائِيل) . قَوْله: (فَيَقُول: يَا رب) فِي رِوَايَة إِبْرَاهِيم بن سعد: (أَي رب) ، على مَا يَجِيء فِي التَّوْحِيد. قَوْله: (قد قشبني) ، بقاف وشين مُعْجمَة مفتوحتين مخففاً وَرُوِيَ التَّشْدِيد، وَقَالَ الْخطابِيّ: قشب الدُّخان إِذا مَلأ خياشيمه وَأخذ يكظمه. وَقَالَ الْكرْمَانِي: القشب الْإِصَابَة بِكُل مَا يكره ويستقذر. قَوْله: (ذكاؤها) ، كَذَا هُوَ بِالْمدِّ فِي رِوَايَة الْأصيلِيّ وكريمة، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر وَغَيره: (ذكاها) ، بِالْقصرِ وَهُوَ الْأَشْهر فِي اللُّغَة، وَقَالَ ابْن القطاع: يُقَال: ذكت النَّار تذكو ذكاً بِالْقصرِ وذكواً بِالضَّمِّ وَتَشْديد الْوَاو أَي: كثر لهبها وَاشْتَدَّ اشتعالها ووهجها. قَوْله: (فاصرف وَجْهي عَن النَّار) ، قيل: كَيفَ يَقُول هَذَا القَوْل وَالْحَال أَنه يمر على الصِّرَاط طَالبا الْجنَّة فوجهه إِلَى الْجنَّة؟ وَأجِيب: بِأَنَّهُ قيل: إِنَّه كَانَ يتقلب على الصِّرَاط ظهرا لبطن فَكَأَنَّهُ فِي تِلْكَ الْحَالة انْتهى إِلَى آخِره فصادف أَن وَجهه كَانَ من قبل النَّار وَلم يقدر على صرفه عَنْهَا بِاخْتِيَارِهِ، فَسَأَلَ الله تَعَالَى فِي ذَلِك.
قلت: الْأَحْسَن أَن يُقَال إِنَّه من قبيل قَوْله تَعَالَى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} (الْفَاتِحَة: 6) أَي: ثَبت صرف وَجْهي عَن النَّار لِأَنَّهُ لما توجه إِلَى الْجنَّة سَأَلَ الله تَعَالَى أَن يديم عَلَيْهِ صرف وَجهه عَن النَّار لما كَانَ يقاسي مِنْهَا. قَوْله: (فَيصْرف وَجهه عَن النَّار) ، على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (مَا أغدرك!) فعل التَّعَجُّب من الْغدر وَهُوَ نقض الْعَهْد وَترك الْوَفَاء. قَوْله: (فَإِذا رأى مَا فِيهَا) ، فَإِن قلت: كَيفَ رأى مَا فِي الْجنَّة وَالْحَال أَنه لم يدخلهَا وقتئذٍ؟ .
قلت: لِأَن جِدَار الْجنَّة شفاف فَيرى بَاطِنهَا من ظَاهرهَا كَمَا جَاءَ فِي وصف الغرف، وَقيل: المُرَاد من الرُّؤْيَة الْعلم الَّذِي يحصل لَهُ من سطوع رائحتها الطّيبَة وأنوارها المضيئة كَمَا كَانَ يحصل لَهُ من سطوع رَائِحَة النَّار ونفحها وَهُوَ خَارِجهَا. قَوْله: (لَا تجعلني أَشْقَى خلقك) ، المُرَاد بالخلق هُنَا من دخل الْجنَّة، قيل: لَيْسَ هُوَ أَشْقَى الْخلق لِأَنَّهُ مُؤمن خَارج من النَّار. وَأجِيب: بِأَن الأشقى بِمَعْنى الشقي، أَو يخصص الْخلق بالخارجين مِنْهَا. قَوْله: (حَتَّى يضْحك) ، قيل: الضحك لَا يَصح على الله. وَأجِيب: بِأَنَّهُ مجَاز عَن الرِّضَا بِهِ. قَوْله: (من كَذَا) أَي: من الْجِنْس الْفُلَانِيّ.
قَوْله: (قَالَ أَبُو هُرَيْرَة) هُوَ مَوْصُول بالسند الْمَذْكُور. قَوْله: (وَذَلِكَ الرجل) ، قيل: اسْمه هناد بالنُّون والمهملة، وَقيل: جُهَيْنَة، وَقد وَقع فِي (غرائب مَالك) : للدارقطني من طَرِيق عبد الْملك بن الحكم وَهُوَ رَوَاهُ عَن مَالك عَن نَافِع عَن ابْن عمر رَفعه: (إِن آخر من يدْخل الْجنَّة رجل من جُهَيْنَة يُقَال لَهُ: جُهَيْنَة، فَيَقُول أهل الْجنَّة: عِنْد جُهَيْنَة الْخَبَر الْيَقِين) . وَقيل: وَجه الْجمع بَين الرِّوَايَتَيْنِ أَنه يجوز أَن يكون أحدالإسمين لأحد الْمَذْكُورين وَالْآخر للْآخر. قَوْله: (الْأَمَانِي) جمع أُمْنِية. قَوْله: (هَذَا لَك وَمثله مَعَه) ، هَذَا إِشَارَة إِلَى متمناه الَّذِي وقف عَلَيْهِ.
قَوْله: (قَالَ: وَأَبُو سعيد الْخُدْرِيّ جَالس) الْقَائِل هُوَ عَطاء بن يزِيد بَينه إِبْرَاهِيم بن سعد فِي رِوَايَته عَن الزُّهْرِيّ قَالَ: قَالَ عَطاء بن يزِيد: وَأَبُو سيعد الْخُدْرِيّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَوْله: (هَذَا لَك عشرَة أَمْثَاله) ، وَجه الْجمع بَين الرِّوَايَتَيْنِ أَنه يحْتَمل أَن يكون قد أخبر بِالْمثلِ أَو لَا ثمَّ اطلعه الله تَعَالَى بتفضله بِالْعشرَةِ.
35 - (بابٌ فِي الحَوْضِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر حَوْض النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، والحوض الَّذِي يجمع فِيهِ المَاء وَيجمع على أحواض وحياض. وَالْأَحَادِيث الَّتِي وَردت فِيهِ كَثِيرَة بِحَيْثُ صَارَت متواترة من جِهَة الْمَعْنى، وَالْإِيمَان بِهِ وَاجِب وَهُوَ الْكَوْثَر على بَاب الْجنَّة يسقى الْمُؤْمِنُونَ مِنْهُ، وَهُوَ مَخْلُوق الْيَوْم. وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ فِي (التَّذْكِرَة) : ذهب صَاحب (الْقُوت) : وَغَيره إِلَى أَن الْحَوْض يكون بعد الصِّرَاط، وَذهب آخَرُونَ إِلَى الْعَكْس، وَالصَّحِيح أَن للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، حوضين: أَحدهمَا فِي الْموقف قبل الصِّرَاط، وَالْآخر دَاخل الْجنَّة، وكل مِنْهُمَا يُسمى: كوثراً، وَفِي بعض النّسخ: كتاب فِي الْحَوْض، وَقَبله الْبَسْمَلَة.(23/135)
وقَوْلِ الله تَعَالَى: { (108) إنَّا أعطيناك الْكَوْثَر} (الْكَوْثَر: 1)
وَقَول الله بِالْجَرِّ عطف على قَوْله: فِي الْحَوْض، الْكَوْثَر فوعل من الْكَثْرَة، وَالْعرب تسمى كل شَيْء كثير فِي الْعدَد أَو الْقدر والخطر: كوثراً، وَعَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة: قيل لعجوز آب ابْنهَا من السّفر: بِمَا آب ابْنك؟ قَالَت: آب بكوثر، يَعْنِي: بِمَال كثير، وَهُوَ اسْم لحوض النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا ذَكرْنَاهُ، وَعَن أنس رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. فِي ذكر الْكَوْثَر: هُوَ حَوْض ترد عَلَيْهِ أمتِي، وَقد اشْتهر اخْتِصَاص نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالحوض، لَكِن أخرج التِّرْمِذِيّ من حَدِيث سَمُرَة رَفعه: أَن لكل نَبِي حوضاً، وَقَالَ اخْتلف فِي وَصله وإرساله وَأَن الْمُرْسل أصح، والمرسل أخرجه ابْن أبي الدُّنْيَا بِسَنَد صَحِيح عَن الْحسن رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن لكل نَبِي حوضاً وَهُوَ قَائِم على حَوْضه بِيَدِهِ عَصا يَدْعُو من عرف من أمته، أَلا وَإِنَّهُم يتباهون أَيهمْ أَكثر تبعا وَإِنِّي لأرجو أَن أكون أَكْثَرهم تبعا، وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ من وَجه آخر عَن سَمُرَة مَوْصُولا مَرْفُوعا، وَفِي إِسْنَاد لين فَإِن ثَبت فالمختص بنبينا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْكَوْثَر الَّذِي يصب من مَائه فِي حَوْضه فَإِنَّهُ لم ينْقل نَظِيره لغيره، وَقد امتن الله عز وَجل عَلَيْهِ بِهِ فِي السُّورَة الْمَذْكُورَة.
وَقد أنكر الْحَوْض الْخَوَارِج وَبَعض الْمُعْتَزلَة، وَمِمَّنْ كَانَ يُنكره عبيد الله بن زِيَاد أحد أُمَرَاء الْعرَاق، وَهَؤُلَاء ضلوا فِي ذَلِك وخرقوا إِجْمَاع السّلف وفارقوا مَذْهَب أَئِمَّة الْخلف.
وَرويت أَحَادِيث الْحَوْض عَن أَكثر من خمسين صحابياً. مِنْهُم: ابْن عمر وَأَبُو سعيد وَسَهل بن سعد وجندب وَأم سَلمَة وَعقبَة بن عَامر وَابْن مَسْعُود وَحُذَيْفَة وحارثة بن وهب والمستورد وَأَبُو ذَر وثوبان وَأنس وَجَابِر بن سَمُرَة، فَهَؤُلَاءِ أخرج عَنْهُم مُسلم، وَأَبُو بكر الصّديق وَزيد ابْن أَرقم وَأَبُو أُمَامَة وَعبد الله بن زيد وسُويد بن جبلة وَعبد الله الصنَابحِي والبراء بن عَازِب وَأَسْمَاء بنت أبي بكر وَخَوْلَة بنت قيس وَابْن عَبَّاس وَكَعب بن عجْرَة وَبُرَيْدَة وَأَبُو الدَّرْدَاء وَأبي بن كَعْب وَأُسَامَة بن زيد وَحُذَيْفَة بن أسيد وَحَمْزَة بن عبد الْمطلب ولقيط بن عَامر وَزيد بن ثَابت وَالْحسن بن عَليّ وَأَبُو بكرَة وَخَوْلَة بنت حَكِيم، وَحَدِيث أبي بكر عِنْد أَحْمد وَأبي عوَانَة، وَحَدِيث زيد بن أَرقم عِنْد الْبَيْهَقِيّ وَغَيره، وَحَدِيث أبي أُمَامَة عِنْد ابْن حبَان وَغَيره وَحَدِيث عبد الله بن زيد عِنْد البُخَارِيّ، وَحَدِيث سُوَيْد بن جبلة عِنْد أبي زرْعَة الدِّمَشْقِي فِي (مُسْنده) ، وَحَدِيث عبد الله الصنَابحِي عِنْد أَحْمد وَابْن مَاجَه، وَحَدِيث الْبَراء بن عَازِب ... وَحَدِيث أَسمَاء بنت أبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، عِنْد البُخَارِيّ، وَحَدِيث خَوْلَة بنت قيس عِنْد الطَّبَرَانِيّ، وَحَدِيث ابْن عَبَّاس عِنْد البُخَارِيّ، وَحَدِيث كَعْب ابْن عجْرَة عِنْد التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ، وَحَدِيث بُرَيْدَة عِنْد ابْن أبي عَاصِم وَأَحَادِيث ابْن أبي بن كَعْب وَمن ذكر مَعَه إِلَى: خَوْلَة بنت حَكِيم، كلهَا عِنْد ابْن أبي عَاصِم، وعرباض بن سَارِيَة عِنْد ابْن حبَان، وَأَبُو مَسْعُود البدري وسلمان الْفَارِسِي وَسمرَة بن جُنْدُب وَعقبَة بن عَمْرو عِنْد الطَّبَرَانِيّ، وخباب بن الْأَرَت عِنْد الْحَاكِم، والنواس بن سمْعَان عِنْد ابْن أبي الدُّنْيَا، وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف عِنْد ابْن مَنْدَه، وَعُثْمَان بن مَظْعُون عِنْد ابْن كثير فِي (نهايته) : ومعاذ بن جبل ولقيط بن صبرَة عِنْد ابْن الْقيم فِي (الْحَاوِي) : وَجَابِر بن عبد الله عِنْد أَحْمد وَالْبَزَّار، وَعمر وعائذ بن عَمْرو وَأَبُو بَرزَة وأخو زيد بن أَرقم وَيُقَال: إِن اسْمه: ثَابت عِنْد أَحْمد.
وَقَالَ عَبْدُ الله بنُ زَيْدٍ: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (اصْبِرُوا حتَّى تَلْقَوْنِي عَلى الحَوْضِ) .
عبد الله بن زيد بن عَاصِم الْمَازِني، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله البُخَارِيّ بِحَدِيث طَوِيل فِي غَزْوَة حنين.
5756 - حدّثني يَحْيَاى بنُ حَمَّادٍ حدّثنا أبُو عَوَانَةَ عنْ سُليْمانَ عنْ شَقِيقٍ عنْ عَبْدِ الله عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (أَنا فَرَطُكمْ عَلى الحوْضِ) .
(ح) وحدّثني عَمْرُو بنُ عَلِيٍّ حدّثنا مُحَمَّدُ بُن جَعْفَرٍ حدّثنا شُعْبَةُ عنِ المُغَيرَةِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا وائِلٍ عنْ عَبْدِ الله رَضِي الله عَنهُ، عَن النبيِّ صلى الله(23/136)
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (أَنا فَرَطُكُمْ عَلى الحَوْضِ، ولَيُرْفَعَنَّ مَعِي رِجالٌ مِنْكُمْ ثُمَّ لَيُخْتَلَجُنَّ دُونِي، فأقُولُ: يَا رَبِّ أصْحابي! فَيُقالُ: إنّكَ لَا تَدْرِي مَا أحْدَثُوا بَعْدَكَ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَفِي أَحَادِيث الْبَاب كلهَا ذكر الْحَوْض مَا عدا حَدِيث أبي هُرَيْرَة الَّذِي رُوِيَ عَنهُ عَطاء بن يسَار على مَا يَجِيء، إِن شَاءَ الله تَعَالَى، فَلَا يحْتَاج عِنْد ذكرهَا إِلَى ذكر وَجه الْمُطَابقَة.
وَأخرجه من طَرِيقين: الأول: عَن يحيى بن حَمَّاد الشَّيْبَانِيّ الْبَصْرِيّ عَن أبي عوَانَة الوضاح عَن سُلَيْمَان الْأَعْمَش عَن شَقِيق بن سَلمَة عَن عبد الله بن مَسْعُود. الثَّانِي: عَن عَمْرو بن عَليّ بن بَحر أبي حَفْص الْبَاهِلِيّ الْبَصْرِيّ الصَّيْرَفِي وَهُوَ شيخ مُسلم أَيْضا عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر عَن شُعْبَة عَن الْمُغيرَة بن مقسم الضَّبِّيّ عَن أبي وَائِل هُوَ شَقِيق الْمَذْكُور عَن عبد الله.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْفِتَن عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل. وَأخرجه مُسلم فِي فَضَائِل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن عُثْمَان بن أبي شيبَة وَغَيره.
قَوْله: (أَنا فَرَطكُمْ على الْحَوْض) الفرط بِفَتْح الْفَاء وَالرَّاء الَّذِي يتَقَدَّم الواردين ليصلح لَهُم الْحِيَاض والدلاء وَنَحْوهَا، يُقَال: فرطت الْقَوْم إِذا تقدمتهم لترداد لَهُم المَاء وتهيء لَهُم، وَفِيه بِشَارَة لهَذِهِ الْأمة فهنيئاً لمن كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فرطه.
قَوْله: (ليرفعن) على صِيغَة الْمَجْهُول أَي: يظهرهم لي حَتَّى أَرَاهُم. قَوْله: (ليختلجن) بِلَفْظ الْمَجْهُول أَيْضا أَي: يعدل بهم عَن الْحَوْض ويجذبون من عِنْدِي، قَالَ الْكرْمَانِي: وهم إِمَّا المرتدون وَإِمَّا العصاة.
تابَعَهُ عاصِمٌ عنْ أبي وائِلٍ وَقَالَ حُصَيْنٌ: عنْ أبي وائِلٍ عنْ حُذَيْفَةَ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
أَي: تَابع سُلَيْمَان الْأَعْمَش عَاصِم بن أبي النجُود قارىء الْكُوفَة فِي رِوَايَته عَن أبي وَائِل الْمَذْكُور عَن عبد الله بن مَسْعُود، وَوَصله الْحَارِث بن أبي أُسَامَة فِي (مُسْنده) : من طَرِيق سُفْيَان الثَّوْريّ عَن عَاصِم. قَوْله: (حُصَيْن) مصغر حصن بن عبد الرَّحْمَن عَن أبي وَائِل عَن حُذَيْفَة، يَعْنِي: خَالف حُصَيْن سُلَيْمَان الْأَعْمَش وعاصماً، فَقَالَ: عَن أبي وَائِل عَن حُذَيْفَة، وَوصل هَذِه الْمُتَابَعَة مُسلم من طَرِيق حُصَيْن.
7756 - حدّثنا مُسَدَّدٌ حدّثنا يَحْيَاى عنْ عُبَيْدِ الله حدّثني نافِعٌ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهُمَا، عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (أمامَكُمْ حَوْضٌ كَمَا بَيْنَ جَرْباءَ وأذْرُحَ) .
يحيى هُوَ الْقطَّان. وَعبيد الله هُوَ ابْن عمر الْعمريّ.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن زُهَيْر بن حَرْب وَغَيره.
قَوْله: (أمامكم) بِفَتْح الْهمزَة أَي: قدامكم. قَوْله: (حَوْض) وَفِي رِوَايَة السَّرخسِيّ: حَوْضِي، بِزِيَادَة يَاء الْإِضَافَة. قَوْله: (جرباء) بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الرَّاء وبالباء الْمُوَحدَة مَقْصُورا عِنْد الْجُمْهُور، وَقَالَ عِيَاض: جَاءَ فِي البُخَارِيّ ممدوداً، وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي (شرح مُسلم) : الصَّوَاب أَنَّهَا مَقْصُورَة وَذكرهَا البُخَارِيّ وَمُسلم، قَالَ: وَالْمدّ خطأ (وأذرح) بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الذَّال الْمُعْجَمَة وَضم الرَّاء وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة كَذَا فِي رِوَايَة الْجُمْهُور. قَالَ عِيَاض: وَوَقع فِي رِوَايَة العذري فِي مُسلم بِالْجِيم وَهُوَ وهم، قَالَ الْكرْمَانِي: وهما موضعان. قَالَ: وَفِي (صَحِيح مُسلم) قَالَ عبيد الله: فَسَأَلته يَعْنِي ابْن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا فَقَالَ: قَرْيَتَانِ بِالشَّام بَينهمَا مسيرَة ثَلَاث لَيَال. انْتهى.
قلت: قَالَ الرشاطي: الجرباء على لفظ تَأْنِيث الأجرب قَرْيَة بِالشَّام، وَقَالَ ابْن وضاح: أذرح بفلسطين، قَالَ الرشاطي: وباذرح بَايع الْحسن بن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، مُعَاوِيَة وَأَعْطَاهُ مُعَاوِيَة مِائَتي ألف دِرْهَم.
وَهَذَا الْموضع يحْتَاج إِلَى بسط كَلَام لوُقُوع الِاخْتِلَاف الْكثير فِي طول الْحَوْض وَعرضه، وَهنا قَالَ: مَا بَين جرباء وأذرح، وَلم بَين قدر الْمسَافَة بَينهمَا، وَفِي حَدِيث عبد الله بن عَمْرو على مَا يَجِيء حَوْضِي مسيرَة شهر، وَفِي حَدِيث أنس عِنْده أَيْضا: قدر حَوْضِي كَمَا بَين أَيْلَة وَصَنْعَاء من الْيمن، وَفِي حَدِيث حَارِثَة بن وهب عِنْده أَيْضا: كَمَا يبين الْمَدِينَة وَصَنْعَاء، وَفِي حَدِيث جَابر بن سَمُرَة عِنْد مُسلم: بعد مَا بَين طَرفَيْهِ كَمَا بَين صنعاء وأيلة، وَفِي حَيْثُ عقبَة بن عَامر عِنْده أَيْضا: وَإِن عرضه كَمَا بَين أَيْلَة إِلَى الْجحْفَة. وَفِي حَدِيث حُذَيْفَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: مَا بَين عدن وأيلة، وَفِي حَدِيث أبي ذَر: مَا بَين عمان إِلَى أَيْلَة. وَفِي حَدِيث أبي بردة عِنْد ابْن حبَان: مَا يين ناحيتي حَوْضِي كَمَا يبين أَيْلَة وَصَنْعَاء مسيرَة شهر. وَفِي حَدِيث جَابر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: كَمَا يبين صنعاء إِلَى(23/137)
الْمَدِينَة، وَفِي حَدِيث ثَوْبَان: مَا بَين عدن وعمان البلقاء، وَعند عبد الرَّزَّاق فِي حَدِيث ثَوْبَان: مَا بَين مَكَّة وأيلة، وَفِي لفظ: مَا بَين مَكَّة وعمان، وَفِي حَدِيث عبد الله بن عمر وَعند أَحْمد: بعْدهَا بَين مَكَّة وأيلة، وَفِي لفظ: مَا بَين مَكَّة وعمان، وَفِي حَدِيث حُذَيْفَة بن أسيد: مَا بَين صنعاء إِلَى بَصرِي، وَفِي حَدِيث أنس عِنْد أَحْمد: كَمَا بَين مَكَّة وأيلة، أَو: بَين صنعاء وَمَكَّة، وَفِي حَدِيث أبي سعيد عِنْد ابْن أبي شيبَة وَابْن مَاجَه: مَا بَين كعبة إِلَى الْقُدس، وَفِي حَدِيث عتبَة بن عمر وَعند الطَّبَرَانِيّ: كَمَا بَين الْبَيْضَاء إِلَى بَصرِي.
وَقد جمع الْعلمَاء بَين هَذَا الِاخْتِلَاف، فَقَالَ القَاضِي عِيَاض: هَذَا من اخْتِلَاف التقادير لِأَن ذَلِك لم يَقع فِي حَدِيث وَاحِد فيعد اضطراباً من الروَاة، وَإِنَّمَا جَاءَ من أَحَادِيث مُخْتَلفَة عَن غير وَاحِد من الصَّحَابَة سَمِعُوهُ فِي مَوَاطِن مُخْتَلفَة، وَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يضْرب فِي كل مِنْهَا مثلا لبعد أقطار الْحَوْض وسعته بِمَا سنح لَهُ من الْعبارَة، وَيقرب ذَلِك ببعد مَا بَين الْبِلَاد النائية بَعْضهَا من بعض، لَا على إِرَادَة الْمسَافَة المتحققة. قَالَ: فَبِهَذَا يجمع بَين الْأَلْفَاظ الْمُخْتَلفَة من جِهَة الْمَعْنى. انْتهى. وَقَالَ بَعضهم: وَفِيه نظر من جِهَة أَن ضرب الْمثل وَالتَّقْدِير إِنَّمَا يكون فِيمَا يتقارب، وَإِمَّا هَذَا الِاخْتِلَاف المتباعد الَّذِي يزِيد تَارَة إِلَى ثَلَاثِينَ يَوْمًا، وَينْقص إِلَى ثَلَاثَة أَيَّام فَلَا. انْتهى.
قلت: فِي نظره نظر لِأَنَّهُ يحْتَمل أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لما أخبر بِثَلَاثَة أَيَّام كَانَ هَذَا الْمِقْدَار، ثمَّ إِن الله تَعَالَى تفضل عَلَيْهِ باتساعه شَيْئا بعد شَيْء، وَكلما اتَّسع أخبرهُ بِقدر مَا اتَّسع، وكل من روى بِمِقْدَار خلاف مَا رَوَاهُ غَيره بِحَسب ذَلِك، وَبِهَذَا الْوَجْه يحصل الْجَواب الشافي عَن الِاخْتِلَاف الْمَذْكُور، فَلَا يحْتَاج بعد ذَلِك إِلَى كَلَام طَوِيل غير طائل، كَمَا صدر ذَلِك عَن بَعضهم.
وَأما تَفْسِير الْمَوَاضِع الْمَذْكُورَة فَنَقُول: الأيلة مَدِينَة كَانَت عامرة وَهِي بِطرف بَحر القلزم من طرف الشَّام، وَهِي الْآن خراب يمر بهَا الْحَاج من مصر وغزة وإليها تنْسب الْعقبَة الْمَشْهُورَة عِنْد أهل مصر، بَينهَا وَبَين الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة نَحْو شهر بسير الأثقال كل يَوْم مرحلة. وإلاَّ فدون ذَلِك. وَصَنْعَاء: ثِنْتَانِ إِحْدَاهمَا: صنعاء الْيمن أعظم مدنها. وَالْأُخْرَى: صنعاء قَرْيَة عل بَاب دمشق من نَاحيَة بَاب الفراديس، قَالَه ياقوت، وَالْأولَى هِيَ المرادة فِي الحَدِيث، فَلذَلِك قيد فِي الحَدِيث: وَصَنْعَاء من الْيمن. والجحفة بِضَم الْجِيم وَسُكُون الْحَاء وَهُوَ مَوضِع بِالْقربِ من رابغ وَهِي من مِيقَات أهل الشَّام ومصر، وَالْيَوْم أهل الشَّام يحرمُونَ من ذِي الحليفة مِيقَات أهل الْمَدِينَة، وعدن مَدِينَة فِي أقْصَى الْيمن على سَاحل بَحر الْهِنْد، وعمان ثِنْتَانِ. الأولى بِفَتْح الْعين وَتَشْديد الْمِيم وبتخفيفها بلد قريب من البلقاء فلذك قيل عمان البلقاء، وَالْأُخْرَى بِضَم الْعين وَتَخْفِيف الْمِيم بلد على شاطىء الْبَحْر بَين الْبَصْرَة وعدن. والبلقاء: بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون اللَّام بعْدهَا قَاف وبالمد بَلْدَة مَعْرُوفَة من فلسطين، قَالَه بَعضهم.
قلت: البلقاء تمد وتقصر، وَقَالَ الرشاطي: البلقاء من عمل دمشق. وبصري: بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الصَّاد الْمُهْملَة، قَالَ ياقوت: بلد بِالشَّام وَهِي قَصَبَة حوران من أَعمال دمشق. والبيضاء: بِالْقربِ من الربذَة الْبَلَد الْمَعْرُوف بَين مَكَّة وَالْمَدينَة، وَقَالَ الرشاطي: الْبَيْضَاء تَأْنِيث الْأَبْيَض، مَوضِع تِلْقَاء حمى الربذَة.
8756 - حدّثني عَمْرُو بنُ مُحَمدٍ حدّثنا هُشَيْمٌ أخبرنَا أبُو بِشْرٍ وعَطاءُ بنُ السَّائِبِ عنْ سَعِيدِ بن جُبَيْرٍ عنِ ابنِ عبَّاسٍ رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: الكَوْثَرُ الخَيرُ الكثيرُ الّذِي أعْطاهُ الله إيَّاهُ.
(انْظُر الحَدِيث 6694) .
أَشَارَ بِهِ إِلَى تَفْسِير الْكَوْثَر فِي قَوْله تَعَالَى: {إِنَّا أعطيناك الْكَوْثَر} (الْكَوْثَر: 1) .
قد مضى هَذَا فِي تَفْسِير سُورَة الْكَوْثَر فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم عَن هشيم عَن أبي بشر عَن سعيد بن جُبَير، وَهنا أخرجه عَن عَمْرو بن مُحَمَّد بن بكير النَّاقِد الْبَغْدَادِيّ وَهُوَ شيخ مُسلم أَيْضا يروي عَن هشيم مصغر هشم ابْن بشير بِالتَّصْغِيرِ أَيْضا عَن أبي بشر بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة جَعْفَر بن أبي وحشية واسْمه إِيَاس، وَعَن عَطاء بن السَّائِب الْكُوفِي الْمُحدث الْمَشْهُور من صغَار التَّابِعين صَدُوق اخْتَلَط فِي آخر عمره، وَسَمَاع هشيم مِنْهُ بعد اخْتِلَاطه، فَلذَلِك أخرج لَهُ البُخَارِيّ مَقْرُونا بِأبي بشر وَمَاله غَيره إلاَّ فِي هَذَا الْموضع.
قَوْله: (إِيَّاه) أَي: النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَالَ أبُو بِشْرٍ: قُلْتُ لِسَعِيدٍ: إنَّ أُناساً يَزْعَمُونَ أنّهُ نَهَرٌ فِي الجَنّةِ؟ فَقَالَ سَعيدٌ: النَّهَرُ الّذِي فِي الجَنة(23/138)
ِ مِنَ الخَيْرِ الّذي أعْطاهُ الله إيَّاهُ.
أَبُو بشر هُوَ جَعْفَر الْمَذْكُور، وَسَعِيد هُوَ ابْن جُبَير. قَوْله: إِنَّه، أَي: إِن الْكَوْثَر نهر فِي الْجنَّة، قَالَ الْهَرَوِيّ: جَاءَ فِي التَّفْسِير أَنه أَي: الْكَوْثَر الْقُرْآن والنبوة.
9756 - حدّثنا سَعيدُ بنُ أبي مَرْيَمَ حدّثنا نافِعُ بنُ عُمَرَ عنِ ابنِ أبي مُلَيْكَةَ قَالَ: قَالَ عَبْدُ الله بنُ عَمْروٍ: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: قَوْله: (حَوْضِي مَسِيرَةُ شَهْرٍ، ماؤُهُ أبْيَضُ مِنَ اللَّبَنِ، ورِيحُهُ أطْيَبُ مِنَ المِس، وكِيزانُهُ كَنُجُومِ السَّماءِ، مَنْ شَرِبَ مِنْها فَلاَ يَظْمَأُ أبَداً) .
سعيد بن مُحَمَّد بن الحكم بن أبي مَرْيَم الجُمَحِي الْمصْرِيّ، وَنَافِع بن عمر الجُمَحِي الْمَكِّيّ، وَابْن أبي مليكَة عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن أبي مليكَة التَّيْمِيّ الْمَكِّيّ، يروي عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم أَيْضا فِي الْحَوْض عَن دَاوُد بن عَمْرو عَن نَافِع بِهِ. قَوْله: (حَوْضِي مسيرَة شهر) وَفِي رِوَايَة مُسلم: مسيرَة شهر وزواياه سَوَاء. قَوْله: (مَاؤُهُ أَبيض من اللَّبن) قَالَ الْمَازرِيّ: مُقْتَضى كَلَام النُّحَاة أَن يُقَال: أَشد بَيَاضًا، وَلَا يُقَال: أَبيض من كَذَا، وَمِنْهُم من أجَازه فِي الشّعْر، وَمِنْهُم من أجَاز بقلة، وَيشْهد لَهُ هَذَا الحَدِيث وَغَيره، وَقَالَ بَعضهم: يحْتَمل أَن يكون ذَلِك من تصرف الروَاة، فقد وَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر عِنْد مُسلم بِلَفْظ: أَشد بَيَاضًا من اللَّبن. انْتهى.
قلت: القَوْل بِأَن هَذَا جَاءَ من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أولى من نِسْبَة الروَاة إِلَى الْغَلَط على زعم النُّحَاة، واستشهاده لذَلِك بِرِوَايَة مُسلم لَا يفِيدهُ لِأَنَّهُ لَا مَانع أَن يكون النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، اسْتعْمل أفعل التَّفْضِيل من اللَّوْن فَيكون حجَّة على النُّحَاة. قَوْله: (وريحه أطيب من الْمسك) وَعند التِّرْمِذِيّ من حَدِيث ابْن عمر: أطيب ريحًا من الْمسك، وَعند ابْن حبَان فِي حَدِيث أبي أُمَامَة: أطيب رَائِحَة، وَزَاد ابْن أبي عَاصِم وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي حَدِيث بُرَيْدَة: وألين من الزّبد، وَزَاد مُسلم فِي حَدِيث أبي ذَر وثوبان: وَأحلى من الْعَسَل، وَزَاد أَحْمد فِي حَدِيث ابْن عَمْرو من حَدِيث ابْن مَسْعُود: وأبرد من الثَّلج، وَعند التِّرْمِذِيّ فِي حَدِيث ابْن عمر: وماؤه أَشد بردا من الثَّلج. قَوْله: (وكيزانه) جمع كوز قَوْله: (كنجوم السَّمَاء) الظَّاهِر أَن التَّشْبِيه فِي الْعدَد، وَيحْتَمل أَن يكون فِي الضياء. وَعند مُسلم من حَدِيث ابْن عمر: فِيهِ أَبَارِيق كنجوم السَّمَاء. قَوْله: (من شرب مِنْهَا) أَي: من الكيزان، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: من شرب مِنْهُ، أَي: من شرب من الْحَوْض. قَوْله: (فَلَا يظمأ أبدا) أَي: فَلَا يعطش أبدا، وَزَاد ابْن أبي عَاصِم فِي حَدِيث أبي ابْن كَعْب: وَمن صرف عَنهُ لم يرو أبدا.
0856 - حدّثنا سَعيدُ بنُ عُفَيْرٍ قَالَ: حدّثني ابنُ وَهْبٍ عنْ يُونُسَ قَالَ ابنُ شِهابٍ: حدّثني أنَسُ ابنُ مالِكٍ رَضِي الله عَنهُ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (إنَّ قَدْرَ حَوْضِي كَمَا بَيْنَ أيْلَةَ وصَنْعاءَ منَ اليَمَنِ، وإنَّ فِيهِ مِنَ الأبارِيقِ كَعَدَدِ نُجُومِ السَّماءِ) .
سعيد بن عفير هُوَ سعيد بن كثير بن عفير أَبُو عُثْمَان الْمصْرِيّ يروي عَن عبد الله بن وهب الْمصْرِيّ عَن يُونُس بن يزِيد الأياي.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي فَضَائِل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَن حَرْمَلَة.
قَوْله: (حَدثنِي أنس) هَذَا يرد قَول من قَالَ بِأَن ابْن شهَاب لم يسمعهُ من أنس. قَوْله: (وَصَنْعَاء من الْيمن) احْتَرز بقوله: (من الْيمن) ، عَن صنعاء الَّتِي من الشَّام، وَقد ذَكرْنَاهُ عَن قريب. قَوْله: (من الأباريق) جمع إبريق، قَالَ الْجَوْهَرِي: الإبريق فَارسي مُعرب، قَوْله: (كعدد نُجُوم السَّمَاء) التَّشْبِيه هُنَا فِي الْعدَد.
1856 - حدّثنا أبُو الوَليدِ حدّثنا هَمَّامٌ عنْ قَتادَةَ عنْ أنَسٍ عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وحدّثنا هدْبَةُ بنُ خالِدٍ حَدثنَا هَمَّامٌ حَدثنَا قَتادَةُ حَدثنَا أنَسُ بنُ مالِكٍ عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (بَيْنَما أَنا أسيرُ فِي الجنّةِ إِذا أَنا بِنَهَرَ حافَتاهُ قِبابُ الدُّرِّ المُجَوَّفِ. قُلْتُ: مَا هاذا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَذَا الكَوْثَر(23/139)
ُ الّذي أعْطاكَ رَبُّكَ، فَإِذا طِينُهُ أوْ طِيبُهُ مِسْكٌ أذْفَرُ) ، شَكَّ هُدْبَةُ.
أَبُو الْوَلِيد هِشَام بن عبد الْملك. وَهَمَّام هُوَ ابْن يحيى الْأَزْدِيّ.
وَأخرج الحَدِيث من طَرِيقين. الأول: عَن أبي الْوَلِيد عَن همام عَن قَتَادَة عَن أنس. وَالثَّانِي: عَن هدبة بن خَالِد ... إِلَى آخِره، وَفِيه صرح بتحديث الزُّهْرِيّ عَن أنس، وَفِي الطَّرِيق الأول بالعنعنة.
قَوْله: (بَيْنَمَا أَنا أَسِير فِي الْجنَّة) كَانَ هَذَا فِي لَيْلَة الْإِسْرَاء، وَصرح بذلك فِي تَفْسِير سُورَة الْكَوْثَر، وَقَالَ الدَّاودِيّ: إِن كَانَ هَذَا أَي قَوْله: (إِذا أَنا بنهر) مَحْفُوظًا، دلّ على أَن الْحَوْض الَّذِي يدْفع عَنهُ أَقوام يَوْم الْقِيَامَة غير النَّهر الَّذِي فِي الْجنَّة، أَو يكون هُوَ الَّذِي يراهم وَهُوَ دَاخل وهم من خَارِجهَا فيناديهم فيصرفون عَنهُ، وَأنكر عَلَيْهِ بَعضهم فَقَالَ: يُغني عَنهُ أَن الْحَوْض الَّذِي هُوَ خَارج الْجنَّة يمد من النَّهر الَّذِي هُوَ دَاخل الْجنَّة، فَلَا إِشْكَال. انْتهى.
قلت: هَذَا الَّذِي قَالَه يحْتَاج إِلَى دَلِيل أَنه يمد من النَّهر الَّذِي فِي الْجنَّة، ونقول: أحسن من ذَلِك أَن يُقَال: إِن للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، حوضين: أَحدهمَا: فِي الْجنَّة، وَالْآخر يكون يَوْم الْقِيَامَة، وَقد ذكرنَا عَن قريب. قَوْله: (حافتاه) بتَخْفِيف الْفَاء أَي: جابناه وَلَا مُنَافَاة بَين كَونه نَهرا أَو الْحَوْض لِإِمْكَان اجْتِمَاعهمَا. قَوْله: (قباب الدّرّ) ، القباب بِكَسْر الْقَاف وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة الأولى جمع قبَّة من الْبناء، وَيجمع على قبب أَيْضا، والدر جمع درة وَهِي اللؤلؤة. قَوْله: (المجوف) أَي: الخاوي. قَوْله: (فَإِذا طينه) ، بِكَسْر الطَّاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف بعْدهَا نون. قَوْله: (أَو طيبه) بِكَسْر الطَّاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف بعْدهَا بَاء مُوَحدَة، وَالشَّكّ فِيهِ من هدبة شيخ البُخَارِيّ. قَوْله: (اذفر) ، بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة أَي: الذكي الرَّائِحَة، وَقَالَ ابْن فَارس: الذفر حِدة الرَّائِحَة الطّيبَة والخبيثة.
2856 - حدّثنا مُسْلمُ بنُ إبْرَاهِيمَ حدّثنا وُهَيْبٌ حدّثنا عبْدُ العَزِيزِ عنُ أنَسٍ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (لَيَرِدَنَّ عَليَّ ناسٌ منْ أصْحابي الحَوْضَ حتَّى إذَا عَرَفْتُهُمُ اخْتُلِجُوا دُونِي، فأقُولُ: أصْحابي {فَيَقُولُ: لاَ تَدْرِي مَا أحْدَثُوا بَعْدَكَ} ) .
وهيب مصغر وهب بن خَالِد الْبَصْرِيّ. وَعبد الْعَزِيز هُوَ ابْن صُهَيْب أَبُو حَمْزَة الْبَصْرِيّ.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي المناقب عَن مُحَمَّد بن حَاتِم.
قَوْله: (ليردن) بِاللَّامِ الْمَفْتُوحَة للتَّأْكِيد، ويردن بالنُّون الثَّقِيلَة. قَوْله: (عَليّ) ، بتَشْديد الْيَاء (وناس) بِالرَّفْع فَاعل: يردن، وَكلمَة: من، فِي: من أَصْحَابِي، للتبيين والحوض مَنْصُوب بقوله: ليردن. قَوْله: (اختلجوا) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَالْجِيم أَي: جذبوا، من الخلج وَهُوَ النزع والجذب. قَوْله: (دوني) أَي: بِالْقربِ مني. قَوْله: (فَأَقُول: أَصْحَابِي) بِالتَّكْبِيرِ فِي رِوَايَة الْكشميهني وَفِي رِوَايَة غَيره: (أصيحابي) بِالتَّصْغِيرِ. قَوْله: (فَيَقُول) وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: (فَيُقَال) . قَوْله: (مَا أَحْدَثُوا بعْدك!) أَي: من الْمعاصِي الْمُوجبَة الحرمان الشّرْب من الْحَوْض.
3856 - حدّثنا سَعِيدُ بنُ أبي مَرْيَمَ حدّثا مُحَمد بنُ مُطَرِّفٍ، حدّثني أبُو حازِمٍ عنْ سَهْلِ ابنِ سَعْدٍ: قَالَ: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إنِّي فَرَطُكُمْ عَلى الحَوْضِ، مَنْ مَرَّ عَلَيَّ شَرِبَ ومَنْ شَرِبَ لَمْ يَظْمأْ أبدا، لَيَرِدَنَّ عَلَيَّ أقْوَامٌ أعْرفُهُمْ ويَعْرفُونِي ثمَّ يُحالُ بَيْنِي وبَيْنَهُمْ) .
قَالَ أَبُو حَازِم فسمعني النُّعْمَان بن أبي عَيَّاش فَقَالَ هَكَذَا سَمِعت من سهل فَقلت نعم فَقَالَ أشهد على أبي سعيد الْخُدْرِيّ لسمعته وَهُوَ يزِيد فِيهَا فَأَقُول إِنَّهُم مني فَيُقَال إِنَّك لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بعْدك فَأَقُول سحقا سحقا لمن غير بعدِي وَقَالَ ابْن عَبَّاس سحقا بعدا يُقَال سحيق بعيد وسحقه وأسحقه أبعده) مُحَمَّد بن مطرف بِضَم الْمِيم وَفتح الطَّاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الرَّاء الْمَكْسُورَة وبالقاف أَبُو غَسَّان اللَّيْثِيّ الْمدنِي نزل عسقلان وَأَبُو حَازِم بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي سَلمَة بن دِينَار الْأَعْرَج وَسَهل بن سعد بن مَالك السَّاعِدِيّ الْأنْصَارِيّ قَوْله " إِنِّي فَرَطكُمْ " ويروى أَنا فَرَطكُمْ والفرط بِفتْحَتَيْنِ الَّذِي يتَقَدَّم الواردين ليصلح لَهُم الْحِيَاض وَقد مر عَن قريب قَوْله ويعرفوني ويروى(23/140)
ويعرفونني على الأَصْل قَوْله " يُحَال " على صِيغَة الْمَجْهُول من حَال بَين الشَّيْئَيْنِ إِذا منع أَحدهمَا من الآخر قَوْله " لسمعته " اللَّام فِيهِ للتَّأْكِيد قَوْله وَهُوَ يزِيد فِيهَا أَي وَالْحَال أَنه يزِيد فِي هَذِه الْمقَالة وَالَّذِي زَاده هُوَ قَوْله فَأَقُول إِلَى قَوْله وَقَالَ ابْن عَبَّاس قَوْله " سحقا " أَي بعدا وَكرر للتَّأْكِيد وَهُوَ نصب على الْمصدر وَهَذَا مشْعر بِأَنَّهُم مرتدون عَن الدّين لِأَنَّهُ يشفع للعصاة ويهتم بأمرهم وَلَا يَقُول لَهُم مثل ذَلِك قَوْله " وَقَالَ ابْن عَبَّاس " أَي عبد الله بن عَبَّاس وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله ابْن أبي حَاتِم من رِوَايَة عَليّ بن أبي طَلْحَة عَنهُ بِلَفْظَة قَوْله يُقَال سحيق أَي بعيد من كَلَام أبي عُبَيْدَة فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى {أَو تهوي بِهِ الرّيح فِي مَكَان سحيق} وَمِنْه النَّخْلَة السحوق الطَّوِيلَة قَوْله " سحقه " وأسحقه أبعده ثَبت هَذَا فِي رِوَايَة الْكشميهني وَأَشَارَ بِهِ إِلَى أَن معنى سحقه الَّذِي هُوَ ثلاثي وَمعنى أسحقه الَّذِي هُوَ مزِيد فِيهِ بِمَعْنى وَاحِد وَهُوَ أبعده وَهَذَا أَيْضا من كَلَام أبي عُبَيْدَة
5856 - وَقَالَ أحْمَدُ بنُ شَبِيبِ بنِ سَعِيدٍ الحَبَطِيُّ: حدّثنا أبي عنْ يُونسَ عنِ ابنِ شِهابٍ عنْ سَعِيدِ بنِ المُسَيَّبِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ أنَّهُ كانَ يُحَدِّثُ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (يَرِدُ عَلَيَّ يَوْمَ القيامةِ رَهطٌ مِنْ أصْحابي فَيُحَلَّؤْونَ عنِ الحَوْضِ، فأقُولُ: يَا رَبِّ أصْحابي {فَيَقُولُ: إنَّك لاَ علْمَ لَكَ بِما أحْدَثُوا بَعْدَكَ إنهُمُ ارْتَدُّوا عَلى أدْبارِهِمُ القَهْقَهرَى) .
هَذَا تَعْلِيق عَن أَحْمد بن شبيب بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة الأولى ابْن سعيد الحبطي بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة وبالطاء الْمُهْملَة ينْسب إِلَى الحبطات من تَمِيم وَهُوَ الْحَارِث بن عَمْرو بن تَمِيم بن مر، والْحَارث هُوَ الحبط وَولده يُقَال لَهما: الحبطات، وَأحمد هَذَا يروي عَن أَبِيه شبيب بن سعيد عَن يُونُس بن يزِيد عَن مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ.
وَوصل هَذَا التَّعْلِيق أَبُو عوَانَة عَن أبي زرْعَة الرَّازِيّ وَأبي الْحسن الْمَيْمُونِيّ قَالَا: حَدثنَا أَحْمد بن شبيب بِهِ.
قَوْله: (يرد عَليّ) بتَشْديد الْيَاء. قَوْله: (رَهْط) قد مر غير مرّة أَن الرَّهْط من الرِّجَال مَا دون الْعشْرَة، وَقيل: إِلَى الْأَرْبَعين، وَلَا يكون فيهم امْرَأَة، وَلَا وَاحِد لَهُ من لَفظه، وَيجمع على أرهط وأرهاط وأراهط، جمع الْجمع. قَوْله: (فيحلؤون) ، من التحلثة بِالْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد اللَّام بعْدهَا همزَة مَضْمُومَة على صِيغَة الْمَجْهُول: أَي يمْنَعُونَ ويطردون يُقَال: حلأه عَن المَاء إِذا طرده وَمنعه مِنْهُ، هَذَا هَكَذَا فِي رِوَايَة الْكشميهني، ويروى: (فيجلون) على صِيغَة الْمَجْهُول أَيْضا بِالْجِيم الساكنة وَفتح اللاَّم أَي يصرفون. قَوْله: (على أدبارهم) ، ويروى: (على أَعْقَابهم) . قَوْله: (الْقَهْقَرِي) هُوَ الرُّجُوع إِلَى خلف، فَإِذا قلت: رجعت الْقَهْقَرِي فكأنك قلت: رجعت الرُّجُوع الَّذِي يعرف بِهَذَا الِاسْم، لِأَن الْقَهْقَرِي ضرب من الرُّجُوع، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: الْقَهْقَرِي مصدر فَيكون مَنْصُوبًا على المصدرية من غير لَفظه كَمَا فِي قَوْلك: قعدت جُلُوسًا.
6856 - حدّثنا أحْمَدُ بنُ صالِحٍ حدّثنا ابنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبرنِي يُونُسُ عنِ ابنِ شِهابٍ عنِ ابنِ المُسَيَّبِ أنَّهُ كانَ يحَدِّثُ عنْ أصْحابِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (يَرِدُ عَلَيَّ الحَوْضَ رِجالٌ مِنْ أصْحابي فَيُحَلَّوُونَ عنْهُ، فأقُولُ: يَا رَبِّ أصْحابي} فَيَقُولُ: إنَّكَ لَا عِلْمَ لَكَ بِما. أحْدَثُوا بَعْدَكَ، إنَّهُمُ ارْتَدُّوا عَلَى أدْبارِهِمُ القَهْقَرَى) . (انْظُر الحَدِيث 5856)
أَحْمد بن صَالح أَبُو جَعْفَر الْمصْرِيّ يروي عَن عبد الله بن وهب الْمصْرِيّ عَن يُونُس بن يزِيد عَن مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ عَن سعيد بن الْمسيب عَن أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، هَذَا هُوَ الحَدِيث الَّذِي مضى، غير أَن فِي ذَاك: قَالَ سعيد بن الْمسيب عَن أبي هُرَيْرَة: وَهنا قَالَ: عَن أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهَذَا الِاخْتِلَاف لَا يضر، لِأَن أَبَا هُرَيْرَة دَاخل فيهم، وَلَا يُقَال: إِنَّه رِوَايَة عَن مَجْهُول، لِأَن الصَّحَابَة كلهم عدُول.(23/141)
وَقَالَ شُعَيْبٌ عنِ الزُّهْرِيِّ: كانَ أبُو هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَيُجْلَوْنَ وَقَالَ عُقَيْلٌ: فَيُحَلُّؤونَ.
شُعَيْب هُوَ ابْن أبي حَمْزَة الْحِمصِي، وَأَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَن شعيباً وَعقيل بن خَالِد الْأَيْلِي اخْتلفَا فِي روايتهما عَن الزُّهْرِيّ، فروى شُعَيْب: فيجلون، بِالْجِيم وروى عقيل: فيحلؤون، بِالْحَاء الْمُهْملَة، وَقد مر ضبطهما وتفسيرهما الْآن.
وَقَالَ الزُّبَيْدِيُّ: عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ عنْ عُبَيْدِ الله بنِ أبي رافِعٍ عنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
الزبيدِيّ بِضَم الزَّاي وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالدال الْمُهْملَة نِسْبَة إِلَى زبيد، قَبيلَة. وَمن المنسوبين إِلَيْهَا: مُحَمَّد بن الْوَلِيد بن عَامر أَبُو الْهُذيْل الشَّامي الْحِمصِي صَاحب الزُّهْرِيّ، يروي عَن الزُّهْرِيّ عَن مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب الْقرشِي الْهَاشِمِي الْمدنِي الْمَشْهُور بالباقر، عَن عبيد الله بن أبي رَافع مولى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَاسم أبي رَافع أسلم. وَقَالَ الغساني: وَفِي بعض النّسخ عبد الله مكبر وَهُوَ وهم وَفِيه ثَلَاثَة من التَّابِعين وهم: الزُّهْرِيّ وَشَيْخه وَشَيخ شَيْخه، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله الدَّارَقُطْنِيّ فِي الْأَفْرَاد من رِوَايَة عبد الله بن سَالم عَنهُ كَذَلِك.
7856 - حدّثني إبْرَاهِيمُ بنُ المُنْذِرِ الحِزامِيُّ حَدثنَا مُحَمَّدُ بنُ فُلَيْحِ حَدثنَا أبي قَالَ: حَدثنِي هِلاَلٌ عنْ عَطاءِ بنِ يَسارٍ عنْ أبي هُرَيْرَةَ عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (بَيْنا أَنا قائِمٌ فإذَا زُمْرَةٌ، حتَّى إذَا عَرَفْتُهُمْ خَرَجَ رجُلٌ مِنْ بَيْنِي وبَيْنِهِمْ، فَقَالَ: هَلُمَّ. فَقُلْتُ: أيْنَ؟ قَالَ: إِلَى النَّارِ وَالله، قُلْتُ: وَمَا شأنُهُمْ؟ قَالَ: إنَّهُمُ ارْتَدُّوا بَعْدَكَ عَلى أدْبارِهِمُ القَهْقَرَي، ثُمَّ إذَا زُمْرَةٌ، حتَّى إذَا عَرَفْتُهُمْ خَرَجَ رجُلٌ مِنْ بَيْنِي وبَيْنِهِمْ فَقَالَ: هَلُمَّ. قُلْتُ: أيْنَ؟ قَالَ: إِلَى النَّارِ وَالله، قُلْتُ: مَا شأنُهُمْ؟ قَالَ: إنَّهُمُ ارْتَدُّوا بَعْدَكَ عَلى أدْبارِهِمُ القَهْقَرِي، فَلا أرَاهُ يخْلُصُ مِنْهُمْ إلاّ مِثْلُ هَمَلِ النَّعَمِ.
قيل لَا مُطَابقَة بَينه وَبَين التَّرْجَمَة على مَا لَا يخفى.
قلت: ذكره عقيب الحَدِيث السَّابِق لمطابقة بَينهمَا من حَيْثُ الْمَعْنى، فالمطابق للمطابق للشَّيْء مُطَابق لذَلِك الشَّيْء.
وَمُحَمّد بن فليح بِضَم الْفَاء يروي عَن أَبِيه فليح بن سُلَيْمَان عَن هِلَال بن عَليّ عَن عَطاء بن يسَار بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَالسِّين الْمُهْملَة، وَرِجَال سَنَده كلهم مدنيون.
والْحَدِيث أخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ وَأَبُو نعيم.
قَوْله: (بَينا أَنا قَائِم) بِالْقَافِ فِي رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة الْأَكْثَرين بالنُّون بدل الْقَاف، وَالْأول أوجه لِأَن المُرَاد هُوَ قِيَامه على الْحَوْض. وَوجه الأول أَنه رأى فِي الْمَنَام مَا سيقع لَهُ فِي الْآخِرَة. قَوْله: (فَإِذا زمرة) كلمة: إِذا، للمفاجأة، والزمرة الْجَمَاعَة. قَوْله: (خرج رجل) المُرَاد بِهِ الْملك الْمُوكل بِهِ على صُورَة الْإِنْسَان. قَوْله: (هَلُمَّ) خطاب للزمرة. وَمَعْنَاهُ: تَعَالَوْا، وَهُوَ على لُغَة من لَا يَقُول: هلما هلموا هَلُمِّي. قَوْله: (فَقلت) أَيْن؟ الْقَائِل هُوَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَي: تطلبهم إِلَى أَيْن تؤديهم؟ قَالَ: أؤديهم إِلَى النَّار. قَوْله: (وَمَا شَأْنهمْ؟) أَي: وَمَا حَالهم حَتَّى تروح بهم إِلَى النَّار؟ قَالَ: (إِنَّهُم ارْتَدُّوا)
إِلَى آخِره. قَوْله: (فَلَا أرَاهُ) بِضَم الْهمزَة أَي: فَلَا أَظن أَمرهم أَنه (يخلص مِنْهُم إلاَّ مثل همل النعم) بِفَتْح الْهَاء وَالْمِيم وَهُوَ مَا يتْرك مهملاً لَا يتعهد وَلَا يرْعَى حَتَّى يضيع وَيهْلك، أَي: لَا يخلص مِنْهُم من النَّار إلاَّ قَلِيل، وَهَذَا يشْعر بِأَنَّهُم صنفان: كفار وعصاة، وَقَالَ الْخطابِيّ: الهمل يُطلق على الضوال، وَيُقَال: الهمل الْإِبِل بِلَا رَاع مثل النفش إلاَّ أَن النفش لَا يكون إلاَّ لَيْلًا والهمل يكون لَيْلًا وَنَهَارًا، وَيُقَال: إبل هاملة وهمال وهوامل، وتركتها هملاً أَي: سدًى إِذا أرسلتها ترعى لَيْلًا أَو نَهَارا بِلَا راعٍ، وَفِي الْمثل: اخْتَلَط المرعى بالهمل.(23/142)
8856 - حدّثني إبْرَاهِيمُ بنُ المُنْذِرِ حدّثنا أنَسُ بنُ عِياض عنْ عُبَيْدِ الله عنْ خُبَيْبٍ عنْ حَفْصِ ابنِ عاصِم عنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ، أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (مَا بَيْنَ بَيْتِي ومِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِياضِ الجَنة ومِنْبَرِي عَلى حَوْضِي) .
عبيد الله هُوَ ابْن عمر الْعمريّ، وخبيب بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة الأولى ابْن عبد الرَّحْمَن أَبُو الْحَارِث الْأنْصَارِيّ خَال عبيد الله الْمَذْكُور، وَحَفْص بن عَاصِم بن عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَهُوَ جد عبيد الله الْمَذْكُور.
والْحَدِيث مضى فِي آخر الصَّلَاة، وَفِي آخر الْحَج عَن مُسَدّد عَن يحيى بن سعيد. وَأخرجه مُسلم فِي الْحَج عَن زُهَيْر بن حَرْب وَغَيره.
قَوْله: (ومنبري) قَالُوا: المُرَاد منبره بِعَيْنِه الَّذِي كَانَ فِي الدُّنْيَا، وَقيل: إِن لَهُ هُنَاكَ منبراً على حَوْضه يَدْعُو النَّاس عَلَيْهِ ... إِلَى الْحَوْض. قَوْله: (رَوْضَة) مَعْنَاهَا أَن ذَلِك الْموضع بِعَيْنِه ينْتَقل إِلَى الْجنَّة فَهُوَ حَقِيقَة، أَو أَن الْعِبَادَة فِيهِ تُؤدِّي إِلَى رَوْضَة الْجنَّة، فَهُوَ مجازٌ بِاعْتِبَار الْمَآل، أَي: مآل الْعِبَادَة فِيهِ الْجنَّة، أَو تَشْبِيه أَي: هُوَ كروضة، وسمى تِلْكَ الْبقْعَة الْمُبَارَكَة: رَوْضَة، لِأَن زوار قَبره من الْمَلَائِكَة وَالْإِنْس وَالْجِنّ لم يزَالُوا منكبين فِيهَا على ذكر الله تَعَالَى، وَقَالَ الْخطابِيّ: مَعْنَاهُ تَفْضِيل الْمَدِينَة وَالتَّرْغِيب فِي الْمقَام بهَا والاستكثار من ذكر الله فِي مَسْجِدهَا، وَأَن من لزم الطَّاعَة فِيهِ آلت بِهِ إِلَى رَوْضَة الْجنَّة، وَمن لزم الْعِبَادَة عِنْد الْمِنْبَر سقِِي يَوْم الْقِيَامَة من الْحَوْض.
0956 - حدّثنا عَمْرُو بنُ خالِدٍ حدّثنا اللّيْثُ عنْ يَزِيدَ عنْ أبي الخَيْرِ عنْ عُقْبَةَ رَضِي الله عَنهُ، أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَرَجَ يَوْماً فَصَلَّى عَلى أهْلِ أُحُدٍ صَلاَتَهُ عَلى المَيِّتِ، ثُمَّ انْصَرَفَ عَلى المِنْبَرِ فَقَالَ: (إنِّي فَرَطٌ لَكُمْ، وَأَنا شَهِيدٌ عَلَيْكُمْ، وإنِّي وَالله لأنْظُرُ إِلَى حَوْضِي الآنَ، وإنِّي أُعْطِيتُ مَفاتِيحَ خَزَائِنِ الأرْضِ أوْ مَفاتِيحَ الأرْضِ وإنِّي وَالله مَا أخافُ عَلَيْكُمْ أنْ تَشْرِكُوا بَعْدِي، ولَكِنْ أخافُ عَلَيْكُمْ أنْ تَنافَسُوا فِيها) .
عَمْرو بن خَالِد الْجَزرِي بِالْجِيم وَالزَّاي وَالرَّاء، وَيزِيد من الزِّيَادَة ابْن أبي حبيب أَبُو ورجاء الْمصْرِيّ وَاسم أبي حبيب سُوَيْد، وَأَبُو الْخَيْر مرْثَد بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الرَّاء وَفتح الثَّاء الْمُثَلَّثَة ابْن عبد الله الْيَزنِي، وَعقبَة بن عَامر الْجُهَنِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي الْجَنَائِز عَن عبد الله بن يُوسُف، وَفِي عَلَامَات النُّبُوَّة عَن سعيد بن شُرَحْبِيل، وَفِي الْمَغَازِي عَن قُتَيْبَة وَغَيره. وَأخرجه مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ جَمِيعًا عَن قُتَيْبَة، فَمُسلم فِي فَضَائِل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، والآخران فِي الْجَنَائِز، وَمضى الْكَلَام فِيهِ مكرراً.
قَوْله: (فصلى على أهل أحد) أَي: دَعَا لَهُم بِدُعَاء صَلَاة الْمَيِّت، قَالَه الْكرْمَانِي، وَقيل: صلى صَلَاة الْمَوْتَى، وَهُوَ ظَاهر الحَدِيث، وَكَانَ ذَلِك بعد مَوْتهمْ بِثمَانِيَة أَعْوَام. قَوْله: (ثمَّ انْصَرف على الْمِنْبَر) ويروى: ثمَّ انْصَرف فَصَعدَ على الْمِنْبَر. قَوْله: (أَو مَفَاتِيح الأَرْض) شكّ من الرَّاوِي وَالْمرَاد: كنوز الأَرْض. قَوْله: (مَا أَخَاف عَلَيْكُم أَن تُشْرِكُوا) قيل: قد وَقع بعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ارتداد لبَعض الْأَعْرَاب. وَأجِيب: بِأَن الْخطاب للْجمع فَلَا يُنَافِي ارتداد الْبَعْض. قَوْله: (أَن تنافسوا) أَصله: تتنافسوا، فحذفت إِحْدَى التَّاءَيْنِ أَي: تراغبوا وَتَنَازَعُوا. قَوْله: (فِيهَا) أَي: فِي الدُّنْيَا. وَفِيه: عدَّة معجزات(23/143)
لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
1956 - حدّثنا عَلِيُّ بن عبْدِ الله حدّثنا حَرَمِيُّ بنُ عُمارَةَ حدّثا شُعْبَةُ عنْ مَعْبَدِ بنِ خالِدٍ أنّهُ سَمِعَ حارِثَةَ بنَ وَهْب يَقُولُ: سَمِعْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وذَكَرَ الحَوْضَ فَقَالَ: (كَمَا بَيْنَ المَدِينَةِ وصَنْعاء) .
وزَادَ ابنُ أبي عَدِيٍّ عنْ شُعْبَةَ عنْ مَعْبَدِ بنِ خالِدٍ عنْ حارِثَةَ سَمِعَ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَال: حَوْضُهُ مَا بَيْنَ صَنْعاءَ والمَدِينَةِ، فَقَالَ لهُ المُسْتَوْرِ: ألمْ تَسمَعْهُ قَالَ: الأوَانِي؟ قَالَ: لَا. قَالَ المُسْتَورِدُ: تُرى فِيهِ الآنِيَةُ مِثْلَ الكَوَاكِبِ.
عَليّ بن عبد الله بن الْمَدِينِيّ، وحرمي بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَالرَّاء وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف ابْن عمَارَة بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْمِيم وبالراء، ومعد بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْعين وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة ابْن خَالِد القَاضِي الْكُوفِي، وحارثة بن وهب الْخُزَاعِيّ نزل الْكُوفَة وَله أَحَادِيث، وَكَانَ أَخا لِعبيد الله بِالتَّصْغِيرِ ابْن عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ لأمه.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي فَضَائِل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن مُحَمَّد بن عبد الله وَغَيره.
قَوْله: (وَزَاد ابْن أبي عدي) وَهُوَ مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم، وَأَبُو عدي جده وَلَا يعرف اسْمه وَهُوَ بَصرِي ثِقَة كثير الحَدِيث.
وَوصل هَذِه الزِّيَادَة مُسلم: حَدثنِي مُحَمَّد بن عبد الله بن بزيع حَدثنَا ابْن أبي عدي عَن شُعْبَة عَن سعيد بن خَالِد عَن حَارِثَة أَنه سمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: حَوْضه مَا بَين صنعاء وَالْمَدينَة، فَقَالَ لَهُ الْمُسْتَوْرد: آلم تسمعه قَالَ: الْأَوَانِي؟ قَالَ: لَا. قَالَ الْمُسْتَوْرد: ترى فِيهِ الْآنِية.
قَوْله: (قَوْله: حَوْضه) ، ويروى: (قَالَ: حَوْضه) ، كَمَا فِي رِوَايَة مُسلم. قَوْله: (فَقَالَ لَهُ الْمُسْتَوْرد) على وزن مستفعل بِكَسْر الْعين ابْن شَدَّاد بن عَمْرو الْقرشِي الفِهري الصَّحَابِيّ بن الصَّحَابِيّ شهد فتح مصر وَسكن الْكُوفَة مَاتَ سنة خمس وَأَرْبَعين، وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ إلاَّ فِي هَذَا الْموضع، وَحَدِيثه مَرْفُوع، وَإِن لم يُصَرح بِهِ وَيلْزم مِنْهُ رَفعه سياقاً. قَوْله: (ألم تسمعه؟) أَي: ألم تسمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: الْأَوَانِي فِيهِ تكون كَذَا وَكَذَا؟ قَالَ حَارِثَة: لَا، فَقَالَ الْمُسْتَوْرد: ترى فِيهِ الْآنِية مثل الْكَوَاكِب، أَي: كَثْرَة وضياء، يَعْنِي أَنا سمعته قَالَ ذَلِك.
3956 - حدّثنا سَعِيدُ بنُ أبي مَرْيَمَ عنْ نافِعِ بنِ عُمَرَ قَالَ: حدّثني ابنُ أبي مُلَيْكَةَ عَن أسْماءَ بِنْتِ أبي بَكْرٍ رَضِي الله عَنْهُمَا، قالَتْ: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إنِّي عَلى الحَوْضِ حتَّى أنْظرُ مَنْ يَرِدُ عَلَيَّ مِنْكُمْ وسَيُؤُخذُ ناسٌ مِنْ دُونِي فأقُولُ: يَا ربِّ {مِنَّي ومِنْ أُمَّتِي} فَيُقالُ: هَلْ شَعَرْتَ مَا عَمِلُوا بَعْدَكَ؟ وَالله مَا بَرِحُوا يَرْجِعُونَ عَلَى أعْقَابِهِمْ) ، فَكانَ ابنُ أبي مُلَيْكَةَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إنّا نَعُوذُ بِكَ أنْ نَرْجِعَ عَلى أعْقابِنا أوْ نُفْتَنَ عنْ دِيننا. عَلى أعْقابِهِم ينْكِصُونَ يَرْجِعُونَ عَلى العَقِبِ. (الحَدِيث 3956 طرفه فِي: 8407)
ابْن أبي مليكَة عبد الله، مضى عَن قريب.
قَوْله: (حَتَّى أنظر) بِالنّصب أَي: إِلَى أَن أنظر. قَوْله: (من دوني) أَي: بِالْقربِ مني. قَوْله: (وَمن أمتِي) هَذَا يدْفع قَول من حمل النَّاس على غير هَذِه الْأمة. قَوْله: (هَل شَعرت) أَي: هَل علمت. وَقَالَ بَعضهم: فِيهِ: إِشْعَار إِلَى أَنه لم يعرف أشخاصهم بِعَينهَا وَإِن كَانَ قد عرف أَنهم من هَذِه الْأمة. انْتهى.
قلت: فِيهِ نظر لَا يخفى. قَوْله: (مَا عمِلُوا) وَيرى بِمَا عمِلُوا بِزِيَادَة الْبَاء. قَوْله: (مَا برحوا) أَي: مَا زَالُوا. قَوْله: (فَكَانَ ابْن أبي مليكَة يَقُول) مَوْصُول بالسند الْمَذْكُور. قَوْله: (أَو نفتن) على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (على أَعْقَابهم ينكصون) إِلَى آخِره هَكَذَا فسره أَبُو عُبَيْدَة فِي الْآيَة.(23/144)
28 - (كِتابُ القَدَرِ)
أَي: هَذَا كتاب فِي بَيَان الْقدر، وَذكره قَالَ الْكرْمَانِي: كتاب الْقدر، أَي: حكم الله تَعَالَى، قَالُوا: الْقَضَاء هُوَ الحكم الْكُلِّي الإجمالي فِي الْأَزَل، وَالْقدر جزئيات ذَلِك الحكم وتفاصيله الَّتِي تقع، قَالَ تَعَالَى: {وَإِن من شَيْء إِلَّا عندنَا خزائنه وَمَا ننزله إِلَّا بِقدر مَعْلُوم} (الْحجر: 12) وَمذهب أهل الْحق أَن الْأُمُور كلهَا من الْإِيمَان وَالْكفْر وَالْخَيْر وَالشَّر والنفع والضر بِقَضَاء الله وَقدره، وَلَا يجْرِي فِي ملكه إلاَّ مقدراته. وَقَالَ الرَّاغِب: الْقدر بِوَضْعِهِ يدل على الْقُدْرَة وعَلى الْمَقْدُور الْكَائِن بِالْعلمِ يتَضَمَّن الْإِرَادَة عقلا وَالْقَوْل نقلا. وَقدر الله الشَّيْء بِالتَّشْدِيدِ قَضَاهُ، وَيجوز التَّخْفِيف، وَفِي بعض النّسخ: بَاب الْقدر، بعد قَوْله: كتاب الْقدر، قيل: هَذَا زِيَادَة أبي ذَر عَن الْمُسْتَمْلِي.
1 - (حَدثنَا أَبُو الْوَلِيد هِشَام بن عبد الْملك حَدثنَا شُعْبَة أنبأني سُلَيْمَان الْأَعْمَش قَالَ سَمِعت زيد بن وهب عَن عبد الله قَالَ حَدثنَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ الصَّادِق المصدوق قَالَ إِن أحدكُم يجمع فِي بطن أمه أَرْبَعِينَ يَوْمًا نُطْفَة ثمَّ علقَة مثل ذَلِك ثمَّ يكون مُضْغَة مثل ذَلِك ثمَّ يبْعَث الله ملكا فَيُؤْمَر بِأَرْبَع برزقه وأجله وشقي أَو سعيد فوَاللَّه إِن أحدكُم أَو الرجل يعْمل بِعَمَل أهل النَّار حَتَّى مَا يكون بَينه وَبَينهَا غير بَاعَ أَو ذِرَاع فَيَسْبق عَلَيْهِ الْكتاب فَيعْمل بِعَمَل أهل الْجنَّة فيدخلها وَإِن الرجل ليعْمَل بِعَمَل أهل الْجنَّة حَتَّى مَا يكون بَينه وَبَينهَا غير ذِرَاع أَو ذراعين فَيَسْبق عَلَيْهِ الْكتاب فَيعْمل بِعَمَل أهل النَّار فيدخلها وَقَالَ آدم إِلَّا ذِرَاع) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة فِي مَعْنَاهُ وَزيد بن وهب أَبُو سُلَيْمَان الْهَمدَانِي الْكُوفِي من قضاعة خرج إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقبض النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ فِي الطَّرِيق سمع عبد الله بن مَسْعُود وَغَيره وَهَذَا الحَدِيث اشْتهر عَن الْأَعْمَش بالسند الْمَذْكُور هُنَا قَالَ عَليّ بن الْمَدِينِيّ فِي كتاب الْعِلَل كُنَّا نظن أَن الْأَعْمَش تفرد بِهِ حَتَّى وَجَدْنَاهُ من رِوَايَة سَلمَة بن كهيل عَن زيد بن وهب وَرِوَايَته عِنْد أَحْمد وَالنَّسَائِيّ وَلم ينْفَرد بِهِ زيد بن وهب أَيْضا عَن ابْن مَسْعُود بل رَوَاهُ عَنهُ أَبُو عُبَيْدَة بن عبد الله بن مَسْعُود عِنْد أَحْمد وعلقمة عِنْد أبي يعلى وَلم ينْفَرد بِهِ ابْن مَسْعُود أَيْضا بل رَوَاهُ جمَاعَة من الصَّحَابَة مطولا ومختصرا مِنْهُم أنس رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ على مَا يَجِيء عقيب هَذَا الحَدِيث وَحُذَيْفَة بن أسيد عِنْد مُسلم وَعبد الله بن عمر فِي الْقدر لِابْنِ وهب وَسَهل بن سعد وَسَيَأْتِي فِي هَذَا الْكتاب وَأَبُو هُرَيْرَة عِنْد مُسلم وَعَائِشَة عِنْد أَحْمد وَأَبُو ذَر عِنْد الْفرْيَابِيّ وَمَالك بن الْحُوَيْرِث عِنْد أبي نعيم فِي الطِّبّ وَغَيرهم وَهَذَا الحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ فِي التَّوْحِيد عَن آدم وَمضى فِي بَدْء الْخلق عَن الْحسن بن الرّبيع وَفِي خلق آدم عَن عمر بن حَفْص وَأخرجه مُسلم فِي الْقدر عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَغَيره وَأخرجه بَقِيَّة الْجَمَاعَة وَقد ذَكرْنَاهُ فِي بَدْء الْخلق وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ وَلَا نقتصر عَلَيْهِ فَقَوله أنبأني سُلَيْمَان الْأَعْمَش وَقَالَ فِي التَّوْحِيد حَدثنَا سُلَيْمَان الْأَعْمَش وَيفهم مِنْهُ أَن التحديث والأنباء عِنْد شُعْبَة سَوَاء وَيرد بِهِ على من زعم أَن شُعْبَة يسْتَعْمل الأنباء فِي الْإِجَازَة قَوْله " وَهُوَ الصَّادِق المصدوق " أَي الصَّادِق فِي نَفسه والمصدوق من جِهَة غَيره وَقَالَ الْكرْمَانِي لما كَانَ مَضْمُون الْخَبَر مُخَالفا لما عَلَيْهِ الْأَطِبَّاء أَرَادَ الْإِشَارَة إِلَى صدقه وَبطلَان مَا قَالُوهُ أَو ذكره تلذذا وتبركا وافتخارا قَالَ الْأَطِبَّاء إِنَّمَا يتَصَوَّر الْجَنِين فِيمَا بَين ثَلَاثِينَ يَوْمًا إِلَى الْأَرْبَعين وَالْمَفْهُوم من الحَدِيث أَن خلقه إِنَّمَا يكون بعد أَرْبَعَة أشهر انْتهى وَقَالَ بَعضهم بعد أَن نقل كَلَام الْكرْمَانِي مَا ملخصه أَنه لم يُعجبهُ مَا قَالَه الْكرْمَانِي حَيْثُ قَالَ وَقد وَقع هَذَا اللَّفْظ بِعَيْنِه فِي(23/145)
حَدِيث آخر لَيْسَ فِيهِ إِشَارَة إِلَى بطلَان شَيْء يُخَالف مَا ذكره وَهُوَ مَا ذكره أَبُو دَاوُد من حَدِيث الْمُغيرَة بن شُعْبَة سَمِعت الصَّادِق المصدوق يَقُوله لَا تنْزع الرَّحْمَة إِلَّا من قلب شقي وَمضى فِي عَلَامَات النُّبُوَّة من حَدِيث أبي هُرَيْرَة سَمِعت الصَّادِق المصدوق يَقُول هَلَاك أمتِي على يَد أغيلمة من قُرَيْش انْتهى قلت هَذَا مُجَرّد تحريش من غير طعم وَهَذِه نُكْتَة لَطِيفَة ذكرهَا من وَجْهَيْن فَالْوَجْه الثَّانِي يمشي فِي كل مَوضِع فِيهِ ذكر الصَّادِق المصدوق قَوْله إِن أحدكُم قَالَ أَبُو الْبَقَاء لَا يجوز أَن إِلَّا بِالْفَتْح لِأَنَّهُ مفعول حَدثنَا فَلَو كسر لَكَانَ مُنْقَطِعًا عَن حَدثنَا قلت لَا يجوز إِلَّا الْكسر لِأَنَّهُ وَقع بعد قَوْله قَالَ إِن أحدكُم وَلَفْظَة قَالَ مَوْجُودَة فِي كثير من النّسخ هَكَذَا حَدثنَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ الصَّادِق المصدوق قَالَ إِن أحدكُم وَإِن كَانَت لَفْظَة قَالَ غير مَذْكُورَة فِي الرِّوَايَة فَهِيَ مقدرَة فَلَا يتم الْمَعْنى إِلَّا بهَا قَوْله إِن أحدكُم يجمع فِي بطن أمه كَذَا هُوَ فِي رِوَايَة أبي ذَر عَن شَيْخه وَله عَن الْكشميهني إِن خلق أحدكُم يجمع فِي بطن أمه وَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَة آدم فِي التَّوْحِيد وَكَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين عَن الْأَعْمَش وَفِي رِوَايَة أبي الْأَحْوَص عَنهُ إِن أحدكُم يجمع خلقه فِي بطن أمه وَفِي رِوَايَة ابْن مَاجَه إِنَّه يجمع خلق أحدكُم فِي بطن أمه وَالْمرَاد من الْجمع ضم بعضه إِلَى بعض بعد الانتشار والخلق بِمَعْنى الْمَخْلُوق كَقَوْلِهِم هَذَا دِرْهَم ضرب الْأَمِير أَي مضروبه وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ مَا ملخصه أَن المنى يَقع فِي الرَّحِم بِقُوَّة الشَّهْوَة المزعجة مبثوثا مُتَفَرقًا فيجمعه الله فِي مَحل الْولادَة من الرَّحِم قَوْله " أَرْبَعِينَ يَوْمًا " زَاد فِي رِوَايَة آدم أَو أَرْبَعِينَ لَيْلَة قَوْله " ثمَّ علقَة " مثل ذَلِك وَفِي رِوَايَة آدم ثمَّ يكون علقَة مثل ذَلِك يَعْنِي مُدَّة الْأَرْبَعين والعلقة الدَّم الجامد الغليظ سميت بذلك للرطوبة الَّتِي فِيهَا وتعلقها بِمَا مر بهَا قَوْله " ثمَّ يكون مُضْغَة مثل ذَلِك يَعْنِي مُدَّة الْأَرْبَعين والمضغة قِطْعَة اللَّحْم سميت بذلك لِأَنَّهَا بِقدر مَا يمضغ الماضع قَوْله ثمَّ يبْعَث الله ملكا وَفِي رِوَايَة الْكشميهني ثمَّ يبْعَث الله إِلَيْهِ ملكا وَفِي رِوَايَة مُسلم ثمَّ يُرْسل الله وَفِي رِوَايَة آدم ثمَّ يبْعَث إِلَيْهِ الْملك وَاللَّام فِيهِ للْعهد وَهُوَ الْملك من الْمَلَائِكَة الموكلين بالأرحام قَوْله " فَيُؤْمَر على صِيغَة الْمَجْهُول " أَي يَأْمُرهُ الله تَعَالَى بأَرْبعَة أَشْيَاء وَفِي رِوَايَة آدم بِأَرْبَع كَلِمَات وَالْمرَاد بهَا القضايا وكل كلمة تسمى قَضِيَّة قَوْله بِأَرْبَع كَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْكشميهني وَفِي رِوَايَة غَيره بأربعه والمعدود إِذا أبهم جَازَ التَّذْكِير والتأنيث قَوْله برزقه بدل من أَربع وَمَا بعده عطف عَلَيْهِ دَاخل فِي حكمه وَالْمرَاد برزقه قيل الْغَدَاء حَلَالا أَو حَرَامًا وَهُوَ كل مَا سَاقه الله تَعَالَى إِلَى العَبْد لينْتَفع بِهِ وَهُوَ أَعم لتنَاوله الْعلم وَنَحْوه قَوْله وأجله الْأَجَل يُطلق لمعنيين لمُدَّة الْعُمر من أَولهَا إِلَى آخرهَا وللجزء الْأَخير الَّذِي يَمُوت فِيهِ قَوْله وشقي أَو سعيد قَالَ بَعضهم هُوَ بِالرَّفْع خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف قلت لَيْسَ كَذَلِك لِأَنَّهُ مَعْطُوف على مَا قبله الَّذِي هُوَ بدل عَن أَربع فَيكون مجرورا لِأَن تَقْدِير قَوْله فَيُؤْمَر بِأَرْبَع أَربع كَلِمَات كلمة تتَعَلَّق برزقه وَكلمَة تتَعَلَّق بأجله وَكلمَة تتَعَلَّق بسعادته أَو شقاوته وَكَانَ من حق الظَّاهِر أَن يُقَال يكْتب سعادته وشقاوته فَعدل عَن ذَلِك حِكَايَة بِصُورَة مَا يَكْتُبهُ وَهُوَ أَنه يكْتب رزقه وأجله وشقي أَو سعيد قيل هَذِه ثَلَاثَة أُمُور لَا أَرْبَعَة وَأجِيب بِأَن الرَّابِع كَونه ذكرا أَو أُنْثَى كَمَا صرح فِي الحَدِيث الَّذِي بعده أَو عمله كَمَا تقدم فِي أول كتاب بَدْء الْخلق وَلَعَلَّه لم يذكرهُ لِأَنَّهُ يلْزم من الْمَذْكُور أَو اخْتَصَرَهُ اعْتِمَادًا على شهرته وَقيل هَذَا يدل على أَن الحكم بِهَذِهِ الْأُمُور بعد كَونه مُضْغَة لَا أَنه أزلي وَأجِيب بِأَن هَذَا للْملك بِأَن الْمقْضِي فِي الْأَزَل حَتَّى يكْتب على جَبهته مثلا قَوْله أَو الرجل شكّ من الرَّاوِي أَي أَو أَن الرجل وَفِي رِوَايَة آدم فَإِن أحدكُم بِغَيْر شكّ قَوْله بِعَمَل أهل النَّار قدم النَّار على الْجنَّة وَفِي رِوَايَة آدم بِالْعَكْسِ قَوْله حَتَّى مَا يكون قَالَ الطَّيِّبِيّ حَتَّى هِيَ الناصبة وَمَا نَافِيَة وَلم تكف عَن الْعَمَل وَتَكون مَنْصُوبَة بحتى وَأَجَازَ غَيره أَن تكون حَتَّى ابتدائية وَيكون على هَذَا بِالرَّفْع قَوْله غير بَاعَ أَو ذِرَاع هَكَذَا رِوَايَة الْكشميهني وَفِي رِوَايَة غَيره غير ذِرَاع أَو بَاعَ وَفِي رِوَايَة أبي الْأَحْوَص إِلَّا ذِرَاع بِغَيْر شكّ وَالتَّعْبِير بالذراع تَمْثِيل بِقرب حَاله من الْمَوْت وَضَابِط ذَلِك بالغرغرة الَّتِي جعلت عَلامَة لعدم قبُول التَّوْبَة قَوْله فَيَسْبق عَلَيْهِ الْكتاب الْفَاء فِي فَيَسْبق للتعقيب يدل على حُصُول السَّبق بِغَيْر مهلة وَضمن يسْبق معنى يغلب أَي يغلب عَلَيْهِ الْكتاب وَمَا قدر عَلَيْهِ سبقا بِلَا مهلة فَعِنْدَ ذَلِك يعْمل(23/146)
بِعَمَل أهل الْجنَّة وَعمل أهل النَّار وَالْمرَاد من الْكتاب الْمَكْتُوب أَي مَكْتُوب الله أَي الْقَضَاء الأزلي قَوْله فَيعْمل بِعَمَل أهل النَّار الْبَاء فِيهِ زَائِدَة للتَّأْكِيد قَوْله أَو ذراعين أَي أَو غير ذراعين فَهُوَ شكّ من الرَّاوِي قَوْله وَقَالَ آدم إِلَّا ذِرَاع أَي قَالَ آدم بن إِيَاس إِلَّا ذِرَاع هَذَا تَعْلِيق وَصله البُخَارِيّ فِي التَّوْحِيد -
5956 - حدّثنا سُلَيْمانُ بنُ حَرْبٍ حَدثنَا حَمَّادٌ عنْ عُبيْدِ الله بنِ أبي بَكْرِ بنِ أنَسٍ عنْ أنَسٍ ابْن مالِكٍ رَضِي الله عَنهُ، عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (وَكَّلَ الله بالرَّحِمِ مَلَكاً، فَيَقُولُ: أيْ رَبِّ نُطْفَةٌ {أَي رَبِّ عَلَقَةٌ} أيْ رَبِّ مُضْغَةٌ {فَإِذا أرادَ الله أنْ يَقْضِيَ خَلْقَها قَالَ: أيْ رَبِّ ذَكَرٌ أمْ أنْثَى؟ أشَقيٌّ أمْ سَعيدٌ؟ فَما الرِّزْقُ فَما الأجَلُ؟ فَيُكْتَبُ كَذالِكَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ) .
حَمَّاد هُوَ ابْن زيد، وَعبيد الله هُوَ ابْن أبي بكر بن أنس بن مَالك يروي عَن جده أنس.
والْحَدِيث مضى فِي الطَّهَارَة فِي الْحيض عَن مُسَدّد، وَفِي خلق آدم عَن أبي النُّعْمَان. وَأخرجه مُسلم فِي الْقدر عَن أبي كَامِل الجحدري.
قَوْله: (أَي رب) أَي: يَا رب. قَوْله: (نُطْفَة) ، بِالنّصب على اعْتِبَار فعل مَحْذُوف، وبالرفع على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف. قَوْله: (أَن يقْضِي خلقهَا) أَي: يتمه. قَوْله: (فِي بطن أمه) لَيْسَ ظرفا للكتابة بل: هُوَ مَكْتُوب على الْجَبْهَة، أَو على الرَّأْس مثلا، وَهُوَ فِي بطن أمه: قيل: قَالَ هُنَا: (وكل الله) وَفِي الحَدِيث السَّابِق: (ثمَّ يبْعَث الله ملكا) . وَأجِيب: بِأَن المُرَاد بِالْبَعْثِ الحكم عَلَيْهِ بِالتَّصَرُّفِ فِيهَا.
2 - (بابٌ جَفَّ القَلمُ عَلى عِلْمِ الله)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ: جف الْقَلَم، وَقَالَ بَعضهم: بَاب، التَّنْوِين.
قلت: هَذَا قَول من لم يمس شَيْئا من الْإِعْرَاب، والتنوين يكون فِي المعرب، وَلَفظ بَاب هُنَا مُفْرد فَكيف ينون، وَالتَّقْدِير مَا ذَكرْنَاهُ أَو نَحوه، وجفاف الْقَلَم عبارَة عَن عدم تَغْيِير حكمه لِأَن الْكَاتِب لما أَن جف قلمه عَن المداد لَا تبقى لَهُ الْكِتَابَة كَذَا قَالَه الْكرْمَانِي وَفِيه نظر لِأَن الله تَعَالَى قَالَ: {يمحوا الله مَا يَشَاء وَيثبت} (الرَّعْد: 93) فَإِن كَانَ مُرَاده من عدم تَغْيِير حكمه الَّذِي فِي الْأَزَل فَمُسلم، وَإِن كَانَ الَّذِي فِي اللَّوْح فَلَا وَالْأَوْجه أَن يُقَال: جف الْقَلَم، أَي: فرغ من الْكِتَابَة الَّتِي أَمر بهَا حِين خلقه وَأمره أَن يكْتب مَا هُوَ كَائِن إِلَى يَوْم الْقِيَامَة، فَإِذا أَرَادَ بعد ذَلِك تَغْيِير شَيْء مِمَّا كتبه محاه كَمَا قَالَ: {يمحوا الله مَا يَشَاء وَيثبت} قَوْله: (على علم الله) ، أَي: حكم الله، لِأَن معلومه لَا بُد أَن يَقع وإلاَّ لزم الْجَهْل فَعلمه بِمَعْلُوم مُسْتَلْزم للْحكم بِوُقُوعِهِ.
وقَوْلُهُ {وأضله الله على علم} (الجاثية: 32)
ذكر هَذَا أَي قَول الله تَعَالَى إِشَارَة إِلَى أَن علم الله حكمه كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وأضله الله على علم} أَي: على علمه فِي الْأَزَل وَهُوَ حكمه عِنْد الظُّهُور، وَقيل: مَعْنَاهُ أضلّهُ الله بعد أَن أعلمهُ وَبَين لَهُ فَلم يقبل.
وَقَالَ أبُو هُرَيْرَةَ: قَالَ لي النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: جَفَّ القَلَمُ بِما أنْتَ لاقٍ
صدر الحَدِيث هُوَ التَّرْجَمَة وَهُوَ قِطْعَة من حَدِيث ذكر أَصله البُخَارِيّ من طَرِيق ابْن شهَاب عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة. قَالَ: (قلت: يَا رَسُول الله} إِنِّي رجل شَاب وَإِنِّي أَخَاف على نَفسِي الْعَنَت وَلَا أجد مَا أَتزوّج بِهِ النِّسَاء، فَسكت عني) الحَدِيث وَفِيه: (يَا أَبَا هُرَيْرَة! جف الْقَلَم بِمَا أَنْت لَاق، فاختصر على ذَلِك أَو ذَر) . أخرجه فِي أَوَائِل النِّكَاح.
وَقَالَ ابنُ عَبَّاس {لَهَا سَابِقُونَ} (الْمُؤْمِنُونَ: 16) سَبَقَتْ لَهُمُ السَّعادَةُ
أَي: قَالَ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى: {أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخيرَات وهم لَهَا سَابِقُونَ} سبقت لَهُم السَّعَادَة قيل: تَفْسِير ابْن عَبَّاس يدل على أَن السَّعَادَة سَابِقَة، الْآيَة تدل على أَن الْخيرَات يَعْنِي: السَّعَادَة مسبوقة. وَأجِيب بِأَن معنى الْآيَة أَنهم سبقوا النَّاس لأجل السَّعَادَة لَا أَنهم سبقوا السَّعَادَة.(23/147)
6956 - حدّثنا آدَمُ حدّثنا شُعْبَةُ حَدثنَا يَزِيدُ الرِّشْكُ قَالَ: سَمِعْتُ مُطَرِّفَ بنَ عَبْدِ الله بنِ الشِّخِّيرِ يُحَدِّثُ عنْ عِمْرانَ بن حُصْنٍ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رسولَ الله! أيُعْرَفُ أهْلُ الجَنّةِ مِنْ أهْلِ النّارِ؟ قَالَ: (نَعَمْ) . قَالَ: فَلِمَ يَعْمَلُ العامِلُونَ؟ قَالَ: (كُلٌّ يَعْمَلُ لما خُلِقَ لهُ أوْ لِما يُسِّرَ لهُ) .
الْمُطَابقَة للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وآدَم هُوَ ابْن أبي إِيَاس، وَيزِيد من الزِّيَادَة الرشك بِكَسْر الرَّاء وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة وبالكاف مَعْنَاهُ القسام، وَقَالَ الغساني: هُوَ بِالْفَارِسِيَّةِ الغيور، وَقيل: هُوَ كَبِير اللِّحْيَة، يُقَال: بلغ طول لحيته إِلَى أَن دخلت فِيهَا عقرب وَمَكَثت ثَلَاثَة أَيَّام وَلَا يدْرِي بهَا. وَقَالَ الْكرْمَانِي: الرشك بِالْفَارِسِيَّةِ الْقمل الصَّغِير يلتصق بأصول الشّعْر، فعلى هَذَا الْإِضَافَة إِلَيْهِ أولى من الصّفة، وَمَا ليزِيد فِي البُخَارِيّ إلاَّ هَذَا الحَدِيث هُنَا، وَفِي الِاعْتِصَام، ومطرف على وزن اسْم الْفَاعِل من التطريف ابْن عبد الله بن الشخير بِكَسْر الشين الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالراء، وَهَذَا من صِيغ الْمُبَالغَة لمن يشخر كثيرا كالسكير لمن يسكر كثيرا.
والْحَدِيث أخرجه أَيْضا فِي التَّوْحِيد عَن أبي معمر. وَأخرجه مُسلم فِي الْقدر عَن يحيى بن يحيى وَغَيره. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي السّنة عَن مُسَدّد. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي التَّفْسِير عَن مُحَمَّد بن النَّضر.
قَوْله: (قَالَ: قَالَ رجل) هُوَ عمرَان بن حُصَيْن رَاوِي الْخَبَر، بَينه عبد الْوَارِث بن سعيد عَن يزِيد الرشك عَن عمرَان بن حُصَيْن. قَالَ: قلت: يَا سَوَّلَ الله ... فَذكره. قَوْله: (أيعرف أهل الْجنَّة من أهل النَّار) . أَي: أيميز بَينهمَا؟ قيل: الْمعرفَة إِنَّمَا هِيَ بِالْعَمَلِ لِأَنَّهُ إِمَارَة فَمَا وَجه سُؤَاله؟ وَأجِيب: بِأَن معرفتنا بِالْعَمَلِ أما معرفَة الْمَلَائِكَة مثلا فَهِيَ قبل الْعَمَل، فالغرض من لفظ: أيعرف: أيميز وَيفرق بَينهمَا تَحت قَضَاء الله وَقدره؟ قَوْله: (فَلم يعْمل الْعَامِلُونَ؟) وَفِي رِوَايَة حَمَّاد: فَفِيمَ؟ وَهُوَ اسْتِفْهَام، وَالْمعْنَى: إِذا سبق الْقَلَم بذلك فَلَا يحْتَاج الْعَامِل إِلَى الْعَمَل لِأَنَّهُ سيصير إِلَى مَا قدر لَهُ. قَوْله: (كل يعْمل) أَي: كل أحد يعْمل (لما خلق لَهُ) على صِيغَة الْمَجْهُول، وَكلمَة: مَا، مَوْصُولَة أَي: للَّذي خلق لَهُ، وَفِي رِوَايَة حَمَّاد: (كل ميسر لَهُ خلق لَهُ) وَقد جَاءَ بِهَذَا اللَّفْظ عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة. مِنْهَا: مَا رَوَاهُ أَحْمد بِإِسْنَاد حسن بِلَفْظ: كل امرىء مُهَيَّأ لما خلق لَهُ. قَوْله: (أَو لما يسر لَهُ) شكّ من الرَّاوِي أَي: كل يعْمل لما يسر لَهُ، بِضَم الْيَاء آخر الْحُرُوف وَتَشْديد السِّين الْمَكْسُورَة وَفتح الرَّاء، هَذَا هَكَذَا وَرِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: لما ييسر لَهُ، بِضَم الْيَاء الأولى وَفتح الثَّانِيَة وَتَشْديد السِّين، وَحَاصِل معنى هَذَا، أَن العَبْد لَا يدْرِي مَا أمره فِي الْمَآل لِأَنَّهُ يعْمل مَا سبق فِي يُعلمهُ تَعَالَى، فَعَلَيهِ أَن يجْتَهد فِي عمل مَا أَمر بِهِ فَإِن عمله إِمَارَة إِلَى مَا يؤول إِلَيْهِ أمره.
3 - (بابٌ الله أعْلَمُ بِما كانُوا عامِلِينَ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الله أعلم بِمَا كَانُوا عاملين، وَالضَّمِير فِي: كَانُوا، يرجع إِلَى أَوْلَاد الْمُشْركين لِأَن صدر الحَدِيث سُؤال عَن أَوْلَاد الْمُشْركين، وَقد مضى فِي آخر كتاب الْجَنَائِز: بَاب مَا قيل فِي أَوْلَاد الْمُشْركين، وَذكر فِيهِ حَدِيث ابْن عَبَّاس الَّذِي ذكر فِي هَذَا الْبَاب.
7956 - حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ بَشَّار حَدثنَا غُنْدَرٌ قَالَ: حَدثنَا شُعْبَةُ عنْ أبي بِشرٍ عنْ سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهُمَا، قَالَ: سُئِل النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عنْ أوْلادِ المُشْرِكِينَ فَقَالَ: (الله أعْلَمُ بِما كانُوا عامِلينَ) . (انْظُر الحَدِيث 3831) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وغند بِضَم الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون النُّون مُحَمَّد بن جَعْفَر، وَأَبُو بشر بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة جَعْفَر بن أبي وحشية إِيَاس الْيَشْكُرِي الوَاسِطِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي آخر الْجَنَائِز فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن حبَان عَن عبد الله عَن شُعْبَة عَن أبي بشر عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس ... إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ. وَقَالَ النَّوَوِيّ: أَطْفَال الْمُشْركين فيهم ثَلَاثَة مَذَاهِب: فالأكثرون على أَنهم فِي النَّار، وتوقفت طَائِفَة، وَالثَّالِث وَهُوَ الصَّحِيح: أَنهم من أهل الْجنَّة.(23/148)
وَقَالَ الْبَيْضَاوِيّ: الثَّوَاب وَالْعِقَاب ليسَا بِالْأَعْمَالِ وإلاّ لزم أَن لَا يكون الذَّرَارِي لَا فِي الْجنَّة وَلَا فِي النَّار، بل الْمُوجب لَهما هُوَ اللطف الرباني والخذلان الإل هِيَ الْمُقدر لَهُم فِي الْأَزَل، فَالْأولى فيهم التَّوَقُّف.
8956 - حدّثنا يحْيَاى بنُ بُكَيْرٍ حَدثنَا اللَّيْثُ عنْ يُونُسَ عنِ ابنِ شِهابٍ قَالَ: وَأَخْبرنِي عَطاءُ بنُ يَزِيدَ أنّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقولُ: سُئِلَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عنْ ذَرارِيِّ المُشْرِكِينَ؟ فَقَالَ: (الله أعْلَمُ بِما كانُوا عامِلينَ) . (انْظُر الحَدِيث 4831 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَيُونُس هُوَ ابْن يزِيد الْأَيْلِي، وَابْن شهَاب هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي أَوَاخِر كتاب الْجَنَائِز فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن أبي الْيَمَان عَن شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ قَالَ أَخْبرنِي عَطاء بن يزِيد اللَّيْثِيّ أَنه سمع أَبَا هُرَيْرَة ... إِلَى آخِره، قَالَ هُنَاكَ: أَخْبرنِي عَطاء بن يزِيد، كَمَا رَأَيْت، وَقَالَ هُنَا: قَالَ: وَأَخْبرنِي عَطاء بن يزِيد، بواو الْعَطف على مَحْذُوف كَأَنَّهُ حدث قبل ذَلِك بِشَيْء ثمَّ حدث بِحَدِيث عَطاء.
قَوْله: (عَن ذَرَارِي الْمُشْركين) بتَشْديد الْيَاء وتخفيفها جمع ذُرِّيَّة وذرية الرجل أَوْلَاده وَيكون وَاحِدًا وجمعاً. قَوْله: (الله أعلم بِمَا كَانُوا عاملين) غَرَض البُخَارِيّ من هَذَا الرَّد على الْجَهْمِية فِي قَوْلهم: إِن الله لَا يعلم أَفعَال الْعباد حَتَّى يعملوها، تَعَالَى الله عَن ذَلِك القَوْل، وَأخْبر الشَّارِع فِي هَذَا الحَدِيث أَن الله يعلم مَا لَا يكون أَن لَو كَانَ كَيفَ يكون، فأحرى أَن يعلم مَا يكون وَمَا قدره وقضاه فِي كَونه، وَهَذَا يُقَوي مَا ذهب إِلَيْهِ أهل السّنة أَن الْقدر هُوَ علم الله وغيبه الَّذِي اسْتَأْثر بِهِ فَلم يطلع عَلَيْهِ ملكا مقرباً وَلَا نَبيا مُرْسلا. وَقَالَ الدَّاودِيّ: لَا أعلم لهَذَا الحَدِيث وَجها إلاَّ أَن الله أعلم بِمَا يعْمل بِهِ، لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ علم أَن هَؤُلَاءِ لَا يتأخرون عَن آجالهم وَلَا يعْملُونَ شَيْئا، قد أخبر أَنهم ولدُوا على الْفطْرَة، أَي: الْإِسْلَام، وَأَن أباءهم يهودونهم وينصرونهم، كَمَا أَن الْبَهِيمَة تولد سليمَة من الجدع والخصا وَغير ذَلِك مِمَّا يعْمل النَّاس بهَا حَتَّى يصنع ذَلِك بهَا، وَكَذَلِكَ الْولدَان.
9956 - حدّثني إسْحَاقُ أخبرنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أخبرنَا مَعْمَرٌ عنْ هَمَّامٍ عنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (مَا مِنْ موْلُودٍ إلاَّ يُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ فأبَواهُ يُهَوِّدانهِ ويُنَصِّرانِهِ، كَمَا تُنْتِجُونَ البَهِيمَةَ، هَلْ تَجدُونَ فِيها مِنْ جَدْعاءَ حتَّى تَكُونُوا أنْتُمْ تَجْدَعُونَها) . قالُوا: يَا رسولَ الله! أفَرَأيْتَ مَنْ يَمُوتُ وهْوَ صَغِير؟ قَالَ: (الله أعْلَمُ بِمَا كانُوا عامِلِينَ) . (انْظُر الحَدِيث 4831 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَإِسْحَاق قَالَ بَعضهم: هُوَ إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم هُوَ ابْن رَاهَوَيْه الْحَنْظَلِي، وَقَالَ الكلاباذي: يروي البُخَارِيّ عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بن نصر السَّعْدِيّ، وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الْحَنْظَلِي، وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الكوسج عَن عبد الرَّزَّاق.
قلت: كَلَامه يُشِير إِلَى أَن إِسْحَاق هُنَا يحْتَمل أَن يكون أحد الثَّلَاثَة الْمَذْكُورين، لِأَن كلاًّ مِنْهُم روى عَن عبد الرَّزَّاق بن همام، وَجزم بَعضهم بِأَنَّهُ إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه، من أَيْن؟ وَمعمر بِفَتْح الميمين هُوَ ابْن رَاشد، وَهَمَّام هُوَ ابْن مُنَبّه.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْقدر عَن مُحَمَّد بن رَافع. وَأخرجه البُخَارِيّ أَيْضا من وَجه آخر عَن أبي هُرَيْرَة فِي آخر الْجَنَائِز فِي: بَاب مَا قيل فِي أَوْلَاد الْمُشْركين، وَفِيه: أَو يُمَجِّسَانِهِ، كَمثل الْبَهِيمَة تنْتج الْبَهِيمَة هَل ترى فِيهَا جَدْعَاء؟ وَاقْتصر على هَذَا الْمِقْدَار.
قَوْله: (مَا من مَوْلُود) مُبْتَدأ (ويولد) خَبره لِأَن: من الاستغراقية فِي سِيَاق النَّفْي تفِيد الْعُمُوم كَقَوْلِك: مَا أحد خير مِنْك، وَالتَّقْدِير: مَا مَوْلُود يُوجد على أَمر من الْأُمُور إلاَّ على هَذَا الْأَمر، وَهُوَ قَوْله: (على الْفطْرَة) أَي: على الْإِسْلَام، وَقيل: الْفطْرَة الْخلقَة وَالْمرَاد هُنَا القابلية لدين الْحق إِذْ لَو تركُوا وطبائعهم لما اخْتَارُوا دينا آخر. قَوْله: (ويهوِّدانه) أَي: يجعلانه يَهُودِيّا إِذا كَانَا من الْيَهُود، وينصِّرانه أَي: يجعلانه نَصْرَانِيّا إِذا كَانَا من النَّصَارَى، وَالْفَاء فِي (فابواه) إِمَّا للتعقيب وَهُوَ ظَاهر وَإِمَّا للتسبب أَي إِذا تقرر ذَلِك فَمن تغير كَانَ بِسَبَب أَبَوَيْهِ. قَوْله: (كَمَا) إِمَّا حَال من الضَّمِير الْمَنْصُوب فِي: يُهَوِّدَانِهِ، مثلا فَالْمَعْنى يهودان الْمَوْلُود بعد أَن خلق على الْفطْرَة شَبِيها بالبهيمة الَّتِي جدعت بعد أَن خلقت سليمَة، وَإِمَّا صفة مصدر(23/149)
مَحْذُوف، أَي: يُغير أَنه تغييراً مثل تغييرهم الْبَهِيمَة السليمة. قَوْله: (تنتجون) على صِيغَة بِنَاء الْمَعْلُوم، وَقَالَ ابْن التِّين: روينَاهُ: تنتجون، بِضَم أَوله من الإنتاج يُقَال: أنتج إنتاجاً قَالَ أَبُو عَليّ: يُقَال: أنتجت النَّاقة إِذا أعنتها على النِّتَاج، وَيقرب مِنْهُ مَا قَالَه فِي (الْمغرب) : نتج النَّاقة ينتجها نتجاً إِذا ولي نتاجها حَتَّى وضعت فَهُوَ ناتج، وَهُوَ للبهائم كالقابلة للنِّسَاء. قَوْله: (هَل تَجِدُونَ فِيهَا من جَدْعَاء) فِي مَوضِع الْحَال أَي: بَهِيمَة سليمَة مقولاً فِي حَقّهَا هَذَا القَوْل. قَوْله: (جَدْعَاء) أَي: مَقْطُوعَة الطّرف وَهُوَ من الجدع وَهُوَ قطع الْأنف وَقطع الْأذن أَيْضا وَقطع الْيَد والشفة.
4 - (بابٌ { (33) وَكَانَ أَمر الله قدرا مَقْدُورًا} (الْأَحْزَاب: 83)
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله تَعَالَى: {وَكَانَ أَمر الله قدرا مَقْدُورًا} وَالْقدر بِالْفَتْح والسكون مَا يقدره الله من الْقَضَاء، وبالفتح اسْم لما صَدره مَقْدُورًا على فعل الْقَادِر كالهدم لما صدر عَن فعل الهادم، يُقَال: قدرت الشَّيْء بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف بِمَعْنى فَهُوَ قدر، أَي: مَقْدُور، وَالتَّقْدِير: تبين الشَّيْء. قَوْله: {قدرا مَقْدُورًا} أَي: حكما مَقْطُوعًا بِوُقُوعِهِ، وَقَالَ الْمُهلب: غَرَضه فِي الْبَاب أَن يبين أَن جَمِيع مخلوقات الله عز وَجل بأَمْره بِكَلِمَة: كن، من حَيَوَان أَو غَيره وحركات الْعباد وَاخْتِلَاف إرادتهم وأعمالهم من الْمعاصِي أَو الطَّاعَات كل مُقَدّر بالأزمان والأوقات لَا زِيَادَة فِي شَيْء مِنْهَا وَلَا نُقْصَان عَنْهَا وَلَا تَأْخِير لشَيْء مِنْهَا عَن وقته وَلَا يقدم قبل وقته.
1066 - حدّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ أخبرنَا مالِكٌ عنْ أبي الزِّنادِ عنِ الأعْرَجِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَا تَسألِ المَرْأةُ طَلاَقَ أُخْتِها لِتَسْتَفْرِغَ صَحْفَتَها ولْتَنْكحْ، فإنَّ لَهَا مَا قُدِّرَ لَهَا) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فَإِن لَهَا مَا قدر لَهَا) أَي: من الرزق، كَانَت للزَّوْج زَوْجَة أُخْرَى أَو لم تكن، وَلَا يحصل لَهَا من ذَلِك إلاَّ مَا كتبه الله لَهَا سَوَاء أجابها الزَّوْج أم لم يجبها.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب النِّكَاح فِي: بَاب الشُّرُوط الَّتِي لَا تحل فِي النِّكَاح فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ من حَدِيث أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (لَا يحل لإمرأة تسْأَل طَلَاق أُخْتهَا لتستفرغ صحفتها، فَإِن لَهَا مَا قدر لَهَا. وَهنا أخرجه عَن عبد الله بن يُوسُف التنيسِي عَن مَالك عَن أبي الزِّنَاد بالزاي وَالنُّون عبد الله بن ذكْوَان عَن عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز الْأَعْرَج.
قَوْله: (أُخْتهَا) الْأُخْت أَعم من أُخْت الْقَرَابَة أَو غَيرهَا من الْمُؤْمِنَات لِأَنَّهُنَّ أَخَوَات فِي الدّين، وَنهى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، الْمَرْأَة أَن تسْأَل الرجل طَلَاق زَوجته لينكحها وَيصير لَهَا من نَفَقَته ومعاشرته مَا كَانَ للمطلقة، فَعبر عَن ذَلِك باستفراغ الصحفة، مجَازًا.
22066 - حدّثنا مالِكُ بنُ إسْماعِيلَ حَدثنَا إسْرَائِيلُ عنْ عاصمٍ عنْ أبي عثْمانَ عنْ أُسامَةَ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إذْ جاءَهُ رسولُ إحْدَى بَناتِهِ وعِنْدَهُ سَعْد وأبَيُّ بنُ كَعْبٍ ومُعاذٌ أنَّ ابْنَها يَجُودُ بِنَفْسِهِ، فَبَعَثَ إلَيْها: (لله مَا أخَذَو لله مَا أعْطَى، كلٌّ بأجَلِ فَلْتَصْبرْ ولْتَحْتَسِبْ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (كل بِأَجل) من الْأَمر الْمُقدر. وَإِسْرَائِيل هُوَ ابْن يُونُس بن أبي إِسْحَاق، وَعَاصِم هُوَ ابْن سُلَيْمَان الْأَحول، وَأَبُو عُثْمَان عبد الرَّحْمَن النَّهْدِيّ، وَأُسَامَة هُوَ ابْن زيد بن حَارِثَة الْكَلْبِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي الْجَنَائِز عَن عَبْدَانِ وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (وَعِنْده سعد) هُوَ سعد بن عبَادَة، ومعاذ هُوَ ابْن جبل. قَوْله: (إِن ابْنهَا) ذكر كَذَلِك: ابْنهَا، فِي الْجَنَائِز وَذكر فِي كتاب المرضى: الْبِنْت. قَالَ ابْن بطال: هَذَا الحَدِيث لم يضبطه الرَّاوِي فَأخْبر مرّة عَن صبي وَمرَّة عَن صبية. قَوْله: (يجود بِنَفسِهِ) يَعْنِي فِي السِّيَاق، يُقَال: جاد بِنَفسِهِ عِنْد الْمَوْت يجود جوداً. قَوْله: (فَلتَصْبِر ولتحتسب) وَلم يقل: فلتصبري لِأَنَّهَا كَانَت غَائِبَة وَالْغَائِب لَا يُخَاطب بِمَا يُخَاطب بِهِ الْحَاضِر، وَقَالَ الدَّاودِيّ: إِنَّمَا خَاطب الرَّسُول وَلَو خَاطب الْمَأْمُور بِالصبرِ لقَالَ: فاصبري واحتسبي.(23/150)
3066 - حدّثنا حِبَّان بنُ مُوسَى أخبرنَا عبْدُ الله أخبرنَا يُونُسُ عَن الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبرنِي عَبْدُ الله بنُ مُحَيْريزٍ الجُمَحِيُّ أنَّ أَبَا سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ أخْبَرَهُ أنَّهُ: بَيْنَما هُوَ جالِسٌ عِنْدَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جاءَ رجُلٌ مِنَ الأنْصارِ، فَقَالَ: يَا رسولَ الله {إِنَّا نُصِيبُ سَبْباً ونحِبُّ المالَ، كَيْف تَرَى فِي العَزْل؟ فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (أوَ إنَّكُمْ تَفْعَلُونَ ذَلِكَ؟ لَا عَلَيْكُمْ أنْ لَا تَفْعَلُوا، فإنّهُ لَيْسَتْ نَسَمَةٌ كَتَبَ الله أنْ تَخْرُجَ إلاّ هِيَ كائِنَةٌ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي آخر الحَدِيث. وحبان بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة ابْن مُوسَى الْمروزِي، وَهُوَ شيخ مُسلم أَيْضا، وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك الْمروزِي، وَيُونُس هُوَ ابْن يزِيد يروي عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي الْبيُوع عَن أبي الْيَمَان وَفِي النِّكَاح عَن عبد الله بن مُحَمَّد وَفِي الْمَغَازِي عَن قُتَيْبَة وَفِي الْعتْق عَن عبد الله بن يُوسُف وَفِي التَّوْحِيد عَن إِسْحَاق بن عَفَّان. وَأخرجه مُسلم فِي النِّكَاح عَن عبد الله بن مُحَمَّد وَغَيره. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن القعْنبِي. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْعتْق عَن عَليّ بن حجر وَغَيره.
قَوْله: (رجل من الْأَنْصَار) قيل: إِنَّه أَبُو صرمة، وَقيل: مجدي الضمرِي. قَوْله: (سَببا) هُوَ الْجَوَارِي المسببات. قَوْله: (فِي الْعَزْل؟) وَهُوَ نزع الذّكر من الْفرج وَقت الْإِنْزَال. قَوْله: (لَا عَلَيْكُم أَن لَا تَفعلُوا) قيل: هُوَ على النَّهْي، وَقيل: على الْإِبَاحَة للعزل أَي: لكم أَن تعزلوا وَلَيْسَ فعل ذَلِك موؤدة. قَوْله: (فَإِنَّهُ) أَي: فَإِن الشَّأْن. قَوْله: (نسمَة) بِفتْحَتَيْنِ وَهُوَ النَّفس. قَوْله: (كتب الله) أَي: قدر الله (أَن تخرج) أَي: من الْعَدَم إِلَى الْوُجُود.
4066 - حدّثنا مُوسَى بنُ مَسْعُودٍ حَدثنَا سُفْيانُ عنِ الأعْمَشِ عنْ أبي وائِلٍ عنْ حُذَيْفَةَ، رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: لَ قَدْ خَطَبَنَا النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خُطْبَةً مَا تَرَكَ فِيها شَيْئاً إِلَى قِيامِ السَّاعَةِ إلاّ ذَكَرَهُ، عَلِمَهُ مَنْ عَلِمْهُ وجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ، إنْ كُنْتُ لأرَى الشَّيءَ قدْ نَسِيتُ فأعْرفُ مَا يَعْرِفُ الرَّجُلُ إذَا غَابَ عنهُ فَرَآهُ فَعَرَفَهُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (مَا ترك فِيهَا شَيْئا) أَي: من الْأُمُور الْمقدرَة من الكائنات.
ومُوسَى بن مَسْعُود هُوَ أَبُو حُذَيْفَة النَّهْدِيّ، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ، وَالْأَعْمَش هُوَ سُلَيْمَان، وَأَبُو وَائِل شَقِيق بن سَلمَة، وَحُذَيْفَة بن الْيَمَان.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْفِتَن عَن عُثْمَان بن أبي شيبَة وَغَيره. وَأخرجه أَبُو دَاوُد عَن عُثْمَان بِهِ.
قَوْله: (إلاَّ ذكره) . وَفِي رِوَايَة: إلاَّ حدث بِهِ. قَوْله: (علمه من علمه وجهله من جَهله) وَفِي رِوَايَة جرير: حفظه من حفظه ونسيه من نَسيَه. قَوْله: (إِن كنت) كلمة: إِن، مُخَفّفَة من الثَّقِيلَة. قَوْله: (قد نسيت) وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: نَسِيته. قَوْله: (فأعرف مَا يعرف الرجل) ويروى: فأعرفه كَمَا يعرفهُ الرجل، الْمَعْنى: أنسى شَيْئا ثمَّ أذكرهُ فأعرف أَن ذَلِك بِعَيْنِه.
5066 - حدّثنا عَبْدانُ عنْ أبي حَمْزَةَ عَن الأعْمَشِ عنْ سَعْدِ بنِ عُبَيْدَةَ عنْ أبي عَبْدِ الرَّحْمانِ السُّلَمِيِّ عنْ عَلِيٍّ رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: كُنَّا جُلُوساً مَعَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ومَعَهُ عُودٌ يَنْكُتُ بِهِ فِي الأرْضِ، وَقَالَ: (مَا مِنْكُمْ مِنْ أحَدٍ إلاّ قَدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ أوْ مِنَ الجَنّةِ) فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ: ألاَ نَتَّكِلُ يَا رسولَ الله؟ قَالَ: (لَا} اعْمَلُوا فكُلٌّ مُيَسَّرٌ، ثُمَّ قَرَأ { (92) فَأَما من أعْطى وَاتَّقَى} (اللَّيْل: 5) الآيَةَ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (أَلا نَتَّكِل؟)
إِلَى آخِره، لِأَن مَعْنَاهُ: نعتمد على مَا قدره الله فِي الْأَزَل ونترك الْعَمَل.
وعبدان لقب عبد الله بن عُثْمَان، وَقد تكَرر ذكره، وَأَبُو حَمْزَة بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي اسْمه مُحَمَّد بن مَيْمُون السكرِي، وَسعد بن عُبَيْدَة مصغر عَبدة السّلمِيّ الْكُوفِي وَهُوَ صهر أبي عبد الرَّحْمَن شَيْخه فِي هَذَا الحَدِيث، وَأَبُو عبد الرَّحْمَن عبد الله بن حبيب من كبار التَّابِعين.(23/151)
وَعلي بن أبي طَالب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
والْحَدِيث مضى فِي الْجَنَائِز فِي: بَاب موعظة الرجل عِنْد الْقَبْر، بأطول مِنْهُ، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (جُلُوسًا) أَي: جالسين، ويروى عَن الْأَعْمَش: (قعُودا) ، جمع الْقَاعِد. قَوْله: (مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) عَن الْأَعْمَش: (كُنَّا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي بَقِيع الْغَرْقَد) ، بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون الرَّاء وَفتح الْقَاف وبالدال الْمُهْملَة، وَهِي مَقْبرَة أهل الْمَدِينَة. قَوْله: (وَمَعَهُ عود) وَفِي رِوَايَة شُعْبَة: (وَبِيَدِهِ فَجعل ينكت بهَا فِي الأَرْض) . وَفِي رِوَايَة مَنْصُور: (مَعَه مخصرة) ، بِكَسْر الْمِيم وَهِي عَصا أَو قضيب يمسِكهُ الرئيس ليتوكأ عَلَيْهِ ولغير ذَلِك، وَمعنى: ينكت، بالنُّون بعد الْيَاء يضْرب. قَوْله: (أَو من الْجنَّة) كلمة: أَو، للتنويع وَوَقع فِي رِوَايَة سُفْيَان مَا يشْعر بِأَنَّهَا بِمَعْنى: الْوَاو، وَقد تقدم من حَدِيث ابْن عمر: أَن لكل أحد مقعدين. قَوْله: (فَقَالَ رجل) ، وَهَذَا الرجل وَقع فِي حَدِيث جَابر عِنْد مُسلم أَنه سراقَة بن مَالك بن جعْشم. قَوْله: (أَلا نَتَّكِل؟) أَي: أَلا نعتمد على مَا قدره الله فِي الْأَزَل ونترك الْعَمَل؟ فَقَالَ: لَا إِذْ كل أحد ميسر لما خلق لَهُ، وَحَاصِله: أَن الْوَاجِب عَلَيْكُم مُتَابعَة الشَّرِيعَة لَا تَحْقِيق الْحَقِيقَة، وَالظَّاهِر لَا يتْرك للباطن. قَوْله: {فَأَما من أعْطى وَاتَّقَى} (اللَّيْل: 5)
الْآيَة، وَفِي رِوَايَة سُفْيَان ووكيع: الْآيَات إِلَى قَوْله: {العسرى} .
5 - (بابٌ العَمَلُ بالخَواتِيمِ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ الْعَمَل بالخواتيم أَي: بالعواقب، وَهُوَ جمع خَاتِمَة يَعْنِي: الِاعْتِبَار لحَال الشَّخْص عِنْد الْمَوْت قبل المعاينة لملائكة الْعَذَاب.
13 - (حَدثنَا حبَان بن مُوسَى أخبرنَا عبد الله أخبرنَا معمر عَن الزُّهْرِيّ عَن سعيد بن الْمسيب عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ شَهِدنَا مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - خَيْبَر فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لرجل مِمَّن مَعَه يَدعِي الْإِسْلَام هَذَا من أهل النَّار فَلَمَّا حضر الْقِتَال قَاتل الرجل من أَشد الْقِتَال وَكَثُرت بِهِ الْجراح فأثبتته فجَاء رجل من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ يَا رَسُول الله أَرَأَيْت الَّذِي تحدثت أَنه من أهل النَّار قد قَاتل فِي سَبِيل الله من أَشد الْقِتَال فكثرت بِهِ الْجراح فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أما إِنَّه من أهل النَّار فكاد بعض الْمُسلمين يرتاب فَبَيْنَمَا هُوَ على ذَلِك إِذْ وجد الرجل ألم الْجراح فَأَهوى بِيَدِهِ إِلَى كِنَانَته فَانْتزع مِنْهَا سَهْما فانتحر بهَا فَاشْتَدَّ رجال من الْمُسلمين إِلَى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالُوا يَا رَسُول الله صدق الله حَدِيثك قد انتحر فلَان فَقتل نَفسه فَقَالَ رَسُول الله يَا بِلَال قُم فَأذن لَا يدْخل الْجنَّة إِلَّا مُؤمن وَإِن الله ليؤيد هَذَا الدّين بِالرجلِ الْفَاجِر) مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَن الرجل الْمَذْكُور فِيهِ ختم عمله بالسوء وَإِنَّمَا الْعَمَل بالخاتمة وحبان بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة ابْن مُوسَى الْمروزِي وَعبد الله بن الْمُبَارك الْمروزِي وَمعمر بِفَتْح الميمين ابْن رَاشد والْحَدِيث مضى فِي الْجِهَاد فِي بَاب أَن الله يُؤَيّد الدّين بِالرجلِ الْفَاجِر وَمضى الْكَلَام فِيهِ قَوْله " خَيْبَر " أَي غَزْوَة خَيْبَر بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة قَوْله " لرجل اسْمه قزمان " بِضَم الْقَاف وَسُكُون الزَّاي قَوْله " مِمَّن يَدعِي الْإِسْلَام " أَي تلفظ بِهِ قَوْله " فَلَمَّا حضر الْقِتَال " بِالرَّفْع وَالنّصب قَالَه الْكرْمَانِي قلت الرّفْع على أَنه فَاعل حضر وَالنّصب على المفعولية أَي فَلَمَّا حضر الرجل الْقِتَال قَوْله الْجراح جمع جِرَاحَة قَوْله " فأثبتته " أَي أثخنته الْجراح وَجَعَلته سَاكِنا غير متحرك وَقيل صرعته صرعا لَا يقدر مَعَه على الْقيام قَوْله " يرتاب " أَي يشك فِي الدّين لأَنهم رَأَوْا الْوَعيد شَدِيدا قَوْله " فَبَيْنَمَا " أَصله بَين زيدت فِيهِ الْمِيم وَالْألف وَيَقَع بعده جملَة اسمية وَهِي قَوْله هُوَ كَذَلِك وَيحْتَاج إِلَى جَوَاب وَهُوَ قَوْله إِذْ وجد الرجل أَي الرجل الْمَذْكُور قَوْله فَأَهوى بِيَدِهِ أَي مدها(23/152)
إِلَى كِنَانَته فَانْتزع مِنْهَا سَهْما أَي فَأخْرج مِنْهَا نشابة فانتحر بهَا أَي نحر بهَا نَفسه قَوْله " فَاشْتَدَّ رجال " أَي فَأَسْرعُوا فِي السّير إِلَى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَوْله " فَأذن " أَي أعلم ويروى " فَأذن فِي النَّاس " -
7066 - حدّثنا سَعِيدُ بنُ مَرْيَمَ حدّثنا أبُو غَسَّانَ حدّثني أبُو حازِمٍ عنْ سَهْلٍ أنَّ رَجُلاً مِنْ أعْظَمِ المُسْلِمِينَ غَنَاءً عنِ المُسْلِمِينَ فِي غَزْوَةِ غَزَاها مَعَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَنَظَرَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: (مَنْ أحَبَّ أنْ يَنْظُرَ إِلَى الرَّجُلِ مِنْ أهْلِ النَّارِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى هاذَا!) فاتَّبَعَهُ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ وهْوَ عَلى تِلْكَ الحَالِ مِنْ أشَدِّ النَّاسِ عَلى المُشْرِكِينَ حتَّى جُرِحَ فاسْتَعْجَلَ المَوْتَ، فَجَعَلَ ذُبابَةَ سَيْفِهِ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ حتَّى خَرَجَ مِنْ بَيْنِ كَتِفَيْهِ، فأقْبَلَ الرَّجُلُ إِلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُسْرِعاً فَقَالَ: أشْهَدُ أنَّكَ رسولُ الله، فَقَالَ: (وَمَا ذَاكَ؟) قَالَ: قُلْتَ لِفُلانٍ: مَنْ أحَبَّ أنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أهْل النَّارِ فَلْيَنْظُرْ إلَيْهِ، وَكَانَ مِنْ أعْظَمِنا غَناءً عنِ المُسْلِمِينَ، فَعَرَفْتُ أنّهُ لَا يَمُوتُ عَلى ذالِكَ، فَلَمَّا جُرِحَ اسْتَعْجَلَ المَوْتَ فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فقالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْدَ ذالِكَ: (إِن العَبْدَ لَيَعْمَلُ عمَلَ أهْلِ النَّارِ وإنّهُ مِنْ أهْلِ الجَنَّةِ، ويَعْمَلُ عَمَلَ أهْل الجَنّةِ وإنّهُ مِنْ أهْلِ النَّارِ، وإنَّما الأعْمالُ بالخَواتِيمِ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي آخر الحَدِيث. وَأَبُو غَسَّان بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَتَشْديد السِّين الْمُهْملَة مُحَمَّد بن مطرف، وَأَبُو حَازِم بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي سَلمَة بن دِينَار، وَسَهل بن سعد الْأنْصَارِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي الْجِهَاد فِي: بَاب لَا يَقُول فلَان شَهِيدا، وَمضى الْكَلَام فِيهِ وَفِي (التَّوْضِيح) : إِن حدثت أبي هُرَيْرَة السَّابِق وَهَذَا الحَدِيث قصَّة وَاحِدَة، وَإِن الرَّاوِي نقل على الْمَعْنى، وَيحْتَمل أَن يَكُونَا رجلَيْنِ.
قَوْله: (غناء) ، بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَالْمدّ، يُقَال: أغْنى عَنهُ غناء فلَان، أَي: نَاب عَنهُ، وأجرى مجْرَاه، وَمَا فِيهِ غناء ذَاك أَي: الاضطلاع وَالْقِيَام عَلَيْهِ، وَقَالَ ابْن ولاد: الْغناء بِالْفَتْح وَالْمدّ النَّفْع، والغنا بِالْكَسْرِ وَالْقصر ضد الْفقر وبالمد الصَّوْت. قَوْله: (فِي غَزْوَة) هِيَ: غَزْوَة خَيْبَر. قَوْله: (فَلْينْظر إِلَى هَذَا) أَي: إِلَى هَذَا الرجل، وَهُوَ قزمان أَو غَيره إِن كَانَ قضيتان. قَوْله: (حَتَّى جرح) على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (ذُبَابَة سَيْفه) ، الذبابة بِضَم الذَّال الْمُعْجَمَة وَهُوَ الطّرف، قيل: فِي الحَدِيث السَّابِق أَنه نحر نَفسه بِالسَّهْمِ، وَهنا قَالَ بالذبابة. وَأجِيب: إِن كَانَت الْقِصَّة وَاحِدَة فَلَا مُنَافَاة لاحْتِمَال استعمالهما كليهمَا، وَإِن كَانَت قصتين فظاهرة. قَوْله: (بَين ثدييه) ، قَالَ ابْن فَارس: الثندؤة بِالْهَمْزَةِ للرجل والثدي للْمَرْأَة. والْحَدِيث يرد عَلَيْهِ، وَلذَلِك جعله الْجَوْهَرِي للرجل أَيْضا. قَوْله: (وَإِنَّمَا الْأَعْمَال) أَي: اعْتِبَار الْأَعْمَال بالعواقب.
وَفِيه: حجَّة قَاطِعَة على الْقَدَرِيَّة فِي قَوْلهم: إِن الْإِنْسَان يملك أَمر نَفسه ويختار لَهَا الْخَيْر وَالشَّر.
6 - (بابُ إلقاءِ النذْرِ العَبْدَ إِلَى القَدَر)
أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان الْإِلْقَاء النّذر، إِلْقَاء مصدر يُضَاف إِلَى فَاعله وَهُوَ النّذر، وَالْعَبْد مَنْصُوب على المفعولية هَذَا هَكَذَا فِي رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: بَاب إِلْقَاء العَبْد النّذر، فإعرابه بعكس ذَاك، وَالْمعْنَى: أَن العَبْد إِذا نذر لدفع شَرّ أَو لجلب خير فَإِن نَذره يلقيه إِلَى الْقدر الَّذِي فرغ الله مِنْهُ وأحكمه، لَا أَنه شَيْء يختاره، فمهما قدره الله هُوَ الَّذِي يَقع، وَلِهَذَا قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَدِيث الْبَاب: إِن النّذر لَا يرد شَيْئا، وَإِنَّمَا يسْتَخْرج بِهِ من الْبَخِيل، وَمَتى اعْتقد خلاف ذَلِك قد جعل نَفسه مشاركاً لله تَعَالَى فِي خلقه، ومجوزاً عَلَيْهِ مَا لم يقدره تَعَالَى الله عَن ذَلِك.
8066 - حدّثنا أبُو نُعَيْمٍ حدّثنا سُفْيانُ عنْ مَنْصُورٍ عنْ عَبْدِ الله بنِ مُرَّةً عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي(23/153)
الله عَنْهُمَا، قَالَ: نَهاى النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عنِ النذْرِ وَقَالَ: (لَا يَرُدُّ شَيْئاً وإنَّما يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ البَخِيلِ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَن النّذر يلقِي العَبْد إِلَى الْقدر وَلَا يرد شَيْئا، وَالْقدر هُوَ الَّذِي يعْمل عمله.
وَأَبُو نعيم الْفضل بن دُكَيْن، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَمَنْصُور هُوَ ابْن الْمُعْتَمِر، وَعبد الله بن مرّة بِضَم الْمِيم وَتَشْديد الرَّاء الْهَمدَانِي يروي عَن عبد الله بن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي النذور عَن خَلاد بن يحيى. وَأخرجه مُسلم فِي النذور أَيْضا عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَغَيره. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن عُثْمَان بن أبي شيبَة. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن عمر بن مَنْصُور. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الْكَفَّارَات عَن عَليّ بن مُحَمَّد.
قَوْله: (إِنَّه) أَي: إِن النّذر لَا يرد شَيْئا قيل: النّذر الْتِزَام قربَة فَلم يكن مَنْهِيّا؟ وَأجِيب: بِأَن الْقرْبَة غير منهية لَكِن التزامها مَنْهِيّ، إِذْ رُبمَا لَا يقدر على الْوَفَاء، وَقيل: الصَّدَقَة ترد الْبلَاء وَهَذَا الْتِزَام الصَّدَقَة. وَأجِيب: بِأَنَّهُ لَا يلْزم من رد الصَّدَقَة التزامها، وَقَالَ الْخطابِيّ: هَذَا بَاب غَرِيب من الْعلم وَهُوَ: أَن يُ نهى عَن الشَّيْء أَن يفعل، حَتَّى إِذا فعل وَقع وَاجِبا، وَفِي لفظ: إِنَّمَا يسْتَخْرج، دَلِيل على وجوب الْوَفَاء وَفِي (التَّوْضِيح) : النّذر ابْتِدَاء جَائِز، والمنهي عَنهُ الْمُعَلق، كَأَنَّهُ يَقُول: لَا أفعل خيرا يَا رب حَتَّى تفعل بِي خيرا، فَإِذا دخل فِيهِ فَعَلَيهِ الْوَفَاء.
9066 - حدّثنا بِشْرُ بنُ مُحَمَّدٍ أخبرنَا عَبْدُ الله أخبرنَا مَعَمرٌ عنْ هَمَّامِ بنِ مُنَبِّهٍ عنْ أبي هُرَيْرَةَ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (لَا يأْتِي ابنَ آدَمَ النَّذْرُ بِشَيْءٍ لَمْ يَكُنْ قدْ قَدَّرْتُهُ، ولَكِنْ يلْقِيهِ القَدَرُ، وقَدْ قدَّرْتُهُ لهُ اسْتَخْرِج بِهِ مِنَ البَخِيلِ) .
قيل: لَا يُطَابق الحَدِيث التَّرْجَمَة. والمطابق أَن يَقُول: إِلْقَاء الْقدر العَبْد إِلَى النّذر، لِأَن لفظ الحَدِيث يلقيه الْقدر.
قلت: فِي رِوَايَة الْكشميهني: يلقيه النّذر، وَمن عَادَة البُخَارِيّ أَنه يترجم بِمَا ورد فِي بعض طرق الحَدِيث وَإِن لم يسق ذَلِك اللَّفْظ بِعَيْنِه، وَقد غفل عَمَّا فِي رِوَايَة الْكشميهني من الْمُطَابقَة فَلذَلِك ادّعى عدم الْمُطَابقَة. وَقَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: التَّرْجَمَة مَقْلُوبَة إِذْ الْقدر يلقِي العَبْد إِلَى النّذر لقَوْله: (يلقيه الْقدر) .
قلت: هما صادقان، إِذْ بِالْحَقِيقَةِ الْقدر هُوَ الْموصل وبالظاهر هُوَ النّذر، لَكِن كَانَ الأولى فِي التَّرْجَمَة الْعَكْس ليُوَافق الحَدِيث إلاّ أَن يُقَال إنَّهُمَا متلازمان. انْتهى.
قلت: لَو وقف الْكرْمَانِي أَيْضا على رِوَايَة الْكشميهني لما تكلّف فِيمَا تعسف.
وَبشر بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة ابْن مُحَمَّد أَبُو مُحَمَّد الشختياني الْمروزِي، وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك الْمروزِي، وَمعمر هُوَ ابْن رَاشد، وَهَمَّام بن مُنَبّه بِضَم الْمِيم وَفتح النُّون وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة.
والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (لَا يَأْتِي ابْن آدم) فَاعل: لَا يَأْتِي، النّذر، وَابْن آدم مَفْعُوله. وَهُوَ قريب من معنى قَوْله فِي الحَدِيث السَّابِق: إِنَّه لَا يرد شَيْئا قد وَقع. قَوْله: (لَا يَأْتِي) بِالْيَاءِ فِي الْأُصُول، وَفِي رِوَايَة أبي الْحسن: لَا يأتِ، بِدُونِ الْيَاء كَأَنَّهُ كتبه على الْوَصْل مثل قَوْله: {سَنَدع الزَّبَانِيَة} (العلق: 81) بِغَيْر وَاو. قَوْله: (لم يكن قدرته) صفة لقَوْله: بِشَيْء قَالَ الْكرْمَانِي: وَقدرته بِصِيغَة الْمُتَكَلّم، ويروى: قدر بِهِ، بِلَفْظ الْمَجْهُول الْغَائِب وَالْجَار وَالْمَجْرُور. قَوْله: (وَلَكِن يلقيه الْقدر) من الْإِلْقَاء، وَيُقَال: معنى، لم يكن قدرته، أما مَا قدرت عَلَيْهِ الشدَّة فيحملها عَنهُ وَالنّذر لَا يحل عَنهُ الشدَّة بنذره، وَيكون ذَلِك النّذر استخرجه من الْبَخِيل للشدة الَّتِي عرضت لَهُ. قَوْله: (وَلَكِن يلقيه الْقدر) من الْإِلْقَاء، وَقيل: بِالْفَاءِ وَالْقَاف. قَوْله: (استخرج) بِلَفْظ الْمُتَكَلّم من الْمُضَارع.
7 - (بابُ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلاّ بِاللَّه)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ: لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه، وَمعنى: لَا حول لَا تَحْويل للْعَبد فِي مَعْصِيّة الله إلاّ بعصمة الله، وَلَا قُوَّة لَهُ على طَاعَة الله إِلَّا بِتَوْفِيق الله. وَقيل: معنى لَا حول لَا حِيلَة، وَقَالَ النَّوَوِيّ: هِيَ كلمة استسلام وتفويض، وَأَن العَبْد لَا يملك من أمره شَيْئا لَيْسَ لَهُ حِيلَة فِي دفع شَرّ وَلَا قُوَّة فِي جلب خير إلاَّ بِإِرَادَة الله عز وَجل.(23/154)
0166 - حدّثني مُحَمَّدُ بنُ مُقاتِلٍ أبُو الحَسَنِ أخبرنَا عَبْدُ الله أخبرنَا خالِدٌ الحَذَّاءُ عنْ أبي عثْمانَ النَّهْدِيِّ عنْ أبي مُوسَى قَالَ: كُنّا مَعَ رسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غَزاةٍ، فَجَعَلْنا لَا نَصْعَدُ شَرَقاً وَلَا نَعْلُو شَرَقاً وَلَا نَهْبِطُ فِي وادٍ إلاّ رَفَعْنا أصْوَاتَنا بالتَّكْبِيرِ، قَالَ: فَدَنا مِنّا رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: (يَا أيُّها النّاس أرْبَعُوا عَلَى أنْفُسِكُمْ، فإنَّكُم لَا تَدْعُونَ أصَمَّ وَلَا غائِباً، إنَّما تَدْعُونَ سَمِيعاً بَصِيراً) ثُمَّ قَالَ: (يَا عَبْدَ الله بنَ قَيْسٍ! ألاَ أُعَلِّمُكَ كَلِمَةً هِيَ مِنْ كُنُوزِ الجَنَّةِ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلاَّ بِاللَّه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك. وَأَبُو عُثْمَان النَّهْدِيّ عبد الرَّحْمَن بن مل، وَأَبُو مُوسَى عبد الله بن قيس الْأَشْعَرِيّ.
وَقد مر الحَدِيث فِي كتاب الدَّعْوَات فِي: بَاب الدُّعَاء إِذا علا عقبَة، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن سُلَيْمَان بن حَرْب عَن حَمَّاد بن زيد عَن أَيُّوب عَن أبي عُثْمَان عَن أبي مُوسَى ... إِلَى آخِره، وَمضى أَيْضا فِي الْجِهَاد فِي: بَاب مَا يكره من رفع الصَّوْت فِي التَّكْبِير، أخرجه عَن مُحَمَّد بن يُوسُف عَن عَاصِم عَن أبي عُثْمَان عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ.
قَوْله: (فِي غزَاة) هِيَ غَزْوَة خَيْبَر، والشرف الْموضع العالي. قَوْله: (أربعوا) بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة أَي: أرفقوا بِأَنْفُسِكُمْ واخفضوا أَصْوَاتكُم، يُقَال: ربع الرجل إِذا توقف وانحبس. قَوْله: (أَصمّ) ويروى: أصماً. قَوْله: (يَا عبد الله بن قيس) هُوَ اسْم أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ. قَوْله: (هِيَ من كنوز الْجنَّة) يَعْنِي: أَن لَهُ ثَوابًا مدخراً نفيساً كالكنز فَإِنَّهُ من نفائس مدخراتكم، وَقَالَ النَّوَوِيّ: الْمَعْنى أَن قَوْلهَا يحصل ثَوابًا نفيساً مدخراً لصَاحبه فِي الْجنَّة.
8 - (بابٌ المَعْصُومُ مَنْ عَصَمَ الله)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ قَول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الْمَعْصُوم من عصمَة الله بِأَن حماه عَن الْوُقُوع فِي الْهَلَاك، يُقَال: عصمه الله من الْمَكْرُوه وَقَاه وَحفظه، وَالْفرق بَين عصمَة الْمُؤمنِينَ وعصمة الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام، أَن عصمَة الْأَنْبِيَاء بطرِيق الْوُجُوب، وَفِي حق غَيرهم بطرِيق الْجَوَاز.
عاصِمٌ: مانِعٌ
أَشَارَ بِهِ إِلَى تَفْسِير: {لَا عَاصِم الْيَوْم من أَمر الله} (هود: 34) أَي لَا مَانع.
قَالَ مُجاهِدٌ: سُداً عنِ الحَقِّ يَتَرَدَّدُونَ فِي الضَّلاَلَةِ
أَي: قَالَ مُجَاهِد فِي تَفْسِير سدًى فِي قَوْله عز وَجل: {أيحسب الْإِنْسَان أَن يتْرك سدى} (الْقِيَامَة: 63) بقوله: يَتَرَدَّدُونَ فِي الضَّلَالَة، وَقَالَ بَعضهم: سداً بتَشْديد الدَّال بعْدهَا ألف، وَوَصله ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق وَرْقَاء عَن ابْن أبي نجيح عَنهُ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَجَعَلنَا من بَين أَيْديهم سداً} (يس: 9) قَالَ: عَن الْحق، ثمَّ قَالَ: ورأيته فِي بعض نسخ البُخَارِيّ: سدى، بتَخْفِيف الدَّال مَقْصُور، وَعَلِيهِ شرح الْكرْمَانِي ثمَّ قَالَ: وَلم أر فِي شَيْء من نسخ البُخَارِيّ إلاَّ الَّذِي أوردته. انْتهى.
قلت: هَذَا كَلَام ينْقض آخِره أَوله، لِأَنَّهُ قَالَ أَولا، ورأيته فِي بعض نسخ البُخَارِيّ سدًى بتَخْفِيف الدَّال، ثمَّ قَالَ: وَلم أر فِي شَيْء من نسخ البُخَارِيّ إلاَّ الَّذِي أوردته، وَمَعَ هَذَا هُوَ لم يطلع على جَمِيع نسخ البُخَارِيّ، وَهَذَا لَا يتَصَوَّر إلاَّ بالتعسف فِي النّسخ الَّتِي فِي مدينته، وَأما النّسخ الَّتِي فِي بِلَاد كرمان وبلخ وخراسان فَمن أَيْن يتَصَوَّر لَهُ الِاطِّلَاع عَلَيْهِمَا؟
دَسَّاها أغْوَاها
أَشَارَ بِهَذَا إِلَى تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: {وَقد خَابَ من دساها} (الشَّمْس: 01) بقوله: أغواها. وَأخرج الطَّبَرِيّ بِسَنَد صَحِيح عَن حبيب بن ثَابت عَن مُجَاهِد وَسَعِيد بن جُبَير فِي قَوْله: دساها، قَالَ أَحدهمَا: أغواها، وَقَالَ الآخر: أضلها. وَقَالَ الْكرْمَانِي: مُنَاسبَة الْآيَتَيْنِ بالترجمة بَيَان أنّ من لم يعصمه الله كَانَ سدًى ومغوًى.(23/155)
1166 - حدّثنا عَبْدَانُ أخبرنَا عَبْدُ الله أخْبَرَنَا يُونُسُ عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حدّثني أبُو سَلَمَةَ عنْ أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (مَا اسْتُخْلِفَ خلِيفةٌ إلاّ لهُ بِطانتانِ: بِطانَةٌ تأمُرُهُ بالخَيْرِ وتَحُضُّهُ عَلَيْهِ، وبِطانَةٌ تأمُرُهُ بالشَّرِّ وتَحُضُّهُ عَلَيْهِ، والمَعْصُومُ مَنْ عَصَمَ الله) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي آخر الحَدِيث. وعبدان لقب عبد الله بن عُثْمَان الْمروزِي، وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك الْمروزِي، وَيُونُس هُوَ ابْن يزِيد الْأَيْلِي، وَالزهْرِيّ هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم، وَأَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْأَحْكَام عَن إصبغ: وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْبيعَة وَفِي السّير عَن يُونُس بن عبد الْأَعْلَى.
قَوْله: (بطانتان) ، البطانة بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة الصاحب الوليجة المشاور وَهُوَ اسْم جنس يَشْمَل الْوَاحِد وَالْجمع. قَوْله: (ويحضه) أَي: يحثه. قَوْله: (وبطانة تَأمره بِالشَّرِّ) قَالَ الْكرْمَانِي: لفظ: تَأمره، دَلِيل على أَنه لَا يشْتَرط فِي الْأَمر الْعُلُوّ وَلَا الاستعلاء.
9 - (بابٌ {وَحرَام على قَرْيَة أهلكناها أَنهم لَا يرجعُونَ} (الْأَنْبِيَاء: 59) {إِنَّه لن يُؤمن من قَوْمك إِلَّا من قد آمن} (هود: 63) {وَلَا يلدوا إِلَّا فَاجِرًا كفَّارًا} (نوح: 72)
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله تَعَالَى: {وَحرَام} ... إِلَى آخِره. قَالَ الْكرْمَانِي: الْغَرَض من هَذِه الْآيَات أَن الْإِيمَان وَالْكفْر بِتَقْدِير الله تَعَالَى، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: {وَحرم على قَرْيَة أهلكناها} الْآيَة وَفِي رِوَايَة غَيره: {وَحرَام} إِلَى آخر الْآيَة، والقراءاتان مشهورتان فَقَرَأَ أهل الْحجاز وَالْبَصْرَة وَالشَّام: حرَام، وَقَرَأَ أهل الْكُوفَة: وَحرم.
وَقَالَ منْصُورُ بنُ النُّعْمانِ عنْ عِكْرِمَةَ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ: وحِرْمٌ بالحَبَشِيَّةِ: وجَبَ.
مَنْصُور بن النُّعْمَان الْيَشْكُرِي الْبَصْرِيّ، سكن مرو ثمَّ بخاري وَمَاله فِي البُخَارِيّ سوى هَذَا الْموضع. وَقَالَ الْكرْمَانِي: مَنْصُور بن النُّعْمَان فِي النّسخ هَكَذَا، لَكِن قَالُوا: صَوَابه مَنْصُور بن الْمُعْتَمِر السّلمِيّ الْكُوفِي، وَهَذَا التَّعْلِيق رَوَاهُ أَبُو جَعْفَر عَن ابْن قهزاد عَن أبي عوَانَة عَنهُ، هَكَذَا قَالَه صَاحب (التَّلْوِيح) : وَتَبعهُ صَاحب (التَّوْضِيح) : وَقَالَ بَعضهم: لم أَقف على ذَلِك فِي (تَفْسِير أبي جَعْفَر الطَّبَرِيّ)
قلت: هَذَا مُجَرّد تشنيع، وَعدم وُقُوفه على هَذَا لَا يسْتَلْزم عدم وقُوف غَيره، وَنسخ الطَّبَرِيّ كَثِيرَة فَلَا تَخْلُو عَن زِيَادَة ونقصان. قَوْله: (وَحرم بالحبشية وَجب) يَعْنِي: معنى حرم باللغة الحبشية وَجب، وروى غير عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس: وَجب عَلَيْهِم أَنهم لَا يتوبون، يَعْنِي فِي تَفْسِير قَوْله عز وَجل: {وَحرَام على قَرْيَة أهلكناها أَنهم لَا يرجعُونَ} (الْأَنْبِيَاء: 59) وَعَن أبي هُرَيْرَة: لَا، هُنَا زَائِدَة، وَذهب إِلَى أَن حَرَامًا على بَابه، وَأنكر البصريون زِيَادَة: لَا، هُنَا. وَقيل: الْمَعْنى: وَحرَام أَن يتَقَبَّل مِنْهُم عمل لأَنهم لَا يرجعُونَ، أَي: لَا يتوبون، وَكَذَا قَالَ الزّجاج، وَقيل: الْحَرَام الْمَنْع، فَالْمَعْنى حرَام عَلَيْهِم الرُّجُوع إِلَى الدُّنْيَا، وَقَالَ الْمُهلب: وَجب عَلَيْهِم أَنهم لَا يتوبون، وَحرم وَحرَام بِمَعْنى وَاحِد، وَالتَّقْدِير: وَحرَام على قَرْيَة أردنَا إهلاكها التَّوْبَة من كفرهم، وَهَذَا كَقَوْلِه: {إِنَّه لن يُؤمن من قَوْمك إلاَّ من قد آمن} (هود: 63) أَي: تقدم علم الله فِي قوم نوح أَنه لن يُؤمن مِنْهُم غير من آمن، وَلذَلِك قَالَ نوح عَلَيْهِ السَّلَام: {رب لَا تذر على الأَرْض من الْكَافرين ديارًا} (نوح: 62) إِلَى قَوْله: {فَاجِرًا كفَّارًا} (نوح: 62) إِذا قد اعلمتني {إِنَّه لن يُؤمن مِنْهُم إلاّ من قد آمن} (هود: 63) وأهلكهم لعلمه تَعَالَى أَنهم لَا يرجعُونَ إِلَى الْإِيمَان.
2166 - حدّثني مَحْمُودُ بنُ غَيْلاَنَ حَدثنَا عبْدُ الرَّزَّاق أخبرَنا مَعَمَرٌ عنِ ابنِ طاوُوس عنْ أبِيهِ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَا رأيْتُ شَيْئاً أشْبهَ باللّمَمِ مِمَّا قَالَ أبُو هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ، عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إنَّ الله كَتَبَ عَلَى ابنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنا، أدْرَكَ ذَلِكَ لَا مْحالَةَ، فَزِنا العيْنِ النَّظَرُ وزِنا اللِّسانِ المَنْطِقُ، والنَّفْسُ تَمَنَّى وتَشْتَهِي، والفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ ويُكَذِّبُهُ) . (انْظُر الحَدِيث 3426) .
مطابقته للتَّرْجَمَة الَّتِي هِيَ الْآيَات الَّتِي تدل على أَن كل شَيْء غير خَارج عَن سَابق قدره، وَكَذَلِكَ حَدِيث الْبَاب، لِأَن الزِّنَا(23/156)
ودواعيه كل ذَلِك مَكْتُوب مُقَدّر على العَبْد غير خَارج من سَابق قدره.
ومحمود بن غيلَان بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف، وَعبد الرَّزَّاق بن همام، وَمعمر هُوَ ابْن رَاشد، وَابْن طَاوس هُوَ عبد الله يروي عَن أَبِيه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا.
قَوْله: (مَا رَأَيْت شَيْئا أشبه باللمم) بِفتْحَتَيْنِ وَهُوَ صغَار الذُّنُوب، وَأَصله: مَا يلم بِهِ الشَّخْص من شهوات النَّفس، وَالْمَفْهُوم من كَلَام ابْن عَبَّاس أَنه النّظر، والنطق. وَقَالَ الْخطابِيّ: يُرِيد بِهِ المعفو عَنهُ الْمُسْتَثْنى فِي كتاب الله: {الَّذين يجتنبون كَبَائِر الْإِثْم وَالْفَوَاحِش إِلَّا اللمم} (النَّجْم: 23) وسمى الْمنطق وَالنَّظَر زنا لِأَنَّهُمَا من مقدماته، وَحَقِيقَته، إِنَّمَا يَقع بالفرج، وَعَن ابْن عَبَّاس: اللمم أَن يَتُوب من الذُّنُوب وَلَا يعاودها، وروى عَنهُ: كل مَا دون الزِّنَا فَهُوَ اللمم. قَوْله: (فزنا الْعين النّظر) أَي: النّظر إِلَى الْأَجْنَبِيَّة. وَقَالَ ابْن مَسْعُود: العينان تزنيان بِالنّظرِ، والشفتان تزنيان وزناهما التَّقْبِيل، وَالْيَدَانِ تزنيان وزناهما اللَّمْس، وَالرجلَانِ تزنيان وزناهما الْمَشْي، وَقيل: إِنَّمَا سميت هَذِه الْأَشْيَاء زنا لِأَنَّهَا دواعي إِلَيْهِ. قَوْله: (لَا محَالة) بِفَتْح الْمِيم أَي: لَا بُد لَهُ من ذَلِك وَلَا تحول لَهُ عَنهُ. قَوْله: (تمنى) أَصله: تتمني، فحذفت مِنْهُ إِحْدَى التَّاءَيْنِ. قَوْله: (والفرج يصدق ذَلِك ويكذبه) يَعْنِي: إِذا قدر على الزِّنَا فِيمَا كَانَ فِيهِ النّظر، وَالتَّمَنِّي كَانَ زنا صدق ذَلِك فرجه، وَإِن امْتنع وَخَافَ ربه كذب ذَلِك فرجه، وتكتب لَهُ حسنه. قيل: التَّصْدِيق والتكذيب من صِفَات الْإِخْبَار. وَأجِيب بِأَن إطلاقهما هُنَا على سَبِيل التَّشْبِيه.
وَقَالَ شَبابَةُ: حدّثنا ورْقاءُ عنِ ابنِ طاوُوسٍ عنْ أبِيهِ عنْ أبي هُرَيرَةَ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
شَبابَة بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة. وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة الأولى ابْن سوار بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْوَاو وبالراء الْفَزارِيّ روى عَنهُ مَحْمُود، وورقاء مؤنث الأورق بِالْوَاو وبالراء وَالْقَاف ابْن عمر الْخَوَارِزْمِيّ سكن الْمَدِينَة، وَأَشَارَ البُخَارِيّ بِهَذَا التَّعْلِيق إِلَى أَن طاووساً سمع الْقِصَّة من ابْن عَبَّاس عَن أبي هُرَيْرَة أَيْضا. وَالظَّاهِر أَنه سَمعه من أبي هُرَيْرَة بعد أَن سَمعه من ابْن عَبَّاس، وَوصل هَذَا التَّعْلِيق صَاحب (التَّلْوِيح) فَقَالَ: روينَاهُ فِي (مُعْجم الطَّبَرَانِيّ الْأَوْسَط) فَقَالَ: حَدثنَا عمر بن عُثْمَان حَدثنَا ابْن الْمُنَادِي عَنهُ، فَذكره وَتَبعهُ فِي ذَلِك صَاحب (التَّوْضِيح) : وَقَالَ بَعضهم: راجعت (المعجم الْأَوْسَط) : فَلم أجد هَذَا فِيهِ.
قلت: صَاحب (التَّلْوِيح) : يُصَرح بِأَنَّهُ رَوَاهُ، وَتَبعهُ أَيْضا صَاحب (التَّوْضِيح) : الَّذِي هُوَ شيخ هَذَا الْقَائِل مَعَ علمه بِأَن الْمُثبت مقدم على النَّافِي، وَلَكِن عرق العصبية ينبض فَيُؤَدِّي صَاحبهَا إِلَى حط من هُوَ أكبر مِنْهُ فِي الْعلم وَالسّن والقدم.
01 - (بابُ {وَمَا جعلنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أريناك إِلَّا فتْنَة للنَّاس} (الْإِسْرَاء: 06)
أَي: هَذَا بَاب فِي قَول الله تَعَالَى: {وَمَا جعلنَا} ... إِلَى آخِره. قَالَ الثَّعْلَبِيّ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَمَا جعلنَا} الْآيَة قَالَ قوم: هِيَ رُؤْيا عين مَا رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لَيْلَة الْمِعْرَاج من الْعَجَائِب والآيات فَكَانَ ذَلِك فتْنَة للنَّاس، فقوم أَنْكَرُوا وكذبوا وَقوم ارْتَدُّوا وَقوم حدثوا. قَوْله: (إلاَّ فتْنَة) أَي: بلَاء للنَّاس، وَقيل: رأى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بني أُميَّة ينزون على منبره نزو القردة فساءه ذَلِك، فَمَا استجمع ضَاحِكا حَتَّى مَاتَ. فَأنْزل الله تَعَالَى: {وَمَا جعلنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أريناك} ... الْآيَة، وَقيل: إِنَّمَا فتن النَّاس بالرؤيا والشجرة لِأَن جمَاعَة ارْتَدُّوا، وَقَالُوا: كَيفَ سرى بِهِ إِلَى بَيت الْمُقَدّس فِي لَيْلَة وَاحِدَة، وَقَالُوا: لما أنزل الله تَعَالَى شَجَرَة الزقوم كَيفَ تكون فِي النَّار شَجَرَة لَا تأكلها؟ فَكَانَت فتْنَة لقوم واستبصاراً لقوم مِنْهُم أَبُو بكر الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَيُقَال: إِنَّه سمي صديقا ذَلِك الْيَوْم، وأصل الْفِتْنَة فِي الأَصْل الاختبار، ثمَّ اسْتعْملت فِي الْكفْر كَقَوْلِه تَعَالَى: {والفتنة أَشد من الْقَتْل} (الْبَقَرَة: 191) وَفِي الْإِثْم كَقَوْلِه تَعَالَى: {أَلا فِي الْفِتْنَة سقطوا} (التَّوْبَة: 94) ، وَفِي الإحراق كَقَوْلِه: {إِن الَّذين فتنُوا الْمُؤمنِينَ وَالْمُؤْمِنَات} (البروج: 01) وَفِي الْإِزَالَة عَن الشَّيْء كَقَوْلِه: {وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَك} (الْإِسْرَاء: 37) وَغير ذَلِك، وَالْمرَاد بهَا فِي هَذَا الْموضع: الاختبار.
20 - (حَدثنَا الْحميدِي حَدثنَا سُفْيَان حَدثنَا عَمْرو عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا وَمَا جعلنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أريناك إِلَّا فتْنَة للنَّاس قَالَ هِيَ رُؤْيا عين أريها رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَيْلَة أسرِي بِهِ إِلَى بَيت الْمُقَدّس قَالَ والشجرة الملعونة فِي الْقُرْآن قَالَ هِيَ شَجَرَة الزقوم)(23/157)
قَالَ ابْن التِّين وَجه دُخُول هَذَا الحَدِيث فِي كتاب الْقدر الْإِشَارَة إِلَى أَن الله تَعَالَى قدر للْمُشْرِكين التَّكْذِيب لرؤيا نبيه الصَّادِق فَكَانَ ذَلِك زِيَادَة فِي طغيانهم والْحميدِي عبد الله بن الزبير نسبته إِلَى أحد أجداده حميد مصغر حمد وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة وَعَمْرو هُوَ ابْن دِينَار والْحَدِيث مضى فِي تَفْسِير سُورَة الْإِسْرَاء عَن عَليّ بن عبد الله وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي التَّفْسِير عَن مُحَمَّد بن يحيى وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن مُحَمَّد بن مَنْصُور قَوْله رُؤْيا عين أَي فِي الْيَقَظَة لَا رُؤْيا مَنَام قَوْله والشجرة الملعونة يَعْنِي شَجَرَة الزقوم الْمَذْكُورَة فِي الْقُرْآن والشجرة مُبْتَدأ وَخَبره هِيَ شَجَرَة الزقوم وَإِنَّمَا ذكر الشَّجَرَة الملعونة لِأَنَّهَا مثل الرُّؤْيَا كَانَت فتْنَة وَقد ذكرنَا كَيفَ كَانَت فتْنَة والزقوم شَجَرَة بجهنم طَعَام أهل النَّار فَإِن قلت لم يذكر فِي الْقُرْآن لعن هَذِه الشَّجَرَة قلت قد لعن آكلوها وهم الْكفَّار قَالَ تَعَالَى {إِن شَجَرَة الزقوم طَعَام الأثيم} وَقَالَ {إِنَّهَا شَجَرَة تخرج فِي أصل الْجَحِيم} وَقَالَ فَإِنَّهُم {لآكلون مِنْهَا فمالؤون مِنْهَا الْبُطُون} فوصفت بلعن آكليها وَقيل طَعَام مَكْرُوه مَلْعُون ثمَّ إِن هَذِه الشَّجَرَة تنْبت فِي النَّار مخلوقة من جَوْهَر لَا تَأْكُله النَّار كسلاسل النَّار وأغلالها وعقاربها وحياتها -
11 - (بابٌ تَحاجَّ آدَمُ ومُوسَى عَلَيْهِما السَّلامُ، عِنْدَ الله عَزَّ وجَلَّ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ تحاج آدم ومُوسَى. قَوْله: (تحاج) ، فعل ماضٍ من المحاججة وَأَصله: تحاجج، بجيمين فادغمت إِحْدَاهمَا فِي الْأُخْرَى. قَوْله: (عِنْد الله) ، قيل: يَعْنِي: فِي يَوْم الْقِيَامَة، وَقيل: فِي الدُّنْيَا.
قلت: اللَّفْظ أَعم من ذَلِك وَقد روى أَحْمد من طَرِيق يزِيد بن هُرْمُز عَن أبي هُرَيْرَة بِلَفْظ: احْتج آدم ومُوسَى عِنْد ربهما، والعندية عندية اخْتِصَاص وتشريف لَا عندية مَكَان.
4166 - حدّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله حدّثنا سُفْيانُ قَالَ: حَفِظْنَاهُ مِنْ عَمْرٍ وعنْ طاوُوسٍ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (احْتَجَّ آدَمُ ومُوسَى) فَقَالَ لهُ مُوسَى: يَا آدَمُ {أنْتَ أبُونا خَيَّبْتَنا وأخْرَجْتَنا مِنَ الجَنَّة، قَالَ لهُ آدَمُ: يَا مُوسَى} اصْطَفاكَ الله بكَلاَمِهِ وخَطّ لَكَ بِيَدِهِ، أتَلُومُنِي عَلَى أمْرٍ قَدَّرَهُ الله عَلَيَّ قَبْلَ أنْ يَخْلُقَنِي بأرْبَعِينَ سَنَة؟ فَحَجَّ آدَمُ مُوَسَى، فحَجَّ آدَمُ مُوسَى)
ثَلاَثاً.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعلي بن عبد الله هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ، وسفاين هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَعَمْرو هُوَ ابْن دِينَار.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْقدر أَيْضا عَن مُحَمَّد بن حَاتِم وَغَيره. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي السّنة عَن مُسَدّد وَأحمد بن صَالح. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي التَّفْسِير عَن مُحَمَّد بن عبد الله وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي السّنة عَن هِشَام بن عمار وَغَيره.
قَوْله: (حفظناه من عَمْرو) وَفِي (مُسْند الْحميدِي) : عَن سُفْيَان حَدثنَا عَمْرو بن دِينَار، وَفِيه التَّأْكِيد لصِحَّة رِوَايَته. قَوْله: (احْتج) أَي: تحاج وتناظر، وَفِي رِوَايَة همام وَمَالك: تحاج، كَمَا فِي التَّرْجَمَة، وَهِي أوضح، وَفِي رِوَايَة أَيُّوب عِنْد البُخَارِيّ وَيحيى بن آدم: حج آدم مُوسَى وَعَلَيْهِمَا (شرح الطَّيِّبِيّ) فَقَالَ: معنى قَوْله: (حج آدم مُوسَى) غَلبه بِالْحجَّةِ. وَقَوله: بعد ذَلِك (قَالَ مُوسَى: يَا آدم أَنْت)
إِلَى آخِره، توضيح لذَلِك وَتَفْسِير لما أجمل. وَقَوله فِي آخِره (فحج آدم ومُوسَى) تَقْرِير لما سبق وتأكيد لَهُ. قَوْله: (أَنْت أَبونَا) وَفِي رِوَايَة ابْن أبي كثير: أَنْت أَبُو النَّاس، وَفِي رِوَايَة الشّعبِيّ: أَنْت آدم أَبُو الْبشر. قَوْله: (خيبتنا) أَي: أوقعتنا فِي الخيبة وَهِي الحرمان. قَوْله: (وأخرجتنا من الْجنَّة) وَهِي دَار الْجَزَاء فِي الْآخِرَة وَهِي مخلوقة قبل آدم. قَوْله: (وَخط لَك بِيَدِهِ) من المتشابهات فإمَّا أَن يُفَوض إِلَى الله تَعَالَى، وَإِمَّا أَن يؤول بِالْقُدْرَةِ، وَالْغَرَض مِنْهُ كِتَابَة أَلْوَاح التَّوْرَاة. قَوْله: (على أَمر قدره الله) ويروى: قدر الله، بِدُونِ الضَّمِير، وَهِي رِوَايَة السَّرخسِيّ وَالْمُسْتَمْلِي، وَالْمرَاد بالتقدير هُنَا الْكِتَابَة فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ أَو فِي صحف التَّوْرَاة، وإلاَّ فتقدير الله أزلي. قَوْله: (بِأَرْبَعِينَ سنة) قَالَ ابْن التِّين: يحْتَمل أَن يكون المُرَاد بالأربعين سنة مَا بَين قَوْله تَعَالَى: {إِنِّي جَاعل فِي الأَرْض خَليفَة} (الْبَقَرَة: 03) إِلَى نفخ الرّوح فِي آدم، وَقيل: ابْتِدَاء الْمدَّة وَقت الْكِتَابَة فِي الألواح وَآخِرهَا ابْتِدَاء خلق آدم. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: المعلومات كلهَا قد أحَاط بهَا علم الله الْقَدِيم قبل وجود الْمَخْلُوقَات كلهَا. وَلَكِن كتَابَتهَا وَقعت فِي أَوْقَات مُتَفَاوِتَة، وَقد ثَبت فِي (صَحِيح مُسلم) : إِن الله قدر الْمَقَادِير قبل أَن يخلق السَّمَوَات وَالْأَرْض بِخَمْسِينَ ألف سنة، فَيجوز أَن تكون(23/158)
قصَّة آدم بخصوصها كتبت قبل خلقه بِأَرْبَعِينَ سنة، وَيجوز أَن يكون ذَلِك الْقدر مُدَّة لبثه طيناً إِلَى أَن نفخت فِيهِ الرّوح، فقد ثَبت فِي (صَحِيح مُسلم) : أَن بَين تَصْوِيره طيناً وَنفخ الرّوح فِيهِ كَانَ مُدَّة أَرْبَعِينَ سننة، وَلَا يُخَالف ذَلِك كِتَابَة الْمَقَادِير عُمُوما قبل خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض بِخَمْسِينَ ألف سنة. فَإِن قلت: وَقع فِي حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: أتلومني على أَمر قدره لله عَليّ قبل أَن يخلق السَّمَوَات وَالْأَرْض؟ .
قلت: تحمل مُدَّة الْأَرْبَعين سنة على مَا يتَعَلَّق بِالْكِتَابَةِ، وَيحمل الآخر على مَا يتَعَلَّق بِالْعلمِ. قَوْله: (فحج آدم مُوسَى) ، آدم مَرْفُوع بِلَا خلاف وشذ بعض النَّاس فقرأه بِالنّصب على أَن آدم الْمَفْعُول ومُوسَى فِي مَحل الرّفْع على أَنه الْفَاعِل، نَقله الْحَافِظ أَبُو بكر بن الْخَاصَّة عَن مَسْعُود بن نَاصِر السجْزِي الْحَافِظ، قَالَ: سمعته يقْرَأ: فحج آدم، بِالنّصب قَالَ: وَكَانَ قدرياً. وَقد روى أَحْمد من رِوَايَة الزُّهْرِيّ عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة بِلَفْظ: (فحجه آدم) ، وَهَذَا يقطع الْإِشْكَال فَإِن رُوَاته أَئِمَّة حفاظ، وَالزهْرِيّ من كبار الْفُقَهَاء الْحفاظ، وَمعنى: فحج أَي: غَلبه بِالْحجَّةِ، يُقَال: حاججت فلَانا فحججته مثل خاصمته فَخَصمته، وَقَالَ الْخطابِيّ: إِنَّا حجه آدم فِي رفع اللوم إِذْ لَيْسَ لأحد من الْآدَمِيّين أَن يلوم أحدا بِهِ. وَقَالَ النَّوَوِيّ: مَعْنَاهُ أَنَّك تعلم أَنه مُقَدّر فَلَا تلمني، وَأَيْضًا اللوم شَرْعِي لَا عَقْلِي، وَإِذا تَابَ الله عَلَيْهِ وَغفر لَهُ ذَنبه زَالَ عَنهُ اللوم فَمن لامه كَانَ محجوجاً. قَوْله: (ثَلَاثًا) أَي قَالَ: حج آدم مُوسَى ثَلَاث مَرَّات، وَفِي حَدِيث رَوَاهُ عَمْرو بن أبي عَمْرو عَن الْأَعْرَج. (لقد حج آدم مُوسَى، لقد حج آدم مُوسَى، لقد آدم حج مُوسَى) .
فَإِن قلت: مَتى كَانَ ملاقاة آدم ومُوسَى؟ .
قلت: قيل يحْتَمل أَن يكون فِي زمن مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام، وَأَحْيَا الله لَهُ آدم معْجزَة لَهُ فَكَلمهُ أَو كشف لَهُ عَن قَبره فتحدثا، أَو أرَاهُ الله روحه كَمَا أرى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لَيْلَة الْمِعْرَاج أَرْوَاح الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام، أَو أرَاهُ الله فِي الْمَنَام رُؤْيا، ورؤيا الْأَنْبِيَاء وَحي، أَو كَانَ ذَلِك بعد وَفَاة مُوسَى فَالْتَقَيَا فِي البرزخ أول مَا مَاتَ مُوسَى فالتقت أرواحهما فِي السَّمَاء، وَبِذَلِك جزم ابْن عبد الْبر والقابسي، أَو أَن ذَلِك لم يَقع، وَإِنَّمَا يَقع بعد فِي الْآخِرَة، وَالتَّعْبِير عَنهُ بِلَفْظ الْمَاضِي لِأَنَّهُ مُحَقّق الْوُقُوع فَكَأَنَّهُ قد وَقع. فَإِن قلت: لم خص مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام، بِالذكر؟ .
قلت: ليكونه أول نَبِي بعث بالتكاليف الشَّدِيدَة. فَإِن قلت: مَا وَجه وُقُوع الْغَلَبَة لآدَم، عَلَيْهِ السَّلَام؟ .
قلت: لِأَنَّهُ لَيْسَ لمخلوق أَن يلوم مخلوقاً فِي وُقُوع مَا قدر عَلَيْهِ إِلَّا بِإِذن من الله، فَيكون الشَّارِع هُوَ اللائم، فَلَمَّا أَخذ مُوسَى فِي لومه من غير أَن يُؤذن لَهُ فِي ذَلِك عَارضه بِالْقدرِ. فأسكنه، وَقيل: إِن الَّذِي فعله آدم اجْتمع فِيهِ الْقدر وَالْكَسْب وَالتَّوْبَة تمحو أثر الْكسْب، وَقد كَانَ الله تَابَ عَلَيْهِ فَلم يبْق إلاَّ الْقدر، وَالْقدر لَا يتَوَجَّه عَلَيْهِ لوم فعل الله، وَلَا يسْأَل عَمَّا يفعل. وَقيل: إِن آدم أَب ومُوسَى ابْن وَلَيْسَ للِابْن أَن يلوم أَبَاهُ، حَكَاهُ الْقُرْطُبِيّ. فَإِن قلت: فالعاصي الْيَوْم لَو قَالَ: هَذِه الْمعْصِيَة قدرت عَليّ، فَيَنْبَغِي أَن يسْقط عَنهُ اللوم.
قلت: هُوَ بَاقٍ فِي دَار التَّكْلِيف، وَفِي لومه زجر لَهُ وَلغيره عَنْهَا، وَأما آدم فميت خَارج عَن هَذِه الدَّار، فَلم يكن فِي القَوْل فَائِدَة سوى التخجيل وَنَحْوه.
قَالَ سُفْيانُ: حدّثنا أبُو الزِّنادِ عَنِ الأعْرَجِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. . مِثْلَهُ.
أَي: قَالَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة: حَدثنَا أَبُو الزِّنَاد بالزاي وَالنُّون عبد الله بن ذكْوَان عَن عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة، وَهَذَا مَوْصُول وَهُوَ مَعْطُوف على قَوْله: حفظناه من عَمْرو وَفِي رِوَايَة الْحميدِي قَالَ: وَحدثنَا أَبُو الزِّنَاد، بِإِثْبَات الْوَاو، وَهِي أظهر فِي المُرَاد، وَقيل: أَخطَأ من زعم أَن هَذَا الطَّرِيق مُعَلّق، وَقد أخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ مُنْفَردا بعد أَن سَاق طَرِيق طَاوُوس عَن جمَاعَة عَن سُفْيَان، فَقَالَ: أخبرنيه الْقَاسِم يَعْنِي ابْن زَكَرِيَّا حَدثنَا إِسْحَاق بن حَاتِم العلاف حَدثنَا سُفْيَان عَن عَمْرو مثله، سَوَاء، وَزَاد: قَالَ: وحَدثني سُفْيَان عَن أبي الزِّنَاد بِهِ.
21 - (بابٌ لَا مانِعَ لِما أعْطَى الله)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان: لَا مَانع لما أعْطى الله، ويروى: لما أعطَاهُ الله، وَهَذَا منتزع من معنى حَدِيث الْبَاب، فَلفظ الحَدِيث: لَا مَانع لما أَعْطَيْت.(23/159)
5166 - حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ سِنانٍ حدّثنا فُليْحٌ حَدثنَا عَبْدَةُ بنُ أبي لُبابَةَ عَنْ ورَّادٍ مَوْلَى المغِيرَةِ ابنِ شُعْبَةَ قَالَ: كَتَبَ مُعاوِيَةُ إِلَى المُغِيرَةِ: أكْتُبْ إلَيَّ مَا سَمعْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ خَلْفَ الصّلاَة، فأمْلَى عَليَّ المُغِيرَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ: خَلْفَ الصّلاَةِ: (لَا إلَهَ إلاّ الله وحدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، اللَّهُمَّ لَا مانِعَ لِما أعْطَيْتَ ولاَ مُعْطِيَ لِما مَنَعْتَ وَلَا يَنْفَعُ ذَا الجدِّ مِنْكَ الجَدُّ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَإِن كَانَ بَينهمَا نوع تَغْيِير. وَمُحَمّد بن سِنَان بِكَسْر السِّين الْمُهْملَة وبالنونين، وفليح مصغر الفلح بِالْفَاءِ والحاء الْمُهْملَة ابْن سُلَيْمَان، وَكَانَ اسْمه عبد الْملك وفليح لقبه فغلب على اسْمه، وَعَبدَة ضد الْحرَّة ابْن أبي لبَابَة بِضَم اللَّام وبالباءين الموحدتين الْأَسدي الْكُوفِي سكن دمشق، ووراد بِفَتْح الْوَاو وَتَشْديد الرَّاء مولى الْمُغيرَة بن شُعْبَة وكاتبه.
والْحَدِيث مضى فِي الصَّلَاة فِي: بَاب الذّكر بعد الصَّلَاة. وَأخرجه فِي مَوَاضِع كَثِيرَة فِي الِاعْتِصَام وَفِي الرقَاق وَفِي الدَّعْوَات وَغَيرهَا، وَمضى الْكَلَام فِيهِ فِي الصَّلَاة.
قَوْله: (الْجد) وَهُوَ مَا جعل الله للْإنْسَان من الحظوظ الدُّنْيَوِيَّة، وَكلمَة: من، تسمى من الْبَدَلِيَّة. كَقَوْلِه تَعَالَى: {أرضيتم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا من الْآخِرَة} (التَّوْبَة: 83) أَي: بدل الْآخِرَة، أَي: المحظوظ لَا يَنْفَعهُ حَظه بذلك أَي: بدل طَاعَتك، وَقَالَ الرَّاغِب: قيل: أَرَادَ بالجد أَب الْأَب أَي: لَا ينفع أحدا نسبه. وَقَالَ النَّوَوِيّ: مِنْهُم من رَوَاهُ بِالْكَسْرِ وَهُوَ الِاجْتِهَاد أَي: لَا ينفع ذَا الِاجْتِهَاد مِنْك اجْتِهَاده إِنَّمَا يَنْفَعهُ رحمتك.
وَقَالَ ابنُ جُرَيْجٍ: أخبَرني عَبْدَةُ أنَّ ورَّاداً أخْبَرَهُ بهاذَا، ثُمَّ وفَدْتُ بَعْدُ إِلَى مُعاوِيَةَ فَسَمِعْتُهُ يأمُرُ النَّاسَ بِذَلِكَ القَوْلِ.
ابْن جريج هُوَ عبد الْملك بن الْعَزِيز بن جريج، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله أَحْمد وَمُسلم من طَرِيق ابْن جريج، وَالْمَقْصُود من هَذَا التَّعْلِيق التَّصْرِيح بِأَن وراداً أخبر بِهِ عَبدة لِأَنَّهُ وَقع فِي الرِّوَايَة الأولى بالعنعنة. قَوْله: ثمَّ وفدت، الْقَائِل بِهَذَا عَبدة، ووفدت من الْوُفُود وَهُوَ قصد الْأُمَرَاء لزيارة واسترفاد وانتجاع وَغير ذَلِك، يُقَال: وَفد يفد فَهُوَ وَافد. قَوْله: بعد، مَبْنِيّ على الضَّم أَي: بعد أَن سمعته من وراد. قَوْله: إِلَى مُعَاوِيَة، هُوَ ابْن أبي سُفْيَان لما كَانَ فِي الشَّام حَاكما. قَوْله: بذلك القَوْل، أَشَارَ بِهِ إِلَى القَوْل الَّذِي كَانَ يَقُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهُوَ الدُّعَاء الْمَذْكُور عقيب الصَّلَاة.
31 - (بابُ مَنْ تَعَوَّذَ بِاللَّه مِنْ درَكِ الشَّقاءِ وسُوءِ القَضاءِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان أَمر المتعوذ من هذَيْن الشَّيْئَيْنِ. أَحدهمَا: دَرك الشَّقَاء، بِفَتْح الرَّاء: اللحاق والتبعة والشقاء بِالْفَتْح وَالْمدّ الشدَّة والعسر وَهُوَ يتَنَاوَل الدِّينِيَّة والدنياوية. وَالْآخر: سوء الْقَضَاء، أَي الْمقْضِي إِذْ حكم الله كُله حسن.
وقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ مِن شَرِّ مَا خَلَقَ} (الفلق: 1 2) .
أَشَارَ بِذكر هَذِه الْآيَة الْكَرِيمَة إِلَى الرَّد على من زعم أَن العَبْد يخلق فعل نَفسه، لِأَنَّهُ لَو كَانَ السوء الْمَأْمُور بالاستعاذة مِنْهُ مخترعاً لفَاعِله لما كَانَ للاستعاذة بِاللَّه مِنْهُ معنى، لِأَنَّهُ لَا يَصح التَّعَوُّذ إلاَّ بِمن قدر على إِزَالَة مَا استعيذ بِهِ مِنْهُ.
6166 - حدّثنا مُسَدَّدٌ حدّثنا سُفيانُ عنْ سُمَيّ عنْ أبي صالحٍ عنْ أبي هُرَيْرَةَ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (تَعَوَّذُوا بِاللَّه مِنْ جَهْدِ البلاَءِ ودَرَكِ الشَّقاءِ وسُوءِ القَضاءِ وشَماتَةِ الاعْدَاءِ) .
(انْظُر الحَدِيث 7436) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَسمي بِضَم السِّين الْمُهْملَة وَفتح الْمِيم وَتَشْديد الْيَاء مولى أبي بكر المَخْزُومِي، وَأَبُو صَالح ذكْوَان الزيات.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الدَّعْوَات فِي: بَاب التَّعَوُّذ من جهد الْبلَاء، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عَليّ بن عبد الله عَن سفاين عَن سمي ... إِلَى آخِره.
قَوْله: (جهد الْبلَاء) بِضَم الْجِيم أشهر وَهُوَ الْحَالة الَّتِي يخْتَار عَلَيْهَا الْمَوْت، وَقيل: هُوَ قلَّة(23/160)
المَال وَكَثْرَة الْعِيَال وَفِي التَّوْضِيح جهد الْبلَاء أقْصَى مَا يبلغ وَهُوَ الْجهد بِضَم الْجِيم وَفتحهَا قَوْله وشماتة الْأَعْدَاء الشماتة هِيَ الْحزن يفرح الْعَدو والفرح يحزنهُ
(بَاب يحول بَين الْمَرْء وَقَلبه)
أَي هَذَا بَاب فِي قَوْله تَعَالَى يحول بَين الْمَرْء وَقَلبه وأوله {وَاعْلَمُوا أَن الله يحول بَين الْمَرْء وَقَلبه وَأَنه إِلَيْهِ تحشرون} وَعَن سعيد بن جُبَير مَعْنَاهُ يحول بَين الْكَافِر أَن يُؤمن وَبَين الْمُؤمن أَن يكفر وَعَن ابْن عَبَّاس يحول بَين الْكَافِر وطاعته وَبَين الْمُؤمن ومعصيته وَكَذَا روى عَن الضَّحَّاك وَعَن مُجَاهِد يحول بَين الْمَرْء وَقَلبه فَلَا يعقل وَلَا يدْرِي مَا يعلم وَالْغَرَض من هَذِه التَّرْجَمَة الْإِشَارَة إِلَى أَن الله خَالق لجَمِيع كسب الْعباد من الْخَيْر وَالشَّر وَأَنه قَادر على أَن يحول بَين الْكَافِر وَالْإِيمَان وَلم يقدره إِلَّا على ضِدّه وَهُوَ الْكفْر وعَلى أَن يحول بَين الْمُؤمن وَالْكفْر وأقدره على ضِدّه وَهُوَ الْإِيمَان وَفعل الله عدل فِيمَن أضلّهُ لِأَنَّهُ لم يمنعهُم حَقًا وَجب عَلَيْهِ وخلقهم على إِرَادَته لَا على إرادتهم وَكَانَ من خلق فيهم من قُوَّة الْهِدَايَة والتوفيق على وَجه التَّفْصِيل
24 - (حَدثنَا مُحَمَّد بن مقَاتل أَبُو الْحسن أخبرنَا عبد الله أخبرنَا مُوسَى بن عقبَة عَن سَالم عَن عبد الله قَالَ كثيرا مِمَّا كَانَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يحلف لَا ومقلب الْقُلُوب) مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَن معنى مُقَلِّب الْقُلُوب تقليبه قلب عَبده عَن إِيثَار الْإِيمَان إِلَى إِيثَار الْكفْر وَعَكسه وَفعل الله عدل فِي ذَلِك كَمَا ذَكرْنَاهُ الْآن وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك ومُوسَى بن عقبَة بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْقَاف وَسَالم هُوَ ابْن عبد الله يروي عَن أَبِيه عبد الله بن عمر بن الْخطاب والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي التَّوْحِيد عَن سعيد بن سُلَيْمَان وَفِي الْإِيمَان وَالنُّذُور عَن مُحَمَّد بن يُوسُف وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الْإِيمَان عَن عَليّ بن حجر وَعبد الله بن جَعْفَر وَأخرجه النَّسَائِيّ عَن أَحْمد بن سُلَيْمَان وَغَيره وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الْكَفَّارَات عَن عَليّ بن مُحَمَّد الطنافسي قَوْله كثيرا نصب على أَنه صفة لمصدر مَحْذُوف تَقْدِيره يحلف حلفا كثيرا مِمَّا كَانَ يُرِيد أَن يحلف بِهِ من أَلْفَاظ الْحلف قَوْله لَا فِيهِ حذف نَحْو لَا أفعل أَو لَا أترك وَحقّ مُقَلِّب الْقُلُوب وَهُوَ الله عز وَجل وَالْوَاو فِيهِ للقسم قَالَ الْكرْمَانِي مُقَلِّب الْقُلُوب أَي يقلب أغراضها وَأَحْوَالهَا من الْإِرَادَة وَغَيرهَا إِذْ حَقِيقَة الْقلب لَا تنْقَلب وَفِيه دلَالَة على أَن أَعمال الْقُلُوب من الإرادات والدواعي وَسَائِر الْأَغْرَاض بِخلق الله تَعَالَى كأفعال الْجَوَارِح
25 - (حَدثنَا عَليّ بن حَفْص وَبشر بن مُحَمَّد قَالَا أخبرنَا عبد الله قَالَ أخبرنَا معمر عَن الزُّهْرِيّ عَن سَالم عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ قَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لِابْنِ صياد خبأت لَك خبيئا قَالَ الدخ قَالَ اخْسَأْ فَلَنْ تعدو قدرك قَالَ عمر ائْذَنْ لي فَأَضْرب عُنُقه قَالَ دَعه إِن يكن هُوَ لَا تُطِيقهُ وَإِن لم يكن هُوَ فَلَا خير لَك فِي قَتله) مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله إِن يكن هُوَ إِلَى آخِره يَعْنِي إِن كَانَ الَّذِي قَالَ قد سبق فِي علم الله خُرُوجه وإضلاله النَّاس فَلَنْ يقدرك خالقك على قتل من سبق فِي علمه أَنه يخرج ويضل النَّاس إِذْ لَو أقدرك على هَذَا لَكَانَ فِيهِ انقلاب علمه وَالله تَعَالَى عَن ذَلِك وَعلي بن حَفْص الْمروزِي سكن عسقلان وَبشر بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة ابْن مُحَمَّد أَبُو مُحَمَّد السّخْتِيَانِيّ الْمروزِي وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك الْمروزِي وَمعمر بِفَتْح الميمين ابْن رَاشد وَالزهْرِيّ مُحَمَّد بن مُسلم وَسَالم بن عبد الله بن عمر والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْجَنَائِز فِي بَاب إِذا أسلم الصَّبِي فَمَاتَ هَل يصلى عَلَيْهِ فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ مطولا وَمضى الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوْفِي قَوْله لِابْنِ صياد اسْمه صَاف قَوْله خبيئا ويروى خبا قَوْله الدخ بِضَم(23/161)
الدَّال الْمُهْملَة وَتَشْديد الْخَاء الْمُعْجَمَة الدُّخان، وَقيل: أَرَادَ أَن يَقُول: الدُّخان، فَلم يُمكنهُ لهيبة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَو زَجره رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَلم يسْتَطع أَن يخرج الْكَلِمَة تَامَّة. قَوْله: (اخْسَأْ) بِالْهَمْزَةِ يُقَال خسأ الْكَلْب إِذا بعد، وأخسأ أَمر مِنْهُ وَهُوَ خطاب زجر وإهانة. قَوْله: (فَلَنْ تعدو) ويروى بِحَذْف الْوَاو تَخْفِيفًا، أَو بِتَأْوِيل: لن، بِمَعْنى: لم، والجزم بلن لُغَة حَكَاهَا الْكسَائي. قَوْله: (إِن يكن هُوَ) ويروى: إِن يكنه، وَفِيه رد على النَّحْوِيّ حَيْثُ قَالَ: وَالْمُخْتَار فِي خبر: كَانَ، الِانْفِصَال. قَوْله: (فَلَا تُطِيقهُ) أَي: لَا تطِيق قَتله إِذا الْمُقدر أَنه يخرج فِي آخر الزَّمَان خُرُوجًا يفْسد فِي الأَرْض ثمَّ يقْتله عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام. قَوْله: (فَلَا خير لَك) قيل: كَانَ يَدعِي النُّبُوَّة فَلم لَا يكون قَتله خيرا؟ وَأجِيب: بِأَنَّهُ كَانَ غير بَالغ، أَو كَانَ فِي مهادنة أَيَّام الْيَهُود وحلفائهم، وَأما امتحانه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالخبء فلإظهار بطلَان حَاله للصحابة، وَأَن مرتبته لَا تتجاوز عَن الكهانة.
51 - (بابُ {قل لن يصيبنا إِلَّا مَا كتب الله لنا} (التَّوْبَة: 15) قَضَى.)
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله تَعَالَى: {قل لن يصيبنا} . . إِلَى آخِره. قَوْله: قضى، تَفْسِير لقَوْله: كتب، وَأَشَارَ بِهَذِهِ الْآيَة إِلَى أَن الله تَعَالَى أعلم عباده أَن مَا يصيبهم فِي الدُّنْيَا من الشدائد والمحن والضيق وَالْخصب والجدب إِن ذَلِك كُله فعل الله تَعَالَى، يفعل من ذَلِك مَا يَشَاء لِعِبَادِهِ ويبتليهم بِالْخَيرِ وَالشَّر، وَذَلِكَ كُله مَكْتُوب فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ.
قَالَ مُجاهِدِ: بِفاتِنِينَ بِمُضِلِّينَ، إلاّ مَنْ كَتَب الله. أنَّهُ يَصْلَى الجَحِيمَ.
أَي قَالَ مُجَاهِد فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: {مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ إِلاَّ مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ} (الصافات: 261 361) أَي: مَا أَنْتُم عَلَيْهِ بمضلين إلاَّ من كتب الله تَعَالَى أَنه يُصَلِّي أَي: يدْخل الْجَحِيم، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله عبد بن حميد بِمَعْنَاهُ من طَرِيق إِسْرَائِيل عَن مَنْصُور فِي هَذِه الْآيَة، قَالَ: لَا يفتنون إلاَّ من كتب عَلَيْهِ الضَّلَالَة.
قَدَّرَ فَهَدَى. قَدَّرَ الشَّقاءَ والسَّعادَةَ وهَدَى الأنْعامَ لِمَرَاتِعِها.
أَشَارَ بِهِ إِلَى تَفْسِير مُجَاهِد فِي قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِي قدر فهدى} (الْأَعْلَى: 3) وَفَسرهُ بقوله: قدر الشَّقَاء والسعادة، وَوَصله الْفرْيَابِيّ عَن وَرْقَاء عَن ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد. قَوْله: الْأَنْعَام لمراتعها، لَيْسَ لَهُ تعلق بِمَا قبله بل هُوَ تَفْسِير لمثل قَوْله تَعَالَى: {رَبنَا الَّذِي أعْطى كل شَيْء خلقه ثمَّ هدى} (طه: 05) .
9166 - حدّثني إسْحَاقُ بنُ إبْرَاهِيمَ الحَنْظَلِيُّ أخبرنَا النَّضْرُ حدّثنا داوُدُ بنُ أبي الفُراتِ عنْ عَبْدِ الله بنِ بُرَيْدَةَ عنْ يَحْيَاى بنِ يَعْمَرُ أنَّ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا، أخْبَرَتْهُ أنَّها سَألَتْ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عنِ الطَّاعُونِ. فَقَالَ: (كَانَ عَذاباً يَبْعَثُهُ الله عَلى مَنْ يَشَاءُ، فَجَعَلَهُ الله رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ، مَا مِنْ عَبْدٍ يَكُونُ فِي بَلْدَةٍ يَكُونُ فِيها ويَمْكُثُ فِيها لَا يخْرُجُ مِنَ البَلْدَةِ صابِراً مُحْتَسِباً، يَعْلَمُ أنّهُ لَا يُصِيبُهُ إلاّ مَا كَتَبَ الله لهُ، إلاَّ كانَ لهُ مِثْلُ أجْرِ شَهِيدٍ) . (انْظُر الحَدِيث 743 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي آخر الحَدِيث. وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم هُوَ ابْن رَاهَوَيْه، ونسبته إِلَى حَنْظَلَة بن مَالك بن زيد منات بن تَمِيم بطن عامتهم بِالْبَصْرَةِ، وَالنضْر بِفَتْح النُّون وَسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة ابْن شُمَيْل، وَدَاوُد بن أبي الْفُرَات بِضَم الْفَاء وَتَخْفِيف الرَّاء الْمروزِي تحول إِلَى الْبَصْرَة، وَعبد الله بن بُرَيْدَة مصغر الْبردَة الْأَسْلَمِيّ قَاضِي مرو، وَيحيى بن يعمر بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وَضم الْمِيم وبالراء القَاضِي أَيْضا بمرو، وَالرِّجَال كلهم مروزيون. وَهُوَ من الغرائب.
والْحَدِيث مضى فِي التَّفْسِير وَفِي ذكر بني إِسْرَائِيل وَفِي الطِّبّ عَن إِسْحَاق عَن حبَان. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الطِّبّ عَن الْعَبَّاس بن مُحَمَّد وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (الطَّاعُون) الوباء قَالَه أهل اللُّغَة، وَقَالَ الدَّاودِيّ: إِنَّه حب ينْبت فِي الأرفاغ، وَقيل: هُوَ بِئْر مؤلم جدا يخرج غَالِبا من الآباط مَعَ اسوداد حواليه وخفقان الْقلب. قَوْله: (رَحْمَة) قيل مَا معنى كَون الْعَذَاب رَحْمَة؟ . وَأجِيب بِأَنَّهُ وَإِن كَانَ هُوَ محنة فِي(23/162)
الصُّورَة لكنه رَحْمَة من حَيْثُ أَنه يتَضَمَّن مثل أجر الشَّهِيد فَهُوَ سَبَب الرَّحْمَة لهَذِهِ الْأمة.
61 - (بابٌ {وَمَا كُنَّا لنهتدي لَوْلَا أَن هدَانَا الله} (الْأَعْرَاف: 34) {لَو أَن الله هَدَانِي لَكُنْت من الْمُتَّقِينَ} (الزمر: 75)
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله تَعَالَى: {وَمَا كُنَّا لنهتدي لَوْلَا أَن هدَانَا الله} وَقَوله تَعَالَى: {لَو أَن الله هَدَانِي لَكُنْت من الْمُتَّقِينَ} إِلَى آخِره هَاتَانِ آيتان، وَحَدِيث الْبَاب نَص على أَن الله تَعَالَى انْفَرد بِخلق الْهدى والضلال، وَأَنه قدر الْعباد على اكْتِسَاب مَا أَرَادَ مِنْهُم من إِيمَان وَكفر، وَأَن ذَلِك لَيْسَ بِخلق للعباد، كَمَا زعمت الْقَدَرِيَّة.
0266 - حدّثنا أبُو النُّعْمانِ أخبرنَا جَرِيرٌ هُوَ ابنُ حازِمٍ عنْ أبي إسْحَاقَ عنِ البَراءِ بنِ عازِبٍ قَالَ: رَأيْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمَ الخَنْدَقِ يَنْقلُ مَعَنا التُّرابَ وهْوَ يَقُولُ:
(وَالله لَوْلاَ الله مَا اهْتدَيْنا ... وَلَا صُمْنا وَلَا صَلْينا)
(فأنْزلَنْ سَكِينَةً عَليْنا ... وثَبِّت الأقْدامَ إنْ لاقَيْنا)
(والمُشْركُونَ قَدْ بَغَوْا عَليْنا ... إِذا أرَادوا فِتْنَةً أبَيْنا)
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله:
لَوْلَا الله مَا اهتدينا
وَأَبُو النُّعْمَان مُحَمَّد بن الْفضل السدُوسِي الْبَصْرِيّ، وَجَرِير بن حَازِم بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي، وَأَبُو إِسْحَاق عَمْرو بن عبد الله السبيعِي.
والْحَدِيث مضى فِي الْجِهَاد فِي: بَاب حفر الخَنْدَق فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن حَفْص بن عمر عَن شُعْبَة عَن أبي إِسْحَاق عَن الْبَراء بن عَازِب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (قد بغو) أَي: ظلمُوا. قَوْله: (أَبينَا) من الإباء وَهُوَ الِامْتِنَاع. ويروى: أَتَيْنَا، من الْإِتْيَان.
وَالله ولي التَّوْفِيق.
38 - (كِتابُ الأيْمانِ والنُّذُور)
أَي: هَذَا كتاب فِي بَيَان أَنْوَاع الْأَيْمَان وأنواع النذور، والأيمان جمع يَمِين وَهُوَ لُغَة الْقُوَّة، قَالَ الله عز وَجل: { (69) لأخذنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ} (الحاقة: 54) أَي: بِالْقُوَّةِ وَالْقُدْرَة، وَهِي الْجَارِحَة أَيْضا وَفِي الشَّرْع تَقْوِيَة أحد طرفِي الْخَبَر بالمقسم بِهِ، وَقَالَ الْكرْمَانِي: الْيَمين تَحْقِيق مَا يجب وجوده بِذكر الله تَعَالَى والتزام الْمُكَلف قربَة أَو صفتهَا، وَقَالَ أَصْحَابنَا: النّذر إِيجَاب شَيْء من عبَادَة أَو صَدَقَة أَو نَحْوهمَا على نَفسه تَبَرعا، يُقَال: نذرت الشَّيْء أنذر وأنذر بِالضَّمِّ وَالْكَسْر نذرا.
1 - (بابُ قَوْلِ الله تَعَالَى: {لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِى أَيْمَانِكُمْ وَلَاكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الاَْيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذالِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُو اْ أَيْمَانَكُمْ كَذالِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْءَايَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (الْمَائِدَة: 98)
أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر قَول الله تَعَالَى، هَكَذَا وَقع فِي بعض النّسخ وَلم يَقع لفظ: بَاب عِنْد أَكثر الروَاة، وَذكر الْآيَة كلهَا، إِنَّمَا هُوَ فِي رِوَايَة كَرِيمَة. قَوْله: (بِاللَّغْوِ) ، هُوَ قَول الرجل فِي الْكَلَام من غير قصد: لَا وَالله، وبلى وَالله، هَذَا مَذْهَب الشَّافِعِي. وَقيل: هُوَ فِي الْهزْل، وَقيل: فِي الْمعْصِيَة، وَقيل: على غَلَبَة الظَّن. وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَأحمد، وَقيل: الْيَمين فِي الْغَضَب، وَقيل: فِي النسْيَان. قَوْله: (بِمَا عقدتم الْأَيْمَان) أَي: بِمَا صممتم عَلَيْهِ من الْأَيْمَان وقصدتموها، قرىء بتَشْديد الْقَاف وتخفيفها، وَالْعقد فِي الأَصْل الْجمع بَين أَطْرَاف الشَّيْء، وَيسْتَعْمل فِي الْأَجْسَام ويستعار للمعاني نَحْو: عقد البيع، وَعَن عَطاء معنى: عقدتم الْأَيْمَان أكدتم. قَوْله: (مَسَاكِين) أَي: محاويج من الْفُقَرَاء وَمن لَا يجد مَا يَكْفِيهِ. قَوْله: (من أَوسط مَا تطْعمُونَ أهليكم) قَالَ ابْن عَبَّاس وَسَعِيد بن جُبَير وَعِكْرِمَة: من أعدل مَا تطْعمُونَ أهليكم، وَقَالَ عَطاء الْخُرَاسَانِي: من أمثل مَا تطْعمُونَ أهليكم، وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم بِإِسْنَادِهِ عَن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: خبز وَلبن وَسمن، وبإسناده عَن ابْن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، أَنه قَالَ: {من أَوسط مَا تطْعمُونَ أهليكم} قَالَ: الْخبز وَاللَّحم والسنم، وَالْخبْز وَاللَّبن، وَالْخبْز وَالزَّيْت، وَالْخبْز والخل. وَاخْتلفُوا فِي مِقْدَار مَا يُطعمهُمْ. فَقَالَ ابْن(23/163)
أبي حَاتِم بِإِسْنَادِهِ عَن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: يغديهم ويعشيهم، وَقَالَ الْحسن وَمُحَمّد بن سِيرِين: يَكْفِيهِ أَن يطعم عشرَة مَسَاكِين أَكلَة وَاحِدَة خبْزًا وَلَحْمًا، وَزَاد الْحسن، فَإِن لم يجد فخبزاً وَسمنًا ولبناً، فَإِن لم يجد فخبزاً وزيتاً وخلاً. حَتَّى يشبعوا، وَقَالَ قوم: يطعم كل وَاحِد من الْعشْرَة نصف صَاع من بر أَو تمر وَنَحْوهمَا، وَهَذَا قَول عمر وَعلي وَعَائِشَة وَمُجاهد وَالشعْبِيّ وَسَعِيد بن جُبَير وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَمَنْصُور بن مهْرَان وَمَالك وَالضَّحَّاك وَالْحكم وَمَكْحُول وَأبي قلَابَة وَمُقَاتِل بن حَيَّان، وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: نصف صَاع من بر أَو صَاع من غَيره، وَهُوَ قَول مُجَاهِد وَمُحَمّد بن سِيرِين وَالشعْبِيّ وَالثَّوْري وَالنَّخَعِيّ وَأحمد، وروى ذَلِك عَن عَليّ وَعَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، وَقَالَ الشَّافِعِي: الْوَاجِب فِي كَفَّارَة الْيَمين مد بِمد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَوْله: (أَو كسوتهم) قَالَ الشَّافِعِي: لَو دفع إِلَى كل وَاحِد من الْعشْرَة مَا يصدق عَلَيْهِ اسْم الْكسْوَة من قيمص أَو سَرَاوِيل أَو إِزَار أَو عِمَامَة أَو مقنعة أَجزَاء ذَلِك. وَاخْتلف أَصْحَابه فِي القلنسوة: هَل نجزى أم لَا؟ على وَجْهَيْن: وَحكى الشَّيْخ أَبُو حَامِد الإسفرايني فِي الْخُف وَجْهَيْن أَيْضا، وَالصَّحِيح عدم الْإِجْزَاء، وَقَالَ مَالك وَأحمد: لَا بُد أَن يدْفع إِلَى كل وَاحِد مِنْهُم مَا يَصح أَن يُصَلِّي فِيهِ إِن كَانَ رجلا أَو امْرَأَة كل بِحَسبِهِ، وَقَالَ الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس: عباءة لكل مِسْكين أَو شملة، وَقَالَ مُجَاهِد: أدناه ثوب وَأَعلاهُ مَا شِئْت، وَعَن سعيد بن الْمسيب: عباءة يلف بهَا رَأسه وعباءة يأتزر بهَا. قَوْله: (أَو تَحْرِير رَقَبَة) أَخذ أَبُو حنيفَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، بإطلاقها فجوز الْكَافِرَة، وَقَالَ الشَّافِعِي وَآخَرُونَ: لَا يجوز إلاَّ مُؤمنَة. قَوْله: (فَمن لم يجد) أَي: فَإِن لم يقدر الْمُكَلف على وَاحِدَة من هَذِه الْخِصَال الثَّلَاث (فَصِيَام) أَي: فَعَلَيهِ صِيَام (ثَلَاثَة أَيَّام) . وَاخْتلفُوا فِيهِ: هَل يجب التَّتَابُع أَو يسْتَحبّ؟ فالمنصوص عَن الشَّافِعِي: أَنه لَا يجب التَّتَابُع، وَهُوَ قَول مَالك، وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد: يجب التَّتَابُع، ودلائلهم مَذْكُورَة فِي كتب الْفِقْه. قَوْله: (ذَلِك) إِشَارَة إِلَى الْمَذْكُور قبله. قَوْله: (واحفظوا أَيْمَانكُم) عَن الْحِنْث فَإِذا حنثتم فاحفظوها بِالْكَفَّارَةِ.
1266 - حدّثنا مُحمَّدُ بنُ مُقاتِلٍ أبُو الحَسَنِ أخبرنَا عَبْدُ الله أخبرنَا هِشامُ بنُ عُرْوَةَ عنْ أبِيهِ عنْ عائِشَةَ: أنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِي الله عَنهُ، لَمْ يَكُنْ يحْنَثُ فِي يَمِينٍ قَطُّ، حتَّى أنْزَلَ الله تَعَالَى كَفَّارَةَ اليَمِينِ. وَقَالَ: لَا أحْلِفُ عَلى يَمِينٍ فَرَأيْتُ غَيْرَها خَيْراً مِنْها إلاّ أتيْتُ الّذِي هُوَ خَيْرٌ وكَفَّرْتُ عنْ يَمِينِي. (انْظُر الحَدِيث 4164) .
مطابقته لِلْآيَةِ الَّتِي هِيَ التَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَشَيْخه مروزي، وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك مروزي أَيْضا، وَهِشَام بن عُرْوَة يروي عَن أَبِيه عُرْوَة بن الزبير عَن عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ. والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (أَن أَبَا بكر) الصّديق وَفِي رِوَايَة عبد الله بن نمير عَن هِشَام بِسَنَدِهِ عَن أبي بكر الصّديق. قَوْله: (لم يكن حنث) إِنَّمَا زَادَت لفظ الْكَوْن للْمُبَالَغَة فِيهِ، ولبيان أَنه لم يكن من شَأْنه ذَلِك. قَوْله: (قطّ) ، أَصله: قطط، فأدغمت الطَّاء فى الطَّاء وَمِنْهُم من يَقُول: قطّ، بِضَم الْقَاف تبعا لضم الطَّاء وَمِنْهُم من يخففه. قَوْله: (كَفَّارَة الْيَمين) أَي: آيتها وَهِي الْمَذْكُورَة فِي أول الْبَاب. قَوْله: (لَا أَحْلف على يَمِين) إِلَى آخِره قَالُوا: إِنَّمَا قَالَ أَبُو بكر هَذَا لما حلف أَنه لَا يبرأ مسطحًا لما تكلم فِي قصَّة الْإِفْك، وَأنزل الله تَعَالَى: {أَلا يحبونَ أَن يغْفر الله لكم} (النُّور: 22) قَالَ: بلَى يَا رب {إِنَّا لنحب ذَلِك، ثمَّ عَاد إِلَى بره كَمَا كَانَ أَولا. قَوْله: (غَيرهَا) الضَّمِير يرجع إِلَى الْيَمين بِاعْتِبَار أَن الْمَقْصُود مِنْهَا الْمَحْلُوف عَلَيْهِ مثل الْخصْلَة المفعولة، أَو المتروكة، إِذْ لَا معنى لقَوْله: (لَا أَحْلف) على الْحق.
2266 - حدّثنا أبُو النُّعْمانِ مُحَمدُ بنُ الفَضْلِ حدّثنا جَرِيرُ بنُ حازِمٍ حدّثنا الحَسَنُ حدّثنا عَبْدُ الرَّحْمانِ بنُ سَمرَةَ قَالَ: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (يَا عَبْدَ الرَّحْمانِ بنَ سَمُرَةَ} لَا تَسْألِ الإمارَةَ، فإنّكَ إنْ أوتِيتَها عنْ مَسْألَةٍ وُكِلْتَ إلَيْها، وإنْ أُوتِيتَها مِنْ غَيْرِ مَسْألَةٍ أعنْتَ عَلَيْها، وَإِذا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأيْتَ غَيْرَها خَيْراً مِنْها فَكَفِّرْ عنْ يَمِينَكَ وَأْتِ الّذِي هُوَ خَيْرٌ) .(23/164)
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فَكفر عَن يَمِينك) وَالْحسن هُوَ الْبَصْرِيّ، وَعبد الرَّحْمَن بن سَمُرَة بن حبيب وَهُوَ من مسلمة الْفَتْح وَقد شهد فتوح الْعرَاق وَكَانَ فتح سجستان على يَدَيْهِ، أرْسلهُ عبد الله بن عَامر أَمِير الْبَصْرَة وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ إلاَّ هَذَا الحَدِيث.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ فِي الْأَحْكَام عَن حجاج بن منهال وَفِي الْكَفَّارَات عَن مُحَمَّد بن عبد الله. وَأخرجه مُسلم فِي الْأَيْمَان عَن شَيبَان بن فروخ وَغَيره، وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْخراج عَن مُحَمَّد بن الصَّباح وَغَيره. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الْأَيْمَان عَن مُحَمَّد بن عبد الْأَعْلَى. وَأخرج النَّسَائِيّ قصَّة الْإِمَارَة فِي الْقَضَاء وَفِي السّير عَن مُجَاهِد بن مُوسَى، وقصة الْيَمين فِي الْأَيْمَان عَن جمَاعَة آخَرين.
قَوْله: (الْإِمَارَة) بِكَسْر الْهمزَة أَي: لَا تسْأَل أَن تعْمل أَمِيرا أَي: حَاكما. قَوْله: (أوتيتها) على صِيغَة الْمَجْهُول بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف. قَوْله: (أعنت) ، على صِيغَة الْمَجْهُول أَيْضا.
وَفِيه: كَرَاهَة سُؤال مَا يتَعَلَّق بالحكومة نَحْو الْقَضَاء والحسبة وَنَحْوهمَا، وَإِن من سَأَلَ لَا يكون مَعَه إِعَانَة من الله تَعَالَى، فَلَا يكون لَهُ كِفَايَة لذَلِك الْعَمَل فَيَنْبَغِي أَن لَا يولي.
قلت: إِذا كَانَ عَن مُجَرّد السُّؤَال، فَمَا يكون حَال من يسْأَل بالرشوة ويجتهد فِيهِ؟ خُصُوصا فِي غَالب قُضَاة مصر فَلَا يتولون إلاَّ بالبراطيل والرشى؟ وَلَا يخَاف من اسْتِحْقَاق اللَّعْنَة من الله تَعَالَى فِي ذَلِك، وَقد روى عبد الله بن عَمْرو عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لعن الله الراشي والمرتشي والرائش. وَفِيه: إِن من حلف على فعل أَو ترك وَكَانَ الْحِنْث خيرا من التَّمَادِي عَلَيْهِ اسْتحبَّ لَهُ الْحِنْث، بل يجب، نظرا لظَاهِر الْأَمر. وَفِيه: جَوَاز التَّكْفِير قبل الْحِنْث، وَبِه أَخذ الشَّافِعِي وَمَالك فِي رِوَايَة، وَلَا يجوز عِنْد الْحَنَفِيَّة لِأَن الْكَفَّارَة لستر الْجِنَايَة وَلَا جِنَايَة قبل الْحِنْث، فَلَا يجوز.
وَحكم الحَدِيث أَنه تعارضه رِوَايَة مُسلم أخرجه عَن أبي هُرَيْرَة: من حلف على يَمِين فَرَأى غَيرهَا خيرا مِنْهَا فليأت الَّذِي هُوَ خير وليكفر عَن يَمِينه، وَكَذَلِكَ فِي حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن سَمُرَة، غير أَن البُخَارِيّ انْفَرد بِتَقْدِيم الْحِنْث قبل الْكَفَّارَة، وَكَذَلِكَ فِي رِوَايَة أبي دَاوُد فِي (سنَنه) تَقْدِيم الْكَفَّارَة قبل الْحِنْث، وَجَاء تَقْدِيم الْحِنْث على الْكَفَّارَة فِي حَدِيث أبي مُوسَى الَّذِي أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم، وَفِي لفظ لَهما تَقْدِيم الْكَفَّارَة فَإِذا كَانَ الْأَمر كَذَلِك فالأخذ بِرِوَايَة تَقْدِيم الْحِنْث على الْكَفَّارَة أولى لما ذكرنَا.
3366 - حدّثنا أبُو النُّعْمانِ حدّثنا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ عَنْ غَيْلانَ بنِ جَرِيرٍ عنْ أبي بُرْدَةَ عنْ أبِيهِ قَالَ: أتَيْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي رَهْطٍ مِنَ الأشْعَرِيِّينَ أسْتَحْمِلُهُ، فَقَالَ: (وَالله لَا أحْمِلُكمْ، وَمَا عِنْدِي مَا أحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ) . قَالَ: ثُمَّ لَبِثْنا مَا شاءَ الله أنْ نَلْبَثَ، ثُمَّ أُتِيَ بِثَلاثِ ذَوْدٍ غُرِّ الذُّرى فَحَمَلَنا عَلَيْها، فَلَمَّا انْطَلَقْنَا قُلْنا أوْ قالَ بَعْضُنا: وَالله لَا يُبارَكَ لَنا، أتَيْنا النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَسْتَحْمِلُهُ فَحَلَفَ أنْ لَا يَحْمِلَنا ثُمَّ حَمَلَنَا، فارْجِعُوا بِنا إِلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَنُذَكِّرَهُ، فأتَيْناهُ فَقَالَ: (مَا أَنا حَمَلْتُكُمْ، بَلِ الله حَمَلَكمْ وإنِّي وَالله إِن شاءَ الله لَا أحْلِفُ عَلى يَمِينٍ فَأرى غَيْرَهَا خَيْراً مِنْها إلاّ كَفَّرْتُ عنْ يَمِينِي وأتَيْتُ الّذِي هُوَ خَيْرٌ، أوْ أتَيْتُ الّذِي هُوَ خَيْرٌ وكَفَّرْتُ عنْ يَمِينِي) .
مطابقته للتَّرْجَمَة تفهم من معنى الحَدِيث. وَأَبُو النُّعْمَان مُحَمَّد كَمَا مر، وغيلان بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف ابْن جرير بِفَتْح الْجِيم الْأَزْدِيّ الْبَصْرِيّ، وَأَبُو بردة بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الرَّاء، قيل: اسْمه الْحَارِث وَقيل: عَامر يروي عَن أَبِيه أبي مُوسَى عبد الله بن قيس الْأَشْعَرِيّ.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي كَفَّارَات الْأَيْمَان عَن قُتَيْبَة، وَأخرجه أَيْضا مطولا فِي كتاب الْخمس فِي: بَاب وَمن الدَّلِيل على أَن الْخمس لنوائب الْمُسلمين، فَلْينْظر فِيهِ. وَأخرجه مُسلم فِي الْأَيْمَان عَن خلف بن هِشَام وَغَيره. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْأَيْمَان عَن سُلَيْمَان بن حَرْب. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْأَيْمَان عَن قُتَيْبَة. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الْكَفَّارَات عَن أَحْمد بن عَبدة.
قَوْله: (فِي رَهْط) قد ذكرنَا غير مرّة أَن الرَّهْط مَا دون الْعشْرَة من الرِّجَال لَا يكون فيهم امْرَأَة وَلَا وَاحِد لَهُ من لَفظه. قَوْله: (من الْأَشْعَرِيين) جمع أشعري نِسْبَة(23/165)
إِلَى الْأَشْعر، واسْمه: نبت بن ادد بن يشخب بن عريب بن زيد بن كهلان، وَإِنَّمَا قيل لَهُ الْأَشْعر لِأَن أمه وَلدته أشعر قَوْله: (استحمله) أَي: أطلب مِنْهُ مَا يحملنا من الْإِبِل وَيحمل أثقالنا، وَذَلِكَ كَانَ فِي غَزْوَة تَبُوك. قَالَ الله تَعَالَى: {وَلَا على الَّذين إِذا مَا أتوك لتحملهم} (التَّوْبَة: 29) الْآيَة. قَوْله: (ثمَّ أُتِي) على صِيغَة الْمَجْهُول أَي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (بِثَلَاث ذود) بِفَتْح الذَّال الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْوَاو وبالدال الْمُهْملَة: وَهُوَ الْإِبِل من الثَّلَاث إِلَى الْعشْرَة، وَهِي مُؤَنّثَة لَيْسَ لَهَا وَاحِد من لَفظهَا، وَالْكثير أذواد، وَقيل: الذود الْوَاحِد من الْإِبِل بِدَلِيل قَوْله: (لَيْسَ فِيمَا دون خمس ذود صَدَقَة) ، وَقَالَ الْقَزاز: الْعَرَب تَقول: الذود من الثَّلَاثَة إِلَى التِّسْعَة، وَقَالَ أَبُو عبيد: هِيَ من الْإِنَاث، فَلذَلِك قَالَ: بِثَلَاث ذود، وَلم يقل: بِثَلَاثَة. وَقَالَ الْكرْمَانِي: قيل: هُوَ من بَاب إِضَافَة الشَّيْء إِلَى نَفسه. قَوْله: (غر الذرى) ، بِضَم الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الرَّاء وَهُوَ جمع الْأَغَر وَهُوَ الْأَبْيَض الْحسن، والذرى بِضَم الذَّال الْمُعْجَمَة وَفتح الرَّاء وَكسرهَا جمع ذرْوَة بِالْكَسْرِ وَالضَّم، وذروة كل شَيْء أَعْلَاهُ، وَالْمرَاد هُنَا الأسنمة، وَقد تقدم فِي كتاب الْجِهَاد فِي: بَاب الْخمس فِي غَزْوَة تَبُوك، أَنه سِتَّة أَبْعِرَة، وَلَا مُنَافَاة بَينهمَا، إِذْ لَيْسَ فِي ذكر الثَّلَاث نفي السِّتَّة. قَوْله: (فحملنا) بِفَتْح اللَّام أَي: حملنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَذَلِكَ: ثمَّ حملنَا، بِفَتْح اللَّام. قَوْله: (بل الله حملكم) يَعْنِي: لَا معطي إلاَّ الله، وَالْمعْنَى: إِنَّمَا أَعطيتكُم من مَال الله، أَو: بِأَمْر الله لِأَنَّهُ كَانَ يُعْطي بِالْوَحْي. قَوْله: (وَإِنِّي) اسْم: إِن، يَاء الْإِضَافَة، وخبرها قَوْله: (لَا أَحْلف) . . إِلَى آخِره، والجملتان معترضتان بَين اسْم إِن وخبرها. قَوْله: (أَو أتيت) إِمَّا شكّ من الرَّاوِي فِي تَقْدِيم: أتيت، على تَقْدِيم: كفرت، وَالْعَكْس، وَإِمَّا تنويع من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِشَارَة إِلَى جَوَاز تَقْدِيم الْكَفَّارَة على الْحِنْث وتأخيرها.
4266 - حدّثنا إسْحاق بنُ إبْرَاهِيمَ أخبَرنا عبْدُ الرَّزَّاقِ أخبرنَا مَعْمَرٌ عنْ هَمَّامٍ بنِ مُنَبِّهٍ قَالَ: هاذَا مَا حدّثنا بِهِ أبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (نَحْنُ الآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْم القِيامَةِ) . فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (وَالله لأنْ يَلَجَّ أحَدُكُمْ بِيَمِينِهِ فِي أهْلِهِ آثَمُ لهُ عِنْدَ الله مِنْ أنْ يُعْطِىَ كَفّارَتَهُ الَّتِي افْتَرَضَ الله عَلَيْهِ) . (الحَدِيث 5266 طرفه فِي: 6266) .
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (لِأَن يلج)
إِلَى آخِره. وَأما وَجه إِدْخَال قَوْله: (نَحن الْآخرُونَ السَّابِقُونَ يَوْم الْقِيَامَة) ، فَهُوَ أَن هَذَا أول حَدِيث فِي صحيفَة همام عَن أبي هُرَيْرَة وَكَانَ همام إِذا روى الصَّحِيفَة استفتح بِذكرِهِ ثمَّ سرد الْأَحَادِيث فَذكره الرَّاوِي أَيْضا كَذَلِك، وَقَالَ ابْن بطال: وَجه ذَلِك أَنه يُمكن أَن يكون سمع أَبَا هُرَيْرَة كَذَلِك من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي نسق وَاحِد فَحدث بهما جَمِيعًا كَمَا سمعهما، وَيُمكن أَن الرَّاوِي فعل ذَلِك لِأَنَّهُ سمع من أبي هُرَيْرَة أَحَادِيث. أَولهَا: ذَلِك فَذكرهَا على التَّرْتِيب الَّذِي ذكره.
وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم يحْتَمل أَن يكون ابْن رَاهَوَيْه، وَيحْتَمل أَن يكون إِسْحَاق بن نصر لِأَن كلاًّ مِنْهُمَا روى عَن عبد الرَّزَّاق وَمعمر بِفَتْح الميمين ابْن رَاشد.
والْحَدِيث أخرجه ابْن مَاجَه فِي الْكَفَّارَات عَن سُفْيَان من قَوْله: إِذا استلج.
قَوْله: (نَحن الْآخرُونَ) أَي: آخر الْأُمَم (السَّابِقُونَ) يَوْم الْقِيَامَة فِي الْحساب وَدخُول الْجنَّة.
قَوْله: (فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) بِالْفَاءِ فِي رِوَايَة الْكشميهني بِالْوَاو. قَوْله: (لِأَن يلج) من الإلجاج بالجيمين يَعْنِي: أَقَامَ على يَمِينه وَلَا يكفرهَا فيحللها وَيَزْعُم أَنه صَادِق، وَقيل: هُوَ أَن يحلف وَيرى أَن غَيرهَا خير مِنْهَا، فيقيم على ترك الْكَفَّارَة، وَذَلِكَ إِثْم وَفِي (الصِّحَاح) : لججت، بِالْكَسْرِ يلج لجاجاً ولجاجة، ولججت بِالْفَتْح لُغَة. قَوْله: (بِيَمِينِهِ فِي أَهله) يَعْنِي: إِذا حلف يَمِينا يتَعَلَّق بأَهْله ويتضررون بِعَدَمِ حنثه وَلَا يكون فِي الْحِنْث مَعْصِيّة يَنْبَغِي لَهُ أَن يَحْنَث وَيكفر، فَإِن قَالَ: لَا أحنث وأخاف الْإِثْم، فَهُوَ مخطىء. قَوْله: (آثم لَهُ) بِمد الْهمزَة وَفتح الثَّاء الْمُثَلَّثَة على وزن لفظ أفعل التَّفْضِيل وَهُوَ خير. قَوْله: (لِأَن يلج) لِأَن: أَن مَصْدَرِيَّة وَاللَّام للتَّأْكِيد. تَقْدِيره: لجاجه باستمراره فِي يَمِينه أَشد إِثْمًا من أَن يعْطى ... إِلَى آخِره. وَيجوز كسر إِن. فَقَوله: (آثم) بِالْمدِّ، أَي: أَكثر إِثْمًا قَالَ الْكرْمَانِي: هَذَا يشْعر بِأَن إِعْطَاء الْكَفَّارَة فِيهِ إِثْم لِأَن الصِّيغَة تَقْتَضِي الِاشْتِرَاك، ثمَّ أجَاب بِأَن نفس الْحِنْث فِيهِ إِثْم لِأَنَّهُ يسلتزم عدم تَعْظِيم اسْم الله تَعَالَى، وَبَين إِعْطَاء الْكَفَّارَة وَبَينه مُلَازمَة عَادَة.(23/166)
6266 - حدّثني إسْحاقُ يَعْني ابْن إبْرَاهِيمَ حَدثنَا يَحْيَاى بنُ صالِحٍ حَدثنَا مُعاوَيَةُ عنْ يَحْيَاى عنْ عِكْرِمَةَ عنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (مَنِ اسْتَلَجَّ فِي أهْلِهِ بِيَمِينٍ فَهْوَ أعْظَمُ إثْماً لِيَبَرَّ) يَعْني: الكَفَّارَةَ. (انْظُر الحَدِيث 5266) .
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة السَّابِق أخرجه عَن إِسْحَاق ثمَّ بَينه بقوله: ابْن إِبْرَاهِيم، وَقَالَ الغساني: إِسْحَاق يشبه أَن يكون ابْن مَنْصُور، فَالظَّاهِر أَنه هُوَ الصَّوَاب لِأَن فِي كثير من النّسخ ذكر إِسْحَاق مُجَردا حَتَّى قَالَ جَامع (رجال الصَّحِيحَيْنِ) فِي تَرْجَمَة يحيى بن صَالح الْحِمصِي، روى عَنهُ إِسْحَاق، غير مَنْسُوب وَهُوَ ابْن مَنْصُور. وَأما النُّسْخَة الَّتِي فِيهَا يَعْنِي: ابْن إِبْرَاهِيم مَا أزالت الْإِبْهَام لِأَن فِي مَشَايِخ البُخَارِيّ إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بن نصر، وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن، وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الصَّواف، وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الْمَعْرُوف بِابْن رَاهَوَيْه، وَيحيى بن صَالح روى عَنهُ البُخَارِيّ أَيْضا بِلَا وَاسِطَة فِي الصَّلَاة، وَمُعَاوِيَة هُوَ ابْن سَلام بِالتَّشْدِيدِ الحبشي الْأسود، وَيحيى هُوَ ابْن كثير ضد الْقَلِيل.
قَوْله: (من استلج) من بَاب الاستفعال، وَالسِّين فِيهِ للتَّأْكِيد، وَذكر ابْن الْأَثِير أَنه وَقع فِي رِوَايَة: من استلجج، بفك الْإِدْغَام. قَوْله: (ليبر) بِلَفْظ أَمر الْغَائِب من الْبر أَو الإبرار يَعْنِي: ليفعل الْبر أَي: الْخَيْر بترك اللجاج، يَعْنِي: ليعط الْكَفَّارَة، وَإِنَّمَا فسره بذلك لِئَلَّا يظنّ أَن الْبر هُوَ الْبَقَاء على الْيَمين. وَقَوله: (ليبر) هَكَذَا فِي رِوَايَة ابْن السكن، وَلأبي ذَر عَن الكشمينهي. قَوْله: (يَعْنِي) بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وَكسر النُّون تَفْسِير: ليبر، ويروى: لَيْسَ تغني الْكَفَّارَة، وَهَذِه الرِّوَايَة أولى إِذْ هُوَ تَفْسِير لاستلج بِمَعْنى الاستلجاج وَهُوَ عدم عناية الْكَفَّارَة وإرادتها، وَأما الْمفضل عَلَيْهِ فمحذوف، يَعْنِي: أعظم من الْحِنْث، وَالْجُمْلَة اسْتِئْنَاف أَو صفة للإثم يَعْنِي: إِثْمًا لَا يُغني عَنهُ كَفَّارَة.
2 - (بابُ قَوْلِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (وايْمُ الله))
أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي يَمِينه: وأيم الله، الْهمزَة فِيهِ للوصل، وَهُوَ اسْم وضع للقسم أَو هُوَ جمع يَمِين وَحذف مِنْهُ النُّون، وَعند الْفراء وَابْن كيسَان أَلفه ألف الْقطع. وَقَالَ الْجَوْهَرِي: رُبمَا حذفوا الْيَاء، فَقَالُوا: أم الله، وَرُبمَا أَبقوا الْمِيم مَضْمُومَة فَقَالُوا: أم الله.
7266 - حدّثنا قَتَيْبَةُ بنُ سَعيدٍ عنْ إسْماعِيلَ بنِ جَعْفَرٍ عنْ عَبْدِ الله بن دِينارٍ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهُمَا، قَالَ: بَعَثَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَعْثاً وأمَّرَ عَلَيْهِمْ أُسامَةَ بنَ زَيْدٍ، فَطَعَنَ بَعْضُ النَّاسَ فِي إمْرَتِهِ، فقامَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: (إنْ كُنْتُمْ تَطْعَنُونَ فِي إمْرَتِهِ فَقَدْ كُنْتُمْ تَطْعُنُونَ فِي إمْرَةِ أبِيهِ مِنْ قَبْلُ، وايمُ الله إنْ كَانَ لَخَلِيقاً لِلْلإمارَةِ، وإنْ كَانَ لِمَنْ أحَبِّ النَّاسِ إلَيَّ، وإنَّ هاذا لِمَنْ أحَبِّ النَّاسِ إلَيَّ بَعْدَهُ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَايْم الله) والْحَدِيث مضى فِي: بَاب مَنَاقِب زيد بن حَارِثَة مولى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: (بعثا) أَي: سَرِيَّة. قَوْله: (فِي إمرته) بِكَسْر الْهمزَة وَسُكُون الْمِيم، ويروى: فِي إمارته. قَوْله: (تطعنون) الْمَشْهُور فِيهِ فتح الْعين، وَقَالَ ابْن فَارس عَن بَعضهم: طعن بِالرُّمْحِ يطعن بِالضَّمِّ وَطعن بالْقَوْل يطعن بِالْفَتْح. قَوْله: (وأيم الله) يَعْنِي: يَمِين الله، وَلَكِن مَعْنَاهُ: يَمِين الْحَالِف بِاللَّه لِأَنَّهُ لَا يجوز أَن يُوصف الله بِأَنَّهُ يحلف بِيَمِين، وَإِنَّمَا هُوَ من صِفَات المخلوقين، وَرُوِيَ عَن ابْن عَمْرو ابْن عَبَّاس أَنَّهُمَا كَانَا يحلفان: بأيم الله، وأبى الْحلف بهَا الْحسن الْبَصْرِيّ وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَهُوَ يَمِين عِنْد أَصْحَابنَا، قَالَه الطَّحَاوِيّ، وَبِه قَالَ مَالك، وَقَالَ الشَّافِعِي، إِن لم يرد بهَا يَمِينا فَلَيْسَتْ بِيَمِين، وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس أَنه اسْم من أَسمَاء الله تَعَالَى، فَإِن صَحَّ ذَلِك فَهُوَ الْحلف بِاللَّه. قَوْله: (إِن كَانَ) إِن مُخَفّفَة من الثَّقِيلَة. قَوْله: (لخليقا بالإمارة) أَي: لجديراً لَهَا وَأهلا. قَوْله: (لمن أحب النَّاس) قَالَ الْكرْمَانِي:(23/167)
الأحب بِمَعْنى المحبوب، وَفِيه تَأمل: قَوْله: (إِلَيّ) بتَشْديد الْيَاء.
3 - (بابُ كَيْفَ كانَتْ يَمِين النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان كَيْفيَّة يَمِين النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَقَالَ سَعْدٌ: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (والّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ
أَي: قَالَ سعد بن أبي وَقاص، وَأخرج البُخَارِيّ هَذَا الْمُعَلق مَوْصُولا فِي مَنَاقِب عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، مطولا فَارْجِع إِلَيْهِ.
وَقَالَ أبُو قَتادَةَ: قَالَ أبُو بَكْرٍ رَضِي الله عَنهُ، عنْدَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لاَهَا الله إِذا
أَبُو قَتَادَة هُوَ الْحَارِث بن ربعي الْأنْصَارِيّ الخزرجي، فَارس رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَحَدِيثه مضى فِي كتاب الْخمس فِي بَاب من لم يُخَمّس الأسلاب: حَدثنَا عبد الله بن مسملة عَن مَالك عَن يحيى بن سعيد عَن ابْن أَفْلح عَن أبي مُحَمَّد مولى أبي قَتَادَة عَن أبي قَتَادَة قَالَ: خرجنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَام حنين ... الحَدِيث إِلَى أَن قَالَ: صدق يَا رَسُول الله وسلبه عِنْدِي فأرضه يَا رَسُول الله، فَقَالَ أَبُو بكر الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: لَاها الله، إِذا يعمد إِلَى أَسد من أَسد الله يُقَاتل عَن الله وَرَسُوله يعطيك سلبه؟ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: صدق، فَأعْطَاهُ. قَوْله: لَاها الله، قَالَ ابْن الْأَثِير: هَكَذَا جَاءَ الحَدِيث: لَاها الله، إِذا، وَالصَّوَاب: لَاها الله، بِحَذْف الْهمزَة وَمَعْنَاهُ: لَا وَالله، لَا يكون إِذا، أَولا وَالله مَا الْأَمر ذَا. فَحذف تَخْفِيفًا، وَلَك فِي ألف: هَا، مذهبان أَحدهمَا: تثبت ألفها فِي الْوَصْل لِأَن الَّذِي بعْدهَا مدغم مثل دَابَّة وَالثَّانِي: تحذفها لالتقاء الساكنين. وَقَالَ صَاحب (الْمطَالع) : لأها الله كَذَا، ورويناه بقصرها، وَإِذا قَالَ إِسْمَاعِيل القَاضِي عَن الْمَازِني: إِن الرِّوَايَة خطأ. وَصَوَابه: لأها الله ذَا، وَذَا صلَة فِي الْكَلَام، قَالَ: وَلَيْسَ فِي كَلَامهم: لَاها الله، إِذا، وَقَالَهُ أَبُو زيد. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: يُقَال فِي الْقسم: لَاها الله ذَا، وَالْعرب تَقول: لَاها الله ذَا، بِالْهَمْزَةِ وَالْقِيَاس ترك الْهمزَة وَالْمعْنَى: لَا وَالله هَذَا مَا أقسم بِهِ، فَأدْخل اسْم الله بَين هَذَا وَذَا، وَقَالَ الْكرْمَانِي: إِذا جَوَاب وَجَزَاء أَي: لَا وَالله إِذا صدق لَا يكون كَذَا، ويروى: ذَا، اسْم إِشَارَة أَي: وَالله لَا يكون هَذَا.
يُقالُ: وَالله وَبِاللَّهِ وتالله
أَشَارَ بِهِ إِلَى حُرُوف الْقسم وَهِي ثَلَاثَة الأول: وَالله بِالْوَاو. وَالثَّانِي: بِاللَّه بِالْبَاء الْمُوَحدَة، وَالثَّالِث: تالله بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة من فَوق. وَالْوَاو وَالْبَاء الْمُوَحدَة يدخلَانِ على كل محلوف، وَالتَّاء الْمُثَنَّاة لَا تدخل إلاَّ على لَفْظَة: الله، وَحده.
8266 - حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ يُوسُفَ عنْ سُفْيانَ عنْ مُوساى بنِ عُقْبَةَ عنْ سالِمٍ عنِ ابنِ عُمَرَ، قَالَ: كانَتْ يَمِينُ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَا ومُقَلِّبِ القُلُوبِ) . (انْظُر الحَدِيث 7166 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَقد مضى هَذَا الحَدِيث عَن قريب فِي: بَاب يحول بَين الْمَرْء وَقَلبه.
فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مُحَمَّد بن مقَاتل عَن عبد الله عَن مُوسَى بن عقبَة إِلَى آخِره، وَهنا أخرجه عَن مُحَمَّد بن يُوسُف الْفرْيَابِيّ عَن سُفْيَان الثَّوْريّ، وَلَيْسَ المُرَاد: عَن مُحَمَّد بن يُوسُف البيكندي عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة، وَالثَّوْري روى عَن مُوسَى بن عقبَة بِضَم الْعين وَسُكُون الْقَاف عَن سَالم بن عبد الله بن عمر عَن أَبِيه عبد الله بن عمر، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
9266 - حدّثنا مُوسَى احدّثنا أبُو عَوانَةَ عنْ عَبْد المَلِكِ عنْ جابِرِ بنِ سَمُرَةَ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (إِذا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلا قَيْصَرَ بَعْدَهُ، وَإِذا هَلَكَ كسْرَى فَلا كِسْرى بَعْدهُ. والّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتُنْفَقَنَّ كُنُوزُهُما فِي سَبِيلِ الله) . (انْظُر الحَدِيث 1213 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة فِي قَوْله: (وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ) .
ومُوسَى هُوَ ابْن إِسْمَاعِيل أَبُو سَلمَة التَّبُوذَكِي وَأَبُو عوَانَة بِفَتْح الْعين(23/168)
الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْوَاو اسْمه الوضاح الْيَشْكُرِي، وَعبد الْملك هُوَ ابْن عُمَيْر الْكُوفِي.
والْحَدِيث مضى فِي الْخمس عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَفِي عَلَامَات النُّبُوَّة عَن قبيصَة بن عقبَة.
(وَقَيْصَر) اسْم ملك الرّوم، (وكسرى) بِكَسْر الْكَاف وَفتحهَا لقب مُلُوك الْفرس. قَالَ الْكرْمَانِي: اسْم، لَا، إِذا كَانَ معرفَة وَجب التكرير، ثمَّ قَالَ: هُوَ علم نكر، أَو كلمة: لَا، بِمَعْنى: لَيْسَ، أَو مؤول نَحْو قَضِيَّة وَلَا أَبَا حسن لَهَا، أَو مُكَرر إِذْ حَاصله: لَا قَيْصر وَلَا كسْرَى. وَفِيه: معْجزَة إِذْ وَقع كَمَا أخبر صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
0366 - حدّثنا أبُو اليَمانِ أخبرنَا شُعَيْبٌ عنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبرنِي سَعِيدُ بنُ المسَيَّب أَن أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِذا هَلَكَ كِسْرى فَلا كِسْرَى بَعْدَهُ، وَإِذا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلا قَيْصَرَ بَعْدَهُ، والّذِي نَفْسُ محَمَّدٍ بِيَدِهِ لَتُنْفَقَنَّ كُنُوزُهُما فِي سَبِيلِ الله) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع. والْحَدِيث مثل حَدِيث جَابر بن سَمُرَة سَوَاء، غير أَن فِي حَدِيث جَابر: قَيْصر، مقدم على: كسْرَى.
1366 - حدّثني مُحَمَّدٌ أخبرنَا عَبْدَةُ عنْ هِشامِ بنِ عُرْوَةَ عنْ أبِيهِ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا، عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنّهُ قَالَ: (يَا أُمَّةَ مُحَمَّد {وَالله لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أعْلَمُ لَبكَيْتُمْ كَثِيراً ولَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَالله لَو تعلمُونَ) . وَمُحَمّد هُوَ ابْن سَلام، وَعَبدَة ضد الْحرَّة بن سُلَيْمَان، وَمثل هَذَا الحَدِيث عَن أبي هُرَيْرَة وَأنس مضى فِي الرقَاق فِي: بَاب قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَو تعلمُونَ مَا أعلم) الحَدِيث.
2366 - حدّثنا يَحْيَاى بنُ سُلَيْمانَ قَالَ: حدّثني ابنُ وهْبٍ قَالَ: أَخْبرنِي حَيْوَةُ قَالَ: حدّثني أبُو عَقِيلٍ زُهْرَةُ بنُ مَعْبَدٍ أنَّهُ سَمِعَ جَدَّهُ عَبْدِ الله بن هِشامٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهْوَ آخِذٌ بِيَدِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، فَقَالَ لهُ عُمَرُ: يَا رسُولَ الله} لأنْتَ أحَبُّ إلَيَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا مِنْ نَفْسِي. فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَهُ: (لَا والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ حَتَّى أكُونَ أحَبَّ إلَيْكَ مِنْ نَفْسِكِ) . فَقَالَ لهُ عُمَرُ: فإنهُ الآنَ، وَالله لأنْتَ أحَبُّ إلَيَّ مِنْ نَفْسِي، فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الآنَ يَا عُمَرُ. (انْظُر الحَدِيث 4963 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ) وَيحيى بن سلميان الْجعْفِيّ يروي عَن عبد الله بن وهب، وحيوة هُوَ ابْن شُرَيْح، وَأَبُو عقيل بِفَتْح الْعين زهرَة بِضَم الزَّاي ابْن معبد بِفَتْح الْمِيم وَالْبَاء الْمُوَحدَة ابْن عبد الله بن هِشَام بن زهرَة بن عُثْمَان بن عَمْرو بن كَعْب بن سعد بن تَمِيم بن مرّة، ذهبت بن أمه إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهُوَ صَغِير فَمسح رَأسه ودعا لَهُ، شهد فتح مصر وَله بهَا خطة، وَله فِي البُخَارِيّ حديثان.
قَالَ الْكرْمَانِي: وَرِجَال السَّنَد مصريون.
قلت: كَانَ يحيى بن سُلَيْمَان كوفياً سكن مصر، وَعبد الله بن وهب مصري، وَكَذَلِكَ زهرَة، وَهَذَا السَّنَد بِعَيْنِه ذكر فِي مَنَاقِب عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَذكر من متن الحَدِيث.
قَوْله: (كُنَّا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ آخذ بيد عمر بن الْخطاب) وَلم يذكر غير هَذَا. قَوْله: (حَتَّى أكون) أَي: لَا يكمل إيمانك حَتَّى أكون. قَوْله: (الْآن) يَعْنِي: كمل إيمانك.
3366 - حدّثنا إسْماعِيلُ قَالَ: حدّثني مالِكٌ عنِ ابنِ شِهابٍ عنْ عُبَيْدِ الله بنِ عَبْدِ الله بنِ عُتْبَةَ بنِ مَسْعُود عنْ أبي هُرَيْرَةَ وزَيْدِ بنِ خالدٍ أنَّهُما أخْبرَاهُ: أنَّ رجُلَيْنِ اخْتَصَما إِلَى رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ أحَدُهُما: اقْضِ بَيْنَنا بِكِتابِ الله، وَقَالَ الآخَرُ وهْو أفْقَهُهمُا: أجَلْ يَا رسولَ الله! فاقْضِ بَيْنَنا بِكِتابِ الله وائْذَنْ لِي أنْ أتَكَلّمَ. قَالَ: (تَكَلَّمْ) قَالَ: إنَّ ابْني كانَ عِسيفاً عَلى هاذا قَالَ مالِكٌ: والعَسِيفُ الأجِيزُ زَنَى بامْرأتِهِ فأخبَرُوني أنَّ عَلى ابْني الرَّجْمَ، فافَتدَيْتُ مِنْهُ بِمائَةِ شاةٍ(23/169)
وجارِيَةٍ لي ثُمَّ إنِّي سألْتُ أهْلَ العِلْمِ فأخْبَرُونِي أنَّ مَا عَلى ابْنِي جَلْدُ مائَةٍ وتَغْرِيبُ عامٍ، وإنَّما الرَّجْمُ عَلى امْرَأتِهِ. فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (أما والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لأقْضيَنَّ بَيْنَكُما بِكِتابِ الله! أمَّا غنَمُكَ وجارِيَتُكَ فَرَدٍّ عَلَيْك) ، وجَلَدَ ابْنَهُ مائَةً وغَرَّبَهُ عَاما، وأُمِرَ أُنَيْسٌ الأسْلَمِيُّ أنْ يأتِيَ امْرَأةَ الآخَرِ، فَإِن اعْتَرَفَتْ رَجَمعَها فاعْتَرَفَتْ فَرَجَمَها.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (أما وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ) .
وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن أبي أويس، وَزيد بن خَالِد الْجُهَنِىّ أَبُو عبد الرَّحْمَن الْمدنِي من جُهَيْنَة ابْن زيد بن لَيْث بن سعد بن أسلم بن ألحاف بن قضاعة من مشاهير الصَّحَابَة، مَاتَ بِالْمَدِينَةِ، وَقيل: بِالْكُوفَةِ، سنة ثَمَان وَسبعين وَهُوَ ابْن خمس وَثَمَانِينَ سنة.
وَذكر البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث فِي مَوَاضِع كَثِيرَة مُخْتَصرا أَو مطولا: فِي الصُّلْح وَفِي الْأَحْكَام عَن آدم عَن ابْن أبي ذِئْب فِي: بَاب إِذا اصْطَلحُوا على صلح جور، وَفِي الْمُحَاربين عَن عبد الله بن يُوسُف وَعَن عَاصِم بن عَليّ، وَفِي الْوكَالَة عَن أبي الْوَلِيد، وَفِي الشُّرُوط عَن قُتَيْبَة، وَفِي الِاعْتِصَام عَن مُسَدّد، وَفِي خبر الْوَاحِد عَن أبي الْيَمَان، وَفِي الشَّهَادَات عَن يحيى بن بكير. وَأخرجه بَقِيَّة الْجَمَاعَة، وَمضى الْكَلَام فِيهِ فِي الصُّلْح وَغَيره.
قَوْله: (أجل يَا رَسُول الله) أَي: نعم، قَالَ الْأَخْفَش: أجل، جَوَاب مثل: نعم، إلاَّ أَنه أحسن مِنْهُ فِي التَّصْدِيق، وَنعم أحسن مِنْهُ فِي الِاسْتِفْهَام. قَوْله: (والعسيف) بِفَتْح الْعين وَكسر السِّين الْمُهْمَلَتَيْنِ وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالفاء. قَوْله: (ثمَّ إِنِّي سَأَلت أهل الْعلم فَأَخْبرُونِي) فِيهِ فتيا الْعَالم مَعَ وجود من هُوَ أعلم مِنْهُ. قَالَ أَبُو الْقَاسِم العذري: كَانَ يُفْتِي من الصَّحَابَة فِيمَا بَلغنِي فِي زمن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة وَثَلَاثَة من الْأَنْصَار: أبي ومعاذ وَزيد بن ثَابت رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم. قَوْله: (بِكِتَاب الله) قيل: هُوَ قَوْله: {ويدرأ عَنْهَا الْعَذَاب} (النُّور: 8) وَالْعَذَاب الَّذِي يدْرَأ للزَّوْجَة عَن نَفسهَا هُوَ الرَّجْم. وَأهل السّنة مجمعون على أَن الرَّجْم من حكم الله وَقَالَ قوم: إِنَّه لَيْسَ فِي كتاب الله وَإِنَّمَا هُوَ فِي السّنة، وَأَن السّنة تنسخ الْقُرْآن، فزعموا أَن معنى قَوْله: (لأقضين بَيْنكُمَا بِكِتَاب الله) أَي: بِوَحْي الله تَعَالَى لَا بالمتلو، وَقيل: يُرِيد بِقَضَاء الله حكمه. كَقَوْلِه: كتاب الله عَلَيْكُم، أَي: حكمه فِيكُم وقضاؤه عَلَيْكُم. قَوْله: (أما غنمك وجاريتك فَرد عَلَيْك) أَي: فيردان عَلَيْك، وَفِيه أَن الصُّلْح الْفَاسِد ينْتَقض إِذا وَقع. قَوْله: (وَأمر أنيس الْأَسْلَمِيّ) أنيس مصغر أنس ابْن الضَّحَّاك الْأَسْلَمِيّ نِسْبَة إِلَى أسلم بن أقْصَى بِالْفَاءِ ابْن حَارِثَة بن عَمْرو، والأسلمي أَيْضا نِسْبَة إِلَى أسلم بن جمح، قيل: فِيهِ إِبَاحَة تَأْخِير الْحُدُود عِنْد ضيق الْوَقْت، وَأنْكرهُ بَعضهم، ويروى: فَامْضِ إِلَى امْرَأَة هَذَا، وَفِي لفظ: أغدو يَا أنيس على امْرَأَة هَذَا قَوْله: (إِلَى امْرَأَة الآخر) بِفَتْح الْخَاء كَذَا ضَبطه الدمياطي خطأ. وَقَالَ ابْن التِّين هُوَ بقصر الْألف وَكسر الْخَاء، كَذَا روينَاهُ. قَوْله: (فَإِن اعْترفت فارجمها) .
قَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : فِيهِ أَن مُطلق الِاعْتِرَاف يُوجب الْحَد وَلَا يحْتَاج إِلَى تكراره، وَبِه قَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ، وَقَالَ أَحْمد: لَا يجب إلاَّ باعتراف أَربع مَرَّات فِي مجْلِس، أَو أَربع مجَالِس، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: لَا يجب إلاَّ باعتراف فِي أَربع مجَالِس، فَإِن اعْترف فِي مجْلِس وَاحِد ألف مرّة فَهُوَ اعْتِرَاف وَاحِد. وَاحْتج أَبُو حنيفَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، بِمَا فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. فَلَمَّا شهد على نَفسه أَربع مَرَّات ... الحَدِيث. أَخْرجَاهُ فِي (الصَّحِيحَيْنِ) : وَكَذَا فِي حَدِيث جَابر بن سَمُرَة أخرجه مُسلم حَتَّى شهد على نَفسه أَربع مَرَّات، وَكَذَا فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس أخرجه مُسلم: حَتَّى شهد أَربع مَرَّات، وَكَذَا فِي حَدِيث جَابر بن عبد الله أخرجه مُسلم: حَتَّى شهد على نَفسه أَربع شَهَادَات.
وَالْجَوَاب عَن حَدِيث العسيف أَن مَعْنَاهُ: أغد يَا أنيس على امْرَأَة هَذَا فَإِن اعْترفت الِاعْتِرَاف الْمَعْهُود بالتردد أَربع مَرَّات، وَجَاء فِي بعض طرق حَدِيث الغامدية أَنه ردهَا أَربع مَرَّات، أخرجه الْبَزَّار فِي (مُسْنده) : فَإِن قلت: سلمنَا الْإِقْرَار أَربع مَرَّات فاشتراط اخْتِلَاف الْمجَالِس من أَيْن؟ .
قلت: أخرج مُسلم من حَدِيث أبي هُرَيْرَة أَن ماعزاً أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَرده ثمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَة من الْغَد فَرده ... ، الحَدِيث. وَفِيه: فَأَتَاهُ الثَّالِثَة إِلَى أَن قَالَ: فَلَمَّا كَانَ الرَّابِعَة حفر لَهُ ورجمه.
6366 - حدّثنا أبُو اليَمانِ أخبرنَا شُعَيْبٌ عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبرنِي عُرْوَةُ عنْ أبي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ أنَّهُ أخْبَرَهُ أَن رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اسْتَعْمَلَ عامِلاً، فَجاءَهُ العامِلُ حِينَ فَرَغَ منْ عَمَلِهِ فَقَالَ:(23/170)
يَا رسولَ الله {هاذَا لَكُمْ وهَذَا أُهْدِيَ لي. فَقَالَ لهُ: (أفَلا قَعدْتَ فِي بَيْتِ أبِيكَ وأُمِّكَ فَنَظَرْتَ أيُهْدَي لَكَ أمْ لَا؟) ثُمَّ قامَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَشِيَّةً بَعْدَ الصَّلاَةِ فَتَشَهَدَ وأثْنَى عَلى الله بِمَا هُوَ أهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: (أمَّا بَعْدُ} فَما بالُ العامِلِ نَسْتَعْمِلُهُ فَيَأْتِينا فَيَقُولُ: هاذا مِنْ عَمَلِكُمْ وهاذا أُهْدِيَ لِي؟ أفَلا قَعَدَ فِي بَيْتِ أبِيهِ وأُمِّهِ فَنَظَرَ هَلْ يُهْدى لَهُ أمْ لَا؟ فَوَالّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيدِهِ لَا يَغُلُّ أحَدُكُمْ مِنْها شَيْئاً إلاّ جاءَ بِهِ يَوْمَ القِيامَةِ يَحْمِلُهُ عَلى عُنُقِهِ، إنْ كانَ بَعِيراً جاءَ بِهِ لَهُ رُغاءٌ، وإنْ كانَتْ بَقَرَةً جاءَ بهَا لَها خُوارٌ، وإنْ كانَتْ شَاة جاءَ بِها تَيْعَرُ، فَقَدْ بَلَّغْتُ) .
فَقَالَ أبُو حُمَيْدٍ: ثُمَّ رَفَعَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَدَهُ حتَّى إنّا لَننْظُرُ إِلَى عُفْرَةِ إبْطَيْهِ.
قَالَ أبُو حُمَيْد: وقَدْ سَمَعَ ذَلَكَ مَعِي زَيْدُ بنُ ثابِتٍ مِنَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَلُوهُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَالَّذِي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ) .
وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع، وَعُرْوَة بن الزبير بن الْعَوام، وَأَبُو حميد بِضَم الْحَاء وَفتح الْمِيم السَّاعِدِيّ الْأنْصَارِيّ، وَقيل: اسْمه عبد الرَّحْمَن، وَقيل: الْمُنْذر، وَقيل: إِنَّه عَم سهل بن سعد.
والْحَدِيث مضى فِي الْهِبَة عَن عبد الله بن مُحَمَّد فِي: بَاب من لم يقبل الْهَدِيَّة لعِلَّة، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (اسْتعْمل عَاملا) هُوَ عبد الله بن اللتبية بِضَم اللَّام وَسُكُون التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف، وَتقدم فِي: بَاب الْهِبَة أَنه اسْتعْمل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، رجلا من الْأَنْصَار يُقَال لَهُ: ابْن اللتبية، على الصَّدَقَة. قَوْله: (لَا يغل) أَي: لَا يخون من الْغلُول. قَوْله: (رُغَاء) بِضَم الرَّاء وبالغين الْمُعْجَمَة وَالْمدّ، قَالَ الْكرْمَانِي: الرُّغَاء الصَّوْت.
قلت: هُوَ صَوت الْبَعِير خَاصَّة. قَوْله: (خوار) بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الْوَاو، وَهُوَ صَوت الْبَقَرَة. وَقَالَ ابْن التِّين: ورويناه بِالْجِيم والهمزة وَهُوَ رفع الصَّوْت. قَوْله: (تَيْعر) بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح الْعين الْمُهْملَة وَكسرهَا أَي: تصبح، وَقَالَ ابْن التِّين: قرأناه بِفَتْح الْعين، وَقَالَ الْجَوْهَرِي، يعرت العنزتيعر بِالْكَسْرِ يعاراً بِالضَّمِّ: صاحت. وَقَالَ ابْن فَارس: اليعار صَوت الشَّاة. قَوْله: (فقد بلغت) بِالتَّشْدِيدِ من التَّبْلِيغ.
قَوْله: (إِلَى عفرَة إبطَيْهِ) بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْفَاء وبالراء: الْبيَاض الَّذِي فِيهِ شَيْء كلون الأَرْض، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: الأعفر الْأَبْيَض وَلَيْسَ بالشديد الْبيَاض، وشَاة عفراء يَعْلُو بياضها حمرَة. قَوْله: (وَقَالَ أَبُو حميد) هُوَ مَوْصُول بالسند الْمَذْكُور وَهُوَ رَاوِي الحَدِيث.
وَفِي الحَدِيث: أَن هَدِيَّة الْعَامِل مَرْدُودَة إِلَى بَيت المَال. وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : وَمَا أحسن قَول صَاحب (الْحَاوِي الصَّغِير) : وهديته سحت وَلَا يملك.
7366 - حدّثني إبْرَاهِيم بنُ مُوسَى أخبرنَا هِشامٌ هُوَ ابنُ يُوسُفَ عنْ مَعْمَرٍ عنْ هَمَّامٍ عنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ أبُو القاسِمَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (والذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيدِهِ، لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أعْلَمُ لَبَكَيْتُمْ كَثِيراً ولَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً) . (انْظُر الحَدِيث 5846) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَالَّذِي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ) .
وَإِبْرَاهِيم بن مُوسَى بن يزِيد الْفراء أَبُو إِسْحَاق الرَّازِيّ يعرف بالصغير، وَهِشَام بن يُوسُف أَبُو عبد الرَّحْمَن الصَّنْعَانِيّ الْيَمَانِيّ قاضيها، وَمعمر بِفَتْح الميمين ابْن رَاشد، وَهَمَّام هُوَ ابْن مُنَبّه.
والْحَدِيث مضى عَن قريب عَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، وَمضى مثله عَن قريب عَن أبي هُرَيْرَة وَأنس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا. قَوْله: (مَا أعلم) أَي: من الْأَفْعَال والأهوال.
8366 - حدّثنا عُمَرُ بنُ حَفْصٍ حَدثنَا أبي حَدثنَا الأعْمَشُ عنِ المَعْرُوِرعنْ أبي ذَرٍّ قَالَ: انْتَهَيْتُ إلَيْهِ وهْوَ يَقُولُ فِي ظِلِّ الكَعْبَةَ: هُمُ الأخْسَرُون ورَبِّ الكَعْبَةَ {هُمُ الأخْسَرُون ورَبِّ الكَعْبَةَ} قُلْتُ: مَا شَأْنِي(23/171)
أيْرى فُيَّ شَيْءٌ؟ مَا شَأَنِي؟ فَجَلَسْتُ إلَيْهِ وهْوَ يَقُولُ، فَما اسْتَطَعْتُ أنْ أسْكتَ وتَغَشَّانِي مَا شاءَ الله فَقُلْتُ: مَنْ هُمْ بِأبِي أنْتَ وأُمِّي يَا رَسُول الله؟ قَالَ: (الأكْثَرُونَ أمْوالاً إلاّ مَنْ قَالَ هاكَذَا وهاكَذَا وهاكَذَا) . (انْظُر الحَدِيث 0641) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَرب الْكَعْبَة) . وَعمر بن حَفْص يروي عَن أَبِيه حَفْص بن غياث النَّخعِيّ الْكُوفِي، وَالْأَعْمَش سُلَيْمَان، والمعرور بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وَضم الرَّاء الأولى ابْن سُوَيْد الْأَسدي عَاشَ مائَة وَعشْرين سنة وَكَانَ أسود الرَّأْس واللحية، وَأَبُو ذَر جُنْدُب بن جُنَادَة الْغِفَارِيّ.
وَصدر الحَدِيث مضى فِي الزَّكَاة بِهَذَا الْإِسْنَاد بِعَيْنِه فِي: بَاب زَكَاة الْبَقر. قَوْله: (انْتَهَيْت إِلَيْهِ) أَي: إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَصرح بِهِ فِي الزَّكَاة. قَوْله: (وَهُوَ يَقُول) الْوَاو فِيهِ للْحَال. قَوْله: (قلت: مَا شأني؟) أَي: مَا حَالي؟ قَوْله: (أيُرى) على صِيغَة الْمَجْهُول. (شَيْء) مَرْفُوع بِهِ. قَوْله: (فِي) بِكَسْر الْفَاء وَتَشْديد الْيَاء وَمَعْنَاهُ: أنظر فِي نَفسِي شَيْء يُوجب الأخسرية؟ ويروى: أيرى، بِصِيغَة الْمَعْلُوم، ويروى: أنزل فِي حَقي شَيْء من الْقُرْآن؟ قَوْله: (وَمَا شأني؟) أَي: مَا حَالي وَمَا أَمْرِي؟ قَوْله: (وتغشاني) بالغين والشين الْمُعْجَمَة. قَوْله: (بِأبي وَأمي) أَي: أَنْت المفدى بِأبي وَأمي. قَوْله: (هَكَذَا) ثَلَاث مَرَّات أَي: إلاَّ من صرف مَاله يَمِينا وَشمَالًا على الْمُسْتَحقّين.
9366 - حدّثنا أبْو اليَمانِ أخبرنَا شُعَيْبٌ حدّثنا أبُو الزِّنادِ عنْ عَبْدِ الرَّحْمانِ الأعْرَجِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (قَالَ سُلَيْمانُ: لاَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلى تَسْعِينَ امْرَأةً كُلُّهُنَّ تَأتِي بِفارِس يجاهِدُ فِي سَبيلِ الله) فَقَالَ لهُ صاحِبُهُ: قُلْ: إنْ شاءَ الله. فَلمْ يَقُلْ: إنْ شاءَ الله فَطافَ عَلَيْهنَّ جَمِيعاً فَلَمْ يَحْمِل مِنْهُنَّ إلاّ امْرَأةٌ واحِدَةٌ جاءَتْ بِشِقِّ رَجُلٍ، وايْمُ الّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَو قَالَ: إنْ شاءَ الله، لَجاهَدُوا فِي سَبِيل الله فُرْساناً أجْمَعُونَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وأيم الَّذِي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ) . وَهَذَا السَّنَد بِعَيْنِه بهؤلاء الرِّجَال قد مضى فِي أَحَادِيث كَثِيرَة.
وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع، وَأَبُو الزِّنَاد بالزاي، وَالنُّون عبد الله بن ذكْوَان، والأعرج عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز.
والْحَدِيث مضى فِي الْجِهَاد فِي: بَاب من طلب الْوَلَد للْجِهَاد، وَمضى أَيْضا فِي كتاب الْأَنْبِيَاء فِي: بَاب قَول الله تَعَالَى: {وَوَهَبْنَا لداود سُلَيْمَان} (ص: 03) وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (لأطوفن) الطّواف كِنَايَة عَن الْجِمَاع. قَوْله: (على تسعين) وَفِي كتاب الْأَنْبِيَاء فِي بعض الرِّوَايَات: سبعين، وَقَالَ شُعَيْب وَأَبُو الزِّنَاد: تسعين. وَهُوَ أصح وَلَا مُنَافَاة إِذْ هُوَ مَفْهُوم الْعدَد. وَفِي (صَحِيح مُسلم) : سِتُّونَ، ويروى: مائَة. قَوْله: (قَالَ لَهُ صَاحبه) أَي: الْملك أَو قرينه. قَوْله: (بشق رجل) أَي: بِنصْف ولد، وَإِطْلَاق الرجل بِاعْتِبَار مَا يؤول إِلَيْهِ. قَوْله: (وأيم الله) إِلَى آخِره من بَاب الْوَحْي لِأَنَّهُ من بَاب علم الْغَيْب. قَوْله: (أَجْمَعُونَ) تَأْكِيد لضمير الْجمع الَّذِي فِي قَوْله: (لَجَاهَدُوا) و (فُرْسَانًا) نصب على الْحَال جمع فَارس.
0466 - حدّثنا مُحَمَّدٌ حَدثنَا أبُو الأحْوَصِ عنْ أبي إسْحَاقَ عنِ البَراءِ بنِ عازِبٍ قَالَ: أُهْدِيَ إِلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَرَقَةٌ مِنْ حَرِيرٍ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَتَداوَلُونَها بَيْنَهُمْ ويَعْجَبُونَ مِنْ حُسْنها وَلِينِها، فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (أتَعْجَبُونَ مِنْها؟) قالُوا: نَعَمْ يَا رسولَ الله! قَالَ: (والّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَمَنادِيلُ سَعْدٍ فِي الجَنَّةِ خَيْرٌ مِنْها) .
لَمْ يَقُلْ شُعْبَةُ وإسْرائِيلُ: عنْ أبِي إسْحااقَ: والّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ) . وَمُحَمّد هُوَ ابْن سَلام، قَالَه الغساني، وَأَبُو الْأَحْوَص هُوَ سَلام بِالتَّشْدِيدِ ابْن سليم الْحَنَفِيّ الْكُوفِي، وَأَبُو إِسْحَاق عَمْرو بن عبد الله السبيعِي.
والْحَدِيث أخرجه ابْن مَاجَه فِي السّنة عَن هناد بن السّري.
قَوْله: (سَرقَة) بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَفتح الرَّاء وبالقاف: اسْم لقطعة من الْحَرِير. قَوْله: (لمناديل سعد) هُوَ ابْن معَاذ سيد الْأَنْصَار، وَتَخْصِيص(23/172)
سعد بِهَذَا إِمَّا أَن مناديل سعد كَانَت من جنس تِلْكَ السّرقَة، وَإِمَّا أَن الْحَال كَانَ اقْتضى استمالة قلبه، وَإِمَّا أَنه كَانَ اللامسون المتعجبون من الْأَنْصَار، فَقَالَ: مناديل سيدكم خير مِنْهُ، وَإِمَّا أَن سَعْدا كَانَ يحب ذَلِك الْجِنْس من الثَّوْب، أَو ذَلِك اللَّوْن. وَفِيه: منقبة عَظِيمَة لسعد رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَأَن أدنى ثِيَابه فِي الْجنَّة كَذَلِك لِأَن المنديل أدنى الثِّيَاب معد للوسخ والامتهان، والمناديل جمع منديل بِكَسْر الْمِيم وَهُوَ مَا يمسح بِهِ مَا يتَعَلَّق بِالْيَدِ من الطَّعَام تَقول مِنْهُ: تمندلت بالمنديل، وتندلت. وَأنكر الْكسَائي: تمندلت. قَوْله: (خير مِنْهَا) يحْتَمل وَجْهَيْن: أَن يُرِيد فِي الصّفة، وَأَنَّهَا لَا تفنى، بِخِلَاف هَذِه.
قَوْله: (لم يقل شُعْبَة وَإِسْرَائِيل) أَي: لم يذكر شُعْبَة فِي هَذَا الحَدِيث وَلَا إِسْرَائِيل: حَدثنَا يُونُس عَن أبي إِسْحَاق ... إِلَى آخِره، أما حَدِيث شُعْبَة عَن أبي إِسْحَاق فَأخْرجهُ مُسلم، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن الْمثنى وَابْن بشار قَالَا: حَدثنَا مُحَمَّد بن جَعْفَر حَدثنَا شُعْبَة عَن أبي إِسْحَاق قَالَ: سَمِعت الْبَراء بن عَازِب يَقُول: أهديت لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حلَّة حَرِير فَجعلُوا يمسونها ويعجبون من حسنها، فَقَالَ: أتعجبون من لين هَذِه؟ لمناديل سعد بن معَاذ فِي الْجنَّة خير مِنْهَا وألين. وَأما حَدِيث إِسْرَائِيل عَن جده أبي إِسْحَاق فَأخْرجهُ ...
19 - (حَدثنَا يحيى بن بكير حَدثنَا اللَّيْث عَن يُونُس عَن ابْن شهَاب حَدثنِي عُرْوَة بن الزبير أَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت إِن هِنْد بنت عتبَة بن ربيعَة قَالَت يَا رَسُول الله مَا كَانَ مِمَّا على ظهر الأَرْض أهل أخباء أَو خباء أحب إِلَيّ من أَن يذلوا من أهل أخبائك أَو خبائك شكّ يحيى ثمَّ مَا أصبح الْيَوْم أهل أخباء أَو خباء أحب إِلَيّ من أَن يعزوا من أهل أخبائك أَو خبائك قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأَيْضًا وَالَّذِي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ قَالَت يَا رَسُول الله إِن أَبَا سُفْيَان رجل مسيك فَهَل عَليّ حرج أَن أطْعم من الَّذِي لَهُ قَالَ لَا إِلَّا بِالْمَعْرُوفِ) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله وَالَّذِي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة والْحَدِيث مضى مُخْتَصرا فِي النَّفَقَات فِي بَاب نَفَقَة الْمَرْأَة إِذا غَابَ عَنْهَا زَوجهَا أخرجه عَن مُحَمَّد بن مقَاتل عَن عبد الله عَن مُوسَى عَن ابْن شهَاب عَن عُرْوَة أَن عَائِشَة قَالَت جَاءَت هِنْد بنت عتبَة فَقَالَت يَا رَسُول الله إِن أَبَا سُفْيَان الحَدِيث قَوْله إِن هِنْد منصرف وَغير منصرف بنت عتبَة بِضَم الْعين وَسُكُون التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق ابْن ربيعَة القرشية أم مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان أسلمت يَوْم الْفَتْح قَوْله " أهل أخباء أَو خباء " بِالشَّكِّ بَين الْجمع والمفرد والخباء أحد بيُوت الْعَرَب من وبر أَو صوف وَلَا يكون من الشّعْر وَيكون على عمودين أَو ثَلَاثَة وَيجمع على أخبية وَجمع هُنَا على أخباء على غير قِيَاس وَقَالَ ابْن بطال الْمَعْرُوف فِي جمع خباء أخبية لِأَن فعالا فِي الْقَلِيل يجمع على أفعلة كسقاء وأسقية وَمِثَال وأمثلة قَوْله من أَن يذلوا أَن مَصْدَرِيَّة أَي من ذلهم وَكَذَلِكَ فِي قَوْله من أَن يعزوا أَي من عزهم قَوْله شكّ يحيى هُوَ يحيى بن بكير شيخ البُخَارِيّ قَوْله وَأَيْضًا أَي وستزيدين من ذَلِك إِذْ يتَمَكَّن الْإِيمَان فِي قَلْبك فيزيد حبك لرَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأَصْحَابه كَمَا قَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَالله لَا يُؤمن أحدكُم حَتَّى أكون أحب إِلَيْهِ من أَهله وَمَاله وَالنَّاس أَجْمَعِينَ. يُرِيد لَا يبلغ حَقِيقَة الْإِيمَان وَأَعْلَى درجاته حَتَّى أكون أحب إِلَيْهِ إِلَى آخِره وَقيل مَعْنَاهُ وَأَنا أَيْضا بِالنِّسْبَةِ إِلَيْك مثل ذَلِك وَالْأول أولى قَوْله مسيك بِكَسْر الْمِيم وَتَشْديد السِّين الْمُهْملَة كَذَا هُوَ الْمَحْفُوظ وَقَالَ ابْن التِّين حفظناه بِفَتْح الْمِيم وَهُوَ الْبَخِيل وَإِنَّمَا سمي بذلك لِأَنَّهُ يمسك مَا فِي يَدَيْهِ وَلَا يُخرجهُ لأحد قَوْله قَالَ لَا أَي قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَا حرج عَلَيْك إِلَّا بِالْمَعْرُوفِ أَي إِلَّا أَن تطعمين من مَاله بِحَسب الْعرف بَين النَّاس فِي ذَلِك(23/173)
20 - (حَدثنِي أَحْمد بن عُثْمَان حَدثنَا شُرَيْح بن مسلمة حَدثنَا إِبْرَاهِيم عَن أَبِيه عَن أبي إِسْحَق قَالَ سَمِعت عَمْرو بن مَيْمُون قَالَ حَدثنِي عبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ بَيْنَمَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مضيف ظَهره إِلَى قبَّة من أَدَم يمَان إِذْ قَالَ لأَصْحَابه أَتَرْضَوْنَ أَن تَكُونُوا ربع أهل الْجنَّة قَالُوا بلَى قَالَ أفلم ترضوا أَن تَكُونُوا ثلث أهل الْجنَّة قَالُوا بلَى قَالَ فوالذي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ إِنِّي لأرجو أَن تَكُونُوا نصف أهل الْجنَّة) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله وَالَّذِي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ وَأحمد بن عُثْمَان بن حَكِيم الأودي الْكُوفِي وَهُوَ شيخ مُسلم أَيْضا وَشُرَيْح بن مسلمة بِفَتْح الْمِيم وَاللَّام الْكُوفِي وَإِبْرَاهِيم هُوَ ابْن يُوسُف يروي عَن أَبِيه يُوسُف بن إِسْحَاق بن أبي إِسْحَاق ويوسف يروي عَن جده أبي إِسْحَاق عَمْرو بن عبد الله السبيعِي وَعَمْرو بِالْوَاو ابْن مَيْمُون أدْرك الْجَاهِلِيَّة وَقد مر غيرَة مرّة والْحَدِيث مضى بأتم مِنْهُ فِي الرقَاق فِي بَاب كَيفَ الْحَشْر فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مُحَمَّد بن بشار عَن غنْدر عَن شُعْبَة عَن أبي إِسْحَاق عَن عَمْرو بن مَيْمُون قَوْله مضيف أَي مُسْند ومميل قَوْله يمَان أَصله يمني قدم إِحْدَى الياءين على النُّون وقلبت ألفا فَصَارَ مثل قَاض ويروى على الأَصْل قَوْله إِذْ قَالَ جَوَاب بَيْنَمَا قَوْله ربع أهل الْجنَّة بِضَم الرَّاء وَسُكُون الْبَاء وَضمّهَا وَكَذَا فِي الثُّلُث قَوْله أفلم ترضوا ويروى أَفلا ترْضونَ
21 - (حَدثنَا عبد الله بن مسلمة عَن مَالك عَن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن عَن أَبِيه عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ أَن رجلا سمع رجلا يقْرَأ قل هُوَ الله أحد يُرَدِّدهَا فَلَمَّا أصبح جَاءَ إِلَى رَسُول الله فَذكر ذَلِك لَهُ وَكَأن الرجل يتقالها فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا لتعدل ثلث الْقُرْآن) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ وَعبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن صعصعة الْأنْصَارِيّ والْحَدِيث مضى فِي فَضَائِل الْقُرْآن عَن عبد الله بن يُوسُف وَمضى الْكَلَام فِيهِ قَوْله يُرَدِّدهَا أَي يكررها قَوْله وَكَانَ بِالتَّشْدِيدِ قَوْله يتقالها يَعْنِي يعدها قَليلَة قَوْله لتعدل ثلث الْقُرْآن لِأَن جَمِيعه إِمَّا مُتَعَلق بالمبدأ أَو بالمعاش أَو بالمعاد وَقيل لِأَنَّهُ على ثَلَاثَة أَقسَام قصَص وَأَحْكَام وصفات الله تَعَالَى وَسورَة الْإِخْلَاص متمحضة لله تَعَالَى وَصِفَاته فَهِيَ ثلثه قَالَ الْكرْمَانِي فَإِن قلت كَيفَ تكون معادلة للثلث وَلَا شكّ أَن الْمَشَقَّة فِي قِرَاءَة ثلث الْقُرْآن أَكثر من قرَاءَتهَا بِكَثِير وَالْأَجْر بِقدر النصب قلت قِرَاءَة السُّورَة لَهَا ثَوَاب قِرَاءَة الثُّلُث فَقَط وَأما قِرَاءَة الثُّلُث فلهَا عشر أَمْثَالهَا
22 - (حَدثنِي إِسْحَق أخبرنَا حبَان حَدثنَا همام حَدثنَا قَتَادَة حَدثنَا أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ أَنه سمع النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول أَتموا الرُّكُوع وَالسُّجُود فوالذي نَفسِي بِيَدِهِ إِنِّي لأَرَاكُمْ من بعد ظَهْري إِذا مَا رَكَعْتُمْ وَإِذا مَا سجدتم) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَإِسْحَاق قَالَ الغساني لَعَلَّه ابْن مَنْصُور وحبان بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة وبالنون ابْن هِلَال الْبَاهِلِيّ وَهَمَّام هُوَ ابْن يحيى والْحَدِيث من أَفْرَاده وَمضى فِي الصَّلَاة قَوْله إِنِّي لأَرَاكُمْ قيل كَيفَ رأى من وَرَاء الظّهْر وَأجِيب بِأَن الرُّؤْيَة أَمر يخلقها الله وَلَا يشْتَرط فِيهَا الْمُقَابلَة وَلَا المواجهة عقلا حَتَّى جوز الأشعرية رُؤْيَة الْأَعْمَى بالصين بقة أندلس
23 - (حَدثنَا إِسْحَق حَدثنَا وهب بن جرير أخبرنَا شُعْبَة عَن هِشَام بن زيد عَن أنس بن(23/174)
مَالك أَن امْرَأَة من الْأَنْصَار أَتَت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَعهَا أَوْلَادهَا فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ إِنَّكُم لأحب النَّاس إِلَيّ قَالَهَا ثَلَاث مرار) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَإِسْحَاق هَذَا هُوَ ابْن رَاهَوَيْه وَهِشَام بن زيد بن أنس بن مَالك الْأنْصَارِيّ الْبَصْرِيّ يروي عَن جده أنس والْحَدِيث مضى فِي فضل الْأَنْصَار عَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم وَفِي النِّكَاح عَن بنْدَار عَن غنْدر قَوْله إِنَّكُم الْخطاب لجنس الْمَرْأَة وَأَوْلَادهَا يَعْنِي الْأَنْصَار قيل يلْزم من هَذَا أَن تكون الْأَنْصَار أفضل من الْمُهَاجِرين عُمُوما وَمن أبي بكر وَعمر خُصُوصا وَأجِيب بِأَنَّهُ عَام مَخْصُوص بالدلائل الخارجية المخرجة لَهُ مِنْهُ قَالُوا مَا من عَام إِلَّا وَخص أَلا وَالله بِكُل شَيْء عليم -
4 - (بابٌ لَا تَحلِفُوا بِآبائِكُمْ)
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا تحلفُوا بِآبَائِكُمْ، مثل قَوْله: بِأبي أفعل وَلَا أفعل.
6466 - حدّثنا عَبْدُ الله بنُ مَسْلَمَةَ عنْ مالِكٍ عنْ نافِعٍ عنْ عَبْدِ لله بنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهُمَا، أنَّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أدْرَكَ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ وهْوَ يَسِيرُ فِي رَكْبٍ يَحْلِفُ بِأبِيهِ، فَقَالَ: (أَلا إنَّ الله يَنْهاكُمْ أنْ تَحْلِفُوا بِآبائِكُمْ، مَنْ كَانَ حالِفاً فَلْيَحْلِفْ بِاللَّه أوْ لِيَصْمُتْ) .
طابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. والْحَدِيث رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس عَن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، بِلَفْظ: بَينا أَنا فِي ركب أَسِير فِي غزَاة مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقلت: لَا وَأبي، فَهَتَفَ بِي رجل من خَلْفي: تحلفُوا بِآبَائِكُمْ، فَالْتَفت فَإِذا هُوَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وروى ابْن أبي شيبَة من طَرِيق عِكْرِمَة عَن عمر: فَالْتَفت فَإِذا هُوَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: لَو أَن أحدكُم حلف بالمسيح، والمسيح خير من آبائكم، لهلك. وَفِي رِوَايَة سعيد بن عُبَيْدَة: أَنَّهَا شرك، وَفِي رِوَايَة ابْن الْمُنْذر: لَا بِأُمَّهَاتِكُمْ وَلَا بالأوثان وَلَا تحلفُوا بِاللَّه إلاَّ وَأَنْتُم صَادِقُونَ. وروى ابْن أبي عَاصِم فِي (كتاب الْأَيْمَان) : وَالنُّذُور، وَمن حَدِيث ابْن عمر: من حلف بِغَيْر الله فقد أشرك أَو كفر.
وَالْحكمَة فِي النَّهْي عَن الْحلف بِالْآبَاءِ أَنه يَقْتَضِي تَعْظِيم الْمَحْلُوف بِهِ، وَحَقِيقَة العظمة مُخْتَصَّة بِاللَّه جلت عَظمته. فَلَا يضاهي بِهِ غَيره، وَهَكَذَا حكم غير الْآبَاء من سَائِر الْأَشْيَاء، وَمَا ثَبت أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: أَفْلح وَأَبِيهِ، فَهِيَ كلمة تجْرِي على اللِّسَان لَا يقْصد بهَا الْيَمين، وَأما قسم الله تَعَالَى بمخلوقاته نَحْو: وَالصَّافَّات، وَالطور، وَالسَّمَاء والطارق، والتين وَالزَّيْتُون، وَالْعَادِيات ... فَللَّه أَن يقسم بِمَا شَاءَ من خلقه تَنْبِيها على شرفه، أَو التَّقْدِير: وَرب الطّور. وَقَالَ أَبُو عمر: لَا يَنْبَغِي لأحد أَن يحلف بِغَيْر الله لَا بِهَذِهِ الْأَقْسَام وَلَا بغَيْرهَا، لإِجْمَاع الْعلمَاء على أَن من وَجب لَهُ يَمِين على آخر فِي حق، فَلهُ أَن يحلف لَهُ إلاَّ بِاللَّه، وَلَو حلف لَهُ بِالنَّجْمِ وَالسَّمَاء، وَقَالَ: نَوَيْت رب ذَلِك، لم يكن عِنْدهم يَمِينا. وروى ابْن جرير عَن ابْن أبي مليكَة أَنه سمع ابْن الزبير يَقُول: سمعني عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، لف بِالْكَعْبَةِ فنهاني، وَقَالَ: لَو تقدّمت إِلَيْك لعاقبتك. قَالَ قَتَادَة: وَيكرهُ الْحلف بالمصحف وبالعتق وَالطَّلَاق، وَقَالَ أَبُو عمر: الْحلف بِالطَّلَاق وَالْعِتْق لَيْسَ يَمِينا عِنْد أهل التَّحْصِيل وَالنَّظَر، وَإِنَّمَا هُوَ طَلَاق بِصفة، وَعتق بِصفة، وَكَلَام خرج على الاتساع وَالْمجَاز، وَلَا يَمِين فِي الْحَقِيقَة إِلَّا بِاللَّه عز وَجل. وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: وَاخْتلفُوا فِيمَا على من حلف بِالْقُرْآنِ الْعَظِيم وَحنث، فَكَانَ ابْن مَسْعُود يَقُول: عَلَيْهِ بِكُل آيَة يَمِين، وَبِه قَالَ الْحسن وَقَالَ النُّعْمَان: لَا كَفَّارَة عَلَيْهِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُف: من حلف بالرحمن فَحنث إِن أَرَادَ بالرحمن الله فَعَلَيهِ كَفَّارَة يَمِين، وَإِن أَرَادَ سُورَة الرَّحْمَن فَلَا كَفَّارَة وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ وَرَبِيعَة: إِذا قَالَ: أشهد لَا أفعل كَذَا، ثمَّ فعل فَهُوَ يَمِين. فَإِن قَالَ: حَلَفت وَلم يحل، فَقَالَ الْحسن وَالنَّخَعِيّ: لَزِمته يَمِين، وَقَالَ حَمَّاد بن أبي سُلَيْمَان: هِيَ كذبة، وَقَالَ أَبُو ثَوْر: إِذا قَالَ عَلَيْهِ يَمِين وَلم يكن حلف فَلهَذَا بَاطِل، وَقَالَ أَصْحَاب الرَّأْي: هِيَ يَمِين، فَإِن قَالَ: هُوَ يَهُودِيّ أَو نَصْرَانِيّ أَو مَجُوسِيّ إِن فعل كَذَا، فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأَبُو عبيد وَأَبُو ثَوْر: يستغر الله. وَقَالَ طَاوُوس وَالْحسن وَالشعْبِيّ وَالنَّخَعِيّ وَالثَّوْري وَالْأَوْزَاعِيّ وَأَصْحَاب الرَّأْي: عَلَيْهِ كَفَّارَة يَمِين، وَبِه قَالَ أَحْمد وَإِسْحَاق(23/175)
إِذا أَرَادَ الْعين، وَاخْتلفُوا فِي الرجل يَدْعُو على نَفسه بالخزي والهلاك أَو قطع الْيَدَيْنِ إِن فعل كَذَا، فَقَالَ عَطاء: وَلَا شَيْء عَلَيْهِ، وَهُوَ قَول الثَّوْريّ وَأبي عبيد وَأَصْحَاب الرَّأْي، وَقَالَ طَاوُوس عَلَيْهِ كَفَّارَة يَمِين، وَبِه قَالَ اللَّيْث، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ: إِذا قَالَ عَلَيْهِ لعنة الله. . إِن لم يفعل كَذَا، فَلم يَفْعَله فَعَلَيهِ كَفَّارَة يَمِين.
7466 - حدّثنا سَعِيدُ بنُ عُفَيْرٍ حدّثنا ابنُ وَهْبٍ عنْ يُونُسَ عنِ ابنِ شِهابٍ قَالَ: قَالَ سالِمٌ: قَالَ ابنُ عُمَرَ: سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ: قَالَ لِي رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إنَّ الله يَنْهاكُمْ أنْ تَحْلِفُوا بِآبائِكُمْ) . قَالَ عُمَرُ: فَوَالله مَا حَلَفْتُ بِها مُنْذُ سَمُعْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذاكِراً وَلَا آثِراً.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَسَعِيد بن عفير بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَفتح الْفَاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالراء هُوَ سعيد بن كثيرين عفير مولى الْأنْصَارِيّ الْمصْرِيّ، وَابْن وهب عبد الله بن وهب الْمصْرِيّ، وَيُونُس بن يزِيد الْأَيْلِي، وَابْن شهَاب مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ، وَسَالم هُوَ ابْن عبد الله بن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْإِيمَان أَيْضا عَن أبي الطَّاهِر وحرملة عَن ابْن وَبِه وَغَيرهمَا. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن أَحْمد بن حَنْبَل. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن عَمْرو بن عُثْمَان. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الْكَفَّارَات عَن مُحَمَّد بن يحيى.
قَوْله: (ذَاكِرًا) أَي: قَائِلا لَهَا من قبل نَفسِي. قَوْله: (وَلَا آثراً) بِلَفْظ اسْم الْفَاعِل من الْأَثر يَعْنِي: وَلَا حاكياً لَهَا عَن غَيْرِي نَاقِلا عَنهُ. وَقَالَ الطَّبَرِيّ: وَمِنْه حَدِيث مأثور عَن فلَان، أَي: يحدث بِهِ عَنهُ، والأثر الرِّوَايَة وَنقل كَلَام الْغَيْر.
قَالَ مُجاهِدٌ: { (46) أَو إثارة من علم} (الْأَحْقَاف: 4) يَأْثُرُ عِلْماً
أَي قَالَ مُجَاهِد فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: {أَو إثارة من علم} وَقَبله: {ائتموني بِكِتَاب من قبل هَذَا أَو إثارة من علم إِن كُنْتُم صَادِقين} وَفسّر قَوْله: {أَو إثارة من علم} بقوله: يأثر علما، يَعْنِي: ينْقل خَبرا عَمَّن كَانَ قبله، وَقَالَ مقَاتل: يَعْنِي: رِوَايَة عَن الْأَنْبِيَاء، والأثر الرِّوَايَة، وَمِنْه قيل للْحَدِيث: أثر.
تابَعَهُ عُقَيْلٌ والزُّبَيْدِيُّ وإسْحَاقُ الكَلْبِيُّ عنِ الزُّهْرِيِّ
أَي: تَابع يُونُس فِي رِوَايَته عَن ابْن شهَاب الزُّهْرِيّ عقيل بِضَم الْعين ابْن خَالِد، وروى هَذِه الْمُتَابَعَة مُسلم فَقَالَ: حَدثنَا عبد الْملك بن شُعَيْب قَالَ: حَدثنِي أبي عَن جدي حَدثنِي عقيل بن خَالِد ... الحَدِيث. قَوْله: (والزبيدي) ، أَي: تَابعه أَيْضا مُحَمَّد بن الْوَلِيد الزبيدِيّ بِضَم الزَّاي صَاحب الزُّهْرِيّ، وروى هَذِه الْمُتَابَعَة النَّسَائِيّ عَن عَمْرو بن عُثْمَان عَن مُحَمَّد بن حَرْب عَنهُ. قَوْله: (وَإِسْحَاق الْكَلْبِيّ) أَي: تَابعه أَيْضا إِسْحَاق بن يحيى الْكَلْبِيّ الْحِمصِي، وَوَقعت مُتَابَعَته فِي نسخته من طَرِيق أَحْمد بن إِبْرَاهِيم بن شَاذان عَن عبد القدوس بن مُوسَى الْحِمصِي عَن سُلَيْمَان بن عبد الحميد عَن يحيى بن صَالح الوحاي عَن إِسْحَاق ابْن يحيى فَذكره.
وَقَالَ ابنُ عُيَيَيْنَةَ ومَعْمَرٌ عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ سالِمٍ عنِ ابنِ عُمَرَ: سَمِعَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أَي: قَالَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة وَمعمر بن رَاشد ... إِلَى آخِره، وَتَعْلِيق ابْن عُيَيْنَة وَصله ابْن مَاجَه عَن مُحَمَّد بن أبي عمر الْعَدنِي عَن سُفْيَان وَتَعْلِيق معمر وَصله أَبُو دَاوُد عَن أَحْمد بن حَنْبَل عَن عبد الرَّزَّاق عَنهُ وَالتِّرْمِذِيّ عَن قُتَيْبَة، وَقَالَ: حسن صَحِيح. وَلما ذكر يَعْقُوب بن شيبَة هَذَا الحَدِيث فِي (مُسْنده) قَالَ: حَدِيث مدنِي حسن الْإِسْنَاد، وَرَوَاهُ يحيى بن أبي إِسْحَاق عَن سَالم عَن ابْن عمر، وَلم يقل عَن عمر وَرَوَاهُ عبيد الله بن عَمْرو أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ وَمَالك وَاللَّيْث وَعبد الله بن دِينَار، فكلهم جَعَلُوهُ عَن ابْن عمر: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أدْرك عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَهُوَ يحلف بِأَبِيهِ، غير أَيُّوب فَإِنَّهُ جعله عَن نَافِع: أَن عمر ... وَلم يذكر ابْن عمر فِي حَدِيثه.(23/176)
8466 - حدّثنا مُوسى بن إسْماعِيلَ حدّثنا عَبْدُ العَزِيزِ بنُ مُسْلِمٍ حدّثنا عَبْدُ الله بنُ دِينار قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الله بنَ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهُمَا، يَقُولُ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَا تَحْلِفُوا بِآبائِكُمْ) .
طابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَعبد الْعَزِيز بن مُسلم الْقَسْمَلِي، وَعبد الله بن دِينَار مولى ابْن عمر، وَقَالَ الْمُهلب: كَانَت الْعَرَب فِي الْجَاهِلِيَّة تحلف بآبئهم وآلهتهم فَأَرَادَ الله أَن ينْسَخ من قُلُوبهم وألسنتهم ذكر كل شَيْء سَوَاء وَيبقى ذكره تَعَالَى لِأَنَّهُ الْحق المعبود. وَالسّنة الْيَمين بِاللَّه عز وَجل.
9466 - حدّثنا قُتَيْبَة حدّثنا عَبْدُ الوَهَّابِ عنْ أيُّوبَ عنْ أبي قِلابَةَ والقاسِمِ التَّمِيمِيِّ عنْ زَهْدمٍ قَالَ: كَانَ بَيْنَ هاذا الحَيِّ مِنْ جَرْمٍ وبَيْنَ الأشْعَرِيِّينَ وُدٌّ وَإخاءٌ، فَكُنَّا عِنْدَ أبي مُوسى الأشْعَرِيِّ فَقُرِّبَ إلَيْهِ طَعامٌ فِيهِ لَحْمُ دَجاجٍ وعِنْدَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَيْمِ الله أحْمَرُ كأنصهُ مِنَ المَوالِي، فَدَعاهُ إِلَى الطَّعامِ فَقَالَ: إنِّي رَأيْتُهُ يَأْكُلُ شَيْئاً فَقَذِرْتُهُ فَحَلَفْتُ أنْ لَا آكلَهُ، فَقَالَ: قمْ فَلأُحَدِّثَنَّكَ عَن ذاكَ، إنِّي أتَيْتُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي نَفَرٍ مِنَ الأشْعَرِيِّينَ نَسْتَحْمِلُهُ فَقَالَ: (وَالله! لَا أحْمِلُكُمْ وَمَا عِنْدِي مَا أحْمِلُكُمْ) ، فأتِيَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِنَهْبِ إبِلٍ، فَسألَ عَنَّا فَقَالَ: (أيْنَ النَّفَرُ الأشْعَرِيُّونَ؟) . فأمَرَ لَنَا بِخَمْسِ ذَوْدٍ غُرِّ الذُّراى، فَلَمَّا انْطَلَقْنا قُلْنا: مَا صَنَعْنا؟ حَلَفَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يَحْمِلُنا وَمَا عِنْدَه مَا يَحْمِلُنا. ثُمَّ حَمَلَنا. تَغَفَّلْنا رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَمِينَهُ، وَالله لَا نُفْلِحُ أبَداً. فَرَجَعْنا إلَيْهِ فَقُلْنا لهُ: إنَّا أتَيْناكَ لِتَحْمِلَنا فَحَلَفْتَ أنْ لَا تَحْمِلَنا وَمَا عِنْدَكَ مَا تَحْمِلُنا، فَقَالَ: (إنِّي لَسْتُ أَنا حَمَلْتُكُمْ ولَكِنَّ الله حَمَلَكُمْ، وَالله لَا أحْلِفُ عَلى يَمِينٍ فأرَى غَيْرَها خَيْراً مِنْها إلاّ أتَيْتُ الّذِي هُوَ خَيْرٌ وتَحَلَّلْتُها) .
يل: لَا مُطَابقَة بَينه وَبَين التَّرْجَمَة على مَا لَا يخفى. وَقَالَ الْكرْمَانِي: الظَّاهِر أَن هَذَا الحَدِيث كَانَ على الْحَاشِيَة فِي الْبَاب السَّابِق وَنَقله النَّاسِخ إِلَى هَذَا الْبَاب انْتهى.
قلت: هَذَا بعيد جدا مَعَ أَن فِيهِ فِي الْمُطَابقَة أَيْضا. وَقَالَ الْكرْمَانِي أَيْضا: اسْتدلَّ بِهِ البُخَارِيّ من حَيْثُ إِنَّه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، حلف فِي هَذِه الْقَضِيَّة مرَّتَيْنِ: أَولا عِنْد الْغَضَب وآخراً عِنْد الرِّضَا، وَلم يحلف إلاّ بِاللَّه، فَدلَّ على أَن الْحلف إِنَّمَا هُوَ بِاللَّه فِي الْحَالَتَيْنِ. انْتهى.
قلت: هَذَا الَّذِي ذكره لَيْسَ فِيهِ بَيَان الْمُطَابقَة بَين الحَدِيث والترجمة، لِأَن التَّرْجَمَة: لَا تحلفُوا بِآبَائِكُمْ. والْحَدِيث فِيهِ: حلف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، والمطابق ذكره فِي الْبَاب السَّابِق، لِأَن تَرْجَمته: بَاب كَيفَ كَانَت يَمِين النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَمن جملَة مَا يحلف بِهِ حلفه بِاللَّه، وَلَيْسَت التَّرْجَمَة فِي بَيَان أَن الْحلف على ضَرْبَيْنِ عِنْد الْغَضَب وَعند الرِّضَا، وَإِنَّمَا هُوَ بِاللَّه فِي الْحَالين، وَيُمكن أَن يُوَجه وَجه الْمُطَابقَة وَإِن كَانَ فِيهِ بعض التعسف بِأَن التَّرْجَمَة لما كَانَت فِي معنى الْحلف بِالْآبَاءِ، وَذكر حديثين مطابقين لَهَا، ذكر هَذَا الحَدِيث تَنْبِيها على أَن الْحلف إِذا لم يكن بِالْآبَاءِ وَنَحْو ذَلِك لَا يكون إلاّ بِاللَّه، فَذكره لِأَن فِيهِ الْحلف بِاللَّه فِي الْمَوْضِعَيْنِ.
وقتيبة هُوَ ابْن سعيد، وَعبد الْوَهَّاب بن عبد الْمجِيد الثَّقَفِيّ الْبَصْرِيّ، وَأَيوب هُوَ السّخْتِيَانِيّ، وَأَبُو قلَابَة بِكَسْر الْقَاف عبد الله بن زيد الْجرْمِي، وَالقَاسِم بن عَاصِم التَّمِيمِي الْبَصْرِيّ، وزهدم بِفَتْح الزَّاي وَسُكُون الْهَاء وَفتح الدَّال الْمُهْملَة ابْن مضرب على وزن اسْم فَاعل من التضريب بالضاد الْمُعْجَمَة الْجرْمِي الْأَزْدِيّ الْبَصْرِيّ.
والْحَدِيث قد مضى فِي أَوَائِل كتاب الْإِيمَان، وَلَكِن من قَول أبي مُوسَى: أتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي رَهْط من الْأَشْعَرِيين ... إِلَى آخِره، وَالَّذِي ذكر قبله هُنَا لَيْسَ هُنَاكَ.
قَوْله: (من جرم) بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الرَّاء وَهُوَ بطْنَان من الْعَرَب: أَحدهمَا: من قضاعة وَهُوَ جرم بن ربان. وَالْآخر: فِي طي. قَوْله: (وَبَين الْأَشْعَرِيين) ، ويروى(23/177)
الأشعرين، بِحَذْف يَاء النِّسْبَة. قَوْله: (ود) بِضَم الْوَاو وَتَشْديد الدَّال وَهُوَ الْمحبَّة. قَوْله: (وإخاء) بِكَسْر الْهمزَة وَتَخْفِيف الْخَاء الْمُعْجَمَة وبالمد، تَقول: آخاء مؤاخاة وإخاء، والعامة تَقول: وأخاه، قَوْله: (فَكَانَ عِنْد أبي مُوسَى) أَي: فَكَانَ زَهْدَم عِنْده، ويروى: فَكُنَّا. قَوْله: (دَجَاج) هُوَ مثلث الدَّال جمع دجَاجَة للذّكر وَالْأُنْثَى لِأَن الْهَاء إِنَّمَا دخلت على أَنه وَاحِد من جنسه. قَوْله: (من تيم الله) بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف هِيَ حَيّ من بكر. قَوْله: (فقذرته) بِفَتْح الذَّال وَكسرهَا أَي: كرهته. قَوْله: (فلأحدثتك) أَي: فوَاللَّه لأحدثنك، بنُون التَّأْكِيد، ويروى بِلَا نون. قَوْله: (فِي نفر) هُوَ رَهْط الْإِنْسَان وعشيرته وَهُوَ اسْم جمع يَقع على جمَاعَة من الرِّجَال خَاصَّة مَا بَين الثَّلَاثَة إِلَى الْعشْرَة وَلَا وَاحِد لَهُ من لَفظه، وَفِي الرِّوَايَة الَّتِي تقدّمت: فِي رَهْط من الْأَشْعَرِيين، وقذ ذكرنَا هُنَاكَ أَن الرَّهْط عشرَة الرجل من الرِّجَال مَا دون الْعشْرَة، وَقيل: إِلَى الْأَرْبَعين وَلَا تكون فيهم امْرَأَة وَلَا وَاحِد لَهُ من لَفظه، وَتَفْسِير بَقِيَّة الْأَلْفَاظ قد مر هُنَاكَ، والمسافة قريبَة. قَوْله: (بِنَهْب) أَي: من الْغَنِيمَة، قيل: تقدم فِي غَزْوَة تَبُوك أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ابتاعهن من سعد. وَأجِيب: بِأَنَّهُ لَعَلَّه اشْتَرَاهَا مِنْهُ من سهامه من ذَلِك النهب، أَو هما قضيتان: إِحْدَاهمَا: عِنْد قدوم الْأَشْعَرِيين. وَالثَّانيَِة: فِي غَزْوَة تَبُوك. قَوْله: (تغفلنا) أَي: طلبنا غفلته. قَوْله: (وتحللتها) أَي: كفرتها والتحلل هُوَ التقص عَن عُهْدَة الْيَمين الْخُرُوج من حرمتهَا.
5 - (بابٌ لَا يحْلَفُ بِاللاَّتِ والعُزَّى وَلَا بالطَّواغِيتِ)
أَي: هَذَا بَاب يُقَال فِيهِ: لَا يحلف، على صِيغَة الْمَجْهُول، وَفِي بعض النّسخ: بَاب لَا تحلفُوا بِاللات، بِصِيغَة أَمر الْجمع، وَاللات قَالَ الثَّعْلَبِيّ: أَخذ اللاَّت من لَفْظَة الله فألحقت بهَا تَاء التَّأْنِيث، كَمَا قيل للذّكر: عَمْرو، ثمَّ قيل للْأُنْثَى: عمْرَة.
قلت: أَرَادوا أَن يسموا آلِهَتهم بِلَفْظَة الله فصرفها الله إِلَى اللات صِيَانة لهَذَا الِاسْم الشريف، وَعَن قَتَادَة: اللات صَخْرَة بِالطَّائِف، وَعَن أبي زيد: بَيت بنخلة كَانَت قُرَيْش تعبده، وَقيل: كَانَ رجل يلت السويق للْحَاج فَلَمَّا مَاتَ عكفوا على قَبره فعبدوه، وَعَن الكعبي: كَانَ رجل من ثَقِيف يُسمى حُرْمَة ابْن تَمِيم كَانَ يسلي السّمن فيصعد على صَخْرَة ثمَّ يَأْتِي الْعَرَب فيلت بِهِ أسوقتهم، فَلَمَّا مَاتَ الرجل حولتها ثَقِيف إِلَى منازلها فعبدوها، والعزى اخْتلف فِيهَا، فَعَن مُجَاهِد؛ هِيَ شَجَرَة لغطفان يعبدونها، هِيَ الَّتِي بعث إِلَيْهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَالِد بن الْوَلِيد، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فقطعها فَخرجت مِنْهَا شَيْطَانَة نَاشِرَة شعرهَا دَاعِيَة وَيْلَهَا وَاضِعَة يَدهَا على رَأسهَا، فَقَتلهَا خَالِد رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. وَعَن الضَّحَّاك: هِيَ صنم لغطفان وَضعهَا لَهُم سعد بن ظَالِم الْغَطَفَانِي، وَذَلِكَ أَنه لما قدم مَكَّة وَرَأى أَن أَهلهَا يطوفون بهَا وَبَين الصَّفَا والمروة أَخذ حجرا من الصَّفَا وحجراً من الْمَرْوَة فنقلهما إِلَى نَخْلَة، ثمَّ أَخذ ثَلَاثَة أَحْجَار فأسندها إِلَى صَخْرَة وَقَالَ: هَذَا ربكُم فاعبدوه، فَجعلُوا يطوفون بَين الحجرين ويعبدون الْحِجَارَة حَتَّى افْتتح رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَكَّة، فَأمر بهدمها. وَعَن ابْن زيد: الْعُزَّى بَيت بِالطَّائِف كَانَت تبعده ثَقِيف، وَمن أصنامهم المناة، قَالَ قَتَادَة: كَانَت لخزاعة وَكَانَت بقديدة، وَعَن ابْن زيد بَيت كَانَ بالسليل تعبده بَنو كَعْب، وَقَالَ الضَّحَّاك: مَنَاة صنم لهذيل وخزاعة تعبدها أهل مَكَّة، وَقَالَ: اللات والعزى وَمَنَاة أصنام من حِجَارَة كَانَت فِي جَوف الْكَعْبَة يعبدونها. قَوْله: (وَلَا بِالطَّوَاغِيتِ) ، أَي: وَلَا يحلف بِالطَّوَاغِيتِ أَيْضا وَهُوَ جمع الطاغوت وهم صنم، وَقيل: شَيْطَان، وَقيل: كل رَأس ضلال. وَعَن جَابر وَسَعِيد بن جُبَير: الكاهن: وَقَالَ الطَّبَرِيّ: هُوَ عِنْدِي فعلوت من الطغيان كالجبوت من الْجَبْر، قيل ذَلِك لكل من طغا على الله فعبد من دونه إنْسَانا كَانَ ذَلِك الطاغي أَو شَيْطَانا أَو صنماً.
قلت: أَصله طغيوت قدمت الْيَاء على الْغَيْن فَصَارَ طيغوت ثمَّ قلبت الْيَاء ألفا لتحركها وانفتاح مَا قبلهَا.
0566 - حدّثني عبُد الله بنُ مُحَمَّدٍ حَدثنَا هِشامُ بنُ يُوسفَ أخبرنَا مَعْمَرٌ عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ حُمَيْدِ بن عَبْدِ الرَّحْمانِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ، عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (مَنْ حَلَفَ فَقَالَ فِي حَلِفهِ: بالَّلات والعُزصى، فَلْيَقُلْ: لَا إلَهَ إِلَّا الله، ومْ قَالَ لِصاحِبهِ: تعالَ أقامرْكَ، فَلْيَتَصَدَّقْ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. والْحَدِيث مضى فِي تَفْسِير، والنجم، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ بِهَذَا الْإِسْنَاد والمتن بِعَيْنِه، وَمضى فِي الْأَدَب(23/178)
أَيْضا عَن إِسْحَاق وَفِي الاسْتِئْذَان عَن يحيى بن بكير.
قَوْله: (فَلْيقل: لَا إِلَه إِلَّا الله) إِنَّمَا أَمر بذلك لِأَنَّهُ تعاطى صُورَة تَعْظِيم الْأَصْنَام حِين حلف بهَا وَأَن كَفَّارَته هُوَ هَذَا القَوْل لَا غير. قَوْله: (تعال أقامرك) تعال بِفَتْح اللَّام أَمر، وأقامرك مجزوم لِأَنَّهُ جَزَاؤُهُ وَإِنَّمَا أَمر بِالصَّدَقَةِ تكفيراً للخطيئة فِي كَلَامه بِهَذِهِ الْمعْصِيَة، وَالْأَمر بِالصَّدَقَةِ مَحْمُول عِنْد الْفُقَهَاء على النّدب بِدَلِيل أَن مُرِيد الصَّدَقَة إِذا لم يَفْعَلهَا لَيْسَ عَلَيْهِ صَدَقَة وَلَا غَيرهَا بل يكْتب لَهُ حَسَنَة.
6 - (بابُ مَنْ حَلَفَ عَلى الشَّيْءِ وإنْ لَمْ يُحَلَّفْ)
أَي: هَذَا بَاب فِيهِ بَيَان من حلف على شَيْء يَفْعَله أَو لَا يَفْعَله. قَوْله: (وَإِن لم يحلف) ، على صِيغَة الْمَجْهُول وَهُوَ مَعْطُوف على مَحْذُوف تَقْدِيره: حلف على ذَلِك وَإِن لم يحلف.
1566 - حدّثنا قُتَيْبَةُ حَدثنَا اللَّيْثُ عنْ نافِعٍ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهُمَا، أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اصْطَنَعَ خَاتمًا مِنْ ذَهَبٍ وكانَ يَلْبَسُهُ فَيَجعَلُ فَصَّهُ فِي باطنِ كَفِّهِ، فَصَنَعَ النَّاسُ خَواتِيمَ، ثمَّ إنَّهُ جَلَسَ عَلى المِنْبَرِ فَنَزَعَهُ فَقَالَ: (إنِّي كُنْتُ ألْبَسُ هاذَا الخاتَمَ وأجْعَلُ فَصَّهُ مِنْ داخلٍ) فَرَمَى بِهِ ثُمَّ قَالَ: (وَالله لَا ألْبَسُهُ أبَداً) فَنَبَذَ النَّاسُ خَواتِيمَهُمْ.
طابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حلف لَا يلبس خَاتم الذَّهَب، وَالْحَال أنّ أحدا مَا حلفه على ذَلِك. وَفِيه أَنه: لَا بَأْس بِالْحلف على مَا يجب الْمَرْء تَركه أَو على مَا يحب فعله من سَائِر الْأَفْعَال، وَأما وَجه حلفه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَهُوَ فِي ذَلِك مَا قَالَه الْمُهلب: إِنَّمَا كَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يحلف فِي تضاعيف كَلَامه وَكثير من فتواه تَبَرعا ذَلِك لنسخ مَا كَانَت الْجَاهِلِيَّة عَلَيْهِ من الْحلف بآبائهم وآلهتهم وأصنام وَغَيرهَا ليعرفهم أَن لَا محلوف بِهِ سوى الله، عز وَجل، وليتدربوا على ذَلِك حَتَّى ينسوا مَا كَانُوا عَلَيْهِ من الْحلف بغبر الله تَعَالَى.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب اللبَاس فِي: بَاب خَوَاتِيم الذَّهَب فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مُسَدّد وَعَن يحيى عَن عبيد الله عَن نَافِع عَن ابْن عمر، وَأخرجه أَيْضا فِي: بَاب خَاتم الْفضة عَن يُوسُف بن مُوسَى عَن أبي سَلمَة عَن عبيد الله عَن نَافِع عَن ابْن عمر.
قَوْله: (فَيجْعَل فصه) بِفَتْح الْفَاء وَكسرهَا قَالَه الْكرْمَانِي، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: الْعَامَّة تَقول بِالْكَسْرِ. قَوْله: (فِي بَاطِن كَفه) إِنَّمَا لبسه كَذَلِك لبَيَان أَنه لم يكن للزِّينَة بل للختم ومصالح أُخْرَى. قَوْله: (فَرمى بِهِ) أَي: لم يَسْتَعْمِلهُ وَلَيْسَ أَنه أتْلفه لنَهْيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن إِضَاعَة المَال. قَوْله: (وَالله لَا ألبسهُ أبدا) أَرَادَ بذلك تَأْكِيد الْكَرَاهَة فِي نفوس النَّاس بِيَمِينِهِ لِئَلَّا يتَوَهَّم أَن كَرَاهَته لِمَعْنى، فَإِذا أَزَال ذَلِك الْمَعْنى لم يكن بلبسه بَأْس، وأكد بِالْحلف أَن لَا يلْبسهُ على جَمِيع وجوهه. قَوْله: (فنبذ النَّاس) أَي: طرح النَّاس خواتيمهم.
7 - (بابُ مَنْ حَلَفَ بِمِلَّةٍ سِوَى مِلَّةٍ الإسْلاَم)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان من حلف بِملَّة سوى مِلَّة الْإِسْلَام، وَلم يذكر مَا يَتَرَتَّب على الْحَالِف اكْتِفَاء بِمَا ذكره فِي الْبَاب، وَفِي بعض النّسخ: بَاب من حلف بِملَّة غير الْإِسْلَام، وَالْملَّة بِكَسْر الْمِيم وَتَشْديد اللَّام، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: الْملَّة الدّين كملة الْإِسْلَام واليهودية والنصرانية، وَقيل: هِيَ مُعظم الدّين وَجُمْلَة مَا يَجِيء بِهِ الرُّسُل.
وَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (مَنْ حَلَفَ بالّلاتِ والعُزَّي فَلْيَقلْ: لَا إلاهَ إلاّ الله) ولَمْ يَنْسُبْه إِلَى الكفُفرِ
هَذَا تَعْلِيق ذكره مَوْصُولا عَن قريب فِي: بَاب لَا يحلف بِاللات والعزى عَن أبي هُرَيْرَة، وَأَرَادَ بِهِ أَن الْحَالِف بِاللات والعزى يَقُول: لَا إِلَه إِلَّا الله وَيكفر لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمره أَن يَقُول: لَا إِلَه إِلَّا الله، لم ينْسبهُ إِلَى الْكفْر، وروى ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) : حَدثنَا عبيد الله حَدثنَا إِسْرَائِيل عَن أبي معصب عَن مُصعب بن سعد عَن أَبِيه قَالَ: حَلَفت بِاللات والعزى فَأتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقلت: إِنِّي حَلَفت بِاللات والعزى، فَقَالَ: قل: لَا إِلَه إِلَّا الله، ثَلَاثًا، وأنفث عَن شمالك ثَلَاثًا، وتعوذ بِاللَّه من(23/179)
الشَّيْطَان الرَّجِيم وَلَا تعد.
2566 - حدّثنا مُعَلّى بنُ أسَدٍ حدّثنا وُهَيْبٌ عنْ أيُّوبَ عَن أبي ثِلاَبَةَ عنْ ثابِتِ بنِ الضَّحَّاكِ قَالَ: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ مِلَّةِ الإسْلاَم فَهْوَ كَمَا قَالَ، ومَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ عُذِّبَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ، ولعْنُ المُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ، ومَنْ رَمَى مُؤْمِناً بِكُفْرِ فَهْوَ كَقَتْلِهِ) .
طابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. ووهيب مصغر وهب ابْن خَالِد الْبَصْرِيّ، وَأَيوب السّخْتِيَانِيّ، وَأَبُو قلَابَة بِكَسْر الْقَاف وَتَخْفِيف اللَّام عبد الله بن زيد، ثَابت بالثاء الْمُثَلَّثَة ابْن الضَّحَّاك الْأنْصَارِيّ كَانَ من أَصْحَاب الشَّجَرَة.
والْحَدِيث مضى فِي الْجَنَائِز عَن مُسَدّد فِي: بَاب مَا جَاءَ فِي قَاتل النَّفس، وَمضى الْكَلَام فِيهِ، وَمضى فِي الْأَدَب أَيْضا.
قَوْله: (فَهُوَ كَمَا قَالَ) ، قَالَ الْمُهلب: يَعْنِي هُوَ كَاذِب فِي يَمِينه لَا كَافِر لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو أَن يعْتَقد الْملَّة الَّتِي حلف بهَا فَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِ بِالرُّجُوعِ إِلَى الْإِسْلَام، أَو يكون مُعْتَقدًا الْإِسْلَام بعدالحنث فَهُوَ كَاذِب فِيمَا قَالَه. لِأَن فِي الحَدِيث الْمَاضِي لم ينْسبهُ إِلَى الْكفْر، وَقيل: يُرَاد بِهِ التهديد والوعيد. وَقَالَ ابْن الْقصار: مَعْنَاهُ النَّهْي عَن مُوَافقَة ذَلِك اللَّفْظ والتحذير مِنْهُ لَا أَنه يكون كَافِرًا بِاللَّه. قَوْله: (عذب بِهِ) أَي: بالشَّيْء الَّذِي قتل نَفسه بِهِ، لِأَن جزاءه من جنس عمله. قَوْله: (وَلعن الْمُؤمن كقتله) يَعْنِي: فِي التَّحْرِيم أَو فِي الإبعاد فَإِن اللَّعْن تبعيد من رَحْمَة الله، وَقيل: المُرَاد الْمُبَالغَة فِي الْإِثْم. قَوْله: (وَمن رمى مُؤمنا بِكفْر فَهُوَ كقتله) يَعْنِي: فِي الْحُرْمَة، وَقيل: لِأَن نسبته إِلَى الْكفْر الْمُوجب لقَتله كالتقل لِأَن المتسبب للشَّيْء كفاعله.
8 - (بابٌ لَا يَقُولُ: مَا شاءَ الله وشِئْتَ، وهَلْ يَقُولُ: أَنا بِاللَّه ثُمَّ بِكَ؟)
أَي: هَذَا بَاب مترجم بِلَفْظ: لَا يَقُول الشَّخْص فِي كَلَامه: مَا شَاءَ الله وشئت، على صِيغَة الْمُتَكَلّم من الْمَاضِي، قَالَ الْكرْمَانِي: يَعْنِي لَا يجمع بَينهمَا، يَعْنِي بَين قَوْله: مَا شَاءَ الله، وَقَوله: وشئت لجَوَاز كل وَاحِد مِنْهُمَا مُفردا. وَقَالَ غَيره: لِأَن الْوَاو يُشْرك بَين الْمَعْنيين وَلَيْسَ هَذَا من الْأَدَب، وَقد روى فِي ذَلِك عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: لَا يَقُولَن أحدكُم: مَا شَاءَ الله وَشاء فلَان، وَلَكِن ليل: مَا شَاءَ الله، ثمَّ مَا شَاءَ فلَان. وَإِنَّمَا جَازَ دُخُول: ثمَّ، مَكَان: الْوَاو، لِأَن مَشِيئَة الله مُقَدّمَة على مَشِيئَة خلقه، قَالَ عز وَجل: { (76) وَمَا تشاؤن إِلَّا أَن يَشَاء الله} (الْإِنْسَان: 04 والتكوير: 92) فَهَذَا من الْأَدَب، وَذكر عبد الرَّزَّاق عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ أَنه كَانَ لَا يرى بَأْسا أَن يَقُول: مَا شَاءَ الله ثمَّ شِئْت. قَوْله: وَهل يَقُول: أَنا بِاللَّه رَبك؟ ذكره بالاستفهام لعدم ثُبُوت أحد الْأَمريْنِ عِنْده، وهما جَوَاز القَوْل بذلك وَعَدَمه، وَلَكِن روى عبد الرَّزَّاق عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ أَنه كَانَ يكره أَن يَقُول: أعوذ بِاللَّه وَبِك، حَتَّى يَقُول: ثمَّ بك، وَالْعلَّة فِي ذَلِك مَا ذَكرْنَاهُ وَهُوَ أَن بِالْوَاو يلْزم الِاشْتِرَاك، وبكلمة: ثمَّ، لَا يلْزم لِأَن مَشِيئَة الله مُتَقَدّمَة.
3566 - وَقَالَ عَمْرُو بنُ عاصِمٍ: حدّثنا هَمَّامٌ حدّثنا إسْحقاُ بنُ عَبْدِ الله حَدثنَا عَبْدُ الرَّحْمانِ بنُ أبي عَمْرَةَ أنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ حدَّثَهُ أنّهُ سَمِعَ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ: (إِن ثَلاَثَةً فِي بَنِي إسْرَائِيلَ أرَادَ الله أنْ يَبْتَلِيَهُمْ فَبَعَثَ مَلَكاً فأتَى الأبْرَصَ، فَقَالَ: تَقَطَّعَتْ بِيَ الحِبالُ فَلاَ بَلاَغَ لي إلاّ بِاللَّه ثُمَّ بِكَ. .) فَذَكَرَ الحَدِيثَ.
(انْظُر الحَدِيث 4643) .
قَالَ الْكرْمَانِي: لَيْسَ فِي الْبَاب مَا يدل عَلَيْهِ. يَعْنِي: لَيْسَ فِي الْبَاب حَدِيث يدل على مَا ترْجم، ثمَّ تكلّف بِالْجَوَابِ بِمَا لَيْسَ تَحْتَهُ طائل، فَقَالَ: يرْوى عَن أبي إِسْحَاق الْمُسْتَمْلِي أَنه قَالَ: انتسخت كتاب البُخَارِيّ من أَصله الَّذِي كَانَ عِنْد الْفربرِي فرأيته لم يتم بعد، وَقد بقيت عَلَيْهِ مَوَاضِع مبيضة كَثِيرَة فِيهَا تراجم لم يثبت بعْدهَا شَيْئا، وَمِنْهَا أَحَادِيث لم يترجم عَلَيْهَا، فاضفنا بعض ذَلِك إِلَى بعض. قَالُوا: وَقد وَقع فِي النّسخ كثير من التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير وَالزِّيَادَة وَالنُّقْصَان لِأَن أَبَا الْهَيْثَم والحموي نسخا مِنْهُ أَيْضا، فبحسب مَا قدر كل وحد مِنْهُم مَا كَانَ فِي رقْعَة أَو فِي حَاشِيَة أَو مُضَافَة أَنه من الْموضع الْفُلَانِيّ أَضَافَهُ إِلَيْهِ. انْتهى. وَقَالَ صَاحب(23/180)
(التَّوْضِيح) : والْحَدِيث فِي ذَلِك أَي فِي عدم جوازان يُقَال مَا شَاءَ الله وشئت، مَا رَوَاهُ مُحَمَّد بن بشار حَدثنَا أَبُو أَحْمد الزبيرِي حَدثنَا مسعر عَن معبد بن خَالِد عَن عبد الله بن بشار عَن قتيلة، امْرَأَة من جُهَيْنَة، قَالَت: جَاءَ يَهُودِيّ إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: إِنَّكُم تشركون وَإِنَّكُمْ تَقولُونَ: والكعبة، وتقولون: مَا شَاءَ الله وشئت. فَأَمرهمْ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِذا أَرَادوا أَن يحلفوا أَن يَقُولُوا: وَرب الْكَعْبَة، وَأمرهمْ أَن يَقُولُوا: مَا شء الله ثمَّ شِئْت.
وَهَذَا الحَدِيث رَوَاهُ البُخَارِيّ وَلم يكن من شَرطه فترجم بِهِ واستنبط مَعْنَاهُ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة. انْتهى.
قلت: هَذَا لَا بَأْس بِهِ للقرب من التَّرْجَمَة مَا شَاءَ الله وشئت، لِأَن فِيهِ هَذَا، وَقَوله: مَا شَاءَ الله ثمَّ شِئْت.
قَوْله: (مُحَمَّد بن بشار) بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَشْديد الشين الْمُعْجَمَة الَّذِي يُقَال لَهُ بنْدَار، أَي: الْحَافِظ، روى عَن الْجَمَاعَة، وَأَبُو أَحْمد الزبيرِي اسْمه مُحَمَّد بن عبد الله بن الزبير الْكُوفِي روى لَهُ الْجَمَاعَة، ومسعر بِكَسْر الْمِيم ابْن كدام روى لَهُ الْجَمَاعَة، ومعبد بن خَالِد الجدلي التَّابِعِيّ روى لَهُ الْأَرْبَعَة، وَعبد الله بن يسَار الْجُهَنِيّ روى لَهُ أَبُو دَاوُد، وَقتيلَة بِضَم الْقَاف وَفتح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح اللَّام، وَقَالَ أَبُو عمر: قتيلة بنت صَيْفِي الجهنية، وَيُقَال: الْأَنْصَارِيَّة، كَانَت من الْمُهَاجِرَات الأول روى عَنْهَا عبد الله بن يسَار.
قَوْله: (وَقَالَ عمر بن عَاصِم) هُوَ من شُيُوخ البُخَارِيّ روى عَنهُ فِي الصَّلَاة وَغير مَوضِع وَهن علق عَنهُ، وَهَمَّام بتَشْديد الْمِيم ابْن يحيى العوذي الْبَصْرِيّ يروي عَن إِسْحَاق بن عبد الله بن أبي طَلْحَة واسْمه زيد الْأنْصَارِيّ ابْن أخي أنس بن مَالك، وَعبد الرَّحْمَن بن أبي عمْرَة واسْمه عَمْرو الْأنْصَارِيّ قَاضِي أهل الْمَدِينَة، وَوصل البُخَارِيّ هَذَا الْمُعَلق فِي بَدْء الدُّنْيَا فِي: بَاب مَا ذكر عَن بني إِسْرَائِيل، وَقَالَ: حَدثنِي أَحْمد بن إِسْحَاق حَدثنَا عَمْرو بن عَاصِم حَدثنَا همام حَدثنَا إِسْحَاق بن عبد الله حَدثنِي عبد الرَّحْمَن بن أبي عمْرَة: أَن أَبَا هُرَيْرَة سمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَقُول: إِن ثَلَاثَة من بني إِسْرَائِيل ... الحَدِيث بِطُولِهِ، وَالثَّلَاثَة هم: أبرص وأقرع وأعمى.
قَوْله: (الحبال) بِالْحَاء الْمُهْملَة جمع حَبل، ويروى بِالْجِيم. قَوْله: (فَلَا بَلَاغ لي) قَالَ الْكرْمَانِي: الْبَلَاغ الْكِفَايَة، وَقَالَ الْمُهلب: إِنَّمَا أَرَادَ البُخَارِيّ أَن يحيز مَا شَاءَ الله ثمَّ شِئْت اسْتِدْلَالا من قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة: وَلَا بَلَاغ لي إلاَّ بِاللَّه ثمَّ بك، وَلم يجز أَن يَقُول: مَا شَاءَ الله وشئت، وَقد ذكرنَا وَجهه عَن قريب.
9 - (بابُ قَوْلِ الله تَعَالَى: { (6) وأقسموا بِاللَّه جهد أَيْمَانهم} (الْأَنْعَام: 901 غَيرهَا)
أَي: هَذَا بَاب فِي قَول الله تَعَالَى: {وأقسموا} هَذِه الْآيَة الْكَرِيمَة فِي الْأَنْعَام، وَبعدهَا: {لَئِن جَاءَتْهُم آيَة ليُؤْمِنن بهَا} (الْأَنْعَام: 901) الْآيَة وَفِي سُورَة النُّور { (24) وأقسموا بِاللَّه جهد. . أَمرتهم ليخرجن} (النُّور: 35) الْآيَة.
وَقَالَ الثَّعْلَبِيّ: الْآيَة الأولى نزلت فِي قُرَيْش قَالُوا: يَا مُحَمَّد! تخبرنا عَن مُوسَى كَانَ مَعَه الْعَصَا يضْرب بهَا الْحجر فينفجر مِنْهُ اثْنَتَا عشرَة عينا، وتخبرنا عَن عِيسَى أَنه كَانَ يحيى الْمَوْتَى، وتخبرنا أَن ثَمُود كَانَت لَهُم نَاقَة، فاتنا بِشَيْء من الْآيَات حَتَّى نصدقك؟ الحَدِيث بِطُولِهِ فَأنْزل الله تَعَالَى: {وأقسموا بِاللَّه} أَي: حلفوا بِاللَّه {جهد أَيْمَانهم} أَي: يجْهد أَيْمَانهم يَعْنِي بِكُل مَا قدرُوا عَلَيْهِ من الْأَيْمَان، وأشدها {لَئِن جَاءَتْهُم آيَة} كَمَا جَاءَ من قبله من الْأُمَم {ليُؤْمِنن بهَا} الْآيَة وَالْآيَة الثَّانِيَة: نزلت فِي الْمُنَافِقين كَانُوا يَقُولُونَ لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَيْنَمَا كنت نَكُنْ مَعَك، إِن أَقمت أَقَمْنَا، وَإِن خرجت خرجنَا، وَإِن جاهدت جاهدنا مَعَك، فَقَالَ الله تَعَالَى: { (24) قل لَهُم لَا تقسموا طَاعَة مَعْرُوفَة} (النُّور: 35) بالْقَوْل وَاللِّسَان دون الِاعْتِقَاد فَهِيَ مَعْرُوفَة مِنْكُم بِالْكَذِبِ أَنكُمْ تكذبون فِيهَا، قَالَه مُجَاهِد. وَقَالَ الْمُهلب: قَوْله تَعَالَى: {وأقسموا بِاللَّه جهد أَيْمَانهم} دَلِيل على أَن الْحلف بِاللَّه أكبر الْأَيْمَان كلهَا لِأَن الْجهد شدَّة الْمَشَقَّة.
وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: قَالَ أبُو بَكْر: فَوالله يَا رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَتحَدِّثَنِّي بالّذِي أخْطأتُ فِي الرُّؤْيا، قَالَ: لَا تُقْسِمْ
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهَا إِنْكَار قسم الْمُنَافِقين لكذبهم فِي أَيْمَانهم، وَفِي حَدِيث ابْن عَبَّاس إِنْكَار الْقسم الَّذِي أقسم بِهِ أَبُو بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَلَكِن الْفرق ظَاهر بَين الْقسمَيْنِ. وَهُوَ من حَدِيث مطول ذكره البُخَارِيّ مُسْندًا(23/181)
فِي كتاب التَّعْبِير فِي: بَاب من لم ير الرُّؤْيَا الأول عَابِر. قَوْله: (فِي الرُّؤْيَا) أَي: فِي تَعْبِير الرُّؤْيَا. قَوْله: (لَا تقسم) نهي عَن الْقسم. فَإِن قلت: أَمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بإبرار الْمقسم، كَمَا يَجِيء الْآن، فَلم مَا أبره؟ .
قلت: ذَلِك مَنْدُوب عِنْد عدم الْمَانِع، فَكَانَ لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَانع مِنْهُ. وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: أَمر الشَّارِع بإبرار الْمقسم أَمر دنب لَا وجوب لِأَن الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أقسم على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلم يبر قسمه وَلَو كَانَ وَاجِبا لَأَبَره. وَقَالَ الْمُهلب: إبرار الْمقسم إِنَّمَا يسْتَحبّ إِذا لم يكن فِي ذَلِك ضَرَر على الْمَحْلُوف عَلَيْهِ، أَو على جمَاعَة أهل الدّين، لِأَن الَّذِي سكت عَنهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من بَيَان مَوضِع الْخَطَأ فِي تَعْبِير الصّديق هُوَ عَائِد على الْمُسلمين، وَسَيَجِيءُ إِيضَاح ذَلِك فِي التَّعْبِير فِي الْبَاب الْمَذْكُور.
4566 - حدّثنا قَبيصَةُ حدّثنا سُفْيانُ عنْ أشْعَثَ عنْ مُعاوَيَةَ بنِ سُوَيْدِ بنِ مُقَرِّنٍ عنِ البَرَاءِ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
(ح) وحدّثني مُحَمَّد بنُ بَشَّار حدّثنا غُنْدَرٌ حدّثنا شُعْبَةُ عنْ أشْعَثَ عنْ مُعاوِيَةَ بنِ سُوَيْدِ بنِ مقَرَنٍ عنِ البَرَاءِ رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: أمَرَنا النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بإبْرَارِ المقْسِمِ.
طابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ وجود الْمقسم فِيهَا. وَأما التَّعَارُض الظَّاهِر الَّذِي بَين حَدِيث ابْن عَبَّاس وَحَدِيث الْبَراء هَذَا فَجَوَابه يفهم مَا ذَكرْنَاهُ الْآن عَن ابْن الْمُنْذر والمهلب.
وَأخرج حَدِيث الْبَراء من طَرِيقين: الأول: عَن قبيصَة بن عقبَة العامري الْكُوفِي عَن سُفْيَان الثَّوْريّ عَن أَشْعَث بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة وَفتح الْعين الْمُهْملَة وبالثاء الْمُثَلَّثَة ابْن أَب الشعْثَاء سليم بن الْأسود الْكُوفِي عَن مُعَاوِيَة بن سُوَيْد بِضَم السِّين الْمُهْملَة وَفتح الوو ابْن مقرن بِضَم الْمِيم وَفتح الْقَاف وَتَشْديد الرَّاء الْمَكْسُورَة وبالنون الْكُوفِي عَن الْبَراء بن عَازِب الطَّرِيق الثَّانِي: عَن مُحَمَّد بن بشار عَن غنْدر بِضَم الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون النُّون وَهُوَ لقب مُحَمَّد بن جَعْفَر عَن شُعْبَة عَن أَشْعَث. . إِلَى آخِره.
والْحَدِيث الَّذِي فِيهِ إبرار الْمقسم مطولا ومختصراً قد مضى فِي مَوَاضِع كَثِيرَة: فِي الْجَنَائِز ولمظلم واللباس والطب وَالنُّذُور وَالْأَدب وَالنِّكَاح والاستئذان والأشربة.
قَوْله: (الْمقسم) رُوِيَ بِفَتْح السِّين، فوجهه أَن يكون مصدرا بِمَعْنى الإقسام، وَقد يَجِيء الْمصدر على لفظ الْمَفْعُول كَمَا فِي قَوْله: أدخلته مدخلًا. بِمَعْنى الإدخال، وأخرجته مخرجا بِمَعْنى إخراجاً.
5566 - حدّثنا حفْصُ بنُ عُمَرَ حَدثنَا شُعْبَةُ أخبرنَا عاصِمٌ الأحْوَلُ سَمِعْتُ أَبَا عُثْمانَ يُحَدِّثُ عنْ أُسامَةَ أنَّ ابْنَةً لِرَسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أرْسَلَتْ إلَيْهِ، ومَع رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أُسامَة بنُ زَيْدٍ وسَعْدٌ وأُبَيٌّ، أنَّ ابْنِي قَدِ احْتُضِرَ فاشْهَدْنا، فأرْسَلَ يَقْرَأ السّلامَ ويَقُولُ: (إنَّ لله مَا أخَذَ وَمَا أعْطَى وكُلُّ شَيءٍ عِنْدَهُ مُسَمًّى، فَلْتَصْبِرْ وتَحْتَسِبْ) فأرْسَلَتْ إلَيْه تقْسِمُ عَلَيْهِ، فقامَ وقمْنا مَعَهُ، فَلَمَّا قَعَدَ رُفِعَ إلَيْهِ فأقْعَدَهُ فِي حَجْرِهِ ونَفْسُ الصَّبِيِّ تَقَعْقَعُ، فَفاضَتْ عَيْنا رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ سَعْدٌ: مَا هاذَا يَا رسولَ الله؟ قَالَ: (هاذَا رَحْمَةٌ يَضَعُها الله فِي قُلُوبِ مَنْ يشاءُ مِنْ عِباِهِ، وإنَّما يَرْحَمَ الله مِنْ عِبادِهِ الرُّحَماءَ) .
طابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (تقسم عَلَيْهِ) وَهُوَ أَيْضا يُنَاسب الحَدِيث السَّابِق من حَيْثُ إِن فِي كل مِنْهُمَا إبرار الْمقسم. وَأَبُو عُثْمَان عبد الرَّحْمَن النَّهْدِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي الْجَنَائِز عَن عَبْدَانِ، وَفِي الطِّبّ عَن حجاج، وَيَأْتِي فِي التَّوْحِيد عَن أبي النُّعْمَان وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
وَأُسَامَة هُوَ ابْن زيد بن حَارِثَة الْكَلْبِيّ، وَسعد هُوَ ابْن عبَادَة الخزرجي، وَأبي بِضَم الْهمزَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة هُوَ ابْن كَعْب الْأنْصَارِيّ ويروى: أَو أبي، بِفَتْح الْهمزَة وَكسر الْبَاء بِالْإِضَافَة إِلَى يَاء الْمُتَكَلّم، يَعْنِي: مَعَه سعد وَأبي كِلَاهُمَا أَو أَحدهمَا، شكّ الرَّاوِي فِي قَول أُسَامَة، وَفِي أول كتاب الْقدر: أبي بن كَعْب جزما بِلَا شكّ.
قَوْله: (قد احْتضرَ) بِالضَّمِّ(23/182)
أَي: حَضَره الْمَوْت، قَوْله: (فَلَمَّا قعد) أَي: رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (فأقعده) . أَي: فَأقْعدَ الصَّبِي (فِي حجره) بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَكسرهَا. قَوْله: (وَنَفس الصَّبِي) الْوَاو فِيهِ للْحَال. قَوْله: (تقَعْقع) فعل مضارع من التقعقع وَهُوَ حِكَايَة صَوت صَدره من شدَّة النزع. قَوْله: (مَا هَذَا؟) اسْتِفْهَام على سَبِيل الاستفسار وَلَيْسَ بعتب على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلَعَلَّه سَمعه ينْهَى عَن الْبكاء الَّذِي فِيهِ الصياح أَو العويل فَظن أَنه نهى عَن الْبكاء كُله. قَوْله: (هَذَا) إِشَارَة إِلَى الْبكاء من غير صَوت.
6566 - حدّثنا إسْمَاعِيلُ قَالَ: حدّثني مالِكٌ عنِ ابنِ شِهابٍ عنِ ابنِ المُسَيَّبِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (لَا يَمُوتُ لأحَدٍ مِنَ المُسْلِمِينَ ثَلاَثَةٌ مِنَ الوَلَدِ تَمَسُّهُ النَّارُ إلاّ تَحِلّةَ القَسَمِ) . (انْظُر الحَدِيث 1521) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة فِي آخر الحَدِيث. وَإِسْمَاعِيل هُوَ ابْن أبي أويس، وَابْن شهَاب هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ يروي عَن سعيد بن الْمسيب.
والْحَدِيث مضى فِي الْجَنَائِز فِي: بَاب فضل من مَاتَ لَهُ ولد فاحتسب، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عَليّ عَن سُفْيَان عَن الزُّهْرِيّ ... إِلَى آخِره، وَأخرجه فِي الْأَدَب عَن يحيى بن يحيى. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ كِلَاهُمَا عَن قُتَيْبَة.
قَوْله: (إلاَّ تَحِلَّة الْقسم) أَي: تحليلها، وَالْمرَاد من الْقسم مَا هُوَ مُقَدّر فِي قَوْله تَعَالَى: {وَإِن مِنْكُم إلاَّ واردها} (مَرْيَم: 17) أَي وَالله مَا مِنْكُم إلاَّ واردها، والمستثنى مِنْهُ هُوَ قَوْله: (تمسه النَّار) ، لِأَنَّهُ فِي حكم الْبَدَل من قَوْله: لَا يَمُوت، فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَا تمس النَّار من يَمُوت لَهُ ثَلَاثَة إلاَّ بِقدر الْوُرُود.
7566 - حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى حدّثني غنْدَرٌ حدّثنا شُعْبَةُ عنْ مَعْبَدِ بنِ خالِدٍ سَمِعْتُ حارِثَةَ بنَ وهْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ: (ألاَ أدُلُّكُمْ عَلى أهْلِ الجَنةِ؟ كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَصَعِّفٍ لوْ أقْسَمَ على الله لأبَرَّهُ، وأهْلِ النّارِ كُلُّ جَوَّاظٍ عُتُلٍّ مُسْتَكْبِرٍ) . (انْظُر الحَدِيث 8194 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة فِي قَوْله: (لَو أقسم على الله) .
وغندر هُوَ مُحَمَّد بن جَعْفَر، ومعبد بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْعين وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وبالدال الْمُهْملَة ابْن خَالِد، وحارثة بن وهب الْخُزَاعِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي تَفْسِير سُورَة نون والقلم، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن أبي نعيم عَن سُفْيَان عَن معبد بن خَالِد ... إِلَى آخِره، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (متضعف) بتَشْديد الْعين الْمَفْتُوحَة أَي: الَّذِي يستضعفه النَّاس وَيَحْتَقِرُونَهُ لضعف حَاله فِي الدُّنْيَا، وبكسر الْعين أَيْضا المتواضع الخامل المتذلل. قَوْله: (لَو أقسم) أَي: لَو حلف يَمِينا طَمَعا فِي كرم الله بإبراره. (لَأَبَره) وَقيل: مَعْنَاهُ لَو دَعَاهُ لأجابه. قَوْله: (جواظ) بِفَتْح الْجِيم وَتَشْديد الْوَاو بالضاء الْمُعْجَمَة وَهُوَ الجموع الْمَمْنُوع وَقيل الْكثير اللَّحْم المختال فِي الْمَشْي بقال جاظ يجوظ جوضا وَفِي (الْعين) : الجواظ الأكول. وَيُقَال: الْفَاجِر، وَقَالَ الدَّاودِيّ: الْكثير اللَّحْم الغليظ الرَّقَبَة، وَقيل: الْقصير البطين. قَوْله: (مستكبر) أَي: عَن الْحق وَالْمرَاد أَن أغلب أهل الْجنَّة هَؤُلَاءِ كَمَا أَن أهل النَّار هَؤُلَاءِ، وَلَيْسَ المُرَاد الِاسْتِيعَاب فِي الطَّرفَيْنِ، وَحَاصِله أَن كل ضَعِيف من أهل الْجنَّة، وَلَا يلْزم الْعَكْس وَكَذَلِكَ أهل النَّار.
(بَاب إِذا قَالَ أشهد بِاللَّه أَو شهِدت بِاللَّه)
أَي هَذَا بَاب مترجم بقول الشَّخْص أشهد بِاللَّه لَأَفْعَلَنَّ كَذَا أَو لَا أفعلن كَذَا أَو قَالَ شهِدت بِاللَّه لَأَفْعَلَنَّ كَذَا وَلم يبين جَوَاب هَذَا وَلَا فِي حَدِيث الْبَاب صرح بذلك فَكَأَنَّهُ اعْتمد على من يفحص عَن ذَلِك من مَوْضِعه وللعلماء فِي هَذَا الْبَاب أَقْوَال (أَحدهَا) أَن أشهد وأحلف وأعزم كلهَا أَيْمَان تجب فِيهَا الْكَفَّارَة وَهُوَ قَول إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَأبي حنيفَة وَالثَّوْري وَقَالَ ربيعَة وَالْأَوْزَاعِيّ إِذا قَالَ أشهد أَن لَا أفعل كَذَا ثمَّ حنث فَهُوَ يَمِين الثَّانِي أَن أشهد لَا يكون يَمِينا حَتَّى يَقُول أشهد بِاللَّه وَإِن لم يردد ذَلِك فَلَيْسَ بِيَمِين وَالثَّالِث إِذا قَالَ أشهد أَو أعزم وَلم يقل بِاللَّه فَهُوَ كَقَوْلِه وَالله حَكَاهُ الرّبيع عَن الشَّافِعِي الرَّابِع أَن أَبَا عبيد أنكر أَن يكون أشهد يَمِينا وَقَالَ الْحَالِف غير الشَّاهِد الْخَامِس إِذا قَالَ أشهد بِالْكَعْبَةِ أَو(23/183)
بِالنَّبِيِّ لَا يكون يَمِينا -
8566 - حدّثنا سَعْدُ بنُ حَفْصٍ حدّثنا شَيْبانُ عنْ مَنْصُورٍ عنْ إبِرَاهِيمَ عنْ عَبِيدَةَ عنْ عَبْدِ الله قَالَ: سُئِلَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أيُّ النَّاسِ خَيْرٌ؟ قَالَ: (قَرْنِي ثُمَّ الذِينَ يَلونَهُمْ، ثمَّ الّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَجِيءُ قَوْمٌ تَسْبِقُ شَهادَةُ أحَدِهِمْ يَمِينَهُ، ويَمِينُهُ شَهادَتَهُ) قَالَ إبْرَاهِيمُ: وكانَ أصْحابُنا يَنْهَوْنا، ونَحْنُ غِلْمانٌ: أنْ نَحْلِفَ بالشَّهَادَةِ والعَهْدِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة لَا تتأتى إلاَّ من قَول إِبْرَاهِيم: (وَكَانَ أَصْحَابنَا)
إِلَى آخِره لِأَن معنى قَوْله: أَن تحلف بِالشَّهَادَةِ: أشهد بِاللَّه، وَمعنى قَوْله: والعهد، على عهد الله.
وَسعد بن حَفْص أَبُو مُحَمَّد الطلحي الْكُوفِي، يُقَال لَهُ: الضخم، وشيبان بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالباء الْمُوَحدَة ابْن عبد الرَّحْمَن النَّحْوِيّ أَبُو مُعَاوِيَة، وَمَنْصُور هُوَ ابْن الْمُعْتَمِر، وَإِبْرَاهِيم هُوَ النَّخعِيّ، وَعبيدَة بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة السَّلمَانِي، وَعبد الله هُوَ ابْن مَسْعُود رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
والْحَدِيث مضى فِي الشَّهَادَات وَفِي الْفَضَائِل وَفِي الرقَاق عَن عَبْدَانِ، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (قَرْني) أَي: أهل قَرْني الَّذين أَنا فيهم. قَوْله: (تسبق) قيل: هَذَا دور، وَأجِيب بِأَن المُرَاد بَيَان حرصهم على الشَّهَادَة يحلفُونَ على مَا يشْهدُونَ بِهِ، فَتَارَة يحلفُونَ قبل أَن يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ، وَتارَة يعكسون، أَو مثل فِي سرعَة الشَّهَادَة وَالْيَمِين وحرص الرجل عَلَيْهَا حَتَّى لَا يدْرِي بِأَيِّهِمَا يبتديء، فكأنهما يتسابقان لقلَّة مبالاته.
11 - (بابُ عَهْدِ الله عَزَّ وجَلَّ)
أَي: هَذَا بَاب مترجم بقول الشَّخْص، عهد الله لَأَفْعَلَنَّ كَذَا، أَو لَا أفعلن كَذَا. وَلم يبين فِيهِ مَا حكمه، وَلَا فِي حَدِيث الْبَاب هَذِه اللَّفْظَة، وَإِنَّمَا هِيَ فِي الْآيَة الْمَذْكُور فِيهِ فَكَأَنَّهُ تَركه اعْتِمَادًا على الطَّالِب.
9566 - حدّثني مُحَمَّدُ بنُ بَشّارٍ حدّثنا ابنُ أبي عَدِيٍّ عنْ شُعْبَةَ عنْ سُلَيْمانَ ومَنْصُورٍ عنْ أبي وائِلٍ عنْ عَبْدِ الله رَضِي الله عَنهُ، عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (مَنْ حَلَفَ عَلى يَمِينٍ كاذِبَةٍ لِيَقْتَطِعَ بِها مالَ رجُلٍ مُسْلِمٍ أوْ قَالَ: أخِيهِ لَقِيَ الله وهْوَ عليْه غَضْبانُ، فأنْزَلَ الله تَصْدِيقَهُ {إِن الَّذين يشْتَرونَ بِعَهْد الله} (آل عمرَان: 77)) . قَالَ سُليْمانُ فِي حَدِيثِهِ: فَمَرَّ الأشْعَثُ بنُ قَيْسٍ، فَقَالَ: مَا يُحَدِّثُكُمْ عبْدُ الله؟ قالُوا لهُ، فَقَالَ الأشْعَثُ: نَزَلَتْ فِيَّ. وَفِي صاحِبٍ لِي فِي بِئْرٍ كانَتْ بَيْننا.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (بِعَهْد الله) وَابْن أبي عدي مُحَمَّد بن أبي عدي، واسْمه إِبْرَاهِيم الْبَصْرِيّ، وَسليمَان هُوَ الْأَعْمَش، وَمَنْصُور هُوَ ابْن الْمُعْتَمِر، وَأَبُو وَائِل هُوَ شَقِيق بن سَلمَة، وَعبد الله هُوَ ابْن مَسْعُود.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الشّرْب فِي: بَاب الْخُصُومَة فِي الْبِئْر فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عَبْدَانِ عَن أبي حَمْزَة عَن سُلَيْمَان الْأَعْمَش عَن شَقِيق عَن عبد الله ... الخ.
قَوْله: (وَمَنْصُور) بِالْجَرِّ عطف على سُلَيْمَان.
قَوْله: (قَالَ سُلَيْمَان) هُوَ الْمَذْكُور وَهُوَ الْأَعْمَش. قَوْله: (فَمر الْأَشْعَث) بالثاء الْمُثَلَّثَة فِي آخِره هُوَ ابْن قيس الْكِنْدِيّ قَوْله: (نزلت فِي) بِكَسْر الْفَاء وَتَشْديد الْيَاء. قَوْله: (وَفِي صَاحب لي) وَفِي رِوَايَة الشّرْب: كَانَت لي بِئْر فِي أَرض ابْن عَم لي، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
والعهد على خَمْسَة أوجه تلْزم الْكَفَّارَة فِي وَجْهَيْن وَتسقط فِي اثْنَيْنِ وَاخْتلف فِي الْخَامِس، فَإِن قَالَ: عَليّ عهد الله، كفر إِن حنث، وَإِن قَالَ: وعد الله كفر عِنْد مَالك وَأبي حنيفَة، وَقَالَ الشَّافِعِي: إِن أَرَادَ بِهِ يَمِينا كفر، وإلاَّ فَلَا، وَقَالَ الدمياطي: لَا كَفَّارَة عَلَيْهِ إِذا قَالَ: وعد الله، حَتَّى يَقُول: عَليّ عهد الله، أَو: أَعطيتك عهد الله، وَإِن قَالَ: أعَاهد الله فَقَالَ ابْن أبي حبيب: عَلَيْهِ كَفَّارَة يَمِين، وَقَالَ ابْن شعْبَان: لَا كَفَّارَة عَلَيْهِ، وَقَالَ مَالك: إِذا قَالَ على عهد الله وميثاقه فَعَلَيهِ كفارتان إلاَّ أَن يَنْوِي التَّأْكِيد(23/184)
فَيكون يَمِينا وَاحِدَة. وَقَالَ الشَّافِعِي: عَلَيْهِ كَفَّارَة وَاحِدَة، وَبِه قَالَ مطرف وَابْن الْمَاجشون وَعِيسَى بن دِينَار، وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس إِذا قَالَ: عَليّ عهد الله، فَحنث يعْتق رَقَبَة.
21 - (بابُ الحَلِفِ بِعِزَّةِ الله وصِفاتِهِ وكَلِماتِهِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الْحلف بعزة الله نَحْو أَن يَقُول: وَعزة الله لَأَفْعَلَنَّ كَذَا، أَو لَا أفعلن كَذَا، وهذايمين فِيهِ الْكَفَّارَة. قَوْله: (وَصِفَاته) قَالَ ابْن بطال: اخْتلف الْعلمَاء فِي الْيَمين بِصِفَات الله تَعَالَى، فَقَالَ مَالك فِي (الْمُدَوَّنَة) : الْحلف بِجَمِيعِ صِفَات الله وأسمائه لَازم كَقَوْلِه: والسميع والبصير والعليم والخبير واللطيف، أَو قَالَ: وَعزة الله وكبريائه وَقدرته وأمانته، وَحقه فَهِيَ أَيْمَان كلهَا تكفر، وَذكر ابْن الْمُنْذر مثله عَن الْكُوفِيّين إِذا قَالَ: وعظمة الله وكبريائه وجلال الله وَأَمَانَة الله، وَحنث عَلَيْهِ الْكَفَّارَة، وَكَذَلِكَ فِي كل اسْم من أَسمَاء الله تَعَالَى. وَقَالَ الشَّافِعِي: فِي جلال الله وعظمة الله وقدرة الله وَحقّ الله وَأَمَانَة الله إِن نوى بهَا الْيَمين فَذَاك وإلاَّ فَلَا، وَقَالَ أَبُو بكر الرَّازِيّ عَن أبي حنيفَة: وَإِن قَول الرجل: وَحقّ الله وَأَمَانَة الله لَيست بِيَمِين لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: من كَانَ حَالفا فليحلف بِاللَّه. قَوْله: (وكلماته) أَي: الْحلف بِكَلِمَات الله نَحْو الْحلف بِالْقُرْآنِ أَو بِمَا أنزل الله، وَاخْتلفُوا فِيمَن حلف بِالْقُرْآنِ أَو الْمُصحف أَو بِمَا أنزل الله، فَروِيَ عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَن عَلَيْهِ لكل آيَة كَفَّارَة يَمِين، وَبِه قَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ وَأحمد بن حَنْبَل، وَقيل: كَلَام ابْن مَسْعُود مَحْمُول عل التَّغْلِيظ، وَلَا دَلِيل على صِحَّته. وَقَالَ ابْن الْقَاسِم: إِذا حلف بالمصحف عَلَيْهِ كَفَّارَة يَمِين وَهُوَ قَول الشَّافِعِي فِيمَن حلف بِالْقُرْآنِ وَبِه قَالَ أَبُو عبيد، وَقَالَ عَطاء: لَا كَفَّارَة عَلَيْهِ.
وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: كانَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقولُ: أعُوذُ بِعِزَّتِكَ
هَذَا التَّعْلِيق وَصله البُخَارِيّ فِي التَّوْحِيد من طَرِيق يحيى بن معمر عَن ابْن عَبَّاس، فراجع إِلَيْهِ.
وَقَالَ أبُو هُرَيْرَةَ عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (يَبْقَى رجُلٌ بَيْنَ الجَنَّةِ والنّارِ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ اصْرِفْ وجْهِي عنِ النَّارِ، لَا وَعِزَّتِكَ لَا أسْألُكَ غَيْرَها، وَقَالَ أبُو سَعِيدٍ: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (قَالَ الله) لَكَ ذَلِكَ وعَشَرَةُ أمْثْالِهِ)) .
مطابقه للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَعزَّتك لَا أَسأَلك غَيرهَا) ، وَهَذَا التَّعْلِيق مضى مطولا عَن قريب فِي: بَاب الصِّرَاط جسر جَهَنَّم، وَأَبُو سعيد هُوَ الْخُدْرِيّ.
وَقَالَ أيُّوبُ عَلَيْهِ السَّلامِ: وعزَّتِكَ لَا غِنَى لِي عنْ بَرَكَتِكَ
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَعزَّتك) ، وَهَذَا التَّعْلِيق مضى فِي كتاب الْوضُوء فِي: بَاب من اغْتسل عُريَانا وَحده عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: بَينا أَيُّوب يغْتَسل عُريَانا فَخر عَلَيْهِ جَراد من ذهب، فَجعل أَيُّوب يحشي فِي ثَوْبه، فناداه ربه، يَا أَيُّوب {ألم أكن أغنيتك عَمَّا ترى؟ قَالَ: بلَى وَعزَّتك، وَلَكِن لَا غنى لي عَن بركتك، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ. قَوْله: (لَا غنى لي) أَي: لَا اسْتغْنَاء أَو لَا بُد.
1666 - حدّثنا آدَمُ حدَّثنا شَيْبانُ حدّثنا قَتادَةُ عنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَا تَزَالُ جَهَنَّمُ تَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} حتَّى يَضَعَ ربُّ العِزَّةِ فِيها قَدَمَهُ، فَتَقُولُ: قَطِ قَطِ وعِزَّتِكَ، ويُزوَى بَعْضُها إِلَى بَعْضٍ) . رواهُ شُعْبَةُ عنْ قَتَادَةَ. (انْظُر الحَدِيث 8484 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَعزَّتك) . وآدَم هُوَ ابْن أبي إِيَاس، واسْمه عبد الرَّحْمَن، وَأَصله من خُرَاسَان سكن عسقلان، وشيبان مر عَن قريب.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي صفة النَّار عَن عبد بن حميد. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي التَّفْسِير عَن عبد بن حميد أَيْضا.(23/185)
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي النعوت عَن الرّبيع بن مُحَمَّد عَن آدم بِهِ.
قَوْله: (وَتقول جَهَنَّم هَل من مزِيد) قَالَ الثَّعْلَبِيّ: يحْتَمل أَن يكون هَذَا مجَازًا مجازه: هَل من مزِيد، وَيحْتَمل أَن يكون استفهاماً بِمَعْنى الاستزادة، وَإِنَّمَا صلح للوجهين لِأَن فِي الِاسْتِفْهَام ضربا من الْجحْد وطرفاً من النَّفْي. قَوْله: (مزِيد) اسْم بِمَعْنى الزِّيَادَة. قَوْله: (قدمه) قَالَ الْكرْمَانِي: هُوَ من المتشابهات، وَقَالَ الْمُهلب: أَي مَا قدم لَهَا من خلقه وَسبق لَهَا بمشيئته ووعده مِمَّن يدخلهَا. وَقَالَ النَّضر بن شُمَيْل، معنى الْقدَم هُنَا الْكفَّار الَّذين سبق فِي علم الله تَعَالَى أَنهم من أهل النَّار، وَحمل الْقدَم على الْمُتَقَدّم لِأَن الْعَرَب تَقول للشَّيْء الْمُتَقَدّم: قدم، وَقيل: الْقدَم خلق يخلقه الله يَوْم الْقِيَامَة فيسميه قدماً ويضيفه إِلَيْهِ من طَرِيق الْفِعْل وَالْملك يَضَعهُ فِي النَّار فتمتلىء النَّار مِنْهُ، وَقيل: المُرَاد بِهِ قدم بعض خلقه فأضيف إِلَيْهِ كَمَا يَقُول: ضرب الْأَمِير اللص، على معنى أَنه عَن أمره، وَسُئِلَ الْخَلِيل عَن معنى هَذَا الْخَبَر فَقَالَ: هم قوم قدمهم الله تَعَالَى إِلَى النَّار. وَعَن عبد الله بن الْمُبَارك: من قد سبق فِي علمه أَنهم من أهل النَّار، وكل مَا تقدم فَهُوَ قدم، قَالَ الله تَعَالَى: {إِن لَهُم قدم صدق عِنْد رَبهم} (يُونُس: 2) يَعْنِي: أعمالاً صَالِحَة قدموها، وَرُوِيَ عَن حسان بن عَطِيَّة: حَتَّى يضع الْجَبَّار قدمه، بِكَسْر الْقَاف، وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَن وهب بن مُنَبّه، وَقَالَ: إِن الله تَعَالَى قد كَانَ خلق قوما قبل آدم عَلَيْهِ السَّلَام، يُقَال لَهُم: الْقدَم، رؤوسهم كرؤوس الْكلاب وَالدَّوَاب وَسَائِر أعضائهم كأعضاء بني آدم، فعصوا رَبهم فأهلكهم الله تَعَالَى يمْلَأ الله جَهَنَّم مِنْهُم حِين تستزيد فَإِن قلت: جَاءَ فِي مُسلم: حَتَّى يضع تبَارك وَتَعَالَى فِيهَا رجله، فَتَقول: قطّ قطّ. فهنالك تمتلىء.
قلت: الرجل الْعدَد الْكثير من النَّاس وَغَيرهم، وَالْإِضَافَة من طَرِيق الْملك. قَوْله: (قطّ قطّ) ، مر الْكَلَام فِيهِ فِي سُورَة {ق} وَمَعْنَاهُ: حسبي حسبي اكتفيت وامتلئت، وَقيل: إِن ذَلِك حِكَايَة صَوت جَهَنَّم. قَالَ الْجَوْهَرِي: إِذا كَانَ بِمَعْنى حسبي وَهُوَ الِاكْتِفَاء فَهُوَ مَفْتُوح الْقَاف سَاكن الطَّاء، وَقَالَ ابْن التِّين: ورويناه بِكَسْرِهَا، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر بِكَسْر الْقَاف. قَوْله: (ويزوي) بِضَم الْيَاء وَسُكُون الزَّاي وَفتح الْوَاو يَعْنِي: يجمع وَيقبض. قَوْله: (رَوَاهُ شُعْبَة) أَي: روى الحَدِيث الْمَذْكُور شُعْبَة عَن قَتَادَة وصل البُخَارِيّ رِوَايَته فِي تَفْسِير سُورَة {ق} فَارْجِع إِلَيْهِ.
31 - (بابُ قَوْل الرَّجُلِ: لَعَمْرُ الله)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان قَول الشَّخْص: لعمر الله، وَلم يبين حكمه اعْتِمَادًا على تَخْرِيج الطَّالِب، وَمَعْنَاهُ لحياة الله وبقاؤه، وَقَالَ الزّجاج: لعمر الله، كَأَنَّهُ حلف بِبَقَائِهِ تَعَالَى. قَالَ الْجَوْهَرِي: عمر الرجل بِالْكَسْرِ يعمر عمرا وعمراً على غير قِيَاس لِأَن قِيَاس مصدره التحريك أَي: عَاشَ زَمَانا طَويلا، وَإِن كَانَ المصدران بِمَعْنى إِلَّا أَنه اسْتعْمل فِي الْقسم المفتوح فَإِذا أدخلت عَلَيْهِ اللَّام رفعته بِالِابْتِدَاءِ وَالْخَبَر مَحْذُوف، أَي: مَا أقسم بِهِ، فَإِن لم تأت بِاللَّامِ نصبته نصب المصادر، فَقلت: عمر الله مَا فعلت كَذَا، وعمرك الله مَا فعلت، وَمعنى: لعمر الله، وَعمر الله أَحْلف بِبَقَاء الله ودوامه، فَإِذا قلت: عمرك الله، فكأنك قلت: لعمرك الله، أَي: بإقرارك لَهُ بِالْبَقَاءِ، وَأما حكمه فَهُوَ يَمِين عِنْد الْكُوفِيّين وَمَالك، وَقَالَ الشَّافِعِي: هُوَ كِنَايَة، يَعْنِي: لَا يكون يَمِينا إلاَّ بِالنِّيَّةِ، وَبِه قَالَ إِسْحَاق، وَإِذا قَالَ: لعمري، فَقَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ: عَلَيْهِ الْكَفَّارَة إِذا حنث فِيهَا، وَسَائِر الْفُقَهَاء لَا يرَوْنَ فِيهَا كَفَّارَة لِأَنَّهَا لَيست بِيَمِين عِنْده.
قَالَ ابنُ عَبَّاس: لَعَمُرُكَ لَعَيْشُكَ
أَشَارَ بِهِ إِلَى أَن ابْن عَبَّاس فسر: لعمرك، بقرابه: لعيشك. وَوَصله ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق أبي الجوزاء عَنهُ فِي قَوْله تَعَالَى: {لعمرك} أَي: حياتك، فالحياة والعيش وَاحِد.
2666 - حدّثنا الأُوَيْسِيُّ حدّثنا إبْراهِيمُ عنْ صالِحٍ عنْ ابنِ شِهابٍ.
(ح) وحدّثنا حَجاجٌ حَدثنَا عَبْدُ الله بنُ عُمَرَ النُّمَيْرِيُّ حدّثنا يُونُسُ قَالَ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ قَالَ: سَمِعْتُ عُرْوَةَ بنَ الزُّبَيْرِ وسَعِيدَ بنَ المسَيَّبِ وعَلْقَةَ بنَ وَقَّاصٍ وعُبَيْدَ الله بنَ عَبْدِ الله عنْ حَدِيثِ عائِشَةَ، زَوْجِ النبيِّ(23/186)
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِينَ قَالَ لَهَا أهْلُ الإفْكِ مَا قالُوا، فَبَرَأها الله، وكُلٌّ حدّثني طائِفَةً مِنَ الحَدِيثِ وفِيهِ: فقامَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فاسْتَعْذَرَ مِنْ عَبْدِ الله بنِ أُبَيٍّ فَقَامَ أُسَيْدُ بنُ حُضَيْرٍ فَقَالَ لِسَعْدِ بنِ عُبادَةَ: لَعَمْرُ الله لَنَقْتُلَنَّهُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (لعمر الله لنقتلنه) والأويسي، نِسْبَة إِلَى أويس مصغر أَوْس بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الْوَاو وبالسين الْمُهْملَة، وَأَوْس هُوَ ابْن سعد بن أبي سرح ينْسب إِلَيْهِ جمَاعَة مِنْهُم أَبُو الْقَاسِم عبد الْعَزِيز بن عبد الله بن يحيى بن عَمْرو بن أَوْس شيخ البُخَارِيّ، وَهُوَ مدنِي صَدُوق، قَالَه ابْن أبي حَاتِم، وَإِبْرَاهِيم هُوَ ابْن سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَصَالح هُوَ ابْن كيسَان يروي عَن مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ، هَؤُلَاءِ هم رجال الطَّرِيق الأول.
وَرِجَال الطَّرِيق الثَّانِي: حجاج على وزن فعال بِالتَّشْدِيدِ ابْن منهال بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون النُّون الْأنمَاطِي الْبَصْرِيّ، يروي عَن عبد الله بن عمر النميري بِضَم النُّون وَفتح الْمِيم عَن يُونُس بن يزِيد الْأَيْلِي عَن الزُّهْرِيّ، وَقد مضى الحَدِيث مطولا، فِي مَوَاضِع فِي قَضِيَّة الْإِفْك وَفِي الشَّهَادَات عَن أبي الرّبيع، وَفِي الْمَغَازِي وَفِي التَّفْسِير وَفِي الْأَيْمَان عَن عبد الْعَزِيز بن عبد الله، وَسَيَجِيءُ أَيْضا فِي التَّوْحِيد وَفِي الِاعْتِصَام، وَمضى الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى.
قَوْله: (فاستعذر) أَي: طلب من يعذرهُ من عبد الله بن أبي ابْن سلول أَي: من ينصفه مِنْهُ. قَوْله: (فَقَامَ أسيد بن حضير) كِلَاهُمَا بِالتَّصْغِيرِ. قَوْله: (لنقتلنه) بِصِيغَة جمع الْمُتَكَلّم، وَاللَّام فِيهِ للتَّأْكِيد، وَكَذَلِكَ النُّون الْمُشَدّدَة.
41 - (بابٌ { (2) لَا يُؤَاخِذكُم الله بِاللَّغْوِ فِي فِي إيمَانكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذكُم بِمَا كسبت قُلُوبكُمْ وَالله غَفُور حَلِيم} (الْبَقَرَة: 522)
أَي: هَذَا بَاب مترجم بقوله تَعَالَى: {لَا يُؤَاخِذكُم الله بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُم} ... الْآيَة كَذَا فِي رِوَايَة أبي ذَر، وَفِي رِوَايَة غَيره {لَا يُؤَاخِذكُم الله} إِلَى قَوْله: {بِمَا كسبت قُلُوبكُمْ} وَهَذِه الْآيَة فِي سُورَة الْبَقَرَة. وَأما الَّتِي فِي سُورَة الْمَائِدَة فَإِنَّهُ ذكرهَا فِي أول كتاب الْأَيْمَان وَالنُّذُور، وَقد مضى هُنَاكَ تَفْسِير اللَّغْو. قَوْله: {بِمَا كسبت قُلُوبكُمْ} أَي: عزمتم وقصدتم وتعمدتم، لِأَن كسب الْقلب الْقَصْد وَالنِّيَّة وَالله غَفُور لِعِبَادِهِ حَلِيم عَنْهُم.
3666 - حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى حدّثنا يَحْيَاى عنْ هِشامٍ قَالَ: أخْبَرنِي أبي عنْ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا {لَا يُؤَاخِذكُم الله بِاللَّغْوِ} (الْبَقَرَة: 522) قَالَ: قالَتْ: أُنْزِلَتْ فِي قَوْلِهِ: لَا وَالله، وبَلَى وَالله. (انْظُر الحَدِيث 3164) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. ويحيي هُوَ الْقطَّان، وَهِشَام هُوَ ابْن عُرْوَة يروي عَن أَبِيه عُرْوَة بن الزبير عَن عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ، وَقَالَ أَبُو عمر: تفرد يحيى بن سعيد بِذكر السَّبَب فِي نزُول الْآيَة الكرمية وَلم يذكرهُ أحد غَيره، قيل: صرح بَعضهم بِرَفْعِهِ عَن عَائِشَة رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث إِبْرَاهِيم الصَّائِغ عَن عَطاء عَنْهَا: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: لَغْو الْيَمين هُوَ كَلَام الرجل فِي بَيته: كلا وَالله وبلى وَالله، وَأَشَارَ أَبُو دَاوُد إِلَى أَنه اخْتلف على عَطاء وعَلى إِبْرَاهِيم فِي رَفعه وَوَقفه.
51 - (بابٌ إِذا حَنثَ ناسِياً فِي الأيْمانِ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ إِذا حنث الْحَالِف حَال كَونه نَاسِيا وَلم يبين حكمه كعادته فِي الْأَبْوَاب الْمَاضِيَة.
وقَوْلِ الله تَعَالَى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُم جنَاح فِيمَا أخطأتم بِهِ} (الْأَحْزَاب: 5) وَقَالَ: {لَا تؤاخذني بِمَا نسيت} (الْكَهْف: 37) .
ثُبُوت الْوَاو فِي {وَلَيْسَ} رِوَايَة لقوم، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر بِدُونِ الْوَاو، أَي: لَيْسَ عَلَيْكُم إِثْم فِيمَا فعلتموه مخطئين، وَلَكِن الْإِثْم فِيمَا تعمدتموه، وَذَلِكَ أَنهم كَانُوا ينسبون زيد بن حَارِثَة إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيَقُولُونَ: زيد بن مُحَمَّد، فنهاهم عَن ذَلِك وَأمرهمْ أَن ينسبوهم(23/187)
لِآبَائِهِمْ الَّذين ولدوهم وَثمّ قَالَ: {وَلَيْسَ عَلَيْكُم جنَاح فِيمَا أخطأتم بِهِ} (الْأَحْزَاب: 5) قبل النَّهْي، وَيُقَال: إِن هَذَا على الْعُمُوم فَيدْخل فِيهِ كل مخطىء، وغرض البُخَارِيّ هَذَا يدل عَلَيْهِ حَدِيث الْبَاب. قَوْله: {وَقَالَ: لَا تؤاخذني بِمَا نسيت} (الْكَهْف: 37) هَذِه فِي آيَة أُخْرَى فِي سُورَة الْكَهْف يُخَاطب مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام بقوله: لَا تؤاخذني الْخضر عَلَيْهِ السَّلَام، وَذَلِكَ بعد مَا جرى من أَمر السَّفِينَة، وروى ابْن عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَنه قَالَ: كَانَت الأولى من أَمر مُوسَى النسْيَان، وَالثَّانيَِة الْعذر، وَلَو صَبر لقص الله علينا أَكثر مِمَّا قصّ، وَبِهَذَا اسْتدلَّ أَيْضا على أَن النَّاسِي لَا يُؤَاخذ بحنثه فِي يَمِينه. فَإِن قلت: الْخَطَأ نقيض الصَّوَاب، وَالنِّسْيَان خلاف الذّكر، وَلم يذكر فِي التَّرْجَمَة إلاَّ النسْيَان وَلَا تطابقها إلاَّ الْآيَة الثَّانِيَة، وَكَذَلِكَ لَا يُنَاسب التَّرْجَمَة من أَحَادِيث الْبَاب إلاَّ الَّذِي فِيهِ تَصْرِيح بِالنِّسْيَانِ، وَالْآيَة الأول لَا مُطَابقَة لَهَا فِي الذّكر هُنَا، أَلا يرى أَن الدِّيَة تجب فِي الْقَتْل بالْخَطَأ وَإِذا أتلف مَال الْغَيْر خطأ فَإِنَّهُ يغرم؟ .
قلت: إِنَّمَا ذكر الْآيَة الأولى وَأَحَادِيث الْبَاب على الِاخْتِلَاف ليستنبط كل أحد مِنْهَا مَا يُوَافق مذْهبه، وَلِهَذَا لم يذكر الحكم فِي التَّرْجَمَة، وَإِنَّمَا ذكرهَا لِأَنَّهَا أصُول الْأَحْكَام ومواد الاستنباط الَّتِي يصلح أَن يُقَاس عَلَيْهَا، وَوُجُوب الدِّيَة فِي الْخَطَأ وغرامة المَال بإتلافه خطأ من خطاب الْوَضع فتيقظ فَإِنَّهُ مَوضِع دَقِيق.
4666 - حدّثنا خلاَّدُ بنُ يَحْيَاى حدّثنا مِسْعَرٌ حدّثنا قَتادةُ حَدثنَا زُرارَةُ بنُ أوْفَى عنْ أبي هُرَيْرَةَ يَرْفَعُهُ قَالَ: إنَّ الله تَجاوَزَ لأُمَّتِي عَمَّا وَسْوَسَتْ أوْ حَدَّثَتْ بِهِ أنْفُسَها مَا لَمْ تَعْمَلْ بِهِ أوْ تَكَلَّمْ. (انْظُر الحَدِيث 8252 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن الوسوسة من متعلقات عمل الْقلب كالنسيان.
وخلاد بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَشْديد اللَّام السّلمِيّ بِضَم السِّين الْمُهْملَة، ومسعر بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون السِّين وَفتح الْعين الْمُهْمَلَتَيْنِ ابْن كدام بِكَسْر الْكَاف، وزرارة بِضَم الزَّاي وَتَخْفِيف الرَّاء الأولى ابْن أوفى بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الْوَاو وبالفاء العامري قَاضِي الْبَصْرَة.
والْحَدِيث مضى فِي الطَّلَاق عَن مُسلم بن إِبْرَاهِيم وَفِي الْعتاق عَن مُحَمَّد بن عرْعرة، وَذكر الْإِسْمَاعِيلِيّ أَن الْفُرَات بن خَالِد أَدخل بَين زُرَارَة وَبَين أبي هُرَيْرَة فِي هَذَا الْإِسْنَاد رجلا من بني عَامر، وَهُوَ خطأ، فَإِن زُرَارَة من بني عَامر فَكَأَنَّهُ كَانَ فِيهِ: عَن زُرَارَة رجل من بني عَامر، فَظَنهُ آخر وَلَيْسَ كَذَلِك.
قَوْله: (يرفعهُ) أَي: يرفع أَبُو هُرَيْرَة الحَدِيث إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَقَالَ الْكرْمَانِي: إِنَّمَا قَالَ: يرفعهُ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ليَكُون أَعم من أَنه سَمعه مِنْهُ أَو من صَحَابِيّ آخر سَمعه مِنْهُ. انْتهى. وَقَالَ بَعضهم: وَلَا اخْتِصَاص لذَلِك بِهَذِهِ الصِّيغَة، بل مثله فِي قَوْله: قَالَ، وَعَن، وَإِنَّمَا يرفع الِاحْتِمَال إِذا قَالَ: سَمِعت أَو نَحوه. قُلْنَا: غَرَض هَذَا الْقَائِل تحريشه على الْكرْمَانِي وإلاَّ فَلَا حَاجَة إِلَى هَذَا الْكَلَام لِأَنَّهُ مَا ادّعى الِاخْتِصَاص، وَلَا قَوْله ذَلِك يُنَافِي غَيره، يعرف بِالتَّأَمُّلِ، وَذكر الْإِسْمَاعِيلِيّ أَن وكيعاً رَوَاهُ عَن مسعر وَلم يرفعهُ، قَالَ: وَالَّذِي رَوَاهُ ثِقَة فَوَجَبَ الْمصير إِلَيْهِ. قَوْله: (تجَاوز لأمتي) وَفِي رِوَايَة هِشَام عَن قَتَادَة: عَن أمتِي، وَهُوَ أوجه. قَوْله: (أَو حدثت بِهِ) وَفِي رِوَايَة هِشَام: عَمَّا وسوست بِهِ وَمَا حدثت بِهِ، من غير تردد، وَكَذَا فِي رِوَايَة مُسلم. قَوْله: (أَنْفسهَا) بِالنّصب عِنْد الْأَكْثَرين وَعند بَعضهم بِالرَّفْع. قَوْله: (أَو تكلم) ، بِالْجَزْمِ أَرَادَ أَن الْوُجُود الذهْنِي لَا أثر لَهُ وَإِنَّمَا الِاعْتِبَار بالوجود القولي فِي القوليات والعملي فِي العمليات، قيل: لَو أصر على الْعَزْم على الْمعْصِيَة يُعَاقب عَلَيْهِ لَا عَلَيْهَا، وَأجِيب بِأَن ذَلِك لَا يُسمى وَسْوَسَة وَلَا حَدِيث نفس، بل هُوَ نوع من عمل الْقلب.
5666 - حدّثنا عُثمانُ بُ الهَيْثَمِ أوْ مُحَمَّدٌ عَنْهُ عنِ ابنِ جُرَيْجٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابنَ شِهابٍ يَقُولُ: حدّثني عِيسَى بنُ طَلْحَةَ أنَّ عَبْدَ الله بنَ عَمْرٍ وبن العاصِ حَدَّثَهُ أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بَيْنَما هُوَ يَخْطُبُ يَوْمَ النَّحْر إذْ قامَ إلَيْهِ رَجُلٌ، فَقَالَ: كُنْتُ أحْسِبُ يَا رسولَ الله كَذا وكَذا قَبْلَ كَذَا وكَذَا، ثُمَّ قامَ آخَرُ فَقَالَ: يَا رسولَ الله! كُنْتُ أحْسِبُ كَذَا وكَذا لِهَؤلاءِ الثَّلاثِ، فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (افْعَلْ وَلَا حَرَجَ لَهُنَّ كُلِّهنَّ يَوْمَئِذٍ) ، فَما سُئِلَ يَوْمَئِذٍ عنْ شَيْءٍ إلاَّ قَالَ: (إفْعَلْ وَلَا حَرَجَ) .(23/188)
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن البُخَارِيّ ألحق الحسبان بِالنِّسْيَانِ لِأَن كلاًّ مِنْهُمَا من عمل الْقلب.
وَعُثْمَان بن الْهَيْثَم بِفَتْح الْهَاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح الثَّاء الْمُثَلَّثَة ابْن الجهم أَبُو عمر الْمُؤَذّن الْبَصْرِيّ. قَوْله: (أَو مُحَمَّد عَنهُ) أَي: أَو حَدثنِي مُحَمَّد عَنهُ. أَي: عَن عُثْمَان بن الْهَيْثَم عَن ابْن جريج، وَمُحَمّد هَذَا هُوَ ابْن يحيى الذهلي، وكل وَاحِد من عُثْمَان وَمُحَمّد بن يحيى من شُيُوخ البُخَارِيّ. وَأخرج الْإِسْمَاعِيلِيّ هَذَا الحَدِيث من طَرِيق مُحَمَّد بن يحيى الذهلي عَن عثمن بن الْهَيْثَم بِهِ، وَقد مر نَحْو هَذَا فِي أَوَاخِر كتاب اللبَاس فِي: بَاب الذريرة، حَدثنَا عُثْمَان بن الْهَيْثَم أَو مُحَمَّد عَنهُ عَن ابْن جريج ... الحَدِيث، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ، وَابْن جريج هُوَ عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج، وَعِيسَى بن طَلْحَة بن عبيد الله التَّيْمِيّ الْقرشِي.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْعلم فِي: بَاب الْفتيا وَهُوَ وَاقِف على ظهر الدَّابَّة، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (كنت أَحسب كَذَا وَكَذَا قبل كَذَا وَكَذَا) ، أَي: كنت أَحسب الطّواف قبل الذّبْح أَو الذّبْح قبل الْحلق. قَوْله: (ثمَّ قَامَ آخر) أَي: رجل آخر. قَوْله: (لهَؤُلَاء الثَّلَاث) ، وَهِي: الذّبْح وَالْحلق وَالطّواف. قَوْله: (لَهُنَّ) أَي: قَالَ لأجل هَؤُلَاءِ الثَّلَاث: إفعل وَلَا حرج عَلَيْك فِي التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير.
6666 - حدّثنا أحْمَدُ بنُ يُونُسَ حَدثنَا أبُو بَكْرٍ عنْ عَبْدِ العَزِيزِ بنِ رُفَيْعٍ عنْ عَطاءٍ عنِ ابنِ عبَّاسِ رَضِي الله عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رجُلٌ لِلنبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: زُرْتُ قَبْلَ أنْ أرْمِيَ، قَالَ: (لَا حَرَجَ) قَالَ آخَرُ: حَلَقْتُ قَبْلَ أنْ أذْبَحَ، قَالَ: (لَا حَرَجَ) قَالَ آخَرُ: ذَبَحْتُ قَبْلَ أنْ أرْمِيَ، قَالَ: (لَا حَرَجَ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة مَعَ أَنه لَيْسَ فِيهِ ذكر الْيَمين هِيَ بَيَان رفع الْقَلَم عَن النَّاسِي والمخطىء وَنَحْوهمَا، وَعدم الْجنَاح فِيهِ وَعدم الْمُؤَاخَذَة، قَالَه الْكرْمَانِي، وَقَالَ أَيْضا: هَذَا الحَدِيث وَمَا بعده من الْأَحَادِيث مناسبتها بِهَذَا الْوَجْه وَفِيه تَأمل.
وَأَبُو بكر هُوَ ابْن عَيَّاش بتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالشين الْمُعْجَمَة الْقَارِي، وَعبد الْعَزِيز بن رفيع بِضَم الرَّاء وَفتح الْفَاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالعين الْمُهْملَة أَبُو عبد الله الْأَسدي الْمَكِّيّ سكن الْكُوفَة وَسمع أنس بن مَالك، وَعَن جرير: أَتَى عَلَيْهِ نَيف وَتسْعُونَ سنة وَكَانَ يتَزَوَّج وَلَا يمْكث حَتَّى تَقول الْمَرْأَة: فارقني من كَثْرَة جمَاعه، وَعَطَاء هُوَ ابْن أبي رَبَاح.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْحَج مَعَ شَرحه. قَوْله: (زرت) يَعْنِي: طفت طواف الزِّيَارَة، وَهُوَ طواف الرُّكْن.
7666 - حدّثني إسْحَاقُ بنُ مَنْصُورٍ حَدثنَا أبُو أُسامَةَ حدّثنا عُبيْدُ الله بنُ عُمَرَ عنْ سَعِيدٍ ابنِ أبي سَعِيدٍ عنْ أبي هُرَيْرَةَ أنَّ رَجُلاً دَخَل المَسْجِدَ فَصَلَّى ورسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي ناحِيَةِ المَسْجِدِ، فَجاءَ فَسَلَمَ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ: (ارْجِعْ فَصَلِّ فإنَّكَ لَمْ تُصَلِّ) ، فَرَجَعَ فَصَلَّى ثُمَّ سَلَّمَ فَقَالَ: (وعَلَيْكَ! ارْجِعْ فَصلِّ فإنَّكَ لَمْ تُصَلِّ) قَالَ فِي الثّالِثَةِ: فأعْلِمْنِي. قَالَ: (إِذا قُمْتَ إِلَى الصَّلاةِ فأسْبِغِ الوُضُوءَ ثُمَّ اسْتَقْبِلَ القِبْلَةَ فَكَبِّرْ واقْرَأْ بِما تَيَسَّرَ مَعَكَ مِن القُرْآنِ ثمَّ ارْكَعْ حتَّى تَطْمَئِنَّ راكِعاً ثُمَّ ارْفَعْ رَأسَكَ حَتَّى تَعْتَدِلَ قائِماً ثُمَّ اسْجُدْ حتَّى تَطْمَئِنَّ ساجِداً ثمَّ ارْفَعْ حتَّى تَسْتَوِيّ وتَطْمَئِنَّ جالِساً. ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ ساجِداً ثُمَّ ارْفَعْ حتَّى تَسْتَوِيَ قائِماً ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صلاتِكَ كُلِّها) .
قيل: لَا مُطَابقَة بَين هَذَا الحَدِيث والترجمة. وَلَيْسَ فِيهِ ذَلِك: يَمِين.
قلت: هَذَا الحَدِيث قد مضى فِي كتاب الصَّلَاة فِي: بَاب وجوب الْقِرَاءَة للْإِمَام وَالْمَأْمُوم، وَفِيه: وَقَالَ: وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ مَا أحسن غَيره، فَيدْخل فِي الْبَاب من هَذِه الْحَيْثِيَّة. .
وَأَبُو أُسَامَة هُوَ حَمَّاد بن أُسَامَة، وَعبيد الله بن عمر الْعمريّ، وَسَعِيد هُوَ المَقْبُري.
وَفِيه: حجَّة قَاطِعَة لأبي حنيفَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فِي جَوَاز الْقِرَاءَة فِي الصَّلَاة بِمَا تيَسّر.(23/189)
8666 - حدّثنا فَرْوَةُ بنُ أبي المَغْراءِ حدّثنا عَلِيُّ بنُ مُسْهِرٍ عنْ هِشامِ بنِ عُرْوَةَ عنْ أبِيهِ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا، قَالَتْ: هُزِمَ المُشْرِكُونَ يَوْمَ أُحُدٍ هَزِيمَةً تُعَرَفُ فِيهِمْ، فَصَرَخَ إبْلِيس: أَي عِبادَ الله أُخْرَاكُمْ، فَرَجَعَتْ أُولاهُمْ فاجتَلَدَتْ هِيَ وأُخْرَاهُمْ، فَنَظَرَ حُذَيْفَةُ بنُ اليَمانِ فَإِذا هُوَ بِأبِيهِ فَقَالَ: أبي أبي. قالَتْ: فَوَالله مَا انْحَجَزُوا حتَّى قَتَلُوهُ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: غَفَرَ الله لكُمْ. قَالَ عُرْوَةُ: فَوَالله مَا زالَتْ فِي حُذَيْفَةَ مِنْها بَقِيَّةٌ حتَّى لَقِيَ الله.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يُنكر على الَّذين قتلوا وَالِد حُذَيْفَة لجهلهم، فَجعل الْجَهْل هُنَا كالنسيان، فَبِهَذَا الْوَجْه دخل الحَدِيث فِي الْبَاب مَعَ أَن فِيهِ الْيَمين، وَهُوَ قَول حُذَيْفَة: (فوَاللَّه مَا انحجزوا) .
وفروة بِفَتْح الْفَاء وَسُكُون الرَّاء وبالواو ابْن أبي المغراء بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْغَيْن الْمُعْجَمَة وبالراء وبالمد أَبُو الْقَاسِم الْكِنْدِيّ الْكُوفِي، وَعلي بن مسْهر على وزن اسْم الْفَاعِل من الإسهار بِالسِّين الْمُهْملَة أَبُو الْحسن الْقرشِي الْكُوفِي، تولى قَضَاء نواحي الْموصل مَاتَ سنة تسع وَثَمَانِينَ وَمِائَة.
والْحَدِيث مضى فِي آخر المناقب فِي: بَاب ذكر حُذَيْفَة بن الْيَمَان، وَفِي غَزْوَة أحد.
قَوْله: (هزم) على صِيغَة الْمَجْهُول من الْمَاضِي، وَكَذَلِكَ قَوْله: (تعرف) على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (أَي عباد الله) ، أَي: يَا عباد الله. قَوْله: (أخراكم) قَالَ الْكرْمَانِي: أَي: يَا عباد الله إحذروا الَّذين من وَرَائِكُمْ واقتلوهم، وَالْخطاب للْمُسلمين، أَرَادَ إِبْلِيس تثبيطهم لِيُقَاتل الْمُسلمُونَ بَعضهم بَعْضًا، فَرَجَعت الطَّائِفَة الْمُتَقَدّمَة قَاصِدين لقِتَال الْأُخْرَى ظانين أَنهم من الْمُشْركين، فتجالد الطائفتان. وَيحْتَمل أَن يكون الْخطاب للْكَافِرِينَ. قَوْله: (أبي أبي) ، وَقع مكرراً يَعْنِي: يَا قومِي هَذَا أبي لَا تقتلوه، فَقَتَلُوهُ ظانين أَنه من الْمُشْركين. قَوْله: (مَا انحجزوا) بالزاي أَي: مَا امْتَنعُوا وَمَا انفكوا حَتَّى قَتَلُوهُ، يُقَال: حجزه حجزاً إِذا مَنعه. قَوْله: (مِنْهَا) أَي: من قَتله أَبِيه. قَوْله: (بَقِيَّة) مَرْفُوع بقوله: قَوْله: (مَا زَالَت) . قَالَ الْكرْمَانِي: أَي بَقِيَّة حزن وتحسر من قتل أَبِيه بذلك الْوَجْه.
قلت: هَكَذَا فسره الْكرْمَانِي، على أَن لفظ: بَقِيَّة، مَرْفُوعَة وَهِي رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: بَقِيَّة خير، بِالْإِضَافَة أَي: اسْتمرّ الْخَيْر فِيهِ. وَقَالَ بَعضهم: وهم الْكرْمَانِي فِي تَفْسِيره وَالصَّوَاب من المُرَاد أَنه حصل لَهُ خير بقوله للْمُسلمين الَّذين قتلوا أَبَاهُ خطأ بقوله: عَفا الله عَنْكُم، وَاسْتمرّ ذَلِك الْخَيْر فِيهِ.
قلت: نِسْبَة الْكرْمَانِي إِلَى الْوَهم وهم، لِأَن الْكرْمَانِي إِنَّمَا فسره على رِوَايَة الْكشميهني على مَا ذَكرْنَاهُ، وَالْأَقْرَب فِيهَا مَا فسره لِأَنَّهُ تحسر غَايَة التحسر على قتل أَبِيه على يَد الْمُسلمين على مَا لَا يخفى.
9666 - حدّثني يُوسُفُ بنُ مُوسى احدّثنا أبُو أُسامَةَ قَالَ: حدّثني عَوْفٌ عنْ خِلاِسٍ ومُحَمَّدٍ عنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (مَنْ أكَلَ نَاسِياً وهْوَ صائِمٌ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، فإنّما أطْعَمَهُ الله وسَقاهُ) . (انْظُر الحَدِيث 3391) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (نَاسِيا) بِمُجَرَّد ذكره من غير قيد بِشَيْء من الْيَمين أَو غَيرهَا.
يُوسُف بن مُوسَى بن رَاشد الْقطَّان الْكُوفِي، سكن بَغْدَاد، وَأَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة، وعَوْف بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْوَاو وبالفاء وَهُوَ الْمَشْهُور بالأعرابي، وخلاس بِكَسْر الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف اللَّام وبالسين الْمُهْملَة ابْن عَمْرو الهجري، وَمُحَمّد هُوَ ابْن سِيرِين وَهُوَ عطف على خلاس.
والْحَدِيث قد مضى فِي كتاب الصَّوْم فِي: بَاب الصَّائِم إِذا أكل أَو شرب.
0766 - حدّثنا آدم بنُ أبي إياسٍ حدّثنا ابنُ أبي ذِئْبٍ عنِ الزُّهْرِيِّ عنِ الأعْرَجِ عنْ عَبْدِ الله بن بُحَيْنَةَ، قَالَ: صَلَّى بِنا النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقامَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُوليَيْنِ قَبْلَ أنْ يَجْلِسَ، فَمَضى فِي صلاتِهِ، فَلمَّا قَضَي صَلاَتَهُ انْتَظَر النَّاسُ تَسْلِيمَهُ فَكَبَّرَ وسَجَدَ قَبْلَ أنْ يُسَلِّمَ، ثُمَّ رَفَع رَأْسَهُ ثُمَّ كَبَّرَ وسَجَدَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأسَهُ وسَلَّمَ.(23/190)
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ ترك الْقعدَة الأولى نَاسِيا. فَيدْخل فِي الْبَاب من هَذِه الْحَيْثِيَّة. وَاسم ابْن أبي ذِئْب مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث بن أبي ذِئْب واسْمه هِشَام بن سعد، والأعرج عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز، وَعبد الله بن بُحَيْنَة بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالنون وَهُوَ اسْم أمه وَأَبوهُ مَالك الْهَاشِمِي.
والْحَدِيث تقدم فِي أَبْوَاب سُجُود السهود فِي آخر كتاب الصَّلَاة، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
1766 - حدّثني إسْحَاقُ بنُ إبْراهِيمَ سَمِعَ عَبْدَ العَزِيزِ بنَ عَبْدِ الصَّمَدِ حدّثنا مَنْصُورٌ عنْ إبْرَاهِيمَ عنْ عَلَقْمَةَ عنِ ابْن مَسْعُودٍ رَضِي الله عَنهُ، أنَّ نَبِيَّ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى بِهِمْ صَلاةَ الظُّهْرِ فَزَادَ، أوْ نَقَصَ مِنْها، قَالَ مَنْصُورٌ: لَا أدْرِي إبْراهِيمُ وَهِمَ أمْ عَلْقَمَةُ، قَالَ: قِيلَ: يَا رسُولَ الله أقَصُرَتِ الصَّلاةُ أمْ نَسِيتَ؟ قَالَ: (وَمَا ذَاكَ؟) قالُوا: صَليْتَ كَذَا وكَذَا، قَالَ: فَسَجدَ بِهِمْ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: (هاتانِ السَّجْدَتانِ لِمَنْ لَا يَدْرِي زادَ فِي صَلاتِهِ أمْ نَقَصَ، فَيَتَحَرَّى الصَّوابَ فَيتُمَّ مَا بَقِيَ ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (أم نسيت) وَلَكِن بالتعسف، وَالْأَحْسَن أَن يُقَال: ذكر هَذَا الحَدِيث بطرِيق الاستطراد للْحَدِيث السَّابِق.
وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم هُوَ ابْن رَاهَوَيْه.
قَوْله: (سمع عبد الْعَزِيز) تَقْدِيره أَنه سمع عبد الْعَزِيز، وعادتهم أَنهم يسقطون مثل هَذَا فِي الْخط فِي بعض الأحيان، وَعبد الْعَزِيز هُوَ ابْن عبد الصَّمد الْعمي بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْمِيم الْبَصْرِيّ.
قلت: الْعمي نَوْعَانِ: الأول: مَنْسُوب إِلَى قَبيلَة عَم من بني تيم وَفِيهِمْ كَثْرَة. وَالثَّانِي: لقب زيد بن الْحوَاري لقب بِهِ لِأَنَّهُ كلما كَانَ يُسأل عَن شَيْء قَالَ: حَتَّى أسأَل عمي. وَأما عبد الْعَزِيز الْمَذْكُور فَالظَّاهِر أَنه مَنْسُوب إِلَى عَم الْقَبِيلَة، وَقد ذكر ابْن مَاكُولَا جمَاعَة ينسبون إِلَى عَم، وَمَنْصُور هُوَ ابْن الْمُعْتَمِر، وَإِبْرَاهِيم هُوَ النَّخعِيّ، وعلقمة هُوَ ابْن قيس.
والْحَدِيث قد مضى فِي الصَّلَاة فِي: بَاب التَّوَجُّه نَحْو الْقبْلَة عَن عُثْمَان عَن جرير عَن مَنْصُور عَن إِبْرَاهِيم عَن عَلْقَمَة، قَالَ: قَالَ عبد الله: صلى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ...
قَوْله: (فَزَاد أَو نقص) شكّ من الرَّاوِي. قَوْله: (قَالَ مَنْصُور: لَا أَدْرِي إِبْرَاهِيم وهم) أَي: فِي الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان قَوْله: (أم عَلْقَمَة) أَي: أَو وهم عَلْقَمَة، وَهُوَ بِفَتْح الْهَاء. قَالَ الْجَوْهَرِي: ووهمت فِي الْحساب أوهم أَي: غَلطت وسهوت، وهمت فِي الشَّيْء بِالْفَتْح أوهم وهما إِذا ذهب وهمك إِلَيْهِ وَأَنت تُرِيدُ غَيره. وَقَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: لفظ أقصرت صَرِيح فِي أَنه نقص.
قلت: هَذَا خلط من الرَّاوِي وَجمع بَين الْحَدِيثين، وَقد فرق بَينهمَا على الصَّوَاب فِي كتاب الصَّلَاة قَالَ فِي: بَاب اسْتِقْبَال الْقبْلَة: عَن مَنْصُور عَن إبرايهم عَن عَلْقَمَة عَن عبد الله عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ إِبْرَاهِيم: لَا أَدْرِي زَاد أَو نقص، فَلَمَّا سلم قيل لَهُ يَا رَسُول الله أحدث فِي الصَّلَاة شَيْء؟ قَالَ: وَمَا ذَاك؟ قَالُوا: صليت كَذَا ... إِلَى آخِره. وَقَالَ فِي: بَاب سُجُود السَّهْو، عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم انْصَرف من اثْنَتَيْنِ، فَقَالَ لَهُ ذُو الْيَدَيْنِ: أقصرت الصَّلَاة أم نسيت؟ وَيحْتَمل أَن يُجَاب بِأَن المُرَاد من الْقصر لَازمه وَهُوَ التَّغَيُّر، فَكَأَنَّهُ قَالَ: أغيرت الصَّلَاة عَن وَضعهَا؟ انْتهى.
قلت: فِي رِوَايَة جرير عَن مَنْصُور قَالَ: قَالَ إِبْرَاهِيم: لَا أَدْرِي أزاد أَو نقص. فَجزم بِأَن إِبْرَاهِيم هُوَ الَّذِي تردد، وَهَذَا يدل على أَن منصوراً حِين حدثت عبد الْعَزِيز كَانَ متردداً هَل عَلْقَمَة قَالَ ذَلِك أَو إِبْرَاهِيم؟ وَحين حدت جَرِيرًا كَانَ جَازِمًا بإبرهيم. قَوْله: (يتحَرَّى) أَي: يجْتَهد فِي تَحْقِيق الْحق بِأَن يَأْخُذ بِالْأَقَلِّ لَهُ.
2766 - حدّثنا الحُمَيْدِيُّ حَدثنَا سُفْيانُ حدّثنا عُمرُو بنُ دِينارٍ أَخْبرنِي سعَيدُ بنُ جُبَيْرٍ قَالَ: قُلْتُ ل ابنِ عَبَّاسٍ: فَقَالَ: حدّثنا أُبَيُّ بنُ كَعْب أنَّهُ سَمِعَ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (لَا تُؤَاخِذْنِي بِما نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أمْرى عُسْراً) قَالَ: كانَتِ الأُولَى مِنْ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ نِسْياناً.(23/191)
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي مُجَرّد ذكر النسْيَان من غير قَيده بِشَيْء.
والْحميدِي عبد الله بن الزبير نسب إِلَى أحد أجداده حميد، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة.
قَوْله: (قلت لِابْنِ عَبَّاس) ، مقوله مَحْذُوف تَقْدِيره: قلت لِابْنِ عَبَّاس: حَدثنَا عَن معنى هَذِه الْآيَة، أَو: حَدثنَا مُطلقًا فَقَالَ: حَدثنَا أبي بن كَعْب أَنه سمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ... إِلَى آخِره، وَقد حذف البُخَارِيّ هُنَا أَكثر الحَدِيث فِي قصَّة مُوسَى مَعَ الْخضر عَلَيْهِمَا السَّلَام، وَقد مرت بِهَذَا السَّنَد فِي تَفْسِير سُورَة الْكَهْف، وَمَرَّتْ أَيْضا فِي كتاب الْعلم فِي: بَاب الْخُرُوج فِي طلب الْعلم.
3766 - قَالَ أبُو عَبْدِ الله: كَتَبَ إلَيَّ مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ حدّثنا مُعاذُ بنُ مُعاذٍ حدّثنا ابنُ عَوْنٍ عنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: قَالَ البَراءُ بنُ عازِبٍ: وَكَانَ عِنْدَهُمْ ضَيْفٌ لهُمْ فأمَرَ أهْلَهُ أنْ يَذْبَحُوا قَبْلَ أنْ يَرْجعَ لِيَأكُلَ ضَيْفُهُمْ، فَذَبَحُوا قَبْلَ الصَّلاةِ، فَذَكَرُوا ذالِكَ للنبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأمَرَهُ أنْ يُعِيدَ الذَّبْحَ، فَقَالَ: يَا رسولَ الله عِنْدِي عَناقٌ جَذَعٌ عَنَاقُ لبَنٍ هِيَ خَيْرٌ مِنْ شاتَيْ لَحْمٍ، فَكانَ ابنُ عَوْنٍ يَقِف فِي هَذَا المكانِ عنْ حَديثِ الشّعْبِيِّ. ويُحَدِّثُ عنْ مُحَمَّدِ بنِ سيرِينَ بِمِثْلِ هاذَا الحَدِيث، ويَقِفُ فِي هاذا المَكانِ ويَقُولُ: لَا أدْرِي أبَلَغَتِ الرُّخْصَةُ غَيْرَهُ أمْ لَا.
رَواهُ أيُّوبَ عنِ ابنِ سِيرينَ عنْ أنَس عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. بو عبد الله هُوَ البُخَارِيّ نَفسه. قَوْله: (كتب إِلَيّ) بتَشْديد الْيَاء، وَمُحَمّد بن بشار فَاعل كتب.
وَأخرج البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث بِصِيغَة الْمُكَاتبَة لم يَقع لَهُ إلاّ فِي هَذَا الْموضع. وَقَالَ المحدثون. الْمُكَاتبَة بِأَن يكْتب إِلَيْهِ بِشَيْء من حَدِيثه. قيل: هُوَ كالمناولة المقرونة بِالْإِجَازَةِ فَإِنَّهَا كالسماع عِنْد الْكثير، وَجوز بَعضهم فِيهَا أَن يَقُول: أخبرنَا وَحدثنَا مُطلقًا. وَالْأَحْسَن تَقْيِيده بِالْكِتَابَةِ.
قَوْله: (حَدثنَا معَاذ) هُوَ الْمَكْتُوب لَهُ، ومعاذ بن معَاذ بِضَم الْمِيم فيهمَا، وَابْن عون هُوَ مُحَمَّد بن عون بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وبالنون وَالشعْبِيّ هُوَ عَامر بن شرَاحِيل قَوْله قَالَ قَالَ الْبَراء بن عَازِب أَي قَالَ الشّعبِيّ قَالَ الْبَراء ظَاهر هَذَا يدل على أَن هَذِه الْقِصَّة وَقعت للبراء بن عَازِب، وَلَكِن وَقع فِيمَا تقدم فِي كتاب الْعِيد أَن الْآمِر بِالذبْحِ هُوَ أَبُو بردة بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الرَّاء ابْن نيار بِكَسْر النُّون وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالراء، كَذَا رَوَاهُ زبيد عَن الشّعبِيّ عَن الْبَراء، فَذكر الحَدِيث وَفِيه: فَقَامَ أَبُو بردة بن نيار وَقد ذبح، فَقَالَ: إِن عِنْدِي جَذَعَة ... الحَدِيث. وروى من طَرِيق مطرف عَن الشّعبِيّ عَن الْبَراء فَقَالَ: ضحى خَال لي يُقَال لَهُ: أَبُو بردة، قبل الصَّلَاة، ووفق الْكرْمَانِي هَذَا بقوله: بِأَن أَبَا بردة خَال الْبَراء كَانُوا أهل بَيت وَاحِد، فَتَارَة نسب الْبَراء إِلَى نَفسه وَتارَة إِلَى خَاله. وَقَالَ غَيره: لَوْلَا اتِّحَاد مخرج الحَدِيث والسند من رِوَايَة الشّعبِيّ عَن الْبَراء لَكَانَ يحمل على التَّعَدُّد، وَالِاخْتِلَاف فِيهِ من الروَاة عَن الشّعبِيّ. قَوْله: (قبل أَن يرجع) فِي رِوَايَة السَّرخسِيّ وَالْمُسْتَمْلِي: قبل أَن يرجعهم، وَالْمرَاد قبل أَن يرجع إِلَيْهِم. قَوْله: (ضيفهم) بِالرَّفْع لِأَنَّهُ فَاعل. (ليَأْكُل) قَوْله: (فَذكرُوا ذَلِك) أَي: ذبحم قبل الصَّلَاة قَوْله: فَأمره أَي: فَأمره رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، الْبَراء أَن يُعِيد الذّبْح بِكَسْر الذَّال، وَقَالَ ابْن التِّين: كَذَا روينَاهُ: الذّبْح، بِالْكَسْرِ وَهُوَ مَا يذبح وبالفتح مصدر ذبحت. قَوْله: (عِنْدِي عنَاق) بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف النُّون وَهُوَ الْأُنْثَى من أَوْلَاد الْمعز. قَوْله: (جذع) بِفَتْح الْجِيم والذال الْمُعْجَمَة وَهِي الطاعنة فِي السّنة الثَّانِيَة. وَقَالَ ابْن الْأَثِير: الْجذع من الْإِبِل مَا طعن فِي السّنة الْخَامِسَة وَمن الْبَقر والمعز مَا دخل فِي السّنة الثَّانِيَة، وَقيل: الْبَقر فِي الثَّالِثَة، وَمن الضَّأْن مَا تمت لَهُ سنة. وَقيل: أقل مِنْهَا. وَمِنْهُم من يُخَالف بعض هَذَا التَّقْدِير. قَوْله: (عنَاق لبن) بِالْإِضَافَة وبالرفع لِأَنَّهُ بدل من قَوْله: (عنَاق) وَقَوله: (جذع) بِالرَّفْع صفة لعناق. قَوْله: (خير) خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: هِيَ خير من شاتي لحم، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ فِي الْأَضَاحِي. قَوْله: (فَكَانَ ابْن عون) هُوَ مُحَمَّد بن عون الرَّاوِي (يقف فِي هَذَا الْمَكَان عَن حَدِيث الشّعبِيّ) أَي: يتْرك تكملته وَيَقُول: لَا أَدْرِي أبلغت الرُّخْصَة وَهِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ضح بالعناق الَّذِي عنْدك. قَوْله: (غَيره) أَي: غير الْبَراء. وَقد مر فِي الْأَضَاحِي فِي: بَاب قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لأبي بردة: ضح الْجذع(23/192)
من الْمعز وَلنْ تجزىء عَن أحد بعْدك. وَلَفظ الحَدِيث: إذبحها وَلنْ تصلح لغيرك، وَفِي رِوَايَة: وَلنْ تجزى عَن أحد بعْدك.
قَوْله: (وَرَوَاهُ أَيُّوب) أَي: روى الحَدِيث الْمَذْكُور أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ عَن مُحَمَّد بن سِيرِين عَن أنس بن مَالك رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَوَصله البُخَارِيّ فِي أَوَائِل الْأَضَاحِي عَن مُسَدّد عَن إِسْمَاعِيل هُوَ ابْن علية عَن أَيُّوب عَن مُحَمَّد عَن أنس بن مَالك ... الحَدِيث.
4766 - حدّثنا سُلَيْمانُ بنُ حَرْبٍ حدّثنا شُعْبَةُ عنِ الأسْوَدِ بنِ قَيْسٍ قَالَ: سَمِعْتُ جُنْدَباً قَالَ: شَهِدْتُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلَّى يَوْمَ عِيدٍ ثُمَّ خَطَبَ، ثمَّ قَالَ: (مَنْ ذَبحَ فَلْيُبَدِّلْ مَكانَها، ومَنْ لَمْ يَكُنْ ذَبَحَ فَلْيَذْبَحْ باسْمِ الله) .
مُطَابقَة هَذَا للْحَدِيث الَّذِي قبله ظَاهِرَة. وَقَالَ الْكرْمَانِي: مُنَاسبَة حَدِيث الْبَراء وجندب للتَّرْجَمَة الْإِشَارَة إِلَى التَّسْوِيَة بَين الْجَاهِل بالحكم وَالنَّاسِي فِي وَقت الذّبْح.
وَالْأسود بن قيس الْعَبْدي أَبُو قيس الْكُوفِي، وجندب بِضَم الْجِيم وَسُكُون النُّون وَفتح الدَّال الْمُهْملَة وبالباء الْمُوَحدَة ابْن عبد الله بن سُفْيَان البَجلِيّ.
وَمضى الحَدِيث فِي الْعِيدَيْنِ عَن مُسلم بن إِبْرَاهِيم وَفِي الْأَضَاحِي عَن آدم، وَسَيَأْتِي فِي التَّوْحِيد عَن حَفْص بن عَمْرو، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
61 - (بابُ اليَمِينِ الغَمُوسِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم الْيَمين الْغمُوس بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة على وزن فعول بِمَعْنى فَاعل لِأَنَّهَا تغمس صَاحبهَا فِي الْإِثْم فِي الدُّنْيَا وَفِي النَّار فِي الْآخِرَة. وَقَالَ ابْن الْأَثِير: هُوَ على وزن فعول للْمُبَالَغَة، وَقيل: الأَصْل فِي ذَلِك أَنهم كَانُوا إِذا أَرَادوا أَن يتعاهدوا أحضروا جَفْنَة فَجعلُوا فِيهَا طيبا أَو رَمَادا أَو وردا ثمَّ يحلفُونَ عِنْدَمَا يدْخلُونَ أَيْديهم فِيهَا ليتم لَهُم المُرَاد من ذَلِك بتأكيد مَا أَرَادوا، فسميت تِلْكَ الْيَمين إِذا غدر حالفها غموساً لكَونه بَالغ فِي نقض الْعَهْد، وَقَالَ بَعضهم: وَكَأَنَّهَا على هَذَا بِمَعْنى مفعول لِأَنَّهَا مَأْخُوذَة من الْيَد المغموسة. انْتهى.
قلت: هَذَا تصرف من لَيْسَ لَهُ ذوق من الْعَرَبيَّة، وَهِي على هَذَا القَوْل مَأْخُوذَة من غمس الْيَد لَا من الْيَد، وَهِي على هَذَا أَيْضا بِمَعْنى فَاعل على مَا لَا يخفى على الفطن، واليميين الْغمُوس عِنْد الْفُقَهَاء هِيَ أَن يحلف الرجل عَن الشَّيْء وَهُوَ يعلم أَنه كَاذِب ليرضى بذلك أحدا، أَو ليعتذر أَو ليقتطع بهَا مَالا. وَقَالَ أَصْحَابنَا: حلف الرجل على أَمر ماضٍ كذبا عَامِدًا غموس وظاناً على أَن الْأَمر كَمَا قَالَ لَغْو،
وَاخْتلفُوا فِي حكمهَا. فَقَالَ ابْن الْبر: أَكثر أهل الْعلم لَا يرَوْنَ فِي الْغمُوس كَفَّارَة، وَنَقله ابْن بطال أَيْضا عَن جهمور الْعلمَاء، وَبِه قَالَ النَّخعِيّ وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَمَالك وَمن تبعه من أهل الْمَدِينَة وَالْأَوْزَاعِيّ فِي أهل الشَّام وَالثَّوْري وَسَائِر أهل الْكُوفَة وَأحمد وَإِسْحَاق وَأَبُو ثَوْر وَأَبُو عبيد وَأَصْحَاب الحَدِيث، وَقَالَ الشَّافِعِي: فِيهَا الْكَفَّارَة، وَبِه قَالَ طَائِفَة من التَّابِعين.
{وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانكُم دخلا بَيْنكُم فتزل قدم بعد ثُبُوتهَا وتذوقوا السوء بِمَا صددتم عَن سَبِيل الله وَلكم عَذَاب عَظِيم} (النَّحْل: 49) دَخَلاً: مَكْراً وخيانَةً.
وَجه ذكر هَذِه الْآيَة للْيَمِين الْغمُوس وُرُود الْوَعيد على من حلف كَاذِبًا مُتَعَمدا، وَهَذِه الْآيَة كلهَا سيقت فِي رِوَايَة كَرِيمَة وَفِي رِوَايَة أبي ذَر إِلَى قَوْله: (بعد ثُبُوتهَا) . قَوْله: (وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانكُم دخلا) نَهَاهُم الله تَعَالَى عَن اتِّخَاذ أَيْمَانهم دخلا، وَيَجِيء تَفْسِيره الْآن، وَقَالَ مُجَاهِد: كَانُوا يحالفون الحلفاء فيجدون أَكثر مِنْهُم وأعز فينقضون حلف هَؤُلَاءِ يحالفون الْأَكْثَر فنهوا عَن ذَلِك. قَوْله: (فتزل قدم بعد ثُبُوتهَا) أَي: فتزل أقدامكم عَن محجة الْإِسْلَام بعد ثُبُوتهَا عَلَيْهَا. قَوْله: (وتذوقوا السوء) أَي: فِي الدُّنْيَا. قَوْله: (بِمَا صددتم) أَي: بِسَبَب صدودكم عَن سَبِيل الله. وَهُوَ الدُّخُول فِي الْإِسْلَام. قَوْله: (وَلكم عَذَاب عَظِيم) يَعْنِي: فِي الْآخِرَة. قَوْله: دخلا، مكراً وخيانه. تسفير قَتَادَة وَسَعِيد بن جُبَير أخرجه عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن قَتَادَة قَالَ: خِيَانَة وغدراً، وَقَالَ أَبُو عبيد: الدخل كل أَمر كَانَ على فَسَاد.(23/193)
71 - (بابُ قَوْلِ الله تَعَالَى: {إِن الَّذين يشْتَرونَ بِعَهْد الله وَأَيْمَانهمْ ثمنا قَلِيلا أولائك لَا خلاق لَهُم فِي الأخرة وَلَا يكلمهم الله وَلَا ينظر إِلَيْهِم يَوْم الْقِيَامَة وَلَا يزكيهم وَلَهُم عَذَاب أَلِيم} (آل عمرَان: 77) وقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: {وَلَا تجْعَلُوا الله عرضة لأيمانكم أَن تبروا وتتقوا وتصلحوا بَين النَّاس وَالله سميع عليم} (الْبَقَرَة: 422) وقوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ {وَلَا تشتروا بِعَهْد الله ثمنا قَلِيلا إِن مَا عِنْد الله خير لكم إِن كُنْتُم تعلمُونَ} (النَّحْل: 59) {وأوفوا بِعَهْد الله إِذا عاهذتم وَلَا تنقضوا الْأَيْمَان بعد توكيدها وَقد جعلتم الله عَلَيْكُم كَفِيلا} (النَّحْل: 19)
ترْجم البُخَارِيّ بِهَذِهِ الْآيَات إِشَارَة إِلَى أَن الْيَمين الْغمُوس لَا كَفَّارَة فِيهَا لِأَنَّهَا لم تذكر فِيهَا، وَلذَلِك ذكر حَدِيث الْبَاب، أَعنِي: حَدِيث عبد الله بن مَسْعُود عقيب ذكر هَذِه الْآيَات، وَهُوَ وَجه الْمُنَاسبَة أَيْضا بَين هَذَا الْبَاب وَالْبَاب الَّذِي قبله. وَقَالَ ابْن بطال: وبهذه الْآيَات والْحَدِيث احْتج الْجُمْهُور على أَن الْغمُوس لَا كَفَّارَة فِيهَا، لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذكر فِي هَذِه الْيَمين الْمَقْصُود بهَا الْحِنْث والعصيان والعقوبة وَالْإِثْم وَلم يذكر فِيهَا كَفَّارَة. وَلَو كَانَت لذكرت كَمَا ذكرت فِي الْيَمين المعقودة. فَقَالَ (فليكفر عَن يَمِينه وليأت الَّذِي هُوَ خير) . وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: لَا نعلم سنة تدل على قَول من أوجب فِيهَا الْكَفَّارَة، بل هِيَ دَالَّة على قَول من لم يُوجِبهَا. قلت: هَذَا كُله حجَّة على الشَّافِعِيَّة. قَوْله: قَول الله تَعَالَى: {إِن الَّذين يشْتَرونَ بِعَهْد الله وَأَيْمَانهمْ} ... الْآيَة كَذَا هُوَ فِي رِوَايَة أبي ذَر، وسَاق فِي رِوَايَة كَرِيمَة الْآيَة بِتَمَامِهَا إِلَى قَوْله: {عَذَاب أَلِيم} وَقَالَ بعض الْمُفَسّرين: هَذِه الْآيَة نزلت فِي الْأَشْعَث بن قيس خَاصم بعض الهيود فِي أَرض فَجحد الْيَهُودِيّ فقدمه إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: (أَلَك بَيِّنَة؟) قَالَ: لَا. قَالَ لِلْيَهُودِيِّ: (أتحلف؟) قَالَ أَشْعَث: إِذا يحلف فَيذْهب مَالِي، وَيَجِيء الْآن هَذَا الحَدِيث. وَقَالَ ابْن كثير. قَوْله تَعَالَى: {إِن الَّذين يشْتَرونَ} أَي: يعتاضون عَمَّا هدَاهُم الله عَلَيْهِ من اتِّبَاع مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَذكر صفته للنَّاس وَبَيَان أمره عَن أَيْمَانهم الكاذبة الْفَاجِرَة الآثمة بالأثمان القليلة وَهِي عرُوض هَذِه الْحَيَاة الدُّنْيَا الفانية الزائلة. قَوْله: (أُولَئِكَ لَا خلاق لَهُم) فِيهَا ولاحظ لَهُم مِنْهَا. قَوْله: (وَلَا يكلمهم الله) قَالُوا: إِن كَانُوا كفَّارًا فَلَا يكلمهم الله أصلا، وَإِن كَانُوا من العصاة فَلَا يسرهم الله وَلَا يَنْفَعهُمْ. قَوْله: (وَلَا ينظر إِلَيْهِم) أَي: وَلَا يرحمهم وَلَا يعْطف عَلَيْهِم. قَوْله: (وَلَا يزكيهم) أَي: وَلَا يثني عَلَيْهِم. وَاحْتج بِهَذِهِ الْآيَة بعض الْمَالِكِيَّة على أَن الْعَهْد يَمِين وَكَذَلِكَ الْمِيثَاق وَالْكَفَالَة. قَوْله: (قَوْله عز وَجل: {وَلَا تجْعَلُوا الله عرضة لأيمانكم} ) وَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر: وَقَول الله {وَلَا تجْعَلُوا الله عرضه} وَفِي رِوَايَة غَيره: وَقَوله جلّ ذكره. قَالَ النَّسَفِيّ: نزلت هَذِه الْآيَة فِي أبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، حِين حلف أَن لَا يصل ابْنه عبد الرَّحْمَن حَتَّى يسلم، وَقيل: نزلت فِي عبد الله بن رَوَاحَة، ذَلِك أَنه حلف أَن لَا يدْخل على ختنه وَلَا يكلمهُ.(23/194)
قَوْله: {عرضة} أَي عِلّة مَانِعَة لكم من الْبر وَالتَّقوى والإصلاح فَإِن تحلفُوا أَن لَا تَفعلُوا ذَلِك فتعللوا بهَا أَو تَقولُوا: حلفنا وَلم تحلفُوا بِهِ، وعرضة على وزن فعلة من الِاعْتِرَاض، والمعترض بَين الشَّيْئَيْنِ مَانع. وَقَالَ ابْن عَبَّاس: عرضة، أَي حجَّة. {أَن تبروا} أَي: على أَن لَا تبروا. وَكلمَة: لَا، مضمرة فِيهِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {يبين الله لكم أَن تضلوا} (النِّسَاء: 671) وَيُقَال: كَرَاهَة أَن تبروا. وَقَالَ سعيد ابْن جُبَير: هُوَ الرجل يحلف أَن لَا يبر وَلَا يُصَلِّي وَلَا يصلح. فَيُقَال لَهُ فِيهِ، فَيَقُول: قد حَلَفت. قَوْله: {وَلَا تشتروا بِعَهْد الله ثمنا قَلِيلا} (النَّحْل: 59) إِلَى قَوْله: {كَفِيلا} بِتَمَامِهِ وَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر، وَسقط جَمِيعه لغيره، وَقَالَ ابْن بطال: فِي هَذِه الْآيَة دَلِيل على تَأْكِيد الْوَفَاء بالعهد لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: {وَلَا تنقضوا الْأَيْمَان بعد توكيدها} (النَّحْل: 19) وَلم يتَقَدَّم غير ذكر الْعَهْد. قَوْله: {وَقد جعلتم الله عَلَيْكُم كَفِيلا} (النَّحْل: 9) أَي: شَهِيد فِي الْعَهْد، هَكَذَا رُوِيَ عَن سعيد بن جُبَير وَعَن مُجَاهِد. يَعْنِي: وَكيلا، أخرجه ابْن أبي حَاتِم عَنهُ.
6766 - حدّثنا مُوسَى بنُ إسْماعِيلَ حَدثنَا أبُو عَوَانَةَ عنِ الأعْمَشِ عَنْ أبي وائِلٍ عنْ عَبْدِ الله رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ صَبْرٍ يَقْتَطِعُ بِها مالَ امْرِىءٍ مُسْلِمٍ لَقِيَ الله وهْوَ عَلَيْهِ غَضْبان) .
فأنْزَلَ الله تَصْدِيقَ ذالِكَ {إِن الَّذين يشْتَرونَ بِعَهْد. . ثمنا قَلِيلا} (آل عمرَان: 77) إِلَى آخِرِ الآيَةِ. َلَ الأشْعَثُ بنُ قَيْسٍ فَقَالَ: مَا حَدَّثَكُمْ أبُو عَبْدِ الرَّحْمانِ؟ فقالُوا: كَذا وكَذا. قَالَ: فِيَّ أُنْزِلَتْ، كانَتْ لِي بِئْرٌ فِي أرْضِ ابنِ عَمٍّ لِي، فأتَيْتُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: (بَيْنَتُكَ أوْ يَمِينُهُ) قُلْتُ: إِذا يَحْلِفَ عَلَيْها يَا رسولَ الله! فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (مَنْ حَلَفَ عَلى يَمِينٍ صَبْرٍ وهْوَ فِيها فاجِرٌ يَقْتَطِعُ بِها مالَ امرِىءٍ مُسْلِمٍ لَقِيَ الله يَوْمَ القِيامَةِ وهْوَ عَلَيْهِ غَضْبانُ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة الَّتِي هِيَ الْآيَة الأولى ظَاهِرَة. وَأَبُو عوَانَة بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْوَاو الوضاح الْيَشْكُرِي، وَالْأَعْمَش سُلَيْمَان، وَأَبُو وَائِل شَقِيق بن سَلمَة، وَعبد الله هُوَ ابْن مَسْعُود.
والْحَدِيث قد مضى فِي الشّرْب فِي: بَاب الْخُصُومَة فِي الْبِئْر وَالْقَضَاء فِيهَا، فَإِنَّهُ أخرج هُنَاكَ عَن عَبْدَانِ عَن أبي حَمْزَة عَن الْأَعْمَش عَن شَقِيق. . إِلَى آخِره، وَمر الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (على يَمِين صَبر) بِفَتْح الصَّاد الْمُهْملَة وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة وَهِي الَّتِي يلْزم وَيجْبر عَلَيْهَا حالفها، وَيُقَال: هِيَ أَن يحبس السُّلْطَان رجلا على يَمِين حَتَّى يحلف بهَا، يُقَال: صبرت يَمِيني أَي: حَلَفت بِاللَّه، وأصل الصَّبْر الْحَبْس، وَمَعْنَاهُ: مَا يجْبر عَلَيْهَا. وَقَالَ الدَّاودِيّ: مَعْنَاهُ: وَأَن يُوقف حَتَّى يحلف على رُؤُوس النَّاس. قَوْله: (وَهُوَ فِيهَا) الْوَاو للْحَال قَوْله: (فَاجر) أَي: كَاذِب، كَذَا فِي رِوَايَة الْأَعْمَش: فِيهَا، وَفِي رِوَايَة أبي مُعَاوِيَة: عَلَيْهَا، وَوَقع فِي رِوَايَة شُعْبَة: على يَمِين كَاذِبًا. قَوْله: (يقتطع) حَال، وَفِي رِوَايَة حجاج بن منهال: ليقتطع، بِزِيَادَة لَام التَّعْلِيل، ويقتطع يفتعل من الْقطع كَأَنَّهُ يقطعهُ عَن صَاحبه أَو يَأْخُذ قِطْعَة من مَاله بِالْحلف الْمَذْكُور. قَوْله: (وَهُوَ عَلَيْهِ) الْوَاو للْحَال، وَفِي رِوَايَة مُسلم: وَهُوَ عَنهُ معرض، وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد، ألاَّ لَقِي الله وَهُوَ أَجْذم، وَفِي حَدِيث أبي أُمَامَة بن ثَعْلَبَة عِنْد مُسلم وَالنَّسَائِيّ فِي نَحْو هَذَا الحَدِيث. فقد أوجب الله لَهُ النَّار وَحرم عَلَيْهِ الْجنَّة، وَفِي حَدِيث عمرَان عِنْد أبي دَاوُد: فَليَتَبَوَّأ بِوَجْهِهِ مَقْعَده من النَّار. قَوْله: (فَأنْزل الله تَصْدِيق ذَلِك) أَي: تَصْدِيق قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. فَإِن قلت: قد تقدم فِي تَفْسِير سُورَة آل عمرَان أَنَّهَا نزلت فِيمَن أَقَامَ سلْعَته بعد الْعَصْر، فَحلف كَاذِبًا.
قلت: يجوز أَن تكون نزلت فِي الْأَمريْنِ مَعًا فِي وَقت وَاحِد، وَاللَّفْظ عَام متناول للقضيتين ولغيرهما. قَوْله: (مَا حَدثكُمْ أَبُو عبد الرَّحْمَن) ؟ هُوَ كنية عبد الله بن مَسْعُود. فَإِن قلت: هُنَا: فَدخل الْأَشْعَث بن قيس، وَفِي رِوَايَة فِي كتاب الرَّهْن: ثمَّ إِن الْأَشْعَث بن قيس خرج إِلَيْنَا فَقَالَ: مَا يُحَدثكُمْ أَبُو عبد الرَّحْمَن.
قلت: الْجمع بَين الرِّوَايَتَيْنِ بِأَن يُقَال: إِنَّه خرج عَلَيْهِم من مَكَان كَانَ فِيهِ فَدخل الْمَكَان الَّذِي كَانُوا فِيهِ. فَإِن قلت: سَيَأْتِي فِي الْأَحْكَام فِي رِوَايَة الثَّوْريّ عَن الْأَعْمَش وَمَنْصُور جَمِيعًا: فجَاء الْأَشْعَث وَعبد الله يُحَدِّثهُمْ.
قلت: التَّوْفِيق هُنَا أَن يُقَال: إِن خُرُوج الْأَشْعَث من مَكَانَهُ الَّذِي كَانَ فِيهِ إِلَى الْمَكَان الَّذِي كَانَ فِيهِ عبد الله وَقع وَعبد الله يُحَدِّثهُمْ، فَلَعَلَّ الْأَشْعَث تشاغل بِشَيْء فَلم(23/195)
يدْرك بِحَدِيث عبد الله، فَسَأَلَ أَصْحَابه بقوله: (مَا حَدثكُمْ أَبُو عبد الرَّحْمَن؟) قَوْله: (فَقَالُوا: كَذَا وَكَذَا) ويروى: قَالُوا، بِدُونِ الْفَاء، وَفِي رِوَايَة جرير: فَحَدَّثنَاهُ يَعْنِي الْأَشْعَث، وبيَّن شُعْبَة فِي رِوَايَته أَن الَّذِي حَدثهُ بِمَا حَدثهمْ بِهِ عبد الله بن مَسْعُود هُوَ أَبُو وَائِل الرَّاوِي شَقِيق بن سَلمَة. فَإِن قلت: قد مر فِي الْأَشْخَاص: قَالَ: فلقيني الْأَشْعَث بن قيس فَقَالَ: مَا حَدثكُمْ عبد الله الْيَوْم؟ .
قلت: كَذَا وَكَذَا.
قلت: لَيْسَ بَين الرِّوَايَتَيْنِ مُنَافَاة لِأَنَّهُ إِنَّمَا أفرده فِي هَذِه الرِّوَايَة لكَونه الْمُجيب. قَوْله: (قَالَ: فِي أنزلت) أَي: قَالَ الْأَشْعَث، فِي أنزلت هَذِه الْآيَة، وَكلمَة: فِي، بِكَسْر الْفَاء وَتَشْديد الْيَاء. قَوْله: (كَانَت لي بِئْر) كَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْكشميهني: كَانَت، بالتأنيث، وَفِي رِوَايَة غَيره: كَانَ بالتذكير. قَوْله: (كَانَت لي بِئْر) فِي رِوَايَة أبي مُعَاوِيَة: أَرض، وَادّعى الْإِسْمَاعِيلِيّ فِي الشّرْب أَن أَبَا حَمْزَة تفرد بقوله: فِي بِئْر، وَلَيْسَ كَمَا قَالَ، فقدوا فقه أَبُو عوَانَة كَمَا ترى، وَكَذَا وَقع عِنْد أَحْمد من رِوَايَة عَاصِم عَن شَقِيق: فِي بِئْر، وَوَقع فِي رِوَايَة جرير عَن مَنْصُور: فِي شَيْء. قَوْله: (ابْن عَم لي) كَذَا وَقع للأكثرين أَن الْخُصُومَة كَانَت فِي بِئْر يدعيها الْأَشْعَث فِي أَرض لخصمه. فَإِن قلت: فِي رِوَايَة أبي مُعَاوِيَة: كَانَ بيني وَبَين رجل من الْيَهُود أَرض فجحدني.
قلت: المُرَاد أَرض الْبِئْر لَا جَمِيع الأَرْض الَّتِي من جُمْلَتهَا أَرض الْبِئْر، وَلَا مُنَافَاة بَين قَوْله: ابْن عَم لي، وَبَين قَوْله: من الْيَهُود، لِأَن جمَاعَة من أهل الْيمن كَانُوا يهوداً، وَلما غلب يُوسُف ذُو نواس على الْيمن وطرد عَنْهَا الْحَبَشَة فجَاء الْإِسْلَام وهم على ذَلِك، وَقد أخرج الطَّبَرَانِيّ من طَرِيق الشّعبِيّ عَن الْأَشْعَث قَالَ: خَاصم رجل من المخضرمين رجلا منا يُقَال لَهُ: الخفشيش إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي أَرض لَهُ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للمخضرم، جىء بشهودك على حَقك وإلاَّ حلف لَك ... الحَدِيث، وَهَذَا مُخَالف لسياق مَا فِي الصَّحِيح، فَإِن كَانَ ثَابتا حمل على تعدد الْقَضِيَّة. قَوْله: (بينتك) بِالنّصب أَي: أحضر أَو أطلب بينتك، بِالنّصب ويروى: بِالرَّفْع، أَي: الْمَطْلُوب بينتك. أَو يَمِينه إِن لم تكن لَك بَيِّنَة، وَفِي رِوَايَة أبي مُعَاوِيَة: وَقَالَ: أَلَك بَيِّنَة؟ .
قلت: لَا. فَقَالَ لِلْيَهُودِيِّ: احْلِف. وَفِي رِوَايَة أبي حَمْزَة: فَقَالَ: أَلَك شُهُود؟ .
قلت: مَا لي شُهُود. قَالَ: فيمينه. وَفِي رِوَايَة وَكِيع عَن مُسلم: أَلَك عَلَيْهِ بَيِّنَة؟ وَفِي رِوَايَة جرير عَن مَنْصُور: شَاهِدَاك أَو يَمِينه. قَوْله: (إِذا يحلف) جَوَاب وَجَزَاء بِنصب يحلف.
81 - (بابُ اليَمِينِ فِيما لَا يَمْلِكُ وَفِي المَعْصِيَةِ وَفِي الغَضَبِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم الْيَمين فِيمَا لَا يملكهُ الْحَالِف، وَفِي الْيَمين فِي الْمعْصِيَة وَفِي الْيَمين فِي حَالَة الْغَضَب، فَذكر ثَلَاثَة أَحَادِيث لكل وَاحِد من هَذِه الثَّلَاثَة حَدِيثا على التَّرْتِيب، يفهم حكم كل وَاحِد من كل وَاحِد من الْأَحَادِيث الثَّلَاثَة.
8766 - حدّثني مُحَمَّدُ بنُ العلاءِ حدّثنا أبُو أُسامَةَ عنْ بُرَيْد عنْ أبي بُرْدَةَ عنْ أبي مُوسَى قَالَ: أرْسَلَنِي أصْحابي إِلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أسألُهُ الحُمْلاَنَ. فَقَالَ: (وَالله لَا أحْمِلُكُمْ عَلى شَيْءٍ) ووافقْتُهُ وهْوَ غَضْبانُ، فلمَّا أتَيْتُهُ قَالَ: (أنْطَلِقْ إِلَى أصْحابِكَ فَقُلْ: إنَّ الله أوْ: إنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَحْمِلُكُمْ) .
مطابقته للجزء الأول للتَّرْجَمَة وَهُوَ الْيَمين فِيمَا لَا يملك.
وَهَذَا الحَدِيث بِعَين هَذَا الْإِسْنَاد مر فِي أول: بَاب غَزْوَة تَبُوك فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ أَيْضا عَن مُحَمَّد بن الْعَلَاء عَن أبي أُسَامَة عَن بريد بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الرَّاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف ابْن عبد الله بن أبي بردة اسْمه عَامر، وَقيل: الْحَارِث عَن أبي مُوسَى عبد الله بن قيس الْأَشْعَرِيّ، وبريد هَذَا يروي عَن جده أبي بردة، وَأَبُو بردة يروي عَن أَبِيه أبي مُوسَى، وَهنا اخْتَصَرَهُ، وَحَاصِل الْكَلَام أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حلف أَن لَا يحملهم وَلم يكن مَالِكًا لما سَأَلُوهُ فِي ذَلِك الْوَقْت، ثمَّ أرسل بِلَالًا وَرَاء أبي مُوسَى وَأَعْطَاهُ سِتَّة أَبْعِرَة، ثمَّ إِنَّه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حذر عَن يَمِينه فَدلَّ هَذَا على انْعِقَاد يَمِينه. وَقَالَ ابْن بطال: وَمِثَال هَذَا أَن يحلف رجل على أَن لَا يهب أَو لَا يتَصَدَّق أَو لَا يعْتق وَهُوَ فِي هَذِه الْحَالة لَا يملك شَيْئا من ذَلِك، ثمَّ حصل لَهُ مَال بعد ذَلِك فوهب أَو تصدق أَو أعتق، فَعِنْدَ جمَاعَة الْفُقَهَاء: تلْزمهُ الْكَفَّارَة كَمَا فعل الشَّارِع بالأشعريين أَنه حلل عَن يَمِينه وأتى بِالَّذِي هُوَ خير، وَلَو حلف أَن لَا يهب أَو لَا يتَصَدَّق مَا دَامَ معدماً وَجعل(23/196)
الْعَدَم عِلّة لامتناعه من ذَلِك، ثمَّ حصل لَهُ مَال بعد ذَلِك لم يلْزمه عِنْد الْفُقَهَاء كَفَّارَة إِن وهب أَو تصدق، لِأَنَّهُ إِنَّمَا وَقع يَمِينه على حَالَة الْعَدَم لَا على حَالَة الْوُجُود. وَفِي (التَّوْضِيح) : إِذا حلف الرجل بِعِتْق مَا لَا يملك إِن ملكه فِي الْمُسْتَقْبل؟ فَقَالَ مَالك: إِن عين أحدا أَو قَبيلَة أَو جِنْسا لزمَه الْعتْق، وَإِن قَالَ: كل مَمْلُوك أملكهُ أبدا حر، لم يلْزمه عتق، وَكَذَلِكَ فِي الطَّلَاق إِن عين قَبيلَة أَو بَلْدَة أَو صفة مَا لزمَه الْحِنْث، وَإِن لم يعين لم يلْزمه. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه: يلْزمه الطَّلَاق وَالْعِتْق سَوَاء عَم أَو خص. وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يلْزمه خص أَو عَم.
قَوْله: (أسأله الحملان) بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْمِيم وَهُوَ مَا يحمل عَلَيْهِ من الدَّوَابّ فِي الْهِبَة خَاصَّة قَوْله: (وَالله) معترض بَين القَوْل ومقوله. قَوْله: (ووافقته) أَي: النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَالْحَال أَنه غَضْبَان، وَجُمْهُور الْفُقَهَاء يلزمون الغاضب الْكَفَّارَة ويجعلون غَضَبه مؤكداً ليمينه، رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس: أَن الغضبان يَمِينه لَغْو وَلَا كَفَّارَة فِيهَا. وَرُوِيَ عَن مَسْرُوق وَالشعْبِيّ وَجَمَاعَة: أَن الغضبان لَا يلْزمه شَيْء لإِطْلَاق وَلَا عتاق، وَاحْتَجُّوا بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا طَلَاق فِي إغلاق وَلَا عتق قبل ملك. وَفِي حَدِيث الْأَشْعَرِيين رد لهَذِهِ الْمقَالة لِأَن الشَّارِع حلف وَهُوَ غاضب ثمَّ قَالَ: وَالله لَا أَحْلف على يَمِين) الحَدِيث. وَأما حَدِيث: (لَا طَلَاق فِي إغلاق) فَلَيْسَ بِثَابِت وَلَا مِمَّا يُعَارض بِهِ مثل حَدِيث الْأَشْعَرِيين وَنَحْوه.
والْحَدِيث أخرجه أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه واستدركه الْحَاكِم، وَقَالَ: صَحِيح على شَرط مُسلم. أَخْرجُوهُ من حَدِيث عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، وَقَالَ أَبُو دَاوُد: أَظُنهُ فِي الْغَضَب، وَقَالَ غَيره: الإغلاق الْإِكْرَاه وَالْمَحْفُوظ: إغلاق، كَمَا هُوَ لفظ ابْن مَاجَه وَالْحَاكِم، وَلَفظ أبي دَاوُد: غلاق، وَأما حَدِيث: (لَا عتق قبل ملك) ، فَهُوَ من حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده مَرْفُوعا: (لَا طَلَاق إلاَّ فِيمَا يملك) رَوَاهُ الْأَرْبَعَة وَالْحَاكِم، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَاد صَحِيح، وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث حسن، وَتَأَول المدنيون والكوفيون الإغلاق على الْإِكْرَاه. قَوْله: (فَلَمَّا أَتَيْته) أَي: النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَي: مرّة أُخْرَى بعد ذَلِك.
9766 - حدّثنا عبْدُ العَزِيزِ إبْرَاهِيمُ عنْ صالِحٍ عنِ ابْن شِهابٍ.
(ح) وحدّثنا الحَجَّاجُ حدّثنا عَبْدُ الله بنُ عُمَرَ النُّمَيْرِيُّ حدّثنا يُونُسُ بنُ يَزِيَد الأيْلِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ قَالَ: سَمِعْتُ عُرْوَةَ ابنَ الزُّبَيْر وسَعيدَ بنَ المُسَيَّبِ وعَلْقَمَةَ بنَ وقَّاصٍ وعُبَيْدَ الله بنَ عَبْدِ الله بنِ عُتْبَةَ عنْ حَدِيثٍ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا، زَوْجِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِينَ قَالَ لَها أهْلُ الإفْكِ مَا قالُوا، فَبَرَّأها الله ممَّا قالُوا، كُلٌّ حدّثني طائِفَةً مِن الحَدِيثِ، فأنْزَلَ الله {إِن الَّذين جاؤوا بالإفك} (النُّور: 11)
العَشْرَ الآياتِ كلَّها فِي بَرَاءَتِي، فَقَالَ أبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، وكانَ يُنْفِقُ عَلى مِسْطَحِ لِقَرَابَتِهِ مِنْهُ: وَالله لَا أُنْفِقُ عَلى مِسْطَحِ شَيْئاً أبَداً بَعْدَ الّذِي قَالَ لِعائِشَة، فأنْزَل الله: {وَلَا يَأْتَلِ أولُوا الْفضل مِنْكُم وَالسعَة أَو يؤتوا ولي الْقُرْبَى} (النُّور: 22) الْآيَة. قَالَ أبُو بَكْرٍ: بلَى وَالله إنِّي لأُحبُّ أنُ يَغْفِرَ الله لي، فَرَجَعَ إِلَى مِسْطَحٍ النَّفْقَةَ الَّتِي كانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ، وَقَالَ: وَالله لَا أنْزِعُها عنْهُ أبَداً.
مطابقته للجزء الثَّانِي: للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَالله لَا أنْفق على مسطح شَيْئا أبدا) وَهُوَ مُطَابق لترك الْيَمين فِي الْمعْصِيَة لِأَنَّهُ حلف أَن لَا ينفع مسطحًا أبدا لكَلَامه فِي عَائِشَة، فَكَانَ حَالفا على ترك طَاعَة فنهي عَن الِاسْتِمْرَار على مَا حلف عَلَيْهِ، فَيكون النَّهْي عَن الْحلف على فعل الْمعْصِيَة بطرِيق الأولى.
ثمَّ إِنَّه أخرج هَذِه الْقطعَة من حَدِيث الْإِفْك المطول من طَرِيقين: الأول: عَن عبد الْعَزِيز بن عبد الله الأويسي عَن إِبْرَاهِيم بن سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف عَن صَالح بن كيسَان عَن مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ. وَالثَّانِي: عَن حجاج بن منهال عَن عبد الله بن عمر النميري بِضَم النُّون وَفتح الْمِيم وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف عَن يُونُس بن يزِيد الْأَيْلِي بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف، نِسْبَة إِلَى(23/197)
مَدِينَة أَيْلَة عل سَاحل بَحر القلزم مِمَّا يَلِي الشَّام، وَهِي الْيَوْم خرابة.
قَوْله: (وَطَائِفَة) أَي: قِطْعَة. وَقد مضى الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى فِي: بَاب حَدِيث الْإِفْك، فِي كتاب الْمَغَازِي.
9766 - حدّثنا عبْدُ العَزِيزِ إبْرَاهِيمُ عنْ صالِحٍ عنِ ابْن شِهابٍ.
(ح) وحدّثنا الحَجَّاجُ حدّثنا عَبْدُ الله بنُ عُمَرَ النُّمَيْرِيُّ حدّثنا يُونُسُ بنُ يَزِيَد الأيْلِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ قَالَ: سَمِعْتُ عُرْوَةَ ابنَ الزُّبَيْر وسَعيدَ بنَ المُسَيَّبِ وعَلْقَمَةَ بنَ وقَّاصٍ وعُبَيْدَ الله بنَ عَبْدِ الله بنِ عُتْبَةَ عنْ حَدِيثٍ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا، زَوْجِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِينَ قَالَ لَها أهْلُ الإفْكِ مَا قالُوا، فَبَرَّأها الله ممَّا قالُوا، كُلٌّ حدّثني طائِفَةً مِن الحَدِيثِ، فأنْزَلَ الله {إِن الَّذين جاؤوا بالإفك} (النُّور: 11)
العَشْرَ الآياتِ كلَّها فِي بَرَاءَتِي، فَقَالَ أبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، وكانَ يُنْفِقُ عَلى مِسْطَحِ لِقَرَابَتِهِ مِنْهُ: وَالله لَا أُنْفِقُ عَلى مِسْطَحِ شَيْئاً أبَداً بَعْدَ الّذِي قَالَ لِعائِشَة، فأنْزَل الله: {وَلَا يَأْتَلِ أولُوا الْفضل مِنْكُم وَالسعَة أَو يؤتوا ولي الْقُرْبَى} (النُّور: 22) الْآيَة. قَالَ أبُو بَكْرٍ: بلَى وَالله إنِّي لأُحبُّ أنُ يَغْفِرَ الله لي، فَرَجَعَ إِلَى مِسْطَحٍ النَّفْقَةَ الَّتِي كانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ، وَقَالَ: وَالله لَا أنْزِعُها عنْهُ أبَداً.
مطابقته للجزء الثَّانِي: للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَالله لَا أنْفق على مسطح شَيْئا أبدا) وَهُوَ مُطَابق لترك الْيَمين فِي الْمعْصِيَة لِأَنَّهُ حلف أَن لَا ينفع مسطحًا أبدا لكَلَامه فِي عَائِشَة، فَكَانَ حَالفا على ترك طَاعَة فنهي عَن الِاسْتِمْرَار على مَا حلف عَلَيْهِ، فَيكون النَّهْي عَن الْحلف على فعل الْمعْصِيَة بطرِيق الأولى.
ثمَّ إِنَّه أخرج هَذِه الْقطعَة من حَدِيث الْإِفْك المطول من طَرِيقين: الأول: عَن عبد الْعَزِيز بن عبد الله الأويسي عَن إِبْرَاهِيم بن سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف عَن صَالح بن كيسَان عَن مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ. وَالثَّانِي: عَن حجاج بن منهال عَن عبد الله بن عمر النميري بِضَم النُّون وَفتح الْمِيم وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف عَن يُونُس بن يزِيد الْأَيْلِي بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف، نِسْبَة إِلَى مَدِينَة أَيْلَة عل سَاحل بَحر القلزم مِمَّا يَلِي الشَّام، وَهِي الْيَوْم خرابة.
قَوْله: (وَطَائِفَة) أَي: قِطْعَة. وَقد مضى الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى فِي: بَاب حَدِيث الْإِفْك، فِي كتاب الْمَغَازِي.
0866 - حدّثنا أبُو معْمَرٍ حدّثنا عبْدُ الوَارِثِ حدّثنا أيُّوبُ عنِ القاسِمِ عنْ زَهْدَمٍ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ أبي مُوسَى الأشْعَرِيِّ فَقال: أتَيْتُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي نَفَرٍ مِنَ الأشْعَرِيِّينَ فَوَافَقْتُهُ وهْوَ غَضْبانُ، فاسْتَحْمَلْناهُ فَحَلَف أنْ لَا يَحْمِلَنا، ثُمَّ قَالَ: (وَالله إنْ شاءَ الله لَا أحْلِف عَلى يَمِينٍ فَأرى غيْرِها خَيْراً مِنْها إلاّ أتَيْتُ الّذي هُوَ خَيْرٌ وتَحَلَّلْتُها) .
مطابقته للجزء الثَّالِث من التَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فوافقته وَهُوَ غَضْبَان، فاستحملناه فَحلف أَن لَا يحملنا) وَقد مر الْكَلَام فِي حلف الغاضب عَن قريب فِي الحَدِيث الأول.
وَأخرجه عَن أبي معمر بِفَتْح الميمين عبد الله بن عَمْرو وَعَن عبد الْوَارِث بن سعيد عَن أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ عَن الْقَاسِم بن عَاصِم عَن زَهْدَم بِفَتْح الزَّاي وَسُكُون الْهَاء وَفتح الدَّال الْمُهْملَة ابْن مضرب الجرمى إِلَى آخِره ... وَقد مر هَذَا الحَدِيث بأتم مِنْهُ عَن قريب فِي، بَاب لَا تحلفُوا بأبائكم، فَإِنَّهُ أخرجه عَن قُتَيْبَة عَن عبد الْوَهَّاب عَن أَيُّوب عَن أبي قلَابَة وَالقَاسِم التَّمِيمِي عَن زَهْدَم ... إِلَى آخِره، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ.
91 - (بابٌ إِذا قَالَ: وَالله لَا أتَكَلُمُ اليَوْمَ، فَصَلَّى أوْ قَرَأ أوْ سَبَّحَ أوْ كَبَّرَ أوْ حَمِدَ أوْ هَلَّلَ، فَهْوَ عَلَى نِيَّتِهِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا إِذا قَالَ شخص: وَالله ... إِلَى آخِره، قَوْله: (فَهُوَ على نِيَّته) يَعْنِي: إِن قصد بالْكلَام مَا هُوَ كَلَام عرفا لَا يَحْنَث بِهَذِهِ الْأَذْكَار وَالْقِرَاءَة وَالصَّلَاة، وَإِن قصد الْأَعَمّ يَحْنَث بهَا، قَالَه الْكرْمَانِي وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : أَي إِذا كَانَت نِيَّته لَا يتَكَلَّم فِي شَيْء من أَمر الدُّنْيَا فَلَا حنث عَلَيْهِ إِذا سبح، وَقَالَ ابْن بطال: الْمَعْنى فِي الْحَالِف أَن لَا يتَكَلَّم الْيَوْم أَنه مَحْمُول على كَلَام النَّاس لَا على التِّلَاوَة وَالتَّسْبِيح، وَقَالَ أَصْحَابنَا: حلف أَن لَا يتَكَلَّم فَقَرَأَ الْقُرْآن فِي صلَاته أَو سبح لم يَحْنَث وَإِن قَرَأَ فِي غير الصَّلَاة يَحْنَث، خلافًا للشَّافِعِيّ، وَالْقِيَاس أَن يَحْنَث فيهمَا. وَقَالَ الْفَقِيه أَبُو اللَّيْث إِن عقد الْيَمين بِالْعَرَبِيَّةِ فَكَذَلِك، وَإِن عقدهَا بِالْفَارِسِيَّةِ لَا يَحْنَث إِذا قَرَأَ الْقُرْآن أَو سبح فِي غير صلَاته.
وَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (أفْضَلُ الكَلامِ أرْبَعٌ سُبْحانَ الله، والحَمْدِ لله، وَلَا إلاهَ إلاّ الله، وَالله أكْبَرُ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن غَرَض البُخَارِيّ بَيَان أَن الْأَذْكَار وَنَحْوهَا كَلَام، وَكلمَة: فَيحنث بهَا، قيل: هَذَا من الْأَحَادِيث الَّتِي لم يصلها البُخَارِيّ فِي مَوضِع آخر، وَقد وَصله النَّسَائِيّ من طَرِيق ضرار بن مرّة عَن أبي صَالح عَن أبي سعيد وَأبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا بِلَفْظِهِ. وَأخرجه مُسلم من حَدِيث سَمُرَة بن جُنْدُب لَكِن بِلَفْظ: أحب الْكَلَام، وَوجه أفضليته أَن فِيهِ إِشَارَة إِلَى جَمِيع صِفَات الله عز وَجل عدمية ووجودية إِجْمَالا، لِأَن التَّسْبِيح إِشَارَة إِلَى تَنْزِيه الله تَعَالَى عَن النقائص والتحميد إِلَى وَصفه بالكمال. فَالْأول: فِيهِ النُّقْصَان وَالثَّانِي: فِيهِ إِثْبَات الْكَمَال وَالثَّالِث: إِلَى تَخْصِيص مَا هُوَ أصل الدّين وأساس الْإِيمَان، يَعْنِي: التَّوْحِيد وَالرَّابِع: إِلَى أَنه أكبر مِمَّا عَرفْنَاهُ، سُبْحَانَكَ مَا عرفناك حق معرفتك.
وَقَالَ أبُو سُفْيانَ: كَتَبَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى هِرْقَلَ: {تَعَالَوْا إِلَى كلمة سَوَاء بَيْننَا وَبَيْنكُم} (آل عمرَان: 46) [/ ح.
أَبُو سُفْيَان صَخْر بن حَرْب بن أُميَّة أَبُو مُعَاوِيَة، وَهَذَا طرف من حَدِيث طَوِيل أخرجه فِي أول الْكتاب وَأَرَادَ بِهِ هُنَا الْإِشَارَة إِلَّا أَن لفظ الْكَلِمَة من بَاب إِطْلَاق الْبَعْض على الْكل، مثلا، إِذا أطلق لفظ: كلمة، على مثل: سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله ... إِلَى آخِره، يكون المُرَاد مِنْهَا الْكَلَام، كَمَا يُقَال: كلمة التَّوْحِيد، وَهِي تشْتَمل على كَلِمَات.
وَقَالَ مُجاهدٌ: كَلِمَةُ التَّقْواى: لَا إلاهَ إلاّ الله
أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وألزمهم كلمة التَّقْوَى} (الْفَتْح: 62) أَي: لَا إِلَه إلاَّ الله، فَإِن لَا إل هـ إلاَّ الله كَلَام أطلق عَلَيْهِ الْكَلِمَة.(23/198)
1866 - حدّثنا أبُو اليَمانِ أخبرنَا شُعَيْبٌ عَن الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبرنِي سَعِيدُ بنُ المُسَيَّب عنْ أبِيهِ قَالَ: لَ مَّا حَضَرَتْ أَبَا طالِبٍ الوَفاةُ جاءَهُ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: (قُلْ: لَا إلاهَ إلاّ الله، كَلِمَةً أُحاجُّ لَكَ بهَا عِنْدَ الله) .
الْكَلَام فِي ذكر هَذَا هُنَا مثل الْكَلَام الَّذِي ذَكرْنَاهُ الْآن فِيمَا قبله، فَإِنَّهُ أطلق على قَول: (لَا إِلَه إِلَّا الله) كلمة، وَهَذَا مُخْتَصر تقدم تَمَامه فِي قصَّة أبي طَالب فِي آخر كتاب فَضَائِل الصَّحَابَة.
وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع، وَالْمُسَيب بِفَتْح الْيَاء وَكسرهَا، وَقَالَ الْكرْمَانِي: قَالُوا: هَذَا مِمَّا يبطل الْقَاعِدَة القائلة بِأَن شَرط البُخَارِيّ أَن لَا يروي عَن شخص حَتَّى يكون لَهُ راويان، وَلَيْسَ للمسيب إلاَّ راوٍ واحدٍ وَهُوَ ابْنه فَقَط.
قَوْله: (كلمة) بِالنّصب على أَنه فِي مَحل: لَا إل هـ إلاَّ الله، وَيجوز رَفعهَا على تَقْدِير: هِيَ كلمة. قَوْله: (أُحَاج) بِضَم الْهمزَة وَأَصله: احاجج، يَعْنِي: أظهر لَك بهَا الْحجَّة عِنْد الله يَعْنِي: يَوْم الْقِيَامَة.
2866 - حدّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ فُضَيْلٍ حدّثنا عمارَةُ بنُ القَعْقاعِ عنْ أبي زُرْعَةَ عنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (كَلِمتَانِ خَفِيفَتانِ عَلى اللِّسانِ ثَقِيلتانِ فِي المِيزانِ حبِيبتانِ إِلَى الرَّحْمانِ: سُبْحانَ الله وبِحَمْدِهِ، سُبْحانَ الله العَظِيمِ) . (انْظُر الحَدِيث 6046 وطرفه) .
الْكَلَام فِيهِ مثل الْكَلَام فِيمَا قبله. وَأَبُو زرْعَة هرم البَجلِيّ.
والْحَدِيث قد مضى فِي كتاب الدَّعْوَات فِي: بَاب فضل التَّسْبِيح، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن زُهَيْر بن حَرْب عَن ابْن فُضَيْل ... إِلَى آخِره نَحوه، وَسَيَجِيءُ فِي آخر الْكتاب عِنْد خَتمه إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
3866 - حدّثنا مُوسى بنُ إسْماعِيلَ حدّثنا عَبْدُ الواحِدِ حَدثنَا الأعْمَشُ عنْ شَقِيقٍ عنْ عَبْدِ الله رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَلِمَةً وقُلْتُ أُخْرَى: (مَنْ مَاتَ يَجْعَلُ لله نِدًّا أُدْخِلَ النَّارَ وقُلْتُ أُخْرَى، مَنْ ماتَ لَا يَجْعَلُ لله نِدًّا أدْخِلَ الجَنَّةَ) . (انْظُر الحَدِيث 8321 وطرفه) .
هُوَ أَيْضا مثل مَا قبله من إِطْلَاق الْكَلِمَة على الْكَلَام وَعبد الْوَاحِد هُوَ ابْن زِيَاد، وَالْأَعْمَش سُلَيْمَان، وشقيق هُوَ ابْن سَلمَة أَبُو وَائِل، وَعبد الله هُوَ ابْن مَسْعُود رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
قَوْله: (قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كلمة) وَهِي قَوْله: (من مَاتَ وَهُوَ يُشْرك بِاللَّه شَيْئا دخل النَّار) قَوْله: (وَقلت أُخْرَى) من كَلَام ابْن مَسْعُود أَي: قلت أَنا أُخْرَى، وَهِي (من مَاتَ لَا يَجْعَل لله ندا أَدخل الْجنَّة) وَهَذَا مر فِي أول كتاب الْجَنَائِز فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عَمْرو بن حَفْص عَن أَبِيه عَن الْأَعْمَش إِلَى آخِره. قَوْله: (ندا) بِكَسْر النُّون وَتَشْديد الدَّال: الْمثل والنظير. وَقَالَ الْكرْمَانِي الْعَكْس، الظَّاهِر أَن يُقَال: من مَاتَ لَا يَجْعَل لله ندا لَا يدْخل النَّار ثمَّ قَالَ: هَذَا هُوَ الصَّحِيح، لِأَن الموحد رُبمَا يدْخل النَّار، لَكِن دُخُول الْجنَّة مُحَقّق لَا شكّ فِيهِ. وَإِن كَانَ آخرا. انْتهى. قلت: كَلَامه فِي كَلَام ابْن مَسْعُود، فَافْهَم.
02 - (بابُ مَنْ حلَف أنْ لَا يَدْخُلَ عَلى أهْلِهِ شَهْراً وكانَ الشَّهْرُ تِسْعاً وعِشْرِينَ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان من حلف أَن لَا يدْخل على أَهله شهرا. وَاتفقَ أَن الشَّهْر كَانَ تسعا وَعشْرين يَوْمًا أَي: نَاقِصا. ثمَّ دخل عَلَيْهِ فَلَا يَحْنَث لِأَن الشَّهْر يكون تسعا وَعشْرين، وَهَذَا لَا خلاف فِيهِ إِذا حلف فِي أول جُزْء من الشَّهْر، وَأما إِذا حلف فِي أثْنَاء الشَّهْر يتَعَيَّن أَن يلفق ثَلَاثِينَ يَوْمًا عِنْد الْجُمْهُور. وَقَالَت طَائِفَة من الْمَالِكِيَّة، مِنْهُم عبد الحكم: يَكْتَفِي بتسع وَعشْرين.
4866 - حدّثنا عَبْدُ العَزِيزِ بنُ عَبْدِ الله حدّثنا سُلَيْمانُ بنُ بِلالٍ عنْ حُمَيْدٍ عنْ أنَسٍ قَالَ: آل - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -(23/199)
1764 - ; ى رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْ نِسائِهِ، وكانَتِ انْفَكَّتْ رِجْلُهُ فَأَقَامَ فِي مَشْرُبَةٍ تِسْعاً وعِشْرِينَ لَيْلَةً، ثُمَّ نَزَل فقالُوا: يَا رسولَ الله! آلَيْتَ شَهْراً. فَقَالَ: (إنَّ الشَّهْرَ يَكُونَ تِسْعاً وعِشْرِينَ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. والْحَدِيث مضى فِي الصَّوْم عَن عبد الْعَزِيز أَيْضا، وَفِي النِّكَاح عَن خَالِد بن مخلد، وَفِي الطَّلَاق عَن إِسْمَاعِيل بن أبي أويس.
قَوْله: (آلى) أَي: حلف وَلَيْسَ المُرَاد مِنْهُ الْإِيلَاء الفقهي. قَوْله: (فِي مشربَة) بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة وَضم الرَّاء وَفتحهَا: الغرفة.
12 - (بابٌ إنْ حَلَفَ أنْ لَا يَشْرَبَ نَبِيذاً فَشَرِبَ طِلاءً أوْ سَكَراً أوْ عَصِيراً لَمْ يَحْنَثْ فِي قَوْلِ بَعْضِ النَّاسِ، ولَيْسَتْ هاذِهِ بِأنْبِذَةٍ عِنْدَهُ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ: إِن حلف شخص أَن لَا يشرب نبيذاً إِلَى آخِره، والنبيذ فعيل بِمَعْنى مفعول، وَهُوَ الَّذِي يعْمل من الْأَشْرِبَة من: التَّمْر والزبيبت وَالْعَسَل وَالْحِنْطَة وَالشعِير والذرة والأرز وَنَحْو ذَلِك، من نبذت التَّمْر إِذا ألقيت عَلَيْهِ المَاء ليخرج عَلَيْهِ حلاوته، سَوَاء كَانَ مُسكرا أَو غير مُسكر، فَإِنَّهُ يُقَال لَهُ: نَبِيذ، وَيُقَال للخمر المعتصر من الْعِنَب: نَبِيذ، كَمَا يُقَال للنبيذ خمر. قَوْله: طلاء، بِكَسْر الطَّاء الْمُهْملَة وَالْمدّ، ويروى: الطلاء، بِالْألف وَاللَّام. وَقَالَ ابْن الْأَثِير: هُوَ الشَّرَاب الْمَطْبُوخ من الْعِنَب وَهُوَ الرب، وَأَصله القطران الخاثر الَّذِي يطلى بِهِ الْإِبِل، وَقَالَ أَصْحَابنَا: الطلاء الَّذِي يذهب ثلثه وَإِن ذهب نصفه فَهُوَ الْمنصف، وَإِن طبخ أدنى طبخه فَهُوَ الباذق، وَالْكل حرَام إِذا غلا وَاشْتَدَّ وَقذف بالزبد. قَوْله: (أَو سكرا) بِفتْحَتَيْنِ وَهُوَ نَقِيع الرطب وَهُوَ أَيْضا حرَام إِذا غلا وَاشْتَدَّ وَقذف بالزبد، وَقَالَ الْكرْمَانِي: السكر نَبِيذ يتَّخذ من التَّمْر. قَوْله: (لم يَحْنَث فِي قَول بعض النَّاس) قَالَ ابْن بطال: مُرَاد البُخَارِيّ بِبَعْض النَّاس أَبُو حنيفَة وَمن تبعه، فَإِنَّهُم قَالُوا: إِن الطلاء والعصير ليسَا نبيذاً لِأَن النَّبِيذ فِي الْحَقِيقَة مَا نبذ فِي المَاء ونقع فِيهِ وَمِنْه سمى المنبوذ مَنْبُوذًا لِأَنَّهُ ينْبذ ويطرح، فَأَرَادَ البُخَارِيّ الرَّد عَلَيْهِم، ورد عَلَيْهِ من لَيْسَ لَهُ تعصب، فَقَالَ: الَّذِي قَالَه هَذَا الشَّارِح بمعزل عَن مَقْصُود البُخَارِيّ، وَإِنَّمَا أَرَادَ تصويب قَول أبي حنيفَة، وَمن قَالَ: لم يَحْنَث وَلَا يضرّهُ. قَوْله: (بعده) فِي قَول بعض النَّاس فَإِنَّهُ لَو أَرَادَ خِلَافه لترجم على أَنه يَحْنَث، وَكَيف يترجم على وفْق مَذْهَب وَيُخَالِفهُ؟ انْتهى.
ثمَّ حسن بَعضهم مِمَّن لم يدْرك دقائق مَذْهَب أبي حنيفَة كَلَام ابْن بطال، فَقَالَ: وَالَّذِي فهمه ابْن بطال أوجه وَأقرب إِلَى مُرَاد البُخَارِيّ، وليت شعري مَا وَجه الأوجهية والقرب وَأَبُو حنيفَة مَا رأى من شرب الطلاء، إِلَّا الطلاء الَّذِي كَانَ يشربه أنس بن مَالك رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وروى ابْن أبي شيبَة فَقَالَ: حَدثنَا عبد الرَّحِيم بن سُلَيْمَان ووكيع عَن عُبَيْدَة عَن خَيْثَمَة عَن أنس رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَنه كَانَ يشرب الطلاء على النّصْف، وَكَذَا: رُوِيَ عَن الْبَراء وَأبي جُحَيْفَة وَجَرِير بن عبد الله وَابْن الْحَنَفِيَّة وَشُرَيْح القَاضِي وَقيس بن سعد وَسَعِيد بن جُبَير وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَالشعْبِيّ، وَقَالَ الطَّحَاوِيّ: حَدثنَا فَهد قَالَ: حَدثنَا أَحْمد بن يُونُس قَالَ: حَدثنَا أَبُو شهَاب عَن ابْن أبي ليلى عَن عِيسَى أَن أَبَاهُ بَعثه إِلَى أنس بن مَالك فِي حَاجَة فأبصر عِنْده طلاء شَدِيدا، وَاسم أبي شهَاب عبد ربه بن نَافِع الحناط بالنُّون الْكُوفِي، وَابْن أبي ليلى هُوَ مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى القَاضِي الْكُوفِي، وَهُوَ يرْوى عَن أَخِيه عِيسَى بن عبد الرَّحْمَن.
قَوْله: (وَلَيْسَت هَذِه) أَي: الطلاء وَالسكر والعصير لَيست بأنبذة، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: وَلَيْسَ. قَوْله: (عِنْده) أَي: عِنْد بعض النَّاس وَهُوَ أَبُو حنيفَة وَفِيه نظر لِأَنَّهُ يحْتَاج إِلَى دَلِيل ظَاهر أَنه نقل هَكَذَا عَن أبي حنيفَة، وَلَئِن سلمنَا ذَلِك فَمَعْنَاه أَن كل وَاحِد مِنْهَا يُسمى باسم خَاص، وَإِن كَانَ يُطلق عَلَيْهَا اسْم النَّبِيذ فِي الأَصْل. فَإِن قلت: فعلى هَذَا من حلف على أَنه لَا يشرب نبيذاً فَشرب شَيْئا من هَذِه الثَّلَاثَة يَنْبَغِي أَن لَا يَحْنَث.
قلت: إِن نوى تعْيين أحد هَذِه الْأَشْيَاء يَنْبَغِي أَن لَا يَحْنَث، وَإِن أطلق يَحْنَث بِالنّظرِ إِلَى أصل الْمَعْنى لَا بِالنّظرِ إِلَى الْعرف.
5866 - حدّثني عَلِي سَمعَ عَبْدَ العَزِيزِ بنَ أبي حازِمٍ أخبرَنِي أبي عنْ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ أنَّ أَبَا أسَيْدٍ صاحِبَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أعْرَس، فَدَعا النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِعُرْسِهِ فَكانَتِ العَرُوسُ خادِمَهُمْ،(23/200)
فَقَالَ سَهْلٌ لِلْقَوْمِ: هَلْ تَدْرُونَ مَا سَقَتْهُ؟ قَالَ: أنْقَعَتْ لهُ تَمْراً فِي تَوْرٍ مِنَ اللَّيْلِ حتَّى أصْبَحَ عَلَيْهِ فَسَقَتْهُ إيَّاهُ.
قَالَ الْكرْمَانِي مُنَاسبَة الحَدِيث للباب مَفْهُوم نَبِيذ، إِذْ الْمُتَبَادر إِلَى الذِّهْن مِنْهُ أَن الْعَرُوس الْمَذْكُورَة فِيهِ سقت الْمُتَّخذ من التَّمْر، فَفِيهِ الرَّد على بعض النَّاس. وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : وَجه تعلق البُخَارِيّ من حَدِيث سهل فِي الرَّد على أبي حنيفَة وَهُوَ أَن سهلاً إِنَّمَا عرف أَصْحَابه أَنه لم تسق الشَّارِع إِلَّا نبيذاً قريب الْعَهْد بالانتباذ مِمَّا يخل شربه، أَلا ترى قَوْله: (انقعت لَهُ تَمرا فِي تور من اللَّيْل حَتَّى أصبح عَلَيْهِ فسقته إِيَّاه؟) وَهَكَذَا كَانَ ينْبذ لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لَيْلًا ويشربه غدْوَة، وينبذ لَهُ غدْوَة ويشربه عَشِيَّة انْتهى.
قلت: لَيْسَ فِي حَدِيث سهل رد قطّ على أبي حنيفَة لِأَنَّهُ لم ينف اسْم النَّبِيذ عَن الْمُتَّخذ من التَّمْر، وَإِنَّمَا قَالَ: الطلاء وَالسكر والعصير لَيست بأنبذة على تَقْدِير صِحَة النَّقْل عَنهُ بذلك، لِأَن كلاًّ مِنْهَا يُسمى باسم خَاص، كَمَا ذَكرْنَاهُ الْآن.
وَعلي شيخ البُخَارِيّ فِيهِ هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ، وَعبد الْعَزِيز فِيهِ يروي عَن أَبِيه أبي حَازِم سَلمَة بن دِينَار الْأَعْرَج، وَهُوَ يروي عَن سهل بن سعد السَّاعِدِيّ الْأنْصَارِيّ، كَانَ اسْمه حزنا فَسَماهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، سهلاً، وَأَبُو أسيد، بِضَم الْهمزَة مصغر الْأسد: مَالك السَّاعِدِيّ.
والْحَدِيث قد مضى فِي كتاب الْأَشْرِبَة فِي: بَاب الانتباذ فِي الأوعية. قَوْله: (صَاحب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، ذكر لفظ: صَاحب، إِمَّا استلذاذاً وَإِمَّا افتخاراً وَإِمَّا تَعْظِيمًا لَهُ، وَإِمَّا تفهيماً لمن لَا يعرفهُ. قَوْله: (فَكَانَت الْعَرُوس) ، على وزن: فعول يَسْتَوِي فِيهِ الذّكر وَالْأُنْثَى وَالْمرَاد بِهِ هُنَا الزَّوْجَة. قَوْله: (خادمهم) ، بالتذكير لِأَنَّهُ يُطلق على الرجل وَالْمَرْأَة كليهمَا. قَوْله: (فِي تور) ، بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَسُكُون الْوَاو وبالراء هُوَ إِنَاء من صفر أَو حجر كالأجانة وَقد يتَوَضَّأ مِنْهُ. قَوْله: (فسقته إِيَّاه) ، أَي: فسقت الْعَرُوس الْمَذْكُورَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِيَّاه، أَي: التَّمْر المنقوع فِي التور.
6866 - حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ مُقاتِلٍ أخبرنَا عَبْدُ الله أخبرنَا إسْماعِيلُ بن أبي خالِدٍ عَن الشَّعْبِيِّ عنْ عِكْرِمَةَ عَن ابْن عَبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهُمَا، عنْ سَوْدَةَ زَوْجِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قالَتْ: ماتَتْ لَنا شاةٌ فدَبَغْنا مَسْكَها ثُمَّ مَا زِلْنا نَنْبِذُ فِيهِ حتَّى صارَتْ شَنًّا.
قيل: مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (مَا زلنا ننبذ فِيهِ) وَأَنَّهُمْ دبغوا مسك الشَّاة للانتباذ فِيهِ. قَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : هَذَا وَجه اسْتِدْلَال البُخَارِيّ من حَدِيث سَوْدَة.
قلت: لَا مُطَابقَة بَينه وَبَين التَّرْجَمَة، إلاَّ أَن يُؤْخَذ ذَلِك بِالْوَجْهِ الْمَذْكُور بالتعسف وَلَيْسَ المُرَاد ذَلِك لِأَن فِي زعم هَؤُلَاءِ أَن هَذَا يرد على أبي حنيفَة فِيمَا نقلوا عَنهُ، فَلذَلِك أوردهُ البُخَارِيّ هُنَا، وَلَيْسَ كَذَلِك كَمَا ذَكرْنَاهُ الْآن.
وَمُحَمّد بن مقَاتل الْمروزِي يروي عَن عبد الله بن الْمُبَارك الْمروزِي عَن إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد واسْمه سعد، وَيُقَال: هُرْمُز البَجلِيّ عَن عَامر الشّعبِيّ عَن عِكْرِمَة عَن عبد الله بن عَبَّاس عَن سَوْدَة بنت زَمعَة رَضِي الله عَنْهَا. والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (مسكها) بِفَتْح الْمِيم وَهُوَ الْجلد. قَوْله: (شناً) بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَتَشْديد النُّون وَهُوَ الْقرْبَة الْخلق.
22 - (بابٌ إِذا حَلَفَ أنْ لَا يَأْتَدِمَ فأكَلَ تَمْراً بِخُبْزٍ، وَمَا يَكُونُ مِنَ الأُدْمِ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ إِذا حلف أَن لَا يَأْكُل أدماً فَأكل تَمرا بِخبْز أَي: ملتبساً بِهِ مُقَارنًا لَهُ. وَجَوَاب: إِذا مَحْذُوف تَقْدِيره: هَل يكون بذلك مؤتدماً أم لَا. قَوْله: (مَا يكون من الْأدم) عطف على جملَة الشَّرْط وَالْجَزَاء أَي: بَاب يذكر فِيهِ أَيْضا مَا يكون أَي: شَيْء يكون من الْأدم، وَلم يذكر حكم هذَيْن الْمَذْكُورين اعْتِمَادًا على مستنبط الْأَحْكَام من النُّصُوص أما الْفَصْل الأول: فقد روى فِيهِ عَن حَفْص بن غياث عَن مُحَمَّد بن يحيى الْأَسْلَمِيّ عَن يزِيد الْأَعْوَر عَن ابْن أبي أُميَّة عَن يُوسُف عَن عبد الله بن سَلام قَالَ: رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَخذ كسرة من خبز شعير فَوضع عَلَيْهَا تَمرا، وَقَالَ: هَذِه إدام هَذِه فَأكلهَا، وَبِهَذَا يحْتَج أَن كل مَا يُوجد فِي(23/201)
الْبَيْت غير الْخبز فَهُوَ إدام سَوَاء كَانَ رطبا أَو يَابسا، فعلى هَذَا إِن من حلف أَن لَا يأتدم فَأكل خبْزًا بِتَمْر فَإِنَّهُ يَحْنَث، وَلَكِن قَالُوا: إِن هَذَا مَحْمُول على أَن الْغَالِب فِي تِلْكَ الْأَيَّام أَنهم كَانُوا يتقوتون بِالتَّمْرِ لشظف عيشهم وَلعدم قدرتهم على غَيره إلاّ نَادرا وَأما الْفَصْل الثَّانِي: فَفِيهِ خلاف بَين الْعلمَاء فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف: الإدام مَا يصطبغ بِهِ مثل الزَّيْت وَالْعَسَل وَالْملح والخل، وَأما مَا لَا يصطبغ بِهِ مثل اللَّحْم المشوي والجبن وَالْبيض فَلَيْسَ بإدام، وَقَالَ مُحَمَّد: هَذِه إدام وَبِه قَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد، وَهُوَ رِوَايَة عَن أبي يُوسُف. فَإِن قلت: معنى مَا يصطبغ بِهِ مَا يخْتَلط بِهِ الْخبز، فَكيف يخْتَلط الْخبز بالملح؟ .
قلت: يذوب فِي الْفَم فَيحصل الِاخْتِلَاط. وَفِي (التَّوْضِيح) : وَعند الْمَالِكِيَّة يَحْنَث بِكُل مَا هُوَ عِنْد الْحَالِف إدام وَلكُل قوم عَادَة.
7866 - حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ يُوسُفَ حَدثنَا سُفيْانُ عنْ عَبْدِ الرَّحْمانِ بنِ عَابس عنْ أبِيهِ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا، قالَتْ: (مَا شَبِعَ آلُ محَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْ خُبُز بُرٍّ مَأْدُومٍ ثَلاثَةَ أيَّامٍ حتَّى لَحَقَ بِاللَّه) .
قَالَ الْكرْمَانِي: كَيفَ دلّ الحَدِيث على التَّرْجَمَة؟ ثمَّ قَالَ: لما كَانَ التَّمْر غَالب الْأَوْقَات مَوْجُودا فِي بَيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانُوا شباعاً مِنْهُ علم أَنه لَيْسَ أكل الْخبز بِهِ ائتداماً أَو ذكر هَذَا الحَدِيث فِي هَذَا الْبَاب بِأَدْنَى مُلَابسَة وَهُوَ لفظ؛ المأدوم، وَلم يذكر غَيره لِأَنَّهُ لم يجد حَدِيثا بِشَرْطِهِ يدل على التَّرْجَمَة، أَو هُوَ أَيْضا من جملَة تَصَرُّفَات النقلَة على الْوَجْه الَّذِي ذَكرُوهُ. انْتهى.
قلت: ذكر فِيهِ ثَلَاثَة أوجه: الْوَجْه الأول: رده بَعضهم بقوله: هُوَ مباين لمراد البُخَارِيّ وَلم يبين المُرَاد مَا هُوَ؟ .
قلت: حَدِيث عبد الله بن سَلام الْمَذْكُور آنِفا أقوى فِي الرَّد عَلَيْهِ الْوَجْه الثَّانِي: قَالَ فِيهِ بَعضهم: إِنَّه هُوَ المُرَاد لَكِن يَنْضَم إِلَيْهِ مَا ذكره ابْن الْمُنِير، وَالَّذِي ذكره ابْن الْمُنِير هُوَ أَنه قَالَ: مَقْصُود البُخَارِيّ الرَّد على من زعم أَنه لَا يُقَال ائتدم إلاَّ إِذا أكل مَا يصطبغ بِهِ. انْتهى.
قلت: الحَدِيث لَا يدل أصلا على رد الزاعم بِهَذَا لِأَن لفظ: مأدوم، أَعم من أَن يكون الإدام فِيهِ مِمَّا يصطبغ بِهِ أَو لَا يصطبغ بِهِ. الْوَجْه الثَّالِث: بعيد جدا على مَا لَا يخفى.
وَمُحَمّد بن يُوسُف شيخ البُخَارِيّ هُوَ البُخَارِيّ البيكندي، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَعبد الرَّحْمَن بن عَابس بِالْعينِ الْمُهْملَة وبالياء الْمُوَحدَة الْمَكْسُورَة وبالسين الْمُهْملَة يروي عَن أَبِيه عَابس بن ربيعَة النَّخعِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي الْأَطْعِمَة عَن خَلاد بن يحيى عَن سُفْيَان مطولا، وَهنا ذكر قِطْعَة مِنْهُ.
قَوْله: تباعا) بِكَسْر التَّاء أَي: متتابعة. قَوْله: (حَتَّى لحق بِاللَّه) كِنَايَة عَن الْمَوْت.
وَقَالَ ابنُ كَثِيرٍ: أخبرنَا سُفْيانُ حدّثنا عَبْدُ الرَّحْمانِ عنْ أبِيهِ أنّهُ قَالَ لِ عائِشَةَ بِهاذَا.
أَي: قَالَ مُحَمَّد بن كثير بالثاء الْمُثَلَّثَة الْبَصْرِيّ وَهُوَ أحد مَشَايِخ البُخَارِيّ، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ، وَعبد الرَّحْمَن هُوَ ابْن عَابس الْمَذْكُور فِي الحَدِيث السَّابِق، وَإِنَّمَا ذكره البُخَارِيّ مذاكرة عَن ابْن كثير إِشَارَة لدفع مَا يتَوَهَّم من العنعنة فِي الطَّرِيق الَّتِي قبلهَا من الِانْقِطَاع، وَقد صرح فِي هَذَا الطَّرِيق لقَوْله أَنه قَالَ لعَائِشَة أَي: أَن عَابِسا وَالِد عبد الرَّحْمَن قَالَ لعَائِشَة بِهَذَا، يَعْنِي: سَأَلَ مِنْهَا بعد أَن لقيها عَن هَذَا الحَدِيث.
8866 - حدّثنا قُتَيْبَةُ عنْ مالِكٍ عنْ إسْحاقَ بنِ عَبْدِ الله بنِ أبي طَلْحَةَ أنَّهُ سَمِعَ أنَس بنَ مالِكٍ قَالَ: قَالَ أبُو طَلْحَةَ لأُمِّ سُلَيْمٍ: لَ قَدْ سَمِعْتُ صَوْت رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ضَعِيفاً أعْرِفُ فِيهِ الجُوعَ، فَهَلْ عِنْدَكِ مِنْ شَيْءٍ؟ فقالَتْ: نَعَمْ. فأخْرَجَتْ أقْراصاً مِنْ شَعِيرٍ ثُمَّ أخَذَتْ خِماراً لَهَا فَلَفَّتِ الخُبْزَ بِبَعْضِهِ ثُمَّ أرْسَلَتْنِي إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَذَهَبْتُ فَوَجَدْتُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي المَسْجِدِ ومَعَهُ النَّاسُ، فَقُمْت عَلَيْهِمْ، فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (أرْسَلَكَ أبُو طَلْحَةَ؟) فَقُلْتُ: نَعَمْ. فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِمَنْ مَعَهُ: (قُومُوا فانَّطَلَقُوا) وانْطَلَقْتُ بَيْنَ أيدِيهِمْ حتَّى جِئْتُ أَبَا طَلْحَةَ(23/202)
فأخْبَرْتُهُ، فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: يَا أُمَّ سُلَيْمٍ! قَدْ جاءَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ولَيْسَ عِنْدَنَا مِنَ الطَّعامِ مَا نُطْعِمُهُمْ. فقالَتِ: الله ورَسولُهُ أعْلَمُ، فانْطَلَقَ أبُو طَلْحَةَ حتَّى لَقِيَ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فأقْبَلَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأبُو طَلْحَةَ مَعهُ حتَّى دَخَلاَ، فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (هَلُمِّي يَا أمَّ سُلَيْمٍ، مَا عِنْدَكَ؟) فأتَتْ بِذالِكَ الخُبْزِ، قَالَ: فأمَرَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِذالِكَ الخُبْزِ فَفُتَّ وعَصَرَتْ أمُّ سُلَيْمٍ عُكَّةً لَها فأدَمَتْهُ، ثُمَّ قَالَ فِيهِ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا شاءَ الله أَن يَقُولَ، ثُمَّ قَالَ: (إئْذَنْ لِعَشَرَةٍ) فأذِنَ لَهُمْ فأكَلُوا حتَّى شَبِعُوا ثُمَّ خَرَجوا، ثُمَّ قَالَ: (ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ) فأذِنَ لَهُمْ فأكلُوا حتَّى شَبِعُوا ثُمَّ خَرَجُوا، ثُمَّ قَالَ: (ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ) فأكَلَ القَوْمُ كُلُّهُمْ وشَبعُوا والقَوْمُ سَبْعُونَ أَو ثَمانُونَ رَجُلاً. إِذن
مطابقته للجزء الثَّانِي للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (فأدمته) .
والْحَدِيث قد مضى فِي عَلَامَات النُّبُوَّة بِطُولِهِ وَفِي الصَّلَاة مُخْتَصرا عَن عبد الله بن يُوسُف وَفِي الْأَطْعِمَة عَن إِسْمَاعِيل وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
وَأَبُو طَلْحَة هُوَ زيد بن سهل الْأنْصَارِيّ زوج أم سليم أم أنس بن مَالك.
قَوْله: (عكة) بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْكَاف وَهِي إِنَاء السّمن. قَوْله: (فأدمته) أَي خلطت الْخبز بالإدام.
وَفِيه: معْجزَة لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
32 - (بابُ النِّيَّةِ فِي الأيْمانِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان النِّيَّة فِي الْأَيْمَان بِفَتْح الْهمزَة جمع يَمِين، كَذَا فِي رِوَايَة الْجَمِيع. وَقَالَ الْكرْمَانِي: فِي بعض الرِّوَايَة الْأَيْمَان بِكَسْر الْهمزَة، ثمَّ قَالَ: مَذْهَب البُخَارِيّ أَن الْأَعْمَال دَاخِلَة فِي الْإِيمَان، وَقَالَ الْمُهلب وَغَيره، إِذا كَانَت الْيَمين بَين العَبْد وربه لَا خلاف بَين الْعلمَاء أَنه يَنْوِي وَيحمل على نِيَّته، وَإِذا كَانَت بَينه وَبَين آدَمِيّ وَادّعى فِي نِيَّته غير الظَّاهِر لم يقبل قَوْله. وَحمل على ظَاهر كَلَامه إِذا كَانَت عَلَيْهِ بَيِّنَة بِإِجْمَاع، وَاسْتدلَّ بِهِ على أَن الْيَمين على نِيَّة الْحَالِف إلاَّ فِي حق الْآدَمِيّ على نِيَّة المستحلف، كَمَا ذكرنَا. وَقَالَ آخَرُونَ: النِّيَّة نِيَّة الْحَالِف أبدا وَله أَن يوري، وَاحْتَجُّوا بِحَدِيث الْبَاب وَأَجْمعُوا على أَنه: لَا يوري فِيمَا إِذا اقتطع مَال أمرىء مُسلم بِيَمِينِهِ.
9866 - حدّثنا قتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ حَدثنَا عَبْدُ الوَهَّابِ قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَاى بنَ سَعِيدٍ يَقُولُ: أَخْبرنِي مُحَمَّدُ بنُ إبْرًّهِيمَ أنّهُ سَمعَ عَلْقَمَةَ بنَ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ رَضِي الله عَنهُ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ: (إنّما الأعْمالُ بالنِّيَّةِ وَإِنَّمَا لامْرِىءٍ مَا نَوى، فَمَنْ كانَت هِجْرَتُهُ إِلَى الله ورسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى الله ورسُولِهِ، ومَنْ كانَتْ هِجْرِّتُهُ إِلَى دُنْيا يُصِيبُها أوِ امْرَأةٍ يَتَزَوَّجُها فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هاجَرَ إلَيْهِ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن الْيَمين أَيْضا عمل، وَعبد الْوَهَّاب هُوَ ابْن عبد الْمجِيد الثَّقَفِيّ، وَيحيى بن سعيد هُوَ الْأنْصَارِيّ، وَمُحَمّد بن إِبْرَاهِيم بن الْحَارِث التَّيْمِيّ الْقرشِي الْمدنِي. والْحَدِيث مر فِي أول الْكتاب، وَمر الْكَلَام فِيهِ مستقصًى.
42 - (بابٌ إِذا أهْدَى مالَهُ عَلى وَجْهِ النَّذْرِ والتَّوْبَةِ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ إِذا أهْدى شخص مَاله أَي جعله هَدِيَّة للْمُسلمين أَو تصدق بِهِ على وَجه النّذر أَو على وَجه التَّوْبَة بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَسُكُون الْوَاو، وَهَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْجَمِيع إلاَّ الْكشميهني، فَإِن فِي رِوَايَته: إلاَّ الْقرْبَة، بِضَم الْقَاف وَسُكُون الرَّاء، وَجَوَابه مَحْذُوف تَقْدِيره: هَل ينفذ ذَلِك إِذا نجزه أَو علقه؟ وَهَذَا الْبَاب أول أَبْوَاب النذور لِأَن(23/203)
الْكتاب كَانَ فِي الْأَيْمَان وَالنُّذُور، وَفرغ من أَبْوَاب الْأَيْمَان وَشرع فِي أَبْوَاب النذور، وَهُوَ جمع نذر وَهُوَ إِيجَاب شَيْء من عبَادَة أَو صَدَقَة أَو نَحْوهمَا على نَفسه تَبَرعا، يُقَال: نذرت الشَّيْء أنذر وأنذر بِالْكَسْرِ وَالضَّم نذرا. وَيُقَال النّذر فِي اللُّغَة الْتِزَام خير أَو شَرّ، وَفِي الشَّرْع: الْتِزَام الْمُكَلف شَيْئا لم يكن عَلَيْهِ مُنجزا أَو مُعَلّقا، وَالنّذر نَوْعَانِ: نذر تبرر، وَنذر لجاج.
فَالْأول: على قسمَيْنِ: أَحدهمَا: مَا يتَقرَّب بِهِ ابْتِدَاء كَقَوْلِه: لله على أَن أَصوم كَذَا ... مُطلقًا، أَو: أَصوم شكرا على أَن شفي الله مريضي. . وَنَحْوه، وَقيل: الِاتِّفَاق على صِحَّته فِي الْوَجْهَيْنِ وَعَن بعض الشَّافِعِيَّة فِي الْوَجْه الثَّانِي أَنه لَا ينْعَقد. وَالثَّانِي: من الْقسمَيْنِ: مَا يتَقرَّب بِهِ مُعَلّقا كَقَوْلِه: إِن قدم فلَان من سَفَره فعلي أَن أَصوم كَذَا، وَهَذَا لَازم اتِّفَاقًا.
وَنذر اللجاج كَذَلِك على قسمَيْنِ: أَحدهمَا: مَا يعلقه على فعل حرَام أَو ترك وَاجِب فَلَا ينْعَقد. وَالْقسم الآخر: مَا يتَعَلَّق بِفعل مُبَاح أَو ترك مُسْتَحبّ أَو خلاف الأولى، فَفِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال للْعُلَمَاء: الْوَفَاء أَو كَفَّارَة يَمِين أَو التَّخْيِير بَينهمَا عِنْد الشَّافِعِيَّة، وَعند الْمَالِكِيَّة: لَا ينْعَقد أصلا، وَعند الْحَنَفِيَّة: يلزمة كَفَّارَة الْيَمين فِي الْجَمِيع.
0966 - حدّثنا أحْمَدُ بنُ صالِحٍ حَدثنَا ابنُ وَهْبٍ أَخْبرنِي يُونُسُ عَن ابنِ شِهابٍ أَخْبرنِي عَبْدُ الرَّحْمانِ بنُ عَبْدِ الله بنِ كَعْبِ بنِ مَالِكٍ وَكَانَ قائِدَ كَعْبٍ مِنْ بَنِيهِ حِينَ عَمِيَ قَالَ: سَمِعْتُ كعْبَ بنِ مالِكٍ فِي حَدِيثِهِ: {وعَلى الثَّلَاثَة الَّذين خلفوا} (التَّوْبَة: 811) فَقَالَ فِي آخر حَدِيثِهِ: إنَّ مِنْ تَوْبَتِي أنْ أنْخَلِعَ مِنْ مالِي صَدَقَةً إِلَى الله ورسُولِهِ، فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (أمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مالِكَ فَهْوَ خَيْرٌ لَكَ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن كَعْب بن مَالك جعل من تَوْبَته انخلاعه من مَاله صَدَقَة إِلَى الله وَرَسُوله. قيل: فِيهِ نظر لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الانخلاع الْمَذْكُور مَا يدل على النّذر مِنْهُ، والترجمة فِيهَا النّذر وَيُمكن الْجَواب بِأَن يُقَال: إِن فِي الانخلاع معنى الِالْتِزَام، وَفِي الِالْتِزَام معنى النّذر، وَلم يذكر هَذَا أحد من الشُّرَّاح.
وَأحمد بن صَالح أَبُو جَعْفَر الْمصْرِيّ يروي عَن عبد الله بن وهب الْمصْرِيّ عَن يُونُس بن يزِيد الْأَيْلِي عَن مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ.
والْحَدِيث مضى بِطُولِهِ فِي كاب الْمَغَازِي.
وَكَعب ابْن مَالك هُوَ أحد {الثَّلَاثَة الَّذين خلفوا} وَنزلت الْآيَة فِيهِ وَفِي صَاحِبيهِ، وهما: مرَارَة بِضَم الْمِيم وهلال. قَوْله: (فِي حَدِيثه) أَي: فِي حَدِيث تخلفه عَن غَزْوَة تَبُوك. قَوْله: (أَن انخلع) كلمة: أَن، مَصْدَرِيَّة، وأنخلع من الانخلاع أَي: أَن أعرى من مَالِي كَمَا يعرى الْإِنْسَان إِذا خلع ثَوْبه. قَوْله: (أمسك عَلَيْك بعض مَالك) وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد عَن أَحْمد بن صَالح بِهَذَا السَّنَد: فَقلت: إِنِّي أمسك سهمي الَّذِي يخيبر. قَوْله: (فَهُوَ خير لَك) أَي: إمْسَاك بعض مَالك خير لَك، وَعين الْبَعْض فِي رِوَايَة لأبي دَاوُد قَالَ: يجزىء عَنْك الثُّلُث.
اخْتلف الْعلمَاء فِيمَن نذر أَن يتَصَدَّق بِجَمِيعِ مَاله على عشرَة أَقْوَال.
الأول: يلْزمه ثلث مَاله، وَبِه قَالَ مَالك. الثَّانِي: إِنَّه إِن كَانَ مَلِيًّا فَكَذَلِك، وَإِن كَانَ فَقِيرا فكفارة يَمِين، وَبِه قَالَ اللَّيْث وَابْن وهب. الثَّالِث: إِن كَانَ متوسطاً يخرج بِحِصَّة الثُّلُث، وَهُوَ قَول ربيعَة. الرَّابِع: يخرج مَا لَا يضر بِهِ، وَهُوَ قَول سَحْنُون من الْمَالِكِيَّة. الْخَامِس: يخرج زَكَاة مَاله، يرْوى ذَلِك عَن ربيعَة أَيْضا. السَّادِس: يخرج جَمِيع مَاله، وَهُوَ قَول إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ. السَّابِع: إِن علقه بِشَرْط كَقَوْلِه: إِن شفى الله مريضي، أَو إِن دخلت الدَّار ... فَالْقِيَاس أَن يلْزمه إِخْرَاج كل مَاله، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة. الثَّامِن: إِن أخرج نَذره مخرج التبرر مثل: إِن شفي الله مريضي فَيلْزمهُ جَمِيع مَاله، وَإِن كَانَ لجاجاً وغضباً فيقصد منع نَفسه من فعل مُبَاح كَأَن دخلت الدَّار فَهُوَ بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ أَن يَفِي بذلك أَو يكفر كَفَّارَة يَمِين، وَهُوَ قَول الشَّافِعِي. التَّاسِع: لَا يلْزمه شَيْء أصلا، وَهُوَ قَول ابْن أبي ليلى، وطاووس وَالشعْبِيّ. الْعَاشِر: يحبس لنَفسِهِ من مَاله قوت شَهْرَيْن ثمَّ يتَصَدَّق بِمثلِهِ إِذا أَفَادَ، وَهُوَ قَول زفر.
52 - (بابٌ إِذا حَرَّمَ طَعامَهُ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ إِذا حرم الشَّخْص طَعَامه بِأَن قَالَ: طَعَام كَذَا أَو شراب كَذَا عَليّ حرَام، أَو قَالَ: نذر لله أَن لَا آكل(23/204)
كَذَا أَو لَا أشْرب كَذَا، وَلم يذكر جَوَاب: إِذا، على عَادَته. قَوْله: طَعَامه، وَرُوِيَ عَن أبي ذَر، طَعَاما، وَالْجَوَاب ينْعَقد يَمِينه، وَعَلِيهِ كَفَّارَة يَمِين إِذا استباحه، لَكِن إِذا حلف وَهُوَ الَّذِي ذهب إِلَيْهِ البُخَارِيّ، فَلذَلِك أورد حَدِيث الْبَاب، لِأَن فِيهِ: قد حَلَفت، وَعَن أبي حنيفَة وَالْأَوْزَاعِيّ كَذَلِك، وَلَكِن لَا يشْتَرط لفظ الْحلف. وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا شَيْء عَلَيْهِ فِي ذَلِك، وَقَالَ مَالك: لَا يكون الْحَرَام يَمِينا فِي طَعَام وَلَا شراب إلاَّ فِي الْمَرْأَة، فَإِنَّهُ يكون طَلَاقا يحرمها عَلَيْهِ، وَرُوِيَ عَن الشَّافِعِي كَذَلِك، رَوَاهُ الرّبيع عَنهُ، وَرُوِيَ عَن بعض التَّابِعين أَن التَّحْرِيم لَيْسَ بِشَيْء سَوَاء حرم عَلَيْهِ زَوجته أَو شَيْئا من ذَلِك لَا يلْزمه كَفَّارَة فِي شَيْء من ذَلِك، وَبِه قَالَ أَبُو سَلمَة ومسروق وَالشعْبِيّ.
وقَوْلُهُ تَعَالَى: {ياأَيُّهَا النَّبِىُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِى مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} (التَّحْرِيم: 1 2) وقَوْلُهُ: { (5) لَا تحرموا طَيّبَات مَا أحل الله لكم} (الْمَائِدَة: 78) [/ ح.
ذكر هَاتين الْآيَتَيْنِ إِشَارَة إِلَى بَيَان مَا ذكره من التَّرْجَمَة بِأَن تَحْرِيم الْمُبَاح يَمِين، وفيهَا الْكَفَّارَة. لَكِن لفظ الْحلف شَرط عِنْده كَمَا ذَكرْنَاهُ، وَسبب نزُول الْآيَة الأولى قد مر فِي كتاب الطَّلَاق فِي: بَاب {لم تحرم مَا أحل الله لَك} وَأورد فِيهِ حديثين عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا، وَبَين فيهمَا قصَّة تَحْرِيم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مَارِيَة الَّتِي أهداها إِلَيْهِ الْمُقَوْقس صَاحب اسكندرية، وَالْعَسَل، وَذكرنَا الِاخْتِلَاف فِيهِ: هَل نزلت الْآيَة فِي تَحْرِيم مَارِيَة أَو فِي تَحْرِيم الْعَسَل؟ قَوْله: {تبتغي مرضات أَزوَاجك} أَي: تطلب رضاهن بِتَحْرِيم ذَلِك قَوْله: {قد فرض الله لكم تَحِلَّة أَيْمَانكُم} (التَّحْرِيم: 2) . أَي: قد قدر الله مَا تحللون بِهِ أَيْمَانكُم، وأصل تحللة تَحِلَّة على وزن: تفعلة، فادغمت اللَّام فِي اللَّام وَهِي من المصادر كالترضية وَالتَّسْمِيَة قَوْله: {لَا تحرموا طَيّبَات مَا أحل الله لكم} (الْمَائِدَة: 78) هَذَا توبيخ لمن فعل ذَلِك، فَلذَلِك قَالَ: {لَا تَعْتَدوا} فَجعل ذَلِك من الاعتداء.
1966 - حدّثنا الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ حَدثنَا الحَجَّاجُ عنِ ابنِ جُرَيْج قَالَ: زَعَمَ عَطاءٌ أنّهُ سَمِعَ عُبَيْدَ بنَ عُمَيْرٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ عائِشَةَ تَزْعْمُ أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كانَ يَمْكُثُ عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْت جَحش ويَشْرَبُ عِنْدَها عَسَلاً، فَتَواصَيْتُ أَنا وحَفْصَةُ أنَّ أيَّتَنا دَخلَ عَلَيْها النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلْتَقُلْ: إنِّي أجِدُ مِنْكَ رِيحَ مَغافِيرَ {أكَلْتَ مَغافِيرَ؟ فَدَخَلَ عَلى إحْداهُما فَقالَتْ ذالِكَ لهُ، فَقَالَ: (لَا} بَلْ شَرِبْتُ عَسَلاً عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشِ، ولَنْ أعُودَ لهُ) فَنَزَلَتْ: {ياأَيُّهَا النَّبِىُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِى مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (التَّحْرِيم: 1) {إِن تَتُوبَا إِلَى الله} (التَّحْرِيم: 4) لِعائِشَةَ وحَفْصَةَ: {وَإِذ أسر النَّبِي إِلَى بعض أَزوَاجه حَدِيثا} (التَّحْرِيم: 3) لِقَوْلِهِ: (بَلْ شَرِبْتُ عَسَلاً) .
وَقَالَ لِي إبْراهِيمُ بنُ مُوسى عنْ هِشامٍ: (ولَنْ أعُودَ لَهُ، وقَددْ حَلَفْتُ فَلا تُخْبِرِي بِذالِكَ أحَداً) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَالْحسن بن مُحَمَّد بن الصَّباح الزَّعْفَرَانِي، وَالْحجاج هُوَ ابْن مُحَمَّد المصِّيصِي، وَابْن جريج هُوَ عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج الْمَكِّيّ، وَعَطَاء هُوَ ابْن أبي رَبَاح، وَعبيد بن عُمَيْر كِلَاهُمَا مصغر.
والْحَدِيث قد مر فِي كتاب الطَّلَاق بِعَين هَذَا الْإِسْنَاد والمتن، وَمر الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (زعم) أَي: قَالَ، وَكَذَا معنى: تزْعم، أَي: تَقول. قَوْله: (أَن أَيَّتنَا) بِالتَّاءِ لُغَة فِي أَيّنَا، وَالْمَشْهُور بِغَيْر التَّاء. قَوْله: (مَغَافِير) بالغين الْمُعْجَمَة وَالْفَاء جمع مغْفُور، وَهُوَ نوع من الصمغ يتحلب عَن بعض الشّجر حُلْو كالعسل وَله رَائِحَة كريهة، وَيُقَال أَيْضا: مغاثير، بالثاء الْمُثَلَّثَة بدل الْفَاء جمع: مغثور كثوم وفوم، وَيُقَال: المغفور شَيْء ينضحه شجر العرفط كريه الرَّائِحَة، وَقيل: هُوَ حُلْو كالناطف يحل بِالْمَاءِ وَيشْرب، وَقَالَ أَبُو عمر: وَيُقَال أَغفر الرمث إِذا ظهر ذَلِك فِيهِ، وَقَالَ الْكسَائي: خرج النَّاس يتمغفرون إِذا خَرجُوا يجتنونه من ثمره، وَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يكره أَن تُوجد مِنْهُ الرَّائِحَة لأجل مُنَاجَاة الْمَلَائِكَة(23/205)
فَحرم على نَفسه بِظَنّ، صدقهما. قَالَ الْكرْمَانِي: كَيفَ جَازَ على أَزوَاجه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمْثَال ذَلِك؟ ثمَّ أجَاب بقوله: هُوَ من مقتضيات الْغيرَة الطبيعية للنِّسَاء، وَهُوَ صَغِيرَة مَعْفُو عَنْهَا، ثمَّ قَالَ: فَإِن قلت: تقدم فِي كتاب الطَّلَاق أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، شرب فِي بَيت حَفْصَة، والمتظاهرات هِيَ عَائِشَة وَسَوْدَة وَزَيْنَب.
قلت: لَعَلَّ الشّرْب كَانَ مرَّتَيْنِ. قَوْله: (وَلنْ أَعُود لَهُ) أَي: قَالَ: وَالله لَا أَعُود لَهُ، فَلذَلِك كفره. قَوْله: (لعَائِشَة) أَي: الْخطاب لعَائِشَة وَحَفْصَة. قَوْله: (وَإِذ أسر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى بعض أَزوَاجه حَدِيثا) لقَوْله: (بل شربت عسلاً) أَي: الحَدِيث المسر كَانَ ذَلِك القَوْل.
قَوْله: وَقَالَ لي إِبْرَاهِيم بن مُوسَى، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: وَقَالَ إِبْرَاهِيم، بِغَيْر لفظ: لي، وَقد تقدم فِي التَّفْسِير بِلَفْظ: حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن مُوسَى وَهُوَ أَبُو إِسْحَاق الرَّازِيّ يعرف بالصغير يروي عَن هِشَام بن يُوسُف وَصرح بِهِ فِي التَّفْسِير، وَقد اختصر هُنَا بِغَيْر السَّنَد وَمرَاده أَن هشاماً رَوَاهُ عَن ابْن جريج بالسند الْمَذْكُور والمتن إِلَى قَوْله: قَوْله: (وَلنْ أَعُود) فَزَاد: (وَقد حَلَفت فَلَا تُخْبِرِي بذلك أحدا) .
62 - (بابُ الوَفَاء بالنَّذْرِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم وَفَاء النَّاذِر بنذره، وَفِي بَيَان فضل الْوَفَاء بِالنذرِ.
وقَوْلِهِ تَعَالَى: {يُوفونَ بِالنذرِ} (الْإِنْسَان: 7)
أورد هَذِه الْآيَة إِشَارَة إِلَى أَن الْوَفَاء بِالنذرِ مِمَّا يجلب الثَّنَاء على فَاعله، وَلَكِن المُرَاد هُوَ نذر الطَّاعَة لَا نذر الْمعْصِيَة، وَقَامَ الْإِجْمَاع على وجوب الْوَفَاء إِذا كَانَ النّذر بِالطَّاعَةِ، وَقد قَالَ الله تَعَالَى: {أَوْفوا بِالْعُقُودِ} (الْمَائِدَة: 1) وَقَالَ {يُوفونَ بِالنذرِ} فمدحهم بذلك، وَاخْتلف فِي ابْتِدَاء النّذر فَقيل: إِنَّه مُسْتَحبّ، وَقيل: مَكْرُوه وَبِه جزم النَّوَوِيّ، وَنَصّ الشَّافِعِي على أَنه خلاف الأولى، وَحمل بعض الْمُتَأَخِّرين النَّهْي على نذر اللجاج، وَاسْتحبَّ نذر التبرر.
2966 - حدّثنا يَحْيَاى بنُ صالحٍ حدّثنا فُلَيْحُ بنُ سُلَيْمانَ حدّثنا سَعِيد بنُ الحارِثِ أنّه سَمِعَ ابنَ عُمَرَ رَضِي الله عَنْهُمَا، يَقُولُ: أوَ لَمْ يُنْهَوْا عَن النَّذْرِ؟ إنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (إنَّ النَّذْرَ لَا يُقَدِّمُ شَيْئاً وَلَا يؤخِّرُ، وإنَّما يُسْتَخْرَجُ بالنَّذْرِ مِنَ البَخِيلِ) . (انْظُر الحَدِيث 8066 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَيحيى بن صَالح الوحاظي بِضَم الْوَاو وَتَخْفِيف الْحَاء الْمُهْملَة وَبعد الْألف ظاء مُعْجمَة، وفليح مصغر فلح وَسَعِيد بن الْحَارِث الْأنْصَارِيّ الْمدنِي قَاضِي الْمَدِينَة. والْحَدِيث من أَفْرَاده.
قَوْله: (أَو لم ينهوا عَن النّذر) على صِيغَة الْمَجْهُول. وَقَالَ الْكرْمَانِي بِلَفْظ الْمَعْرُوف والمجهول، وَفِيه حذف بَينه الْحَاكِم فِي (الْمُسْتَدْرك) : والإسماعيلي عَن سعيد بن الْحَارِث قَالَ: كنت عِنْد ابْن عمر فَأَتَاهُ مَسْعُود بن عَمْرو أحد بني عَمْرو بن كَعْب فَقَالَ: يَا أَبَا عبد الرَّحْمَن {إِن ابْني كَانَ مَعَ عمر بن عبيد الله بن معمر بِأَرْض فَارس، فَوَقع فِيهَا وباء وطاعون شَدِيد، فَجعلت على نَفسِي لَئِن الله سلم ابْني ليمشين إِلَى بَيت الله تَعَالَى، فَقدم علينا وَهُوَ مَرِيض ثمَّ مَاتَ، فَمَا تَقول؟ فَقَالَ ابْن عمر: أَو لم ينهوا عَن النّذر؟ إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ... فَذكر الحَدِيث الْمَرْفُوع، وَزَاد: أوف بِنَذْرِك، وَقَالَ أَبُو عَامر. فَقَالَ: يَا أَبَا عبد الله} إِنَّمَا نذرت أَن يمشي ابْني. فَقَالَ: أوف بِنَذْرِك، قَالَ سعيد بن الْحَارِث: فَقلت لَهُ: أتعرف سعيد بن الْمسيب؟ قَالَ: نعم. قلت لَهُ: إذهب إِلَيْهِ ثمَّ أَخْبرنِي مَا قَالَ لَك. قَالَ: فَأَخْبرنِي أَنه قَالَ لَهُ: امش عَن ابْنك.
قلت: يَا أَبَا مُحَمَّد! وَترى ذَلِك مَقْبُولًا؟ قَالَ: نعم. أَرَأَيْت لَو كَانَ على ابْنك دين لَا قَضَاء لَهُ فقضيته أَكَانَ ذَلِك مَقْبُولًا؟ قَالَ: نعم. قَالَ: فَهَذَا مثل هَذَا. انْتهى. وَأَبُو عبد الرَّحْمَن كنية عبد الله بن عمر، وَأَبُو مُحَمَّد كنية سعيد بن الْمسيب. وَقَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: لَيْسَ فِي الحَدِيث مَا يدل على كَونهم منهيين.
قلت: يفهم من السِّيَاق أَو لما كَانَ مَشْهُور بَينهم لم يذكرهُ هَهُنَا وَجَاء صَرِيحًا فِي الحَدِيث بعده. قَوْله: (لَا يقدم شَيْئا وَلَا يُؤَخر) ويروى: وَلَا يُؤَخِّرهُ، بضمير الْمَنْصُوب وَمَعْنَاهُ: لَا يقدم شَيْئا من قدر الله ومشيئته، وَلَا يُؤَخِّرهُ، وَفِي رِوَايَة عبد الله بن مرّة: لَا يرد شَيْئا، وَهِي أَعم على مَا يَأْتِي الْآن. وَكَذَلِكَ يَأْتِي فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة: لَا يَأْتِي ابْن آدم النّذر بِشَيْء لم يكن قدر لَهُ، وَفِي رِوَايَة: لَا يقرب من ابْن آدم شَيْئا لم يكن الله قدره لَهُ. قَوْله: (وَإِنَّمَا يسْتَخْرج بِالنذرِ من الْبَخِيل) يَعْنِي: أَن من النَّاس من لَا يسمح(23/206)
من بِالصَّدَقَةِ وَالصَّوْم إلاَّ إِذا نذر شَيْئا لخوف أَو طمع، فَكَأَنَّهُ لَو لم يكن ذَلِك الشَّيْء الَّذِي طمع فِيهِ أَو خافه لم يسمح بِإِخْرَاج مَا قدره الله تَعَالَى، مَا لم يكن يَفْعَله فَهُوَ بخيل.
3966 - حدّثنا خَلاَّدُ بنُ يَحْيَاى حَدثنَا سُفْيانُ عنْ مَنْصُور أخبرنَا عَبْدُ الله بن مُرَّةَ عنْ عَبْدِ الله بنِ عُمَرَ قَالَ: نَهاى النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن النَّذْرِ. وَقَالَ: (إنَّهُ لَا يَرُدُّ شَيْئاً، ولاكِنَّهُ يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ البَخِيلِ) . (انْظُر الحَدِيث 8066 وطرفه) .
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث ابْن عمر أخرجه عَن خَلاد بن يحيى بن صَفْوَان الْكُوفِي، سكن مَكَّة، يروي عَن سُفْيَان الثَّوْريّ عَن مَنْصُور بن الْمُعْتَمِر عَن عبد الله بن مرّة بِضَم الْمِيم وَتَشْديد الرَّاء. وَمضى الحَدِيث فِي الْقدر عَن أبي نعيم.
قَوْله: (من الْبَخِيل) وَفِي رِوَايَة مُسلم: من الشحيح، وَفِي رِوَايَة ابْن مَاجَه: من اللَّئِيم.
4966 - حدّثنا أبُو اليَمانِ أخبرنَا شُعَيْبٌ حدّثنا أبُو الزِّنادِ عَن الأعْرَجِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَا يَأْتِي ابنَ آدَمَ النَّذْرُ بِشْيءٍ لَمْ يَكُنْ قُدِّرَ لَهُ، وَلاكِنْ يُلْقِيهِ النَّذْرُ إِلَى القَدَرِ قَدْ قُدِّرَ لَهُ، فَيَسْتَخْرِجُ الله بِهِ مِنَ البَخِيلِ فَيُؤْتِينِي عَلَيْهِ مَا لَمْ يَكُنْ يُؤْتِينِي عَلَيْهِ مِنْ قَبْلُ) . (انْظُر الحَدِيث 9066) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع، وَأَبُو الزِّنَاد بالزاي وَالنُّون عبد الله بن ذكْوَان، والأعرج عبد الرَّحْمَن ابْن هُرْمُز.
وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه من طَرِيق الثَّوْريّ عَن أبي الزِّنَاد عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة فِي الْكَفَّارَات وَلَفظه: إِن النّذر لَا يَأْتِي ابْن آدم بِشَيْء إلاَّ مَا قدر لَهُ.
قَوْله: (ابْن آدم) مَنْصُوب لِأَنَّهُ مفعول، (وَالنّذر) ، بِالرَّفْع فَاعله. قَوْله: (لم يكن قدر لَهُ) على صِيغَة الْمَجْهُول، وَالْجُمْلَة صفة لقَوْله: (بِشَيْء) وَفِي رِوَايَة لأبي ذَر. لم أكن قدرته، وعَلى هَذَا فَهُوَ فِي الْحَقِيقَة من الْأَحَادِيث القدسية، وَلكنه مَا صرح بِرَفْعِهِ إِلَى الله تَعَالَى. وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ: لم أكن، وَفِي أَوَاخِر كتاب الْقدر من طَرِيق همام عَن أبي هُرَيْرَة بِلَفْظ: لم يكن قد قدرته، ويروى هُنَا: قدر بِهِ، بِضَم الْقَاف وَكسر الدَّال الْمُشَدّدَة. قَوْله: (يلقيه) بِضَم الْيَاء من الْإِلْقَاء وَالنّذر بِالرَّفْع فَاعله. قَوْله: (قد قدر لَهُ) على صِيغَة الْمَجْهُول وَالْجُمْلَة حَال من الْقدر، وَقيل: الْأَمر بِالْعَكْسِ فَإِن الْقدر يلقيه إِلَى النّذر. وَأجِيب: بِأَن تَقْدِير النّذر غير تَقْدِير الْإِنْفَاق فَالْأول يلجئه إِلَى النّذر وَالنّذر يوصله إِلَى الإيتاء والإخراج. قَوْله: (فيستخرج الله بِهِ من الْبَخِيل) فِيهِ الْتِفَات على رِوَايَة: أكن قدرته، وَاصل الْكَلَام أَن يُقَال: فاستخرج بِهِ، ليُوَافق رِوَايَة: لم أكن قدرته. قَوْله: (فيؤتيني عَلَيْهِ) أَي: فيعطيني على ذَلِك الْأَمر الَّذِي بِسَبَبِهِ نذر كالشفاء (مَا لم يكن يؤتيني عَلَيْهِ من قبل) النّذر، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: يؤتني، بِالْجَزْمِ. وَوَجهه أَن يكون بَدَلا من قَوْله: لم يكن، المجزوم بلم، وَفِي رِوَايَة مَالك: يُؤْتى، فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَفِي رِوَايَة ابْن مَاجَه: فييسر عَلَيْهِ مَا لم يكن ييسر عَلَيْهِ من قبل ذَلِك، وَفِي رِوَايَة مُسلم: فَيخرج بذلك من الْبَخِيل مَا لم يكن الْبَخِيل يُرِيد أَن يُخرجهُ، وَهَذَا أوضح الرِّوَايَات.
72 - (بابُ إثْمِ مَنْ لَا يَفِي بالنَّذْرِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان إِثْم من لَا يَفِي بنذره، وَفِي رِوَايَة غير أبي ذَر: بَاب من لَا يَفِي بِالنذرِ، بِدُونِ لفظ: إِثْم.
5966 - حدّثنا مُسَدَّدٌ عنْ يَحْيَاى عنْ شُعبةَ قَالَ: حَدثنِي أبُو جَمْرَةَ حَدثنَا زَهْدَمُ بنُ مُضَرِّبِ قَالَ: سَمِعْتُ عِمْرَانَ بنَ حُصَيْنٍ يُحَدِّثُ عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (خَيْرُكُمْ قَرْنِي ثُمَّ الّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الّذِينَ يَلُونَهُمْ) . قَالَ عِمْرانُ: لَا أدْرِي ذَكَرَ ثِنْتَيْنِ أوْ ثَلَاثًا بَعْدَ قَرْنِهِ (ثُمَّ يَجِيءُ قَوْمٌ يَنْذِرُونَ وَلَا يَفُونَ، ويَخُونُونَ وَلَا يُؤْتَمَنُونَ، ويَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ، ويَظْهَرُ فِيهِمْ السِّمَنُ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (ينذرون وَلَا يفون) وَيحيى هُوَ الْقطَّان، ويروى عَن يحيى بن سعيد بنسبته إِلَى أَبِيه، وَأَبُو جَمْرَة بِالْجِيم وبالراء واسْمه نصر بن عمرَان، وزهدم بِفَتْح الزَّاي وَالدَّال بَينهمَا هَاء سَاكِنة ابْن مضرب على صِيغَة اسْم الْفَاعِل وَاسم الْمَفْعُول أَيْضا من التضريب بالضاد الْمُعْجَمَة.
والْحَدِيث مضى فِي الشَّهَادَات وَفِي فَضَائِل الصَّحَابَة وَفِي كتاب الرقَاق(23/207)
فِي: بَاب مَا يحذر من زِينَة الدُّنْيَا فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مُحَمَّد بن بشار عَن غنْدر عَن شُعْبَة عَن أبي جَمْرَة عَن زَهْدَم عَن عمرَان ابْن حُصَيْن.
قَوْله: (قَرْني) أَي: أهل قَرْني الَّذين أَنا فيهم، وهم الصَّحَابَة. قَوْله: (ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ) أَي: ثمَّ قرن الَّذين يلون قَرْني وهم التابعون. قَوْله: (ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ) وهم أَتبَاع التَّابِعين. قَوْله: (ينذرون) بِكَسْر الذَّال وَضمّهَا. قَوْله: (وَلَا يفون) وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: وَلَا يُوفونَ، وَأَصله. يوفيون، لِأَنَّهُ من أوفي إِيفَاء استثقلت الضمة على الْيَاء فنقلت إِلَى مَا قبلهَا فَاجْتمع ساكنان وهم الْيَاء وَالْوَاو فحذفت الْيَاء فَصَارَ: يُوفونَ، على وزن يفعون وَلم تحدف الْوَاو لِأَنَّهَا عَلامَة الْجمع، وَكَذَا الْكَلَام فِي: لَا يفون. قَوْله: (ويخونون) أَي خِيَانَة ظَاهِرَة حَتَّى لَا يؤتمنون أَي: لَا يعتقدونهم أُمَنَاء. قَوْله: (وَيشْهدُونَ) أَي: يتحملون الشَّهَادَة بِدُونِ التحميل، أَو يؤدونها بِدُونِ الطّلب، وَشَهَادَة الْحِسْبَة فِي التَّحَمُّل خَارِجَة عَنهُ بِدَلِيل آخر. قَوْله: (وَيظْهر فيهم السّمن) بِكَسْر السِّين وَفتح الْمِيم أَي: يتكثرون بِمَا لَيْسَ فيهم من الشّرف، أَو يجمعُونَ الْأَمْوَال أَو يغفلون عَن أَمر الدّين، لِأَن الْغَالِب على السمين أَن لَا يهتم بالرياضة، وَالظَّاهِر أَنه حَقِيقَة فِي مَعْنَاهُ لَكِن إِذا كَانَ مكتسباً لَا خلقياً، وَيُقَال معنى: (وَيظْهر فيهم السّمن) أَنه كِنَايَة عَن رغبتهم فِي الدُّنْيَا وإيثارهم شهواتها على الْآخِرَة وَمَا أعد الله فِيهَا لأوليائه من الشَّهَوَات الَّتِي لَا تنفد وَالنَّعِيم الَّذِي لَا يبيد يَأْكُلُون فِي الدُّنْيَا كَمَا تَأْكُل الْأَنْعَام وَلَا يقتدون بِمن كَانَ قبلهم من السّلف الَّذين كَانَت همتهم من الدُّنْيَا فِي أَخذ الْقُوت وَالْبُلغَة وَتَأْخِير شهواتهم إِلَى الْآخِرَة.
82 - (بابُ النَّذْرِ فِي الطّاعَةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم النّذر فِي الطَّاعَة. وَقَالَ بَعضهم: يحْتَمل أَن يكون: بَاب، بِالتَّنْوِينِ وَيُرِيد بقوله: النّذر فِي الطَّاعَة، حصر الْمُبْتَدَأ فِي الْخَبَر فَلَا يكون نذر الْمعْصِيَة نذرا شَرْعِيًّا.
قلت: لهَذَا الِاحْتِمَال وَجه، وَلَكِن قَوْله: بَاب، منون لَا يُقَال كَذَلِك، لِأَن الْمنون هُوَ المعرب والمعرب جُزْء الْمركب نَحْو قَوْلك: زيد قَائِم، فَإِن زيدا وَحده لَا يكون معرباً، وَكَذَا قَائِم وَحده، وَكَذَا لفظ: بَاب، لَا يكون معرباً إِلَّا بالتقدير الَّذِي قدرناه.
وقَوْلِهِ: { (2) وَمَا أنفقتم من نَفَقَة أَو نذرتم من نذر فَإِن الله يُعلمهُ وَمَا للظالمين من أنصار} (الْبَقَرَة: 072)
سَاق هَذِه الْآيَة غير أبي ذَر إِلَى قَوْله: {من أنصار} ذكرهَا هَهُنَا إِشَارَة إِلَى أَن الَّذِي أوقع الثَّنَاء على فَاعل النّذر هُوَ مَا نذر فِي الطَّاعَة لِأَن النّذر فِي الطَّاعَة وَاجِب الْوَفَاء بِهِ عِنْد الْجُمْهُور لمن قدر عَلَيْهِ وَالنّذر على أَرْبَعَة أَقسَام. أَحدهَا: طَاعَة كَالصَّلَاةِ. الثَّانِي: مَعْصِيّة كَالزِّنَا. الثَّالِث: مَكْرُوه كنذر ترك التَّطَوُّع. الرَّابِع: مُبَاح كنذر أكل بعض الْمُبَاحَات ولبسه، وَاللَّازِم وَالطَّاعَة والقربة عملا بِحَدِيث الْبَاب، وَلَا يلْزم الْعَمَل بِمَا عداهُ عملا بِبَقِيَّة الحَدِيث.
6966 - حدّثنا أبُو نُعَيْمٍ حدّثنا مالِكٌ عنْ طَلْحَةَ بنِ عَبْدِ المَلِكِ عنْ القاسِمِ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا، عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (مَنْ نَذر أنْ يُطِيعَ الله فَليُطِعْهُ، ومَنْ نَذَرَ أنْ يَعْصِيَهُ فَلاَ يعْصِهِ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأَبُو نعيم الْفضل بن دُكَيْن، وَطَلْحَة بن عبد الْملك الْأَيْلِي بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف نزيل الْمَدِينَة ثِقَة من طبقَة ابْن جريج، وَالقَاسِم بن مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
والْحَدِيث أخرجه أَبُو دَاوُد فِي النّذر عَن القعْنبِي. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن قُتَيْبَة عَن مَالك بِهِ. وَأخرجه النَّسَائِيّ أَيْضا عَن قُتَيْبَة وَغَيره. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الْكَفَّارَات عَن أبي بكر بن أبي شيبَة. وَقَالَ أَبُو عمر: قَالَ قوم من أهل الحَدِيث: إِن طَلْحَة تفرد بِهَذَا الحَدِيث عَن الْقَاسِم، قيل: لَيْسَ كَذَلِك، فقد تَابعه أَيُّوب وَيحيى بن أبي كثير عَن ابْن حَيَّان، وَرَوَاهُ الطَّحَاوِيّ أَيْضا من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن مجبر بِضَم الْمِيم وَفتح الْجِيم وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة عَن الْقَاسِم.
قَوْله: (أَن يُطِيع الله) كلمة: مَصْدَرِيَّة والإطاعة أَعم من أَن تكون فِي وَاجِب أَو مُسْتَحبّ. قَوْله: (فليطعه) مجزوم لِأَنَّهُ جَوَاب الشَّرْط. قَوْله: (فَلَا يَعْصِهِ) مجزوم أَيْضا لِأَنَّهُ جَوَاب الشَّرْط، ويروى: من نذر أَن يعْصى الله.(23/208)
92 - (بابٌ إِذا نَذَرَ أوْ حَلَفَ أنْ لَا يُكَلَّمَ إنْساناً فِي الجاهِلِيَّةِ ثمَّ أسْلَمَ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ إِذا نذر شخص أَو حلف أَن لَا يكلم إنْسَانا فِي الْجَاهِلِيَّة، وَهُوَ ظرف لقَوْله: نذر، وَهِي: زمَان فَتْرَة النبوات يَعْنِي: قبل بَعثه نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَالَه الْكرْمَانِي: قَوْله: ثمَّ أسلم، أَي: النَّاذِر، وَلم يبين حكمه وَهُوَ جَوَاب: إِذا فَإِن نقل أحد عَن البُخَارِيّ أَنه مِمَّن يُوجب ذَلِك، فجواب: إِذا، يجب ذَلِك، وإلاَّ يكون جَوَابه: ينْدب ذَلِك، وَقد عقد الطَّحَاوِيّ لهَذَا الْبَاب تَرْجَمَة وَهِي أحسن من هَذِه التَّرْجَمَة وأوضح حَيْثُ قَالَ: بَاب الرجل ينذر وَهُوَ مُشْرك نذرا ثمَّ يسلم، لِأَن معنى قَوْله: فِي الْجَاهِلِيَّة، الَّذِي فسره الْكرْمَانِي بقوله: قبل بَعثه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يسْتَلْزم أَن يكون حكم الْمُشرك الَّذِي كَانَ بعد الْبعْثَة وَنذر نذرا ثمَّ أسلم خلاف حكم الَّذِي نذر فِي الْجَاهِلِيَّة ثمَّ أسلم بعد الْبعْثَة، مَعَ أَن حكمهمَا سَوَاء.
7966 - حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ مُقاتِلِ أبُو الحَسَنِ أخبرنَا عَبْدُ الله أخبرنَا عُبَيْدُ الله بنُ عُمَرَ عنْ نافِعٍ عنِ ابنِ عُمَرَ: أنَّ عُمَرَ قَالَ: يَا رَسُول الله! إنِّي نَذَرْتُ فِي الجاهِلِيَّةِ أنْ أعْتكِفَ لَيْلَةً فِي المَسجِدِ الحَرامِ. قَالَ: (أوْفٍ بِنذْرِكَ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (أوف بِنَذْرِك) لِأَنَّهُ يدل على أَن نذر الْكَافِر صَحِيح، فَإِذا أسلم يلْزمه الْوَفَاء بِهِ. وَفِيه خلاف بَين الْفُقَهَاء على مَا نذكرهُ إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك الْمروزِي، وَعبيد الله بن عمر الْعمريّ.
والْحَدِيث مضى فِي آخر الِاعْتِكَاف فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبيد الله بن إِسْمَاعِيل عَن أبي أُسَامَة عَن عبيد الله بن عمر ... الخ وَرَوَاهُ الطَّحَاوِيّ من ثَلَاث طرق، ثمَّ قَالَ: فَذهب قوم إِلَى أَن الرجل إِذا أوجب على نَفسه شَيْئا فِي حَال شركه من اعْتِكَاف أَو صَدَقَة أَو شَيْء مِمَّا يُوجِبهُ الْمُسلمُونَ لله، ثمَّ أسلم، أَن ذَلِك وَاجِب عَلَيْهِ. وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِهَذِهِ الْآثَار.
قلت: أَرَادَ بالقوم هَؤُلَاءِ: طاووساً وَقَتَادَة وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق وَجَمَاعَة الظَّاهِرِيَّة، وَبِه قَالَ ابْن حزم، ثمَّ قَالَ الطَّحَاوِيّ: وَخَالفهُم فِي ذَلِك آخَرُونَ. فَقَالُوا: لَا يجب عَلَيْهِ فِي ذَلِك شَيْء.
قلت: أَرَادَ بالآخرين: إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَالثَّوْري وَأَبا حنيفَة وَأَبا يُوسُف ومحمداً ومالكاً وَالشَّافِعِيّ فِي قَول، وَأحمد فِي رِوَايَة، وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِحَدِيث عَائِشَة الْمَذْكُور قبل هَذَا الْبَاب، وَبِحَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنَّمَا النّذر مَا ابْتغى بِهِ وَجه الله، رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ عَن عبد الله بن وهب فِي (مُسْنده) : فَدلَّ على أَن فعل الْكَافِر لم يكن تقرباً إِلَى الله، لِأَنَّهُ حِين كَانَ يُوجِبهُ يقْصد بِهِ الَّذِي كَانَ يعبده من دون الله، وَذَلِكَ مَعْصِيّة، فَدخل فِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَا نذر فِي مَعْصِيّة الله) . وَأما حَدِيث عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَالْجَوَاب عَنهُ إِنَّمَا أَمر بِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَن يَفْعَله الْآن على أَنه طَاعَة لله عز وَجل، وَكَانَ خلاف مَا أوجبه بِهِ فِي حَال نَذره الَّذِي هُوَ مَعْصِيّة. وَقَالَ أَبُو الْحسن الْقَابِسِيّ: لم يَأْمُرهُ الشَّارِع على جِهَة الْإِيجَاب، وَإِنَّمَا هُوَ على جِهَة الرَّأْي، وَقيل: أَرَادَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يعلمهُمْ أَن الْوَفَاء بِالنذرِ من آكِد الْأُمُور، فغلظ أمره بِأَن أَمر عمر بِالْوَفَاءِ. قَوْله: (قَالَ: يَا رَسُول الله) كَانَ قَوْله لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ذَلِك بعد مَا قسم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، غَنَائِم حنين بِالطَّائِف.
وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَفِي الحَدِيث أَن الصَّوْم لَيْسَ شرطا لصِحَّة الِاعْتِكَاف، وَهُوَ حجَّة على الْحَنَفِيَّة. انْتهى.
قلت: ذهل الْكرْمَانِي عَن قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا اعْتِكَاف إلاَّ بِالصَّوْمِ.
03 - (بابُ مَنْ ماتَ وعَلَيْهِ نَذْرٌ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان من مَاتَ وَالْحَال أَنه عَلَيْهِ نذرا، هَل يقْضى عَنهُ أم لَا؟ .
وأمَرَ ابنُ عُمَرَ امْرأةً جَعَلَتْ أُمُّها عَلى نَفْسِها صَلاةً بِقُباءٍ، فَقَالَ: صَلِّي عَنْها
هَذَا أوضح حكم التَّرْجَمَة، يَعْنِي: من مَاتَ وَعَلِيهِ نذر يقْضِي عَنهُ، وبهذ أخذت الظَّاهِرِيَّة، وَقَالُوا: يجب قَضَاء النّذر عَن الْمَيِّت على ورثته صوما كَانَ أَو صَلَاة. وَقَالَت الشَّافِعِيَّة: تجوز النِّيَابَة عَن الْمَيِّت فِي الصَّلَاة وَالْحج وَغَيرهمَا، لتضمن أَحَادِيث(23/209)
الْبَاب بذلك. وَفِي (التَّوْضِيح) : الْفِعْل الَّذِي يتَضَمَّن فعل النّذر خَاصَّة كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْم فَالْمَشْهُور من مَذَاهِب الْفُقَهَاء أَنه لَا يفعل. وَقَالَ مُحَمَّد بن الحكم: يصام عَنهُ وَهُوَ الْقَدِيم للشَّافِعِيّ، وَصحت بِهِ الْأَحَادِيث فَهُوَ الْمُخْتَار، وَقَالَهُ أَحْمد وَإِسْحَاق وَأَبُو ثَوْر وَأهل الظَّاهِر، وَعند الْحَنَفِيَّة: لَا يُصَلِّي أحد عَن أحد وَلَا يَصُوم عَنهُ، وَنقل ابْن بطال إِجْمَاع الْفُقَهَاء على أَنه: لَا يُصَلِّي أحد عَن أحد فرضا وَلَا سنة لَا عَن حَيّ وَلَا عَن ميت، وَالْجَوَاب عَمَّا رُوِيَ عَن ابْن عمر أَنه: صَحَّ عَنهُ خلاف ذَلِك، فَقَالَ مَالك فِي (الْمُوَطَّأ) : إِنَّه بلغه أَن عبد الله بن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، كَانَ يَقُول: لَا يُصَلِّي أحد عَن أحد وَلَا يَصُوم أحد عَن أحد، وَيحمل قَوْله. فِي الْأَثر الْمَذْكُور صلي عَنْهَا إِن شِئْت، وَقَالَ الْكرْمَانِي: ويروى: صلي عَلَيْهَا، فَأَما أَن يُقَام: على، مقَام: عَن إِذْ: حُرُوف الْجَرّ بَينهَا مناوبة، وَأما أَن يُقَال: الضَّمِير رَاجع إِلَى قبَاء. انْتهى.
قلت: المناوية بَين الْحُرُوف لَيست على الْإِطْلَاق، وَلم يقل أحد إِن: على، تَأتي بِمَعْنى: عَن، مَعَ أَن جمَاعَة زَعَمُوا أَن. . على، لَا تكون إلاَّ اسْما، ونسبوه لسيبويه. أَقُول: لم لَا يجوز أَن يكون معنى: صلي عَلَيْهَا، أَدعِي لَهَا؟ فَيكون قد أمرهَا بِالدُّعَاءِ لَهَا لَا بِالصَّلَاةِ عَنْهَا.
وَقَالَ ابنُ عَبَّاس نَحْوَهُ
أَي: قَالَ عبد الله بن عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا نَحْو مَا قَالَ عبد الله بن عمر، وَوصل هَذَا المعلَّق ابْن أبي شيبَة بِسَنَد صَحِيح عَن سعيد بن جُبَير قَالَ مرّة: عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِذا مَاتَ وَعَلِيهِ نذر قضي عَنهُ وليه، وَرُوِيَ عَنهُ خلاف ذَلِك، رَوَاهُ النَّسَائِيّ من طَرِيق أَيُّوب بن مُوسَى عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لَا يُصَلِّي أحد عَن أحد، وَلَا يَصُوم أحد عَن أحد، وَجمع بَعضهم بَين الرِّوَايَتَيْنِ بِأَن الْإِثْبَات فِي حق من مَاتَ، وَالنَّفْي فِي حق الْحَيّ.
قلت: النَّقْل عَنهُ فِي هَذَا مُضْطَرب فَلَا يقوم بِهِ حجَّة لأحد.
8966 - حدّثنا أبُو اليَمانِ أخبرنَا شُعَيْبٌ عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبرنِي عُبَيْدُ الله بنُ عَبدِ الله أنَّ عَبْدَ الله بنَ عَبَّاسٍ أخْبَرَهُ أنَّ سَعْدَ بنَ عُبادَةَ الأنْصاريَّ اسْتَفْتى االنبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي نَذْرٍ كَانَ عَلى أُمِّهِ، فَتُوُفِّيَتْ قَبْلَ أنْ تَقْضِيَهُ، فأفْتاهُ أنْ يَقْضِيهُ عَنْها، فَكانَتْ سُنَّةً بَعْدُ. (انْظُر الحَدِيث 1672 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. ويوضح حكمهَا أَيْضا. وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع، وَشُعَيْب بن أبي حَمْزَة الْحِمصِي، وَالزهْرِيّ مُحَمَّد ابْن مُسلم، وَعبيد الله هُوَ ابْن عبد الله بن عتبَة بن مَسْعُود.
والْحَدِيث مضى فِي كتاب الْوَصَايَا فِي: بَاب مَا يسْتَحبّ لمن يتوفى فَجْأَة أَن يتصدقوا عَنهُ وَقَضَاء النّذر عَن الْمَيِّت فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك عَن ابْن شهَاب عَن عبيد الله بن عبد الله عَن ابْن عَبَّاس: أَن سعد بن عبَادَة استفتى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ... الحَدِيث.
قَوْله: (كَانَ على أمه) اخْتلفُوا فِي النّذر الَّذِي كَانَ عَلَيْهَا، فَقيل: كَانَ صياما، وَقيل: عتقا، وَقيل: كَانَ صَدَقَة، وَقيل: كَانَ نذرا مُطلقًا لَا ذكر فِيهِ لشَيْء من هَذِه الْأَشْيَاء، وَالْحكم فِي النّذر الْمُبْهم كَفَّارَة يَمِين، رُوِيَ هَذَا عَن ابْن عَبَّاس وَعَائِشَة وَجَابِر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم. وَقَالَ ابْن بطال: وَهُوَ قَول جُمْهُور الْفُقَهَاء، وَرُوِيَ عَن سعيد بن جُبَير وَقَتَادَة: أَن النّذر الْمُبْهم أغْلظ الْأَيْمَان وَله أغْلظ الْكَفَّارَات: عتق أَو كسْوَة أَو إطْعَام. قَالَ: وَالصَّحِيح قَول من جعل فِيهِ كَفَّارَة يَمِين لما رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة عَن وَكِيع عَن إِسْمَاعِيل بن رَافع عَن خَالِد بن يزِيد عَن عقبَة ابْن عَامر قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (من نذر نذرا لم يسمه فكفارته كَفَّارَة يَمِين) . قَوْله: (فأفتاه) أَي: فَأفْتى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَن يَقْضِيه عَنْهَا، أَي: عَن أمه، وَذَلِكَ بِحَسب مَا وَقع نذرها. قَوْله: (فَكَانَت سنة بعد) قَالَ الْكرْمَانِي: أَي: صَار قَضَاء الْوَارِث مَا على الْمَوْرُوث طَريقَة شَرْعِيَّة، وَتَبعهُ بَعضهم على هَذَا التَّفْسِير.
قلت: هَذَا وَإِن كَانَ حَاصِل الْمَعْنى، وَلَكِن معنى التَّرْكِيب لَيْسَ كَذَلِك، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ: فَكَانَت فَتْوَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، سنة يعْمل بهَا بعد إِفْتَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بذلك، وَالضَّمِير فِي: كَانَت، يرجع إِلَى الْفَتْوَى يدل عَلَيْهَا. قَوْله: (فافتاه) وَهُوَ من قبيل قَوْله: {يَاأَيُّهَآ الَّذِينَءَامَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ للَّهِ شُهَدَآءَ بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} (الْمَائِدَة: 8) أَي: فَإِن الْعدْل يدل عَلَيْهِ قَوْله: إعدلوا.
9966 - حدّثنا آدَمُ حدّثنا شُعْبَةُ عنْ أبي بِشْرٍ قَالَ: سَمِعتُ سَعِيدَ بنَ جُبَيْرٍ عنِ ابْن عَبَّاسٍ،(23/210)
رَضِي الله عَنْهُمَا، قَالَ: أتَى رَجُلٌ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَهُ: إنَّ أُخْتِي قَدْ نَذَرَتْ أنْ تَحُجَّ وَإِنَّهَا ماتَتْ، فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَوْ كَانَ عَلَيْها دَيْنٌ أكُنْتَ قاضِيَهُ؟) قَالَ: نَعَمْ قَالَ: (فاقْضِ دَيْنَ الله فَهْوَ أحَقُّ بالقَضاءِ) . (انْظُر الحَدِيث 2581 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وآدَم هُوَ ابْن أبي إِيَاس، وَأَبُو بشر، بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة واسْمه جَعْفَر ابْن أبي وحشية، واسْمه إِيَاس الْيَشْكُرِي الْبَصْرِيّ، وَيُقَال: الوَاسِطِيّ.
قَوْله: (أَتَى رجل) قد تقدم فِي أَوَاخِر كتاب الْحَج فِي: بَاب الْحَج عَن الْمَيِّت: أَن امْرَأَة قَالَت: إِن أُمِّي نذرت ... إِلَى آخِره، وَلَا مُنَافَاة لاحْتِمَال وُقُوع الْأَمريْنِ جَمِيعًا، وَقد مضى الْكَلَام فِي الْحَج عَن الْغَيْر بتفاصيله. قَوْله: (لَو كَانَ عَلَيْهَا دين) تَمْثِيل مِنْهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَتَعْلِيم لأمته الْقيَاس وَالِاسْتِدْلَال. قَوْله: (فَهُوَ أَحَق بِالْقضَاءِ) أَي: فدين الله أَحَق بِالْأَدَاءِ، قيل إِذا اجْتمع حق الله وَحقّ الْعباد يقدم حق الْعباد، فَمَا معنى فَهُوَ أَحَق. أُجِيب: بِأَن مَعْنَاهُ إِذا كنت تراعي حق النَّاس فَلِأَن تراعي حق الله كَانَ أولى، وَلَا دخل فِيهِ للتقديم وَالتَّأْخِير إِذْ لَيْسَ مَعْنَاهُ أَحَق بالتقديم.
13 - (بابُ النَّذْرِ فِيما لَا يَمْلِكُ وَفِي مَعْصِيَةٍ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان النّذر فِيمَا لَا يملكهُ النَّاذِر. قَوْله: وَفِي مَعْصِيّة، أَي: وَفِي بَيَان حكم النّذر فِي مَعْصِيّة مثل من نذر أَن ينْحَر ابْنه وَنَحْو ذَلِك، وَفِي بعض النّسخ وَلَا فِي مَعْصِيّة.
0076 - حدّثنا أبُو عَاصِمٍ عنْ مالِكٍ عنْ طَلْحَةَ بنِ عَبْد المَلِكِ عنِ القاسِمِ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا، قالَتْ: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (مَنْ نَذَرَ أنْ يُطِيعَ الله فَلْيُطِعْهُ، ومَنْ نَذَرَ أنْ يَعْصِيهَ فَلا يَعْصِهِ) . (انْظُر الحَدِيث 6966) .
مطابقته للجزء الثَّانِي من التَّرْجَمَة وَلَا مدْخل لَهُ فِي النّذر فِيمَا لَا يملك، وَقَالَ ابْن بطال: لَا مدْخل لأحاديث الْبَاب كلهَا فِي النّذر فِيمَا لَا يملك، وَإِنَّمَا تدخل فِي نذر الْمعْصِيَة. وَقَالَ الْكرْمَانِي مَا ملخصه: إِن مَا لَا يملك مثل النّذر بِإِعْتَاق عبد فلَان، وَاتَّفَقُوا على جَوَاز النّذر فِي الذِّمَّة بِمَا لَا يملك كإعتاق عبد، وَلم يملك شَيْئا. انْتهى. وَقَالَ غَيره: تلقى البُخَارِيّ عدم لُزُوم النّذر فِيمَا لَا يملكهُ من عدم لُزُومه فِي الْمعْصِيَة، لِأَن نَذره ملك غَيره تصرف فِي ملك الْغَيْر وَهُوَ مَعْصِيّة. انْتهى.
قلت: كل مِنْهُمَا لم يذكر شَيْئا فِيهِ كِفَايَة للمقصود، غَايَة فِي الْبَاب تكلفاً فِي: بَاب وَجه الْمُطَابقَة بَين التَّرْجَمَة. والْحَدِيث الأول وَلم يجيبا عَمَّا قَالَه ابْن بطال لَا مدْخل لأحاديث الْبَاب كلهَا فِي النّذر فِيمَا لَا يملكهُ، وَهُوَ ظَاهر لَا يخفى على المتأمل، وَشَيخ البُخَارِيّ فِي الحَدِيث الْمَذْكُور هُوَ أَبُو عَاصِم النَّبِيل الضَّحَّاك بن مخلد الْبَصْرِيّ، وَالقَاسِم هُوَ ابْن مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
والْحَدِيث مر عَن قريب جدا فِي: بَاب النّذر فِي الطَّاعَة، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
1076 - حدّثنا مُسَدَّدٌ حدّثنا يَحْيَاى عنْ حُمَيْدٍ عنْ ثابتٍ عنْ أنسٍ عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (إنَّ الله لَغَنِيٌّ عنْ تَعْذِيبِ هاذا نَفْسَهُ) ورآهُ يَمْشي بَيْنَ ابنَيْهِ. (انْظُر الحَدِيث 5681) .
هَذَا يُمكن أَن يدْخل فِي الْجُزْء الثَّانِي للتَّرْجَمَة، وَأما الْجُزْء الأول فَلَا دخل لَهُ فِيهِ أصلا. وَيحيى هُوَ الْقطَّان، وَحميد هُوَ ابْن أبي حميد الطَّوِيل أَبُو عُبَيْدَة الْبَصْرِيّ عَن ثَابت بالثاء الْمُثَلَّثَة فِي أَوله ابْن أسلم الْبنانِيّ أَبُو مُحَمَّد الْبَصْرِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي الْحَج عَن مُحَمَّد بن سَلام، وأوله: رأى شَيخا يهادي بَين ابنيه، وَهنا ذكره مُخْتَصرا، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
وَقَالَ الفَزارِيُّ: عنْ حُمَيْدٍ حدّثني ثابِتٌ عنْ أنَسٍ
الْفَزارِيّ بِفَتْح الْفَاء وَتَخْفِيف الزَّاي وبالراء هُوَ مَرْوَان بن مُعَاوِيَة الْكُوفِي، وَأَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَن حميدا صرح بِالتَّحْدِيثِ هُنَا عَن ثَابت، وَوَصله فِي الْحَج عَن مُحَمَّد بن سَلام عَن الْفَزارِيّ.
2076 - حدّثنا أبُو عاصِمٍ عنِ ابنِ جُرَيْجٍ عنْ سُلَيْمانَ الأحْوَلِ عنْ طاوُوس عنِ ابنِ عَبَّاسٍ(23/211)
أنَّ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَأى رَجُلاً يَطُوفُ بالكَعْبَةِ بِزَمامٍ أَو غَيْرِهِ فَقَطَعَهُ.
الْكَلَام فِيهِ مثل الحَدِيث الَّذِي قبله وَأَبُو عِصَام قد مر الْآن، وَابْن جريج عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج.
والْحَدِيث مضى فِي الْحَج عَن أبي عَاصِم أَيْضا وَعَن إِبْرَاهِيم بن مُوسَى.
(رأى رجلا) اسْمه تُرَاب، قَالَه الْكرْمَانِي. قَوْله: (أَو غَيره) شكّ من الرَّاوِي أَي أَو غير الزِّمَام، وَهُوَ الخطام.
3076 - حدّثنا إبْراهِيمُ بنُ مُوسَى أخبرنَا هِشامٌ أنَّ ابنَ جُرَيْجٍ أخْبَرَهُمْ قَالَ: أَخْبرنِي سُليْمانُ الأحْوَلُ أنَّ طاوُوساً أخْبَرَهُ عَن ابْن عبَّاسٍ رَضِي الله عَنْهُمَا: أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَرَّ وهْوَ يَطُوفُ بالْكَعْبَةِ بإنْسانٍ يَقُودُ إنْساناً بِخِزَامَةٍ فِي أنْفِهِ، فَقَطَعها النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِيَدِهِ ثُمَّ أمَرَهُ أنْ يَقُودَه بِيَدِهِ.
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس الْمَذْكُور أخرجه عَن إِبْرَاهِيم بن مُوسَى بن يزِيد الْفراء الرَّازِيّ عَن هِشَام بن يُوسُف عَن عبد الْملك بن جريج عَن سُلَيْمَان بن أبي مُوسَى الْأَحول عَن طَاوُوس عَن ابْن عَبَّاس، وَهَذَا الطَّرِيق أنزل من الطَّرِيق الْمَذْكُور.
قَوْله: (وَهُوَ يطوف) الْوَاو فِيهِ للْحَال. قَوْله: (يَقُود) جملَة وَقعت صفة لقَوْله: (بِإِنْسَان) قَوْله: (بخزامة) بِكَسْر الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الزَّاي وَهِي حَلقَة من شعر أَو وبر تجْعَل فِي الحاجز الَّذِي بَين منخري الْبَعِير يشد بهَا الزِّمَام ليسهل القياد إِذا كَانَ صعباً.
4076 - حدّثنا مُوسَى بنُ إسْماعِيلَ حدّثنا وُهَيْبٌ حدّثنا أيُّوبُ عنْ عِكْرِمَةَ عنِ ابنِ عبَّاسٍ قَالَ: بَيْنا النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَخْطُبُ إذَا بِرَجُلٍ قائِمٍ، فَسأل عنهُ فقالُوا: أبُو إسْرَائِيلَ، نَذَرَ أنْ يَقُومَ وَلَا يَقْعُدَ ولاَ يَسْتَظَلَّ وَلَا يَتَكَلَّمَ ويَصُومَ، فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (مُرْهُ فَلْيتكَلَّمْ ولْيَسْتَظِلَّ ولْيَقْعُدْو لْيُتِمَّ صَوْمَهُ) .
مطابقته للجزء الثَّانِي من التَّرْجَمَة لِأَن نذر الرجل بترك الْقعُود وَترك الاستظلال وَترك التَّكَلُّم لَيست بِطَاعَة، فَإِذا كَانَ نَذره فِي غير طَاعَة يكون مَعْصِيّة، لِأَن الْمعْصِيَة خلاف الطَّاعَة.
ومُوسَى بن إِسْمَاعِيل أَبُو سَلمَة الْمنْقري الَّذِي يُقَال لَهُ التَّبُوذَكِي، ووهيب مصغر وهب بن خَالِد، وَأَيوب هُوَ السّخْتِيَانِيّ.
والْحَدِيث أخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْأَيْمَان عَن مُوسَى الْمَذْكُور. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الْكَفَّارَات عَن الْحُسَيْن بن مُحَمَّد الوَاسِطِيّ.
قَوْله: (يخْطب) زَاد الْخَطِيب فِي (المبهمات) : من وَجه آخر: يَوْم الْجُمُعَة. قَوْله: (إِذا بِرَجُل) جَوَاب قَوْله: (بَينا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) وَفِي رِوَايَة أبي يعلى: إِذْ الْتفت فَإِذا هُوَ بِرَجُل. قَوْله: (قَائِم) صفة رجل، وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد: قَائِم فِي الشَّمْس، وَفِي رِوَايَة: قَائِم يُصَلِّي. قَوْله: (فَسَأَلَ عَنهُ) أَي، فَسَأَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الرجل. قَوْله: (فَقَالُوا: أَبُو إِسْرَائِيل) وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد: هُوَ أَبُو إِسْرَائِيل، وَزَاد الْخَطِيب: رجل من قُرَيْش. وَقَالَ الْكرْمَانِي: رجل من الْأَنْصَار، وَقَالَ بَعضهم: ترْجم لَهُ ابْن الْأَثِير تبعا لغيره، فَقَالَ: إِسْرَائِيل الْأنْصَارِيّ، فاغتر بذلك الْكرْمَانِي فَجزم بِأَنَّهُ من الْأَنْصَار، وَالْأول أولى. انْتهى.
قلت: يُقَال لهَذَا الْقَائِل: إِن كَانَ الْكرْمَانِي اغْترَّ بِكَلَام ابْن الْأَثِير، فَأَنت اغتررت بِكَلَام الْخَطِيب، وأولوية الأول من أَيْن؟ مَعَ أَن أَبَا عمر بن عبد الْبر قَالَ فِي (الِاسْتِيعَاب) : فِي بَاب الكنى: أَبُو إِسْرَائِيل رجل من الْأَنْصَار من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ثمَّ ذكر حَدِيثه الْمَذْكُور، ثمَّ قَالَ: اسْمه يسير، بِضَم الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالسين الْمُهْملَة، وَقيل: قُشَيْر، بِضَم الْقَاف وَفتح الشين الْمُعْجَمَة، وَقيل: قصير، باسم ملك الرّوم وَلَا يُشَارِكهُ أحد فِي كنيته من الصَّحَابَة. قَوْله: (مره) أَمر من أَمر أَي: مر أَبَا إِسْرَائِيل، وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد: مروه، بِصِيغَة الْجمع. قَوْله: (وليتم صَوْمه) لِأَن الصَّوْم قربَة بِخِلَاف أخواته.
وَفِي حَدِيثه: دَلِيل على أَن السُّكُوت عَن الْمُبَاح أَو عَن ذكر الله لَيْسَ بِطَاعَة، وَكَذَلِكَ الْجُلُوس فِي الشَّمْس، وَفِي مَعْنَاهُ كل مَا يتَأَذَّى بِهِ الْإِنْسَان مِمَّا لَا طَاعَة فِيهِ وَلَا قربَة بِنَصّ كتاب أَو سنة، كالجفاء وَغَيره، وَإِنَّمَا(23/212)
الطَّاعَة مَا أَمر الله بِهِ وَرَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَالَ عبْدُ الوَهَّابِ: حدّثنا أيُّوبُ عنْ عِكْرِمَة عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أَشَارَ بتعليقه عَن عبد الْوَهَّاب بن عبد الْمجِيد الثَّقَفِيّ عَن أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ عَن عِكْرِمَة مولى ابْن عَبَّاس إِلَى أَنه روى أَيْضا مُرْسلا لِأَن عِكْرِمَة من التَّابِعين، وَاخْتلفُوا فِي مثل هَذَا فَقَالَ الْأَكْثَرُونَ: إِن الْمَوْصُول أرجح لزِيَادَة الْعلم من واصله.
23 - (بابُ مَنْ نَذَرَ أنْ يَصُومَ أيَّاماً فَوَافَقَ النَّحْرَ أوِ الفِطْرَ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم من نذر أَن يَصُوم أَيَّامًا بِعَينهَا فاتفق أَنه وَافق يَوْمًا مِنْهَا يَوْم الْفطر أَو يَوْم النَّحْر، هَل يجوز لَهُ أَن يَصُوم ذَلِك الْيَوْم أَو لَا؟ أم كَيفَ حكمه؟ وَلم يبين الحكم على عَادَته فِي غَالب الْأَبْوَاب. إِمَّا اكْتِفَاء بِمَا يُوضح ذَلِك من حَدِيث الْبَاب، أَو اعْتِمَادًا عَن المستنبط مِمَّا قَالَه الْفُقَهَاء فِي ذَلِك الْبَاب، وَالْحكم هُنَا أَن إنْشَاء الصَّوْم فِي يَوْم الْفطر أَو فِي يَوْم النَّحْر لَا يجوز إِجْمَاعًا وَلَو نذر صومهما لَا ينْعَقد عندالشافعية، وَهُوَ الْمَشْهُور من مَذْهَب مَالك، وَعند أبي حنيفَة: ينْعَقد وَلَكِن لَا يَصُوم وَيجب عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ، وَعند الْحَنَابِلَة رِوَايَتَانِ فِي وجوب الْقَضَاء، وَقد مضى الْكَلَام فِيهِ مستقصًى فِي أَوَاخِر كتاب الصَّوْم.
79 - (حَدثنَا مُحَمَّد بن أبي بكر الْمقدمِي حَدثنَا فُضَيْل بن سُلَيْمَان حَدثنَا مُوسَى بن عقبَة حَدثنَا حَكِيم بن أبي حرَّة الْأَسْلَمِيّ أَنه سمع عبد الله بن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا سُئِلَ عَن رجل نذر أَن لَا يَأْتِي عَلَيْهِ يَوْم إِلَّا صَامَ فَوَافَقَ يَوْم أضحى أَو فطر فَقَالَ لقد كَانَ لكم فِي رَسُول الله أُسْوَة حَسَنَة لم يكن يَصُوم يَوْم الْأَضْحَى وَالْفطر وَلَا نرى صيامهما) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَفِيه إِيضَاح حكم التَّرْجَمَة وَمُحَمّد بن أبي بكر الْمقدمِي على صِيغَة اسْم الْمَفْعُول من التَّقْدِيم وَحَكِيم بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وبالكاف ابْن أبي حرَّة بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الرَّاء الْأَسْلَمِيّ الْمدنِي وَأَبُو حرَّة لَا يدرى اسْمه وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ إِلَّا هَذَا الحَدِيث الْوَاحِد وَقد أوردهُ مُتَابعًا لزياد بن جُبَير عَن ابْن عمر فِي الحَدِيث الْآتِي قَوْله سُئِلَ عَن رجل جملَة وَقعت حَالا عَن عبد الله بن عمر وَسُئِلَ على صِيغَة الْمَجْهُول لم يسم السَّائِل فَيحْتَمل أَن يكون رجلا أَو امْرَأَة قَالَ بَعضهم بعد أَن أورد من طَرِيق ابْن حبَان عَن كَرِيمَة بنت سِيرِين أَنَّهَا سَأَلت ابْن عمر فَقَالَت جعلت على نَفسِي أَن أَصوم كل أربعاء وَالْيَوْم يَوْم الْأَرْبَعَاء وَهُوَ يَوْم النَّحْر فَقَالَ أَمر الله بوفاء النّذر وَنهى رَسُول الله عَن صَوْم يَوْم النَّحْر وَرُوَاته ثِقَات يُفَسر بهَا الْمُبْهم فِي رِوَايَة حَكِيم بِخِلَاف رِوَايَة زِيَاد بن جُبَير حَيْثُ قَالَ فَسَأَلَهُ رجل انْتهى قلت فِيهِ نظر لِأَن أَبَا نعيم أخرج الحَدِيث الْمَذْكُور من طَرِيق مُحَمَّد بن أبي بكر شيخ البُخَارِيّ وَأخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ أَيْضا من وَجه آخر عَن مُحَمَّد بن أبي بكر وَلَفظه أَنه سمع رجلا يسْأَل عبد الله بن عمر عَن رجل نذر فَذكر الحَدِيث وَهَذَا أقرب وَأولى لتفسير الْمُبْهم الْمَذْكُور من تَفْسِيره بِمَا فِي حَدِيث أَجْنَبِي عَن هَذَا مَعَ أَنه لَا مُنَافَاة أَن يَكُونَا قضيتين وَفِي وَاحِدَة مِنْهُمَا السَّائِل رجل وَفِي الْأُخْرَى امْرَأَة قَوْله لم يكن أَي رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَوْله وَلَا يرى قَالَ الْكرْمَانِي وَلَا نرى بِلَفْظ الْمُتَكَلّم فَيكون من جملَة مقول عبد الله بن عمر ويروى بِلَفْظ الْغَائِب وفاعله عبد الله وقائله حَكِيم بن أبي حرَّة وَقَالَ بَعضهم وَقع فِي رِوَايَة يُوسُف بن يَعْقُوب القَاضِي بِلَفْظ لم يكن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَصُوم يَوْم الْأَضْحَى وَلَا يَوْم الْفطر وَلَا يَأْمر بصيامهما انْتهى قلت قَصده أَن يخدش فِي كَلَام الْكرْمَانِي فِي نَقله الْوَجْهَيْنِ فِي قَوْله وَلَا يرى وَلَا يضرّهُ ذَلِك لِأَن كَون الْفَاعِل فِي هَذَا هُوَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَا يُنَافِي كَون الْفَاعِل فِي ذَلِك هُوَ عبد الله فِي الْوَجْهَيْنِ وَالْقَائِل هُوَ حَكِيم بن أبي حرَّة فِي الْوَجْه الثَّانِي(23/213)
بِنَاء على تعدد الْقَضِيَّة -
6076 - حدّثنا عَبْدُ الله بنُ سَلَمَة حَدثنَا يَزِيدُ بنُ زُرَيْعٍ عنْ يُونُسَ عنْ زِيادِ بنِ جُبَيْرٍ قَالَ: كُنْتُ مَعَ ابنِ عُمَرَ فَسألهُ رجُلٌ فَقَالَ: نَذَرْتُ أنْ أصُومَ كُلَّ يَوْمِ ثُلاَثَاءَ أوْ أرْبِعَاءَ مَا عِشْتُ، فَوَافَقْتُ هَذَا اليَوْمَ يَوْمَ النَّحْرِ، فَقَالَ: أمَرَ الله بِوَفاءِ النَّذْرِ، ونُهِينا أنْ نَصُومَ يَوْمَ النَّحْرِ، فأعادَ عَلَيْهِ، فَقَالَ مِثْلَهُ لَا يَزِيدُ عَلَيْهِ. (انْظُر الحَدِيث 4991 وطرفه) .
هَذَا وَجه آخر فِي حَدِيث ابْن عمر، وَيُونُس هوابن عبيد مُصَغرًا، أَو زِيَاد بِكَسْر الزَّاي وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف ابْن جُبَير بِضَم الْجِيم وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة مصغر جبر.
والْحَدِيث مضى فِي أَوَاخِر كتاب الصَّوْم فِي: بَاب الصَّوْم فِي يَوْم النَّحْر.
قَوْله: (ثلاثاء أَو أربعاء) شكّ من الرَّاوِي وهما لَا ينصرفان لأجل ألف التَّأْنِيث الممدودة كألف حَمْرَاء وسمراء وَنَحْوهمَا، ويجمعان على ثلاثاوات والأربعاوات، بِكَسْر الْبَاء، وَحكي عَن بعض بني أَسد فتحهَا. قَوْله: (أَمر الله) حَيْثُ قَالَ: {وليوفوا نذورهم} (الْحَج: 92) قَوْله: (ونهينا) على صِيغَة الْمَجْهُول، وَالْعرْف شَاهد بِأَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هُوَ الناهي. قَوْله: (فَأَعَادَ إِلَيْهِ) أَي: أعَاد الرجل كَلَامه على ابْن عمر. قَوْله: (فَقَالَ مثله) أَي: فَقَالَ ابْن عمر مثل مَا قَالَ فِي الأول (لَا يزِيد عَلَيْهِ) أَي: لَا يقطع بِلَا أَو نعم، وَهَذَا من غَايَة ورعه حَيْثُ توقف فِي الْجَزْم بِأَحَدِهِمَا لتعارض الدَّلِيلَيْنِ عِنْده، وَفِي (التَّوْضِيح) : جَوَاب ابْن عمر جَوَاب من أشكل عِنْده الحكم فتوقف، نعم جَوَابه أَن لَا يصام وَهُوَ مَذْهَب الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة. انْتهى.
قلت: وَفِي سِيَاق الرِّوَايَة إِشْعَار بِأَن الرَّاجِح عِنْده الْمَنْع على مَا لَا يخفى.
33 - (بابٌ هَلْ يَدْخلُ فِي الأيْمانِ والنُّذُور الأرْضُ والغَنَمُ والزُّرُوعُ والأمْتِعَةُ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ: هَل يدْخل فِي الْأَيْمَان ... إِلَى آخِره، يَعْنِي: هَل يَصح الْيَمين وَالنّذر على الْأَعْيَان؟ فصورة الْيَمين نَحْو قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ إِن هَذِه الشملة لتشتعل، عَلَيْهِ نَارا) ، وَصُورَة النّذر مثل أَن يَقُول: هَذِه الأَرْض لله نذرا، وَنَحْوه. وَقَالَ الْمُهلب: أَرَادَ البُخَارِيّ بِهَذَا أَن يبين أَن المَال يَقع على كل متملك، أَلا ترى قَول عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: أصبت أَرضًا لم أصب مَالا قطّ أنفس مِنْهُ، وَقَول أبي طَلْحَة: أحب الْأَمْوَال إِلَيّ بيرحاء، وهم الْقدْوَة فِي الفصاحة وَمَعْرِفَة لِسَان الْعَرَب؟ وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : أَرَادَ البُخَارِيّ بِهَذَا الرَّد على أبي حنيفَة، فَإِنَّهُ يَقُول: إِن من حلف أَو نذر أَن يتَصَدَّق بِمَالِه كُله فَإِنَّهُ لَا يَقع يَمِينه ونذره من الْأَمْوَال إلاَّ على مَا فِيهِ الزَّكَاة خَاصَّة. انْتهى.
قلت: قد كثر اخْتلَافهمْ فِي تَفْسِير المَال حَيْثُ قَالَ ابْن عبد الْبر وَآخَرُونَ: إِن المَال فِي لُغَة دوس، قَبيلَة أبي هُرَيْرَة، غير الْعين كالعروض وَالثيَاب، وَعند جمَاعَة: المَال هُوَ الْعين كالذهب وَالْفِضَّة خَاصَّة، وَحكى المطرزي أَن المَال هُوَ الصَّامِت كالذهب وَالْفِضَّة والناطق، وَحكى القالي عَن ثَعْلَب أَنه قَالَ: المَال عِنْد الْعَرَب أَقَله مَا تجب فِيهِ الزَّكَاة، وَمَا نقص عَن ذَلِك فَلَا يُقَال لَهُ مَال. وَقَالَ ابْن سَيّده فِي (العريض) : الْعَرَب لَا توقع اسْم المَال مُطلقًا إلاَّ على الْإِبِل لشرفها عِنْدهم وَكَثْرَة غنائها، قَالَ: وَرُبمَا أوقعوه على أَنْوَاع الْمَوَاشِي كلهَا، وَمِنْهُم من أوقعه على جَمِيع مَا يملكهُ الْإِنْسَان لقَوْله تَعَالَى: {وَلَا تُؤْتوا السُّفَهَاء أَمْوَالكُم} (النِّسَاء: 5) فَلم يخص شَيْئا دون شَيْء، وَهُوَ اخْتِيَار كثير من الْمُتَأَخِّرين، فَلَمَّا رأى البُخَارِيّ هَذَا الِاخْتِلَاف أَشَارَ إِلَى أَن المَال يَقع على كل متملك، كَمَا حكى عَنهُ الْمُهلب، كَمَا ذَكرْنَاهُ الْآن، فتبيَّن من ذَلِك أَنه اخْتَار هَذَا القَوْل فَلَا حَاجَة إِلَى قَول صَاحب (التَّوْضِيح) : إِنَّه أَرَادَ بِهِ الرَّد على أبي حنيفَة، لِأَنَّهُ اخْتَار قولا من الْأَقْوَال فَكَذَلِك اخْتَار أَبُو حنيفَة قولا من الْأَقْوَال، فَلَا اخْتِصَاص بِذكر الرَّد عَلَيْهِ خَاصَّة، وَلَكِن عرق العصبية الْبَاطِلَة نَزعه إِلَى ذَلِك.
وَقَالَ ابنُ عُمَرَ: قَالَ عُمَرُ للنبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أصَبْتُ أرْضاً لَمْ أصِبْ مَالا قَطُّ أنْفَسَ مِنْهُ، قَالَ: (إنْ شِئْتَ حَبَّسْتَ أصْلَها وتَصَدَّقْتَ بِها) .
ذكر هَذَا إِشَارَة إِلَى أَن الأَرْض يُطلق عَلَيْهَا المَال، وَهَذَا تَعْلِيق ذكره البُخَارِيّ فِي كتاب الْوَصَايَا مَوْصُولا. قَوْله: حبست،(23/214)
أَي: وقفت، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
وَقَالَ أبُو طَلْحَةَ لِلنبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أحبُّ أمْوالي إلَيَّ بَيْرُحاءٍ، لِحَائِطٍ لهُ مُسْتَقْبِلَةَ المَسْجدِ
ذكر هَذَا التَّعْلِيق أَيْضا عَن أبي طَلْحَة زيد بن سهل الْأنْصَارِيّ، إِشَارَة إِلَى أَن الْحَائِط الَّذِي هُوَ الْبُسْتَان من النّخل يُطلق عَلَيْهِ المَال، وَقد تقدم هَذَا مَوْصُولا فِي: بَاب الزَّكَاة على الْأَقَارِب. قَوْله: (إِلَيّ) بتَشْديد الْيَاء. قَوْله: (بيرحاء) قد مر ضَبطه هُنَاكَ. قَوْله: (لحائط) ، اللَّام فِيهِ للتبيين كَمَا فِي نَحْو {هيت لَك} أَي: هَذَا الِاسْم لحائط. قَوْله: (مُسْتَقْبلَة الْمَسْجِد) أَي: مُقَابِله. وتأنيثه بِاعْتِبَار الْبقْعَة.
7076 - حدّثنا إسْماعِيلُ قَالَ: حدّثنيمالِكٌ عنْ ثَوْرِ بنِ زَيْدٍ الدِّيليِّ عنْ أبي الغَيْثِ مَوْلَى ابنِ مُطِيعٍ عنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم خَيْبَرَ فَلع نَغْنَمْ ذَهَباً وَلَا فِضةً إلاَّ الأمْوالَ والثِّيابَ والمَتاعَ، فأهْدَى رجُلٌ مِنْ بَنِي الضُّبَيْبِ يُقالُ لَهُ: رِفاعَة بنُ زَيْدٍ، لِرَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غُلاَماً يُقالُ لَهُ: مِدْعَمٌ، فَوَجَّهَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى وَادي القُرَى حتَّى إذَا كانَ بِوَادِي القُرَى، بَيْنَما مِدْعَمٌ يَحُطُّ رَحْلاً لِرَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إذَا سَهْمٌ عائِزٌ فَقَتَلهُ، فَقَالَ النَّاسُ: هَنِيئاً لهُ الجَنَّةُ، فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (كَلاَّ! والَّذِي نَفْسي بِيَدِهِ إنَّ الشَّمْلَةَ الَّتِي أخَذَهَا يَوْمَ خَيْبَرَ مِنَ المَغانِمِ لَمْ تُصِبْها المقاسِمِ لَتَشْتَعِلُ عَلَيْهِ نَارا) ، فَلمَّا سَمِعَ ذالِكَ النّاسُ جاءَ رجلٌ بِشِرَاكٍ أوْ شِرَاكَيْنِ إِلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: شِرَاكٌ مِنْ نَارٍ أوْ: شِرَاكَانِ مِنْ نارٍ.
(انْظُر الحَدِيث 4324) .
أَشَارَ بِهَذَا الحَدِيث إِلَى أَن المَال لَا يُطلق إلاَّ على الثِّيَاب والأمتعة وَنَحْوهمَا، لِأَن الِاسْتِثْنَاء فِي قَوْله: إلاَّ الْأَمْوَال، مُنْقَطع يَعْنِي: لَكِن الْأَمْوَال هِيَ الثِّيَاب وَالْمَتَاع، قيل: هَذَا على لُغَة دوس قَبيلَة أبي هُرَيْرَة كَمَا ذَكرْنَاهُ عَن قريب، وَقد اخْتلفت الرِّوَايَات فِي هَذَا الحَدِيث عَن مَالك، فروى ابْن الْقَاسِم مثل رِوَايَة البُخَارِيّ، وروى يحيى بن يحيى وَجَمَاعَة عَن مَالك: الْأَمْوَال وَالثيَاب من الْمَتَاع، بواو الْعَطف.
وَإِسْمَاعِيل شيخ البُخَارِيّ هُوَ ابْن أويس، وثور بِفَتْح الثَّاء الْمُثَلَّثَة ابْن زيد الديلِي بِكَسْر الدَّال وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف نِسْبَة إِلَى ديل بن هداد بن زيد قَبيلَة من الأزد فِي تغلب وَفِي ضبة، وَأَبُو الْغَيْث بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالثاء الْمُثَلَّثَة واسْمه سَالم مولى ابْن مُطِيع.
والْحَدِيث مضى فِي الْمَغَازِي فِي غَزْوَة خَيْبَر فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبد الله بن مُحَمَّد عَن مُعَاوِيَة بن عَمْرو عَن أبي إِسْحَاق عَن مَالك بن أنس عَن ثَوْر بن زيد عَن سَالم ... إِلَى آخِره. قَوْله: (من بني ضبيب) بِضَم الضَّاد الْمُعْجَمَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف، وبباء أُخْرَى، وَقَالَ ابْن الرشاطي: فِي جذام الضبيب. قَوْله: (رِفَاعَة) بِكَسْر الرَّاء وَتَخْفِيف الْفَاء وبالعين الْمُهْملَة ابْن زيد بن وهب، قدم على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي هدنة الْحُدَيْبِيَة فِي جمَاعَة من قوم فأسلموا، وَعقد لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، على قومه. قَوْله: (مدعم) بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الدَّال الْمُهْملَة وَفتح الْعين الْمُهْملَة، وَكَانَ أسود. قَوْله: (فَوجه) على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله: (وَادي الْقرى) جمع الْقرْيَة مَوضِع بِقرب الْمَدِينَة. قَوْله: (عاير) بِالْعينِ الْمُهْملَة وَبعد ألف يَاء آخر الْحُرُوف وبالراء: لَا يُدري من رمى بِهِ، كَذَا ضَبطه بَعضهم، وَقَالَ الْكرْمَانِي: العائر بِالْعينِ المهلمة والهمزة بعد الْألف وبالراء: الجائر عَن قَصده. قَوْله: (أَن الشملة) هِيَ الكساء. قَوْله: (لم تصبها المقاسم) أَي: أَخذهَا قبل قسْمَة الْغَنَائِم وَكَانَ غلولاً. قَوْله: (بِشِرَاك) بِكَسْر الشين الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الرَّاء وَهُوَ سير النَّعْل الَّذِي يكون على وَجهه.
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
48 - (كتابُ كَفَارَاتِ الأيْمانِ)
أَي هَذَا كتاب فِي بَيَان حكم كَفَّارَات الْأَيْمَان، هَكَذَا فِي رِوَايَة أبي ذَر عَن الْمُسْتَمْلِي وَفِي رِوَايَة غَيره: بَاب كَفَّارَات الْأَيْمَان.(23/215)
وَالْكَفَّارَات جمع كَفَّارَة على وزن فعالة بِالتَّشْدِيدِ من الْكفْر وَهُوَ التغطية، وَمِنْه قيل للزراع: كَافِر، لِأَنَّهُ يُغطي الْبذر، وَكَذَلِكَ الْكَفَّارَة لِأَنَّهَا تكفر الذَّنب أَي: تستره، وَمِنْه تكفر الرجل بِالسِّلَاحِ إِذا تستر بِهِ، وَفِي الِاصْطِلَاح: الْكَفَّارَة مَا يكفر بِهِ من صَدَقَة وَنَحْوهَا.
1 - (بَاب وقَوْلِ الله تَعَالَى { (5) فكفارته إطْعَام عشرَة مَسَاكِين} (الْمَائِدَة: 98)
وَقَول الله بِالْجَرِّ عطف على كَفَّارَات الْأَيْمَان، وأوله: {لَا يُؤَاخِذكُم الله بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُم وَلَكِن يُؤَاخِذكُم بِمَا عقدتم الْأَيْمَان فكفارته إطْعَام عشرَة مَسَاكِين} (الْمَائِدَة: 98) الْآيَة أَي: فكفارة مَا عقدتم الْأَيْمَان إطْعَام عشر مَسَاكِين.
وَاخْتلفُوا فِي مِقْدَار الْإِطْعَام فَقَالَت طَائِفَة: يجْزِيه لكل إِنْسَان مد من طَعَام بِمد الشَّارِع، رُوِيَ ذَلِك عَن ابْن عَبَّاس وَابْن عَمْرو زيد بن ثَابت وَأبي هُرَيْرَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَهُوَ قَول عَطاء وَالقَاسِم وَسَالم وَالْفُقَهَاء السَّبْعَة، وَبِه قَالَ مَالك وَالْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق. وَقَالَت طَائِفَة: يطعم لكل مِسْكين نصف صَاع من حِنْطَة، وَإِن أعْطى تَمرا أَو شَعِيرًا فصاعاً صَاعا، رُوِيَ هَذَا عَن عمر ابْن الْخطاب وَعلي وَزيد بن ثَابت فِي رِوَايَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَهُوَ قَول النَّخعِيّ وَالشعْبِيّ وَالثَّوْري وَأبي حنيفَة وَسَائِر الْكُوفِيّين.
وَمَا أمَرَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِينَ نَزَلَتْ {ففدية من صِيَام أَو صَدَقَة أَو نسك} (الْبَقَرَة: 691)
كلمة: مَا، مَوْصُولَة أَي: وَالَّذِي أَمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين نزل قَوْله عز وَجل: {ففدية من صِيَام أَو صَدَقَة أَو نسك} يُشِير بهَا إِلَى حَدِيث كَعْب بن عجْرَة رَضِي الله عَنهُ، الَّذِي يَأْتِي فِي هَذَا الْبَاب، وَإِنَّمَا ذكر البُخَارِيّ حَدِيث كَعْب بن عجْرَة فِي هَذَا الْبَاب من أجل التَّخْيِير فِي كَفَّارَة الْأَذَى كَمَا هِيَ فِي كَفَّارَة الْيَمين بِاللَّه، وَمَا كَانَ فِي الْقُرْآن كلمة: أَو، نَحْو قَوْله تَعَالَى: {فكفارته إطْعَام عشرَة مَسَاكِين من أَوسط مَا تطْعمُونَ أهليكم أَو كسوتهم أَو تَحْرِير رَقَبَة} (الْمَائِدَة: 98) فصاحبه بِالْخِيَارِ، يَعْنِي: هُوَ الْوَاجِب الْمُخَير على مَا يَأْتِي الْآن، وَيُقَال معنى قَوْله: وَمَا أَمر الله، الْكَفَّارَة المخيرة.
ويُذْكَرُ عنِ ابنِ عَباسٍ وعَطاءٍ وعِكْرَمَةَ: مَا كانَ فِي القُرْآنِ: أوْ أوْ، فصاحِبُهُ بالخِيارِ، وقَدْ خَيَّرَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَعْباً فِي الفِدْيَةِ.
إِنَّمَا ذكر هَذَا عَن ابْن عَبَّاس بِصِيغَة التمريض لِأَنَّهُ رَوَاهُ سُفْيَان الثَّوْريّ فِي (تَفْسِيره) : عَن لَيْث بن أبي سليم عَن مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كل شَيْء فِي الْقُرْآن: أَو أَو نَحْو قَوْله تَعَالَى: {ففدية من صِيَام أَو صَدَقَة أَو نسك} (الْبَقَرَة: 691) فَهُوَ فِيهِ مُخَيّر، وَمَا كَانَ {فَمن لم يجد} (الْبَقَرَة: 691) فَهُوَ على الْوَلَاء أَي التَّرْتِيب، وَأما أثر عَطاء بن أبي رَبَاح فوصله الطَّبَرِيّ من طَرِيق ابْن جريج قَالَ: قَالَ عَطاء: مَا كَانَ فِي الْقُرْآن: أَو أَو فلصاحبه أَن يخْتَار أَيهَا شَاءَ، وَأما أثر عِكْرِمَة فوصله الطَّبَرِيّ أَيْضا من طَرِيق دَاوُد بن أبي هِنْد عَنهُ قَالَ: كل شَيْء فِي الْقُرْآن: أَو أَو، فليتخير فَإِذا كَانَ {فَمن لم يجد} فَالْأول فَالْأول. قَوْله: (كَعْبًا) أَي: كَعْب بن عجْرَة، على مَا يَأْتِي الْآن.
8076 - حدّثنا أحْمَدُ بنُ يُونس حَدثنَا أبُو شِهابٍ عنِ ابنِ عَوْنٍ عنْ مِجاهِدٍ عَن عَبْدِ الرَّحْمان ابنِ أبي ليْلَى عنْ كَعْبٍ بنِ عُجْرَةَ قَالَ: أتَيْتُهُ يَعْنِي: النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: (ادْنُ) فَدَنْوتُ فَقَالَ: (أيُؤْذِيكَ هُوَامُّكَ) قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: { (2) فديَة من صِيَام أَو صَدَقَة أَو نسك} (الْبَقَرَة: 691) .
وَأَخْبرنِي ابنُ عَوْنٍ عنْ أيُّوبَ قَالَ: صِيامُ ثَلاَثَةٍ أيَّامٍ، والنُّسُكُ شاةٌ، والمَساكِينُ سِتَّةٌ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ التَّخْيِير كَمَا فِي كَفَّارَة الْأَيْمَان.
وَأحمد بن يُونُس هُوَ أَحْمد بن عبد الله بن يُونُس نسب إِلَى جده، وَأَبُو شهَاب هُوَ الْأَصْغَر واسْمه عبد ربه بن نَافِع الْخياط صَاحب الْمَدَائِنِي، وَابْن عون هُوَ عبد الله بن عون بن أرطبان الْبَصْرِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي الْحَج بشرحه.
قَوْله: (أَتَيْته) وَفِي رِوَايَة أبي نعيم: فَأتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (هوامك) جمع هَامة(23/216)
وَكَانَ يَتَنَاثَر الْقمل من رَأسه.
قَوْله: (وَأَخْبرنِي) عطف على مُقَدّر أَي: قَالَ أَبُو شهَاب: أَخْبرنِي فلَان كَذَا، وَأَخْبرنِي ابْن عون عَن أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ أَن المُرَاد بالصيام ثَلَاثَة أَيَّام وبالنسك شَاة وبالصدقة إطْعَام سِتَّة مَسَاكِين.
2 - (بابُ قَوْل الله تَعَالَى: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} (التَّحْرِيم: 2) مَتَى تَجِبُ الكَفَّارَةُ عَلى الغِنَيِّ والفَقِيرِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر قَول الله عز وَجل: {قد فرض الله لكم} ... الْآيَة، وَفِي بعض النّسخ: بَاب مَتى تجب الْكَفَّارَة على الْغَنِيّ وَالْفَقِير. وَقَول الله عز وَجل: {قد فرض الله لكم تَحِلَّة أَيْمَانكُم} إِلَى قَوْله: {الْعَلِيم الْحَكِيم} كَذَا فِي رِوَايَة أبي ذَر، وَلغيره: بَاب قَول الله ... وَسَاقُوا الْآيَة، وَبعدهَا: مَتى تجب الْكَفَّارَة على الْغَنِيّ وَالْفَقِير، كَمَا فِي نسختنا، وَقد سقط ذكر الْآيَة عِنْد الْبَعْض. وَقَالَ الْكرْمَانِي: الْمُنَاسب أَن يذكر هَذِه الْآيَة فِي أول الْبَاب الَّذِي قبله.
قلت: الْأَنْسَب أَن يذكر فِي التَّفْسِير فِي سُورَة التَّحْرِيم. قَوْله: (قد فرض الله) أَي: قد بيَّن {الله لكم تَحِلَّة أَيْمَانكُم} أَي: تحليلها بِالْكَفَّارَةِ.
9076 - حدّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله حَدثنَا سفْيانُ عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: سَمِعْتُهُ مِنْ فِيهِ عنْ حُمَيْدِ بنِ عبْدِ الرحمانِ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: جاءَ رجُلٌ إِلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: هَلَكْتُ. قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (وَمَا شأنُكَ؟) قَالَ: وقَعْت عَلى امْرأتِي فِي رَمضانَ. قَالَ: (تَسْتَطِيعُ أنَّ تُعْتِقَ رَقَبَة؟) قَالَ: لَا. قَالَ: (فَهَلْ تَستَطِيعُ أنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ؟) قَالَ: لَا. قَالَ: (فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أنْ تُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينَا؟) قَالَ: لَا. قَالَ: (اجْلِسْ) فَجَلَسَ فأُتِيَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ، والعَرَقُ المكْتَلُ الضَّخْمُ، قَالَ: (خُذْ هاذَا فَتَصَدَّقْ بِهِ) قَالَ: أعَلى أفْقَرَ مِنِّي؟ فَضَحَك النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حتَّى بَدَتْ نَوَاجذُهُ. قَالَ: (أطْعِمْهُ عِيالَكَ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعلي بن عبد الله هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَالزهْرِيّ مُحَمَّد بن مُسلم، وَحميد بِضَم الْحَاء ابْن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف الزُّهْرِيّ.
والْحَدِيث أخرجه الْجَمَاعَة. وَأخرجه البُخَارِيّ فِي مَوَاضِع: فِي الصَّوْم عَن أبي الْيَمَان وَفِي الْهِبَة وَالنُّذُور عَن مُحَمَّد بن مَحْبُوب وَفِي الْأَدَب عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل وَعَن القعْنبِي وَعَن مُحَمَّد بن مقَاتل وَفِي النَّفَقَات عَن أَحْمد بن يُونُس وَفِي الْمُحَاربين عَن قُتَيْبَة، وَمضى الْكَلَام فِيهِ فِي الصَّوْم.
قَوْله: (سمعته من فِيهِ) أَي: قَالَ سُفْيَان سمعته من فَم الزُّهْرِيّ، وغرضه أَنه لَيْسَ مُعَنْعنًا موهماً للتدليس. قَوْله: (جَاءَ رجل) قيل اسْمه سَلمَة بن صَخْر البياضي. قَوْله: (هَلَكت) يُرِيد بِمَا وَقع فِيهِ من الْإِثْم، وَقد يُقَال: إِنَّه وَاقع مُتَعَمدا. وَفِي النَّاسِي خلاف، فمذهب مَالك أَنه لَا كَفَّارَة عَلَيْهِ، خلافًا لِابْنِ الْمَاجشون. قَوْله: (وَمَا شَأْنك؟) أَي: وَمَا حالك وَمَا جرى عَلَيْك؟ قَوْله: (تَسْتَطِيع أَن تعْتق رَقَبَة؟) احْتج بِهِ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ على أَن كَفَّارَة الوقاع مرتبَة، وَهُوَ أحد قولي ابْن حبيب، وَعَن مَالك فِي (الْمُدَوَّنَة) : لَا أعرف غير الْإِطْعَام. وَقَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ: عَلَيْهِ عتق رَقَبَة، أَو هدي بَدَنَة، أَو عشرُون صَاعا لأربعين مِسْكينا. قَوْله: (فَأتى) على صِيغَة الْمَجْهُول (بعرق) بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَالرَّاء: القفة المنسوجة من الخوص. قَوْله: (المكتل) بِكَسْر الْمِيم الزنبيل الَّذِي يسع خَمْسَة عشر صَاعا وَأكْثر. قَوْله: (أَعلَى أفقر مني؟) ويروى: (منا) . والهمزة فِي (أَعلَى) للاستفهام. قَوْله: (حَتَّى بَدَت) أَي: ظَهرت (نَوَاجِذه) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة آخر الْأَسْنَان وأولها الثنايا ثمَّ الرباعيات ثمَّ الأنياب ثمَّ الضواحك ثمَّ الأرحاء ثمَّ النواجذ. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: النواجذ الأضراس، وَهُوَ ظَاهر الحَدِيث، وَقَالَ غَيره هِيَ: الضواحك، وَقَالَ ابْن فَارس: الناجذ السن بَين الأنياب والضرس، وَقيل: الأضراس كلهَا النواجذ، وَقيل: سَبَب ضحكه وجوب الْكَفَّارَة على هَذَا المجامع وَأَخذه ذَلِك صَدَقَة وَهُوَ غير آثم. قيل: هَذَا مَخْصُوص بِهِ، وَقيل: مَنْسُوخ.
3 - (بابُ مَنْ أعانَ المُعْسِرَ فِي الكَفَّارَةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان من أعَان الْمُعسر الْعَاجِز فِي الْكَفَّارَة الْوَاجِبَة عَلَيْهِ.(23/217)
0176 - حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ مَحْبُوبٍ حدّثنا عبْدُ الوَاحِدِ حَدثنَا مَعْمَرٌ عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ حُمَيْدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمانِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ، قَالَ: جاءَ رجُلٌ إِلَى رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: هَلَكْتُ. فَقَالَ: (وَمَا ذاكَ؟) قَالَ: وقَعْتُ بأهْلِي فِي رَمضانَ. قَالَ: (تَجِدُ رَقَبَةً؟) قَالَ: لَا. قَالَ: (هَلْ تَسْتَطِيعُ أنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتتابِعَيْنِ) قَالَ: لَا. قَالَ: (فَتَسْتَطِيعُ أنْ تُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِيناً؟) قَالَ: لَا. قَالَ: فَجاءَ رجَلٌ مِنَ الأنْصارِ بِعَرَقٍ، والعَرَقُ المِكْتَلُ فِيهِ تَمْرٌ، فَقَالَ: (إذْهَبْ بِهَذا فَتَصَدَّقْ بِهِ) قَالَ: عَلى أحْوَجَ مِنَّا يَا رسُولَ الله؟ والَّذِي بَعثكَ بالحقِّ مَا بَيْنَ لابَتَيْها أهْلُ بَيْتٍ أحْوَجُ مِنَّا، ثُمَّ قَالَ: (اذْهَبْ فأطْعِمْهُ أهْلَكَ) .
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة ترْجم لَهُ بالترجمة الْمَذْكُورَة.
وَأخرجه عَن مُحَمَّد بن مَحْبُوب الْبَصْرِيّ عَن عبد الْوَاحِد بن زِيَاد الْعَبْدي عَن معمر بِفَتْح الميمين ابْن رَاشد عَن الزُّهْرِيّ إِلَى آخِره.
قَوْله: (مَا بَين لابتيها) تَثْنِيَة: لابة، بتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة وَهِي الْحرَّة يَعْنِي: بَين طرفِي الْمَدِينَة والحرة بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الرَّاء: أَرض ذَات حِجَارَة سود.
4 - (بابٌ يُعْطِي فِي الكَفَّارَةِ عَشَرَةَ مَسَاكِينَ قَرِيباً كَانَ أوْ بَعِيداً)
أَي: هَذَا بَاب مترجم بقوله: يُعْطي فِي الْكَفَّارَة. أَي: فِي كَفَّارَة الْيَمين عشرَة مَسَاكِين، كَمَا فِي نَص الْقُرْآن. قَوْله: قَرِيبا أَي: سَوَاء كَانَت الْمَسَاكِين قريبَة أَو بعيدَة، وَإِنَّمَا قَالَ: قَرِيبا أَو بَعيدا بالتذكير إِمَّا بِاعْتِبَار لفظ: مَسَاكِين، فَلذَلِك قَالَ: كَانَ وَلم يقل: كَانَت وَلَا كَانُوا، وَإِمَّا بِاعْتِبَار أَن فعيلاً يَسْتَوِي فِيهِ التَّذْكِير والتأنيث، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {إِن رَحْمَة الله قريب من الْمُحْسِنِينَ} (الْأَعْرَاف: 65) قيل: لَا وَجه لذكر الْعشْرَة هُنَا، لِأَنَّهَا فِي كَفَّارَة الْيَمين، وَحَدِيث الْبَاب فِي كَفَّارَة الوقاع، فَلَا يُطَابق الحَدِيث التَّرْجَمَة. وَأجَاب الْمُهلب بِمَا حَاصله: أَن حكم الْعشْرَة مَسَاكِين فِي كَفَّارَة الْيَمين مُبْهمَة من حَيْثُ لم يذكر فِيهِ قريب وَلَا بعيد، وَجَاء فِي كَفَّارَة الوقاع فِي حَدِيث الْبَاب: (أطْعمهُ أهلك) وَهُوَ مُفَسّر، والمفسر يقْضِي على الْمُجْمل، وقاس كَفَّارَة الْيَمين على كَفَّارَة الْجِمَاع فِي إجَازَة الصّرْف على الأقرباء لِأَنَّهُ إِذا جَازَ إِعْطَاء الأقرباء فالبعداء أجوز. انْتهى.
قلت: هَذَا إِنَّمَا يمشي إِذا حمل قَوْله: (أطْعمهُ أهلك) على وَجه الْكَفَّارَة لَا على وَجه الصَّدَقَة، لِأَنَّهُ لَا يجوز أَن يُعْطي الْكَفَّارَة أحدا من أَهله إِذا كَانَ مِمَّن يلْزمه نَفَقَته، وَأما إِذا كَانَ مِمَّن لَا يلْزمه نَفَقَته فَيجوز. وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَقيل: لَعَلَّ أَهله كَانُوا عشرَة، وَلَيْسَ بِشَيْء.
1176 - حدّثنا عَبْدُ الله بنُ مَسْلَمَةَ حدّثنا سفيْانُ عنِ الزُّهرِيِّ عنْ حُمَيْدٍ عنْ أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: جاءَ رَجلٌ إِلَى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: هَلَكْتُ! قَالَ: (وَمَا شَأْنُكَ؟) قَالَ وَقَعْتُ عَلى امْرَأتِي فِي رَمَضانَ. قَالَ: (هَلْ تَجِدُ مَا تُعْتِقُ رَقَبَةً؟) قَالَ: لَا. قَالَ: (فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ متتابِعَيْنِ؟) قَالَ: لَا. قَالَ: (فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أنْ تُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِيناً؟) قَالَ: لَا أجِدُ، فأُتِيَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَعَرِقٍ فِيه تَمْرٌ فَقَالَ: (خذْ هاذا فَتَصَدَّقْ بِهِ) فَقَالَ: أَعلَى أفْقَرَ مِنَّا؟ مَا بَيْنَ لابَتَيْها أفْقَرُ مِنَّا. ثُمَّ قَالَ: (خُذْهُ فأطْعِمْهُ أهْلَكَ) .
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة السَّابِق أخرجه عَن عبد الله بن مسلمة القعْنبِي عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن الزُّهْرِيّ عَن حميد بن عبد الرَّحْمَن عَن أبي هُرَيْرَة، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ.
5 - (بابُ صاعِ المَدِينَةِ ومُدِّ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وبَرَكَتِهِ وَمَا تَوَارَثَ أهْلُ المَدِينَةِ مِنْ ذالِكَ قَرْناً بَعْدَ قَرْنٍ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان صَاع مَدِينَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأَشَارَ بذلك إِلَى وجوب الْإِخْرَاج فِي الْوَاجِبَات بِصَاع أهل الْمَدِينَة، لِأَن التشريع وَقع أَولا على ذَلِك حَتَّى زيد فِيهِ فِي زمن عمر بن عبد الْعَزِيز رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، على مَا يَجِيء. قَوْله: (وَمد(23/218)
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) أَي: وَفِي بَيَان مد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (وبركته) قَالَ الْكرْمَانِي: أَي بركَة الْمَدّ أَو بركَة كل مِنْهُمَا.
قلت: الْأَحْسَن أَن يُقَال: وبركة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَنَّهُ دَعَا حَيْثُ قَالَ: اللَّهُمَّ بَارك لَهُم فِي مكيالهم، وصاعهم ومدهم، وَيَجِيء عَن قريب فِي حَدِيث أنس رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَوْله: (وَمَا توارث أهل الْمَدِينَة) أَي: وَفِي بَيَان مَا توارث أهل الْمَدِينَة قرنا أَي: جيلاً بعد جيل على ذَلِك، وَلم يتَغَيَّر إِلَى زَمَنه، أَلا ترى أَن أَبَا يُوسُف لما اجْتمع مَعَ مَالك فِي الْمَدِينَة فَوَقَعت بَينهمَا المناظرة فِي قدر الصَّاع فَزعم أَبُو يُوسُف أَنه ثَمَانِيَة أَرْطَال، وَقَامَ مَالك وَدخل بَيته وَأخرج صَاعا وَقَالَ: هَذَا صَاع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَالَ أَبُو يُوسُف: فَوَجَدته خَمْسَة أَرْطَال وَثلثا، فَرجع أَبُو يُوسُف إِلَى قَول مَالك وَخَالف صَاحِبيهِ فِي هَذَا. وَجَهل مُنَاسبَة ذكر هَذَا الْبَاب بِكِتَاب الْكَفَّارَات هُوَ أَن فِي كَفَّارَة الْيَمين إطْعَام عشرَة أَمْدَاد لعشرة مَسَاكِين، وَكَفَّارَة الوقاع إطْعَام سِتِّينَ مِسْكينا سِتِّينَ مدا بِهِ، وَفِي كَفَّارَة الْحلف إطْعَام ثَلَاثَة آصَع لسِتَّة مَسَاكِين.
2176 - حدّثنا عُثْمانُ بنُ أبي شَيْبَةَ حدّثنا القاسِمُ بنُ مالِكٍ المُزَنِيُّ حَدثنَا الجُعَيْدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمانِ عنِ السَّائِبِ بنِ يَزِيدَ قَالَ: كَانَ الصَّاعُ عَلى عَهْدِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُدًّا وثُلُثاً بِمُدِّكُمُ اليَوْمَ، فَزِيدَ فِيهِ فِي زَمَنِ عُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيزِ. (انْظُر الحَدِيث 9581 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَالقَاسِم بن مَالك الْمُزنِيّ بِضَم الْمِيم وَفتح الزَّاي وبالنون، والجعيد بِضَم الْجِيم وَفتح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالدال الْمُهْملَة، وَيُقَال بِالتَّكْبِيرِ ابْن أَوْس الْكِنْدِيّ الْمدنِي، والسائب بِالسِّين الْمُهْملَة والهمزة بعد الْألف وبالباء الْمُوَحدَة ابْن يزِيد من الزِّيَادَة الْكِنْدِيّ، وَيُقَال: اللَّيْثِيّ، وَيُقَال: الْأَزْدِيّ الْمدنِي، سمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حجَّة الْوَدَاع وَهُوَ ابْن سبع سِنِين، وَيُقَال: ابْن عشر سِنِين، مَاتَ سنة إِحْدَى وَتِسْعين.
والْحَدِيث مضى فِي الْحَج وَيَأْتِي فِي الِاعْتِصَام. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الزَّكَاة عَن عَمْرو بن زُرَارَة.
قَوْله: (بمدكم الْيَوْم) يَعْنِي: حِين حَدثهمْ السَّائِب كَانَ مدهم أَرْبَعَة أَرْطَال فَإِذا زيد عَلَيْهِ ثلثه وَهُوَ رَطْل وَثلث يكون خَمْسَة أَرْطَال وَثلثا، وَهُوَ الصَّاع الْبَغْدَادِيّ، بِدَلِيل أَن مده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، رَطْل وَثلث وصاعه أَرْبَعَة أَمْدَاد، وَقَالَ ابْن بطال: أما مَا زيد فِيهِ فِي زمن عمر بن عبد الْعَزِيز رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَلَا نعلمهُ، وَإِنَّمَا الحَدِيث يدل على أَن مدهم ثَلَاثَة أَمْدَاد بمده، وَمضى الْكَلَام فِي الطَّهَارَة فِي: بَاب الْوضُوء بِالْمدِّ وَالِاخْتِلَاف فِي الْمَدّ والصاع.
3176 - حدّثنا مُنْذِرُ بنُ الوَلِيدِ الجارُودِيُّ حدّثنا أبُو قُتَيْبَةَ وهْوَ سَلْمٌ حدّثنا مالِك عنْ نافِعٍ قَالَ: كانَ ابنُ عُمَرَ يُعْطِي زَكاةَ رَمَضانَ بِمُدِّ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم المدِّ الأوَّلِ، وَفِي كَفَّارَةٍ اليَمِين بِمُدِّ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَالَ أبُو قُتَيْبَةَ: قَالَ لَنا مالِكٌ: مُدُّنا أعْظَمُ مِنْ مُدِّكُمْ وَلَا نَرَى الفَضْلَ إلاّ فِي مُدِّ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَقَالَ لِي مالِكٌ: لَوْ جاءَكمْ أمِيرٌ فَضَرَبَ مُدًّا أصْغَرَ مِنْ مُدِّ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِأيِّ شَيْءٍ كُنْتُمْ تُعْطُونَ؟ .
قُلْتُ: كُنَّا نُعْطِي بمُدِّ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَالَ: أفَلا تَرى أنَّ الأمْرَ إنّما يَعُودُ إِلَى مُدِّ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَمُنْذِر بِصِيغَة اسْم الْفَاعِل من الْإِنْذَار ابْن الْوَلِيد الجارودي بِالْجِيم، قَالَ الرشاطي: الجارودي فِي عبد الْقَيْس نسب إِلَى الْجَارُود وَهُوَ بشر بن عَمْرو من الجرد، وَأَبُو قُتَيْبَة بِضَم الْقَاف مصغر قُتَيْبَة الرحل واسْمه سلم بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَسُكُون اللَّام ابْن قُتَيْبَة الشعيري بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَكسر الْعين الْمُهْملَة الْخُرَاسَانِي، سكن الْبَصْرَة مَاتَ بعد الْمِائَتَيْنِ أدْركهُ البُخَارِيّ بِالسِّنِّ وَمَات قبل أَن يلقاه، وَهُوَ غير سلم بن قُتَيْبَة الْبَاهِلِيّ ولد أَمِير خُرَاسَان قُتَيْبَة بن مُسلم وَقد ولي هُوَ إمرة الْبَصْرَة وَهُوَ أكبر من الشعيري وَمَات قبله بِأَكْثَرَ من خمسين سنة.
والْحَدِيث من أَفْرَاده، وَهُوَ حَدِيث غَرِيب(23/219)
مَا رَوَاهُ عَن مَالك إِلَّا أَبُو قُتَيْبَة، وَلَا عَنهُ إِلَّا الْمُنْذر.
قَوْله: (يُعْطي زَكَاة رَمَضَان) أَرَادَ بهَا: صَدَقَة الْفطر. قَوْله: (الْمَدّ الأول) صفة لَازِمَة لَهُ وَأَرَادَ نَافِع بذلك أَنه كَانَ لَا يُعْطي بِالْمدِّ الَّذِي أحدثه هِشَام بن الْحَارِث، وَقَالَ الْكرْمَانِي: الْمَدّ الأول هُوَ مد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأما الثَّانِي فَهُوَ الْمَزِيد فِيهِ الْعمريّ. قَوْله: (فِي كَفَّارَة الْيَمين) أَي: يُعْطي فِي كَفَّارَة الْيَمين. قَوْله: (وَقَالَ لي ذَلِك) أَي: قَالَ أَبُو قُتَيْبَة: قَالَ لي مَالك بن أنس، وَهُوَ مَوْصُول بالسند الأول. قَوْله: (لَو جَاءَكُم أَمِير)
إِلَى آخِره، أرادبه مَالك إِلْزَام خَصمه بِأَنَّهُ لَا مرجع إلاَّ إِلَى مد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
4176 - حدّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسَفَ أخبرنَا مالِكٌ عنْ إسْحاقَ بنِ عَبْدِ الله بنِ أبي طَلْحَةَ عنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ: أنَّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (اللَّهُمَّ بارِكْ لَهُمْ فِي مِكيالِهِمْ وصاعِهِمْ ومُدِّهِمْ) . (انْظُر الحَدِيث 0312 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. والْحَدِيث مضى فِي الْبيُوع عَن القعْنبِي.
وَأخرجه مُسلم وَالنَّسَائِيّ كِلَاهُمَا فِي الْمَنَاسِك عَن قُتَيْبَة.
قَوْله: (لَهُم) أَي: لأهل الْمَدِينَة. قَوْله: (فِي مكيالهم) بِكَسْر الْمِيم وَهُوَ مَا يُكَال بِهِ. قيل: يحْتَمل أَن تخْتَص هَذِه الدعْوَة بِالْمدِّ الَّذِي كَانَ حينئذٍ حَتَّى لَا يدْخل الْمَدّ الْحَادِث بعده، وَيحْتَمل أَن تعم كل مكيال لأهل الْمَدِينَة إِلَى الْأَبَد. وَالظَّاهِر هُوَ الثَّانِي، وَلَكِن كَلَام مَالك الَّذِي سبق الْآن يُؤَيّد الأول وَعَلِيهِ الْعُمْدَة.
6 - (بابُ قَوْلِ الله تَعَالَى: {أَو تَحْرِير رَقَبَة} (الْمَائِدَة: 98) وأيُّ الرِّقابِ أزْكَى)
أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر قَول الله تَعَالَى: {أَو تَحْرِير رَقَبَة} ذكر هَذَا الْجُزْء من الْآيَة وَاقْتصر عَلَيْهِ اعْتِمَادًا على المستنبط، فَإِن تَحْرِير الرَّقَبَة على نَوْعَيْنِ: أَحدهمَا: فِي كَفَّارَة الْيَمين وَهِي مُطلقَة فِيهَا وَالْآخر: فِي كَفَّارَة الْقَتْل وَهِي مُقَيّدَة بِالْإِيمَان، وَمن هُنَا اخْتلف الْفُقَهَاء: (فَذهب) الْأَوْزَاعِيّ وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق إِلَى أَن الْمُطلق يحمل على الْمُقَيد. (وَذهب) أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَأَبُو ثَوْر وَابْن الْمُنْذر إِلَى جَوَاز تَحْرِير الْكَافِرَة، وَبَقِيَّة الْكَلَام فِي هَذَا الْبَاب فِي كتب الْأُصُول وَالْفُرُوع قَوْله: وَأي الرّقاب أزكى أَي: أفضل، وَالْأَفْضَل فِيهَا أَعْلَاهَا ثمنا وأنفسها عِنْد أَهلهَا، وَقد مر فِي أَوَائِل الْعتْق عَن أبي ذَر رَضِي الله عَنهُ، وَفِيه: فَقلت: فَأَي الرّقاب أفضل؟ قَالَ: أغلاها ثمنا. وَفِيه إِشَارَة إِلَى أَن البُخَارِيّ جنح إِلَى قَول الْحَنَفِيَّة، لِأَن أفعل التَّفْضِيل يستدعى الِاشْتِرَاك فِي أصل التَّفْضِيل. فَإِن قلت: لم لَا يجوز أَن يكون مُرَاده من قَوْله: أزكى الْإِسْلَام، وَبِه أَشَارَ الْكرْمَانِي حَيْثُ قَالَ قَوْله: مسلمة، إِشَارَة إِلَى بَيَان أزكى الرّقاب، فَلَا تجوز الرَّقَبَة الْكَافِرَة.
قلت: حَدِيث أبي ذَر يحكم عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مُطلق، وَقد فسر الْأَفْضَلِيَّة بغلاء الثّمن والنفاسة عِنْد أَهلهَا.
5176 - حدّثنا مُحَمدُ بنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ حدّثنا داوُدُ بنُ رُشَيْدٍ حَدثنَا الوَلِيدُ بنُ مُسْلِمٍ عنْ أبي غَسَّانَ مُحَمَّدِ بنِ مُطَرِّفٍ عنْ زَيْدِ بنِ أسْلَمَ عنْ عَلِيِّ بنِ حُسَيْنٍ عنْ سَعِيدٍ بنِ مَرْجانَةَ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (مَنْ أعْتَقَ رَقَبَةً مُسْلِمَةً أعْتَقَ الله بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْواً مِنَ النّارِ، حتَّى فَرْجَهُ بِفَرْجِهِ) . (انْظُر الحَدِيث 7152) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي (رَقَبَة) وَمُحَمّد بن عبد الرَّحِيم هُوَ الْمَعْرُوف بصاعقة وَهُوَ من أَفْرَاده، وَدَاوُد بن رشيد مصغر الرشد بالراء والشين الْمُعْجَمَة وبالدال الْمُهْملَة الْبَغْدَادِيّ مَاتَ سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ، والوليد بن مُسلم الْقرشِي الْأمَوِي الدِّمَشْقِي، وَأَبُو غَسَّان بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَتَشْديد السِّين الْمُهْملَة وبالنون كنية مُحَمَّد بن مطرف على صِيغَة اسْم الْفَاعِل من التطريف بِالطَّاءِ الْمُهْملَة، وَزيد بن أسلم مولى عمر بن الْخطاب أَبُو أُسَامَة الْعَدوي، وَعلي بن حُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم. الْمَشْهُور بزين العابدين، وَسَعِيد بن مرْجَانَة بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الرَّاء وبالجيم وَالنُّون وَهِي اسْم أمه، وَأما أَبوهُ فَهُوَ عبد الله العامري.
وَفِي هَذَا السَّنَد ثَلَاثَة من التَّابِعين فِي نسق وَاحِد: زيد وَعلي وَسَعِيد، وَالثَّلَاثَة مدنيون.
والْحَدِيث قد مضى فِي أَوَائِل الْعتْق من وَجه آخر عَن سعيد بن مرْجَانَة، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
وَقد أخرج مُسلم هَذَا الحَدِيث عَن دَاوُد بن رشيد شيخ شيخ(23/220)
البُخَارِيّ، وَبَينه وَبَين البُخَارِيّ مُحَمَّد بن عبد الرَّحِيم صَاعِقَة وَلَيْسَ لداود فِي كتاب البُخَارِيّ غير هَذَا الحَدِيث الْوَاحِد.
قَوْله: (حَتَّى فُرْجَة) بِالنّصب قَالَ الْكرْمَانِي وَلم يبين وَجهه، وَقَالَ بَعضهم: حَتَّى، هَهُنَا عاطفة لوُجُود شَرَائِط الْعَطف فِيهَا فَيكون فرجه بِالنّصب.
قلت: هُوَ أَيْضا مَا بَين شَرَائِط الْعَطف مَا هِيَ؟ فَأَقُول: حَتَّى، إِذا كَانَت عاطفة تكون كالواو وإلاَّ أَن بَينهمَا فرقا من ثَلَاثَة أوجه: أَحدهَا: أَن الْمَعْطُوف بحتى لَهُ ثَلَاثَة شُرُوط: أَحدهَا: أَن يكون ظَاهرا لَا مضمراً. وَالثَّانِي: إِمَّا أَن يكون بَعْضًا من جمع قبلهَا كقدم الْحجَّاج حَتَّى المشاة، أَو جُزْءا من كل نَحْو: أكلت السَّمَكَة حَتَّى رَأسهَا، أَو كجزء نَحْو: أعجبتني الْجَارِيَة حَتَّى حَدِيثهَا. وَيمْتَنع أَن يُقَال: حَتَّى وَلَدهَا. وَالثَّالِث: أَن يكون غَايَة لما قبلهَا إِمَّا بِزِيَادَة أَو نقص. فَالْأول: نَحْو: مَاتَ النَّاس حَتَّى الْأَنْبِيَاء، وَالثَّانِي: نَحْو: زارك النَّاس حَتَّى الحجامون، والشروط الثَّلَاثَة مَوْجُودَة هُنَا أما الأول: فَهُوَ قَوْله: رَقَبَة، فَإِنَّهُ ظَاهر مَنْصُوب وَأما الثَّانِي: فَإِن الْفرج جُزْء مِمَّا قبله. وَأما الثَّالِث: فَإِن قَوْله: فُرْجَة، غَايَة لما قبلهَا بِزِيَادَة، وَاعْلَم أَن أهل الْكُوفَة يُنكرُونَ الْعَطف بحتى الْبَتَّةَ وَلَهُم فِي هَذَا دَلَائِل مَذْكُورَة فِي موضعهَا، وَوُقُوع الْعَطف بحتى عِنْد الْجُمْهُور أَيْضا قَلِيل. فَافْهَم. وَبَعض الشُّرَّاح ذكر هُنَا كلَاما لَا يشفي العليل وَلَا يروي الغليل.
7 - (بابُ عِتْقِ المُدَبَّرِ وأُمِّ الوَلَدِ والمُكاتَبِ فِي الكَفَّارَةِ وعِتْقِ وَلَدِ الزِّنا)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم الْمُدبر وَأم الْوَلَد ... إِلَى آخِره، وَلم يبين حكمه على عَادَته كَمَا ذكرنَا غير مرّة.
وَقَالَ طاوُوسٌ: يُجْزِيءُ المُدَبَّرُ وأمُّ الوَلَدِ
أَي: قَالَ طَاوُوس بن كيسَان الْخَولَانِيّ الْهَمدَانِي: يجوز عتق الْمُدبر وَأم المولد فِي الْكَفَّارَة، وروى هَذَا الْأَثر ابْن أبي شيبَة بِإِسْنَاد فِيهِ لين، وَوَافَقَ طاووساً فِي الْمُدبر الْحسن وَإِبْرَاهِيم فِي أم الْوَلَد، وَخَالفهُ فِي الْمُدبر الزُّهْرِيّ وَالشعْبِيّ وَإِبْرَاهِيم.
وَاخْتلف الْفُقَهَاء فِي هَذَا الْبَاب فَقَالَ مَالك: لَا يجوز أَن يعْتق فِي الرّقاب الْوَاجِبَة مكَاتب وَلَا مُدبر وَلَا أم ولد وَلَا الْمُعَلق عُنُقه، وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالْأَوْزَاعِيّ: إِن كَانَ الْمكَاتب أدّى شَيْئا من كِتَابَته فَلَا يجوز وإلاَّ جَازَ، وَبِه قَالَ اللَّيْث وَأحمد وَإِسْحَاق، وَقَالَ الشَّافِعِي وَأَبُو ثَوْر: يجوز عتق الْمُدبر، وَأما عتق أم الْوَلَد فَلَا يجوز فِي الرّقاب الْوَاجِبَة عِنْد أبي حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأَبُو ثَوْر، وَعَلِيهِ فُقَهَاء الْأَمْصَار، وَأما عتق ولد الزِّنَا فِي الرّقاب الْوَاجِبَة فَيجوز، رُوِيَ ذَلِك عَن عمر وَعلي وَعَائِشَة وَجَمَاعَة من الصَّحَابَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَبِه قَالَ سعيد بن الْمسيب وَالْحسن وطاووس وَأَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق وَأَبُو عبيد، وَقَالَ عَطاء وَالشعْبِيّ وَالنَّخَعِيّ وَالْأَوْزَاعِيّ: لَا يجوز عتقه. فَإِن قلت: رُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا أَنه شَرّ الثَّلَاثَة.
قلت: رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس وَعَائِشَة إِنْكَار ذَلِك، وَقَالَ ابْن عَبَّاس: لَو كَانَ شَرّ الثَّلَاثَة (وانتظر الْحَاكِم) بِأُمِّهِ حَتَّى تضعه. وَقَالَت عَائِشَة: مَا عَلَيْهِ من ذَنْب أَبَوَيْهِ شَيْء. ثمَّ قَرَأت {وَلَا تزر وَازِرَة وزر أُخْرَى} (الْأَنْعَام: 461 وَغَيرهَا) .
6176 - حدّثنا أبُو النُّعْمانِ أخبرنَا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ عنْ عَمْرو عنْ جابرٍ: أنَّ رَجُلاً مِنَ الأنْصارِ دَبَّرَ مَمْلُوكاً لهُ ولَمْ يَكُنْ لهُ مالٌ غَيْرُهُ، فَبَلَغَ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: (مَنْ يَشْترِيه مِنِّي؟) فاشْتَراهُ نُعَيْمُ النحَّامِ بِثَمانِمائَةِ دِرْهَمٍ، فَسَمِعْتُ جابِرَ بنَ عَبْدِ الله يَقُولُ: عَبْداً قِبْطِيًّا مَاتَ عامَ أوَّلَ.
قَالَ الْكرْمَانِي كَيفَ دلّ الحَدِيث على التَّرْجَمَة؟ ثمَّ قَالَ: إِذا جَازَ بيع الْمُدبر جَازَ إِعْتَاقه، وقاس الْبَاقِي عَلَيْهِ. وَقَالَ بَعضهم: أَشَارَ بالترجمة إِلَى أَنه إِذا جَازَ بَيْعه جَازَ ماذكر مَعَه بطرِيق الأولى.
قلت: كَلَام الْكرْمَانِي لَهُ وَجه مَا لِأَنَّهُ قَالَ: إِذا جَازَ بيع الْمُدبر جَازَ إِعْتَاقه، وَقد علم أَنه مِمَّن يجوز بيع الْمُدبر. وَأما كَلَام هَذَا الْقَائِل فَلَا وَجه لَهُ أصلا لِأَنَّهُ قَالَ: أَشَارَ فِي التَّرْجَمَة إِلَى أَنه إِذا جَازَ بَيْعه. . إِلَى آخِره، فسبحان الله! فِي أَي مَوضِع أَشَارَ فِي التَّرْجَمَة أَنه أجَاز بَيْعه حَتَّى يَبْنِي عَلَيْهِ جَوَاز الْعتْق؟ على أَن كَلَام الْكرْمَانِي(23/221)
أَيْضا لَا يمشي إلاَّ بالتعسف.
وَأَبُو النُّعْمَان مُحَمَّد بن الْفضل السدُوسِي الْبَصْرِيّ يعرف بعارم، وَعَمْرو هُوَ ابْن دِينَار.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْإِكْرَاه عَن أبي النُّعْمَان. وَأخرجه مُسلم فِي الْأَيْمَان وَالنُّذُور عَن أبي الرّبيع.
قَوْله: (أَن رجلا) هُوَ أَبُو مَذْكُور بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة. قَوْله: (دبر مَمْلُوكا لَهُ) اسْمه يَعْقُوب (فَاشْتَرَاهُ نعيم) النحام قَالَ الْكرْمَانِي: فِي بعض النّسخ: نعيم بن النحام، بِزِيَادَة الابْن وَالصَّوَاب عَدمه، ونعيم بِضَم النُّون وَفتح الْعين الْمُهْملَة مصغر النعم والنحام بِفَتْح النُّون وَتَشْديد الْحَاء الْمُهْملَة لقب بِهِ لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: سَمِعت نحمة، نعيم، أَي: سعلته فِي الْجنَّة لَيْلَة الْإِسْرَاء. قَوْله: (عبدا قبطياً) بِكَسْر الْقَاف وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة نِسْبَة إِلَى قبط، وهم أهل مصر. قَوْله: (عَام أول) بِفَتْح اللَّام على الْبناء وَهُوَ من قبيل إِضَافَة الْمَوْصُوف إِلَى الصّفة. والبصريون يَقُولُونَ: إِنَّه مِمَّا يقدر فِيهِ الْمُضَاف نَحْو: عَام الزَّمن الأول.
(بابٌ إِذا أعْتَقَ عَبْداً بَيْنَهُ وبَيْنَ آخَرَ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم شخص إِذا أعتق عبدا مُشْتَركا بَينه وَبَين آخر فِي الْكَفَّارَة، هَل يجوز أم لَا؟ وَلَكِن لم يذكر فِيهِ حَدِيثا قَالَ الْكرْمَانِي: قَالُوا: إِن البُخَارِيّ ترْجم الْأَبْوَاب بَين تَرْجَمَة وترجمة ليلحق الحَدِيث بهَا، فَلم يجد حَدِيثا بِشَرْطِهِ يُنَاسِبهَا، أَو لم يَفِ عمره بذلك. وَقيل: بل أَشَارَ بِهِ إِلَى أَن مَا نقل فِيهِ من الْأَحَادِيث لَيست بِشَرْطِهِ، وَقَالَ بَعضهم: ثبتَتْ هَذِه التَّرْجَمَة للمستملي وَحده بِغَيْر حَدِيث، فَكَأَن المُصَنّف أَرَادَ أَن يكْتب حَدِيث الْبَاب الَّذِي بعده من وَجه آخر فَلم يتَّفق لَهُ، أَو تردد فِي الترجمتين فاقتصر الْأَكْثَر على التَّرْجَمَة الَّتِي تلِي هَذِه، وَكتب الْمُسْتَمْلِي الترجمتين احْتِيَاطًا. والْحَدِيث الَّذِي فِي الْبَاب الَّذِي يَلِيهِ صَالح لَهما بِضَرْب من التَّأْوِيل. انْتهى.
قلت: هَذَا الَّذِي ذكرَاهُ كُله تخمين وحسبان أما الْوَجْه الأول: مِمَّا قَالَه الْكرْمَانِي فَلَيْسَ بسديد لِأَن الظَّاهِر أَنه كَانَ لَا يكْتب تَرْجَمَة إلاَّ بعد وُقُوفه على حَدِيث يُنَاسِبهَا وَأما الْوَجْه الثَّانِي: فَكَذَلِك وَأما الْوَجْه الثَّالِث: فأبعد من الْوَجْهَيْنِ الْأَوَّلين لِأَن الْإِشَارَة تكون للحاضر، فَكيف يُطلق النَّاظر فِيهَا على أَن هَهُنَا أَحَادِيث لَيست بِشَرْطِهِ؟ وَأما الَّذِي قَالَ بَعضهم: إِن الْمُسْتَمْلِي كتب الترجمتين احْتِيَاطًا فَأَي احْتِيَاط فِيهِ؟ وَمَا وَجه هَذَا الِاحْتِيَاط؟ يَعْنِي: لَو ترك التَّرْجَمَة الَّتِي هِيَ بِلَا حَدِيث لَكَانَ يرتكب إِثْمًا حَتَّى ذكره احْتِيَاطًا؟ وَأما قَوْله: والْحَدِيث الَّذِي فِي الْبَاب الَّذِي يَلِيهِ ... إِلَى آخِره، فَلَيْسَ بموجه أصلا وَلَا صَالح لما ذكره، لِأَن الْوَلَاء لمن أعتق فَالْعَبْد الَّذِي أعْتقهُ لَهُ وَوَلَاؤُهُ أَيْضا لَهُ، فَأَيْنَ الإشتراك بَين الْإِثْنَيْنِ فِي هَذَا غَايَة؟ مَا فِي الْبَاب إِذا أعتق عبدا بَينه وَبَين آخر عَن الْكَفَّارَة فَإِنَّهُ إِن كَانَ مُوسِرًا أَجزَأَهُ وَيضمن لشَرِيكه حِصَّته، وَإِن كَانَ مُعسرا لم يجزه، وَهُوَ قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد وَالشَّافِعِيّ وَأبي ثَوْر، وَعند أبي حنيفَة: لَا يجْزِيه عَن الْكَفَّارَة مُطلقًا، وَالصَّوَاب أَن يُقَال: إِن هَذِه التَّرْجَمَة لَيْسَ لَهَا وضع من البُخَارِيّ، وَلِهَذَا لم تثبت عِنْد غير الْمُسْتَمْلِي من الروَاة، وَمَعَ هَذَا فِي ثُبُوتهَا عِنْده نظر وَالله أعلم بِالصَّوَابِ.
6176 - حدّثنا أبُو النُّعْمانِ أخبرنَا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ عنْ عَمْرو عنْ جابرٍ: أنَّ رَجُلاً مِنَ الأنْصارِ دَبَّرَ مَمْلُوكاً لهُ ولَمْ يَكُنْ لهُ مالٌ غَيْرُهُ، فَبَلَغَ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: (مَنْ يَشْترِيه مِنِّي؟) فاشْتَراهُ نُعَيْمُ النحَّامِ بِثَمانِمائَةِ دِرْهَمٍ، فَسَمِعْتُ جابِرَ بنَ عَبْدِ الله يَقُولُ: عَبْداً قِبْطِيًّا مَاتَ عامَ أوَّلَ.
قَالَ الْكرْمَانِي كَيفَ دلّ الحَدِيث على التَّرْجَمَة؟ ثمَّ قَالَ: إِذا جَازَ بيع الْمُدبر جَازَ إِعْتَاقه، وقاس الْبَاقِي عَلَيْهِ. وَقَالَ بَعضهم: أَشَارَ بالترجمة إِلَى أَنه إِذا جَازَ بَيْعه جَازَ ماذكر مَعَه بطرِيق الأولى.
قلت: كَلَام الْكرْمَانِي لَهُ وَجه مَا لِأَنَّهُ قَالَ: إِذا جَازَ بيع الْمُدبر جَازَ إِعْتَاقه، وَقد علم أَنه مِمَّن يجوز بيع الْمُدبر. وَأما كَلَام هَذَا الْقَائِل فَلَا وَجه لَهُ أصلا لِأَنَّهُ قَالَ: أَشَارَ فِي التَّرْجَمَة إِلَى أَنه إِذا جَازَ بَيْعه. . إِلَى آخِره، فسبحان الله! فِي أَي مَوضِع أَشَارَ فِي التَّرْجَمَة أَنه أجَاز بَيْعه حَتَّى يَبْنِي عَلَيْهِ جَوَاز الْعتْق؟ على أَن كَلَام الْكرْمَانِي أَيْضا لَا يمشي إلاَّ بالتعسف.
وَأَبُو النُّعْمَان مُحَمَّد بن الْفضل السدُوسِي الْبَصْرِيّ يعرف بعارم، وَعَمْرو هُوَ ابْن دِينَار.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْإِكْرَاه عَن أبي النُّعْمَان. وَأخرجه مُسلم فِي الْأَيْمَان وَالنُّذُور عَن أبي الرّبيع.
قَوْله: (أَن رجلا) هُوَ أَبُو مَذْكُور بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة. قَوْله: (دبر مَمْلُوكا لَهُ) اسْمه يَعْقُوب (فَاشْتَرَاهُ نعيم) النحام قَالَ الْكرْمَانِي: فِي بعض النّسخ: نعيم بن النحام، بِزِيَادَة الابْن وَالصَّوَاب عَدمه، ونعيم بِضَم النُّون وَفتح الْعين الْمُهْملَة مصغر النعم والنحام بِفَتْح النُّون وَتَشْديد الْحَاء الْمُهْملَة لقب بِهِ لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: سَمِعت نحمة، نعيم، أَي: سعلته فِي الْجنَّة لَيْلَة الْإِسْرَاء. قَوْله: (عبدا قبطياً) بِكَسْر الْقَاف وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة نِسْبَة إِلَى قبط، وهم أهل مصر. قَوْله: (عَام أول) بِفَتْح اللَّام على الْبناء وَهُوَ من قبيل إِضَافَة الْمَوْصُوف إِلَى الصّفة. والبصريون يَقُولُونَ: إِنَّه مِمَّا يقدر فِيهِ الْمُضَاف نَحْو: عَام الزَّمن الأول.
(بابٌ إِذا أعْتَقَ عَبْداً بَيْنَهُ وبَيْنَ آخَرَ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم شخص إِذا أعتق عبدا مُشْتَركا بَينه وَبَين آخر فِي الْكَفَّارَة، هَل يجوز أم لَا؟ وَلَكِن لم يذكر فِيهِ حَدِيثا قَالَ الْكرْمَانِي: قَالُوا: إِن البُخَارِيّ ترْجم الْأَبْوَاب بَين تَرْجَمَة وترجمة ليلحق الحَدِيث بهَا، فَلم يجد حَدِيثا بِشَرْطِهِ يُنَاسِبهَا، أَو لم يَفِ عمره بذلك. وَقيل: بل أَشَارَ بِهِ إِلَى أَن مَا نقل فِيهِ من الْأَحَادِيث لَيست بِشَرْطِهِ، وَقَالَ بَعضهم: ثبتَتْ هَذِه التَّرْجَمَة للمستملي وَحده بِغَيْر حَدِيث، فَكَأَن المُصَنّف أَرَادَ أَن يكْتب حَدِيث الْبَاب الَّذِي بعده من وَجه آخر فَلم يتَّفق لَهُ، أَو تردد فِي الترجمتين فاقتصر الْأَكْثَر على التَّرْجَمَة الَّتِي تلِي هَذِه، وَكتب الْمُسْتَمْلِي الترجمتين احْتِيَاطًا. والْحَدِيث الَّذِي فِي الْبَاب الَّذِي يَلِيهِ صَالح لَهما بِضَرْب من التَّأْوِيل. انْتهى.
قلت: هَذَا الَّذِي ذكرَاهُ كُله تخمين وحسبان أما الْوَجْه الأول: مِمَّا قَالَه الْكرْمَانِي فَلَيْسَ بسديد لِأَن الظَّاهِر أَنه كَانَ لَا يكْتب تَرْجَمَة إلاَّ بعد وُقُوفه على حَدِيث يُنَاسِبهَا وَأما الْوَجْه الثَّانِي: فَكَذَلِك وَأما الْوَجْه الثَّالِث: فأبعد من الْوَجْهَيْنِ الْأَوَّلين لِأَن الْإِشَارَة تكون للحاضر، فَكيف يُطلق النَّاظر فِيهَا على أَن هَهُنَا أَحَادِيث لَيست بِشَرْطِهِ؟ وَأما الَّذِي قَالَ بَعضهم: إِن الْمُسْتَمْلِي كتب الترجمتين احْتِيَاطًا فَأَي احْتِيَاط فِيهِ؟ وَمَا وَجه هَذَا الِاحْتِيَاط؟ يَعْنِي: لَو ترك التَّرْجَمَة الَّتِي هِيَ بِلَا حَدِيث لَكَانَ يرتكب إِثْمًا حَتَّى ذكره احْتِيَاطًا؟ وَأما قَوْله: والْحَدِيث الَّذِي فِي الْبَاب الَّذِي يَلِيهِ ... إِلَى آخِره، فَلَيْسَ بموجه أصلا وَلَا صَالح لما ذكره، لِأَن الْوَلَاء لمن أعتق فَالْعَبْد الَّذِي أعْتقهُ لَهُ وَوَلَاؤُهُ أَيْضا لَهُ، فَأَيْنَ الإشتراك بَين الْإِثْنَيْنِ فِي هَذَا غَايَة؟ مَا فِي الْبَاب إِذا أعتق عبدا بَينه وَبَين آخر عَن الْكَفَّارَة فَإِنَّهُ إِن كَانَ مُوسِرًا أَجزَأَهُ وَيضمن لشَرِيكه حِصَّته، وَإِن كَانَ مُعسرا لم يجزه، وَهُوَ قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد وَالشَّافِعِيّ وَأبي ثَوْر، وَعند أبي حنيفَة: لَا يجْزِيه عَن الْكَفَّارَة مُطلقًا، وَالصَّوَاب أَن يُقَال: إِن هَذِه التَّرْجَمَة لَيْسَ لَهَا وضع من البُخَارِيّ، وَلِهَذَا لم تثبت عِنْد غير الْمُسْتَمْلِي من الروَاة، وَمَعَ هَذَا فِي ثُبُوتهَا عِنْده نظر وَالله أعلم بِالصَّوَابِ.
8 - (بابٌ إِذا أعْتَقَ فِي الكَفَّارَةِ لِمَنْ يَكُونُ وَلاؤُهُ؟)
أَي: هَذَا بَاب فِيهِ إِذا أعتق شخص فِي الْكَفَّارَة لمن يكون وَلَاؤُه؟ أَي: وَلَاء الْعتْق، وَجَوَاب إِذا مَحْذُوف تَقْدِيره: يَصح عِنْد الْبَعْض فِي صُورَة وَلَا يَصح فِي صُورَة. صورته مَا ذَكرْنَاهُ الْآن، وَهِي عبد مُشْتَرك بَين اثْنَيْنِ فَأعتق أَحدهمَا عَن الْكَفَّارَة فَإِن كَانَ مُوسِرًا يَصح وَيضمن لشَرِيكه حِصَّته وَوَلَاؤُهُ لَهُ، وَإِن كَانَ مُعسرا فَلَا يَصح، وَهنا صُورَة أُخْرَى وَهِي أَن تَقول لرجل: أعتق عَبدك عني لأجل كَفَّارَة عَليّ، فَأعتق عَنهُ أَجزَأَهُ، وَبِه قَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأَبُو ثَوْر: وَإِن أعْتقهُ عَنهُ بأَمْره على غير شَيْء فَفِي قَول الشَّافِعِي: يجزىء وَيكون وَلَاؤُه للْمُعْتق عَنهُ، وَقَالَ أَبُو ثَوْر: يجزىء ذَلِك وَوَلَاؤُهُ للَّذي أعْتقهُ، وَعند أبي حنيفَة: الْوَلَاء للْمُعْتق وَلَا يجزىء ذَلِك.
7176 - حدّثنا سُلَيْمانُ بنُ حَرْبٍ حدّثنا شُعْبَةُ عنِ الحَكَمِ عنْ إبْراهِيمَ عنِ الأسْوَدِ عنْ عائِشَةَ أنَّها أرادَتْ أنْ تَشْتَرِيَ بَرِيرَةَ فاشْتَرَطُوا عَليْها الوَلاءَ، فَذَكَرَتْ ذالِكَ للنبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم(23/222)
فَقَالَ: (اشْتَرِيها، إِنَّمَا الوَلاءُ لِمَنْ أعْتَقَ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (إِنِّي وَالله إِن شَاءَ الله) قيل: إِن قَوْله: إِن شَاءَ الله، لم يَقع فِي أَكثر الطّرق لحَدِيث أبي مُوسَى، وَلَيْسَ كَذَلِك بل هُوَ ثَابت فِي الْأُصُول، وَأَرَادَ البُخَارِيّ بإيراده بَيَان صفة الِاسْتِثْنَاء بِالْمَشِيئَةِ. وَعَن أبي مُوسَى الْمَدِينِيّ إِنَّمَا قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَلِك للتبرك لَا للاستثناء، وَهُوَ خلاف الظَّاهِر.
وَحَمَّاد فِي السَّنَد هُوَ ابْن زيد لِأَن قُتَيْبَة لم يدْرك حَمَّاد بن سَلمَة، وغيلان بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف ابْن جرير بِفَتْح الْجِيم، وَأَبُو بردة بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الرَّاء اسْمه عَامر، وَقيل: الْحَارِث، يروي عَن أَبِيه أبي مُوسَى عبد الله بن قيس الْأَشْعَرِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي النّذر عَن أبي النُّعْمَان مُحَمَّد بن الْفضل، وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (استحمله) أَي: أطلق مِنْهُ مَا يحملنا وأثقالنا. قَوْله: (فَأتي بِإِبِل) كَذَا فِي رِوَايَة(23/223)
الْأَكْثَرين، وَوَقع فِي رِوَايَة الأصليي وَأبي ذَر عَن السَّرخسِيّ وَالْمُسْتَمْلِي: بشائل، بالشين الْمُعْجَمَة والهمزة بعد الْألف، أَي: قطيع من الْإِبِل، وَقَالَ الْخطابِيّ: جَاءَ بِلَفْظ الْوَاحِد وَالْمرَاد بِهِ الْجمع كالسامر، يُقَال: نَاقَة شائل إِذا قل لَبنهَا. وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَفِي بعض الرِّوَايَات: شوائل، وَقَالَ ابْن بطال: فِي رِوَايَة أبي ذَر: بشائل، مَكَان قَوْله: بِإِبِل، وَأَظنهُ بشوائل إِن صحت الرِّوَايَة، وبخط الدمياطي: الشائل بِلَا هَاء النَّاقة الَّتِي تشول بذنبها للقاح وَلَا لبن لَهَا أصلا وَالْجمع شول، مثل رَاكِع وَركع، والشائلة بِالتَّاءِ، هِيَ الَّتِي جف لَبنهَا وارتفع ضرْعهَا وأتى عَلَيْهَا من نتاجها سَبْعَة أشهر أَو ثَمَانِيَة. قَوْله: (بِثَلَاثَة ذود) وَفِي رِوَايَة أبي ذَر بِثَلَاث ذود، وَهُوَ الصَّوَاب لِأَن الذود مؤنث، والذود بِفَتْح الذَّال الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْوَاو وبالدال الْمُهْملَة من الثَّلَاث إِلَى الْعشْرَة، وَقيل: إِلَى السَّبع، وَقيل: من الِاثْنَيْنِ إِلَى التسع من النوق وَلَا وَاحِد لَهُ من لَفظه، وَالْكثير أذواد، وَالْأَكْثَر على أَنه خَاص بالإناث، وَقد يُطلق على الذُّكُور. فَإِن قلت: مضى فِي الْمَغَازِي بِلَفْظ: خمس ذود.
قلت: الْجمع بَينهمَا بِأَنَّهُ يحمل على أَنه أَمر لَهُم أَولا بِثَلَاثَة ثمَّ زادهم اثْنَيْنِ. قَوْله: (فحملنا) بِفَتْح الْمِيم وَاللَّام. قَوْله: (إِنِّي وَالله إِن شَاءَ الله) هَذَا مَوضِع الِاسْتِثْنَاء فِيهِ. قَوْله: (إلاَّ كفرت عَن يَمِيني وأتيت الَّذِي هُوَ خير وكفرت) كَذَا وَقع لفظ: كفرت، مكرراً فِي رِوَايَة السَّرخسِيّ، وَبَقِيَّة الْكَلَام مَضَت فِي النّذر.
9176 - حدّثنا أبُو النُعْمان حدّثنا حَمَّادٌ وَقَالَ: (إلاّ كَفَّرْتُ عنْ يَمِيني وأتَيْتُ الّذِي هُوَ خَيْرٌ، أوْ أتيْتُ الّذِي هُوَ خَيْرٌ وكَفَّرْتُ) .
أَبُو النُّعْمَان هُوَ مُحَمَّد بن الْفضل، وَحَمَّاد هُوَ ابْن زيد، وَأَرَادَ بِذكر طَرِيق أبي النُّعْمَان هَذَا بَيَان التَّخْيِير بَين تَقْدِيم الْكَفَّارَة على الْحِنْث وتأخيرها عَنهُ. وَفِيه الْخلاف، وَقد ذَكرْنَاهُ. وَقَالَ الْكرْمَانِي: أَو هُوَ شكّ من الرَّاوِي.
قلت: كَذَا أخرجه أَبُو دَاوُد عَن سُلَيْمَان بن حَرْب عَن حَمَّاد بن زيد بالترديد أَيْضا.
0276 - حدّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله حدّثنا سُفْيانُ عَنْ هِشام بنِ حُجَيْرٍ عنْ طاوُوس سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ سُلَيْمانُ: لأطُوفنَّ اللَّيْلَةَ عَل تِسْعِينَ امْرأةً كُلٌّ تَلِدُ غُلاماً يُقاتِلُ فِي سَبيلِ الله، فَقَالَ لَهُ صاحِبُهُ، قَالَ سُفْيانُ: يَعْنِي المَلَكَ: قُلْ إنْ شاءَ الله! فَنَسِي فَطافَ بِهِنَّ فَلَمْ تَأْتِ امْرأة منْهُنَّ بِوَلَدٍ إلاّ واحِدَةٌ بِشقِّ غلامٍ، فَقَالَ: أَبُو هُرَيْرَةَ يَرْوِيهِ، قَالَ: لَوْ قَالَ: إنْ شاءَ الله لَمْ يَحْنَثْ، وكانَ دَرَكاً فِي حاجَتِهِ. وَقَالَ مَرة: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَوْ اسْتَثْنَى.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (لَو اسْتثْنى) أَي: لَو قَالَ: إِن شَاءَ الله.
وَعلي بن عبد الله هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَهِشَام بن حُجَيْر بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح الْجِيم وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالراء الْمَكِّيّ، وَقَالَ الْكرْمَانِي: لم يتَقَدَّم ذكره يَعْنِي فِيمَا مضى.
والْحَدِيث مضى بِغَيْر هَذَا الطَّرِيق فِي الْجِهَاد فِي: بَاب من طلب الْوَلَد للْجِهَاد فَإِنَّهُ قَالَ هُنَاكَ. وَقَالَ اللَّيْث: حَدثنِي جَعْفَر بن ربيعَة عَن عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز سَمِعت أَبَا هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: قَالَ سُلَيْمَان بن دَاوُد، عَلَيْهِمَا السَّلَام: لأطوفن اللَّيْلَة على مائَة امْرَأَة أَو تسع وَتِسْعين ... الحَدِيث.
قَوْله: (لأطوفن) اللَّام جَوَاب الْقسم كَأَنَّهُ قَالَ مثلا؛ وَالله لأطوفن، وَالنُّون فِيهِ للتَّأْكِيد، يُقَال طَاف بِهِ يَعْنِي ألم بِهِ وقاربه. قَوْله: (اللَّيْلَة) نصب على الظَّرْفِيَّة. قَوْله: (على تسعين امْرَأَة) وَقَالَ الْكرْمَانِي: قيل: لَيْسَ فِي حَدِيث الصَّحِيح أَكثر اخْتِلَافا فِي الْعدَد من حَدِيث سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام، فِيهِ: مائَة وَتِسْعَة وَتسْعُونَ وَسِتُّونَ، وَلَا مُنَافَاة إِذْ لَا اعْتِبَار لمَفْهُوم الْعدَد. قَوْله: (كل تَلد) أَي: كل وَاحِدَة مِنْهُنَّ تَلد غُلَاما. قَوْله: (بشق غُلَام) بِكَسْر الشين الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْقَاف أَي: نصف غُلَام، وَقَالَ الْكرْمَانِي: الْحِنْث مَعْصِيّة، كَيفَ يجوز على سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام؟ ثمَّ قَالَ: لم يكن بِاخْتِيَارِهِ، أَو هُوَ صَغِيرَة مَعْفُو عَنْهَا.
قلت: فِيهِ نظر لَا يخفى، لِأَنَّهُ حمل الْحِنْث على مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيّ وَلَيْسَ كَذَلِك، بل مَعْنَاهُ هُنَا عدم وُقُوع مَا أَرَادَ، وَفِيه نِسْبَة وُقُوع الصَّغِيرَة من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَفِيه مَا فِيهِ، وَأول الحَدِيث مَوْقُوف(23/224)
على أبي هُرَيْرَة، وَلكنه رَفعه بقوله: يرويهِ، قَالَ: لَو قَالَ: إِن شَاءَ الله، لم يَحْنَث لِأَن قَوْله: يرويهِ، كِنَايَة عَن رفع الحَدِيث، وَهُوَ كَمَا لَو قَالَ مثلا: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقد وَقع فِي رِوَايَة الْحميدِي التَّصْرِيح بذلك، وَلَفظه: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ... وَكَذَا أخرجه مُسلم عَن ابْن أبي عمر عَن سُفْيَان.
قَوْله: (لم يَحْنَث) بالثاء الْمُثَلَّثَة المُرَاد بِعَدَمِ الْحِنْث عدم وُقُوع ماأراد، وَقَالَ الْكرْمَانِي: ويروي: لم يخب، بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة من الخيبة وَهِي الحرمان. قَوْله: (وَكَانَ دركاً) بِفَتْح الرَّاء وسكونها. أَي: إدراكاً أَو لحَاقًا أَو بُلُوغ أمل فِي حَاجته. قَوْله: (وَقَالَ مرّة) أَي: قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَو اسْتثْنى مَعْنَاهُ أَيْضا، لَو قَالَ: إِن شَاءَ الله، وَلَكِن قَالَ مرّة: لَو قَالَ: إِن شَاءَ الله، وَمرَّة أُخْرَى قَالَ: لَو اسْتثْنى، فاللفظ مُخْتَلف وَالْمعْنَى وَاحِد. وَجَوَاب: لَو، مَحْذُوف أَي: لَو اسْتثْنى لم يَحْنَث، وَقَالَ ابْن التِّين: لَيْسَ الِاسْتِثْنَاء فِي قصَّة سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام، الَّذِي يرفع حكم الْيَمين وَيحل عقده، وَإِنَّمَا هُوَ بِمَعْنى الْإِقْرَار لله بِالْمَشِيئَةِ وَالتَّسْلِيم لحكمه، فَهُوَ نَحْو قَوْله: {وَلَا تقولن لشَيْء إِنِّي فَاعل ذَلِك غَدا إِلَّا أَن يَشَاء الله} (الْكَهْف: 32) وَإِنَّمَا يرفع حكم الْيَمين إِذا نوى بِهِ الِاسْتِثْنَاء فِي الْيَمين.
وحدّثنا أبُو الزِّنادِ عنِ الأعْرَجِ مِثْلَ حَدِيثٍ أبي هُرَيْرَةَ
الْقَائِل بقوله: وَحدثنَا، هُوَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة، وَقد أفْصح بِهِ مُسلم فِي رِوَايَته، وَهُوَ مَوْصُول بالسند الأول. وَأَبُو الزِّنَاد بالزاي وَالنُّون عبد الله بن ذكْوَان، والأعرج هُوَ عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز. قَوْله: (مثل حَدِيث أبي هُرَيْرَة) أَي: مثل الَّذِي سَاقه من طَرِيق طَاوُوس عَن أبي هُرَيْرَة، وَأَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَن لِسُفْيَان فِيهِ سندان إِلَى أبي هُرَيْرَة: هِشَام عَن طَاوس، وَأَبُو الزِّنَاد عَن الْأَعْرَج.
01 - (بابُ الكَفَّارَة قَبْلَ الحِنْثِ وبَعْدَهُ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان جَوَاز الْكَفَّارَة قبل الْحِنْث وَبعده وَاخْتلف الْعلمَاء فِي جَوَاز الْكَفَّارَة قبل الْحِنْث، فَقَالَ ربيعَة وَمَالك وَالثَّوْري وَاللَّيْث وَالْأَوْزَاعِيّ: تجزىء قبل الْحِنْث، وَبِه قَالَ أَحْمد وَإِسْحَاق وَأَبُو ثَوْر، وَرُوِيَ مثله عَن ابْن عَبَّاس وَعَائِشَة وَابْن عمر، وَقَالَ الشَّافِعِي: يجوز تَقْدِيم الرَّقَبَة وَالْكِسْوَة وَالطَّعَام قبل الْحِنْث، وَلَا يجوز تَقْدِيم الصَّوْم. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه: لَا تجزىء الْكَفَّارَة قبل الْحِنْث. وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح: لَا سلف لأبي حنيفَة فِيهِ، وَاحْتج لَهُ الطَّحَاوِيّ بقوله تَعَالَى: {ذَلِك كَفَّارَة أَيْمَانكُم إِذا حلفتم} (الْمَائِدَة: 98) وَالْمرَاد إِذا حلفتم وحنثتم.
قلت: أَبُو حنيفَة مَا انْفَرد بِهَذَا، وَقَالَ بِهِ أَيْضا أَشهب من الْمَالِكِيَّة، وَدَاوُد الظَّاهِرِيّ وَصَاحب (التَّوْضِيح) : مَا يَقُول فِيمَا ذهب إِلَيْهِ الشَّافِعِي وَهُوَ أَن الْكَفَّارَة اسْم لجَمِيع أَنْوَاعهَا فَبعد الْحِنْث حمل اللَّفْظ على جَمِيعهَا، وَقبل الْحِنْث خصص اللَّفْظ بِبَعْضِهَا، فَترك الظَّاهِر من ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا تَسْمِيَتهَا كَفَّارَة وَلَيْسَ هُنَاكَ مَا يكفر. وَالثَّانِي: صرف الْأَمر عَن الْوُجُوب إِلَى الْجَوَاز. وَالثَّالِث: تَخْصِيص الْكَفَّارَة بِبَعْض الْأَنْوَاع.
1276 - حدّثنا عَلِيُّ بنُ حُجْرٍ حدّثنا إسْماعِيلُ بنُ إبْراهِيمَ عنْ أيُّوبَ عنِ القاسِمِ التَّمِيمِيِّ عنْ زَهْدَمٍ الجَرْمِيِّ قَالَ: كنَّا عِنْدَ أبي مُوسى وَكَانَ بَيْننا وبَيْنَ هاذا الحَيِّ مِنْ جَرْمٍ إخَاءٌ ومَعْرُوفٌ، وَقَالَ: فَقُدِّمَ طَعَام، قَالَ: وقُدِّمَ فِي طَعامِهِ لَحْمُ دَجاجٍ، قَالَ: وَفِي القَوْمِ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَيْمِ الله أحْمَرُ كأنَّهُ مَوْلًى، قَالَ: فَلَمْ يَدْنُ، فَقَالَ لهُ أبُو مُوسى: ادْنُ فإنِّي قَدْ رَأيْتُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يأكُلُ مِنْهُ، قَالَ: إنِّي رَأيْتُهُ يَأْكلُ شَيْئاً قَذِرَتُهُ فَحَلَفْتُ أنْ لَا أطْعَمَهُ أبدا، فَقَالَ: أدْنُ أُخْبِرْكَ عنْ ذالِكَ: أتَيْنا رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي رَهْطٍ مِنَ الأشْعَرِيِّينَ أسْتَحْملُهُ وهْوَ يَقْسِمُ نَعَماً مِنْ نَعَمِ الصَّدَقةِ قَالَ أيُّوبُ أحْسِبُهُ قَالَ: وهْوَ غَضْباُ قَالَ: (وَالله لَا أحْمِلُكُمْ وَمَا عِنْدِي(23/225)
مَا أحْمِلُكُمْ) قَالَ: فانَطَلْقَنا، فأُتِيَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِنَهْبٍ إبِلٍ، فَقِيلَ: أيْنَ هاؤلاءِ الأشْعَرِيُّونَ؟ أيْنَ هاؤُلاءِ الأشْعَرِيُّونَ؟ فأتَينا فأمَرَ لَنا بِخَمْسِ ذَوْدٍ غُرِّ الذُّرى، قَالَ: فانْدَفَعْنا، فَقُلْتُ لأصْحابي: أتَيْنا رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَسْتَحْمِلُهُ فَحَلَفَ أنْ لَا يَحْمِلَنا، ثُمَّ أرْسَلَ إلَيْنا فَحَمَلَنا، نَسِيَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَمِينَهُ، وَالله لَئِنْ تَغَفَّلْنا رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَمِينَهُ لاَ نُفْلِحُ أبَداً، ارْجِعُوا بِنا إِلَى رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلْنُذَكَرْهُ يَمِينَهُ، فَرَجَعْنا فَقُلْنا: يَا رسولَ الله {أتَيْناكَ نَسْتَحْمِلُكَ فَحَلَفَتَ أنْ لَا تَحْمِلَنا، ثُمَّ حَمَلْتَنا فَظَنَنَّا أوْ فعَرَفْنا أنّكَ نَسِيتَ يَمِينَك. قَالَ: (انْطِلقوا} فإنَّما حَمَلَكُمُ الله! إنِّي وَالله إنْ شاءَ الله لَا أحْلِفُ عَلى يَمِينِ فأرَى غَيْرَها خَيْراً مِنْها إلاّ أتَيْتَ الّذِي هُوَ خَيْرٌ وتَحَلّلْتُها) .
هَذَا الحَدِيث لَا يدل إلاَّ على أَن الْكَفَّارَة بعد الْحِنْث، فحينئذٍ لَا تكون الْمُطَابقَة بَينه وَبَين التَّرْجَمَة إلاَّ فِي قَوْله: (وَبعده) أَي: وَبعد الْحِنْث، وَكَذَلِكَ الحَدِيث الآخر الَّذِي يَأْتِي فِي هَذَا الْبَاب لَا يدل إلاَّ على أَن الْكَفَّارَة بعد الْحِنْث، وَلم يذكر شَيْئا فِي هَذَا الْبَاب يدل على أَن الْكَفَّارَة قبل الْحِنْث أَيْضا، فَكَأَنَّهُ اكْتفى بِمَا ذكره قبل هَذَا الْبَاب عَن أبي النُّعْمَان عَن حَمَّاد.
وَهَذَا الحَدِيث قد مر فِي مَوَاضِع كَثِيرَة فِي فرض الْخمس عَن عبد الله بن عبد الْوَهَّاب وَفِي الْمَغَازِي عَن أبي نعيم وَفِي الذَّبَائِح عَن أبي معمر وَعَن يحيى عَن وَكِيع وَفِي النذور عَن أبي معمر وَعَن قُتَيْبَة، وَسَيَأْتِي فِي التَّوْحِيد عَن عبد الله بن عبد الْوَهَّاب، وَمضى أَكثر الْكَلَام فِي شَرحه فِي: بَاب لَا تحلفُوا بِآبَائِكُمْ.
وَعلي بن حجر بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْجِيم وبالراء السَّعْدِيّ مَاتَ سنة أَربع وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ، وَإِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم هُوَ ابْن علية اسْم أمه، وَأَيوب هُوَ السّخْتِيَانِيّ، وَالقَاسِم بن عَاصِم التَّمِيمِي، وزهدم بِفَتْح الزَّاي وَسُكُون الْهَاء وَفتح الدَّال الْمُهْملَة الْجرْمِي بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الرَّاء، وَأَبُو مُوسَى هُوَ عبد الله بن قيس الْأَشْعَرِيّ.
قَوْله: (وَكَانَ بَيْننَا وَبَين هَذَا الْحَيّ) إِلَى قَوْله: (أَتَيْنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) من كَلَام زَهْدَم مَعَ تخَلّل بعض القَوْل عَن أبي مُوسَى رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، لَا يخفى على النَّاظر المتأمل ذَلِك، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: وَكَانَ بَيْننَا وَبينهمْ هَذَا الْحَيّ. . قَالَ الْكرْمَانِي: الظَّاهِر أَن يُقَال: بَينه، يَعْنِي: أَبَا مُوسَى، كَمَا تقدم: فِي: بَاب لَا تحلفُوا بِآبَائِكُمْ، حَيْثُ قَالَ: كَانَ بَين هَذَا الْحَيّ من جرم وَبَين الْأَشْعَرِيين ... ثمَّ قَالَ: لَعَلَّه جعل نَفسه من أَتبَاع أبي مُوسَى كواحد من الأشاعرة؟ وَأَرَادَ بقوله: بَيْننَا، أَبَا مُوسَى وَأَتْبَاعه الْحَقِيقَة والأدعائية. قَوْله: (إخاء) بِكَسْر الْهمزَة وبالخاء الْمُعْجَمَة وبالمد أَي: صداقة. قَوْله: (ومعروف) أَي: إِحْسَان وبر. قَوْله: (فَقدم طَعَام) هَكَذَا فِي رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: فَقدم طَعَامه، أَي: وضع بَين يَدَيْهِ. قَوْله: (رجل من بني تيم الله) هواسم قَبيلَة يُقَال لَهُم أَيْضا تيم اللات، وهم من قصاعة. قَوْله: (أَحْمَر) صفة رجل أَي: لم يكن من الْعَرَب الخلص. قَوْله: (كَأَنَّهُ مولى) قد تقدم فِي فرض الْخمس: كَأَنَّهُ من الموَالِي. قَوْله: (فَلم يدن) أَي: فَلم يقرب إِلَى الطَّعَام. قَوْله: (أدن) ، بِضَم الْهمزَة وَسُكُون الدَّال أَمر من دنا يدنو. قَوْله: (قذرته) بِكَسْر الذَّال الْمُعْجَمَة وَفتحهَا أَي: كرهته لِأَنَّهُ كَانَ من الْجَلالَة. قَوْله: (أخْبرك) مجزوم لِأَنَّهُ جَوَاب الْأَمر. قَوْله: (عَن ذَلِك) أَي: عَن الطَّرِيق فِي حل الْيَمين. قَوْله: (استحمله) أَي: أطلب مِنْهُ مَا نركبه. قَوْله: (نعما) بِفَتْح النُّون وَالْعين الْمُهْملَة. قَوْله: (قَالَ أَيُّوب) هُوَ السّخْتِيَانِيّ أحد الروَاة. قَوْله: (وَالله لَا أحملكم) قَالَ الْقُرْطُبِيّ: فِيهِ جَوَاز الْيَمين عِنْد الْمَنْع ورد السَّائِل الْمُلْحِف. قَوْله: (بِنَهْب) بِفَتْح النُّون وَسُكُون الْهَاء بعْدهَا بَاء مُوَحدَة، وَأَرَادَ بِهِ الْغَنِيمَة. قَوْله: (بِخمْس ذود) قد مر تَفْسِيره عَن قريب وَقد مر فِي الْمَغَازِي: بِسِتَّة أَبْعِرَة، وَلَا مُنَافَاة إِذْ ذكر الْقَلِيل لَا يَنْفِي الْكثير. قَوْله: (غر الذرى) أَي: بيض الأسنمة، والغر بِضَم الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الرَّاء جمع أغر. أَي: أَبيض، والذرى بِضَم الذَّال الْمُعْجَمَة وَفتح الرَّاء المخففة جمع ذرْوَة، وذروة الشَّيْء أَعْلَاهُ. وَأَرَادَ بهَا السنام. قَوْله: (فاندفعنا) أَي: سرنا مُسْرِعين، وَالدَّفْع السّير بِسُرْعَة. قَوْله: (وَالله لَئِن تغفلنا) أَي: لَئِن طلبنا غفلته فِي يَمِينه(23/226)
من غير أَن نذكرهُ (لَا نفلح أبدا) وَفِي رِوَايَة عبد الْوَهَّاب وَعبد السَّلَام: فَلَمَّا قبضناها قُلْنَا: تغفلنا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لَا نفلح أبدا، وَفِي رِوَايَة حَمَّاد: فَلَمَّا انطلقنا قُلْنَا: مَا صنعنَا؟ لَا يُبَارك لنا. وَلم يذكر النسْيَان. وَفِي رِوَايَة غيلَان: لَا يُبَارك الله لنا، وخلت رِوَايَة يزِيد عَن هَذِه الزِّيَادَة كَمَا خلت عَمَّا بعْدهَا إِلَى آخر الحَدِيث. قَوْله: (فلنذكره) من الإذكار أَو من التَّذْكِير، أَي: فلنذكر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَمِينه. قَوْله: (أَو فَعرفنَا) شكّ من الرَّاوِي. قَوْله: (أَحْلف على يَمِين) أَي: محلوف يَمِين، فَأطلق عَلَيْهِ لفظ يَمِين للملابسة. وَقَالَ ابْن الْأَثِير: أطلق الْيَمين فَقَالَ: أَحْلف أَي: أعقد شَيْئا بالعزم وَالنِّيَّة. وَقَوله: (على يَمِين) تَأْكِيد لعقده وإعلام بِأَنَّهُ لَيْسَ لَغوا. قَوْله: (غَيرهَا) يرجع الضَّمِير للْيَمِين الْمَقْصُود مِنْهَا الْمَحْلُوف عَلَيْهِ مثل الْخصْلَة المفعولة أَو المتروكة، إِذْ لَا معنى لإِطْلَاق إلاَّ أَحْلف على الْحلف. قَوْله: (وتحللتها) أَي: كفرتها.
وَفِيه: حجَّة للحنفية، قَالَ الْكرْمَانِي: الْحِنْث مَعْصِيّة، ثمَّ قَالَ: لَا خلاف فِي أَنه إِذا أَتَى بِمَا هُوَ خير من الْمَحْلُوف عَلَيْهِ لَا يكون مَعْصِيّة.
تابَعَهُ حَمادُ بنُ زَيْدٍ عنْ أيُّوبَ عنْ أبي قِلاَبَةَ والقاسِمِ بنِ عاصِمٍ الْكُلَيْبِيِّ
أَي: تَابع إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم الَّذِي يُقَال لَهُ ابْن علية حَمَّاد بن زيد، وَهُوَ مَرْفُوع بالفاعلية فِي رِوَايَته، عَن أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ عَن أبي قلَابَة بِكَسْر الْقَاف عبد الله بن زيد الْجرْمِي، وَالقَاسِم بن عَاصِم، وَالقَاسِم مجرور لِأَنَّهُ عطف على أبي قلَابَة، يَعْنِي أَن أَيُّوب روى عَنْهُمَا جَمِيعًا، والكلبي بِضَم الْكَاف وَفتح اللَّام وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالباء الْمُوَحدَة: نِسْبَة إِلَى كُلَيْب بن حبشية فِي خُزَاعَة، وَإِلَى كُلَيْب بن وَائِل فِي تغلب، وَإِلَى كُلَيْب بن يَرْبُوع فِي تَمِيم، وَإِلَى كُلَيْب بن ربيعَة فِي نخع، وَقَالَ الْكرْمَانِي: هَذَا يحْتَمل التَّعْلِيق، وَقَالَ بَعضهم: كَلَامه هَذَا يسْتَلْزم عدم التَّعْلِيق، وَلَيْسَ كَذَلِك، بل هُوَ فِي حكم التَّعْلِيق.
قلت: لَا يحْتَاج إِلَى هَذَا الْكَلَام، بل هَذِه مُتَابعَة وَقعت فِي الرِّوَايَة عَن الْقَاسِم، وَلَكِن حماداً ضم إِلَيْهِ أَبَا قلَابَة.
حدّثنا قُتَيْبَةَ حَدثنَا عَبْدُ الوَهَّابِ عنْ أيُّوبَ عنْ أبي قِلاَبَةَ، والقاسِمِ التَّمِيميِّ عنْ زَهْدَمِ بِهَذا.
هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور. أخرجه عَن قُتَيْبَة بن سعيد عَن عبد الْوَهَّاب بن عبد الْمجِيد الثَّقَفِيّ عَن أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ ... الخ، وَقد مر هَذَا فِي: بَاب لَا تحلفُوا بِآبَائِكُمْ، وَسَيَجِيءُ أَيْضا فِي كتاب التَّوْحِيد عَن عبد الله بن عبد الْوَهَّاب. قَوْله: (بِهَذَا) أَي: بِجَمِيعِ الحَدِيث.
حدّثنا أبُو مَعْمَرٍ حدّثنا عَبْدُ الوَارِثِ حَدثنَا أيُّوبُ عنِ القاسِمِ عنْ زَهْدَمٍ بِهَذَا.
هَذَا طَرِيق آخر أخرجه عَن أبي معمر، بِفَتْح الميمين عبد الله بن عَمْرو بن أبي الْحجَّاج التَّمِيمِي المقعد الْبَصْرِيّ عَن عبد الْوَارِث بن سعيد رِوَايَته عَن أَيُّوب إِلَى آخِره ... وَقد مضى هَذَا فِي كتاب الذَّبَائِح، وَقَالَ الْكرْمَانِي: لم قَالَ أَولا تَابعه، وَثَانِيا وثالثاً: حَدثنَا؟ ثمَّ أجَاب بِأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى أَن الْأَخيرينِ حَدَّثَاهُ بالاستقلال وَالْأول مَعَ غَيره بِأَن قَالَ هُوَ كَذَلِك أَو صَدَقَة أَو نَحوه قلت قَالَ بَعضهم لم يظْهر لي معنى قَوْله مَعَ غَيره قلت مَعْنَاهُ أَنه سمع غَيره يذكر هَذَا الحَدِيث، وَصدقه هُوَ، أَو قَالَ هُوَ كَذَلِك بِخِلَاف قَوْله: حَدثنَا فِي الْمَوْضِعَيْنِ لِأَنَّهُ سَمعه فيهمَا اسْتِقْلَالا بِنَفسِهِ، وَفِي نفس الْأَمر هَذَا كُله كَلَام حَشْو لِأَن الأول مُتَابعَة ظَاهرا والأخيرين تحديثه: إيَّاهُمَا ظَاهرا.
2276 - حدّثني مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الله حدّثنا عُثْمانُ بنُ عُمَرَ بنِ فارِسٍ أخبرنَا ابنُ عَوْنٍ عنِ الحَسَنِ عنْ عَبْدِ الرَّحْمانِ بنِ سَمُرَةَ قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَا تَسْألِ الإمارَةَ فَإِن إنْ أُعْطِيتَها عَنْ غَيْرِ مَسألَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْها، وإنْ أعْطِيتَها عنْ مَسألَة وُكِلْتَ إلَيْها، وإذَا حَلَفْتَ عَلى يَمِينٍ فَرَأيْتُ غَيْرها خَيْراً مِنْها فأْت الّذِي هُوَ خَيْرٌ وَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ) .
قد ذكرنَا على رَأس الحَدِيث السَّابِق أَن هَذَا أَيْضا يُطَابق من التَّرْجَمَة قَوْله: (أَو بعده) أَي: بعد الْحِنْث.
وَمُحَمّد بن عبد الله(23/227)